عمده الاصول(آیة الله السیّد محسن الخرازی) المجلد 5

اشارة

سرشناسه:خرازی، سیدمحسن، 1315 -

عنوان و نام پدیدآور:عمده الاصول/ تالیف محسن الخرازی؛ تصحیح علی رضا الجعفری

مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1415ق.= -1376

مشخصات ظاهری:7ج.

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1422ق. = 1380).

یادداشت:ج. 5 (چاپ اول: 1427ق. = 1385).

یادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1430ق. = 1388).

یادداشت:کتابنامه

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:جعفری، علیرضا، مصحح

رده بندی کنگره:BP159/8/خ 4ع 8 1376

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:م 78-2994

ص :1

اشارة

ص :2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص :3

عمده الاصول

ص :4

ص :5

تالیف محسن الخرازی

تصحیح علی رضا الجعفری

ص :6

ص :7

ص :8

تتمة المقصد السادس فی الامارات و الحجج المعتبرة شرعا او عقلا

الباب الثّانی:فی الظنّ

الفصل الخامس: فی الأمارات التی ثبتت حجّیتها بالأدلّة أو قیل بثبوتها

اشارة

فی الأمارات التی ثبتت حجّیتها بالأدلّة أو قیل بثبوتها

و اعلم أنّ مقتضی الأصل هو عدم طریقیّة الظن و عدم حجیّته و حرمة اسناده الی المولی و التعبد به و لکن یخرج عن هذا الأصل ظنون من جهة قیام الأدلة علی حجیتها و هی:

1-الظّهورات اللفظیّة
اشارة

و لا یخفی أنّ الظّهورات الکلامیّة المرادة حجّة عند العقلاء،و لذا یحکمون بوجوب اتّباعها فی تعیین مراداتهم،و یحتج بها کل متکلم و سامع علی الآخر فإذا کان شیء مستفادا من الکلام أخذ به المتکلم و جعله حجة علی مراده و تمسک به السامع و جعله حجّة علی مراد المتکلم.

و هذا هو معنی الحجّة،فالظهورات حجّة المتکلم و حجّة السامع عند العقلاء

و استقر بناؤهم علی العمل بها فی جمیع مخاطباتهم من الدعاوی و الأقاریر و الوصایا و الشهادات و المکاتبات و الإنشاءات و الإخبارات و غیرها.و لا اشکال و لا خلاف فی ذلک،نعم سیأتی الخلاف فی اعتبار بعض القیود و عدمه فی الحجیّة ان شاء اللّه تعالی.

ثم إنّ طریقة الشارع فی إفادة مراداته لیست مغایرة لطریقة العقلاء فی محاوراتهم؛لأنّ الشارع لم یخترع طریقة أخری،بل کان یتکلم مع الناس بلسانهم و طریقتهم و هذا

ص:9

واضح لا سترة فیه،و یشهد له إرجاعات الشارع إلی الظهورات و الاحتجاجات بها،قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:و من المعلوم بدیهة أنّ طریق محاورات الشارع فی تفهیم مقاصده للمخاطبین لم یکن طریقا مخترعا مغایرا لطریق محاورات أهل اللسان فی تفهیم مقاصدهم. (1)

ثم إنّ الظهورات الکلامیة تتحقق من ظهور المفردات و الهیئات الترکیبة فی معانیها سواء کان ذلک بالوضع أو بالقرائن المتصلة المذکورة فی الکلام أو بالقرائن الحالیة المقرونة مع الکلام،فکلّ مورد یعلم ذلک فلا کلام.

و لو شک فی أنّ کلمة مستعملة فی معناها الوضعی أم لا فمقتضی أصالة الحقیقة هو استعمالها فیه،فیتحقق الظهور فی المعنی الموضوع له بأصالة الحقیقة.و لو شک فی وجود القرینة علی خلافه و عدمه،فمقتضی أصالة عدم القرینة هو العدم،فهنا یتحقق الظهور فی المعنی الموضوع بأصالة عدم وجود القرینة علی إرادة الخلاف.

و لو شک فی حدود المعانی المفردة و المرکبة من تخصیصها أو تقییدها فمقتضی أصالة العموم أو الاطلاق أو أصالة عدم التخصیص و التقیید هو العموم و الاطلاق فیتحقق الظهور فی العموم و الاطلاق بتلک الاصول.

و لو احتمل الخطأ و الاشتباه و السهو و النسیان فمقتضی أصالة عدم هذه الامور هو تحقق الظهور.

و لکن بعد وجود هذه الظهورات سواء حصلت بالقرائن أو الاصول المذکورة و کونها مرادة بالإرادة الاستعمالیة یقع السؤال عن کونها مرادة بالإرادة الجدّیة و عدمه؟و مقتضی أصالة تطابق الإرادة الاستعمالیة مع الإرادة الجدّیة هی إرادتها جدا،و هی أصل عقلائی یعتمد علیه العقلاء فی محاوراتهم.

فتحصّل:أنّ أصالة الحقیقة و أصالة عدم القرینة و أصالة الإطلاق و العموم و أصالة

ص:10


1- 1) فرائد الاصول:36.

عدم السهو و النسیان و الخطأ و الاشتباه کلها من محققات الظهورات فی الموارد المشکوکة.و هذه الظهورات الحاصلة بالاصول المذکورة أو الظهورات الحاصلة بالقرائن بضمیمة أصالة التطابق تکون مرادة بالإرادة الجدّیة و حجّة؛إذا العقلاء بنوا علی العمل بالظهورات المرادة بالإرادة الجدّیة و الاحتجاج بها.و هذا هو معنی حجیة الظهورات الکلامیة المرادة.

و مما ذکرنا یظهر أنّ إسناد الحجیة إلی أصالة الحقیقة أو أصالة عدم القرینة أو أصالة عدم الکذب أو أصالة عدم التخصیص أو أصالة عدم التقیید أو أصالة عدم السهو و النسیان و الاشتباه و الخطأ أو أصالة تطابق الإرادة الاستعمالیة مع الإرادة الجدّیة مسامحة؛لأنّ هذه الاصول من محقّقات الظهورات المرادة،و موضوع الحجة هو الظهورات المحقّقة المرادة سواء کانت حاصلة بالاصول المذکورة أو بقیام القرائن المتصلة أو المنفصلة،فما هو الحجّة هو الظهورات المذکورة نعم مبانی تلک الظهورات هی القرائن أو الاصول المذکورة.اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ بعض الاصول المذکورة لا یفید الظن و الظهور کأصالة عدم التخصیص لأنّ ما من عام إلاّ و قد خصّ فالحجیّة فی مثله تکون راجعة إلی حجیّة بناء العقلاء علی عدم التخصیص فلا تغفل،ثم لا یخفی أنّه لا تختص الحجیّة بالمعانی الحقیقیة،بل المعانی المجازیّة التی تدلّ علیها الکلام بالقرائن أیضا حجّة،کما لا یخفی.

ثم لا یخفی علیک أنّه لا فرق فی حجیّة الظهورات الکلامیة بین من قصد إفهامه و غیره ما لم یقم قرینة علی اختصاص الحکم بمن قصد إفهامه.

و هکذا لا فرق فی حجیّة الظهورات الکلامیة بین أن یحصل الظن الشخصی بالوفاق و بین أن لا یحصل ذلک أو یحصل الظن الشخصی بالخلاف ما دام الکلام أفاد ظنا نوعیا؛و ذلک لوجود بناء العقلاء علی حجّیة الظهورات الکلامیة من دون فرق بین الموارد المذکورة.

و ایضا لا تفاوت فی حجیّة الظهورات الکلامیة بین أن تکون من المحاورات العرفیة أو النصوص الشرعیّة.

کما لا فرق فی النصوص الشرعیّة بین أن تکون من الروایات أو القرآن الکریم؛لما عرفت

ص:11

من أنّ الشارع اکتفی فی إفادة مراداته بما اکتفی العقلاء به من الظهورات الکلامیة و لم یخترع طریقا آخر.

و لکن مع ذلک و قد وقع الخلاف فی بعض الامور المذکورة،فالأولی أن نذکر کلماتهم و الجواب عنها و نقول بعون اللّه و توفیقه یقع الکلام فی امور:

الأمر الأوّل:

أنّ المحکی عن المحقق القمی قدّس سرّه هو اختصاص حجیّة الظهورات الکلامیة بمن قصد

إفهامه،

و هذه الظهورات علی قسمین:

أحدهما الخطابات الشفاهیة الّتی کان المقصود منها إفهام المخاطبین بها.

و ثانیهما الکتب المصنّفة لرجوع کل ناظر.

و أمّا غیرهما من الروایات الواردة فی مقام الجواب عن الأسئلة و الکتاب العزیز بناء علی أنّه خطاب للنبی و الائمة علیهم السّلام فلیس علی حجیّته دلیل إلاّ دلیل الانسداد و ذلک للفرق بین من قصد إفهامه بالکلام فالظواهر حجّة بالنسبة إلیه من باب الظن الخاص سواء کان مخاطبا کما فی الخطابات الشفاهیة أم لا کما فی الناظر فی الکتب المصنّفة لرجوع کل من ینظر إلیها و بین من لم یقصد إفهامه بالخطاب کأمثالنا بالنسبة إلی أخبار الائمة الصادرة عنهم فی مقام الجواب عن سؤال السائلین و بالنسبة إلی الکتاب العزیز بناء علی عدم کون خطاباته موجهة إلینا و عدم کونه من باب التألیف للمصنفین،فالظهور اللفظی لیس حجة لنا إلاّ من باب الظن المطلق الثابت حجیّته عند انسداد باب العلم.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:فی تقریب کلام المحقق القمی قدّس سرّه:و بالجملة فظواهر الألفاظ حجّة بمعنی عدم الاعتناء باحتمال إرادة خلافها إذا کان منشأ ذلک الاحتمال غفلة المتکلم فی کیفیة الإفادة أو المخاطب فی کیفیة الاستفادة؛لأنّ احتمال الغفلة مما هو مرجوح فی نفسه و متفق علی عدم الاعتناء به فی جمیع الامور دون ما کان الاحتمال مسببا عن اختفاء امور لم یجر العادة القطعیة أو الظنیة بأنّها لو کانت لوصلت إلینا.

ص:12

و من هنا ظهر أنّ ما ذکرنا سابقا من اتفاق العقلاء و العلماء علی العمل بظواهر الکلام فی الدعاوی و الأقاریر و الشهادات و الوصایا و المکاتبات لا ینفع فی ردّ هذا التفصیل،إلاّ أن یثبت کون أصالة عدم القرینة حجة من باب التعبد،و دون إثباتها خرط القتاد.

و دعوی:أنّ الغالب اتصال القرائن،فاحتمال اعتماد المتکلم علی القرینة المنفصلة مرجوح لندرته.

مردودة:بأنّ من المشاهد المحسوس تطرق التقیید و التخصیص إلی أکثر العمومات و الإطلاقات مع عدم وجوده فی الکلام،و لیس إلاّ لکون الاعتماد فی ذلک کله علی القرائن المنفصلة سواء کانت منفصلة عند الاعتماد کالقرائن العقلیة و النقلیة الخارجیة أم کانت مقالیة متصلة لکن عرض لها الانفصال بعد ذلک لعروض التقطیع للأخبار و حصول التفاوت من جهة النقل بالمعنی أو غیر ذلک فجمیع ذلک مما لا یحصل الظن بأنّها لو کانت لوصلت الینا،مع إمکان أن یقال:إنّه لو حصل الظن لم یکن علی اعتباره دلیل خاص،نعم الظن الحاصل فی مقابل احتمال الغفلة الحاصلة للمخاطب أو المتکلم مما أطبق علیه العقلاء فی جمیع أقوالهم و أفعالهم. (1)

و الحاصل:أنّ المحقق القمی قدّس سرّه ادعی أمرین:أحدهما أنّ الأخبار الدالة علی الأسئلة و الأجوبة الواصلة إلینا عن النبی صلّی اللّه علیه و آله و الأئمة الأطهار علیهم السّلام و هکذا الکتاب العزیز لیست کالکتب المؤلفة و إلاّ فکنّا من المقصودین بالإفهام،

و ثانیهما عدم جریان الاصول العقلائیة فی الظواهر بالنسبة إلی غیر من قصد إفهامه لاختصاص تلک الاصول بأمور جرت العادة بأنّها لو کانت لوصلت إلینا دون غیرها مما لم یکن کذلک.و علیه فلا دلیل علی عدم الاعتناء باحتمال إرادة الخلاف إذا کان الاحتمال المذکور مسببا عن اختفاء امور لم تصل إلینا؛لعدم بناء من العقلاء علی جریان أصالة عدم القرینة فی مثل ذلک،و لعدم ورود دلیل شرعی علیه.

ص:13


1- 1) فرائد الاصول:41-42.
و الجواب عنه واضح:

أمّا أوّلا:فلأنّا نمنع عدم کون الأخبار الواصلة إلینا عن النبی صلّی اللّه علیه و آله کالکتب المؤلّفة؛فإنّها و إن صدرت بعنوان الأجوبة عن الأسئلة و لکن تکون فی مقام بیان وظیفة الناس من دون خصوصیة للسائلین و لا لعصر دون عصر،لا سیما فیما إذا کان السؤال من مثل زرارة و محمّد بن مسلم فإنّ أمثالهما فی مقام أخذ الجواب لصور المسائل بنحو القوانین الکلّیة و لقد أفاد و أجاد سیدنا الامام قدّس سرّه حیث قال:إنّ الخطاب فی الأخبار و إن کان متوجها إلی مخاطب خاص کزرارة و محمّد بن مسلم و أمثالهما إلاّ أنّ الاحکام لما کانت مشترکة و شأن الائمة علیهم السّلام لیس إلاّ بثّ الاحکام بین الناس،فلا جرم یجری الخطاب الخاص مجری الخطاب العام فی أنّ الغرض نفس مفاد الکلام من غیر دخالة إفهام متکلم خاص. (1)

و أولی بذلک الکتاب العزیز فإنّه یجری کمجری الشمس و لا یختص بقوم دون قوم و عصر دون عصر و یدعو الناس فی جمیع الأزمنة إلی التدبّر فی آیاته و التذکر من موعظاته، و إنکار کون خطاباته موجهة إلینا یخالف شأن القرآن کما لا یخفی.

هذا کله بالنسبة إلی الصغری،و هی الدعوی الاولی و هی إنکار کوننا مقصودین بالإفهام و قد عرفت أنّ الأخبار و الآیات القرآنیة کالکتب المؤلفة فی أنّ المقصودین بالإفهام منها لا ینحصر فی المخاطبین فی عصر النزول و الصدور،فإنکار الصغری فی مثل الأخبار الصادرة عن ائمتنا الابرار علیهم السّلام و الآیات النازلة مما لا وقع له.

و اما ثانیا:فلأنّا ننکر عدم حجّیة الظهورات اللفظیة بالنسبة إلی غیر المقصودین بالإفهام ما لم یحرز أنّ بناء المتکلم علی إلقاء الرموز و الاکتفاء بالقرائن الخفیّة المعلومة بین المتکلم و السامع؛فإنّ أصالة عدم القرینة جاریة بالنسبة إلی غیر المقصودین بالإفهام أیضا.

و الفرق فی حجیة أصالة عدم القرینة بین المخاطب و غیره مخالف لبناء العقلاء و السیرة القطعیة من العلماء و أصحاب الأئمة علیهم السّلام،فالکبری المذکورة فی الدعوی الثانیة محل منع.

ص:14


1- 1) تهذیب الاصول 2:95.

و توضیح ذلک-کما افاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه-أنّ الانصاف أنّه لا فرق فی العمل بالظهور اللفظی و أصالة عدم الصارف عن الظاهر بین من قصد إفهامه و من لم یقصد؛فإنّ جمیع ما دل من اجماع العلماء و أهل اللسان علی حجیة الظواهر بالنسبة إلی من قصد إفهامه جار فیمن لم یقصد؛لأنّ أهل اللسان إذا نظروا إلی کلام صادر من متکلم إلی مخاطب یحکمون بإرادة ظاهره منه إذا لم یجدوا قرینة صارفة بعد الفحص فی مظانّ وجودها،و لا یفرقون فی استخراج مرادات المتکلمین بین کونهم مقصودین بالخطاب و عدمه،فإذا وقع المکتوب الموجّه إلی شخص بید ثالث فلا یتأمل فی استخراج مرادات المتکلم من الخطاب المتوجه إلی المکتوب إلیه،فإذا فرضنا اشتراک هذا الثالث مع المکتوب إلیه فیما أراد المولی منهم فلا یجوز له الاعتذار فی ترک الامتثال بعدم الاطلاع علی مراد المولی،و هذا واضح.

و لا خلاف بین العلماء أیضا فی الرجوع إلی أصالة الحقیقة فی الألفاظ المجردة عن القرائن الموجّهة من متکلم إلی مخاطب سواء کان ذلک فی الأحکام الجزئیة کالوصایا الصادرة عن الموصی المعین إلی شخص معین ثم مست الحاجة إلی العمل بها مع فقد الموصی إلیه.فإنّ العلماء لا یتأملون فی الافتاء بوجوب العمل بظاهر ذلک الکلام الموجّه إلی الموصی إلیه المفقود،و کذا فی الأقاریر،أم کان فی الأحکام الکلّیة کالأخبار الصادرة من الأئمة علیهم السّلام مع کون المقصود منها تفهیم مخاطبهم لا غیر...إلی أن قال:و الحاصل:أنّ القطع حاصل لکل متتبع فی طریقة فقهاء المسلمین بأنّهم یعملون بظواهر الأخبار من دون ابتناء ذلک علی حجیة الظن المطلق الثابتة بدلیل الانسداد،بل یعمل بها من یدعی الانفتاح و ینکر العمل بأخبار الآحاد مدعیا کون معظم الفقه بالإجماع و الأخبار المتواترة و یدل علی ذلک أیضا سیرة أصحاب الائمة علیهم السّلام فإنّهم کانوا یعملون بظواهر الأخبار الواردة إلیهم کما یعملون بظواهر الأقوال التی یسمعونها من أئمتهم علیهم السّلام،و لا یفرقون بینهما إلاّ بالفحص و عدمه.

و الحاصل:أنّ الفرق فی حجیة أصالة الحقیقة و عدم القرینة بین المخاطب و غیره مخالف للسیرة القطعیة من العلماء و أصحاب الأئمة علیهم السّلام (1)

ص:15


1- 1) فرائد الاصول:42-43.

و إلیه یؤول ما فی الکفایة حیث قال:إنّ الظاهر عدم اختصاص حجیّة الظواهر بمن قصد إفهامها،و لذا لا یسمع اعتذار من لا یقصد إفهامه إذا خالف ما تضمّنه ظاهر کلام المولی من تکلیف یعمّه او یخصّه،و یصح به الاحتجاج لدی المخاصمة و اللجاج،کما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من کل من سمعه و لو قصد عدم إفهامه فضلا عمّا (1)إذا لم یکن بصدد إفهامه.

و علیه فکما أنّ احتمال الغفلة مندفع بأصالة عدم الغفلة بین المتکلم و السامع،فکذلک احتمال وجود قرائن منفصلة أو متصلة بعد الفحص عنها مندفع بأصالة عدمها لمن قصد إفهامه و غیره؛لما عرفت من أنّ العقلاء و العلماء یأخذون بالظهورات و لو کان السامع غیر مقصود بالإفهام.

و دعوی:ان عادة الأئمة علیهم السّلام علی الاتکال علی القرائن المنفصلة.

مندفعة:بما أفاده السید المحقق الخوئی قدّس سرّه من أنّها و إن کانت صحیحة إلاّ أنّه لا یقتضی اختصاص حجیّة الظهور بمن قصد إفهامه،بل مقتضاه الفحص عن القرائن،و مع عدم الظفر بها یؤخذ بالظهور.

و أمّا ما ذکره من أنّ التقطیع مانع عن انعقاد الظهور ففیه أنّ ذلک یتم فیما إذا کان المقطّع غیر عارف بأسلوب الکلام العربی أو غیر ورع فی الدین؛إذ یحتمل حینئذ کون التقطیع موجبا لانفصال القرینة عن ذیها،لعدم معرفة المقطّع أو لتسامحه فی التقطیع،و کلا هذین الأمرین منفیان فی حق الکلینی و أمثاله من اصحاب الجوامع،فإذا نقلوا روایة بلا قرینة نطمئن بعدمها،بل لا یبعد دعوی القطع به؛إذا التقطیع إنّما هو لإرجاع المسائل إلی أبوابها المناسبة لها مع عدم الارتباط بینها،لأنّ الرواة،عند تشرفهم بحضرة الإمام علیه السّلام کانوا یسألون عن عدّة مسائل لا ربط لأحدها بالأخری کما هو المتعارف فی زماننا هذا فی الاستفتاءات و هذا النحو من التقطیع غیر قادح فی انعقاد الظهور. (2)

ص:16


1- 1) الکفایة 2:59.
2- 2) مصباح الاصول 2:120-122.

و دعوی:أنّه لا یمتنع أن ینصب المتکلم قرینة لا یعرفها سوی من قصد إفهامه،و علیه فلا یمکن لمن لم یقصد إفهامه أن یحتجّ بکلام المتکلم علی تعیین مراده إذ لعله نصب قرینة خفیة علیه علمها المخاطب فقط،فالتفصیل بین من قصد افهامه و بین من لم یقصد إفهامه متین. (1)

مندفعة:بأنّ محل الکلام لیس فیما إذا کان مقصود المتکلم إلقاء رموز لا یعلمها إلاّ المخاطب حتی لا یتمکن غیر من قصد إفهامه من أن یتمسک بظاهر الکلام من دون إحراز الرموز التی بین المتکلم و المخاطب،بل محل الکلام فیما إذا صدر من المتکلم کلام متوجه إلی مخاطب لا بما هو مخاطب خاص؛إذ غرض الشارع لیس إلاّ بثّ الأحکام بین الناس،و من المعلوم أن احتمال الرموز حینئذ فی مثل تلک الأحکام الصادرة لا مجال له و خروج عن محل الکلام.هذا مضافا إلی أنّ المفروض أنّ غرض الرواة من نقل الروایات و الآثار أو غرض الناقلین من نقل القوانین المسموعة من المقنین للناس هو أخذ الناس بها و العمل بها و علیه فلو کانت قرائن خفیة خاصة بهم بین المتکلم و المخاطب لزم علیهم أن یذکروها و إلاّ نقضوا غرضهم إذ لم یتمکن غیرهم منها و حیث إنّهم لم ینقلوا قرائن خاصّة فیمکن لغیرهم أن یأخذوا بظواهر ما سمعوا منهم و علیه فلا وجه للتفصیل المذکور کما لا یخفی.ثم انّ الظاهر من سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه هو التفصیل حیث قال فی محکی کلامه و الذی یختلج بالبال الإشکال فی تحقق هذا البناء إلاّ إذا حصل الاطمئنان عادة بعدم وجود القرینة فإنّ هذا فی الحقیقة خارج عن مورد البحث و یکون بحکم القطع و الکلام واقع فی مورد الشک و الاحتمال العقلائی و الذی أراده عدم جریان أصالة عدم القرینة هنا إذا لیس أصلا متبعا عند العقلاء فی هذا المورد و لعلّ هذا مراد المحقق القمی قدّس سرّه حیث خصّ الکلام بالمقصود بالإفهام فإنّ الظاهر أو المحتمل أن یکون نظره إلی ما حققناه من عدم تبیّن الظهور الصادر من المتکلم إذا لم یکن الشخص مقصودا بالإفهام و کلامه و ان کان مطلقا لکن الظاهر تقییده بما إذا لم

ص:17


1- 1) منتهی الاصول 4:216.

یحصل الاطمینان بالظهور و لا أظن إرادته الإطلاق إلی أن قال و بالجملة إذا تبین الظهور الصادر بالعلم أو بحجّة اخری کان بناء العقلاء علی اتباعه فی کشف المراد و تطابقه مع الإرادة الواقعیة من دون أن یکون ذلک مرهونا بحصول الظن بالوفاق أو عدم الظن بالخلاف و لا یکون الشخص مقصودا بالافهام و حینئذ لا یسمع الاعتذار بحال و أمّا إذا لم یتبین الظهور الصادر من أصل کما فی مورد الکلام فلا یصح المؤاخذة بحال فتدبر (1)و لقائل أن یقول لا یلزم الاطمئنان بعدم وجود القرینة بل اللازم هو الاطمئنان بکون الکلام متوجها إلی المخاطب لا بما هو مخاطب خاص ففی هذه الصورة لو شککنا فی وجود القرینة یجری فیه أصالة عدم القرینة کسائر الموارد فتدبر جیدا.

الأمر الثانی: أنّ المناط فی حجیّة الکلام و اعتباره...

أنّ المناط فی حجیّة الکلام و اعتباره هو ظهوره عرفا فی المراد الاستعمالی و الجدّی و لو کان الظهور المذکور مسبّبا عن القرائن الموجودة فی الکلام،و قد جری بناء العقلاء علی الأخذ بالظهور المذکور فی إفادة المراد بین الموالی و العبید و غیرهم من أفراد الانسان،و لا یشترط فی حجیّة الظهور المذکور حصول الظنّ الشخصیّ بالوفاق أو عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی الخلاف،بل هو حجّة و لو مع قیام الظنّ غیر المعتبر علی الخلاف؛و لذا لا یعذرون من خالف ظاهر کلام المولی بعدم حصول الظنّ بالوفاق و لا بحصول الظنّ علی الخلاف.

و لقد أفاد و أجاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه حیث قال:ربما یجری علی لسان بعض متأخری المتأخرین من المعاصرین عدم الدلیل علی حجیّة الظواهر إذا لم تفد الظن(الشخصیّ)أو إذا حصل الظنّ الغیر المعتبر علی خلافها،لکن الانصاف أنّه مخالف لطریقة أرباب اللسان و العلماء فی کلّ زمان. (2)

و دعوی:أنّ الظاهر من کلمات بعض العلماء أنّهم توقفوا فی العمل بالخبر الصحیح

ص:18


1- 1) المحاضرات لسیدنا الاستاذ المحقق الداماد 2 م 96-97
2- 2) فرائد الاصول:44.

المخالف لفتوی المشهور أو طرحوه مع اعترافهم بعدم حجیّة الشهرة،و هذا یکفی شاهدا علی أنّ حجیّة الظهورات متوقفة علی عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی خلافها.

مندفعة:بأنّ وجه التوقف أو الطرح هو مزاحمة الشهرة للخبر من حیث الصدور؛إذا لا یحصل الوثوق بالصدور مع مخالفة المشهور بناء علی أنّ ما دل من الدلیل علی حجیّة الخبر الواحد من حیث السند مختص بما إذا حصل الوثوق بالصدور،لا من جهة مزاحمة الشهرة للخبر من جهة ظهوره فی عموم أو إطلاق حتی یکون شاهدا علی عدم اعتبار الظهور فیما إذا کان الظن غیر المعتبر علی الخلاف،فتدبر جیدا.

هذا مضافا إلی أنّه لو کان المزاحمة من جهة ظهور الخبر کانت الشهرة کاشفة عن وجود قرینة فی الروایة لم تصل إلینا و معه لم یتحقق ظهور فی الروایة فی غیر ما ذهب إلیه المشهور کقاعدة القرعة لکل أمر مشکل فإنّ إطلاقها مقیّد بالمشهور لکشف الشهرة عن قید فیها لعدم التزامهم بإطلاقها و مع عدم تحقق الظهور فی الروایة مع مخالفة المشهور خرج عن محل الکلام فإنّ محل الکلام هو ما إذا تحقق الظهور و خالفه الظنّ غیر المعتبر.

و بالجملة فالظنّ النوعی المستفاد من الکلام حجة عقلائیة علی مرادات المتکلم،و لا یصح العدول عنه بمجرد عدم حصول الظنّ الشخصی بالوفاق أو بقیام الظنّ غیر المعتبر علی الخلاف؛لعدم دخالة لهما فی حجیّة الظهورات و إن کان لعدم قیام الظن غیر المعتبر علی الخلاف دخالة فی حجیّة إسناد الروایات بناء علی قصور الأدلة عن شموله،فالظنّ النوعی حجّة،و لا یشترط بوجود الظنّ الشخصیّ علی الوفاق،و لا یمنع عنه الظنّ غیر المعتبر علی الخلاف.

هذا کله واضح بالنسبة إلی ما إذا کان المطلوب هو تحصیل الحجة و الأمن من العقوبة و الخروج عن عهدة التکلیف؛لوجود بناء العقلاء علی کفایة العمل بالظواهر مطلقا و لو مع الظنّ بالخلاف فضلا عن عدم الظنّ بالوفاق فی مقام الاحتجاج.

و أمّا إذا کان المطلوب هو تحصیل الواقع لا الاحتجاج کما إذا احتمل إرادة خلاف

ص:19

الظاهر فی کلام الطبیب،فالعقلاء لا یعملون بمجرد الظهور ما لم یحصل لهم الاطمئنان بالواقع، إلاّ أنّ ذلک خارج عن محل الکلام؛إذا الکلام فیما إذا کان المطلوب هو الخروج من عهدة التکلیف و تحصیل الأمن من العقاب،و فی مثله تحقق بناء العقلاء علی العمل بالظواهر مطلقا. (1)

و یؤیّد ما ذکرناه ما أفادوه فی حجیّة الأخبار من عدم شمول أدلّة اعتبار حجیّة خبر الواحد فی الأحکام بمجرد الوثوق النوعی بالصدور للخبر الواحد فی غیر الأحکام؛لأنّ المعیار فی الأحکام هو تحصیل الحجة،بخلاف غیرها فإنّ المعیار هو الوثوق و الاطمئنان الشخصیّ بالأمور الواقعیة و هو لا یحصل بالوثوق النوعی.

و علیه فالظهورات الواردة فی الأحکام حجّة فیما إذا أفادت ظنّا نوعیا و لو لم یحصل الظنّ الشخصیّ،بخلاف الظهورات الواردة فی غیرها،فإنّ اللازم فیها هو حصول الاطمئنان الشخصیّ لاختصاص أدلّة اعتبار الظهورات بموارد الأحکام،إذ لا معنی للتعبد فی غیر موارد الأحکام،إلاّ بملاحظة إدراجه بنحو فی موضوع الأحکام کالخبر به عن اللّه سبحانه و تعالی فی یوم الصیام فیصح حینئذ التعبّد به بهذا الاعتبار فلا تغفل.

ثم إنّ محل الکلام فیما إذا انعقد الظهور فاعتباره لا یتوقف علی وفاق الظنّ الشخصیّ و لا علی عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی الخلاف،و أمّا إذا اکتنف الکلام بما یصلح أن یکون صارفا قد احتمل أنّ المتکلم اعتمد علیه فی إرادة خلاف الظهور فلا ینعقد الظهور،بل هو مجمل و خارج عن محل الکلام؛إذا الکلام فیما إذا انعقد الظهور،فاعتبار خلو الکلام عن قرینة حالیة أو مقالیّة تصلح لأن تکون صارفة،یرجع إلی شرط تحقق الظهور لا شرط حجیّة الظهور؛فإنّ مع الاقتران بها یخرج الکلام عن الظهور إلی الإجمال بشهادة العرف، بخلاف ما إذا لم تکن قرینة متصلة بالکلام فإنّ الظهور منعقد فیه،و لم یتوقف حینئذ أحد بمجرد احتمال وجود دلیل منفصل مجمل یحتمل أن یعتمد المتکلم علیه.

ص:20


1- 1) مصباح الاصول 2:118.

قال شیخنا الأعظم قدّس سرّه:لم یتوقف أحد فی عامّ بمجرد احتمال دلیل منفصل یحتمل أن یکون مخصصا له،بل ربما یعکسون الأمر فیحکمون بنفی ذلک الاحتمال و ارتفاع الاجمال لاجل ظهور العام،و لذا لو قال المولی:أکرم العلماء،ثم ورد قول آخر من المولی:انه لا تکرم زیدا و اشترک زید بین عالم و جاهل،فلا یرفع الید عن العموم بمجرد الاحتمال،بل یرفعون الإجمال بواسطة العموم،فیحکمون بإرادة زید الجاهل من النهی. (1)

ثم إنّ الظهورات الکلامیة و إن کانت من الظنون و لکن حجیّتها من الضروریات؛إذا الطریق الشائع فی تفهیم المقاصد و المرادات منحصر فی الألفاظ،و العقلاء بنوا علیها بلا کلام و احتجوا بها لهم و علیهم،و الشارع لم یخترع طریقا آخر لتفهیم مراداته،فاعتبار الظنون الکلامیة من الیقینیّات و الضروریات.

و علیه فظنیّة الظهورات لا تنافی قطعیة اعتبارها،و مع کونها قطعیة الاعتبار لا مجال لدعوی کونها مشمولة للآیات الناهیة عن العمل بالظن؛لانصراف الأدلّة الناهیة عن العمل بالظن عن مثلها،لأن الأخذ بالظنون الکلامیة یرجع فی الحقیقة إلی الأخذ بالقطع القائم علی اعتبارها،فمثل قوله تعالی: إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً لا یشمل المقام.

و لقد أفاد و أجاد الشیخ الأعظم قدّس سرّه حیث قال:فرض وجود الدلیل علی حجیّة الظواهر موجب لعدم ظهور الآیات الناهیة فی حرمة العمل بالظواهر. (2)

و مما تقدم یظهر أنّ الاستظهار المعتبر فی الالفاظ و الکلمات هو الذی یکون ظاهرا بحسب المتفاهم العرفی فی مرادات المتکلم،فإذا کان لفظ ظاهرا عرفا فی المعنی المراد،و ادّعی شخص ظهوره فی معنی آخر فلا مجال للأخذ بظنه الشخصیّ فی تعیین مراد المتکلم،و لا یکفی الإتیان به فی مقام الامتثال:إذا الظن الشخصیّ لا دلیل علی حجیته،لما عرفت من أنّ الحجة هو الظهور العرفی،و الظهور العرفی لا یتعدد بتعدد الآحاد و الاشخاص،بل هو قائم بالاستظهار النوعی.

ص:21


1- 1) فرائد الاصول:45.
2- 2) فرائد الاصول:40.

نعم یمکن الاختلاف بین الآحاد فی کون شیء ظهورا عرفیا و عدمه بأن یدعی کل فرد منهم أنّ ما أقول هو الظاهر عرفا،فیمکن تعدّد دعوی الظهور العرفی،و لکن الظهور العرفی بحسب واقع العرف واحد و لیس بمتعدد،و الحجیّة مخصوصة به.

و علیه فلا مجال لدعوی حجیّة الظن الشخصیّ فی الألفاظ و العبارات بدعوی أنّ لکل شخص استظهارا و هو له حجة؛لضرورة ما عرفت من اختصاص أدلة الاعتبار بما إذا کانت الظهورات مفهوما عرفیا و المفروض أنّ دلیل الاعتبار لبّی.

هذا،مضافا إلی أنّ للاستظهار من الکلام فی کل قوم و ملة ضوابط خاصة و ملاحظتها تنجرّ إلی الظهور النوعی،و الاستظهار من دون ضوابط و قاعدة مقرّرة شک فی شک،و لا اعتبار له عند العقلاء فی جمیع الأعصار،بل عند المتشرعة،کما لا یخفی.

ربما یتوهم أنّ التفسیرات المختلفة من القرآن الکریم تؤیّد القول بصحة الظهورات الشخصیّة.

و فیه:أنّ التفسیرات المختلفة إن لم تکن بینها مخالفة و تباین رجعت إلی معنی جامع عرفی،و إن کانت بینها مخالفة و تباین لم یکن جمیعها صحیحة،بل الصحیح واحد منها،هذا مضافا إلی أنّ التفسیرات المذکورة لو کانت من الظنون الشخصیّة فکلها تفسیر بالرأی،و هو منهی عنه فی لسان الروایات،کما لا یخفی.

و ربما یقاس جواز الأخذ بالظنون الشخصیة بجواز الأخذ بالقراءات المختلفة للقرآن الکریم.

و فیه:أنّ القیاس مع الفارق؛فإنّ القراءات المختلفة و إن لم یکن جمیعها صحیحة و مطابقة للواقع لأنّ القرآن واحد نزل من عند واحد،و لکن قام الدلیل علی جواز الاکتفاء بواحد منها تسهیلا للأمر،و هذا بخلاف المقام؛إذ لا دلیل علی جواز الاکتفاء بالظنّ الشخصی،بل الضرورة علی ثبوت الواقع للعالم و الجاهل.

و علیه لا یکون کلّ ظنّ شخصیّ صحیح،و القول بأنّ الواقع فی کل مورد هو المظنون بالظنّ الشخصیّ تصویب لا یقول به الإمامیة کما لا یخفی.

ص:22

لا یقال:إنّ اختلاف العلماء فی الآراء مما یشهد علی أنّ اختلاف الفهم من الکلام أمر جائز بل واقع،فالظنون الشخصیّة حجّة کالقراءات المختلفة.

لأنا نقول:لیس اختلاف العلماء فی الآراء اختلافا فی الظنون الشخصیّة،بل هو اختلاف فی دعوی الظنون النوعیة،و یکون مبنیا علی رعایة الظوابط و القواعد الکلّیة التی لها مدخلیة فی الاستظهار و الاستنباط و الفرق بین هذا الاختلاف و الظنون الشخصیّة التی لا تکون مبتنیة علی رعایة الضوابط و القواعد المدونة واضح.

ثم لا یخفی أنّه لا ممانعة من إعمال التعمق الزائد فی النصوص و الظواهر العرفیة لکشف المطالب و استنباط ما یحتاج الیه فی کل عصر و زمان،و إنّما الممانعة من ترتیب الأثر علی الظنون الشخصیّة التی لا تکون مبنیة علی القواعد و الاصول العقلائیة؛إذا لا حجیّة لتلک الظنون،بل تحمیل هذه الظنون الشخصیة علی النصوص و الظواهر الدینیة هو التفسیر بالرأی الذی نهی عنه اکیدا فی الشرع الانور کما لا یخفی،مع أنّ اللازم فی فهم المعانی هو تخلیة الذهن لا مدخلیة الذهن،و کم من فرق بینهما؟!

و لعل المنشأ فی ذهاب بعض تبعا لجمع من الاوربیین إلی اعتبار الظنون الشخصیّة فی زماننا هذا هو التمایل إلی نسبیة الحقائق و إنکار ثبوتها و دوامها حیث قالوا:إنّ فهم الإنسان بالنسبة إلی المتون و تفسیرها أو بالنسبة إلی جمیع الحقائق فهم نسبیّ،و معنی ذلک أنّه لیس لنا فهم قطعی ثابت؛لأن الثبوت ینافی النسبیة و هو خلاف البداهة و الضرورة؛إذ لنا معلومات یقینیة و ضروریّة من العقلیّات و الشرعیّات.

نعم لا یخلو فهم الإنسان عن التکامل،و لکنه لا ینافی ثبوت أصل الفهم فی الجملة؛لأنّ المتکامل یحتوی ثبوت أصل الشیء،و إنّما زادت مراتبه بسبب الشواهد و التعمق فیه و النقض و الإبرام.هذا مضافا إلی أنّه لا یخرج الکلام المتکامل عن الظنون النوعیّة کما لا یخفی.

علی أنّه لو لم یکن فهم الحقائق أمرا ثابتا فلا یمکن الاعتماد علی شیء من المطالب حتی الادعاء المذکور،و لا مجال للبحث و لا للاحتجاج؛فإنّ هذه الأمور متوقفة علی ثبوت الحقائق.

ص:23

و بالجملة فللمعانی فی اللغة و العرف مع قطع النظر عن فهم المخاطب ثبوت مستقل،و اللازم علی المخاطب أن یفهمها من خلال معرفة معانی الألفاظ بحسب القواعد المذکورة فی اللغة و العرف.و لا تختلف المعانی المقصودة بالنسبة إلی الآحاد و الأشخاص بعد اعتبار الظنون العرفیة فی حجیة الألفاظ.نعم قد لا یفهمها بعض الناس من جهة التقصیر أو القصور فی مقدمات فهمها فحینئذ یختلف الأفهام بالنسبة إلی المقاصد و المرادات،و لکن بعضها صحیح و بعضها باطل،و لا یتصف جمیعها بالصحة و الحجیّة،کما لا یخفی.

و لذلک لا یکون الذین لم یدرکوا مرادات المتکلم من جهة تقصیرهم معذورین؛لأنّهم اکتفوا بما لیس بحجّة،و مجرد الفهم الناقص لا یعطی الحجیّة للألفاظ،و لا یوجب رفع العقوبة عن مخالفة الواقع و مرادات المتکلم،کما لا یخفی.

علی أنّه لو لم یکن فهم الحقائق أمرا ثابتا فلا یمکن الاعتماد علی شیء من المطالب حتی الادعاء المذکور،و لا مجال للبحث و لا للاحتجاج؛فإنّ هذه الامور متوقفة علی ثبوت الحقائق.

ثم إنّا لا نخالف مع لزوم السعی فی فهم المرادات،بل نؤکّد علی ذلک،و لا نقول بأنّ ما نفهمه بعد السعی إذا کان غیر ما فهمه الأصحاب قبلا لیس بحجّة،بل نقول بأنّه حجة لو لم یخرج الاستنباط الجدید عن الظهورات النوعیّة و الضوابط و القواعد الأدبیّة،و لذا ذهب الفقهاء إلی الأخذ بالفهم الجدید المبنی علی الاصول و الضوابط إذا کان تاما کما فی منزوحات البئر.

و لا یقاس الفهم غیر المبنی علی الاصول و الضوابط بالفهم المبنی علیها؛لفقدان الحجیّة فی الأوّل دون الثانی.و علیه فدعوی صحة کل فهم و لو کان مبنیا علی الظن الشخصیّ و تسمیته بقراءة جدیدة من المعانی خالیة عن التحقیق،بل هی مغالطة و سفسطة أعاذنا اللّه منها.

و لا ندّعی أنّ کل فهم من المعانی و الحقائق یکون ثابتا غیر متغیر لظهور ضعف بعضه أو بطلانه،و لکن نمنع أن یکون جمیعها کذلک،فالتغیّر و التّبدل مقبول بنحو الموجبة الجزئیة

ص:24

لا الموجبة الکلیة إلاّ أنّ تغیّر ذلک البعض من ناحیة عدم تمامیة المقدمات المقررة لکشف المراد،لا من ناحیة دخالة ذهنیة المخاطب،فتدبر جیدا.

ثم ربما یقال:إنّ المقصود مما ذکروه من أنّ القراءات مختلفة لیس أنّها کلها صحیحة،بل بعضها صحیح و بعضها باطل،إلاّ أنّ اللازم فی تعیین الصحیح عن غیره هو تجرید المخاطب ذهنه عما یحوطه من المناسبات و المأنوسات حتی یصل إلی المعنی الصحیح من الکلام،و إلاّ فحمل الکلام علی ما یعرفه من المناسبات کما تری.

قلت:هو کذلک،و لکن لازمه هو الاجتناب عن الظنون الشخصیّة لا الأخذ بها؛إذا التخلیة عن المناسبات و الظنون الشخصیّة توجب الأخذ بالظنون النوعیّة لتحصیل مرادات المتکلم،فإن کان مرادهم مما ذکروه هو ذلک فهو أمر بنی علیه العقلاء و العلماء فی استظهاراتهم فی جمیع الأزمنة،و لیس أمرا خفیا حتی یحتاج إلی التذکار.

ثم لا یذهب علیک أنّا لا ننکر اختلاف المشارب و المذاهب و تمسکهم مع ذلک بالآیات الکریمة و النصوص الشرعیة،و لکن نقول:کل مشرب و مذهب و إن تمسک بالنصوص و الآیات من جهة إثبات مرامه غیر أنّ هذا التمسک و الاستدلال لا یکون صحیحا إلاّ إذا کان التمسک بظهورات نوعیّة و مستفادة منها،و إلاّ فهو تفسیر بالرأی و أخذ بالظن الشخصیّ، و لا حجیّة له،بل هو منهی عنه کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی.و بقیّة الکلام فی محله.

الأمر الثالث: أنّه لا فرق فی حجیّة الظهورات بین المحاورات العرفیّة و بین النقلیّة الشرعیّة،...

أنّه لا فرق فی حجیّة الظهورات بین المحاورات العرفیّة و بین النقلیّة الشرعیّة،و لا فرق فی النقلیة الشرعیّة بین الظهورات القرآنیة و بین الأحادیث المرویّة عن سید المرسلین أو الأئمة الطاهرین علیهم الصلاة و السلام،لعموم دلیل الحجیّة،و هو بناء العقلاء،و عدم اختراع الشارع طریقا آخر،فلا وجه للتفرقة بینهما،فالظهورات الکلامیة کما تکون حاکیة عن المرادات فی المحاورات العرفیّة،فکذلک تکون فی کلام اللّه سبحانه و تعالی و رسوله و أوصیائه علیهم الصلاة و السلام من دون فرق بین الکتاب و غیره.

ص:25

و لکن ذهب جماعة من الأخباریین فی الأعصار الأخیرة إلی عدم جواز الأخذ بظواهر الکتاب إذا لم یرد التفسیر و کشف المراد عن الحجج المعصومین صلوات اللّه علیهم و استدلوا علیه بوجوه:

منها:الأخبار الدالة علی اختصاص فهم القرآن بالنبیّ و الأئمة علیهم الصلاة و السلام:

کما فی خبر إسماعیل بن مخلّد السراج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی رسالة طویلة له إلی أصحابه أمرهم بالنظر فیها و تعاهدها و العمل بها،و من جملتها:قد أنزل اللّه القرآن،و جعل فیه تبیان کل شیء و جعل للقرآن و تعلّم أهلا لا یسع أهل علم القرآن الذین آتاهم اللّه علمه أن یأخذوا فی دینهم بهوی و لا رأی و لا مقاییس...و هم أهل الذکر الذین أمر اللّه الامة بسؤالهم. (1)

و کما فی خبر شبیب بن أنس عن بعض أصحاب أبی عبد اللّه علیه السّلام فی حدیث أنّ أبا عبد اللّه علیه السّلام قال لأبی حنیفة:أنت فقیه العراق؟قال نعم.قال:فبم تفتیهم؟قال بکتاب اللّه و سنة نبیّه صلّی اللّه علیه و آله قال:یا أبا حنیفة تعرف کتاب اللّه حق معرفته و تعرف الناسخ و المنسوخ؟ قال:نعم.قال:یا أبا حنیفة لقد ادّعیت علما، ویلک ما جعل اللّه ذلک إلاّ عند أهل الکتاب الذین أنزل علیهم، ویلک و لا هو إلاّ عند الخاصّ من ذریّة نبیّنا محمّد صلّی اللّه علیه و آله،و ما ورثک اللّه من کتابه حرفا...الحدیث. (2)

و کما فی خبر الاحتجاج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّه قال لأبی حنیفة فی احتجاجه علیه:

تزعم أنّک تفتی بکتاب اللّه و لست ممن ورثه. (3)

و کخبر فضیل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ وَ إنَّهُ لَذکْرٌ لَکَ وَ لقَوْمکَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ :قال الذکر القرآن؛و نحن قومه،و نحن المسئولون. (4)

و کصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السّلام قال:إنّ من عندنا یزعمون أنّ قول اللّه

ص:26


1- 1) روضة الکافی:5-6.
2- 2) الوسائل الباب 6 من ابواب صفات القاضی،ح 27.
3- 3) الوسائل الباب 6 من ابواب صفات القاضی،ح 28.
4- 4) الوسائل الباب 7 من ابواب صفات القاضی،ح 2.

عزّ و جلّ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذّکْر إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أنّهم الیهود و النصاری قال:إذن یدعوکم إلی دینهم قال:ثم قال بیده إلی صدره:نحن أهل الذکر،و نحن المسئولون. (1)

و کخبر عبد الحمید بن أبی الدیلم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی حدیث طویل قال:قال اللّه عزّ و جلّ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذّکْر إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ قال:الکتاب الذکر،و أهله آل محمّد صلّی اللّه علیه و آله امر اللّه بسؤالهم و لم یؤمروا بسؤال الجهال،و سمّی اللّه القرآن ذکرا فقال تبارک وَ إنَّهُ لَذکْرٌ لَکَ وَ لقَوْمکَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ الحدیث. (2)

و کخبر یونس بن ظبیان عن الصادق علیه السّلام فی حدیث قال:لا تغرّنک صلاتهم و صومهم و کلامهم و روایاتهم و علومهم،فإنّهم حمر مستنفرة،ثم قال:یا یونس إن أردت العلم الصحیح فعندنا أهل البیت،فإنّا ورثنا و أوتینا شرع الحکمة و فصل الخطاب،فقلت:یا ابن رسول صلّی اللّه علیه و آله کل من کان من أهل البیت ورث ما ورثت من کان من ولد علی و فاطمه علیهما السّلام فقال ما ورثه إلاّ الأئمة الاثنا عشر. (3)

و کخبر الرّیان بن الصلت عن الرضا علیه السّلام فی حدیث أنّه قال للعلماء فی مجلس المأمون:

أخبرونی عن هذه الآیة ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکتابَ الَّذینَ اصْطَفَیْنا منْ عبادنا فقالت العلماء:

أراد اللّه بذلک الامّة کلها.فقال الرضا علیه السّلام،بل أراد اللّه العترة الطاهرة،الحدیث. (4)

و کصحیحة ابی الصباح قال:و اللّه لقد قال جعفر بن محمّد علیهما السّلام:إنّ اللّه علّم نبیّه صلّی اللّه علیه و آله التنزیل و التأویل،قال:فعلّم رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله علیا،قال:و علّمنا و اللّه...الحدیث. (5)

و کخبر یعقوب بن جعفر قال:کنت مع أبی الحسن علیه السّلام بمکة فقال له رجل:إنّک لتفسّر من کتاب اللّه ما لم نسمع به فقال ابو الحسن علیه السّلام علینا نزل قبل الناس،و لنا فسّر قبل أن

ص:27


1- 1) الوسائل الباب 7 من ابواب صفات القاضی،ح 3.
2- 2) الوسائل الباب 7 من ابواب صفات القاضی،ح 13.
3- 3) الوسائل الباب 7 من ابواب صفات القاضی،ح 29.
4- 4) الوسائل الباب 7 من ابواب صفات القاضی،ح 31.
5- 5) البرهان:الفصل الخامس من المقدمات:15.

یفسر فی الناس،فنحن نعرف حلاله و حرامه و ناسخه و منسوخه و سفریّه و حضریّه و فی أیّ لیلة نزلت من آیة و فیمن نزلت و فیما نزلت...الخبر. (1)

و کخبر جمع من الثقات من اصحاب الصادق علیه السّلام انه قال بعد أن أومأ بیده إلی صدره:

علم الکتاب کله و اللّه عندنا ثلثا. (2)

و کما روی عن ابی جعفر علیه السّلام أنّه قال:ما ادعی أحد من الناس أنّه جمع القرآن کله کما أنزل إلاّ کذاب،و ما جمعه و حفظه کما أنزل إلاّ علی بن ابی طالب علیه السّلام و الأئمة:من بعده. (3)

و کخبر زید الشحام عن أبی جعفر أنّه قال فی حدیث له مع قتادة المفسر:ویحک یا قتادة إنّما یعرف القرآن من خوطب به. (4)

و کما روی فی تفسیر العیاشی عن الصادق علیه السّلام قال:إنّا أهل بیت لم یزل اللّه یبعث فینا من یعلم کتابه من أوّله إلی آخره. (5)

و کخبر الأصبغ بن نباته قال:لمّا بویع أمیر المؤمنین علیه السّلام بالخلافة خرج إلی المسجد فقال:

سلونی قبل أن تفقدونی،فو اللّه إنی لا علم بالقرآن و تأویله من کل مدع علمه،فو الذی فلق الحبة و بریء النسمة لو سألتمونی عن آیة آیة لا خبرتکم بوقف نزولها و فیم نزلت...الخبر إلی أن قال البحرانی:أقول:و الأخبار فی هذا الباب أکثر من أن تحصی. (6)

و بالجملة:فالمستدل بهذه الأخبار یقول مع اختصاص فهم القرآن بالنبیّ و آله علیهم الصلوات و السلام لا یمکن الاستظهار من الآیات الکریمة لغیرهم،و مع فرض الإمکان لا حجیة له کما لا یخفی.

ص:28


1- 1) البرهان:15.
2- 2) البرهان:15.
3- 3) البرهان:15.
4- 4) روضة الکافی:312.
5- 5) البرهان:16.
6- 6) البرهان:16.

و یمکن الجواب عنه:اوّلا:بأنّ اختصاص علم القرآن بتمامه و کماله بهم علیهم السّلام لا ینافی إمکان الاستظهار من جملة من الآیات و حجیتها مع مراعاة شرائطها من التفحص عما ورد حولها عن اهل البیت علیهم السّلام،قال صاحب الکفایة إنّ المراد مما دل علی اختصاص فهم القرآن و معرفته بأهله هو اختصاص فهمه بتمامه بمتشابهاته و محکماته بداهة أنّ فیه ما لا یختص به کما لا یخفی.

و ردع أبی حنیفة و قتادة عن الفتوی به إنّما هو لأجل الاستقلال فی الفتوی بالرجوع إلیه من دون مراجعة أهله،لا عن الاستدلال بظاهره مطلقا و لو مع الرجوع إلی روایاتهم و الفحص عمّا ینافیه و الفتوی به مع الیأس عن الظفر به،و کیف و قد وقع فی غیر واحد من الروایات الإرجاع إلی الکتاب و الاستدلال بغیر واحد من آیاته. (1)

و ثانیا:بأنّ لازم الاختصاص بأهل البیت مطلقا هو أن یکون القرآن لغزا أو معمّی مع أنّه لیس کذلک.

قال فی نهایة الاصول:إنّ القرآن لم ینزل بنحو المعمی بل،نزل لبیان طرق صلاح الناس، و هو بنفسه یدعو الناس إلی التأمّل فیه و التدبّر فی آیاته،و قد اثّر آثارا عجیبة فی المسلمین فی صدر الإسلام،و کان العمل به و الاستدلال به ممّا جرت علیه سیرة المسلمین،فإذا سمعوا مثلا قوله تعالی: للّه عَلَی النّاس حجُّ الْبَیْت الآیة فهموا المقصود من هذه الآیة من دون أن یحتاجوا إلی مراجعة النبی صلّی اللّه علیه و آله،کیف و ربما استدلوا بما هو أخفی من هذه الآیة من دون أن یردعهم النبی صلّی اللّه علیه و آله أو الائمة علیهم السّلام؟!و قد روی:أنّ علیا علیه السّلام لمّا خرج إلی صفّین رأی جماعة من المسلمین قد ضربوا الفسطاط خارجا من العسکرین فسئل عن حالهم فقیل له هؤلاء یقولون إنّا لا نقاتل أهل القبلة حتی یثبت لنا بغی أحدهما علی الآخر:إذ لم یثبت لنا جواز قتالهم إلاّ حینئذ حیث قال اللّه تعالی وَ إنْ طائفَتان منَ الْمُؤْمنینَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلحُوا بَیْنَهُما فَإنْ بَغَتْ إحْداهُما عَلَی الْأُخْری فَقاتلُوا الَّتی تَبْغی حَتّی تَفیءَ إلی أَمْر اللّه (2)فلمّا سمع

ص:29


1- 1) الکفایة 2:61.
2- 2) الحجرات9/.

علی علیه السّلام هذه المقالة قال:هذا هو الفقه،و لم یردع مقالتهم فهؤلاء و إن قصّروا فی باب الإمامة إلاّ أنهم حسب اعتقادهم فی الامامة من عدم وجوب إطاعة الإمام إلاّ فیما یوافق الکتاب و السنة انعزلوا عنه،فإن نظرهم إلی الامام کالنظر إلی الخلفاء و السلاطین.

فالتفصیل المذکور فی حجیة الظواهر هو الذی ظهر فی الأعصار الأخیرة عن بعض الإمامیة من التشکیک فی حجیة ظواهر الکتاب المجید بعد ما لم یکن خلاف بین المسلمین من العامة و الخاصة فی حجیته بداهة أنّه لم ینزل للإلغاز و التعمیة،بل نزل لیخرج الناس من الظلمات إلی النور،و قد أخرجهم عنها،کما یظهر بمراجعة التواریخ،و کان الأعراب یفهمونه بمجرد قراءة النبی صلّی اللّه علیه و آله،و کان یؤثر فی أنفسهم أشدّ التأثیر،کما روی أنّ رئیس بنی مخزوم أتی النبی صلّی اللّه علیه و آله فقرأ علیه سورة«حم سجدة»حتی وصل إلی قوله تعالی فَإنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُکُمْ صاعقَةً مثْلَ صاعقَة عادٍ وَ ثَمُودَ فجعل أصابعه فی أذنیه و خرج من عنده،فلمّا سأله قومه عمّا رآه قال:لقد سمعت بکلام لم أسمع بمثله.

و قد نقل أیضا قصة مصعب بن عمیر حیث أرسله النبی صلّی اللّه علیه و آله إلی یثرب فوجه الناس إلی الاسلام بقراءة القرآن.

فأمثال هذه القضایا تشهد بأنّهم کانوا یفهمون القرآن،کیف و قد قال اللّه تعالی فی شأنه نَذیراً للْبَشَر (1)و قال لأُنْذرَکُمْ به وَ مَنْ بَلَغَ

و بالجملة فالقرآن نزل بلسان قوم النبی صلّی اللّه علیه و آله مبیّنا لمقاصده بنحو یخرج عن طاقة البشر. (2)

فالحاصل:أنّ دعوی اختصاص القرآن بالنبیّ و أهل بیته علیهم السّلام صحیح بالنسبة إلی تمام علوم القرآن ظاهرها و باطنها لا بالنسبة إلی ظواهرها،فإنّها لا تختص بهم بعد ما عرفت من أنّ القرآن کسائر الکتب لها ظواهر،و لذا لم یرد السؤال عن النبی صلّی اللّه علیه و آله أو الأئمة المعصومین علیهم السّلام عن الآیات الظاهرة بنفسها،بل السؤال عن مقیّداتها و نواسخها و

ص:30


1- 1) المدثر:36.
2- 2) نهایة الاصول:447-480.

شروطها،فکما أنّ القیود و الشروط من نفس الکتاب مقدمة علی إطلاق الآیات الظاهرة، فکذلک القیود و الشروط الآتیة فی سنة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله أو روایات اهل البیت علیهم السّلام بعد حجیّة کلامهم بنص قوله صلّی اللّه علیه و آله:«إنی تارک فیکم الثقلین کتاب اللّه و عترتی ما إن تمسکتم بهما لن تضلّوا ابدا»

و مما ذکر ینقدح أنّ الظهورات القرآنیّة کسائر الظهورات فی الحجیّة بعد ملاحظة ما ورد فی نفس الکتاب أو السنة أو الأحادیث فی بیان المراد الجدّی منها.

و من هذه الجهة لا فرق بین ظهورات الکتاب و غیرها.و الشاهد علی ذلک هو الإرجاع إلی الکتاب فی غیر واحد من هذه الأخبار.

و منها الأخبار الدالة علی أنّ القرآن یحتوی علی مضامین شامخة و مطالب غامضة عالیة لا یکاد تصل إلیها أیدی أفکار اولی الانظار غیر الراسخین العالمین بتأویله.

ففی خطبة مولانا أمیر المؤمنین علیه السّلام:أنّ علم القرآن لیس یعلم ما هو إلاّ من ذاق طعمه، فعلم بالعلم جهله و بصر به عماه و سمع به صممه و أدرک به ما قد فات و حیّ به بعد إذ مات،فاطلبوا ذلک من عند أهله و خاصّته،فإنّهم خاصّة نور یستضاء به و أئمّة تقتدی بهم، هم عیش العلم و موت الجهل،و هم الذین یخبرکم حلمهم عن علمهم و صمتهم عن منطقهم و ظاهرهم عن باطنهم،لا یخالفون الحق،و لا یختلفون فیه. (1)

و فی خبر ابن عباس قال:قال رسول صلّی اللّه علیه و آله فی خطبة:إنّ علیا هو أخی و وزیری و هو خلیفتی و هو المبلّغ عنّی،إن استرشدتموه أرشدکم،و إن اتبعتموه نجوتم،و إن خالفتموه ضللتم،إنّ اللّه انزل علیّ القرآن و هو الذی و من خالفه ضلّ و من یبتغی علمه عند غیر علی هلک. (2)

و فی خبر المعلّی بن خنیس قال:أبو عبد اللّه علیه السّلام فی رسالة:فأمّا ما سألت عن القرآن فذلک

ص:31


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 26.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 29.

أیضا من خطراتک المتفاوتة المختلفة،لأنّ القرآن لیس علی ما ذکرت،و کل ما سمعت فمعناه علی غیر ما ذهبت إلیه،و إنّما القرآن أمثال لقوم یعلمون دون غیرهم و لقوم یتلونه حق تلاوته و هم الذین یؤمنون به و یعرفونه،و أمّا غیرهم فما أشدّ إشکاله علیهم و أبعده من مذاهب قلوبهم،و لذلک قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله إنّه لیس شیء أبعد من قلوب الرجال من تفسیر القرآن،و فی ذلک تحیّر الخلائق أجمعون إلاّ من شاء اللّه.و إنّما أراد اللّه بتعمیته فی ذلک أن ینتهوا إلی بابه و صراطه و أن یعبدوه و ینتهوا فی قوله إلی طاعة القوّام بکتابه و الناطقین عن أمره و أن یستنبطوا ما احتاجوا الیه من ذلک عنهم لا عن انفسهم،ثم قال وَ لَوْ رَدُّوهُ إلَی الرَّسُول وَ إلی أُولی الْأَمْر منْهُمْ لَعَلمَهُ الَّذینَ یَسْتَنْبطُونَهُ منْهُمْ فأمّا عن غیرهم فلیس یعلم ذلک أبدا و لا یوجد،و قد علمت أنّه لا یستقیم أن یکون الخلق کلهم ولاة الأمر؛لأنّهم لا یجدون من یأتمرون علیه و من یبلغونه أمر اللّه و نهیه،فجعل اللّه الولاة خواص لیقتدی بهم،فافهم ذلک إن شاء اللّه،و إیّاک و إیّاک و تلاوة القرآن برأیک فإنّ الناس غیر مشترکین فی علمه کاشتراکهم فیما سواه من الامور و لا قادرین علی تأویله إلاّ من حدّه و بابه الذی جعله اللّه له،فافهم إن شاء اللّه و اطلب الأمر من مکانه تجده إن شاء اللّه. (1)

و فی خبر جابر بن یزید قال سألت أبا جعفر علیه السّلام عن شیء من التفسیر فأجابنی،ثم سألته عنه ثانیة فأجابنی بجواب آخر،فقلت:کنت أجبتنی فی هذه المسألة بجواب غیر هذا؟!فقال:

یا جابر إنّ للقرآن بطنا و له ظهر و للظهر ظهر،یا جابر و لیس شیء أبعد من عقول الرجال من تفسیر القرآن،إنّ الآیة یکون أوّلها فی شیء و آخرها فی شیء،و هو کلام متصل متصرف علی وجوه. (2)

و فی خبر إسحاق بن عمار قال:سمعت أبا عبد اللّه علیه السّلام یقول:إنّ للقرآن تأویلا،فمنه ما قد جاء،و منه ما لم یجئ،فإذا وقع التأویل فی زمان امام من الأئمة عرفه إمام ذلک الزمان. (3)

ص:32


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 38.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 41.
3- 3) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 47.

و فی خبر أبی بصیر قال:قال أبو جعفر علیه السّلام نحن الراسخون فی العلم،و نحن نعلم تأویله. (1)

و فی خبر عبد الرحیم عن أبی جعفر علیه السّلام قال:إنّ هذا العلم انتهی إلیّ فی القرآن،ثم جمع أصابعه،ثم قال:بل هو آیات بیّنات فی صدور الذین اوتوا العلم. (2)

إلی غیر ذلک من الروایات الدالة علی أنّ المعانی الشامخة التی للقرآن تکون عند النبی و أهل بیته علیهم السّلام،و لا یمکن تناولها إلاّ بهم.

و یمکن الجواب عنه بأنّ اشتمال القرآن علی المضامین العالیة الغامضة و اختصاص علمها بالراسخین فی العلم و لزوم الرجوع إلیهم فی التفسیر و التأویل لا ینافی وجود ظواهر فیه بالنسبة إلی الأحکام و غیرها و حجیتها،هذا مضافا إلی أنّ علو المضامین لا ینافی فهم بعض مراتبها للعموم و إن اختص فهم کنهها بهم علیهم السّلام.

قال السید المحقق البروجردی قدّس سرّه:إنّ القرآن و إن اشتمل علی المطالب العالیة و لکنه لمّا کان منزلا لهدایة الناس و إرشادهم إلی ما فیه صلاحهم نزل علی أسلوب عجیب،فیفید هذه المطالب العالیة کل من عرف اللغة العربیة.و هذا أحد وجوه إعجازه،و قیاسه بکلمات الأوائل و الفلاسفة قیاس مع الفارق؛فإنّ الفلاسفة لم یصنّفوا کتبهم لعامّة الناس یستفید منها کل أحد،و لم یکونوا بصدد إصلاح عامّة الناس و هدایتهم و إرشادهم،بل قصدوا بذلک بیان ما وصل إلیه افکارهم حتی یطلع علیها العارف باصطلاحاتهم. (3)

علی أنّ الإرجاعات الواردة فی الروایات إلی ظواهر القرآن مما یشهد علی أنّ ظواهر القرآن حجة و إن کان القرآن مشتملا علی الحقائق الغامضة التی لا یصل فهم الناس إلیها من دون أخذ علمها من الأئمة الطاهرین علیهم السّلام.

و ایضا جعل تمام القرآن غامضا و مشکلا لا یساعد کون القرآن عربیا مبینا مع أنّ القرآن

ص:33


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 53.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 56.
3- 3) نهایة الاصول:48.

نص فی غیر مورد بأنّه عربی مبین و آیات بیّنات،و دعا الناس إلی التأمل و التدبّر فیه.و هذا یقضی بوجود الظهورات فیه و حجیتها.

بل دعوی الإبهام المطلق فی القرآن مما لا یساعدها الروایات أیضا:

أحدها:ما عن الهجری عن أبی جعفر علیه السّلام:أنّ رجلا قال له:أنت الذی تقول لیس شیء من کتاب اللّه إلاّ معروف؟!قال:لیس هکذا قلت،إنّما قلت:لیس شیء من کتاب اللّه،إلاّ علیه دلیل ناطق عن اللّه فی کتابه مما لا یعلمه الناس..إلی أن قال:إنّ للقرآن ظاهرا و باطنا و معاینا و ناسخا و منسوخا و محکما و متشابها و سننا و امثالا و فصلا و وصلا و احرفا و تصریفا،فمن زعم أنّ الکتاب مبهم فقد هلک و أهلک. (1)

و حمله علی أنّ المراد أنّه لیس بمبهم علی کل أحد بل یعلمه الإمام و من علّمه إیّاه و إلاّ لناقض آخره أوّله،کما تری؛إذ الروایة تدلّ فی الذیل علی عدم الإبهام،و هو یساعد صدره الدال علی وجود الظاهر فیه مع کونه واجدا للامور المذکورة.

و ثانیها:ما عن مولانا امیر المؤمنین علیه السّلام فی ضمن احتجاجه علی زندیق:ثم إنّ اللّه قسّم کلامه ثلاثة أقسام،فجعل قسما منه یعرفه العالم و الجاهل،و قسما لا یعرفه إلاّ من صفا ذهنه و لطف حسّه و صحّ تمییزه ممن شرح اللّه صدره للإسلام،و قسما لا یعلمه إلاّ اللّه و ملائکته و الراسخون فی العلم. (2)

و ثالثها:ما روی من أنّ اللّه لا یخاطب الخلق بما لا یعلمون. (3)

بدعوی أنّ جعل المراد من المخاطب بالقرآن خصوص أهل العصمة علیهم السّلام و هم یعلمون القرآن أو جمیع المکلفین بدعوی کفایة تعلیم بعضهم؛لا یخلو عن تکلف،بل المراد أنّ القرآن عربی مبین یفهمه الخلق،و لا ینافی ذلک کون معناه ذا مراتب و درجات یختص علمها بنحو کامل بأهل البیت علیهم السّلام.

ص:34


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 39.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 44.
3- 3) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 81.

و منها:شمول القرآن للمتشابه،و قد منع عن اتباع المتشابه قال تعالی: فَأَمَّا الَّذینَ فی قُلُوبهمْ زَیْغٌ فَیَتَّبعُونَ ما تَشابَهَ منْهُ ابْتغاءَ الْفتْنَة وَ ابْتغاءَ تَأْویله و المتشابه یشمل الظواهر ایضا،و لا أقلّ من احتمال شموله لها لتشابه المتشابه و احتمال کون المراد منه معنی یشمل الظواهر ایضا.

و یمکن الجواب عنه بالمنع عن کون الظاهر من مصادیق المتشابه،فان المتشابه هو خصوص المجمل،و لیس المتشابه متشابها و مجملا فی مفهومه او فی مصداقه.و علیه فلا یشمل الظاهر الذی لیس له عرفا احتمالان،کما لا یخفی. (1)

و منها:دعوی العلم الإجمالی بطروّ تخصیصات و تقییدات و تجوزات فی ظواهر الکتاب،فلا یجوز العمل بالاصول اللفظیة فیها مع کونها من أطراف العلم الإجمالی لتعارضها و سقوطها.

و یمکن الجواب عنه بأنّ العلم الاجمالی یوجب المنع عن العمل بالظواهر فیما إذا لم ینحل بالظفر فی الروایات بموارد إرادة خلاف الظاهر بمقدار المعلوم بالإجمال،و إلاّ فلا یبقی بالنسبة إلی غیر هذه الموارد علم إجمالی،بل یکون مجرد احتمال.

مع أنّ دعوی اختصاص أطرافه بما إذا تفحّص عما یخالفه لظفر به غیر بعیدة،فتأمّل جیّدا.

و علیه فبعد الفحص یحصل العلم التفصیلی بالمخصصات و المقیدات،و لا یحتمل التخصیص أو التقیید فی غیر هذه الموارد. (2)

و منها:الروایات الواردة فی ممنوعیة التفسیرو هذه الأخبار علی طوائف:
الطائفة الاولی: الأخبار الدّالة علی اختصاص التفسیر بالائمة علیهم السّلام

الأخبار الدّالة علی اختصاص التفسیر بالائمة علیهم السّلام:کخبر سلمة بن محرز قال:سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول:إنّ من علم ما اوتینا تفسیر القرآن و أحکامه الحدیث. (3)

ص:35


1- 1) راجع الکفایة 2:61.
2- 2) الکفایة 2:62.
3- 3) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 13.

و کخبر جابر بن یزید قال:سألت أبا جعفر علیه السّلام عن شیء من التفسیر فأجابنی،ثم سألته عنه ثانیة فأجابنی بجواب آخر،فقلت:کنت أجبتنی فی هذه المسألة بجواب غیر هذا؟فقال:

یا جابر إنّ للقرآن بطنا و له ظهر و للظهر ظهر یا جابر،و لیس شیء أبعد من عقول الرجال من تفسیر القرآن،إنّ الآیة یکون أوّلها فی شیء و آخرها فی شیء،و هو کلام متصل متصرف علی وجوه. (1)

و کخبر الاحتجاج عن النبی صلّی اللّه علیه و آله فی احتجاجه یوم الغدیر علی تفسیر کتاب اللّه و الداعی إلیه إلی أن قال:معاشر الناس تدبّروا و افهموا آیاته و انظروا فی محکماته،و لا تتبعوا متشابهه،فو اللّه لن یبیّن لکم زواجره و لا یوضح لکم عن تفسیره:إلاّ الذی أنا آخذ بیده. (2)

و کخبر موسی بن عقبة:أنّ معاویة أمر الحسین علیه السّلام أن یصعد المنبر فیخطب:فحمد اللّه و أثنی علیه،ثم قال:نحن حزب اللّه الغالبون و عترة نبیّه الأقربون و أحد الثقلین اللذین جعلنا رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله ثانی کتاب اللّه فیه تفصیل کل شیء لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه،و المعوّل علینا فی تفسیره لا نتظنّی تأویله،بل نتّبع حقائقه،فأطیعونا فان طاعتنا مفروضة إذ کانت بطاعة اللّه و رسوله مقرونة،قال اللّه: أَطیعُوا اللّهَ وَ أَطیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولی الْأَمْر منْکُمْ فَإنْ تَنازَعْتُمْ فی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إلَی اللّه وَ الرَّسُول ؟ و قال: وَ لَوْ رَدُّوهُ إلَی الرَّسُول وَ إلی أُولی الْأَمْر منْهُمْ لَعَلمَهُ الَّذینَ یَسْتَنْبطُونَهُ منْهُمْ (3)

و کخبر زرارة عن ابی جعفر علیه السّلام قال:تفسیر القرآن علی سبعة اوجه منه ما کان و منه ما لم یکن بعد،تعرفه الائمة علیهم السّلام (4)

و کخبر یعقوب بن جعفر قال:کنت مع أبی الحسن علیه السّلام بمکة فقال له قائل:إنّک لتفسر من کتاب اللّه ما لم تسمع به؟!فقال ابو الحسن علیه السّلام:علینا نزل قبل الناس و لنا فسّر قبل أن

ص:36


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 41.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 45.
3- 3) نفس المصدر
4- 4) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 50.

یفسّر فی الناس،فنحن نعرف(نعلم)حلاله و حرامه و ناسخه و منسوخه و سفریّه و حضریّه،و فی أیّ لیلة نزلت کم من آیة و فیمن نزلت و فیما نزلت،فنحن حکماء اللّه فی أرضه و شهداؤه علی خلقه الحدیث. (1)

قال البحرانی بعد نقل جملة من الروایات المذکورة و غیرها:و أمّا غیرهم علیهم السّلام فلا شبهة فی قصور علومهم و عجز أفهامهم عن الوصول إلی ساحة إدراک کثیر من تفسیر الظواهر و التنزیل فضلا عن البواطن و التأویل بلا إرشاد من الائمة العالمین و عنایة من اللّه رب العالمین. (2)

الطائفة الثانیة: الأخبار الناهیة عن تفسیر القرآن بالرأی من غیر المعصوم علیه السّلام:

الأخبار الناهیة عن تفسیر القرآن بالرأی من غیر المعصوم علیه السّلام:

ففی موثقة الریّان بن الصلت عن الرضا علیه السّلام عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السّلام:قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:قال اللّه جل جلاله:ما آمن بی من فسّر برأیه کلامی الحدیث. (3)

و فی خبر عمار بن موسی عن ابی عبد اللّه علیه السّلام فی حدیث:و من فسّر برأیه من کتاب اللّه فقد کفر. (4)

و فی خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام:من فسّر القرآن برأیه إن اصاب لم یؤجر و إن أخطأ خرّ أبعد من السماء. (5)

و فی خبر عبد الرحمن بن سمرة قال:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:لعن اللّه المجادلین فی دین اللّه علی لسان سبعین نبیّا،و من جادل (6)فی آیات اللّه کفر قال اللّه ما یُجادلُ فی آیات اللّه إلاَّ

ص:37


1- 1) بصائر الدرجات الجزء الرابع 198،الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 51.
2- 2) البرهان:16.
3- 3) الوسائل الباب 6 من ابواب صفات القاضی،ح 22.
4- 4) الوسائل الباب 6 من ابواب صفات القاضی،ح 45.
5- 5) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 66.
6- 6) جادل مجادلة اذا خاصم بما یشغل عن ظهور الحق و وضوح الصواب،هذا أصله،ثم استعمل علی لسان حملة الشرع فی مقابلة الادلة لظهور ارجحها و هو محمود ان کان للوقوف علی الحق،و إلاّ فمذموم(مصباح اللغة)و الظاهر انّ المراد من المجادلة فی الحدیث هو المعنی الاول.

اَلَّذینَ کَفَرُوا ،و من فسّر القرآن برأیه فقد افتری علی اللّه الکذب الحدیث. (1)

و فی خبر زید الشحام قال:دخل قتادة بن دعامة علی أبی جعفر علیه السّلام فقال:یا قتادة أنت فقیه اهل البصرة؟!فقال:هکذا یزعمون.فقال أبو جعفر علیه السّلام بلغنی أنّک تفسر القرآن.فقال له قتادة:نعم.فقال له أبو جعفر علیه السّلام:فإن کنت تفسره بعلم فأنت أنت،و أنا أسألک...إلی أن قال ابو جعفر علیه السّلام:ویحک یا قتادة إن کنت إنّما فسرت القرآن من تلقاء نفسک فقد هلکت و أهلکت،و إن کنت قد فسرته من الرجال فقد هلکت و أهلکت،و إن کنت قد فسّرته من الرجال فقد هلکت و أهلکت ویحک یا قتادة إنّما یعرف القرآن من خوطب به. (2)

و فی مجمع البیان عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قال:من قال فی القرآن بغیر علم فلیتبوأ مقعده من النار. (3)

و فیه أیضا:و صحّ عن النبی صلّی اللّه علیه و آله و الأئمة علیهم السّلام:أنّ تفسیر القرآن لا یجوز إلاّ بالأثر الصحیح و النصّ الصریح. (4)

و فیه أیضا:و روی العامة عن النبی صلّی اللّه علیه و آله قال:من فسّر القرآن برأیه فأصاب الحق فقد أخطأ. (5)

و فی تفسیر البرهان:و عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله:من فسّر القرآن برأیه فلیتبوّأ مقعده من النّار. (6)

إلی غیر ذلک من الأخبار الظاهرة فی النهی عن التفسیر بغیر ما ورد عن المعصومین علیهم السّلام.

الطائفة الثالثة: الأخبار الدّالة علی المنع عن ضرب القرآن بعضه ببعض

الأخبار الدّالة علی المنع عن ضرب القرآن بعضه ببعض ففی خبر القاسم بن سلیمان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قال أبی:ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض الاّ کفر.

ص:38


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 37.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 25.
3- 3) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 76.
4- 4) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 78.
5- 5) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 79.
6- 6) البرهان:16.

قال الصدوق:سألت محمّد بن الحسن عن معنی الحدیث فقال:هو أن یجیب الرجل فی تفسیر آیة بتفسیر آیة اخری. (1)

و قال فی تفسیر البرهان:و الظاهر أنّ المراد تأویل بعض متشابهاته إلی بعض بمقتضی الرأی و الهوی من دون سماع من أهله و نور هدی من اللّه. (2)

و فی خبر اسماعیل بن جابر عن الصادق علیه السّلام قال:إنّ اللّه بعث محمّدا فختم به الأنبیاء فلا نبی بعده،و أنزل علیه کتابا فختم به الکتب فلا کتاب بعده..إلی أن قال:فجعله النبی صلّی اللّه علیه و آله علما باقیا فی أوصیائه،فترکهم الناس و هم الشهداء علی أهل کل زمان حتی عاندوا من أظهر ولایة ولاة الأمر و طلب علومهم،و ذلک أنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض،و احتجّوا بالمنسوخ و هم یظنون أنّه الناسخ،و احتجّوا بالخاصّ و هم یقدّرون أنّه العامّ،و احتجّوا بأوّل الآیة و ترکوا السنّة فی تأویلها،و لم ینظروا إلی ما یفتتح الکلام و إلی ما یختمه،و لم یعرفوا موارده و مصادره؛إذ لم یأخذوه من أهله،فضلّوا و أضلّوا.

ثم ذکر کلاما طویلا فی تقسیم القرآن إلی أقسام و فنون و وجوه تزید علی مائة و عشر...إلی أن قال:و هذا دلیل واضح علی أنّ کلام الباری سبحانه لا یشبه کلام الخلق کما لا تشبه افعاله أفعالهم،و لهذه العلّة و أشباهها لا یبلغ أحد کنه معنی حقیقة تفسیر کتاب اللّه تعالی إلاّ نبیّه و أوصیاؤه...إلی أن قال:ثم سألوه علیه السّلام عن تفسیر المحکم من کتاب اللّه فقال:

أمّا المحکم الذی لم ینسخه شیء فقوله عزّ و جلّ هُوَ الَّذی أَنْزَلَ عَلَیْکَ الْکتابَ منْهُ آیاتٌ مُحْکَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْکتاب وَ أُخَرُ مُتَشابهاتٌ الآیة؛و إنّما هلک الناس فی المتشابه؛لأنّهم لم یقفوا علی معناه،و لم یعرفوا حقیقته،فوضعوا له تأویلا من عند أنفسهم بآرائهم،و استغنوا بذلک عن مسألة الأوصیاء،و نبذوا قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله وراء ظهورهم الحدیث. (3)

إلی غیر ذلک من الروایات و بالجملة:فحاصل الاستدلال بالطوائف المذکورة أنّ

ص:39


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 22.
2- 2) البرهان 16.
3- 3) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 62.

مقصود اللّه سبحانه و تعالی من القرآن الکریم لیس هو.تفهیم مطالبه بلا واسطة تبیین المعصومین و تفسیرهم علیهم السّلام:و علیه فالأخذ بظاهره و العمل به من مصادیق تفسیر القرآن الذی کان منهیا عنه بحسب الاخبار،و معه لا حجیّة لظواهره.

و یمکن الجواب عنه:

أوّلا:بأنّ الاخبار المذکورة دلّت علی ممنوعیّة التفسیر لا العمل بالظواهر الواضحة المعنی بعد الفحص عن النسخ و التخصیص و التقیید؛فإنّ هذا لا یسمّی تفسیرا،إذا التفسیر مختص بما له إبهام و إجمال و تشابه و خفاء بحیث لا یمکن رفعه إلاّ بالتفسیر و کشف القناع و من المعلوم أنّه لا إجمال و لا إبهام فی الأخذ بالظواهر أو فی ضرب بعضها ببعض.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:إنّ أحدا من العقلاء إذا رأی فی کتاب مولاه أنّه أمره بشیء بلسانه المتعارف فی مخاطبته عربیا أو فارسیا أو غیرهما فعمل به و امتثله لم یعدّ هذا تفسیرا إذ التفسیر کشف القناع،و لا قناع للظاهر. (1)

هذا،مضافا إلی ما ورد من الروایات فی معنی التفسیر من أنّ المراد منه هو تفسیر البطون کروایة زید الشحام قال:دخل قتادة بن دعامة علی أبی جعفر علیه السّلام فقال:یا قتادة أنت فقیه أهل البصرة،فقال:هکذا یزعمون فقال أبو جعفر علیه السّلام:بلغنی أنّک تفسّر القرآن فقال له قتادة:نعم فقال أبو جعفر علیه السّلام:بعلم تفسره أن بجهل قال:لا،بعلم فقال له ابو جعفر علیه السّلام:فإن کنت تفسّره بعلم فأنت أنت،و أنا أسألک قال:قتادة سل.قال:أخبرنی عن قول اللّه عزّ و جلّ فی سبأ وَ قَدَّرْنا فیهَا السَّیْرَ سیرُوا فیها لَیالیَ وَ أَیّاماً آمنینَ فسّر قتادة آمنین فقال قتادة:ذلک من خرج من بیته بزاد حلال و کراء حلال یرید هذا البیت کان آمنا حتی یرجع إلی أهله.

فقال أبو جعفر علیه السّلام:نشدتک اللّه یا قتادة هل تعلم أنّه قد یخرج الرجل من بیته بزاد حلال و راحلة و کراء حلال یرید هذا البیت فیقطع علیه الطریق فتذهب نفقته و یضرب

ص:40


1- 1) فرائد الاصول:35.

مع ذلک ضربة فیها اجتیاحه؟!قال قتادة:اللّهمّ نعم.فقال أبو جعفر علیه السّلام:ویحک یا قتادة إن کنت إنّما فسرت القرآن من تلقاء نفسک فقد هلکت،و أهلکت و إن کنت قد أخذته من الرجال فقد هلکت و أهلکت،ویحک یا قتادة ذلک من خرج من بیته بزاد و راحلة و کراء حلال یروم هذا البیت عارفا بحقنا یهوانا قلبه کما قال اللّه عزّ و جلّ فَاجْعَلْ أَفْئدَةً منَ النّاس تَهْوی إلَیْهمْ و لم یعن البیت فیقول:إلیه،فنحن و اللّه دعوة إبراهیم علیه السّلام التی من هو انا قلبه قبلت حجّته،و إلاّ فلا یا قتادة،فإذا کان کذلک کان آمنا من عذاب جهنم یوم القیامة.

قال قتادة لا جرم و اللّه لا فسرتها إلاّ هکذا.فقال ابو جعفر علیه السّلام:ویحک یا قتادة إنّما یعرف القرآن من خوطب به الاجتیاح الإهلاک. (1)

فإنّ هذه الروایة المبارکة تدلّ علی أنّ محل الکلام بین الإمام علیه السّلام و بین قتادة هو تفسیر البطون؛لوضوح أنّ الآیات المذکورة غیر مرتبطة بمسألة الحجّ،بل هی شارحة لقصة سبأ، فقتادة ادّعی العلم بتفسیر البطون،و فسرها بعنوان البطن بمن یرید بیت اللّه الحرام،فأورد علیه الإمام علیه السّلام بأنّ«کان آمنا»لا یساعد مع حدوث الحوادث فی الطرق،ثم فسّرها الإمام بمن یرید الذهاب إلی أهل البیت و أنّ المراد من قوله«کان آمنا»هو الأمان من عذاب جهنم یوم القیامة،و استشهد فی ذلک بظهور کلمة إلیهم فی قول فَاجْعَلْ أَفْئدَةً منَ النّاس تَهْوی إلَیْهمْ فی أنّ المقصود من دعاء إبراهیم هو أهل البیت لا بیت اللّه،و إلاّ فیقول إلیه مکان إلیهم.فاتضح من هذه الآیة أنّ معنی التفسیر هو تفسیر البطون لا الأخذ بالظهور،فمنعه الإمام عن هذا النوع من التفسیر و ارجعه إلی الأخذ بالظهور بقوله:«و لم یعن البیت فیقول إلیه»

و کروایة جابر حیث قال:سألت أبا جعفر علیه السّلام عن شیء من التفسیر فأجابنی ثم سألته عنه ثانیا:فأجابنی بجواب آخر فقلت:کنت أجبتنی فی هذه المسألة بجواب غیر هذا فقال:یا

ص:41


1- 1) روضة الکافی،311-312.

جابر إنّ للقرآن بطنا و له(ای للبطن)ظهر و للظهر ظهر،یا جابر و لیس شیء أبعد من عقول الرجال من تفسیر القرآن الحدیث. (1)

فإنّ الأجوبة المختلفة و صحة جمیعها لا تکون إلاّ بعنوان تفسیر البطون،و إلاّ فاللازم هو الاقتصار علی ما یساعده الظهور.

و

کروایة زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام حیث قال: تفسیر القرآن علی سبعة أوجه:منه ما کان، و منه ما لم یکن بعد تعرفه الأئمة علیهم السّلام (2)

فإنّ ذکر الوجوه المختلفة أو ذکر المصادیق الخفیة لیس إلاّ من باب تفسیر البطون لا الأخذ بالظهور،و إلاّ لزم الاقتصار علی ما یساعده الظهور،لا التعدی منه إلی الوجوه الأخری أو المصادیق الخفیّة.

فانقدح من ذلک أنّ موضوع الأخبار الناهیة هو التفسیر،و المراد منه هو ذکر البطون أو ذکر المصادیق الخفیّة،و هو أجنبی عن الأخذ بظهورات الکتاب.

و ثانیا:بأنّه لو سلّم أنّ العمل بالظواهر تفسیر و الأخبار تدلّ علی النهی عن التفسیر، فلا یخفی أنّ الممنوع هو التفسیر بالرأی،و الرأی علی ما أفاده الشیخ هو الاعتبار العقلی الظنّی الراجع إلی الاستحسان الذی لا اعتبار به،کحمل اللفظ علی خلاف ظاهره لمجرد رجحانه بنظره أو حمل المجمل علی بعض محتملاته لرجحان ذلک فی نظره من دون مساعدة دلیل علیه و من دون فحص عمّا ورد عن الأوصیاء المعصومین علیهم السّلام.

و من المعلوم أنّ ذلک لا یشمل حمل ظواهر الکتاب علی معانیها اللغویة و العرفیة بعد الفحص عما ورد عن الأوصیاء علیهم السّلام و العمل بها و الاجتناب عن الاعتبارات الظنیّة التی لا دلیل علیها.و یرشد إلیه المروی عن إسماعیل بن جابر عن الصادق علیه السّلام حیث قال فی حدیث طویل:إنّما هلک الناس فی المتشابه؛لأنّهم لم یفقهوا علی معناه و لم یعرفوا حقیقته،

ص:42


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 41.
2- 2) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 50.

فوضعوا له تأویلا من عند أنفسهم بآرائهم،و استغنوا بذلک عن مسألة الأوصیاء. (1)

او أنّ الممنوع هو التفسیر من دون فحص کامل عن القرائن العقلیة و النقلیة کما هو دأب المخالفین فی الاکتفاء بنفس الکتاب،قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:یرشدک إلی هذا ما تقدم فی ردّ الإمام علی أبی حنیفة حیث إنّه یعمل کتاب اللّه،و من المعلوم أنّه إنّما کان یعمل بظواهره لا أنّه کان یؤوّله بالرأی؛إذ لا عبرة بالرأی عندهم مع الکتاب و السنة.و یرشد إلی هذا قول ابی عبد اللّه علیه السّلام فی ذمّ المخالفین أنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض،و احتجّوا بالمنسوخ و هم یظنّون أنّه الناسخ،و احتجّوا بالخاص و هم یظنّون أنّه العامّ،و احتجّوا بأوّل الآیة و ترکوا السنّة فی تأویلها و لم ینظروا إلی ما یفتتح به الکلام و إلی ما یختمه،و لم یعرفوا موارده و مصادره؛إذ لم یأخذوه عن أهله،فضلّوا و أضلّوا. (2)

فتحصّل:أنّه یجوز التفسیر بعد الفحص و الاجتناب عن الاعتبارات التی لا دلیل علیها.

و لا ینافیه ما ورد فی اختصاص التفسیر بالائمة علیهم السّلام؛لأنّ المراد منه هو التفسیر الکامل لا تفسیر بعض القرآن بحمل ظواهره علی معانیها اللغویة و العرفیة بعد الفحص عن الروایات الواردة حوله مع الاجتناب عن الآراء الشخصیّة،و لذلک قال الشیخ قدّس سرّه:و بالجملة فالانصاف یقتضی عدم الحکم بظهور الأخبار المذکورة فی النهی عن العمل بظاهر الکتاب بعد الفحص و التتبع فی سائر الأدلة خصوصا الآثار الواردة عن المعصومین. (3)

و ثالثا:بأنّه لو سلّمنا دلالة الأخبار المذکورة علی المنع عن الأخذ بظهور الآیات القرآنیة،فلا بدّ من حملها علی ما ذکر؛لتعارضها مع أکثر الأخبار الدالّة علی جواز التمسک بظواهر القرآن الکریم مثل خبر الثقلین،و الأخبار الدالّة علی الأمر بالتمسک بالقرآن و العمل بما فیه،و الروایات الدالّة علی عرض الأخبار المتعارضة علی القرآن و الأخذ بالموافق و طرح المخالف،و الأخبار الدالة علی ردّ الشروط المخالفة للکتاب فی أبواب المعاملات،و

ص:43


1- 1) الوسائل الباب 13 من ابواب صفات القاضی،ح 62.
2- 2) فرائد الاصول:36.
3- 3) فرائد الاصول:36.

الروایات الدالة علی الإرجاع إلی ظواهر الکتاب مثل قوله علیه السّلام لما قال له زرارة من أین علمت أنّ المسح ببعض الرأس فقال:لمکان الباء.فعرفه مورد استفادة الحکم من ظاهر الکتاب،و إلی غیر ذلک من الموارد الکثیرة التی أشار إلیها الشیخ الأعظم قدّس سرّه. (1)

فحینئذ یکون مقتضی الجمع بین الأخبار هو حمل الأخبار الناهیة علی النهی عن التفسیر بالرأی أو التفسیر من دون فحص و تتبّع؛لأنّ جواز التمسک بظواهر القرآن عرض الأخبار المتعارضة علی ظاهر القرآن و ردّ الشروط المخالفة لظاهر القرآن و الإرجاعات إلی ظواهر القرآن و غیر ذلک من المسلّمات،و هو قرینة علی أنّ المقصود من الأخبار الناهیة غیر صورة الأخذ بالظهورات مع مراعاة الفحص و التّتبع و الاجتناب عن الرأی الشخصی، فتدبر جیّدا.

و لذلک قال المحقق الخراسانی قدّس سرّه:لا محیص عن حمل هذه الروایات الناهیة عن التفسیر به علی ذلک،و لو سلّم شمولها لحمل اللفظ علی ظاهر ضرورة أنّه قضیّة التوفیق بینها و بین ما دلّ علی جواز التمسک بالقرآن مثل خبر الثقلین و ما دلّ علی التمسک به و العمل بما فیه و عرض الأخبار المتعارضة علیه و ردّ الشروط المخالفة له و غیر ذلک مما لا محیص عن إرادة الإرجاع إلی ظواهره لا خصوص نصوصه؛ضرورة أنّ الآیات التی یمکن أن تکون مرجعا فی باب تعارض الروایات أو الشروط أو یمکن أن یتمسک بها و یعمل بما فیها لیست إلاّ ظاهرة فی معانیها،و لیس فیها ما کان نصّا کما لا یخفی. (2)

لا یقال:إنّ الرجوع إلی الکتاب عند تعارض الأخبار لیس من باب حجیّة الکتاب،بل من جهة مرجحیّته کما یرجع إلی آراء العامّة من جهة المرجحیة لا الحجیة لأنا نقول:لحن الأخبار یخالف ذلک التوهم:

فإنّ منها ما یجعل الموافقة للقرآن معیارا للأخذ به و عدم الموافقة معیارا للردّ حیث

ص:44


1- 1) راجع فرائد الاصول:36-37.
2- 2) الکفایة 2:62-63.

قال علیه السّلام فی حدیث جابر:انظروا أمرنا و ما جاءکم عنا،فإن وجدتموه للقرآن موافقا فخذوا به،و إن لم تجدوه موافقا فردّوه. (1)و من المعلوم أنّ هذا التعبیر ظاهر فی حجیّة الکتاب.

و أیضا من الأخبار ما یجعل القرآن شاهد صدق حیث قال علیه السّلام:إذا جاءکم عنا حدیث فوجدتم علیه شاهدا أو شاهدین من کتاب اللّه فخذوا به،و إلاّ فقفوا عنده ثم ردوه إلینا حتی یستبین لکم. (2)و من المعلوم أنّ الشهادة من الحجج،فالتعبیر عن القرآن بالشاهد ظاهر فی کونه حجّة.

و أیضا من الأخبار ما یجعل القرآن مرجعا للصحة حیث قال علیه السّلام:کل شیء مردود إلی الکتاب و السنة،و کل حدیث لا یوافق کتاب اللّه فهو زخرف. (3)و من المعلوم أنّ المرجّحیّة لا تتصور بدون الحجیّة.

هذا،مضافا إلی أنّ التعبیر عن الکتاب بالنور و الهدایة و فصل الخطاب و المصباح و نحوها لا یساعد أن یکون الرجوع إلی الکتاب من باب المرجّحیّة لا الحجیّة،فلا تغفل.و مما ذکر ینقدح ما فی المحکی عن سیدنا الأستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه حیث قال إنّ کون الظاهر مرجّحا و موجبا لتقدیم أحد الخبرین لا یلازم حجّیته ذاتا و فی نفسه (4)

و ذلک لما عرفت من شهادة لحن الأخبار المذکورة علی أنّ المقصود هو الحجّیّة لا مجرد المرجّحیّة فلا تغفل.

التنبیهات
التنبیه الأوّل: البحث عن اعتبار ظواهر الکتاب قلیل الجدوی،

أنّه ربّما یتوهم أنّ البحث عن اعتبار ظواهر الکتاب قلیل الجدوی،لأنّه ما من آیة من

ص:45


1- 1) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضی،ح 37.
2- 2) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضی،ح 18.
3- 3) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضی،ح 14.
4- 4) المحاضرات 101/2.

الآیات الواردة فی الفروع و الاصول إلاّ ورد فیها خبر موافق أو أخبار موافقة لها،فلو لم یکن ظواهر الکتاب حجّة کفت الأخبار الموافقة لها.هذا مضافا إلی أنّ جلّ الآیات الواردة فی الاصول و الفروع مجملة،فلا یمکن العمل بها إلاّ بعد أخذ تفصیلها من الأخبار.

و یمکن الجواب عنه بما أفاده شیخنا الأعظم قدّس سرّه من أنّ المتوهم قصّر نظره إلی الآیات الواردة فی العبادات؛فإنّ أغلبها من قبیل ما ذکره،و إلاّ فالإطلاقات الواردة فی المعاملات مما یتمسّک بها فی الفروع الغیر المنصوصة أو المنصوصة بالنصوص المتکافئة کثیرة جدّا، مثل: أَوْفُوا بالْعُقُود و أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و تجارَةً عَنْ تَراضٍ و فَرهانٌ مَقْبُوضَةٌ و لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتیم وَ أُحلَّ لَکُمْ ما وَراءَ ذلکُمْ ...إلی أن قال:و بل فی العبادات ایضا کثیرة مثل قوله تعالی إنَّمَا الْمُشْرکُونَ نَجَسٌ فَلا یَقْرَبُوا الْمَسْجدَ الْحَرامَ و آیات التیمّم و الوضوء و الغسل.و هذه العمومات و إن ورد فیها أخبار فی الجملة إلاّ أنّه لیس کل فرع مما یتمسک فیه بالآیة ورد فیه خبر سلیم عن المکافئ، فلاحظ و تتّبع. (1)

و کلامه متین،و لکن الأخذ بالإطلاق فی الاختراعیات فرع إحراز کون المتکلم فی مقام بیان تفصیل الأحکام لا فی مقام بیان أصل التشریع،و إحراز ذلک فی الموضوعات الاختراعیة العبادیة کالصلاة محل تأمّل،و إن کان إحراز ذلک فی الإمضائیات أو التأسیسیات التی کان موضوعها من الموضوعات اللغویة کالجهاد و الدفاع و الإحسان و الإصلاح و التعاون و العدل و غیر ذلک ممکنا؛لمعلومیة الموضوع عند العقلاء و العرف و لا حاجة إلی بیانه،فإذا أمضاه الشارع أو أسّسه و لم یقیّده بقید و شرط کشف عن أنّ إطلاقه مقبول عنده؛إذ لو کان مقیّدا عنده لزم علیه أن یبیّنه.و لا مورد لدعوی کونه فی مقام بیان أصل المشروعیة بعد وضوح الموضوع عندهم،کما لا یخفی.

نعم لا بأس بالأخذ بالإطلاق المقامی فی العبادیّات أیضا فی العبادیّات أیضا فیما إذا کشف کون المتکلم فی مقام الإطلاق من جهة إحراز اکتفاء الشارع بها مع عدم ورود خبر و

ص:46


1- 1) فرائد الاصول:39-40.

روایة فی بیان تفصیلها؛فإنّ الاکتفاء بالآیة فی هذا المقام مع حلول وقت العمل یکشف عن إرادة إطلاقها،و إلاّ لاتخذ سبیلا آخر لبیان مراده،کما لا یخفی.

التنبیه الثانی: إحراز کون الظاهر من الکتاب

أنّ اللازم بعد حجیّة ظهورات الکتاب هو إحراز کون الظاهر من الکتاب،فما اشتبه أنّه من الکتاب أو غیره فلیس بحجّة.و علیه فلو اختلفت قراءة القرآن بحیث یوجب الاختلاف فی الظهور و الأحکام،مثل:یطهرن بالتشدید و التخفیف،فإنّ قراءة التشدید ظاهرة فی لزوم الاغتسال فی جواز المعاشرة،و قراءة التخفیف ظاهرة فی کفایة النقاء عن الحیض فی ذلک،فلا یجوز التمسک بأحدهما لإثبات خصوص ما یکون ظاهرا فیه بعد عدم إحراز کونه من ظاهر القرآن و الکتاب،فاللازم فی حجیّة ظاهر المعروفین،فإن کانت قراءاتهم متواترة فالقرآن متواتر،و إلاّ فلا و إذن فلا محیص من القول بتواتر القراءات.

غیر سدید؛لأنّ تواتر القرآن لا یستلزم تواتر القراءات،إذ الاختلاف فی کیفیة الکلمة لا ینافی الاتفاق علی أصلها،و لهذا نجد أنّ اختلاف الرواة فی بعض ألفاظ قصائد المبتنی مثلا لا یصادم تواتر القصیدة عنه و ثبوتها له.

علی أنّ الواصل إلینا بتوسط القرّاء إنّما هو خصوصیات قراءاتهم،و أمّا أصل القرآن فهو و اصل إلینا بالتواتر بین المسلمین و بنقل الخلف عن السلف و حفظهم لذلک فی صدورهم و فی کتاباتهم،و لا دخل للقرّاء فی ذلک أصلا،و لذلک کان القرآن ثابت التواتر حتی لو فرضنا أنّ هؤلاء القرّاء السبعة أو العشرة لم یکونوا:موجودین أصلا،عظمة القرآن أرقی من أن یتوقف علی نقل اولئک النفر المحصورین...إلی أن قال:فالمادّة متواترة و إن اختلف فی هیئتها أو فی إعرابها،و احدی الکیفیات من القرآن قطعا و إن لم تعلم بخصوصها.

و علی الجملة تواتر القرآن لا یستلزم تواتر القراءات و قد اعترف بذلک الزرقانی حیث قال:یبالغ بعضهم فی الإشادة (1)بالقراءات السبع،و یقول من زعم أنّ القراءات السبع لا یلزم فیها التواتر فقوله کفر لأنّه یؤدی إلی عدم تواتر القرآن جملة.

ص:47


1- 1) الاشادة لعله من اشاد بذکره أی رفعه بالثناء علیه.

و یعزی هذا الرأی إلی مفتی البلاد الأندلسیة الأستاذ أبی سعید فرج بن لب،و قد الکتاب هو إحراز کون الظاهر من الکتاب.

و دعوی تواتر القراءات کلها مندفعة بما فی الکفایة من أنّها مما لا أصل له،و إنّما الثابت جواز القراءة بها،و لا ملازمة بین جواز القراءة و تواترها،کما لا ملازمة بین جواز القراءة تعبدا و جواز الاستدلال بها.

و إلیک تفصیل ذلک:و لقد أفاد و اجاد السید المحقق الخوئی قدّس سرّه حیث قال-بعد نقل تصریحات عدّة من علماء أهل السنّة بعدم تواتر القراءات-تامّل بربّک هل تبقی قیمة لدعوی التواتر فی القراءات بعد شهادة هؤلاء الأعلام کلّهم بعدمه؟!و هل یمکن إثبات التواتر بالتقلید و باتباع بعض من ذهب إلی تحققه من غیر أن یطالب بدلیل؟!

ثم أورد علی استدلالاتهم للتواتر بما حاصله:

و الاستدلال علی تواتر القراءات السبع بقیام الإجماع علیه من السلف إلی الخلف فاسد؛ لأنّ الإجماع لا یتحقق باتّفاق أهل مذهب واحد عند مخالفة الآخرین.

کما أنّ الاستدلال علیه باهتمام الصحابة و التابعین بالقرآن یقضی بتواتر قراءاته غیر صحیح؛لأنّ هذا الدلیل إنّما یثبت تواتر نفس القرآن لا تواتر کیفیة قراءاته.هذا مضافا إلی أنّه لو کان هذا الدلیل کافیا لتواتر القراءات فلا وجه لتخصیصه بالسبع أو العشر،بل لازمه هو الالتزام بتواتر جمیع القراءات من غیر تفرقة بینها.

و القول:بأنّ القراءات السبع لو لم تکن متواترة لم یکن القرآن متواترا،و التالی باطل بالضرورة فالمقدّم مثله.و وجه التلازم:أنّ القرآن إنّما وصل إلینا بتوسط حفّاظه و القرّاء تحمّس (1)لرأیه کثیرا و ألف رسالة کبیرة فی تأیید مذهبه و الردّ علی من رد علیه و لکن دلیله الذی استند الیه لا یسلم له؛فإنّ القول بعدم تواتر القراءات السبع لا یستلزم القول بعدم تواتر القرآن،کیف و هناک فرق بین القرآن و القراءات السبع بحیث یصح أن یکون

ص:48


1- 1) ای اشتدّ و صلب

القرآن متواترا فی غیر القراءات السبع أو فی القدر الذی اتفق علیه القراء جمیعا أو فی القدر الذی اتفق علیه عدد یؤمن تواطؤهم علی الکذب قرّاء کانوا أو غیر قرّاء. (1)

ثم حکی السید المحقق الخوئی قدّس سرّه عن بعض علماء العامّة أنّ تواتر القرآن لا یستلزم تواتر القراءات،و أنّه لم یقع لأحد من أئمة الاصولین تصریح بتواتر القراءات و توقف تواتر القرآن علی تواترها،کما وقع لابن الحاجب. (2)

قال الزرکشی فی البرهان:القرآن و القراءات حقیقتان متغایرتان،فالقرآن هو الوحی المنزل علی محمّد صلّی اللّه علیه و آله للبیان و الإعجاز،و القراءات اختلاف ألفاظ الوحی المذکور فی الحروف و کیفیّتها من تخفیف و تشدید و غیرهما،و القراءات السبع متواترة عند الجمهور، و قیل بل هی مشهورة،و قال أیضا:و التحقیق أنّها متواترة عن الأئمة السبعة،أمّا تواترها عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله ففیه نظر؛فإنّ اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود فی کتب القراءات،و هی نقل الواحد عن الواحد. (3)

مسألة نزول القرآن علی الاحرف:قال السید المحقق الخوئی قدّس سرّه:قد یتخیّل أنّ الأحرف السبعة التی نزل بها القرآن هی القراءات السبع،فیتمسک لإثبات کونها من القرآن بالروایات التی دلّت علی

أنّ القرآن نزل علی سبعة أحرف... إلی أن قال:منها ما أخرجه القرطبی عن أبی داود عن أبیّ قال:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله یا أبیّ إنّی قرأت القرآن فقیل لی علی حرف أو حرفین فقال الملک الذی معی قل:علی حرفین فقیل لی:علی حرفین أو ثلاثة فقال الملک الذی معی.قل علی ثلاثة حتی بلغ سبع أحرف...الحدیث.

ثم قال السید الخوئی قدّس سرّه:هذه أهمّ الروایات الواردة فی هذا المعنی،و کلّها من طرق اهل السنة،و هی مخالفة لصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام قال:إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد،و لکن الاختلاف یجیء من قبل الرواة.و ایضا أنّ الصادق علیه السّلام حکم بکذب الروایة

ص:49


1- 1) مناهل العرفان،ص 428.
2- 2) البیان:ص 105.
3- 3) الاتقان النوع،22-27،ج 1،ص 138.

المشهورة بین الناس

(نزل القرآن علی سبعة احرف)و قال:و لکنّه نزل علی حرف واحد من عند الواحد. (1)

و قد تقدم إجمالا أنّ المرجع بعد النبی صلّی اللّه علیه و آله فی امور الدّین إنّما هو کتاب اللّه و أهل البیت الذین أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهیرا و لا قیمة للروایات إذا کانت مخالفة لما یصحّ عنهم،و لذلک لا یهمّنا أن نتکلم فی أسانید هذه الروایات.و هذا أوّل شیء تسقط بها الروایة عن الاعتبار و الحجیّة،و یضاف إلی ذلک ما بین هذه الروایات من التخالف و التناقض و ما فی بعضها من عدم التناسب بین السؤال و الجواب.ثم أورد تلک الموارد و جعلها موهنة لهذه الروایات.ثم ذکر توجیهات ذکرها العامّة لمعنی هذه الروایة،ثم أشکل علیها.و لقد أفاد و أجاد و قال فی نهایة الأمر:و حاصل ما قدّمناه أنّ نزول القرآن علی سبعة أحرف لا یرجع إلی معنی صحیح،فلا بدّ من طرح الروایات الدالّة علیه،و لا سیما بعد أن دلّت أحادیث الصادقین علیهم السّلام علی تکذیبها و أنّ القرآن أنّما نزل علی حرف واحد و أنّ الاختلاف قد جاء من قبل الرواة. (2)

و الحاصل:أنّ دعوی تواتر القراءات مما لا أصل له،فإذا لم یثبت تواترها ظهر أنّه لا یجوز الاستدلال بکلّ قراءة لخصوص ما تکون ظاهرة فیه؛لعدم إحراز کونه من ظاهر القرآن و مع التخالف یکون من موارد اشتباه الحجّة بغیر الحجة إن قلنا بوجود قراءة النبیّ صلّی اللّه علیه و آله فی أحد الطرفین إجمالا و مقتضی القاعدة هو التساقط و الرجوع إلی العموم أو الأصل الموافق لأحد مما لیس إلاّ کما هو المحکی عن سیدنا الاستاذ المحقق الداماد (3)و لو سلّمنا تواترها فلا بدّ من الجمع بینها بحمل الظاهر علی الأظهر،و مع عدم الأظهر یحکم بالتوقف و الرجوع إلی الأدلّة الأخری أو الأصول الموجودة فی المسألة.

ثم یقع الکلام فی أنّه هل یجوز الإتیان بکل قراءة من القراءات فی الصلاة أو لا یجوز؟قال

ص:50


1- 1) الوافی 5 باب اختلاف القراءات،ص 272.
2- 2) البیان:112 و 119-135.
3- 3) المحاضرات 2-104

السید المحقق الخوئی قدّس سرّه:فی وجه الثانی أنّ الذی تقتضیه القاعدة الأوّلیة هو عدم جواز القراءة فی الصلاة بکلّ قراءة لم تثبت القراءة بها من النبی صلّی اللّه علیه و آله أو من أحد أوصیائه المعصومین علیهم السّلام لأنّ الواجب فی الصلاة هو قراءة القرآن،فلا یکفی قراءة شیء لم یحرز کونه قرآنا،و قد استقل العقل بوجوب إحراز الفراغ الیقینی بعد العلم باشتغال الذمة،و علی ذلک فلا بدّ من تکرار الصلاة بعدد القراءات المختلفة أو تکرار مورد الاختلاف فی الصلاة الواحدة لإحراز الامتثال القطعی.

و لکنّ الذی یقتضیه التحقیق أنّه ثبت قطعا تقریر الأئمة علیهم السّلام شیعتهم علی القراءة بأیة واحدة من القراءات المعروفة فی زمانهم،فلا شک فی کفایة کلّ واحدة منها،فقد کانت هذه القراءات معروفة فی زمانهم،و لم یرد عنهم أنّهم ردعوا عن بعضها،و لو ثبت الردع لوصل إلینا بالتواتر،و لا أقلّ من نقله بالآحاد،بل ورد عنهم علیهم السّلام إمضاء هذه القراءات بقولهم:

«اقرأ کما یقرأ الناس»و قولهم:«اقرءوا کما تعلّمتم». (1)

و علی ذلک فلا معنی لتخصیص الجواز بالقراءات السبعة أو العشرة.نعم یعتبر فی الجواز أن لا تکون القراءة شاذة ثابتة بنقل الثقات عند علماء أهل السنة و لا موضوعة؛أمّا الشاذة فمثالها قراءة(ملک یوم الدین)بصیغة الماضی و نصب یوم.و أمّا الموضوعة فمثالها قراءة(إنّما یخشی اللّه من عباده العلماء)برفع کلمة اللّه و نصب کلمة العلماء علی قراءة الخزاعی عن ابی حنیفة.

و صفوة القول:أنّه تجوز القراءة فی الصلاة بکل قراءة کانت متعارفة فی زمان أهل البیت. (2)

و هنا إشکال یمکن طرحه،و هو أنّ الروایات الدالة علی جواز القراءة بما کان یقرأ الناس ضعیفة،و مع ضعفها کیف یمکن الاکتفاء بالقراءات المعروفة.

ص:51


1- 1) الوسائل الباب 74،من ابواب القراءة فی الصلاة.
2- 2) البیان:117-118.

و یمکن الجواب عنه بأنّ القراءات الشائعة تکون فی مرأی و منظر الأئمة علیهم السّلام و حیث أنّهم لم یردعوا عنها-إذ لو ردعوا عنها لوصل الردع إلینا-جاز الاکتفاء بالقراءات الشائعة المعروفة فی عهد الأئمة علیهم السّلام.

ثم لا وجه لتخصیص القراءات المعروفة بالقراءات الشائعة فی زمان الإمام الصادق علیه السّلام حتی یشکل فی قراءة غیر هؤلاء أعنی ابن کثیر المتوفّی فی سنة 120 و ابن عامر المتوفّی فی سنة 118 و عاصم المتوفّی فی سنة 128 او 129 و نافع المتوفّی فی سنة 169 و ابن العلاء المتوفّی فی سنة 154 و 155 و حمزة المتوفّی فی سنة 158 و 154 و الکسائی المتوفّی فی سنة 189؛لعدم ثبوت کون قراءة غیر هؤلاء شائعة فی زمان الإمام الصادق علیه السّلام المتوفّی فی سنة 148.لکفایة شیوعها فی عهد سائر الأئمة علیهم السّلام،مع عدم ردعهم عنها.هذا مضافا إلی دعوی الإجماع عن التبیان و مجمع البیان،بل السیرة القطعیّة علی القراءة بالقراءات المعروفة المتداولة،و اعتبار بعض الأخبار کخبر سفیان بن السمط قال:سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن ترتیل القرآن فقال:اقرءوا کما علّمتم (1)؛إذ سفیان بن السمط ممن روی عنه ابن أبی عمیر و السؤال عن الترتیل لا ینافی عموم الجواب،کما لا یخفی.

لا یقال:یکفی فی الردع موثقة داود بن فرقد المرویة عن الکافی عن عدّة من أصحابنا عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد عن علی بن الحکم عن داود بن فرقد و المعلّی بن خنیس جمیعا قالا:کنا عند أبی عبد اللّه علیه السّلام فقال:إن کان ابن مسعود لا یقرأ علی قراءتنا فهو ضال،ثم قال:أمّا نحن فنقرؤه علی قراءة أبی (2)؛لدلالته علی تخطئة غیر قراءتهم،و هی قراءة أبی بضم الهمزة او بفتح الهمزة و المراد قراءة ابیه.

لأنّا نقول:إنّ هذه الروایة محمولة علی أنّ عندهم فی الواقع،و هی القراءة الصحیحة، و لکنّها غیر مذکورة للناس،و إلاّ لکانت شائعة.و لا تنافی هذه الروایة مع ما عرفت من تقریر القراءات المعروفة لمصلحة من المصالح و جریان السیرة علیها.

ص:52


1- 1) الوسائل الباب 74 من ابواب القراءة فی الصلاة ح 3.
2- 2) الوسائل الباب 74 من ابواب القراءة فی الصلاة،ح 4.

و مما ذکر یظهر ما فی تنقیح الاصول من أنّ الحق أنّه یتعین القراءة بما فی أیدینا من القرآن الذی أخذه المسلمون یدا بید و صدرا بصدر عن آبائهم خلفا عن سلف،و هو الذی قامت علیه الضرورة القطیعة،مثل ضرورة کون صلاة المغرب ثلاث رکعات؛و لذا تری أنّ الموجود منه فی جمیع الأعصار و الأمصار هو هذا القرآن بعینه إلی زمان النبی الأکرم صلّی اللّه علیه و آله حتّی من کانت قراءته عنده علی خلافه.

فالدلیل علی تعین القراءة بهذا القرآن هو ما ذکرناه من الضرورة،و التی یتحقق التواتر من أحد أعشارها،و أنّه لا یجوز القراءة بغیر ذلک من القراءات فإنّه لا یعبأ بها؛لاعتمادهم فیها علی الاستحسانات أو الاجتهادات اللغویة و النحویة مع أنّ اختلافهم فیها قد یؤدّی إلی الاختلاف فی المعنی،مثل یطهرن بالتخفیف مع یطّهّرن بالتشدید.

و لیس الدلیل علی ما ذکرنا الروایات کی یقال بتجویز القراءة بمالک و ملک أو کفوا بالهمزة و الواو،فإنّه لا یجوز القراءة بملک أو بالهمزة فی کفوا؛لأنّهما لیسا فی القرآن. (1)

و ذلک لما عرفت من تجویز القراءات الشائعة فی عصر الأئمة علیهم السّلام بالتقریر و قیام السیرة و دلالة بعض الروایات علیه و إن لم یکن جمیعها من القرآن.

ثم مع جواز القراءة بکلّ واحدة من القراءات الشائعة لا حاجة إلی الاحتیاط بتکرار الصلاة مع کل قراءة أو بالجمع بین القراءات فی صلاة واحدة بنیة القراءة فی واحدة منها بحسب الواقع و بنیة الثناء فی غیرها حتی لا یلزم الزیادة فی الصلاة،کما حکی ذلک عن المحقّق الیزدی الحاج الشیخ عبد الکریم الحائری قدّس سرّه فی الجمع بین مالک و ملک فی قراءة مالک یَوْم الدّین .

ثم إنّک عرفت أنّ جواز القراءة بکل واحدة من القراءات لا یستلزم جواز الاستدلال بها.و لو سلّمنا جواز الاستدلال بکلّ واحدة منها أیضا ففی موارد التعارض یحمل الظاهر علی الأظهر،و مع التکافؤ لا بدّ من الحکم بسقوطهما عن الحجیّة فی مورد التعارض و الرجوع إلی غیرهما من الأدلّة و الأصول بحسب اختلاف المقامات.

ص:53


1- 1) تنقیح الاصول 134/3.

و لا مجال لملاحظة المرجحات الواردة فی الأخبار العلاجیة؛لاختصاصها بالأخبار المتعارضة.نعم یؤخذ بالقدر المتیقن من القراءات أو القراءتین لو کان کما یؤخذ بها أو بهما فی نفی الثالث،کما لا یخفی.

التنبیه الثالث: أنّه قد یتوهم وقوع التحریف فی الکتاب حسب ما ورد فی بعض الأخبار

أنّه قد یتوهم وقوع التحریف فی الکتاب حسب ما ورد فی بعض الأخبار،و معه یحتمل وجود القرینة علی إرادة خلاف الظاهر فیما سقط منه بالتحریف،و هو یوجب عروض الإجمال المانع من التمسک به؛لأنّه یکون من باب احتمال قرینیّة الموجود،لا من باب احتمال وجود القرینة لیدفع بأصالة عدم وجود القرینة.

و اجیب عن ذلک أوّلا:بأنّ تلک المزعمة أمر موهوم لا حقیقة له،بل هو محال وقوعا؛إذ القرآن قد بلغ من الأهمیّة عند المسلمین فی زمان النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و بعده إلی مرتبة حفظته الصدور زائدة علی الکتابة بحیث لا یمکن تحریفه حتی عن الصدور الحافظة له.

و لقد أفاد و أجاد فی آلاء الرحمن حیث قال:لم یزل القرآن الکریم بحسب حکمة الوحی و التشریع و المصالح المقتضیات المتجددة آناً فآنا یتدرج فی نزوله نجوما الآیة و الآیتان و الأکثر و السورة،و کلّما نزل هفت إلیه قلوب المسلمین و انشرحت له صدورهم و ذهبوا إلی حفظه بأحسن الرغبة و الشوق و أکمل الإقبال و أشدّ الارتیاح،فتلقوه بالابتهاج و تلقوه بالاغتنام من تلاوة الرسول العظیم الصادع بأمر اللّه و المسارع إلی التبلیغ و الدعوة إلی اللّه و قرآنه،و تناوله حفظهم؛بما امتازت به العرب و عرفوا به من قوة الحافظة الفطریة و أثبتوه فی قلوبهم کالنقش فی الحجر،و کان شعار الإسلام و سمة المسلم حینئذ هو التجمّل و التکمّل بحفظ ما ینزل من القرآن الکریم لکی یتبصّر بحججه و یتنوّر بمعارفه و شرائعه و أخلاقه الفاضلة و تاریخه المجید و حکمته الباهرة و أدبه العربی الفائق المعجز،فاتخذ المسلمون تلاوته لهم حجة الدعوة و معجز البلاغة و لسان العبادة للّه و لهجة ذکره و ترجمان مناجاته و أنیس الخلوة و ترویج النفس و درسا للکمال و تمرینا فی التهذیب و سلّما للترقی و تدربا فی

ص:54

التمدن و آیة الموعظة و شعار الإسلام و سام الایمان و التقدم فی الفضیلة،و استمر المسلمون علی ذلک حتی صاروا فی زمان الرسول یعدّون بالألوف و عشراتها و مئاتها،و کلهم من حملة القرآن و حفاظها و إن تفاوتوا فی ذلک بحسب السابقة و الفضیلة... (1)

فاستمرّ القرآن الکریم علی هذا الاحتفاء العظیم بین المسلمین جیلا بعد جیل،تری له فی کل آن الوفاء مؤلفة من المصاحف و الوفاء من الحفّاظ،و لا تزال المصاحف ینسخ بعضها علی بعض،و المسلمون یقرأ بعضهم علی بعض،و یسمع بعضهم من بعض،تکون الوف المصاحف رقیبة علی الحفّاظ،و الوف الحفّاظ رقباء علی المصاحف،و تکون الالوف من کلا القسمین رقیبة علی المتجدّد منهما،نقول الألوف و لکنّها مئات الألوف و الوف الالوف،فلم یتفق لأمر تاریخی من التواتر و بداهة البقاء مثل ما اتفق للقرآن الکریم کما وعد اللّه جلّت آلاؤه بقوله فی سورة الحجر إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّکْرَ وَ إنّا لَهُ لَحافظُونَ و قوله فی سورة القیامة إنَّ عَلَیْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ و لئن سمعت فی الروایات الشاذة شیئا فی تحریف القرآن و ضیاع بعضه فلا تقم لتلک الروایات وزنا،و قل ما یشاء العلم فی اضطرابها و وهنها و ضعف رواتها و مخالفتها للمسلمین و فیما جاءت به فی مرویاتها الواهیة من الوهن الخ. (2)

و قال الفاضل الشعرانی قدّس سرّه فی کتابه(طریق السعادة)المطبوع بالفارسیة:أنّ القرآن الکریم نزل علی النبیّ فی غضون و أثناء 23 عاما،و کان کلّما نزل شیء منه قام النبی صلّی اللّه علیه و آله بقراءته علی المؤمنین،و کانت تلک هی طریقته لدعوة الناس إلی الإسلام،و لم یکن أبدا لیخفیه فی الزوایا و الخبایا و إذا سمعه منه المسلمون و کتبوه أو حفظوه عن ظهر قلب حملوا

ص:55


1- 1) و زاد البلاغی قدّس سرّه فی ذیل الصفحة بقوله:أخرج ابن سعد و ابن عساکر و الطبرانی و غیرهم أنّه ممن جمع القرآن ای حفظا فی زمان النبی صلّی اللّه علیه و آله معاذ بن جبل و عبادة بن الصامت و أبی بن کعب و أبو ایوب الانصاری و أبو الدرداء و زید بن ثابت و سعد بن عبید و أبو زید و ممن ختم القرآن و رسول اللّه حی عثمان بن عفان و علی بن ابی طالب و عبد اللّه بن مسعود و قرأ القرآن علی عهد رسول اللّه معاذ و أبی و سعد و أبو زید،و أخرج الحاکم عن زید بن ثابت قال:کنّا عند رسول اللّه نؤلّف القرآن من الرقاع.
2- 2) آلاء الرحمن 1:17-18.

معهم بضع سور من القرآن و ذهبوا بها إلی قبائل المشرکین لیدعوهم،و عند ما هاجر المسلمون إلی الحبشة أخذوا معهم السور القرآنیة التی کانت قد نزلت إلی ذلک الحین،و منها سورة مریم التی تلوها علی مسامع النجاشی ملک الحبشة،و علی هذا المنوال انتشرت سور القرآن الکریم فی جزیرة العرب فی عهد النبی صلّی اللّه علیه و آله و انتشر الإسلام و القرآن فی تلک المنطقة (السعودیة الیوم)خلال حیاة النبی صلّی اللّه علیه و آله لقد کان من الواجب علی کل مسلم أن یقرأ فی الصلاة سورة فاتحة الکتاب بالإضافة إلی سورة أخری عن ظهر قلب،و قد قال النبیّ صلّی اللّه علیه و آله (لیؤمّکم أقرأکم)و معناه أنّ إمام کل قوم هی الذی یحفظ من القرآن أکثر من الباقین،و بهذا الأسلوب کان النبیّ یشجّع الناس علی حفظ القرآن،و نتیجة لذلک فإنّ أی سورة فی سور القرآن کان یحفظها او یدوّنها عدد غیر محصور من المسلمین فی الجزیرة،مثلا سورة یس یحفظها عشرة آلاف و سورة الرحمن عشرون الف و سورة الحمد بضعة ملایین کما ان السور الکبیرة کالبقرة کان لها حفاظ أیضا و لم تکن هناک سورة إلاّ و یحفظها عدد غیر قلیل من الناس و قد تولّی النبی صلّی اللّه علیه و آله بنفسه و بأمر عن جانب اللّه عزّ و جلّ مهمّة تشخیص الآیات التی تترکب منها السور و أنّ السورة تتألف من کم آیة،و ان هذه الآیة او تلک تابعة لأیة سورة،و کان لکلّ سورة اسم خاص فی زمان النبیّ تعرف به،و عند ما کان صلّی اللّه علیه و آله یقول سورة طه أو سورة مریم أو سورة هود فإنّ الناس کانوا صلّی اللّه علیه و آله یعرفون أیّة سورة یقصد،مثلا روی عن النبی انه کان یقول شیبتنی سورة هود)و کان الناس یعلمون عن أی سورة یتحدث و ذلک لأنّ آلاف الأشخاص کانوا قد حفظوا هذه السورة أو کتبوها فی الرقاع التی عندهم.

کل هذه الامور ثابتة بالتواتر و لا مجال للشک فیها.

و حینما کان المسلمون یحفظون القرآن علی عهد الرسول صلّی اللّه علیه و آله ما کانوا یتسامحون فی ألفاظه،مثلا لم یکونوا یجوّزون لأنفسهم الإتیان بکلمة دنت بدلا من کلمة(اقتربت)لمکان الترادف بین اللفظین،و قد ظهر علم النحو إلی الوجود فی القرن الأول الهجری من أجل ضبط حرکات القرآن،و أنّ الدقّة التی تمیّز بها الصحابة و التابعون و القرّاء السبعة فی أداء

ص:56

الکلمات لم تکن ولیدة ساعتها بل هی استمرار لذاک المنهج الذی کان الرسول صلّی اللّه علیه و آله یتّبعه فی التدقیق بضبط الحروف،و الدلیل الواضح علی هذا المطلب هو الحروف المقطّعة أوائل السور،مثلا توجد(الر)فی عدة مکانات و(المر)فی مکان و(المص)فی مکان و طس فی مکان و(طسم)فی مکان و(حم)فی عدة أماکن و(حمعسق)فی مکان،و هو ممّا یدلّ علی عنایة فائقة بالحروف بحیث لم یکونوا یجوزون تغییرها و لا حتی تقدیمها و تأخیرها...لقد حفظوا إلینا القرآن حرفا بحرف و کلمة بکلمة إلی عهدنا هذا و قد حتم الباری تبارک و تعالی حفظ کتابه علی نفسه(و إنّ علینا جمعه و قرآنه)و قد أنجز اللّه وعده.و قد بلغ حرص المسلمین علی توفّی الدقة فی ضبط القرآن أنّهم إذا عثروا فی المصاحف القدیمة للمصدر الأوّل علی کلمة مکتوبة علی خلاف القواعد المعروفة للإملاء فإنّهم یبقونها علی حالها فی المصاحف الجدیدة و لا یتجرّءون علی تغییرها،مثلا تکتب واو الجماعة بزیادة ألف بعدها و قد روعیت هذه القاعدة الاجلائیة حتی فی مصاحف عصر الصحابة فیما عدا کلمة(جاؤ)و (فاؤ)و(باؤ)و(سعو فی آیاتنا)فی سورة سبأ(عتو عتوا)فی الفرقان و(الذین تبوّءوا الدار)فی سورة الحشر حیث لم ترد فیها ألف بعد الواو،و قد أبقاها المتأخرون علی حالها و لم یضیفوا لها ألفا لکی یتبین لنا مدی أمانتهم و دقتهم فی ضبط القرآن و الخوف من تحریفه،و مثل ذلک أنّهم کتبوا بالواو ما حقّه-حسب القواعد-أن یکتب بالألف مثل(بلاء مبین)فی سورة الدخان،کما أنّ التاء فی آخر الکلمة تکتب عادة علی هیئة(هاء)نظیر(سنة)و(رحمة) و لکن فی مصاحف عهد الصحابة کتبت بعض التاءات من هذا القبیل علی هیئة(ت)طویلة خلافا للمعهود و مع ذلک أبقی علیها کما هی فی المصاحف المتأخرة ذلک مثل کلمة(رحمت) بالتاء الطویلة فی سورة البقرة و الأعراف و هود و مریم و الروم و الزخرف و کلمة(نعمت) فی البقرة و آل عمران و المائدة و ابراهیم و النحل و لقمان و فاطر و الطور و کلمة(سنت)فی الأنفال و فاطر و غافر،بینما کتبت علی هیئة(ة)فی سائر الأمکنة.و کذلک(کلمت ربّک بالحسنی)و(فنجعل لعنت اللّه)و(الخامسة أن لعنت اللّه)و(شجرت الزقوم)و(قرت عین)و

ص:57

(جنت نعیم)و(بقیت اللّه خیر)و(امرأت)کلما جاءت مع زوج مثل(و امرأت فرعون)و (معصیت الرسول)الواردة فی قد سمع(سورة المجادلة)حیث کتبت بالتاء الطویلة ایضا.

و مثل ذلک کلمة شیء کتبت بشین بعدها یاء فی جمیع الموارد ما عدا سورة الکهف فی قوله تعالی (وَ لا تَقُولَنَّ لشَیْءٍ ) حیث توسطت الالف بین الشین و الیاء،و قد حافظوا علی هیئتها ایضا و کذلک کلمة لا فی(لأاذبحنه )و(و لا واضعوا)و(لا الی الجحیم)حیث زیدت ألف بدون ضرورة إلاّ لمتابعة الأوّلین و أیضا أوردت(یاء)زائدة فی قوله(نبای المرسلین) و فی(آنای اللیل)فی سورة طه و(تلقای نفسی)فی سورة یونس و(من ورای حجاب)فی الشوری و(ایتای ذی القربی)فی النحل و(بلقای ربهم و لقای الآخرة)فی سورة الروم،فی حین أنّ(الیاء)هذه لم ترد فی نظائر هذه العبارات و من المدهش أنّ عبارتی(بأییکم المفتون)و(بنیناها بأیید)کتبت فیها الیاء برکزتین بدلا فی رکزة واحدة و مع ذلک فقد حافظوا علیها فی النسخ الجدیدة من المصاحف علی حدّ ما کانت علیه فی المصاحف القدیمة و موارد ذلک کثیرة جدا لیس هنا محل تفصیلها.

و من المؤسف جدا أنّ جملة من المصاحف المطبوعة فی إیران لا تراعی فیها هذه النکات جهلا أو مسامحة،غیر أنّ سائر المسلمین یحملون ذلک علی العمد و العناد-نعوذ باللّه-ثم إنّ هنا الضبط و الدقة لم تکن مقتصرة علی الکلمات بل تشمل ایضا أداء الحروف و الحرکات فمثلا قرأ حفص قوله تعالی (وَ یَخْلُدْ فیه مُهاناً) من سورة الفرقان بإشباع الهاء المسکورة فی (فیه)فی حین لم یشبع فی أمثالها،بینما قرأها ابن کثیر بالإشباع جمیعا و فی مقابل ذلک قرأ (علیه اللّه)فی سورة الفتح و(انسانیه الشیطان)فی سورة الکهف بضم الهاء فیما کان من حقّهما الکسر کنظائرهما،و الحاصل أنّ هذه الموارد کثیرة فی علم القراءة مما یدلّ علی مدی عنایة الناس بضبط القرآن الکریم من زمان النبی صلّی اللّه علیه و آله إلی یومنا هذا،فیکون من المحال احتمال أن یقطرف إلیه التغییر أو التحریف أو الزیادة و النقصان. (1)

ص:58


1- 1) راه سعادت:136-133

و قال السید المحقق البروجردی قدّس سرّه:من الواضحات أنّ المسلمین کانوا یهتمّون بحفظ القرآن و کان من أهمّ الامور عندهم حفظه و تلاوته.و قد ورد عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله أخبار فی ثواب تلاوة جمیعه أو بعض سوره و فی بیان خواصها.و قد روی حکایة قراءة«معاذ»حین إمامته سورة البقرة فی صلاته فیظهر من ذلک أنّه کان فی زمان الرسول صلّی اللّه علیه و آله منظّمة مسوّرة محفوظة للمسلمین فکیف یمکن وقوع التحریف فیه بمرآهم و منظرهم مع کمال عنایتهم به بکثرتهم.

نعم لو کان القرآن مکتوبا فی أوراق خاصة من دون أن یکون للمسلمین اطلاع تفصیلی علیه لأمکن تضییعه.هذا مع أنّه ورد فی الخطب و الروایات لا سیّما خطب نهج البلاغة التحریص و الترغیب علی العمل بالقرآن و حفظه و تعظیمه و بیان شأنه فلو کان محرّفا لما صدرت عنهم هذه الأخبار الکثیرة فی شأنه. (1)

و لذلک صرح أعاظم الأصحاب من السلف إلی الخلف بأنّ القرآن محفوظ من دون نقص و زیادة.

منهم الصدوق شیخ المحدثین المعتنی بالروایات حیث قال فی کتاب الاعتقاد،اعتقادنا أنّ القرآن الذی أنزله اللّه علی نبیّه صلّی اللّه علیه و آله هو ما بین الدفّتین و لیس بأکثر من ذلک و من نسب إلینا أنّا نقول إنّه أکثر من ذلک فهو کاذب.

و منهم السید المرتضی حیث قال إنّ من خالف فی ذلک من الإمامیة و الحشویة لا یعتد بخلافهم فإنّ الخلاف فی ذلک مضاف إلی قوم من اصحاب الحدیث نقلوا أخبارا ضعیفة ظنّوا صحتها.

و منهم الشیخ الطوسی قدّس سرّه حیث قال فی أوّل التبیان أمّا الکلام فی زیادته و نقصه فممّا لا یلیق به أیضا لأنّ الزیادة فیه مجمع علی بطلانها و النقصان فالظاهر أیضا من مذهب المسلمین خلافه و هو الألیق بالصحیح من مذهبنا و هو الّذی نصره المرتضی و هو الظاهر

ص:59


1- 1) نهایة الاصول:482/1.

فی الروایات غیر أنّه رویت روایات کثیرة من جهة الخاصة و العامة بنقصان کثیر من آی القرآن و نقل شیء منه من موضع إلی موضع طریقها الآحاد التی لا توجب علما و لا عملا و الأولی و الأعراض عنها.

و منهم الطبرسی فی مجمع البیان.

و منهم السید القاضی نور اللّه فی کتابه مصائب النواصب حیث قال ما نسب إلی الشیعة الإمامیة من وقوع التغییر فی القرآن لیس مما قال به جمهور الإمامیة إنّما قال به شرذمة قلیلة منهم لا اعتداد بهم فیما بینهم إلی غیر ذلک من التصریحات. (1)

ثانیا:بأنّ الأخبار المرویة المستدل بها لتلک المزعمة لا اعتبار بها إعراض الأصحاب عنها و ضعفها سندا و دلالة و تناقض مضمونها و لقد أفاد و أجاد الشیخ البلاغی قدّس سرّه حیث قال حول تلک الروایات التی استدل بها علی النقیصة کثر أعداد مسانیدها بأعداد المراسیل عن الأئمة صلّی اللّه علیه و آله فی الکتب کمراسیل العیاشی و فرات و غیرها مع أنّ المتتبع المحقّق یجزم بأنّ هذه المراسیل مأخوذة من تلک المسانید و فی جملة من الروایات ما لا یتیسّر احتمال صدقها.

و منها ما هو مختلف باختلاف یئول به إلی التنافی و التعارض و هذا المختصر لا یسع بیان النحوین الأخیرین.هذا مع أنّ القسم الوافر من الروایات ترجع أسانیده إلی بضعة أنفار و قد وصف علماء الرجال کلاّ منهم إمّا بأنّه ضعیف الحدیث فاسد المذهب مجفو (2)الروایة و إمّا بأنّه مضطرب الحدیث و المذهب یعرف حدیثه و ینکر و یروی عن الضعفاء و إمّا بأنّه کذّاب متّهم لا استحلّ أن اروی من تفسیره حدیثا واحدا و أنّه معروف بالوقف و أشدّ الناس عداوة،للرضا علیه السّلام و إمّا بأنّه کان غالیا کذّابا و إمّا بأنّه ضعیف لا یلتفت الیه و لا یعوّل علیه و من الکذّابین و إمّا بأنّه فاسد الروایة یرمی بالغلوّ و من الواضع أنّ أمثال هؤلاء لا تجدی کثرتهم شیئا.

ص:60


1- 1) آلاء الرحمن:1،26-25.
2- 2) ای مطرود

و لو تسامحنا بالاعتناء بروایاتهم فی مثل هذا المقام الکبیر لوجب من دلالة الروایات المتعددة أن تنزلها علی أنّ مضامینها تفسیر للآیات أو تاویل أو بیان لما یعلم یقینا شمول عموماتها له لأنّه أظهر الأفراد و أحقها بحکم العامّ أو ما کان مرادا بخصوصه و بالنصّ علیه فی ضمن العموم عند التنزیل أو ما کان هو المورد للنزول أو ما کان هو المراد من اللفظ المبهم.

و علی أحد الوجوه الثلاثة الأخیرة یحمل ما ورد فیها أنّه تنزیل و أنّه نزل به جبرئیل کما یشهد به نفس الجمع بین الروایات.

کما یحمل التحریف فیها علی تحریف المعنی و یشهد لذلک مکاتبة أبی جعفر علیه السّلام لسعد الخیر کما فی روضة الکافی ففیها و کان من نبذهم الکتاب أن أقاموا حروفه و حرّفوا حدوده و کما یحمل ما فیها من أنّه کان فی مصحف امیر المؤمنین علیه السّلام أو ابن مسعود و ینزل علی أنّه کان فیه بعنوان التفسیر و التاویل.

و مما یشهد لذلک قول امیر المؤمنین علیه السّلام للزندیق کما فی نهج البلاغة و غیره و لقد جئتهم بالکتاب کملا مشتملا علی التنزیل و التأویل إلی آخر ما ذکره من الشواهد و القرائن. (1)

و قال السید المحقق البروجردی قدّس سرّه:و أمّا الأخبار الواردة فی التحریف فهی و إن کانت کثیرة من قبل الفریقین و لکنه یظهر للمتتبع أنّ أکثرها بحیث یقرب ثلثیها مرویّة عن کتاب أحمد بن محمّد السیاری من کتّاب آل طاهر و ضعف مذهبه و فساد عقیدته معلوم عند من کان مطلعا علی أحوال الرجال.

و کثیر منها یقرب الربع مروی عن تفسیر فرات بن ابراهیم الکوفی و هو أیضا مثل السیاری فی فساد العقیدة هذا مع أنّ أکثرها محذوف الواسطة او مبهمها.

و کثیر منها معلوم الکذب مثل ما ورد من کون اسم علی علیه السّلام مصرّحا به فی آیة التبلیغ و غیرها إذ لو کان مصرحا به لکان یحتج به علی علیه السّلام فی احتجاجاته مع غیره فی باب الإمامة

ص:61


1- 1) آلاء الرحمن:29/1-26.

و مثل ما ورد فی قوله (یا لَیْتَنی کُنْتُ تُراباً) أنّه کان فی الأصل(ترابیا)و نحو ذلک مما یعلم بکذبها إلی أن قال و بالجملة فوقوع التحریف مما لا یمکن أن یلتزم به. (1)

و ثالثا:بأنّ الآیات و الروایات الدالة علی مصونیّة عن التحریف و التغییر و التبدیل و عروض الباطل تعارض الأخبار الدالة علی التحریف منها قوله تعالی إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّکْرَ وَ إنّا لَهُ لَحافظُونَ (2)بتقریب أنّ الآیة الکریمة تدلّ مع التأکیدات المتعدّدة علی أنّ الأیادی الجائرة لن تتمکن من تحریف الذکر و هو القرآن و معنی الآیة انّا بقدرتنا الکاملة نحفظه عن الضیاع و التحریف و التغییر و التبدیل و عروض الباطل.و القول بأنّ المراد من الذکر هو الرسول لا القرآن کما ورد استعمال الذکر فیه فی قوله تعالی: قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إلَیْکُمْ ذکْراً رَسُولاً یَتْلُوا عَلَیْکُمْ آیات اللّه . (3)

غیر سدید بما أفاده السید المحقق البروجردی قدّس سرّه من أنّه لا یناسب لفظ التنزیل لأنّ المراد منه هو الإنزال التدریجی و الإنزال التدریجی یناسب القرآن لا الرسول. (4)

هذا مضافا إلی ما أفاده السید الخویی قدّس سرّه أنّ هذه الآیة مسبوقة بقوله تعالی وَ قالُوا یا أَیُّهَا الَّذی نُزّلَ عَلَیْه الذّکْرُ إنَّکَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ ما تَأْتینا بالْمَلائکَة إنْ کُنْتَ منَ الصّادقینَ (7) ما نُنَزّلُ الْمَلائکَةَ إلاّ بالْحَقّ وَ ما کانُوا إذاً مُنْظَرینَ (8) إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّکْرَ وَ إنّا لَهُ لَحافظُونَ (9) و لا شبهة فی أنّ المراد بالذکر فی هذه الآیة أعنی قوله «یا أَیُّهَا الَّذی نُزّلَ عَلَیْه الذّکْرُ» هو القرآن فیکون ذلک قرینة علی أنّ المراد من الذکر فی آیة الحفظ هو القرآن أیضا. (5)

و دعوی أنّ المراد من الحفظ هو حفظه عن تطرق الشبهات مندفعة بأنّ التحریف مضیع

ص:62


1- 1) نهایة الاصول:484/1-483.
2- 2) الحجر9/
3- 3) طلاق11/-10.
4- 4) نهایة الاصول:484/1.
5- 5) البیان:144.

لاصله فهو کما أفاد السید المحقق البروجردی قدّس سرّه أسوأ حالا من تشکیک المشککین و تطرق الشبهات إلیه. (1)

فتحصّل أنّ الآیة الکریمة تدلّ علی أنّ المحکی بهذا القرآن الملفوظ أو المکتوب الذی هو منزّل علی النبی صلّی اللّه علیه و آله لیکون تذکارا للناس مصون عن التحریف و التضییع و محفوظ عند الناس بحیث یمکن لهم أن یصلوا إلیه فی کل عصر و زمن و لا مجال للإشکال علی الاستدلال بالآیة المذکورة بأنّ احتمال وجود التحریف فی هذه الآیة نفسها یمنع عن الاستدلال بها إذ لو ارید أن یثبت عدم التحریف بنفس الآیة کان من الدور الباطل و ذلک لأنّ احتمال التحریف بالزیادة منفی بإجماع المسلمین و إنّما الکلام فی التحریف بالنقصان و علیه فالآیة الکریمة التی یکون مصونة عن التحریف بالزیادة تدلّ علی عدم وقوع التحریف بالنقصان کما لا یخفی.

و علیه فکلّ روایة تدلّ علی التحریف بالنقصان مخالف للآیة الکریمة و مردود بها.

و منها قوله تعالی،و إنّه لکتاب عزیز لا یأتیه الباطل من بین یدیه و لا من خلفه تنزیل من حکیم حمید. (2)

بتقریب أنّ الآیة تدلّ علی نفی طبیعة الباطل بجمیع أقسامه عن الکتاب و لا شبهة فی أنّ التحریف من أوضح أفراد الباطل فإنّ ما نقص یبطل بفصله من الکتاب کما یبطل الکتاب بالزیادة فیه و یخرج عن محض الوحی فیجب أن لا یتطرق التحریف إلی الکتاب العزیز.

هذا مضافا إلی أنّ توصیف الکتاب بالعزة کما أفاد السید المحقق الخوئی قدّس سرّه یقتضی المحافظة علیه من التغییر و الضیاع (3)

إذ العزیز هو القادر الذی لا یغلب علیه.و احتمال إرادة حفظه من خصوص التناقض و الکذب من لفظ الباطل لا یناسبه عموم نفی الباطل هذا مع أنّ توصیف الکتاب العزّة بما له

ص:63


1- 1) نهایة الاصول:485/1.
2- 2) فصلت42/-41.
3- 3) البیان:146.

من الامتیازات الداخلیة و الخارجیة تمنع عن غلبة الأیادی الجائرة بمثل التحریف علیه.

و منها قوله تعالی فی سورة القیامة لا تُحَرّکْ به لسانَکَ لتَعْجَلَ به (16) إنَّ عَلَیْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ (17) فَإذا قَرَأْناهُ فَاتَّبعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إنَّ عَلَیْنا بَیانَهُ (19)

تدل هذه الآیات علی أنّ اللّه تعالی جعل جمع القرآن و قراءته حتما علی نفسه و وعده لنبی صلّی اللّه علیه و آله لیطمئنّ بحفظه و منعه عن التعجیل فی قراءته لغرض الحفظ و الجمع و من المعلوم أنّ وعده تعالی لا یتخلّف إذا التخلّف ناش إمّا من جهة عروض العوارض کالنسیان أو من جهة العجز و کلاهما محالان فی اللّه تعالی.

قال فی المیزان الذی یعطیه سیاق الآیات الأربع بما یحفّها من الآیات المتقدمة و المتأخّرة الواصفة لیوم القیامة أنّها معترضة متضمنة أدبا إلهیا کلّف النبی صلّی اللّه علیه و آله أن یتأدب به حینما یتلقی ما یوحی إلیه من القرآن الکریم فلا یبادر إلی قراءة ما لم یقرأ بعد و لا یحرک به لسانه و ینصت حتی یتمم الوحی فالآیات الأرباع فی معنی قوله تعالی و لا تعجل بالقرآن من قبل أن یقضی إلیک وحیه . (1)

و المعنی لا تعجل به إذ علینا أن نجمع ما نوحیه إلیک بضمّ بعض أجزائه إلی بعض و قراءته علیک فلا یفوتنا شیء منه حتی یحتاج إلی أن تسبقنا إلی قراءة ما لم نوحه بعد.

و دعوی أنّ معنی هذه الآیات أنّ النبی کان یحرّک لسانه عند الوحی بما ألقی إلیه من القرآن مخافة أن ینساه فنهی عنه بالآیات و أمر بالانصات حتی یتمّ الوحی فضمیر «لا تحرّک به»للقرآن أو الوحی باعتبار ما قرء علیه منه لا باعتبار ما لم یقرأ بعد.

مندفعة بأنّه لا یلائم سیاق الآیات تلک الملاءمة نظر إلی ما فیها من النهی عن العجل و الأمر باتّباع قرآنه تعالی بعد ما قرء و کذا إنّ علینا جمعه و قرآنه فذلک کله أظهر فیما تقدم منها فی هذا المعنی. (2)

ص:64


1- 1) طه114/.
2- 2) المیزان:196/20-195.

و أیّد الاستاذ الشهید المطهری الاحتمال الثانی بقوله سنقرئک فلا تنسی و لکن جوابه هو أظهریة الآیات المذکورة فی الاحتمال الاوّل و وجه الاظهریة أنّ الأمر باتباع قراءته تعالی ناظر إلی عدم التقدم لا الی التکرار خوفا من النسیان إذ لو ارید التکرار بالنسبة إلی ما قرأه اللّه تعالی لا مجال للأمر بالاتبّاع عن قراءته فإنّ الاتباع حاصل بل التکرار مؤکد للاتباع هذا مضافا إلی أنّه لا معنی للنهی عن التعجیل حینئذ.و دعوی أنّ المراد من الآیات المذکورة هو قراءة العباد لکتبهم یوم القیامة کما یدلّ علیه سیاق الآیات المتقدمة و المتاخرة و المقصود منها هو تقریع و توبیخ له حین لا تنفعه العجلة یقول لا تحرّک لسانک بما تقرأه من صحیفتک التی فیها أعمالک یعنی اقرأ کتابک و لا تعجل فإنّ هذا الذی هو علی نفسه بصیرة إذا رای سیّئاته ضجر و استعجل فیقال له توبیخا لا تعجل و تثبت لتعلم الحجة علیک فإنّا نجمعها لک فإذا جمعناه فاتبع ما جمع علیک بالانقیاد لحکمه و الاستسلام للتبعة فیه فإنّه لا یمکنک إنکاره ثم إنّ علینا بیانه لو أنکرت.

مندفعة بأنّ المعترضة لا تحتاج فی تمام معناها إلی دلالة مما قبلها و ما بعدها علیه علی أنّ مشاکلة قوله و لا تعجل بالقرآن من قبل أن یقضی إلیک وحیه فی سیاقه لهذه الآیات تؤیّد مشاکلتها له فی المعنی. (1)

هذا مع أنّ کتاب العمل قرأه المکلّف لا أنّ اللّه تعالی قرأه و لزم علیه المتابعة.و علیه فلا یساعد قوله إنّ علینا جمعه و قرآنه کما لا مجال لقوله فاتبع قرآنه بعد قراءته تعالی و هکذا لا یساعد حمل الآیات منه علی أنّ المراد هو النهی عن التفوه بالسؤال عن وقت القیامة أصلا و لو کنت غیر مکذب و لا مستهزئ«لتعجل به»ای بالعلم به«إنّ علینا جمعه و قرانه» أی من الواجب فی الحکمة أن نجمع من نجمعه فیه و نوحی شرح وصفه الیک فی القرآن فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أی إذا قرأنا ما یتعلق به فاتبع ذلک بالعمل بما یقتضیه من الاستعداد له.

ثم إنّ علینا بیانه أی إظهار ذلک بالنفخ فی الصور و عدم المساعدة لأنّه یحتاج إلی تقدیرات و هی لا تخلوا عن التکلّف و تعسّف،کما لا یخفی.

ص:65


1- 1) المیزان:196/20.

و منها أخبار الثقلین الدالّة علی أنّهما باقیان بین الأمة غیر مفترقان و أنّ التمسک بهما یوجب الهدایة و ینفی الضلالة و مقتضی عمومیة ذلک لجمیع الآحاد و الأزمان هو صیانتهما عن التحریف و عروض الخطأ و الاشتباه إذ مع نفوذ الخطأ و التحریف لا یکون الکتاب متروکا عندهم.

هذا مضافا إلی أنّه لا یصلح المحرّف لتضمین الهدایة و نفی الضلالة.و لا مجال لاحتمال کفایة وجود القرآن واقعا عند المعصوم لأنّه حینئذ لا یکون متروکا بین ایدیهم و المفروض أنّ مفاد الحدیث هو ترک القرآن فی جامعة المسلمین هذا مضافا إلی أنّ التمسک الذی أمر به لا یمکن إلاّ بإمکان الوصول إلیه و علیه فلا بد من أن یکون القرآن موجودا بین الأمة فی زمان حیاته و بعد مماته حتی یمکن لهم أن یتمسکوا به و یحفظوا بالتمسک به عن الضلال.

و أیضا تدلّ هذه الأخبار علی وجود العترة و اقترانهم مع الکتاب و کونهما باقیان بین الأمّة لرفع الضلالة إذا التمسک بالعترة یتحقق بوجود العترة العالمة بأوامر اللّه و نواهیه بین الأمّة مع إمکان أخذ أوامرهم و نواهیهم.

نعم الأخذ المذکور لا یتوقف علی الاتصال المباشری بالإمام و المخاطبة معه شفاها فإنّ ذلک لا یتیسّر لجمیع المکلفین حتی فی زمان الحضور فضلا عن الغیبة بل ذلک یحصل بوسیلة الرواة و الفقهاء الناقلین لکلماتهم الذین أمروا بالرجوع إلیهم فی الحوادث الواقعة لأخذ الأوامر و التکالیف المأتیّة من ناحیتهم علیهم السّلام فالقرآن و مکتب أهل البیت موجودان بین الأمّة و یصلحان للهدایة و نفی الضلالة لمن أراد من دون اختصاص بزمان أو مکان.

ثم إنّ قوله صلّی اللّه علیه و آله إنی تارک فیکم الثقلین کتاب اللّه و عترتی لا یساعد مع تضییع بعض القرآن فی عصره فإنّ المتروک حینئذ هو بعض الکتاب لا جمیعه مع أنّ الظاهر من الکلام المذکور هو ترک الکتاب بجمیعه بین الأمّة فی زمان حیاته و بعد مماته بل هذه الروایات کما أفاد السید الخوئی قدّس سرّه تدلّ بالصراحة علی تدوین القرآن و جمعه فی زمان النبیّ صلّی اللّه علیه و آله لأنّ الکتاب لا یصدق علی مجموع المتفرّقات إلاّ علی نحو المجاز و العنایة و المجاز لا یحمل اللفظ

ص:66

علیه من غیر قرینة فإنّ لفظ الکتاب ظاهر فیما کان له وجود واحد جمعی و لا یطلق علی المکتوب إذا کان مجزئا غیر مجتمع فضلا عما إذا لم یکتب و کان محفوظا فی الصدور. (1)

و الحاصل أنّ حدیث الثقلین یدلّ علی تدوین القرآن و جمعه فی عصر النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و ترکه بین الأمة إلی التالی لتمسک الناس بهما و ذلک یدلّ علی بقائه علی ما هو علیه فی عصر النبی صلّی اللّه علیه و آله من دون تحریف و نقصان و حیث إنّ حدیث الثقلین متواتر و قطعی یقدم علی کل خبر و روایة یدلّ علی التحریف بنحو من الأنحاء کما لا یخفی.

و مما ذکر یظهر أن إسناد جمع القرآن إلی الخلفاء أمر موهوم مخالف للکتاب و السنة و الإجماع و العقل و علیه فلیس معنی جمع القرآن فی عصر عثمان هو جمع الآیات و السور فی مصحف بل المقصود من جمعه کما افاد السید الخوئی قدّس سرّه هو أنّه جمع المسلمین علی قراءة واحدة و أحرق المصاحف الأخری التی تخالف ذلک المصحف و کتب إلی البلدان أن یحرقوا ما عندهم منها و نهی المسلمین عن الاختلاف فی القراءة و قد صرح بهذا کثیر من أعلام اهل السنة قال الحارث المحاسبی المشهور عند الناس إنّ جامع القرآن عثمان و لیس کذلک إنّما حمل عثمان الناس علی القراءة بوجه واحد علی اختیار وقع بینه و بین من شهده من المهاجرین و الأنصار لما خشی الفتنة عند اختلاف أهل العراق و الشام فی حروف القراءات. (2)

و لم ینتقد علی عثمان أحد من المسلمین و ذلک لأنّ الاختلاف فی القراءة کان یؤدّی إلی الاختلاف بین المسلمین و تخریق صفوفهم و تفریق وحدتهم بل کان یؤدّی إلی تکفیر بعضهم بعضا و لکن الأمر الذی انتقد علیه هو إحراقه لبقیّة المصاحف و أمره أهالی الأمصار بإحراق ما عندهم من المصاحف و قد اعترض علی عثمان فی ذلک جماعة من المسلمین حتی سمّوه بحرّاق المصاحف. (3)

و أیضا ینقدح مما تقدّم ضعف الاستدلال علی التحریف بما ورد من أنّ علیا علیه السّلام کان له

ص:67


1- 1) البیان:167-152.
2- 2) الاتقان:103/1.
3- 3) البیان:172-171.

مصحف مشتمل علی التأویل و التنزیل و هو غیر المصحف الموجود و قد أتی به إلی القوم فلم یقبلوا منه. (1)

و فیه أوّلا:أنّه لا یقاوم ما عرفت من الأدلة الدالّة علی عدم التحریف.

و ثانیا:أنّ اشتمال مصحفه علیه السّلام علی التأویل و التنزیل لا یدلّ علی زیادات آیاته علی المصحف الموجود لإمکان أن یکون مصحفه مشتمل علی متن القرآن و شرحه من ناحیة وقت نزولها و مورده و تأویل الآیات و مرجعها و غیر ذلک و من المعلوم أنّ القرآن المشتمل علی المتن و الشرح غیر المصحف الموجود.

قال السید الخوئی قدّس سرّه إنّ اشتمال قرانه علیه السّلام علی زیادات لیست فی القرآن الموجود و إن کان صحیحا إلاّ أنّه لا دلالة فی ذلک علی أنّ هذه الزیادات کانت من القرآن و قد أسقطت منه بالتحریف بل الصحیح أنّ تلک الزیادات کانت تفسیرا بعنوان التأویل أو بعنوان التنزیل شرحا للمراد و أنّ هذه الشبهة مبتنیة علی أن یراد من لفظی التأویل و التنزیل ما اصطلح علیه المتأخرون من إطلاق لفظ التنزیل علی ما نزل قرآنا و اطلاق لفظ التأویل علی بیان المراد من اللفظ حملا له علی خلاف ظاهره إلاّ أنّ هذین الإطلاقین من الاصطلاحات المحدثة و لیس لهما فی اللغة عین و لا أثر لیحمل علیها هذا اللفظان(التنزیل و التأویل)الواردان فی الروایات الماثورة عن أهل البیت علیهم السّلام و إنّما التأویل فی اللغة مصدر مزید فیه و أصله الأول بمعنی الرجوع و منه قولهم أوّل الحکم إلی أهله أی رده الیهم)و قد یستعمل التأویل و یراد منه العاقبة و ما یؤول إلیه الأمر و منه قوله تعالی (وَ یُعَلّمُکَ منْ تَأْویل الْأَحادیث) و قوله تعالی نبّئنا بتأویله)و قوله تعالی (هذا تَأْویلُ رُءْیایَ) و قوله تعالی (ذلکَ تَأْویلُ ما لَمْ تَسْطعْ عَلَیْه صَبْراً) و غیر ذلک من موارد استعمال هذا اللفظ فی القرآن الکریم و علی ذلک فالمراد بتأویل القرآن ما یرجع إلیه الکلام و ما هو عاقبته سواء کان ذلک ظاهرا یفهمه العارف باللّغة العربیة أم کان خفیّا لا یعرفه إلاّ الراسخون فی العلم.

ص:68


1- 1) مقدمه تفسیر البرهان:27،تفسیر الصافی:مقدمة السادسة ص 11.

و أمّا التنزیل،فهو أیضا مصدر مزید فیه و أصله النزول و قد یستعمل و یراد به ما نزل و من هذا القبیل إطلاقه علی القرآن فی آیات کثیرة منها قوله تعالی (إنَّهُ لَقُرْآنٌ کَریمٌ فی کتابٍ مَکْنُونٍ لا یَمَسُّهُ إلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزیلٌ منْ رَبّ الْعالَمینَ ) .

و علی ما ذکرناه فلیس کل ما نزل من اللّه وحیا یلزم أن یکون من القرآن،فالّذی یستفاد من الروایات فی هذا المقام أنّ مصحف علی علیه السّلام کان مشتملا علی زیادات تنزیلا أو تأویلا و لا دلالة فی شیء من هذه الروایات علی أنّ تلک الزیادات هی من القرآن إلی أن قال الالتزام بزیادة مصحفه بهذا النوع من الزیادة أی الزیادة فی القرآن قول بلا دلیل مضافا إلی أنّه باطل قطعا و یدلّ علی بطلانه جمیع ما تقدم من الأدلة القاطعة علی عدم التحریف فی القرآن. (1)

و لا یخفی علیک أنّ التنزیل و إن کان اصطلاحا فیما نزل من القرآن لا یدل الخبر المذکور علی الزیادة لما عرفت من إمکان أن یکون المراد أنّ مصحفه مشتمل علی المتن و الشرح و المتن منه هو التنزیل و الشرح منه هو التفسیر و التأویل،و بالجملة هذا الخبر لا یدلّ علی التحریف أصلا.

رابعا:بما أفاده شیخنا الأعظم قدّس سرّه من أنّ وقوع التحریف فی القرآن علی القول به لا یمنع من التمسک بالظواهر لعدم العلم الإجمالی باختلال الظواهر بذلک مع أنّه لو علم لکان من قبیل الشبهة الغیر المحصورة مع أنّه لو کان من قبیل الشبهة المحصورة أمکن القول بعدم قدحه لاحتمال کون الظاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر الغیر المتعلقة بالأحکام الشرعیة العملیّة التی أمرنا بالرجوع فیها إلی ظاهر الکتاب فافهم. (2)و تبعه المحقق الخراسانی فی الکفایة (3)

و قوله فافهم لعله إشارة إلی المناقشات التی تکون حول المسألة و قد أوردها المحقق الأصفهانی قدّس سرّه مع الجواب عنها فی نهایة الدرایة:

ص:69


1- 1) البیان:174-172.
2- 2) فرائد الاصول:40.
3- 3) کفایة:64/2-63.

منها أنّ الخروج عن محل الابتلاء لا یجدی فی رفع الإجمال عن بعض أطراف العلم و إن کان مجدیا فی عدم تنجز التکلیف علی خلاف الظاهر.

اجاب عنه المحقّق الأصفهانی قدّس سرّه بأنّ الظهور الذاتی محفوظ فی الجمیع و إنّما المعلوم بالإجمال أنّ بعضها غیر حجة لا لارتفاع ظهوره حیث لا یرتفع الظهور بعد انعقاده.اذ الواقع لا ینقلب عما هو علیه و لا یرتفع کشفه عن المراد الجدیّ الذی هو ملاک الحجیة أیضا بل حجیته لحجّة أقوی و إذا کان بعض الأطراف بنفسه غیر حجّة(من جهة خروجه عن محل الابتلاء)فلا جرم لا علم إجمالی بورود الحجّة علی خلاف الحجة هذا فی القرینة المنفصلة...و أمّا فی المتصلة فربّما یتوهم الفرق بین المجمل و غیره نظرا إلی سرایة إجماله إلی الظاهر فلا ظهور کی یکون حجّة بخلاف غیره...

و فیه أنّ الظهور الذاتی محفوظ حتی فی المجمل و الظهور الفعلی مرتفع حتی فی المبیّن و الفرق بینهما بانعقاد الظهور الفعلی فی غیر الموضوع له إذا کان المتصل مبیّنا دون ما إذا کان مجملا و المیزان فی اتباع الظهور هو الفعلی و هو مشکوک فی کلیهما فلا بدّ من دعوی بناء العقلاء علی المعاملة مع هذا العلم الإجمالی معاملة الشک البدوی نظرا إلی خروج أحد الظاهرین عن محل الابتلاء فالقرینة المحتملة هنا یبنی علی عدمها فیتم الظهور الفعلی کما مرّ فی غیر ما نحن فیه. (1)

حاصله أنّ الظهور فی آیات الأحکام التی تکون مورد الابتلاء منعقد و لا دلیل علی ارتفاعه بعد انعقاده و هکذا لا یرتفع کشفه عن المراد الجدّی بل تقدیم المخالف عند ثبوته من باب تقدیم أقوی الحجّتین و إذا کان بعض الأطراف خارجا عن الابتلاء فلا علم بوجود المخالف الأقوی حتی یتقدم علی الظاهر بالفعل و لا فرق فی ذلک بین أن یکون احتمال المخالف احتمال المنفصل أو احتمال المتصل لبناء العقلاء علی المعاملة مع هذا العلم الإجمالی معاملة الشک البدوی و علیه فالعلم الاجمالی بوجوده مع کون أحد الظاهرین خارجا عن محل

ص:70


1- 1) نهایة الدرایة:65/2.

الابتلاء لا یؤثر فی حدوث الإجمال فی الظاهر الذی یکون موردا للابتلاء و الاحتمال یبنی علی عدمه.

فتحصّل أنّ الخروج عن محل الابتلاء یجدی فی رفع الإجمال عن بعض أطراف العلم الإجمالی کما یجدی فی عدم تنجّز التکلیف علی خلاف الظاهر الذی یکون مورد الابتلاء.

و لکن یمکن أن یقال إنّ البناء دلیل لبّی و ثبوته فی مورد الکلام یحتاج إلی الإحراز.

نعم یمکن أن یقال بقیام الدلیل التعبدی علی الحجّیة و هی الروایات الدالّة علی وجوب عرض الأخبار المتعارضة بل مطلق الأخبار علی کتاب اللّه و علی ردّ الشروط المخالفة للکتاب و السنة فإنّ هذه الروایات قد صدرت عن الصادقین علیهما السّلام بعد التحریف علی تقدیر تسلیم وقوعه.فیعلم من هذه الروایات أنّ التحریف علی تقدیر وقوعه غیر قادح فی الظهور. (1)و قال سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه و بالجملة قد وقع التعبد بالأخذ بظاهر الکتاب و هذا یکفی فی جواز الأخذ و لو احتمل وقوع التحریف واقعا نظیر التعبد بسائر الحجج الشرعیة فی الظاهر مع احتمال کون الواقع علی خلافها و لعل المصلحة فیه غلبة مصادفة هذه الظواهر مع الواقع فتامّل جیّدا. (2)

التنبیه الرابع: حجیّة الظهورات فی تعیین المرادات...

أنّه قد عرفت حجیّة الظهورات فی تعیین المرادات من دون تفاوت بین مواردها و علیه فمع العلم بالظهورات و إرادتها فلا إشکال و أمّا مع عدم العلم بهما فإن کان لأجل احتمال وجود القرینة معه بحیث لو کان الکلام مقترنا مع القرینة فلا ظهور للکلام،فحینئذ ربّما یقال بأنّ المقام یقتضی التمسک بأصالة الظهور لا بأصالة عدم وجود القرینة بدعوی أنّ العقلاء لا اعتناء لهم باحتمال وجود القرینة بل یأخذون بأصالة الظهور.

یمکن أن یقال:لا مجال للأخذ بأصالة الظهور مع احتمال اقتران الکلام مع وجود القرینة إذ

ص:71


1- 1) مصباح الاصول:124/2.
2- 2) المحاضرات لسیدنا الاستاذ المحقق الداماد 103/2.

مع احتمال الاقتران لا علم بالظهور فاللازم فیه هو أن یرجع أصالة الظهور إلی أصالة عدم وجود القرینة و الاقتران المذکور فمع البناء علی عدم وجود الاقتران المذکور یتحقق الظهور فیؤخذ به ففی مثله یرجع الأصالة الوجودیة إلی الأصالة العدمیة و مما ذکر یظهر ما فی الکفایة من أنّ الظاهر أنّه معه یبنی علی المعنی الذی لولاها کان اللفظ ظاهرا فیه ابتداء لا أنّه یبنی علیه بعد البناء علی عدمها کما لا یخفی،فافهم. (1)

و ذلک لما عرفت من أنّ مع عدم جریان أصالة عدم وجود الاقتران المذکور لا مجال لانعقاد الظهور حتی یؤخذ به کما لا مجال للأخذ بأصالة الظهور مع احتمال غفلة المتکلم عن مراده بل اللازم هو الرجوع إلی أصالة عدم الغفلة قبل الأخذ بأصالة الظهور کما لا یخفی.

و إن کان عدم العلم بالظهور و إرادته من جهة احتمال وجود القرینة منفصلا عن الکلام فالحق هو انعقاد الظهور إذ المانع المنفصل لا یمنع عن الظهور بل الحق أنّه لا یمنع عن کشفه عن المراد إذ المانع عن إرادته لیس بوجوده الواقعی بل بوجوده الواصل و المفروض أنّه لم یصل ففی هذه الصورة یؤخذ بأصالة الظهور و لا حاجة إلی رجوعها إلی أصالة عدم وجود المانع لأنّ المانع عند العقلاء هو الکاشف الأقوی الواصل فمع عدم وصوله الوجدانی لا مانع قطعا فیؤخذ بأصالة الظهور و لو فیما لا تجری فیه أصالة عدم القرینة کما إذا کان الشک فی قرینیة المنفصل.

و إن کان عدم العلم بالظهور و الإرادة من جهة احتمال قرینیّة الموجود فی الکلام فلا أصل فی المقام إذ مع احتمال قرینیّة الموجود لا ینعقد الظهور فلا مجال للأخذ بأصالة الظهور کما لا مجال لأصالة عدم قرینیّة الموجود إذ لا حالة سابقة لها بل یعامل معه العقلاء معاملة المجمل و إن أمکن التعبد بأصالة الظهور و لکنه لم یثبت.

فتحصّل أنّ إطلاق القول برجوع الاصول الوجودیة إلی الاصول العدمیة أو إطلاق القول بعدم الرجوع إلیها لا یخلو عن النظر بل الصحیح هو التفصیل بحسب الموارد کما عرفت.

ص:72


1- 1) کفایة:65/2.

و إن کان عدم العلم بالظهور ناشئا عن الشک فی الموضوع له لغة أو الشک فی المفهوم من اللفظ عرفا فلا دلیل علی تعیین شیء بمجرد الظنّ فإنّ الأصل یقتضی عدم حجیّة الظنون خرج منه الظنون المتیقنة استفادتها من الألفاظ و أمّا الظنون غیر المتیقنة استفادتها فلا دلیل علی اعتبارها.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:و الأوفق بالقواعد عدم حجیّة الظنّ هنا لأنّ الثابت المتیقّن هی حجیّة الظواهر و أمّا حجیّة الظن فی أنّ هذا ظاهر فلا دلیل علیه. (1)

و ذلک واضح فإنّ مع عدم العلم بالظهورات فلا یجوز التمسّک بما دلّ علی حجیّة الظواهر فإنّه تمسّک بالعام فی الشبهات الموضوعیة کما لا یخفی.

هذا بناء علی ما ذهب إلیه المحقّقون کالشیخ الأعظم و المحقّق الخراسانی من وجود بناء العقلاء علی عدم وجود القرینة فیما إذا شکّ فی وجود القرینة مطلقا و لکن استشکل سیدنا الاستاذ المحقق الداماد فی محکی کلامه فی تحقق بناء العقلاء اذا وصل إلی غیر المقصود بالإفهام کلام المتکلم و لو کان بألفاظه کما إذا کان بالکتابة فی قرطاس و احتمل وجود القرینة بینه و بین المقصود بالإفهام و لم یکن فی البین ما یوجب الاطمئنان بعدمها کما فی المکاتبات و المکالمات الرمزیّة السرّیة التی کان البناء فیها علی إخفاء المطالب الواقعیة إذ لیس أصالة عدم وجود القرینة أصلا متبعا عند العقلاء فی هذا المورد. (2)

و یمکن أن یقال إنّ الإشکال المذکور فیما إذا لم یکن المقصود بالإفهام ناقلا لغیره بعنوان الوظیفة العامة و إلاّ فلا مجال للإشکال فی وجود البناء کما لا یخفی.

ص:73


1- 1) فرائد الاصول:45.
2- 2) المحاضرات لسیدنا الاستاذ المحقق الداماد 95/2-96.
الخلاصة

الظّهورات اللفظیّة

فی الأمارات التی ثبتت حجّیتها بالأدلّة أو قیل بثبوتها.

و أعلم أنّ الأصل،هو عدم حجّیّة الظنّ و حرمة التعبّد به،و لکن یخرج عن هذا الأصل عدّة من الظّنون من جهة قیام الأدلّة علی حجیّتها،و هی کما تلی:

و لا یخفی أنّ الظّهورات الکلامیّة حجّة عند العقلاء،و لذا یحکمون بوجوب اتّباعها فی تعیین المرادات و استقرّ بنائهم علیها فی جمیع مخاطباتهم من الدعاوی و الأقاریر و الوصایا و الشّهادات و الإنشاءات و الإخبارات.

و لیست طریقة الشّارع فی إفادة مراداته مغایرة لطریقة العقلاء فی محاوراتهم،بل هی هی لأنّه یتکلّم مع النّاس بلسانهم و یشهد له إرجاعات الشّارع إلی الظّهورات و احتجاجاته بها ثمّ إنّ الظّهورات الکلامیّة تتحقّق من ظهور المفردات و الهیئات الترکیبیة فی معانیها من دون فرق بین کون ذلک بالوضع أو القرائن المتّصلة المذکورة فی الکلام أو بالقرائن الحالیة المقرونة و غیر ذلک.

و لو شکّ فی استعمال کلمة فی معناها الوضعی أم لا فمقتضی أصالة الحقیقة هو استعمالها فیه فیتحقّق ظهور الکلمة فیه بأصالة الحقیقة.

و لو شکّ فی وجود القرینة علی خلاف المعنی الموضوع له و عدمه فمقتضی أصالة عدم القرینة هو العدم،فیتحقّق الظّهور بأصالة عدم القرینة.

و لو شکّ فی التخصیص أو التقیید فمقتضی أصالة العموم أو الاطلاق هو ظهور الکلام فی العموم و الاطلاق بتلک الاصول.

و لو شکّ فی الخطأ و السهو و النسیان فمقتضی اصالة العدم هو الظّهور و عدم حدوث هذه الامور.

و لو شکّ فی أنّ هذه الظّهورات مرادة بالارادة الجدّیة أو لا،فمقتضی أصالة التطابق بین الارادة الاستعمالیّة و الجدّیة هی ارادتها جدّا.

ص:74

ثمّ لا یخفی علیک أنّ الحجّیّة لا تختص بالمعانی الحقیقیّة بل المعانی المجازیّة التی تستفاد من الکلام بالقرینة تکون حجّة أیضا لأنّ الملاک فی الحجّیّة هو الظّهورات و هی موجودة فیها.

ثمّ لا فرق فی الحجّیّة فی الظّهورات بین من قصد افهامه و غیره ما لم یقم قرینة علی اختصاص الحکم بمن قصد افهامه.

کما لا تفاوت فی الحجّیّة بین أن تکون النّصوص شرعیة أو عرفیة،و لا بین الشّرعیة أن تکون النّصوص قرآنیّة أو روائیّة.

و لکن مع ذلک اختلف فی بعض الأمور المذکورة،فالأولی هو أن نذکر بعض تلک الموارد مع الجواب عنه و نقول بعون اللّه و توفیقه یقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل:

أنّ المحکی عن المحقق القمّی قدّس سرّه هو اختصاص حجّیّة الظّهورات الکلامیّة بمن قصد إفهامه و هذه الظّهورات المقصودة بالافهام علی قسمین أحدهما الخطابات الشّفاهیة الّتی کان المقصود منها افهام المخاطبین بها،و ثانیهما الکتب المصنفة لرجوع کل ناظر إلیها و أما الأخبار الواصلة من النبی صلّی اللّه علیه و آله و الأئمة الأطهار علیهم السّلام بعنوان الجواب عن الأسئلة أو الکتاب العزیز فالظهور اللفظی الحاصل منهما لیس حجّة لنا إلاّ من باب الظّنّ المطلق الثابت حجّیته عند انسداد باب العلم لعدم کوننا مقصودین بالافهام فیهما فان المقصودین من الافهام فی القرآن أهل البیت علیهم السّلام و هکذا المقصودین من الافهام فی الاجوبة المذکورة هم الذین سألوا و بعبارة اخری ادعی المحقق القمّی امرین،أحدهما أنّ الأخبار الواصلة عن النبی صلّی اللّه علیه و آله و الأئمّة الأطهار علیهم السّلام بعنوان السؤال و الجواب و هکذا الکتاب العزیز لیست کالمؤلفات حتی نکون من المقصودین بالافهام فیها.

و ثانیهما أنّه لا تجری الأصول العقلائیّة کأصالة عدم القرینة فی ظواهر الکلمات و الجملات بالنّسبة إلی غیر المقصودین بالافهام لاختصاص تلک الاصول بامور جرت العادّة بأنّها لو کانت لوصلت إلینا دون غیرها ممّا لم یکن کذلک و علیه فلا دلیل علی عدم

ص:75

الاعتناء باحتمال إرادة الخلاف إذا کان الاحتمال المذکور مسببا عن اختفاء امور لم یجر العادة القطعیّة أو الظنیّة بأنها لو کانت لوصلت إلینا.

یمکن أن یقال أوّلا:إنّا نمنع عدم کون الأخبار الواصلة کالکتب المؤلفة فإنّها و إن کانت کثیرا ما بعنوان الأجوبة عن الأسئلة و لکن تکون فی مقام بیان وظائف النّاس من دون دخالة لخصوصیّة السائلین و لا لعصر دون عصر سیما إذا کان السؤال من مثل زرارة و محمّد بن مسلم فأنّهما فی مقام أخذ الجواب لصور المسائل بنحو یکون من القوانین الکلّیة و أیضا نمنع اختصاص الظّهورات القرآنیّة لقوم دون قوم بعد جریان القرآن کمجری الشمس و یشهد لذلک دعوته جمیع النّاس فی کل عصر إلی التدبّر فی آیاته و الاتّعاظ بمواعظه فکما تکون فی الکتب المؤلفة من المقصودین بالافهام فکذلک بالنّسبة إلی الأخبار المذکورة و القرآن الکریم.

و ثانیاً:إنّا ننکر عدم حجّیّة الظّهورات اللّفظیة بالنّسبة إلی غیر المقصودین بالافهام ما لم یحرز أنّ بناء المتکلم علی القاء الرّموز و الاکتفاء بالقرائن الخفیة المعلومة بین المتکلم و السامع لجریان أصالة عدم القرینة بالنسبة إلی غیر المقصودین بالافهام أیضا عند العقلاء و یشهد لذلک سیرة أصحاب الأئمّة علیهم السّلام فإنّهم کانوا یعملون بظواهر الأخبار الواردة إلیهم کما یعملون بما یسمعون من أئمّتهم علیهم السّلام.

فما ذهب إلیه المحقّق القمّی محل منع صغری و کبری،أما الصغری فلما عرفت من أنّا من المقصودین بالافهام و أمّا الکبری فلما ذکرنا من جریان أصالة عدم القرینة بالنّسبة إلی غیر المقصودین بالافهام عند العقلاء فلو سلمنا أنّا غیر مقصودین بالافهام لکانت الظّهورات حجة لنا أیضا.

و دعوی اتکال الأئمّة علیهم السّلام علی القرائن المنفصلة مندفعة بأنّه و إن کانت صحیحة إلاّ أنّه لا یقتضی اختصاص حجّیّة الظّهورات بمن قصد افهامها بل مقتضاه هو الفحص عن القرائن و مع عدم الظّفر یؤخذ بالظهورات.

ص:76

و احتمال التقطیع لا یمنع عن انعقاد الظّهور بعد کون المقطعین عارفین بأسلوب الکلام العربی و ملتزمین برعایة الأمانة.

لا یقال لا یمتنع أن ینصب المتکلم قرینة لا یعرفها سوی من قصد افهامه و علیه فلا یمکن لمن لم یقصد افهامه ان یحتج بکلام المتکلم علی تعیین مراده إذ لعلّه نصب قرینة خفیّة علیه علّمها المخاطب فقط لأنّا نقول إنّ محل الکلام فیما إذا صدر من المتکلم کلام متوجّه إلی مخاطب لا بما هو مخاطب خاص کما هو المفروض فإنّ غرض الشّارع لیس إلاّ بثّ الأحکام بین النّاس فلا مجال لاحتمال الرّموز المانع من النّشر و البثّ کما لا یخفی.

و فی مثل هذا المورد لا یبعد دعوی البناء علی عدم القرینة بعد الفحص و لا حاجة إلی حصول الاطمئنان بعدم وجود القرینة کما یظهر من سیدنا الأستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه فلا تغفل.

الأمر الثّانی:

أنّ المناط فی حجّیّة الکلام و اعتباره هو ظهوره عرفا فی المراد الاستعمالی و الجدّی و لو کان هذا الظّهور مسبّبا عن القرائن الموجودة فی الکلام و هذا هو الذی بنی علیه العقلاء فی إفادة المرادات بین الموالی و العبید و غیرهم من أفراد الإنسان.

و لا یشترط فی حجّیّة الظّهور المذکور حصول الظّنّ الشّخصی بالوفاق أو عدم قیام الظّنّ غیر المعتبر علی الخلاف بل هو حجّة و لو مع قیام الظّنّ غیر المعتبر علی الخلاف أو عدم حصول الظنّ بالوفاق و لذا لا یعذّر عند العقلاء من خالف ظاهر الکلام من المولی بأحد الأمرین.

و دعوی أنّ توقّف الأصحاب فی العمل بالخبر الصحیح المخالف لفتوی المشهور أو طرح الخبر المذکور مع اعترافهم بعدم حجّیّة الشهرة یشهد علی أنّ حجّیّة الظّهورات متوقفة علی عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی خلافها.

مندفعة بأنّ وجه التوقّف أو الطرح مزاحمة الشهرة للخبر من حیث الصّدور إذ

ص:77

لا یحصل الوثوق بالصدور مع مخالفة المشهور مع أنّ الوثوق بالصدور لازم فی حجّیّة الخبر لا مزاحمة الشهرة للخبر من جهة الظّهور کما هو محل الکلام.

و هذا واضح فیما إذا کان المطلوب هو تحصیل الحجّة و الأمن من العقوبة لوجود بناء العقلاء علی کفایة العمل بالظواهر مطلقا.

و أمّا إذا کان المطلوب هو تحصیل الواقع لا الاحتجاج کما إذا احتمل المریض إرادة خلاف الظّاهر من کلام الطبیب لا یعمل بمجرّد الظّهور ما لم یحصل الاطمئنان الشخصی بالواقع و لکنّه خارج عن محل الکلام.

و هکذا الظّهورات الواردة فی غیر الأحکام الشرعیّة کالامور الواقعیّة یکون اللاّزم فی اعتبارها هو حصول الاطمئنان الشخصی بالامور المذکورة إذ لا معنی للتعبّد بالنّسبة إلیها إلاّ إذا أدرجت فی موضوع الأحکام کالإخبار بها عن اللّه سبحانه و تعالی فی یوم القیامة فحینئذ یصحّ التعبّد بها بهذا الاعتبار کما لا یخفی.

ثمّ إنّ محلّ الکلام فیما إذا انعقد الظّهور فلا یتوقّف اعتباره علی وفاق الظنّ الشخصی و لا علی عدم قیام الظنّ غیر المعتبر علی خلافه.

و أمّا إذا اکتنف الکلام بما یصلح أن یکون صارفا عن الظّهور فلا ظهور حتّی یکون حجّة نعم لو لم یکتنف ما یصلح أن یکون صارفا بالکلام انعقد الظّهور و یحکمون بنفی احتمال الانصراف و ارتفاع الإجمال کما إذا قال المولی أکرم العلماء ثمّ ورد قول آخر من المولی لا تکرم زیدا و اشترک الزید بین العالم و الجاهل فلا یرفع الید عن ظهور العام فی العموم و شموله لزید العالم بمجرد صدور لا تکرم زیدا بل یرفعون الإجمال بواسطة العموم و یحکمون بأنّ المراد من قوله لا تکرم زیدا هو الجاهل منهما.

ثمّ إنّ الظّهورات الکلامیّة و إن کانت من الظّنون و لکن حجّیّتها شرعا من الضروریّات إذ لا طریق للشارع فی إفادات مراده إلاّ ما بنی علیه العقلاء فی تفهیم مقاصدهم من الظّهورات و علیه فظنّیة الظّهورات لا تنافی قطعیّة اعتبارها.

ص:78

و إذا اتّضح ذلک فالآیات الناهیة عن العمل بالظنّ منصرفة عن العمل بالظهورات المذکورة لأنّ الأخذ بها أخذ فی الحقیقة بالقطع و الضرورة.

ثمّ لا یذهب علیک بعد ما عرفت من حجّیّة الظّهور العرفی أنّ الظّهور العرفی لا یتعدّد بتعدّد الآحاد و الأشخاص لتقوم الظهور العرفی باستظهار نوع الأفراد و هو غیر قابل للتعدّد نعم یمکن الاختلاف بین الآحاد فی کون شیء أنّه ظاهر فی ذلک عرفا أو غیر ظاهر.

بأن یدّعی کلّ واحد من طرفی الاختلاف ظهور الکلام عرفا فیما ادّعاه و حینئذ یمکن تعدّد دعوی الظّهور العرفی و لکنّ الظّهور العرفی بحسب واقع العرف واحد و الحجّیّة مخصوصة به.

و ممّا ذکر یظهر عدم صحّة ما یتوهّم فی زماننا هذا من حجّیّة الظنّ الشخصی فی الألفاظ و العبارات و لو مع عدم مراعاة القواعد الأدبیّة و العقلائیّة بدعوی أنّ لکلّ شخص استظهارا.و هو حجّة له ضرورة اختصاص أدلّة اعتبار الظّهورات بالظهورات العرفیّة لا الشخصیّة و للظهورات العرفیّة قواعد و ضوابط ینتهی ملاحظتها و إعمالها إلی الظّهور النوعی.

و دعوی أنّ التفسیرات المختلفة من القرآن الکریم تؤیّد حجّیّة الظّهورات الشخصیّة مندفعة،بأنّ التفسیرات المختلفة إن أمکن إرجاعها إلی معنی جامع فهو ظهور عرفی و إن لم یمکن ذلک فلیس کلّها بصحیح بل الصحیح هو واحد منها و هو ما یستظهر بالاستظهار العرفی و البقیة من التفسیر بالرأی و هو منهی عنه بالأخبار القطعیّة.

ربما یقاس جواز الأخذ بالظّنون الشخصیّة بجواز الأخذ بالقراءات المختلفة للقرآن الکریم و لکنّه مع الفارق فإنّ القراءات المختلفة و إن لم تکن جمیعها بصحیحة و مطابقة للواقع لأنّ القرآن واحد نزل من عند واحد و لکن قامت الأدلّة الخاصّة علی جواز الاکتفاء بواحد منها تسهیلا للأمر هذا بخلاف المقام فإنّه لا دلیل علی جواز الاکتفاء بالظنّ الشخصی.

و فی الختام أقول و لیس المدّعی عدم لزوم التعمّق الزائد حول النصوص و الظواهر

ص:79

العرفیّة لکشف المطالب و الاستنباط بل هو لازم بتأکید و لکن الواجب هو مراعاة القواعد الأدبیّة و الاصول العقلائیّة و إلاّ فمع عدم مراعاتها لا حجّیّة لتلک الظّنون کما لا یخفی.

الأمر الثالث:

أنّه لا فرق فی حجّیّة الظّهورات بین المحاورات العرفیّة و بین النقلیة الشرعیة کما لا تفاوت فی النقلیّة بین الظّهورات القرآنیّة و بین الظّهورات الحدیثیّة.

و ذلک لعموم دلیل حجّیّة الظّهورات و هو بناء العقلاء و المفروض أنّ الشّارع لم یخترع طریقا آخر لإفادة مراداته.

و لکن ذهب جماعة من الأخباریّین فی الأعصار الأخیرة إلی عدم جواز الأخذ بظهورات الکتاب العزیز فیما إذا لم یرد التفسیر عن الأئمّة المعصومین علیهم السّلام و استدلّوا لذلک بوجوه:

منها:الأخبار الدالّة علی اختصاص فهم القرآن بالنبیّ و الأئمّة المعصومین صلوات اللّه علیهم،و من جملة هذه الأخبار خبر زید الشحّام عن أبی جعفر علیه السّلام أنّه قال فی حدیث له مع قتادة المفسّر ویحک یا قتادة إنّما یعرف القرآن من خوطب به. (1)

بدعوی أنّ مع اختصاص فهم القرآن بهم علیهم السّلام لا مجال للاستظهار من الآیات الکریمة لغیرهم و مع فرض الإمکان لا حجّیّة له.

و یمکن الجواب أوّلا:بأنّ المراد من الاختصاص المذکور هو اختصاص فهم القرآن و هو لا ینافی إمکان الاستظهار من جملة من الآیات و حجّیّتها بعد الاستظهار مع مراعاة شرائط الحجّیّة کالفحص عن القیود و ملاحظة القرائن المتّصلة و المنفصلة.

و ردع الإمام علیه السّلام لمثل أبی حنیفة و قتادة عن الفتوی بظاهر القرآن یرجع إلی ردعه عن الاستقلال فی الفتوی من دون مراجعة إلی أهل البیت علیهم السّلام أو من دون ملاحظة القرائن المتّصلة و المنفصلة.

ص:80


1- 1) روضة الکافی:312.

و ثانیا:بأنّ لازم الاختصاص هو أن یکون القرآن لغزا أو معمّی مع أنّه لیس کذلک لأنّ القرآن نزل لیخرج النّاس من الظّلمات إلی النّور و کانت الأعراب یفهمونه بمجرّد قراءة القرآن و تلاوته و أثّر فی نفوسهم أشدّ التأثیر.

و الشّاهد علی حجّیّة ظواهر الآیات هو إرجاع النّاس إلی الکتاب فی غیر واحد من الأخبار إذ لا یمکن ذلک بدون حجّیّة الظّهورات القرآنیّة.

و منها الأخبار الدالّة علی أنّ القرآن الکریم یحتوی علی مضامین شامخة و مطالب غامضة عالیة لا تکاد تصل إلیها أیدی أفکار اولی الأنظار غیر الرّاسخین العالمین بتأویله.

و من تلک الأخبار ما رواه المعلّی بن خنیس عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلّم إنّه لیس شیء أبعد من قلوب الرجال من تفسیر القرآن و فی ذلک تحیّر الخلائق أجمعون إلاّ من شاء اللّه و إنّما أراد اللّه بتعمیته فی ذلک أن ینتهوا إلی بابه و صراطه و أن یعبدوه و ینتهوا فی قوله إلی طاعة القوّام بکتابه و النّاطقین عن أمره و أن یستنبطوا ما احتاجوا إلیه من ذلک عنهم لا عن أنفسهم. (1)

و یمکن الجواب بأنّ اشتمال القرآن علی المضامین العالیة الغامضة و اختصاص علمها بالرّاسخین فی العلم و لزوم الرجوع الیهم فی التفسیر و التأویل لا ینافی وجود ظواهر فیه بالنّسبة إلی الأحکام و غیرها و حجّیّتها لغیرهم.

هذا مضافا إلی أنّ جعل تمام القرآن غامضا لا یساعد مع تصریح القرآن بکونه عربیّا مبینا بل دعوی إبهام تمام القرآن ینافی قول أبی جعفر علیه السّلام فمن زعم أنّ الکتاب مبهم فقد هلک و أهلک. (2)

و هکذا ینافی قول مولی الموحّدین فی ضمن احتجاجه علی زندیق:ثمّ إنّ اللّه قسّم کلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما یعرفه العالم و الجاهل و قسما لا یعرفه إلاّ من صفا ذهنه و لطف حسّه

ص:81


1- 1) الوسائل الباب:13 من أبواب صفات القاضی ح 38.
2- 2) الوسائل:الباب 13 من أبواب صفات القاضی ح 39.

و صحّ تمییزه ممّن شرح اللّه صدره للإسلام و قسما لا یعلمه إلاّ اللّه و ملائکته و الرّاسخون فی العلم. (1)

و منها:أنّ القرآن یشتمل علی المتشابهات و المتشابه یشمل الظّواهر و لا أقلّ من احتمال ذلک لتشابه معنی المتشابه.

و الجواب عنه واضح لمنع کون الظّاهر من مصادیق المتشابه بل هو خصوص المجمل الذی لیس له ظهور فی معنی من المعانی هذا مضافا إلی أنّ التمسّک بما یمنع عن الأخذ بالمتشابه فی مورد یحتمل أن یکون متشابها یرجع إلی التمسّک بالدّلیل فی الشّبهات الموضوعیّة و هو کما تری.

و منها دعوی العلم الإجمالی بطروّ تخصیصات و تقییدات و تجوّزات فی ظواهر الکتاب و علیه فلا یجوز العمل بالأصول اللّفظیة فی أطراف المعلوم بالإجمال لتعارضها و سقوطها.

و فیه أنّ العلم الإجمالی یمنع عن العمل بالظّواهر فیما إذا لم ینحل بالظفر بمقدار المعلوم بالإجمال و إلاّ فلا یبقی علم إجمالی بالنّسبة إلی غیر الموارد التی ظفرنا فیه بمقدار المعلوم بالإجمال.

و منها:الرّوایات النّاهیة عن التفسیر و هذه الأخبار علی طوائف:

الطّائفة الاولی:

هی التی تدلّ علی اختصاص التفسیر بالأئمّة علیهم السّلام

کقوله علیه السّلام إنّ من علم ما اوتینا تفسیر القرآن و أحکامه. (2)

و کقوله علیه السّلام تفسیر القرآن علی سبعة أوجه منه ما کان و منه ما لم یکن بعد تعرفه الأئمّة علیهم السّلام. (3)

الطّائفة الثّانیة:

هی التی نهت عن تفسیر القرآن بالرأی

کموثّقة الریّان عن الرضا علیه السّلام عن أبیه عن آبائه

ص:82


1- 1) الوسائل الباب 13 من أبواب صفات القاضی ح 44.
2- 2) الوسائل:الباب 13 من أبواب صفات القاضی ح 13.
3- 3) الوسائل:الباب 13 من أبواب صفات القاضی ح 50.

عن أمیر المؤمنین علیه السّلام قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قال اللّه جلّ جلاله:ما آمن بی من فسّر برأیه کلامی. (1)

الطّائفة الثّالثة:

هی الّتی تدلّ علی المنع عن ضرب القرآن بعضه ببعض فی التفسیر

کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام قال أبی: ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلاّ کفر. (2)

و الجواب عنه:

أوّلا:بأنّ الأخبار المذکورة دلّت علی ممنوعیّة خصوص التفسیر و لا نظر لها بالنّسبة إلی الأخذ و العمل بظواهر الکتاب إذ ذلک لا یکون تفسیرا لاختصاص موضوع التّفسیر بما له إجمال و خفاء بحیث یحتاج إلی کشف القناع الذی هو حقیقة التفسیر و الظّواهر لا تحتاج إلی التفسیر و کشف القناع کما لا یخفی.

و یشهد لما ذکر تطبیق التفسیر المنهی فی الرّوایات علی تفسیر البطون و ذکر المصادیق الخفیّة التی لم تسبق إلی الأذهان.

و ثانیا:بأنّا لو سلّمنا أنّ العمل بالظواهر من التفسیر فالمنع عنه محمول علی التّفسیر بالرأی و هو حمل اللفظ علی خلاف ظاهره بمجرّد رجحانه بنظره أو حمل المجمل علی بعض المحتملات بمجرّد رجحانه بنظره من دون إقامة دلیل أو فحص لازم.

و من المعلوم أنّ ذلک لا یشمل حمل ظواهر الکتاب علی معانیها اللغویّة و العرفیّة بعد الفحص اللاّزم عن القرائن المتّصلة و المنفصلة و العقلیّة و النقلیّة من دون إعمال رأی.

و ثالثا:بأنّه لو سلّمنا دلالة الأخبار المذکورة علی المنع عن الأخذ بظهورات القرآنیّة فلا بدّ من حملها علی ما ذکر لتعارضها مع الأخبار الدالّة علی جواز التمسّک بظواهر القرآن الکریم مثل خبر الثقلین و الرّوایات الدالّة علی الإرجاع إلی ظواهر الکتاب و التدبّر فیها و جعلها معیار الصّحة الأخبار و عدمها و غیر ذلک.

ص:83


1- 1) الوسائل:الباب 6 من أبواب صفات القاضی ح 22.
2- 2) الوسائل:الباب 13 من أبواب صفات القاضی ح 22.

و مقتضی الجمع بین الأخبار هو حمل الأخبار النّاهیة علی النهی عن التفسیر بالرأی أو التفسیر من دون الفحص اللازم لأنّ جواز التمسّک بظواهر القرآن و عرض الأخبار المتعارضة علی تلک الظّواهر و ردّ الشروط المخالفة لظاهر القرآن و الإرجاعات إلی ظواهر الکتاب و غیر ذلک من المسلّمات.

و دعوی أنّ الرجوع إلی الکتاب عند تعارض الأخبار أو تعیین الشروط الصّحیحة عن غیرها لیس من باب حجّیّة ظواهر الکتاب بل لعلّه من جهة المرجّحیّة.

مندفعة بأنّه لا یساعد مع التعبیرات الواردة فی الأخبار من أنّ القرآن شاهد صدق و نور و هدایة و فصل الخطاب و غیره ممّا یکون من خصائص الحجّیّة کما لا یخفی.

التنبیهات

التّنبیه الأوّل:

أنّه ربّما یتوهّم أنّ البحث عن اعتبار ظواهر الکتاب قلیل الجدوی إذ ما من آیة من الآیات إلاّ ورد فیها خبر أو أخبار فلو لم یکن ظواهر الآیات حجّة کفی الأخذ بالأخبار الواردة حول الآیات.

و أجیب عنه:

أوّلا:بأنّ الآیات الواردة فی العبادات و إن کانت أغلبها کذلک و لکن غیرها من إطلاقات المعاملات ممّا یتمسّک بها فی الفروع غیر المنصوصة أو المنصوصة بالنّصوص المتکافئة کثیرة مثل قوله تعالی: «أَوْفُوا بالْعُقُود» و «أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ » و «تجارَةً عَنْ تَراضٍ » و «فَرهانٌ مَقْبُوضَةٌ » و «لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ » و «وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتیم » و غیر ذلک.

هذا مضافا إلی أنّ الأخبار الواردة حول الآیات فی العبادات ربّما تکون متعارضة أو ضعافا ففی هذه الموارد یؤخذ بظهور الآیات.

نعم یمکن أن یقال حیث لا یحرز کون المتکلم فی مقام البیان لا أصل التشریع فی الآیات

ص:84

الواردة فی العبادات فلا یجوز أن یؤخذ بظهور إطلاقها بخلاف الآیات الواردة فی الإمضائیات أو التأسیسیّات التی کان موضوعها من الموضوعات العرفیّة أو اللغویّة کالمعاملات و الجهاد و الدفاع و نحوهما لمعلومیّة الموضوع العرفیّة أو اللغویّة کالمعاملات و الجهاد و الدفاع و نحوهما لمعلومیّة الموضوع عند العرف و اللغة و لا حاجة إلی بیان الشّارع اللّهمّ إلاّ أن یقال:بکفایة الإطلاق المقامی فی العبادیّات بعد حلول وقت العمل إذا اکتفاء الشّارع بما ذکره من الآیات بعد حلول وقت العمل یکشف عن إرادة إطلاقها و ذلک لأنّه لو لم یرد الإطلاق لاتّخذ سبیلا آخر لبیان مراده.

التّنبیه الثّانی:

أنّ اللازم بعد حجّیّة ظهورات الکتاب هو إحراز کون الظّاهر من الکتاب و علیه فإذا اشتبه فی ظاهر أنّه من الکتاب أم لا فلیس الظّاهر المذکور حجّة و یتفرّع علیه أنّه لو اختلفت قراءة القرآن بحیث یوجب الاختلاف فی الظّهور و الأحکام مثل یطهرن بالتشدید و التخفیف فإنّ الأوّل ظاهر فی لزوم الاغتسال فی جواز المعاشرة و الثّانی ظاهر فی کفایة انتقاء عن الحیض فی ذلک ففی مثل هذا لا یجوز التمسّک بأحدهما لإثبات خصوص ما یکون ظاهرا فیه لعدم إحراز کونه من ظاهر الکتاب فاللازم فی الحجّیّة إحراز کون الظّاهر من الکتاب.

و دعوی تواتر جمیع القراءات ممّا لا أصل له و إنّما الثّابت جواز القراءة و لا ملازمة بینها و بین تواترها کما لا ملازمة بین جواز القراءة تعبّدا و جواز الاستدلال بها.

و دعوی قیام الإجماع علی تواتر القراءات کما تری لعدم تحقّقه باتفاق مذهب واحد عند مخالفة الآخرین.

و القول بأنّ اهتمام الصحابة و التابعین بالقرآن یقضی؟؟؟بتواتر قراءاته غیر سدید لأنّه لا یثبت به إلاّ تواتر القرآن لا کیفیة قراءاته و لو کفی ذلک فی إثبات تواتر القراءات فلا وجه لتخصیصه بالقراءات السبعة أو العشرة بل لازمه هو الالتزام بتواتر جمیع القراءات و هو

ص:85

واضح الفساد و قد اعترف جمع کثیر من العلماء بعدم الملازمة بین تواتر القرآن و تواتر القراءات.

قال الزّرکشی فی البرهان القرآن و القراءات حقیقتان متغایرتان إلی أن قال و القراءات السبع متواترة عند الجمهور إلی أن قال و التحقیق أنّها متواترة عن الأئمّة السبعة أمّا تواترها عن النبی ففیه نظر فإنّ اسنادهم بهذه القراءات السبع موجود فی کتب القراءات و ممّا نقل الواحد عن الواحد.

ص:86

مسألة نزول القرآن علی الأحرف

قال السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه قد یتخیّل أنّ الأحرف السبعة التی نزل بها القرآن هی القراءات السّبع فیتمسّک لإثبات کونها من القرآن بالرّوایات الدالّة علی

أنّ القرآن نزل علی سبعة أحرف.

أجاب عنه السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه بأنّ الرّوایات الواردة فی هذا المعنی کلّها من طرق أهل السّنّة و هی معارضة مع

ما صحّ عندنا عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام قال: إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد و لکن الاختلاف یجیء من قبل الرواة و کذّب الإمام الصادق ما روی من نزول القرآن علی سبعة أحرف

و قال: و لکنّه نزل علی حرف واحد من عند الواحد.

و قد تقدّم أنّ المرجع بعد النبی صلّی اللّه علیه و آله فی أمور الدّین إنّما هو کتاب اللّه و أهل البیت الذین أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهیرا.

و علیه فلا قیمة للرّوایات إذا کانت مخالفة لما یصحّ عنهم.

هذا مضافا إلی التخالف الموجود بین الرّوایات المذکورة و من المعلوم أنّه من الموهنات لتلک الرّوایات.

فتحصّل أنّ بعد عدم تواتر القراءات لا یجوز الاستدلال بکل قراءة لخصوص ما تکون ظاهرة فیه لعدم إحراز کونه من ظاهر القرآن و مع التخالف یکون من موارد اشتباه الحجّة إن قلنا بوجود قراءة النبی فی أحد الطرفین إجمالا و مقتضی القاعدة هو التساقط و الرّجوع إلی العموم أو الأصل الموافق لأحدهما.

و لو سلّمنا تواتر القراءات فاللاّزم هو الجمع بینها بحمل الظّاهر علی الأظهر عند التخالف و مع عدم إمکان ذلک یحکم بالتوقّف و الرجوع إلی الأدلة اللفظیة أو الأصول العملیة و التحقیق هو القطع بتقریر الأئمّة علیهم السّلام القراءة بآیة واحدة من القراءات المعروفة فی زمانهم کما ورد عنهم اقرأ کما یقرأ النّاس و علیه فیجوز الاکتفاء بکل واحدة منها و لا حاجة إلی الاحتیاط بالتکرار.

ص:87

و ینقدح ممّا ذکرناه أنّ بعد تقریر المعروفة لا وجه لتخصیص جواز القراءة بالقراءات السّبعة أو العشرة نعم یعتبر فی الجواز أن تکون القراءة شاذّة إذ مع الشذوذ لا علم بکونها فی المرأی و منظر الأئمة علیهم السّلام حتّی یؤخذ بتقریرهم إیّاها بل اللازم هو شیوع القراءة و یکفی شیوعها فی عهد کلّ إمام و عدم ردعه عنه کما لا یخفی.

لا یقال یکفی فی الرّدع ما ورد عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّه قال:إن کان ابن مسعود لا یقرأ علی قراءتنا فهو ضالّ ثمّ قال أمّا نحن فنقرؤه علی قراءة ابی. (1)لدلالته علی تخطئة غیر قراءتهم.

لأنّا نقول وجود قراءة صحیحة عندهم لا ینافی تقریرهم القراءات المعروفة لبعض المصالح و جرت السّیرة علیها و قراءة الأئمّة لم تذکر للنّاس و إلاّ لکانت شائعة.

و دعوی عدم جواز القراءة بغیر القراءة التی یکون القرآن علیها لأنّها هی الّتی تواترت نسلا بعد نسل و قامت الضرورة القطعیّة علیها.

مندفعة،بأنّ الأئمة علیهم السّلام جوّزوا قراءة القرآن بالقراءات الشائعة فی أعصارهم و مع تجویزهم و تقریرهم لا مجال للإشکال فی الجواز.

و إذا عرفت جواز القراءة لکلّ واحدة من القراءات الشائعة فلا حاجة إلی الاحتیاط بتکرار الصّلاة مع کلّ قراءة أو بالجمع بین القراءات فی صلاة واحدة بنیّة القراءة فی واحدة منها و نیّة الثّناء فی غیرها حتّی لا یلزم الزیادة لکفایة القراءة الشّائعة.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ جواز القراءة لکلّ واحدة من القراءات لا یلزم جواز الاستدلال بها و لو سلّمنا جواز الاستدلال أیضا ففی موارد تعارض القراءات لزم حمل الظّاهر علی الأظهر و مع التکافؤ حکم بسقوطهما عن الحجّیّة فی مورد التعارض و رجع إلی غیرهما من الأدلة أو الاصول بحسب اختلاف المقامات و لا مجال للأخذ بالمرجّحات المذکورة فی الأخبار العلاجیّة لاختصاصها بالأخبار المتعارضة نعم یؤخذ بمفادهما فی غیر مورد التعارض.

التّنبیه الثّالث:

ص:88


1- 1) الوسائل:الباب 74 من أبواب القراءة فی الصلاة،ح 4.

أنّه قد یتوهّم وقوع التحریف فی الکتاب العزیز حسب ما ورد فی بعض الأخبار و معه یحتمل وجود القرینة علی إرادة خلاف الظّاهر فیما سقط منه بالتحریف و هو یوجب عروض الإجمال المانع من التمسّک به لأنّه یکون من باب احتمال قرینیّة الموجود لا من باب احتمال وجود القرینة لیدفع بأصالة عدم وجود القرینة و أجیب عنه أوّلا:بأنّ هذا التوهّم لا وقع له إذ احتمال التحریف لا مجال له بعد کون القرآن فی رتبة من الأهمّیّة عند المسلمین فی عصر النبی صلّی اللّه علیه و آله حفظته الصّدور زائدة علی الکتابة بحیث لا یمکن تحریفه حتّی عن الصّدور الحافظة له هذا مضافا إلی أنّ شعار الإسلام و سمة المسلم کان هو التجمّل و التکمّل بحفظ القرآن و استمرّ المسلمون علی ذلک حتّی صاروا فی زمان الرسول صلّی اللّه علیه و آله یعدّون بالالوف و عشراتها و مئاتها و کلّهم من حملة القرآن و حفّاظها و إن تفاوتوا فی ذلک بحسب السابقة و الفضیلة فاستمرّ القرآن الکریم علی هذا الاحتفاء العظیم بین المسلمین جیل بعد جیل تری له فی کلّ آن ألوفا مؤلّفة من المصاحف و ألوفا مؤلّفة من المصاحف و ألوفا من الحفّاظ و لا تزال المصاحف ینسخ بعضها علی بعض و المسلمون یقرأ بعضهم علی بعض و یسمع بعضهم من بعض تکون ألوف المصاحف رقیبة علی الحفّاظ و الوف الحفّاظ رقباء علی المصاحف و تکون الالوف من کلا القسمین رقیبة علی المتجدّد منهما لقول الالوف و لکنّها مئات الالوف و الوف الالوف فلم یتّفق لأمر تاریخی من التّواتر مثل ما اتفق للقرآن الکریم کما وعد اللّه جلّ جلاله بقوله: إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّکْرَ وَ إنّا لَهُ لَحافظُونَ .

و قد بلغ حرص المسلمین علی توفّی الدقّة فی ضبط القرآن إلی أنّهم إذا عثروا فی المصاحف القدیمة للمصدر الأوّل علی کلمة مکتوبة علی خلاف القواعد المعروفة للإملاء یبقونها و لا یتجرءون علی تغییرها و مواردها متعدّدة لیس هنا محلّ تفصیلها.

و ثانیا:بأنّ الأخبار التی یستشمّ منها وقوع التحریف لا اعتبار بها بعد إعراض الأصحاب عنها هذا مضافا إلی ضعفها سندا و دلالة و تناقض مضمونها مع رجوع قسم وافر منها إلی وصفهم علماء الرجال بضعف الحدیث و فساد المذهب و الکذب.

ص:89

أضف إلی ذلک أنّ مضامین کثیر منها لیست هی التحریف بل هی تفسیر للآیات أو تأویل لها أو أظهر الأفراد و أکملها أو ما کان مرادا بخصوصه و بالنصّ علیه فی ضمن العموم عند التّنزیل أو ما کان هو المورد للنزول أو ما کان هو المراد من اللّفظ المبهم و علی أحد الوجوه الثّلاثة الأخیرة یحمل ما ورد بعنوان التنزیل أو نزل به جبرئیل.

کما أنّه ربّما یکون المراد من التحریف هو التحریف المعنوی و علیه یحمل ما ورد فی المراد من نبذهم الکتاب أن أقاموا حروفه و حرّفوا حدوده.

قال السیّد المحقّق البروجردی قدّس سرّه:و أنّ الأخبار الواردة فی التحریف فهی و إن کانت کثیرة من قبل الفریقین و لکنّه یظهر للمتتبع أنّ أکثرها بحیث یقرب ثلثیها مرویة عن کتاب أحمد بن محمّد السّیاری من کتاب آل طاهر و ضعف مذهبه و فساد عقیدته معلوم عند من کان مطّلعا علی أحوال الرجال.

و کثیر منها یقرب الرّبع مروی عن تفسیر فرات بن إبراهیم و هو أیضا مثل السّیاری فی فساد العقیدة.

هذا مع أنّ أکثرها محذوف الواسطة أو مبهما و کثیر منها معلوم الکذب مثل ما ورد من کون اسم علی علیه السّلام مصرّحا به فی آیة التبلیغ و غیرها إذ لو کان مصرّحا به لکان یحتجّ به علی علیه السّلام فی احتجاجاته مع غیره فی باب الإمامة إلی أن قال و بالجملة فوقوع التحریف ممّا لا یمکن الالتزام به.

و ثالثا:بأنّ الآیات و الرّوایات الدالة علی مصونیة القرآن عن التحریف و التغییر و التبدیل و عروض الباطل تعارض الأخبار الدالّة علی التحریف:

منها قوله تعالی: إنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذّکْرَ وَ إنّا لَهُ لَحافظُونَ بتقریب أنّ الآیة الکریمة تدلّ مع التأکیدات المتعدّدة علی أنّ الأیادی الجائرة لن تتمکّن من تحریف الذکر و هو القرآن کما یدلّ علیه الآیة السّابقة: وَ قالُوا یا أَیُّهَا الَّذی نُزّلَ عَلَیْه الذّکْرُ إنَّکَ لَمَجْنُونٌ و من المعلوم أنّ المراد من الذکر فی الآیة السابقة هو القرآن و بهذه القرینة یکون المراد من الذّکر فی آیة الحفظ أیضا هو القرآن کما لا یخفی.

ص:90

و علیه فکلّ خبر یدلّ علی التحریف مخالف لهذه الآیة و مردود بها.

و منها قوله تعالی: وَ إنَّهُ لَکتابٌ عَزیزٌ لا یَأْتیه الْباطلُ منْ بَیْن یَدَیْه وَ لا منْ خَلْفه تَنْزیلٌ منْ حَکیمٍ حَمیدٍ .

بتقریب:أنّ الآیة الکریمة تنفی طبیعة عروض الباطل بالنّسبة إلی القرآن و من المعلوم أنّ التحریف من أوضح أفراد الباطل.

و منها أخبار الثّقلین الدالّة علی أنّهما باقیان بین الأمّة غیر مفترقان و أنّ التمسّک بهما یوجب الهدایة و نفی الضّلالة و مقتضی عمومیّة ذلک لجمیع الأزمان و الأعصار هو لزوم صیانتهما عن التحریف و عروض الخطأ و الاشتباه إذ مع عروض الخطأ و التحریف لا یبقی الکتاب متروکا بینهم هذا مضافا إلی عدم صلاحیّته حینئذ لتضمین الهدایة و نفی الضلالة.

و دعوی کفایة وجود القرآن واقعا عند المعصوم مندفعة،بأنّه لا یکون حینئذ متروکا بین الأمّة و المفروض أنّ مفاد حدیث الثّقلین هو بقاء القرآن فی مجتمع المسلمین هذا مضافا إلی التمسّک بالقرآن المأمور به لا یمکن إلاّ بوصول القرآن إلیهم.

ثمّ إنّ قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلّم:إنّی تارک فیکم الثقلین کتاب اللّه و عترتی لا یساعد مع تضییع بعض القرآن فی عصره صلّی اللّه علیه و آله فإنّ المتروک حینئذ هو بعض الکتاب لا جمیعه مع أنّ الظّاهر من حدیث الثّقلین هو ترک الکتاب بجمیعه بین الأمة فی زمان حیاته و مماته بل هذا الخبر المتواتر یدل بالصراحة علی أنّ تدوین القرآن و جمعه کان فی زمان النبی صلّی اللّه علیه و آله إذ الکتاب لا یصدق علی مجموع المتفرّقات إلاّ علی نحو المجاز بالأول و المشارفة و لا یحمل اللفظ علی المجاز دون قرینة و علیه فحدیث الثّقلین یدلّ علی کون تدوین القرآن و جمعه فی النبی صلّی اللّه علیه و آله فترکه بین الأمة للتالی لأن یتمسّک النّاس به.

و ممّا ذکر یظهر أنّ إسناد جمع القرآن إلی بعض الخلفاء أمر موهوم مخالف للکتاب و السنة و الاعتبار و أمّا ما قالوا من أنّ القرآن جمع فی عصر عثمان فلیس المقصود منه هو جمع القرآن فی عصر عثمان فی مصحف بل المقصود هو جمع المسلمین علی قراءة واحدة و قد صرّح به کثیر من أعلام أهل السّنة.

ص:91

و هذا ینقدح ممّا ذکر أنّ المراد و ممّا ورد من أنّ علیا علیه السّلام کان له مصحف مشتمل علی التأویل و التنزیل لیس هو اشتمال مصحفه لآیات زائدة بل المراد أنّ مصحفه مشتمل علی زیادات تفسیریة و تأویلیة و لا دلالة فی شیء من هذه الرّوایات علی أنّ تلک الزیادات من القرآن کما لا یخفی و رابعا بأنّ التحریف علی فرض التسلیم لا یمنع من التمسّک بظواهر الکتاب لعدم العلم الإجمالی باختلال الظّواهر بذلک مع أنّه لو علم لکان من قبیل الشّبهة الغیر المحصورة و حینئذ یکون المعلوم بالاجمال بنفسه غیر حجّة لخروجه عن محل الابتلاء فلا مجال لرفع الید عن ظواهر الکتاب بما لیس بمعلوم الحجیّة فیعامل مع هذا العلم الإجمالی معاملة الشکّ البدوی و علیه فالعلم الاجمالی فی الظّواهر التی تکون مورد الابتلاء و الاحتمال هنا یبنی علی العدم إلاّ أنّ ذلک محرز فی القید المنفصل و أمّا فیما إذا کان المعلوم بالإجمال هو القید المتّصل فإحراز البناء فیه غیر ثابت و سیأتی تفصیل ذلک فی التّنبیه التّالی إن شاء اللّه تعالی.

نعم یمکن أن یقال بقیام الدّلیل التعبّدی علی الحجیّة و هی الرّوایات الدالّة علی وجوب عرض الأخبار علی کتاب اللّه أو علی ردّ الشروط المخالفة للکتاب و السّنة فیعلم من هذه الرّوایات حجیّة الکتاب حتّی علی تقدیر التحریف تعبّدا فلا تغفل.

و قد وقع التمسّک بظواهر الکتاب من أهل بیت العصمة علیهم السّلام فی مقامات کثیرة و أرجعوا علیهم السّلام الأصحاب إلی ظواهر القرآن و علّموهم طریق الاستدلال بالآیات و هذا دلیل علی حجیّة ظواهر الکتاب کما لا یخفی.

قال سیّدنا الاستاذ المحقق الداماد و بالجملة قد وقع التعبّد بظاهر الکتاب و هذا یکفی فی جواز الأخذ و لو احتمل وقوع التحریف واقعا نظیر التعبّد بسائر الحجج الشّرعیة فی الظّاهر مع احتمال کون الواقع علی خلافها و لعلّ المصلحة فیه غلبة مصادفة هذه الظّواهر مع الواقع فتأمّل جیّدا.

التّنبیه الرّابع:

أنّ مع العلم بالظّهورات و إرادتها فلا إشکال فی حجیّتها من دون فرق بین مواردها.

ص:92

و أمّا إذا لم یحصل العلم بالظّهورات و إرادتها فإن کان ذلک لأجل احتمال وجود القرینة متّصلا بها بحیث لو کان الکلام مقترنا مع القرینة المحتملة فلا یحصل له الظّهور فیرجع فیه إلی أصالة عدم وجود القرینة و مع جریان أصالة عدم وجود القرینة و مع جریان أصالة عدم وجود الاقتران المذکور یحصل الظهور و یؤخذ به.

و دعوی أنّ المرجّح فی مثله هو أصالة الظهور لا أصالة عدم وجود القرینة قائلا بأنّ العقلاء لا یعتنون باحتمال وجود القرینة و یأخذون بأصالة الظّهور مندفعة،بأنّ تحقّق الظّهور منوط بجریان أصالة عدم وجود القرینة علی الفرض و إلاّ فلا ظهور حتّی یجری فیه أصالة الظّهور.

و ممّا ذکر ینقدح ما فی الکفایة من أنّ الظّاهر أنّه معه یبنی علی المعنی الذی لولاها کان اللّفظ ظاهرا فیه ابتداء لا أنّه یبنی علیه بعد البناء علی عدمها.

و ذلک لأنّ مع عدم جریان أصالة عدم وجود القرینة لا ینعقد الظّهور حتّی یؤخذ به بمقتضی اصالة الظّهور کما لا مجال للأخذ بهذه الأصالة مع احتمال غفلة المتکلّم عن مراده بل اللازم هو الرجوع إلی أصالة عدم الغفلة قبل الأخذ بأصالة الظّهور هذا کله فیما إذا کان علّة عدم العلم بالظّهورات احتمال وجود القرینة متصلا بالکلام.

و إن کان عدم العلم بالظّهورات و إرادتها من جهة احتمال وجود القرینة منفصلا عن الکلام فالحقّ هو أن یقال بانعقاد الظهور إذ المانع المنفصل لا یمنع عن تحقق الظّهور بل لا یمنع عن کشفه عن المراد بعد کون المانع هو الوجود الواصل منه لا الوجود الواقعی منه و المفروض أنّه لم یصل ففی هذه الصورة یتحقق الظّهور و یؤخذ بأصالة الظّهور و لا حاجة إلی أصالة عدم وجود المانع لعدم دخالته بوجوده الواقعی منه و المفروض أنّه لم یصل ففی هذه الصورة یتحقق الظّهور و یؤخذ بأصالة الظّهور و لا حاجة إلی أصالة عدم وجود المانع لعدم دخالته بوجوده الواقعی و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الشکّ فی وجود القرینة المنفصلة أو الشکّ فی قرینیّة المنفصل إذ فی کلتا الصّورتین ینعقد الظّهور و لا حاجة إلی أصالة عدم وجود المانع لما ذکر.

ص:93

و إن کان عدم العلم بالظّهورات من جهة احتمال قرینیّة الموجود فی الکلام فلا أصل حتّی یؤخذ به إذ مع احتمال قرینیّة الموجود فی الکلام لا ینعقد الظّهور فلا ظهور حتّی یؤخذ بأصالة الظّهور کما لا مجال للأخذ بأصالة عدم قرینیّة الموجود لعدم الحالة السابقة له حتّی یرجع إلیها لتحقق الظّهور کالصورة الاولی فحینئذ یعامل مع هذا اللفظ عند العقلاء معاملة المجمل.

و إن کان عدم العمل بالظهور ناشئا عن الشکّ فی الموضوع له لغة أو الشکّ فی المفهوم من اللفظ عرفا فلا دلیل علی تعیین شیء بمجرّد الظنّ و الأصل عدم حجیّة الظنّ خرج منه الظّنون المتیقّنة استفادتها من الالفاظ و أمّا الظّنون غیر المتیقّنة استفادتها فلا دلیل علی اعتبارها و لذا قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه و الأوفق بالقواعد عدم حجیّة الظنّ هنا لأنّ الثابت المتیقّن هی حجیّة الظّواهر و أما حجیّة الظنّ فی أنّ هذا ظاهر فلا دلیل علیه ففی الصورة الأولی یؤخذ بأصالة عدم وجود القرینة المتّصلة و مع جریانها یتحقّق الظّهور و یؤخذ به و فی الصورة الثانیة یؤخذ بأصالة الظّهور و لا حاجة إلی عدم وجود القرینة المنفصلة لأنّ عدم وصولها یکفی فی عدم المانعیة من غیر توقّف علی جریان أصالة عدمها.

و فی الصّورة الثّالثة لا أصل حتّی یدفع به احتمال قرینیّة الموجود فی الکلام و مع عدم هذا الأصل لا ینعقد ظهور فی الکلام فحینئذ یعامل مع الکلام المذکور معاملة المجمل.

و فی الصّورة الرّابعة فلا حجیّة للظهور لعدم العلم به و الظنّ بالظهور لا حجیّة له و التمسّک بأدلّة اعتبار الظّهور فیه مع عدم العلم بالظهور تمسّک بالعامّ فی الشّبهات الموضوعیّة و هو کما تری.

فالظهور فی الأولی و الثّانیة متحقّقة و حجّة یؤخذ به بخلاف الثّالثة و الرّابعة فإنّ الظهور لیس فیهما متحقّقه حتی یؤخذ به.

ص:94

حجیّة قول اللغویین

نسب إلی المشهور حجیّة قول اللغوییّن بالخصوص فی تعیین الأوضاع و تشخیص الحقائق عن المجازات و تعیین الظهورات مع أنّ آرائهم تفید الظنّ بالأوضاع أو الظهورات و استدل له باتفاق العلماء بل جمیع العقلاء علی الرجوع إلیهم فی استعلام اللغات و الاستشهاد بأقوالهم فی مقام الاحتجاج و لم ینکر ذلک أحد علی أحد.

و أورد علیه بأنّ المتیقّن من هذا الاتفاق هو الرجوع إلیهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد و العدالة و نحو ذلک لا مطلقا.

أ لا تری أنّ أکثر علمائنا علی اعتبار العدالة فی أهل الخبرة فی مسألة التقویم و غیرها. (1)

و یمکن أن یقال:الانصاف أنّ رجوع العقلاء إلیهم من دون اعتبار التعدد و الإخبار عن حسّ یدل علی أنّ الرجوع إلیهم من باب أنّهم مهرة الفنّ و الخبرة لا من باب الشهادة و دعوی اعتبار العدالة فی بعض موارد الرجوع إلی الخبرة کمسألة التقویم أو مسألة التقلید لا تدلّ علی أنّ الرجوع إلیهم من باب الشهادة بل هو شرط شرعی فی بعض الموارد و یقتصر بمورده.

هذا مضافا إلی ما فی الوقایة من أنّ اعتبار التعدد و العدالة فی مسألة التقویم فلعلّه من جهة کون اعتمادهم فیها من باب الشهادة و هی أمر ربّما یتصرف فیها الشارع بتصرفات مختلفة و لا ارتباط بالمقام فإنّه لم یتصرف فیه الشارع إلاّ بالإمضاء. (2)

و علیه فلا یعتبر فی الرجوع إلی أهل اللغة فی موارد الاستعمال التعدد أو العدالة،بل لو ثبت أنّ اللغویّین خبرة تشخیص موارد الحقیقة عن المجاز أو موارد الظهورات فلا إشکال أیضا فی الرجوع إلیهم لحجیّة قول أهل الخبرة فی جمیع العلوم و الصنائع و غیرهما لأنّه أمر جری علیه العقلاء کافة فی جمیع البلدان و الأزمان کما لا یخفی.

ص:95


1- 1) فرائد الاصول:46/،کفایة الاصول:7/2.
2- 2) الوقایة:510.

و دعوی أنّ موارد التمسّک ببناء العقلاء إنّما هو فیما إذا أحرز کون بناء العقلاء بمرأی و مسمع من المعصومین علیهم السّلام و لم یحرز رجوع الناس إلی صناعة اللغة فی زمن الأئمة علیهم السّلام بحیث کان الرجوع إلیهم کالرجوع إلی الطبیب. (1)

مندفعة أوّلا:بمنع لزوم إحراز کون جمیع الموارد و المصادیق من البناء بمرأی و مسمع من المعصومین علیهم السّلام بعد إحراز البناء الکلی من العقلاء علی رجوع الجاهل إلی العالم فی الامور من دون فرق بینها فإنّ عدم الردع عن هذا الکلی المستفاد من بنائهم فی الموارد المختلفة یکفی فی جواز رجوع الجاهل إلی العالم مطلقا و إلاّ فلا یجوز الاعتماد إلی الخبراء فی کثیر من الصنائع الحدیثة و هو کما تری.و دعوی أنّ القدر المتیقّن صورة حصول الوثوق الشخصی أو کون الامور من الامور الحسّیة کما فی تحریرات فی الاصول (2)ممنوعة اذ البناء ثابت علی رجوع الجاهل إلی العالم و لو لم یوجب قوله وثوقا شخصیا أو لم یکن رأیه مبنیا علی الامور الحسّیّة.

و ثانیا:بمنع عدم ثبوت رجوع الناس إلی مهرة اللغة فی صدر الإسلام بل قبله مع شیوع الاستعمالات اللغویّة و تبادل الأدبیات بین الجوامع و وجود الحاجة فی فهم اللغات و التراکیب المختلفة و إن لم تکن کتب اللغة مدوّنة إلاّ فی زمن الإمام الصادق علیه السّلام ککتاب خلیل بن احمد الفراهی الذی عدّه الشیخ من اصحاب الامام الصادق علیه السّلام و الإمام الجواد علیه السّلام و کتاب جمهرة الذی ألفه ابن درید و هو کان من أصحاب الإمام الجواد علیه السّلام هذا.

و ثالثا:بأن الرجوع إلی الکتب المؤلفة فی اللغة فی زمان بعض الأئمة علیهم السّلام یکفی فی إحراز رجوع الناس إلی صناعة اللغة.

فتحصل أنّ الرجوع إلی اللغوییّن من باب الرجوع إلی الخبراء و علیه فیمکن الاعتماد علی قولهم فی تعیین موارد الاستعمال بل لا یبعد القول بجواز الاعتماد علیهم فی بیان المعانی

ص:96


1- 1) تهذیب الاصول:97/2.
2- 2) تحریرات فی الاصول:347/6.

الظاهرة بل ذهب بعض الأعلام إلی أنّهم مهرة لتشخیص الحقائق عن المجازات ایضا.

قال فی الوقایة:لا طریق اطلاع اللغویین علی المعنی الموضوع له واضح لا أری سببا لخفائه علی هؤلاء الأعلام إلاّ شدة وضوحه لأنّه بعینه الطریق الذی تعلّموا و تعلّم جمیع الناس من أهل جمیع اللغات معانی الألفاظ الأصلیة فی زمن الطفولیة.

إذ الطفل لا یزال یسمع الألفاظ مستعملة فی معانی یعرفها بالقرائن و ربما احتمل المجاز فی استعمالین أو ثلاثة فیحتاج إلی ما رسمه الأستاذ من أعمال العلائم و لکن بتکرر الاستعمال یزول ذلک الاحتمال و یقطع بالوضع کما یحتمل الخطأ و الغلط فی استعمال و استعمالین ثم یزول ذلک بالتکرار فیکون فی غنی عن العلائم إلی أن قال و ما حال أئمة اللغة مع فصحاء العرب إلاّ کهذا الحال فهم(للّه درّهم)...عاشروا زمنا طویلا و تکرر علی مسامعهم الألفاظ حتی حصل لهم القطع بمعانیها و أصبحوا فی غنی کلّفهم هذا الأستاذ من أعمال العلائم استغناء الأطفال بتکرر سماعهم الألفاظ من آبائهم إلی أن قال و ما ذکرناه من حال عالم اللغة کالتجربة بل هو ضرب منها و علی التجربة یدور رحی کثیر من الحرف و العلوم.

و أمّا علامة الفرق بین المعانی الحقیقیّة و بین المجازیة فإنّ عالم الفن فی غنی عنه بماله من التدرب فی الصناعة و الخبرة بمجاری الکلام فکثیرا ما ینظر إلی کلمة فی کتب أئمة اللغة کتهذیب الأزهری و غیره و یظهر له أصلها و تحوّلها عن معنی إلی کلمة فی کتب أئمة اللغة کتهذیب الأزهری و غیره و یظهر له أصلها و تحوّلها عن معنی إلی معنی آخر و تطوّراتها الطارئة علیها مدی الأجیال الی ان قال و أمّا غیره فیکفیه التصریح فی مثل أساس اللغة فإنّ دأبه أن یقول بعد الفراغ عن ذکر المعانی الحقیقیّة إنّ من المجاز کذا أو التلویح بعبارات یعرف منها ذلک،راجع مفردات القرآن و غیره...

ثم علی تسلیم الأمرین معا فإنّ معرفة الظواهر لا تتوقف علی معرفة الحقائق من المجازات إذ من الواضح لدی أهل الفن أنّ همّ الأئمة المصنّفین فی علم اللغة بیان الظاهر من کل کلمة فی التراکیب المختلفة و ضبط المعانی الظاهرة منها باختلاف النسب و الحروف و

ص:97

غیرهما فتراهم یذکرون شام البرق و شام السیف و رفّ الطائر و رفّ الظلیم و رفّ لونه و رفّ زیدا أو رفّ هندا و یفسرون ذلک بقولهم أبصره و أغمده و بسط جناحه و أسرع فی عدوه و برق وجهه و أکرمه و قبّلها و مثل ذلک الفرق بین عقلته و عقلت عنه و شکرته و شکرت له و بین المسهب فی الکلام بفتح الهاء و کسرها فلکل کلمة وقعت فی کلام ظهور غیر ظهوره فی غیره و معرفة ذلک هی التی یحتاجها أهل العلم.

و من العبث تطلب المعنی الأوّلی الّذی وضع له اللفظ و من فضول البحث الاهتمام فی معرفة ما بین هذه الألفاظ من نسبة المجاز أو الاشتراک إلی أن قال إنّ الظهور الذی عرفت حجّیته هو الّذی یفهمه أهل تلک اللغة من اللفظ أو من زاولها خبرا حتی عاد کأحدهم بل کاد أن یعدّ منهم فلا بدّ لمن یروم استنباط الأحکام من الکتاب و السنة من ممارسة هذه اللغة الشریفة و معرفة عوائد أهلها و درس أخلاقها و طبائعها و الاطلاع علی أیامها و مذاهبها فی جاهلیتها و إسلامها. (1)

و التحقیق أنّ همّ أکثر اللغویّین بیان الظواهر من کل کلمة فی التراکیب المختلفة مثل کلمة رغب فیه و رغب عنه و قلّ من کان بصدد بیان الحقیقة و المجاز و الّذی یحتاج إلیه الفقیه و المفسر و المحدث و نحوهم فی غالب الأوقات هو تعیین الظهورات لا تعیین الحقائق عن المجازات و اللغوی یکون خبیرا بذلک لکثرة مزاولته للاستعمالات من أهل اللسان فإذا أخبر أنّ معنی رغب عنه مثلا هو الإعراض عنه و معنی رغب فیه هو التمایل فیه جاز الاعتماد علیه لأنّه خبر الخبرة...

و هذا الاعتماد اعتماد علی الخبرة کسائر موارد الاعتماد علی الخبراء و لا حاجة إلی التعدد و لا إلی العدالة بل اللازم فیه هو الوثوق و الاعتماد النوعی و علیه فیثبت بقول اللغوی ظهور اللفظ و یترتب علیه الحجیّة بعد ثبوت الظهور.

فإسقاط قول اللغوی عن الحجیّة فیما إذا أفاد المعانی الظاهرة من دون حاجة إلی قرینة

ص:98


1- 1) الوقایة:515-512.

خاصّة لا یساعده التحقیق.و لعلّ الوجه فی إنکار حجیّة قول اللغوی مطلقا هو ملاحظه المفردات و أنّ معانیها مختلفة و حیث إنّ اللغوی لم یعیّن الحقیقة عن المجاز لا یحصل العلم بظهور اللفظ فی أیّ معنی من معانیه و لکن مقتضی الإمعان أنّ اللغوی ذکر فی أکثر الموارد القرائن العامّة للمعانی مثل کلمة عنه و فیه بعد کلمة رغب و مع ملاحظة القرائن العامّة صار اللفظ المفرد فی الترکیب ظاهر المعنی و لا حاجة إلی معرفة الحقیقة و المجاز و أنّ ایّهما سابق أو لاحق بل اللازم هو إحراز الظهور للکلمة عند الصدور و هو حاصل بإخبار اللغوی الماهر.

و لذا ذکر أهل اللغة تفاوت المعانی باختلاف أبواب الأفعال و اللزوم و التعدی و المجرد و المزید فیه مثلا قالوا فی کلمة«عرف»بضم الراء أی أکثر الطیب و«عرف»بکسر الراء أی ترک الطیب و«عرفه»بفتح الراء و التعدّی أی علمه بحاسّة من الحواس الخمس فهو عارف و«عرّفه الأمر»بفتح الراء و تشدیده أی أعلمه إیّاه و«أعرف فلان فلانا»من باب الافعال أی وقّفه علی ذنبه ثم عفا عنه و غیر ذلک من الموارد و من المعلوم أنّ المعانی فی هذه الموارد و نظائرها ظاهرة و لا إجمال فیها.نعم إنّا لا ننکر الإجمال فی بعض الموارد و لکن ذلک لا یوجب إسقاط قول اللغوی عن الحجیّة فی الموارد الظاهرة و العجب أنّ المنکرین أخذوا بأقوال اللغویین فی المعانی الظاهرة بارتکازهم و مع ذلک أنکروا حجیّة قول اللغوی و دعوی حصول القطع بکون اللفظ ظاهرا فی المعنی عند المراجعة و علیه فهم اعتمدوا علی قطعهم لا علی قول اللغویین کما تری و یخالفه الوجدان.

فتحصّل أنّ ما ذهب إلیه صاحب الوقایة من حجّیة قول اللغوی فی تعیین المعانی الظاهرة مما لا مجال لإنکاره و إن کان ذهابه إلی أنّ اللغوی خبرة لتشخیص موارد الحقیقة عن المجاز محل تأمل لعدم وضوح ذلک فی اکثر کتب اللغة.نعم من اطمأن بذلک بالنسبة إلی کتاب لغة من اللغات فلا مانع من الاعتماد علیه أیضا من باب أنّه خبرة ذلک فلا تغفل.

قال سیدنا الأستاذ المحقق الداماد فی محکی کلامه أقول التحقیق الذی یساعده النظر الدقیق حجیّة قول اللغوی و بیانه یستدعی رسم مقدمتین الأولی استقرار بناء العقلاء علی

ص:99

الرجوع إلی أهل الخبرة من کل صنعة مطلقا و لو لم یحصل من قوله الاطمئنان بإصابة رأیه للواقع نعم لا بدّ من حصول الاطمئنان بأنّ ما یخبر به مطابق لرأیه و الدلیل علی ذلک ما یری من استشهادهم فی مقام الاحتجاج و المخاصمة و اللجاج بقوله إلی أن قال الثانیة إنّ اللغوی خبیر بالاوضاع و لیس خبرویته مخصوصة بمجرد موارد الاستعمالات و ذلک لأنّه إذا راجع کلمات العرف و أهل المحاورة ربّما یحصل له العلم.

بأنّ اللفظ الکذائی یتبادر منه عند أهل العرف المعنی الکذائی بلا قرینة و إلی أن قال فإذا قال إنّ اللفظ الفلانی موضوع للمعنی الفلانی أو أخبر بهذا التبادر فقال المتبادر عند أهل اللسان من هذا اللفظ هذا المعنی کان ذلک بمنزلة ما لو علمت بنفسک لتبادر و بالجملة اللغوی المتتبع فی موارد الاستعمالات کثیرا ما یحصل له العلم بأنّ هذا اللفظ یتبادر منه هذا المعنی بلا قرینة و بذلک یستکشف وضعه له و کونه حقیقة فیه و یصیر خبیرا بذلک إذا جدّ جهده و بالغ سعیه و استفرغ وسعه فکیف القول بأنّه لیس خبیرا بالأوضاع و إذا ثبت کونه خبیرا کان قوله حجة من باب حجیّة قول أهل الخبرة إلی أن قال و یمکن إثبات حجیة قوله بطریق آخر إلی أن قال أی الاخذ بإخباره بإدخال قوله فی خبر الواحد الموثوق به بضمیمة أصالة عدم الغفلة (1)

و ربّما یشکل الرجوع إلی أهل اللغة من باب الخبرویة من جهة أنّ الرجوع إلی أهل الخبرة إنّما هو فی الامور الحدسیة التی تحتاج إلی إعمال النظر و الرأی لا فی الامور الحسّیة التی لا دخل للنظر و الرأی فیها و تعیین معانی الألفاظ من قبیل الامور الحسیّة لأنّ اللغوی ینقلها علی ما وجده فی الاستعمالات و المحاورات و لیس له إعمال النظر و الرأی فیها فیکون إخبار اللغوی عن معانی الألفاظ داخلا فی الشهادة المعتبرة فیها العدالة بل التعدد فی مورد القضاء و أمّا فی غیره ففی اعتباره خلاف مذکور فی محله. (2)

ص:100


1- 1) المحاضرات 107/2-109.
2- 2) مصباح الاصول:131/2.

و فیه ما لا یخفی فإنّ تخصیص الخبرة بالامور الحدسیة کما تری لأنّ الطبابة مبتنیة علی التجربة و الحسّیات و لها خبراء یعتمد علیهم.و هکذا علم الرجال یبتنی علی ما رآه الرجالی من أحوال الأشخاص أو ما سمعه فی هذه الناحیة و من المعلوم أنّ المرئیات و المسموعات من الحسّیات و مع ذلک له خبراء یمکن الاعتماد علی أقوالهم،هذا مضافا إلی أنّ علم اللغة لا یخلو عن حدس أیضا إذ اللغوی إذا رای الاستعمالات المتکررة فی مثل رغب عنه فی الإعراض و رغب فیه فی التمایل حصل له الحدس بأنّ کلمة عنه بعد فعل رغب قرینة عامة علی إرادة الإعراض.و هکذا کلمة فیه بعد الفعل المذکور قرینة عامة علی إرادة التمایل.قال الشهید الصدر قدّس سرّه إنّ خبرة اللغوی کثیرا ما یکون علی أساس الحدس و إعمال النظر،فأنّه و إن کان رأس ما له السماع و تتّبع موارد الاستعمالات إلاّ أنّه لا بدّ له أیضا أن یقارن بین موارد الاستعمالات و یجتهد فی تخریج و تجرید المعانی التی یستعمل فیها اللفظ و التی تستفاد من مجموع تلک المسموعات (1)

فتحصّل من ذلک جوا الرجوع إلی قول اللغوی فیما یکون خبرة فیه کموارد الاستعمال فإذا أخبر بأنّ المعنی الفلانی لا یکون شائعا أمکن الاعتماد علیه.

قال شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه فلو شککنا من جهة موارد الاستعمال کان للرجوع إلیهم وجه لانهم خبرة هذا المقام. (2)

و هکذا یجوز الاعتماد علیه فی تعیین المعانی الظاهرة من جهة القیود المختلفة کقید عنه و فیه فی فعل رغب و من جهات اختلاف الهیئة و اللزوم و التعدی و المجرد و المزید فیه و غیرها و علیه فیجوز الاعتماد علی قول اللغوی فیما کان خبرة فیه.

و أیضا یجوز الرجوع الی قول اللغوی فی تعیین الحقیقة و المجاز فیما اذا تصدی لذلک و اخبر به لما عرفت من توجیه ذلک و امکانه فلا تغفل.

ص:101


1- 1) مباحث الحجج و الاصول العملیة:296/1.
2- 2) اصول الفقه:508/1.

نعم من کان خبرة فی اللغة کبعض الفقهاء لا یجوز له ان یراجع إلی قول اللغوی إلاّ فیما إذا لم یعمل خبرویته و إلاّ فهو رجوع الخبرة إلی الخبرة و لا حجیّة لقول الخبرة علی الخبرة بل یشکل الرجوع إلی قول اللغوی ممن یرید من المراجعة أن یفتی للآخرین فإنّه حینئذ بالنسبة إلی اللغة جاهل و المقلد یرجع إلی العالم لا إلی الجاهل و التقلید هو رجوع الجاهل إلی العالم لا رجوع الجاهل إلی الجاهل و هذا الإشکال یسری أیضا إلی علم الرجال و سائر مقدمات الاجتهاد فاللازم لمن أراد أن یفتی للآخرین أن یجتهد فی مقدمات الاجتهاد.نعم لا مانع من الرجوع إلی قول اللغوی أو الرجالی و غیرهما فی عمل نفسه فلا تغفل.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:کثیرا ما یحصل الوثوق الشخصی من مراجعة الکتب اللغویة بالموضوع له أو المعانی الظاهرة و هکذا فی علم الرجال و غیره من المقدمات و مع حصول الوثوق فلا مانع من الإفتاء للآخرین و حینئذ یجوز تقلید من حصل له الوثوق بالنسبة إلی معانی الکلمات أو أحوال الرجال.هذا مضافا إلی أنّ کثیرا ما یکون اللغوی أو الرجالی متعددا فمع شهادتهما فی المحسوسات أو ما یقرب منها أمکن اعتماد المفتی علی البینة الشرعیة و علیه فیجوز تقلید من اعتمد علی البینة الشرعیة،فتدبر.

ص:102

الخلاصة

حجیّة قول اللغویین

نسب إلی المشهور حجّیّة قول اللغویّین فی تعیین الأوضاع و تشخیص الحقائق عن المجازات و تعیین الظّهورات المفردة و الترکیبیة و استدلّ له بقیام بناء العقلاء علی الرجوع إلیهم فی استعلام اللغات و الاستشهاد بأقوالهم فی مقام الاحتجاجات و لم ینکر ذلک أحد علی أحد.

و دعوی أنّ القدر المتیقّن من الرجوع إلیهم هو ما إذا اجتمع شرائط الشّهادة من العدد و العدالة لا مطلقا.

مندفعة،بمنع اشتراط ذلک فی الرجوع إلیهم لوضوح رجوعهم إلیهم من دون اعتبار التعدّد أو اعتبار الإخبار عن حسّ و هذا یکشف عن کون الرجوع إلیهم من باب أنّهم مهرة الفنّ و أهل الخبرة لا من باب الشهادة.

و القول بأنّ هذا البناء لم یحرز وجوده فی زمان الأئمّة علیهم السّلام حتّی یکون حجّة بعدم الرّدع عنه و لا کتاب لغة فی ذلک العصر حتّی یرجع إلیه.

ممنوع أوّلا:بأنّ عدم الرّدع عن الکلّی المعمول به و هو رجوع الجاهل إلی العالم فی الامور یکفی فی إمضاء آحاد الکلّی المذکور و لا حاجة إلی إحراز کون کلّ فرد موجودا فی عصر الإمام علیه السّلام.

و ثانیا:یمنع عدم ثبوت رجوع النّاس إلی مهرة اللّغة فی صدر الإسلام بل قبله مع شیوع الاستعمالات اللّغویة و تبادل الأدبیّات بین الجوامع و وجود الحاجة فی فهم اللّغات و التّراکیب المعمولة إلی ذلک.

و ثالثا:بأنّ بعض الکتب اللّغویة مدوّن فی زمن الإمام الصادق علیه السّلام ککتاب خلیل و فی زمن الإمام الجواد علیه السّلام ککتاب جمهرة و یرجع إلیه و لم یردع عنه.

فیتحصّل أنّ الرجوع إلی قول اللّغویین من باب أنّهم خبراء و مهرة و علیه فقولهم حجّة

ص:103

فیما أخبروا به ممّا کانوا فیه خبراء من دون فرق بین کون ذلک من موارد الاستعمال أو الحقیقة و المجاز أو الظّهورات المفردة أو الترکیبیة هذا مضافا إلی إمکان إدراج قوله فی خبر الواحد الموثوق به بضمیمة أصالة عدم الغفلة.

لا یقال إنّ الرّجوع إلی أهل اللّغة لیس من باب الخبرویة لأنّ الرجوع إلی أهل الخبرة إنما هو فی الأمور الحدسیّة التی تحتاج إلی إعمال النظر و الرأی لا فی الامور الحسیّة التی لا دخل للنظر و الرأی فیها.

و تعیین معانی الألفاظ من قبیل الامور الحسّیة لأنّ اللغوی ینقلها علی ما وجده فی الاستعمالات و المحاورات و علیه فیدخل إخبار اللغوی فی الشهادة التی اعتبر فیها العدالة و التّعدد فی مورد القضاء لأنّا نقول إنّ تخصیص الخبرة بالامور الحدسیة کما تری لأنّ الطبابة مبتنیة علی الحسّ و التجربة و مع ذلک لها خبراء و مهرة یعتمد علیهم و هکذا علم الرجال یبتنی علی ما رآه و سمع الرجالی من أحوال الأشخاص و هما من حسیّات و مع ذلک له خبراء یعتمد علیهم.

هذا مضافا إلی أنّ علم اللّغة لا یخلو عن حدس أیضا إذ اللغوی إذا رأی الاستعمالات المتکرّرة فی مثل رغب عنه فی معنی الإعراض و رغب فیه فی معنی التّمایل حصل له الحدس بأنّ کلمة عنه بعد فعل رغب قرینة عامّة علی إرادة الإعراض و هکذا فی کلمة فیه بعد فعل رغب قرینة عامّة علی إرادة التّمایل.

بل رأی اللّغوی کثیرا ما یکون علی أساس الحدس و إعمال النظر فإنّه و إن کان رأس ماله السّماع و تتبع موارد الاستعمالات إلاّ أنّه لا بدّ له أیضا أن یقارن بین موارد الاستعمالات و یجتهد فی تخریج و تجرید المعانی التی یستعمل فیها اللفظ و التی تستفاد من مجموع تلک المسموعات.

و بالجملة یجوز الرجوع إلی قول اللغوی فیما یکون فیه ماهرا و خبیرا من دون فرق بین موارد الاستعمالات و تعیین الظّهورات و الحقیقة و المجاز.

ص:104

2-الإجماع
اشارة

و الإجماع إمّا منقول و هو داخل فی الأمارات الظنیّة،و إمّا محصّل و هو من مصادیق القطع بالحکم،و ذکره فی المقام لتوقف اعتبار الإجماع المنقول علی معرفة الإجماع المحصّل،و إلاّ لکان المناسب هو ذکر الإجماع المحصّل فی القطع و کیف کان فتحقیق الحال یتوقف علی ذکر امور:

الأمر الأوّل:فی المراد من الإجماع عند العامّة

و اعلم أنّ الإجماع عند العامة هو اتفاق الکلّ،و المراد من الکلّ إما اتفاق الأمّة أو اتفاق أهل الحلّ و العقد أو المجتهدین فی عصر واحد.علی أمر من الامور.و الإجماع علی کلّ تقدیر عندهم حجّة بنفسه و دلیل فی مقابل الکتاب و السنّة،و استدلوا له بما روی عن النبی صلّی اللّه علیه و آله:

أنّ أمّتی لا تجتمع علی ضلالة،فإذا رأیتم اختلافا فعلیکم بالسواد الأعظم (1)و نحوه ما روی عنه صلّی اللّه علیه و آله أنّ اللّه أجارکم من ثلاث خلال:أن لا یدعو علیکم نبیّکم فتهلکوا...و أن لا تجتمعوا علی ضلالة. (2)

أورد علیه بأنّه لا دلیل علی حجیّة الإجماع بنفسه؛إذ المروی المذکور عن النبیّ صلّی اللّه علیه و آله ضعیف و مرسل؛لشهادة جملة من علمائهم بضعف أبی خلف الأعمی فی الطریق الأوّل و إرسال الثانی.هذا مضافا إلی أنّ الامّة لا تناسب إلاّ اتفاق الأمّة،فالدلیل مختص بالشق الأوّل من معنی الاتفاق،و لا یشمل غیره من الشقوق،فتأمّل علی أنّ الضلالة تستبطن الإثم و الانحراف و هو أخص من الخطأ و عدم الحجیّة. (3)

ثم لا مجال للتمسک بقوله علیه السّلام فی أخبار الخاصة:فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه. (4)فإنّه فی مقام ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر،و المقصود أنّ الخبر الذی یکون مجمعا علیه لا ریب فیه،و لا نظر فیه إلی نفس الإجماع فی قبال الکتاب و السنّة.

ص:105


1- 1) سنن ابن ماجة 2:1203
2- 2) سنن ابی داود 4:98.
3- 3) مباحث الحجج 1:308.
4- 4) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضی،ح 1.
الأمر الثانی:فی المراد من الإجماع عند الخاصّة

و لا یخفی علیک أنّ الإجماع عند الخاصّة قد یطلق علی اتفاق علمائنا من القدماء و المتأخرین،و قد یطلق علی اتفاق جماعة منهم کالقدماء أو المتأخرین أو علماء عصر واحد،و الإجماع بأی معنی کان لیس حجّة بنفسه عند الخاصّة،بل حجیّته لأجل کشفه عن قول المعصوم أو تقریره،و کلّ واحد منهما یکون من مصادیق السنّة،و علیه فلا یکون الإجماع عندنا فی مقابل الکتاب و السنّة،بل هو من مصادیق السنّة.

الأمر الثالث:فی وجوه استکشاف رأی المعصوم

الوجه الأوّل:

الحسّ،کما إذا سمع الحکم من الإمام فی جملة جماعة لا یعرف أعیانهم،و هو الذی یسمّی بالإجماع الدخولی و التشرفی،فیحصل له العلم بقول الإمام،و هذا الفرض نادر جدّا و علی فرض وجوده لا إشکال فی حجیّته؛لأنّ المعرفة الإجمالیة بوجود الإمام تکفی فی الحجیّة،و لا یلزم فی الحجیّة أن تکون المعرفة تفصیلیة،کما لا یخفی.

الوجه الثانی:

قاعدة اللطف،و هذه هی التی ذهب إلیها الشیخ الطوسی قدّس سرّه فی العدة حیث قال فی حکم ما إذا اختلفت الإمامیة(الأمة خ ل)علی قولین یکون أحد القولین قول الإمام علی وجه لا یعرف بنفسه و الباقون کلهم علی خلافه:إنّه متی اتفق ذلک؛فإن کان علی القول الذی انفرد به الإمام دلیل من کتاب أو سنة مقطوع بها لم یجب علیه الظهور و لا الدلالة علی ذلک؛ لأنّ الموجود من الدلیل کاف فی ازاحة التکلیف،و متی لم یکن علیه دلیل،وجب علیه الظهور أو إظهار من تبین الحق فی تلک المسألة إلی...أن قال:و ذکر المرتضی علی بن الحسین الموسوی أنّه یجوز أن یکون الحق عند الإمام و الأقوال الأخر کلها باطلة،و لا یجب علیه الظهور؛لأنّا إذا کنا نحن السبب فی استتاره فکل ما یفوتنا من الانتفاع به و بما یکون معه من الأحکام قد فاتنا من قبل أنفسنا و لو أزلنا سبب الاستتار لظهر و انتفعنا به و أدّی إلینا الحق الّذی کان عنده.

ص:106

قال الشیخ الطوسی:و هذا عندی غیر صحیح؛لأنّه یؤدی إلی أن لا یصح الاحتجاج بإجماع الطائفة اصلا.

و تبعه فخر الدین و الشهید و المحقق الثانی علی المحکی حیث اشترطوا فی تحقق الإجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر،و حیث صرحوا بعدم مانعیة قول المیت لانعقاد الإجماع، و قالوا بأنّه لا قول للمیّت بالإجماع،علی أنّ خلاف الفقیه الواحد لسائر أهل عصره یمنع من انعقاد الإجماع اعتدادا بقوله و اعتبارا بخلافه،فإذا مات و انحصر أهل العصر فی المخالفین له انعقد و صار قوله غیر منظور إلیه و لا یعتدّ به.

و علیه فالإجماع الاصطلاحی عندهم هو اتفاق علماء الإمامیة فی عصر واحد علی أمر، و أنّهم یدّعون کما فی المحکی عن المحقق الداماد قدّس سرّه أنّ من الرحمة الواجبة فی الحکمة الإلهیة أن یکون فی المجتهدین المختلفین فی المسألة المختلف فیها من علماء العصر من یوافق رأیه رأی إمام عصره و صاحب أمره علیه السّلام.

اورد علی الشیخ و من تبعه بأنّ قاعدة اللطف لیست تامة فی باب النبوة و لا فی باب الإمامة.

و یمکن أن یقال:إنّ قاعدة اللطف و الحکمة الالهیة تامّة،و التخلف فیها یوجب نقض الغرض و الخلف فی الحکمة الإلهیة مع أنّ هدایة العباد مما تعلّقت به الإرادة الحتمیة الإلهیة،و موارد الهدایة الإلهیّة لا تقاس بالموارد التی یصل إلیها الإنسان بالتجارب فی أموره و معیشته طیلة حیاته.و قد ذکرنا تفصیل الکلام حولها فی رسالة منفردة مطبوعة بمناسبة ذکری الشیخ الانصاری فراجع.

و لکن تمامیّة القاعدة فی البابین لا تستلزم جواز الاستدلال بها فی المقام؛لما أشار إلیه السید المرتضی قدّس سرّه فی المقام من أنّ السبب لاستتار الإمام و ذهاب الآثار هو نفس المکلفین، فاللطف محقق فی المقام و لکن هم أنفسهم یمنعون عن انجازه و تحققه و إدامته و إیصاله بالنسبة إلیهم:إذ الأئمة علیهم السّلام قد بینوا الأحکام للرواة المعاصرین بالنحو المتعارف،فلو لم

ص:107

تصل إلی الطبقة اللاحقة بسبب تقصیرهم لیس علی الإمام رفع الموانع التی تحققت بفعل العباد و عصیانهم أنفسهم و لا إیصال الأحکام إلیهم بطریق متعارف فضلا عن غیر متعارف بعد کون الضیاع بفعلهم أنفسهم.

و ما ذکره الشیخ من أنّ عدم حجیة الإجماع یؤدی إلی عدم صحة الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا منظور فیه،کما سیأتی بیانه،قال فی الدرر:و لیس هذا الطریق صحیحا؛لعدم تمامیّة البرهان الذی أقیم علیه،فانه بعد غیبة الإمام علیه السّلام بتقصیر منا کل ما یفوتنا من الانتفاع بوجوده الشریف و بما یکون عنده من الأحکام الواقعیّة قد فاتنا من قبل أنفسنا فلا یجب علیه عقلا أن یظهر المخالفة عند اتفاق العلماء إذا کان اتفاقهم علی خلاف حکم اللّه الواقعی. (1)

الوجه الثالث:

تقریر المعصوم کما ذهب إلیه بعض الأعلام،و بیان ذلک:أنّ الاجماع إذا کان فی غیر المسائل التفریعیة من الاصول المتلقاة و اتصل إلی زمان المعصوم و کان فی مرأی و منظر الإمام و لم یرشدهم إلی خلاف ما اتفقوا علیه فهو تقریر له بالنسبة إلی ما اتفقوا علیه،و إلاّ لزم علیه مع حضوره و شهوده أن یبیّن خطئهم،و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الإجماع المذکور معلوم المدرک أو محتمله و بین أن لا یکون،بل لا فرق بین أن یکون مدرکهم صحیحا أو غیر صحیح؛نعم اللازم ان یکون المسألة من الاصول المتلقاة لا المسألة التفریعیة الفرضیة التی لا یکون مع قطع النظر عن الامامة فی المرأی و منظر الامام و ان یکون المسألة مورد الابتلاء و شایعة بحیث لو ردّ الامام لبان و وصل الینا لا المسألة النادرة التی لورد الامام فیها لم یصل الینا.

و علیه فالإجماع الاصطلاحی هو إجماع القدماء المتصل بإجماع أصحاب الأئمة علیهم السّلام،و لا یضر به اختلاف المتأخرین أو إجماعهم علی الخلاف بعد ما عرفت من کشف تقریر الإمام

ص:108


1- 1) الدرر:372.

لما ذهب الیه أصحابنا المتقدمون و إن لم یکن ما استدلوا به تامّا من جهة السند أو الدلالة،و علیه فیشکل الحکم بخلاف رأی المتقدمین فی الصورة المذکورة بل لا یضرّ به مخالفة نادر فی زمان القدماء مع الإجماع المذکور فإنّ ارجاع الناس نحو ما ذهب إلیه الجلّ و الاکتفاء بالنادر یعدّ تقریرا للخطإ کما لا یخفی.

و بالجملة لا اشکال فیه بحسب مقام الثبوت،و إنّما الإشکال فی کیفیة إحراز ذلک؛إذ لا وسیلة لإحراز آراء الاصحاب إلاّ بالحدس،کما إذا رأینا القدماء أجمعوا علی خلاف العامة فحصل الحدس حینئذ بتوافق آراء الأصحاب و علیه فیؤول هذا الوجه إلی الوجه الرابع فی النهایة کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی.

نعم الحدس هنا تعلق بإجماع الأصحاب،بخلاف الوجه الرابع فإنّ الحدس هناک تعلق بالنص،إلاّ أن یکتفی بشهادة بعض القدماء علی الإجماع المحصّل بینهم فتدبر جیدا.

الوجه الرابع:

هو الحدس کما ذهب إلیه جماعة من المتأخرین،و هو علی أقسام:أحدها:أن یحصل لنا العلم برأی المعصوم بالحدس الضروری الحاصل من مبادئ محسوسة بحیث یکون الخطأ فیه من قبیل الخطأ فی الحس،و المراد من المبادئ المحسوسة هی رؤیة الفتاوی أو استماع الأقوال.

و ثانیها:أن یحصل لنا العلم المذکور بالحدس الاتفاقی من فتوی جماعة و إن لم تکن کذلک بحسب العادة،کما حکی ذلک عن بعض الفحول بالنسبة إلی اتفاق الشیخین و الفاضلین و المحققین فی الفتاوی مع عدم استنادهم إلی دلیل،للعلم بعدم اجتماعهم علی الخطأ.

و ثالثها:أن یحصل لنا العلم المذکور بالحدس من مقدمات نظریة و عقلیة،کما إذا رأینا اتفاقهم فی بعض المسائل الأصولیة أو القواعد الفقهیة و زعمنا أنّ مورد الکلام و البحث من موارد هذه المسائل و القواعد حصل لنا الحدس بأنّ رأی الآخرین فی هذا المورد یکون کذا و کذا مع أنّا لم نر آراءهم و لم نسمع اقوالهم.

ص:109

ثم لا یخفی علیک أنّه لا مجال للأخیر من أقسام الحدس؛لعدم صحة نسبة الآراء و الأقوال إلیهم بمجرد اتفاقهم علی بعض القواعد و الاصول مع احتمال الخطأ فی التطبیق و عدم کون المورد من مواردهما هذا مضافا إلی احتمال کون رأیهم علی خلافها من جهة احتمال ورود دلیل خاصّ فیه.

کما أنّه لا مجال للقسم الثانی؛لندرة حصول العلم بدلیل تامّ من رأی جماعة معدودة من العلماء.

فانحصر الأمر فی القسم الأوّل،و له تقاریب:

منها:ما مرّ فی ثالث الوجوه من أنّ اجماع القدماء إذا کان متصلا بإجماع أصحاب الأئمة علیهم السّلام حصل لنا العلم بتقریر المعصوم بالنسبة إلی آرائهم،و لعلّ ذلک یحرز فی موارد کان رأی علماء الإمامیة علی خلاف العامّة و لا یرد علی هذا التقریب الإشکالات الواردة علی التقریب الآتی.

و منها:أنّ الإجماع المحصل سواء کان من القدماء أو المتاخرین یکشف عن وجود النص إذا کان مورد الاجماع مخالفا للقواعد و الاصول و لم یستندوا إلی دلیل؛لأنّ العلماء مع کثرة اختلافاتهم و اختلاف مبانیهم و مشاربهم إذا فرض اتفاقهم فی مسألة من المسائل، فلا محالة یحصل بذلک الحدس القطعی أو الاطمئنانی بتلقّیهم ذلک ممن یکون قوله حجة عند الجمیع،کما فی نهایة الاصول. (1)

و بعبارة أخری:أنّ الإجماع حجّة؛لرجوعه إلی وجود السنة بینهم،و هی غیر واصلة إلی المتأخرین عنهم و کأن ذلک الدلیل نقی الدلالة و السند و تاما من جهة الصدور بحیث إذا وصل إلی المتأخرین عنهم لنا لوا منه ما نالوا منه. (2)و لعلّ هذا الحدس لا یتوقف علی الاتفاق،بل یحصل بإجماع جلّ الأصحاب.

ص:110


1- 1) نهایة الاصول:533.
2- 2) فوائد الاصول 3:153-نهایة الافکار 3:98.

و لکن یرد علی التقریب الأخیر:

أوّلا:أنّه لیس تاما بنحو الکلیة؛لعدم العلم بالملازمة العادیة بین إجماع العلماء علی أمر و بین العلم بتلقیهم ذلک من المعصوم علیه السّلام مع وجود الأدلة العقلیة فی المسألة أو مع کون المسألة من المسائل التفریعیة الّتی استنبطها الفقهاء من الاصول المتلقاة و القواعد الکلیة باعمال النظر و الاجتهاد،فإجماع العلماء فی أمثالها لا یکشف عن تلقّیهم عن المعصومین علیهم السّلام بل غایته أنّه یکون من باب التوافق فی الفهم و النظر.نعم لو کانت المسألة من المسائل النقلیّة المحضة و اتفق علیها الفقهاء الذین لا یتعبدون إلاّ بالنقل طبقة بعد طبقة إلی عصر المعصومین علم منه قهرا أنّهم تلقوها منهم بعد ما أحرزنا أنّهم لم یکونوا ممن یفتی بالقیاس و الاستحسانات العقلیة و الاعتبارات الظنیة. (1)

و یمکن أن یقال:إنّ مورد کلام القائلین بالحدس بالتقریب الثانی هو ما إذا کانت المسألة من المسائل النقلیّة المحضة و کانت خلاف القاعدة فاتفاقهم حینئذ یکشف عن وجود النصّ بینهم و إن لم یصل إلینا،و لکن لا یلزم من التقریب المذکور أن یتصل الاجماع إلی عصر المعصومین،بل یکون إجماع المتأخرین أیضا کذلک.

و ثانیا:أنّ هذه الطریقة موهونة بدعوی أنّ من البعید جدا أن یقف الکلینی أو الصدوق أو الشیخ و من بعده علی روایة متقنة دالة علی المقصود و مع ذلک ترکوا نقلها و هی تصیر مکشوفة بالإجماع فی عصر الکلینی أو الصدوق أو الشیخ او بعده.

و یمکن أن یقال ربّما لم یکن مورد فتاوی القدماء مرویّا بالأسناد بل کان من المسلمات بینهم و لعله لذا لم یرووها فی کتبهم و علیه فیصح أن یقال:إنّ الشهرة الفتوائیة بشیء عند قدماء الأصحاب یکشف عن کون الحکم مشهورا فی زمن الائمة بحیث صار الحکم فی الاشتهار بمنزلة أوجبت عدم الاحتیاج إلی السؤال عنهم،کما نشاهده فی بعض المسائل الفقیهة.و بالجملة ان اشتهار حکم بین الأصحاب یکشف عن ثبوت الحکم فی الشریعة المطهرة و معروفیته من لدن عصر الأئمة علیهم السّلام. (2)

ص:111


1- 1) نهایة الاصول:534.
2- 2) تهذیب الاصول 2:100.

و ثالثا:أنّ دعوی الملازمة العادیة بین الاجماع و قول المعصوم علیه السّلام بدعوی أنّ العادة تحکم بأنّ اتفاق المرءوسین علی أمر لا ینفک عن رأی الرئیس إنّما تتم فیما إذا کان المرءوسون ملازمین لمحضر رئیسهم،و أنّی ذلک فی زمان الغیبة؟!

نعم الملازمة الاتفاقیة بمعنی کون الاتفاق کاشفا عن قول المعصوم أحیانا من باب الاتفاق مما لا سبیل إلی إنکارها،إلاّ أنّه لا یثبت بها حجیّة الإجماع بنحو الإطلاق. (1)

و یمکن الجواب عنه بأنّ إجماع الفقهاء المعاصرین لعصر الغیبة الصغری بل بعدها بقلیل مما یوجب الکشف عن کون الحکم إجماعیا عند أصحاب الأئمة علیهم السّلام أیضا،فالملازمة المذکورة حاصلة فی هذا الفرض،و أمّا فی فرض عدم اتصال إجماع العلماء بإجماع الاصحاب فالإجماع یکشف عن النص فیما إذا کان الحکم مخالفا للقواعد و الاصول،و لا موجب لاعتبار ملازمة المرءوسین للحضور عند الرئیس فی هذا الفرض،کما لا یخفی.

و رابعا:أنّ غایة ما یقتضیه الإجماع علی التقریب المذکور أنّ الفقهاء لعدالتهم لا یفتون بدون المستند،و أمّا أنّه تامّ سندا و دلالة فلا دلیل له،بل یمکن أن یکون عندنا غیر تام من جهتین. (2)

و اجیب عنه بأنّ اتفاق الأصحاب مع اختلاف مشاربهم یکفی فی إحراز أنّ السند تام و الدلالة ظاهرة،قال فی تحریرات فی الاصول:فالمناقشة فی هذا المسلک تارة باختلاف نظر المجمعین مع غیرهم فی حجیّة السند،و أخری بأن من المحتمل کون الخبر غیر تام الدلالة، قابلة للدفع؛ضرورة أنّ من اتفاقهم فی الحکم یتبیّن أنّ السند مورد وثاقتهم الخاصّة،و من اتفاق القدماء و أرباب الحدیث الأوّلین الذین هم لا یعملون الاجتهادات الدقیقة فی فتاویهم یحصل الوثوق و الاطمینان بأنّ الخبر الموجود عندهم ظاهر (3)و لکن الانصاف:أنّ حصول الاطمینان بتمامیة الدلیل سندا و دلالة عندنا مشکل بعد ما رأینا من وقوع الخلاف بین المتأخرین و المتقدمین فی مسألة منزوحات البئر.

ص:112


1- 1) راجع مصباح الاصول 2:140.
2- 2) نهایة الدرایة 2:68.
3- 3) تحریرات فی الاصول 6،360.

ربّما یقال فی الجواب عن هذا الاشکال:إنّ المأخذ لیس هو استکشاف مدرک روائی وصلهم و لم یصلنا لیلاحظ علیه بالملاحظتین،بل استکشاف ما هو أقوی من الروایة،و هو الارتکاز الکاشف تکوینا و قطعا عن رأی المعصوم بالنحو المتقدم شرحه. (1)

و لا یخفی ما فیه:فإنّ الکلام فی الإجماعات لا السیرة و الارتکازات الشرعیة،و لعله خلط بین الإجماع و السیرة،هذا مضافا إلی أنّ هذا الجواب لا یدفع الإشکال عن الإجماعات غیر المتصلة.

و کیف کان فالإجماع المحصّل المبتنی علی مباد محسوسة یکشف عن وجود النصّ عند تمامیة الخصوصیات اللازمة للکشف المذکور،و لکن تمامیة الدلیل من جهة الدلالة و السند عندنا غیر محرزة،فالأولی هو العدول عن هذا التقریب إلی التقریب السابق من أنّ الإجماع المتصل بإجماع الأصحاب حیث کان فی مرأی و مسمع الإمام و لم یردع عنه یکشف عن کون ما ذهب إلیه الأصحاب مرضیا عنده علیه السّلام،و لا فرق فی ذلک التقریب بین أن یکون له المستند أو لا یکون،و بین أن یکون المستند تامّ الدلالة أو لا یکون،و بین أن یکون المسألة موافقة للقاعدة أو لا تکون إذ الإجماع المحصّل فی هذا التقریب یکشف علی جمیع التقادیر عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام نعم اللازم ان تکون المسألة من الاصول المتلقاة لا التفریعیة الفرضیة و ان تکون من المسائل الشائعة لا النادرة کما اشرنا الیه آنفا.

و ما اشتهر من أنّ الإجماع المعلوم المدرک أو محتمله لا یکشف عن شیء لا یجری فی هذا التقریب،بل هو مربوط بالإجماع غیر المتصل إلی زمان المعصوم کإجماع المتأخرین،و یلحق بذلک أیضا حجیّة فهم الأصحاب لأنّه هم الاتصال إلی زمان المعصوم کان حجّة لتقریر الإمام المعصوم ذلک الفهم فلا تغفل.

الأمر الرّابع:فی الإجماع المنقول بحسب مقام الثبوت

و اعلم أنّ الإجماع المنقول إمّا إخبار عن السبب و هی الفتاوی،فإن کان إخبار الناقل

ص:113


1- 1) مباحث الحجج 1:314.

بها اخبارا عن الحسّ کما إذا رأی الناقل فتاویهم فی کتبهم أو استمع منهم أو بواسطة المشایخ فلا إشکال فی حجیّته قضاء لأدلّة حجیة الخبر الواحد؛لأنّ الخبر حسّی،و الخبر الحسّی حجة ببناء العقلاء و إمضاء الشارع،فحینئذ إن کان المقدار الذی أخبر به الناقل کافیا عند المنقول إلیه للکشف عن رأی المعصوم أو تقریره فهو کالمحصّل،و لا یضر بذلک کون الکشف المذکور حدسیا بعد کونه من لوازم الإخبار الحسّی؛فإنّ لوازم الأمارات و لو کانت برهانیّة أو حدسیة تثبت بثبوت الأمارات،و المفروض أنّ الإخبار عن الامر الحسی أمارة علی الفتاوی بمقدار یلزم منه الحدس،فکما أنّ الأمارة حجّة بالنسبة إلی السبب و هو نفس الفتاوی فکذلک تکون حجة بالنسبة إلی لوازمها من الحدس و الکشف عن قول الإمام أو تقریره علیه السّلام.نعم لا یحرز کون الإخبار عن الحسّ و رؤیة الکلمات أو استماع الأقوال إلاّ إذا کان الناقل ممن یکون مشرفا علی الأقوال و الآراء و مطلعا علیها کصاحب مفتاح الکرامة و العلامة فی المتأخرین و کالشیخین فی المتقدمین فیما إذا نقلا رأی الأصحاب بالحسّ؛فإنّ الفتاوی تکون عند أمثالهم محسوسة أو قریبة من الحسّ،کما لا یخفی.

و لو شک فی کون الإخبار عن حسّ أو حدس،فإن قامت قرینة علی أحدهما فهو،و إلاّ فقد یقال:إنّ بناء العقلاء علی حمله علی الإخبار عن الحسّ کما إذا شک فی الشهادة کذلک یحمل علیه:

و لکن لا یبعد أن یکون ذلک فیما إذا لا یکون النقل باعتقاد الملازمة عقلا کما هو المفروض و إلاّ فلا بناء للعقلاء،لأنّهم لا یرون بینهما ملازمة فلا تغفل.و ایضا لا یکون هذا البناء فیما إذا کان الاحتمال المذکور أی الإخبار عن الحس احتمالا بعیدا فی حق الناقل.

و إن کان المقدار الذی أخبر به الناقل عن الحسّ غیر کاف للحدس المذکور و لکن یوجب الحدس بضمیمة أقوال أو أمارات اخری فهو أیضا حجة فیما إذا أمکن تحصیل الضمیمة؛فان الإخبار بالمقدار المذکور ینتهی بالآخرة إلی حکم شرعی أو موضوع شرعی فیکون مرتبطا به،و هو یکفی فی شمول أدلة اعتبار الخبر الواحد؛و لذلک قال فی الکفایة:و

ص:114

لا تفاوت فی اعتبار الخبر بین ما إذا کان المخبر به تمام السبب أو ما للمخبر به دخل فی السبب و به قوام السبب،کما یشهد به حجیة الخبر بلا ریب فی تعیین حال السائل أو خصوصیة القضیة الواقعة المسئول عنها،و غیر ذلک مما له دخل فی تعیین مرامه علیه السّلام من کلامه. (1)

اورد علیه بأنّ فی موارد نقل جزء السبب إن ارید اثبات الحجیّة له بلحاظ الحکم الشرعی أو موضوع شرعی یکون مدلولا التزامیا له،فالمفروض هو عدم ملازمة المقدار المذکور لذلک لیکون له مدلولا التزامیا،و إن ارید ذلک بلحاظ مدلوله المطابقی فلیس حکما شرعیا و لا موضوعا له أیضا.

و یمکن أن یقال:یکفی فی الاعتبار أن ینتهی الإخبار المذکور إلی حکم أو موضوع شرعی و لو بالوسائط و الضمائم،و لا موجب لاعتبار الأثر لنفس المنقول،و حینئذ إن لم یصدق العادل دار الامر بین تکذیب العادل و هو ینافی أدلّة الاعتبار،و بین عدم القول بالملازمة بعد ضم الضمیمة و هو خلف فی اعتقاد المنقول إلیه بالملازمة بین السبب التام و لو بضم الضمیمة و بین رأی المعصوم أو تقریره علیه السّلام.

هذا،مضافا إلی إمکان أن یقال:إنّ فی مثله أیضا یوجد مدلول التزامی،و هو قضیة شرطیة أنّه إذا ما توفر الجزء الآخر-المفروض توفره-کان ذلک مطابقا مع قول المعصوم،و حجیّة هذا المدلول الالتزامی کاف لنا،کما لا یخفی. (2)

و إن کان إخبار الناقل عن الحدس کأن یری المورد من موارد قاعدة أو أصل أجمع علیها کما لعله کثیر فی الاجماعات المنقولة فلا دلیل علی حجیّته؛لاختصاص أدلة حجیّة الإخبار بالأمور الحسیة أو القریبة بها لا الحدسیة،کما لا یخفی.

هذا کله بالنسبة إلی الإخبار عن السبب و هو فتاوی العلماء و الأصحاب،و قد عرفت حجیّته إذا کان الإخبار مستندا إلی الحسّ أو ما یقرب منه و هکذا یکون حجة إذا کان نقله

ص:115


1- 1) الکفایة 2:74.
2- 2) مباحث الحجج 1:318.

متضمنا لنقل السبب أو المسبب مستندا إلی الحسّ بخلاف ما إذا لم یکن مستندا إلی الحسّ بل إلی الحدس؛فإنّه لا یکون حجّة هذا کله بحسب مقام الثبوت.

الأمر الخامس:فی کیفیة الإجماعات المنقولة بحسب مقام الإثبات

و لا یخفی علیک أنّ الاجماعات المنقولة بحسب مقام الإثبات قد تکون مستندة إلی الحس أو ما یقرب منه،و تکون حینئذ کاشفة عن رأی الإمام أو تقریره علیه السّلام،و لا کلام فیها عند إحرازها،و لکنها نادرة و قد تکون مبتنیة علی الحدس و لی الغالب قال فی الکفایة:

الإجماعات المنقولة فی ألسنة الأصحاب غالبا مبنیة علی حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا،فلا اعتبار لها ما لم ینکشف أنّ نقل السبب کان مستندا إلی الحس. (1)

و علیه فلا فائدة لنقل هذا الغالب و لو مع انضمام الأمارات الاخری،نعم جملة من الإجماعات تکون مبتنیة علی الحسّ و لکن تحتاج إلی ضمّ الضمائم فی الاستکشاف و الاستلزام المذکور،و لا إشکال فی حجیّتها عند انضمامها مع ما یتم الکشف المذکور عن النص التام الدلالة أو تقریر الإمام علیه السّلام،قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:إنّ الناقل للاجماع إن احتمل فی حقه تتبع فتاوی من ادعی اتفاقهم حتی الإمام الذی هو داخل فی المجمعین فلا إشکال فی حجیّته و فی الحاقه بالخبر الواحد؛إذ لا یشترط فی حجیّته معرفة الامام علیه السّلام تفصیلا حین السماع منه،لکن هذا الفرض ممّا یعلم بعدم وقوعه و أنّ المدّعی للإجماع لا یدّعیه علی هذا الوجه.

و بعد هذا،فإن احتمل فی حقه تتّبع فتاوی جمیع المجمعین،و المفروض أنّ الظاهر من کلامه هو اتفاق الکلّ المستلزم عادة لموافقة قول الإمام فالظاهر حجیّة خبره للمنقول إلیه سواء جعلنا المناط فی حجیّته تعلق خبره بنفس الکاشف الذی هو من الامور المحسوسة المستلزمة ضرورة لأمر حدسی و هو قول الإمام علیه السّلام،أو جعلنا المناط تعلق خبره بالمنکشف و هو قول الإمام علیه السّلام؛لما عرفت من أنّ الخبر الحدسی المستند إلی إحساس ما هو ملزوم للمخبر به عادة کالخبر الحسّی فی وجوب القبول.إلی أن قال:لکنّک خبیر بأنّ هذه

ص:116


1- 1) الکفایة 2:73.

الفائدة للإجماع المنقول کالمعدومة؛لأنّ القدر الثابت من الاتفاق بإخبار الناقل المستند إلی حسّه...لیس مما یستلزم عادة وجود الدلیل المعتبر حتی بالنسبة إلینا،لأنّ استناد کل بعض منهم إلی ما لا نراه دلیلا لیس أمرا مخالفا للعادة،أ لا تری أنّه لیس من البعید أن یکون القدماء القائلون بنجاسة البئر بعضهم قد استند إلی دلالة الأخبار الظاهرة فی ذلک مع عدم الظفر بما یعارضها،و بعضهم قد ظفر بالمعارض و لم یعمل به لقصور سنده أو لکونه من الآحاد عنده أو لقصور دلالته أو لمعارضته لأخبار النجاسة و ترجیحها علیه بضرب من الترجیح،فإذا ترجح فی نظر المجتهد المتأخر أخبار الطهارة فلا یضره اتفاق القدماء علی النجاسة المستند إلی الامور المختلفة المذکورة.

و بالجملة فالانصاف بعد التأمّل...إلی أن قال:إنّ اتفاق من یمکن تحصیل فتاویهم علی أمر کما لا یستلزم عادة موافقة الإمام علیه السّلام کذلک لا یستلزم وجود دلیل معتبر عند الکل من جهة أو جهات شتّی،فلم یبق فی المقام إلاّ أن یحصّل المجتهد أمارات أخر من أقوال باقی العلماء و غیرها لیضیفها إلی ذلک،فیحصل من مجموع المحصّل له و المنقول إلیه الذی فرض بحکم المحصّل من حیث وجوب العمل به تعبّدا القطع فی مرحلة الظاهر باللازم و هو قول الإمام علیه السّلام أو وجود دلیل معتبر الذی هو أیضا یرجع إلی حکم الإمام علیه السّلام بهذا الحکم الظاهری و المضمون لذلک الدلیل.

و لکنّه أیضا مبنیّ علی کون مجموع المنقول من الأقوال و المحصّل من الأمارات ملزوما عادیا لقول الإمام أو وجود الدلیل المعتبر،و إلاّ فلا معنی لتنزیل المنقول منزلة المحصّل بأدلّة حجیّة خبر الواحد (1)

حاصله:هو منع الإجماع المنقول المبتنی علی الحسّ و دخول الإمام فی المجمعین؛لندرته، بل العلم بعدمه،و منع استلزام الإجماع المنقول علی الحسّ للنصّ التام الدلالة عندنا بحسب العادة،و هو صحیح و إن کان التعلیل لعدم الاستلزام بقوله(لأنّ استناد کل بعض منهم إلی

ص:117


1- 1) فرائد الاصول:63-64.

ما لا نراه دلیلا لیس أمرا مخالفا للعادة أ لا تری الخ)لا یخلو عن النظر؛لأنّ الکلام فی الاجماعات التی لم تکن مستندة إلی مدرک و مستند،فالإجماع المدّعی فی نجاسة البئر معلوم المدرک و خارج عن محل البحث؛لأنّه لا یکشف عن نصّ آخر.

اللهم إلاّ أن یکون مقصوده بیان ما یکون فی الواقع مدرکا للمجمعین و إن لم یکن الإجماع مدرکیا عندنا؛إذ من المحتمل أنّهم استندوا فی آرائهم فی الواقع بما لا نراه دلیلا لو وصل إلینا،و التنظیر بمنزوحات البئر من هذه الناحیة،و هذا الاحتمال لا یکون أمر مخالفا للعادة.

و علیه تسقط الإجماعات سواء کانت محصّلة أو منقولة عن الحجیّة؛لعدم کشفها عن الدلیل التام عندنا،و مع عدم کشفها عن الدلیل التامّ لا تکون مشمولة لأدلّة حجیّة الأخبار،و لا فرق فی الإجماعات بین أن تکون بمقدار یکفی للکشف عن النّص و بین أن لا تکون کذلک؛لعدم کونها سببا للنص التامّ عندنا.نعم تتم الإجماعات المنقولة فی المسائل الاصلیة المبتنیة علی الحسّ المتصلة بإجماعات أصحاب الأئمة علیهم السّلام؛فإنّها تکشف کما عرفت عن تقریر المعصوم علیه السّلام و إن علمنا بکونها مستندة إلی المدارک التی لا تکون تامّة عندنا،و ذلک لتقریر الامام علیه السّلام بالنسبة إلی ما ذهبوا إلیه،فلا یمکن التقریر مع خطئهم فی ذلک،فلا تغفل.

فتحصّل من جمیع ما ذکرناه:عدم حجیّة الإجماع إلاّ الإجماع المتّصل بإجماع الاصحاب الکاشف عن تقریر المعصوم من دون فرق بین المحصّل و المنقول إذا کان المنقول عن حسّ؛ لکونه مشمولا لأدلة حجیّة الخبر الواحد و لا تفاوت أیضا فی کون المنقول تمام السبب أو جزء السبب فیما إذا أمکن تتمیمه بسائر الآراء و الأمارات بحیث یتّصل بإجماع أصحاب الائمة علیهم السّلام و یکشف عن تقریر المعصوم علیه السّلام.

ص:118

الخلاصة

2-الإجماع

و الإجماع إمّا منقول و هو داخل فی الأمارات الظّنیّة و إمّا محصّل و هو لهذا السبب من مصادیق القطع هو ذکره فی القطع لا فی المقام و لعلّ ذکره من باب توقف معرفة المنقول علیه و کیف کان فتحقیق الحال فی الإجماع یتوقف علی ذکر امور.

الأمر الأوّل:

فی المراد من الإجماع عند العامّة.

و اعلم أنّ المراد منه عندهم هو اتفاق الکلّ و یقصدون منه إمّا اتفاق الأمّة أو اتفاق أهل الحلّ و العقد أو اتفاق المجتهدین فی عصر واحد علی أمر من الامور.

و علی کلّ تقدیر یکون الإجماع عندهم حجّة بنفسه و دلیل فی قبال الکتاب و السّنة.

و استدلّوا له بالنبویّ صلّی اللّه علیه و آله أنّ أمتی لا تجتمع علی ضلالة فإذا رأیتم اختلافا فعلیکم بالسّواد الأعظم.

أو أنّ اللّه أجارکم من ثلاث خلال أن لا یدعو علیکم نبیکم فتهلکوا...و أن لا تجتمعوا علی ضلالة.

اورد علیه بضعف السّند و الإرسال و اختصاص الدّلیل بالشقّ الأوّل من معنی الاتفاق هذا مضافا إلی أنّ الضّلالة تستبطن الإثم و الانحراف و هو أخصّ من الخطأ و عدم الحجّیّة.

الأمر الثّانی:

فی المراد من الإجماع عند الخاصّة.

و لا یخفی أنّ الإجماع عندهم قد یطلق علی اتفاق العلماء من القدماء و المتأخّرین و قد یطلق علی جماعة من العلماء کالقدماء أو المتأخّرین أو علماء عصر واحد.

و الإجماع بأیّ معنی کان لا یکون حجّة بنفسه و إنّما حجیّته من ناحیة کشفه عن قول المعصوم أو تقریره و من المعلوم أنّ المکشوف من مصادیق السنّة و علیه فلا یکون الإجماع عند الخاصّة شیئا مستقلا فی قبال الکتاب و السنّة.

ص:119

الأمر الثّالث:

فی وجوه الکشف

الوجه الأوّل:الحسّ کما إذا سمع الحکم من الإمام فی جملة جماعة لا یعرف أعیانهم و هو الذی یسمّی بالإجماع الدّخولی و التشرّفی و هذا نادر و علی فرض وجوده لا إشکال فی حجّیّته.

الوجه الثّانی:قاعدة اللطف ذهب جماعة إلی أنّ الإجماع الاصطلاحی و هو اتفاق علماء الإمامیّة فی عصر واحد علی أمر حجّة و کاشف عن رأی المعصوم علیه السّلام إذ من الرحمة الواجبة فی الحکمة الإلهیة أن یکون فی المجتهدین من علماء العصر من یکون رأیه موافقا لرأی إمام عصره و صاحب أمره و مع عدم ذلک لزم أن یکون الآراء کلّها باطلة و هو ینافی الحکمة المذکورة فإذا اتّفقوا علی أمر علم بقاعدة اللطف أنّه رأی المعصوم و هو حجّة و لکن المحکی عن السّید المرتضی و أنّه یجوز أن یکون الحق عند الإمام و الأقوال الأخر کلّها باطلة و لا یجب علیه الظّهور لأنّا إذا کنّا نحن السّبب فی استتاره فکلّ ما یفوتنا من الانتفاع به و بما یکون معه من الأحکام قد فاتنا من قبل أنفسنا و لو أزلنا سبب الاستتار لظهر الانتفاء و انتفعنا به و أدّی إلینا الحق الذی کان عنده.

و ربّما یؤیّد ذلک بأنّ قاعدة اللطف لیست تامّة فی باب النبوّة و لا فی باب الإمامة.

و یمکن أن یقال إنّ قاعدة اللطف و الحکمة الإلهیة تامّة و التخلّف عنهما یوجب نقض الغرض أو الخلف فی الحکمة الإلهیة مع أنّ هدایة العباد ممّا تعلّقت به الإرادة الحتمیّة الإلهیّة و لکن تمامیّتها فی البابین لا تستلزم جواز الاستدلال بها فی المقام لما أشار إلیه السیّد المرتضی فلا تغفل.

الوجه الثّالث:تقریر المعصوم کما أفاده بعض الأعلام و بیانه أنّ الإجماع إذا کان فی الاصول المتلقاة و اتّصل إلی زمان المعصوم و کان بمرأی و بمنظر الإمام علیه السّلام و لم یرشدهم إلی خلاف ما اتفقوا علیه فهو تقریر له بالنّسبة إلی ما اتفقوا علیه.

ص:120

و إلاّ لزم علیه بیان خطأهم مع حضوره و شهوده عندهم و حیث لم یرشدهم علی الخلاف علم تقریره بالنّسبة إلی مورد الإجماع و الاتفاق کسائر موارد التقریر کما لا یخفی.

و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الإجماع المذکور معلوم المدرک أو محتمله و بین أن لا یکون و لا بین أن یکون مدرکهم صحیحا أو غیر صحیح و لا یضرّ بهذا الاجماع أعنی إجماع القدماء المتّصل بإجماع أصحاب الأئمّة اختلاف المتأخّرین أو إجماعهم علی الخلاف لما عرفت من کشف هذا الإجماع عن تقریر المعصوم علیه السّلام.

و لا إشکال فیه و إنّما الإشکال فی طریق إحراز هذا الإجماع إذ لا وسیلة لنا لذلک إلاّ الحدس کما إذا رأینا إجماع القدماء فی قبال العامّة فحصل لنا الحدس بأنّ رأی القدماء موافق لرأی الأصحاب و هو بمشهد الإمام و مرآة و یکون موردا لتقریره.

الوجه الرّابع:هو الحدس و هو علی أقسام أحدها أن یحصل لنا العلم برأی المعصوم بالحدس الضّروری الحاصل من مبادی محسوسة بحیث یکون الخطأ فیه من قبیل الخطأ فی الحسّ و المراد من المبادی المحسوسة من رؤیة الفتاوی أو استماع الأقوال.

و ثانیها أن یحصل لنا العلم برأی المعصوم بالحدس الاتفاقی من رؤیة فتاوی جماعة من الفقهاء و إن لم تکن کذلک بحسب العادة.

و ثالثها أن یحصل لنا العلم بذلک بالحدس من مقدّمات نظریة و عقلیة کما إذا رأینا اتفاقهم فی بعض المسائل الأصولیّة أو القواعد اللفظیّة و زعمنا أنّ مورد الکلام من مواردهما فیحصل لنا الحدس بأنّ بقیة الأفراد أیضا کذلک مع أنّا لم نر آرائهم و لم نسمع أقوالهم.

و لا مجال للأخیر بعد احتمال الخطأ فی التطبیق أو احتمال وجود دلیل عندهم علی خلاف القواعد و الأصول.

کما لا مجال للقسم الثّانی لندرة حصول العلم بدلیل تامّ من رأی جماعة معدودة من العلماء فانحصر الأمر فی القسم الأوّل و له تقاریب منها ما مرّ فی ثالث الوجوه من أنّ إجماع القدماء إذا کان متّصلا بإجماع أصحاب الأئمّة حصل لنا العلم بتقریر المعصوم بالنّسبة إلی آرائهم.

ص:121

و لعلّ ذلک یحرز فی موارد کان رأی علماء الإمامیّة علی خلاف العامّة و لا یرد علی هذا التقریب شیء من الإشکالات الواردة علی التقریب الآتی.

و منها أنّ الإجماع المحصّل سواء کان من القدماء أو المتأخّرین یکشف عن وجود النص إذا کان مورد الإجماع مخالفا للقواعد و الاصول و لم یستندوا إلی دلیل إذ معه یحصل الحدس القطعی أو الاطمئنانی بتلقّیهم ذلک ممّن یکون قوله حجّة عند الجمیع و یکشف الإجماع عن وجود السّنة بینهم کانت نقیّة الدلالة و تامّة السّند حتّی من جهة الصّدور بحیث لو وصلت إلی المتأخرین عن المجمعین لنالوا منه ما نالوا منه و لا یلزم فی هذا الإجماع الاتفاق بل یکفیه إجماع جلّ الأصحاب و یرد علیه أوّلا:أنّه لا علم بالملازمة بین إجماع العلماء علی أمر و بین تلقّیهم ذلک من المعصوم بعد احتمال وجود الأدلّة العقلیّة أو کون المسألة من المسائل التفریعیّة الّتی استنبطوها من الاصول و المتلقاة من الأئمّة علیهم السّلام.

نعم لو کانت المسألة من المسائل النقلیة الأصلیة أمکن الحدس بأنّهم تلقوه من المعصوم علیه السّلام و لعلّ مورد الکلام هو هذا.

و ثانیا:أنّ هذه الطریقة موهونة إذ من البعید جدّا أن یقف الکلینی أو الصدوق أو الشیخ و من بعده علی روایة متقنة دالّة علی المقصود و مع ذلک ترکوا نقلها فی کتبهم و هی صارت مکشوفة بالإجماع و الاتفاق.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:ربّما لم یکن مورد فتاوی القدماء هی الرّوایة المسندة بل هی المرسلات المعمول بها و لیس دأب أرباب الکتب نقلها فی الجوامع الرّوائیة فتأمّل.

و ثالثا:أنّ دعوی الملازمة العادیة بین الإجماع و قول المعصوم بدعوی أنّ العادة تحکم بأنّ اتفاق المرءوسین علی أمر لا ینفکّ عن رأی الرئیس لا تتمّ إلاّ إذا کان المرءوسون ملازمین لمحضر رئیسهم و هو غیر میسور فی زمان الغیبة نعم الملازمة الاتفاقیّة بمعنی کون الاتفاق یکشف أحیانا عن قول المعصوم علیه السّلام من باب الاتفاق ممّا لا سبیل إلی إنکارها و لکنّه لا یجدی فی حجّیّة الإجماع بنحو الإطلاق.

ص:122

و رابعا:أنّ غایة ما یقتضیه الإجماع أنّ الفقهاء حیث لا یفتون بدون المستند علم أنّهم استندوا إلی الدّلیل و أمّا أنّ هذا الدّلیل تامّ سندا و دلالة فلا دلیل له و یمکن أن یکون الدّلیل المذکور غیر تامّ عندنا سندا و دلالة.

و اجیب عنه بأنّ اتفاق الأصحاب مع اختلاف مشاربهم یکفی فی إحراز تمامیّة الدّلیل من جهة الدلالة و السّند اللّهمّ إلاّ أن یقال:حصول الاطمئنان بذلک مشکل بعد ما رأینا من وقوع الخلاف بین المتأخّرین و المتقدّمین فی مسألة منزوحات البئر.

و الحاصل أنّ الإجماع المحصّل المبتنی علی مباد محسوسة یکشف عن وجود النّص عند تمامیّة الخصوصیّات اللاّزمة للکشف المذکور و هذه التمامیّة غیر محرزة عندنا.

فالأولی هو العدول عن هذا التقریب إلی التقریب السّابق من الإجماع المتصل بإجماع الأصحاب حیث إنّه کان فی مرأی و مسمع الإمام المعصوم فإذا لم یردع عنه الإمام کشف عن تقریره إیّاه.

و لا فرق فی ذلک بین أن یکون لهم مستند أو لا یکون و بین أن یکون المستند تامّ أو غیر تامّ و بین أن یکون المسألة موافقة للقاعدة أو لا تکون إذ الإجماع المحصّل المذکور فی هذا التقریب یکشف علی جمع التقادیر عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام نعم یلزم أن یکون من المسائل الأصلیة لا الفرعیة المستنبطة من الأصول المتلقاة من الأئمّة علیهم السّلام و یلحق بالإجماع فهم العلماء فإنّه إذا اتصل إلی فهم الأصحاب فی المسائل المذکورة یکشف عن تقریر الإمام علیه السّلام.

الأمر الرّابع:

فی الإجماع المنقول بحسب مقام الثّبوت.

و اعلم أنّ الإجماع المنقول إمّا إخبار عن السّبب و هی الفتاوی فإن کان إخبار الناقل عن الحسّ کما إذا رأی أو سمع فتاویهم بواسطة المشایخ فلا إشکال فی حجیّته لأنّه خبر واحد عن حسّ و هو حجّة ببناء العقلاء و إمضاء الشّارع و حینئذ إن کان المنقول کافیا عند المنقول إلیه للکشف عن رأی المعصوم و تقریره فهو کالمحصّل حجّة علی ما فصّل آنفا.

ص:123

فلا یضرّ بذلک کون الکشف المذکور حدسیا یعدّ کونه من لوازم الإخبار الحسّی فإنّ لوازم الأمارات تثبت بثبوتها.

نعم اللاّزم هو أن یکون النقل ممّن یکون مشرفا علی الأقوال و الآراء و مطّلعا علیها حتّی یکون عن حسّ مثل صاحب مفتاح الکرامة و العلاّمة الحلّی قدّس سرّهما فی المتأخّرین و الشیخین فی المتقدّمین.

و إن لم یکن المنقول کافیا عند المنقول إلیه للکشف و لکن إذا انضمّ إلی سائر الفتاوی کشف عن تقریر الإمام علیه السّلام فهو أیضا حجّة و مشمول لأدلّة الاعتبار لانتهائه إلی حکم شرعی فیکون مرتبطا به بخلاف ما إذا لم یکشف و لو مع الانضمام فإنّه لا یرتبط بالحکم الشرعی و لیس بحجّة و إن کان إخبار الناقل عن الحدس فلا دلیل علی حجیّته لاختصاص أدلّة حجّیّة الخبر بالأمور الحسّیّة أو القریبة بها لا الحدسیّة.

هذا کلّه بحسب مقام الثّبوت.

الأمر الخامس:

فی کیفیة الإجماعات المنقولة بحسب مقام الإثبات

و لا یذهب علیک أنّ الإجماعات المنقولة قد تکون مستندة إلی الحسّ أو ما یقرب منه و هی تکون کاشفة عن رأی الإمام أو تقریره علیه السّلام و لا کلام فیها عند إحرازها و لکنّها نادرة و قد تکون مبنیّة علی حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا و هی الغالب.

و الإجماعات المبنیّة علی الحدس أو الاعتقاد المذکور لا فائدة لنقلها لأنّها بنفسها لا تفید و لا تصلح للانضمام أیضا لکونها مبنیّة علی الحدس لا الحسّ.

ثمّ إنّ الناقل للإجماع عن حسّ إن احتمل فی حقّه تتبّع فتاوی من ادّعی اتفاقهم فلا إشکال فی حجّیّة نقله و فی إلحاقه بالخبر الواحد و لکن کشفه عن قول الإمام أو تقریره غیر محرز لأنّ استناد کلّ بعض منهم إلی ما لا نراه دلیلا لیس أمرا مخالفا للعادة.

فتحصّل أنّ استلزام الإجماع المنقول المبنی علی الحسّ للنصّ التامّ الدّلالة غیر محرز إذ

ص:124

من المحتمل أنّهم استندوا بما لا نراه دلیلا لو وصل إلینا و هو لا یکون مخالفا للعادة.

و علیه تسقط الإجماعات عن الحجّیّة مطلقا سواء کانت محصّلة أو منقولة لعدم کشفها عن الدّلیل التّام عندنا و مع عدم کشفها عن الدّلیل التام لا تکون مشمولة لأدلّة حجّیّة الأخبار.

نعم تتم الإجماعات المنقولة فی المسائل الأصلیة المتلقاة من الأئمّة علیهم السّلام المبنیّة علی الحسّ المتّصلة بإجماعات أصحاب الأئمّة علیهم السّلام فإنّها تکشف عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام و إن استندوا إلی ما لا یتم فالإجماع لیس بحجّة عدی الإجماع المتّصل بإجماع الأصحاب فی المسائل الأصلیة الکاشف عن تقریر المعصوم من دون فرق بین المحصّل و المنقول إذا کان المنقول عن حسّ لکونه مشمولا لأدلّة حجّیّة الخبر الواحد و لا تفاوت فیه بین کون المنقول تمام السبب أو جزئه فیما إذا أمکن تتمیمه بسائر الآراء و الأمارات بحیث یتصل بإجماع أصحاب الأئمّة علیهم السّلام و یکشف عن تقریر الإمام المعصوم علیه السّلام.

التنبیهات
التنبیه الأوّل: أنّ تحصیل قول الإمام من طریق الحسّ منحصر فی سماع قوله علیه السّلام

أنّه لا یخفی علیک أنّه أورد علی الشیخ الأنصاری قدّس سرّه فی نهایة الاصول بقوله:و یرد علیه أنّ ما یظهر منه من أنّ تحصیل قول الإمام من طریق الحسّ منحصر فی سماع قوله علیه السّلام فی ضمن أقوال المجمعین و هو مما یعلم بعدم تحققه لنوع الحاکین للإجماعات،مدفوع بعدم کون نقل قوله علیه السّلام عن حسّ منحصرا فی سماع الناقل من شخصه و لا الإمام منحصرا فی إمام العصر عجّل اللّه تعالی فرجه،بل مرادهم من نقل قوله علیه السّلام نقله و لو بطریق صحیح وصل إلیهم من أیّ واحد من الأئمة المعصومین علیهم السّلام و هم نور واحد،و النقل بالطریق الصحیح أیضا من مصادیق الحسّ،نظیر ما اتفق فی مسألتی العول و التعصیب و نحوهما من المسائل الواصلة عن أئمة الشیعة بالضرورة بطرق صحیحة فی قبال العامة،فادّعوا علیها الإجماع...

ص:125

إلی أن قال:و السرّ فی التعبیر عنه بالإجماع أنّهم لمّا أثبتوا فی کتبهم الاعتقادیة و الاصولیة حجیّة أقوال الأئمة علیهم السّلام و عصمتهم و لم یتمکنوا فی الفقه من عنوانهم فی قبال أدلة العامّة لکونه مفضیا إلی التنازع فی مسألة الإمامة و الخلافة فی کلّ مسألة مسألة حاولوا إدراج هذه الحجّة و هو قول المعصوم فی واحد من الأدلّة الدارجة الدائرة علی لسان القوم،و لم یتمکنوا من إدراجه فی الکتاب کما هو واضح،و لا فی السنّة لانحصارها عند العامّة فی السنّة النبویّة، فالجأتهم الضرورة إلی إدراجه فی الإجماع الذی اصطلح علیه العامة؛لأنّه کان حجّة مستقلة عندهم و مشتملا علیها أیضا عندنا،فإذا استدلوا فی مسألة بالإجماع أرادوا بذلک قول المعصوم و لکن لا بالسماع من شخصه،بل بوصول نصّ صحیح معتبر من أحد من الأئمة الاثنی عشر إلی ناقل الإجماع...إلی أن قال:فلا وجه لحصر قول الإمام الثابت بالحسّ فی السماع من شخص إمام العصر عجّل اللّه تعالی فرجه حتی یحکم علیه بالندرة أو عدم الوقوع...إلی أن قال:و بالجملة فإذا رأیت الشیخ الطوسی قدّس سرّه قد یتمسک فی بعض المسائل بإجماع الطائفة مع کونها ممّا وردت فیها روایات مستفیضة أو متواترة وافیة بإثبات المسألة فلیس مقصوده حینئذ بالإجماع اتفاق الفقهاء و کشف قول الإمام بسببه،بل أراد به قول الإمام المعصوم المنقول له بالأخبار المسندة المعتبرة عنده الموجبة للعلم به...إلی أن قال:و قد ظهر لک بما ذکرناه إلی هنا أنّ الاجماعات المنقولة فی کلمات القدماء من أصحابنا کالشیخین و السیدین و غیرهما لیست بمعنی أنّ ناقل الإجماع استکشف قول الامام علیه السّلام من اتفاق جماعة و هو داخل فیهم او أنّ أقوالهم أو جبت علمه بقول الإمام علیه السّلام لطفا أو حدسا بل قصدوا بالإجماع ما هو الملاک عندهم لحجّیته،و هو نفس قول الإمام علیه السّلام الواصل الیهم بالأدلّة المعتبرة،و الظاهر منهم وصول قوله علیه السّلام إلیهم بالطرق الحسّیة،أعنی الأخبار الموجبة للعلم،فیشمله أدلّة حجیّة الخبر...إلی أن قال:و من ذلک یعلم منشأ تعارض الإجماعات المنقولة؛إذ من الممکن أن وصل إلی کلّ من ناقلی الإجماع قوله علیه السّلام بطریق معتبر عنده؛ لکثرة الأخبار المتعارضة فی الأبواب المختلفة...إلی أن قال:و علی هذا فناقل الإجماع إن کان

ص:126

عدلا و ثقة و کان نقله محتملا لکونه عن حسّ کان نقله الإجماع فی المسائل الفقهیة الأصلیة المبتنیة علی النقل حجّة و وزانه و زان نقل الخبر عن الأئمة علیهم السّلام.

و أمّا فی المسائل التفریعیة المبتنیة علی النظر و الاجتهاد فلیس بحجّة لأنّه؛إخبار عن حدس الناقل و استنباطه.

فان قلت:اذا کان مقصود الشیخ و أمثاله من الاجماع قول الإمام لا الإجماع الاصطلاحی،فلم نری کثیرا منهم یذکرون بعد نقل الإجماع أخبار المسألة ایضا...إلی أن قال:فهذا یدل علی أنّ المقصود بالإجماع غیر الأخبار الواردة.

قلت:ذکرهم للأخبار بعد الإجماع لبیان مدرک الإجماع المدعی و أنّ ادعاء الإجماع مستند إلی هذه الأخبار،و لعل الشیخ أراد فی الخلاف من قوله إجماع الفرقة قول الإمام المعصوم و من قوله الأخبار هی الأخبار المرویة عن النبی صلّی اللّه علیه و آله التی لم تذکر فی جوامعهم الحدیثیة و وصلت إلینا بواسطة الأئمة،ففی الحقیقة أقام فی المسألة دلیلین قول الإمام و السنّة النبویة،و قد ورد فی أخبارنا أنّ روایات ائمتنا وصلت الیهم من النبی صلّی اللّه علیه و آله و یجوز روایتها عنه صلّی اللّه علیه و آله الخ. (1)

و علیه فالإجماعات المنقولة عن القدماء تکون إخبارا عن الأخبار لا کاشفة عن الأخبار،و إنّما عبّر عنها بالإجماع لما أشار إلیه فی نهایة الاصول،فإذا کانت الإجماعات المذکورة إخبارا عن الأخبار خرجت حینئذ عن محلّ الکلام و هو حجیّة الإجماع بمعناه الاصطلاحی.

و لکن لقائل أن یقول:إنّ ما ذکره فی نهایة الاصول من أنّ المراد من الإجماع فی کلمات الشیخین و السیدین و غیرهما من القدماء هو نفس قول الإمام الواصل بالأدلّة المعتبرة و إنّما عبروا عن الأخبار بالإجماع دفعا للتنازع،منظور فیه؛فإنّ الأمر إن کان کذلک کان المناسب أن لم یضف الإجماع إلی الطائفة أو الفرقة فإنّ الحجّة عند العامّة هو اتفاق الکلّ، لا إجماع جماعة من الامة بعنوان طائفة الشیعة،و أیضا کان المناسب أن لم یعطف علیه

ص:127


1- 1) نهایة الاصول:534-538.

الأخبار خصوصا مع تعبیر و أخبارهم الظاهر فی أنّ المراد هو أخبار الشیعة لا السنّة النبویّة المرویّة عن طرق العامة،فإنّه ینافی دفع التنازع و حمل العطف،علی أنّ المقصود هو بیان مدرک الإجماع المدعی و أنّ الاجماع مستند إلی هذه الأخبار لا یساعد أیضا مع کون الغرض منه دفع التنازع من التعبیر بالإجماع عوض الأخبار.

هذا مضافا إلی أنّ الشیخ لم یحترز عن ذکر الروایات الواردة عن الأئمة علیهم السّلام فی الاستدلالات،قال فی المبسوط:فلأصحابنا فیه روایتان الخ (1)،و قال فی الخلاف کتاب النفقات مسألة 15:و أخبار أصحابنا واردة بذلک و قد ذکرناها فی،مواضعها (2)و قال فی الخلاف کتاب النفقات مسألة 12:إذا اختلف الزوجان بعد أن سلّمت نفسها إلیه فی قبض المهر أو النفقة فالذی رواه اصحابنا أنّ القول قول الزوج و علیها البیّنة...إلی أن قال:و دلیلنا:

إجماع الفرقة و أخبارهم. (3)

هذا،و لو سلم أنّ المراد من الإجماع فی کلمات الشیخ و نحوه هو الإخبار عن الأخبار دخلت المسألة فی الخبر الصحیح المنقول بالخبر الواحد،و هو فی الحقیقة خبر عن الخبر،و هو إن کان مشمولا لأدلة حجیّة الخبر و لکن تمامیّة الدلالة عند الناقل لا تکون مستلزمة لتمامیتها عند المنقول إلیه،فلا تغفل.

هذا،مضافا إلی ما فی مصباح الاصول من أنّه علی تقدیر تسلیم کون إجماع القدماء مستندا إلی الحسّ بالواسطة یکون الإجماع المنقول منهم بمنزلة روایة مرسلة،و لا یصح الاعتماد علیه؛لعدم المعرفة بالواسطة بینهم و بین المعصوم و عدم ثبوت وثاقتها. (4)

التنبیه الثانی: لا یقال:لا یمکن للمتأخرین العثور علی مؤلفات القدماء

أنّه لا یقال:لا یمکن للمتأخرین العثور علی مؤلفات القدماء أو آرائهم باجمعهم؛لعدم

ص:128


1- 1) المبسوط 1:27-28.
2- 2) الینابیع الفقیهة 38:111.
3- 3) الینابیع الفقهیة 38:110.
4- 4) مصباح الاصول 2:137-138.

کون جمیعها باقیة إلی زمانهم،هذا مضافا إلی عدم ضبط أسماء المؤلفین فضلا عن کتبهم،و قد صرّح السید المحقق البروجردی قدّس سرّه فی مقدمة جامع الرواة بسقوط جماعة کثیرة من الطبقة الثانیة عشرة،و هی طبقة الشیخ الطوسی عن قلم صاحب الفهرست منتجب الدین،و أیضا ذکر ابن الندیم فی الفهرست أنّ الصدوق ذکر مأتی کتاب لوالده،و ذکر العلامة ثلاثمائة مؤلف للصدوق،و علیه فمع عدم ضبط أسمائهم و تألیفاتهم و عدم بقاء کتبهم کیف یمکن للمتأخرین تحصیل الإجماع من مؤلفاتهم أو آرائهم؟!بل لا یمکن ذلک للمتقدمین أیضا؛ لقصور اطلاعهم علی تألیفات جمیع الأفراد مع تفرقهم فی البلاد و فقدان صنعة الطبع و بعد الحوزات العلمیة بعضها عن بعض،فکیف یمکن اطلاع حوزة بغداد علی جمیع الأفراد الذین کانوا یسکنون فی قم أو الری أو المدینة المنورة أو الکوفة و بالعکس مع بعد الطرق و امتناع الاستخبار،و علیه فالمیسور من الإجماع لا یفید،و المفید منه و هو الإجماع المحصّل المتصل برأی اصحاب الأئمة علیهم السّلام معسور أو متعذر.

لأنّا نقول:إنّ الحوزات العلمیة کانت مطلعة علی آراء المشهورین من العلماء و مؤلّفاتهم، و قد استنسخوا الکتب،فإذا أجمعوا علی أمر و لم یذکروا الخلاف حصل الحدس القریب بالحس باتفاق الآخرین معهم؛إذ لو کان رأیهم مخالفا معهم لا طلعوا علیه و لذکروه و أبطلوه،فحیث لم یذکروا الخلاف علم الاتحاد و الاتفاق بینهم قال فی تحریرات فی الاصول:

و الّذی یمکن أن یقال حلاّ لهذه العویصة هو:أنّ من اتفاق الأکابر فی الکتب الموجودة بین أیدینا یصح الحدس بأن ذلک الحکم رأی عام لکل فقیه فی ذلک العصر،و یکون حدس ناقلی الإجماع أیضا مستند إلی ذلک،فیتمکن المتأخرون من تحصیل الإجماع و هکذا القدماء،و یکون وجهه واحدا إلاّ أن حدس المتأخر لو کان موجبا لوثوقه و قطعه فهو و إلاّ فحدس ناقل الإجماع و لو کان من القدماء.غیر کاف إلاّ إذا حصل منه الوثوق (1)و لقد أفاد أجاد إلاّ أنّ حدس ناقل الإجماع إذا کان قریبا بالحسّ و أخبر عنه کان مشمولا لادلة حجیّة

ص:129


1- 1) تحریرات فی الاصول:365/6.

الخبر الواحد و ان لم یوجب الوثوق الشخصی لنا کما فی سائر الاخبارات الواردة عن العادل.

و بالجملة یحرز إجماع القدماء من اتفاق المشهورین منهم و بعد إحراز آراء الإجماع من القدماء یمکن إحراز إجماع الأصحاب بالحدس القریب إذ لو کانوا مخالفین لظهر ذلک للقدماء لقرب عهدهم بهم فلم یدّعوا فی المسائل الفقهیّة فی قبال العامة بأنّ دلیلنا إجماع الطائفة أو اجماع الفرقة.

و علیه فإذا اتفق القدماء و ذکروا فی مدارک المسألة فی قبال العامة إجماع الطائفة و الفرقة کان ذلک موجبا للوثوق بکون آراء أصحاب الأئمة علیهم السّلام متحدة مع أصحابنا القدماء، و إلاّ فلا معنی لدعوی إجماع الطائفة أو الفرقة،کما لا یخفی.

التنبیه الثالث: الإجماعات المنقولة تکون متعارضة،

أنّه لا یذهب علیک أنّ الإجماعات المنقولة ربما تکون متعارضة،و التعارض فیها إمّا یکون بحسب المسبّب و هو المکشوف به من قول الامام علیه السّلام؛إذ لا یجتمع مثلا حرمة صلاة الجمعة فی زمان الغیبة مع وجوبها فی زمان الغیبة؛للعلم بکذب أحدهما،فإذا فرضنا أنّ الإجماعین مشتملان لأدلة حجیة الخبر الواحد و سلّمنا کشف الإجماع عن قول المعصوم بالحسّ أو بما هو قریب منه یترتب علی المتعارضین منهما حکم الخبرین المتعارضین من الأخذ بالمرجّحات إن کانت و إلاّ فالحکم بالتخییر،بناء علی ثبوته عند فقدان المرجحات أو بالتساقط بناء علی عدم ثبوت التخییر،و إمّا یکون التعارض بحسب السبب،کما إذا ارید من الإجماع اتفاق جمیع العلماء؛فإنّه یقع التعارض بین النقلین المتنافیین؛لامتناع اتفاق الکل علی حکمین متناقضین،و یترتب علیهما حکم المتعارضین،بخلاف ما إذا أرید من الإجماع رأی جماعة من العلماء یوجب القطع برأی المعصوم علیه السّلام؛إذ لا تعارض حینئذ من جهة السبب،لإمکان صدق کل ناقل فی نقل وجود آراء جماعة حصل منها له القطع برأی المعصوم علیه السّلام و إن کانا متعارضین بحسب المسبّب کما عرفت،لکن لا یصلح کل نقل لأن یکون سببا عند المنقول إلیه بعد وجود نقل الخلاف فی مورده،اللّهمّ إلاّ إذا کان أحدهما

ص:130

مشتملا علی خصوصیة من الخصوصیات الموجبة للجزم برأی المعصوم و لو مع الاطلاع علی الخلاف و إن کان الاطلاع علیه بنحو الإجمال،فتدبر جیدا.

و السرّ فی وقوع التعارض بین الإجماعات هو أنّ ناقلیها استندوا فی نسبة الآراء و الفتاوی إلی مباد اصولیة و فقهیة،لا نفس فتاویهم فی خصوص المسألة.

التنبیه الرّابع: أنّ الإجماع المرکب هو اجتماع العلماء

أنّ الإجماع المرکب هو اجتماع العلماء علی نفی القول الثالث مع اختلافهم فی المسألة علی القولین،و هو علی قسمین:

أحدهما:أنّ کل جماعة ینفون القول الثالث مع قطع النظر عمّا ذهبوا إلیه من رأیهم و مختارهم فی المسألة.

و ثانیهما:أنّ نفیهم للقول الثالث یکون من لوازم رأیهم و قولهم فی المسألة المختلف فیها.

و لا إشکال فی حجیّة القسم الأوّل بحسب المسالک المذکورة فی حجیة الإجماع؛لأنّه إجماع فی الحقیقة و مستقل،و لا یرتبط بما اختلفوا فیه من المسألة،و لذا یکشف عن النصّ أو تقریر المعصوم.

و أمّا القسم الثانی فلیس بحجة؛إذ الإجماع بالنسبة إلی نفی القول الثالث معلول قولهم فی المسألة المختلف فیها،و المفروض أنّهم لم یجمعوا فی تلک المسألة علی قول واحد،بل کل طائفة فیما إذا کانوا علی قولین فی طرف یناقض الأخری.

و بالجملة:فالإجماع لا یکشف عن شیء إلاّ إذا کان مستقلا،و لا استقلال فی الإجماع الحاصل من اختلافهما فی المسألة الاصلیة،فلا یحصل الکشف عن رأی المعصوم أو تقریر المعصوم مع اختلافهم فی الأصل و عدم اجتماعهم علی شیء مستقلا،و بعبارة أخری:فما اختاره کل طرف لیس بإجماعی،و لازمه ایضا لیس بإجماعی،فلا یترتب علیه حکم الإجماع،کما لا یخفی.

التنبیه الخامس: ربّما یتمسّک بفهم الأصحاب فی بعض المسائل

أنّه ربّما یتمسّک بفهم الأصحاب فی بعض المسائل کالقرعة حیث إنّ قوله علیه السّلام:(القرعة

ص:131

لکل أمر مشکل أو مشتبه)،یعمّ غیر مورد الحقوق و مع ذلک لم یفت الأصحاب بالعموم،أو کحرمة العصیر المغلی،فإنّ قوله علیه السّلام کل عصیر أصابته النار فهو حرام یشمل غیر العصیر العنبی و الزبیبی،و مع ذلک لم یفت الأصحاب بحرمة سائر العصیرات و غیر ذلک من الموارد.

و یشکل ذلک بأنّ الاتباع عن فهم الأصحاب تقلید و هو لا یجوز للمجتهدین.و یمکن أن یقال إنّ مراد المستدلین بفهم الأصحاب أنّ فهمهم یکشف عن القید أو الخاص للإطلاق أو العموم،فکما أنّ فتاوی الأصحاب فی سایر المسائل تکشف عن النصّ فکذلک فی مثل هذه الموارد یکشف فهمهم عن القیود،إذ مع وجود العموم و الإطلاق و عدم ورود قید ذهابهم إلی معاملة المقید یکشف عن اطلاعهم علی القید و هو حجة کما لا یخفی،و علیه فهم الأصحاب فی المسائل التی لیس فیها دلیل علی التقیید یکون کاشفا عن القید،فإذا اتصل هذا الفهم إلی زمان المعصوم علیه السّلام أحرز تقریره له فلا تغفل.

التنبیه السادس:فی التواتر المنقول

قال شیخنا الأعظم قدّس سرّه:من جمیع ما ذکرناه یظهر الکلام فی المتواتر المنقول حیث إنّ نقل التواتر فی خبر لا یثبت حجیّته و لو قلنا بحجیّة خبر الواحد،لأنّ التواتر صفة فی الخبر تحصل بإخبار جماعة یفید العلم للسامع،و یختلف عدده باختلاف خصوصیات المقامات، و لیس کل تواتر ثبت لشخص مما یستلزم فی نفس الأمر عادة تحقق المخبر به،فإذا أخبر بالتواتر فقد أخبر بإخبار جماعة أفاد له العلم بالواقع،و قبول هذا الخبر لا یجدی شیئا؛لأنّ المفروض أنّ تحقق مضمون المتواتر لیس من لوازم إخبار الجماعة الثابتة بخبر العادل.

نعم،لو اخبر بإخبار جماعة یستلزم عادة تحقق المخبر به بأن یکون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لإخبار الجماعة کأن اخبر مثلا بإخبار الف عادل او ازید بموت زید و حضور جنازته کان اللازم من قبول خبره الحکم بتحقق الملزوم،و هو إخبار الجماعة، فیثبت اللازم،و هو تحقق موت زید...إلی أن قال:إنّ معنی قبول نقل التواتر مثل الإخبار

ص:132

بتواتر موت زید مثلا یتصوّر علی وجهین:

الأوّل:الحکم بثبوت الخبر المدعی تواتره،أعنی موت زید،نظیر حجیّة الإجماع المنقول بالنسبة إلی المسألة المدعی علیها الإجماع و هذا هو الذی ذکرنا أنّ الشرط فی قبول خبر الواحد هو کون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلقه.

الثانی:الحکم بثبوت تواتر الخبر المذکور لیترتب علی ذلک الخبر آثار التواتر و أحکامه الشرعیة،کما إذا نذر أن یحفظ أو یکتب کل خبر متواتر.

ثم أحکام التواتر،منها ما ثبت لما تواتر فی الجملة و لو عند غیر هذا الشخص،و منها ما ثبت لما تواتر بالنسبة إلی هذا الشخص،و لا ینبغی الإشکال فی أنّ مقتضی قبول نقل التواتر العمل به علی الوجه الأوّل و أوّل وجهی الثانی،کما لا ینبغی الإشکال فی عدم ترتب آثار تواتر المخبر به عند نفس هذا الشخص. (1)

و زاد علیه فی الکفایة بأنّ نقل التواتر من حیث السبب یثبت به کلّ مقدار کان إخباره بالتواتر دالاّ علیه،کما إذا اخبر به علی التفصیل فربما لا یکون إلاّ دون حدّ التواتر،فلا بد فی معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار یبلغ المجموع ذلک الحدّ (2)و هو حسن.

فتحصّل:أنّ قبول نقل التواتر بالنسبة إلی المسبّب و هو موت زید مثلا مشروط بکون السبب مستلزما عادیا لحصول العلم من السامع بتحقق متعلقه حتی یترتب علی نقل التواتر إحراز موت زید،فیترتب علی الموت آثاره من تقسیم الأموال و نحو ذلک،و إذا لم یکن السبب مستلزما کذلک فالخبر بالنسبة إلی المسبب حدسی لا حسّی،فلا دلیل علی حجیة نقل التواتر؛لأنّ التواتر صفة فی الخبر تحصل بإخبار جماعة یفید العلم للسامع،و

ص:133


1- 1) فرائد الاصول:64.
2- 2) الکنایة 2:77.

المفروض أنّه غیر حاصل،فلا حجّیة لنقل التواتر فی الفرض المذکور.نعم لو انضم إلیه أخبار أخر یوجب الجمیع حصول صفة التواتر ترتب الأثر علی متعلقه و کان النقل بالنسبة إلی ما اخبر به حجّة.

و أمّا قبول نقل التواتر بالنسبة إلی السبب بمعنی الحکم بثبوت تواتر الخبر المذکور لیترتب علیه آثار نفس التواتر و أحکامه فهو منوط بکیفیة اتخاذ الموضوع،فإن کان الأثر مترتبا علی ما تواتر و لو عند غیر السامع فیترتب علیه آثاره و لو لم یثبت تواتره عند السامع فإنّ ثبوته عند ناقل التواتر یکفی فی ترتب آثاره،و احتمال عدم تحقق التواتر عنده ملغی بحکم وجوب تصدیق العادل،و إن کان الأثر مترتبا علی ما تواتر عند السامع فلا یترتب الأثر بمجرد نقل التواتر و إن کان المنقول إخبار عدة لو اطلع علیه السامع المنقول الیه تحقق له العلم؛لأنّ المفروض هو عدم تحقق العلم للسامع بواسطة نقل إخبار تلک الجماعة،نعم لو انضمّ إلیه ما یتمّه فی حصول العلم بالتواتر عند السامع ترتب علیه الأثر المذکور،ایضا کما هو واضح.

و لا یخفی علیک أنّ ما ذکر من عدم ترتب الأثر بمجرد نقل التواتر ما دام لم یحصل العلم الفعلی للسامع و إن کان المنقول إخبار عدة لو اطلع علیه السامع تحقق له العلم منوط بما إذا کان مفهوم التواتر متقوما بحصول العلم الفعلی للسامع کما هو المفروض،و إلاّ فإن قلنا بأنّ مفهوم التواتر هو حصول العلم عادة بإخبار جماعة و لو لم یحصل العلم الفعلی للسامع،فهو یکون من الامور الواقعیة کالکرّیة و القلّة للماء،و لا دخل للعلم الفعلی من السامع فی حقیقة مفهوم التواتر و علیه تترتب علی إخبار العادل آثار التواتر و آثار الواقع،و لا وجه لاعتبار حصول العلم الفعلی للسامع،قال شیخنا الأستاد الأراکی-تبعا لشیخه الأستاذ قدس سرهما-و أمّا التواتر المنقول،فإن قلنا إنّ التواتر موضوع محفوظ مع قطع النظر عن حصول العلم و هو بلوغ عدة الأخبار إلی حدّ یفید عادة علم من اطلع علیها و إن لم یفد العلم الفعلی بواسطة عدم الاطلاع أو اغتشاش الذهن و غیره فالظاهر ترتب آثار هذا الموضوع،بل ترتب آثار الواقع أیضا؛لأنّ کون السبب سببا عادیا لحصول العلم الذی أخبر به المخبر نظیر

ص:134

إخباره بأن القتل وقع بآلة متعارفة فی القتل،فإنّ التعارف و العادة من الأمور الحسّیة الغیر المحتاجة إلی إعمال الفکر و النظر و لیس مثل تنقیح بعض الامور العادیة المحتاجة،إلی تصفیة الذهن و تخلیته و إعمال النظر،و الوسع کما هو فی تشخیص بعض المفاهیم العرفیة للألفاظ،و إذن فکما یقبل إخباره بتعارف الآلة القتّالة یقبل إخباره بتعارف حصول القطع مع العدّة القائمة علی الإخبار.

هذا،إن قلنا بأنّ للتواتر واقعا محفوظا،و أمّا إن قلنا إنّ حدّه أن یحصل من کثرة الأخبار مع قطع النظر عن شیء آخر وراء الکثرة القطع الفعلی بصدق المضمون و وقوعه فهذا المعنی غیر متحقق بالنسبة إلی السامع و المنقول إلیه قطعا،فإذا کان الأثر مترتبا علی التواتر عنده فلا یترتب الأثر،و إن کان علی التواتر عند الناقل أو فی الجملة ترتب و أمّا آثار الواقع فالکلام من هذا الحیث هو ما تقدم فی الإجماع المنقول حرفا بحرف فراجع (1)فتحصل ان الاخبار بالتواتر حجة و لا حاجة الی افادة العلم الفعلی للسامع بل یکفی فیه کونه بحیث لو اطلع علیه السامع حصل له العلم و هذا هو الظاهر من سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه حیث قال فی محکی کلامه و أمّا التواتر المنقول فالظاهر حجیّته مطلقا سواء کان متمحّضا لنقل السبب فقط أعنی إخبار جماعة بقول الإمام علیه السّلام أو فعله أو تقریره أو نقل المسبب و هو قول الإمام علیه السّلام فی ضمنه و ذلک لأنّ التواتر إنّما یکون اخبار جماعة لیستحیل عادة تواطؤهم علی الکذب و حینئذ فإذا أخبر الثقة به و کان إخباره عن حسّ لا بدّ من فرض المخبر به بمنزلة الواقع بأدّلة حجیّة خبر الواحد فیفرض المنقول کالمحصّل و المفروض أنّه لو کان محصّلا کان موجبا للقطع العادی بقول الامام علیه السّلام من دون فرق فی ذلک بین نقل قول الإمام فی ضمن نقل التواتر و عدمه کما هو واضح فتدبر (2)

ص:135


1- 1) اصول الفقه 3:377-378.
2- 2) المحاضرات سیدنا الاستاذ 115/2.
الخلاصة

التنبیهات

التّنبیه الأوّل:

أنّ الظّاهر من الشّیخ الأعظم أنّ تحصیل قول الإمام من طریق الحسّ منحصر فی سماع قوله علیه السّلام فی ضمن أقوال المجمعین و هو ممّا یعلم بعدم تحقّقه لنوع الحاکین للإجماعات.

منعه فی نهایة الاصول بدعوی أنّ مراد الأصحاب من نقل قول الإمام هو نقله و لو بطریق صحیح وصل إلی النّاقل و بعبارة اخری النقل بالطریق الصحیح أیضا من مصادیق الحسّ و التعبیر عن الخبر بالإجماع من جهة عدم تمکّنهم من الاستدلال بالخبر فی قبال العامّة لانحصار السّنة عندهم فی السنّة النبویّة و لذا أدرجوا الخبر تحت عنوان الإجماع و مرادهم حینئذ من الإجماع هو الخبر الصحیح فمتی استدلّوا فی مسألة بالإجماع أرادوا بذلک قول المعصوم و لکن لا بالسماع من شخصه علیه السّلام بل بوصول صحیح معتبر إلی ناقل الإجماع و علیه فلا وجه لحصر قول الإمام الثابت بالحسّ فی السّماع من شخص إمام العصر عجل اللّه تعالی فرجه الشریف حتّی یحکم علیه بالنّدرة أو عدم الوقوع إلی أن قال و بالجملة فإذا رأیت الشّیخ الطّوسی قد یتمسّک فی بعض المسائل بإجماع الطّائفة مع کونها ممّا وردت فیها روایات مستفیضة أو متواترة وافیة بإثبات المسألة فلیس مقصوده حینئذ من الإجماع اتفاق الفقهاء و کشف قول الإمام بسببه بل أراد به قول الإمام المعصوم المنقول له بالإخبار المسندة المعتبرة عنده الموجبة للعلم به إلی أن قال و قد ظهر لک بما ذکرناه إلی هذا أنّ الإجماعات المنقولة فی کلمات القدماء لیست بمعنی أنّ ناقل الاجماع استکشف قول الإمام من اتفاق جماعة هو داخل فیهم بل قصدوا بالإجماع ما هو الملاک عندهم لحجیّته و هو نفس قول الإمام الواصل إلیهم بالأدلّة المعتبرة.

و علی هذا فناقل الإجماع إن کان عدلا و ثقة و کان نقله محتملا لکونه عن حسّ کان نقله الإجماع فی المسائل الفقهیّة الأصلیّة المبتنیة علی النقل حجّة و وزانه و زان نقل الخبر عن

ص:136

الأئمّة علیهم السّلام و أمّا فی المسائل التفریعیّة فلیس بحجّة لأنّه إخبار عن حدس النّاقل و استنباطه انتهی.و لا یخفی علیک أنّ مقتضی ما ذکر هو خروج الإجماعات المنقولة عن القدماء عن محل الکلام لأنّ البحث فی حجّیّة الإجماع بمعناه الاصطلاحی و هو کما تری.

هذا مضافا إلی أنّه لو کان کذلک کان المناسب أن لم یضف الإجماع إلی الطّائفة أو الفرقة فإنّ الحجّة عند العامّة هو اتفاق الکلّ لا إجماع جماعة من الأمّة بعنوان طائفة الشّیعة.

و أیضا کان المناسب أن لم یعطف علیه الأخبار خصوصا مع تعبیر و أخبارهم الظّاهر فی أنّ المراد منه هو أخبار الشّیعة لا السّنة النبویّة المرویة عن طریق العامّة.

هذا مضافا إلی أنّ الشیخ لم یحترز عن ذکر الرّوایات الواردة عن الأئمّة علیهم السّلام فی المبسوط و الخلاف حتّی یضطرّ إلی التعبیر عنها بالإجماع.

و لو سلّم أنّ المراد من الإجماعات المنقولة فی کلمات القدماء هو الإخبار عن الأخبار دخلت المسألة فی الخبر الصحیح المنقول بالخبر الواحد و هو فی الحقیقة خبر عن الخبر و من المعلوم أنّه مشمول لأدلّة حجّیّة الخبر و لکن تمامیّته دلالة الخبر المنقول بالخبر عنه الناقل لا تکون مستلزمة لتمامیّته عند المنقول إلیه کما لا یخفی.

علی أنّه لا یصحّ الاعتماد علیه لعدم المعرفة بالواسطة بینهم و بین المعصوم و عدم ثبوت وثاقتها.

و ینقدح ممّا ذکر أنّه لا وجه لرفع الید عن المعنی الاصطلاحی للإجماع فی کلمات القدماء بل المقصود منه هو معناه الاصطلاحی.

التّنبیه الثّانی:

ربّما یتوهّم أنّه لا یمکن للمتأخرین العثور علی مؤلّفات القدماء أو آرائهم بأجمعهم لعدم کونها باقیة إلی زمانهم هذا مضافا إلی عدم ضبطهم أسماء المؤلّفین فضلا عن کتبهم و علیه فکیف یمکن تحصیل الإجماع من مؤلفاتهم أو آرائهم بل لا یمکن تحصیل الإجماع للمتقدّمین أیضا لقصور اطّلاعهم علی تألیفات جمیع العلماء مع تفرّقهم فی البلاد و فقدان صنعة الطّبع

ص:137

و بعد الحوزات العلمیّة بعضها عن بعض و عدم إمکانات الاستخبار لکلّ واحدة بالنّسبة إلی الاخری.

و علیه فالمیسور من الإجماع لا یفید و المفید منه معسور أو متعذّر و یمکن الجواب عنه بأنّ الحوزات العلمیّة اطّلعوا علی آراء المشهورین و مؤلّفاتهم و الاستنساخ أمر شائع فی ذلک العصر فإذا أجمع العلماء المشهورون علی أمر و لم یذکروا الخلاف حصل الحدس القریب بالحسّ باتّفاق الآخرین معهم إذ لو کان رأیهم مخالفا معهم لاطّلعوا علیه و ذکروه و أبطلوه فحیث لم یذکروا خلافا علم الاتّحاد و الاتّفاق فمن اتفاق الأکابر فی الکتب الموجودة یصحّ الحدس بأنّ ذلک الحکم رأی عامّ لکلّ فقیه فی ذلک العصر و بعد إحراز الإجماع من القدماء أمکن إحراز إجماع الأصحاب بالحدس القریب إذ لو کانوا مخالفین لظهر ذلک للقدماء لقرب عهدهم بهم و لم یدّعوا فی المسائل الفقهیّة قبال العامّة بأنّ دلیلنا إجماع الطّائفة أو إجماع الفرقة.

التّنبیه الثّالث:

أنّه لا یخفی علیک أنّ الإجماعات المنقولة ربّما تکون متعارضة و التعارض فیها إمّا من ناحیة المسبّب إذا لا یجتمع مثلا الإجماع علی حرمة صلاة الجمعة فی زمان الغیبة مع الإجماع علی وجوبها فیه للعلم بکذب أحدهما فإذا فرضنا أنّ الإجماعین مشمولان لأدلّة حجّیّة الخبر الواحد و سلّمنا کشف الإجماع عن قول المعصوم بالحسّ أو بقریب منه یترتّب علی المتعارضین من الإجماعین المنقولین حکم الخبرین المتعارضین من الأخذ بالمرجّحات إن کانت و إلاّ فالحکم بالتخییر أو بالتّساقط علی القولین فی ذلک الباب و إمّا من ناحیة السبب کما إذا أرید من الإجماع اتّفاق جمیع العلماء فإنّه یقع التعارض بین النقلین المتنافیین لامتناع اتّفاق الکلّ علی المتناقضین و یترتّب علیهما حکم المتعارضین بخلاف ما إذا أرید من الإجماع رأی جماعة من العلماء یوجب القطع برأی المعصوم إذ لا تعارض حینئذ من جهة السبب لإمکان صدق کلّ ناقل فی نقل وجود آراء جماعة حصل فیها له القطع برأی

ص:138

المعصوم علیه السّلام و إن کانا متعارضین بحسب المسبّب و لکن لا یصلح کلّ نقل لأن یکون سببا عنه المنقول إلیه بعد وجود نقل الخلاف فی مورده اللّهمّ إلاّ إذا کان أحدهما مشتملا علی خصوصیّة راجحة موجبة للجزم برأی المعصوم و لو مع الاطّلاع علی الخلاف.

التّنبیه الرّابع:

أنّ الإجماع المرکّب هو اجتماع العلماء علی نفی القول الثّالث مع اختلافهم فی المسألة علی القولین.

و هو علی قسمین:أحدهما أنّ کلّ جماعة ینفون القول الثّالث مع قطع النظر عمّا ذهبوا إلیه من رأیهم و مختارهم فی المسألة و لا إشکال فی حجّیّة هذا القسم بحسب المسالک المذکورة فی حجّیّة الإجماع لأنّه من مصادیق الإجماع المبحوث عنه.

و ثانیهما:أن یکون نفی القول الثّالث من لوازم رأیهم و قولهم فی المسألة المختلف فیها و هذا الإجماع لا یکون حجّة إذ الاجماع بالنّسبة إلی نفی الثّالث معلول لقولهم فی المسألة و المفروض أنّهم لم یجمعوا فی تلک المسألة علی قول واحد بل کلّ طائفة فی طرف غیر طرف آخر فما اختاره کلّ طرف لیس بإجماعی و لازم مختاره أیضا لیس بإجماعی فلا یترتّب علیه حکم الإجماع کما لا یخفی.

التّنبیه الخامس:

أنّه ربّما یتمسّک بفهم الأصحاب فی بعض المسائل کالقرعة من جهة عمومها و شمولها لغیر مورد الحقوق و عدمه.

و یشکل ذلک بأنّ الاتّباع عن فهم الأصحاب تقلید و هو لا یجوز للمجتهدین.

و اجیب عنه بأنّ مراد المستدلّین بفهم الأصحاب هو أنّ فهمهم یکشف عن وجود قید أو خصوصیة للموضوع یمنع عن العموم و الشمول فکما أنّ فتاوی الأصحاب فی سائر المسائل تکشف عن النصّ فکذلک فی مثل هذه الموارد یکشف عن وجود القید فإذا اتّصل هذا الفهم إلی زمان الامام علیه السّلام أحرز تقریره له فلا تغفل.

ص:139

التّنبیه السّادس:

فی التّواتر المنقول قال الشّیخ الأعظم نقل التواتر فی خبر لا یثبت حجیّته و لو قلنا بحجّیّة خبر الواحد لأنّ التواتر صفة فی الخبر تحصل بإخبار جماعة یفید العلم للسامع و یختلف عدده باختلاف خصوصیّات المقامات و لیس کلّ تواتر ثبت لشخص ممّا یستلزم فی نفس الأمر عادة تحقّق المخبر به فإذا أخبر بالتّواتر فقد أخبر بإخبار جماعة أفاد له(أی للناقل) العلم بالواقع و قبول هذا الخبر لا یجدی شیئا لأنّ المفروض أنّ تحقّق مضمون المتواتر لیس من لوازم إخبار الجماعة الثّابتة بخبر العادل.

نعم لو أخبر بإخبار جماعة یستلزم عادة تحقق المخبر به بأن یکون حصول العلم بالمخبر به لازم الحصول لإخبار الجماعة کأن أخبر مثلا بإخبار ألف عادل أو أزید بموت زید و حضور جنازته کان اللاّزم من قبول خبره الحکم بتحقّق الملزوم و هو إخبار الجماعة فیثبت اللاّزم و هو تحقّق موت زید هذا بالنّسبة إلی المسبّب و قد عرفت أنّ الشّرط فی قبول خبر الواحد هو کون ما أخبر به مستلزما عادة لوقوع متعلّقه المذکور حتّی یترتّب علیه آثار نفس التّواتر و أحکامه کما إذا نذر أن یحفظ کلّ خبر متواتر فهو منوط بکیفیة اتخاذ الموضوع فإن کان الأثر مترتّبا علی تواتر و لو عند غیر السّامع فیترتّب علیه آثاره و لو لم یثبت تواتره عند السامع.

و إنّ کان الأثر مترتّبا علی ما تواتر عند السامع فلا یترتّب الأثر بمجرّد نقل التواتر و إن کان المنقول إخبار عدّة لو اطّلع علیه السامع المنقول إلیه تحقّق العلم لأنّ المفروض هو عدم تحقق العلم الفعلی للسّامع بواسطة نقل إخبار تلک الجماعة مع اعتبار العلم الفعلی فی حقیقة التواتر.

و لا یخفی ما فیه و ذلک لما أفاده شیخنا الأستاذ تبعا لشیخه الاستاذ المحقّق الیزدی قدّس سرّه فی التّواتر المنقول من أنّه إن قلنا إنّ للتواتر موضوعا محفوظا فی الواقع مع قطع النّظر عن حصول العلم الفعلی و هو بلوغ عدّة الأخبار إلی حدّ یفید عادة علم من اطلع علیها و إن لم یفد العلم

ص:140

الفعلی بواسطة عدم الاطّلاع أو اغتشاش الذهن و غیره فالظاهر ترتّب آثار هذا الموضوع بل ترتّب آثار الواقع أیضا بنقل التواتر لأنّ کون السبب سببا عادیا لحصول العلم الذی أخبر به المخبر نظیر إخباره بأنّ القتل وقع بآلة متعارفة فی القتل فإنّ التعارف و العادة من الأمور الحسیّة الغیر المحتاجة إلی إعمال الفکر و النّظر و لیس مثل تنقیح بعض الامور العادیة المحتاجة إلی تصفیة الذهن و تخلیته و إعمال النّظر و الوسع کما هو فی تشخیص بعض المفاهیم العرفیة للألفاظ و إذن فکما یقبل إخباره بتعارف الآلة القتّالة یقبل إخباره بتعارف حصول القطع مع العدّة القائمة علی الأخبار و أمّا إن قلنا إنّ حقیقة التواتر هی أن یحصل من کثرة الأخبار مع قطع النظر عن شیء آخر وراء الکثرة القطع الفعلی بصدق المضمون و وقوعه فهذا المعنی غیر متحقّق بالنّسبة إلی السّامع المنقول إلیه قطعا فإذا کان الأثر مترتّبا علی التواتر عنده بهذا المعنی فلا یترتّب الأثر بخلاف ما إذا کان الأثر مترتّبا علی التواتر عند الناقل أو فی الجملة فیترتّب الأثر المترتّب علی نفس التواتر کما لا یخفی و لکن اعتبار العلم الفعلی للسّامع فی تحقّق التواتر لا دلیل له.

فتحصّل أنّه لا وجه للقول بعدم ترتّب أثر التّواتر علی نقل التواتر ما دام لم یحصل العلم الفعلی للسامع بل الظاهر کفایة بلوغ عدّة الأخبار فی الواقع و لو بالانضمام یفید العلم عادة فی ترتّب آثار نفس التواتر و نقل هذا التواتر حجّة مطلقا.

ص:141

3-الشهرة
اشارة

و الکلام فیها یقع فی جهات:

الجهة الاولی:

فی أنّ الشهرة علی أقسام:

القسم الأوّل: الشهرة الروائیّة

الشهرة الروائیّة و هی بمعنی کثرة نقلها،و یقابلها الشذوذ و الندرة،و هذه الشهرة تکون من المرجحات عند تعارض الأخبار بناء علی ما ذهب إلیه المشهور فی هذا الباب.

القسم الثانی: الشهرة العملیة

الشهرة العملیة،و هی بمعنی العمل بالروایة و هو یوجب الوثوق بصدور الروایة إن کان فیها ضعف من جهة السند،و فی قبالها إعراض المشهور عن الروایة؛فإنّه یوجب الوهن فیها و إن کانت الروایة صحیحة أو موثقة من جهة السند،بل کلما ازدادت صحة ازدادت سقما.

القسم الثالث: الشهرة الفتوائیة

الشهرة الفتوائیة،و معناها هو اشتهار الفتوی بحکم من الأحکام الشرعیة بین معظم الفقهاء المعروفین سواء کان فی مقابلها فتوی غیرهم بالخلاف أم لم یعرف الخلاف و الوفاق من غیرهم،و ربما تستعمل الشهرة الفتوائیة علی اتفاق جماعة من المعروفین من العلماء.و کیف کان فمورد البحث فی المقام هو القسم الثالث،لا القسم الأوّل و الثانی؛فإنّ البحث عن الأوّل مربوط بالبحث عن تعارض الأخبار،و البحث عن الثانی مربوط بالبحث عن حجیّة خبر الواحد،و سیأتی البحث فیهما إن شاء اللّه تعالی.

الجهة الثانیة: أنّ الشهرة الفتوائیة إمّا ملحوظة بما هی تکون کاشفة کشفا قطعیا عن النص أو رأی المعصوم علیه السّلام....

أنّ الشهرة الفتوائیة إمّا ملحوظة بما هی تکون کاشفة کشفا قطعیا عن النص أو رأی المعصوم علیه السّلام کالإجماع عندنا و إمّا ملحوظة بما هی تفید الظن برأی المعصوم علیه السّلام،کنفس الخبر الواحد،و کلاهما مورد البحث.

ص:142

الجهة الثالثة:

فی الاستدلال علی حجیّة الشهرة الفتوائیة بما هی کاشفة کشفا قطعیّا عن النص:

و لا إشکال فی حجیّتها لأنّها مصداق للقطع فإن کانت الشهرة من المتأخرین و کانت المسألة مخالفة للقواعد و لم یستندوا إلی دلیل فهی یکشف عن النص و لکن لم یحرز تمامیة دلالته بفتوی المشهور به لإمکان أن لا یکون تاما عندنا لو وصل إلینا نعم إذا کانت الشهرة من القدماء و اتصلت إلی زمان المعصوم علیه السّلام صارت الشهرة کالإجماع المتصل إلی زمان اصحاب الأئمة علیهم السّلام فی الکشف عن تقریر المعصوم علیه السّلام و لا فرق فیه بین الاستناد إلی دلیل و عدمه و بین أن تکون المسألة من الاصول المتلقاة أو غیرها اللّهمّ إلاّ أن یقال:لا یحرز التقریر إلاّ فی الاصول المتلقاة فإنّ المسألة إذا کانت من المسائل التفریعیة و اخطأ الأصحاب فی فهمها من الاصول المتلقاة لا یجب علی الإمام علیه السّلام إرشادهم مع بیان الاصول المتلقاة فتامّل

نعم لو استندوا فی المسألة إلی المتون المأثورة و اتصل الاشتهار إلی زمان المعصوم کان وزان المتون المأثورة وزان الأخبار للعلم بصدورها عن المعصوم علیه السّلام هذا مجمل الکلام و تفصیله أنّ السید المحقق البروجردی قدّس سرّه ذهب فی نهایة الاصول إلی أنّ الأظهر القول بحجیّة الشهرة الفتوائیّة من القدماء فی المسائل الأصلیة المبنیّة علی نقلها بألفاظها و کشف الشهرة عن تلقّیها عن الأئمة المعصومین علیهم السّلام.

توضیح ذلک:أنّ مسائل فقهنا علی ثلاثة أنواع.

الأوّل:المسائل الأصلیة المأثورة عن الأئمة علیهم السّلام التی ذکرها الأصحاب فی کتبهم المعدّة لنقل خصوص هذه المسائل کالمقنع و الهدایة و المقنعة و النهایة و المراسم و الکافی و المهذب و نحوها،و کان بناء الأصحاب فیها علی نقل هذه المسائل بألفاظها المأثورة أو القریبة منها طبقة بعد طبقة و اتصلت سلسلتها إلی أصحاب الأئمة علیهم السّلام،فیکون وزانها و الأخبار المأثورة فی کتب الروایة.

ص:143

الثانی:المسائل التفریعیّة المستنبطة من المسائل الأصلیة بإعمال الاجتهاد و النظر.

الثالث:المسائل المتصدیة لبیان موضوعات الأحکام و حدودها و قیودها...إلی أن قال:و إذا عرفت هذا فنقول:الشهرة فی النوع الأوّل تکون کاشفة عن تلقّیها عن الأئمة علیهم السّلام و موجبة للوثوق بصدورها عنهم،بخلاف النوعین الأخیرین؛ لابتنائهما علی إعمال الاجتهاد و النظر،فلا تفید الشهرة فیهما شیئا،بل الظاهر أنّ الإجماع فیهما ایضا غیر مفید؛ فإنّ الإجماع فیها علی وزان الإجماع فی المسائل العقلیّة النظریّة،فتدبر. (1)

حاصله:هو حجیّة الشهرة الفتوائیة فی المسائل الأصلیة من القدماء الذین ذکروا فتاواهم فی کتبهم بذکر متون النصوص المأثورة فإنّ إجماعهم علی المتون فی تلک المسائل یوجب الحدس القطعی القریب بالحسّ بصدور المتون المذکورة عن الأئمة علیهم السّلام قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:لا إشکال فی عدم حجیّة الفتوائیّة فی التفریعات الفقهیّة الدائرة بین المتأخرین من زمن شیخ الطائفة إلی زماننا هذا...إلی أن قال:و إنّما الکلام فی الشهرة المتقدمة علی الشیخ،أعنی الشهرة الدائرة بین قدماء أصحابنا الذین کانت عادتهم التحفظ علی الاصول و الإفتاء بمتون الروایة إلی أن ینتهی الأمر إلی أصحاب الفتوی و الاجتهاد، فالظاهر وجود مناط الإجماع فیها و کونها موجبة للحدس القطعی علی وجود نص معتبر دائر بینهم أو معروفیّة الحکم من لدن عصر الأئمة علیهم السّلام،کما أشرنا إلیه... (2)

و لا یخفی علیک أنّ الحدس القطعیّ یوجب القطع بصدور المتون المفتی بها فی کتب القدماء عن الأئمة علیهم السّلام،لا القطع بوجود نص آخر،و إلاّ لورد علیه ما أورد فی الإجماع من أنّ النص المذکور و إن کان تاما عندهم سندا و لکن من الممکن أنّه لیس کذلک عندنا،هذا مضافا إلی أنّ مع وجود المخالف فی المشهور کیف یحصل الحدس القطعیّ بوجود نص آخر.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ شذوذ المخالف یوجب عدم اعتناء العقلاء به،فیحصل معه الحدس المذکور عرفا.لأنّ اقوال النادر کالمعدوم.

ص:144


1- 1) نهایة الاصول:543-544.
2- 2) تهذیب الاصول 2:100-101.

و أمّا المتون المذکورة فی کتب القدماء بعنوان الفتوی فهی قابلة لأن ینظر إلیها،فإذا کانت تامّة من جهة الدلالة یحرز صدورها من ناحیة الحدس القطعیّ المذکور،هذا مضافا إلی أنّ القطع بالنص الآخر وراء المتون المذکورة لا یتصور إلاّ إذا کانت الشهرة علی خلاف مقتضی القواعد و العمومات و الأدلة العقلیّة،و إلاّ فلا یحصل الحدس القطعیّ بوجود النصّ الآخر،کما لا یخفی.

و کیف کان فالشهرة الفتوائیة علی متون الأخبار فی المسائل الأصلیة تکشف عن صدور المتون المذکورة عن الأئمة علیهم السّلام،و لکن الشهرة بهذا المعنی ترجع إلی الشهرة العملیّة، فکما أنّ الشهرة العملیّة تجبر ضعف المرسلات من الروایات و تکشف عن صدورها، فکذلک تکشف عن صدور المتون المذکورة فی کتب القدماء؛لأنّها فی حکم المرسلات،و لا إشکال فیه بعد فرض ثبوت أنّ القدماء فی القرن الرابع بنوا علی ذکر المتون فی مقام الفتوی و حذف الأسانید،کما یشهد له کیفیة الکتب مع تصریح بعضهم کسلاّر فی المراسم،و ذکر بعض الفرعیات فیها لا ینافی أنّهم أفتوا بالمتون و جعلوها الاصول المتلقاة؛لأنّ نفس هذا البعض من المرویّات ایضا.

فتحصّل:أنّ الشهرة الفتوائیّة فی الکتب المذکورة توجب الحدس القطعیّ بالنسبة إلی صدور المتون المأثورة فیها عن المعصوم علیه السّلام،فلا یجوز العدول عنها مع العلم بصدورها عن المعصوم علیه السّلام.و لکن الشهرة المذکورة ترجع الی الشهرة العملیّة نعم إذا اشتهر الفتوی بین القدماء و اتصل إلی زمان المعصوم کشف ذلک کالإجماع المتصل عن تقریر المعصوم و رأیه علیه السّلام و لا فرق فیه بین الاصول المتلقاة و غیرها اللّهمّ إلاّ أن یقال:لا یحرز التقریر إلاّ فی الاصول المتلقاة لإمکان اکتفاء المعصوم فی المسائل التفریعیّة ببیان الاصول المتلقاة فلا یجب علیه الإرشاد فی المسائل التقریعیة إذا اخطأ الاصحاب فی فهمها من الاصول المتلقاة فتأمل.

الجهة الرابعة: فی الاستدلال علی الشهرة الفتوائیّة بما هی تفید الظنّ

فی الاستدلال علی الشهرة الفتوائیّة بما هی تفید الظنّ کنفس الخبر،و قد استدل لذلک بوجوه:

ص:145

الوجه الأوّل: أنّ مرفوعة زرارة و مقبولة عمر بن حنظلة تدلاّن علی حجیّة الشهرة

أنّ مرفوعة زرارة و مقبولة عمر بن حنظلة تدلاّن علی حجیّة الشهرة الفتوائیّة ففی الاولی قال علیه السّلام فی حکم الخبرین المتعارضین:یا زرارة خذ بما اشتهر بین أصحابک،و دع الشاذ النادر.فقلت:یا سیدی إنّهما معا مشهوران مرویان مأثوران عنکم؟فقال:خذ بقول أعدلهما عندک و أوثقهما فی نفسک الحدیث. (1)

و فی الثانیة قال علیه السّلام بعد فرض اختلاف الحکمین لروایتهما حدیثین مختلفین و کون راویهما عدلین مرضیین:ینظر إلی ما کان من روایتهما عنا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند أصحابک فیؤخذ به من حکمنا،و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک؛فأنّ المجمع علیه لا ریب فیه،قلت:فإن کان الخبران عنکما مشهورین قد رواهما الثقات عنکم؟ قال:ینظر،فما وافق حکمه حکم الکتاب و السنة و خالف العامة فیؤخذ به الحدیث. (2)

و تقریب الاستدلال-کما فی نهایة الاصول-أنّ المحتملات فی قوله«المجمع علیه» بالنظر البدوی أربعة:المتفق علیه عند الجمیع،أو المشهور بین الأصحاب فی قبال الشاذ النادر،و علی الوجهین الاتفاق أو الشهرة فی الروایة أو فی الفتوی،فهذه أربعة.

اما احتمال کون المراد الاتفاق فی الروایة فهو باطل قطعا؛لعدم وقوع هذا الأمر خارجا؛ إذ لیس لنا روایة رواها جمیع أرباب الاصول و الجوامع،فإنّ أصحاب الإمام الصادق علیه السّلام علی ما قالوا کانوا أربعة آلاف،و لم یتفق اتفاق جمیعهم علی نقل روایة واحدة عنه علیه السّلام.و کذا احتمال کون المراد الاتفاق فی الفتوی،إذ المستفاد من الحدیث وجود الشاذ فی قباله،و مقتضی التعلیل بکون المجمع علیه لا ریب فیه کون مقابله مما فیه ریب،و لو کان الفتوی مما اتفق علیه الکل بلا استثناء کان القول بخلافه واضح البطلان لا مما فیه ریب و بعبارة أخری المقصود بالمجمع علیه بقرینة ذکر الشاذ الذی لیس بمشهور فی قباله هو المشهور،لا المتفق علیه.

ص:146


1- 1) جامع الاحادیث:الباب 6 من ابواب ما یعالج به تعارض الروایات ح 2.
2- 2) الوسائل:الباب 9 من ابواب صفات القاضی،ح 1.

و کذا احتمال أن یکون المراد الشهرة الروائیة؛لوضوح بطلانه و إن أصرّ علیه بعض،إذ مقتضی إطلاقه علی هذا لزوم الأخذ بالروایة التی رواها أکثر الأصحاب و إن أعرضوا عنه و کان فتوی الجمیع حتی الرواة لها مخالفة لها،و هذا مما لا یمکن الالتزام به،کیف!و الروایة علی هذا تصیر مما فیه کل الریب،فکیف یحکم بکونها مما لا ریب فیه؟!

فیبقی من الاحتمالات:أن یکون المقصود الشهرة الفتوائیة بأن یکون مفاد الروایة مشهورا بین الأصحاب إفتاء و عملا...إلی أن قال:فإن قلت:حمل الشهرة فی الحدیث علی الشهرة الفتوائیة مخالف لفرض الراوی کلیهما مشهورین؛لعدم تصور الشهرة الفتوائیّة فی طرفی المسألة.

قلت:لیس المقصود بالشهرة فی الحدیث الشهرة بالمعنی الاصطلاحی بین الاصولیین، أعنی ذهاب الأکثر إلی مسألة،بل یراد بها معناها اللغوی،أعنی الوضوح،فالمشهور هو الواضح المعروف فی قبال الشاذ الذی ینکر،و منه قولهم شهر سیفه و سیف شاهر،و هذا المعنی یتصور فی طرفی المسألة إذا فرض کون کلیهما ظاهرین بین الاصحاب حتی و لو فرض کون أحدهما أکثر من الآخر إذا لم یبلغ الآخر إلی حدّ الشذوذ و الندرة.

و قد تحصّل مما ذکرنا:أنّ الشهرة الفتوائیة بین الأصحاب،أعنی افتائهم بمضمون الروایة و الأخذ بها فی مقام العمل هو المرجح لإحدی الروایتین المتعارضین و یجعلها مما لا ریب فیه،لا الشهرة الروائیة فقط من دون الأخذ بها و الاعتماد علیها.

نعم هنا شیء،و هو أنّ المستفاد من الحدیثین أوّلا:و بالذات کون الشهرة الفتوائیة و الأخذ بالروایة فی مقام الفتوی مرجّحة للروایة الواجدة لشرائط الحجیة مع قطع النظر عن المعارض.و أمّا کونها بنفسها حجة شرعیة مستقلة فهو أمر آخر یجب البحث فیها،و هو محط النظر هنا.فنقول:یمکن أن یستظهر من الحدیثین حجیّتها بإلغاء الخصوصیة؛إذا الخصوصیّة المتوهم دخلها فی المقام أمران:

الأوّل:وجود روایة فی قبالها تخالف مضمونها فیکون لخصوصیة وجود المعارض دخل فی نفی الریب عنها.

ص:147

الثانی:وجود روایة حاکیة لقول الإمام علیه السّلام فی موردها علی وفقها.أمّا الأوّل فمعلوم عدم دخله...إلی أن قال:و أمّا الثانی فیمکن أیضا أن یقال بعدم دخله فی الحکم و إنّ الذی لا ریب فیه هو نفس الشهرة بإطلاقها؛إذ تعلیق الحکم علی وصف مشعر بعلّیته له...إلی أن قال:و لکن لأحد منع إلغاء الخصوصیة الثانیة؛لاحتمال أن یکون لوجود الروایة الموافقة لمضمون الشهرة دخل فی حجیّتها و نفی الریب عنها باعتبار تأیّد إحداهما بالأخری. (1)

و علیه فلا دلیل علی حجیّة الشهرة الفتوائیّة بما هی مفیدة للظن مستقلة کالخبر؛ لاحتمال أن یکون الحجة مرکّبة من الروایة و الشهرة.

نعم یمکن أن یقال:إنّ التعلیل بقوله علیه السّلام(فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه)یغنینا عن إلغاء الخصوصیة؛فإنّ المراد من المجمع علیه فی الموضعین هو المشهور بقرینة إطلاق المشهور علیه فی قوله علیه السّلام(و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور)و علیه فقوله علیه السّلام(فإنّ المجمع علیه الخ)یدلّ علی أنّ المشهور مطلقا مما یجب العمل به و إن کان مورد التعلیل مورد الترجیح بین الروایتین؛لأنّ العبرة بعموم الوارد لا بخصوصیّة المورد.

هذا غایة التقریب لحجّیة الشهرة من باب کونها ظنّا خاصا کالخبر.

و لکن یرد علیه:أوّلا:عدم تمامیة کل من المرفوعة و المقبولة من حیث السند.

أمّا المرفوعة فلما أفاد فی مصباح الاصول من کونها من المراسیل التی لا یصح الاعتماد علیها؛فإنّها مرویة فی کتاب عوالی اللثالی لابن أبی جمهور الأحسائی عن العلامة مرفوعة إلی زرارة،مضافا إلی أنّها لم توجد فی کتب العلامة رحمة اللّه و لم یثبت توثیق راویها،بل طعن فیه و فی کتابه من لیس دأبه الخدشة فی سند الروایة کالمحدث البحرانی فی الحدائق.

و دعوی:انجبارها بعمل المشهور ممنوعة صغری و کبری:

أمّا من حیث الصغری فلأنه لم یثبت استناد المشهور إلیها،بل لم نجد عاملا بما فی ذیلها من الأمر بالاحتیاط...إلی أن قال:

ص:148


1- 1) نهایة الاصول:541-543.

و أمّا المقبولة فلعدم ثبوت وثاقة عمر بن حنظلة،و لم یذکر له توثیق فی کتب الرجال، نعم وردت روایة فی باب الوقت تدل علی توثیق الإمام علیه السّلام له و نعم التوثیق؛فإنّ توثیق الإمام إمام التوثیقات،و هی ما نقله فی الوسائل عن الکافی عن علی بن إبراهیم عن محمّد بن عیسی عن یونس عن یزید بن خلیفة قال:قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام:إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنک بوقت؟فقال علیه السّلام:إذا لا یکذب علینا:إلاّ أنّ هذه الروایة بنفسها ضعیفة من حیث السند،فلا یمکن إثبات وثاقة عمر بن حنظلة بها. (1)

و یمکن أن یقال:إنّ ما ذکر فی وجه ضعف المرفوعة صحیح،و لکن یشکل ما ذکره بالنسبة الی المقبولة،فإنّ عمر بن حنظلة ممن روی عنه الأجلاّء کابن مسکان و زرارة و عبد اللّه بن بکیر و هشام بن سالم و علی بن رئاب و منصور بن حازم و أبی أیوب الخزاز، هذا مضافا إلی نقل صفوان عنه،و هو ممن لا یروی إلاّ عمّن یوثق به،و أیضا روی صفوان عن یزید بن خلیفة،و علیه فلا تکون الروایة الواردة فی توثیق عمر بن حنظلة ضعیفة،فلا تغفل.

و یرد علیه ثانیا:أنّا نمنع أن یکون المراد من الشهرة هی الشهرة الفتوائیّة بعد إمکان إرادة الشهرة الروائیة،کما یقتضیه ظاهر الروایتین.

و دعوی:بطلان ذلک من جهة أنّ إطلاق اعتبار الشهرة الروائیة یقضی لزوم الأخذ بالروایة التی رواها أکثر الأصحاب و إن أعرضوا عنه و کان فتوی الجمیع حتی الرواة لها، مخالفة لها و هذا مما لا یمکن الالتزام به،کیف و الروایة علی هذا تصیر مما فیه کل الریب؟! فکیف یحکم بکونها مما لا ریب فیه؟!.

مندفعة:بأنّ الإطلاق الذاتی لا ینافی تقدیم المقابل للعمل به و الإعراض عما رواه الأکثر،و علیه فلا مانع من إرادة الشهرة الروائیّة،فلا تغفل.

و مما ذکر یظهر أنّه لا وجه لحمل الروایتین علی الشهرة الفتوائیة مع ظهورهما فی الشهرة الروائیة،فالمراد من قوله علیه السّلام(خذ بما اشتهر بین أصحابک و دع الشاذ النادر)فی المرفوعة و

ص:149


1- 1) مصباح الاصول 2:142.

قوله علیه السّلام(ینظر إلی ما کان من روایتهما عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند اصحابک فیؤخذ به من حکمنا و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه)فی المقبولة هو خصوص الروایة المشهورة من الروایتین،و لا یشمل الشهرة الفتوائیة،کما أفاده الشیخ الانصاری قدّس سرّه حیث قال:إنّ المراد بالموصول فی المرفوعة هو خصوص الروایة المشهورة من الروایتین دون مطلق الحکم المشهور،أ لا تری أنّک لو سألت عن أنّ أی مسجد أحبّ إلیک؟قلت:ما کان الاجتماع فیه أکثر،لم یحسن للمخاطب أن ینسب إلیک محبوبیة کل مکان یکون الاجتماع فیه أکثر بیتا کان أو خانا أو سوقا...إلی أن قال:و من هنا یعلم الجواب عن التمسک بالمقبولة.

هذا مضافا إلی أنّ الشهرة الفتوائیّة مما لا یقبل أن یکون فی طرفی المسألة و علیه فقوله(یا سیدی إنّهما مشهوران مأثوران)أوضح شاهد علی أنّ المراد من الشهرة فی الروایة هی الشهرة الروائیة الحاصلة مما اتفق الکل علی روایته أو تدوینه،لأنّ هذا مما یمکن اتصاف الروایتین المتعارضتین به لجواز صدورهما معا و إن لم یتم جهة الصدور إلاّ فی أحدهما علی أنّ إطلاق الشهرة فی مقابل الإجماع إطلاق حادث مختص بالاصولیین،و المراد من المشهور فی الروایة هو الإجماع الواضح المعروف،و منه شهر فلان سیفه و سیف شاهر،فالمراد من الروایة حینئذ أنّه یؤخذ بالروایة التی یعرفها جمیع أصحابک و لا ینکرها أحد منهم،و یترک ما لا یعرفه إلاّ الشاذ و لا یعرفها الباقی،فالشاذ مشارک للمشهور فی معرفة الروایة المشهورة، و المشهور لا یشارک الشاذ فی معرفة الروایة الشاذة؛و لهذا کانت الروایة المشهورة من قبیل بیّن الرشد و الشاذ من قبیل المشکل الذی یرد علمه إلی أهله،و إلاّ فلا معنی للاستشهاد بحدیث التثلیث (1)و قال سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه إنّ الشهرة ربّما تکون من حیث الفتوی فقط و أخری من حیث الروایة کذلک و ثالثة تکون علی العمل بالروایة و الاولی خارجة عن مفاد الروایتین فإنّ ظهورهما بل کاد أن یکون صریحهما کون

ص:150


1- 1) فرائد الاصول:66.

الکلام فی جمیع الأسئلة الواقعة فیها راجعة إلی تعارض الخبرین فالمراد بالموصول هو الخبر لا محالة و حینئذ کان الاشتهار راجعا إلیه لکن الانصاف ان مجرد الاشتهار من حیث الروایة مع إعراض الأصحاب أو عدم إفتائهم بمضمونه أیضا خارج عن مفاد الخبرین و لا أقل من کون منصرفهما غیره فإنّ الظاهر أنّ المراد من قوله خذ بما اشتهر بین أصحابک أو الجمع علیه بین أصحابک هو شیوع العمل بمضمون الروایة و اشتهاره لا مجرد الاشتهاد من حیث النقل و الروایة و لعمری أنّه واضح علی من اعطی النظر حقه و علی هذا کانت الروایتان ناظرتین إلی القسم الثالث من أقسام الشهرة فلا تدلان علی حجیّة الشهرة الفتوائیة و إنّما تدلان علی وجوب ترجیح أحد الخبرین المتعارضین الموافق لفتوی المشهور المعمول به بین الأصحاب علی الآخر الذی لم یعمل به و بالجملة غایة ما یمکن استفادته من المشهورة و المقبولة لزوم الأخذ بالخبر الذی اشتهر العمل به و جبر ضعف السند بذلک إن کان فیه ضعف و تقدمه علی معارضه المتروک من حیث العمل. (1)

فتحصّل:أنّه لا دلیل للشهرة الفتوائیة؛بما هی تفید الظن کالخبر لما عرفت من اختصاص المرفوعة و المقبولة بالشهرة الروائیّة،هذا مضافا أنّ الشهرة تکون بمعنی الواضحة،و هی أنّ الاشتهار بین الأصحاب فی تلک الأزمنة بحیث یکون الطرف المقابل معرضا عنه بینهم و لا یکون مضرا بإجماعهم،و هذا غیر الشهرة الاصطلاحیة الظنیة، فالروایة لا تدل علی التعبد بحجیّة الشهرة الفتوائیة المفیدة للظن و هی محل الکلام و محتاجة إلی التعبد.

لا یقال:إنّ عموم التعلیل و هو قوله علیه السّلام(فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه)یکفی لجواز التعدی عن المورد،فاختصاص المورد بالشهرة الروائیة لا یمنع عن الأخذ به فی الشهرة الفتوائیة.

لأنّا نقول:

أوّلا:إنّ عموم التعلیل غیر ثابت؛لأنّ المراد من المجمع علیه هو الخبر الذی أجمع علی

ص:151


1- 1) المحاضرات سیدنا الاستاذ المحقق الداماد 117/2-118.

صدوره من المعصوم،کما یشهد له تطبیقه علیه فی قوله علیه السّلام(ینظر إلی ما کان من روایتهما عنا فی ذلک حکما به الجمع علیه عند اصحابک فیؤخذ به من حکمنا و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک.

و علیه فاللام فی المجمع علیه لام العهد و إشارة إلی الخبر المجمع علیه،فلا یشمل غیر الخبر،و إلغاء الخصوصیة مع احتمال دخالة الروایة لا مجال له.

و ثانیا:إنّه لو سلمنا عموم التعلیل و عدم اختصاصه بالخبر فهو لا یدل علی حجیّة الشهرة الفتوائیة الظنیة،بل تدل علی حجیّة الشهرة الفتوائیة التی تکشف عن رأی المعصوم کشفا قطعیا لشذوذ المخالف بحیث لا یضر بالإجماع؛لعدم اعتناء العقلاء به کما أنّ اشتهار الروایة بین الاصحاب بحیث یکون الطرف المقابل شاذا معرضا عنهم یکشف عن صدوره عن المعصوم کشفا قطعیا،و هذا هو المناسب لنفی الریب حقیقة.

ثم لا یخفی علیک أنّه لو تم الاستدلال بالروایة علی التعبد بالشهرة الظنیة الاصطلاحیة لما دلت الروایة علی حجیّة الشهرة الفتوائیة بالذات و لو لم تکن طریقا إلی رأی المعصوم،بل غایتها هو کون الشهرة کالخبر فی حجیة الظن برأی المعصوم،و علیه فالشهرة الحاصلة من آراء المتأخرین لا حجیّة لها؛لعدم کونها کاشفة عن رأی المعصوم فضلا عن شهرة متأخر المتاخرین،قال فی تحریرات فی الاصول:إنّ مصب التعلیل فی مورد تکون الشهرة-سواء کانت روائیة او فتوائیة-و الإجماع کاشفین عن أمر مفروغ منه صادر عنهم علیهم السّلام؛لقول عمر بن حنظلة(و کلاهما اختلفا فی حدیثکم الحدیث)فان المعلوم منه هو الارجاع الی الشهرة لأنّها الطریق،و هکذا الإجماع،فما هو الإجماع القابل لأن یکون طریقا یکون حجة،و هکذا الشهرة،و عندئذ ینحصر بالشهرة القدیمة،و لا یشمل الشهرة الحدیثة الحادثة بین المتأخرین فلا،فلاحظ. (1)فتحصّل أنّه لا دلیل علی حجیّة الشهرة الفتوائیة الظنیة هذا تمام الکلام فی الوجه الأوّل.

ص:152


1- 1) تحریرات فی الاصول 6:383.
الوجه الثانی: أنّه یظهر من بعض الکلمات أنّ أدلة حجیّة خبر الواحد تدلّ علی حجیّة الشهرة

أنّه یظهر من بعض الکلمات أنّ أدلة حجیّة خبر الواحد تدلّ علی حجیّة الشهرة المصطلحة الظنیة بمفهوم الموافقة؛لأنّه ربّما یحصل منها الظن الأقوی من الحاصل من خبر العادل.

و یمکن الجواب عنه-کما أشار إلیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه-بأنّ هذا خیال ضعیف تخیّله بعض فی رسائله،و وقع نظیره من الشهید الثانی فی المسالک حیث وجّه حجیّة الشیاع الظنی بکون الظن الحاصل منه أقوی من الحاصل من شهادة العدلین.

و وجه الضعف:أنّ الأولویة الظنیة أوهن بمراتب من الشهرة،فکیف یتمسک بها فی حجیّتها؟!مع أنّ الأولویة ممنوعة رأسا للظن بل العلم بأنّ المناط و العلة فی حجیّة الأصل (خبر الواحد)لیس مجرد إفادة الظن؛

و أضعف من ذلک تسمیة هذه الأولویة فی کلام ذلک البعض مفهوم الموافقة،مع أنّه ما کان استفادة حکم الفرع من الدلیل اللفظی الدال علی حکم الأصل مثل قوله تعالی «فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ» (1)

مقصوده قدّس سرّه من قوله(بل العلم بأنّ المناط و العلة فی حجیّة خبر الواحد لیس مجرد إفادة الظن):أنّ المناط لو کان هو ذلک لزم حجیّة رأی فقیه لفقیه آخر فیما إذا حصل له منه الظن، مع أنّه لیس بحجیّة قطعا،فیعلم منه أنّ مجرد إفادة الظن لیس هو المناط.

و لعل ملاک حجیّة الخبر-کما أفاد السید المحقق الخوئی قدّس سرّه-هو کونه غالب الإصابة باعتبار کونه إخبارا عن حسّ،و احتمال الخطأ فی الحسّ بعید،بخلاف الإخبار عن حدس کما فی الفتوی؛فإنّ احتمال الخطأ فی الحدس غیر بعید،و یحتمل أیضا دخل خصوصیة اخری فی ملاک حجیّة الخبر،و مجرد احتمال ذلک کاف فی منع الأولویة المذکورة؛لأنّ الحکم بالاولویة یحتاج إلی القطع بالملاک و کل ما له دخل فیه. (2)

ص:153


1- 1) فرائد الاصول:65.
2- 2) مصباح الاصول 2:144-145.

فتحصّل:أنّه لا دلیل علی حجّیة الشهرة الفتوائیة من حیث إفادتها الظنّ برأی المعصوم علیه السّلام،فلا تقاس بالخبر.نعم لو حصل من الشهرة کشف قطعی بالنسبة إلی رأی المعصوم فلا إشکال فی حجّیته لأنّ القطع حجة کما لا یخفی و مما ذکرنا یظهر حکم نقل الشهرة فإن کانت قطعیة یترتب علیه ما یترتب علی نقل الاجماع و إن کانت الظنیّة فلا اعتبار له لعدم حجیّة الشهرة الظنیة فتحصّل أنّ الشهرة الظنیة لا حجیّة لها سواء کانت محصلة او منقولة.

ص:154

الخلاصة

3-الشهرة

و الکلام فیها یقع فی جهات:

الجهة الأولی:

فی أنّ الشّهرة علی أقسام:

الأوّل:الشّهرة الرّوائیّة و هی بمعنی کثرة نقلها و یقابلها الشّذوذ و النّدرة و الشّهرة بهذا المعنی تکون من المرجّحات عند تعارض الأخبار.

الثّانی:الشّهرة العملیّة و هی بمعنی العمل بالرّوایة و هو یوجب الوثوق بصدور الرّوایة إن کان فیها ضعف و فی قبالها إعراض المشهور عن الرّوایة فإنّه یکشف عن الخلل فیها بحیث یوهن سندها و إن کان صحیحا.

الثّالث:الشّهرة الفتوائیّة و معناها هو اشتهار الفتوی بحکم من الأحکام الشّرعیة بین معظم الفقهاء سواء یعرف فی قبالها فتوی الخلاف أو لم یعرف و ربّما تستعمل الشّهرة الفتوائیّة علی اتفاق جماعة من المعروفین من العلماء.

ثمّ مورد البحث هو القسم الثّالث لا الأوّل و الثّانی فإنّ البحث عن الأوّل مناسب لباب تعارض الأخبار و البحث عن الثّانی سیأتی فی البحث عن حجّیّة خبر الواحد إن شاء اللّه تعالی.

الجهة الثانیة أنّ الشّهرة الفتوائیّة إمّا ملحوظة بما هی تکون کاشفة کشفا قطعیا عن النصّ أو رأی المعصوم علیه السّلام و إمّا ملحوظة بما هی تفید الظنّ برأی المعصوم علیه السّلام کالخبر الواحد.

الجهة الثالثة فی الاستدلال علی حجّیّة الشهرة الفتوائیة الکاشفة کشفا قطعیّا عن النصّ و لا إشکال فی حجّیّتها من ناحیة کونها مصداقا للقطع کسائر موارد القطع و یتحقّق ذلک فی فتوی العلماء بشیء من دون استناد إلی دلیل و یکون فتواهم مخالفا للقاعدة و لکنّه لیس بکثیر هذا مضافا إلی النصّ المکشوف و إن تمّ عند المشهور إلاّ أنّه لم یحرّز تمامیّته عندنا.

ص:155

نعم إذا اشتهر الفتوی بین القدماء و اتّصل إلی زمان المعصوم کالإجماع المتصل کشف ذلک عن تقریر المعصوم علیه السّلام و هو حجّة و لا فرق فیه بین أن یکون المسألة من الاصول المتلقاة أو غیرها اللّهمّ إلاّ أن یقال:لا یحرز التقریر إلاّ فی الاصول المتلقّاة فإنّ المسألة إذا کانت من المسائل التفریعیّة و أخطأ الأصحاب فی فهمها من الاصول المتلقاة لا یجب إرشادهم مع بیان الاصول المتلقاة فتأمّل.

نعم لو کان الاشتهار بالنّسبة إلی المسائل الأصلیة المأثورة و اتّصل الاشتهار إلی زمان المعصوم علیه السّلام کان وزان المتون المأثورة وزان الأخبار للعلم بصدورها عن المعصوم علیه السّلام و ترجع الشهرة الفتوائیّة حینئذ إلی الشهرة العملیة بالنّسبة إلی الأخبار کما لا یخفی.

الجهة الرّابعة فی الاستدلال علی الشهرة الفتوائیّة بما هی تفید الظنّ کالخبر الواحد المفید للظنّ.

قد استدلّ لذلک بوجوه:

الوجه الأوّل:قوله علیه السّلام فی مرفوعة زرارة فی حکم الخبرین المتعارضین:«یا زرارة خذ بما اشتهر بین أصحابک ودع الشّاذ النّادر».

و قوله علیه السّلام فی مقبولة عمر بن حنظلة بعد فرض اختلاف الحکمین لروایتهما حدیثین مختلفین و کون راویهما عدلین مرضیین:«ینظر إلی ما کان من روایتهما عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند أصحابک فیؤخذ به من حکمنا و یترک الشّاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه قلت:فإن کان الخبران عنکما مشهورین قد رواهما الثّقات عنکم قال ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب و السنّة و خالف العامّة فیؤخذ به».

بدعوی أنّ المحتملات فی قوله علیه السّلام المجمع علیه بالنّظر البدوی أربعة المتّفق علیه عند الجمیع أو المشهور بین الأصحاب فی قبال الشّاذ النّادر و علی الوجهین فی الرّوایة أو الفتوی فهذه أربعة.

ص:156

و الاتفاق فی الرّوایة باطل قطعا لعدم وقوعه فی الخارج إذ لیس لنا روایة رواها جمیع أصحاب الأصول و الجوامع.

و الاتّفاق فی الفتوی لا یساعد مع التعلیل بکون المجمع علیه لا ریب فیه فإنّ المستفاد منه وجود الرّیب فی مقابله و لو کان الفتوی ممّا اتّفق علیه الکلّ بلا استثناء کان القول بخلافه واضح البطلان لا ممّا فیه ریب.

و الشّهرة فی الرّوایة لیست بمراد لوضوح أنّ مقتضی إطلاق الخبر هو لزوم الأخذ بالروایة التی رواها أکثر الأصحاب.و إن أعرضوا عنه و هذا ممّا لا یمکن الالتزام به کیف و الرّوایة علی هذا تصیر ممّا فیه کل الریب فکیف یحکم بکونها ممّا لا ریب فیه.

فانحصر الأمر فی أن یکون المراد الشهرة الفتوائیّة بأن یکون مفاد الخبر مشهورا بین الأصحاب إفتاء.

لا یقال:حمل الشهرة فی الحدیث علی الشّهرة الفتوائیّة مخالف لغرض الرّاوی کلیهما مشهورین لعدم تصوّر الشّهرة الفتوائیّة فی طرفی المسألة لأنّا نقول لیس المقصود بالشهرة فی الحدیث الشهرة بالمعنی الاصطلاحی أعنی ذهاب الأکثر إلی طرف بل یراد بها معناها اللّغوی أی الوضوح فالمشهور هو الواضح المعروف فی قبال الشّاذ الذی ینکر و هذا المعنی یتصوّر فی طرفی المسألة کما إذا فرض کون کلیهما ظاهرین بین الأصحاب و لو فرض کون أحدهما أکثر من الأخر إذا لم یبلغ الأخر إلی حدّ الشّذوذ و النّدرة.

یرد علی ذلک أنّ المستفاد من الحدیثین أنّ الشهرة الفتوائیة مرجّحة للروایة الواجدة لشرائط الحجّیّة مع قطع النظر عن المعارض و هذا أجنبی عمّا نحن بصدده و هو حجّیّة الشهرة بنفسها.

إلاّ أن یقال:بإلغاء الخصوصیّة بأن یدعی لا خصوصیّة لوجود روایة تکون موافقة للشهرة کما لا خصوصیّة لوجود روایة یخالف مضمونها لها و هو کما تری لإمکان منع إلغاء الخصوصیّة لاحتمال خصوصیة الرّوایة الموافقة لمضمون الشهرة فی حجیّتها.

ص:157

و علیه فلا دلیل علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیّة بما هی مفیدة للظنّ لاحتمال کون الحجّة أمرا مرکّبا من الرّوایة و الشهرة.

و دعوی أنّ التعلیل بقوله علیه السّلام:«فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه»یغنینا عن إلغاء الخصوصیّة فإنّ المراد من المجمع علیه فی الموضعین هو المشهور بقرینة إطلاق المشهور علیه فی قوله علیه السّلام و یترک الشّاذّ الذی لیس بمشهور و علیه فقوله علیه السّلام فإنّ المجمع علیه الخ یدلّ علی أنّ المشهور مطلقا ممّا یجب العمل به و إن کان مورد التّعلیل مورد الترجیح بین الخبرین لأنّ العبرة لعموم الموارد لا بخصوصیة المورد.

مندفعة بأنّ المراد من الموصول فی المرفوعة هو خصوص الرّوایة المشهورة من الروایتین دون مطلق الحکم المشهور و هکذا المجمع علیه یراد به الخبر المجمع علیه فلا تشمل الروایتان للشهرة الفتوائیّة بما هی تفید الظنّ کالخبر و إلغاء الخصوصیّة مع احتمال دخالة الرّوایة لا مجال له.

ثمّ لو سلّمنا تمامیّة دلالة الرّوایتین علی حجّیّة الشهرة الفتوائیة.

فلا تدلاّن إلاّ علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیّة من جهة کشفها عن رأی المعصوم علیه السّلام فحینئذ تکون الشهرة کالخبر فی حجیّته بالنّسبة إلی إفادة الظنّ برأی المعصوم علیه السّلام و لذا لا تکون الشهرة بین المتأخّرین حجّة لعدم کونها کاشفة عن رأی المعصوم فضلا عن شهرة متأخّر المتأخّرین بل غایته هو الکشف عن النصّ و قد مرّ مرارا أنّ النصّ و إن کان تماما عندهم و لکن من الممکن أن لا یکون کذلک عندنا.

الوجه الثّانی:هو أدلّة حجّیّة خبر الواحد فإنّها تدلّ بالفحوی علی حجّیّة الشهرة الظنیّة بمفهوم الموافقة لأنّ الظنّ الحاصل من الشّهرة ربّما یکون أقوی من الظنّ الحاصل من خبر العادل.

و اجیب عنه أنّ الأوّلیة الظّنیة أوهن بمراتب من الشّهرة فکیف یتمسّک بها فی حجیّتها مع أنّ الأوّلیّة ممنوعة رأسا للظنّ بل العلم بأنّ المناط فی حجّیّة الخبر الواحد لیس مجرد إفادة

ص:158

الظنّ و إلاّ لزم القول بحجّیّة کلّ ظنّ مساو للخبر أو أقوی منه و هو کما تری.

علی أنّ تسمیة الأولویّة الظنیّة بمفهوم الموافقة لا تساعد الاصطلاح.

و ملاک حجّیّة الخبر هو کونه غالب الإصابة باعتبار کونه إخبار عن حسّ و احتمال الخطأ فی الحسّ بعید بخلاف الإخبار عن حدس کما فی الفتوی فإنّ احتمال الخطأ فیه غیر بعید و یحتمل أیضا دخل شیء آخر فی ملاک حجّیّة الخبر و مجرّد الاحتمال فضلا عن الظنّ یکفی فی منع الأولویّة المذکورة.فتحصّل أنّه لا دلیل علی حجّیّة الشّهرة الفتوائیّة الظنیّة و لا مجال لإلحاق الظنّ الحاصل منها بالظنّ الحاصل من الخبر.

ثمّ إنّ حکم نقل الشهرة الظنّیة إذا کان عن حسّ لا یزید علی الشهرة المحصّلة الظنّیّة فإذا عرفت عدم حجّیّة الشهرة المحصّلة الظنیّة فالشهرة المنقولة أیضا کذلک و بالجملة لا تکون الشّهرة الظنیّة حجّة سواء کانت منقولة أو محصّلة و أمّا حکم الشّهرة القطعیة فقد مرّ مفصّلا فی الجهة الثّانیة و حکم نقلها کحکم نقل الاجماع فلا تغفل.

ص:159

4-العرف
اشارة

و الکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل: العرف علی قسمین:العرف العامّ و العرف الخاصّ

فی أنّ العرف علی قسمین:العرف العامّ و العرف الخاصّ،و الأوّل هو الذی لا یختص بقوم و جمع خاص بل یعمّ جمیع الأقوام و الملل،و الثانی هو عرف جمع خاصّ کعرف الأطباء أو عرف الاقتصادیّین أو عرف الاصولیین.

فإذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الشارع جعل موضوعات أحکامه علی طبق ما یفهمه العرف العامّ،و لا یکون العرف الخاصّ مخاطبا بالخصوص فی أحکامه؛و لذا یشکل الاکتفاء بصدق الموضوعات عند عرف خاصّ مع عدم وضوح صدقه عند عموم الناس،کالموت فإنّه یصدق عند الأطباء بعروض الموت السریری أو الدماغی،و لا یصدق عند الناس إلاّ بوقفة القلب و لو مع اطلاعهم علی صدقه عند الأطباء،فلا یترتب أحکام الموت بصدقه عند الأطباء،کما لا یخفی.

نعم لو کان صدقه عند قوم خاصّ موجبا لاطلاع عموم الناس علیه و صدقه عندهم أیضا کفی ذلک فی تحقق الموضوع،و لعلّ منه إخبار بعض الأخصّائیین عن وجود الفلس فی بعض أنواع الحیتان،فإذا أخبر بعض المتخصّصین عن وجود الفلس فیه بحیث لو نظر الناس إلی موضع الفلس رأوه فیه و صدقوه کفی ذلک فی ترتب أحکام ذات الفلس،فلا تغفل.

المقام الثانی: لا إشکال فی ثبوت مرجعیة العرف العامّ فی ناحیة الموضوعات

أنّه لا إشکال فی ثبوت مرجعیة العرف العامّ فی ناحیة الموضوعات و الدلالات و الاستظهارات و البناءات و الاعتباریات،و هی کثیرة.

منها:تشخیص حدود المفاهیم و منها:تطبیق المفاهیم علی المصادیق.

و منها تعیین بقاء الموضوعات بعد تغییر أحوالها و عدمه،فإذا حکم ببقائها جری استصحاب بقاء حکمها،و إن لم یبق الموضوع الدلیلی کما قرّر فی محله.

ص:160

و منها:تصدیق الدلالات بأنواعها من المطابقیّة و التضمنیّة و الالتزامیّة و المفهومیّة و المنطوقیّة.

و منها:تعیین نوع الجمع بین الأدلة من التخصیص أو التقیید او الحکومة أو الورود.

و منها:الحکم بوجود الاعتباریات کاعتبار النصف و الربع و نحوهما من الکسور التسعة من دون تعیین فی الجسم الخارجی مع أنّه متشخّص و متعیّن بجمیع أجزائه.

و منها:تعیین موضوع الحکم بإدراج شیء،کالملاقاة فی مثل«النجس ینجس الشیء» و المماسة فی مثل«السکّین یقطع الید»و الإشراق فی مثل«الشمس تنضج الاثمار».

و منها:إلغاء الخصوصیّة فی مثل رجل شک فی کذا و کذا؛فإنّ العرف یحکم بعدم مدخلیة الرجولیّة.

و منها:تعیین موارد انطباق العناوین الثانویّة و بیان تقدیمها.

و منها:تعیین نوع القضیة من أنّها خارجیّة أو حقیقیّة،فربّما یفهم العرف بالقرائن الموجودة فی نفس الکلام أنّ الحکم سلطانی لا یدوم کالنهی عن ذبح الحمار و نحوه للأکل،و إن کان مقتضی الأصل فی القضایا هی کونها حقیقیّة.

و منها:البناءات العملیّة العقلائیّة،کرجوع الجاهل إلی العالم،و الاعتماد علی قول الثقات،و غیر ذلک من الموارد.

المقام الثالث: العرف العامّ مرجع فی الموارد المذکورة و نحوها

أنّ العرف العامّ مرجع فی الموارد المذکورة و نحوها فیما إذا حکم العرف بالعلم و الیقین دون الظن و التخمین فضلا عن کونه ناشئا عن المسامحة،بل یختص حکم العرف غالبا بالمرتکزات الثابتة عندهم کما لا یخفی.

المقام الرّابع: یجوز تخطئة الشارع للعرف فیما یحکم به أو فیما یبنی علیه

أنّه یجوز تخطئة الشارع للعرف فیما یحکم به أو فیما یبنی علیه،و کم له من نظیر،کالنهی عن المعاملات الربویّة،و اللعب بالملاهی،و شرب المسکر و غیرها من الامور.

ص:161

و لا إشکال فیه؛لأنّ النهی الشرعی یکشف عن خطأ العرف فی تشخیصه فی الموارد المنهیة.هذا مضافا إلی أنّ بناءات العرف لا حجیّة لها إلاّ بامضاء الشارع أو تقریره و مع النهی لا إمضاء و لا تقریر نعم لزم أن تکون التخطئة صریحة بحیث لا یبقی عذر للعرف کعدم الالتفات.

المقام الخامس: هل یجوز للعرف أن یلاحظ الملاکات و المناطات الظنیة لکشف الأحکام

أنّه هل یجوز للعرف أن یلاحظ الملاکات و المناطات الظنیة لکشف الأحکام الشرعیّة حسبما تقتضیه تلک الملاکات أو لا یجوز؟و الظاهر من عبارات أهل السنّة الذین ذهبوا إلی جواز القیاس و الأخذ بالاستحسان هو الأوّل.

قال ابن عابدین:و اعلم أنّ اعتبار العادة و العرف رجع إلیه فی مسائل کثیرة حتی جعلوا ذلک أصلا...إلی أن قال:و فی شرح الاشباه للبیری قال فی المشرع الثابت بالعرف ثابت بدلیل شرعی و فی المبسوط الثابت بالعرف کالثابت بالنّص، (1)انتهی.

و کیف کان فقد استدلّوا لذلک بوجوه:

منها:قوله عزّ و جلّ: خُذ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بالْعُرْف وَ أَعْرضْ عَن الْجاهلینَ (2)

و فیه:أنّ الآیة الکریمة لیست فی مقام بیان حجیّة العرف فی آرائه و أحکامه حتی تکون دلیلا علی حجیّة العرف،بل المراد من العرف هو المعروف،و اللّه تعالی أمر نبیه صلّی اللّه علیه و آله بالأمر بالمعروف،و هو مطالبة الناس للإتیان بالمعروف الذی یعرفه عموم العقلاء و الشارع من الأفعال الجمیلة و الأخلاق الحمیدة،کسائر الآیات الدالّة علی وجوب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر،کما یشهد لذلک سیاق الآیة الکریمة؛فإنّه تعالی أمر فی صدرها بالعفو عما فعله الجاهلون و أمر فی ذیلها بالإعراض عن الجاهلین،فالمناسب بهم هو الأمر بالمعروف لا بیان حجیّة العرف فی تشخیص الأحکام و غیرها،قال فی الکشاف:و العرف المعروف و الجمیل من الأفعال.

ص:162


1- 1) مجموعة رسائل ابن عابدین:132.
2- 2) الاعراف199/.

و قال فی زبدة البیان:الآیة تدلّ علی رجحان حسن الخلق من العفو مما یستحقه الإنسان فی ذمّة الغیر من الحقوق و غیره و استعمال اللین و الملاءمة فی المعاملات و الأمر بالمعروف و الإعراض عن الجهّال و عدم مؤاخذتهم بما فعلوا بالنسبة إلی الإنسان،و یؤیّده وَ إذا خاطَبَهُمُ الْجاهلُونَ قالُوا سَلاماً (1)

لا یقال:إنّ شمول المعروف لما عرفه العرف و الأمر به یکفی فی حجیّة العرف.

لأنا نقول:إنّ الآیة لیست فی مقام بیان موارد حجیّة العرف حتی یؤخذ باطلاقها،بل تکون فی مقام بیان وجوب الأمر بالمعروف الثابت من العقل و الشرع،و المعروف کالارتکازیات و المستقلات العقلیة و إن کان ثابتا،و لکن ذلک لا یستلزم کون ما عرفه العرف و لو من القیاسات معروفا،فتدبر جیّدا.

و منها:ما روی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن. (2)

و فیه:-مضافا إلی ضعف السند-أنّه أجنبی عن المقام؛فإنّ البحث فی مرجعیّة العرف بما هو عرف من دون اختصاص بالمسلمین،و إلاّ فهو سیرة المسلمین،و هی کاشفة عن تقریر المعصوم،و لا تکون للنصوص،کما لا یخفی.

و منها:ما حکی عن«بدران»من أنّ الشارع قرّر کثیرا من العادات العربیة و سکت عنها و لم یردعها،و بنی مسائل الدیات و القسامة علی العرف و أقرّها،و لیست هذه العادات إلاّ العرف،فیعلم من إقرارها أنّه صلّی اللّه علیه و آله أقرّهم علی العرف و جعله مرجعا و دلیلا کسائر الأدلّة. (3)

و فیه:ما لا یخفی؛فإنّه خلط بین إقرارهم علی العرف بما هو عرف،و بین إقرار حکم من أحکام العرف لموافقته مع الأحکام الإسلامیة المبنیّة علی المصالح و المفاسد.فما أقرّه النبی صلّی اللّه علیه و آله هو الثانی دون الأوّل،و بینهما بون بعید.و بعبارة أخری:تصدیق العرف بنحو

ص:163


1- 1) زیدة البیان:556-557.
2- 2) مجموعة رسائل ابن عابدین:113.
3- 3) اجوبة المسائل المبنائیة:167.

الموجبة الجزئیة لا یستلزم تصدیقه بنحو الموجبة الکلیة،و الکلام فی حجیّة العرف بنحو الموجبة الکلّیة.نعم لو قلنا بنحو السالبة الکلّیة:أنّ العرف لا یصح حکمه فی مورد کان إقرار النبیّ صلّی اللّه علیه و آله فی مورد من الموارد منافیا لذلک.

و بالجملة فالتحقیق أنّ العرف لا یقدر علی تعیین الأحکام الشرعیة بملاحظة المناطات و الملاکات الظنیّة؛لعدم احاطته بذلک بل النصوص الکثیرة تمنع و تحذر حذرا شدیدا ان یقرب الانسان نحو القیاس و الأخذ بالملاکات الظنیّة،و هی علی طوائف:

منها موثقة الریّان بن الصلت عن علی بن موسی الرضا عن ابیه عن آبائه عن امیر المؤمنین علیه السّلام قال:قال رسول صلّی اللّه علیه و آله قال اللّه جلّ جلاله...و ما علی دینی من استعمل القیاس فی دینی. (1)

و منها موثقة سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قلت:جعلت فداک أنّ اناسا من أصحابک قد لقوا آباءک (2)و جدّک،و قد سمعوا منهما الحدیث،و قد یرد علیهما الشیء لیس عندهم فیه شیء و عندهم ما یشبهه فیقیسوا علی أحسنه قال فقال ما لکم و القیاس،إنّما هلک من هلک بالقیاس.قال:قلت أصلحک اللّه و لم ذاک؟قال:لأنّه لیس من شیء إلاّ و قد جری به کتاب و سنّة،و إنّما ذاک شیء إلیکم إذا ورد علیکم أن تقولوا.قال:فقال:إنّه لیس من شیء إلاّ و قد جری به کتاب و سنة،ثم قال:إنّ اللّه قد جعل لکل شیء حدا،و لمن تعدّی الحدّ حدّا (3)

و منها موثقة محمّد بن حکیم قال:قلت لأبی الحسن موسی علیه السّلام:جعلت فداک فقّهنا فی الدین و أغنانا اللّه بکم عن الناس حتی أنّ الجماعة منّا لتکون فی المجلس ما یسأل رجل صاحب(إلاّ و-خ)تحضره المسألة و یحضرها جوابها فیما منّ اللّه علینا بکم،فربّما ورد علینا الشیء لم یأتنا فیه عنک و لا عن آبائک(عنه-خ)شیء فنظرنا إلی أحسن ما

ص:164


1- 1) جامع الاحادیث 1:الباب 7 من ابواب المقدمات،ح 5.
2- 2) و لعله:اباک.
3- 3) جامع الاحادیث 1:الباب 7،من ابواب المقدمات،ح 16.

یحضرنا و أوفق الأشیاء لما جاءنا عنکم فنأخذ به؟فقال:هیهات هیهات فی ذلک،و اللّه هلک من هلک یا ابن حکیم.قال:ثم قال:لعن اللّه أبا حنیفة کان یقول:قال علی و قلت.قال:

محمّد بن حکیم لهشام بن الحکم:و اللّه ما أردت إلاّ أن یرخّص لی فی القیاس. (1)

و منها موثقة زرارة بن أعین قال:قال لی أبو جعفر محمّد بن علی علیه السّلام:یا زرارة إیاک و أصحاب القیاس فی الدین،فانهم ترکوا علم ما وکّلوا به و تکلّفوا ما قد کفوه،یتأولون الأخبار و یکذبون علی اللّه عزّ و جلّ،و کأنی بالرجل منهم ینادی من بین یدیه قد تاهوا و تحیروا فی الأرض و الدین. (2)

و منها خبر الثمالی قال:قال علی بن الحسین علیهم السّلام:إنّ دین اللّه عزّ و جلّ لا یصاب بالعقول الناقصة و الآراء الباطلة و المقاییس الفاسدة،و لا یصاب إلاّ بالتسلیم،فمن سلّم لنا سلم و من اقتدی بنا هدی،و من کان یعمل بالقیاس و الرأی هلک،و من وجد فی نفسه شیئا مما نقوله أو نقضی به حرجا کفر بالذی أنزل السبع المثانی،و القرآن العظیم و هو لا یعلم. (3)

و منها صحیحة أبان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:إنّ السنة لا تقاس،أ لا تری أنّ المرأة تقضی صومها و لا تقضی صلاتها،یا أبان إنّ السنة إذا قیست محق الدین. (4)

إلی غیر ذلک من الروایات الکثیرة.

فتحصّل:أنّه لا دلیل علی مرجعیّة العرف فی الأحکام الشرعیّة من جهة کشفها عن الملاکات و المناطات الظنیّة،بل المستفاد من النصوص کما عرفت هو ممنوعیّة إعمال نظرهم فی هذا المضمار معلّلا بأنّهم قاصرون عن فهم المصالح و المفاسد الواقعیة الباعثة نحو الأحکام الشرعیة؛و لذا صرح الشارع فی غیر مورد بأنّ الأحکام کلها مبیّنة فی الکتاب و السنة و تبقی إلی یوم القیامة بمثل قوله صلّی اللّه علیه و آله:حلال محمّد حلال إلی یوم القیامة،و حرامه حرام إلی یوم القیامة.

ص:165


1- 1) جامع الاحادیث 1:274 الباب 7،من ابواب المقدمات،ح 20.
2- 2) جامع الاحادیث 1:276/،الباب 7،من ابواب المقدمات،ح 28.
3- 3) جامع الاحادیث 1:276،الباب 7 من ابواب المقدمات،ح 29.
4- 4) جامع الاحادیث 1:الباب 7 من ابواب المقدمات،ح 4.

و علیه فدعوی أنّ الأحکام تتغیّر بحسب تغیّر الأعصار و الأزمنة و المرجع فی ذلک هو العرف العامّ،دعوی سخیفة جدّا و مخالفة لضرورة المذهب لو أرید بذلک استقلال العرف فی کشف الأحکام من الملاکات و المناطات الظنیّة.

و الأسخف من ذلک هو دعوی أنّ الأحکام فی بقائها تحتاج إلی مقبولیّة العرف العام و لو من جهة کونها غیر موافقة لتمایلاتهم و أهوائهم،و تحرز المقبولیة بآراء الوکلاء فی المجالس أو آراء الموکلین،مع أنّ بقاء الأحکام لا یشترط بالمقبولیة العرفیة أصلا و أبدا.نعم تحتاج الأحکام فی الإجراء إلی مساعدة العرف العامّ و یجب علیهم المساعدة،و الإهمال فی ذلک یوجب العقاب و العذب الألیم.

و لا ینافی ما ذکر سقوط بعض الأحکام عن الفعلیة بعروض العناوین الثانویّة؛فإنّ الاحکام الثانویّة شرعیّة أیضا،و لا دخالة للعرف فیها إلاّ من ناحیة صدق العناوین الثانویة.

و هکذا لا ینافیه حصول التغییرات فی ناحیة بعض مصادیق الموضوعات؛فإنّ المتغیّر فی أمثال ذلک هو نفس بعض المصادیق و الحکم ثابت علی موضوعه،مثلا إذا تحققت العادة بالمراهنة فی اللعب بشیء کان اللعب بالشیء المذکور مصداقا للقمار،و یترتب علیه حکم القمار،فإذا انتفت عادة المراهنة عن اللعب المذکور خرج اللعب المذکور عن مصداق القمار، فالمتغیّر هو اللعب المذکور،و أمّا القمار و حکمه فهما ثابتان و لا یعرضهما تغییر أصلا.

و هکذا لا یرتبط بمرجعیّة العرف ولایة الأئمة المعصومین علیهم السّلام و المنصوبین من قبلهم علی تغییر الأحکام موقتا کرفع الوجوب أو ایجاب ما لم یجب إذا اقتضت المصلحة ذلک کما فی الأحکام السلطانیة کرفع وجوب الخمس أو ایجاب أداء شیء زائد علی موارد الزکاة و غیر ذلک؛فإنّ ذلک یختص شرعا بالإمام المعصوم علیه السّلام و من نصبه بالنصب الخاصّ أو العامّ فلا تغفل.

ص:166

الخلاصة

4-العرف

و الکلام فیه یقع فی مقامات:

المقام الأوّل:

فی أنّ العرف علی قسمین العرف العامّ و العرف الخاصّ و الأوّل هو الذی لا یختصّ بقوم و جمع خاصّ بل یعمّ جمیع الأقوام و الملل.

و الثّانی:هو عرف جمع خاصّ کعرف الأطبّاء أو عرف الأصولیین و نحوهم و الشّارع جعل موضوعات أحکامه علی طبق ما یفهمه العرف العامّ و لا یکون العرف الخاصّ مخاطبا له بالخصوص فی أحکامه.

و لذا یشکل الاکتفاء بصدق الموضوعات عند عرف خاصّ مع عدم ثبوت صدقه عند عرف العامّ نعم لو کان صدقه عند عرف خاصّ موجبا لإمکان اطلاع عموم النّاس علیه و صدقه عندهم کفی ذلک فی رفع الإشکال.

المقام الثانی:

أنّه لا إشکال فی ثبوت مرجعیّة العرف فی ناحیة الموضوعات و الدلالات و الاستظهارات و البناءات و الاعتبارات و هی کثیرة.

منها تشخیص حدود المفاهیم و المعانی.

و منها تطبیق المفاهیم علی المصادیق.

و منها تعیین بقاء الموضوعات بعد تغییر أحوالها و عدمه.

و منها تصدیق الدّلالات بأنواعها من المطابقیّة و التضمّنیّة و الالتزامیّة و المفهومیّة و المنطوقیّة.

و منها تعیین نوع الجمع بین الأدلّة من التّخصیص أو التّقیید أو الحکومة أو الورود.

و منها الحکم بوجود الاعتبارات کاعتبار النّصف و الرّبع و نحوهما من الکسور التسعة من دون تشخّص خارجی لها مع أنّ الجسم الخارجی متشخّص و متعیّن بجمیع أجزائه.

ص:167

و منها تعیین موضوع الحکم بإدراج شیء کالملاقاة فی مثل«النجس ینجّس الشیء»و کالمماسّة فی مثل«السکّین یقطع الید».

و منها إلغاء الخصوصیّة فی مثل رجل شکّ فی کذا و کذا فإنّ العرف یحکم فی مثله بعدم مدخلیّة الرجولیّة.

و منها تعیین موارد انطباق العناوین الثّانویّة.

و منها تعیین نوع القضیّة من الخارجیّة أو الحقیقیّة.

و منها البناءات العملیّة العقلائیّة کرجوع الجاهل إلی العالم و غیر ذلک من الموارد.

المقام الثّالث:

أنّ العرف مرجع فی الموارد المذکورة و نحوها فیما إذا حکم بالعلم و الیقین دون الظنّ و التخمین و المسامحة.

المقام الرّابع:

أنّه یجوز للشارع تخطئة العرف فیما حکم أو بنی علیه و کم له من نظیر کالنهی عن المعاملات الربویّة و مالیة المسکرات و غیر ذلک و لا إشکال فیه لأنّ النهی الشرعی یکشف عن خطأ العرف فی تشخیصه نعم یلزم أن یکون التخطئة صریحة حتّی یتوجّه إلیها العرف عند کون ما علیه العرف ارتکازیا.

المقام الخامس:

أنّه هل یجوز للعرف أن یلاحظ الملاکات و المناطات الظنّیّة لکشف الأحکام الشرعیّة حسبما تقتضیه تلک الملاکات أو لا یجوز و الظاهر من أهل التسنن هو الأوّل و استدلّوا له لوجوه:

منها:قوله تعالی: خُذ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بالْعُرْف وَ أَعْرضْ عَن الْجاهلینَ (1)بدعوی أنّ الأمر باتّباع العرف یفید حجیّته.

و فیه أنّ الآیة الکریمة لیست فی مقام بیان حجّیّة العرف فی آرائه و أحکامه حتّی تکون دلیلا علی حجّیّة العرف بل سیاق الآیة باعتبار قبلها و بعدها یشهد بأنّ المراد من العرف هو

ص:168


1- 1) الأعراف199/.

المعروف من الأفعال الجمیلة و الأخلاق الحمیدة و علیه فتکون هذه الآیة کسائر الآیات الدالّة علی وجوب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فی الأمر بالمعروف و قد أمر سبحانه و تعالی فی صدر الآیة بالعفو عمّا فعله الجاهلون و أمر فی ذیلها بالإعراض عن الجاهلین.

و لذلک قال فی زبدة البیان الآیة تدلّ علی رجحان حسن الخلق ممّا یستحقّه الإنسان فی ذمّة الغیر من الحقوق و غیره و استعمال اللین و الملاءمة فی المعاملات و الأمر بالمعروف و الإعراض عن الجهّال. (1)

و منها النبویّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن. (2)

و فیه مضافا إلی ضعف السّند أنّه أجنبی عن المقام فإنّ البحث فی مرجعیّة العرف لا حجّیّة سیرة المسلمین.

و منها أنّ الشّارع قرّر کثیرا من العادات العربیّة و سکت عنها و لم یردعها و بنی مسائل الدّیات و القسامة علی العرف و أقرّها و لیست هذه العادات إلاّ العرف فیعلم من إقرارها فی تلک الموارد أنّه أقرّهم علی العرف و جعله مرجعا و دلیلا کسائر الأدلّة. (3)

و فیه ما لا یخفی فإنّه خلط بین إقرارهم علی العرف بما هو عرف و بین إقرار حکم من أحکام العرف لموافقته مع الأحکام الإسلامیّة المبنیّة علی المصالح و المفاسد الواقعیّة فالثّابت هو الثّانی لا الأوّل و بینهما بون بعید.

و بعبارة اخری تصدیق العرف بنحو الموجبة الجزئیة لا یستلزم تصدیقه بنحو الموجبة الکلّیة و الکلام فی حجّیّة العرف بنحو الموجبة الکلیّة و الأدلّة المذکورة لا تفی بذلک و بالجملة فالتحقیق أنّ العرف لا یقدر علی تعیین الأحکام الشرعیّة بملاحظة المناطات و الملاکات الظنیّة لعدم إحاطته بذلک.

هذا مضافا إلی منع النّصوص القطعیّة الکثیرة عن ذلک و الأمر بالتحذّر عنه منها موثقة

ص:169


1- 1) زبدة البیان:556-557.
2- 2) مجموعة رسائل ابن عابدین:113.
3- 3) أجوبة المسائل المبنائیة:167.

الریّان بن الصلت عن علی بن موسی الرّضا علیهما السّلام عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیهم السّلام قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قال اللّه جل جلاله و ما علی دینی من استعمل القیاس فی دینی. (1)

و منها موثّقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:ما لکم و القیاس إنّما هلک من هلک بالقیاس...الحدیث. (2)

و منها صحیحة أبان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:إنّ السّنة لا تقاس أ لا تری أنّ المرأة تقضی صومها و لا تقضی صلاتها،یا أبان إنّ السّنة إذا قیست محق الدّین. (3)و غیر ذلک من صحاح الأخبار.

فتحصّل أنّه لا دلیل علی مرجعیّة العرف فی الأحکام الشرعیة من جهة کشفها عن الملاکات و المناطات الظنیّة بل المستفاد من النصوص الصحیحة هی ممنوعیّة إعمال النظر حول هذا لقصورهم عن الاطّلاع اللاّزم.

و دعوی تغییر الأحکام حسب تغییر الأزمان و الأعصار و المرجع فی کلّ زمان و عصر هو العرف العام سخیفة جدّا و مخالفة لضرورة المذهب لو أرید بذلک استقلال العرف فی کشف الأحکام من الملاکات و المناطات الظنیّة.

و الأسخف من ذلک هو توهّم أنّ الأحکام فی بقائها تحتاج إلی مقبولیّة العرف العامّ و تحرّز المقبولیّة بآراء وکلائهم فی المجالس الملّیّة مع أنّ بقاء الأحکام لا یشترط بشیء و إنّما اللاّزم فی إجرائها هو مساعدة العرف العام و یجب علیهم لذلک المساعدة فی هذه الجهة یوجب العقاب و العذاب الألیم و حلال محمّد حلال إلی یوم القیامة و حرامه حرام إلی یوم القیامة و الأحکام ثابتة علی موضوعاتها و المتغیّر هو بعض مصادیقها.

نعم یمکن تغییر الأحکام موقّتا بسبب عروض العناوین الثّانویة توسّط الأئمّة علیهم السّلام و المنصوبین من قبلهم و لکنّه لا یرتبط بالعرف کما لا یخفی.

ص:170


1- 1) جامع الاحادیث 1:الباب 7 من ابواب المقدّمات ح 5.
2- 2) جامع الاحادیث 1:الباب 7 من ابواب المقدّمات ح 16.
3- 3) جامع الاحادیث 1:الباب 7 من ابواب المقدّمات ح 4.
5-السیرة القطعیّة العقلائیّة
اشارة

السیرة القطعیّة من العقلاء علی عمل من دون اختصاص بزمان أو مکان أو ملّة أو نحلة کالعمل بالظواهر الکلامیّة أو الأمارات أو أصل الصحة أو أصالة الید أو الاکتفاء بالامتثال الظنی عند تعذر الامتثال التفصیلی و الإجمالی أو رجوع الجاهل إلی العالم و غیر ذلک حجّة عقلائیّة.

و لکن السیرة العقلائیّة بنفسها لیست بحجّة شرعیّة لأنّ العمل لا کشف له بالنسبة إلی الواقع،و القطع بالسیرة کاشف عن وجود السیرة لا کاشفیتها عن الواقع کما لا یخفی.و علیه فحجّیة السیرة شرعا تحتاج إلی دلیل خارجی،و هو إمضاء الشارع و لو بعدم الردع عنها؛ فإنّه تقریر بالنسبة إلی سیرتهم،و الإمضاء الشرعی یوجب حجیّة السیرة العقلائیّة لإثبات الحکم الشرعی؛لاکتفاء الشارع بها.

و لا فرق فی ذلک بین أن یکون السبب فی تحقق سیرة العقلاء هو الارتکاز کارتکاز رجوع الجاهل إلی العالم أو ندرة المخالفة کما فی الأمارة أو تسهیل الأمر فی مقام الامتثال أو غیر ذلک،فإذا علمنا بتحقق السیرة العقلائیة و کونها فی مرأی و منظر الشارع و إمضائه إیّاها و لو بسکوته عن ردعها کانت السیرة المذکورة حجّة لإثبات الحکم الشرعی بلا کلام،هذا بخلاف السیرة العقلائیّة الحادثة فإنّها لیست بکاشفة و لا تکون مورد الإمضاء الشرعی،فلا حجّیّة لها لحدوثها و عدم کونها فی مرأی و منظر الشارع،کما لا یخفی.

ثم إنّ السیرة القطعیّة العملیّة من العقلاء التی أمضاها الشارع حجّة بالنسبة إلی مورد عملهم،و لا یتجاوز عنه إلی غیره؛لاختصاص عملهم بهذا المورد،فلا وجه للتعدّی عنه إلی سائر الموارد.

نعم لو علم أن عملهم فی مورد من باب المصداق و المثال فلا یختص عملهم بهذا المورد، کما لعلّه لا یبعد دعوی عدم اختصاص ملکیّة الجهات و العناوین عند العقلاء بالجهات و العناوین التی کانت موردا للابتلاء فی تلک الأزمنة کبیت المال و المساجد و عناوین الفقراء،

ص:171

بل الجهات المتداولة فی زماننا هذا تکون کذلک؛لأنّ الموارد التی کانت موردا للابتلاء فی الأزمنة السابقة لا خصوصیة لها،بل الجهة بما هی جهة کانت منظورة للعقلاء و الأمور المذکورة من باب المصداق.و علیه فملکیة الشرکات العامة أو الخاصة مما تداولت فی زماننا هذا أیضا مورد الإمضاء و التقریر.

ثمّ إنّ السیرة العقلائیة قابلة للرّد فیجوز للشارع أن یردعها لأنّها لیست کالقطع حتّی تابی عن الردع لما عرفت من أنّها لیست بکاشفة بل هی عمل

و لکن الردع عنها لزم أن یکون بنحو التصریح حتی یوجب التفات العقلاء بأنّ طریقتهم و سیرتهم مردودة و لذا قلنا بأنّ العموم لا یکفی فی ردع السیرة لأنّهم لا یرون طریقتهم مشمولة للعموم فمثل قوله تعالی إنّ الظنّ لا یغنی من الحق شیئا بناء علی تسلیم دلالتها علی عدم حجّیة الظنون فی المسائل الفرعیّة لا یکفی فی ردع طریقة العقلاء علی الاعتماد علی خبر الثقات لأنّهم لا یرون أنفسهم ظانّین حتی یشملهم العموم المذکور فتدبر جیدا.

هذا کله بالنسبة إلی السیرة العقلائیة التی کانت فی مرأی و منظر الشارع،و أمّا السیرة و البناءات المستحدثة فالمشهور أنّه لا دلیل علی حجیتها و لکن ذهب بعض الأعلام إلی أن البناءات العقلائیة المستحدثة إذا فحص فی الأدلّة و لم یوجد شیء یصلح للردع عنها تکون حجّة أیضا لأنّ بناء الشارع علی التقریر أو ردع البناءات لا یختص بزمان خاص کزمانه بل هو فی مقام تصحیح أو ردّ البناءات فی جمیع الأزمنة و علیه فاللازم علیه أن یردع البناءات المستحدثة إذا لم تکن موردا لقبوله و حیث فحصنا و لم نر شیئا یصلح للردع کفی ذلک فی تقریره إیّاها فتکون حجّة فلیتأمّل.

ثم لا حاجة فی حجّیة السیرة العقلائیة إلی الإمضاء بل یکفی فی الحجّیة عدم الردع لأنّ العقلاء یکتفون بذلک فی أحکام الموالی و العبید و هذا أمر شایع و لم ینقل عن الشارع اعتبار الإمضاء و عدم الاکتفاء بعدم الردع و هو یشهد علی أن الشارع یکتفی فی الحجیة بعدم الردع،فتدبّر جیّدا.

ص:172

الخلاصة

5-السیرة القطعیّة العقلائیّة

السّیرة القطعیّة العقلائیّة علی عمل من دون اختصاص بزمان أو مکان أو ملّة أو نحلة کالعمل بالظّواهر الکلامیّة أو رجوع الجاهل إلی العالم حجّة عقلائیة و القطع بالسّیرة کاشف عن وجودها ثمّ إنّ السّیرة لیست بنفسها حجّة شرعیة ما لم ینضم إلیها إمضاء الشّارع و لو بعدم الرّدع فإنّ إمضاء الشّارع یکشف عن تقریر الشّارع بالنّسبة إلیها و مع تقریر الشّارع یثبت الحکم الشرعی و بدون التقریر المذکور لا یفید حکما شرعیا لأنّها لیست بحجّة شرعیّة.

و علیه فاللازم فی حجّیّة السّیرة القطعیّة العقلائیّة شرعا هو أن تکون السّیرة المذکورة فی مرأی و منظر الشّارع حتّی یتعلّق بها الإمضاء و عدم الردع.

هذا بخلاف السّیرة العقلائیّة الحادثة فإنّها لم تکن فی زمان الشّارع حتّی یکشف عدم الرّدع عنها عن تقریر الشّارع إیّاها اللّهمّ إلاّ أن یقال:کما أفاد بعض الأعلام أن الشّارع کان فی مقام تصحیح أو ردّ جمیع البناءات فی مطلق الأزمنة و حینئذ إذا فحصنا و لم نجد شیئا یصلح للرّدع جاز الاکتفاء به فی تقریره إیاها فتکون حجّة فتأمّل.

ثمّ إنّ السّیرة العقلائیّة قابلة لردع الشّارع لأنّها لیست کالقطع حتّی تأبی عن الردع.

نعم لزم فی الرّدع أن یکون صریحا حتّی یتوجّه العقلاء إلی خطأ ما استقر علیه بنائهم.

ص:173

6-السیرة المتشرعة
اشارة

سیرة المتدینین بما هم متدیّنون تکشف عن کون السبب فی سیرتهم هو دینهم،و احتمال أن یکون سیرتهم من عند أنفسهم لا من جهة أمر الشارع بعید بل محال عادی،و علیه فسیرة المتشرعة بنفسها کاشفة عن الدلیل الشرعی کما لا یخفی.

و الکشف المذکور عن أمر شرعی فی السیرة المتشرعة هو الفارق بین السیرة المتشرعة و السیرة العقلائیة،لما عرفت من أن سیرة العقلاء لا تکشف عن الدلیل الشرعی إلاّ بإمضاء الشارع و لو بعدم الردع کما لا یخفی.

ثمّ إنّ سیرة المسلمین إذا کانت مستندة إلی قلّة المبالاة بأمر الدین لیست من سیرة المتدینین بما هم متدینون و خارجة عن محل البحث،و إذا شککنا أن السیرة سیرة المتدینین بما هم متدینون أو سیرتهم بسبب قلة المبالاة فی الدین و مسامحتهم لا تکشف عن الدلیل الشرعی،و لیست بحجّة.

ثمّ إذا تعارضت السیرة المتشرعة مع السیرة العقلائیة فالاولی مقدمة علی الثانیة و تکشف عن ردع الشارع عن السیرة العقلائیة؛لأنّ السیرة العقلائیة تکون حجّیّتها موقوفة علی عدم ردع الشارع عنها،و السیرة المتشرعة الکاشفة عن رأی المعصوم و الدلیل الشرعی تکفی فی ردعها کما لا یخفی.

ثم إنّ کشف سیرة المتدینین بما هم متدینون عن الدلیل الشرعی لا یختص باجتماع جمیع الطوائف من المسلمین علی عمل،بل لعله یکشف عنه أیضا سیرة الفرقة المحقة بما هم متدینون.و الفرق أن سیرة المسلمین تکشف عن رضا النبی صلّی اللّه علیه و آله و سیرة الفرقة المحقّة تکشف عن رضا أهل البیت علیهم السّلام،و کلاهما حجّتان کما لا یخفی.

و کیف کان،فاللازم فی السیرة المتشرعة أن لا تکون السیرة مستندة إلی النصوص،أو الفتاوی و إلاّ فلا تکشف السیرة عن غیرهما لاحتمال استناد سیرتهم إلیهما.

ص:174

الخلاصة

6-السیرة المتشرعة

سیرة المتدیّنین بما هم متدیّنون تکشف عن کون السبب فی سیرتهم هو دینهم و احتمال أن یکون سیرتهم من عند أنفسهم لا من جهة أمر الشّارع بعید جدّا بل محال عادی و علیه فسیرة المتشرّعة بنفسها تکشف عن الدّلیل الشرعی و هذا الکشف هو الفارق بین سیرة المتشرّعة و سیرة العقلاء لما عرفت من أن السّیرة العقلائیّة لا تکشف عن الدّلیل الشّرعی ما لم ینظم إلیها إمضاء الشّارع و لو بعدم الرّدع.

و السّیرة المتشرعیّة تکشف فیما إذا لم تکن مستندة إلی قلّة المبالاة بأمر الدّین و لو شککنا فی ذلک فضلا عن العلم به فلا تکشف عن شیء کما لا یخفی.

قال سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد و سیرة المتشرّعة من أقوی أدلّة الباب و لا یتطرّق فیها احتمال الرّدع بالآیات و الأخبار و بذلک تمتاز عن سیرة العقلاء فإنّها کما تری یحتمل ردعها. (1)

ثمّ إنّه إذا تعارضت السّیرة المتشرعیّة مع السّیرة العقلائیّة فلا إشکال فی تقدیم السّیرة المتشرعیّة لأنّ حجّیّة السّیرة العقلائیّة موقوفة علی عدم الرّدع عنها و السّیرة المتشرعیّة تکفی للردع عنها کما لا یخفی.

ثمّ إنّ سیرة المتشرعیّة الکاشفة لا تختصّ بصورة اجتماع جمیع الطوائف من المسلمین علی عمل بل تکشف إذا کانت من الفرقة المحقة و الفرق بین صدق اجتماع الطوائف و اجتماع الفرقة المحقّة أن فی الاولی تکشف عن إمضاء النّبی صلّی اللّه علیه و آله و فی الثّانی تکشف عن إمضاء الإمام المعصوم علیه السّلام.

ثمّ إنّ السّیرة الکاشفة تکشف عن التقریر ما دام لم یستندوا إلی النّصوص أو الفتاوی و إلاّ فلا تفید إلاّ نفس النّصوص أو الفتاوی.

ص:175


1- 1) المحاضرات لسیدنا الاستاذ:152/2.
7-الخبر الواحد
اشارة

و لا یخفی علیک أن النزاع فی هذا البحث لیس إلاّ فی حجیّة الخبر الواحد الذی یکون من الظنون،و البحث عن ثبوت قول المعصوم أو فعله أو تقریره بذلک و عدمه من لوازم المسألة، و لیس بنفس المسألة.و المقصود أن الخبر الواحد هل یصلح للحجیة أم لا یصلح؟و هذا من أهم المسائل الاصولیة؛لصدق موضوعها علیه،إذ هو ما یصلح لأن یکون حجّة علی الأحکام الفقهیة الکلیّة.

و علیه فلا حاجة إلی إرجاع البحث إلی ثبوت السنّة المحکیّة بالخبر و عدمه،کما ذهب إلیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه؛إذ البحث عن الحاکی أیضا هو بحث عما یصلح للحجیّة.و لعل الإرجاع المذکور ناش من جعل موضوع علم الأصول هو الأدلّة الأربعة،فیبحث عن ثبوت السنة بالخبر و عدمه.و قد مرّ فی البحث عن موضوع العلم أنّه لا ملزم لجعل موضع علم الاصول خصوص الأدلة الأربعة.هذا مضافا إلی أن لازمه هو جعل جملة المباحث الاصولیة کالبحث عن القیاس و الشهرة و غیرهما خارجة عن موضوع علم الاصول بحیث یکون البحث عنها استطرادیا،و هو کما تری.

و کیف ما کان یقع الکلام فی جهات:

الجهة الأولی: عدم حجیّة الخبر الواحد

أن المحکی عن السید و القاضی و ابن زهرة و الطبرسی و ابن ادریس عدم حجیّة الخبر الواحد خلافا لغیرهم حیث ذهبوا إلی حجیّة الخبر الواحد.

أدلّة المانعین

و استدلّ المانعون بوجوه:

منها:الآیات الدالة علی النهی عن اتّباع غیر العلم أو القول بغیر علم أو الدالة علی أن

ص:176

الظنّ لا یغنی من الحق شیئا کقوله عزّ و جلّ: وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ به علْمٌ (1)و کقوله عزّ و جلّ: قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبّیَ الْفَواحشَ ما ظَهَرَ منْها وَ ما بَطَنَ وَ أَنْ تُشْرکُوا باللّه ما لَمْ یُنَزّلْ به سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّه ما لا تَعْلَمُونَ (2)و کقوله تبارک و تعالی: إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً . (3)

وجه الاستدلال أن التبعیة عن الظنّ الخبری اتّباع عن غیر العلم،و اسناد مفاده إلی اللّه تعالی قول بغیر علم،و بالأخرة هو ظنّ،و الظنّ لا یغنی من الحق شیئا.

و فیه ما لا یخفی؛فإنّ أدلّة اعتبار الخبر الواحد قطعیّة،و علیه فاتباع الخبر الواحد و إن کان الخبر مفیدا للظن اتّباع للعلم،و اسناد مفاده إلی اللّه تعالی إسناد قطعی الاعتبار إلیه تعالی،و الأدلّة القطعیّة مما تغنی و تفید.و علیه فمع أدلّة الاعتبار لا یبقی مورد للآیات الناهیة؛لورود أدلّة الاعتبار بالنسبة إلیها،کما لا یخفی.

قال فی نهایة الاصول:إنّ متابعة الخبر و العمل به مع قیام الدلیل القطعی علی حجیته لا تکون عملا بغیر العلم بل هو متابعة للعلم،فیکون دلیل الحجیة واردا علی الآیات الناهیة. (4)

و قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:إنّ نفس الطریق و إن کان ظنیّا إلاّ أن ما یدل علی حجیّته أمر قطعی؛لأنّ ما یدلّ من ظواهر الآیات علی حجیّة الخبر الواحد حجّة قطعیّة عند الخصم کسائر الظواهر،فینسلک اتّباع الخبر الواحد فی عداد اتّباع العلم،فیتم میزان الورود، فتدبّر. (5)

و الأولی أن یقال:إنّ الآیات الناهیة تدلّ علی النهی عن أخذ ما لا یکون حجّة،فمع أدلّة

ص:177


1- 1) الاسراء26/.
2- 2) الاعراف33/.
3- 3) یونس36/.
4- 4) نهایة الاصول:488.
5- 5) تهذیب الاصول 2:106.

الاعتبار و الحجیّة للخبر الواحد لا مورد للآیات؛فإنّ المراد من العلم هو الحجّة،قال فی نهایة الاصول:و الشاهد علیه قوله مخاطبا للکفار ائْتُونی بکتابٍ منْ قَبْل هذا أَوْ أَثارَةٍ منْ علْمٍ إنْ کُنْتُمْ صادقینَ . (1)و قوله قُلْ هَلْ عنْدَکُمْ منْ علْمٍ فَتُخْرجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبعُونَ إلاَّ الظَّنَّ (2)و غیر ذلک من الآیات؛فإنّ المراد من العلم فی الآیتین مدارک مأثورة واصلة إلیهم من الأسلاف لا القطع،فالمراد من العلم هو الحجّة العقلائیة. (3)و لقد أفاد و أجاد سیدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه حیث قال و علی هذا یکون جمیع ما ثبت جواز الرکون إلیه بهذه الأدلّة(ای أدلّة الاعتبار)واردا علی مفاد(الآیات التی استدلّ بها المانعون)

لا حاکما و لا مخصّصا. (4)

و مما ذکر یظهر ما فی مصباح الاصول حیث ذهب إلی حکومة أدلّة حجیّة الخبر علی الآیات المذکورة بدعوی أن مفادها جعل الخبر طریقا بتتمیم الکشف،فیکون خبر الثقة علما بالتعبّد الشرعی بناء علی أن المجعول فی باب الطرق و الأمارات هی الطریقیة کما هو الصحیح. (5)

و ذلک لما عرفت من أن مع أدلة الاعتبار یکون الخبر حجة،فلا مورد لما یدل علی النهی عن اتباع غیر الحجة؛و إن أبیت عن الورود أو الحکومة،فعلیک بجواب شیخنا الأعظم قدّس سرّه حیث قال:و الجواب أمّا عن الآیات فبأنّها بعد تسلیم دلالتها عمومات مخصّصة بما سیجیء من الأدلّة. (6)

ص:178


1- 1) الاحقاف4/.
2- 2) الانعام148/.
3- 3) نهایة الاصول:488.
4- 4) المحاضرات سیدنا الأستاذ المحقق الداماد 121/2
5- 5) مصباح الاصول 2:152.
6- 6) فرائد الاصول:69.

و تبعه فی الکفایة أیضا حیث قال:و الجواب أمّا عن الآیات فبأنّ الظاهر منها أو المتیقن من إطلاقاتها هو اتباع غیر العلم فی الاصول الاعتقادیة لا ما یعم الفروع الشرعیة،و لو سلم عمومها لها فی مخصّصة بالأدلّة الآتیة علی اعتبار الأخبار. (1)

لا یقال:إنّ الآیات الدالة علی النهی عن الاتباع عن الظن أو الدالة علی إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً آبیة عن التخصیص،فکیف یخصص مثل قوله تعالی: إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً ؟!

لانا نقول:إنّ الظنون مختلفة فی غالبیة الإصابة و عدمها،فإذا کان إصابة بعضها عند الشارع أکثر من بعض آخر،فلم لا یجوز التخصیص بالمصیب منها،و لا إباء لمثل قوله تعالی:

إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً عن مثل هذا التخصیص فضلا عن سائر الآیات الناهیة عن الاتباع عن الظن،فتدبّر جیّدا،نعم الإباء المذکور صحیح بالنسبة الی ما ورد فی الاصول الاعتقادیة لا الفروع.

و منها:الأخبار الکثیرة،و هی علی طوائف:

الطائفة الأولی: الروایات الواردة فی لزوم الموافقة مع الکتاب و السنة

الروایات الواردة فی لزوم الموافقة مع الکتاب و السنة فی حجیّة الاخبار و جواز العمل بها:

کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام:فما وافق کتاب اللّه فخذوه،و ما خالف کتاب اللّه فدعوه. (2)

و کقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:أیّها الناس ما جاءکم عنی یوافق کتاب اللّه فأنا قلته،و ما جاءکم یخالف کتاب اللّه فلم أقله. (3)

و کقول ابی عبد اللّه علیه السّلام فی صحیحة هشام بن الحکم:لا تقبلوا علینا حدیثا إلاّ ما وافق القرآن و السنة أو تجدون معه شاهدا من أحادیثنا المتقدمة،فإنّ المغیرة بن سعید(لعنه اللّه)

ص:179


1- 1) الکفایة 2:80.
2- 2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 35.
3- 3) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 15.

دسّ فی کتاب اصحاب أبی أحادیث لم یحدّث بها أبی،فاتّقوا اللّه و لا تقبلوا علینا ما خالف قول ربّنا تعالی و سنة نبیّنا محمّد صلّی اللّه علیه و آله،فإنّا إذا حدّثنا قلنا:قال اللّه عزّ و جلّ،و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله،الحدیث. (1)

و علیه فمقتضی اعتبار الموافقة فی حجّیة الأخبار أن خبر الواحد لیس بنفسه حجّة.

و یمکن الجواب عنها بأنّ هذه الطائفة و إن دلّت علی لزوم العمل بالموافق،و لکن لا یستفاد منها انحصار الأمارة الدالة علی الصدق فی الموافقة مع الکتاب،و لذا أضاف فی صحیح هشام بن الحکم الموافقة مع السنة أو الموافقة مع أحادیث الائمة علیهم السّلام،فالموافقة مع الکتاب أو السنة أو الاحادیث الواردة عن الأئمة علیهم السّلام مذکورة من باب المثال لأمارة الصدق.و من الجائز أن یکون من مصادیقها أیضا ما روته الثقات،فالحصر فی صحیحة هشام حصر إضافی بالنسبة إلی ما کان مخالفا للقرآن أو السنة و الحدیث فی مقام ردّ الأخبار المخالفة للکتاب و السنة،لا انحصار أمارة الصدق فی الموافقة المذکورة فی تلک الأخبار،فتدبّر جیّدا.

الطائفة الثانیة:

الروایات الدالة علی المنع عن العمل بالخبر الذی لا یوافق الکتاب:

کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام فی صحیحة أیوب بن الحرّ:کل شیء مردود إلی الکتاب و السنة،و کل حدیث لا یوافق کتاب اللّه فهو زخرف. (2)

و کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام فی موثقة أیوب بن راشد:ما لم یوافق من الحدیث القرآن فهو زخرف. (3)

و یمکن الجواب عنها بأنّ المتفاهم عرفا من عنوان ما لم یوافق أو لا یوافق هو المخالف.

فتندرج فی:

ص:180


1- 1) رجال الکشی رقم 103 المغیرة بن سعید ص 194.
2- 2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 14.
3- 3) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 11.
الطائفة الثالثة: قول النبی صلّی اللّه علیه و آله:و ما جاءکم یخالف کتاب اللّه فلم أقله

کقول النبی صلّی اللّه علیه و آله:و ما جاءکم یخالف کتاب اللّه فلم أقله. (1)

و کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام:فاتقوا اللّه و لا تقبلوا علینا ما خالف قول ربّنا و سنّة نبیّنا صلّی اللّه علیه و آله، فإنّا إذا حدّثنا قلنا:قال اللّه عزّ و جلّ،و قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله (2)الحدیث.

و کقول أبی الحسن الرضا علیه السّلام فی موثقة یونس:فلا تقبلوا علینا خلاف القرآن،فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن و موافقة السنة،إنّا عن اللّه و عن رسوله نحدّث،و لا نقول قال فلان و فلان فیتناقض کلامنا،إنّ کلام آخرنا مثل کلام أوّلنا،و کلام أوّلنا مصداق لکلام آخرنا،فإذا أتاکم من یحدّثکم بخلاف ذلک فردّوه علیه،و قولوا انت أعلم و ما جئت به،فإنّ مع کل قول منا حقیقة و علیه نور،فما لا حقیقة معه و لا نور علیه فذلک من قول الشیطان. (3)

و علیه فهذه الروایات تدلّ علی ممنوعیة الأخذ بالروایات المخالفة للقرآن و لا کلام فیه، و لکن المراد من المخالف هو المناقض کما أشار إلیه فی موثقة یونس،و لا إشکال فی مردودیة الأخبار المتباینة مع الکتاب و خروجها عن الاعتبار.و دعوی تعمیم المخالف لمثل العموم و الخصوص لا یساعده العرف مع إمکان الجمع بین العموم و الخصوص و المطلق و المقیّد،و إطلاق المخالف علی مخالفة العموم و الخصوص أو المطلق و المقیّد إطلاق بدویّ،کما لا یخفی.

لا یقال:إنّ نقل الروایات المتباینة مع القرآن غیر مقبول عند الأصحاب،فکیف یحمل المخالفة علیها؟!فلیکن المراد من المخالفة هو العموم و الخصوص المطلق،لا التباین أو العموم من وجه.

لأنّا نقول:تشهد الأخبار المتعددة منها صحیحة هشام بن الحکم و موثقة یونس علی أن جماعة من خصماء أهل البیت:کالمغیرة بن سعید و ابی الخطاب و غیرهما کانوا یأخذون

ص:181


1- 1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 15.
2- 2) رجال الکشی رقم 194 المغیرة بن سعید رقم 103.
3- 3) رجال الکشی:195.المغیرة بن سعید رقم 103.

الاصول و یدسّون الأحادیث المخالفة فیها و لم یرووها حتی لا یقبلها الأصحاب.

قال سیدنا الامام المجاهد قدّس سرّه:إنّ الفریة إذا کان علی وجه الدسّ فی کتب أصحابنا یحصل لهم فی هذا الجعل و البهتان کل مقاصدهم من تضعیف کتب أصحابنا بإدخال المخالف لقول اللّه و رسوله فیها حتی یشوّهوا سمعة أئمة الدین علیهم السّلام بین المسلمین و غیرهما من المقاصد الفاسدة التی لا تحصل إلاّ بجعل أکاذیب واضحة البطلان.

هذا،مضافا إلی أنّه لو قلنا بعموم الأخبار الدالة علی عدم قبول المخالف لعامة أقسام المخالفة من الخصوص المطلق و من وجه و التباین الکلی یلزم خلاف الضرورة؛فإنّ الأخبار المقیدة أو المخصصة للکتاب قد صدرت من النبی صلّی اللّه علیه و آله و خلفائه بعده علیهم السّلام بلا شک،فلا بدّ من حملها علی المخالف بالتباین الکلی. (1)

الطائفة الرابعة:

الأخبار الدالة علی اشتراط الأخذ بالأخبار بوجود شاهد لها من الکتاب أو السنة:

کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام عند السؤال عن اختلاف الحدیث یرویه من نثق به و منهم من لا نثق به:إذا ورد علیکم حدیث فوجدتم له شاهدا من کتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله، و إلاّ فالذی جاءکم أولی به. (2)

و یمکن الجواب عنه بأنّ هذه الأخبار تکون من الأخبار العلاجیة بقرینة قول السائل سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن اختلاف الحدیث و نحوه،و علیه فهی واردة فی مقام ترجیح الموافق علی غیره،و لا إطلاق لها حتی یشمل صورة عدم التعارض،کما لا یخفی.

هذا،مضافا إلی ما أفاده شیخنا الأعظم قدّس سرّه من القطع بصدور أخبار لیس لها شاهد من الکتاب و السنة،فمن تلک الأخبار ما عن البصائر و الاحتجاج و غیرهما مرسلة عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله أنّه قال:ما وجدتم فی کتاب اللّه فالعمل به لازم و لا عذر لکم فی ترکه،و ما لم

ص:182


1- 1) تهذیب الأصول 2:107.
2- 2) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 11.

یکن فی کتاب اللّه تعالی و کانت فیه سنة منّی فلا عذر لکم فی ترک شیء،و ما لم یکن فیه سنة منّی فما قال أصحابی فقولوا به،فإنّما مثل أصحابی فیکم کمثل النجوم بأیّها اخذ اهتدی و بأیّ أقاویل أصحابی أخذتم اهدیتم،و اختلاف أصحابی رحمة لکم.قیل:یا رسول اللّه و من أصحابک قال:أهل بیتی،الخبر.

فإنّه صریح فی أنّه قد یرد من الأئمة علیهم السّلام ما لا یکون له شاهد من الکتاب و السنة. (1)

هذا کلّه مع أن کل طائفة من الأخبار المذکورة لا تکون متواترة،بل هی أخبار آحاد لا یجوز الاستدلال بها قبل إثبات حجّیّة الخبر الواحد،و هی لا تقاوم الأدلّة الآتیة الدالّة علی حجّیة الخبر الواحد؛فإنّها موجبة للقطع بحجیة خبر الثقة،فلا بدّ من توجیه الطوائف المذکورة.

نعم یمکن دعوی التواتر الإجمالی بمعنی العلم بصدور البعض فی مجموع الطوائف،و لکن اللازم حینئذ هو الأخذ بالأخص مضمونا؛لأنّه المتیقن،و الأخص مضمونا هو الخبر الذی یخالف الکتاب بنحو المخالفة التباینیة،فتحصّل:أنّه لا مانع من حجّیّة الخبر الواحد،فاللازم هو إقامة الدلیل علیها.و لقد أفاد و أجاد سیدنا الأستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه بالنسبة إلی الأخبار المانعة حیث قال إنّ الأخبار المانعة معارضة فی خصوص موردها بالأخبار العلاجیة الدالة علی لزوم ترجیح الخبر علی معارضه المخالف للکتاب الوارد مورد ثبوت الحجّیّة لکل واحد من الطرفین لو لا المعارضة مع أن فیها دلالة علی أن هذا المرجّح مؤخر عن مثل الأفقهیة و الأعدلیة و نحوهما التی لازمها کون المخالف مقدما علی معارضه إذا کان روایة أفقه أو أوثق و بالجملة لا مجال لتشکیک فی أن المفروض فیها سؤالا و جوابا حجیّة المخالف و وجوب الأخذ به لو لا التعارض فیجب التأویل فی هذه الأخبار بحملها علی غیر المخالف بنحو العموم و الخصوص و الإطلاق و التقیید بل التحقیق أن هذا لیس تاویلا و إنما یکون ظاهرها مع قطع النظر عن المعارض أیضا ذلک لوقوع التعاشی فیها و الإنکار الجدّی و الأمر بضرب المخالف علی الجدار لو کان فیها ما فیه ذلک و الحکم بأنّه زخرف و

ص:183


1- 1) راجع فرائد الأصول:69.

باطل و کل ذلک یقتضی أن یکون المراد المخالفة بنحو التباین للعلم بصدور المخالف عنهم بغیر هذا النحو فی ضمن أخبار متواترة. (1)

أدلّة المثبتین:

استدل المجوزون للعمل بخبر الواحد بالأدلّة الأربعة:

1-أمّا الکتاب فبآیات:

منها:قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بجَهالَةٍ فَتُصْبحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادمینَ . (2)

و المحکی فی وجه الاستدلال بالآیة الکریمة وجوه:

الوجه الأوّل: الاستدلال بمفهوم الشرط

هو الاستدلال بمفهوم الشرط بتقریب أنّه سبحانه و تعالی علّق وجوب التبیّن عن الخبر علی مجیء الفاسق،فینتفی عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط،و إذا لم یجب التثبت عند مجیء غیر الفاسق فاذا یجب القبول،و هو المطلوب،أو الردّ و هو باطل.

أورد علیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه بأنّ مفهوم الشرط عدم مجیء الفاسق بالنبإ،و عدم التبین هنا لأجل عدم ما یتبیّن،فالجملة الشرطیة هنا مسوقة لبیان تحقق الموضوع،کما فی قول القائل إن رزقت ولدا فاختنه و إن رکب زید فخذ رکابه و إن قدم من السفر فاستقبله و إن تزوجت فلا تضیّع حق زوجتک و إذا قرأت الدرس فاحفظه قال سبحانه: وَ إذا قُرئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمعُوا وَ إذا حُیّیتُمْ بتَحیَّةٍ فَحَیُّوا بأَحْسَنَ منْها أَوْ رُدُّوها إلی غیر ذلک مما لا یحصی. (3)

فکما انه لا مفهوم للامثلة المذکورة،فان الختان مثلا عند انتفاء رزق الولد منتف بانتفاء

ص:184


1- 1) المحاضرات لسیدنا الاستاذ المحقق الداماد 124/2-125
2- 2) الحجرات6/.
3- 3) فرائد الأصول:ص 72.

موضوعه عقلا،فکذلک فی المقام ینتفی وجوب التبین عن الخبر عند انتفاء مجیء الفاسق به، و لیس الانتفاء إلاّ لانتفاء موضوعه عقلا؛إذ مع عدم مجیء الفاسق بالخبر لا خبر فاسق هناک حتی یبحث عن وجوب تبینه أو عدمه.و بالجملة فالآیة لا مفهوم لها أو کان مفهومها هی السالبة بانتفاء الموضوع،و هو عقلی کما هو المفهوم فی کل قضیة حملیة.

و لعل المعیار فی الشرطیة المحققة للموضوع موجود فی الآیة الکریمة،و هو اتحاد الموضوع فی القضیة مع شرط الجزاء.

و أجاب عنه فی الکفایة بأن الموضوع فی القضیة هو النبأ الذی جیء به،و الواجب هو التبیّن،و الشرط لوجوب التبیّن هو مجیء الفاسق،فالقضیة حینئذ لا تکون مسوقة لبیان تحقق الموضوع،و قال:أن تعلیق الحکم بایجاب التبیّن عن النبأ الذی جیء به علی کون الجائی به الفاسق یقتضی انتفاءه عند انتفائه،و لا یرد علی هذا التقریر أن الشرط فی القضیة لبیان تحقق الموضوع فلا مفهوم له أو مفهومه السالبة بانتفاء الموضوع،فافهم نعم لو کان الشرط هو نفس تحقق النبأ و مجیء الفاسق به کانت القضیة الشرطیة مسوقة لبیان تحقق الموضوع. (1)

و علیه فالموضوع فی القضیة هو النبأ،و الشرط للجزاء-و هو وجوب التبین-هو مجیء الفاسق بالنبإ،و بینهما مغایرة و لا اتحاد،فلیس الشرط محققا للموضوع بعد وجود المغایرة، کما لا یخفی.

و یشبه التقریر المذکور فی الکفایة ما افاده فی مصباح الاصول فی محتملات دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم من:أن الموضوع هو الجائی بالنبإ کما یستفاد من قوله عزّ و جلّ: إنْ جاءَکُمْ و الواجب هو التبین،و قد علق وجوب التبین علی شرط،و هو کون الجائی فاسقا، و یکون مفاد الکلام حینئذ أن الجائی بالنبإ أن کان فاسقا فتبیّنوا،فتدل القضیة علی المفهوم و انتفاء وجوب التبیّن عند انتفاء کون الجائی بالنبإ فاسقا. (2)

ص:185


1- 1) الکفایة:ج 2:83.
2- 2) مصباح الاصول:ج 2 ص 161.

و کیف کان فقد اورد المحقق الاصفهانی علی صاحب الکفایة بان ما ذهب الیه خلاف ظاهر الآیة الکریمة،لان متلو أداة الشرط هو مجیء الفاسق،لا فسق الجائی کی ینتفی الحکم بانتفاء کونه فاسقا مع حفظ مجیء الخبر حیث قال:لا یخفی علیک أن ظاهر الآیة من حیث وقوع مجیء الفاسق بوجوده الرابط فی تلو الشرطیة:أن المعلق علیه مجیء الفاسق بنحو وجوده الرابط،فینتفی الحکم بانتفائه،لا فسق الجائی به بوجوده الرابط کی ینتفی الحکم بانتفاء کونه فاسقا مع حفظ مجیء الخبر،فان الواقع موقع الفرض و التقدیر هو مجیء الفاسق، لا فسق الجائی،فکیف یکون المجیء مفروغا عنه؟!و بالجملة فرق بین ما لو قیل أن کان الجائی بالخبر فاسقا و ما لو قیل إن کان الفاسق جائیا بالخبر،و مفاد الآیة تحلیلا هو الثانی، و ما یجدی فی المقام هو الأول. (1)

و تبعه فی مصباح الاصول حیث قال-بعد ذکر محتملات الآیة الشریفة بحسب مقام التصور و مقام الثبوت-و الظاهر منها فی مقام الاثبات بحسب الفهم العرفی هو هذا،(و هو ما ذکره المحقق الاصفهانی)و أوضحه فی مصباح الاصول حیث قال:و أمّا أن کان الموضوع هو الفاسق،و له حالتان:لان الفاسق قد یجیء بالنبإ و قد لا یجیء به،و علق وجوب التبین علی مجیئه بالنبإ،و یکون مفاد الکلام حینئذ أن الفاسق إن جاءکم بنبإ فتبیّنوا فلا دلالة للقضیة علی المفهوم؛لان التبیّن متوقف علی مجیئه بالنبإ عقلا،فتکون القضیة مسوقة لبیان الموضوع؛إذ مع عدم مجیئه بالنبإ کان التبین منتفیا بانتفاء موضوعه،فلا مفهوم للقضیة الشرطیة فی الآیة المبارکة.

و قال أیضا:لا فرق بین الآیة الشریفة و بین قولنا أن اعطاک زید درهما فتصدق به من حیث المفهوم،و الظاهر من هذا الکلام بحسب متفاهم العرف وجوب التصدق بالدرهم علی تقدیر اعطاء زید ایاه،و اما علی تقدیر عدم اعطاء زید درهما فالتصدق به منتف بانتفاء موضوعه.

و ذلک لأنّ الموضوع بحسب فهم العرف هو زید،و له حالتان:فانه قد یعطی درهما و قد

ص:186


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 75.

لا یعطیه،و قد علق وجوب التصدق بالدرهم علی اعطائه ایاه،و هو متوقف علیه عقلا؛إذ علی تقدیر عدم اعطاء زید درهما یکون التصدق به منتفیا بانتفاء موضوعه،فالقضیة مسوقة لبیان الموضوع،و لا دلالة لها علی المفهوم،و انتفاء وجوب التصدق بالدرهم عند اعطاء غیر زید ایّاه.و الآیة الشریفة من هذا القبیل بعینه،فلا دلالة لها علی المفهوم،و لا أقل من الشک فی أن مفادها هو المعنی الأول أو الثانی أو الثالث،فتکون مجملة غیر قابلة للاستدلال بها علی حجیة خبر العادل. (1)

و یمکن أن یقال:أن المستظهر من القضایا الشرطیة فی الأحکام القانونیة هو جعل طبیعة الموضوع مقسما بین المنطوق و المفهوم،و حینئذ لا یکون الشرط قیدا له إلاّ اذا قامت قرینة علی التقیید.و من المعلوم أن الموضوع حینئذ لا یساوی مع الشرط،بل هو اعم منه، و مقتضاه هو کون الحکم المشروط مترتبا علی حصة من الطبیعی،فحینئذ یدل علی المفهوم بالنسبة الی الحصص الاخری فیما اذا انتفی الشرط،کما لا یخفی.

ففی مثل السلام مما له أحکام مختلفة،إذا قیل إذا جاءکم مؤمن بسلام فأجیبوه کان ظاهره انه أن لم یجئ مؤمن بسلام فلا یجب الجواب بالسلام.و وجه ذلک أن السلام مما له أحکام مختلفة،و یستظهر من الجملة الشرطیة أن الموضوع هو طبیعة السلام و له أحکام، و لیس الموضوع هو السلام الخاص الذی جاء به المؤمن حتی تکون القضیة مسوقة لبیان تحقق الموضوع و یتوقف علی الموضوع المذکور عقلا و لا یکون له مفهوم.

ففی الآیة الکریمة یکون النبأ موضوعا طبیعیا لا موضوعا خاصا،و قوله تعالی: إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ یدل علی حکم من أحکام هذه الطبیعة،و حیث أن الموضوع مع عدم الشرط محفوظ،فللقضیة حینئذ مفهوم،و هو أنه اذا لم یجئ فاسق بنبإ بل جاء عادل فلا یجب التبیّن،هذا بخلاف الشرطیة المحققة للموضوع؛فان الموضوع فیها لا یکون محفوظا بدون الشرط،کما لا یخفی.

ص:187


1- 1) مصباح الأصول:2:161 و 162.

و مما ذکرنا یظهر النظر فی قیاس المقام بمثل قولهم أن اعطاک زید درهما فتصدق به،فان المقیس علیه لیس الموضوع إلاّ الخاص المذکور،و لا مجال لتجرید الموضوع عن الخصوصیات؛لانه مع الخصوصیات یکون موردا لوجوب التصدق کما لا یخفی.

و بعبارة اخری:لیس الموضوع هو طبیعة العطاء حتی یقال أن کان ذلک من زید فیجب التصدق به و إن لم یکن فلا یجب،بل الموضوع هو حکم عطاء خاص و هو عطاء زید؛ و التجرید عند العرف مخصوص بالموضوعات التی تکون لها عند العرف أحکام عدیدة کالنبإ و السلام و نحوهما،لا مثل عطاء خاص کعطاء زید.

و لقد افاد و أجاد فی نهایة الأفکار حیث قال:لا شبهة فی أن استخراج المفهوم من القضایا یحتاج الی تجرید ما هو الموضوع المذکور فیها فی طرف المفهوم من القیود التی ارید استخراج المفهوم من جهتها شرطا أو وصفا أو غایة،ففی مثل أن جاءک زید یجب اکرامه لا بد فی استخراج مفهوم الشرط منه من تجرید الموضوع الذی هو زید من اضافته الی المجیء بجعله عبارة عن نفس الذات مهملة،و إلاّ ففی فرض عدم تجریده منه لم یبق مجال لاستخراج المفهوم منه؛لکونه حینئذ من السالبة بانتفاء الموضوع،فان الموضوع و ما یرجع الیه الضمیر فی قوله یجب اکرامه یکون عبارة عن زید المقید بالمجیء.و من الواضح أن الانتفاء عند الانتفاء حینئذ لا یکون إلاّ من باب السلب بانتفاء الموضوع من جهة انتفاء المقید بانتفاء قیده.و هذا بخلاف تجریده عن الخصوصیة؛اذ معه کان المجال لحفظ الموضوع فی طرف المفهوم،فأمکن استخراج مفهوم الشرط من القضیة المزبورة...الی أن قال:و اذا عرفت ذلک نقول:أن المحتملات المتصورة فی الشرط فی الآیة الشریفة ثلاثة:

منها:کون الشرط فیها نفس المجیء خاصة مجردا عن متعلقاته،و علیه یتم ما افاده الشیخ من انحصار المفهوم فیها بالسالبة بانتفاء الموضوع؛فان لازم الاقتصار فی التجرید علی خصوص المجیء هو حفظ اضافة الفسق فی ناحیة الموضوع بجعله عبارة عن النبأ المضاف الی الفاسق،و لازمه هو کون الانتفاء عند الانتفاء من باب السلب بانتفاء الموضوع؛

ص:188

لضرورة انتفاء الموضوع-و هو النبأ الخاص-بانتفاء الشرط المزبور.

و منها:کون الشرط هو المجیء مع متعلقاته،و لازمه بعد تجرید الموضوع عن اضافته الی المجیء الخاص هو کون الموضوع نفس النبأ مجردا عن اضافته الی الفاسق أیضا،لا النبأ الخاص کما فی الفرض السابق.

و علیه یکون للغایة مفهومان:أحدهما السالبة بانتفاء الموضوع،و ثانیهما السالبة بانتفاء المحمول؛لان عدم مجیء الفاسق بالنبإ یعم مجیء العادل به،فلا یلزم من عدم مجیئه به انتفاء ما یتبین عنه بقول مطلق حتی ینحصر المفهوم فی القضیة بالسالبة بانتفاء الموضوع.

و منها:کون الشرط عبارة عن الربط الحاصل بین المجیء و الفاسق الذی هو مفاد کان الناقصة،و لازمه بمقتضی ما ذکرنا هو الاقتصار فی التجرید علی خصوص ما هو المجعول شرطا اعنی النسبة الحاصلة بین المجیء و الفاسق...الی أن قال:

و لکن الأخیر منها فی غایة البعد؛لظهور الجملة الشرطیة فی الآیة فی کون الشرط هو المجیء أو هو مع اضافته الی الفاسق،لا الربط الحاصل بین المجیء و الفاسق بما هو مفاد کان الناقصة مع خروج نفس المجیء عن الشرطیة کی یلزمه ذکر من کون الموضوع فیها هو النبأ المجیء به.

و یتلوه فی البعد الوجه الأول الذی مرجعه الی کون الشرط هو المجیء فقط؛فان ذلک أیضا مما ینافی ظهور الآیة المبارکة،فان المتبادر المنساق منها عرفا کون الشرط هو المجیء بما هو مضاف الی الفاسق،بل و هو المتبادر عرفا فی امثال هذه القضیة نحو أن جاءک زید بفاکهة یجب تناولها؛لظهوره فی کون الشرط لوجوب التناول هو مجیء زید بها.

و علیه فکما یجب تجرید الموضوع فی المقام عن اضافته الی المجیء کذلک یجب تجریده عن متعلقاته،فیکون الموضوع و ما یتبین عنه نفس طبیعة النبأ،لا النبأ الخاص المضاف الی الفاسق،و لازمه جواز التمسک باطلاق المفهوم فی الآیة؛لعدم انحصاره حینئذ بخصوص السالبة بانتفاء الموضوع،فتمام الاشکال المزبور ناش عن تخیل کون الموضوع لوجوب التبین

ص:189

هو النبأ الخاص المضاف الی الفاسق،و إلاّ فمع فرض تجریده عن تلک الخصوصیة لا یبقی مجال للاشکال المزبور. (1)

و لقد أفاد و اجاد،و لکنه لم یفد وجه تجرید الموضوع عن الخصوصیات و جعله موضوعا فی القضیة بنحو یکون موجودا و لو مع عدم الشرط.و قد عرفت الوجه فی ذلک؛ فانه حصیلة کون القضایا قضایا قانونیة لا شخصیة خارجیة و کون الموضوعات مما له أحکام عدیدة کالنبإ و السلام و نحوهما،فاذا ورد عن الشارع مثل إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا یستظهر منه عرفا أن الشارع فی مقام بیان أحکام طبیعی النبأ؛لانه مما یبتنی علیه أمور المجتمع الاسلامی.هذا یوجب تجرید الموضوع عن الخصوصیات الدالة علیه الشرط و جعله موضوعا للقضیة الحقیقة،و یکون الشرط المذکور حکم حصة من حصص موضوع القضیة الحقیقیة.و لعل جعل الشرط إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ دون«أن جاءکم عادل» من جهة اهمیة بیان حکم هذه الحصة فی ذلک الزمان؛لما حکی من قصة الولید.

و بالجملة أمثال هذه القضایا ترجع عند العرف الی تجرید الموضوع و جعله موضوعا للقضیة الحقیقیة،و لا فرق فیها بین أن یقال أن جاءکم فاسق بنبإ فتبیّنوا أو یقال أن جاءکم عادل بنبإ فلا یجب التبین بل یجب القبول،ففی کلا التقدیرین یکون الموضوع مجردا عن خصوصیات متلو الشرط و الشرط فی مقام بیان حصة من الموضوع،و حینئذ یکون له مفهوم،کما لا یخفی.

فالوجه فی تجرید الموضوع هو حکم العرف بأن الموضوع اعم،و لا یختص بالخصوصیات المذکورة فی متلو الشرط،و إلاّ فالاحتمالات المذکورة یمکن تصویرها فی بعض القضایا المحققة للموضوع أیضا کقوله أن رزقت ولدا فاختنه حیث یمکن أن یجعل الموضوع هو الولد و یقال أن رزقت به فاختنه،فمفهومه أن لم ترزقه فلا یجب علیک ختانه سواء وجد الولد أو لم یوجد،کما أن تقید الموضوع فی بعض القضایا أمر ممکن.و دعوی

ص:190


1- 1) نهایة الأفکار:ج 3،ص 111-122.

وجوب تجرید الموضوع عن جمیع الخصوصیات،محتاج الی الدلیل،و لا دلیل له إلاّ الاستظهار العرفی بحسب اختلاف الموضوعات و اهمیتها،فلا تغفل.

هذا،مضافا الی أن الوجه الثالث غیر بعید؛فان مفاده یرجع الی أن الجائی بالخبر إن کان فاسقا فیجب التبین و إن لم یکن کذلک فلا یجب،و لا یضر کون المجیء من قیود النبأ؛فان المجیء بما هو المجیء یکون من قیوده.و أما خصوصیة کونه من فاسق فهو مما یفیده الشرط، و علیه فالموضوع علی الوجه الثالث هو مجرد النبأ المجیء به،و هو أعم،فتدبّر جیدا.

لا یقال:التحقیق أن تجرید النبأ عن الاضافة الی الفاسق لا یخرج المعلق علیه عن کونه محققا للموضوع؛اذ لا حقیقة للنبإ إلاّ بصدوره من مخبر،و کون المعلق علیه ذا بدل لا یخرجه عن کونه محققا للموضوع؛فانّ المناط انتفاء الموضوع بانتفاء المعلق علیه.و من الواضح انتفاء النبأ بانتفاء مجیء الفاسق و العادل،بخلاف مثل أن جاءک زید فأکرمه؛فان زیدا محفوظ و لو مع انتفاء المجیء و انتفاء کل ما یفرض بدلا للمجیء. (1)

لأنا نقول:الظاهر هو الخلط بین القضیة الحقیقیة و القضیة الخارجیة،و ما ذکره لا یتم فی الاولی؛فان المقصود إن کان أن النبأ لا یتحقق فی الخارج من دون مخبر فلا کلام فیه،و لکن یمکن مع ذلک ملاحظة طبیعة النبأ فی الذهن بحیث تحکی عن حصصها فی الخارج،و بیان حکم حصصها باعتبار اختلاف مخبریها بأن یقال:إن کان المخبر فی النبأ فاسقا فلیس نبأه حجة،و إن کان عادلا فنبأه حجة،کما أن الامر کذلک فی مثل قولنا:السلام إن کان من مؤمن فجوابه واجب؛فان مفهومه انه إن کان من کافر فلا یجب،مع أن السلام لا حقیقة له إلاّ بصدوره من المتکلم فی الخارج.

و لکن ذلک لا ینافی امکان ملاحظة الموضوع بنحو القضیة الحقیقیة مستقلا عند اعتبار القضیة،و معنی استقلاله هو انه اعم،و مع کونه اعم فمفهومه هو انتفاء الحکم بانتفاء حصة من الموضوع الملحوظ مستقلا؛لظهور الشرط فی کونه علة منحصرة للحکم المعلق علیه،کما لا یخفی.

ص:191


1- 1) نهایة الدرایة:2:76.

هذا مضافا الی أن ما ذکره من أن حقیقة النبأ لا یتصور إلاّ بالصدور من مخبر یصح فیما اذا کان المقصود من النبأ هو معناه المصدری،و اما اذا ارید من النبأ معناه الاسم المصدری مع قطع النظر عن مخبره فیمکن لحاظه مستقلا فی عالم الخبر.نعم ظاهر قوله إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ ،هو معناه المصدری،فتدبّر جیدا.

لا یقال:إن کان المراد أن الموضوع هو طبیعة النبأ المقسم لنبأ العادل و الفاسق فاللازم علی تقدیر تحقق الشرط وجوب التبیّن فی طبیعة النبأ و إن کانت متحققة فی ضمن خبر العادل،و إن کان المراد أن الموضوع هو النبأ الموجود الخارجی فیجب أن یکون التعبیر باداة الشرط باعتبار التردید؛لأن النبأ الخارجی لیس قابلا لأمرین،فعلی هذا ینبغی أن یعبّر بما یدل علی المضی لا الاستقبال. (1)

لانا نقول:مضافا الی النقض بمثل العالم إن کان فقیها یجب اکرامه فانّه لا یدل علی وجوب اکرام طبیعة العالم،بل یدل علی اکرام الفقیه،مع أن العالم هو طبیعة العالم و تقسم لکل صنف من اصناف العالم-یمکن الجواب عنه حلاّ بما فی نهایة الدرایة من أنّه علی تقدیر جعل الموضوع طبیعی النبأ لیس المراد من الطبیعة المطلقة بنحو الجمع بین القیود بحیث یکون المراد منه الطبیعة المتحققة فی ضمن نبأ العادل و الفاسق معا.

بل المراد هو اللابشرط القسمی أی طبیعی النبأ الغیر الملحوظ معه نسبة الی الفاسق و لا عدمها و إن کان هذا الطبیعی یتحصّص من قبل المعلق علیه وجودا و عدما،فیتحقق هناک حصتان:إحداهما موضوع وجوب التبین،و الاخری موضوع عدم وجوب التبیّن،و لا منافاة بین أن یکون الموضوع الحقیقی لکل حکم حصة مخصوصة و أن یکون الموضوع فی الکلام رعایة للتعلیق المفید لحکمین منطوقا و مفهوما نفس الطبیعی الغیر الملحوظ معه ما یوجب تحصّصه بحصتین وجودا و عدما. (2)

ص:192


1- 1) الدرر:384.
2- 2) نهایة الدرایة:2:76.

لا یقال:أن الموضوع و إن کان ذات النبأ و طبیعته إلاّ أن الموضوع فی الأحکام هو الطبیعی الموجود فی الخارج،و تکون الذات مأخوذة مفروضة الوجود،و لیس الحال فیه کالمتعلق.

و علیه فموضوع الحکم هو النبأ الموجود.و من الواضح أن النبأ الموجود لا یخلو الحال فیه إما أن یکون نبأ فاسق أو نبأ عادل،و لا یقبل الانقسام الی کلتا الحالتین،و لازم ذلک هو استعمال الاداة الداخلة علی مجیء الفاسق فی معنی الفرض و التقدیر،نظیر ما لو رأی المولی شبحا فقال لعبده:إن کان هذا زیدا فأکرمه؛فان الشبح لا یقبل عروض الزیدیة علیه تارة و العمریة أخری،بل هو أما زید أو عمرو،فالاداة تستعمل فی معنی الفرض و التقدیر،لا فی معنی الشرطیة؛إذ لیس هناک جامع بین الحالتین یتوارد علیه النفی و الاثبات کی یعلّق الاثبات علی شیء،بل الشبح یدور بین متباینین.و ما نحن فیه من هذا القبیل،و لا یمکن استفادة المفهوم منه؛لعدم قابلیة النبأ الموجود للانقسام الی کلتا الحالتین. (1)

لانا نقول:مضافا الی النقض بمثل العالم إن کان فقیها یجب تقلیده،فان الموضوع فیه مفروض الوجود،و مع ذلک یدل علی المفهوم-أن هذا مبنی علی کون القضیة خارجیة و اشتباه الموضوع الخارجی،و المفروض خلافه؛لأن القضیة حقیقیة و الموضوع طبیعی النبأ فی ایّ فرد وجد و لا اشتباه فی الخارج.و من المعلوم أن طبیعی النبأ بالنحو المذکور له افراد مختلفة بحسب الوجود الخارجی،فلعل حصة من الطبیعی الموجود فی الخارج هو حکمه،فاذا خصّص بعض الحصص الموجودة من الطبیعة بحکم عند شرط کذا یدل بمفهومه علی انتفاء هذا الحکم عن غیر هذه الحصص من سائر حصص الطبیعة الموجودة،و لا ریب فی أن هذا مفهوم مستفاد من تعلیق الحکم علی حصة من الطبیعة عند شرط کذا،فلا تغفل.

إن قلت:أن ما هو عمدة الملاک فی ثبوت اصل المفهوم للشرط علی تقدیر تسلیمه لا یتأتی فی المقام.

ص:193


1- 1) منتقی الاصول:4:262-263.

بیان ذلک:أن عمدة الملاک هو التمسک باطلاق الشرط بلحاظ تأثیره فی الجزاء بقول مطلق سواء قارنه أو سبقه شیء آخر أولا.و هذا کما قیل یلازم العلیة المنحصرة؛إذ لو کان غیره شرطا کان التأثیر له لو سبقه و لهما أو للجامع بینهما لو قارنه،و هذا ما ینفیه الاطلاق.

و لا یخفی أن هذا المعنی انما یتم لو فرض أن تأثیر غیر الشرط المذکور فی الکلام فی تحقق الجزاء ینافی تأثیر الشرط المذکور فیه بقول مطلق.

أما لو فرض عدم منافاته لذلک،بل کان تأثیر غیره فی الجزاء لا ینافی تأثیره فیه و لو وجد متأخرا عن غیره لم ینفع الاطلاق فی اثبات العلیة المنحصرة کما لا یخفی،و ما نحن فیه من هذا القبیل؛فانه لو فرض انه یجب التبیّن عن خبر العادل فهذا لا ینافی وجوب التبیّن عن خبر الفاسق و لو وجد بعد خبر العادل؛لان کلاّ منهما موضوع مستقل.

و بعبارة اخری:أن وجوب التبیّن فی الآیة الشریفة کنایة عن عدم الحجیة،و من الواضح أن نفی الحجیة عن خبر العادل لا ینافی نفی الحجیة عن خبر الفاسق سواء کانا معا أو کان أحدهما متقدما و الآخر متأخرا،و علیه فلا ینفع التمسک باطلاق الآیة الشریفة فی اثبات انحصار الشرط. (1)

قلت:أن الملاک فی ثبوت المفهوم هو أمران:أحدهما هو افادة الشرط للاناطة،و ثانیهما هو افادة اطلاق الشرط أن العلة للجزاء منحصرة فی الشرط المذکور من دون حاجة الی الضمیمة و لیس له البدل،و هذا یقتضی عدم شرطیة شیء آخر للجزاء،و إلاّ فهو مناف لدلالة الاطلاق علی انحصار الشرط المذکور فی ترتب سنخ الجزاء.

و هذا المعنی موجود فی المقام؛فان اطلاق قوله تعالی: إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا یدلّ علی أن سنخ الجزاء-و هو وجوب التبین-مترتب علی خصوص مجیء الفاسق،لا غیره و هو مجیء العادل،و لا بضمیمة الغیر؛فانه لو کان للغیر تأثیر لزم أن یقال:أن جاءکم فاسق أو عادل أو جاءکم فاسق و عادل وجب التبیّن،و حیث اقتصر علی قوله أن جاءکم

ص:194


1- 1) منتقی الاصول:4:260 و 261.

فاسق دل علی أن مجیء الفاسق علة تامة منحصرة لترتب سنخ الجزاء و هو وجوب التبین.

و علیه فتأثیر غیر الشرط المذکور فی الجزاء المذکور ینافی تأثیر الشرط بنحو العلة التامة المنحصرة المدلول علیها بالاطلاق فی الشرط.

نعم لو لم یدل اطلاق الشرط إلاّ علی مجرد علیة الشرط لحصة من الجزاء تمّ ما ذکر؛لعدم منافاة تأثیر شیء آخر فی حصة اخری من الجزاء،و لکنه خلاف المفروض کما لا یخفی،فاذا دلت القضیة علی العلیة المنحصرة لعدم الحجیة فی حصص من النبأ کنبإ الفاسق ینافیها اثبات عدم الحجیة فی غیر تلک الحصص،کما لا یخفی.

إن قلت:امکان رجوع الآیة الی أن النبأ المجاء به إن کان الجائی به العادل فلا تبیّنوه، فیکون النبأ موجودا و موضوعا و مجاء به عندنا،فتخرج القضیة عن الانتفاء بانتفاء الموضوع،غیر سدید؛لان ذلک البیان یجری فی مثل إن رزقت ولدا لا مکان أن یکون المعنی الولد المرزوق إن کنت رزقت به فاختنه،و المفهوم حینئذ لیس من السلب بانتفاء الموضوع، مع أن العرف لا یساعد ذلک،فکما أن العرف لا یساعد هناک فکذلک لا یساعد ذلک فی المقام. (1)

قلت:إنّ المناط کما اعترفت هو العرف،ففی مثل أن رزقت ولدا لا داعی الی ارجاع القضیة الی الموضوع الکلی؛لانه قضیة شخصیة ناظرة الی الولد المرزوق للمخاطب،هذا بخلاف القضایا الشرعیة الکلیة؛فان المقصود منها لیس قضیة شخصیة،بل المراد منها هو بیان الأحکام الکلیة لموضوعها الکلی.و هذا وجه الفرق بین تلک القضایا و القضایا الشخصیة،و حیث أن الآیة الکریمة لیس المقصود منها هو بیان حکم مورد و شخص خاص،فیحمل الموضوع فیها علی الموضوع الکلی بالمناسبات المذکورة،فلا تغفل.

و لقد أفاد و أجاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه حیث قال الظاهر من الآیة کون الموضوع هو النبأ لا نبأ الفاسق حیث إنّ قوله تعالی إن جاءکم فاسق بنبإ فتبیّنوا فی قوة ان

ص:195


1- 1) راجع،تحریرات فی الاصول:ج 6 ص 475.

یقال النبأ إن جاء الفاسق به یجب التبیّن فإنّه لا فرق بین العبارتین أصلا و لا مجال للإشکال و الشک و الارتیاب فی أن الموضوع فی العبارة الثانیة التی فی قوة الأولی هو النبأ. (1)

فتحصل مما تقدم انه بناء علی ثبوت المفهوم للقضایا الشرطیة و حجیته لا اشکال فی الآیة من جهة کونها صغری لتلک الکبری؛لما عرفت من أن الموضوع فیها هو النبأ اذا جاء به الفاسق فتبیّنوا،فالموضوع فی القضیة لا یساوی مع موضوع الحکم المشروط و هو وجوب التبین بشرط مجیء الفاسق؛لان الشرط حصة خاصة من ایجاد الموضوع لا تمامه، و علیه یمکن أن یوجد النبأ بنحو آخر،و هو مجیء العادل و علیه فحصر التبین فی نبأ الفاسق یدل علی حجیة نبأ العادل.

قال الشهید الصدر قدّس سرّه:و لیعلم أن الشرط یمکن أن یصنّف الی ثلاثة انحاء:

الأول أن یکون الشرط عبارة عن سنخ تحقق الموضوع و نحو وجوده بحیث لا یتصور للموضوع وجود إلاّ بالشرط کقولک اذا رزقت ولدا فاختنه،فان الفرق بین الشرط أو الموضوع للحکم فی المثال کالفرق بین الایجاد و الوجود.

الثانی:أن یکون الشرط اجنبیا عن وجود الموضوع،و انما هو امر طارئ کقولک أن جاءک زید فأکرمه.

الثالث:أن یکون الشرط نحوا من وجود الموضوع و لکنه غیر منحصر به بل یمکن أن یوجد الموضوع بنحو آخر،کما هو فی الآیة الکریمة لو جاءت بعنوان النبأ اذا جاءکم به الفاسق فتبینوا فان مجیء الفاسق یراد به انباؤه و ایجاد النبأ،إلاّ أنه لا ینحصر وجوده به؛إذ یعقل وجوده بإنباء العادل أیضا،فالشرط فی هذا القسم حصة من الایجاد،فکانه قال النبأ اذا أوجده الفاسق فتبینوا.

و لا اشکال فی عدم المفهوم علی النحو الاول،کما لا اشکال فی ثبوته فی النحو الثانی...الی أن قال(فی ثبوت المفهوم فی النحو الثالث):أن الموضوع ذاتا محفوظ حتی مع انتفاء الشرط؛

ص:196


1- 1) المحاضرات سیدنا الاستاذ 2:126.

اذ الشرط حصة خاصة من ایجاد ذلک الموضوع،فلا یکون انتفاؤه مساوقا مع انتفاء الموضوع لیکون الانتفاء عقلیا أو التقیید مستحیلا.

و هکذا یثبت أن الصحیح ثبوت المفهوم فی القسم الثالث کالقسم الثانی،و اما تشخیص أن الآیة من ایّ هذه الاقسام،فاذا کان مفادها«نبأ الفاسق اذا جیء به أو جاءکم الفاسق به فتبیّنوا»کان من القسم الأول لا محالة؛لان انتفاء نبأ الفاسق بانتفاء مجیئه عقلی.

و إذا کان مفادها«النبأ اذا جاء به الفاسق فتبینوا»کان من القسم الثالث کما اشرنا.

و اذا کان مفادها نبأ المخبر یجب التبین عنه اذا کان الجائی به فاسقا کان من القسم الثانی؛ لان فسق المخبر بخبر حالة طارئة بلحاظ الموضوع.

و لا ینبغی الاستشکال فی أن المستظهر من الآیة المعنی الثانی الوسط،فتکون الشرطیة من القسم الثالث الذی فیها مفهوم بحسب طبعها. (1)

ثم أن وجه استظهار أن الموضوع لا ینحصر وجوده فی وجود الشرط هو العرف،فانه یستظهر من القضایا الشرعیة أن الموضوع فیها کلی،و لیس الموضوع فیها کالموضوع فی القضایا الخارجیة،و حمل القضایا الشرعیة التی لا تختص بقوم دوم قوم و لا بزمان دون زمان علی القضایا الخارجیة یستبعده العرف،و هو کاف فی استظهار أن الموضوع کلی و لا ینحصر وجوده فی وجود الشرط حتی یکون الشرط محققا للموضوع،کما أن العرف یستظهر من قولهم اذا جاءک المؤمن بسلام فأجبه أن الموضوع هو طبیعة السلام و لا تنحصر وجودها فی وجود الشرط.

و علیه فلا حاجة الی وجه آخر مثل ما حکی عن الشهید الصدر قدّس سرّه من أن وجه الاستظهار هو رجوع الضمیر الواقع موضوعا لوجوب التبین الی النبأ،و هو مطلق لیس مقیدا بالفاسق؛إذ لم یقل أن جاءکم نبأ الفاسق لکی یتحصص. (2)

ص:197


1- 1) مباحث الحجج:ج 1 ص 351-353.
2- 2) مباحث الحجج:ج 1 ص 353 ذیل الصفحة.

حتی یرد علیه بان هذا المقدار الظاهر غیر کاف للاستظهار؛لان الضمیر یرجع الی المقصود من مرجعه أو المقید لا مطلقه،فلو قال اذا جاءک رجل فأکرمه لا یدل علی کفایة اکرامه رجل و لو غیر الجائی،بل المستفاد منه لزوم اکرام الرجل الجائی الملحوظ فی الشرط رغم عدم اضافة الرجل الی المجیء،کذلک الحال فی المقام،فان المقصود التبین عن النبأ الذی جاء به الفاسق لا مطلق النبأ،خصوصا و أن الضمیر فی وجوب التبین مقدر و لیس ظاهرا. (1)

ثم لا یذهب علیک أن الشهید الصدر قدّس سرّه ذهب فی النهایة الی عدم دلالة آیة النبأ علی المفهوم،و استدل علیه بان الآیة لم تفترض النبأ موضوعا فی المرتبة السابقة علی تحقق الشرطیة و التعلیق،بل قد افترض مجموع مفاد الجملة الشرطیة بافتراض واحد.و من هنا لا یکون لها مفهوم.

نعم لو قال:النبأ اذا جاءکم فاسق به فتبیّنوا أو قال أن جاءکم فاسق بالنبإ فتبینوا کان النبأ الموضوع للحکم فی الجزاء مفروضا بقطع النظر عن التعلیق بافتراض مسبق اما لتقدیمه کموضوع للحکم أو للتعریف المشعر بذلک و المستبطن للافتراض،و نفس الشیء یقال فی أن اعطاک زید درهما فخذه و أن اعطاک زید الدرهم فخذه،حیث لا مفهوم للاولی بخلاف الثانیة.و لعل هذا هو الوجه الفنی لذهاب الشیخ الأعظم الی عدم المفهوم فی الآیة الکریمة. (2)

و ذلک لما عرفت من أن العرف بمناسبة الحکم و الموضوع و کلیة القضایا الشرعیة و عدم اختصاصها بالموارد الخاصة یفهم أن الموضوع فی الآیة الکریمة مقدم رتبة علی تحقق الشرط،کما ذکرنا انهم یستفیدون من قولهم اذا جاءک المؤمن بسلام فأجبه أن الموضوع هو السلام و مقدم علی الشرطیة،و لذا یفهمون منه المفهوم،فکذلک فی المقام.

لا یقال:أن اللازم فی المفهوم هو حفظ الموضوع فی المنطوق،و المفهوم و الموضوع فی الآیة

ص:198


1- 1) مباحث الحجج:ج 1 ص 353 ذیل الصفحة.
2- 2) مباحث الحجج:ج 1 ص 356.

الکریمة هو الفاسق.و علیه فمفهوم الشرط فی الآیة لا یدل إلاّ علی عدم وجوب التبین عند عدم مجیء الفاسق بالنبإ لا عند مجیء العادل بالنبإ؛إذ اللازم فی المفهوم هو حفظ الموضوع فی المنطوق،و المفهوم،و لذا نقول:قولهم اذا جاء زید فاکرمه لا یدل مفهومه إلاّ علی أن زیدا اذا لم یجئ لا تکرمه،و اما عمرو یجب اکرامه أو لا یجب فهو ساکت عنه،نعم یمکن التمسک بمفهوم الوصف أو اللقب.بالنسبة الیه،کما سیأتی أن شاء اللّه تعالی.

لانا نقول:نعم لو کانت القضیة الشرطیة هی اذا جاء الفاسق بالنبإ،و أما اذا کانت القضیة بحکم العرف کما ذکرنا النبأ اذا جاءکم فاسق به فتبینوا فالموضوع هو النبأ لا الفاسق، و هو محفوظ فی المفهوم و المنطوق.

هذا غایة ما یمکن أن یقال فی وجه دلالة الآیة الکریمة علی مفهوم الشرط،فلیتدبّر.

الوجه الثانی: الاستدلال بمفهوم الوصف

الاستدلال بمفهوم الوصف فی الآیة الکریمة بدعوی أن حیثیة الخبر الواحد لو کانت مقتضیة لحرمة العمل لکان ذکر کلمة الفاسق لغوا،فذکره یدل علی دخالته فی ثبوت الحکم، أعنی حرمة العمل بدون تبین عند العمل. (1)

و هذا الاستدلال متفرّع علی دلالة الوصف علی المفهوم،فیستدل حینئذ بمفهوم الوصف.

و توضیحه-کما فی مصباح الاصول-أن التبین لیس واجبا نفسیا،بل هو شرط لجواز العمل بالخبر؛اذ التبین بلا تعلقه بعمل من الاعمال لیس بواجب یقینا بل لعله حرام؛فان التفحص عن کونه صادقا أو کاذبا یکون من باب التفحص عن عیوب الناس.و یدل علی کون الوجوب شرطیا مع وضوحه فی نفسه التعلیل المذکور فی ذیل الآیة الشریفة،و هو قوله تعالی: أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بجَهالَةٍ ،فیکون مفاد الآیة الشریفة أن العمل بخبر الفاسق یعتبر فیه التبین عنه،فیجب التبین عنه فی مقام العمل به،و یکون المفهوم بمقتضی التعلیق علی الوصف أن العمل بخبر غیر الفاسق لا یعتبر فیه التبین عنه،فلا یجب التبین عن خبر غیر

ص:199


1- 1) نهایة الاصول:ص 492.

الفاسق فی مقام العمل به. (1)و ما لم یجب التبین عنه عند العمل یکون حجة.

و یمکن أن یقال:أن التقریب و التوضیح فرع دلالة الوصف علی المفهوم،و هو ممنوع، قال شیخنا الأعظم قدّس سرّه:بأن المحقّق فی محله عدم اعتبار المفهوم فی الوصف،خصوصا فی الوصف الغیر المعتمد علی موصوف محقق،کما فی ما نحن فیه؛فانه اشبه بمفهوم اللقب. (2)

و دلالة الوصف علی أن الحکم لیس ثابتا للطبیعة،و إلاّ لکان ذکر الوصف لغوا لا تکفی لافادة نفی الحکم عن غیر مورد الوصف مطلقا؛لانه فرع کون الوصف علة تامة منحصرة، و هو ممنوع.

و قال فی مصباح الاصول أیضا:و الاستدلال بمفهوم الوصف غیر تام؛لان الوصف و إن کان یدل علی المفهوم،إلاّ أن مفهوم الوصف هو أن الحکم لیس ثابتا للطبیعة اینما سرت،و إلاّ لکان ذکر الوصف لغوا.و اما کون الحکم منحصرا فی محل الوصف بحیث ینتفی بانتفائه فهو خارج عن مفهوم الوصف،و یحتاج الی اثبات کون الوصف علة منحصرة.و لا یستفاد ذلک من نفس الوصف،فان تعلیق الحکم علی الوصف لو سلم کونه مشعرا بالعلیة لا یستفاد منه العلة المنحصرة یقینا،بل یحتمل وجوب التبین عن خبر العادل أیضا اذا کان واحدا،و یکون الفرق بین العادل و الفاسق أن خبر الفاسق یجب التبین عنه و لو مع التعدد بخلاف خبر العادل؛إذ مع التعدد یکون بینة شرعیة لا یجب التبین عنها.فتحصّل:انه لا یستفاد من مفهوم الوصف انتفاء وجوب التبین عند انتفاء وصف الفسق. (3)

نعم لو علم أن المتکلم فی مقام بیان العلة المنحصرة لوجوب التبین و اکتفی بالفاسق دل الوصف علی المفهوم،و لکن من أین حصل ذلک العلم،فلا تغفل.

و مما ذکر یظهر ما فی المحکی عن سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه من أنه لا کلام فی دلالة الوصف المذکور فی القضیة علی أن له مدخلیته فی الحکم بنحو من الانحاء فان ذلک مما

ص:200


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 152 و 153.
2- 2) فرائد الاصول:ص 72.
3- 3) مصباح الاصول:ج 2 ص 152 و 153.

لا سبیل الی انکاره و إنّما انکر مفهوم الوصف من انکره لما رأی من أن غایة ما یمکن استفادته من الکلام دخالة مفهوم الوصف و اما انه دخیل فی اصل الحکم او فی مرتبة من مراتبه فلا و لا طریق الی استظهار المفهوم من هذه الجهة و قد قلنا أن هذا المقال یختص بما اذا کان الحکم ذا مراتب کالوجوب و الاستحباب و الحرمة و الکرامة و اما اذا لم یکن کذلک مثل اصل الجواز من الاحکام التکلیفیّة و مثل جمیع الاحکام الوضعیة فلا بد فیه من الالتزام بدخالة الوصف فی اصل الحکم و هذا عبارة اخری عن المفهوم و من البدیهی أن الحجیة کانت من الاحکام الوضعیة نظیر الصحة و نحوها فلا تقبل الشدة و الضعف اصلا (1)و ذلک لما عرفت من أن المفهوم متفرع علی استفادة العلة المنحصرة فما دام لم یعلم بانحصار علیته الوصف لا دلالة علی المفهوم و لا فرق فیه بین کون الحکمة ذا مراتب و عدمه.

مانعیة التعلیل عن انعقاد المفهوم

ثم لا یذهب علیک أنه لو تم ما ذکر من دلالة الآیة الکریمة علی المفهوم لا یخلو الاستدلال بها عن اشکال آخر،و هو-علی ما فی فرائد الاصول-أن المحکی عن العدة و الذریعة و الغنیة و مجمع البیان و المعارج و غیرها انا لو سلمنا دلالة المفهوم علی قبول خبر العادل الغیر المفید للعلم لکن نقول:أن مقتضی عموم التعلیل،وجوب التبین فی کل خبر لا یؤمن الوقوع فی الندم من العمل به و إن کان المخبر عادلا،فیعارض المفهوم،و الترجیح مع ظهور التعلیل.

لا یقال:أن النسبة بینهما و إن کان عموما من وجه،فیتعارضان فی مادة الاجتماع و هی خبر العادل الغیر المفید للعلم،و لکن یجب تقدیم عموم المفهوم و ادخال مادة الاجتماع فیه؛ إذ لو خرج عنه.و انحصر مورده فی خبر العادل المفید للعلم کان لغوا،لانّ خبر الفاسق المفید للعلم أیضا واجب العمل،بل الخبر المفید للعلم خارج عن المنطوق و المفهوم معا،فیکون المفهوم أخص مطلقا من عموم التعلیل.

ص:201


1- 1) المحاضرات سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه 132/2.

لانا نقول:ما ذکره اخیرا من أن المفهوم اخص مطلقا من عموم التعلیل مسلم إلاّ أنا ندعی التعارض بین ظهور عموم التعلیل فی عدم جواز العمل بخبر العادل الغیر العلمی و ظهور الجملة الشرطیة أو الوصفیة فی ثبوت المفهوم،فطرح المفهوم و الحکم بخلوّ الجملة الشرطیة عن المفهوم أولی من ارتکاب التخصیص فی التعلیل. (1)

و یمکن الجواب عنه بما افاده فی الدرر من أن التعلیل لا یدل علی عدم جواز الاقدام بغیر العلم مطلقا،بل یدل علی عدم الجواز فیما اذا کان الاقدام فی معرض حصول الندامة و احتماله منحصر فیما لم یکن الاقدام عن حجة،فلو دلت الآیة بمفهومها علی حجیة خبر العادل فلا یحتمل أن یکون الاقدام علی العمل به مؤدیا الی الندم،فلا منافاة بین التعلیل و مفهوم الآیة اصلا. (2)

و توضیح ذلک:انه لا منافاة بین التعلیل و مفهوم الآیة الکریمة؛لان المراد من الجهالة و عدم العلم هو عدم الحجة،کما أن المراد من العلم فی قوله تعالی: وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ به علْمٌ أو قوله علیه السّلام«کل شیء نظیف حتی تعلم انه قذر»هو الحجة،و علیه فالتعلیل یدل علی المنع عن العمل بما یکون فی معرض الندامة و هو ما لا حجیة فیه.و هذا لا ینافی جواز الاخذ بالحجة؛فانه لا یکون فی معرض الندامة،فقوله سبحانه و تعالی: إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا یدلّ علی عدم حجیة خبر الفاسق بذکر لازمه،و هو لزوم تحصیل العلم و الحجة؛إذ لا معنی لطلب تحصیل العلم و الحجة إلاّ مع عدم حجیة خبر الفاسق.

و علیه فالمنتفی فی طرف المفهوم هو عدم الحجیة،و من المعلوم أن انتفاء عدم الحجیة عن خبر العادل عین حجیة خبره؛لاستحالة ارتفاع النقیضین.

و بعبارة أخری:نفی عدم الحجیة هو الحجیة،فالمعلق علی خبر الفاسق فی الجملة الشرطیة هو التبین،و لکن فی الحقیقة أن التبین لازم المعلق و هو عدم الحجیة،و هو ینتفی عند

ص:202


1- 1) فرائد الاصول:ص 72.
2- 2) الدرر:ص 386.

انتفاء مجیء الفاسق،و انتفاء عدم الحجیة یساوی الحجیة؛إذ لیس اللیس مساوق للائس، و لا ینافی المفهوم المذکور مع التعلیل الدال علی عدم جواز اصابة القوم بلا حجة؛لان مورد المفهوم خارج عن مورد التعلیل خروجا تخصّصیا،کما لا یخفی.

و مما ذکر یظهر النظر فی ما افاده سیدنا الامام المجاهد قدّس سرّه فی مانعیة التعلیل بقوله رحمه اللّه:

أن دلالة الشرطیة علی المفهوم و استفادة ذلک من تلک القضیة مبتنیة علی ظهور الشرط فی القضیة فی کونه علة منحصرة بحیث ینتفی الحکم بانتفائه،و أما اذا صرح المتکلم بالعلة الحقیقیة و کان التعلیل اعم من الشرط أو کان غیر الشرط فلا معنی لاستفادة العلیة فضلا عن انحصارها،فلو قال:أن جاءک زید فأکرمه،ثم صرح أن العلة انما هو علمه فنستکشف أن المجیء لیس علة و لا جزء منها،و هذا واضح جدا.و هو أیضا من الاشکالات التی لا یمکن الذب عنه،و قد غفل عنه الاعلام.و علیه فلا وقع لما افادوه فی دفعه. (1)

و ذلک لان مقتضی ما عرفت من عدم المنافاة بین التعلیل و الشرط المذکور أن التعلیل فی الآیة مؤکد للشرط المذکور؛فان المعرضیة للندامة من ناحیة عدم الحجیة منحصرة فی الشرط المذکور و هو نبأ الفاسق،فلیس التعلیل مفیدا لامر هو اعم من الشرط أو أمر مغایر للشرط المذکور حتی ینافی علیة الشرط أو انحصارها.

و قیاس الآیة الکریمة بمثل قوله:أن جاءک زید فأکرمه،ثم التصریح بان العلة انما هو علمه فی غیر محله،فان مجیء زید غیر العلم،بخلاف المقام فان نبأ الفاسق فی قوله إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ یشیر الی أن العلة هو عدم افادة خبره العلم بمعنی الحجة،و هو غیر مناف لما افاده التعلیل فی الآیة الکریمة من أن الاقدام علی ما لیس بحجة یکون فی معرض الندامة بل هما متساعدان،کما لا یخفی.

و لعل منشأ توهم المنافاة بین المفهوم و التعلیل هو حمل الجهالة فی قوله تعالی: أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بجَهالَةٍ علی عدم العلم بالواقع بقرینة کون الجهالة مقابلة للتبین و هو بمعنی

ص:203


1- 1) تهذیب الاصول:ج 2 ص 113.

تحصیل العلم و احراز الواقع،و معلوم أن الجهالة بهذا المعنی مشترکة بین خبری العادل و الفاسق،و هو یوجب تعمیم علة التبین،فتتنافی مع انحصار علة التبیّن فی خبر الفاسق، و تمنع عن انعقاد ظهور المفهوم.

و لکن لا یخفی علیک أن هذا فیما اذا ارید من الجهالة خصوص عدم العلم بالواقع و من التبین خصوص تحصیل العلم و احراز الواقع،و اما اذا قلنا أن المرتکز فی الاخبارات و الانباءات هو الاکتفاء بالحجة،فالتبین هو التفحص عن حجیة الخبر و الجهالة فی مقابلها و هو عدم التفحص و الاقدام مع عدم احراز الحجة،و من المعلوم أن الجهالة بهذا المعنی لیست مشترکة بین خبری العادل و الفاسق فمع عدم الاشتراک لا تعمیم فی علة التبین و مع عدم التعمیم لا منافاة بین التعلیل و بین انحصار علة التبین فی خبر الفاسق،کما لا یخفی.

و ربما یجاب عن مانعیة التعلیل مع المفهوم بحمل الجهالة علی السفاهة و فعل ما لا یجوز فعله عند العقلاء،لا علی ما هو مقابل العلم مستشهدا بقوله عزّ و جلّ: فَتُصْبحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادمینَ فان الندامة لا تکون إلاّ علی فعل سفهی لا یکون علی طریقة العقلاء فلما یعم التعلیل المذکور لمثل الاعتماد علی خبر العادل فلا اشتراک فی التعلیل حتی ینافی المفهوم من انحصار العلة فی خبر الفاسق و لو کان المراد منه هو الغلط فی الاعتقاد و مقابل العلم لما جاز الاعتماد علی الشهادة و الفتوی.و هو کما تری.

و لم یستبعده صاحب الکفایة حیث قال:أن دعوی أن الجهالة بمعنی السفاهة و فعل ما لا ینبغی صدوره من العاقل غیر بعیدة. (1)

أورد علیه أوّلا:بان حمل الجهالة علی السفاهة خلاف الظاهر من لفظ الجهالة و أن استعملت احیانا فی ذلک،و لذا قال شیخنا الأعظم قدّس سرّه:و فیه مضافا الی کونه خلاف ظاهر لفظ الجهالة الخ. (2)

ص:204


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 86.
2- 2) فرائد الاصول:ص 72.

و مما ذکر یظهر ما فی مصباح الاصول حیث قال:و الظاهر أن المراد من الجهالة هی السفاهة و الاتیان بما لا ینبغی صدوره من العاقل؛فان الجهالة کما تستعمل بمعنی عدم العلم کذلک تستعمل بمعنی السفاهة أیضا. (1)

لما عرفت من أن حمل الجهالة علی السفاهة خلاف الظاهر،و مجرد الاستعمال فی بعض الموارد لا یکفی للاستظهار و الحمل المذکور.

و ثانیا:أن قوله فَتُصْبحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادمینَ ،یساعد مع کون الجهالة بمعنی عدم الحجة،فان العمل بالحجة ممّا لا تترتب علیه الندامة،بخلاف العمل بما لیس بحجة،فلا منافاة بین التعلیل و المفهوم من الآیة،و لا حاجة الی حمل الجهالة علی السفاهة،کما لا یخفی.

و ثالثا:کما فی نهایة الدرایة أن العمل بخبر العادل مع قطع النظر عن هذه الآیة من شأن أرباب البصیرة؛لبناء العقلاء علی العمل بخبر من یوثق به،فالآیة حینئذ مبنیّة علی حجیة خبر العادل و کاشفة عنها،لا انّها مبیّنة للحجیة و جاعلة لها،کما هو المقصود. (2)

فلو لم یکن الخبر حجة قبل نزول الآیة الکریمة فالعمل بخبر العادل یکون ایضا سفاهة و جهالة؛لانه عمل بلا حجة،فیشمله عموم التعلیل،فحمل الجهالة علی السفاهة لا یرفع الاشکال،کما لا یخفی.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بأن الآیة الکریمة امضاء لما علیه العقلاء بما هم عقلاء من العمل بخبر العادل،و لا تکون متکفلة لبیان حجیته بالتأسیس،و مع الامضاء المذکور فلا یکون العمل بخبر العادل سفاهة. (3)

و ربما یجاب ایضا عن منافاة التعلیل مع المفهوم بأن المفهوم حاکم علی التعلیل،فانه یحکم فی خبر العادل بانه محرز و کاشف عن الواقع و علم فی عالم التشریع،فیخرج عن عموم التعلیل تعبّدا،و لا یمکن أن یعارضه اصلا لکی یوجب عدم انعقاده. (4)

ص:205


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 163.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 78.
3- 3) راجع منتقی الاصول:ج 4 ص 268.
4- 4) فوائد الاصول:ج 3 ص 172.

أورد علیه فی نهایة الدرایة بأنّ حکومة سائر الادلة علی هذا التعلیل المشترک وجیهة، و اما حکومة المفهوم المعلل منطوقه بنحو یمنع عن اقتضاء المفهوم المثبت لحجیة خبر العادل حتی یرتفع به الجهالة تنزیلا فهو دور واضح،فتدبّر جیدا. (1)

و ذلک واضح؛لان حکومة المفهوم متفرعة علی عدم شمول التعلیل للمفهوم،و المفروض أن عدم شمول التعلیل متوقف علی حکومة المفهوم،و هو دور.هذا مع الغمض عما فی دعوی دلالة ادلة الاعتبار علی أن خبر العادل علم تشریعا.

و مما ذکر یظهر ما فی مصباح الاصول أیضا حیث ذهب الی حکومة المفهوم علی التعلیل لرفع المنافاة بینهما،و استوجه ذلک،و اطال الکلام،فراجع. (2)

و ربما یجاب عن المنافاة المذکورة بأن خبر غیر الفاسق الذی تدل الآیة علی حجیته حجة و طریق عند العقلاء ایضا،و العقلاء یعبّرون عن جمیع الطرق المعتبرة عندهم بالعلم سواء فی ذلک الظواهر و خبر الثقات و غیرهما،و یرون مفهوم العلم عاما للقطع الذی لا یحتمل الخلاف و لموارد قیام الطرق المعتبرة،و اذا اعتبروا شیئا طریقا یرون قیام هذا الطریق علی شیء وصولا الی الواقع،لا بمعنی تنزیل شیء منزلة آخر،بل بمعنی واقع الوصول کما فی القطع حرفا بحرف.

و حینئذ فالآیة المبارکة اذا القیت الیهم فهموا منها بمقتضی الشرطیة المذیلة بالتعلیل المذکور:أن النبأ اذا لم یأت به الفاسق بل غیر الفاسق فهو طریق موصل الی الواقع یعمل به من دون حاجة الی التبین،فلا یتصور فیه اصابة القوم بجهالة للوصول الی الواقع و العلم به و اتّضاحه،فلیس فیه اصابة بجهالة حتی یتصور و یجیء فیه الندم،فهو خارج عن مورد التعلیل،و یکون المفهوم بلا معارض. (3)

و فیه-مضافا الی انه مبنی علی اعتبار الخبر من باب بناء العقلاء لا دلالة الادلة التعبدیة

ص:206


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 78.
2- 2) مصباح الاصول:ج 2 ص 163-169.
3- 3) تسدید الاصول:ج 2 ص 79-80.

و المفروض أن الاستدلال بالآیة الکریمة-أن قطعیة أدلة الاعتبار لا توجب کون المعتبر داخلا فی العلم و القطع الحقیقی و أن اطلق علیه العلم بمعنی الحجة؛اذ احتمال الخلاف لیس موهونا فی جمیع موارد الظواهر و اخبار الثقات،خصوصا مع ما فیها من الترجیحات الرجالیة و الدلالیة،أ لا تری أن احتمال الخلاف فی الظواهر بل فی الاخبار غیر المقرونة بالقرائن القطعیة وجدانی،و مع کون احتمال الخلاف وجدانیا کیف یرون قیام هذه الطرق علی شیء وصولا واقعیا؟!

و الظاهر أن منشأ الاشتباه هو الخلط بین المعتبر و بین ادلة الاعتبار،فتأمّل.

فالصحیح هو ما مرّ من أن التعلیل لا یدل علی عدم جواز الاقدام بغیر العلم مطلقا،بل فیما اذا کان فی معرض حصول الندامة،و احتماله منحصر فیما لم یکن الاقدام حجة،فالآیة بمفهومها تدل علی حجیة خبر العادل و بتعلیلها علی عدم جواز العمل بغیر الحجة،فلا منافاة بین مفهومها و تعلیلها،کما لا یخفی.

اللّهمّ إلاّ أن یقال-کما فی تسدید الاصول-بأنّ ظاهر الآیة ترتب الندم علی اصابة القوم بجهالة بحسب الارتکاز و الاغراض العقلائیة،لا بملاحظة انهم فی مقام اطاعة إلاّ و امر الشرعیة،بل مجرد اصابة القوم بجهالة امر مرغوب عنه عند العقلاء و موجب لحصول الندم علی الاقدام بعمل ینتهی الیه.

هذا،مضافا الی أن ظاهر الآیة و تعلیلها أن هذا الندم سواء کان ملازما للعقوبة أم لا مترتب علی مجرد اصابة القوم بجهالة،و إذا کان المفروض صدق الجهالة حتی فی موارد الطرق الظنیة فلا محالة یدل التعلیل علی ترتب المحذور و الندم علی العمل بها،فهی لا یمکن أن تکون حجة سواء فی ذلک خبر الفاسق و غیره،فالتعلیل یمنع عن انعقاد المفهوم. (1)

و لکن لقائل أن یقول:أن مع الادلة القطعیة الدالة علی اعتبار خبر العادل لا تکون اصابة القوم اصابة بجهالة،کما لا تکون کذلک فیما اذا کانت الاصابة بعلم یخالف الواقع؛و ذلک لقیام

ص:207


1- 1) تسدید الاصول:ج 2 ص 82.

الحجة،و اصابة القوم بجهالة فیما اذا لم یکن مع الحجة.

فمع عدم صدق الجهالة فی موارد الطرق الظنیة التی تقوم الادلة القطعیة علی اعتبارها کظاهر الآیة الدالة علی المفهوم-الذی یدل علی اعتبار الظواهر-لا مجال لترتب الندم علی العمل بها؛فان موضوعه هو الاصابة بالجهالة،و المفروض هو عدم صدقها بالعمل بالطرق التی تکون قطعیة الاعتبار.

فهذه الآیة بالتقریب الذی عرفته تدل علی حجیة خبر غیر الفاسق فی خبره بناء علی دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم أو قیام القرینة علی کون الآیة فی مقام بیان المنطوق و المفهوم،قال سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه بعد ما افاده فی هذه الآیة و انقدح بجمیع ما ذکر دلالة الآیة الشریفة علی حجّیّة قول العادل و أن الاصح کونها من ادلتها و اللّه العالم. (1)

و منها-أی من جملة الآیات التی استدل بها لحجیة خبر الواحد-قوله تعالی: وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ منْ کُلّ فرْقَةٍ منْهُمْ طائفَةٌ لیَتَفَقَّهُوا فی الدّین وَ لیُنْذرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إلَیْهمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ . (2)

و تقریبها بوجوه عدیدة:

الوجه الأوّل: ما ذهب الیه السید المحقق البروجردی

ما ذهب الیه السید المحقق البروجردی قدّس سرّه من أن الآیة الکریمة تدل علی أن المؤمنین لیسوا بأجمعهم أهلا للنفر لتعلّم الدین،فلو لا نفر من کل فرقة و قبیلة منهم طائفة،فسیاق الآیة ینادی باعلی صوت الی مطلوبیة الانذار و الحذر و وجوبهما؛لظهور کلمة«لو لا»فی التخصیص.و علیه فلا نحتاج فی اثبات ذلک الی بیان مفاد«لعل»و أن المراد بها لیس هو الترجی الحقیقی بل مطلوبیة مدخولها و نحو ذلک من التقریبات.

و بالجملة ظاهر صدر الآیة کون ما امر بالنفر الیه بمثابة من الأهمیة بحیث لو لا لزوم مثل

ص:208


1- 1) المحاضرات سیدنا الاستاذ المحقق الداماد 132/2.
2- 2) التوبة122/.

اختلال النظام و نحوه لوجب علی الجمیع النفر الیه،و لکن حدوث هذه الامور منع من ایجاب النفر علی الجمیع،فعلی هذا لم لا ینفر بعضهم حتی یرشدوا بأنفسهم و یرشدون غیرهم؟! (1)

الوجه الثانی: أن کلمة«لعل»بعد انسلاخها عن معنی الترجی الحقیقی تدل علی محبوبیة التحذر

أن کلمة«لعل»بعد انسلاخها عن معنی الترجی الحقیقی-لعدم امکانه فی حقه تعالی- تدل علی محبوبیة التحذر عند الانذار،فاذا ثبتت محبوبیة التحذر ثبت وجوبه شرعا؛اذ لا معنی لندب التحذر عن العقاب الاخروی مع قیام المقتضی للعقوبة،و إن لم یکن للعقاب مقتضی فلا مطلوبیة و لا حسن للتحذر،اذ لا موضوع له،و هو العقوبة،و المفروض هو ثبوت المطلوبیة.

أورد علیه أوّلا:بأن التحذر یمکن أن یکون لرجاء ادراک الواقع و عدم الوقوع فی محذور مخالفته من فوت المصلحة أو الوقوع فی المفسدة،و المتحذر حینئذ حسن،و لیس بواجب فیما لم یکن هناک حجة علی التکلیف.

و یمکن الجواب عن ذلک کما فی نهایة الدرایة بان الانصاف أن الانذار و التحذر بملاحظة ترتب العقوبة أنسب،اذ المتعارف من الانذار من المبلغین للاحکام فی مقام الحث علی العمل بها بیان ما یترتب علی الفعل أو الترک من العقوبات الاخرویة دون المصالح و المفاسد، فالتحذر المنبعث عنه تحذر من العقوبة. (2)

هذا،مضافا الی أن الانذار لعموم الناس لا للخواص و ارباب العقول حتی یصح الانذار باعتبار المصالح و المفاسد.

أورد علیه ثانیا:بأنا لو سلمنا دلالة کلمة«لعل»علی المطلوبیة فالحذر المطلوب أن کان هو الحذر من العقاب المساوق مع وجوب التحذر بلحاظه و لا بدیته فهذا الفرض یساوق

ص:209


1- 1) نهایة الاصول:ص 504.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 86.

عرفا کون الانذار بلحاظ العقاب ایضا؛لان ظاهر الآیة أن الحذر من نفس الشیء المخوف المنذر به،و هو یعنی أن الانذار فرض فی طول العقاب و المنجزیة علی ما تقدم من أن التحذر تحذر فی مورد الانذار لا الاخبار،و هو لا یکون إلاّ مع تنجیز العقاب فی المرتبة السابقة، و مثله لا یکشف عن الحجیة،بل یستحیل أن یکشف عنها؛لانه فی طول الحجیة و التنجز.

و إن کان المراد الحذر من المخالفة للحکم الواقعی بعنوانها فمطلوبیة هذا الحذر لا یلزم منها وجوبه،بل یمکن أن یکون مستحبا،کما هو مقتضی حسن الاحتیاط دائما. (1)

لا یخفی علیک أن التحذر باعتبار العقاب لا باعتبار المخالفة للحکم الواقعی و المصالح و المفاسد،و لکن منجزیة الامارة اعنی قول العادل کمنجزیة العلم،فکما أن العلم بالحکم یوجب التنجز بنفس العلم و یکون حجة علی الحکم،فکذلک اخبار العادل بالوجوب أو الحرمة و ترتب العقاب یوجب التنجز لغیره بنفس الاخبار و أن کان الحکم منجزا علی نفسه قبل اخباره للعلم به سابقا،و لا منافاة بین أن یکون الحکم منجزا علی المخبر قبل اخباره و لا یکون منجزا علی السامع قبل اخباره و یصیر منجزا علیه بنفس الاخبار.

و علیه فحیث أن المنجزیة تحصل بنفس الاخبار یکشف ذلک عن کون اخبار العادل حجة علی السامع،و بالاخبار یحصل التنجز و الانذار معا،و المستحیل هو تنجز الحکم بنفس الانذار بالنسبة الی المخبر لا السامع،کما لا یخفی.

و دعوی:أن غایة ما یلزم من الآیة لو سلم دلالتها وجوب التحذر فی مورد الخبر الدال علی الالزام،و هذا غیر الحجیة المطلوبة،و انما هو وجوب الاحتیاط و لکن فی خصوص الشبهة التی قام فیها خبر علی الالزام؛لانها تأمر بالتحذر. (2)

مندفعة:بأن التحذر هو التحفظ و التجنب العملی عن مخالفة ما اخبر به العادل،و لیس معناه هو الاحتیاط،و من المعلوم أن التحذر بذلک المعنی یساوق حجیة خبر العادل.

ص:210


1- 1) مباحث الحجج:ج 1 ص 377 و 378.
2- 2) مباحث الحجج:ج 1 ص 377.

لا یقال:أن کلمة لعل لا تدل علی أزید من ابداء الاحتمال،و اما المطلوبیة التی استدل بها لوجوب التحذر فلا دلالة لها علیها.

لأنا نقول:هذه الدعوی فاسدة؛لدلالة المقام علی مطلوبیة التحذر،کیف لا یکون التحذر مطلوبا مع وجوب الانذار بالنسبة الی المتفقهین؟!

هذا،مضافا الی أن احتمال ترتب العقوبة مع أن المورد مما یجری فیه قاعدة قبح العقاب بلا بیان مساوق لوجوب التحذر. (1)

الوجه الثالث: أن التحذر غایة للانذار الواجب

أن التحذر غایة للانذار الواجب؛لکونه غایة للنفر الواجب کما تشهد له کلمة«لو لا» التحصیصیة.و علیه فاذا وجب الانذار وجب التحذر؛اذ الغایة المترتبة علی فعل الواجب مما لا یرضی الآمر بانتفائه سواء کان من الافعال المتعلقة للتکلیف أم لا،کما فی قولک توضأ لتصلی،و اسلم لعلک تدخل الجنة،و قوله تعالی: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَیّناً لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشی .

أورد علیه فی الکفایة بعدم انحصار فائدة الانذار بالتحذر تعبّدا؛لعدم اطلاق یقتضی وجوبه علی الاطلاق،ضرورة أن الآیة مسوقة لبیان وجوب النفر لا لبیان غائیة التحذر، و لعل وجوبه کان مشروطا بما اذا افاد العلم...الی أن قال:و قضیّته انما هو وجوب الحذر عند احراز أن الانذار بمعالم الدین. (2)

و یمکن الجواب عنه کما فی نهایة الدرایة،بأن التحذر و إن لم یکن له فی نفسه اطلاق نظرا الی أن الآیة غیر مسوقة لبیان غائیة الحذر لیستدل باطلاقه بل لا یجاب النفر للتفقه،إلاّ أن اطلاقه یستکشف باطلاق وجوب الانذار؛ضرورة أن الانذار واجب مطلقا من کل متفقه سواء افاد العلم للمنذر أم لا،فلو کانت الفائدة منحصرة فی التحذر کان التحذر واجبا مطلقا،و إلاّ لزم اللغویة احیانا.

و دعوی:أن الفائدة غیر منحصرة فی التحذر،بل لافشاء الحق و ظهوره بکثرة انذار

ص:211


1- 1) تسدید الاصول 2:90.
2- 2) الکفایة:ج 2 ص 93.

المنذرین،فالغایة قهرا تلازم العلم بما انذروا به.

مندفعة:بأن ظاهر الآیة أن الغایة المترتبة علی الانذار و الفائدة المترقبة منه هی التحذر،لا افشاء الحق و ظهوره.

فالمراد و اللّه العالم لعلهم یحذرون بالانذار لا بافشاء الحق بالانذار،کما أن ظاهرها التحذر بما انذروا لا بالعلم بما انذروا به،بل نقول:أن نفس وجوب الانذار کاشف عن أن الاخبار بالعقاب المجعول انذار،و لا یکون ذلک إلاّ اذا کان حجة،و إلاّ فالاخبار المحض لا یحدث الخوف و لو اقتضاء حتی یکون مصداقا للانذار حتی یجب شرعا. (1)

لا یقال:احتمال وجود المانع فی ایجاب الغایة علی الغیر یمنع عن الجزم بوجوب الغایة و هی التحذر. (2)

لانا نقول:هذا الاحتمال غیر سدید لوهنه بعد کون التحذر مقصدا لوجوب ذی الغایة، و عدم وجود مانع معقول فیه.

ثم اذا کانت الملازمة العرفیة بین وجوب شیء و وجوب غایته کما اذا قیل لا تشرب الخمر لإسکارها أو قیل اذهب الی المسجد لکی تصلی فلا فرق فیه بین ما اذا کان الخطاب موجها الی مکلف واحد أو أکثر کما فی المقام،فان الانذار فعل المنذر و التحذر فعل المنذر؛ و ذلک لان الامر بالانذار وسیلة لامر المنذرین،بالتحذر.

لا یقال:أن التحذر لیس فعل المنذرین،بل هو فعل المنذرین،و فعل الغیر لیس مقدورا للمنذرین،فلا یکون الامر بالانذار ظاهرا فی کونه طریقیا الی أمرهم بالتحذر. (3)

لانا نقول:أن المقدور بالواسطة مقدور،و علیه فلا مانع من ملازمة وجوب ذی الغایة لوجوب الغایة و لو کانت الغایة فعل مکلف آخر،أ لا تری أنه یقال یجب علیک تعلیم القوم لان یکونوا عالمین،بل الخطابات الاجتماعیة غالبا طرق الی امر غیرهم ببعض الامور،فلا تغفل.

ص:212


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 86-87.
2- 2) تسدید الاصول:ج 2 ص 90.
3- 3) مباحث الحجج:ج 1 ص 378.

أورد علیه الشیخ قدّس سرّه أیضا بانه لا یستفاد من الکلام إلاّ مطلوبیة الحذر عقیب الانذار بما یتفقهون فی الجملة لکن لیس فیها اطلاق وجوب الحذر،بل یمکن أن یتوقف وجوبه علی حصول العلم،فالمعنی:لعله یحصل لهم العلم فیحذروا،فالآیة مسوقة لبیان مطلوبیة الانذار بما یتفقهون و مطلوبیة العمل من المنذرین بما انذروا،و هذا لا ینافی اعتبار العلم فی العمل، و لهذا صح ذلک فیما یطلب فیه العلم،فلیس فی هذه الآیة تخصیص للادلة الناهیة عن العمل بما لم یعلم،و لذا استشهد الامام علیه السّلام فیما سمعت من الاخبار المتقدمة علی وجوب النفر فی معرفة الامام و انذار النافرین للمتخلفین مع أن الامامة لا تثبت إلاّ بالعلم. (1)

و یمکن الجواب عنه کما فی مصباح الاصول:

أوّلا:بان الاصل فی کل کلام أن یکون فی مقام البیان؛لاستقرار بناء العقلاء علی ذلک ما لم تظهر قرینة علی خلافه.

و ثانیا:بأن ظاهر الآیة المبارکة کونها واردة لبیان وظیفة جمیع المسلمین المکلفین و انه یجب علی طائفة منهم التفقه و الانذار و علی غیرهم الحذر و القبول،فکما أن اطلاقها یقتضی وجوب الانذار و لو مع عدم حصول العلم للمنذر بمطابقة کلام المنذر للواقع،فکذلک یقتضی وجوب الحذر ایضا فی هذا الفرض.

و ثالثا:بأن ظاهر الآیة ترتب وجوب الحذر علی الانذار،و تخصیص وجوب الحذر بما اذا حصل العلم بالواقع موجب لالغاء عنوان الانذار؛اذ العمل حینئذ انما هو بالعلم من دون دخل للانذار فیه غایة الامر کون الانذار من جملة المقدمات التکوینیة لحصول العلم لا موضوعا لوجوب الحذر،فاعتبار حصول العلم فی وجوب الحذر یوجب الغاء عنوان الانذار لا تقییده بصورة حصول العلم،مع أن ظاهر الآیة کون وجوب الحذر مترتبا علی الانذار ترتب الحکم علی موضوعه.

و رابعا:انه علی تقدیر تسلیم أن اعتبار العلم فی وجوب الحذر یوجب التقیید لا الغاء

ص:213


1- 1) فرائد الاصول:ص 80.

عنوان الانذار لا یمکن الالتزام بهذا التقیید؛فانه تقیید بفرد نادر،و هو مستهجن. (1)

و الحاصل:أن الاصل فی الکلام فی غیر المخترعات الشرعیة التی لا یکون المتکلم احیانا فی مقام بیانها هو الحمل علی الاطلاق کما علیه بناء العقلاء،فلا وجه لعدم الاطلاق فی المقام؛لانه لیس من المخترعات الشرعیة کالصلاة و الحج و نحوهما.

لا یقال:أن هذه الآیة مربوطة بباب الجهاد من جهة السیاق؛فان سورة براءة مرتبطة بالمشرکین و الجهاد معهم،و من المعلوم أن النفر الی الجهاد لیس للتفقه و الانذار،نعم ربما یترتبان علیه بعنوان الفائدة بناء علی ما قیل من أن المراد حصول البصیرة فی الدین من مشاهدة آیات اللّه و ظهور أولیائه و غلبتهم علی اعدائه و سائر ما یتفق فی حرب المسلمین مع الکفار من آیات عظمة اللّه و حکمته فیخبروا بتلک الامور عند رجوعهم الی الفرقة المتخلفة الباقیة فی المدینة.و علیه فالانذار لیس غایة للنفر الواجب حتی تجب الغایة بوجوب ذیها و هو النفر،بل الانذار من قبیل الفائدة المترتبة علی النفر الی الجهاد احیانا.

لانا نقول:لا معیّن لکون النفر للجهاد؛اذ مجرد السیاق لا یدل علی ذلک،قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه لیس فی صدر الآیة دلالة علی أن المراد النفر الی الجهاد،و مجرد ذکر الآیة فی آیات الجهاد لا یدل علی ذلک.

هذا،مضافا الی انه لو سلم أن المراد النفر الی الجهاد لکن لا یتعین أن یکون النافر من کل قوم طائفة لاجل مجرد الجهاد،بل لو کان لمحض الجهاد لم یتعین أن ینفر من کل قوم طائفة، فیمکن أن یکون التفقه غایة لا یجاب النفر علی طائفة من کل قوم،لا لا یجاب اصل النفر.

(حاصله:أن المطلوب متعدد،أی اصل النفر لاصل الجهاد و نفر الطائفة للتفقه.و علیه فالتفقه غایة لایجاب النفر علی الطائفة).

علی أنه قد فسر الآیة بأن المراد نهی المؤمنین عن نفر جمیعهم الی الجهاد،کما یظهر من قوله وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً و امر بعضهم بأن یتخلفوا عند النبی صلّی اللّه علیه و آله و لا یخلوه

ص:214


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 184-185.

وحده فیتعلموا مسائل حلالهم و حرامهم حتی ینذروا قومهم النافرین اذا رجعوا الیهم. (1)

یمکن أن یقال:أن تعدد المطلوب بالنحو المذکور و أن امکن،و لکنه خلاف الظاهر،هذا مضافا الی بعد اختصاص النفر فی الخیر کلامه بالنافرین للجهاد و رجوع الضمیر فی قوله لیَتَفَقَّهُوا الی الفرقة الباقیة فی البلد،مع أن الطائفة اقرب منها.

قال المحقق الاصفهانی:أن التحقیق کما یساعده بعض الاخبار و یشهد له الاعتبار أن الآیة لیست فی مقام المنع عن النفر الی الجهاد کافة فی قبال تخلف جماعة،بل فی مقام المنع عن قصر النفر علی الجهاد نظرا الی انه کما أن الجهاد مهمّ کذلک التفقه،فلیکن نفر جماعة الی النبی صلّی اللّه علیه و آله للتفقه و نفر الباقین الی الجهاد،و هو المستفاد من روایة العلل عن الصادق علیه السّلام قیل له:أن قوما یروون أن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قال اختلاف امتی رحمة؟فقال:صدقوا.فقلت:أن کان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب.قال:لیس حیث تذهب و ذهبوا،انما اراد قول اللّه عزّ و جلّ: فَلَوْ لا نَفَرَ منْ کُلّ فرْقَةٍ منْهُمْ طائفَةٌ لیَتَفَقَّهُوا فی الدّین الی آخر الآیة،فامرهم أن ینفروا الی رسول اللّه لیتعلموا ثم یرجعوا الی قومهم فیعلّموهم،انما اراد اختلافهم من البلدان الحدیث.

و یوافقه الاعتبار أیضا؛فان النافرین الی الجهاد من المدینة کان رجوعهم الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فیتعلمون منه صلّی اللّه علیه و آله،کما کان کذلک فی زمان حضوره من دون حاجة الی تخلف جماعة لهذه الغایة،بخلاف النافرین من الاطراف؛فانهم محتاجون الی تعلم الاحکام اذا رجعوا الی بلادهم،و اللّه أعلم. (2)

و ما ذهب الیه المحقق الاصفهانی اولی مما ذهب الیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه،و لکن حمل کلمة «ما»فی صدر الآیة علی النهی مع أن کلمة«ما»للنفی و اللام فی قوله لینفروا لتأکید النفی خلاف الظاهر.

و الحاصل:أن ما ذهب الیه الشیخ قدّس سرّه من أن المراد هو تخلف جمع للتفقه و اختصاص النفر

ص:215


1- 1) فرائد الاصول:ص 78-79.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 88.

بالجهاد خلاف الظاهر؛فان الضمیر فی قوله لیَتَفَقَّهُوا راجع الی ما هو الاقرب الیه و هو الطائفة لا الی الفرقة،و مقتضاه هو کون النافرین متفقهین لا الفرقة الباقیة.و هکذا ما ذهب الیه المحقق الاصفهانی لا یخلو عن بعد؛لان الآیة فی مقام بیان النفر للتفقه.

و بالجملة هنا ثلاثة احتمالات:

احدها:هو اختصاص الآیة بالجهاد،و قد عرفت انه لا معین له،بل الظاهر من التفقه و الانذار،مضافا الی بعض الروایات هو أن النفر لیس للجهاد.

و ثانیها:هو أن النفر مختص بالجهاد،و لکن امر فی الآیة ایضا بتخلف جمع لیتفقهوا و ینذروا النافرین اذا رجعوا الیهم من الجهاد،و هذا ایضا خلاف ظاهر الضمیر فی قوله لیَتَفَقَّهُوا فانه راجع الی النافرین لا الی الفرقة الباقیة.

و ثالثها:هو اختصاص الآیة بالنفر للتفقه،و هذا هو الظاهر.و المعنی کما افاد فی نهایة الاصول:أن المؤمنین لیسوا بأجمعهم اهلا للنفر،فلو لا نفر من کل فرقة و قبیلة منهم طائفة.

و المستفاد من ذلک أن المقتضی لنفر الجمیع موجود بحیث لو لم یکن مانع عنه لامروا جمیعا بالنفر و التفقه،و لکنهم لیسوا اهلا لذلک لاختلال نظامهم و تفرق أمر معاشهم،و حینئذ فلم لا یجعلون الاحتیاج الی المطالب الدینیة فی عرض سائر احتیاجاتهم فیوجّهون طائفة منهم الی تحصیلها کما یتوجه کل طائفة منهم الی جهة من الجهات الاخری المربوطة بأمر المعاش کالزراعة و التجارة و نحوها...الی أن قال:و بالجملة فهذه الآیة علی ما ذکرنا تدل علی انه لو لا مخافة اختلال النظام لامر الجمیع بالنفر فی تحصیل الفقاهة،و لکنه بعد ما یلزم من نفر الجمیع الاختلال فلم لا ینفر بعضهم لیرشدوا أنفسهم و یرشدون و یصیر ذلک سببا لاطلاع جمیع الناس علی احکام اللّه تعالی و حلاله و حرامه،فسیاق الآیة ینادی باعلی صوته الی مطلوبیة الانذار و الحذر و وجوبهما،فلا نحتاج فی اثبات ذلک الی بیان مفاد«لعل»و أن المراد بها لیس هو الترجی الحقیقی بل مطلوبیة مدخولها و نحو ذلک من التقریبات،و التعبیر ب- «لعل»انما هو من جهة أن الانذار لیس مستتبعا لحذر القوم دائما؛اذ ربما لا یؤثر کلام

ص:216

المنذرین فیهم کما هو المحسوس بین الانبیاء و اقوامهم ایضا،فالمراد أن المنذر یجب علیه العمل بوظیفته،و لا یعوقه عن ذلک احتمال عدم تأثیر کلامه؛فان فی التبلیغ مظنة التأثیر.

هذا هو المعنی المستفاد بالتأمل فی ظاهر الآیة،و تشهد لهذا الوجه اخبار کثیرة حیث استشهد الائمة علیهم السّلام بالآیة لوجوب النفر للتفقه و التعلیم و التعلم. (1)

أن قلت:أن مقتضی ما ذکر هو اختصاص الآیة بالنفر للتفقه و الانذار المحقق بقول العادل و أن لم یوجب الیقین و العلم،و هذا لا یتناسب مع الروایات الواردة فی استشهاد الامام بالآیة الکریمة علی وجوب معرفة الامام و انذار النافرین للمتخلفین؛لان الامامة مما لا تثبت إلاّ بالعلم،و علیه فالاستناد بالآیة لحجیة الدلیل الذی لا یفید العلم کما تری.

قلت:لا مانع من شمول اطلاق التفقه و الانذار للمعرفة بالحقائق الاعتقادیة و الانذار بها ایضا؛لان اعتقاد المنذر بها تفقه،و یکفی ذلک فی وجوب الانذار به،و هو یکفی فی وجوب التحذر من مخالفة هذا الاعتقاد و أن لم یحصل له بنفس الانذار قطع بها؛اذ مع الانذار یلزم علیه أن یسمع انذار الآخرین حتی یحصل له العلم به أو بخلافه،فالتحذر فی الفقه بالعمل و هو محقق بنفس انذار عدل واحد،و التحذر فی الاعتقادیات بالاعتقاد و هو یحتاج الی تکرر الانذار و الاستماع حتی یحصل العلم.نعم لو حصل له العلم بانذار جماعة دفعة فلا حاجة الی تکرار الاستماع،لان العلم حاصل.و بالجملة یختلف التحذر باختلاف موارد الانذار،و جمیع الموارد مشمول للآیة الکریمة.

هذا،مضافا الی ما فی تسدید الاصول من أن الآیة بظاهرها مختصة بتعلم احکام الدین و الانذار بها،و استفادة حکم غیرها انما هو بالغاء الخصوصیة؛لانها ارشاد الی طریقة عقلائیة:هی نفر جمع بالمقدار اللازم فی کل مورد و الاخذ بمقتضی قولهم،فلا ینافی أن یعتبر فی غیر موردها حصول العلم...الی أن قال:فصح الاستناد بالآیة فی کلا الامرین،و المقتضی

ص:217


1- 1) نهایة الاصول:ص 499-500.

العرفی فی احدهما القطع المطلوب،و فی الآخر الطریقة العقلائیة.و الحمد للّه ربّ العالمین. (1)

و غیر خفی أن الغاء الخصوصیة ینتهی الی الاطلاق.

و کیف ما کان فاطلاق الآیة یمنع عن حملها علی خصوص التفقه فی الاحکام،هذا مضافا الی أن تطبیق الآیة الکریمة علی التفقه فی الاحکام و التفقه فی المعارف یشهد علی اطلاق الآیة،کما لا یخفی.

لا یقال:أن الآیة لو سلم دلالتها علی وجوب الحذر مطلقا فلا دلالة لها علی حجیة الخبر بما هو خبر حیث انه لیس شأن الراوی إلاّ الاخبار بما تحمله لا التخویف و الانذار.بل الانذار وظیفة المفتی أو الواعظ،لا الراوی الذی ربما ینقل مجرد الفاظ الروایة من دون أن یفهم معانیها لینذر بها؛و لذا ورد عنهم علیهم السّلام رب حامل فقه الی من هو افقه منه.

لانا نقول-کما افاد فی الکفایة و مصباح الاصول-أن نقل روایة دالة علی وجوب شیء أو علی حرمة شیء انذار ضمنی بالعقاب علی الترک أو الفعل،کما أن فی افتاء المفتی بوجوب شیء أو حرمة شیء انذار ضمنی بالعقاب علی الترک أو الفعل،و یکون الانذار الضمنی کالانذار المطابقی مشمولا للآیة الکریمة،و تثبت حجیة غیره من الاخبار التی لا انذار فیها؛لکون الراوی عامیا أو کان مفاد الروایة حکما غیر الزامی بعدم القول بالفصل، و حال الرواة فی الصدر الاول فی نقل ما تحملوا من النبی صلّی اللّه علیه و آله و الامام علیه السّلام حال نقلة الفتاوی الی العوام،فکما لا شبهة فی انه یصدق الانذار فی مقام الابلاغ علی ما نقلوا من المجتهدین فکذلک حال الرواة. (2)

هذا،مضافا الی أن فتاویهم فی الصدر الاول منقولة بنفس متون الروایات کما فی الهدایة و نحوها،فلا وقع لذلک الاشکال،کما لا یخفی.

و دعوی:أن المأخوذ فی الآیة الکریمة عنوان التفقه،و علیه فالواجب هو التحذر عند

ص:218


1- 1) تسدید الاصول:ج 4 ص 92.
2- 2) راجع الکفایة:ج 2 ص 94 و مصباح الاصول:ج 2 ص 185-186.

انذار الفقیه بما هو فقیه،فلا یشمل انذار الراوی بما هو راو،فیختص مفاد الآیة بحجیة فتوی الفقیه للعامی لا حجیة خبر العادل،و لا مجال للتمسک بعدم القول بالفصل فی المقام مع وجود القول بالفصل بین حجیتهما کما لا یخفی.

مندفعة:بان المراد من عنوان التفقه فی المقام لیس هو عنوان التفقه الاصطلاحی،بل المراد هو التفقه بمعناه اللغوی،و هو الفهم و العلم،و هو معلوم الحصول باستماع الروایات مع المعرفة بمفادها و أن کانت المعرفة مشککة و تختلف الرواة فیها بحسب اختلاف استعداداتهم، فاذا کان اخبار العادل فی المنذرات حجة یتعدی منها الی غیرها بالغاء الخصوصیة.

لا یقال:لیس المقصود أن الآیة اخص من المدعی،بل المقصود انّها أجنبیة عنه؛لانها حتی فی الراوی المستبصر تدل الآیة علی حجیة رأیه و درایته لا شهادته و روایته،فلا معنی للتعدی فی حقه،فما ظنک بغیره؟!إذ الآیة غیر ناظرة الی مسألة الإخبار و حجیته،بل تنظر الی مسألة اخری و هی لزوم وجود طائفة بین الامة تتحمل مسئولیة الجهاد العقائدی و الفکری فی سبیل اللّه عن طریق التفقه فی الدین و حمله الی الاطراف و الاجیال.و هذه المسألة اجنبیة عن حجیة خبر الواحد المبحوث عنه فی علم الاصول. (1)

لأنا نقول:أوّلا:أن المراد من التفقه هو التفقه اللغوی لا الاصطلاحی،و حمله علی صاحب الرأی و الدرایة لا شاهد له.و من المعلوم أن المتفقه اللغوی یصدق علی الراوی و من اخبر بما سمع من شیء و عرفه و نقله.

و ثانیا:أن مسئولیة الجهاد الفکری لا تختص بتحمل العقائد و المعارف،بل تشمل تحمل الاخبار و ایصالها،فبذلک یشمل مسألتنا،و هو حجیة خبر الواحد المبحوث عنه فی علم الاصول،فلا تغفل.

و مما ذکر ینقدح الجواب عما وقع فیه السید المحقق البروجردی قدّس سرّه من الاشکال و هو أن حیثیة التحدیث غیر حیثیة الفقاهة،و کانت الحیثیتان منفکتین بحسب الخارج ایضا،فقد

ص:219


1- 1) مباحث الحجج و الاصول:ج 1 ص 381.

کثر المحدثون الذین کان من شأنهم ضبط ما سمعوا و حکایته فقط من غیر أن یعملوا النظر فی استفادة حکم اللّه عنه؛فان ذلک کان متوقفا علی مقدمات من لحاظ المقیدات و المخصصات و سائر الجهات و أن کان تحصیل المقدمات فی اعصارهم فی غایة السهولة بالنسبة الی زماننا...الی أن قال:و بالجملة فالاستدلال بالآیة علی حجیة الروایة بما هی روایة مشکل. (1)

و ذلک لما عرفت من أن المراد من التفقه هو معناه اللغوی و هو الفهم و العلم،و هذا المعنی یصدق علی الراوی العالم بمدالیل الاخبار و أن لم یکن فقیها اصطلاحا.نعم هذا المعنی له عرض عریض یشمل الفقیه الاصطلاحی ایضا اذا انذر بما اجتهد کما یشمل المحدث اذا انذر بما دل علیه الخبر،و لا مانع من ذلک.و بالجملة فالآیة تدل علی حجیة قول العالم بمفاد الخبر سواء کان مجتهدا أو لم یکن،فتدبّر جیّدا.

لا یقال:أن الآیة الکریمة لیست ظاهرة فی وجوب النفر حتی یترتب علیه وجوب التحذر؛فان صدر الآیة اعنی قوله تعالی: وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً یعطی أن الغرض المسوق له الکلام هو النهی عن النفر العمومی و انه لا یسوغ للمؤمنین أن ینفروا کافة و ابقاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله وحیدا فریدا،و علی ذلک فیصیر المآل من الآیة هو النهی عن النفر العام لا ایجاب النفر للبعض،فالحث انما هو علی لزوم التجزیة و عدم النفر العام لا علی نفر طائفة من کل فرقة للتفقه...الی أن قال:و عدم الاکتفاء علی الجملة الاولی یمکن أن یکون لدفع ما ربما ینقدح فی الاذهان من بقاء سائر الطوائف علی جهالتهم و عدم تفقههم فی الدین، فقال عزّ شأنه:یکفی لذلک تفقه طائفة،فلیست الآیة فی مقام بیان وجوب النفر،بل فی مقام بیان لزوم التفرقة بین الطوائف،و قوله: وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ اخبار فی مقام الانشاء و لو بقرینة شأن نزولها کما قال المفسرون،و لیس المراد بیان امر واضح؛[إذ]لم یختلج ببال احد لزوم نفر جمیع الناس فی جمیع الادوار الی طلب العلم و التفقه حتی لزم التنبیه به،إلاّ أن یحمل

ص:220


1- 1) نهایة الاصول:ص 503-504.

ذکره لصرف المقدمة لما بعده،و هو ایضا بعید مخالف لشأن نزول الآیة و قول المفسرین. (1)

لانا نقول:أوّلا:أن هذا المعنی ای النهی عن النفر العام للجهاد متفرع علی أن الآیة واردة فی النفر للجهاد،و قد عرفت انه لا معین لذلک،و مجرد کون السورة و الآیات السابقة أو اللاحقة مرتبطة بالجهاد لا یکفی فی تعیین هذا المعنی،بل لعل وجه ذکر هذه الآیة فی هذا الموضع هو تنبیه المسلمین بلزوم تعلم احکام الجهاد کما افاد بعض الاعلام.و کیف کان لا اجد روایة صحیحة تدل علی أن المراد من قوله وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ هو النهی عن النفر العام للجهاد،بل قوله لیَتَفَقَّهُوا فی الدّین ،یشهد بکون الصدر فی النفر للتفقه.

و ثانیا:أن لازم ما ذکر هو أن یکون قوله فَلَوْ لا نَفَرَ منْ کُلّ فرْقَةٍ منْهُمْ طائفَةٌ دالاّ علی أن النفر للجهاد.

و علیه ففی قوله لیَتَفَقَّهُوا فی الدّین وَ لیُنْذرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إلَیْهمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ احتمالان:

احدهما:لزوم تفقه الفرقة الباقیة مع النبی صلّی اللّه علیه و آله و تعلمهم للاحکام و الآداب منه صلّی اللّه علیه و آله، فاذا رجعت الطائفة النافرة تنذرهم الفرقة الباقیة ببیان ما نزل من الآیات فی غیابهم و یعلّمونهم السنن و الفرائض التی تلقوها فی غیابهم.

و ثانیهما:لزوم تفقه الفرقة النافرة فی الدین بما رأت من آیات اللّه و حصل لهم بذلک بصیرة فی الدین بظهور المسلمین و غلبتهم مع قلّتهم علی المشرکین و نصرتهم علی اعدائهم و لینذروا قومهم اذا رجعوا الیهم.

و کلاهما خلاف الظاهر:

اما الأوّل:فلما مرّ من أن الضمیر فی قوله لیتفقهوا و لینذروا راجع الی الطائفة النافرة،لا الفرقة الباقیة؛لانها اقرب الیه منها.

و أما الثانی:فهو و إن کان خالیا عن الاشکال المذکور؛لانّ الضمیر فیه راجع الی الفرقة

ص:221


1- 1) تهذیب الاصول:ج 2،ص 128-129.

النافرة لا الباقیة،و لکن لا یساعده ظهور کلمة التفقه فی الدین؛فان المستفاد منه هو عمومیة التفقه بالنسبة الی مسائل الدین و الاسلام،و هو لا یحصل بتمامه فی النفر للجهاد و إن لم یخل النفر للجهاد أحیانا عن الغلبة و النصرة و بعض التعلیمات النازلة فی سفر الجهاد،إلاّ أن اطلاق التفقه فی الدین انسب بالنفر لتعلم الأحکام و المعارف

و ثالثا:أن المستفاد من الروایات هو لزوم النفر للتعلم و عدم جواز ترک النفر لذلک کصحیحة یعقوب بن شعیب و یونس بن عبد الرحمن و محمّد بن مسلم:أ فیسع الناس اذا مات العالم أن لا یعرفوا الذی بعده؟!فقال:اما اهل هذه البلدة فلا-یعنی المدینة-و أن غیرها من البلدان فبقدر مسیرهم،أن اللّه عزّ و جلّ یقول وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً الی قوله لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ . (1)

هذا مضافا الی قوله علیه السّلام فی خبر عبد اللّه بن المؤمن الانصاری:فأمرهم أن ینفروا الی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و یختلفوا الیه فیتعلموا (2)و غیر ذلک.

فتحصل أن النفر واجب للتعلم و التفقه و صدر الآیة یدل علی عدم تمکن جمیع المؤمنین من النفر لتحصیل العلم فلا یجب علیهم النفر بالوجوب العینی بل اللازم علیهم هو النفر بنحو الوجوب الکفائی فالآیة غیر مرتبطة بالنفر للجهاد و مجرد ذکرها عقیب قوله تعالی و ما کان لاهل المدینة و من حولهم من الاعراب أن یتخلفوا عن رسول اللّه (3)لا یکون قرینة علی أن المراد من قوله و ما کان المؤمنون الآیة هو النهی عن النفر العمومی للجهاد فتدبر جیدا.

و دعوی:أن معنی النفر یناسب الخروج الی الجهاد؛لانه فی الاصل بمعنی«جهیدن»کما فی قوله تعالی کَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفرَةٌ * فَرَّتْ منْ قَسْوَرَةٍ . (4)

مندفعة:بأنّ النفر و أن کان کذلک فی الاصل،و لکن لا یکون کذلک فی الاستعمالات

ص:222


1- 1) کنز الدقائق:ج 5 ص 572-573.
2- 2) کنز الدقائق 5:572-573.
3- 3) التوبة120/.
4- 4) المدّثر50/ و 51.

العرفیة عند نزول الآیة و صدور الروایات.و الشاهد علیه هو تطبیق الآیة الکریمة علی النفر للتفقه فی الدین فی الروایات المستفیضة،مع أن المعنی المذکور غیر ملحوظ فیه کما لا یخفی.

و هکذا لا مجال لدعوی غلبة استعمال مادة النفر فی النفر الی الجهاد بحیث تمنع عن ارادة النفر للتفقه؛و ذلک لمنع الغلبة أولا:و علی تقدیر تسلیمها فالمنع عن ارادة النفر للتفقه صحیح ما لم یقترن بالقرینة،و یکفی فی المقام قوله لیَتَفَقَّهُوا فی الدّین لصرفه الی النفر للتفقه،هذا مضافا الی تطبیق الآیة فی الروایات المستفیضة علی النفر للتفقه،فراجع.

لا یقال:أن الآیة نزلت فی المؤمنین حیث حلفوا علی عدم التخلف عن غزوة یغزوها رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و لا سریة حیث انه صلّی اللّه علیه و آله اذا خرج الی الجهاد لا یتخلف عنه إلاّ المنافقون، فانزل اللّه وحیا و اخبر بعیوب المنافقین و بیّن نفاقهم،و علیه فقوله وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً ،اخبار فی مقام الانشاء،و یدل علی النهی عن النفر العام.

لانا نقول:لا اری دلیلا صحیحا یدل علی شأن النزول المذکور إلاّ نسبة ذلک الی القیل أو بعض المرسلات عن الامام الباقر علیه السّلام کما فی مجمع البیان.و من المعلوم انه لا اعتبار به،هذا مضافا الی أن مقتضی الروایات الکثیرة أن النفر فی الآیة الکریمة هو النفر للتفقه فی الدین، و لازمه أن یکون المراد من النفر فی قوله وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا هو النفر للتفقه أیضا.و علیه فالمراد من التفقه فی قوله وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا لیس هو انشاء النهی،بل هو اخبار عن عدم تمکن المؤمنین جمیعا لهذا الواجب لما یلزم من اختلال النظام، فلهم عذر فی عدم اقدامهم جمیعا للنفر للتفقه،و لکن لا عذر لهم فی عدم نفر طائفة منهم لهذا الواجب المهم،فیجب النفر علی جماعة من کل قوم،فلا تغفل.

لا یقال:لو کان مفاد الآیة وجوب التحذر عند الشک لا یدل ذلک علی حجیّة قول المنذر لأنّ الحذر واجب فی الشبهة قبل الفحص فقول المنذر یوجب ابداء الاحتمال و بمجرد ذلک یحکم العقل الفحص فقول المنذر یوجب ابداء الاحتمال و بمجرد ذلک یحکم العقل علی المکلف اما بالاحتیاط او تعلم الحکم و بعبارة اخری کل من الخوف و الحذر العملی واجب

ص:223

عند الشک قبل الفحص و لو لم یکن قول المنذر حجة شرعا کما دلّ علیه اخبار عدیدة مذکورة فی محالها (1)

لأنّا نقول:هذا الإشکال جار فی کل أمارة من الأمارات فإنّ الاجتناب عن فعل محتمل الحرمة أو ترک محتمل الوجوب قبل الفحص واجب و مع ذلک أفادت أدلة الاعتبار حجّیتها و لا یکون الأمارات لغوا و الوجه فی ذلک أن بعد الفحص لا یحکم العقل بوجوب الاحتیاط و التعلّم بخلاف الأمارات فإذا دلّت الأمارات بعد الفحص علی حرمة شیء أو وجوب شیء وجوب الاجتناب عن فعل ما دلّت الأمارات علی حرمته و عن ترک ما دلّت علی وجوبه فلا تکون اعتبار الأمارات لغوا و هکذا الأمر فی المقام فإنّ بعد الفحص لا مجال لحکم العقل و فی نفس الحال یدل الآیة الکریمة علی وجوب المتحذّر بقیام خبر العادل فلا یکون اعتبار الخبر الواحد لغوا کما لا یخفی.

و دعوی أن ظاهر الآیة الکریمة مدخلیته کون النافرین جماعة فی وجوب النفر و وجوب الإنذار و وجوب الحذر و مع احتمال خصوصیة هذا الظاهر فلا مجال لرفع الید عنه و علیه فالآیة اجنبیة عن المدعی و لا ترتبط بإثبات حجّیة قول المنذر الواحد عند الشک فی قوله إنّه هل هو حکم اللّه الواقعی أولا لأنّ مفاد الآیة هو وجوب نفر الجماعة بما هی الجماعة لا الفرد و أین ذلک بما نحن بصدده. (2)

مندفعة بأنّ لازم اعتبار الجماعة هو عدم وجوب الانذار لو نفر جماعة من فرقة ثم تفقهوا و لکن عرض لهم الموت و بقی فرد واحد منهم و علیه فلا یجب علی هذا الفرد الإنذار و هو کما تری هذا مضافا إلی أنّ مقام التعلّم و الإنذار ممّا لا توقّف لهما علی الجماعة یشهد علی أنّ المراد من الطائفة هو الاستغراق أعنی کلّ فرد فرد منها لا الجماعة کما أنّه لم یعتبر فی المنذر بفتح الذال أن یکون جماعة باعتبار لفظ القوم فی الآیة الکریمة.

ص:224


1- 1) المحاضرات سیدنا الاستاذ المحقق الداماد 137/2.
2- 2) المحاضرات لسیدنا الاستاذ المحقق الداماد 134/2-136.

فتحصّل أنّ النفر واجب للتعلم و التفقّه و الإنذار و صدر الآیة الکریمة إخبار عن عدم تمکّن جمیع المؤمنین لذلک فأوجب اللّه سبحانه و تعالی مع عدم تمکنهم للنفر المذکور جمیعا علی کل طائفة من کل فرقة بنحو الوجوب الکفائی لیتفقهوا و لینذروا قومهم إذا رجعوا إلیهم و یتحذّر قومهم بمجرد إنذارهم من دون تقیید التحذّر بحصول العلم کما لا یخفی.

قال السید المحقق الخوئی قدّس سرّه:و الانصاف أنّ دلالة هذه الآیة علی حجیة الخبر أظهر و أتم من دلالة آیة النبأ. (1)

و منها-ای من الآیات التی استدل بها لحجیّة الخبر-آیة الکتمان،و هی قوله تعالی:

إنَّ الَّذینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا منَ الْبَیّنات وَ الْهُدی منْ بَعْد ما بَیَّنّاهُ للنّاس فی الْکتاب أُولئکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعنُونَ . (2)

بتقریب أن حرمة الکتمان تستلزم وجوب القبول عند الاظهار،و إلاّ لزم لغویة حرمة الکتمان و وجوب الاظهار.

أ لا تری أنهم حکموا بحجیة اخبار المرأة عن کونها حاملا و استدلوا علیه بقوله تعالی وَ لا یَحلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فی أَرْحامهنَّ .

و فیه:أوّلا-کما افاده المحقق الاصفهانی قدّس سرّه-أن الآیة الکریمة اجنبیة عما نحن فیه؛لان موردها ما کان فیه مقتضی القبول لو لا الکتمان؛لقوله تعالی منْ بَعْد ما بَیَّنّاهُ للنّاس فی الْکتاب فالکتمان حرام فی قبال ابقاء الواضح و الظاهر علی حاله،لا فی مقابلة الایضاح و الاظهار،و ما هو نظیر ما نحن فیه آیة کتمان النساء ما خلق اللّه فی ارحامهن،فالملازمة انما تجدی فی مثلها،لا فیما نحن فیه. (3)

و لذلک قال فی نهایة الافکار:أن سوق الآیة انما هو فی اصول العقائد ردا علی اهل

ص:225


1- 1) مصباح الاصول 184/2.
2- 2) البقرة159/.
3- 3) نهایة الدرایة:ج 2 ص 89.

الکتاب الذین اخفوا شواهد النبوة و بیناتها و کتموا علائم النبی صلّی اللّه علیه و آله التی بیّنها اللّه سبحانه لهم فی الکتب السالفة،فلا ترتبط بما نحن بصدده. (1)

و دعوی:أن الکتمان و أن کان هو اخفاء الحقیقة إلاّ أنه الاخفاء النسبی لا المطلق،أی الابراز من ناحیة المخبر لا مطلقا،فمن لا یکون قوله مفیدا للعلم لعدم وثاقته مثلا ایضا یصدق الکتمان علی اخفائه للحقیقة. (2)

مندفعة:بأنّ الکلام لیس فی معنی الکتمان،بل الکلام فی أن مورد الآیة الکریمة اجنبیة عما نحن فیه کما افاده المحقق الاصفهانی قدّس سرّه،فلا تغفل.فالآیة مختصة بوجوب القبول للامور التی حرم کتمانها من الحق و البینات و القبول فیها موقوف علی العلم بخلاف المقام.

و ثانیا:بأنّ الآیة الکریمة لا تتعرّض لبیان حرمة الکتمان حتی یؤخذ بإطلاقها لکونها فی مقام بیان ترتّب بعض آثار الکتمان و لذا قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه لیست الآیة بصدد الإطلاق و بیان حرمة الکتمان بل هی بظاهرها تکون بصدد بیان ما یترتب علی إخفاء الحق و کتمانه من اللعن و أمّا أنّه یحرم مطلقا أو فی بعض الموارد فلا تعرض له فیها و بالجملة لیست الآیة بصدد البیان من هذه الجهة فلا یصح الأخذ بالإطلاق و علی هذا فمن المحتمل اختصاص وجوب الاظهار بما اذا کان هناک رجاء حصول العلم و وضوح الحق بإذاعته و إفشائه. (3)

ففیه ما عرفت من أن مورد الآیة هو ما کان واضحا بنفسه من دون حاجة الی ایضاحه بکثرة الافشاء،کما لا یخفی.

و منها-أی من الآیات التی استدل بها لحجیة الخبر-:قوله سبحانه و تعالی وَ ما أَرْسَلْنا منْ قَبْلکَ إلاّ رجالاً نُوحی إلَیْهمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذّکْر إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بالْبَیّنات

ص:226


1- 1) نهایة الافکار:ج 3 ص 130.
2- 2) مباحث الحجج:ج 1 ص 381-382.
3- 3) المحاضرات سیدنا الاستاذ المحقق الداماد 139/2.

وَ الزُّبُر (1)بدعوی أن وجوب السؤال یستلزم وجوب القبول،و إلاّ لغا وجوب السؤال، و اذا وجب قبول الجواب وجب قبول کلّ ما یصح أن یسأل عنه و یقع جوابا له؛لان خصوصیة المسبوقیة بالسؤال لا دخل فیه قطعا،فاذا سئل الراوی الذی هو من اهل العلم عما سمعه عن الامام فی خصوص الواقعة فاجاب بانی سمعته یقول کذا وجب القبول بحکم الآیة،فیجب قبول قوله ابتداء انی سمعت الامام یقول کذا؛لان حجیة قوله هو الذی اوجب السؤال عنه،لا أن وجوب السؤال اوجب قبول قوله،کما لا یخفی.

أورد علیه أوّلا:بان المراد من اهل الذکر بمقتضی السیاق علماء اهل الکتاب،و علیه فالآیة اجنبیة عن حجیة الخبر. (2)

و یمکن أن یقال:أن العبرة بعموم الوارد،و لا ینافیه خصوص المورد،و تطبیق اهل الذکر علی علماء اهل الکتاب یکون من باب تطبیق الکلی علی بعض مصادیقه،و لیس من باب استعمال الکلی فی الفرد کما لا یخفی.و علیه فلا منافاة لدلالة السیاق علی أن مورد الآیة هو علماء اهل الکتاب مع کلیة الوارد و هو قوله فَسْئَلُوا أَهْلَ الذّکْر إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ و یشهد لکلیة الوارد تطبیق الآیة علی غیر اهل الکتاب فی الأخبار الدالة علی أن المراد هم الأئمة المعصومون علیهم السّلام إذ اختصاص أهل الذکر بالأئمّة علیهم السّلام مقطوع العدم بلحاظ المورد کما سیأتی.

هذا مضافا إلی ما أفاده سیدنا الأستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه من أنّه إنّ أرید أن ظاهر الآیة بقرینة المورد إرادة السؤال عن أهل الکتاب(فقط)فالذی یستفاد منها بالملازمة وجوب قبول قوله دون غیره ممن أقرّ بالشهادتین و هو ممنوع إذ لا یحتمل وجوب قبول قول أهل الکتاب و عدم وجوب قبول قول المقرّ بالشهادتین (3)

و اورد علیه ثانیا:بان ظاهر النصوص المستفیضة أن اهل الذکر هم الأئمة علیهم السّلام،لا غیر و

ص:227


1- 1) النحل43/ و 44.
2- 2) فرائد الاصول:ص 82.
3- 3) المحاضرات لسیدنا الأستاذ المحقق الداماد 142/2.

قد عقد فی اصول الکافی بابا لذلک،و قد ارسله فی المجمع عن علی علیه السّلام. (1)فلا وجه للتمسک بها فی حجیة قول الرواة الثقاة.

و یمکن الجواب عنه ایضا بان تطبیق اهل الذکر علی الائمة المعصومین علیهم السّلام من باب کونهم اکمل المصادیق،لا من باب حصر العنوان فیهم،و إلاّ فلا یناسب مع مورد الآیة،کما عرفت.

قال المحقق الاصفهانی قدّس سرّه:أن قصر مورد الآیة علی خصوص الأئمة علیهم السّلام لا یلائم مورد الآیة کما لا یخفی علی من راجعها و ظنّی-و اللّه اعلم-أن اهل الذکر فی کل زمان بالنسبة الی ما یطلب السؤال عنه مختلف،فالسؤال عن کون النبی صلّی اللّه علیه و آله لا یجب أن یکون ملکا و ملکا و انه لا یمتنع علیه الطعام و الشراب لا بد من أن یکون من غیر النبی صلّی اللّه علیه و آله و عترته علیهم السّلام لانهم محل الکلام،بل عن العلماء العارفین باحوال الانبیاء السابقین،و السؤال عن مسائل الحلال و الحرام فی هذه الشریعة المقدسة لا بد من أن ینتهی الی الأئمة علیهم السّلام؛فانهم عیبة علم النبی صلّی اللّه علیه و آله و حملة احکامه صلّی اللّه علیه و آله،فالمصداق حیث انه فی هذا الزمان منحصر فیهم من حیث لزوم انتهاء الأمر الیهم فلذا فسّر اهل الذکر بهم علیهم السّلام،و اللّه العالم. (2)

حاصله:أن عنوان اهل الذکر کلی و ینطبق علی مصادیقه المختلفة بحسب اختلاف موارد الحاجة.قال سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه و بالجملة المراد من اهل الذکر فی الآیة مطلق من یعد من اهل العلم فی زمانه و انما ورد من الأئمة علیهم السّلام أن مصداق هذا المفهوم الکلی فی زماننا نحن فقط دون غیرنا فهو من قبیل انحصار الکلی فی الفرد فتدبر جیدا. (3)

و أورد علیه ثالثا:کما فی فرائد الاصول و الکفایة بان الظاهر من وجوب السؤال عند عدم العلم وجوب تحصیل العلم لا للتعبد بالجواب،کما یقال فی العرف:سل أن کنت جاهلا.

ص:228


1- 1) فرائد الاصول:82.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 90.
3- 3) المحاضرات سیدنا الاستاذ المحقق الداماد 143/2.

و من المعلوم أن السؤال حینئذ طریق لحصول العلم.و یؤیده أن الآیة واردة فی اصول الدین و علامات النبی صلّی اللّه علیه و آله التی لا یؤخذ فیها بالتعبد اجماعا. (1)

و یمکن الجواب عنه بما فی نهایة الدرایة بان الظاهر هو السؤال لکی یعلموا بالجواب لا بامر زائد علی الجواب،فیکشف عن حجیة الجواب؛فانه علی فرض الحجیة یکون حجة قاطعة للعذر مصححة لاطلاق العلم علیه،و إلاّ فلا.

نعم بین هذه الآیة و الآیتین المتقدمتین فرق حیث انه لا امر بالجواب هنا حتی یتمسک باطلاقه لصورة عدم افادة العلم کما فی ایجاب الانذار و حرمة الکتمان،فیمکن ایجاب السؤال الی أن یحصل العلم بالجواب و لو بجواب جماعة. (2)

و الانصاف هو عدم اطلاق الآیة بعد عدم وجوب أمر بالجواب و امکان ارادة ایجاب السؤال و لو بالتکرار حتی یحصل العلم بسبب الاجوبة المتعددة،و لا دلالة للآیة علی حصول العلم بالجواب الاول حتی یکون ذلک تعبدا.و لذلک قال فی الکفایة أن الظاهر من الآیة ایجاب السؤال لتحصیل العلم،لا للتعبد. (3)

و اما الایراد علی الاستدلال بالآیة الکریمة بعد تسلیم دلالتها علی لزوم التعبد بالجواب بانه لا دلالة لها علی التعبد بما یروی الرواة؛بما هم رواة؛لعدم اطلاق اهل الذکر و العلم علیهم،مع أن لصدق هذا العنوان مدخلیة فی الحکم،و علیه فتختصّ دلالة الآیة بحجیة فتوی اهل الفتوی.

ففیه أن عنوان اهل الذکر و الاطلاع من العناوین المشککة،و یصدق علی الرواة ایضا؛ لصدق الذکر و العلم علی معرفة الحلال و الحرام من دون اعمال نظر و رأی،و حیث لم یقید عنوان اهل الذکر بمرتبة خاصة یعم تلک المعرفة ایضا،و لذلک یصدق عنوان اهل العلم و الذکر علی العالمین بالفتاوی و المسائل من دون أن یکونوا مجتهدین،و الرواة کالعالمین بالمسائل الذین لا یکونون مجتهدین فی زماننا هذا.

ص:229


1- 1) راجع فرائد الاصول:ص 82 و کفایة الاصول:ج 2 ص 95.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 90.
3- 3) الکفایة:ص 95.

و دعوی:أن المراد من العلم هو خصوص الرأی و الاعتقاد،کما فی منتقی الاصول. (1)

مندفعة:بأنه لا وجه لتخصیص العلم و الذکر بذلک.

کما أن دعوی أن اهل الذکر هم اهل القرآن،فلا یشمل الرواة و لا العالمین بالفتاوی.

مندفعة بان ذلک ینافی مورد الآیة الکریمة؛فان موردها هو اهل الکتاب،فانطباق اهل الذکر علی اهل البیت و اهل القرآن لا یساوی کونه بمعناه،کما لا یخفی.

فتحصّل:أن الاستدلال بالآیة الکریمة علی وجوب التعبد بالجواب لا یخلو عن اشکال.

نعم ربما یقرب الاستدلال بالآیة بأنها ارجاع و ارشاد الی طریقة معروفة عقلائیة،و هی رجوع الجاهل بالشیء الی العالم به و السؤال منه و العمل بما یقوله بما أن قوله طریق معتبر الی ما یعلمه و یخبر عنه،فهی متضمنة لحجیة خبره و طریقیته.و من الواضح انه لا یعتبر و لا یشترط فی هذه الطریقة العقلائیة سوی أن یکون المسئول عالما بما یسأل عنه من دون فرق بین أن یکون الشیء الذی یعلمه أمرا محسوسا أو غیر محسوس و لا أن یکون عالما بهذا الشیء فقط أو به و بغیره،بل هذه الطریقة جاریة فی کل شیء لا یعلمه الانسان و کان من الناس من یعلمه فاذا کان له حاجة فعلیه أن یسأل العالم و یتبع قوله بما أن قوله طریق الیه، و حینئذ فهذه الآیة الشریفة دلیل لفظی علی امضاء الطریقة العقلائیة و بناء العقلاء علی طریقیة الخبر الواحد. (2)

و لکن هذا التقریب یرجع الی الاستدلال ببناء العقلاء فی حجیة الاخبار،لا الاستدلال بالآیات من باب التعبد الذی هو محل البحث فی المقام.

هذا،مضافا الی أن مورد الآیة هو الشک فی النبوة و المعتبر فیه هو تحصیل العلم القطعی، لا الظن النوعی الذی قد یقترن مع الشک الشخصی أو الظن علی الخلاف کما فی خبر الثقات عند العقلاء.

ص:230


1- 1) منتقی الاصول:ج 4 ص 292.
2- 2) تسدید الاصول:ج 2 ص 93 و 94.

و دعوی:أن الشبهات التی کانت حول النبوة عند نزول الآیة الکریمة ممّا ینحسم أصله بالرجوع الی العالم و اهل الذکر و نفس جوابه.

مندفعة:بأن الشبهات مختلفة و لعل بعضها کذلک،و لکن الحکم بکون جمیعها کذلک تحکم،کما لا یخفی.

2-و اما الأخبار فبطوائف:
الطائفة الاولی: التی وردت فی الخبرین المتعارضین و دلّت علی الأخذ بالاعدل و الاصدق

هی التی وردت فی الخبرین المتعارضین و دلّت علی الأخذ بالاعدل و الاصدق و المشهور و التخییر عند التساوی:

مثل مقبولة عمر بن حنظلة (1)عن الامام الصادق علیه السّلام حیث قال:الحکم ما حکم به اعدلهما و افقههما و اصدقهما فی الحدیث و اورعهما،و لا یلتفت الی ما یحکم به الآخر.قال:

فقلت:فانهما عدلان مرضیان عند اصحابنا لا یفضل واحد منهما علی صاحبه؟قال:فقال:

ینظر الی ما کان من روایتهما عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند اصحابک؛فان المجمع علیه لا ریب فیه...الی أن قال:فان کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثقات عنکم؟ قال:ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب و السنة و خالف العامة فیؤخذ به الحدیث.

و موردها و إن کان فی الحکمین،إلاّ أن ملاحظة جمیع الروایة تشهد بأن المراد بیان المرجح للروایتین اللتین استند الیهما الحاکمان. (2)

و لا یخفی علیک أن مع التعارض لا وثوق بالصدور،و مع ذلک دلت المقبولة علی أن الخبر لا یکون ساقطا.و منه یعلم أن التعبد به لیس من باب بناء العقلاء،و إلاّ فلا یحصل الوثوق فی الراجح بمجرد الأفضلیة فی صفات الراوی او المطابقة مع الکتاب أو المخالفة مع العامة،و مع

ص:231


1- 1) الوسائل:الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 1.
2- 2) فرائد الاصول:ص 84.

عدم الوثوق لا بناء خصوصا مع عدم وجود الرجحان،بل یحکمون حینئذ بالتساقط.

ثم أن هذا الخبر باعتبار قوله(خذ بأعدلهما)ظاهر فی اعتبار العدالة.اللّهمّ إلاّ أن یقال:

أن قوله فی الذیل(فان کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثقات عنکم...الخ)یشهد علی أن الملاک فی حجیة الاخبار هو نقل الثقات.و علیه فالاعدلیة ملاک الترجیح فی تقدیم احد المتعارضین علی الآخر،فلا تغفل.

و نحو هذه الروایة مرفوعة زرارة قال:یأتی عنکم الخبران أو الحدیثان المتعارضان فبأیهما نأخذ؟قال علیه السّلام:یا زرارة خذ بما اشتهر بین اصحابک ودع الشاذ النادر.قلت:

یا سیدی انهما معا مشهوران مرویان مأثوران عنکم.فقال:خذ بأعدلهما عندک و اوثقهما فی نفسک.فقلت:انهما معا عدلان مرضیان موثقان.فقال علیه السّلام:انظر ما وافق منهما مذهب العامة فاترکه و خذ بما خالفهم،قلت:ربما کانا معا موافقین لهم أو مخالفین کیف اصنع؟فقال:اذن فخذ بما فیه الحائطة لدینک و اترک ما خالف الاحتیاط.فقلت:انهما معا موافقان للاحتیاط أو مخالفان له فکیف اصنع؟فقال علیه السّلام:اذن فتخیر احدهما فتأخذ به و تدع الآخر. (1)

و لا یخفی ایضا أن مع کون طرفی المعارضة مشهورین لا وثوق بأحدهما من حیث الصدور و مع ذلک لا یکون الخبر ساقطا،بل یقدم الراجح من حیث الصفات علی غیره، و لیس ذلک إلاّ حجیة تعبدیة.

ثم أن دلالتها علی اعتبار العدالة و عدمه مثل المقبولة.و مثل روایة ابن ابی الجهم المرویة فی الاحتجاج مرسلا عن الرضا علیه السّلام قلت:یجیئنا الرجلان و کلاهما ثقة بحدیثین مختلفین و لا نعلم ایهما الحق؟قال:فاذا لم تعلم فموسع علیک بأیهما اخذت. (2)و مثل خبر موسی بن اکیل عن ابی عبد اللّه علیه السّلام قال:سئل عن رجل یکون بینه و بین اخ له منازعة فی حق فیتفقان علی رجلین یکونان بینهما،فحکما فاختلفا فیما حکما؟قال:و کیف یختلفان؟قال:حکم کل

ص:232


1- 1) المستدرک:الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 2.
2- 2) الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 40.

واحد منهما للذی اختاره الخصمان،فقال:ینظر الی اعدلهما و افقههما فی دین اللّه فیمضی حکمه. (1)

و لا یذهب علیک ان مع التصریح بعدم العلم و الوثوق بالحق قال بحجیة کل واحد من باب التخییر،و لیس ذلک إلاّ حجیة تعبدیة.

اورد علیه بانه لا اطلاق لهذه الطائفة من الأخبار؛لان السؤال عن الخبرین المتعارضین اللذین فرض السائل کل واحد منهما حجة یتعین العمل به لو لا التعارض،و لا نظر للسائل بالنسبة الی اعتبار خبر کل عدل،بل نظره الی حجیة الخبر فی حال التعارض.

یمکن أن یقال-کما افاد فی نهایة الأفکار-أن هذه الأخبار ظاهرة الدلالة بالملازمة علی حجیة خبر الواحد فی نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض. (2)

و الاولی أن یقال أن:هذه الطائفة من الاخبار تدل علی مفروغیة حجیة الاخبار فی نفسها،و إلاّ لما سألوا عن صورة تعارضها،کما لا یخفی.قال فی مصباح الاصول:الاخبار العلاجیة تدل علی أن حجیة الاخبار فی نفسها کانت مفروغا عنها عند الائمة علیهم السّلام و اصحابهم،و انما توقفوا عن العمل من جهة المعارضة فسألوا عن حکمها.و من الواضح انه لیس مورد الأخبار العلاجیة الخبرین المقطوع صدورهما،لان المرجحات المذکورة فیها لا تناسب العلم بصدورهما،و أن الظاهر من مثل قوله(یأتی عنکم خبران متعارضان)کون السؤال عن مشکوکی الصدور،مضافا الی وقوع المعارضة بین مقطوعی الصدور بعید فی نفسه. (3)

و تعتضد تلک المفروغیة المذکورة بما صرح به الشیخ فی عدة الاصول من قوله:انی وجدت الفرقة المحقة مجمعة علی العمل بهذه الاخبار التی رووها فی تصانیفهم و دوّنوها فی اصولهم لا یتناکرون ذلک و لا یتدافعونه،حتی أن واحدا منهم اذا افتی بشیء لا یعرفونه

ص:233


1- 1) الوسائل:الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 45.
2- 2) نهایة الأفکار:ج 3 ص 132.
3- 3) مصباح الاصول:ج 2 ص 191-292.

سألوه من این قلت هذا،فاذا احالهم علی کتاب معروف أو أصل مشهور و کان راویه ثقة لا ینکر حدیثه سکتوا و سلموا الامر فی ذلک و قبلوا قوله،و هذه عادتهم و سجیتهم من عهد النبی صلّی اللّه علیه و آله و من بعده من الأئمة علیهم السّلام و من زمن الصادق جعفر بن محمّد علیهما السّلام الذی انتشر العلم عنه و کثرت الروایة من جهته،فلو لا أن العمل بهذه الاخبار کان جائزا لما اجمعوا علی ذلک و لا نکروه؛لان اجماعهم فیه معصوم لا یجوز علیه الغلط و السهو. (1)

و مما ذکرناه یظهر ما فی نهایة الاصول من أن التعارض کما یوجد فی الخبرین غیر المقطوعین کذلک ربما یوجد فی المتواترین أو المحفوفین بما یوجب القطع بصدورهما،فصرف بیان العلاج للتعارض لا یدل علی حجیة الخبر الذی لم یقطع بصدوره. (2)

و ذلک لان حمل هذه الروایات علی الصورة المذکورة بعید جدا،فاذا عرفت أن المراد منها هو تعارض غیر مقطوعی الصدور تکشف تلک الاخبار عن کون حجیة غیر المقطوع عند عدم المعارضة مفروغا عنها.

و ینقدح أیضا مما ذکرناه ما فی مباحث الحجج حیث قال:یمکن ارادة الحجیة القطعیة کما اذا کان الخبر قطعی السند،و لیست هذه الطائفة من أخبار الترجیح و العلاج فی مقام البیان من ناحیة حجیة اصل الخبر لیتمسک باطلاقها. (3)

و ذلک لما عرفت من أن فرض المعارضة لیس بین المقطوعین لبعد ذلک و ندرته،بل فرض المعارضة بین غیر المقطوعین،و علیه تکشف الاخبار العلاجیة عن کون حجیة الاخبار غیر المقطوعة مع قطع النظر عن المعارضة مفروغا عنها عند الأئمة علیهم السّلام و اصحابهم.

نعم یشکل التمسک بهذه الاخبار لاثبات أن الحجة المفروغ عنها هو خبر الثقة بعد ما عرفت من اعتبار الاعدلیة.

یمکن الجواب عنه بان مقتضی امعان النظر فیها أن الملاک هو کون الراوی ثقة،و لا ینافیه

ص:234


1- 1) عدة الاصول:ص 337.
2- 2) نهایة الاصول:ص 509.
3- 3) مباحث الحجج:ج 1 ص 389.

اعتبار الاعدلیة فی تقدیم احد المتعارضین علی الآخر و یشهد له قوله فی المقبولة(فان کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثقات عنکم...الحدیث).

أو قوله فی المرفوعة(فقلت:انهما عدلان مرضیان موثقان الحدیث)اللّهمّ إلاّ أن یقال:

أن المراد من الثقة و الموثق بعد ما عرفت من اعتبار الاعدلیة هو العادل،فافهم.

الطائفة الثانیة: هی التی تدل علی ارجاع آحاد الرواة الی اشخاص معینین من ثقات الرواة

هی التی تدل علی ارجاع آحاد الرواة الی اشخاص معینین من ثقات الرواة مثل قوله علیه السّلام:اذا اردت الحدیث فعلیک بهذا الجالس،مشیرا الی زرارة (1)و فیه:انه یحتمل أن یکون المعتبر هو العدالة و أن ارجاعه علیه السّلام من جهة کون المجالس المذکور عادلا عنده.

و قوله علیه السّلام:نعم فی موثقة الحسن بن علی بن یقطین بعد ما قال الراوی ا فیونس بن عبد الرحمن ثقة نأخذ معالم دیننا عنه. (2)فان الظاهر منه أن قبول قول الثقة کان أمرا مفروغا عنه عند السائل و المسئول عنه فسأل عن وثاقة یونس لیترتب علیه اخذ المعالم منه.

و قوله علیه السّلام:علیک بالاسدی،یعنی أبا بصیر. (3)و فیه:انه لعل ذلک لکون ابی بصیر عادلا.

و قوله علیه السّلام-فی جواب السائل فممن آخذ معالم دینی؟-من زکریا ابن آدم القمی المأمون علی الدین و الدنیا (4)،و لکنه ظاهر فی اعتبار العدالة.

و قوله علیه السّلام:و اما ما رواه زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام فلا یجوز لک أن تردّه. (5)و فیه:انه لعل ذلک لکونه عادلا.

و قوله لابن ابی یعفور بعد السؤال-عمن یرجع الیه اذا احتاج أو سئل عن مسألة-فما

ص:235


1- 1) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 19.
2- 2) جامع الاحادیث:ج 1 ص 226.
3- 3) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 15.
4- 4) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 27.
5- 5) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 17.

یمنعک من محمّد بن مسلم الثقفی،فانه قد سمع ابی و کان عنده مرضیا وجیها. (1)و فیه:انه لعل ذلک لکونه عادلا،هذا مضافا الی توصیفه بکونه مرضیا عند الامام و وجیها عنده.

و قوله علیه السّلام:ائت ابان بن تغلب،فانه قد سمع منی حدیثا کثیرا،فما رواه لک فاروه عنّی. (2)

و فیه:أنه لعل ذلک لکونه عادلا.

و قوله علیه السّلام:فی صحیحة احمد بن اسحاق:العمری ثقتی،فما ادّی الیک عنی فعنّی یؤدّی،و ما قال لک عنّی فعنّی یقول،فاسمع له و اطع فانه الثقة المأمون.

و قوله علیه السّلام:العمری و ابنه ثقتان،فما أدّیا الیک عنّی فعنّی یؤدّیان،و ما قالا لک فعنّی یقولان،فاسمع لهما و اطعهما فانهما الثقتان المأمونان. (3)

قال شیخنا الأعظم:بعد نقل اکثر الروایات المذکورة:و هذه الطائفة أیضا مشترکة مع الطائفة الاولی فی الدلالة علی اعتبار خبر الثقة المأمون. (4)

أورد علیه بان المراد من الثقات فی هذه الارجاعات هم الأشخاص الذین لا یکذبون، لکونهم علی مرتبة عظیمة من التقوی و الجلالة حتی وثق بهم الامام علیه السّلام،فهذه الاخبار لا تدل علی حجیة خبر کل ثقة،بل تدل علی ثقات اهل البیت و هم العدول.نعم لا بأس بالاخذ بمثل ما ورد فی مثل یونس بعد سؤال الراوی عن کون یونس ثقة،فان المراد بالثقة هو الثقة عند الناس لا العدل.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:أن المراد من الثقة یختلف بحسب الموارد،و لیس المراد منه فی مورد السؤال هو الصدق المخبری مع أن المورد من الفقهاء و السائل یرید أن یأخذ آرائه،بل المراد أنه مورد الاطمئنان لاخذ الآراء أو لا یکون کذلک.

و لکن الانصاف أن هذا المعنی بعید،و الظاهر منه أن المراد من الثقة هو الثقة عند الناس

ص:236


1- 1) جامع الاحادیث:ج 1 ص 225.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 30.
3- 3) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی:ح 4.
4- 4) فرائد الاصول:ص 85.

أی صادق فی إخباره بل لعله الظاهر من التعلیل الوارد فی صحیحة احمد بن اسحاق فی مورد العمری فانه الثقة المأمون.

الطائفة الثالثة: الأخبار الدالة علی وجوب الرجوع الی الرواة و الثقات و العلماء

هی الأخبار الدالة علی وجوب الرجوع الی الرواة و الثقات و العلماء،علی وجه یظهر منها عدم الفرق بین فتاویهم بالنسبة الی اهل الاستفتاء و روایتهم بالنسبة الی اهل العمل بالروایة.

مثل قول الحجة عجّل اللّه فرجه لاسحاق بن یعقوب:و اما الحوادث الواقعة فارجعوا الی رواة حدیثنا،فانهم حجتی علیکم،و انا حجة اللّه. (1)

قال الشیخ الأعظم:لو سلم أن ظاهر الصدر الاختصاص بالرجوع فی حکم الوقائع الی الرواة اعنی الاستفتاء منهم،إلاّ أن التعلیل بانهم حجته یدل علی وجوب قبول خبرهم (2)؛لان التعلیل یعمم،و مقتضی التعمیم هو وجوب قبول خبره أیضا کفتواه.

و لقائل أن یقول:أن جعل الحجیة للرواة المجتهدین لا یدل علی حجیة نقل کل راو،فهو اخص من المدعی.

و مثل الروایة المحکیة فی العدة عن الصادق علیه السّلام:اذا نزلت بکم حادثة لا تجدون حکمها فیما روی عنّا فانظروا الی ما رووه عن علی علیه السّلام فاعملوا به (3)؛لدلالتها علی جواز الاخذ بروایات الشیعة،بل بروایات العامة عن ثقاتهم مع عدم وجود المعارض من روایة الخاصة.

و الظاهر من العدة انه اعتمد علیها حیث ذکر قول الامام باسمه مع انه لم یذکر فی العدة غالبا شیئا من الروایات،هذا مضافا الی انه صرح بعده باعتماد الاصحاب علیها حیث قال:

و لاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غیاث و غیاث ابن کلوب و نوح بن دراج و السکونی و غیرهم من العامة عن ائمتنا علیهم السّلام فیما لم ینکروه و لم یکن عندهم خلافه،فراجع.

ص:237


1- 1) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 9.
2- 2) فرائد الاصول:ص 85.
3- 3) عدة الاصول:ص 379.

و مثل ما رواه فی الاحتجاج عن تفسیر الامام العسکری علیه السّلام فی قوله تعالی: فَوَیْلٌ للَّذینَ یَکْتُبُونَ الْکتابَ بأَیْدیهمْ ثُمَّ یَقُولُونَ هذا منْ عنْد اللّه قال:هذه لقوم من الیهود:الی أن قال:

و قال رجل للصادق علیه السّلام:اذا کان هؤلاء العوام من الیهود لا یعرفون الکتاب إلاّ بما یسمعونه من علمائهم،فکیف ذمّهم بتقلیدهم و القبول من علمائهم،و هل عوام الیهود إلاّ کعوامنا یقلدون علمائهم...الی أن قال:فقال علیه السّلام:بین عوامنا و علمائهم و بین عوام الیهود و علمائهم فرق من جهة،و تسویة من جهة اما من حیث الاستواء فان اللّه تعالی ذمّ عوامنا بتقلیدهم علمائهم کما ذمّ عوامهم.

و أما من حیث افترقوا فان عوام الیهود کانوا قد عرفوا علماءهم بالکذب الصراح و اکل الحرام و الرشا و تغییر الاحکام عن وجهها بالشفاعات و النسابات و المصانعات،و عرفوهم بالتعصب الشدید الذی یفارقون به ادیانهم و أنهم اذا تعصّبوا ازالوا حقوق من تعصّبوا علیه و اعطوا ما لا یستحقه من تعصّبوا له من اموال غیرهم و ظلموهم من اجلهم...الی أن قال:

فلذلک ذمّهم لما قلدوا من عرفوا و من علموا انه لا یجوز قبول خبره و لا تصدیقه و لا العمل بما یؤدّیه الیهم عمن لا یشاهدوه(لم یشاهدوه)و وجب علیهم النظر بأنفسهم فی امر رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله؛اذ کانت دلائله أوضح من أن یخفی و اشهر من أن لا تظهر لهم.

و کذلک عوام ائمّتنا اذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر و العصبیة الشدیدة و التکالب علی حطام الدنیا و حرامها و اهلاک من یتعصبون علیه و أن کان لاصلاح امره مستحقا و بالترفرف بالبر و الاحسان علی من تعصّبوا له و أن کان للاذلال و الاهانة مستحقا،فمن قلّد من عوامنا مثل هؤلاء فهو مثل الیهود الذین ذمّهم اللّه بالتقلید لفسقة فقهائهم.

فاما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا علی هواه مطیعا لامر مولاه فللعوام أن یقلدوه،و ذلک لا یکون إلاّ بعض فقهاء الشیعة لا کلّهم.

فاما من رکب من القبائح و الفواحش مراکب علماء العامة فلا تقبلوا منهم عنّا شیئا و لا کرامة،و انما کثر التخلیط فیما یتحمّل عنّا اهل البیت لذلک؛لان الفسقة یتحمّلون عنّا

ص:238

فیحرفونه بأسره لجهلهم و یضعون الاشیاء علی غیر وجوهها لقلة معرفتهم،و آخرون یتعمدون الکذب علینا لیجرّوا من عرض الدنیا ما هو زادهم الی نار جهنم الحدیث. (1)

قال الشیخ الأعظم بعد نقل هذا الخبر:دل هذا الخبر الشریف اللائح منه آثار الصدق علی جواز قبول قول من عرف بالتحرز عن الکذب و أن کان ظاهره اعتبار العدالة بل ما فوقها،لکن المستفاد من مجموعه أن المناط فی التصدیق هو التحرز عن الکذب،فافهم. (2)

و مثل ما عن ابی الحسن الثالث علیه السّلام فیما کتبه جوابا عن سؤال احمد بن حاتم بن ماهویه و اخیه عمن آخذ معالم دینی:فهمت ما ذکرتما،فاصمدا فی دینکما علی کلّ مسن فی حبّنا و کل کثیر القدم فی امرنا،فانهما کافوکما أن شاء اللّه تعالی. (3)و لکن هذا العنوان غیر عنوان الثقة فلا یشمل ما إذا لم یکن الثقة واجدا لهذا العنوان

و مثل قوله علیه السّلام لا تأخذنّ معالم دینک من غیر شیعتنا،فانک أن تعدّیتهم اخذت دینک من الخائنین الذین خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم،انهم ائتمنوا علی کتاب اللّه فحرّفوه و بدلوه الحدیث. (4)

بدعوی أن ظاهرهما و أن کان الفتوی،إلاّ أن الانصاف شمولهما للروایة بعد التامل کما فی سابقتهما،و المراد هو المنع عن قبول روایات غیر الثقات منهم جمعا بینه و بین ما افاده الشیخ الطوسی قدّس سرّه فی العدة و نقلناه آنفا.

و مثل ما عن الامام العسکری علیه السّلام فی کتب بنی فضال حیث قالوا ما نصنع بکتبهم و بیوتنا منها ملاء؟قال:خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا. (5)

یعنی لا اشکال فی اخذ الروایة عنهم من جهة کونهم فطحیة اذا کانوا من الثقات.

ص:239


1- 1) الوسائل:الباب 10 من أبواب صفات القاضی ح 20.
2- 2) فرائد الاصول:ص 86.
3- 3) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 45.
4- 4) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 42.
5- 5) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 13.

قال الشیخ قدّس سرّه:دل بمورده علی جواز الاخذ بکتب بنی فضال و بعدم الفصل علی کتب غیرهم من الثقات و روایاتهم.

و مثل ما ورد مستفیضا:حدیث واحد فی حلال و حرام تأخذه من صادق خیر لک من الدنیا و ما فیها من ذهب و فضة،و فی بعضها یأخذه صادق عن صادق (1)بناء علی أن المراد من الصادق هو الراوی الذی یصدق فی خبره.

و مثل التوقیع المروی فی رجال الکشی:و عن علی بن محمّد بن قتیبة عن احمد بن ابراهیم المراغی قال:ورد علی القاسم بن العلاء و ذکر توقیعا شریفا فیه:فانه لا عذر لاحد من موالینا فی التشکیک فیما یرویه عنا ثقاتنا قد عرفوا بانا نفاوضهم سرّنا و نحمله ایاه الیهم. (2)

و لکنه اخص من المدعی؛فان ثقاتنا غیر عنوان الثقة،هذا مضافا الی أن کون الراوی من اهل السرّ من خصیصة الاوحدی من العدول و الثقات.

و مثل مرفوعة الکناسی عن الصادق علیه السّلام فی تفسیر قوله عزّ ذکره وَ مَنْ یَتَّق اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ یَرْزُقْهُ منْ حَیْثُ لا یَحْتَسبُ قال:هؤلاء قوم من شیعتنا ضعفاء و لیس عندهم ما یتحملون به الینا،فیسمعون حدیثنا و یقتبسون من علمنا،فیرحل قوم فوقهم و ینفقون اموالهم و یتعبون ابدانهم حتی یدخلوا علینا فیسمعوا حدیثنا فینقلوه الیهم،فیعیه هؤلاء، و یضیّعه هؤلاء،فاولئک الذین یجعل اللّه عزّ ذکره لهم مخرجا و یرزقهم من حیث لا یحتسبون. (3)

بدعوی انها دلت علی جواز العمل بالخبر و أن نقله من یضیّعه و لا یعمل به (4)بناء علی حمله علی الثقة جمعا بینه و بین ما اعتبر الوثوق فی العمل بالخبر الواحد.

الطائفة الرابعة: الأخبار الدالة علی جواز العمل بخبر الواحد

هی الأخبار الدالة علی جواز العمل بخبر الواحد:مثل النبوی المستفیض بل المتواتر:من

ص:240


1- 1) جامع الاحادیث:ج 1 ص 223 و 253.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 40.
3- 3) جامع الأحادیث:ج 1 ص 238 ح 61.
4- 4) فرائد الاصول:ص 87.

حفظ من امتی اربعین حدیثا مما یحتاجون الیه من امر دینهم بعثه اللّه فقیها عالما. (1)

قال شیخنا البهائی قدّس سرّه فی أول أربعینه:أن دلالة هذا الخبر علی حجیة خبر الواحد لا یقصر عن دلالة آیة النفر انتهی.

و لکنه لا یخلو عن اشکال،و هو أن وجه الدلالة هو الملازمة بین النقل و القبول التعبدی، و هو اول الکلام،و لعله مشروط بحصول العلم أو اتصاف الراوی بوصف العدالة.

و مثل الأخبار الواردة فی الترغیب فی الروایة و الحث علیها و ابلاغ ما فی کتب الثقة کقوله علیه السّلام فیما الفه یونس:هذا دینی و دین آبائی،و هو الحق کله. (2)وجه الدلالة هو الملازمة بین کون ما کتبه الثقة حقا و بین القبول التعبدی.

و لکن یرد علیه بأن التصدیق المذکور تصدیق شخصی بنحو القضیة الخارجیة. (3)

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بعد الغاء الخصوصیة یکون فی قوة القضیة الحقیقیة.

و کقوله علیه السّلام:اکتب و بث علمک فی اخوانک،فان مت فاورث(فورث)کتبک بنیک،فانه یأتی علی الناس زمان هرج لا یأنسون(فیه)إلاّ بکتبهم. (4)وجه الدلالة واضح؛لان مورد التوصیة هو کتابة الواحد هذا مضافا الی التعبیر عنه بالبث بالعلم و انه ارث و موجب للانس به.

و کقوله علیه السّلام اعرفوا منازل الرجال منا بقدر روایتهم عنا (5)و دلالته علی حجیة قول کل ثقة محل تأمل.

و کقوله علیه السّلام:لکل رجل منا من یکذب علیه.

و قوله:ستکثر بعدی القالة،و أن من کذب علیّ فلیتبوأ مقعده من النار.

ص:241


1- 1) جامع الأحادیث:ج 1 ص 241 ح 68 الی 73.
2- 2) جامع الأحادیث:ج 1 ص 227.
3- 3) مباحث الحجج:ج 1 ص 285.
4- 4) جامع الأحادیث:ج 1 ص 235 ح 47.
5- 5) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 43.

بدعوی أن بناء المسلمین لو کان علی الاقتصار علی المتواترات لم یکثر القالة و الکذابة اذ الاحتفاف بالقرینة القطعیة فی غایة القلة.

قال الشیخ:یستفاد من مجموع هذه الأخبار رضا الأئمة علیهم السّلام بالعمل بالخبر و أن لم یفد القطع،و ادّعی فی الوسائل تواتر الأخبار بالعمل بخبر الثقة إلاّ أن القدر المتیقن منها هو خبر الثقة الذی یضعف فیه احتمال الکذب علی وجه لا یعتنی به العقلاء و یقبحون التوقف فیه لاجل ذلک الاحتمال،کما دل علیه الفاظ الثقة و المأمون و الصادق و غیرها الواردة فی الأخبار المتقدمة،و هی أیضا منصرف اطلاق غیرها بل و لو لم یکن الاخبار متواترة بالاصطلاح کفی کونها مفیدة للاطمئنان بحجیة خبر الثقة و لو لم یکن عادلا.

و أما العدالة فاکثر الأخبار المتقدمة خالیة عن اعتبارها،بل و فی کثیر منها التصریح بخلافه مثل روایة کتاب العدّة الآمرة بالاخذ بما روته الثقات عن علی علیه السّلام و ما ورد فی کتب بنی فضال و مرفوعة الکناسی.

نعم فی غیر واحد منها حصر المعتمد فی أخذ معالم الدین فی الشیعة،لکنه محمول علی غیر الثقة(أی الحصر محمول علی غیر الثقة من العامة،فلا ینافی الاعتماد علی ثقاتهم، فالحصر اضافی بالنسبة الی غیر ثقاتهم)أو الحصر محمول علی أخذ الفتوی جمعا بینها و بین ما هو أکثر منها.

و فی روایة بنی فضال شهادة علی هذا الجمع مع أن التعلیل للنهی فی ذیل الروایة بانهم ممن خانوا اللّه و رسوله یدل علی انتفاء النهی عند انتفاء الخیانة المکشوف عنه بالوثاقة،فان غیر الامامی الثقة مثل ابن فضال و ابن بکیر لیسوا خائنین فی نقل الروایة. (1)

و لا یخفی علیک أن دعوی التواتر بالنسبة الی خبر الثقة المذکورة مع أن جملة منها تدل علی اعتبار العدالة أو یحتمل اعتبارها من جهة العدالة.کما تری.

نعم یمکن تأیید ما ذهب الیه الشیخ قدّس سرّه من دعوی التواتر بأن بناء العامة علی العمل بخبر

ص:242


1- 1) فرائد الاصول:ص 88.

الواحد و مع ذلک لم یردعهم الائمة علیهم السّلام عن ذلک مع انهم علیهم السّلام ردعوهم عن القیاس و الاستحسان،و هو امر ثابت و یدل علیه بعض الأخبار.

منها:مرسلة داود بن فرقد عن رجل عن سعید بن ابی الخطیب عن جعفر بن محمّد علیهما السّلام فی حدیث انه قال لابن ابی لیلی:فبأی شیء تقضی؟قال:بما بلغنی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و عن علی و عن ابی بکر و عمر.قال:فبلغک عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله أن علیا اقضاکم؟!قال:نعم.قال:

فکیف تقضی بغیر قضاء علی علیه السّلام و قد بلغک هذا الحدیث. (1)وجه الدلالة هو قول ابن ابی لیلی(بما بلغنی)حیث أن مراده منه البلوغ بنحو الآحاد؛لقلة التواتر جدا،و لم یردعه الامام علیه السّلام عن ذلک،بل نبّهه علی خبر آخر وصل الیه. (2)

نعم لا إطلاق له حیث انه فی مقام بیان لزوم القضاء بقضاء علی علیه السّلام،إلاّ أن احتمال اشتراط العلم فی البلوغ فی اخبار العامة بعید جیدا.

و منها:مرسلة شبیب بن أنس عن بعض أصحاب أبی عبد اللّه علیه السّلام فی حدیث أن أبا عبد اللّه علیه السّلام قال لابی حنیفة:یا أبا حنیفة اذا ورد علیک شیء لیس فی کتاب اللّه و لم تأت به الآثار و السنة کیف تصنع؟فقال:اصلحک اللّه اقیس و اعمل فیه برأیی،فقال علیه السّلام:یا أبا حنیفة أن أوّل من قاس ابلیس. (3)

حیث أن قوله و لم تأت به الآثار و السنة یدل علی انه عمل بالآثار و لم یردعه الامام 7 عن العمل به. (4)

و فیه ما تقدم و الجواب الجواب.

هذا مضافا الی امکان تأیید ما ذهب الیه الشیخ من دعوی التواتر أیضا بثبوت بناء اصحابنا علی العمل بخبر الواحد،کما یدل علیه بعض الاخبار.

ص:243


1- 1) الوسائل:الباب 3 من أبواب صفات القاضی ح 9.
2- 2) راجع نهایة الاصول:ص 510
3- 3) الوسائل:الباب 6 من أبواب صفات القاضی ح 27.
4- 4) نهایة الاصول:ص 511-512.

منها:مرسلة ابی جمیلة البصری قال:کنت مع یونس ببغداد و انا امشی معه فی السوق، ففتح صاحب الفقاع فقاعه فاصاب ثوب یونس،فرأیته قد اغتم لذلک حتی زالت الشمس، فقلت له:یا أبا محمّد أ لا تصلی.فقال:لیس ارید اصلی حتی ارجع الی البیت فاغسل هذا الخمر من ثوبی.فقلت له:هذا رأی رأیته أو شیء ترویه؟فقال:أخبرنی هشام بن الحکم انه سأل أبا عبد اللّه علیه السّلام عن الفقاع فقال:لا تشربه فانه خمر مجهول،فاذا اصاب ثوبک فاغسله (1)؛لدلالته علی أن العمل بخبر الواحد کان معمولا عندهم.

و نحوها موثقة اسحاق بن عمار (2)و خبر علی بن حدید (3)و خبر معمر بن خلاد (4)و صحیح زرارة (5)و خبر سلیم بن قیس. (6)

و الی غیر ذلک من الاخبار الدالة علی أن أصحابنا آخذون بخبر الواحد الثقة،و علیه فدعوی أن الاخبار الدالة علی حجیة خبر الواحد الثقة متواترة بالتواتر المعنوی لیست بمجازفة.

قال السید المحقق البروجردی قدّس سرّه-بعد نقله کلام شیخنا الأعظم قدّس سرّه-أن الأخبار التی ذکرها الشیخ لا تبلغ حد التواتر الاجمالی...الی أن قال:یشکل حصول القطع بصدور واحد منها خصوصا بعد امکان المناقشة فی دلالة بعضها،و لکن الذی یسهّل الخطب عدم انحصار الاخبار فیما ذکره بل هی کثیرة جدا،و یستفاد من جمیعها أن العمل بالخبر الواحد کان مما استقرت علیه سیرة اصحاب النبی صلّی اللّه علیه و آله و الائمة علیهم السّلام،و کان بعضهم یحتج بذلک علی غیره.و لا فرق فی ذلک بین العامة و الخاصة،بل لم ینکر من العامة احد ذلک سوی المتکلمین

ص:244


1- 1) الکافی:ج 6 ص 423.
2- 2) الوسائل:الباب 46 من أبواب القراءة.
3- 3) الوسائل:الباب 25 من أبواب صلاة المسافر.
4- 4) الوسائل:الباب 18 من أبواب المواقیت.
5- 5) الوسائل:الباب 8 من أبواب المواقیت.
6- 6) الوسائل:الباب 14 من أبواب صفات القاضی.

منهم کالنظام و غیره،و لو کان العمل بالخبر أمرا منکرا لکان علی الائمة علیهم السّلام تنبیه أصحابهم و ردعهم عنه کما ردعوا عن القیاس.

و بالجملة فکثرة الأخبار بحد یحصل القطع منها بکون حجیة الخبر امرا مفروغا عنه بین العامة و الخاصة فی عصر النبی صلّی اللّه علیه و آله و الائمة علیهم السّلام،ثم نقل الأخبار التی اشرنا الیها آنفا. (1)

و الظاهر أن لفظ التواتر الاجمالی من سهو القلم،لانّ المدعی هو التواتر المعنوی لا الاجمالی،و هو حاصل بمجموع ما ذکره الشیخ قدّس سرّه کما اشار الیها فی نهایة الاصول و ذکرناه بالتفصیل،کما لا یخفی.

ثم أن دعوی کون المتیقن من الروایات هو العدل لا الثقة،کما یشهد له الارجاع إلی الاعدل فی المتعارضین فی المقبولة،فانه حاک عن کون کل طرف من اطراف التعارض عدلا، هذا مضافا الی اعتبار عنوان(ثقاتنا)و عنوان(مرضیان)و عنوان(حجتی)و عنوان(من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا علی هواه مطیعا لأمر مولاه)و عنوان(کلّ مسنّ فی حبّنا)و عنوان(کل کثیر القدم فی امرنا)فانها ظاهرة فی اعتبار العدالة و فوقها.

مندفعة بانه یمکن دعوی عدم اعتبار وصف العدالة فی الراوی فی حجیة روایته،بل المدار هو الوثوق المخبری فی نقل الروایة بنحو یضعف فیه احتمال الکذب،و التعبیر بالعدالة و نحوها من العناوین المذکورة من باب خصوصیة مورد السؤال أو من باب علاج الأخبار المتعارضة،لا من باب دخالتها فی حجیة الخبر الواحد؛و الدلیل علی ذلک هو عدم اعتبار الاصحاب فی الأخذ أن یکون الراوی من أصحاب السرّ أو ممن یرضی الأئمة علیهم السّلام عنه أو أن یکون من الشیعة،کما صرح بذلک الشیخ الطوسی قدّس سرّه فی العدة من أن الطائفة عملت بما رواه حفص بن غیاث و غیاث بن کلوب و نوح بن دراج و السکونی و غیره من العامة الذین کانوا ینقلون الأخبار عن ائمتنا علیهم السّلام.

و هو شاهد علی أن المعیار فی جواز الرجوع هو الوثوق بالناقل و لو کان عامیا،نعم

ص:245


1- 1) راجع نهایة الأصول:ص 509-510.

لا ینافی ما ذکرناه تقدم الراوی الشیعی الثقة علی الراوی العامی الثقة عند التعارض کما روی الشیخ فی العدة ذلک عن الامام الصادق علیه السّلام:انه اذا نزلت بکم حادثة لا تجدون حکمها فیما روی عنا فانظروا الی ما رووه عن علی علیه السّلام فاعملوا به (1)،بل یکون ظاهر قوله بعد الروایة المذکورة:و لاجل ما قلنا عملت الطائفة بما رواه حفص بن غیاث الخ أن الروایة المذکورة معمولا بها عند الاصحاب.

و یشهد أیضا علی أن المعیار هو الوثوق بالراوی قوله علیه السّلام:خذوا ما رووا و ذروا ما رأوا.

و تجویز الامام علیه السّلام العمل بقول الثقة و أن کان المخبر ممن یضیع الخبر و لا یعمل به کما مرّ.

و التعلیل الوارد فی صحیحة احمد بن اسحاق بعد قوله العمری ثقتی فانه الثقة المأمون.

فانه یفید الکبری الکلی،و هی أن کل ثقة مأمون یسمع له،و هو معنی حجیة خبر الثقة، و تطبیق هذا الکلی علی مثل العمری الذی کان فی مرتبة عالیة من الوثاقة لا ینافی کون المعیار هو افادة الوثوق بالمخبر،و لا دخالة لما زاد علیه من المراتب العالیة،و لا وجه لحمل الکبری الکلی علی أن المراد منه هو خصوص المورد،کما لا یحمل ذلک فی امثاله و نظائره.

و لقد افاد و اجاد فی نهایة الافکار حیث قال:و لا یخفی أن التواتر المدعی فی تلک الاخبار و أن لم یکن لفظیا إلاّ أنّه یکون معنویا؛لوضوح کون الجمیع بصدد بیان معنی واحد،و هو حجیة قول الثقة و وجوب العمل علی طبقه،بل و ظاهر بعضها هو کون وجوب العمل بخبر الثقة أمرا مرکوزا عندهم بحیث کان من المسلمات عند أصحاب الأئمة علیهم السّلام،و لذلک وقع السؤال فیها عن الموضوع،و هو کون الراوی ثقة أو غیر ثقة کما فی خبر عبد العزیز المتقدم، و ربما یشهد لذلک أیضا تعلیله علیه السّلام فی خبر أحمد بن اسحاق بعد ما أرجع الی العمری و ابنه بقوله:انهما الثقتان المأمونان.و حینئذ فلا ینبغی الارتیاب فی حجیة خبر الثقة و وجوب الأخذ به.

ثم أن الثقة فی تلک الأخبار و أن کانت ظاهرة فی العدالة بل اعلی درجتها،و لکن یمکن

ص:246


1- 1) عدة الاصول:ص 379.

دعوی عدم اعتبار وصف العدالة فی الراوی فی حجیة روایته و أن مدار الحجیة انما کان علی حیث الوثوق فی نقل الروایة بنحو یضعف فیه احتمال الکذب بحیث لا یعتنی به العقلاء،و أن التعبیر بالمأمونیة فی الدین و الدنیا انما هو من جهة کونه ملزوما للوثاقة فی الحدیث،لا من جهة مدخلیة خصوصیة المأمونیة فی الدین فی الراوی فی حجیة روایته...الی أن قال:و من ذلک تری بناء الاصحاب-رضوان اللّه علیهم-علی العمل بالخبر الموثوق به و لو من غیر الشیعة اذا علموا بان الراوی سدید فی نقل الروایة و متحرز عن الکذب و کان ممن لا یطعن فی روایته و أن کان مخطئا فی اعتقاده و سالکا غیر الطریقة المستقیمة التی سلکها الشیعة و الفرقة المحقة،کاخذهم بروایات حفص بن غیاث و غیاث بن کلوب و نوح بن دراج و غیرهم من العامة،و کذا اخذهم بأخبار جماعة من الفطحیة و غیرها کعبد اللّه بن بکیر و سماعة بن مهران و علی بن ابی حمزة البطائنی اللعین الشقی و کتب بنی فضال و غیرهم ممن عرف منهم کونهم موثقین فی نقل الحدیث.

و ناهیک فی ذلک الحدیث النبوی المعروف(علی الید ما اخذت)المستدل بها فی أبواب المعاملات،مع أن من المعلوم انه لم یروه احد من رواتنا الامامیة و لا کان موجودا فی شیء من جوامعنا،و انما هو مروی فی کتب العامة بطرقهم المنتهیة الی سمرة بن جندب الشقی عمن هو مثله،فان ذلک شاهد صدق لما ذکرنا من أن مدار الحجیة عندهم علی مجرد کون الخبر موثوق الصدور عن النبی صلّی اللّه علیه و آله أو الائمة علیهم السّلام بنحو یضعف فیه احتمال الکذب ضعفا لا یعتنی به العقلاء بنحو یعد المعتنی به من الوسواسین،لا أن مدار الحجیة عندهم علی عدالة الراوی.

و حینئذ فلا اشکال فی دلالة تلک الأخبار علی حجیة خبر الموثوق به صدورا أو مضمونا،کما یدل علی الاول الترجیح بالشهرة و الشذوذ و بعدالة الراوی و وثاقته،و علی الثانی الترجیح بموافقة الکتاب و مخالفة العامة. (1)

و لا یخفی علیک أن موثوق الصدور و أن کان حجة عند العقلاء و لم یردع عنه فی الشرع،

ص:247


1- 1) نهایة الافکار:ج 3 ص 134-136.

و لکن المعیار المستفاد من الاخبار المذکورة هو أن یکون الراوی ثقة فی حدیثه،و هو الذی یعبر عنه بالوثوق المخبری.

تواتر ادلة اعتبار الخبر الواحد

ثم أن الظاهر من کلام صاحب الکفایة انه لم یثبت عنده التواتر المعنوی،و لذا ذهب الی التواتر الاجمالی حیث قال:تلک الأخبار و إن کانت طوائف کثیرة،إلاّ أنه یشکل الاستدلال بها علی حجیة الأخبار الآحاد بانها أخبار آحاد،فانها غیر متفقة علی لفظ و لا علی معنی حتی تکون متواترة لفظا أو معنی،و لکنه مندفع بأنها و أن کانت کذلک،إلاّ أنها متواترة اجمالا؛ضرورة انه یعلم اجمالا بصدور بعضها منهم علیهم السّلام،و قضیته و أن کانت حجیة خبر دل علی حجیة اخصّها مضمونا،إلاّ أنه یتعدی عنه فیما اذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیة،و قد دل علی حجیة ما کان اعم،فافهم. (1)

و فیه انه یکفی الأخبار المذکورة فی اثبات التواتر المعنوی،علی أن قول الثقة مفروغ الحجیة عند السائل و المسئول عنه و سیرة الاصحاب علی العمل به و لو کان المخبر من العامة أو الذین أخطئوا فی اعتقاداتهم من فرق الشیعة.

و لا ینافیه اعتبار الاعدلیة فی الأخبار العلاجیة؛لانها فی مقام ترجیح احد المتعارضین علی الآخر،فلا وجه للاستدلال بها علی اعتبار العدالة فی حجیة الخبر،کما لا وجه للاستدلال بالاخبار الدالة علی انه لا عذر فیما یرویه ثقاتنا علی اعتبار کونه امامیا بعد تعلیل الحجیة بکونه الثقة المأمون فی الأخبار،هذا مضافا الی أن حجیة قول الثقات من العامة مما لا یقبل الانکار.

و مما ذکرناه یظهر ما فی مصباح الاصول حیث جعل الأخبار متعارضة و قال:أن النسبة بین العادل و الموثوق به هی العموم من وجه؛اذ قد یکون الراوی عادلا غیر موثوق به لکثرة

ص:248


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 97.

خطأه و سهوه،و قد یکون موثقا غیر عادل بمعنی انه ضابط حافظ متحرز عن الکذب إلاّ أنه فاسق من غیر ناحیة الکذب کما یوجد کثیرا،و قد یکون عادلا موثقا.و علیه فالقدر المتیقن منها هو الجامع للعدالة و الوثاقة،فبناء علی التواتر الاجمالی لا یستفاد منها إلاّ حجیة الخبر الصحیح الاعلائی.

نعم ذکر صاحب الکفایة أن المتیقن من هذه الأخبار و أن کان هو خصوص الخبر الصحیح،إلاّ أنه فی جملتها خبر صحیح یدل علی حجیة الخبر الموثق،فثبت به حجیة خبر الثقة و أن لم یکن عادلا.و ما ذکره متین،و لعل مراده من الخبر الصحیح الدال علی حجیة خبر الثقة قوله علیه السّلام(نعم)بعد ما قال السائل:ا فیونس بن عبد الرحمن ثقة ناخذ معالم دیننا عنه؛فان ظاهره کون حجیة خبر الثقة مفروغا عنها بین الامام و السائل و أن السؤال ناظر الی الصغری فقط. (1)

و ذلک لما عرفت من أن مقتضی الامعان فی الأخبار أن المراد من مجموعها هو اعتبار قول الثقة المأمون،فلا تعارض و لا منافاة بینها حتی نأخذ بالاخصّ مضمونا منها،لان عدم الدلالة علی الاعم فی بعض الاخبار و سکوته لا یعد من المنافاة کما أن خصوصیات المورد لا دخالة لها فی ملاک الاعتبار و لا یوجب تقیید الکبری الواردة فی حجیة خبر الثقات بعنوان التعلیل فتدبّر جیدا.

فالأظهر کما ذهب الیه الشیخ قدّس سرّه هو ثبوت التواتر المعنوی علی اعتبار خبر الثقة المأمون، و علیه فدعوی منع التواتر المعنوی و الأخذ بالتواتر الاجمالی و الاخذ بالخبر الصحیح الاعلائی و الاستدلال به لحجیة خبر کل الثقة المأمون تبعید المسافة من دون موجب،کما لا یخفی.

کلام المحقق النائینی قدّس سرّه

حکی عن المحقق النائینی قدّس سرّه انکار التواتر الاجمالی بدعوی انا لو وضعنا الید علی کل

ص:249


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 194.

واحد من تلک الأخبار نراه محتملا للصدق و الکذب،فلا یکون هناک خبر مقطوع الصدور. (1)

و لا یخفی ما فیه فان مع تسلیم عدم ثبوت التواتر المعنوی فلا وجه لانکار التواتر الاجمالی؛و ذلک لان احتمال الصدق و الکذب بالنسبة الی کل فرد لا ینافی القطع بصدور الاخص مضمونا باعتبار المجموع أ لا تری أنه اذا اخبر النفرات الکثیرة بدخالة شیء فی صحة معاملة أو عبادة أو بحدوث امر مع الاختلاف فی النقل لم نعلم بخصوص کل واحد مع قطع النظر عن إخبار الآخرین،و لکن مع ملاحظة اخبار الآخرین نعلم بدخالة الاخص مضمونا فانه هو الذی اخبر عنه بخصوصه أو فی ضمن المطلق،ففی المقام اذا اعتبر فی بعض الأخبار العدالة و فی بعضها الآخر الثقة و فی ثالث الامامی و فی رابع المأمون و هکذا قطعنا باعتبار خبر العدل الامامی المأمون بملاحظة مجموع الأخبار و أن لم نقطع باعتبار کل واحد واحد،کما لا یخفی.

قال فی مصباح الاصول:و بالجملة التواتر الاجمالی مما لا مجال لانکاره؛فان کثرة الأخبار المختلفة ربما تصل الی حد یقطع بصدور بعضها و أن لم یتمیز بعینه،و الوجدان أقوی شاهد و أوضح دلیل علیه،فانا نعلم وجدانا بصدور جملة من الأخبار الموجودة فی کتاب الوسائل و لا نحتمل کذب الجمیع.و اوضح منه أن نعلم بصدق بعض الاخبار المتحققة فی هذه البلدة فی یوم و لیلة فضلا عن الحکایات المسموعة فی ایام و لیال عدیدة.

فتحصّل:أن التواتر الاجمالی غیر قابل للانکار،و مقتضاه هو الالتزام بحجیة الاخص منها المشتمل علی جمیع الخصوصیات المذکورة فی هذه الأخبار،فیحکم بحجیة الخبر الواجد لجمیع الخصوصیات باعتبار کونه القدر المتیقن من هذه الاخبار الدالة علی الحجیة. (2)

هذا و الذی ینبغی أن یقال انه لا معارض لاطلاق ما دل علی اعتبار کون الراوی ثقة

ص:250


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 193.
2- 2) مصباح الاصول:ج 2 ص 193.

لعدم وجود روایة تدل علی اعتبار کونه امامیا او تدل علی اعتبار العدالة لان ما یستدل به لاعتبار ما یکون مورد العموم التعلیل الدال علی اعتبار کون الراوی ثقة او یکون مخصوصا بباب علاج الاخبار المتعارضة اذ لا اطلاق له و اما کون الراوی مأمونا فهو ملازم مع کونه ثقة فلا وجه لانکار التواتر المعنوی فضلا عن التواتر الاجمالی نعم قال سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه فی محکی کلامه و لکن الذی یختلج بالبال أن التواتر الاصطلاحی و هو اخبار جماعة عدیدة الذین یستحیل عادة تواطؤهم علی الکذب غیر متحقق فی المقام بل فی جمیع المقامات لانتهاء الامر بالاخرة الی اشخاص ثلاثة و فی التواتر لا بد من حفظ العدة المذکورة فی جمیع المراتب نعم الذی یهون الامر انه و أن لیس هنا التواتر الاصطلاحی لما ذکر و لکن لا اشکال فی حصول الاطمئنان بصدق هؤلاء الاشخاص و عدم اقدام مثل الشیخ و الکلینی و الصدوق و اشباههم علی تعمّد الکذب و الاطمینان علم عرفی و تتبع علی حذو القطع الحقیقی و مجرد ذلک یکفی فی النتیجة المذکورة و أن کان التواتر مفقودا. (1)

و یمکن أن یقال أن الکتب الثلاثة مستندة الی ثلاثة اشخاص مذکورة بالتواتر و الکتب الثلاثة تنتهی الی اصول من اصحاب الائمة علیهم السلام بالتواتر فلا وجه لانکار التواتر فتدبر.

کلام الشهید السیّد الصدر قدّس سرّه

و مما ذکر یظهر ما فی المحکی عن الشهید السید الصدر قدّس سرّه حیث ذهب الی انکار التواتر رأسا بدعوی عدم دلالة الاخبار علی الحجیة اصلا،و ما یتبقی منها بعد فرز ذلک لا یکاد یبلغ حدّ التواتر؛اذ لا یزید علی خمسة عشر روایة،و قال:و فیما یلی نشیر الی الطوائف المستدل بها علی الحجیة فی مجموع الأخبار:

1-ما ورد بعنوان تصدیق الامام لبعض الروایات بعینها علی نحو القضیة الخارجیة مثل کتاب یوم و لیلة لیونس بن عبد الرحمن حیث قال الامام العسکری علیه السّلام بعد نظره فیه و تصفحه کله:هذا دینی و دین آبائی،و هو الحق کله.

ص:251


1- 1) المحاضرات سیدنا الاستاذ 150/2.

و واضح أن هذه الطائفة لا تدل علی أکثر من التصدیق الشخصی بنحو القضیة الخارجیة لبعض الروایات،و هذا غیر الحجیة. (1)

2-ما ورد بعنوان لزوم التسلیم لما ورد عنهم و الانقیاد له من قبیل روایة الحسن بن جهم قال:قلت للعبد الصالح هل یسعنا فیما ورد منکم إلاّ التسلیم لکم؟فقال:لا و اللّه لا یسعکم إلاّ التسلیم لنا.و واضح عدم دلالتها أیضا؛لانها تنظر الی ما هو قول المعصوم و صادر عنه و انه لا بد من التسلیم و الانقیاد لهم و عدم اعمال الذوق و الاجتهاد فی مقابلهم، کما کان یفعل العامة. (2)

3-ما ورد بعنوان الحث علی تحمل الحدیث و نقله.و لا تدل هذه الطائفة إلاّ من باب الملازمة،و قد عرفت عدم الملازمة بین الترغیب المذکور و وجوب القبول تعبدا.

4-ما ورد بعنوان الاحالة علی اشخاص معینین.و لا یخفی أنها حوالة علی اشخاص معینین،و لو سلم دلالتها علی أن الاحالة اعم من الاحالة علی القضیة فی أخذ الفتوی لا تدل علی الحجیة؛لاحتمال ذلک باعتبار علم الامام علیه السّلام بان اولئک الاشخاص لا یکذبون لکونهم علی مرتبة عظیمة من التقوی. (3)

5-ما امر فیها بنقل الحدیث و تداوله،من قبیل روایة ابان بن تغلب عن ابی عبد اللّه،علیه السّلام قال:یا ابان اذا قدمت الکوفة فارو هذا الحدیث،من شهد أن لا إله إلاّ اللّه مخلصا وجب له الجنة.و هی لا تدل إلاّ بتوهم الملازمة،و قد مر تفنیدها.

6-ما دل علی الثناء علی المحدثین و رواة أحادیث اهل البیت علیهم السّلام کقوله علیه السّلام:اللّهمّ

ص:252


1- 1) و فیه أن المشهود من الاصول و الکتب هو أنها غیر منحصرة فیما روی مؤلفوها بلا واسطة،و علیه فتصدیق الکتاب مع کون جملة منها روایات مع الواسطة تدل علی حجیة الروایات المنقولة فیها أیضا.اللّهمّ إلاّ أن یقال: أن النظر فی التصدیق الی نفس المطالب لا الی ناقلیها.
2- 2) یرد علیه أن ما یکون مورد نظر السائل و المسئول عنه هو قول المعصوم الذی ورد عنه سواء کان مع الواسطة أو بدونها.
3- 3) یمکن أن یقال:أن هذا الاحتمال منفی فیما اذا علل الارجاع بوجه عام ککونه ثقة مأمونا،کما لا یخفی.

ارحم خلفائی ثلاثا قیل:یا رسول اللّه و من خلفاؤک؟قال:الذین یبلغون حدیثی و سنتی ثم یعلّمونها أمتی.

و هی أیضا لا تدل علی الحجیة إلاّ علی الملازمة غیر الصحیحة.

7-ما دل علی أن انتفاع السامع للحدیث قد یکون اکثر من انتفاع راویه.و فیه انها لیست فی مقام بیان انه متی یثبت صدور الحدیث عن المعصوم،و انما یتعرّض بعد الفراغ عن ثبوته الی أنه ربما یکون السامع أفضل فهما.و أین هذا من الحجیة؟!

8-ما دلّ من الأحادیث علی أن علی رأس کل قرن یبعث اللّه من یحفظ هذا الدین و یحمیه.و هی أیضا اجنبیة عن الحجیة التعبدیة،بل تدل علی الحجیة الحقیقیة و التمییز بین الحق و الباطل.

9-ما دل علی الترغیب فی حفظ الکتب کقوله علیه السّلام:احفظوا بکتبکم،فانکم سوف تحتاجون الیها.

و الاستدلال بها مبنی علی دعوی الملازمة بین وجوب الحفظ و وجوب القبول و الحجیة، و قد عرفت تفنیدها.

10-ما دل علی التحذیر من التحریف فی نقل الحدیث.و هی أیضا أجنبیة عن المدعی.

11-ما دل علی جواز نقل الحدیث بالمعنی.و هی أیضا لا تدل إلاّ علی تحدید وظیفة الراوی فی مقام النقل و تحمل الحدیث.

12-ما دل علی وجوب السماع عن صادق من قبیل روایة الفضل قال:قال أبو عبد اللّه علیه السّلام:من دان اللّه بغیر سماع عن صادق الزمه اللّه التیه الی العناء الحدیث.و واضح أن المراد من الصادق فیها الامام لا مطلق الثقة،و لهذا عبر عنه بمن دان اللّه،فالمراد من الصادق الصادق بقول مطلق. (1)

ص:253


1- 1) و یحتمل أن یکون المراد هو ما نقله الثقات عن الامام المعصوم،و هو یصدق علی المنقول مع الواسطة ایضا.و فی بعض النسخ:حدیث واحد یأخذه صادق عن صادق.و المراد من الصادق هو الصادق فی نقله،لا الصادق مطلقا.

13-ما دل علی حجیة نقل ثقات الامام کقوله علیه السّلام:لا عذر لاحد من موالینا التشکیک فیما روی عنا ثقاتنا قد عرفوا باننا نفاوضهم بسرنا و نحمله(ایاه)الیهم،و عرفنا ما یکون من ذلک أن شاء اللّه.

و هی أیضا لا تدل علی حجیة خبر الثقة؛لان الوارد فیه عنوان ثقاتنا،و عنوان ثقتی اخص من عنوان الثقة المطلق. (1)

14-ما دل علی المنع من رفض الروایة لمجرد رأی و ذوق و استحسان.

و هی ایضا اجنبیة عن المدعی؛لانها تنهی عن اعمال الرأی و الاستحسان،و لا ینافی ذلک مع عدم حجیة خبر الواحد.

15-ما دل علی الترجیح عند التعارض بموافقة الکتاب و مخالفة العامة؛بدعوی أن ذلک دلیل علی حجیة الخبر فی نفسه،و إلاّ لما وقع تعارض بین حجتین.

و فیه یمکن ارادة الحجیة القطعیة کما اذا کان الخبر قطعی السند،و لیست هذه الأخبار فی مقام البیان من ناحیة حجیة اصل الخبر لیتمسک باطلاقها. (2)

و هکذا یتضح أن هذه الطوائف لا دلالة فی شیء منها علی المطلوب،و بعد افرازها لا تبقی لدینا اکثر من خمسة عشر روایة مما قد تتم علی الحجیة،و هو عدد لا یبلغ حد التواتر.

و لکن فی خصوص المقام هناک بعض القرائن الکیفیة التی قد توجب حصول الاطمئنان بصدور بعض هذه الروایات اذا ما لوحظت الی جانب الخصوصیة الکمیة،و المیزان هو الاطمئنان الشخصی بعدم تعمد شیء من رواتها للکذب فیها لخصائص فی سندها،و لو فرض عدم حصول ذلک منها فلا أقل من حصوله بها مع ضم الروایات الاخری الیه،مثل ما روی الکلینی عن محمّد بن عبد اللّه الحمیری و محمّد بن یحیی العطار جمیعا عن عبد اللّه بن

ص:254


1- 1) و لکن یتعدی عنه بعموم التعلیل الوارد فی ذیله أو غیره بمثل قوله:فانه الثقة المأمون.
2- 2) حمل الاخبار المتعارضة علی قطعی الصدور حمل علی فرد نادر،و هذه الأخبار و أن لم تکن فی مقام البیان و لکن تدل علی مفروغیة حجیة الخبر،فتدبّر.

جعفر الحمیری قال:اجتمعت انا و الشیخ ابو عمرو عثمان بن سعید عند احمد بن اسحاق، فغمزنی أحمد بن اسحاق أن أسأله عن الخلف أی الحجة.فقلت له:یا أبا عمرو انی ارید أن أسألک عن شیء و ما انا بشاک فیما ارید أن اسألک عنه...الی أن قال الحمیری:و قد أخبرنی ابو علی احمد بن اسحاق عن ابی الحسن علیه السّلام قال:سألته و قلت:من اعامل أو عمن آخذ و قول من اقبل؟فقال له:العمری ثقة،فما أدی الیک عنی فعنّی یؤدی،و ما قال لک عنی فعنّی یقول،فاسمع له و اطع،فانه الثقة المأمون.

و قال الحمیری أیضا:و أخبرنی أبو علی انه سئل أبا محمّد عن مثل ذلک،فقال:العمری و ابنه ثقتان،فما أدّیا الیک عنّی فعنّی یؤدّیان،و ما قالا لک فعنّی یقولان،فاسمع لهما و اطعهما، فانهما الثقتان المأمونان الحدیث.

الی أن قال:اما من حیث السند فهی مظنونة الصدق ظنّا شخصیا اطمئنانیا من ناحیة عدم تعمد الکذب علی الاقل بحیث نحتاج فقط الی ضمّ اصالة عدم الغفلة العقلائیة،و لو فرض عدم حصول الظن الاطمئنانی المذکور من تلک القرائن الخاصة لأمکن تکمیل الظن المذکور بضم الروایات الاخری.

و أن فرض التشکیک فی کل ذلک و عدم حصول اطمئنان شخصی فلا اشکال فی ان هذا السند من اعلی الاسانید الذی أفراده کلهم اصحاء بالوجدان لا التعبد،فیکون هو القدر المتیقن من السیرة العقلائیة الدالة علی الحجیة،و بذلک تثبت حجیة تمام مفاده،فاذا کان مفاده حجیة مطلق خبر الثقة اثبتنا به حجیة مطلق خبر الثقة.

و اما من حیث الدلالة ففیها فقرتان یمکن الاستدلال بکل منهما:

الأولی:ما صدر من الامام أبی الحسن الثالث علیه السّلام:العمری ثقة،فما ادی الیک فعنی یؤدی،و ما قال لک فعنّی یقول،فاسمع له و اطع،فانه الثقة المأمون.

الثانیة:ما صدر عن الامام العسکری فی حق عثمان بن سعید:العمری و ابنه ثقتان،فما ادّیا الیک عنی فعنّی یؤدیان،و ما قالا لک فعنی یقولان،فاسمع لهما و اطعهما،فانهما الثقتان المأمونان.

ص:255

و صدر هذا الحدیث و أن کان حوالة شخصیة علی العمری،فتکون نظیر الحوالة علی السید عبد العظیم الحسنی،و لا دلالة له علی المطلوب،إلاّ أن الاستدلال بذیلها حیث انه ورد فیه التعلیل،و هو بمثابة کبری کلیة،و هی أن کل ثقة مأمون یسمع له،و هو معنی حجیة خبر الثقة.

ثم تفریع التعلیل علی الصدر لا یضر بعموم التعلیل المشیر الی قاعدة کلیة.

و القول بأن اللام تدل علی الکمال کما فی قولک انه الفقیه العالم فغایة ما یقتضیه التعلیل هو التعدی الی الثقة المطلق ای من کان فی غایة الوثاقة غیر سدید؛لان اللام للجنس و العهد،بل الجنس أیضا نوع عهد ذهنی و منشأ استفادة الکمال مناسبة حمل اسم الجنس المعرف باللام علی الشخص فانه حیث لا معهودیة لشخص معین و وضوح عدم کونه الجنس بما هو جنس معهود ذهنا،فیشعر ذلک بوجود عنایة ملحوظة فی هذا الحمل،و لکن یمکن أن یکون العنایة وضوح المصداقیة للجنس و انطباقه علیه اثباتا،بل هذا هو المناسب فی مقام التعیین.

و هکذا لا مجال لدعوی أن هذه الحوالة یحتمل فی حقها أن تکون من باب الارجاع الی المقلد فی مقام اخذ الفتوی لا الارجاع الی الراوی بقرینة قوله:و اطع.

لان وجوب الاطاعة لا یناسب عرفا بالنسبة الی المفتی أیضا و انما یناسب الحاکمیة و الولایة،فلا بد و أن یحمل علی الاطاعة فی استماع الاخبار التی ینقلها عن الامام و لزوم تصدیقه فیها،و مما یدل علی ذلک أن المأمور هو احمد بن اسحاق الذی لم یکن من العوام بل من الخواص،فلا یناسب ارجاعه الی العمری فی التقلید.

ثم ذکر فی ختام البحث صحیحة عبد اللّه بن ابی یعفور قال:قلت لابی عبد اللّه علیه السّلام:انه لیس کل ساعة القاک یمکن القدوم و یجیء الرجل من اصحابنا فیسألنی و لیس عندی کل ما یسألنی عنه؟قال:فما یمنعک من محمّد بن مسلم الثقفی،فانه قد سمع أبی،و کان عنده مرضیا وجیها.

ص:256

و هی من حیث السند صحیحة و من حیث الدلالة فالاستدلال بها لمکان قوله:(فما یمنعک)المشعر بالمفروغیة عن کبری مرکوزة،و لیست هی إلاّ حجیة خبر الثقة.و هذه الاحالة لیست من الارجاع الی التقلید،لوضوح أن ابن أبی یعفور کان من أجلة الاصحاب،فلیس الارجاع إلاّ بملاک الإرجاع الی الأحادیث،کما أن المراد من التعلیل بالوجاهة یراد به الوجاهة الدینیة المساوقة مع الوثاقة فی النقل.

و ذکر أیضا صحیحة یونس بن یعقوب قال:کنا عند أبی عبد اللّه علیه السّلام فقال:أما لکم من مفزع؟!أما لکم من مستراح تستریحون إلیه؟!ما یمنعکم من الحرث بن المغیرة.

و ذکر أیضا أن هناک روایات اخری لا بأس بدلالتها أیضا علی الحجیة من قبیل روایة محمّد بن عیسی عن الرضا علیه السّلام قال:قلت لأبی الحسن علیه السّلام:جعلت فداک انی لا أکاد أصل الیک أسألک عن کل ما احتاج الیه من معالم دینی،أ فیونس بن عبد الرحمن ثقة أخذ عنه ما أحتاج الیه من معالم دینی؟!قال:نعم.

فانّ ظاهرها أن السائل یشیر فیها الی الکبری المرکوزة و یطبقها علی یونس بن عبد الرحمن و الامام یمضی ذلک و یأمره باتباعه و قبول قوله،إلاّ أنّ هذه الروایة و غیرها مما یمکن أن یستدل بها علی الحجیة غیر صحیحة السند،فتصلح لان تکون مؤیدة مکملة للروایة التی جعلناها محور کلامنا. (1)

و فیه مواقع للنظر:

أحدها:أنّ حصر طوائف الأخبار فی المذکورات مع وجود أخبار أخری لیس بصحیح، منها مثل ما ورد عن ابن أبی الجهم عن الرضا علیه السّلام قلت:یجیئنا الرجلان و کلاهما ثقة بحدیثین مختلفین و لا نعلم أیهما الحق؟قال:فاذا لم تعلم فموسع علیک بأیهما أخذت. (2)و لا یخفی أنّ هذا ظاهر الدلالة علی حجیة خبر الثقة فی نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض و أن حجیته

ص:257


1- 1) مباحث الحجج:ج 1 ص 384-395.
2- 2) الوسائل:الباب 9 من أبواب صفات القاضی:ح 40.

مفروغ عنها بین السائل و المسئول عنه و محل الکلام یختصّ بصورة التعارض.

و منها مثل ما ورد فی کتب بنی فضال عن الامام العسکری علیه السّلام خذوا بما رووا،و ذروا ما رأوا. (1)و من المعلوم أنّ بنی فضّال لیسوا بعادلین،لانحرافهم فی العقیدة،و مع ذلک أمر بأخذ روایاتهم.و علیه فلیس معنی الامر المذکور إلاّ وجوب الأخذ بروایاتهم عند احراز کونهم من الثقات.

و منها مثل ما ورد فی تعلیل النهی عن قبول روایات غیر الشیعة من أنّ النهی من جهة الخیانة،و مقتضاه هو جواز القبول اذا انتفت الخیانة بالوثاقة.

روی علی بن سوید السائی قال:کتب الیّ أبو الحسن علیه السّلام و هو فی السجن:و أماما ما ذکرت یا علی ممن تأخذ معالم دینک،لا تأخذن معالم دینک عن غیر شیعتنا،فانک أن تعدیتهم أخذت دینک عن الخائنین الذین خانوا اللّه و رسوله و خانوا اماناتهم،أنهم ائتمنوا علی کتاب اللّه فحرفوه و بدلوه،فعلیهم لعنة اللّه الحدیث. (2)فانّ الروایة تدل علی انتفاء النهی عند انتفاء الخیانة المکشوف عنه بالوثاقة.

و منها مثل خبر الکناسی عن الصادق علیه السّلام فی تفسیر قوله عزّ ذکره وَ مَنْ یَتَّق اللّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ یَرْزُقْهُ منْ حَیْثُ لا یَحْتَسبُ قال:هؤلاء قوم من شیعتنا ضعفاء،و لیس عندهم ما یتحملون به الینا،فیسمعون حدیثنا و یقتبسون من علمنا،فیرحل قوم فوقهم و ینفقون اموالهم و یتعبون ابدانهم حتی یدخلوا علینا فیسمعوا حدیثنا فینقلوه إلیهم فیعیه هؤلاء و یضیّعه هؤلاء،فاولئک الذین یجعل اللّه عزّ ذکره لهم مخرجا و یرزقهم من حیث لا یحتسبون. (3)بدعوی دلالته علی جواز العمل بالخبر و أن نقله من یضیّعه و لا یعمل به.

و من المعلوم أنّ الوجه فی جواز العمل بمثل روایته لیس إلاّ کونه من الثقات.

و منها مثل ما ورد فی تأیید و ترغیب نقل الاخبار مع الواسطة أو بدونها للآخرین مع

ص:258


1- 1) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی:ح 13.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی:ح 42.
3- 3) جامع الأحادیث:ج 1 ص 238.

معلومیة اکتفائهم بالنقل من دون تقیید ذلک بالعلم أو العدالة،کما ورد فی موثقة معاذ بن مسلم النحوی عن ابی عبد اللّه علیه السّلام قال:بلغنی انک تقعد فی الجامع فتفتی الناس؟قلت:نعم، و أردت أن أسألک عن ذلک قبل أن أخرج انی اقعد فی المسجد فیجیئنی الرجل فیسألنی عن الشیء فاذا عرفته بالخلاف لکم اخبرته بما یفعلون،و یجیء الرجل اعرفه بمودتکم و حبّکم فأخبره بما جاء عنکم،و یجیء الرجل لا أعرفه و لا أدری من هو فأقول جاء عن فلان کذا و جاء عن فلان کذا فادخل قولکم فیما بین ذلک؟فقال لی:اصنع کذا،فانی کذا أصنع. (1)

و من المعلوم أنّ قوله(ما جاء عنکم)یشمل الاخبار مع الواسطة و بدونها،و لیس مقیدا بالعلم.و الظاهر من الروایة أن السامع اکتفی به أیضا کما اکتفی به ناقله،و لا یضر بذلک التعبیر بالافتاء مع أن المقصود منه هو نقل الخبر،کما لا یخفی.

منها مثل ما ورد فی أنّ وسائط النقل بمنزلة القری الظاهرة فی قوله تعالی: وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتی بارَکْنا فیها قُریً ظاهرَةً کموثقة محمّد بن صالح الهمدانی قال:کتبت الی صاحب الزمان علیه السّلام:أن أهل بیتی یقرعونی بالحدیث الذی روی عن آبائک علیهم السّلام أنهم قالوا خدّامنا و قوامنا شرار خلق اللّه،فکتب و یحکم ما تقرءون ما قال اللّه تعالی: وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتی بارَکْنا فیها قُریً ظاهرَةً ،فنحن و اللّه القری التی بارک فیها،و انتم القری الظاهرة. (2)

و یؤیده ما رواه الطبرسی عن أبی جعفر علیه السّلام فی حدیث أنه قال للحسن البصری:نحن القری التی بارک اللّه فیها،و ذلک قول اللّه عزّ و جلّ لمن اقر بفضلنا حیث أمرهم اللّه أن یأتونا فقال: وَ جَعَلْنا بَیْنَهُمْ وَ بَیْنَ الْقُرَی الَّتی بارَکْنا فیها قُریً ظاهرَةً ،و القری الظاهرة الرسل و النقلة عنا الی شیعتنا و(فقهاء)شیعتنا الی شیعتنا الحدیث. (3)و المستفاد منه هو التشویق و الترغیب الی ما هو الشائع عند الشیعة من نقل الأخبار عن الأئمة علیهم السّلام و الاعتماد علیها و الاکتفاء بها عند کون الرواة من ثقات الشیعة.

ص:259


1- 1) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی:ح 36.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی ح 46.
3- 3) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی:ح 47.

و منها مثل ما ورد فی أن الاصحاب اعتمدوا علی نقل الثقات و لم ینهوا عنه کخبر علی بن حدید قال:سألت الرضا علیه السّلام فقلت:أن أصحابنا اختلفوا فی الحرمین،فبعضهم یقصر و بعضهم یتمّ،و انا ممن یتمّ علی روایة قد رواها أصحابنا فی التمام و ذکرت عبد اللّه بن جندب أنه کان یتمّ؟فقال:رحم اللّه ابن جندب،ثم قال لی:لا یکون الاتمام إلاّ أن تجمع علی اقامة عشرة أیام،و صل النوافل ما شئت.قال ابن حدید:و کان محبّتی أن تأمرنی بالاتمام. (1)و من المعلوم أن الاعتماد علی الروایة مع أنهم مختلفون فی العمل لا یکون إلاّ الاعتماد علی نقل الثقات.

و کخبر اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه علیهما السّلام:أن رجلین من أصحاب رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله اختلفا فی صلاة رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فکتبا الی أبی بن کعب کم کانت لرسول اللّه من سکتة؟قال:

کانت له سکتتان اذا فرغ من أمّ الکتاب(القرآن)و اذا فرغ من السورة. (2)و من المعلوم أن الرجوع الی ابی بن کعب رجوع الی من کانا وثقا به.

و کصحیحة زرارة قال:سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن وقت صلاة الظهر فی القیظ،فلم یجبنی، فلما أن کان بعد ذلک قال لعمر بن سعید بن هلال:أن زرارة سألنی عن وقت صلاة الظهر فی القیظ فلم أخبره فحرجت من ذلک،فاقرأه منی السلام،و قل له:اذا کان ظلک مثلک فصل الظهر،و اذا کان ظلک مثلیک فصل العصر. (3)

و لیس عمر بن سعید بن هلال من الاجلاء و المعاریف،بل هو من الثقات،و مع ذلک اکتفی الامام علیه السّلام بنقله و اعتمد زرارة علیه أیضا،و هو دلیل علی أن المعتبر هو نقل الثقات فی جواز الاعتماد.و الی غیر ذلک من الروایات من هذا القبیل.

و منها مثل ما ورد فی مذمّة من لم یحفظ شیئا فی نقل الحدیث کخبر القاسم بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:ذکر أبو الخطّاب فلعنه،ثم قال:انه لم یکن یحفظ شیئا حدثته أن

ص:260


1- 1) الوسائل:الباب 25 من أبواب صلاة المسافر:ح 33.
2- 2) الوسائل:الباب 46 من أبواب القراءة فی الصلاة:ح 2.
3- 3) الوسائل:الباب 8 من أبواب المواقیت ح 13.

رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله غابت له الشمس فی مکان کذا و کذا و صلّی المغرب بالشجرة و بینهما ستة أمیال،فأخبرته بذلک فی السفر فوضعه فی الحضر. (1)یدل التعلیل علی أن عدم الحفظ و الضبط منشأ الایراد،و إلاّ فلا ایراد علی من کان ضابطا و موثقا.

و منها مثل ما ورد فی أنّ بعض العامة ذکر منابع فتاواه للامام علیه السّلام و من جملتها الاخذ بالاخبار و الآثار المنقولة بنحو اخبار الآحاد و الاخذ بالقیاس و الاستحسان،و لم ینه الامام عن الاخذ بالاخبار و الآثار فی عین نهیه علیه السّلام عن العمل بالقیاس و الاستحسان أو بقول من لا حجیة لقوله و هذا شاهد علی أن الاعتماد علی نقل الثقات مورد امضاء الامام علیه السّلام کخبر داود بن فرقد عن رجل عن سعید بن ابی الخطیب عن جعفر بن محمّد علیهما السّلام فی حدیث أنه قال لابن ابی لیلی:فبأی شیء تقضی؟قال:بما بلغنی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و عن علی و عن أبی بکر و عن عمر.قال:فبلغک عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله أن علیا اقضاکم؟قال:نعم.قال:فکیف تقضی بغیر قضاء علی علیه السّلام؟!و قد بلغک هذا الحدیث. (2)و من المعلوم أن مراده من البلوغ هو البلوغ بنحو الآحاد،لقلة التواتر جدا،و مع ذلک لم یردعه الامام علیه السّلام عن ذلک،بل نهاه عن العمل بما ورد عمن لا حجیة لقوله،کما لا یخفی.

و کخبر شبیب بن انس عن بعض أصحاب أبی عبد اللّه علیه السّلام فی حدیث:أن أبا عبد اللّه علیه السّلام قال لأبی حنیفة:یا أبا حنیفة إذا ورد علیک شیء لیس فی کتاب اللّه و لم تأت به الآثار و السنة کیف تصنع؟فقال:أصلحک اللّه أقیس و أعمل فیه برأیی.فقال علیه السّلام:یا أبا حنیفة أن أول من قاس ابلیس. (3)حیث دل علی أن العمل بالآثار و السنة المنقولة جائز بین العامة و الخاصة،و انما المنهی هو الاخذ بالقیاس و الاستحسان.

و منها ما ورد فی أن أصحابنا الامامیة موظفون بالعمل بما روی ثقات العامة فیما اذا لم یخالفه نقل ثقات الخاصة،کما روی الشیخ الطوسی فی العدّة عن الصادق علیه السّلام:أنه اذا نزلت

ص:261


1- 1) الوسائل:الباب 18 من أبواب المواقیت:ح 17.
2- 2) الوسائل:الباب 3 من أبواب صفات القاضی:ح 9.
3- 3) الوسائل:الباب 6 من أبواب صفات القاضی:ح 27.

بکم حادثة لا تجدون حکمها فیما روی عنا فانظروا الی ما رووه عن علی علیه السّلام فاعملوا به. (1)

و الظاهر من العدّة أنّه اعتمد علی هذه الروایة،بل مقتضی قوله«لاجل ما قلناه عملت الطائفة بما رواه حفص بن غیاث و غیاث ابن کلوب و نوح بن دراج و السکونی و غیرهم من العامة عن ائمتنا علیهم السّلام فیما لم ینکروه و لم یکن عندهم خلافه»أن الاصحاب اعتمدوا علیها و عملوا بها.

و منها ما ورد فی کیفیة وقوع المخالفة بین روایات أهل البیت علیهم السّلام و روایات ثقات العامة مثل موثقة محمّد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قلت له:ما بال أقوام یروون عن فلان و فلان عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله لا یتهمون بالکذب فیجیء منکم خلافه.قال:أن الحدیث ینسخ کما ینسخ القرآن. (2)هذا الحدیث یدل علی أن قول من لم یتهم بالکذب و کان مورد الاعتماد حجة بین السائل و المسئول عنه و انما یرفع الید عنه عند المخالفة للنسخ.

و الحاصل:أن مع وجود هذه الروایات و تعددها لا وجه لحصر الروایات فی خمسة عشر و انکار التواتر،فلا تغفل.

و ثانیها:أنه لا وجه لافراد بعض الروایات الدالة علی حجیة نقل الثقات عن مجموعة الأخبار کصحیحة عبد اللّه بن أبی یعفور و یونس بن یعقوب الدالة علی مفروغیة حجیة خبر الثقة.

و کخبر محمّد بن عیسی قال:وجدت الحسن بن علی بن یقطین بذلک أیضا قال:قلت لأبی الحسن الرضا علیه السّلام:جعلت فداک انی لا أکاد أصل الیک أسألک عن کل ما احتاج الیه من معالم دینی أ فیونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج الیه من معالم دینی فقال:نعم. (3)

بل لا وجه لافراد صحیحة الحمیری عن جملة الأخبار المذکورة الدالة علی أن علة جواز الاعتماد هی الوثاقة و الامانة.

ص:262


1- 1) عدة الاصول:ص 379.
2- 2) الوسائل:الباب 9 من أبواب صفات القاضی:ح 4.
3- 3) جامع الأحادیث 1:ص 226.

و ثالثها:لا وجه للتشکیک فی سند خبر محمّد بن عیسی بقوله انه غیر صحیحة السند مع أن سند الاخبار لا یلاحظ فی المتواترات.

و رابعها:أن الانصاف هو تواتر الأخبار الدالة علی حجیة خبر الثقات؛لانّ مجموع الاخبار یکون بحد یحصل القطع بان خبر الثقات حجة عند العامة و الخاصة خصوصا أن التعلیلات الواردة فیها تصلح لشرح المراد من بقیة الأخبار التی لا یتضح أن الحجیة من ناحیة العدالة أو الوثاقة،فانّ مثل قوله علیه السّلام(فانّه الثقة المأمون)أو(فانهما الثقتان المأمونان) یدل علی أن المعیار فی الاعتماد هو الوثاقة و الامانة.علیه فالارجاعات الی الأشخاص الذین یکونون علی مرتبة عظیمة لیست دالة علی اعتبار الأزید من الوثاقة و الامانة و أن کانوا فی الدرجات العالیة،و لو سلم عدم تمامیة الأخبار لافادة التواتر المعنوی فلا وجه لانکار التواتر الاجمالی.

و بالجملة فمع وجود التواتر المعنوی یعتمد فی حجیة خبر الثقات علی دلالة مجموع الاخبار بعد حمل بعضها علی البعض،کما أن مع وجود التواتر الاجمالی یعتمد فیها علی دلالة المقطوع منها و هو حجیة خبر العدول کخبر الحمیری و هو یدل علی حجیة خبر کل ثقة.

و کیف ما کان فلا تصل النوبة الی الاعتماد علی الظن الشخصی الاطمئنانی کما ذهب الیه الشهید السید الصدر قدّس سرّه،فلا تغفل.

ص:263

الخلاصة

و البحث فیه یقع فی جهات:

الجهة الأولی:

أنّ جماعة من القدماء کالسّید و القاضی و ابن زهرة و ابن إدریس ذهبوا إلی عدم حجّیّة الخبر الواحد.

أدلّة المانعین:

و استدلّ المانعون بوجوه:

منها الآیات الدالّة علی حرمة اتّباع غیر العلم کقوله تعالی: وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ به علْمٌ و حرمة القول بغیر العلم کقوله عزّ و جلّ: قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبّیَ الْفَواحشَ ما ظَهَرَ منْها وَ ما بَطَنَ وَ أَنْ تُشْرکُوا باللّه ما لَمْ یُنَزّلْ به سُلْطاناً وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّه ما لا تَعْلَمُونَ .

و الدالّة علی عدم کفایة الظنّ کقوله تعالی: إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً .

و من المعلوم أنّ الخبر الواحد لیس بعلم و إسناده إلی اللّه قول بغیر علم و بالأخرة ظنّ و الظنّ لا یغنی من الحقّ شیئا.

و فیه أنّ أدلّة اعتبار الخبر الواحد قطعیّة و علیه لا یبقی مورد لهذه الآیات لورود أدلّة الاعتبار بالنّسبة إلیها.

و بعبارة اخری أنّ المراد من العلم فی الآیات هو الحجّة و معنی الآیات هو المنع عن اتّباع غیر الحجّة و عن القول بغیر الحجّة و أنّ غیر الحجة لا یغنی من الحق شیئا و مع قیام أدلّة اعتبار الخبر الواحد یکون الخبر الواحد من مصادیق الحجّة فلا مورد بعد ذلک للآیات المذکورة فأدلّة الاعتبار واردة بالنّسبة إلی الآیات المذکورة و التعبیر بالحکومة لا یخلو من الإشکال بعد کون المراد من العلم هو الحجّة و إن أبیت عن الورود أو الحکومة فلا خفاء فی کون أدلّة اعتبار الخبر الواحد موجبة لتخصیص تلک الآیات قضاء لتقدیم الخاصّ علی العامّ.

و دعوی أنّ قوله عزّ و جلّ: إنَّ الظَّنَّ لا یُغْنی منَ الْحَقّ شَیْئاً آب عن التخصیص

ص:264

ممنوعة لأنّ الظنون مختلفة فی غالبیة الإصابة و عدمها فإذا کان بعضها کالخبر أغلب إصابة فلا مانع من تخصیصها بما کان أغلب إصابة.

و منها:الأخبار الکثیرة،و هی علی طوائف:

الطّائفة الأولی:

الرّوایات الواردة فی لزوم الموافقة مع الکتاب و السّنّة فی حجّیّة الأخبار و جواز العمل بها کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام فما وافق کتاب اللّه فخذوه و ما خالف کتاب اللّه فدعوه.

بدعوی أنّ المستفاد منها أنّ خبر الواحد لیس بنفسه حجّة.

یمکن الجواب عنه بأنّ الموافقة للکتاب أو السّنّة مذکورة من باب المثال لأمارة الصدق و من الجائز أنّ ما روته الثّقات أیضا من الأمارات و علیه فما من الحصر فی امثال هذه الرّوایات اضافی و ملحوظ بالنّسبة إلی ما کان مخالفا للقرآن و السّنة و لیس فی مقام حصر أمارة الصدق فی الموافقة المذکورة.

الطّائفة الثّانیة:

الرّوایات الدّالّة علی المنع عن العمل بالخبر الذی لا یوافق الکتاب و السّنّة کقوله علیه السّلام کلّ شیء مردود إلی الکتاب و السّنّة و کلّ حدیث لا یوافق کتاب اللّه فهو زخرف.

و الجواب أنّ المتفاهم العرفی من هذه الأخبار هو اشتراط عدم المخالفة فیندرج فی الطّائفة الثّالثة الدّالّة علی مردودیّة المخالف و لا کلام فیه و إنّما الکلام فی المراد من المخالفة،و الظاهر أنّ المراد من المخالف للقرآن هو المناقض له و لا إشکال فی مردودیّته.

و دعوی تعمیم المخالفة لمثل مخالفة العموم و الخصوص و الإطلاق و التقیید لا یساعده العرف مع إمکان الجمع بینهما.

لا یقال إنّ الرّوایات المتباینة غیر مقبول عند الأصحاب و لا یحتاج إلی النّهی عنه و علیه فلیکن المراد من المخالفة هی مخالفة العموم و الخصوص و الإطلاق و التقیید لأنّا نقول إنّ خصماء أهل البیت علیهم السّلام کانوا یأخذون الاصول و یدسّون الأحادیث المخالفة فیها و لم یرووها حتّی لا یقبلها الأصحاب.

ص:265

هذا مضافا إلی ضرورة صدور الأخبار المخالفة للقرآن بمخالفة العموم و الخصوص و الإطلاق و التقیید.

الطّائفة الرّابعة:

الأخبار الدالّة علی اشتراط الأخذ بالأخبار بوجود شاهد من الکتاب و السّنّة کقول أبی عبد اللّه علیه السّلام عند السّؤال عن اختلاف الحدیث یرویه من نثق به و منهم من لا نثق به إذا ورد علیکم حدیث فوجدتم له شاهدا من کتاب اللّه أو من قول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و إلاّ فالذی جاءکم أولی به.

و فیه أنّ هذه الأخبار من الأخبار العلاجیة عند تعارض الأخبار لترجیح بعض الأطراف علی البعض و لا ارتباط لها بأصل حجّیّة الخبر الواحد بل المستفاد من أخبار العلاجیة هو أنّ الحجّیّة الذّاتیة مفروغ عنها.

أدلّة المثبتین

استدلّ المجوّزون للعمل بخبر الواحد بالأدلّة الأربعة.

1-أمّا الکتاب فبآیات:

منها قوله تعالی: یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بجَهالَةٍ فَتُصْبحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادمینَ .

و تقریب الاستدلال بوجوه:

الوجه الأوّل:

هو الاستدلال بمفهوم الشرط بتقریب أنّه سبحانه و تعالی علّق وجوب التبیّن عن الخبر علی مجیء الفاسق فینتفی عند انتفائه عملا بمفهوم الشرط و إذا لم یجب التثبّت عند مجیء غیر الفاسق فإذا یجب القبول و هو المطلوب أو الردّ و هو باطل.

أورد علیه بأنّ مفهوم الشرط عدم مجیء الفاسق بالنبإ و عدم التبیّن هنا لأجل عدم

ص:266

ما یتبیّن فالجملة مسوقة لبیان تحقّق الموضوع کما فی قول القائل إن رزقت ولدا فاختنه فکما لا مفهوم لقوله إن رزقت الخ فکذلک هی المقام لأنّه الانتفاء لیس إلاّ لانتفاء الموضوع عقلا إذ مع عدم مجیء الفاسق بالخبر لا خبر فاسق حتّی لزم التبیّن فیه.

و المعیار فی الشرطیة المحقّقة للموضوع موجود فی الآیة الکریمة و هو اتّحاد الموضوع فی القضیّة مع شرط الجزاء.

و اجیب عنه بأنّ الموضوع فی القضیّة هو النبأ الذی جیء به و الواجب هو التبین و الشرط لوجوب التبیّن هو مجیء الفاسق فالقضیّة حینئذ لا تکون مسوقة لبیان تحقّق الموضوع.

و علیه فالموضوع فی القضیّة هو النبأ و الشرط للجزاء هو مجیء الفاسق بالنبإ و بینهما مغایرة و لا اتّحاد فلیس الشّرط محقّقا للموضوع بعد وجود المغایرة بین الموضوع فی القضیّة و شرط الجزاء.

و نوقش فیه بأنّ الموضوع إن کان هو الفاسق و له حالتان لأنّ الفاسق قد یجیء بالنبإ و قد لا یجیء به و علّق وجوب التبیّن علی مجیئه بالنبإ و یکون مفاد الکلام حینئذ أنّ الفاسق إن جاءکم بنبإ فتبیّنوا فلا دلالة للقضیّة علی المفهوم لأنّ التبیّن متوقف علی مجیئه بالنبإ عقلا فتکون للقضیّة مسوقة لبیان الموضوع إذ مع عدم مجیئه بالنبإ کان التبین منتفیا بانتفاء موضوعه.

و یمکن أن یقال إنّ الموضوع فی الأحکام القانونیّة هو الطبیعة و حتّی تکون مقسما بین المنطوق و المفهوم و علیه فلا یکون الموضوع متّحدا مع الشرط بل هو أعمّ منه و مقتضاه هو کون الحکم المشروط مترتّبا علی حصّة من الطبیعی فالجملة حینئذ تدلّ علی المفهوم بالنّسبة إلی الحصص الأخری فیما إذا انتفی الشرط ففی مثل السّلام ممّا له أحکام مختلفة إذا قیل إذا جاءکم مؤمن بسلام فأجیبوه کان ظاهره أنّه إن لم یجیء مؤمن بسلام فلا یجب الجواب بالسّلام.و الوجه فی ذلک أنّ السّلام ممّا له أحکام مختلفة و یستظهر من الجملة

ص:267

الشّرطیة أنّ الموضوع هو طبیعة السّلام و له أحکام مختلفة و لیس الموضوع هو السّلام الخاصّ الذی جاء به المؤمن حتّی تکون القضیّة مسوقة لبیان تحقّق الموضوع ففی الآیة الکریمة یکون النبأ موضوعا طبیعیّا لا موضوعا خاصّا و قوله تعالی: إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ یدلّ علی حکم من أحکام هذه الطبیعة و علیه فحیث إنّ الموضوع محفوظ مع عدم الشرط و هو طبیعة النبأ تدلّ الجملة علی المفهوم و هو أنّه إذا لم یجیء فاسق بنبإ بل جاء به عادل فلا یجب التبیّن.

و دعوی أنّ الموضوع إن کان هو طبیعة النبأ فاللازم علی تقدیر الشرط وجوب التبیّن فی طبیعة النبأ و إن کانت متحقّقة فی ضمن خبر العادل و إن کان المراد أنّ الموضوع هو النّبأ الموجود الخارجی فیجب أن یکون التعبیر بأداة الشرط باعتبار التردید لأنّ النّبأ الخارجی لیس قابلا لأمرین.

مندفعة أوّلا:بالنقض بمثل قولهم العالم إن کان فقیها یجب إکرامه فإنّه لا یدلّ علی وجوب إکرام طبیعة العالم و لو لم یکن فقیها.

و ثانیاً بالحلّ و هو أنّ الموضوع علی تقدیر کونه طبیعیا لیس المراد منها الطبیعة المغلقة بنحو الجمع بین القیود بحیث یکون المراد منه الطبیعة المتحقّقة فی ضمن نبأ العادل و الفاسق معا بل المراد هو اللابشرط القسمی أی طبیعی النبأ الغیر الملحوظ معه نسبة إلی الفاسق و لا عدمها و إن کان هذا الطبیعی یتحصّص من قبل المحقّق علیه وجودا و عدما.

فیتحقّق هناک حصّتان إحداهما موضوع وجوب التبیّن و الاخری موضوع عدم وجوب التبین و لا منافاة بین أن یکون الموضوع الحقیقی لکلّ حکم حصّة مخصوصة و أن یکون الموضوع فی الکلام رعایة للتعلیق المفید لحکمین منطوقا و مفهوما نفس الطّبیعی الغیر الملحوظ معه ما یوجب تحصّصه بحصّتین وجودا و عدما.

لا یقال إنّ الموضوع و إن کان ذات النبأ و طبیعته إلاّ أنّ الموضوع فی الأحکام هو الطّبیعی الموجود فی الخارج و تکون الذات مأخوذة مفروضة الوجود و لیس الحال فیه کالمتعلّق.

ص:268

و علیه فالنبأ الموجود و هو موضوع الحکم و هو لا یخلو للحال فیه إمّا أن یکون نبأ فاسق أو نبأ عادل و لا یقبل الانقسام إلی کلتا الحالتین.

و لا یمکن استفادة المفهوم منه لعدم قابلیّته النبأ الموجود للانقسام إلی کلتا الحالتین و اللازم من ذلک هو استعمال الأداة الدّاخلة علی مجیء الفاسق فی معنی الفرض و التقدیر ینظر ما لو رأی المولی شبحا فقال لعبده إن کان زیدا فأکرمه فإنّ الشبح لا یقبل عروض الزیدیة علیه تارة و العمرویة أخری بل هو إمّا زید أو عمرو فالأداة تستعمل فی معنی الفرض و التقدیر لا فی معنی الشّرطیة إذ لیس هناک جامع بین الحالتین یتوارد علیه النفی و الإثبات کی یعلّق الإثبات علی شیء بل الشبح یدور بین المتباینین و ما نحن فیه من هذا القبیل و لا یمکن استفادة المفهوم منه لعدم قابلیّة النبأ الموجود للانقسام إلی کلتا الحالتین.

لأنّا نقول أوّلا:إنّ ذلک منقوض بمثل العالم إن کان فقیها یجب تقلیده فإنّ الموضوع فیه مفروض الوجود و مع ذلک یدلّ علی المفهوم و ثانیا:أنّ ما ذکر من المناقشة مبنی علی کون القضیّة خارجیّة و اشتباه الموضوع الخارجی و المفروض خلافه لأنّ القضیّة حقیقیّة و الموضوع هو طبیعیّ النبأ و لا اشتباه فی الخارج فإذا خصّص بعض الحصص الموجودة من الطبیعی بحکمه عند شرط کذا یدلّ بمفهومه علی انتفاء هذا الحکم عن غیر هذه الحصص من سائر حصص الطبیعة الموجودة و لا ریب فی أنّ هذا مفهوم مستفاد من تعلیق الحکم علی حصّة من الطبیعة عند شرط کذا.

فتحصّل ممّا تقدّم أنّ الموضوع هو النبأ لا نبأ الفاسق لأنّ قوله تعالی: إنْ جاءَکُمْ فاسقٌ بنَبَإٍ فَتَبَیَّنُوا فی قوة أن یقال إنّ النبأ إن جاء الفاسق به یجب التبیّن فیه فإنّه لا فرق بین العبارتین أصلا و لا إشکال فی المفهوم بناء علی ثبوت المفهوم للقضایا الشّرطیة و حجّیّته.

و دعوی عدم دلالة الآیة علی المفهوم من جهة أنّ النبأ لم یفرض فی الآیة موضوعا فی المرتبة السابقة علی تحقّق الشرطیة و التعلیق بل قد افترض مجموع مفاد الجملة الشرطیة بافتراض واحد و من هنا لا یکون لها مفهوم.

ص:269

مندفعة بأنّ العرف بمناسبة الحکم و الموضوع و کلّیة القضایا الشرعیة و عدم اختصاصها بالموارد الخاصّة یفهم أنّ الموضوع فی مثل الآیة الکریمة مقدّم رتبة علی تحقّق الشرط کما مرّ أنّ العرف یستفیدون من قولهم إذا جاءکم المؤمن بسلام فأجبه أنّ الموضوع هو السّلام و مقدّم علی الشرطیة و لذا یفهمون منه المفهوم فکذلک فی المقام هذا غایة ما یمکن أن یقال لو قیل فی إثبات دلالة الآیة الکریمة بمفهوم الشرط علی حجّیّة خبر العادل فافهم.

الوجه الثّانی: [الاستدلال بمفهوم الوصف]

الاستدلال بمفهوم الوصف فی الآیة الکریمة و هو أنّ وجوب التبیّن معلّق علی خبر الفاسق و علیه فذکر الفاسق یدلّ علی دخالته فی ثبوت حرمة العمل بدون التبیّن و المفهوم منه بمقتضی التعلیق علی الوصف أنّ العمل بخبر غیر الفاسق لا یعتبر فیه التبیّن فلا یجب التبیّن عن خبر غیر الفاسق و معنی ذلک هو حجّیّة خبر العادل.

و فیه أنّ التقریب المذکور فرع دلالة الوصف علی المفهوم و هو ممنوع فإنّ دلالة الوصف علی مدخلیته فی الحکم بنحو من الأنحاء و إن لم یکن لإنکارها سبیل و لکن لا دلالة له فی دخالته فی أصل الحکم و لا طریق إلی استظهار أنّه دخیل فی أصل الحکم أو مرتبة من مراتبه.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ التردید فی الأحکام التکلیفیّة التی تکون ذا مراتب کالوجوب و الاستحباب و الحرمة و الکراهیّة و أمّا إذا کان الحکم من الأحکام الوضعیّة کالحجّیّة ممّا لیس لها مراتب فدخالة الوصف تکون حینئذ فی أصل الحکم و مقتضاه هو دلالته علی المفهوم.

و لکن ذلک لا یخلو عن المناقشة و هو أنّ دلالة الوصف علی المفهوم منوطة باستفادة کون الوصف علّة منحصرة فمع عدم إحراز ذلک لا دلالة علی المفهوم و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الحکم ذا مراتب أو لا یکون.

مانعیة التّعلیل عن انعقاد المفهوم

لا یذهب علیک أنّه لو تمّ ما ذکر من دلالة الکریمة علی المفهوم لا یخلو الاستدلال بها عن

ص:270

إشکال آخر و هو أنّ مقتضی عموم التعلیل وجوب التبیّن فی کلّ خبر لا یؤمن عن الوقوع فی النّدم من العمل به و إن کان المخبر عادلا و علیه فیکون التعلیل معارضا مع المفهوم الدالّ علی عدم لزوم التبیّن فی خبر العادل و الترجیح مع ظهور التعلیل.

و اجیب عنه أوّلا:بأنّ المفهوم أخصّ مطلق من عموم التعلیل لأنّ الخبر المفید للعلم خارج عن المفهوم و المنطوق و علیه یکون المفهوم منحصرا فی الخبر المفید لغیر العلم من العادل و هو أخصّ من عموم التعلیل الدالّ علی وجوب التبیّن فی الخبر مطلقا سواء کان عن عادل أو غیر عادل و لو قدّم التعلیل علی مفهوم الشرط و حمل المفهوم علی الخبر المفید للعلم من العادل لزم لغویّة الشرط هذا مضافا إلی أنّ خبر العادل المفید للعلم لیس محل الکلام و لزوم العمل به مفروغ عنه.

بل یمکن أن یقال لا منافاة و لا معارضة بین المفهوم و التعلیل لأنّ التعلیل یدلّ علی المنع عن العمل بما یکون فی معرض النّدامة و هو ما لیس بحجّة و من المعلوم أنّه لا ینافی الأخذ بالحجّة فإنّه لیس فی معرض النّدامة و المفهوم یدلّ علی حجّیّة خبر العادل و التعلیل یدلّ علی المنع عن العمل بغیر الحجّة فمورد المفهوم خارج عن مورد التعلیل خروجا تخصّصیّا کما لا یخفی.

و دعوی أنّ دلالة الشرطیّة علی المفهوم مبتنیة علی ظهور الشرط فی القضیّة فی کونه علّة منحصرة بحیث ینتفی الحکم بانتفائه و أمّا إذا صرّح المتکلّم بالعلّة الحقیقیّة و کان التّعلیل أعمّ من الشّرط أو کان غیر الشرط فلا معنی لاستفادة العلّیة فضلا عن انحصارها مثلا إذا قال قائل إن جاءک زید فأکرمه ثمّ صرّح بأنّ العلّة إنّما هو علمه فنستکشف منه أنّ المجیء لیس بعلّة و لا جزء منها.

مندفعة بما عرفت من عدم المنافاة بین التعلیل و الشرط المذکور فإنّ مقتضاه هو أنّ التّعلیل مؤکّد للشرط المذکور فإنّ العرضیّة للندامة من ناحیة عدم الحجّیّة منحصرة فی الشرط المذکور و هو نبأ الفاسق فلیس التعلیل مفیدا لأمر هو أعمّ من الشرط أو لأمر مغایر

ص:271

للشرط المذکور حتّی ینافی علّیّة الشرط أو انحصارها و قیاس الآیة الکریمة بمثل قوله إن جاءک زید فأکرمه ثمّ التصریح بأنّ العلّة إنّما هو علمه فی غیر محلّه.فإنّ مجیء زید غیر العلم بخلاف المقام فإنّ نبأ الفاسق فی قوله تعالی إن جاءکم فاسق بنبإ یشیر إلی أنّ العلّة هو عدم إفادة خبر الفاسق العلم بمعنی الحجّة و هو غیر مناف لما أفاده التعلیل من أنّ الإقدام علی ما لیس بحجة یکون فی معرض الندامة بل هما متوافقان.

و لعلّ منشأ توهّم المنافاة بین المفهوم و التّعلیل هو حمل الجهالة فی قوله تعالی: أَنْ تُصیبُوا قَوْماً بجَهالَةٍ علی عدم العلم بالواقع بقرینة کون الجهالة مقابلة للتبیّن و هو بمعنی تحصیل العلم و إحراز الواقع و معلوم أنّ الجهالة بهذا المعنی مشترک بین خبری العادل و الفاسق و هو یوجب تعمیم علّة التبیّن و یحصل المنافاة مع انحصار علّة التبیّن فی خبر الفاسق فلا ینعقد ظهور المفهوم و لکن المنافاة فیما إذا ارید من الجهالة خصوص عدم العلم بالواقع و من التبیّن خصوص تحصیل العلم و إحراز الواقع و أمّا إذا قلنا إنّ المرتکز فی الإخبارات و الإنباءات هو الاکتفاء بالحجّة فالتبیّن هو التفحّص عن حجّیّة الخبر و الجهالة فی مقابلها و هو عدم التفحّص و الإقدام مع عدم إحراز الحجّة و من المعلوم أنّ الجهالة بهذا المعنی لیست مشترکة بین خبری العادل و الفاسق فلا منافاة مع التعلیل و انحصار علّة التبیّن فی خبر الفاسق.

و اجیب ثانیا:عن مانعیّة التعلیل للمفهوم بحمل الجهالة علی السفاهة و فعل ما لا یجوز فعله عند العقلاء مستشهدا بقوله عزّ و جلّ: فَتُصْبحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادمینَ فإنّ النّدامة لا تکون إلاّ علی فعل سفهی لا یکون علی طریقة العقلاء فلا یعمّ التعلیل المذکور لمثل الاعتماد علی خبر العادل.

اورد علیه أوّلا:بأنّ حمل الجهالة علی السفاهة خلاف الظاهر من لفظ الجهالة.

و ثانیا:أنّ قوله تعالی: فَتُصْبحُوا عَلی ما فَعَلْتُمْ نادمینَ یساعد مع کون الجهالة بمعنی عدم الحجّة فإنّ العمل بالحجّة ممّا لا تترتّب علیه الندامة بخلاف العلم بما لیس بحجّة فلا

ص:272

منافاة بین التّعلیل و المفهوم من الآیة و لا حاجة إلی حمل الجهالة علی السّفاهة.

و اجیب ثالثا:عن مانعیة التعلیل مع المفهوم بأنّ المفهوم حاکم علی التعلیل فإنّه یحکم فی خبر العادل بأنّه محرز و کاشف عن الواقع و علم فی عالم التشریع فیخرج خبر العادل عن عموم التّعلیل تعبّدا و لا یمکن أن یعارضه أصلا لکی یوجب عدم انعقاده.

اورد علیه بأنّ حکومة سائر الأدلّة علی هذا التّعلیل المشترک وجیهة و أمّا حکومة المفهوم المعلّل منطوقه بنحو یمنع عن اقتضاء المفهوم المثبت لحجّیّة خبر العادل حتّی یرتفع به الجهالة تنزیلا فهو دور واضح.

و ذلک لأنّ حکومة المفهوم متفرّعة علی عدم شمول التعلیل للمفهوم و المفروض أنّ عدم شمول التّعلیل متوقّف علی حکومة المفهوم و هو دور هذا مع الفحص عمّا فی دعوی دلالة أدلّة الاعتبار علی أنّ خبر العادل علم تشریعا.

و اجیب رابعا:عن مانعیة التّعلیل بأنّ خبر غیر الفاسق الذی تدلّ الآیة علی حجّیّته حجّة،و طریق عند العقلاء أیضا و العقلاء یعبّرون عن جمیع الطرق المعتبرة عندهم بالعلم سواء فی ذلک الظّواهر و خبر الثّقات و غیرهما و یرون مفهوم العلم عاما للقطع الذی لا یحتمل الخلاف و لموارد قیام الطرق المعتبرة و إذا اعتبروا شیئا طریقا یرون قیام هذا الطریق علی شیء وصولا إلی الواقع لا بمعنی تنزیل شیء منزلة آخر بل بمعنی واقع الوصول کما فی القطع حرفا بحرف.

و حینئذ فالآیة المبارکة إذا القیت إلیهم فهموا منها بمقتضی الشّرطیة المذیلة بالتّعلیل المذکور أنّ النبأ إذا لم یأت به الفاسق بل غیر الفاسق فهو طریق موصل إلی الواقع لیعمل به من دون حاجة إلی التبیّن و لا یتصوّر فیه إصابة القوم بجهالة للوصول إلی الواقع فهو خارج عن مورد التعلیل و یکون المفهوم بلا معارض.

یمکن أن یقال إنّ قطعیّة أدلّة الاعتبار لا توجب کون المعتبر داخلا فی العلم و القطع و إن اطلق علیه العلم بمعنی الحجّة إذ احتمال الخلاف لیس موهونا فی جمیع موارد الظّواهر أخبار الثّقات.

ص:273

و مع وجود احتمال الخلاف وجدانا کیف یقال إنّ هذه الطرق وصول واقعی فالصحیح فی الجواب عن المانعیة هو ما مرّ من أنّ التعلیل لا یدلّ علی عدم جواز الإقدام بغیر العلم مطلقا بل مفاده هو ذلک فیما إذا کان الإقدام فی معرض حصول النّدامة و احتمال ذلک منحصر فیما لم یکن الإقدام حجّة.

و علیه فالآیة الکریمة بمفهومها تدلّ علی حجّیّة خبر العادل و بتعلیلها یدلّ علی عدم جواز العمل بغیر الحجّة فلا منافاة بین مفهومها و تعلیلها.

و منها قوله تعالی: وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ منْ کُلّ فرْقَةٍ منْهُمْ طائفَةٌ لیَتَفَقَّهُوا فی الدّین وَ لیُنْذرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إلَیْهمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ .

و تقریبها بوجوه.

الوجه الأوّل:

أنّ سیاق الآیة یدلّ علی مطلوبیّة الإنذار و الحذر و وجوبهما لظهور کلمة لو لا فی التحضیض و لا حاجة فی إثبات ذلک إلی بیان مفاد کلمة لعلهم و أنّ المراد منها هو مطلوبیّة مدخولها.

و بالجملة ظاهر صدر الآیة أنّ ما أمر بالنّفر إلیه بمثابة من الأهمیّة بحیث لو لا لزوم مثل اختلال النّظام و نحوه لوجب علی الجمیع النفر إلیه و لکن لزوم هذه الأمور منع من ایجاب النّفر علی الجمیع فعلی هذا لم لا یکون النفر لازما لبعضهم حتّی یرشدوا أنفسهم و غیرهم بسبب اطلاعهم علی الدّین.

الوجه الثانی:

أنّ کلمة لعلّ بعد انسلاخها عن معنی الترجّی الحقیقی لعدم إمکانه فی حقّه تعالی تدلّ علی محبوبیّة التحذّر عند الإنذار فإذا ثبتت محبوبیّة التحذر ثبت وجوبه شرعا إذ لا معنی لندب التحذّر عن العقاب الأخروی مع قیام المقتضی للعقوبة إذ مع عدم المقتضی لها لا مطلوبیّة و لا حسن للتحذّر لعدم الموضوع له و المفروض ثبوت المطلوبیّة.

ص:274

أورد علیه أوّلا:بأنّ التحذر یمکن أن یکون لرجاء إدراک الواقع و عدم الوقوع فی محذور مخالفته من فوت المصلحة أو الوقوع فی المفسدة و التحذّر حینئذ حسن و لیس بواجب ما دام لم یقم حجّة علی التّکلیف.

و اجیب عنه بأنّ الإنذار و التحذّر بملاحظة ترتّب العقوبة أنسب من أن یکون بملاحظة المصالح و المفاسد إذا المتعارف فی مقام الإنذار هو الحثّ علی العمل بالاحکام بذکر ما یترتب علی الفعل أو الترک من العقوبات الاخرویّة لا المصالح و المفاسد هذا مضافا إلی أنّ الإنذار لعموم النّاس لا للخواصّ و أرباب العقول حتّی یصحّ الإنذار باعتبار المصالح و المفاسد و عامّة النّاس لا یتوجّهون إلی المصالح و المفاسد المکنونة فی الأحکام لأنّها من الامور الخفیّة الّتی لا یطّلعون علیها و لو بنحو الإجمال.

اورد علیه ثانیا:بأنا لو سلّمنا دلالة کلمة«لعلّ»علی المطلوبیّة فالحذر المطلوب إن کان هو الحذر من العقاب المساوق مع وجوب التحذّر بلحاظه فهذا الفرض یساوق عرفا کون الإنذار بلحاظ العقاب أیضا لأنّ ظاهر الآیة أنّ الحذر من نفس الشیء المخوف المنذر به و هو یعنی أنّ الإنذار فرض فی طول العقاب و المنجّزیّة و مثله یکشف عن الحجّیّة.

و إن کان المراد الحذر من المخالفة للحکم الواقعی بعنوانها فمطلوبیّة هذا الحذر لا یلزم منها وجوبه لإمکان أن یکون مستحبا.

یمکن أن یقال إنّ التحذّر باعتبار العقاب لا باعتبار المخالفة للحکم الواقعی و المصالح و المفاسد و لکن منجّزیّة الإمارة أعنی قول العادل کمنجّزیّة العلم فکما أنّ العلم بالحکم یوجب التنجّز بنفس العلم و یکون حجّة علی الحکم فکذلک إخبار العادل بالوجوب أو الحرمة و ترتّب العقاب یوجب التنجّز لغیر المخبر بنفس الإخبار و إن کان الحکم منجّزا علی نفس المخبر قبل إخباره بسبب العلم به سابقا فلا منافاة بین أن یکون الحکم منجّزا علی المخبر قبل إخباره و لا یکون منجّزا علی السّامع قبل إخباره و یصیر منجّزا علیه بنفس الإخبار و علیه فحیث إنّ المنجّزیّة بالنّسبة إلی السّامع تحصل بنفس الإخبار یکشف ذلک عن کون

ص:275

إخبار العادل حجّة علی السامع و بالإخبار یحصل التنجّز و الإنذار معا و المحال هو تنجّز الحکم بنفس الإنذار بالنّسبة إلی المخبر لا السّامع فلا تغفل.

الوجه الثّالث:

أنّ التحذّر غایة للإنذار الواجب لکونه غایة للنّفر الواجب کما تشهد له کلمة«لو لا» التحضیضیّة.

و علیه فإذا أوجب الإنذار وجب التحذّر إذ الغایة المترتّبة علی فعل الواجب ممّا لا یرضی الآمر بانتفائه سواء کان من الأفعال المتعلّقة للتکلیف أم لا کما فی قولک توضّأ لتصلّی.

اورد علیه فی الکفایة بعدم انحصار فائدة الإنذار بالتحذّر تعبّدا لعدم إطلاق یقتضی وجوبه علی الإطلاق ضرورة أنّ الآیة مسوقة لبیان وجوب النّفر لا لبیان غائیة التحذّر و لعلّ وجوبه کان مشروطا بما إذا أفاد العلم و علیه فالآیة تدلّ علی وجوب التحذّر عند إحراز أنّ الإنذار بمعالم الدّین.

و یمکن الجواب عنه بأنّ التحذّر و إن لم یکن له فی نفسه إطلاق نظرا إلی أنّ الآیة غیر مسوقة لبیان غائیّة الحذر بل لا یجاب النّفر إلاّ أنّ إطلاقه یستکشف بإطلاق وجوب الإنذار ضرورة أنّ الإنذار واجب مطلقا من کلّ متفقه سواء أفاد إنذاره العلم للمنذر أم لا و حینئذ فلو کانت الفائدة منحصرة فی التحذّر کان التحذّر واجبا مطلقا و إلاّ لزم اللغویّة أحیانا.

و دعوی أنّ الفائدة غیر منحصرة فی التحذّر بل لإفشاء الحقّ و ظهوره بکثرة إنذار المنذرین فالغایة حینئذ تلازم العلم بما أنذروا به.

مندفعة بأنّ ظاهر الآیة أنّ الغایة المترتّبة علی الإنذار و الفائدة المترقّبة منه هی التحذّر لا إفشاء الحق و ظهوره.

فالمراد من الآیة الکریمة و اللّه العالم لعلّهم یحذرون بالإنذار لا بإفشاء الحق بالإنذار کما أنّ ظاهرها هو التحذّر بما انذروا لا بالعلم بما انذروا به.

ص:276

بل نفس وجوب الإنذار کاشف عن أنّ الإخبار بالعقاب المجهول إنذار و لا یکون ذلک إلاّ إذا کان الإخبار بالعقاب حجّة و إلاّ فالإخبار المحض لا یحدث للخوف و لو اقتضاء حتّی یکون مصداقا للانذار حتّی یجب شرعا و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام بعض أساتیذنا من أنّه لم یتبیّن أنّ الغایة هو التحذّر حتّی یتمسّک بإطلاقه لإثبات المطلوب لاحتمال أن یکون احتمال الحذر غایة حتّی یحصل العلم و ذلک لما عرفت من أنّ ترتّب التحذّر علی نفس الإنذار لا یبقی مجالا لتقدیر العلم و الإفشاء کما لا یخفی.

لا یقال احتمال وجود المانع فی إیجاب الغایة علی الغیر یمنع عن الجزم بوجوب الغایة و هی التحذّر.

لأنّا نقول إنّ هذا الاحتمال غیر سدید لوهنه بعد کون التحذّر مقصدا لوجوب ذی الغایة و عدم وجود مانع معقول فیه.

و دعوی أنّ هذه الآیة مربوطة بباب الجهاد من جهة السّیاق فإنّ سورة البراءة مرتبطة بالمشرکین و الجهاد معهم و من المعلوم أن النّفر إلی الجهاد لیس للتّفقه و الإنذار نعم ربّما یترتّبان علیه بعنوان الفائدة کما إذا شاهد المجاهدون فی سفر الجهاد آیات اللّه و ظهور أولیائه و غلبتهم علی الکفّار بها للفرقة المتخلّفة الباقیة فی المدینة المنوّرة و علیه فالإنذار لیس غایة للنّفر الواجب حتّی تجب الغایة بوجوب ذیها و هو النفر بل الإنذار من قبیل الفائدة المترتّبة علی النّفر إلی الجهاد أحیانا

مندفعة بأنه لا دلیل علی أنّ النفر للجهاد و مجرّد ذکر الآیة المبارکة فی آیات الجهاد لا یدلّ علی ذلک بل الظاهر من عنوان التّفقه و الإنذار مضافا إلی بعض الرّوایات هو کون النّفر لیس للجهاد.

و القول بأنّ النفر مختصّ بالجهاد و لکن أمر فی الآیة أیضا بتخلّف جمع لیتفقّهوا و ینذروا النّافرین عند رجوعهم عن الجهاد.

خلاف الظاهر فإنّ الضمیر فی قوله «لیَتَفَقَّهُوا» راجع إلی النافرین لا إلی الفرقة الباقیة

ص:277

فانحصر الأمر فی اختصاص الآیة المبارکة بالنفر للتفقّه و المعنی أنّ المؤمنین لیسوا بأجمعهم أهلا للنّفر فلو لا نفر من کلّ فرقة و قبیلة منهم طائفة و المستفاد من ذلک أنّ المقتضی لنفر الجمیع موجود بحیث لو لم یکن مانع عنه لأمروا جمیعا بالنّفر و التّفقه و لکنّهم لیسوا أهلا لذلک لاختلال نظامهم و تفرّق أمر معاشهم و حینئذ فلم لا یجعلون الاحتیاج إلی المطالب الدینیّة فی عرض سائر احتیاجاتهم فیوجّهون طائفة منهم إلی تحصیلها کما یتوجّه کلّ طائفة منهم إلی جهة من الجهات الاخری المربوطة بأمر المعاش کالزراعة و التجارة و نحوهما فسیاق الآیة ینادی بأعلی صوته إلی مطلوبیة الإنذار و الحذر و وجوبهما و هذا هو الظاهر من الآیة و تشهد له أخبار کثیرة حیث استشهد الأئمّة علیهم السّلام بالآیة لوجوب النفر للتفقّه و التعلیم و التعلّم.

إن قلت:إنّ مقتضی ما ذکر هو اختصاص الآیة بالنّفر للتفقّه و الإنذار المحقّق بقول العادل و إن لم یوجب الیقین و العلم و هذا لا یتناسب مع الرّوایات الواردة فی استشهاد الإمام بالآیة الکریمة علی وجوب معرفة الإمام لأنّ الإمامة ممّا لا تثبت إلاّ بالعلم و علیه فالاستناد بالآیة لحجّیّة الدّلیل الدّینی لا یفید العلم کالخبر الواحد کما تری.

قلت:لا مانع من شمول إطلاق التفقّه و الإنذار للمعرفة بالحقائق الاعتقادیة و الإنذار بها أیضا لأنّ هذا الاعتقاد أیضا تفقّه و یکفی ذلک فی وجوب الإنذار و هو یکفی فی وجوب التحذّر من مخالفة هذا الاعتقاد و إن لم یحصل للمخاطب بنفس الإنذار قطع فإنّ التحذّر فی الفقه بالعمل و هو محقّق بنفس إنذار عدل واحد و التحذّر فی الاعتقادات بالاعتقاد و حصوله یحتاج إلی تکرار الإنذار و الاستماع حتّی یحصل العلم.و بالجملة یختلف التحذّر باختلاف موارد الإنذار و إطلاق الآیة یعمّ جمیع الموارد و تطبیق الآیة علی التّفقّه فی الأحکام و التّفقّه فی المعارف ممّا یشهد علی إطلاقها کما لا یخفی.

ثمّ إنّ الإنذار إمّا مطابقی و إمّا ضمنی و کلاهما مشمولان للآیة الکریمة و علیه فکلّ روایة تدلّ علی حکم من الأحکام الإلزامیّة تدلّ بالدّلالة الضّمنیّة علی العقاب و أمّا الأخبار التی

ص:278

لا إنذار فیها لکون الحکم المذکور فیها غیر إلزامی فهی مشمولة للآیة الکریمة بعدم القول بالفصل فی حجّیّة الأخبار.

و دعوی أنّ المأخوذ فی الآیة هو عنوان التفقّه و علیه فلا تشمل الآیة فیما أنذر الرّاوی بعنوان أنّه أحد من الرّواة فتختصّ الآیة بحجّیّة فتوی الفقیه للعامی و لا دلالة لها علی حجّیّة خبر العامی مع أنّ الکلام فیها.

مندفعة بأنّ المراد منه من عنوان التفقّه فی المقام لیس هو عنوان التفقّه الاصطلاحی بل المراد منه هو التفقه بمعناه اللغوی و هو الفهم و العلم و هو معلوم الحصول باستماع الرّوایات مع المعرفة بمفادها و إن کانت المعرفة مشکّکة و تختلف الرّواة فیها بحسب اختلاف استعداداتهم فإذا کان إخبار العادل فی المنذرات حجّة یتعدّی منها إلی غیرها بإلغاء الخصوصیّة.

لا یقال إنّ الآیة تکون فی مقام النّهی عن النّفر العام کما یشهد له صدر الآیة أعنی قوله تعالی: وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً لا إیجاب النّفر للبعض حتّی یترتّب علیه وجوب التّحذر فالحثّ علی لزوم التنجّزیّة و عدم النّفر العام لا علی نفر طائفة من کل فرقة للتفقّه.

لأنّا نقول إنّ هذا المعنی أی النّهی عن النّفر العامّ للجهاد متفرّع علی أنّ الآیة واردة فی النّفر للجهاد و قد عرفت أنّه لا معین لذلک و مجرّد کون السورة و الآیات السابقة و اللاحقة مرتبطة بالجهاد لا یکفی فی تعیین هذا المعنی بل لعلّ وجه ذکر هذه الآیة فی هذا الموضع هو تنبیه المسلمین بلزوم تعلّم أحکام الجهاد.

و لیس فی المقام روایة صحیحة تدلّ علی أنّ النفر للجهاد بل الشواهد الدّاخلیة فی نفس الآیة لا تساعد ذلک إذ الضمیر فی قوله لیتفقّهوا یرجع إلی النّافرین المذکورین فی الصّدر فهو شاهد علی أنّ المراد من الصّدر هو النّفر للتّفقّه هذا مضافا إلی أنّ لازم ذلک هو أن یکون المراد من قوله عزّ و جلّ بعد الصّدر فَلَوْ لا نَفَرَ منْ کُلّ فرْقَةٍ منْهُمْ طائفَةٌ هو النّفر للجهاد

ص:279

لا للتّفقّه و مقتضاه هو رجوع الضّمیر فی قوله لیتفقّهوا و لینذروا قومهم إلی الفرقة الباقیة فی المدینة مع النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و سلّم فیدلّ علی وجوب تعلّم الفقه و الأحکام علیهم علی وجوب إنذارهم النّافرین بعد رجوعهم ببیان ما تعلّموا من النبی صلّی اللّه علیه و آله فی غیابهم و هو خلاف الظّاهر فإنّ الطائفة أقرب بالضمیر من الفرقة و مقتضاة هو رجوع الضّمیر إلی الطائفة النّافرة للتفقّه کما أنّ ارجاع الضمیر إلی الفرقة النّافرة للجهاد و إرادة الشهود من التّفقّه بالنّسبة إلی ما رأوه فی سفر الجهاد من الغلبة و النصرة و بعض التعلیمات النازلة حال الحرب خلاف ظاهر إطلاق التّفقّه فی الدین فإنّه أنسب بالرجوع إلی الفرقة النّافرة للتّفقه و التّفقه المطلقة لا یحصل بتمامه و کماله فی النفر للجهاد و إن لم یخل النفر للجهاد عن تعلّم بعض الأحکام کما لا یخفی.

فتحصل أنّ النّفر واجب للتّعلم و التفقّه و صدر الآیة الکریمة إخبار عن عدم تمکّن جمیع المؤمنین من النّفر للتفقّه فمع عدم تمکّنهم للنفر المذکور أوجبه اللّه سبحانه و تعالی علی کلّ طائفة من کلّ فرقة بنحو الوجوب الکفائی لیتفقّهوا و لینذروا قومهم إذا رجعوا إلیهم و تحذّر قومهم بمجرّد إنذارهم من دون توقّف علی شیء آخر من العلم و هذا مساوق لحجّیّة قول المنذر.

لا یقال:إنّه لو کان مفاد الآیة وجوب الحذر عند الشکّ لا یکون دلیلا علی حجّیّة قول المنذر لأنّ الحذر واجب فی الشّبهة قبل الفحص بحکم العقل فقول المنذر إنّما ینتج فی إبداء الاحتمال و بمجرّد ذلک یجب علی المکلّف إمّا الاحتیاط أو تعلّم الحکم و بعبارة اخری کلّ من الخوف و الحذر العملی واجب عند الشکّ قبل الفحص و لو لم یکن قول المنذر حجّة شرعا کما دلّ علیه أخبار عدیدة مذکورة فی محالها.

لأنّا نقول إنّ الإشکال المذکور جار فی کلّ أمارة فإنّ الاجتناب عن فعل محتمل الحرمة أو ترک محتمل الوجوب قبل الفحص واجب و مع ذلک أفادت أدلّة الاعتبار حجّیّة الأمارات و خاصیة الأمارات تظهر بعد الفحص فإنّها إذا دلّت علی حرمة شیء أو وجوب شیء

ص:280

وجب اتّباعها و لو بعد الفحص فلا یکون اعتبارها لغوا إذ بعد الفحص لا یحکم العقل بوجوب الاحتیاط و مفاد الأمارات هو وجوب الاتّباع عنها و أمّا دعوی أنّ ظاهر الآیات مدخلیّة کون النافرین جماعة فی وجوب النفر و وجوب الإنذار و الحذر و حیث یحتمل دخالة تلک الخصوصیة فی الحکم واقعا للمناسبة المذکورة لا یمکن رفع الید عنه فلا طریق حینئذ إلی استظهار کون الجمع ملحوظا بنحو الاستغراق و علی هذا کانت الآیة أجنبیة عن المدعی و لا ترتبط بإثبات حجّیّة قول المنذر عند الشکّ فی قوله هل هو حکم اللّه الواقعی أو لا بل إنّما کان مفادها وجوب نفر جماعة لیتعلّموا أحکام اللّه الواقعیّة فینذروا قومهم بها لعلّهم یحذرون من عقاب مخالفة تلک الأحکام أو یحذرون عملا بإتیان واجب الدین و ترک محرمه و أین ذلک بما نحن بصدده فهی محل نظر لأنّ لازم اعتبار الجماعة هو عدم وجوب الإنذار إذا نفر جماعة و تفقّهوا ثمّ عرض لهم الموت و بقی واحد منهم و هو ممّا لا یلتزم به أحد هذا مضافا إلی أنّ مقام التعلّم و الإنذار قرینة علی أنّ المراد من کلّ طائفة هو الاستغراق لا المجموع و الجماعة إذ التعلّم و التعلیم و الإنذار لا یتقیّدان بالجمیع و الجماعة کما لا یخفی.

و منها-أی من الآیات التی استدلّ بها لحجّیّة المخبر آیة الکتمان و هی قوله تعالی: إنَّ الَّذینَ یَکْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا منَ الْبَیّنات وَ الْهُدی منْ بَعْد ما بَیَّنّاهُ للنّاس فی الْکتاب أُولئکَ یَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَ یَلْعَنُهُمُ اللاّعنُونَ .

بتقریب أنّ حرمة الکتمان تستلزم وجوب القبول عند الإظهار و إلاّ لزم لغویّة تحریم الکتمان و وجوب الإظهار.

اورد علیه أوّلا:بأنّ موردها ما کان فیه مقتضی القبول لو لا الکتمان لقوله عزّ و جلّ:

منْ بَعْد ما بَیَّنّاهُ للنّاس فی الْکتاب فالکتمان حرام فی قبال الواضح و الظّاهر علی حاله کما یشهد له سوق الآیة المبارکة فإنّه فی اصول الدین و العقائد ردّا علی أهل الکتاب حیث أخفوا شواهد النّبوّة و البیّنات لا فی قبال الإظهار و الملازمة المذکورة بین حرمة الکتمان و وجوب القبول عند الإظهار لا مورد لها فی المقام إذ لا إظهار فیه نعم تجدی الملازمة المذکورة

ص:281

فی مثل قوله تبارک و تعالی: وَ لا یَحلُّ لَهُنَّ أَنْ یَکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فی أَرْحامهنَّ فإنّ الإظهار فیه متصوّر فمورد الآیة أجنبیة عن المقام.

و ثانیا:بأنّ الآیة الکریمة لا تتعرّض لبیان حرمة الکتمان حتّی یؤخذ بإطلاقها لأنّها فی مقام بیان ترتّب بعض آثار الکتمان من اللعنة.

و منها-بأنّ من الآیات التی استدلّ بحجّیّة الخبر-قوله تعالی: وَ ما أَرْسَلْنا منْ قَبْلکَ إلاّ رجالاً نُوحی إلَیْهمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذّکْر إنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ بالْبَیّنات وَ الزُّبُر .

بدعوی أنّ وجوب السّؤال یستلزم وجوب القبول و إلاّ لکان وجوب السّؤال لغوا و إذا وجب قبول الجواب وجب قبول کلّ ما یصحّ أن یسأل عنه و یقع جوابا له لعدم مدخلیّة المسبوقیّة بالسؤال فکما أنّ جواب الرّاوی حین السّؤال واجب القبول فکذلک قوله ابتداء بأنّی سمعت الامام یقول کذا واجب القبول و الاتّباع.

أورد علیه أوّلا:بأنّ المراد من أهل الذّکر بمقتضی السیاق علماء أهل الکتاب و علیه فالآیة أجنبیة عن حجّیّة الخبر.

اجیب عنه بأنّ العبرة بعموم الوارد لا خصوصیة المورد و تطبیق أهل الذکر علی علماء أهل الکتاب من باب تطبیق الکلّی علی بعض مصادیقه و لیس من باب استعمال الکلّی فی الفرد و علیه فلا منافاة بین کون المورد علماء أهل الکتاب و عدم اختصاص الوارد به.

و یشهد للکلّیّة المذکورة تطبیق الآیة الکریمة علی الأئمّة المعصومین علیهم السّلام کما أنّ الآیة لا تختصّ بالأئمّة علیهم السّلام لمنافاته مع مورد الآیة و هو علماء أهل الکتاب فلیس ذلک إلاّ لکلّیة الوارد.

هذا مضافا إلی أنّه لو اختص الآیة الکریمة بالسؤال عن أهل الکتاب لزم وجوب قبول قول أهل الکتاب دون غیره ممّن أقرّ بالشهادتین و هو ممنوع إذ لا یحتمل ذلک کما لا یخفی.

نعم یشکل الاستدلال بالآیة الکریمة من ناحیة أنّه لا أمر بالجواب فی الآیة حتّی یؤخذ بإطلاقه لصورة عدم إفادة العلم کما فی إیجاب الإنذار و حرمة الکتمان و علیه فالمراد من

ص:282

الآیة هو إیجاب السّؤال إلی أن یحصل العلم بالجواب و لو بجواب جماعة و لا دلالة للآیة علی حصول العلم بالجواب الأوّل حتّی یکون ذلک علما تعبّدا.

و أمّا ما قیل من أنّ عنوان أهل الذّکر و العلم لا یطلق علی الرّواة بما هم رواة مع أنّ لصدق هذا العنوان مدخلیة فی الحکم ففیه أنّ عنوان أهل الذکر و الاطّلاع من العناوین المشکّکة و یصدق علی الرّواة أیضا باعتبار معرفتهم بالحلال و الحرام و لو من دون إعمال نظر و رأی فتحصّل أنّ الاستدلال بالآیة الکریمة علی وجوب التعبّد بقول العادل مشکل.

و أمّا الأخبار فبطوائف

الطّائفة الأولی:

هی الّتی وردت فی الخبرین المتعارضین و دلّت علی الأخذ بالأعدل و الأصدق و المشهور و التخییر عند التّساوی مثل مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصّادق علیه السّلام حیث قال الحکم ما حکم به أعلمهما و أفقههما و أصدقهما فی الحدیث و أورعهما و لا یلتفت إلی ما یحکم به الآخر قال فقلت فإنّهما عدلان مرضیّان عند أصحابنا لا یفضل واحد منهما علی صاحبه قال فقال ینظر إلی ما کان من روایتهما عنّا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه عند أصحابک فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه...إلی أن قال فإن کان الخبران عنکم مشهوران قد رواهما الثّقات عنکم قال ینظر فما وافق حکمه حکم الکتاب و السّنة و خالف العامّة فیؤخذ به الحدیث.

و موردها و إن کان فی الحکمین إلاّ أنّ ملاحظة جمیع الرّوایة تشهد علی أنّ المراد بیان المرجح للروایتین اللتین استند إلیهما الحاکمان.

ثمّ إنّ هذا الخبر باعتبار قوله خذ بأعدلهما ظاهر فی اعتبار العدالة فی التعبّد بالخبر اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ قوله فی الذیل فإن کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثّقات عنکم...

إلخ یشهد علی أنّ الملاک فی حجّیّة الخبر هو نقل الثقات و الأعدلیة ملاک ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر.

ص:283

ثمّ إنّ مع التعارض لا وثوق بالصّدور و مع ذلک دلّت المقبولة علی أنّ الخبر لا یکون بالتعارض ساقطا التعبّد بالخبر.

و إلاّ فمع التّعارض لا یحصل الوثوق فی الصّدور فی الراجح بمجرّد الأفضلیة فی صفات الرّاوی أو المطابقة مع الکتاب أو المخالفة مع العامّة و مع عدم الوثوق بالصّدور لا بناء من العقلاء و إن کان النّاقل عدلا أو ثقة بل یحکمون بالتّساقط.

و نحو هذه الروایة مرفوعة زرارة قال یأتی عنکم الخبران أو الحدیثان المتعارضان فبأیّهما نأخذ؟قال علیه السّلام یا زرارة خذ بما اشتهر بین أصحابک ودع الشّاذ النّادر قلت یا سیّدی إنّهما معا مشهوران مرویان مأثوران عنکم فقال خذ بأعدلهما عندک و أوثقهما فی نفسک فقلت إنّهما معا عدلان مرضیّان موثّقان فقال علیه السّلام انظر ما وافق منهما مذهب العامّة فاترکه و خذ بما خالفهم قلت ربما کانا معا موافقین لهم أو مخالفین کیف أصنع؟فقال:إذن فخذ بما فیه الحائطة لدینک و اترک ما خالف الاحتیاط فقلت إنّهما معا موافقان للاحتیاط أو مخالفان له فکیف أصنع؟فقال علیه السّلام إذن فتخیّر أحدهما فتأخذ به و تدع الآخر.

فإنّها مثل المقبولة فی الدّلالة علی أنّ الخبر لا یکون ساقطا عند التّعارض بل یقدّم الراجح من حیث الصفات و سایر المرجّحات و مع عدم الرجحان فالحکم هو التخییر و قد عرفت أنّ هذا هو حجّیّة تعبّدیّة و لیس من باب بناء العقلاء.

اورد علیه بأنّه لا إطلاق لهذه الطّائفة من الأخبار لأنّ السؤال عن الخبرین المتعارضین اللذین فرض السّائل کلّ واحد منهما حجّة یتعیّن العمل به لو لا التّعارض و لا نظر للسّائل بالنّسبة إلی اعتبار خبر کلّ عدل أو ثقة بل نظره إلی حجّیّة الخبر فی حال التّعارض.

و یمکن الجواب عنه بأنّ هذه الأخبار ظاهرة الدّلالة علی مفروغیّة حجّیّة خبر الواحد فی نفسه عند عدم ابتلائه بالمعارض و إلاّ لما سألوا عن صورة تعارضها لأنّ هذا السؤال مناسب مع حجّیّة الخبر فی نفسه و إنّما أشکل الأمر من جهة المعارضة فسألوا عن حکمهما عند التّعارض.

ص:284

و دعوی أنّ التّعارض کما یوجد فی الخبرین غیر المقطوعین کذلک ربّما یوجد فی المتواترین أو المحفوفین بما یوجب القطع بصدورهما و علیه فصرف بیان العلاج لا یدلّ علی حجّیّة الخبر الذی لم یقطع بصدوره.

مندفعة بأنّ وقوع المعارضة بین مقطوعی الصّدور بعید جدّا هذا مضافا إلی أنّ الظّاهر من مثل قوله(یأتی عنکم خبران متعارضان)کون السّؤال عن مشکوکی الصّدور فإذا لم یکن المراد من الأخبار العلاجیة مقطوعی الصّدور تکشف الأخبار العلاجیة عن مفروغیّة حجّیّة خبر العادل عند عدم المعارضة.

نعم یشکل التمسّک بهذه الأخبار لحجّیّة خبر الثّقة بعد اعتبار الأعدلیّة فإنّ المستفاد منه أنّ المعتبر فی حجّیّة الخبر هو کون الرّاوی عدلا حتّی یجعل الأعدلیّة مرجّحة بینهما.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:یکفی قوله فی المقبولة«فإن کان الخبران عنکم مشهوران قد رواهما الثّقات عنکم...الحدیث»للدّلالة علی أنّ المعتبر هو کون الرّاوی ثقة و البحث فی هذا المقام مع قطع النظر عن سائر الأخبار الدالّة علی حجّیّة خبر الثّقة.

الطّائفة الثّانیة:

هی التی تدلّ علی إرجاع آحاد الرّواة إلی أشخاص معینین من ثقات الرّواة مثل قوله علیه السّلام:إذا أردت الحدیث فعلیک بهذا الجالس مشیرا إلی زرارة و لکن هذه الرّوایة لا تصلح للاستدلال لاحتمال أن یکون المعتبر هو العدالة و أرجع الرّاوی إلیه لکونه عدلا.

و قوله علیه السّلام:نعم فی موثقة الحسن بن علی بن یقطین بعد ما قال الرّاوی أ فیونس بن عبد الرحمن ثقة نأخذ معالم دیننا عنه.

فإنّ الظّاهر منه أنّ قبول قول الثّقة مفروغ عنه بین السّائل و المسئول عنه و إنّما الرّاوی سئل عن کون یونس ثقة لیترتّب علیه آثار ذلک و عدمه.

و قوله علیه السّلام فی صحیحة أحمد بن اسحاق«العمری ثقتی فما أدّی إلیک عنّی فعنّی یؤدّی و ما قال لک عنّی فعنّی یقول فاسمع له و أطع فإنّه الثّقة المأمون».

ص:285

إذ مقتضی التّعلیل أنّ المعیار هو کون الرّاوی ثقة و مأمونا لأنّ المراد بالثّقة هو الثّقة عند النّاس و لذا قال الشّیخ الأعظم بعد نقل الأخبار المذکورة و غیرها و هذه الطّائفة أیضا مشترکة مع الطّائفة الأولی فی الدلالة علی اعتبار خبر الثّقة المأمون.

اورد علیه بأنّ المراد من الثقات فی هذه الإرجاعات هم الأشخاص الذین لا یکذبون لکونهم علی مرتبة عظیمة من التّقوی و الجلالة حتّی وثق به الإمام علیه السّلام فهذه الأخبار لا تدلّ علی حجّیّة خبر کلّ ثقة بل تدلّ علی حجّیّة خبر ثقات أهل البیت و هم العدول.

و یمکن الجواب بأنّه نعم و لکن یکفی ما ورد فی مثل یونس بعد سؤال الرّاوی عن کون یونس ثقة منه علیه السّلام نعم فی موثّقة الحسن بن علی بن یقطین للدلالة علی کفایة الوثوق عند النّاس.

و حمل الثّقة فی هذه الرّوایة علی غیر الصّدق المخبری و إرادة کونه مورد الاطمئنان لأخذ الآراء بقرینة أنّ یونس من الفقهاء بعید و الظّاهر منه هو الثّقة عند النّاس و هو الصادق فی إخباره بل لعلّه الظّاهر من التعلیل الوارد فی صحیحة أحمد بن إسحاق فی مورد العمری و هو قوله فإنّ الثّقة المأمون.

الطّائفة الثّالثة:

هی الأخبار الدالّة علی وجوب الرّجوع إلی الرّواة و الثّقات و العلماء علی وجه یظهر منها عدم الفرق بین روایتهم و فتاویهم فی وجوب الرّجوع إلیهم و الأخذ منهم.

مثل قول الحجّة عجّل اللّه تعالی فرجه لإسحاق بن یعقوب:و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا إلی رواة حدیثنا فإنّهم حجّتی علیکم و أنا حجّة اللّه.

بدعوی أنّ ظاهر الصدر و إن کان هو الاختصاص بالرّجوع إلیهم فی أخذ حکم الوقائع و فتاویهم و لکن عموم التّعلیل بأنّهم حجتی یقتضی قبول روایاتهم أیضا لأنّ التعلیل معمّم اللّهمّ إلاّ أن یقال:جعل الحجّیّة للأخصّ و هو الرواة المجتهدون لا یدلّ علی جعل الحجّیّة لمطلق الرّواة فهو أخصّ من المدّعی.

و مثل الرّوایة المحکیة فی العدّة عن الصّادق علیه السّلام إذا نزلت بکم حادثة لا تجدون حکمها فیما

ص:286

روی عنّا فانظروا إلی ما رووه عن علی علیه السّلام فاعملوا به و اعتمد الشیخ علیها و صرّح باعتماد الأصحاب علیها.

دلّت هذه الرّوایة علی جواز أخذ روایات الثّقات و لو من العامّة فیما إذا لم یکن معارض لروایات الثّقات من العامّة فی روایاتنا.

و مثل ما رواه فی الاحتجاج عن تفسیر الإمام العسکری علیه السّلام...فأمّا من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا علی هواه مطیعا لأمر مولاه فللعوام أن یقلّدوه و ذلک لا یکون إلاّ بعض فقهاء الشّیعة لا کلّهم.

فأمّا من رکب من القبائح و الفواحش مراکب علماء العامّة فلا تقبلوا منهما عنّا شیئا و لا کرامة و إنما کثر التخلیط فیما یتحمّل عنها أهل البیت لذلک لأنّ الفسقة یتحمّلون عنّا فیحرّفونه بأسره لجهلهم و یضحون الأشیاء علی غیر وجوهها لقلّة معرفتهم و آخرون یتعمّدون الکذب علینا لیجرّوا من عرض الدنیا ما هو زادهم إلی نار جهنّم.

و المستفاد من مجموع الرّوایة أنّ المناط فی تصدیق الرواة و الفقهاء هو التحرّز عن الفسق و الکذب و إن کان ظاهر بعض فقراته هو اعتبار العدالة بل ما فی فوقها و لکن العبرة بالمستفاد من مجموع الرّوایة و مثل ما عن أبی الحسن الثّالث علیه السّلام فیما کتبه جوابا عن سؤال أحمد بن حاتم بن ماهویة و أخیه عمّن آخذ معالم دینی؟

فهمت ما ذکرتما فی دینکما علی کل مسنّ فی حبّنا و کل کثیر القدم فی أمرنا فإنّهما کافیکما إن شاء اللّه تعالی.و لکن عنوان مسنّ فی حبّنا و کثیر القدم فی أمرنا غیر عنوان الثّقة فلا یشمل ما إذا لم یکن الثّقة واجدا لهذا العنوان و مثل قوله علیه السّلام لا تأخذن معالم دینک من غیر شیعتنا فإنّک إن تعدیتهم أخذت دینک من الخائنین الذین خانوا اللّه و رسوله و خانوا أماناتهم إنّهم استؤمنوا علی کتاب اللّه فحرّفوه و بدّلوه...الحدیث.

و الظّاهر منه و إن کان هو الفتوی و لکن الإنصاف شموله للروایة و المراد هو المنع عن قبول روایات غیر الثقات منهم جمعا بینه و بین ما أفاده الشّیخ الطوسی قدّس سرّه فی العدّة و نقلناه آنفا.

ص:287

و مثل ما عن الإمام العسکری علیه السّلام بالنّسبة إلی کتب بنی فضال حیث قالوا ما نصنع بکتبهم و بیوتنا منها ملاء قال خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا.

فإنّ المستفاد منه هو جواز أخذ الرّوایة منهم إذا کانوا من الثّقات.

و مثل قوله علیه السّلام حدیث واحد فی حلال و حرام تأخذوه من صادق«یأخذه صادق عن صادق»خیر لک من الدنیا و ما فیها من ذهب و فضّة.بناء علی أنّ المراد من الصّادق هو الصدق المخبری.

و مثل ما ورد فی التوقیع لا عذر لأحد من موالینا فی التشکیک فیما یرویه ثقاتنا قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرنا و نحمله إیّاه إلیهم.

و لکنّه أخصّ من المدّعی لأنّ ثقاتنا أخصّ من عنوان الثّقة و لو عند النّاس هذا مضافا إلی توصیف الثّقة بکونها من أهل السّرّ.

الطّائفة الرّابعة:

هی الأخبار الدالّة علی جواز العمل بخبر الواحد کالنّبوی المستفیض بل المتواتر من حفظ من أمتی أربعین حدیثا ممّا یحتاجون إلیه من أمر دینهم بعثه اللّه فقیها عالما.

بدعوی أنّ دلالة هذا الخبر علی حجّیّة خبر الواحد لا یقصر عن دلالة آیة النفر و لکنّه لا یخلو عن إشکال و هو أنّه لا ملازمة بین النّقل و القبول تعبّدا لاحتمال أن یکون القبول مشروطا بحصول العلم أو الاطمئنان أو اتّصاف الرّاوی بوصف العدالة.

و کقوله علیه السّلام اکتب و بثّ علمک فی إخوانک فإن متّ فاورث(فورث)کتبک بنیک فإنّه یأتی علی النّاس زمان حرج لا یأنسون(فیه)إلاّ بکتبهم.

وجه الدلالة واضح فإنّ مورد التّوصیة هو کتابة الواحد هذا مضافا إلی التعبیر عنه بالبثّ بالعلم و أنّه إرث و موجب للأنس به و کلّ ذلک ینادی بحجّیّة خبر الواحد و کقوله علیه السّلام ستکثر بعدی القالة و إنّ من کذب علیّ فلیتبوأ مقعده من النار.

بدعوی أنّ بناء المسلمین لو کان علی الاقتصار علی المتواترات لم یکثر القالة و الکذابة إذ الاحتفاف بالقرینة القطعیّة فی غایة القلّة.

ص:288

و بالجملة یستفاد من مجموع هذه الأخبار القطع برضا الأئمّة علیهم السّلام بالعمل بالخبر الواحد و إن لم یفد القطع ثمّ إنّ هذه الأخبار کثیرة إلی حدّ ادّعی فی الوسائل تواترها.

و لکن القدر المتیقّن منها هو خبر الثّقة الذی یضعف فیه احتمال الکذب علی وجه لا یعتنی به العقلاء و یقبحون التوقّف فیه لأجل هذا الاحتمال کما دلّ علیه لفظ الثّقة و المأمون و الصّادق و غیرها الواردة فی الأخبار المتقدّمة و هی أیضا منصرف إطلاق غیرها.

بل و لو لم یکن الأخبار متواترة بالاصطلاح کفی کونها مفیدة للاطمئنان بحجّیّة خبر الثّقة و لو لم یکن عادلا هذا.

و أمّا العدالة فأکثر الأخبار المتقدّمة خالیة عن اعتبارها بل فی کثیر منها التّصریح بخلافه مثل ما رواه الشیخ فی کتاب العدّة فی الأخذ بما روته الثقات عن علی علیه السّلام.و لو من رواة العامّة و ما ورد فی کتب بنی فضال،و مثل عموم التعلیل فی صحیحة أحمد بن اسحاق لقبول روایة العمری بأنّه الثّقة المأمون فإنّه یفید الکبری الکلّی و هی أنّ کلّ ثقة مأمون یسمع له و تطبیق هذه الکبری علی مثل العمری الذی کان فی مرتبة عالیة من الوثاقة و الجلالة لا ینافی کون المعیار هو إفادة الوثوق بالمخبر و لا دخالة لما زاد علیه من المراتب العالیة لأنّ ما زاد من خصوصیّات المورد کما لا یخفی و غیر ذلک من الأخبار.

و أمّا ما یظهر من الأخبار من حصر الذی یعتمد علیه فی أخذ معالم الدین فی طائفة الشیعة فهو بالنّسبة إلی غیر الثّقة من العامّة فالحصر اضافی و یکون بالنّسبة إلی غیر ثقاتهم فلا ینافی ما دلّ علی جواز الأخذ من ثقاتهم فیما إذا لم یعارضه ما وصل إلینا من طرقنا.

هذا مضافا إلی أنّ بناء العامّة علی العمل بخبر الواحد کان ذلک بمرأی و مسمع الأئمّة علیهم السّلام و مع ذلک لم یردعوا عنه کما دلّ علیه روایات:

منها مرسلة داود بن فرقد حیث قال الإمام الصادق علیه السّلام لابن أبی لیلی فبأیّ شیء تقضی قال بما بلغنی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و عن علی و عن أبی بکر و عمر قال فبلغک عن رسول صلّی اللّه علیه و آله أنّ علیا أقضاکم قال نعم قال فکیف تقضی بغیر قضاء علی و قد بلغک هذا...الحدیث.

ص:289

بدعوی أنّ قول ابن أبی لیلی بما بلغنی یدل علی أنّ مراده منه البلوغ بنحو الخبر الواحد لقلّة التواتر جدّا و لم یردعه الإمام علیه السّلام عن ذلک بل شبّهه بخبر آخر وصل إلیه.

نعم یمکن الإشکال فیه بأنّه لا إطلاق له حیث إنّه فی مقام بیان لزوم القضاء بقضاء علی علیه السّلام إلاّ أنّ احتمال اشتراط العلم فی البلوغ فی أخبار العامّة بعید جدّا بناء الأصحاب أیضا علی ذلک کما یدلّ علیه الأخبار فمنها مرسلة شبیب و أبی جمیلة البصری و موثّقة إسحاق بن عمّار و خبر علی بن حدید و خبر معمّر بن خلاّد و صحیحة زرارة و خبر سلیم بن قیس و غیر ذلک من الأخبار الحاکیة علی أنّ أصحابنا آخذون بخبر الواحد الثّقة و دعوی کون المتیقّن من الرّوایات هو اعتبار خبر العدل لا الثّقة کما یشهد له الارجاع إلی الأعدل فی المتعارضین فإنّه حاک عن کون کلّ طرف من أطراف التعارض عدلا هذا مضافا إلی اعتبار عنوان(ثقاتنا)و عنوان(مرضیان)و عنوان(حجّتی)و عنوان(من کان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدینه مخالفا علی هواه مطیعا لأمر مولاه)و عنوان(کلّ مسنّ فی حبّنا)و عنوان (کل کثیر القدم فی أمرنا)فإنّها ظاهرة فی اعتبار العدالة و فوقها.

مندفعة بأنّ اعتبار هذه العناوین لیس من جهة دخالتها فی حجّیّة الرّوایة بل من باب خصوصیّة مورد السّؤال أو من باب علاج الأخبار المتعارضة.

و الشاهد علی ذلک عدم اعتبار الأصحاب فی الأخذ بالرّوایات أن یکون الرّاوی من أصحاب السّر أو ممّن یرضی عنه الأئمّة علیهم السّلام أو أن یکون الرّاوی من الشیعة کما صرّح بذلک الشّیخ الطّوسی فی العدّة حیث قال:إنّ الطائفة عملت بما رواه حفص بن غیاث و غیاث بن کلوب و نوح بن درّاج و السکونی و غیره من العامة الذین ینقلون الأخبار عن أئمّتنا علیهم السّلام فالمعیار فی جواز الأخذ هو الوثوق بالناقل و لو کان عامّیا.

نعم یتقدّم روایة الشّیعی الثّقة علی روایة العامّی الثّقة عند التّعارض کما رواه فی العدّة عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال:إذا نزلت بکم حادثة لا تجدون حکمها فیما روی عنّا فانظروا إلی ما رووه(ای ما روته العامّة)عن علی علیه السّلام فاعملوا به.

ص:290

فتحصّل أنّ مقتضی امعان النّظر فی الأخبار هو حجّیّة خبر الثّقات فلا مجازفة فی دعوی تواترها بالتّواتر المعنوی بالنّسبة إلی حجّیّة خبر الثّقات ذهب فی الکفایة إلی أنّ التّواتر فی المقام إجمالی لأنّها غیر مقتصر علی لفظ أو علی معنی حتّی تکون متواترة لفظا أو معنی.

و معنی التواتر الإجمالی هو العلم بصدور بعضها منهم و قضیّته و إن کانت حجّیّة خبر دلّ علی حجّیّة أخصّها مضمونا إلاّ أنّه یتعدّی عنه فیما إذا کان بینها ما کان بهذه الخصوصیّة و قد دلّ علی حجّیّة ما کان أعمّ.

و قد عرفت کفایة الأخبار المذکورة فی إثبات التّواتر المعنوی هذا مضافا إلی أنّ المستفاد من بعضها أنّ خبر الثّقة مفروغ الحجّیّة عند السائل و المسئول عنه و أیضا سیرة الأصحاب علی العمل بخبر الثقات و لو کان المخبر من العامّة أو الذین أخطئوا فی اعتقاداتهم من فرق الشّیعة.

ثمّ إنّ الأخبار التی دلّت علی اعتبار الأعدلیة لا تعارض مع الأخبار المذکورة لأنّها فی مقام ترجیح أحد المتعارضین علی الآخر فلا وجه لجعلها من أدلّة اعتبار العدالة فی حجّیّة الخبر هذا مضافا إلی دلالة قوله فی المقبولة:(فإن کان الخبران عنکم مشهورین قد رواهما الثّقات عنکم...)علی أنّ الملاک فی حجّیّة خبر الواحد هو کون الرّاوی ثقة کما أنّه لا وجه لجعل الأخبار الواردة فی موارد العدول من الأخبار المعارضة بعد کونها معلّلة بکون الملاک فی اعتبار أخبارهم هو کونهم من الثّقات المأمونین فلا تغفل.

و ینقدح ممّا ذکرنا أنّه لا وجه للقول بتعارض الأخبار و إنّ النّسبة بینها من العموم من وجه و الأخذ بالقدر المتیقّن منها و هو الجامع للعدالة و الوثاقة کما ذهب إلیه فی مصباح الاصول و ذلک لما عرفت من أنّ مقتضی الإمعان فی الرّوایات أنّها غیر متعارضة و لا منافاة فیها حتّی تأخذ بالأخص مضمونا و الأظهر هو ما ذهب إلیه الشّیخ الأعظم قدّس سرّه من ثبوت التّواتر المعنوی علی اعتبار خبر الثّقة المأمون.

و علیه فدعوی منع التّواتر المعنوی و الأخذ بالتّواتر الإجمالی و الأخذ بالخبر الصحیح

ص:291

الأعلائی و الاستدلال به لحجّیّة خبر کلّ ثقة المأمون تبعید المسافة من دون موجب.

ثمّ إنّ الظاهر هو من محکیّ المحقّق النائینی قدّس سرّه إنکار التّواتر الإجمالی بدعوی أنّا لو وضعنا الید علی کلّ واحد من تلک الأخبار نراه محتملا للصدق و الکذب فلا یکون هناک خبر مقطوع الصّدور.

و فیه أنّ مع تسلیم عدم ثبوت التّواتر المعنوی فلا وجه لإنکار التّواتر الإجمالی و ذلک لأنّ احتمال الصّدق و الکذب بالنّسبة إلی کلّ فرد لا ینافی حصول القطع بصدور الأخصّ مضمونا باعتبار المجموع أ لا تری أنّه إذا أخبر النّفرات الکثیرة بدخالة شیء فی صحّة معاملة أو عبادة أو بحدوث أمر مع الاختلاف فی النقل لم نعلم بخصوص کلّ واحد مع قطع النّظر عن أخبار الآخرین و لکن مع ملاحظة أخبار الآخرین نعلم بدخالة الأخصّ مضمونا کما لا یخفی فإنّه هو الذی أخبر عنه بخصوصه أو فی ضمن المطلق ففی المقام إذا فرضنا أنّ بعض الأخبار یدلّ علی اعتبار العدالة و بعضها الآخر یدلّ علی اعتبار الثّقة و ثالث یدلّ علی اعتبار کونه إمامیا و فی رابع یدلّ علی اعتبار کونه مأمونا حصل لنا القطع باعتبار الاخصّ مضمونا و هو خبر الثّقة العدل الإمامی المأمون بملاحظة مجموع الأخبار و إن لم نقطع باعتبار کلّ واحد واحد فلا مجال لإنکار التواتر الإجمالی و مقتضاه هو الالتزام بحجّیّة الأخصّ منها المشتمل علی جمیع الخصوصیّات المذکورة فی هذه الأخبار.

إلاّ أنّ الذی یقتضی الإنصاف هو عدم وجود خبر یدلّ علی اعتبار کون الرّاوی إمامیا و عدم وجود خبر یدل علی اعتبار العدالة لأنّ ما یستدل به لاعتبارها یکون موردا بالنّسبة إلی عموم التعلیل أو لا إطلاق له أو یکون مخصوصا بباب علاج الأخبار المتعارضة و أمّا اعتبار کونه مأمونا فهو ملازم مع کونه ثقة و علیه فلا معارض لإطلاق ما یدل علی اعتبار کون الرّاوی ثقة.

و الرّوایات الدالّة علی حجّیّة أخبار الثّقات کثیرة و دعوی تواترها بالتّواتر المعنوی لیست بمجازفة و ممّا ذکرنا یظهر ما فی المحکی عن الشهید الصدر من أنّ الرّوایات خمسة

ص:292

عشر روایة و هی عدد لا یبلغ حد التّواتر و لکن فی خصوص المقام هناک بعض القرائن الکیفیّة التی قد توجب حصول الاطمئنان الشخصی لصدور بعض هذه الرّوایات و إن فرض التشکیک فی ذلک و عدم حصول اطمئنان شخصی فیکفی الاطمئنان النّوعی بالنّسبة إلی بعض الرّوایات و هی صحیحة الحمیری و هی القدر المتیقّن من السّیرة العقلائیة و ذلک لأنّ الرّوایات لا تنحصر فی خمسة عشر روایة بل تزید علیها بکثرة و علیه فلا وجه لإنکار التواتر رأسا و الاعتماد علی الظنّ الشخصی الاطمئنانی لأنّ مجموع الأخبار یکون بحدّ یحصل القطع بأنّ الثقات حجّة بل التعلیلات الواردة فی الأخبار تشرح الأخبار الاخری الّتی لم تعلم منها أنّ المعیار هو العدالة أو الوثاقة کما لا یخفی.

التنبیهات
التنبیه الأول: ارجاع الأخبار الی الارشاد

إن ارجاع الأخبار الی الارشاد الی ما علیه بناء العقلاء و اعتبار الوثوق و الاطمئنان النوعی بمؤداه لا دلیل له؛إذ مجرد کون الشیء مما علیه بناء العقلاء لا یجوز ذلک ما دام یمکن أن یتعبد الشارع بما علیه البناء بالامضاء مع التوسعة أو التضییق،کما فی مثل المعاملات کقوله عزّ و جلّ أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ و قوله صلّی اللّه علیه و آله:«المؤمنون عند شروطهم»و قوله علیه السّلام:

الصلح جائز،و غیر ذلک؛فان هذه العبارات امضاءات لا ارشادات،و لذا یتمسک باطلاقها و لو لم یثبت اطلاق البناء.

و علیه فیجوز الاخذ بقول الثقات تعبدا و لو لم یحصل منه الاطمئنان النوعی.و یشهد لذلک وقوع التعبد فی المقام بالراجح من المتعارضین عند ترجیح أحدهما بالاوصاف أو موافقة الکتاب أو مخالفة العامة،مع أن المرجحات المذکورة لا توجب الاطمئنان النوعی بالمؤدی،و أیضا یشهد لذلک التعبد بالتخییر عند عدم وجود المرجحات مع أن البناء علی التساقط،و یعتضد ذلک أیضا بوقوع التعبد بالاخبار و لو مع کثرة الوسائط مع أنه لا یحصل

ص:293

الاطمئنان احیانا بسبب کثرة الوسائط و یعتضد ذلک أیضا بوقوع التعبد بتقدیم أخبار ثقات الشیعة علی اخبار ثقات العامة عند اختلافهما مع أنه لا فرق بینهما عند العقلاء،کل ذلک شاهد علی أن اعتبار الأخبار من باب الامضاءات لا الارشاد،و إلاّ فلا مجال لهذه التصرفات التعبدیة،کما لا یخفی.

و أیضا لو کانت حجیة الأخبار من باب بناء العقلاء فلا حاجة الی إتعاب النفس فی الاستدلال بالأخبار،بل یکفی فیها عدم الردع،کما هو الواضح.

ثم إنا لا نضایق من وجود بناء العقلاء علی الاعتماد علی أخبار الثقات،و لکن نقول لا وجه لحمل ادلة اعتبار الأخبار علی الارشاد،بل اعتبار الأخبار من باب التعبد،و المستفاد منها هو الاعم مما علیه بناء العقلاء،کما عرفت.

و مما ذکر یظهر أنه لا وجه لحمل سیرة المسلمین أیضا علی السیرة العقلائیة مع اختلافهما فی الموارد،و سیأتی توضیح ذلک إن شاء اللّه تعالی.

و لذا یشکل ما أفاده الشیخ قدّس سرّه من أن الانصاف أن الدال من الأخبار لم یدل إلاّ علی وجوب العمل بما یفید الوثوق و الاطمئنان بمؤداه،و هو الذی فسر به الصحیح فی مصطلح القدماء،و المعیار فیه أن یکون احتمال مخالفته للواقع بعیدا بحیث لا یعتنی به العقلاء، و لا یکون عندهم موجبا للتحیر و التردد. (1)

و ذلک لما عرفت من دلالة الأخبار علی لزوم العمل بقول الثقات تعبّدا من دون اعتبار حصول الوثوق النوعی و الاطمئنان بمؤداه.نعم یصح اعتبار الوثوق و الاطمئنان النوعی لو کانت الأخبار ارشادا الی بناء العقلاء،و لکن المفروض أنّ اعتبار الأخبار تعبد،و لیس بارشاد.نعم یصح اعتبار الوثوق النوعی و الاطمئنان بالمخبر؛لانّ الثقة لا معنی لها إلاّ ذلک، و أمّا الوثوق بمؤدی خبره فلا دلیل له بعد ما عرفت من أن اعتبار الاخبار من باب التعبد.

و لقد أفاد بعض الاعلام حیث قال:أن الاخبار تفید التعبد بلزوم العمل بقول العدول،

ص:294


1- 1) فرائد الاصول:ص 106.

و لکن یرد علیه انه لا وجه لتخصیص التعبد بقول العدول مع أن عنوان الثقة أعم منه،هذا مضافا الی أن لازمه هو القول بالانسداد؛فان کثیرا من الموارد لا تکون الروات عدولا،کما لا یخفی.فمع اختصاص التعبد بالعدول یحصل الانسداد،و هو کما تری.

فتحصّل:أن مفاد الاخبار هو اعتبار قول الثقة تعبدا لا الارشاد الی بناء العقلاء و اعتبار الوثوق النوعی بمؤدی الخبر،فلا تغفل.

التنبیه الثانی: مما استدل به الشیخ الأعظم قدّس سرّه لحجیة أخبار الثقات

أنّ مما استدل به الشیخ الأعظم قدّس سرّه لحجیة أخبار الثقات هو استقرار سیرة المسلمین طرّا علی استفادة الأحکام الشرعیة من أخبار الثقات المتوسطة بینهم و بین الامام علیه السّلام أو المجتهد، أ تری أنّ المقلدین یتوقفون فی العمل بما یخبرهم الثقة عن المجتهد أو الزوجة تتوقف فیما یحکیها زوجها عن المجتهد فی مسائل حیضها و ما یتعلق بها الی أنّ یعلموا من المجتهد تجویز العمل بالخبر الغیر العلمی،و هذا مما لا شک فیه.

و دعوی حصول القطع لهم فی جمیع الموارد بعیدة عن الانصاف.نعم المتیقن من ذلک حصول الاطمئنان بحیث لا یعتنی باحتمال الخلاف. (1)

اورد علیه اولا بأنّه مع اختلاف بعض العلماء فی المقام مثل السید و القاضی و ابن زهرة و الطبرسی و ابن ادریس فی جواز العمل بمطلق الخبر کیف یمکن دعوی قیام سیرة المسلمین علی ذلک؛فانهم و مقلدیهم یخالفون فی العمل،فلا یتحقق سیرة المسلمین طرا و إن لم یضر ذلک الاختلاف بقیام الاجماع الحدسی لامکان الحدس من اتفاق غیرهم.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:ما من سیرة إلاّ تخالفها جماعة،أ لا تری أن السیرة علی رجوع الجاهل الی العالم و مع ذلک خالف الأخباریون فی ذلک.و الملاک فی حجیة السیرة المتشرعیة هی الکشف عن رأی الشارع أیضا و هو حاصل و أن خالفها جماعة،فتأمل.

و ثانیا کما فی الکفایة بقوله:و لو سلّم اتفاقهم علی ذلک لم یحرز أنهم اتفقوا بما هم

ص:295


1- 1) فرائد الاصول:99-100.

مسلمون و متدینون بهذا الدین أو بما هم عقلاء و لو لم یلزموا بدین کما هم لا یزالون یعملون بها فی غیر الأمور الدینیة من الأمور العادیة. (1)

و لکن یمکن الجواب عنه بما عرفت من أنه لا موجب لارجاع سیرة المسلمین الی سیرة العقلاء بعد ما نری من الاختلاف بینهما فی جواز العمل و عدمه فی بعض الاحوال،کحال کثرة الوسائط أو حال التعارض و ترجیح أحدهما بالصفات أو بالمخالفة مع العامة أو بالموافقة مع الکتاب أو التخییر فیما اذا لم یکن مرجح؛فان الاختلاف المزبور شاهد علی أن سیرتهم ثابتة بما هم مسلمون لا بما هم عقلاء،فتدبّر.

و علیه فسیرة المسلمین کالأخبار فی افادة حجیة خبر الثقات مطلقا سواء حصل الاطمئنان النوعی أو لا.نعم لا یبعد تقییدها بما دلّت علیه أخبارنا من تقدیم الثقة الامامی علی الثقة العامی عند المخالفة.

نعم المستفاد من قول الشیخ قدّس سرّه:نعم المتعین من ذلک حصول الاطمئنان بحیث لا یعتنی باحتمال الخلاف هو اختصاص السیرة بمورد حصول الاطمئنان.

و قد عرفت امکان المنع عن ذلک؛لوجدان السیرة المتشرعة علی نقل الثقات و لو لم یحصل الاطمئنان النوعی؛إذ لا ملازمة بین کون الراوی ثقة و أمینا و صادقا و بین الوثوق بصدور ما أخبر به،لاحتمال الخطأ و الاشتباه،بل لاحتمال تعمد الکذب فیما اذا کان احراز وثاقة الراوی بقیام البینة أو الاکتفاء بحسن الحال.

قال الشهید الصدر قدّس سرّه:لا اشکال فی أنّ الروایات التی بأیدینا لیس رواتها کلهم من الاجلاّء الذین لا یحتمل فی حقهم تعمد الکذب،کیف و فی الرواة من ثبت کونه وضاعا و دجالا،کما شهد بذلک الائمة علیهم السّلام فی حق بعضهم،و شهد بذلک النقادون من علماء الرجال و کبار الطائفة،بل أن بعض الرواة أیضا کان یتّهم بعضهم بعضا و یکذبه،و بین القسمین طائفة منهم کانوا وسطا بین الطائفتین و هم اکثر الرواة حیث لا یعهد أنهم علی تلک المرتبة

ص:296


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 98.

العالیة من التقوی و الورع و الضبط و لکن لا یعرف فی حقهم الوضع و الدس و الکذب.

و لا اشکال أن روایات مثل هذه الطائفة لم یکن یحصل منها العلم أو الاطمئنان، و الفقهاء و أصحاب الأئمة علیهم السّلام کانوا یواجهون هذه الروایات فی أکثر المسائل الفقهیة؛لانّ الأحادیث هی أساس الفقه و عماده عند جمیع المذاهب الفقهیة الاسلامیة،فلا بد لهم من موقف تجاهها،و لا یحتمل أن یکون موقفهم تجاهها الرفض من دون استعلام حالها عن الامام علیه السّلام؛إذ کیف یمکن افتراض ذلک مع أن العمل بخبر الثقة إن لم یکن عقلائیا فلا أقل أنه لیس مرفوضا عقلائیا،فکیف یفرض عدم استعلام حال حجیته منهم مع کون الشبهة حکمیة بل ام الشبهات التی یقوم علیها عماد الفقه،کما لا یحتمل أنهم رفضوها بعد استعلام حالها عن المعصومین علیهم السّلام؛اذ کیف یمکن فرض ذلک مع عدم حصول روایة علی المنع،بل ما وصل إمّا دال علی الحجیة أو مناسب معها قابل للحمل علیها،بل أساسا احتمال رفض العمل بهذه الأخبار غیر وارد للقطع بعملهم بها...الی أن قال:فانّ ذلک یکشف عن السنة المتمثلة فی تقریر المعصوم لعمل أصحابه أو بیان موافق صادر منه الیهم.

و أما احتمال أنهم قد عملوا بها لحصول العلم أو الاطمئنان لهم فهو بعید،بل مما یقطع بعدمه. (1)

ثمّ إنّ نفس انعقاد سیرة المتشرعة کما أفاد الشهید الصدر قدّس سرّه دلیل قطعی علی عدم شمول عمومات النهی عن اتّباع الظن للعمل بخبر الثقة. (2)

التنبیه الثالث: لا یخفی وقوع التعبد بالخبر الواحد

أنه لا یخفی وقوع التعبد بالخبر الواحد بعد ما عرفت من الأخبار الکثیرة الدالة علی حجیة قول الثقات،و لکن ربما یمنع ذلک و یقال:أن وثاقة الشخص بمعنی تحرزه من الکذب تارة تحرز بالوجدان بواسطة المعاشرة أو بواسطة شهادة من یطمأن بشهادته و إصابتها

ص:297


1- 1) مباحث الحجج:ج 1 ص 396-397.
2- 2) مباحث الحجج:ج 1 ص 397.

للواقع،و اخری تثبت بواسطة حسن الظاهر الذی جعل طریقا للعدالة شرعا،و ثالثة تثبت بشهادة البینة العادلة التی یجوز فی حقها الاشتباه،و الصنف الأول یلازم الجزم بصدقه و تحقق المخبر به؛ لفرض أنه ممن یقطع بعدم کذبه،نعم قد یحتمل فی حقه الاشتباه المنفی بأصالة عدم الغفلة.

و أما الصنفان الآخران فهما ممن یجوز فی حقهما الکذب،إذ حسن الظاهر لا یلازم الوثاقة واقعا،و هکذا شهادة البینة بالنحو الذی عرفته،و علیه فالتعبد بالصدق و ایجاد التصدیق الذی هو واقع حجیة الخبر المبحوث انما یصح بالنسبة الی الصنفین الآخرین،لا بالنسبة الی الصنف الأول للاطمئنان بعدم کذبه کما هو الفرض،و علیه فلا معنی لحجیة خبر الثقة بالمعنی الأول.

و من الواضح أنّ موضوع الإرجاع فی روایاته من الصنف الأول،فانّ شهادة الامام علیه السّلام بالوثاقة لمن یرجع الیه تلازم القطع بوثاقته،لعدم جواز الاشتباه فی حقه علیه السّلام،فیکون من قبیل تحصیل الجزم بالوثاقة من المعاشرة،و فی مثل ذلک لا یتوقف قبول قوله علی التعبد،بل یجزم بصدقه بلا تردد،فالنصوص المزبورة لا تتکفل التعبد بخبر زرارة أو غیره،بل تتکفل الارشاد الی وثاقته،فیترتب علیها القبول عقلا للجزم بصدقه لا تعبدا.

فما نحتاج فیه الی التعبد بخبره لا تتکفله النصوص المزبورة،و هکذا الحال فی مثل«لا عذر لأحد...»؛لأنّ روایة الثقة مستلزمة للجزم،فلا یعذر تارک العمل بها عقلا،فهی لا تتکفل جعل الحجیة لخبر الثقة؛إذ لا معنی لذلک و لا محصل له،هذا. (1)

و یمکن أن یقال:أن اراد القائل بذلک أن النصوص منحصرة فی الصنف الأول من الارجاع الی ثقاتهم ففیه ما لا یخفی؛لما عرفت من دلالة النصوص علی تقریر العامة فی العمل بما روی الثقات عندهم عن علی علیه السّلام کخبر شبیب بن انس و داود بن فرقد،و أیضا عرفت دلالة النصوص علی اعتماد اصحابنا علی نقل الثقات،و لم ینهوا عنه.

و أیضا دل بعض الأخبار علی أن وجه النهی عن أخبار غیر ثقات العامة هو الخیانة، و مقتضی ذلک هو جواز النقل عنهم عند انتفاء الخیانة کما لا یخفی.

ص:298


1- 1) منتقی الاصول:ج 4 ص 295-296.

و أیضا دل ما رواه ابن الجهم علی أن خبر الثقة فی نفسه حجة،و انما السؤال عن حاله عند ابتلائه بالمعارض.

و أیضا دل خبر الکناسی علی جواز الاعتماد علی نقل من ضیّع کلام الامام بعدم العمل به اذا کان موثقا فی نقله،فراجع.

و أیضا دل موثق معاذ بن مسلم النحوی علی ترغیب معاذ فی نقل الأخبار عن الثقات للآخرین.

و الی غیر ذلک من الأخبار الدالة علی حجیة خبر الثقات و لو لم نعاشرهم و لم یثبت توثیقهم بسبب قول الامام علیه السّلام.

هذا مضافا الی أن بعض الارجاعات الی بعض ثقات الائمة معلّل بعنوان کلی،و من المعلوم أن هذا العنوان الکلی لیس مما أخبر عنه الامام بوثاقته حتی لا یتوقف قبوله علی التعبد لحصول الجزم به من دون تردد،فلا وجه لمنع التعبد و انکاره رأسا.

و أیضا إنّ الارجاعات الی الموثقین بتوثیق الامام لا تختص بمن سمع من الامام علیه السّلام توثیقه،بل الامر کذلک لمن سمع ممن سمع من الامام علیه السّلام،فبعد الواسطة ربما لا یحصل معه الجزم بوثاقة الواسطة،و مع عدم الجزم بوثاقته یمکن التعبد،کما لا یخفی.

التنبیه الرابع: الوثوق الفعلی بالصدور بمنزلة العلم بالصدور

أنّ الوثوق الفعلی بالصدور بمنزلة العلم بالصدور،فکما أن العلم حجة عقلا و لا یحتاج الی الامضاء،فکذلک ما یقوم مقامه من الوثوق الفعلی.

و لا ینافی الوثوق المذکور الآیات الناهیة عن العمل بالظن؛لخروج الوثوق المذکور عنها بالتخصص،فلا تشمله الآیات الناهیة.

و علیه فاذا وثقنا وثوقا فعلیا بصدور خبر و لو کان مرسلا أو مسندا بسند ضعیف مردود فالخبر حجة عقلا یصلح للاستناد الیه؛للوثوق و الاطمئنان الفعلی بصدوره، و لا یحتاج الی دلالة دلیل علی حجیته.

و لعل اعتماد الاصحاب علی ما روی بسند صحیح عن أصحاب الاجماع من هذا الباب؛

ص:299

لان ذلک یکشف عن احتفاف روایاتهم بقرائن توجب الوثوق الفعلی لهم بصدورها و أن وقعت فی طریقهم الی الامام علیه السّلام غیر الثقات أو المجاهیل أو کانت طرقهم الیه علیه السّلام هی المرسلات أو المرفوعات هذا بناء علی أن معنی اجمعت العصابة علی تصحیح ما یصح عنهم بمعنی تحقق الاجماع علی تصحیح المروی لا الراوی و إلاّ فیکون ذلک کاشفا عن احتفاف الراوی بامور توجب الوثوق الفعلی بوثاقته.

و ایضا یمکن أن یکون اعتماد الأصحاب علی المتون المنقولة فی کتب علی بن بابویه و هدایة الصدوق و نهایة الشیخ الطوسی و غیرهم أیضا من هذا الباب؛فانهم اطمأنوا بالاطمئنان الفعلی بصدورها بعمل أمثال هؤلاء بها،و حینئذ فان حصل لنا أیضا ذلک الاعتماد فهو حجة،و لعل اعتماد جلّ الاصحاب أو کلهم مع اختلاف مشاربهم و استعداداتهم حاک عن مقرونیة المتون أو المروی بالقرائن المحسوسة التی تصلح لایجاد الوثوق و الاطمئنان الفعلی لنا أیضا،و إلاّ لما اجمعوا علیه بل اختلفوا.

فلا مورد لما ربما یقال من أن اعتمادهم علی أصحاب الاجماع أو صاحب المتون لعله لا یوجب اعتمادنا علیهم.

لما عرفت من أن اعتماد الجل أو الکل یحکی عن المقرونیة بما یکون قریبا بالحس بحیث لو اطلعنا علیه لوثقنا به کما أنهم وثقوا بذلک،نعم لو لم یحصل لنا ذلک الاعتماد فاعتمادهم لیس حجة لنا.

التنبیه الخامس: لا یبعد دعوی أنّ الوثوق النوعی بالصدور مما یصلح للاحتجاج

فی أنه لا یبعد دعوی أنّ الوثوق النوعی بالصدور مما یصلح للاحتجاج عند العقلاء و إن لم یقرن بالوثوق الفعلی أو لم یکن الراوی ثقة؛و ذلک لأنّ الوثوق النوعی طریق عقلائی.و لذا یصح احتجاج الموالی علی عبیدهم بذلک.

و دعوی اختصاص الطریق العقلائی بخصوص نقل الثقات مندفعة بصحة الاحتجاج المذکور،کما لا یخفی.

ص:300

و لقد أفاد و أجاد شیخنا الاستاذ الاراکی قدّس سرّه حیث قال:لا شک فی استقرار طریقة العقلاء علی العمل بالخبر المفید للاطمئنان و لو لم یکن الناقل ثقة و لکن حصل الوثوق بالصدق من أجل امارة خارجیة و جرت عادتهم علی ذلک فی امورهم العادیة،و هذا ثابت فی غیر فرق المسلمین من أهل الملل،بل و من غیرهم ممن لا یتدین بدین کالدهری،فانه لو اطمأن الدهری بانّ سفر البحر و رکوب السفینة لا یوجب الغرق لنفسه و ماله و حصل له هذا الاطمئنان من أخبار المخبرین فهو یقدم علی هذا السفر مع أنه محتمل مع ذلک للغرق و لکن لا یعتنی به بل یعامل معاملة المعدوم.

و کذلک الحال فی معاملة العبید مع موالیهم،فلو حصل الاطمئنان للعبد بانّ مولاه أراد الرکوب و أراد رکوبه معه فی رکابه و حصل له ذلک بنقل ناقل مع وثوق الناقل أو ضمیمة أمارة خارجیة یرکب بمجرد ذلک و یذهب الی مقرّ المولی،بحیث لو لم یرکب و کان المولی مریدا واقعا لم یکن معذورا.و بالجملة فمجبولیة العقلاء و اقتضاء فطرتهم ذلک فی جمیع امورهم مما لا یقبل الانکار. (1)

لا یقال:أن الآیات الناهیة عن العمل بالظن تصلح للرادعیة عن الوثوق النوعی، و بالجملة فنحن و أن کنّا نسلّم جریان بناء العقلاء علی حجیة الاطمئنان النوعی من الخبر، إلاّ أن موضوع حجیة بناء العقلاء مقید بعدم ردع الشرع،فالادلة الناهیة عن العمل بغیر العلم الواردة من الشرع واردة علی بناء العقلاء لکونها ردعا،فلا یبقی معها موضوع الحجیة فی بناء العقلاء.

لأنّا نقول-کما أفاد شیخنا الاستاذ الاراکی قدّس سرّه-أن المرتکزات العرفیة تکون بحیث یغفل عن کون حجیتها مقیدة بعدم منع الشرع نوع النفوس،فالارتکاز مانع عن خطور خلافه فی ذهن النوع،فالعبد کما یعامل مع مولاه فی أحکامه و أوامره بالعمل فیها علی الاطمئنان الحاصل من قول القائل علی حسب فطرته کذلک هو باق علی مقتضی هذه

ص:301


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 616.

الفطرة لو صار عبدا لمولی آخر من دون أن یخطر بباله أن تکون طریقة هذا المولی فی امتثال أوامره غیر طریقة المولی السابق،فکذا الحال فی معاملة العبید مع الموالی الحقیقیة،یعنی لا یخطر ببال العامة أنه یرید منهم أمرا جدیدا و طریقة مخترعة غیر ما هم مجبولون علیه، فلا یرضی بالعمل بالاطمئنان من قول القائل،بل لا یرضی إلاّ بترتیب الأثر علی العلم.

و کذلک لا یخطر ببالهم أن حجیة هذا الارتکازی موقوف علی عدم منع المولی،فهم غافلون علی هذا التقیید صغری و کبری،فالحاصل عندهم هو الحجیة التنجیزیة الاطلاقیة، فلهذا لو ورد من الشارع النهی عن العمل بالظن ینصرف نظرهم الی غیر هذا الاطمئنان، فیقطعون أنه بمنزلة العلم و إن کان غیر علم.بل و یعمّمون الحکم المعلق علی العلم بالنسبة الی هذا الاطمئنان،مثل عدم نقض الیقین إلاّ بالیقین،فالنقض بهذا الاطمئنان یکون فی نظرهم نقضا بالیقین.

و بالجملة:لا یدخل فی ذهنهم من دلیل مثبت للحکم علی الظن هذا الفرد،و یدخل فی ذهنهم من الدلیل الدال علی الحکم فی العلم هذا الفرد؛و السبب لذلک هو الارتکاز و المجبولیة المانعة عن دخول مضاده فی أذهانهم...الی أن قال:هذا هو الحال فی عامة الناس المتصفین بالغفلة عن تصور خلاف مرتکزهم.

و أمّا الملتفتون و هم الشاذ القلیل من الناس فهذه الطریقة و إن کان لیست فی نفسها حجة لهم؛لاحتمالهم الخطأ فی حقهم لعدم کونهم معصومین،و لکن یثبت الحجیة عند تحقق الارتکاز عندهم أیضا بالبرهان.

و هو أن یقال:إنّه لو کان للشارع طریقة جدیدة غیر ما الناس مجبولون علیه و یکون خلافه مغفولا عندهم و النهی عن العمل بالظن علی وجه العموم منصرفا عندهم عما ارتکز حجیته عندهم أو مخصصا قطعیا بغیره لکان یجب علی الشارع التنصیص علی اظهار أنه مرید منهم خلاف هذا الطریق المعمول،کما هو المشاهد فی المرتکزات فی الجاهلیة التی خطّأها الشارع بالابلاغات الصریحة الاکیدة و الایعادات بأنواع العذاب؛فان صرف

ص:302

الاذهان عن ما ارتکز فیها لا یحصل بغیر هذا الوجه.و لا یمکن الاکتفاء فی تبلیغه بعموم و اطلاق،فیلزم علی تقدیر الاکتفاء فی بیانه بهما اغراء عامة الناس بالقبیح...الی أن قال:

فعدم الرادع فی مقام الاثبات یصیر دلیلا علی عدمه فی مقام الثبوت. (1)

و دعوی:أن المسلم هو حجیة خبر الثقة،و إلاّ فمجرد الوثوق بصدوره إذا کان الراوی غیر ثقة غیر معلوم الحجیة لو لم یکن معلوم العدم،أ تری أنّه إذا حصل الثقة بصدق الخبر من طریق الرؤیا مثلا فهذا الخبر حجة عند العقلاء کلاّ!و من الواضح أنّ موضوع الأخبار هو کون راوی الخبر ثقة،و جعله طریقا الی الثقة بالصدور لو کان فانما هو بالغاء الخصوصیة العقلائیة،و لا یوافق علیها العقلاء هنا،بل هم یرون خبر الثقة حجة. (2)

مندفعة:بما عرفت من وجود البناء علی حجیة الوثوق و الاطمئنان النوعی بالصدور من دون حاجة الی الغاء الخصوصیة فی الأخبار،و یشهد له صحة الاحتجاجات المذکورة.

و لا ملازمة بین وجود البناء علی حجیة الوثوق النوعی و الاطمئنان بالصدور فی المرتکزات العرفیة و بین حجیة الوثوق الحاصل بالرؤیا؛لأنّ الحجیة تابعة لوجود البناء،فاذا علمنا به فی المرتکزات دون الحاصل بالرؤیا اختصت الحجیة بالمرتکزات العرفیة دون الرؤیا،فلا تغفل.

ثم لا فرق فی حجیّة الوثوق النوعی بالصدور بین أسبابه من عمل المشهور و غیره؛فان المعیار هو المسبب،و هو الوثوق النوعی،فلا ضیر فی انّ الشهرة العملیة فی نفسها لیست بحجة؛فانها إذا أوجبت الوثوق النوعی بالصدور کان الوثوق النوعی حجة عقلائیة،فیؤخذ بالوثوق النوعی،لا بالشهرة العملیة،کما لا یخفی.

التنبیه السادس:

فی انجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور:

و لا یذهب علیک أن عمل الاصحاب بالخبر الضعیف یوجب الوثوق بالصدور،کما أن

ص:303


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 620-623.
2- 2) تسدید الاصول:ج 2 ص 98.

اعراضهم عن العمل بالخبر یکشف عن اختلاله بشرط أن لا یکون الاعراض اجتهادیا، و إلاّ فلا یکشف عن شیء،کما لا یخفی.

و لقد أفاد و أجاد المحقق النائینی قدّس سرّه فیما حکی عنه من أن الخبر الضعیف المنجبر بعمل المشهور حجة بمقتضی منطوق آیة النبأ؛إذ مفاده حجیة خبر الفاسق مع التبیّن،و عمل المشهور من التبین. (1)

و دعوی:أن الخبر الضعیف لا یکون حجة فی نفسه علی الفرض و کذلک عمل او فتوی المشهور غیر حجة علی الفرض أیضا،و انضمام غیر الحجة الی غیر الحجة لا یوجب الحجیة؛ فانّ انضمام العدم الی العدم لا ینتج إلاّ العدم.

و القول بانّ عمل المشهور بخبر ضعیف توثیق عملی للمخبر فیثبت به کونه ثقة فیدخل فی موضوع الحجیة،مدفوع بانّ العمل مجمل لا یعلم وجهه،فیحتمل أن یکون عملهم به لما ظهر لهم من صدق الخبر و مطابقته للواقع بحسب نظرهم و اجتهادهم لا لکون المخبر ثقة عندهم،فالعمل بخبر ضعیف لا یدل علی توثیق المخبر به،و لا سیما إذا لم یعملوا بخبر آخر من نفس هذا المخبر.هذا کله من حیث الکبری و أن عمل المشهور موجب لانجبار ضعف الخبر أم لا.

و أمّا الصغری-و هی استناد المشهور الی الخبر الضعیف فی مقام العمل و الفتوی- فاثباتها اشکل من اثبات الکبری؛لانّ مراد القائلین بالانجبار هو الانجبار بعمل قدماء الأصحاب باعتبار قرب عهدهم بزمان المعصوم،و القدماء لم یتعرضوا للاستدلال فی کتبهم لیعلم استنادهم الی الخبر الضعیف،و انّما المذکور فی کتبهم مجرد الفتوی،و المتعرض للاستدلال انّما هو الشیخ الطوسی رحمه اللّه فی المبسوط و تبعه من تأخّر عنه فی ذلک دون من تقدّمه من الأصحاب،فمن أین یستکشف عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعیف و استنادهم الیه؟!غایة الامر أنا نجد فتوی منهم مطابقة لخبر ضعیف،و مجرد المطابقة لا یدل

ص:304


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 201.

علی أنّهم استندوا فی هذه الفتوی الی هذا الخبر؛إذ یحتمل کون الدلیل عندهم غیره

فتحصّل:أن القول بانجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور غیر تام صغری و کبری. (1)

مندفعة:

أوّلا:بأنّ انضمام غیر الحجّة الی غیر الحجّة ربما یکون موجبا للحجیة،کما فی الخبر المتواتر،أ لا تری أنّ کل خبر لیس فی نفسه حجة و لکن مع التواتر یوجب الحجیة.و الوجه فی ذلک:أن کل خبر یفید احتمالا بالنسبة الی المخبر به،فاذا تراکمت الاحتمالات صارت ظنا، و مع تراکم الظنون صارت اطمئنانا و علما،و العلم حجة،و لا ینافی ذلک مع أن کل خبر لیس فی نفسه حجة.

و هکذا الأمر فی المقام،فالخبر الضعیف لا یکون حجة،و لکن مع اقترانه بمثل عمل الاصحاب یحصل الاطمئنان بالصدور؛إذ الأصحاب لم یعملوا بما لیس بحجة،فعملهم یکشف عن اقتران الخبر الضعیف بما یطمئن الانسان بصدوره،و علیه فالمناقشة فی الکبری لا مجال لها.

ثمّ دعوی أن عمل الاصحاب غیر محرز،لاحتمال أن یکون العمل عمل بعض الاعیان مع اتباع الآخرین مناقشة صغرویة،و البحث بعد احراز وجود عمل الاصحاب.

و هکذا احتمال کون عملهم اجتهادیا مناقشة صغرویة؛اذ البحث بعد احراز وجود عمل الأصحاب بالخبر مع اقترانه بأمور تکون قریبة من الحسّ بحیث لو اطلعنا علیه لوثقنا بالصدور کما وثقوا به.

و ثانیا:أنّ الکلام فی الموثوق بالصدور لا توثیق المخبر،فقوله:إنّ العمل بخبر ضعیف لا یدل علی توثیق المخبر به و لا سیما أنهم لم یعملوا بخبر آخر لنفس هذا المخبر،أجنبی عن محل الکلام.

و ثالثا:أنّ المتون المفتی بها فی عبارات القدماء کعلی بن بابویه و الصدوق فی الهدایة

ص:305


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 202.

و الشیخ الطوسی فی النهایة و غیرهم روایات و أخبار استندوا الیها فی الفتاوی،و یکفی فی الوثوق بصدورها عملهم بها،و الفتوی بها فلا وجه لما یقال من أنّ القدماء لم یتعرضوا للاستدلال بالروایات و الأخبار فی کتبهم لیعلم استنادهم الی الخبر الضعیف.

و رابعا:أنّ مطابقة فتوی القدماء للخبر الضعیف و أن لم تدل علی استنادهم فی هذه الفتوی الی خصوص هذا الخبر لاحتمال أن یکون الدلیل عندهم غیره،و لکن تصلح تلک المطابقة للوثوق بصدور مضمون الخبر؛لأنّ القدماء لم یفتوا من دون دلیل،فاذا اجمعوا علی الفتوی بشیء یکشف ذلک عن وجود دلیل تام الدلالة علی ذلک سواء کان هو الخبر الضعیف أو غیره مما یکون مطابقا له فی المضمون.و من المعلوم أنه کاف فی الوثوق بصدور مضمون الخبر و إن لم یعلم استنادهم بخصوص الخبر الضعیف.

فتحصل:أن القول بانجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور او فتاویهم تام کبری بل صغری فیما إذا أحرزنا عملهم بالخبر الضعیف أو فتاواهم بما یطابقه فی المضمون،فان الوثوق بالصدور حاصل فی الفرض المزبور فالاستناد الی الخبر عند الاحراز أو مطابقة فتاوی الاصحاب معه یکفیان فی جبر الخبر الضعیف،فلا تغفل.

ثمّ إنه اذا عرفت أنّ ضعف الخبر أو مضمونه یجبر بالاستناد أو المطابقة انقدح أن اعراض الأصحاب أو المشهور عن الخبر مع صحة السند و وضوح الدلالة یوجب وهن الخبر و إن کان فی أعلی الدرجة من السند و الدلالة،کما صرحوا بأنه کلما ازداد الخبر صحة ازداد ضعفا و وهنا.

و دعوی:أنّه لا وجه لرفع الید عن الخبر بمجرد اعراض المشهور عنه بعد کونه صحیحا أو موثقا و موردا لقیام السیرة و مشمولا لاطلاق الادلة اللفظیة.

نعم إذا تسالم جمیع الفقهاء علی حکم مخالف للخبر الصحیح أو الموثق فی نفسه یحصل لنا العلم أو الاطمئنان بانّ هذا الخبر لم یصدر من المعصوم علیه السّلام أو صدر عن تقیة فیسقط الخبر المذکور عن الحجیة لا محالة،و لکنه خارج عن محل الکلام.

ص:306

و أما اذا اختلف العلماء علی قولین و ذهب المشهور منهم الی ما یخالف الخبر الصحیح أو الموثق و اعرضوا عنه و اختار غیر المشهور منهم ما هو مطابق للخبر المذکور فلا دلیل لرفع الید عن الخبر الذی یکون حجة فی نفسه لمجرد اعراض المشهور عنه. (1)

مندفعة:بانّ الکلام فیما اذا اعرض المشهور عن العمل بالخبر مع وضوح صحته و تمامیّة دلالته من دون أن یکون الاعراض اجتهادیا.و من المعلوم أن مثله یوجب الوهن فی الخبر؛ فانّ الاعراض المذکور یکشف عن اختلال فی الروایة من ناحیة جهة الصدور و نحوها،و إلاّ فلا وجه لاعراضهم عنها مع صحة السند و تمامیة الدلالة،کما لا یخفی.نعم یصح أن یقال کثیرا ما لم نحرز الاعراض المذکور،و لکنّه مناقشة فی الصغری،کما لا یخفی.

التنبیه السابع: الأخبار المنقولة بالواسطة أو الوسائط کالأخبار المنقولة

أن الأخبار المنقولة بالواسطة أو الوسائط کالأخبار المنقولة بلا واسطة مشمولة لادلة الاعتبار من السیرة القطعیة المتشرعیة و بناء العقلاء و الأخبار المطلقة الدالة علی حجیة الخبر الواحد.

و تخصیص الادلة بالأخبار المنقولة بلا واسطة ینافیه السیرة القطعیة المتشرعیة و بناء العقلاء و اطلاق الأخبار.

و دعوی:أن الخبر مع الواسطة خبر عن الموضوع،و المشهور علی أنّ خبر الواحد لیس حجة فی الموضوعات بل لا بد فیها من قیام البیّنة،و لعل ذلک لاستنادهم الی خبر مسعدة بن صدقة الذی فیه:و الاشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة(بناء علی أن المراد من البیّنة هی البیّنة الاصطلاحیة).

و علیه فالخبر عن الخبر لا یکون حجة؛لانه خبر عن الموضوع لا الحکم الشرعی الکلی،و لیس فی هذه النصوص ما یدل علی حجیة الخبر عن الواسطة؛إذ کلها ظاهرة فی حجیة الخبر عن الحکم رأسا،کما لا یخفی.

ص:307


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 203.

و علیه فالخبر الواحد عن الواسطة لا یکون حجة بمقتضی التزام المشهور بعدم حجیة خبر الواحد عن الموضوع،و الأخبار التی بأیدینا کلها من هذا القبیل،فلا تنفع هذه النصوص فی اثبات حجیتها لو سلمت دلالتها علی الحجیة فی حد نفسها. (1)

مندفعة:

أوّلا:بأنّ مع الغمض عن ضعف سنده مورد خبر مسعدة بن صدقة هی الموضوعات الصرفة التی لا ارتباط لها مع الحکم بل هی مجرد الموضوع،و هذا بخلاف المقام فانّ الخبر عن الخبر ینتهی الی نقل الحکم،و علیه فلا یکون المقام مشمولا لخبر مسعدة بن صدقة،و لا أقل من الشک،و معه فلا یرفع الید عن عموم الادلة بما هو مشکوک فی مفهومه من جهة اختصاصه بمورده أو عدمه.

و ثانیا:بأنه لو سلمنا شمول خبر مسعدة بن صدقة للمقام فمقتضی أدلة اعتبار الخبر هو رفع الید عن خبر مسعدة بن صدقة؛لقوة ظهور ادلّة الاعتبار فی شمول الخبر مع الواسطة کقوله علیه السّلام:ائت أبان بن تغلب فانه قد سمع منی حدیثا کثیرا،فما رواه لک فاروه عنّی. (2)و من المعلوم أنّ الأمر بالروایة عن الروایة من دون شرط.هذا مضافا الی أن قوله علیه السّلام«فارده عنی»یدل علی الامر بالروایة عن الروایة و هی الروایة مع الواسطة کما لا یخفی.

و کقوله علیه السّلام:اصنع کذا فانی کذا أصنع فی موثقة معاذ بن مسلم النحوی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:بلغنی انک تقعد فی الجامع فتفتی الناس؟قلت:نعم و اردت أن أسألک عن ذلک قبل أن أخرج،انی اقعد فی المسجد فیجیء الرجل فیسألنی عن الشیء،فاذا عرفته بالخلاف لکم اخبرته بما یفعلون،و یجیء الرجل أعرفه بمودتکم و حبّکم فأخبره بما جاء عنکم،و یجیء الرجل لا أعرفه و لا أدری من هو فأقول جاء عن فلان کذا و جاء عن فلان کذا،فادخل قولکم فیما بین ذلک.فقال لی:اصنع کذا فانی کذا أصنع (3)؛لظهور قول السائل

ص:308


1- 1) منتقی الاصول:ج 4 ص 296-297.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی،ح 30.
3- 3) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی،ح 36.

(فأخبره بما جاء عنکم و جاء عن فلان کذا)فی الخبر مع الواسطة أیضا،و مع ذلک أمره بذلک بقوله أصنع کذا،و أیده بقوله(فانی کذا أصنع)فهو یدل علی حجیة الروایة مع الواسطة.

و کقول الامام الصادق علیه السّلام:اذا نزلت بکم حادثة لا تجدون حکمها فیما روی عنا فانظروا الی ما رووه عن علی علیه السّلام فاعملوا به. (1)و من المعلوم أنّ ما روته العامة عن مولانا علی علیه السّلام فی زمان الامام الصادق علیه السّلام لا یکون بدون وسائط.

و کقول مولانا صاحب الزمان علیه السّلام:و أما الحوادث الواقعة فارجعوا الی رواة حدیثنا فانهم حجتی علیکم و أنا حجة اللّه. (2)و من المعلوم أن روایة الحدیث عن الأئمة علیهم السّلام فی عصر الغیبة لا تکون إلاّ مع الوسائط.

و کقول الامام العسکری علیه السّلام بالنسبة الی کتب بنی فضال:خذوا بما رووا و ذروا ما رأوا، مع أنهم کانوا من الفطحیة الذین لم ینقلوا عن الامام الصادق أو من قبله من آبائه علیهم السّلام فی زمان الإمام العسکری علیه السّلام إلاّ مع الوسائط.

و کقول ابن أبی لیلی للامام الصادق علیه السّلام:اقضی بما بلغنی عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و عن علی و عن أبی بکر و عمر.فقال الصادق علیه السّلام:فبلغک عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله أن علیا أقضاکم؟قال:

نعم.قال:فکیف تقضی بغیر قضاء علی علیه السّلام؟و قد بلغک هذا،الحدیث. (3)و غیر خفی أن ما بلغه عن علی علیه السّلام فی عصر الامام الصادق علیه السّلام لم یکن من دون وسائط،و مع ذلک أمر الامام علیه السّلام بالقضاء علی طبقه.

و کقول الامام الصادق علیه السّلام لأبی حنیفة:یا أبا حنیفة اذا ورد علیک شیء لیس فی کتاب اللّه و لم تأت به الآثار و السنة کیف تصنع؟فقال:اصلحک اللّه أقیس و أعمل برأیی.فقال:یا أبا حنیفة إنّ أول من قاس ابلیس. (4)و المستفاد منه أن العمل بالآثار المرویة عن النبی صلّی اللّه علیه و آله

ص:309


1- 1) عدة الاصول:ص 379.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب صفات القاضی،ح 9.
3- 3) الوسائل:الباب 3 من أبواب صفات القاضی:ح 9.
4- 4) الوسائل:الباب 6 من أبواب صفات القاضی:ح 27.

فی عصر الامام الصادق علیه السّلام لم یکن موردا للنهی،مع أن الآثار المذکورة لم تکن من دون وسائط،الی غیر ذلک من الروایات.

و ثالثا:بقیام السیرة القطعیة من المتشرعة بل غیرهم علی عدم الفرق بین الروایة مع الواسطة و بدونها،و علیه فدعوی انصراف خبر مسعدة بن صدقة عن مثل المقام لیست بمجازفة.و المفروض أنّه لا دلیل عام أو مطلق یدل علی لزوم قیام البیّنة.نعم ورد فی موارد خاصة اعتبار قیام البیّنة،و لکن التعدی عنها الی مثل المقام مع احتمال الاختصاص بها غیر صحیح،فلا یرفع الید عن اعتبار الخبر و لو مع الواسطة،هذا کله تمام الکلام من جهة الاشکال الاثباتی.

و هنا اشکال ثبوتی بالنسبة الی الأخبار مع الواسطة لا بأس بالاشارة الیه،و هو أن معنی حجیة الخبر هو وجوب ترتیب الأثر الشرعی علی الخبر.

و علیه فالحکم بحجیة الخبر مع الواسطة یتوقف علی أمرین:أحدهما احراز نفس الخبر، و ثانیهما وجود أثر شرعی حتی یحکم بترتیبه علیه.و من المعلوم أن فی المقام لا احراز للواسطة و لا لاثرها إلاّ بنفس حجیة الخبر،و لازم ذلک هو تقدم المتأخر،مضافا الی لزوم اتحاد الحکم و الموضوع.

و توضیح ذلک:أن الاشکال الثبوتی فی المقام من نواح مختلفة:

الناحیة الاولی: أن فعلیة کل حکم متوقفة علی فعلیة موضوعه

أن فعلیة کل حکم متوقفة علی فعلیة موضوعه،فلا بد من احراز الموضوع لیحرز فعلیة الحکم،و فی المقام الخبر المحرز لنا بالوجدان هو خبر الکلینی رحمه اللّه،و مع الاحراز الوجدانی لذلک یحکم بحجیته بمقتضی أدلة حجیة الأخبار.

و أما خبر من یروی عنه الکلینی ممن کان متقدما علیه و خبر المتقدم علیه ممن تقدم علیه من الرواة الی أن ینتهی الی الامام المعصوم علیه السّلام فهو غیر محرز لنا بالوجدان و احرازه بنفس الحکم بحجیة خبر الکلینی،و الحکم علیه بنفس هذه الحجیة یستلزم أن یکون الخبر

ص:310

المحرز من ناحیة هذه الحجیة متقدما علی نفس هذه الحجیة مع أنه متأخّر عنها.فالحکم بالحجیة فی المقام مع هذه الخصوصیة یوجب أن یتقدم المتأخر،و هو محال.

و الجواب عنه:أن الاشکال ناش من توهم کون الحکم بالحجیة حکما شخصیا و القضیة قضیة خارجیة،و أما اذا کان الحکم بنحو القضیة الحقیقیة کما أفاد فی الکفایة و غیرها فلا یوجب الاشکال أصلا؛فانّ الحکم بحجیة خبر الکلینی یوجب احراز خبر من یروی عنه الکلینی،فبعد الاحراز یکون شمول القضیة الحقیقیة لفرد آخر منها،لا عین الفرد الثابت لخبر الکلینی.

قال السید المحقق الخوئی قدّس سرّه:لا محذور فی أن یکون ثبوت الحجیة لخبر الکلینی موجبا لاحراز خبر من یروی عنه الکلینی،فیترتب علیه فرد آخر من الحجیة،لا عین الحجیة الثابتة لخبر الکلینی التی بها احرز هذا الخبر،و هکذا الحال بالنسبة الی آخر سلسلة الرواة. (1)

الناحیة الثانیة: أن الحکم بوجوب ترتیب أثر شرعی علی المخبر به

أن الحکم بوجوب ترتیب أثر شرعی علی المخبر به و هو خبر من یروی عنه الکلینی بنفس الحکم فی خبر الکلینی بوجوب التصدیق یستلزم اتحاد الحکم و الموضوع؛لأنّ کلیهما أمر واحد.نعم لو أنشأ هذا الحکم ثانیا فلا بأس فی أن یکون بلحاظ نفس هذا الوجوب أیضا حیث إنّه صار أثرا بجعل آخر،فلا یلزم اتحاد الحکم و الموضوع،بخلاف ما اذا لم یکن هناک إلاّ جعل واحد.

و الجواب عنه واضح بعد ما عرفت من أن الحکم بالحجیة و وجوب ترتیب الأثر و تصدیق العادل لیس حکما شخصیا لموضوعات متعددة بنحو القضیة الخارجیة،بل هو الحکم بنحو القضیة الحقیقیة،و من المعلوم أن الحکم حینئذ متعدد بتعدد الافراد،و مع التعدد لا معنی للاتحاد؛إذ الحکم بوجوب ترتیب ما للمخبر به و هو خبر من یروی عنه الکلینی

ص:311


1- 1) مصباح الأصول:ج 2 ص 180.

لیس بنفس شخص الحکم فی دلیل حجیة خبر الکلینی بوجوب تصدیق خبر العدل حتی یلزم منه الاتحاد،بل یکون بفرد آخر من أفراد القضیة الحقیقیة.

و بالجملة:فکما أن تعدد الانشاء یکفی فی رفع الاشکال،فکذلک یرتفع الاشکال بالقضیة الحقیقیة التی تدل علی تعدد الحکم بتعدد الموضوع.أ لا تری أن القائل إذا قال کل خبر من صادق یشمل کل خبر صادر منه حتی هذا الخبر و هو کل خبر من صادق،و لیس ذلک إلاّ لکون القضیة حقیقیة،کما لا یخفی.

الناحیة الثالثة: أن التعبّد بحجیّة الخبر یتوقف علی أن یکون المخبر به بنفسه حکما شرعیا

أن التعبّد بحجیّة الخبر یتوقف علی أن یکون المخبر به بنفسه حکما شرعیا أو ذا أثر شرعی مع قطع النظر عن دلیل حجیة الخبر لیصح التعبّد بالخبر بلحاظه و وجه ذلک:أن التعبد بحجیة الخبر فیما لم یکن للمخبر به حکما شرعیا و لا ذا أثر شرعی لغو محض،و لا ارتباط له بالشرع و الشارع.و علیه فدلیل الحجیة لا یشمل الأخبار مع الواسطة؛لأنها لیست إلاّ الخبر عن الخبر،و هذا الاشکال جار فی أخبار جمیع سلسلة الرواة،إلاّ الخبر المنتهی الی قول المعصوم علیه السّلام.

و یمکن الجواب عنه کما أفاد فی الدرر بانّ جعل الحجیة و الطریقیة لیس معناه ترتیب الأثر علی الخبر تعبدا،بل مفاد الحکم هنا جعل الخبر من حیث إنه مفید للظن النوعی طریقا الی الواقع،فعلی هذا لو أخبر العادل بشیء یکون ملازما لشیء له أثر شرعا أما عادة أو عقلا أو بحسب العلم نأخذ به و نرتب علی لازم المخبر به الأثر الشرعی المترتب علیه.

و السرّ فی ذلک:أن الطریق الی احد المتلازمین طریق الی الآخر و إن لم یکن المخبر ملتفتا الی الملازمة،فحینئذ نقول:یکفی فی حجیة خبر العادل انتهاؤه الی أثر شرعی...الی أن قال:

کما أن الطریق الی الحکم الشرعی العملی طریق الیه و یشمله أدلة الحجیة،فکذلک الطریق الی طریق الحکم الشرعی أیضا طریق الیه فیشمله دلیل الحجیة،مضافا الی أن قضیة (صدق العادل)بعد القطع بعدم کون المراد منها التصدیق القلبی یجب أن یحمل علی ایجاب العمل فی الخارج،و لیس لقول المفید المخبر بقول الشیخ أثر عملی أصلا،بل الاثر العملی

ص:312

منحصر فیما ینتهی الیه هذه الأخبار،و هو قول الامام علیه السّلام یجب الصلاة مثلا،فیجب أن یکون قضیة صدق العادل عند تعلقها بقول الشیخ ناظرة الی ذلک الأثر،و هو لا یصح إلاّ بما ذکرناه. (1)

و بعبارة أخری:معنی الحجیة فی خبر العادل هو اعتبار الکشف الظنی النوعی الحاصل من قول العادل بقول المعصوم علیه السّلام سواء کان له واسطة أو لم یکن؛فان الکشف الظنی المذکور من لوازم المخبر به العادل،فمع اعتبار خبر العادل یکون لوازمه حجة أیضا کلوازم سائر الامارات.

و علیه فنفس خبر العادل کخبر الشیخ الطوسی عن خبر العادل کالشیخ المفید الی أن ینتهی الی المعصوم علیه السّلام یکون موجبا للکشف الظنی النوعی بقول المعصوم علیه السّلام،فیکون حجة،و لا حاجة فی ذلک الی شمول أدلة التعبد للوسائط حتی یقال لا أثر للوسائط.و علیه فمع عدم الحاجة الی شمول أدلة التعبد للوسائط لا یلزم محذور توهم تقدم الشیء المتأخّر أو اتحاد الموضوع و الحکم أیضا؛لانهما یلزمان علی تقدیر التسلیم لو احتیج الی التعبد بالوسائط،و المفروض هو عدم الحاجة الیه.

و دعوی منع حصول الظن بقول المعصوم من ناحیة خبر العادل عن العادل الی المعصوم، مندفعة بأنّ الحجیة المعتبرة هو الظن النوعی،و هو حاصل فی المقام بلا ریب و أن لم تکن تلک الوسائط ثابتة بالوجدان أو بالتعبد؛إذ قیام الخبر علی الخبر الی أن ینتهی الی الامام قیام الطریق علی الطریق،و هو استطراق ظنی نوعی من قول العادل الی قول الامام علیه السّلام،فیشمله الادلة الدالة علی حجیة الخبر من دون حاجة الی ترتب الآثار الشرعیة علی الوسائط.

ثم لا یخفی علیک أن المحقق الاصفهانی قرّر مقالة الدرر بقوله:و هو أن بین الخبر من حیث انّه مفید للظن نوعا و المخبر به ملازمة نوعیة واقعیة،و الطریق الی أحد المتلازمین طریق الی الآخر،فالخبر مع الواسطة کما أنه طریق الی الخبر بلا واسطة فکذلک طریق الی لازمه و هو

ص:313


1- 1) الدرر:ص 388-389.

الأثر الشرعی أو الموضوع المرتب علیه الأثر،فیکون حال الخبر مع الواسطة من حیث الکشف عن الحکم الشرعی الذی هو لازم واقعی نوعی للخبر بلا واسطة کالخبر بلا واسطة من حیث الکشف المزبور،و الشارع جعل هذه الملازمة النوعیة بمنزلة الملازمة القطعیة،لا أنه جعل أصل الملازمة لیکون دلیل التعبد مثبتا لهذه الملازمة،بل حال هذه الملازمة النوعیة حال الملازمة العقلیة و العادیة من حیث عدم النظر لدلیل التعبد إلیها،و انّما شأن دلیل التعبد تنزیل هذه الملازمة النوعیة منزلة القطعیة،و جعل الطریق الظنی الی الأثر الشرعی بمنزلة الطریق القطعی.

ثم أورد علیه بأنّ التلازم بین شیئین لا یکون إلاّ بعلیة و معلولیة أو المعلولیة لثالث.و من البدیهی أنّ الخبر لیس من مبادئ وجود المخبر به و لا المخبر به من مبادئ وجود الخبر و لا هما معلومان لعلة واحدة،بل لکل منهما علة مباینة لعلة الآخر،فلا ملازمة واقعیة بین الخبر و المخبر به.

ثم أجاب عنه بقوله:و التحقیق أنّ الخبر بما هو خبر لا یکون له کشف تصدیقی قطعی و لا ظنی عن ثبوت المخبر به بالذات...الی أن قال:فلا محالة إذا کان للخبر فی مورد کشف تصدیقی قطعی أو ظنی فمن أجل ثبوت الملازمة العقلیة أو العادیة هناک.

فنقول:إذا فرض فی المخبر عصمة أو ملکة رادعة فعلیة تکون تلک العصمة أو الملکة علة لعدم التعمد بالکذب،و ربما تکون فیه حالة مقتضیة لعدم تعمد الکذب مع قبول المانع.فاذا فرض عدم المانع وجد المعلول و إلاّ فاقتضاء،فالملازمة الفعلیة بین تلک الحالة مع فرض عدم المانع و بین عدم تعمّد الکذب موجودة و إلاّ فالملازمة الاقتضائیة ثابتة بینهما.

و علیه فالخبر الصادق الموجود بوجود علته و هی الارادة لأصل الخبر،و تلک الصفة المانعة عن الکذب لجهة صدقه تکشف من باب تضایف المضمون المطابق مع ما فی اعتقاد المخبر عن ثبوت المخبر به فی اعتقاد المخبر،و هذا هو الصدق المخبری،و بضمیمة عدم الخطأ الموجود بوجود علته ینکشف مطابقة معتقد المخبر لما فی متن الواقع و هو الصدق الخبری.

ص:314

و منه تعرف أنّ الملازمة فی مرتبة الکشف لاجل الملازمة الواقعیة الحقیقیة فی مرتبة المنکشف و أن الخبر بأیة ملاحظة یتصف بالکشف عن ثبوت المخبر به فی اعتقاد المخبر.

فاذا قطع بالخبر الصادق للقطع بوجود علته فلا محالة یقطع من باب التضایف بثبوت المخبر به فی اعتقاد المخبر.

و إذا ظنّ بوجود العلة للخبر الصادق سواء کانت العلة بجمیع أجزائها مظنونة أو ببعضها فلا محالة یظن بالمعلول،فیظن بثبوت الحکم فی اعتقاد المخبر.و علیه فاذا ظن من خبر محقق بصدور خبر متکفل للحکم مع احراز الحالة المقتضیة لعدم الکذب و ظن بعدم المانع فلا محالة یظن بثبوت الحکم فی اعتقاد المخبر.فهذا الخبر المحقق حیث إنه مفید للظن بثبوت الحکم لمکان الظن بعلّته یعمّه دلیل التعبّد من دون حاجة الی شموله للواسطة،فانه کنفس الواسطة مفید للظن بالحکم غایة الامر أن الحکم هناک مطابق للمدلول المطابقی و هنا مدلول التزامی.

هذه غایة التقریب للجواب المزبور،انتهی.

حاصله:أن الطریق الی الطریق الی الحکم کنفس الطریق الی الحکم فی کونه مشمولا لدلیل التعبد بعد وجود الملازمة،و علیه فخبر محمّد بن مسلم عن خبر زرارة عن قول الامام کنفس خبر زرارة فی کونه مشمولا لأدلّة التعبّد.

و لکن بعد اللتیا و التی أورد علیه بقوله بانّ لزوم قول الامام علیه السّلام لخبر زرارة عنه غیر مفروض فی خبر محمّد بن مسلم عن إخبار زرارة بقول الامام علیه السّلام؛إذ خبر زرارة غیر محقق وجدانا و هو واضح،و لا تعبدا؛اذ المفروض عدم ترتب وجوب التصدیق إلاّ علی الخبر بالالتزام عن قول الامام،و أصالة عدم الخطأ فی خبر زرارة فرع تحققه،ففی الحقیقة لیس خبر محمّد بن مسلم خبرا عن قول الامام علیه السّلام إلاّ علی تقدیر؛فانّه خبر عن لازم أمر غیر مفروض الثبوت لا وجدانا و لا تعبدا،و لا معنی لوجوب تصدیق الخبر تحقیقا عن لازم علی تقدیر. (1)

ص:315


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 82-83.

و فیه:أنّه أن أراد بقوله(أنّ لزوم قول الامام علیه السّلام لخبر زرارة عنه غیر مفروض فی خبر محمّد بن مسلم)أن خبر محمّد بن مسلم عن خبر زرارة عن الامام لا یکشف عن قول الامام من باب التضایف ففیه منع؛لما عرفت من وجود الکشف من باب التضایف فی اعتقاد المخبر عن خبر زرارة.فمع خبر محمّد بن مسلم عن خبر زرارة عن قول الامام یکشف فی اعتقاد المخبر عنه و هو محمّد بن مسلم عن وجود المخبر به و هو قول الامام و هذا الکشف فعلی و حاصل من خبر العادل و یشمله ادلة التعبد.و أن اراد بذلک أن نفس اللازم مترتب علی خبر زرارة و لیس هو مخبر به بنفسه فهو صحیح و لکن لا یضرّ ذلک بعد کون اللازم مکشوفا بنفس المخبر به و هو خبر زرارة و هذا الکشف فعلی و معه یشمله ادلة التعبد و مسألة ترتیب الاثر الشرعی لا تکون من مقوّمات معنی الحجیة و الطریقیة بل المعیار هو الکشف عما یکون له اثر شرعی و هو حاصل فی الخبر عن الخبر عن قول الامام،فتدبر.

و لقد أفاد و أجاد فی توضیح ذلک فی تسدید الاصول حیث قال:لیس فی باب الطرق عند العقلاء سوی الطریقیة بمعنی أن العقلاء کما یرون الشخص إذا قطع و علم بالواقع و اصلا الی الواقع فهکذا إذا قام عنده طریق معتبر یرونه و اصلا إلیه،و طریقیة الطریق و رسالته تنتهی و تختتم بمحض هذا الایصال،و مسألة ترتیب الأثر لیست من مقومات معنی الطریقیة،بل لما کان الشخص بعد اداء الطریق و رسالته مثل ما اذا حصل له علم قطعی بالواقع واصلا للواقع فلا محالة إذا کان للواقع أثر شرعی یرتّبه علیه و إذا کان ذو الطریق أیضا طریقا فبعد الوصول الیه یتطرق به أیضا الی ما یخبر به و یصل الی ما أخبر به و هکذا الی أن یصل الی الواقع الذی هو حکم اللّه أو موضوعه. (1)

و دعوی:أنّ الملازمة لیست عقلیة و لا عادیة،و الملازمة الشرعیة تحتاج الی الجعل، و لیس بین الادلة ما یتکفل ذلک. (2)

ص:316


1- 1) تسدید الاصول:ج 2 ص 85.
2- 2) تهذیب الأصول:ج 2 ص 125.

مندفعة:بما مر من أن الملازمة فی مرتبة الکشف لأجل الملازمة الواقعیة الحقیقیة فی مرتبة المنکشف،فمع القطع یحصل القطع بها،و مع الظن یحصل الظن بها،و الشارع امضاها کما اعتبرها العقلاء،فلا وجه لنفی الدلیل لذلک،فکما أن الکشف حاصل فی الخبر بلا واسطة فکذلک حاصل بالخبر مع الواسطة،و الکشف معتبر مطلقا.

لا یقال:أن خبر الشیخ لا عمل له و لا أثر عملی له و لیس جزء موضوع للعمل،نعم له أثر عملی بما هو موضوع من الموضوعات،و هو جواز انتساب الخبر الی المفید،و هو یتوقف علی تعدد المخبر کسائر الموضوعات،و أما وجوب صلاة الجمعة فلیس مفاد خبر الشیخ حتی یکون اقامة الصلاة ترتیبا عملیا له؛فانّ الشیخ لم یخبر عن وجوبها و إنّما أخبر عن إخبار المفید،و لأجل ذلک یدور صدق قوله أو کذبه مدار إخبار المفید له و عدم اخباره سواء کانت الصلاة واجبة أم لا. (1)

لأنا نقول:لا مجال لما ذکر بعد أن کان المفروض هو کون مفاد جعل الحجیة هو جعل الخبر من حیث إنه مفید للظن النوعی طریقا الی الواقع لا ترتیب الأثر تعبدا،و لم یدل دلیل من آیة أو روایة علی لزوم کون مؤدی الامارة حکما شرعیا أو ذا أثر شرعی.

و علیه فلا منافاة بین جعل الحجیة و الطریقیة و عدم کون خبر الشیخ لا عمل له و لا أثر عملی له و لیس جزء موضوع للعمل؛لکفایة الاستطراق فی جعل الحجیة و هو موجود،و لا دلیل علی اعتبار اثر عملی فی جعل الحجیة.نعم یعتبر عدم لغویة حجیة الاستطراق،و هو حاصل بسبب انتهاء ذلک الی الحکم الشرعی،کما لا یخفی.

التنبیه الثامن: یستدل علی حجیة الأخبار بالوجوه العقلیة

أنه ربما یستدل علی حجیة الأخبار بالوجوه العقلیة.

منها:ما اعتمد علیه الشیخ الأنصاری سابقا،و هو انا نعلم اجمالا بصدور أکثر الأخبار أو کثیر منها،و احتمال الجعل لا یکون فی جمیع الأخبار،و العلم بوجود الأخبار المکذوبة انّما

ص:317


1- 1) تهذیب الاصول:ج 2 ص 125.

ینافی دعوی القطع بصدور الکل أو دعوی الظن بصدور جمیعها،و لا ینافی ذلک دعوی العلم الاجمالی بصدور أکثر الأخبار أو کثیر منها خصوصا بعد تهذیب الأخبار،و علیه فدعوی العلم الاجمالی المذکور دعوی بدیهیة.فاذا ثبت العلم الاجمالی بوجود الاخبار الصادرة فیجب بحکم العقل الاحتیاط بالعمل بکل خبر مع عدم المعارض و العمل بمظنون الصدور أو مظنون المطابقة للواقع مع وجود المعارض. (1)

ثم عدل الشیخ عما اعتمد علیه سابقا و أجاب عن ذلک بوجوه:أحسنها أنّ مقتضی هذا الدلیل وجوب العمل بالخبر المقتضی للتکلیف؛لانه الذی یجب العمل به.و أمّا الأخبار الصادرة النافیة للتکلیف فلا یجب العمل بها. (2)نعم یجب الاذعان بمضمونها و إن لم تعرف بعینها.و کذلک لا یثبت به حجیة الأخبار علی وجه ینهض لصرف ظواهر الکتاب و السنة القطعیة.

و الحاصل:أن معنی حجیة الخبر کونه دلیلا متّبعا فی مخالفة الأصول العملیة و الاصول اللفظیة مطلقا،و هذا المعنی لا یثبت بالدلیل المذکور کما لا یثبت باکثر ما سیأتی من الوجوه العقلیة بل کلها،فانتظر. (3)

و لا یخفی علیک أن التحقیق کما ذهب الیه فی مصباح الاصول هو التفصیل فی الأصول اللفظیة بین ما اذا کان مفاد العام أو المطلق حکما الزامیا و مفاد الخبر غیر الزامی و بین عکسه،فان فی الأول یحکم بتعین العمل بالعام أو المطلق و عدم جواز العمل بالخاص؛إذ لا أثر للعلم الاجمالی فیما اذا لم یکن متعلقا بحکم الزامی،و علیه فیجب الأخذ بالعموم أو المطلق.

لا یقال:أن العلم الاجمالی بورود التخصیص فی بعض العمومات یوجب سقوط اصالة العموم أو الاطلاق عن الحجیة.

ص:318


1- 1) راجع فرائد الاصول:ص 102-103.
2- 2) و ذلک لعدم الاثر للعلم الاجمالی فیما اذا لم یتعلق بحکم الزامی،مع عدم وجوب العمل فی الأخبار النافیة کیف یمکن أن یقال بانّ الاحتیاط بالعمل بالأخبار واجب بحکم العقل.
3- 3) فرائد الاصول:ص 104.

لانا نقول:نعم،و لکن العلم الاجمالی بارادة العموم أو الاطلاق فی بعضها یقتضی وجوب الاحتیاط و العمل بجمیع العمومات و المطلقات الدالة علی التکالیف الالزامیة، و الخاص المذکور لا یکون حجة لیکون موجبا لانحلال العلم الاجمالی المذکور،ففی هذا الفرض تظهر الثمرة بین القول بحجیة الخبر فانه مقدم علی العام أو المطلق و بین القول بوجوب العمل به من باب الاحتیاط فانه غیر مقدم علیهما،بل یجب العمل بالعموم أو المطلق،کما لا یخفی.

و یلحق به فی ظهور الثمرة ما اذا کان مفاد کل من العام و الخاص حکما الزامیا بأن یکون مفاد العام وجوب اکرام العلماء و مفاد الخاص حرمة اکرام العالم الفاسق مثلا،فعلی القول بحجیة الاخبار لا اشکال فی تقدیم الخاص علی العمومات و تخصیصها به،و أما علی القول بوجوب العمل بالأخبار الدالة علی الخاص من باب الاحتیاط فلا یمکن الاحتیاط؛فان العلم الاجمالی بارادة العموم من بعض العمومات یقتضی الاحتیاط بالفعل و العلم الاجمالی بصدور جملة من المخصصات یقتضی الترک،فیکون المقام حینئذ نظیر دوران الامر بین المحذورین،و العقل حینئذ یحکم بالتخییر بین الفعل و الترک،فیتضح الفرق بین القول بحجیة الخبر و بین القول بوجوب العمل بالخبر من باب الاحتیاط.

و أما إذا کان مفاد العام أو المطلق حکما ترخیصیا و مفاد الخاص حکما الزامیا و هو عکس الاول فلا فرق بین القول بحجیّة الخبر و بین القول بوجوب العمل بالخبر من باب الاحتیاط؛و ذلک لتعین العمل بالخاص فی جمیع الاطراف و لو کان العمل به من باب الاحتیاط؛إذ العلم الاجمالی بصدور جملة من المخصصات المشتملة علی أحکام الزامیة یوجب سقوط الاصول اللفظیة عن الحجیة،کما هو الحال فی الاصول العملیة؛فانّ إجراءها فی جمیع الاطراف یستلزم المخالفة العملیة القطعیة و فی بعضها ترجیح بلا مرجح،فلا مجال للقول بانّ العموم أو الاطلاق حجة فی مدلوله و لا یرفع الید عنهما إلاّ بحجّة أقوی،و العلم الاجمالی بارادة العموم فی بعض الموارد مما لا اثر له؛اذ المفروض کون مفاد العموم حکما ترخیصیا،و قد تقدم أنه لا أثر للعلم الاجمالی فیما اذا لم یکن متعلقا بحکم الزامی.ففی هذا

ص:319

الفرض لا تظهر ثمرة بین القول بحجیة الخبر و القول بوجوب العمل به من باب الاحتیاط. (1)

و علیه فما ذکره الشیخ من عدم جواز مخالفة الاصول اللفظیة بالخبر بناء علی الدلیل المذکور صحیح بالنسبة الی غیر الصورة الاخیرة من الصورتین المتقدمتین،و أما بالنسبة الی الصورة الاخیرة فلا یصحّ؛لما عرفت من وجوب الاتباع عن الخبر الدال علی الحکم الالزامی و تقدیمه علی العام أو المطلق الدال علی الحکم الترخیصی،و لیس هذا إلاّ هو معنی الحجیة،و لا فرق فی هذه الصورة بین القول بلزوم العمل بالخبر بالدلیل النقلی و بین حجیته بالدلیل العقلی؛للزوم العمل به علی کلا التقدیرین فی الصورة الأخیرة.هذا کلّه هو حکم الخبر بناء علی لزوم العمل به بالدلیل العقلی فی قبال الاصول اللفظیة.

و أما حکم الخبر فی قبال الاصول العملیة بناء علی لزوم العمل بالخبر بالدلیل العقلی.

فیمکن أن یقال:إن کانت الأخبار نافیة و الاصول مثبتة فلا اشکال حینئذ فی تقدیم الاصول المثبتة؛لوجود موضوعها و هو الشک بعد عدم حجیة الخبر،هذا مضافا الی أنه لا یلزم عن جریان الاصول المثبتة مخالفة عملیة،و أما اذا قلنا بحجیة الاخبار فلا ریب فی أن مع الاخبار لا یبقی موضوع الاصول المذکورة،کما لا یخفی.

و إن کانت الأخبار مثبتة أیضا فی الفرض المذکور و کانا متوافقین فلا اشکال أیضا فی جریان الأصول المذکورة علی القول بوجوب الخبر من باب الاحتیاط؛لأنّ المانع من جریان الأصول أمران،و کلاهما مفقودان:أحدهما ارتفاع موضوع الأصل و هو الشک و هو مفقود لعدم العلم الوجدانی و لعدم حجیة الخبر علی الفرض،و ثانیهما لزوم المخالفة العملیة القطعیة و المفروض کون الاصول مثبتة للتکلیف کالأخبار،فلا یلزم من جریان الاصول المذکورة مخالفة عملیة،فلا مانع من جریانها،هذا بخلاف ما اذا قلنا بحجیة الخبر لارتفاع موضوع الاصول حینئذ،کما لا یخفی.

و أما إذا لم یکونا متوافقین کأن یکون مفاد الأخبار حرمة الجمعة أو وجوب الدعاء عند

ص:320


1- 1) راجع مصباح الاصول:ج 2 ص 210-213.

رؤیة الهلال و یکون مفاد الاصول هو العکس فمقتضی القاعدة هو التخییر؛لدوران الأمر بین المحذورین،لانّ مخالفة الاصول مخالفة للشمول القطعی لحدیث(لا تنقض)و طرح الاخبار یوجب مخالفة للعلم الإجمالی،و هذا بخلاف ما اذا قلنا بحجیة الخبر فانّ مع الخبر لا یبقی موضوع للاصول،کما لا یخفی.

و إن کانت الأخبار نافیة و الأصول نافیة فلا مانع من جریان الأصول أیضا؛لوجود موضوعها و عدم لزوم المخالفة العملیة بناء علی عدم حجیة الخبر،و إلاّ فلا یبقی موضوع للاصول المذکورة،کما لا یخفی.

و إن کانت الأخبار مثبتة و الاصول نافیة فلا مجال لجریان الاصول فیما اذا حصل من جریانها العلم القطعی بمخالفتها مع الواقع المعلوم بالعلم الإجمالی،بخلاف ما اذا لم یحصل العلم المذکور،فالمسألة مبنیة علی جریان الاصول فی بعض اطراف المعلوم بالاجمال و عدمه،هذا بخلاف ما اذا قلنا بحجیة الخبر فانّ مع الخبر لا یبقی موضوع للاصول مطلقا،کما لا یخفی.

فالثمرة بین حجیة الخبر و بین لزوم العمل بالخبر بالدلیل العقلی واضحة؛فإنّ مع حجیّة الخبر یقدم الخبر علی الأصل فی جمیع الصور.

و بما ذکرناه یظهر صحة ما أفاد الشیخ قدّس سرّه من أن معنی حجیة الخبر کونه دلیلا متبعا فی مخالفة الاصول العملیة،و هذا المعنی لا یثبت بالدلیل المذکور،فلا تغفل.

و منها:ما حکی عن صاحب الوافیة من انّا نقطع ببقاء التکلیف الی یوم القیامة سیما بالاصول الضروریة کالصلاة و الزکاة و الصوم و الحج و المتاجر و الأنکحة و نحوها مع انّ جلّ اجزائها و شرائطها و موانعها انما یثبت بالخبر الغیر القطعی بحیث نقطع بخروج حقایق هذه الامور عن کونها هذه الامور عند ترک العمل بالخبر الواحد.

و الجواب عنه هو الجواب عن الوجه الأول الذی اعتمد علیه الشیخ الأعظم سابقا،هذا مضافا الی أنّ اختصاص دائرة العلم الاجمالی بالأجزاء و الشرائط یوجب خروج الأخبار

ص:321

الدالة علی الواجبات أو المحرمات النفسیة و الأخبار الدالة علی الاستحباب و الکراهة و الاباحة عن الحجیة،مع أنّ المدعی هو حجیة جمیع الأخبار،و علیه فالدلیل أخص من المدعی.

التنبیه التاسع: أنّ الأدلة الشرعیة الدالة علی حجیة الخبر الواحد قاصرة الشمول بالنسبة الی الموضوعات

أنّ الأدلة الشرعیة الدالة علی حجیة الخبر الواحد قاصرة الشمول بالنسبة الی الموضوعات لاختصاصها بالأحکام و معالم الدین،نعم لا بأس بالتمسک ببناء العقلاء علی حجیة الخبر الواحد فی الموضوعات أیضا؛لعدم اختصاص البناء بموارد الأحکام، و المفروض هو عدم ثبوت ردع عن ذلک.

و یمکن أن یقال:یکفی فی الردع الأخبار الواردة فی اعتبار التعدد فی الموضوعات، و هی متعددة.

منها:خبر مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:سمعته یقول کل شیء هو لک حلال حتی تعلم أنه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک،و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته و هو سرقة و المملوک عندک لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبیع قهرا أو امرأة تحتک و هی اختک أو رضیعتک و الاشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البینة. (1)

أورد علیه:

أوّلا:بأنها ضعیفة السند؛لعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صدقة.

و ثانیا:بأنه لم یثبت حقیقة شرعیة للبینة فی المعنی المصطلح علیه عند الفقهاء،بل هی لغة تشمل مطلق الحجة و لو کانت خبر العدل الواحد.

و ثالثا:بأنّه لو سلمنا ارادة البینة المصطلحة فالحصر المستفاد منه إنّما هو بالاضافة الی مورده مما ثبتت الحلیة فیه بالامارة أو الاستصحاب،و أما غیره فالروایة أجنبیة عنه،و إلاّ لزم تخصیص الأکثر لثبوت الحرمة بالاستصحاب و الاقرار و حکم الحاکم. (2)

ص:322


1- 1) الوسائل:الباب 4 من أبواب ما یکتسب به ح 4.
2- 2) دروس فی فقه الشیعة:ج 1 ص 115.

و یمکن الجواب عن الاشکالات المذکورة علی خبر مسعدة بانّ اعتماد الصدوق علی کتاب مسعدة،مضافا الی ما ذهب الیه السید المحقق البروجردی رحمه اللّه علی المحکی من وحدته مع مسعدة بن زیاد یکفی فی وثاقة مسعدة،هذا مع وقوعه فی اسناد کامل الزیارات،فتأمّل.

ثم أن البینة الاصطلاحیة شائعة مع عصر الصادقین علیهما السّلام و حملها علی البینة اللغویة لا موجب له.

و أما تخصیص الروایة بموردها فلا وجه له؛لانّ العبرة بعموم الوارد لا بخصوصیة المورد.

و دعوی لزوم تخصیص الأکثر لو لم تخصص بموردها مندفعة بأنّ التخصیص العنوانی لا یستلزم ذلک،فافهم.

و علیه فالحصر فی الروایة حصر حقیقی لا اضافی،و هو یصلح لردع السیرة العقلائیة علی حجیة خبر الثقة فی الموضوعات،و لکن بعد فی النفس شیء من ناحیة ضعف السند و من جهة عدم تمامیة الدلالة.

و منها:الأخبار الواردة فی لزوم شهادة العدلین کخبر عبد اللّه بن سلیمان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی الجبن قال:کل شیء لک حلال حتی یجیئک شاهدان یشهدان أن فیه میتة. (1)

و مورده و إن کان المیتة،و لکن یمکن الغاء الخصوصیة،إلاّ أنّ الروایة ضعیفة بضعف بعض رواته.

و صحیحة منصور ابن حازم المرویة فی رؤیة الهلال:فان شهد عندک شاهدان مرضیان بأنّهما رأیاه فاقضه. (2)

و صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام:أن علیا علیه السّلام کان یقول:لا أجیز فی الهلال إلاّ شهادة رجلین عدلین. (3)

و صحیحة حماد بن عثمان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قال أمیر المؤمنین علیه السّلام:لا یجوز شهادة النساء فی الهلال،و لا یجوز إلاّ بشهادة رجلین عدلین. (4)

ص:323


1- 1) الوسائل:الباب 61 من أبواب الاطعمة المباحة ح 2.
2- 2) الوسائل:الباب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان:ح 4.
3- 3) الوسائل:الباب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان ح 1.
4- 4) الوسائل:الباب 11 من أبواب أحکام شهر رمضان.

و غیر ذلک من الأخبار ممّا دلّ علی لزوم شهادة عدلین فی ثبوت الهلال.و تقریب الاستدلال بها علی عدم کفایة قول الثقة أنها دلت علی اعتبار البینة،و لا خصوصیة لمورد الهلال،فمع دلالة تلک الأخبار لا مجال للأخذ ببناء العقلاء.

و یمکن الجواب عنه بأنّه:لا اشکال فی دلالتها علی لزوم شهادة عدلین فی ثبوت الهلال، و إنّما الکلام فی أن هذه الأخبار مختصة بموردها أو یعم غیرها،و الغاء الخصوصیة مشکل مع أنّ مورد هذه الروایات مما لا یحصل عادة الوثوق النوعی بشهادة واحد من الثقات أو العدول؛لعدم رؤیة الآخرین الذین فی صدد الرؤیة،فاعتبار شهادة العدلین فی مثل هذه الموارد لا ینافی وجود بناء العقلاء فی غیرها مما یحصل الوثوق النوعی بشهادة أحد من الثقات کإخبار الثقة بعزل الوکیل کما صرح بکفایته فی خبر هشام بن سالم (1)أو إخبار البائع الثقة باستبراء الامة کما فی خبر حفص بن البختری (2)أو إخبار الثقة بالوصیة کما فی خبر اسحاق بن عمار (3)أو إخبار الثقة بدخول الوقت کما فی خبر ذریح (4)و غیر ذلک من الموارد.

و منها:خبر علقمة قال:قال الصادق علیه السّلام:و قد قلت له:یا ابن رسول اللّه أخبرنی عمن تقبل شهادته و من لا تقبل.فقال:یا علقمة کل من کان علی فطرة الاسلام جازت شهادته.

قال:فقلت له:تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟فقال:یا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفین للذنوب لما قبلت إلاّ شهادة الانبیاء و الاوصیاء علیه السّلام؛لأنهم المعصومون دون سائر الخلائق.

فمن لم تره بعینک یرتکب ذنبا أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر، و شهادته مقبولة و إن کان فی نفسه مذنبا،و من اغتابه بما فیه فهو خارج من ولایة اللّه داخل فی ولایة الشیطان. (5)

ص:324


1- 1) الوسائل:الباب 2 من أبواب کتاب الوکالة:ح 1.
2- 2) الوسائل:کتاب التجارة الباب 11 من أبواب بیع الحیوان:ح 2.
3- 3) الوسائل:الباب 97 من أبواب الوصایا:ح 1.
4- 4) الوسائل:الباب 3 من أبواب الاذان و الاقامة:ح 1.
5- 5) الوسائل:الباب 40 من أبواب الشهادات:ح 13.

بدعوی أنّ قوله(أو لم یشهد علیه بذلک شاهدان)یدل علی أنّ الخبر الواحد عن الذنب لا یثبت شیئا،و لا یضر بذلک دلالة الروایة علی أنّ الاصل هو العدالة،مع أنّ مقتضی أکثر الاخبار عدم کفایة الأصل المذکور.

و اللازم هو حمل الروایة علی أنّ المرکوز فی ذهن السائل من العدالة هو ما لا یحتمل فی حقه ترک أوامر اللّه تعالی کما أفاد الفاضل الشعرانی أو حملها علی ما اذا کان له حسن الظاهر أو غیر ذلک.

لانّ المقصود من الاستدلال هو هذه الفقرة،و لکن الروایة ضعیفة لضعف طرقها.

و منها:موثقة السکونی عن جعفر عن أبیه علیهما السّلام:أنّ شهادة الأخ لاخیه تجوز إذا کان مرضیا و معه شاهد آخر. (1)

و لا یخفی علیک أن شهادة الأخ لأخیه لا تخلو عن مظنة الاتهام،و علیه فاعتبار التعدد فی مثله لا یکون دلیلا علی ردع بناء العقلاء علی خبر الثقة فی الموضوعات،هذا مضافا الی أنّ اعتبار التعدد فی مقام القضاء لا ینافی اعتبار خبر الثقة فی سائر الموارد.

و منها:موثقة طلحة بن زید عن أبی عبد اللّه عن أبیه عن علی علیهم السّلام:أنّه کان لا یجیز شهادة رجل علی رجل إلاّ شهادة رجلین علی رجل (2)،و هو صریح فی عدم کفایة شهادة رجل واحد.

و لکن یمکن أن یقال:أن المقصود من الروایة بقرینة روایة طلحة بن زید عن أبی عبد اللّه علیه السّلام عن أبیه عن علی علیه السّلام:أنّه کان لا یجیز شهادة علی شهادة فی حدّ (3)هو الشهادة علی الشهادة،و لو سلم أن المراد هو الشهادة علی شیء فهو مختص بباب القضاء،و لا یشمل غیره.

و الحاصل:أن الروایات المذکورة محمولة علی موارد خاصة کمورد القضاء أو مورد

ص:325


1- 1) الوسائل:الباب 40 من أبواب الشهادات:ح 19.
2- 2) الوسائل:الباب 44 من أبواب الشهادات:ح 2.
3- 3) الوسائل:الباب 45 من تلک الأبواب:ح 1.

الشهادة علی الشهادة أو مورد لا یحصل الوثوق النوعی بخبره حتی عند عرف العقلاء.

و بعد حمل هذه الروایات علی تلک الموارد فلا وجه لرفع الید عن بناء العقلاء فی موارد ثبوته؛لوجود البناء و عدم ثبوت الردع و إن کان مقتضی الاحتیاط هو مراعاة التعدد،کما لا یخفی.

التنبیه العاشر: أن حجیة الظن الخاص اما تکون بمعنی جعل غیر العلم علما بالتعبد

أن حجیة الظن الخاص اما تکون بمعنی جعل غیر العلم علما بالتعبد فمع هذا التعبد یجوز الاخبار عن الشیء و لو لم یحصل العلم الوجدانی به و یترتب علی المخبر به آثاره الواقعی لقیام الحجة علیه و حینئذ تشمل حجیة الخبر جمیع الامور التکوینیة و التاریخیة کما سیأتی أن شاء اللّه تعالی فی التنبیه الثانی من تنبیهات الانسداد.و اما تکون الحجیة بمعنی کون الظنّ منجّزا و معذّرا،فیختصّ حجّیة الظنّ الخاص بما اذا کان مؤدی الخبر اثرا شرعیا فلا تعمّ الامور التکوینیة و التاریخیة اذ لا مورد للمعذریة و المنجزیّة بالنسبة الیها و جواز الاخبار عن تلک الاشیاء متفرع علی العلم بها و المفروض عدم حصول العلم بها و لا یجوز الاخبار التی بما فی الروایة من الثواب و العقاب بل اللازم ان یقال عند الأخبار بهما روی انّه من صام فی رجب کان له کذا.

و لذا قال السید المحقق الخوئی قدّس سرّه لا یجوز علی مبنی من ذهب الی أن الحجیة بمعنی جعل المنجز او المعذر الإخبار البتّی بما فی الروایات من الثواب علی المستحبات او الواجبات بل لا بد من نصب قرینة دالة علی انه مروی عن الائمة علیهم السّلام بان یقال روی انّه من صام فی رجب کان له کذا،راجع التنبیه الثانی من تنبیهات الانسداد.

و مما ذکرنا یظهر حکم ما اذا قلنا بان حجیة الظن الخاص تکون بمعنی جعل المماثل اذ لا یصلح ذلک إلاّ فی دائرة الاحکام الشرعیة،فلا تعمّ غیرها اذ لا حکم شرعی فیه حتی یجعل مماثله عند الاخبار به فتدبر جیدا.

ص:326

الخلاصة

التنبیهات

التّنبیه الأوّل:

أنّ اعتبار الأخبار من باب التعبّد لا الإرشاد إلی بناء العقلاء و اعتبار الوثوق و الاطمئنان النّوعی بمؤدّاه و لذا یجوز الأخذ بإطلاق الأخبار و لو لم یثبت إطلاق البناء.

و الشاهد لذلک وقوع التعبّد بالرّاجح من المتعارضین عند ترجیح أحدهما بإحدی المرجّحات مع أنّ المرجّحات المذکورة فی الأخبار لا توجب الاطمئنان النوعی بالمؤدّی أو وقوع التعبّد بالتخییر عند عدم وجود المرجّحات مع أنّ البناء حینئذ علی التساقط.

و هکذا یعتضد ذلک أیضا بوقوع التعبّد بالأخبار و لو مع کثرة الوسائط مع أنّه لا یحصل الاطمئنان أحیانا بسبب کثرة الوسائط أو بوقوع التعبّد بتقدیم أخبار ثقات الشّیعة علی أخبار ثقات العامّة عند اختلافهما مع أنّه لا فرق بینهما عند العقلاء کما لا یخفی.

کلّ ذلک شاهد علی أنّ اعتبار الأخبار من باب الإمضاءات التعبّدیّة لا الإرشاد المحض إلی بناء العقلاء.

إنّا لا نقول لا بناء من العقلاء علی اعتبار أخبار الثّقات بل نقول لا وجه لحمل أدلة اعتبار الأخبار علی الإرشاد بل هی تفید التعبّد بالأخبار و المستفاد منها هو الأعم ممّا علیه بناء العقلاء و ممّا ذکر ینقدح أنّه لا وجه لحمل سیرة المسلمین أیضا علی السّیرة العقلائیّة.

التّنبیه الثّانی:

أنّ ممّا استدلّ به لحجّیّة أخبار الثّقات هو استقرار سیرة المسلمین علی استفادة الأحکام الشّرعیّة من أخبار الثّقات المتوسّطة بینهم و بین المعصوم علیه السّلام أو المجتهد و لا یعتنون باحتمال الخلاف.

اورد علیه أوّلا:بأنّه کیف یجتمع استقرار السّیرة المذکورة مع اختلاف جماعة من العلماء مثل السیّد و القاضی و ابن زهرة و الطّبرسی و ابن إدریس فی جواز العمل بمطلق الخبر فإنّ هؤلاء العلماء و مقلّدیهم یخالفون فی العمل و مع مخالفتهم لا مجال لدعوی قیام سیرة المسلمین علی العمل بالخبر الواحد.

ص:327

اللّهمّ إلاّ أن یقال:ما من سیرة إلاّ تخالفها جماعة أ لا تری أنّ السّیرة علی رجوع الجاهل إلی العالم و من ذلک خالف فیه الأخباریّون فالملاک فی تحقّق السّیرة هو قیام غالب النّاس بحیث یکشف عن رأی الشّارع و هو حاصل و إن خالفها جماعة فتدبّر.

و ثانیا:بأنّه لو سلّم اتّفاقهم علی ذلک لم یحرز أنّهم اتّفقوا بما هم مسلمون أو بما هم عقلاء و لو لم یلتزموا بدین.

و یمکن الجواب عنه بأنّه لا موجب لإرجاع سیرة المسلمین إلی سیرة العقلاء بعد ما نری من الاختلاف بینهما فی جواز العمل و عدمه فی بعض الأحوال کحال کثرة الوسائط أو حال التعارض و ترجیح أحدهما بالصّفات أو بالمخالفة مع العامّة أو بالموافقة مع الکتاب أو التخییر عند عدم المرجّحات فإنّ الاختلاف المزبور یشهد علی أنّ سیرتهم ثابتة بما هم مسلمون لا بما هم عقلاء فتدبّر جیّدا.

و علیه فسیرة المسلمین کالأخبار فی إفادة حجّیّة خبر الثقات مطلقا سواء حصل الاطمئنان النوعی أو لا.

نعم لا یبعد تقییدها بما دلّت علیه أخبارنا من تقدیم الثّقة الإمامی علی الثّقة العامی عند المخالفة.

و دعوی اختصاص السّیرة المذکورة بما إذا حصل الاطمئنان بحیث لا یعتنی باحتمال الخلاف ممنوعة لوجدان السّیرة المتشرّعة علی نقل الثّقات و لو لم یحصل الاطمئنان النّوعی إذ لا دلالة بین کون الرّاوی ثقة و أمینا و بین الوثوق بصدور ما أخبر به لاحتمال الخطأ و الاشتباه و تعمّد الکذب فیما إذا أحرز الوثاقة بقیام البیّنة أو بحسن الحال.

نعم یمکن الدعوی المذکورة فی سیرة العقلاء فإنّها کما أفاد سیّدنا الاستاذ استقرّت علی العمل بخبر الثّقة من جهة الوثوق به حیث بنقل الثّقة أو العادل تحصیل الوثوق غالب من قوله حیث لا یحتمل عرفا تعمّده للکذب فی شخص هذا الخبر ففی الحقیقة العمل یکون علی طبق الوثوق و الاطمئنان.

ص:328

التّنبیه الثّالث:

أنّه لا یخفی علیک وقوع التعبّد بالخبر الواحد الثّقة بعد ما عرفت من الأخبار الکثیرة الدالّة علی حجّیّة قول الثّقات.

و دعوی أنّ التعبّد فی خبر الثّقة لا مجال له لأنّ وثاقة الشخص إمّا تحصل بالجزم بها من طریق المعاشرة أو بشهادة الإمام علیه السّلام بالوثاقة الموجبة للجزم به لعدم احتمال الخطأ فیها و فی مثلها لا یتوقّف قبول قول الثّقة علی التعبّد للجزم بصدقه بلا تردّد و حیث إنّ الإرجاعات الواردة فی الأخبار من هذا القبیل فلا یستفاد منها التعبّد بل تتکفّل الإرشاد إلی وثاقته فیترتّب علیها القبول عقلا للجزم بصدقه لا تعبّدا فما نحتاج إلی التعبّد.

مندفعة بأنّ النصوص لا تنحصر فی النّصوص التی هی إرجاعات المعصوم علیه السّلام و قد عرفت النصوص الدالّة علی تقریر العامّة علی العمل بما روی الثّقات عندهم عن علی علیه السّلام.

کخبر شبیب بن أنس و داود بن فرقد و أیضا عرفت النّصوص الدالّة علی اعتماد أصحابنا علی نقل الثّقات و لم ینهوا عنه و النّصوص الدالّة علی التوجّه النهی عن أخبار غیر ثقات العامّة هو الخیانة و مقتضاها هو جواز النقل عنهم عند انتفاء الخیانة.

و الأخبار الدالّة علی مفروغیة کون خبر الثّقة فی نفسه حجّة و إنّما السؤال عن حاله عند ابتلائه بالمعارض و إلی غیر ذلک من الرّوایات الدالّة علی حجّیّة خبر الثقات و لو لم نعاشرهم و لم یثبت توثیقهم بسبب قول الإمام المعصوم علیه السّلام هذا مضافا إلی أنّ بعض الإرجاعات معلّل بعنوان الکلّی من الثّقة المأمون و من المعلوم أنّ هذا العنوان الکلّی لیس ممّا أخبر عنه الإمام علیه السّلام بوثاقته حتّی لا یتوقّف قبوله علی التعبّد لحصول الجزم به.

و أیضا أنّ الإرجاعات إلی الموثّقین بتوثیق الإمام لا یخصّص بمن سمع من الإمام علیه السّلام توثیقه بل الأمر کذلک لمن سمع من الواسطة و من المعلوم أن بعد وجود الواسطة قد لا یحصل القطع و الجزم بوثاقة الواسطة و مع عدم الجزم بها یمکن التعبّد.

و بالجملة لا مجال لإنکار التعبّد رأسا و جعل الأخبار إرشادا کما لا یخفی.

ص:329

التّنبیه الرّابع:

أمّا الوثوق الفعلی بالصدور بمنزلة العلم بالصدور فکما أنّ العلم حجّة عقلا و لا یحتاج إلی الإمضاء فکذلک ما یقوم مقامه من الوثوق الفعلی ثمّ إنّ العلم و الوثوق الفعلی لا یکون مشمولا للآیات النّاهیة عن العمل بالظنّ لخروج العلم أو الوثوق الفعلی عنها بالتخصّص.

و علیه فإذا وثقنا وثوقا فعلیّا بصدور خبر و لو کان مرسلا أو مسندا بسند ضعیف فالخبر حجّة عقلا و یصلح للاستشهاد إلیه للوثوق الفعلی.

و لعلّ من هذا الباب اعتماد الأصحاب علی ما روی بسند صحیح عن أصحاب الإجماع لأنّ ذلک یکشف عن احتفاف روایاتهم بقرائن توجب الوثوق الفعلی لهم بصدورها و إن وقع فی الطریق غیر الثّقات أو کان الطّریق مرسلا أو مرفوعا.

هذا بناء علی أنّ معنی اجتمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنهم بمعنی تحقّق الإجماع علی تصحیح المروی لا الرّاوی و حینئذ یکون الإجماع کاشفا عن احتفاف الرّاوی بامور توجب الوثوق الفعلی بوثاقته.

و أیضا یمکن أن یکون من هذا الباب اعتماد الأصحاب علی المتون المنقولة فی کتب علی بن بابویه و هدایة الصّدوق و نهایة الشّیخ و غیرهم فإنّهم اطمأنوا بالاطمئنان الفعلی بصدورها بسبب عمل الأصحاب بها و حینئذ إن حصل لنا ذلک الاعتماد الفعلی فهو حجّة و لعلّ اعتماد جلّ الأصحاب أو کلّهم مع اختلاف مشاربهم و استعداداتهم حاک عن مقرونیة المتون أو المروی بالقرائن المحسوسة التی تصلح لإیجاد الوثوق و الاطمئنان الفعلی لنا أیضا و إلاّ لما أجمعوا علیه مع اختلاف مبانیهم.

التّنبیه الخامس:

أنّه لا یبعد دعوی أنّ الوثوق النوعی بالصّدور ممّا یصلح للاحتجاج عند العقلاء و إن لم یقرن بالوثوق الفعلی أو لم یکن الرّاوی ثقة و ذلک لأنّ الوثوق النوعی طریق عقلائی و لذا یصحّ احتجاج الموالی علی عبیدهم بذلک و دعوی اختصاص الطریق العقلائی بخصوص

ص:330

نقل الثّقات مندفعة لصحیحة الاحتجاج المذکور أ لا تری أنّ الإنسان إذا اطمأن بأنّ سفر البحر و رکوب السّفینة لا یوجب الغرق لنفسه و ماله و حصل له هذا الاطمئنان من أخبار المخبرین یقدم علی هذا السفر مع انّه محتمل مع ذلک للغرق و لکن یعامل معه معاملة المعدوم.

و هذا مرتکز فی نفوسهم و الارتکاز یمنع عن خطور خلافه فی ذهن نوع الأفراد و مع عدم خطور خلافه فی الذهن لا یخطر ببالهم أنّ حجّیّة هذا الأمر الارتکازی موقوف علی عدم منع المولی بل الاطمئنان المذکور حجّة فعلیّة تنجیزیّة فلذا لو ورد من الشّارع النهی عن العمل بالظنّ ینصرف عندهم إلی غیر الاطمئنان النوعی و یعاملون مع الاطمئنان المذکور معاملة العلم و إن کان غیر علم.

و لو کان للشارع طریقة اخری لزم علیه أن یبیّنها و یظهرها بالتّصریح و التّنصیص و حیث لم یرد شیء فی ذلک یکشف أنّ الشّارع اکتفی بطریقة معمولة عند النّاس.

و دعوی أنّ المسلم هو حجّیّة خبر الثّقة و إلاّ فمجرّد الوثوق بصدوره إذا کان الرّاوی غیر ثقة غیر معلوم الحجّیّة لو لم یکن معلوم العدم أ تری أنّه إذا حصل الثّقة بصدق الخبر من طریق الرّؤیا مثلا فهذا الخبر حجّة عند العقلاء کلاّ و من الواضح أنّ موضوع الأخبار هو کون راوی الخبر ثقة و جعله طریقا إلی الثّقة بالصّدور لو کان فإنّما هو بإلغاء الخصوصیّة العقلائیّة و لا یوافق علیها العقلاء هنا بل هم یرون خبر الثّقة حجّة.

مندفعة بما عرفت من وجود البناء علی حجّیّة الوثوق و الاطمئنان النّوعی بالصّدور من دون حاجة إلی إلغاء الخصوصیّة و الشّاهد علیه صحّة الاحتجاج المذکور و لا ملازمة بین وجود البناء علی حجّیّة الوثوق النّوعی و الاطمئنان بالصدور فی المرتکزات العرفیّة و بین حجّیّة الوثوق الحاصل بالرؤیا لأنّ الحجّیّة تابعة لوجود البناء فإذا علمنا به فی المرتکزات دون الحاصل بالرؤیا اختصّت الحجّیّة بالمرتکزات العرفیّة کما لا یخفی.

التّنبیه السّادس:

فی انجبار الخبر الضّعیف بعمل المشهور و لا یذهب علیک أنّ عمل الأصحاب بالخبر

ص:331

الضعیف یوجب الوثوق بالصّدور کما أنّ إعراضهم عن العمل بالخبر و لو کان صحیحا یکشف عن اختلاله بشرط أن لا یکون الإعراض اجتهادیا و إلاّ فلا یکشف عن شیء کما لا یخفی.

و دعوی أنّ الخبر الضّعیف لا یکون حجّة فی نفسه علی الفرض و کذلک فتوی المشهور أو عملهم غیر حجّة علی الفرض و انضمام غیر الحجّة إلی غیر الحجّة لا یوجب الحجّیّة فإنّ انضمام العدم إلی العدم لا ینتج إلاّ العدم.

و عمل المشهور لیس توثیقا عملیّا للمخبر حتّی یثبت بذلک کونه من الثّقات فیدخل فی موضوع الحجّیّة لأنّ العمل مجمل لا یعلم وجهه فیحتمل أن یکون عملهم به کما ظهر لهم من صدق الخبر و مطابقته للواقع بحسب نظرهم و اجتهادهم لا لکون المخبر ثقة عندهم هذا بالنّسبة إلی الکبری.

و أمّا الصّغری و هی استناد المشهور إلی الخبر الضعیف فی مقام العمل و الفتوی فإثباتها أشکل من إثبات الکبری لأنّ القدماء لم یتعرّضوا للاستدلال فی کتبهم لیعلم استنادهم إلی الخبر الضّعیف فمن أین یستکشف عمل القدماء بخبر ضعیف و استنادهم غایة الأمر أنّا نجد فتوی منهم مطابقة لخبر ضعیف و مجرّد المطابقة لا یدلّ علی أنّهم استندوا فی هذه الفتوی إلی هذا الخبر إذ یحتمل کون الدّلیل عندهم غیره فتحصّل أنّ القول بانجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور غیر تامّ صغری و کبری.

مندفعة أوّلا:بأنّ انضمام غیر الحجّة إلی غیر الحجّة ربّما یکون موجبا للحجّیّة أ لا تری فی الخبر المتواتر أنّ کلّ خبر لیس فی نفسه حجّة و لکن مع الانضمام و حصول التواتر یکون حجّة و الوجه فی ذلک هو تراکم الاحتمالات إلی أن تصیر ظنّا ثمّ مع تراکم الظّنون و حصول الاطمئنان أو العلم فالعلم و الاطمئنان حجّة.

و هکذا الأمر فی المقام فالخبر و إن لم یکن فی نفسه حجّة و لکن مع اقترانه بمثل عمل الأصحاب یحصل الاطمئنان بالصدور إذ الأصحاب لم یعملوا بما لیس بحجّة فعملهم

ص:332

یکشف عن اقتران الخبر بما یوجب الاطمئنان بصدوره و علیه فلا مجال للمناقشة فی الکبری ثمّ دعوی عدم إحراز عمل الأصحاب مناقشة صغرویّة و هکذا احتمال کون عملهم اجتهادیّا و البحث بعد فرض الاستناد و العلم به و الکشف عن اقتران الخبر بالقرائن المحسوسة بحیث لو اطّلعنا علیه لوثقنا بالصدور کما وثقوا به.

و ثانیا:بأنّ الکلام فی الوثوق بالصدور لا توثیق المخبر فالقول بأنّ العمل بخبر ضعیف لا یدلّ علی توثیق المخبر أجنبیّ عن المقام.

و ثالثا:بأنّ المتون المفتی بها فی عبارات بعض القدماء کعلی بن بابویه و الصدوق فی الهدایة و الشّیخ فی النّهایة و غیرهم روایات و أخبار استندوا إلیها فی الفتاوی و یکفی فی الوثوق بصدورها عملهم بها و الفتوی بها فلا وجه للقول بأنّ القدماء لم یتعرّضوا للاستدلال بالروایات فی کتبهم لیعلم استنادهم إلی الخبر.

و رابعا:بأنّ مطابقة فتوی القدماء للخبر الضّعیف و إن لم تدلّ علی استنادهم إلی خصوص الخبر الضعیف لاحتمال أن یکون الدّلیل عندهم غیره و لکن تصلح للوثوق بصدور مضمون الخبر لأنّ القدماء لم یفتوا من دون دلیل فإذا أجمعوا علی الفتوی بشیء یکشف ذلک عن وجود دلیل تامّ الدّلالة علی ذلک سواء کان هو الخبر الضّعیف أو غیره ممّا یکون مطابقا له فی المضمون و علی کلّ تقدیر یحصل الوثوق بصدور مضمون الخبر و إن لم یعلم استنادهم إلی خصوص الخبر الضّعیف فلا تغفل.

فتحصّل أنّ القول بانجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور أو فتاویهم تامّ کبری و صغری عند إحراز عملهم بالخبر الضعیف أو بما یطابقه فی المضمون فتدبّر جیّدا.

و هکذا یتمّ القول بأنّ إعراض المشهور عن العمل بالخبر مع وضوح صحّته و تمامیّة دلالته یوجب الوهن فی الخبر و یکشف عن اختلال فی الرّوایة من ناحیة الصّدور و إلاّ فلا وجه لإعراضهم مع تمامیّة السّند و الدلالة و لا فرق فی ذلک بین الشهرة و الإجماع و اختصاص الوهن بإعراض الإجماع عن الخبر لا وجه له.

ص:333

التّنبیه السّابع:

أنّه لا تفاوت فی حجّیّة الآحاد من الأخبار بین المنقولة بالواسطة و بین المنقولة بلا واسطة فی شمول أدلّة الاعتبار من السیرة و بناء العقلاء و الرّوایات الدالّة علی حجّیّة الخبر الواحد و تخصیص الأدلّة بالمنقولة بلا واسطة لا وجه له.

و دعوی أنّ الخبر مع الواسطة خبر عن الموضوع لا الحکم الشّرعی الکلّی و المشهور عدم حجّیّة الخبر فی الموضوعات بل لا بدّ فیها من قیام البیّنة إذ لیس فی النّصوص الدالّة علی اعتبار الخبر ما یدلّ علی حجّیّة الخبر مع الواسطة.

و الأخبار التی بأیدینا کلّها من هذا القبیل لأنّها منقولة بالواسطة فالنّصوص الدالّة علی اعتبار الأخبار لا تنفع فی إثبات حجّیّتها.

و یشهد له خبر مسعدة بن صدقة الذی فیه:و الأشیاء کلّها علی هذا حتّی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة بناء علی أنّ المراد من البیّنة هی البیّنة الاصطلاحیّة.

مندفعة أوّلا:بأنّ مورد خبر مسعدة بن صدقة هی الموضوعات الصّرفة التی لا ارتباط لها مع الحکم بل هی مجرّد الموضوع و هذا بخلاف المقام فإنّ الخبر عن الخبر ینتهی إلی نقل الحکم و علیه فلا یکون المقام مشمولا لخبر مسعدة بن صدقة و لا أقل من الشکّ و معه فلا یرفع الید عن عموم أدلّة اعتبار أخبار الآحاد بما هو مشکوک فی مفهومه من جهة اختصاصه بمورده أو عدمه هذا مضافا إلی ما فیه من ضعف السّند.

و ثانیا:بأنّه لو سلّمنا شمول مثل خبر مسعدة بن صدقة للمقام فیقدّم أدلّة اعتبار الخبر لقوّة ظهورها فی شمول الخبر مع الواسطة کقوله علیه السّلام«ائت أبان ابن تغلب فإنّه قد سمع منّی حدیثا کثیرا فما رواه لک فأروه عنّی»و من المعلوم أنّ الأمر بالرّوایة عن الرّوایة من دون شرط یشمل الرّوایة مع الواسطة أیضا هذا مضافا إلی أنّ قوله علیه السّلام«فأروه عنّی»یدلّ علی الأمر بالرّوایة عن الرّوایة و هی الرّوایة مع الواسطة،و کغیره من الرّوایات المتعدّدة المتضافرة الدالّة علی جواز الرّوایة و لو مع الواسطة أو تقریر الرّوایة و لو مع الواسطة أو الرّوایة مع الواسطة.

ص:334

و ثالثا:بقیام السّیرة القطعیّة علی عدم الفرق بین المنقولة بدون الواسطة و بین المنقولة مع الواسطة فتحصّل أنّه لا إشکال فی شمول أدلّة الاعتبار للمنقولة مع الواسطة هذا بحسب مقام الإثبات.

و أمّا بحسب مقام الثّبوت فقد یشکل فی ذلک إمّا بأنّ معنی حجّیّة الخبر هو وجوب التّصدیق بمعنی لزوم ترتّب الأثر الشّرعی علی الخبر و علیه فالحکم بحجّیّة الخبر مع الواسطة یتوقّف علی أمرین:أحدهما إحراز نفس الخبر.و ثانیهما وجود أثر شرعی حتّی یحکم بترتّبه علیه و من المعلوم أنّ فی المقام لا یحرز الواسطة و لا أثرها إلاّ بنفس حجّیّة الخبر و لازم ذلک هو تقدّم المتأخّر مضافا إلی لزوم اتحاد الحکم و الموضوع.

و توضیح ذلک أنّ خبر الکلینی محرز لنا بالوجدان و مع الإحراز المذکور یحکم بحجّیّته و وجوب تصدیقه بالمعنی المذکور بمقتضی أدلّة حجّیّة الأخبار و أمّا خبر من یروی عنه الکلینی ممّن کان متقدّما علیه و خبر المتقدّم علیه ممّن تقدّم علیه من الرواة إلی أن ینتهی إلی الإمام المعصوم علیه السّلام فهو غیر محرز لنا بالوجدان و إحرازه بنفس الحکم بحجّیّة خبر الکلینی و الحکم علیه بنفس هذه الحجّیّة یستلزم أن یکون الخبر المحرز من ناحیة هذه الحجّیّة متقدّما علی نفس هذه الحجّیّة مع أنّه متأخّر عنها فالحکم بالحجّیّة فی المقام مع هذه الخصوصیّة یوجب أن یتقدّم المتأخّر و هو محال.

و یمکن الجواب عنه بأنّ الإشکال ناش من توهّم کون الحکم بالحجّیّة حکما شخصیّا و القضیّة قضیّة خارجیّة و أمّا إذا کان الحکم بالحجّیّة بنحو القضیّة الحقیقیّة فلا یلزم هذا الإشکال أصلا فإنّ الحکم بحجّیّة خبر الکلینی یوجب إحراز خبر من یروی عنه الکلینی فبعد الإحراز المذکور یشمل القضیّة الحقیقیّة لفرد آخر منها لا عین الفرد الثّابت بخبر الکلینی.

و مع تعدّد الحکم بتعدّد الأفراد لا یلزم أیضا إشکال اتّحاد الحکم و الموضوع إذ الحکم یوجب ترتیب ما للمخبر به و هو خبر من یروی عنه الکلینی لیس بنفس شخص الحکم فی

ص:335

دلیل حجّیّة خبر الکلینی بوجوب تصدیق خبر العادل بل یکون بفرد آخر من أفراد القضیّة الحقیقیّة و قد یشکل ذلک إمّا بأنّ التعبّد بحجّیّة الخبر یتوقّف علی أن یکون المخبر به بنفسه حکما شرعیا أو ذا أثر شرعی مع قطع النظر عن دلیل حجّیّة الخبر لیصحّ التعبّد بالخبر بلحاظه و إلاّ فالتعبّد بحجّیّة الخبر فیما لم یکن له حکم شرعی أو أثر شرعی لغو محض و لا ارتباط له بالشرع و مقتضی ذلک أنّ دلیل الحجّیّة لا یشمل الأخبار مع الواسطة لأنّها لیست إلاّ الخبر عن الخبر و هذا الإشکال یجری فی أخبار جمیع سلسلة الرّواة إلاّ الخبر المنتهی إلی قول الإمام علیه السّلام.

و یمکن الجواب بأنّ الطریق إلی أحد المتلازمین طریق إلی الآخر و إن لم یکن المخبر ملتفتا إلی الملازمة فحینئذ نقول یکفی فی حجّیّة خبر العادل انتهاؤه إلی أثر شرعی فکما أنّ الطریق إلی الحکم الشّرعی العملی طریق إلیه و یشمله أدلّة الحجّیّة فکذلک الطریق إلی طریق الحکم الشّرعی أیضا طریق إلی الحکم الشرعی و یشمله أدلّة الحجّیّة.

و علیه فنفس خبر العادل کخبر الشّیخ الطّوسی عن خبر العادل کالشّیخ المفید إلی أن ینتهی إلی المعصوم علیه السّلام یکون موجبا لکشف الظنّ النوعی بقول المعصوم فتشمله أدلّة التعبّد.

فیکون حجّة و لا حاجة إلی شمول أدلّة التعبّد بنفس الوسائط حتّی یقال لا أثر للوسائط.

التّنبیه الثّامن:

أنّه ربّما یستدلّ علی حجّیّة الخبر بالوجوه العقلیّة.

منها أنّا نعلم إجمالا بصدور أکثر الأخبار أو کثیر منها و احتمال الجعل لا یکون فی جمیع الأخبار فإذا ثبت العلم الإجمالی بوجود الأخبار الصّادرة فیجب الاحتیاط بالعمل لکل خبر مع عدم المعارض و العمل بمظنون الصّدور أو مظنون المطابقة للواقع عنه وجود المعارض.

و فیه أنّ مقتضی هذا الدّلیل هو وجوب العمل بالخبر المقتضی للتّکلیف لأنّه الذی یجب العمل به و أمّا الأخبار النّافیة للتّکلیف فلا یجب العمل بها کما لا یخفی و أیضا معنی حجّیّة

ص:336

الخبر کونه دلیلا متّبعا فی مخالفة الاصول العملیّة و الأصول اللفظیّة مطلقا و هذا لا یثبت بالدلیل المذکور.

لا یقال إنّ العلم الإجمالی بورود التخصیص فی بعض العمومات یوجب سقوط أصالة العموم أو الإطلاق عن الحجّیّة.

لأنّا نقول نعم و لکن العلم الإجمالی بإرادة العموم أو الإطلاق فی بعض العمومات یقتضی وجوب الاحتیاط بالعمل بجمیع العمومات و المطلقات الدالّة علی التّکالیف الإلزامیّة و الخاصّ المذکور لا یکون حجّة لیکون موجبا لانحلال العلم الإجمالی و حینئذ فالثمرة بین القول المذکور بالاحتیاط من جهة العلم الإجمالی و بین القول بحجّیّة الخبر واضحة حیث إنّه إن قلنا بحجّیّة الخبر فهو مقدّم علی العامّ أو المطلق و إن قلنا بوجوب العمل بالخبر من باب الاحتیاط فالخبر لیس مقدّما علی العامّ أو المطلق بل یجب العمل بالعموم أو المطلق کما لا یخفی.

و یظهر الثّمرة أیضا إذا کان مفاد کلّ من العامّ أو الخاصّ حکما إلزامیا بأن یکون مفاد العام وجوب إکرام العلماء و مفاد الخاص حرمة إکرام العالم الفاسق مثلا فعلی القول بحجّیّة الأخبار لا إشکال فی تقدیم الخاصّ علی العمومات و تخصیصها به و علی القول بوجوب العمل بالأخبار من باب الاحتیاط فلا یمکن الاحتیاط فی الفروض و یکون المقام نظیر دوران الأمر بین المحذورین و العقل یحکم حینئذ بالتّخییر.

هذا معنی الکلام فی بیان الثّمرة بین حجّیّة الخبر و بین لزوم العمل بالخبر بالدّلیل العقلی بالنّسبة إلی الاصول اللّفظیة.

و أمّا بالنّسبة إلی الاصول العملیّة فإن کانت الأخبار نافیة و الأصول مثبتة فلا إشکال فی تقدیم الاصول المثبتة لوجود موضوعها و هو الشکّ بعد عدم حجّیّة الخبر بخلاف ما إذا کان الخبر حجّة فإنّه مقدّم علی الاصول المثبتة إذ لا یبقی موضوع الاصول المذکورة مع الخبر الحجّة کما لا یخفی و إن کانت الأخبار مثبتة و کانت متوافقة مع الاصول فلا إشکال أیضا فی

ص:337

جریان الاصول المذکورة علی القول بوجوب الخبر من باب الاحتیاط دون القول بحجّیّة الخبر فإنّه لا ورود لموضوع الاصول حینئذ بناء علی المعروف.

و إذا لم یکونا متوافقین کأن یکون مفاد الأخبار حرمة الجمعة و مفاد الاصول هو العکس فمقتضی القاعدة هو التخییر لأنّ مخالفة الاصول مخالفة للشمول القطعی لحدیث(لا تنقض) و طرح الأخبار یوجب مخالفة العلم الإجمالی بخلاف ما إذا قلنا بحجّیّة الخبر فإنّ مع الخبر لا یبقی موضوع للاصول.

و إن کانت الأخبار نافیة و الاصول نافیة فلا مانع من جریان الاصول لوجود موضوعها و لا یلزم من ذلک المخالفة العملیّة علی عدم حجّیّة الخبر.

و إن کانت الأخبار مثبتة و الاصول نافیة فالمسألة مبنیّة علی جریان الاصول فی بعض أطراف المعلوم بالإجمال و عدمه بخلاف ما إذا قلنا بحجّیّة الخبر فإنّ مع الخبر لا یبقی موضوع للاصول مطلقا.

فانقدح أنّ معنی حجّیّة الخبر کونه دلیلا متّبعا فی مخالفة الاصول العملیّة و هذا المعنی لا یثبت بلزوم العمل بالخبر بالدّلیل العقلی.

التّنبیه التّاسع:

أنّ الأدلّة الشرعیّة الدالّة علی حجّیّة الخبر الواحد قاصرة الشمول بالنّسبة إلی الموضوعات لاختصاصها بالأحکام و معالم الدّین.

نعم یمکن التمسّک ببناء العقلاء علی حجّیّة الخبر الواحد فی الموضوعات بعد عدم اختصاص بنائهم بموارد الأحکام و المفروض عدم ثبوت الردع عن ذلک البناء أشکل ذلک بأنّ البناء المذکور مردوع بمثل الأخبار الواردة فی اعتبار التعدّد فی الموضوعات و هذه الأخبار متعدّدة.

منها خبر مسعدة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:سمعته یقول کلّ شیء هو لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک و ذلک مثل الثّوب یکون علیک قد اشتریته و هو سرقة

ص:338

و المملوک عندک لعلّه حرّ قد باع نفسه أو ضرع فبیع قهرا أو امرأة تحتک و هی أختک أو رضیعتک و الأشیاء کلّها علی هذا حتّی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة.

بدعوی أنّه یدلّ علی حصر حقیقی فیستفاد منه عدم حجّیّة الخبر الواحد فی الموضوعات ما لم یتعدّد و یصدق علیه البیّنة.

أورد علیه أوّلا:بضعف السّند لعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صدقة و إن حکی عن السیّد المحقّق البروجردی اتّحاده مع مسعدة بن زیاد.

و ثانیا:بأنّه لم یثبت حقیقة شرعیّته للبیّنة و لعلّ المراد منها معناه اللغوی و هو الحجّة و هی تصدق علی الخبر الواحد اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ البیّنة الاصطلاحیّة شائعة فی عصر الصادقین علیهما السّلام و حملها علی البیّنة اللغویّة لا موجب له.

و ثالثا:بأنّه لو سلّمنا إرادة البیّنة المصطلحة فالحصر المستفاد منها إنّما هو بالإضافة إلی موردها ممّا ثبتت الحلّیّة فیه بالأمارة أو الاستصحاب و أمّا غیره فالرّوایة أجنبیّة عنه و إلاّ لزم تخصیص الأکثر لثبوت الحرمة بالاستصحاب و الإقرار و حکم الحاکم اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ التّخصیص الأکثر لا یلزم إذا کان التّخصیص عنوانیّا.

فنتحصّل أنّه لم یثبت ردع عن بناء العقلاء.

و منها الأخبار الواردة فی لزوم شهادة العدلین فی الموارد الخاصّة کالمیتة و رؤیة الهلال بدعوی أنّها تدلّ علی عدم کفایة قول الثّقة و حیث لا خصوصیة لتلک الموارد فیستفاد منها عدم جواز الاکتفاء بقول الثّقة فی جمیع الموارد و لهذا یثبت الردع عن بناء العقلاء.

و اجیب عن ذلک بأنّ هذه الأخبار مختصّة بمواردها و إلغاء الخصوصیّة مشکل فاعتبار شهادة العدلین فی مثل هذه الموارد لا ینافی وجود بناء العقلاء فی غیرها ممّا یحصل الوثوق النّوعی بشهادة أحد من الثقات.

التّنبیه العاشر:

أنّ حجّیّة الظنّ الخاصّ إمّا تکون بمعنی جعل غیر العلم علما بالتعبّد فمع هذا التعبّد یجوز

ص:339

الإخبار عن الشیء و لو لم یحصل العلم الوجدانی به و یترتّب علی المخبر به آثاره الواقعی لقیام الحجّة علیه و حینئذ تشمل حجّیّة الخبر جمیع الأمور التکوینیّة و التاریخیّة کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی فی التّنبیه الثّانی من تنبیهات الانسداد.

و إمّا تکون الحجّیّة بمعنی کون الظنّ منجّزا و معذّرا فیختصّ حجّیّة الظنّ الخاصّ بما إذا کان مؤدّی الخبر أثرا شرعیّا فلا تعمّ الامور التکوینیّة و التاریخیّة إذ لا مورد للمعذّریّة و المنجّزیّة بالنّسبة إلیها و جواز الإخبار عن تلک الأشیاء متفرّع علی العلم بها و المفروض عدم حصول العلم بها و لا یجوز الإخبار الّتی بما فی الرّوایة من الثواب و العقاب فاللاّزم أن یقال عند الإخبار بهما روی أنّه من صام فی رجب مثلا کان له کذا.

ص:340

8-الظنّ المطلق
اشارة

و لا یخفی علیک أن الظن المطلق یکون فی مقابل الظن الخاص کخصوص الخبر أو خصوص ظهورات الالفاظ و نحوهما من الظنون الخاصة.

ثم إنّ الادلة التی أقاموها فی المقام علی حجیة الظن المطلق لا تدل علی حجیة خصوص الظن الخبری و إن کان الخبر مطلقا أو قسم منه متیقن الثبوت من هذه الادلة التی لا تدل إلاّ علی حجیة الظن فی الجملة.

و بهذا یظهر الفرق بین الأدلة التی اقیمت فی المقام و بین الادلة التی مضت لحجیة الخبر من الآیات و الروایات؛فإنها دلت علی حجیة خصوص الظن الخبری مثلا،بخلاف أدلة المقام فانها تقوم علی اعتبار الظن المطلق،و لا نظر لها الی خصوص الظن الخبری و نحوه،کما هو واضح.

ثمّ إنّ الوجوه التی ذکروها فی المقام لاثبات حجیة الظن المطلق علی قسمین:

الأول:ما لا یختص بزمان الانسداد،بل یشمل زمان الانفتاح و زمان امکان تحصیل العلم أو العلمی بالأحکام الواقعیة.

و الثانی:ما یختص بزمان انسداد باب العلم أو العلمی،و هو الذی یعبر عنه بالظن الانسدادی،و لذا یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل: فی الوجوه التی ذکروها لحجیة الظن المطلق

فی الوجوه التی ذکروها لحجیة الظن المطلق من دون اختصاص لها بزمان الانسداد،و هی متعددة:

الوجه الأوّل: فی مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحکم الوجوبی أو التحریمی

أنّ فی مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحکم الوجوبی أو التحریمی مظنّة للضرر،و حیث أن دفع الضرر لازم،فالواجب هو لزوم التبعیة عما ظنه من الحکم المذکور،و هذا هو معنی الحجیة.

و هذا الدلیل مرکب من الصغری و الکبری:

ص:341

أما الصغری و هی أن مخالفة المجتهد لما ظنّه مظنة للضرر فلأنّ الظن بالوجوب ظنّ باستحقاق العقوبة علی الترک کما أنّ الظن بالحرمة ظن باستحقاق العقوبة علی الفعل أو لأنّ الظنّ بالوجوب ظن بوجود المفسدة فی الترک کما أن الظن بالحرمة ظنّ بالمفسدة فی الفعل بناء علی قول العدلیة بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد.

و أمّا الکبری و هو وجوب دفع الضرر فهو حکم الزامی عقلی یدرکه کل عاقل بحیث لو تخلف عنه استحق العقوبة و المذمة،و لذا استدل به المتکلمون علی وجوب شکر المنعم و وجوب النظر فی المعجزة و لزوم استماع دعوی النبی أو الولی،کما لا یخفی.

أورد علیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه بأنّ الصغری ممنوعة سواء کان المراد من الضرر المظنون هو العقوبة أو المفسدة.

أمّا إذا کان المراد من الضرر المظنون هو العقوبة فلانّ استحقاق العقاب علی الفعل أو الترک کاستحقاق الثواب علیهما لیس ملازما للوجوب و التحریم الواقعیین،کیف و قد یتحقق التحریم و نقطع بعدم العقاب فی الفعل کما فی الحرام و الواجب المجهولین جهلا بسیطا أو مرکبا،بل استحقاق الثواب و العقاب إنّما هو علی تحقق الاطاعة و المعصیة اللتین لا تتحققان إلاّ بعد العلم بالوجوب و الحرمة أو الظنّ المعتبر بهما. (1)

و بعبارة أخری:استحقاق العقاب من آثار تنجز التکلیف لا من لوازم وجوده الواقعی، و لا یتنجز التکلیف إلاّ بالوصول،و مع عدم العلم الوجدانی به أو الحجة المعتبرة لا وصول، و مع عدم الوصول لا تنجز للتکلیف الواقعی،و مع عدم تنجز التکلیف الواقعی لا عقاب علی مخالفته؛لأنه عقاب بلا بیان بحکم العقل،کما لا یخفی.

و الظن الغیر المعتبر لا یوجب تنجیز التکلیف الواقعی؛لأنه لیس ببیان عند العقلاء، و لا یصل التکلیف بالظن الغیر المعتبر کما لا یصل بالشک،فلا ملازمة بین الظن الغیر المعتبر بالتکلیف و بین الظن بالعقاب؛لما عرفت من أن استحقاق العقاب متفرع علی تنجز

ص:342


1- 1) فرائد الاصول:ص 108.

التکلیف،و هو لا یحصل عند العقلاء إلاّ بالوصول،و هو لا یتحقق إلاّ بالعلم أو قیام الظن المعتبر علیه،و المفروض هو العدم.

نعم لو لم نقل باستقلال العقل بقبح العقاب بلا بیان کان احتمال العقوبة فی فرض الظن الغیر المعتبر بالحکم موجودا،أو معه تجری قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل؛و لذا قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:نعم لو ادعی أن دفع الضرر المشکوک لازم توجه فیما نحن فیه الحکم بلزوم الاحتراز فی صورة الظن بناء علی عدم ثبوت الدلیل علی نفی العقاب عند الظن، فیصیر وجوده محتملا،فیجب دفعه. (1)

و هکذا قال صاحب الکفایة:إلاّ أن یقال:أن العقل و إن لم یستقل بتنجزه بمجرد الظن الغیر المعتبر بالحکم بحیث یحکم باستحقاق العقوبة علی مخالفته،إلاّ أنّه لا یستقل أیضا بعدم استحقاقها معه،فیتحمل العقوبة حینئذ علی المخالفة.و دعوی استقلاله بدفع الضرر المشکوک کالمظنون قریبة جدا لا سیّما اذا کان هو العقوبة الاخرویة. (2)

و علیه فمع ضمیمة هذه الصغری مع الکبری تفید وجوب التبعیة عما ظنه المجتهد من الحکم.

و لکن دعوی عدم استقلال العقل بعدم استحقاق العقوبة مع وجود الظن الغیر المعتبر مع أن التکلیف غیر واصل بمجرد الظن الغیر المعتبر،کما تری.و لذا صرح الشیخ الأعظم بعد ما عرفت من عبارته بقوله:لکنه رجوع عن الاعتراف باستقلال العقل و قیام الاجماع علی عدم المؤاخذة علی الوجوب و التحریم المشکوکین. (3)

کلام حول حق الطاعة

ربما یقال:إنّ حق الطاعة للّه تعالی ثابت علی عبیده،و علی هذا الاساس یحکم العقل

ص:343


1- 1) فرائد الأصول:ص 109.
2- 2) الکفایة:ج 2 ص 110-111.
3- 3) فرائد الاصول:ص 109.

بوجوب اطاعة اللّه و لو فی موارد احتمال التکلیف،فکما أن الانسان اذا علم بتکلیف من اللّه کان من حق اللّه تعالی أن یمتثله،فکذلک اذا ظن بالتکلیف أو احتمله کان من حق اللّه تعالی أیضا أن یأتی به و یمتثله حتی یؤدی الیه تعالی حقه.و هذا الادراک العقلی لا یختص بالتکالیف المعلومة،بل هو موجود فی المحتملات و المظنونات ما لم یرخص الشارع فی ترک التحفظ و الاحتیاط.و علیه فالبراءة العقلیة لا أصل لها؛لانه اذا کان حق الطاعة یشمل التکالیف المشکوکة فهو بیان رفع البیان.

فلا یکون عقاب اللّه للمکلف اذا خالفها قبیحا؛لانّ المخالف یفرط فی حق مولاه بالمخالفة فیستحق العقوبة،و مع عدم جریان قاعدة قبح العقاب فاحتمال العقوبة موجود،و مع وجود احتمال العقوبة فی المظنونات و المشکوکات یجب دفعه؛لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل أو المظنون و یتم البرهان.

و یمکن الجواب عنه بانّ المعلوم من طریقه الشارع أنه لم یتخذ فی باب الامتثال طریقة غیر طریقة العقلاء.و لو لا ذلک لبیّن طریقة اخری غیر طریقتهم فی اطاعة الموالی.و لو بینها لشاعت و لبانت فی مثل هذه المسألة التی تکون مورد الابتلاء،و الطریق العقلائی فی الاطاعة و الامتثال هو لزومهما عند احراز موضوعهما،بخلاف ما اذا لم یثبت موضوعهما،و علیه فاذا ثبت أن حق الطاعة فی الموالی العرفیة یختص بالتکالیف المعلومة فحق الطاعة فی مورد اللّه سبحانه و تعالی أیضا کذلک.

و لا یوجب أو سعیة حقه تعالی رفع الید عن الطریقة العقلائیة بعد عدم اتخاذ الشارع طریقه اخری غیر طریقة العقلاء فی مقام الامتثال و من المعلوم أن کبری لزوم اطاعة اللّه کسائر الکبریات النقلیة و الشرعیة تتوقف علی احراز الموضوع،و بدونه لا تنتج الحکم بلزوم الاتیان بالشیء أو الترک،فالمحتملات لا یحرز کونها اطاعة للمولی،و مع عدم الاحراز فلا یجب الاطاعة فیها،و احتمال العقوبة فیها ینتفی بقاعدة قبح العقاب بلا بیان بعد اختصاص حق الطاعة بالتکالیف المعلومة بالعلم الوجدانی أو العلمی عند العقلاء؛اذ لا

ص:344

مانع من جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان فی الموارد المشکوکة،و مع جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان ینتفی احتمال العقوبة،و مع انتفاء احتمال العقوبة یختل البرهان المذکور.

لا یقال:أن مورد جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان عند العقلاء مختص بما اذا امکن البیان و مع ذلک لم یبین،و أما اذا لم یمکن البیان کما اذا وضع مثلا شخص یده علی فم المولی و منعه عن التکلم و احتملنا أن المولی أراد بیان وجوب کذا أو حرمة کذا فلا تجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان،و جمیع الموارد المحتملة للتکالیف تکون من هذا القبیل،فان المولی مع حدوث الموانع من الظلمة و الکذبة لا یتمکن من البیان،فلا یجوز الأخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بیان فی تلک الموارد لنفی العقوبة المحتملة عند العقلاء،و معه فاحتمال العقوبة موجود،و یتم البرهان بضمیمة کبری وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل.

لانا نقول:موارد قاعدة قبح العقاب بلا بیان ثلاثة:

أحدها:الموارد التی أمکن للمولی البیان و لم یبین ففی هذه الصورة یقبح العقوبة من دون فرق فی ذلک بین التکالیف الواردة من ناحیة المولی الحقیقی و هو اللّه سبحانه و تعالی و بین التکالیف الواردة من الموالی العرفیة.

و ثانیها:هی الموارد التی لا اشکال فی عدم جریانها فیها و هی الموارد التی فرض العلم بوجود الارادات الحتمیة فیها مع عدم تمکن المولی من البیان لوجود مانع یمنعه عن البیان أو لوجود الغفلة أو النوم عن الالتفات الیه حتی یأمر و ینهی.و قیاس مقامنا بهذه الموارد مع وجود الشک فی ارادة المولی و أن علمنا اجمالا بحدوث الموانع من الظلمة و الکذبة قیاس مع الفارق اذ کل مورد یشک فیه لم یعلم بالارادة الحتمیّة حتی تکون الارادة المعلومة بمنزلة البیان.

و ثالثها:هی الموارد التی یشک فی أنّها من قبیل الموارد الاولی أو الثانیة ففی هذه الموارد تجری القاعدة عند العقلاء إلاّ فی بعض مهام الامور خصوصا مع ما یترتب علیه من اختلال النظام و العسر و الحرج.

ص:345

و علیه فدعوی عدم جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان فی جمیع الموارد المشکوکة بعد ما عرفت من أن الشارع لم یتخذ طریقة أخری فی الامتثال کما تری.

فتحصّل:أنّ دعوی استقلال العقل بعدم المؤاخذة علی الأحکام المشکوکة کما أفاد شیخنا الأعظم غیر بعیدة،و معه لا یحرز الصغری لوجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل.

قال المحقق العراقی قدّس سرّه:إن کان المراد من الضرر المظنون هو الضرر الاخروی أی العقوبة فالصغری ممنوعة،لعدم استلزام الظن بالتکلیف للظن بالعقوبة علی المخالفة مع حکم العقل الجزمی بقبح العقاب بلا بیان. (1)

و مما ذکرنا یظهر الکلام فیما قیل من أنه لو جاء احتمال العقاب و لو لاحتمال انّ العقلاء و العقل یرون الظن بمنزلة الشبهة البدویة قبل الفحص فالعقاب و إن لم یکن مظنونا بل محتملا،و لا محالة لا تتم صغری هذا الدلیل لانتفاء الظن بالفرض،إلاّ أنّ مجرد احتماله کاف لوجوب دفعه کما فی الکفایة.

و ذلک لما عرفت من أنّ مع جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان أو بناء العقلاء علی عدم المؤاخذة فی المحتملات من التکالیف أو البراءة الشرعیة لا مورد لاحتمال العقاب،و مع عدم احتمال العقوبة لا مورد لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل،کما لا یخفی.قال سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه:و تنقیحه یستدعی رسم مقدمة هی أن العبد فی مقام اطاعة المولی اما أن یشک فی التکلیف لکنه یعلم انه لو کان ثابتا فی الواقع لما امکن ابلاغ المولی ایاه المانع عقلی کالخوف و غیره او عادی کالتوهین لمقامه لو اراد طلب العبد و اعلامه مقاصده.

او یشک فیه و فی وجود المانع عقلیا او عادیا فی الابلاغ و الاعلام او یشک فیه و یعلم بصدور بعض التکالیف من قبله لکنه عرض الاختفاء لبعض الاسباب الخارجیة بحیث لم یکن للمولی فی ذلک تقصیر.

او یعلم بصدور التکالیف ایضا لکنه یشک فی أن هذا الموضوع هل من مصادیق

ص:346


1- 1) نهایة الافکار:ج 3 ص 144.

موضوع الحکم ام لا او یشک فیه و یعلم انه لو کان ثابتا فی الواقع لیس للمولی مانع عن اعلامه مطلقا.

اذا عرفت ما ذکرنا فنقول لا اشکال فی أن العقلاء بما هم کذلک لا یتوقفون فی محتمل المطلوبیة و لا یقتحمون فی محتمل البغوضیة فی مقاصدهم و اغراضهم فی شیء من الموارد و اذا کانوا کذلک فی الامور الراجعة الیهم فبطریق اولی فی الامور الراجعة الی موالیهم لانهم یرون العبد فانیا فی مقاصد المولی و بمنزلة اعضائه و جوارحه بحیث یجب أن یکون مطلوبه مطلوب المولی و غرضه غرضه لا غرض نفسه و مطلوبه فاذا کان العبد فی اموره بحیث ینبعث او یرتدع باحتمال النفع و الضرر فیجب علیه بطریق اولی أن یرتدع بمجرد احتمال کون هذا مطلوبا للمولی او کون ذاک مبغوضا له و اذا کان هذا حکم العقلاء بما هم فکیف یحکم العقل بقبح العقاب من غیر بیان.

نعم لما یؤدی الاعتناء بمجرد الاحتمال فی الموارد التی عرفت الی اختلال النظام و عدم نظم المعاش بنوا علی الحکم بالعدم فیما لم یکن للمولی مانع لا عقلی و لا عادی عن اعلام مقاصده و لم یکن مانع ایضا عن وصوله الی العبد بعد صدوره عنه و حیث لم یردعهم المولی عن هذا البناء یحتجون علیه فیما اراد المولی ان یعاقبهم علی ترک محتمل المطلوبیة او فعل محتمل المبغوضیة بانک لو اردت لکان علیک الاظهار و الاعلام و هذا البناء کبنائهم علی حجیة الظواهر لتنظیم امور المعاش فانه لولاه لکان الامر مؤدیا الی الاختلال و الاغتشاش (1)

و لقائل أن یقول لو سلمنا وجود بناء العقلاء علی الاحتیاط فی جمیع الموارد المذکورة حتی مع عدم العلم بالتکلیف مجرد احتماله فلا یمکن الاستدلال به للاولویة فی المقام لان بناء الشارع علی الاخذ بالسهولة و مع هذا الفرق بین مولی الموالی و سائر العقلاء کیف یمکن التعدی عن مورد البناء الی المقام بالاولویة فلا تغفل.

ص:347


1- 1) المحاضرات 237/2-238.

هذا مضافا الی أن وجود البناء علی الاحتیاط فیما اذا شک فی اصل التکلیف و فی وجود المانع عقلیا او عادیا فی الابلاغ و الاعلام او فیما اذا شک فی التکلیف و علم أن التکلیف له لو کان ثابتا فی الواقع لما امکن ابلاغ المولی ایاه لمانع عقلی او عادی غیر محرز.

کما انه لا بناء علی الاحتیاط فیما اذا شک فی التکلیف و علم انه لو کان ثابتا فی الواقع لیس للمولی مانع عن اعلامه مطلقا و سیأتی أن شاء اللّه تعالی بقیة الکلام فی الموضعین من البراءة فانتظر

هذا تمام الکلام فیما اذا کان المراد من الضرر المظنون هو العقوبة فقد عرفت أن الصغری ممنوعة،فیختل بذلک القیاس المذکور لحجیة الظن المطلق.

و أما اذا کان المراد من الضرر المظنون هو الظن بالالقاء فی المفسدة أو الظن بتفویت المصلحة ففیه أیضا منع الصغری کما فی فرائد الاصول حیث قال:أن الضرر بهذا المعنی و إن کان مظنونا إلاّ أن حکم الشارع قطعا أو ظنا بالرجوع فی مورد الظن الی البراءة و الاستصحاب و ترخیصه لترک مراعاة الظن أوجب القطع أو الظن بتدارک ذلک الضرر المظنون،و إلاّ کان ترخیص العمل علی الأصل المخالف للظن القاء فی المفسدة أو تفویت المصلحة.

و لذا وقع الاجماع علی عدم وجوب مراعاة الظن بالوجوب أو الحرمة اذا حصل الظن من القیاس و علی جواز مخالفة الظن فی الشبهات الموضوعیة حتی یستبین التحریم أو تقوم به البیّنة. (1)

لا یقال:أن تدارک الضرر ممنوع؛لامکان أن یکون ملاک جعل الحجیة مصلحة عامة أو دفع مفسدة عامة راجعة الی أصل الشریعة لا الی اشخاص المکلفین،فهنا أیضا ربما کان مصلحة رفع التکلیف الغیر المعلوم فی مثل البراءة الشرعیة و الاستصحاب هی أن لا تکون الشریعة صعبة مضیقة حرجیة لکی لا ینزجر ابناء النوع الانسانی عنها و یدخلوا فیها

ص:348


1- 1) فرائد الاصول:ص 109-110.

أفواجا،و هی مصلحة رفیعة لازمة الرعایة،و رعایتها لا تنافی وقوع المکلف فی الضرر الدنیوی الذی هو من قبیل الملاکات.

لانا نقول:مع الغمض عن کون المفاسد و المصالح المظنونة أیضا من المصالح و المفاسد العامة إن تدارک الضرر أو المفسدة أو تفویت المصلحة کما یحصل بالمصلحة العائدة الی الشخص لأهمیة المصلحة أیضا،فکذلک یحصل بالمصالح العامة الاجتماعیة؛لأنّ الشخص من جملة المجتمع و ینتفع بتلک المصالح ایضا،و لذا لا تأبی النفوس عن جعل الجهاد أو الخمس و الزکاة،مع أن هذه الأحکام لا تخلو عن الضرر النفسی أو المالی الشخصی،و لکن هذه الأضرار متدارکة بالمصالح العامة العائدة الی المجتمع الذی یکون الشخص فردا منه،و هو کاف فی خروج الموضوع الضرری عن موضوع الحکم العقلی بوجوب دفعه،کما لا یخفی.

هذا کله مضافا الی ما فی الکفایة من قوله:و أمّا المفسدة فلانها و إن کان الظنّ بالتکلیف یوجب الظن بالوقوع فیها لو خالفه،إلاّ أنّها لیست بضرر علی کل حال؛ضرورة إن کل ما یوجب قبح الفعل من المفاسد لا یلزم أن یکون من الضرر علی فاعله،بل ربما یوجب حزازة و منقصة فی الفعل بحیث یذمّه علیه فاعله بلا ضرر علیه أصلا.و أمّا تفویت المصلحة فلا شبهة فی أنه لیس فیه مضرة،بل ربما یکون فی استیفائها المضرّة کما فی الاحسان بالمال. (1)

فمع التدارک أو عدم ملازمة الظن بالتکلیف للظن بالضرر فلا مجال لقاعدة دفع الضرر المظنون هاهنا اصلا؛لعدم احراز موضوعها کما لا یخفی.

هذا کله مع الغمض عما یرد علی الکبری فی هذا المقام فقد ذهب المحقق العراقی فی نهایة الأفکار الی أنّ حکم العقل بوجوب دفع الضرر الدنیوی لیس إلاّ من باب الارشاد. (2)و من المعلوم أنّ معنی کونه ارشادا أنه لا یستتبع حکما شرعیا بحیث یترتب علی مخالفته عقوبة

ص:349


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 111.
2- 2) نهایة الافکار:ج 2 ص 144.

وراء الضرر الذی ارتکبه و وقع فیه.و علیه فلا یصلح للاستدلال بهذه الکبری علی وجوب التبعیة عن الظن بحیث یترتب العقوبة علی مخالفة الظن.

و لکن یمکن أن یقال:أن حمل حکم العقل فی جمیع الموارد علی الارشاد مع أن بعض المضار و لو کانت دنیویة مما یحکم العقل بقبح ارتکابها کقتل الشخص نفسه محل تأمل و نظر،و لعل من هذه الموارد المفاسد المظنونة التی تحوط الانسان بسبب مخالفة الأحکام المظنونة الشاملة لجمیع أموره و شئونه،و علیه فلا یصح حصر حکم العقل فی الارشاد بالنسبة الی الضرر الدنیوی.

ثمّ إنّ المراد من حکم العقل هو الاذعان بقبح الاقدام علی الضرر،و هذا الاذعان مما نجده بالوجدان بالنسبة الی بعض الظنون.

و دعوی:أنّ ملاک التقبیح هو بناء العقلاء و بناؤهم علی مدح فاعل بعض الأفعال من جهة کونه ذا مصلحة عامة موجبة لانحفاظ النظام،کما أنّ ذم فاعل بعضها الآخر من جهة کونه ذا مفسدة مخلة بالنظام؛و لذا توافقت آراء العقلاء الذین علی عهدتهم حفظ النظام بایجاد موجباته و اعدام موانعه علی مدح فاعل ما یحفظ به النظام و ذم فاعل ما یخل به.و الاقدام علی الضرر الشخصی لیس کذلک،و علیه فلا یکون قاعدة دفع الضرر قاعدة عقلائیة.

مندفعة:بأنّ حکم العقل بقبح فعل أو حسنه لیس من باب المشهورات العقلائیة،بل هو حکم عقلی ناش من قبح الظلم و حسن العدل،و من المعلوم انهما لا یتوقفان علی الاجتماع و آراء العقلاء،بل هو ثابت و لو فی فرض کون الانسان وحیدا لیس معه غیره.

ثمّ أن المحقق الاصفهانی قدّس سرّه ذهب الی أن الضرر المظنون مما ینفر عنه کل ذی شعور،و مجرد ذلک لا یجدی فی ترتب العقوبة علی مخالفة المظنون. (1)

و لا یخفی ما فیه من أنّ ذلک لا ینافی أن یحکم به العقل أو الشرع أیضا فی بعض أقسام الضرر کأکل الخبائث،فانّ النفوس متنفرة عنها و مع ذلک یحکم العقل أو الشرع بترکه لئلا

ص:350


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 96 و 192 و 304.

یرتکبه بعض النفوس بدواع أخر.و بالجملة أن العمدة هو منع الصغری،و أما الکبری فهی ثابتة فی الجملة.

الوجه الثانی: أنّه لو لم یؤخذ بالظن لزم ترجیح المرجوح

أنّه لو لم یؤخذ بالظن لزم ترجیح المرجوح علی الراجح،و هو قبیح،و علیه فیجب الأخذ بالظن المطلق،و هذا هو معنی حجیة الظن.

ربما یجاب عنه بمنع الکبری بدعوی أنه لیس ترجیح المرجوح علی الراجح قبیحا؛لأنّ المرجوح قد یوافق الاحتیاط،فالأخذ بالمرجوح حینئذ حسن عقلا،و لیس بقبیح.

أجاب عنه شیخنا الأعظم قدّس سرّه بأنّ المرجوح المطابق للاحتیاط لیس العمل به ترجیحا للمرجوح،بل هو جمع فی العمل بین الراجح و المرجوح،مثلا إذا ظنّ عدم وجوب شیء و کان وجوبه مرجوحا فحینئذ الاتیان به من باب الاحتیاط لیس طرحا للراجح فی العمل؛ لأنّ الاتیان لا ینافی عدم الوجوب. (1)

فالأولی هو أن یجاب عنه بمنع الصغری؛إذ کبری قبح ترجیح المرجوح علی الراجح واضحة و لا مجال لإنکارها.

فنقول:انّ الاستدلال بذلک إن کان فی صورة الانفتاح کما هو محلّ الکلام فی هذا المقام فلا دوران حینئذ؛لأنّ بعد قیام العلم أو العلمی بالنسبة الی الأحکام الواقعیة ینحل العلم الاجمالی بالأحکام فی موارد العلم و العلمی،و لا علم بوجودها بین مورد الظن و بین طرفه من الشک و الوهم حتی یقال لزم الأخذ بالظن لئلا یلزم ترجیح المرجوح علی الراجح، و حینئذ فمع عدم العلم بوجود الأحکام الشرعیة بین الظن و طرفه من الشک و الوهم یرجع الی البراءة العقلیة أو الشرعیة فی جمیع الاطراف،و لا یلزم منه ترجیح المرجوح علی الراجح؛لان نسبة البراءة الی جمیع الاطراف متساویة.

و إن کان الاستدلال بذلک فی صورة الانسداد و لزوم الأخذ بالظن أو طرفه من الشک و الوهم دار الأمر بین ترجیح الظن و ترجیح طرفه،و لکنه یتوقف علی تمامیة مقدمات

ص:351


1- 1) فرائد الاصول:ص 110.

الانسداد،و هی فیما اذا ثبت التکلیف و لم ینحل العلم الاجمالی و لم یمکن الاحتیاط عقلا کصورة استلزام الاحتیاط باختلال النظام أو شرعا کصورة استلزام الاحتیاط للعسر و الحرج،و إلاّ فمع الانحلال أو إمکان الاحتیاط فلا تصل النوبة الی الدوران بین ترجیح الراجح و ترجیح المرجوح؛لأنّ اللازم علیه أن یعمل بموارد الانحلال أو یعمل بالاحتیاط فی جمیع الاطراف لقاعدة الاشتغال.

و بالجملة فاثبات الصغری یحتاج الی تمامیة مقدمات الانسداد،و هو خارج عن هذا المقام؛لأنّ محل البحث هو ملاحظة الدلیل لاثبات حجیة الظن من دون الاختصاص بحال الانسداد.

و لقد أفاد و أجاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه حیث قال فی مقام تحلیل الجواب و توضیحه:أن تسلیم القبیح فیما اذا کان التکلیف و غرض الشارع متعلقا بالواقع و لم یمکن الاحتیاط،فانّ العقل قاطع بأنّ الغرض إذا تعلق بالذهاب الی بغداد و تردد الأمر بین الطرفین أحدهما مظنون الایصال و الآخر موهومه فترجیح الموهوم قبیح؛لأنّه نقض للغرض.

و أمّا إذا لم یتعلق التکلیف بالواقع أو تعلق به مع إمکان الاحتیاط فلا یجب الأخذ بالراجح بل اللازم فی الأول هو الأخذ بمقتضی البراءة و فی الثانی الأخذ بمقتضی الاحتیاط، فاثبات القبح موقوف علی ابطال الرجوع الی البراءة فی موارد الظن و عدم وجوب الاحتیاط فیها،و معلوم أنّ العقل قاض حینئذ یقبح ترجیح المرجوح بل ترک ترجیح الراجح،فلا بد من ارجاع هذا الدلیل الی دلیل الانسداد الآتی المرکب من بقاء التکلیف و عدم جواز الرجوع الی البراءة و عدم لزوم الاحتیاط و غیر ذلک من المقدمات التی لا یتردد الأمر بین الأخذ بالراجح و الأخذ بالمرجوح إلاّ بعد ابطالها. (1)

و تبعه فی الکفایة حیث قال:لا یکاد یلزم من عدم الأخذ بالظن ترجیح المرجوح علی الراجح إلاّ فیما اذا کان الأخذ بالظن أو بطرفه لازما مع عدم امکان الجمع بینهما عقلا و عدم

ص:352


1- 1) فرائد الاصول:ص 111.

وجوبه شرعا لیدور الأمر بین ترجیحه و ترجیح طرفه،و لا یکاد یدور الامر بینهما إلاّ بمقدمات دلیل الانسداد،و إلاّ کان اللازم هو الرجوع الی العلم أو العلمی أو الاحتیاط أو البراءة أو غیرهما علی حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال فی اختلاف المقدمات. (1)

فتحصّل:أنه لا دلیل علی حجیة الظن المطلق فی حال الانفتاح.

المقام الثانی: فی دلیل الانسداد

فی دلیل الانسداد و هذا الدلیل الذی استدل به علی حجیة الظن المطلق فی زمان الانسداد مؤلف من عدة مقدمات یستقل العقل مع ثبوتها بکفایة الاطاعة الظنیة أو یستکشف بها مشروعیة التبعیة عن الظن فی مقام الامتثال،و هذه المقدمات خمسة:

المقدمة الأولی:

أنه یعلم اجمالا بثبوت تکالیف کثیرة فی الشریعة الاسلامیة بالنسبة الینا،و أطراف هذا العلم الإجمالی لا تختص بموارد الأخبار.

المقدمة الثانیة:

أنه ینسد باب العلم أو العلمی بالنسبة الی معظم الأحکام الشرعیة المعلومة بالاجمال لعدم کونهما بمقدارها.

المقدمة الثالثة:

أنه لا یجوز اهمال التکالیف المعلومة بالاجمال و ترک التعرض لامتثالها لتنجز التکالیف بالعلم الاجمالی.

المقدمة الرابعة:

أنّه لا مجال للرجوع الی الوظائف المقررة للجاهل بالأحکام من الاحتیاط التام فی جمیع الاطراف؛للزوم الاختلال أو العسر و الحرج،و من الرجوع الی فتوی الغیر الذی یعتقد الانفتاح؛لمنافاته مع العلم بالانسداد،و من الرجوع الی القرعة؛لعدم جواز الأخذ بها فی

ص:353


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 112.

الشبهات الحکمیة،و من الرجوع الی الاصول العملیة المختلفة بحسب اختلاف المسائل کقاعدة الاشتغال و الاستصحاب و التخییر و البراءة.

المقدمة الخامسة:انّ ترجیح المرجوح علی الراجح قبیح،کما هو واضح.

فاذا تمت المقدمات المذکورة و دار الأمر بین الامتثال الظنی و غیره من الشکی و الوهمی لا یجوز التنازل الی الامتثال الشکی و الوهمی فی مقام الامتثال؛لانه ترجیح المرجوح علی الراجح و هو قبیح،بل اللازم هو الأخذ بالامتثال الظنی.

هذا تمام الکلام فی الاستدلال الذی اقاموه علی حجیة الظن المطلق فی زمان الانسداد، و لکن الاستدلال المذکور لا یتم لعدم ثبوت بعض مقدماتها.

ملاحظات حول دلیل الانسداد

أمّا المقدمة الاولی فهی و إن کانت بدیهیة إلاّ أنّ العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحل بالعلم الاجمالی فی الدائرة الصغیرة و هی الأخبار،و معه لا موجب للاحتیاط إلاّ فی خصوص دائرة الأخبار،و مع اختصاص موارد الاحتیاط بموارد الروایات فلو تمت المقدمات الأخری لم یثبت إلاّ وجوب العمل بالروایات لا حجیة الظنّ المطلق،مع أن غرض الاستدلال بتلک المقدمات هو حجیة الظن المطلق و لو لم یستفد من الأخبار،فلا تغفل.

و أمّا المقدمة الثانیة ففیها منع عدم وفاء العلمی بمعظم الأحکام و أن انسدّ باب العلم؛ و ذلک لما یحکم به الوجدان من عدم بقاء العلم الاجمالی بالأحکام بعد الأخذ بأخبار الثقات و غیرها من الیقینیات و المعلومات التفصیلیة،و قد مرّ أن أخبار الثقات حجة و إن لم تفد الوثوق النوعی،و هکذا عرفت حجیة الخبر الموثوق الصدور و إن لم یکن رواتها ثقات.و من المعلوم أن أخبار الثقات مع الأخبار الموثوق بها مع ضمیمة الیقینیات و المعلومات التفصیلیة کانت وافیة بمعظم الفقه،و معها ینحل العلم الاجمالی،و لا مجال معها لدعوی الانسداد،کما لا یخفی.

ص:354

نعم من ذهب الی حجیة خصوص أخبار العدول أو خصوص ما یفید الوثوق الفعلی أو الوثوق النوعی-کما ذهب الیه فی الفرائد-لا یتمکن من دعوی الانفتاح؛لعدم کونها بمقدار معظم الأحکام.

و لعله لذا لم یجزم الشیخ فی الفرائد بمنع هذه المقدمة حیث جعل ثبوتها معلقا علی عدم ثبوت حجیة الأدلة المتقدمة لحجیة الخبر الواحد بمقدار یفی بضمیمة الأدلة العلمیة و باقی الظنون الخاصة باثبات معظم الأحکام الشرعیة. (1)

و لقد أفاد و أجاد فی الکفایة حیث قال:و أمّا المقدمة الثانیة أمّا بالنسبة الی العلم فهی بالنسبة الی أمثال زماننا بیّنة وجدانیة یعرف الانسداد کل من تعرض للاستنباط و الاجتهاد،و أمّا بالنسبة الی العلمی فالظاهر أنّها غیر ثابتة؛لما عرفت من نهوض الادلة علی حجیة خبر یوثق بصدقه و هو بحمد اللّه واف بمعظم الفقه لا سیّما بضمیمة ما علم تفصیلا منها،کما لا یخفی. (2)

و علیه فیختل دلیل الانسداد بمنع هذه المقدمة،و لا ثمرة للبحث عن سائر المقدمات إلاّ فی المشابهات للمقام مع ثبوت المقدمة الثانیة فیها.

کدعوی الانسداد فی ترجمة الرجال بعد وجود العلم الاجمالی بوجوب الأخذ بروایاتهم و انسداد باب العلم و العلمی فی ذلک،فیمکن الاعتماد علی الظن الحاصل من التراجم باحوال الرجال،فتدبّر.

و أمّا المقدّمة الثالثة فلا اشکال فی تمامیتها لوضوح أنّ عدم التعرّض لامتثال معظم الأحکام المعلومة بالإجمال مما یقطع بعدم رضی الشارع به بالضرورة.

و لیس وجه ذلک کون العلم الاجمالی منجزا،و إلاّ لزم جواز منع هذه المقدمة ممن لم یقل بکون العلم الاجمالی منجزا مطلقا أو فی صورة جواز ارتکاب بعض الاطراف لکون

ص:355


1- 1) فرائد الأصول:ص 112.
2- 2) الکفایة:ج 2 ص 116.

الاحتیاط عسریا أو فی صورة وجوب الاقتحام لکون الاحتیاط موجبا للاختلال،مع أنّه لم یتفوّه بذلک أحد.

فالوجه هو ما اشار إلیه الشیخ قدّس سرّه من أنّ المقتصر علی التدین بالمعلومات التارک للأحکام المجهولة جاعلا لها کالمعدومة یکاد یعدّ خارجا عن الدین،لقلة المعلومات التی أخذها و کثرة المجهولات التی أعرض عنها،و هذا أمر یقطع ببطلانه کل أحد بعد الالتفات الی کثرة المجهولات. (1)

و أمّا المقدمة الرابعة فهی بالنسبة الی الاحتیاط الذی یوجب اختلال النظام تامة؛إذ لا ریب فی عدم وجوبه لعدم رضا الشارع بذلک،کما هو واضح.

و أمّا بالنسبة الی الاحتیاط الذی یوجب العسر و الحرج فقد منع عدم وجوبه فی الکفایة بدعوی عدم حکومة قاعدة نفی العسر و الحرج علی قاعدة الاحتیاط؛لأنّ مفاد القاعدة المذکورة عنده هو نفی الحکم الشرعی العسری بلسان نفی الموضوع العسری،کما أنّ مفادها عند الشیخ هو نفی الحکم الشرعی العسری من أول الأمر،و علیه فلا حکومة لها علی الاحتیاط العسری إذا کان الاحتیاط بحکم العقل؛لعدم العسر فی متعلق الحکم الشرعی من الصلاة أو الصوم أو الوضوء،کما لا عسر فی نفس الحکم الشرعی،و انّما العسر من ناحیة الجمع بین محتملات التکلیف من باب الاحتیاط،و من المعلوم أنّ الجمع المذکور لا یجب إلاّ بحکم العقل،و المفروض أنّه غیر منفی بالقاعدة المذکورة.

و فیه:

أوّلا:أنّ المنفی فی قاعدة لا حرج و قاعدة لا ضرر لیس هو متعلق الحکم الشرعی أی الضار أو الموجب للحرج حتی یقال إنّ المنفی هو المتعلقات الشرعیة فلا یرتبط بالاحتیاط العقلی،و أیضا لیس المنفی هو الحکم العسری أو الضرری حتی یقال إنّ المنفی هو الحکم الشرعی فلا یرتبط بالاحتیاط العقلی.

ص:356


1- 1) فرائد الاصول:ص 113.

بل المنفی فیما هو نفس الحرج أو الضرر من أی سبب حصل سواء کان منشأهما هو الحکم الشرعی أو موضوعه أو الحکم العقلی الاقتضائی کوجوب الاحتیاط،و هذا هو الظاهر من تعلق النفی بنفس الحرج أو الضرر؛إذ جعل المنفی و هو الضرر او الحرج عنوانا مشیرا الی الضار أو الموجب للحرج أو الحکم الشرعی خلاف الظاهر،لأنّ لفظ الضرر أو الحرج اسم مصدر،و لیس عنوانا لغیره کالضار أو الحکم الشرعی العسری أو الضرری حتی یکون النفی راجعا الی الفعل الضرری أو الحرجی أو الحکم الشرعی.

ثم إنّ النفی هو نفی تشریعی بالنسبة الی نفس الضرر أو الحرج،و لیس اخبارا عن عدمهما،و إلاّ فهو خلاف الواقع،و المقصود من نفیهما هو نفی أسبابهما من تجویز الضرر و الاضرار و الحرج و الاحراج و الحکم الضرری و الحرجی و الاحتیاط الضرری أو الحرجی،ففی الحقیقة هو نفی أسباب الضرر أو الحرج شرعا بنفی نفس الضرر و الحرج شرعا.

لا یقال:إنّه لو کان المراد من نفی الضرر أو الحرج هو نفی نفس الضرر أو الحرج تشریعا لکان مفاد لا ضرر و لا حرج هو نفی حرمة الضرر،کما هو الحال فی مثل قوله علیه السّلام:«لا ربا بین الوالد و الولد»؛فانّ المراد نفی حرمة الربا بینهما،فلو کان المراد من قوله علیه السّلام:«لا ضرر أو لا حرج»نفی الضرر تشریعا لکان معناه نفی حرمة الاضرار بالنفس لا الغیر،و هذا مما لم یلتزم به أحد؛فانّ حرمة الاضرار بالغیر أو بالنفس فی الجملة مما لا کلام فیه،فهذا المعنی مما لا یمکن الالتزام به فی أدلة نفی الحرج و الضرر.

فیدور الأمر بین أن یکون المراد من النفی هو النهی عن الاضرار و الضرر بالغیر أو النفس،کما هو الحال فی مثل قوله تعالی: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جدالَ فانّ المراد منه هو نهی المحرم عن هذه الأمور.

أو أن یکون المراد من النفی هو النفی التشریعی،بمعنی نفی الحکم الضرری أو الحرجی فی الشریعة،کما ذهب الیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه،و هو الظاهر من أدلة نفی الحرج و الضرر بقرینة ما

ص:357

فی بعض الروایات من أنّه لا ضرر فی الاسلام أو فی الدین؛فانه ظاهر فی نفی تشریع الحکم الضرری فی دین الاسلام،و کذا قوله تعالی: ما جَعَلَ عَلَیْکُمْ فی الدّین منْ حَرَجٍ ظاهر فی نفی تشریع الحکم الحرجی. (1)

لانا نقول:أن دلیل لا ضرر أو لا حرج بقرینة کونهما فی مقام الامتنان و افادة سهولة الاسلام و الدین لا ینفیان الحرمة،بل المنفی فیهما هو التجویز،و معناه أن الضرر أو الحرج لا یجوزه الشارع لا بالنسبة الی الغیر و لا بالنسبة الی النفس،و بهذا الاعتبار یفید نفی نفس الضرر أو الحرج نفی تشریعهما و تجویزهما،و نفی تشریع الضرر أو الحرج من أی جهة کانت یستلزم نفی الموضوع الضرری أو الحکم الشرعی بل الاحتیاط العقلی أیضا؛لانّ الحکم العقلی فی أطراف العلم الاجمالی اقتضائی،و الحکم الاقتضائی یصلح لان یرفعه الشارع، و علیه فلا یجوز الشارع الموافقة القطعیة الموجبة للضرر أو الحرج.

ثم قوله(فی الاسلام)أو(فی الدین)فی بعض الأخبار أو فی الآیة الکریمة لا یوجب تخصیص النفی بالأحکام الشرعیة؛لانّ الدین أو الاسلام هو ظرف النفی لا المنفی،و المقصود أنّ فی دائرة الاسلام أو الدین لم یشرع الضرر أو الحرج من أی سبب کان.

هذا مضافا الی أنّ هذا القید بالنسبة الی لا ضرر لم یرد فی الروایات المعتبرة،کما لا یخفی.

و ثانیا:أنّه لو سلمنا أنّ مفاد لا ضرر أو لا حرج هو نفی الموضوع الضرری أو الحرجی کما ذهب الیه فی الکفایة،لا نفی نفس الضرر أو الحرج کما قویناه فلا وجه لدعوی أنّه لا یشمل الاحتیاط العقلی؛لأنّه أیضا من الموضوعات،و حیث أن الحکم العقلی فی أطراف المعلوم بالاجمال حکم اقتضائی و قابل لان یرفعه الشارع و لیس علة تامة کالعلم التفصیلی، فلا مانع من أن تشمله أدلة نفی الضرر أو الحرج لنفی وجوب الموافقة القطعیة الموجبة للحرج أو الضرر بلسان نفی الموضوع الضرری أو الحرجی.

و ثالثا:أنّه لو سلمنا أنّ مفاد لا ضرر أو لا حرج هو نفی الحکم الشرعی الضرری أو

ص:358


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 230.

الحرجی کما ذهب الیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه لا نفی نفس الضرر أو الحرج و لا نفی الموضوع الضرری أو الحرجی فلا وجه لدعوی أنه لا یشمل الاحتیاط العقلی أیضا؛لانّ مفاد أدلة لا ضرر أو لا حرج هو نفی الحکم الموجب للضرر أو الحرج،و لا اشکال فی أن وجوب الاحتیاط و هو الجمع بین المحتملات و إن کان عقلیا ناش من بقاء الحکم الشرعی الواقعی علی حاله،فهو المنشأ للحرج أو الضرر؛إذ الشیء یسند الی اسبق العلل،فیکون المرتفع بادلة نفی الحرج و الضرر هو الحکم الشرعی الواقعی،فیرتفع وجوب الاحتیاط بارتفاع موضوعه. (1)

و یشکل ذلک بانّ شمول لا ضرر و لا حرج بالاحتیاط التام لا یوجب اشکالا بناء علی أنّ المنفی هو نفس الضرر أو الحرج أو الموضوع الضرری أو الحرجی؛لانّ المنفی حینئذ هو بعض موارد الضرر و الحرج أو الموضوع الضرری و الحرجی،هذا بخلاف ما اذا کان المنفی هو نفس الحکم الشرعی الذی یکون منشأ للاحتیاط العقلی؛فانه یوجب الاشکال و الایراد،و هو أن مقتضی أدلة نفی الحرج حینئذ هو رفع أصل التکلیف الواقعی لا خصوص الاحتیاط فی بعض اطراف احتماله،فاذا رفع أصل التکلیف،فلا یکون وجه لرعایة التکلیف فی شیء من أطراف احتماله،فمرجع نفی العسر و الحرج حینئذ الی اهمال التکالیف الواقعیة و عدم وجوبها،و هو مناف للمقدمة الثالثة.

و أجاب عنه فی تسدید الأصول بأنّ الحق فی الجواب أن یقال:إنّ التکلیف و الحکم الواقعی هنا لیس حکما واحدا یجب بحکم العقل الاوّلی الاحتیاط فی أطراف احتماله،بل لا ریب أن هنا أحکاما متعددة،ثم أن من المعلوم أنّه لو کان فی البین تکالیف متعددة یوجب امتثال جمیعها عسرا و حرجا،فانّما یحکم بارتفاع عدة منها بمقدار یرتفع به العسر و الحرج.

غایة الأمر أنّه لو کان بینها ما یتعین رفعه عند دوران الامر بینه و بین غیره یحکم برفع هذا بخصوصه،و إلاّ تخیّر المکلّف بین المعاملة مع کل منها شاء برفعه.

ص:359


1- 1) راجع مصباح الاصول:ج 2 ص 229.

ففی ما نحن فیه لما کان لا یجوز العقل فی مقام الامتثال رفع الید عن التکالیف المظنونة و الأخذ بغیرها فلا محالة یحکم برفع التکالیف الموجودة فی الموارد المشکوکة و الموهومة، و تبقی الموارد المظنونة علی ما هی علیها من القوة و التنجز،فیجب الاحتیاط فیها.

فإن قلت:أن الحکم بنفی التکلیف عن بعض أطراف العلم مع أن موجبه موجود مقارنا مع العلم بأصل التکلیف یوجب عدم تنجز التکلیف من رأس،کما قرر فی مبحث العلم الاجمالی و حدوث الاضطرار مثلا الی طرف معین مقارنا لحصول العلم بالتکلیف،فمآل أدلة نفی العسر و الحرج الی اهمال التکالیف و عدم التعرض لامتثالها من رأس،و هو باطل.

قلت:أن الاتکال فی نفی التکلیف فی موارد الشک و الوهم الی أدلة نفی العسر و الحرج لا یتوقف علی العلم بوجود تکلیف فی مواردهما،فانه یصح و یکفی أن یقال إنّه لو لم یکن بینها تکلیف فلا ریب فی أنّ المکلف لا یؤخذ بشیء،و لو کان فلمکان ایجابه العسر و الحرج کان منفیا،و أما موارد الظن بالتکلیف فلا یبعد دعوی العلم الاجمالی بوجود تکالیف عدیدة بینها،فیجب القیام مقام امتثالها.

فما فی کلمات بعض أهل التحقیق من انهدام اساس منجزیة العلم الاجمالی بعد جریان أدلة نفی العسر و الحرج ممنوع. (1)

یرد علیه أیضا أنّ نفی التکلیف فیما فرض وجوده فی موارد الشک و الوهم لکونه موجبا للعسر و الحرج یستلزم عود الاشکال؛فانّ مع نفی التکلیف فی موارد الشک و الوهم ینتفی العلم،فیتنجز التکلیف من رأس؛فانّ التکلیف علی فرض وجوده فی موارد الشک و الوهم ینتفی مع کون موارد الشک و الوهم طرفا للعلم الاجمالی.

نعم لو فرض مع قطع النظر عن موارد الشک و الوهم حصول العلم الاجمالی بالتکلیف فی موارد الظن،فلا وجه لعدم تنجز التکلیف فی هذه الدائرة.

و لکنه لا یحتاج حینئذ فی نفی التکلیف فی موارد الشک و الوهم الی ادلة نفی الحرج؛فانّ

ص:360


1- 1) تسدید الاصول:ج 2 ص 114-115.

الشک فیهما شک فی الزائد علی المقدار العلم الاجمالی،و هو محل البراءة من دون کلام.

فالأولی فی نفی وجوب الاحتیاط العسری هو الاتکال الی الوجهین الأولین؛فان رفع الحکم العقلی بوجوب الموافقة القطعیة لا یوجب رفع التکلیف الواقعی و إن صح الحکم بنفی التکلیف فی موارد الشک و الوهم مع بقاء وجوب الاحتیاط فی موارد الظن؛لبقاء وجود العلم الاجمالی بین خصوص موارد الظن،فلا تغفل.

أ-و أمّا عدم جواز الرجوع الی فتوی الغیر فهو واضح ضرورة أنه لا یجوز ذلک إلاّ للجاهل لا للفاضل الذی اعتقد خطأ المجتهد الذی یدعی انفتاح باب العلم أو العلمی،بل رجوعه الیه من قبیل رجوع العالم الی الجاهل.

ب-و هکذا لا مجال للرجوع الی القرعة فی الشبهات الحکمیة؛لاختصاصها بالشبهات الموضوعیة فی الجملة،کما لا یخفی.

ج-و أمّا عدم جواز الرجوع الی الاصول العملیة،فان کان الأصل مثبتا للتکلیف و لم یکن من الاصول المحرزة کاصالة الاشتغال فلا مانع من الرجوع إلیها؛لعدم منافاتها مع العلم الاجمالی،بل هی مساعدة معه.

د-و إن کان الاصل مثبتا للتکلیف و کان من الاصول المحرزة کالاستصحاب المثبت للتکلیف فهو علی قسمین:

أحدهما:ما إذا لم یعلم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فیه،کما اذا کان الکأسان نجسین و لم یعلم تطهیر أحدهما فلا مانع من جریان استصحاب النجاسة و جواز الرجوع الیه،کما لا یخفی.

و ثانیهما:هو ما اذا علم اجمالا بالانتقاض،کما اذا کان الکأسان نجسین و علم بتطهیر أحدهما،و حینئذ فان قلنا بأنّ المانع من جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الاجمالی هو لزوم المخالفة العملیة فلا مانع من جریان الاستصحاب فی المقام؛لعدم لزوم المخالفة العملیة مع فرض کون الاستصحاب مثبتا للتکلیف.

ص:361

و إن قلنا بأنّ المانع هو نفس العلم الاجمالی بانتقاض الحالة السابقة و لو لم یلزم المخالفة العملیة،فلا یجری الاستصحاب المثبت للتکلیف فی المقام؛للعلم بانتقاض الحالة السابقة فی الجملة،کما هو المفروض.

و المقرر فی محله أن الجملة الثانیة فی حدیث لا تنقض و هو قوله(و لکن تنقضه بیقین آخر)تأکید للجملة الاولی؛لظهور الجملة الثانیة فی کون الیقین الآخر یقوم مقام الشک،و من المعلوم أنّ الذی یقوم مقام الشک هو الیقین التفصیلی،لا الیقین الاجمالی؛لانه مشوب بالشک،و علیه فمقتضی دلیل الاستصحاب هو عدم جواز نقض الیقین بالشک مطلقا سواء کان مقرونا بالعلم الاجمالی أولا،و مع الاطلاق المذکور یجری الاستصحاب مع العلم الاجمالی بالانتقاض أیضا،و لا یلزم من ذلک التناقض فی مدلول دلیل الاستصحاب؛إذ العلم الاجمالی علی الفرض المذکور لیس بناقض،و انّما الناقض هو الیقین التفصیلی، و المفروض أنّه مفقود فی المقام.

هذا،مضافا الی ما أفاده فی الکفایة من أنه لا مانع من جریان الاستصحاب حتی علی القول بأنّ العلم الاجمالی بانتقاض الحالة السابقة بنفسه مانع عن جریان الاستصحاب و لو لم یلزم منه مخالفة عملیة،بدعوی تناقض حرمة النقض فی کل واحد من الاطراف بمقتضی قوله(لا تنقض)مع وجوب النقض فی البعض کما هو قضیة(و لکن تنقضه بیقین آخر)،و ذلک لأنّ الاستنباط تدریجی،و المجتهد لا یکون ملتفتا الی جمیع الاطراف دفعة لیحصل له الشک الفعلی بالنسبة الی جمیع الاطراف،و یکون جریان الاستصحاب فی جمیع الاطراف فی عرض واحد موجبا للعلم الاجمالی بالانتقاض،و مع العلم الاجمالی بالانتقاض یلزم التناقض فی مدلول دلیله من شموله له.

و بالجملة فمع فرض صحة هذا القول لیس له صغری فی المقام مع عدم الالتفات الی جمیع الاطراف. (1)

ص:362


1- 1) راجع الکفایة:ج 2 ص 121-122.

و لکن یشکل ذلک بما فی مصباح الاصول من أن الاستنباط و إن کان تدریجیا و المجتهد لا یکون ملتفتا الی جمیع الشبهات التی هی مورد الاستصحاب دفعة،إلاّ أنّه بعد الفراغ عن استنباط الجمیع و جمعها فی الرسالة مثلا یعلم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فی بعض الموارد التی جری فیها الاستصحاب،فلیس له الافتاء بها. (1)

فالعمدة هو ما عرفت من أن العلم الاجمالی بالانتقاض لا یمنع عن جریان الاستصحاب؛ لانّ الناقض المذکور فی دلیل الاستصحاب هو العلم التفصیلی لا العلم الاجمالی،و علیه فلا مانع من الرجوع الی الأصول العملیة المثبتة،فالقول بعدم جواز الرجوع الی الاصول العملیة و لو کانت مثبتة غیر سدید.اللّهمّ إلاّ أن یقال:أن منظور الانسدادی من عدم الرجوع الی الاصول هی الاصول العملیة النافیة.

ه-و إن کان الأصول العملیة نافیة فالرجوع الیها ممنوع فیما اذا کان فی الرجوع إلیها محذور الخروج عن الدین أو الاهمال بالنسبة الی التکالیف الواقعیة المعلومة،کما هو الظاهر لکثرة الاصول النافیة،نعم لو لم یکن فی الرجوع إلیها محذور الخروج عن الدین و کان العلم الاجمالی بالتکالیف الواقعیة منحلا مع العلم بموارد التفصیل بضمیمة موارد جریان الاصول المثبتة للتکلیف،فلا مانع من الرجوع الی الاصول النافیة،و لکن ذلک مجرد فرض؛لانّ موارد العلم الاجمالی أکثر من موارد المعلوم بالتفصیل و لو بضمیمة موارد الاصول المثبتة، و معه فلا یجوز الرجوع الی الاصول النافیة،للزوم المخالفة العملیة مع العلم الاجمالی بالتکلیف.

هذا،مضافا الی لزوم المناقضة من شمول(لا تنقض)عند من یجعل المانع هو المناقضة فی المدلول.

و دعوی:عدم کون الشک فعلیا إلاّ فی بعض أطرافه و کان بعض اطرافه الآخر غیر ملتفت الیه فعلا اصلا کما هو حال المجتهد فی مقام استنباط الأحکام،فلا یکاد یلزم المناقضة

ص:363


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 228.

من جریان حدیث(لا تنقض)فی أطراف المعلوم بالاجمال؛فانّ قضیة(لا تنقض)لیس إلاّ حرمة النقض فی خصوص الطرف المشکوک،و لیس فیه علم بالانتقاض کی یلزم التناقض فی مدلول دلیله من شموله له. (1)

مندفعة:بما مر آنفا من أن الاستنباط و إن کان تدریجیا إلاّ أنّ المفتی بعد الفراغ عن استنباط جمیع ما فی رسالته یعلم اجمالا بانتقاض الحالة السابقة فی بعض موارد جریان الاستصحاب.و مقتضاه هو الکشف عن عدم شمول دلیل الاستصحاب لتلک الموارد.

و کیف ما کان فلا یجوز الرجوع الی الاصول النافیة مع لزوم المخالفة العملیة من جریانها، مضافا الی لزوم المناقضة فی مدلول دلیل الاستصحاب بناء علی أن الناقض أعم من العلم الاجمالی.

ربما یقال:أن عدم جواز الرجوع الی الاصول النافیة صحیحة فیما اذا دار الامر بین المظنونات و المشکوکات و الموهومات،بخلاف ما اذا قلنا بأنّ دائرة الاحتیاط بین المظنونات؛فانه یجوز الرجوع فی غیرها الی الاصول النافیة.

و توضیح ذلک:أن بعد ما کانت موضوعات التکالیف فی موارد الظن و الشک و الوهم بها مختلفة،ففی موارد الظن الشاملة للشهرات و الاجماعات المنقولة و أخبار الثقات و نحوها یحصل علم اجمالی بانطباق کثیر من هذه الظنون علی الواقع و وجود تکالیف الزامیة فیها،و العقل یحکم بالاحتیاط فیها.

و هذا بخلاف موارد الشک و الوهم فی التکلیف فلا علم اجمالا و لو بتکلیف واحد فیها، فالعلم الاجمالی الکبیر منحل بالعلم الاجمالی فی خصوص دائرة المظنونات و الشک البدوی فی غیرهما،و حینئذ العقل یحکم بالاحتیاط فی المظنونات و البراءة فی غیرها،و لا یلزم حینئذ عسر و لا حرج.

و لازمه و إن کان الاحتیاط فی ظن التکلیف لکنه لا من ناحیة تمامیة دلیل الانسداد،بل

ص:364


1- 1) راجع الکفایة:ج 2 ص 122.

ببرکة انحلال العلم الاجمالی الکبیر و حکم العقل بالاحتیاط فی المظنونات (1)،و یجوز حینئذ الرجوع الی الاصول النافیة فی غیر دائرة المظنونات؛لانّ الشک فیها شک بدوی،و لا یلزم من جریان الاصول النافیة فیها خروج عن الدین أو مخالفة عملیة؛لعدم العلم بالتکلیف فی دائرة المشکوکات و الموهومات بعد انحلال المعلومات بالاجمال فی دائرة المظنونات.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّه لا دلیل علی انحلال العلم الاجمالی بالتکالیف فی الدائرة الکبیرة بمجرد احتمال انطباقه مع العلم الاجمالی فی دائرة المظنونات التی لا دلیل علی اعتبارها؛ لمعارضة هذا الاحتمال باحتمال الانطباق و لو بالنسبة الی بعضها فی طرف المشکوکات و الموهومات،فدعوی انطباق المعلوم بالاجمال علی خصوص العلم الاجمالی فی طرف المظنونات بحیث لا یحتمل انطباقه و لو بعضها علی طرف الآخر من المشکوکات و الموهومات کما تری؛إذ لا ترجیح بینهما بعد عدم اعتبارهما،فتأمّل.

و أمّا المقدمة الخامسة فلا کلام بالنسبة الیها؛لانّ کل مورد یدور الامر فیه بین ترجیح المرجوح علی الراجح أو العکس یحکم العقلاء بلزوم ترجیح الراجح علی المرجوح و قبح العکس،و هذه کبری ثابتة عند العقل و العقلاء.

و حینئذ مع فرض تمامیة مقدمات الانسداد و دوران الامر فی المقام بین ترجیح الامتثال الظنی و بین ترجیح الامتثال الشکی أو الوهمی فلا اشکال فی تقدیم ترجیح الامتثال الظنی علی الامتثال الشکی أو الوهمی للقاعدة المذکورة؛إذ المفروض أنه لا طریقة للشارع فی الامتثال غیر طریقة العقلاء،و علیه فاللازم بعد الاخذ بالعلم التفصیلی و الاصول المثبتة هو الرجوع الی التکالیف المظنونة دون المشکوکة أو الموهومة،هذا اذا لزم من الاحتیاط فی جمیع الاطراف عسر و حرج کما هو المفروض.و إلاّ فاللازم هو الاحتیاط التام فی جمیع الاطراف لبقاء العلم الاجمالی بالتکالیف.

و لکن الکلام فی تمامیة المقدمات المذکورة بالنسبة الی المقام.

ص:365


1- 1) راجع تسدید الاصول:ج 2 ص 116.

و قد عرفت فی المقدمة الثانیة أن العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحل بالعلم الاجمالی فی الدائرة الصغیرة،و هی دائرة الاخبار؛إذ مع حجیة الأخبار و العلم بوجود تکالیف فعلیة بها بمقدار المعلوم بالاجمال لا یبقی علم بالتکلیف فی غیرها،فیجوز الرجوع فیه الی الاصول العملیة النافیة،فلا یدور الامر بین الامتثال الظنی و الامتثال الشکی أو الوهمی حتی یلزم ترجیح الظنی علی غیره،بل اللازم هو الاخذ بمفاد الاخبار بعد ثبوت حجیتها،فمع عدم الدوران بین الراجح و المرجوح فلا مجال لتطبیق کبری قبح ترجیح المرجوح علی المقام،کما لا یخفی.هذا مضافا الی أن قبح ترجیح المرجوح علی الراجح فیما اذا لم یکن المرجوح من ناحیة اخری ففی مثل المقام و أن کان الظن بالنسبة الی الاحتمال و الوهم راجحا و لکن ربما یکون المحتمل اقوی و اهم من الظنون بحسب الملاک بحیث یجب مراعاته فمجرد الدوران بین الظن و الشک لا یوجب ترجیح الظن علی الشک بل یتوقف التقدیم علی اثبات ان المحتمل لیس باقوی و اهم من الظنون بحسب الملاک و إلاّ فالمقدم هو المحتمل فلا ینتج المقدمات ترجیح الظن فی مطلق موارد دوران الامر بین الظن و الشک،او الوهم.فالاولی هو اضافة مقدمة اخری علی المقدمات و هی أن المحتمل و المشکوک لیس بحسب الملاک اقوی و اهم من الظن فلا تغفل.

و بالجملة فمع ثبوت حجیة الأخبار الآحاد و انحلال العلم الاجمالی بالتکالیف الواقعیة فیها لوفائها بها لا مجال لدلیل الانسداد فی المقام،کما لا یخفی.

نعم ربما تتم مقدمات دلیل الانسداد فی غیر المقام من موارد الامتثال.کما اذا ترددت القبلة بین الجهات الاربعة و ظن بها فی بعضها المعین و لم تقم بینة علی طرف منها و لم یجر اصل محرز فی طرف منهما و لم یمکن الاحتیاط لضیق الوقت،فمع تنجز التکلیف و عدم الانحلال و عدم امکان الاحتیاط یتعین الاخذ بالظن؛لقبح ترجیح المرجوح علی الراجح فی مقام الامتثال.

و هکذا یمکن التمسک بدلیل الانسداد فی الظنون الرجالیة أو اللغویة و غیرهما إذا تمت المقدمات فیها،فتدبّر جیدا.

ص:366

فتحصّل:أن الظن المطلق لا دلیل علی حجیته بعد کون المفروض هو انحلال العلم الاجمالی بالتکالیف الشرعیة فی دائرة الظنون الخاصة المعتبرة من الأخبار الآحاد؛لعدم تمامیة مقدمات الانسداد بالنسبة الی الظن المطلق،فلا تغفل.

ص:367

الخلاصة

و لا یخفی أن الظنّ المطلق یکون فی مقابل الظنّ الخاص کالظنّ الحاصل من الخبر أو ظهورات الألفاظ و الأدلّة التی مضت لحجّیّة الخبر من الآیات و الرّوایات و غیرهما دلّت علی حجّیّة الظنّ الخبری بخلاف أدلّة المقام فإنّها تدلّ علی اعتبار الظنّ المطلق و لا نظر لها إلی خصوص الظنّ الخبری.

ثمّ إنّ الأدلّة التی اقیمت علی حجّیّة الظنّ المطلق علی قسمین:

الأوّل:ما لا یختصّ بزمان الانسداد بل یشمل زمان الانفتاح و زمان إمکان تحصیل العلم أو العلمی بالأحکام الواقعیة.

و الثانی:ما یختصّ بزمان انسداد باب العلم أو العلمی و هو الذی یعبّر عنه بالظنّ الانسدادی و لذا یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:

فی الوجوه التی ذکروها لحجّیّة الظنّ المطلق من دون اختصاص لها بزمان الانسداد و هی متعدّدة:

الوجه الأوّل:

أنّ فی مخالفة المجتهد لما ظنّه من الحکم الوجوبی أو التّحریمی مظنّة للضرر و حیث إنّ دفع الضّرر لازم فالواجب حینئذ هو لزوم التبعیّة عما ظنّه من الحکم الإلزامی و هذا هو معنی الحجّیّة سواء کان زمان الانسداد أو زمان الانفتاح أورد علیه بأنّ الصغری ممنوعة سواء کان المراد من الضّرر المظنون هو العقوبة أو المفسدة أمّا إذا کان المراد من الضرر المظنون هو العقوبة فلأنّ استحقاق العقوبة علی الفعل أو الترک لیس ملازما للوجوب و التحریم بوجودهما الواقعی بل من آثار تنجیز التّکلیف و لا ینجّز التّکلیف إلاّ بالوصول و الظنّ غیر المعتبر لا یکون وصولا کیف و قد یتحقّق التحریم الواقعی و مع ذلک نقطع بعدم العقاب کالحرام و الواجب المجهولین جهلا بسیطا أو مرکّبا بل استحقاق الثواب و العقاب إنّما هو علی

ص:368

تحقّق الإطاعة و المعصیة اللّتین لا یتحقّقان إلاّ بعد العلم بالوجوب و الحرمة أو الظنّ المعتبر بهما و الظنّ غیر المعتبر لیس وصولا لهما و مع عدم الوصول یقبح العقاب علیه لأنّه عقاب بلا بیان نعم لو لم نقل باستقلال العقل بقبح العقاب بلا بیان کان احتمال العقوبة فی فرض الظنّ الغیر المعتبر بالحکم موجودا و لکنّه کما تری.

کلام حول حقّ الطّاعة

ربما یقال إنّ حقّ الطّاعة للّه تعالی ثابت علی عبیده و علی هذا یحکم العقل بوجوب إطاعته و لو فی موارد احتمال التّکلیف و هذا الإدراک العقلی لا یختصّ بالتکالیف المعلومة بل هو موجود فی المحتملات و المظنونات ما لم یرخص الشّارع فی ترک التحفّظ و الاحتیاط و علیه فالبراءة العقلیّة لا أصل لها لأنّه إذا کان حقّ الطاعة یشمل التکالیف المشکوکة فهو بیان رفع البیان فلا یکون عقاب اللّه للمکلّف إذا خالفها قبیحا لأنّ المکلّف یفرط فی حقّ مولاه بالمخالفة فیستحقّ العقوبة و مع عدم جریان قاعدة قبح العقاب فاحتمال العقوبة موجود و مع وجود احتمال العقوبة فی المظنونات و المشکوکات یجب رفعه لقاعدة وجوب دفع الضّرر المحتمل أو المظنون و یتمّ البرهان.

و یمکن الجواب بأنّ کبری لزوم إطاعة اللّه کسائر الکبریات العقلیّة و النقلیّة تتوقّف علی إحراز الموضوع و بدونه لا تنتج الحکم بلزوم الإتیان بشیء أو الترک فالمحتملات لا یحرز کونها إطاعة للمولی و مع عدم الإحراز فلا یترتّب علیها وجوب الإطاعة و احتمال العقوبة فیها ینتفی بقاعدة قبح العقاب بلا بیان بعد اختصاص حقّ الطّاعة بالتّکالیف المعلومة بالعلم الوجدانی أو العلمی عند العقلاء.

و الشّارع لم یتّخذ فی باب الامتثال طریقة غیر طریقة العقلاء و لو لا ذلک لبیّنها و لو بیّنها لشاعت و لبانت فی مثل هذه المسألة التی تکون مورد الابتلاء.

لا یقال إنّ مورد جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان عند العقلاء مختصّ بموارد إمکان

ص:369

البیان و مع ذلک لم یتبیّن و أمّا إذا لم یمکن البیان کما إذا منع شخص أن یتکلّم المولی و نعلم بأنّ المولی أراد بیان وجوب شیء أو حرمته ففی مثله لا تجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان.

و جمیع الموارد المحتملة للتّکالیف تکون من هذا القبیل فإنّ المولی الشّرعی مع حدوث الموانع من الظّلمة و الکذبة لا یتمکّن من البیان فلا یجوز الأخذ بقاعدة قبح العقاب بلا بیان فی تلک الموارد لنفی العقوبة المحتملة عند العقلاء و معه فاحتمال العقوبة موجود و یتمّ البرهان بضمیمة کبری وجوب دفع الضرر المظنون أو المحتمل لأنّا نقول موارد قاعدة قبح العقاب بلا بیان ثلاثة أحدها:الموارد التی أمکن للمولی البیان و لم یبیّن و لا إشکال فی جریان القاعدة فیها من دون فرق بین المولی الحقیقی و سائر الموالی.

و ثانیها:الموارد التی لا إشکال فی عدم جریانها فیها و هی التی فرض العلم بوجود الإرادات الحتمیّة للمولی مع عدم تمکّنه من البیان لوجود المانع و نحوه فإنّ العلم بالإرادة فی حکم البیان و لا مورد للقاعدة مع البیان کما لا یخفی.

و ثالثها:الموارد التی یشکّ فیها أنّها من قبیل الأولی أو الثانیة ففی هذه الموارد تجری القاعدة عند العقلاء إلاّ فی بعض مهامّ الامور إذ لا بیان و مع عدم البیان تجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان.

و دعوی العلم بالإرادة الحتمیّة مع عدم التّمکن من البیان بعد العلم بحصول الموانع من الظّلمة و الکذبة مندفعة بأنّ المفروض هو الشکّ فی الإرادة و الواقع بحسّ الموارد و مع الشکّ لا بیان کما لا یخفی.

و دعوی أنّه لا إشکال فی أنّ العقلاء بما هم کذلک لا یتوقّفون فی محتمل المطلوبیّة و لا یقتحمون فی محتمل المبغوضیّة فی مقاصدهم و أغراضهم فی شیء من الموارد و إذا کانوا کذلک فی الامور الرّاجعة إلیهم فبطریق أولی فی الامور الراجعة إلی موالیهم لأنّهم یرون العبد فانیا فی مقاصد الموالی و بمنزلة أعضائه و جوارحه بحیث یجب أن یکون مطلوبه مطلوب المولی و غرضه غرضه فإذا کان العبد فی اموره بحیث ینبعث أو یرتدع باحتمال النفع و الضّرر

ص:370

فیجب علیه بطریق أولی أن یرتدع بمجرّد احتمال کون هذا مطلوبا للمولی أو کون ذاک مبغوضا له و إذا کان هذا حکم العقلاء بما هم عقلاء فکیف یحکم العقل بقبح العقاب.

مندفعة بأنّه لو سلّمنا وجود البناء فی الموارد المذکورة فلا یمکن الاستدلال به فی مثل المقام بالأولویة لأنّ بناء الشّارع علی الأخذ بالسهولة و هذا الفرق یمنع عن التعدّی عن موارد البناء المذکور إلی المقام بالأولویّة.

هذا مضافا إلی أنّ وجود البناء فی الموارد التی شکّ فی أصل الإرادة و التّکلیف فیها غیر ثابت سواء تمکّن عن البیان أو لم یتمکّن فلا تغفل.

الوجه الثّانی:

أنّه لو لم یأخذ بالظنّ لزم ترجیح المرجوح علی الراجح و هو قبیح و علیه فیجب الأخذ بالظنّ المطلق و هذا هو معنی حجّیّة الظنّ.

و اجیب عنه بالمنع عن الکبری بدعوی أنّه لیس ترجیح المرجوح فی جمیع الموارد قبیحا لأنّ المرجوح قد یوافق الاحتیاط فالأخذ به فی هذا الصورة لیس قبیحا و فیه أنّ المرجوح المطابق للاحتیاط لیس العمل به ترجیحا للمرجوح بل هو جمع فی العمل بین الراجح و المرجوح مثلا إذا ظنّ عدم وجوب شیء و کان وجوبه مرجوحا فحینئذ الإتیان به من باب الاحتیاط لیس طرحا للراجح فی العمل لأنّ الإتیان لا ینافی عدم الوجوب.

فالأولی هو أن یجاب عنه بمنع الصغری فنقول إنّ الاستدلال بذلک إن کان فی صورة الانفتاح کما هو محلّ الکلام فی هذا المقام فلا دوران حینئذ لأنّ بعد قیام العلم أو العلمی بالنّسبة إلی الأحکام الواقعیّة فینحلّ العلم الإجمالی بالأحکام فی موارد العلم و العلمی و لا علم بوجودها بین مورد الظنّ و بین طرفه من الشکّ و الوهم حتّی یقال لزم الأخذ بالظنّ لئلاّ یلزم ترجیح المرجوح علی الراجح و حینئذ فمع عدم العلم بوجود الأحکام الشرعیّة بنی الظنّ و طرفه من الشکّ و الوهم یرجع إلی البراءة العقلیة أو الشرعیة فی جمیع الأطراف و لا یلزم من ترجیح المرجوح علی الراجح لأنّ نسبة البراءة إلی جمیع الأطراف متساویة.

ص:371

و إن کان الاستدلال بذلک فی صورة الانسداد و لزوم الأخذ بالظنّ أو طرفه من الشکّ و الوهم دار الأمر بین ترجیح الظنّ و ترجیح طرفه و لکنّه یتوقّف علی تمامیّة مقدّمات الانسداد و إلاّ فلا تصل النوبة إلی الدوران بین ترجیح الراجح و ترجیح المرجوح لأنّ اللازم علیه فی هذه الصورة هو أن یعمل بموارد الانحلال أو یعمل بالاحتیاط فی جمیع الأطراف لقاعدة الاشتغال فتحصّل أنّه لا دلیل علی حجّیّة الظنّ المطلق فی حال الانفتاح.

المقام الثّانی:

فی دلیل الانسداد و هذا الدّلیل الذی استدلّ به علی حجّیّة الظنّ المطلق فی زمان الانسداد مرکّب من عدّة مقدّمات یستقلّ العقل مع ثبوتها بکفایة الإطاعة الظنّیة أو یستکشف بها مشروعیّة التبعیّة عن الظنّ فی مقام الامتثال و هذه المقدّمات خمسة:

المقدّمة الاولی:

أنّه یعلم إجمالا بثبوت تکالیف کثیرة فی الشریعة الإسلامیّة و أطراف هذا العلم الإجمالی لا یختصّ بموارد الأخبار.

المقدّمة الثانیة:

أنّه ینسد باب العلم أو العلمی بالنّسبة إلی المعلوم بالإجمال.

المقدّمة الثالثة:

أنّه لا یجوز إجمال التکالیف و ترک التعرّض لامتثالها لتنجّزها بسبب العلم الإجمالی.

المقدّمة الرابعة:

أنّه لا مجال للرجوع إلی الوظائف المقرّرة للجاهل بالأحکام من الاحتیاط التّام للزوم الاختلال أو العسر و الحرج و من الرجوع إلی فتوی الغیر الذی یعتقد الانفتاح لمنافاته مع العلم بالانسداد و من الرّجوع إلی القرعة لعدم جواز الأخذ بها فی الشّبهات الحکمیة و من الرّجوع إلی الاصول العملیّة للزوم المخالفة العملیة من جریانها إن کانت نافیة و لغیر ذلک.

المقدّمة الخامسة:

أنّ ترجیح المرجوح علی الرّاجح قبیح.

ص:372

فإذا تمّت المقدّمات المذکورة و دار الأمر بین الامتثال الظّنّی و الشکّی أو الوهمی لا یجوز التنازل إلی الشکّی أو الوهمی فی مقام الامتثال لأنّه ترجیح المرجوح علی الراجح و هو قبیح.هذا تمام الکلام فی تقریب الاستدلال علی حجّیّة الظنّ المطلق.

ملاحظات حول دلیل الانسداد

أمّا المقدّمة الأولی فهی و إن کانت بدیهیّة إلاّ أنّ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحلّ بالعلم الإجمالی فی الدائرة الصّغیرة و هی الأخبار و معه لا موجب للاحتیاط إلاّ فی خصوص دائرة الأخبار و علیه فمع تمامیّة سائر المقدّمات لم یثبت إلاّ وجوب العمل بالظنون الحاصلة من الأخبار لا الظنّ المطلق.

و أمّا المقدّمة الثانیة ففیها منع عدم وفاء الدّلیل العلمی بمعظم الأحکام و إن انسدّ باب العلم و ذلک لما یحکم به الوجدان من عدم بقاء العلم الإجمالی بالأحکام بعد الأخذ بأخبار الثّقات و غیرها من یقینیّات و المعلومات التفصیلیّة و قد مرّ أنّ الأخبار الواردة عن الثّقات حجّة و إن لم تفد الوثوق النوعی و هکذا عرفت حجّیّة الخبر الموثوق الصّدور و إن لم یکن رواتها من الثقات و من المعلوم أنّ أخبار الثقات و الأخبار الموثوق بها مع ضمیمة الیقینیّات و المعلومات التفصیلیة وافیة بمعظم الفقه و معها ینحلّ العلم الإجمالی و لا مجال لمقدّمات الانسداد.

نعم لو قلنا بحجّیّة خصوص أخبار العدول أو خصوص ما یفید الوثوق الفعلی أو الوثوق النّوعی لما حصل الانحلال و حینئذ یکون لمقدّمات الانسداد مجال.

و بالجملة یختلّ دلیل الانسداد بمنع هذه المقدّمة و لا ثمرة للبحث عن سائر المقدّمات إلاّ فی المشابهات للمقام مع ثبوت المقدّمة الثانیة فیها کدعوی الانسداد فی ترجمة الرجال بعد وجود العلم الإجمالی بوجوب الأخذ بروایاتهم و انسداد باب العلم و العلمی فی ذلک الباب فیمکن الاعتماد علی الظنّ الحاصل من التراجم بأحوال الرجال.

ص:373

و أمّا المقدّمة الثّالثة فلا إشکال فی تمامیّتها لتنجّز التکالیف بسبب العلم الإجمالی و لا یجوز فی مقام الامتثال الاقتصار علی المعلوم بالتفصیل و إلاّ لزم الخروج عن الدین.

و أمّا المقدّمة الرابعة فهی تامّة بالنّسبة إلی الاحتیاط المخلّ بالنّظام لعدم رضا الشّارع بذلک و أمّا بالنّسبة إلی لزوم العسر و الحرج من الاحتیاط فقد یمنع عدم وجوبه بدعوی عدم حکومة قاعدة نفی العسر و الحرج علی قاعدة الاحتیاط إذا کان الاحتیاط بحکم العقل لعدم العسر فی متعلّق الحکم الشرعی و لا فی نفس الحکم و إنّما العسر من ناحیة الجمع بین محتملات التّکلیف و هو لا یجب إلاّ بحکم العقل و الحکم العقلی لیس بمنفی بقاعدة نفی العسر و الحرج.

و یمکن أن یقال إنّ المنفی نفس الحرج أو الضّرر من أیّ سبب حصل سواء کان منشأهما هو الحکم الشّرعی أو موضوعه أو الحکم العقلی الاقتضائی کوجوب الاحتیاط و هذا هو الظّاهر من تعلّق النّفی بنفس الحرج أو الضرر إذ جعل المنفی و هو الضّرر أو الحرج عنوانا مشیرا إلی الضّارّ أو الموجب للحرج أو الحکم الشرعی خلاف الظّاهر لأنّ لفظ الضّرر أو الحرج اسم مصدر و لیس عنوانا لغیره کالضّارّ أو الحکم الشرعی العسری أو الضّرری حتّی یکون النفی راجعا إلی الفعل الضرری أو الحرجی أو الحکم الشرعی و علیه فتمّت هذه المقدّمة.

لا یقال لو کان المراد من نفی الضّرر أو الحرج هو نفی نفس الضرر أو الحرج تشریعا لکان مفاد لا ضرر و لا حرج هو نفی حرمة الضرر أو الحرج و هذا ممّا لم یلتزم به أحد.

و علیه فیدور الأمر بین أن یکون المراد من النفی هو النهی عن الإضرار و الضّرر بالغیر أو النّفس کما هو الحال فی مثل قوله تعالی: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جدالَ فإنّ المراد منه نهی المحرم عن هذه الامور حال الإحرام.

أو أن یکون المراد من النفی هو النفی التشریعی بمعنی نفی الحکم الضّرری أو الحرجی فی الشریعة و هو الظاهر من أدلّة نفی الحرج و الضرر بقرینة ما فی بعض الرّوایات من أنّه لا ضرر فی الإسلام أو فی الدین.

ص:374

لانّا نقول إنّ دلیل لا ضرر و لا حرج بقرینة کونهما فی مقام الامتنان و إفادة سهولة الإسلام و الدین لا ینفیان الحرمة بل النفی فیهما هو التجویز و معناه أنّ الضرر أو الحرج لا یجوّزه الشّارع لا بالنّسبة إلی الغیر و لا بالنّسبة إلی النفس و بهذا الاعتبار یفید نفی نفس الضّرر أو الحرج و علیه تشریع تجویزهما من أیّ جهة کانت یستلزم نفی الموضوع الضّرری أو الحکم الشّرعی بل الاحتیاط العقلی أیضا لأنّ الحکم العقلی فی أطراف العلم الاجمالی اقتضائی و الحکم الاقتضائی قابل لأن یرفعه الشّارع و لا فرق فی شموله للحکم العقلی بین المبانی المذکورة من کون مفاد لا ضرر أو لا حرج نفی نفس الضّرر أو الحرج أو نفی الموضوع الضرری أو الحرجی أو نفس الحکم الشّرعی ثمّ قوله فی الإسلام أو فی الدّین لا یوجب تخصیص النّفی بالأحکام الشّرعیة لأنّ الدین أو الإسلام ظرف النفی لا المنفی هذا مضافا إلی أنّ القیدین المذکورین لم یردا فی الرّوایات المعتبرة.

و أمّا عدم جواز الرّجوع إلی فتوی الغیر فهو واضح ضرورة أنّه لا یجوز ذلک إلاّ للجاهل لا للفاضل الذی اعتقد خطأ المجتهد الذی یدّعی انفتاح باب العلم أو العلمی بل رجوعه إلیه من قبیل رجوع العالم إلی الجاهل.

و أمّا الرّجوع إلی القرعة فی الشّبهات الحکمیة فلاختصاصها بالشّبهات الموضوعیّة فی الجملة کما لا یخفی.

و أمّا عدم جواز الرّجوع إلی الاصول العملیّة فإن کان الأصل مثبتا للتکلیف و لم یکن من الاصول المحرزة کأصالة الاشتغال فلا مانع من الرجوع إلیها لعدم منافاتها مع العلم الإجمالی بل هی مساعدة معه.

و إن کان الأصل مثبتا و کان من الاصول المحرزة کاستصحاب المثبت للتکلیف فهو علی قسمین أحدهما ما إذا لم یعلم بانتقاض الحالة السابقة کما إذا کان الکأسان نجسین و لم یعلم تطهیر أحدهما فلا مانع من جریان استصحاب النجاسة و جواز الرجوع إلیه و ثانیهما ما إذا علم إجمالا بالانتقاض کما إذا کان الکأسان نجسین و علم بتطهیر أحدهما و حینئذ فإن قلنا

ص:375

بأنّ المانع من جریان الاستصحاب فی أطراف العلم الاجمالی هو لزوم المخالفة العملیّة فلا مانع من جریان الاستصحاب فی المقام لعدم لزوم المخالفة العملیّة مع فرض کون الاستصحاب مثبتا للتکلیف و إن قلنا بأنّ المانع هو نفس العلم الإجمالی بانتقاض الحالة السّابقة و لو لم یلزم المخالفة العملیّة فلا یجری الاستصحاب للتکلیف فی المقام للعلم بانتقاض الحالة السابقة فی الجملة و إن کان الاصول العملیّة نافیة فالرّجوع إلیها ممنوع فیما إذا کان فی الرّجوع إلیها محذور الخروج عن الدین أو الإهمال بالنّسبة إلی التکالیف الواقعیّة المعلومة کما هو الظّاهر لکثرة الاصول النافیة.

و أمّا المقدّمة الخامسة فلا کلام بالنّسبة إلیها لأنّ کلّ مورد یدور الأمر فیه بین ترجیح المرجوح علی الراجح أو العکس یحکم العقلاء بلزوم ترجیح الراجح علی المرجوح و قبح العکس و هذه کبری ثابتة عند العقل و العقلاء.

و حینئذ مع فرض تمامیّة المقدّمات المذکورة و دوران الأمر بین ترجیح الامتثال الظّنی و بین ترجیح الامتثال الشکّی أو الوهمی فلا إشکال فی تقدیم ترجیح الامتثال الظنّی للقاعدة المذکورة و المفروض أنّه لا طریقة للشارع غیر طریقة العقلاء و علیه فاللازم بعد الأخذ بالعلم التفصیلی و الاصول المثبتة هو الرجوع إلی التکالیف المظنونة دون المشکوکة أو الموهومة هذا إذا لزم من الاحتیاط فی جمیع الأطراف عسر و حرج کما هو المفروض و إلاّ فاللاّزم هو الاحتیاط التامّ فی جمیع الأطراف لبقاء العلم الإجمالی بالتّکالیف.

و لکن الکلام فی تمامیّة المقدّمات و قد عرفت فی المقدّمة الثانیّة أنّ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحلّ بالعلم الإجمالی فی الدائرة الصّغیرة و هی دائرة الأخبار إذ مع حجّیّة الأخبار و العلم بوجود تکالیف فعلیّة فیها بمقدار المعلوم بالإجمال لا یبقی علم بالتکالیف فی غیرها فیجوز الرّجوع فیه إلی الاصول العملیة النافیة فلا یدور الأمر بین الامتثال الظنیّ و الامتثال الشکّی أو الوهمی حتّی یجب ترجیح الظنّی علی غیره.

بل اللازم حینئذ هو الأخذ بمفاد الأخبار بعد ثبوت حجّیتها و لا ینتج المقدّمات ترجیح

ص:376

الظنّ فی مطلق موارد دوران الأمر بین الظنّ و الشکّ أو الوهم و بالجملة فمع ثبوت حجّیّة الأخبار الآحاد و انحلال العلم الإجمالی بالتّکالیف الواقعیّة فیها لوفائها بها لا مجال لدلیل الانسداد فی المقام.

نعم ربّما تتمّ مقدّمات دلیل الانسداد فی غیر المقام من موارد الامتثال کما إذا تردّدت القبلة بین الجهات الأربعة و ظنّ بها فی بعضها المعیّن و لم تقم بیّنة علی طرف منها و لم یجر أصل محرز فی طرف منهما و لم یکن الاحتیاط لضیق الوقت فمع تنجّز التّکلیف و عدم الانحلال و عدم إمکان الاحتیاط یتعیّن الأخذ بالظنّ لقبح ترجیح المرجوح علی الرّاجح فی مقام الامتثال.

فتحصّل أنّ الظنّ المطلق لا دلیل علی حجّیّته بعد کون المفروض هو انحلال العلم الإجمالی بالتکالیف الشّرعیة فی دائرة الظّنون الخاصّة المعتبرة من الأخبار الآحاد لعدم تمامیّة مقدّمات الانسداد بالنّسبة إلی الظنّ المطلق فلا تغفل.

التنبیهات
التنبیه الأول: أنه لا مجال لحجیة الظن المطلق

أنه لا مجال لحجیة الظن المطلق لا عقلا و لا شرعا بعد ما عرفت من عدم تمامیة مقدمات الانسداد؛إذ العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحل بأخبار الثقات بناء علی حجیة الأخبار،و معه لا مجال لحجیة الظن المطلق،بل لو لم نقل بحجیة الأخبار و لکن انحلّ العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة بالعلم الاجمالی فی دائرة المظنونات وجب العمل بالمظنونات من باب کونها أطراف المعلوم بالاجمال،و مقتضی العلم الاجمالی هو الاحتیاط فی الاطراف لا من باب حکم العقل بحجیة الظن علی تقریر الحکومة،و لا من باب کشف العقل عن حجیة الظن شرعا.و هذا واضح بعد عدم تمامیة مقدمات دلیل الانسداد.

و أمّا اذا تمت مقدمات دلیل الانسداد بأن لا ینحل العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة فهل یکون النتیجة هی حجیة الظن المطلق أو لا تکون؟

ص:377

فقد ذهب السید المحقّق الخوئی قدّس سرّه الی أنّ النتیجة حینئذ هی التبعیض فی الاحتیاط،لا حجیة الظن عقلا و لا شرعا حیث قال قدّس سرّه:و ملخّص ما ذکرناه فی هذا البحث أن انسداد باب العلم و العلمی موقوف علی عدم حجیة الأخبار سندا و دلالة،و قد أثبتنا حجیتها سندا و دلالة،و باثبات حجیتها ینفتح باب العلمی و ینحل العلم الاجمالی،فلا مانع من الرجوع الی الاصول العملیة فی غیر موارد قیام الأخبار.

و مع الغض عن ذلک و تسلیم عدم حجیة الأخبار کان مقتضی العلم الاجمالی هو الاحتیاط و الأخذ بجمیع الأخبار الموجودة فی الکتب المعتبرة الدالة علی التکلیف؛لانّ العلم الاجمالی الأول قد انحل بالعلم الثانی و الثانی بالثالث علی ما تقدم بیانه،و هذا الاحتیاط لا یوجب اختلال النظام و لا العسر و الحرج؛فانّ جماعة من أصحابنا الأخباریین قد عملوا بجمیع هذه الأخبار،و لم یرد علیهم الحرج و لا اختل علیهم النظام.

و علی تقدیر تسلیم عدم انحلال العلم الاجمالی الأول بدعوی العلم بأنّ التکلیف ازید من موارد الأخبار لا بد من التبعیض فی الاحتیاط علی نحو لا یکون مخلا بالنظام و لا موجبا للعسر و الحرج،فلو فرض ارتفاع المحذور بالغاء الموهومات وجب الاحتیاط فی المشکوکات و المظنونات،و اذا لم یرتفع المحذور بذلک یرفع الید عن الاحتیاط فی جملة من المشکوکات و یحتاط فی الباقی منها و فی المظنونات،و هکذا الی حدّ یرتفع محذور الاختلال و الحرج،و یختلف ذلک باختلاف الاشخاص و الازمان و الحالات الطارئة علی المکلف و الموارد،ففی الموارد المهمة التی علم اهتمام الشارع بها کالدماء و الاعراض و الاموال الخطیرة لا بد من الاحتیاط حتی فی الموهومات منها،و ترک الاحتیاط فی غیرها بما یرفع معه محذور الاختلال و الحرج.

فتحصّل:أن مقدمات الانسداد علی تقدیر تمامیتها عقیمة عن اثبات حجیة الظن لا بنحو الحکومة؛لما عرفت من عدم معقولیة حجیة الظن بحکم العقل،إذ العقل لیس بمشرع لیجعل الظن حجة،و انّما شأنه الادراک لیس إلاّ،فالجعل و التشریع من وظائف المولی،

ص:378

و العقل یدرک و یری المکلف معذورا فی مخالفة الواقع مع الاتیان بما یحصل معه الظن بالامتثال علی تقدیر تمامیة المقدمات،و یراه غیر معذور فی مخالفة الواقع علی تقدیر ترک الامتثال الظنی و الاقتصار بالامتثال الشکی أو الوهمی،و هذا هو معنی الحکومة. (1)

و لا بنحو الکشف؛لتوقفه علی قیام دلیل علی بطلان التبعیض فی الاحتیاط،و لم یقم، فتکون النتیجة التبعیض فی الاحتیاط،لا حجیة الظن. (2)

و علیه فمقدمات دلیل الانسداد علی تقدیر تمامیتها لا تنتج حجیة الظن بحکم العقل أو الشرع،نعم یری العقل من أخذ بالظن فی مقام الامتثال معذورا غیر مستحق للعقاب علی مخالفة الواقع،و من لم یأخذ بالظن فی مقام الامتثال مستحقا للعقاب علی مخالفة الواقع.

و الحکومة بهذا المعنی لا بد منه.

و لکن ذهب فی نهایة الأفکار الی أنّ الحق هو تقریر دلیل الانسداد علی نحو الحکومة العقلیة،بمعنی مثبتیة الظن للتکلیف عقلا الراجع الی تنزل الشارع من العلم الی الظن فی مقام الاثبات،لا فی مقام الاطاعة و الاسقاط.

و استدل لذلک بأنّ مسلک التبعیض یبتنی علی منجزیة العلم الاجمالی و عدم انحلاله بکشف وجود منجز آخر فی البین بمقدار الکفایة،و هی ممنوعة جدا؛لقیام الاجماع و الضرورة علی بطلان الخروج من الدین،و لو فرض عدم علم اجمالی رأسا أو فرض عدم منجزیته للتکلیف؛إذ بمثله یکشف عن وجود مرجع آخر فی البین بمقدار الکفایة غیر العلم الاجمالی موجب لانحلاله،و لذلک جعلنا هذا المحذور هو العمدة فی المستند؛لعدم جواز الاهمال،مضافا الی ما أوردنا علیه سابقا من لزوم سقوطه عن المنجزیة أیضا بمقتضی الترخیص المطلق فی طرف الموهومات بل المشکوکات من جهة الاضطرار أو الحرج و العسر المقارن للعلم الاجمالی،فبعد سقوط العلم الاجمالی یتعین تقریر الحکومة؛إذ بعد

ص:379


1- 1) مصباح الاصول:ج 2 ص 240.
2- 2) مصباح الاصول:ج 2 ص 233-234.

انسداد باب العلم و العلمی و عدم ثبوت جعل من الشارع و لو بمثل ایجاب الاحتیاط یحکم العقل بلزوم اتخاذ طریق فی امتثال الأحکام بمقدار یرتفع به محذور الخروج عن الدین، و یتعین فی الظن باعتبار کونه أقرب الی الواقع من الشک و الوهم،فیحکم بلزوم الأخذ به، و الرجوع فیما عداه الی البراءة.و مع حکم العقل بذلک لا مجال للکشف لاحتمال ایکال الشارع فی حکمه بلزوم تعرض الأحکام الی هذا الحکم العقلی؛إذ مع الاحتمال المزبور لا یبقی طریق لکشف جعل من الشارع فی البین. (1)

و لا یخفی علیک أنه لا یبعد دعوی العلم الاجمالی بوجود تکالیف عدیدة بین المظنونات مع قطع النظر عن العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة،و لذا قلنا بانحلال العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة بوجود العلم الاجمالی فی دائرة المظنونات،و من المعلوم أن انحلال العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة أو عدم منجزیته لا یضر بوجود العلم الاجمالی فی دائر المظنونات و منجزیته.

و علیه فمقتضی العلم الاجمالی فی دائرة المظنونات هو وجوب الاحتیاط التام فی أطرافها لا من باب کون الظن مثبتا للحکم و لا من باب التبعیض فی الاحتیاط،بل من باب کون المظنونات هی أطراف المعلوم بالاجمال.

و دعوی:انحلال العلم الاجمالی فی أطراف المظنونات بعنوان ما لولاه لزم الخروج عن الدین.

مندفعة:بأنّ الانحلال المذکور لو تم لا یوجب أن یکون الظن مثبتا للحکم،بل العنوان المذکور یکون فی دائرة المظنونات،و اللازم فی اتیان هذا العنوان هو الاحتیاط فی أطراف المظنونات حتی یمتثل.هذا،مضافا الی ما مر سابقا من أن الترخیص فی بعض أطراف المعلوم بالاجمال لا یوجب سقوط العلم الاجمالی عن التنجیز فیما اذا کانت التکالیف متعددة.

و علیه فلو لم نقل بانحلال العلم الاجمالی فی الدائرة الکبیرة فلا محیص عن حکم العقل

ص:380


1- 1) نهایة الأفکار:ج 3 ص 161-162.

بالتبعیض فی الاحتیاط دفعا لمحذور الاختلال أو العسر و الحرج،و العقل یحکم بمعذوریة من أتی بالمظنونات و ترک الموهومات أو المشکوکات دفعا لمحذور الاختلال أو العسر و الحرج، و هو معنی الحکومة العقلیة فی مقام الامتثال،فالحکومة بهذا المعنی ثابتة.و أمّا بمعنی جعل الظن حجة عقلا أو شرعا فلا دلیل له و لا تفیده مقدمات دلیل الانسداد،فتدبّر جیدا.

و علیه یسقط کثیر من المباحث المتفرعة علی ثبوت حجیة الظن بمقدمات الانسداد، منها:أنّ نتیجة دلیل الانسداد هی حجیة الظن بالواقع أو الظن بالطریق أو الأعم منهما.

التنبیه الثانی: انّ دلیل الانسداد علی تقدیر تمامیة مقدماته مختص بالفروع

انّ دلیل الانسداد علی تقدیر تمامیة مقدماته مختص بالفروع،و لا یجری فی الاصول الاعتقادیة؛لعدم جواز الاکتفاء بالظن فیما یجب معرفته عقلا،إذ لا یصدق المعرفة علی الظن، و هذا هو مقتضی ما قرّر فی بحث القطع من أنّ الامارات لا تقوم مقام القطع إذا أخذ علی نحو الصفتیة

و لذا قال فی الکفایة:لا بد من تحصیل العلم لو امکن،و مع العجز عنه کان معذورا إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضیة المطلب مع قلة الاستعداد. (1)

و لقائل أن یقول:یجب علی من لم یتمکن من المعرفة التفصیلیة أن یعتقد بما هو الواقع بنحو الاجمال،فتأمّل.هذا کله بالنسبة الی الظن المتعلق بما تجب معرفته عقلا أو شرعا.

و أمّا اذا کان الظن متعلقا بالامور الدینیة التی یجب التبانی و عقد القلب علیها و التسلیم و الانقیاد لها کتفاصیل البرزخ و تفاصیل المعاد و نحو ذلک مما لا یجب تحصیل معرفتها،و انّما الواجب عقد القلب علی تقدیر اخبار النبی صلّی اللّه علیه و آله بها.

فقد فصل السید المحقق الخوئی قدّس سرّه بین الظن الخاص و بین الظن العام حیث قال:فان کان الظن المتعلق بهذه الأمور من الظنون الخاصة الثابتة حجیتها بغیر دلیل الانسداد فهو حجة، بمعنی أنه لا مانع من الالتزام بمتعلقه و عقد القلب علیه؛لانه ثابت بالتعبد الشرعی بلا فرق

ص:381


1- 1) الکفایة:2 ج ص 156.

بین أن تکون الحجیة بمعنی جعل الطریقیة کما اخترناه أو بمعنی جعل المنجزیة و المعذریة کما اختاره صاحب الکفایة(لان عقد القلب و التسلیم من الواجبات التعبدیة و یصح فیها التنجیز و التعذیر).

و إن کان الظن من الظنون المطلقة الثابتة حجیتها بدلیل الانسداد بناء علی تمامیة مقدمات الانسداد فلا یکون حجة،بمعنی عدم جواز الالتزام و عقد القلب بمتعلقه،لعدم تمامیة مقدمات الانسداد فی المقام،إذ منها عدم جواز الاحتیاط لاستلزامه اختلال النظام أو عدم وجوبه لکونه حرجا علی المکلف،و الاحتیاط فی هذا النوع من الامور الاعتقادیة بمکان من الامکان بلا استلزام للاختلال و الحرج؛إذ الالتزام بما هو الواقع و عقد القلب علیه علی اجماله لا یستلزم الاختلال،و لا یکون حرجا علی المکلّف.

و أمّا إذا کان الظنّ متعلّقا بالأمور التکوینیة أو التاریخیة فان لم یقم علی اعتباره دلیل خاص و هو الذی نعبر عنه بالظن المطلق فلا حجیة له،کما هو الظاهر.

(و لعل وجه الظهور أن الامور التکوینیة أو التاریخیة أجنبیة عن الأحکام و مقام الاطاعة و الامتثال،و علیه فالظن المتعلق بها خارج عن موضوع دلیل الانسداد).

و أمّا إن کان من الظنون الخاصة،فان کانت الحجیة بمعنی جعل غیر العلم علما بالتعبد یکون الظن المذکور حجة باعتبار أثر واحد،و هو جواز الإخبار بمتعلقه؛لأن جواز الإخبار عن الشیء منوط بالعلم به،و قد علمنا به بالتعبد الشرعی.

و إن کانت الحجیة بمعنی کونه منجزا و معذرا فلا یعقل ذلک إلاّ فیما اذا کان لمؤداه أثر شرعی،و هو منتف فی المقام؛إذ لا یکون أثر شرعی للموجودات الخارجیة و لا للقضایا التاریخیة لیکون الظن منجزا و معذرا بالنسبة الیه.

و أما جواز الإخبار عن شیء فهو من آثار العلم به،لا من آثار المعلوم بوجوده الواقعی؛ و لذا لا یجوز الإخبار عن شیء مع عدم العلم به و لو کان ثابتا فی الواقع.

و یتفرع علیه أنه لا یجوز الإخبار البتی بما فی الروایات من الثواب علی المستحبات أو الواجبات بأن نقول من صام من رجب مثلا کان له کذا،بل لا بد من نصب قرینة دالة علی

ص:382

أنه مروی عن الأئمة علیهم السّلام بأن نقول مثلا روی أنه من صام فی رجب کان له کذا. (1)

هذا بخلاف ما اذا قلنا بأنّ الحجیة بمعنی جعل غیر العلم علما لجواز الاخبار البتی حینئذ بما فی الروایات من الثواب و العقاب و الخواص و غیر ذلک،کما جاز له ذلک إذا علم وجدانا بما فیها،کما لا یخفی.

التنبیه الثالث: أنه لا اشکال فی النهی عن القیاس

أنه لا اشکال فی النهی عن القیاس بناء علی ما مر من عدم استفادة حجیة الظن من مقدمات الانسداد علی تقدیر تمامیتها؛إذ لا منافاة بین عدم حجیة الظن المطلق و النهی عن القیاس،بل لا اشکال فی النهی عن القیاس أیضا مع القول بحجیة الظن المطلق بدلیل الانسداد بناء علی الکشف؛إذ للشارع أن یجعل الحجیة لبعض الظنون دون البعض الآخر حسبما تقتضیه المصلحة،فمع احراز نهی الشارع عن القیاس لا مجال لکشف العقل عن حجیة الظن القیاسی و أن کشف حجیة الظن المطلق شرعا بدلیل الانسداد.

و انّما الاشکال فی وجه خروج الظن الحاصل من القیاس عن عموم حجیة الظن بدلیل الانسداد بناء علی الحکومة.

و تقریر الاشکال علی المحکی عن الأمین الاسترابادی أنه کیف یجامع حکم العقل بکون الظن کالعلم مناطا للاطاعة و المعصیة و یقبح علی الآمر و المأمور التعدی عنه و مع ذلک یحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القیاس و لا یجوز الشارع العمل به؟!فانّ المنع عن العمل بما یقتضیه العقل من الظن أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممکنا جری فی غیر القیاس،فلا یکون العقل مستقلا؛إذ لعله نهی عن امارة مثل ما نهی عن القیاس و اختفی علینا،و لا دافع لهذا الاحتمال إلاّ قبح ذلک علی الشارع؛إذ احتمال صدور ممکن بالذات عن الحکیم لا یرتفع إلاّ بقبحه،و هذا من افراد ما اشتهر من أنّ الدلیل العقلی لا یقبل التخصیص.

أورد علیه فی الکفایة بقوله:و انت خبیر بأنه لا وقع لهذا الاشکال بعد وضوح کون حکم

ص:383


1- 1) مصباح الاصول:ج 2،ص 235-239.

العقل بذلک معلقا علی عدم نصب الشارع طریقا و أصلا و عدم حکمه به فیما کان هناک منصوب و لو کان اصلا بداهة أن من مقدمات حکمه عدم وجود علم و لا علمی،فلا موضع لحکمه مع احدهما...الی أن قال:فلا یکون نهیه عنه رفعا لحکمه عن موضوعه،بل به یرتفع موضوعه. (1)

التنبیه الرابع: انّ ظهور الألفاظ حجة عند العقلاء

انّ ظهور الألفاظ حجة عند العقلاء،و لا یرفع الید عنه إذا حصل الظن غیر المعتبر علی خلافه؛لعدم اختصاص دلیل حجیته بما اذا لم یکن الظن غیر المعتبر علی خلافه،و علیه فلو کان اللفظ بنفسه ظاهرا فی معنی و خالفه المشهور لا یسقط ظهور اللفظ عن الحجیة مع احتمال أن یکون وجه المخالفة هو اجتهادهم و استنباطهم.

نعم اذا احرز أن وجه المخالفة مستند الی دلالة حاق اللفظ لا الی ظنونهم و اجتهاداتهم یستکشف بذلک أن اللفظ فی ذلک العصر ظاهر فی المعنی الذی فهموه و ما فهمنا منه فی عصرنا خلاف الظاهر،فاللازم هو الأخذ بما فهمه المشهور.

و هکذا إذا أحرز أن مخالفتهم مع الظاهر مستند الی قیام دلیل علی التخصیص أو التقیید لا من ناحیة الاجتهاد و الاستنباط،کما لعله کذلک فی قاعدة القرعة لکل امر مشتبه مع وضوح معناها،فیؤخذ بما ذهب الیه المشهور؛فانه یکشف عن المخصص أو المقید،کما لا یخفی.

و بالجملة فالظن المستفاد من فتوی المشهور و إن لم یکن علی اعتباره دلیل ربما یکشف قطعیا عن الظهور من حاق اللفظ أو المقید أو المخصص،فمع الکشف عن الظهور المستند الی حاق اللفظ أو وجود المقید أو المخصص فاللازم هو الاتباع للظهور المستکشف أو المقید أو المخصص؛و لذا لا یعمل بعموم قاعدة القرعة،و لا منافاة بین أن لا یکون الشهرة الفتوائیة حجة و مع ذلک تکشف عن الظهور المذکور أو وجود المقید أو المخصص،فلا تغفل.

ص:384


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 144.
التنبیه الخامس: أن الثابت بمقدمات دلیل الانسداد فی الأحکام علی تقدیر تمامیتها

أن الثابت بمقدمات دلیل الانسداد فی الأحکام علی تقدیر تمامیتها و افادة حجیة الظن فی مقام اثبات التکلیف أو اسقاطه هو حجیة الظن فی هذا المقام المنسد فیها باب العلم و العلمی،لا فی مقام تطبیق المأمور به علی المأتی به فی الخارج،و علیه فیرجع الی الظن فی مقام تعیین الحکم الکلی.

و أمّا بعد تعیین الحکم الکلی و حصول الشک فی أن المأمور به ینطبق علی المأتی به أولا فلا یجوز أن یعتمد علی الظن المطلق،بل لا بد من أن یقطع بانطباق المأمور به علی المأتی به بمقتضی أن الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی.

نعم قد یجری دلیل الانسداد فی بعض الموضوعات الخارجیة کموضوع الضرر أو العدالة أو النسب و نحوها مما لها أحکام کثیرة،فاذا کان باب العلم و العلمی فیها منسدا فی الغالب بحیث لا یعلم به إلاّ بعد الوقوع فیه کالضرر أو بحیث یترک الواجب کما فی العدالة أو النسب و علم أن الشارع لا یرضی بذلک و لا یمکن الاحتیاط عقلا أو شرعا أمکن دعوی جریان دلیل الانسداد فیه و الاکتفاء بمجرد الظن فی ترتب الأحکام.

إلاّ انه لا حاجة الیه فی مثل الضرر فی بعض الموارد کالصوم؛لاناطة الحکم فیه علی خوف الضرر فی الروایات،فلا تغفل.

التنبیه السادس: أنه هل یکتفی فی تعیین معنی موضوعات الاحکام الکلیة بالظن الانسدادی

أنه هل یکتفی فی تعیین معنی موضوعات الاحکام الکلیة بالظن الانسدادی أو لا یکتفی؟

ذهب بعض الی الأول قائلا بأنّ الأخذ بالظن فی ناحیة الموضوعات یرجع الی الأخذ بالظن فی تعیین الحکم الکلی،فمع تمامیة مقدمات الانسداد و افادة حجیة الظن یجوز الرجوع الیه،و لکن المقدمات غیر تامة بعد ما عرفت من جواز الرجوع فی موارد الاستعمال أو تراکیب الکلمات الی أهل اللغة؛لانهم خبراء ذلک،و معه لا تصل النوبة الی الاکتفاء بالظن الانسدادی.

ص:385

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إن الرجوع الی الخبرة لا یخرج الراجع الی الخبرة عن الجهل،و علیه فالتقلید عن الراجع تقلید عن الجاهل.نعم یجوز له الاعتماد علی الخبرة فی عمل نفسه.

و لکن یمکن أن یقال:أن اللغویین متعددون،و حیث إنهم یشهدون علی موارد الاستعمال و معانی التراکیب فالاعتماد علیهم اعتماد علی البینة و الشهادة،فلا اشکال حینئذ فی تقلید من اعتمد علی الشهادة،فانه اعتمد علی العلمی،فلو لم یکن المورد من موارد الشهادة فلا بد من أن یعتمد علی الظن من باب الانسداد،فلا تغفل.

و یلحق به الظن الحاصل من توثیق أهل الرجال؛فانّ الأخذ بالظن فی ناحیة رجال الأحادیث یرجع أیضا الی الأخذ بالظن فی الحکم الشرعی،فمع تمامیة مقدمات الانسداد یکون الظن المطلق حجة فیها أیضا و یصح أن یعتمد علیه.

و هذا أیضا مبنی علی تمامیة المقدمات بأن یقال:إنّا مکلّفون بأخذ قول العدول و الثقات و تشخیص العدالة أو الوثاقة بتعدیل العدلین بالنسبة الی جمیع الرواة فی عصرنا غیر میسور،فالامر یدور بین رفع التکلیف و بین الاحتیاط التام و بین الاکتفاء بالظن فی تشخیصهما،و الأول ممنوع،و الثانی متعذر أو متعسر،فانحصر الامر فی جواز الاکتفاء بالظن فی تشخیص الثقة أو العدل،فیجوز الاعتماد علی الظن المستفاد من توثیق أهل الرجال فی الموارد التی لم یتحقق فیها شهادة العدلین،فتدبّر جیدا.

و دعوی:أن أکثر الأخبار تکون معمول بها عند المشهور و معظم الأصحاب،و معه لا حاجة الی الظن الرجالی،بل لا یلزم من الرجوع الی الاصول النافیة فیما عداها محذور المخالفة مع العلم الاجمالی أو الخروج عن الدین،و علیه فلا یتم مقدمات الانسداد.

مندفعة:بالمنع عن کون أکثر الأخبار هی معمول بها؛لعدم احراز استنادهم إلیها،فتدبّر جیّدا.

ص:386

الخلاصة

التنبیهات

التّنبیه الأوّل:

أنّه لا مجال لحجّیّة الظنّ المطلق لا عقلا و لا شرعا بعد ما عرفت من عدم تمامیّة مقدّمات الانسداد إذ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة ینحلّ بأخبار الثّقات معه لا مجال لحجّیّة الظنّ المطلق بل لو لم نقل بحجّیّة أخبار الثّقات و لکن انحلّ العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة بالعلم الإجمالی فی دائرة الصّغیرة و هی المظنونات وجب العمل بالمظنونات من باب کونها أطراف المعلوم بالإجمال و مقتضی العلم الإجمالی هو الاحتیاط التّامّ فی الأطراف لا من باب حکم العقل بحجّیّة الظنّ علی تقریر الحکومة و لا من باب کشف العقل عن حجّیّة الظنّ شرعا هذا بناء علی عدم تمامیّة مقدّمات الانسداد.

و أنّ بناء علی تمامیّة المقدّمات و عدم انحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة فهل یکون النتیجة هی حجّیّة الظنّ المطلق أو لا.

یمکن أن یقال إنّ النتیجة هی التبعیض فی الاحتیاط لا حجّیّة الظنّ عقلا و لا شرعا و ذلک لأنّ علی تقدیر تسلیم عدم انحلال العلم الإجمالی الأوّل بدعوی کون العلم بالتّکلیف أزید من موارد الأخبار لا بدّ من التبعیض فی الاحتیاط علی نحو لا یکون مخلا بالنظام و لا موجبا للعسر و الحرج فلو فرض ارتفاع المحذور بإلغاء الموهومات وجب الاحتیاط فی المشکوکات و المظنونات و إذا لم یرتفع المحذور بذلک یرفع الید عن الاحتیاط فی جملة من المشکوکات و یحتاط فی الباقی منها و فی المظنونات و هکذا إلی حدّ یرتفع محذور الاختلال و الحرج و یختلف ذلک باختلاف الأشخاص و الأزمان و الحالات الطارئة علی المکلّف و الموارد ففی الموارد المهمّة التی علم اهتمام الشّارع بها کالدّماء و الأعراض و الأموال الخطیرة لا بدّ من الاحتیاط حتّی فی الموهمات منها و ترک الاحتیاط فی غیرها بما یرفع معه محذور الاختلال و الحرج.

ص:387

فتحصّل أنّ مقدّمات الانسداد علی تقدیر تمامیّتها عقیمة عن إثبات حجّیّة الظنّ لا بنحو الحکومة لما عرفت من أنّ العقل لیس بمشرع لیجعل الظنّ حجّة و إنّما شأنه الإدراک لیس إلاّ، فالجعل و التشریع من وظائف المولی.نعم العقل یدرک و یری المکلّف معذورا فی مخالفة الواقع مع الإتیان بما یحصل معه الظنّ بالامتثال علی تقدیر تمامیّة المقدّمات و یراه غیر معذور فی مخالفة الواقع علی تقدیر ترک الامتثال الظنّی و الاقتصار بالامتثال الشکیّ أو الوهمی و الحکومة بهذا المعنی ممّا لا بدّ منه.

و لا بنحو الکشف لتوقّفه علی قیام دلیل علی بطلان التّبعیض فی الاحتیاط و لم یقم و علیه فتکون النتیجة التبعیض فی الاحتیاط لا حجّیّة مطلق الظنّ.

و لکن ذهب بعض المحقّقین إلی أنّ الحقّ هو تقریر دلیل الانسداد علی نحو یفید الحکومة العقلیة بمعنی أنّ الظنّ مثبت للتکلیف عقلا لا بمعنی المعذوریّة فی مقام الامتثال و استدلّ لذلک بأنّ مسلک التبعیض مبنی علی منجّزیّة العلم الإجمالی و عدم انحلاله بکشف وجود منجّز آخر فی البین بمقدار الکفایة و هی ممنوعة جدّا لقیام الإجماع و الضّرورة علی بطلان الخروج من الدین و لو فرض عدم علم إجمالی رأسا أو فرض عدم منجّزیّته للتکلیف.

إذ بمثله یکشف عن وجود مرجع آخر فی البین بمقدار الکفایة غیر العلم الإجمالی موجب لانحلاله و لذلک جعلنا هذا المحذور هو العمدة فی المستند لعدم جواز الإهمال.

هذا مضافا إلی لزوم سقوطه عن المنجّزیّة أیضا بمقتضی التّرخیص المطلق فی طرف الموهومات بل المشکوکات من جهة الاضطرار أو الحرج و العسر المقارن للعلم الإجمالی فبعد سقوط العلم الإجمالی یتعیّن تقریر الحکومة إذ بعد انسداد باب العلم و العلمی و عدم ثبوت جعل من الشّارع و لو بمثل ایجاب الاحتیاط یحکم العقل بلزوم اتخاذ طریق فی امتثال الأحکام بمقدار یرتفع به محذور الخروج عن الدین و یتعیّن فی الظنّ باعتبار کونه أقرب إلی الواقع من الشکّ و الوهم فیحکم بلزوم الأخذ به و الرجوع فیما عداه إلی البراءة و مع حکم العقل بذلک لا مجال للکشف لاحتمال إیکال الشارع فی حکمه بلزوم تعرّض الأحکام إلی

ص:388

هذا الحکم العقلی إذ مع الاحتمال المزبور لا یبقی طریق لکشف جعل من الشّارع فی البین.

و یمکن الجواب عنه بأنّه لا یبعد دعوی العلم الإجمالی بوجود التّکالیف عدیدة بین المظنونات مع قطع النظر عن العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة و بهذا قلنا بانحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة بوجود العلم الإجمالی فی دائرة الصّغیرة و هی دائرة المظنونات و من المعلوم أنّ انحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة أو عدم منجّزیّته لا یضرّ بوجود العلم الإجمالی فی دائرة المظنونات و منجّزیّته و علیه فمقتضی بقاء العلم الإجمالی فی دائرة المظنونات و منجّزیّته هو وجوب الاحتیاط التامّ فی أطرافها لا من باب کون الظنّ مثبتا للحکم و لا من باب التبعیض فی الاحتیاط بل من باب کون المظنونات هی أطراف المعلوم بالإجمال.

هذا مضافا إلی أنّ التّرخیص فی بعض أطراف المعلوم بالإجمال لا یوجب سقوط العلم الإجمالی عن التنجیز فیما إذا کانت التکالیف متعدّدة.

و علیه فلو لم نقل بانحلال العلم الإجمالی فی الدائرة الکبیرة فلا محیص عن حکم العقل بالتبعیض فی الاحتیاط دفعا لمحذور الاختلال أو العسر و الحرج و العقل یحکم بمعذوریّة من أتی بالمظنونات و ترک الموهومات أو المشکوکات دفعا لمحذور الاختلال أو العسر و الحرج و هذا هو معنی الحکومة العقلیّة فی مقام الامتثال فالحکومة بهذا المعنی ثابتة و أمّا بمعنی جعل الظنّ حجّة عقلا أو شرعا فلا دلیل له و لا تفیده مقدّمات دلیل الانسداد فتدبّر جیّدا.

التّنبیه الثّانی:

أنّ دلیل الانسداد علی تقدیر تمامیّة مقدّمات مختصّ بالفروع و لا یجری فی الاصول الاعتقادیّة لعدم جواز الاکتفاء بالظنّ فیما یجب معرفته عقلا و هذا هو مقتضی ما عرفته فی بحث القطع من أنّ الأمارات لا تقوم مقام القطع فیما أخذ القطع علی نحو الصفتیة فاللاّزم فی المسائل الاعتقادیة هو تحصیل العلم لو أمکن و مع العجز عنه کان معذورا إن کان عن قصور لغفلة أو لغموضیة المطلب مع قلّة الاستعداد.

ص:389

التّنبیه الثّالث:

أنّه لا إشکال فی النّهی عن القیاس بناء علی ما مرّ من عدم استفادة حجّیّة الظنّ من مقدّمات الانسداد علی تقدیر تمامیّتها إذ لا منافاة بین عدم حجّیّة الظنّ المطلق و النّهی عن القیاس.

بل لا إشکال أیضا فی النّهی عن القیاس مع استفادة حجّیّة الظنّ المطلق من مقدّمات الانسداد بناء علی الکشف إذ للشارع أن یجعل الحجّیّة لبعض الظنون دون بعض حسبما تقتضیه المصلحة فمع إحراز نهی الشّارع عن القیاس لا مجال لکشف العقل عن حجّیّة الظنّ القیاسی و إن کشف حجّیّة الظنّ المطلق شرعا بدلیل الانسداد.

و إنّما الإشکال فی وجه خروج الظنّ الحاصل من القیاس عن عموم حجّیّة الظنّ بدلیل الانسداد علی تقدیر الحکومة و تقریر الإشکال علی ما حکی عن الأسترآبادی أنّه کیف یجامع حکم العقل یکون الظنّ کالعلم مناطا للإطاعة و المعصیة و یقبح علی الآمر و المأمور التعدّی عنه و مع ذلک یحصل الظنّ أو خصوص الاطمئنان من القیاس و الشّارع لا یجوز العمل به و الجواب عنه واضح و هو أنّ حکم العقل بذلک معلّقا علی عدم نصب الشّارع طریقا واصلا و عدم حکمه به فیما کان هناک منصوب و لو کان أصلا بداهته أنّ من مقدّمات حکمه عدم وجود علم و لا علمی فلا موضوع لحکم العقل مع أحدهما فلا یکون نهی الشّارع عنه رفع لحکم العقل عن موضوعه بل به یرتفع موضوع الحکم العقلی کما لا یخفی.

التّنبیه الرّابع:

أنّ ظهور الألفاظ حجّة عند العقلاء و لا یرفع الید عنه إذا حصل الظنّ غیر المعتبر علی خلافه و علیه فلو کان اللّفظ بنفسه ظاهرا فی معنی و خالفه المشهور لا یسقط ظهوره عن الحجّیّة فیما إذا کان وجه المخالفة هو اجتهاداتهم لعدم حجّیّة اجتهاداتهم لغیرهم من المجتهدین.

هذا بخلاف ما إذا کان وجه المخالفة هو قیام دلیل عندهم یدلّ علی التّخصیص أو التّقیید

ص:390

کما لعلّه کذلک فی قاعدة القرعة لکلّ أمر مشتبه مع وضوح معناها فاللاّزم حینئذ هو رفع الید عن ظهور لفظ یخالفه المشهور فإنّ المتکشّف بالشّهرة حجّة لنا أیضا.

و بالجملة فالظنّ المستفاد من فتوی المشهور و إن لم یکن علی اعتباره دلیل لکنّه یکشف أحیانا کشفا قطعیا عن المقیّد أو المخصّص فمع هذا الکشف فاللاّزم هو الاتّباع لما ذهب إلیه المشهور و لا منافاة بین أن لا یکون الشهرة فی نفسها حجّة و مع ذلک تکشف عن وجود المقیّد أو المخصّص فلا تغفل.

التّنبیه الخامس:

أنّ الثّابت بمقدّمات دلیل الانسداد فی الأحکام علی تقدیر تمامیّتها و إفادة حجّیّة الظنّ فی مقام إثبات التّکلیف هو حجّیّة الظنّ المطلق فی هذا المقام لانسداد باب العلم و العلمی لا فی قوله تطبیق المأمور به علی المأتی به فی الخارج و علیه فیرجع إلی الظنّ المطلق فی مقام تعیین الحکم الکلّی و أمّا بعد تعیین الحکم الکلّی و حصول الشکّ فی أنّ المأمور به ینطبق علی المأتیّ به أوّلا:فلا یجوز أن یعتمد علی الظنّ المطلق بل لا بدّ من أن یقطع بالانطباق بمقتضی أنّ الاشتغال الیقینی بمقتضی الفراغ الیقینی.

نعم قد یجری دلیل الانسداد فی بعض الموضوعات الخارجیة کموضوع الضّرر أو العدالة أو النّسب و نحوها ممّا لها أحکام کثیرة فإذا کان باب العلم و العلمی فیها منسدّا فی الغالب بحیث لا یعلم به إلاّ بعد الوقوع فیه کالضّرر أو بحیث یترک الواجب کما فی العدالة أو النسب و علم أنّ الشّارع لا یرضی بذلک و لا یمکن الاحتیاط عقلا أو شرعا أمکن دعوی جریان دلیل الانسداد فیه و الاکتفاء بمجرّد الظنّ فی ترتّب الأحکام إلاّ أنّه لا حاجة إلیه فی مثل الضّرر فی بعض الموارد کالصوم لإناطة جواز الإفطار علی خوف الضّرر فی الرّوایات.

التّنبیه السّادس:

أنّه هل یکتفی فی تعیین معنی موضوعات الأحکام الکلّیّة بالظنّ الانسدادی أو لا.

و استدلّ للأوّل بأنّ الأخذ بالظنّ فی ناحیة الموضوعات یرجع إلی الأخذ بالظنّ فی

ص:391

تعیین الحکم الکلّی فمع تمامیّة المقدّمات یجوز الرّجوع إلیه إلاّ أنّ المقدّمات غیر تامّة لجواز الرّجوع فی موارد الاستعمال أو تراکیب الکلمات إلی أهل اللّغة لأنّهم خبراء ذلک و معه لا تصل النّوبة إلی الاکتفاء بالظنّ الانسدادی فی معنی الموضوعات.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:أنّ الرّجوع إلی الخبرة لا یخرج الرّاجع عن الجهل و لذا لا یجوز التّقلید عنه لأنّه جاهل و الرّجوع إلیه رجوع الجاهل إلی الجاهل لا رجوع الجاهل إلی العالم نعم لو کان اللغویّون متعدّدین جاز الاعتماد علی أقوالهم من جهة الشّهادة و علیه فلا إشکال فی التّقلید عمّن اعتمد علی الشّهادة.

فلو لم یکن المورد من موارد الشّهادة فلا إشکال حینئذ فی جواز الاعتماد علی الظنّ من باب الانسداد.

و یلحق به الظنّ الحاصل من توثیق أهل الرّجال فإنّ الأخذ بالظنّ فی ناحیة رجال الحدیث یرجع أیضا إلی الأخذ بالظنّ فی الحکم الشّرعی فمع تمامیّة المقدّمات یکون الظنّ المطلق حجّة و یصحّ أن یعتمد علیه.

و المقدّمات تامّة.لأنّا مکلّفون علی أخذ قول العدول و الثّقات و تشخیص هؤلاء العدول بتعدیل العدلین بالنّسبة إلی جمیع الرواة غیر میسور.و علیه فالأمر یدور بین رفع التّکلیف و بین الاحتیاط التامّ و بین الاکتفاء بالظنّ فی تشخیصهما.و الأوّل ممنوع و الثّانی متعذّر أو متعسّر.فانحصر الأمر فی جواز الاکتفاء بالظنّ فی تشخیص الثّقة أو العدل.فیجوز الاعتماد علی الظنّ المستفاد من توثیق أهل الرّجال فی الموارد الّتی لم یتحقّق فیها شهادة العدلین و للّه الحمد أوّلا و آخرا.

ص:392

المقصد السابع: فی الأصول العملیة

اشارة

فی الأصول العملیة

ص:393

ص:394

و لا یخفی علیک أنّ مواضع الاصول العملیة هی موارد الاشتباه و الشکوک الثابتة بسبب فقدان النص أو تعارض الدلیلین أو إجمال الدلیل،أو الاشتباه من ناحیة الامور الخارجیة، و الاصول العملیة متضمنة لحکم تلک الشبهات.

ثم إنّ هذه الموارد من الشکوک إمّا یکون الیقین السابق فیها ملحوظا و إمّا لا یکون کذلک لعدم وجوده أو لعدم اعتباره(کما إذا کان الشک فی المقتضی بناء القول بعدم جریان الاستصحاب فیه)و الأوّل مجری الاستصحاب مطلقا سواء کان الشک فی التکلیف أو المکلّف به،و أمکن الاحتیاط أو لم یمکن،و سواء کان الحکم المشکوک إلزامیا أو لم یکن کذلک،و الثانی أی ما لم یلحظ فیه الیقین السابق إمّا أن یکون الشک فیه فی أصل التکلیف و إمّا أن یکون الشک فی المکلّف به مع العلم بأصل التکلیف،فالأوّل مورد للبراءة و الثانی فإن أمکن الاحتیاط فیه فهو مجری قاعدة الاحتیاط کما إذا دار الأمر بین القصر و الإتمام فیجمع بینهما،و إن لم یمکن الاحتیاط فیه کما إذا علم بأصل الإلزام و التکلیف و لکن دار الأمر بین المحذورین کالحرمة و الوجوب فهو مجری قاعدة التخییر.

و لا فرق فی ما ذکر بین أن یکون حکم تکلیفیا أو وضعیا بناء علی إمکان جعله مستقلا و لو فی الجملة،کما سیأتی تفصیل ذلک فی محله إن شاء اللّه تعالی،ثم إنّه لا وجه لتخصیص الحکم بالإلزامی مع أنّ بعض الاصول یجری فی غیر الإلزامی أیضا،و هو یکفی فی تعمیم المجری،و لو اختص بعض آخر بالإلزامی فالاستصحاب یجری فی الحکم الاستحبابی و الکراهتی أیضا و إن اختصت البراءة بما فیه کلفة و الضیق و هما لا یکونان إلاّ فی الإلزامی کما لا یخفی.

ص:395

فتحصل أنّ الکلام فی الاصول العملیة یعمّ فی الاستصحاب و البراءة و الاحتیاط أو الاشتغال و التخییر و محل البحث فی هذا المقصد هو هذه الاصول العملیة.

و لا ندّعی حصر القواعد المقرّرة للشاک فیما ذکر من الاصول الأربعة لوجود قواعد أخری تکون من قواعد علم الاصول أیضا؛کقاعدة أصالة الحلیة و قاعدة أصالة الطهارة و غیر ذلک من القواعد المقرّرة للشاک لتعیین الحکم الفرعی الکلی الفعلی.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:إنّ عدم ذکر أصالة الطهارة عند الشک فی النجاسة فی علم الاصول إنّما هو لعدم وقوع الخلاف فیها،فإنّها من الاصول الثابتة بلا خلاف فیها و لذا لم یتعرّضوا للبحث عنها فی علم الاصول لا لکونها خارجة من علم الاصول و داخلة فی علم الفقه علی ما توهّم.

و خلاصة القول:

أنّ أصالة الطهارة عند الشک فی النجاسة بمنزلة أصالة الحلّیة عند الشک فی الحرمة فکما أنّ البحث عن الثانیة داخل فی علم الاصول باعتبار ترتب تعیین الوظیفة الفعلیة علیه، کذلک البحث عن الاولی أیضا داخل فی علم الاصول لعین الملاک المذکور،غایة الأمر أنّ مفاد أصالة الحلیة هو الحکم التکلیفی،و مفاد أصالة الطهارة هو الحکم الوضعی،و مجرد ذلک لا یوجب الفرق بینهما من حیث کون البحث عن إحداهما داخلا و عن الأخری خارجا عنه.

و أمّا ما ذکره صاحب الکفایة من أنّ الوجه لعدم التعرض لأصالة الطهارة فی علم الاصول عدم اطرادها فی جمیع أبواب الفقه و اختصاصها بباب الطهارة فغیر تام؛لأنّ المیزان فی کون المسألة اصولیة هو أن تقع نتیجتها فی طریق استنباط الحکم الفرعی و لا یعتبر جریانها فی جمیع أبواب الفقه و إلاّ لخرجت جملة من المباحث الاصولیة عن علم الاصول؛لعدم اطرادها فی جمیع أبواب الفقه کالبحث عن دلالة النهی عن العبادة علی الفساد،فإنّه غیر جار فی غیر العبادات من سائر أبواب الفقه. (1)

ص:396


1- 1) مصباح الاصول 2:249-250.

ثم لا یخفی علیک أنّ تمام الکلام فی الاصول الأربعة یقع فی مقامین:

أحدهما:فی حکم الشک فی الحکم الواقعی من دون ملاحظة الحالة السابقة،و هذا یعمّ الاصول الثلاثة من البراءة و الاحتیاط و التخییر.

ثانیهما:فی حکمه بملاحظة الحالة السابقة و هو منحصر فی الاستصحاب.

المقام الأول:

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:إنّ الکلام فی المقام الأول یقع فی موضعین؛لأن الشک إمّا فی نفس التکلیف،و هو النوع الخاص من الإلزام،و إن علم جنسه کالتکلیف المردّد بین الوجوب و التحریم.

و إمّا فی متعلق التکلیف مع العلم بنفسه کما إذا علم وجوب شیء و شک بین تعلّقه بالظهر أو الجمعة أو علم بفائتة و تردد بین الظهر و المغرب.

و الموضع الأول(أعنی الشک فی نوع التکلیف مع العلم بجنسه)یقع الکلام فیه فی مطالب لأنّ التکلیف المشکوک فیه إمّا تحریم مشتبه بغیر الوجوب،و إمّا وجوب مشتبه بغیر التحریم،و إمّا تحریم مشتبه بالوجوب،و صور الاشتباه کثیرة،و هذا مبنی علی اختصاص التکلیف بالإلزام أو اختصاص الخلاف فی البراءة و الاحتیاط به.

و لو فرض شموله للمستحب و المکروه یظهر حالهما من الواجب و الحرام فلا حاجة إلی تعمیم العنوان.

أقسام الشکّ فی التکلیف

ثم جعل الشیخ الشک فی التکلیف علی أقسام ثمانیة،باعتبار أنّ الشبهة التکلیفیة تارة تکون وجوبیة و اخری تحریمیة و منشأ الشک فیهما إمّا من ناحیة فقدان النص أو إجمال النص أو تعارض النص،و هذه ستة و الشبهة تارة تکون موضوعیة و منشأ الشک فیها هی

ص:397

الأمور الخارجیة،و الشبهة الموضوعیة إمّا وجوبیة و إمّا تحریمیة فصارت الأقسام ثمانیة.

ثم نعرض للبحث عن کل قسم مستقلا. (1)

أورد علیه السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه بأنّ الأقسام فی الشک فی التکلیف غیر منحصرة فی ثمانیة،إذ من موارد الشک فی التکلیف الذی یکون موردا للبراءة دوران الأمر بین الوجوب و الحرمة و الإباحة،و علیه کانت الأقسام اثنا عشر لا ثمانیة. (2)

حیث إنّ منشأ الشک فی المزید أی الإباحة أیضا أربعة و هی فقدان النص أو إجمال النص تعارض النص أو الأمور الخارجیة کانت الأقسام اثنا عشر لا ثمانیة.

ثم إنّ البحث عن کل قسم من الشبهة التحریمیة أو الشبهة الوجوبیة مستقلا مع أنّ ملاک جریان البراءة فی جمیع الأقسام واحد و هو عدم وصول التکلیف إلی المکلّف غیر لازم و مجرد اختصاص بعض الأدلة بالشبهة التحریمیة أو اختصاص الخلاف ببعضها لا یوجب تکثیر الأقسام کما ذهب إلیه فی الفرائد فالأولی هو ما صنعه صاحب الکفایة من تعمیم البحث لمطلق الشک فی التکلیف سواء کان الشبهة تحریمیه أو وجوبیّة و هو بعمومه یشمل لجمیع أقسام الشک فی التکلیف و لذا تقتضی مسلک صاحب الکفایة فی ضمن فصول و نقول بحول اللّه و قوته.

أصالة البراءة

الفصل الاول:

فیما لو شک فی وجوب شیء أو شک فی حرمة شیء و لم تنهض علیه حجة و لا یخفی علیک أنّه یجوز الترک فی الأوّل و الفعل فی الثانی لقیام الأدلّة الشرعیة و العقلیة علی جواز الترک و الفعل فیهما و کون الفاعل و التارک مأمونین من عقوبة المخالفة من دون فرق بین أن

ص:398


1- 1) فرائد الاصول،ص 192.
2- 2) مصباح الاصول،ج 2،ص 252.

یکون عدم نهوض الحجة لفقدان النص أو إجماله،بحیث یحتمل فی النهی الکراهة و فی الأمر الاستحباب أو تعارض النصّین فیما إذا لم یثبت بینهما ترجیح بناء علی القول بالتوقف و التساقط فی مسألة تعارض النصّین فیما لم یکن ترجیح فی البین.

و أمّا بناء علی التخییر کما هو المشهور فالحجة المعتبرة موجودة و التکلیف واضح،و هو الأخذ بأحد النصّین و لا مجال للبراءة الشرعیة و العقلیة مع تمامیة البیان کما لا یخفی.

و إلیک أدلة البراءة فی الشک فی التکلیف وجوبا کان أو حراما.

أدلة القائلین بالبراءة فی الشک فی التکلیف

و استدل للبراءة فی الشک فی التکلیف بالأدلة الأربعة.

و أمّا من الکتاب فبآیات منها قوله تعالی: مَن اهْتَدی فَإنَّما یَهْتَدی لنَفْسه وَ مَنْ ضَلَّ فَإنَّما یَضلُّ عَلَیْها وَ لا تَزرُ وازرَةٌ وزْرَ أُخْری وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً . (1)

تقریب الاستدلال بالآیة کما أفاده سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه هو ان یقال إنّ المتفاهم عرفا من الآیة لأجل تعلیق العذاب علی بعث الرسول الذی هو مبلّغ لأحکامه تعالی و بمناسبة الحکم و الموضوع هو انّ بعث الرسول لیس له موضوعیة فی إنزال العقاب بل هو طریق لإیصال التکالیف علی العباد و إتمام الحجة به علیهم و لیس المراد من بعث الرسول هو بعث نفس الرسول و إن لم یبلّغ احکامه فلو فرض أنّه تعالی بعث رسولا لکن لم یبلّغ الأحکام فی شطر من الزمان لمصلحة أو جهة أخری لا یصح ان یقال أنّه تعالی یعذّبهم لأنّه بعث الرسول و کذا لو بلّغ بعض الأحکام دون البعض یکون التعذیب بالنسبة إلی ما لم یبلّغ مخالفا للوعد فی الآیة.

و کذا لو بلّغ إلی بعض النّاس دون بعض لا یصح ان یقال إنّه یعذّب الجمیع لأنّه بعث الرسول و کذا لو بلّغ جمیع الأحکام فی عصره ثم انقطع الوصول إلی الأعصار المتأخرة و هذا

ص:399


1- 1) الإسراء15/.

أو أشباهه یدل علی أنّ الغایة لاستحقاق العذاب هو التبلیغ الواصل و أنّ ذکر بعث الرسول مع انتخاب هذه الکلمة کنایة عن إیصال الأحکام و إتمام الحجة و انّ التبلیغ غیر الواصل فی حکم العدم و انّه لا یصح العذاب کما انّ وجود الرسول بین الامّة بلا تبلیغ کذلک.

و علی هذا فلو بحث المکلّف عن تکلیفه و وظیفته بحثا أکیدا فلم یصل إلی ما هو حجة علیه من علم تفصیلی أو إجمالی و غیرهما من الحجج،فلا شک أنّه یکون مشمولا لقوله عزّ و جلّ: وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً إلی أن قال:و إن شئت قلت:إنّ قوله تعالی:

وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ تنزیه للحق تعالی شأنه و هو یرید بهذا البیان أنّ التعذیب قبل البیان مناف لمقامه الربوبی،و أنّ شأنه تعالی أجلّ من أن یرتکب هذا الأمر،فلذلک عبّر بقوله:

وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ دون أن یقول و ما عذّبنا أو ما أنزلنا العذاب،و ذلک للإشارة إلی أنّ هذا الأمر مناف لمقامه الأرفع و شأنه الأجلّ.

و بعبارة أوضح أنّ الآیة مسوقة إمّا لإفادة أنّ التعذیب قبل البیان مناف لعدله و قسطه، أو مناف لرحمته و عطوفته و لطفه علی العباد.

فلو أفاد الأول لدلّ علی نفی الاستحقاق،و أنّ تعذیب العبد حین ذاک أمر قبیح مستنکر یستحیل صدوره منه،و لو أفاد الثانی لدل علی نفی الفعلیة و أنّ العذاب مرتفع،و إن لم یدل علی نفی الاستحقاق. (1)و سیأتی قوة الأول و دعوی أنّ الآیة راجعة إلی نفی التعذیب عن الأمم السالفة قبل بعث الرسل فیختصّ بالعذاب الدنیوی الواقع فی الأمم السابقة (2)فلا ارتباط للآیة الکریمة بالمقام فإنّ البحث فی المقام عن العقوبة الاخرویة دون العذاب الدنیوی.

مندفعة بما أفاده الشهید الصدر قدّس سرّه من إمکان منع نظر الآیة إلی العقوبات الدنیویة،بل سیاقها سیاق استعراض عدة قوانین للجزاء الاخروی،إذ وردت فی سیاق لا تَزرُ وازرَةٌ

ص:400


1- 1) تهذیب الاصول 2:ص 139-140.
2- 2) راجع فرائد الاصول:ص 193.

وزْرَ أُخْری فإنّ هذا شأن عقوبات اللّه فی الآخرة لا فی الدنیا،و لا منشأ لدعوی النظر المذکور إلاّ ورود التعبیر بصیغة الماضی فی قوله: وَ ما کُنّا و هذا بنکتة إفادة الشأنیّة و المناسبة و لا یتعیّن أن یکون بلحاظ النظر إلی الزمان الماضی خاصة. (1)

هذا مضافا إلی ما أفاده سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أنّه لو فرض أنّ موردها ما ذکر،غیر أنّ التعبیر بقوله تعالی: وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حاک عن کونه سنّة جاریة للّه عزّ شأنه من دون فرق بین السلف و الخلف،و لو لم نقل:إنّ ذلک مفاد الآیة حسب المنطوق فلا أقلّ یفهم العرف من الآیة و لو بإلغاء الخصوصیة و مناسبة الحکم و الموضوع أن التعذیب قبل البیان لم یقع و لن یقع أبدا. (2)

و أضف إلی ذلک أنّ العذاب الدنیوی وقع فی مقابل الذنوب،کما یدل علیه قوله تعالی بعد آیة العذاب: وَ کَفی برَبّکَ بذُنُوب عباده خَبیراً بَصیراً و من المعلوم أنّ العذاب الدنیوی أخفّ بالنسبة إلی العذاب الاخروی،فإذا کان الأخفّ منوطا بالبیان فکیف لا یکون الأشدّ کذلک؟

لا یقال:کما فی الکفایة بأنّ نفی التعذیب قبل إتمام الحجة ببعث الرسول لعلّه کان منّة منه تعالی علی عباده مع استحقاقهم لذلک. (3)

و معنی ذلک أنّ نفی التعذیب من باب المنّة و العفو لا ینافی تنجز التکلیف فی المشکوک، نعم لو دلّ قوله تعالی: وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ علی نفی الاستحقاق لأمکن الاستدلال به فیما نحن فیه،إذ النزاع بین الأخباری و الاصولی إنّما هو فی استحقاق العقاب علی ارتکاب المشکوک و عدمه.

لأنّا نقول أوّلا:إنّ ظاهر هذا الترکیب کما أفاد السیّد المحقق الخوئی و الشهید الصدر قدّس سرّه أنّ ذلک هو الطریقة العامة للشارع التی لا یناسبه(و لا یلیق به)غیرها کما یظهر من مراجعة

ص:401


1- 1) دروس علم الاصول الحلقة الثالثة:ص 38 و 39.
2- 2) تهذیب الاصول 2،ص 141.
3- 3) الکفایة 2،ص 167.

أمثال هذا الترکیب عرفا،و هذا یفید عدم الاستحقاق و یظهر ذلک من استقراء موارد استعمال هذه الجملة،أی ما کان أو ما کنّا کقوله تعالی: وَ ما کانَ اللّهُ لیُضلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَداهُمْ و قوله عزّ و جلّ: ما کانَ اللّهُ لیَذَرَ الْمُؤْمنینَ و قوله تعالی: وَ ما کانَ اللّهُ لیُعَذّبَهُمْ وَ أَنْتَ فیهمْ إذ جملة الفعل الماضی من هذه المادة منسلخة عن الزمان فی هذه الموارد،فیکون المراد أنّ التعذیب قبل البیان لا یلیق به تعالی و مع عدم لیاقة التعذیب قبل البیان تدل الآیة علی عدم کون العبد مستحقّا للعقاب إذ مع فرض استحقاق العبد لا وجه لعدم کونه لائقا به تعالی. (1)

و ثانیا:کما أفاده سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أنّ ذلک أوّل الکلام،إذ النزاع بین الاصولی و الأخباری أنّما هو فی ثبوت المؤمّن و عدمه فی ارتکاب الشبهات و أنّه هل یلزم الاحتیاط أولا؟و هذا هو مصبّ النزاع بین الطائفتین،و أمّا البحث عن الاستحقاق و عدمه فهو خارج عمّا یهمّ علی کلا الفریقین. (2)

و أمّا ما أجاب به شیخنا الأعظم قدّس سرّه عن الإیراد علی الاستدلال بالآیة من ناحیة أنّ المنفی فی الآیة هو فعلیة العقاب لا استحقاقه من أنّ الخصم و هو الأخباری یعترف بالملازمة بین نفی الفعلیة و نفی الاستحقاق،فنفی الفعلیة المستفادة من الآیة کاف فی إلزامه علی نفی الاستحقاق،فقد أورد علیه فی الکفایة بأنّ الاستدلال یکون حینئذ جدلیا هذا مع وضوح منع اعتراف الخصم بذلک،ضرورة أنّ ما شک فی وجوبه أو حرمته لیس عند الخصم بأعظم من معلوم الحکم،و من الواضح أنّه ربّما تنتفی فعلیة العذاب فی مورد العصیان الیقینی لإمکان تعقّبه بالتوبة أو الشفاعة أو التکفیر مع ثبوت استحقاق العقوبة فلا ملازمة بین نفی العقوبة و نفی الاستحقاق فی معلوم الحرمة،فکیف یمکن اعترافه بالملازمة بین نفی الفعلیة و نفی استحقاق العقوبة فی مشکوک الحرمة أو الوجوب فتدبر جیدا.

ص:402


1- 1) راجع مصباح الاصول 2:ص 256 دروس علم الاصول الحلقة الثالثة:38.
2- 2) تهذیب الاصول 2:ص 141.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بأنّ الاستدلال بالآیة الکریمة من جهة تقدّمها علی أخبار التثلیث لیس استدلالا جدلیا،إذ مع دلالة الآیة الکریمة علی نفی فعلیة العقاب لا تشمله أخبار التثلیث الدالة علی الوقوع فی العقاب،کما أفاد بعض الأعلام.

بقی شیء و هو أنّ الآیة ناظرة إلی نفی العذاب قبل بعث الرسول و لا ینفی العذاب بعد مجیء الرسول و تبیّن الأحکام و عروض اختفاء التکالیف بما لا یرجع إلی الشارع،و أجاب عنه سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه بأنّ المیزان فی العقوبة و استحقاقها(کما عرفت)هو الإبلاغ و الإیصال لا الإبلاغ و لو مع عدم الوصول. (1)

حاصله أنّ ملاحظة المعنی فی العقوبة یوجب عدم اختصاص الآیة بما ذکر من نفی العذاب قبل بعث الرسول،بل یعمّ المقام أیضا.

و لقد أفاد و أجاد سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال و مما ذکرنا یظهر أنّ الآیة أسدّ الأدلّة التی استدل بها للبراءة و أنّ ما أورد علیه من الإیرادات غیر خال عن الضعف،نعم لا یستفاد من الآیة أکثر مما یستفاد من حکم العقل الحاکم علی قبح العقاب بلا بیان،فلو دلّ الدلیل علی لزوم الاحتیاط أو التوقف لصار ذلک نفسه بیانا فیکون ذاک الدلیل واردا علی العقل،و ما تضمّنته الآیة. (2)

و منها:قوله تعالی: لیُنْفقْ ذُو سَعَةٍ منْ سَعَته وَ مَنْ قُدرَ عَلَیْه رزْقُهُ فَلْیُنْفقْ ممّا آتاهُ اللّهُ لا یُکَلّفُ اللّهُ نَفْساً إلاّ ما آتاها سَیَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً (3)

بدعوی أنّ اسم الموصول فی قوله:(ما آتیها)یشمل ذات التکلیف بالإطلاق کما یشمل المال،فتدل الآیة علی أنّه تعالی لا یؤاخذ و لا یطلب عن العباد شیئا إلاّ إذا آتاه و الإیتاء بالتکلیف بإیصاله إلی المکلف،کما أنّ الإیتاء فی المال بإعطائه و إقداره،و علیه فتدل الآیة علی نفی المؤاخذة بالنسبة إلی التکالیف إذا لم تکن واصلة،و هو المطلوب،و لیس المراد من

ص:403


1- 1) تهذیب الاصول 2:ص 146.
2- 2) تهذیب الاصول ج 2،ص 141-142.
3- 3) الطلاق7/.

التکلیف المشمول لإطلاق الموصول هو التکلیف بمعناه المصدری حتی یکون المراد تکلیف العباد بالتکلیف بنحو المفعول المطلق،بل المراد من التکلیف الذی یشمله الموصول هو ذات الحکم الشرعی کالواجب و الحرام و نحوهما،و علیه فذات التکلیف هو کالمال مفعول به لا مفعول مطلق فیصیر التکلیف بالمعنی المذکور موضوعا للطلب و المؤاخذة کما أنّ المال موضوع لذلک،و مما ذکرناه یظهر أنّه لا یرد علیه ما أورده شیخنا الأعظم قدّس سرّه من أنّه لو ارید من الموصول نفس الحکم و التکلیف کان إیتائه عبارة عن الإعلام به،لکن إرادته بالخصوص ینافی مورد الآیة و إرادة الأعمّ منه و من المورد تستلزم استعمال الموصول فی معنیین إذ لا جامع بین تعلّق التکلیف بنفس الحکم و الفعل المحکوم علیه فافهم. (1)

و مراده کما أفاد سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أنّ إرادة الأعمّ من الموصول مع إسناد فعل واحد إلیه غیر ممکن فی المقام،إذ لو ارید من الموصول نفس التکلیف یکون بمنزلة المفعول المطلق،و لو ارید مع ذلک الأمر الخارجی الذی یقع علیه التکلیف یصیر مفعولا به،و تعلّق الفعل بالمفعول المطلق سواء کان نوعیّا أم غیره یباین نحو تعلّقه بالمفعول به لعدم الجامع بین التکلیف و المکلف به بنحو یتعلق التکلیف بهما علی وزان واحد و إن شئت قلت المفعول المطلق هو المصدر أو ما فی معناه المأخوذ من نفس الفعل،و المفعول به ما یقع علیه الفعل المباین معه و لا جامع بین الأمرین حتی یصح الإسناد. (2)

و ذلک لما عرفت من أنّ المراد من الموصول هو مفعول به لا الجامع بین المفعول به و المفعول المطلق حتی یقال:لا جامع بینهما؛لعدم الحاجة إلیه،إذ الموصول الذی یکون مفعولا به یشمل ذات الحکم الشرعی،و الحکم الشرعی یکون حینئذ مفعولا به،و الآیة الکریمة تدلّ علی نفی الطلب و المؤاخذة إلاّ بالنسبة إلی ما آتاه و هو بإطلاقه یشمل المال و ذات الحکم و التکلیف،و لیس المراد هو التکلیف بالتکلیف بالمعنی المصدری حتی یکون مفعولا

ص:404


1- 1) فرائد الاصول،ص 193.
2- 2) تهذیب الاصول 2،ص 143.

مطلقا و لعلّ إلیه یؤول ما فی دروس علم الاصول حیث قال:و هذا هو الجواب الصحیح،و حاصله أنّ مادة الفعل فی الآیة هی الکلفة بمعنی الإدانة و لا یراد بإطلاق اسم الموصول شموله لذلک،بل لذات الحکم الشرعی الذی هو موضوع للإدانة،فهو إذن مفعول به،فلا إشکال. (1)

هذا مضافا إلی إمکان أن یقال اللازم هو ملاحظة نفس معنی الموصول و هو الشیء،و علیه فلا یوجب استعمال الموصول فی معنیین،بل هو معنی واحد و هو الشیء و لیس تطبیقه علی المصادیق من باب استعماله فی المصادیق حتی یلزم باعتبار ذلک استعمال لفظ الموصول فی معنیین.

و أجاب عن إشکال الشیخ قدّس سرّه فی نهایة الأفکار أیضا بأنّ إرادة الحکم من الموصول أنّما یقتضی کونه المفعول المطلق لو کان المراد من التکلیف فی الآیة أیضا هو الحکم و إلاّ ففی فرض کونه بمعناه اللغوی أعنی الکلفة و المشقة فلا یتعیّن ذلک،فإنّه من الممکن حینئذ جعل الموصول عبارة عن المفعول به أو المفعول النشوی المعبر عنه فی کلام بعض بالمفعول منه،و إرجاع النسبتین إلی نسبة واحدة إذ بذلک یتم الاستدلال بالآیة علی المطلوب،فإنّ معنی الآیة علی الأول أنّه سبحانه لا یوقع عباده فی کلفة حکم إلاّ الحکم الذی أوصله إلیهم بخطابه،و علی الثانی أنّه لا یوقع عباده فی کلفة إلاّ من قبل حکم أعلمه إیّاهم و أوصله إلیهم بخطابه.

و حینئذ لو ارید من الموصول معناه الکلّی العام مع إفادة الخصوصیات المزبورة بتوسیط دال آخر خارجی لا یتوجّه علی الاستدلال المزبور محذور من جهة کیفیة تعلّق الفعل بالموصول لما عرفت من أنّ تعلّقه به حینئذ تعلّق واحد،و هو تعلّق الفعل بالمفعول به أو المفعول منه. (2)

أورد علیه فی تسدید الاصول بأنّ هیئة المفعول به دالة علی وقوع الفعل المتعدی علیه،

ص:405


1- 1) دروس فی علم الاصول الحلقة الثالثة:ص 37.
2- 2) نهایة الأفکار ج 3:ص 203.

فلا بد و أن یکون معنی الفعل بحیث یطلب المفعول به،فتفسیر مادة التکلیف بالإیقاع فی المشقة لا ینطبق علی معناه الحقیقی؛لأنّه لا یصح تعدیته إلی الفعل المکلّف به بلا واسطة،بل بواسطة«من»و لأجله عبّر عنه بالمفعول منه مع أنّ مادة التکلیف لا ریب فی تعدیتها إلی ذاک الفعل بلا واسطة،فلا محالة یکون التکلیف مرادفا لمعنی التحمیل بمشقة،فإنّه یصح أن یقال:إنّ الفعل مما حمل بمشقة علی المکلف،و حینئذ فلا یصح إرادة المفعول به حقیقة من الموصول إلاّ فی خصوص الأفعال،و لا یعم الأحکام و التکالیف،اللّهمّ إلاّ بالإسناد المجازی الذی مرّ ذکره. (1)هنا إشکال و هو أنّ مجرد إمکان إرادة الأعمّ من الموصول و الإیتاء لا ینفع لإثبات الظهور لو لم نقل بأنّ الظاهر حسب السیاق هو أنّ المراد من الموصول هو الأمر الخارجی و من الإیتاء هو الإقدار و الإعطاء،فلا مجال للتمسّک بالآیة لشمول المقام،فإنّه فرع إثبات ظهور الموصول فی الأعم و ظهور الإیتاء فی المعنی الجامع بین الإقدار و الإعلام، و هو غیر ثابت.

و یمکن الجواب عنه اوّلا:بأنّ الإطلاق یکفی فی إثبات عدم تقید الموصول و الإیتاء بأحد الأمرین و معه لا وجه لاستعمال الموصول أو الإیتاء فی بعض مصادیقه،بل الموصول و الإیتاء مستعملان فی معناهما،و حیث لم یقیّدا بمصداق یشمل کل واحد من الأمرین فلا تغفل.هذا مضافا إلی إمکان الاعتضاد بخبر عبد الأعلی مولی آل سام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام:أصلحک اللّه،هل جعل فی الناس أداة ینالون بها المعرفة؟قال:

لا(فقال)،قلت:فهل کلفوا المعرفة؟قال:لا،علی اللّه البیان لا یکلف اللّه نفسا إلا وسعها،و لا یکلف اللّه نفسا إلاّ ما آتاها الحدیث. (2)لدلالته علی أنّ الموصول فی قوله عزّ و جلّ(ما آتیها)یعمّ التکلیف بالمعرفة أیضا،و علیه فالإیتاء أیضا أعم من الإقدار و الإعلام بقرینة هذه الروایة،و من المعلوم أنّ إرادة الأعم لا تنافی سیاق الآیة کما لا یخفی،و دعوی أنّ نفس

ص:406


1- 1) تسدید الاصول ج 2،ص 126.
2- 2) و الطریق إلی عبد الأعلی صحیح و نفس عبد الأعلی لم یوثق و لکن نقل الأجلّة یکفی للوثوق به.جامع الأحادیث،أبواب المقدمات،الباب الثامن،ح 10.

المعرفة باللّه غیر مقدور قبل تعریف اللّه سبحانه و تعالی،فلا حاجة فی دخولها فی الآیة الکریمة إلی إرادة الإعلام من الإیتاء فی الآیة،بل کانت المعرفة باللّه داخلة فی الآیة؛لأنّها بدون تعریفه تعالی غیر مقدورة و محتاجة إلی الإقدار. (1)

مندفعة بأنّ قوله علیه السّلام:لا،علی اللّه البیان یدلّ علی أنّ المراد من قوله(ما آتیها)هو معنی یشمل البیان و الإعلام أیضا،و لا ینافی ذلک کون نفس البیان التفصیلی منه تعالی إقدارا،و یندرج فیه بهذا الاعتبار أیضا فتدبر.

فتحصل أنّ الآیة الکریمة تدل بإطلاقها علی أنّه تعالی لا یکلف نفسا إلاّ بما اتاه و ما لم یؤته لا تکلف به،و مقتضی هذا الإطلاق أنّ ذوات الأحکام التی لم تعطها الشارع من الأحکام المسکوت عنها أو المختفیة عنّا و غیر الواصلة إلینا أیضا لا تکون موردا لتکلیفه.

و المراد من نفی التکلیف بالنسبة إلیها هو نفی تنجیزها علینا،و علیه فلا منافاة بین نفیها و وجودها بحسب الواقع کما لا یخفی،ثم إنّ الآیة الکریمة بناء علی تمامیّة دلالتها علی أنّ اللّه تعالی لا یکلف أحدا إلاّ بما اتاه المکلفین تکون معارضة مع أدلة الاحتیاط الدالة علی وجوب الاحتیاط بالنسبة إلی الحکم الواقعی غیر الواصل،کما لا یخفی.

قال الشهید الصدر قدّس سرّه:ثم إنّ البراءة التی تستفاد من هذه الآیة الکریمة إن کانت بمعنی نفی الکلفة بسبب التکلیف غیر المأتی فلا ینافیها ثبوت الکلفة بسبب وجوب الاحتیاط،إذا لم یدل الدلیل علیه،فلا تنفع فی معارضة أدلة وجوب الاحتیاط.

و ان کانت البراءة بمعنی نفی الکلفة فی مورد التکلیف غیر المأتی فهی تنفی وجوب الاحتیاط و تعارض مع ما یدعی من أدلته.

و الظاهر هو الحمل علی الموردیة لا السببیة؛لأنّ هذا هو المناسب بلحاظ الفعل و المال أیضا،فالاستدلال بالآیة جیّد. (2)

ص:407


1- 1) فرائد الاصول:ص 193.
2- 2) دروس فی علم الاصول،الحلقة الثالثة:37.

و لا یخفی ما فیه،فإنّ التکلیف بالاحتیاط لیس تکلیفا نفسیّا،بل تکلیف طریقی بالنسبة إلی الواقع،و علیه ینافی نفی الکلفة،سبب التکلیف غیر المأتی مع وجوب الاحتیاط،و لو علی الوجه الأول فلا تغفل.ثمّ إنّ المراد من الإیتاء هو الإیتاء التکوینی کما هو المناسب مع المال و الفعل.لا إیتاء الشارع بما هو الشارع،و علیه فلا یبعد دعوی شمول الآیة للشبهات الموضوعیة أیضا کما أفاد الشهید الصدر قدّس سرّه حیث قال:فالآیة الکریمة لا تختص بالشبهات الحکمیة من الوجوبیة و التحریمیة،بل تعم الشبهات الموضوعیة لأنّ المراد من الإیتاء لیس هو إیتاء الشارع بما هو شارع لیختص بالشبهات الحکمیة. (1)

ص:408


1- 1) دروس فی علم الاصول الحلقة الثالثة:37-38.

الخلاصة

المقصد السابع فی الاصول العملیة

و لا یخفی أنّ مواضع الاصول العملیّة هی موارد الاشتباه سواء کان الاشتباه من ناحیة فقدان النصّ أو تعارض النصوص أو إجمال الدلیل أو من ناحیة الامور الخارجیة.

ثمّ إمّا یکون الیقین السابق فی تلک الموارد ملحوظا و إمّا لا یکون کذلک و الأوّل مجری الاستصحاب مطلقا و الثانی إمّا یکون الشکّ فیه فی أصل التکلیف و إمّا أن یکون الشکّ فی المکلّف به مع العلم بأصل التکلیف فالأوّل مورد البراءة و الثانی إن أمکن الاحتیاط فیه فهو مجری قاعدة الاحتیاط و إن لم یمکن الاحتیاط فیه کدوران الأمر بین المحذورین فهو مجری قاعدة التخییر.

فتحصّل أنّ الکلام فی الأصول العملیّة لیعمّ الاستصحاب و البراءة و الاحتیاط و التخییر.

و یقع الکلام فی مقامین أحدهما فی حکم الشکّ فی الحکم الواقعی من دون ملاحظة الحالة السابقة و هذا یعمّ البراءة و الاحتیاط و التخییر.

و ثانیهما فی حکم الشکّ بملاحظة الحالة السابقة و هو منحصر فی الاستصحاب.

المقام الأوّل:

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:إنّ الشکّ فی المقام الأوّل إمّا فی نوع التکلیف مع العلم بجنسه کما إذا تردّد شیء بین الوجوب و التحریم.

و إمّا فی متعلّق التکلیف مع العلم بنفسه کما إذا علم الوجوب و تردّد بین الظهر و الجمعة.

و الأول و هو التکلیف المشکوک فیه إمّا تحریم مشتبه بغیر الوجوب و إمّا وجوب مشتبه بغیر التحریم و إمّا تحریم مشتبه بالوجوب،هذه عمدة الصور و إلاّ فصور الاشتباه کثیرة.

أقسام الشکّ فی التکلیف

جعل الشیخ الشکّ فی التکلیف علی أقسام ثمانیة لأنّ الشبهة التکلیفیة تارة وجوبیة و

ص:409

اخری تحریمیة و منشأ الشکّ فیهما إمّا فقدان النصّ أو إجماله أو تعارضه و الشبهة تارة موضوعیة و هی إمّا وجوبیّة و إمّا تحریمیّة و منشأ الشکّ فیهما هی الامور الخارجیّة و علیه فصارت الأقسام ثمانیة.

ثمّ إنّه إن زدنا طرفا آخر کالإباحة و دار الأمر بین الوجوب و الحرمة و الإباحة کانت الأقسام اثنی عشر لا ثمانیة لأنّ منشأ الشکّ فی المزید أی الإباحة أربعة و هی فقدان النص أو إجماله أو تعارضه أو الامور الخارجیّة ثمّ إنّ البحث عن کلّ قسم مستقلا غیر لازم لوحدة الملاک فی جمیع الأقسام و هو عدم وصول التکلیف و هو یقتضی البراءة و لذا نقتفی طریق الکفایة فإنّه عمّ البحث لمطلق الشکّ فی التکلیف و عده عمّا ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه من البحث عن کلّ واحد من الأقسام المذکورة فتدبّر.

أصالة البراءة

الفصل الأوّل أنّه إذا شکّ فی وجوب شیء و لا حجّة علیه جاز له الترک و إذا شکّ فی حرمة شیء و لا حجّة علیها جاز له ارتکابه و ذلک لقیام الأدلّة العقلیّة و الشرعیّة علی جواز الترک و الفعل فیهما.

و لا فرق فیما ذکر بین أن یکون عدم قیام الحجّة من جهة فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصین بناء علی التوقف و التساقط فی تعارض النصّین فیما لم یکن بینهما ترجیح.

و أمّا مع القول بالتخییر عند تعارض النصّین فلا مجال للبراءة لتمامیّة البیان و هو الدلیل الدالّ علی التخییر.

أدلّة القائلین بالبراءة فی الشکّ فی التکلیف

و استدل لها فی الشکّ فی التکلیف بالأدلّة الأربعة:

أمّا من الکتاب فبآیات:

ص:410

منها قوله تعالی مَن اهْتَدی فَإنَّما یَهْتَدی لنَفْسه وَ مَنْ ضَلَّ فَإنَّما یَضلُّ عَلَیْها وَ لا تَزرُ وازرَةٌ وزْرَ أُخْری وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً (1)

و تقریب الاستدلال بالآیة الکریمة أنّ قوله تعالی مَن اهْتَدی فَإنَّما یَهْتَدی لنَفْسه وَ مَنْ ضَلَّ فَإنَّما یَضلُّ عَلَیْها وَ لا تَزرُ وازرَةٌ وزْرَ أُخْری وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً نزیه للحق المتعال و هو یرید بهذا البیان أنّ التعذیب قبل البیان مناف لمقامه الربوبی و أنّ شأنه تعالی أجلّ من أن یرتکب هذا الأمر لأن التعذیب فی هذه الصورة قبیح مستنکر یستحیل صدوره منه.

و ظاهر هذا الترکیب أی و ما کنّا معذّبین أنّ ذلک هو الطریقة العامّة للشارع التی لا یناسبه و لا یلیق به غیرها کما یظهر من مراجعة أمثال هذا الترکیب عرفا و هو یفید عدم الاستحقاق و یظهر ذلک من استقراء موارد استعمال هذه الجملة أی«ما کان»أو«ما کنّا» کقوله تعالی وَ ما کانَ اللّهُ لیُضلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إنَّ اللّهَ بکُلّ شَیْءٍ عَلیمٌ (2)و قوله عزّ و جلّ ما کانَ اللّهُ لیَذَرَ الْمُؤْمنینَ عَلی ما أَنْتُمْ عَلَیْه حَتّی یَمیزَ الْخَبیثَ منَ الطَّیّب وَ ما کانَ اللّهُ لیُطْلعَکُمْ عَلَی الْغَیْب وَ لکنَّ اللّهَ یَجْتَبی منْ رُسُله مَنْ یَشاءُ فَآمنُوا باللّه وَ رُسُله وَ إنْ تُؤْمنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَکُمْ أَجْرٌ عَظیمٌ و قوله تعالی وَ ما کانَ اللّهُ لیُعَذّبَهُمْ وَ أَنْتَ فیهمْ وَ ما کانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَ هُمْ یَسْتَغْفرُونَ . (3)

إذ جملة الفعل الماضی من هذه المادة منسلخة عن الزمان فی هذه الموارد فیکون المراد أنّ التعذیب قبل البیان لا یلیق به و مع عدم لیاقة التعذیب قبل البیان تدلّ الآیة فی المقام علی عدم کون العبد مستحقا للعقاب إذ مع فرض استحقاق العبد لا وجه لعدم کونه لائقا به تعالی.

و هنا إشکالات حول الاستدلال بالآیة و لکنّها مندفعة نعم لا یستفاد من الآیة أکثر ممّا

ص:411


1- 1) الاسراء15/.
2- 2) توبه115/.
3- 3) انفال33/.

یستفاد من حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان فلو دلّ الدلیل علی لزوم الاحتیاط أو التوقّف لصار ذلک نفسه بیانا و واردا علی الآیة کما علی الحکم العقلی فتدبر جیدا.

و منها:قوله تعالی لیُنْفقْ ذُو سَعَةٍ منْ سَعَته وَ مَنْ قُدرَ عَلَیْه رزْقُهُ فَلْیُنْفقْ ممّا آتاهُ اللّهُ لا یُکَلّفُ اللّهُ نَفْساً إلاّ ما آتاها سَیَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْراً . (1)

بدعوی أن اسم الموصول فی قوله عزّ و جلّ ما آتاها یشمل ذات التکلیف بالإطلاق کما یشمل ذات المال و علیه فتدل الآیة علی أنّه تعالی لا یؤاخذ و لا یطالب شیئا إلاّ إذا آتاه و الإیتاء فی التکلیف بإیصاله إلی المکلّف کما أنّ الإیتاء فی المال بإعطائه و إقداره فالآیة الکریمة تنفی المؤاخذة بالنسبة إلی التکالیف إذا لم تکن واصلة و هذا هو المطلوب و بعبارة اخری أنّ إطلاق الموصول یکفی فی إثبات عدم تقیّده بالأمر الخارجی کما أنّ إطلاق الإیتاء یمنع عن تخصیصه بالإعطاء فالموصول یشمل ذات الحکم الاعتباری کما یشمل الأمر الخارجی و الإیتاء یشمل الإعلام کما یشمل الإعطاء و یشهد علی ذلک خبر عبد الأعلی مولی آل سام عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام أصلحک اللّه هل جعل فی الناس أداه ینالون بها المعرفة قال لا(فقال)قلت فهل کلّفوا المعرفة قال لا علی اللّه البیان لا یکلّف اللّه نفسا إلاّ وسعها و لا یکلّف اللّه نفسا إلاّ ما آتاها الحدیث فإنّه یدلّ علی أنّ الموصول فی قوله تعالی ما آتاها یعمّ التکلیف بالمعرفة أیضا و علیه فالإیتاء أعمّ من الإقدار و الإعلام بقرینة هذه الروایة لأنّ قوله علیه السّلام لا علی اللّه البیان یدلّ علی أنّ المراد.من قوله «ما آتاها» هو معنی یشمل البیان و الإعلام أیضا.و الحاصل أنّ مع إطلاق الموصول و الإیتاء ینطبق الآیة الکریمة علی المقام بلا کلام.

ص:412


1- 1) الطلاق7/.

حدیث الرفع

اشارة

أمّا من السنة فبروایات:

منها ما رواه الصدوق فی الخصال:حدثنا محمّد بن أحمد بن یحیی العطار رحمهم اللّه قال:

حدثنا سعد بن عبد اللّه عن یعقوب بن یزید،عن حماد بن عیسی،عن حریز بن عبد اللّه،عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:رفع عن أمتی تسعة:الخطأ و النسیان و ما أکرهوا علیه و ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما اضطروا إلیه و الحسد و الطیرة و التفکر فی الوسوسة فی الخلق ما لم ینطق بشفة. (1)

و لا یخفی علیک أنّ هذه الروایة رواها الصدوق فی التوحید عن أحمد بن محمّد بن یحیی العطار رحمة اللّه. (2)

أورد علیه فی مباحث الحجج بأنّ صاحب الوسائل نقل فی کتاب الجهاد الحدیث المشتمل علی هذه الفقرة(ما لا یعلمون)عن کتابی الخصال و التوحید للصدوق عن أحمد بن محمّد بن یحیی،عن سعد بن عبد اللّه،عن یعقوب بن یزید،عن حماد بن عیسی،عن حریز،عن أبی عبد اللّه علیه السّلام:أنّه قال:قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله:رفع عن امتی تسعة...الخ و أحد التسعة ما لا یعلمون و نقطة الضعف فی هذا السند هو أحمد بن محمّد بن یحیی العطار،فبالرغم من أنّه شیخ الصدوق لم یثبت توثیقه. (3)

و فیه أوّلا:أنّ الظاهر أنّه لم یلتفت إلی أنّ الصدوق نقل الحدیث بتمامه فی الخصال عن محمّد بن یحیی العطار،و هو موثّق.

و ثانیا:أنّ کونه من شیوخ الصدوق یکفی فی وثاقته؛لأن جلالة مثل الصدوق تمنع عن التلمّذ عند غیر الثقة لتعلّم معالم الدین،هذا مضافا إلی الترحمة علیه فإنّه حاک عن حسن حاله عنده.

ص:413


1- 1) الخصال،باب التسعة،ح 9-جامع الأحادیث،أبواب المقدمات،الباب الثامن،ح 3.
2- 2) التوحید:353،باب 56،باب الاستطاعة،ح 24.
3- 3) مباحث الحجج 2:58.

و ثالثا:أنّ وثاقته یؤید بتصحیح بعض طرق الشیخ فی الکتابین کطریق الحسین بن سعید و محمّد بن علی بن محبوب و علی بن جعفر عن مثل العلامة مع أنّه فیها.

و رابعا:أنّ المحکی عن الوجیزة أنّه من مشایخ الإجازة و حکم الأصحاب بصحّة حدیثه فإنه یحکی عن وثاقته.

و خامسا:أنّ المحکی عن الشهید و الشیخ البهائی فی المشرق و صاحب المنتقی و المحقق الداماد انّه ثقة و هذه الأقوال تصلح لتأیید وثاقته.

هذا مضافا إلی أنّ تلک الفقرة معمول بها عند الأصحاب فلا وجه للتشکیک السندی فی الروایة.

ثم إنّ تقریب الاستدلال بالروایة أنّ الحدیث یدل علی رفع الإلزامات المجهولة عن الأمة فی مرحلة الظاهر،و مع رفع هذه الإلزامات و الترخیص الظاهری لا مجال لوجوب الاحتیاط و مع عدم وجوب الاحتیاط لا مجال للمؤاخذة و العقاب.

و توضیح ذلک یتوقف علی تقدیم امور:

الأمر الأول: أنّ قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل فی الأحکام الشرعیة من ضروریات مذهب الإمامیة

أنّ قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل فی الأحکام الشرعیة من ضروریات مذهب الإمامیة،و هی تصلح للقرینیة علی أنّ المرفوع لیس هو الحکم الواقعی بوجوده الواقعی و إلاّ لزم أن یکون الحکم الواقعی مختصا بالعالمین و هو ینافی قاعدة الاشتراک و حسن الاحتیاط إذ مع رفع الحکم الواقعی بمجرد الجهل به لا واقع حتی یحسن الاحتیاط للنیل إلیه فاذا عرفت ذلک فالمرفوع هو الحکم الواقعی فی مرتبة الظاهر لا بوجوده الواقعی و علیه فالحکم الواقعی بوجوده الواقعی لیس بمرفوع بل هو باق علی ما هو علیه و لکن فی مرحلة الظاهر هو مرفوع و الرفع المذکور لا ینافی مع قاعدة الاشتراک و حسن الاحتیاط.

و الحاصل أنّ رفع الحکم هو رفع الحکم الواقعی الإلزامی المجهول فی مرتبة الظاهر و معناه هو الترخیص فی ترکه و لذا ینافیه وجوب الاحتیاط بالنسبة إلی الحکم المجهول بعد هذا الترخیص کما لا یخفی.

ص:414

الأمر الثانی: صحّة إسناد الرفع إلی نفس الحکم

أنّ بعد ما عرفت من صحّة إسناد الرفع إلی نفس الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر لا وجه لإسناد الرفع إلی وجوب الاحتیاط کما یظهر من کلام الشیخ الأعظم قدّس سرّه حیث قال معنی رفع أثر التحریم فیما لا یعلمون عدم إیجاب الاحتیاط و التحفّظ فیه حتی یلزمه ترتب العقاب إذا أفضی ترک التحفظ إلی الوقوع فی الحرام الواقعی إلی أن قال و الحاصل أنّ المرتفع فیما لا یعلمون و أشباهه مما لا یشمله أدلة التکلیف هو إیجاب التحفظ علی وجه لا یقع فی مخالفة الحرام الواقعی و یلزمه ارتفاع العقاب و استحقاقه فالمرتفع أولا و بالذات أمر مجعول فیرتب علیه ارتفاع أمر غیر مجعول. (1)

و لذلک قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:انّ قول الشیخ الأعظم من أنّ المرفوع هو وجوب الاحتیاط خلاف ظاهر الحدیث فإنّ ظاهره أنّ المرفوع هو نفس ما لا یعلم و هو الحکم الواقعی لا وجوب الاحتیاط و بعد کون الحکم بنفسه قابلا للرفع فی مرحلة الظاهر لا وجه لارتکاب خلاف الظاهر و حمل الحدیث علی رفع إیجاب الاحتیاط.

نعم عدم وجوب الاحتیاط من لوازم رفع الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر لأنّ الأحکام کما أنّها متضادّة فی الواقع کذلک متضادّة فی مقام الظاهر فکما أنّ عدم الإلزام فی الواقع یستلزم الترخیص بالمعنی الأعم کذلک رفع الإلزام فی الظاهر یستلزم الترخیص ظاهرا و لا یعقل وجوب الاحتیاط بعد فرض الترخیص. (2)

الأمر الثالث: المرفوع کما عرفت هو نفس الحکم المجهول

أنّ المرفوع کما عرفت هو نفس الحکم المجهول فی مرحلة الظاهر و علیه فتقدیر المؤاخذة أو الأثر المناسب أو جمیع الآثار خلاف الظاهر و لکن ذهب جماعة إلی أنّ التقدیرات المذکورة من جهة دلالة الاقتضاء بدعوی أنّ مع عدم إمکان نسبة الرفع إلی نفس ما

ص:415


1- 1) فرائد الاصول:197.
2- 2) مصباح الاصول 2:258.

لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما استکرهوا و ما اضطروا إلیه إلخ...لکونها من الأمور الواقعیة و التکوینیة.لا بد من أن یکون المرفوع إمّا جمیع الآثار فی کل واحد من التسعة و هو الأقرب اعتبار إلی المعنی الحقیقی لأنّ نفی جمیع الآثار أقرب المجازات إلی نفی الحقیقة الممتنع بالفرض و إما أن یکون فی کل منها ما هو الأثر المناسب أو أن یکون هو المؤاخذة فی الکل و قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه عند ذکر تقدیر المؤاخذة و هذا أقرب عرفا من الأوّل و أظهر من الثانی أیضا لأنّ الظاهر أنّ نسبة الرفع إلی مجموع التسعة علی نسق واحد فإذا أرید من الخطأ و النسیان و ما أکرهوا علیه و ما اضطروا المؤاخذة علی أنفسها کان الظاهر فیما لا یعلمون ذلک أیضا.

نعم یظهر من بعض الأخبار الصحیحة عدم اختصاص الموضوع عن الأمة بخصوص المؤاخذة فعن المحاسن عن أبیه عن صفوان بن یحیی و البزنطی جمیعا عن أبی الحسن فی الرجل یستحلف(أی یستکره)علی الدین فحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما یملک أ یلزمه ذلک فقال علیه السّلام:لا،قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله رفع عن أمتی ما أکرهوا علیه و ما لم یطیقوا و ما أخطئوا الخبر...فإنّ الحلف بالطلاق و العتق و الصدقة و إن کان باطلا عندنا مع الاختیار إلاّ أنّ استشهاد الإمام علیه السّلام علی عدم لزومها مع الإکراه علی الحلف بها بحدیث الرفع شاهد علی عدم اختصاصه برفع خصوص المؤاخذة لکنّ النبوی المحکی فی کلام الإمام مختص بثلاثة من التسعة فلعلّ نفی جمیع الآثار مختص بها فتأمل الخ. (1)

و یمکن أن یقال:إنّ لزوم التقدیر بنحو من الأنحاء المذکورة بدلالة الاقتضاء متفرع علی عدم إمکان إسناد الرفع إلی نفس ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما استکرهوا و غیره و المفروض هو إمکان الإسناد إلی نفس هذه الامور لأنّ المقصود من الرفع لیس هو الإخبار عن عدم وجوده فإنّه خلاف الوجدان ضرورة وجود ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما استکرهوا و غیر ذلک هذا مضافا إلی أنّ قاعدة الاشتراک تمنع رفع ما لا یعلمون من الأحکام واقعا.

ص:416


1- 1) فرائد الاصول:195-196.

بل المراد من الرفع هو الرفع التشریعی کالنفی التشریعی فکما أنّ نفس الضرر فی مثل قوله صلّی اللّه علیه و آله لا ضرر و لا ضرار منفی بالنفی التشریعی بمعنی أنّ الضرر من أی جهة و سبب کان محکوم بالنفی شرعا و هو یرجع فی الحقیقة إلی نفی أسباب الضرر من الحکم الضرری أو تجویز الضرر أو غیر ذلک مما یرتبط بنحو بالشارع.

فکذلک الرفع التشریعی یدل علی أنّ نفس ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما استکرهوا و غیره محکوم بالرفع شرعا و هو یرجع إلی رفع تنجیز الأحکام الموجودة المجهولة و أحکام ما ینطبق علیه العناوین الأخر مما لا یطیقون و ما استکرهوا و غیر ذلک و بالجملة معنی الرفع التشریعی عبارة عن عدم اعتبار الشارع شیئا من مصادیق ما لا یعلمون و غیره تکوینا فی عالم التشریع و مقتضاه هو رفع تنجیز أحکام هذه الأمور.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:و أمّا إن أرید بالرفع الرفع التشریعی بمعنی عدم کون الفعل موردا للاعتبار الشرعی و بعبارة أخری الرفع التشریعی عبارة عن عدم اعتبار الشارع شیئا من مصادیق ما هو من مصادیقه تکوینا کما فی جملة من موارد الحکومة کقوله لا ربا بین الوالد و الولد فکان إسناد الرفع إلی التسعة حقیقیا بلا فرق بین أن یراد من الموصول فی ما لا یعلمون الحکم أو الفعل الخارجی. (1)

لا یقال:إنّ التقدیر و إن کان منفیا بأصالة عدم التقدیر و محتاجا إلی عنایة و لکن لا ترجیح لتوجیه الرفع إلی الوجود التشریعی أیضا لأنه أیضا یحتاج إلی عنایة.

لأنّا نقول کما أفاد السیّد الشهید الصدر قدّس سرّه بأنّ هذه عنایة یقتضیها نفس ظهور حال الشارع فی أنّ الرفع صادر منه بما هو شارع و بما هو إنشاء لا إخبار بخلاف عنایة التقدیر فإنّها خلاف الأصل حتی فی کلام الشارع بما هو مستعمل. (2)

و التحقیق أنّ الرفع فی المقام لا یحتاج إلی ادعاء و عنایة أصلا فإنّ الرفع رفع عن الامّة

ص:417


1- 1) مصباح الاصول 2:261.
2- 2) دروس فی علم الاصول،الحلقة الثالثة:44-45.

کما یدل علیه قوله صلّی اللّه علیه و آله فی الصدر رفع عن أمّتی التسعة إلخ...لا الرفع المطلق و لعله هو منشأ الفرق بین الرفع التشریعی فی المقام و النفی التشریعی فی لا ضرر و لا ضرار فإنّ النفی فی الثانی مطلق بخلاف الرفع فی المقام فإنّه رفع عن الأمة و علیه فما یتوجه إلی الأمة و الأشخاص هو الأحکام سواء کانت تلک الأحکام أحکام مجهولة أو أحکام ما استکرهوا علیه أو ما اضطروا إلیه أو ما لا یطیقون أو أحکام موارد الخطأ و النسیان و حدیث الرفع یدل علی رفع ثقل هذه الأحکام عن الأمّة و هو لزومها و تنجیزها.

و لقد أفاد و أجاد فی تسدید الاصول حیث قال إنّ تعبیر الحدیث هو رفع التسعة عن الامة و رفع شیء عن الأشخاص ظاهر عرفا فی نفی الإلزام به عنه و هو معناه العرفی بلا أیّ تأویل و خلاف ظاهر إلی أن قال و قد ظهر ممّا ذکرناه أنّه لا مجال للجواب عن الإشکال بأنّ نسبة الرفع إلی التسعة مبنیة علی الادّعاء و من قبیل المجاز العقلی و لا حاجة إلی التقدیر و ذلک أنّ الظاهر عرفا من قولنا(رفع عنک کذا)هو نفی الإلزام به عنک و نفی تحمیله عنک و هو لا یحتاج إلی تقدیر إلی أن قال و بالجملة فرق بین الرفع أو النفی المطلق و بین الرفع عن الاشخاص. (1)

فتحصّل أنّ إسناد الرفع إلی ما لا یعلمون و سائر الفقرات إسناد حقیقی و معه فلا حاجة إلی عنایة و تقدیر لأنّ المرفوع فی جمیع الفقرات هو الإلزام الشرعی فی مرحلة الجهل و الإکراه و الاضطرار و النسیان و الخطأ و نحوها و تقدیر المؤاخذة أو الأثر المناسب أو جمیع الآثار مخالف لأصالة عدم التقدیر و لا موجب للذهاب إلیه مع إمکان إسناد الرفع إلی نفس ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و غیرهما من الإلزامات عن الامة المرحومة فی مرحلة الظاهر فتدبر جیدا.

و مما ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث فصّل بین ما لا یعلمون و غیره من الفقرات حیث قال لا یخفی عدم الحاجة إلی تقدیر المؤاخذة و لا غیرها من الآثار الشرعیة فیما لا یعلمون

ص:418


1- 1) تسدید الاصول 2،130.

فإنّ ما لا یعلم من التکلیف مطلقا کان فی الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة بنفسه قابل للرفع و الوضع شرعا و إن کان فی غیره لا بد من تقدیر الآثار أو المجاز فی إسناد الرفع إلیه فإنّه لیس ما اضطروا و ما استکرهوا إلی آخر التسعة بمرفوع حقیقة. (1)

و ذلک لما عرفت من أنّ الظاهر من رفع ما اضطروا أو ما استکرهوا و غیرهما بقید عن الامة هو رفع الإلزام عنهم فی هذه الموارد.هذا مقتضی اضافة الرفع إلی ذمّة الأمّة ففی هذه الموارد أیضا رفع الإلزام و التنجیز و علیه فلا حاجة إلی تقدیر الآثار کما لا حاجة إلی المجاز فی الإسناد بعد دلالة المقام علی أنّ المرفوع فی جمیع الموارد المذکورة هو نفس الإلزامات و الأحکام فتدبر جیدا.

إذا عرفت هذه الأمور فقد اتضح دلالة الحدیث الشریف علی أنّ الإلزامات المجهولة الموجودة فی الواقع مرفوعة عن الامّة المرحومة فی مرحلة الظاهر و الموارد المذکورة و إن کانت موجودة فی الواقع و معنی رفعها هو رفع ثقلها عنهم فی مرحلة الظاهر و لا منافاة بین الإلزام الواقعی و الترخیص الظاهری لما تقدم من إمکان الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری و لازم رفع الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر هو عدم وجوب الاحتیاط فمع عدم وجوب الاحتیاط لا مجال للعقاب و المؤاخذة و علیه فحدیث الرفع ینافی وجوب الاحتیاط.

ثم إنّ ما لا یعلمون لا یختص بالشبهات الموضوعیة بل یعم الشبهات الحکمیة لإطلاق الموصول کما لا یخفی.و قد أورد علیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه بأنّ الظاهر من الموصول فیما لا یعلمون بقرینة أخواتها هو الموضوع أعنی فعل المکلف الغیر المعلوم کالفعل الذی لا یعلم أنّه شرب الخمر أو شرب الخلّ و غیر ذلک من الشبهات الموضوعیة فلا یشمل الحکم الغیر المعلوم. (2)

و یمکن الجواب عنه کما أفاد فی الدّرر بأنّ عدم تحقق الاضطرار فی الأحکام و کذا الإکراه لا یوجب التخصیص فی قوله علیه السّلام«ما لا یعلمون»و لا یقتضی السیاق ذلک فإنّ عموم

ص:419


1- 1) الکفایة 2:174.
2- 2) فرائد الاصول:195.

الموصول إنّما یکون بملاحظة سعة متعلقه و ضیقه فقوله صلّی اللّه علیه و آله:«ما اضطروا إلیه»ارید منه کل ما اضطر إلیه فی الخارج غایة الأمر لم یتحقق الاضطرار بالنسبة إلی الحکم فیقتضی اتّحاد السیاق أن یراد من قوله صلّی اللّه علیه و آله«ما لا یعلمون»أیضا کل فرد من أفراد هذا العنوان أ لا تری أنّه إذا قیل«ما یؤکل و ما یری»فی قضیة واحدة لا یوجب انحصار أفراد الأوّل فی الخارج ببعض الأشیاء تخصیص الثانی أیضا بذلک البعض و هذا واضح جدا. (1)

و قال شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه:إنّ الموصول بمقدار عموم صلته قد عمّ و لم یشذ عنه شیء من أفراد الصلة و علی هذا فقضیّة وحدة السیاق ان یکون الحال فی ما لا یعلمون أیضا کذلک. (2)

و أوضح ذلک السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه حیث قال إنّ الموصول فی جمیع الفقرات مستعمل فی معنی واحد و هو معناه الحقیقی المبهم المرادف للشیء و لذا یقال إنّ الموصول من المبهمات و تعریفه إنّما بالصلة فکأنّه صلّی اللّه علیه و آله قال رفع الشیء الذی لا یعلم و الشیء الذی لا یطیقون و الشیء المضطر إلیه و هکذا فلم یستعمل الموصول فی جمیع الفقرات إلاّ فی معنی واحد غایة الأمر أنّ الشیء المضطر إلیه لا ینطبق خارجا إلاّ علی الأفعال الخارجیة و کذا الشیء المکره علیه بخلاف الشیء المجهول فإنّه ینطبق علی الحکم أیضا و الاختلاف فی الانطباق من باب الاتفاق من جهة اختلاف الصلة لا یوجب اختلاف المعنی الذی استعمل فیه الموصول کی یضرّ بوحدة السیاق فإنّ المستعمل فیه فی قولنا ما ترک زید فهو لوارثه و ما ترک عمرو فهو لوارثه و ما ترک خالد فهو لوارثه شیء واحد فوحدة السیاق محفوظة و لو کان هذا المفهوم منطبقا علی الدار فی الجملة الأولی و علی العقار فی الثانیة و علی الأشجار فی الثالثة فلا شهادة لوحدة السیاق علی أنّ متروکات الجمیع منطبقة علی جنس واحد و المقام من هذا القبیل بعینه. (3)

ص:420


1- 1) الدرر:441.
2- 2) اصول الفقه 3:602.
3- 3) مصباح الاصول 2:260.

فتحصّل أنّ المرفوع فیما لا یعلمون لا یختص بالشبهات الموضوعیة بل یعم الشبهات الحکمیة و لا یضرّه اختصاص سائر الفقرات بالشبهات الموضوعیة کما أنّ ما لا یعلمون یعمّ الواجبات و المحرمات المجهولة و التکلیفیات و الوضعیات و لا وجه لتخصیصه لبعضها کما لا یخفی.

ربما یقال إنّ الحکم هو فعل صادر عن المولی و لیس بفعل العباد فلا معنی لکون فعل اللّه تعالی ثقیلا علی العباد فالثقیل هو فعل العباد لا مجرد إنشاء الوجوب الصادر من مولی الموالی و علیه فلا بد من أن یراد من الموصول فی جمیع الفقرات هو الفعل لا الحکم و یمکن الجواب عنه بأنّ الثقل و إن کان فی الفعل و لکن یسند عرفا إلی الحکم من باب إسناد ما للمسبب إلی السبب و الشاهد علیه هو تسمیة الحکم بالتکلیف مع أنّ ما یوجب الکلفة حقیقة هو الفعل و لیس ذلک إلاّ من باب سببیة الحکم للکلفة فیصح أن یکون المرفوع فی جمیع الفقرات هو الحکم سواء کانت الشبهة موضوعیة أو الحکمیة.

قال فی مصباح الاصول إنّ الثقل و إن کان فی متعلق التکلیف لا فی نفسه إلاّ أنّه صحّ إسناد الرفع إلی السبب بلا عنایة و صحّ إسناده إلی الأثر المترتب علیه فصحّ ان یقال رفع الإلزام أو رفع المؤاخذة فلا مانع من إسناد الرفع إلی الحکم باعتبار کونه سببا لوقوع المکلف فی کلفة و ثقل. (1)

تنبیهات حدیث الرفع

التنبیه الأول: حدیث الرفع رفع الثقل عن الامة

أنّ الرفع فی حدیث الرفع حیث إنّه رفع عن الامة یکون ظاهرا فی رفع الثقل عنهم و رفع الثقل مما یصلح للامتنان و السبب فی هذا الرفع هو العناوین العارضة المذکورة فی الحدیث من الجهل و الخطأ و النسیان و الإکراه و الاضطرار و عدم الطاقة و المرفوع هو الأحکام الثابتة فی موارد عروض هذه العناوین.

ص:421


1- 1) مصباح الاصول 2:262.

و أمّا أحکام نفس هذه العناوین کوجوب سجدتی السهو و دیة الخطأ و غیر ذلک مما یترتب علی نفس هذه الأمور فلیست مرتفعة أصلا کما لا یخفی و علیه فالمراد من رفع الخطأ و النسیان مثلا هو رفع أحکام ما أخطئوا أو نسوا فیه لا رفع حکم الخطأ و النسیان ثم إنّ رفع الحکم بواسطة عروض هذه الأمور حیث کان امتنانیا یختص برفع کل حکم ثقیل علی الأمة و لا یشمل ما لا یکون کذلک و یتفرع علیه الفرق بین فعل حرام اضطر إلیه و معاملة اضطر إلیها و لذا حکموا بجریان حدیث الرفع فی الأول دون الثانی و الوجه فی ذلک أنّ رفع الحرمة فی الأول امتنانی دون رفع الصحة فی الثانی فإنّ صحته لیست بثقیلة بل الأمر بالعکس هذا بخلاف بیع المکره فإنّ صحته ثقیلة علیه و رفع نفوذه و صحته امتنانی و هکذا مقتضی کون الامتنان علی الامّة أنّه لو اضطر إلی إتلاف مال الغیر لا یرتفع به ضمان الإتلاف لأنّ الرفع خلاف الامتنان بالنسبة إلی المالک کما لا یخفی.لا یقال:إنّ الامتنان نکتة الحکم لا علته و علیه فلم لم یؤخذ بإطلاق حدیث الرفع فی غیر موارد الامتنان.

لأنّا نقول إنّ ظهور الحدیث فی الامتنان ظهور لفظی یقتضیه ظهور الرفع عن الامة الدال علی رفع الثقل عنهم و علیه فلیس الامتنان مستفادا من غیر الظهور اللفظی حتی یقال إنّ الامتنان حکمة الحکم لا علته بل لا یشمل حدیث الرفع غیر موارد الامتنان أخذا بظهور الکلام فیه فلا تغفل و مما ذکر یظهر أنّ رفع التسعة عن الامة لا یقاس برفع الضرر و الضرار فإنّ الرّفع فی حدیث لا ضرر و لا ضرار رفع مطلق و الامتنان فیه نکتة الحکم فیجیء فیه حدیث شموله و عمومه بالنسبة إلی الموارد التی لا امتنان فیه و عدمه.

هذا بخلاف رفع التسعة عن الامة لما عرفت من ظهور الرفع عن الامة فی رفع الثقل عنهم و هو امتنان.

و لذلک لا یشمل حدیث الرفع الموارد الّتی لا امتنان فی رفعها و لعلّ من هذه الموارد الشرائط الراجعة إلی أصل التکلیف لأنّ رفعها یوجب وضع التکلیف و هو خلاف الإرفاق.

ص:422

قال المحقق العراقی قدّس سرّه:و مما ذکرنا من ورود الحدیث فی مقام الامتنان علی الامة یظهر اختصاص المرفوع أیضا بالآثار التی لا یلزم من رفعها خلاف الإرفاق علی المکلف فما لا یکون کذلک لا یشمله حدیث الرفع کما فی الشرائط الراجعة إلی أصل التکلیف کالاستطاعة بالنسبة إلی الحج و نحوها حیث لا یجری فیها حدیث الرفع لاقتضاء رفع الشرطیة فیها بوضع التکلیف علی المکلف و هو خلاف الإرفاق فی حقه بخلاف شرائط الواجب فإنّه یجری فیها حدیث الرفع کما سنشیر إلیها. (1)

التنبیه الثانی: حدیث الرفع إزالة الشیء عن الوجود

أنّ الرفع فی الحدیث ظاهر فی معناه و هو إزالة الشیء عن صفحة الوجود بعد تحصله و تفسیره بالدفع خلاف الظاهر و لا موجب لذلک فیما إذا أمکن إرادة معناه و الرفع إذا أسند إلی الحکم مع قاعدة الاشتراک و عموم القانون مستعمل فی معناه و یکون بمعنی إزالة لزومه فی مرحلة الظاهر و قد عرفت أنّ رفع الأحکام المجهولة رفع إلزامها و هکذا فی سائر الفقرات فإنّ رفع حکم مورد ما استکرهوا أو رفع حکم مورد الخطأ و النسیان مثلا هو رفع لزوم أحکام مواردها لا یقال:إنّ الخطاب لا یشمل الناسی و العاجز و نحوهما فلیکن الرفع بالنسبة إلیهم بمعنی الدفع لا الرفع.

لأنّا نقول نمنع ذلک بل هو بمعنی الرفع لشمول الخطابات إیّاهم بحسب الإرادة الاستعمالیة لهذه الأحوال فالرفع فی الموارد المذکورة یدل علی رفع الأحکام الشاملة لهم بحسب الإرادة الاستعمالیة نعم الرفع دفع بالنسبة إلی الإرادة الجدیة کما لا یخفی.

لا یقال:إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة لا حکم لها حتی یکون الرفع بالنسبة إلیها مستعملا فی معناه بل اللازم أن یکون بمعنی الدفع فی هذه الفقرات لأنا نقول:کما أفاد سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه انّ الفقرات الثلاث أیضا فعل من الأفعال القلبیة و لأجل ذلک تقع موردا للتکلیف فإنّ تمنّی زوال النعمة عن الغیر فعل قلبی محرّم و قس علیه الوسوسة و الطیرة

ص:423


1- 1) نهایة الأفکار 3:212.

فإنّهما من الأفعال الجوانحیة و المصحح لاستعمال الرفع فیها کونها محکومة بالأحکام فی الشرائع السابقة و هذه الأحکام ظاهرة فی الدوام و البقاء بحسب الإرادة الاستعمالیة فإطلاق الرفع باعتبار عمومات توهم بقاء حکمها فی عامة الأزمنة فتدبر جیدا. (1)

و مما ذکر یظهر ما فی الدّرر حیث ذهب إلی أنّ الرفع فی الحدیث لیس بمعناه الحقیقی معلّلا بأنّه غیر واقع فی بعض العناوین المذکورة قطعا بل معناه هو الدفع أو الأعم منه و من الرفع. (2)

و لکنّک عرفت إمکان أن یکون الرفع بمعناه الحقیقی فی المقام لأنّه مسبوق بوجود حکم بنحو من الأنحاء و لو فی مرحلة الإطلاق أو العموم الاستعمالی ثم لا یذهب علیک أنّه لا حاجة إلی ادعاء الوجود حتی یصدق الرفع بل یکفیه وجوده الواقعی أو وجوده بنحو ضرب القانون أو وجوده فی الشرائع السابقة و مما ذکر یظهر ما فی نهایة الأفکار حیث ذهب إلی لزوم اعتبار وجود الشیء سابقا علی الرفع عند وجود مقتضیه و لذلک قال لا مانع من إبقاء الرفع فی الحدیث الشریف علی ظهوره فی الرفع الحقیقی فی جمیع الأمور التسعة حیث إنّه یکفی فی صحة إطلاق الرفع فیها مجرد اعتبار وجود الشیء سابقا علی الرفع عند وجود مقتضیه بلا حاجة إلی جعل الرفع فی الحدیث بمعنی الدفع. (3)

و ذلک لما عرفت من کفایة الوجود الإطلاقی و الاستعمالی و لا حاجة معه إلی اعتبار وجود الشیء سابقا.

لا یقال:إنّ رفع الحکم لا یساعد جمیع الفقرات لأنّ من جملتها هو الحسد و الطیرة و الوسوسة فی التفکر فی الخلق و هذه الأمور خصوصا الحسد لیست باختیاریة حتی یکون لها حکم و علیه فلا یصح تعلّق الرفع بها باعتبار حکمها.

لأنّا نقول إنّ هذه الأمور و إن کانت بنفسها غیر اختیاریة و لکنها باعتبار مبادیها کانت

ص:424


1- 1) تهذیب الاصول 2:152-154.
2- 2) الدرر:444.
3- 3) نهایة الأفکار 3:209.

اختیاریة لإمکان التحرز عنها باختیار مبادی أضدادها و علیه یصح تعلّق الحکم بها باعتبار اختیاریة مبادیها.

التنبیه الثالث: لا إشکال فی قبح مؤاخذة الناسی و...

أنّه لا إشکال فی قبح مؤاخذة الناسی و العاجز و المخطی بحکم العقل و علی هذا یرد علی الروایة المذکورة أمران:أحدهما أنّ رفع الحکم عن هؤلاء لا یختص بالأمة المرحومة لأنّ القبیح قبیح فی کل زمان.

و ثانیهما أنّ الروایة ظاهرة فی الامتنان مع أنّه لا منّة فی رفع ما هو قبیح عند العقل و فیه منع استقلال العقل بقبح مؤاخذة الناسی و المخطی مع کون أضداد مبادی هذه الأمور تحت الاختیار و ترک التحفظ فیها فإذا لم یکن المؤاخذة فی هذه الصورة قبیحة أمکن تصور الامتنان عند رفع المؤاخذة عند النسیان و الخطأ کما لا یخفی.

قال شیخنا الأعظم قدّس سرّه:إنّ الذی یهوّن الأمر فی الروایة جریان هذا الإشکال فی الکتاب العزیز أیضا فإنّ موارد الإشکال فیها و هی الخطأ و النسیان و ما لا یطاق و ما اضطروا إلیه هی بعینها ما استوهبها النبی صلّی اللّه علیه و آله من ربه جلّ ذکره لیلة المعراج علی ما حکاه اللّه تعالی عنه صلّی اللّه علیه و آله فی القرآن بقوله تعالی: رَبَّنا لا تُؤاخذْنا إنْ نَسینا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْملْ عَلَیْنا إصْراً کَما حَمَلْتَهُ عَلَی الَّذینَ منْ قَبْلنا الآیة و الذی یحسم أصل الإشکال منع استقلال العقل بقبح المؤاخذة علی هذه الأمور بقول مطلق فإنّ الخطأ و النسیان الصادر من ترک التحفظ لا یقبح المؤاخذة علیها و کذا المؤاخذة علی ما لا یعلمون مع إمکان الاحتیاط و کذا فی التکلیف الشاق الناشئ عن اختیار المکلف و المراد بما لا یطاق فی الروایة هو ما لا یتحمل فی العادة لا ما لا یقدر علیه أصلا کالطیران فی الهواء و أمّا فی الآیة فلا یبعد ان یراد به العذاب و العقوبة فمعنی لا تحملنا ما لا طاقتنا به لا تورد علینا ما لا نطیقه من العقوبة. (1)

التنبیه الرابع: لا فرق بین أن یکون متعلق الحکم هو الفعل أو الترک

فی أنّه لا فرق بین أن یکون متعلق الحکم هو الفعل أو الترک إذ أیّ واحد منهما فله حکم و

ص:425


1- 1) فرائد الاصول:196.

أثر و قابل للرفع فلو نذر أن یشرب من ماء الفرات فاکره علی الترک فترک الشرب بعد ما تعلّق النذر علی الشرب له حکم و هو الحرمة لأنّه حنث و له کفّارة فقوله صلّی اللّه علیه و آله رفع ما اکرهوا علیه یدل علی رفع حکم الترک المذکور من الحرمة و الکفارة فلا وجه لتخصیص المرفوع بحکم الأمور الوجودیة.

و حکم الترک کحکم الفعل أمر حقیقی قابل للرفع و الرفع فیه أیضا حقیقی لا ادعائی بعد ما عرفت من أنّ الرفع هو رفع حکم ثقیل عن الامة و علیه فالجواب عمّن خصص المرفوع بالامور الوجودیة بأنّ التحقیق أنّه لا مانع من تعلّق الرفع بالامور العدمیة إذ الرفع رفع ادعائی لا حقیقی و المصحح له لیس إلاّ آثار ذلک العدم و أحکامها کما أنّ المصحح لرفع الأمور الوجودیة هو آثارها و أحکامها (1)لا یخلو عن إشکال و ذلک لما عرفت من ممنوعیة الادعاء الوجودیة هو آثارها و أحکامها 1لا یخلو عن إشکال و ذلک لما عرفت من ممنوعیة الادعاء لأنّ حکم الترک کحکم الفعل حکم حقیقی و هو قابل للرفع من دون حاجة إلی ادعاء و رفعه رفع حقیقی بمعنی رفع ثقل الحکم عن الامة کما لا یخفی ثم إذا عرفت أنّ حدیث الرفع یشمل حکم الفعل و الترک اتّضح حکم ما إذا اکره علی ترک الصلاة فی جمیع الوقت فإنّ ترکها مصداق لما اکرهوا علیه و هو کما فی تسدید الاصول ثقیل علی المکلف فإنّه مخالفة للواجب موجبة للتعزیر الدنیوی و العقاب الأخروی و للقضاء خارج الوقت و کل ذلک ثقل علی المکلف أوجبه علیه إکراه المکره علی الترک فیرفع هذا الأمر الثقیل بجمیع ثقله علی المکلف أوجبه علیه إکراه المکره بالکسر علی الترک فیرفع هذا الأمر الثقیل بجمیع ثقله عن عاتقه بحیث لا یکون علی عاتقه من الثقل أثر أصلا فإطلاقه و مقتضی رفعه بالمرة أن لا یستحق تعزیر الدنیا و لا عذاب الآخرة و لا القضاء خارج الوقت.

نعم لو أکرهه علی ترک الصلاة فی وقت الفضیلة مثلا فلا یترتب من ترکها أمر علیه ثقیل فإنّ وجوب الإتیان بها فی بقیة الوقت مما یقتضیه نفس التکلیف بالواجب و الموسّع لا أنّه

ص:426


1- 1) تهذیب الاصول 2:159.

أمر جدید أتی من ناحیة الإکراه و فوت الفضل لیس إلاّ فوات النفع لا تحمیل ثقل و ضرر. (1)

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّه ینافی ما رواه فی الکافی بسنده عن رفاعة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال دخلت علی أبی العباس بالحیرة فقال یا أبا عبد اللّه ما تقول فی الصیام الیوم فقلت ذاک إلی الإمام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا فقال یا غلام علیّ بالمائدة فأکلت معه و انا أعلم و اللّه انّه یوم من شهر رمضان فکان إفطاری یوما و قضاؤه أیسر علیّ من أن یضرب عنقی و لا یعبد اللّه انتهی بناء علی أنّ التقیّة نوع من الإکراه و وجه المنافاة أنّ هذه الروایة تدل علی لزوم القضاء مع الإکراه علی ترک الصوم.

نعم یمکن أن یقال:إنّ الموضوع لوجوب القضاء لیس هو الترک بل هو الفوت و هو مسبب عن الترک و حدیث الرفع مختص بما یکون فعلا مباشریّا للمکلف سلبا أو إیجابا لا ما یکون مترتبا علیه و بناء علی هذا فلو اکره علی ترک الصلاة فی جمیع الوقت لا یدل حدیث الرفع إلاّ علی رفع التعزیر و العقوبة و أمّا القضاء فهو مترتب علی عنوان الفوت و لیس هو فعلا مباشریا للمکلف و أصل البراءة لا یثبت العنوان و مما ذکر یظهر وجه لزوم القضاء علی من نسی الصلاة فی تمام الوقت فتدبر.

و لکن لقائل أن یقول أنّ الروایة ضعیفة،هذا مضافا إلی أنّ موضوعها مختصّ بالصوم علی أنّها لا تدلّ علی وجوب القضاء و لعل القضاء لیس بواجب لأنّ الفعل أعمّ من الوجوب فتدبّر.

تفصیل:و لا یذهب علیک أنّ المحکی عن المحقق النائینی قدّس سرّه أن یکون المرفوع فی حدیث الرفع شاغلا لصفحة الوجود فإنّه بذلک یمتاز الرفع عن الدفع فإنّ الدفع هو المنع عن تقرر الشیء و الرفع هو المنع عن بقاء الوجود إلی أن قال فاعلم أنّ الظاهر الأوّلی و إن کان رفع نفس صفة النسیان إلاّ أنّه لا یمکن الأخذ بهذا الظهور فإنه مضافا إلی أنّ النسیان لیس من الأمور التشریعیة بنفسه و لیس له أثر شرعا کی یکون رفعه بلحاظ رفع أثره یلزم من ذلک

ص:427


1- 1) تسدید الاصول 2:137.

ترتیب آثار الصدور العمدی علی الفعل الصادر عن النسیان و هو کما تری خلاف الامتنان فلا محیص من رفع الید عما یقتضیه الظاهر الأوّلی بجعل النسیان بمعنی المنسی فیکون المرفوع نفس الفعل الصادر عن المکلف نسیانا بأن یفرض عدم وقوع الفعل منه و خلو صفحة الوجود عنه و علی هذا یختص الحدیث بالمحرمات و لا یشمل الواجبات لأنه لو فرض الإتیان بواجب عن نسیان فرفعه عبارة عن إعدامه و فرض عدم صدوره و هو ینافی الامتنان و لو فرض ترکه عن نسیان فلیس فی البین شیء شاغل لصفحة الوجود کی یمکن رفعه و بذلک یظهر فساد توهم دلالة قوله رفع النسیان علی سقوط الجزئیة و وقوع الطلب فیما عداه.

و قد أورد علیه سیدنا الاستاذ المحقق الدّاماد قدّس سرّه:فی محکی کلامه بأن المرفوع نفس الخطأ و النسیان و یکون رفعهما مع أنهما قد یقعان کثیرا ما کنایة عن فرض عدم صدور ما صدر عن المکلف عن نسیان أو خطأ عنه و بعبارة أوضح أنه لما کان المکلف المتشرّع بأحکام اللّه المبالی بدینه و فرائضه بحیث إذا لم یعرض له الخطأ و النسیان لکان آتیا بالواجبات و تارکا للمحرمات فإذا جعل الشارع خطأه أو نسیانه بمنزلة العدم فکأنّه فرضه آتیا بالواجب الذی ترک عن خطأ أو نسیان و تارکا للمحرم الذی أتی به عنه و قد عرفت سابقا انصراف الحدیث المبارک عن السهو و النسیان الذی نشأ عن عدم المبالاة بالدین و عدم التقید بأحکام اللّه و فرائضه و علی هذا نقول و إن کان ظاهر الرفع فی قبال الدفع جعل الموجود بمنزلة المعدوم إلاّ أن المرفوع نفس صفة النسیان و الخطأ الموجودین ادعاء باعتبار رفع الفعل أو الترک الصادر عن المکلف عن نسیان و خطأ و جعله بمنزلة العدم.

و علی هذا فکما انه یستفاد من الحدیث الرفع فی بعض الأحیان فکذلک یستفاد منه الوضع فی بعضها الآخر إلی أن قال فنقول و به نستعین معنی رفع الخطأ و النسیان رفع کل ما کان عن خطأ و نسیان بادعاء رفع الأثر عنه شرعا سواء کان الفعل أو الترک و سواء کان بنفسه منسیّا أو کان منشؤه النسیان فیرد علی المحقق المذکور أوّلا:أنه لا موجب لاختصاص

ص:428

الحدیث بالامور الوجودیة و ثانیا:أنه لا موجب للقول بأنّ المرفوع بعد ما لم یمکن أن یکون نفس النسیان هو المنسی فانه علی ما ذکر یشمل کل ما کان عن نسیان و ناشئا عنه و لو لم یکن بنفسه منسیّا فتدبر و لا تغفل. (1)

و مما ذکرنا یظهر النظر فی ما أفاده السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه حیث قال إنّ المرفوع لا بد أن یکون أحد الأمرین إمّا الحکم المتعلق بالشیء أو الحکم المترتب علی الشیء بحیث یکون هذا الشیء الذی تعلّق به النسیان أو الإکراه أو غیرهما موضوعا بالإضافة إلیه فمعنی رفعه فی عالم التشریع عدم کونه متعلقا للحکم الثابت له فی حد نفسه أو عدم کونه موضوعا للحکم المترتب علیه فی حد نفسه فبحسب النتیجة یفرض وجوده کالعدم و کأنّه لم یکن فإذا اضطر أو نسی أو أکره علی شرب الخمر مثلا فمعنی رفعه أن هذا الشرب لا یکون متعلقا للحرمة الثابتة له فی حد نفسه کما أنه لا یکون موضوعا للحکم الآخر المترتب علیه کوجوب الحد فهو أیضا مرفوع عنه فیکون ذلک تخصیصا فی أدلة الأحکام الأولیّة و موجبا لاختصاصها بغیر هذه الموارد المذکورة فی الحدیث و أما لو فرضنا أن الموضوع للحکم شیء آخر غایة الأمر أنه ملازم بحسب الوجود مع متعلق الاضطرار و الإکراه و نحوهما فلا یکاد یرتفع الحکم عن ذلک الموضوع بحدیث الرفع فلو فرضنا أنه مضطر أو مکره علی التکلم فی الصلاة فغایته أنّ حرمة القطع علی تقدیر القول بها مرفوعة و أمّا وجوب الإعادة أو القضاء المترتب علی عدم الإتیان بالمأمور به الذی هو لازم التکلم فلا یتکفل الحدیث لرفعه بوجه فإنه حکم مترتب علی موضوع آخر لا ربط له بمتعلق الإکراه أو الاضطرار و إن کانا متقارنین بحسب الوجود الخارجی. (2)

و لذا قال فی مثل قوله علیه السّلام فی صحیحة عبد الصمد الواردة فیمن لبس المخیط حال الإحرام جاهلا أی رجل رکب أمرا بجهالة فلا شیء علیه. (3)

ص:429


1- 1) المحاضرات لسیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه 2:423-426.
2- 2) مستند العروة 1:255-256.
3- 3) الوسائل الباب 45 من تروک الإحرام ح 3.

ان المنفی فی ظرف الجهل إنّما هو الأثر المترتب علی الفعل و إنّه لیس علیه شیء من ناحیة فعله الصادر عن جهل لا ما یترتب علی الترک و من المعلوم أنّ الأثر المترتب علی الفعل أعنی الإفطار إنّما هو الکفارة فقط فهی المنفی و أما القضاء فلیس هو من آثار الفعل و انما هو من آثار ترک الصوم و عدم الإتیان به فی ظرفه علی وجهه فهو أثر العدم لا الوجود نعم لأجل الملازمة بین الأمرین أعنی الإفطار و ترک الصوم الناشئة من کون الصوم و الإفطار ضدین لا ثالث لهما صح إسناد أثر أحدهما إلی الآخر مجازا. (1)

و ذلک لما عرفت من أنّ الرفع کنایة عن فرض عدم صدور ما صدر عن المکلف نسیانا أو خطأ فمع هذا الفرض یرجع الرفع إلی جعل الشارع خطأه أو نسیانه أو اضطراره بمنزلة العدم فکأنّه فرضه آتیا بالواجب الذی ترکه خطأ أو نسیانا و تارکا للمحرم الذی اتی به عن نسیان أو خطأ أو نحوهما و علیه فمعنی الرفع رفع کل ما کان عن خطأ و نسیان بادعاء رفع الأثر عنه شرعا سواء کان الفعل أو الترک و سواء کان بنفسه منسیّا أو کان منشؤه النسیان و علیه فلا وجه لتخصیص الحدیث بالموجودات و هکذا لا وجه لجعل المرفوع مخصوصا بنفس المنسی بعد عدم إمکان أن یکون المرفوع هو نفس النسیان لشمول الرفع لما یکون ناشئا عن النسیان و لو لم یکن بنفسه منسیّا فیعلم مما ذکر أنّه لا یختص المرفوع بالحکم المتعلق بالشیء أو الحکم المترتب علی الشیء بل یشمل ما یکون ناشئا عن الخطأ و النسیان و مرتبطا بهما بنحو من الأنحاء لأنه هو مقتضی فرض النسیان أو الخطأ الموجود بمنزلة العدم من دون تقیید و تخصیص و هکذا کان الأمر بالنسبة إلی صحیحة عبد الصمد فإن رفع المجهول یعم ما کان بنفسه مجهولا أو کان ناشئا عن الجهل فیدلّ علی نفی القضاء و الکفارة کلیهما نعم یمکن استفادة الاختصاص بنفی الکفّارة فی خصوص هذه الصحیحة بقرینة الحکم بالبطلان و لزوم الإعادة أو القضاء فی موارد من أفعال الحجّ کترک الوقوفین جهلا أو الطواف من بین حجر اسماعیل و نحوهما فتدبر جیدا.

ص:430


1- 1) مستند العروة 1:254.
التنبیه الخامس: لو نسی شرطا أو جزءا من المأمور به

انه لو نسی شرطا أو جزءا من المأمور به هل یمکن تصحیح المأتی به بحدیث الرفع أو لا یمکن.

ذهب بعض الأعاظم إلی الثانی معلّلا بأنّ الحدیث لا یشمل الأمور العدمیة لأنه لا محل لورود الرفع علی الجزء و الشرط المنسیین لخلو صفحة الوجود عنهما فلا یمکن أن یتعلق الرفع بهما هذا مضافا إلی أنّ الأثر المترتب علی الجزء و الشرط لیس إلاّ الإجزاء و صحة العبادة و هما لیسا من الآثار الشرعیة التی تقبل الوضع و الرفع بل من الآثار العقلیة لأن موافقة المأتی به مع المأمور به أو مخالفته معه من الأمور الواقعیة و لا دخل للشرع فیهما حتی یشملهما حدیث الرفع.

و یمکن الجواب عنه بأنّ:ما هو متعلّق الرفع هو حکم الجزء و الجزئیة فإنه ثقیل علی المکلف فلا یجب علیه الإعادة بعد شمول حدیث الرفع لهما و أمّا موافقة المأتی به مع المأمور به أو مخالفته معه فهما مترتبان علی بقاء الجزاء أو الشرط علی الجزئیة و الشرطیة و عدم بقائهما فی حال النسیان و علیه فمع کونهما متفرعان و مترتبان علی بقاء الجزئیة أو الشرطیة و عدمه فید الجعل تنالهما أیضا باعتبار منشأهما کما لا یخفی فإذا عرفت ذلک فالأقوی هو إمکان تصحیح المأتی به لأنّ حدیث الرفع حاکم علی أدلة المرکبات أو علی أدلة اعتبار الأجزاء و الشرائط و بعد الحکومة تصیر النتیجة اختصاص الأجزاء و الشرائط بغیر حال النسیان و یکون تمام المأمور به فی حق المکلف عامة الأجزاء و الشرائط غیر المنسیة منها و علیه فالمأتی به حال النسیان موافق للمامور به و مع المطابقة یصح المأتی به کما لا یخفی.

و القول بحکومتها فی حال نسیان الحکم(الجزئیة)لا فی حال نسیان نفس الجزء و الشرط تحکم محض بعد القول بتعلق الرفع بنفس ما نسوا أی المنسی علی نحو الإطلاق. (1)

ثم إنّ مقتضی ما عرفت من إمکان تصحیح المأتی به بحدیث الرفع هو عدم الفرق بین

ص:431


1- 1) راجع تهذیب الاصول 2:161.

کون النسیان مستوعبا لجمیع الوقت و عدمه إذ الحدیث یدل علی رفع الثقل عنهم و مقتضی ذلک هو عدم وجوب الإعادة فی الوقت فضلا عن وجوب القضاء خارج الوقت إذ مع رفع الثقل فالمأتی به هو الموافق للمأمور به و مع موافقة المأمور به یسقط الأمر المتعلق بالمأمور به و لا یبقی أمر حتی یجب إعادته بل ذهب فی تسدید الاصول إلی أنّ مقتضی حدیث الرفع انّه لو نسی التشهد مثلا و قام و تذکر قبل رکوع الرکعة التالیة فبما ان تدارک التشهد یوجب إعادة ما أتی به من تسبیحاته الأربع فی هذه الرکعة فهو ثقل قد لزمه من نسیانه فمقتضی الحدیث رفع هذا الثقیل بثقله عنه. (1)

نعم لو دل دلیل خاص علی لزوم الإعادة فیخصص حدیث الرفع به و بالجملة فلا وجه لرفع الید عن إطلاق حدیث الرفع ما لم یرد دلیل خاص علی خلافه و دعوی اختصاص المنسی بنسیان المرکب الواجب النفسی و هو لا یشمل النسیان غیر المستوعب فضلا عن النسیان فی أثناء الصلاة مندفعة بأنه لا وجه للاختصاص المذکور بعد إطلاق المنسی و وجود ملاک جریانه و هو تحمیل أمر علیه بسبب النسیان و هو موجود فیما إذا تذکر فی أثناء المرکب مثل الصلاة فضلا عما بعدها و لو لم یکن مستوعبا کما لا یخفی هذا کله بالنسبة إلی العبادات.

و مما ذکر یظهر الکلام فی النسیان فی ناحیة الأسباب و المعاملات و هو کما أفاد سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أنّ النسیان مثلا إن تعلّق بأصل السبب أو بشرط من شرائطه العقلائیة التی بها قوام العقد عرفا کإرادة تحقق معناه فلا ریب فی بطلان المعاملة إذ لیس هنا عقد عرفی حتی یتصف بالصحة ظاهرا و إن تعلّق النسیان بشرط من شرائط الشرعیة ککونه عربیا أو تقدم الإیجاب علی القبول و نحو ذلک فلا إشکال فی إمکان تصحیح العقد المذکور بحدیث الرفع فإنّ الموضوع أعنی نفس العقد محقق قطعا فی نظر العرف غیر أنه فاقد للشرط الشرعی فلو قلنا بحکومة الحدیث علی الشرائط بمعنی رفع شرطیة العربیة أو تقدمه علی القبول فی هذه الحالة یصیر العقد الصادر من العاقد عقدا مؤثرا فی نظر الشارع أیضا و النسیان و إن

ص:432


1- 1) تسدید الاصول 2:138.

تعلّق بإیجاد الشرط لا بشرطیّته لکن لا قصور فی شمول الحدیث لذلک لأن معنی رفع الشرط المنسی رفع شرطیته فی هذا الحال و الاکتفاء بالمجرد منه ثم إنّ النسیان لم یتعلّق بالفارسی من العقد بل تعلّق بالشرط أعنی العربیة فرفعه رفع لشرطیته فی المقام و رفع الشرطیة عین القول بکون ما صدر سببا تاما. (1)

التنبیه السادس: لا اختصاص لحدیث الرفع بالأحکام التکلیفیة

انّه لا اختصاص لحدیث الرفع بالأحکام التکلیفیة بل یعم الأحکام الوضعیة و لا اختصاص فی الوضعیة بالجزئیة و الشرطیة بل یشمل المانعیة أیضا فکما أنّ حدیث الرفع یرفع الحرمة و الوجوب فکذلک یرفع المانعیة کالمفطریة و مقتضی ذلک أنّه لو أکره الصائم علی مفطر و لو لم یکن الإکراه بحیث خرج عن اختیاره فهو إکراه علی إیجاد المفطر و المانع و هو لا یبطل الصوم.

کما هو الظاهر من المحقق فی موضع من الشرائع حیث قال فی کتاب الصوم لو کان(تناول المفطر)سهوا لم یفسد سواء کان الصوم واجبا أو ندبا و کذا لو أکره علی الإفطار أو وجر فی حلقه انتهی و نسبه فی الجواهر إلی الأکثر نعم تردد المحقق فی موضع آخر من الشرائع حیث قال:و لو وجر فی حلقه أو أکره إکراها یرتفع معه الاختیار لم یفسد صومه و لو خوّف فأفطر وجب القضاء علی تردد و لا کفّارة (2)و کیف کان فقد استدل له بحدیث الرفع.

و قد أورد علیه أوّلا:بأنّ حدیث الرفع مختص بالمؤاخذة و جوابه ظاهر بعد ما عرفت من أنّ المرفوع هو مطلق الحکم تکلیفا کان أو وضعیا استقلالیا کان أو غیر استقلالی.

و ثانیا:بأنّ الأمر بالصوم قد تعلّق بمجموع التروک من أول الفجر إلی الغروب و لیس کل واحد من هذه التروک متعلقا لأمر استقلالی بل الجمیع تابع للأمر النفسی الوحدانی المتعلق بالمرکب إن ثبت ثبت الکل و إلاّ فلا فإنّ الأوامر الضمنیة متلازمة ثبوتا و سقوطا

ص:433


1- 1) تهذیب الاصول 2:166.
2- 2) راجع الجواهر 16:258-267.

بمقتضی فرض الارتباطیة الملحوظة بینها کما فی أجزاء الصلاة و غیرها من سائر الواجبات فإذا تعلّق الإکراه بواحد من تلک الأجزاء فمعنی رفع الأمر به رفع الأمر النفسی المتعلق بالمجموع المرکب لعدم تمکنه حینئذ من امتثال الأمر بالاجتناب عن مجموع هذه الأمور فإذا سقط ذلک الأمر بحدیث الرفع فتعلق الأمر حینئذ بغیره بحیث یکون الباقی مأمورا به کی تکون النتیجة سقوط المفطریة عن خصوص هذا الفعل یحتاج إلی دلیل و من المعلوم أنّ الحدیث لا یتکفل بإثباته فإنّ شأنه الرفع لا الوضع فهو لا یتکفّل بنفی المفطریة عن الفعل الصادر عن إکراه لینتج کون الباقی مأمورا به و مجزیا کما هو الحال فی الصلاة فلو أکره علی التکلم فیها فمعناه أنّه فی هذا الأمر غیر مأمور بالإتیان بالمقید بعدم التکلم و أما الأمر بالباقی فلا.

و القضاء من آثار ترک المأمور به و عدم الإتیان به فی ظرفه اللازم لفعل المفطر فلا مجال حینئذ للتمسک بالحدیث لأن المکره علیه هو الفعل و لیس القضاء من آثاره فإطلاق دلیل القضاء علی من فات عنه الواجب فی وقته هو المحکّم فالتفرقة بین الکفارة و القضاء واضحة. (1)

یمکن أن یقال بأنّ:المفطریة من الأحکام المجعولة لمثل الأکل و مقتضی إطلاق رفع ما أکرهوا علیه هو رفع المفطریة أیضا بالإکراه و حیث انّ حدیث الرفع حاکم بالنسبة إلی الأدلة الأولیة یوجب تخصیص المفطریة بحال غیر الإکراه و مقتضی ذلک هو عدم سقوط الأمر بالمجموع من التروک فی باب الصوم و مع عدم سقوط الأمر المذکور فالمأتی به موافق للمأمور به و مع الموافقة لا مجال لدعوی الملازمة بین ترک المأمور به و لزوم القضاء لعدم تحقق موضوعه و هو ترک المأمور به کما لا یخفی و دعوی أنّ الموافقة و المخالفة و الصحة و الفساد لیستا من الأمور الجعلیّة حتی تکونا قابلتین للرفع و الوضع.

مندفعة بأن الموافقة و المخالفة للمأمور به و إن لم تکونا مجعولتین و لکنهما قابلتان للرفع و

ص:434


1- 1) مستند العروة 1:258.

الوضع بسبب إمکان وضع منشأهما و رفعه و من المعلوم أنّ رفع المفطریة فی حال الإکراه بحدیث الرفع موجب لموافقة المأتی به مع المأمور به بعد اختصاصه بغیر حال الإکراه جمعا بین حدیث الرفع الحاکم و الأدلة الأولیّة و القضاء من آثار الفوت الحاصل بترک المأمور به و المفروض مع حکومة حدیث الرفع هو عدم تحقق ترک المأمور به الملازم لحصول الفوت المترتب علیه القضاء کما لا یخفی و بعبارة أخری أنّ الأدلة الأولیة مع حدیث الرفع الذی یکون حاکما و شارحا کدلیل واحد یدل علی لزوم التروک فی غیر حال الإکراه و نحوه فالأمر النفسی بعد ورود حدیث الرفع یکون متقیّدا بغیر حال الإکراه و لا مجال لدعوی سقوط الأمر النفسی بعروض الإکراه.

هذا مضافا إلی ما أفاده فی جامع المدارک من أنّ لازم ما ذکر هو عدم جواز التمسک بحدیث لا تعاد إلاّ من خمس فانّ مقتضاه هو صحة الصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء أو بعض الشرائط مع عدم موافقة المأتی به المذکور للمأمور به و هکذا عدم جواز التمسک بحدیث الرفع فی مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیّین إذ مع الشک فی أنّ الواجب المرکب هو الأقل أو الأکثر یقال بالبراءة و عدم وجوب مشکوک الجزئیة أو الشرطیة و مقتضاها هو صحة الصلاة الفاقدة للجزئیة أو الشرطیة(مع أن الفاقدة لیست بموافقة للمأمور به و هو الأکثر)و الحل أنّ اللزوم المذکور من جهة الأمر و حیث إنّ الأمر بید الشارع و یکون قابلا للرفع و الوضع لا مجال للاستشکال من هذه الجهة و إلاّ لما أمکن القول بالصحة فی الموارد الخاصة کالحکم بالصحة فی التمام فی محل القصر و الجهر فی موضع الاخفات أو العکس. (1)

لا یقال:لیس الإکراه علی ترک جزء أو شرط من العبادات إلاّ کما لو أکره فی باب المعاملات علی ترک شیء من الأجزاء أو الشرائط المعتبرة فی صحتها مثل القبض أو الإشهاد فی الطلاق فکما لا یدل حدیث الرفع علی نفی اعتبار هذه الأمور فی حال الإکراه فی

ص:435


1- 1) جامع المدارک 2:162-164.

صحّة المعاملات فکذلک فی العبادات (1)،لأنا نقول فرق واضح بین المقام و هو باب العبادات و بین المعاملات فإنّ مقتضی کون حدیث الرفع مختصا بمورد الامتنان هو رفع ثقل لزوم المعاملة و نفوذها بسبب الإکراه لأنّ اللزوم و النفوذ خلاف الامتنان و لذا یحکم ببطلان المعاملة عن إکراه هذا بخلاف باب العبادات فإنّ الحکم بلزوم الإعادة و القضاء خلاف الامتنان فاللازم هو الحکم بصحّة العبادة و علیه فالفارق هو اختلاف الموارد فی الامتنان و عدمه.

نعم استشکل فی جامع المدارک فی التمسک بالحدیث فی الإکراه من ناحیة أخری و هی أنّ العمل بحدیث الرفع فی کثیر من أمثال المقام غیر معهود بل لعل العمل بها یستلزم فقها جدیدا إلی أن قال و بالجملة فالمسألة محل إشکال (2)

یمکن أن یقال إنّ خروج بعض الموارد عن حدیث الرفع بالتخصص أو الانصراف أو التخصیص یمنع عن لزوم الفقه الجدید بالأخذ بحدیث الرفع فی بقیة الموارد و قد استدل بالحدیث فی الناصریات علی ما حکاه سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال و فی الناصریات دلیلنا علی أنّ کلام الناسی لا یبطل الصلاة بعد الإجماع المتقدم ما روی عنه صلّی اللّه علیه و آله رفع عن أمتی النسیان و ما استکرهوا علیه و لم یرد رفع الفعل لأن ذلک لا یرفع و إنّما أراد رفع الحکم و ذلک عام فی جمیع الأحکام إلاّ ما قام علیه دلیل و یقرب منه کلام ابن زهرة فی الغنیة و تبعهما العلامة و الأردبیلی فی مواضع و قد نقل الشیخ الأعظم فی مسألة ترک غسل موضع النجو من المحقق فی المعتبر انه تمسک بالحدیث لنفی الإعادة فی مسألة ناسی النجاسة و قد تمسک الشیخ الأعظم و غیره فی مواضع بحدیث الرفع لتصحیح الصلاة فراجع. (3)

فتحصل أنه یجوز الأخذ بعموم حدیث الرفع فی الأحکام الوضعیة کالتکلیفیة من دون فرق بین الإکراه و بین غیره ما لم تقم قرینة علی الاختصاص أو التخصص.

ص:436


1- 1) مصباح الفقیه 14:462.
2- 2) جامع المدارک 2:164.
3- 3) تهذیب الاصول:2:164.

بقی شیء و هو أنه یخطر بالبال عدم العمل بإطلاق حدیث الرفع و أما نسبة العمل إلی الأکثر فلا تکفی مع احتمال أن یکون مرادهم من الإکراه هو الرافع للاختیار لا مطلق الإکراه فلیتأمّل.

التنبیه السابع: جواز التمسک بالاکراه لرفع مانعیة المانع

انّه لا یذهب علیک انّه ربما یفصل فی الإکراه بین الإکراه علی إیجاد المانع و بین الإکراه علی ترک الجزء و الشرط بأنّه لو تعلّق الإکراه علی ایجاد مانع شرعی فإن کان العاقد مضطرا اضطرارا عادیا أو شرعیا لإیجاد العقد و المکره یکرهه علی إیجاد المانع فالظاهر جواز التمسک به لرفع مانعیّة المانع فی هذا الظرف و إن لم یکن مضطرا للعقد فالظاهر عدم صحة التمسک لعدم صدق الإکراه(مع إمکان التفصی عنه)و لو تعلّق الإکراه علی ترک الجزء و الشرط فإذا کان مضطرا فی أصل العقد عادة أو شرعا فمحصل المختار فیه عدم جریان الحدیث لرفعهما فی هذه الحالة لأن الإکراه قد تعلّق بترک الجزء و الشرط و لیس للترک بما هو هو أثر شرعی قابل للرفع غیر البطلان و وجوب الإعادة و هو لیس أثرا شرعیا بل من الأمور العقلیة الواضحة فإنّ ما یرجع إلی الشارع لیس إلاّ جعل الجزئیة و الشرطیة تبعا أو استقلالا و أما إیجاب الإعادة و القضاء بعد عدم انطباق المأمور به علی المأتی به فإنما هو أمر عقلی یدرکه هو عند التطبیق.

و توهم إنّ مرجع الرفع عند الإکراه علی ترک جزء أو شرط إلی رفع جزئیته و شرطیته فی هذه الحالة مدفوع بأنّ المرفوع لا بد و ان یکون ما هو متعلق العنوان و لو باعتبار أنه أثر لما تعلّق به العنوان کالجزئیة عند تعلّق النسیان بنفس الجزء و أمّا المقام فلم یتعلّق الاکراه إلاّ بنفس ترک الجزء و الشرط و الجزئیة لیست من آثار نفس الترک نعم لو کان لنفس الترک أثر شرعی یرتفع أثره الشرعی عند الإکراه.و وجوب الإعادة لیس أثرا شرعیا فی حد نفسه و لا أثرا مجعولا لبقاء الأمر الأول بل هو أمر عقلی منتزع یحکم به إذا أدرک مناط حکمه و ما یری فی الأخبار من الأمر بالإعادة فإنما هو إرشاد إلی فساد المأتی به و بطلانه و یشهد علی

ص:437

ذلک أنّ التارک للإعادة لا یستحق إلاّ عقابا واحدا لأجل عدم الإتیان بالمأمور به لا لترک إعادته و احتمال العقابین کاحتمال انقلاب التکلیف إلی وجوب الإعادة باطل بالضرورة فتلخص من جمیع ما ذکر أنّ الإکراه إن تعلّق بإیجاد المانع(الشرعی)فیمکن أن یتمسک بحدیث الرفع لتصحیح الماتی به و أمّا إذا تعلّق بترک الجزء و الشرط فلا کما ظهر الفرق بین نسیان الجزء و الشرط و بین ترکهما لأجل الإکراه. (1)

یمکن أن یقال:إنّ هذا التفصیل ناش من لزوم تقدیر الأثر فی حدیث الرفع و أمّا علی ما عرفت من عدم الحاجة إلی التقدیر فلا وجه له لأنّ مفاده أنّ الإلزامات المجهولة أو المنسیة أو المکره علیها أو المضطر إلیها رفعت ثقلها بعروض هذه الطواری و من المعلوم أنّ التدارک و الإعادة ثقیل علی المکلفین و هما من لوازم بقاء الإلزامات المذکورة و مقتضی حدیث الرفع هو رفع ثقل هذه الإلزامات برفعها بقاء و معنی ذلک عدم وجوب التدارک و الإعادة من دون فرق بین النسیان و الإکراه و من دون تفاوت بین کون الإکراه علی ترک الجزء و الشرط و بین الإکراه علی إیجاد المانع إذ الحدیث یعم جمیع الموارد المذکورة.و لا نحتاج إلی وجود الأثر الشرعی حتی یقال إنّ وجوب الإعادة لیس أثرا شرعیا فی حد نفسه و لا أثرا مجعولا لبقاء الأمر الأول بل هو أمر عقلی منتزع یحکم به إذا أدرک مناط حکمه.

و ذلک لما عرفت من أنّ حدیث الرفع یدل علی رفع ثقل الأحکام الأولیة و بقاء تلک الأحکام بحیث یجب التدارک و الإعادة و مع رفع هذه الأحکام لا مجال للإعادة و التدارک کما لا یخفی فالأقوی بناء علی جواز الأخذ بعموم حدیث الرفع هو عدم الفرق بین الإکراه علی إیجاد المانع الشرعی و بین الإکراه علی ترک الجزء و الشرط فکما أنّه یجوز التمسک بحدیث الرفع فی الأول فکذلک یجوز فی الثانی فتدبر جیدا.

التنبیه الثامن: المرفوع بحدیث الرفع کما مر هو الحکم المتعلق بالموضوع لا الموضوع

أنّ المرفوع بحدیث الرفع کما مر هو الحکم المتعلق بالموضوع لا الموضوع و علیه فمثل

ص:438


1- 1) راجع تهذیب الاصول 2:167-168.

النجاسة مما له واقعیة خارجیة تکوینیة لیست مرفوعة بل هی حاصلة بنفس أسبابها التکوینیة کالملاقاة مع النجس لأنّها من الموضوعات الخارجیة و لا دخل لفعل الإنسان فیها و علیه فإذا ابتلی الإنسان بعدم ترتیب آثار النجاسة بسبب الجهل أو الاضطرار أو الخطأ و النسیان و غیر ذلک فحدیث الرفع لا یدل علی رفع نفس النجاسة بل یدل علی رفع أحکام النجاسة ما دامت العناوین المذکورة موجودة و لذا لو صلی فی النجس خطأ أو نسیانا أو جهلا أو اضطرارا أو إکراها فحدیث الرفع یدل علی رفع حکمه و ثقله فیحکم بصحة صلاته فیه لا رفع تنجس الملاقی کما لا یخفی.

إن قلت:مقتضی أن یکون مفهوم حدیث الرفع هو رفع الأحکام المتعلقة بالموضوعات دون نفسها هو ارتفاع الحکم بتنجس جسم الملاقی للنجاسة فی حال عروض النسیان أو الاضطرار أو الجهل لأن التنجس أیضا من الأحکام و علیه فلو لاقی یده أو لباسه النجس فتذکر و التفت کان مقتضی الحدیث هو رفع الحکم بالتنجس فلو أراد بعد الالتفات،الصلاة فی لباسه النجس و نحوه کان مقتضی حدیث الرفع هو الحکم بصحة صلاته و لو بعد التفاته بملاقاة لباسه أو یده مع النجاسة و هو مما لم یلتزم به أحد و یلزم منه فقه جدید.

قلت:اجیب عن ذلک باجوبة:

منها:ان تنجس شیء بالملاقاة لم یترتب علی الملاقاة بما هو فعل من أفعال المکلف بل هو مترتب علی الملاقاة بما هی هی من الموضوعات الخارجیة إذ النجاسة قذارة خارجیة تکوینیة أو سیاسیة و علیه فالابتلاء بها و إن کان بسبب الخطأ و النسیان أو الجهل أو الاضطرار و نحوها لا یوجب أن یحکم علیها برفع نفسها بحدیث الرفع و الحکم بصحة صلاته و لو بعد الالتفات إلی النجاسة لأنّ مثل هذا المورد خارج تخصّصا.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:إنّ المعتبر أن یکون الحکم مترتبا علی فعل المکلف بما هو فعل المکلف فلا یرفع به مثل النجاسة المترتبة علی عنوان الملاقاة فإذا لاقی جسم طاهر بدن الإنسان المتنجس اضطرار أو إکراها لا یمکن الحکم بارتفاع تنجس هذا الجسم الملاقی

ص:439

لحدیث الرفع لان تنجس الملاقی لم یترتب علی الملاقاة بما هو فعل المکلف بل هو مترتب علی نفس الملاقاة و إن فرض تحقّقها بلا استناد إلی المکلف فلا وجه لما أفاده المحقق النائینی قدّس سرّه من أن ذلک خارج عن حدیث الرفع بالإجماع. (1)

و هذا الجواب تام بالنسبة إلی مسألة ملاقاة النجاسة فی الأحوال المذکورة و لکن یرد علیه ما أورد علیه فی مباحث الحجج بقوله و هذا الجواب لا بأس به لو لا أنّه لا یرفع الإشکال نهائیا فإنه یفید فی مثال الملاقاة مع أنّ هناک ما یکون فعلا للمکلف و موضوعا لآثار تحمیلیة و مع ذلک لا ترتفع تلک الآثار بالحدیث کالإتلاف نسیانا لمال الغیر فی مورد لا یکون تلفه موجبا للضمان فإنه فعل للمکلف و بما هو کذلک یقع موضوعا للضمان.

و کمسّ المیت فإنه فعل للمکلف و لیس کالملاقاة التی قد تقع بین شیئین بلا نسبة إلی المکلف فهل یقال بشمول الحدیث لرفع الضمان فی الأول و وجوب الغسل فی الثانی إذا وقعا بأحد العناوین التسعة. (2)

و علیه فلا یکفی فی الجواب إن یقال إنّ المعتبر أن یکون الحکم مترتبا علی فعل المکلف فإنّ مثل الإتلاف و مسّ المیت هو فعل المکلف و مع ذلک لا یشمله حدیث الرفع.اللّهمّ إلاّ أن نقول:بالتخصیص فی هذه الموارد.

و منها:ما أفاده الشهید الصدر قدّس سرّه بقوله و الذی ینبغی أن یقال إنّ المعذریة المستفادة من الحدیث للعناوین المذکورة فیها طعم إمضاء المعذریة العرفیة العقلائیة المرکوزة فی مثل هذه العناوین فلیست تأسیسیة محضة بل ملاکها مرکوز لدی العرف و من الواضح أنّ تلک المعذریة إنّما هو فیما إذا کان الحکم التحمیلی المرتب علی الموضوع مما یکون للاختیار و العمد دخل فی ترتیبه سواء کان فعلا مباشرا للمکلف أو تسبیبا.

و کون الاختیار و العمد دخیلا فی ترتب الحکم یستفاد إمّا من کون الفعل متعلقا للحکم

ص:440


1- 1) مصباح الاصول 2:269.
2- 2) مباحث الحجج 2:55.

الشرعی التکلیفی حیث یشترط فیه الاختیار لا محالة و من هنا متی ما انطبق أحد العناوین المذکورة علی متعلق حکم تکلیفی تحمیلی ارتفع(فمثل الصلاة الذی هو متعلق للوجوب و هو حکم تکلیفی یکون العمد و الاختیار دخیلا فی ترتب الوجوب علیه).

و إمّا من وقوع الفعل موضوعا لا متعلقا إلاّ أنّه بنفسه یکون متضمنا للقصد و الاختیار کما فی الأفعال الإنشائیة کالمعاملات(فمثل عقد البیع موضوع لوجوب الوفاء و العقد یکون تابعا للقصد و الاختیار کما لا یخفی).

و إمّا من وقوع الفعل موضوعا لحکم تکلیفی تحمیلی یستظهر من دلیل ترتیبه إنّه إنّما رتب عقوبة و مجازاة مما یکون ظاهرا فی دخل الاختیار و العمد فی ترتیبه کما فی ترتیب الکفارة علی الإفطار فیرتفع بالإکراه مثلا.

و شیء من ذلک غیر صادق علی مثل النجاسة بالملاقاة أو الجنابة بموجبها أو الضمان بالإتلاف أو الغسل بمسّ المیت. (1)

و لقد أفاد و أجاد و لکن الإتلاف خارج عن مورد حدیث الرفع من جهة کون الحدیث للامتنان المعلوم أنّ رفع الضمان لیس کذلک فتدبر جیدا و کیف ما کان فتحصّل إنّ المرفوع هی أحکام أفعال یکون للاختیار و العمد دخل فیها و أما ما لا دخل لهما فیها کالنجاسة بالملاقاة أو الجنابة بموجبها أو الضمان بالإتلاف فلا یشملها حدیث الرفع.

و بالجملة إنّ اللازم فی تطبیق حدیث الرفع أمور!

أحدها:أن یکون المرفوع هو الحکم لا الموضوع و الفعل و لا فرق فی الحکم بین أن یکون تکلیفیا أو وضعیا.

و ثانیها:أن یکون لفعل المکلف دخل فی ترتب الحکم.

و ثالثها:أن یکون للاختیار دخل فی موضوع الحکم أو متعلقه فالمرفوع هو حکم فعل أو ترک من الأفعال أو التروک الاختیاریة للمکلف لا حکم وجود شیء أو عدمه من دون دخل لفعل المکلف و ترکه أو اختیاره فیه.

ص:441


1- 1) مباحث الحجج 2:55.

و رابعها:أن یکون رفع الحکم امتنانا علی الامة فما لا امتنان فیه بالنسبة إلی الامة کرفع الضمانات عند عروض بعض العناوین المذکورة لا یشمله حدیث الرفع.

التنبیه التاسع: إذا شک فی مانعیة شیء للصلاة إلی التفصیل بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة

إنّه ذهب شیخ مشایخنا فی الدرر فیما إذا شک فی مانعیة شیء للصلاة إلی التفصیل بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة فی الأجزاء و عدمه.

حیث قال لو شک فی مانعیة شیء للصلاة فالحدیث بناء علی حمله علی تمام الآثار ینفع لصحة صلاته ما دام شاکا و إذا قطع بکونه مانعا یجب علیه إعادة تلک الصلاة فی الوقت و قضاؤها فی خارجه کما هو مقتضی القاعدة فی الأحکام الظاهریة و أما لو شک فی انطباق عنوان ما هو مانع علی شیء فلا یبعد ان یقال بالاجزاء و إن علم بعد الفعل بالانطباق کما لو صلی مع لباس شک فی أنه مأکول اللحم أو غیره مثلا إذ مقتضی رفع الآثار عن هذا المشکوک تخصیص المانع بما علم أنه من غیر الماکول و لا یمکن هذا القول فی الأول إذ یستحیل تخصیص المانع بما إذا علم مانعیته فتدبر جیدا. (1)

و أجاب عنه سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه بأنّ المستحیل إنّما هو جعل المانعیة ابتداء فی حق العالم بالمانعیة لاستلزامه الدور و أمّا جعلها ابتداء بنحو الإطلاق ثم إخراج ما هو مشکوک مانعیته ببرکة حدیث الرفع بأن یرفع فعلیة مانعیته فی ظرف مخصوص فلیس بمستحیل بل واقع شائع.

و أمّا الاکتفاء بما أتی به المکلف و سقوط الإعادة و القضاء فقد مرّ بحثه تفصیلا و خلاصته إنّ حکومة الحدیث علی الأدلة الأولیة یقتصر قصر المانعیة علی غیر هذه الصورة التی یوجد فیها إحدی العناوین المذکورة فی الحدیث و علیه فالآتی بالمأمور به مع المانع آت لما هو تمام المأمور به و لازمه سقوط الأمر و انتفاء القضاء. (2)

ص:442


1- 1) الدرر:445-446.
2- 2) تهذیب الاصول 2:172.

و لا یخفی علیک بعد ما عرفت من أنّ حدیث الرفع کما یجری فی المانعیة فکذلک یجری فی الشرطیة و الجزئیة انّه لا وجه لتخصیص البحث بالمانعیة کما یظهر من تهذیب الاصول بل یجری البحث المذکور فی الشرطیة و الجزئیة حرفا بحرف فلا وجه للتفصیل مطلقا سواء کان فی المانعیة أو غیرها و بقیة الکلام فی محله.

أمّا من السنّة فبروایات.

ص:443

الخلاصة

حدیث رفع ما لا یعلمون

منها:صحیحة حریز بن عبد اللّه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله«رفع عن أمّتی تسعة الخطأ و النسیان و ما اکرهوا علیه و ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما اضطروا إلیه و الحسد و الطیرة و التفکر فی الوسوسة فی الخلق ما لم ینطق بشفة»

بدعوی أنّ الحدیث یدل علی رفع الإلزامات المجهولة عن الأمّة فی مرحلة الظاهر و مع الرفع و الترخیص الظاهری لا مجال لوجوب الاحتیاط و مع عدم وجوب الاحتیاط لا مورد للمؤاخذة و العقاب.

و توضیح ذلک یتوقّف علی تقدیم امور:

الأمر الأوّل:

أنّ قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل فی الأحکام تصلح للقرینیّة علی أنّ المرفوع لیس هو الحکم الواقعی بوجوده الواقعی و إلاّ لزم أن یکون الحکم الواقعی مختصّا بالعالمین و هو ینافی قاعدة الاشتراک و حسن الاحتیاط.

و علیه فالمرفوع هو الحکم الواقعی فی مرتبة الظاهر لا بوجوده الواقعی و معناه هو الترخیص فی ترکه و هو لا یساعد مع وجوب الاحتیاط.

الأمر الثانی:

أنّ بعد ما عرفت من أنّ الرفع مسند إلی نفس الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر لا وجه لإسناد الرفع إلی وجوب الاحتیاط کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه مع أنّه خلاف الظاهر.

نعم عدم وجوب الاحتیاط من لوازم رفع الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر.

الأمر الثالث:

أنّ المرفوع إذا عرفت أنّه نفس الحکم المجهول فی مرحلة الظاهر فتقدیر المؤاخذة أو الأثر المناسب أو جمیع الآثار خلاف الظاهر لأنّ التقدیر بأحد الأنحاء المذکورة بدلالة الاقتضاء

ص:444

متفرّع علی عدم إمکان إسناد الرفع إلی نفس ما لا یعلمون و غیره و مع وضوح إمکانه فالمرفوع هو الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر شرعا کنفی الضرر فی حدیث لا ضرر فإنّه أیضا نفی تشریعی بمعنی أنّ الضرر من أیّ جهة کان محکوم بالنفی شرعا و مقتضی رفع الحکم شرعا هو رفع تنجیزه.

و التحقیق أنّ الرفع فی المقام لا یحتاج إلی ادّعاء و عنایة أصلا فإنّ الرفع رفع عن الأمّة و معنی رفع الأحکام عن الأمّة رفع ثقلها عنهم و ثقلها هو لزومها و تنجیزها و إسناد رفع إلی اللزوم و التنجیز حقیقی و لا یحتاج فیه إلی العنایة و الادّعاء و هکذا الأمر بالنسبة إلی سایر الفقرات من الروایة أی رفع ما اضطرّوا إلیه و ما استکرهوا و غیرهما مع قید عن الأمّة.

إذا عرفت هذه الامور فاتّضح أنّ حدیث الرفع یدلّ علی أنّ الإلزامات المجهولة الموجودة فی الواقع مرفوعة عن الأمّة فی مرحلة الظاهر.

و معنی رفعها هو رفع ثقلها و لا منافاة بین وجود إلزام واقعا و بین الترخیص الظاهری لإمکان الجمع بین الحکم الواقعی و الظاهری بذلک و مع رفع الحکم فی مرحلة الظاهر لا یجب الاحتیاط و مع عدم وجوب الاحتیاط لا مجال للعقاب و المؤاخذة.

ثمّ إنّ حدیث الرفع لا یختصّ بالشبهات الموضوعیة بل یعمّ الشبهات الحکمیة لإطلاق الموصول فی رفع ما لا یعلمون.

و دعوی أنّ أخوات فقرة رفع ما لا یعلمون یمکن أن تکون قرینة لاختصاص رفع ما لا یعلمون بالشبهات الموضوعیّة لأنّ رفع ما اضطرّوا إلیه أو رفع ما استکرهوا علیه لا یشمل غیر الشبهات الموضوعیة.

مندفعة بأنّ عموم الموصول إنّما یکون بملاحظة سعة متعلقه و ضیقه فقوله صلّی اللّه علیه و آله«ما اضطرّوا إلیه»ارید منه کل ما اضطرّ إلیه فی الخارج غایة الأمر لم یتحقّق الاضطرار بالنسبة إلی الحکم فیقتضی اتحاد السیاق أن یراد من قوله صلّی اللّه علیه و آله«ما لا یعلمون»أیضا کل فرد من أفراد هذا العنوان أ لا تری أنّه إذا قیل ما یؤکل و ما یری فی قضیة واحدة لا یوجب انحصار الأوّل فی بعض الأشیاء تخصیص الثانی به.

ص:445

تنبیهات حدیث الرفع التنبیه الأوّل:

أنّ الرفع فی حدیث الرفع حیث إنّه رفع عن الأمّة یکون ظاهرا فی رفع الثقل عن الأمّة و من المعلوم أنّ رفع الثقل عن الأمّة ممّا یصلح للامتنان علیهم.

و السبب فی هذا الرفع هی العناوین العارضة المذکورة فی الحدیث من الجهل و الخطأ و النسیان و الإکراه و الاضطرار و عدم الطاقة و المرفوع هی الأحکام الثابتة فی موارد عروض هذه العناوین و أمّا أحکام نفس هذه العناوین کوجوب سجدتی السهو و غیره ممّا یترتب علی نفس هذه العناوین فلیست مرتفعة أصلا.

و علیه فالمراد من رفع الخطأ و النسیان مثلا هو رفع أحکام ما أخطئوا أو نسوا فیه لا رفع حکم الخطأ و النسیان.

ثمّ إنّ الرفع حیث یختصّ برفع کلّ حکم ثقیل علی الأمّة لا یشمل ما لا یکون رفعه رفع الثقیل و هذا هو وجه الفرق بین فعل حرام اضطرّ إلیه و بین معاملة اضطرّ إلیها فإنّ حدیث الرفع یجری فی الأوّل دون الثانی لأنّ رفع الحرمة فی الاوّل امتنانی دون رفع الصحّة فی الثانی لأنّ صحّة الثانی لیست بثقیلة بل الأمر بالعکس بخلاف بیع المکره فإنّ صحّته ثقیلة علیه و رفع صحته یکون امتنانیا لا یقال:إنّ الامتنان نکتة الحکم لا علّته و علیه فلم لم یؤخذ بإطلاق حدیث الرفع فی غیر موارد الامتنان.

لأنّا نقول إنّ تقیید رفع التسعة بقوله عن الأمة ظاهر فی رفع الثقل عنهم و هو امتنان بظاهر الکلام و لذلک لا یشمل حدیث الرفع غیر موارد الامتنان.

هذا بخلاف حدیث لا ضرر فإنّ الامتنان فیه من باب نکتة الحکم لا الظهور اللفظی و لذا یقع البحث عن شموله بالنسبة إلی موارد الامتنان فیها و عدم شموله.

و یتضرّع علیه اختصاص المرفوع بالآثار التی لا یلزم من رفعها خلاف الإرفاق و الامتنان علی المکلّف و علیه فلا یجری إذا شکّ فی شرط فی أصل التکلیف کالاستطاعة فی

ص:446

الحج لأنّ رفعه یقتضی وضع التکلیف الثقیل علی المکلّف و هو خلاف الإرفاق بخلاف إذا شکّ فی شرائط الواجب فإنّ رفعه فیها یوجب الإرفاق کما لا یخفی.

التنبیه الثانی:

أنّ الرفع فی حدیث الرفع ظاهر فی معناه و هو إزالة الشیء عن صفحة الوجود بعد حصوله و تفسیره بالدفع خلاف الظاهر و حیث إنّ الحکم مع قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل لا یمکن رفعه فالرفع متعلّق بإلزامه فی مرحلة الظاهر و هکذا الأمر فی سائر الفقرات فإنّ الرفع متعلّق بإلزام أحکام مواردها.

لا یقال:إنّ الخطاب لا یشمل الناسی و العاجز و نحوهما فلا بدّ أن یکون الرفع بالنسبة إلیهم بمعنی الدفع لا الرفع.

لأنا نقول:نمنع ذلک بل الرفع فی الموارد المذکورة بمعنی الرفع أیضا لأنّ الخطابات شاملة لهم بحسب الإرادة الاستعمالیة و هذه الخطابات قابلة للرفع و إن کان الرفع بالنسبة إلی الإرادة الجدیّة دفعا.

لا یقال:إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة لا حکم لها حتی یکون الرفع بالنسبة إلیها مستعملا فی معناه بل اللازم أن یکون الرفع فیها،بمعنی الدفع.

لأنا نقول:نمنع ذلک بل الرفع فی الموارد المذکورة بمعنی الرفع ایضا لأنّ الخطابات شاملة لهم بحسب الإرادة الاستعمالیة و هذه الخطابات قابلة للرفع و إن کان الرفع بالنسبة إلی الإرادة الجدیّة دفعا.

لا یقال:إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة لا حکم لها حتی یکون الرفع بالنسبة إلیها مستعملا فی معناه بل اللازم أن یکون الرفع فیها بمعنی الدفع.

لأنّا نقول إنّ الفقرات الثلاثة من الأفعال القلبیة و بهذا الاعتبار یمکن تعلّق الحرمة بها فالحسد بمعنی تمنّی زوال النعمة عن الغیر فعل من الأفعال القلبیة و یمکن الحکم بحرمته و هکذا الوسوسة و الطیرة و الشاهد علیه کون هذه الأفعال محکومة بالأحکام فی الشرائع

ص:447

السابقة و مقتضی عمومها بحسب الزمان أن یکون حکمها باقیا فی عامة الأزمنة و بحسب هذا الاعتبار یکون الرفع بالنسبة إلیها بمعناه الحقیقی أی الإزالة.

ثمّ لا یذهب علیک أنّ مع وجود الإطلاقی و الاستعمالی لا حاجة إلی اعتبار الوجود سابقا لیکون الرفع بمعناه الحقیقی کما لا یخفی.

لا یقال:إنّ الحسد و الطیرة و الوسوسة فی التفکر فی الخلق لیست اختیاریة حتی یکون لها أحکام.

لأنّا نقول إنّ هذه الامور و إن کانت بنفسها غیر اختیاریة و لکنّها باعتبار مبادیها کانت تحت الاختیار لإمکان التحرّز عنها باختیار مبادی أضدادها فلا مانع من أن یتعلّق بها أحکام بهذا الاعتبار.

التنبیه الثالث:

أنّه لا إشکال فی قبح مؤاخذة الناسی و العاجز و المخطی بحکم العقل و علی هذا یرد علی الروایة أمران أحدهما أنّ هذا لا یختصّ بالأمة المرحومة لأنّ الحکم العقلی لا یختصّ بزمان دون زمان.

و ثانیهما أنّ الروایة ظاهرة فی الامتنان مع أنّه لا منّة فی رفع ما هو قبیح عند العقل.

یمکن أن یقال:إنّا نمنع استقلال العقل بقبح المؤاخذة فی الناسی و المخطی مع کون مبادی أضدادهما تحت الاختیار فإنّ مع شرک التحفظ لا یقبح المؤاخذة فإذا لم تکن المؤاخذة قبیحة أمکن تصور الامتنان عند رفع الإلزام و المؤاخذة عند النسیان و الخطأ.

و هکذا العقل لا یستقلّ بقبح المؤاخذة فیما لا یتحمل عادة لا فیما لا یقدر علیه أصلا فرفع المؤاخذة فیما لا یتحمّل عادة ممکن و یکون امتنانیا.

التنبیه الرابع:

أنّه لا فرق بین أن یکون متعلّق الحکم هو الفعل أو الترک اذ أیّ واحد منهما فله حکم و أثر ثقیل یکون قابلا للرفع و علیه فلو نذر شرب ماء الفرات فأکره علی الترک فالإکراه

ص:448

موجب لرفع حکم الترک و هو الحنث من الکفارة فلا وجه لتخصیص المرفوع بآثار الأمور الوجودیة لأنّ حکم الترک کحکم الفعل حکم حقیقی ثقیل و قابل للرفع ثمّ إنّ المرفوع فی مثل رفع النسیان و الخطأ نفس النسیان و نفس الخطأ و یؤول نفیهما مع أنّهما قد یقعان کثیرا کنایة عن فرض عدم صدورهما و جعل خطأه و نسیانه بمنزلة العدم فکأنّه فرضه أتیا بالواجب و تارکا للمحرم فیما إذا اترک الواجب أو أتی نسیان أو خطأ و علی هذا نقول و إن کان ظاهر الرفع فی قبال الدفع هو جعل الموجود بمنزلة المعدوم إلاّ أنّ المرفوع یکون نفس صفة النسیان و الخطأ الموجودین إدّعاء باعتبار رفع الفعل أو الشرک الصادر عن المکلف عن نسیان و خطأ و جعله بمنزلة العدم.

و علیه فکما یستفاد من الحدیث الرفع فی بعض الأحیان فکذلک یستفاد منه الوضع فی بعضها الآخر فلا موجب لاختصاص الحدیث برفع الأمور الوجودیة.

ثمّ لا یذهب علیک أنّه لا وجه لجعل المرفوع بنفس المنسی بعد عدم إمکان أن یکون المرفوع هو نفس النسیان لشمول نفی النسیان لکلّ ما یکون ناشئا عن النسیان و لو لم یکن بنفسه منسیّا.

فمن هذا یعلم أنّه لا یختصّ المرفوع بالحکم المتعلق بالشیء أو الحکم الترتب علی الشیء بل یشمل ما یکون ناشئا عن الخطأ و النسیان و مرتبطا بهما بنحو من الأنحاء لأنّ ذلک هو مقتضی فرض النسیان أو الخطأ الموجود بمنزلة العدم من دون تقیید و تخصیص فلو فرض أحد یضطر أو یکره علی التکلم فی الصلاة فحرمة القطع مرفوعة بالاضطرار أو الإکراه بل یرتفع لازم التکلم من الإعادة و الفضاء المترتبین علی عدم الإتیان بالمأمور به أیضا لأنّ منشأهما هو الاضطرار أو الإکراه فإذا ارتفع الاضطرار أو الإکراه ارتفع لوازمهما أیضا لأنّ منشأهما هو الاضطرار أو الإکراه فإذا ارتفع الاضطرار أو الإکراه ارتفع لوازمهما أیضا.

التنبیه الخامس:

أنّه لو نسی شرطا أو جزءا من المأمور به هل یمکن تصحیح المأتی به بحدیث الرفع أولا:

ذهب بعض الأعاظم إلی الثانی مستدلاّ بأنّ الحدیث لا یشمل الامور العدمیة یمکن الجواب

ص:449

عنه کما مرّ بأنّه لا وجه لتخصیص المرفوع بآثار الامور الوجودیة لأنّ حکم الترک کحکم الفعل ثقیل و قابل للرفع فإعادة الواجب أو قضائه من ناحیة نسیان الجزء أو الشرط ثقیل و یکون مرفوعا.

و علیه فحدیث الرفع حاکم علی أدلّة المرکّبات أو علی أدلّة اعتبار الأجزاء و الشرائط و مقتضاه هو اختصاص الأجزاء و الشرائط بغیر حال النسیان و یکون تمام الأمور به فی حق المکلّف عامة الأجزاء و الشرائط غیر المنسیة و علیه فالمأتی به حال النسیان موافق للمأمور به و مع المطابقة یصح المأتی به کما لا یخفی.

ثمّ إنّ مقتضی ما عرفت من إمکان تصحیح المأتی به بحدیث الرفع هو عدم الفرق بین کون النسیان مستوعبا لجمیع الوقت و عدمه إذ مع شمول حدیث الرفع یکون المأتی به موافقا للمأمور به و نتیجة ذلک هو سقوط الأمر المتعلق بالمأمور به فلا یبقی أمر حتی یجب إعادته فضلا عن قضائه نعم لو دلّ دلیل خاصّ علی لزوم الإعادة لزم تخصیص حدیث الرفع.هذا کلّه بالنسبة إلی العبادات و أمّا المعاملات فیمکن أن یقال:إنّ النسیان مثلا إن تعلّق بالسبب المقوّم أو الشرط المقوّم ممّا یکون قوام العقد به عرفا کإرادة تحقّق معناه فلا ریب فی بطلان المعاملة إذ لیس هنا عقد عرفا حتی یتّصف بالصحّة ظاهرا.

و إن تعلّق بشرط من الشرائط الشرعیّة لکون العقد عربیا فلا إشکال فی إمکان تصحیحه بحدیث الرفع فإنّ العقد محقّق قطعا فی نظر العرف فمع حکومة حدیث الرفع و سقوط الشرط المذکور عن الشرطیة یصیر العقد الصادر عقدا مؤثّرا فلا تغفل.

التنبیه السادس:

أنّه لا اختصاص لحدیث الرفع بالأحکام التکلیفیة بل یعمّ الأحکام الوضعیّة فکما أنّ حدیث الرفع یرفع الحرمة و الوجوب فکذلک یرفع المفطریّة و نحوهما و علیه فلو أکره علی إیجاد المفطر فلا یوجب بطلان الصوم و ذلک لأنّ المفطریّة من الأحکام المجعولة لمثل الأکل و مقتضی إطلاق رفع ما استکرهوا علیه هو رفع المفطریة بالإکراه و حیث إنّ حدیث الرفع

ص:450

حاکم بالنسبة إلی الأدلة الاوّلیة یوجب ذلک تخصیص المفطریة بحال غیر الإکراه و علیه فلا یسقط الأمر المتعلّق بالمجموع من التروک فی باب الصوم و مع عدم السقوط فالمأتی به موافق للمأمور به و مع الموافقة لا مجال لدعوی الملازمة بین ترک المأمور به و لزوم القضاء لعدم تحقّق موضوعه و هو ترک المأمور به.

لا یقال:إنّ الموافقة و المخالفة و الصحّة و الفساد لیست من الأمور الجعلیّة حتی تکونا قابلتین للرفع و الوضع.

لأنّا نقول إنّ الموافقة و المخالفة للمأمور به و إن لم تکونا مجعولتین و لکنّهما قابلتان للرفع و الوضع بسبب إمکان وضع منشأهما و رفعه.

و دعوی أنّ الإکراه فی العبادات کالإکراه فی المعاملات فکما أنّ الإکراه فی المعاملات فی الأجزاء أو الشرائط یوجب البطلان فکذلک فی العبادات.

مندفعة بوضوح الفرق بینهما فإنّ مقتضی کون حدیث الرفع مختصّا بموارد الامتنان هو رفع ثقل لزوم المعاملة و نفوذها بسبب الإکراه لأنّ اللزوم خلاف الامتنان و لذا یحکم ببطلان المعاملات إذا أکره علیها.هذا بخلاف باب العبادات فإنّ الحکم بلزوم الإعادة أو القضاء عند الإکراه خلاف الامتنان فالفارق هو اختلاف الموارد فی الامتنان و عدمه.

فتحصّل أنّه یجوز الأخذ بعموم الحدیث فی الأحکام الوضعیة أیضا ما لم تکن قرینة علی الاختصاص أو التخصیص و لکنه محلّ تأمّل لعدم ثبوت العمل بإطلاق حدیث الرفع.

التنبیه السابع:

أنّه ربّما یفصل بین الإکراه علی إیجاد المانع الشرعی و بین الإکراه علی ترک الجزء أو الشرط بأنّه لو تعلّق الإکراه علی إیجاد مانع شرعی فإن کان العاقد مضطرا اضطرارا عادیا أو شرعیا لإیجاد العقد و المکره یکرهه علی إیجاد المانع فالظاهر جواز التمسّک به لرفع مانعیة المانع فی هذا الظرف و إن لم یکن مضطرا للعقد فالظاهر عدم صحّة التمسّک لعدم صدق الإکراه مع إمکان التفصّی عنه.

ص:451

و لو تعلّق الإکراه علی ترک الجزء و الشرط فإن کان مضطرا فی أصل العقد عادة أو شرعا فمحصّل المختار فیه عدم جریان الحدیث لرفعهما فی هذه الحالة لأنّ الإکراه قد تعلّق بترک الجزء أو الشرط و لیس للترک بما هو أثر شرعی قابل للرفع غیر البطلان و وجوب الإعادة و هو لیس أثرا شرعیا بل من الامور العقلیّة فإنّ ما یرجع إلی الشارع لیس إلاّ جعل الجزئیة أو الشرطیة تبعا أو استقلالا و أمّا إیجاب الإعادة و القضاء بعد عدم انطباق المأمور به علی المأتی به فإنّما هو أمر عقلی یدرکه هو عند التطبیق و عدمه.

و یمکن الجواب بأنّ منشأ هذا التفصیل هو زعم لزوم تقدیر الأثر فی حدیث الرفع و أمّا علی ما عرفت من عدم الحاجة إلی التقدیر فلا وجه له لأنّ مفاد حدیث الرفع أنّ الإلزامات المجهولة أو المنسیة أو المکره علیها أو المضطر إلیها رفعت ثقلها بعروض هذه الطواری و من المعلوم أنّ التدارک و الإعادة ثقیل علی المکلّفین و هما من لوازم بقاء الإلزامات المذکورة و مقتضی حدیث الرفع هو رفع ثقل هذه الإلزامات به منها بقاء و معنی ذلک عدم وجوب التدارک و الإعادة من دون فرق بین النسیان و الإکراه و من دون تفاوت بین کون الإکراه علی ترک الجزء أو الشرط و بین الإکراه علی إیجاد المانع إذ الحدیث یعمّ الجمیع.

و لا حاجة إلی تقدیر الأثر الشرعی حتی یقال إنّ وجوب الإعادة لیس أثرا شرعیّا فی حدّ نفسه و لا أثرا مجعولا لبقاء الأمر الأوّل بل هو أمر عقلی منتزع یحکم به إذا أدرک مناط حکمه و إن أمکن الجواب عنه بکفایة کون وضع منشئه و رفعه بید الشارع فالأقوی هو عموم حدیث الرفع و عدم صحة التفصیل المذکور فلا تغفل.

التنبیه الثامن:

أنّ المرفوع فی حدیث الرفع هی أحکام الأفعال التی یکون للاختیار و العمد دخل فیها و أمّا ما لا دخل لهما فیها فلا یشمله حدیث الرفع.

و علیه فلا یرفع حدیث الرفع مثل النجاسة الحاصلة بالملاقاة حال الجهل أو الإکراه أو الاضطرار و إن قلنا بأنّ التنجّس من الأحکام لعدم مدخلیة الاختیار و العمد فی الحکم

ص:452

بالنجاسة بل هی حاصلة بالملاقاة و هی من الأمور الواقعیة الخارجیة التکوینیة و لا دخل لفعل الانسان فیها.

و إنّما حدیث الرفع یرفع أحکام أفعال النجاسة ما دامت العناوین المذکورة موجودة و لذا لو صلی فی النجس خطأ أو نسیانا أو جهلا أو اضطرارا أو إکراها فحدیث الرفع یدلّ علی رفع حکمه و ثقله فیحکم بصحّة صلاته فیه لا رفع تنجس الملاقی کما لا یخفی.

و قد أورد علیه بأنّ ما ذکروا إن کان تامّا بالنسبة إلی مثل النجاسة و لکن لا یتم بالنسبة إلی إتلاف مال الغیر نسیانا فإنّ الإتلاف فعل للمکلّف و مقتضی ما ذکر أن یکون الحکم بالضمان مرفوعا عند النسیان و مع ذلک محکوم بالضمان و هکذا مسّ المیّت فإنّه فعل للمکلّف و لیس کالملاقاة التی تقع بین شیئین من دون استناد إلی المکلّف و مقتضی شمول حدیث الرفع هو عدم وجوب الغسل مع أنّ المعلوم خلافه.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بالتخصیص او التخصّص حیث أنّ فی مثل الضمان بالإتلاف أو الغسل بمسّ المیت لم یعتبر فیه الاختیار و العمد و الکلام فیما إذا اعتبرا فیه فتدبّر جیّدا.

فتحصّل إلی حدّ الآن انّ اللازم فی تطبیق حدیث الرفع أمور:

أحدها:أن یکون المرفوع هو الحکم لا الموضوع و الفعل و لا فرق فی الحکم بین أن یکون تکلیفیا أو وضعیّا

و ثانیها:أن یکون لفعل المکلف دخل فی ترتّب الحکم.

و ثالثها:أن یکون للاختیار دخل فی موضوع الحکم أو متعلقه فالمرفوع هو حکم فعل أو ترک من الأفعال أو التروک الاختیاریة للمکلّف لا حکم وجود شیء أو عدمه من دون دخل لفعل المکلف و ترکه أو اختیاره فیه.

و رابعها:أن یکون رفع الحکم امتنانا علی الأمّة فما لا امتنان فیه بالنسبة إلی الأمة کرفع الضمانات عند عروض بعض هذه العناوین لا یشمله حدیث الرفع.

التنبیه التاسع:

انّه ربما یفصل فی الشکّ فی المانعیة بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة فی الإجزاء و عدمه

ص:453

فلو شک فی مانعیة شیء للصلاة فحدیث الرفع یدل علی صحة صلاته ما دام شاکّا و أمّا إذا قطع بکونه مانعا وجب علیه إعادتها فی الوقت و قضاؤها فی خارجه کما هو مقتضی القاعدة فی الأحکام الظاهریة.

هذا بخلاف الشکّ فی انطباق عنوان ما هو مانع علی شیء فإنّه لا یبعد أن یقال بالإجزاء و إن علم بعد العمل بالانطباق کما لو صلّی مع لباس شک فی أنّه مأکول اللحم صحّ صلاته لأنّ مقتضی رفع الآثار عن هذا المشکوک هو تخصیص المانع بصورة العلم و لا یمکن هذا القول فی الشبهة الحکمیة لاستحالة تخصیص المانع بصورة العلم بالمانعیة.

و أجیب عنه بأنّ المستحیل إنّما هو جعل المانعیة ابتداء فی حق العالم بها لاستلزامه الدور و أمّا جعلها ابتداء بنحو الإطلاق ثمّ إخراج ما هو مشکوک المانعیة بضمیمة حدیث الرفع بأن یرفع فعلته مانعیة فی حال من الأحوال فلیس بمستحیل فمع حکومة حدیث الرفع تخصیص المانعیة علی غیر هذه الصورة التی یوجد فیها إحدی العناوین المذکورة فی الحدیث و علیه فالآتی بالمأمور به مع المانع آت لما هو موافق للمأمور به و لازمه سقوط الأمّة و انتفاء الإعادة و القضاء و هکذا الکلام فی الشرطیة و الجزئیة إذ لا وجه لتخصیص البحث بالمانعیة.

ص:454

حدیث الحجب

اشارة

و منها:أی من السنة التی استدل بها علی البراءة هو حدیث الحجب.

رواه الصدوق بسند صحیح فی التوحید عن أبی زکریا بن یحیی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم و رواه الکلینی بهذا السند فی الکافی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال ما حجب اللّه عن العباد فهو موضوع عنهم.

بدعوی أنّ ظاهر الحدیث هو ثبوت الحکم فی الواقع و أنّ الحجب یتعلّق بالعلم به و علیه فیدل قوله علیه السّلام فهو موضوع عنهم علی رفع التکلیف بالنسبة إلی ما فی الواقع ممّا لم یعلم به إرفاقا و تسهیلا مع أنّه لو لا الحجب لوجب الاحتیاط.

فالحجب و عدم العلم و المعرفة بالأحکام الواقعیة یوجب علی تأثیر التکالیف المجهولة فی صحة الاحتجاج بها و جواز العقوبة بالنسبة إلیها و لا فرق فی رفع التکلیف بین أن بیّنها اللّه تعالی و لم یصل إلینا أو سکت عن بیانه لأنّ کل ذلک حجب علمها عن العباد.

و دعوی اختصاص الحجب بخصوص ما سکت عنه مندفعة لأنّ الحجب یصدق علی ما بیّنها و لم یصل لإمکان تجدید البیان و لم یفعل.

کما لا وجه لتخصیصه بالشبهات الحکمیة دون الموضوعیة لأنّ اللّه تعالی قادر علی إعطائه مقدمات العلم الوجدانی لعباده فمع عدم الإعطاء صحّ إسناد الحجب إلیه تعالی لا یقال:إنّ الروایة ضعیفة من ناحیة أنّ أبا الحسن زکریا بن یحیی المذکور فی سندها مشترک بین التمیمی و الواسطی الثقتین اللذین لهما کتابان کما نص علیه النجاشی و بین غیرهما من الحضرمی و الکلابی و النهدی المجهولین و من المعلوم أنّ مع الاشتراک لا یثبت وثاقة الراوی لأنّا نقول إنّ ذلک لیس بشیء مع نقل مثل داود بن فرقد عنه مع أنّه بلغ من الجلالة إلی أن روی عنه صفوان و البزنظی و ابن أبی عمیر فنقله قرینة علی أنّ المراد منه هو الثقة الذی له الکتاب و بذلک یتمیز عن غیره ممن لیس له الکتاب و من المعلوم أنّ وجود الکتاب و نقل جماعة عنه من شواهد الوثاقة هذا مضافا إلی ما قیل من عدم تکنیة غیر الثقتین بأبی الحسن اللّهمّ

ص:455

إلاّ أن یقال:إنّ التمیمی و الواسطی أیضا لم یثبت تکنیتهما بأبی الحسن و معه یحتمل أن یکون المکنّی غیر المذکورین مطلقا أو مردّدا بین المذکورین فیبقی الاشتراک و الجهالة فتأمّل.هذا مضافا إلی أنّ مضمون الخبر معتضد بالروایات المتعدّدة الدالة علی رفع التکلیف الفعلی عند عدم المعرفة بها منها معتبرة برید بن معاویة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال لیس للّه علی خلقه أن یعرفوا و للخلق علی اللّه أن یعرفهم و للّه علی الخلق إذا عرفهم أن یقبلوا.لدلالته علی رفع التکلیف بالنسبة إلی الأحکام الواقعیة الفعلیة التی لم یعرفها اللّه تعالی

و منها:معتبرة عبد الأعلی بن أعین قال سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام من لم یعرف شیئا هل علیه شیء قال لا و هی تدل علی عدم وجوب الاحتیاط لرفع الحکم الفعلی فیعارض ما یدل علی وجوب الاحتیاط و إلی غیر ذلک من الأخبار الدالة علی أنّ الجهل بالأحکام الواقعیة العقلیة و عدم معرفتها یوجب رفعها و عدم التکلیف بها فعلا.

ص:456

الخلاصة

حدیث الحجب

و منها:أی من السنة التی استدل بها علی البراءة حدیث الحجب.

روی الصدوق علیه الرحمة فی التوحید قال حدثنا أحمد بن محمّد بن یحیی العطار(رضی اللّه عنه)عن أبیه عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریا بن یحیی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم. (1)

و رواه فی الکافی عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن أبی الحسن زکریا بن یحیی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال ما حجب اللّه عن العباد فهو موضوع عنهم. (2)

و قد أورد علیه من جهة السند من أنّ أبا الحسن زکریا بن یحیی المذکور فی السند مشترک بین التمیمی و الواسطی الثقتین و بین الحضرمی و الکلابی و النهدی و النصرانی الأب المجهولین و إن ذکر صاحب جامع الرواة هذه الروایة ذیل ترجمة الواسطی الثقة إلاّ أنّه لا حجة فیه فالروایة لیس فیها حجة. (3)

یمکن أن یقال إنّ زکریا بن یحیی المکنی بأبی الحسن غیر النصرانی و الحضرمی و الکلابی و النهدی لعدم تکنیتهم بأبی الحسن و علیه فلیس المکنی بأبی الحسن غیر التمیمی و الواسطی و المفروض أنّهما ثقتان.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ الثقتین أیضا لم یثبت تکنیتهما بأبی الحسن أیضا و معه إمّا هو غیر المذکورین مطلقا أو محتمل بینهم فیبقی الاشتراک و الجهالة.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنه ذکّار بن یحیی و ذکره النجاشی مع کنیته و هو ثقة فتأمّل هذا

ص:457


1- 1) کتاب التوحید باب 64 باب التعریف و البیان و الحجة و الهدایة،ح 9.
2- 2) الکافی 1:164 باب حجج اللّه علی خلقه ح 3.
3- 3) تسدید الاصول 2:142.

مضافا إلی أنّ التمیمی و الواسطی لهما کتابان کما نص علیه النجاشی و غیرهما لیس له کتاب و لعلّ هذا قرینة علی أنّ من روی عنه مثل داود بن فرقد الذی بلغ من الجلالة إلی أن روی عنه صفوان و أحمد بن أبی نصر البزنطی و ابن أبی عمیر هو من له کتاب و هو کما نص النجاشی علیه هو التمیمی و الواسطی الثقتین و علیه فیتمیّزان عن غیرهما بنقل مثل داود بن فرقد فتدبر.

هذا مضافا إلی أنّ مضمون الخبر المذکور معتضد بالروایات المتعددة الأخری.

منها:معتبرة برید بن معاویة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال لیس للّه علی خلقه أن یعرفوا و للخلق علی اللّه أن یعرفهم و للّه علی الخلق إذا عرفهم ان یقبلوا (1)بدعوی دلالتها علی رفع التکلیف بالنسبة إلی الأحکام الواقعیة فالتکلیف بالقبول یتوقف علی المعرفة فإذا کان المکلف جاهلا بالأحکام الواقعیة فلا تکلیف فیعارض ما یدل علی وجوب الاحتیاط و منها معتبرة عبد الأعلی بن أعین قال سالت أبا عبد اللّه علیه السّلام من لم یعرف شیئا هل علیه شیء قال لا. (2)بدعوی شموله الجاهل المرکب و البسیط کما یشمل الغافل فنفی العقوبة و الکلفة من ناحیته ما لم یعرفه من الأحکام الواقعیة بقوله«لا»یدل علی عدم وجوب الاحتیاط و یتعدی منه إلی الجاهل ببعض الأحکام بعد الفحص لعدم الفصل بینهما فتعارض ما یدل علی وجوب الاحتیاط.

و منها:معتبرة حمزة بن الطیار عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قال لی أکتب فأملی علیّ انّ من قولنا انّ اللّه یحتج علی العباد بما آتاهم و عرّفهم،الحدیث (3)بدعوی أنّه یدل علی نفی العقوبة علی مخالفة الأحکام المجهولة غیر الواصلة إلی المکلف بناء علی ظهوره فی إیتاء الأحکام الواقعیة بعناوینها الأولیة و معرفتها کذلک فیعارض حینئذ ما دلّ علی وجوب الاحتیاط و إلاّ فإن کان الإیتاء أعمّ من الأحکام الظاهریة فلا تقاوم أدلة الاحتیاط و ممّا ذکر یظهر وجه الاستدلال بالأخبار الآتیة أیضا.

ص:458


1- 1) الکافی 1:164 باب حجج اللّه علی خلقه،ح 1.
2- 2) الکافی 1:164 باب حجج اللّه علی خلقه ح 2.
3- 3) الکافی 1:164 باب حجج اللّه علی خلقه ح 4.

و منها:معتبرة حمزة بن محمّد الطیار عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی قول اللّه عزّ و جلّ وَ ما کانَ اللّهُ لیُضلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إنَّ اللّهَ بکُلّ شَیْءٍ عَلیمٌ (1)قال حتی یعرّفهم ما یرضیه و ما یسخطه و قال فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها (2)قال بیّن لها ما تأتی و ما تترک و قال إنّا هَدَیْناهُ السَّبیلَ إمّا شاکراً وَ إمّا کَفُوراً (3)قال عرّفناه إما آخذ و إمّا تارک و عن قوله وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَیْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمی عَلَی الْهُدی فَأَخَذَتْهُمْ صاعقَةُ الْعَذاب الْهُون بما کانُوا یَکْسبُونَ (4)قال عرّفناهم فاستحبّوا العمی علی الهدی و هم یعرفون-و فی روایة بیّنا لهم- (5)

و منها:معتبرة عبد الأعلی قال قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام أصلحک اللّه هل جعل فی الناس أداة ینالون بها المعرفة قال فقال لا قلت فهل کلّفوا المعرفة قال لا،علی اللّه البیان لا یُکَلّفُ اللّهُ نَفْساً إلاّ وُسْعَها (6)و لا یکلّف نفسا إلاّ ما أتاها قال و سألته عن قوله: وَ ما کانَ اللّهُ لیُضلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إنَّ اللّهَ بکُلّ شَیْءٍ عَلیمٌ قال حتی یعرّفهم ما یرضیه و ما یسخطه (7)و إلی غیر ذلک من الأخبار الدالة علی أنّ الجهل بالأحکام الواقعیة و عدم معرفتها یوجب وضعها و رفعها و عدم التکلیف بها.

و غیر خفی إنّ من لم یعرف الأحکام الواقعیة کان محجوبا عنها إنّ اللّه الذی لم یبینها لهم حجب تلک الأحکام عنهم و هذه الروایات تدل علی أنّ التکلیف بالأحکام الواقعیة متفرع علی المعرفة بها و لا یصح الاحتجاج إلاّ بالتعریف و المعرفة و البیان و لا تکلیف

ص:459


1- 1) توبه115/.
2- 2) الشمس8/.
3- 3) انسان3/.
4- 4) فصلت17/.
5- 5) الکافی 1:163 باب البیان و التعریف ح 3.
6- 6) بقرة286/.
7- 7) الکافی 1:163 البیان و التعریف ح 5.

بالنسبة إلی أصل المعرفة بل التکلیف متفرع علی المعرفة و یجب علیهم أن یقبلوا ما عرفوه من الأحکام الواقعیة و یمتثلوها و لا عذاب و لا إضلال بالنسبة إلی ما لم یعرفوا و حجبوا عن علمها فالحجب أو عدم العلم و المعرفة بالأحکام الواقعیة یوجب عدم تأثیر التکالیف المجهولة و وضعها و رفعها و بعبارة أخری انّ الظاهر من هذه الأحادیث هو رفع التکلیف و عدم الاحتجاج و العقوبة بالنسبة إلی ما لم یتمکنوا من المعرفة به من الأحکام الواقعیة لا ما تمکنوا من المعرفة.و قصّروا فیه من جهة عدم الفحص و عدم تعلّمه و لا فرق فی رفع التکلیف بعدم المعرفة و الحجب بین أن بیّنه اللّه تعالی و لم یصل إلینا أو سکت عن بیانه إلی زمان ظهور الإمام الثانی عشر أرواحنا فداه لأنّ کل ذلک ممّا حجب علمه عن العباد و مما لم یعرفه الناس فهذه الأحادیث تشمل کل حجب و عدم المعرفة.

و دعوی اختصاص الحجب و عدم المعرفة بخصوص ما سکت عنه فلا تشمل ما حجب بواسطة الحوادث و النوازل کضیاع الکتب أو کتمان الروایات فیکون تلک الروایات مساوقة لما ورد من أنّ اللّه سکت عن أشیاء لم یسکت عنها نسیانا،کما فی فرائد الاصول. (1)

مندفعة بأنّ الحجب و عدم التعریف یصدقان أیضا فیما إذا أمکن تجدید البیان و لم یفعل فإنّه تعالی بعد حدوث النوازل و إخفاء الأحکام و إمکان تجدید البیان إذا سکت عنها صدق انه حجب علمه عن من لم یطلع علیها و صدق عدم المعرفة به بالنسبة إلی من لم یصل التکلیف إلیه و لم یکن مقصرا فی ذلک نعم لا یصدقان بالنسبة إلی من عرف و کتم عن تقصیر فی حفظه کما لا یخفی.

و لقد أفاد و أجاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه فی جواب الإشکال المذکور حیث قال إنّ الموجب لخفاء الأحکام التی بیّنها اللّه تعالی بلسان رسوله صلّی اللّه علیه و آله اوصیائه علیهم السّلام و إن کان هو الظالمین إلاّ أنه تعالی قادر علی بیانها بأن یأمر المهدی علیه السّلام بالظهور و بیان تلک الأحکام

ص:460


1- 1) فرائد الاصول:199.

فحیث لم یأمره بالبیان لحکمة لا یعلمها إلاّ هو صح إسناد الحجب إلیه تعالی هذا فی الشبهات الحکمیة و کذا الحال فی الشبهات الموضوعیة فإن اللّه تعالی قادر علی إعطاء مقدمات العلم الوجدانی لعباده فمع عدم الإعطاء صح إسناد الحجب إلیه تعالی فصحّ الاستدلال بهذا الحدیث علی البراءة فی الشبهات الحکمیة و الموضوعیة کحدیث الرفع. (1)

و إذا عرفت صدق الحجب و عدم التعریف حتی بالنسبة إلی موارد إخفاء الظالمین بترک البیان المجدد فلا حاجة فی شمولهما للموارد المذکورة إلی ما ربما یقال من أنه لمّا لم یمکن وقوع فعل إلاّ بإرادة اللّه و إذنه تعالی فیصح إسناد حجب الأشیاء أو حجب العلم بها عن العباد إلی اللّه تعالی و إن کان الحجب المذکور ناشئا عن معصیة العصاة فی إیجاد أسباب الاختفاء.

مع ما فیه من أنه خروج عن الاستناد بالظواهر و استدلال بما هو مقتضی الأدلة العقلیة و مما ذکر یظهر ما فی تهذیب الاصول و تسدید الاصول و مباحث الحجج فراجع أو یظهر ما فیما قد یقال من أنّه یمکن التعدی من مورد خبر الحجب(و هو الأحکام الواصلة إلی النبی صلّی اللّه علیه و آله بتوسیط خطابه إلیه التی لم یؤمر من قبله سبحانه بإبلاغها إلی العباد بملاحظة صدق استناد الحجب فیها إلیه سبحانه)إلی غیرها من الأحکام المجهولة التی کان سبب خفائها الأمور الخارجیة بمقتضی عدم الفصل بینهما بعد صدق التکلیف الفعلی علی المضامین الخطابات المنزلة إلی النبی صلّی اللّه علیه و آله و لو مع عدم الأمر بإبلاغها إلی العباد و بذلک تصلح الروایة لمعارضة ما دل علی وجوب الاحتیاط (2)مع ما فیه من أنّ الأخذ بعدم الفصل فیما إذا لم یشمل الدلیل و قد عرفت أنّ الحجب و عدم التعریف صادقان بعد إمکان البیان المجدد و امتنع عنه سبحانه تعالی ثم لا وجه لدعوی اختصاص هذه الروایات بالتفصیلات الاعتقادیة لإطلاقها و عمومها بالنسبة إلی الأحکام أیضا کما لا یخفی.

ص:461


1- 1) مصباح الاصول 2:271-272.
2- 2) نهایة الأفکار 3:227.

ثم إنّ ظاهر قوله علیه السّلام ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم أو قوله تعالی وَ ما کانَ اللّهُ لیُضلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَداهُمْ حَتّی یُبَیّنَ لَهُمْ ما یَتَّقُونَ إنَّ اللّهَ بکُلّ شَیْءٍ عَلیمٌ ای حتی یعرفهم ما یرضیه و ما یسخطه أو قوله علیه السّلام و للّه علی الخلق إذا عرفهم أن یقبلوا أو قوله أن اللّه یحتج علی العباد بما آتاهم و عرفهم و غیر ذلک هو ثبوت الحکم فی الواقع و إنّ الحجب أو عدم التعریف یتعلق بالعلم به و علیه فقوله علیه السّلام فهو موضوع عنهم أو قوله علیه السّلام من لم یعرف شیئا هل علیه شیء قال لا أو قوله علیه السّلام و للّه علی الخلق إذا عرفهم ان یقبلوا یدلّ علی رفع التکلیف بالنسبة إلی ما فی الواقع ارفاقا و تسهیلا فینا فی ما یدل علی وجوب الاحتیاط بالنسبة إلی المحجوب من الأحکام الواقعیة و من المعلوم أنّ الإرفاق فیما إذا کان ما فی الواقع قابلا للوضع و لو بوضع ظاهری و جعل الاحتیاط و هو لا یکون إلاّ الأحکام الفعلیة من ناحیة اللّه سبحانه و تعالی و أما ما لم یبلغ إلی الفعلیة کالحکم الإنشائی فلا یحتاج إلی الرفع و الإرفاق و بذلک تصلح هذه الروایات للمعارضة مع ما دل علی وجوب الاحتیاط فی الأحکام الواقعیة الفعلیة فلا تغفل.

ص:462

حدیث السعة

اشارة

و من الأخبار التی استدل بها للبراءة حدیث السعة.

روی فی مستدرک الوسائل عن عوالی اللئالی عن النبی صلّی اللّه علیه و آله قال«الناس فی سعة ما لم یعلموا»و فیه أنّ الروایة ضعیفة

و روی فی الکافی بسند موثق عن السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام أنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام سئل عن سفرة وجدت فی الطریق مطروحة کثیر لحمها و خبزها و جبنها و بیضها و فیها سکین فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام یقوم ما فیها ثمّ یؤکل لأنّه یفسد و لیس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن قیل یا أمیر المؤمنین لا ندری سفرة مسلم أو سفرة مجوسی فقال هم فی سعة حتی یعلموا.

و لا مجال لتضعیف الروایة من ناحیة النوفلی من جهة عدم توثیقه لوقوعه فی طریق کثیر من الأخبار فی الکتب المعتبرة و هو یکفی وثاقته و إلاّ فلم یکثروا عنه الروایة بهذه الکثرة.

هذا مضافا إلی أنّ ناشر روایاته هو إبراهیم بن هاشم و غیره من أجلاّء القمّیین الذی طعنوا علی أحمد بن محمّد بن خالد البرقی بأنّه یروی عن الضعفاء و اعتمد علی المراسیل و لذا نفاه احمد بن محمّد بن عیسی عن بلدة قم ثم اعتذر و أعاده.

و أیضا کانت روایات السکونی مقبولة کما نصّ علیه الشیخ فی العدّة مع أنّ کتب السکونی منقولة بواسطة النوفلی فالروایة معتبرة.

و کیف ما کان فتقریب الاستدلال بهذه الروایة بأن یقال إنّ دلالة قوله علیه السّلام«الناس فی سعة حتی یعلموا»علی المطلوب ظاهرة لأنّ المستفاد منها هو التوسعة ما لم یحصل العلم بالواقع فمع عدم العلم لا یوجب التکالیف الواقعیة ضیقا بوجوب الاحتیاط.

لا یقال:إنّ الأخباریین لا ینکرون عدم وجوب الاحتیاط علی من لم یعلم بوجوب الاحتیاط من العقل و النقل بعد التأمّل و التتبع و لکن مع العلم بالاحتیاط بأحد الطریقین ارتفع الوسعة و لا منافاة بین الروایة و وجوب الاحتیاط مع العلم به بالعقل أو النقل لأنا

ص:463

نقول:إنّ ذلک یتمّ إذا کان دعوی الأخباری إثبات العقوبة علی مخالفة نفس إیجاب الاحتیاط فی قبال الواقع و لیس کذلک بل مقصودهم إنّما هو إثبات العقوبة علی مخالفة التکلیف الواقعی المجهول و من المعلوم أنّ إثبات السعة من ناحیة التکلیف الواقعی ینافی إیجاب الاحتیاط کما أنّ أدلّة وجوب الاحتیاط لیست من باب قیام العلم علی الواقع إذ الاحتیاط لا طریقة له کما لا یخفی.

و دعوی أنّ شمول موثّقة السکونی«هم فی سعة حتی یعلموا»لمثل المقام محل تأمّل لأنّ موردها هو خصوص اللحم و حکمه علیه السّلام بالإباحة إنّما هو من جهة کونه فی أرض المسلمین و هی أمارة علی التذکیة و إن کان مقتضی أصالة عدم التذکیة حرمة أکله فمورد الروایة من الشبهة الموضوعیة التی تقوم فیه الأمارة علی الحلّیة و من المعلوم أنّها أجنبیة عن المقام.

مندفعة بأنّه لا قرینة فی الروایة علی أنّ الطریق فی أرض المسلمین حتی یکون ذلک أمارة علی التذکیة بل السؤال مطلق و الإمام علیه السّلام لم یستفصل عن الطریق أنّه طریق المسلمین أو غیره.

اللّهمّ إلاّ أن یحمل الروایة جمعا بینها و بین ما دل علی عدم جواز أکل اللحم من دون إحراز تذکیته علی تخصیص هذه الروایة بمورد جریان الأمارة و لکن ذلک لا یضر بجواز الأخذ بالکبری المذکورة فی الموارد التی لا أمارة فیها کحلیة الجین و بالجملة حمل الروایة بالنسبة إلی اللحم علی مورد قیام الأمارة لا یکون دلیلا علی حملها بالنسبة إلی سائر الموارد إذ لا شاهد له ثمّ إنّ الروایة تعمّ الشبهة الموضوعیة و الحکمیة کلیهما و مجرد تطبیقها علی الشبهة الموضوعیة لا یوجب تخصیصها بها إذ المورد لا یکون مخصّصا.

ص:464

الخلاصة

حدیث السعة

و من الأخبار التی استدل بها للبراءة«حدیث السعة»:

روی فی مستدرک الوسائل عن عوالی اللآلی عن النبی صلّی اللّه علیه و آله قال الناس فی سعة ما لم یعلموا. (1)

و فیه أنّ السند ضعیف بالإرسال و لم أر نسخة ما لا یعلمون و لو کانت تلک النسخة موجودة فکلمة«ما»موصولة لا ظرفیة لاختصاص الثانیة بما إذا کان النفی فی الماضی لا المستقبل علی ما حکی عن أهل الأدب.

و روی فی الکافی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن(الحسین بن یزید)النوفلی عن السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السّلام إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام سئل عن سفرة وجدت فی الطریق مطروحة کثیر لحمها و خبزها و جبنها و بیضها و فیها سکین فقال أمیر المؤمنین علیه السّلام یقوّم ما فیها ثم یؤکل لأنه یفسد و لیس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن قیل یا أمیر المؤمنین لا ندری سفرة مسلم أو سفرة مجوسی فقال هم فی سعة حتی یعلموا و رواه البرقی فی المحاسن عن النوفلی. (2)

لا یقال:إنّ هذه الروایة أیضا ضعیفة بالنوفلی إذ هو لم یوثق.

لأنا نقول:کما أفاد بعض الأعلام أنه وقع فی طریق کثیر من الأخبار فی الکتب المعتبرة و هو یکفی فی وثاقته و إلاّ فلم یکثروا عنه بهذه الکثرة هذا مضافا إلی أنّ ناشر روایاته هو إبراهیم بن هاشم و غیره من أجلاء القمیّین فلو کانت روایاته ضعیفة لم یتحملها أجلاء القمیّین کما طعن القمیون علی أحمد بن محمّد بن خالد البرقی بأنّه یروی عن الضعفاء و اعتمد علی المراسیل و لذا نفاه أحمد بن محمّد بن عیسی عن بلدة قم ثمّ أعاده إلیها و اعتذر منه.

ص:465


1- 1) المستدرک الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود ح 4.
2- 2) الوسائل الباب 38 من أبواب کتاب الصید و الذبائح ح 2:307.

هذا مضافا إلی أنّ روایات السکونی مقبولة کما نص الشیخ فی العدة بأنّه عملت الطائفة بما رواه السکونی فیما لم یکن عندهم خلافه مع أنّ کتب السکونی منقولة بواسطة النوفلی کما صرّح بذلک النجاشی فی رجاله و الشیخ فی الفهرست فلو کان النوفلی غیر مقبول الروایة لما أفاد ما فی العدة من أنّ الطائفة عملت بما رواه السکونی فیما لم یکن عندهم خلافه کما لا یخفی و لذا قال فی بهجة الآمال عند ترجمة السکونی و بالجملة من جمیع ما ذکر ظهر الاعتماد علی النوفلی أیضا فإنّه الراوی عنه جلاّ إن لم نقل کلا حتی روایة الماء یطهر المتقدمة فإن راویها عنه هو. (1)و قال أیضا عند ترجمة النوفلی و مر فی اسماعیل بن أبی زیاد ما یشیر إلی اعتماد تام علیه و یؤیده روایة الأجلاء عنه منهم الحسن بن علی الکوفی (2)

و مما ذکر یظهر ما فی مباحث الحجج من تضعیف السند بواسطة النوفلی. (3)

و کیف ما کان فتقریب الاستدلال کما فی نهایة الأفکار انّ دلالة قوله الناس فی سعة ما لا یعلمون علی المطلوب ظاهرة سواء کانت کلمة ما مصدریة ظرفیة أو موصولة أضیف إلیها السعة إذ المعنی علی الأول إنهم فی سعة ما داموا غیر عالمین بالواقع.

و علی الثانی انّهم فی سعة ما لا یعلمونه من الأحکام الراجع إلی عدم کونهم فی کلفة إیجاب الاحتیاط فیعارض ما دلّ علی وجوب التوقف و الاحتیاط (4)إذ لو کان الاحتیاط واجبا لما کانوا فی سعة فهذا الحدیث یعارض ما دل علی وجوب الاحتیاط.

أورد علیه فی فرائد الاصول بأنّ فیه ما تقدم فی الآیات من أنّ الأخباریین لا ینکرون عدم وجوب الاحتیاط علی من لم یعلم بوجوب الاحتیاط من العقل و النقل بعد التأمل و التتبع. (5)

ص:466


1- 1) بهجة الآمال 2:253.
2- 2) بهجة الآمال 3:322.
3- 3) مباحث الحجج 2:63.
4- 4) نهایة الأفکار 3:228.
5- 5) فرائد الاصول:199.

و أجاب عنه فی نهایة الأفکار بأنّ ذلک یتم إذا کان دعوی الأخباری إثبات العقوبة علی مخالفة نفس إیجاب الاحتیاط فی قبال الواقع و لیس کذلک بل مقصودهم إنّما هو إثبات العقوبة علی مخالفة التکلیف المجهول بمقتضی ما دل علی وجوب التوقف و الاحتیاط فی قبال الاصولی فإنّ هذا هو الذی یساعد أدلتهم من نحو روایة التثلیث من نحو قوله علیه السّلام و هلک من حیث لا یعلم و علیه فلا وجه لتوهم ورود أدلة الاحتیاط علی الروایة و لا حکومتها علیها.

نعم لو کانت أدلة الاحتیاط متکفلة لإثبات العلم بالواقع کالأمارات کان لدعوی الحکومة کمال مجال و لکنه لیس کذلک بداهة إنّ مفاد تلک الأدلة لا یکون إلاّ مجرد إثبات وجوب التوقف و الاحتیاط عند الجهل بالواقع.

و مجرد صلاحیتها لتنجیز الواقع عند الموافقة لا یقتضی الطریقیة و الکاشفیة کما هو ظاهر.

نعم لو کان العلم فی الروایة کنایة عن مطلق قیام الحجة علی الواقع أو کان المراد من عدم العلم الذی علیه مدار السعة هو عدم العلم بمطلق الوظیفة الفعلیة لأمکن دعوی ورود إیجاب الاحتیاط علیها و لکن ذلک خلاف ما یقتضیه ظهور الروایة فی کون العلم الذی علیه مدار الضیق هو العلم بالواقع کما هو ظاهر. (1)

و لقد أفاد و أجاد إلاّ انّا لا نسلم الحکومة أیضا فیما إذا کان العلم فی الروایة کنایة عن مطلق قیام الحجة علی الواقع لأنّ أدلة الاحتیاط لیست من باب قیام العلم و الحجة علی الواقع.

و لذا قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:إنّ العلم المستعمل فی الروایات و إن کان المراد منه المعنی الأعم أی الحجة لا الاعتقاد الجازم المطابق للواقع و لکن الحجة عبارة عن الطرق العقلائیة و الشرعیة إلی الواقع التی تکشف کشفا غیر تام و الاحتیاط لیس منها بلا إشکال و الشاهد علی ذلک إنّه لو أفتی أحد علی الواقع لقیام الأمارة علیه لما یقال إنّه أفتی بغیر علم

ص:467


1- 1) نهایة الأفکار 3:228.

و أمّا إذا أفتی بوجوب شیء لأجل الاحتیاط فإنّه أفتی بغیر علم إلی أن قال إن شرب التتن بملاحظة کونه مجهول الحکم مرخص فیه حسب الحدیث فلو تم أخبار الاحتیاط و لزم وجوب الاحتیاط لعدّ ذلک منافیا للترخیص من غیر فرق بین أن یکون لزوم الاحتیاط نفسیا أو غیریا. (1)

و مما ذکر یظهر ما فی بعض العبائر من أنّ إیجاب الاحتیاط إنّما هو طریقی للوصول إلی التکلیف الواقعی فإیجابه ضیّق ناش من ناحیة التکلیف الواقعی المجهول فالحکم بالسعة من ناحیته یقتضی عدم إیجاب الاحتیاط. (2)

و ذلک لما عرفت من أنّ الاحتیاط لیس بطریق إلی الواقع و إن أتی به الواقع و کان حکما غیریا لأنّ الاحتمال لا طریقیة له و صرف کون الاحتیاط واجبا غیریا لا یوجب أن یکون طریقا إلی الواقع هذا مضافا إلی أنّ الاحتیاط لو کان طریقا إلی الواقع فبعد قیام دلیل الاحتیاط لا مجال للحکم بالسعة من ناحیة الجهل بالواقع إذ معه لا جهل بالنسبة إلی الحکم الواقعی.

ثم لا یذهب علیک أنّ الاستدلال بهذا الحدیث لا یتوقف علی تعیین أنّ کلمة«ما» موصولة أو ظرفیة لما عرفت من تمامیة الاستدلال علی التقدیرین کما هو المستفاد من ظاهر الکفایة و نهایة الأفکار و تهذیب الاصول و ذلک لأن متعلق العلم هو الحکم الواقعی کما فی حدیث رفع ما لا یعلمون فالحدیث یدل علی رفع الضیق الناشی من الحکم الواقعی المجهول أو یدل علی رفع الضیق الناشی من ناحیة الحکم الواقعی المجهول ما دام لا یحصل العلم أو الطریق بالنسبة إلی الحکم الواقعی.

و دعوی احتمال أن یکون مفاد الحدیث الحکم بالسعة ما دام لم یعلموا بالضیق و لو ضیق ما بعنوان وجوب الاحتیاط فلا محالة تحصل الغایة و ترتفع السعة بوجوب الاحتیاط و مع

ص:468


1- 1) تهذیب الاصول 2:174.
2- 2) تسدید الاصول 2:143.

هذا الاحتمال صار مفاد الحدیث مجملا فإن کان مفاد الحدیث هو الحکم بالسعة من ناحیة الحکم الواقعی المجهول کان الحدیث معارضا مع أدلة وجوب الاحتیاط و إن کان مفاد الحدیث هو الحکم بالسعة ما دام لم یعلموا بضیق ما و لو ضیق الاحتیاط فلا ینافی ذلک وجوب الاحتیاط بأدلته بل یکون کالبراءة العقلیة التی لا تنافی وجوب الاحتیاط و حیث یحتمل فی قراءة الحدیث احتمالان فلا تقاوم هذه الروایة مع أدلة وجوب الاحتیاط.

مندفعة بما عرفت من ظهور کون متعلق العلم هو الحکم الواقعی مثل قوله علیه السّلام رفع ما لا یعلمون فکما أنّ دلیل حدیث الرفع ینافی دلیل وجوب الاحتیاط فکذلک فی المقام دلیل السعة عند الجهل بالحکم الواقعی ینافی أیّ ضیق و لو کان بعنوان وجوب الاحتیاط و علیه فلیس وجوب الاحتیاط حاکما بالنسبة إلی دلیل السعة من دون فرق بین أن یکون«ما» موصولة أو ظرفیة فالصحیح دلالة الحدیث علی البراءة و بإطلاقه یشمل الشبهات الحکمیة و الموضوعیة و دعوی أنّ ما ذکر تام لو ثبتت صحة سند قوله صلّی اللّه علیه و آله الناس فی سعة ما لم یعلموا و أمّا مع ضعفه فلا یصلح للتمسک به فلا یبقی فی المقام إلاّ قوله علیه السّلام فی موثقة السکونی هم فی سعة حتی یعلموا.

و شموله للمقام محل تأمل لأن مورده کما أفاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه هو خصوص اللحم و حکمه علیه السّلام بالإباحة إنّما هو من جهة کونه فی أرض المسلمین فهی أمارة علی التذکیة و إلاّ کان مقتضی أصالة عدم التذکیة حرمة أکله و بالجملة مورد هذه الروایة هی الشبهة الموضوعیة القائمة فیها الأمارة علی الحلیة فهی اجنبیة عن المقام. (1)

مندفعة بأنّه لا یکون فی موثقة السکونی قرینة علی أنّ الطریق هو طریق المسلمین حتی یکون أمارة علی التذکیة بل السؤال عن سفرة وجدت فی الطریق و الإمام علیه السّلام لم یستفصل عن أنّ الطریق طریق المسلمین أو غیره اللهم إلاّ أن یحمل جمعا بینه و بین ما دل علی عدم جواز أکل اللحم من دون إحراز التذکیة علی تخصیص مورد هذه الروایة فی اللحم بمورد جریان الأمارة.

ص:469


1- 1) مصباح الاصول 2:279.

و أمّا ما ذکر من أنّ مورد الروایة مورد استصحاب عدم التذکیة و مقتضاه هو حرمة أکله ففیه أنّ مجری استصحاب عدم التذکیة هو الحیوان الذی یکون قابلا للذبح لا أجزاؤه فلا یجری الاستصحاب المذکور فی اللحم کما لا یخفی.و أمّا دعوی اختصاص قوله هم فی سعة حتی یعلموا بخصوص اللحم فهی ممنوعة لأنّ الجبن أیضا یکون فی السفرة و هو أیضا مشکوک الحلیّة و لا دلیل علی إحراز کونه من غیر میتة بل یکتفی فی جواز أکله بأصالة الحلیّة و لا وجه لتخصیص الروایة باللحم.

ثم لو کان تطبیق قوله علیه السّلام هم فی سعة حتی یعلموا علی مورد الروایة مشکلا فلا یضر ذلک بجواز الأخذ بالکبری فی الموارد التی لا أمارة فیها کحلیة الجبن فالروایة دالة علی البراءة فی الشبهة الموضوعیة و الحکمیة لأن قوله علیه السّلام هم فی سعة حتی یعلموا یکون بمنزلة الکبری الکلیة و تطبیقها علی الشبهة الموضوعیة لا یوجب تخصیصها بها فبإطلاقها یشمل الشبهة الحکمیة أیضا فتدبر جیدا.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:رجوع الضمیر فی قوله علیه السّلام هم فی سعة حتی یعلموا إلی الّذین وجدوا السفرة المطروحة یمنع عن کون هذا القول کبری کلیّة بل یحتاج إلی إلقاء الخصوصیة و هو مشکل بعد احتمال مدخلیة خصوصیات المورد و لکن لحن الروایة یساعد کبرویة القول المذکور و لا خصوصیة فی الذین وجدوا السفرة المطروحة فتدبر جیّدا.

ص:470

حدیث الحلّیة

اشارة

و منها:أی من الأخبار التی استدل بها للبراءة حدیث الحلّیة و أخبار الحلّیة منقولة بألفاظ مختلفة:

منها:هی مرسلة الشیخ الأنصاری قدّس سرّه و هی قوله علیه السّلام«کلّ شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام»

و فیه أنّ هذا الحدیث لم یوجد بهذه اللفظة فی جوامع الحدیث و احتمل بعض الأعاظم أنّه صدر روایة مسعدة بن صدقه عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سمعته یقول کل شیء لک حلال حتی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک و ذلک مثل الثوب علیک قد اشتریته و لعله سرقة الحدیث.

و لکنّه غیر ظاهر بعد اختلاف صدر روایة مسعدة مع هذه المرسلة و احتمل آخر أنها مضمون خبر عبد اللّه بن سلیمان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی الجبن قال علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی یجیئک شاهدان أنّ فیه میتة و فیه أنّه لو کان کذلک لزم أن یقتصر فی نقل المضمون بمقدار مفاد هذه الروایة و المفروض أنّ هذه الروایة مختصّة بالشبهة الموضوعیة لدلالة جعل البیّنة هی الغایة علی أنّ الشبهة هی الموضوعیة.

و منها:خبر مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سمعته یقول«کل شیء هو لک حلال حتی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته و هو سرقة و المملوک عندک لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبیع قهرا أو امراة تحتک و هی أختک أو رضیعتک و الأشیاء کلّها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة»

بتقریب أنّه یدلّ علی حلیة ما لم یعلم حرمته مطلقا و لو کان من جهة عدم الدلیل علی حرمته و بعدم الفصل قطعا بین إباحته و عدم وجوب الاحتیاط فیه و بین عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة الوجوبیة یتم المطلوب.

ص:471

أورد علیه أوّلا:بأنّ قوله علیه السّلام«بعینه»ظاهر فی الاختصاص بالشبهة الموضوعیة و حمل هذه الکلمة علی أن یکون المراد منها هو تأکید النسبة خلاف الظاهر إذ الظاهر أن یکون ذکرها للاحتراز عن العلم بالحرام لا بعینه و لا ینطبق ذلک إلاّ علی الشبهة الموضوعیة إذ لا یتصور العلم بالحرام لا بعینه فی الشبهة الحکمیة لأنّ العناوین الکلیة إما أن تکون معلومة الحرمة أو لا تکون کذلک فعلی الأوّل تکون معلومة الحرمة بعینها و علی الثانی لا علم بالحرمة أصلا.

و اجیب عنه بمنع اختصاص الاحتراز بصورة العلم بالحرام لا بعینه مع أنّ المفروض فی روایة مسعدة کل شیء لک حلال لا کل شیء فیه حلال و حرام لإمکان أن یکون قیدا «بعینه»احترازا عن الحکم بالحرمة بمجرد کون شیء نظیرا للحرام فیصح أن یحکم بکونه حلالا حتی یعرف أنّه بعینه حرام و علیه فلا وجه لتخصیص الروایة بالشبهة الموضوعیة بل هی أعم.

و ثانیا:أنّ الأمثلة المذکورة فی روایة مسعدة کلّها من الشبهات الموضوعیة و هی تؤکد اختصاصها بالشبهة الموضوعیة هذا مضافا إلی عدم ارتباطها بقاعدة الحلّیّة لأنّ تلک الموارد موارد الأمارة و الاصول المحرزة.

و أجیب عنه بأنّ الأمثلة المذکورة تکون من باب التمثیل لا الاختصاص لأنّ الأمثلة المذکورة لا توجب اختصاص الکبری الکلیة بها

و یشکل ذلک بأنّ هذا خلاف الظاهر جدا لأنّ المناسب مع التمثیل ذکر القاعدة المماثلة للقاعدة المذکورة أوّلا لا ذکر تطبیقات قاعدة اخری لم تذکر کبراها.

و دعوی أنّ المقصود من روایة مسعدة بن صدقة بیان عدم الاعتناء بالشک فی الحرمة فی هذه الموارد لمکان جعل الحلیة الظاهریة فیها بعنوانات مختلفة غیر أنّه جمع الکل ببیان واحد لا أنّ المقصود هو إنشاء الحلیّة فی الموارد المزبورة بعنوان قاعدة الحلیة.

مندفعة لظهور قوله علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی تعلم أنّه حرام بعینه فی الإنشاء و حمله علی الحکایة عن القواعد المختلفة خلاف الظاهر.

ص:472

فتحصّل أنّ الأمثلة لا تساعد مع قاعدة الحلیّة اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ المشکل هو تطبیق الکبری المذکورة فیها علی الأمثلة المذکورة لا أصل الکبری فیمکن الأخذ بالکبری فتدبر

و ثالثا:أنّ جعل غایة الحلیّة قیام البیّنة فی قوله علیه السّلام و الأشیاء کلّها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة قرینة علی اختصاصها بالشبهة الموضوعیة فلا تصلح الروایة للاستدلال بها فی الشبهات الحکمیة.

التنبیه

و اعلم أنّ مقتضی عموم قاعدة الحلیة هی حلیة المشکوک و لو کان الشیء المشکوک هو أجزاء الحیوان من الجلد أو اللحم أو الشحم الماخوذة من ید الکافر أو المستوردة من بلاد الکفر إذا احتمل التذکیة الشرعیة فی حیوانها فیجوز التصرف فیها و استعمالها عدی أکلها و الصلاة فیها و ذلک لجریان قاعدة الحلیة کما تجری فیها قاعدة الطهارة و لا مجال لاستصحاب عدم التذکیة فی الأجزاء إذ التذکیة المساویة لفری الأوداج الأربعة لا تتصور فی أجزاء الحیوان بناء علی أنّ التذکیة هی نفس فری الأوداج الأربعة لا أمر معنوی یحصل بالفری المذکور و إلاّ فلا یبعد جریان أصالة عدم التذکیة فی الأجزاء أیضا بناء علی أنّ الأجزاء أیضا لها نصیب من هذا الأمر المعنوی.

نعم لو کان المشکوک جسد الحیوان الکامل فمقتضی أصالة عدم التذکیة هو حرمة استعماله و التصرف فیه مضافا إلی حرمة أکلها و الصلاة فیها کما لا یخفی.

هذا بخلاف الأجزاء فإنّ أصالة عدم التذکیة کما عرفت لا تجری بالنسبة إلیها فمع احتمال التذکیة یشملها عموم قوله کل شیء یکون فیه حلال و حرام فهو لک حلال أبدا حتی تعرف إنّه الحرام منه بعینه.

بل یجوز أکلها و استعمالها فی الصلاة لو لم یمنع عنهما و لکن مع اشتراط العلم بالتذکیة فی جواز الأکل بمثل قوله تعالی: حُرّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخنْزیر وَ ما أُهلَّ لغَیْر اللّه به وَ الْمُنْخَنقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدّیَةُ وَ النَّطیحَةُ وَ ما أَکَلَ السَّبُعُ إلاّ ما ذَکَّیْتُمْ 1لا یجوز الأکل و هکذا مع اشتراط العلم بالتذکیة فی الصلاة بمثل قوله علیه السّلام فی موثقة ابن بکیر و کل شیء منه جائز إذا علمت أنه ذکی لا یجوز الصلاة فیه فتدبر جیدا.

ص:473

بل یجوز أکلها و استعمالها فی الصلاة لو لم یمنع عنهما و لکن مع اشتراط العلم بالتذکیة فی جواز الأکل بمثل قوله تعالی: حُرّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخنْزیر وَ ما أُهلَّ لغَیْر اللّه به وَ الْمُنْخَنقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدّیَةُ وَ النَّطیحَةُ وَ ما أَکَلَ السَّبُعُ إلاّ ما ذَکَّیْتُمْ (1)لا یجوز الأکل و هکذا مع اشتراط العلم بالتذکیة فی الصلاة بمثل قوله علیه السّلام فی موثقة ابن بکیر و کل شیء منه جائز إذا علمت أنه ذکی لا یجوز الصلاة فیه فتدبر جیدا.

ص:


1- 1) المائدة5/.

الخلاصة

حدیث الحلّیة

و منها:أی من الأخبار الّتی استدل بها للبراءة«حدیث الحلّیّة»و هو منقول بألفاظ مختلفة منها مرسلة الشیخ الأنصاری قدّس سرّه و هی قوله علیه السّلام:«کلّ شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام»استدل به الشیخ قدّس سرّه فی فرائد الاصول حیث قال کما فی قوله علیه السّلام فی روایة أخری کل شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام. (1)

و لم یوجد هذه الروایة بهذه اللفظة فی جوامع الحدیث و الموجود مختلف معه فی الألفاظ و الخصوصیات.

و استظهر سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه انّه صدر روایة مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سمعته یقول کل شیء لک حلال حتی تعلم أنّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته و لعله سرقه الخ.

و لکنه غیر ظاهر بعد اختلاف صدر روایة مسعدة بن صدقة معه حیث زاد فی روایة مسعدة کلمة«بعینه»و جملة«فتدعه من قبل نفسک»مع أنّ قوله حتی تعلم غیر قوله حتی تعرف.

و احتمل المحقق العراقی انّها مضمون ما رواه فی الکافی بسنده عن أبان بن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن سلیمان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی الجبن قال علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی یجیئک شاهدان یشهدان أنّ فیه میتة. (2)

و لا یخفی أنه لو کان کذلک لزم أن یقتصر فی نقل المضمون بمقدار مفاد هذه الروایة و المفروض أنّ هذه الروایة مختصة بالشبهة الموضوعیة لدلالة جعل البیّنة هی الغایة علی أنّ الشبهة هی الموضوعیة مع أنّ قوله علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی تعرف أنه حرام أعم من الشبهة الموضوعیة فلا تغفل.

ثم إنّ روایة الشیخ الأنصاری علی تقدیر ثبوتها تکون واضحة الدلالة علی البراءة فی

ص:475


1- 1) فرائد الاصول:201.
2- 2) الوسائل الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة ح 2.

الشبهة الحکمیة و الموضوعیة و لذا قال فی نهایة الأفکار دلالة هذه الروایة علی المطلوب ظاهرة لو کانت هی غیر روایة مسعدة بن صدقة (1)و إلاّ ففیها إشکال من جهة موارد انطباقها کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی بل عمومیة دلالتها متوقفة علی کونها غیر روایة عبد اللّه بن سلیمان و إلاّ فالظاهر اختصاصها بالشبهة الموضوعیة فإنّ السؤال فیها عن الجبن من جهة احتمال أن یکون الجبن مما فیه المیتة فأجاب الإمام بالحلیة حتی تقوم الحجة علی أنّ فیه میتة و أمّا الإیراد علی الروایة بأنها فی صدد الترخیص لارتکاب أطراف المعلوم بالإجمال فیکون وزانه وزان قوله علیه السّلام کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام بعینه فإنّ المتبادر منهما هو جواز التصرف فی الحلال المختلط بالحرام الذی جمع روایاته السیّد الفقیه الطباطبائی قدّس سرّه فی حاشیته علی المکاسب عند بحثه عن جوائز السلطان و لا ترتبطان بالشبهة البدئیّة. (2)

ففیه أنّ هذا الإیراد لو کان واردا فی مثل کل شیء فیه حلال و حرام لما کان واردا فی مثل قوله«کل شیء لک حلال حتی تعرف أنّه حرام»فإنّ المفروض فیه لیس هو اجتماع الحلال و الحرام مع اشتباه کل واحد بالآخر حتی یکون مربوطا بباب اختلاط الحرام بالحلال بل الأمر کذلک فی مثل قوله کل شیء فیه حلال و حرام إذ لم یفرض فیه الاختلاط فتدبر جیدا.

و منها:خبر مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سمعته یقول کل شیء هو لک حلال حتی تعلم أنه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک.

و ذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته و هو سرقة و المملوک عندک لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبیع قهرا أو امرأة تحتک و هی اختک أو رضیعتک و الأشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البینة. (3)

لم یستدل شیخنا الأعظم قدّس سرّه بهذه الروایة علی البراءة فی الشبهة الحکمیة و لعل وجه ذلک

ص:476


1- 1) نهایة الأفکار 3:243.
2- 2) راجع تهذیب الأصول 2:175.
3- 3) الوسائل الباب 4 من أبواب ما یکتسب به ح 4.

هو اشتمالها علی جملة من أمثلة الشبهة الموضوعیة فرأی اختصاصها بها أو رأی أنّ الروایة فی مقام إبراز حلیة جامعة بین حلیات متعددة من قواعد مختلفة جمعت فی قضیة واحدة فالجملة إخبار عن القواعد المختلفة لا إنشاء یدل علی إنشاءات متعددة أو رأی شیئا آخر.

و لکن استدل بها فی الکفایة فی الشبهة الحکمیة حیث قال و منها قوله علیه السّلام کل شیء لک حلال حتی تعرف أنه حرام بعینه الحدیث حیث دل علی حلیة ما لم یعلم حرمته مطلقا و لو کان من جهة عدم الدلیل علی حرمته و بعدم الفصل قطعا بین إباحته و عدم وجوب الاحتیاط فیه و بین عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة الوجوبیة یتم المطلوب مع إمکان أن یقال ترک ما احتمل وجوبه مما لم یعرف حرمته فهو حلال تامل. (1)

و کیف ما کان فقد أورد علیه أوّلا:بأن قوله علیه السّلام(بعینه)ظاهر فی الاختصاص بالشبهة الموضوعیة و ذلک لأن حمل هذه الکلمة علی التأکید بأن یکون المراد منها تاکید النسبة و الاهتمام بالعلم بالحرمة خلاف الظاهر إذ الظاهر أن یکون احترازا عن العلم بالحرام لا بعینه و لا ینطبق إلاّ علی الشبهة الموضوعیة إذ لا یتصور العلم بالحرام لا بعینه فی الشبهة الحکمیة فإنّه مع الشک فی حرمة شیء و حلیته لا علم لنا بالحرام لا بعینه.

و بعبارة أخری العناوین الکلیة إمّا أن تکون معلومة الحرمة أو لا تکون کذلک فعلی الأول تکون معلومة الحرمة بعینها و علی الثانی لا علم بالحرمة أصلا.

نعم یتصور العلم بالحرام لا بعینه فی الشبهة الحکمیة مع العلم الإجمالی بالحرمة و من الظاهر أنّ هذا الحدیث لا یشمل العلم الإجمالی بالحرمة إذ جعل الترخیص فی الطرفین مع العلم بحرمة أحدهما إجمالا مما لا یمکن الجمع بینهما ثبوتا و یتناقضان.

و أمّا الشبهة الموضوعیة فلا ینفکّ الشک فیها عن العلم بالحرام لا بعینه فإنّا إذا شککنا فی کون مائع موجود فی الخارج خمرا کان الحرام معلوما لا بعینه إذ نعلم إجمالا بوجود الخمر فی الخارج المحتمل انطباقه علی هذا المائع فیکون الحرام معلوما لا بعینه.

ص:477


1- 1) الکفایة 2:176.

و لکن هذا العلم لا یوجب التنجیز لعدم حصر أطرافه و عدم کون جمیعها فی محل الابتلاء فما ابتلی به من أطرافه محکوم بالحلیّة ما لم یعلم أنه حرام بعینه. (1)

و ثانیا:أنّ الأمثلة المذکورة فیها کلّها من الشبهات الموضوعیة.و هی تؤکد اختصاصها بالشبهة الموضوعیة فلا تشمل الشبهة الحکمیة هذا مضافا إلی عدم ارتباطها بقاعدة الحلیة لأنّ تلک الموارد موارد الأمارة و الأصول المحرزة.

و ثالثا:أنّ جعل غایة الحلیة قیام البینة فی قوله علیه السّلام و الأشیاء کلها علی هذا حتی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البینة قرینة علی اختصاصها بالشبهة الموضوعیة أیضا.

و علیه فلا وجه للاستدلال بموثقة مسعدة للبراءة فی الشبهات الحکمیة.

یمکن الجواب عن الجمیع أمّا عن الإشکال الأول فبأن هذه القرینة غیر تامة لوضوح أنّ المطلوب لیس هو التخصیص بالشبهة الحکمیة و إنما تعمیم الحدیث لها و هو لا یتنافی مع عدم غلبة الشبهة غیر المحصورة فیها إذ یکفی أن یکون غیر نادر بلحاظ جامع الشبهة. (2)

و لا یخفی ما فیه فإن الإشکال یکون من جهة ظهور فیه«بعینه»فی الاختصاص بالشبهة الموضوعیة بدعوی ظهوره فی الاحتراز عن العلم بالحرام لا بعینه و هو لا ینطبق إلاّ علی الشبهة الموضوعیة لعدم تصور العلم بالحرام لا بعینه فی الشبهة الحکمیة فإنه مع الشک فی حرمة شیء و حلیته لا علم لنا بالحرام لا بعینه و علی فرض تصوره فی العلم الإجمالی بالحرمة لا یمکن شمول الحدیث له للمناقضة و بعبارة أخری أنّ الإشکال لیس من جهة حمل المطلق علی النادر حتی یصح الجواب عنه بأنّه لیس حمل المطلق علی النادر بل هو من باب إطلاق المطلق علی النادر بل الإشکال من جهة عدم إمکان تصور العلم بالحرام لا بعینه فی الشبهة الحکمیة بحیث لا تلزم منه المناقضة فتدبر جیدا.

قال فی منتقی الاصول یمکن تعمیم الحدیث للشبهة الحکمیة مع المحافظة علی ظهور لفظ

ص:478


1- 1) مصباح الاصول 2:273-274.
2- 2) مباحث الحجة 2:65.

«بعینه»کما فی موارد العلم الإجمالی(غیر المنجز کما کان بعض أطراف المعلوم بالإجمال خارجا عن محل الابتلاء)بدوران الحرمة المجعولة بین شیئین کحرمة الغیبة أو الغناء فإنّه یصدق علی مثل ذلک بأنّ کلاّ منهما حلال حتی یعرف الحرام بعینه مع کون الشبهة فی کل منهما حکمیة لا موضوعیة. (1)

و لا یخفی علیک أنّ فرض الخروج عن الابتلاء فی الشبهات الحکمیة کما تری فإنّ الأحکام مجعولة علی موضوعها علی نحو ضرب القانون لا القضایا الخارجیة و المجتهد لا یمکن له أن یجری البراءة فی الشبهات الحکمیة بمجرد کون بعض الأحکام خارجا عن محل ابتلاء بعض الآحاد.

هذا مضافا إلی أنّ مثل الغیبة و الغناء لا یکونان خارجین عن محل الابتلاء کما هو واضح.

نعم یمکن منع اختصاص الاحتراز بصورة العلم بالحرام لا بعینه مع أنّ المفروض فی روایة مسعدة کل شیء لک حلال لا کل شیء فیه حلال و حرام و ذلک لإمکان أن یکون قید «بعینه»احترازا عن الحکم بالحرمة بمجرد کون شیء شبیها و نظیرا للحرام الخاص فیصح أن یحکم بکونه حلالا حتی یعرف أنه بعینه حرام و علیه فلا وجه لتخصیص الروایة بالشبهة الموضوعیة بل هی أعمّ منها کما ذهب إلیه صاحب الکفایة.

هذا مضافا إلی أنه لا باس بکون قید«بعینه»للتاکید لأنه شائع بل لعله متعین لأن تخصیص الحدیث بموارد العلم الإجمالی یستلزم حمله علی النادر إذ الحدیث لا یشمل موارد الابتلاء لاستلزام المناقضة و یختص بموارد التی خرج بعض أطرافها عن محل الابتلاء و المفروض أنّ هذه الموارد نادرة و دعوی أنّ الشبهة الموضوعیة لا تنفک عن العلم بالحرام لا بعینه مندفعة بأنّ العلم الإجمالی فی هذه الموارد منحلة بالموارد المعلومة و یصیر الشبهة بدویة کما لا یخفی.

و علیه فکون القید و هو بعینه لتأکید النسبة و الاهتمام بالعلم بالحرمة أقرب و معه لا مانع من شمول الحدیث للشبهات الحکمیة فتدبر جیدا.

ص:479


1- 1) منتقی الاصول 4:425.

و أما عن الثانی فبأن الأمثلة المذکورة تکون من باب التمثیل لا اختصاص الروایة بها و علیه فکما فی تسدید الاصول أصالة الحل المذکورة فی الحدیث إذا کانت عامة لجمیع موارد الشک فی الحرمة فجمیع الأشیاء التی لم یعلم حرمتها مشمولة له محکوم علیها بالحل فأصالة الحل کبری کلیة و الأمثلة المذکورة مصادیق لها و جزئیات و لا یجب فی ذکر المثال أن یذکر جمیع الأنواع المتصورة إذا لم یکن المتکلم بصدد بیان الأنواع المختلفة. (1)

و یمکن أن یقال انّ الأمثلة المذکورة لو کانت من موارد أصالة الحل أمکن أن یقال اکتفی بذکر بعض مواردها و مصادیقها و لکنها أجنبیة عن أصالة الحل و البراءة إذ لیس فیها شیء یمکن أن یکون مستند الحلیة فیه هو أصالة الحل بل المستند هو قاعدة الید و الاستصحاب و لذا قال السیّد الشهید الصدر قدّس سرّه:قد حاول البعض دفع الشبهة بأنّ المذکورات إنّما ذکرت من باب التمثیل لا التطبیق.

ثم أورد علیه بأنّ هذا خلاف الظاهر جدا لأن المناسب مع التمثیل ذکر القاعدة المماثلة للقاعدة المذکورة أولا لا ذکر تطبیقات قاعدة أخری لم تذکر کبراها.

لا یقال:بناء علی جریان الاصول الطولیة إذا کانت من سنخ واحد تکون البراءة جاریة فی هذه الموارد.

فإنه یقال هذا المقدار لا یکفی بعد ظهور الحدیث فی أنّ منشأ التأمین و الحلیة هو القاعدة وحدها لا القاعدة بضم عدم جریان الاصول الحاکمة علیها. (2)

اللّهمّ إلاّ أن یکون مقصود تسدید الاصول أنّ المراد من أصالة الحل فی روایة مسعدة هو الحکم بحلیة کل شیء ما لم یقطع قطعا وجدانیا بالحرمة و إنّ العلم المذکور فیه لا یعم العلم التعبدی الموجود فی مورد الاستصحاب و الید و لکنه مما لا یمکن الالتزام به لمعلومیة تقدم أصالة الید و الاستصحاب علی أصالة الحلیة بأی معنی کانت.

ص:480


1- 1) تسدید الاصول 2:147.
2- 2) مباحث الحجج 2:66.

قال فی نهایة الأفکار یمکن دفعه بأنه یتجه ذلک إذا کان الصدر إنشاء للحلیة فی الأمثلة المزبورة بعنوان کونها مشکوک الحرمة و إلاّ فبناء علی کونه حاکیا عن إنشاءات الحلیة فی الموارد المزبورة بعنوانات مختلفة من نحو الید و السوق و الاستصحاب و نحوها من العناوین التی منها عنوان مشکوک الحل و الحرمة فلا یرد إشکال إذ المقصود حینئذ بیان عدم الاعتناء بالشک فی الحرمة فی هذه الموارد لمکان جعل الحلیة الظاهریة فیها بعنوانات مختلفة غیر انه جمع الکل ببیان واحد لا أنّ المقصود هو إنشاء الحلیة فی الموارد المزبورة بعنوان قاعدة الحلیة (1)

و لا یخفی ما فیه لظهور قوله علیه السّلام کل شیء هو لک حلال حتی تعلم أنه حرام بعینه فی الإنشاء و حمله علی الإخبار عن القواعد المختلفة خلاف الظاهر هذا مضافا إلی ما أفاد الشهید الصدر قدّس سرّه من أنه خلاف الظاهر لا فقط باعتبار ظهور الجملة فی الإنشاء لا الإخبار بل من أجل قوة ظهورها فی أنّها فی مقام إعطاء قاعدة کلیة بنکتة واحدة للتطبیق علی الموارد المختلفة بحیث یستفید السامع تطبیقها بالفعل و هذا لا یناسب مع کون القضیة إخباریة تجمع حیثیات و قواعد متعددة لا یمکن أن یرجع إلیها المکلف فی مجال التطبیق. (2)

و حکی أیضا عن تعلیقة المحقق الخراسانی علی الفرائد فی دفع الإشکال أن ذکر الموارد المذکورة من باب التنظیر(ای تنظیر قاعدة أصالة الإباحة بسائر القواعد کقاعدة الید و السوق و الاستصحاب)لتقریب أصالة الإباحة إلی الأذهان و أنّها لیست بعادمة فی الشریعة و إنّها حکمت بالحل فی الموارد المذکورة مع عدم القطع بالحلیة انتهی.

یمکن أن یقال إنّ هذا الحمل لا یساعد مع قوله علیه السّلام«و ذلک مثل الثوب»فإنّه کما أفاد فی تسدید الاصول ظاهر جدا فی أنه ذکر مثال لقوله کل شیء هو لک حلال و لو أراد ما أفاده المحقق الخراسانی لقال و ذلک مثل حلیة الثوب (3)

و قال الشهید الصدر قدّس سرّه:فی نهایة الأمر و الذی یقوی فی النفس أنّ المقصود من

ص:481


1- 1) نهایة الأفکار 3:234-235.
2- 2) مباحث الحجج 2:661.
3- 3) تسدید الاصول 2:148.

الروایة النظر إلی مرحلة البقاء و إنّ ما أخذه المکلف و کان حلالا له علی أساس قاعدة شرعیة یبقی حلالا و لا ینبغی أن یوسوس فیه و فی مناشئ حصوله حتی یستبین خلافه أو تقوم به البیّنة و بهذا تکون أجنبیّة عن البراءة إذ لیست فی مقام جعل البراءة کما أن فی الأمثلة المذکورة لا یوجد ما یکون موردا لها. (1)

و فیه أنه لیس بجواب بل هو تصدیق للإشکال ببیان آخر هذا مع أنّ حمل الروایة علی ما ذکر خلاف الظاهر جدا فإنّ ظاهر الروایة إنّ الشک فی أصل الحلیّة و الحرمة لا فی بقائهما و مما ذکر یظهر أنه لا محیص عن هذا الإشکال لأن الأمثلة لا تساعد مع القاعدة المذکورة فی صدرها اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ المشکل هو تطبیق الکبری علی الأمثلة لا أصل الکبری فیمکن الأخذ بها.

و أما عن الثالث فبأنّ قیام البیّنة و إن اختص بالشبهة الموضوعیة إلاّ أنه یمکن أن یقال إنّ الاستبانة المذکورة فی الذیل تعم الاستبانة العلمیة القطعیة و غیرها الحاصلة بمثل خبر الواحد أو الظواهر و علیه فذکر قیام البیّنة بعد الاستبانة من قبیل ذکر الخاص بعد العام و لا شاهد فیه علی الاختصاص فتحصّل أنّ الروایة لا تخلو عن الإشکال و لو من ناحیة الإشکال الثانی کما عرفت و لکن مع ذلک یمکن الأخذ بالکبری المذکورة فیها مع قطع النظر عن الأمثلة التی فیها هذا لو لا الإشکال فی سندها من الضعف و الظاهر أنّ السند ضعیف فإنّ مسعدة بن صدقة عامی و لم یوثق و لکن المحکی من السیّد المحقق البروجردی قدّس سرّه هو اتحاده مع مسعدة بن زیاد الربعی الثقة و استشهد لذلک باتحاد مضمون روایاتهما التی تقرب عشر روایات و أیّده بأنّ المروی فی بعض طرق الکافی هکذا عن مسعدة بن صدقة عن زیاد و الظاهر عندی أنّ الصحیح هو مسعدة بن صدقة بن زیاد و علیه یکون زیاد اسم جد مسعدة و کثیرا ما کانوا یحذفون اسم الأب و ینسبون إلی الجد و علیه کلمة«عن زیاد» تصحیف ابن زیاد انتهی.

ص:482


1- 1) مباحث الحجج 2:67.

هذا مضافا إلی ما حکی عن الوحید البهبهانی من أن جدی قال الذی یظهر من أخباره فی الکتب أنه ثقة لأن جمیع ما یرویه فی غایة المتانة و موافق لما یرویه الثقات و لهذا عملت الطائفة بما رواه بل لو تتبعت وجدت أخباره أسد و أمتن من أخبار مثل جمیل بن دراج و حریز بن عبد اللّه انتهی.

و قال النجاشی فی رجاله و له کتب منها کتاب خطب أمیر المؤمنین علیه السّلام روی هارون بن مسلم عنه انتهی و هارون بن مسلم ثقة وجه.و قال بعض الأعلام أنّه ثقة لنقل بعض الأجلاء عنه هذا و لکن لقائل أن یقول اتحاد مضمون بعض روایات مسعدة بن زیاد مع مسعدة بن صدقة لا یوجب إلاّ الظن بالاتحاد هذا مضافا إلی بعد ذلک لأنّ الشیخ فی الفهرست و الرجال و النجاشی فی رجاله ذکر کلیهما من دون احتمال الاتحاد و أمّا عمل الطائفة فالمذکور فی کلام الشیخ الطوسی لیس هو مسعدة بن صدقة بل السکونی و حفض و غیرهما و لعل المقصود عمل جمع من الأصحاب من دون استناد ذلک إلی مثل الشیخ کما لعله هو الظاهر و أمّا نقل بعض الاجلاء فلم ار إلاّ هارون بن مسلم اللّهمّ إلاّ أن یکون المقصود هو نقل من روی عن هارون بن مسلم مثل أحمد بن محمّد بن یحیی و عبد اللّه بن جعفر الحمیری و ابن شاذان فإنّهم من الأجلاء و کانوا یروون کتاب خطب امیر المؤمنین علیه السّلام عن مسعدة بن صدقة بواسطة هارون بن مسلم کما فی رجال النجاشی و غیره و من البعید جدا نقل هؤلاء هذا الکتاب مع کون راویه غیر ثقة فتدبر جیدا.

و منها:صحیحة عبد اللّه بن سنان التی رواها المشایخ الثلاثة فی کتبهم:

روی الصدوق فی الفقیه عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان قال،قال أبو عبد اللّه علیه السّلام:کل شیء یکون فیه حرام و حلال فهو لک حلال أبدا حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه (1)و سند الصدوق إلی الحسن بن محبوب صحیح و هو علی ما فی المشیخة محمّد

ص:483


1- 1) الفقیه الباب 39 باب الصید و الذباحة ح 83.

بن موسی بن المتوکل رحمهم اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحمیری و سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان و روی الشیخ الطوسی قدّس سرّه فی التهذیب عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان قال،قال أبو عبد اللّه علیه السّلام:کل شیء یکون فیه حرام و حلال فهو لک حلال أبدا حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه (1)و طریقه إلی الحسن بن محبوب صحیح أیضا کما فی المشیخة و الفهرست.

و رواها أیضا (2)بهذا السند عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال کل شیء یکون منه حرام و حلال فهو لک حلال أبدا حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.

و روی الکلینی قدّس سرّه عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد و أحمد بن محمّد جمیعا عن ابن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال کل شیء یکون فیه حلال و حرام فهو حلال لک أبدا حتی أن تعرف الحرام منه بعینه فتدعه. (3)

و روی الکلینی قدّس سرّه أیضا عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن ابن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن عبد اللّه بن سلیمان قال سألت أبا جعفر علیه السّلام عن الجبن فقال لی لقد سألتنی عن طعام یعجبنی ثم أعطی الغلام درهما فقال یا غلام ابتع لنا جبنا و دعا بالغداء فتغدینا معه و أتی بالجبن فأکل و أکلنا معه فلما فرغنا من الغداء قلت له ما تقول فی الجبن فقال لی أو لم ترنی أکلته قلت بلی و لکنی أحب أن أسمعه منک فقال ساخبرک عن الجبن و غیره کل ما کان فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام بعینه فتدعه. (4)و حیث إنّ عبد اللّه بن سلیمان ممن روی عنه الصفوان تکون الروایة معتبرة.

هذا مضافا إلی ما رواه أحمد بن أبی عبد اللّه البرقی فی المحاسن عن الیقطینی عن صفوان

ص:484


1- 1) التهذیب 9:79 الباب 2 باب الذبائح و الأطعمة ح 72.
2- 2) فی التهذیب 7:226 الباب 21 باب من الزیادات ح 8.
3- 3) الکافی 5:313 باب النوادر ح 39.
4- 4) الکافی 6:339 باب الجبن ح 1.

عن معاویة بن عمار عن رجل من أصحابنا قال کنت عند أبی جعفر علیه السّلام فسأله رجل عن الجبن فقال أبو جعفر علیه السّلام إنه طعام یعجبنی فسأخبرک عن الجبن و غیره کل شیء فیه الحلال و الحرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام فتدعه بعینه. (1)

هذه الروایات متوافقة المضمون و لعل یرجع بعضها إلی بعض.

و کیف ما کان فالمحکی عن الشهید إنّه استدل للبراءة بقوله علیه السّلام کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.

و تقریب الاستدلال کما عن شرح الوافیة انّ معنی الحدیث انّ کل فعل من الأفعال التی تتصف بالحل و الحرمة و کذا کل عین مما یتعلق به فعل التکلیف و یتصف بالحل و الحرمة إذا لم یعلم الحکم الخاص به من الحل و الحرمة فهو حلال.

فخرج ما لا یتصف بهما جمیعا من الأفعال الاضطراریة و الأعیان التی لا یتعلق بها فعل المکلف و ما علم أنه حلال لا حرام فیه أو حرام لا حلال فیه.

و لیس الغرض من ذکر الوصف مجرد الاحتراز بل هو مع بیان ما فیه الاشتباه.

فصار الحاصل إنّ ما اشتبه حکمه و کان محتملا لأن یکون حلالا و لأن یکون حراما فهو حلال سواء علم حکم کلی فوقه أو تحته بحیث لو فرض العلم باندراجه تحته أو تحققه فی ضمنه لعلم حکمه أو لا.

و بعبارة أخری انّ کل شیء فیه الحلال و الحرام عندک بمعنی إنّک تقسّمه إلی هذین و تحکم علیه باحدهما لا علی التعیین و لا تدری المعین منهما فهو لک حلال فیقال حینئذ الروایة صادقة علی مثل اللحم المشتری من السوق المحتمل کونه من المذکی أو المیتة و علی شرب التتن و علی لحم الحمیر إن لم نقل بوضوحه و شککنا فیه لأنه یصدق علی کل منها:

إنّه شیء فیه حلال و حرام عندنا بمعنی أنّه یجوز لنا أن نجعله مقسما لحکمین فنقول إمّا حلال و

ص:485


1- 1) الوسائل الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة ح 7،المحاسن:496،ح 601.

إمّا حرام و إنّه یکون من جملة الأفعال التی یکون بعض أنواعها و أصنافها حلالا و بعضها حراما و اشترکت فی أن الحکم الشرعی المتعلق بها غیر معلوم انتهی.

ذکر نحوه فی الدرر حیث قال إنّ قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام حمل علی صلاحیتهما و احتمالهما فیصیر الحاصل ان کل شیء یصلح لأن یکون حراما و لأن یکون حلالا و یصح ان یقال فیه إما حرام و إما حلال فهو لک حلال سواء کانت الشبهة فی الحلیة و الحرمة من جهة الشک فی اندراجه تحت کلی علم حکمه أم لا. (1)

أورد علیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه فی فرائد الاصول بأنّ المراد بالشیء لیس هو خصوص المشتبه کاللحم المشتری و لحم الحمیر علی ما مثّله بهما إذ لا یستقیم إرجاع الضمیر فی «منه»إلیهما لکن لفظة«منه»لیس فی بعض النسخ و أیضا الظاهر أنّ المراد بقوله فیه حلال و حرام کونه منقسما إلیهما و وجود القسمین فیه بالفعل لا مرددا بینهما إذ لا تقسیم مع التردید أصلا لا ذهنا و لا خارجا إلی أن قال فالمعنی و اللّه العالم أنّ کل کلی فیه قسم حلال و قسم حرام کمطلق لحم الغنم المشترک بین المذکی و المیتة فهذا الکلی لک حلال إلی أن تعرف القسم الحرام معینا فی الخارج فتدعه.

و علی الاستخدام یکون المراد انّ کل جزئی خارجی فی نوعه القسمان المذکوران فذلک الجزئی لک حلال حتی تعرف القسم الحرام من ذلک الکلی فی الخارج فتدعه و علی أی تقدیر فالروایة مختصة بالشبهة فی الموضوع و أما ما ذکره المستدل من أنّ المراد من وجود الحلال و الحرام فیه احتماله و صلاحیته لهما فهو مخالف لظاهر القضیة و لضمیر منه و لو علی الاستخدام انتهی موضع الحاجة. (2)

حاصله أنّ قوله علیه السّلام کل شیء یکون فیه حلال و حرام ظاهر فی الانقسام الفعلی و هو لا یتصور فی الشبهات الحکمیة فإنّ القسمة فیها لیست فعلیة بل هی فرضیة حیث انه لیس

ص:486


1- 1) الدرر:449.
2- 2) فرائد الاصول:201.

فیها إلاّ احتمال الحل و الحرمة کما فی شرب التتن المشکوک حلیته و حرمته و علیه فیختص قوله علیه السّلام بالشبهات الموضوعیة التی یکون الشک فیها فی الحل و الحرمة من جهة الشک فی انطباق ما هو الحرام علی المشتبه بعد إحراز وجود الحلال و الحرام فیه بالفعل.

و یؤید ذلک أیضا بظهور کلمة«منه»و«بعینه»و تعریف الحرام باللام فی قوله علیه السّلام حتی تعرف الحرام منه بعینه فإنّه إشارة و إرجاع إلی الحرام المذکور فی قوله کل شیء یکون فیه حلال و حرام و الإشارة و الإرجاع إلیهما متفرعتان علی إحراز وجودهما کما لا یخفی.

و لا یخفی علیک أنّ ما ذکره الشیخ یتمّ فیما إذا کان المراد من الشیء فی قوله علیه السّلام کل شیء هو النوع و المراد من الحلال و الحرام هو حکم أصناف هذا النوع فإنّ الانقسام الفعلی لا یتصور حینئذ إلاّ فی الشبهة الموضوعیة و أمّا إذا کان المراد من الشیء هو الأعمّ من الجنس و من الحلال و الحرام أمکن أن یقال بشمول الروایة للشبهات الحکمیة أیضا نظرا إلی إمکان فرض الانقسام الفعلی فیها کما فی کلی اللحم فإن فیه قسمان معلومان حلال و هو لحم الغنم و حرام و هو لحم الأرنب و قسم ثالث مشتبه و هو لحم الحمیر مثلا لا یدری انه محکوم بالحلیة أو الحرمة و منشأ الاشتباه فیه وجود القسمین المعلومین فیقال بمقتضی عموم الروایة انّه حلال حتی تعلم حرمته و یخرج بذلک عن دائرة المشتبهات المحکوم فیها بالحلیة و بعد شمول العموم المزبور لمثل هذا المشتبه الذی یوجد فی نوعه القسمان المعلومان یتعدی إلی غیره بعدم القول بالفصل. (1)

و یمکن الجواب عنه بما فی کلام الشیخ من أنّ الظاهر إن ذکر هذا القید مع تمام الکلام بدونه کما فی روایة أخری کل شیء لک حلال حتی تعرف إنه حرام بیان منشأ الاشتباه الذی یعلم من قوله علیه السّلام حتی تعرف إلی أن قال إنّ وجود القسمین فی اللحم لیس منشأ لاشتباه لحم الحمار و لا دخل له فی هذا الحکم أصلا و لا فی تحقق الموضوع و تقیید الموضوع بقید أجنبی لا دخل له فی الحکم و لا فی تحقق الموضوع مع خروج بعض الأفراد منه مثل شرب

ص:487


1- 1) نهایة الأفکار 3:233-234.

التتن حتی أحتاج إلی إلحاق مثله بلحم الحمار و شبهه مما یوجد فی نوعه قسمان معلومان بالإجماع المرکب و مستهجن. (1)

و أوضح هذا الجواب فی مصباح الاصول بأن الظاهر من قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام إنّ منشأ الشک فی الحلیة و الحرمة هو نفس انقسام الشیء إلی الحلال و الحرام و هذا لا ینطبق علی الشبهة الحکمیة فإنّ الشک فی حلیة بعض أنواع الحیوان لیس ناشئا من الانقسام إلی الحلال و الحرام بل هذا النوع مشکوک فیه من حیث الحلیة و الحرمة و لو علی تقدیر حرمة جمیع بقیة الأنواع أو حلیتها(بل منشأ الشک فی الحلیة و الحرمة فیه هو عدم النص أو اجمال النص کما لا یخفی)و هذا بخلاف الشبهة الموضوعیة فإنّ الشک فی حلیة مائع موجود فی الخارج ناشئ من انقسام المائع إلی الحلال و الحرام إذ لو کان المائع بجمیع أقسامه حلالا أو بجمیع أقسامه حراما لما شککنا فی هذا المائع الموجود فی الخارج من حیث الحلیة و الحرمة فحیث کان المائع منقسما إلی قسمین قسم منه حلال کالخل و قسم منه حرام کالخمر فشککنا فی حلیة هذا المائع الموجود فی الخارج لاحتمال أن یکون خلا فیکون من القسم الحلال و ان یکون خمرا فیکون من القسم الحرام. (2)

هذا مضافا إلی ما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه أیضا من أن الظاهر من قوله علیه السّلام حتی تعرف الحرام منه معرفة ذلک الحرام الذی فرض وجوده فی الشیء و معلوم أن معرفة لحم الخنزیر و حرمته لا یکون غایة لحلیة لحم الحمار. (3)

و هذا الذی أشار الشیخ إلیه یلزم فیما إذا قلنا بشمول الروایة للشبهة الحکمیة إذ یحکم بحلیة لحم الحمار حتی تعرف لحم الخنزیر و حرمته مع أنه کما تری هذا بخلاف ما إذا قلنا باختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة فإنّ مورد الشبهة محکوم بالحلیة حتی تعرف إنّه مصداق الحرام الذی فرض وجوده فی الشیء و لا إشکال کما لا یخفی.

ص:488


1- 1) فرائد الاصول:201.
2- 2) مصباح الاصول 2:276-277.
3- 3) فرائد الاصول:201.

فتحصل أنّ مفاد هذه الروایة لا ینطبق علی الشبهة الحکمیة بشهادة أمرین:

أحدهما دلالته علی أن نفس الانقسام المذکور منشأ للشک و الاشتباه و ثانیهما جعل الحرام المعلوم منهما غایة للحلیة فإنه لا یصح ذلک إلاّ فی الشبهات الموضوعیة و أما فی الحکمیة فلا یصح جعل الحرام المعلوم المذکور غایة لحلیة لحم الحمیر مثلا کما لا یخفی.

إذ لا معنی لجعل العلم بکون لحم الخنزیر حراما غایة لحلیة لحم الحمیر أمّا الأمر الأول فلا مکان أن یقال نفی السببیة لوجود القسمین بالنسبة إلی الشک فی حکم لحم الحمیر فی غیر محله و الشاهد له أنّه لو علم ان مطلق اللحم حراما أو حلالا لم یبق له شک فی حکم لحم الحمیر فإنّ المشکوک لا یبقی علی الشک مع العلم بحرمة مطلق اللحم أو العلم بحلیة مطلق اللحم کما لا یخفی.

فالشک ناش من وجود القسمین من الحلال و الحرام فی الأنواع و علیه فلا وجه لإنکار سببیة وجود القسمین فی الشبهات الحکمیة و العجب من مصباح الاصول حیث قال هذا النوع مشکوک فیه من حیث الحلیة و الحرمة و لو علی تقدیر حرمة جمیع بقیة الأنواع أو حلیتها الخ مع أن اللازم هو إن قال و لو علی تقدیر حرمة مطلق اللحم أو حلیته کما قاله کذلک فی الشبهة الموضوعیة و من المعلوم أنه لو قال بمثل ما قال فی الشبهة الموضوعیة لم یبق شک فی هذا النوع أیضا و علیه فوجود القسمین موجب للشک فی الشبهة الحکمیة کالشبهة الموضوعیّة و لذلک قال فی الدرر یکفی فی عدم لغویة القید(و هو قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام)انه لو علم کون مطلق اللحم حراما أو حلالا لم یبق شک فی لحم الحمیر فوجود القسمین فی اللحم صار منشأ للشک فی لحم الحمیر (1)

قال شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه:فی توضیح مراد استاذه قدّس سرّه و الحق هو اندفاع الإشکالین أما الأول فلأن التقیید المذکور لا یکون لغوا لکونه دخیلا فی الموضوع و ذلک لأن الشبهة فی لحم الحمار مثلا و إن کانت کما ذکر ناشئة عن عدم النص لکن لا ینافی هذا أن

ص:489


1- 1) الدرر:450.

یکون منشأها وجود القسمین الحلال و الحرام فإنه لو کان النص علی حلیة کل لحم موجودا لم یکن شک فی حلیة لحم الحمار و لو کان النص علی حرمة کل لحم موجودا لم یکن شک فی حرمة لحم(الحمار).

و لکن لما لم یکن شیء من هذا النصین و انما صار بعض اللحوم حراما و بعضها حلالا فهذا أوجب الشک فی حکم لحم الحمار.

فهذا نظیر ما یقال فی العرف لو کان کل أفراد الإنسان أمینا لما شککت فی أمانة هذا الشخص و لو کان کل أفراده خائنا ما شککت فی خیانة هذا الشخص و لکن لما کان أفراده مختلفة فبعضها أمین و بعضها خائن فلا جرم شککت فی أمانة هذا الشخص و خیانته و هذا مطلب صحیح عرفی. (1)

هذا کله بالنسبة إلی الأمر الأول و هو لزوم کون الانقسام سببا و منشأ للشک و هو متحقق فی الشبهة الموضوعیة دون الحکمیة و أمّا الأمر الثانی و هو متحقق فی الشبهة الموضوعیة دون الحکمیة فقد أجاب عنه فی الدرر أیضا بأنّ معرفة الحرام غایة للحکم علی المطلق أو علی ذلک الشیء الذی عرف حرمته.و لو لا ذلک للزم الإشکال علی تقدیر الاختصاص بالشبهة الموضوعیة أیضا إذ بعد معرفة فرد من أفراد الغیر المذکی یصدق انّه عرف الحرام فیلزم ارتفاع الحکم عن الشبهات أیضا فتدبر جیدا. (2)

قال شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه:فی توضیح ذلک و بالجملة إن کان المراد بعرفان الحرمة الذی جعل فی الحدیث غایة للحل حقیقة عرفان جنس الحرام حتی یکون صادقا علی فرد واحد کان الإشکال مشترک الورود علی کلتا الشبهتین و إن کان المراد ان عرفان الحرمة فی کل شیء لیس إلاّ غایة للحل بالنسبة إلی هذا الشیء دون غیره کان الإشکال غیر وارد فی کلتا الشبهتین و لکن حیث إنّ الظاهر هو إرادة عرفان جنس الحرام الصادق

ص:490


1- 1) أصول الفقه لشیخنا الاستاذ 2:77.
2- 2) الدرر:450.

علی فرد واحد کان الإشکال واردا علی کلتیهما فلا بدّ فی دفعه عن کلتیهما فنقول إنّ عرفان الحرام غایة للقضیة الاستغراقیة بوصف کونها استغراقیة فمعنی الحدیث أنّ الجنس الذی هو اللحم المنقسم فی الذهن إلی القسم المذکی و القسم المیتة یکون بجمیع أفراده حلالا فکل فرد منه سواء کان میتة واقعا أم مذکی واقعا فهو حلال و کذلک جنس اللحم الذی له قسمان احدهما لحم الغنم و الآخر لحم الخنزیر و له قسم ثالث و هو لحم الحمار فهو بجمیع أقسامه یکون حلالا سواء کان من القسم الحلال واقعا أم من القسم الحرام حتی یعرف الحرمة فی فرد واحد علی الأول أو فی قسم واحد علی الثانی فحینئذ یکون هذا الحکم العام الاستغراقی الاستیعابی و هو حلیة کل فرد أو کل قسم مرتفعا و هذا لا إشکال فیه إذ لا إشکال فی أنه بعد معرفة الحرمة فی الفرد الواحد أو القسم الواحد لم یبق هذا الحکم العام بعمومه.

و اذن فبناء علی حمل الروایة علی التقسیم الذهنی فدلالتها علی البراءة فی الشبهة الحکمیة تامة غایة الأمر یکون موردها خصوص الشبهة الحکمیة التی کان له قسم حلال و قسم حرام و لم یکن القسم الحرام بعد معروفا فیتم فی غیر هذا و هو ما لم یکن له قسم حلال و قسم حرام و ما کان له ذلک بعد عرفان الحرام بعدم القول بالفصل.

و لکن الشأن فی إثبات ظهور الروایة فی التقسیم الذهنی دون الخارجی و هو غیر معلوم بل الظاهر منها لا یبعد أن یکون هو التقسیم الخارجی بقرینة ذکر لفظة«بعینه» (1)

و لا یخفی علیک أیضا أن الظاهر من الحدیث کما أشار إلیه الاستاذ قدّس سرّه بقرینة لام العهد فی قوله حتی تعرف الحرام و لفظة بعینه إن المراد من الغایة فی قوله حتی تعرف الحرام منه بعینه هی معرفة ذلک الحرام الذی فرض وجوده بالفعل فی الشیء و ذلک لا یساعد إلاّ مع إرادة الشبهة الموضوعیة إذ مع الشبهة الحکمیة لا معنی لجعل معرفة حرمة لحم الخنزیر غایة لحلیة لحم الحمیر لعدم الارتباط بینهما فلا وجه لأن یقال.إنّ لحم الحمیر مثلا الذی شک فی حلیته و حرمته عند ما رأینا وجود القسمین فی اللحم حلال حتی تعرف حرمة لحم الخنزیر و علم

ص:491


1- 1) أصول الفقه شیخنا الاستاذ 2:76-77.

بوجوده فی الشیء بل الذی یکون مناسبا مع الشبهة الحکمیة هو ان یقال إنّ لحم الحمیر المشکوک حلال حتی تعرف إنه حرام آخر و هو لا یساعد مع ذکر لام العهد و رجوع الضمیر فی«بعینه»إلی الحرام الموجود فی الشیء کما لا یخفی.

و لعل إلیه یؤول ما أشار إلیه شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه فی الدورة الأخیرة بقوله و لکن یمکن الإیراد علی الکلام المزبور أعنی التسریة إلی الشبهة الحکمیة بأن یقال إنّ الظاهر أن یکون الدوران بین نفس الحلال و الحرام المذکورین فی الصدر و هو منحصر فی الشبهة الموضوعیة إذ لا دوران فی الشبهة الحکمیة من لحم الحمیر بین اللحوم المعلوم الحرمة و اللحوم المقطوع الحلیة و بعبارة أخری الظاهر انّ مورد الحکم بالحلیة شیء قابل لأن یعرف فیه ذلک الحرام المعلوم.

إلاّ أن یقال:یکفی صحة انطباق عنوان الحرام بما هو هو فالمراد إنّ کل کلّی کان فیه الحلال و الحرام و لو لم یعرف عنوانهما بغیر هذین العنوانین فهو حلال فی أفراده المشتبهة حتی یعرف الحرام منه و لکنه مع ذلک لا یخلو عن التکلف فالظاهر اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة. (1)

قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:إنّ قوله«بعینه»و«منه»و«فیه»و مادة«العرفان» المستعملة فی الأمور الجزئیة قرینة علی الاختصاص فإنّ کل واحد من هذه الأمور و إن کان فی حد نفسه قابلا للمناقشة إلاّ أنّ ملاحظة المجموع ربما تصیر قرینة علی الاختصاص أو سلب الاعتماد بمثل هذا الإطلاق. (2)

و یؤیده عدم اشتراط البراءة فی هذه الأخبار بالفحص إذ لو کان لمراد أعمّ من الشبهة الحکمیة لزم تقیدها بکونها بعد الفحص فتأمّل.

یمکن أن یقال:بأنّ الاستبانة المذکورة فی الذیل تعمّ الاستبانة العلمیة القطعیة و

ص:492


1- 1) أصول الفقه لشیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه:624
2- 2) تهذیب الاصول 2:188.

غیرها الحاصلة بمثل خبر الواحد أو الظواهر و علیه فذکر قیام البیّنة بعد الاستبانة من قبیل ذکر الخاص بعد العام و لا شاهد فیه علی الاختصاص.

نعم لا یخلو الروایة عن الضعف فی السند فإنّ مسعدة بن صدقه عامّی و لم یوثق إلاّ أنّ المحکی عن السید المحقق البروجردی قدّس سرّه أنّه متحد مع مسعدة بن زیاد الربعی الثقة بقرینة اتحاد مضمون روایاته مع روایاته التی تقرب عشر روایات و أیّد ذلک بالمروی فی بعض طرق الکافی هکذا عن مسعدة بن صدقة عن زیاد لأنّ الظاهر عندی أنّ الصحیح هو مسعدة بن صدقة بن زیاد و علیه یکون زیاد اسم جدّ مسعدة و کثیرا ما یحذف اسم الأب و ینسب الولد إلی الجدّ هذا مضافا إلی ما حکی عن الوحید البهبهانی من أنّ جدّی قال الذی یظهر من أخباره فی الکتب أنّه ثقة لأنّ جمیع ما یرویه فی غایة المتانة و موافق لما یرویه الثقات.

و لکن لقائل أن یقول اتحاد مضمون بعض روایات مسعدة بن زیاد مع روایات مسعدة بن صدقة لا یوجب إلاّ الظن باتّحادهما هذا مضافا إلی أنّه یبعده ذکر کلیهما فی الفهرست و الرجال و النجاشی فتأمّل.

و منها:صحیحة عبد اللّه بن سنان التی رواها المشایخ الثلاثة فی کتبهم و مضمونها متوافقة و قد رواها الکلینی قدّس سرّه عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زیاد و أحمد بن محمّد جمیعا عن ابن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال کل شیء یکون فیه حلال و حرام فهو حلال لک أبدا حتی أن تعرف الحرام منه بعینه فتدعه.

و تقریب الاستدلال بها کما عن شرح الوافیة و فی الدرر أنّ معنی الحدیث أنّ کلّ فعل من الأفعال التی تتّصف بالحلّ و الحرمة و کذا کلّ عین ممّا یتعلق به فعل التکلیف و یتّصف بالحلّ و الحرمة إذا لم یعلم الحکم الخاص به من الحلّ و الحرمة فهو لک حلال.

فخرج ما لا یتّصف بهما جمعیا من الأفعال الاضطراریة و الأعیان التی لا یتعلق بها فعل المکلف و ما علم أنّه حلال لا حرام فیه أو حرام لا حلال فیه.

ص:493

فصار الحاصل أنّ ما اشتبه حکمه و کان محتملا لأن یکون حلالا و لأن یکون حراما فهو لک حلال سواء علم حکمه کلی فوقه أو تحته بحیث لو فرض العلم باندارجه تحته أو تحققه فی ضمنه لعلم حکمه أو لم یعلم ذلک.

و علیه فالروایة صادقة علی مثل اللحم المشتری من السوق المحتمل حلیته لکونه من المذکی أو حرمته لکونه من المیتة و هکذا یصدق علی شرب التتن أو لحم الأرنب مثلا لان الحلّیة و الحرمة کلیهما محتملتان فیهما.

و بعبارة اخری قوله فیه حلال و حرام یحمل علی صلاحیة الشیء أو الفعل لهما و احتمالهما فیه فیصیر المعنی أنّ کل شیء یصلح لأن یکون حراما و لأن یکون حلالا و یصح فیه أن یقال:إنّه إما حرام أو حلال فهو لک حلال.

و قد أورد علیه بأنّ الظاهر من قوله علیه السّلام فیه حلال و حرام کونه منقسما إلیهما و وجود القسمین فیه بالفعل لا مردّدا بینهما إذ لا تقسیم مع التردید أصلا لا ذهنا و لا خارجا و دعوی أنّ المراد من وجود الحلال و الحرام فیه هو احتماله و صلاحیته لهما مندفعة بأنه مخالف لظاهر القضیّة.

و علیه فیختص قوله علیه السّلام بالشبهات الموضوعیة التی یکون الشکّ فیها فی الحل و الحرمة من جهة الشکّ فی انطباق ما هو الحرام علی المشتبه بعد إحراز وجود الحلال و الحرام فیه بالفعل.

و یؤیّد ذلک ظهور کلمة«منه»و«بعینه»و تعریف الحرام باللام فی قوله علیه السّلام حتی تعرف الحرام منه بعینه فإنّه إشارة و إرجاع إلی الحرام المذکور فی قوله علیه السّلام کل شیء یکون فیه حلال و حرام و من المعلوم أنّ الإشارة و الإرجاع إلیهما متفرّعتان علی إحراز وجودهما قبل الإشارة و الإرجاع و الأجوبة المذکورة عن هذا الإیراد لا تخلو عن التکلف و التأمل و الحاصل أنّ قوله«بعینه»و«منه»و«فیه»و مادة«العرفان»المستعملة فی الأمور الجزئیة قرینة علی اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة و لا أقل من الشکّ فی شمولها للشبهة الحکمیة.

ص:494

التنبیه

و اعلم أنّ مقتضی عموم قاعدة الحلّیة هی حلّیة المشکوک و لو کان الشیء المشکوک هو أجزاء الحیوان من الجلد أو اللحم أو الشحم المأخوذة من ید الکافر أو المستوردة من بلاد الکفر بشرط احتمال التذکیة الشرعیة فی حیوانها فحینئذ یجوز التصرف فیها عدی ما اشترط العلم بالتذکیة فی الاستعمال کالأکل أو لبسه فی الصلاة.

و ذلک لجریان قاعدة الحلّیة فیها کجریان قاعدة الطهارة و لا مجال لاستصحاب عدم التذکیة فیها بناء علی أنّ التذکیة هی فری الأوداج الأربعة لا الأمر المعنوی الحاصل بالفری و من المعلوم أنّ فری الأوداج الأربعة لا یتصور فی أجزاء الحیوان فانما لم تجر أصالة عدم التذکیة فمقتضی قاعدة الحلّیة هو جواز التصرف مطلقا عدی ما خرج.

نعم لو کان المشکوک جسد الحیوان الکامل فلا مجال لقاعدة الحلّیة لجریان أصالة عدم التذکیة فیحرم جمیع التصرفات.

ص:495

حدیث احدی الجهالتین اهون

اشارة

و منها:أی من الأخبار التی استدل بها للبراءة صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج المرویة فی التهذیب عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سألته عن الرجل یتزوج المرأة فی عدتها بجهالة أ هی ممن لا تحل له أبدا فقال لا أما إذا کان بجهالة فلیتزوجها بعد ما تنقضی عدتها و قد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک فقلت بأی الجهالتین أعذر بجهالته ان یعلم ان ذلک محرم علیه أم بجهالته انها فی عدة؟

فقال إحدی الجهالتین أهون من الأخری الجهالة بأن اللّه حرم ذلک علیه و ذلک انه لا یقدر علی الاحتیاط معها فقلت فهو فی الأخری معذور قال نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور فی أن یتزوجها فقلت و ان کان أحدهما متعمدا و الآخر بجهالة فقال الذی تعمد لا یحل له ان یرجع إلی صاحبه أبدا. (1)

و تقریب الاستدلال انّ الروایة تدل علی أنّ الجهل مطلقا عذر و مقتضی کون الجهل عذرا هو انّه لا عقوبة علیه و هو المطلوب.

و یشکل ذلک أوّلا:بأن الجهل فی الروایة إمّا یکون بمعنی الشک فإن کان متعلقا بالحکم التکلیفی فالمعذوریة تتوقف علی الفحص إذ الجاهل بالحکم قبل الفحص لیس بمعذور إجماعا و لو حملنا الروایة علی ما بعد الفحص فیبعد بقاء الجهل مع وضوح الحکم المذکور بین المسلمین و ان کان الشک متعلقا بالموضوع فیصح الحکم بالمعذوریة قبل الفحص إذا لم یعلم بکونها فی العدة سابقا و أما إذا علم بکونها فی العدة و لم یدر انقضائها فمقتضی استصحاب بقاء العدة عدم معذوریته و بالجملة الحکم بمعذوریة الجاهل مطلقا لا یطابق القواعد المسلّمة و إمّا یکون الجهل بمعنی الغفلة فیستقیم الحکم بالمعذوریة و یشهد له قوله علیه السّلام و ذلک انه لا یقدر علی الاحتیاط معها و لکنه أجنبی عن المقام لأنّ بحث الأصولی یکون حول الشک لا الغفلة و ثانیا:کما أفاده فی الدرر بأن حکمه علیه السّلام بکون الجهالة بأن اللّه

ص:496


1- 1) التهذیب 7:306 الباب 26 باب من یحرم نکاحهن بالأسباب دون الأنساب ح 32.

تعالی حرم علیه ذلک أهون من الأخری معللا بعدم قدرته علی الاحتیاط معها غیر واضح لأنه لا فرق بین الجهالتین فی هذه العلة لأن الجهالة إن کانت بمعنی الغفلة فلا إشکال فی عدم قدرته علی الاحتیاط فیهما و التفکیک بین الجهالتین بأن یجعل الجهالة بالحکم بمعنی الغفلة و الأخری بمعنی الشک فی غایة البعد.

و یمکن الجواب عن الإشکالات الواردة علی الروایة بأجمعها بما فی الدرر من حمل الجهالة علی الغفلة فی کلتی الصورتین و حمل قول السائل«بجهالة أن اللّه حرم علیه ذلک» علی الجهالة فی الحکم التکلیفی و قوله«أم بجهالته انها فی العدة»علی جهالته بأن العدة موضوعة للأمر الوضعی أعنی الحرمة الأبدیة.

و حینئذ وجه قدرته علی الاحتیاط فی الثانی انه بعد الالتفات یتمکن من رفع الید عن الزوجة بخلاف الأول فإنه عمل بالفعل المحرم شرعا و لا یتمکن عن تدارکه بعد الالتفات فافهم (1)

و لکن یرد علیه بأن تخصیص الروایة بمورد الغفلة یوجب کونها أجنبیة عن محل البحث و هو صورة الشک و التردید مع أنّ بحث الاصولی فی حکم الشک و التردید لا حکم الغفلة هذا مضافا إلی أن ما ذکره فی وجه الفرق بین الجهالة بالحکم التکلیفی و بین الجهالة بالموضوع فی قدرته علی الاحتیاط فی الثانیة دون الأولی محل تامل و نظر و لعل قوله:فافهم اشارة إلی ذلک فالأولی هو الجواب عنه بما حکی شیخنا الاستاذ الأراکی رحمه اللّه عن الاستاد الأعظم المیرزا الشیرازی قدّس سرّه من أن الجهالة لیست فی الموضعین مستعملة فی معنیین بل استعملت فی کلیهما فی العام الشامل للشک و الغفلة و هو عدم العلم و لکن هذا المعنی العام یکون الغالب تحققه فی ضمن الغفلة بالنسبة إلی الحکم و فی ضمن التردید بالنسبة إلی الموضوع فالاختلاف فی المحقق لا فی المعنی المستعمل فیه الکلمة و أما وجه الاختلاف بینهما فلأن الحکم لغایة وضوحه مثل وجوب صلاة الظهر بین المسلمین یکون عدم علمه بنحو التردید فیه فی غایة الندرة نعم عدم علمه بنحو الغفلة لیس نادرا.

ص:497


1- 1) الدرر:448.

و أما الموضوع فالإنسان المرید لتزویج امرأة لا محالة یکون بصدد التفتیش عن موانع التزویج فی حق المرأة الشخصیة و مع هذا لو لم یقع فی ذهنه الالتفات إلی حیث کونها فی عدة الغیر أولا فهو فی کمال البعد و الندرة نعم یمکن بقائه علی حالة التردید. (1)

و تبعه فی نهایة الأفکار حیث قال و یمکن دفع ذلک بأن المراد من الجهالة فی الموضعین إنّما هو مطلق الجهل الشامل للغافل و الشاک فی قبال العالم الخ. (2)

و لکن هذا الجواب یوجب تخصیص الروایة بالشبهات الموضوعیة و لا تعرض لها بالنسبة إلی الشبهات الحکمیة لأنّ المفروض ان الغالب تحقق المعنی العام فی ضمن الغفلة بالنسبة إلی الحکم و فی ضمن التردید بالنسبة إلی الموضوع اللّهمّ إلاّ أن یکتفی فی الشبهة الحکمیة بغیر الغالب و یحمل الروایة علی بیان حکم الفرد النادر و هو کما تری لأنه حمل المطلق علی الفرد النادر إلاّ أن یقال لا یحمل الإطلاق علی الفرد النادر بل یستفاد منه حکم النادر أیضا و هو غیر حمل المطلق علی النادر و علیه فتعم الروایة الشبهة الحکمیة أیضا و علیه فالتعلیل بأنه لا یقدر علی الاحتیاط غالبی فلا ینافی المورد النادر فلا تغفل.

و أما ما یقال من أنّ الروایة مختصة ببعض المحرمات و لا إطلاق لها بالنسبة إلی سائر المحرمات هذا مضافا إلی عدم شمولها للواجبات المجهولة.

ففیه أن مورد الروایة و إن کان مختصة ببعض المحرمات و لکن یمکن إلغاء الخصوصیة هذا مضافا إلی أن لسان الجواب لسان بیان ما یصلح للتعمیم مثل قوله علیه السّلام و قد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک و قوله علیه السّلام إحدی الجهالتین أهون من الأخری مع أن السؤال عن الحرمة التکلیفیة أو الشبهة الموضوعیة و مضافا إلی أنّ الإمام علیه السّلام یکون فی الذیل فی مقام بیان الفرق بین العمد و العلم و بین مطلق الجهالة من الغفلة و الشک و التردید من دون اختصاص ذلک بمورد من الموارد و الأضعف من ذلک هو دعوی اختصاص الروایة

ص:498


1- 1) أصول الفقه لشیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه 3:618-619.
2- 2) نهایة الأفکار 3:232.

بالأحکام الوضعیة فإن التعبیر بالأهونیّة فی جواب الإمام علیه السّلام و بالأعذریة فی کلام السائل لا یناسب تحصیصه بالأحکام الوضعیة لأنها لیست ذات مراتب بخلاف التکلیفیة کما أفاد سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه. (1)

اللّهمّ إلاّ أن یقال:أعذر لیس بأفعل التفضیل بل هو فعل مجهول بضم الهمزة و الضمیر فیه راجع إلی الرجل فلا منافاة مع الاختصاص بالوضعیة إلاّ أنّ الإطلاق مانع من الاختصاص بها فتدبر.

و بما ذکرنا یظهر إمکان دفع الشبهات الواردة علی هذه الروایة کما أشار إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه بعد ما أشکل فی الروایة من جهة اختصاص موضوع السؤال بالجاهل المرکب أو الغافل و من جهة اختصاص الروایة بالشبهة الموضوعیة و من جهة أنه لو کان الشک فی مقدار العدة فهو شبهة حکمیة و لکنه حیث قصّر فی السؤال عنها فهو لیس بمعذور اتفاقا لأصالة بقاء العدة و أحکامها و غیر ذلک.بقوله فی آخر عبارته فتدبر فیه و فی دفعه. (2)

فتحصل أنّ الروایة بعد تخصیصها بحکم العقل بغیر مورد الشبهة الحکمیة البدویة قبل الفحص و بغیر مورد الشبهة المحصورة و بغیر مورد الاستصحاب أو الأمارات تدل علی أنّ الجهل و عدم العلم بالحکم أو الموضوع عذر و معنی العذر انّه لا فعلیة للحکم بالنسبة إلیه و لا عقوبة و معه لا مجال لوجوب الاحتیاط مطلقا سواء کانت الشبهة تحریمیة أو وجوبیة فتدبر.

ص:499


1- 1) تهذیب الأصول 2:186.
2- 2) فرائد الاصول:200.

الخلاصة

حدیث إحدی الجهالتین أهون

و منها:أی من الأخبار التی استدل بها للبراءة صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال سألته عن الرجل یتزوج المرأة فی عدّتها بجهالة أ هی ممن لا تحلّ له أبدا فقال لا أمّا إذا کان بجهالة فلیتزوجها بعد ما تنقضی عدّتها و قد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک فقلت بأیّ الجهالتین أعذر بجهالته أن یعلم أنّ ذلک محرم علیه أم بجهالته أنّها فی عدّة؟

فقال إحدی الجهالتین أهون من الاخری الجهالة بأنّ اللّه حرّم ذلک علیه و ذلک أنّه لا یقدر علی الاحتیاط معها فقلت فهو فی الاخری معذور قال نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور فی أن یتزوجها فقلت و إن کان أحدهما متعمّدا و الآخر بجهالة فقال الذی تعمّد لا یحلّ له أن یرجع إلی صاحبه أبدا.

و تقریب الاستدلال بها إنّ الروایة تدلّ علی أنّ الجهل مطلقا عذر و مقتضی ذلک أنّه لا عقوبة علیه و هو المطلوب.

و یشکل ذلک بأنّ الجهل فی الروایة إمّا یکون،بمعنی الشکّ فإن کان الشکّ متعلقا بالحکم التکلیفی فالمعذوریة تتوقف علی الفحص إذ الجاهل بالحکم قبل الفحص لیس بمعذور إجماعا.

و لو حملنا الروایة علی ما بعد الفحص ففیه أنّه یبعد بقاء الجهل بعد الفحص لوضوح الحکم المذکور بین المسلمین و إن کان الشکّ متعلقا بالموضوع فیصحّ الحکم بالمعذوریة قبل الفحص إذا لم یعلم بکونها فی العدة سابقا و إلاّ فمع عدم العلم بانقضائها فمقتضی الاستصحاب بقاء العدّة و عدم المعذوریة.

و علیه فالحکم بمعذوریة الجاهل مطلقا لا یطابق القواعد المسلّمة هذا کله فیما إذا کان الجهل فی الروایة بمعنی الشکّ.

ص:500

و إمّا یکون الجهل فیها بمعنی الغفلة فیستقیم الحکم بالمعذوریة حینئذ و یشهد له قوله علیه السّلام و ذلک إنّه لا یقدر علی الاحتیاط معها و لکن إشکاله أنّه أجنبی عن المقام لأنّ البحث الأصولی حول الشک لا الغفلة.

و یمکن الجواب بحمل الجهالة علی الغفلة فی کلتی الصورتین و بحمل قول السائل «بجهالة أنّ اللّه حرم علیه ذلک»علی الجهالة فی الحکم التکلیفی و قوله«أم بجهالته أنّها فی العدة»علی جهالته بأنّ العدة موضوعة للأمر الوضعی أعنی الحرمة الأبدیة.

و حینئذ وجه قدرته علی الاحتیاط فی الثانی أنّه بعد الالتفات یتمکن من رفع الید عن الزوجة بخلاف الأوّل فإنّه أتی بالفعل المحرم شرعا و لا یتمکن من تدارکه بعد الالتفات فافهم.

و لکن الروایة حینئذ تکون أجنبیة عن صورة الشکّ و التردید بل مختصة بمورد الغفلة مع أنّ بحث الاصولی فی حکم الشکّ و التردید لا حکم الغفلة و الأولی هو الجواب عن الاشکال بأنّ الجهالة لیست فی الموضعین مستعملة فی معنیین بل استعملت فی کلیهما فی العام الشامل للشک و الغفلة و هو عدم العلم و لکن هذا المعنی العام یکون الغالب تحققه فی ضمن الغفلة بالنسبة إلی الحکم و فی ضمن التردید و الشک بالنسبة إلی الموضوع فالاختلاف فی المحقق لا فی المعنی المستعمل فیه الکلمة.

و أمّا وجه الاختلاف بینهما فلأنّ الحکم لغایة وضوحه مثل وجوب صلاة الظهر بین المسلمین یکون عدم علمه بنحو التردید فیه فی غایة الندرة نعم عدم علمه بنحو الغفلة لیس نادرا.

و أمّا الموضوع فالإنسان المرید لتزویج امرأة لا محالة یکون بصدد التفتیش عن موانع التزویج فی حق المرأة الشخصیّة و مع هذا لو لم یقع فی ذهنه الالتفات إلی حیث کونها فی عدة الغیر أولا فهو فی کمال البعد و الندرة فإذا کانت الغفلة بعیدة أمکن أن یبقی علی حالة التردید و الشکّ بالنسبة إلی الموضوع هذا هو المحکی عن الأستاد الأعظم المیرزا

ص:501

الشیرازی قدّس سرّه و تبعه جماعة منهم المحقق الحائری و شیخنا الأستاد و المحقق العراقی قدّس اللّه أرواحهم.

فتحصّل أنّ الروایة بعد تخصیصها بحکم العقل بغیر مورد الشبهة الحکمیة البدویة قبل الفحص و بغیر مورد الشبهة المحصورة و بغیر مورد الاستصحاب أو الأمارات تدلّ علی أنّ الجهل و عدم العلم بالحکم أو الموضوع عذر و معناه أنّه لا فعلیة للحکم بالنسبة إلیه و لا عقوبة و معه لا مجال لوجوب الاحتیاط مطلقا سواء کانت الشبهة تحریمیة أو وجوبیة.

ص:502

حدیث کل شیء مطلق

اشارة

و منها:أی من الأخبار التی استدل بها للبراءة هی الّتی رواها فی الفقیه مرسلة عن الصادق علیه السّلام قال و ذکر شیخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید رضی اللّه عنه عن سعد بن عبد اللّه إنّه کان یقول لا یجوز الدعاء فی القنوت بالفارسیة و کان محمّد بن الحسن الصفار یقول إنّه یجوز و الذی أقول به إنّه یجوز لقول أبی جعفر الثانی علیه السّلام لا بأس أن یتکلم الرجل فی صلاة الفریضة بکل شیء یناجی به ربه عزّ و جلّ.

و لو لم یرد هذا الخبر أیضا لکنت أجیزه بالخبر الذی روی عن الصادق علیه السّلام أنّه قال کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی و النهی عن الدعاء بالفارسیة فی الصلاة غیر موجود و الحمد للّه. (1)و رواها عوالی اللئالی (2)،و رواها فی المستدرک بسند غیر معتبر عن الصادق علیه السّلام الأشیاء مطلقة ما لم یرد علیک أمر و نهی. (3)

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:استدل به الصدوق علی جواز القنوت بالفارسیة و استند إلیه فی أمالیه حیث جعل إباحة الأشیاء حتی یثبت الحظر من دین الإمامیة و دلالته علی المطلوب أوضح من الکل و ظاهره عدم وجوب الاحتیاط لأن الظاهر إرادة ورود النهی فی الشیء من حیث هو لا من حیث کونه مجهول الحکم فإن تم ما سیأتی من أدلة الاحتیاط دلالة و سندا وجب ملاحظة التعارض بینها و بین هذه الروایة و أمثالها مما یدل علی عدم وجوب الاحتیاط ثم الرجوع إلی ما تقتضیه قاعدة التعارض. (4)

فیدل الحدیث علی الإطلاق و الإباحة و عدم وجوب الاحتیاط ما دام لم یرد النهی عن الشیء من حیث هو.

و قد أورد علیه فی الکفایة بأن دلالته تتوقف علی عدم صدق الورود إلاّ بعد العلم أو ما

ص:503


1- 1) من لا یحضره الفقیه باب 17 باب وصف الصلاة من فاتحتها إلی خاتمتها ح 43 و رواها عوالی اللآلی.
2- 2) ج 3:166 ح 60 و ص 462 ح 1.
3- 3) ج 17 ص 333 ح 21477 طبع آل البیت.
4- 4) فرائد الاصول:199.

بحکمه بالنهی عنه و إن صدر عن الشارع و وصل غیر واحد مع أنّه ممنوع لوضوح صدقه علی صدوره عنه سیما بعد بلوغه إلی غیر واحد و قد خفی علی من لم یعلم بصدوره. (1)

یمکن الجواب عنه بأن مع العلم بصدور النهی عن الشارع و وصوله لغیر واحد لا مجال للتمسک بالروایة لإثبات الإطلاق للعلم بحصول الغایة و أما إذا لم یعلم بصدور النهی عن الشارع و وصوله لغیر واحد بل یحتمل ذلک أمکن التمسک باستصحاب عدم ورود النهی و تنقیح موضوع الحدیث کما فی جمیع موارد الاصول المنقحة فیصحّ التمسک بالحدیث فی مورد یشک فیه من جهة ورود النهی عنه و عدمه.

و القول بأنّ الأخذ بالحدیث حینئذ یکون بعنوان أنه مما لم یرد عنه النهی واقعا لا بعنوان أنه مجهول الحرمة شرعا کما فی الکفایة.

غیر سدید إذ لا یتفاوت فی المقصود و هو الحکم بالإباحة فی مجهول الحرمة کان بهذا العنوان أو بذاک العنوان.

و ما ذکره فی الکفایة من أن الحدیث بذلک العنوان لاختص بما لم یعلم ورود النهی عنه أصلا و لا یکاد یعم ما إذا نهی عنه فی زمان و أباحه فی آخر و اشتبها من حیث التقدم و التأخر مع أن البراءة تشمله أیضا.

مندفع بأن هذا لو لا عدم الفصل بین أفراد ما اشتبهت مع أنّ هذا نادر جدا لا یقال:إنّ الأخذ بعدم الفصل یجدی فیما إذا کان المثبت للحکم بالإباحة فی بعضها الدلیل الاجتهادی لا الأصل. (2)

لأنا نقول:بعد کون الأصل منقّحا یکون المثبت للحکم بالإباحة فی المقام هو الدلیل

ص:504


1- 1) الکفایة 2:177.
2- 2) ربما یقال فی وجه ذلک أن المراد بالإطلاق فی الحدیث هو الإباحة الواقعیة المغیاة بصدور النهی و الاستصحاب حکم ظاهری ببقاء تلک الإباحة فلیس فی البین براءة لا بدلیل اجتهادی و لا فقاهتی فلا موضوع للإجماع و عدم القول بالفصل و الجواب عنه هو ما أشرنا إلیه بأن الحکم بالإباحة ثابت بالدلیل الاجتهادی لا الأصل.

الاجتهادی لا الأصل و لعل قول صاحب الکفایة فی آخر عبارته فافهم اشارة إلی ذلک.

لا یقال:إنّ أصالة عدم ورود النهی حتی تثبت الحلیة الواقعیة أو الظاهریة من الاصول المثبتة لأن تحقق ذی الغایة مع عدم حصول غایته من الأحکام العقلیة و الشک فی تحقق ذیها و إن کان مسببا عن تحقق نفس الغایة و عدمها إلاّ أنه لیس مطلق السببیة مناطا لحکومة السببی علی المسببی ما لم یکن الترتب شرعیا. (1)

و علیه فاستصحاب عدم الورود لإثبات کون الشیء مطلقا و حلا لا مثبت.

لأنا نقول:إنّ ثبوت الحلیة الواقعیة أو الظاهریة لا یترتب علی أصالة عدم ورود النهی حتی یکون أصالة عدم ورود النهی مثبتة بل ثبوتهما لصدق موضوعهما نعم تحقق الموضوع متوقف علی أصالة عدم ورود النهی فلو کان الاصول المنقحة للموضوعات مثبتة لزم أن لم تجر تلک الاصول فی مورد من الموارد مع أنّها جرت و یثبت بها موضوعات الأحکام و من المعلوم أن الأحکام حینئذ مترتبة علی الموضوعات بالأدلة الاجتهادیة فلا تغفل.

و أوضح ذلک فی تسدید الاصول حیث قال إنّ مسئولیة الاستصحاب و مفاده فی جمیع موارد جریانه لیست أزید من الحکم ببقاء المستصحب و هذه المسئولیة یؤدّیها و یفی بها هنا أیضا کسائر الموارد.

ثم إنّ الأدلّة الاجتهادیة هی التی تنطبق ببرکة الاستصحاب علی الموضوعات المستصحبة و تحکم مفادها علیها و حینئذ فلا فرق بین أن یکون مفاد الدلیل الاجتهادی حکما مجعولا من الأحکام الشرعیة أو قاعدة کلیة رافعة لتحیر الناس و مبیّنة لوظیفتهم نظیرها کما لا یخفی فلا نعتمد فی إثبات الإطلاق علی مجرد حدیث السببیة و المسببیة لکی یرمی بالبطلان و المثبتیّة. (2)

ثم أورد فی الدرر علی الحدیث بأنه لو حمل الورود علی الصدور فی نفس الأمر کما أنّه لم

ص:505


1- 1) تهذیب الاصول 2:183-184.
2- 2) تسدید الاصول 2:146.

یکن ببعید فلا تدل إلاّ علی إباحة الأشیاء قبل تعلّق النهی بها واقعا فما شک فی تعلّق النهی به و عدمه من الشبهات لا یجوز لنا التمسک بالعام فیها إلاّ أن یتمسک باستصحاب عدم النهی لإحراز الموضوع و علی هذا لا یحتاج إلی الروایة فی الحکم بالإطلاق لأنه لو صح الاستصحاب لثبت به ذلک فافهم. (1)

و أوضحه شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه حیث قال هذا الاستصحاب نافع للتمسک بالحدیث علی قول من لا یری استصحاب العدم الأزلی جاریا مثل شیخنا المرتضی فإنه قائل بأنّ مورد الاستصحاب لا بد أن یکون شیئا قابلا للجعل بالاستصحاب فلو کان مما لا یقبل الجعل فلا یجری فیه الاستصحاب إلاّ بواسطة ما یقبله فالعدم الأزلی لا یصیر مجری للاستصحاب إلاّ أن یکون موضوعا لأثر شرعی لأن العدم لیس قابلا للجعل و إنّما هو مسبب عن عدم الجعل فعلی هذا یستصحب عدم ورود النهی الثابت فی الأزل فیترتب علیه أثره الشرعی الذی رتب علیه بمقتضی هذا الحدیث و هو الإباحة و الإطلاق.

و أما علی ما نختاره کما یأتی فی محله إن شاء اللّه تعالی من جریان الاستصحابات العدمیة فلا یکون هذا الاستصحاب نافعا بحال الحدیث لکونه مغنیا عن التمسک به و بالجملة فعلی المختار لا یکون التمسک بالحدیث بناء علی المعنی المذکور صحیحا لأنه مع قطع النظر عن الاستصحاب یکون من باب التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة و مع ملاحظة جریانه فلا حاجة إلی التمسک بالحدیث. (2)

و لا یخفی علیک أنّ نسبة عدم جریان الاستصحاب فی الأعدام الأزلیة إلی الشیخ الأعظم ممنوعة بعد ما حکی عن الشیخ فی الرسائل و المکاسب من جریان الاستصحاب فی الأعدام الأزلیة.

نعم استشکل الشیخ قدّس سرّه علی الاستدلال علی البراءة بالاستصحاب بأنّ استصحاب

ص:506


1- 1) الدرر:451.
2- 2) أصول الفقه 2:78-79.

البراءة لو کان موجبا للقطع بعدم العقاب صح التمسک به و إلاّ فلا إذ مع بقاء احتمال العقاب بعد جریان الاستصحاب لا مناص من الرجوع إلی قاعدة قبح العقاب بلا بیان لسد باب هذا الاحتمال و معه کان التمسک بالاستصحاب لغوا محضا لأنّ التمسک بقاعدة قبح العقاب بلا بیان کاف فی سدّ باب احتمال العقاب من أول الأمر بلا حاجة إلی التمسک بالاستصحاب.

و علیه فإن بنینا علی کون الاستصحاب من الأمارات أو قلنا بحجیة مثبتات الاصول حصل منه القطع بعدم العقاب و صح التمسک به إذ عدم المنع من الفعل الثابت بالاستصحاب مستلزم للرخصة فی الفعل فإذا فرض ثبوت الرخصة من قبل الشارع بالتعبد الاستصحابی باعتبار کونها من لوازم عدم المنع المستصحب لم یحتمل العقاب فان العقاب علی الفعل مع الترخیص فیه غیر محتمل قطعا و أمّا لو لم نقل بکون الاستصحاب من الأمارات و لا بحجیة مثبتات الاصول کما هو الصحیح فلا یصح التمسک بالاستصحاب فی المقام إذ لا یثبت به الترخیص الموجب للقطع بعدم العقاب و یبقی احتمال العقاب فنحتاج إلی قاعدة قبح العقاب بلا بیان و معه کان التمسک بالاستصحاب لغوا.

و لکن هذا الإشکال غیر وارد کما أفاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه حیث إنّ استصحاب عدم المنع کاف فی القطع بعدم العقاب إذ العقاب من لوازم المنع عن الفعل و تحریمه فمع عدم إحراز عدم المنع عن الفعل بالاستصحاب نقطع بعدم العقاب بلا حاجة إلی إحراز الرخصة التی هی من لوازم عدم المنع لیکون مثبتا. (1)

فتحصل انّ مع إرادة الصدور من الورود و إن أمکن الاستدلال بالحدیث المذکور فی جریان استصحاب عدم صدور النهی و لکن لا حاجة إلی الحدیث حینئذ لجریان الاستصحاب و سیأتی جریان الاستصحاب إن شاء اللّه تعالی.

هذا کله بناء علی أنّ المراد من الورود فی قوله علیه السّلام«کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی» هو الصدور الواقعی و إن لم یصل إلی المکلفین و أمّا إذا کان الورود بمعنی الوصول إلی

ص:507


1- 1) مصباح الاصول 2:293-294.

المکلفین فلا حاجة فی ثبوته إلی الاستصحاب قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه ان قوله علیه السّلام«یرد» جملة استقبالیة و النهی المتوقع وروده فی زمان الإمام الصادق علیه السّلام لیست النواهی الأولیة الواردة علی الموضوعات لأن ذلک بید الشارع و قد فعل ذلک و ختم طوماره بموت النبی صلّی اللّه علیه و آله و انقطاع الوحی غیر أنّ کل ما یرد من العترة الطاهرة کلها حاکیات عن التشریع و الورود الأوّلی و علی ذلک ینحصر المراد من قوله«یرد»علی الورود علی المکلف أی الوصول إلیه حتی یرتفع بذلک الحکم المجعول للشاک و هذا عین الحکم الظاهری. (1)

حاصله أنه یستظهر من جملة«یرد»إنّ المراد من الورود هو وصول ما صدر عن النبی صلّی اللّه علیه و آله و ذلک لقیام القرینة علی أنّه بعد انقطاع الوحی بموت النبی صلّی اللّه علیه و آله لا یصدر شیء من الأحکام حتی یکون المراد من قوله«یرد»هو ذلک و من المعلوم أنّ الوصول إمّا معلوم الوجود و إمّا معلوم العدم و لا یحتاج إلی الاستصحاب.

و استدل فی مصباح الاصول علی أنّ الورود فی الحدیث بمعنی الوصول من ناحیة کلمة المطلق حیث قال إنّ الورود و إن صح استعماله فی الصدور إلاّ أنّ المراد به فی الروایة هو الوصول إذ علی تقدیر أن یکون المراد منه الصدور لا مناص من أن یکون المراد من الإطلاق فی قوله علیه السّلام کل شیء مطلق هو الإباحة الواقعیة فیکون المعنی إنّ کل شیء مباح واقعا ما لم یصدر النهی من المولی و لا یصح أن یکون المراد من الإطلاق هی الإباحة الظاهریة إذ لا یصح جعل صدور النهی من الشارع غایة للإباحة الظاهریة فإنّ موضوع الحکم الظاهری هو الشک و عدم وصول الحکم الواقعی إلی المکلف فلا تکون الإباحة الظاهریة مرتفعة بمجرد صدور النهی من الشارع و لو مع عدم الوصول إلی المکلف.

بل هی مرتفعة بوصوله إلی المکلف فلا مناص من أن یکون المراد هی الإباحة الواقعیة و حینئذ فإمّا أن یراد من الإطلاق الإباحة(الواقعیة)فی جمیع الأزمنة أو الإباحة فی خصوص عصر النبی صلّی اللّه علیه و آله و لا سبیل إلی الأول إذ مفاد الروایة علی هذا إنّ کل شیء مباح واقعا حتی

ص:508


1- 1) تهذیب الاصول 2:185.

یصدر النهی عنه من الشارع و هذا المعنی من الوضوح بمکان کان بیانه لغوا لا یصدر من الإمام علیه السّلام فإنه من جعل أحد الضدین غایة للآخر و یکون من قبیل أن یقال کل جسم ساکن حتی یتحرک.

و کذا المعنی الثانی فإنه و إن کان صحیحا فی نفسه إذ مفاد الروایة حینئذ انّ الناس غیر مکلفین بالسؤال عن حرمة شیء و وجوبه فی زمانه صلّی اللّه علیه و آله بل هو صلّی اللّه علیه و آله یبین الحرام و الواجب لهم و الناس فی سعة ما لم یصدر النهی منه إلی أن قال بخلاف غیره من الأزمنة فإنّ الأحکام صدرت منه صلّی اللّه علیه و آله فیجب علی المکلفین السؤال و التعلم إلاّ أنّ هذا المعنی خلاف ظاهر الروایة فإنّ ظاهر کل شیء مطلق هو الإطلاق الفعلی و الإباحة الفعلیة بلا تقیید بزمان دون زمان لا الأخبار عن الإطلاق فی زمان النبی صلّی اللّه علیه و آله و إن کل شیء کان مطلقا فی زمانه ما لم یرد النهی عنه فتعین أن یکون المراد من الإطلاق هی الإباحة الظاهریة لا الواقعیة.

و علیه فلا مناص من أن یکون المراد من الورود هو الوصول لأنّ صدور الحکم بالحرمة واقعا لا یکون رافعا للإباحة الظاهریة ما لم یصل إلی المکلف فنفس کلمة(مطلق)فی قوله علیه السّلام«کل شیء مطلق»قرینة علی أن المراد من الورود هو الوصول. (1)

و لا یخفی علیک أنّ ما ذکره سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه فی وجه ظهور الورود فی الوصول أولی مما أفاده السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه.فإنّ دعوی اللغویة فی صورة إرادة الإباحة الواقعیة فی جمیع الأزمنة من لفظة الإطلاق و إرادة الصدور من لفظة الورود لیست بصحیحة لإمکان منع اللغویة بإفادة هذه القاعدة رفع الحیرة و الحرج عن المکلفین فیجوز ارتکاب الأشیاء فیما إذا لم یصدر النهی عن الشارع و مع إفادة هذه القاعدة جواز الارتکاب و نفی الحظر عن الأشیاء کیف تکون هذه لغوا.

لا یقال:کیف یحرز عدم صدور النهی عن الشارع لأنا نقول:نحرز ذلک باستصحاب عدم صدور النهی عنه فالاولی هو الاکتفاء بما ذکره سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه فی وجه الظهور.

ص:509


1- 1) مصباح الاصول 2:280-281.

فتحصل أن الورود فی الروایة ظاهر فی الوصول و المراد من الوصول هو الوصول العادی إلی المکلف بحیث لو تفحص لظفر به فإذا شک فی حرمة شیء و عدمه و تفحص و لم یظفر بدلیل یدل علی حرمة الشیء المذکور کان فمقتضی هذا الحدیث هو الحکم بالإباحة الظاهریة و عدم وجوب الاحتیاط فیعارض مع دلیل الاحتیاط لأن الظاهر من قوله علیه السّلام حتی یرد فیه نهی هو وصول النهی الواقعی عن الشیء بما هو شیء لا النهی الظاهری عن الشیء بما هو مشکوک الحرمة فإن النهی یتعلق بموضوع القضیة و هو الشیء و علیه فیدل الحدیث علی الإباحة الظاهریة ما لم یصل النهی عن الشیء إلی المکلف نعم لو کان المراد بالنهی فی الغایة الأعمّ من الواقعی و الظاهری کانت هذه الروایة محکومة بدلیل الاحتیاط و لکنه خلاف الظاهر.

ثم إنّ هذه الروایة مختصة بالشبهة التحریمیة و لا تشمل الشبهة الوجوبیة و لا بأس بالاستدلال بها فإنّ عمدة الخلاف بین الأصولیین و الأخباریین إنّما هی الشبهة التحریمیة و أمّا الشبهة الوجوبیة فأکثر الأخباریین موافقون مع الاصولیین فی عدم وجوب الاحتیاط فیها.

ثم إنّه لا وقع للإشکال فی سند هذا الحدیث بأنه مرسل مع ما عرفت من أن الصدوق اعتمد علیه بالخصوص بحیث قال لو لم یرد فی جواز الدعاء بالفارسیة إطلاق لکنت أجیزه بالخبر الذی روی عن الصادق علیه السّلام أنه قال کل شیء مطلق حتی یرد فیه النهی هذا مضافا إلی ما قاله فی مقدمة کتاب من لا یحضره الفقیه و لم أقصد فیه قصد المصنفین فی ایراد جمیع ما رووه بل قصدت إلی إیراد ما أفتی فیه و أحکم بصحته و اعتقد أنّه حجة فی ما بینی و بین ربی تقدس ذکره و تعالت قدرته و لکن لقائل أن یقول إن اعتماد الصدوق علی روایاته لا یستلزم اعتمادنا علیه خصوصا فی مرسلاته و لا یکون نقله شهادة بتوثیق رواته أیضا إذ لعله اعتمد علیها من ناحیة القرائن نعم تصلح المرسلة المذکورة للتأیید فتدبّر جیدا.

و منها:أی الأخبار التی استدل بها للبراءة ما رواه الصدوق قدّس سرّه فی الفقیه مرسلا عن

ص:510

الصادق علیه السّلام أنّه قال کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی و اعتمد علیه و روی نحوه فی المستدرک بسند غیر معتبر عن الصادق علیه السّلام الأشیاء مطلقة ما لم یرد علیک أمر و نهی و کیف کان فاعتماد الصدوق علیها لا یستلزم اعتمادنا علیها فهی لا تصلح للاستدلال و لو اغمضنا من ضعف سندها.

فلا یخفی أنّ دلالة هذه الروایة علی المطلوب أوضح من الکلّ لأنّ الظاهر إرادة ورود النهی فی الشیء من حیث هو لا من حیث کونه مجهول الحکم فان تم ما سیأتی من أدلّة الاحتیاط دلالة و سندا و حب ملاحظة التعارض بینها و بین هذه الروایة و أمثالها لظهورها فی عدم وجوب الاحتیاط ثمّ الرجوع إلی مقتضی قاعدة التعارض و قد أورد علیها بأنّ دلالتها تتوقف علی عدم صدق الورود إلاّ بعد العلم أو ما بحکمه بالنهی عنه و إن صدر عن الشارع و وصل غیر واحد مع أنّه ممنوع لوضوح صدقه علی صدوره عنه سیّما بعد بلوغه إلی غیر واحد و قد خفی علی من لم یعلم بصدوره.

و یمکن الجواب عنه بأنّ مع العلم بصدور النهی عن الشارع و وصوله لغیر واحد لا مجال للتمسک بالروایة لإثبات الإطلاق لفرض العلم بحصول الغایة و لکن مع الشکّ فی صدور النهی و وصوله لغیر واحد أمکن التمسک باستصحاب عدم ورود النهی و به ینقّح موضوع الحدیث و یصحّ التمسک به فی مورد یشکّ فیه من جهة ورود النهی عنه و عدمه.

نعم یرد حینئذ أنّ استصحاب عدم صدور النهی لإحراز الموضوع مثل هذه الروایة و الاستدلال بها تبعید المسافة لصحة الاستدلال بنفس الاستصحاب من دون حاجة إلی الروایة فی الحکم بالإطلاق و بعبارة اخری لا یجوز التمسک بالحدیث مع قطع النظر عن الاستصحاب لأنّه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة و مع ملاحظة جریان الاستصحاب فلا حاجة إلی التمسک بالحدیث لأنّ الاستصحاب مغن عن التمسک بالحدیث فلا تغفل.

هذا کله بناء علی أنّ المراد من الورود هو الصدور الواقعی و أمّا إذا أرید منه هو الوصول إلی المکلفین فلا حاجة فی ثبوته إلی الاستصحاب و یشهد له قوله علیه السّلام«یرد»فإنّه جملة

ص:511

استقبالیة و النهی المتوقع وروده فی زمان الإمام الصادق علیه السّلام لیس نهیا من النواهی الأوّلیة الواردة علی الموضوعات لأنّ ذلک بید الشارع و قد فعل ذلک و ختم طوماره بموت النبی صلّی اللّه علیه و آله و انقطاع الوحی و علی ذلک ینحصر المراد من قوله علیه السّلام«یرد»علی الورود علی المکلف و هو لیس إلاّ الوصول الذی به یرتفع الحکم المجعول للشاک و هذا هو عین الحکم الظاهری.

ثمّ إنّ هذه الروایة مختصة بالشبهة التحریمیة و لا تشمل الوجوبیة و لا ضیر فیه لأنّ عمدة الخلاف بین الاصولیّین و الأخباریین فی الشبهة التحریمیة و أمّا الوجوبیة فأکثر الأخباریین موافقون مع الأصولیّین فی البراءة و عدم وجوب الاحتیاط.

ص:512

الخلاصة

حدیث کلّ شیء مطلق

و منها أی الأخبار التی استدل بها للبراءة ما رواه الصدوق قدّس سرّه فی الفقیه مرسلا عن الصادق علیه السّلام أنّه قال کل شیء مطلق حتی یرد فیه نهی و اعتمد علیه و روی نحوه فی المستدرک بسند غیر معتبر عن الصادق علیه السّلام الأشیاء مطلقة ما لم یرد علیک أمر و نهی و کیف کان فاعتماد الصدوق علیها لا یستلزم اعتمادنا علیها فهی لا تصلح للاستدلال و لو اغمضنا من ضعف سندها.

فلا یخفی أنّ دلالة هذه الروایة علی المطلوب أوضح من الکلّ لأنّ الظاهر إرادة ورود النهی فی الشیء من حیث هو لا من حیث کونه مجهول الحکم فان تم ما سیأتی من أدلّة الاحتیاط دلالة و سندا و حب ملاحظة التعارض بینها و بین هذه الروایة و أمثالها لظهورها فی عدم وجوب الاحتیاط ثمّ الرجوع إلی مقتضی قاعدة التعارض و قد أورد علیها بأنّ دلالتها تتوقف علی عدم صدق الورود إلاّ بعد العلم أو ما بحکمه بالنهی عنه و إن صدر عن الشارع و وصل غیر واحد مع أنّه ممنوع لوضوح صدقه علی صدوره عنه سیّما بعد بلوغه إلی غیر واحد و قد خفی علی من لم یعلم بصدوره.

و یمکن الجواب عنه بأنّ مع العلم بصدور النهی عن الشارع و وصوله لغیر واحد لا مجال للتمسک بالروایة لإثبات الإطلاق لفرض العلم بحصول الغایة و لکن مع الشکّ فی صدور النهی و وصوله لغیر واحد أمکن التمسک باستصحاب عدم ورود النهی و به ینقّح موضوع الحدیث و یصحّ التمسک به فی مورد یشکّ فیه من جهة ورود النهی عنه و عدمه.

نعم یرد حینئذ أنّ استصحاب عدم صدور النهی لإحراز الموضوع مثل هذه الروایة و الاستدلال بها تبعید المسافة لصحة الاستدلال بنفس الاستصحاب من دون حاجة إلی الروایة فی الحکم بالإطلاق و بعبارة اخری لا یجوز التمسک بالحدیث مع قطع النظر عن الاستصحاب لأنّه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة و مع ملاحظة جریان الاستصحاب

ص:513

فلا حاجة إلی التمسک بالحدیث لأنّ الاستصحاب مغن عن التمسک بالحدیث فلا تغفل.

هذا کله بناء علی أنّ المراد من الورود هو الصدور الواقعی و أمّا إذا أرید منه هو الوصول إلی المکلفین فلا حاجة فی ثبوته إلی الاستصحاب و یشهد له قوله علیه السّلام«یرد»فإنّه جملة استقبالیة و النهی المتوقع وروده فی زمان الإمام الصادق علیه السّلام لیس نهیا من النواهی الأوّلیة الواردة علی الموضوعات لأنّ ذلک بید الشارع و قد فعل ذلک و ختم طوماره بموت النبی صلّی اللّه علیه و آله و انقطاع الوحی و علی ذلک ینحصر المراد من قوله علیه السّلام«یرد»علی الورود علی المکلف و هو لیس إلاّ الوصول الذی به یرتفع الحکم المجعول للشاک و هذا هو عین الحکم الظاهری.

ثمّ إنّ هذه الروایة مختصة بالشبهة التحریمیة و لا تشمل الوجوبیة و لا ضیر فیه لأنّ عمدة الخلاف بین الاصولیّین و الأخباریین فی الشبهة التحریمیة و أمّا الوجوبیة فأکثر الأخباریین موافقون مع الأصولیّین فی البراءة و عدم وجوب الاحتیاط.

ص:514

حدیث أی رجل رکب أمرا بجهالة

اشارة

و منها:أی من الأخبار التی استدل بها للبراءة قوله علیه السّلام فی صحیحة عبد الصمد بن بشیر أی رجل رکب أمرا بجهالة فلا شیء علیه. (1)

بتقریب أنّ الجهالة بعمومها تشمل الجاهل البسیط و هو الشاک المتردد و تدلّ علی البراءة.

و قد أورد علیه الشیخ قدّس سرّه:بأنّ الباء فی قوله بجهالة ظاهر فی السببیة للارتکاب و علیه یختص بالغافل و الجاهل المرکب و لا یشمل الجاهل البسیط و صورة التردد فی کون فعله صوابا أو خطأ و یؤیده أنّ تعمیم الجهالة لصورة التردد یحوج الکلام إلی التخصیص بالشاک الغیر المقصر و سیاقه یأبی عن التخصیص فتأمل. (2)

و لعل وجه تأمله هو ما ذکره فی نهایة الأفکار من أنّ الالتزام بالتخصیص مما لا بد منه علی أی حال للزوم إخراج الجاهل المقصر. (3)إذ الجاهل المرکب ربما یکون مقصرا و المقصر لا یکون ممن لا شیء علیه.

هذا مضافا إلی ما أفاده فی تهذیب الاصول من أنّ ذلک دعوی مجردة فإنّ لسانه لیس علی وجه یستهجن فی نظر العرف ورود التخصیص به کما لا یخفی. (4)

و أما ما ذکره الشیخ من أنّ الباء فی قوله بجهالة ظاهر فی السببیة للارتکاب ففیه أوّلا کما فی تهذیب الاصول من أنّ الجهل لیس علّة للإتیان بالشیء فإنّ وجود الشیء فی الخارج معلول لمبادیه نعم ربما یکون العلم بالحکم مانعا و رادعا عن حصول تلک المبادی فی النفس و علیه فالمناسب هو جعل الباء بمعنی عن. (5)

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ عدم العلم و هو الجهالة هو عدم المانع و هو من أجزاء العلة و له المدخلیة فبهذا الاعتبار یناسب جعل الباء بمعنی السببیة و ثانیا کما فی نهایة الأفکار من أنه

ص:515


1- 1) الوسائل الباب 45 من أبواب تروک الإحرام ح 3.
2- 2) راجع فرائد الاصول:199.
3- 3) نهایة الأفکار 3:229.
4- 4) تهذیب الاصول 2:176.
5- 5) تهذیب الاصول 2:177.

کذلک فی الجهل البسیط أیضا لکونه هو السبب فی الارتکاب بمقتضی حکم عقله بقبح العقاب بلا بیان. (1)

یمکن أن یقال:إنّ حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان لیس من مبادی وجود الشیء اللّهمّ إلاّ أن یکتفی فی السببیة بما له المدخلیة و لو من جهة عدم المانعیة فتحصل أنّ التمسک بهذا الحدیث للبراءة تام و لکنه متوقف علی أنّ المراد من الجهالة هو الجهل بحکم الشیء واقعا و عدم علم به کما لعله الظاهر لعدم تقید الأمر المذکور فی الروایة بالشک و علیه فمقتضی هذا الحدیث الصحیح انّ الإتیان بشیء عن عدم علم و جهالة بحکمه الواقعی لا یوجب شیئا و علیه فهذا الحدیث ینافی أدلة وجوب الاحتیاط نعم لو کان المراد من الجهالة هو الجهل بمطلق الوظیفة الفعلیة یشکل التمسک به کما فی نهایة الأفکار للبراءة لورود أدلة الاحتیاط حینئذ علیه. (2)و لکن عرفت أن ظاهر إطلاق الأمر فی قوله علیه السّلام أی رجل رکب أمرا یقتضی أن یکون الجهل متعلقا بحکمه الواقعی و علیه فلا یرتفع موضوع هذا الدلیل بأدلة وجوب الاحتیاط و یکون مفاد هذا الحدیث کحدیث الرفع فی دلالته علی البراءة بالنسبة إلی الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر هذه عمدة ما استدل به من الأخبار علی البراءة و الإنصاف هو ظهور بعضها فی الدلالة علی البراءة و عدم وجوب الاحتیاط فیما لا نص فیه سواء کانت الشبهة حکمیة أو موضوعیة و علیه فلو تمت أخبار الاحتیاط الدّالة علی التوقف عند الشبهة و عدم العلم معللا بأنّ الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة کانت تلک الأدلة محکومة لأدلة البراءة إذ لا هلکة مع أخبار البراءة و لو نسلم الحکومة فالأخبار الدالة علی الاحتیاط إمّا مخصّصة بأدلة البراءة فیما إذا کانت أدلة البراءة أخص لاختصاصها بالشبهة التحریمیّة و أدلة الاحتیاط أعم من الشبهة الوجوبیة و إمّا محمولة علی الاستحباب و الرجحان عند تساویهما فی العموم و سیأتی إن شاء اللّه تعالی بقیة الکلام.

ص:516


1- 1) نهایة الأفکار 3:229.
2- 2) نهایة الأفکار 3:229.

الخلاصة

حدیث أیّ رجل رکب أمرا بجهالة

و منها:أی من الأخبار التی استدل بها للبراءة صحیحة عبد الصمد بن بشیر حیث قال علیه السّلام فیها«أیّ رجل رکب أمرا بجهالة فلا شیء علیه»

و لا یخفی علیک أنّ التمسک بها متوقف علی أنّ المراد من الجهالة هو الجهل بحکم الشیء واقعا و عدم العلم به کما هو الظاهر لعدم تقید الأمر المذکور فی الروایة بالشک و علیه فمقتضی هذا الحدیث الصحیح أنّ الإتیان بشیء عن عدم علم و جهالة بحکمه الواقعی لا یوجب شیئا.

فهذا الحدیث ینافی أدلّة وجوب الاحتیاط نعم لو کان المراد من الجهالة هو الجهل بمطلق الوظیفة الفعلیة یشکل التمسک به للبراءة لورود ادلة الاحتیاط علیه لکن عرفت أنّ ظاهر إطلاق الأمر فی قوله علیه السّلام أیّ رجل رکب أمرا یقتضی أن یکون الجهل متعلقا بحکمه الواقعی فیکون مفاده کحدیث الرفع فی دلالته علی البراءة بالنسبة إلی الحکم الواقعی فی مرحلة الظاهر.

و دعوی أنّ الباء فی قوله بجهالة ظاهر فی السببیة الارتکاب و علیه یختصّ بالغافل و الجاهل المرکب و لا یشمل الجاهل البسیط و صورة التردد و یؤیده أنّ تعمیم الجهالة لصورة التردد یوجب التخصیص بالشاک الغیر المقصّر و سیاقه آب عن التخصیص.

مندفعة بأنّ الجهل لیس علة للإتیان بالشیء فإنّ وجود الشیء فی الخارج معلول لمبادیه نعم ربما یکون العلم بالحکم مانعا و رادعا عن حصول تلک المبادی فی النفس و علیه فالمناسب هو جعل الباء فی قوله بجهالة بمعنی عن.

هذا مضافا إلی أنّ التخصیص ممّا لا بدّ منه للزوم إخراج الجاهل المقصر إذا حمل الجهالة علی الجاهل المرکب إذ المقصر و لو کان جاهلا مرکبا لا یکون ممن لا شیء علیه هذه عمدة ما استدل به من الأخبار علی البراءة.

ص:517

و الإنصاف هو ظهور بعضها فی الدلالة علی البراءة و عدم وجوب الاحتیاط عند الشکّ فی الحکم الواقعی من دون فرق بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة و علیه فلو تمّت أخبار الاحتیاط الدالة علی التوقف عند الشبهة معللا بأنّ الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة کانت محکومة لأدلة البراءة إذ لا هلکة مع أخبار البراءة و لو لم نسلم الحکومة فالأخبار الاحتیاط إما مخصّصة بأدّلة البراءة لاختصاصها بالشبهة التحریمیّة أو محمولة علی الاستحباب و الرجحان لو قلنا بتساویهما من جهة الإطلاق أو العموم.

ص:518

الاستدلال بالإجماع

اشارة

ربما یستدل بالإجماع علی البراءة فیما لم یرد دلیل علی تحریم شیء من حیث هو و لیس المراد منه دعوی قیام الإجماع و الاتفاق علی قبح العقاب علی مخالفة التکلیف الغیر الواصل إلی المکلف حتی یقال إنّ الإجماع المذکور إجماع علی أمر عقلی و لا یکشف عن الحکم الشرعی هذا مضافا إلی أنّ الإجماع علی الکبری لا ینفع إلاّ بعد ثبوت الصغری و هو عدم وصول دلیل الاحتیاط و المفروض أن الأخباریین یقولون بتمامیة أدلة الاحتیاط.

بل المراد من الإجماع المستدل به فی المقام هو دعوی قیام الإجماع علی جواز الارتکاب و عدم وجوب الاحتیاط شرعا کما هو ظاهر فتاوی العلماء فی الموارد المختلفة من الفقه.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:لا تکاد تجد من زمان المحدثین إلی زمان أرباب التصنیف فی الفتوی من یعتمد علی حرمة شیء من الأفعال بمجرد الاحتیاط.

نعم ربما یذکرونه فی طی الاستدلال(علی وجه التأیید)فی جمیع الموارد حتی فی الشبهة الوجوبیة التی اعترف القائلون بالاحتیاط بعدم وجوبه فیها و لا بأس بالإشارة إلی من وجدنا فی کلماتهم ما هو ظاهر فی هذا القول أی القول بالبراءة إلی أن قال و منهم الصدوق قدّس سرّه فإنه قال اعتقادنا إنّ الأشیاء علی الإباحة حتی یرد النهی و یظهر من هذا موافقة والده و مشایخه لأنه لا یعبر بمثل هذه العبارة مع مخالفته لهم بل ربما یقول الذی اعتقده و أفتی به و استظهر من عبارته هذه إنّه من دین الإمامیة إلی أن قال و أمّا الشیخ الطوسی قدّس سرّه فإنّه و إن ذهب وفاقا لشیخه المفید إلی أن الأصل فی الأشیاء من طریق العقل الوقف إلاّ أنه صرّح فی العدة بأن حکم الأشیاء من طریق العقل و إن کان هو الوقف لکنه لا یمتنع أن یدل دلیل سمعی علی أنّ الأشیاء علی الإباحة بعد إن کانت علی الوقف بل عندنا الأمر کذلک و إلیه نذهب ثم قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه و بالجملة فلا نعرف قائلا معروفا بالاحتیاط و إن کان ظاهر المعارج نسبته إلی جماعة (1)و علیه فدعوی قیام الإجماع علی البراءة الشرعیة لیست بمجازفة.

ص:519


1- 1) فرائد الاصول:202.

أورد علیه فی الکفایة بأن تحصیل الإجماع فی مثل هذه المسألة مما للعقل إلیه سبیل و من واضح النقل علیه دلیل بعید جدا. (1)

یمکن أن یقال بأن الإجماع المذکور علی فرض تحصیله یکون متصلا إلی عصر الائمة علیهما السّلام فحینئذ لو کان ذلک خلافا للدین لأرشدهم الأئمة الطاهرون علیهما السّلام فمع عدم إرشادهم علیهما السّلام إلی الاحتیاط کفی ذلک فی عدم وجوب الاحتیاط شرعا لأنه ینتهی إلی تقریر الائمة علیهما السّلام هذا من ناحیة الکبری و أمّا من جهة الصغری فلا یخلو دعوی الإجماع عن الإشکال.

أورد علیه فی نهایة الأفکار بأنّ دعوی الإجماع غیر تامة مع مخالفة الأخباریین و ذهابهم إلی وجوب الاحتیاط فی الشبهة التحریمیة الحکمیة. (2)

و قال أیضا فی مصباح الاصول و هذا الاتفاق لو ثبت لأفاد و لکنه غیر ثابت کیف و قد ذهب الأخباریون و هم الأجلاء من العلماء إلی أنّ الحکم الظاهری هو وجوب الاحتیاط. (3)

و یمکن أن یقال إنّ المراد من دعوی الاتفاق و الإجماع هو اتفاق کلمات الأجلاء و الأعاظم من القدماء إلی زمان الأئمة علیهما السّلام و قد عرفت تصریح الشیخ الأعظم بأنه لا تعرف قائلا معروفا منهم بالاحتیاط و إن کان ظاهر المعارج نسبته إلی جماعة انتهی و علیه فمخالفة المتأخرین لا تضرّ بالإجماع المذکور فتدبر جیدا.

ص:520


1- 1) الکفایة 2:179.
2- 2) نهایة الأفکار 3:235.
3- 3) مصباح الاصول 2:282-283.

الخلاصة

الاستدلال بالإجماع

ربما یستدل بالإجماع علی البراءة فیما إذا لم یرد دلیل علی تحریم شیء من حیث هو هو.

و لیس المراد من الإجماع فی المقام قیام الإجماع علی قبح العقاب علی مخالفة التکلیف الغیر الواصل إلی المکلف حتی یقال إنّ الإجماع المذکور إجماع علی أمر عقلی و لا یکشف عن الحکم الشرعی هذا مضافا إلی أنّ الإجماع علی الکبری لا ینفع إلاّ بعد ثبوت الصغری و هو عدم وصول دلیل الاحتیاط و المفروض هو تمامیة أدلّة الاحتیاط عند الأخباریّین.

بل المراد من الإجماع فی المقام هو دعوی قیام الإجماع علی جواز الارتکاب و عدم وجوب الاحتیاط شرعا.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:لا تکاد تجد هی زمان المحدثین إلی زمان أرباب التصنیف فی الفتوی من یعتمد علی حرمة شیء من الأفعال بمجرد الاحتیاط.

و قد أورد علیه بأنّ تحصیل الإجماع فی مثل هذه المسألة مما لا نقل إلیه سبیل و من واضح النقل علیه دلیل بعید.

یمکن أن یقال:إنّ الإجماع المذکور علی فرض تحصیله و اتصاله إلی عصر الأئمة:لو کان خلافا للدین لأرشدهم الأئمة علیهم السّلام فمع عدم إرشادهم علیهم السّلام إلی لزوم الاحتیاط کفی ذلک فی کشف عدم وجوب الاحتیاط شرعا لأنّه ینتهی إلی تقریر المعصوم علیه السّلام هذا من ناحیة الکبری و أمّا من جهة الصغری فلا یخلو دعوی الإجماع عن الإشکال.

لما قیل کیف یمکن دعوی الإجماع مع مخالفة الأخباریّین و ذهابهم إلی وجوب الاحتیاط فی الشبهة التحریمیة الحکمیة.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ المراد من الإجماع هو إجماع الأجلاّء و الأعاظم من القدماء إلی زمان الأئمة علیهم السّلام و علیه فمخالفة المتأخرین لا یضرّ بالإجماع المذکور فلا تغفل.

ص:521

الاستدلال بالسیرة

اشارة

ربما یستدل للبراءة بسیرة المسلمین و المتشرعة من أول الشریعة بل فی کل شریعة علی عدم الالتزام و الإلزام بترک ما یحتمل ورود النهی عنه من الشارع بعد الفحص و عدم الوجدان.

و ذلک لأنّ طریقة الشارع علی بیان المحرمات دون المباحات و لیس ذلک إلاّ لعدم احتیاج الرخصة فی الفعل إلی البیان و کفایة عدم وجدان النهی فیها.

قال المحقق علی ما حکی عنه أنّ أهل الشرائع کافة لا یخطئون من بادر إلی تناول شیء من المشتبهات سواء علم الإذن فیها من الشرع أم لم یعلم و لا یوجبون علیه عند تناول شیء من الماکول و المشروب ان یعلم التنصیص علی إباحته و یعذرونه فی کثیر من المحرمات إذا تناولها من غیر علم و لو کانت محظورة لأسرعوا إلی تخطئته حتی یعلم الإذن.

أورد علیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه بأنّ الغرض من عدم التخطئة إن کان بیان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحریم فهو حسن مع عدم بلوغ وجوب الاحتیاط علیه من الشارع لکنه راجع إلی الدلیل العقلی الآتی و لا ینبغی الاستشهاد له بخصوص أهل الشرائع بل بناء کافة العقلاء و إن لم یکونوا من أهل الشرائع علی قبح ذلک.

و إن کان الغرض منه أنّ بناء العقلاء علی تجویز الارتکاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل حتی لو فرض عدم قبحه لفرض العقاب من اللوازم القهریة لفعل الحرام مثلا أو فرض المولی فی التکالیف العرفیة ممن یؤاخذ علی الحرام و لو صدر جهلا لم یزل بنائهم علی ذلک فهو مبنی علی عدم وجوب دفع الضرر المحتمل و سیجیء الکلام فیه إن شاء اللّه تعالی. (1)

و فیه أوّلا:أنّ الغرض لیس بیان قبح مؤاخذة الجاهل بالحکم حتی یرجع إلی الدلیل العقلی و لا یختص بأهل الشرائع و ذلک لعدم تقیید المستدل عمل المتشرعة بما إذا التفتوا إلی القاعدة العقلیة و مجرد توافق سیرتهم مع القاعدة لا یلازم التفاتهم إلیها و لا یوجب اتحاد

ص:522


1- 1) فرائد الاصول:203.

الدلیلین أیضا و علیه فالاستدلال بسیرتهم مع قطع النظر عن القاعدة العقلیة و ثانیا:بأنّ إرجاع سیرة المتشرعة إلی سیرة العقلاء بدعوی بنائهم علی تجویز الارتکاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل حتی لو فرض عدم قبحه لفرض العقاب من اللوازم القهریة لفعل الحرام أو فرض المولی فی التکالیف العرفیة ممن یؤاخذ علی الحرام و لو صدر جهلا خلاف المفروض لأنّ الفرض هو استدلالهم بسیرة المسلمین و المتشرعة لا ببناء العقلاء.

هذا و لو سلم انّ مرادهم من السیرة هی سیرة العقلاء فقوله رحمه اللّه بأنّها مبنیة علی عدم وجوب دفع الضرر المحتمل منظور فیه لأنّ السیرة العقلائیة المذکورة مع عدم الردع عنها تکشف عن عدم وجوب الاحتیاط و من المعلوم أنّ مع عدم وجوب الاحتیاط لا یحتمل الضرر الأخروی فالسیرة لا تبتنی علی إنکار الکبری بل هی کاشفة عن عدم وجود الصغری لها فی المقام و لا بأس به.

فتحصل انّ دعوی قیام السیرة المتشرعة مع قطع النظر عن القاعدة العقلیة أو الإباحة الشرعیة ممکنة و لکن إثباتها فرع إحراز عدم استنادهم إلی القاعدة العقلیة و الشرعیة و مع احتمال استنادهم إلیهما لا یکشف عن رأی المعصوم علیه السّلام نعم إن قلنا فی السیرة المذکورة بمثل ما قلناه فی الإجماع من أنّ مع اتصال الإجماع إلی زمان المعصوم و عدم ردعه عن ذلک لا یضر استنادهم إلی الأدلة العقلیة أو السمعیة فی الکشف عن موافقة المعصوم علیه السّلام معهم إذ لو لم یوافق معهم لأرشدهم و حیث لم یرشدهم علم أنّ رأیه کان موافقا لهم أمکن الاکتشاف بالسیرة المتصلة إلی زمان المعصوم و لو مع العلم باستنادهم إلی القاعدتین فضلا عن احتماله لا یقال:إنّ الردع حاصل بمثل أخبار الاحتیاط لأنا نقول:هذه الأخبار مضافا إلی أنه لا موضوع لبعضها مع أخبار البراءة معارضة مع أخبار البراءة فتحمل علی الاستحباب أو تخصص بغیر مورد الشبهة التحریمیة و بالجملة أنّ أخبار الاحتیاط لا تصلح للردع عن السیرة المذکورة فتدبر.

ص:523

الخلاصة

الاستدلال بالسیرة

ربما یستدل للبراءة بسیرة المسلمین علی عدم الالتزام و الإلزام بترک ما یحتمل ورود المنهی عنه من الشارع بعد الفحص و عدم الوجدان و ذلک لأنّ طریقة الشارع بیان المحرمات دون المباحات و لیس ذلک إلاّ لعدم احتیاج الرخصة فی جواز ارتکاب الفعل إلی البیان بل یکفی فیه عدم وجدان النهی عنه.

و لذا نری انّ أهل الشرائع کافة لا یخطئون من بادر إلی تناول شیء من المشتبهات سواء علم الإذن فیها من الشرع أم لم یعلم و لو کان تناولها محظورا لأسرعوا إلی تخطئة کما لا یخفی.

و قد أورد علیه بأنّ الغرض من عدم التخطئة إن کان بیان قبح مؤاخذة الجاهل بالتحریم فهو حسن مع عدم بلوغ وجوب الاحتیاط علیه من الشارع لکنه راجع إلی الاستدلال بالدلیل العقلی و لا ینبغی الاستشهاد له بخصوص أهل الشرائع اذ بناء کافة العقلاء علی قبح ذلک و إن لم یکونوا من أهل الشرائع.

و إن کان الغرض منه بناء العقلاء علی تجویز الارتکاب مع قطع النظر عن ملاحظة قبح مؤاخذة الجاهل فهو مبنی علی عدم وجوب دفع الضرر المحتمل و یمکن الجواب عنه بأنّ غرض المستدلّین لیس بیان قبح مؤاخذة الجاهل بالحکم حتی یرجع إلی الدلیل العقلی و لا یختصّ بأهل الشرائع و ذلک لعدم تقییدهم عمل المتشرعة بما إذا اتفقوا إلی القاعدة العقلیة.

و مجرّد توافق السیرة مع القاعدة لا یلازم التفاتهم إلیها و لا یوجب اتّحاد الدلیلین أیضا و علیه فالاستدلال بالسیرة مع قطع النظر عن القاعدة العقلیة و لا وجه لإرجاعها إلیه هذا مضافا إلی أنّ إرادة بناء العقلاء من عدم التخطئة لا تکون مبنیة علی عدم وجوب دفع الضرر المحتمل لأنّ بناء العقلاء مع عدم الردع عنها یکشف عن عدم وجوب الاحتیاط فی مثل المقام و مع عدم وجوب الاحتیاط فی مثل المقام لا یحتمل الضرر الأخروی فإرادة بناء العقلاء من عدم التخطئة لا تبتنی علی إنکار الکبری بل هی کاشفة عن عدم وجود الصغری فی المقام و لا بأس به کما لا یخفی.

ص:524

الاستدلال بالاستصحاب

اشارة

قال فی مصباح الاصول من الوجوه التی استدل بها علی البراءة الاستصحاب و تقریبه علی نحوین لأنّ الأحکام الشرعیة لها مرتبتان.

المرتبة الأولی: مرتبة الجعل و التشریع و الحکم الشرعی...

مرتبة الجعل و التشریع و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوم بفرض الموضوع لا بتحققه فعلا إذ التشریع غیر متوقف علی تحقق الموضوع خارجا بل یصح جعل الحکم علی موضوع مفروض الوجود علی نحو القضیة الحقیقیة فصح تشریع القصاص علی القاتل و إن لم یقتل أحد أحدا إلی الأبد.

و تقریب الاستدلال باعتبار هذه المرتبة بأن یقال إنّ الأحکام الشرعیة لما کانت فی جعلها تدریجیة فالحکم المشکوک فیه لم یکن مجعولا فی زمان قطعا فتستصحب ذلک ما لم یحصل الیقین بجعله.

و قد أورد علیه أوّلا:بأنّ عدم الجعل المتیقن عدم محمولی و العدم المشکوک فیه هو العدم النعتی المنتسب إلی الشارع و لا یمکن إثبات العدم النعتی باستصحاب العدم المحمولی إلاّ علی القول بالأصل المثبت.

و یمکن الجواب عنه بأنّ المستصحب إنّما هو العدم المنتسب إلی الشارع بعد ورود الشرع لما عرفت من أنّ جهل الأحکام کان تدریجیا فقد مضی من الشریعة زمان لم یکن الحکم المشکوک فیه مجعولا یقینا فیستصحب ذلک(بأن نقول لم یکن هذا الحکم المشکوک مجعولا للشارع و الآن کان کذلک)هذا مضافا إلی أنّ الانتساب یثبت بنفس الاستصحاب. (1)

و ثانیا:بأن المحرک للعبد أعنی الباعث أو الزاجر له إنّما هو التکلیف الفعلی لا الإنشائی فالحکم الإنشائی مما لا یترتب علیه أثر و من الواضح انّه لا یمکن إثبات عدم التکلیف الفعلی باستصحاب عدم الجعل إلاّ علی القول بالأصل المثبت.

ص:525


1- 1) کما یقال إن الأعدام أعدام بعدم علل وجودها و لکن إذا استصحبت إلی زمان الشرع استند بقاء الأعدام إلی الشارع بنفس الاستصحاب لأن الانتساب من آثار نفس الاستصحاب لا المستصحب.

و یمکن الجواب عنه بالنقض و الحل أما الأول فبالنقض باستصحاب عدم النسخ و بقاء الجعل الذی لا خلاف فی جریانه فلو کان نفی الحکم الفعلی باستصحاب عدم الجعل من الأصل المثبت کان إثبات الحکم الفعلی باستصحاب بقاء الجعل و عدم النسخ أیضا کذلک. (1)

و أما الثانی بأن الإنشاء هو إبراز أمر اعتباری و الاعتبار کما یمکن تعلّقه بأمر فعلی یمکن تعلّقه بأمر متأخر مقیّد بقیود فلیس جعل الحکم و إنشاؤه إلاّ عبارة عن اعتبار شیء علی ذمة المکلف فی ظرف خاص و یتحقق المعتبر بمجرد الاعتبار بل هما أمر واحد حقیقة و الفرق بینهما اعتباری کالوجود و الایجاد فالحکم الفعلی هو الحکم الإنشائی مع فرض تحقق قیوده المأخوذة فیه.

و علیه فاستصحاب الحکم الإنشائی أو عدمه هو استصحاب الحکم الفعلی أو عدمه نعم مجرد ثبوت الحکم فی عالم الاعتبار لا یترتب علیه وجوب الإطاعة بحکم العقل قبل تحقق موضوعه بقیوده فی الخارج و لیس ذلک إلاّ من جهة أنّ الاعتبار قد تعلّق بظرف وجود الموضوع علی نحو القضیة الحقیقیة من أول الأمر فمع عدم تحقق الموضوع لا یکون حکم و تکلیف علی المکلف و بعد تحقق الموضوع بقیوده خارجا لا یکون المحرک إلاّ نفس الاعتبار السابق لا أمر آخر یسمی بالحکم الفعلی.

فتحصل بما ذکرناه إنّ الاستدلال بالاستصحاب علی هذا التقریب مما لا بأس به و علیه فلا یبقی مورد للرجوع إلی البراءة الشرعیة أو العقلیة. (2)

إن قلت:إنّ استصحاب عدم جعل الإلزام معارض باستصحاب عدم جعل الترخیص فإنا نعلم إجمالا بجعل أحد الأمرین فیسقطان بالمعارضة و یرجع حینئذ إلی البراءة.

قلت:لا مانع من جریان کلا الاستصحابین بعد ما لم یلزم من جریانهما مخالفة عملیة للتکلیف الإلزامی فإذا ثبت عدم جعل الإلزام و عدم الترخیص بمقتضی الاستصحابین کفی

ص:526


1- 1) یمکن أن یقال بأن استصحاب عدم النسخ و بقاء الجعل لیس بلازم لإمکان استصحاب الحکم الفعلی من دون حاجة إلی استصحابین المذکورین.
2- 2) و سیأتی الکلام فیه إن شاء اللّه تعالی.

ذلک فی نفی العقاب لأن استحقاقه مترتب علی ثبوت المنع و لا یحتاج نفیه إلی ثبوت الترخیص فإذا ثبت عدم المنع ینتفی العقاب و لو لم یثبت الترخیص إلی أن قال إن قلت:

لا یصح التمسک باستصحاب عدم الجعل فی الشبهات الموضوعیة لأن مورد الشبهة لم یجعل له الحکم بشخصه یقینا إلی أن قال قلت:إن الأحکام المجعولة بنحو القضایا الحقیقیة تنحل إلی أحکام متعددة بحسب تعدد أفراد موضوعاتها کما هو مبنی جریان البراءة فی الشبهات الموضوعیة إذ بدونه لا یکون هناک حکم مجعول لیرفع بالبراءة الخ.

المرتبة الثانیة: المرتبة الفعلیة و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوم بتحقق الموضوع

هی المرتبة الفعلیة و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوم بتحقق الموضوع خارجا لأن فعلیة الحکم إنّما هی بفعلیة موضوعه و مع انتفاء الموضوع خارجا لا یکون الحکم فعلیا.

و تقریب الاستدلال فی هذه المرتبة بالاستصحاب باعتبار المرتبة الثانیة للحکم و هی المرتبة الفعلیة فیقال یستصحب عدم التکلیف الفعلی المتیقن قبل البلوغ.

و قد أورد علیه أوّلا:بأنه یعتبر فی الاستصحاب أن یکون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولا شرعیّا و عدم التکلیف أزلی غیر قابل للجعل و لیس له أثر شرعی فإن عدم العقاب من لوازمه العقلیة فلا یجری فیه الاستصحاب.

و یمکن الجواب عنه بأن المعتبر فی جریان الاستصحاب أن یکون المستصحب قابلا للتعبد الشرعی و لا خفاء فی أن عدم التکلیف کوجوده قابل للتعبد و توهم أنه لا بد من أن یکون المستصحب قابلا للتعبد حدوثا و العدم الأزلی لا یکون حادثا مدفوع بأن المعتبر کونه قابلا للتعبد عند جریان الاستصحاب و فی ظرف الشک فیکفی کون المستصحب قابلا للتعبد بقاء و إن لم یکن قابلا له حدوثا.

و ثانیا:بأن المتیقن الثابت قبل البلوغ إنما هو عدم التکلیف فی مورد غیر قابل له کما فی الحیوانات و مثل ذلک لا یحتمل بقاؤه بعد البلوغ و إنما المحتمل فیه عدم التکلیف فی المورد القابل له فلا معنی للتمسک بالاستصحاب.

ص:527

و بعبارة أخری العدم الثابت قبل البلوغ عدم محمولی و غیر منتسب إلی الشارع و العدم بعد البلوغ عدم نعتی منتسب إلی الشارع و إثبات العدم النعتی باستصحاب العدم المحمولی مبنی علی القول بالأصل المثبت و لا نقول به.

و یمکن أن یقال إنّ عدم التکلیف فی الصبی غیر الممیز و إن کان کما ذکره إلاّ أنه لیس کذلک فی الممیز بل هو عدم التکلیف فی مورد قابل له و إنما رفعه الشارع عنه امتنانا.

هذا مضافا إلی أنّ العدم المتیقن و إن کان أزلیا غیر منتسب إلی الشارع (1)إلاّ أنه یثبت انتسابه إلیه بنفس الاستصحاب فإن الانتساب من الآثار المترتبة علی نفس الاستصحاب لا من آثار المستصحب لیکون إثباته بالاستصحاب مبنیا علی القول بالأصل المثبت و سنذکر فی بحث الاستصحاب إنّ اللوازم التی لا تثبت بالاستصحاب إنما هی اللوازم العقلیة أو العادیة للمستصحب و أمّا اللوازم العقلیة لنفس الاستصحاب فهی تترتب علیه إذ الاستصحاب بعد جریانه محرز بالوجدان فتترتب آثاره و لوازمه علیه عقلیة کانت أو شرعیة.

و ثالثا:بأنه یعتبر فی جریان الاستصحاب اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة لیصدق نقض الیقین بالشک عند عدم ترتیب الأثر حین الشک فإنه مع عدمه کان إثبات حکم المتیقن للمشکوک من اسراء الحکم من موضوع إلی موضوع آخر و ذلک داخل فی القیاس لا فی الاستصحاب.

و فی المقام لا اتحاد للقضیة المتیقنة و المشکوکة من حیث الموضوع إذ الترخیص المتیقن ثابت لعنوان الصبی علی ما هو ظاهر قوله علیه السّلام رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم و هو مرتفع بارتفاع موضوعه و المشکوک فیه هو الترخیص لموضوع آخر و هو البالغ فلا مجال لجریان الاستصحاب.

ص:528


1- 1) و لا یخفی أنّ عدم التکلیف قبل البلوغ لیس عدما أزلیا بل هو العدم المنتسب إلی الشارع،فیستصحب و علیه فلا مجال للإشکال المذکور.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:و الإنصاف إنّ هذا الإشکال وارد علی الاستدلال بالاستصحاب فی المقام إلی أن قال لأنّ عنوان الصبی المأخوذ فی الحکم بالترخیص فی قوله صلّی اللّه علیه و آله رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم مقوّم للموضوع فی نظر العرف و لا أقل من احتمال ذلک و معه لا مجال لجریان الاستصحاب بعد زواله بعروض البلوغ. (1)

و لا یخفی علیک أنّ عنوان الصبی مقوّم للموضوع الدلیلی و أمّا الموضوع الخارجی فهو باق عرفا فإنّ زید بن عمرو مثلا إذا لم یکن قبل بلوغه محکوما بحکم و شککنا بعد بلوغه بأنه صار محکوما بالحکم المذکور أم لا أمکن جریان الاستصحاب لبقاء الموضوع الخارجی عرفا قال الشهید الصدر لا شک فی صحة إضافة الصبی بعد البلوغ الإباحة إلی نفسه و صدق أنّه بقاء للإباحة السابقة عرفا و هذا دلیل علی انحفاظ الموضوع و وحدته و هو یکفی فی جریان الاستصحاب انتهی. (2)فتحصل أنّه یجوز استصحاب عدم التکلیف الفعلی و معه لا مجال لأدلة الاحتیاط لحکومة الاستصحاب بالنسبة إلیها.

نعم یشکل بعد تمامیة الاستصحاب بأنه لا یبقی مع جریان الاستصحاب موضوع لدلیل البراءة و هو الشک لحکومة الاستصحاب علی موضوع البراءة کما لا یخفی.

و حیث إنه یجری الاستصحاب فی تمام موارد الشبهات الحکمیة فیلزم من جریانه لغویة أدلة البراءة مع أنّ هنا روایات تدل علی البراءة کما عرفت.

و یمکن الجواب عنه أوّلا:بأن الاستصحاب لا یجری فی جمیع الموارد إذ مع توارد الحالتین لا مجال لجریان الاستصحاب و هکذا لا یجری الاستصحاب فی موارد تغیر الموضوع بحیث لا تبقی وحدة القضیة المتیقنة و المشکوکة و أیضا من لم یصل إلیه الاستصحاب یبقی البراءة مفیدة فی حقه. (3)

و ثانیا:بأن المستفاد من أدلة الاستصحاب أنه تعبد و حکومة بإبقاء الیقین بالنسبة إلی

ص:529


1- 1) مصباح الاصول 2:288-297.
2- 2) مباحث الحجج 2:70.
3- 3) راجع مباحث الحجج 2:73.

القواعد المخالفة لئلا یترتب آثار المخالف و لا نظر لها إلی التعبد بإبقاء الیقین فی قبال قواعد أخری تدل علی الآثار الموافقة معه کالمقام و لذا نقول بجریان القواعد المتوافقة مع جریان الاستصحاب لبقاء موضوعها فیجری قاعدة الطهارة مع استصحاب الطهارة و قاعدة الحلیة مع استصحاب الحلیة و هکذا و علیه فحکومة أدلة الاستصحاب تکون بإضافة القواعد و الاصول المخالفة و هو فرع التعارض و التنافی بین مدلولی الدلیلین فلا یشمل القواعد الموافقة و لا أقل من الشک فی تعمیم الحکومة و معه لا مجال لرفع الید عن أدلة البراءة و مما ذکرناه یظهر أن جریان البراءة مع الاستصحاب لا یتوقف علی دعوی أنّ تقدم أدلة الاستصحاب من باب الأظهریة و الجمع العرفی لا الحکومة فإنّ من الواضح أنّ هذا إنّما یکون فی فرض التنافی بین مفاد الدلیلین و التعارض لا ما إذا کان مفادهما معا التامین کما هو فی المقام. (1)

و ذلک لما عرفت من إمکان الجواب عن الشبهة المذکورة علی تقدیر الحکومة أیضا لأن الحکومة إضافیة و لیست بمطلقة فلا تغفل.

فالأقوی هو جریان البراءة مع جریان استصحاب عدم الجعل أو استصحاب عدم التکلیف الفعلی لتوافقهما و اختصاص الحکومة بالقواعد المخالفة کأصالة الاحتیاط فلا تغفل.

ص:530


1- 1) مباحث الحجج 2:73-72.

الخلاصة

الاستدلال بالاستصحاب

و من الوجوه التی استدل بها علی البراءة هو الاستصحاب و تقریب الاستدلال به علی نحوین لأنّ الأحکام الشرعیة لها مرتبتان.

المرتبة الأولی:

مرتبة الجعل و التشریع و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوّم بفرض الموضوع لا بتحقّقه فعلا إذا التشریع غیر متوقّف علی تحقّق الموضوع خارجا بل یصحّ جعل الحکم علی موضوع مفروض الوجود علی نحو القضیّة الحقیقیّة فصحّ تشریع القصاص علی القاتل مثلا و إن لم یقتل أحد أحدا إلی الأبد و فی هذه المرتبة یمکن استصحاب عدم الجعل و التشریع ما لم یحصل الیقین بالجعل لأنّ الحکم المشکوک فیه مسبوق بعدم الجعل فی زمان قطعا فیقال إنّ هذا الحکم المشکوک لم یکن مجهولا للشارع و الآن کان کذلک.

و دعوی أنّ المحرّک للعبد أعنی الباعث أو الزاجر له إنّما هو التکلیف الفعلی لا الإنشائی فالحکم الإنشائی ممّا لا یترتب علیه أثر و إثبات عدم التکلیف الفعلی باستصحاب عدم الجعل لا یمکن لأنّه مثبت.

مندفعة بأنّ الحکم الفعلی هو الحکم الإنشائی مع فرض تحقّق قیوده المأخوذة فیه و مع وحدتهما فلا مجال لدعوی کون استصحاب عدم الجعل مثبتا.

فتحصّل أنّه لا مانع من جریان الاستصحاب و مع جریانه لا یبقی مورد للرجوع إلی البراءة الشرعیّة أو العقلیّة.

لا یقال:إنّ استصحاب عدم جعل الإلزام معارض باستصحاب عدم جعل الترخیص.

و حیث نعلم إجمالا بجعل أحد الأمرین یسقطان بالمعارضة و یرجع حینئذ إلی البراءة.لأنّا نقول لا مانع من جریان کلا الاستصحابین ما لم یلزم من جریانهما مخالفة عملیة للتکلیف الإلزامی فإذا ثبت بالاستصحابین عدم جعل الإلزام و عدم جعل الترخیص کفی ذلک فی نفی

ص:531

العقوبة لأن استحقاقها مترتب علی ثبوت المنع و لا یحتاج إلی ثبوت الترخیص فإذا ثبت عدم المنع ینتفی العقوبة و لو لم یثبت الترخیص.

و بالجملة یجری استصحاب عدم الجعل لعدم المانع منه و لا فرق فیه بین الشبهة الحکمیة و الشبهة الموضوعیة لأنّ الأحکام المجعولة تکون بنحو القضایا الحقیقیة فتنحلّ إلی أحکام متعددة بحسب تعدد أفراد موضوعاتها کما لا یخفی.

المرتبة الثانیة هی المرتبة الفعلیّة و الحکم الشرعی فی هذه المرتبة متقوّم بتحقّق الموضوع خارجا لأنّ فعلیة الحکم إنّما هی بفعلیة موضوعه و علیه فیمکن استصحاب عدم التکلیف الفعلی المتیقن قبل البلوغ فی ما إذا شک فی حکم شیء بهذه المرتبة.

لا یقال:إنّ المعتبر فی الاستصحاب أن یکون المستصحب بنفسه أو بأثره مجعولا شرعیا و عدم التکلیف الأزلی غیر قابل للجعل و لیس له أثر شرعی فإنّ عدم العقاب من لوازمه العقلیة فلا یجری فیه الاستصحاب لأنا نقول:بأنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب أن یکون المستصحب قابلا للتعبّد الشرعی و لا خفاء فی أنّ عدم التکلیف کوجوده قابل للتعبد عند جریان الاستصحاب و فی ظرف الشکّ.

و دعوی أنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة لیصدق نقض الیقین بالشک عند عدم ترتیب الأثر حین الشکّ و فی المقام لا اتحاد من حیث الموضوع إذ الترخیص المتیقّن ثابت لعنوان الصبی علی ما هو ظاهر قوله علیه السّلام رفع القلم عن الصبی حتی یحتلم و هو مرتفع بارتفاع موضوعه و المشکوک فیه هو الترخیص لموضوع آخر و هو البالغ فلا مجال لجریان الاستصحاب لأنه إسراء الحکم من موضوع إلی موضوع آخر.

مندفعة بأنّ عنوان الصبی مقوّم للموضوع الدلیلی و أمّا الموضوع الخارجی فهو باق عرفا فإنّ زید بن عمرو مثلا إذا لم یکن قبل بلوغه محکوما بحکم و شککنا بعد بلوغه بأنّه صار محکوما بالحکم المذکور أم لا أمکن جریان الاستصحاب لبقاء الموضوع الخارجی عرفا.

ص:532

فتحصل أنّ جریان استصحاب عدم التکلیف الفعلی لا إشکال فیه و معه لا مجال لأدلة الاحتیاط لحکومة الاستصحاب بالنسبة إلیها کما لا یخفی.

نعم یشکل بعد تمامیة الاستصحاب بأنّه لا یبقی مع جریان الاستصحاب موضوع لدلیل البراءة أیضا و هو الشکّ لحکومة الاستصحاب علی موضوع البراءة کما أنّه حاکم بالنسبة إلی موضوع أدلّة الاحتیاط فیلزم منه لغویة أدلّة البراءة مع أنّ هنا روایات تدل علی البراءة.

و یمکن الجواب عنه بأنّ الاستصحاب لا یجری فی جملة من الموارد کتوارد الحالتین و موارد تغییر الموضوع بحیث لا یبقی وحدة القضیة المتیقّنة و المشکوکة و غیر ذلک فلا یلزم اللغویة بالنسبة إلی أدلّة البراءة هذا مضافا إلی أنّ المستفاد من أدلّة اعتبار الاستصحاب أنّه معتبر شرعا فی قبال القواعد المخالفة لئلاّ یترتب آثار المخالف و علیه فلا نفی لها بالنسبة إلی القواعد الموافقة معه و علیه فیجری الاستصحاب مع القواعد الموافقة کالبراءة فلا تغفل.

ص:533

الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان

اشارة

ربما یستدل علی البراءة بالعقل و المراد منه هو حکم العقل بقبح العقاب علی شیء من دون بیان التکلیف بعد الفحص و الیأس عن الظفر بما یکون حجة علیه و هذا هی البراءة العقلیة استدل بها الشیخ الأعظم و صاحب الکفایة و من تبعهما قدّس اللّه أرواحهم و استشهد له الشیخ الأعظم قدّس سرّه بحکم العقلاء کافة بقبح مؤاخذة المولی عبده علی فعل ما یعترف بعدم إعلامه أصلا بتحریمه. (1)

و استشهد له صاحب الکفایة قدّس سرّه بالوجدان حیث قال إنّ العقوبة و المؤاخذة بدون إقامة الحجة عقاب بلا بیان و مؤاخذة بلا برهان و هما قبیحان بشهادة الوجدان. (2)

و قد قرّب المحقق الأصفهانی قدّس سرّه هذه القاعدة بأنّها حکم عقلی عملی بملاک التحسین و التقبیح العقلیین و مأخوذ من الأحکام العقلائیة التی حقیقتها ما تطابقت علیه آراء العقلاء حفظا للنظام و إبقاء للنوع و هی المسماة بالقضایا المشهورة و من الواضح ان حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان لیس حکما عقلیا عملیا منفردا عن سائر الأحکام العقلیة العملیة بل هو من أفراد حکم العقل بقبح الظلم عند العقلاء نظرا إلی أنّ مخالفة ما قامت علیه الحجة خروج عن زیّ الرقیّة و رسم العبودیة و هو ظلم من العبد إلی مولاه فیستحق منه الذم و العقاب کما أنّ مخالفته ما لم تقم علیه الحجة لیست من أفراد الظلم إذ لیس من زیّ الرقیّة أن لا یخالف العبد مولاه فی الواقع و فی نفس الأمر فلیس مخالفته ما لم تقم علیه الحجة خروجا عن زیّ الرقیّة حتی یکون ظلما و حینئذ فالعقوبة علیه ظلم من المولی إلی عبده إذ الذم علی ما لا یذم علیه و العقوبة علی ما لا یوجب العقوبة عدوان محض و إیذاء بحت بلا موجب عقلائی فهو ظلم و الظلم بنوعه یؤدی إلی فساد النوع و اختلال النظام و هو قبیح من کل أحد بالإضافة إلی کل أحد و لو من المولی إلی عبده.

ص:534


1- 1) فرائد الاصول:203.
2- 2) الکفایة 2:179.

ثم قال و لکن لا یخفی انّ المهم هو دفع استحقاق العقاب علی فعل محتمل الحرمة مثلا ما لم تقم علیه حجة منجزة لها و حیث إنّ موضوع الاستحقاق بالاخرة هو الظلم علی المولی فمع عدمه لا استحقاق قطعا و ضمّ قبح العقاب من المولی أجنبی عن المقدار المهم هنا و إن کان صحیحا فی نفسه. (1)

و لقد أفاد و أجاد و لکن لقائل أن یقول إن حکم العقل بقبح الظلم لا یتوقف علی وجود الاجتماع و النظام و ملاحظة تأثیر الظلم فی فساد النوع و اختلال النظام بل هو حکم عقلی مستقل ثابت و لو من دون نظام و اجتماع فجعل هذا الحکم ماخوذا من القضایا المشهورة إن أراد به أنّ العقل لا یحکم به مع قطع النظر عن دخله فی النظام فهو ممنوع جدا إذ نجد من أنفسنا إدراک القبح المذکور و لو لم یکن اجتماع و هذا هو معنی کونه وجدانیا کما صرح به صاحب الکفایة و إن أراد به أنّ العقلاء یحکمون بذلک أیضا فلا إشکال فیه بل هو کذلک و لکن الظاهر من کلامه هو الأول و هو کما تری و کیف ما کان.فتحصل إنّ قبح العقاب بلا بیان یکون من مصادیق البدیهیات الأولیة و هو حکم العقل بقبح الظلم و یکون منشأ لبناء العقلاء علی دفع استحقاق العقاب علی فعل محتمل الوجوب أو الحرمة ما لم تقم علیه حجة منجزة مع اعتراف المولی بعدم الإعلام.

ثم إنّه قد یشکل قاعدة قبح العقاب بلا بیان بأمور منها أنها مصادرة قال الشهید الصدر قدّس سرّه:إنّ دعوی ان مخالفة تکلیف تمّت علیه الحجة خروج عن زیّ العبودیة فیکون ظلما قبیحا و أمّا مخالفة ما لم تتم علیه الحجة فلیس ظلما و لا یستحق فاعله العقاب و اللوم مصادرة إذ ما ذا یراد بالحجة إذ لو ارید بها ما یصحح العقاب کانت القضیة بشرط المحمول و إن أرید بها العلم فهو أول الکلام فیکون الدلیل عین المدعی نفسه و بمنهجة غیر فنیّة لأنه التزم فیها بأن مرجع قضایا الحسن و القبح إلی قاعدة أولیة بدیهیة هی حسن العدل و قبح الظلم.

و قد تقدم فی بحث الدلیل العقلی أنّ قضیة قبح الظلم و حسن العدل لا یمکن أن تکون

ص:535


1- 1) نهایة الدرایة 2:190-191.

أولیة لأن الظلم عبارة عن سلب ذی حق حقه فلا بد من تشخیص الحق الذی هو من مدرکات العقل العملی نفسه فی المرتبة السابقة علیه. (1)

حاصل الإشکال إنّ ما ذهب إلیه المشهور من أنّ مخالفة التکلیف الذی تمت علیه الحجة ظلم دون مخالفة تکلیف لم تتم علیه الحجة فإنها لیست بظلم منظور فیه لأن مرادهم من الحجة إن کان ما یصحح العقوبة صارت القضیة هی القضیة بشرط المحمول و إن کان مرادهم منها هو العلم أو العلمی(و المقصود إنّ کل تکلیف یدل علیه العلم أو العلمی یکون مخالفته ظلما بخلاف کل تکلیف لم یکن کذلک)فالقضیة أول الکلام و الدلیل عین المدعی و هی مصادرة و إن ادعی أنّ القضیة من البدیهیات الأولیة فهی ممنوعة بعد کون الظلم و العدل من مدرکات العقل العملی و هما مقدمان علی تعلّق الحکم تقدم الموضوع علی الحکم.

و یمکن الجواب عنه بأن الدعوی هی أنّ قضیة حسن العدل و قبح الظلم من الوجدانیات البدیهیة و لا تحتاج إلی الاستدلال حتی یقال إنّ القضیة المستدل بها هی القضیة بشرط المحمول أو یکون الدلیل عین المدعی و لا منافاة بین کون القضیة بدیهیة و بین تقدم تشخیص الحق و الظلم و العدل علی تعلّق التقبیح و التحسین بهما لأن تشخیص الحق و الظلم و العدل أیضا من البدیهیات و ترتب الحکم البدیهی علی الموضوع البدیهی لا ینافی بدیهیة القضیة کما لا یخفی.

ثم المراد من الحجة فی القضیة المذکورة هو ما یمکن الاحتجاج به و هو البیان لا عنوان ما یصحح العقوبة حتی یوجب أن تکون القضیة بشرط المحمول.

و حاصل القضیة ان مخالفة التکلیف الذی کان معلوما بالعلم أو العلمی ظلم و خروج عن زیّ العبودیة لقیام الحجة علیه بخلاف ما إذا لم یکن کذلک لعدم قیام الحجة علیه فلیست بظلم بل العقوبة علیها عقوبة بلا حجة و ظلم و الاحتمال عند العقلاء حیث لیس بحجة فهو بحکم عدم البیان و لا ینبغی أن یکتفی المولی بما لا یراه العقلاء حجة و القاضی فی

ص:536


1- 1) مباحث الحجج 2:27.

ذلک هو الوجدان فلا مجال بعد وجدانیة القضیة و بدیهیتها لدعوی أنها مصادرة و الدلیل عین المدعی فتدبر.

و منها:أنها مناف مع حق الطاعة لما ذکره الشهید الصدر قدّس سرّه أیضا من أنّ المحققین من علماء الاصول قد فصّلوا بین أمرین أحدهما:مولویة المولی و حق طاعته و اعتبروا المولویة و حق الطاعة کلیا متواطئا لا تقبل الزیادة و النقصان و لیست ذات مراتب و هی عبارة عن حق طاعة کل تکلیف یصدر عن المولی واقعا إذا تمت علیه الحجة و البیان.

و الثانی:میزان الحجیة و المنجزیة فقالوا بأن البحث فی أصل المولویة موضعه علم الکلام و أمّا البحث عن میزان الحجیة فهو وظیفة البحث الأصولی.

و فی هذا المجال بینوا قاعدتین أحدهما:حجیة القطع و إن کل حجة لا بد و أن ترجع إلی القطع و الحجیة ذاتیة للقطع.

و الثانیة:انتفاء الحجیة بانتفاء القطع لأنه من مستلزمات کون الحجیة ذاتیة للقطع و هذا هو قاعدة قبح العقاب بلا بیان و ترتب علی ذلک أنّ الظن بنفسه لا یمکن أن یکون حجة فلا بد لکی یکون حجة من جعل جاعل و عندئذ نواجه حیرة فی أن جعل الجاعل کیف یجعل الظن حجة و منجزا و هل ذلک إلاّ تخصیص فی حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان مع أن أحکام العقل غیر قابلة للتخصیص و من هنا برزت اتجاهات جعل الطریقیة و العلمیة للحکومة علی حکم العقل و قال بعضهم بأنّ العقاب علی مخالفة الحکم الظاهری المقطوع به لا الواقعی إمّا مطلقا أو فی خصوص ما لم یجعل له العلمیة کقاعدة الاحتیاط الشرعیة.

و قد أوضحنا مفصلا فی بحوث القطع انّ هناک خطأ اساسیا فی هذا الطرز من التفکیر حیث فصل بین الحجیة و المولویة مع أنه لا فصل بینهما بل البحث عن الحجیة بحث عن حدود المولویة بحسب الحقیقة لأن المولویة عبارة عن حق الطاعة و حق الطاعة یدرکه العقل بملاک من الملاکات کملاک شکر المنعم أو ملاک الخالقیة أو المالکیة و لکن حق الطاعة له مراتب و کلما کان الملاک أکد کان حق الطاعة أوسع.

ص:537

فقد یفرض بعض المراتب من منعمیة المنعم لا یترتب علیه حق الطاعة إلاّ فی بعض التکالیف المهمة لا فی کلها و قد تکون المنعمیة أوسع بنحو یترتب حق الطاعة فی خصوص التکالیف المعلومة و قد تکون مولویة المولی أوسع دائرة من ذلک بأن کانت منعمیته بدرجة یترتب علیه حق الطاعة حتی فی المشکوکات و المحتملات من التکالیف.

فهذا بحسب الحقیقة سعة فی دائرة المولویة إذن فالحجیة لیست شیئا منفصلا عن المولویة و حق الطاعة و مرجع البحث فی قاعدة قبح العقاب بلا بیان إلی البحث عن أنّ مولویة المولی هل تشمل التکالیف المحتملة أم لا.

و لا شک أنه فی التکالیف العقلائیة عادة تکون المولویة ضیقة و محدودة بموارد العلم بالتکلیف و أمّا فی المولی الحقیقی فسعة المولویة و ضیقها یرجع فیها إلی حکم العقل تجاه الخالق سبحانه و مظنونی إنّه بعد الالتفات إلی ما بیناه لا یبقی من لا یقول بسعة مولویة المولی الحقیقی بنحو تشمل حتی التکالیف الموهومة و من هنا نحن لا نری جریان البراءة العقلیة. (1)

و فیه أولا:أن الموالی العرفیة أیضا مختلفون فی سعة المولویة و ضیقها و بعضهم أوسع حقا من الآخرین و مع ذلک لا یحکم العقلاء بالنسبة إلی ذلک البعض بوجوب مراعاة التکالیف الموهومة بعد الفحص عنها و عدم وجدان حجة علیها بل یجعلون احتمال التکلیف کالعدم و العقاب علیه عقابا بلا بیان فکما أنّ العقلاء لا یحکمون بذلک بالنسبة إلی بعض الموالی فکذلک لا یحکمون بذلک بالنسبة إلی طاعة المولی الحقیقی من دون تفاوت.و ثانیا:

إنّ إیجاب الاحتیاط فی جمیع الأمور بمجرد الاحتمال و لو کان الاحتمال وهمیا لا یناسبه حکمة الرب المتعال بل هو خلافها لأن الإیجاب المذکور یکون حرجیا و صعبا لا یتحمله الناس عادة بل یلزم منه الاختلال فلا معنی لتقبیح ترکه عقلا و أتمیة مراتب المولویة و أکبریة حق المولی الحقیقی توجب أهمیة الامتثال بالنسبة إلی خطاباته المعلومة لا مراعاة الخطابات

ص:538


1- 1) مباحث الحجج 2:23-24.

المحتملة أو الموهومة مع کونها خلاف الحکمة و حرجیا و مخلا بالامور و بالجملة وجوب الاحتیاط و لو فی المحتملات مزاحم بالعسر و الحرج و الاختلال و هو لا یناسب الشریعة السمحة السهلة و لو فرضنا بناء العقلاء علیه فی خطابات الموالی و العبید فلا یعمّ الخطابات الشرعیة لأنّ بناء الشارع علی السهولة و السمحة.

و ثالثا:أنّ ما یحتج به لزم أن یکون أمرا یعرفه العقلاء لذلک و الاحتمال عندهم لا یصلح لذلک إذ طریقة العقلاء فی طاعة المولی مطلقا علی لزوم الإتیان و الترک فیما إذا قام العلم أو العلمی علیهما و أما إذا فحصوا و لم یعثروا علی ذلک فهم یرخصون المکلف فی عدم الإتیان أو الفعل و لو مع احتمال الوجوب فی الأول و الحرمة فی الثانی و یرون المؤاخذة علیه مؤاخذة بلا حجة و یقبحونه لأنّ احتمال التکلیف عندهم کعدمه نعم لو أمر المولی فی بعض الموارد بمراعاة الاحتیاط فی المحتمل کان ذلک مما تقوم الحجة علیه و یلتزمون بمراعاة ذلک.

و هذه الطریقة ارتکازی لعرف العقلاء و لا یعدلون عنه فی الإطاعة و المعصیة و هذا هو المعبر عنه بقبح العقاب بلا بیان و لا مجال لاکتفاء الشارع بالاحتمال مع أنّ العقلاء لا یرونه حجة لأن عذرهم باق علی حاله و یشهد لذلک أنّ الشارع المقدس لم یعین طریقة أخری فی أوامره و نواهیه بل قرّر ما یراه عرف العقلاء حجة حیث قال عزّ و جلّ: وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً . (1)

و قال علیه السّلام إنّ اللّه یحتج علی العباد بما آتاهم و عرفهم (2)

فاللازم فی الاحتجاج هو بعث الرسل و إیصال الخطابات و إتیانها و تعریف المقاصد و المرادات و لا یکفی الاحتمال.

و رابعا:أنّه لو سلمنا أن المولویة الذاتیة المطلقة تکون مقتضیة للإطاعة المطلقة و لکن لیس هذا الطلب فی جمیع المراتب وجوبیا کما لا یخفی.ثم دعوی أنّ قاعدة قبح الظلم قد أخذ

ص:539


1- 1) الاسراء15/.
2- 2) الکافی 1:164 باب حجج اللّه علی خلقه ح 4.

فی موضوعها عنوان الظلم و هو عبارة عن سلب ذی الحق حقه ففی المرتبة السابقة لا بد من افتراض حق الآمر علی المأمور لکی نفترض مخالفته سلبا لحقه و إلاّ لم یکن ظلما فإن أرید إثبات ذلک بنفس تطبیق قاعدة قبح الظلم کان دورا و إن أرید بعد الفراغ عن ثبوت حق الطاعة و المولویة علی العبد تطبیق هذه القاعدة فهو مستدرک و حشو من الکلام إذ بعد الفراغ عن حق الطاعة للمولی علی العبد و بعد افتراض وجدانیة القطع لدی القطع فلا نحتاج إلی شیء آخر. (1)

مندفعة بأن حق الآمر علی المأمور و المولی علی المولی علیه مفروض فی الرتبة السابقة بعد وضوح منعمیته و مولویته و ربوبیته.

و صدق الظلم علی سلبه لا یأتی من ناحیة المحمول و هو التقبیح حتی یکون دوریا بل هو من ناحیة کون الحق مما تقتضیه المنعمیة و المولویة و الربوبیة و من المعلوم أنّ سلب الحق المذکور مع وجود مقتضیه من المنعمیة و نحوها یکفی فی صدق الظلم فإذا ثبت الموضوع و هو الظلم یترتب علیه القبح و بعد حکم العقل بالقبح لزم التزام العبد بمراعاة هذا الحق و علیه فالاحتیاج إلی المحمول بعد ثبوت الظلم واضح لأن الموضوع و هو الظلم لا یکون عین التقبیح بل یقتضی التقبیح و علیه تقبیح الظلم لیس بمستدرک کما لا یخفی.

و أمّا دعوی أن الاحتمال بنفسه بیان و مع احتمال التکلیف لا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بیان لأن العبد کما یحتاط فی موارد احتمال الإرادة الفاعلیة لنفسه ما لم یزاحم بجهة أخری من حرج و نحوه یجب علیه بالأولویة أن یحتاط فی موارد احتمال الإرادات الآمریة لمولاه و إلاّ کان ذلک نقصا فی مقام عبودیته حیث لم یجعل نفسه بمنزلة جوارح المولی.

فهی مندفعة بما أفاد شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه من أنّ المطلوب فی حق الفاعل لیس إلاّ نیل أغراضه فلهذا یحتاط فی مورد الاحتمال و أمّا العبد فلیس المهم فی حقه إلاّ إقامة الحجة فی جواب المولی و لا شبهة فی أن عدم العلم حجة مقبولة من العبد. (2)

ص:540


1- 1) مباحث الحجج 1:28.
2- 2) حاشیة الدرر:427.

و الوجه فی أنّ عدم العلم حجة مقبولة من ناحیة العبد انّ الاحتمال لیس ببیان عندهم بل هو کالعدم فالعقوبة مع الاحتمال عقوبة بلا بیان و لا یجوز أن یکتفی المولی فی الحجة بنفس الاحتمال لأن عرف العقلاء لا یرونه حجة و اللازم فی الاحتجاج هو انقطاع العذر بما یراه العقلاء حجة و سیأتی إن شاء اللّه تعالی بقیة الکلام عند استدلال القائلین بالاحتیاط بالوجه العقلی.

و منها:أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان علی فرض تمامیتها محکومة لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل و ذلک لما یقال من أنّ حکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بیان عقلی و معه لا مورد لقاعدة قبح العقاب بلا بیان لکفایة قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل للبیان فلا تقبح المؤاخذة بعد هذا البیان.

یمکن أن یقال إن أرید من الضرر المحتمل العقوبة فقد أجیب عنه بوجوه منها ما أجابه الشیخ الأعظم قدّس سرّه بأن الحکم المذکور علی تقدیر ثبوته لا یکون بیانا للتکلیف المجهول المعاقب علیه و إنّما هو بیان لقاعدة کلیة ظاهریة و إن لم یکن فی مورده تکلیف فی الواقع فلو تمت عوقب علی مخالفتها و إن لم یکن تکلیف فی الواقع لا علی التکلیف المحتمل علی فرض وجوده فلا تصلح هذه القاعدة لورودها علی قاعدة القبح المذکورة بل قاعدة القبح واردة علیها لأنها فرع احتمال الضرر أعنی العقاب و لا احتمال بعد حکم العقل بقبح العقاب من غیر بیان فمورد قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فیه ببیان الشارع للتکلیف فردد المکلف به بین أمرین کما فی الشبهة المحصورة و ما یشبهها. (1)

حاصله أن قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل من القواعد الکلیة الظاهریة و تکون متکفّلة للعقوبة علی مخالفة التکلیف المحتمل بما هی کذلک و إن لم یکن فی مورده تکلیف فی الواقع فهذه القاعدة کالاصول العملیة و علیه فلا تصلح لأن تکون بیانا للتکلیف المجهول و مع کونها ظاهریة لا یرتفع موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان و مع عدم ارتفاع موضوع

ص:541


1- 1) فرائد الاصول:203.

قاعدة قبح العقاب بلا بیان تجری و تحکم هذه القاعدة بعدم ملازمة العقاب للتکلیف المجهول لعدم وصوله و عدم بیانه فإذا حکمت هذه القاعدة بذلک فلا عقاب و لا ضرر بالنسبة إلی هذا التکلیف المجهول و مع عدم العقاب و الضرر لا یبقی موضوع لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لأنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فرع احتمال الضرر أعنی العقاب و هو منفی بقاعدة قبح العقاب بلا بیان.

و لا یخفی ما فیه فإن الوجوب النفسی فی قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل أی العقوبة یستلزم منه تعدد العقاب عند مصادفة احتمال التکلیف للواقع و لا یمکن الالتزام بذلک فی هذه القاعدة و غیرها.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:إنّ احتمال التکلیف لا یزید علی القطع به و لا تعدد للعقاب مع القطع بالتکلیف فکیف مع احتماله. (1)

و منها:ما أجابه السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه من أنّ وجوب دفع الضرر المحتمل إرشادی بمعنی أن العقل یحکم و یرشد إلی تحصیل المؤمن من عقاب مخالفة التکلیف الواقعی علی تقدیر تحققه و الفرق بینه و بین الوجوب الطریقی أنّ الوجوب الطریقی هو المنشأ لاحتمال العقاب و لولاه لما کان العقاب محتملا بخلاف الوجوب الإرشادی فإنّه فی رتبة لاحقة عن احتمال العقاب إذ لو لا احتمال العقاب لما کان هنا إرشاد من العقل إلی تحصیل الأمن منه.

و بذلک ظهر انّ مورد کل من القاعدتین أی قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل و قاعدة قبح العقاب بلا بیان مغایر لمورد الآخر و لا تنافی بینهما لعدم اجتماعهما فی مورد واحد أبدا.

فإن احتمل العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل بأن کان التکالیف المحتمل منجزا علی تقدیر ثبوته واقعا کما فی الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالی و الشبهة الحکمیة قبل الفحص کان مورد لحکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل إرشادا إلی تحصیل المؤمن و لا مجال فیه لجریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان. (2)

ص:542


1- 1) مصباح الاصول 2:285.
2- 2) و ذلک لوجود البیان مع وجود العلم الإجمالی و احتمال البیان فی الشبهة الحکمیة قبل الفحص.

و إن لم یحتمل العقاب مع قطع النظر عن وجوب دفع الضرر المحتمل مع احتمال التکلیف فإنّ احتمال التکلیف لا یستلزم احتمال العقاب کما فی الشبهة الحکمیة بعد الفحص فیما إذا لم یکن هناک منجز خارجی من علم إجمالی أو إیجاب احتیاط أو غیرهما کان موردا لقاعدة قبح العقاب بلا بیان و لا مجال فیه لجریان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل و بعبارة أخری مورد وجوب دفع الضرر المحتمل فرض وصول التکلیف تفصیلا أو إجمالا بنفسه أو بطریقه کما فی أطراف العلم الإجمالی و الشبهة قبل الفحص و موارد وجوب الاحتیاط الشرعی و مورد قاعدة قبح العقاب بلا بیان هی الشبهة بعد الفحص و الیأس عن الحجة علی التکلیف فلا توارد بین القاعدتین فی مورد واحد. (1)

و لا یخفی علیک أنّ عدم استلزام احتمال العقوبة مع احتمال التکلیف محتاج إلی الإثبات فمع عدم إثبات ذلک احتمال العقوبة باحتمال التکلیف موجود و مع وجود الاحتمال المذکور تجری قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل کما تجری قاعدة قبح العقاب بلا بیان و علیه فتتوارد قاعدتان علی مورد واحد و هو احتمال العقوبة فتدبر.

و منها:ما أجابه المحقق الأصفهانی قدّس سرّه من أنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل إمّا موضوعها غیر محرز و إمّا تکون محکومة لقاعدة قبح العقاب بلا بیان حیث قال إنّ موضوع قاعدة دفع الضرر المحتمل إن کان احتمال العقوبة لا علی تقدیر(أی لا علی تقدیر المراجعة إلی القاعدتین)فاحتمال العقوبة قبل المراجعة إلی القاعدتین فی نفسه غیر ملازم لاحتمال التکلیف لما مرّ من أنّ الملازمة بین الاحتمالین فرع الملازمة بین المحتملین و الملازمة بین العقوبة و مخالفة التکلیف غیر ثابتة قبل المراجعة حتی تورث التلازم بین احتمال العقوبة و احتمال التکلیف فلا احتمال للعقاب بل للتکلیف فقط.

و بعد المراجعة إلی القواعد العقلیة فقاعدة قبح العقاب تنفی الملازمة بین التکلیف و استحقاق العقوبة علی مخالفته بما هو بل تفید أنّ الملازمة إنّما تکون بین التکلیف الذی قامت

ص:543


1- 1) مصباح الأصول 2:286-287.

علیه الحجة و استحقاق العقوبة فالاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان للجزم بعدم العقوبة لا للفراغ عن حکم العقاب المحتمل لا علی تقدیر إذ المفروض عدم احتمال العقاب لا علی تقدیر بمجرد احتمال التکلیف لأنه فرع إحراز الملازمة بین المحتملین.

و إن کان موضوع قاعدة دفع المحتمل أعم من الاحتمال علی تقدیر و لا علی تقدیر لأن ملاکه أعم کما هو واضح فاحتمال التکلیف ملازم لاحتمال العقوبة لاحتمال الملازمة واقعا بین مخالفة التکلیف و استحقاق العقوبة فالموضوع محرز قبل المراجعة إلی القاعدتین.

و حینئذ فتقدیم قاعدة قبح العقاب بلا بیان علی قاعدة دفع الضرر المحتمل لأجل أنّ قاعدة دفع الضرر المحتمل حکم فی فرض الاحتمال و قاعدة قبح العقاب بلا بیان حیث تنفی الملازمة بین مخالفة التکلیف الواقعی و استحقاق العقوبة فهی رافعة للاحتمال بتّا بحیث لا یحتمل العقوبة علی تقدیر لإبطال التقدیر بقاعدة قبح العقاب فهی واردة علی قاعدة دفع الضرر المحتمل. (1)

و الحاصل أنّ موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل(بناء علی ان المراد من الضرر هو العقوبة)هو احتمال العقوبة و هذا الموضوع أی احتمال العقوبة فرع وجود الملازمة بین العقوبة و مخالفة التکلیف الواقعی فلو قطعنا النظر عن الملازمة المذکورة فالموضوع غیر محرز و مع عدم إحراز الموضوع لا محال للتمسک بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل و لو لاحظنا وجود الملازمة المذکورة فالقاعدة جاریة لوجود موضوعها و هو احتمال العقوبة و لکنها محکومة لجریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان إذ مع جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان لا یبقی موضوع للأخری.

فإنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل حکم بوجوب الدفع فی فرض احتمال العقوبة و الاحتمال المذکور لیس إلاّ علی تقدیر وجود الملازمة بین مخالفة التکلیف الواقعی و استحقاق العقوبة و لا مجال للاحتمال المذکور بعد کون قاعدة قبح العقاب بلا بیان رافعة للملازمة بین التکلیف الواقعی الذی لم یصل و بین استحقاق العقوبة.

ص:544


1- 1) نهایة الدرایة 2:191-192.

و بعبارة أخری احتمال العقوبة الذی هو موضوع لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل موقوف علی وجود الملازمة بین التکلیف الواقعی الذی لم یصل و استحقاق العقوبة و قاعدة قبح العقاب تنفی الملازمة المذکورة و مع نفی هذه الملازمة لا یبقی الموضوع لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل.

لا یقال:إنّ قاعدة دفع الضرر المحتمل تصلح أیضا لأن تکون بیانا لأنا نقول:لا مجال لذلک لأنه مستلزم للدور إذ بیانیتها فرع تحقق موضوعها و تحقق موضوعها فرع عدم جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان الرافعة لموضوعها و عدم جریانها فرع بیانیة قاعدة دفع الضرر المحتمل فبیانیة قاعدة دفع الضرر متوقفة علی بیانیتها و هی دور فیستحیل کون قاعدة دفع الضرر بیانا.

لا یقال:إنّ الدور المذکور یتصور أیضا فی طرف قاعدة قبح العقاب بلا بیان بعد فرض صلاحیة قاعدة دفع الضرر المحتمل للبیانیة فی نفسها بتقریب أنّ جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان فرع موضوعها و هو عدم البیان و هو موقوف علی عدم بیانیة قاعدة دفع الضرر المحتمل و عدم بیانیتها موقوف علی عدم موضوعها و عدم موضوعها موقوف علی جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان و جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان موقوف علی عدم بیانیة قاعدة دفع الضرر المحتمل فعدم بیانیتها موقوف أیضا علی عدم بیانیتها و هی دور فکما انّ بیانیتها دوریة کذلک عدمها.

لأنا نقول:کما حققه المحقق الأصفهانی قدّس سرّه انّ قاعدة دفع الضرر المحتمل فی نفسها لا تصلح للبیانیة حتی یرتفع بها موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان لأن المراد بالبیان المأخوذ عدمه فی موضوعها ما یصحح المؤاخذة علی مخالفة التکلیف کالعلم التفصیلی و الاجمالی و الخبر المجعول منجزا للواقع و اشباه ذلک و هذا المعنی غیر متحقق بقاعدة دفع الضرر المحتمل لأنها إمّا حکم إرشادی من العقل بدفع العقاب المحتمل ترتبه علی التکلیف الواقعی المحتمل کما هو ظاهر العلماء أو قاعدة کلیة ظاهریة متکفلة للعقوبة علی مخالفة

ص:545

التکلیف المحتمل بما هی کذلک و إن لم یکن فی مورده تکلیف فی الواقع کما هو صریح شیخنا العلامة الأنصاری قدّس سرّه فی خصوص هذا البحث من الرسائل.

و علی ای حال فهی لیست مصححة للمؤاخذة علی مخالفة التکلیف الواقعی المحتمل (حتی یصدق البیان بوجودها)أمّا علی الأول فلأن استحقاق المؤاخذة مفروض فی موضوعها(قاعدة دفع الضرر المحتمل)لا أنه ناش من حکمها فهذا الاستحقاق المفروض الثبوت لا بد من أن یکون بسبب مصحح للمؤاخذة غیر هذه القاعدة فلذا ینحصر موردها فی صورة العلم الإجمالی بالإضافة إلی کل من الطرفین أو بالإضافة إلی الخبر المنجز للواقع علی تقدیر مصادفته و أشباه ذلک.

و أما فی ما نحن فیه فحیث لم یفرض فیه وجود المصحح فالقاعدة غیر صالحة فی نفسها للبیانیة و أما علی الثانی فلأنها علی الفرض مصحح للمؤاخذة علی مخالفة التکلیف المحتمل بما هی مخالفة له مع قطع النظر عن الواقع فکیف یعقل أن تکون بیانا مصححا للمؤاخذة علی الواقع.

و حیث إنّ عنوان القاعدة دفع الضرر المحتمل فموضوع هذا الحکم مما فرض فیه الوقوع فی العقاب علی تقدیر ثبوته فلا یعقل أن یکون هذا الحکم طریقیا لأن المنجز لا یتنجز فیستحیل أن یکون هذا الحکم العقلی طریقیا بل إذا فرض هناک حکم فهو حکم نفسی حقیقی یترتب علی مخالفته العقاب و هو أجنبی عن تنجیز الحکم الواقعی المجهول.

و حیث عرفت أنها لا تصلح أن یکون بیانا فی نفسها فلا یعقل أن یکون فی نفسها رافعة لموضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان بل رافعة لحکمها علی تقدیر سلامة موضوع نفسها فتدبره فإنه حقیق به. (1)

و علیه فتقدیم قاعدة وجوب دفع الضرر علی قاعدة قبح العقاب بلا بیان مع عدم صلاحیتها للبیان لزم أن یکون من باب التخصیص علی تقدیر سلامة موضوع نفسها لأن

ص:546


1- 1) نهایة الدرایة 2:192.

موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان محفوظ و التخصیص متوقف علی سلامة موضوع نفس قاعدة وجوب دفع الضرر و حیث إنّ المفروض عدم المصحح للعقوبة لا موضوع لقاعدة وجوب دفع الضرر حتی یخصص حکم قاعدة قبح العقاب بلا بیان فلا تغفل.

و بعبارة أخری إنّ تحقق موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بیان بعد فقدان العلم و العلمی وجدانی بخلاف موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فان العقوبة لا تحتمل إلاّ من ناحیة سبب مصحح للمؤاخذة و لا سبب له إلاّ إذا حصل العلم الإجمالی فإنّه بالإضافة إلی کل واحد من الأطراف منجزا فمع العلم الإجمالی یتحقق احتمال العقوبة و استحقاقها بالنسبة إلی کل طرف من أطرافها.

أو إلاّ إذا ورد الخبر المنجز للواقع علی تقدیر مصادفته و أشباه ذلک فإنّ مع قیام الخبر یتحقق احتمال العقوبة و استحقاقها علی تقدیر المصادفة و المفروض هو عدم وجود هذه الأسباب المصححة و نفس الحکم فی هذه القاعدة و هو وجوب الدفع لا یثبت موضوعه أیضا کما هو الواضح.

فهذه القاعدة لا مورد لها بعد عدم سبب مصحح للمؤاخذة بخلاف العکس فإنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان جاریة بالوجدان لوجود موضوعها و هو عدم البیان و ترفع احتمال العقوبة الذی لا مصحح له من ناحیة التکلیف الواقعی بصراحة نفی الملازمة بینه و بین العقوبة و علیه فمع قاعدة قبح العقاب بلا بیان ینتفی احتمال العقوبة الذی لا مصحح له علی فرض ثبوته فلا موضوع لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بأی معنی کان سواء قلنا بأن موضوعها هو احتمال له سبب مصحح أو قلنا بأن موضوعها الأعم فالأول لا موضوع لها بنفسها إذ لا سبب مصحح له علی الفرض و الثانی یرتفع بجریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان لو فرضنا أنّ موضوعها مطلق احتمال العقوبة و لو لم یکن له سبب مصحح.

قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:إنّ القیاس فی قاعدة قبح العقاب بلا بیان مرکب من صغری وجدانیة و کبری برهانیة فالنتیجة المتحصلة منهما قطعیة بتیّة و أما القیاس فی

ص:547

قاعدة وجوب دفع الضرر لیس کذلک فإنّ الصغری فیه لیس أمرا وجدانیا فعلیا بل صحة صغراه یتوقف علی أمور:إمّا تقصیر العبد فی الفحص عن تکالیفه أو کون المولی غیر حکیم أو غیر عادل أو کون العقاب بلا بیان أمرا غیر قبیح فلأجل واحد من هذه الأمور یصیر العقاب محتملا و المفروض عدم تحقق واحد منها فظهر أن الصغری فی قاعدة قبح العقاب وجدانیة قطعیة فعلیة أما الصغری فی قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل معلقة علی تحقق واحد هذه الأمور و المفروض عدم تحققها و لا شک عندئذ فی حکومة القیاس المنظم من المقدمات الفعلیة علی المتوقف علی أمور لم یحصل واحد منها بمعنی أنّ قیاس قاعدة قبح العقاب بلا بیان دافع لصغری قیاس وجوب دفع الضرر المحتمل.

و لعله إلی ذلک ینظر کلمات القوم و إلاّ فظاهر کلماتهم من ورود إحدی الکبریین علی الأخری غیر صحیح فإنّ النزاع لیس بین الکبریین بل صحتهما مما لا إشکال فیه و صدقهما لا یتوقف علی وجود مصداق لصغراه إذ العقاب بلا بیان قبیح کان بیان فی العالم أولا کما أن دفع الضرر المحتمل واجب کان الضرر فی العالم أولا فاحتمال الضرر فی بعض الموضوعات و تحقق البیان کذلک غیر مربوط بحکم الکبریین و موضوعهما فلا یکون إحدی الکبریین واردة أو حاکمة علی الأخری قط بل أحد القیاسین بعد تمامیة مقدماته وجدانا أو برهانا یدفع صغری القیاس الآخر بالبیان المتقدم. (1)

هذا کله فیما إذا کان المراد من الضرر فی قاعدة وجوب دفع الضرر هو العقوبة الأخرویة و قد عرفت أنه لا مجال لاحتمال العقوبة فی نفسه إن أرید بالاحتمال ما له سبب مصحح کما یقتضیه کون وجوب الدفع إرشادیا و إن أرید به الأعم فلا مجال له أیضا لحکومة قاعدة قبح العقاب بلا بیان علیه و أما إذا أرید من الضرر غیر العقاب الأخروی من الضرر الدنیوی الذی لا یتوقف ترتبه علی العلم أو العلمی فلا حاکم حینئذ علی قاعدة دفع الضرر المحتمل لاختصاص قاعدة قبح العقاب بالضرر الأخروی و هو العقوبة و علیه فمقتضی وجوب

ص:548


1- 1) تهذیب الاصول 2:190-191.

الدفع هو لزوم الاجتناب عن موارد الضرر المحتمل و لکن یمکن أن یقال کما أفاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه إنّ الضرر(الدنیوی)و إن کان محتملا لا یرتفع احتماله بقبح العقاب إلاّ أنّ الشبهة من هذه الجهة موضوعیة لا یجب الاحتیاط فیها باعتراف الأخباریین فلو ثبت وجوب دفع المضرة المحتملة فکان هذا مشترک الورود فلا بد علی کلا القولین اما من منع وجوب الدفع و إمّا من دعوی ترخیص الشارع و إذنه فیما شک فی کونه من مصادیق الضرر. (1)

هذا مضافا إلی إمکان المناقشة فی کبرویة القاعدة کما أفاد فی الکفایة حیث قال إنّ المتیقن من الضرر الدنیوی فضلا عن محتمله لیس بواجب الدفع شرعا و لا عقلا ضرورة عدم القبح فی تحمل بعض المضار ببعض الدواعی عقلا و جوازه شرعا مع أن احتمال الحرمة أو الوجوب لا یلازم احتمال المضرة.

و إن کان ملازما لاحتمال المفسدة أو ترک المصلحة لوضوح انّ المصالح و المفاسد التی تکون مناطات الأحکام و قد استقل العقل بحسن الأفعال التی تکون ذات المصالح و قبح ما کان ذات المفاسد لیست براجعة إلی المنافع و المضار و کثیرا ما یکون محتمل التکلیف مأمون الضرر نعم ربما یکون المنفعة أو المضرة مناطا للحکم شرعا و عقلا(و لکن لا یثبت به الکلیة).

إن قلت نعم و لکن العقل یستقل بقبح الإقدام علی ما لا یؤمن مفسدته أو أنّه کالاقدام علی ما علم مفسدته کما استدل به شیخ الطائفة قدّس سرّه علی أن الأشیاء علی الحظر أو الوقف.

قلت استقلاله بذلک ممنوع و السند شهادة الوجدان. (2)

و یؤیده اتفاق العلماء من الاصولیین و الأخباریین علی عدم لزوم الاجتناب عما یحتمل وجود المفسدة فیه فی الشبهات الموضوعیة و لو کان العقل مستقلا بوجوب الدفع ذهبوا إلی الاحتیاط فیها فتدبر.

ص:549


1- 1) فرائد الاصول:203-204.
2- 2) الکفایة 2:180.

و أما دعوی أنّ الإقدام علی الضرر الدنیوی یعد سفاهة عند العقلاء فیجب الاجتناب عنه فهی مندفعة بأن السفاهة فیما إذا لم یکن غرض عقلائی هذا مضافا إلی ما فی مصباح الاصول من أن العقل غیر مستقل بقبح الإقدام الملازم لاستحقاق العقاب لیکون حراما شرعیا و إلاّ لزم کون کل فعل سفهی حراما شرعا و هذا مما نقطع بخلافه. (1)

فتحصّل انّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لا تجری مع جریان قاعدة قبح العقاب بلا بیان لحکومتها علیها هذا فیما إذا أرید من الضرر العقوبة الأخرویة و أما إذا أرید من الضرر غیر العقاب الأخروی من المضار الدنیویة فقاعدة قبح العقاب بلا بیان لا تجری لاختصاصها بالعقوبة الأخرویة فلا حاکم حینئذ بالنسبة إلی قاعدة وجوب دفع الضرر و لکنها لا تفید بعد عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهات الموضوعیة فإنّ ذلک یکشف عن عدم وجوب دفع الضرر الدنیوی أو یکشف عن ورود الترخیص الشرعی هذا مضافا إلی منع الملازمة بین الشبهة التحریمیة و الضرر ثم إن قاعدة قبح الإقدام علی ما لا یؤمن مفسدته غیر ثابتة کما لیس الإقدام علی الضرر الدنیوی مع وجود غرض عقلائی سفاهة و علی تقدیر السفاهة لا یکون محرما.

ص:550


1- 1) مصباح الاصول 2:287.

الخلاصة

الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان

ربما یستدل بحکم العقل علی البراءة و المراد منه هو حکمه بقبح العقاب علی شیء من دون بیان التکلیف بعد الفحص و الیأس عن الظفر بما یکون حجة علی المکلف و استشهد له بحکم العقلاء کافّة لقبح مؤاخذة المولی عبده علی فعل ما یعترف المولی بعدم إعلام تحریمه لأنّه من مصادیق الظلم هذا مضافا إلی شهادة الوجدان بأنّ العقوبة و المؤاخذة بدون إقامة الحجة قبیحتان.

و یشکل ذلک بأمور:

منها:أنّ تلک القاعدة مصادرة حیث إنّ دعوی أنّ مخالفة التکلیف تمّت علیه الحجة خروج عن زیّ العبودیة فیکون ظلما قبیحا و أمّا مخالفة ما لم تتمّ علیه الحجة فلیس ظلما و لا یستحق فاعله العقاب و اللوم عین المدعی إذ ما ذا یراد بالحجة إذ لو ارید بها ما یصحح العقاب کانت القضیة بشرط المحمول و إن أرید بها العلم فهو أوّل الکلام فیکون الدلیل عین المدعی نفسه و بمنهجة غیر فنیّة لأنّه التزم فیها بأنّ مرجع قضایا یا الحسن و القبح إلی قاعدة أوّلیة بدیهیّة هی حسن العدل و قبح الظلم.

و قد تقدم أنّ قضیة قبح الظلم و حسن العدل لا یمکن أن تکون أوّلیة لأنّ الظلم عبارة عن سلب ذی حق حقه فلا بد من تشخیص الحق الذی هو من مدرکات العقل العملی نفسه فی المرتبة السابقة علیه.

و یمکن الجواب عنه بأنّ الدعوی هی أنّ قضیة حسن العدل و قبح الظلم من الوجدانیات البدیهیّة و من المعلوم أنّ الوجدانیات لا تحتاج إلی الاستدلال حتی یقال إنّ القضیة المستدل بها بشرط المعمول أو عین المدعی و مصادرة ثمّ لا منافاة بین کون القضیة المذکورة بدیهیة و بین تقدم تشخیص الحق و الظلم و العدل علی التقبیح و التحسین لأنّ تشخیص الحق و الظلم و العدل أیضا من البدیهیات و ترتب الحکم البدیهی علی الموضوع البدیهی لا ینافی بدیهیّة القضیة کما لا یخفی.

ص:551

ثمّ إنّ المراد من الحجة فی القضیة المذکورة هو ما یمکن الاحتجاج به و البیان لا عنوان ما یصحح العقوبة حتی یوجب أن یکون القضیة بشرط المحمول و حاصل القضیة أنّ مخالفة التکلیف الذی کان معلوما بالعلم أو العلمی ظلم و خروج عن زیّ العبودیة لقیام الحجة علیه بخلاف ما إذا لم یکن کذلک لعدم قیام الحجة علیه فلیست بظلم بل العقوبة علیها عقوبة بلا حجة و ظلم إذ الاحتمال عند العقلاء لیس بحجة بل هو بحکم عدم البیان.

منها:إن تلک القاعدة منافیة مع حق الطاعة قال الشهید الصدر إنّ المحقّقین من علماء الاصول قد فصّلوا بین أمرین أحدهما مولویة المولی و حق طاعته و اعتبروا المولویة و حق الطاعة کلّیا متواطئا لا تقبل الزیادة و النقصان و لیست ذات مراتب و هی عبارة عن حق طاعة کل تکلیف یصدر عن المولی واقعا إذا أتمّت علیه الحجة و البیان.

و الثانی میزان الحجیة و المنجّزیة فقالوا بأنّ البحث فی أصل المولویة موضعه علم الکلام و أمّا البحث عن میزان الحجیة فهو وظیفة البحث الأصول.

و فی هذا المجال بیّنوا قاعدتین أحدهما حجیة القطع و أنّ کل حجة لا بدّ و أن ترجع إلی القطع و الحجیة ذاتیة للقطع.

و الثانیة انتفاء الحجیة بانتفاء القطع لأنّه من مستلزمات کون الحجیة ذاتیة للقطع و هذا هو قاعدة قبح العقاب بلا بیان و ترتب علی ذلک أنّ الظن بنفسه لا یمکن أن یکون حجة فلا بد لکی یکون حجة من جعل جاعل و عندئذ نواجه حیرة فی أنّ جعل الجاعل کیف یجعل الظن حجة و متنجزا و هل ذلک إلاّ تخصیص فی حکم العقل بقبح العقاب بلا بیان مع أنّ أحکام العقل غیر قابلة للتخصیص.

و من هنا برزت اتجاهات جعل الطریقیة و العلمیة للحکومة علی حکم العقل إلی أن قال إنّ هناک خطأ أساسیا فی هذا الطرز من التفکیر حیث فصّل بین الحجیة و المولویة مع أنّه لا فصل بینهما بل البحث عن الحجیة بحیث عن حدود المولویة بحسب الحقیقة لأنّ المولویة عبارة عن حق الطاعة و العقل یدرک حق الطاعة بملاک من الملاکات کملاک شکر المنعم أو

ص:552

ملاک الخالقیة أو المالکیة و لکن حق الطاعة له مراتب و کلما کان الملاک آکد کان حق الطاعة أوسع.

فقد یفرض بعض المراتب من منعمیة المنعم لا یترتب علیه حق الطاعة إلاّ فی بعض التکالیف المهمة لا فی کلّها و قد تکون المنعمیة أوسع بنحو یترتب من الطاعة فی خصوص التکالیف المعلومة و قد تکون مولویة المولی أوسع دائرة من ذلک بأن کانت منعمیته بدرجة یترتب علیه حق الطاعة حتی فی المشکوکات و المحتملات من التکالیف.

فهذا بحسب الحقیقة سعة فی دائرة المولویة إذن فالحجیة لیست شیئا منفصلا عن المولویة و حق الطاعة و یرجع البحث فی قاعدة قبح العقاب بلا بیان إلی البحث عن أنّ مولویة المولی هل تشمل التکالیف المحتملة أم لا.

و لا شک أنّه فی التکالیف العقلائیة عادة تکون المولویة ضیقة و محدودة بموارد العلم بالتکلیف و أما فی المولی الحقیقی فسعة المولویة و ضیقها یرجع فیها إلی حکم العقل تجاه الخالق سبحانه و مظنونی أنّه بعد الالتفات إلی ما بیناه لا یبقی من لا یقول بسعة مولویة المولی الحقیقی بنحو تشمل فی التکالیف الموهومة و من هنا نحن لا نری جریان البراءة العقلیة.

و یمکن أن یقال أوّلا:إنّ الموالی العرفیة أیضا مختلفون فی سعة المولویة و ضیقها إذ بعضهم أوسع حقا من الآخرین و مع ذلک لا یحکم العقلاء بالنسبة إلی ذلک البعض بوجوب مراعاة التکالیف الموهومة بعد الفحص عنها و عدم وجدان حجة علیها.

فکما أنّ العقلاء لا یحکمون بذلک بالنسبة إلی ذلک البعض فکذلک لا یحکمون به إلی طاعة مولی الموالی.

و ثانیا:إنّ إیجاب الاحتیاط فی جمیع الامور بمجرد الاحتمال لا یناسبه حکمة الربّ المتعال و أتمیة مراتب المولویة فی المولی الحقیقی توجب أهمیة امتثال أوامره و نواهیه فی الخطابات المعلومة لا المحتملة أو الموهومة.

و ثالثا:إنّ الاحتمال لا یصلح عند العقلاء للطریقة و لذا یرخصون المکلف فی عدم

ص:553

الإتیان أو الفعل مع احتمال الوجوب فی الأوّل و الحرمة فی الثانی لأنّ احتمال التکلیف عندهم کعدمه نعم لو صرّح المولی بمراعاة الاحتیاط فی بعض المحتملات کان مراعاته لازما.

و علیه فلا مجال لاکتفاء الشارع بالاحتمال الذی لا یراه العقلاء طریقا و حجة و یؤکد هذا أنّ الشارع لم یعین طریقة أخری لامتثال أوامره و نواهیه بل اعتمد علی طریقة العقلاء کما قال عزّ و جلّ: وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً

و بقیة الکلام إن شاء اللّه تعالی عند استدلال القائلین بالاحتیاط بالوجه العقلی و منها أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان علی فرض تمامیتها محکومة بقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فإنّ حکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بیان عقلی و معه لا موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بیان بل البیان موجود و معه فلا قبح للمؤاخذة.

و اجیب عنه بأجوبة:

أحدها أنّ قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل من القواعد الکلیة الظاهریة فتدل علی العقوبة علی مخالفتها و إن لم یکن فی موردها تکلیف فی الواقع و لیست العقوبة علی التکلیف الواقعی المحتمل علی فرض وجوده و علیه فلا تصلح هذه القاعدة للورود علی قاعدة قبح العقاب بل قاعدة القبح واردة علیها لأنّ قاعدة وجوب رفع الضرر المحتمل فرع احتمال الضرر أعنی العقاب لأن الحکم الظاهری فی طول الحکم الواقعی و لا احتمال بعد حکم العقل بقبح العقوبة من غیر بیان.

و فیه أنّ احتمال التکلیف لا یزید علی القطع به و لا تعدّد للعقاب مع القطع بالتکلیف فکیف مع احتماله و لازم کون الوجوب فی قاعدة دفع الضرر المحتمل وجوبا نفسیا بناء علی کونها قاعدة ظاهریّة و لو لم یکن فی موردها تکلیف فی الواقع هو تعدد العقاب عند مصادفة احتمال التکلیف للواقع و لا یمکن الالتزام به فدعوی القاعدة الظاهریة لا وقع لها.

و ثانیها أنّ وجوب دفع الضرر المحتمل إرشادی بمعنی أنّ العقل یحکم و یرشد إلی تحصیل المؤمن من عقاب مخالفة التکلیف الواقعی علی تقدیر تحققه و الفرق بینه و بین

ص:554

الوجوب الطریقی أنّ الوجوب الطریقی هو المنشأ لاحتمال العقاب و مولاه لما کان العقاب محتملا بخلاف الإرشادی فإنّه فی رتبة لا حقة عن احتمال العقاب إذ لو لا احتمال العقاب لما کان هنا إرشاد من العقل إلی تحصیل المؤمّن.

و بذلک ظهر أنّ مورد کلّ من القاعدتین مغایر لمورد الآخر و لا منافاة بینهما لعدم اجتماعهما فی مورد واحد و بعبارة اخری مورد وجوب دفع الضرر المحتمل من ناحیة احتمال التکلیف الواقعی فرض وصول التکلیف إجمالا بنفسه أو بطریقه کما فی أطراف العلم الإجمالی و الشبهة قبل الفحص و موارد وجوب الاحتیاط الشرعی و مورد قاعدة قبح العقاب بلا بیان هی الشبهة بعد الفحص و الیأس عن الحجة علی التکلیف و من المعلوم أنّ احتمال التکلیف فیه لا یستلزم احتمال العقاب و علیه فلا توارد بین القاعدتین فی مورد واحد و فیه أنّ عدم استلزام احتمال العقوبة مع احتمال التکلیف أوّل الکلام و محتاج إلی الإثبات فمع عدم إثبات ذلک احتمال العقوبة باحتمال التکلیف موجود و مع وجود الاحتمال المذکور تتوارد القاعدتان علی مورد واحد و هو احتمال العقوبة فتأمّل.

و ثالثها أنّ موضوع قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل إمّا غیر محرز أو تکون القاعدة محکومة بقاعدة قبح العقاب بلا بیان.

أمّا الأوّل فلأنّ موضوع قاعدة دفع الضرر المحتمل إن کان احتمال العقوبة لا علی تقدیر (أی لا علی تقدیر المراجعة إلی القاعدتین)فاحتمال العقوبة قبل المراجعة إلی القاعدتین فی نفسه غیر ملازم لاحتمال التکلیف لما مر من أنّ الملازمة بین الاحتمالین فرع الملازمة بین العقوبة و مخالفة التکلیف الواقعی و قبل المراجعة إلی القاعدتین کما هو المفروض لا ملازمة بین التکلیف و العقوبة حتی تورث التلازم بین احتمال العقوبة و احتمال التکلیف و مع عدم إحراز الموضوع لا مجال للتمسک بقاعدة وجود دفع الضرر المحتمل.

و أمّا الثانی فلأنّ احتمال العقوبة علی تقدیر(أی تقدیر المراجعة إلی القاعدتین)محکوم بالعدم إذ قاعدة قبح العقاب بلا بیان تنفی الملازمة بین التکلیف و استحقاق العقوبة علی

ص:555

مخالفة بما هو بل تفید أنّ الملازمة إنّما تکون بین التکلیف الذی قامت علیه الحجة و استحقاق العقوبة فالاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان للجزم بعدم العقوبة لا للفراغ عن حکم العقاب المحتمل لا علی تقدیر إذ المفروض عدم احتمال العقاب لا علی تقدیر بمجرد احتمال التکلیف لأنّه فرع إحراز الملازمة بین المحتملین کما عرفت.

و إن کان موضوع قاعدة دفع المحتمل أعم من الاحتمال علی تقدیر و لا علی تقدیر لان ملاکه أعم کما هو واضح فاحتمال التکلیف ملازم لاحتمال العقوبة لاحتمال الملازمة واقعا بین مخالفة التکلیف و استحقاق العقوبة فالموضوع محرز قبل المراجعة إلی القاعدتین.

و حینئذ فتقدیم قاعدة قبح العقاب بلا بیان علی قاعدة دفع الضرر المحتمل لأجل أنّ قاعدة دفع الضرر المحتمل حکم فی فرض الاحتمال و قاعدة قبح العقاب بلا بیان حیث تنفی الملازمة بین مخالفة التکلیف الواقعی و استحقاق العقوبة فهی رافعة للاحتمال بتّا بحیث لا یحتمل العقوبة علی تقدیر لإبطال التقدیر بقاعدة قبح العقاب فهی واردة علی قاعدة دفع الضرر المحتمل.

و بالجملة إنّ القیاس فی قاعدة قبح العقاب بلا بیان مرکّب من صغری وجدانیة و کبری برهانیة فالنتیجة المتحصّلة منهما قطعیّة بتیّة و أمّا القیاس فی قاعدة وجوب دفع الضرر لیس کذلک فإنّ الصغری فیه لیس أمرا وجدانیا فعلیّا بل صحة صغراه یتوقف علی امور إمّا تقصیر العبد فی الفحص عن تکالیفه أو کون المولی غیر حکیم أو غیر عادل أو کون العقاب بلا بیان أمرا غیر قبیح فلأجل واحد من هذه الامور یصیر العقاب محتملا و المفروض عدم تحقّق واحد منهما فظهر أنّ الصغری فی قاعدة قبح العقاب وجدانیة قطعیة فعلیة أمّا الصغری فی قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل معلّقة علی تحقّق واحد من هذه الامور و المفروض عدم تحققها و لا شک عندئذ فی حکومة القیاس المنظم من المقدمات الفعلیة علی المتوقف علی امور لم یحصل واحد منها بمعنی أنّ قیاس قاعدة قبح العقاب بلا بیان دافع لصغری قیاس وجوب دفع الضرر المحتمل.

ص:556

هذا کله فیما إذا کان المراد من الضرر فی قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل هو العقوبة الأخرویة و أمّا إذا أرید من الضرر غیر العقاب الاخروی من الضرر الدنیوی فلا حاکم حینئذ علی قاعدة دفع الضرر المحتمل لاختصاص قاعدة قبح العقاب إلاّ بالضرر الأخروی و هو العقوبة فمقتضی وجوب الدفع هو الاحتیاط أن یقال:إنّ الشبهة من هذه الجهة موضوعیة فلا یجب الاحتیاط فیها باعتراف الأخباریین هذا مضافا إلی إمکان منع وجوب الدفع فیما إذا کان مقرونا بفرض عقلائی فتدبر جیدا.

ص:557

ادلة القائلین بالاحتیاط فی الشک فی التکلیف

و استدل للقول بوجوب الاحتیاط فی الشک فی التکلیف عند عدم قیام الحجة علیه بالأدلة الثلاثة:

أما الکتاب فبالآیات المتعددة منها التی تنهی عن القول بغیر العلم مثل قوله عزّ و جلّ:

قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبّیَ الْفَواحشَ ... وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّه ما لا تَعْلَمُونَ (1)

بتقریب أن الحکم بترخیص الشارع فی المحتمل الحرمة قول علیه بغیر علم و افتراء حیث إنه لم یؤذن فیه و یمکن الجواب عنه بما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه بأن فعل الشیء المشتبه حکمه اتکالا علی قبح العقاب من غیر بیان المتفق علیه بین المجتهدین و الأخباریین لیس من القول بغیر علم. (2)

لا یقال:بأن الحکم بالحلیة فی نفس الأمر فی الواقعة المشکوکة قول بغیر علم.

لأنا نقول:کما أفاد فی الدرر لیس ذلک قولنا حتی یکون قولا بغیر علم بل نقول بأن إتیان محتمل الحرمة بعد الفحص عن الدلیل لا یوجب عقابا فکذا ترک محتمل الوجوب و هذا لیس قولا بغیر علم بل هو مقتضی حکم العقل القطعی بقبح العقاب من دون بیان (3)و لا یکفی هذا الجواب إلاّ مع ضمیمة أن المراد من الحکم بالحلیة هی الحلیة الظاهریة لا الحلیة الواقعیة.

و من المعلوم ان ارتکاب الشبهة لا یحتاج إلی أزید من القطع بعدم العقوبة و الحلیة الظاهریة و هو حاصل بقاعدة قبح العقاب بلا بیان و أدلة البراءة و الحکم بالحلیة الواقعیة غیر محتاج إلیه حتی یقال أدلة البراءة لا تدل علی الحلیة الواقعیة بل مفادها رفع العقوبة و الثقل و الحلیة الظاهریة.

و منها:التی تدل علی النهی عن الإلقاء فی التهلکة مثل قوله عزّ و جلّ تعالی: وَ لا تُلْقُوا

ص:558


1- 1) الأعراف33/.
2- 2) فرائد الاصول:205.
3- 3) الدرر:429.

بأَیْدیکُمْ إلَی التَّهْلُکَة . (1)بتقریب أنّ الآیة الکریمة تدل علی حرمة إلقاء النفس فی التهلکة و حیث إنّ العقاب الأخروی هلاکة فلا یجوز ارتکاب الشبهات فإنها مظان الهلکات و یمکن الجواب عنه بما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه من أن الهلاک بمعنی العقاب معلوم العدم بأدلة البراءة عقلیة کانت أو شرعیة فلا موضوع للآیة الکریمة فی المقام.

و منها:التی تدل علی الأمر بالتقوی مثل قوله تبارک و تعالی: فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (2)، اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاته . (3)بتقریب أنهما یدلان علی وجوب الاحتیاط و الاتقاء بنحو الأتم و الجواب عنه ظاهر فإن المراد من التقوی کما أفاد فی مصباح الاصول إن کان هو التحفظ عن ارتکاب ما یوجب استحقاق العقاب ففیه أن ارتکاب الشبهة استنادا إلی ما یدل علی الترخیص شرعا و عقلا لیس منافیا للتقوی و إن کان المراد بها التحفظ عن الوقوع فی المفاسد الواقعیة فهو غیر واجب قطعا (4)فالأمر بالاتقاء فی الآیتین المذکورتین کالأمر بالإطاعة إرشادی فیختلف إیجابا و استحبابا بحسب اختلاف ما یرشد إلیه.

و أما الأخبار فبطوائف:

الطائفة الأولی: الأخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة

هی التی آمرة بالتوقف عند الشبهة و عدم العلم معللا فیها بأن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی المهلکة کصحیحة جمیل بن دراج عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة إنّ علی کل حق حقیقة و علی کل صواب نورا فما وافق کتاب اللّه فخذوه و ما خالف کتاب اللّه فدعوه (5)

ص:559


1- 1) البقرة195/.
2- 2) التغابن16/.
3- 3) الحج78/.
4- 4) راجع مصباح الأصول 2:298.
5- 5) الوسائل الباب 9 من ابواب صفات القاضی ح 35.

و کمقبولة عمر بن حنظلة عن أبی عبد اللّه علیه السّلام...قلت فان وافق حکّامهم الخبرین جمیعا قال إذا کان ذلک فارجئه حتی تلقی إمامک فإن الوقوف عند الشبهات خیر من الاقتحام فی الهلکات. (1)

و کموثقة مسعدة بن زیاد عن جعفر عن أبیه عن آبائه علیهم السّلام إنّ النبی صلّی اللّه علیه و آله قال لا تجامعوا فی النکاح علی الشبهة وقفوا عند الشبهة یقول إذا بلغک إنک قد رضعت من لبنها و إنّها لک محرم و ما أشبه ذلک فإن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة. (2)و غیر ذلک من الأخبار الدالة علی التوقف عند الشبهات.

و تقریب الاستدلال بهذه الأخبار إنّها تدل علی التوقف المطلق و عدم الإقدام علی فعل ما احتمل حرمته و إلاّ فالإقدام فیه یوجب الاقتحام فی العقاب علی تقدیر کونه محرما فی الواقع.

و أجیب عنه أوّلا:بأن موضوع هذه الأخبار هو ما إذا کان المضیّ فی الشبهة اقتحاما فی الهلکة.

و لا هلکة فی الشبهة الحکمیة بعد الفحص لحکومة أدلة البراءة من العقل و النقل علی مثلها و بعبارة أخری لا یبقی موضوع لأدلة التوقف مع جریان أدلة البراءة و لذا قال فی الکفایة و الجواب عنه إنّه لا مهلکة فی الشبهة البدویة مع دلالة النقل و حکم العقل بالبراءة. (3)

و بالجملة فمع تسلیم کون الأمر بالوقوف مولویا و الموضوع أی الشبهة عاما فالجواب عنه إنّ أدلة البراءة عقلیة کانت أو شرعیة تکون حاکمة بالنسبة إلی موضوع أدلة الوقوف فی الشبهات و ثانیا:بما ذکره شیخنا الأعظم قدّس سرّه من اختصاص موضوع أدلة التوقف بما إذا کان المضی فی الشبهة اقتحاما فی الهلکة و لا یکون ذلک إلاّ مع عدم معذوریة الفاعل لأجل

ص:560


1- 1) الوسائل الباب 9 من أبواب صفات القاضی ح 1.
2- 2) الوسائل الباب 157 من أبواب مقدمات النکاح ح 2.
3- 3) الکفایة 2:183-184.

القدرة علی إزالة الشبهة بالرجوع إلی الإمام علیه السّلام أو إلی الطرق المنصوبة عنه علیه السّلام کما هو ظاهر المقبولة (1)و فی المقام لا یمکن إزالة الشبهة لأن الشک بعد الفحص و الیأس فلا یعم المقام و یشهد لعدم عموم الموضوع انّه لو کان عنوان الشبهة عاما لزم منه التخصیص فی کبری أن الوقوف فی الشبهات خیر من الاقتحام فی الهلکات مع أنها آبیة عن التخصیص فکما لا عموم لها بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة فکذلک لا عموم لها بالنسبة إلی الشبهات الحکمیة بعد الفحص و مع عدم العموم لا تنافی بین أدلة الوقوف فی الشبهات و أدلة البراءة لتغایر موضوعهما کما لا یخفی.

و ثالثا:بما ذکره شیخ مشایخنا فی الدرر تبعا للشیخ الأعظم قدّس سرّه من أنّه مع فرض ظهور هذه الأخبار أی الأخبار الدالة علی التوقف عند الشبهات فی العموم(و إن الأمر بالوقوف مولوی)فلا مناص من حمل الأمر بالتوقف فیها علی إرادة مطلق الرجحان و حمل الهلکة فیها علی الأعم من العقاب و غیره من المفاسد و ذلک لأن من الموارد التی أدیت بهذه العبارة فی الأخبار علی سبیل التعلیل النکاح فی الشبهة و قد فسّره الصادق علیه السّلام بقوله إذا بلغک انک رضعت من لبنها أو انّها لک محرمة و ما أشبه ذلک و لا إشکال فی أن مثل هذا النکاح لا یجب الاجتناب عنه و لا یوجب عقابا و إن صادف المحرم الواقعی فإنّ مثل هذه الشبهة من الشبهات الموضوعیة التی یتمسک فیها بالأصل اتفاقا مضافا إلی قیام الإجماع أیضا فیها و الحاصل انّ قولهم علیهما السّلام فإن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة أجری فی موارد وجوب التوقف و فی موارد عدم وجوب التوقف فاللازم أن تحمله علی إرادة مطلق الرجحان حتی یلائم کلیهما. (2)

و توضیح ذلک کما أفاد شیخنا الاستاذ قدّس سرّه إنّ من موارد تطبیق قولهم علیهما السّلام الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة الخ نکاح المرأة التی یحتمل کونها رضیعة الإنسان ففی

ص:561


1- 1) فرائد الاصول:206.
2- 2) الدرر:431-432.

موثقة مسعدة بن زیاد عن جعفر عن آبائه علیهما السّلام انّ النبی صلّی اللّه علیه و آله قال لا تجامعوا فی النکاح علی الشبهة وقفوا عند الشبهة یقول إذا بلغک انّک قد رضعت من لبنها و أنها لک محرم و ما أشبه ذلک فإن الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة. (1)مع أن المرأة المزبورة من الشبهة الموضوعیة الغیر اللازمة الاجتناب بالاتفاق مضافا إلی نص روایة مسعدة بن صدقة(علی أنّ النکاح فی المورد المذکور جائز).

حیث عد من موارد البراءة الشرعیة المرأة التی اشتبهت کونها رضیعة الإنسان (2)(و علیه)فیتعین التصرف بحمل الهلکة و الخیریة علی ما یناسب الرجحان الأعم من المانع للنقیض و غیره (3)فیکون الأمر فیها محمولا علی إرادة مطلق الرجحان فلا یدل علی الوجوب کما أنّ المراد من الهلکة لیس هو خصوص العقوبة بل هی الأعم من المفاسد و لو کانت مثل العار و الشین فتدبر.

و رابعا:بأن الأمر بالتوقف عند الشبهة أمر إرشادی یختلف إیجابا و استحبابا حسب اختلاف ما یرشد إلیه ففی موارد یحکم العقل بقبح العقاب بلا بیان أو ورد فیها الترخیص الشرعی کالشبهة الموضوعیة أو الشبهة الحکمیة بعد الفحص یحسن الاحتیاط و فی موارد العلم الإجمالی بالتکلیف أو الشبهة الحکمیة قبل الفحص یجب الاحتیاط و علیه فلا یکون الأمر بالتوقف أمرا مولویا دالا علی الوجوب و إنما هو إرشاد إلی ما یقضیه الموارد و هو یختلف بحسب اختلافها.

و الأمر بالتوقف فی هذه الطائفة من الأخبار لا یکون أمرا مولویا یستتبع العقاب إذ التعلیل فیها بأن التوقف خیر من الاقتحام فی الهلکات لا یصح إلاّ أن تکون الهلکة مفروضة التحقق فی ارتکاب الشبهة مع قطع النظر عن هذه الأخبار الآمرة بالتوقف فلا یمکن أن تکون الهلکة المعلّلة مترتبة علی الأمر بالتوقف لأن المفروض ترتب الأمر بالتوقف علیها و

ص:562


1- 1) الوسائل الباب 157 من أبواب مقدمات النکاح ح 2.
2- 2) الوسائل الباب 4 من أبواب ما یکتسب به ح 4.
3- 3) اصول الفقه 3:584-585.

علیه فالأمر بالتوقف ناظر إلی أن لا یقع المخاطب فی الهلکات الواقعیة مع قطع النظر عن الأمر بالتوقف و هو لیس إلاّ إرشادا کما لا یخفی.و یؤید ذلک بل یشهد له تطبیق التعلیل علی الشبهة الموضوعیة مع أن الاحتیاط فیها لیس بواجب شرعا.

و دعوی أن الأمر الإرشادی إنّما قوامه بأن لا یکون المولی فی مقام إعمال حق مولویته و هو لا ینافی أن یدل بالدلالة الالتزامیة أیضا علی أمر آخر هو بناء المولی علی عدم رفع الید عن التکالیف المجهولة فإذا کان المفروض أن لفظ الشبهة أو الشبهات الواقع فی الکبری المذکورة له إطلاق أو عموم یعم کل شبهة حکمیة و حمل علیها أن ارتکابها یوجب الوقوع فی العقاب و الهلاکة یعلم منه و لو بالدلالة الالتزامیة انّه لم یغضّ العین عن التکالیف المجهولة و إلاّ لما کان مجال لاستلزام ارتکاب مطلق الشبهة الوقوع فی العقاب و الهلکة فمجرد الارشادیة لا ینفع شیئا إذا کان المفروض إطلاق أو عموم لفظ الشبهة.

مندفعة أوّلا:بأنه بناء علی کون الأمر للإرشاد لم یثبت انّ المتکلّم بصدد بیان انّ ارتکاب مطلق الشبهة یوجب الوقوع فی العقاب و ثانیا:بأن المراد من الهلکة بناء علی الإرشاد أعم من المفاسد فلا وجه لدعوی استلزام ارتکاب مطلق الشبهة للوقوع فی العقوبة فلا تغفل.

قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:إنّ فی تلک الروایات أمارات الإرشاد و لو کان فیها ما یتوهم فیه الدلالة علی الوجوب یجب التصرف فیه بالشواهد التی فی غیرها بل الظاهر عدم استعمال هذا التعلیل فی شیء من الموارد فی الوجوب و إن ذهب الشیخ و تبعه غیره فی استعماله فی روایة جمیل و المقبولة فی الوجوب لکنه غیر تام فإنّ الکبری المذکورة فی روایة جمیل أعنی قوله علیه السّلام الوقوف عند الشبهات خیر من الاقتحام فی الهلکات لا تنطبق علی ما ذکره بعده أعنی قوله علیه السّلام«و ما خالف کتاب اللّه فدعوه»لأن مخالف الکتاب لیس مما یجب فیه الوقف أو یستحب فیه التوقف بل یجب طرحه و سلب إسناده إلی الأئمة علیهما السّلام و حینئذ فلا بد أن تحمل الکبری المذکورة علی غیر هذا المورد بل تحمل علی الأخبار التی لیس

ص:563

مضامینها فی القرآن لا علی نحو العموم و لا علی الخصوص و لو لم تحمل علی هذا فلا بد أن یحمل إمّا علی الموافق للقرآن أو مخالفه صریحا و کلاهما خارجان عنها أما الموافق فیجب الأخذ به و أما المخالف فیجب طرحه لا التوقف فیه.

فانحصر حمله علی الروایات التی لا تخالف القرآن و لا توافقه.

و علی هذا فلو حملنا الأمر بالوقوف علی الاستحباب فی مورد الشبهة ثبت المطلوب و إن حملناه علی الوجوب فلا تجد له قائلا فإنّ الأخباری و الاصولی سیان فی العمل بالأخبار التی لا تخالف القرآن و لا توافقه و لم یقل أحد بوجوب الوقوف أصلا و إن کان التوقف و العمل علی طبق الاحتیاط أولی و أحسن. (1)

و خامسا بما أفاده الشهید الصدر قدّس سرّه حیث قال إنّ ظاهر هذه الطائفة التحذیر من الدخول فی الشبهة بلحاظ المحتمل لا الاحتمال فهی لا تدل علی منجزیة الاحتمال و جعل إیجاب الاحتیاط شرعا الذی هو مدعی الأخباری بل تدل علی أنه إذا کان فی المحتمل خطر و هلکة فقف عندها و لا تلج الباب لکی لا تسقط فیها و هذا إنّما یکون فی الموارد التی تکون الشبهة فیها فی أمور مضرة و خطیرة فی نفسها کما فی العقائد و الدعاوی الباطلة أو ما یکون فیها نتائج عملیة صعبة و یؤید ذلک ما ورد فی قوله علیه السّلام لا تجامعوا فی النکاح علی الشبهة و ذلک مثل أن یبلغک عن امرأة أنّها رضت معک أو أنها محرمة علیک وقفوا عن الشبهة فإنّ الوقوف عند الشبهة خیر من اقتحام الهلکة فإن هذه الروایة من الواضح کون النظر فیها إلی خطر المحتمل لا الاحتمال فإن الشبهة موضوعیة و الاستصحاب أیضا یقتضی حلیة النکاح فالمنظور فیها الخطر الذی ینشأ بعد ذلک من جانب المتحمل إذا ما انکشف انّ المرأة کانت محرمة علیه و لا أقل من احتمال هذا المعنی فی هذه الطائفة و الذی یوجب سقوط الاستدلال بها. (2)

ص:564


1- 1) تهذیب الاصول 2:199.
2- 2) مباحث الحجج 2:92-93.

و لا یخفی أن هذا الوجه فی الحقیقة توجیه آخر لکون الأمر فی هذه الطائفة للإرشاد کأنه قال قف عند الشبهات فإنه ربما یکون المحتمل فیها موجبا للخطر فتحصل أن الأمر بالتوقف إن کان مولویا و الموضوع عاما کان الدلیل الدال علی التوقف محکوما لأدلة البراءة عقلیة کانت أو نقلیة إذ موضوع الأمر بالتوقف هو التوقف عن الاقتحام فی الهلکة و لا هلکة بعد دلالة العقل و النقل علی البراءة و أیضا إن کان الأمر بالتوقف مولویا و لکن الموضوع مختص بالفاعل الغیر المعذور فلا منافاة بین دلیل التوقف و أدلة البراءة لتغایر موضوعهما کما لا یخفی.

و هکذا لا منافاة بینهما إذا کان الأمر بالتوقف إرشادیا أو محمولا علی مطلق الرجحان و بالجملة فلا دلالة لهذه الطائفة من الأخبار علی منجزیة الاحتمال و وجوب الاحتیاط فی الشبهة التحریمیّة.

الطائفة الثانیة:الاخبار الآمرة بالاحتیاط و هی کثیرة

منها:صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی الحسن علیه السّلام الواردة فی رجلین أصابا صیدا و هما محرمان فلم یدریا أن الجزاء بینهما أو أن علی کل منهما جزاء مستقلا قال لا بل علیهما أن یجزی کل واحد منهما الصید قلت إنّ بعض أصحابنا سألنی عن ذلک فلم أدر ما علیه فقال علیه السّلام إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعلیکم بالاحتیاط حتی تسألوا عنه فتعلموا. (1)

و تقریب الاستدلال مبنی علی إرجاع قوله علیه السّلام«إذا أصبتم مثل هذا»إلی نفس واقعة الصید و الشک فی حکمها إذ من المعلوم أن الأمر بالاحتیاط حینئذ یکون فی الشبهة الحکمیة و حیث إنّ الجواب المذکور أی وجوب الاحتیاط مفروض فی موضوع مثل هذا یعلم أن خصوصیة صید المحرم لا دخل لها فی وجوب الاحتیاط و أجاب عنه الشیخ الأعظم بأن ظاهر الروایة التمکن من استعلام حکم الواقعة بالسئوال و التعلیم فیما بعد و لا مضایقة عن

ص:565


1- 1) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 1.

القول بوجوب الاحتیاط فی هذه الواقعة الشخصیة حتی یتعلم المسألة لما تستقبل من الواقع. (1)

و لقد أفاد و أجاد و لکن لا وجه لجعل وجوب الاحتیاط فی خصوص هذه الواقعة مع أنّ الجواب مترتب علی مثل هذا و الحاصل أنّ مفاد الحدیث حینئذ انّ الوظیفة فی الشبهة الحکمیة مع إمکان استعلام الحکم هو وجوب الاحتیاط و لا کلام فیه و لکن ما نحن فیه لیس من هذا القبیل لأن المفروض فی المقام بعد الفحص و عدم الظفر بشیء و عدم التمکن من الاستعلام من الإمام علیه السّلام.

هذا مضافا إلی أن الشبهة هی الشبهة الوجوبیة إذ التردید فی وجوب الجزاء علی کل واحد مستقلا مع أن الکلام فی الشبهة التحریمیة و التمسک به فی الشبهة التحریمیّة یستلزم التمسک به فی الشبهة الوجوبیة أیضا مع أن الأخباری لا یقول به کما أفاد فی الدرر. (2)

نعم لو بنینا علی أن قوله علیه السّلام«إذا أصبتم مثل هذا»راجع إلی الفقرة الأخیرة فی الروایة أعنی قوله قلت إنّ بعض أصحابنا سألنی عن ذلک فلم أدر ما علیه کانت الشبهة هی الشبهة التحریمیة و أمره بالاحتیاط یرجع إلی المنع عن المبادرة إلی الجواب مع التمکن من التعلم بل اللازم علیه هو الکف عن الإفتاء و لو بوجوب الاحتیاط حتی یسأل عن حکمه و لکن موضوع هذا المنع أیضا هو التمکن من التعلم و ما نحن فیه لیس کذلک لأن المفروض هو الفحص و الیأس عن الدلیل.

و منها:موثقة عبد اللّه بن وضّاح قال کتبت إلی العبد الصالح علیه السّلام یتواری القرص و یقبل اللیل ثم یزید اللیل ارتفاعا و تستتر عنّا الشمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و یؤذن عندنا المؤذنون أ فاصلی حینئذ و أفطر إن کنت صائما أو انتظر حتی تذهب الحمرة التی فوق الجبل فکتب إلیّ أری لک أن تنتظر حتی تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدینک. (3)و الطریق المذکور فی الوسائل موثّق.

ص:566


1- 1) فرائد الاصول:210.
2- 2) الدرر:434 ط جدید.
3- 3) الوسائل الباب 16 من أبواب المواقیت ح 14.

و تقریب الاستدلال بهذه الموثقة بأن الظاهر منها هو السؤال عن الشبهة الحکمیة و علیه فقوله علیه السّلام فی الجواب و تأخذ بالحائطة لدینک بیان للزوم الاحتیاط بذکر مناطه کما فی قولک للمخاطب أری لک أن توفی دینک و تخلص نفسک و الحاصل أن الروایة تدل علی لزوم الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة مطلقا.

و لا یخفی علیک أنه إن کانت الشبهة المذکورة فی الروایة حکمیة من جهة أنّ السائل احتمل اشتراط ذهاب الحمرة المشرقیة فی تحقق الغروب الشرعی ففیه کما فی فرائد الاصول إن إرادة الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة و إن کانت بعیدة عن منصب الإمام علیه السّلام لأنه لا یقرر الجاهل بالحکم علی جهله إلاّ أنه یمکن أن یکون هذا النحو من التعبیر لأجل التقیة لإیهام أنّ الوجه فی التأخیر هو حصول الجزم باستتار القرص و زوال احتمال عدمه لا أنّ المغرب لا یدخل مع تحقق الاستتار کما أنّ قوله«اری لک أن تنتظر»یستشم منه رائحة الاستحباب فلعل التعبیر به مع وجوب التأخیر من جهة التقیة و حینئذ فتوجیه الحکم بالاحتیاط لا یدل إلاّ علی رجحانه. (1)

فالاحتیاط لیس جدیا و إنما أمر به لأجل التقیة و مع هذا البیان یسقط الاستدلال بالروایة علی وجوب الاحتیاط قال فی الدرر و یمکن أن یکون قوله علیه السّلام«و تأخذ بالحائطة لدینک»متمما للفقرة الأولی لا تعلیلا لها فالمراد علی هذا أنّه یجب علیک الانتظار علی نحو الاحتیاط من دون أن یلتفت إلی مذهبک أحد. (2)و هو یرجع أیضا إلی أنّ الأمر بالاحتیاط لأجل التقیة لا من جهة لزوم الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة.

هذا مضافا إلی ما فی مباحث الحجج من إمکان حمل الروایة فی هذا الفرض علی الإرادة الجدیة من ناحیة الاحتیاط بدعوی أن ذهاب الحمرة المشرقیة لیس مأخوذا فی الحکم الواقعی بنحو الموضوعیة و الشرطیة بل بنحو المعرفیة و الطریقیة إلی مرتبة من غیاب

ص:567


1- 1) فرائد الاصول:210.
2- 2) الدرر:434.

الشمس فی الأفق لا یمکن إعطاء ضابطها الموضوعی الدقیق فجعل ذهاب الحمرة المشرقیة قرینة و کاشفا عنها باعتبار أنه کلّما تحقق ذهاب الحمرة تحققت تلک المرتبة من استتار الشمس و إن کان قد تحقق تلک المرتبة(و لو فی بعض البلدان)قبل ذهاب الحمرة المشرقیة کاملة فالکاشف أخص من المنکشف لامسا و معه و من هنا صحّ التعبیر عنه بالاحتیاط لأنه حکم ظاهری طریقی فی واقعة إلاّ أنه بناء علی هذا أیضا لا تدل الروایة علی وجوب الاحتیاط بل علی احتیاط و طریقیة لکاشف خاص فی مورد مخصوص یکون الشک فیه فی الامتثال فلا یمکن التعدی منه و اقتناص قاعدة کلیة (1)

و ان کانت الشبهة المذکورة فی الروایة موضوعیة لاحتمال عدم استتار القرص و کون الحمرة المرتفعة علی الجبل غیر الحمرة المشرقیة بل هی الحمرة التی تکون أمارة علی وجود الشمس فلا ریب حینئذ کما أفاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه إنّ الانتظار مع الشک فی الاستتار واجب لأنه مقتضی استصحاب عدم اللیل و الاشتغال بالصوم و قاعدة الاشتغال بالصلاة فالمخاطب بالأخذ بالحائطة هو الشاک فی براءة ذمته عن الصوم و الصلاة و یتعدی منه إلی کل شاک فی براءة ذمته عما یجب علیه یقینا لا مطلق الشاک لأن الشاک فی الموضوع الخارجی مع عدم تیقن التکلیف لا یجب علیه الاحتیاط باتفاق من الأخباریین هذا کله علی تقدیر القول بکفایة استتار القرص فی الغروب و کون الحمرة غیر الحمرة المشرقیة (2)و لا ارتباط حینئذ للأمر بالاحتیاط بالشبهة الحکمیة التحریمیة

و منها:ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسی فی(أمالیه)عن أبیه عن المفید عن علی بن محمّد الکاتب عن زکریا بن یحیی التمیمی عن أبی هاشم داود بن القاسم الجعفری عن الرضا علیه السّلام أن أمیر المؤمنین علیه السّلام قال لکمیل بن زیاد أخوک دینک فاحتط لدینک بما شئت. (3)

ص:568


1- 1) مباحث الحجج 2:101.
2- 2) فرائد الاصول:210.
3- 3) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 41.

و مع الغمض عما فی سنده و الاکتفاء بنقل الشیخ المفید فی وثاقة علی بن محمّد الکاتب کما ذهب إلیه شیخنا الأعظم و عبر عنه بالصحیح أمکن الجواب عنه بما أفاده الشیخ الأعظم من أن المراد ان أی مرتبة من الاحتیاط شئتها فهی فی محلها و لیس هنا مرتبة من الاحتیاط لا یستحسن بالنسبة إلی الدین لأنه بمنزلة الأخ الذی هو لک و لیس بمنزلة سایر الأمور لا یستحسن فیها بعض مراتب الاحتیاط کالمال و ما عدا الأخ من الرجال فهو بمنزلة قوله فاتقوا اللّه ما استطعتم (1)فهو أمر بأعلی مراتب الاحتیاط فی جمیع الأمور و من المعلوم أنه لا یدل علی الوجوب بل یناسب الرجحان و الاستحباب.

و مما ذکر یظهر الجواب عن الاستدلال بالمرسلات المحکیّة عن الشهید سل العلماء ما جهلت و إیّاک أن تسألهم تعنّتا و تجربة و إیّاک أن تعمل برأیک شیئا و خذ بالاحتیاط فی جمیع امورک ما تجد إلیه سبیلا و اهرب من الفتیا هربک من الأسد و لا تجعل رقبتک عتبة للناس. (2)

و قال الصادق علیه السّلام لک أن تنظر الحزم و تأخذ بالحائطة لدینک. (3)

و ذلک لأنها مضافا إلی ضعفها بالإرسال تدل علی وظیفة أخلاقیة لأنّ الاحتیاط فی جمیع الأمور لا یناسب الوجوب کما أنّ النهی عن الفتیا و التحذیر عنها لأنها مسئولیة و تضمین لأعمال الناس یدل علی لزوم المراقبة و هو أمر یلتزم به المجتهدون شکر اللّه مساعیهم الجمیلة ثم قوله لک ان تنظر الخ لا یدل علی الوجوب إذ جعل الاحتیاط باختیار المکلف و کونه نافعا له لا یدل علی أزید من استحباب الاحتیاط.

هذا مضافا إلی أنه لو سلم دلالة هذه الأخبار الآمرة بالاحتیاط علی وجوبه فحیث إنّ أدلة الإباحة أخصّ منها لاختصاصها بالشبهة الحکمیة بعد الفحص و لا تعم الشبهة قبل الفحص بخلاف هذه الأخبار و هکذا لا تعمّ الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالی بخلاف هذه

ص:569


1- 1) فرائد الاصول:211.
2- 2) الوسائل الباب 12 من صفات القاضی ح 54.
3- 3) الوسائل الباب 12 ح 58.

الأخبار هذا مضافا إلی اختصاص بعض أخبار البراءة بالشبهة التحریمیة.

أمکن أن یقال بتخصیص هذه الأخبار الآمرة بالاحتیاط بأخبار الإباحة لأن النسبة بینهما هی العموم و الخصوص و لو سلمنا أنّ النسبة بین أخبار الاحتیاط و أخبار الإباحة هی العموم من وجه فمقتضی القاعدة هو التساقط و الرجوع إلی قاعدة قبح العقاب بلا بیان لأنّ المفروض بعد تعارض الأخبار و سقوطها لا بیان کما لا یخفی.

و هنا وجه آخر أشار إلیه فی الکفایة بقوله قدّس سرّه إنّ أخبار البراءة أظهر. (1)

و لعل وجه ذلک ظاهر لأنّ مثل کلمة«حلال»و«مطلق»و«هم فی سعة»فی أخبار البراءة أظهر من دلالة الأمر بالاحتیاط علی الوجوب فیحمل الظاهر علی الأظهر و یرفع الید عن ظهور الأمر فی وجوب الاحتیاط و یحمل علی الرجحان الجامع بین الوجوب و الندب و لو اغمضنا عما ذکر جمیعا أمکن ان یقال کما فی مصباح الاصول انّ أخبار الاحتیاط و التوقف لا تعارض أدلة الإباحة و ذلک لأن استصحاب عدم جعل الحرمة یکون رافعا لموضوع هذه الأخبار إذ به یحرز عدم التکلیف و عدم العقاب فیتقدم علیها لا محالة (2)لأن مع جریان الأصل الموضوعی لا مجال للشک حتی یتمسک فیه بأخبار الاحتیاط أو أخبار التوقف لتقدم الأصل الموضوعی علی الأصل الحکمی کما لا یخفی.

الطائفة الثالثة: أخبار التثلیث

هی أخبار التثلیث منها مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق علیه السّلام انّه قال فی الخبرین المتعارضین...ینظر إلی ما کان من روایتهم عنا فی ذلک الذی حکما به المجمع علیه من أصحابک فیوخذ به من حکمنا و یترک الشاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک فإن المجمع علیه لا ریب فیه.

و إنّما الأمور ثلاثة أمر بیّن رشده فیتبع و أمر بیّن غیّه فیجتنب و أمر مشکل یرد علمه إلی

ص:570


1- 1) الکفایة 2:184.
2- 2) مصباح الاصول 2:302.

اللّه و إلی رسوله قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله حلال بیّن و حرام بیّن و شبهات بین ذلک فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حیث لا یعلم الحدیث. (1)

وجه الاستدلال بهذه الروایة انّ الاستشهاد بقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله یدل علی أنّ الأمر بترک الشاذ یکون من جهة کونه شبهة و یجب الاحتیاط فیها هذا مضافا إلی أنّ تفرّع قوله صلّی اللّه علیه و آله«فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حیث لا یعلم»علی التثلیث یدل علی أنّ تخلّص النفس من المحرمات و لو کانت من الشبهات واجب قال الشیخ الأعظم فی مقام تقریب الاستدلال بهذه الروایة أنّ الإمام علیه السّلام أوجب طرح الشاذ معللا بأنّ المجمع علیه لا ریب فیه و المراد أنّ الشاذ فیه الریب لا أن الشهرة تجعل الشاذ مما لا ریب فی بطلانه و إلاّ لم یکن معنی لتأخیر الترجیح بالشهرة عن الترجیح بالأعدلیة و الأصدقیة و الأورعیة و لا لفرض الراوی الشهرة فی کلا الخبرین و لا لتثلیث الأمور ثم الاستشهاد بتثلیث النبی صلّی اللّه علیه و آله.

و الحاصل إنّ الناظر فی الروایة یقطع بأنّ الشاذ مما فیه الریب فیجب طرحه و هو الأمر المشکل الذی أوجب الإمام علیه السّلام ردّه إلی اللّه و رسوله فیعلم من ذلک کله أنّ الاستشهاد بقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی التثلیث لا یستقیم إلاّ مع وجوب الاحتیاط و الاجتناب عن الشبهات مضافا إلی دلالة قوله نجی من المحرمات بناء علی أنّ تخلص النفس من المحرمات واجب و قوله وقع فی المحرمات و هلک من حیث لا یعلم. (2)

و الجواب عنه أوّلا:بأنّ هذه الروایة أجنبیة عن محل الکلام فإنّ السؤال فیه کما أفاد فی الدرر إنّما یکون عن الخبرین المتعارضین و إنّه بأیهما یجب الأخذ علی أنه طریق و حجة فیستفاد من الجواب بملاحظة عموم التعلیل إنّ الأخذ بکل ما فیه الریب بعنوان أنّه حجة

ص:571


1- 1) الکافی 1:67 ح 10.
2- 2) فرائد الاصول:211.

بینه و بین اللّه غیر جائز و لا شک فی ذلک و لا دخل له بما نحن بصدده من لزوم الاحتیاط فی مقام العمل و عدمه. (1)

و علیه فإیجاب الأخذ بالمشهور و طرح الشاذ النادر معللا بأنّ المجمع علیه لا ریب فیه لا یدل علی وجوب رفع الید عن شرب التتن مثلا بدعوی أنّه مما فیه ریب و ترکه مما لا ریب فیه لأن الکلام المذکور فی الروایة راجع إلی الأخذ بالروایة بعنوان أنّه طریق و حجة و بعبارة أخری الروایة ناظرة إلی الأخذ بالروایة المشتبهة حجیّتها لا العمل و الإتیان بالمشتبه الحکم فما شک فی دلیلیته مطروح و لا یعتمد علیه فی مقام الإفتاء و بیان الحکم الشرعی و هذا أمر لا خلاف فیه و الشاهد علی ذلک کما فی مباحث الحجج هو التعبیر بالاتباع فی التثلیث الأول حیث قال و إنّما الأمور ثلاثة أمر بین رشده فیتبع و أمر بین غیّه فیجتنب و امر مشکل یرد علمه إلی اللّه و إلی رسوله.

فإنّ الاتباع یناسب باب الروایات و الدلالات و لا یناسب اضافته إلی الحرمة و الحلیة کحکمین واقعیین بل لا معنی لإسناده إلی المشکل لأن الوارد فیها(و أمر مشکل یرد حکمه إلی اللّه)إذ لو کان المقصود به الاحتیاط دخل ذلک فیما یجتنب و لم یکن الرد قسما ثالثا فلا محالة یراد بالرد عدم الحجیة. (2)

و ثانیا:کما فی الدرر بأن التثلیث المذکور فی کلام الإمام علیه السّلام و حکمه برد المشکل إلی اللّه و إلی رسوله صلّی اللّه علیه و آله یکون ظاهرا فی النهی عن القول بغیر علم و لا إشکال فیه و لا یدفع ما ندعیه من المطلب الاصولی من جواز الارتکاب فی قبال وجوب الاجتناب. (3)

و ثالثا:کما فی مصباح الاصول بأن ما ثبت فیه الترخیص ظاهرا من قبل الشارع داخل فی ما هو بیّن رشده لا فی المشتبه کما هو الحال فی الشبهات الموضوعیة و بالجملة المشکوک حرمته کالمشکوک نجاسته و کما أن الثانی غیر مشمول لهذه الأخبار کذلک الأول و الملاک فی

ص:572


1- 1) الدرر:435.
2- 2) مباحث الحجج 2:98.
3- 3) راجع الدرر:435-اصول الفقه لشیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه 3:589.

الجمیع ثبوت الترخیص المانع من صدق المشتبه علی المشکوک فیه حقیقة و إن صح إطلاقه علیه بالعنایة باعتبار التردد فی حکمه الواقعی. (1)

و رابعا:کما فی منتقی الاصول إنّ استشهاد الإمام علیه السّلام بقول النبی صلّی اللّه علیه و آله لا یقتضی کون ترک المشتبه و الاجتناب عنه واجبا بل یصح الاستشهاد المذکور حتی مع کون الترک راجحا بالمعنی الجامع بین الوجوب و الاستحباب أی مطلق الرجحان و ذلک لأنّ قوله صلّی اللّه علیه و آله ارشاد إلی أن فی ارتکاب الشبهات مظنّة الضرر و التحرز عن الضرر قد یکون واجبا إذا کان الضرر المحتمل هو العقاب منجزا علی تقدیر وجوده و قد لا یکون کذلک کما إذا لم یکن العقاب منجزا علی تقدیر وجوده کما فی الشبهات الموضوعیة مطلقا و الوجوبیة الحکمیة باتفاق الاصولیین و الأخباریین و الشبهات التحریمیة حسب رأی الاصولیین و الاستشهاد بمثل هذا الکلام الدالّ علی الجامع بین الوجوب و الاستحباب لمورد یکون الاجتناب و الترک فیه واجبا کترک الخبر الشاذ الذی هو مورد الروایة لا محذور فیه أصلا إلی أن قال فلا دلالة للروایة إذن علی وجوب الاحتیاط. (2)

و منها:مرسلة الصدوق قال إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام خطب الناس فقال فی کلام ذکره حلال بیّن و حرام بیّن و شبهات بیّن ذلک فمن ترک ما اشتبه علیه من الاثم فهو لما استبان له أترک و المعاصی حمی اللّه فمن یرتع حولها یوشک أن یدخلها. (3)

و الروایة مرسلة و أمّا ما قیل من اعتبار مرسلات الصدوق لأن إرساله حاک عن اطمینانه بالصدور ففیه أنّ حصول الاطمینان له لا یلزم ذلک لنا هذا مضافا إلی احتمال کون بعض المرسلات المذکورة فی الفقیه مرسلات الکتب التی نقل الصدوق منها.

هذا مضافا إلی أن الموضوع فی کلامه علیه السّلام هو الاثم المشتبه و هو لا یکون إلاّ فی موارد العلم بالتکلیف إجمالا أو فی موارد یکون الحکم منجزا کما فی الشبهة الحکمیة قبل الفحص

ص:573


1- 1) مصباح الاصول 2:301.
2- 2) منتقی الاصول 4:482.
3- 3) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 22.

فلا یعم الشبهة الحکمیة بعد الفحص لأن الاثم لا مورد له فیها بعد حکم العقل و الشرع بعدم العقاب.

و منها:معتبرة جمیل بن صالح محمّد بن علی بن الحسین بإسناده عن علی بن مهزیار عن الحسین بن سعید عن الحارث بن محمّد بن النعمان الأحول عن جمیل بن صالح عن الصادق علیه السّلام عن آبائه علیهما السّلام قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی کلام طویل الأمور ثلاثة أمر تبیّن لک رشده فاتبعه و أمر تبیّن لک غیّه فاجتنبه و أمر اختلف فیه فردّه إلی اللّه عزّ و جلّ. (1)

و الحارث بن محمّد بن النعمان و إن لم یوثق و لکن له أصل و کتاب قال النجاشی کتابه یرویه عدة من أصحابنا منهم الحسن بن محبوب و من المعلوم أن نقل الأجلاء و الأکابر مثل الحسن بن محبوب عن أصله و کتابه مما یوجب الاطمئنان بوثاقته و علیه فالروایة معتبرة إلاّ أنه لا تدل علی المقام فإنّ الاتباع و ردّه إلی اللّه کما عرفت سابقا یناسب باب الروایات و الأخبار لا الارتکاب و الاقتحام فلا تغفل.

و منها:خبر النعمان بن بشیر قال سمعت رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله یقول إنّ لکل ملک حمی و إنّ حمی اللّه حلاله و حرامه و المشتبهات بین ذلک کما لو أنّ راعیا رعی إلی جانب الحمی لم یثبت غنمه أن تقع فی وسطه فدعوا المشتبهات. (2)

و لا یخفی ان التنظیر و التشبیه فی هذا الحدیث قرینة الإرشاد و عدم الوجوب و ذلک لأن الاجتناب عن حالة الإشراف علی الحرام راجح و لیس بواجب هذا مضافا إلی ضعف الخبر لجهالة عدة من رواته.

و نحو هذا الخبر ما رواه سلام بن المستنیر عن أبی جعفر علیه السّلام قال قال جدی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی حدیث یأمر بترک الشبهات بین الحلال و الحرام.

و من رعی ماشیته قرب الحمی نازعته نفسه إلی أن یرعاها فی الحمی ألا و إنّ لکل ملک حمی ألا و إنّ حمی اللّه عزّ و جلّ محارمه فتوقّوا حمی اللّه و محارمه الحدیث. (3)

ص:574


1- 1) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 23.
2- 2) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 40.
3- 3) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 47.

فإنّ هذا اللسان لسان الرجحان و الإرشاد لعدم حرمة الإشراف کما عرفت هذا مضافا إلی ضعف الخبر.

و منها:موثقة فضیل بن عیاض عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قلت له من الورع من الناس قال الذی یتورع عن محارم اللّه و یجتنب هؤلاء فإذا لم یتق الشبهات وقع فی الحرام و هو لا یعرفه الحدیث. (1)

و من المعلوم ان لسان قوله علیه السّلام فإذا لم یتق الشبهات وقع فی الحرام و هو لا یعرفه لسان الارشاد لا الوجوب و ایضا قوله علیه السّلام یتورع و یجتنب الخ فی مقام تعریف الورع الذی بلغ من الکمال إلی المراتب العالیة لا یدل علی اللزوم و الوجوب کما لا یخفی.

و بالجملة کما قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه إنّ هذه الأخبار ظاهرة فی الاستحباب لقرائن مذکورة فیها. (2)

هذا مضافا إلی إمکان الجواب عن هذه الروایات ببعض ما مرّ فی المقبولة من أنّ ما ثبت فیه الترخیص ظاهرا من قبل الشارع داخل فی ما هو بیّن رشده لا فی المشتبه و لا أقل من الشک فی ذلک فلا یمکن التمسک بها مع الشک فی تحقق موضوعها فتحصل من جمیع ما ذکرناه عدم تمامیة الأدلّة النقلیة لإفادة وجوب الاحتیاط فی الشبهات التحریمیة بعد الفحص و علیه فکما لا یجب الاجتناب عن الشبهات الوجوبیة بعد الفحص فکذلک لا یجب الاجتناب عن الشبهات التحریمیة بعد الفحص من دون فرق بینهما و اللّه هو الهادی للصواب.

ص:575


1- 1) الوسائل الباب 12 من أبواب صفات القاضی ح 25.
2- 2) فرائد الاصول:212.
الخلاصة

أدلّة القائلین بالاحتیاط فی الشکّ فی التکلیف

و استدل للقول بوجوب الاحتیاط فیه بالأدلّة الثلاثة:

أمّا الکتاب فبالآیات المتعدّدة منها التی تنهی عن القول بغیر العلم کقوله عزّ و جلّ وَ أَنْ تَقُولُوا عَلَی اللّه ما لا تَعْلَمُونَ

بدعوی أنّ الحکم بترخیص الشارع فی المحتمل الحرمة قول بغیر علم و أجیب عنه بأنّ فعل الشیء المشتبه حکمه اتکالا علی قاعدة قبح العقاب بلا بیان لیس من القول بغیر علم.

لا یقال:إنّ الحکم بالحلّیّة فی الواقعة المشکوکة قول بغیر علم.

لأنّا نقول الحکم بالحلیة الواقعیة فی الواقعة المشکوکة قول بغیر علم و أمّا الحکم بالحلّیة الظاهریة لا یکون کذلک و جواز ارتکاب الشبهة منوط بالحلیة الظاهریة و لا یحتاج إلی إثبات الحلیة الواقعیّة حتی یقال أدلّة البراءة لا تدلّ علیها.

و منها:التی تدل علی النهی عن الإلقاء فی التهلکة کقوله جل و علا وَ لا تُلْقُوا بأَیْدیکُمْ إلَی التَّهْلُکَة

و اجیب عنه بأنّ الهلاکة بمعنی العقاب معلوم العدم بأدلّة البراءة عقلیة کانت أو شرعیة فلا موضوع للآیة الکریمة فی المقام.

و منها:التی تدلّ علی الأمر بالتقوی مثل قوله عزّ و جلّ (فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) بتقریب أنّها تدلّ علی وجوب الاحتیاط بنحو الأتم.

و اجیب عنه بأنّ ارتکاب الشبهة استنادا إلی ما یدلّ علی الترخیص شرعا و عقلا لیس منافیا للتقوی.

و أمّا الأخبار فبطوائف الطائفة الأولی:

هی التی تدلّ علی التوقف عند الشبهة معلّلا بأنّ الوقوف عند الشبهة خیر من الاقتحام فی الهلکة.

ص:576

(أجیب عنه بأنّه لا هلکة فی الشبهة الحکمیة بعد الفحص لحکومة أدلّة البراءة من العقل و النقل علی مثل هذه الطائفة کما لا هلکة فی الشبهة الموضوعیة هذا مضافا إلی تطبیق التعلیل علی الشبهة الموضوعیة التی لا یلزم الاجتناب عنها بالاتفاق و علیه فاللازم هو أن یتصرف فی الخیریة بحملها علی ما یناسب الرجحان بأن یکون المراد من الأمر بالوقوف مطلق الرجحان کما أنّ المراد من الهلکة الأعم من المفاسد و لو کانت مثل العار و الشین.

علی أنّ هذه الأخبار تدل علی أنّه إذا کان فی المحتمل خطر و هلکة فقف عندها لکی لا تسقط فیها فالنظر فیها إلی المحتمل لا الاحتمال فلا تدلّ علی منجزیة الاحتمال و جعل إیجاب الاحتیاط شرعا بل هو إرشاد لأنّ الهلکة مفروضة التحقق فی ارتکاب الشبهة مع قطع النظر عن الأمر بالتوقف.

الطائفة الثانیة:هی الأخبار الآمرة بالاحتیاط و هی کثیرة

منها:صحیحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبی الحسن علیه السّلام فی رجلین أصابا صیدا و هما محرمان فلم یدریا أنّ الجزاء بینهما أولان علی کل منهما جزاء مستقلا قال لا بل علیهما أن یجزی کل واحد منهما الصید قلت إنّ بغض أصحابنا سألنی عن ذلک فلم أدر ما علیه فقال علیه السّلام إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعلیکم بالاحتیاط تسألوا عنه فتعلموا.

و تقریب الاستدلال بها أنّ فی الشبهة حکمیة أمر الإمام علیه السّلام بالاحتیاط

و أجیب عنه بأنّ ظاهر الروایة هو صورة التمکن من استعلام حکم الواقعة بالسئوال و لا مضایقة عن القول بوجوب الاحتیاط فی هذه الصورة و المقام لیس کذلک لأنّ المفروض عدم التمکن من الاستعلام عن الإمام علیه السّلام.

و منها:موثقة عبد اللّه بن وضاح«قال کتبت إلی العبد الصالح علیه السّلام»یتواری القرص و یقبل اللیل ثمّ یزید اللیل ارتفاعا و تستر عنا الشمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و یؤذن عندنا المؤذنون أ فاصلی حینئذ و أفطر إن کنت صائما أو انتظر حتی تذهب الحمرة التی فوق الجبل فکتب إلیّ أری لک.

أن تنتظر حتی تذهب الحمرة و تأخذ بالحائطة لدینک بدعوی أنّ الظاهر منها هو

ص:577

السؤال عن الشبهة الحکمیة و علیه فقوله علیه السّلام و تأخذ بالحائطة لدینک بیان للزوم الاحتیاط.

و فیه أنّ الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة بعید عن مثل الإمام علیه السّلام لأنّ علیه أن یرشد الجاهل بالحکم لا أن یقرره علی جهله فتحمل الروایة علی الشبهة الموضوعیة بأن یکون مورد الموثقة عدم حصول العلم باستتار القرص لحیلولة الجبل فأمر بالانتظار حتی یحصل العلم فالأمر بالاحتیاط یکون فی الشبهة الموضوعیة التی کان مقتضی الاستصحاب عدم استتار القرص فلا یتعدی عن هذا المورد إلاّ إلی مثله من کل مکلّف یشک فی براءة ذمته عما اشتغل ذمته به لا مطلق الشاک.

هذا مضافا إلی احتمال أن یکون الأمر بالاحتیاط لأجل التقیة فلا تستفاد منها لزوم الاحتیاط فی الشبهة الحکمیة فلا تغفل.

و منها:خبر أبی هاشم الجعفری عن الرضا علیه السّلام أنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام قال لکمیل بن زیاد أخوک دینک فاحتط لدینک بما شئت و نحوه سائر المرسلات الحکمیة کقوله علیه السّلام لک أن تنتظر الجزم و تأخذ الحائطة لدینک و فیه أنّه أمر بأعلی مراتب الاحتیاط فی جمیع الامور و من المعلوم أن هذا لا یدل علی الوجوب بل یناسب الرجحان و الاستحباب کما أنّ قوله لک أن تنتظر الخ حیث جعل الاحتیاط فیه باختیار المکلف لا یدلّ علی أزید من استحباب الاحتیاط.

هذا مضافا إلی أنّ النسبة بین أخبار البراءة و أخبار الاحتیاط حیث کانت هی العموم و الخصوص.

أمکن القول بتخصیص أخبار الاحتیاط و ذلک لأنّ أخبار البراءة اختصّت بالشبهة الحکمیة بعد الفحص و لا تعم قبل الفحص کما لا تشمل المقرونة بالعلم الإجمالی بخلاف أخبار الاحتیاط.

و لو سلّمنا أنّ النسبة بینهما هی العموم من وجه فمقتضی القاعدة هو التساقط و الرجوع إلی قاعدة قبح العقاب بلا بیان لأنّ المفروض أنّ بعد التعارض و التساقط لا بیان.

هذا لو لم نقل بأظهریة الدلالة فی أخبار البراءة کقوله حلال و مطلق و هم فی سعة بخلاف

ص:578

الأمر بالاحتیاط فإنّ غایته هو ظهوره فی الوجوب و علیه فیحمل الظاهر علی الأظهر و یرفع الید عن ظاهر الأمر فی وجوب الاحتیاط و یحمل علی الرجحان.

و إن أبیت عن جمیع ذلک أمکن أن یقال:لا مجال لأخبار الاحتیاط و التوقف و ذلک لأنّ استصحاب عدم جعل الحرمة أصل موضوعی و معه لا مجال للشک حتی یتمسک فیه بأخبار الاحتیاط أو أخبار التوقف و ذلک لتقدم الأصل الموضوعی علی الأصل الحکمی کما لا یخفی.

الطائفة الثالثة:هی أخبار التثلیث

منها:مقبولة عمر بن حنظلة عن الإمام الصادق علیه السّلام أنّه قال...و إنّما الامور ثلاثة أمر بیّن رشده فیتبع و أمر بیّن غیّه فیجتنب و أمر مشکل یرد علمه إلی اللّه و إلی رسوله قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله حلال بیّن و حرام بیّن و شبهات بین ذلک فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حیث لا یعلم الحدیث بدعوی أنّ الاستشهاد بقول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله یدل علی أنّ الأمر بترک الشاذ یکون من جهة کونه من الشبهات التی یجب الاحتیاط فیها.

هذا مضافا إلی أنّ تفرع قوله صلّی اللّه علیه و آله«فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات و من أخذ بالشبهات ارتکب المحرّمات و هلک من حیث لا یعلم»علی التثلیث المذکور یدلّ علی أنّ تخلّص النفس من المحرمات و لو کانت من الشبهات واجب.

و یمکن الجواب عنه بأنّ هذه الروایة أجنبیة عن محل الکلام فإنّ السؤال فیه عن الخبرین المتعارضین و أنّه بأیهما بحسب الأخذ بعنوان الطریق و الحجّة و یشهد له التعبیر بالاتباع فإنّه یناسب باب الروایات و أجاب الإمام علیه السّلام بعدم جواز الأخذ بما فیه الریب بعنوان الحجة و لا شک فیه و لکن لا دخل له بما نحن بصدده من لزوم الاحتیاط فی مقام العمل و عدمه.

هذا مضافا إلی أن ما ثبت فیه الترخیص ظاهرا من قبل الشارع داخل فی ما هو بیّن رشده لا فی المشتبه کما هو الحال فی الشبهات الموضوعیة.

و منها:مرسلة الصدوق قال إنّ أمیر المؤمنین علیه السّلام خطب الناس فقال فی کلام ذکره حلال

ص:579

بیّن و حرام بیّن و شبهات بین ذلک فمن ترک ما اشتبه علیه من الإثم فهو لما استبان له الترک و المعاصی حمی اللّه فمن یرتع حولها یوشک أن یدخلها.

و یمکن الجواب عنه بأنّها مرسلة هذا مضافا إلی أنّ الموضوع فی کلامه علیه السّلام هو الإثم المشتبه و هو لا یکون إلاّ فی موارد العلم بالتکلیف إجمالا أو فی موارد یکون الحکم منجّزا کما فی الشبهة الحکمیة قبل الفحص فلا یعم الشبهة الحکمیة بعد الفحص لأنّ الإثم لا مورد له فیها بعد الحکم العقلی الشرعی بعدم العقاب.

و منها:معتبرة جمیل عن الصادق علیه السّلام عن آبائه علیهم السّلام قال قال رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فی کلام طویل،الأمور ثلاثة أمر تبیّن لک رشده فاتبعه و أمر تبیّن لک غیّه فاجتنبه و أمر اختلف فیه فردّه إلی اللّه عزّ و جلّ.

و فیه أنّها لا تناسب المقام لأنّ الاتباع و الرّد إلی اللّه یناسب باب الروایات و الأخبار لا باب الارتکاب و الاقتحام فلا تغفل.

و منها:خبر نعمان بن بشیر عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله یقول إنّ لکل ملک حمی و ان حمی اللّه حلاله و حرامه و المشتبهات مات بین ذلک کما لو ان راعیا رعی إلی جانب الحمی لم یثبت غنمه ان تقع فی وسطه فدعوا الشبهات.

و فیه أنّ التنظیر و التشبیه المذکور قرینة الإرشاد و عدم الوجوب إذ الاجتناب عن حالة الإشراف علی الحرام راجح هذا مضافا إلی ضعف الخبر.

و منها:موثقة فضیل بن عیاض عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قلت له من الورع من الناس قال الذی یتورع عن محارم اللّه و یجتنب هؤلاء فإذا لم یتق الشبهات وقع فی الحرام و هو لا یعرفه.

و لا یخفی أنّ لسان الروایة لسان الإرشاد لا الوجوب هذا مضافا إلی أن قوله علیه السّلام الذی یتورع الخ فی مقام تعریف الورع الذی بلغ من الکمال إلی المراتب العالیة و هو لا یدل علی اللزوم و الوجوب فتدبر جیدا.

فتحصّل من جمیع ما ذکرناه عدم تمامیة الأدلّة النقلیة التی تمسک بها القائلون بالاحتیاط فی الشبهات التحریمیّة بعد الفحص.

ص:580

و أمّا العقل فتقریره بوجهین
الوجه الأوّل: اشتغال الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة

کما فی فرائد الاصول إنّا نعلم إجمالا قبل المراجعة بالأدلة الشرعیة بمحرمات کثیرة یجب بمقتضی قوله تعالی: وَ ما نَهاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1)و نحوه الخروج عن عهدة ترکها علی وجه الیقین بالاجتناب أو الیقین بعدم العقاب لأن الاشتغال الیقینی یستدعی البراءة الیقینیة باتفاق المجتهدین و الأخباریین.

و بعد المراجعة بالأدلة و العمل بها لا یقطع بالخروج عن جمیع تلک المحرمات الواقعیة فلا بد من اجتناب کل ما یحتمل أن یکون منها إذا لم یکن هنا دلیل شرعی یدل علی حلیته إذ مع هذا الدلیل نقطع بعدم العقاب علی تقدیر حرمته واقعا.

و یمکن الجواب عنه أوّلا:بالنقض بالشبهات الوجوبیة و الموضوعیة فإنّ العلم المذکور لو کان مانعا عن الرجوع إلی البراءة فی الشبهات التحریمیة کان مانعا عن الرجوع إلیها فی الشبهات الوجوبیة و الموضوعیة أیضا مع أنّ الأخباریین لا یقولون بوجوب الاحتیاط فیهما.

و ثانیا:بأن العلم الإجمالی بالمحرمات الواقعیة ینحل بمجرد کون الأمارات الدالة علی وجوب الاجتناب بمقدار المعلوم بالإجمال فی معرض الوصول لاحتمال کون المعلوم بالإجمال هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصیلا و مع الانحلال المذکور لا مانع من الرجوع إلی أصالة الحل فی غیر مورد الأمارات المذکورة لعدم کونها معارضة بالمثل إذ لا مجال لأصالة الحل فی موارد الأمارات کما لا یخفی. (2)

و تفصیل ذلک کما أفاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه إنّ لنا هنا ثلاثة علوم إجمالیة

الأوّل:العلم الکبیر و أطرافه جمیع الشبهات مما یحتمل التکلیف و منشؤه العلم بالشرع الأقدس إذ لا معنی للشرع الخالی عن التکلیف رأسا.

ص:581


1- 1) حشر7/.
2- 2) راجع فرائد الاصول:212.

الثانی:العلم الإجمالی المتوسط و أطرافه موارد قیام الأمارات المعتبرة و غیر المعتبرة و منشؤه کثرة الأمارات و القطع بمطابقة بعضها للواقع فإنّا لا نحتمل مخالفة جمیعها للواقع.

الثالث:العلم الإجمالی الصغیر و أطرافه موارد قیام الأمارات المعتبرة و منشؤه القطع بمطابقة مقدار منها للواقع.

و حیث إنّ العلم الإجمالی الأول ینحل بالعلم الإجمالی الثانی و الثانی بالثالث فلا یتنجز التکلیف فی غیر مؤدیات الطرق و الأمارات المعتبرة.

و المیزان فی الانحلال أن لا یکون المعلوم بالإجمال فی العلم الإجمالی الصغیر أقل عدد من المعلوم بالإجمال فی العلم الإجمالی الکبیر بحیث لو أفرزنا من أطراف العلم الإجمالی الکبیر مقدار المعلوم بالإجمال فی العلم الإجمالی الصغیر لم یبق لنا علم إجمالی فی بقیة الأطراف إلی أن قال بل وجود التکالیف(فیها)مجرد احتمال إلی أن قال.

ثم إنّ ما ذکرناه من الانحلال مبنی علی العلم الوجدانی بمطابقة الأمارات المعتبرة للواقع بمقدار ما علم إجمالا ثبوته فی الشریعة المقدسة من التکالیف.

و هذا الأمر و إن کان صحیحا إلاّ أنه لو منع منه القائل بوجوب الاحتیاط و ادعی عدم العلم بمطابقة الأمارات للواقع بمقدار المعلوم بالإجمال فی العلم الإجمالی الأول فنحن ندعی الانحلال مع عدم العلم الوجدانی بمطابقة الأمارات المعتبرة للواقع(للکفایة العلم بالواقع تعبّدا)و توضیح ذلک أن العلم الإجمالی متقوم دائما بقضیة منفصلة مانعة الخلو ففی العلم الإجمالی بنجاسة أحد الإنائین یصدق قولنا إمّا هذا الإناء نجس و إمّا ذاک و قد یحتمل نجاستهما معا و المدار فی تنجیز العلم الإجمالی علی هذا التردید حدوثا و بقاء فإذا فرضنا أن القضیة المنفصلة انقلبت إلی قضیتین حملیتین إحداهما متیقنة و لو بالیقین التعبدی و الأخری مشکوکة بنحو الشک الساری فلا محالة ینحل العلم الإجمالی و یسقط عن التنجیز.

و السرّ فی ذلک أن تنجیز العلم الإجمالی لیس أمرا تعبدیّا و إنّما هو بحکم العقل لکاشفیته عن التکلیف کالعلم التفصیلی فإذا زالت کاشفیته بطرو الشک الساری زال التنجیز لا محالة کما هو الحال فی العلم التفصیلی بعینه.

ص:582

و لا ینتقض ذلک بما إذا علم بحدوث تکلیف جدید فی أحد الأطراف معینا و لا بطرو الاضطرار إلی بعض الأطراف أو تلفه أو امتثال التکلیف فیه فإن العلم الإجمالی بالتکلیف الفعلی فی جمیع هذه الفروض باق علی حاله«لعدم تقارن ذلک العلم مع العلم الإجمالی».

غایة الأمر إنه یتحقق أحد هذه الأمور یشک فی سقوطه(أی سقوط التکلیف)فلا بد من الاحتیاط و تحصیل العلم بسقوطه فإن الاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیّة بخلاف ما إذا زال العلم الإجمالی بطرو الشک الساری و انقلبت القضیة المنفصلة إلی حملیتین أحدهما متیقنة و لو بالیقین التعبدی و الأخری مشکوکة بالشک الساری فإنّ التنجیز یسقط فیه بانحلال العلم الإجمالی لا محالة(و لا فرق فی ذلک بین اختلاف المبانی فی حجیة الأخبار)أما علی القول بأنّ المجعول فی باب الأمارات هو نفس الطریقیة و المحرزیة فالأمر واضح لأن قیام الأمارة یوجب العلم بالواقع تعبدا«مقارنا مع العلم الإجمالی»و کما تنقلب القضیة المنفصلة إلی حملیتین بالعلم الوجدانی(المقارن)کذلک تنقلب إلیهما بالعلم التعبدی(المقارن) إلی أن قال.

و أمّا علی القول بأن المجعول فی باب الأمارات هی المنجزیة و المعذریة إلی أن قال فإن قلنا(و هو الصحیح)بأن مجرد کون الأمارة فی معرض الوصول بمعنی کون الأمارة بحیث لو تفحص عنها المکلّف وصل إلیها کاف فی التنجیز انحلّ العلم الإجمالی فإن المکلف فی أول بلوغه حین یلتفت إلی وجود التکالیف فی الشریعة المقدسة یحتمل وجود أمارات دالة علیها فیتنجز علیه مؤدیاتها بمجرد ذلک الاحتمال و حیث إنّ هذا الاحتمال مقارن لعلمه الإجمالی بالتکالیف فلا یکون علمه منجزا لجمیع أطرافه لتنجز التکلیف فی بعض أطرافه بمنجز مقارن له.نظیر ما لو علمنا بوقوع نجاسة فی أحد الإناءین و علمنا بنجاسة أحدهما المعین مقارنا لذلک العلم الإجمالی فإنّه لا یتنجّز حینئذ أصلا.

و السرّ فیه أن تنجیز العلم الإجمالی إنّما هو بتساقط الاصول فی أطرافه للمعارضة و فی مفروض المثال یجری الأصل فی الطرف المشکوک فیه بلا معارض و لذا ذکرنا فی محله أنه لو کان الأصل الجاری فی بعض الأطراف مثبتا للتکلیف و فی بعضها الآخر نافیا له لا یکون

ص:583

العلم الإجمالی منجزا(أی لکون الأصل فی الطرف النافی بلا معارض هذا مضافا إلی أن العلم الإجمالی المقارن لا یکشف عن تکلیف آخر علی کل تقدیر إذ لو کان النجس فی طرف علمنا بوقوع النجاسة فیه لما أوجب التکلیف الآخر لأنه تحصیل الحاصل فالتکلیف محتمل فی طرف آخر و یجری الأصل فیه).

و مما ذکرناه ظهر الحال و صحة الانحلال علی القول بالسببیة فی باب الأمارات و ان المجعول هی الأحکام الفعلیة علی طبقها فان قیام الأمارة یکشف عن ثبوت الأحکام فی مواردها من أول الأمر(فتکون مقارنة مع العلم الإجمالی)فلا یبقی أثر للعلم الإجمالی بالتکالیف الواقعیة مرددة بینها و بین غیرها و المتحصل مما ذکرناه فی المقام انّه فی جمیع الأقوال فی باب الأمارات تکون أطراف العلم الإجمالی من غیر مواردها موردا لأصالة البراءة الخ. (1)

لا یقال:إنّ الانحلال الحقیقی بالعلم الإجمالی فی دائرة الأمارات یوجب العمل بتمام الأمارات حتی غیر المعتبرة منها لوجود علم إجمالی فی تمام أطرافها و هو کما تری لأنا نقول:إنّ المدعی هو الانحلال الحقیقی بالعلم الإجمالی فی دائرة الأمارات المعتبرة لا مطلق الأمارات فیمکن دعوی الانحلال الحقیقی بالعلم الإجمالی فی دائرة الأمارات المعتبرة إذ مع العلم المذکور تنقلب القضیة المنفصلة إلی الحملیتین حقیقة أحدهما قضیة بتیّة و الأخری قضیة مشکوکة فیجری البراءة فی المشکوکة.

و أما دعوی أن احتمال انطباق المعلوم بالإجمال علی المعلوم بالتفصیل و علی الطرف الآخر کاشف قطعی عن بقاء العلم الإجمالی لکونه من لوازمه.

فهی مندفعة بما أفاد سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أن ما ذکر خلط بین احتمال انطباق المعلوم بالإجمال فعلا و احتمال انطباق المعلوم بالإجمال سابقا و قد زال عنه العلم فعلا و المفید لما ادعاه هو الأول مع أنه غیر واقع ضرورة ارتفاع العلم الإجمالی عن مرکزه فإن العلم (التفصیلی)بکون هذا واجبا أو خمرا لا یجتمع مع التردد فی کونه واجبا أو عدله أو کونه خمرا

ص:584


1- 1) مصباح الاصول 2:304-308.

أو الآخر فإنّ الإجمال متقوم بالتردد و هو ینافی العلم التفصیلی و لا یجتمع معه. (1)

و الأولی أن یقال إن کشف تقارن المعلوم بالتفصیل مع المعلوم بالإجمال یوجب انحلاله من الأول لا من حال ورود الأمارات إذ المفروض أنها تکشف عن مؤداها من السابق و لعلّ المراد من السابقیة توهمها فتدبر جیدا.

ثم إن الانحلال کما عرفت حقیقی لعدم بقاء العلم الإجمالی فی لوح النفس بعد اعتبار الطرق و الأمارات الدالة علی التکالیف الواقعیة بمقدار المعلوم بالإجمال و لا حاجة فی ذلک إلی اثبات ان المعلوم بالتفصیل بالطرق و الامارات هو عین ما علم بالإجمال بل یکفیه احتمال الانطباق إذ مع هذا الاحتمال لا یبقی علم بالنسبة إلی سائر الأطراف فینقلب القضیة المنفصلة الحقیقیة إلی قضیة بتیة و هی فی مورد الطرق و الأمارات المعتبرة و قضیة مشکوکة و هی فی سائر الموارد.

قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:و التحقیق أن یقال إنّ میزان الانحلال لو کان قائما باتحاد المعلومین مقدارا مع العلم بأن المعلوم بالتفصیل هو عین ما علم بالإجمال لکان لعدم الانحلال وجه(لعدم العلم بالاتحاد المذکور)إلاّ أن المیزان هو عدم بقاء العلم الإجمالی فی لوح النفس و انقلاب القضیة المنفصلة الحقیقیة أو المانعة الخلو إلی قضیة بتیة و مشکوکة فیها أو إلی قضایا بتیة و قضایا مشکوکة فیها فلو علم بوجود واجب بین أمرین بحیث لا یحتمل الزیادة حتی یکون القضیة منفصلة حقیقیة أو مع احتمال الزیادة حتی یکون مانعة الخلو فمع العلم التفصیلی بوجوب بعض الأطراف أو واحد من الطرفین ینقلب القضیة إلی قضیة بتیة أی إلی وجوب واحد معینا و إلی مشکوکة فیها فلا یصح أن یقال إما هذا واجب أو ذاک بل لا بد أن یقال هذا واجب بلا کلام و الآخر مشکوک الوجوب و هذا ما ذکرنا من ارتفاع الإجمال الموجود فی لوح النفس.

إلی ان قال و احتمال کون المعلوم بالإجمال عین المشکوک فیه الذی خرج عن الطرفیة

ص:585


1- 1) تهذیب الاصول 2:206-207.

غیر مضر لأن المعلوم بنعت المعلومیة الفعلیة غیر محتمل الانطباق و إنما المحتمل انطباق ما کان معلوما سابقا مع زوال وصف العلم بالفعل علی الطرف الآخر لأنّ المعلومیة الإجمالیة الفعلیة ملازم للعلم الإجمالی و مع زوال العلم لا معنی لوجود المعلوم بالفعل فتدبر. (1)

الوجه الثانی: الأصل فی الأفعال الغیر الضروریة الحظر

کما نسبه الشیخ الأعظم فی الفرائد إلی طائفة من الإمامیة أن الأصل فی الأفعال الغیر الضروریة الحظر فیعمل به حتی یثبت من الشرع الإباحة و لم یرد الإباحة فیما لا نص فیه و ما ورد فیه علی تقدیر تسلیم دلالته معارض بما ورد من الأمر بالتوقف و الاحتیاط فالمرجع إلی الأصل(و هو أصالة الحظر)و لو نزلنا عن ذلک فالوقف کما علیه الشیخان قدّس سرّه.و احتج علیه فی العدة بأن الإقدام علی ما لا یؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما یعلم المفسدة فیه و قد جزم بهذه القضیة السیّد ابو المکارم فی الغنیة و إن قال بأصالة الإباحة کالسید المرتضی تعویلا علی قاعدة اللطف و إنه لو کان فی الفعل مفسدة لوجب علی الحکیم بیانه لکن ردها فی العدة بأنه قد یکون المفسدة فی الأعلام و یکون المصلحة فی کون الفعل علی الوقف. (2)

و یمکن الجواب عنه أوّلا:بما فی الکفایة من أنه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف و الإشکال و إلاّ لصح الاستدلال علی البراءة بما قیل من کون تلک الأفعال علی الإباحة. (3)

و ثانیا:بما فی الکفایة أیضا من أنّ الإباحة الشرعیة ثابتة فی المقام لما عرفت من عدم صلاحیة ما دل علی التوقف أو الاحتیاط للمعارضة لما دلّ علی الإباحة. (4)

و ثالثا:بما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه بعد تسلیم استقلال العقل بدفع الضرر من أنه إن أرید (من الضرر)ما یتعلق بأمر الآخرة من العقاب فیجب علی الحکیم تعالی بیانه فهو مع عدم

ص:586


1- 1) تهذیب الاصول 2:206.
2- 2) فرائد الاصول:214.
3- 3) الکفایة 2:189.
4- 4) الکفایة 2:189.

البیان مأمون(بقاعدة قبح العقاب بلا بیان)و إن أرید غیره مما لا یدخل فی عنوان المؤاخذة من اللوازم المترتبة مع الجهل أیضا فوجوب دفعها غیر لازم عقلا إذ العقل لا یحکم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنیوی المقطوع إذا کان لبعض الدواعی النفسانیة و قد جوّز الشارع بل أمر به فی بعض الموارد(کالجهاد)و علی تقدیر الاستقلال فلیس مما یترتب علیه العقاب لکونه من باب الشبهة الموضوعیة لأن المحرم هو مفهوم الإضرار و صدقه فی هذا المقام مشکوک کصدق المسکر المعلوم التحریم علی هذا المائع الخاص و الشبهة الموضوعیة لا یجب الاجتناب عنها باتفاق الاخباریین أیضا. (1)

اللّهمّ إلاّ أن یدعی استقلال العقل بوجوب الاحتراز عن محتمل الضرر فالمحتمل هو موضوع حکم العقل لا الشبهة الموضوعیة للمحرّم.

و رابعا:کما فی الکفایة بأن مسألة استقلال العقل بالحظر فی الأفعال غیر الضروریة تختلف عن مسألتنا و لا یستلزم القول بالوقف فی تلک المسألة للقول بالاحتیاط فی هذه المسألة لاحتمال ان یقال معه بالبراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بیان و ما قیل من أن الإقدام علی ما لا یؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما تعلم فیه المفسدة ممنوع و لو قیل بوجوب دفع الضرر المحتمل فإن المفسدة المحتملة فی المشتبه لیست بضرر غالبا ضرورة أن المصالح و المفاسد التی هی مناطات الأحکام لیست براجعة إلی المنافع و المضار بل ربما یکون المصلحة فیما فیه الضرر و المفسدة فیما فیه المنفعة و احتمال أن یکون فی الشبهة ضرر ضعیف غالبا لا یعتنی به قطعا مع أن الضرر لیس دائما مما یجب التحرز عنه عقلا بل قد یجب ارتکابه أحیانا فیما کان المترتب علیه أهم فی نظره مما فی الاحتراز عن ضرره مع القطع فضلا عن احتماله. (2)

و لذا قال فی مصباح الاصول لا ارتباط بین المقام و تلک المسألة فإن استقلال العقل بالحظر علی تقدیر التسلیم إنما هو بمناط غیر موجود فی المقام باعتبار أن موضوع أصالة الحظر إنما هو الفعل بما هو مقطوع بعدم جعل الحکم له و فی المقام بما هو مشکوک الحکم

ص:587


1- 1) فرائد الاصول:214.
2- 2) الکفایة 2:189-190.

فلا یستلزم القول بالحظر فی تلک المسألة القول بالاحتیاط فی المقام بل یمکن القول بالبراءة فی المقام مع الالتزام بالحظر فی تلک المسألة. (1)

و خامسا:بأن الحکم بالحظر فی الفعل الذی فرض خلوه عن الحکم بقول مطلق ممنوع لعدم کونه خروجا عن زی الرقیة کما أفاد فی نهایة الدرایة حیث قال إنّ الشارع کل تکالیفه منبعث عن المصالح و المفاسد لانحصار أغراضه المولویة فیها فلیس له إلاّ زجر تشریعی أو ترخیص کذلک فمنعه و ترخیصه لا ینبعثان إلاّ عما ذکر.

و لا محالة إذا فرض خلو الفعل عن الحکم بقول مطلق أعنی الحکم الذی قام بصدد تبلیغه و إن کان لا یخلو موضوع من الموضوعات من حکم واقعی وحیا أو إلهاما فلیس الفعل منافیا لغرض المولی بما هو شارع فلیس فعله خروجا عن زی الرقیة و منه تبین أن الأصل فیه هو الإباحة لا الحظر.

فإن عدم الإذن المفروض فی الموضوع لا یؤثر عقلا فی المنع العقلی إلاّ باعتبار کون الفعل معه خروجا عن زی الرقیة و حیث إنه فرض فیه عدم المنع شرعا فلا یکون خروجا عن زی الرقیة إذ فعل ما لا ینافی غرض المولی بوجه من الوجوه بل کان وجوده و عدمه علی حد سواء لا یکون خروجا عن زی الرقیة. (2)

نعم ربما یقال فی وجه الحظر وجوه أخری

منها:ان کل مکلف عبد مملوک للّه تعالی بشراشر وجوده و العبد لا یجوز أن یتحرک إلاّ بإذن مولاه کما لا یجوز له أن یتصرف فی ملک مولاه و المفروض أن العبد و ما فی یده و ما فی حوله و غیرهما ملک للّه تعالی.

و لکن یرد علیه مضافا إلی إمکان منع عدم جواز الحرکة و سکون العبد إلاّ بإذن المولی و لو مع عدم منافاتهما مع حق المولی لعدم کونه موجبا للخروج عن زی الرقیة فی صورة عدم المنافاة أن الملکیة المذکورة إنما تقتضی ما ذکر ما دام لم یجعل اللّه تعالی نفسه کأحد الموالی و

ص:588


1- 1) مصباح الاصول 2:309.
2- 2) نهایة الدرایة 2:205-206.

مع جعله نفسه کذلک تجری بالنسبة إلی اللّه تعالی ما یجری بالنسبة إلی الموالی و العبید و علیه فقاعدة قبح العقاب بلا بیان کما تدل علی قبح العقاب بالنسبة إلی الموالی و العبید فکذلک تدل بالنسبة إلیه سبحانه و تعالی و الخلق بعد ما جعل نفسه سبحانه و تعالی کواحد منهم کما لا یخفی.

الوجه الثالث: حق الطاعة تحققت من جهة خالقیته و منعمیته

هو ما حکی عن الشهید الصدر من حق الطاعة بتقریب أن المولویة المطلقة الذاتیة للّه تعالی التی تحققت من جهة خالقیته و منعمیته و مالکیته توجب حق الطاعة المطلقة و لو فی التکالیف الاحتمالیة و علیه فلا یختص حق إطاعته تعالی بما یصل إلینا بالقطع بل اللازم هو الاحتیاط حتی بالنسبة إلی التکالیف الاحتمالیة نعم لو رخص الشارع فی ذلک لا یجب الاحتیاط کما لا یخفی.

و فیه أوّلا:أنا لا نسلّم ایجاب المولویة الذاتیة للّه تعالی لطاعته المطلقة فی التکالیف الظنیة و الاحتمالیة زائدا علی الرجحان و الاستحباب کما لا توجب المولویة المذکورة وجوب تداوم الذکر و عدم الغفلة عنه مع ان المناسبة بینهما و المولویة المطلقة الذاتیة موجودة أیضا لأنّ مولویته تعالی دائمیة و مقتضاها هو ذکره دائما و عدم الغفلة عنه تعالی.

و ثانیا:إنّ ذلک علی تقدیر التسلیم صحیح ما دام لم یجعل نفسه کأحد الموالی و أمّا مع جعله نفسه کواحد منهم یجری فی حقه ما یجری فی حقهم و قد دلّ مثل قوله تعالی وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً (1)علی أنّ طریقته تعالی فی الاحتجاج و العذاب و العقاب لیس إلاّ طریقة العقلاء من الاکتفاء بما وصل من الأوامر و النواهی فکما أنّ العقلاء لا یعذبون العبید إلاّ بوصول الخطاب و تمردهم فکذلک اللّه تعالی لا یعذب بدون البعث و جعل الأحکام فی معرض الوصول و علیه فلا مجال لدعوی وجوب الاحتیاط مع الفحص و عدم الظفر.

ص:589


1- 1) الاسراء15/.

و ثالثا:إنّا سلمنا أنّ حق الطاعة فی الأوامر و النواهی و لو کانت احتمالیة یکون مما تقتضیها المولویة المطلقة و لکن ذلک ما دام لم یستلزم محذور العسر و الحرج و الاختلال و أما مع استلزام المحذور المذکور فتمنع عنه حکمة الرب المتعال و المفروض لزوم المحذور المذکور فی حق الطاعة حتی فی المحتملات فلا یصح الحکم بإطلاق الوجوب مع لزوم المحذور المذکور کما لا یخفی.

و رابعا:أن طاعة اللّه سبحانه و تعالی لها درجات متعددة و مراتب مختلفة و لیس کل مرتبة واجبة و من المراتب أن لا یطیع العبد إلاّ إیاه حتی فی المباحات و لا یتحرک و لا یسکن إلاّ فیما یرضی اللّه سبحانه و تعالی و من المعلوم أن هذه المرتبة لا تکون واجبة بالضرورة و علیه فیمکن أن یکون الإطاعة فی المحتملات من المراتب الراجحة نعم یجب طاعته فیما یکون ترک الطاعة منافیا مع زی الرقیة و العبدیة.

و خامسا:بما أفاده بعض الأعزة من أنه کما احتملنا التکلیف الوجوبی أو التحریمی فی الشبهات البدویة کذلک نحتمل الإباحة الاقتضائیة الواقعیة و حق الطاعة کما یکون مطرحا فی التکالیف الوجوبیة أو التحریمیة کذلک یکون مطرحا فی ناحیة الإباحة الواقعیة الاقتضائیة أیضا.

و لو اقتضی المنعمیة أو الخالقیة أو مالکیة المولی أن نطیعه فی تلک التکالیف الإلزامیة فکذلک اقتضت أن نعمل بمقتضی الإباحة الاقتضائیة أیضا فإنها مجعولة کمجعولیة الوجوب و الحرمة کما یشهد له عدّ الإباحة من الأحکام الخمسة و لا یجتمع لزوم رعایة التکالیف الإلزامیة الواقعیة بالاحتیاط مع لزوم رعایة الإباحة الاقتضائیة الواقعیة بالترخیص و مع منافاتهما نکشف عن عدم صحة نظریة حق الطاعة. (1)

یشکل ذلک بأن الإباحة هی إطلاق العنان فی طرف التشریع و هو لا یطلب من العبد شیئا حتی یکون فعله إطاعة و ترکه عصیانا و علیه فلا یتصور التزاحم و المنافاة بین حق

ص:590


1- 1) راجع پژوهش های اصولی شماره 1:15-16.

الطاعة فی الإباحة الاقتضائیة و بین حق الطاعة فی احتمال الوجوب أو الحرمة.

و یجاب عنه بأن حصول المنافاة و المزاحمة فی أحکام العقل العملی من جهة أن الترخیصات الواقعیة و الإباحات المجعولة إذا وصلت إلی العبد صارت موضوعة لحکم العقل بالترخیص و إطلاق العنان لأن هذا هو مقتضی رعایة احترام المولی و مولویته و بناء علی نظریة حق الطاعة لا یختص ذلک بوصولها بالقطع بل یجری فی موارد الشک فی الإباحة الواقعیة و علیه فالعقل یحکم فی المشتبهات بکون الفعل أو الترک مرخصا فیه رعایة لمولویة المولی إذ احترام المولی لا یختص بجعل خاص بل هو لازم الرعایة فی جمیع أنحاء جعله و منها الإباحة و الترخیص و هو لا یجتمع مع حکم العقل بوجوب الاحتیاط باحتمال التکالیف الإلزامیة. (1)

و لا یخفی علیک ما فی هذا الجواب فإن احترام المولی فی ناحیة الإباحة الاقتضائیة یتحقق بعدم القول باللزوم أو الحرمة بخلاف الوجوب أو الحرمة فإنّ رعایة المولی و حق الطاعة فیهما لا یتحقق إلاّ بالفعل فی الوجوب و بالترک فی الحرمة و علیه فلا منافاة بین حق الطاعة فی الوجوب و الحرمة و بین حق الطاعة فی الإباحة الاقتضائیة فیما فعل و لم یقل بالوجوب و یترک و لم یقل بالحرمة.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ المهم فی حق الطاعة هو رعایة ما أهمه المولی من مصالح العباد فلو رأی المولی الترخیص أهم من التقید و المحدودیة لما أمکن للعبد أن لا یری ذلک و أخذ جانب المحدودیة إذ الأخذ المذکور و إن لم یستلزم المخالفة العملیة و لکنه ینافی ما أهمه المولی و مقتضی رعایة حق المولی هو أن یراعی ذلک و لو مع اشتباه الإلزام الواقعی و الإباحة الواقعیة.

و علیه فرعایة ما أهمه المولی فی الإباحة الاقتضائیة الواقعیة تنافی مع رعایة ما اهمه المولی فی الأحکام الالزامیة و عاد المحذور. (2)

ص:591


1- 1) راجع پژوهش های اصولی شماره 1:16-19.
2- 2) راجع پژوهش های اصولی 1:22.

لا یقال:إنّ التنافی بین الرعایتین المذکورتین فیما إذا کانت الإباحة الواقعیة بالنسبة إلی الفعل أو الترک مقتضیة لإطلاق العنان من جمیع الجهات سواء کانت من ناحیة الإلزامات الصادرة من اللّه سبحانه و تعالی أو الإلزامات العقلیة الأخری کوجوب الاحتیاط فإطلاق العنان بالنحو المذکور لا یجتمع مع رعایة الأحکام الإلزامیة المقتضیة للاحتیاط و اما إذا لم تکن الإباحة مقتضیة لذلک إلاّ بالنسبة إلی الالزامات الصادرة من اللّه سبحانه و تعالی فلا منافاة بین رعایة الإباحة الواقعیة و رعایة الأحکام الإلزامیة فإنها تدل علی عدم الإلزام و إطلاق العنان من ناحیة خصوص الاوامر الصادرة من المولی فهذا الترخیص لا ینافی مع الضیق الحاصل من ناحیة الإلزام العقلی الاحتیاطی بالنسبة إلی الأحکام الإلزامیة لأنا نقول:إنّ الإباحة علی قسمین و کلاهما محتمل الوقوع فی عرض واحد و مع احتمالهما فی عرض واحد نحتمل أن یکون الإباحة المشکوکة من سنخ الإباحة الدالة علی نفی الإلزام من جمیع الجهات حتی الحکم العقلی بالاحتیاط و مع هذا الاحتمال یکون التنافی بین الحکم العقلی برعایة عدم الإلزام من هذه الناحیة و بین حکمه برعایة الإلزام من ناحیة الأحکام الإلزامیة موجود و عدم التنافی یتوقف علی إثبات أن الإباحة المشکوکة من سنخ الإباحة الدالة علی نفی الإلزام من ناحیة خصوص الأوامر الصادرة من الشارع و لا دلیل له کما لا یخفی. (1)

هذا مضافا إلی أنه لو کان نظریة حق الطاعة صحیحة لزم الاحتیاط فی جمیع الموارد التی نحتمل فیها أنّ للمولی غرضا لزومیا و لو لم یأمر به و ذلک لأن نظریة حق الطاعة ترجع فی اللب إلی لزوم رعایة احترام المولی إذ لا خصوصیة للفظة الطاعة الدالة علی تحقق الأمر فلا یکون وجود الأمر و لو احتمالا شرطا للزوم هذا الاحترام و علیه فلا فرق بین رعایة احترام المولی فی الأوامر المحتملة و بین رعایة احترامه فی الأغراض اللزومیة المحتملة مع أنه لم یلتزم به أحد بالنسبة إلی الأغراض المحتملة اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ عدم التکلیف من

ص:592


1- 1) راجع پژوهش های اصولی 1:24-25.

ناحیة المولی یکشف عن عدم وجود الغرض اللزومی فلا یجب رعایة الأغراض المحتملة لعدم لزومها و لکن هذا صحیح فیما إذا لم نحتمل أن عدم التکلیف من ناحیة وجود الموانع کما لا یخفی. (1)

الوجه الرابع: الاحتمال کالعلم منجز

ما حکاه بعض الأعلام عن سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه من أن الاحتمال کالعلم منجز فیما إذا لم یتمکن المولی من البیان أ لا تری صحة احتجاج المولی علی عبده بالاحتمال عند عدم تمکنه من البیان کما إذا منع من التکلم فلا یقبح المؤاخذة حینئذ بالاحتمال لأنه فی حکم البیان فی هذه الحال و معه لا یبقی موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بیان کما لا موضوع له عند العلم بالخطاب أو المراد و علیه فالبراءة العقلیة ممنوعة.

و قد أورد علیه بعض الأعلام بأن هذا صحیح إذا علمنا بأن المولی عند ارتفاع المانع أمر أو نهی و أما إذا لم نعلم بذلک بل احتملنا انه لا یأمر و لا ینهی من جهة مزاحمة مفسدة أو مصلحة فلا یکفی الاحتمال المذکور لوجوب الاحتیاط عند الاحتمال فالأولی أن یقال فی تقریب وجوب الاحتیاط عقلا و منع البراءة العقلیة أنه لا شک فی أن العبد احتاط عند احتمال الإلزامیات فی أمور نفسه أ لا تری أنه عند العطش و احتمال وجود الماء فی مکان یسعی فی طلبه لئلا یهلک من العطش و لم یترک الطلب و الاحتیاط.

فإذا کان العبد فی أمور نفسه کذلک فالالتزام بالاحتیاط فی أمور المولی واجب بالأولویة إذ لیس أمر اطاعته سبحانه و تعالی أدون من أغراض نفسه و هذا الوجه غیر الوجه الذی ذکره الشهید الصدر لإثبات حق الطاعة فلا تغفل.

و لقائل أن یقول إنا لا نسلم ذلک فی احتمال الإلزامیات بالنسبة إلی الامور الشخصیة إلاّ فیما یکون ترک الاحتیاط فیه موجبا للهلاکة فالدلیل المذکور اخص من المدعی.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بلزوم الاحتیاط فی مطلق الإلزامیات ما لم یتزاحم بما یوجب الترخیص دفعا لاحتمال الضرر هذا مضافا إلی أن ذلک صحیح فیما إذا لم یجعل المولی نفسه

ص:593


1- 1) راجع پژوهش های اصولی 1:25.

کسائر الموالی فی کیفیة الإطاعة و الامتثال و أما مع هذا الجعل کما هو ظاهر الأدلة فلا یکون احتمال الإلزامیات منجزا کما لا یؤاخذ الموالی العرفیة بمجرد الاحتمال.

و مضافا إلی أن لزوم الاحتیاط بمجرد الاحتمال ینافی ما فیه علیه الشریعة من کونها سمحة و سهلة فتحصل أنه لا حکم للعقل بالنسبة إلی وجوب الاحتیاط عند احتمال التکلیف و اللّه هو الهادی.

ص:594

الخلاصة

و أمّا العقل فتقریره بوجهین

الوجه الأوّل:

إنّا نعلم إجمالا قبل المراجعة بالأدلة الشرعیة بمحرمات کثیرة و الاشتغال الیقینی یقتضی الفراغ الیقینی و حیث لا نقطع بالفراغ بعد المراجعة بالأدلة و العمل بها فاللازم هو الاجتناب عن کل ما یحتمل أن یکون منها حتی یحصل القطع بالفراغ.

و فیه أنّه لا فرق بین الشبهة التحریمیة و الشبهة الوجوبیة فلو کان العلم المذکور موجبا للاحتیاط فی التحریمیة فلیکن کذلک فی الوجوبیة مع أنّ القائلین بالاحتیاط فی التحریمیّة لا یقولون به فی الوجوبیة.

هذا مضافا إلی أنّ العلم الإجمالی ینحل بوصول الأمارات الدالة علی المحرمات لاحتمال کون المعلوم بالإجمال هی موارد الأمارات المعلومة حرمتها تفصیلا و مع لانحلال لا مانع من الرجوع إلی أصالة الحل فی غیر مورد تلک الأمارات و لا حاجة فی ذلک إلی إثبات أنّ المعلوم بالتفصیل بالأمارات عین ما علم بالإجمال بل یکفیه احتمال الانطباق إذ مع هذا الاحتمال لا یبقی علم بالنسبة إلی سائر الأطراف فینقلب القضیة المنفصلة الحقیقیّة و هی أنّ المحرمات إمّا هذه الموارد أو غیرها إلی قضیة بینة و هی أنّ موارد قیام الأمارات المعتبرة هی المحرمات و إلی قضیة مشکوکة و هی أنّ سائر الموارد غیر الأمارات المعتبرة یحتمل حرمتها و علیه فیلزم الاجتناب عن موارد الأمارات المعتبرة للعلم بها أو قیام الحجة علی حرمتها دون سائر الموارد لأنه لیس فیها إلاّ احتمال الحرمة و هو محلّ البراءة کما لا یخفی.

الوجه الثانی:

أنّ الأصل فی الأفعال الغیر الضروریة هو الحظر فیعمل به حتی یثبت من الشرع الإباحة و لم یرد الإباحة فیما لا نصّ فیه و ما ورد فیه علی تقدیر تسلیم دلالته معارض بما ورد من

ص:595

الأمر بالتوقف و الاحتیاط فالمرجع بعد التعارض هو أصالة الحظر و لو تنازلنا عن ذلک فاللازم هو الوقف.

و استدل لأصالة الحظر أیضا بأنّ کلّ مکلف عبد مملوک للّه تعالی بشراشر وجوده و العبد لا یجوز أن یتحرک إلاّ بإذن مولاه کما لا یجوز له أن یتصرّف فی ملک مولاه و المفروض أنّ العبد و ما فی یده و ما فی حوله و غیرهما ملک اللّه تعالی.

و فیه أنّ الملکیة المذکورة إنّما تقتضی ما ذکر ما دام لم یجعل اللّه تعالی نفسه کأحد الموالی و مع جعله کذلک تجری بالنسبة إلیه ما یجری بالنسبة إلی سائر الموالی و العبید فکما أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بیان تدل علی قبح العقاب بلا بیان بالنسبة إلی الموالی و العبید فکذلک بالنسبة إلیه سبحانه و تعالی.

هذا مضافا إلی إمکان منع عدم جواز الحرکة و سکون العبد إلاّ بإذن المولی و لو مع عدم منافاتهما مع حقوق المولی لأنّ الحرکة و السکون فی هذه الصورة لا تکونان خروجا عن زیّ الرقبة.

الوجه الثالث:

ما حکی عن الشهید الصدر من حق الطاعة بتقریب أنّ المولویة المطلقة الذاتیة للّه تعالی التی تحققت من جهة خالقیته و منعمیته و مالکیته توجب حق الطاعة المطلقة و لو فی التکالیف الاحتمالیة و علیه فلا یختصّ حق إطاعته تعالی بما یصل إلینا بالقطع بل اللازم هو الاحتیاط حتی بالنسبة إلی التکالیف الاحتمالیة نعم لو رخص الشارع فی ذلک لا یجب الاحتیاط کما لا یخفی.

و استدل له بأنّ الإقدام علی ما لا یؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما یعلم المفسدة فیه و دعوی أنّ مقتضی قاعدة اللطف إنّه لو کان فی الفعل مفسدة لوجب علی الحکیم بیانه و حیث لم یبین ذلک کشف ذلک عن الإباحة.

مندفعة بأنّه قد یکون المفسدة فی الاعلام و یکون المصلحة فی کون الفعل علی الوقف.

و فیه أنّه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف و الإشکال و إلاّ لصح الاستدلال علی

ص:596

البراءة بما قیل من کون تلک الأفعال علی الإباحة.

هذا مضافا إلی أنّ ما قیل من أنّ الإقدام علی ما لا یؤمن المفسدة فیه کالإقدام علی ما تعلم فیه المفسدة ممنوع و لو قیل بوجوب دفع الضرر المحتمل فان المفسدة المحتملة فی المشتبه لیست بضرر غالبا ضرورة أنّ المصالح و المفاسد التی هی مناطات الأحکام لیست براجعة إلی المنافع و المضار بل ربما یکون المصلحة فیما فیه الضرر و المفسدة فیما فیه المنفعة و احتمال أن یکون فی الشبهة ضرر ضعیف غالبا لا یعتنی به قطعا مع أنّ الضرر لیس دائما ممّا یجب التحرز عنه عقلا بل قد یجب ارتکابه أحیانا فیما کان الترتب علیه أهم فی نظره ممّا فی الاحتراز عن ضرره مع القطع فضلا عن احتماله.

و فیه أوّلا:إنّا لا نسلّم إیجاب المولویة الذاتیة للّه تعالی لطاعته المطلقة فی التکالیف الظنیة و الاحتمالیة زائدا علی الرجحان و الاستحباب کما لا توجب المولویة المذکورة وجوب تداوم ذکر تعالی و عدم الغفلة عنه مع أنّ المناسبة بینهما و بین مولویته المذکورة موجودة لأنّ مولویّته تعالی دائمیّة و مقتضاها هو تداوم ذکره و عدم الغفلة عنه مطلقا.

و ثانیا:إنّ ذلک علی تقدیر التسلیم صحیح ما دام لم یجعل نفسه کأحد الموالی فی مقام الامتثال و إلاّ فیجری فیه تعالی ما یجری فی حق الموالی العرفیة.

و قد دلّ مثل قوله تعالی وَ ما کُنّا مُعَذّبینَ حَتّی نَبْعَثَ رَسُولاً علی أنّ طریقته تعالی فی الاحتجاج لیس إلاّ طریقة العقلاء من الاکتفاء بما وصل من الأوامر و النواهی فی مقام الامتثال و الاحتجاج.

و ثالثا:إنّ ذلک علی تقدیر التسلیم ما دام لم یستلزم محذور العسر و الحرج و الاختلال فی النظام و مع الاستلزام کما هو الظاهر تمنع عن وجوب ذلک الحق حکمة الرب المتعال.

و رابعا:إنّ لطاعة اللّه سبحانه و تعالی درجات متعددة و مراتب مختلفة و لیس کل مرتبة واجبة کما یشهد لذلک إنّ من المراتب أن لا یطیع العبد إلاّ إیّاه تعالی حتی فی المباحات مع أنّ المعلوم أنّ هذه المرتبة لیست بواجبة بالضرورة.

ص:597

و علیه فیمکن أن یکون الإطاعة فی المحتملات من المراتب الراجحة نعم یجب طاعته فیما یکون ترکها منافیا لزیّ الرقّیة و العبدیة.

و خامسا:إنّ نظریة حق الطاعة لو کانت صحیحة لزم الاحتیاط فی جمیع الموارد التی تحتمل فیها أنّ للمولی غرضا لزومیا و لو لم یأمر به و ذلک لأنّ نظریة حق الطاعة ترجح فی اللب إلی لزوم رعایة احترام المولی إذ لا خصوصیة للفظ الطاعة الدالة علی تحقّق الأمر فلا یکون وجود الأمر و لو احتمالا شرط للزوم هذا الاحترام و علیه فلا فرق بین رعایة احترام المولی فی الأوامر المحتملة و بین رعایة احترامه فی الأغراض اللزومیة المحتملة مع أنّه لم یلتزم به أحد بالنسبة إلی الأغراض المحتملة.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ عدم التکلیف من ناحیة المولی یکشف عن عدم وجود الغرض اللزومی فلا یجب رعایة الأغراض المحتملة لعدم لزومها و لکن هذا صحیح فیما إذا لم نحتمل أنّ عدم التکلیف من ناحیة وجود الموانع کما لا یخفی.

الوجه الرابع:

ما حکاه بعض الأعلام عن سیدنا الأستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه من أنّ الاحتمال کالعلم منجز فیما إذا لم یتمکن المولی من البیان أ لا تری صحة احتجاج المولی علی عبده بالاحتمال عند عدم تمکنه من البیان کما إذا منع من التکلّم فلا یقبح المؤاخذة حینئذ بالاحتمال لأنّه فی حکم البیان فی هذه الحال و معه لا یبقی موضوع لقاعدة قبح العقاب بلا بیان کما لا موضوع له عند العلم بالخطاب أو المراد و علیه فالبراءة العقلیة ممنوعة بل یجب الاحتیاط مع الاحتمال.

أورد علیه بعض الأعلام بأنّ هذا صحیح إذا علمنا بأنّ المولی عند ارتفاع المانع أمر أو نهی و أمّا إذا لم نعلم بذلک بل احتملنا أنّه لا یأمر و لا ینهی من جهة مزاحمة مفسدة أو مصلحة فلا یکفی الاحتمال المذکور لوجوب الاحتیاط عند الاحتمال فالأولی

أن یقال:فی تقریب وجوب الاحتیاط العقلی و منع البراءة العقلیة إنّه لا شک فی أنّ العبد أحتاط فی أمور نفسه عند احتمال الإلزامیات أ لا تری أنه لو عطش و احتمل وجود الماء فی

ص:598

مکان جهله فی طلبه لئلا یهلک من العطش و لم یترک الطلب و الاحتیاط.

فإذا کان العبد فی أمور نفسه کذلک فالالتزام بالاحتیاط فی أمور المولی واجب بالأولویة إذ لیس أمر إطاعته سبحانه و تعالی أدون من أغراض نفسه.

و لقائل أن یقول إنّا لا نسلم ذلک فی احتمال الإلزامیات بالنسبة إلی الأمور الشخصیة إلاّ فیما إذا کان ترک الاحتیاط موجبا للهلاکة فالدلیل المذکور أخصّ من المدعی و هو لزوم الاحتیاط فی جمیع المحتملات.

هذا مضافا إلی أنّ ذلک صحیح فیما إذا لم یجعل المولی نفسه کسائر الموالی فی کیفیة الإطاعة و الامتثال و أمّا مع هذا الجعل کما هو ظاهر الأدلة فلا یکون احتمال الإلزامیات منجزا.

و مضافا إلی أنّ لزوم الاحتیاط بمجرد الاحتمال ینافی ما علیه الشریعة من کونها سمحة سهلة فتحصل أنه لا حکم للعقل بالنسبة إلی وجوب الاحتیاط عند احتمال التکلیف و اللّه هو الهادی.

ص:599

التنبیهات

التنبیه الأوّل: جریان أصالة البراءة و الإباحة فی مشتبه الحکم مشروط بعدم جریان أصل حاکم

إن جریان أصالة البراءة و الإباحة فی مشتبه الحکم مشروط بعدم جریان أصل حاکم علیهما لأنّ موضوع البراءة العقلیة هو عدم البیان بالنسبة إلی الحکم الواقعی کما أن موضوع الإباحة الشرعیة هو الشک و عدم العلم بالحکم الواقعی.

و علیه فکل ما یکون بیانا و رافعا للشک و لو تعبدا یتقدم علی البراءة و الإباحة بالورود أو بالحکومة.

و لا فرق فی ذلک بین أن تکون الشبهة موضوعیة کما إذا علمنا بخمریة مائع ثم شککنا فی انقلابه خلا فلا مجال لأصالة البراءة أو الإباحة عن حرمة شربه لجریان استصحاب الخمریة فی مشکوک الانقلاب و مع جریان الاستصحاب المذکور لا یبقی موضوع لأصالة البراءة أو الإباحة.

و بین أن تکون الشبهة حکمیة کما إذا شک فی جواز وطی الحائض بعد انقطاع الدم و قبل الاغتسال فإن استصحاب حرمة وطیها علی تقدیر جریانه لا یبقی موضوعا لأصالة البراءة و الإباحة.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:و عبّر الشیخ قدّس سرّه عن هذا الأصل بالأصل الموضوعی باعتبار أنه رافع لموضوع الأصل الآخر و لم یرد منه خصوص الأصل الجاری فی الموضوع کما توهم. (1)

و أیضا لا تفاوت فی عدم جریان أصالة البراءة أو الإباحة بین أن یکون الأصل الموضوعی مخالفا للبراءة أو الإباحة أو موافقا لهما بدعوی أن مع أصل موضوعی لا مجال لهما لوروده علیهما و لکن ذلک فرع کون أدلة اعتباره ناظرة إلی الاصول الموافقة أیضا و هو غیر محرز لأن الأدلة فی مثل الاستصحاب ناظرة إلی عدم نقض الیقین و النقض یحصل بالاصول

ص:600


1- 1) مصباح الاصول 2:309-310.

المخالفة لا بالموافقة و لذلک ذهب بعض الأعلام إلی جریان أصالة البراءة و الإباحة مع موافقتهما مع الاستصحاب فلا تغفل ثم إنّه یتفرع علی هذا التنبیه فروع.

منها:ما ذکره الشیخ الأعظم قدّس سرّه من أنه لو شک فی حلیة أکل لحم حیوان مع العلم بقبوله التذکیة جرت أصالة الحل بخلاف ما إذا شک فی الحلیة من جهة الشک فی قبوله للتذکیة و عدمه إذ الحکم حینئذ هو الحرمة لأصالة عدم التذکیة لأن من شرائطها قابلیة المحل و هی مشکوکة فیحکم بعدمها و کون الحیوان میتة انتهی. (1)

هذا بالنسبة إلی الشبهة الحکمیة و أما الشبهة الموضوعیة فقد أشار إلیه بقوله، (2)أیضا و من قبیل ما لا یجری فیه أصالة الإباحة اللحم المردد بین المذکی و المیتة فإنّ أصالة عدم التذکیة المقتضیة للحرمة و النجاسة حاکمة علی أصالتی الإباحة و الطهارة انتهی.

و لا یخفی علیک أنّ التذکیة حیث تعرض علی الحیوان لا علی الأجزاء و الأعضاء أمکن حینئذ منع جریان أصالة عدم التذکیة فی القطعات المرددة من المذکی و المیتة إذ لا تذکیة لها ثم إن الشیخ قدّس سرّه أورد بعض الإشکالات و الجواب عنها بقوله و ربما یتخیل خلاف ذلک تارة لعدم حجیة استصحاب عدم التذکیة و أخری لمعارضة أصالة عدم التذکیة بأصالة عدم الموت و الحرمة و النجاسة من أحکام المیتة و الأوّل مبنی علی عدم حجیة الاستصحاب و لو فی الأمور العدمیة و الثانی مدفوع أوّلا:بأنه یکفی فی الحکم بالحرمة عدم التذکیة و لو بالأصل و لا یتوقف علی ثبوت الموت حتی ینفی بانتفائه و لو بحکم الأصل و الدلیل علیه استثناء ما ذکیتم من قوله و ما أکل السبع فلم یبح الشارع إلاّ ما ذکی و إناطة إباحة الأکل بما ذکر اسم اللّه علیه و غیره من الأمور الوجودیة المعتبرة فی التذکیة فإذا انتقی بعضها و لو بحکم الأصل انتفت الإباحة.

و ثانیا:انّ المیتة عبارة عن غیر المذکی إذ لیست المیتة خصوص ما مات حتف أنفه بل

ص:601


1- 1) فرائد الاصول:218.
2- 2) فی الفرائد:223.

کل زهاق روح انتفی فیه شرط من شروط التذکیة فهی میتة شرعا و تمام الکلام فی الفقه. (1)

حاصله أن مع جریان أصالة عدم التذکیة لا مجال لأصالة الإباحة و أصالة البراءة ثم ذکر الإشکال فی جریان أصالة عدم التذکیة من جهتین.

إحداهما هو عدم حجیة استصحاب عدم التذکیة و ثانیتهما معارضة أصالة عدم التذکیة بأصالة عدم الموت.

و أجاب عن الأول بأنه مبنی علی عدم حجیة الاستصحاب و لو فی الأمور العدمیة و هذا المبنی(کما تری).

و أجاب عن الثانی بوجهین أحدهما إنّ عدم التذکیة موضوع للحرمة و لا یتوقف ترتب الحرمة علی ثبوت الموت حتی بانتفائه و لو بحکم الأصل و یقع التعارض.

و ثانیهما بأن المیتة عنوان عدمی و هو مساوق لعنوان غیر المذکی فلا یکون أمرا وجودیا حتی لا یمکن إثباته بأصالة عدم التذکیة و علیه فمع أصالة عدم التذکیة یصدق المیتة أیضا لمساوقة العنوانین فی المعنی و لا منافاة بین ترتب الحرمة و النجاسة علی عنوان المیتة التی هی عبارة شرعا عن کل زهاق روح انتفی فیه شرط من شروط التذکیة و بین ترتبهما علی عنوان غیر المذکی بعد وحدتهما فی المعنی بل لو اختص عنوان المیتة بموت حتف الأنف لا یحصل المنافاة لأنه أخص حینئذ من عنوان غیر المذکی و الشأن فی کل مورد رتب الحکم الشرعی فی لسان الدلیل علی عنوانین أحدهما أعم من الآخر هو کون العبرة بالعنوان العام دون الخاص هذا و یمکن أن یقال إنّ البیان الذی أفاد الشیخ الأعظم لمعنی المیتة یفید تعمیم معنی المیتة لا عدمیتها إذ الزهوق و الخروج أمر وجودی و هو مأخوذ فی معناها.

هذا مضافا إلی ما أورده السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه حیث قال و التحقیق إنّ حرمة أکل اللحم مترتب علی عدم التذکیة بمقتضی قوله تعالی (إلاّ ما ذَکَّیْتُمْ ) و هکذا عدم جواز الصلاة بخلاف النجاسة فإنّها مترتبة علی عنوان المیتة و الموت فی عرف المتشرعة علی ما

ص:602


1- 1) فرائد الاصول:223.

صرح به فی مجمع البحرین زهاق النفس المستند إلی سبب غیر شرعی کخروج الروح حتف الأنف أو بالضرب أو الشق و نحوها فیکون أمرا وجودیا لا یمکن إثباته بأصالة عدم التذکیة و علیه فیتم ما ذکره الفاضل النراقی من معارضة أصالة عدم التذکیة بأصالة عدم الموت فیتساقطان و یرجع إلی قاعدة الطهارة و إن کان التحقیق جریانهما معا.

إلی أن قال و مجرد کون عدم التذکیة ملازما للموت(لأن التذکیة و الموت ضدان لا ثالث لهما)غیر مانع من جریانهما فإن التفکیک بین اللوازم فی الاصول العملیة غیر عزیز کما فی المتوضئ بمائع مردد بین الماء و البول مثلا فإنّه محکوم بالطهارة الخبثیة دون الحدثیة للاستصحاب مع وضوح الملازمة بینهما بحسب الواقع ففی المقام یحکم بعدم جواز الأکل بمقتضی أصالة عدم التذکیة و بالطهارة لأصالة عدم الموت. (1)

و علیه فیتقدم أصالة عدم التذکیة علی أصالة الإباحة بالنسبة إلی الأکل بعد ما عرفت من أن غیر المذکی بنفسه موضوع للحرمة کما یتقدم أصالة عدم الموت علی قاعدة الطهارة بالنسبة إلی النجاسات لأن الموت أمر وجودی و موضوع للنجاسة و یکون أصالة عدم الموت أصلا موضوعیا بالنسبة إلی قاعدة الطهارة التی کان موضوعها هو الشک فی الموت و عدمه و التفکیک فی اللوازم فی التعبدیات لا مانع منه.

ثم لا یذهب علیک أن جریان الأصل الحاکم و هو أصالة عدم التذکیة موقوف علی کون غیر المذکی موضوعا مرکبا من الحیوان الزاهق روحه و غیر الوارد علیه التذکیة لا موضوعا متصفا بعدم رعایة التذکیة الشرعیة إذ أصالة عدم التذکیة لا تثبت الاتصاف کما لا یخفی و هکذا غیر خفی إن جریان أصالة عدم التذکیة مشروط بما إذا لم یکن عموم یدل علی قابلیة کل حیوان للتذکیة و إلاّ فلا مجری للأصل المذکور و الظاهر من کلام الشیخ الأعظم قدّس سرّه إنّه یدل علی قابلیة کل حیوان للتذکیة عموم قوله تعالی قُلْ لا أَجدُ فی ما

ص:603


1- 1) مصباح الاصول 2:313-314.

أُوحیَ إلَیَّ مُحَرَّماً عَلی طاعمٍ یَطْعَمُهُ إلاّ أَنْ یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً (1)و هو محتاج إلی تأمل زائد.

و لا یخفی أیضا أن جریان أصالة عدم التذکیة یتوقف علی ما إذا لم یکن أصلا موضوعیا آخر یدل علی قبوله للتذکیة کما إذا شک مثلا فی ان الجلل فی الحیوان هل یوجب ارتفاع قابلیته للتذکیة أم لا فأصالة قبول الحیوان للتذکیة مع الجلل محکمة و مع أصالة قبوله للتذکیة لا مجال لأصالة عدم تحقق التذکیة فهو قبل الجلل کان یطهر و یحل بالفری بسائر شرائطها فالأصل إنه کذلک بعده. (2)

فتحصل أنّ مع جریان أصالة عدم التذکیة یحکم بحرمة أکل اللحم و عدم جواز الصلاة فی أجزائه و أمّا النجاسة فهی غیر مرتبة علی غیر المذکی حتی یحکم بثبوتها مع جریان أصالة عدم التذکیة بل هی مرتبة علی عنوان المیتة و هو أمر وجودی و مع جریان أصالة عدم الموت یحکم بعدم النجاسة و عدم حرمة الاستعمال و أمّا قاعدة الطهارة فهی لا تجری مع جریان أصالة عدم الموت لأن أصالة عدم الموت أصل موضوعی بالنسبة إلیها کما لا یخفی.

و مما ذکرنا یظهر أنّ المتصف بالموت هو الحیوان لا اللحم و الشاهد لذلک أنّه لا یقال:

مات اللحم و الجلد بل یقال مات الحیوان و علیه فالتذکیة صفة فی الحیوان لا فی أجزائه و لا یصح جعلها صفة فی أجزائه فی الاستصحاب بأن یقال هذا اللحم کان سابقا غیر مذکی و الآن کان کذلک و مقتضی ذلک هو عدم جریان أصالة عدم التذکیة فی الجلود و اللحوم المنفصلة المرددة بین کونها من المذکی أو غیر المذکی فإذا لم تجر أصالة عدم التذکیة فی الأجزاء من الحیوان کالجلود و اللحوم المستوردة من بلاد الکفار أمکن الأخذ بقاعدة الطهارة و الحلیة فیها و الحکم بالطهارة و جواز الاستعمال ما لم یقم أمارة علی عدم تذکیتها و ما دام احتمل أن تکون تلک الجلود و اللحوم المنفصلة من الجلود و اللحوم التی صدرت

ص:604


1- 1) الانعام145/.
2- 2) الکفایة 2:190-193.

من البلاد الإسلامیة إلی بلاد الکفار أو احتمل تذکیة حیوانها نعم لا یجوز أکل هذه اللحوم بعد اشتراط العلم بالتذکیة فی جواز الأکل بنص قوله تعالی: حُرّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخنْزیر وَ ما أُهلَّ لغَیْر اللّه به وَ الْمُنْخَنقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدّیَةُ وَ النَّطیحَةُ وَ ما أَکَلَ السَّبُعُ إلاّ ما ذَکَّیْتُمْ . (1)

ثم إنّه لا فرق بین أن یکون الشک فی التذکیة و عدمها ناشئا من جهة الشک فی قابلیة الحیوان للتذکیة و عدمها کما فی الحیوان المتولد من الشاة و الخنزیر من دون أن یصدق علیه اسم أحدهما أو ناشئا من جهة الشک فی اعتبار شیء فی التذکیة و عدمه کما إذا شککنا فی اعتبار کون الذبح بالحدید مثلا أو عدمه ففی کلا الصورتین یکون المرجع أصالة عدم تحقق التذکیة للشک فی تحققها لأن عدم تحقق التذکیة له حالة سابقة فی زمن حیاة الحیوان حیث إنه لم یکن فی حال حیاته متصفا بالتذکیة و الآن کان کذلک هذا بناء علی عدم جریان أصالة عدم قابلیة الحیوان للتذکیة بالعدم الأزلی و إلاّ فمع جریان أصالة عدم قابلیة الحیوان للتذکیة لا مجال لجریان أصالة عدم التذکیة فیما إذا شککنا فی قابلیة الحیوان للتذکیة بخلاف ما إذا علمنا القابلیة و شککنا فی اعتبار شیء فی التذکیة.

ربما یدعی أنه لا إشکال فی جریان أصالة عدم قابلیة الحیوان للتذکیة بالعدم الأزلی و معه لا شک فی عدم التذکیة حتی یجری فیه أصالة عدم التذکیة.

و یشکل ذلک بأن الحیوان الذی نشک فی قابلیته للتذکیة لم یکن بقید الوجود موردا للیقین بل هو من أول وجوده و حدوثه مشکوک القابلیة فلا حالة سابقة لها تجری و تتقدم علی أصالة عدم التذکیة.

و لذلک قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:و بالجملة فما هو معلوم هو عدم قابلیته علی نحو السالبة المحصلة و هو لیس موضوعا للحکم.

و ما هو موضوع لم یتعلق به العلم إذ الحیوان الواقع بأیدینا لم یکن فی زمان من أزمنة وجوده موردا للعلم بأنه غیر قابل حتی نستصحبه.

ص:605


1- 1) المائدة3/.

أضف إلی ذلک ما تقدم من أنّ استصحاب العنوان الذی یلائم مع عدم وجود الموضوع لا یثبت کون هذا الحیوان غیر قابل إلاّ علی القول بالأصل المثبت فإن استصحاب العام بعد العلم بانتفاء أحد فردیه لا یثبت به بقائه فی ضمن الفرد الآخر فلا یمکن إثبات الأثر المترتب علی الفرد نعم لو کان لنفس العام أثر یترتب به کما لا یخفی. (1)

و لقائل أن یقول عدم قابلیة الحیوان الموجود لازم فی ظرف ترتب الحکم و هو ظرف التعبد الاستصحابی لا ظرف الیقین حتی ینافی کونه من باب السالبة بانتفاء الموضوع فی ظرف الیقین و علیه فاستصحاب عدم قابلیة الحیوان إلی ظرف ترتب الحکم و هو حال وجود الحیوان یکفی للتعبد بعدمها و معه لا مجال لأصالة عدم التذکیة و إن أبیت عن ذلک فلا تجری إلاّ أصالة عدم التذکیة المعلومة حال حیوة الحیوان و بقیة الکلام فی محله راجع التنبیه الثالث من مباحث المقصد الرابع فی العام و الخاص.

و منها:ما أشار إلیه فی نهایة الأفکار من أنه لو شک فی الحکم الوجوبی أو التحریمی لأجل الشک فی النسخ فإنه تجری فیه أصالة عدم النسخ و بجریانها لا یبقی مورد لأصالة الإباحة و البراءة عن التکلیف. (2)

و منها:ما أفاده شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه حیث قال و من أمثلة المقام أعنی الشبهة الموضوعیة التحریمیة التی کان فیها أصل موضوعی مانع عن إجراء البراءة العقلیة و الشرعیة المال المردد بین کونه حلال التصرف أو حرامه و هو نحوان.

الأول أن یکون الشک بعد إحراز کونه مال الغیر فی طیب نفسه و عدمه و هذا واضح إنّ الأصل الموضوعی فیه عدم الطیب لأنه معلوم و لو بالعدم الأزلی کما لو شککنا من أول وجود المال إنه هل وجد مقرونا بطیب نفس المالک أم بغیره فاستصحاب عدمه الأزلی کاف فی إثبات الحرمة لأن اعتبار الطیب إنما هو حسب ظاهر الدلیل یکون بنحو مفاد کان التامة لا الناقصة.

ص:606


1- 1) تهذیب الاصول 2:221.
2- 2) نهایة الأفکار 3:255.

الثانی أن یکون الشک فی أصل مالیة الغیر و هذا علی قسمین:

تارة یکون التردید عارضیا و معلوم من ابتداء الأمر کونه ملکا للغیر و إنّما نشک فی تحقق أحد الأسباب المملکة و عدمه مثل قطعة أرض نشک فی أنه ملک الزید أو انتقل إلینا بأحد النواقل الشرعیة و لا إشکال فی استصحاب حرمة التصرفات الثابتة سابقا فی اللاحق تکلیفا و عدم تحقق الأثر وضعا عقیب مثل بیعه و صلحه و هبته و نحو ذلک و أخری یکون التردید ساریا إلی أول وجوده مثل الثمرة التی تردد بین کونه من بستان الشخص أو بستان الغیر أو ولد الشاة الذی تردد أمره بین کونه ولد شاة الشخص أو ولد شاة الغیر،إلی أن قال المسألة مبنیة علی أن المراد من قوله علیه السّلام فی بعض الأخبار«لا یحل مال إلاّ من حیث ما أحلّه اللّه»هل یستفاد منه اشتراط حلیة المال علی تحق أمر و عنوان و حیثیة وجودیة علی نحو مفاد کان التامة کما ربما یشهد به وقوعه عقیب الاستثناء إلی أن قال فنستصحب عدمه الأزلی عند الشک و لو ما کان ثابتا قبل تحقق الموضوع أو علی نحو مفاد کان الناقصة فلا یجوز استصحابه. (1)

التنبیه الثانی: فی رجحان الاحتیاط

اشارة

فی رجحان الاحتیاط و یقع الکلام فی مقامین

المقام الأوّل: فی رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة

فی رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة و لا إشکال بعد ما عرفت من عدم وجوب الاحتیاط فی رجحان الاحتیاط و حسنه فی جمیع موارد الشبهات سواء کانت وجوبیة أو تحریمیة أو کانت حکمیة أو موضوعیة.

و ذلک لحکم العقل بأن الاحتیاط لإدراک الواقع حسن لأنّ ما فی الواقع تکالیف فعلیة للمولی و لها ملاکات واقعیة و إن کان الجهل بلزومها عذرا فی مخالفتها و المفروض أنّ الأحکام الشرعیة ثابتة فی الواقع و جعل العذر لا یکون بمعنی رفع أصلها فی الواقع بحیث

ص:607


1- 1) أصول الفقه 3:646-647.

لا یکون للجاهل حکم فی الواقع بل بمعنی رفع الثقل من ناحیة التکالیف الواقعیة مع فرض ثبوتها فقوله علیه السّلام هلا تعلمت یدل علی ثبوت الأحکام الواقعیة کما أن قوله علیه السّلام«کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه»شاهد علی وجود الحکم و ثبوته حال الجهل بحیث یمکن أن یصیر معلوما.

هذا مضافا إلی النقل حیث عرفت الأخبار الکثیرة الدالة علی الأمر بالاحتیاط.

ثم الظاهر من تلک الأوامر الواردة فی الأخبار هو مولویة هذه الخطابات لأن المولویة هی المنسبقة إلی الذهن بعد عدم إرادة الوجوب منها جمعا بین أخبار الاحتیاط و أخبار البراءة و حمل جمیع الأخبار علی الإرشاد مع إمکان المولویة فی بعضها لا وجه له سیما فی مثل قوله علیه السّلام من ارتکب الشبهات نازعته نفسه إلی ان یقع فی المحرمات و قوله علیه السّلام من ترک الشبهات کان لما استبان له من الإثم أترک و قوله علیه السّلام من یرتع حول الحمی أوشک أن یقع فیه.

لظهور کون الأمر بالاحتیاط فی مثل هذه الأخبار للاستحباب النفسی و حکمته کما أفاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه هی أن لا یهون علیه ارتکاب المحرمات المعلومة و لازم ذلک استحقاق الثواب علی إطاعة أوامر الاحتیاط مضافا إلی الثواب المترتب علی نفسه. (1)

و لا مانع من اجتماع الاستحباب الطریقی مع الاستحباب النفسی فی الاحتیاط کما ذهب إلیه الشهید الصدر قدّس سرّه حیث قال و هکذا یظهر عدم محذور فی استفادة استحباب الاحتیاط فی الشبهات البدویة کحکم مولوی طریقی مثل أوامر الاحتیاط نعم لا یبعد ظهور بعضها فی أن الاحتیاط لنکتة أخری غیر الواقع المشتبه مثل النبوی الدال علی أن من ترک الشبهات کان لما استبان له أترک إلی أن قال الشهید الصدر و هذه نکتة أخری تجعل الأمر بالاحتیاط فی مورد الشبهة نفسیا لا طریقیا و لا بأس بالالتزام بثبوته أیضا ان صحّ سنده فیثبت استحبابان للاحتیاط أحدهما طریقی و الآخر نفسی. (2)

لا یقال:لا یجتمع الطریقیة و النفسیة فی الشیء الواحد لأنا نقول:نعم و لکن هذا فیما إذا

ص:608


1- 1) فرائد الاصول:216-217.
2- 2) مباحث الحجج 2:118-119.

أرید من أمر واحد و أما إذا کان الأمر متعددا فلا مانع من إرادة الطریقیة من أمر و النفسیة من آخر.

ثم لا یذهب علیک أن حسن الاحتیاط و رجحانه فی الشبهات التحریمیة بالترک و فی الشبهات الوجوبیة بالإتیان و لا فرق فی الأولی بین أن یدور أمر المشتبه بین الحرمة و الإباحة و بین أن یدور أمره بین الحرمة و الاستحباب بناء علی أن دفع المفسدة الملزمة للترک أولی من جلب المصلحة الغیر الملزمة کما أن إطلاق الأخبار الدالة علی استحباب الاحتیاط یقتضی ذلک.

لا یقال:إن لازم ذلک عدم حسن الاحتیاط فیما احتمل کونه من العبادات المستحبة بل حسن الاحتیاط بترکه إذ لا ینفک ذلک عن احتمال کون فعله تشریعا محرما لأنا نقول:کما أفاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه إن حرمة التشریع تابعة لتحققه و مع إتیان ما احتمل کونها عبادة لداعی هذا الاحتمال لا یتحقق موضوع التشریع و لذا قد یجب الاحتیاط مع هذا الاحتمال کما فی الصلاة إلی أربع جهات و فی الثوبین المشتبهین و غیرهما. (1)

المقام الثانی: فی رجحان الاحتیاط فی العبادات المحتملة

فی رجحان الاحتیاط فی العبادات المحتملة و لا إشکال فی ذلک فیما إذا دار الأمر بین الوجوب و الاستحباب للعلم بالأمر فیه فیتمکن من نیة القربة بإتیانه بقصد الأمر المعلوم بالإجمال.

و أما إذا دار الأمر بین الوجوب و غیر الاستحباب من الإباحة أو الکراهة فقد یشکل من جهة أن العبادة لا بد فیها من نیّة القربة و هی متوقفة علی العلم بأمر الشارع تفصیلا أو إجمالا و لا علم بذلک فی الفرض المذکور.

و یمکن الجواب عنه بوجوه:

منها:أن الإتیان بما احتمل کونها عبادة لداعی هذا الاحتمال یکفی فی تحقق العبادة و لا حاجة فیه إلی العلم بالأمر لا تفصیلا و لا إجمالا لصدق أنه أتی بالعمل للّه و هو المناط فی حصول القربة و العبادة.

ص:609


1- 1) فرائد الاصول:216-217.

و قد صرّح شیخنا الأعظم قدّس سرّه بذلک حیث قال و مع إتیان ما احتمل کونها عبادة لداعی هذا الاحتمال لا یتحقق موضوع التشریع. (1)و الوجه فی کفایة إتیان العمل بداعی احتمال المطلوبیة هو صدق القربة و العبادة بذلک.

قال الشهید الصدر قدّس سرّه:إنّ اللازم فی صحة العبادة مطلق الداعی القربی فإن الانبعاث عن احتمال الأمر داع قربی الهی لأنه مظهر من مظاهر الإخلاص ذاتا للمولی و کل ما هو مظهر للإخلاص للمولی یوجب التقرب ذاتا إلیه أیضا بلا حاجة إلی جعل و لم یناقش فیه أحد. (2)و هذا الجواب أحسن الأجوبة کما لا یخفی.

و منها:أن الأمر علی تقدیر لزومه موجود فی المقام و ذلک لأن حکم العقل بحسن الاحتیاط فی العبادة یکشف عن ثبوت الأمر الشرعی بالإتیان بما احتمل کونه عبادة بقاعدة الملازمة بین حکم العقل و الشرع و علیه فیکفی قصد الأمر المنکشف لحصول نیة القربة و تحقق العبادة.

أورد علیه بأن حکم العقل بحسن الاحتیاط لا یکشف عن تعلّق الأمر الشرعی به بنحو اللّم أی من ناحیة حسنه العقلی لأنّ حسن الاحتیاط حکم عقلی فی سلسلة معلولات الأحکام الشرعیة لا فی سلسلة عللها کاوامر العقل بالإطاعة فکما أن أوامر العقل بالإطاعة إرشادی و لا یکشف عن الأمر المولوی فکذلک أمر العقل بالاحتیاط إرشادی و مثل هذا یستحیل ان یکون منشأ لحکم شرعی بالملازمة فالأمر الشرعی غیر موجود.

و لا یخفی ما فیه فإن عدم قابلیة مورد حکم العقل بالإطاعة الحقیقیة للحکم المولوی کما أفاد المحقق الأصفهانی قدّس سرّه من جهة کونه محکوما علیه بالحکم المولوی و الحکم المولوی لا یتکرر لأنه تحصیل الحاصل و أما فی موارد الاحتیاط فلیس فیها إلاّ احتمال الأمر و لا مانع من البعث المولوی نحو المحتمل لعدم کفایة الاحتمال للدعوة کما لا مانع من تنجیز المحتمل

ص:610


1- 1) فرائد الاصول:216-217.
2- 2) مباحث الحجج 2:119.

بالأمر الاحتیاطی طریقیا فإن أرید عدم الکاشفیة لامتناع المنکشف فهو غیر وجیه و إن أرید عدم تعینه لاحتمال الإرشادیة و المولویة فهو وجیه فتدبر. (1)

حاصله أن الکشف عن الأمر الشرعی عن حسن الاحتیاط فی سلسلة المعلولات و إن أمکن فی المقام و لکن لا دلیل له فی مقام الإثبات فالأمر الشرعی غیر محرز فی النهایة.

و منها:أن الأمر الشرعی بالاحتیاط بنحو الاستحباب النفسی موجود بدلالة الأخبار الواردة فی المقام بمثل قوله علیه السّلام من ارتکب الشبهات نازعته نفسه إلی أن یقع فی المحرمات و قوله علیه السّلام«من ترک الشبهات کما لما استبان له من الإثم أترک»لظهور کون الأمر للاستحباب النفسی و مع الأمر المولوی یکفی قصده فی تحقق القربة و العبادة و لا وقع لما فی الکفایة من أنه لو فرض تعلّق أمر به لما کان من الاحتیاط بشیء بل کسائر ما علم وجوبه أو استحبابه فی عدم کونه من الاحتیاط و ذلک لأن متعلق الأمر هو الاحتیاط و لا یخرج المتعلق عن عنوانه و هو الاحتیاط بتعلق الأمر الاستحبابی به فتدبر جیدا.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:کما فی مباحث الحجج بأن الأمر الجزمی قد تعلّق بعنوان الاحتیاط فلا یمکن قصده إلاّ بإتیان متعلقه و هو الاحتیاط فی العبادة الواقعیة المحتملة و لا یمکن الاحتیاط فیها إلاّ بقصد أمر جزمی علی الفرض فلو أرید تصحیح ذلک بهذا الأمر لزم منه ما یشبه الدور إلاّ أنّه یمکن الجواب عن هذا الإشکال بأن للاحتیاط بوجوده الخارجی متأخر عن جعل الأمر الذی صقع وجوده و عالمه عالم الوجود الذهنی و الذی یتوقف علیه الأمر بالاحتیاط وجوده فی ذهن الآمر فی مقام الجعل و هو لیس کالوجود الخارجی للاحتیاط متأخرا عن الأمر فلا دور. (2)

هذا کله بناء علی لزوم قصد الأمر الجزمی فی حسن العبادة و تحققها و لکن عرفت عدم لزوم ذلک.

فالأولی هو أن یقال إن الاحتیاط حسن و لو فی العبادات و لا حاجة فی حسن الاحتیاط

ص:611


1- 1) نهایة الدرایة 2:216.
2- 2) مباحث الحجج 2:120.

فی العبادات إلی إحراز الأمر لکفایة الإتیان بداعی احتمال الأمر فی تحقق العبادة بحکم العقل و العرف من دون حاجة إلی إحراز الأمر أو تعلّقه به إذ یکفی فی عبادیة الشیء مجرد إضافته و انتسابه إلی المولی قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:إنّ الإتیان بالعمل برجاء المحبوبیة و احتمال أمر المولی من أحسن أنحاء الإضافة و الحاکم بذلک هو العقل و العرف بل هو أعلی و أرقی من امتثال الأمر الجزمی إذ ربما یکون الانبعاث إلیه لأجل الخوف من العقاب و هو غیر محتمل فی فرض عدم وصول الأمر و الإتیان برجاء المطلوبیة. (1)

هذا مضافا إلی دلالة أخبار من بلغ علی عدم اشتراط الجزم بالنیة و لا قصد الأمر المعلوم فی تحقق العبادة الواقعیة إذ الظاهر منها أن ما اتی به هو عین ما هو فی الواقع و أنّ الثواب الذی یصل إلیه عند مصادفة عمله للواقع هو عین الثواب المقرر علی العمل فی الواقع مع أنه متفرع علی أنه أتی به فهو شاهد علی أنّ الجزم بالنیة لا یعتبر فی تحقق العبادة و إتیانها.

قال سیدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه:و مما یؤید إمکان الاحتیاط فی التعبدیات بل من أدلته أخبار هذا الباب(أی أخبار من بلغ)فإن تلک الأخبار تدل علی أن تمام الموضوع للثواب هو البلوغ کما فی صحیحة هشام أو السماع کما فی بعض آخر منها و علیه فمهما بلغه أو سمعه و عمل علی وزانه رجاء أنّ رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله قد قاله فیثاب و إن کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله لم یقله فهذه الأخبار أقوی شاهد علی أنه لا یشترط فی تحقق العبادة الجزم بالنیة و لا قصد الأمر فی تحقق الإطاعة إذ الثواب الذی یصل إلیه عند المطابقة لیس إلاّ نفس الثواب المقرر علی العمل کما هو ظاهر الصحیحة.

و بالجملة أنّ الظاهر منها أنّ العمل المأتی به رجاء إدراک الواقع و التوصل إلی الثواب إذا صادف الواقع یکون عین ما هو الواقع و یستوفی المکلف نفس الثواب الواقعی و إن لم یصادف الواقع یعطی له مثل الثواب الواقع تفضلا و لو کان الإتیان باحتمال الأمر لغوا أو تشریعا لما کان له وجه.

ص:612


1- 1) مصباح الاصول 2:316.

و الحاصل أنّ مقتضی إطلاق البلوغ و السماع إمکان الاحتیاط و عدم لزوم الجزم و الیقین بالصدور أو الحجیة و إلاّ فلو کان شرطا لما کان جهة لإعطاء ثواب نفسی لعدم الإتیان بالعمل الصحیح. (1)

ثم لا یخفی علیک أن المستفاد من الکفایة إنّ منشأ الإشکال فی جریان الاحتیاط و حسنه فی العبادات عند دوران الأمر بین الوجوب و غیر الاستحباب هو تخیل کون القربة المعتبرة فی العبادة مثل سائر شروطها المعتبرة فیها مما یتعلق بها الأمر المتعلق بها فیشکل جریان الاحتیاط فیها حینئذ لعدم التمکن من قصد القربة المعتبرة فیها و قد عرفت أنه فاسد و إنما اعتبر قصد القربة فیها عقلا لأجل أن الغرض منها لا یکاد یحصل بدونه و علیه کان جریان الاحتیاط فیها بمکان من الإمکان ضرورة التمکن من الإتیان بما احتمل وجوبه بتمامه و کماله غایة الأمر أنه لا بد أن یؤتی به علی نحو لو کان مأمورا به لکان مقربا بأن یؤتی به بداعی احتمال الأمر أو احتمال کونه محبوبا له تعالی فیقع حینئذ فی علی تقدیر الأمر به امتثالا لأمره تعالی و علی تقدیر عدمه انقیادا لجنابه تبارک و تعالی و یستحق الثواب علی کل حال إمّا علی الطاعة أو الانقیاد. (2)

و فیه کما فی نهایة الدرایة أنّه إن کان قصد القربة خصوص الإتیان بداعی الأمر المحقق تفصیلا أو إجمالا فالعبادة لا یعقل تحققها فی الاحتیاط بعد کون المفروض أنّ الشبهة وجوبیة و لا أمر محقق لا تفصیلا و لا إجمالا سواء کان قصد القربة مأخوذا فی موضوع الأمر الأول أو کان بأمر آخر أو کان مأخوذا فی الغرض فإن قصد القربة لا یختلف معناه الدخیل فی مصلحة الفعل الباعث علی الأمر به باختلاف طرق إثباته و بناء علی هذا و إن کان مأخوذا فی الغرض و لکنه حیث لا ثبوت لما أخذ فی الغرض علی الفرض فلا یعقل إتیان الفعل علی نحو یترتب علیه الغرض و إن کان قصد القربة هو إتیان الشیء بداعی الأمر سواء کان محققا أو

ص:613


1- 1) تهذیب الاصول 2:232-233.
2- 2) الکفایة 2:195.

محتملا فالاحتیاط بمکان من الامکان سواء أخذ قصد القربة بهذا المعنی الأعم فی متعلق الأمر الأول أو کان بأمر آخر أو ماخوذا فی الغرض و علیه فلیس مبنی الإشکال فی إمکان الاحتیاط و امتناعه هو الإشکال فی قصد القربة فی العبادات من حیث إمکان أخذه فی متعلق أوامرها أو فی متعلق أمر آخر بها أو عدم إمکان أخذه إلاّ فی الغرض. (1)

و لقد أفاد و أجاد قدّس سرّه و علیه فلا ارتباط بین المسألتین إذ مع القول باعتبار الجزم بالأمر فی تحقق العبادة لا یعقل الاحتیاط فی العبادة إذ المفروض أنه لا علم بالأمر لا تفصیلا و لا إجمالا سواء أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر الأول أو کان مأمورا به بأمر آخر أو کان مأخوذا فی الغرض.

و مع القول بعدم اعتبار الجزم بالأمر و کفایة الإتیان بداع الأمر و لو کان محتملا فیمکن الاحتیاط من دون تفاوت بین الصور الثلاثة المذکورة.

التنبیه الثالث:

اشارة

فی قاعدة التسامح فی أدلة السنن:

و قد استدل المشهور بأخبار«من بلغ»علی جواز الحکم باستحباب شرعی اصطلاحی لکل مورد ورد فیه خبر یدل علی طلب فعله و لو کان الخبر ضعیفا و هذا هو معنی قاعدة التسامح فی أدلة السنن إذ یسامح فی سند الأخبار الدالة علی استحباب فعل شیء من الأشیاء و إلیک هذه الروایات:

منها:ما رواه فی الکافی عن علی بن ابراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال من سمع شیئا من الثواب علی شیء فصنعه کان له و إن لم یکن علی ما بلغه (2)هذه الروایة صحیحة.

و منها:ما رواه فی الکافی عن محمّد بن یحیی عن محمّد بن الحسین عن محمّد بن سنان عن عمران الزعفرانی عن محمّد بن مروان قال سمعت أبا جعفر علیه السّلام یقول من بلغه ثواب من

ص:614


1- 1) نهایة الدرایة 2:217.
2- 2) الکافی 2:87 جامع الأحادیث ج 1 الباب 9 من أبواب المقدمات ح 1.

اللّه علی عمل ففعل ذلک العمل التماس ذلک الثواب أوتیه و إن لم یکن الحدیث کما بلغه. (1)

و الخبر ضعیف لجهالة عمران الزعفرانی

و منها:ما رواه فی المحاسن عن أحمد بن أبی عبد اللّه البرقی عن أبیه عن علی بن الحکم عن هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام من بلغه عن النبی صلّی اللّه علیه و آله شیء من الثواب فعمله کان أجر ذلک له و إن کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله لم یقله (2)هذه الروایة صحیحة.

و منها:ما رواه فی المحاسن عن أحمد بن أبی عبد اللّه البرقی عن أبیه عن أحمد بن النظر عن محمّد بن مروان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال من بلغه عن النبی صلّی اللّه علیه و آله شیء فیه الثواب ففعل ذلک طلب قول النبی صلّی اللّه علیه و آله کان له ذلک الثواب و إن کان النبی صلّی اللّه علیه و آله لم یقله. (3)

و لا یخفی علیک أنه إن کان المقصود من محمّد بن مروان هو الذی یکنّی بالکلبی کما استظهره فی جامع الرواة فهو موثق لنقل الأجلاء عنه.

و منها:ما رواه الصدوق قدّس سرّه فی ثواب الأعمال عن أبیه رحمه اللّه قال حدثنی علی بن موسی عن أحمد بن محمّد عن علی بن الحکم عن هشام عن صفوان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال من بلغه شیء من الثواب علی خیر فعمله کان له و ذکر مثله إقبال السیّد 627 روینا بإسنادنا إلی أبی جعفر بن بابویه رضی اللّه عنه من کتاب ثواب الأعمال فیما رواه بإسناده إلی صفوان عن أبی عبد اللّه علیه السّلام إنه قال من بلغه شیء من الخیر فعمل به کان له و ذکر مثله. (4)

و الظاهر أن المراد من علی بن موسی هو الکمندانی لأنّه الذی یکون من العدة التی روی عنهم محمّد بن یعقوب عن أحمد بن محمّد بن عیسی و روی الصدوق فی الفقیه عن أبیه عنه کما فی جامع الرواة فهو من المشایخ و غیر ذلک من الروایات.

و لا إشکال فی هذه الأخبار من جهة السند لصحة بعضها بلا کلام فالمهم فی المقام هو

ص:615


1- 1) الکافی 2:87.
2- 2) المحاسن 1:25.
3- 3) المحاسن 1:25.
4- 4) جامع الأحادیث:1 الباب 9 من أبواب المقدمات ح 4.

البحث عما یستفاد من هذه الأخبار فیقع الکلام فی أمور:

الأمر الأول:أنّ موضوع هذه الأخبار هو البلوغ أو السماع

الأمر الأول:أنّ موضوع هذه الأخبار هو البلوغ أو السماع و مقتضی تفرع العمل علیهما بقوله علیه السّلام فصنعه أو فعمله إن الداعی إلی العمل هو نفس البلوغ و السماع و حیث إن البلوغ و السماع لا یساوقان الحجیة فلا محالة یعمّان الموارد التی لا یکون البلوغ و السماع حجة فالعمل بما بلغ أو سمع لا یزید علی الإتیان به بداعی الأمر المحتمل فهذه الروایات تصلح بإطلاقها للدلالة علی عدم اشتراط الجزم بالنیة فی تحقق العبادة و صحة ما ذهبنا إلیه فی التنبیه الثانی من کفایة الإتیان بداعی الأمر المحتمل فی تحقق العبادة و إلاّ لما کان وجه لترتب ثواب العمل الواقعی علیه.

الأمر الثانی: لا دلالة لهذه الأخبار علی استحباب نفس العمل

الأمر الثانی:إنّه لا دلالة لهذه الأخبار علی استحباب نفس العمل لأن الموضوع فیها لیس ذات العمل حتی یمکن استکشاف الأمر من ترتب الثواب علیه بعنوان الجزاء و الاستحقاق بدعوی أنه لا وجه لهذا الترتب إلاّ تعلّق الأمر به فیکون نظیر من سرّح لحیته فله ثواب کذا فی دلالة ترتب الثواب علی استحباب نفس تسریح اللحیة و تعلّق الأمر به بل الموضوع فیها هو العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و هو الاحتیاط و العقل یحکم باستحقاق الثواب علیه لأنه موضوع یقتضی بنفسه الثواب مع قطع النظر عن الأمر الشرعی و علیه فلا دلالة لهذه الأخبار إلاّ علی ترتب الثواب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و لعله من باب الإرشاد و التفضل قال شیخنا الأعظم قدّس سرّه:إن دلت الأخبار المذکورة علی أصل الثواب فهی مؤکدة لحکم العقل بالاستحقاق فیما إذا أتی بالاحتیاط و إن دلت علی خصوص الثواب البالغ کما هو ظاهر بعضها فهو و إن کان مغایرا لحکم العقل باستحقاق أصل الثواب علی هذا العمل بناء علی أن العقل لا یحکم باستحقاق ذلک الثواب المسموع الداعی إلی الفعل إلاّ أن مدلول هذه الروایات أخبار عن تفضل اللّه سبحانه علی العامل بالثواب المسموع و هو أیضا لیس لازما لأمر شرعی هو الموجب لهذا الثواب بل هو

ص:616

نظیر قوله تعالی مَنْ جاءَ بالْحَسَنَة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالها (1)ملزوم لأمر إرشادی یستقل العقل بتحصیل ذلک الثواب المضاعف. (2)فکما أن قوله تعالی فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالها لا یکشف عن أمر مولوی لأنه من باب التفضل فکذلک جعل الثواب المسموع فی المقام لا یکشف عن أمر مولوی بل یکشف عن التفضل فلا دلالة لهذه الأخبار علی ما نسب إلی المشهور من استحباب نفس العمل الذی بلغ الثواب علیه.

نعم یمکن أن یقال باستکشاف الأمر المولوی لو تعلّق الأمر بعنوان آخر غیر عنوان الانقیاد الذی حکم به العقل کعنوان الاحترام برسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله فإذا أسند ثواب شیء و عمل إلی رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله تعلّق الأمر المولوی بالعمل المسموع فیه شیء من الثواب عن رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله من جهة الاحترام به صلّی اللّه علیه و آله و لکن لا یحرز أنّ بعض الأخبار فی مقام بیان الثواب من هذه الناحیة بل غایة ما یستفاد منها هو جعل الثواب المسموع علی العمل المذکور من باب التفضل فلا تغفل.

ثم إنه قد ذهب فی الکفایة إلی أنه لا یبعد دلالة بعض تلک الاخبار علی استحباب ما بلغ علیه الثواب مستدلا بأن صحیحة هشام بن سالم المحکیة عن المحاسن عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال من بلغه عن النبی صلّی اللّه علیه و آله شیء من الثواب فعمله کان أجر ذلک له و إن کان رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله لم یقله.

ظاهرة فی أن الأجر کان مترتبا علی نفس العمل الذی بلغه عنه صلّی اللّه علیه و آله إنّه ذو ثواب و کون العمل متفرعا علی البلوغ و کونها الداعی إلی العمل غیر موجب لأن یکون الثواب إنما یکون مترتبا علیه فیما إذا أتی برجاء أنه مأمور به و بعنوان الاحتیاط بداهة أن الداعی إلی العمل لا یوجب له وجها و عنوانا یؤتی به بذاک الوجه و العنوان و إتیان العمل بداعی طلب قول النبی صلّی اللّه علیه و آله کما قید به فی بعض الأخبار و إن کان انقیادا إلاّ ان الثواب فی الصحیحة إنما رتب علی نفس العمل و لا موجب لتقییدها به لعدم المنافاة بینهما.

ص:617


1- 1) الانعام160/.
2- 2) فرائد الاصول:230 الطبعة القدیمة.

بل لو أتی به کذلک أی بداعی طلب قول النبی صلّی اللّه علیه و آله أو التماسا للثواب الموعود کما قید به فی بعضها الآخر لأوتی الأجر و الثواب علی نفس العمل لا بما هو احتیاط و انقیاد فیکشف عن کونه بنفسه مطلوبا و إطاعة فیکون وزانة وزان من سرّح لحیته أو من صلّی أو صام فله کذا و لعله لذلک أفتی المشهور بالاستحباب فافهم و تامل. (1)

و قد أوضحه المحقق الأصفهانی بأن الظاهر من أخبار من بلغ هو کونها فی مقام تقریر ذلک الثواب البالغ و تثبیته و مقتضی ذلک ثبوته لنفس العمل لأنه هو الذی بلغ الثواب علیه و لا ینافی هذا الظهور ظهور الفاء فی التفریع الظاهر فی داعویة الثواب للعمل ببیان أن الداعی إلی العمل یمتنع أن یصیر من وجوه و عناوین ما یدعو إلیه بحیث یتعنون العمل المدعو إلیه بعنوان من قبل نفس الداعی إذا الفرض أنّ العنوان ینشأ من دعوة الشیء فیمتنع أن یکون مقوما لمتعلق الدعوة و للمدعو إلیه و علیه فما یدعو إلیه الثواب هو ذات العمل و یستحیل أن یکون هو العمل الخاص المتخصص بخصوصیة ناشئة من قبل دعوة الثواب کخصوصیة کونه انقیادا أو احتیاطا فما یدعو إلیه الثواب لیس هو الانقیاد و إنما الانقیاد یتحقق بإتیان ذات العمل بداعی احتمال الأمر فهو متأخر عن دعوة احتمال الأمر فیمتنع أن یؤخذ فی متعلق دعوته و علیه فالثواب المترتب إنما رتب علی ما دعی إلیه احتمال الأمر و هو ذات العمل لا العمل المقید بالاحتمال و لا ما یتعنون بعنوان الانقیاد. (2)یمکن أن یقال کما أفاد شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه إن العبرة بلسان الدلیل لا بالعمل الخارجی و علیه فظهور الفاء فی قوله فعمله أو فصنعه فی التفریع علی بلوغ الثواب یکفی فی الدلالة علی أن الثواب المجعول فی الروایات المذکورة لیس مرتبا علی ذات العمل بل مرتب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و علیه فداعویة الثواب مأخوذة فی موضوع ترتب الثواب فی لسان الدلیل و ما ذکره صاحب الکفایة من أن الداعی إلی العمل لا یوجب وجها و عنوانا یؤتی به بذلک

ص:618


1- 1) الکفایة:2:197-200.
2- 2) نهایة الدرایة 2:121،الطبعة الأولی.

الوجه و العنوان لأنه حیثیة تعلیلة لا تقییدیه صحیح بالنسبة إلی العمل الخارجی الذی أتی به لا بالنسبة إلی لسان الدلیل فإن الدلیل جعل الثواب علی العمل المتفرع علی هذا الداعی و بناء علی کشف الأمر منه لا یکشف إلاّ عن الأمر المتعلق بالعمل المتفرع لا نفس العمل من دون تفرعه و أما ظهور الکلام فی وحدة الثواب فلیس معناه کما فی منتقی الاصول إرادة الوحدة الشخصیة المتحققة بالمحافظة علی تمام الخصوصیات البالغة من حیث المتعلق و غیره بل یراد به الوحدة من حیث الجنس بمعنی أن نفس ذلک الثواب یحصله المکلف سواء کان علی نفس ذلک العمل أم علی أمر آخر ملازم له فالمنظور إثبات الثواب البالغ بکمه و کیفه لا أکثر. (1)

فظهور الحدیث فی کونه فی مقام التقریر و تثبیت الثواب البالغ علی العمل لا یلازم ثبوته لنفس العمل لا سیما مع ظهور التفریع فی کون الثواب مرتبا علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر.

لا یقال:إن التفریع بالفاء ربما یکون بمعنی ترتیب أحدهما علی الآخر من دون دلالة علی أن یکون المرتب علیه علة غائیة للمرتب نظیر قول القائل سمع الأذان فبادر إلی المسجد فإن الداعی للمبادرة هو تحصیل فضیلة المبادرة لا سماع الأذان.

و ما نحن فیه قابل للحمل علی ذلک بلحاظ ترتب العمل علی بلوغ الثواب لتقوم العمل المترتب علیه الثواب ببلوغ الثواب و علیه فمجرد کون الفاء للتفریع لا یعیّن القسم الأوّل. (2)

لأنا نقول:کما فی منتقی الاصول إنّ الذی یظهر من مثل هذا التعبیر هو کون الاندفاع نحو العمل لأجل تحصیل الثواب فالظاهر من التفریع فی المقام من باب تفریع المعلول علی علته الغائیة و معناه هو انبعاث العمل عن الثواب المحتمل.

و المثال المذکور لا یصلح نقضا لعدم تصور داعویة سماع الأذان للمبادرة إذ الداعی ما یکون بوجوده العینی مترتبا علی العمل و بوجوده الذهنی سابقا علیه و سماع الأذان لا یترتب خارجا علی المبادرة. (3)

ص:619


1- 1) منتقی الاصول 4:522.
2- 2) نهایة الدرایة 2:221 الطبعة الأولی.
3- 3) منتقی الاصول 4:520.

هذا مضافا إلی ما فی تنظیر المقام بالأخبار الواردة فی الموارد الکثیرة المقتصر فیها علی ذکر الثواب للعمل مثل قوله علیه السّلام من سرّح لحیته فله کذا و ذلک کما أفاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه لأن استفادة الاستحباب الشرعی فی مثل من سرح لحیته الخ باعتبار أن ترتب الثواب لا یکون إلاّ مع الاطاعة حقیقة و حکما فمرجع أخبار مثل من سرح لحیته الخ إلی بیان الثواب علی إطاعة اللّه سبحانه بهذا الفعل فهی تکشف عن تعلّق الأمر بها من الشارع فالثواب هناک لازم للأمر یستدل به استدلالا إنیا و مثل ذلک استفادة الوجوب و التحریم مما اقتصر فیه علی ذکر العقاب علی الترک أو الفعل.

و أما الثواب الموعود فی أخبار من بلغ فهو باعتبار الإطاعة الحکمیة فهو لازم لنفس عمله المتفرع علی السماع و احتمال الصدق و لو لم یرد به أمر آخر أصلا فلا یدل علی طلب شرعی آخر نعم یلزم من الوعد علی الثواب طلب إرشادی بتحصیل ذلک الموعود و الغرض من هذه الأوامر کأوامر الاحتیاط تأیید حکم العقل و الترغیب فی تحصیل ما وعد اللّه عباده المنقادین المعدودین بمنزلة المطیعین. (1)

و الحاصل أن جعل الثواب علی عمله المتفرع علی السماع و احتمال الصدق لا یکشف عن أمر آخر متعلق بهذا العمل مع هذا العنوان و ذلک لأن العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر مما یحکم العقل باستحقاق الثواب علیه و هو موضوع یقتضی بنفسه الثواب مع قطع النظر عن الأمر الشرعی لأنه احتیاط و انقیاد فلا یکشف جعل الثواب علیه عن تعلّق الأمر بالعمل المأتی به بداعی احتمال الأمر فضلا عن نفس العمل مع قطع النظر عن تفرعه علی السماع و بلوغ الثواب و مع عدم الکشف المذکور لا مجال للحکم باستحباب العمل الماتی به بداعی احتمال الأمر فضلا عن نفس العمل فتدبر جیدا.

الأمر الثالث: لیس مفاد أخبار من بلغ إسقاط شرائط حجیة الخبر

إنّه لیس مفاد أخبار من بلغ إسقاط شرائط حجیة الخبر فی باب المستحبات و إنّه لا یعتبر فیها ما اعتبر فی غیرها من العدالة و الوثاقة.

ص:620


1- 1) فرائد الاصول:230.

فإنّ لسانها لیس لسان الحجیة إذ لسان الحجیة کما أفاد السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه هو إلغاء الخلاف و البناء علی أنّ مؤدی الطریق هو الواقع کما فی أدلة الطرق و الأمارات لا فرض عدم ثبوت المؤدی فی الواقع کما هو لسان هذه الأخبار فهو غیر مناسب لبیان حجیة الخبر الضعیف فی باب المستحبات و لا اقل من عدم دلالتها علیها بل مفاد هذه الأخبار مجرد الأخبار عن فضل اللّه تعالی و انه سبحانه بفضله و رحمته یعطی الثواب الذی بلغ العامل و إن کان غیر مطابق للواقع فهی کما تری غیر ناظرة إلی العمل و إنّه یصیر مستحبا لأجل طرو عنوان البلوغ و لا إلی إسقاط شرائط حجیة الخبر فی باب الاستحباب.

فتحصل أن قاعدة التسامح فی أدلة السنن مما لا أساس لها. (1)

ثم لا یخفی علیک انه ذهب بعض الأعلام إلی أن اخبار من بلغ لا یشمل الخبر الضعیف لعدم صدق بلوغ الخبر علیه إلاّ إذا تمّ مسند الخبر کما أنّ بلوغ العزل إلی الوکیل او بلوغ موت الزوج إلی زوجته لا یصدق علی الخبر الضعیف و علیه فلا یشمل أخبار من بلغ ضعاف الأخبار و لکن لقائل أن یقول أوّلا:إن البلوغ أعم من البلوغ المعتبر و حمل البلوغ فی العزل و الموت علی المعتبر من جهة القرینة و ثانیا:إن بعض الأخبار یشتمل علی من سمع و شموله لکل خبر و لو فان ضعیفا ظاهر فلا تغفل.

قال الشهید الصدر قدّس سرّه:و هذا الاحتمال و إن کان واردا فی نفسه و قد یستشهد علیه بما ورد فی لسان بعض الروایات(من بلغه ثواب علی شیء من الخیر)الظاهر فی المفروغیة عن خیریة و رجحان العمل الذی بلغ علیه الثواب فی المرتبة السابقة إلاّ أن حمل کل أخبار الباب حتی المطلق منها علی ذلک لا موجب له.هذا مضافا إلی أن المراد من الخیر الخیر العنوانی لا الواقعی. (2)فالحاصل أن الأخبار المذکورة تدل علی التفضل بإعطاء الثواب الذی بلغ العامل و لو بخبر ضعیف.

ص:621


1- 1) مصباح الأصول 2:319-320.
2- 2) مباحث الحجج 2:122.
الأمر الرابع: أن الثواب فی هذه الأخبار مترتب علی ما إذا أتی بالعمل

أن الثواب فی هذه الأخبار مترتب علی ما إذا أتی بالعمل بداعی الثواب و رجائه کما یشهد له التفرع علی بلوغ الثواب فی قوله علیه السّلام فی صحیحة هشام بن سالم من سمع شیئا من الثواب علی شیء فصنعه أو فعمله کان له أجر ذلک هذا مضافا إلی التصریح بذلک فی موثقة محمّد بن مروان حیث قال من بلغه عن النبی صلّی اللّه علیه و آله شیء فیه الثواب ففعل ذلک طلب قول النبی صلّی اللّه علیه و آله کان له ذلک الثواب،الحدیث و فی خبر آخر منه ففعل ذلک العمل التماس ذلک الثواب اوتیه و ان لم یکن الحدیث کما بلغه.

و علیه فلا یترتب الثواب علی ما إذا أتی بالعمل لغرض آخر کما لا یخفی.

الأمر الخامس: المحکی عن الشهید الثانی قدّس سرّه أنّه نسب إلی الأکثر التسامح فی أدلة السنن

أنّ المحکی عن الشهید الثانی قدّس سرّه أنّه نسب إلی الأکثر التسامح فی أدلة السنن و الآداب و الفضائل و المواعظ و أشباهها.

و ذهب إلیه الشیخ فی محکی رسالة التسامح نظرا إلی أن العمل بکل شیء علی حسب ذلک الشیء و العمل بالخبر الوارد فی الفضائل نشرها و الوارد فی المصائب ذکرها للإبکاء مثلا قائلا بأن العقل یحکم بحسن العمل مع الأمن من مضرة الکذب و إنّ عموم النقل کما فی النبوی و روایة الإقبال یقتضی استحبابه.

قال المحقق الأصفهانی قدّس سرّه:و لا بد من تقدیم مقدمة و هی أن الخبر عن الموضوع بما هو لا یراد منه إلاّ العمل المتعلق به إلاّ أن العمل تارة یکون من غیر مقولة القول کما فیما إذا قام الخبر علی أن هذا الموضع الخاص مدفن نبی من الأنبیاء أو مسجد فإن الثابت به استحباب الحضور عنده و زیارته و استحباب الصلاة فیه و هذا لا محذور فیه.

و أخری من مقولة القول المتصف بالصدق و الکذب و لا بد حینئذ من تنقیح أن الکذب القبیح عقلا و المحرم شرعا ما ذا لا ینبغی الریب فی أنّ الصدق الخبری و الکذب الخبری لا حکم لهما عقلا و لا شرعا و إنما المناط فی الحسن و القبح و الجواز و الحرمة بالصدق و

ص:622

الکذب المخبریّین و لا ریب فی أن الصدق المخبری هو القول الموافق للواقع بحسب اعتقاد المخبر إلاّ أن الکلام فی الکذب المخبری المقابل للصدق المخبری هل بینهما التقابل بالتضاد بنحو العدم و الملکة بمعنی أن الکذب المخبری هو القول الذی یعتقد انه خلاف الواقع أو القول الذی لا یعتقد أنه لیس کذلک فی الواقع و التحقیق أن التقابل بینهما بنحو العدم و الملکة و هو المعبّر عنه فی لسان الشرع بالقول بغیر العلم فما لا علم له و لا حجة علیه یندرج الحکایة عنه فی الکذب القبیح عقلا و المحرم شرعا و لا یختص قبح الکذب بصورة الإضرار عقلا کما لا اختصاص له شرعا.

و علیه فنشر الفضیلة التی لا حجة علیها و ذکر المصیبة التی لا حجة علیها قبیح عقلا و محرم شرعا فکیف یعمّها أخبار من بلغ سواء کان مفادها الإرشاد إلی حسن الانقیاد أو إثبات الاستحباب نعم إذا قلنا بأن الأخبار المزبورة تثبت حجیة الخبر الضعیف فلازمه اندراج الفضیلة و المصیبة فیما قامت الحجة علیه شرعا فیخرج عن نحت الکذب المخبری القبیح عقلا و المحرم شرعا.و حینئذ إن کان إجماع فهو کاشف عن هذا المعنی لا أنه تخصیص فی حکم العقل و الشرع فتدبر جیدا. (1)

و یمکن الجواب عنه بما أفاد شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه من أن نشر الفضیلة أو ذکر المصیبة یخرج عن تحت الکذب أیضا بعد قیام الحجة و هو أخبار من بلغ علی ترغیب إلی النشر أو الذکر فمن أخبر بالفضیلة أو المصیبة أخبر بحجة شرعیة و هی أخبار من بلغ و الأخبار بالحجة الشرعیة لا یکون کذبا انتهی.

و علیه فالنشر أو الذکر و لو مع عدم العلم بصحتهما مستند إلی الحجة الشرعیة و هی أخبار من بلغ و هو قول بالعلم و لیس بکذب هذا مضافا إلی أن قبح الکذب و حرمته اقتضائی و لذا یجوز الکذب بعروض مصلحة من المصالح المهمة کالإصلاح بین المؤمنین و علیه فلا مانع من أن یرفع الید من قبح الکذب بسبب مصلحة أقوی من ذلک فتخصیص

ص:623


1- 1) نهایة الدرایة 2:236-237.

المنع عن قبح القول بغیر العلم فی مثل المقام و هو النشر أو الذکر المذکورین لا مانع منه کما یکون الأمر کذلک فی الکذب المنجی علی أن نشر الفضیلة أو ذکر المصیبة بعنوان احتمال الصدور أو الوقوع لیس بکذب فتدبر جیدا.

الأمر السادس: هل یثبت ترتب الثواب بفتوی فقیه

أنه هل یثبت ترتب الثواب بفتوی فقیه باستحباب شیء أو لا قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:لا نضایق عن ترتب الثواب فی کل مورد صدق فیه بلوغ الثواب سواء کان البلوغ بفتوی الفقیه أو بنقل الروایة و سواء کان البلوغ بالدلالة المطابقیة أو بالالتزام انتهی. (1)

و فیه أن أحادیث من بلغ منصرفة عن الأخبار الحدسیة فلا یشمل الفتاوی و علیه فلا یکون الفتاوی کالروایات الحسیة فی ترتب الثواب نعم کما فی نهایة الدرایة إذا علمنا من مسلک الفقیه أنه لا یفتی إلاّ عن ورود الروایة فی المسألة ففتواه بالالتزام یکشف عن ورود روایة بالاستحباب و لکنه مع ذلک یحتاج إلی التسامح فی الأدلة إذ غایة ما یقتضیه مسلکه هو الاستناد إلی الروایة و أمّا استفادة الاستحباب فموکولة إلی نظره و لعلها إذا وصلت إلینا لم نستظهر منها الاستحباب. (2)إلاّ أنه لا یتم فی المتون التی کانت عین الروایات کنهایة الشیخ الطوسی و هدایة الصدوق و علیه فیمکن الاکتفاء بهذه المتون فی شمول أخبار من بلغ لمن عمل بها فی ترتب الثواب علیه و لو لم تکن صادرة فی الواقع فلا تغفل.

الأمر السابع: الروایات الدالة علی ترتب الثواب

إنّ هذه الروایات الدالة علی ترتب الثواب علی العمل المأتی به برجاء المطلوبیة هل تشمل عملا قامت الحجة علی حرمته من عموم أو إطلاق أولا.

یمکن القول بانصرافها عن هذا العمل و اختصاصها بما فیه محض الثواب هذا مضافا إلی معارضة الدلالة الالتزامیة فی إثبات الثواب مع الدلالة المذکورة فی إثبات العقاب قال

ص:624


1- 1) مصباح الاصول 2:321.
2- 2) نهایة الدرایة 2:225.

السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:أن أخبار المقام مختصة بما بلغ فیه الثواب فقط فلا تشمل ما ثبت العقاب علیه بدلیل معتبر و بعبارة أخری أخبار المقام لا تشمل عملا مقطوع الحرمة و لو بالقطع التعبدی فإن القطع بالحرمة یستلزم القطع باستحقاق العقاب فکیف یمکن الالتزام بترتب الثواب. (1)و مع المعارضة لا دلیل علی ترتب الثواب.

الأمر الثامن: هل تکون الکراهة ملحقة بالاستحباب

أن الکراهة هل تکون ملحقة بالاستحباب فی جواز التسامح فی أدلتها أو لا قال المحقق الأصفهانی قدّس سرّه قیل المشهور علی الإلحاق و ذلک یتوقف علی أحد أمور اما تنقیح المناط بدعوی أن الغرض أن الأحکام الغیر الإلزامیة لیست کالإلزامیة المتوقفة علی ورود روایة صحیحة(و علیه فلا فرق بین المستحبات و المکروهات)و إثباته مشکل و اما دعوی أن ترک المکروه مستحب فقد بلغ استحباب الترک بالالتزام و هو خلاف ما هو التحقیق فی محله من أنّ کل حکم تکلیفی لا ینحل إلی حکمین فعلا و ترکا و اما دعوی أن ترک المکروه إطاعة للنهی التنزیهی مما یثاب علیه قطعا فقد بلغ الثواب علی الترک علی حد بلوغ الثواب علی الفعل فی المستحب الذی لا ریب فی اناطة الثواب علیه باطاعة الأمر الاستحبابی و بلوغ الثواب علی الترک لازم کراهة الفعل إلی أن قال و هذا الوجه وجیه لو لا ظهور الروایات فی الأفعال و الوجودیات لا التروک و العدمیات.

نعم یمکن تنقیح المناط بوجه آخر و هو أن مورد الأخبار و إن اختصّ بالفعل إلاّ أن ظاهر الأخبار أنها فی مقام الترغیب فی تحصیل الثواب البالغ من حیث انه ثواب بالغ لا لخصوصیة فیما یثاب علیه حتی یقتصر علی ثواب الفعل فالحق حینئذ مع المشهور فی إلحاق الکراهة بالاستحباب. (2)

و لکنه محل تأمل لعدم القطع بالمناط المذکور اللّهمّ إلاّ أن یکتفی فیه بقول المشهور و کیف کان فالتعدی إلی الموارد المذکورة لا یختص بما إذا استفید من أخبار من بلغ استحباب نفس

ص:625


1- 1) مصباح الاصول 2:321.
2- 2) نهایة الدرایة 2:225-226.

العمل بل یمکن ذلک حتی علی ما عرفت من عدم دلالتها إلاّ علی ترتب الثواب علی العمل الذی أتی به بداعی الأمر المحتمل و الثواب من باب التفضل فلا تغفل.

الأمر التاسع: لا فرق بین القول بدلالة أخبار من بلغ

انه قد یقال لا فرق بین القول بدلالة أخبار من بلغ علی الحکم المولوی و استحباب ذات العمل و بین القول بعدمها لترتب الثواب علی العمل الذی بلغ الثواب علیه فی الصورتین فلا فائدة فی البحث عن ثبوت الحکم المولوی و هو الاستحباب و عدمه و قد ذکروا فوائد للبحث المذکور.

منها:أنّه یجوز المسح ببلّة المسترسل من اللحیة لو دل الدلیل الضعیف علی استحباب غسله فی الوضوء بناء علی ثبوت الاستحباب الشرعی بأخبار من بلغ و عدم جواز ذلک بناء علی عدم ثبوت الاستحباب الشرعی لعدم إحراز کونه من أجزاء الوضوء حینئذ.

یرد علی الجواب المذکور ما حکی عن المحقق الخراسانی فی تعلیقته علی الرسائل من أنّ غسل المسترسل حیث کان مستحبا مستقلا فی واجب أو فی مستحب لا یجوز المسح ببلته حتی علی القول باستفادة استحباب نفس الغسل من أخبار من بلغ اللّهمّ إلاّ أن یقال:کما فی مصباح الاصول إنّ ذلک خروج عن الفرض إذ المفروض دلالة الخبر الضعیف علی کونه جزءا من الوضوء. (1)

و فیه أن الخبر یدل علی استحباب غسل المسترسل لا علی کون غسله جزءا من الوضوء فتأمل هذا مضافا إلی إمکان القول بأنه لا دلیل علی جواز الأخذ من بلة الوضوء مطلقا حتی من الأجزاء المستحبة و اختصاص جواز أخذ البلة من الأجزاء الأصلیة و علیه فالقول باستحباب غسل المسترسل لحیته لا یستلزم جواز المسح ببلته فلا فرق بین القول بدلالة أخبار من بلغ علی استحباب نفس العمل و عدمها.

و منها:أن الوضوء الذی دل خبر ضعیف علی استحبابه لغایة من الغایات کقراءة القرآن أو النوم فعلی القول باستحباب نفسی یرتفع الحدث و علی القول بعدمه لا یرتفع.

ص:626


1- 1) مصباح الاصول 2:322.

أورد علیه بأن کل وضوء مستحب لم یثبت أنه رافع للحدیث کما أن الوضوء للجنب أو الحائض مستحب فی بعض الأحوال و مع ذلک لا یرتفع به الحدث.

أجاب عنه فی مصباح الاصول بأن الوضوء یرفع الحدث الأصغر و الجنب و الحائض محدثان بالحدث الأکبر فعدم ارتفاع الحدث فیهما إنما هو من جهة عدم قابلیة المورد فلا ینتقض بذلک علی الارتفاع فی مورد قابل.

و من ذلک یظهر الجواب عن النقض بالوضوء التجدیدی فهذه الثمرة تامة و لکنها مبنیة علی القول بعدم استحباب الوضوء نفسیا من دون أن یقصد به غایة من الغایات و أما لو قلنا باستحبابه کذلک کما هو الظاهر من الروایات فلا تتم الثمرة المذکورة إذ علیه یکون نفس الوضوء مستحبا رافعا للحدث ثبت استحبابه لغایة خاصة أم لم یثبت. (1)

و منها:أنه لو دل خبر ضعیف علی استحباب عمل قبل الزوال مثلا مع الشک فی بقاء استحبابه بعد الزوال فبناء علی جعل الحجیة أمکن إثبات ذلک الاستصحاب بخلافه علی الاستحباب النفسی بعنوان البلوغ لأن البالغ إنما هو الثواب قبل الزوال و هذا منتف بعد الزوال جزما. (2)

و لا یخفی ما فیه فإن الاستصحاب جار علی تقدیر الاستحباب النفسی بعنوان البلوغ أیضا لأن المعیار فی جریان الاستصحاب هو بقاء الموضوع عرفا لا لسان الدلیل و العرف یحکم بالبقاء لو لم یکن مقیدا بقبل الزوال و أما مع التقیید بقبل الزوال فلا یجری الاستصحاب و لو بناء علی جعل الحجیة.

هذا مضافا إلی أن محل الکلام هو بیان الفرق بین تعلّق الثواب علی نفس العمل الدال علی ثبوت الأمر به و هو مسألة فقهیة و بین تعلّق الثواب علی العمل مع قید بلوغ الثواب و الإتیان به بداعی الأمر الذی لا یکشف عن الأمر لا بین تعلّق الثواب علی نفس العمل

ص:627


1- 1) مصباح الاصول 2:323.
2- 2) مباحث الحجج 2:128.

بالنحو المذکور و بین جعل الحجیة و هی مسألة أصولیة و أیضا الجمع بین الاستحباب النفسی و عنوان البلوغ فی قوله بخلافه علی الاستحباب النفسی بعنوان البلوغ مع أن عنوان البلوغ من العناوین الثانیة کما تری.

و منها:ما ذکره السیّد الشهید الصدر قدّس سرّه من أنه بناء علی جعل الحجیة یفتی الفقیه بالاستحباب لمقلدیه بینما علی القول باستحباب العمل البالغ علیه الثواب فلا بد فی ثبوته للمقلدین من بلوغهم ذلک و هذا الفرق ثابت بین القول بالاستحباب و القول بالأمر الطریقی علی فتوی الاحتیاط فی موارد بلوغ الثواب أیضا. (1)

و یمکن الجواب عنه بأن المجتهد حیث کان نائبا عن المقلد فی الرجوع إلی الأدلة یکون بلوغ الثواب إلیه بلوغه إلی المقلد و معه فیمکن له أن یحکم بالاستحباب أو ترتب الثواب للمقلد أیضا فلا فرق من هذه الجهة أیضا و إلی غیر ذلک من الوجوه التی ذکروها و لا تخلو عن المناقشة فراجع.

التنبیه الرابع: ربما یتوهم عدم جریان البراءة فی الشبهة التحریمیة الموضوعیة

إنه ربما یتوهم عدم جریان البراءة فی الشبهة التحریمیة الموضوعیة بعد ما قام الدلیل مثلا علی حرمة الخمر لوجوب الاجتناب عن جمیع أفرادها الواقعیة و لا یحصل العلم بالامتثال إلاّ بالاجتناب عن کل ما احتمل حرمته.

و بعبارة أخری لیس الشک فی مثله فی التکلیف لیرجع فیه إلی قاعدة قبح العقاب بلا بیان أو إلی حدیث الرفع فإن حرمة الخمر معلومة و إنّما الشک فی مقام الامتثال و مقتضی القاعدة بعد العلم بالحکم و الشک فی الامتثال هو وجوب الاحتیاط لأن الاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیّة.

و تحقیق ذلک یتوقف علی ملاحظة صور متعلق النواهی:

أحدها:أن یکون النهی متعلقا بصرف وجود طبیعة الفعل و هو أول الوجود و ناقض

ص:628


1- 1) مباحث الحجج 2:129.

العدم الکلی بحیث لو أتی بصرف الوجود عصی و سقط النهی و جاز الإتیان بالباقی لاختصاص المفسدة بصرف الوجود و فی هذه الصورة لا مجال للبراءة لأن امتثال النهی یکون منوطا بترک جمیع الوجودات إذ لو أتی ببعضها عصی و لم یتحقق الامتثال و علیه فلا یجوز الاتیان بالمشکوک مع احتمال کونه مصداقا واقعا و إلاّ لما حصل العلم بالامتثال مع أنه عالم بالاشتغال.

قال فی الدرر لا مجال لأصالة البراءة فی هذه الصورة لأن النّهی علی هذا النحو یقتضی ترک جمیع الأفراد لأن الطبیعة لا تترک إلاّ بترک جمیع الأفراد فمتی شک فی شیء أنه من أفراد الطبیعة المنهی عنها یجب علیه ترکه لأن اشتغال الذمّة بترک إیجاد الطبیعة معلوم و لا یتیقّن بالبراءة إلاّ بالقطع بترک جمیع أفرادها فی نفس الأمر. (1)

أورد علیه فی مباحث الحجج بأن الشک فی انطباق متعلق النهی مجری للبراءة فإنه بعد إن کان الطبیعة عین الفرد و منطبقا علیه أصبح الشک فی الشبهة التحریمیة شکا فی سعة دائرة المحرکیة المولویة باعتبار شمولیة النهی. (2)

و فی تسدید الاصول أیضا أن الحق إن الحرمة کالوجوب متعلق بنفس الطبیعة فمع الشک فی المصداق یشک فی تعلّق الحرمة به و یجری فیه عموم کل شیء حلال و المتعلق و إن کان صرف الوجود إلاّ أنه لما کان امتثال الحرمة إنما هو بأن لا یتحقق متعلقها و عدم تحقق صرف الوجود إنما یکون بعدم تحقق جمیع الأفراد فکل من الأفراد بما أنه لو تحقق أولا یکون صرف الوجود یتعلق به الحرمة فإذا شک فی مصداقیة شیء فلا محالة یستتبع الشک فی حرمته مستقلا و یجری فیه أصالة الحل. (3)

و لا یخفی ما فیهما من الإشکال أوّلا:بالنقض و ثانیا:بالحلّ.

أما الأوّل:فبأن لازم ما ذکر هو عدم وجوب الاجتناب عن أطراف المعلوم بالإجمال

ص:629


1- 1) الدرر:452 طبع جدید.
2- 2) مباحث الحجج 2:148.
3- 3) تسدید الاصول 2:176.

لان الشک فی شمول النهی لکل طرف ینتهی إلی الشک فی سعة دائرة المحرکیة المولویة و بتعبیر آخر یکون الشک فی مصداقیة شیء للمعلوم بالإجمال و یستتبع الشک فی حرمته مستقلا و هکذا لازم ذلک عدم وجوب الاجتناب عن الشبهة البدویة قبل الفحص لأن الشک فی شمول النهی له و فی مصداقیة المشکوک للتکلیف الواقعی.

و أیضا لازم ذلک عدم وجوب الاحتیاط فی کل مورد یکون الشک فی الامتثال بعد العلم بالخطاب لأن مورد الشک مما یکون الشک فی سعة دائرة المحرکیة المولویة أو مما یکون الشک فی مصداقیته للواجب المعلوم و هو کما تری.

و أما الثانی:فبأن الشک فی هذه الموارد شک فی ناحیة الامتثال بعد العلم بالاشتغال و مقتضی العلم بالاشتغال هو وجوب الاحتیاط فی الموارد التی شک فی انطباق متعلق النهی أو شک فی مصداقیة شیء بالنسبة إلیه لأن الشک فی السقوط بعد العلم بالثبوت.

و لعله لذلک قال فی الکفایة انّ النهی عن الشیء إذا کان بمعنی طلب ترکه فی زمان أو مکان بحیث لو وجد فی ذلک الزمان أو المکان و لو دفعة لما امتثل أصلا کان اللازم علی المکلف إحراز أنه ترکه بالمرة و لو بالأصل فلا یجوز الإتیان بشیء یشک معه فی ترکه إلاّ إذا کان مسبوقا به لیستصحب مع الإتیان به. (1)

و لقد أفاد و أجاد إلاّ أن تفسیر النهی عن الشیء بطلب ترکه لا یخلو عن إشکال و هو ما بیناه فی النواهی عند البحث عن صیغة النهی و تفسیره من أن مفاد النهی هو الزجر عن الفعل کما إن مفاد الأمر هو البعث نحو الفعل فالمتعلق فیهما هو الفعل و طلب الترک لیس مساوقا لمعناه نعم طلب الترک لازم للزجر عن الفعل عقلا کما إن مبغوضیة الترک فی الأوامر لازم للبعث نحو الفعل. (2)و کیف کان فلا علم بالبراءة عن التکلیف الحاصل بالزجر عن صرف وجود الفعل إلاّ بإحراز الاجتناب عن الفعل بالمرة.

ص:630


1- 1) الکفایة 2:200.
2- 2) راجع عمدة الاصول 3:156.

و مما ذکر یظهر ما فی مصباح الاصول حیث قال لکن التحقیق أن المرجع فیه أیضا هی البراءة لأن الشک فی المصداق فی هذا الفرض شک فی تعلّق التکلیف الضمنی به فیرجع إلی البراءة إذ لا اختصاص لها بالتکالیف الاستقلالیة بناء علی ما ذکرناه فی محله من جریان البراءة عند الشک فی الأقل و الأکثر الارتباطیین. (1)

و ذلک لما عرفت من أن الشک و إن کان فی تعلّق التکلیف بالمورد المشکوک و لکن مقتضی الیقین بالتکلیف بالنسبة إلی صرف الوجود هو لزوم الاجتناب عنه بالمرة و هو لا یتحقق إلاّ بالاجتناب عن موارد الشک کسائر الموارد التی علم بالاشتغال فیها مما یکون التکلیف فیه متنجزا علی تقدیر ثبوته فی الواقع.

و بعبارة أخری إن عدم الاحتیاط فی مورد الشک یکون من باب عدم الاقتضاء و هو لا یصادم مع ما یقتضیه الاشتغال الیقینی ضرورة عدم التصادم بین المقتضی و اللامقتضی.

ثم إن تنظیر المقام بالأقل و الأکثر الارتباطیین فی غیر محله لانحلال التکلیف هناک إلی العلم التفصیلی و الشک البدوی لمعلومیة الأقل علی أی تقدیر سواء کان الأقل هو الواجب أو کان واجبا فی ضمن الأکثر فالشک فی سعة التکلیف و ضیقه فیجوز الرجوع فی الأکثر إلی البراءة.

هذا بخلاف المقام فإن امتثال النهی عن عنوان صرف الوجود لا یتحقق إلاّ بترک الوجودات جمیعا إذ لو جاء بفرد واحد تحقق صرف الوجود فلیس للنهی المذکور إلاّ إطاعة واحدة و عصیان واحد و علیه فالاکتفاء بترک الأفراد المعلومة یوجب الشک فی الامتثال مع أن مقتضی الیقین بالاشتغال هو تحصیل الامتثال الیقینی بالاجتناب عن مورد الشک أیضا و لعل السرّ فی ذلک أن عنوان الأکثر فی الأقل و الأکثر الارتباطیین لا دخالة له إذ الواجب هو عین الأجزاء و الشرائط و تعلّق الوجوب بغیر الأکثر معلوم تفصیلا سواء کان الأقل هو الواجب أو کان واجبا فی ضمن الأکثر و الشک فی الزائد شک فی سعة التکلیف و ضیقه هذا

ص:631


1- 1) مصباح الاصول 2:325.

بخلاف المقام فإن المطلوب فیه هو ترک أول الوجود و صرفه و هو أمر بسیط معلوم بحدوده و لا شک فی أصل ثبوته و لا فی سعته و ضیقه حتی یجری فیه البراءة بل الشک فی سببه و محصله.

و دعوی أن هذا العنوان و هو ترک صرف الوجود مسبب و حاصل من ترک جمیع الوجودات و التکلیف فی المحصل لصیغة الفاعل بالنسبة إلی بعض معلوم و بالنسبة إلی الآخر مشکوک فیرجع فی المشکوک إلی البراءة.

مندفعة بأن مقتضی الاشتغال الیقینی بالمسبب و هو أمر معلوم بسیط هو الاحتیاط فی ناحیة السبب حتی یحصل الیقین بالبراءة من أصل التکلیف و بالجملة التکلیف الأصلی فی مثل المقام أمر بسیط و معلوم و لا ینحل إلی العلم التفصیلی و الشک البدوی حتی تجری فیه البراءة فلا تغفل.

و مما ذکر یظهر ما فی کلام المحقق الأصفهانی قدّس سرّه حیث قال إنّ الحجة علی الکبری إن کانت حجة علی الصغری فلا فرق بین کبری طلب الترک المطلق و کبری طلب کل ترک.

و إن لم تکن حجة علی الصغری فلا فرق بین الشک فی انطباق مدخول أداة العموم علی المائع المردد و الشک فی انطباق طبیعی الترک المطلق علی ما یسع هذا الفرد المردد و لیس الشک فی هذا الفرد شکا فی محصل الترک المطلق بل هذا الفرد المردد علی تقدیر کونه خمرا مثلا یکون ترک شربه مقوم طبیعی ترک شرب الخمر بحدّه لا محصلا له فشرب هذا المائع بالإضافة إلی طبیعی الترک و إن لم یکن کالفرد بالإضافة إلی الکلی بل مطابق طبیعی الترک بحده واحد و هو ما بالحمل الشائع ترک شرب الخمر بنهج الوحدة فی الکثرة إلاّ أن المطلوب بالحمل الشائع بنحو فناء العنوان فی المعنون هو الترک الجامع بین التروک الخارجیة بنهج الوحدة فی الکثرة و کون ترک شرب هذا المائع من جملة تلک الکثرات التی یکون جامعها بالحمل الشائع متعلقا للطلب مشکوک فما بالحمل الشائع مطلوب یشک فی سعته لهذا المائع المردد و الحجة علی الکبری لیست حجة علی الصغری إلاّ بمقدار یعلم بسعة المطلوب

ص:632

بالحمل الشائع له إلی أن قال فإذا کان الإنشاء الواقعی المفروض تحققه بداعی جعل الداعی حقیقة فهو بعنوان جعل الداعی بالعرض علی أی تقدیر و لا یعقل أن یکون کذلک إلاّ بنحو وجوده الواصل فی وجدان العقل و إلاّ ففی صورة احتماله لا یکون داعیا بالعرض علی أی تقدیر و کذا الأمر بالإضافة إلی عنوان متعلقه فإن جعله داعیا إلی الشرب بعنوانه یستدعی إحداث الشوق إلیه بعنوانه لا إلی احتماله و کذا بالإضافة إلی ما أضیف إلیه المتعلق عنوانا و معنونا إلی أن قال و من جمیع ما ذکرنا تبین أن ملاک البراءة عدم فعلیة الحکم بعدم الوصول کبری و صغری إلی أن قال لا یقال:إتیان المشکوک و إن لم یکن ظلما مذموما علیه إلاّ أن مخالفة التکلیف المعلوم و عدم الخروج عن عهدته ظلم موجب للذم و العقاب فلزوم ترک المشکوک لیس من حیث نفسه بل من حیث لزوم الخروج عن عهدة التکلیف المنجز.

لأنا نقول:بعد تسلیم أنّ إتیان هذا المشکوک من حیث کونه مخالفة ذلک التکلیف المعلوم لیس ظلما فلا محالة لا یتنجز ذلک التکلیف المعلوم إلاّ بمقدار یکون مخالفته ظلما و خروجا عن زی الرقیة و لا یجب الفراغ عن عهدة ما لا یتنجز بالإضافة إلی شیء بل یجب الفراغ عن عهدة ما کان منجزا له. (1)

حاصله جریان البراءة سواء کان الشک فی انطباق مدخول أداة العموم علی المائع المردد أو فی انطباق طبیعی الترک المطلق علی المائع المردد بعد کون المراد من طبیعی الترک المطلق هو الترک الجامع بین التروک الخارجیة لا أمرا بسیطا حاصلا من المقدمات الخارجیة و ذلک لأن الحجة علی الکبری لیست بحجة علی الصغری و مع عدم دلالة الدلیل الاجتهادی فی حکم المشکوک یرجع فیه إلی البراءة و فیه ما لا یخفی فإنه خروج عن الفرض فإن الکلام فیما إذا کان متعلق النهی هو صرف الوجود لا الترک الجامع قال شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه:

أنّ الکلام فی هذه الصورة فیما إذا کان المتعلق أمرا بسیطا مأخوذا بنحو الموضوعیة لا بنحو المعرفیة و ما ذکره المحقق الأصفهانی مناسب للثانی لا الأول و الموضوعیة ترجع إلی المحصل

ص:633


1- 1) نهایة الدرایة 2:230-232.

بکسر الصاد و المحصل بفتحها فکما أنّ التکلیف منجز فی المحصل و لزم عقلا امتثاله فکذلک فی المقام لا یمتثل البسیط إلاّ بإتیان ما یحتمل دخالته فیه و علیه فلا مجال لانطباق طبیعی الترک المطلق علی التروک الخارجیة حتی یقال إنّ المطلوب بالحمل الشائع بنحو فناء العنوان فی المعنون هو الترک الجامع بین التروک الخارجیة بنحو الوحدة فی الکثرة و کون ترک شرب هذا المائع من جملة تلک الکثرات التی یکون جامعها بالحمل الشائع متعلقا للطلب مشکوک.

و هذا لأن ذلک متفرع علی کون المتعلق و هو الترک المطلق ماخوذا بنحو المعرفیة للتروک الخارجیة و قد عرفت أنه مأخوذ بنحو الموضوعیة و الکلام فیه و هو نظیر الشک فی المحصل بعد العلم بالمحصل بالفتح و لا إشکال فیه فی وجوب الاحتیاط.

فتحصل أنه لا مجال للبراءة فی هذه الصورة بل اللازم هو الاحتیاط فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة.

و ثانیها:هو أن یکون النهی متعلقا بذات طبیعة الفعل و حیث إن الطبیعة ملحوظة بعنوان المرآة إلی الوجودات الخارجیة لا بنحو الموضوعیة مع قطع النظر عن الوجودات الخارجیة ینحل الحکم تحریما بعدد المصادیق الخارجیة و علیه فلو شک فی کون شیء مصداقا للطبیعة یرجع الشک إلی ثبوت التکلیف زائدا علی المصادیق الأخری المعلومة فیکون مجری للبراءة لأن الشک فی سعة التکلیف و ضیقه و یلحق به ما إذا تعلّق النهی بالطبیعة علی نحو مطلق الوجود أی العام الاستغراقی فإن النهی فیه أیضا ینحل إلی الأفراد المعلومة و المشکوکة و یجوز الرجوع فی الأفراد المشکوکة إلی البراءة.

لا یقال:بعد ما قام الدلیل علی حرمة الخمر یثبت وجوب الاجتناب عن جمیع أفرادها الواقعیة و لا یحصل العلم بموافقة هذا الأمر العام إلاّ بالاجتناب عن کل ما احتمل حرمته.

لأنا نقول:کما أفاد شیخنا الأعظم قدّس سرّه إن التکلیف بذی المقدمة غیر محرز إلاّ بالعلم التفصیلی أو الإجمالی فالاجتناب عما یحتمل الحرمة احتمالا مجردا عن العلم الإجمالی لا یجب لا نفسا و لا مقدمة و اللّه العالم. (1)

ص:634


1- 1) فرائد الاصول:225 ط قدیم.

و لذا قال فی الکفایة لو کان النهی عن شیء بمعنی طلب ترک کل فرد منه علی حدة لما وجب إلاّ ترک ما علم أنه فرد و حیث لم یعلم تعلّق النهی إلاّ بما علم أنه مصداقه فأصالة البراءة فی المصادیق المشتبهة محکمة.

فانقدح بذلک أن مجرد العلم بتحریم شیء لا یوجب لزوم الاجتناب عن أفراده المشتبهة فیما کان المطلوب بالنهی طلب ترک کل فرد علی حده أو کان الشیء مسبوقا بالترک و إلاّ لوجب الاجتناب عنها عقلا لیتحصل الفراغ قطعا. (1)

و ثالثها:هو أن یکون النهی أو الزجر متعلقا بمجموع أفراد الطبیعة بحیث لو ترک فردا واحدا امتثل و لو أتی ببقیة الأفراد و علیه فیجوز للمکلف ارتکاب بعض الأفراد المتیقنة مع ترک غیره فضلا عن الفرد المشکوک فیه.

و السر فی ذلک أن المفسدة فی هذا الفرض فی مجموع وجودات الفعل فی زمان خاص أو مکان خاص فإذا ترک أحد الوجودات لم یأت بالمجموع و ترکه و یتحقق الامتثال بذلک.

ثم یقع الکلام فی الفرض المذکور فی جواز ارتکاب جمیع الأفراد المتیقنة و ترک خصوص الفرد المشکوک و عدمه.

قال السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه:الظاهر هو الجواز لأنه یرجع إلی الشک فی الأقل و الأکثر الارتباطیین فی المحرمات و هو علی عکس الشک فی الأقل و الأکثر فی الواجبات فإن تعلّق التکلیف بالأقل عند دوران الواجب بین الأقل و الأکثر هو المتیقن و إنما الشک فی تعلّقه بالزائد فیرجع فی نفیه إلی البراءة.

و أما فی باب المحرمات فتعلق التکلیف بالأکثر هو المتیقن إنما الشک فی حرمة الأقل لأن الإتیان بالأکثر أعنی الأفراد المتیقنة و الفرد المشکوک فیه محرم قطعا و أما ارتکاب ما عدا الفرد المشکوک فیه فحرمته غیر معلومة و المرجع هو البراءة. (2)

ص:635


1- 1) الکفایة 2:201-202.
2- 2) مصباح الاصول 2:325.

و لا یخفی ما فیه فإن الاشتغال بترک مجموع أفراد الطبیعة معلوم و امتثال ذلک بترک خصوص الأفراد المشکوکة غیر محرز.

و رابعها:أن یرجع النهی إلی طلب العنوان الانتزاعی عن مجموع التروک الذی عبر عنه فی محکی کلام المحقق النائینی قدّس سرّه بالموجبة المعدولة المحمول کقوله کن لا شارب الخمر فهو لا یتحقق إلاّ بمجموع التروک فلو شرب الخمر و لو دفعة لم یتحقق هذا العنوان و هو عنوان لا شارب الخمر أو تارک شرب الخمر فإذا شک فی مورد أنه مصداق ذلک أو لا لا یجری البراءة لأن الشک فی المحصل بعد کون المکلف به هو العنوان البسیط بل اللازم حینئذ هو الاحتیاط أخذا بقاعدة الاشتغال الیقینی یقتضی البراءة الیقینیة هذا کله بحسب مقام الثبوت.

و إذا عرفت ذلک فاعلم أن الظاهر من النواهی هو تعلقها بذات الطبائع و هو الصورة الثانیة إذ لا تحتاج الصورة الثانیة إلی مئونة زائدة بخلاف إرادة صرف الوجود أو مجموع أفراد الطبیعة أو العنوان الانتزاعی فإن هذه الصور محتاجة إلی مئونة زائدة ثم إن الطبیعة فی الصورة الثانیة ملحوظة بعنوان المرآة إلی أفرادها فینحل النهی إلی الأفراد المعلومة و المشکوکة فیجری البراءة فی المشکوکة منها و هکذا الأمر لو تعلّق النهی بالطبیعة علی نحو مطلق الوجود أی العام الاستغراقی فإن النهی فیه أیضا ینحل إلی المعلوم و المشکوک فیجری فیه البراءة و مما ذکر فی المقام یظهر جواز الصلاة فی اللباس الذی شک فیه أنه مما لا یؤکل لحمه و قد حکی شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه إن المیرزا الشیرازی قدّس سرّه ذهب فی سابق الزمان إلی وجوب الاحتیاط فی اللباس المشکوک و لکن عدل عنه فی سنتین قبل وفاته قدّس سرّه.

و لکن لقائل أن یقول لا یبعد دعوی ظهور النواهی عن الموانع فی المرکبات مثل الصلاة فی کون متعلقها هو صرف وجود الموانع بمناسبة الحکم و الموضوع إذ یکفی فی الإخلال أول وجود من الموانع و معه لا مجال للبراءة بعد کون صرف الوجود ملحوظا بنحو الموضوعیة لا الطریقیة بل اللازم هو الاحتیاط.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إن النهی فی المرکبات یمکن أیضا أن یکون بنحو العموم البدلی عن

ص:636

کل فرد و معه فدعوی ظهوره فی خصوص صرف الوجود مع أنها محتاجة إلی مئونة زائدة کما تری و لو شک فی کون النهی بنحو صرف الوجود أو ذات الطبیعة لکان الشک فی التکلیف الزائد فیجری فیه البراءة أیضا فتدبر جیدا.

التنبیه الخامس: ملاک رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة هو إدراک الواقع

أنه قد عرفت فی التنبیه الثانی إن ملاک رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة هو إدراک الواقع لأن ما فی الواقع تکالیف فعلیة للمولی و لها ملاکات واقعیة و إن کان الجهل بلزومها عذرا فی مخالفتها و المفروض أن الأحکام الشرعیة ثابتة فی الواقع و جعل العذر لا یکون بمعنی رفع أصلها فی الواقع بحیث لا یکون للجاهل حکم فی الواقع بل بمعنی رفع الثقل من ناحیة تلک التکالیف الواقعیة مع فرض ثبوتها و هذا الملاک بعینه موجود فی موارد الأمارات و الحجج أیضا بعد ممنوعیة التصویب لأن الواقع یکون علی حاله و لو مع قیام الأمارة علی خلافه و مقتضاه هو رجحان الاحتیاط لأنه یوجب إدراک الواقع و هو حسن بعد کون الواقع تکالیف فعلیة للمولی و لها ملاکات واقعیة و المفروض أن الأمارة لا تنفی احتمال الخلاف و مع ثبوت احتمال الخلاف فیحسن الاحتیاط لکونه موجبا لتدارک المصلحة الواقعیة و لا فرق فی ذلک بین کون الاحتیاط فی الأمور المهمة کالدماء و الفروج و الأموال أو غیرها کما لا تفاوت بین کون احتمال التکلیف قویا أو ضعیفا.

نعم لو استلزم الأخذ بالاحتیاط فی جمیع موارد الأمارات و الشبهات البدویة اختلالا فی النظام فالاحتیاط الموجب لذلک قبیح عقلا بل لیس راجحا شرعا لما أشار المحقق الأصفهانی قدّس سرّه من أن الجعل الشرعی بداعی جعل الداعی و مع قبح الاحتیاط المخل بالنظام فی نظر العقل لا یعقل تصدیق الجعل من الشارع فیلغو البعث قهرا بل نقول أن نفس التکلیف الواقعی الذی یقتضی الجمع بین محتملاته الإخلال بالنظام لا یبقی علیه فعلیة الباعثیة و الزاجریة من حیث إن العقل بعد ما لم یحکم بتحصیل العلم بامتثاله لا معنی لبقائه علی صفة الدعوة الفعلیة. (1)

ص:637


1- 1) نهایة الدرایة 2:232.

و علیه فاللازم حینئذ هو التبعیض فی الاحتیاط و هو إما بأن یختار الاحتیاط فی جمیع الشبهات العرضیة إلی أن ینتهی الأمر إلی اختلال النظام فیترک الاحتیاط رأسا فی مورد الأمارات و جمیع الشبهات لا یقال:إن تحدید الاحتیاط بصورة لزوم الاختلال عسر لأنا نقول:إنما یقدح ذلک فی وجوب الاحتیاط لا فی حسنه و رجحانه و کیف کان التبعیض فی الاحتیاط اما بذلک و اما التبعیض من أول الأمر.بحسب الاحتمالات أو المحتملات کما أشار إلیه الشیخ الأعظم حیث قال الشیخ قدّس سرّه:فیحتمل التبعیض بحسب الاحتمالات فیحتاط فی المظنونات إلی أن قال و یحتمل التبعیض بحسب المحتملات فالحرام المحتمل إذا کان من الأمور المهمة فی نظر الشارع کالدماء و الفروج بل مطلق حقوق الناس بالنسبة إلی حقوق اللّه تعالی و یدل علی هذا جمیع ما ورد من التأکید فی أمر النکاح و إنه شدید و إنه یکون منه الولد. (1)

و قال صاحب الکفایة أیضا إن الاحتیاط الموجب لذلک أی اختلال النظام لا یکون حسنا کذلک و إن کان الراجح لمن التفت إلی ذلک من أول الأمر ترجیح بعض الاحتیاطات احتمالا أو محتملا فافهم. (2)

و لعل قوله فافهم إشارة إلی أن التبعیض لا ینحصر فی ذلک بل یمکن بما مر من جواز اختبار الاحتیاط فی جمیع الشبهات العرضیة إلی أن ینتهی الأمر إلی اختلال النظام فیترک الاحتیاط رأسا فی مورد الأمارات و جمیع الشبهات ثم إن المستفاد من حسن الاحتیاط فی الشبهات بل فی الأمارات لوجود الملاکات الواقعیة ان الآثار الوضعیة لتلک الملاکات لا تزول بأصالة الإباحة أو البراءة أو حجیة الأمارات بل هی علی ما هی علیه نعم ینتفی آثار الأحکام التکلیفیة من العقوبة و المؤاخذة فلا تغفل.

التنبیه السادس: جریان البراءة مشروط بأن یکون رفع الشیء فی عالم التشریع

انّ جریان البراءة مشروط بأن یکون رفع الشیء فی عالم التشریع بید الشارع و علیه فلا مجال للبراءة فیما لا یکون وضعه و رفعه بید الشارع.

ص:638


1- 1) فرائد الاصول:225.
2- 2) الکفایة 2:202-203.

و یتفرع علی ذلک عدم جریان البراءة عند الشک فی القدرة العقلیة بل مقتضی حکم العقل بعد العلم بالخطاب هو الاحتیاط بالإقدام علی الفحص عن القدرة و عدمها نعم لو شک فی القدرة الشرعیة کالاستطاعة أمکن التمسک بالبراءة فیها.

التنبیه السابع: إذا شک فی کون الواجب تعیّنیا أو تخییریّا أو عینیا أو کفائیا أو نفسیا

إنه إذا شک فی کون الواجب تعیّنیا أو تخییریّا أو عینیا أو کفائیا أو نفسیا أو غیریا فإن کانت مقدمات الإطلاق کاملة فمقتضاها هو التعینی و العینی و النفسی لما تقدم فی محله من أن إرادة غیرها تحتاج إلی مئونة زائدة.

و إن لم تکن مقدمات الإطلاق تامة و وصلت النوبة إلی الاصول العملیة فقد یقال بالبراءة فی الشک فی التعینی و التخیری بدعوی أن التعینیة خصوصیة زائدة علی أصل الوجوب و هی مشکوکة فتکون مجری للبراءة.

أورد علیه بأن التعینیة أمر ینتزع عن عدم جعل عدل له و لیس هو بنفسه مجعولا شرعیا حتّی یکون قابلا للرفع فی عالم التشریع فلا یشمله حدیث الرفع فتأمل.

و أما جریان البراءة بالنسبة إلی وجوب العدل لکونه من المجعولات الشرعیة ففیه أن رفع وجوب العدل یوجب التضییق علی المکلف و هو خلاف الامتنان فلا یجری فیه البراءة.

هذا مضافا إلی أنه ینتج عکس المقصود من البراءة أی عدم التعین لأن البراءة عن وجوب محتمل العدلیة مستلزم لتعینه و عدم کونه واجبا تغییریا و علیه فالمرجع فی هذه الصورة هی قاعدة الاشتغال.

و دعوی أن الشیئین إذا اتحدا فی الأثر فاللازم عند العقل ان یکون ذلک الأثر مستندا إلی القدر الجامع لقاعدة عدم صدور الواحد عن الکثیر فحینئذ مرجع الشک فی التعیین و التخییر إلی أن التکلیف هل هو متعلق بالجامع بین الفردین أو بخصوص ذلک الفرد و لما قلنا بالبراءة فی الإنشاء المردد بین التعلق بالجامع أو الخاص نقول بها هنا أیضا.

مندفعة بما أفاد فی الدرر من أن التخییر و إن کان راجعا إلی تعلّق الحکم بالجامع عقلا و

ص:639

فی عالم اللب و لکن لو کان مراد المولی ذلک العنوان الخاص الذی جعله موردا للتکلیف علی وجه التعیین لم یکن للعبد عذر و لیست المؤاخذة علیه مؤاخذة من دون حجة و بیان حیث انه یعلم توجه الخطاب بالنسبة إلی العنوان المخصوص. (1)

هذا مضافا إلی ما فیه من أن الاستدلال علیه بقاعدة عدم صدور الکثیر عن الواحد و قاعدة عدم صدور الواحد عن الکثیر غیر سدید فی المقام بعد اختصاص القاعدة المذکورة بالواحد الشخصی فلا تشمل الواحد النوعی و لذا نجد بالوجدان إمکان استناد الواحد النوعی إلی المتعدد کالحرارة فإنها واحد نوعی یمکن استنادها تارة إلی النار و أخری إلی الحرکة و ثالثة إلی الشمس و هکذا و علیه فلا وجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات الواردة فی موارد التخییر و إرجاعه إلی الجامع الحقیقی و القول بالتخییر العقلی لظهور خطابات التخییر الشرعی فی تعلّقه بالأشیاء الخاصة و رفع الید عن هذا الظاهر و إرجاعه إلی جامع انتزاعی کعنوان أحدهما خلاف الظاهر و خلط بین العنوان الانتزاعی و هو عنوان أحدهما و بین واقع أحدهما.

علی أنه قال شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه:و لو سلمنا أنّ فی اللب هنا جامعا هو مرکب المصلحة و قد تعلّق الغرض الجنانی به و لکن الذی وقع مرکبا للأمر لا شک فی أنه الخاص بخصوصیته و ذاک الخاص کذلک بمعنی تعلّق الأمر بهما تعلقا بدلیا و الحاصل مرکب المصلحة غیر مؤاخذته و إنما المؤاخذة و الاحتجاج علی ما وقع تحت الأمر و الإنشاء و الإنشاء لا یدعی أحد تعلّقه بالجامع بل غایة ما یدعیه المدعی تعلّق الغرض و المصلحة بالجامع و إذن فلیس المقام من قبیل ما إذا تردد أمر الانشاء بین التعلق بالجامع أو الخاص کما فی المطلق و المقید.

فان قلت سلمنا ذلک و لکن حجیة هذا المقدار الذی معلوم لنا من الأمر فی هذا الخاص علی إتیان هذا الخاص غیر مسلمة فإن الذی علمنا أن الأمر متعلق به بالأعم من البدلی و

ص:640


1- 1) الدرر:481.

التعیینی و الذی یقتضی الشغل بالخاص إنما هو إذا أحرز کونه علی الوجه الثانی و أما إذا شک فیه و فی الوجه الأول فکون قضیّته أیضا هو الاشتغال أول الکلام.

قلت یدفع هذا النزاع بمراجعة العرف فی من سمع نداء المولی بإکرام الزید فأجابه بإکرام العمرو معتذرا بأنی احتملت کون تعلّقه بالزید بدلیا و کان بدله العمرو و لم أقطع أنه متعلق به معینا فهل تراهم یعدونه معذورا عندهم حاشا و کلاّ. (1)

و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الواجب التعیینی و التخییری من سنخ واحد و یمکن أن یرجع إلی جامع انتزاعی و بین ان لا یکون کذلک و لا یرجع إلی جامع انتزاعی کما هو الظاهر فإن الخطاب فی موارد التخییر الشرعی متعلق بالأشیاء الخاصة کخصال الکفارات و الطلب فی مثلها واحد له شعب متعددة یبعث المخاطب نحو أشیاء متعددة لا علی الاستغراق فإنه لم یتعلق بالجامع و لا علی المجموع فإن الأشیاء لم تلحظ شیئا واحدا بحیث یکون الأطراف فیه أجزاء لواحد بل یبعث المخاطب نحو الأشیاء الخاصة علی نحو البدلیة کقوله ایت بهذا أو ذاک و هذا نوع مستقل فی قبال الوجوب التعیینی و لیس من سنخه و کیف کان فلا فرق فی أن العرف لا یحکم بالاعتذار فی ترک الخاص الذی یکون موردا للخطاب بمجرد احتمال کون الخطاب فیه بدلیا من دون فرق بین أن یمکن إرجاع الخطاب إلی جامع واحد و ان لا یمکن لفرض تعلّق الخطاب بالخاص.

و یعتضد ذلک بما أفاده المحقق النائینی قدّس سرّه من أنه لا فرق(فی وجوب الاحتیاط)بین القول بأن الواجب التخییری عبارة عن تقیید الإطلاق و اشتراط التکلیف فی کل واحد من الفردین بما إذا لم یأت بالآخر و القول بأنه بنفسه سنخ آخر من الطلب یقابل الواجب التعیینی بل رجوع الشک إلی الشک فی الامتثال و السقوط لو کان من باب تقیید الإطلاق أوضح فإن الشک یرجع إلی الشک فی السقوط علی کل حال و لو کانت صفة العینیة وجودیة فإنه لو قلنا بأن الواجب التخییری من باب تقیید الإطلاق فالتقیید إنما یکون باعتبار البقاء و مرحلة السقوط باعتبار الثبوت و مرحلة الحدوث.

ص:641


1- 1) أصول الفقه لشیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه 3:711-712.

و قد عرفت أن الأصل عند الشک فی الإطلاق و الاشتراط الراجع إلی مرحلة السقوط یقتضی الاشتغال و عدم السقوط فتأمل جیدا. (1)

أورد علیه بأنه لا وجه لافتراض الشرطیة بقاء فقط بل الغایة من الواجب التخییری تحصل بجعل الوجوب مشروطا من أول الأمر بحیث یستکشف عدم ثبوت وجوب العتق لمن أطعم ستین مسکینا و یکفینا فی المقام احتمال ذلک.

و لو سلمنا الجزم بأن الشرطیة فی مرحلة البقاء فقط مع ذلک نقول إنّ البراءة لا تختص بموارد الشک فی حدوث التکلیف بل تجری فی موارد الشک فی التکلیف بقاء أیضا لانه مهما کان الشک فی سعة التکلیف سواء کان فی مرحلة الحدوث أو البقاء جرت البراءة عنه. (2)

و لا یخفی ما فیه من أن المفروض هو العلم بوجوب شیء بخصوصه مع الشک فی وجوب شیء آخر بعنوان العدل له فمع إتیان الشیء الآخر یشک فی سقوط المعلوم وجوبه بالخصوص و مقتضی الاستصحاب هو بقاء وجوبه و عدم سقوطه و لا ینافیه احتمال کون الشیء المذکور مشروطا من أول الأمر بعد تعلّق الوجوب به فی الجملة لکفایة ذلک فی الاستصحاب.

هذا مضافا إلی أن جریان البراءة فی موارد الشک فی التکلیف بقاء مع العلم بحدوث التکلیف ممنوع لأن الشک فی الامتثال و السقوط مسبب عن الشک فی حدوث التکلیف فإذا کان الحدوث معلوما و محکوما بالبقاء ارتفع الشک فی ناحیة الامتثال بعد الحکم ببقاء التکلیف و لو مع الإتیان بشیء آخر.

ثم لا یذهب علیک أنه ذهب فی منتهی الاصول إلی أن الاشتغال مبنی علی أن یکون الوجوب فی التعیینی و التخییری سنخ واحد و خصوصیة التعینیة منتزعة من قبل عدم وجوب عدل آخر.

ص:642


1- 1) فرائد الاصول 3:156.
2- 2) مباحث الحجج 2:355.

أما لو قلنا بأن الوجوب فیهما سنخان ففی الواجب التخییری إرادة ناقصة مفادها سد باب اعدام الشیء إلاّ فی ظرف وجودها هو عدل له.

و اما فی الواجب التعیینی إرادة تامة متکفلة لحفظ وجود الشیء مطلقا و من قبل جمیع اعدامه من دون استثناء فالمتعلق فی الواجب التعیینی أوسع منه فی الواجب التخییری و إن شئت قلت إن الإرادة فی التعیینی أبسط من التخییری فالشک فی أنه تعیینی أو تخییری مرجعه إلی الشک فی تعلّق الإرادة بحفظ وجود الشیء حتی فی ظرف وجود ذلک الذی یحتمل أن یکون عدلا له فعلی هذا یکون مجری البراءة. (1)

و یمکن أن یقال مع فرض کون الوجوب التعیینی و التخییری سنخین فالعبرة بالوجوبین لا بمبادیهما و مقتضی العلم الإجمالی بأحدهما هو الاحتیاط هذا مضافا إلی أن المبادی بسیطة و لا فرق فی الإرادة بین أن تکون متعلقة بالتعیینی و التخییری و إن جاز تحلیل الإرادة عند الملاحظة بما ذکر من الأبسطیة قال المحقق العراقی قدّس سرّه:إن مرجع الشک فی کون الشیء واجبا تعینیا أو تخییریا حینئذ إلی العلم الإجمالی اما بوجوب الإتیان بخصوص الذی علم بوجوبه فی الجملة و حرمة ترکه مطلقا حتی فی ظرف الإتیان بما احتمل کونه عدلا له و اما بحرمة ترک الآخر المحتمل کونه عدلا له فی ظرف عدم الإتیان بذلک و لازم هذا العلم الإجمالی إنما هو الاحتیاط بتحصیل الفراغ الیقینی بإتیان خصوص ما علم وجوبه فی الجملة و وجوب الإتیان بما احتمل کونه عدلا له عند عدم التمکن من الإتیان بما علم وجوبه لاضطرار و نحوه. (2)

و التحقیق ان یقال إن مرجع الشک فی کون الوجوب تعینیا أو تخییریا هو الشک فی جعل التضییق و عدمه فیجری فیه أصالة البراءة و لا فرق فیه بین کون الوجوب فیهما من سنخ واحد أو من سنخین لجریان أصالة البراءة بالنسبة إلی التعیین و لیست تلک الأصالة

ص:643


1- 1) منتهی الاصول 2:235.
2- 2) نهایة الأفکار 3:289.

متعارضة بجریانها بالنسبة إلی التخییر لعدم جریانها بالنسبة إلی التخییر لأنه یوجب التضییق و هو خلاف الامتنان.

و دعوی أن التعیین لیس مجعولا شرعیا مندفعة بکفایة کون سببه مجعولا شرعیا و بعد جریان البراءة بالنسبة إلی التعین لا مجال لدعوی العلم الإجمالی بکون الوجوب معلوما بین التعیّنی و التخییری و مقتضاه هو الاحتیاط لأن العلم الإجمالی منحل حکما بسبب انتفاء الوجوب التعیّنی بأصالة البراءة من دون معارض و هو المحکی عن سیدنا الاستاذ المحقق الداماد قدّس سرّه نعم یبقی فی المقام ما أشار إلیه شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه من أنه یدفع هذا النزاع مراجعة العرف فی من سمع نداء المولی بإکرام الزید فأجابه بإکرام العمرو معتذرا بأنی احتملت کون تعلّقه بالزید بدلیا و کان بدله العمرو و لم أقطع أنه متعلق به معینا فهل تراهم یعدّونه معذورا عندهم حاشا و کلاّ. (1)

فتعلق الخطاب بعنوان المخصوص یوجب لزوم مراعاته عند عرف العقلاء و مما ذکر یظهر الحکم أیضا فیما إذا شک فی العینی و الکفائی أو شک فی النفسی و الغیری بالشرح الذی عرفته فی الشک فی التعیینی و التخییری فیتحد الحکم فیما إذا لم یکن إطلاق مع ما إذا کان إطلاق فکما ینتج مقدمات الإطلاق تعینیة المشکوک و عینیته و نفسیته فکذلک یکون مقتضی ما عرفته من بناء العرف هو ذلک فلا فرق بین صورة الإطلاق و عدمه فی أن المشکوک فی الأمور المذکورة محمول علی التعیینی و العینی و النفسی فلا تغفل.

التنبیه الثامن: جواز الأخذ بالإباحة فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة

فی جواز الأخذ بالإباحة فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة قبل الفحص قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:إن إباحة ما یحتمل الحرمة غیر مختصة بالعاجز عن الاستعلام بل یشمل القادر علی تحصیل العلم بالواقع و ذلک لعموم أدلته من العقل و النقل و قوله علیه السّلام فی ذیل روایة مسعدة بن صدقة و الأشیاء کلّها علی هذا حتی یستبین لک غیره أو تقوم به البینة فإن ظاهره

ص:644


1- 1) أصول الفقه لشیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه 3:712.

حصول الاستبانة و قیام البینة لا بالتحصیل و قوله علیه السّلام هو لک حلال حتی یجیئک شاهدان.

لکن هذا و أشباهه مثل قوله علیه السّلام فی اللحم المشتری من السوق کل و لا تسئل و قوله علیه السّلام لیس علیکم المسألة انّ الخوارج ضیقوا و قوله علیه السّلام فی حکایة المنقطعة التی تبیّن لها زوج لم سألت واردة فی موارد وجود الأمارة الشرعیة علی الحلیة فلا تشمل ما نحن فیه إلاّ أن المسألة غیر خلافیة مع کفایة الإطلاقات. (1)

و لا یخفی علیک أن التمسک بالدلیل العقلی مع الشک فی تحقق موضوعه و هو عدم البیان کما تری اذ لیس المراد بالبیان المعتبر فیه عدم البیان الفعلی بل الأعم منه کما أفاد ذلک شیخ مشایخنا المحقق الحائری قدّس سرّه فی صلاته. (2)و کیف کان یمکن الاستدلال علی عدم لزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة أیضا بصریح صحیحة زرارة حیث قال قلت لأبی جعفر علیه السّلام...فهل علیّ إن شککت فی أنه أصابه شیء أن انظر فیه قال لا و لکنک إنما ترید أن تذهب بالشک الذی وقع فی نفسک. (3)

فإنّها صریحة فی عدم لزوم الفحص فی الشبهة الموضوعیة التحریمیة من النجاسة و لکنها مختصة بباب النجاسات فلا تشمل غیرها من الموارد اللّهمّ إلاّ أن یستفاد التعمیم من قوله علیه السّلام و لکنک إنما ترید أن تذهب الشک الذی وقع فی نفسک بدعوی أنه لا یختص بالمورد و یأتی فی جمیع موارد الشبهات نجاسة کانت أو غیرها و مقتضاه هو عدم اعتبار الفحص فی الشبهة الموضوعیة التحریمیة لعدم الأثر له إلاّ ما أشیر إلیه بعد جریان لا ینقض الیقین بالشک و هو عنوان عام جار فی جمیع موارد الشبهات فلا أثر للاحتیاط إلاّ ذهاب الشک المذکور فتأمل.

هذا مع قطع النظر عن المطلقات الدالة علی الإباحة کقوله علیه السّلام کل ما کان فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام بعینه فتدعه. (4)

ص:645


1- 1) فرائد الاصول:226.
2- 2) راجع،ص 405.
3- 3) جامع الاحادیث 2:136.
4- 4) الوسائل الباب 61 من الأطعمة المباحة ح 1.

لا یقال:إن مورد ذلک هو الجبن المشتری من سوق المسلمین فلعل الحکم المذکور من باب الاعتماد علی الأمارة و لا یرتبط بالأصل لأنا نقول:لا یضر خصوصیة المورد بعمومیة الوارد فحیث انّ الذیل لم یقید بما اشتری من السوق بل حکم بالحلیة من دون إلزام بالفحص و السؤال یکفی للدلالة بالإطلاق علی الإباحة حتی مع عدم الفحص هذا مضافا إلی أن المورد المذکور یکون فی بعض هذه الروایات لا فی جمیعها بل بعضها مطلق کصحیحة عبد اللّه بن سنان فتأمل.

نعم یعارض ذلک روایة میمون الصیقل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قلت له رجل أصابته جنابة باللیل فاغتسل فلما أصبح نظر فإذا فی ثوبه جنابة فقال الحمد للّه الذی لم یدع شیئا إلاّ و له حد إن کان حین قام نظر فلم یر شیئا فلا إعادة علیه و إن کان حین قام لم ینظر فعلیه الإعادة (1)

و بمضمونها مرسلة الفقیه حیث قال و قد روی فی المنی أنه إن کان الرجل حیث قام نظر و طلب فلم یجد شیئا فلا شیء علیه فإن کان لم ینظر و لم یطلب فعلیه أن یغسله و یعید صلاته و کیف کان فهذه الروایة تدل علی لزوم النظر و الفحص قبل إقامة الصلاة و لا یجوز له ان یصلی من دون ذلک و إلاّ فإن وقعت صلاته مع النجاسة یجب علیه الإعادة. (2)

و لذا حکی عن الشهید فی الذکری احتمال التفصیل بین من اجتهد فی البحث عن طهارة ثوبه فلا یعید و غیره فیعید و عن الحدائق تقویة ذلک و حکی التفصیل أیضا عن ظاهر الشیخین فی المقنعة و التهذیب و ظاهر الصدوق فی الفقیه.

و لکن أجاب عنه السیّد المحقق الخوئی قدّس سرّه بضعف الخبر لجهالة میمون الصیقل و فی هامش الوسائل عن الکافی المطبوع منصور الصیقل بدلا عن میمون الصیقل و جرح فی تنقیح المقال بأن إبدال میمون الصیقل بالمنصور اشتباه و لعله من جهة أن الراوی عن ابن

ص:646


1- 1) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات.
2- 2) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات.

جبلة عن سیف تارة و عن سعد أخری إنما هو میمون لا منصور و لکن الخطب سهل لجهالة منصور الصیقل کمیمون فلا یجدی تحقیق ان الراوی هذا أو ذاک.

علی أن الروایة لو أغمضنا عن سندها أیضا لا تنهض حجة فی مقابل الأخبار الدالة علی عدم الفرق بین الفحص و النظر قبل الصلاة و عدمه منها صحیحة زرارة المتقدمة إلی أن قال و منها:صحیحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السّلام قال سألته عن الرجل یری فی ثوب أخیه دما و هو یصلی قال لا یؤذنه حتی ینصرف. (1)لصراحتها فی انه لا أثر للعلم الحاصل من إعلام المخبر بنجاسة الثوب بعد الصلاة أو قبلها بلا فرق فی ذلک بین الفحص قبل الصلاة و عدمه و لا بین کون العلم بالنجاسة فی الوقت و بین کونه خارج الوقت لأن المناط الوحید فی وجوب الإعادة هو العلم بنجاسة الثوب أو البدن قبل الصلاة و منها موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی رجل صلی فی ثوب فیه جنابة رکعتین ثم علم به قال علیه أن یبتدی الصلاة قال و سألته عن رجل یصلی و فی ثوبه جنابة أو دم حتی فرغ من صلاته ثم علم قال مضت صلاته و لا شیء علیه. (2)

فإن التقابل بین العلم بالنجاسة فی أثناء الصلاة و الحکم بوجوب الإعادة حینئذ و بین العلم بالنجاسة بعد الفراغ و الحکم بعدم وجوب الإعادة صریح فی أن المدار فی وجوب الإعادة و عدمه إنما هو العلم بنجاسة الثوب أو البدن قبل الصلاة أو فی أثنائها و العلم بها بعد الفراغ بلا فرق فی ذلک بین الفحص قبل الصلاة و عدمه و لا بین داخل الوقت و خارجه. (3)

و لا یخفی أن دعوی التعارض بین خبر میمون الصیقل و صحیحة زرارة فی محله لمناقضتهما فی الفحص و عدمه و لکن لا وجه لدعوی التعارض بینه و بین صحیحة محمّد بن مسلم و موثقة أبی بصیر لأنهما بإطلاقهما تدلان علی عدم الفرق بین الفحص قبل الصلاة و عدمه فیمکن تقییدهما بمثل خبر میمون الصیقل مع الإغماض عما فی سنده اللّهمّ إلاّ أن

ص:647


1- 1) الوسائل الباب 40 من ابواب النجاسات.
2- 2) الوسائل الباب 40 من ابواب النجاسات.
3- 3) التنقیح 2:356.

یدعی أن ظهورهما فی الإطلاق أقوی من دلالة خبر میمون فتأمل و کیف کان فموضوع خبر میمون الصیقل مختص بصورة الصلاة و النجاسة و لا یشمل غیرهما من الموارد.

ثم إن الظاهر من بعض دعوی تعارض الروایات الدالة علی عدم لزوم الفحص مع صحیح ابن مسلم عن الصادق علیه السّلام إن رایت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة و إن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثم صلیت فیه ثمّ رأیته بعد فلا إعادة علیک و کذلک البول. (1)

و محل الاستدلال قوله و إن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثم صلیت فیه الخ فإن مفهومه هو وجوب الإعادة عند عدم النظر و الفحص و لکن أجاب عنه فی المستمسک بأن التعلیل المذکور فی صحیحة زرارة أی قوله علیه السّلام و لکنک إنما ترید أن تذهب بالشک الذی وقع من نفسک یستوجب التصرف فیها بالحمل علی الاستحباب مضافا إلی إباء نصوص نفی الإعادة عن التقیید بذلک إلی أن قال و إعراض الأصحاب عن الجمیع فالعمل بإطلاق نفی الإعادة متعین. (2)

و بعبارة أخری یمکن الجمع الدلالی بین صحیحة محمّد بن مسلم و صحیحة زرارة بحمل الأولی علی الاستحباب لقوة دلالة صحیحة زرارة علی عدم لزوم الفحص بالتعلیل المذکور فیها.

فتحصل إلی حدّ الآن عدم لزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة بصریح صحیحة زرارة و إطلاق الروایات الدالة علی الإباحة من دون تقیید بالفحص و لکن لقائل أن یقول إنّ الصحیحة المذکورة لا تدل إلاّ علی عدم لزوم النظر و من المعلوم أن النظر غیر الرؤیة لاحتیاج النظر إلی تفتیش و إعمال مقدمات کما یرشد إلیه بعض موارد الاستعمالات کقوله علیه السّلام من نظر فی حلالنا و حرامنا فله کذا فإنه لیس مجرد الرؤیة التی لا حاجة فیها إلی أی مقدمة من المقدمات.

ص:648


1- 1) الوسائل الباب 41 من أبواب النجاسات ح 2.
2- 2) المستمسک 1:504.

و بالجملة فنفی الأخص و هو النظر لا یدل علی نفی الأعم و علیه فیمکن أن یقال بعدم وجوب الفحص فیما إذا احتاج إلی المقدمات بخلاف ما إذا لم یکن کذلک لحصول العلم بمجرد الرؤیة کمن شک فی بقاء اللیل و هو علی سقف مرتفع و الهواء لا غیم فیه بحیث إذا فتح عینه إلی مطلع الفجر تبین له الأمر.

و دعوی أن الشک فی هذا المورد أیضا صادق بالفعل فیشمله أدلة الإباحة مندفعة بانصرافه عما یذهب بأدنی التفات و علیه فلا مؤمن لترک الاحتیاط بعد اختصاص صحیحة زرارة بنفی ما یحتاج إلی إعمال المقدمات اللّهمّ إلاّ أن یقال:یکفی دعوی الإجماع علی عدم لزوم الفحص و لو بمثل ما لا یحتاج إلی المقدمات فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة و لا یترک الاحتیاط بالفحص فیما إذا لم یحتج الفحص إلی المقدمات.

هذا کله بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة التحریمیة و أما الشبهات الموضوعیة الوجوبیة فقد اختلف فیها بین الأعلام فی وجوب الفحص و عدمه قال شیخ مشایخنا المحقق الحائری قدّس سرّه:عند مسألة الفحص عند الشک فی تحقق المسافة و عدمه الأقوی الثانی لإطلاق دلیل الأصل و لا دلیل هنا علی التقیید لأن الشبهة موضوعیة و یظهر من شیخنا المرتضی قدّس سرّه التردید فی ذلک قال رحمه اللّه تعالی و هل یجب الفحص أم لا وجهان من أصالة العدم التی لا یعتبر فیها الفحص عند إجرائها فی موضوعات الأحکام و من تعلیق الحکم بالقصر علی المسافة النفس الأمریة فیجب لیتحصل الواقع عند الشک امّا الجمع و امّا الفحص و الاول منتف هنا إجماعا فتعین الثانی انتهی کلامه رفع مقامه.

أقول أما ما جعله مبنی لعدم وجوب الفحص فواضح و أما ما جعله مبنی لوجوبه فلم یتحصل منه شیء فإن تعلیق الحکم بالقصر علی المسافة النفس الأمریة لا یوجب عدم جریان الأصل عند الشک و تحصیل الواقع و إن کان واجبا مع قطع النظر عن هذا الأصل الجاری فی الموضوع للعلم الإجمالی بوجوب احد التکلیفین لکن الأصل المفروض یوجب انحلاله بل لو لم یکن هنا هذا الأصل الجاری فی الموضوع لکفی فی الحکم بلزوم التمام الأصل الحکمی هذا.

ص:649

و لکن الأحوط مع ذلک الفحص لکن لا بملاحظة العلم الإجمالی المذکور لوضوح أن الفحص لا ینفع فی رفع مقتضاه بل بملاحظة أن الأصل النافی للتکلیف إما عقلی کالبراءة و إما نقلی کحدیث الرفع و استصحاب العدم و علی کل حال لا مجری له قبل الفحص سواء فی الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة و لو فرض الشبهة بدویة.

أما العقلی فلوضوح أن ملاکه عدم البیان و مع عدم الفحص یشک فی تحققه إذ لیس المراد بالبیان المعتبر عدمه البیان الفعلی بل الأعم منه و مما یظفر به بعد الفحص بالمقدار المتعارف و لا فرق فیه بین الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة لوحدة الملاک و أما النقلی فلإمکان دعوی انصراف لفظ الشک و عدم العلم عن مورد یمکن تحصیل العلم بسهولة و بمقدار متعارف من الفحص فالأدلة المعلقة للترخیص علی هذین العنوانین غیر شاملة للشک الابتدائی قبل الفحص و بعد عدم المؤمن من طرف الشرع و المفروض احتمال وجود البیان علی وجه یظفر به بعد الفحص یجب بحکم العقل الاحتیاط أو الفحص. (1)

و یؤید ما ذهب إلیه من الاحتیاط فی الشبهات الوجوبیة خبر زید الصائغ قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام إنی کنت فی قریة من قری خراسان یقال لها بخاری فرأیت فیها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مسا و ثلث رصاصا و کانت تجوز عندهم و کنت أعملها و أنفقها فقال أبو عبد اللّه علیه السّلام لا بأس بذلک إذا کانت تجوز عندهم فقلت أ رأیت إن حال علیها الحول و هی عندی و فیها ما یجب علیّ فیه الزکاة أزکیها؟قال علیه السّلام نعم إنما هو مالک قلت فإن أخرجتها إلی بلدة لا ینفق فیها مثلها فبقیت عندی حتی حال علیها الحول أزکیها؟قال علیه السّلام إن کنت تعرف إن فیها من الفضة الخالصة مما یجب علیک فیه الزکاة فزک ما کان لک فیها من الفضة الخاصة من فضة و دع ما سوی ذلک من الخبیث قلت و إن کنت لا أعلم ما فیها من الفضة الخالصة إلاّ إنی أعلم أن فیها ما تجب فیه الزکاة قال علیه السّلام فاسبکها حتی تخلص الفضة و یحترق الخبیث ثم تزکی ما خلص من الفضة لسنة واحدة». (2)

ص:650


1- 1) صلاة المحقق الحائری:405.
2- 2) الوسائل الباب 7 من أبواب زکاة الذهب و الفضة ح 1.

و ضعفه منجبر بالعمل کما فی الجواهر لا یقال:إن الروایة المذکورة واردة فی مورد العلم بأن فیها ما تجب فیه الزکاة لأنا نقول:کما فی مستند العروة إن مرجع الشک فی المقدار بعد العلم بأصل النصاب إلی الشک فی النصاب الثانی بعد العلم بالأول فهو بالإضافة إلی النصاب الثانی للنقدین شاک فی أصل وجوده فإذا حکم فیه بوجوب الفحص یعلم أن هذا من أحکام الشک فی أصل النصاب الذی لا یفرق فیه بین النصاب الأول و الثانی بالضرورة إلاّ أن الروایة فی نفسها ضعیفة کما مر فلا یمکن التعویل علیها فی الحکم بوجوب الفحص. (1)

و بالجملة فمقتضی ما ذکر هو لزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة الوجوبیة لا سیما إذا کان موردها هی حقوق الناس حتی یحصل العلم و قد عرفت عدم شمول الدلیل العقلی و هکذا لا مجال للدلیل النقلی بعد کون الشک و عدم العلم منصرف عن مورد یمکن تحصیل العلم بسهولة و بمقدار متعارف من الفحص بل العلم المأخوذ فی الأحکام هو الأعم من العلم الفعلی و مما یظفر به بعد الفحص المقام بعد کون المراد من البیان فیه الأعم من البیان الفعلی و مما یظفر به بعد الفحص مثلا من کتب دیونه فی دفتر ثم شک فی کونه مدیونا لزید و عدمه أو شک فی مقدار دینه بالنسبة إلیه یکون عالما عند العرف و لیس له أن یجری البراءة بدون المراجعة إلی ما کتبه فی دفتره و بعبارة أخری فکما لا یجوز فی الشبهات الحکمیة أن لا یرجع المجتهد إلی جوامع الأحادیث و یجری البراءة لأن مثله یکون عالما عند العرف فلفظ الشک و عدم العلم منصرف عن مورد یمکن له تحصیل العلم بالتفحص عن مظانه لا سیما إذا کان سهلا.

فکذلک فی المقام فمع عدم المؤمن من طرف الشارع و احتمال وجود البیان علی وجه یظفر به بعد الفحص المتعارف یجب بحکم العقل الاحتیاط أو الفحص فی الشبهات الموضوعیة الوجوبیة فتدبر و سیأتی بقیة الکلام فی شرائط الاصول إن شاء اللّه تعالی.

ص:651


1- 1) مستند العروة 1:298.

الخلاصة:

التنبیهات

التنبیه الأوّل:

أنّ جریان أصالة البراءة و الإباحة فی مشتبه الحکم مشروط بعدم جریان أصل حاکم علیهما لأن موضوع البراءة العقلیة هو عدم البیان بالنسبة إلی الحکم الواقعی کما أنّ موضوع الإباحة الشرعیة هو الشکّ و عدم العلم بالحکم الواقعی و علیه فکل ما یکون بیانا و رافعا للشکّ و لو تعبدا یتقدم علی البراءة و الإباحة بالورود أو الحکومة و لا فرق فی ذلک بین الشبهة الموضوعیة و الحکمیة و قد عبّر عن هذا الأصل بالأصل الموضوعی باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر أو حاکم علیه.

و یتفرع علیه فروع منها أنّه لو شک فی حلیّة أکل لحم حیوان مع العلم بقبوله التذکیة جرت أصالة الحلیّة بخلاف ما إذا شک فی الحلیة من جهة الشکّ فی قبوله للتذکیة و عدمه فإنه یحکم بالحرمة لجریان الأصل الموضوعی باعتبار أنّه رافع لموضوع الأصل الآخر حاکم علیه.

و یتفرع علیه فروع منها أنّه لو شک فی حلیّة أکل لحم حیوان مع العلم بقبوله التذکیة جرت أصالة الحلیّة بخلاف ما إذا شک فی الحلیة من جهة الشکّ فی قبوله للتذکیة و عدمه فإنه یحکم بالحرمة لجریان الأصل الموضوعی فیه و هو أصالة عدم التذکیة لأنّ من شرائطها قابلیة المحل و هی مشکوکة فیحکم بعدمها و کون الحیوان میتة هذا بالنسبة إلی الشبهة الحکمیة.

و أمّا الشبهة الموضوعیة فقد یقال إنّ اللحم المردد بین کونه من المذکی أو من المیتة لا یجری فیه أصالة الإباحة فإنّ أصالة عدم التذکیة المقتضیة للحرمة و النجاسة حاکمة علی أصالتی الإباحة الطهارة.

لا یقال:إنّ استصحاب عدم التذکیة بناء علی جریانه یعارض مع استصحاب عدم الموت و الحرمة و النجاسة من أحکام المیتة و مع المعارضة فلا یکون أصل موضوعی

ص:652

بالنسبة إلی أصالتی الإباحة و الطهارة لأنا نقول:بأنّ عدم التذکیة و لو بالأصل موضوع لحرمة الأکل کما یشهد له استثناء«ما ذکیتم»من قوله«و ما أکل السبع»فی الآیة الکریمة فلم یبح الشارع إلاّ ما ذکی فیدل ذلک علی إناطة إباحة الأکل بما ذکر اسم اللّه علیه و غیره من الأمور الوجودیة المعتبرة فی التذکیة فإذا انتفی بعضها و لو بحکم الأصل انتفت الإباحة و علیه و لا یتوقف ثبوت الحرمة علی ثبوت الموت حتی ینفی بانتفائه و لو بحکم الأصل و هو استصحاب عدم الموت.

هذا مضافا إلی أنّ عنوان المیتة عنوان عدمی و هو مساوق لعنوان غیر المذکی فلا یکون أمرا وجودیا حتی لا یمکن إثباته بأصالة عدم التذکیة و علیه فمع أصالة عدم التذکیة یصدق عنوان المیتة أیضا لمساوقة العنوانین فی المعنی فلا منافاة بین ترتب الحرمة و النجاسة علی عنوان المیتة التی هی عبارة شرعا عن کلّ زهاق روح انتفی فیه شرط من شروط التذکیة و بین ترتبهما علی عنوان غیر المذکی بعد وحدتهما فی المعنی.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ الزهوق أمر وجودی و المفروض أنّه مأخوذ فی معنی المیتة و علیه فلا یکون عنوان المیتة عدمیا.

و التحقیق أنّ حرمة أکل اللحم مترتب علی عدم التذکیة بمقتضی قوله تعالی إلاّ ما ذَکَّیْتُمْ و هکذا عدم جواز الصلاة بخلاف النجاسة فإنّها مترتبة علی عنوان المیتة و الموت فی عرف المتشرعة علی ما صرح به فی مجمع البحرین زهاق النفس المستند إلی سبب غیر شرعی کخروج الروح حتف الأنف أو بالضرب و غیره فیکون الموت أمرا وجودیا لا یمکن إثباته بأصالة عدم التذکیة.

و علیه فیتمّ دعوی معارضة أصالة عدم التذکیة مع أصالة عدم الموت فیتساقطان فیرجع إلی قاعدة الطهارة إلاّ أنّ التحقیق جریان أصالة عدم التذکیة مع أصالة عدم الموت لأنّ مجرد کون عدم التذکیة ملازما للموت غیر مانع من جریانهما فإنّ التفکیک بین اللوازم فی الأصول العملیة غیر عزیز ففی المقام یحکم بعدم جواز الأکل بمقتضی أصالة عدم التذکیة و بالطهارة لأصالة عدم الموت.

ص:653

و علیه فیتقدم أصالة عدم التذکیة علی أصالة الإباحة بالنسبة إلی الأکل بعد ما عرفت من أنّ غیر المذکی بنفسه موضوع للحرمة کما یتقدم أصالة عدم الموت علی قاعدة الطهارة بالنسبة إلی النجاسة لأنّ الموت أمر وجودی و موضوع للنجاسة و یکون أصالة عدم الموت أصلا موضوعیا بالنسبة إلی قاعدة الطهارة التی کان موضوعها هو الشکّ فی الموت و عدمه و التفکیک فی اللوازم فی التعبدیّات لا مانع منه فلا استعباد فی الجمع بین حرمة الأکل مع الحکم بالطهارة مع أنّ لازم الحکم بالحرمة هو النجاسة.

ثمّ لا یذهب علیک أنّ جریان الأصل الحاکم و هو أصالة عدم التذکیة موقوف علی کون غیر المذکی موضوعا مرکبا من الحیوان الزاهق روحه و غیر الوارد علیه التذکیة لا موضوعا متصفا بعدم رعایة التذکیة الشرعیة إذ أصالة عدم التذکیة لا تثبت الاتصاف.

و أیضا جریان أصالة عدم التذکیة مشروط بما إذا لم یکن عموم یدل علی قابلیة کل حیوان التذکیة و إلاّ فلا مجال لجریان الأصل المذکور.

و أیضا جریان أصالة عدم التذکیة یتوقف علی ما إذا لم یکن أصلا موضوعیا آخر یدل علی قبوله للتذکیة کما إذا شک مثلا فی أنّ الجلل فی الحیوان هل یوجب ارتفاع قابلیته للتذکیة أم لا فأصالة قبول الحیوان للتذکیة مع الجلل محکمة و مع أصالة قبوله للتذکیة لا مجال لأصالة عدم تحقّق التذکیة فهو قبل الجلل کان یطهر و یحل بالفری مع سائر شروطها فالأصل أنّه کذلک بعده.

فتحصل أنّ مع جریان أصالة عدم التذکیة یحکم بحرمة أکل اللحم و عدم جواز الصلاة فیها و أمّا النجاسة فهی غیر مرتبة علی غیر المذکی حتی یحکم بثبوتها مع جریان أصالة عدم التذکیة بل هی مرتبة علی عنوان المیتة و هو أمر وجودی و مع جریان أصالة عدم الموت یحکم بعدم النجاسة.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ المتصف بالموت هو الحیوان لا اللحم و الشاهد لذلک أنّه لا یقال:

مات اللحم و الجلد بل یقال مات الحیوان و علیه فالتذکیة صفة فی الحیوان لا فی أجزائه و مقتضی ذلک عدم جریان أصالة عدم التذکیة فی الجلود و اللحوم و غیرهما من الأجزاء المنفصلة المرددة بین کونها من المذکی أو غیر المذکی.

ص:654

فإذا عرفت عدم جریان أصالة عدم التذکیة فی الأجزاء من الحیوان أمکن الأخذ بقاعدة الطهارة و حلیة الاستعمال فی اللحوم و الجلود المستوردة من بلاد الکفار مع احتمال تزکیة حیوانها فیها أو فی بلاد المسلمین ثمّ نقلوها إلی بلادهم نعم لا یجوز أکل هذه اللحوم لاشتراط العلم بالتذکیة فی جواز الأکل فلا تغفل.

و منها:أنّه لو شک فی الحکم الوجوبی أو التحریمی لأجل الشکّ فی النسخ فإنه تجری فیه أصل موضوعی و هو أصالة عدم النسخ و معها لا تصل النوبة إلی أصالة الإباحة و البراءة عن التکلیف.

و منها:أنّه إذا شک فی مال أنّه حلال التصرف أو حرامه فإن کان الشک بعد إحراز کونه مال الغیر فی طیب نفس مالکه و عدمه فالأصل الموضوعی و هو أصالة عدم الطیب و لو بالعدم الأزلی یمنع عن جریان أصالة الإباحة و یحکم بحرمة التصرف فیه.

و إن شک فی کونه مالا للغیر و عدمه فإن کان هذا الشک عارضیا بعد معلومیة کونه ملکا للغیر و إنّما الشک من ناحیة احتمال تحقّق بعض الأسباب الملکیة و عدمه فلا مجال لأصالة الإباحة مع جریان استصحاب حرمة التصرفات الثابتة سابقا و إن کان الشکّ ساریا إلی أوّل وجوده مثل الثمرة التی تردد بین کونه من بستان نفسه أو بستان غیره فالمسألة مبتنیة علی أنّ المراد من قوله علیه السّلام«لا یحل مال إلاّ من حیث ما أحلّه اللّه»هل یستفاد منه اشتراط حلیة المال علی تحقّق أمر و عنوان و حیثیة وجودیة علی نحو مفاد کان التامة فیستصحب عدم الأزلی عند الشک و معه لا یبقی مجال لأصالة الحلیة و الإباحة بخلاف ما إذا لم یکن کذلک کما هو واضح.

التنبیه الثانی:

فی رجحان الاحتیاط و یقع الکلام فی مقامین

المقام الأوّل فی رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة سواء کانت وجوبیة أو تحریمیة أو کانت موضوعیة أو حکمیة.

ص:655

و الوجه فیه هو حکم العقل بأن الاحتیاط لإدراک الواقع حسن لأن ما فی الواقع تکالیف فعلیة للمولی و لها ملاکات واقعیة و إن کان الجهل بلزومها عذرا فی مخالفتها و قوله علیه السّلام کل شیء فیه حلال و حرام فهو لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه شاهد علی وجود الحکم و ثبوته حال الجهل بحیث یمکن أن یصیر معلوما.

هذا مضافا إلی الأخبار الکثیرة الدالة علی الأمر بالاحتیاط ثمّ إن الظاهر من أوامر الاحتیاط هو المولویة و الاستحباب جمعا بینها و بین أخبار البراءة.

و لازم ذلک استحقاق الثواب علی إطاعة أوامر الاحتیاط مضافا إلی الثواب المرتب علی نفسه.

المقام الثانی فی رجحان الاحتیاط فی العبادات المحتملة و لا إشکال فیه کما إذا دار الأمر بین الوجوب و الاستحباب للعلم بالأمر فیه فیمکن من نیة القربة بإتیانه بقصد الأمر المعلوم بالإجمال.

و أما إذا دار الأمر بین الوجوب و غیر الاستحباب من الإباحة أو الکراهة یشکل حسن الاحتیاط من جهة أن العبادة لا بد فیها من نیة القربة و هی متوقفة علی العلم بأمر الشارع تفصیلا أو إجمالا و لا علم بذلک فی الفرض المذکور.

و یمکن الجواب عنه بأن اللازم فی صحة العبادة مطلق الداعی القربی فإن الانبعاث عن احتمال الأمر داع قربی إلهی لأنه مظهر من مظاهر الإخلاص و أتی للمولی و هو یوجب التقریب ذاتا إلیه بلا حاجة إلی محل.

التنبیه الثالث:

فی قاعدة التسامح فی أدلة السنن و استدل لها بأخبار«من بلغ»علی جواز الحکم باستحباب شرعی اصطلاحی لکل مورد فیه خبر یدل علی طلب فعله و لو کان الخبر ضعیفا و هذا هو معنی قاعدة التسامح فی أدلة السنن إذ یسامح فی سند الاخبار الدالة علی استحباب فعل شیء من الأشیاء و هنا روایات:

ص:656

منها:صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال من سمع شیئا من الثواب علی شیء فصنعه کان له و إن لم یکن علی ما بلغه(کما بلغه خ-ل)و غیر ذلک من الأخبار و لا إشکال فیها من حیث السند و إنما الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل:

أن موضوع هذه الأخبار هو البلوغ أو السماع و مقتضی تفرع العمل علیهما بقوله علیه السّلام فصنعه او فعمله إن الداعی إلی العمل هو نفس البلوغ و السماع و حیث إن البلوغ و السماع لا یساوقان الحجیة فلا محالة یعمّان الموارد التی لا یکون البلوغ و السماع حجة کالأخبار الضعیفة.

الأمر الثانی:

إنه لا دلالة لهذه الأخبار علی استحباب نفس العمل لأنّ الموضوع فیها لیس ذات العمل حتی یمکن استکشاف الأمر من ترتب الثواب علیه بعنوان الجزاء و الاستحقاق بدعوی أنه لا وجه لهذا الترتب الاّ تعلّق الأمر به فیکون نظیر من سرح لحیته فله ثواب کذا فی دلالة ترتب الثواب علی استحباب نفس العمل بل الموضوع فیها هو العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و علیه فلا دلالة لهذه الأخبار إلاّ علی ترتب الثواب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و لعله من جهة الإرشاد و التفضل إلی ما حکم به العقل من استحقاق الثواب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر و هو الاحتیاط.

و یشهد له لسان الدلیل و هو ظهور الفاء فی قوله فعمله او فصنعه فی التفریع علی بلوغ الثواب فإنه یدل علی أن الثواب المجعول فی الروایات المذکورة لیس مرتبا علی ذات العمل بل مرتب علی العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر.

و دعوی أن الداعی إلی العمل لا یوجب و جهاد عنوانا یؤتی به بذلک الوجه و العنوان لأنه حیثیته تعلیلیة لا تقییدیة.

مندفعة بأنها صحیحة بالنسبة إلی العمل الخارجی الذی أتی به لا بالنسبة إلی لسان الدلیل و علیه فجعل الثواب علی العمل المتفرع علی السماع لا یکشف عن أمر آخر تعلّق

ص:657

بهذا العمل مع هذا العنوان و العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر ممّا یحکم العقل باستحقاق الثواب علیه و هو موضوع یقتضی بنفسه الثواب مع قطع النظر عن الأمر الشرعی لأنه احتیاط و انقیاد فلا یکشف جعل الثواب علیه عن تعلّق الأمر بالعمل المأتی به بداعی احتمال الأمر فضلا عن نفس العمل مع قطع النظر عن تفرعه علی السماع.

و مع عدم کشف الأمر لا مجال للحکم باستحباب العمل المأتی به بداعی احتمال الأمر فضلا عن نفس العمل.

الأمر الثالث:

أن لسان أخبار من بلغ هو مجرد الأخبار عن فضل اللّه سبحانه و تعالی بإعطائه الثواب الذی بلغ و إن کان غیر مطابق للواقع و من المعلوم أنها غیر ناظرة إلی أن العمل یصیر مستحبا لأجل طرد عنوان البلوغ و أیضا لا یکون مفادها إسقاط شرائط حجیة الخبر من العدالة و الوثاقة فی المستحبات.

ثمّ إن البلوغ حیث کان أعم من البلوغ المعتبر فلا وجه لما ذهب الیه بعض من أنه لا یشمل الخبر الضعیف.

الأمر الرابع:

إن مفاد أخبار من بلغ هو تفضل الثواب علی من أتی بالعمل بداعی الثواب و رجائه کما یشهد له التفرع علی بلوغ الثواب فی مثل قوله علیه السّلام من سمع شیئا من الثواب علی شیء فصنعه أو نعمله کان له أجر ذلک و علیه فلا یترتب الثواب علی ما إذا أتی بالعمل لغرض آخر.

الأمر الخامس:

إن المحکی عن الشهید الثانی قدّس سرّه أن الأکثر ذهبوا إلی التسامح فی أدلة السنن و الآداب و الفضائل و المواعظ و أشباهها و المحکی عن الشیخ الأعظم قدّس سرّه أنه ذهب إلیه نظرا إلی أن العمل بکل شیء علی حسب ذلک الشیء و العمل بالخبر الوارد فی الفضائل نشرها و الوارد فی المصائب ذکرها للإبکاء قائلا بأن العقل یحکم بحسن العمل مع الأمن من حضرة الکذب و أن عموم النقل کما فی النبوی و روایة الإقبال یقتضی استحبابه.

ص:658

أورد علیه بأن التقابل بین الکذب المخبری و الصدق المخبری بالعدم و الملکة لأن الکذب المخبری هو القول الذی لا یعتقد بموافقته مع الواقع بخلاف الصدق المخبری فإنه القول الذی یعتقد بموافقته و علیه فالکذب المخبری قول بغیر علم و یندرجه الحکایة عنه فی الکذب القبیح عقلا و المحرم شرعا و لا یختصّ قبح الکذب عقلا بصورة الإضرار کما لا اختصاص شرعا بذاک و علیه فنشر الفضیلة التی لا حجة علیها أو ذکر المصیبة التی لا حجة علیها قبیح عقلا و محرم شرعا فکیف یمکن أن یعمها أخبار من بلغ.

أجیب عنه بأن نشر الفضیلة أو ذکر المصیبة یخرج عن الکذب بعد ورود أخبار من بلغ للترغیب إلی النشر أو الذکر فمن أخبر بالفضیلة أو المصیبة أخبر بحجة شرعیة و هی أخبار من بلغ و الإخبار بالحجة الشرعیة لا یکون کذبا هذا مضافا إلی أن قبح الکذب و حرمته اقتضائی و لذا یجوز بعروض مصلحة من المصالح المهمة و علیه فلا مانع من أن یرفع الیه من قبح الکذب بسبب مصلحة أقوی من مفسدة الکذب.

علی أن نشر الفضلیة أو ذکر المصیبة بعنوان احتمال الصدور أو الوقوع لا یکون کذبا أصلا کما لا یخفی.

الأمر السادس:

إنّ بعض الأعلام قال لا نضایق عن ترتب الثواب فی کل مورد صدق فیه بلوغ الثواب سواء کان ذلک بفتوی فقیه باستحباب شیء أو بنقل روایة فی ترتب الثواب علی عمل کما لا فرق بین الدلالة المطابقة و بین الدلالة الالتزامیة.

و لقائل أن یقول إنّ أحادیث من بلغ منصرفة عن الإخبار بالحدسیات و الفتاوی من الحدسیات دون الحسیات و الروایات و علیه فلا تشمل الفتاوی.

الأمر السابع:

أن أخبار من بلغ هل یشمل ما بلغ فیه الثواب الذی قامت الحجة علی حرمته أو لا تشمل.

یمکن القول بانصراف أخبار من بلغ عن مورد قیام الحجة علی حرمته هذا مضافا إلی

ص:659

معارضة الدلالة الالتزامیة فی إثبات الثواب مع الدلالة الالتزامیة فی إثبات العقاب و مع المعارضة لا دلیل علی ترتب الثواب.

الأمر الثامن:

إن الکراهة هل تکون ملحقة بالاستحباب فی جواز التسامح فی أدلتها أو لا ذهب المشهور إلی الأول و هو یتوقف علی أحد أمور اما تنقیح المناط بدعوی أن المناط فی التسامح فی المستحبات هو عدم کونها إلزامیة و هذا المناط موجود فی المکروهات و هو کما تری أو بدعوی أن المناط فی التسامح هو الترغیب نحو تحصیل الثواب من دون خصوصیة فیما یثاب علیه.

و هو محل تأمل لعدم القطع بالمناط

و اما دعوی أنّ ترک المکروه مستحب فقد بلغ استحباب الترک بالالتزام و هذا خلاف التحقیق لأن کل حکم تکلیفی لا ینحل إلی حکمین فعلا و ترکا و اما دعوی أنّ ترک المکروه إطاعة للنهی التنزیهی و هو ممّا یثاب علیه و هو لا یساعد أخبار من بلغ بظهورها فی الوجودیات و لا تشمل التروک و العدمیات اللّهمّ إلاّ أن یکتفی فیه بقول المشهور.

الأمر التاسع:

إنه قد یقال لا فرق بین القول بدلالة أخبار من بلغ علی استحباب ذات العمل و عدمها لترتب الثواب علی العمل فی الصورتین فلا فائدة فی البحث عن استحباب ذات العمل و عدمه.

ذکروا فی الجواب عن هذا المقال فوائد للبحث منها أنه یجوز المسح ببلّة المسترسل من اللحیة لو دل الدلیل الضعیف علی استحباب غسله فی الوضوء بناء ثبوت الاستحباب الشرعی لذات العمل بأخبار من بلغ.

و لا یجوز ذلک بناء علی عدم ثبوت الاستحباب الشرعی و الوجه فیه عدم إحراز کون لحیة المسترسل من أجزاء الوضوء.

أورد علیه بأن غسل المسترسل حیث کان مستحبا مستقلا فی واجب أو مستحب

ص:660

لا یجوز المسح ببلته حتی علی القول باستفادة استحباب نفس الغسل من أخبار من بلغ.

هذا مضافا إلی إمکان أن یقال:علی تقدیر القول بکون غسل لحیة المسترسل مستحبا لغیر ان جزء من الأجزاء المستحبة یمکن أن المسح برطوبة غیر الأجزاء الأصلیة.

و منها:أن الوضوء الذی دل خبر ضعیف علی استحبابه لغایة من الغایات کقراءة القرآن أو النوم فعلی القول باستفادة استحباب نفسی من أدلة التسامح فی السنن یرتفع الحدث به بخلاف ما إذا لم نقل بذلک.

أورد علیه بأنه لم یثبت أن کل وضوء مستحب رافع للحدث أ لا تری أن الوضوء للخبث أو الحائض مستحب فی بعض الأحوال و مع ذلک لا یرتفع به الحدث.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إنّ عدم ارتفاع الحدث فیهما إنّما هو من جهة عدم قابلیة المورد فهذه الثمرة تامة و لکنّها مبنیة علی القول بعدم استحباب الوضوء نفسیا من دون أن یقصد به غایة من الغایات و أما علی القول باستحبابه کذلک فلا تتم الثمرة المذکورة إذ علیه یکون نفس الوضوء مستحبا رافعا للحدث ثبت استحبابه لغایة خاصة أو لم یثبت و إلی غیر ذلک من الفوائد.

التنبیه الرابع

إنه ربما یتوهم عدم جریان البراءة فی الشبهة التحریمیة الموضوعیة بعد ما قام الدلیل مثلا علی حرمة الخمر لوجوب الاجتناب عن جمیع أفرادها الواقعیة و لا یحصل العلم بالامتثال إلاّ بالاجتناب عن کل ما احتمل حرمته و بعبارة أخری لیس الشک فی مثله فی التکلیف بل الشک فی مقام الامتثال و مقتضی القاعدة فیه هو وجوب الاحتیاط.

و تحقیق ذلک یتوقف علی ملاحظة صور متعلّق النواهی.

أحدها:أن یکون النهی متعلقا بصرف وجود طبیعة الفعل و هو أول الوجود و ناقض العدم الکلی بحیث لو أتی بصرف الوجود عصی و سقط النهی و جاز الإتیان بالباقی ففی هذه الصورة لا مجال للبراءة.

ص:661

لأن امتثال النهی یکون منوطا بترک جمیع الوجودات و إلاّ لما حصل العلم بالامتثال.

أورد علیه بأن الشک فی انطباق متعلّق النهی مجری للبراءة فإنه بعد إن کان الطبیعة عین الفرد و منطبقا علیه أصبح الشک فی الشبهة التحریمیة شکا فی سعة دائرة المحرکیة المولویة باعتبار شمولیة النهی.

و یمکن الجواب عنه أوّلا:بأن لازم ما ذکر هو عدم وجوب الاجتناب عن أطراف المعلوم بالإجمال لأن الشک فی شمول النهی لکل طرف ینتهی إلی الشک فی سعة دائرة المحرکیة المولویة و یکون الشک فی مصداقیة شیء للمعلوم بالإجمال.

و ثانیا:بأن الشک فی هذه الموارد شک فی ناحیة الامتثال بعد العلم بالاشتغال و مقتضی العلم بالاشتغال هو وجوب الاحتیاط.

و ثانیها:هو أن یکون النهی متعلقا بذات طبیعة الفعل و حیث إنّ الطبیعة ملحوظة بعنوان المرآة إلی الوجودات الخارجیة لا بنحو الموضوعیة مع قطع النظر عن الوجودات الخارجیة ینحل الحکم تحریما بعد المصادیق الخارجیة و علیه فلو شک فی کون شیء مصداقا للطبیعة یرجع الشک إلی ثبوت التکلیف زائدا علی المصادیق الأخری المعلومة فیکون مجری للبراءة لأن الشک فی سعة التکلیف و ضیقه و یلحق به ما إذا تعلّق النهی بالطبیعة علی نحو مطلق الوجود أی العام الاستغراقی.

فإن النهی فیه أیضا ینحل إلی الأفراد المعلومة و المشکوکة و یجوز الرجوع فی الأفراد المشکوکة إلی البراءة.

و ثالثها:و هو أن یکون النهی أو الزجر متعلقا بمجموع أفراد الطبیعة بحیث لو ترک فردا واحدا امتثل و لو أتی ببقیة الأفراد.

و السرّ فی ذلک ان المفسدة فی مجموع وجودات الفعل فی زمان خاص أو مکان خاص فإذا ترک أحدها لم یأت بالمجموع و یتحقق الامتثال.

و رابعها:ان یرجع النهی إلی طلب العنوان الانتزاعی عن مجموع التروک الذی عبر عنه

ص:662

فی محکی کلام المحقق النائینی بالموجبة المعدولة المحمول کقوله کن لا شارب الخمر فهو لا یتحقق إلاّ بمجموع التروک فلو شرب الخمر و لو دفعة لم یتحقق هذا العنوان و هو عنوان لا شارب الخمر فإذا شک فی مورد أنه مصداق ذلک أولا لا یجری فیه البراءة لأن الشک فی المحصل و اللازم فیه هو الاحتیاط.

هذا کله بالنسبة إلی مقام الثبوت و أما بالنسبة إلی مقام الإثبات فالظاهر أن النواهی تعلقت بذات الطبائع و هو الصورة الثانیة إذ لا تحتاج تلک الصورة إلی مئونة زائدة بخلاف إرادة صرف الوجود أو مجموع أفراد الطبیعة أو العنوان الانتزاعی.

ثمّ إن الطبیعة فی الصورة الثانیة ملحوظة بعنوان المرآة إلی أفرادها فینحل النهی إلی الأفراد المعلومة و المشکوکة فیجری البراءة فی المشکوکة منها.

و هکذا الأمر لو تعلّق النهی بالطبیعة علی نحو مطلق الوجود أی العام الاستغراقی فإن النهی فیه أیضا ینحل إلی المعلوم و المشکوک فیجری فیه البراءة و ممّا ذکر فی المقام یظهر جواز الصلاة فی اللباس المشکوک إنه ممّا لا یؤکل لحمه و دعوی أن النواهی عن الموانع فی المرکبات مثل الصلاة ظاهرة فی کون متعلقها هو صرف وجود الموانع و معه لا مجال للبراءة بعد کون صرف الوجود ملحوظا بنحو الموضوعیة لا الطریقیة بل اللازم هو الاحتیاط إلاّ أن یقال إنّ النهی فی المرکبات یمکن أن یکون بنحو العموم البدلی عن کل فرد و معه فدعوی ظهوره فی خصوص صرف الوجود محتاجة الی مئونة زائدة.

و لو شک فی کون النهی بنحو صرف الوجود أو ذات الطبیعة لکان الشکّ فی التکلیف الزائد فیجری فیه البراءة أیضا.

التنبیه الخامس

إنّ ملاک حسن الاحتیاط و رجحانه فی الشبهات البدویة هو إدراک الواقع من التکالیف الفعلیة ذات ملاکات واقعیة إذ الجهل بلزومها یکون عذرا فی مخالفتها و جعل العذر لا یوجب رفع أصل الأحکام الواقعیة بحیث لا یکون للجاهل حکم فی الواقع بل جعل العذر یکون بمعنی رفع الثقل من ناحیة تلک التکالیف.

ص:663

و هذا الملاک بعینه موجود فی موارد قیام الأمارات بعد ممنوعیة التصویب لأن الواقع باق علی حاله و لو مع قیام الأمارات علی خلافه و مع بقاء الأحکام الواقعیة مع ملاکاتها کان الاحتیاط فی مورد الأمارات أیضا راجحا لأنه یوجب إدراک الواقع و هو حسن.

و لا فرق فی رجحان الاحتیاط بین کون الاحتیاط فی الأمور المهمة کالدماء و الفروج و الأموال و بین کونه فی غیرها کما لا تفاوت بین کون احتمال التکلیف قویا أو ضعیفا نعم لو استلزم الأخذ بالاحتیاط فی جمیع موارد الأمارات و الشبهات البدویة اختلالا للنظام فالاحتیاط الموجب لذلک قبیح بل لیس براجح بل سقط التکالیف الواقعیة التی توجب الجمع بین محتملاته الإخلال بالنظام عن الفعلیة الباعثة أو الزاجریة کما لا یخفی.

و علیه فاللازم هو التبعیض فی الاحتیاط إما باختیار الاحتیاط فی الشبهات العرضیة ما لم یوجب الاختلال و إما باختیار التبعیض من أول الأمر بحسب الاحتمالات أو بحسب المحتملات کالاحتیاط فی المظنونات أو کالاحتیاط فی الدماء و الفروج و حقوق الناس.

ثمّ لا یذهب علیک أن الآثار الوضعیة لا تزول بالبراءة أو الإباحة و إنما المرتفعة بهما هی آثار الأحکام التکلیفیة من العقوبة و المؤاخذة.

التنبیه السادس

إنّ مورد البراءة ما یکون رفعه أو وضعه بید الشارع و علیه فلو شک فی القدرة العقلیة فی مورد من الموارد لا مجال للبراءة عند الشک فیها بل یحکم العقل بعد العلم بالخطاب بالاحتیاط بالإقدام علی الفحص عن القدرة و عدمها نعم تجری البراءة فی القدرة الشرعیة کالاستطاعة إذا شک فیها.

التنبیه السابع

إنه إذا شک فی کون الواجب تعینیا أو تخییریا أو عینیا أو کفائیا فمقتضی مقدمات الحکمة هو کونه تعینیا و عینیا و نفسیا لأن إرادة غیر ذلک یحتاج إلی مئونة زائدة هذا بناء علی تمامیة مقدمات الحکمة و إن لم تکن مقدمات الإطلاق تامة فقد یقال بالبراءة فی الشک بین

ص:664

التعینی و التخییری بدعوی أن خصوصیة التعینیة زائدة علی أصل الوجوب فتکون مجری البراءة.

أورد علیه بأن خصوصیة التعینیة امر ینتزع عن عدم جعل عدل له و لیس هو بنفسه مجعولا شرعیا فلا یشمله حدیث الرفع فتأمّل.

و أما جریان البراءة بالنسبة إلی وجوب العدل ففیه ان رفع وجوبه یوجب التضییق علی المکلف و هو خلاف الامتنان فلا یجری البراءة فالمرجع حینئذ هو قاعدة الاشتغال.

و دعوی إنّ الشیئین إذا اتحدا فی الأثر فاللازم عند العقل أن یکون ذلک الأثر مستندا إلی القدر المجامع فیجری البراءة بالنسبة إلی الخصوصیة مندفعة بأن التخییر و إن کان راجعا إلی تعلّق الحکم بالجامع عقلا و لکن لو کان مراد المولی ذلک العنوان الخاص الذی جعله موردا للتکلیف علی وجه التعیین لم یکن للعبد عذر حیث یعلم توجه الخطاب بالنسبة إلی العنوان المخصوص فلا وجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات بإمکان إرجاعها إلی الجامع الحقیقی لظهور الخطابات الشرعیة فی تعلقها بالأشیاء الخاصة و رفع الید عن هذا الظاهر خلاف الظاهر و بالجملة العرف لا یحکم بالاعتذار فی ترک الخاص الذی یکون موردا للخطاب بمجرد احتمال کون الخطاب فیه بدلیا من دون فرق بین أن یمکن إرجاع الخطاب إلی جامع واحد و أن لا یمکن و ذلک لفرض تعلّق الخطاب بالخاص.

و التحقیق أن یقال إن مرجع الشک فی کون الوجوب تعینیا أو تخییریا هو الشک فی جعل التضییق و عدمه فیجری فیه أصالة البراءة و لا فرق فیه بین کون الوجوب فیهما من سنخ واحد أو من سنخین لجریان أصالة البراءة بالنسبة إلی التعیین و لیست تلک الأصالة متعارضة لجریانها بالنسبة إلی التخییر لعدم جریانها بالنسبة إلی التخییر لأنه یوجب التطبیق و هو خلاف الامتنان.

إلا أنّه یبقی فی المقام أنه یدفع هذا النزاع مراجعة العرف فمن سمع نداء المولی بإکرام زید فأجابه بإکرام العمرو معتذرا بأنی احتملت کون تعلقه بالزید بدلیا و کان بدله العمرو و لم أقطع أنه متعلّق به معینا فهل تراهم یعدّونه معذورا عندهم حاشا و کلاّ.

ص:665

و علیه فتعلق الخطاب بعنوان مخصوص یوجب لزوم مراعاته عند عرف العقلاء و علیه یتحد حکم ما إذا لم یکن إطلاق مع ما إذا کان إطلاق فکما ینتج مقدمات الإطلاق تعینیة المشکوک و عینیته و نفسیته فکذلک یکون مقتضی ما إذا لم یکن إطلاق لما عرفته من بناء العرف فلا فرق بینهما فی أن المشکوک فی الأمور المذکورة محمول علی التعینی و العینی و النفسی فلا تغفل.

التنبیه الثامن

فی جواز الأخذ بالإباحة فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة قبل الفحص أخذ بعموم أدلتها و قوله علیه السّلام فی ذیل روایة مسعدة بن صدقة و الأشیاء کلّها علی هذا حتی یستبین لک غیره أو تقوم به البینة فإن ظاهره حصول الاستبانة و قیام البینة لا بالتحصیل.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:بأن مثل روایة مسعدة واردة فی موارد وجود الأمارة الشرعیة علی الحلیة فلا تشمل المقام.

هذا مضافا إلی صحیحة زرارة حیث قال قلت لأبی جعفر علیه السّلام فهل علیّ إن شککت فی أنه أصابه شیء أن انظر فیه قال لا»فإنّها صریحة فی عدم لزوم الفحص فی الشبهة الموضوعیة التحریمیة.

و لکنّها مختصة بباب النجاسات هذا مضافا إلی معارضتها مع صحیح محمّد بن مسلم عن الصادق علیه السّلام إن رأیت المنی قبل أو بعد ما تدخل فی الصلاة فعلیک إعادة الصلاة و إن أنت نظرت فی ثوبک فلم تصبه ثمّ صلیت فیه ثمّ رأیته بعد فلا إعادة علیک و کذلک البول.

اللّهمّ إلاّ أن یقال:إن التعلیل المذکور فی صحیحة زرارة أی قوله علیه السّلام«و لکنک إنما ترید أن تذهب بالشک الذی وقع من نفسک»یستوجب التصرف فیها بالحمل علی الاستحباب.

فتحصل أنه لا یلزم الفحص فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة بصریح صحیحة زرارة و إطلاق الروایات الدالة علی الإباحة من دون تقیید بالفحص.

نعم یمکن أن یقال إنّ الصحیحة المذکورة لا تدل إلاّ علی عدم لزوم النظر و من المعلوم أن

ص:666

النظر غیر الرؤیة لاحتیاج النظر إلی تفتیش و إعمال مقدمات کما یرشد إلیه بعض موارد الاستعمالات کقوله علیه السّلام من نظر فی حلالنا و حرامنا فله کذا فإنه لیس مجرد الرؤیة التی لا حاجة فیها إلی أی مقدمة من المقدمات و علیه فنفی الأخص و هو النظر لا یدل علی نفی الأعم و هو الرؤیة و علیه فیمکن أن یقال بعدم وجوب الفحص فیما إذا احتاج إلی المقدمات بخلاف ما إذا لم یکن کذلک لحصول العلم بمجرد الرؤیة لمن شک فی بقاء اللیل و عدمه و هو علی سقف مرتفع و الهواء لا غیم فیه بحیث إذا فتح عینیه إلی مطلع الفجر تبین له الأمر.

و دعوی أن الشک فی هذا المورد أیضا صادق بالفعل فیشمله أدلة الإباحة مندفعة بانصرافه عما یذهب بأدنی التفات و علیه فلا مؤمن لترک الاحتیاط بعد اختصاص صحیحة زرارة بنفی ما یحتاج إلی إعمال المقدمات هذا کله بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة التحریمیة.

و أما بالنسبة إلی الشبهات الموضوعیة الوجوبیة فقد اختلف فیها بین الأعلام فی وجوب الفحص و عدمه ذهب بعض إلی عدم وجوب الفحص فی مسألة الفحص عند الشک فی تحقّق المسافة و عدمه.لإطلاق دلیل الأصل و عدم الدلیل علی التقیید لأن الشبهة موضوعیة و یظهر التردید من الشیخ الأعظم فی وجوب الفحص و عدمه من ناحیة أصالة العدم التی لا یعتبر فیها الفحص عند إجرائها فی الموضوعات و من ناحیة تعلیق الحکم بالقصر علی المسافة النفس الآمریة فیجب لتحصیل الواقع عند الشک إما الجمع و إما الفحص و الأول منتف هنا إجماعا فتعین الثانی انتهی.

و فیه أن تعلیق الحکم بالقصر علی المسافة النفس الآمریة لا یوجب عدم جریان الأصل عند الشک و تحصیل الواقع و إن کان واجبا مع قطع النظر عن هذا الأصل الجاری فی الموضوع للعلم الإجمالی بوجوب أحد التکلیفین لکن الأصل المفروض یوجب انحلاله.

إلا إن الأحوط مع ذلک الفحص لأن الأصل النافی للتکلیف إما عقلی کالبراءة و إما نقلی کحدیث الرفع و استصحاب العدم و علی کل حال لا مجری له قبل الفحص أما العقلی

ص:667

فلوضوح أن ملاکه عدم البیان و مع عدم الفحص یشک فی تحققه إذ لیس المراد بالبیان المعتبر عدمه البیان الفعلی بل الأعم منه و ممّا یظفر به بعد الفحص بالمقدار المتعارف و لا فرق فیه بین الشبهة الحکمیة أو الموضوعیة لوحدة الملاک.

و أما النقلی فلإمکان دعوی انصراف الشک و عدم العلم عن مورد یمکن تحصیل العلم فیه بسهولة و بمقدار متعارف من الفحص.

فالأدلة المعلقة للترخیص علی هذین العنوانین غیر شاملة للشک الابتدائی قبل الفحص و بعد عدم المؤمن من طرف الشرع و احتمال وجود البیان علی وجه یظفر به بعد الفحص یجب بحکم العقل الاحتیاط أو الفحص و سیأتی بقیة الکلام فی شرائط الأصول إن شاء اللّه تعالی.

ص:668

فهرس محتویات الکتاب

تتمة المقصد السادس فی الامارات و الحجج المعتبرة شرعا أو عقلا الفصل الخامس فی الأمارات التی ثبتت حجیّتها بالأدلة أو قیل بثبوتها 1-الظّهورات اللفظیّة 9

الأمر الأوّل:ان المحکی عن المحقق القمی قدّس سرّه هو اختصاص حجیة الظهورات الکلامیة بمن قصد افهامه 12

الأمر الثانی:انّ المناط فی حجیة الکلام و اعتباره هو ظهوره عرفا فی المراد الاستعمالی و الجدّی 18

الأمر الثالث:لا فرق فی حجیة الظهورات بین المحاورات العرفیة و بین النقلیة الشرعیة 25

الروایات الواردة فی ممنوعیة التفسیر و هی علی طوائف:35

الطائفة الاولی:الاخبار الدالّة علی اختصاص التفسیر بالأئمة علیهم السّلام 35

الطائفة الثانیة:الأخبار الناهیة عن تفسیر القرآن بالرأی من غیر المعصوم علیه السّلام 37

الطائفة الثالثة:الأخبار الدالّة علی المنع عن ضرب القرآن بعضه ببعض 38

التنبیهات 45

التنبیه الأوّل:ربما یتوهم ان البحث عن اعتبار ظواهر الکلام قلیل الجدوی 45

التنبیه الثانی:أن اللازم بعد حجیة ظهورات الکتاب هو إحراز کون الظاهر من الکتاب 47

ص:669

التنبیه الثالث:قد یتوهم وقوع التحریف فی الکتاب حسب ما ورد فی بعض الأخبار 54

التنبیه الرابع:مع العلم بالظهورات و ارادتها فلا اشکال فی حجیتها و اما مع عدم العلم بهما 71

*الخلاصة 74

حجیّة قول اللغویین 95

*الخلاصة 103

2-الإجماع 105

الأمر الأوّل:فی المراد من الإجماع عند العامّة 105

الأمر الثانی:فی المراد من الإجماع عند الخاصّة 106

الأمر الثالث:فی وجوه استکشاف رأی المعصوم علیه السّلام 106

الأمر الرّابع:فی الإجماع المنقول بحسب مقام الثبوت 113

الأمر الخامس:فی کیفیة الإجماعات المنقولة بحسب مقام الإثبات 116

*الخلاصة 119

التنبیهات 125

التنبیه الأوّل:انّ تحصیل قول الامام علیه السّلام من طریق الحس منحصر فی سماع قوله علیه السّلام 125

التنبیه الثانی:لا یقال:لا یمکن للمتأخرین العثور علی مؤلفات القدماء 128

التنبیه الثالث:ان الاجماعات المنقولة تکون متعارضة 130

التنبیه الرّابع:ان الاجماع المرکب هو اجتماع العلماء 131

التنبیه الخامس:ربما یتمسک بفهم الاصحاب فی بعض المسائل 131

التنبیه السادس:فی التواتر المنقول 132

*الخلاصة 136

3-الشهرة 142

ص:670

الجهة الاولی:أن الشهرة علی اقسام 142

الجهة الثانیة:ان الشهرة الفتوائیة إما ملحوظة بما هی تکون کاشفة کشفا قطعیا عن النص أو رأی المعصوم 142

الجهة الثالثة:فی الاستدلال علی حجیة الشهرة الفتوائیة 143

الجهة الرابعة:فی الاستدلال علی الشهرة الفتوائیة بما هی تفید الظن 145

الوجه الأوّل:ان مرفوعة زرارة و مقبولة ابن حنظلة تدلان علی حجیة الشهرة 146

الوجه الثانی:انه یظهر من بعض الکلمات أن ادلة حجیة خبر الواحد تدل علی حجیة الشهرة 153

*الخلاصة 155

4-العرف 160

المقام الأوّل:العرف علی قسمین:عرف العام و عرف الخاص 160

المقام الثانی:لا اشکال فی ثبوت مرجعیة عرف العام فی ناحیة الموضوعات 160

المقام الثّالث:العرف العام مرجع فی الموارد المذکورة و نحوها 161

المقام الرّابع:یجوز تخطئة الشارع للعرف فیما یحکم به أو فیما یبنی علیه 161

المقام الخامس:هل یجوز للعرف ان یلاحظ الملاکات و المناطات الظنیّة لکشف الاحکام 162

*الخلاصة 167

5-السیرة القطعیّة العقلائیّة 171

*الخلاصة 173

6-السیرة المتشرعة 174

*الخلاصة 175

7-الخبر الواحد 176

الجهة الأولی:عدم حجیة خبر الواحد 176

ص:671

أدلّة المانعین 176

الطائفة الأولی:الروایات الواردة فی لزوم الموافقة مع الکتاب و السنة 179

الطائفة الثانیة:الروایات الدالة علی المنع عن العمل بالخبر الذی لا یوافق الکتاب 180

الطائفة الثالثة:کقول النبی صلّی اللّه علیه و آله«و ما جاءکم یخالف کتاب اللّه فلم اقله»181

الطائفة الرابعة:الاخبار الدالة علی اشتراط الأخذ بالاخبار بوجود شاهد لها من الکتاب 182

أدلّة المثبتین 184

1-أمّا الکتاب فبآیات 184

الوجه الأوّل:الاستدلال بمفهوم الشرط 184

الوجه الثانی:الاستدلال بمفهوم الوصف 199

مانعیة التعلیل عن انعقاد المفهوم 201

من آیاته الذی استدل بها لحجیة خبر الواحد،قوله تعالی وَ ما کانَ الْمُؤْمنُونَ لیَنْفرُوا کَافَّةً ... 201

الوجه الأوّل:ما ذهب الیه السید المحقق البروجردی 208

الوجه الثانی:ان کلمة لعل بعد انسلاخها عن معنی الترجی الحقیقی تدل علی محبوبیة التعذر 209

الوجه الثالث:ان التحذر غایة للانذار الواجب 211

2-و اما الأخبار فبطوائف 231

الطائفة الاولی:التی وردت فی الخبرین المتعارضین و دلت علی الأخذ بالأعدل و الاصدق 231

الطائفة الثانیة:هی التی تدلّ علی إرجاع آحاد الرواة إلی اشخاص معینین من ثقات الرواة 235

ص:672

الطائفة الثالثة:الاخبار الدالة علی وجوب الرجوع إلی الرواة و الثقات و العلماء 237

الطائفة الرابعة:الاخبار الدالة علی جواز العمل بخبر الواحد 240

تواتر ادلة اعتبار الخبر الواحد 248

کلام المحقق النائینی 249

کلام الشهید السید الصدر 251

*الخلاصة 264

التنبیهات 293

التنبیه الأول:إرجاع الاخبار الی الارشاد 293

التنبیه الثانی:مما استدل به الشیخ الاعظم لحجیة اخبار الثقات 295

التنبیه الثالث:لا یخفی وقوع التعبد بالخبر الواحد 297

التنبیه الرابع:الوثوق الفعلی بالصدور بمنزلة العلم بالصدور 299

التنبیه الخامس:لا یبعد دعوی انّ الوثوق النوعی بالصدور مما یصلح للاحتجاج 300

التنبیه السادس:فی انجبار الخبر الضعیف بعمل المشهور 303

التنبیه السابع:الاخبار المنقولة بالواسطة أو الوسائط کالاخبار المنقولة 307

الناحیة الاولی:ان فعلیة کل حکم متوقفة علی فعلیة موضوعه 310

الناحیة الثانیة:ان الحکم بوجوب ترتیب اثر شرعی علی المخبر به 311

الناحیة الثالثة:ان التعبد بحجیة الخبر یتوقف علی ان یکون المخبر به بنفسه حکما شرعیا 312

التنبیه الثامن:یستدل علی حجیة الاخبار بالوجوه العقلیة 317

التنبیه التاسع:ان الادلة الشرعیة الدالّة علی حجیة الخبر الواحد قاصرة الشمول بالنسبة الی الموضوعات 322

ص:673

التنبیه العاشر:ان حجیته الظنّ الخاص إما تکون بمعنی جعل غیر العلم علما بالتعبد 326

*الخلاصة 327

8-الظن المطلق 341

المقام الأوّل:فی الوجوه التی ذکروها لحجیة الظن المطلق 341

الوجه الأوّل:فی ان مخالفة المجتهد لما ظنه من الحکم الوجوبی أو التحریمی 341

کلام حول حق الطاعة 343

الوجه الثانی:انه لو لم یؤخذ بالظن لزم ترجیح المرجوح 351

المقام الثانی:فی دلیل الانسداد 353

ملاحظات حول دلیل الانسداد 354

*الخلاصة 368

التنبیهات 377

التنبیه الأول:انه لا مجال لحجیة الظن المطلق 377

التنبیه الثانی:ان دلیل الانسداد علی تقدیر تمامیة مقدماته مختص بالفروع 381

التنبیه الثالث:انه لا اشکال فی النهی عن القیاس 383

التنبیه الرابع:ان ظهور الالفاظ حجة عند العقلاء 384

التنبیه الخامس:ان الثابت بمقدمات دلیل الانسداد فی الاحکام علی تقدیر تمامیتها 385

التنبیه السادس:انه هل یکتفی فی تعیین معنی موضوعات الاحکام الکلیة بالظن الانسدادی 385

*الخلاصة 387

ص:674

المقصد السابع فی الاصول العملیة الاصول العملیة 393

المقام الاوّل:یقع الکلام فی موضعین 397

أقسام الشکّ فی التکلیف 397

أصالة البراءة 398

الفصل الاول:لو شکّ فی وجوب شیء او شکّ فی حرمته 398

أدلة القائلین بالبراءة فی الشک فی التکلیف 399

*الخلاصة 409

حدیث الرفع 413

الأمر الأول:قاعدة الاشتراک بین العالم و الجاهل فی الاحکام من ضروریات مذهب الإمامیّة 414

الأمر الثانی:صحة اسناد الرفع الی نفس الحاکم 415

الأمر الثالث:المرفوع هو نفس الحکم المجهول 415

التنبیهات 421

التنبیه الأول:حدیث الرفع،رفع الثقل عن الامة 421

التنبیه الثانی:حدیث الرفع،ازالة الشیء عن الوجود 423

التنبیه الثالث:لا اشکال فی قبح مؤاخذة الناس و 425

التنبیه الرابع:لا فرق بین أن یکون متعلق الحکم هو الفعل او الترک 425

التنبیه الخامس:لو نسی شرطا او جزءا من المأمور به 431

ص:675

التنبیه السادس:لا اختصاص لحدیث الرفع بالاحکام التکلیفیة 433

التنبیه السابع:جواز التمسک بالاکراه لرفع مانعیة المانع 437

التنبیه الثامن:المرفوع بحدیث الرفع هو الحکم المتعلق بالموضوع لا الموضوع 438

التنبیه التاسع:اذا شک فی مانعیة شیء للصلاة الی التفصیل بین الشبهة الحکمیة و الموضوعیة 442

*الخلاصة 444

حدیث الحجب 455

*الخلاصة 457

حدیث السعة 463

*الخلاصة 465

حدیث الحلّیة 471

التنبیه:مقتضی عموم قاعدة الحلیة هی حلّیة المشکوک 473

*الخلاصة 475

حدیث احدی الجهالتین اهون 496

*الخلاصة 500

حدیث کل شیء مطلق 503

*الخلاصة 513

حدیث أی رجل رکب أمرا بجهالة 515

*الخلاصة 517

الاستدلال بالإجماع 519

*الخلاصة 521

الاستدلال بالسیرة 524

*الخلاصة 524

ص:676

الاستدلال بالاستصحاب 525

*الخلاصة 531

الاستدلال بقاعدة قبح العقاب بلا بیان 534

*الخلاصة 551

ادلة القائلین بالاحتیاط فی الشک فی التکلیف 558

الأخبار فبطوائف:559

الطائفة الاولی:الأخبار الآمرة بالتوقف عند الشبهة 559

الطائفة الثانیة:الاخبار الآمرة بالاحتیاط 565

الطائفة الثالثة:اخبار التثلیث 570

*الخلاصة 576

و أمّا العقل فتقریره بوجهین 581

الوجه الأوّل:اشتغال الیقینی یقتضی براءة الیقینیة 581

الوجه الثانی:الاصل فی الافعال الغیر الضروریة الحظر 586

الوجه الثالث:حق الطاعة تحققت من جهة خالقیته و منعمیته 589

الوجه الرابع:الاحتمال کالعلم منجز 593

*الخلاصة 595

التنبیهات 600

التنبیه الأوّل:جریان اصالة البراءة و الاباحة فی مشتبه الحکم مشروط بعدم جریان اصل حاکم 600

التنبیه الثانی:فی رجحان الاحتیاط 607

المقام الأوّل:فی رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة 607

المقام الثانی:فی رجحان الاحتیاط فی العبادات المحتملة 609

التنبیه الثالث:قاعدة التسامح فی ادلة السنن 614

الأمر الأول:موضوع هذه الاخبار هو البلوغ أو السماع 616

ص:677

الأمر الثانی:لا دلالة لهذه الأخبار علی استحباب نفس العمل 616

الأمر الثالث:لیس مفاد أخبار من بلغ اسقاط شرائط حجیة الخبر 620

الأمر الرابع:أن الثواب فی هذه الأخبار مترتب علی ما إذا أتی بالعمل 622

الأمر الخامس:المحکی عن الشهید الثانی،نسب الی الاکثر التسامح فی ادلة السنن 622

الأمر السادس:هل یثبت ترتب الثواب بفتوی فقیه 624

الأمر السابع:الروایات الدالة علی ترتب الثواب 624

الأمر الثامن:هل تکون الکراهة ملحقة بالاستحباب 625

الأمر التاسع:لا فرق بین القول بدلالة اخبار من بلغ 626

التنبیه الرابع:ربما یتوهم عدم جریان البراءة فی الشبهة التحریمیة الموضوعیة 628

التنبیه الخامس:ملاک رجحان الاحتیاط فی الشبهات البدویة هو ادراک الواقع 637

التنبیه السادس:جریان البراءة مشروط برفع الشیء فی عالم التشریع 638

التنبیه السابع:اذا شک فی کون الواجب تعینیا أو تخییریا او عینیا او کفائیا 639

التنبیه الثامن:جواز الأخذ بالاباحة فی الشبهات الموضوعیة التحریمیة 644

*الخلاصة 652

ص:678

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.