عمده الاصول(آیة الله السیّد محسن الخرازی) المجلد 3

اشارة

سرشناسه:خرازی، سیدمحسن، 1315 -

عنوان و نام پدیدآور:عمده الاصول/ تالیف محسن الخرازی؛ تصحیح علی رضا الجعفری

مشخصات نشر:قم: موسسه در راه حق، 1415ق.= -1376

مشخصات ظاهری:7ج.

وضعیت فهرست نویسی:برونسپاری

یادداشت:عربی.

یادداشت:ج.2 (چاپ اول: 1422ق. = 1380).

یادداشت:ج. 5 (چاپ اول: 1427ق. = 1385).

یادداشت:ج.6 (چاپ اول: 1430ق. = 1388).

یادداشت:کتابنامه

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:جعفری، علیرضا، مصحح

رده بندی کنگره:BP159/8/خ 4ع 8 1376

رده بندی دیویی:297/312

شماره کتابشناسی ملی:م 78-2994

ص :1

اشارة

ص :2

بسم اللّه الرحمن الرّحیم

ص:3

عمده الاصول

تالیف محسن الخرازی

تصحیح علی رضا الجعفری

ص:4

تتمة مقصد الأوّل: فی الأوامر

الفصل الخامس:فی أنّ الأمر بالشیء

اشارة

هل یستلزم النهی عن ضدّه أو لا؟

و یقع الکلام فی امور:

الأمر الأوّل:فی أنّ هذه المسألة هل تکون من المسائل الاصولیّة

أو الفقهیّة أو المبادئ الأحکامیّة.

ذهب بعض إلی أنّها فقهیّة بدعوی أنّ البحث فیها عن ثبوت الحرمة لضدّ الواجب و عدم ثبوت الحرمة،و هو بحث فقهیّ لا اصولیّ.

و لکن یرد علیه أنّ البحث فیها عن ثبوت الملازمة بین وجوب شیء و حرمة ضدّه و عدمها،و لا صلة للبحث عن وجود الملازمة و عدمها بالبحث عن أفعال المکلّف و عوارضه حتّی تکون المسألة مسألة فقهیّة.هذا مضافا إلی أنّ المباحث الفقهیّة ینظر ما فیها لا ما بها،لأنّ نتیجة البحث فی المسألة الاصولیّة تقع فی طریق الاستنباط أو تصیر مرجعا للمجتهد عند الیأس عن الدلیل الاجتهادیّ،هذا بخلاف نتائج الفقهیّة فإنّها نفس الحکم و لا تقع فی طریق الاستنباط.

و ذهب بعض إلی أنّ هذه المسألة من مبادئ الأحکام بدعوی أنّ القدماء من الأصحاب کانوا یذکرون فی کتبهم الاصولیّة نبذا من المبادئ اللّغویّة و نبذا من

ص:5

المبادئ العقلیّة،کالبحث عن الحسن و القبح و نبذا من المبادئ الأحکامیّة،و المراد منها هی المسائل التی تکون محمولاتها من عوارض الأحکام التکلیفیّة أو الوضعیّة کتضادّ الأحکام و ملازمة بعضها لبعض.و لذلک قال فی نهایة الاصول بعد اختیار کون المسألة من مبادئ الأحکام:حیث إنّ الموضوع فی علم الاصول عبارة عمّا هو الحجّة علی الأحکام الشرعیّة،احتاج الاصولیّ من جهة زیادة البصیرة إلی البحث عن أقسام الأحکام الشرعیّة و البحث عن لوازمها و ملازماتها و ملزوماتها (1).

فالبحث عن مبادئ الأحکام لازدیاد البصیرة بالنسبة إلی الأحکام،و لکن یرد علیه أنّ المسألة بعد صلاحیّتها لکونها معنونة بجهتین توجب کلّ واحدة منهما تعنونها بعنوان مستقلّ،فإدراجها فی مبادئ الأحکام بجهة لا یضرّ بکونها من المسائل الاصولیّة أیضا بجهة اخری.

فمن حیث کون الملازمة بین طلب أحد الضدّین و طلب ترک الآخر من عوارض وجوب أحد الضدّین یمکن إدراجها فی مبادئ الأحکام،لأنّ البحث فیها عن عوارض طلب أحد الضدّین.و من حیث أنّ نتیجة البحث عن الملازمة تقع فی طریق الاستنباط یصلح أن تدرج فی المسائل الاصولیّة.

و کیف کان،فالمسألة ذات جهتین،فلا ینافی إدراجها من جهة فی مبادئ الأحکام إدراجها فی المسائل الاصولیّة باعتبار جهة اخری.

و ما ذکرناه فی الجواب اولی ممّا فی المحاضرات من أنّ المبادئ لا تخلو من التصوّریّة و التصدیقیّة و لا ثالث لهما،و المبادئ التصوّریّة هی لحاظ ذات الموضوع أو المحمول و ذاتیّاته،و البحث عن مسألة الضدّ لا یرجع إلی ذلک.و المبادئ التصدیقیّة هی المقدّمة التی یتوقّف علیها تشکیل القیاس،و منها المسائل الاصولیّة،فإنّها مبادئ

ص:6


1- 1) نهایة الاصول:206/1.

تصدیقیّة بالإضافة إلی المسائل الفقهیّة لوقوعها فی کبری قیاساتها و لا تعقل المبادئ الأحکامیّة فی مقابل المبادئ التصوّریّة و التصدیقیّة (1).

لما عرفت من أنّ مسألة الملازمة مع کونها من المبادئ التصدیقیّة ذات جهتین، فلا مانع من إدراجها من جهة فی مبادئ الأحکام کما عرفت.و علیه،فدعوی عدم معقولیّة صلاحیّتها لکونها من المبادئ الأحکامیّة من جهة اخری کما تری.

و کیف کان،فلا مانع من کون البحث عن وجود الملازمة بین طلب أحد الضدّین و طلب ترک الضدّ الآخر من المسائل الاصولیّة لقابلیّتها لأن تقع فی طریق الاستنباط.

ربّما یقال:لا یترتّب أثر شرعیّ علی نفس ثبوت الملازمة بین وجوب شیء و حرمة ضدّه لتکون المسألة اصولیّة،إذ المسألة الاصولیّة هی التی تکون واسطة فی إثبات المحمولات الشرعیّة بالنسبة إلی موضوعاتها،من دون حاجة إلی ضمّ کبری اصولیّة اخری،و لیس لنفس المسألة حکم شرعیّ.

و أمّا حرمة الضدّ فهی و إن ثبتت من ناحیة ثبوت تلک الملازمة إلاّ أنّها حرمة غیریّة،فلا تصلح لأن تکون ثمرة للمسألة الاصولیّة إلاّ إذا ثبتت الملازمة بین النهی الغیریّ و الفساد الشرعیّ،کما یستلزم النهی النفسیّ له،و هو أوّل الکلام.

و أجاب عنه فی المحاضرات بأنّه یکفی لکون المسألة اصولیّة ترتّب بنتیجة فقهیّة علی أحد طرفیها و إن لم یترتّب علی طرفها الآخر،و إلاّ لزم خروج کثیر من المسائل الاصولیّة عن علم الاصول،حتّی مسألة حجّیّة خبر الواحد فإنّه علی القول بعدم حجّیّته لا یترتّب علیها أثر شرعیّ أصلا.

و مسألتنا هذه تکون کذلک،فإنّه تترتّب علیها نتیجة فقهیّة علی القول بعدم

ص:7


1- 1) المحاضرات:613/.

ثبوت الملازمة،و هی صحّة الضدّ العبادیّ.

و أمّا الحکم بفساده علی القول الآخر فهو یتوقّف علی استلزام النهی الغیریّ للفساد،کما یستلزم النهی النفسیّ (1).

و علیه،یستکشف صحة الضدّ العبادیّ من ناحیة عدم ثبوت الملازمة بجعله فی طریق الاستنباط،کما یستکشف الحکم الشرعیّ من ناحیة ثبوت حجّیّة الخبر بجعلها فی طریق الاستنباط.

الأمر الثانی:فی أنّ هذه المسألة الاصولیّة هل تکون من

المسائل العقلیّة أو اللّفظیّة؟

و الذی ینبغی أن یقال:هو الأولی،و إن ذهب بعض إلی الثانیة،و ذلک لأنّ البحث لا یختصّ بصورة ثبوت الأمر بلفظ و نحوه.هذا مضافا إلی أنّ الفرض من الاستلزام لیس إلاّ فی عالم الثبوت و الواقع،و الحاکم بالملازمة لیس إلاّ العقل و لا صلة بدلالة اللّفظ أبدا.

و علیه،فجعل البحث لفظیّا غیر وجیه و لا حاجة إلی تعمیم العنوان حتّی یشمل سائر الأقوال المبتنیة علی اللفظ بعد کونها واضحة البطلان،إذ لا معنی للدلالة المطابقیّة فی الضدّ الخاصّ،و إن أمکن تصویره فی الضدّ العامّ بأن یقال إنّ الأمر بالشیء طلب لترک ترکه مع أنّه لا موجب لتعلّق الإرادة بشیء واحد مرّتین و هکذا لا معنی للدلالة التضمّنیّة مع کون المفروض أنّ الوجوب بسیط و لیس مرکّبا من طلب الشیء و المنع من الترک،و أیضا لا دلالة بالدلالة الالتزامیّة للأمر بالشیء علی حرمة ضدّه،لأنّ الشرط فی الدلالة الالتزامیّة هو أن یکون اللازم بیّنا بالمعنی الأخصّ،و هو

ص:8


1- 1) المحاضرات 3:7.

غیر حاصل لإمکان الغفلة حین وجوب شیء عن حرمة ضدّه،هذا مضافا إلی أنّ محلّ البحث لا یختصّ بالطلب المستفاد من الألفاظ.

و کیف کان،فذکر هذه المسألة فی مباحث الألفاظ مع کونها من المسائل العقلیّة لعلّه لعدم إفراد باب فی الاصول للمسائل العقلیّة،و تناسب هذا البحث بباب الألفاظ من جهة غلبة کون الواجبات مفاد الأوامر اللفظیّة.

الأمر الثالث:أنّ المراد من الضدّ فی المقام لیس الضدّ المنطقیّ

حتّی یختصّ بالضدّ الوجودیّ فإنّ الضدّین هناک هما أمران وجودیّان لا

یجتمعان فی محلّ واحد.

بل المراد من الضدّ هنا هو الضدّ الاصولیّ،و هو مطلق ما یعاند الشیء و ینافیه و لو کان أمرا عدمیّا کنقیض الشیء،أعنی عدمه.و بهذه المناسبة یطلق علی ترک کلّ ضدّ کالصلاة و الإزالة فی وقت واحد ضدّ عامّ مع أنّه نقیضهما،و إنّما سمّی عامّا لملاءمة ترک کلّ ضدّ مع اجتماعه مع واحد من الأضداد الخاصّة،فترک الإزالة مثلا یلائم و یجتمع مع الصلاة و الأکل و الشرب و سائر الأفعال،بل السکنات،و هکذا ترک الصلاة یجتمع مع الإزالة و سائر الأفعال و السکنات:کما أنّ الضدّ الخاصّ هو الذی لا یلائم و لا یجتمع مع غیره من الأضداد الوجودیّة أو علیه،فالضدّ الاصولیّ الذی هو مطلق ما یعاند الشیء علی قسمین:الضدّ العامّ،و الضدّ الخاصّ؛و دعوی الاستلزام تجری فی کلّ واحد منهما.

الأمر الرابع:أنّ محلّ النزاع لیس فی الواجبین الموسّعین

إذ لا مزاحمة بینهما،کما أنّه لیس فی الواجبین المضیّقین الذین لا أهمّ بینهما،إذ من المعلوم أنّ الحکم فیهما هو التخییر،فالنزاع فیما إذا کان أحدهما موسّعا و الآخر مضیّقا،

ص:9

أو کانا مضیّقین و کان أحدهما أهمّ من الآخر.

الأمر الخامس:فی استدلال القوم علی استلزام طلب الشیء

اشارة

و الأمر به للنهی عن ضدّه:

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی الضدّ الخاصّ،و قد استدلّوا علیه بوجوه

الوجه الأوّل:أنّ ترک الضدّ الخاصّ مقدّمة للضدّ الآخر،و حیث إنّ مقدّمة الواجب واجب فترک الضدّ الخاصّ واجب،فإذا کان ترک الضدّ واجبا کان فعله محرّما و هو المطلوب،إذ نتیجة القیاس هی أنّ الأمر بالشیء أو إرادته یستلزم النهی عن ضدّه.

و هذا الاستدلال مرکّب من امور:

أحدها مقدّمیّة ترک الضدّ،و ثانیها وجوب المقدّمة،و ثالثها استلزام الأمر بترک الضدّ لحرمة نفس الضدّ.

أمّا المقدّمة الاولی:فلأنّ الضدّین متمانعان،و معنی المخالفة أنّ وجود کلّ واحد مانع لوجود الآخر.و علیه،یتوقّف وجود کلّ ضدّ علی عدم وجود الضدّ الآخر؛و من المعلوم أنّ عدم المانع من مقدّمات الوجود،کما أنّ الشروط و المقتضی من مقدّماته، و مقتضی تقدّم أجزاء العلّة و تأثیرها فی وجود المعلول هو تقدّم عدم المانع و تأثیره فی وجود الضدّ.و علیه،فعدم الضدّ الّذی هو عدم المانع من مقدّمات وجود الضدّ للآخر و مؤثّر فیه.

و أمّا المقدّمة الثانیة:فقد تقدّم فی مسألة مقدّمة الواجب دعوی الملازمة بین إرادة ذی المقدّمة و إرادة مقدّماته شرعا.

و أمّا المقدّمة الثالثة:بدعوی أنّ نفس تصوّر الوجوب و الإلزام یکفی فی تصوّر

ص:10

النهی عن الترک و الحرمة،أو بدعوی أنّ إرادة تشریعیّة بشیء کعدم الضدّ التی عبّر عنها بالوجوب مستلزمة لکراهة فعل الضدّ مع الالتفات إلیه.

هذا غایة ما یمکن فی تقریب الاستدلال،و لکن اورد علی المقدّمة الاولی إشکالات:

منها ما ذکر سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّ عدم المانع أمر عدمیّ لا یمکن أن یکون مؤثّرا فی شیء،إذ لا حظّ له من الوجود حتّی به یؤثّر،فلا یمکن أن یکون العدم من مقدّمات وجود الضدّ الآخر،إذ لا یکون العدم منشأ للأثر و المقدّمة الوجودیّة مؤثّرة فی وجود ذیها.و علیه،فلا یکون عدم الضدّ واجبا بالوجوب المقدّمیّ حتّی یکون نفس الضدّ محرّما.

و مما ذکر یظهر أنّ عدّ عدم المانع من أجزاء العلّة مسامحة جدّا،إذ العدم لا یؤثّر فی شیء،بل معناه یؤول إلی أنّ مقتضی وجود المانع یزاحم تأثیر مقتضی الوجود فی الضدّ الآخر،مثل الرطوبة تزاحم تأثیر مقتضی الإحراق و هو النار.

و علیه،یکون التزاحم فی الواقع بین المقتضیین کتزاحم الرطوبة مع تزاحم النار.

و ما قرع سمعک من أنّ تأثیر المقتضی یتوقّف علی عدم المانع،لیس معناه أنّ عدم المانع مؤثّر،بل معناه أنّ مع وجود مقتضی وجود المانع و غلبته لا یؤثّر مقتضی الوجود فی الضدّ الآخر،فعبّروا عن مزاحمة المقتضیات و التمانع بین الوجودات بأنّ عدم المانع من أجزاء العلّة،فالعدم لا یتّصف بالجزئیّة و لا یصیر علّة و لا جزءها،کما لا یخفی.

و لقد أفاد و أجاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال:إنّ التوقّف مطلقا باطل فیهما،لأنّ العدم لیس بشیء بل باطل محض،فلا یمکن أن یکون دخیلا فی تحقّق شیء أو متأثّرا من شیء،فما لا شیئیّة له یسلب عنه بالسلب التحصیلیّ جمیع الامور الثبوتیّة،و لا شکّ فی أنّ التوقّف من طرف الموقوف و الموقوف علیه ثبوتیّ،و ثبوته له

ص:11

فرع ثبوت المثبت له،بل ثبوت کلّ شیء لشیء فرع ثبوته،فما لا شیئیّة له لا تقدّم له و لا تأخّر و لا مقارنة،فکلّ الحیثیّات مسلوبة عنه سلبا تحصیلیّا،لا بمعنی سلب شیء عن شیء،بل السلب عنه من قبیل الإخبار عن المعدوم المطلق بأنّه لا یخبر عنه لأجل التوسّل بالعناوین المتحصّلة فی الذهن.

و ما فی بعض التعلیقات من أنّ عدم الضدّ من مصحّحات قابلیّة المحلّ لقبول الضدّ لعدم قابلیّة الأبیض للسواد و لا الأسود للبیاض و أنّ القابلیّات و الاستعدادات و الإضافات و أعدام الملکات و إن کان لا مطابق لها فی الخارج لکنّها من الامور الانتزاعیّة و حیثیّات و شئون لامور خارجیّة و ثبوت شیء لشیء لا یقتضی أزید من ثبوت المثبت له بنحو یناسب ثبوت الثابت.

فیه ما لا یخفی،لأنّ قابلیّة المحلّ من شئونه فی وجوده من غیر دخالة عدم شیء فیها،فالجسم قابل للسواد کان موصوفا بالبیاض أو لا،و لا یتوقّف قابلیّته له علی عدمه و عدم قبوله فی حال اتّصافه به لأجل التمانع بین الوجودین لا لتوقّف القابلیّة علی عدم الضدّ،ضرورة أنّ العدم و اللاشیء لا یمکن أن یکون مؤثّرا فی تصحیح القابلیّة بل لا یکون شأن الامور الخارجیّة و لا منتزعا منها،فما اشتهر بینهم من أنّ للأعدام المضافة حظّا من الوجود کلام مسامحیّ،لأنّ العدم لا یمکن أن یکون مضافا و لا مضافا إلیه،و الإضافة بینه و بین الوجود إنّما هی فی ظرف الذهن بین عنوان العدم و الوجود لا بین العدم حقیقة و الوجود-إلی أن قال:-و ما فی کلام المحشّی المحقّق من التسویة بین القابلیّات و الاستعدادات و الإضافات و أعدام الملکات لم یقع فی محلّه،کیف و القابلیّات و الاستعدادات بل و الإضافات لها نحو وجود بخلاف أعدام الملکات فإنّ لملکاتها نحو تحقّق لا لحیثیّة الأعدام (1).

ص:12


1- 1) مناهج الوصول:14/2-15.

و لقد أفاد و أجاد رحمه اللّه و حشره مع الأبرار،و مقتضی ما ذکر عدم صحّة توصیف العدم بالمقدّمیّة کما لا یتّصف بالجزئیّة و نحوها.لا یقال:إنّ أعدام الملکات کعدم البصر ممّن له شأنیّة البصر لها منشأ الانتزاع الخارجیّ کالقابلیّات و الاستعدادات.لأنّا نقول:لیس فی الخارج إلاّ الوجود بناء علی أصالة الوجود،فلا منشأ لانتزاع العدم.نعم،قصور الوجود مع قابلیّته لشیء یکون منشأ لانتزاع أعدام الملکات،و لکن غیر خفیّ أنّ القصور لیس عدمیّا.

و منها ما أفاده صاحب الکفایة قدّس سرّه،و حاصله کما فی تعلیقة المحقّق الأصفهانیّ أنّه لا تقدّم و لا تأخّر بین الضدّین بما هما ضدّان،فنقیض أحدهما و هو العدم البدیل للوجود أیضا لا تقدّم له علی وجود الآخر،و هذا معنی کونهما فی مرتبة واحدة، انتهی.

و توضیح ذلک کما فی المحاضرات أنّ المنافرة و المعاندة بین الضدّین کما تقتضی استحالة اجتماعهما فی التحقیق و الوجود فی زمن واحد کذلک تقتضی استحالة اجتماعهما فی مرتبة واحدة،فإذا استحال اجتماعهما فی مرتبة واحدة کان عدم أحدهما فی تلک المرتبة ضروریّا و إلاّ فلا بدّ أن یکون وجوده فیها کذلک لاستحالة ارتفاع النقیضین عن الرتبة؛مثلا البیاض و السواد متضادّان،و قضیّة مضادّة.أحدهما مع الآخر و معاندتهما استحالة اجتماعهما فی الوجود فی موضوع و فی آن واحد أو رتبة واحدة، فکما أنّ استحالة اجتماعهما فی زمان واحد تستلزم ضرورة عدم أحدهما فی ذلک الزمان کذلک استحالة اجتماعهما فی رتبة واحدة تستلزم ضرورة عدم واحد منهما فی تلک الرتبة لاستحالة ارتفاع النقیضین عن المرتبة أیضا،بأن لا یکون وجوده فی تلک المرتبة و لا عدمه،و إذا استحال تحقّقهما فی مرتبة فلا محالة یکون عدم أحدهما فی تلک المرتبة واجبا مثلا عدم البیاض فی مرتبة وجود السواد و کذلک عدم السواد فی مرتبة وجود البیاض ضروریّ،کیف و لو لم یکن عدم البیاض فی تلک المرتبة یلزم أحد

ص:13

محذورین (1).

و علیه،فلا تقدّم لعدم أحدهما علی وجود الآخر؛فإذا لم یکن تقدّم لعدم البدیل بالنسبة إلی وجود الضدّ الآخر فلا یکون عدم الضدّ من المقدّمات حتّی یندرج فی وجوب المقدّمات و ینتهی وجوب عدم الضدّ إلی النهی عن الضدّ.

اورد علیه أوّلا:بأنّ العدم البدیل لا یقتضی أن یکون فی رتبة الوجود،إذ المسلّم من الوحدات المعتبرة فی التناقض هی الوحدات الثمانیة و هذه لیست منها.

و علیه فنقیض کلّ شیء رفعه؛فالبیاض فی مرتبة سواد الشیء نقیضه رفعه، و هو عدم البیاض الذی فی مرتبة سواد الشیء،علی أن یکون قید المرتبة قیدا للبیاض الذی هو مسلوب لا للسلب و هو العدم،فلا وجه لتخصیص العدم بمرتبة وجود الضدّ الآخر.

و ثانیا:أنّ کلّ ما هو متّحد مع المتقدّم فی الرتبة أو المقارن فیها أو مع المتأخّر فیها لا یلزم أن یکون نقیضه أیضا کذلک لأنّ صرف کون عدم الضدّ بدیلا لعین الضدّ لا یقتضی أن یکون فی رتبته،بل یجوز أن یتقدّم علیه أو یتأخّر عنه.طبعا بشهادة أنّ الشرط وجوده متقدّم بالطبع علی وجود مشروطه،و لا تقدّم لعدمه علی وجود الشروط بالطبع،و هکذا العلّة متقدّمة علی وجود المعلول رتبة،و ما هو متّحد معها فی الرتبة-أعنی العدم البدیل لها-لا یکون متقدّما علی وجود المعلول.

و أیضا المعلول متأخّر عن العلّة رتبة،و ما هو متّحد معه و هو عدم البدیل له لا یکون متأخّرا عن العلّة الموجودة،مع أنّ عدم المعلول یکون فی مرتبة وجود المعلول، و هکذا یکون للمعلولین لعلّة واحدة المعیّة فی المرتبة،و مع ذلک لا یکون لنقیض أحدهما المعیّة مع الآخر.

ص:14


1- 1) المحاضرات:20/3.

و السرّ فی ذلک أنّ التقدّم و التأخّر بالرتبة و الطبع لا یکونان جزافا،بل یحتاج إلی الملاک،و هو تارة یختصّ بوجود الشیء فلا یمکن الالتزام بهما فی عدمه.

مثلا تقدّم العلّة علی المعلول بملاک أنّ العلّة ما منه الوجود،بخلاف عدم العلّة فإنّه لا أثر له حتّی یکون له تقدّم رتبیّ.و هکذا یکون تقدّم الشرط علی المشروط بملاک توقّف وجود المشروط علی وجود الشرط،و لیس هذا الملاک فی عدم الشرط.

و قس علی هذا بقیّة الموارد.و کما أنّ التقدّم أو التأخّر لا یکون إلاّ بملاک یقتضیه فکذلک المعیّة لا تکون إلاّ بملاک یقتضیها،و لعلّه هو تقارن صدور المعلولین من علّة تامّة من جهة اجتماع شرائط التمامیّة و القابلیّة،و لیس هذا الملاک لنقیض أحدهما مع الآخر.هذا کلّه بالنسبة إلی المتّحد الرتبیّ.

و أمّا المتّحد الزمانیّ فکلّ ما هو متّحد مع التقدّم فی الزمان کعدم البدیل فهو متقدّم علی المتأخّر لوجود الملاک فیه أیضا،و هو کونه فی الزمان المتقدّم،و کلّ ما هو متّحد مع المتأخّر فی الزمان فهو متأخّر أیضا بعین الملاک،و هو کونه فی الزمان المتأخّر،لأنّ نقیض المتقدّم زمانا إذا فرض قیامه مقامه فلا بدّ أن یکون متقدّما بالزمان،کما أنّ نقیض المتأخّر زمانا إذا فرض قیامه مقامه فلا بدّ أن یکون متأخّرا بالزمان.

و بالجملة،فلا ملازمة بین انتفاء التقدّم فی وجود الضدّین و بین انتفائه فی نقیضهما،بل هو تابع لوجود الملاک و عدمه.

و علیه فمع عدم الملازمة لا یثبت عدم التقدّم لنقیض أحد الضدّین بالنسبة إلی الآخر،فلا یصلح هذا الجواب لردّ من جعل نقیض کلّ واحد من الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر،اللّهم إلاّ إذا قلنا کما مرّ آنفا،بأنّ العدم لیس فیه تقدّم و لا تأخّر و لا مقارنة و لا معیّة،لأنّ هذه الامور من خواصّ الوجود،و لا ملاک لهذه الامور فی الأعدام،فلا وجه لجعل عدم کلّ واحد مقدّمة لضدّ الآخر.

ص:15

و لکن ذهب المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه إلی أنّ ملاک التقدّم فی عدم الضدّ موجود و هو التقدّم بالطبع،حیث قال:ملاک التقدّم بالعلّیّة أن لا یکون للمعلول وجوب الوجود إلاّ و للعلّة وجوبه،و ملاک التقدّم بالطبع أن لا یکون للمتأخّر وجود إلاّ و للمتقدّم وجود،و لا عکس،فإنّه یمکن أن یکون للمتقدّم وجود و لیس للمتأخّر وجود،کالواحد و الکثیر،فإنّه لا یمکن أن یکون للکثیر وجود إلاّ و الواحد موجود، و یمکن أن یکون الواحد موجودا و الکثیر غیر موجود،فما فیه التقدّم هنا هو الوجود و فی التقدّم بالعلّیّة وجوب الوجود.

و منشأ التقدّم الطبعیّ تارة یکون المتقدّم من علل قوام المتأخّر کالجزء و الکلّ و الواحد و الاثنین فیسری إلی الوجود،فیکون التقدّم فی مرتبة التقدّم الماهویّ تقدّما بالماهیّة و التجوهر،و فی مرتبة الوجود تقدّما بالطبع،و اخری کون المتقدّم مؤثّرا فیتقوّم بوجوده الأثر کالمقتضی بالإضافة إلی المقتضی،و ثالثه کون المتقدّم مصحّحا لفاعلیّة الفاعل أو متمّما لقابلیّة القابل کالشروط الوجودیّة و العدمیّة،فکما أنّ الوضع و المحاذات مصحّح لفاعلیّة النار فی الإحراق مثلا کذلک خلوّ المحلّ عن الرطوبة متمّم لقابلیّة المحلّ للاحتراق.و هکذا الأمر فی السواد و البیاض،فإنّ خلوّ الموضوع عن السواد متمّم لقابلیّة الموضوع لعروض البیاض،لعدم قابلیّة الجسم الأبیض للسواد و الأسود للبیاض-إلی أن قال-:و اتّضح ممّا ذکرنا فی تحدید ملاک التقدّم بالطبع أنّ الصلاة و الإزالة لهما التقدّم و التأخّر بالطبع،فإنّه لا وجود للإزالة مثلا و إلاّ فالصلاة غیر موجودة،و کذا الصلاة بالإضافة إلی ترک الإزالة-إلی أن قال-:و أمّا ما یقال من أنّ العدم لا ذات له،فیکف یعقل أن یکون شرطا؟!لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له،فمدفوع بأنّ القابلیّات و الاستعدادات و الإضافات و أعدام الملکات کلّها لا مطابق لها فی الخارج بل شئون و حیثیّات انتزاعیّة لامور موجودة؛فعدم البیاض فی الموضوع الذی هو من أعدام الملکات کقابلیّة الموضوع من الحیثیّات

ص:16

الانتزاعیّة منه،فکون الموضوع بحیث لا بیاض له هو بحیث یکون قابلا لعروض السواد،فمتمّم القابلیّة کنفس القابلیّة حیثیّة انتزاعیّة،و ثبوت شیء لشیء لا یقتضی أزید من ثبوت المثبت له بنحو یناسب ثبوت الثابت (1).

و فیه ما تقدّم من سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أنّ قابلیّة المحلّ من شئونه فی وجوده و لا دخالة للعدم فیها،فالجسم قابل للسواد کان موصوفا بالبیاض أوّلا،و لا یتوقّف قابلیّته له علی عدمه و عدم قبوله للسواد فی حال اتّصافه بالبیاض لأجل التمانع بین الوجودین،لا لتوقّف القابلیّة علی عدم الضدّ،ضرورة أنّ العدم و اللاّشیء لا یمکن أن یکون مؤثّرا فی تصحیح القابلیّة،بل لا یکون شأن الامور الخارجیّة و لا منتزعا منها.إلخ،فراجع.

فتحصّل أنّ عدم النقیض أو الضدّ فی عین عدم اختصاصه بمرتبة النقیض أو الضدّ لا تقدّم له من أنواع التقدّم،فلا وجه لتعلّق الوجوب المقدّمیّ إلیه بعد عدم اتّصافه بالتقدّم و المقدّمیّة.

و منها ما أفاده فی الکفایة أیضا من استحالة کون عدم أحد الضدّین مقدّمة وجودیّة للضدّ الآخر للزوم الدور،إذ التمانع بینهما لو کان موجبا لتوقّف وجود کلّ منهما علی عدم الآخر،من باب توقّف المعلول علی عدم مانعة،لاقتضی ذلک توقّف عدم کلّ منهما علی وجود الضدّ الآخر،من باب توقّف عدم الشیء علی وجود مانعة، فیلزم حینئذ توقّف وجود کلّ منهما علی عدم الآخر و توقّف عدم کلّ منهما علی وجود الآخر،و هو دور محال.

و اجیب عنه بأنّ توقّف وجود أحد الضدّین علی عدم الآخر فعلیّ،لأنّ الشیء ما لم یوجب لم یوجد،فوجود أحد الضدّین حاک عن اجتماع مقتضیه مع الشرائط

ص:17


1- 1) نهایة الدرایة:5/2-3.

و عدم المانع،و أمّا توقّف عدم الضدّ علی وجود الآخر فهو شأنیّ لا فعلیّ،فلا دور مع وجود التوقّف الفعلیّ من طرف دون طرف آخر.

و الوجه فی عدم توقّف عدم الضدّ علی وجود الآخر فعلا أنّ عدمه یستند إلی عدم المقتضی له،لا إلی وجود المانع فی طرف تحقّق المقتضی مع بقیّة الشرائط لیکون توقّفه علیه فعلیّا،بل یستحیل تحقّق المقتضی له أصلا لأجل أن یکون وقوع أحد الضدّین فی الخارج و عدم وقوع الآخر فیه منتهیا إلی تعلّق الإرادة الأزلیّة بالأوّل و عدم تعلّقها بالثانی فلا مقتضی للثانی،إذ المفروض أنّ الحکمین المتضادّین ینتهیان إلیه تعالی.

و علیه فیکون وجود أحدهما مرادا له تعالی،و الآخر-و هو عدم الضدّ- مستند إلی عدم إرادته تعالی لا إلی وجود المانع،و فرض انتهاء الإرادة إلی شخصین و کون کلّ منهما مریدا بحیث یکون عدم أحد الضدّین مستندا إلی وجود المانع لا إلی عدم المقتضی غیر سدید،من جهة أنّ الأحکام لا تکون منتهیة إلی الشخصین،بل منتهیة إلی اللّه تعالی.هذا مضافا إلی أنّ عدم أحد الضدّین فی فرض تعدّد المرید مستند إلی قصور المقتضی و مغلوبیّته لا إلی وجود الضدّ الآخر مع تمامیّة المقتضی، و ذلک لأنّ الإرادة الضعیفة مع مزاحمتها بالإرادة القویّة لا تکون مؤثّرة فی وجود المراد،و مع عدم تأثیرها فی وجوده لا مقتضی له،و مع عدم المقتضی المؤثّر یکون عدم الضدّ مستندا إلی عدم المقتضی لا إلی المانع مع تمامیّة المقتضی،فلا یلزم الدور.نعم لو تمّ المقتضی من جمیع الجهات کان عدم الضدّ مستندا إلی وجود الضدّ الآخر.

أجاب صاحب الکفایة عن هذا بأنّه و إن کان صحیحا من جهة ارتفاع الدور به لعدم التوقّف الفعلیّ من طرفین،و لکن لا یرفع ملاک الدور و هو تقدّم الشیء علی نفسه،إذ مقتضی توقّف وجود الضدّ علی عدم الضدّ الآخر هو تقدّم عدم الضدّ علی وجود الضدّ من جهة المرتبة،لکون عدم الضدّ من أجزاء علّة وجوده،و المفروض أنّ

ص:18

علّة الشیء متقدّمة علیه رتبة و إن کانت مقارنة له زمانا،فلو کان عدم الضدّ متوقّفا شأنا مع هذه الخصوصیّة علی وجود الضدّ الآخر المتوقّف علیه کان مقتضاه هو تأخّر عدم الضدّ عن وجود الضدّ الآخر المتوقّف علیه،و تقدّم وجود الضدّ الآخر علیه لکونه فی مرتبة العلّیّة بالنسبة إلی عدم الضدّ الآخر و لو شأنا.و لازم ذلک أنّ وجود الضدّ متقدّم علی عدم الضدّ الآخر المتقدّم علی وجود الضدّ،و یرجع ذلک إلی کون وجود الضدّ هو المتقدّم علی المتقدّم علی نفسه بواسطة،و لیس هو إلاّ تقدّم الشیء علی نفسه بواسطة،و هو محال.

فتحصّل أنّ توقّف وجود الضدّ علی عدم الضدّ الآخر لا یمکن لاستلزام التوقّف للمحال و هو الدور أو تقدّم الشیء علی النفس.

أورد علیه سیّدنا المحقّق الداماد قدّس سرّه بأنّ العدم لا یکون مشوبا بالوجود حتّی یحتاج إلی علّة و یکون صادرا عن شیء أو یکون مؤثّرا فی شیء.و علیه فلا وجه لاستناد شیء إلیه،کما لا وجه لاستناده إلی وجود المانع.و ما اشتهر من أنّ عدم المعلول ناش من عدم العلّة مسامحة،لأنّ العدم لیس شیئا حتّی یحتاج إلی نشوئه عن علّة.و لعلّ مرادهم من هذه العبارة هو بیان الملازمة بین عدم العلّة و عدم المعلول، و إنّما عبّروا بذلک من باب ضیق الخناق.و کیف کان،فمع ما عرفت لا معنی لتوقّف وجود الضدّ علی عدم الضدّ الآخر،کما لا وجه لتوقّف عدم الضدّ الآخر علی وجود المانع حتّی یلزم الدور أو ملاک الدور من التوالی الفاسدة لتوقّف الضدّ علی عدم الضدّ الآخر؛فالأولی فی الردّ علی القول بمقدّمیّة عدم الضدّ لضدّ الآخر هو الاکتفاء بما ذکرنا سابقا من أنّ عدم المانع أمر عدمیّ لا حظّ له من الوجود حتّی به یؤثّر،فلا یمکن أن یکون من المقدّمات الوجودیّة فدعوی وجوبه بالوجوب المقدّمیّ مکابرة.

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا فرق فی ذلک بین الضدّ الموجود و المعدوم،لأنّ عدم الضدّ فی کلا الفرضین لا یشوب بالوجود و لا یترتّب علیه ما یترتّب علی الوجود من

ص:19

التقدّم و التأخّر و العلّیّة و المعلولیّة و نحوها،فوجود الضدّ ناش من تمامیّة المقتضی و شرائطه و عدم الضدّ ملازم مع عدم تمامیّة مقتضیه أو شرائطه،فلا تغفل.

حکی عن بعض الأعلام أنّه فصّل بین الضدّ الموجود و بین الضدّ المعدوم بدعوی أنّ المحلّ إمّا أن یکون خالیا عن کلّ من الضدّین و إمّا أن یکون مشغولا بأحدهما دون الآخر؛فعلی الأوّل فالمحلّ قابل لکلّ منهما بما هو،مع قطع النظر عن الآخر،و قابلیّة المحلّ لذلک فعلیّة،فلا تتوقّف علی شیء،فعندئذ إذا وجد المقتضی لأحدهما فلا محالة یکون موجودا من دون توقّفه علی عدم وجود الآخر.

و علی الثانی فالمحلّ مشغول بالضدّ لا یقبل ضدّ الآخر فی عرضه،بداهة أنّ المحلّ غیر قابل بالذات لعروض کلا الضدّین معا.نعم یقبل الضدّ الآخر بدلا عنه.

و علیه،فلا محالة یتوقّف وجود الضدّ الآخر علی ارتفاع الضدّ الموجود.

أجاب عنه فی المحاضرات بأنّ مردّ هذا التفصیل إلی أنّ الأشیاء محتاجة إلی العلّة و السبب فی حدوثها لا فی بقائها،فهی فی بقائها مستغنیة،و هو واضح البطلان.

بیان ذلک:أنّ الحادث إذا کان فی بقائه غیر محتاج إلی المؤثّر کان وجود الحادث المستغنی عن العلّة مانعا عن حدوث ضدّه،فلا محالة یتوقّف حدوث ضدّه علی ارتفاعه،و أمّا إذا کان الحادث محتاجا فی بقائه إلی المؤثّر فإن لم یکن لضدّه مقتض فعدمه یستند إلی عدم مقتضیه،و إن کان له مقتض و لم یکن شرطه متحقّقا فعدمه یستند إلی عدم شرطه،و إن کان شرطه أیضا موجودا و مع ذلک کان معدوما فهو مستند إلی وجود مقتضی البقاء المانع من تأثیر مقتضی ضدّه.إذن لا فرق بین الضدّ الموجود و غیر الموجود فی أنّ وجود الشیء لا یتوقّف علی عدم ضدّه،بل یتوقّف علی عدم مقتضی ضدّه إذا کان مقتضی الشیء و شرطه موجودا فی الخارج (1).

ص:20


1- 1) المحاضرات:30/3.

و فیه أوّلا:أنّ نسبة ذلک إلی بعض الأعلام مع کونه من المحقّقین لا یناسب شأنه.

و ثانیا:أنّ التوقّف علی عدم مقتضی ضدّه مع أنّه أمر عدمیّ لا وجه له کما عرفت،فإنّ العدم لا شیئیّة له حتّی یتوقّف وجود الشیء علی العدم،بل وجود الضدّ فی الفرض المذکور متوقّف علی غلبة مقتضیه،فملاک الوجود هو غلبة المقتضی،فکلّ ضدّ غلب مقتضیه علی مقتضی ضدّ الآخر فهو یوجب وجود معلوله و هو الضدّ،فکلّ ضدّ لم یوجد لم یکن مقتضیه غالبا و یکون عدمه من جهة عدم مقتضیه،و یکون وجوده متوقّفا علی غلبة مقتضیه لا علی أمر عدمیّ و المقتضی المغلوب لیس بمقتض تامّ بالفعل،و لو کان مع قطع النظر عن الطرف الآخر تامّا،و الأشیاء محتاجة فی بقاء الوجود إلی بقاء المقتضی،فوجود الضدّ من ناحیة تمامیّة مقتضیه و عدم وجود ضدّه من ناحیة عدم المقتضی و قصوره.

فالجواب عنه هو ما أشرنا إلیه من أنّ عدم الضدّ لا شیئیّة له حتّی یکون متوقّفا علیه،و لا فرق فی ذلک بین الضدّ الموجود و الضدّ المعدوم.

و هکذا أجاب عنه صاحب الکفایة بما اختاره من عدم سبقة عدم الضدّ علی الضدّ الآخر من دون فرق بین الضدّ الموجود و المعدوم.

و أمّا المقدّمة الثانیة:و هی دعوی الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب المقدّمات،ففیها أنّ المختار هی اختصاص الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و المقدّمات الموصلة.و علیه فترک الضدّ الواصل یکون واجبا دون غیر الواصل،فمن لم یرد الإزالة و أراد الصلاة فترک الضدّ علی تقدیر عدم الإیصال لا یکون واجبا لیکون فعله محرّما.

و لذلک صحّح فی الفصول الصلاة عند ترک الإزالة من هذا الطریق،کما نسب إلیه فی الوقایة حیث قال:و تخلّص(عن بطلان العبادة)من جهة تعلّق النهی فی الفصول بما شیّده من تخصیصه المقدّمة الواجبة بالموصلة إذ ترک الضدّ حینئذ(أی

ص:21

حین الإتیان بالصلاة و ترک الإزالة)لا یکون واجبا علی تقدیر عدم الإیصال لیکون فعله محرّما (1).

و أمّا المقدّمة الثالثة فسیأتی حکمها بعد ذکر الوجه الثانی إن شاء اللّه تعالی.

الوجه الثانی:استلزام الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ،و هو أنّ وجود الضدّ متلازم لترک الضدّ الآخر،و المتلازمان لا یمکن اختلافهما فی الحکم بأن یکون أحدهما واجبا و الآخر محرّما.و علیه،فإذا کان أحد الضدّین واجبا فلا محالة یکون ترک الآخر أیضا واجبا،و إلاّ لکان المتلازمان مختلفین فی الحکم،و هو مستلزم للخلف أو المحال؛فإذا کان ترک الآخر واجبا ففعل الآخر یکون محرّما و هو المطلوب من استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه.

و هذا الوجه أیضا مرکّب من ثلاث مقدّمات:

الاولی:دعوی التلازم بین وجود کلّ ضدّ و عدم الضدّ الآخر.

الثانیة:دعوی لزوم أن یکون المتلازمان محکومین بحکم واحد.

الثالثة:دعوی أنّ الأمر بالشیء مستلزم للنهی عن ضدّه.

یستدلّ للاولی علی ما فی مناهج الوصول بأنّ الضدّ لا یصدق مع ضدّه لبطلان اجتماعهما،فإذا لم یصدق هو فلا بدّ من صدق نقیضه لبطلان ارتفاع النقیضین،و لمّا لم یمکن الصدق الذاتیّ بین الوجود و العدم فلا بدّ و أن یکون عرضیّا بنحو التلازم فی الصدق،و هو المطلوب (2).

أورد علیه سیّدنا الإمام المجاهد بأنّ نقیض صدق إحدی العینین علی الاخری عدم صدقها علیها علی نعت السلب التحصیلیّ لا الإیجاب العدولیّ و إلاّ لزم ارتفاع

ص:22


1- 1) الوقایة:299/.
2- 2) مناهج الوصول:17/2.

النقیضین،ضرورة کذب الإیجاب العدولیّ أیضا للزوم کون العدم صادقا علی الوجود و متلازما معه فیه.

هذا مع أنه لا شیئیّة له(أی العدم)حتّی یکون ملازما لشیء،مضافا إلی أنّ التلازم فی الوجود یقتضی عروض الوجود للمتلازمین فیلزم اجتماع النقیضین؛فالغلط ناشئ من عدم اعتبار الحیثیّات و تقدیم الحمل علی السلب و عدم التفریق بین السوالب المحصّلة و الموجبات المعدولة،و کم له من نظیر (1).

و الظاهر أنّ مقصود المستدلّ هو دعوی الملازمة بین وجود شیء و عدم ضدّه، و هو أمر لا سترة فیه،إذ وجود الإزالة ملازم لعدم ضدّها و هو الصلاة.

و الظاهر الملازمة بینهما کما تری.نعم،لا یکون عدم الضدّ شیئا فی الخارج و إنّما هو أمر ذهنیّ ینتزع من عدم مقتضیه کانتزاع عدم المعلول من عدم علّته،و هو یرجع إلی الملازمة بین عدم المقتضی و عدم معلوله کالملازمة بین عدم العلّة و عدم معلولها؛ فکما أنّ دعوی الملازمة بین الأعدام لا تحتاج إلی وجودهما کذلک دعوی الملازمة بین وجود الضدّ و عدم الضدّ الآخر لا تحتاج إلی وجودهما،بل یکفی وجود الضدّ الموجود للملازمة بینه و بین عدم الضدّ الآخر.

و لم یدع المستدلّ التلازم فی الوجود،بل ادّعی التلازم بین وجود الضدّ و عدم ضدّه.

و التعبیر بصدق النقیض مع عدم صدق وجود الضدّ عند وجود الضدّ الآخر لا یهدف صدق العدم علی الخارج أو علی الوجود الخارجیّ،بل هدفه و مقصوده هو ما ذکرناه من الملازمة بین وجود شیء و عدم ضدّه بعدم مقتضیه،و لا یلزم من ذلک صدق العدم علی الخارج و لا صدقه علی الوجود الخارجیّ حتّی یستلزم

ص:23


1- 1) مناهج الوصول:17/2-18.

المحاذیر المذکورة.

فتحصّل أنّه لا إشکال فی المقدّمة الاولی من دعوی الملازمة بین وجود شیء و عدم ضدّه بالمعنی الذی قلناه،و لا فرق فی صحّة هذه الدعوی بین أن یکون الضدّان کالحرکة و السکون ممّا لا ثالث لهما،و بین أن یکونا کالسواد و البیاض أو القیام و الجلوس ممّا لهما الثالث؛إذ الملازمة فی کلّ واحد منهما بین وجود الضدّ و عدمه متحقّقة،و إنّما الاختلاف بینهما فی کون الاستلزام فی الأوّل من الطرفین،إذ وجود کلّ منهما یستلزم الآخر کما یکون عدم کلّ واحد یستلزم وجود الآخر دون الثانی،فإنّ وجود کلّ واحد منهما یستلزم عدم الآخر دون العکس،إذ یمکن انتفاؤهما معا؛ فاستلزام وجود الضدّ لعدم ضدّه أمر یشترک فیه جمیع الأضداد،بخلاف استلزام عدم الشیء لوجود ضدّه فإنّه مخصوص بالضدّین اللذین لا ثالث لهما،و لا ضیر فیه بعد کون ملاک الملازمة هو ملازمة وجود کلّ ضدّ لعدم ضدّه الآخر.

یستدلّ للمقدّمة الثانیة بأنّ حکم المتلازمین لزم أن یکون متوافقین و إلاّ یلزم أن یکون محکوما بحکم آخر لعدم جواز خلوّ الواقعة عن حکم،و حیث إنّ ما عدا الوجوب مشترک فی جواز الترک،فإذا لم یکن محکوما بالوجوب لجاز ترکه،و مع جواز ترک اللازم لزم إمّا خروج الواجب عن وجوبه و هو خلف،أو التکلیف بما لا یطاق،و کلاهما باطل.

و فیه:أوّلا:کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أنّ العدم لیس من الوقائع فإنّه بطلان محض لا یمکن أن یکون بما هو محکوما بحکم.و ما تری من نسبة الحکم إلی بعض الأعدام لا بدّ من إرجاعه إلی مقابلاته کوجوب تروک الإحرام و تروک المفطرات (1).

ص:24


1- 1) مناهج الوصول:18/2.

فالتروک فی الإحرام ترجع إلی الکفّ،کما أنّ التروک فی الصوم ترجع إلی الإمساک.

و ثانیا:کما أفاد صاحب الکفایة أنّ غایته أن لا یکون أحدهما فعلا محکوما بغیر ما حکم الآخر به،لا أن یکون محکوما بحکمه (1).

فالمحذور کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم کذلک یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام،فالالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی دلیل.

و ثالثا:کما أفاد استاذنا المحقّق الداماد و غیره(قدّس اللّه أرواحهم)أنّ ترک الصلاة فیما إذا تزاحم الإزالة مع الصلاة فاقد للمصلحة،و معه فکیف یمکن أن یسری الإرادة عن الإزالة إلی ترک الصلاة مع أنّه لا ملاک فیه،و موافقة أحد المتلازمین للغرض لا تستلزم موافقة الآخر للغرض،بل هو ملازم لما یوافق الغرض.و لذلک ربما یقال إنّ الوجدان شاهد علی أنّ الاشتیاق إلی شیء لا یقتضی الاشتیاق إلی لوازم وجوده من احتیاجه إلی زمان و مکان.و بهذه الجهة أیضا نقول بأنّ الأمر بالطبیعة لا یقتضی سرایة الاشتیاق إلی الخصوصیّة،بل ربما تکون الخصوصیّة مبغوضة لدیه،مع أنّهما حیثیّتان متلازمتان بل و متّحدتان وجودا (2).

و لا أثر لجعل الإباحة فی المتلازم عند فقده للملاک،لأنّ المفروض هو الإتیان به مع الآخر،سواء جعل له الإباحة أم لم تجعل،و ما یقرع سمعک من أنّ لکلّ واقعة حکم إنّما هو فیما إذا ترتّب علیه الأثر.و علیه فیجوز خلوّ الواقعة عن الحکم فی مثله.

و لعلّه إلیه یؤول ما فی مناهج الاصول أیضا،حیث قال:لم یقم دلیل علی عدم خلوّ الواقعة عن الحکم،بل الدلیل علی خلافه؛فإنّ الواقعة لو لم یکن لها اقتضاء

ص:25


1- 1) 210/1
2- 2) مقالات الاصول:118/1.

أصلا و لم یکن لجعل الإباحة أیضا مصلحة،فلا بدّ و أن لا تکون محکومة بحکم، و الإباحة العقلیّة غیر الشرعیّة المدّعاة،و مع خلوّها عن الجواز الشرعیّ لا یلزم المحذور المتقدّم (1).

هذا مضافا إلی ما فی الکفایة من أنّ عدم خلوّ الواقعة عن الحکم فهو إنّما یکون بحسب الحکم الواقعیّ لا الفعلیّ (2).

و یستدلّ للمقدّمة الثالثة بأنّ نفس تصوّر الوجوب و الإلزام یکفی فی تصوّر الحرمة و النهی عن الضدّ الخاصّ علی نحو اللزوم البیّن بالمعنی الأخصّ.و علیه،فنفس تصوّر وجوب ترک الصلاة لکونه مقدّمة للإزالة أو متلازما لها کاف فی تصوّر النهی عن الصلاة و حرمتها من دون حاجة إلی أمر زائد،و إن أبیت عن ذلک،فلا أقلّ من أن یکون کذلک بنحو اللزوم البیّن بالمعنی الأعمّ.

اورد علیه بأنّ غایته هو الانتقال التصوّری،و هو مضافا إلی ممنوعیّته لجواز الغفلة عنه أنّه لا یفید لأنّه صرف انتقال تصوّریّ،فلا دلیل علی أنّ المولی أراده و اعتبره حراما حتّی یکون نهیا شرعیّا،و مجرّد الانتقال من شیء إلی شیء لا یستلزم اعتبار الشارع حرمة ضدّه.

و إذا عرفت ذلک فی اللزوم البیّن بالمعنی الأخصّ،فالأمر فی اللزوم البیّن بالمعنی الأعّم أوضح.

و إن ارید من دعوی أنّ الأمر بالشیء مستلزم للنهی عن ضدّه اللزوم الواقعیّ بأن یدّعی أنّ المولی إذا أمر بشیء فلازمه أن ینهی عن نقیضه،ففیه کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أنّه واضح الفساد،ضرورة أنّ الصادر من المولی لیس إلاّ الأمر.

ص:26


1- 1) مناهج الوصول:18/2.
2- 2) الکفایة:210/1.

انتهی.و مع عدم صدور النهی عنه کیف یسند صدور النهی إلیه تعالی،فالأمر بترک الضدّ لا یرجع إلی النهی عن نفس الضدّ،کما قلنا بأنّ الوجوب لا ینحلّ إلی حکمین أحدهما یتعلّق بالعمل و الآخر بالترک حتّی یکون تارک الواجب مستحقّا للعقابین من جهة ترک الواجب و ارتکابه للحرام.

نعم،یمکن أن یقال:إنّه إذا تعلّقت إرادة تشریعیّة بترک الضدّ الخاصّ عند إرادة الضدّ الآخر،فمع الالتفات إلی فعل الضدّ الخاصّ تتعلّق کراهة تشریعیّة به،و لیست تلک إلاّ حرمة الضدّ،فإرادة ترک الصلاة تشریعا تستلزم کراهة نفس الصلاة تشریعا.

و فیه أنّه لا معنی لتعلّق الکراهة بنقیض ما تعلّق به الإرادة لعدم وجود مبادئ الکراهة،فإنّ غایة الکراهة المذکورة هی ترک هذا النقیض،و المفروض أنّ ترکه متعلّق للإرادة التشریعیّة؛ففی مثل الإزالة و الصلاة إذا فرض أنّ الأمر بالإزالة ملازم للأمر بترک الصلاة،فالکراهة الشرعیّة بالنسبة إلی الصلاة لا تفید،لأنّ الغرض من الکراهة هو ترک الصلاة،و المفروض أنّه متعلّق الإرادة التشریعیّة،فتعلّق الکراهة بالصلاة مع کون ترکها موردا للإرادة التشریعیّة لغو.

هذا مضافا إلی أنّ الصلاة لیست مشتملة علی المفسدة حتّی یصحّ تعلّق الکراهة بها.و کیف کان؛فحیث لا فرق بین الأمر بترک الصلاة و بین حرمة الصلاة، فلا یستلزم الأمر بترک الصلاة لحرمة الصلاة،فلا یتمّ دعوی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه.

فتحصّل أنّ الأمر بأحد الضدّین لا یستلزم الأمر بترک الضدّ الآخر،کما أنّ الأمر بترک الضدّ الآخر لو فرض لا یستلزم النهی عن نفس الضدّ الآخر،لعدم تمامیّة المقدّمات فی الدلیل الأوّل و الثانی.

قال فی المقالات:فلا موجب لاقتضاء الأمر بأحدهما النهی عن الآخر؛إذ قد عرفت بأنّ ما هو مقتضی له من المقدّمیّة فصغراه ممنوعة،و ما هو موجود من صغری

ص:27

الملازمة فکبری اقتضائه ممنوعة (1).

و أمّا ما فی حاشیة الدرر من المحقّق الیزدی قدّس سرّه من أنّا إذا راجعنا وجداننا نجد من أنفسنا أنّه إذا أردنا فعلا نترک أضداده بإرادة منّا و اختیار بحیث یصحّ المؤاخذة علی ذلک الترک و لو لم یکن مسبوقا بالإرادة و الاختیار لما صحّ.و بالجملة نجد الملازمة بین إرادة الشیء و إرادة ترک أضداده الخاصّة،کما نجد الملازمة بین إرادة الشیء و إرادة مقدّماته؛أ لا تری أنّک لو أردت الخلوة مع أحد و کان عندک شخص آخر فإنّک تتوسّل إلی قیامه من المجلس بأیّ وسیلة أمکنت.و علی هذا نقول إن کان حال إرادة الآمر حال إرادة الفاعل بعینها لزم القول بهذه الملازمة،و لکن عرفت منع الغایة المذکورة (2).

ففیه أنّ إرادة الضدّ علّة لوجوده و مع وجود العلّة التامّة لوجود الضدّ لا مجال لوجود الضدّ الآخر،بل هو عدم بعدم وجود علّته،و لا حاجة إلی إرادة الترک.و أمّا المثال المذکور فهو لیس من باب إرادة الترک،بل هو من باب إزالة إرادة وجود ضدّ لإرادة شیء آخر مضادّ له،فلا تغفل.

تبصرة:و لا یخفی علیک أنّ سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أفاد فی المقام نکتة و هی بتوضیح منّی أنّه بناء علی وجوب المقدّمات الموصلة لا یتمّ الدلیل الأوّل بثلاث مقدّمات بل یحتاج إلی المقدّمة الرابعة و هی لزوم کون المتلازمین محکومین بحکم واحد،فإنّ نقیض الترک الموصل هو ترک هذا الترک المقیّد،فإذا وجب الترک الموصل یحرم ترکه بمقتضی المقدّمة الثالثة و هی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه،و لکن هذه الحرمة متعلّقة بترک الترک الموصل،و لا یفید حرمة الفعل و إن کان بترک الترک

ص:28


1- 1) المقالات:119/1.
2- 2) الدرر:133/.

ملازما لوجود الفعل إلاّ مع ضمیمة مقدّمة اخری،و هی لزوم کون المتلازمین محکومین بحکم واحد،و إلاّ فمجرّد کون ترک الترک المقیّد محکوم بالحرمة لا یوجب حرمة ملازمه و هو وجود الفعل،فإذا کان کذلک فالدلیل الأوّل لا یتمّ إلاّ بضمّ الدلیل الثانی ببعض مقدّماته إلیه،و هو موجب لسقوط أحدهما،فلا یکون فی الباب دلیلان مستقلاّن (1).

یمکن أن یقال:إنّ ما أفاده ناشئ من توهّم الاثنینیّة و المغایرة بین ترک الترک المقیّد و وجود الفعل،مع أنّهما متّحدان مصداقا و إن اختلفا مفهوما،و القول بأنّ ترک الترک حیثیّة عدمیّة و الفعل و الوجود حیثیّة إثباتیّة فلا یصحّ حملهما علی واحد،غیر سدید،بعد کون ترک الترک یوجب حیثیّة الإثبات،لأنّ نفی النفی إثبات.و علیه،فمع تسلیم إفادة المقدّمات الثلاثة فی الدلیل الأوّل لحرمة ترک الترک الموصل،لا حاجة فی تعلّق الحرمة بوجود الفعل إلی مقدّمة اخری من مقدّمات الدلیل الثانی حتّی یلزم سقوط الدلیل الأوّل،و یرجع الأمر إلی دلیل واحد و هو الدلیل الثانی.

هذا مضافا إلی أنّ احتیاج الدلیل الأوّل إلی مقدّمة من مقدّمات الدلیل الآخر لا یوجب سقوط الدلیل الأوّل برأسه.و کیف کان،فالدلیلان مستقلاّن و لا یرجع أحدهما إلی الآخر،و إن عرفت عدم تمامیّتهما فی إفادة المراد فتحصّل أنّ الأمر بالشیء لا یستلزم النهی عن ضدّه الخاصّ.

المقام الثانی:فی الضدّ العامّ:

ربّما یقال إنّ الأمر بالضدّ کالإزالة عین النهی عن الضدّ العامّ أو مشتمل علیه أو مستلزم له،و الضدّ العامّ هو الترک،و مقتضی کون الترک منهیّا عنه هو سرایة النهی

ص:29


1- 1) مناهج الوصول:201-19.

إلی محقّقاته من أضداد الإزالة؛فإذا کان ترک الإزالة منهیّا عنه کانت الصلاة أیضا منهیّا عنها لأنّها من محقّقات ترک الإزالة،و النهی فی الصلاة بضمیمة أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد ینتج فساد الصلاة.

و هذا الاستدلال یتوقّف علی مقدّمات:

الاولی:کون الأمر بالشیء عین النهی عن الضدّ العامّ أو مشتمل علیه أو مستلزم به.

و الثانیة:أنّ الأضداد الخاصّة من محقّقات الترک الذی هو ضدّ العامّ.

و الثالثة:سرایة النهی من الترک إلی الأضداد الوجودیّة.و هذه المقدّمات کلّها ممنوعة.

أمّا الاولی،فلمّا أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّ طلب الفعل و النهی عن الترک بناء علی أنّ النهی هو طلب الترک یرجعان إلی أمر واحد،لأنّ النهی حینئذ بمعنی طلب الترک،و هو یرجع إلی طلب ترک الترک،و هو عین طلب الفعل.و علیه،فلا ثمرة فی دعوی عینیّتهما،إذ لا تنتهی إلی الطلبین.هذا مضافا إلی أنّ مصلحة ترک الترک لیست مصلحة علی حدة غیر مصلحة الفعل،فلا ملاک لتعدّد الخطاب.و علیه،فلا وجه لتعدّد الخطاب لا ثبوتا و لا إثباتا،بل هذا النهی لم یکن نهیا حقیقیّا ناشئا عن مفسدة ملزمة فی متعلّقه،بل هو فی الواقع أمر،و إنّما أبرز بصورة النهی فی الخارج،من دون فرق بین أن یکون النهی عن الضدّ العامّ عین الأمر بالشیء أو جزءا منه أو لازما له.

و لذلک قال فی المحاضرات:إنّ القول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه فی قوّة القول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی الأمر بذلک الشیء،و هو قول لا معنی له

ص:30

أصلا (1).

هذا بناء علی أنّ النهی هو طلب الترک،و أمّا إذا کان النهی هو الزجر عن ترک الإزالة و الأمر هو البعث نحو الإزالة فلا إشکال فی عدم اتّحاد الزجر عن ترک الإزالة مع الأمر بالإزالة،لمغایرة البعث و الزجر و تعدّد متعلّقهما،فدعوی العینیّة ممنوعة لاستحالة اتّحاد المتغایرین.

و هکذا لا مجال لدعوی الجزئیّة لأنّ البعث لا یکون عین الزجر و لا جزأه، و القول بأنّ الوجوب مرکّب من طلب الفعل مع المنع من الترک غیر سدید بعد ما عرفت من بساطة الوجوب،و أنّه أمر ینتزعه العقلاء من تعلّق أمر المولی بشیء من دون ترخیص لترکه.

هذا کلّه بناء علی عینیّة النهی عن الضدّ العامّ أو جزئیّته،و أمّا إذا ارید اللزوم الواقعیّ بین الأمر بالضدّ و النهی عن ترکه ففیه منع،لأنّ الصادر من المولی لیس إلاّ الأمر،و لا یرجع الأمر بالشیء إلی بعث نحو الفعل و زجر عن الترک،لأنّ الزجر یحتاج إلی ملاک،و المفروض أنّ الملاک فی الفعل و لیس فی جانب الترک ملاک،إذ ترک الواجب ترک ما فیه المصلحة الملزمة لا أنّ نفس الترک شیء فیه المفسدة.

فیجوز التفکیک بین الأمر و النهی فی الاعتبار،لأنّ کلّ واحد منهما محتاج إلی اعتبار مستقلّ و لا ملازمة بین الاعتبارین بعد عدم علّیّة أحدهما للآخر أو عدم معلولیّتهما لعلّة واحدة،فدعوی التلازم مجازفة.

و إن ارید من الملازمة بین الأمر و النهی الملازمة بین الإرادة و الکراهة،ففیه:

أوّلا:أنّها ممنوعة لإمکان غفلة طالب شیء عن ترکه حتّی یکرهه.

و ثانیا:أنّ مع الالتفات إلی الترک و خلوّه عن المفسدة لا یتعلّق الکراهة إلی

ص:31


1- 1) المحاضرات:46/3.

نفس الترک،بل هو مرید الفعل لما فیه من المصلحة الملزمة،و کراهة الترک لو کانت من باب المسامحة.و ممّا ذکر یظهر ما فی منتهی الاصول حیث قال:لو التفت إلی الترک فعلا و حصلت له الکراهة الفعلیّة بالنسبة إلیه،فلا شکّ فی أنّه یکون منشأ لاعتبار الحرمة (1).

و ذلک لأنّ مع خلوّ الترک عن المفسدة الملزمة کیف تنقدح الکراهة بالنسبة إلی نفس الترک حتّی یکون منشأ لاعتبار الحرمة.

و أمّا المقدّمة الثانیة:فهی ممنوعة لأنّ ترک الإزالة و إن لم ینفکّ عن الأضداد و لکنّه مقارن مع الأضداد الوجودیة الخاصّة و لیس متّحدا معها لأنّ الوجود حیثیّة إثباتیّة و لا یتّحد معها حیثیّة العدم،و لا یکون الأضداد الخاصّة من محقّقات الترک،بل الترک لازم لترک مقتضیه و هی إرادة الإزالة،کما أنّ عدم المعلول لازم لعدم علّته، فدعوی کون الأضداد الخاصّة من محقّقات الترک کما تری.

و أمّا المقدّمة الثالثة:فهی أیضا ممنوعة لعدم دلیل علی سرایة الحکم من أحد المتلازمین إلی الآخر،و قد عرفت أنّ الضدّ العامّ و هو الترک ملازم مع وجود الأضداد الخاصّة.

و أمّا النتیجة ففیها ما سیأتی إن شاء اللّه تعالی من أنّ النهی الغیریّ لا یدلّ علی مبغوضیّة المتعلّق لأنّه لم یکن إلاّ للإلزام بإتیان غیره،و أمّا ما یقال من أنّ إتیان المنهیّ تجرّ علی المولی و مبعّد عن ساحته فلا یصلح للتقرّب،ففیه أنّ العصیان من جهة ترک الضدّ الأهمّ لا من جهة فعل المهمّ،کما لا یخفی.

فتحصّل أنّ دعوی عینیّة النهی عن الضدّ العامّ أو جزئیّته أو ملازمته للأمر بالشیء غیر ثابتة.و علیه،فالأضداد الخاصّة لا تکون منهیّا شرعا أیضا من جهة

ص:32


1- 1) منتهی الاصول:302/1.

مقارنة الضدّ العامّ أی ترک الواجب معها،فلا تغفل.

مقتضی الأصل

قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه:ثمّ إنّه لو شکّ فی مقدّمیّة ترک أحد الضدّین للآخر و عدمها فلا مجال للبراءة عن الوجوب مطلقا،لأنّ البراءة العقلیّة لا مجال لها إذ لا عقاب علی المقدّمات،و الشرعیّة أیضا لا مجال لها لأنّ وجوب ترک الضدّ علی تقدیر المقدّمیّة یتبع وجوب ذیه فی الفعلیّة بحکم العقل،فلا یمکن رفع وجوبه مع حفظ وجوب ذیه،لأنّه ترخیص فی الحکم العقلیّ.نعم یجری البراءة فی احتمال حرمة الضدّ الواجب فتدبّر.هذا بناء علی دعوی وجوب ترک الضدّ الواجب من باب المقدّمیّة.

و لو شکّ فی التلازم بین وجوب الضدّ و وجوب ترک الضدّ الآخر؛فإن قلنا بأنّ الحکم الذی یسری من متلازم إلی متلازم آخر هو الحکم النفسیّ لا الغیریّ،فیمکن الأخذ بالبراءة العقلیّة فیه عند الشکّ لأنّه عقاب نفسیّ علی تقدیر ثبوته،و لکنّه لیس کذلک لعدم مصلحة موجبة لذلک،و حینئذ لا مجال للبراءة العقلیّة،إذ لا عقاب علی المتلازم بعد کون الحکم فیه غیریّا لا نفسیّا.

و أمّا البراءة الشرعیّة،فمع کون الملازمة عقلیّة لا مجال لها،إذ وجوبه تابع بحکم العقل لمتلازمه رفعا و وضعا،فلا یکون رفعه و وضعه بید الشارع حتّی یجری فیه البراءة الشرعیّة،فالترخیص فیه ترخیص فی الحکم العقلیّ.

نعم تجری البراءة الشرعیّة لو قلنا بأنّ مفادها هو رفع المؤاخذة لا رفع الحکم، لأنّ رفع المؤاخذة شرعا لا ینافی الحکم العقلیّ.و علیه،فمع جریان البراءة فلا مانع من القول بصحّة الضدّ العبادی،لأنّه مع جریان البراءة الشرعیّة الرافعة للمؤاخذة لا یکون الإتیان بالضدّ العبادیّ مبعدا حتّی لا یصلح للتقرّب فیکون صلاته کصلاة من

ص:33

دخل فی دار بزعم کونها له و صلّی فیها،فکما أنّ صلاة من زعم ذلک صحیحة فکذلک تکون صلاة من جری فی حقّه البراءة الرافعة للمؤاخذة صحیحة،و اتّحاد الصلاة واقعا مع الحرام لا یکون مبطلا،کما لا یخفی انتهی.

و لا یخفی علیک أنّ مفاد البراءة الشرعیّة لیس رفع المؤاخذة بل جمیع الآثار.

و علیه فلا مجال لجریان البراءة لا عقلا و لا شرعا بالنسبة إلی وجوب ترک الضدّ الآخر عند وجوب الضدّ فیما إذا کان الوجوب غیریّا،سواء کان ترک الضدّ الآخر من مقدّمات وجود ضدّه أو کان من مقارناته و متلازماته.نعم،لو احتمل الوجوب النفسیّ فی ترک الضدّ الآخر جرت البراءة العقلیّة و الشرعیّة کما أنّه لو احتمل الحرمة النفسیّة فی الضدّ الواجب الذی کان ترکه مشکوکا وجوبه من باب المقدّمیّة أو التلازم جرت البراءة العقلیّة و الشرعیّة،و لکنّه لا ملاک لهما،فلا مجال لهما و معه لا تجری البراءة،و الصلاة المأتیّ بها فی وقت الأهمّ محکومة بالإعادة کما لا یخفی.

ثمرة المسألة

و لا یخفی علیک أنّه ربّما یقال إنّه لو تمّت مقدّمات الاستدلال علی أنّ الأمر بالشیء مستلزم للنهی عن ضدّه کانت نتیجة المسألة هی النهی عن الضدّ،فهذا النهی عن الضدّ یکون صغری لکبری أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد،و مقتضی ضمیمة هذه الصغری بتلک الکبری هو فساد الضدّ إذا کان عبادة کالصلاة،فکلّ عبادة متزاحمة مع الأهمّ محکومة بالفساد إذا أتی بها فی وقت الإتیان بالأهمّ.

إنکار الثمرة بناء علی عدم لزوم الأمر فی تحقّق العبادة

اورد علیه أوّلا:بما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أنّ اقتضاء النهی للفساد إمّا لأجل کشفه عن مفسدة فی المتعلّق أو لأجل أنّ الإتیان بمتعلّق النهی مخالفة للمولی

ص:34

و مبعد عن ساحته فلا یمکن أن یقع مقرّبا؛و النهی فیما نحن فیه لا یکشف عن المفسدة، بل العقل یحکم بتحقّق المصلحة الملزمة فی الضدّ المزاحم لعدم المزاحمة بین المقتضیات.

و أیضا النهی الاستلزامی الذی یکون من جهة ملازمة شیء للمأمور به بالأمر المقدّمیّ لا یکون موجبا للبعد عن ساحة المولی فلا یوجب الفساد.انتهی (1).

و الحاصل أنّ النهی النفسیّ یقتضی الفساد لا النهی الغیریّ لأنّ العبادة مع النهی الغیریّ لا مفسدة فیها حتّی یکشف النهی عن وجودها،و هی تقتضی الفساد و العصیان و المخالفة لیس من ناحیة إتیان العبادة بل من ناحیة ترک الأهمّ و هو الإزالة، و هو متلازم مع اتیان العبادة،و حکم ترک الأهمّ لا یسری إلی إتیان العبادة إلاّ بالعرض و المسامحة،و العرض و المسامحة غیر مقتض للفساد و التزاحم من جهة عدم إمکان الجمع بینهما،لا من جهة المقتضیات،بل جهة الاقتضاء فی کلّ واحد منهما تامّة للخطاب،و إنّما تقدّم طرف الإزالة لأهمّیّتها علی جهة الاقتضاء فی طرف العبادة، فالمزاحمة لا توجب إلاّ ارتفاع الأمر المتعلّق بالمهمّ فعلا مع بقاء المهمّ علی ما هو علیه من المقتضیات،و المفروض أنّ النهی الغیریّ لا یوجب مفسدة فیها و معه،لا وجه للبطلان.کما لا یخفی.

و ثانیا:بما أفاده سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّه لو سلّمنا کشف النهی الغیریّ عن المفسدة لا یکفی ذلک فی الحکم ببطلان فعل العبادة لإمکان مزاحمة المفسدة المکشوفة بالنهی الغیریّ مع مصلحة الفعل و غلبتها علیها.أ لا تری أنّ فی ترک صوم عاشوراء مصلحة عدم المشابهة ببنی أمیّة،و مع ذلک یکون الصوم فی الیوم المذکور صحیحا لتزاحم مصلحة الصوم مع مفسدة التشابه و غلبتها علیها،فمجرّد الکشف عن مفسدة لا یکفی فی الحکم ببطلان العبادة بل یحتاج إلی غلبة المفسدة

ص:35


1- 1) مناهج الوصول:20/2.

الغیریّة علی مصلحة نفسیّة للعبادة.

هذا یمکن أن یقال:یکفی فی فساد العبادة مع تسلیم الکشف عن المفسدة قوله علیه السّلام:«إنّ اللّه لا یطاع من حیث یعصی»؛إذ المفروض أنّ نفس الصلاة ذات مفسدة و الإتیان بها موجب للعصیان.

و القول بأنّ حیثیّة العصیان مغایرة لحیثیّة الإطاعة و الحدیث یدلّ علی عدم حصول الإطاعة من نفس حیثیّة العصیان غیر سدید بعد کون الاتّحاد العرفیّ بینهما.

اللّهم إلاّ أن یقال بعد الکسر و الانکسار و ترجیح جانب العبادة لا حیث له إلاّ حیث الإطاعة لعدم فعلیّة حیثیّة العصیان،فلا یشمله الحدیث.فتدبّر جیّدا.

و أمّا ما یقال من أنّ المتقرّب به و إن لم یکن فی نفسه مبعدا لکنّه مقدّمة للمبعد و هو ترک ضدّه الذی یکون أهمّ،و لا یمکن التقرّب بما یکون مقدّمة للمبعد،کما لا یمکن التقرّب بالمبعد،فقد أجاب عنه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه بأنّ الفعل العبادیّ و إن کان مبغوضا بالعرض لمحبوبیّة ترکه المقدّمی،لکنّ الفعل لیس مقدّمة لمبغوض مبعد حتّی لا یمکن التقرّب بمقدّمة المبعد،إذ لا یقول أحد بمقدّمیّة فعل لترک ضدّه للزوم الدور.

نعم،الفعل العبادیّ مبغوض عرضیّ ملازم لمبغوض عرضیّ و هو ترک الأهمّ و هو لا یمنع عن التقرّب جزما (1).

و لعلّ قبول مقدّمیّة ترک الفعل العبادیّ للإزالة من باب المماشاة لمن ذهب إلی مقدّمیّة ترک الضدّ لوجود الضدّ الآخر،و إلاّ فقد مرّ سابقا أنّ التحقیق أنّ المقدّمیّة مطلقا ممنوعة،لا من طرف ترک الضدّ لفعل الضدّ الآخر و لا من طرف الفعل لترک الضدّ الآخر،و أیضا تقدّم أنّ وجه عدم تقدّمیّة الفعل للترک لیس هو الدور،بل من جهة أنّ الترک أمر عدمیّ و هو لا یحتاج إلی علّة،بل الترک ملازم لعدم علّته،لا أنّ

ص:36


1- 1) نهایة الدرایة:24/2.

فعل الضدّ مقدّمة وجودیّة لترک الضدّ الآخر.فتحصّل أنّ مع تسلیم مقدّمات الاستدلال لاقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه لا ینتج ذلک إلاّ بضمیمة اقتضاء النهی للفساد،و المفروض أنّ النهی الغیریّ لا یقتضی الفساد.

یمکن إنکار الثمرة لکفایة قصد الملاک فی تحقّق العبادة،سواء کان الأمر بالأهمّ مستلزما للنهی عن المهمّ أو لم یکن،لأنّ بقاء المهمّ علی ما هو علیه من الملاک موجب لصلاحیّة التقرّب به و صحّة عبادیّته إذ صحّة العبادة لا تتوقّف علی قصد الأمر بخصوصه،لعدم الدلیل علی اعتبار أزید من قصد التقرّب بالعمل فی وقوعه عبادة، و التقرّب یحصل بإضافة العمل إلی المولی بقصد کونه مأمورا به أو بقصد کونه محبوبا للمولی،و لا یتقوّم العبادة بقصد الأمر.و علیه،فإذا أتی به بقصد الملاک صحّت العبادة من دون فرق بین کون الأمر بالشیء مستلزما للنهی و عدمه.

إنکار الثمرة بناء علی لزوم الأمر فی العبادة

ذهب شیخنا البهائیّ قدّس سرّه علی المحکیّ إلی أنّ فساد العبادة لا یحتاج إلی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه لکفایة عدم الأمر فی الحکم بفساد العبادة،لاحتیاج العبادة إلی الأمر من دون فرق بین کون الأمر بالشیء مستلزما للنهی عن ضدّه و عدمه فلا ثمرة،لأنّ العبادة علی التقدیرین فاسدة لتقوّمها بالأمر و المفروض أنّ العبادة لا أمر لها بسبب تزاحمها مع الأهمّ.

أجیب عنه بوجوه:

الأوّل:بالجواب المبنائیّ بما عرفت من کفایة قصد الملاک و عدم الاحتیاج فی تحقّق العبادة إلی الأمر و قصده،لأنّ العبادة متحقّقة بإضافة العمل إلی المولی،و هی حاصلة إمّا بقصد الأمر و إمّا بقصد کون العمل محبوبا للمولی.و علیه،فعدم الأمر لا یوجب فساد العبادة.

ص:37

الثانی:بالجواب البنائیّ بأنّا لو سلّمنا حاجة العبادة إلی قصد الأمر،فالحکم ببطلان العبادة لعدم الأمر صحیح بالنسبة إلی المضیّقین کالإزالة و صلاة آیة الزلزلة، و کإنقاذ الابن و إنقاذ الأخ فی زمان واحد،لعدم تعلّق الأمر بالمهمّ کإنقاذ الأخ،سواء قلنا بأنّ الأمر بالأهمّ مستلزم للنهی عن ضدّه أو لم نقل.و أمّا إذا کان التزاحم بین الموسّع و المضیّق کالإزالة و الصلاة فلا نسلّم بعدم الثمرة لما حکی عن المحقّق الثانی قدّس سرّه من أنّ الثمرة متحقّقة فإنّ العبادة تقع فاسدة بناء علی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه،و تقع صحیحة بناء علی عدم الاقتضاء و الاستلزام.

بیان ذلک کما فی المحاضرات:أنّا قد ذکرنا فی بحث تعلّق الأوامر بالطبائع أو الأفراد أنّ الصحیح هو تعلّقها بالطبائع الملغاة عنها جمیع الخصوصیّات و التشخّصات دون الأفراد،و علی هذا فالمأمور به هو الطبیعة المطلقة،و مقتضی إطلاق الأمر بها ترخیص المکلّف فی تطبیق تلک الطبیعة علی أیّ فرد من أفرادها شاء تطبیقها علیه من الأفراد العرضیّة و الطولیّة،و لکن هذا إنّما یکون فیما إذا لم یکن هناک مانع عن التطبیق،و أمّا إذا کان مانع عنه،کما إذا کان بعض أفرادها منهیّا عنه،فلا محال یقیّد إطلاق الأمر المتعلّق بالطبیعة بغیر هذا الفرد المنهیّ عنه،لاستحالة انطباق الواجب علی الحرام.و یترتّب علی ذلک أنّه بناء علی القول باقتضاء الأمر بشیء النهی عن ضدّه کان الفرد المزاحم من الواجب المطلق منهیّا عنه فیقیّد به إطلاق الأمر به،کما هو الحال فی بقیّة موارد النهی عن العبادات،لاستحالة أن یکون الحرام مصداقا للواجب و نتیجة ذلک التقیّد هی وقوعه فاسدا بناء علی عدم کفایة اشتماله علی الملاک فی الصحّة-إلی أن قال-:

و أمّا بناء علی القول بعدم الاقتضاء،فغایة ما یقتضیه الأمر بالواجب المضیّق هو عدم الأمر بالفرد المزاحم لاستحالة الأمر بالضدّین معا،و هذا لا یقتضی فساده، لأنّ متعلّق الوجوب صرف وجود الطبیعة،و خصوصیّة الأفراد جمیعا خارجة عن

ص:38

حیّز الأمر،و المفروض أنّ القدرة علی صرف الوجود منها تحصل بالقدرة علی بعض وجوداتها و أفرادها و إن لم یکن بعضها الآخر مقدورا.و من الواضح أنّ التکلیف غیر مشروط بالقدرة علی جمیع أفرادها العرضیّة و الطولیّة،ضرورة أنّه لیست طبیعة تکون مقدورة کذلک.

و علیه فعدم القدرة علی فرد خاصّ من الطبیعة المأمور بها-و هو الفرد المزاحم بالأهمّ-لا ینافی تعلّق الأمر بها،فإنّ المطلوب هو صرف وجودها،و هو یتحقّق بإیجاد فرد منها فی الخارج،فالقدرة علی إیجاد فرد واحد منها کافیة فی تعلّق الأمر بها.

و علی هذا الضوء یصحّ الإتیان بالفرد المزاحم بداعی الأمر بالطبیعة المأمور بها لانطباق تلک الطبیعة علیه کانطباقها علی بقیّة الأفراد،ضرورة أنّه لا فرق بینه و بین غیره من الأفراد من هذه الجهة أصلا-إلی أن قال-:

فإنّ متعلّق الأمر هو الطبیعة الجامعة بین الأفراد بلا دخل شیء من الخصوصیّات و التشخّصات فیه،و لذا لا یسری الوجوب منها إلی تلک الأفراد هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری:أنّ ضابط الامتثال هو انطباق الطبیعة المأمور بها علی الفرد المأتیّ به فی الخارج.

فالنتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین هی صحّة الإتیان بالفرد المزاحم لاشتراکه مع بقیّة الأفراد فی کلتا الناحیتین.

نعم،یمتاز عنها فی ناحیة ثالثة،و هی أنّ الفرد المزاحم غیر مقدور شرعا،و هو فی حکم غیر المقدور عقلا،إلاّ أنّها لا تمنع عن الصحّة و حصول الامتثال به لأنّ الصحّة تدور مدار الناحیتین الاولیین،و هذه الناحیة أجنبیّة عمّا هو ملاک الصحّة ضرورة أنّ المکلّف لو عصی الأمر بالواجب المضیّق و أتی بهذا الفرد المزاحم لوقع

ص:39

صحیحا لانطباق المأمور به علیه.

و إن شئت فقل إنّ ما کان مزاحما للواجب المضیّق و إن کان غیر مقدور شرعا إلاّ أنّه لیس بمأمور به،و ما کان مأمورا به و مقدورا للمکلّف-و هو صرف وجود الطبیعة بین المبدأ و المنتهی-غیر مزاحم له.و علی ذلک الأساس صحّ الإتیان بالفرد المزاحم،فإنّ الانطباق قهریّ و الإجزاء عقلیّ.

و نتیجة ما أفاده المحقّق الثانی قدّس سرّه هی أنّ الفرد المزاحم،بناء علی القول بالاقتضاء حیث إنّه کان منهیّا عنه،فلا ینطبق علیه المأمور به،و علیه فلا إجزاء لدورانه مدار الانطباق.و بناء علی القول بعدم الاقتضاء حیث إنّه لیس بمنهیّ عنه ینطبق علیه المأمور به فیکون مجزیا (1).

اورد علیه فی مناهج الوصول بأنّ ملاک استحالة الأمر بالضدّین و هو التکلیف بالمحال موجود مع تضییق الوقت أو انحصار الفرد أو کون الأفراد طولیّة فإنّ معنی تعلّق الأمر بالطبیعة هو البعث إلی إیجادها و الأمر و إن تعلّق بنفس الماهیّة،لکنّ البعث إلیها هو البعث إلی إیجادها؛فمع ضیق الوقت إن کان البعث إلی إیجادها فعلیّا و کذلک إلی ضدّ مصداقها ینتهی الأمر إلی التکلیف بالمحال،لأنّ إیجاد الطبیعة و ضدّ المصداق ممّا لا یمکن فی الوقت المضیّق،و کذا الحال مع انحصار المصداق،بل مع کون الأفراد طولیّة فإنّ فعلیّة الأمر بالطبیعة فی وقت یکون فردها مبتلی بالضدّ الواجب لازمها التکلیف بالمحال (2).

و لا یخفی علیک أنّ المدّعی أنّ الأمر متوجّه إلی الطبیعة لا إلی الأفراد و القدرة فی الجملة بالنسبة إلی مصادیقها کافیة فی جواز البعث إلی صرف الطبیعة،و لذا لا یضرّ

ص:40


1- 1) المحاضرات:52/3 و 54.
2- 2) مناهج الوصول:22/2.

بالبعث إلی صرف الطبیعة عدم القدرة الشرعیّة علی إتیان المصداق المزاحم بالأهمّ.

و علیه،فالبعث إلی صرف الطبیعة لا یرجع إلی البعث إلی المصداق المزاحم حتّی یلزم طلب الضدّین،بل یرجع إلی طلب إیجاد الطبیعة بمصادیقها المقدورة شرعا و هی غیر المصداق المزاحم،و من المعلوم أنّه لا ضدّیّة بین طلب صرف الطبیعة و بین طلب الأهمّ،و إنّما الضدّیّة فیما إذا کان البعث نحو الطبیعة المطلقة و بین طلب الأهمّ، و المفروض عدمه.

و أمّا ما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه من أنّ الطبیعة حیث إنّ أفرادها هنا طولیّة،فلیس فی زمان المضیّق لطبیعة الموسّع فرد غیر مزاحم حتّی یقال لا نظر إلیه، بل إلی صرف الطبیعة غیر المزاحمة بنفسها،فإنّها حینئذ منحصرة فی المزاحم،فیکون الأمر بها فی هذا الزمان أمرا بالمزاحم حقیقة بخلاف باب اجتماع الأمر و النهی،فإنّ الأفراد هناک عرضیّة،ففی کلّ زمان لطبیعة الصلاة أفراد مزاحمة و أفراد غیر مزاحمة، فالطبیعة فی کلّ زمان مقدور علیها (1)

ففیه أنّه لا مجال للقول بأنّ المکلّف فی أوّل الزوال مثلا لا تکلیف له بالنسبة إلی طبیعة الصلاة عند مزاحمة فرد منها مع الأهمّ کالإزالة،بل هو مکلّف بالنسبة إلیها بنحو الواجب التعلیقی لإمکان الامتثال بها فی الاستقبال،أی فی الأزمان الباقیة إلی آخر الوقت،بإتیان مصادیقها المقدورة؛فالوجوب فعلیّ فی أوّل الزوال بالنسبة إلی صرف الطبیعة،و الواجب استقبالیّ؛فلا وجه لإنکار الوجوب عند مزاحمة فرد منها مع الواجب المضیّق و من المعلوم أنّ الأمر الفعلیّ بالنسبة إلی صرف الطبیعة کاف لقصد الامتثال.

ثمّ إنّ وجه کفایة قصد الأمر المتوجّه إلی صرف الطبیعة فی تحقّق الامتثال هو

ص:41


1- 1) نهایة الدرایة:55/2.

أنّه مع إتیان الفرد المزاحم بالأهمّ انطبقت الطبیعة علی المأتیّ به قهرا و حیث إنّه لا خصوصیّة فی الأفراد المقدورة لعدم الفرق بینها و بین الفرد المزاحم بالأهمّ حکم العقل و العرف بعدم التفاوت بین الفرد المزاحم بالأهمّ و غیره من الأفراد،فإذا أتی بالفرد المزاحم بالأهمّ بقصد الأمر المتوجّه إلی الطبیعة یصدق الامتثال عرفا،إذ لا فرق بینه و بین سائر الأفراد فإتیانه کإتیان سائر الأفراد فی ایجاب سقوط الأمر من دون مدخلیّة لدعوة الأمر بالطبیعة إلی ذلک الفرد و عدمه.و ممّا ذکر یظهر ما فی تعلیقة المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه من أنّ الاشتراک فی الطبیعة و فی الغرض یصحّح الإتیان بهذا الداعی،لا أنّه یصحّح دعوة الأمر (1).

و ذلک لما عرفت من أنّ الملاک هو صدق الامتثال عرفا بإتیان فرد لا فرق بینه و بین سائر الأفراد و لا حاجة إلی دعوة الأمر المتوجّه إلی الطبیعة بالنسبة إلی الفرد المزاحم بالأهمّ.

فتحصّل أنّ ما ذهب إلیه المحقّق الثانی من إمکان قصد الأمر المتوجّه إلی الطبیعة بناء علی عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه کان وجیها.نعم،یمکن أن یقال إنّ مع الاقتضاء أیضا لا مانع من الإتیان بالفرد المزاحم بالأهمّ بقصد الأمر المتعلّق بصرف الطبیعة.

إذ لا فرق بین صورة الاقتضاء و عدمه فی عدم تعلّق الأمر بالمزاحم بالأهمّ و أنّ متعلّق الأمر هو الطبیعة،و المفروض أنّه مع إتیان الفرد المزاحم بالأهمّ تصدق الطبیعة علیه قهرا،و کونه منهیّا عنه لا یمنع عن صدق الطبیعة علیه،و أیضا أنّ النهی الغیریّ لا یکشف عن المفسدة حتّی یوجب ذلک عدم حکم العقل و العرف بعدم التفاوت بینه و بین سائر الأفراد و صدق الامتثال،اللّهمّ إلاّ أن یقال إنّ تفصیله مبنیّ

ص:42


1- 1) نهایة الدرایة:55/2.

علی تسلیم کون النهی کاشفا عن المفسدة،و لو کان نهیا غیریّا.فتأمّل.

أورد المحقّق النائینیّ بناء علی ما حکی عنه علی ما ذهب إلیه المحقّق الثانی بأنّ ذلک یتمّ بناء علی أن یکون منشأ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف هو حکم العقل بقبح تکلیف العاجز،إذ علی هذا الأصل یمکن أن یقال إنّ العقل لا یحکم بأزید من اعتبار القدرة علی الواجب فی الجملة و لو بالقدرة علی فرد منه؛فإذا کان المکلّف قادرا علی الواجب و لو بالقدرة علی فرد واحد منه لا یکون التکلیف به قبیحا و بما أنّ الواجب الموسّع فی مفروض الکلام مقدور من جهة القدرة علی غیر المزاحم للواجب المضیّق من الأفراد فلا یکون التکلیف به قبیحا.

و أمّا إذا کان منشأ اعتبار القدرة شرطا للتکلیف اقتضاء نفس التکلیف ذلک کما هو الصحیح لا حکم العقل،فلا یتمّ ما ذکره و لا یمکن تصحیح الفرد المزاحم بقصد الأمر أصلا.

أمّا أنّ منشأ اعتبار القدرة شرطا للتکلیف هو نفس التکلیف،فلأنّ الغرض من التکلیف جعل الداعی للمکلّف نحو الفعل،و من الواضح أنّ هذا المعنی بنفسه یستلزم کون متعلّقه مقدورا لاستحالة جعل الداعی نحو الممتنع عقلا أو شرعا؛فإذا کان التکلیف بنفسه مقتضیا لاعتبار القدرة فی متعلّقه فلا تصل النوبة إلی حکم العقل بذلک،ضرورة أنّ الاستناد إلی أمر ذاتیّ فی مرتبة سابقة علی الاستناد إلی أمر عرضیّ.

و أمّا أنّ تصحیح الفرد المزاحم لا یمکن بقصد الأمر أصلا فلأنّ التکلیف إذا کان بنفسه مقتضیا لاعتبار القدرة فی متعلّقه،فلا محالة ینحصر متعلّقه بخصوص الأفراد المقدورة،فتخرج الأفراد غیر المقدورة عن متعلّقه.

و علی الجملة،فنتیجة اقتضاء نفس التکلیف ذلک أی اعتبار القدرة هی أنّ متعلّقة حصّة خاصّة من الطبیعة و هی الحصّة المقدورة،و أمّا الحصّة غیر المقدورة

ص:43

خارجة عن متعلّقه و إن کانت من حصّة نفس الطبیعة.و علی ذلک فالفرد المزاحم-بما أنّه غیر مقدور شرعا-خارج عن حیّز الأمر و لا یکون مصداقا للطبیعة المأمور بها بما هی مأمور بها (1).

و أجاب عنه فی المحاضرات بأنّ الشارع لم یأخذ القدرة فی متعلّق أمره علی الفرض،بل هو مطلق من هذه الجهة؛غایة ما فی الباب أنّ التکلیف المتعلّق به یقتضی أن یکون مقدورا من جهة أنّ الغرض منه جعل الداعی إلی إیجاده و جعل الداعی نحو الممتنع عقلا أو شرعا ممتنعا و من الواضح أنّ ذلک لا یقتضی أزید من إمکان حصول الداعی للمکلّف،و هو یحصل من التکلیف المتعلّق بالطبیعة المقدورة بالقدرة علی فرد منها لتمکّنه من إیجادها فی الخارج و لا یکون ذلک التکلیف لغوا و ممتنعا عندئذ،فإذا فرض أنّ الصلاة مثلا مقدورة فی مجموع وقتها و إن لم تکن مقدورة فی جمیعها،فلا یکون البعث نحوها و طلب صرف وجودها فی مجموع هذا الوقت لغوا.

و علیه،فلا مقتضی للالتزام بأنّ متعلّقه حصّة خاصّة من الطبیعة و هی الحصّة المقدورة فإنّ المقتضی له لیس إلاّ توهّم أنّ الغرض من التکلیف حیث إنّه جعل الداعی،فجعل الداعی نحو الممتنع غیر معقول،و لکنّه غفلة عن الفارق بین جعل الداعی نحو الممتنع و جعل الداعی نحو الجامع بین الممتنع و الممکن،و الذی لا یمکن جعل الداعی نحوه هو الأوّل دون الثانی فإنّ جعل الداعی نحوه من الوضوح بمکان.

فالنتیجة علی ضوء هذا البیان أنّه یصحّ الإتیان بالفرد المزاحم بداعی امتثال الأمر بالطبیعة من دون فرق بین القول بأنّ منشأ اعتبار القدرة هو حکم العقل أو اقتضاء نفس التکلیف ذلک (2).

ص:44


1- 1) المحاضرات:54/3-56.
2- 2) المحاضرات:63/3.

و فیه أنّه إن أراد من إمکان جعل الداعی نحو الجامع بین الممتنع و الممکن جعل الداعی نحو صرف الطبیعة من دون نظر إلی مصادیقها فضلا عن ممکنها و ممتنعها کالخطابات القانونیّة التی لا نظر فیها إلی الناس و نحوه فهو،و أمّا إن أراد إمکان جعل الداعی نحو الجامع الحاکی عن الأفراد الممکنة و الممتنعة،ففیه أنّه غیر ممکن لأنّه کجعل الداعی نحو الممتنع.

فالأولی فی الجواب هو أن یقال:إنّ مجرّد کون الغرض هو جعل الداعی لا یوجب تقیید المتعلّق بالحصّة الخاصّة شرعا،بل هو أیضا استدلال عقلیّ علی لزوم کون المتعلّق مقدورا،هذا مضافا إلی أنّ القدرة فی الجملة تکفی فی کون صرف الطبیعة مقدورا،و أیضا لا یضرّ عدم دعوة الأمر إلی غیر الحصّة المقدورة،بعد ما عرفت من صدق الطبیعة علی غیر المقدورة أیضا،و صدق الامتثال بإتیان غیر المقدورة بغرض سقوط الأمر عن الطبیعة بعد عدم التفاوت بین غیر المقدورة و المقدورة بحکم العقل و العرف.

الثالث:بالجواب البنائی أیضا و هو الترتّب و هو إنّ مع مزاحمة الأهمّ و المهمّ و البناء علی ترک الأهمّ لا مقیّد لإطلاق الأمر بالمهمّ و معه فالأمر بالمهمّ موجود و یصحّ قصده لتحقّق الامتثال بقصده.

و تتمّ العبادة حتّی عند من اعتبر قصد الإنسان فی تحقّق العبادة.

و إلیه ذهب فی هدایة المسترشدین (1)کما نسبه إلیه فی الوقایة (2)و حکی عن کاشف الغطاء و المیرزا الشیرازی و السیّد محمّد الفشارکی و صاحب الوقایة و المحقّق الأصفهانی و غیرهم من الأعلام.

ص:45


1- 1) هدایة المسترشدین:ص 243 و 244.
2- 2) الوقایة:ص 305.

و من المعلوم إنّ مع إمکان الترتّب یکون الفرد المزاحم بالأهمّ أیضا ذا أمر فلا وجه تعول شیخنا البهائی قدّس سرّه من فساد العبادة عند التزاحم لعدم الأمر سواء قلنا باقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه أو لم نقل لما عرفت من وجود الأمر بناء علی إمکان الترتّب ثمّ إنّ الفرق بین الترتّب و ما ذهب إلیه المحقّق الثانی هو إنّ المصحّح للعبادة عند المحقّق الثانی هو الأمر المتعلّق بالطبیعة و الفرد لا یکون له أمر لعدم القدرة الشرعیّة بالنسبة إلیه و لکن یمکن للمکلّف أن یأتی بالفرد المزاحم بالأهمّ بقصد الأمر المتوجّه إلی الطبیعة.

هذا بخلاف الترتّب،فإنّ الفرد المذکور له أمر؛فیمکن للمکلّف أن یقصد أمر الفرد المذکور لتحقّق الامتثال.هذا مضافا إلی فرق آخر و هو أنّ الأمر المصحّح لقصد الامتثال بناء علی قول المحقّق الثانی یکون فی عرض الأمر بالأهمّ إذ أمر طبیعة الصلاة لا یترتّب علی عدم تأثیر الأمر بطبیعة الإزالة،بخلاف الأمر الترتّبیّ فإنّه فی طول الأمر بالأهمّ لأنّه مترتّب علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ فی المکلّف.

أحسن التقریب فی الترتّب

ثمّ إنّ للترتّب تقریبات متعدّدة أحسنها هو أن یقال:إذا تزاحم أمران أحدهما أهمّ من الآخر فلا یمکن أن یقتضی کلّ واحد متعلّقه بالفعل مطلقا،لاستحالة فعلیّة مقتضاهما معا،لوجود التضادّ بینهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد؛کما لا یمکن أن یتعلّق الأمر بالجمع بینهما من أوّل الأمر،إذ لا واقع له و لا یکون جائزا بعد استحالته.

و لکن یمکن أن یکون المقتضیان مترتّبین بأن یکون أحدهما و هو المهمّ لا اقتضاء له إلاّ عند عدم تأثیر الأهمّ،فمع تأثیر الأهمّ لا موضوع لتأثیر المهمّ،و مع عدم تحقّق موضوع التأثیر للأمر بالمهمّ یستحیل مانعیّته عن تأثیر الأمر المتوجّه بالأهمّ و مع عدم تأثیر أمر الأهمّ فلا مانع من فعلیّة تأثیر أمر المهمّ المعلّق علی عدم تأثیر

ص:46

أمر الأهمّ.

و الحاصل أنّه لا تضادّ إلاّ من ناحیة الامتثال،فإذا کان لزوم امتثال المهمّ موقوفا علی البناء علی ترک الامتثال بالأهمّ لا یلزم التضادّ،کما لا یخفی.

قال فی الوقایة:و بالجملة،مزاحمة الأمرین لا یکون إلاّ لاقتضاء الأمر طرد جمیع الأضداد حتّی متعلّق الأمر الآخر و سدّ جمیع أبواب العدم علی متعلّقه،و الالزام بعدم صرف القدرة علی أیّ ضدّ کان له و المنع من تفویت متعلّقه و لو بإتیان غیره،إلی غیر ذلک من التعبیرات المختلفة المنتهیة إلی حقیقة واحدة،و هی اقتضاؤه عدم الترک مطلقا؛و هذا شأن الواجب المطلق.

و لو کان الأمر المتعلّق بالمهمّ کذلک لزم جمیع ذلک،و لکنّه-کما عرفت-أمر مشروط بعصیان الأمر الآخر-إلی أن قال-:و معناه عدم تحقّق مؤدّاه و عدم تأثیره و عدم قابلیّته للتأثیر،و ذلک مرتبة متأخّرة عن نفس الأمر،بل هی مرتبة انعزاله عن مقتضاه و عدم صلاحیّته للتأثیر.و هذه المرتبة مرتبة الواجب المشروط،فکیف یکون فی مرتبة الأمر الأوّل و هو متأخّر عنه تأخّر المعلول عن علّته؟إلی أن قال:

و خلاصة القول أنّه لا تضادّ بین الأمرین،بل التضادّ بین الفعلین،و الأمر علی نحو الترتّب لا یؤول إلی الجمع بینهما أصلا،إذ المفروض فی وجود أحدهما عدم وجود الآخر و خلوّ المحلّ فأین المحال؟! (1).

و لقد أفاد و أجاد فی بیان أنّ الأمر بالمهمّ لیس بمطلق،بل هو مشروط بعدم تأثیر الأمر بالأهمّ،و لا تضادّ بین الأمرین،و لا یلزم من ترتّب الأمر بالمهمّ علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ و خلوّ المحلّ عن وجوده طلب الجمع بین الضدّین.

و لعلّ مراده أنّ الملاک فی دفع التضادّ هو عدم تأثیر الأمر بالأهمّ فی الانبعاث،

ص:47


1- 1) الوقایة:ص 306-309.

لا أنّ مجرّد اختلاف المرتبة مع اتّحاد الأمرین زمانا یدفع التضادّ؛إذ من المعلوم أنّ مجرّد اختلاف المرتبة لا یدفع التضادّ،إذ مع اتّحادهما فی الزمان یوجب إطلاقهما طلبا لما لهما المعیّة الزمانیة من الضدّین.هذا مضافا إلی أنّه لو کان مجرّد ترتّب الأمر بالمهمّ علی عصیان الأمر بالأهمّ دافعا لطلب الجمع بین الضدّین لوجب الدفع مع الاشتراط بإطاعة الأهمّ،فإنّها متأخّرة عن أمره،و لو جعلت شرطا تصیر مقدّمة علی أمر المهمّ.

تقدّم الموضوع علی حکمه،مع أنّ ذلک یقتضی الجمع؛إذ حال الإطاعة للأمر بالأهمّ یکون الأمر بالأهمّ باقیا،و حیث إنّ موضوع الأمر بالمهمّ هو الإطاعة،أی حالها، فالأمر بالمهمّ أیضا یکون موجودا فیجتمع الأمران،و مقتضاهما هو طلب الجمع بین الضدّین،و هو محال،فتأمّل.

و ممّا ذکر یظهر أنّ مجرّد اختلاف المرتبة لا یدفع الإشکال،بل الدافع هو عدم تأثیر دعوة الأمر بالأهمّ،و إن کان له صلاحیّة الدعوة فی نفسه مع التأثیر و فعلیّة دعوة الآخر،لأنّ الأمر بالمهمّ إذا علّق علی حال العصیان أو البناء و العزم علیه، و یقال إن کنت فی حال العصیان أو عزمت علیه فأت بالمهمّ،لا یکون الأمر بالمهمّ مزاحما للأمر بالأهمّ عند تأثیره و إمکان انقیاد المکلّف لعدم تحقّق موضوعه حتّی یکون مزاحما له،کما أنّ الأمر بالأهمّ لا یکون مزاحما للأمر بالمهمّ فی حال العصیان و البناء علیه،إذ لا یکون مؤثّرا بالفعل.و قد عرفت أنّ التضادّ لیس إلاّ من ناحیة الامتثال و مؤثّریّة الأمر،فإذا لم یکن الأمر بالأهمّ مؤثّرا فی ناحیة الامتثال فلا مزاحم للأمر بالمهمّ؛ففی فرض فعلیّة تأثیر الأمر بالأهمّ لا موضوع للأمر بالمهمّ،و فی فرض فعلیّة تأثیر المهمّ لا تأثیر للأهمّ،و إلاّ لزم الخلف فی کون حال العصیان و البناء علیه شرطا لتأثیر الأمر بالمهمّ،فاختلاف المرتبة مع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ یدفعان طلب الجمع.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول من أنّ الدافع لطلب الجمع لیس إلاّ القول

ص:48

بسقوط الأمر بالأهمّ بعصیانه و مضیّ وقته،و عدم ثبوت أمر المهمّ إلاّ بعد سقوط الأهمّ أو مساوقا له (1).لما عرفت من أنّ الأمر بالأهمّ حال العصیان أو البناء و العزم علی المعصیة ثابت و لا یکون ساقطا،و جعل موضوع الأمر بالمهمّ هو مضیّ العصیان مع إمکان جعله هو حال العصیان لکونه أمرا زمانیّا لا ملزم له،فلا وجه لجعل الموضوع هو مضیّ العصیان،حتّی یفوت وقت الأهمّ و ینجرّ إلی سقوط الأمر بالأهمّ و یدور الأمر بین السقوط و الثبوت و یخرج عن فرض الکلام؛فمع البناء و العزم علی العصیان لا وجه لدعوی سقوط الخطاب بالأهمّ،إذ البناء و العزم علی العصیان لا یکون من مسقطات الأوامر.

و لقد أفاد و أجاد فیما حقّقه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه من أنّ الأمر بالإضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه،فإذا کان المقتضیان المنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر،و الغرض من کلّ منهما فعلیّة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له،فلا محالة یستحیل تأثیرهما و فعلیّة مقتضاهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد،و إذا کان المقتضیان مترتّبین،بأن کان أحد المقتضیین لا اقتضاء له إلاّ عند عدم تأثیر الآخر، فلا مانع من فعلیّة الأمر المترتّب.

و حیث إنّ فعلیّة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه،فلا محالة یستحیل مانعیّته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه،إذ ما کان اقتضائه منوطا بعدم فعلیّة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر،و لا مزاحمة بین المقتضیین إلاّ من حیث التأثیر،و إلاّ فذوات المقتضیات-بما هی-لا تزاحم بینها.

إن قلت حیث إنّ الأمر بالأهمّ بداعی جعل الداعی و انبعاث المکلّف،فمع عدم الانبعاث فی زمان یترقّب عند الانبعاث کیف یعقل بقاؤه؟فإنّ الأمر بطرد العدم بعد

ص:49


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 46.

تحقّق العدم محال،فإنّ رفع النقیض حال تحقّق النقیض محال.

قلت:الأمر الحقیقی هو جعل ما یمکن أن یکون داعیا،و الأمر بالأهمّ حال عصیانه علی إمکانه الذاتیّ و الوقوعیّ،و إن کان الدعوة بعد تحقّق النقیض ممتنعة،إلاّ أنّه امتناع بالغیر؛و الإمکان الذاتیّ و الوقوعیّ لا ینافی الامتناع الغیریّ،و إلاّ لم یمکن ممکن أبدا،إذ الماهیّة تکون حال وجودها واجبة بالغیر و حال عدمها بعدم العلّة ممتنعة بالغیر:فمتی تکون ممکنة ذاتا و وقوعا (1).

لا یقال:إنّ العصیان أمر عدمیّ و لیس فیه مناط التأخّر الرتبیّ عن الأمر بالأهمّ لاختصاص المناطات بالامور الوجودیّة،إذ العلیّة و المعلولیّة أو کون الشیء جزءا للعلّة أو جزءا للماهیّة أو شرطا لفاعلیّة الفاعل أو شرطا لقابلیّة القابل کلّها مختصّة بالامور الوجودیّة،و لو کان الوجود وجودا ذهنیّا.و العصیان لیس إلاّ ترک الامتثال بلا عذر،فلا یحتاج إلی شیء من المناطات المذکورة؛و علیه فتأخّره عن الأمر بالأهمّ لا مناط له.هذا بخلاف الإطاعة فإنّه انبعاث و أمر وجودیّ یحتاج إلی علّة،و هی البعث،و من المعلوم أنّ المعلول متأخّر عن علّته و هی الأمر بالأهمّ، و العصیان و إن کان مقابلا للإطاعة إلاّ أنّه لیس فیه مناط التأخّر.

و هکذا لا یمکن أن یتّصف العصیان بإحدی الحیثیّات الوجودیّة کالتقدّم بالنسبة إلی الأمر بالمهمّ و التأخّر بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ،و کونه موضوعا لحکم أو شرطا لشیء أو مانعا عنه و غیر ذلک کلّها من جهة أنّ العصیان لیس إلاّ أمرا عدمیّا لأنّه ترک المأمور به بلا عذر (2).

لأنّا نقول:أوّلا إنّ مفهوم العصیان متقدّم بتقدّم أمر علیه،لأنّ العصیان هو ترک

ص:50


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 46-48.
2- 2) راجع مناهج الوصول:ج 2 ص 46-49.

الامتثال للأمر الفعلیّ بلا عذر،فهو لا یتحقّق بدون الأمر،بل مترتّب علیه.و علیه فتقدّم الأمر علیه کتقدّم أجزاء الماهیّة علیها،و إن لم یکن بین العصیان و الأمر رتبة العلّیّة و المعلولیّة.

و ثانیا:إنّ العصیان لیس عدما محضا،بل هو مشوب بالوجود،لأنّه مخالفة للمولی و إعراض عن أمره،و هما أمران وجودیّان،و إن کانا موجبین لترک الامتثال بلا عذر.و علیه فیکون العصیان کالإطاعة متأخّرا زمانا عن الأمر بالأهمّ و متقدّما علی الأمر بالمهمّ،فلا امتناع فی جعل العصیان شرطا أو موضوعا،بل هو واقع فی الکتاب و السنّة کقوله تبارک و تعالی: فَلْیَحْذَر الَّذینَ یُخالفُونَ عَنْ أَمْره .الآیة.

و ثالثا:إنّ الموضوعات و الشرائط فی الخطابات الشرعیّة لیست عقلیّة،بل هی عرفیّة،و العرف یحکم بصحّة جعل العصیان شرطا للخطاب بالمهمّ؛أ لا تری أنّ الوالد یقول لابنه تعلّم،فإن عصیت أمری و لم تتعلّم فعلیک بالاکتساب،و لیس ذلک إلاّ لأنّ العرف یری العصیان أمرا وجودیّا و متأخّرا عن الأمر بالأهمّ و متقدّما علی الأمر بالمهمّ.

فتحصّل أنّ ترتّب الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ أمر معقول و عرفیّ،و إن لم یکن بینهما رابطة العلّیّة و المعلولیّة،لکفایة تأخّره عنه و لو بالمتأخّر الطبعی.کما أنّ شوب العصیان بالوجود یکفی فی صحّة جعله موضوعا لا شرطا للخطاب بالمهمّ،فلا تغفل.

فأساس الترتّب مبنیّ علی ترتّب أثر الأمر بالمهمّ علی حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ و عدم تأثیره،لأنّ حالة العصیان تلازم مع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ الذی هو المانع من تأثیر الأمر بالمهمّ؛فإذا حصلت حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ ارتفعت مانعیّة الأمر بالأهمّ عن تأثیر الأمر بالمهمّ،و مع ارتفاع المانعیّة أثّر الخطاب المهمّ،فتأثیر خطاب المهمّ موقوف علی عدم تأثیر خطاب الأهمّ.

ص:51

و أمّا ما أورد علیه فی مناهج الوصول من أنّ لازمه هو طلب الجمع،لأنّ الأمر الانتزاعی متحقّق قبل وقت امتثال الأهمّ و قبل عصیانه،فأمر المهمّ صار فعلیّا باعثا نحو المأمور به و أمر الأهمّ لم یسقط و بقی علی باعثیّته قبل تحقّق العصیان،فهذا باعث نحو إنقاذ الابن مثلا أوّل الزوال بعنوان المکلّف،و ذاک إلی إنقاذ الأب کذلک،بعنوان الذی یکون عاصیا فیما بعد،و المکلّف الذی یکون عاصیا فیما بعد مبعوث فعلا نحو ذاک و ذلک،و غیر قادر علی ذلک،و مجرّد اختلاف العنوانین و طولیّة موضوع الأمرین لا یدفع طلب الجمع.

أ لا تری أنّ عنوان المطیع أیضا مؤخّر عن الأمر؛فلو جعل شرطا یکون مقدّما علی أمر المهمّ،فیصر أمر الأهمّ مقدّما علیه برتبتین،و مع ذلک لا یدفع ذلک جمع الضدّین (1).

ففیه أوّلا:أنّ الإطلاق لیس جمعا بین القیود،بل هو رفض القیود،بمعنی عدم دخل فعل الآخر و ترکه فی فعلیّة الطلب.و علیه فلا یلزم من الطلب طلب الجمع بین الفعلین.

نعم،لازم تعلّق الطلبین فی المترتّبین طلب ما لهما المعیّة الزمانیّة فی المطلوبیّة، و لا إشکال فیه بعد فرض کون مطلوبیّة المهمّ فیما إذا لم یعمل القدرة فی فعل الأهمّ،إذ القدرة الواحدة لا تفی بهما،و أمّا مع الترتّب فالقدرة الواحدة تفی بهما،إذ مع إعمال القدرة فی فعل الأهمّ لا تأثیر للأمر بالمهمّ،و مع عدم إعمالها فی الأهمّ لا مانع من إعمالها فی فعل المهمّ،و علیه،فالترتّب موجب للجمع بین الطلبین لا طلب الجمع، و جمع الطلبین مع ترتّب تأثیر المهمّ علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ لا مانع منه.

و ثانیا:أنّ المناط فی دفع التضادّ هو اختلاف الرتبة مع عدم فعلیّة تأثیر الأهمّ،

ص:52


1- 1) منهاج الوصول:ج 2 ص 52.

لا مجرّد اختلاف الرتبة،حتّی یقال إنّ عنوان الإطاعة بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ مؤخّر و بالنسبة إلی الأمر بالمهمّ مقدّم،و مقتضاه هو إمکان أن یقال:أطع الأهمّ،و إن أطعته فأت بالمهمّ؛مع أنّه طلب للجمع بین الضدّین،و اختلاف الرتبة لا یدفعه.و بناء علیه، فمع فعلیّة تأثیر الأهم فی جانب الأهمّ لا یبقی مجال للأمر بالمهمّ مع وجود التضادّ بینهما،إلاّ علی نحو التخییر،و هو خلف فی أهمّیّة أحد الطرفین بالنسبة إلی الآخر،فمع انقیاد المخاطب و مؤثریّة الأمر بالأهمّ لا مجال للمترتّب.

هذا مضافا إلی أنّه مع الإطاعة لا یبقی أمر للأهمّ حتّی یجتمع مع الأمر بالمهمّ و یلزم منه طلب الجمع بین الضدّین،اللّهمّ إلاّ أن یکون مقصوده العنوان الانتزاعیّ کالذی یطیع أو غیره من العناوین الانتزاعیّة التی تصدق قبل الامتثال علی أنّ الأمر بالمهمّ لجبران فقدان مصلحة الأهمّ؛فإذا کان المکلّف قاصدا للاطاعة و الامتثال فلا داعی للطلب الترتّبی فی هذه الصورة،بخلاف عصیان الأهمّ،فلا تغفل.

و کیف کان،فالأمر الترتّبی بما هو هو لا یوجب الجمع بین المتضادّین،و یشهد له-مضافا إلی ما عرفت-أنّ المکلّف لو جمع بین الأهمّ و المهمّ-فیما إذا أمکن ذلک، مثل ما إذا قال المولی لعبده:جئنی بماء عذب و إن عصیت ذلک فجئنی بماء مالح لم یقعا علی صفة المطلوبیّة.و هذا آیة عدم الأمر بالجمع و عدم ملازمة الترتّب،لا بحساب الجمع،لأنّ المهمّ لا یقع علی صفة المطلوبیّة بعد عدم تحقّق شرطه،و هو عدم مؤثّریّة الأمر بالأهمّ.و بالجملة؛فمع وجود تأثیر الأهمّ لا یصدق عصیان الأهمّ و ترکه حتّی یتحقّق شرط المهمّ،من دون فرق بین أن یکون الأهمّ و المهمّ متضادّین و بین أن لا یکونا کذلک.

لا یقال:إنّ الذی یعصی و لا یأتی بالأهمّ یمتنع علیه الجمع بین الإتیان بالأهمّ و الإتیان بالمهمّ،و إلاّ کان هو الذی یطیع،و الجمع بین الذی یعصی و لا یأتی و بین الذی یطیع و یأتی جمع بین النقیضین.

ص:53

و لو فرض جواز الجمع و أتی بالأهمّ کالإزالة و الصلاة فی أوّل الوقت،وقع کلّ منهما علی صفة المطلوبیّة،لأنّ عنوان الذی یعصی ما دام لم یتحقّق العصیان لا یوجب سقوط الأمر بالاتیان بالأهمّ،و المفروض أنّ شرط المهمّ حاصل بإطلاق عنوان الانتزاعیّ،کالذی یعصی،فیکون المهمّ مطلوبا (1).

لأنّا نقول:إنّ الأمر الترتّبی لا یدلّ علی مطلوبیّة الجمع،و مطلوبیّة مثل الإزالة و الصلاة فی المتضیّقین علی فرض اجتماعهما لیست مستفادة من الأمر الترتّبیّ،بل مستفادة من الخارج.

و بالجملة،یکفی لعدم ملازمة الأمر الترتّبیّ لمطلوبیّة الطرفین و جمعهما ما عرفت من المثال العرفیّ،و لعلّ ذلک من جهة توقّف مطلوبیّة المهمّ علی عدم مؤثّریّة الأمر بالأهمّ،و معه یستحیل أن یکون الأمران المترتّبان مؤدّیین إلی طلب الجمع؛فالترتّب یفید الجمع فی الطلب،لا طلب الجمع،فلا تغفل.

و إلی ما ذکرنا یؤوّل ما حکی عن المحقّق السیّد الشهید الصدر قدّس سرّه حیث أورد بیانین فی مقام تقریب إمکان الترتّب بیانین،فقال فی البیان الأوّل:إنّه یتکوّن من نقطتین:

الاولی:أنّه لا ریب و لا إشکال فی أنّ المحذور الموجود فی الأمر بالضدّین إنّما هو بلحاظ التمانع بینهما فی مقام التأثیر و الامتثال،بحیث لو قطع النظر عن ذلک لم یکن هناک محذور آخر من تناقض أو اجتماع ضدّین،لعدم التضادّ ذاتا بین الأمرین،کما هو واضح.

الثانیة:أنّ التمانع بین الأمرین فی مقام التأثیر یرتفع من البین فیما إذا رتّب الأمر المهمّ علی عدم فعل الأهمّ؛لاستحالة مانعیّة الأمر بالمهمّ حینئذ عن تأثیر الأمر

ص:54


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 53.

بالأهمّ،و استحالة مانعیّة الأمر بالأهمّ عن تأثیر الأمر بالمهمّ.

أمّا استحالة الأولی فوجهها لزوم الدور؛لأنّ الأمر بالمهمّ متفرّع-بحسب الفرض-علی عدم الأهمّ،و معه یستحیل أن یکون مانعا عن اقتضاء الأمر بالأهمّ و تأثیره،لأنّ معنی ذلک أن یکون عدم الأهمّ مستندا إلی الأمر بالمهمّ،و هو محال.

و هذا هو معنی أنّ اقتضاء الأمر بالمهمّ فی طول عدم اقتضاء الأمر بالأهمّ،فلا تنافی بین المقتضیین،بالکسر.

و أمّا استحالة الثانیة،فلأنّ الأمر بالأهمّ إذا کان مانعا عن تأثیر الأمر بالمهمّ -فی فرض عدم وجود الأمر بالمهمّ-فهو غیر معقول،إذ المانع عن تأثیر مقتضی ما لا بدّ أن یفرض فی ظرف وجود ذلک المقتضی،و إن کان مانعا عن تأثیره فی فرض وجوده؛ففرض وجوده هو فرض وجود موضوعه الذی هو عدم الأهمّ،و هو ظرف محرومیّة الأمر بالأهمّ عن التأثیر فی نفسه،لأنّ الأمر بالمهمّ-بحسب الفرض-مترتّب علی فرض عدم الأهمّ الذی یعنی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ فی إیجاد متعلّقه فی نفسه.

و علیه،فمانعیّة الأمر بالأهمّ عن تأثیر الأمر بالمهمّ فی هذا الظرف مستحیلة أیضا لأنّه خلف (1).

التنبیهات

التنبیه الأوّل:أنّه بعد الفراغ عن إمکان مقام الثبوت،فلیعلم أنّ مجرّد إحراز أهمّیّة أحد الطرفین یکفی فی حکم العقل بترتّب تأثیر أحدهما علی حالة عصیان الآخر،و عدم تأثیره و تقیید إطلاق تأثیر الأمر بالمهمّ بما یخرجه عن المزاحمة لتأثیر الأمر بالأهمّ؛فلا یتوقّف الحکم بترتّب تأثیر الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر

ص:55


1- 1) بحوث فی علم الاصول:ج 2 ص 359.

بالأهمّ علی ورود خطاب یتکفّل بترتّب تأثیر الأمر بالمهمّ علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ،إذ الکشف العقلیّ عن ذلک یستلزم الحکم الشرعی،لأنّ العقل هو المدرک و المنکشف هو الحکم الشرعی.

فکما أنّه من الممکن أن یقیّد الشارع من ابتداء الأمر خطابه بالنسبة إلی المهمّ بصورة عدم مزاحمة الأهمّ،فکذلک یمکن اکتشافه بحکم العقل بعد کون الخطابین مطلقین و متزاحمین مع أهمیّة بعض الأطراف بالنسبة إلی الطرف الآخر؛ثمّ إنّ الکشف العقلی لیس بمعنی التصرّف فی إرادة المولی أو جعله حتّی یقال إنّ تصرّف العقل فی إرادة المولی أو جعله ممّا لا معنی معقول له،و التقیّد و التصرّف لا یمکن إلاّ للجاعل لا لغیره (1)،بل هو کشف عن تقیید الشارع و جعله،و إنّ إرادته فی مثل ما إذا تزاحم المطلقان و کان أحدهما أهمّ تعلّقت بالمهمّ مترتّبا علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ.

لا یقال إنّ التزاحمات الواقعة بین الأدلّة تکون متأخّرة عن تعلّق الأحکام بموضوعاتها و عن ابتلاء المکلّف بالواقعة،فلم تکن ملحوظة فی الأدلّة لأنّا نقول إنّ ذلک صحیح بالنسبة إلی الأدلّة الأوّلیّة،و أمّا مع حکم العقل بذلک فیستفاد ذلک بالدلیل الآخر،و هو متأخّر عن الأحکام الأوّلیّة،فإرادة کیفیّة علاج المتزاحمات إرادة مستقلّة اخری بعد تحقّق الأدلّة الأوّلیّة و تزاحمهما.

و أمّا القول بأنّ الأوامر تعلّقت بنفس الماهیّات من دون حکایتها عن الوجود، و إن کانت متّحدة مع الأفراد فی الخارج،لمباینتها مع الأفراد و الخصوصیّات،و مقتضی ذلک هو أنّ الجعل فی القضایا الحقیقیّة لیس إلاّ جعلا واحدا بعنوان واحد لا جعلات کثیرة بعدد أنفاس المکلّفین،لکن ذاک الجعل الواحد یکون حجّة بحکم العقل و العقلاء لکلّ من کان مصداقا للعنوان.

ص:56


1- 1) کما فی مناهج الوصول:ج 2 ص 28.

ففیه ما لا یخفی،فإنّ الماهیّة من حیث هی لا تکون مطلوبة،إذ لا غرض فی طلبها،بل المطلوب هو الماهیّة المفروضة الوجود،و الماهیّة تحکی عن وجودات أشخاصها بما هی منشأ لانتزاع الماهیّة عنها،لا بما هی متّحدة مع الخصوصیّات و العوارض.و علیه،فلا مانع من حکایتها و کون الجعل جعلات کثیرة.هذا مضافا إلی أنّه لو سلّمنا بعدم الحکایة،فحکم العقل بکونه حجّة علی کلّ من کان مصداقا للعنوان کاف فی کون الحکم فی کلّ مورد شرعیّا،لأنّ المدرک هو العقل و المدرک -بالفتح-شرعیّ للملازمة بین حکم العقل و الشرع،و یشهد لکونه حکما شرعیّا جواز جریان الاستصحاب فی حکم الأفراد.و علیه،فما فی مناهج الاصول محلّ نظر و إشکال،فلا وجه لإنکار الترتّب بدعوی خروج الموارد المتزاحمة عن مورد الحکم الشرعیّ،إذ هو واحد و لا مزاحمة بین الأحکام المتعلّقة بالماهیّات الکلّیّة (1).

ثمّ إنّ الأمر الترتّبی واقع فی الخطابات العرفیّة و فی جملة من المسائل الفقهیّة، و هما أدلّ دلیل علی الإمکان الوقوعیّ،إذ الشیء ما لم یکن ممکنا وقوعا لا یقع، و حیث وقع علم أنّه ممکن وقوعا،لأنّا نقول إنّ الإمکان الذاتیّ ینکشف من الخطابات العرفیّة و المسائل الفقهیّة حتّی یشکّل ذلک بأنّ من استحال الترتّب ذکر لا محالة حیلة لهذه الموارد.و مجرّد تلک الأمثلة مع استحالة الترتّب لا یکفی فی رفع الاستحالة،بل اللازم هو توجّهها بنحو لا ینافی برهان الاستحالة،إذ المراد من التمسّک بهما هو الإمکان الوقوعیّ بعد الفراغ عن مرحلة الإمکان الذاتی فلا تغفل.و ممّا ذکر یظهر ما فی بحوث علم الاصول:ج 2 ص 337 فراجع.

التنبیه الثانی:أنّ صاحب الکفایة أورد علی القائل بالترتّب بأنّ الأمر بکلّ من الضدّین بناء علی الترتّب أمر مولویّ فعلیّ،و من شأن هذا الأمر هو استحقاق

ص:57


1- 1) راجع مناهج الاصول:23-30،و فرائد الاصول:ج 2 ص 151.

العقاب علی عصیانه عقلا،کما من شأنه الثواب علی امتثاله؛فالتفکیک بین الملزوم و لازمه أو بین لازمین بیّنین لملزوم واحد لا یصدر من أحطّ أهل العلم درجة،فکیف بهؤلاء الأعلام القائلین به!

و لو کان علی یقین ممّا نقله عن سیّده الاستاذ لکان هو الثقة الصدوق الذی لا یرتاب أحد فی صحّة نقله،و أمّا إذا کان علی شکّ منه-و نحن قاطعون ببراءة عالم مثله عن مثله-بل لا بدّ للقائل بالترتّب من الالتزام بعقوبات متعدّدة إذا ترتّبت أوامر کذلک،و ما ذکر من قبح العقاب علی ما لا یقدر.انتهی.

أورد علیه سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه بأنّا لا نستوحش من أن یکون مخالفة الأمرین المترتّبین موجبة لشدّة العقاب أو طول مدّته،إذ فرق واضح بین من أتی بالمهمّ و لم یأت بالأهمّ و بین من لم یأت بشیء منهما،لأنّ الثانی فوّت الغرضین من المولی،بخلاف الأوّل فإنّه لم یفوّت إلاّ أحد الغرضین؛و تعدّد العقاب بهذا المعنی أمر متصوّر یقتضیه الفرق المذکور.و أمّا بمعنی الآخر فلیس له وجه،إذ العذاب الاخرویّ لا یقاس بضرب الأسواط فی عالمنا حتّی یقال إنّ من عصی الأمرین یضرب علیه سوطین،بل یعذّب هناک بعذاب شدید أو أطول،انتهی.

قال فی الوقایة:إنّ القدرة حاصلة علی کلّ من الضدّین و إلاّ لامتنع أصل التکلیف.و قد فرغنا عن إثبات إمکانه و کلام صاحب الکفایة علی فرض تسلیم الإمکان،أمّا القدرة علی الأهمّ فحاصلة بالفرض،و أمّا علی المهمّ فهی أیضا حاصلة علی تقدیر ترک الأهمّ،و هی کافیة لتصحیح العقوبة،کما کانت کافیة لأصل التکلیف.

و لا دلیل علی لزوم القدرة أزید من ذلک-إلی أن قال-:و السرّ فیه أنّ المناط فی صحّة التکلیف و العقاب علی العصیان لیس القدرة علی المجموع،بل علی الجمیع؛و هی

ص:58

حاصلة علی کلّ واحد من الأفعال علی تقدیر ترک الغیر (1).

و مثله ما فی المناهج،حیث قال فی استحقاق العقاب المتعدّد فی التکلیفین الفعلیّین المتساویین فی الجهة و المصلحة و المختلفین فی الأهمّیّة،و مع عدم اشتغاله بأحدهما،لا یکون معذورا فی ترک واحد منهما،فإنّه قادر علی إتیان کلّ واحد منهما، فترکه یکون بلا عذر،فإنّ العذر عدم القدرة،و الفرض أنّه قادر علی کلّ منهما،و إنّما یصیر عاجزا عن عذر إذا اشتغل بإتیان أحدهما و معه معذور فی ترک الآخر،و أمّا مع عدم اشتغاله به فلا یکون معذورا فی ترک شیء منهما؛و الجمع لا یکون مکلّفا به حتّی یقال إنّه غیر قادر علیه،و هذا واضح بعد التأمّل و أمّا إذا کان أحدهما أهمّ؛فإن اشتغل بإتیان الأهمّ فهو معذور فی ترک المهمّ لعدم القدرة علیه مع اشتغاله بضدّه بحکم العقل،و إن اشتغل بالمهمّ فقد أتی بالمأمور به الفعلیّ،لکن لا یکون معذورا فی ترک الأهمّ،فیثاب بإتیان المهمّ و یعاقب بترک الأهمّ،الخ (2).ظاهره تعدّد العقاب لو لم یأت بالأهمّ و المهمّ أصلا.

یمکن أن یقال إنّ التخییر العقلیّ لا یزید علی التخییر الشرعیّ؛فکما أنّ ترک کلّ واحد فی التخییر الشرعیّ لا یوجب تعدّد العقاب،کذلک فی التخییر العقلیّ،و هکذا عند ترجیح طرف بالنسبة إلی آخر.و توقّف فعلیّة الآخر علی عدم تأثیر الراجح لا یوجب ترکهما تعدّد العقاب،لأنّ التعدّد لا یوافق مع توقّف أحدهما علی عدم تأثیر الراجح.نعم،من لم یأت بشیء من الأمرین.یعاقب بأشدّ ممّن لم یأت بالأهمّ و أتی بالمهم،لأنّه تدارک ما فات بقدر ما أتی بخلاف من لم یأت بشیء من الأمرین و یبعد تعدّد العقاب أنّه لو ترک شخص جمیع الواجبات الکفائیّة التی لا تقدّر علی جمیعها،بل

ص:59


1- 1) الوقایة:ص 313-315.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 29-30.

أکثرها،بل الزائد من واحد منها،لزم أن یقال إنّه عوقب بتعداد الواجبات الکفائیّة؛ لأنّه لو اشتغل بواحد منها کان معذورا من البقیّة،و حیث لم یشتغل کان قادرا بالنسبة إلی کلّ واحد منها،فیعاقب علی ترکها.و من المعلوم أنّ الالتزام بذلک خلاف ما علیه ارتکاز العقلاء فی العقوبات لعدم القدرة علی جمیعها و إن قدر علیها بنحو العموم البدلی.

حکی عن المحقّق النائینی قدّس سرّه أنّه قال:إنّ العقاب الثانی لیس علی عدم الجمع بین الضدّین حتّی یقال إنّه غیر مقدور،بل العقاب علی الجمع بین المعصیتین،و قد کان مقدورا للمکلّف أن لا یجمع بین المعصیتین فیما لو جاء بالأهمّ (1).

و حسّنه و محّصه الشهید الصدر قدّس سرّه حیث قال:إنّ المیزان فی صحّة العقاب أن یکون التخلّص من المخالفة مقدورا للمکلّف،و أمّا أن یکون الفعل و الامتثال مقدورا فهو شرط فی معقولیّة التکلیف و عدم لغویته.

و من الواضح أنّه فی المقام یکون التخلّص من مخالفة التکلیفین بالأهمّ و المهمّ بنحو الترتّب مقدورا للمکلّف و إن لم یکن امتثالهما معا مقدورا له،فیکون تعدّد العقاب فی محلّه.

نعم،یشترط فی تحقّق المعصیة عندنا أن یکون مخالفا للتکلیف المولویّ بنحو یؤدّی إلی تفویت الملاک علیه،لا مجرّد مخالفة الخطاب المولویّ.و علیه،فلو کان الخطابان الترتبیّان فعلیّین من حیث الملاک،أی لم یکن الاشتغال بأحدهما رافعا للآخر ملاکا فلا یستحقّ المکلّف أکثر من عقاب واحد،لأنّه لم یفوّت باختیاره إلاّ ملاکا واحدا،و أمّا الملاک الآخر فقد کان فائتا علیه لا محالة.فلا بدّ من التفصیل بین الحالتین.

ص:60


1- 1) بحوث فی علم الاصول:ج 2 ص 362.

و الفرق بین الذی قلناه و بین تعبیرات المحقّق النائینی قدّس سرّه یظهر فیما إذا فرض الأمر بالضدّین مطلقا؛کما إذا صدر من المولی أمر بهما بنحو القضیّة الخارجیّة اشتباها و غفلة عن التضادّ بینهما،فإنّه بناء علی تعبیرات المحقّق النائینی قدّس سرّه ینبغی أن یقال باستحقاق المکلّف لعقابین لو عصی و لم یأت بشیء منهما،لأنّ کلاّ منهما فی نفسه کان مقدورا،أو قل لأنّ کلاّ منهما معصیة مقدورة فی نفسها،و الجمع بینها و بین المعصیة الأخری مقدور أیضا،مع حکم الوجدان بعدم استحقاقه،ذلک ممّا یبرهن علی ما قلناه من أنّ المیزان فی صحّة العقاب إمکان التخلّص من المعصیة،و المکلّف فی المثال لا یمکنه التخلّص إلاّ عن إحدی المعصیتین لا کلتیهما،فلا یستحقّ إلاّ عقابا واحدا لا عقابین (1).

و لا یخفی علیک أنّ مورد الاستدلال خارج عن محلّ الکلام الذی هو تزاحم بین الواجبین اللذین لکلّ واحد منهما ملاک،بحیث یکون مخالفة التکلیف المولویّ مؤدیة إلی تفویت الملاک علیه.و خطاب المولی الغافل بنحو القضیّة الخارجیّة لا یقاس بالمقام الذی کان المولی ملتفتا و کان خطابه بنحو القضیّة الحقیقیّة؛و کیف کان،فما حکی عن المحقّق النائینی من أنّ العقاب علی الجمع بین المعصیتین،و قد کان مقدورا للمکلّف أن لا یجمع بین المعصیتین فیما لو جاء بالأهمّ،لا یصلح لتعدّد العقاب مع ما عرفت من عدم القدرة علی امتثالهما.نعم،یصحّ أن یکون القدرة علی عدم الجمع بین المعصیتین موجبة لشدّة العقاب.

التنبیه الثالث:أنّه إذا کان أحد التکلیفین مشروطا بالقدرة العقلیّة و الآخر بالقدرة الشرعیّة،فلا یأتی فیه الترتّب،لارتفاع موضوع الثانی بالواجب الآخر الأهمّ، لعدم القدرة علیه بواسطة المزاحمة مع الأهمّ الذی یکون مشروطا بالقدرة العقلیّة.

ص:61


1- 1) بحوث فی علم الاصول:ج 2 ص 362.

فإنّ الممتنع شرعا کالممتنع عقلا؛فإذا أوجب الشارع صرف شیء فی الأهمّ یکون صرفه فی غیره ممنوعا شرعیّا،و هو کالممتنع العقلیّ،فلا یبقی موضوع للمشروط بالقدرة الشرعیّة،أی العرفیّة.

و قد مثّلوا لذلک بما إذا کان عنده مقدار من الماء یکفی إمّا للوضوء و إمّا لرفع العطش عمّن هو مشرف علی الهلاک بسبب العطش؛فبناء علی أنّ الوضوء مشروط بالقدرة الشرعیة،أی التمکّن من الماء المستفاد هذا الاشتراط من اشتراط التیمّم بعدم وجدان الماء و عدم التمکّن منه بقرینة المقابلة،و أنّ التفصیل قاطع للشرکة،فلا یجوز فیه الترتّب،و أن یکون الأمر بالوضوء مقیّدا بعصیان أمر الراجح،أی الأمر بإعطاء الماء للعطشان المشرف علی الهلاک،لأنّه مشروط بالقدرة العقلیّة و الوضوء مشروط بالقدرة الشرعیّة علی الفرض.

و کیف کان،فقد اورد علی ذلک بأنّ الأمر بأحدهما المطلق لا یکون مانعا عن القدرة علی الآخر المقیّد بها بوجوده،بل إنّما یکون مانعا إذا وصل إلی مرحلة الداعویّة و التأثیر،و هی منتفیة فی حال العصیان،فیکون الموضوع حال العصیان موجودا فیشمله الإطلاق بناء علی الترتّب فلا مانع من الالتزام بالترتّب هاهنا أیضا.

اجیب عن ذلک بأنّ وجود الأمر بنفسه یکون رافعا للقدرة العرفیّة،فیکون الأمر المطلق رافعا لموضوع الأمر المقیّد بالقدرة،فتکون نسبته إلیه نسبة الوارد إلی المورود،فلا یقال عرفا لمن هو منهیّ عن العمل إنّه قادر علیه و إن کان عاصیا له، بحیث لو أقدم یقال إنّه أقدم مع عدم تمکّنه للنهی،و مع عدم القدرة العرفیة لا موضوع للخطاب،فلا أمر و لا ملاک.

و یشهد لذلک أنّه لو جاء بالتیمّم قبل أن یصرف الماء فی حفظ النفس المحترمة کان مشروعا و لا یلتزم أحد ببطلانه،و هذا یعنی صدق عنوان غیر الواجد للماء علی المکلّف؛فلو ارید تصحیح الوضوء و الحال هذه بالترتّب لزم أن یفرض تحقّق عنوان

ص:62

الواجد کی یکون موضوعا للوجوب،و من الواضح أنّ صدق عنوان الواجد و غیر الواجد فی زمان واحد غیر معقول،انتهی.

هذا بخلاف موارد الترتّب،فإنّ الأمر فی ناحیة المهمّ موجود و إنّما یرفع الید عن إطلاقه للمزاحمة،و هی فیما إذا کان الأمر فی ناحیة الأهمّ مؤثّرا فلا یرتفع إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ،بل هو منوط بتأثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ،فلا تغفل.

التنبیه الرابع:أنّه ربّما یقال إنّ الترتّب إنّما یجری فیما إذا کان الضدّان ممّا لهما الثالث کالصلاة و الإزالة و کإنقاذ الغریقین،و أمّا إذا کان الضدّان ممّا لا ثالث لهما کالحرکة و السکون،فلا یتأتّی بینهما الترتّب،إذ ترک أحدهما أو عصیانه لا یتحقّق بدون فعل الآخر،و معه لا معنی لتعلّق الأمر بالآخر بشرط ترک ضدّه أو عصیانه،فإنّ الآخر حاصل،فیکون طلبه من قبیل طلب الحاصل.

و هذا لا شبهة فیه فی نفسه،و لکنّ الکلام فی صغری هذه الکبری،و قد حکی عن کاشف الغطاء رحمه اللّه تعالی أنّ مسألة الإخفات فی موضع الجهر و بالعکس من موارد الترتّب.و أشکل علیه المحقّق النائینی قدّس سرّه بأنّ تلک المسألة لیست من مصادیق الترتّب،لأنّ الجهر و الإخفات من الضدّین اللذین لا ثالث لهما،إذ القارئ لا یخلو عن أحدهما.و قد ثبت أنّ الترتّب لا یجری فی الواجبین اللذین لا ثالث لهما لامتناعه.

اورد علیه فی المحاضرات بأنّ متعلّق الأمر لیس هو الجهر أو الإخفات بحیث یفرض فی موضوع الأمرین هو القراءة کی لا یتخلّف القارئ عن أحدهما،بل متعلّق الأمر هو القراءة الجهریة أو القراءة الإخفائیة،و من الواضح أنّهما لیسا من الضدّین الذین لا ثالث لهما،إذا المکلّف قادر علی ترکهما معا بترک أصل القراءة.

اجیب عنه بأنّه خلاف الفرض؛لأنّ وجوب القراءة فی الصلاة معلوم و لیس مشروطا بشرط،و إنّما الکلام فی الجهر بها و الإخفات کذلک،و بعبارة اخری القراءة

ص:63

المفروضة الوجود لقوله علیه السّلام:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب،تعلّق الأمر بالجهر أو الإخفات فیها،و معلوم أنّ عدم أحد الضدّین اللذین لا ثالث لهما فی القراءة ملازم لوجود الآخر أو عینه (1).

و ذهب السیّد الشهید الصدر قدّس سرّه-خلافا لکاشف الغطاء و من جعل مسألة الجهر و الإخفات من باب الترتّب-إلی أنّ الترتّب لا یعقل بین الأمرین الضمنیّین، سواء جعلا عبارة عن الأمر بالجهر و الأمر بالإخفات أو الأمر بالقراءة الجهریّة و القراءة الاخفاتیّة،و إنّما المعقول هو الترتّب بین الأمر بالصلاة الجهریّة و الأمر بالصلاة الإخفاتیّة،و هما-کما سیأتی-لا تضادّ بینهما أصلا،لإمکان إیقاعهما معا فی الخارج؛ فلیس هذا التطبیق من باب الترتّب.ثمّ قال فی تبین عدم معقولیّة الترتّب بین الأمرین الضمنیّین.

و الوجه فی ذلک أنّ افتراض الترتّب بین الأمرین الضمنیّین فی خطاب واحد:

یستلزم أخذ ترک الجزءین کالجهر مثلا شرطا للأمر الضمنیّ بالإخفات.

فإن أخذ شرطا فی موضوع الأمر الضمنیّ خاصّة فهو غیر معقول،لأنّ مقتضی ضمنیّته.أنّ هناک أمرا واحدا بالمجموع،فلا بدّ و أن یکون الشرط مأخوذا فی ذلک الأمر الواحد الاستقلالیّ،و إن أخذ شرطا فی موضوع الأمر الاستقلالیّ بالمرکّب بنحو شرط الوجوب،لزم منه أخذ ترک الجهر مثلا فی الخطاب الواحد الذی من ضمنه الأمر بالجهر و هو مستحیل.

و إن أخذ شرطا فی متعلّق الأمر بالإخفات-بنحو شرط الواجب-لزم فعلیّة کلا الأمرین الضمنیّین أی الأمر بالجهر و بالإخفات المقیّد بعدم الجهر،و هو طلب الجمع بین الضدّین المحال.و أضاف أیضا:إنّ الشرط لو کان هو عدم الجهر الأعمّ من

ص:64


1- 1) منتهی الاصول:ج 1 ص 355.

السالبة بانتفاء المحمول بأن یقرأ و لا یجهر أو السالبة بانتفاء الموضوع بأن لا یقرأ أصلا فالأمر بالقراءة الإخفاتیة یکون معقولا،و أمّا إذا کان الشرط هو عدم الجهر فی القراءة،أی بنحو السالبة بانتفاء المحمول خاصّة فالأمر بالإخفات لا یکون معقولا حینئذ.و قد لاحظ کلّ من المحقّق النائینی و السیّد الاستاذ إحدی هاتین الفرضیّتین دون الاخری فتخالفا فی إمکان الأمر بالقراءة الإخفاتیّة و عدمه (1).

و لقائل أن یقول:إنّ اللوازم المذکورة فی ترتّب الأمرین الضمنیّین ناشئة من فرض کون الخطاب واحدا،و أمّا إذا قلنا بأنّ الترتّب فی مثل الجهر و الإخفات أو القراءة الجهریّة و القراءة الإخفاتیّة یمکن فرضه بالخطاب المتعدّد بأن أمر الشارع بمرکّب یکون من جملته الجهر بالقراءة،ثمّ امر بالإخفات علی حدة عند ترک الجهر بالقراءة أو عصیانه،فلا یلزم من ذلک المحاذیر المذکورة،کما أنّ ظاهر الأخبار الواردة هو تعدّد الخطاب،منها صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام فی رجل جهر فیما لا ینبغی الإجهار فیه و أخفی فیما لا ینبغی الإخفاء فیه.فقال:«أی ذلک فعل متعمّدا فقد نقض صلاته و علیه الإعادة،فإن فعل ذلک ناسیا أو ساهیا أو لا یدری،فلا شیء علیه و قد تمّت صلاته (2)».إذ مثل هذه الروایة الناظرة إلی من أجهر مکان الإخفات أو أخفت مکان الإجهار،یدلّ علی خطاب آخر غیر الخطاب الأوّل،فلا مانع من أن یجعل بنحو الترتّب بالنسبة إلی الأوامر الضمنیّة من دون لزوم المحاذیر المذکورة،و لا وجه لفرض الترتّب بین الصلاة الجهریّة و الصلاة الإخفاتیّة مع أنّ وجوب أصل الصلاة و وجوب أصل القراءة معلومان و لیسا مشروطین بشرط و لا کلام فیهما،و إنّما الکلام فی الجهر و الإخفات فیها.هذا مضافا إلی أنّ تخصیص الترتّب بموارد التضادّ لا وجه له کما مرّ

ص:65


1- 1) بحوث فی علم الاصول:ج 2 ص 368.
2- 2) الوسائل:ج 4 ص 766،الباب 26 من أبواب القراءة فی الصلاة.

مرارا.

و التحقیق هو أن یقال:إنّ موضوع الأمر الترتّبی لیس هو العصیان الخارجیّ أو الترک الخارجیّ حتّی یلزم منهما وجود الضدّ الآخر،و لا مجال لطلبه لکونه تحصیلا للأمر الحاصل،بل هو العزم علی العصیان و البناء علیه و حالة العصیان؛و من المعلوم أنّه فی صورة العزم و البناء و حالة العصیان لا یتحقّق الضدّ الآخر و معه مجال لطلبه،کما لا یخفی،فلا یرد علی کاشف الغطاء إشکال من جهة جعل مسألة الجهر و الإخفات من باب الترتّب،لأنّ الترتّب یجیء بهذه الملاحظة فی الضدّین اللذین لا ثالث لهما أیضا، بل عرفت سابقا عدم اختصاص الترتّب بالضدّین.و علیه،فالکبری المذکورة مخدوشة،و إن ذهب الأعلام إلی صحّتها،فلا تغفل.

فتحصّل أنّه من الممکن جعل مسألة الجهر و الإخفات من باب الترتّب،سواء فرض ذلک بین الأمرین الضمنیّین أو بین الأمرین المستقلّین فلا تغفل.

و ربّما یشکل جعل مسألة الجهر و الإخفات من باب الترتّب من جهة اخری و هی أنّ الأمر یصیر فعلیّا و منجّزا بإحراز موضوعه.و علیه،فإذا کان موضوعه ممّا لا یقبل الإحراز بأن کان إحرازه مساوقا لانعدامه کالناسی و الساهی فلا یعقل ترتّب الحکم علیه،لأنّه یلزم من وجوده عدمه،فلا یمکن فعلیّة مثل هذا الأمر،و هو لیس قابلا للداعویّة،و بدون الإحراز لا موضوع.

و ما نحن فیه من هذا القبیل،لأنّ موضوع الأمر الترتّبی هو عصیان الأمر الآخر بالإجهار،و العلم بعصیان الأمر بالإجهار مساوق لارتفاع الجهل و معرفة لزوم الجهر علیه،فلا یتحقّق منه العصیان،فیمتنع تعلیق الحکم علی العصیان فی الفرض لاستلزام ذلک عدمه،و بدون العلم بالتکلیف لا عصیان.

و اجیب عنه بأنّ ذلک یلزم لو کان المأخوذ فی الأمر الآخر هو العصیان،أمّا إذا کان المأخوذ هو العزم علی الترک أو البناء علیه،فلا یلزم منه ذلک،لجواز اجتماع العزم

ص:66

و البناء علی الترک مع الجهل بوجوبه،فیکون الحکم فعلیّا.

هذا مضافا إلی إمکان اجتماع الجهل مع العصیان،لأنّ الجاهل المقصّر فی حکم العامد،بمعنی أنّ التکلیف یتنجّز علیه،و لذلک یعاقب علی فعل المحرّمات و ترک الواجبات و لو کان جاهلا،إذا کان جهله عن تقصیر،و إذا کان التکلیف متنجّزا علیه حتّی فی حال جهله.و علیه،فیکون ترک الواجبات عصیانا لأنّه لا نعنی من العصیان إلاّ مخالفة التکلیف المتنجّز،فلا منافاة بین صدق العصیان مع الجهل بالتکلیف؛ فلا یلزم من جعل العصیان موضوعا نفی الآخر لصدق العاصی علیه مع جهله التقصیریّ و لا یعلم بعصیانه-کما هو المفروض-حتّی یرتفع الموضوع للحکم الآخر، بل هو فی عین جهله یکون عاصیا و یشمله الدلیل المعلّق علی العاصی بحسب الواقع.

لا یقال إنّ التکلیف المجهول لا یمکن أن یکون متنجّزا مع کونه مجهولا،لأنّا نقول إنّ مع الجهل التقصیریّ یصدق الوصول النوعی،إذ لا یلزم فی الوصول تحقّق العلم الشخصیّ،بل یصدق مع الإمکان العادیّ للرجوع و العلم به،و هو حاصل.

و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام الشهید الصدر،حیث قال إنّ نکتة الإشکال باقیة علی حالها،لأنّ المکلّف إنّما یمکنه أن یحرز ذوات أجزاء موضوع الأمر الترتّبی دون أن یعلم بموضوعیّته،و وصول الحکم لا بدّ فیه من إحراز الموضوع بما هو موضوع.

و الوجه فی عدم إمکان إحراز المکلّف فی المقام موضوعیّة ترکه للقصر للأمر الترتّبی هو أنّ المکلّف بحسب الفرض معتقد وجوب التمام علیه بخطاب أوّلی،و معه لا یعقل أن یحرز کونه موضوعا لوجوب التمام بخطاب ثانویّ ترتّبی،إذ إحرازه لذلک إن کان بأن یحرز کون اعتقاده بوجوب التمام موضوعا لنفس ذلک الوجوب کان فیه محذور أخذ العلم بالحکم فی موضوع ذلک الحکم الذی هو محذور شبه الدور،و إن کان بأن یحرز کونه موضوعا لوجوب تمام آخر کان من اجتماع المثلین فی نظره.و علیه، فالمکلّف المسافر فی المقام دائما یکون إتیانه بالتمام بتحریک أمر تخیّلی بالتمام یعتقده

ص:67

کخطاب أوّلی علی المکلّفین جمیعا فی الحضر و السفر،و أمّا وجوب التمام.الترتّبی المخصوص بالمسافر الجاهل بوجوب القصر فلا یعقل وصوله إلیه و محرکیّته له نحو التمام انتهی موضع الحاجة (1).

لما عرفت من أنّ الوصول المعتبر فی تنجیز الخطاب هو الوصول النوعیّ،و هو متحقّق مع التقصیر،و معه فالخطاب بالتمام لمن قصّر فی تحصیل العلم بأنّ المسافر یقصر صلاته فعلیّ و محرّک له لأنّه عالم فی عین جهله،فما تخیّله مصادف للواقع و إن جهل بموضوعه،بل لعلّه من باب الخطأ فی التطبیق.

و أمّا ما ذهب إلیه للتفصّی من الإشکال المذکور من أنّ أصل هذا الإشکال إنّما جاء بتصوّر أنّ الأمر بالتمام فی حقّ الجاهل بالقصر بنحو الترتّب أمر آخر غیر الأمر الأوّلی بالتمام،و هذا لا موجب له،بل هو إطلاق فی نفس الجعل الأوّلی الذی یجعل فی حقّ کلّ من لم یأت بالقصر نتیجة عدم علمه بوجوب القصر علیه،سواء کان عدم العلم لعدم الوجوب أو للجهل،و هذا الخطاب یمکن أن یحرزه المکلّف فی کلّ حال (2).

ففیه ما لا یخفی؛فإنّ الخطاب الأوّلی بعد تنویعه إلی المسافر و الحاضر لا یشمل المسافر،و المفروض أنّ الجاهل بالقصر مسافر،و معه فلا إطلاق للجعل الأوّلی فی الواقع بالنسبة إلی الجاهل المقصّر.

نعم،الجاهل یتخیّل إطلاقه و لا إطلاق له،و لکن یشمله الأمر الترتّبی بالتقریب الذی ذکرناه.

هذا مضافا إلی أنّه مع الجهل التقصیریّ و الوصول النوعیّ لا یصدق عدم العلم بوجوب القصر،فلا تغفل.

ص:68


1- 1) نفس المصدر.
2- 2) بحوث فی علم الاصول:ج 2 ص 370.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ الترتّب فی القصر و الإتمام و الجهر و الإخفات یتحقّق بأمر جدید غیر الأمر الأوّلی،لأنّ الأمر الأوّلی یتنوّع بحسب عنوان المسافر و الحاضر أو بحسب الصلوات باختلاف الأوقات؛و الدلیل علی الأمر الجدید هو ما ورد فی الروایات من کفایة الإتمام مکان القصر عند الجهل بوظیفة المسافر أو کفایة الإخفات موضع الإجهار،و بالعکس،عند الجهل.

و الترتّب فی هذه الموارد یختلف مع الترتّب فی سائر الموارد التی ربّما یتزاحم فیها بین الخطابات و یکون طرف منها بالنسبة إلی الآخر أهمّ،و الاختلاف من ناحیة أنّ الأمر بالمهمّ عند عصیان الأمر الأهمّ لیس غیر الأمر الأوّلی،بل هو هو،و إنّما یرفع الید عنه عند التزاحم،فإذا لم یکن مزاحم أو کان و لا تأثیر له فیؤخذ بالأمر الأوّلی و لا یجوز رفع الید عنه من دون مزاحم مؤثّر،کما لا یخفی.

و کیف کان،فالمتحصّل إلی حدّ الآن هو عدم ورود إشکال علی کاشف الغطاء فی جعل مسألة الجهر و الإخفات أو القصر و الإتمام من باب الترتّب.

التنبیه الخامس:ربّما یقال إنّه بناء علی عدم إمکان الشرط المتأخّر لزم التفصیل بین الموارد،فکلّ مورد یلزم من اشتراط عصیان الأهمّ فیه تأثیر أمر متأخّر فی المتقدّم لا یتأتّی فیه الترتّب،کما إذا کان الأهمّ و المهمّ تدریجیّ الوجود،أو کان الأهمّ أمرا باقیا و مستمرّا و کان عصیانه فی الآن الأوّل المتعقّب بعصیاناته فی الآنات المتأخّرة مؤثّرا فی فعلیّة المهمّ.فإنّ العصیان الخارجیّ فی الأزمنة المتأخّرة لو کان مؤثّرا فی فعلیّة المهمّ من الأوّل لزم تأثیر المتأخّر فی المتقدّم.و هو محال،فالترتّب فی هذه الموارد مستحیل.

هذا بخلاف ما إذا کان الشرط فی فعلیّة المهمّ هو عصیان الأهمّ فی الآن المقارن، سواء کان کلّ واحد منهما آنیّا أو کان الأهمّ آنیّا دون المهمّ و لا استمرار للأهمّ،فإنّ الشرط فی کلا الصورتین هو العصیان المقارن،فلا یلزم تأثیر المتأخّر فی المتقدّم.

ص:69

و لکن یمکن الجواب عن ذلک بأنّ العصیان فی باب الترتّب لا تأثیر له فی فعلیّة المهمّ فإنّ المهمّ عند عدم مزاحمة الأهمّ کان فعلیّا بمبادیه المخصوصة به؛فلو کان المکلّف منقادا صار التکلیف فی طرف الأهمّ مزاحما لمبادئ الفعلیّة فی طرف المهمّ، و أمّا إذا لم یکن المکلّف منقادا فلم یکن التکلیف فی طرف الأهمّ مزاحما و صار التکلیف فی طرف المهمّ فعلیّا بمبادئ مخصوصة به کالإطلاقات الأوّلیّة؛فلا تأثیر للمتأخّر فی المتقدّم فی جمیع الصور،حتّی فیما إذا کان الطرفان تدریجیّی الوجود أو کان الأهمّ تدریجیّا و أمرا مستمرّا.

و بالجملة،فالحکم فی طرف المهمّ فعلیّ بمبادئه و هی الإطلاقات مع وصولها إلی المکلّف،و العصیان لا تأثیر له فی الفعلیّة،بل هو فی قوّة عدم المزاحمة عن فعلیّة المهمّ.

و علیه،فباب تأثیر المتأخّر فی المتقدّم مع عدم تأثیر العصیان فی فعلیّة المهمّ لا مجال له فی الترتّب فالتفصیل من هذه الجهة غیر موجّه.

و أمّا الجواب بمقایسة المقام مع التدریجیّات و جعل عنوان التعقّب بالعصیانات المتدرّجة شرطا،کما أنّ القدرة علی الجزء الأوّل المتعقّب بالقدرة علی الأجزاء المتأخّرة شرط حاصل بالفعل فی التدریجیّات،فلا یخلو عن الإشکال؛لأنّ وجود التدریجیّات-مع تسلیم انحصار إمکان صدورها عن الحکیم المتعال بذلک-یکفی فی مقام الإثبات و جعل وصف التعقّب شرطا؛هذا بخلاف المقام فإنّه لا ضرورة فی جعل الشرط هو التعقّب،إذ مع عدم جعل ذلک لا یلزم خلاف حکمة،بل اللازم هو عدم إطلاق الخطابات المتزاحمة لصورة تدریجیّتها،و لا بأس به،و بالجملة قیاس المقام بالتدریجیّات مع الفارق،فلا مجال لإسراء الحکم منها إلی المقام،هذا مع الغمض عن جعل القدرة شرطا فی متعلّق الخطابات.

التنبیه السادس:أنّ الترتّب یجری أیضا فی المتزاحمین الطولیّین بحسب الزمان إذا کان الثانی أهمّ،و واجب المراعاة إمّا من جهة تصویر الواجب المعلّق أو من جهة

ص:70

أهمّیّة ملاک خطابه،و حکم العقل مستقلاّ أو من باب متمّم الجعل بحفظ القدرة للواجب المتأخّر الأهمّ،و ذلک بأن تکون فعلیّة الأمر بالمهمّ فی الحال مشروطة بعدم تأثیر خطاب الأهمّ المتأخّر زمانا،کاشتراط فعلیّة الأمر بالمهمّ فی الحال بعدم تأثیر خطاب الأهمّ المقارن المزاحم حرفا بحرف،و القول بأنّ ذلک مستلزم للالتزام بالشرط المتأخّر الممتنع،لأنّ عصیانه متأخّر عن فعلیّة المهمّ المفروض و هو محال، غیر سدید،بعد ما عرفت من أنّ العصیان لا تأثیر له فی فعلیّة الخطاب المهمّ،لأنّ فعلیّته تکون بمبادئه المخصوصة به،و إنّما بالعصیان یرفع المزاحم عن تأثیر المقتضی فی طرف المهمّ و لا دخل للعصیان فی الفعلیّة.

و هکذا لا وجه لما یقال من أنّ لازم ذلک هو طلب الجمع بین الضدّین،لأنّ الذی یزاحم خطاب المهمّ هو خطاب احفظ قدرتک المتولّد من أهمّیّة ملاک الخطاب الثانی عقلا أو المتمّم له شرعا،و الاشتراط بعصیان الخطاب الثانی الأهمّ لا یرفع هذا الخطاب،أی خطاب احفظ قدرتک،فالتزاحم و طلب الجمع بین الضدّین لا یرتفع بهذا الاشتراط،مع أنّ ارتفاع هذین بالاشتراط هو المصحّح للترتّب و المخرج له من المحالیّة إلی الإمکان (1).

و ذلک لأنّ خطاب:احفظ القدرة للثانی الأهمّ ناش عن ملاک الثانی و لیس هو خطاب مستقلّ فی نفسه.و علیه،فإذا کان ملاک الثانی الموجب للخطاب الثانی غیر مؤثّر فی المخاطب بالنسبة إلی خطاب ذی المقدّمة،کان کذلک بالنسبة إلی خطاب احفظ القدرة للثانی للملازمة بین العصیانین،و عدم التفکیک فیهما إذا کان المفروض عدم استقلال خطاب احفظ القدرة للثانی من جهة الملاک.

فإذا کان خطاب الثانی غیر مؤثّر فی المخاطب کان خطاب احفظ القدرة أیضا

ص:71


1- 1) منتهی الاصول:ص 362.

کذلک،فلا یلزم الجمع بین الضدّین من فعلیّة خطاب المهمّ،فإنّه فعلیّ فی فرض عدم تأثیر خطاب الأهمّ و خطاب احفظ القدرة بتبع عدم تأثیر خطاب الأهمّ.

و لا حاجة فی مجیء الترتّب فی المقام أن یجعل فعلیّة خطاب المهمّ مشروطة بعصیان خطاب احفظ قدرتک الذی هو خطاب عقلیّ أو شرعیّ حتّی یقال إنّ ذلک یلزم المحذور،و هو إمّا طلب الحاصل أو طلب الممتنع أو کلیهما،لأنّ عصیان حفظ القدرة لا یمکن إلاّ بصرفها فی شیء؛و ذلک الشیء إن کان إیجاد المهمّ فیلزم طلب الحاصل،و إن کان إیجاد شیء آخر غیر المهمّ فیلزم طلب الممتنع،لأنّ المفروض أنّ قدرته کانت بذلک المقدار الذی صرفها فی ذلک الشیء؛فیرجع الاشتراط فی الفرض الأوّل إلی طلب الشیء بشرط وجوده،و فی الفرض الثانی إلی طلب الشیء بشرط العجز عن إتیانه؛و إن کان المراد من عصیان حفظ القدرة صرفها فی أیّ شیء کان، سواء کان هو المهمّ المفروض أو فعل وجودیّ آخر،فیلزم کلا المحذورین،لأنّ هذا المطلق و الجامع إمّا ینطبق علی نفس المهمّ فیلزم الأوّل،أی طلب الحاصل،و إمّا ینطبق علی شیء آخر غیر المهمّ فیلزم الثانی أی طلب الممتنع (1).

و ذلک لما عرفت من أنّ الترتّب متصوّر بین فعلیّة خطاب المهمّ و عصیان الأهمّ، و ملازمة عصیان الأهمّ مع عصیان خطاب احفظ القدرة.هذا مضافا إلی أنّ خطاب احفظ القدرة مقارن مع خطاب المهمّ.و علیه،فجعل عصیانه شرطا فی فعلیّة خطاب المهمّ یلزم خروجه عن المقام من المتزاحمین الطولیّین،علی أنّ اللوازم المذکورة من تحصیل الحاصل أو طلب الممتنع و غیرهما ناشئة من جعل الشرط هو العصیان الخارجیّ،و أمّا إذا کان هو حالة العصیان و العزم و البناء علی عدم الإتیان و الاحتفاظ،فلا یلزم الامور المذکورة من اشتراط فعلیّة خطاب المهمّ بعدم تأثیر

ص:72


1- 1) منتهی الاصول:ج 1 ص 362-363.

خطاب احفظ القدرة أی بحالة العصیان و العزم علی عدم الاحتفاظ.

فتحصّل أنّه لا وجه للتفصیل المذکور فی موارد الترتّب،فمع إمکان الترتّب یجیء أیضا فی المتزاحمین الطولیّین إذا کان الثانی أهمّ و واجب المراعاة.

نعم،إذا لم یکن الثانی أهمّ،کما إذا کان خطاب المهمّ أهمّ أو متساویا معه،فلا مورد للترتّب لأنّ الواجب الفعلیّ لیس إلاّ خطاب المهمّ،فلا مزاحم له أصلا،فمع صرف القدرة فیه یصیر قهرا موجبا لعجز المکلّف عن امتثال الثانی،فلا تغفل.

التنبیه السابع:أنّ الترتّب کما یجیء فی ناحیة الأمر کذلک یأتی فی ناحیة النهی،فمثل لا تغصب إذا تزاحم مع الأهمّ کإنقاذ المؤمن فی أرض مغصوبة،فالخطاب الأهمّ و هو إنقاذ المؤمن یوجب خروج النهی عن الفعلیّة،و إذا کان المخاطب عاصیا بحیث لا یؤثّر خطاب الأهمّ فی مثله،کان مخاطبا بترک الغصب،فالنهی عن الغصب فی مورد التزاحم مترتّب علی عصیان خطاب الأهمّ،کما أنّ الأمر بالصلاة فیما إذا کانت مزاحمة بالإزالة مترتّب علی عصیان الأمر بالإزالة.

فکما أنّ العصیان فی ناحیة الأمر لا تأثیر له فی فعلیّة الخطاب فی طرف المهمّ، بل الفعلیّة ناشئة من وصول الإطلاقات الأوّلیّة الدالّة علی الصلاة،کقوله تعالی:

أَقیمُوا الصَّلاةَ و إنّما العصیان حاک عن عدم المزاحم لتلک الإطلاقات و فعلیّتها کذلک فی طرف النهی حرفا بحرف.

فإنّ مع عصیان خطاب الإنقاذ لا مزاحم عن فعلیّة إطلاق دلیل لا تغصب، و لا تأثیر للعصیان فی فعلیّة خطاب لا تغصب،بل هو فعلیّ بوصول الدلیل الدالّ علی حرمة الغصب،فلا مورد لتوهّم تأثیر الشرط المتأخّر فی المقام و لا حاجة إلی تقدیر وصف التعقّب دفعا للتوهّم المذکور،لأنّ النهی متعلّق بالدخول فی أرض الغیر من دون إذن بالأدلّة الأوّلیّة و إنّما زاحمه وجوب الإنقاذ،فإذا کان المکلّف غیر عازم علی الإتیان ارتفع المزاحم،فکان النهی عن الدخول فی أرض الغیر فعلیّا بمبادئه

ص:73

المخصوصة به،و الأدلّة الأوّلیّة.هذا کلّه بناء علی عدم وجوب المقدّمة واضح.

فإنّ بین خطاب لا تغصب و انقذ الغریق تزاحم لا تعارض حتّی یستلزم التکاذب،و لا فرق بینهما و بین خطاب صلّ و أزل النجاسة فی کونهما یوجبان التزاحم أحیانا لا التعارض،و أمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة فیقع التعارض بین لا تغصب و وجوب المقدّمة الموصلة،فإنّ المقدّمة الموصلة عین التصرّف فی دار الغیر من دون استیذان،و لیس هنا من باب اجتماع الأمر و النهی فی العنوانین،لأنّ عنوان المقدّمة الموصلة لا دخل له،بل المدخلیّة لمعنونه و هو التصرّف الخارجیّ،لأنّ الموقوف علیه الإنقاذ هو الوجود الخارجیّ لا العنوان؛و کیف کان،فمن المعلوم أنّ حرمة الغصب نفسا لا تجتمع مع الوجوب المقدّمیّ فی شیء واحد و هو المقدّمة الموصلة،فیقع التکاذب بینهما فلا یبقی الحکمان و یخرج عن مورد الترتّب،فإنّ مورد الترتّب لا مضادّة فیه بحسب مقام الجعل،و إنّما المضادّة فی مقام الامتثال،و لذا یجتمع الحکمان بحسب جعل الشارع،و إنّما سقط عن الفعلیّة عند التزاحم فی مورد المزاحمة فلیس فی المقدّمة الموصلة إلاّ حکم واحد و هو لزوم الإتیان بها للوصلة إلی الإنقاذ،کما أنّ فی غیر الموصلة لیس إلاّ حکم واحد و هو حرمة التصرّف و العدوان فی ملک الغیر.

و هکذا الأمر إذا قلنا بوجوب مطلق المقدّمة،فإنّه یقع التعارض بین حرمة الغصب و الوجوب المقدّمی،فیقع التکاذب بینهما و لا یبقی إلاّ حکم واحد و خرج عن مورد الترتّب؛فمع فرض عصیان الحکم الموجود لا یکون حکم فی المقام حتّی یترتّب علیه،بخلاف مثل الصلاة و الإزالة فإنّه مع عصیان الإزالة و عدم تأثیر أمرها لا مانع من فعلیّة الأمر بالصلاة.نعم،یصحّ ورود النهی الجدید عند عصیان الخطاب المقدّمیّ و عدم تأثیره،و لکنّه مفقود علی المفروض،فلا یقاس بمورد الجهر و الإخفات فی الأمر الترتّبی،فإنّ الإخفات عند الجهل التقصیریّ و العصیان موضوع لخطاب الجهر و بالعکس بدلیل خاصّ،و المفروض فی المقام هو عدم ورود دلیل خاصّ،و مع

ص:74

التعارض بین الحرمة النفسیّة و الوجوب المقدّمیّ و أهمّیّة ذیها،فلا حکم فی طرف الحرمة النفسیّة حتّی یقال عند عدم تأثیر الأهمّ یبقی بلا مزاحم کسائر موارد الترتّب.

و ممّا ذکر یظهر ما فی منتهی الاصول،حیث ذهب إلی جریان الترتّب فی الحرام الذی وقع مقدّمة لواجب یکون فعله أهمّ من ترک ذلک الحرام مع فرض عدم ورود دلیل خاصّ.

التنبیه الثامن:أنّ الترتّب لا یجری إلاّ فی المتزاحمین اللذین بینهما تزاحم اتّفاقیّ،و أمّا إذا کان بینهما تزاحم دائمیّ،فیرجع إلی باب التعارض،إذ جعل الحکمین اللذین لا یمکن امتثالهما دائما بل لا مناص فی جمیع الأوقات إلاّ فی امتثال أحدهما و عصیان الآخر خال عن الحکمة،فلا یصدر عن الحکیم.بل فی مثله إن کان الملاک فی أحدهما أقوی فالجعل علی طبقه،و إن کان الملاک فیهما متساویا فمقتضی ذلک هو الحکم بالتخییر الشرعیّ،ففی الصورتین لا مجال للتزاحم،و مع خروجهما عن التزاحم لا مجال للترتّب،إذ فی الصورة الاولی لا حکم آخر-مع فرض عدم تأثیر الحکم الأقوی-حتّی یترتّب علیه.نعم،یمکن أن یرد بدلیل خاصّ حکم آخر مترتّب علی عصیان الحکم الأهمّ،و لکنّ المفروض عدم وجود دلیل خاصّ.

و فی الصورة الثانیة فلا مجال لفرض العصیان بعد کون الحکم هو التنجیز،إذ لا حاجة فی الأخذ بالحکم الآخر بفرض العصیان،کما لا یخفی.

و ممّا ذکر یظهر ما فی منتهی الاصول من أنّ وجه عدم جریان الترتّب فی المفروض هو لزوم طلب الحاصل،و ذلک من جهة أنّ عصیان کلّ واحد منهما ملازم لامتثال الآخر؛ففی ظرف عصیان أحدهما الأمر بالآخر یکون من قبیل طلب الحاصل (1).

ص:75


1- 1) منتهی الاصول:ج 1 ص 372.

و ذلک لما عرفت من أنّه لا حکم فی الصورة الاولی و لا حاجة فی الصورة الثانیة،هذا مضافا إلی أنّ الشرط لیس هو عصیان خارجیّ حتّی یلزم من الترتّب فیه طلب الحاصل،بل الشرط هو حالة العصیان و البناء و العزم کما مرّ مرارا.

التنبیه التاسع:أنّ الترتّب یجری فی باب اجتماع الأمر و النهی حتّی بناء علی الامتناع و کون الترکیب بین متعلّقی الأمر و النهی اتّحادیا،لأنّ الواحد متحیّث بحیثیّتین و له ملاکان و کلّ ملاک من جهة حیثیّة خاصّة و الحکم متعلّق بهما فی الذهن لا فی الخارج و علیه فلا تزاحم بین الحکمین،و لکنّ الامتناعیّ حیث تخیّل تعلّق الحکم بالوجود الخارجیّ زعم تزاحم الحکمین مع وجود الملاکین لهما کما یتزاحمان فی مقام الامتثال؛و بالجملة فمع تقدیم جانب النهی سقط الأمر فی جانب آخر،و لکن یمکن جریان الترتّب فیه لوجود الملاک فی جانب الأمر،فإذا لم یکن النهی مؤثّرا فلا مانع من فعلیّة الأمر فی جانب آخر.

ذهب فی منتهی الاصول إلی عدم جریان الترتّب فیه أیضا،و قال:و السرّ فی عدم جریان الترتّب فی ذلک الباب هو أنّه بناء علی تغلیب جانب النهی لا یمکن أن یقال إن عصیت النهی،أی إن غصبت مثلا فصلّ،لأنّ الغصب-الذی به یتحقّق عصیان النهی عن الغصب-إن کان هو الغصب الذی یوجد فی ضمن الصلاة و ینطبق علیها،ففی ذلک الظرف تکون الصلاة موجودة و حاصلة فیکون طلبه طلب الحاصل، و إن کان غصبا آخر غیر منطبق علی الصلاة فیکون طلبا للممتنع،و إن کان مطلقا یلزم کلا المحذورین (1).

و فیه ما مرّ مرارا من أنّ الشرط هو حالة العصیان و البناء و العزم علی العصیان لا العصیان الخارجیّ،فلا یلزم المحذورات المذکورة لو لم یدلّ دلیل خاصّ علی عدم صحّة مورد الأمر،کما سیأتی إن شاء اللّه البحث عنه.فتدبّر جیّدا.

ص:76


1- 1) منتهی الاصول:ج 1 ص 372.

الخلاصة

الفصل الخامس فی أنّ الأمر بالشیء

اشارة

هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا

و یقع الکلام فی أمور:

الأمر الأوّل:أنّ المسألة أصولیّة لأنّ نتیجة المسألة تقع فی طریق الاستنباط و دعوی أنّها فقهیّة لأنّ البحث فیها عن ثبوت الحرمة لضدّ الواجب و عدمه و هو بحث فقهیّ مندفعة بأنّ البحث لیس کذلک بل هو البحث عن ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه و عدمه و هو بحث أصولیّ.

ثمّ أن تعنون المسألة بجهة أخری تصلح باعتبارها أن تکون من مبادی الأحکام لا تنافی إدراجها فی المسائل الاصولیّة باعتبار ثبوت الملازمة و عدمه کما لا یخفی.

الأمر الثانی:إنّ هذه المسألة الاصولیّة تکون من المسائل العقلیّة لا اللفظیّة لأنّ البحث لا یختصّ بصورة ثبوت الأمر بلفظ و نحوه هذا مضافا إلی أنّ الغرض من الاستلزام لیس إلاّ فی عالم الواقع و الحاکم بها لیس إلاّ العقل و لا صلة للبحث المذکور بدلالة الألفاظ و عدمها و لعلّ ذکرها فی باب الألفاظ لعدم أفراد باب لخصوص المسائل العقلیّة هذا مضافا إلی غلبة کون الواجبات من الأوامر اللفظیّة.

الأمر الثالث:أنّ المراد من الضدّ فی المقام هو الضدّ الاصولیّ لا المنطقیّ و لذا لا یختصّ بالضدّ الوجودیّ بل یشمل مطلق ما یعاند الشیء و ینافیه و لو کان أمرا عدمیّا کنقیض الشیء أعنی عدمه و لذلک یصحّ إطلاق الضدّ علی ترک کلّ ضدّ

ص:77

کالصلاة و الإزالة فی وقت واحد مع أنّ ترک الصلاة و الإزالة من النقیض و یسمّی الضدّ بالعامّ من جهة ملائمة ترک کلّ ضدّ مع اجتماعه مع واحد من الاضداد الخاصّة مثلا ترک الإزالة یجتمع مع الصلاة و غیرها من الأکل و الشرب و نحوهما و هکذا ترک الصلاة یجتمع مع الإزالة و غیرها من الأفعال.

کما یصحّ إطلاق الضدّ علی الضدّ الخاصّ بمعناه المنطقیّ و هو الذی لا یلائم و لا یجتمع مع غیره من الأضداد الوجودیّة کضدّیّة الإزالة مع الصلاة و بالعکس إذ الضدّان بالمعنی المنطقیّ أمران وجودیّان لا یجتمعان فی محلّ واحد.

الأمر الرابع:إنّ محلّ النزاع لیس فی الواجبین الموسّعین إذ لا مزاحمة بینهما کما لیس فی المضیّقین اللذین لا أهمّ بینهما إذ من المعلوم إنّ الحکم هو التنجیز بینهما بل محلّ النزاع فی الموردین:

أحدهما ما إذا کان أحد الواجبین موسّعا و الآخر مضیّقا.

و ثانیهما:هو ما إذا کانا مضیّقین و لکن کان أحدهما أهمّ من الآخر.

الأمر الخامس:فی استدلال القوم علی استلزام طلب الشیء و الأمر به للنهی عن ضدّه و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی الضدّ الخاصّ:

و استدلّ له بوجوه:

الوجه الأوّل:أنّ ترک الضدّ الخاصّ مقدّمة للضدّ الآخر و حیث أنّ مقدّمة لواجب واجب فترک الضدّ الخاصّ واجب فإذا کان ترک الضدّ واجبا کان فعله محرّما و هو المطلوب إذ نتیجة القیاس أنّ الأمر بالشیء أو إرادته یستلزم النهی عن ضدّه و یمکن أن یقال:إنّ ترک الضدّ الخاصّ لیس من مقدّمات وجود الضدّ الآخر لأنّ الأمر العدمیّ لا حظّ له من الوجود حتّی یؤثّر فی وجود الضدّ الآخر فمع عدم کون

ص:78

ترک الضدّ مقدّمة لا مجال لسرایة الوجوب من ذی المقدّمة إلیها کما لا یخفی.

هذا مضافا إلی ما قیل من أنّه لا تقدّم و لا تأخّر بین الضدّین بما هما ضدّان و علیه فنقیض کلّ واحد منهما و هو العدم البدیل للوجود أیضا لا تقدّم له علی وجود الآخر و هذا معنی کونهما فی مرتبة واحدة.

و فیه ما لا یخفی لأنّ صرف کون عدم الضدّ بدیلا لعین الضدّ لا یقتضی أن یکون فی رتبته لجواز أن یتقدّم علیه أو یتأخّر عنه طبعا بشهادة أنّ الشرط وجوده متقدّم بالطبع علی وجود مشروطه و مع ذلک لا تقدّم لعدمه البدیل علی وجود مشروطه بالطبع و أیضا أنّ المعلول متأخّر عن العلّة رتبة و ما هو متّحد معه و هو عدم البدیل له لا یکون متأخّرا عن العلّة الموجودة مع أنّ المفروض أنّ عدم المعلول یکون فی مرتبة وجود المعلول.

و بالجملة فلا ملازمة بین انتفاء التقدّم فی وجود الضدّین و بین انتفائه فی نقیضهما و علیه فمع عدم الملازمة لا یثبت عدم التقدّم لنقیض أحد الضدّین بالنسبة إلی الآخر فلا یصلح هذا الجواب لردّ من جعل نقیض کلّ واحد من الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر.

فالأولی هو أن یقال إنّ التقدّم و التأخّر و المقارنة و المعیّة من خواصّ الوجود و العدم لا حظّ له من الوجود حتّی یتصوّر فیه هذه الامور.و علیه فعدم النقیض أو الضدّ فی عین عدم اختصاصه بمرتبة النقیض أو الضدّ لا تقدّم له من أنواع التقدّم و مع عدم التقدّم فلا وجه لتعلّق الوجوب المقدّمیّ إلیه.

الوجه الثانی:أنّ وجود الضدّ متلازم لترک الضدّ الآخر و المتلازمان لا یمکن اختلافهما فی الحکم بأن یکون أحدهما واجبا و الآخر محرّما و علیه فإذا کان أحد الضدّین واجبا فلا محالة یکون ترک الآخر أیضا واجبا و إلاّ لکان المتلازمان مختلفین فی الحکم و هو خلف فإذا کان ترک الآخر واجبا ففعل نفس الآخر یکون محرّما و هو

ص:79

المطلوب من استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه.

یمکن أن یقال إنّ غایة ما یدلّ علیه الدلیل المذکور هو أنّه لا یکون أحد المتلازمین محکوما بغیر ما حکم به الآخر و لا یستفاد منه أنّه محکوم بحکمه بل یمکن أن لا یکون له حکم أصلا و علیه فالمحذور کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم فکذلک یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام و علیه فالالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی إقامة دلیل.

فتحصّل أنّ الأمر بأحد الضدّین لا یستلزم الأمر بترک الضدّ الآخر و إن کان کلّ ضدّ متلازما مع ترک الآخر.

فمع عدم الاستلزام المذکور لا یکون فعل الآخر حراما حتّی یدّعی أنّه هو المطلوب.

المقام الثانی:فی الضدّ العامّ

و تقریب الاستلزام فیه بأن یقال:

أنّ الأمر بالضدّ کالإزالة کقوله أزل النجاسة عین النهی عن الضدّ العامّ کقوله لا تترک الإزالة أو مشتمل علیه أو مستلزم له و الضدّ العامّ هو الترک فإذا کان الترک منهیّا عنه یسری النهی منه إلی محقّقاته و هی أضداد الإزالة و علیه فمثل الصلاة التی تکون من محقّقات ترک الإزالة منهیّ عنها و من المعلوم أنّ النهی عن الصلاة بضمیمة أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد ینتج فساد الصلاة.

و یمکن أن یقال أوّلا:نمنع تعدّد الخطاب من الأمر و النهی بناء علی أنّ النهی هو طلب الترک إذ الأمر هو طلب الفعل و النهی هو من طلب الترک و هما یرجعان إلی أمر واحد لأنّ النهی عن الترک یرجع إلی طلب ترک الترک و من المعلوم إنّ طلب ترک الترک عین طلب الفعل فلا تعدّد للخطاب.هذا مضافا إلی عدم وجود الملاک لتعدّد

ص:80

الخطاب إذ لیس فی ترک الترک مصلحة غیر مصلحة الفعل حتّی یطلبها من دون فرق بین أن یکون النهی عین الأمر بالشیء أو جزءا منه أو لازما له.

و أمّا بناء علی أنّ النهی بمعنی الزجر عن ترک الإزالة و الأمر بمعنی البعث نحو الإزالة فلا اتّحاد بینهما لمغایرة البعث و الزجر و تعدّد متعلّقهما فدعوی العینیّة و الاتّحاد مع مغایرتهما محال.

بل لا مجال لدعوی الجزئیّة أیضا بعد ما عرفت من مغایرة البعث و الزجر هذا مضافا إلی عدم کون الوجوب مرکّبا من طلب الفعل مع المنع من الترک بعد ما عرفت فی محلّه من بساطة الوجوب و إنّه أمر انتزاعی ینتزعه العقلاء من تعلّق الأمر بشیء من دون ترخیص فی ترکه.

کما لا وجه لدعوی اللزوم الواقعیّ بین الأمر بالضدّ و النهی عن ترکه لأنّ الصادر من المولی لیس إلاّ الأمر و لیس فی جانب الترک مفسدة حتّی لزم علیه أن ینهی عنه باعتباره علی حدّه بل الترک هو ترک ما فیه المصلحة الملزمة الموجبة للأمر فیجوز التفکیک بین الأمر و النهی فی الاعتبار لأنّ کلّ واحد منهما یحتاج إلی اعتبار مستقلّ و لا ملازمة بین الاعتبارین.

و ثانیا:أنّ الأضداد الخاصّة و إن کانت متلازمة مع ترک الضدّ العامّ و لکنّها لیست من محقّقات الترک إذ الترک لازم لترک نقیضه و هی إرادة الإزالة کما إنّ عدم المعلول لازم لعدم علّته.

و ثالثا:إنّه لا دلیل علی سرایة الحکم من أحد المتلازمین إلی الآخر غایته إنّه لیس محکوما بحکم آخر.

و رابعا:إنّ النتیجة علی تقدیر صحّة المقدّمات المذکورة ممنوعة لأنّ النهی الغیریّ لا یدلّ علی مبغوضیّة العمل.

ص:81

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

و علیه فیمکن أن نقول بأنّ کلّ عبادة صارت متزاحمة مع الأهمّ تکون محکومة بالفساد إن أتی بها فی وقت الإتیان بالأهمّ.

اورد علیه أوّلا:بعدم انطباق تلک الکبری و هی أنّ النهی فی العبادات یقتضی الفساد علی النهی عن الضدّ فی المقام لأنّ المراد من النهی المذکور فی تلک الکبری هو النهی النفسیّ الکاشف عن المفسدة أو البعد و المفروض فی المقام أنّ النهی لا یکشف عن المفسدة و لا یکون مبعّدا لأنّه نهی غیریّ بل العقل یحکم بتحقّق المصلحة الملزمة فی الضدّ المزاحم بالأهمّ إذ لا مزاحمة بین المقتضیات و إنّما التزاحم فی مقام الامتثال.

و مع عدم الانطباق لا ینتج القیاس المذکور فساد العبادة إذا صارت متزاحمة مع الأهمّ.

و ثانیا:أنّه لو سلّمنا کشف النهی الغیریّ عن المفسدة لا یکفی مجرّد ذلک فی الحکم ببطلان فعل العبادة لإمکان مزاحمة مصلحة الفعل ذاتا مع المفسدة المکشوفة بالنهی الغیریّ و غلبتها علیها.

أ لا تری أنّ مصلحة الصوم فی یوم عاشوراء تتزاحم مع مفسدة التشابه ببنی أمیّة و تترجّح علیها و لذا یکون الصوم المذکور محکوما بالصحّة و إن کان مکروها.

و علیه فمجرّد کشف النهی الغیریّ عن المفسدة فی الفعل لا یکفی فی الحکم ببطلان العبادة بل اللازم هو غلبة المفسدة الغیریّة المکشوفة علی مصلحة نفسیّة للعبادة و بالجملة فمع بقاء مصلحة العبادة علی ما هی علیها یکفی قصدها لتحقّق العبادة سواء قلنا باستلزام الأمر بالأهمّ للنهی عن المهمّ أو لم نقل و سواء قلنا بکشف النهی الغیریّ عن المفسدة أو لم نقل و علیه فلا ثمرة للمسألة.

و دعوی أنّ فساد العبادة لا یحتاج إلی استلزام الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه لکفایة عدم الأمر فی الحکم بفساد العبادة و المفروض هو سقوط الأمر بمزاحمة الأهمّ.

فلا مجال لتصحیح العبادة فیما إذا کانت متزاحمة بالأهمّ سواء قلنا بالاستلزام أو

ص:83

لم نقل و سواء قلنا بکشف النهی عن المفسدة أو لم نقل.

و علیه فلا ثمرة للمسألة أیضا کما عن شیخنا البهائی قدّس سرّه لأنّ العمل علی کلّ حال محکوم بالفساد مندفعة:

أوّلا:بما عرفت من کفایة قصد الملاک فی تحقّق العبادة لأنّ إضافة العمل إلی المولی معیار تحقّق العبادة سواء کانت الإضافة قصد الأمر أو الملاک المحبوب للمولی و المتحقّق فی المقام هو وجود الملاک المحبوب فلا یلزم فی تحقّق العبادة قصد الأمر و علیه فلا وجه للحکم بفساد العبادة بمجرّد سقوط الأمر مع وجود الملاک نعم إن کان النهی علی تقدیر الاستلزام المذکور کاشفا عن المفسدة الغالبة بالعبادة محکومة بالفساد و کفی به ثمرة.

و ثانیا:بأنّه لو سلّمنا الحاجة إلی قصد الأمر فی تحقّق العبادة أمکن إتیان الفرد المزاحم بداعی الأمر بالطبیعة المأمور بها لانطباق تلک الطبیعة علیه کانطباقها علی بقیّة الأفراد ضرورة أنّه لا فرق بینه و بین غیره من الأفراد من هذه الجهة.نعم لو استلزم الأمر بالأهمّ للنهی عن المهمّ کان المهمّ منهیّا عنه فلا ینطبق علیه المأمور به فلا یکفی قصد الأمر المتوجّه إلی الطبیعة لأنّ المفروض عدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیه فلا وجه لإنکار الثمرة علی هذا القول.

و ثالثا:بوجود الأمر بناء علی إمکان الترتّب فإنّ الأمر بالمهمّ علی فرض إمکان الترتّب موجود و یصحّ قصده فیتحقّق الامتثال بقصده و تتمّ العبادة حتّی عند من اعتبر قصد الامتثال فی تحقّق العبادة.

الترتّب

و حیث انتهی الکلام إلی الترتّب ینبغی البحث عن إمکانه کما ذهب إلیه المحقّق الاصفهانی و السیّد محمّد الفشارکی و المیرزا الشیرازی و کاشف الغطاء و صاحب

ص:84

الوقایة و هدایة المسترشدین و غیرهم من الأعاظم.

ذکروا تقریبات مختلفة لبیان إمکان الترتّب و الاحسن منها هو أن یقال:

إذا تزاحم أمران أحدهما أهمّ من الآخر فلا یمکن أن یقتضی کلّ واحد متعلّقه بالفعل من دون ترتّب أحدهما علی عدم تأثیر الآخر لاستحالة فعلیّة مقتضاهما معا لوجود التضادّ بینهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد کما لا یمکن أن یتعلّق الأمر بالجمع بینهما من أوّل الأمر إذ لا واقع له و لا یکون ممکنا بعد استحالته و علیه فالتأثیر یکون للأهمّ بعد کونه مانعا عن تأثیر المهمّ فمع فعلیّة التأثیر للأمر بالأهمّ لا تأثیر للأمر بالمهمّ.

نعم یمکن أن یکون المقتضیان مترتّبین بأن یکون أحدهما و هو المهمّ لا اقتضاء له إلاّ عند عدم تأثیر الأهمّ فمع تأثیر الأهمّ لا موضوع لتأثیر المهمّ و مع عدم تحقّق موضوع التأثیر للأمر بالمهم یستحیل مانعیّته عن تأثیر الأمر المتوجّه بالأهمّ.

و مع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ فلا مانع من فعلیّة تأثیر الأمر بالمهمّ المعلّق علی عدم تأثیر الأمر بالأهمّ.

و علیه فلا تضادّ بین الأمرین کما لا تضادّ بین الامتثالین بعد ترتّب تأثیر أحدهما علی عدم تأثیر الآخر إذ لا جمع بینهما بعد کون المفروض هو تأثیر أحدهما عند عدم تأثیر الآخر و خلوّ المحلّ عنه فأین اجتماع الضدّین فی محلّ واحد.

فالدافع لإشکال الجمع بین الضدّین هو عدم تأثیر دعوة الأمر بالأهمّ فی حال العصیان أو العزم علیه و إن کان له صلاحیّة الدعوة و التأثیر فی نفسه.

فإذا ورد الأمران أحدهما بالمهمّ و الآخر بالأهمّ فلا مجال لفعلیّة التأثیر فی کلیهما لأنّه یستلزم طلب الجمع بین الضدّین أمّا إذا علّق تأثیر أحدهما علی عدم تأثیر الآخر فلا محذور کما إذا قیل ان کنت فی حال عصیان الأهمّ أو عزمت علی العصیان فأت بالمهم فلا یلزم الإشکال إذ لا یکون الأمر بالمهمّ مزاحما للأمر بالأهمّ

ص:85

عند تأثیره لعدم تحقّق موضوع الأمر بالمهمّ حتّی یکون مزاحما للأمر بالأهمّ کما أنّ الأمر بالأهمّ لا یکون مزاحما للأمر بالمهمّ فی حال عدم تأثیره کحال العصیان أو البناء و العزم علیه.

و لقد أفاد و أجاد فی نهایة الدرایة حیث قال إنّ الأمر بالاضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه فإذا کان المقتضیان المنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر و الغرض من کلّ منهما فعلیّة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له فلا محالة یستحیل تأثیرهما و فعلیّة مقتضاهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد و إذا کان المقتضیان مترتّبین بأن کان أحد المقتضیین لا اقتضاء له إلاّ عند عدم تأثیر الآخر فلا مانع من فعلیّة الأمر المترتّب.

و حیث إنّ فعلیّة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه فلا محالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه إذ ما کان اقتضاؤه منوطا بعدم فعلیّة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر و لا مزاحمة بین المقتضیین إلا من حیث التأثیر و إلا فذوات المقتضیات بما هی لا تزاحم بینها انتهی.

فتحصّل أنّ ترتّب الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ أمر معقول و أمر عرفیّ و إن لم یکن بینهما رابطة العلّیّة و المعلولیّة لکفایة تأخّره عنه و لو بالتأخّر الطبعی کما إن شوب العصیان بالوجود یکفی فی صحّة جعله موضوعا أو شرطا للخطاب بالمهمّ.

فأساس الترتّب مبنی علی ترتّب أثر الأمر بالمهمّ علی حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ و عدم تأثیره لأنّ حالة العصیان تلازم مع عدم تأثیر الأمر بالأهمّ الذی هو المانع من تأثیر الأمر بالمهمّ فإذا حصلت حالة العصیان بالنسبة إلی الأمر بالأهمّ ارتفعت مانعیّة الأمر بالأهمّ عن تأثیر الأمر بالمهمّ و مع ارتفاع المانعیّة أثّر الخطاب بالمهمّ.

ص:86

و ممّا ذکر ینقدح أنّ إشکال طلب الجمع بین الضدّین مرتفع بعدم تأثیر الأمر بالأهمّ لا بسقوطه و علیه فلا ملزم لجعل موضوع الأمر بالمهمّ سقوط الأمر بالأهمّ حتّی یدور الأمر بین السقوط و الثبوت فیخرج عن محلّ الکلام بل الأمر بالأهمّ ثابت فی حال العصیان أو البناء علیه قبل مضیّ وقت العمل فمع ذلک لا یکون مؤثّرا و مع عدم المؤثّریة لا یوجب مؤثّریة الأمر بالمهمّ طلب الجمع بین الضدّین کما لا یخفی.

لا یقال إنّ العصیان أمر عدمی و لیس فیه مناط التأخّر الرتبی عن الأمر بالأهمّ لاختصاص المناطات بالامور الوجودیّة و العصیان لیس إلاّ ترک الامتثال بلا عذر و علیه فتأخّره عن الأمر بالأهمّ لا مناط له و هکذا لا مناط فیه لتقدّمه علی الأمر بالمهمّ حتّی یکون موضوعا لحکم أو شرطا لشیء أو غیر ذلک لأنّ تلک الامور أی التقدّم أو التأخّر یکون من الامور الوجودیّة و العصیان لا یتّصف بإحدی الحیثیّات الوجودیّة لأنّا نقول أوّلا أنّ مفهوم العصیان متقوّم بتقدّم الأمر علیه إذ العصیان هو ترک امتثال الأمر الفعلی من دون عذر فالعصیان من دون وجود أمر غیر متصوّر و علیه فتقدّم الأمر علیه کتقدّم اجزاء الماهیّة علی نفس الماهیّة و ان لم یکن بین العصیان و الأمر رتبة العلّیّة و المعلولیّة.

و ثانیا:إنّ العصیان لیس هو عدم محض بل هو مشوب بالوجود لأنّ العصیان مخالفة المولی فی أوامره و نواهیه و هی من الامور الوجودیّة و إن کانت المخالفة موجبة لترک الامتثال بلا عذر.

و علیه فیکون العصیان متأخّرا زمانا عن الأمر بالأهمّ و متقدّما علی الأمر بالمهمّ.

و لا امتناع فی جعل العصیان شرطا أو موضوعا بل واقع فی الکتاب و السنّة کقوله تعالی: (فَلْیَحْذَر الَّذینَ یُخالفُونَ عَنْ أَمْره) .

و ثالثا:إنّ الموضوعات و الشرائط فی الخطابات الشرعیّة لیست عقلیّة بل هی

ص:87

تکون عرفیّة و العرف یحکم بصحّة جعل مثل العصیان موضوعا أو شرطا للخطاب بالمهمّ.

أ لا تری انّ الوالد یقول لولده تعلّم فإن عصیت أمری و لم تتعلّم فعلیک بالکسب و التجارة و لیس ذلک إلاّ لأنّ العرف یری العصیان أمرا وجودیّا و متأخّرا عن الأمر بالأهمّ و هو التعلّم و متقدّما علی الأمر بالمهمّ و هو الکسب.

لا یقال إنّ الأمر بالأهمّ لا یسقط و بقی علی باعثیّته قبل تحقّق العصیان و مقتضی ذلک انّ المکلّف الذی یکون عاصیا فیما بعد یکون مبعوثا نحو الجمع بین الأمرین المتنافین و مجرّد کون العصیان فی طول موضوع الأمر بالأهمّ لا یکفی فی رفع المحذور و هو طلب الجمع بین الأمرین المتنافیین و هو غیر قادر علی ذلک.

لأنّا نقول إنّ مع عدم سقوط الأمر بالأهمّ فی حال العصیان أو البناء علیه یلزم الجمع بین الطلبین لا طلب الجمع بین الأمرین المتضادین بعد ما عرفت من عدم تأثیر طلب المهمّ إلاّ بعد عدم تأثیر طلب الأهمّ.

و بالجملة إنّ الأمر الترتّبی بما هو هو لا یوجب طلب الجمع بین المتضادّین و یشهد لما ذکر إنّ المکلّف لو جمع بین الأهمّ و المهمّ علی فرض إمکان الجمع لم یقع الأمران علی صفة المطلوبیة و لذا لو قال المولی لعبده جئنی بماء عذب و إن عصیت أمری جئنی بماء ملح فاتی العبد بماء عذب و ماء ملح لم یقع عنه امتثالان و لم یکن کلاهما مطلوبین و هذا علامة انّ الطلب الترتّبی لا یؤول إلی طلب الجمع.

فالترتّب یفید الجمع فی الطلب لا طلب الجمع فلا تغفل.

التنبیهات:

التنبیه الأوّل:إنّه لا یتوقّف الحکم بترتّب تأثیر الأمر بالمهمّ علی حالة عصیان الأمر بالأهمّ علی ورود خطاب یتکفّل ذلک لجواز الاکتفاء بحکم العقل بذلک عند

ص:88

إحراز أهمّیّة أحد الطرفین و الحکم العقلی بذلک یکشف عن الحکم الشرعی أیضا لأنّ العقل هو المدرک بکسر الراء و المدرک بفتح الراء هو الحکم الشرعی فکما أنّه من الممکن ان یقیّد الشارع من ابتداء الأمر خطابه بالنسبة إلی المهمّ بصورة عدم مزاحمة الأهمّ فکذلک یقیّد ذلک بعد کشف الحکم الشرعی بحکم العقل بذلک فالحکم فی ناحیة المهمّ مترتّب علی عصیان الأهمّ و عدم تأثیره فلا یرفع الید عن إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ بل رفع الید عنه منوط بتأثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ.

التنبیه الثانی:إنّه ربّما یتوهّم إنّ اللاّزم من قول الترتّب هو تعدّد العقاب لو لم یأت بأحد الأمرین من المهمّ و الأهمّ إذ الأمر بکلّ واحد منهما بناء علی الترتّب أمر فعلیّ مولوی و من شأن هذا الأمر هو استحقاق العقاب علی مخالفته کما من شأنه الثواب علی امتثاله فالتفکیک بین الملزوم و لازمه غیر صحیح.

و یمکن الجواب عنه بأنّ تعدّد العقاب لا یوافق مع توقّف أحدهما علی عدم تأثیر الآخر فإنّه کالتخییر العقلی و الشرعی فکما أنّ ترک کلّ واحد منهما لا یوجب تعدّد العقاب فکذلک فی المقام مع أنّ القدرة علی عدم الجمع بین الترکین حاصلة فی جمیع الموارد فالمحکی عن بعض الأعلام من أنّ العقاب الثانی لیس علی عدم الجمع بین الضدّین حتّی یقال أنّه غیر مقدور بل العقاب علی الجمع بین الحقّین و قد کان مقدورا للمکلّف أن لا یجمع بین المحقّین کما إذا أتی بالأهمّ غیر سدید لما عرفت من حصول القدرة علی عدم الجمع بین الترکین فی موارد التخییر العقلی و الشرعی و مع ذلک لا مجال للحکم بتعدّد العقاب.

و یشهد علی ما ذکرناه ارتکاز العقلاء علی عدم تعدّد العقاب فیما إذا لم یقدر المکلّف علی جمیع الواجبات الکفائیّة إلاّ واحدا منها و مع ذلک ترک جمیعها.

التنبیه الثالث:إنّ الأمر فی ناحیة المهمّ فی موارد الترتّب موجود و إنّما یرفع الید

ص:89

عن إطلاقه بحکم العقل من جهة المزاحمة مع الأهمّ فیما إذا کان مؤثّرا و لا یرتفع إطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بمجرّد الأمر فی ناحیة الأهمّ بل هو منوط بتأثیر الأمر فی ناحیة الأهمّ و إلاّ فإطلاق الأمر فی ناحیة المهمّ بقی علی ما علیه.

و ممّا ذکر یظهر خروج ما إذا لم یبق للمهمّ موضوع بمجرّد وجود الأمر بالأهمّ عن موارد الترتّب کما إذا کان التکلیف بالمهمّ مشروطا بالقدرة الشرعیّة و التکلیف بالأهمّ مشروط بالقدرة الفعلیّة فلا یأتی فیه الترتّب لارتفاع موضوع الأوّل بالواجب الآخر لعدم القدرة علیه شرعا بواسطة المزاحمة مع الأهمّ فإنّ الممتنع الشرعی کالممتنع العقلی فلا یبقی موضوع للواجب الذی کان مشروطا بالقدرة الشرعیّة بمجرّد وجوب الأهمّ من دون حاجة إلی إناطة ذلک علی تأثیر الآخر فتدبّر جیّدا.

التنبیه الرابع:إنّه لا اختصاص لمورد الترتّب بالضدّین بل یشمل غیرهما کما إذا قال الوالد لولده تعلّم فإن عصیت أمری فکن مصلحا للعالم.

مع أنّ التعلّم و الإطاعة للعالم لا یکونان ضدّین.

و خصّص بعض مورد الترتّب بالضدّین اللذین لهما الثالث کالصلاة و الإزالة و قال لا یشمل الضدّین اللذین لا ثالث لهما کالحرکة و السکون فإنّ الترتّب لا یتأتّی بینهما إذ ترک أحدهما أو عصیانه لا یتحقّق بدون فعل الآخر و معه لا معنی لتعلّق الأمر بالآخر بشرط ترک الضدّ أو عصیانه فإنّ الآخر حاصل فیکون طلبه من قبیل طلب الحاصل.

و یمکن أن یقال بعد الغمض عمّا ذکرناه من عدم اختصاص مورد الترتّب بالضدّین أنّه لا وجه لتخصیص الضدّین بما لهما ثالث لما عرفت من أنّ موضوع الأمر الترتّبی لیس هو العصیان الخارجی أو الترک الخارجی بل هو العزم علی العصیان أو البناء علیه و علیه فلا یلزم من الأمر بالآخر عند العزم علی العصیان تحصیل الحاصل کما لا یخفی.

ص:90

و ممّا ذکر یظهر صحّة ما ذهب إلیه کاشف الغطاء علی المحکی عنه من جعل مسألة الإخفات فی موضع الجهر و بالعکس من موارد الترتّب و لا وقع لما اورد علیه المحقّق النائینی قدّس سرّه بأنّ تلک المسألة لیست من مصادیق الترتّب لأنّ الجهر و الإخفات من الضدّین اللذین لا ثالث لهما إذ القارئ لا یخلو عن أحدهما و قد ثبت أنّ الترتّب لا یجری فی الواجبین اللذین لا ثالث لهما لامتناعه و بقیّة الکلام فی المفصّل.

التنبیه الخامس:إنّ الحکم فی طرف المهمّ یکون فعلیّا بمبادئه و هی الإطلاقات الدالّة علیه مع وصولها إلی المکلّف و اشتراط عصیان الأهمّ لا تأثیر له فی فعلیّة الحکم بل هو فی قوّة عدم وجود المزاحم عن فعلیّة الحکم بمبادئه.

و علیه فلا مجال لما قیل من لزوم التفصیل بین الموارد و یقال کلّ مورد یلزم من اشتراط عصیان الأهمّ فیه تأثیر أمر متأخّر فی المتقدّم لا یتأتّی فیه الترتّب کما إذا کان الأهمّ و المهمّ تدریجی الوجود أو کان الأهمّ أمرا باقیا و مستمرّا و کان عصیانه فی الآن الأوّل المتعقّب بعصیاناته فی الآنات المتأخّرة مؤثّرا فی فعلیّة الحکم.

بخلاف ما إذا کان الشرط هو عصیان الأهمّ فی الآن المقارن فلا مانع من الترتّب فیه إذ لا یلزم منه تأثیر الشرط المتأخّر فی المتقدّم.

و ذلک لما عرفت من أنّ شرط العصیان لا تأثیر له فی فعلیّة الحکم.

التنبیه السادس:إنّ الترتّب جار أیضا فی الواجبین المتزاحمین الطولیین بحسب الزمان إذا کان الثانی أهمّ و واجب المراعاة إمّا من جهة تصویر الواجب المعلّق أو من جهة أهمّیّة ملاک خطابه مع حکم العقل مستقلاّ أو من باب متمّم الجعل بحفظ القدرة للواجب المتأخّر الأهمّ و ذلک لعدم الفرق بین الواجبین المتزاحمین المقارنین و الواجبین المتزاحمین الطولیین فکما أنّ اشتراط العصیان فی المقارنین یدلّ علی فعلیّة الأمر بالمهمّ بسبب عدم وجود المزاحم فکذلک فی الطولیین حرفا بحرف.

و القول بأنّ ذلک فی الطولیین یستلزم الالتزام بتأثیر الشرط المتأخّر و هو ممتنع

ص:91

غیر سدید بعد ما عرفت من أنّ العصیان لا تأثیر له فی فعلیّة الخطاب بالمهمّ لأنّ فعلیّته تکون بمبادئه المخصوصة و إنّما اشتراط العصیان یدلّ علی عدم وجود المزاحم عن تأثیر مبادئ المهمّ.

التنبیه السابع:إنّ الترتّب کما یمکن فی ناحیة الأمر فکذلک یمکن فی ناحیة النهی فیجوز أن یکون لا تغصب مترتّبا علی عصیان الأهمّ کإنقاذ المؤمن فی أرض مغصوبة فالنهی عن الغصب فی مورد التزاحم مترتّب علی عصیان خطاب الأهمّ کما أنّ الأمر بالصلاة مترتّب علی عصیان الأمر بالإزالة عند تزاحمهما.

فکما أنّ العصیان فی ناحیة الأمر لا تأثیر له فی فعلیّة الخطاب فی طرف المهمّ إذ الفعلیّة ناشئة من وصول الإطلاقات الأوّلیّة الدالّة علی وجوب الصلاة کقوله تعالی أَقیمُوا الصَّلاةَ و إنّما یکون النهی حاکیا عن عدم المزاحم لتلک الإطلاقات فکذلک یکون العصیان حاکیا عن عدم المزاحم لفعلیّة النهی عند تزاحمه مع الأهمّ و هذا واضح بناء علی عدم وجوب المقدّمة فإنّ بین خطاب لا تغصب و انقذ الغریق مثلا تزاحم لا تعارض حتّی یستلزم التکاذب و مع وجود الأهمّ لا خطاب فی طرف المهمّ و أمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة فیقع التعارض بین لا تغصب و وجوب المقدّمة الموصلة لأنّ المراد من المقدّمة الموصلة هو نفس التصرّف فی دار الغیر من دون استیذان و مع التعارض یتکاذبان و حیث إنّ الأهمّ و هو وجوب المقدّمة الموصلة مقدّم فلا حکم فی طرف المهمّ فیخرج عن مورد الترتّب فإنّ المهمّ حکم موجود مترتّب علی عصیان الأهمّ.

التنبیه الثامن:إنّ الترتّب لا یجری إلاّ فی المتزاحمین اللذین بینهما تزاحم اتّفاقی کالصلاة و الإزالة و أمّا إذا کان التزاحم بینهما دائمیّا فلا مورد للترتّب لأنّ الترتّب فرع جعل الحکمین و مع التزاحم الدائمی جعل الحکمین خال عن الحکمة و لا یصدر عن الحکیم المتعال ففی مثله إن کان الملاک فی أحدهما أقوی فالجعل علی طبقه و إن کان

ص:92

الملاک فیهما متساویا فالحکم هو التخییر الشرعی ففی الصورتین لا مجال للترتّب إذ فی الصورة الاولی لا حکم إلاّ علی طبق الملاک الأقوی فلا مجال لفرض ترتّب أحد الحکمین علی عصیان الآخر و فی الصورة الثانیة لا مجال لفرض العصیان بعد کون الحکم هو التخییر إذ لا حاجة فی الأخذ بالحکم الآخر مع التخییر الشرعی إلی فرض العصیان بالنسبة إلی حکم آخر.

التنبیه التاسع:إنّه یمکن جریان الترتّب فی باب اجتماع الأمر و النهی أیضا بناء علی تغلیب جانب النهی حتّی علی القول بالامتناع و کون الترکیب اتّحادیّا لا انضمامیّا إذ الواحد متحیّث بحیثیّتین عند التحلیل و لکلّ واحدة ملاک و الحکم یتعلّق بهما فی الذهن و المفروض أنّه متعدّد و مع التعدّد لا تزاحم فی مقام الجعل و لکن حیث لا یمکن امتثالهما غلب جانب النهی إلاّ أنّه إذا بنی علی العصیان فلا مانع من فعلیّة الأمر إذ النهی لا یکون مؤثرا عند إرادة العصیان و دعوی أنّ الغصب الذی به یتحقّق عصیان النهی فی مثل قولهم إن عصیت النهی أی إن عصیت مثلا فصلّ إن کان هو الغصب الذی یوجد فی ضمن الصلاة و ینطبق علیها ففی ذلک الظرف تکون الصلاة موجودة و حاصلة فیکون طلبه طلب الحاصل و إن کان غضبا آخر غیر منطبق علی الصلاة فیکون طلبا للممتنع و إن کان مطلقا یلزم کلا المحذورین مندفعة بأنّ الشرط هو حالة العصیان لا العصیان الخارجی فارتفعت المحاذیر.

ص:93

الفصل السادس:فی جواز الأمر

اشارة

مع انتفاء الشرط و عدمه

و لا یخفی علیک أنّ الشرط إمّا شرط لنفس الأمر و الجعل و إمّا شرط للمجعول و المأمور به؛و علی الأوّل فلا نزاع عندنا فی عدم وقوعه،إذ الشرط من أجزاء العلّة، فمع عدم تمامیّة علّة الجعل و الأمر لا یمکن الجعل و الأمر،لأنّ مرجعه إلی تحقّق المعلول من دون علّته،و هو محال.

نعم یدخل فی محلّ النزاع بیننا و بین العامّة الذین یقولون بمغایرة الطلب النفسیّ مع الإرادة و وجود الکلام النفسیّ؛فإنّا نختار وحدتهما و نقول لا یجوز تعلّق الإرادة من دون تمامیّة علّتها،فمع انتفاء شرط الإرادة لا تکون تامّة،و حیث إنّ الطلب النفسانیّ عین الإرادة کان الطلب النفسانیّ مع انتفاء الشرط أیضا محالا،و لکنّ العامّة لذهابهم إلی مغایرتهما یقولون بجواز توجّه الطلب النفسانیّ و إن امتنع تعلّق الارادة، و قالوا قد یطلب المولی شیئا و لا یریده و قد ینهی عنه و هو یریده،إلاّ أنّ هذا البحث لا یکون مورده هنا،بل اللازم هو أن یذکر عند البحث فی الطلب و الإرادة،و أمّا إرجاع البحث فی المقام إلی الأمر بمرتبة الإنشاء مع العلم بانتفاء المرتبة الفعلیّة کما فی الکفایة،أو إلی الأمر بمرتبة الفعلیّة مع العلم بانتفاء مرتبة التنجیز کما فی غیر الکفایة، ففیه أنّه لا نزاع فیه،إذ لا خلاف فی صحّة الأوامر الامتحانیّة و فی وجود الأوامر الواقعیّة التی لم تصل أیضا.

ص:94

و علی الثانی،أعنی کون الشرط شرطا للمأمور به،لا نزاع بیننا،فإنّ المأمور به مع انتفاء شرطه غیر مقدور فلا یجوز التکلیف به،فإنّه تکلیف بالمحال و هو قبیح، فلا یصدر عن الحکیم.و لکنّ الأشاعرة الذین ینکرون الحسن و القبح العقلیّین یقولون بجوازه،ففی هذه الصورة أیضا یکون النزاع بیننا و بین العامّة،إلاّ أنّ هذا البحث من تتمّة البحث فی الحسن و القبح العقلیّین.

فتحصّل أنّ المسألة لا خلاف فیها عندنا مطلقا،سواء کان الشرط شرطا للأمر و الجعل أو شرطا للمأمور به،و إنّما الخلاف فیها بیننا و بین العامّة من جهة الاختلاف فی المبانی،کما عرفت.

و أمّا التفصیل بین القضیّة الخارجیّة و الشخصیّة و بین الأوامر الکلّیّة و القانونیّة و القول بامتناع توجّه البعث فی الأوّل لغرض الانبعاث إلی من علم الأمر فقدان شرط التکلیف فیه أو شرط المأمور به فیه و عدم امتناع البعث فی الثانی لأنّه تشریع واحد متوجّه إلی عنوان منطبق علی المکلّفین.

و غرض هذا التشریع القانونیّ یلحظ بالنسبة إلی العنوان المذکور لا إلی کلّ واحد مستقلاّ،کما فی مناهج الوصول:ج 2 ص 60.

ففیه أنّه لا کلام فیه حتّی یبحث عنه لوضوح الأمر فیهما،إذ الأوّل یؤول إلی تحقّق المعلول من دون علّة فیما إذا لم یوجد شرط التکلیف،و یؤول إلی التکلیف بالمحال فیما إذا لم یکن شرط المأمور به،و الثانی لا مانع منه،لأنّ العنوان الکلّیّ مورد التکلیف،و الشرط فیه موجود و لو بوجوده فی بعض أفراده.

و أیضا لا مجال للتفصیل بین ما إذا کان انتفاء الشرط مستندا إلی نفس جعل الحکم و کان هو الموجب له و بین ما إذا کان مستندا إلی عدم قدرة المکلّف أو إلی جهة اخری،قائلا بأنّه علی الأوّل لا مانع من جعله أصلا إذا کان الغرض منه عدم تحقّق الشرط و الموضوع فی الخارج،من دون فرق بین أن یکون الجعل علی نحو القضیّة الحقیقیّة أو الخارجیّة،کما إذا قال المولی لعبده:إن کذبت-مثلا-فعلیک دینار،مع

ص:95

علمه بأنّ جعل وجوب الدینار علیه علی تقدیر کذبه موجب لعدم صدور الکذب منه،فیکون غرضه من جعله ذلک،و من المعلوم أنّه لا مانع من مثل هذا الجعل أصلا، بل هو ممّا تقتضیه المصلحة العامّة کما فی القضایا الحقیقیّة و المصلحة الخاصّة کما فی القضایا الخارجیّة،ضرورة أنّ الغرض من جعل هذه الامور هو عدم تحقّق موضوعها فی الخارج،فإذا فرض أنّ المولی علم بأنّ جعلها یوجب عدم تحقّق موضوعها فیه مطلقا فهو أولی بالجعل ممّا لم یعلم المولی أنّه یوجبه.

و قائلا بأنّه علی الثانی لغو محض،فلا یصدر من المولی الحکیم،مثل أن یأمر بالحجّ علی تقدیر الاستطاعة فی الخارج بنحو القضیّة الخارجیّة أو القضیّة الکلّیّة مع -العلم فرضا-بعدم تحقّقها له أصلا،فإنّه لا شبهة فی أنّ جعل مثل هذا الحکم لغو صرف،فلا یترتّب علیه أیّ أثر شرعیّ،و معه لا یصدر عن الحکیم،کما فی المحاضرات:ج 4 ص 7.لأنّ کلا الأمرین واضح و لا مجال للنزاع فیهما،هذا مضافا إلی أنّ العلم بانتفاء الشرط فی الأوّل معلول للأمر و متأخّر عنه،و هو أجنبیّ عن المقام،إذ الشرط فی المقام متقدّم علی الأمر و لیس بمتأخّر،فتأمّل.

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا مجال لتصحیح وجوب الکفّارة علی من أفطر فی نهار شهر رمضان مع عدم تمامیّة شرائط الوجوب له إلی اللیل،من ناحیة جواز الأمر مع عدم الأمر بانتفاء شرط التکلیف أو المأمور به و جعل ذلک ثمرة للمسألة.لما عرفت من عدم إمکان الأوّل-أعنی العلم-بانتفاء شرط التکلیف و قبح الثانی فإنّه تکلیف بالمحال،فاللازم فی تصحیحه هو الرجوع إلی وجوه اخری کالقول بإطلاق الروایات الدالّة علی وجوب الکفّارة،فإنّها تدلّ علی وجوب الکفّارة علی الإفطار العمدیّ فی نهار شهر رمضان بلا عذر مسوغ له،سواء طرأ علیه مانع من الصوم بعد ذلک أم لم یطرأ،کما ذهب إلیه فی المحاضرات:ج 4 ص 10.

فلا ثمرة فقهیّة لمسألة جواز أمر الأمر مع علمه بانتفاء الشرط.

ص:96

الخلاصة:

الفصل السادس فی جواز الأمر مع انتفاء الشرط و عدمه

و لا یخفی علیک إنّ الشرط إمّا شرط نفس الأمر و الجعل و إمّا شرط المجعول و المأمور به و لا نزاع عندنا فی عدم جواز الامر أو الجعل سواء کان الشرط شرطا لنفس الأمر و الجعل أو شرطا للمجعول و المأمور به.

لأنّ الأمر و الجعل علی الأوّل بدون حصول شرطه غیر ممکن إذ الشرط علی المفروض من أجزاء علّة الأمر و الجعل فمع عدم تمامیّة العلّة لا یصدر الجعل و الأمر و إلاّ لزم تحقّق المعلول بدون علّته و هو محال.

کما أنّ الأمر و الجعل علی الثانی من دون حصول شرط المجعول و المأمور به تکلیف بغیر المقدور و هو قبیح لا یصدر عن الحکیم المتعال.

و علیه فلا یجوز الأمر مع انتفاء الشرط سواء کان الشرط شرطا لنفس الأمر أو شرطا للمأمور به.

نعم یجوز الأمر الکلّی و القانونی و لو مع فقدان شرط التکلیف أو المأمور به بالنسبة إلی بعض الآحاد من المکلّفین لکفایة وجود الشرط بالنسبة إلی العنوان الکلّی و لو بوجوده فی بعض أفراده.

و هکذا یجوز الأمر مع انتفاء الشرط بنفس الأمر کما إذا قال المولی لعبده إن کذبت مثلا یجب علیک إعطاء دینار و علم المولی أنّ هذا الجعل یوجب عدم صدور الکذب من عبده و یکون الغرض من الأمر هو ذلک و من المعلوم أنّه لا مانع منه بل یقتضیه المصلحة احیانا.

و لعلّه خارج عن محلّ الکلام لأنّ العلم بانتفاء الشرط معلول للأمر و متأخّر

ص:97

عنه مع أنّ محلّ الکلام هو ما إذا علم بفقدان الشرط قبل الأمر.

فانقدح ممّا ذکرناه أنّه لا مجال لتصحیح وجوب الکفّارة علی من أفطر فی نهار شهر رمضان مع عدم تمامیّة شرائط الوجوب له إلی اللیل بدعوی جواز الأمر مع علم الآمر بانتفاء شرط التکلیف أو المامور به لما عرفت من أنّه لا یجوز الأمر مع علمه بالانتفاء إذ الأمر بالصوم مع تمامیّة شرائطه تکلیف بغیر المقدور و هو لا یصدر عن الحکیم المتعال نعم یمکن تصحیح ذلک من جهة إطلاق الروایات الدالّة علی وجوب الکفّارة فإنّها تدلّ علی وجوبها عند الإفطار العمدی فی حال الصوم سواء طرأ علیه مانع من الإتمام أو لم یطرأ و بالجملة فموضوع الکفّارة هو إفطار الصوم مطلقا.

ص:98

الفصل السابع:فی تعلّق الأوامر و الطلب

اشارة

بالطبیعیّ أو الأفراد

تحقیق ذلک یتوقّف علی امور:

الأوّل:أنّ لحاظ الطبیعة علی أنحاء:منها لحاظها فی ذاتها و من حیث هی هی، و منها لحاظها بالوجود الذهنیّ،و منها لحاظها بما هی مرآة إلی الخارج،و هو علی قسمین:أحدهما أن یلاحظ الخارج باللّحاظ التصدیقیّ بعد تحقّقه،و الآخر أن یلاحظ باللّحاظ التصوّری قبل وجوده بالفرض و التقدیر.و زعم الوجود حاکیا عن الوجود الخارجیّ الذی یسمّی بالوجود اللاّفراغیّ؟أو الوجود التخلّقیّ.

الثانی:أنّ متعلّق الإرادة المؤثّرة لا یکون إلاّ ما فیه المصلحة و المصلحة لا تکون إلاّ فی الوجود،إذ الطبیعة من حیث هی لیست إلاّ هی،فلا مصلحة فیها حتّی یشتاق الإنسان إلیها و یریدها،ثمّ إنّ الوجود المراد لیس هو الوجود الذهنیّ لعدم کونه مورد الأثر.هذا مضافا إلی أنّ الوجود الذهنیّ لا یمکن الامتثال و الإتیان به کما لیس هو الوجود الخارجیّ بعد التحقّق،لأنّه تحصیل الحاصل.فانحصر أن تکون الإرادة متعلّقة بالطبیعة باعتبار وجودها الفرضیّ و الزعمیّ و التقدیریّ الحاکی عن الخارج الذی یسمّی بالوجود اللاّفراغی،لأنّه حامل للمصلحة المرغوب فیها،و هذا أمر ارتکازیّ وجدانیّ لا یحتاج إلی تجشّم الاستدلال.

ص:99

الثالث:أنّ ما ذکرناه فی الإرادة لا یختصّ بالإرادة الفاعلیّة،بل هو جار فی الإرادة التشریعیّة أیضا،لأنّها أیضا ناشئة عن المصلحة،فلا یمکن تعلّقها بما لا مصلحة فیه.

الرابع:إنّ الأمر بعث نحو المراد،کما أنّ النهی زجر عن المکروه.و علیه،فهما تابعان للإرادة و الکراهة؛فإذا عرفت أنّ الإرادة لا تتعلّق إلاّ بما فیه المصلحة،فمتعلّق الأمر أیضا لا یکون إلاّ ما تعلّقت به الإرادة،و هکذا فی طرف الکراهة.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول من أنّ التحقیق الذی یساعد علیه الوجدان هو أنّ الأمر متعلّق بنفس الماهیّة،فی حین توجّه الأمر إلی معدومیّتها، و یرید بالأمر سدّ باب أعدامها و إخراجها إلی الوجود بوسیلة المکلّف (1).

و ذلک لأنّ نفس الماهیّة لا مصلحة فیها،فلا یمکن أن تکون بنفسها غرضا للعاقل حتّی تتعلّق بها الإرادة و البعث،فهذا أمر وجدانیّ ارتکازیّ.

لا نقول إنّ الماهیّة من حیث هی لیست إلاّ هی،فلا یمکن فی هذه المرتبة أن تکون مطلوبة و مرادة و لا مأمورا بها حتّی یقال هذا لا ینافی لحوق شیء بها،إذ الماهیّة و إن کانت من حیث هی لیست إلاّ هی،أی فی مرتبة ذاتها لا تکون إلاّ نفس ذاتها،لکن تلحقها الوحدة و الکثرة و الوجود و غیرها من خارج ذاتها،و کلّ ما یلحقها لیس ذاتا و لا ذاتیّا لها.بل نقول:إنّ الماهیّة من حیث هی هی لا مصلحة فیها، و مع عدم وجود المصلحة فیها لا ینقدح فی النفس شوق و إرادة بالنسبة إلیها حتّی یستفاد بدلالة الاقتضاء أنّ مرید الماهیّة من حیث هی هی أراد تحصیلها فی الخارج.

الخامس:إنّ الکلّیّ الطبیعیّ لا یکون بما هو کلّیّ فی الخارج،لأنّ الخارجیّات جزئیّات و لا تصلح للصدق علی الکثیرین،بل هی حصص موجودة و متکثّرة فی

ص:100


1- 1) مناهج:ج 2 ص 69.

الخارج،إذ حقیقة الإنسانیّة المقارنة لخواصّ زید هی غیر حقیقة الإنسانیة المقارنة لخواصّ عمرو،و هکذا؛فکلّ واحدة من هذه الحقائق الإنسانیّة حصّة للکلّیّ الطبیعیّ و هو الإنسان،و الحصص لیس معناها أنّها الأبعاض،بل معناها أنّها مصادیق و أفراد مجرّدة عن العوارض التی یصحّ أن تسمّی بالأفراد الجوهریّة،فی مقابل الأفراد العرضیّة أو العرفیّة التی تعتبر کمجموع حقیقة الإنسانیّة و الخواصّ.

ثمّ إنّ تحصّص الکلّیّ الطبیعیّ یکون بآحاد مصادیقه الحقیقیّة،لأنّ الکلّیّ الطبیعیّ عین مصادیقه و مصادیقه نفس الطبیعیّ فی اللحاظ العقلیّ،و لیس المراد من تحصّص الکلّیّ الطبیعیّ فی المقام التحصّص بقیود عقلیّة مثل الإنسان الأبیض و الأسود حتّی یقال إنّ القیود العقلیّة کالأبیض و الأسود لا یمکن أن تکون نفس الطبیعیّ فی اللحاظ العقلیّ،و من المعلوم أنّ اتّحاد الطبیعیّ مع مصادیقه الحقیقیّة و مرآتیّة الطبیعیّ عن وجودات مصادیقه کافیة فی سرایة الأمر من الطبیعیّ إلی حقیقة مصادیقه.

نعم،اتّحاد حصص الطبیعیّ فی الخارج مع الخواصّ لا یوجب سرایة الأمر من الطبیعیّ إلی الخواصّ أو الأفراد المشتمل علی الحصص.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول،حیث أنکر الحصص الخارجیّة بدعوی أنّ زید إنسان لا حصّة منه و عمرو إنسان آخر لا حصّة اخری منه،و هکذا..و إلاّ لزم کون زید بعض الإنسان لا الإنسان و عمرو کذلک،و هو ضروریّ الفساد (1).

و ذلک لما عرفت من أنّ المراد من الحصّة لیس مفهوم البعض،بل المراد منها هو المصداق الحقیقیّ و الفرد الجوهریّ،بمعنی أنّ فی زید مصداقا من الإنسانیّة الذی یکون حمل الإنسان علیه حقیقة،باعتبار ذلک المصداق لا باعتبار الخواصّ و لا باعتبار مجموع المصداق و الخواصّ،و حمل الإنسان علی المجموع مسامحة،و هکذا یظهر ما فی

ص:101


1- 1) ج 2 ص 73.

مناهج الوصول أیضا حیث أنکر اتّحاد الحصص مع نفس الطبیعیّ (1)مع ما عرفت من اتّحاد الطبیعیّ مع مصادیقه الحقیقیّة.

إذا عرفت تلک الامور فقد اتّضح لک أنّ الأمر متعلّق بالطبیعة المفروضة الوجود التی تکون مرآة إلی الوجود الخارجیّ المفروض،و الطبیعة المذکورة متّحدة مع حصصها المفروضة الوجود،و یسری الأمر منها إلی حصصها المفروضة لا إلی مقارناتها و ملازماتها،و إن کانت متّحدة معها فی الوجود الخارجیّ،لأنّ الطبیعة لا تحکی عن الأغیار،بل حکایتها منحصرة فی حصصها التی تعبّر عنها بالأفراد الجوهریّة،و من ذلک یظهر أنّ الأمر المتعلّق بالطبیعیّ لا یسری إلی الأفراد العرفیّة أو العرضیّة التی تکون مجموع الحصص و الخصوصیّات و المقارنات،فلا تغفل.

فالقائل بتعلّق الأمر بالطبیعة التی مرآة إلی الأفراد أراد تعلّقه بالأفراد الجوهریّة المفروضة الوجود فی الذهن مع قطع النظر عن مقارناتها من الخصوصیّات، بحیث لو أمکن للمکلّف أن یوجد حصّة الطبیعة و الفرد الجوهریّ من دون مقارناتها لسقط الأمر و حصل الغرض بوجود حصّة الطبیعة لأنّه أتی بالمأمور به.

و القائل بتعلّقه بالفرد دون الطبیعة أراد تعلّقه بالفرد العرفیّ الجامع للحصّة و الخصوصیّات و المقارنات،فیکون المقارنات فی نظره أیضا مأمورا بها.

و علی هذا تظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی،و ذلک لأنّه علی القول بتعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع الحاکیة عن الأفراد الجوهریّة دون الأفراد العرضیّة و العرفیّة،ففی مورد الاجتماع کالصلاة فی الدار المغصوبة-مثلا-لا یسری الأمر من متعلّقه و هو طبیعة الصلاة إلی متعلّق النهی و هو الغصب و لا العکس،لفرض أنّهما طبیعتان مستقلّتان،غایة الأمر أنّ کلّ واحدة منهما مقارنة للاخری أو متّحدة

ص:102


1- 1) ج 2 ص 77

معها باعتبار حصصهما فی الوجود الخارجیّ،فإذن لا مناص من القول بالجواز فی تلک المسألة.

و أمّا علی القول بتعلّق الأوامر و النواهی بالأفراد العرفیّة دون خصوص الطبائع و الحصص و الأفراد الجوهریّة،فلا مناص من الالتزام بالقول بالامتناع فی تلک المسألة،و ذلک لفرض أنّ الأمر علی هذا القول متعلّق بالصلاة مع مقارناتها، و المفروض أنّ الغصب فی مورد الاجتماع مقارن لها،فإذن یکون متعلّقا للأمر،و الحال أنّه متعلّق للنهی أیضا،فیلزم عندئذ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد،و هو محال، ضرورة استحالة کون شیء واحد مأمورا به و منهیّا عنه معا.و تحلیل الفرد الحقیقیّ الخارجیّ فی الذهن إلی فردین موجودین بوجود واحد و جعل کلّ فرد متعلّقا للحکم صحیح،فیما إذا کان المقصود من الأفراد هو الأفراد الحقیقیّة التی لا دخل فی کلّ فرد فرد آخر لا فی الأفراد العرفیّة الجامعة لحقیقة الفرد و مقارناتها من سائر أفراد الحقائق الاخری،فلا تغفل.

و ممّا ذکر یظهر ما فی المحاضرات حیث أنکر الثمرة و أشکل علی استاذه المحقّق النائینیّ قدّس سرّه لاعتقاده بالثمرة.

و ذلک أنّ السیّد الخوئیّ تخیّل أنّ المراد من الفرد هو الفرد الجوهریّ و الحصّة الواقعیّة التی لا دخل لشیء فی تشخّصه،مع أنّ مقصود استاذه المحقّق النائینیّ هو الفرد العرفیّ الجامع للفرد الجوهریّ مع المقارنات.نعم،تعبیره عن المقارنات بالمشخّصات لا یخلو عن الإشکال و المناقشة من جهة أنّ تشخّص کلّ وجود بنفسه لا بوجود غیره جوهرا کان أو عرضا،و لکن جعل الفرد العرفیّ ما یشمل الفرد الجوهریّ و المقارنات لا إشکال فیه،بل هو الظاهر من عنوان الأفراد لو أخذ فی الخطابات.و ممّا ذکر یظهر أیضا ما فی الوقایة،إذ عبّر عن ذلک بالإفراط،حیث قال:لو أفرط القابل بتعلّقها بالأفراد و جعل التشخّصات اللازمة لوجود الطبیعة متعلّقة للتکلیف،فلا جرم

ص:103

یلزم اجتماع الضدّین و لا یجدی فی دفعه تعدّد الجهة،و لکنّه احتمال بعید بل مقطوع بعدمه،إذ المشخّصات لمتعلّق الارادة التشریعیّة کالمشخّصات لمتعلّق الإرادة التکوینیّة،لا یتعلّق بها الفرض و لا یقاس ذلک بمقدّمات المطلوب،إذ الفرق بیّن بین لوازم الوجود (1).و بین أجزاء علّته!و لذلک ذهب إلی أنّ المراد من الفرد هو الفرد الجوهریّ و قال:لا ثمرة بین القول بتعلّق الأحکام بالطبائع و بین القول بتعلّقها بالأفراد،إذ تعدّد الجهة فی الفرد یکفی فی الجواز،کما أنّ تعدّد الجهة یکفی فی الطبیعة.

و الفرد الخارجیّ فی مورد الاجتماع ینحلّ فی العقل إلی فردین موجودین بوجود واحد،و الأحکام متعلّقة بالأفراد فی الذهن بعد تحلیلها لا فی الخارج لأنّه ظرف السقوط لا الثبوت.

و لا یخفی علیک أنّ عنوان الأفراد لو وقع فی الخطابات الشرعیّة فمحمول علی الأفراد العرفیّة،إذ خطابات الشرعیّة واردة علی العرف،و هم لا یفهمون الأفراد الجوهریّة و الحصص؛فلو قلنا بتعلّق الأحکام علی الأفراد،فالمراد بها هی الأفراد العرفیّة.و تظهر الثمرة فی مسألة اجتماع الأمر و النهی،فإنّ اجتماعهما فی الأفراد العرفیّة ممتنع،لأنّ الأفراد العرفیّة باعتبار مقارناتها المتّحدة معها منهیّ عنها،فکیف تصیر مأمورا بها،بخلاف ما إذا کان متعلّق الأحکام هو الطبائع،فإنّ مرکب الأمر مغایر مع مرکب النهی و إن کانت الطبائع مرآة إلی حصصها و أفرادها الجوهریّة،فإنّ حصص کلّ طبیعة مغایرة مع حصص الطبائع الاخری عند التحلیل،و إن کانت موجودة بوجود واحد خارجیّ،إذ متعلّق الأحکام هو الحصص الذهنیّة المفروضة الوجود.

فتحصّل أنّ الأحکام متعلّقة بالطبائع،و الطبائع حیث کانت مرآة تکون حاکیة عن أفرادها المفروضة الوجود،و هذه الأفراد هی الأفراد الجوهریّة التی عبّر عنها

ص:104


1- 1) الوقایة:ص 340

بالحصص،و لا حکایة للطبائع بالنسبة إلی المقارنات و الخصوصیّات لأنّها أجنبیّة عنها،إلاّ أن ینضمّ إلی الطبائع کلمة الأفراد،و یقال إنّ الحکم متعلّق بأفراد الطبائع؛ فکلمة الأفراد حیث إنّها عنوان کلّیّ تحکی عن الأفراد العرفیّة الجامعة للحصص و المقارنات،و المفروض عدم هذا الانضمام.و علیه،فلا یسری الأمر من الطبائع إلی غیر حصصها و الأفراد الجوهریّة،و هکذا النهی عن الطبیعة فلا یسری إلی غیر حصصها.فینتج فی مسألة الاجتماع جواز الاجتماع لتغایر متعلّق الأمر و النهی،إذ الطبیعة فی کلّ طرف مغایر لطرف آخر،سواء کانت الطبیعة حاکیة عن أفرادها الجوهریّة،کما اخترناه و قلنا بسرایة الحکم منها إلی أفرادها الجوهریّة و حصصها،أو لم نقل بالحکایة و السرایة،فإنّ الفرد الجوهریّ من طبیعة-و لو کان متّحدا مع فرد جوهریّ من طبیعة اخری فی الوجود الخارجیّ-مغایر عند التحلیل العقلیّ فی الذهن مع فرد جوهریّ من طبیعة اخری،و المفروض أنّ عروض الخطابات و اتّصافها فی الذهن لا فی الخارج،فلا یکون متعلّق الأمر و النهی متّحدا،و مع عدم الاتّحاد یجوز اجتماع الأمر و النهی.هذا بخلاف ما إذا قلنا بأنّ متعلّق الخطابات هو الأفراد العرفیّة، فإنّها باعتبار ملاحظة مجموع الفرد الجوهریّ و الخصوصیّات توجب اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد،کما مرّ تفصیله،و هو ممتنع،فلا تغفل.

ص:105

الخلاصة:

الفصل السابع فی متعلّق الأوامر و الطلب

و تحقیق ذلک یتوقّف علی امور الأمر الأوّل أنّ لحاظ الطبیعة علی أنحاء منها لحاظها فی ذاتها و منها لحاظها باعتبار الوجود الذهنی و منها لحاظها بما هی مرآة إلی الوجود الخارجی و هو علی قسمین القسم الأوّل أن یلاحظ الخارج باللحاظ التصدیقی بعد تحقّقه و القسم الثانی أن یلاحظ الخارج باللحاظ التصوّری قبل وجوده بالفرض و التقدیر الذی یسمّی بالوجود اللافراغی.

الأمر الثانی:أنّ الطبیعة بما هی لا مصلحة فیها حتّی یشتاق الإنسان إلیها و یریدها و علیه فالطبیعة باعتبار وجودها یکون مورد الاشتیاق و الإرادة و المراد من الوجود لیس الوجود الذهنی إذ لا یکون هو مطلوبا و لا یمکن الإتیان به و الامتثال به و لیس المراد أیضا منه الوجود الخارجی بعد تحقّقه لأنّه تحصیل الحاصل فانحصر الأمر فی الوجود التقدیری الحاکی عن الخارج الذی یسمّی بالوجود اللافراغی.

الأمر الثالث:أنّه لا فرق فیما ذکر بین الإرادة الفاعلیّة و الإرادة التشریعیّة لأنّ کلّ واحدة منهما ناشئة عن المصلحة و هی لا تکون إلاّ فی الطبیعة باعتبار وجودها.

الأمر الرابع:أنّ البعث و الزجر تابعان للإرادة و الکراهة فإذا کانت الإرادة و الکراهة متعلّقتین بالطبیعة باعتبار وجودها فالبعث و الزجر کانا أیضا کذلک.

الأمر الخامس:أنّ الکلّی الطبیعی لا یکون بما هو کلّی فی الخارج لأنّ الخارجیّات جزئیّات لا کلّیّات و الجزئیّات لا تصلح للصدق علی الکثیرین بل حصصه موجودة و متکثّرة فی الخارج و الحصص لیس معناها هی الأبعاض بل معناها أنّها مصادیق و أفراد مجرّدة عن العوارض و المراد بالأفراد هی الأفراد

ص:106

الجوهریّة التی عین الحصص لا الأفراد العرفیّة أو العرضیّة التی تعتبر باعتبار مجموع حصّة الإنسانیّة و الخصوصیّات الضمیمة.

نعم حصص الکلّی الطبیعی متّحدة مع الخصوصیّات فی الخارج و لکنّ ذلک لا یوجب حکایة الکلّی الطبیعی عن الخصوصیّات و لا سرایة الحکم من الطبیعی إلیها لأنّ الکلّی الطبیعی لا یحکی عن غیر حقیقته و المفروض إنّ الحکم فی الذهن متعلّق بالکلّی الطبیعی و لا وجه لسرایته منه إلی الخصوصیّات المتّحدة معها.

إذا عرفت تلک الأمور فقد اتّضح لک أنّ الأمر متعلّق بالطبیعة المفروضة الوجود التی تکون مرآة إلی الوجود الخارجی و یسری الأمر منها إلی حصصها لا إلی مقارناتها و ملازماتها و إن کانت متّحدة معها فی الوجود الخارجی لأنّ الطبیعة موضوع للحکم لا عنوان أفراد الطبیعة و هی لا تحکی عن الأغیار.

فالأفراد الجوهریّة بما أنّها متّحدة مع الطبیعة مشمولة للحکم المتعلّق بالطبیعة لا الأفراد العرفیّة التی تکون مجموع الحصص و المقارنات و الملازمات.

فالقائل یتعلّق الأمر بالطبیعة التی تکون مرآة إلی الأفراد أراد تعلّقه بالأفراد الجوهریّة المفروضة الوجود فی الذهن مع قطع النظر عن مقارناتها من الخصوصیّات.

و القائل بتعلّقه بالفرد دون الطبیعة أراد تعلّقه بالأفراد العرفیّة الجامعة للحصّة و الخصوصیّات أو المقارنات.

و تظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی فإنّ اجتماعهما بناء علی القول بتعلّق الأمر بالطبیعة التی تکون مرآة عن الأفراد الجوهریّة جائز لمغایرة متعلّقهما بخلاف القول بتعلّق الأمر بالأفراد العرفیّة فإنّ اجتماعهما ممتنع إذ مرکّب الأمر و النهی حینئذ واحد و لیس بمتعدّد.

فتحصّل أنّ الأحکام متعلّقة بالطبائع و هی مرآة إلی الأفراد الجوهریّة التی تکون حصصها و لا حکایة لها بالنسبة إلی مقارناتها لأنّها أجنبیّة عنها نعم لو انضمّ

ص:107

إلی الطبیعة عنوان الأفراد و یقال إنّ الحکم متعلّق بأفراد الطبائع فکلمة الأفراد تحکی عن الأفراد و العرفیّة و لکنّ المفروض هو عدم هذا الانضمام و علیه فلا یسری الحکم من الطبائع إلی غیر حصصها سواء کان الحکم المذکور هو الأمر أو النهی.

و ممّا ذکر یظهر إنّ نتیجة المسألة هو جواز اجتماع الأمر و النهی بناء علی تعلّق الحکم بالطبیعة لا أفراد الطبیعة لتغایر متعلّق الأمر و النهی لأنّ الطبیعة فی کلّ واحد منهما مغایرة مع الطبیعة الأخری و حصصهما أیضا تکون متغایرة فلا یسری الحکم من طبیعة إلی طبیعة أخری و لا من حصص کلّ واحدة منها إلی حصص أخری و اتّحادهما بحسب الوجود الخارجی لا یضرّ بذلک لأنّ حصص کلّ واحدة منهما متغایرة مع الاخری فی التحلیل العقلی و المفروض إنّ عروض الخطابات و اتّصافها فی الذهن لا فی الخارج فلا یکون متعلّق الأمر و النهی متّحدا و مع عدم الاتّحاد یجوز اجتماعهما بخلاف ما إذا کان متعلّق الخطابات هی الأفراد العرفیّة فإنّها باعتبار کونها مجموع الفرد الجوهری و الخصوصیّات توجب اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو ممتنع.

ص:108

الفصل الثامن:فی أنّه بعد نسخ الوجوب هل یبقی

اشارة

الرجحان أو الجواز بالمعنی الأخصّ أو الأعمّ أو لا؟

ذهب فی الکفایة إلی أنّه لا دلالة لدلیل الناسخ و لا المنسوخ علی ذلک،کما لا دلالة لهما علی ثبوت الحرمة،فإنّه بعد رفع الوجوب یمکن ثبوت کلّ واحد من الأحکام الأربعة من المستحبّ و المکروه و الإباحة و الحرمة و لا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها،فلا بدّ للتعیین من دلیل آخر.

و حیث کان کلّ واحد من الأحکام مع الآخر من المباینات و المتضادّات العرفیّة،فلا مجال لاستصحاب الجواز بالمعنی الاستحباب بعد رفع الوجوب لأنّهما متباینان عرفا فلا مجال للاستصحاب إذا شکّ فی تبدّل أحدهما بالآخر،فإنّ حکم العرف و نظره یکون متّبعا فی هذا الباب،انتهی مع تلخیص (1).بل ذهب فی مناهج الوصول إلی عدم جریان الاستصحاب فی الجواز الجامع بین الوجوب و الجواز بالمعنی الأخصّ و الاستحباب لعدم کون الجواز المذکور مجعولا و حکما شرعیّا،إذ الجعل تعلّق بکلّ واحد منها،و العقل ینتزع من الجعل المتعلّق بها الجواز بالمعنی الأعمّ،و هذا

ص:109


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 224.

الأمر الانتزاعیّ لیس حکما شرعیّا و مجعولا شرعا فلا مجال لاستصحابه (1).

یمکن أن یقال أوّلا:إن کان مفاد النسخ هو رفع البعث الصادر من المولی فلا دلالة للناسخ و لا للمنسوخ علی الرجحان أو الجواز،و أمّا إن کان المفاد هو رفع الإلزام بالترخیص فی الترک مع بقاء البعث فهو موضوع لحکم العقلاء بالاستحباب، کما أنّ البعث مع عدم الترخیص موضوع لحکمهم بالوجوب،لما قرّر فی محلّه من أنّ الوجوب و الاستحباب لیسا داخلین فی مدلولی هیئة افعل،بل هما أمران انتزاعیّان من البعث مع عدم الترخیص و البعث مع الترخیص.

لیس معنی ما ذکرناه هو أنّ لدلیل الوجوب ظهورات یبقی بعضها مع سقوط بعض،حتّی یقال کما فی منهاج الوصول بأنّ البعث الإلزامی لا یکون له ظهور إلاّ فی نفس البعث و یفهم الإلزام من أمر آخر کحکم العقلاء بکونه تمام الموضوع لوجوب الطاعة إلاّ أن یقوم دلیل علی الترخیص،و لو فرض ظهوره فی الوجوب وضعا لا یکون له إلاّ ظهور واحد،فمع قیام الدلیل علی النسخ لا یبقی ظهور له (2).

بل نقول:لا یصدر من المولی إلاّ البعث،و الوجوب هو حکم العقلاء، و موضوعه هو البعث مع عدم الترخیص،و هذا الحکم باق ما دام البعث موجودا و لم یبدّل عدم الترخیص بالترخیص،و إذا بدّل الشارع بالنسخ و رفع الإلزام عدم الترخیص بالترخیص حکم العقلاء بالاستحباب،لأنّ موضوع حکمهم بالاستحباب هو وجود البعث مع الترخیص فی الترک و کلاهما موجود،إذ المفروض أنّ البعث لم یرتفع و الترخیص حادث بالنسخ و رفع الإلزام،و من المعلوم أنّ البعث مع الترخیص موضوع لحکم العقلاء بالاستحباب،کما إذا کان من أوّل الأمر کذلک؛فدلیل المنسوخ

ص:110


1- 1) ج 2 ص 83.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 81.

یدلّ علی البعث،و دلیل الناسخ یدلّ علی الترخیص،و مجموعهما موضوع لحکم العقلاء بالاستحباب.

و لا نقول أیضا بأنّ الوجوب-و إن کان بسیطا-یتضمّن مراتب عدیدة و هی أصل الجواز و الرجحان و الإلزام،فیمکن أن یرتفع بعض المراتب و یبقی الآخر،و بما أنّ الوجوب حقیقة ذات تشکیک فلا حاجة إلی إثبات مرتبة بعد ارتفاع الأخری إلی دلیل علی الفصل،فإنّه بعد ذهاب مرتبة منه یتحدّد قهرا بالاخری،نظیر الحمرة الشدیدة التی تزول مرتبة منها فتبقی اخری،کما ذهب إلیه المحقّق العراقی فی نهایة الأفکار.حتّی یقال-کما فی مناهج الوصول-بأنّ الوجوب من الامور الانتزاعیّة و هی لیست ذات مراتب،و التفاوت بین البعث الإلزامی و الاستحبابی لیس فی نفس البعث بل فی منشئه الذی هو الإرادة (1).بل نقول بأنّ الوجوب بسیط و لا یتضمّن المراتب المذکورة،و لکنّ موضوعه هو البعث مع عدم الترخیص،فإذا نسخ الوجوب و رخّص فی الترک من دون رفع أصل البعث تبدّل موضوع الحکم العقلاء بالوجوب بموضوع حکمهم بالاستحباب.

و علیه،فالمتّبع هو لسان دلیل الناسخ من أنّه رافع لأصل البعث فلا دلالة علی الرجحان و الجواز أو أنّه رافع للإلزام و مبدّل لعدم الترخیص بالترخیص،فیحکم بعد رفع الوجوب بالاستحباب بالتقریب الذی ذکرناه.

و ثانیا:أنّه مع التسلیم بعدم دلالة دلیل الناسخ و المنسوخ،یمکن التمسّک باستصحاب الإرادة بناء علی أنّ الاستصحاب أصل محرز،کما یشهد له أدلّة اعتباره الدالّة علی إبقاء الیقین و عدم نقضه،فإنّه لحن کلحن صدق العادل فی الأمارات، و یشهد أیضا تقدّم الاستصحاب علی سائر الاصول.و علیه،فالاستصحاب حینئذ

ص:111


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 80.

کالأمارات فی تنجیز الواقع،فکما أنّ العلم ینجّز الواقع کذلک الاستصحاب،فالیقین بالإرادة کما أنّه کان منجّزا لها حدوثا کذلک یکون هو بحکم الاستصحاب منجّزا لها بقاء.

و بالجملة،لو علم بإرادة ملزمة من المولی لزم الإتیان بمقتضاها،و إن منعه مانع عن صدور الأمر فهکذا إذا علم بها و شکّ فی بقائها لزم الإتیان بمقتضاها،و إذا علم بها بالمرتبة الشدیدة ثمّ زالت شدّتها و شکّ فی بقاء أصل الإرادة أمکن استصحاب أصل الإرادة و الحکم برجحان الإطاعة،لأنّ الإرادة الحتمیّة و الندبیّة-کما أفاد المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه-مرتبتان من الإرادة،و هی نوع واحد لا تفاوت بین الشدیدة و الضعیفة منها فی النوعیّة،بل فی الوجود علی التحقیق،و کما أنّ البیاض الشدید إذا زالت شدّته و بقی بمرتبة ضعیفة منه لا یعدّ وجودا آخر لا عقلا و لا عرفا،بل هو وجود واحد زالت صفته،فکذا الإرادة الشدیدة و الضعیفة،و التفاوت فی لحاظ العقل و العرف إنّما نشأ من الخلطة بین الأمر الانتزاعیّ و الکیف النفسانیّ (1).

و علیه،فلا حاجة فی الاستصحاب إلی کون المستصحب حکما شرعیّا أو موضوعا للحکم الشرعیّ،بل یکفی نفس الإرادة للزوم الاتّباع أو رجحانه.

و لذلک قال استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه:و التحقیق هو إجراء الاستصحاب لمعلومیّة أصل الرجحان و الشکّ فی ارتفاعه و اتّحاد الشدید مع الضعیف عرفا کاتّحاد السواد الشدید مع السواد عرفا،أ لا تری أنّه إذا کان شیء شدید السواد ثمّ ارتفع شدّته لا یراه العرف مغایرا لما علمه سابقا.

و علیه،فلا مانع من إجراء الاستصحاب فی مقام الثبوت و إثبات أصل الرجحان و ترتّب الآثار علیه،و إن لم یثبت الاستحباب الاصطلاحیّ،لأنّ المعلوم هو

ص:112


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 65.

أصل الرجحان لا الاستحباب المحدود بحدّه الخاصّ.

و هکذا یمکن إجراء الاستصحاب فیما إذا نهی الشارع عن شیء ثمّ نسخه و یحکم بمرجوحیّته لا الکراهة المحدودة بحدّ خاصّ،بل یمکن إجراء الاستصحاب فی مقام الإثبات و إثبات أصل البعث،کما إذا شکّ فی أنّ النسخ رفع البعث أو رفع الإلزام فیجری الاستصحاب فی أصل البعث،و هو مع رفع الإلزام و الترخیص یحقّق موضوع الاستحباب.

فتحصّل أنّ الأولی هو التفصیل بین ما إذا کان مفاد الناسخ هو رفع البعث،فلا یبقی شیء حتّی یبحث عن بقاء الرجحان أو الجواز،و بین ما إذا کان مفاد الناسخ هو رفع الإلزام بإفادة الترخیص فالأقوی هو الحکم باستحباب العمل لتمامیّة موضوع حکم العقلاء لبقاء البعث و انضمامه مع الترخیص.و علیه یمکن القول باستحباب کلّ واجب منسوخ فی شرعنا أو الشرائع السابقة إذا کان لسان ناسخها هو رفع الإلزام بإفادة الترخیص.

و أیضا یجری ما ذکر فی طرف المحرّمات؛فإنّه بعد نسخها إمّا یکون مفاد الناسخ هو رفع الزجر رأسا فلا دلیل علی الکراهة،و إمّا یکون مفاده هو رفع الإلزام و إفادة الترخیص فی الفعل فیمکن الحکم بکراهة المنسوخ،فافهم و اغتنم،و أحمد اللّه تعالی.

ص:113

الخلاصة:

الفصل الثامن

فی أنّه هل یدلّ دلیل الناسخ أو المنسوخ بعد نسخ الوجوب علی الرجحان أو الجواز بالمعنی الأخصّ أو الأعمّ أو لا یدلّ.

و الذی ینبغی أن یقال إنّه إن کان مفاد النسخ هو رفع البعث الصادر من المولی فلا دلالة للناسخ و لا للمنسوخ علی ذلک کما ذهب إلیه صاحب الکفایة فإنّ بعد رفع البعث یمکن ثبوت کلّ واحد من الأحکام الأربعة من المستحبّ و المکروه و الإباحة و الحرمة و لا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها.

و أمّا إن کان مفاد النسخ هو رفع الإلزام بالترخیص فی الترک مع بقاء البعث علی حاله فلا إشکال فی کون البحث الباقی مع الترخیص فی الترک موضوعا لحکم العقلاء بالاستحباب کما أنّ البحث مع عدم الترخیص موضوع لحکم العقلاء بالوجوب لما مرّ فی محلّه من أنّ الوجوب و الاستحباب لیسا داخلین فی مدلولی هیئة افعل بل هما أمران انتزاعیان من البحث مع عدم الترخیص و البحث مع الترخیص.

و علیه فالمتبع هو لسان دلیل الناسخ فإن کان هو رفع أصل البحث فلا دلالة علی الرجحان و الجواز و إن کان رفع الإلزام و الوجوب بالترخیص فی الترک فیحکم بالاستحباب بعد رفع الإلزام و الوجوب و بقاء البحث بالترقیب الذی ذکرناه.

و هکذا الأمر فی طرف المحرّمات فإنّ مفاد الناسخ إن کان رفع الزجر فلا دلالة لدلیل الناسخ کالمنسوخ علی أنّ الباقی هو المکروه أو غیره من الأحکام و إن کان مفاد الناسخ هو الترخیص فی الفعل مع بقاء الزجر عن الفعل فهو موضوع لحکم العقلاء

ص:114

بالکراهة کما لا یخفی.

و لو شکّ فی رفع أصل البحث أو الزجر أمکن استصحاب أصل البعث أو الزجر فهو مع رفع الإلزام یفید الاستحباب فی الأوّل و الکراهة فی الثانی.

ص:115

الفصل التاسع:فی تصویر الوجوب التخییریّ؛

اشارة

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل فی تصویر الوجوب التخییریّ فی المتباینات،و هنا وجوه:منها ما یظهر من الکفایة حیث قال-فیما إذا کان الغرض من الأمر بأحد الشیئین واحدا یقوم به کلّ واحد منهما،بحیث إذا أتی بأحدهما حصل به تمام الغرض و لذا یسقط به الأمر- هو أنّ الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما،و کان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلیّا لا شرعیّا،و استدلّ له بقاعدة أنّ الواحد لا یکاد یصدر من اثنین بما هما اثنان ما لم یکن بینهما جامع فی البین،لاعتبار نحو من السنخیّة بین العلّة و المعلول؛و علیه فجعلهما متعلّقین للخطاب الشرعیّ لبیان أنّ الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین (1).

و محصّله کما أفاد استاذنا الأراکی قدّس سرّه أنّ التخییر الشرعیّ راجع إلی التخییر العقلیّ و أنّه متعلّق بالجامع بین المتباینین أو المتباینات،فهو فی الحقیقة وجوب واحد تعیّنیّ یتعلّق بموضوع واحد،و الفرق بینه و بین التعیّنیّ المصطلح أنّ الأفراد هناک واضحة عندنا و هنا یحتاج إلی بیانها من الشرع؛فالأمر المتعلّق بالأفراد إرشادیّ مسوق لبیانها،و الملزم أمر آخر متعلّق بالجامع مکشوف بهذا الأمر،و ذلک لضرورة

ص:116


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 225.

استحالة استناد المصلحة الواحدة التی یرید الأمر تحصیلها من کلّ واحد علی البدل إلی المتعدّد (1).

و فیه:أنّ الظاهر من الخطابات الشرعیّة الواردة فی موارد التخییر هو تعلّقها بالأشیاء الخاصّة کخصال الکفّارات،أعنی إطعام الستّین أو صیام الستّین أو العتق، و هذا هو التخییر الشرعیّ بین هذه الامور،و رفع الید عن هذا الظاهر و إرجاع الخطاب إلی الجامع محتاج إلی الدلیل و الاستدلال بالقاعدة المذکورة فی غیر محلّه،لما مرّ مرارا من أنّ قاعدة عدم صدور الکثیر عن الواحد و قاعدة عدم صدور الواحد عن الکثیر مخصوصة بالواحد الشخصیّ فلا تشمل الواحد النوعیّ.و لذا نجد بالوجدان إمکان استناد الواحد النوعیّ إلی المتعدّد کالحرارة،فإنّها واحد نوعیّ و یستند إلی الحرکة تارة و إلی النار اخری و إلی شعاع الشمس ثالثة،و هکذا.

و تدارک التخلّف فی صیام شهر رمضان واحد نوعیّ یستند إلی الامور الثلاثة و لا إشکال فی استناد الواحد النوعیّ إلی المتعدّدات،فلا وجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات الواردة فی موارد التخییر الشرعیّ و إرجاعه إلی جامع و إنکار التخییر الشرعیّ.

و منها ما یظهر من المحاضرات،حیث قال إنّ الواجب هو أحد الفعلین أو الأفعال لا بعینه و نحوهما من الجوامع الانتزاعیّة،بدعوی أنّه لا مانع من تعلّق الأمر بها أصلا،بل یتعلّق بها الصفات الحقیقیّة کالعلم و الإرادة و ما شاکلهما،فما ظنّک بالحکم الشرعیّ الذی هو أمر اعتباریّ محض،و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباریّ کما یصحّ تعلّقه بالجامع الذاتیّ کذلک یصحّ تعلّقه بالجامع الانتزاعیّ،فلا مانع من اعتبار الشارع ملکیّة أحد المالین للمشتری عند قول البائع:بعت أحدهما،بل وقع ذلک فی

ص:117


1- 1) اصول الفقه لشیخنا الأراکی:ج 1 ص 100.

الشریعة المقدّسة کما فی باب الوصیّة،فإنّه إذا أوصی المیّت بملکیّة أحد المالین لشخص بعد موته فلا محالة یکون ملکا له بعد موته و تکون وصیّته بذلک نافذة.و علی الجملة، فلا شبهة فی صحّة تعلّق الأمر بالعنوان الانتزاعیّ و هو عنوان أحدهما،و مجرّد أنّه لا واقع موضوعیّ له لا یمنع عن تعلّقه به،ضرورة أنّ الأمر لا یتعلّق بواقع الشیء،بل بالطبیعیّ الجامع.و من الواضح جدّا أنّه لا یفرّق فیه بین أن یکون متأصّلا أو غیر متأصّل أصلا-إلی أن قال-:فالنتیجة علی ضوء هذه النواحی هی أنّه لا بدّ من الالتزام بأنّ متعلّق الوجوب فی موارد الواجبات التخییریّة هو العنوان الانتزاعیّ من جهة ظهور الأدلّة فی ذلک،ضرورة أنّ الظاهر من العطف بکلمة(أو)هو وجوب أحد الفعلین أو الأفعال (1).

و فیه ما لا یخفی؛فإنّ تعلّق الخطاب بالعناوین الانتزاعیّة کعنوان أحدهما أو أحد الامور-و إن کان أمرا ممکنا-و لکنّه خلاف ظاهر الخطابات الشرعیّة،فإنّ إنشاء الوجوب فیها لم یتعلّق بعنوان أحدهما،بل هو أمر ینتزعه العقل من تعلّق الوجوب بالامور المتعدّدة،مع جواز ترک کلّ واحد مع إتیان الآخر و الاستدلال لتعلّق الخطاب بعنوان أحدهما بظهور کلمة(أو)کما تری؛فإنّ الظاهر من العطف بکلمة(أو)هو عدم اختصاص الوجوب بالمذکور قبله،لا أنّ الوجوب متعلّق بالجامع الانتزاعیّ،و من المعلوم أنّ عدم اختصاص الوجوب بالمذکور قبل(أو) و تعدّیه إلی مدخول کلمة أو ظاهر فی التخییر الشرعیّ.

فتحصّل أنّ إرجاع الخطابات الشرعیّة فی موارد التخییر إلی العنوان الانتزاعیّ و القول بأنّ الخطاب المتوجّه إلی العنوان الانتزاعیّ متعیّنا و التخییر فی تطبیقه علی الموارد عقلیّ لا دلیل له جدّا،بل الظاهر خلافه.

ص:118


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 41.

و منها ما نسبه کلّ من الأشاعرة و المعتزلة إلی الآخر و تبرّأ منه علی المحکی، و هو أنّ الواجب هو المعیّن عند اللّه و هو ما یختاره المکلّف فی مقام الامتثال.

و فیه أوّلا:أنّه مخالف لظواهر الأدلّة الدالّة علی عدم تعیّن الواجب علی المکلّف فی الواقع و نفس الأمر،بل یکون الوجوب علی نحو التخییر،فما یختاره المکلّف مصداق للواجب،لا أنّه الواجب بعینه (1).

و ثانیا:أنّه مناف لقاعدة الاشتراک فی التکلیف،ضرورة أنّ لازم هذا القول هو اختلاف التکلیف باختلاف المکلّفین فی الاختیار.

و ثالثا:أنّ لازم هذا القول هو عدم وجوب شیء فی الواقع لو لم یختر المکلّف أحدهما،لأنّ الوجوب منوط باختیار المکلّف و هو مفقود،و مقتضی عدم وجوب شیء فی الواقع هو عدم العصیان بترکهما.

و رابعا:أنّ الأوامر التخییریّة لا تختصّ بأوامر اللّه تعالی،لکثرة صدورها عن الموالی العرفیّة،کما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه.

و منها وجوب کلّ منهما تعیّنا مع السقوط بفعل أحدهما.

و فیه أوّلا:أنّ لازمه هو تعدّد العقاب لو ترکهما رأسا،أو تعدّد الثواب و الامتثال لو أتی بهما،مع أنّهما کما تری.

و ثانیا:أنّه مخالف لظاهر الدلیل،لأنّ کلمة(أو)ظاهرة فی التخییر لا التعیّن، و إلاّ لکان اللازم هو الإتیان بکلمة(واو)بدل کلمة(أو).

و منها ما ذهب إلیه فی الکفایة عند تعدّد الفرض من تعریف الوجوب التخییریّ،بأنّه نحو وجوب یستکشف عنه تبعاته من عدم جواز ترکه إلاّ إلی الآخر.

و فیه أوّلا:أنّه تعریف بالمجمل.

ص:119


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 26.

و ثانیا:کما أفاد استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه أنّ لازمه هو عدم جواز کلّ واحد منهما إذا ترکهما رأسا،لأنّ ترکهما لا یکون إلی بدل؛و مقتضی عدم جواز کلّ واحد منهما هو ترتّب العقابین لا العقاب الواحد،و هو کما تری.

و منها وجوب کلّ واحد بشرط ترک الآخر.

و فیه أوّلا:أنّ لازمه هو وجوبهما إذا ترکهما رأسا و تعدّد العقاب و هما کما تری.

و ثانیا:أنّ ذلک خلاف ظاهر الأدلّة.

فالتحقیق فی تصویر الوجوب التخییریّ هو أن یقال-کما أفاد استاذنا الأراکی قدّس سرّه-إنّ الطلب التخییریّ سنخ مستقلّ من الطلب،و هو طلب واحد له قرنان أو ثلاثة قرون أو أربعة فصاعدا قد تعلّق کلّ قرن منه بخاصّ.

فحاله حال الشکّ فإنّه متقوّم بطرفی الوجود و العدم،بحیث یرتفع بارتفاع أحدهما،و کذا الطلب المتقوّم بالقرنین أیضا یرتفع بکسر أحد قرنیه بإتیان متعلّقه و کذا المقوّم بالثلاثة فصاعدا.

فبقولنا طلب واحد خرج الطلب الاستغراقیّ کأکرم کلّ واحد من هذین،فإنّه ینحلّ إلی طلبات متعدّدة غیر مرتبط بعضها ببعض،و بقولنا قد تعلّق کلّ قرن منه بخاصّ خرج الطلب المجموعیّ،فإنّ کلّ واحد من الشیئین أو الأشیاء قد لوحظ فیه علی نحو الجزئیّة لا علی نحو الاستقلال.

و بعبارة اخری الإرادة علّقت أوّلا بإکرام زید مثلا ثمّ غضّ النظر عنه کأنّه لم یکن فی البین أصلا و جیء فی محلّه بآخر ثمّ غضّ النظر عنه أیضا و جیء بثالث و هکذا،لا أنّها علّقت بعنوان واحد أخذ مرآة للإکرامات و لا بالمجموع المرکّب منها الملحوظ شیئا واحدا.

و هذا السنخ من الطلب لا بدّ من تصویره:افرض أنّ التخییر الشرعیّ راجع إلی طلب واحد متعلّق بالجامع،إذ ننقل الکلام حینئذ إلی التخییر العقلیّ،فیما إذا وقعت

ص:120

الطبیعة مورد الأمر،فإنّ الحاکم بأجزاء کلّ فرد هو العقل،فلا یمکن تصحیح هذا الطلب الإرشادی للعقل إلاّ بهذا الوجه.فتحصّل أنّ تصویر الوجوب التخییریّ-کما صرّح به استاذنا الحائریّ قدّس سرّه فی درسه-کتصویر الشکّ،فإنّ الشکّ احتمال هذا أو ذاک،و الوجوب التخییریّ هو البعث إلی هذا أو ذاک (1).

و إلیه یؤول ما أفاده سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّ ظاهر قولهم افعل ذلک أو ذاک لیس هو البعث نحو الواحد لا بعینه و إن کان هو ممکنا بحسب مقام الثبوت،لأنّ إنشاء الوجوب لم یتعلّق بعنوان أحدهما،بل هو أمر ینتزعه العقل منه.

و الخطاب المذکور نحو من الوجوب الذی یبعث المخاطب نحو الفعل و یرفع البعث ثانیا و یبعثه ثانیا نحو فعل آخر.و هو بالفارسیة:(این بله نه آن بله است)انتهی.

و الحاصل أنّ الطلب واحد له شعب متعدّدة یبعث المخاطب نحو أشیاء متعدّدة لا علی الاستغراق و لا علی المجموع،بل بقرینة کلمة(أو)یبعثه نحوها علی البدلیّة،أی ائت بهذا أو ذاک،و هذا هو التخییر الشرعیّ،و هو نوع مستقلّ فی قبال الوجوب التعیینیّ.

لا یقال:إنّ النسبة البعثیّة جزئیّة و الجزئیّ لا یکون قابلا للتقیید،و علیه فکیف یمکن أن یبعث نحو شیء ثمّ تردّد فیه و بعث نحو شیء آخر،مع أنّ لازمه هو تقیید النسبة البعثیّة مع أنّها جزئیّة،لأنّا نقول إنّ النسبة الإنشائیّة البعثیّة من الامور الاعتباریّة التی تکون خفیفة المئونة،فیمکن تقییدها من أوّل الأمر من باب ضیق فم الرکیة،و لذا اتّفق أهل العربیّة علی رجوع قیود الکلام إلی النسبة؛ففی قوله:ضربته یوم الجمعة أمام الأمیر،یرجع قوله یوم الجمعة أمام الأمیر إلی النسبة.و علیه،فکما لا مانع من تقیید نسبة الکلام بالقیود المذکورة فکذلک لا مانع من أن یقیّد الوجوب

ص:121


1- 1) راجع اصول الفقه لشیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه:ج 1 ص 101-102 و غیره.

المتعلّق بشیء بکلمة«أو بذلک».

لا یقال:إنّ اللازم من الوجوب التخییریّ هو التردّد الواقعیّ فی الإرادة التشریعیّة و متعلّقها و فی البعث و متعلّقه فکلّ ذلک محال لاستلزامه الإبهام الواقعیّ فی المتشخّصات و المتعیّنات الواقعیّة.

لأنّا نقول:أنّا نمنع التردید و الإبهام لا فی الإرادة و لا فی متعلّقها و لا فی البعث و لا فی المبعوث إلیه،لأنّ جمیعها من المتعیّنات،إذ الإرادة أمر وجودیّ متعیّن و لا تردّد فی وجود الإرادة و تعلّقها بهذا أو ذاک،أیضا لا تردّد فیه،بل هو واقع بالنسبة إلیهما علی البدل،و متعلّق الإرادة أیضا متعیّن سواء کان هو هذا أو ذاک،و مجرّد کون المتعلّق أمرین علی سبیل التبادل لا یستلزم التردّد الخارجیّ،کما أنّ الشکّ أمر وجودیّ و هو باعتبار کونه أمرا وجودیّا لا تردید فیه،و مجرّد کونه محتمل الطرفین لا یوجب جعله من المبهم و غیر المتعیّن.

و لعلّ منشأ التوهّم المزبور هو توهّم أنّ متعلّق الإرادة فی الخارج هو الفرد المردّد،و لکنّه غفلة واضحة لأنّ المتعلّق هو المتعیّنات لا الفرد المردّد،ثمّ إنّ الإرادة التخییریّة و البعث التخییریّ کالشکّ؛فکما أنّ الشکّ وجود وحدانیّ فکذلک الإرادة التخییریّة و البعث التخییریّ،و مجرّد تعدّد المتعلّق لا یوجب تعدّد الشکّ؛و الإرادة التخییریّة و البعث التخییریّ قول القائل ائت بهذا أو بذاک الظاهر فی الوجوب التخییریّ حاک عن الإرادة الواحدة و البعث الواحد لا الإرادتین أو البعثین.نعم،هذا البعث له شعبتین:إحداهما متعلّقة بهذا و الاخری متعلّقة بذاک،و لا ینافی ما ذکر تحلیل هذا الخطاب الواحد بالخطابات المتعدّدة کقوله:افعل هذا أو افعل ذاک.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول،حیث ذهب فی الجواب عن الإشکال الثبوتیّ فی الوجوب التخییریّ إلی تعدّد الإرادة و البعث،حیث قال:إنّ المولی إذا رأی أنّ فی شیء أو أشیاء مصلحة ملزمة واف کلّ منها بغرضه،بحیث یکون کلّ من

ص:122

الطرفین أو الأطراف محصّله،فلا محالة یتوسّل لتحصیل غرضه بهذا النحو بإرادة بعث متعلّق بهذا و إرادة بعث آخر متعلّق بذاک،مع تخلّل لفظة(أو)لإفهام أنّ کلّ واحد منهما محصّل لغرضه و لا یلزم الجمع بینهما؛فهاهنا إرادة متعلّقة بمراد و بعث متعلّق بمبعوث إلیه،کلّها متعیّنات مشخّصات لا إبهام فی شیء منها.و إرادة اخری متعلّقة بمراد آخر و بعث آخر إلی مبعوث إلیه آخر کلّها معیّنات مشخّصات،و بتخلّل کلمة أو و ما یراد منها یرشد المأمور إلی ما هو مراده و هو إتیان المأمور بهذا أو ذاک إلخ (1).لما عرفت من أنّ سنخ الطلب فی الوجوب التخییریّ غیر سنخ الطلب فی الوجوب التعیینیّ،إذ الوجوب التعیینیّ لیس له إلاّ شعبة واحدة و الوجوب التخییریّ له شعبتان أو شعب فی عین کونه طلبا و بعثا واحدا.

هذا مضافا إلی أنّ تعدّد البعث و الإرادة مع عدم منافاة بین الأغراض یستلزم تعدّد استحقاق الثواب لو أتی بهما دفعة واحدة،و هو کما تری.

المقام الثانی فی إمکان تصویر الوجوب التخییری و عدمه بین الأقلّ و الأکثر؛ فیمکن أن یقال بامتناعه بینهما لأنّ الأقلّ-و لو وجد فی ضمن الأکثر-یکون هو الواجب لحصول الغرض به،و مع حصول الغرض به یکون الزائد علیه من أجزاء الأکثر غیر الواجب،إذ بعد حصول الغرض لا یبقی الأمر،و مع عدم بقاء الأمر لا وجوب للزائد.و هذا واضح فی التدریجیّات من دون فرق بین کون الغرض واحدا أو متعدّدا،لأنّه مع التعدّد لا یجب الجمع بینهما،بل یکفی إتیان أحدهما فی حصول الغرض و سقوط الأمر؛فإذا أتی بالأقلّ أتی بالغرض،و مع الإتیان به یسقط الأمر، و مع سقوط الأمر لا مجال لوجوب الأکثر و لو کان الغرض متعدّدا،و إلاّ خرج المورد عن الوجوب التخییریّ و دخل فی الوجوبین التعیینیّین.

ص:123


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 86-88.

و أمّا فی الدفعیّات؛فإن کان هنا غرض واحد ففی مناهج الوصول لا یعقل التخییر بینهما أیضا،لأنّ الغرض إذا حصل بنفس ذراع من الخطّ بلا شرط کان التکلیف بالزیادة بلا ملاک فتعلّق الإرادة،و البعث بها لغو ممتنع،و مجرّد وحدة وجود الأقلّ بلا شرط مع الأکثر خارجا لا یدفع الامتناع بعد کون محطّ تعلّق الأمر هو الذهن[الذی هو]محلّ تجرید طبیعة المطلوب عن غیره من اللواحق الزائدة.

و إن کان لکلّ منهما غرض غیر ما للآخر؛فإن کان بین الغرضین تدافع فی الوجود فلا یمکن اجتماعهما أو یکون اجتماعهما مبغوضا للأمر،فلا یعقل التخییر أیضا، لأنّ الأقلّ بلا شرط موجود مع الأکثر؛فإذا وجدا دفعة لا یمکن وجود أثریهما للتزاحم أو یکون اجتماعهما مبغوضا،فلا یعقل تعلّق الأمر بشیء لأجل غرض لا یمکن تحصیله أو یکون مبغوضا.

و أمّا إذا کان الغرضان قابلین للاجتماع و لا یکون اجتماعهما مبغوضا و إن لم یکن مرادا أیضا فالتخییر بینهما جائز،لأنّ الأقلّ مشتمل علی غرض مطلوب و الأکثر علی غرض آخر مطلوب،فإذا وجد متعلّق الغرضین کان للمولی أن یختار منهما ما یشاء (1).

ذهب فی الکفایة إلی جواز التخییر بین الأقلّ و الأکثر فیما إذا کان کلّ منهما بحدّه محصّلا للغرض،بحیث لا یکون الأقلّ فی ضمن الأکثر محصّلا و بعبارة اخری أنّ الغرض إذا کان مترتّبا علی الأقلّ بشرط لا عن الغیر لا علی الأقلّ مطلقا جاز التخییر بین الأقلّ و الأکثر،من دون فرق بین أن یکون للأقلّ وجود مستقلّ کتسبیحة واحدة فی ضمن التسبیحات الأربع،أو لا یکون له وجود کذلک کالخطّ القصیر فی

ص:124


1- 1) مناهج الوصول:ص 90-91.

ضمن الخطّ الطویل.

فإنّ الغرض لا یترتّب إلاّ علی الأقلّ الذی لا یجتمع مع الأکثر،و أمّا الذی یجتمع معه فلا أثر له و لا یکون محصّلا للغرض،سواء کان له وجود مستقلّ أو لم یکن.

و فیه أنّ ذلک التصویر-و إن کان أمرا معقولا-خروج عن محلّ البحث،إذ تقیید الأقلّ بشرط لا یوجب أن یکون الأقلّ متباینا مع الأکثر،و مع المباینة لا إشکال فی جواز التخییر،لما عرفت من جواز التخییر بین المتباینات.

هذا مضافا إلی أنّه خلاف ظواهر الأدلّة التی یتفاهمها العرف،فإنّ المنصرف إلیه عندهم من التخییر-کما أفاد المحقّق النائینی قدّس سرّه-هو ذات الواحد و الاثنین لا الواحد بشرط لا،فإثبات التخییر بینهما بالمعنی المعقول یحتاج إلی دلیل قویّ بحیث لا یمکن حمله علی غیر التخییر،و أخبار الباب-أی باب التسبیحات الأربع-لیست کذلک لظهورها و قابلیّتها لحمل الزائد علی الأربع علی الاستحباب،فلا تصلح لإثبات التخییر.و هذا البحث مطّرد فی أمثال المقام،ممّا یحتمل فیه التخییر بین الأقلّ و الأکثر کذکر الرکوع.و بالجملة،فإمکان التخییر المذکور لا یوجب حمل الأخبار علیه (1).

فتحصّل أنّ التخییر بین الأقلّ و الأکثر،فیما إذا کان الأقلّ ملحوظا بنحو لا بشرط،غیر معقول إلاّ فی بعض الصور کالدفعیّات عند تعدّد الغرض و عدم التدافع بینها،و أمّا إذا کان الأقلّ ملحوظا بنحو بشرط لا فالتخییر بینهما معقول،و لکنّ الأقلّ و الأکثر یدخلان فی المتباینین و یخرجان عن عنوان الأقلّ و الأکثر،و حیث إنّ ظواهر الأدلّة لا تساعد اعتبار بشرط لا فلا تحمل تلک الظواهر علی التخییر المعقول ما دام

ص:125


1- 1) تقریرات بحث الصلاة:ج 2 ص 180.

أمکن حملها علی غیر التخییر کوجوب الأقلّ و استحباب الزائد،کما ذهب إلیه الأصحاب فی مثل التسبیحات الأربع و نحوها من التدریجیّات،أو کوجوب صرف الوجود و أصل الطبیعة بعد عدم مدخلیّة الخصوصیّات الفردیّة من الطول و القصر فی الدفعیّات،فیکون التخییر بین الأفراد عقلیّا لا شرعیّا.

ص:126

الخلاصة:

الفصل التاسع فی تصویر الوجوب التخییری یقع الکلام فی المقامین:

الأوّل:فی إمکان تصویر الوجوب التخییری فی المتباینات و التحقیق فیه أن یقال إنّ الطلب التخییری سنخ مستقلّ من الطلب و هو طلب واحد له طرفان أو ثلاثة أطراف أو أکثر قد تعلّق کلّ طرف منه بشیء خاصّ فحاله حال الشکّ فی کونه متقوّما أو أکثر بطرفیه فکما أنّ الشکّ مرتفع بارتفاع أحد طرفیه فکذلک الطلب التخییری مرتفع بارتفاع أحد طرفیه.

و الحاصل أنّ الطلب فی الوجوب التخییری واحد له شعب متعدّدة یبعث المخاطب نحو أشیاء متعدّدة لا علی الاستغراق فإنّه لم یتعلّق بالجامع و لا علی المجموع فإنّ الأشیاء لم تلاحظ شیئا واحدا بحیث یکون الأطراف فیه أجزاء لواحد بل بقرینة کلمة«أو»یبعث المخاطب نحو الأشیاء علی البدلیّة کقوله ایت بهذا أو ذاک و هذا هو الوجوب التخییریّ الشرعی و هو نوع مستقل فی قبال الوجوب التعیینیّ.

و ممّا ذکر یظهر أنّ الوجوب التخییریّ لیس هو البعث نحو الواحد لا بعینه لأنّ الإنشاء لم یتعلّق بعنوان أحدهما أو أحدها إذ العنوان المذکور ممّا ینتزعه العقل من الوجوب التخییریّ الذی عرفت إنّه البعث نحو ذلک أو ذاک.

بل الخطاب فی موارد التخییر الشرعی متعلّق بالأشیاء الخاصّة کخصال الکفّارات و رفع الید عن ظاهر هذا الخطاب و إرجاعه إلی الجمع الانتزاعی خلاف الظاهر کما أنّه لا وجه لإرجاع الخطاب إلی الجامع الحقیقی لأنّه أیضا خلاف الظاهر.

و الاستدلال علیه بقاعدة عدم صدور الکثیر عن الواحد و قاعدة عدم صدور

ص:127

الواحد عن الکثیر غیر سدید بعد اختصاص القاعدة المذکورة بالواحد الشخصی فلا تشمل الواحد النوعیّ و لذا نجد بالوجدان إمکان استناد الواحد النوعیّ إلی المتعدّد کالحرارة فإنّها واحد نوعیّ یمکن استنادها تارة الی النار و اخری إلی الحرکة و ثالثة الی الشمس و هکذا.

و من المعلوم أنّ تدارک التخلّف فی الصوم مثلا واحد نوعی و یمکن أن یستند إلی الأمور الثلاثة من خصال الکفّارات فلا وجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات الواردة فی موارد التخییر الشرعیّ و إرجاعه إلی الجامع الحقیقی و القول بالتخییر العقلی کما یظهر من صاحب الکفایة و ممّا ذکر أیضا ینقدح ما فی دعوی أنّ الواجب فی الوجوب التخییریّ هو المعیّن عند اللّه و هو ما یختاره المکلّف فی مقام الامتثال.

و ذلک لأنّه خلاف ظاهر الأدلّة الدالّة علی عدم تعیّن الواجب علی المکلّف فی الواقع و نفس الأمر بل یکون الوجوب علی نحو التخییر فما یختاره المکلّف مصداق للواجب لا أنّه الواجب بعینه هذا مضافا إلی أنّه مناف لقاعدة الاشتراک فی التکلیف ضرورة أنّ لازمه هو اختلاف التکلیف باختلاف المکلّفین فی الاختبار.

علی أنّ لازم ذلک هو عدم وجوب شیء فی الواقع لو لم یختر المکلّف شیئا لأنّ الوجوب منوط باختیار المکلّف و المفروض أنّه لم یختر شیئا و مقتضی عدم وجوب شیء فی الواقع هو عدم العصیان بترکهما و هو کما تری.

و هکذا یظهر ممّا تقدّم فی الوجوب التخییریّ إنّه لا وجوه لقول من ذهب إلی أنّ الوجوب التخییریّ لیس إلاّ بمعنی وجوب کلّ منهما تعیینا مع الحکم بسقوط الوجوب بفعل أحدهما.

فإنّه مضافا إلی أنّه مخالف لظاهر الوجوب التخییریّ من أنّه وجوب واحد له طرفان أو أطراف یلزم تعدّد العقاب لو ترکهما رأسا مع أنّه کما تری.

المقام الثانی:فی إمکان تصویر التخییر الشرعی و عدمه بین الأقلّ و الأکثر

ص:128

ذهب صاحب الکفایة الی إمکانه فیما إذا کان کلّ منهما بحدّه محصّلا للغرض بحیث لا یکون الأقلّ فی ضمن الأکثر محصّلا و بعبارة اخری إنّ الغرض إذا کان مترتّبا علی الأقلّ بشرط لا عن الغیر لا علی الأقل مطلقا و لو کان فی ضمن الأکثر جاز التخییر بین الأقل و الأکثر من دون فرق بین أن یکون للأقلّ وجود مستقلّ کتسبیحة واحدة فی ضمن التسبیحات الأربع أو لا یکون له وجود کذلک کالخطّ القصیر فی ضمن الخطّ الطویل.

و فیه أنّ هذا التصویر و إن کان ممکنا و معقولا و لکنّه خارج عن محلّ البحث لأنّ تقیید الأقلّ بشرط لا یوجب أن یکون الأقلّ متباینا مع الأکثر و مع المباینة لا إشکال لما عرفت من جواز التخییر بین المتباینات.

هذا مضافا إلی أنّه خلاف ظواهر الأدلّة فإنّ المنصرف إلیه من التخییر فی التسبیحات الأربع هو ذات الواحد و الثلاث لا الواحد بشرط لا.

فإذا کان التخییر بین ذات الواحد و الثلاث فی التسبیحات الأربع مثلا فالتخییر بینهما ممتنع لأنّ الأقلّ و لو وجد فی ضمن الأکثر یکون واجبا لحصول الغرض به و مع حصول الغرض به یکون الزائد علیه من أجزاء الأکثر غیر الواجب إذ بعد حصول الغرض لا یبقی الأمر و مع عدم بقاء الأمر لا وجوب للزائد و هذا واضح فی التدریجات.

و أمّا الدفعیّات فإن کان الغرض واحدا لا یعقل التخییر بینهما أیضا لأنّ الغرض إذا حصل بنفس ذراع من الخطّ بلا شرط کان التکلیف بالأزید منه بلا ملاک فتعلّق الإرادة و البعث نحو الزیادة لغو ممتنع و مجرّد وحدة وجود الأقلّ بلا شرط مع الأکثر خارجا لا یدفع اللغویّة و الامتناع المذکور بعد کون الذهن محلّ تعلّق الأمر.

و هکذا الأمر لو کان لکلّ منهما غرض غیر ما للآخر و کان بینهما تدافع فی الوجود فإنّه لا یمکن اجتماعهما و مع عدم اجتماعهما لا یعقل التخییر بینهما إذ الأقلّ بلا شرط موجود مع الأکثر فإذا وجدا دفعة لا یمکن وجود أثریهما للتزاحم لأنّ ّ

ص:129

المفروض أنّ بینهما التدافع فلا یعقل تعلّق الأمر بشیء لأجل غرض لا یمکن تحصیله.

نعم لو کان الغرضان قابلین للاجتماع و إن لم یکن مرادا أیضا فالتخییر بینهما یکون جائزا لأنّ الأقل مشتمل علی غرض مطلوب و الأکثر علی غرض آخر مطلوب فإذا وجد متعلّق الغرضین بوجود واحد کان للمولی أن یختار منهما ما یشاء.

فتحصل أنّ التخییر بین الأقلّ و الأکثر فیما إذا کان الأقلّ ملحوظا بنحو لا بشرط غیر معقول إلاّ فی بعض صور الدفعیات عند تعدّد الغرض و عدم التدافع بین الأغراض و علیه فیحمل ما ورد فی التخییر بین الأقلّ و الأکثر علی وجوب الأقلّ و استحباب الزائد فی التدریجات أو علی وجوب صرف الوجود و أصل الطبیعة بعد عدم مدخلیّة خصوصیّات الفردیّة من الطول و القصر فی الدفعیّات فیکون التخییر بین الأفراد عقلیّا لا شرعیّا.

ص:130

الفصل العاشر:فی تصویر الواجب الکفائیّ:

اشارة

و لا یخفی علیک أنّ کلّ تکلیف لا یخلو عن مکلّف-بالفتح-و المکلّف فی الواجب الکفائیّ،هل هو الواحد المعیّن عند اللّه تعالی أو فرد من أفراد المکلّف أو فرد مردّد بینهم أو صرف الوجود أو المجموع أو الجمیع؟فکلّ محتمل و الظاهر-کما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد-هو الأخیر؛فإنّ لسان الخطابات الکفائیّة کلسان الواجبات العینیّة،بخلاف الواجبات التخییریّة فإنّها مشتملة علی کلمة أو.و علیه، فنقول إنّ الواجب الکفائیّ کالواجب العینیّ فی تعلّق التکلیف إلی کلّ واحد،و مقتضی ذلک هو تعدّد التکلیف و تعدّد الامتثال لو أتوا به دفعة،کما إذا صلّوا علی المیّت دفعة، لأنّ کلّ واحد منهم مؤدّیا للواجب و ممتثلا.

و تعدّد العقاب لو لم یأتوا به لأنّ کلّ واحد منهم تارک للواجب-نعم،إذا أتی واحد منهم به سقط التکلیف عن الباقین لحصول الغرض و عدم بقاء الموضوع.

لا یقال-کما فی تعلیقة المحقق الأصفهانی قدّس سرّه-:إنّ مقتضی تعلّق التکلیف إلی کلّ واحد مستقلاّ هو أنّه إذا اشرک الکلّ فی فعل لا یمکن تعدّده کدفن المیّت،فلا یصدق الامتثال بالنسبة إلی الجمیع،إذ لم یحصل من کلّ منهم دفن المیّت،و لا أمر إلاّ بدفن المیّت،فما معنی امتثال کلّ منهم للأمر بدفن المیت؟

لأنّا نقول:إنّ مع اشراک الکلّ لا یبقی موضوع للامتثال،کما لا یبقی موضوع للامتثال أحیانا للواجب العینیّ کالأمر بغسل الثوب المتنجّس إذا طرحه الریح فی الماء

ص:131

الکرّ أو الجاری و اغتسل الثوب بالماء المذکور؛فکما أنّه لا یبقی موضوع للامتثال فی الواجب العینیّ فکذلک لا یضرّ فی الواجب الکفائیّ.نعم،إذا أتوا به مع الاشراک استحقّوا المدح عقلا،لمکان الانقیاد للمولی بتحصیل غرضه الوجدانیّ بنحو الاجتماع.

و علیه،فلا حاجة إلی القول بأنّ الواجب هو الأعمّ من الاستقلال فی الدفن و الاشتراک فیه،و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام المحقّق الاصفهانی قدّس سرّه فی کتاب الاصول علی النهج الحدیث:ص 42 فراجع.

لا یقال أیضا کما فی المحاضرات:إنّ تخصیص الجمیع بالخطاب علی نحو العموم الاستغراقیّ بلا مقتضی و موجب،إذ بعد کون الغرض واحدا یحصل بفعل واحد منهم، فوجوب تحصیله علی الجمیع لا محالة یکون بلا مقتضی و سبب (1).

لأنّا نقول:دعوی عدم الاقتضاء لتعلّق التکلیف إلی الجمیع بلا شاهد،بل من الممکن أن یکون الواجبات الکفائیّة فی حدّ من الأهمّیّة بحیث یطلبها الشارع من الجمیع لئلاّ تکون معطّلة،فلا وجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات المتعلّقة إلی الجمیع بأمثال هذه التخریصات.

لا یقال کما فی مناهج الوصول:إنّ الواجبات الکفائیّة علی أقسام منها ما لا یمکن له إلاّ فرد واحد کقتل المرتدّ؛ففی هذه الصورة لا یمکن أن یتعلّق التکلیف بالجمیع،فإنّ التکلیف المطلق لهم فی عرض واحد بالنسبة إلی ما لا یمکن فیه کثرة التحقّق لغرض انبعاثهم ممّا لا یمکن.و منها ما یمکن،و هو علی قسمین:أحدهما:أن یکون المطلوب فیه فردا من الطبیعة و الفرد الآخر مبغوض.و الآخر:أن یکون المطلوب فیه فردا من الطبیعة و الفرد الآخر لا مبغوض و لا مطلوب،و الانبعاث فیهما- و إن کان ممکنا بالذات-غیر ممکن وقوعا،إذ لا یمکن من الحکیم أن یبعثهم إلی

ص:132


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 56.

المبغوض فیما إذا کان الزائد من الفرد الواحد مبغوضا،أو إلی غیر المطلوب فیما إذا کان الزائد غیر مطلوب.

و فیه أنّ منشأ الإشکال هو تصوّر أنّ البعث الشرعیّ ملازم للانبعاث الفعلیّ مع أنّ البعث الشرعیّ لا یلازم إلاّ صلاحیّة الانبعاث،کما أنّ إرسال الرسل و بعث الأنبیاء أیضا بداعی صلاحیّة الانبعاث لا الانبعاث الفعلیّ،و المقصود من هذا الانبعاث هو إیجاد المسئولیّة بالنسبة إلی العمل،بحیث یستحقّون المؤاخذة لو ترکوه، و الممتنع هو إتیان الجمیع مستقلاّ و الانبعاث الفعلیّ نحو العمل لا التکلیف بأصل الطبیعة بنحو یصلح للداعویّة فیهم،بحیث لا یرون لأنفسهم جواز ترکها إلاّ عند إتیان الآخرین.و علیه،ففی الصور الثلاث کان التکلیف متوجّها إلی الجمیع بالنسبة إلی الفرد الممکن إتیانه أو الفرد المطلوب،و المقصود من تکلیف الجمیع هو بیان عدم جواز إهمال الفعل بحیث یؤاخذون به لو أهملوا و ترکوه.

فکلّ واحد مکلّف بإتیانه و مؤاخذ علی ترکه لو لم یأت به الآخرون،و لا یطلب من کلّ واحد منهم إتیان الفعل،سواء أتی به الآخرون أو لم یأتوا به،و إلاّ لصارت الواجبات الکفائیّة واجبات عینیّة،و المفروض أنّ الکلام فی الواجبات الکفائیّة.

و علیه،فتعلّق الخطاب إلی الجمیع لا یستلزم طلب المحال فیما إذا لم یمکن التکثّر و التکرار،لأنّ مرجع التکلیف إلی عدم جواز إهماله لکلّ واحد.کما لا یکون منافیا للحکمة فیما إذا کان قابلا للتکرار،و لکنّ الفرد الزائد مبغوض أو غیر مطلوب،لأنّ التکلیف لیس متوجّها إلی الفرد الزائد،بل متوجّه إلی الفرد الواحد من الطبیعة،سواء أمکن فرد آخر أو لم یمکن،و کان کلّ واحد من المکلّفین مأمورا بعدم إهماله.

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا وجه لرفع الید عن ظواهر الخطابات التی عرفت أنّها

ص:133

متوجّهة إلی الجمیع،و أمّا تعلّق التکلیف إلی الفرد أو الفرد المردّد أو صرف الوجود، بمعنی إهمال الخصوصیّات عند ملاحظة المکلّف،فهو أمر ممکن ثبوتا،لأنّ خصوصیّات المفاهیم ربّما لا تسری إلی مطابقها،فالمردّد مردّد مفهوما لا خارجا و الخارج هو المتعیّنات،فلا یلزم من جعل المتعلّق للتکلیف فردا مردّدا محذور من تعیّن المردّد أو تردّد المعیّن،کما ذهب إلیه المحقّق الاصفهانی قدّس سرّه (1).بل تعلّق التکلیف بالفرد المردّد واقع کما فی الوصیّة بأحد العبدین.و علیه،فلا إشکال فی جعل التکلیف متوجّها إلی الفرد المردّد فضلا عن الفرد،و هکذا لا إشکال ثبوتا فی جعل صرف وجود المکلّف موردا لتعلّق التکلیف،لأنّ معناه هو إهمال خصوصیّات المکلّفین عند التکلیف،بحیث إذا أتی به واحد منهم امتثل التکلیف؛و إهمال الخصوصیّات عند التکلیف لا یلازم إهمال الخارجیّات و الواقعیّات،کما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه (2).لما عرفت من أنّ خصوصیّات الحاکی ربّما لا تسری إلی الخارجیّات،فالتردید و الإبهام من المفهوم لا یسری إلی الواقعیّات،فلا إشکال ثبوتا فی تعلّق التکلیف إلی صرف وجود المکلّفین بالمعنی المذکور.و بالجملة،فتعلّق التکلیف بالفرد أو الفرد المردّد أو صرف الوجود ممکن،و لکن لا یساعده ظواهر الخطابات لما عرفت من تعلّقها إلی الجمیع.و هکذا لا یکون التکلیف متوجّها إلی مجموع الأشخاص فإنّه خلف فی کونها کفائیّة،مضافا إلی أنّه خلاف ظواهر الخطابات.

و أمّا دعوی استحالة البعث الواحد إلی المجموع فهی إنّ التکلیف من الامور

ص:134


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 73.
2- 2) نفس المصدر:ج 2 ص 74.

الاعتباریة التی هی خفیفة المئونة،کما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانیّ فلا تخلو عن المنع و النظر.

فتحصّل أنّ الظاهر من الوجوه المذکورة هو الأخیر من تعلّق الخطاب إلی الجمیع،کما أفاد الاستاذ و ذهب إلیه المحقّق الخراسانی و المحقّق الاصفهانی قدّس اللّه أرواحهم.

ص:135

الخلاصة:

الفصل العاشر:فی تصویر الواجب الکفائیّ

و لا یخفی علیک أنّ لسان الخطابات الکفائیّة کلسان الواجبات العینیّة و علیه فالواجب الکفائی کالواجب العینی فی تعلّق التکلیف إلی کلّ واحد من المکلّفین نعم إذا أتی واحد منهم به سقط التکلیف عن الآخرین لحصول الغرض و عدم بقاء الموضوع و مقتضی ما ذکرناه من تعدد التکلیف بتعداد المکلّفین هو تعدّد الامتثال لو أتی المکلّفون به دفعة کما إذا صلّوا دفعة علی المیت لأنّ کلّ واحد منهم یکون مؤدّیا للواجب کما أنّ مقتضی ما ذکرناه هو تعدّد العقاب لو لم یأت به واحد.

و دعوی إنّ تخصیص الجمیع بالخطاب علی نحو العموم الاستغراقی بلا موجب إذ بعد کون الغرض واحدا یحصل بفعل واحد منهم فلا موجب لوجوب تحصیله علی الجمیع.

مندفعة بإمکان أن یکون الواجبات الکفائیة علی حدّ من أهمیة یطلبها الشارع من الجمیع لئلاّ تکون معطّلة فمع إمکان ذلک لا وجه لرفع الید عن ظاهر الخطابات المتعلّقة الی الجمیع.

و مرجع التکلیف الکفائی المتعلّق بجمیع المکلّفین إلی عدم جواز إهمال کلّ مکلّف لا إلی إتیان کلّ مکلّف إذ فرق بین الکفائی و العینی و علیه فلا یرد علی ما ذکرناه أنّ لازم ذلک هو طلب الفعل من الجمیع و هو محال فیما إذا لم یکن التکثّر و التکرار کقتل المحارب مثلا أو مناف للحکمة فیما إذا کان الفرد الزائد ممکنا و لکنه غیر مطلوب أو مبغوض.

لما عرفت من أنّ المقصود من تکلیف الجمیع فی الواجبات الکفائیّة هو بیان

ص:136

عدم جواز إهمال الفعل لا إتیان جمیع المکلّفین.

ثمّ بعد ما عرفت من ظهور الخطابات فی تعلّق التکالیف إلی الجمیع لا مجال لاحتمال تعلّق التکلیف فی الواجبات الکفائیّة بفرد من الأفراد أو الفرد المردد أو صرف الوجود و إن أمکن کلّ ذلک عندنا.

فتحصّل أنّ الخطابات و التکالیف فی الواجبات الکفائیة کالواجبات الغیبیة متعلّقة بالجمیع کما أفاد سیّدنا الاستاذ و المحقّق الأصفهانی و غیرهما من الفحول و إنّما التفاوت بینهما فی سقوط الوجوب بإتیان واحد من المکلّفین فی الواجبات الکفائیّة لحصول الغرض.

ص:137

الفصل الحادی عشر:فی الموسّع و المضیّق

اشارة

و لا یخفی علیک أنّ الواجب إمّا مطلق و إمّا موقّت،و الأوّل هو الذی لا یعتبر فیه الزمان شرعا و لا ینافی ذلک احتیاج الفعل إلی الزمان عقلا لکونه زمانیّا،و الثانی هو الذی اعتبر فیه الزمان شرعا من جهة دخالته فی الغرض الشرعیّ.

ثمّ إنّ الثانی ینقسم إلی قسمین:مضیّق و موسّع؛فإن کان الزمان المأخوذ فیه بقدر فعل الواجب فهو مضیّق کالصوم،و إن کان الزمان المأخوذ فیه أوسع من فعل الواجب فهو موسّع کالصلوات الیومیّة.

ثمّ إنّ الواجب فی الموسّع هو إیجاد الطبیعة الصلاتیّة الکلّیّة المقیّدة بوقوعها بین الحدّین،و من المعلوم أنّ لهذا الواجب أفرادا دفعیّة و أفرادا تدریجیّة،و یکون التخییر بین أفرادها التدریجیّة تخییرا عقلیّا کالتخییر بین أفرادها الدفعیّة بناء علی عدم سرایة الحکم من الطبیعة إلی الأفراد،و أمّا بناء علی السرایة فقد ذهب بعض المحقّقین إلی التخییر الشرعیّ مستدلاّ بأنّ الحصص عین الطبیعة الکلّیّة.

و معه لا وجه لدعوی خروجها عن المطلوبیّة الشرعیّة،و خروج الخصوصیّات الحافّة بالحصص عن الغرض الشرعیّ لا یلازم خروج نفس الحصص عن المطلوبیّة الشرعیّة،و الغرض الشرعیّ مع عینیّتها مع الطبیعة.و ممّا ذکر یظهر ما فی نفی التخییر الشرعیّ معلّلا بأنّ ما هو دخیل فی تحصیل الغرض فی الموسّع هو حصول الطبیعة بین المبدأ و المنتهی،فلا بدّ و أن یتعلّق الأمر بما هو محصّل للغرض و لا یجوز تعلّقه بالزائد،

ص:138

فتعلّق الأمر بالخصوصیّات لغو جزاف (1).

و ذلک لما عرفت من أنّ الکلام لیس فی الخصوصیّات الحافّة،بل فی الحصص التی هی عین الطبیعة بین المبدأ و المنتهی،فتدبّر جیّدا.

ثمّ إنّ الأمر بالموقّت لا یقتضی إلاّ إتیان متعلّقه فی الوقت،لأنّ المفروض أنّ متعلّقه مقیّد بالوقت،کما أنّ الأمر کذلک فی سائر القیود،إذ کلّ أمر لا یدعو إلاّ إلی متعلّقه،فلا تعرّض له لغیر صورة وجود القید لعدم کونه متعلّقا له،إذ المفروض هو وحدة المطلوب،و دعوة الأمر إلی الطبیعة فی ضمن المقیّد لا توجب دعوته إلیها و لو بدون القید،بعد فرض کون المطلوب واحدا و هو المقیّد.

هذا کلّه فیما إذا کان التوقیت و التقیید بالوقت بدلیل متّصل،و هکذا الأمر إذا کان بدلیل منفصل یدلّ علی التقیید بالوقت فی أصل المطلوبیّة مطلقا،إذ المطلق مع دلیل التقیید فی الفرض الثانی متعنون بالخاصّ فی الحجّیة.

و أمّا إذا کان التوقیت و التقیید بدلیل منفصل فلا یدلّ بالإطلاق علی التقیید فی أصل المطلوبیّة و کان لدلیل الواجب إطلاق،فقضیّة إطلاقه هی ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت و حمل التقیید به علی تعدّد المطلوب و تمامه لا أصله.و علیه،فهو خارج عن محطّ البحث لأنّه مطلق و لیس بموقّت مع أنّ البحث فی الموقّت.

ثمّ إنّه لو شککنا بعد الوقت فی وجوب الطبیعة و لم یظهر من دلیل المطلق إطلاق کما لا یکون أیضا لدلیل التقیید إطلاق،فهل یمکن إثبات الوجوب بالاستصحاب أم لا؟وجهان:أحدهما أنّ استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلّقه بالموقّت یصحّ لما استدلّ به المحقّق الأصفهانی قدّس سرّه من أنّ الموضوع و إن کان بحسب الدلیل بل بحکم العقل هو الموقّت بما هو موقّت إلاّ أنّ العبرة فی الموضوع إنّما هو بنظر

ص:139


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 98.

العرف،و العرف یری أنّ الموضوع هو الفعل و أنّ الوقت من حالاته لا من مقوّماته، لا قطع بخطإ نظر العرف إلاّ بلحاظ حال الاختیار دون العذر،و إلاّ لم یکن معنی للشک فی استصحاب الحکم (1).

اورد علیه شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه بأنّه کذلک فیما إذا کان الموضوع من الخارجیّات کالماء المتغیّر الخارجیّ الذی زال تغیّره،فإنّه یمکن استصحاب النجاسة مع زوال التغیّر لوحدة الموضوع مع تغیّر الأحوال،إذ الوجود الخارجیّ حافظ لوحدة الموضوع فی الأحوال المختلفة.

و أمّا إذا کان الموضوع هو المقیّد بما هو کلّیّ من الکلّیّات فلا یجوز الاستصحاب فیه بعد تبدّل القیود و تغیّرها،فإنّ الکلّیّ المطلق و الکلّیّ المقیّد مغایران کمغایرة الکلّیّ المقیّد بالأسود مع الکلّیّ المقیّد بالأبیض،فلا یجوز حینئذ استصحاب الحکم لأنّه إسراء حکم من موضوع إلی موضوع آخر.

و حیث إنّ المقام من قبیل الثانی،لأنّ الکلام فی متعلّق الأمر لا فی الموضوع الخارجیّ،و المتعلّق هو الماهیة الکلّیّة للصلاة و هی لیست فی الخارج،فلا مجال للاستصحاب لما ذکر.

و إلیه یؤول ما فی مناهج الوصول حیث قال:لا مجال للاستصحاب لعدم وحدة القضیّة المتیقّنة و المشکوک فیها،و ذلک لأنّ العناوین الکلّیّة کلّها مختلف[بعضها]مع الآخر مطلقها و مقیّدها،و مقیّدها مع مقیّد آخر أو مجرّد عنه،فالرقبة عنوان،و الرقبة المؤمنة عنوان آخر،و الصلاة الموقّتة غیر نفس الصلاة و غیر الصلاة غیر الموقّتة؛ فالقضیّة المتیقّنة هی وجوب الصلاة الموقّتة،و المشکوک فیها هی نفس الصلاة أو الصلاة خارج الوقت،فإسراء الحکم من المتقیّدة إلی[الخالیة من القید]فی القضایا

ص:140


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 78.

الکلّیّة إسراء من موضوع إلی موضوع آخر (1).

و یمکن الجواب عنه بوجوه:منها ما أفاده سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من إمکان التمسّک باستصحاب وجوب ذات المقیّد بناء علی اتّحاد وجوب الاستقلالیّ مع الوجوب الضمنیّ عرفا،کما أفاده الشیخ الأعظم قدّس سرّه فی جریان استصحاب وجوب أجزاء الواجب بعد تعذّر بعض أجزائه لاتّحاد الوجوب الضمنیّ مع الوجوب الاستقلالیّ عرفا،بل یکون إجراء الاستصحاب فی المقام أولی من إجرائه فی أجزاء المرکّب،لأنّ وجوب ذات المقیّد لو کان استقلالیّا و متعدّدا لکان باقیا قطعا،بخلاف الأجزاء المرکّبة،فإنّ وجوب الأجزاء الباقیة لا یکون استقلالیّا،بل الوجوب فیها ضمنیّ و یبتنی جریان الاستصحاب فیه علی اتّحاده مع الوجوب الاستقلالیّ عرفا، انتهی.

و ینقدح ممّا ذکر أنّ المدّعی لیس هو استصحاب الوجوب الاستقلالیّ المتعلّق بالمقیّد بما هو مقیّد أو المرکّب التامّ فی ذات المقیّد أو الأجزاء الباقیة حتّی یقال إنّه إسراء حکم من موضوع إلی موضوع آخر،بل المراد من الاستصحاب المذکور هو استصحاب وجوب ذات المقیّد أو الأجزاء الباقیة،فلا یلزم المحذور المذکور.اللّهم إلاّ أن یقال:هذا صحیح إذا لم نقل باختصاص الوجوب بالمقیّد أو المرکّب،و إلاّ فمتعلّق الوجوب إذا کان مقیّدا أو مرکّبا یکون واحدا لوجوب واحد،فالواجب هو المقیّد بما هو کذلک و لیس للمهملة وجوب حتّی یستصحب،فلا أصل للوجوب الضمنیّ،و لا ینحلّ الوجوب إلی وجوب متعلّق بنفس الطبیعة و وجوب متعلّق بقیدها،فالمتیقّن هو وجوب المقیّد و هو لیس بمشکوک فیه،فلا یجری الاستصحاب (2).

ص:141


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 99.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 100.

و لقائل أن یقول إنّ هذا ینافی القول بجریان البراءة فی الأجزاء و الأقلّ و الأکثر الارتباطیّین فی المرکّبات أو القیود المشکوکة فی المطلق و المشروط،بناء علی انحلال الوجوب العینیّ المتعلّق بالمرکّبات بالنسبة إلی الأجزاء فی المرکّبات و إلی ذات المقیّد فی المشروط،کما ذهب إلیه فی تهذیب الاصول (1).

و علیه،فلا مجال للمنع عن الاستصحاب لثبوت الوجوب العینیّ للأجزاء أو ذات المقیّد،فبعد حدوث التعذّر بالنسبة إلی بعض الأجزاء أو الشکّ بالنسبة إلی القیود یجری الاستصحاب فی الوجوب العینیّ المتعلّق بالأجزاء أو ذات المقیّد.

و منها ما فی منتقی الاصول من أنّ الحقّ جریان الاستصحاب فی کلّیّ الوجوب المردّد بین الوجوب الضمنیّ و النفسیّ الاستقلالیّ الثابت أوّلا،فیکون من القسم الثانی من استصحاب الکلّیّ و ذلک بناء علی انحلال الأمر بالمشروط لا وحدته الذی هو مبنی جریان البراءة فی الشروط،فإنّ الوجوب الثابت للعمل بذاته فی السابق مردّد بین الضمنیّ بناء علی وحدة المطلوب و الاستقلالیّ بناء علی تعدّده فیستصحب الکلّیّ الثابت أوّلا و یترتّب علیه أثره من الدعوة و التحریک (2).

و فیه أنّه مبنیّ علی القول بوجود الوجوب الضمنیّ،هذا مضافا إلی أنّ الجامع بین الضمنیّ و الاستقلالیّ أمر انتزاعیّ و لیس له أثر شرعیّ حتّی یترتّب علی استصحابه،فافهم.

و منها أنّه یمکن أن یقال:إنّ المکلّف بعد کونه مدرکا للوقت و صیرورته مخاطبا بإتیان الواجب إذا شکّ بعد انقضاء الوقت و عدم إتیان الواجب أنّه هل یکون باقیا علی التکلیف السابق أم لا؟یمکن له أن یستصحب وجوب الإتیان بالواجب و لیس

ص:142


1- 1) ج 2 ص 331-345.
2- 2) ج 2 ص 512.

إبقاء الحکم المذکور بالنسبة إلی المکلّف إسراء حکم من موضوع إلی آخر،لأنّ العرف یری المکلّف المذکور هو المکلّف السابق و یکون الوقت کسائر القیود من الأحوال و الشکّ فی ذلک و إن کان ناشئا عن کون متعلّق التکلیف هو کذا أو کذا، و لکن حیث لا یجری الاستصحاب فی المنشأ یجری فی المکلّف،کما أنّه مع الشکّ فی مفهوم الغروب و المغرب و عدم جریان الأصل فیه یجری الاستصحاب فی حرمة الإفطار علی المکلّف،فتدبّر جیّدا.

فتحصّل أنّ القضاء لا یحتاج إلی أمر جدید،بل یکفیه الأوامر الأوّلیّة فی الوقت بمعونة الاستصحاب،فلا تغفل.

ص:143

الخلاصة:

الفصل الحادی عشر فی الموسّع و المضیّق

و لا یخفی علیک إنّ المقسم لهما هو الموقّت و هو قسیم المطلق و هو الذی لا یعتبر فیه الزمان شرعا فالموقت هو الذی یعتبر فیه الزمان شرعا و هو ینقسم إلی مضیّق و موسّع حیث إنّ الزمان المعتبر فیه إن کان بقدر الفعل کالصوم فهو مضیّق.

و إن کان الزمان الماخوذ فیه أوسع من فعل الواجب فهو موسّع کالصلوات الیومیّة ثمّ إنّ الواجب فی الموسّع هو إیجاد الطبیعة الصلاتیّة الکلیّة المقیّدة بوقوعها بین الحدّین و هذه الطبیعة مرآة الی حصصها الدفعیّة و الطولیّة و مقتضی عینیّة الطبیعة الکلّیّة مع حصصها هو سرایة الحکم من الطبیعة الکلّیّة إلی حصصها و خروج الخصوصیّات الفردیّة عن الغرض الشرعی لا یلازم خروج نفس الحصص عن المطلوبیّة الشرعیّة و الغرض الشرعی مع عینیّتها مع الطبیعة و حکایة الطبیعة عنها و علیه فمقتضی عدم خروج الحصص عن المطلوبیة الشرعیّة هو التخییر الشرعی بینها و دعوی التخییر العقلی مندفعة بما ذکرناه و مخصوصة بما إذا لم تکن الطبیعة حاکیة عن حصصها و المفروض هو الحکایة کما عرفت.

ثمّ إنّ الأمر بالموقت لا یقتضی إلاّ إتیان متعلّقه فی الوقت لأنّ المفروض أنّ متعلّقه مقیّد بالوقت و الأمر لا یدعو إلاّ الی متعلّقه فلا تعرض للأمر بالنسبة إلی غیر صورة الوقت لأنّه خارج عن متعلّقه و المفروض هو وحدة المطلوب و دعوة الأمر إلی الطبیعة فی ضمن الموقت لا توجب دعوته إلیها و لو بدون المقیّد بعد کون المطلوب واحدا و هو المقیّد هذا کلّه فیما إذا کان التوقیت و التقیید بالوقت بدلیل متصل أو بدلیل منفصل یدل علی التقیید بالوقت فی أصل المطلوبیّة.

ص:144

و أمّا إذا کان التوقیت و التقیید بدلیل منفصل مع عدم الدلالة علی أنّ أصل المطلوبیّة مقیّد و موقت و کان لدلیل الواجب إطلاق فمقتضی إطلاق دلیل الواجب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت فحینئذ کان التقیید من باب تعدّد المطلوب و علیه فبعد الوقت مقتضی إطلاق دلیل الواجب هو بقاء الواجب کما لا یخفی و لو شککنا بعد الوقت فی وجوب الطبیعة و لم یظهر من دلیل المطلق اطلاق المطلوبیّة و لا تقییدها ربما یقال أمکن استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلقه بالموقت بدعوی إنّ الموضوع و إن کان بحسب الدلیل موقّتا إلاّ أنّ العبرة فی بقاء الموضوع بنظر العرف و العرف یری إنّ الموضوع هو نفس الفعل و الوقت من أحواله لا من مقوّماته و لا قطع بخطاء نظر العرف فی غیر حال الاختیار.

اورد علیه بأنّ ذلک صحیح فیما إذا کان الموضوع من الخارجیّات کالماء المتغیّر الخارجی الذی زال تغییره بخلاف ما إذا کان الموضوع هو المقیّد بما هو کلّی من الکلّیّات فإنّ الکلّی المطلق و الکلّی المقیّد متغایران عرفا و المقام من قبیل الثانی إذ المتعلّق هو الماهیّة الکلّیّة فالصلاة عنوان و الصلاة الموقتة عنوان آخر و علیه فلا مجال للاستصحاب لعدم وحدة القضیّة المتیقّنة و المشکوکة فإسراء الحکم من المتقیّدة الی الخالیة إسراء حکم من موضوع الی موضوع آخر.

اللّهمّ إلاّ أن یقال إنّ وجوب ذات المقیّد معلوم بناء علی اتّحاد وجوب الاستقلالی مع الوجوب الضمنی عرفا کما ذهب إلیه شیخنا الأعظم قدّس سرّه فی إجزاء الواجب بعد تعذّر بعض أجزائه و علیه فیمکن استصحاب وجوب ذات المقیّد و یشهد له جریان البراءة فی الأقلّ و الأکثر الارتباطیین فی المرکّبات أو القیود المشکوکة فی المطلق و المشروط بناء علی انحلال الوجوب العینی المتعلّق بالمرکّبات و المقیّدات فمع الانحلال فالوجوب بالنسبة إلی الأجزاء المعلومة و ذوات المقیّدات محرز و مع إحرازه یجری الاستصحاب.

ص:145

هذا مضافا إلی إمکان أن یقال أنّ المکلّف بعد کونه مدرکا للوقت و صیرورته مخاطبا بإتیان الواجب فبعد انقضاء الوقت إذا شک فی بقاء تکلیفه بالإتیان و عدمه أمکن له استصحاب وجوب الإتیان بالواجب لأنّ العرف یری المکلّف المذکور هو المکلّف السابق لکون الوقت کسائر القیود من الأحوال عند العرف و الشکّ فی ذلک و إن کان ناشئا عن کون متعلّق التکلیف هو المطلق أو المقیّد و لکن مع فرض عدم جریان الاستصحاب فی المنشأ یجری الاستصحاب فی نفس المکلّف کما یکون الأمر کذلک فیما إذا شکّ فی بقاء الوقت من جهة الشکّ فی مفهوم الغروب و المغرب فإن مع عدم جریان الاستصحاب فی المنشأ یجری استصحاب حرمة الإفطار علی المکلّف.

فتحصّل إنّ وجوب القضاء لا یحتاج إلی أمر جدید بل یکفیه الأوامر الأولیّة فی الوقت بمعونة الاستصحاب فلا تغفل.

ص:146

الفصل الثانی عشر:فی دلالة الأمر بالأمر

اشارة

و لا یخفی علیک إنّه إذا أمر المولی أحدا أن یأمر غیره بفعل فهل هو أمر بذلک الفعل حتّی یجب علی الثانی فعله أو لا.

ذهب فی الکفایة إلی أنّه لا دلالة بمجرّد الأمر بالأمر علی کونه أمرا به و لا بدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه فلو علم أنّ الغرض حصول الفعل و لم یکن غرض فی توسیط أمر الغیر به إلاّ تبلیغ أمره به کما هو المتعارف فی أمر الرسل بالأمر أو النهی فالأمر بالأمر بشیء أمر به بلا کلام.

و أمّا إذا کان الغرض من ذلک یحصل بأمره بذاک الشیء کما لو أمر المولی ابنه مثلا أن یأمر العبد بشیء و لا یکون غرضه إلاّ أن یتعوّد ابنه علی إصدار الأوامر أو نحو ذلک فلا یکون أمره بأمره أمرا بذاک الشیء و هکذا لو کان الغرض هو الفعل بعد صدور الأمر من المأمور بالأمر فلا یکون الأمر المذکور أمرا بالفعل مطلقا.

و علیه فکلّ مورد یشکّ فی کونه من موارد الأوّل أو الثانی یجری فیه البراءة بالنسبة إلی وجوب الفعل.

و التحقیق هو أن یقال إنّ ظاهر الأوامر عرفا مع التجرّد عن القرائن هو أنّ الأمر المتعلّق لأمر المولی یکون مأخوذا علی نحو الطریقیّة لتحصیل الفعل من المأمور الثانی و حمله علی أخذه بنحو الموضوعیّة من دون قرینة خلاف الظاهر و لقد أفاد و أجاد فی المحاضرات حیث قال إنّ ما أفاده المحقّق صاحب الکفایة من أنّه لا دلالة

ص:147

بمجرّد الأمر بالأمر بشیء علی کونه أمرا به بل لا بدّ للدلالة علیه من قرینة لا یمکن المساعدة علیه بوجه لما عرفت من أنّه دالّ علی ذلک بمقتضی الفهم العرفی و لا حاجة فی الدلالة علیه من نصب قرینة (1).

و لذا لا نشکّ فی أنّ أمر الأنبیاء بأمر العباد یدلّ علی مطلوبیّة الفعل من العباد.

و ممّا ذکر یظهر أنّ مثل قوله علیه السّلام مروا صبیانکم بالصلاة و نحوه ممّا ورد فی أمر الولی للصبی یدلّ علی مطلوبیّة الفعل من الصبی و شرعیّة عباداته و إن لم یکن واجبا علیه بحدیث الرفع فتدبّر جیّدا.

ص:148


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 76.

الخلاصة

الفصل الثانی عشر فی الأمر بالأمر

إذا أمر المولی أحدا أن یأمر غیره بإتیان عمل فهو أمر بذلک الفعل حتّی یجب علی الثانی فعله أولا أمکن أن یقال إنّ ظاهر الأمر عرفا مع التجرّد عن القرائن هو أنّ الأمر المتعلّق لأمر المولی یکون مأخوذا علی نحو الطریقیّة لتحصیل الفعل من المأمور الثانی و حمله علی أخذه بنحو الموضوعیّة من دون إقامة قرینة خلاف الظاهر.

و علیه قوله علیه السّلام مروا صبیانکم بالصلاة یدلّ علی مطلوبیّة الفعل و هو الصلاة من الصبی و إن لم یکن واجبا علیه بحدیث رفع القلم عن الصبی حتّی یحتلم.

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث قال لا دلالة بمجرّد الأمر بالأمر علی کونه أمرا به بل لا بدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.

ص:149

الفصل الثالث عشر:فی الأمر بعد الأمر

اشارة

و لا یخفی علیک إنّه إن کان الأمر الثانی بعد امتثال الأمر الأوّل فلا إشکال فی لزوم امتثاله ثانیا و هو ظاهر فی التأسیس.

و هذا لا کلام فیما إذا کان الأمر الأوّل معلّقا علی شیء و الأمر الثانی معلّقا علی شیء آخر کأن یقول إن کنت جنبا فاغتسل و إن مسست میّتا فاغتسل إذ مقتضی تعدّد الأسباب هو تعدّد المسبّبات و هو أیضا تاسیس نعم إذا قام دلیل علی التداخل یکفی غسل واحد عن کلیهما لکنّه لیس من باب التأکید إذ لا یفرض التداخل إلاّ بعد فرض التأسیس.

و إنّما الکلام فیما إذا کان مطلقین بأن لم یذکر سببهما کقول المولی صلّ ثم قال صلّ أو ذکر سبب واحد لهما کقول المولی إن کنت محدثا فتوضّأ و إن کنت محدثا فتوضّأ.

فإنّه یقع البحث فی أنّ الأمر الثانی ظاهر فی التأسیس أو التأکید یمکن أن یقال کما فی الکفایة و غیرها إنّ إطلاق متعلّق الأمر الثانی و عدم تقییده بالمرّة الاخری یدلّ علی التأکید فإن الطلب تأسیسا لا یکاد أن یتعلّق بطبیعة واحدة مرّتین من دون أن یجبی تقیید لها فی البین و لو کان بمثل مرّة اخری کی یکون متعلّق کلّ منهما غیر متعلّق الآخر لاستحالة تعلّق الأمرین معا من دون امتیاز فی البین بشیء واحد فعدم تقیید المادّة فی متعلّق الأمر الثانی یشهد علی أنّ الأمر فی الثانی ظاهر فی التأکید و لا ینافی

ص:150

ذلک ظهور نفس الهیئة فی الأمر الثانی فی التأسیس لأنّ ظهور الهیئة فی التأسیس فیما إذا لم یکن مسبوقة بمثلها(من دون ذکر السبب أو ذکر سبب واحد)و المفروض فی المقام هو مسبوقیّتها بمثلها و مع عدم هذه الظهور فلا مانع من انعقاد إطلاق المادّة و مع انعقاده یکون الهیئة ظاهرة فی التأکید و علیه فلا مجال لما یقال من أنّ ظهور المتعلّق فی التاکید تعلیقیّ و ظهور الأمر فی التأسیس تنجیزی فیرفع موضوع الأوّل بالثانی لما عرفت من أنّ مسبوقیة الهیئة بمثلها توجب أن لا یکون لها ظهور فی التأسیس فلا رافع لموضوع الأوّل.

هذا مضافا إلی ما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّ الهیئة فی الأمر وضعت لطلب المعنی فقط.

فالتأسیس کالتأکید و المرّة و التکرار لیس داخلا فیها فالقول بظهور الهیئة وضعا فی التأسیس کما تری،انتهی.

و علیه فلا وجه لما قیل من أنّ الأمر یدور بین التعلیقیّ و التنجیزیّ و الثانی مقدّم علی الأوّل فإنّه متفرّع علی کون الهیئة موضوعة للتأسیس وضعا و أمّا إذا قلنا بأنّه أمر یستفاد منه عند عدم قرینة علی الخلاف فهو کالتأکید فی عدم التنجیز.

و الحاصل إنّ استفادة التأسیس من الهیئة منوطة بعدم اقتران الهیئة بمثلها و أمّا مع اقترانها فلا مجال لاستفادة التأسیس عند العقلاء فمقتضی إطلاق المادّة و عدم جواز تعلّق الأمرین بشیء واحد هو التأکید.

ص:151

الخلاصة

الفصل الثالث عشر فی الأمر بعد الأمر

و لا یخفی إنّه إذا کان الأمر الثانی بعد امتثال الأمر الأوّل کان ظاهرا فی التأسیس و لزم امتثاله ثانیا.

و هکذا لزم الإتیان بالثانی إن کان معلّقا علی سبب آخر غیر سبب الأوّل فإنّ مقتضی تعدّد الأسباب هو تعدّد المسبّبات فیما إذا لم یقم دلیل علی التداخل.

و إذا تکرّر الأمر بالنسبة الی طبیعة واحدة و تقیّد الثانی بالمرّة الاخری کان ظاهرا أیضا فی التأسیس و لزم الإتیان بفرد آخر من الطبیعة المذکورة و لا یکفی الإتیان بالواحدة منها نعم إذا لم یتقیّد الثانی بالمرّة الاخری کان الأمر الثانی لا محاله ظاهرا فی التأکید لاستحالة تعلّق الأمرین معا من دون امتیاز فی البین بشیء واحد.

و لا ینافی ذلک دعوی ظهور الهیئة وضعا فی التأسیس فإنّ ذلک منوط بعدم تقدّم مثلها و المفروض فی المقام هو تقدّم مثل الهیئة بالنسبة إلی الأمر الثانی هذا مضافا إلی أنّ التأسیس و التأکید کالمرّة و التکرار لیسا داخلین فی الهیئة وضعا بل یستفاد التأسیس عند عدم قرینة التأکید.

و علیه فلا مجال لما یقال من أنّ إطلاق المادّة یقتضی التأکید و لکنّه ظهور تعلیقی متوقّف علی عدم القرینة بخلاف ظهور الأمر فی التأسیس فإنّه تنجیزی لأنّه وضعی و علیه فیرفع موضوع الأوّل بالثانی فإنّ ظهور الأمر وضعا فی التأسیس یمنع عن إطلاق المادّة.

و ذلک لما عرفت من منع ظهور الهیئة فی الأمر الثانی فی التأسیس مع سیق الأمر الأوّل هذا مضافا إلی إمکان منع ظهور الهیئة فی التأسیس رأسا.

و علیه فالأمر الثانی مع عدم تقید المتعلّق بالمرّة الاخری لا یفید إلاّ التأکید فتدبّر جیّدا.

ص:152

المقصد الثانی: فی النواهی

اشارة

فی النواهی

یقع الکلام فی فصول:

ص:153

ص:154

الفصل الأوّل:فی مفاد مادّة النهی و صیغته

اشارة

و فیه مباحث:

المبحث الأوّل:فی أنّ مادّة النهی کمادّة الأمر فی الدلالة علی الإلزام بنفس

المادّة

إذ لا ینسبق من مادّة النهی التی تکون فی اللغة الفارسیّة بمعنی(قدغن کردن و بازداشتن)إلاّ المنع و الزجر الإلزامیّ کما أنّ المنسبق من مادّة الأمر التی یکون فی اللغة الفارسیّة بمعنی(فرمان دادن و واداشتن)لیس إلاّ الطلب الإلزامیّ.

و قد مرّ فی مباحث الأوامر عن صاحب الفصول أنّه قال فی تعریف مادّة الأمر إنّ الأمر(هو طلب العالی من الدانی حصول الفعل علی سبیل الإلزام)و استشهد علیه بالتبادر.

و علیه فمادّة النهی بقرینة المقابلة ظاهرة فی الزجر عن الشیء علی سبیل الإلزام فإذا ورد أنّ ذلک من النواهی یعلم منه أنّه من المحرّمات إلاّ إذا قامت القرینة علی الخلاف،و یتفرّع علیه أنّ الواجب فی الأمر بالمعروف و النهی هو طلب فعل المعروف و المنع عن المنکر علی سبیل الإلزام و الإیجاب إذ المأمور به هو نفس الأمر و نفس النهی فی مثل قوله تعالی (وَ أْمُرْ بالْمَعْرُوف وَ انْهَ عَن الْمُنْکَر) (1).

و علیه فلا یکفی فی الامتثال مجرّد طلب الفعل أو المنع عنه من دون إلزام

ص:155


1- 1) لقمان:17.

و إیجاب کالاستدعاء أو الالتماس إذا لم یؤثّرا فی إتیان المعروف أو ترک المنکر بل اللازم مع احتمال التأثیر هو إعمال المولویّة بالبعث و الزجر علی سبیل الإلزام و الإیجاب.

المبحث الثانی:فی صیغة النهی،

و لا یخفی علیک أنّ صیغة النهی من الإنشاءات کما أنّه صیغة الأمر کذلک فکما أنّ(اضرب)إیجادیّ إنشائیّ بخلاف قولنا نضرب- بضمّ الباء-فإنّه حکائیّ لا إیجادیّ،فکذلک(لا تفعل)بسکون اللام إیجادیّ لا حکائیّ، بخلاف قولنا(لا تفعل)بضمّ اللام،و لذا لا تتّصف صیغة الأمر و النهی بالصدق و الکذب بخلاف الخبر فإنّ الصدق و الکذب من کیفیّات الحکایة فإذا کانت الحکایة مطابقة لما ثبت فی موطنه من الذهن أو الخارج فهی صدق و إلاّ فهی کذب.

ثمّ إنّ الذی ینشأ بصیغة(افعل)هو البعث نحو المأمور به کما أنّ صیغة(لا تفعل) موضوعة لإنشاء المنع عن الفعل و الزجر عنه،و لا دلالة لهما علی الإلزام و الإیجاب و إنّما حکم العقلاء بهما مع عدم قیام القرینة علی الترخیص و جواز الترک أو الفعل و جریان أصالة التطابق بین الإنشاء و الإرادة الشدیدة أو الکراهة الشدیدة.

فکما أنّ تمام الموضوع لحکم العقلاء بلزوم الفعل فی البعث إنّما هو صیغة(افعل) مع أصالة التطابق و عدم قیام القرینة علی الترخیص کالبعث الخارجی،فکذلک فی ناحیة صیغة(لا تفعل)کالزجر الخارجیّ.

و علیه فالحرمة مستفادة کالوجوب من حکم العقلاء بتمامیّة الحجّة علی لزوم الارتداع أو الامتثال و لیسا داخلین فی مفاد صیغة النهی أو الأمر بل تکون الصیغة بالنسبة إلی الحرمة أو الوجوب جزء الموضوع لحکم العقلاء لا تمام الموضوع لأنّ الجزء الآخر هو أصالة التطابق بین الإنشاء و الإرادة الشدیدة أو الکراهة الشدیدة.

المبحث الثالث:فی تفسیر النهی:

ذهب المشهور إلی تفسیر النهی بطلب الترک،و تبعهم فی الکفایة حیث قال:إنّ

ص:156

الأمر و النهی یشترکان فی کونهما للطلب غایة الأمر أنّ المتعلّق للطلب فی الأوامر هو وجود الطبیعة و فی النواهی عدمها فاختلافهما إنّما یکون بحسب المتعلّق لا بحسب الحقیقة لکون کلیهما بحسب الحقیقة من مقولة الطلب.

أورد علیهم سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد بأنّ مفاد النهی هو الزجر عن الفعل کما أنّ مفاد الأمر هو البعث نحو الفعل،فالمتعلّق فیهما هو الفعل،و طلب الترک لیس مساوقا لمعناه،نعم طلب الترک لازم للزجر عن الفعل عقلا کما أنّ مبغوضیّة الترک فی الأوامر لازم للبعث نحو الفعل،و بالجملة فکما أنّ التحریک نحو الفعل بالذات تبعید عن الترک و العدم بالعرض فکذلک فی المقام یکون الزجر عن الفعل بالذات إبقاء للعدم و طلبا للترک بالعرض.

و المفاد المذکور فی الأمر و النهی یتبع مقام الثبوت فإنّ متعلّق الکراهة النفسانیّة فی النهی هو نفس الفعل کما أنّ متعلّق الإرادة فی الأمر هو نفس الفعل و لازم کراهة الفعل هو إرادة إبقاء العدم علی حاله.

و یشهد لما ذکره الاستاذ انسباق الزجر عن الفعل من معنی النهی،أ لا تری أنّ لفظة(قدغن)فی اللغة الفارسیّة أو الممنوعیّة فی اللغة العربیّة تدلّ علی ممنوعیّة الفعل لا مطلوبیّة الترک و إن کانت المطلوبیّة المذکورة لازما عقلیّا لممنوعیّة الفعل،کما أنّ کلمة(نزن)فی الفارسیّة بمعنی المنع عن الضرب أی(زدن نه)لا طلب ترک الضرب، و بالجملة فالبعث و الزجر متبادران من صیغة(افعل)و(لا تفعل)و مناسبان للثبوت إذ الإرادة متعلّقة بالفعل فی الأمر کما أنّ الکراهة متعلّقة به فی النهی،و من المعلوم أنّ الإرادة و الکراهة لیستا من دون جهة بل من ناحیة اشتمال الفعل علی المصلحة أو المفسدة و لا داعی لطلب الترک مع خلوّه عن المصلحة إلاّ باعتبار اشتمال الفعل علی المفسدة،فالزجر عن الفعل حقیقة لاشتماله علی المفسدة یلازم طلب ترکه عرضا، و لا مطلوبیّة للترک إلاّ من جهة الابتعاد عن مفسدة الفعل.

ص:157

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا فرق بین أنّ تکون صیغة النهی بنحو(لا تفعل)أو(أنهاک عن الفعل)نعم یمکن الفرق بینهما و بین(أرید منک الترک)أو(أترک)و لکنّه لیس إلاّ من ناحیة اللفظ إذ اللازم هو إرجاعهما إلی إنشاء الزجر عن الفعل لعدم مطلوبیّة الترک بنفسه لخلوّه عن المصلحة حقیقة فلا یصلح للطلب بخلاف الفعل فإنّه مشتمل علی المفسدة و یصلح للکراهة و الزجر عنه.

و لا وقع لما یقال من أنّه کما أنّ هناک کراهة للفعل فکذلک هناک إرادة و محبوبیّة للترک،و یشهد لذلک الأفعال المبغوضة بالبغض الشدید فإنّ تعلّق المحبوبیّة بترکها ظاهر واضح لا إنکار فیه کمحبوبیّة الصحّة التی هی فی الحقیقة عدم المرض و نحو ذلک (1).

و ذلک لأنّ الإرادة و المحبوبیّة بالنسبة الی الترک باعتبار اشتمال الفعل علی المفسدة و کون الترک تبعیدا عن المفسدة لا باعتبار اشتمال الترک علی المصلحة،و لذا تکون الإرادة و المحبوبیّة عرضیّا و مجازیّا،و النقض بالصحّة غیر سدید لأنّ الصحّة و السقم أمران وجودیّان لا یجتمعان و الصحّة هو التمامیّة و هی وصف حقیقیّ قابل للمحبّة و الإرادة و لیست الصحّة عدم المرض،نعم تکون الصحّة ملازمة لعدم المرض لأنّ وجود کلّ ضدّ ملازم لعدم ضدّ آخر،هذا مضافا إلی ما فی مناهج الوصول من أنّ تعلّق الطلب بالعدم ممتنع ثبوتا و مخالف للظاهر إثباتا ضرورة أنّ العدم لیس بشیء و لا یمکن أن یکون ذا مصلحة حتّی تتعلّق به إرادة و اشتیاق و لا بعث و لا تحریک و لا طلب.

و أمّا ما فی تعلیقة المحقّق الأصفهانی من أنّه یمکن أن یقال بلحاظ ترکّب صیغة النهی من حرف النفی و أداة العدم و صیغة المضارع أنّ مفادها هو الإعدام التسبیبیّ

ص:158


1- 1) منتقی الأصول:ج 3 ص 6.

التنزیلیّ (1).

ففیه أنّ الترکّب المذکور یناسب الزجر و الانزجار و الردع و الارتداع أیضا فلا یکون قرینة علی کون مفاد النهی هو الإعدام التسبیبیّ،فتحصّل أنّ مفاد النهی هو الزجر لا طلب الترک و الإعدام التسبیبیّ،و علیه یسقط النزاع فی أنّ متعلّق الطلب فی النهی هو الکفّ أو نفس أن لا تفعل لما عرفت من أنّ النهی هو الزجر عن الوجود لا طلب الترک.

و لکن وقع صاحب الکفایة فی هذا البحث من جهة اختیاره مذهب المشهور فی مفاد النهی و اختار أنّ متعلّق الطلب هو الترک بدعوی الاستظهار و لعلّه من جهة التبادر.

هذا مضافا إلی ما اشیر إلیه فی بعض التعالیق من أنّ اللازم بناء علی کون المتعلّق هو الکفّ هو عدم إمکان الامتثال فیما إذا لم یکن للمخاطب میل له بحسب طبعه فیکون مثل هذا خارجا عن مورد الخطابات و هو کما تری.

اورد علیه بأنّ الترک و العدم غیر اختیاریّ،و التکلیف لا یتعلّق بغیر الاختیاریّ لانتفاء القدرة بالنسبة إلی العدم لأنّ العدم نفی محض فلا یصلح لأن یکون مورد أثر القدرة،و الإرادة و القدرة تؤثّران فی الفعل لا فی العدم بل العدم لا یحتاج إلی العلّة لأنّ العدم عدم بعدم علّته فلا حاجة إلی إعمال القدرة و إرادة العدم.

أجاب عنه فی الکفایة بأنّ الترک أیضا یکون مقدورا و إلاّ لما کان الفعل مقدورا و صادرا بالإرادة و الاختیار فإنّ معنی کون شیء مقدورا هو کون کلّ من وجوده و عدمه تحت الاختیار،فالقدرة علی الفعل تکفی فی صحة إضافة القدرة إلی ترکه، و علیه فیصحّ أن یقال مقدوریّة الترک و مرادیّته تابعة لمقدوریّة الفعل و مرادیّته،هذا

ص:159


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 80.

مضافا إلی ما أفاده استاذنا العراقیّ قدّس سرّه من أنّ الأعدام مقدورة بالواسطة إذ یمکننا عدم کلّ منها بإعمال القدرة فی ضدّه،و لذا یحکم العرف بوجود القدرة علی عدم سواد محلّ بالقدرة علی تبییض هذا المحلّ.

و کون العدم الأزلیّ لا بالاختیار لا یوجب أن یکون کذلک بحسب البقاء و الاستمرار الذی یکون بحسبه محلاّ للتکلیف.

أورد علیه أیضا بأنّ مرجع هذا البحث إلی أنّ متعلّق النهی هل هو مطلق الترک أو أنّه ترک خاصّ و هو المساوق لصورة الکفّ،یمکن اختیار الثانی بدعوی أنّ النهی إنّما هو لجعل الداعی نحو الترک و هذا إنّما یتعقّل فی صورة وجود المقتضی للفعل بحیث یکون المکلّف فی مقام العمل فینهی،أمّا إذا لم یکن فی مقام العمل فلا معنی للنهی عنه لتحقّق الانتهاء و الانزجار فی نفسه بدون نهی فیکون النهی لغوا،و هذا المعنی تظهر ثمرته فی مورد العلم الإجمالیّ الذی یکون أحد طرفیه مصروف النظر عنه بالمرّة فإنّه لا یکون منجّزا علی هذا الرأی فینحصر النهی بصورة الکفّ قهرا و إن تعلّق بالترک (1).

و فیه:أوّلا أنّ قیاس المقام بما یکون خارجا عن محلّ الابتلاء قیاس مع الفارق لأنّ المورد الذی لا یکون محلّ الابتلاء خارج عن کونه تحت القدرة فلا یحسن الخطاب بالنسبة إلیه.و هذا بخلاف المورد الذی لا یکون المقتضی للعمل فیه موجودا بالفعل لأنّه لا یکون خارجا عن محلّ القدرة لإمکان الإتیان به فی بعض الأحیان و لو بداع آخر من الدواعی کخطاب الشیوخ بعدم الزنا فإنّهم لا یمیلون إلیه،و مع ذلک یمکن ارتکاب ذلک بعروض دواع اخری،فإمکان الانبعاث یکفی فی صحّة الخطاب و حسنه کما لا یخفی.

ص:160


1- 1) منتقی الأصول:ج 3 ص 8.

و ثانیا:أنّ عدم حسن الخطاب علی تقدیر التسلیم إنّما یکون إذا کان الخطاب شخصیّا لا بنحو الکلّیّ و الضرب القانونیّ فإنّ الخطابات القانونیّة خطابات کلّیّة متوجّهة إلی العناوین الکلّیّة و تصحّ من غیر استهجان إذا کان فی المخاطبین من یمکن انبعاثه بها و لا یلزم أن یکون الأفراد جمیعهم کذلک فی رفع الاستهجان،فمنشأ الإشکال هو الخلط بین الحکم الکلّی و الجزئیّ فتأمّل.

و ثالثا:إنّ لقائل أن یقول إنّا لا نسلّم عدم حسن الخطاب بالنسبة إلی ما کان خارجا عن محلّ الابتلاء لوجود الفائدة فیه و هو وجوب الاحتیاط فی أطراف العلم الاجمالیّ کما یصحّ إطلاق الخطاب بالنسبة إلی غیر القادر لأنّ فائدته هو وجوب الفعل فیما إذا شکّ فی القدرة،و یشهد له ما یقوله العاجز عند ترک شیء من الأشیاء التی لم یتمکّن منها من إنّی ترکت محبوب المولی إذ لا دلیل علی المحبوبیّة إلاّ إطلاق الخطاب بالنسبة إلیه أیضا.

و بالجملة لا یلزم فی صحّة البعث أن یکون بداعی الانبعاث بل یصحّ أن یکون بدواع اخری کالاحتیاط فی أطراف العلم الإجمالیّ أو إتمام الحجّة کتوجیه الخطابات نحو العصاة و الکفّار مع کونهم غیر منبعثین،هکذا أفاد استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه فتأمّل.

المبحث الرابع:فی وجه اختلاف الأمر و النهی فی کیفیّة الامتثال

و لا یخفی علیک أنّ مقتضی الأمر هو حصول الامتثال بأوّل مصادیق المتعلّق لأنّ الطبیعة توجد بوجود فرد بخلاف مقتضی الثانی فإنّ امتثاله یتقوّم بترک جمیع الأفراد مع أنّ المتعلّق فی کلیهما هو وجود الطبیعة إذ الأمر هو البعث نحو وجود الفعل، و النهی هو الزجر عن وجود الفعل فیقع البحث عن وجه الفرق،ذهب استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه إلی أنّ الطبیعة فی متعلّق النهی مستعملة بکثرة الاستعمال فی الطبیعة الساریة دون متعلّق الأمر،فالعرف یفهم من النواهی أنّ کلّ فرد من أفراد الطبیعة

ص:161

کان مبغوضا و لذلک حکم بعصیان من شرب الخمر فی یوم مع الحکم بالامتثال لو ترک شرب الخمر فی یوم آخر.

و بالجملة صیغة النهی و إن استعملت أحیانا فیما إذا کانت الطبیعة فی متعلّقها مبغوضة بصرف وجودها کقولهم(لا تقتل هذا الرجل)إلاّ أنّ أکثر موارد استعمالها فی الطبائع التی کانت مبغوضة بجمیع أفرادها بخلاف صیغة الأمر فإنّه ربّما یستعمل فی الطبیعة التی کانت مطلوبة بجمیع أفرادها کقوله تعالی (اذْکُرُوا اللّهَ ذکْراً کَثیراً) و لکنّ أکثر موارد استعمالها فی الواجبات هی الطبائع التی کانت مطلوبة بوجود فرد واحد.

و علیه فالسرّ فی اختلاف کیفیّة الامتثال هو اختلاف ظهور صیغة الأمر بکثرة الاستعمال فی مطلوبیّة الطبیعة بوجود فرد واحد بخلاف صیغة النهی لظهورها بکثرة الاستعمال فی مبغوضیّة الطبیعة بجمیع أفرادها.

و هذا الوجه لیس بوجه عقلیّ بل هو استظهار عرفیّ من ناحیة انصراف اللفظ کما لا یکون ظهورا إطلاقیّا لعدم الحاجة إلی الأخذ بمقدّمات الإطلاق فإنّ الحکم علی الفرض منحلّ بانحلال متعلّقه إلی النواهی بالظهور الانصرافیّ اللفظیّ و أمّا ما یظهر من(مناهج الوصول)من أنّ الالتزام بالعموم الاستغراقیّ فی جانب المتعلّق حتی ینحلّ النهی بتبعه خلاف التحقیق لعدم استعمال المادّة فی الأفراد وجدانا کما لم تستعمل الهیئة فی الطبیعیّ (1).

فهو منظور فیه بعد وجود کثرة الاستعمال فی الطبیعة الساریة فی النواهی فإنّ اللفظ حینئذ ظاهر فی استعمال المادّة فی الأفراد فی ناحیة المتعلّق و یتکثّر النهی بتبع تکثّر الأفراد.

ذهب المحقّق الخراسانیّ إلی أنّ منشأ الفرق هو العقل لأنّ المتعلّق فی الأمر

ص:162


1- 1) منهاج الوصول:ج 2 ص 106.

و النهی واحد و هو الطبیعة و إنّما العقل یحکم باختلافهما فی الامتثال ضرورة أنّ وجود الطبیعة یکون بوجود فرد واحد و عدمها لا یکاد یکون إلاّ بعدم الجمیع (1).

أورد علیه المحقّق الأصفهانیّ بأنّ التفکیک بین وجود الطبیعة و عدمها غیر متصوّر لأنّ الطبیعة توجد بوجودات متعدّدة و لکلّ وجود عدم هو بدیله و نقیضه، فقد یلاحظ الوجود مضافا إلی الطبیعة المهملة التی کان النظر مقصورا علی ذاتها و ذاتیّاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها و نتیجة المهملة جزئیّة،فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تتحقّق بوجود واحد کذلک عدم مثلها.

و قد یلاحظ الوجود مضافا إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکلّ وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام.

و قد یلاحظ الوجود بنحو السعة أی بنهج الوحدة فی الکثرة بحیث لا یشذّ عنه وجود فیقابله عدم مثله و هو ملاحظة العدم بنهج الوحدة فی الأعدام المتکثّرة أی طبیعیّ العدم بحیث لا یشذّ عنه عدم،و لا یعقل الوجود المضاف إلی الماهیّة علی نحو یتحقّق بفرد ما و یکون عدمه البدیل له بحیث لا یکون إلاّ بعدم الماهیة بجمیع أفرادها (2).

یمکن أن یقال کما فی الدرر حیث إنّ الطبیعة اللابشرط حتّی من حیث الوجود و العدم لا یمکن أن تکون محلا للإرادة عقلا یجب اعتبار وجودها فی ناحیة المتعلّق فی الأمر.ثمّ إنّ الوجود إمّا بنحو الوجود الساری و إمّا بنحو الوجود المقیّد بقید خاصّ و أمّا بنحو صرف الوجود فی مقابل العدم الأزلیّ من دون أمر آخر وراء ذلک و کان المطلوب هو انتقاض العدم الأزلیّ بالوجود من دون ملاحظة شیء آخر.

و حیثما لا یدلّ الدلیل علی أحد الاعتبارات یتعیّن الثالث لأنّه المتیقّن من بینها،

ص:163


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 222.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 82.

و غیره یشتمل علی هذا المعنی و أمر زائد فیحتاج إلی مئونة اخری زائدة مرفوعة بمقتضی الإطلاق.ثمّ زاد علیه فی ذیل الدرر بأنّ اعتبار صرف الوجود أیضا قید زائد و یحتاج إلی مئونة زائدة فالقدر المتیقّن هو مطلق الوجود المعرّی حتی من هذا القید (1).

و علیه فإذا کان المطلوب فی ناحیة الأمر هو وجود الطبیعة و هو ناقض العدم الکلّیّ و طارد العدم الأزلیّ بحیث ینطبق علی أوّل فرد و وجود،کان نقیضه عدم ناقض العدم و من المعلوم أنّه یساوق بقاء العدم الکلّیّ علی حاله فیتحقّق التفریق بین الأمر و النهی فی الامتثال لأنّ لازم صرف الوجود أو مطلق الوجود هو تحقّق الطبیعة بفرد و لازم نقیضه هو انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.

أورد علیه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه بأنّ طارد العدم الکلّیّ لا مطابق له فی الخارج لأنّ کلّ وجود یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره،فأوّل الوجودات أوّل ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأوّل و لازم هذا العدم الخاصّ بقاء سائر الأعدام علی حالها فإنّ عدم الوجود الأوّل یستلزم عدم الثانی و الثالث و هکذا لا أنّه عینها (2).

أجاب عنه شیخنا الاستاذ الأراکیّ قدّس سرّه بأنّه لا ضیر فی عدم وجود المطابق بالفعل للطارد للعدم الکلّیّ فی الخارج بعد إمکان تصوّره إذ لا مانع من انتزاع ناقض العدم الکلّیّ عن الوجود الأوّلیّ بتبدّل عدم واحد بالوجود لاختلال العدم الکلّیّ بتبدّل واحد من الأعدام بالوجود،و الموضوع فی الأوامر و النواهی حیث کان من الأمور الذهنیّة فعدم وجود المطابق بالفعل له فی الخارج مع وجود منشأ انتزاعه لا یوجب الإشکال کما أنّ الکسور التسعة من النصف و الربع و غیرهما لیس لها فی الخارج مطابق بالفعل لأنّه لیس فی الخارج إلاّ القابلیّة للانقسام لا وجود الأقسام من

ص:164


1- 1) الدرر:ج 1 ص 76 و 77 ط جدید.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 82.

النصف و غیره فمع عدم وجودها قبل الفرز یمکن تصوّر الکسور بوجود منشئها و هکذا فی ناقض العدم الکلّیّ فیصحّ أن یتصوّر الوجود بعنوان ناقض العدم الکلّیّ.

و علیه فالأمر بصرف الوجود أو أصل الوجود یمکن امتثاله بفعل واحد بخلاف الزجر عن أصل الوجود فإنّه یرجع إلی مطلوبیّة العدم الکلّیّ المنتزع عن الأعدام و من المعلوم أنّه لا یمکن امتثاله إلاّ بترک الطبیعة مطلقا.

نعم لو عصی المکلّف فدلالة النهی علی حرمة الفعل بعد عصیان النهی فی الزمان الأوّل تحتاج إلی مقدّمات الحکمة و بعد جریان المقدّمات یکون العدم الکلّیّ مطلوبا للمولی فی الزمان المستمرّ و عصیانه فی الزمان الأوّل لا یضرّ ببقاء النهی علی ما هو علیه من الزجر عن الفعل مطلقا کما أنّ العصیان لا یضرّ باستصحاب الأحکام الشرعیّة فی زمان النبیّ صلّی اللّه علیه و آله إلی قیام القیامة.

و علیه فلا إشکال علی ما ادّعاه صاحب الکفایة من التفرقة فی الامتثال بین الأمر و النهی بناء علی ما ذهب إلیه فی النواهی من أنّ المطلوب فیها هو عدم الطبیعة.

هذا،و قد عرفت أنّ مفاد النواهی هو الزجر عن الفعل کما أنّ مفاد الأوامر هو البعث نحو الفعل،و کثرة الاستعمال فیهما متعاکسة لأنّ کثرة الاستعمال فی النواهی فی مبغوضة الطبیعة الساریة بخلافها فی الأوامر فإنّها مستعملة کثیرا ما فی مطلوبیّة وجود الطبیعة فإذا کانت صیغة الأوامر و النواهی ظاهرة فی معناهما بکثرة الاستعمال فلا یحتاج لإفادة بقاء المبغوضیّة فی ناحیة النواهی بعد العصیان إلی الأخذ بمقدّمات الإطلاق لأنّ النواهی منحلّة بتبع انحلال الأفراد فإذا عصی بالنسبة إلی فرد لا یوجب سقوط غیره من الأفراد لبقاء ظهور النهی فی ممنوعیّة سائر الأفراد و بالجملة فالنهی فی حکم نواه متعدّدة فلا مانع من بقائه علی حاله بواسطة عصیانه فی بعض أفراد متعلّقه.

ص:165

کما لا حاجة إلی إنشاء سنخ الطلب کما فی نهایة الدرایة (1):بعد الالتزام بالعموم الاستغراقیّ فی ناحیة المتعلّق لأنّ النهی ینحلّ بتبع العموم الاستغراقیّ،و دعوی أنّ استعمال المتعلّق فی الأفراد خلاف الوجدان کما فی مناهج الوصول غیر مسموعة بعد ما عرفت من کثرة استعمال المحرّمات خلافا للواجبات فی مبغوضیّة الطبیعة الساریة کما هو المتفاهم العرفیّ.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ ما ذکرناه لیس من جهة أنّ المصلحة فی طرف الأمر قائمة بصرف وجود الطبیعة ما لم تقم قرینة علی الخلاف،و لأجل ذلک لا ینحلّ الأمر بانحلال أفراد الطبیعة فی الواقع و أمّا المفسدة ففی طرف النهی قائمة بمطلق وجودها إلاّ إذا قامت قرینة علی أنّها قائمة بصرف وجودها مثلا أو بمجموع وجوداتها و هکذا، و لذلک ینحلّ فی الواقع بانحلالها فیثبت لکلّ فرد منها حکم مستقلّ.

حتّی یورد علیه-کما فی المحاضرات-بأنّ(هذا الفرق و إن کان صحیحا فی نفسه إلاّ أنّه لا طریق لنا إلی إحرازه مع قطع النظر عمّا هو مقتضی إطلاق الأمر و النهی بحسب المتفاهم العرفیّ و مرتکزاتهم و ذلک لما ذکرناه غیر مرّة من أنّه لا طریق لنا إلی ملاکات الأحکام مع قطع النظر عن ثبوتها،و علی هذا الضوء فلا یمکننا إحراز أنّ المفسدة فی المنهیّ عنه قائمة بمطلق وجوده و المصلحة فی المأمور به قائمة بصرف وجوده مع قطع النظر عن تعلّق النهی بمطلق وجوده و تعلّق الأمر بصرف وجوده) (2).

و ذلک لما عرفت من أنّ کثرة استعمال المتعلّق فی النواهی فی العموم الاستغراقیّ تکون سببا لظهور النواهی فی انحلال الاستغراقیّ فیختلف ظهور النهی مع ظهور الأمر فی الواجبات،لأنّ کثرة الاستعمال فیها متعاکسة.هذا مضافا إلی امکان إحراز المفسدة

ص:166


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 83.
2- 2) المحاضرات:ج 4 ص 97-96.

بعد کون کلّ فرد مثل المنهیّ و عدم احتمال رفع المبغوضیّة بترک بعض الأفراد.

و أمّا ما ذهب إلیه فی المحاضرات بعد إطالة الکلام من أنّ(الاختلاف بین الأوامر و النواهی لیس من ناحیة اختلافهما فی المتعلّق لما عرفت من أنّ متعلّقهما واحد و هو نفس طبیعیّ الفعل فإنّه کما یکون متعلّقا للأمر کذلک یکون متعلّقا للنهی،بل إنّ ذلک إنّما کان من جهة خصوصیّة فی تعلّق الأمر و النهی به و هذه الخصوصیّة هی أنّ المطلوب من الأمر بما أنّه إیجاد الطبیعة فی الخارج فلا یمکن أن یرید المولی منه إیجادها بکلّ ما یمکن أن تنطبق علیه هذه الطبیعة لغرض عدم تمکّن المکلّف منه کذلک،فهذه الخصوصیّة أوجبت أن تکون نتیجة مقدّمات الحکمة فیه هی کون المطلوب هو إیجادها فی ضمن فردها المعبّر عنه بصرف الوجود،و المطلوب من النهی بما أنّه حرمان المکلّف فلا یمکن أن یراد منه حرمانه عن بعض أفرادها لفرض أنّه حاصل قهرا و النهی عنه تحصیل للحاصل،فهذه الخصوصیّة أوجبت أن تکون نتیجة مقدّمات الحکمة فیه هی کون المطلوب حرمان المکلّف عن جمیع أفرادها) (1).

ففیه أنّ البیان المذکور لو تمّ یساعد علی ما ذهبنا إلیه من کثرة الاستعمال أیضا.

هنا تنبیهان:

التنبیه الأوّل:أنّه لا یخفی علیک أنّ الظاهر من النواهی الواردة فی باب العبادات و المعاملات مثل قوله علیه السّلام فی غیر مأکول اللحم(و لا تلبسوا منها شیئا تصلّون فیه)و فی مثل الحریر المحض(لا تحلّ الصلاة فی حریر محض)و فی مثل الغرر (نهی النبی صلّی اللّه علیه و آله و سلّم عن بیع الغرر)و نحو ذلک،هو أنّها إرشاد إلی مانعیّة هذه الأمور عن صحّة العبادات و المعاملات کالأوامر الواردة فی باب العبادات و المعاملات فإنّها

ص:167


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 107.

الجزئیّة أو الشرائط.

و المانعیّة و الجزئیّة و الشرطیّة أمور شرعیّة مستفادة من النهی و الأمر،و معنی المانعیّة أنّ هذه الأمور بوجودها تمنع عن صحّة العبادة و المعاملة و معنی الجزئیّة و الشرطیّة أنّ هذه الأمور دخیلة فی صحّة العبادة و المعاملة.

و الأوامر الإرشادیّة إلی الجزئیّة و الاشتراط أوامر حقیقیّة کما أنّ النواهی الإرشادیّة إلی مانعیّة هذه الأمور نواه حقیقیّة لأنّ الأوامر الإرشادیّة المذکورة ناشئة عن المصالح الکامنة فی الأجزاء و الشرائط و النواهی الإرشادیّة ناشئة عن المفاسد الکامنة فی وجود الموانع التی تمنع عن صحّة العمل کالقهقهة فی مثل الصلاة و الغرر فی مثل البیع.

و بعد ملاحظة أنّ الأوامر الإرشادیة أوامر حقیقیّة ناشئة عن المصالح و أنّ النواهی الإرشادیة نواه حقیقیّة ناشئة عن المفاسد المانعة عن صحّة العبادة و المعاملة یظهر أنّه لا وجه لما فی المحاضرات من(أنّ النهی الوارد فی الموانع غیر ناش عن مفسدة فی الفعل بداهة أنّه لا مفسدة فیه أصلا بل نشأ عن قیام مصلحة فی ترکه و هی داعیة إلی إیجابه و اعتباره فی ذمّة المکلّف،و هذه النواهی إرشاد إلی تقیّد الصلاة بعدمها لأجل مصلحة کانت فی هذا التقیّد لا لأجل مفسدة فی نفس تلک الأمور حال الصلاة ضرورة أنّه لیس لبس ما لا یؤکل أو المیتة أو النجس فی الصلاة من المحرّمات فی الشریعة المقدّسة فإذن لا یمکن أن تکون هذه النواهی ناشئة عن وجود مفسدة ملزمة فیها.

و من هنا تدلّ تلک النواهی علی مطلوبیّة هذا التقیّد و مانعیّة تلک الأمور عن الصلاة ضرورة أنّا لا نعنی بالمانع إلاّ ما کان لعدمه دخل فی المأمور به،و هذا معنی کون

ص:168

هذه النواهی إرشادا إلی مانعیّة هذه الأمور و تقیّد الصلاة بعدمها) (1).

و ذلک لما عرفت من ظهور النواهی فی الإرشاد إلی مانعیّة وجود الموانع، و إرجاع النواهی إلی الإرشاد إلی تقیّد العبادة بالترک مع أنّه لا مصلحة فی التقیّد خروج عن ظواهر النواهی الإرشادیّة من دون وجه و أمّا عدم حرمة لبس ما لا یؤکل و نحوه بالحرمة التکلیفیّة فلا ینافی مانعیّة وجود لبس ما لا یؤکل و نحوه عن صحّة الصلاة،و الکلام فی مانعیّة هذه الامور کالمانعیّة فی التکوینیّات فکما أنّ المانع هناک یمنع عن تأثیر المقتضی و لا یکون عدمه شرطا فی التأثیر إذ الشرط ما له المدخلیّة فی التأثیر و لیس لعدم المانع مدخلیّة فی التأثیر و إنّما عدم المانع بمعنی عدم المزاحمة فالمقتضی یؤثّر بنفسه لا بمعونة عدم المانع حتّی یصحّ أن یقال هو شرط فی التأثیر.

فکذلک فی الموانع الشرعیة فإنّها بوجودها تمنع عن صحّة الصلاة و لیس معناها هو مدخلیّة عدمها فی صحّة الصلاة و تأثیرها فی أثرها.

التنبیه الثانی:فی حکم الشبهة الموضوعیّة من الموانع،و لا یخفی علیک أنّ الظاهر من النواهی المولویّة أو الإرشادیّة هو الزجر عن وجود طبیعة المنهیّ أو المانع، و حیث عرفت بکثرة الاستعمال أنّ المنهیّ هو وجود کلّ فرد فرد لا صرف وجود المانع،فلو شکّ فی فرد أنّه من أفراد الطبیعة المنهیّة أم لا فلا ریب فی جواز الرجوع إلی أصالة البراءة فی النواهی المولویّة لفرض أنّه شکّ فی تکلیف مستقلّ زائد علی المقدار المعلوم بل الأمر کذلک فی النواهی الإرشادیّة أیضا فإنّ الشکّ فی التکلیف الزائد أیضا بعد انحلاله علی الأفراد فیندفع المشکوک بالبراءة.هذا کلّه بناء علی ما اخترناه من أنّ النواهی الإرشادیّة إرشاد إلی مانعیّة وجود الموانع بل یمکن الأخذ بالبراءة أیضا لو

ص:169


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 117-115.

قلنا بأنّ النواهی الإرشادیّة ترجع إلی الأوامر الإرشادیّة فی المرکّبات و تقیّدها بعدم الموانع کما ذهب إلیه فی المحاضرات إذ لا إشکال أیضا فی جریان البراءة بناء علی جریانها فی الأقلّ و الأکثر الارتباطییّن کما هو الحقّ فإنّ مردّ الشکّ حینئذ إلی الشکّ فی انطباق الواجب و هو الصلاة المقیّدة بعدم إیقاعها فیما لا یؤکل و المیتة و نحوهما علی الصلاة المأتیّ بها فی الثوب المشکوک و عدم انطباقه إلاّ علی خصوص المقیّدة بعدم وقوعها فی هذا الثوب المشتبه.

و من المعلوم أنّ علی الأوّل یکون الواجب هو الأقلّ و هو المطلق من حیث تقیّده بعدم وقوعه فی هذا الثوب و عدم تقیّده به.

و علی الثانی یکون هو الأکثر و هو المقیّد بعدم وقوعه فی هذا الثوب و حیث إنّا لا نعلم أنّ الواجب هو الأقلّ أو الأکثر فیرجع إلی أصالة البراءة عن الأکثر (1).

بل لو قلنا بأنّ المنهیّ هو صرف وجود الطبیعة لأمکن إجراء البراءة أیضا،کما أفاد فی جامع المدارک حیث إنّ المانع علی تقدیر صرف الوجود أیضا هو نفس الوجودات لا أمر ینطبق علی الوجودات حتّی یقال إنّ النهی واحد غیریّ متعلّق بأمر واحد مبیّن بحسب المفهوم فاللازم هو الاحتیاط،و ذلک لأنّ الطبیعیّ موجود فی الخارج بوجودات الأشخاص فوجود کلّ شخص عین وجود الطبیعیّ غایة الأمر فی صورة تعلّق النهی بالطبیعة الساریّة یکون کلّ وجود بخصوصیّته موردا للنهی،و فی هذه الصورة تکون الخصوصیّات ملغاة و المانع عن الصلاة هو نفس الطبیعیّ المتحقّق فی الخارج و حیث إنّ الخارج لیس فیه وجودان أحدهما للطبیعیّ و الآخر للفرد بل الأفراد بذواتها و بالجهة المشترکة مورد النهی لا بخصوصیّاتها فمع الشکّ فی تحقّق تلک الجهة فی المشکوک لا مانع من شمول حدیث الرفع،و مجرّد تبیّن المفهوم مع وقوع الشکّ

ص:170


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 138.

لا یمنع عن الشمول لأنّ الشبهة موضوعیّة (1).

و أیضا لو قلنا برجوع النهی الإرشادیّ إلی الأمر الإرشادیّ و اشتراط صرف ترک المانع فی العبادة أو المعاملة-کما ذهب إلیه فی المحاضرات-لأمکن أیضا الرجوع إلی البراءة فی الفرد المشکوک الفردیّة لفرض أنّ المطلوب فی هذه الصورة صرف ترک الطبیعة و المفروض أنّه یتحقّق بترکها آناً ما و معه لا منع عن الأفراد المعلومة فضلا عن الأفراد المشکوکة (2).

بل الأمر کذلک لو لم یترکه آناً ما و صلّی فی الثوب المشکوک فیه بأن لبسه فی تمام آنات الاشتغال بها فحینئذ إن کان هذا الثوب من أجزاء غیر مأکول اللحم واقعا فهو مانع عن صحّة الصلاة و إن لم یکن کذلک فلا یکون مانعا و حیث إنّا لا نعلم أنّه مأکول اللحم أو غیر مأکول اللحم و نشکّ فی مانعیّته و عدمها فلا مانع حینئذ من الرجوع إلی البراءة عنها بناء علی ما هو الصحیح من جریان البراءة فی الأقلّ و الأکثر الارتباطییّن (3).

فقد اتّضح ممّا ذکر صحّة الرجوع إلی البراءة فی الشبهة الموضوعیّة من الموانع علی جمیع الوجوه المتصوّرة فلا تغفل.

ص:171


1- 1) جامع المدارک:ج 2 ص 273 و 272.
2- 2) المحاضرات:ج 4 ص 124.
3- 3) المحاضرات:ج 4 ص 138.

الخلاصة:

المقصد الثانی فی النواهی

یقع الکلام فی فصول:

الفصل الأوّل فی مفاد مادّة النهی و صیغته و هنا مباحث:

المبحث الأوّل:فی مادّة النهی

و لا یخفی أنّها کمادّة الأمر فی الدلالة علی الإلزام بنفس المادّة إذ لا ینسبق منها إلاّ المنع و الزجر الإلزامی.

و علیه فالنواهی تدلّ علی الزجر عن الفعل علی سبیل الإلزام کما أنّ الأوامر تدلّ علی البعث نحو الفعل علی سبیل الإلزام.

المبحث الثانی:فی صیغة النهی:

و لا یخفی أنّها من الإنشاءات کما أنّ صیغة الأمر کذلک و المنشأ بها هو الزجر عن الفعل کما أنّ المنشأ بصیغة الأمر هو البعث نحو الفعل و لا دلالة لهما علی الإلزام و الإیجاب بحسب الوضع بل یحکم به العقلاء مع أصالة التطابق و عدم قیام القرینة علی الترخیص فی الفعل أو الترک و الموضوع لحکم العقلاء بلزوم الفعل أو الترک هو صیغة افعل و لا تفعل مع أصالة التطابق بین الإنشاء و الإرادة أو الکراهة الجدّیّة.

المبحث الثالث:

إنّ النهی بمعنی الزجر عن الفعل کما أنّ الأمر بمعنی البعث نحو الفعل فالمتعلّق فی النهی و الأمر هو الفعل و تفسیر النهی بطلب الترک کتفسیر الأمر بالمنع عن الترک

ص:172

تفسیر بلازم المعنی إذ الزجر عن الفعل فی النهی ملازم لطلب الترک عقلا کما أنّ البعث نحو الفعل فی الأمر ملازم لمبغوضیّة الترک و المنع عنه و الدلیل علی ذلک هو التبادر و المساعدة مع مقام الثبوت إذ مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت و الإرادة و الکراهة فی مقام الثبوت متعلّقتان بالفعل.

و لا فرق فیما ذکر بین أن تکون صیغة النهی بنحو لا تفعل أو بنحو أنهاک عن الفعل بل لو قال الناهی ارید منک الترک أو اترک فاللازم هو إرجاعهما إلی إنشاء الزجر عن الفعل لعدم مطلوبیّة الترک بنفسه لخلوّه عن المصلحة حقیقة فلا یصلح للطلب بخلاف الفعل لکونه مشتملا علی المفسدة و هو یقتضی الکراهة و الزجر عنه.

هذا مضافا إلی أنّ العدم لیس بشیء و لا یمکن أن یکون ذا مصلحة تتعلّق به الإرادة و الاشتیاق و لا بعث و لا تحریک و لا طلب.

فإذا عرفت أنّ النهی بمعنی الزجر عن الفعل فلا مجال للنزاع فی أنّ متعلّق الطلب فی النهی هو الکفّ أو نفس أن لا تفعل لما عرفت من أنّ النهی هو الزجر عن الوجود لا طلب الترک و البحث المذکور متفرّع علی کون معنی النهی هو طلب الترک.

المبحث الرابع:

فی وجه اختلاف الامتثال فی الأمر و النهی مع أنّ متعلّقهما هو وجود الفعل إذ الأمر هو البعث نحو وجود الفعل و النهی هو الزجر عن وجود الفعل و مع ذلک یتحقّق الامتثال فی الأمر بوجود فرد واحد بخلاف النهی فإنّه لا یتحقّق الامتثال فیه إلاّ بترک جمیع الأفراد.

و هنا وجوه لبیان سرّ هذا الاختلاف؛

منها:إنّ وجه ذلک هو اختلافهما فی کثرة الاستعمال إذ النهی کثیرا ما یستعمل فی الطبیعة الساریة بخلاف الأمر فإنّه کثیرا ما یستعمل فی مطلق الطبیعة و الکثرة موجبة للانصراف و حیث إنّ الکثرة متعاکسة فی الأمر و النهی یکون امتثالهما مختلفة

ص:173

و فی هذا الوجه لا یحتاج إلی جریان مقدّمات الحکمة لأنّه یبتنی علی الظهور الانصرافی کما لا یخفی بل مع العصیان فی الزمان الأوّل لا حاجة لإفادة بقاء المبغوضیّة فی جانب النهی إلی الأخذ بالمقدّمات لأنّ النواهی منحلة بتبع انحلال الأفراد و من المعلوم أنّ عصیانه بالنسبة إلی فرد من أفرادها لا ینافی بقائه بالنسبة إلی سائر الأفراد.

و منها:إنّ منشأ الفرق هو العقل لأنّ المتعلّق فی الأمر و النهی واحد و هو الطبیعة و إنّما العقل یحکم باختلافهما فی الامتثال ضرورة أنّ وجود الطبیعة یکون بوجود فرد واحد و لکن عدمها لا یکاد یکون إلاّ بعدم الجمیع.

اورد علیه بأنّ التفکیک بین وجود الطبیعة و عدمها غیر متصوّر لأنّ الطبیعة توجد بوجودات متعددة و لکلّ وجود عدم هو بدیله و نقیضه و لا یعقل الوجود المضاف إلی الماهیّة علی نحو یتحقّق بفرد ما و یکون عدم البدیل له بحیث لا یکون إلاّ بعدم الماهیّة بجمیع أفرادها.

فإن کان النظر إلی الطبیعة المهملة کان النظر مقصورا علی ذاتها و ذاتیّاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها و نتیجة المهملة جزئیة فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تتحقّق بوجود واحد فکذلک عدم مثلها.

و إن کان النظر إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلعلّ وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و إن کان النظر إلی الوجود بنحو السعة أی بنهج الوحدة فی الکثرة بحیث لا یشذّ عنه وجود فیقابله عدم مثله.

و یمکن الجواب عنه بأنّ النظر فی ناحیة الأمر إلی وجود الطبیعة بمعنی ناقض العدم الکلّی و طارد العدم الأزلی و من المعلوم أنّه ینطبق علی أوّل فرد و وجود من الطبیعة.

فإذا تعلّق النهی بوجود الطبیعة بالمعنی المذکور صار معناه هو الزجر عن ناقض العدم و من المعلوم أنّه یساوق إبقاء العدم الکلّی علی حاله و إبقاء العدم الکلّیّ

ص:174

علی حاله لا یتحقّق إلاّ بترک جمیع الأفراد و هذا هو الفرق فی ناحیة الامتثال.

و دعوی إنّ طارد العدم لا مطابق له فی الخارج لأنّ کلّ وجود یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره فأوّل الوجودات أوّل ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأوّل و لازم هذا العدم الخاصّ بقاء سائر الأعدام علی حالها فإنّ عدم الوجود الأوّل یستلزم عدمه الثانی و الثالث و هکذا لا أنّه عینها.

مندفعة بأنّه لا ضیر فی عدم وجود المطابق بالفعل لطارد العدم الکلّیّ فی الخارج بعد إمکان تصوّره فی الذهن و وجود منشأ انتزاعه فی الخارج و لا مانع من انتزاع ناقض العدم الکلّیّ عن الوجود الأوّل بتبدّل عدم واحد بالوجود و الموضوع فی الأوامر و النواهی حیث یکون من الامور الذهنیّة فلا یضرّه عدم وجود المطابق له فی الخارج کما أنّ الأمر کذلک فی الکسور التسعة فإنّه مع عدم وجود مطابق له بالفعل فی الخارج أمکن تصوّره و تعلّق الملکیّة به.

و علیه فالأمر بصرف الوجود أو أصل الوجود یمکن امتثاله بفعل واحد بخلاف الزجر عن أصل الوجود فإنّه یرجع إلی مطلوبیّة العدم الکلّی المنتزع عن الأعدام و من المعلوم أنّه لا یمکن امتثاله إلاّ بترک الطبیعة مطلقا.

نعم لو عصی المکلّف فدلالة النهی علی حرمة الفعل بعد عصیان النهی فی الزمان الأوّل یحتاج إلی جریان مقدّمات الحکمة و بعد جریانها یکون العدم الکلّی مطلوبا للمولی فی الزمان المستمرّ و عصیانه فی الزمان الأوّل لا یضرّ ببقاء النهی علی ما هو علیه من الزجر عن الفعل مطلقا.

هذا بخلاف الوجه الأوّل فإنّه لا یحتاج إلی المقدّمات لابتنائه علی الظهور الانصرافی کما عرفت.

و منها أنّ المطلوب من الأمر بما أنّه إیجاد الطبیعة فی الخارج لا یمکن أن یرید المولی منه إیجادها بکلّ ما یمکن أن ینطبق علیه هذه الطبیعة لفرض عدم تمکّن

ص:175

المکلّف منه کذلک بل یکون المطلوب إیجادها فی ضمن فرد ما المعبّر عنه بصرف الوجود و المطلوب من النهی بما أنّه حرمان المکلّف لا یمکن أن یراد منه حرمانه عن بعض أفرادها لفرض أنّه حاصل قهرا و النهی عنه تحصیل للحاصل فهذه الخصوصیّة أوجبت أن تکون نتیجة مقدّمات الحکمة فیه هی کون المطلوب حرمان المکلّف عن جمیع أفرادها.

و هذا الوجه یصلح لأن یکون علّة للوجه الأوّل من جهة أنّ منشأ الفرق بین الأمر و النهی هو کون کثرة الاستعمال متعاکسة فیهما.

هنا تنبیهان:

التنبیه الأوّل:إنّ النواهی الواردة فی العبادات و المعاملات تکون إرشادا إلی مانعیّة الامور المنهیّة مثل النهی عن لبس الحریر فی الصلاة و عن الغرر فی البیع و غیر ذلک کما أنّ الأوامر الواردة فیهما ظاهرة فی الإرشاد إلی الجزئیّة أو الشرطیّة کالأمر بالذکر فی الرکوع أو ستر العورة حال الصلاة.

و معنی المانعیّة أنّ الامور المنهیّة بوجودها تمنع عن صحّة العبادة أو المعاملة کما أنّ معنی الجزئیّة و الشرطیّة أنّ الامور المأمور بها فی العبادات أو المعاملات یکون لوجودها مدخلیّة شطرا أو شرطا فی صحّتهما.

ثمّ إنّ الأوامر الإرشادیّة کالنواهی الإرشادیّة تکون حقیقیة و تکشف عن المصالح فی متعلّق الأوامر و المفاسد فی متعلّق النواهی.

و علیه فما قیل من أنّ النهی الوارد فی الموانع غیر ناش عن مفسدة فی الفعل بداهة أنّه لا مفسدة فیه أصلا بل نشأ عن قیام مصلحة فی ترکه و هذه النواهی إرشاد إلی تقیّد الصلاة بعدمها لأجل مصلحة کانت فی هذا التقیّد لا لأجل مفسدة فی نفس تلک الأمور حال الصلاة ضرورة أنّه لیس لبس ما لا یؤکل أو المیتة أو النجس فی

ص:176

الصلاة من المحرّمات فی الشریعة المقدّسة فإذن لا یمکن أن تکون هذه النواهی ناشئة عن وجود مفسدة ملزمة فیها و لا نعنی بالمانع إلاّ ما کان لعدمه دخل فی المأمور به و هذا معنی کون هذه النواهی إرشادا إلی مانعیّة هذه الامور و تقیّد الصلاة بعدمها.

منظور فیه لأنّ النواهی ظاهرة فی الإرشاد إلی مانعیّة وجود الموانع و أمّا إرجاع النواهی إلی الإرشاد إلی تقیّد العبادة أو المعاملة بالترک مع أنّه لا مصلحة فی التقیّد المذکور فهو خروج عن ظواهر النواهی الإرشادیّة من دون وجه.

ثمّ إنّ عدم حرمة لبس ما لا یؤکل بالحرمة التکلیفیّة لا ینافی مانعیّة وجود لبس ما لا یؤکل عن صحّة الصلاة و المانعیّة التشریعیّة کالمانعیّة التکوینیّة فی أنّ وجودها تمنع عن تأثیر المقتضی و لا یکون عدمها شرطا فی التأثیر إذ عدم المانع بمعنی عدم المزاحمة فی التأثیر و لیس بمعنی أنّ عدمه مؤثّر فی تأثیر الصلاة و نحوها کما لا یخفی.

التنبیه الثانی:فی حکم الشبهة الموضوعیّة من الموانع و لا یخفی علیک أنّ الظاهر من النواهی سواء کانت مولویّة أو إرشادیّة إلی الموانع هو الزجر عن وجود طبیعة النهی أو المانع و حیث عرفت بکثرة الاستعمال أنّ النهی أو المانع هو وجود کلّ فرد فرد بنحو الاستغراق فلو شکّ فی فرد أنّه من أفراد الطبیعة المنهیّة أو المانعة أم لا یجوز الرجوع إلی أصالة البراءة فإنّ الشکّ فی التکلیف الزائد علی المعلوم مولویّا کان أو وضعیّا.

و لا فرق فیما ذکر بین أن یکون النواهی فی المرکّبات إرشادا إلی مانعیّة وجود الموانع أو إرشادا إلی تقیّد العبادة بعدم وجود الموانع.

إذ تجری البراءة فیها أیضا بناء علی جریانها فی الأقلّ و الأکثر الارتباطیین لأنّ انطباق الواجب بالنسبة إلی غیر مورد المشکوک معلوم فیدور الأمر بین المعلوم و المشکوک فیجری البراءة بالنسبة إلی غیر مورد المعلوم کما لا یخفی.

بل لو قلنا بأنّ المنهیّ هو صرف وجود الطبیعة لأمکن إجراء البراءة أیضا فإنّ

ص:177

المانع علی تقدیر صرف الوجود هو نفس الوجودات و الطبیعی موجود فی الخارج بوجودات الأشخاص فوجود کلّ شخص عین وجود الطبیعی و المانع عن الصلاة هو نفس الطبیعی المتحقّق فی الخارج،و علیه فالأفراد بذواتها و بالجهة المشترکة مع إلغاء الخصوصیّات مورد النهی فمع الشکّ فی تحقّق تلک الجهة فی المشکوک یدور الأمر بین المعلوم و المشکوک فلا مانع من شمول حدیث الرفع و مجرّد تبیّن المفهوم مع وقوع الشکّ لا یمنع عن الشمول بعد کون الشبهة موضوعیّة و المانع نفس الوجودات دون نفس المفهوم،فلا تغفل.

ص:178

الفصل الثانی:فی جواز اجتماع الأمر و النهی

اشارة

و عدمه فی شیء واحد ممّا ینطبق علیه العناوین المتخالفة کعنوان الصلاة و عنوان الغصب.

و لا یخفی علیک أنّ أصحابنا الأصولیّین اختلفوا فی الجواز و العدم علی أقوال و لا بدّ من تقدیم جهات:

الاولی:فی تحریر محلّ النزاع،و لا یخفی علیک أنّ المراد من الواحد-کما فی الکفایة-هو مطلق ما کان ذا وجهین و مندرجا تحت عنوانین یکون بأحدهما موردا للأمر و بالآخر للنهی من دون فرق بین أن یکون الواحد المذکور کلّیّا مقولا علی الأفراد الکثیرة أو جهة جزئیّة لا تنطبق إلاّ علی الجزئیّ،فمثل الحرکة بقصد الصلاة فی الدار المغصوبة فعل ینطبق علیه عنوان الصلاة و عنوان الغصب سواء ارید بها الکلّیّ المقولیّ الذی یصدق علی الکثیرین أو ارید بها الحرکة الصادرة من شخص خاصّ فی زمان خاصّ،و هی أی الحرکة المذکورة داخلة فی البحث و لا یختصّ مورد البحث و النزاع بالواحد الشخصیّ فإذا عرفت عدم اختصاص الواحد بالشخصی فلیس المراد من الواحد،المعنی الذی یقابل الکلّیّ بل المراد منه هو مقابل المتعدّد بمعنی أنّ محلّ البحث هو ما إذا کان مورد صدق العنوانین هویّة واحدة لا متعدّدة،فالحرکة بقصد الصلاة فی الدار المغصوبة هویّة واحدة سواء ارید بها الکلّیّ المقولیّ أو الماهیة الجزئیّة و لیست شیئین حتّی یکون بأحدهما متعلّق الأمر و بالآخر متعلّقا للنهی،فقید الواحد

ص:179

لإخراج متعدّد الهویّة فیما إذا کان العنوانان متقابلین مثل السجدة المخصوصة للّه و السجدة المخصوصة للصنم أو قتل المؤمن و قتل الکافر و غیر ذلک من العناوین المتقابلة فإنّ الأمر و النهی فیها لا یجتمعان فی هویّة واحدة.

بخلاف العناوین المتخالفة کالصلاة و الغصب فإنّها تجتمع فی هویّة واحدة و تکون محلّ النزاع و البحث.

و لقد أفاد و أجاد المحقّق الأصفهانیّ تبعا لصاحب الکفایة حیث قال ما محصّله إرادة الواحد الشخصیّ بالخصوص یوجب خروج الواحد الجنسیّ المعنون بعنوانین کلّیّین کالحرکة الکلّیّة المعنونة بعنوان الصلاتیّة و الغصبیّة المنتزعة من الحرکات الخارجیّة المعنونة بهما عن محلّ النزاع مع أنّه لا موجب لإخراجه،و إرادة الواحد الجنسیّ أو النوعیّ یوجب دخول السجود الکلّیّ الذی له نوعان بتقییده بکونه للّه أو للصنم مثلا مع أنّه خارج قطعا و کذا لو أرید الأعمّ من الشخصیّ و غیره.

و هنا قسم آخر للوحدة و هی الوحدة فی الوجود فإنّ العناوین الموصوف بها الکلّیّ المنطبق علی أفراده تارة تکون من الأوصاف المتقابلة کعنوان السجود للّه و عنوان السجود للصنم فإنّ کلّیّ السجود المعنون بهما لا یعقل انطباقه علی هویّة واحدة.

و اخری من الأوصاف الغیر المتقابلة کعنوانی الصلاة و الغصب فإنّ کلّیّ الحرکة المعنونة بهما قابل للصدق علی هویّة واحدة.

فالتقیید بالواحد لمجرّد إخراج المتعدّد من حیث الوجود لا لإخراج الکلّیّ فی قبال الشخص (1).

و کیف کان فالواحد الذی یکون مجمعا للعناوین المتخالفة هو مورد البحث

ص:180


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 84.

و النزاع فی أنّ الأمر و النهی یجتمع فیه أولا یجتمع من دون فرق بین أن یکون الواحد المذکور کلّیّا أو جزئیّا،أورد علیه فی مناهج الوصول بأنّ الواحد الجنسی لا تتصادق علیه العناوین بل یکون جنسا لها کما أنّ الشخصیّ لا یتعلّق الأمر و النهی به لأنّ الخارج لا یمکن أن یکون ظرف ثبوت التکالیف فاجتماع الأمر و النهی فیه ممّا لا معنی له (1).

و یمکن أن یقال إنّ المقصود من الواحد الجنسیّ أو النوعیّ هو الحرکة الکلّیّة التی تحقّقت بقصد الصلاة فی الدار المغصوبة فإنّ هذا العنوان کلّیّ یصدق علیه عنوان الصلاة و عنوان الغصب و باعتبار صدقهما علی هذا الکلّیّ،و الکلّیّ المذکور من أنواع الجنس یسند صدقهما علیه إلی الجنس بالعنایة لا بالحقیقة و لا یضرّ ذلک لعدم المدخلیّة لصدقهما علی الجنس فی ملاک البحث لکفایة صدقهما علی الحرکة الکلّیّة المذکورة التی تکون من أنواع الجنس.

فالمناقشة المذکورة مناقشة غیر صحیحة لعدم دخالة صدقهما علی الجنس بالحقیقة فی البحث.

و أمّا أنّ الخارج هو ظرف السقوط لا ظرف الثبوت فهو کلام متین و لکنّ القائل بالواحد الشخصیّ لا یقول بتعلّق الأمر و النهی المتعلّق بالعنوانین المتصادقین علی الواحد الخارجیّ المأتیّ به بل یقول بتعلّقهما علی العنوانین المتصادقین علی ماهیة الواحد الشخصیّ الخارجیّ،و من المعلوم أنّ الماهیّة الشخصیّة لها وجود لا فراغیّ و قابل للتصوّر و لا یلزم من تعلّق الأمر و النهی بها تعلّقهما بالخارج المأتیّ به حتّی یقال إنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

فالأظهر-کما ذهب إلیه فی الکفایة-هو أنّ الواحد أعمّ من الشخصیّ و کان

ص:181


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 110.

المقصود من اعتباره هو إخراج المتعدّد هویّة اللّهمّ إلاّ أنّ یقال کما فی نهایة الأفکار- إنّ الجزئیّ لا یناسب المسألة بعد کونها اصولیّة لا فقهیّة و علیه فالمراد من الواحد هو خصوص الکلّیّ دون ما یعمّه و الشخصیّ (1).

فمحلّ البحث هو الواحد الکلّیّ المعنون بعنوانین متخالفین دون الواحد الجزئیّ إذ الجزئیّ و إن کان هو أیضا مجمعا للعنوانین بتوسیط عنوانین کلّیّین کعنوان الصلاة و عنوان الغصب و لکنّ البحث عنه بحث جزئیّ لا یناسبه المسألة الأصولیّة،و دون الواحد المعنون بعنوانین متقابلین لما عرفت من عدم اجتماع العنوانین فی هویّة واحدة و مع عدم اجتماعهما فیها لا مجال للبحث عن جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه فی هویّة واحدة.

و أمّا اجتماع الأمر و النهی فی أنواع الجنس فلا إشکال فیه کما لا یخفی.

الثانیة:فی أنّ النزاع هل یکون صغرویّا أو کبرویّا،و لا یخفی علیک أنّه إن کان البحث عن أنّ الواحد العرفیّ المعنون بعنوانین هل هو واحد حقیقیّ حتّی یمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه لضرورة استحالة اجتماعهما فی الواحد الحقیقی أو أنّه لیس کذلک لتعدّد الجهات فیه،و الواحد باعتبارها متعدّد فی الحقیقة فیجوز اجتماع الأمر و النهی فیه لرجوع الواحد إلی المتعدّد فی الحقیقة.

فالبحث صغرویّ لأنّ البحث یرجع إلی أنّ المقام هل یکون من مصادیق الواحد الحقیقیّ الذی یمتنع فیه اجتماع الأمر و النهی أولا،و هکذا لو کان البحث عن سرایة الحکم من العنوان إلی المعنون الواحد و عدمها ینقّح صغری الکبری العقلیّة و عدمها فإنّ مع القول بالسرایة یلزم سرایة الأمر و النهی إلی شیء واحد و یصیر صغری الکبری العقلیة القائلة بامتناع اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد حقیقیّ و مع

ص:182


1- 1) نهایة الأفکار:ج 1 ص 408.

القول بعدم السرایة لا یکون صغری للکبری المذکورة لتعدّد العناوین.

و إن کان البحث عن جواز اجتماع الأمر و النهی فی العنوانین المتصادقین علی واحد لعدم المضادّة بین الأحکام و عدم الجواز و استحالة الاجتماع لوجود المضادّة بینها.

فالبحث کبرویّ و لکن لا مجال لذلک لما ذهب إلیه فی المحاضرات من أنّ (التحقیق أنّ النزاع فی هذه المسألة لا یعقل أن یکون کبرویّا لبداهة استحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد مطلقا حتّی عند من یجوّز التکلیف بالمحال کالأشعریّ و ذلک لأنّ اجتماعهما،فی نفسه محال لا أنّه من التکلیف بالمحال ضرورة استحالة کون شیء واحد محبوبا و مبغوضا للمولی معا علی جمیع المذاهب و الآراء فما ظنّک بغیره؟!

و علی الجملة فلا شبهة فی استحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد حتّی عند القائل بجواز الاجتماع فی المسألة فإنّه إنّما یقول به بملاک أنّ تعدّد العنوان یوجب تعدّد المعنون و أمّا مع فرض وحدته فلا یقول بالجواز أصلا فإذن لا نزاع فی الکبری و النزاع فی المسألة إنّما هو فی الصغری (1).

هذا مضافا إلی أنّ تعیین الجهة المبحوث عنها فی المقام بأنّها عبارة عن أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی الواحد هل یوجب تعدّد متعلّق الأمر و النهی بحیث یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد أو لا یوجبه،یشهد علی أنّ البحث صغرویّ فإنّ البحث حینئذ عن کون المجمع واحدا أو متعدّدا لا عن جواز الاجتماع فی العنوانین المتصادقین علی الواحد لعدم المضادّة بینهما و عدم جواز الاجتماع للمضادّة فتدبّر.

و بعبارة أخری،الحیثیّة التعلیلیّة ترجع إلی التقییدیّة المقومة للموضوع لأنّ الحیثیات التعلیلیّة فی ناحیة الموضوع ترجع إلی تقیید الموضوع بها و مقتضی ذلک هو

ص:183


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 165.

البحث عن تعدّد الموضوع و وحدته و هو بحث صغرویّ کما ذهب الیه شیخنا الاستاذ الأراکیّ قدّس سرّه حیث قال:فالنزاع صغرویّ بمعنی أنّه بعد الالتفات إلی أنّ الأمر و النهی ضدّان و الضدّان لا یجتمعان فی محلّ واحد وقع النزاع فی أنّ بقاء الأمر و النهی فی الوجود الواحد الذی یکون مجمعا لعنوانین هل هو اجتماع لهما فی محلّ واحد أو لیس به (1).

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول حیث ذهب إلی أنّ الواحد الجنسیّ لا یکون مقصودا لأنّ الواحد الجنسیّ لا تتصادق علیه العناوین بل یکون جنسا لها و الواحد الشخصیّ لا یتعلّقان به الأمر و النهی لأنّ الخارج لا یمکن أن یکون ظرف ثبوت التکالیف فاجتماع الأمر و النهی فیه ممّا لا معنی له.

و علیه فالأولی فی عقد البحث أن یقال هل یجوز اجتماع الأمر و النهی علی عنوانین متصادقین علی واحد شخصیّ أو لا و یکون النزاع کبرویّا لا صغرویّا کما زعموا (2).

حاصله أنّه بعد عدم إمکان أن یکون الخارج متعلّقا للأمر و النهی و بعد عدم کون المراد واحدا جنسیّا ینحصر النزاع فی جواز اجتماع الأمر و النهی فی العنوانین الصادقین علی الواحد الشخصیّ و عدمه،و من المعلوم أنّه مع قطع النظر عن الواحد المتصادق علیه العنوانان یکون البحث عن الجواز و اللاجواز بالنسبة إلی اجتماع الأمر و النهی فی العنوانین بحثا کبرویّا إذ لیس البحث عن کون تعدّد العنوان موجبا لتعدّد المعنون أو عدمه.

و لا یخفی ما فیه لما عرفت من إمکان تصویر الواحد النوعیّ أو الشخصیّ کفعل الواحد الذی ینطبق علیه أنّه صلاة و غصب کالحرکة بقصد الصلاة فی الدار المغصوبة

ص:184


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 187.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 110.

بنحو الماهیّة الکلّیّة أو الماهیّة الشخصیّة،فمع إمکان التصویر المذکور لا ینحصر النزاع فی جواز اجتماع الأمر و النهی فی العنوانین و عدمه مع قطع النظر عن المعنون الواحد بل لا مجال للنزاع فی جواز الاجتماع مع قطع النظر عن المعنون الواحد لتعدّد العنوان حینئذ،فاللازم هو النزاع باعتبار تصادقهما علی العنوان الواحد و سرایة الحکم إلیه و عدمها.

و دعوی أنّ اقتضاء تعدّد الوجه و العنوان لتعدّد متعلّق الأمر و النهی و عدمه و إن کان هو الباعث علی عقد مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی لکنّه لا یتقیّد به موضوع المسألة بل موضوع المسألة اجتماع الأمر و النهی و محمولها الجواز و الامتناع و ان کان مناط الجواز تعدّد المتعلّق بتعدّد الوجه و العنوان و مناط الامتناع عدم التعدّد بتعدّد الوجه و العنوان،و لا واقع لموضوعیّة موضوع لمحمول إلاّ کونه بعنوانه مأخوذا فی مقام تحریر المسألة و تقریرها موضوعا للمحمول المثبت له و المنفیّ له و تحریر المسألة قدیما و حدیثا علی النهج المحرّر فی العنوان فی الکفایة و غیرها کما فی نهایة الدرایة (1).

مندفعة بأنّ الجهة التعلیلیّة فی المقام لیست واسطة لثبوت المحمول لموضوعه حتّی لا تکون من مقوّمات الموضوع بل الجهة التعلیلیّة مربوطة بالموضوع أعنی اجتماع الأمر و النهی فی واحد أو متعدّد و إذا کانت کذلک ترجع الحیثیّة التعلیلیّة إلی التقییدیّة فیکون البحث صغرویّا فافهم.

الثالثة:إنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی فی العبادات باختلاف الموضوع أو المحمول أو کلیهما کما هو المختار فی تمایز مسائل العلوم و الموضوع و المحمول فی المقام،هو أنّ الواحد العرفیّ المعنون بعنوانین هل یکون واحدا حقیقیّا حتّی یمتنع فیه اجتماع الأمر و النهی أو لا یکون کذلک بل متعدّد بتعدّد العناوین و الحیثیّات فیجوز

ص:185


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 85.

اجتماع الأمر و النهی فیه.

و من المعلوم أنّ هذه المسألة مغایرة لمسألة أنّ النهی المتعلّق بالعبادة أو المعاملة هل یقتضی الفساد أو لا لاختلاف موضوعهما و محمولهما.

فإنّ الموضوع فی المسألة الأخیرة هو النهی و محموله اقتضاء الفساد و هو یغایر الموضوع فی مسألتنا و هو الواحد العرفیّ المعنون بعنوانین و محموله و هو الوحدة الحقیقیّة بحیث یمتنع اجتماع الأمر و النهی أو عدم الوحدة و تعدّد الواحد العرفیّ بتعدّد العناوین بحیث یجوز اجتماع الأمر و النهی،و لا ینافی ما ذکرناه تعبیرهم بجواز اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و عدمه لأنّه یرجع فی الحقیقة إلی ما ذکرناه.و کیف کان فمع تمایز المسألتین بالموضوع و المحمول لا تصل النوبة إلی التمایز بالجهات العرضیّة لتقدّم الموضوع أو المحمول أو کلیهما رتبة علی الجهات العرضیّة.

فتحصّل أنّ النزاع فی المقام صغرویّ و هو أنّ الواحد المعنون بعنوانین واحد حقیقیّ أو غیر واحد بخلاف مسألة اقتضاء النهی فإنّه کبرویّ و مفاده أنّه هل یکون بین النهی و الفساد اقتضاء أم لا؟

الرابعة:إنّ نتیجة هذه المسألة ممّا یصحّ أن یقع فی طریق الاستنباط بأن ینضمّ إلیها الصغری و یحصل الحکم الفرعیّ،فإنّ مع القول بالجواز تقع نتیجة المسألة فی طریق الاستنباط و یقال هذا المورد ممّا یجتمع فیه الأمر و النهی،و حیث قلنا فی الأصول بجواز الاجتماع یترتّب علیه صحّة العبادة من دون حاجة إلی واسطة اخری، و یکفی کما فی المحاضرات لکون المسألة مسألة اصولیّة وقوعها فی طریق الاستنباط و تعیین الوظیفة بأحد طرفیها و إن کانت لا تقع بطرفها الآخر،ضرورة أنّه لو لم یکن ذلک کافیا فی اتّصاف المسألة بکونها اصولیة بل یعتبر فیه وقوعها فی طریق الاستنباط بطرفها الآخر أیضا لزم خروج عدّة من المسائل الأصولیّة عن کونها أصولیّة،منها مسألة حجیّة خبر الواحد فإنّها لا تقع فی طریق الاستنباط علی القول

ص:186

بعدم حجّیّته و لا یترتب علیها أی أثر شرعیّ علی هذا القول،و منها حجّیّة ظواهر الکتاب فإنّه علی القول بعدمها لا یترتّب علیها أی أثر شرعیّ و غیرهما من المسائل مع أنّه لا شبهة فی کونها من المسائل الاصولیّة بل هی من أهمّها (1).

و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام المحقّق النائینیّ قدّس سرّه حیث ذهب إلی أنّ مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی لیست من المسائل الأصولیّة بل هی من المبادئ التصدیقیّة لإثبات وجود موضوع التعارض و التزاحم حیث قال:التحقیق أنّ المسألة من المبادئ التصدیقیّة ضرورة أنّه لا یترتّب فساد العبادة علی القول بالامتناع(و سرایة الأمر و النهی من العناوین إلی المعنونات بسبب کونها حیثیّة تعلیلیّة)بل القول به یوجب دخول دلیلی الوجوب و الحرمة فی باب التعارض و إجراء أحکامه علیهما لیستنبط من ذلک حکم فرعیّ،و قد عرفت فیما تقدّم أنّ المیزان فی کون المسألة اصولیّة هو ترتّب نتیجة فرعیّة علیها بعد ضمّ صغری نتیجة تلک المسألة إلیها،و لیس ذلک متحقّقا فیما نحن فیه قطعا و علیه فالنزاع فی الجهة الأولی(أی کون العنوانین حیثیّة تعلیلیّة مع القول بسرایة الأمر و النهی إلی المتعلّق)یدخل فی مبادئ بحث التعارض کما أنّ النزاع فی الجهة الثانیة(أی کون العنوانین حیثیّة تقییدیّة و کون القدرة معتبرة فی متعلّق التکلیف شرعا)یدخل فی مبادی بحث التزاحم (2).

لما عرفت من کفایة وقوع نتیجة المسألة فی طریق الاستنباط من دون واسطة اخری فی الجملة،و هو حاصل فی المقام علی تقدیر القول بالجواز فلا یضرّه عدم وقوع نتیجة المسألة فی طریق الاستنباط علی تقدیر القول بالامتناع فلا تغفل.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ عنوان المسألة أعنی أنّ الأمر و النهی هل یجتمعان فی واحد أو متعدّد أو یمکن الاجتماع فی واحد أو لا یمکن ممّا لا یناسب المسألة الفقهیّة إذ لیس

ص:187


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 179 و 180.
2- 2) أجود التقریرات:ج 1 ص 333 و 334.

البحث فیه عن حکم فعل المکلّف کما أنّه لا یناسب المسألة الکلامیّة إذ لا یبحث فیه عن حسن فعل اللّه تعالی و قبحه من حیث إنّ البعث و الزجر فعله تعالی،و لیس کلّ مسألة عقلیّة مسألة کلامیّة،بل المسألة التی لها مساس بالعقائد الدینیّة تکون من المسائل الکلامیّة،و بالجملة لیس فی مسألتنا ما یصلح عنوانه فی سائر العلوم و إن أمکن ذلک بتعابیر أخری فلا تغفل.

الخامسة:فی أنّ المسألة عقلیّة،و هو واضح لأنّ الحاکم بإمکان اجتماع الأمر و النهی أو امتناعه هو العقل،و الاستحالة أو الإمکان المذکور لا تکون مدلولا للألفاظ حتّی یکون البحث المذکور من مباحث الألفاظ مع أنّ المدار فی عدّ المسألة من مباحث الألفاظ-کما أفاد و أجاد فی نهایة النهایة-هو کون البحث عن تحدید مدلولها ثانویّا کمسألة وقوع الأمر عقیب الحظر (1).

ثمّ إنّ الظاهر من الکفایة أنّ موضوع البحث هو الإرادة و الکراهة الواقعیّتان و لو لم تنشأ بالقول،و ذکر الأمر و النهی من باب الغلبة،و کأنّه توهّم أنّه لو کان الموضوع هو الأمر و النهی الظاهریّین فی الطلب بالقول لدخل البحث بذلک فی مباحث الألفاظ.

و لکنّه غیر صحیح بعد ما عرفت من أنّ المدار فی عدّ المسألة من مباحث الألفاظ هو کون البحث عن تحدید مدلول اللفظ،إذ لیس البحث هنا عن تحدید مدلول لفظ الأمر و النهی بل البحث عن إمکان اجتماع الأمر و النهی فی الواحد المعنون بالعنوانین و عدمه و هذا بحث عقلیّ و لو کان الموضوع هو الأمر و النهی و بالجملة فالمسألة عقلیّة سواء کان الموضوع فیها الإرادة و الکراهة أو الأمر و النهی أو الأعمّ منهما.

ص:188


1- 1) نهایة النهایة:ج 1 ص 213 و 214.

السادسة:أنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع هو تضادّ الوجوب و الحرمة،و التضادّ المذکور لا یختصّ بنوع خاصّ من أنواع الإیجاب و التحریم کالنفسیّین التعیینیّین العینیّین بل یشمل بعمومیّته الغیریّین و التخییریّین و الکفائیّین، فکما یقع البحث عن جواز اجتماع مثل وجوب الصلاة مع حرمة الغصب فی الشیء الواحد المعنون بعنوان الصلاة و الغصب و عدمه،فکذلک یقع البحث عن جواز اجتماع الوجوب الغیریّ مع الحرمة الغیریّة فی شیء واحد یکون معنونا بمقدّمیّة الواجب و مقدّمیّة الحرام و عدمه أو عن جواز اجتماع الأمر التخییریّ مع النهی التخییریّ و عدمه مثل الأمر بالصلاة أو الصوم تخییرا بینهما و النهی عن التصرف فی الدار أو المجالسة مع الأغیار فإذا صلّی و لم یصم و تصرّف فی الدار و لم یترک المجالسة مع الأغیار اجتمع فی الصلاة فی الدار الأمر التخییریّ و النهی التخییریّ أو عن جواز اجتماع الوجوب و التحریم الکفائیّین فی فعل واحد فیجب علی المکلّفین کفایة الإتیان بأحد الفعلین و یحرم علیهم الإتیان بالآخر لا علی التعیین استثنی فی المحاضرات الواجب و الحرام التخییریّین قائلا بوجود الفرق بین الأمر التخییریّ و النهی التخییریّ فی أنّ مرجع النهی التخییریّ إلی النهی عن الجمع بین شیئین لقیام المفسدة بالمجموع لا بالجامع و إلاّ لاقتضت النهی عن کلا الفردین تعیینا فالأمر قائم بکلا الفردین تخییرا و النهی قائم بالمجموع.

و تلک النقطة تمنع عن اجتماعهما فی شیء واحد لأنّ مردّ الحرمة التخییریّة إلی حرمة الجمع بین فعلین باعتبار قیام مفسدة ملزمة بالمجموع لا بالجامع بینهما و إلاّ لکان کلّ من الفعلین محرّما تعیینا لفرض أنّ النهی المتعلّق بالجامع ینحلّ بانحلال أفراده فیثبت فی کلّ فرد منه نهی مستقلّ.

و مردّ الوجوب التخییریّ إلی إیجاب الجامع بین شیئین أو أشیاء لا إلی إیجاب کلّ منهما بخصوصه فلا تنافی بین إیجاب الجامع بین شیئین و حرمة الجمع بینهما

ص:189

لا بحسب المبدأ و لا بحسب المنتهی أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا مانع من قیام مصلحة ملزمة بالجامع بینهما و قیام مفسدة ملزمة بالمجموع منهما ضرورة أنّ المانع إنّما هو قیام کلتیهما فی شیء واحد لا قیام إحداهما بشیء و الأخری بشیء آخر.

و أمّا بحسب المنتهی فلفرض أنّ المکلّف قادر علی امتثال کلا التکلیفین معا لأنّه إذا أتی بأحدهما و ترک الآخر فامتثل کلیهما بلا لا تنافی بینهما بناء علی أن یکون الواجب هو کلّ واحد منهما بخصوصه غایة الأمر عند الإتیان بأحدهما یسقط الآخر لعدم منافاة بین قیام مصلحة فی کلّ واحد منهما خاصّة بحیث مع استیفاء تلک المصلحة فی ضمن الإتیان بأحدهما لا یمکن استیفاء الأخری فی ضمن الإتیان بالآخر و قیام مفسدة بالجمع بینهما فی الخارج (1).

و فیه ما لا یخفی أوّلا لما مرّ فی الوجوب التخییریّ من أنّه سنخ مستقلّ من الطلب و هو طلب واحد له قرنان أو ثلاثة قرون أو أربعة فصاعدا قد تعلّق کلّ قرن منه بفعل خاصّ فحاله حال الشکّ فی التقوّم بطرفی الوجود و العدم بحیث یرتفع بارتفاع أحدهما و القول بتعلّق الخطاب بالجامع الانتزاعیّ کعنوان أحدهما أو أحدها و إن کان أمرا ممکنا و لکنّه خلاف ظاهر الخطابات الشرعیّة فإنّ إنشاء الوجوب فیها لم یتعلّق بعنوان أحدهما أو أحدها بل هو أمر انتزاعی ینتزعه العقل من تعلّق الوجوب بالأمور المتعدّدة مع جواز ترک کلّ واحد مع الإتیان بالآخر فدعوی تعلّق الوجوب فی التخییریّ بالجامع کما تری فالوجوب و الحرمة التخییریّان متعلّقان بنفس الأمور لا بالجامع الانتزاعیّ منها.

و ثانیا:أنّه لو سلّمنا تعلق الوجوب التخییریّ بالجامع و هو عنوان أحدهما أو أحد الأمور فلا نسلّم تعلّق الحرمة التخییریّة بالجمع لا بالجامع المذکور بمعنی الزجر

ص:190


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 186-188.

عن أحدهما أو أحدها بدعوی أنّه لو تعلّق بالجامع لزم أن یکون کلّ من الفعلین محرّما تعیینیّا لانحلال الجامع بانحلال أفراده.

لأنّ الجامع الانتزاعیّ الذی هو عنوان أحدهما أو أحدها لا یقاس بسائر الطبائع الکلّیّة التی اقتضی النهی عنها النهی عن جمیع أفرادها لأنّ عنوان أحدهما أو أحدها غیر عنوان کلّ فرد فالزجر عن الواحد لا عن الجمیع،و فرق بین أن یقال لا تفعل أحدهما و بین أن یقال لا تفعل أحدا منهما فالظاهر أنّه توهّم أنّ(لا تفعل أحدهما)کقولهم(لا تفعل أحدا منهما)یفید العموم و هو کما تری.

و ثالثا:أنّه لو سلّمنا تعلّق الحرمة بالجمع بینهما فالحرام هو الجمع،و إتیان الصلاة فی الدار من مقدّمات عنوان الجمع فإن قلنا بأنّ حرمة ذی المقدّمة ملازمة لحرمة مطلق المقدّمات اجتمع فی الصلاة الوجوب التخییریّ مع الحرمة الغیریّة و لکنّه مبنیّ علی کون الحرمة لمطلق المقدّمات کما ذهب إلیه صاحب الکفایة.

و قد مرّ فی باب وجوب المقدّمة أنّ الأقوی هو ثبوت الملازمة بین حکم ذی المقدّمة و المقدّمات الموصلة فنفس الصلاة مع عدم الإتیان بمقدّمة اخری لا تکون محرّمة بالحرمة الغیریّة فلا تغفل.

السابعة:فی قید المندوحة،الندح هو الفسحة و السعة و معنی المندوحة أن یکون المکلّف متمکّنا من امتثال الأمر فی مورد آخر غیر مورد الاجتماع.

و ظاهر إطلاق قولهم إنّ ثمرة جواز الاجتماع هو کون المکلّف مثابا و معاقبا و مأمورا به و منهیّا عنه یدلّ علی أنّ محلّ النزاع مقیّد بوجود المندوحة و إلاّ فمجرد اختیار جواز الاجتماع فی مقام الجعل مع عدم المندوحة عند الامتثال لا یفید الثمرة المذکورة کما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه.

هذا مضافا إلی أنّ مع عدم المندوحة و انحصار امتثال الأمر فی مورد الاجتماع لا بسوء الاختیار لا نزاع بل الاتّفاق حاصل علی الامتناع لاستحالة فعلیّة التکلیفین مع

ص:191

عدم القدرة علی امتثالهما لأنّه إن فعل ما هو مأمور به فقد عصی النهی و إن ترکه عصی الأمر و مع التزاحم لا یجتمع الأمر و النهی عند الکلّ.

فاللازم أن یکون محلّ النزاع هو صورة فرض وجود المندوحة.

و لقد أفاد و أجاد فی الوقایة حیث قال یدلّ عنوان المسألة علی وجود التکلیفین و تنجّزهما و کون اختیار المکلّف الفرد المجامع للحرام فی مقام الامتثال من سوء اختیاره و مع عدم المندوحة لا تکلیف حتّی یتنازع فی حصول الامتثال به، و بالجملة نزاع القوم فی مقام الامتثال بعد فرض الأمر،و مع عدم المندوحة لا أمر إلاّ أن یغیّر عنوان المسألة فشأنه حینئذ و ذاک (1).

و جعل النزاع جهتیّا و مختصّا بمقام الجعل کما فی الکفایة خلاف شأن الاصولیّ لأنّ غرض الاصولیّ یترتّب علی الجواز الفعلیّ و هو متفرّع علی ملاحظة تعمیم البحث و إثبات الجواز من جمیع الوجوه منها المندوحة و إلاّ فلا یکون الجواز فعلیّا.

و هکذا القول بأنّ عدم المندوحة فی البین یوجب وقوع التزاحم بین التکلیفین علی القول بالجواز فی المسألة لا أنّه یوجب عدم صحة النزاع فیها کما فی المحاضرات (2)لا یخلو من الإشکال و النظر لأنّ مع عدم المندوحة و انحصار الامتثال فی مورد الاجتماع لا بسوء الاختیار لا نزاع للاتّفاق علی الامتناع لاستحالة فعلیّة التکلیفین مع عدم القدرة علی امتثالهما.

و أیضا التفصیل بین إرادة حصول المندوحة لکلّ واحد من المکلّفین من قید المندوحة و بین إرادة کون العنوانین ممّا ینفکّان بحسب المصداق و القول بعدم لزوم الأوّل لأنّ الکلام فی جواز تعلّق الحکمین الفعلیّین بعنوانین و لا یتوقّف ذلک علی المندوحة لکلّ واحد و بأنّ اعتبار المندوحة بالمعنی الثانی لازم البحث من غیر احتیاج

ص:192


1- 1) الوقایة:ص 334.
2- 2) المحاضرات:ج 4 ص 190 و 191.

إلی التقیید به فإنّ تعلّق الحکم بعنوان ملازم لمنهیّ عنه فعلا ممّا لا یمکن للغویّة الجعل علی العنوانین کما فی مناهج الوصول (1).

التزام باعتبار المندوحة فی الجملة بناء علی اختیار الشقّ الأوّل و بوجودها بناء علی اختیار الشقّ الثانی کما لا یخفی.

و أمّا ما أفاده المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه من أنّه لو کان تعدّد الوجه مجدیا فی تعدّد المعنون لکان مجدیا فی التقرّب به من حیث رجحانه فی نفسه فإنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال و لا یمنع عن الرجحان الذاتیّ الصالح للتقرّب به فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من حیث التضادّ کذلک یکفی من حیث ترتّب الثمرة و هی صحّة الصلاة فلا موجب للتقیید بالمندوحة لا علی القول بالتضادّ لکفایة الاستحالة من جهة التضادّ فی عدم الصحّة و لا علی القول بعدم التضادّ لما عرفت من کفایة تعدّد الجهة من حیث التقرّب أیضا فتدبّر (2).

ففیه أنّه لا یساعد عنوان البحث من جهة جواز اجتماع الأمر و النهی إذ مع عدم المندوحة لا أمر لعدم القدرة علی الامتثال نعم لو کان عنوان البحث هو صحّة العبادة مع تعدّد الجهة و عدمها تمّ ما أفاد.

فتحصّل أنّ الظاهر هو اعتبار قید المندوحة فیقع النزاع بعد وجود الأمر و النهی المتعلّقین بعنوانین و تمکّن المکلّف من امتثالهما بإتیان المأمور به فی غیر مورد الاجتماع فی أنّه هل یجوز اجتماعهما فی مصداق واحد و هل یصحّ امتثال الأمر باتیان المنهی بسوء الاختیار أو لا یجوز.

الثامنة:أنّه ربّما یتوهّم أنّ النزاع فی الجواز و الامتناع یبتنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع دون الأفراد بدعوی أنّ علی القول بتعلّق الأحکام بالأفراد

ص:193


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 113 و 114.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 8،

لا مناص من الالتزام بالقول بالامتناع ضرورة أنّه لا یعقل أن یکون المجمع و هو الفرد الواحد الخارجیّ مصداقا للمأمور به و المنهیّ عنه معا و لم یقل أحد بجوازه حتّی القائل بجواز الاجتماع و ذلک لأنّه إنّما یقول بجواز الاجتماع لتعدّد المعنون بتعدّد العنوان لا مطلقا و المفروض عند تعلّق الأحکام بالأفراد أنّه لا یتعدّد المعنون إذ هو وجود واحد خارجی.

و فیه أنّ المراد من الفرد لو کان هو الفرد الخارجیّ فلا إشکال فی عدم جریان النزاع فیه لوحدته و تداخل الفردین فی الوجود و عدم کونهما انضمامیّین هذا مضافا إلی أنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

و هکذا لو کان المراد من الفرد و هو الطبیعة مع کلّ ما یلازمها و یقارنها حتّی الاتّفاقیّات بحیث یکون الغصب بما هو وجه قبیح مأخوذا فی الصلاة لتشخّص الصلاة به فلا إشکال فی عدم جریان النزاع فیه إذ مع فرض دخول عنوان الغصب فی الصلاة بما هی مطلوبة یلزم دخول الوجه القبیح فی الصلاة فلا یعقل عروض الحسن للصلاة الکذائیّة بما هی موصوفة بذلک الوجه القبیح حتّی بناء علی تعدّد المعنون بتعدّد الوجه و العنوان.

و لکنّ هذا الفرض غیر صحیح لأنّ المأخوذ فی الصلاة هو المکان بما هو مکان بنحو الطبیعیّ أو بما هو ذات المکان الخاصّ و هو لا قبح فیه لا بما هو مغصوب حتّی یلزم المحذور المذکور فالخصوصیّات الاتّفاقیّة کالغصب خارجة عن حقیقة الفرد.

و أمّا إذا کان المراد من الفرد هو الطبیعة الشخصیّة الجزئیّة المتشخّصة بالوجود فیجری النزاع فیه لأنّ الطبیعة المذکورة تلحظ فی الذهن و من المعلوم أنّ طبیعة الفرد الغصبیّ غیر طبیعة الفرد الصلاتیّ فذات المشخّص و إن کان هو الوجود الواحد عند تداخل الفردین فی الوجود إلاّ أنّ الذهن یفکّک بین طبیعة الفرد الصلاتیّ و طبیعة الفرد الغصبیّ فمورد الأمر حینئذ یغایر مورد النهی عند جعل الشارع لإمکان تعریة الفرد

ص:194

عن بعض الخصوصیّات المتخصّص بها مع عدم خروجه بذلک عن فردیّته.و الموجود الواحد بما هو وجود لیس له وجه محبوب و لا وجه مبغوض إلاّ باعتبار عناوینه کعنوان الغصب و الصلاة و المفروض أنّهما متعدّدان،فعلی تقدیر القول بتعلّق الأحکام بالأفراد کما یمکن هنا القول بالامتناع فکذلک یمکن القول بالجواز لإمکان ملاحظة العنوانین و التفکیک بینهما.

قال شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه فی بیان ذلک:مثلا قد یشار فی الذهن إلی زید بلحاظ أنّه زید مع قطع النظر عن کونه ابن عمرو و قد یشار إلیه بلحاظ أنّه ابن عمرو مع قطع النظر عن کونه زیدا و هو فی کلا اللحاظین فرد و کذا الحال فیما نحن فیه فالحرکة الخاصّة فی الدار المغصوب قد یلحظ بعنوان هذا الغصب مع قطع النظر من حیث صلاتیّته و قد یلحظ بعنوان هذه الصلاة مع قطع النظر عن جهة غصبیّته و لا شکّ فی أنّ هذین اللحاظین مغایران فی الذهن و الفردیّة فی کلیهما مع ذلک محفوظة (1).

و أمّا ما فی المحاضرات من أنّ تشخص کلّ وجود بنفس ذاته و هویّته الشخصیّة لا بوجود آخر.بداهة أنّ کلّ وجود یباین وجودا آخر و کلّ فعلیّة تأبی عن فعلیّة أخری و یستحیل اتّحاد إحداهما مع الأخری و أمّا الأعراض الملازمة لهذا الوجود فلا یعقل أن تکون مشخّصة له ضرورة أنّ تلک الأعراض و اللوازم أفراد للطبائع شتّی و لکلّ منها وجود و ماهیّة فیستحیل أن تکون من مشخّصاته و إطلاق المشخّص علیها بمعنی علی ضرب من المسامحة.

و علی الجملة فکلّ وجود جوهریّ فی الخارج ملازم لوجودات عدیدة فیه و تلک الوجودات من أعراضه ککمّه و کیفه و أینه و وضعه و نحو ذلک،و من المعلوم أنّ لتلک الأعراض وجودات اخری فی مقابل ذلک الوجود الجوهریّ و مباینة له،هذا من

ص:195


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 196 م

ناحیة،و من ناحیة اخری أنّ کلّ وجود مشخّص بنفسه فلا یحتاج فی تشخّصه إلی شیء آخر إلی أن قال:فالنتیجة علی ضوئهما هی أنّه لا یعقل أن تکون تلک الوجودات من مشخّصات ذلک الوجود الجوهریّ لما عرفت من أنّ تشخّص کلّ منها فی نفسه بل هی وجودات فی قباله و ملازمة له فی الخارج.

و علی هدی هذا البیان یظهر أنّه لا فرق بین تعلّق الأمر بالطبیعة و تعلّقه بالفرد أصلا و ذلک لأنّ وجودات تلک الأعراض کما أنّه علی القول بتعلّق الأمر بالطبیعة خارجة عن متعلّقه و غیر داخلة فیه غایة الأمر أنّها ملازمة لوجود الطبیعة فی الخارج فکذلک علی القول بتعلّقه بالفرد لما مرّ من أنّ تشخّص الفرد بوجوده لا بوجودات تلک الأعراض الملازمة له خارجا فإنّها وجودات فی قبال وجود ذلک الفرد و مباینة له غایة الأمر أنّها ملازمة له فی الخارج هذا من ناحیة.

و من ناحیة اخری أنّ الأمر علی الفرض تعلّق بالفرد فحسب لا به و بما هو ملازم له فی الوجود الخارجیّ کما هو واضح إلاّ علی القول بسرایة الحکم من أحد المتلازمین إلی الملازم الآخر و لکنّه مجرّد فرض لا واقع له،و علی ذلک یترتّب أنّ تلک الأعراض و اللوازم خارجة عن متعلّق الأمر و غیر داخلة فیه فإذن لا فرق بین القول بتعلّق الأوامر بالطبائع و تعلّقها بالأفراد من هذه الناحیة أبدا و قد تبیّن لحد الآن أنّه لا وقع لهذا التفصیل أصلا و لا یرجع إلی معنی محصّل (1).

ففیه ما لا یخفی لأنّ متعلّق الأوامر لیس هو الفرد الخارجیّ حتّی یفید التعدّد الوجودیّ فی رفع غائلة استحالة اجتماع المتضادّین فی شیء واحد لأنّ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت بل المتعلّق أمّا هو الطبیعة الکلّیّة أو الطبیعة الجزئیّة و لا إشکال فی تعدّدهما کما عرفت سواء کان الوجود الخارجیّ متّحدا أو متعدّدا،هذا

ص:196


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 192 و 193.

مضافا إلی أنّ هذا الجواب یبتنی علی کون الترکیب بین متعلّق الأمر و النهی ترکیبا انضمامیّا لا اتّحادیّا و کون الحرکة الغصبیّة مباینة للحرکة الصلاتیّة مع أنّ الحرکة الصلاتیّة کالحرکة الرکوعیّة و السجودیّة عین التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه بل السجود علی سبعة أعظم و الکون الرکوعیّ و القیامیّ و غیرهما عین التصرّف المنهیّ عنه فلا تفرّقه خارجیّة بینهما و الترکیب فی مثل الصلاة و الغصب بالمعنی المذکور اتحادی لا انضمامیّ و مع ذلک یدخل فی محلّ البحث و هذا شاهد علی أنّ قضیّة الترکیب الانضمامیّ أو الاتّحادیّ أجنبیّة عن المسألة جواز اجتماع الأمر و النهی و لا یکون جواز الاجتماع مبنیّا علی الترکیب الانضمامیّ.

و السرّ فی ذلک هو أنّ الترکیب الخارجی سواء کان اتّحادیا أو انضمامیّا غیر مربوط بمقام متعلّقات الأحکام من الأوامر و النواهی إذ المتعلّقات کما ذکرنا هی الطبیعات الکلّیّة علی القول بعدم تعلّقها بالأفراد أو الطبیعات الجزئیّة علی القول بتعلّقها بالأفراد و علی کلا القولین یتعدّد المتعلّقات و مع تعدّدها یصحّ النزاع فی جواز الاجتماع و عدمه علی کلا القولین.

ثمّ لا یذهب علیک أنّ الظاهر من نهایة النهایة هو اختصاص النزاع فی جواز الاجتماع و امتناعه بالقول بتعلّق الأحکام بالطبائع و استظهر ذلک من تقیید أصحابنا الأصولیّین محل النزاع بما إذا کانت المندوحة لأنّه علی القول بتعلّقه بالأفراد لا تعقل المندوحة لأنّ الأفراد المتداخلة التی سری إلیها الأمر من جانب و النهی من آخر لا مندوحة فیها و مجرد وجود أفراد أخر مأمور بها مثلها یمکن امتثال الأمر التخییریّ بإتیانها لا یصحّح المندوحة فی هذه الأفراد و طلبها،و مع عدم المندوحة یکون التکلیف من الحکیم بتوجیه الأمر و النهی جمیعا إلیها تکلیفا محالا بالاتّفاق منهم و لو لأجل کونه طلبا للمحال فالبحث بعد ذلک بأنّ التکلیف بنفسه محال و جمع بین الضدّین یکون لغوا بعد کون الطلب محالا علی کلّ حال و لو محالا عرضیّا فالبحث

ص:197

المذکور إنّما یکون معقولا و تترتّب علیه الثمرة إذا قیل بتعلّق الأحکام بالطبائع دون الأفراد (1).

و فیه أنّ التداخل فی الأفراد الخارجیّة و المفروض أنّها لا تکون متعلّقة للأحکام إذ الخارج هو ظرف السقوط لا ظرف الثبوت و أمّا الطبائع الجزئیّة فهی کالطبائع الکلّیّة غیر متداخلة و المفروض أنّها تکون متعلّقة للأحکام بناء علی تعلّق الأحکام بالأفراد و الأمر التخییریّ بالطبائع الجزئیّة بدون المندوحة غیر متصوّر،کما أنّ الأمر بالطبیعة الکلّیّة و الاکتفاء بالواحدة مطلقا لا یکون بدون المندوحة فمع وجود المندوحة فی کلا الصورتین لا وجه لتخصیص محلّ النزاع بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع الکلّیّة.

هذا مضافا إلی أنّ مع تعلّق الأحکام بالأفراد لا یمکن تعلّق الحکم بکلّ فرد علی حدة و بخصوصه لعدم تناهی الأفراد بل اللازم هو أن یکون الحکم متعلّقا بالطبیعة الکلّیّة مرآة إلی أفرادها و علیه فالأمر بالأفراد ناش من الأمر بالطبیعة الکلّیّة فإذا کان الأمر بالطبیعة الکلّیّة مع المندوحة کما یشهد له جواز الاکتفاء بکلّ فرد منها کفی ذلک فی وجود المندوحة فی تعلّق الأحکام بالأفراد بتبع تعلّقها بالطبائع أیضا فالأمر بالفرد المتداخل یکون مع المندوحة لتمکّنه من أن یمتثل الأمر المتعلّق بالأفراد فی خارج الدار المغصوبة إذ لا یتعلّق الأمر بخصوص الفرد المتداخل فلا تغفل.

فتحصّل أنّ النزاع فی جواز الاجتماع و عدمه لا یختصّ بما إذا تعلّقت الأحکام بالطبائع الکلّیّة بل یجری فیما إذا تعلّقت بالطبائع الجزئیّة أیضا.

التاسعة:أنّ محلّ الکلام عند الإمامیّة الذین یقولون بتبعیّة الأحکام للمصالح و المفاسد فی اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کانا واجدین للمناط فیکون ملاک المحبوبیّة

ص:198


1- 1) راجع نهایة النهایة:ج 1 ص 216.

فی أحد العنوانین تماما بلا نقص کما أنّ ملاک المبغوضیّة فی العنوان الآخر یکون کذلک فمورد الاجتماع ما إذا کان الأمر و النهی واجدین للمناط بخلاف مورد التعارض و العلم بکذب أحدهما فأنّه یؤوّل إلی کذب الجعل فی أحد الطرفین و مقتضاه هو عدم وجود المناط إلاّ فی طرف واحد.

فحینئذ عند قیام الدلیلین و اختصاص الملاک بأحدهما و عدم معلومیّته یدلّ کلّ واحد من الدلیل علی نفی الآخر و لیس هذا إلاّ معنی التعارض فاللازم عند التعارض هو الأخذ بمقتضی القاعدة فی باب التعارض فإن قلنا هناک بشمول أخبار العلاجیّة للعامین من وجه فلا بدّ من الأخذ بمرجّحات باب المعارضة و إن لم نقل بذلک فمقتضی الأصل هو التساقط و الرجوع إلی عموم أو أصل فی المسألة.

و أمّا مع وجود الملاکین أو احراز وجودهما من ناحیة إطلاق الدلیلین فلا تزاحم و لا تعارض بینهما علی القول بالاجتماع لعدم المزاحمة بینهما مع تعدّد العنوان و لعدم التکاذب بینهما لعدم العلم الإجمالیّ بعدم وجود أحدهما بل العلم أو العلمیّ حاصل بوجودهما علی المفروض و لا دلالة لکلّ واحد علی نفی الآخر لفرض جواز الاجتماع و لکنّهما یتزاحمان علی القول بالامتناع إلاّ إذا کان مفادهما حکما اقتضائیا فلا تنافی بینهما علی الامتناع أیضا و لکن ظاهر أدلّة الأحکام هو الحکم الفعلیّ لا الاقتضائی.

و کیف کان ففی صورة تزاحم الملاکین بناء علی الامتناع ذهب صاحب الکفایة إلی الحکم بالرجوع إلی مرجّحات باب المزاحمة و ترجیح أقوی المناطین عند إحراز الاقتضاء من کلیهما فی المجمع کما قال فی الأمر الثامن عند قوله و إلاّ فلا تعارض فی البین بل کان من باب التزاحم بین المقتضیین إلخ (1)

ص:199


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 242 ط قدیم.

و ذهب أیضا إلی حمل خصوص الظاهر علی الاقتضائیّ و الأخذ بالأظهر فیما إذا کان أحدهما أظهر بناء علی الامتناع مع أنّ بینهما التزاحم فی الملاک کما صرّح به فی الأمر التاسع عند قوله إلا أن یقال إنّ قضیّة التوفیق بینهما إلخ (1).

و أورد علیه شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه بأنّه غیر صحیح بإطلاقه و الصحیح هو التفصیل بین صورتی المندوحة و عدمها و الحکم فی الأولی بتقیید ذی المندوحة بغیر مورد التصادق و ترجیح الآخر علیه و فی الثانیة بما ذکره من الحکم بالرجوع إلی مرجّحات باب المزاحمة و ترجیح أقوی المناطین و لا مجال لملاحظة الأظهریة و الظاهریّة بین الروایتین و تفصیل ذلک أنّ فی مورد ثبوت المندوحة فی أحد الملاکین بمعنی إمکان إحرازه فی غیر مورد التصادق یکون حکم العقل تقیید هذا الأحد بغیر مورد التصادق و ترجیح الآخر فیه و إن کان الأوّل أقوی و أهمّ بمراتب من الثانی و لا یوجب أقوائیّته ترجیحه و طرح الآخر إذ لا وجه لرفع الید عن أحد الغرضین و لو کان فی غایة الضعف لأجل الآخر و لو کان فی غایة القوّة بعد إمکان إحرازهما جمیعا مثلا لو فرضنا أنّ المطلوبیّة فی الصلاة متعلّقة بصرف الوجود المتساوی فیه جمیع الأمکنة من دون مدخلیّة لخصوصیّة مکان فیها و لکنّ المبغوضیّة فی الغصب مستوعبة لجمیع الخصوصیّات و الأفراد و قلنا بامتناع الاجتماع فاللازم بحکم العقل هو الحکم من البدایة باختصاص المطلوبیّة بما سوی الصلاة الواقعة فی الدار المغصوبة و کونها مبغوضة لو تمکّن المکلّف من المکان المباح من دون حاجة إلی موازنة مصلحتها مع مفسدة الغصب و لهذا لو کانت المقدّمة الغیر المنحصرة للواجب حراما لم یقتض وجوب الواجب إلاّ وجوب ما سواها من المقدّمات المباحة جمعا بین الغرضین.

و فی صورة عدم ثبوت المندوحة من أحد الجانبین بمعنی عدم إمکان الجمع بین

ص:200


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 245.

الغرضین بإحراز أحدهما فی غیر مورد التصادق و دوران الأمر بین إحراز هذا أو ذاک یکون حکم العقل ملاحظة مرجّحات باب المزاحمة و ترجیح أقوی المتزاحمین إلی أن قال لا ملاحظة الأظهریّة و الظاهریّة ففی صورة ثبوت المندوحة یرجّح غیر ذی المندوحة و إن کان ذوها أقوی و دلیله أظهر و فی صورة عدمها یرجّح أقوی الملاکین و إن کان دلیل غیره أظهر فما فی الکفایة من الحکم بالرجوع إلی مرجّحات باب المزاحمة و ترجیح أقوی المناطین غیر صحیح بإطلاقه و الصحیح هو التفصیل بین صورتی المندوحة و عدمها بما ذکر (1).

و لعلّ إلیه یؤول ما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّ النهی مقدّم فی سعة الوقت إذ مع المندوحة یکون تزاحم الأمر و النهی کتزاحم الواجب الموسّع مع المضیّق فکما أنّ العقل یحکم بتقدیم جانب المضیّق کالإزالة علی الموسّع کالصلاة فی أوّل وقتها من دون مراعاة الأهمّ بینهما لدرک الغرضین بذلک فکذلک یحکم بتقدیم جانب النهی و إتیان المأمور به فی ضمن فرد لا یکون منهیّا عنه إذ مع العکس یعصی النهی من غیر وجه مع أنّ مقتضی النهی هو ترک المنهیّ رأسا.

هذا بخلاف ما إذا لم تکن مندوحة کما إذا کان الوقت مضیقا فإنّ الحکمین فی هذه الصورة لا یکونان فعلیّین حتّی عند المجوّزین لعدم التمکّن من امتثالهما فالتکلیف بهما تکلیف بالمحال فلا یکون الفعلیّ بینهما إلاّ ما هو أقوی ملاکا حتی عند المجوّزین انتهی و لکن لا یستلزم انتفاء فعلیّة الحکم فی طرف انتفاء المناط فیه.

کما أفاده المحقّق الأصفهانی قدّس سرّه من أنّ انتفاء المعلول کلّیّة و إن أمکن أن یکون بعدم المقتضی أو بوجود المانع إلاّ أنّ الکاشف عن المعلول کاشف عن علّته التامّة و التکاذب و التنافی بین المعلولین لا یوجب اختلال الکشف عن المقتضی و عدم المانع

ص:201


1- 1) أصول الفقه:ج 1 ص 196 و 197 مع تلخیص و تصرّف.

معا.

بیانه أنّ کلا من الدلیلین یدلّ بالمطابقة علی ثبوت مضمونه من الوجوب و الحرمة و یدلّ بالالتزام علی ثبوت المقتضی و الشرط و عدم المانع من التأثیر و عدم المزاحم وجودا لمضمونه المطابقیّ فإذا کان أحد الدلیلین أقوی دلّ علی وجود مزاحم فی الوجود لمضمون الآخر فیدلّ علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر و لا یدلّ علی أزید من ذلک لیکون حجّة فی قبال الحجّة علی وجود المقتضی فی الآخر.

و الدلالة الالتزامیّة تابعة للدلالة المطابقیّة وجودا لا حجّیّة و دلیلا فسقوط الدلالة المطابقیّة فی الأضعف عن الحجّیّة لا یوجب سقوط جمیع دلالاته الالتزامیّة بل مجرّد الدلالة علی عدم المزاحم فی الوجود و المانع من التأثیر،و هذا طریق متین لإحراز المقتضی بقاء فی صورة الاجتماع و سقوط أحد الدلیلین عن الفعلیّة (1)،لا یقال أنّ الملاک من لوازم الوجود الواقعی للحکم لا وجوده الخیالی فإذا تبیّن عدم أحدهما علی الامتناع فلا ملزوم حتّی یکشف عنه لازمه لانّا نقول علی الامتناع و التنافی بین الحکمین المعلولین و رفع الید عن فعلیة غیر الأقوی لم یتبیّن عدم المقتضی أصلا بل المفروض أنّ مقتضی إطلاق الخطاب هو الکشف عن وجوده فتدبّر جیّدا.

و حینئذ فمع وجود المقتضی و المناط فی الطرفین حتّی فی صورة انتفاء فعلیّة أحد الطرفین یندرج المتعارضان بنحو العموم من وجه فی باب المتزاحمین مطلقا إلاّ إذا علم إجمالا بکذب أحد الطرفین لأنّ صرف انتفاء فعلیّة أحدهما لا یدلّ علی عدم وجود المناط و الملاک بل مقتضی الدلیل بالدلالة الالتزامیّة هو وجود المناط و الملاک فی الطرفین.

و مع اندراج المتعارضین فی المتزاحمین یرجع مع المندوحة إلی تقدیم المنهیّ و مع

ص:202


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 91.

عدمها إلی الأقوی منهما و مع عدم الأقوی فالحکم هو التخییر،فلا مجال لدعوی السقوط فی المتعارضین المتزاحمین سواء قلنا بشمول الأخبار العلاجیّة للعامّین من وجه أو لم نقل،نعم إذا علم إجمالا بکذب أحد الطرفین لم یندرج المتعارضان فی باب المتزاحمین و حینئذ فالقول بالسقوط متوجّه إن لم نقل بشمول الأخبار العلاجیّة للعامّین من وجه.

فتحصّل أنّ مورد الرجوع إلی الأخبار العلاجیّة فی العامّین من وجه بناء علی شمولها لهما هو صورة العلم إجمالا بکذب أحد الطرفین و أمّا مع عدم العلم بذلک فهما متزاحمان بعد وجود المناط فی الطرفین و لا مجال للرجوع إلی الأخبار العلاجیّة لاندراجهما فی باب المتزاحمین کما لا مجال لدعوی سقوطهما مع وجود القاعدة فی المتزاحمین و هی أنّ مع المندوحة فالترجیح لغیر ذی المندوحة جمعا بین الغرضین.و مع عدم المندوحة فالترجیح لأقواهما.

أو التخییر إن لم یکن أحدهما أقوی و أمّا الأخذ بالأظهریّة أو دعوی السقوط فلا للزوم الجمع بین الغرضین مهما أمکن فی المتزاحمین بحکم العقل،فلا وجه لسقوط الظاهر مع المندوحة بل اللازم هو تقدیم النهی و الإتیان بذی المندوحة فی غیر مورد التصادق جمعا بین الغرضین کما لا وجه لدعوی سقوطهما مع إمکان الجمع بینهما فی مورد المندوحة بما ذکر و تقدیم الأقوی أو التخییر فی غیر المندوحة.

هذا کلّه فی العامین من وجه و أمّا فی المتباینین فلا مجال للتزاحم فیهما للتکاذب و المناقضة المطلقة بینهما فإن کان بینهما جمع دلالیّ من التوفیق العرفی بحمل الظاهر علی الأظهر کقوله(أکرم العلماء و لا بأس بترکه)أو(لا تفعل کذا و لا بأس بفعله)فهو و إلاّ فالمرجع هو الأخبار العلاجیّة فافهم و اغتنم و سیأتی بقیّة الکلام فی التنبیه الثانی فانتظر.

العاشرة:فی ثمرة بحث جواز الاجتماع و عدمه و قد فصّل جماعة من الأصحاب

ص:203

بین الجواز و الامتناع أو بین صورة العلم و الجهل فی الثمرة و التحقیق هو عدم صحّة هذه التفصیلات و ذلک لأنّ علی القول بالجواز یتحقّق الامتثال و یسقط الأمر بإتیان المجمع و لو فی العبادات و إن کان معصیة للنهی أیضا عند وجود المندوحة و العلم بالغصب،أمّا صحّة العمل فی صورة الجهل بالموضوع أو الحکم قصورا فواضح لتعدّد الملاک و وجود الأمر علی الطبیعة و تقیید المأمور به بحکم العقل بغیر مورد التصادق من جهة أنّ المنهیّ عنه طبیعة مرسلة بخلاف المأمور به فإنّه صرف الوجود؛لا ینافی وجود الملاک کما هو کذلک فی کلّ مورد من موارد التزاحم إذ التقیید العقلیّ لا یکون کالتقیید الشرعیّ فی تقیید الملاک کما لا یخفی.

و إنّما الکلام فی صحّة العمل مع العلم بالغصب و حکمه علی القول بالجواز و وجود المندوحة فإنّه ربّما یفصّل بین ما إذا لم تکن هناک مغایرة بین الخصوصیّة العبادیّة و الخصوصیّة المحرّمة فی الوجود کما إذا قلنا بأنّ الترکیب بینهما اتّحادی فیحکم ببطلان الصلاة لأنّ الحرکة الصلاتیّة حینئذ عین التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه فی الخارج فمع اتّحادهما لا تصحّ الصلاة إذ المبعّد عن ساحة المولی لا یمکن أن یکون مقرّبا و بین ما إذا کانت هناک مغایرة بین الخصوصیّتین المذکورتین کما إذا قلنا بأنّ الترکیب بینهما انضمامیّ فإنّ الحرکة الصلاتیّة حینئذ تکون مغایرة مع التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه فلا إشکال فی صحّة العبادة لأنّ المبعّد غیر المقرّب و ان کان مقارنا معه.

و دعوی مغایرة الحرکة الصلاتیّة مع التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه فی الخارج لأنّ التصرّف المذکور من مقولة الأین و الصلاة من مقولة الوضع و کلّ مقولة مغایرة مع غیرها من المقولات لأنّ المقولات أجناس عالیة و لا جنس لها حتی تشترک کلّ مع الآخر فیه فالحرکة الصلاتیّة مباینة مع التصرّف المذکور،و مع المغایرة الوجودیّة فالترکیب یکون انضمامیّا لا اتّحادیّا فتصحّ الصلاة.

مندفعة أوّلا بمنع کون عنوان الصلاة من المقولات لاختصاص المقولات

ص:204

بالواقعیّات لا الاعتباریّات و المفروض أنّ عنوان الصلاة مرکّب من عدّة أمور بعضها اعتباریّ و بعضها مقولیّ و الترکیب أمر اعتباریّ کما لا یخفی.

و ثانیا:بأنّ أجزاء الصلاة لا تنحصر فی مقولة الوضع بل مرکّبة من مقولات متعدّدة کمقولة الکیف المسموع و الکیف النفسانیّ و الوضع و الإضافة و مقولة الأین کالمماسّة للأرض بوضع الجبهة علیها و إن کانت غیر هیئة السجود و لکنّها معتبرة شرعا فی السجدة التی هی جزء الصلاة و هکذا الهویّ فی الرکوع لو اعتبر فهو عین مقولة الحرکة فی الأین و مقوّمة للجزء شرعا فالاتّحاد بینهما ثابت فی الجملة و مع الاتّحاد تبطل الصلاة.

و التحقیق أنّ دعوی الترکیب الانضمامیّ بین الصلاة و التصرّف العدوانیّ غیر مسموعة لاتّحادهما فی الجملة کما عرفت،و لکن یمکن أن یقال بأنّ الاتّحاد الخارجیّ لا یوجب بطلان الصلاة أیضا بعد کون الوجود الخارجیّ مصداقا لکلّ واحد من الصلاة و التصرّف العدوانیّ و القول بأنّ المبعّد لا یکون مقرّبا صحیح و لکن المقرّب لیس هو المبعّد بل الوجود الوحدانیّ بما هو مصداق للصلاة مقرّب و بالجملة مصداقیّة الوجود الخارجیّ لکلّ واحد من الصلاة و التصرّف العدوانیّ أمر لا شکّ فیه و مع وضوح المصداقیّة فهو مقرّب باعتبار مصداقیّته للصلاة و مبعّد باعتبار مصداقیّته للتصرّف العدوانیّ و غایته هو تقارن المقرّب مع المبعّد و هو لا یضرّ.

و علیه فالتفصیل بین المغایرة و الاتّحاد و القول ببطلان الصلاة و العبادة فی صورة الاتّحاد لا وجه له فیمکن القول بصحّة الصلاة و سقوط الأمر بإتیان المجمع و لو مع العلم بالغصب و الحرمة بناء علی الجواز لأنّه أتی بالإطاعة و العصیان فعصی من جهة إتیان مصداق التصرّف العدوانیّ و أطاع من جهة إتیان مصداق الصلاة و لا دلیل علی اشتراط عدم اتّحاد العبادة مع المحرّم فی صحّة العبادة کما ذهب إلیه سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه.

ص:205

فعلی القول بالجواز لا وجه للتفصیل بین الاتّحاد و المغایرة أو بین الترکیب الانضمامیّ و الاتّحادیّ أو بین العلم و الجهل فی صحّة العبادة و الصلاة لما عرفت من صحّتها علی کلّ تقدیر،و إن کان العقل حاکما بلزوم إتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق عند وجود المندوحة جمعا بین الغرضین و ربّما نسب صحّة العبادة علی القول بالجواز و لو مع العلم بحرمة التصرّف فی الدار المغصوبة إلی المشهور.

أورد علیه المحقّق النائینیّ قدّس سرّه بأنّ تصحیح العبادة لا یمکن بناء علی الجواز لا من ناحیة الأمر و لا من ناحیة الترتّب و لا من ناحیة الملاک أمّا من ناحیة الأمر فلأنّ اعتبار القدرة فی التکلیف إنّما هو اقتضاء نفس التکلیف ذلک لا حکم العقل بقبح تکلیف العاجز،و الوجه فی ذلک هو أنّ الغرض من التکلیف حیث إنّه کان جعل الداعی للمکلّف نحو الفعل فمن الواضح أنّ هذا بنفسه یقتضی کون متعلّقه مقدورا ضرورة استحالة جعل الداعی نحو الممتنع عقلا و شرعا و نتیجة ذلک هی أنّ متعلّقه حصّة خاصّة من الطبیعة و هی الحصّة المقدورة عقلا و شرعا.

و أمّا الحصّة غیر المقدورة فهی خارجة عن متعلّقه و إن کانت حصّة من الطبیعة علی نحو الإطلاق إلاّ أنّها لیست من حصّتها بما هی مأمور بها و متعلّقة للتکلیف.

و علیه فلا محالة لا تکون الصلاة فی المکان المغصوب مصداقا للمأمور به و فردا له إلی أن قال فالنتیجة هی أنّه لا یمکن تصحیح العبادة فی مورد الاجتماع علی هذا القول أی القول بالجواز من ناحیة الأمر لعدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیها.

و أمّا من ناحیة الترتّب بتقریب أنّ العبادة و إن لم تکن مأمورا بها بالأمر الأوّل إلاّ أنّه لا مانع من تعلّق الأمر بها مترتّبا علی عصیان النهی فلأنّ عصیان النهی فی مورد الاجتماع لا یخلو من أن یتحقّق بإتیان فعل مضادّ للمأمور به فی الخارج و هو الصلاة مثلا کأن یشتغل بالأکل أو الشرب و أن یکون بنفس الإتیان بالصلاة و لا ثالث لهما.

ص:206

و من الواضح أنّه لا یمکن علی کلا التقدیرین أمّا الأوّل فإنّه یلزم أن یکون الأمر بأحد الضدّین مشروطا بوجود الضدّ الآخر و هو یؤول إلی طلب الجمع بین الضدّین فی الخارج لفرض أنّه أمر بإیجاد ضدّ علی فرض وجود ضدّ آخر و هو محال لأنّه تکلیف بالمحال.

و أمّا علی الثانی فلأنّه یلزم أن یکون الأمر بالشیء مشروطا بوجوده فی الخارج و هو محال لأنّه طلب الحاصل ضرورة أنّه لا یعقل أن یکون الأمر بالشیء کالصلاة مثلا مشروطا بوجوده.

و أمّا من ناحیة الملاک فلأنّ ملاک الأمر إنّما یصلح للتقرّب به فیما إذا لم یکن مزاحما بالقبح الفاعلیّ و إلاّ فلا یکون صالحا للتقرّب فإنّ صحّة العبادة کما هی مشروطة بالحسن الفعلیّ بمعنی أن یکون الفعل فی نفسه محبوبا و حسنا فکذلک فی مشروطة بالحسن الفاعلیّ.

و المفروض فیما نحن فیه أنّ إیجادها من الفاعل لیس کذلک لأنّ الصلاة و الغصب بما أنّهما تمزجان فی الخارج بحیث لا یمکن الإشارة إلی أنّ هذه صلاة و ذاک غصب فلا محالة یکونان متّحدین فی مقام الإیجاد و موجودین بایجاد واحد ضرورة أنّ المکلّف بإیجاد الصلاة فی الأرض المغصوبة أوجد أمرین أحدهما الصلاة و الآخر الغصب لا أنّه أوجد الصلاة فحسب و علیه فلا محالة یکون موجدهما مرتکبا للقبح فی إیجاده و معه یستحیل أن یکون الفعل الصادر منه مقرّبا (1).

و لا یخفی ما فی المناقشات المذکورة،أمّا الأوّل فلأنّ مجرّد کون الغرض هو جعل الداعی لا یوجب تقیید المتعلّق بالحصّة الخاصّة شرعا لأنّ غایته هو الاستدلال العقلیّ علی لزوم کون المتعلّق مقدورا هذا مضافا إلی أنّ اعتبار القدرة شرعا علی

ص:207


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 216-210.نقلا من شیخه الاستاذ المحقّق النائینیّ قدّس سرّه.

فرض التسلیم لا یقتضی إلاّ کون المتعلّق مقدورا فی الجملة و لو باعتبار القدرة علی بعض أفراده ضرورة أنّه یکفی فی البعث نحو المتعلّق علی نحو ضرب القانون.

و أمّا الثانی فلأنّ الترتّب لا یتوقّف علی وجود الضدّ الآخر و لا علی وجود طلب الحاصل لأنّ الشرط هو العزم علی المعصیة و عدم تأثیر المزاحم.

و أمّا الثالث فلأنّ الموجد إذا أوجد المجمع أوجد أمرین أحدهما الصلاة و الآخر الغصب فکما أنّ الصلاة غیر الغصب فی الوجود الوحدانیّ فکذلک الموجد موجد للصلاة و موجد للغصب،و ارتکاب القبح لا یکون إلاّ باعتبار إیجاده الغصب لا باعتبار إیجاده الصلاة،و مجرّد ملازمة إیجاد ذاک لهذا لا یوجب سرایة القبح من هذا إلی ذاک.و لا فرق فیما ذکر أن یکون الترکیب بینهما ترکیبا اتّحادیّا أو انضمامیّا،و علیه فالفعل و هو الصلاة حسن و الفاعل باعتبار إیجاده للصلاة حسن فمع وجود الحسن الفعلیّ و الفاعلیّ فلم لا تکون العبادة صحیحة،فتحصّل قوّة صحّة العبادة بناء علی الجواز مطلقا و لو کان المکلّف عالما بحرمة الغصب و موضوعه و حیث إنّ الغاصب یتمکّن من أن یصلّی و أن لا یصلّی فإذا غصب تمکّن من قصد القربة إذا حصل له داع آخر غیر داعی المخالفة کفعل الصلاة.

هذا کلّه بناء علی القول بالجواز و أمّا بناء علی القول بالامتناع و سرایة الحکم من العنوان إلی معنونه فالمعنون فی مورد التصادق یستحیل أن یکون مأمورا به و منهیّا عنه معا فإذن لا بدّ من أحدهما فإن رجّح جانب الأمر کما إذا لم تکن مندوحة فلا إشکال فی صحّة العبادة لوجود الملاک و الأمر.

و أمّا مع المندوحة فالنهی مقدّم لا من جهة أنّ ملاکه یکون أقوی من ملاک الأمر بل من جهة أنّ المنهیّ عنه طبیعة مرسلة و لا بدل لها بخلاف الصلاة فإنّ المطلوب فیها الوجود أو صرف الوجود فیتزاحمان کتزاحم الواجب الموسّع مع الواجب المضیّق فکما أنّ الموسّع یتقیّد بزمان غیر المضیّق فکذلک الأمر بالصلاة یتقیّد

ص:208

بغیر مورد التصادق.

و حیث کان التقیید المذکور تقییدا عقلیّا لا شرعیّا فالصلاة فی مورد التصادق و إن لم تکن مأمورا بها و لکن تکون ذات ملاک کما أنّ الصلاة عند تزاحمها مع الإزالة تکون ذات ملاک،و السرّ فیه کما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه أنّ کلّ مورد یحکم العقل فیه بتقیید أحد الحکمین کموارد التزاحم مثل تزاحم الموسّع مع المضیق أو یحکم بتعیین أحد الحکمین کموارد تعذّر الآخر فی الواجبات التخییریّة لا یوجب سلب الملاک عنه و لذا لو ارتفعت المزاحمة أو التعذّر کان کما لا مزاحم له من أوّل الأمر و لا حاجة إلی دلیل لإثبات الملاک فیه بعد ارتفاع المزاحمة أو التعذّر کما علیه بناء العقلاء فیما إذا کان المقیّد هو العقل بخلاف ما إذا کان التقیید شرعیّا.

و لا فرق فیما ذکر بین صورة جهل المکلّف بحکم الغصب أو موضوعه و بین العلم بهما.

و لذا یمکن القول بصحّة عبادة من توسّط فی الأرض المغصوبة عامدا عالما إذ صلاته فی الدار المغصوبة عین صلاته فی خارجها فی کونها واجدة للملاک و فی کون المصلّی مختارا فی إیجادها و یشهد له وضوح الفرق بین من توسّط فی الدار المغصوبة و صلّی و بین من توسّط فیها و لم یصلّ لحکم العرف بکون الأوّل أتی بعمل قربی دون الثانی کما یحکمون بعدم مساواة عبد دخل فی محلّ لا یرضی مولاه بدخوله فیه و لکن فعل لمولاه ما أحبّه ممّا یحتاج إلی الحرکة مع عبد دخل فیه و لم یفعل ذلک.

لا یقال إنّ العامد العالم بالغصب و حکمه لا یتمشّی منه قصد القربة لاتّحاد الصلاة حینئذ مع الغصب و الغصب مبعّد و المبعّد لا یکون مقرّبا.

لأنّا نقول عدم التمشّی المذکور ممنوع بعد مشاهدة العوام الذین یعلمون الحرمة و مع ذلک یقصدون القربة،أ لا تری الذین یسکنون فی الأراضیّ المغصوبة أو یلبسون الألبسة المغصوبة و مع ذلک یتمشّی منهم قصد القربة،و من المعلوم أنّ الوقوع أدلّ

ص:209

شیء علی الإمکان.

و السرّ فیه هو کون المأتیّ به مصداقا للصلاة و الغصب فهم یقصدون القربة بإتیان الصلاة دون الغصب.

و أمّا دعوی عدم جواز اتّحاد العمل القربیّ مع العمل المحرّم فإن ارید منها عدم الجواز التکلیفیّ فهو مسلّم لحرمة أن یأتی بالصلاة فی محلّ مغصوب و لکنّ الحکم التکلیفیّ لا یلازم الحکم الوضعیّ فإن عصی و أتی بالصلاة فی المحلّ المذکور لا یوجب ارتکاب الحرام بطلان العبادة إذ لا یجب فی صحة العبادة إلاّ أن یؤتی بها للّه و المفروض أنّ ذلک متحقّق و لا دلیل علی اشتراط عدم اتّحاد العبادة مع المحرّم فی صحّة الصلاة، و ما ذکره الفقهاء-رضوان اللّه تعالی علیهم-فی باب اشتراط إباحة المکان أو إباحة اللباس للمصلّی مبنیّ علی القواعد،و قد عرفت أنّها لا تقتضیه،و أمّا الأدلّة السمعیّة المذکورة هناک فکلّها ضعیفة،و لو کان الاتّحاد موجبا لسلب الملاک و عدم صحّة العبادة فکیف یحکم بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة عند تضیّق الوقت سواء توسّط الدار بسوء الاختیار أو بدونه،مع إنّ الخروج المذکور غصب و الصلاة متّحدة معه و التصرّف فی الدار المغصوبة و لو بالخروج مبغوض إذا دخل بسوء الاختیار و إن سقط النهی عنه فعلا فکما أنّ مبغوضیّة الخروج و مبعّدیّته فی حال تضییق الوقت لا ینافی صحّة صلاته و تمشّی قصد القربة منه فکذلک فی المقام.

و القول بسقوط المبغوضیّة عند تضیّق الوقت و لو ممّن توسّط بسوء الاختیار ینافیه بقاء عقوبته و نفی العقوبة عند تضیّق الوقت مع سوء الاختیار کما تری.

و یشهد له أیضا حکم الأصحاب بوجوب الصلاة علی من توسّط فی الدار المغصوبة مع العلم و العمد و لم یتمکّن من الخروج منها مع أنّ مکثه فیها مبغوض لکونه داخلا فیها بسوء الاختیار و متّحد مع الصلاة،و علیه فلا محیص إلاّ علی القول بصحّة الصلاة فیما إذا کان عالما و عامدا فضلا عمّا إذا کان جاهلا و معذورا و إن کان

ص:210

المصلّی عاصیا أیضا من جهة کونه غاصبا و متصرّفا فی الدار المغصوبة،و لکنّ حیثیّة الصلاة غیر حیثیّة الغصب و إن اتّحدا فی الخارج.

فوجود الملاک یکفی فی الحکم بالصحّة علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی و قد عرفت أنّ تقدیم جانب النهی یکون بحکم العقل من جهة أنّه لا بدل له لکون المنهیّ عنه طبیعة مرسلة بخلاف طبیعة المأمور،به و هذا الحکم العقلیّ لا یوجب سلب الملاک المستفاد من توجّه الأمر إلی الطبیعة إذ رفع الید عن الأمر بسبب التزاحم و حکم العقل لا یوجب تقیید المادّة کما لا یخفی.

و ممّا ذکر یظهر ما فی دعوی أنّه لا طریق لنا إلی إثبات وجود الملاک فإنّه کما یمکن أن یکون سقوط الحکم عنه من ناحیة المانع یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک،و لا ترجیح،بداهة أنّ الطریق إلی إحرازه منحصر فی ثبوت الحکم و بعد سقوطه فلا طریق لنا إلی إحرازه أصلا.

لما عرفت من أنّ الأمر المتعلّق بالطبیعة یکشف عن الملاک و إنّما المزاحمة توجب رفع الأمر لا رفع الملاک،و لا دلیل علی رفع الملاک بعد ثبوته بإطلاق الخطاب المنطبق علی مورد الاجتماع.

هذا مضافا إلی إمکان أن یقال کما فی تعلیقة المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه أنّ کلا من الدلیلین یدلّ بالمطابقة علی ثبوت مضمونه من الوجوب و الحرمة و یدلّ بالالتزام علی ثبوت المقتضی و الشرط و عدم المانع من التأثیر و عدم المزاحم وجودا لمضمونه المطابقیّ فإذا کان أحد الدلیلین أقوی دلّ علی وجود مزاحم فی الوجود لمضمون الآخر فیدلّ علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر و لا یدلّ علی أزید من ذلک لیکون حجّة فی قبال الحجّة علی وجود المقتضی فی الآخر و الدلالة الالتزامیّة تابعة للدلالة المطابقیّة وجودا لا حجیة و دلیلا فسقوط الدلالة المطابقیّة فی الأضعف عن الحجیّة لا یوجب سقوط جمیع دلالاته الالتزامیّة بل مجرّد الدلالة علی عدم

ص:211

المزاحم فی الوجود و المانع عن التأثیر (1).

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول من المناقشة فی وجدان الصلاة للملاک بناء علی القول بالامتناع فی صورة الجهل القصوریّ بعد حکمه ببطلان الصلاة مع العلم و العمد أو الجهل بالحکم تقصیرا.

بدعوی أنّ التضادّ بین ملاکی الغصب و الصلاة إن رفع باختلاف الحیثیّتین رفع التضادّ بین الحکمین أیضا فلا محیص عن القول بالجواز،فالقائل بالامتناع لا بدّ له من الالتزام بأنّ الحیثیّة التی تعلّق بها الأمر عین ما تعلّق به النهی حتّی یحصل التضادّ و مع وحدة الحیثیّة لا یمکن تحقّق الملاکین فلا بدّ و أن یکون المرجوح بلا ملاک فعدم صحّتها لأجل فقدانه و معه لا دخل للعلم و الجهل فی البطلان و الصحّة و بالجملة متعلّق الأمر و النهی بالذات عین حامل الملاک و هو مع وحدته غیر معقول لحمل الملاکین و مع کثرته یوجب جواز الاجتماع،و لو قیل بتعلّقهما بما هو فعل المکلّف خارجا فتصوّر الحیثیّتین الحاملتین للملاک الرافعتین للتضادّ یناقض القول بالامتناع من جهة التکلیف المحال (2).

و ذلک لما عرفت من أنّ مصداقیّة مورد التصادق للتصرّف العدوانیّ و الصلاة واضحة و مع وضوح مصداقیّته لهما یکون له ملاکان کلّ واحد باعتبار مصداقیّته للعنوان و لا تضادّ بینهما لتعدّد الحیثیّتین و إنّما التضادّ فیما إذا کانت الجهة واحدة.

و الملازمة بین رفع التضادّ بین الملاکین باختلاف الحیثیّتین و بین رفع التضادّ بین الحکمین و القول بالجواز و إن کانت صحیحة لکونها کذلک واقعا و فی نفس الأمر و لکن لا مانع من أن یعتقد الامتناعیّ بعدمها بعد توهّمه أنّ مرکب الأمر و النهی هو الفرد الخارجیّ لسرایة الحکم من کلّ عنوان إلی معنونه الخارجیّ و الفرد الخارجیّ و إن

ص:212


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 91.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 123 و 124.

کان حاملا للملاکین و لکن لا یتحمّل الحکمین لاتّحاد الملاکین فی الوجود.و هذه المزعمة و إن کانت باطلة و اللازم مع تعدّد الملاک هو القول بالجواز و تعلّق الحکمین بالعنوانین و لکن لا دلیل علی عدم هذه المزعمة بعد توهّم أنّ مرکب الأمر و النهی هو الفرد الخارجیّ لا العنوانین،فیمکن بعد هذه المزعمة دعوی کون الصلاة واجدة للملاک علی القول بالامتناع أیضا.

و أیضا ینقدح أنّ دعوی غلبة ملاک النهی علی ملاک الأمر و عدم تمامیّة ملاک الأمر بعد کونه مکسورا بالتزاحم ممنوعة کما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد لأنّ وجه تقدیم النهی علی جانب الأمر لیس من جهة أقوائیّة ملاک النهی من ملاک الأمر بل من جهة أنّ المنهیّ عنه هو طبیعة مرسلة و لا بدل لها بخلاف المأمور به فإنّه الوجود أو صرف الوجود.

هذا مضافا إلی ما أفاده فی مناهج الوصول من أنّ مقتضی أتمیّة ملاک الغصب و إن کان عدم جعل الحکم علی الصلاة لکن لیس مقتضاها صیرورة ملاکها ناقصا، فإن ارید بمکسوریّة الملاک صیرورته ناقصا فهو ممنوع لأنّ الملاکین القائمین بحیثیّتین لا معنی لانکسار أحدهما بالآخر و أرجحیّة أحدهما غیر مکسوریّة الآخر (1).

و بالجملة غلبة أحدهما من جهة غلبة التأثیر،و من المعلوم أنّ غلبة أحد العلّتین فی التأثیر لا توجب نقصانا فی المقتضی فی الآخر کما هو المشهود فی العلل التکوینیّة.

و أمّا ما فی المحاضرات من أنّ الأحکام الواقعیّة ثابتة لمتعلّقاتها فی الواقع و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم به أبدا ضرورة أنّها لا تتغیّر بواسطة جهل المکلّف بها فلو کان شیء حراما فی الواقع و کان المکلّف جاهلا بحرمته فلا تتغیّر حرمته بواسطة

ص:213


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 125.

جهله بها و هذا واضح و من ناحیة اخری أنّ الحرام لا یعقل أن یکون مصداقا للواجب.و ان فرض کون المکلّف جاهلا بحرمته بل معتقدا بوجوبه ضرورة أنّ الواقع لا ینقلب عمّا هو علیه فلا ینطبق الواجب علی المجمع بناء علی تقدیم جانب الحرمة فلا یسقط الأمر به بإتیان المجمع حتّی إذا کان توصّلیّا مع العلم بحرمته أو مع الجهل بها إلاّ إذا علم من الخارج و فاؤه بالغرض.

و علی ذلک یترتّب فساد الإتیان بالمجمع کالصلاة فی الدار المغصوبة مع العلم بمبغوضیّته و حرمته بل مع الجهل بها و لو کان عن قصور (1).

ففیه أنّه مع المندوحة و تقدیم جانب النهی و العلم بالحکم و الموضوع لا أمر بالنسبة إلی العبادة فی مورد التصادق،و لکن لا یضرّ ذلک بعد ما عرفت من کفایة الملاک فی صحّة العبادة فی صورة العلم فضلا عن الجهل.

و أمّا مع الجهل القصوریّ فالحکم الواقعیّ و إن کان مع المندوحة تابع لما هو الأقوی فی التأثیر فالإنشاء بداعی جعل الداعی مخصوص بالإنشاء بداعی الزجر عن الغصب،و لکن کما أفاد المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه حیث إنّ الإنشاء بداعی الزجر عن الغصب لا یترقّب منه فعلیّة الزجر مطلقا مع الجهل و النسیان لاستحالة الزجر الحقیقیّ مع أحد الحالتین فلا محالة لا مزاحم لإنشاء البعث نحو الصلاة فی کلتا الحالتین فیصحّ الإنشاء بداعی البعث نحو الصلاة المتّحدة مع الغصب علی تقدیر عدم المزاحم فیکون بعثا فعلیّا فی صورة عدم الزجر الحقیقیّ فنحن و إن قلنا بالتزاحم فی مرتبة الواقع لکنّه بحسب النتیجة کالتزاحم فی مرتبة الفعلیّة (2).

و أمّا مسألة اتّحاد الواجب مع الحرام ففیها أنّه إن ارید صورة العلم فلا واجب حتّی یکون متّحدا مع الحرام لعدم الأمر و لکن یکفی وجود الملاک لصحّة العمل

ص:214


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 232 و 236.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 94.

العبادیّ،و إن ارید صورة الجهل فلا إشکال فی اتّحاد الواجب الفعلیّ مع الحرام غیر الفعلیّ.

فتحصّل ممّا ذکر صحّة العبادة سواء قلنا بجواز الاجتماع أو لم نقل و سواء علم بالغصب موضوعا و حکما أو لم یعلم،و علیه فصحة العبادة لیست ثمرة خصوص القول بالجواز،نعم لو ذهب الامتناعیّ إلی عدم وجود ملاک الأمر فی ناحیة العبادة مع المندوحة أمکن له القول بالبطلان مع العلم بموضوع الغصب و حرمته،بل لازم ذلک هو القول بالبطلان أیضا فی صورة الجهل بهما لفقدان الملاک و هو لا یناسب ما نسب إلیهم من التفصیل بین صورة العلم و صورة الجهل القصوریّ فتدبّر جیّدا.

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا محصّل للتفصیل المذکور فی التنبیه الأوّل من الکفایة من جهة الحکم الوضعیّ بین الاضطرار بسوء الاختیار و بدونه و فی التنبیه الثانی منها بین العلم و الجهل و النسیان فراجع.

و أمّا دعوی قیام الإجماع علی البطلان فی صورة العلم بالموضوع و الحکم ففیه:

أوّلا أنّه ممنوع مع ذهاب الفضل بن شاذان إلی عدم فساد الصلاة فی الدار المغصوبة کما صرّح به الکلینیّ (1)مضافا إلی إسناد البطلان فی(المعتبر)إلی المشایخ الثلاثة أعنی الشیخ و المفید و المرتضی و أتباعهم (2)و ظاهره أنّهم متفرّدون فیه.

و ثانیا:أنّه محتمل المدرک حیث صرّحوا تارة بعدم بقاء الأمر و اخری بأنّ الاشتغال الیقینیّ یقتضی الفراغ الیقینیّ و ثالثة بأنّه لا یصحّ القربة بما هو قبیح و رابعة بأنّ النهی عن العبادة یقتضی الفساد (3).

ص:215


1- 1) الکافی:ج 6 ص 94.
2- 2) المعتبر:ص 151.
3- 3) راجع الخلاف:ج 1 ص 192 المنتهی:ج 1 ص 229 و 224 و المعتبر:ص 151 و 156 و غیر ذلک.

نعم ربّما یستدلّ بالروایات علی البطلان و لکنّها ضعیفة و دعوی انجبارها غیر ثابتة لعدم معلومیّة استناد المشهور إلیها مضافا إلی تصریح المحقّق الحلّی فی المعتبر بأنّی لم أر نصّا فی هذا الباب (1)،و بقیّة الکلام فی محلّه.

بیان المختار و مقدّماته

إذا عرفت الجهات العشرة فالحقّ هو القول بجواز الاجتماع،و تحقیق ذلک یحتاج إلی تمهید مقدّمات:

أوّلها:أنّ متعلّق الأوامر و النواهی هی العناوین لا الوجود الخارجیّ و إلاّ لزم تحصیل الحاصل عند البعث الیه أو المناقضة عند الزجر عنه.

و حیث إنّ العناوین متعدّدة فمتعلّق الأمر غیر متعلّق النهی،و مع المغایرة لا یجتمع الأمر و النهی فی واحد بل فی متعدّد و البحث عن تضادّ الأحکام و عدمه أجنبیّ عن محلّ الکلام لأنّ الأحکام و لو کانت متضادّة یجوز اجتماعها فی العناوین المتعدّدة بلا کلام.

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث ذکر المقدّمة الأولی لإثبات المتضادّ بین الأحکام الفعلیّة لیتفرّع علیه عدم جواز اجتماع الأمر و النهی من جهة توهّمه أنّ متعلّق الأحکام هو الواحد الحقیقیّ.

و ذلک لأنّ تطبیق کبری امتناع اجتماع البعث و الزجر فی واحد حقیقیّ علی المقام غیر صحیح بعد ما عرفت أنّ متعلّق البعث مغایر لمتعلّق الزجر لأنّ عنوان الغصب غیر عنوان الصلاة،فلو سلّمنا التضادّ بین الأحکام الفعلیّة أمکن القول بجواز الاجتماع فی المقام لتعدّد متعلّقها بعد کون المتعلّق للأحکام هو العناوین لا الوجود

ص:216


1- 1) المعتبر:ص 151 ط قدیم.

الخارجیّ.

و علیه فتعدّد المتعلّق یحسم مادّة الإشکال و لا حاجة معه إلی إثبات عدم التضادّ بین الأحکام کما لا یخفی.

و ممّا ذکر یظهر أیضا ما فی الکفایة حیث ذهب إلی أنّ متعلّق الأحکام هو فعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه.

و ذلک لما عرفت من عدم إمکان تعلّق الأحکام بالفعل الخارجیّ و إلاّ لزم تحصیل الحاصل أو المناقضة بل متعلّق الأحکام هو الطبائع المجرّدة بالمعنی الحرفیّ، و موطن الطبیعة المجرّدة هو الذهن لا الخارج فموطن الأحکام المتعلقة بتلک الطبائع المذکورة هو الذهن أیضا و معنی طلب تلک الطبائع المجرّدة هو طلب إخراجها من الفرض و التقدیر إلی الفعلیّة و التحقیق.

ثانیها:أنّ کلّ عنوان یحکی عن معنونه إذا کان له واقعیّة فی نفس الأمر و مقتضی ذلک هو أنّه إذا تعدّد العنوان تعدّد المعنون إلاّ إذا کان المبدأ فی مرتبة ذات الشیء و من شئون جامعیّته فلا یستدعی تعدّد العنوان حینئذ تعدّد المعنون کما فی أسماء اللّه تعالی حیث إنّها تنتزع عن مرتبة ذاته المقدّسة الجامعة لجمیع الکمالات مع وجود بساطتها من جمیع الجهات فکلّ عنوان یحکی عن معنون واحد لأنّ الواحد الأعلی له وجود یکون محلّ صدق لجمیع الأوصاف الکمالیّة.

فلا یقاس المقام بمثل أسمائه تعالی فإذا کانت الحیثیّات متعدّدة فی نفس الأمر فکلّ عنوان یحکی عن معنونه و لو کانت الحیثیّات موجودة بالوجود الاتّحادیّ لصحّة انطباق کلّ واحد من العناوین علی الواحد الخارجیّ.

و لا یلزم أن یکون المعنون مقولة اخری غیر المقولات الخارجیّة بل للجاعل أن یسمّی المقولات الخارجیّة مع ترتیب خاصّ بینها و مع اشتراط قید فیها باسم خاصّ.فالاسم المذکور یحکی عن المقولات الخارجیّة لکیفیّة خاصّة کما أنّ عنوان

ص:217

العسکر أو عنوان الصفّ موضوعان للمقولات الخارجیّة مشروطة بکیفیّة خاصّة.

و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه حیث ذهب إلی وحدة الحیثیّة فی مثل الصلاة فی الدار المغصوبة بدعوی أنّ الصلاة لیست بنفسها مقولة من المقولات و لا عنوانا لمقولة واحدة بل الصلاة مرکّبة اعتبارا من مقولات متعدّدة کمقولة الکیف المسموع و الکیف النفسانیّ و الوضع و الإضافة،و قد تقرّر فی محلّه أنّ المقولات المتباینة لا تندرج تحت مقولة واحدة لأنّ المقولات أجناس عالیة و لا جنس للأجناس العالیة و إلاّ لزم الخلف و لیس المرکّب من مقولات مقولة برأسها لاعتبار الوحدة فی المقولة و إلاّ لما أمکن حصر المقولات،فلیس للصلاة مع قطع النظر عن تلک المقولات مطابق عینیّ فی الخارج بل مطابقها عبارة عن مطابقات متعدّدة کلّ منها مقولة برأسها،و بهذا البیان تبیّن أیضا أنّ الصلاة وضعا و استعمالا اسم للمرکّب من مقولات متعدّدة لا عنوان للمرکّب منها،إلی أن قال:

و أمّا الغصبیة فهی عبارة عن کون الحرکة مثلا بحیث لا یرضی بها مالک الدار و أنّ نفس الحرکة الخاصّة مصداق للغصب کالفوقیّة و التحتیّة فإنهما عبارة عن کون الشیء واقعا فی حیّز خاصّ بالإضافة إلی الآخر و إنّ الکائن فی الحیّز الخاصّ مطابق الفوق و التحت و من الواضح أنّ تحلیل هذا المطلب یقتضی حرکة و کونا من جملة المقولات،و کراهة المالک التی هی کیف نفسانیّ و إضافة تلک الکراهة بتلک الحرکة و بما ذکرنا تبیّن اتّحاد المسمّی بالصلاة و عنوان الغصب وجودا بل لعلّ الأمر فی الاتّحاد أوضح بلحاظ ما عرفت من عدم کون الصلاة عنوان المقولات بل نفس المرکب الاعتباریّ منها و هو بعینه ما تعلّقت به کراهة المالک (1).

و ذلک-کما فی الدرر-أنّ المراد من وحدة مورد تصادق العناوین إن کان عدم

ص:218


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 100.

کونها موجودات متمیّزا بعضها من بعض فی الخارج فهو من البدیهیّات و إن کان عدم تحقّق لها فی نفس الأمر بمعنی کونها صورا ذهنیّة لا واقعیّة لها فهو مقطوع البطلان و یکفی فی تعلّق التکالیف بتلک العناوین تحقّقها فی نفس الأمر (1).

و الأحکام-کما أفاد استاذنا الأراکیّ قدّس سرّه لیست من الأعراض الخارجیّة کالبیاض حتّی یقال بأنّه لا یمکن التفکیک فی عروضها بین حیثیّة حیثیّة اخری لاندماج الحیثیّات و اتّحادها فی الخارج،بل هی من الأعراض التی یکون عروضها و اتّصافها فی الذهن و التفکیک بین الحیثیّات فی الذهن ممکن فیقع الکلام حینئذ فی أنّ هذه الحیثیّات التحلیلیّة لها واقعیّة فی الخارج أولا.

فنقول:لا مدخل فی منشأ انتزاع الصلاة إلاّ لمطلق الحرکة بالهیئة الخاصّة المتلبّسة بقصد القربة من دون مدخلیّة للوقوع فی دار الغیر فیه و کذا لا مدخل فی منشأ انتزاع الغصب إلاّ لمطلق الحرکة فی دار الغیر بدون رضاه من دون مدخلیّة للوقوع بالهیئة الخاصّة و التلبّس بنیّة القربة فیه فیتعقّل هنا صرف وجود یکون منشأ لانتزاع الصلاة و هو متعلّق للأمر و صرف وجود آخر یکون منشأ لانتزاع الغصب و هو متعلّق للنهی (2).

فمع وقوع الصلاة فی الدار المغصوبة تتحقّق الحیثیّتان فی الخارج و لو بالوجود الاتّحادیّ.

و بالجملة یکون المسمّی الشرعیّ کالمسمّی اللغویّ فإذا وضع الشارع الصلاة لجملة من المقولات مع ترتیب خاصّ کأن یکون أوّلها التکبیر و آخرها التسلیم مع اشتراط امور منها قصد القربة،فلفظ الصلاة یحکی عن هذه المقولات بالکیفیّة الخاصّة مع اشتراط الامور المذکورة کما أنّ لفظ الغصب یحکی عن مطلق الحرکة فی

ص:219


1- 1) الدرر:ج 1 ص 180 ط جدید.
2- 2) اصول الفقه:ج 1 ص 205 و 206.

دار الغیر من دون اذن صاحبه و هما حیثیّتان قد تفترقان و قد تجتمعان،و یشهد له صدق العنوانین علی ما إذا أتی بالصلاة فی الدار المغصوبة فإنّ الحرکة الصلاتیّة صلاة لوجود جمیع ما له دخل فی قوام الصلاة،و غصب لأنّه حرکة غیر مأذونة من مالک الدار،و دعوی عدم صدق العنوانین مکابرة جدّا.

فتحصّل أنّ تعدّد العنوانین فی مثل المقام یحکی عن تعدّد المعنونین و لو فی الوجود الواحد الشخصیّ.

و ممّا ذکر یظهر أنّ التفصیل بین الترکیب الانضمامیّ و الاتّحادیّ فی الواحد الخارجیّ و القول بالامتناع فی الثانی و الجواز فی الأوّل و إطالة الکلام لتعیین الضابطة للانضمامیّ و الاتّحادیّ و عدم الوصول إلی الضابطة الکلّیّة و الاضطرار فی النهایة إلی ملاحظة کلّ مورد بخصوصه لیعلم أنّ المجمع فیه واحد أو متعدّد کما یظهر من المحاضرات (1)أجنبیّ عن المقام لما عرفت من أنّ موطن الأحکام لیس هو الخارج بل هو الذهن و الذهن یقدر علی تفکیک ما هو فی الخارج و لو کان متّحدا مع غیره و بعد التفکیک یکون متعلّق کلّ حکم مغایرا مع متعلّق الآخر و مقتضی المغایرة بین المتعلّقین هو الجواز کما لا یخفی.

ثالثها:أنّ المحذور من اجتماع الأمر و النهی إن کان هو وحدة المتعلّق فقد عرفت أنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و فیه یکون متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی فلا وحدة و مع عدم الوحدة فلا یکون التکلیف تکلیفا محالا.

ربّما یقال أنّ المحذور هو التکلیف بالمحال أو لزوم نقض الغرض أو التقرّب بالمبعّد.

أمّا الأوّل:فبدعوی أنّ الأمر بإتیان الفرد الذی یکون محکوما بعدم الإتیان

ص:220


1- 1) ج 4 ص 259-280.

شرعا تکلیف بالمحال لعدم القدرة علی الجمع بینهما،و لا فرق فی ذلک بین أن یکون متعلّق الأحکام هو الأفراد أو الطبیعة الشاملة للفرد المتّحد مع المنهی عنه.

اجیب عنه بأنّ التکلیف لیس متعلّقا إلاّ بنفس وجود الطبیعة المقدور علیه من حیث نفسه و له أفراد مقدورة فی الخارج بحیث ینطبق علیها لأنّ مفروض الکلام فیما إذا کانت المندوحة،فإذا کان وجود الطبیعة مقدورا صحّ تعلّق الخطاب بصرف وجود الطبیعة و لا منافاة بین التکلیف بصرف وجود الطبیعة و التکلیف بعدم وجود الغصب مطلقا لإمکان الإتیان بصرف وجود الطبیعة فی غیر الدار،نعم لو لم یکن هناک مندوحة فوجود الطبیعة بما هو غیر مقدور حیث لا یمکن تطبیقه فی الخارج علی أمر مقدور.

و علیه فلا یلزم من اجتماع الأمر و النهی تکلیف بمحال عند وجود المندوحة لإمکان الامتثال بترک الصلاة فی الدار و الإتیان بها فی غیرها.

و التکلیف بالمحال إنّما یلزم بالأفراد أو الطبیعة الساریة و الفانیة فی الأفراد و أمّا إذا تعلّق بصرف الوجود و کان مقتضی الصرافة و اللابشرطیّة رفض القیود لا الجمع بین القیود لم یلزم تعلّق التکلیف بالمحال (1).

أورد علیه سیّدنا الاستاد المحقّق قدّس سرّه بأنّ الحکم لو کان حیثیّا فلا مانع من الاجتماع کاجتماع(الغنم حلال)مع(المغصوب حرام)و أمّا إذا کان الحکم فعلیّا بحیث یستلزم النظر إلی تمام جهاته حتّی خصوصیّاته الفردیّة و لو بالإطلاق الذاتیّ فلا مجال لاجتماعهما لعدم إمکان البعث نحو فعل یزجر عنه إذ لا یتمکّن المکلّف من امتثاله،و لا فرق فیه بین أن یبعث نحوه متعیّنا کما إذا لم تکن مندوحة و مفرّ و بین أن یبعث نحوه تخییرا کما إذا کانت المندوحة إذ تکلیف الأشخاص بإتیان شیء متعیّنا أو تخییرا مع

ص:221


1- 1) راجع نهایة الدرایة:ج 2 ص 104 الاصول علی النهج الحدیث:ص 112.

النهی عن الشیء المذکور متعیّنا تکلیف بالمحال فاللازم هو أن یکون التکلیف متعلّقا بالأهم إذا لم تکن مندوحة أو بغیر مورد التصادق إذا کانت المندوحة.

یمکن أن یقال أنّ المحال فیما إذا کان النظر إلی الفرد مع ملاحظة خصوصیّاته الفردیّة و منها عنوان المغصوبیّة فإنّه یرجع إلی التکلیف بإتیانه و عدمه و هما متناقضان مضافا إلی عدم القدرة علیه و أمّا إذا کان النظر إلی مصداق عنوان الصلاة من دون النظر إلی سائر العناوین فالمطلوب هو مصداق الصلاة و هو مغایر مع المنهیّ و هو الغصب و مع المغایرة لا یلزم المناقضة و لا التکلیف بغیر المقدور عند وجود المندوحة لأنّ المکلّف مع توجّه التکلیف إلیه بترک الغصب مطلقا و بإتیان صرف وجود الصلاة بالإطلاق الذاتیّ الشامل للصلاة فی الدار المغصوبة،یقدر علی امتثال التکلیفین بترک الغصب و الإتیان بالصلاة فی غیر الدار.

نعم یلزم التکلیف بغیر المقدور فیما إذا لم تکن مندوحة و هو أجنبیّ عن محلّ الکلام فتحصّل أنّ التکلیف مع الإطلاق الذاتیّ أیضا لا یستلزم تکلیفا محالا لأنّ متعلّق الأمر مغایر مع متعلّق النهی کما لا یلزم منه التکلیف بالمحال لقدرة المکلّف علی الامتثال بالجمع بین الغرضین بترک الغصب و إتیان المأمور به فی خارج الدار.

لا یقال إنّ التکلیف بإتیان شیء تخییرا کما هو المفروض عند المندوحة مع الزجر عنه تعیّنا تکلیف محال إذ لا یجتمع الزجر عن الشیء مع التکلیف بإتیانه.

لأنّا نقول متعلّق الزجر مغایر مع متعلّق المأمور به إذ متعلّق الزجر هو الغصب و متعلّق التکلیف هو مصداق الصلاة و هما متغایران فی محلّ تعلّق التکلیف و هو الذهن و إن اتّحدا فی الخارج فلا تغفل.

و أمّا المحذور الثانی و هو نقض الغرض فتقریبه إمّا بأن یکون البعث نقضا للزجر من جهة تضادّه معه و فیه ما عرفت من أنّ المناقضة مع تعدّد المعنون، و الحیثیّات لا مورد لها و إن سلّمنا التضادّ بین الأحکام الفعلیّة.

ص:222

و إمّا بأن یکون البعث نقضا للزجر من حیث الامتثال و أنّه سدّ لباب امتثال الزجر و فیه ما عرفت أیضا من أنّ المکلّف یقدر علی الامتثال فی مفروض الکلام و هو وجود المندوحة بإتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق و ترک مورد التصادق جمعا بین الغرضین.

و إمّا المحذور الثالث و هو التقرّب بالمبعّد ففیه ما لا یخفی لأنّ التقرّب بحیثیّة مقرّبة لا بالحیثیّة المبعّدة و إن اتّحدا فی الخارج فی الوجود و لا مجال لدعوی لزوم التقرّب بالمبعّد مع تعدّد الحیثیّات و المعنونات و لا منافاة-کما فی نهایة الدرایة-بین أن یکون الواحد مسقطا للأمر حیث إنّه مطابق لما تعلّق به و مسقطا للنهی بالعصیان حیث إنّه خلاف ما تعلّق به و نقیضه و کذا ترتّب الثواب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط الأمر بإتیان ما یطابق متعلّقه المحصّل للغرض منه فإنّه لا ینافی ترتّب العقاب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط النهی بإتیان ما یناقض متعلّقه المنافی لغرضه منه.

بل هکذا حال القرب و البعد الناشئین من التخلّق بالأخلاق الفاضلة أو الرذیلة فإنّه بواسطة التخلّق بالخلق الفاضل له التشبّه بالمبدإ الکامل فهو قریب منه من هذا الوجه و إن کان بواسطة التخلّق بخلق رذیل بعید منه من ذلک الوجه (1).

فإذا عرفت المقدّمات المذکورة ظهر لک أنّه لا محذور و لا مانع من اجتماع الأمر و النهی فی الواحد المنطبق علیه العنوانان لأنّ الواحد المذکور معنون بعنوانین فی موطن تعلّق الأحکام و هو الذهن فیکون متعلّق الأمر مغایرا مع متعلّق النهی و علیه فلا یلزم من التکلیف بهما تکلیف محال لتعدّد متعلّقهما کما لا یلزم من ذلک تکلیف بمحال مع وجود المندوحة لإمکان امتثال الأمر فی غیر مورد التصادق و مع أماکن الامتثال بإتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق و ترک المنهی عنه بترک جمیع أفرادها فالغرض من الأمر و النهی حاصل فلا وجه لدعوی لزوم نقض الغرض فتحصّل أنّ مقتضی عدم وجود المانع و المحذور هو صحّة القول بجواز اجتماعهما.

ص:223


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 106.

و ذلک واضح و لا یحتاج إلی إقامة دلیل آخر کما لا یخفی.

و لکن مع ذلک ذهب بعض إلی الاستدلال بامور:

من جملتها:أنّه لو لم یجز اجتماع الأمر و النهی لما وقع نظیره و قد وقع کما فی العبادات المکروهة کالصلاة الواجبة فی الحمّام حیث اجتمع فیها الوجوب مع الکراهة أو کصلاة النافلة المبتدأة عند غروب الشمس أو طلوعها حیث اجتمع فیها الاستحباب مع الکراهة.

و من الواضح أنّ وقوع شیء فی الخارج أدلّ دلیل علی إمکانه و جوازه،بیان الملازمة أنّه لو لم یکن تعدّد الجهة مجدیا فی إمکان اجتماعهما لما جاز اجتماع حکمین آخرین فی مورد مع تعدّد الجهة لعدم اختصاص الوجوب و الحرمة من بین الأحکام بالتضادّ إذ جمیع الأحکام بأسرها متضادّة،و التالی باطل لوقوع اجتماع الوجوب مع الکراهة أو الاستحباب معها أو اجتماع الوجوب مع الإباحة أو الاستحباب مع الإباحة أو اجتماع الاستحباب مع الاستحباب.

اورد علیه فی نهایة الاصول بأنّ المحقّق إنّما هو صحّة العبادات المکروهة و أمّا کونها متعلّقة للأمر و النهی معا فغیر مصرّح به فی کلام الأصحاب،فلعلّ صحّتها من جهة واجدیّتها للملاک و عدم مانعیّة النهی التنزیهیّ عن مقرّبیّتها من دون أن تکون بالفعل مأمورا بها.

و بالجملة یمکن أن تکون متعلّقة للنهی فقط و تکون صحّتها من جهة الملاک لا الأمر و النهی التنزیهیّ غیر مانع عن صحّتها لعدم کونه موجبا للبعد عن ساحة المولی (1).

و علیه فالاستدلال بهذا الدلیل لجواز اجتماع الأمر و النهی فی غیر محلّه.

ص:224


1- 1) نهایة الاصول:ج 1 ص 267.

الخلاصة:

الفصل الثانی فی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه فی شیء واحد ممّا ینطبق علیه العناوین کعنوان الصلاة و عنوان الغصب

و لا بدّ هنا من تقدیم جهات:

الجهة الاولی:فی تحریر محلّ النزاع و لا یخفی علیک أنّ المراد من الواحد المذکور فی عنوان المسألة لیس هو الواحد الشخصیّ فی قبال الکلّی و إلاّ لزم خروج الواحد الجنسیّ المعنون بعنوانین کلّیّین کالحرکة الکلّیة المعنونة بعنوان الصلاتیة و الغصبیة المنتزعة من الحرکات الخارجیّة عن محلّ النزاع مع أنّه لا موجب لإخراجه و لیس المراد منه أیضا هو الواحد الجنسیّ أو النوعیّ و الاّ لزم دخول السجود الکلّی الذی له نوعان بتقییده بکونه للّه أو للصنم مثلا مع أنّه خارج قطعا إذ لا نزاع فیه کما لا یخفی.

و لیس المراد أیضا الأعمّ من الشخصی و الجنسیّ أو النوعی و إلاّ لزم الخروج و الدخول المذکورین کما عرفت.

بل المراد من الواحد هو الواحد فی الهویة و الوجود ممّا یصحّ أن ینطبق علیه عنوان المأمور به و المنهیّ عنه کما فی العناوین المتخالفة کعنوان الغصب و الصلاة من دون فرق بین أن یکون الواحد المذکور شخصیّا أو کلّیّا فالواحد المذکور فی قبال المتعدّد من حیث الهویة و الوجود ممّا ینطبق علیه العناوین المتقابلة کعنوان السجود للّه و عنوان السجود للصنم.

فمحلّ النزاع هو الواحد المنطبق علیه العناوین المتخالفة لا المتعدّد المنطبق علیه العناوین المتقابلة و لا یختصّ الواحد المذکور بالکلّی بل یشمل الجزئی و إن کان الجزئی

ص:225

خارجا عن محل البحث لأنّ شأن الاصولی هو أن یبحث عن الکلّی فتدبّر.

الجهة الثانیة:أنّ النزاع فی المسألة صغروی لا کبروی لأنّ البحث یقع فی أنّ الواحد العرفی المعنون بعنوانین هل یکون واحدا حقیقیّا حتّی یمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه لضرورة استحالة اجتماعهما فی الواحد الحقیقیّ أو لا یکون واحدا حقیقیّا لتعدد الجهات فیه بل یکون متعدّدا فی الحقیقة فیجوز اجتماع الأمر و النهی فیه باعتبار تعددها و علیه فالبحث عن کون الواحد العرفی واحدا حقیقیا أو متعدّدا بحیث صغروی لأنّ البحث یرجع إلی أنّ الواحد العرفی هل یکون من مصادیق الواحد الحقیقی أو لا یکون.

و یشهد لذلک بداهة کبری استحالة اجتماع الامر و النهی فی شیء واحد لاستحالة کون شیء واحد محبوبا و مبغوضا للمولی معا علی جمیع المذاهب و الآراء فلا مجال للنزاع فیها بین الاعلام کما لا یخفی.

و تحریر موضوع المسألة بجواز اجتماع الأمر و النهی أو امتناعه فی شیء واحد لا یوجب أن یکون البحث کبرویّا لأنّ الباعث علی عقد المسألة کذلک هو أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی متعلّق الأمر و النهی هل یقتضی تعدّد المعنون و المتعلق أو لا یقتضی و هذا الباعث لیس واسطة لثبوت المحمول لموضوعه من دون مدخلیّة له فی ذلک بل یکون من الجهات التقییدیة للموضوع و علیه فمع تقیّد موضوع المسألة و هو جواز الاجتماع و عدمه بوحدة الموضوع أو تعدّده یکون البحث صغرویّا فلا تغفل.

الجهة الثالثة:أنّ الفرق بین هذه المسألة و مسألة أنّ النهی فی العبادات هل یقتضی الفساد أو لا واضح لاختلاف الموضوع و المحمول أو کلیهما إذ تمایز مسائل العلوم بهذه الاختلافات و الموضوع فی المقام هو الواحد العرفیّ المعنون بعنوانین و محموله أنه واحد حقیقی أو متعدّد و الموضوع فی تلک المسألة هو النهی و محموله هو أنّه یقتضی الفساد أولا و البحث فی المقام بحث صغروی کما عرفت بخلاف البحث فی

ص:226

تلک المسألة فإنّه بحث عن وجود الملازمة بین النهی و الفساد کما لا یخفی.

الجهة الرابعة:أنّه یکفی لکون المسألة مسألة اصولیّة وقوع نتیجتها بأحد طرفیها فی طریق الاستنباط و تعیین الوظیفة الفقهیّة من دون حاجة إلی وساطة شیء آخر و لا یضرّ فی ذلک عدم وقوع المسألة بطرفها الآخر فی طریق الاستنباط کذلک کما أنّ الأمر کذلک فی کثیر من المسائل کمسألة حجّیّة خبر الواحد و مسألة حجّیّة الظواهر فإنّهما تقعان فی طریق الاستنباط علی القول بحجّیّتهما لا علی القول بعدمها کما لا یخفی مع أنّه لا شبهة فی کونهما من المسائل الأصولیّة.

و علیه فمسألة جواز الاجتماع و عدمه مسألة اصولیّة لوقوع نتیجتها بأحد طرفیها و هو الجواز فی طریق الاستنباط من دون حاجة إلی وساطة شیء آخر حیث یقال هذا المورد من موارد تعلّق الأمر و النهی بواحد و حیث قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی فی الواحد أمکن القول بصحّة العبادة المتوقفة علی قصد الأمر لوجود الأمر فی المورد و لا حاجة إلی واسطة شیء آخر فی ترتّب النتیجة الفقهیّة و لا یضرّ فی ذلک عدم ترتب فساد العبادة کذلک علی القول بالامتناع إذ اللاّزم علی القول بالامتناع هو إدراج المورد تحت تعارض دلیلی الوجوب و الحرمة حتّی یجری علیه أحکامه لیستنبط من ذلک الحکم الفرعی فیحتاج الاستنباط إلی واسطة شیء آخر کما لا یخفی لکفایة ترتّب النتیجة الفقهیّة علی أحد طرفی المسألة من دون واسطة شیء آخر.

و علیه فلا وجه لجعل المسألة فی المقام من المبادی التصدیقیّة من جهة عدم ترتّب نتیجة فقهیّة علیها من دون واسطة شیء آخر علی القول بالامتناع.

الجهة الخامسة:أنّ مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه عقلیّة لأنّ الحاکم بالجواز أو الامتناع هو العقل و لیس البحث فی هذه المسألة عن حدود مدلول اللّفظ حتّی یکون من المباحث اللّفظیّة و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الموضوع هو اجتماع الأمر و النهی أو اجتماع الارادة و الکراهة الواقعیتین لأنّ البحث عن إمکان

ص:227

الاجتماع و عدمه فی الصورتین لا عن تعیین مدلول اللّفظ کما لا یخفی.

الجهة السادسة:أنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع التضادّ و هو لا یختصّ بنوع خاصّ من أنواع الایجاب و التحریم کالنفسیین التعینین العینیین بل التضادّ موجود بین الغیریین و التخییرین و الکفائیین و علیه فیجری النزاع فی جواز اجتماعهما و عدمه فیها أیضا.

فکما یقع البحث عن جواز اجتماع مثل وجوب الصلاة مع حرمة الغصب فی الشیء الواحد المعنون بعنوان الصلاة و الغصب و عدمه فکذلک یقع البحث عن جواز اجتماع الوجوب الغیری مع الحرمة الغیریة فی شیء واحد یکون معنون بعنوان مقدّمیّة الواجب و مقدّمیّة الحرام و عدمه أو عن جواز اجتماع الأمر التخییریّ مع النهی التخییری فی الشیء الواحد و عدمه أو عن جواز اجتماع الوجوب الکفائیّ مع التحریم الکفائیّ فی فعل واحد و عدمه.

و قد استثنی من ذلک بعض الأعلام الواجب و الحرام التخییرین بدعوی أنّهما لا یجتمعان فی شیء واحد لأنّ مرد الحرمة التخییریة إلی حرمة الجمع باعتبار قیام مفسدة ملزمة بالمجموع لا الجامع بینهما و مرد الوجوب التخییری إلی ایجاب الجامع لا إیجاب کلّ منهما بخصوصه و مع تغایر المتعلّق لا تضادّ و لا منافاة.

و یمکن أن یقال أنّ إیجاب الجامع فی الوجوب التخییری ممنوع لتعلّق الوجوب و الحرمة التخییرین بنفس الامور لا بالجامع الانتزاعی و علیه فینافی وجوب کلّ واحد تخییرا مع النهی عنه تخییرا.

الجهة السابعة:فی اعتبار قید المندوحة أی تمکّن المکلّف من امتثال الأمر فی مورد آخر غیر مورد الاجتماع.

الظاهر من کلماتهم کجعل ثمرة جواز الاجتماع أن یکون المکلّف مثابا و معاقبا و مأمورا به و منهیّا عنه هو تقیّد محلّ النزاع بوجود المندوحة و إلاّ فمع عدم المندوحة

ص:228

عند الامتثال لا معنی للثمرة المذکورة لاستحالة فعلیّة التکلیفین مع عدم التمکّن من امتثالهما و مع عدم فعلیتهما لا مجال للثمرة المذکورة و لا مورد للنزاع للاتّفاق علی الامتناع کما لا یخفی و دعوی أنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال لا الرجحان الذاتی الصالح للتقرّب به و علیه فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من جهة رفع التضادّ فکذلک یکفی من حیث ترتّب الثمرة و هی صحة الصلاة إذا أتی بها بقصد الرجحان الذاتی فإذا أمکن ترتّب الثمرة صحّ اتصاف المکلّف بإصابة الثواب و العقاب و لا ینافی ذلک مع الاتّفاق علی امتناع اجتماع الأمر و النهی.

مندفعة بأنّ ذلک لا یساعد عنوان البحث من جهة جواز اجتماع الأمر و النهی إذ مع عدم وجود المندوحة لا أمر لعدم القدرة علی الامتثال نعم لو کان عنوان البحث هو صحّة العبادة مع تعدّد الجهة و عدمها،ثمّ ما ذکر فتدبّر.

و علیه فبعد ما عرفت من اعتبار قید المندوحة یقع النزاع بعد وجود الأمر و النهی المتعلقین بعنوانین و تمکّن المکلّف من امتثالهما بإتیان المأمور به فی غیر مورد الاجتماع فی أنّه هل یجوز اجتماع الأمر و النهی فی مصداق واحد و هل یصحّ امتثال الأمر باتیان المنهیّ بسوء الاختیار أو لا یجوز و لا یصحّ.

الجهة الثامنة:أنّه لا یختصّ النزاع فی مسألة جواز الاجتماع و عدمه بما إذا تعلّقت الأحکام بالطبائع الکلّیة بل یجری فیما إذا تعلّقت بالطبائع الجزئیة أیضا لمغایرة الطبیعة الجزئیة مع الطبیعة الجزئیة الاخری کمغایرة الطبیعة الکلّیة مع الطبیعة الکلّیة الاخری.

فالمصداق الخارجی عند تداخل الطبیعتین الجزئیتین فی الوجود الخارجی و إن کان وجودا واحدا و لکنّ الذهن یفکّک بینهما لتفکیکه فی مصداق الطبیعتین الکلّیتین.

فکما أنّ تعدّد العناوین فی الطبائع الکلّیة أمکن أن یکون سببا للقول بالجواز فکذلک تعدّدها فی الطبائع الجزئیة أمکن أن یکون سببا لذلک حرفا بحرف فالنزاع فی

ص:229

الجواز و الامتناع مثلا أنّ الحرکة الخاصّة فی الدّار المغصوبة قد تلحظ بعنوان هذا الغصب مع قطع النظر من حیث کونها صلاة أیضا و قد تلحظ بعنوان هذه الصلاة مع قطع النظر عن جهة کونها غصبا أیضا و لا شکّ فی أنّ هذین اللحاظین متغایران فی الذهن و لا ینافیان مع وحدة مصداقهما فی الخارج و علیه فلا یختصّ النزاع فی المسألة بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع بل یعمّ صورة تعلّق الأحکام بالأفراد إذ المراد من الأفراد لیس الأفراد الخارجیة لأنّ الخارج ظرف السقوط لا الثبوت بل المراد منها هی الطبائع الجزئیة الشخصیّة و هذه الطبائع قابلة للملاحظة فی الذهن و یتعلّق الأحکام بها کالطبائع الکلیّة و ربما یتداخلان فی الوجود الخارجی کما قد یتداخل الطبائع الکلیّة فی الوجود الخارجی و مع التداخل فی الوجود یقع فیهما النزاع فی جواز اجتماع الأمر و النهی و امتناعه فمن ذهب إلی الجواز نظر إلی موطن تعلّق الحکم فإنّ المتعلّق فی الذهن متعدّد و من ذهب إلی الامتناع نظر إلی تداخلهما فی الوجود الخارجی و علیه فلا وجه لتخصیص النزاع بصورة تعلّق الأحکام بالطبائع الکلّیة فتدبّر جیّدا.

الجهة التاسعة:أنّ محلّ الکلام عند الإمامیّة فی اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کانا واجدین للمناط فیبحث حینئذ عن جواز اجتماع الحکمین و امتناعه مع کون کلّ واحد منهما ذا ملاک ففی صورة الامتناع یرجع إلی مرجّحات باب المزاحمة دون صورة الجواز لعدم التزاحم بینهما علی القول بجواز الاجتماع کما لا یخفی هذا بخلاف مورد التعارض و العلم بکذب أحدهما فإنّ مرجعه الی العلم بعدم وجود المناط فی أحد الطرفین و هو یخرج عن مورد التزاحم بل یرجع فیه إلی مقتضی القاعدة فی باب التعارض بناء علی شمول الأخبار العلاجیة للعامّین من وجه و إلاّ فیرجع إلی مقتضی الأصل و هو التساقط و الرجوع إلی العموم أو الأصل فی المسألة.

ثمّ إنّ مقتضی التحقیق علی القول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو

ص:230

التفصیل بین صورة المندوحة و عدمها ففی الاولی یتقیّد ذو المندوحة بحکم العقل بغیر مورد التصادق و یرجّح علیه ما لا مندوحة فیه لأنّه مقتضی الجمع فی الفرضین بحکم العقل و لا وجه لرفع الید من أحد الغرضین من دون موجب و فی صورة عدم المندوحة و عدم امکان الجمع بین الغرضین یرجع إلی مرجحات باب المزاحمة و الأخذ بأقوی المناطین.

و علیه فما فی الکفایة من إطلاق الحکم بالرجوع إلی مرجّحات باب المزاحمة و ترجیح أقوی المناطین غیر صحیح بإطلاقه لما عرفت من أنّ فی صورة المندوحة مقتضی الجمع بین الغرضین مهما أمکن هو ترجیح غیر ذی المندوحة و إن کان ذو أقوی أو دلیله أظهر هذا مضافا إلی أنّ الترجیح بالأظهریّة من مرجّحات باب التعارض لا التزاحم و المقام من باب التزاحم.

إذ المفروض هو وجود الملاکین فی الطرفین کما هو واضح.

ثمّ إنّ تمییز مورد التزاحم عن مورد التعارض یحصل بالعلم أو العلمیّ بوجود الملاک فی الطرفین فیکون من باب التزاحم أو بوجود الملاک فی أحدهما فیکون من باب التعارض.

و یمکن استکشاف وجوده فی الطرفین من ناحیة إطلاق الدلیل فی کلّ طرف ما لم یعلم إجمالا بکذب أحد الطرفین فإنّ کلّ دلیل یدلّ بالدلالة المطابقیّة علی ثبوت مضمونه من الوجوب و الحرمة و معنی ذلک هو ثبوت المقتضی و الشرط و عدم المانع من تأثیر المقتضی و عدم وجود المزاحم بحسب الوجود لمضمونه المطابقی فإذا قدّم أحد الدلیلین علی الآخر من جهة قوّته لا یدلّ هذا الدلیل المقدّم إلاّ علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر و أمّا عدم وجود المقتضی فلا دلالة له لیکون حجّة فی قبال الحجّة الأخری الدالّة علی وجود المقتضی فی الطرف الآخر و مع إحراز وجود المقتضی و بقائه فی صورة الاجتماع یندرج المتعارضان بنحو العموم من وجه فی باب

ص:231

المتزاحمین فیما إذا لم یعلم بکذب أحدهما.

و یترتّب علیهما ما یترتّب علی المتزاحمین و قد عرفت عدم التزاحم علی القول بالجواز و اختصاص التزاحم بصورة الامتناع و ترجیح غیر ذی المندوحة علی ذیها و تقیید ذی المندوحة بغیر مورد التصادق و الأخذ بالأقوی منهما مناطا مع عدم وجود المندوحة فتدبّر جیّدا.

الجهة العاشرة:فی ثمرة بحث جواز الاجتماع و امتناعه و لا یخفی علیک أنّ جماعة من الأصحاب فصّلوا بین الجواز و الامتناع أو بین صورة العلم و الجهل فی صحّة العبادة و عدمها و لکنّ التحقیق عدم صحّة التفصیلات المذکورة و ذلک لأنّ علی القول بالجواز یتحقّق الامتثال و لسقط الأمر باتیان المجمع و لو فی العبادات و إن کان معصیة للنهی أیضا عند وجود المندوحة و العلم بالغصب.

و لا کلام فیه فی صورة الجهل بالموضوع أو الحکم قصورا لتعدّد الملاک و وجود الأمر علی الطبیعة حیث أنّ تقیید المأمور به بحکم العقل بغیر مورد التصادق من جهة أنّ المنهی عنه طبیعة مرسلة و المامور به صرف الوجود لا ینافی وجود الملاک فی الطرفین إذ التقیید العقلی لا یوجب تقیید الملاک.

و إنّما الکلام فی صحّة العمل مع العلم بالموضوع و الحکم و وجود المندوحة فانّه ربّما یفصّل فی الصحّة و عدمها بین ما إذا کان الترکیب بین الخصوصیّة العبادیّة و الخصوصیّة المحرّمة اتّحادیا فلا تصحّ العبادة لعینیّة حرکة العبادیّة مع الخصوصیّة المحرّمة و مع العینیّة لا تصلح حرکة العبادیّة للمقربیّة إذ هی بعینها مبعّدة و المبعّد لا یکاد یکون مقرّبا.

و بین ما إذا کان الترکیب بینهما انضمامیّا فتصحّ العبادة فإنّ حرکة العبادیّة حینئذ مغایرة مع الخصوصیّة المحرّمة فلا مانع مع المغایرة من أن تکون حرکة العبادیّة مقرّبة.

و التحقیق أنّ الاتّحاد الخارجی لا یوجب البطلان بعد کون الوجود الخارجی

ص:232

مصداقا لکلّ واحد من الخصوصیّة العبادیّة و الخصوصیّة المحرّمة إذ الوجود الخارجی المذکور مقرّب بما هو مصداق للخصوصیّة العبادیّة و مبعّد بما هو مصداق للخصوصیّة المحرّمة و لیس المقرّب بما هو المبعّد مقرّبا حتّی لا یمکن ذلک غایته هو تقارن المقرّب مع المبعّد و لا ضیر فیه.

و علیه فالتفصیل المذکور علی القول بالجواز لا وجه له بل یمکن القول بالصحّة سواء کان الترکیب الخارجی اتّحادیّا أو انضمامیّا لأنّه باتیانه أطاع و عصی و لا دلیل علی اشتراط عدم اتّحاد العبادة مع المحرّم فی صحّة العبادة کما لا یخفی نعم العقل یحکم بلزوم إتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق عند وجود المندوحة جمعا بین الغرضین و لکنّ إذا عصی المکلّف و أتی بمورد التصادق فالأقرب هو الصحّة سواء کان الترکیب اتّحادیّا أو انضمامیّا.

و دعوی إنّ الغرض من التکلیف حیث أنّه کان جعل الدّاعی للمکلّف نحو الفعل فمقتضاه هو کون متعلّقه مقدورا ضرورة استحالة جعل الدّاعی نحو الممتنع عقلا و شرعا و نتیجة ذلک هی أنّ متعلّق التکلیف حصّة خاصّة من الطبیعة و هی الحصّة المقدورة عقلا و شرعا و علیه فلا یمکن تصحیح العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالجواز لعدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیها مندفعة بأنّ مجرّد کون الغرض من التکلیف هو جعل الدّاعی لا یوجب تقیید المتعلّق بالحصّة الخاصة شرعا لأنّ غایته هو الاستدلال العقلی علی لزوم کون المتعلّق مقدورا هذا مضافا إلی أنّ اعتبار القدرة شرعا علی فرض التسلیم لا یقتضی إلاّ کون المتعلّق مقدورا فی الجملة و لو باعتبار القدرة علی بعض أفراده ضرورة کفایة ذلک فی البعث نحو المتعلق علی نحو ضرب القانون.

لا یقال أنّ ملاک الأمر إنّما یصلح للتقرّب به فیما إذا لم یکن مزاحما بالقبح الفاعلی و إلاّ فلا یکون صالحا للتقرّب فإنّ صحّة العبادة کما هی مشروطة بالحسن

ص:233

الفعلی بمعنی أن یکون الفعل فی نفسه محبوبا و حسنا فکذلک هی مشروطة بالحسن الفاعلی و المفروض فیما نحن فیه أنّه لیس کذلک ضرورة أنّ المکلّف بایجاد الصلاة فی الأرض المغصوبة أوجد أمرین أحدهما الصلاة و الآخر الغصب لا أنّه أوجد الصلاة فحسب و علیه فلا محالة یکون موجدهما مرتکبا للقبح فی إیجاده و معه یستحیل أن یکون الفعل الصادر منه مقرّبا.

لأنّا نقول أنّ الموجد إذا أوجد المجمع أوجد أمرین أحدهما الصلاة و الآخر الغصب فکما أنّ الصلاة غیر الغصب فی الوجود الوحدانی فکذلک الموجد للصلاة مغایر مع الموجد للغصب و ارتکاب القبح لا یکون إلاّ باعتبار إیجاده الغصب لا باعتبار إیجاده الصلاة.

و مجرّد ملازمة إیجاد ذاک لهذا لا یوجب سرایة القبح من هذا إلی ذاک فالفاعل باعتبار إیجاده للصلاة حسن فمع وجود الحسن الفعلی و الفاعلی فلم لا تکون العبادة صحیحة هذا کلّه بناء علی القول بالجواز.

و أمّا علی القول بالامتناع و سرایة الحکم من العنوان إلی معنونه فی مورد التصادق یستحیل اجتماع الأمر و النهی فی المعنون و لا بدّ من ترجیح أحدهما علی الآخر.

فإن رجّح جانب الأمر کما إذا لم تکن مندوحة فلا اشکال فی صحّة العبادة لوجود الملاک و الأمر.

فإن قدّم جانب النهی کما إذا کانت المندوحة فتقدیم النهی لیس بمعنی أنّ ملاکه أقوی من ملاک الأمر بل من جهة أنّ المنهیّ عنه طبیعة مرسلة و لا بدل لها بخلاف المأمور به فإنّ المطلوب فیه الوجود أو صرف الوجود فیتزاحمان کتزاحم الواجب الموسّع فی الواجب المضیّق فکما أنّ الموسّع یتقیّد بزمان غیر المضیّق فکذلک المأمور به یتقیّد بغیر مورد التصادق و حیث أنّ التقیید المذکور عقلی لا شرعی فالمأمور به فی

ص:234

مورد التصادق و إن کان أمره ساقطا و لکنه ذو ملاک لأنّ کلّ مورد یحکم العقل بالتقیید لا یوجب سلب الملاک عنه و لذا لو ارتفعت المزاحمة أو التعذّر کان کما لا مزاحم له من أوّل الأمر.

و لا فرق فی ذلک بین صورة جهل المکلّف بحکم الغصب أو موضوعه و بین العلم بهما و علیه أمکن القول بصحّة عبادة من توسّط فی الأرض المغصوبة و لو مع العلم و العمد إذ عبادته فی الدّار المغصوبة عین صلاته فی خارجها من جهة وجدان الملاک و من جهة کونه مختارا فی إیجادها.

و دعوی أنّ العالم العامد لا یتمشّی منه قصد القربة لاتّحاد العبادة مع الغصب و الغصب مبعّد و المبعّد لا یکون مقرّبا.

مندفعة بمنع عدم التمشّی بعد مشاهدة تمشّی ذلک من العوام الّذین یعلمون الحرمة و مع ذلک یقصدون القربة و الوقوع أدلّ شیء علی الإمکان.

و السّرّ فیه أنّ الماتی به مصداق للعبادة و الغصب کلیهما و الآتی به یقصد القربة من جهة الإتیان بالعبادة.

لا نقول علی الامتناع بجواز الإتیان بالعبادة تکلیفا فی مورد التصادق لحرمة الاتیان بها فی محلّ مغصوب و لکن لو عصی و أتی بالعبادة فی مورد التصادق لا یوجب ارتکاب الحرام بطلان العبادة إذ لا یجب فی صحّة العبادة إلاّ أن یؤتی بها للّه و المفروض أنّه حاصل و لا دلیل علی اشتراط عدم اتّحادها مع المحرّم فی صحتها.

و ما ذکره الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم فی باب اشتراط اباحة المکان أو اباحة اللباس للمصلّی مبنیّ علی القواعد لضعف الأدلّة السمعیة المذکورة هناک و قد عرفت أنّ مقتضی القواعد لیس کذلک.

و یشهد لما ذکرناه حکمهم بصحّة الصلاة فی الدّار المغصوبة حال الخروج عند تضیّق الوقت سواء توسّط الدار بسوء الاختیار أو بدونه مع أنّ الاتّحاد لو کان موجب

ص:235

لسلب الملاک فلا مجال للحکم بالصحّة فی هذا الفرض لکون الخروج غصب و الصلاة متّحدة معه و التصرّف فی الدار المغصوبة و لو بالخروج مبغوض إذا دخل بسوء الاختیار و إن سقط عنه النهی فعلا.

فکما أنّ مبغوضیّة الخروج و مبعّدیته فی حال تضیّق الوقت لا ینافی صحّة صلاته و تمشّی منه قصد القربة فکذلک فی غیر حال تضیّق الوقت و یشهد أیضا لما ذکرناه حکم الأصحاب بوجوب الصلاة علی من توسّط فی الدّار المغصوبة مع العلم و العمد و لم یتمکّن من الخروج منها مع أنّ مکثه فیها مبغوض لکونه داخلا فیها بسوء الاختیار و متّحد مع الصلاة.

فوجود الملاک یکفی فی الحکم بالصحّة أیضا علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی و دعوی أنّه لا طریق لنا إلی إثبات وجود الملاک فإنّه کما یمکن أن یکون سقوط الحکم عنه من ناحیة المانع فکذلک یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک و لا ترجیح مندفعة بأنّ الأمر المتعلّق بالطبیعة یکشف عن وجود الملاک و المحرز من المزاحمة هو رفع الأمر لا رفع الملاک و لا وجه علی رفع الملاک بعد ثبوته باطلاق الخطاب إذ المفروض أنّ التقیید عقلی لا شرعی.

نعم لو ذهب الامتناعی إلی عدم وجود ملاک الأمر فی ناحیة العبادة عند وجود المندوحة أمکن له القول بالبطلان مع العلم بموضوع الغصب و حرمته بل لازم عدم وجود الملاک عند وجود المندوحة هو القول بالبطلان فی صورة الجهل أیضا لفقدان الملاک و هو لا یناسب التفصیل المنسوب إلی المشهور بین صورة العلم و بین صورة الجهل القصوریّ.

و بالجملة فمقتضی ما ذکرناه هو القول بصحّة العبادة علی کلّ تقدیر سواء قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی أو لم نقل و سواء علم بالغصب موضوعا و حکما أو لم یعلم و التفصیلات المذکورة فی الکفایة من جهة الحکم الوضعی بین الاضطرار بسوء

ص:236

الاختیار و بدونه أو بین العلم و الجهل و النسیان محلّ نظر لما ذکرناه و دعوی الإجماع علی البطلان فی صورة العلم مندفعة أوّلا بمنع الاجماع و ثانیا بأنّه غیر کاشف مع احتمال کون مدرکهم هو القواعد و الوجوه المذکورة.

و الاستدلال ببعض الروایات مع ضعفها و عدم ثبوت بخیار ضعفها بعمل الأصحاب لا یکفی لاثبات البطلان فی بعض الصور فالتفصیلات المذکورة فی المقام بعنوان الثمرة فی غیر محلّها.

بیان المختار و مقدّماته:

إذا عرفت الجهات العشرة فالمختار هو جواز الاجتماع و بیان ذلک یحتاج إلی تمهید مقدّمات.

أوّلها:أنّ متعلّق الأوامر و النواهی هی العناوین لا الوجود الخارجی و إلاّ لزم تحصیل الحاصل عند البعث إلیه أو المناقضة عند الزجر عنه.

و حیث أنّ العناوین متعدّدة لا یجتمع الأمر و النهی فی واحد و لا فرق فی ذلک بین أن یکون بین الأحکام مضادّة أولا،لأنّ الأحکام و لو کانت متضادّة لا مانع من تعلّقها بالعناوین المتعدّدة و إنّما المحذور فیما إذا تعلّقت بالواحد الحقیقیّ و المفروض أنّها متعلّقة بالعناوین المتعدّدة لا بالواحد فالبحث عن تضادّ الأحکام و عدمه غیر لازم.

ثانیها:أنّ کلّ عنوان یحکی عن معنونه إذا کان له واقعیة فی نفس الأمر و مقتضی ذلک هو تعدّد المعنون بتعدّد العنوان و لا یضرّ الوجود الوحدانیّ بتعدّد المعنون بعد کونه مصداقا للعناوین المتعدّدة و الذهن یقدر علی تفکیک ما هو فی الخارج و لو کان متّحدا مع غیره و بعد التفکیک یکون متعلّق کلّ حکم مغایرا مع متعلّق الآخر و مقتضی المغایرة بین المتعلّقین هو جواز اجتماع الأمر و النهی.

فالتفصیل بین الترکیب الانضمامیّ و الاتّحادیّ فی الواحد الخارجی و القول

ص:237

بالامتناع علی الثانی و الجواز علی الأول أجنبی عن المقام لما عرفت من أنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن لا الخارج و المفروض أنّ الذهن یقدر علی تفکیک العناوین الصادقة علی الواحد الخارجی و إن کان الترکیب اتّحادیّا لا انضمامیّا.

ثالثها:أنّ المحذور من اجتماع الأمر و النهی إن کان هو وحدة المتعلق فلا مورد له بعد ما عرفت من أنّ موطن تعلق الأحکام هو الذهن و متعلّق الأمر فیه مغایر لمتعلّق النهی فلا وحدة فی المتعلّق و مع عدم الوحدة لا یکون التکلیف تکلیفا محالا و إن کان المحذور هو التکلیف بالمحال أو لزوم نقض الغرض أو التقرّب بالمبعّد فالجواب عن الأوّل بأنّه یلزم لو کان التکلیف متعلّقا بجمیع الأفراد أو الطبیعة الساریة و الفانیة فی الأفراد بخلاف ما إذا کان التکلیف متعلّقا بصرف الوجود و المفروض أنّ المندوحة موجودة إذ لا منافاة بین التکلیف بصرف وجود الطبیعة و التکلیف بعدم وجود المنهی عنه مطلقا لإمکان الإتیان بصرف الوجود فی غیر مورد المنهی فامتثال الأمر و النهی مقدور بإتیان صرف الوجود فی غیر مورد النهی.

و الجواب عن الثّانی و هو نقض الغرض بأنّه لا مورد له لأنّ المکلّف یقدر علی الامتثال فی مفروض الکلام و هو وجود المندوحة بإتیان المأمور به فی غیر مورد التصادق و ترک مورد التصادق حتّی یجمع بین الغرضین و الجواب عن الثالث بأنّ التقرب لیس بحیثیّة مبعّدة بل بحیثیّة مقرّبة و إن اتّحدا فی الخارج فی الوجود لما عرفت من تعدّد الحیثیّات و المعنونات.

فإذا عرفت المقدّمات المذکورة انقدح أنّه لا محذور و لا مانع من اجتماع الأمر و النهی فی الواحد الّذی انطبق علیه العنوانان یکون بأحد العنوانین مأمورا به و بالآخر منهیّا عنه لأنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و متعلّق الأمر فیه مغایر مع متعلّق النهی و لا یلزم من التکلیف بهما تکلیف محال لتعدّد متعلّقهما کما لا یلزم من ذلک التکلیف بمحال مع إمکان امتثال الأمر فی غیر مورد التصادق إذ المفروض وجود

ص:238

المندوحة و الأمر متعلّق بصرف الوجود و علیه فلا مجال لدعوی نقض الغرض من تعلّق الأمر و النهی بالواحد المذکور لأنّ الغرض فی الطرفین حاصل إذ غرض الأمر متحقّق بالاتیان به و لو فی غیر مورد التصادق و الغرض من النهی هو ترک الطبیعة بترک جمیع أفرادها و هو حاصل إذا اکتفی فی امتثال الأمر بغیر مورد التصادق.

فتحصّل أنّ المختار هو جواز الاجتماع فیما إذا کانت المندوحة موجودة و لا مانع من صحّة العمل لإمکان التقرّب بالحیثیّة المقرّبة و إن عصی و أتی بمورد التصادق لأنّ الواحد المذکور مصداق للحیثیتین کما لا یخفی.

ص:239

تصویر اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة

اشارة

و لا إشکال علی القول بجواز اجتماع الأمر و النهی،فی تصوّر العبادات المکروهة أمّا إذا کانت النسبة بین العبادة و العنوان المکروه عموما من وجه کالصلاة المندوبة أو الواجبة مع الکون فی مواضع التهمة فلتعدّد العنوان و عدم سرایة الحکم من أحدهما إلی الآخر فالصلاة مستحبّة أو واجبة و لو فی مواضع التهمة بإطلاق الدلیل کما أنّ الکون فی مواضع التهمة مکروه و لو للعبادة واجبة کانت أو مستحبّة،و لا منافاة بینهما بعد تعدّد الجهة و العنوان و اشتمال الکراهة علی الترخیص فی الفعل کما لا یخفی.

نعم بناء علی الامتناع و ترجیح جانب الأمر فلا مجال للنهی المولویّ مع فعلیّة الأمر لعدم تعدّد الجهة بناء علی الامتناع فانحصر النهی فی الإرشادیّ إلی غیرها من سائر الأفراد ممّا لا یکون متّحدا معه.

هذا کلّه بناء علی کون النسبة بین العبادة و العنوان المکروه عموما من وجه.

و أمّا إذا کانت النسبة بین العبادة و العنوان المکروه هی الأعمّ و الأخصّ المطلق فإن أخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم(صلّ و لا تصلّ فی الحمّام)ففی جریان جواز الاجتماع إشکال لأنّ المطلق عین ما أخذ فی المقیّد و مع العینیّة لا یعقل تعلّق الحکمین المختلفین بالطبیعة الواحدة حتّی فی الذهن و علیه فیجری فیه حکم الامتناع من حمل النهی علی الإرشاد إلی سائر الأفراد بعد عدم إمکان تعلّق النهی مع الأمر بالطبیعة الواحدة أو تخصیص النهی بالمشخّصات الخارجة عن الطبیعة الواحدة کإیقاع الصلاة

ص:240

فی الحمّام،نعم إذا لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم(حرّک و لا تدن إلی موضع کذا)و کانت النسبة بینهما الأعمّ و الأخصّ بحسب المورد فیجری فیه حکم الاجتماع لتعدّد العنوان و هو یکفی فی المغایرة فی الذهن الذی یکون موطن تعلّق الحکم فتأمّل.

هذا کلّه بالنسبة إلی تعلّق الأمر و النهی بعنوانین مجتمعین فی الوجود بحیث یکون النسبة بینهما هو العموم من وجه أو العموم و الخصوص.

و أمّا إذا تعلّق النهی بذات العبادة و لا بدل لها کصوم یوم عاشوراء أو الصلوات المبتدأة عند غروب الشمس و طلوعها کما یقال إنّ صوم عاشوراء مکروه أو الصلوات المبتدأة عند الغروب و الطلوع مکروهة فالظاهر هو رجوع النهی إلی عنوان آخر و هو موافقة بنی امیّة أو مشابهة عبدة الشمس و النهی عن الصوم المذکور أو الصلوات المذکورة من جهة کونهما مصداقین للعنوانین المذکورین لا بذاتهما فیرجع الأمر إلی ذات العبادة،و النهی إلی عنوان آخر کالموافقة أو المشابهة.

فحینئذ یمکن أن یقال-بناء علی جواز الاجتماع-النهی المولویّ التنزیهیّ المشتمل علی الترخیص فی الفعل الراجح إلی عنوان آخر لا ینافی الأمر بذات الصوم و العبادة فلا وجه لسقوط الأمر عن الفعلیّة نعم لو فرض عدم رجوع النهی إلی عنوان آخر فمقتضاه کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی فی مسألة(أنّ النهی عن العبادة یدلّ علی الفساد أو لا)هو فساد العبادة لدلالة النهی علی مرجوحیّة المتعلّق و هو لا یجتمع مع القربیّة کما لا یخفی.

فتحصّل أنّه علی القول بالجواز لا إشکال فی جمیع صور المکروهات فیما إذا کانت العناوین و الجهات متعدّدة و لا حاجة إلی دعوی سقوط الأمر عن الفعلیّة أو حمل النهی علی الاقتضائیّ أو حمل الأمر علی الإرشادیّ بل مقتضی ظاهر الأمر و النهی هو وجود المصلحة فی متعلّق الأمر و المفسدة فی متعلّق النهی من دون کسر و انکسار فی مصلحة المأمور به فللعمل مفسدة و مصلحة کما إذا قال المولی لعبده جئنی

ص:241

بماء فی البلّور و لا تأت به فی الخزف فإذا أتی بالماء فی الخزف لا یتغیّر مصلحة الماء و هو رفع العطش بل هو باق من دون کسر و انکسار نعم لا یلیق ذلک بشأنه و هو مفسدة غیر مرتبطة بمصلحة الماء و لذا لو أتی العبد به فی البلّور امتثالا لأمر مولاه فله ثواب أزید ممّا لو أتی به فی الخزف لأنّه امتثل الأمرین.

و کیف کان فمع وجود المفسدة فی متعلّق النهی کان النهی مولویّا لا إرشادیا فتدبّر جیّدا،و ممّا ذکر یظهر حکم اجتماع الوجوب مع الاستحباب بناء علی القول بجواز الاجتماع و تعدّد العنوان إذ لا استحالة فی اجتماعهما و لا مزاحمة بینهما فی مقام الامتثال إذ لا یزاحم الاستحباب الوجوب لأنّهما بعثان بخلاف الوجوب و الحرمة فإنّهما متنافیان و لا یمکن امتثالهما و هکذا الکلام فی اجتماع الواجبین أو المحرّمین أو المستحبّین إذ لا مزاحمة بینهما فی مقام الامتثال،و لذا ذهب الفقهاء-علی ما أفاد استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه-إلی وجوب الکفّارتین فی من نذر صوم کلّ خمیس و ترک صوم خمیس من شهر رمضان فلا تغفل.

تنبیهات
التنبیه الأوّل:فی حکم الاضطرار إلی ارتکاب الحرام کالتصرّف فی الدار

المغصوب

و هو علی أقسام:

أحدها:ما إذا کان المکلّف غیر متمکّن من ترک الحرام و مضطرّا إلی ارتکابه بغیر سوء الاختیار و ذلک کمن کان محبوسا فی الدار المغصوبة،و لا إشکال فی هذه الصورة فی سقوط التکلیف و الحرمة بالنسبة إلی المضطرّ إذ لا قدرة له و التکلیف بالمحال قبیح یستحیل صدوره من الحکیم المتعال.

هذا مضافا إلی صحاح تدلّ علی عدم التکلیف عند الاضطرار کصحیحة حریز عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال قال رسول اللّه صلی اللّه علیه و آله و سلّم رفع عن أمّتی تسعة الخطأ

ص:242

و النسیان و ما اکرهوا علیه و ما لا یعلمون و ما لا یطیقون و ما اضطرّوا إلیه الحدیث (1).

و لا إشکال أیضا فی صحّة صلاته فی الدار المغصوبة بعد اضطراره إلی ارتکاب الحرام و عدم مندوحة عنه و إنّما الکلام فی جواز الإتیان بالصلاة فیها مع الرکوع و السجود أو یجب الاقتصار علی الإیماء و الإشارة بدلا عنهما باعتبار أنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی مقدار الضرورة.

و الأقوی هو الأوّل لمنع التصرّف الزائد،و الوجه فی ذلک-کما فی المحاضرات- أنّ کلّ جسم له حجم خاصّ و مقدار مخصوص یشغل المکان المغصوب بمقدار حجمه من الطول و العرض و العمق و من الواضح جدّا أنّ ذلک المقدار لا یختلف باختلاف أوضاعه و أشکاله ضرورة أنّه سواء کان علی هیئة القائم أو القاعد أو الراکع أو الساجد أو ما شاکل ذلک یشغل مقدارا خاصّا من المکان و هذا لا یتفاوت زیادة و نقیصة بتفاوت تلک الأوضاع و الأحوال (2).

نعم إذا حصلت له المندوحة بأن صار المکلّف متمکّنا من الصلاة فی خارج الدار لبقاء الوقت وجب علیه الخروج و التخلّص من الغصب و لا یجوز له التوقّف فیها بعد تمکّنه من الخروج و لا یجوز له الإتیان بالصلاة لأنّه یوجب زیادة البقاء فیها،و إن عصی و صلّی فعلی ما مرّ یحکم بصحّة صلاته خصوصا علی القول بالجواز.

هذا کلّه فیما إذا تمکّن من الخروج و وسع الوقت و أمّا إذا ضاق الوقت فحینئذ یجب علیه الصلاة حال الخروج لأنّ الصلاة لا تسقط بحال.

قال فی المحاضرات یجب الاقتصار فی الصلاة علی خصوص الإیماء بدلا عن الرکوع و السجود لاستلزامهما التصرّف الزائد علی قدر الضرورة و لا مسوّغ له و لأجل ذلک تنتقل الوظیفة من صلاة المختار إلی صلاة المضطرّ و هی الصلاة مع الإیماء

ص:243


1- 1) الخصال:ج 2 باب التسعة حدیث 8.
2- 2) المحاضرات:ج 4 ص 354.

و الإشارة (1).

ثانیها:ما إذا کان الاضطرار بسوء الاختیار کما إذا دخل فی الدار بدون إذن صاحبها و انحصر التخلّص منها بالتصرّف الخروجیّ فیقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی حکم ذلک التصرّف الاضطراریّ هل یجتمع الوجوب باعتبار نفسه أعنی الخروج من الأرض المغصوبة أو باعتبار کونه موجبا للتخلّص عن الغصب أو باعتبار کونه مقارنا لترک التصرّف فی مال الغیر أو باعتبار کونه ردّا للمال المغصوب إلی مالکه أو بغیر ذلک مع الحرمة باعتبار کونه تصرّفا فی دار الغیر من دون إذنه.

أو یکون واجبا مع جریان حکم المعصیة علیه و سقوط النهی بالاضطرار و إن کان الاضطرار بسوء الاختیار.

أو یکون واجبا مع سقوط النهی و بدون جریان حکم المعصیة علیه.

أو یکون حراما فعلیا و لا یکون واجبا.

أو لا یکون حراما و لا واجبا مع جریان حکم المعصیة علیه.

لکلّ واحد قائل،أمّا الأوّل فهو لصاحب القوانین و أمّا الثانی فهو منسوب إلی صاحب الفصول و أمّا الثالث فهو منسوب إلی الشیخ الأعظم و أمّا الرابع فهو لصاحب مناهج الوصول و أمّا الخامس فهو لصاحب الکفایة قدّس سرّه.

و کیف کان فلا مجال للقول الأوّل بعد اعتبار المندوحة فی باب اجتماع الأمر و النهی لعدم إمکان امتثال التکلیفین لا للزوم تعلّق الأمر و النهی بشیء واحد لأنّ عنوان النهی هو التصرّف فی مال الغیر و عنوان المأمور به بالأمر المقدّمیّ هو حیثیّة ما یتوقّف علیه ذو المقدّمة و هما بما لهما من العنوان قابلان لتعلّق الأمر و النهی بهما،

ص:244


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 361.

و حیث إنّ موطن تعلّق التکالیف هو الذهن لا الوجود الخارجیّ أمکن تعلّق التکلیفین بالعنوانین المتغایرین کما لا یخفی.

و أمّا القول الثانی فلوجوب ردّ المغصوب کما یدلّ علیه قوله علیه السّلام(المغصوب کلّه مردود)لا یقال إنّ الوجوب فیه إرشادیّ إذ لا عقوبة إلاّ علی التصرّف فی المغصوب، و ترک الردّ لا عقوبة له علی حدّة فلمّا کان الغصب حراما حکم العقل بردّ المغصوب تخلّصا من الحرام و قوله علیه السّلام(المغصوب مردود)إرشاد إلیه.

لأنّا نقول مع إمکان إبقاء الأمر علی ظاهره المولویّ لا وجه لحمله علی الإرشاد و لا مانع من أن یکون الغاصب المأخوذ بأشقّ الأحوال مکلّفا بالردّ شرعا فإذا لم یردّ عوقب بعقابین أحدهما عدم الردّ و الآخر هو الغصب فإذا کان ردّ المغصوب واجبا مولویّا فالخروج من مقدّمات ردّ المغصوب و القول بأنّ الحرکات الخروجیّة مقدّمة للکون فی خارج الدار و عنوان الردّ و إیجاد الخلاء فی المکان و التخلّص و الفراغ بین المال و صاحبه لیس عین عنوان الکون فی خارج الدار بل هو ملازم له وجودا فی الخارج،و قد ذکرنا غیر مرّة أنّ حکم أحد المتلازمین لا یسری إلی اللازم الآخر فضلا إلی مقدّمته (1)مردود بأنّ ردّ المغصوب إذا کان واجبا و قلنا بوجوب ما یتوصّل به إلیه لزم القول بوجوب الکون فی خارج الدار إذ لا یتمکّن من الردّ إلاّ بذلک و لو کان الکون ملازما له لا من مقدّماته،و علیه فلا مانع من سرایة الوجوب من الکون إلی مقدّمته و هو الخروج بناء علی وجوب المقدّمات الموصلة کما اخترناه فی محلّه فلا تغفل.

و هذا هو الذی ذهب إلیه استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه حیث قال:ما ذهب إلیه صاحب الفصول هو المتعیّن لما نجد فی أنفسنا أنّنا نمیل إلی المبغوض عند توقّف الأهمّ

ص:245


1- 1) المحاضرات:ج 4 ص 392-391.

علیه مثلا الإهانة تکون مبغوضة عندنا و إذا اضطررنا بسلوک طریق نعلم أنّ الناس أهانونا فی هذا الطریق نرید السلوک من هذا الطریق لأهمّیّة ما یتوقّف علیه من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الاضطرار بسوء الاختیار و بین أن لا یکون کذلک و من المعلوم أنّ المبغوض عند توقّف الأهمّ علیه یسقط من الفعلیّة و إن بقیت العقوبة من جهة سوء الاختیار.

فإذا عرفت ذلک فی الإرادة المباشریّة فکذلک یکون الأمر فی الإرادة التشریعیّة،مثلا أنّا نأبی من أن یضع الأجنبیّ یده علی بدن زوجتنا و لکن إذا غرقت زوجتنا فی البحر و لم نتمکّن من إنقاذها بل توقّف إنقاذها علی أخذ الأجنبی إیّاها و وضع یده علی بدنها نرید ذلک و سقط النهی و البغض عن الفعلیّة لتوقّف الأهمّ علیه و هو حفظ نفس الزوجة و لو کان ذلک بسوء الاختیار و إنّما الباقی هو استحقاق العقوبة لمن أوجد الاضطرار بسوء الاختیار.

لا یقال أنّ ذلک یوجب أن یتغیّر الحکم باختلاف إرادة المکلّف فإذا لم یرد الدخول و الخروج کان الخروج بتبع الدخول محرّما فعلیّا و إذا أراد الدخول و دخل صار الخروج جائزا بل واجبا.

لأنّا نقول:إنّ الأحکام تتغیّر باختلاف الحالات لا بتبع إرادات المکلّفین فکما أنّ اختلاف الحالات توجب سقوط النهی عن الغصب فکذلک لا مانع من أن یتعلّق الإرادة أو الطلب بالمبغوض بعد سقوط النهی عن الفعلیّة و صیرورة المبغوض شأنیّا إذ یرتفع المحذور(أی التکلیف بما لا یطاق بعد سقوط النهی عن الفعلیّة).

لا یقال:إنّ الخروج أمر وجودیّ و ترک الغصب الزائد أمر عدمیّ و الأمر الوجودیّ لا یکون مقدّمة لأمر عدمیّ فکیف یتعلّق بالخروج وجوب مقدّمیّ.

لأنّا نقول:أوّلا إنّ البحث فی المقام و هو الاضطرار إلی الحرام أعمّ ممّا إذا کان المضطرّ إلیه أحد الضدّین اللذین لا یکون أحدهما مقدّمة لترک الآخر کما لا یکون ترک

ص:246

أحدهما مقدّمة لوجود الآخر بل کلّ ضدّ مقارن مع عدم الضدّ الآخر.

لأنّ ما اضطرّ إلیه ربّما یکون مقدّمة لأمر وجودیّ کشرب الخمر بالنسبة إلی نجاة نفس من ابتلی به عن الهلکة.

و ثانیا:أنّه یکفی فی صحّة تعلّق الوجوب بالخروج عدم التمکّن من ترک الغصب الزائد إلاّ بالخروج و لو لم تکن الحرکات الخروجیّة مقدّمة لترک الغصب بل کانت مقارنة له إذ الوجوب یسری من ذی المقدّمة إلی ما یتوصّل به إلیه و لو لم یکن مقدّمة له(انتهی).

هذا مضافا إلی أنّ الخروج یکون أیضا مقدّمة لأمر وجودیّ و هو الکون فی خارج الدار الملازم لردّ الغصب فلا یرد هذا الإشکال أصلا إذ الکون فی خارج الدار أمر وجودی کما أنّ الردّ هو إیجاد الخلاء بین المال و صاحبه و هو أیضا وجودیّ.

و ممّا ذکر یظهر أنّ توقّف ردّ الغصب علی الخروج یوجب سقوط النهی فی الخروج عن الفعلیّة لأهمّیّة ردّ الغصب بالنسبة إلیه و لکن حیث کان الاضطرار بسوء الاختیار تبقی العقوبة بالنسبة إلیه.

فتحصّل أنّ الخروج مأمور به بناء علی وجوب المقدّمات الموصلة مع جریان حکم المعصیة علیه و هذا هو أقوی الوجوه و اختاره صاحب الفصول و تبعه الأعلام، من جملتهم سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه.

و أمّا القول الثالث و هو أن یکون الخروج واجبا من دون جریان حکم المعصیة علیه فهو ظاهر البطلان من جهة أنّ الاضطرار لا یوجب رفع العقوبة بعد کون سببه سوء الاختیار عند العقلاء فمن ترک المسیر إلی الحجّ بسوء الاختیار حتّی عجز عنه یصحّ عقابه عند العقلاء و إن کان عاجزا عن المسیر بعد سوء الاختیار، و بناء العقلاء یکفی فی صحّة العقوبة و لا فرق فی ذلک بین أن یکون الاضطرار إلی الحرام تکوینیّا کالمثال المذکور أو تشریعیّا کما فی المقام لأنّ الخروج ممّا اضطرّ إلیه

ص:247

بحکم العقل فرار من أقبح الأمرین من البقاء و الخروج.

و أمّا توهّم أنّ ملاک صحّة العقوبة هو اندراج المقام تحت قاعدة الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار و عدم اندراجه کما ذهب إلیه بعض الأعلام ففیه أوّلا أنّه لا حاجة إلی تلک القاعدة بعد ما عرفت من بناء العقلاء،و ثانیا أنّ القاعدة کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه أجنبیّة عن المقام لاختصاصها بالإیجاب و الامتناع السابقین الحاصلین بإرادة الفاعل أنّهما لا ینافیان الاختیار بخلاف ما هو اللاحق له باعتبار تحقّقه و لا تحقّقه و فقدان مقدّمات وجوده فإنّه ینافی الاختیار (1).

و أمّا القول الرابع و هو أن یکون الخروج حراما فعلیّا من دون کونه مأمورا به و واجبا کما ذهب إلیه فی مناهج الوصول (2).

و قد مرّ أنّ المقدّمة الموصلة واجبة و مقتضاه هو وجوب الخروج إذ الوجوب یسری من ذی المقدّمة و هو ردّ المغصوب إلی ملازمه و هو الکون فی خارج الدار و منه إلی مقدّمته و هو الخروج.

ففیه ما لا یخفی لما عرفت من کون الخروج مقدّمة للواجب الأهمّ و هو وجوب ردّ المغصوب.

و أمّا الحرمة الفعلیّة مع الاضطرار إلی الحرام فهی مستحیلة لأنّ التکلیف الفعلیّ بترک الخروج و الغصب لجعل الداعی و مع عدم التمکّن من ترکه لا یمکن حصول الداعی و إمکان الحرمة الفعلیّة بالنسبة إلی العنوان الکلّیّ من المکلّف من دون لحاظ حالة المضطرّ لا یرفع المحذور عن خطاب المضطرّ بالنسبة إلی المضطرّ إلیه.

و لعلّ سبب ذلک هو توهّم أنّ القضایا الکلّیّة غیر شاملة لآحاد المکلّفین من جهة عدم صحّة خطاب العصاة لأنّ من یعلم بعدم تأثیر الخطاب فیه لا یمکن البعث

ص:248


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 147.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 143.

إلیه لغرض الانبعاث کما أنّ من یعلم بإتیانه المأمور به أو بترکه المنهیّ عنه لا مجال للبعث أو الزجر بالنسبة إلیه.

فذهب إلی أنّ التشریعات القانونیّة لیست تشریعات مستقلّة بالنسبة إلی کلّ مکلّف حتّی یکون بالنسبة إلی کلّ واحد بعثا لغرض الانبعاث بل تشریع واحد متوجّه إلی عنوان منطبق علی المکلّفین و غرض هذا التشریع القانونیّ لا بدّ و أن یلحظ بالنسبة إلیه لا إلی کلّ واحد مستقلاّ و إلاّ لزم عدم تکلیف العصاة و الکفّار بل و الذی یأتی بمتعلّق الأمر أو یترک متعلّق النهی بإرادته بلا تأثیر لتکلیف المولی فیه و هذا ممّا لا یمکن الالتزام به.

و أنت خبیر بأنّ الغرض من التکلیف هو إمکان الانبعاث و هو موجود مع العصیان لأنّ العاصی إذا اختار الخلاف بسوء الاختیار لا یوجب ذلک امتناع صدور الفعل عنه ذاتا،و القول بأنّ الخطاب المذکور لا فائدة له غیر سدید بعد کونه إتماما للحجّة.

و هکذا الإمکان یجتمع مع الوجوب الغیریّ فیجوز الخطاب حتّی بالنسبة إلی من یأتی أو یترک بنفسه لإمکان أن ینصرف عن ذلک فیمنعه عن الانصراف.

و علیه فلا مانع من شمول التشریعات القانونیّة بالنسبة إلی آحاد موضوعاتها کما هو مقتضی العناوین فی موضوعات الأحکام فبعد إمکان شمولها و تحلیلها عقلا علی جمیع المکلّفین لا فرق بینها و بین الأوامر و النواهی الشخصیّة فکما لا یجوز الخطاب الشخصیّ بالترک بالنسبة إلی المضطرّ فکذلک لا یجوز الخطاب الکلّیّ العامّ الشامل بالنسبة إلی المضطرّ و علیه فالأقوی هو سقوط الحکم أعنی الحرمة عن الفعلیّة و بقاء عقوبته لأنّ الاضطرار بسوء الاختیار و وجوب ذلک بالوجوب المقدمیّ کما عرفت.

و أمّا القول الخامس و هو أن لا یکون حراما و لا واجبا مع جریان حکم

ص:249

المعصیة علیه ففیه أنّه یظهر ممّا تقدّم أنّه لا وجه لنفی الوجوب مع کونه مقدّمة لوجوب ردّ المغصوب بالتقریب الماضی فلا تغفل.

و المقام الثانی:فی الحکم الوضعیّ عند الاضطرار و قد عرفت المختار عند ذکر ثمرة النزاع فی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه فی المقدّمة العاشرة و مقتضی ما ذکر هناک هو صحّة الصلاة عند الاضطرار لو أتی بها فی الدار المغصوبة مطلقا سواء قلنا بجواز الاجتماع أو لم نقل و سواء علم المضطرّ بحکم الغصب و موضوعه أو لم یعلم و سواء کان الوقت واسعا أو لم یکن کذلک و سواء کان الاضطرار بالإقامة فی الدار المغصوبة أو لم یکن کذلک و إنّما اضطرّ بالتصرّف الخروجیّ و سواء تمکّن من إقامة الصلاة فی خارج الدار مع الشرائط الکاملة أو لم یتمکّن و سواء اضطرّ بسوء الاختیار أو بدونه،نعم من تمکّن من إقامة الصلاة مع شرائطها الکاملة فی خارج الدار و أتی بها فی الدار المغصوبة مع الإیماء بالرکوع و السجود عند الخروج الاضطراریّ لا تصحّ صلاته لأنّه اکتفی بوظیفة العاجز مع تمکّنه من صلاة القادر،هذا بخلاف ما إذا أتی بالصلاة الکاملة فی الدار المغصوبة فإنّ صلاته صحیحة علی الجواز بل علی الامتناع لتعدّد الحیثیّة و إن اتحدت الحیثیّات فی الخارج و عدم الدلیل علی اشتراط خلوّ العبادة عن المحرّم،فلا دلیل لما یقال من أنّ المبعّد لا یکون مقرّبا إن ارید به خلوّ المقرّب عن المبعّد و علیه فالتفصیل بین تضیّق الوقت و توسّعه کما ذهب إلیه المشهور و الحکم بصحّة الصلاة عند تضیّق الوقت و بطلانها عند توسّع الوقت لا وجه له لصحّة الصلاة الکاملة لو أتی بها فی سعة الوقت،نعم یصحّ التفصیل المذکور بالنسبة إلی إتیان صلاة العاجز عند الخروج فإنّ من أتی بها عند عدم التمکّن من الصلاة أصلا فی خارج الدار أو عدم التمکّن من الصلاة الکاملة فی خارج الدار من جهة تضیّق الوقت أو غیره أتی بوظیفته بخلاف ما إذا تمکّن من الصلاة الکاملة فی خارج الدار فإنّ صلاة العاجز عند الخروج لیس وظیفة له فلا تصحّ إن أتی بها فی حال الخروج.

ص:250

و لا یخفی علیک أنّه اختلط الجواز التکلیفیّ مع الجواز الوضعیّ فی کلمات بعض الأعلام مع إنّ الکلام فی هذا المقام فی الحکم الوضعیّ لا الحکم التکلیفیّ.

التنبیه الثانی:أنّ مثل خطاب (صلّ)و خطاب(لا تغصب)یکونان واجدین للملاک لما عرفت من اختصاص اجتماع

الأمر و النهی....]

التنبیه الثانی:و قد مرّ الکلام فی الجهة التاسعة و محصّل الکلام أنّ مثل خطاب (صلّ)و خطاب(لا تغصب)یکونان واجدین للملاک لما عرفت من اختصاص اجتماع الأمر و النهی بوجود الملاک فی الطرفین و لا تعارض بینهما لوجود الملاک فی الطرفین علی المفروض فلا تترتّب علیهما أحکام تعارض الأخبار،و لا تزاحم بینهما مع وجود المندوحة لإمکان الجمع بین الغرضین بتقدیم النهی و إتیان المأمور به فی مکان آخر فاللازم هو تقدیم جانب النهی و الإتیان بالمأمور به فی مکان آخر مع وجود المندوحة جمعا بین الغرضین کما هو القاعدة عند تزاحم المضیّق مع الموسّع کالإزالة و الصلاة فإنّ مورد الأمر هو صرف الوجود بخلاف النهی فإنّه یدلّ علی مبغوضیّة الطبیعة و مقتضی المبغوضیّة المطلقة هو الاجتناب عن جمیع أفرادها عقلا.

فاتّضح من ذلک أنّ مع وجود المندوحة و إمکان الجمع المزبور لا مجال للرجوع إلی تقدیم جانب الأقوی ملاکا إذ لا وجه لرفع الید عن أحد الغرضین و لو کان فی غایة الضعف لأجل الآخر و لو کان فی غایة القوّة بعد إمکان إحرازهما جمیعا.

نعم یقع التزاحم بینهما مع عدم وجود المندوحة حتّی علی القول بالاجتماع لعدم التمکّن من امتثالهما مع عدم وجود المندوحة فاللازم حینئذ هو تقدیم الأقوی ملاکا و لا یجوز التکلیف بهما و إلاّ لزم التکلیف بغیر المقدور،مثلا إذا انحصر العالم فی فاسق یقع التزاحم بین أکرم عالما و لا تکرم الفاسق فیتقدّم الأقوی ملاکا سواء قلنا بالاجتماع أو بالامتناع إذ لا یمکن الجمع بینهما فی وجود واحد.

فتحصّل أنّ مع المندوحة یجمع بینهما بتقدیم النهی علی الأمر و إتیان المأمور به فی غیر محلّ المغصوب و مع عدم المندوحة یقدّم الأقوی ملاکا إن کان و إلاّ فیحکم بالتخییر من دون تفصیل بین الامتناع و جواز الاجتماع بالنسبة إلی مقام الامتثال.

ص:251

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث ذهب إلی اختصاص الرجوع بالأقوی ملاکا بالقول بالامتناع مضافا إلی أنّه لم یفصّل بین وجود المندوحة و عدمهما فتدبّر جیّدا.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ الأقوی ملاکا إن کان معلوما فلا کلام و أمّا إن لم یکن معلوما قال فی الکفایة کان بین الخطابین تعارض من جهة تشخیص الأقوی ملاکا فلا بأس بالرجوع إلی المرجّحات السندیّة و یقدّم الأقوی منهما دلالة أو سندا و بطریق الإنّ یحرز به أنّ مدلوله أقوی ملاکا.

یشکل ذلک کما أفاد استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه أوّلا باختصاص المرجّحات السندیّة بمدارک حکم الحکمین لاختصاص المقبولة بذلک و لذا لم یعدّ المصنّف الأقوی سندا من مرجّحات الخبرین المتعارضین.

و ثانیا:بأنّ مجرّد أقوائیّة السند لأجل أعدلیّة الراوی مثلا لا یکشف عن أقوائیّة ملاک مدلول الخبر بل هو مقدّم کما أنّ الأقوی ملاکا مقدّم.

و یؤیّد ما ذکره الاستاذ قدّس سرّه ما ذکره المحقّق الأصفهانیّ من أنّ قوّة الکاشف أجنبیّة عن قوّة المنکشف کما أنّ النسبة بین الدالّ و المدلول لیست نسبة المعلول إلی العلّة حتّی یستکشف بطریق الدلالة الإنّیّة (1).

و دعوی الاستکشاف کما أفاد المحقّق الأصفهانیّ من جهة أنّ التقیّد بالأقوی سندا أو دلالة منبعث عن ملاک و مقتض فعلیّ ذاتیّ أو عرضیّ فلو لم یکن هذا الملاک أقوی لم یعقل التعبّد بخصوص الأقوی بل وجب التعبّد بالأضعف من حیث السند أو الدلالة لکون المقتضی للتعبّد به أقوی أو وجب التخییر بینهما لو لم یکن بینهما أقوی (2).

ص:252


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 130.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 130.

مندفعة بأنّ الملاک فی التعبّد بالطرق غیر ملاک المدلول من المصالح و المفاسد فی نفس الفعل و الترک إذ الشارع تعبّد بما هو أقرب إلی الواقع من الطرق و لذا نهی عن الظنّ القیاسیّ و أمر باتّباع الظنّ الخبریّ و تقدیم الأقوی سندا أو دلالة و لا ملازمة بین أقوائیّة مصلحة التعبّد بالطرق و هو الإصابة إلی الواقع و بین أقوائیّة مصلحة مدلول الروایة فلا تغفل.

فتحصّل أنّ مع عدم إحراز الأقوی ملاکا فالحکم هو التخییر عند عدم وجود المندوحة و تزاحم الأمر و النهی بالنسبة إلی مقام الامتثال.

التنبیه الثالث:فی حکم مورد التردّد بین التزاحم أو التعارض

و لا یخفی علیک أنّه لم یذکر صاحب الکفایة حکم مورد تردّد الأمر بین التزاحم أو التعارض و طریق إحراز الملاک فی الطرفین و الذی أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه هو التفصیل بین القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة و بین القول بالامتناع أو القول بجواز الاجتماع مع عدم وجود المندوحة.

أما الأوّل أعنی جواز الاجتماع و وجود المندوحة فلا إشکال فی وجود الملاک فی الطرفین لوجود الکاشف عن الملاکین إذ المفروض هو فعلیّة الأمر و النهی و یستکشف من إطلاق کلّ واحد منهما وجود الملاک.

و أمّا الثانی:أعنی القول بالامتناع أو القول بجواز الاجتماع مع عدم وجود المندوحة فلا یندرج فی المتزاحمین لعدم فعلیّة الأمر و النهی معا حتّی یستکشف منهما وجود الملاک فی الطرفین و لا طریق لنا إلی إحراز وجود الملاک فی الطرفین مع احتمال أن یکون عدم اجتماع الخطابین من جهة عدم وجود المقتضی و الملاک لکلّ واحد منهما لا للتزاحم و غلبة أحدهما علی الآخر فی التأثیر.

فالمرجع فیه هو الأصول العملیّة بعد عدم جریان الأخبار العلاجیّة فی العامّین من وجه لاستلزام جریانها لطرح المرجوح مطلقا و لو فی مورد الافتراق لعدم إمکان

ص:253

التبعیض فی الحجّیّة و هو کما تری.

فیمکن الأخذ بالبراءة الشرعیّة بالنسبة إلی الوجوب و الحرمة فی کلیهما و یکون الحکم هو الإباحة بالنسبة إلی الفعل و الترک،انتهی.

و لقائل أن یقول:إنّ ذلک صحیح إن کانت الخطابات بالنسبة إلی مورد الاجتماع خطابات شخصیّة فإنّ وجود الخطاب بالنسبة إلی کلیهما معلوم العدم فلا کاشف عن وجود الملاک فی الطرفین.

و أمّا إذا کانت الخطابات متعلّقة بالطبیعة الحاکیة عن جمیع أفرادها فالخطاب فی کلّ من الأمر و النهی موجود و یکشف عن وجود الملاک فی أفراد متعلّقهما و المزاحمة إنّما توجب رفع فعلیّة أحد الخطابین لا رفع الملاک و لا دلیل علی رفع الملاک بعد ثبوته بالإطلاق الذاتیّ الحاصل لمتعلّق الأمر و النهی.

و حکم العقل بتقدیم جانب النهی أو الأمر لا یکون کالتخصیص الشرعیّ الدالّ علی تخصیص المادّة إذ لا یدلّ التقیید العقلیّ علی سلب الملاک المستفاد من توجّه الأمر أو النهی إلی الطبیعة المطلقة بالإطلاق الذاتیّ الشامل لمورد الاجتماع.

و بعبارة اخری أنّ کلاّ من الدلیلین یدلّ بالمطابقة علی ثبوت مضمونه من الوجوب أو الحرمة و یدلّ بالالتزام علی ثبوت المقتضی و الشرط و عدم المانع من التأثیر و عدم المزاحم لوجود مضمونه المطابقیّ فإذا کان أحد الدلیلین خالیا عن المزاحم فلا کلام و أمّا مع وجود المزاحم فیدلّ علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر فقط لا أزید من ذلک لیکون حجّة فی قبال الحجّة علی وجود المقتضی فی الآخر،و الدلالة الالتزامیّة و إن کانت تابعة للدلالة المطابقیّة فی الوجود و لکن لا تبعیّة لها فی الحجّیّة و الدلالة فتأمّل.

و علیه فمع دلالة کلّ خطاب علی وجود الملاک فی الطرفین یکون مورد عدم وجود المندوحة مندرجا فی المتزاحمین و محکوما بالتخییر لو لم یکن دلیل علی ترجیح

ص:254

أحد الملاکین فلا مجال للرجوع إلی الاصول العملیّة فتدبّر جیّدا.

نعم علی القول بالامتناع و تعلّق الخطاب بما یصدر عن الفاعل فی الخارج لا علم بوجود الخطابین بعد افتراض أنّ تعلّقهما بالواحد الخارجیّ محال فلا تغفل.

التنبیه الرابع:فی الحکم الوضعی

ثمّ إنّ مقتضی المختار من جواز الاجتماع و کفایة تعدّد الحیثیّة و الملاک فی صحّة العبادة و عدم دلیل علی اشتراط خلوّ جهة العبادة عن الجهة المبغوضیّة هو الحکم بصحّة الصلاة مطلقا و لو مع العلم و العمد فضلا عن الجهل و النسیان و الاضطرار فالتفصیل بین العلم و غیره کما یظهر من کلمات الفقهاء فی الفقه،و الأصول مبنیّ علی الاحتیاط أو تمامیّة بعض الأدلّة الخاصّة و إلاّ فمقتضی القاعدة هو الصحّة مطلقا.

و الوجه فی ذلک هو تعدّد الجهات و الحیثیّات و عدم الاشتراط لما هو أزید من إتیان شیء بجهة القربة و ذلک واضح بناء علی جواز اجتماع الأمر و النهی.

بل یمکن ذلک علی القول بالامتناع مع الاعتراف بتعدّد الملاک و الحیثیّات و لو کان الترکیب بینهما ترکیبا اتّحادیّا لصدق العنوانین علیه فلا مانع من أن یأتی به بقصد العنوان المقرّب و لو لم یخل عن صدق العنوان المبعّد لعدم اشتراط خلوّ جهة العبادة عن العنوان المبعّد مع فرض تعدّد الحیثیّات و الملاکات و حصول التقرّب بالعنوان المقرّب،و لذا قال سیّدنا الإمام المجاهد:علی فرض تصویر الملاک فی الطرفین یمکن أن یقال بصحّتها حینئذ مع العلم و العمد أیضا لعین ما ذکر و إمکان التقرّب بها مع تمامیّة الملاک فعدم الأمر هاهنا کعدم الأمر فی باب الضدّین المتزاحمین (1).

لا یقال:لازم ذلک هو کون الموجود الخارجیّ محبوبا و مبغوضا و هو محال.

لأنّا نقول کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه لا محذور فیه لأنّ المحبوبیّة

ص:255


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 124.

و المبغوضیّة لیستا من الصفات القائمة بالموضوع خارجا کالسواد و البیاض حتّی یکون المحبوب متّصفا بصفات خارجیّة بعدد المحبّین و اللّه تعالی محبوب الأولیاء و لا یمکن حدوث صفة حالة فیه بعددهم.

فالمحبوبیّة و المبغوضیّة من الصفات الانتزاعیّة التی یکون لهما منشأ انتزاع فلا بدّ من لحاظ المنشأ فإنّ المنتزع تابع لمنشئه فی الوحدة و الکثرة،فنقول منشأ انتزاع المحبوبیّة هو الحبّ القائم بالنفس المتعلّق بالطبیعة التی هی وجه الخارج أو الوجود العنوانیّ کذلک أو الصورة التی فی الذهن کذلک لأنّ الحبّ من الصفات الإضافیة و لا بدّ فی تشخّصه و تحقّقه من متعلّق و لا یمکن أن یکون الموجود الخارجیّ مشخّصا له لأنّه من الکیفیّات النفسانیّة فلا بدّ من أن یتشخّص بما هو حاضر لدی النفس بالذات و هو الصورة الحاصلة فیها،و لمّا کانت الصورة وجها و عنوانا للخارج تضاف المحبوبیّة إلیه، و لهذا قد تنسب المحبوبیّة إلی ما لیس موجودا فی الخارج مع امتناعه لو کان مناط الانتساب قیام صفة خارجیّة بالموضوع إلی أن قال-رحمه اللّه-.

فإذا کان الأمر کذلک یمکن أن یتعلّق الحبّ بعنوان و البغض بآخر فیکون الموجود الخارجیّ محبوبا و مبغوضا مع کون العنوانین موجودین بوجود واحد.

أ لا تری أنّ البسائط الحقیقیّة معلومة للّه تعالی و مقدورة و مرضیّة و معلولة له و هکذا (1).

و لعلّ لذلک قال فی جامع المدارک:المعروف بطلان الصلاة فی الثوب المغصوب مع العلم بالغصبیّة إلی أن قال فإن کان نظر القائلین بالبطلان إلی الوجوه العقلیّة فللنظر فیه مجال و إن کان الحکم مسلّما بین الأصحاب غایة الأمر ذکر الوجوه العقلیّة تأکیدا فلا بدّ من الأخذ به (2).

ص:256


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 134.
2- 2) جامع المدارک:ص 278 و 279.

و لو سلّمنا البطلان فی صورة العلم و العمد لکان القول بالصحّة فی الجهل أو النسیان أو الاضطرار محتاجا إلی أدلّة خاصة و لا کلام فی قیامها بالنسبة إلی النسیان و الاضطرار لحدیث رفع النسیان و رفع ما اضطرّوا إلیه و ظاهرهما هو رفع شرطیّة الإباحة بسبب النسیان أو الاضطرار فإن قلنا بإطلاق الدلیل بالنسبة إلی المقصّر و إلاّ اختصّ الحکم بصورة القصور و عدم التقصیر.

و أمّا الجهل بالحکم أو الموضوع فهو حکم ظاهریّ ما دام لم ینکشف الخلاف و أمّا مع کشف الخلاف قال فی جامع المدارک:إن بنینا علی صحّة الوجه العقلیّ المتمسّک به لبطلان العبادة فالتفرقة بین صورة العلم و الجهل مشکلة و إن بنینا علی غیره من شبهة إجماع فلتفرقة الصورتین وجه لعدم التزام القائلین بالبطلان فی صورة العلم به فی صورة العذر (1).

و قال السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه فی مستند العروة أمّا عدم البطلان فی فرض الغفلة أو النسیان فظاهر لعدم کون التصرّف فی المغصوب حراما حینئذ حتّی واقعا لامتناع توجیه التکلیف إلیه و من هنا ذکرنا فی محلّه أنّ الرفع(فی حدیث الرفع) بالنسبة إلی الناسی واقعیّ لا ظاهریّ فإذا لم یکن دلیل النهی عن الغصب شاملا له و کان التصرّف المزبور حلالا واقعا شمله إطلاق دلیل الأمر بالصلاة من دون معارض و لا مزاحم لصحّة التقرّب به بعد عدم کونه مبغوضا إلی أن قال:و أمّا فی فرض الجهل فإن کان عن تقصیر کما لو کانت الشبهة حکمیّة قبل الفحص أو مقرونة بالعلم الاجمالیّ بحیث کان الواقع منجّزا علیه من دون مؤمّن فلا ریب فی البطلان حینئذ لإلحاق مثله بالعامد و هذا لا غبار علیه و إنّما الإشکال فی الجاهل القاصر فالمشهور ذهبوا حینئذ إلی الصحّة لکنّه فی غایة الإشکال،و ملخّص الکلام أنّهم استندوا فی

ص:257


1- 1) جامع المدارک:ج 1 ص 280.

الحکم بالصحّة مع الجهل بأنّ الحرمة الواقعیّة ما لم تتنجّز و لم تبلغ حدّ الوصول لا تمنع عن صحّة التقرّب و صلاحیّة الفعل لأن یکون مشمولا لإطلاق دلیل الأمر إذ التمانع فی المتزاحمین متقوّم بالوصول فإذن لا مانع من فعلیّة الأمر لسلامته عن المزاحم و معه یقع العمل صحیحا إلی أن قال:

أقول:هذا إنّما یستقیم لو قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی و إنّ الترکیب بین متعلّقهما انضمامیّ و لا یسری الحکم من أحدهما إلی الآخر حتّی یندرج المقام فی باب التزاحم إلی أن قال:و أمّا علی القول بالامتناع و کون الترکیب بینهما اتّحادیّا و أنّ متعلّق أحدهما عین متعلّق الآخر کما هو مبنیّ هذا القول فیخرج المقام حینئذ عن باب المزاحمة بالکلّیّة و یندرج فی کبری التعارض و بعد تقدیم جانب النهی یکون المقام من مصادیق النهی عن العبادة و لا ریب حینئذ فی البطلان من دون فرق بین صورتی العلم و الجهل لوحدة المناط فی کلا الصورتین و هو امتناع کون الحرام مصداقا للواجب و استحالة التقرّب بالمبغوض الواقعیّ فإنّ غایة ما یترتّب علی الجهل هو المعذوریّة و ارتفاع العقاب و کون التصرّف محکوما بالحلّیّة الظاهریّة و شیء من ذلک لا ینافی بقاءه علی ما هو علیه من الحرمة الواقعیّة کما هو قضیّة اشتراک الأحکام بین العالمین و الجاهلین (1).

و الذی یسهل الخطب هو ما عرفت من أنّ مقتضی القاعدة هو الصحّة علی کلّ حال حتّی مع العلم و العمد و لا وجه لتسلیم البطلان بحسب القاعدة و بعد لا حاجة فی القول بالصحّة إلی قیام الأدلّة الخاصّة فتدبّر جیّدا.

ص:258


1- 1) مستند العروة:ج 2 ص 15-18.
التنبیه الخامس:فی الوجوه المذکورة لترجیح جانب النهی بناء علی

الامتناع و عدم تعدّد الحیثیّات

و قد عرفت أنّ علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة یکون اللازم هو تقدیم النهی جمعا بین الغرضین و مع عدم وجود المندوحة یقدّم الأقوی ملاکا إن کان و إلاّ فمقتضی القاعدة هو التخییر و هکذا بناء علی الامتناع و الاعتراف بتعدّد الحیثیّات و عدم وجود المندوحة یحکم بتقدیم الأقوی ملاکا إن کان و إلاّ فالتخییر و أمّا بناء علی الامتناع و عدم الاعتراف بتعدّد الحیثیّات فاللازم هو تقدیم أحد الحکمین و قد ذکروا لترجیح أحد الحکمین وجوها:

منها أنّ النهی أقوی دلالة من دلیل الوجوب فیستکشف بطریق الإنّ أقوائیّة مناط الحرمة دائما فیما إذا کان الدلیل علی کلّ واحد من الوجوب و الحرمة لفظیّا و متکفّلا للحکم الفعلیّ.

و توضیح ذلک کما أفاد شیخنا الأراکیّ قدّس سرّه أنّ دلالة النهی علی سرایة الحرمة إلی جمیع أفراد الطبیعة أقوی من دلالة الأمر علی سریان الوجوب إلی جمیعها و ذلک لأنّ الأولی مسببة عن الوضع و الثانیة مستندة إلی الإطلاق بمعونة مقدّمات الحکمة و الظهور الوضعیّ یقدّم علی الظهور الإطلاقیّ عند التعارض.

و وجهه علی ما قرّره شیخنا المرتضی قدّس سرّه فی مبحث التعادل و التراجیح من الرسائل أنّ انعقاد الظهور الإطلاقیّ متوقّف علی مقدّمات تسمّی بمقدّمات الحکمة و من جملتها عدم البیان و لا شکّ أنّ الظهور الوضعیّ هو البیان فیکون له الورود علی الإطلاق بمعنی أنّه ینتفی بسببه موضوع الإطلاقی (1).

أورد علیه أوّلا کما أفاد شیخنا الاستاذ قدّس سرّه أنّ الظهور الإطلاقیّ إنّما یتقوّم بعدم

ص:259


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 220.

البیان المتّصل لا بعدم البیان المطلق و لو کان منفصلا بمعنی أنّ المتکلّم ما دام مشتغلا بالکلام لو لم یذکر ما یصلح للقیدیّة ثمّ فرغ و کان سائر مقدّمات الحکمة موجودة انعقد من هذا الحین الظهور الإطلاقیّ لا أنّ انعقاده مشروط بعدم ورود البیان و لو بعد زمان فلو ورد بعد ذلک ظهور وضعیّ مناف له کان من باب التعارض بین الظهورین فلا بدّ من مراعاة الأقوی و ربّما کان هو الإطلاقیّ،و بالجملة فالحکم بتقدیم الوضعیّ علی الإطلاقیّ بمجرّد کونه إطلاقیّا و بطریق الکلّیّة ممنوع (1).

لا یقال:إنّ الأمر بالصلاة مثلا مع النهی عن الغصب واصلان إلینا معا فلا وجه لدعوی انعقاد الظهور الإطلاقیّ مع الظهور الوضعیّ مع کونهما واصلین إلینا معا لأنّا نقول:الملاک هو مجلس البیان فإذا صدر من الإمام الظهور الإطلاقیّ و لم یصدر معه الظهور الوضعیّ انعقد الظهور الإطلاقیّ،نعم لو صدر قبل الظهور الإطلاقیّ ظهور وضعیّ فلا ینعقد الظهور الإطلاقیّ مع وجود الظهور الوضعیّ فتدبّر جیّدا.

و ثانیا:کما أفاده سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه أنّ التزاحم لا یختصّ بمثل (صلّ)و(لا تغصب)حتّی یقال إنّ الاستغراق فی النهی وضعیّ بخلاف الاجتزاء بأیّ فرد من أفراد الصلاة فی(صلّ)فإنّه إطلاقیّ بل یعمّ مثل(أکرم العلماء)و(لا تکرم الفسّاق)مع إنّ الاستغراق فی کلّ واحد منهما وضعیّ إذ المتزاحمان لا ینحصران فی الظهور الإطلاقیّ و الظهور الشمولیّ بل یشملان الظهور الشمولیّ و الظهور الشمولیّ کما إذا کان الطرفان موضوعین للاستغراق.

و ثالثا:أنّ التفکیک بین الأمر و النهی فی الدلالة و القول بأنّه فی الأوّل تحتاج الدلالة إلی مقدّمات الإطلاق بخلاف النهی فإنّ الدلالة فیه وضعیّة و لا حاجة فیها إلی المقدّمات غیر مسموعة بأنّ اسم الجنس موضوع لنفس الطبیعة بلا شرط و تنوین

ص:260


1- 1) نفس المصدر.

التنکیر لتقییدها بقید الوحدة الغیر المعیّنة لکن بالمعنی الحرفیّ لا الاسمیّ و ألفاظ النفی أو النهی وضعت لنفی مدخولها أو الزجر عنه فلا دلالة فیها علی نفی الأفراد و لا وضع علی حدة للمرکّب فحینئذ تکون حالها حال سائر المطلقات فی احتیاجها إلی مقدّمات الحکمة فلا فرق بین(أعتق رقبة)و(لا تعتق رقبة)فی أنّ الماهیّة متعلّقة للحکم و فی عدم الدلالة علی الأفراد و فی الاحتیاج إلی المقدّمات (1).

یمکن أن یقال کما مرّ فی المبحث الرابع فی وجه اختلاف الأمر و النهی فی کیفیّة الامتثال إنّ منشأ ذلک هو کثرة الاستعمال،قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه إنّ الطبیعة فی متعلّق النهی مستعملة بکثرة الاستعمال فی الطبیعة الساریة بخلافها فی متعلّق الأمر فالدلالة فی ناحیة النهی علی الاستغراق مستندة إلی کثرة الاستعمال فلا حاجة إلی المقدّمات کما لا حاجة إلیها فی دلالة أدوات العموم کلفظة«کلّ»فإنّ العموم مستفاد منها لا من مقدّمات الحکمة فی مدخولها و إلاّ لما کان إلیها حاجة إلاّ إذا ارید التأکید مع إنّ الوجدان قاض بخلافه فإنّ مثابة لفظة«کلّ»فی الموارد التی ذکرت فیها مثابة لفظة«مطلقا»فی مثل قوله(أکرم رجلا مطلقا)فکما أنّ لفظة«مطلقا»تفید الإطلاق بالدلالة اللفظیّة فکذلک لفظة«کلّ»تدلّ علی العموم بالدلالة اللفظیّة فلا تغفل.

هذا مضافا إلی إمکان دعوی کون الدلالة عقلیّة کما ذهب إلیها فی الدرر و استشکل علیه فی نهایة الدرایة و أجاب عنه شیخنا الاستاذ الأراکیّ قدّس سرّه و قد مضی تفصیله فی المبحث الرابع المذکور فراجع و لا ارید الإطالة.

و منها أنّ دفع المفسدة أولی من جلب المنفعة،أورد علیه فی القوانین بأنّ الأمر دائر بین المفسدة و المفسدة إذ فی ترک الواجب أیضا مفسدة.

ص:261


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 238-237.

أجاب عنه فی الکفایة بأنّ الواجب لا بدّ و أن یکون فی فعله مصلحة و لا یلزم أن یکون فی ترکه مفسدة کما أنّ الحرام لا بدّ و أن یکون فی فعله مفسدة لا فی ترکه مصلحة.

أورد علیه شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه بأنّه لا شکّ أنّ العقل النیّر کما یشمئزّ من فعل الحرام کذلک من ترک الواجب بلا فرق،أ لا تری أنّک کما تبتهج بإنقاذ أحد متعلّقیک من الأخ و الابن و نحوهما کذلک تسوء حالک من ترک إنقاذه (1).

یمکن أن یقال:إنّ الاشمئزاز من ترک الواجب من جهة فقدان مصلحة الواجب لا من مفسدة ترک الواجب و هکذا سوء الحال من ترک إنقاذ أحد من المتعلّقین من جهة فوت المصلحة و هو حفظ وجودهم و بقائهم.

هذا مضافا إلی ما مرّ سابقا من أنّ الترک یکون من الأمور العدمیّة فلا یتّصف بشیء من الوجودیّات بل الإشکال علی الوجه المذکور للترجیح هو الذی أفاده صاحب الکفایة من أنّ الأولویّة مطلقا ممنوعة بل ربّما یکون العکس أولی کما یشهد به مقایسة فعل بعض المحرّمات مع ترک بعض الواجبات خصوصا مثل الصلاة و ما یتلو تلوها (2).

هذا مضافا إلی أنّه لا دوران فی محلّ الکلام لإمکان استیفاء کلا الغرضین بإتیان الصلاة فی غیر مورد الغصب و ترک الغصب بجمیع أفراده لأنّ المفروض هو وجود المندوحة فله التحرّز عن المفسدة مطلقا مع جلب المنفعة کما حکی عن فوائد صاحب الکفایة.

نعم لو کان العموم شمولیّا من الطرفین لکان الدوران صحیحا کما لا یخفی.

و منها:الاستقراء بدعوی أنّه یقتضی ترجیح جانب الحرمة علی جانب

ص:262


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 223.
2- 2) الکفایة:ج 1 ص 277.

الوجوب کحرمة الصلاة فی أیّام الاستظهار و عدم جواز الوضوء من الإنائین المشتبهین.

و فیه أوّلا المنع عن تحقّقه بمثل الموردین،و ثانیا أنّه لا دلیل علی اعتبار الاستقراء ما لم یفد القطع.

التنبیه السادس:فی لحوق تعدّد الإضافات بتعدّد العنوانات و الجهات

و لا یخفی علیک أنّ المتراءی من جماعة هو التعامل مع مثل(أکرم العلماء) و(لا تکرم الفسّاق)معاملة التعارض لا التزاحم و هو محلّ منع مع وجود المقتضی فی کل واحد منهما،فمقتضی القاعدة فی مثله هو التزاحم لا التعارض فکما أنّ تعدّد الجهة و العنوان یکفی مع وحدة المعنون وجودا فی جواز الاجتماع فکذلک یکون تعدّد الإضافات مجدیا فی جواز الاجتماع لاقتضاء الإضافات المختلفة اختلافها فی المصلحة و المفسدة و الحسن و القبح عقلا کاختلافها فی الحکم الشرعیّ من الوجوب و الحرمة.

و بالجملة لا مجال للتفکیک بین تعدّد الإضافات و تعدّد العنوانات و علیه یکون مثل (أکرم العلماء)و(لا تکرم الفسّاق)من باب الاجتماع مثل(صلّ)و(لا تغصب)لا من باب التعارض.

نعم لو لم یکن لأحد الإضافات ملاک للحکم کان من باب التعارض کما أنّ الأمر یکون هکذا لو علم أنّ أحد العنوانین لا ملاک فیه فتدبّر جیّدا.

ثمّ إنّ حکم صورة وجود المندوحة و عدمها یعرف ممّا مرّ فی تعدّد العنوانات و الجهات.

ص:263

الخلاصة:

تصویر اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة:

لا اشکال فی تصویر ذلک بناء علی القول بالجواز لأنّ النسبة بین العبادة و العنوان المکروه:إمّا هی العموم من وجه کالصلاة المندوبة مع الکون فی مواضع التهمة ففی هذه الصورة یتعدّد العنوان فی مورد الاجتماع و مع التعدّد لا منافاة بین الاستحباب و الکراهة کما هو الواضح.

و إمّا النسبة بین العبادة و العنوان المکروه هی الأعمّ و الأخصّ المطلق ففی هذه الصورة فإن أخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم(صلّ و لا تصلّ فی الحمام)ففی جریان جواز الاجتماع إشکال لأنّ المطلق عین ما أخذ فی المقیّد و مع العینیّة لا یعقل تعلق الحکمین المختلفین بالطبیعة الواحدة و لو فی الذهن و علیه یجری حکم الامتناع فیحمل النهی علی الارشاد إلی سائر الأفراد لعدم امکان تعلّق النهی مع الأمر بالطبیعة الواحدة أو یخصّص النهی بالمشخّصات الخارجة عن الطبیعة الواحدة کایقاع الصلاة فی الحمام.

و إن لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم(حرّک و لا تدن إلی موضع کذا) فیجوز اجتماع الأمر و النهی فیه لتعدّد العنوان و إن کانت النسبة بینهما بحسب المورد هی الأعمّ و الأخصّ،فتأمّل.

هذا کلّه بالنسبة إلی تعلّق الأمر و النهی بعنوانین مختلفین اللذین یجتمعان فی الوجود الخارجی.

و أمّا إذا تعلّق النهی بذات العبادة و لا بدل لها کصوم یوم عاشورا أو الصلوات المبتدأة عند غروب الشمس و طلوعها.

ص:264

فإن أمکن رجوع النهی إلی عنوان آخر کعنوان الموافقة مع بنی أمیّة أو التشابه بعبدة الشمس فلا اشکال فی اجتماع الأمر و النهی إذ مرجع ذلک إلی تعدّد العنوان لأنّ الأمر متعلّق بذات العبادة و النهی راجع إلی عنوان آخر کالموافقة مع بنی أمیّة أو المشابهة بعبدة الشمس و إن لم یمکن رجوع النهی إلی عنوان آخر فمقتضاه هو لزوم رفع الید عن الأمر و الحکم بفساد العبادة لدلالة النهی علی مرجوحیّة المتعلّق و هو لا یجتمع مع مقرّبیة المتعلّق بعد فرض عدم کونه معنونا بعنوان آخر.

و بالجملة فمع تعدّد العناوین و القول بالجواز لا إشکال فی اجتماع الأمر و النهی فی العبادات المکروهة و لا حاجة إلی دعوی سقوط الأمر عن الفعلیة أو حمل النهی علی الاقتضائی بل مقتضی ظاهرهما هو بقائهما علی الفعلیة و هما یحکیان عن وجود المصلحة فی متعلّق الأمر و المفسدة فی متعلّق النهی من دون کسر و انکسار فی مصلحة المأمور به و من دون تزاحم بینهما مثلا إذا قال المولی لعبده جئنی بماء فی البلور و لا تأت به فی الخزف فإذا تخلّف العبد و أتی بالماء فی الخزف لا یتغیر مصلحة الماء و هو رفع العطش بل هو باق علی ما هو علیه من دون کسر و انکسار و إنّما عصی مولاه لعدم إتیانه فی ظرف یلیق بشأنه و هو مفسدة غیر مرتبطة بمصلحة الماء فإذا کانت المصلحة و المفسدة باقیتین فالأمر و النهی باقیان علی المولویة و لا یحملان علی الارشاد إذ لا تزاحم بینهما.

و ممّا ذکر یظهر حکم اجتماع الوجوب مع الاستحباب أو مع الوجوب أو حکم اجتماع الحرام مع الحرام أو اجتماع المستحبّ مع المستحب فإنّ بناء علی جواز الاجتماع لا اشکال فی اجتماعهما مع تعدّد العنوان إذ لا مزاحمة بینهما فی مقام الامتثال کما لا یخفی.

تنبیهات:

التنبیه الأوّل:فی حکم الاضطرار إلی ارتکاب الحرام کالتصرّف فی الدّار

ص:265

المغصوب و هو علی أقسام:

أحدها أن یکون المکلّف مضطرا إلی ارتکاب الحرام من دون سوء الاختیار و لا اشکال فی هذه الصورة فی سقوط الحرمة و الحکم التکلیفی إذ لا قدرة له و التکلیف بما لا یطاق قبیح هذا مضافا إلی صحاح تدلّ علی رفع التکلیف عند الاضطرار و لا إشکال أیضا فی صحّة صلاته فی الدّار المغصوبة بعد اضطراره إلی السکونة فیها و عدم المندوحة.

و علیه فیجوز له أن یصلّی فیها مع الرکوع و السجود و لا یجب علیه الاقتصار علی الایماء و الاشارة بدلا عنهما و ذلک لمنع التصرّف الزائد بالرکوع و السجود إذ لا یتفاوت فی إشغال المحلّ بین أن یرکع أو یومئ إلیه.

نعم لو حصلت له المندوحة لا یجوز له أن یصلّی فیها بل یجب علیه أن یخرج منها و یصلّی فی خارجها إن وسع الوقت و إلاّ فمع ضیق الوقت یجب علیه أن یصلّی فی حال الخروج إذ الصلاة لا تسقط بحال.

ثانیها:أن یکون الاضطرار إلی ارتکاب الحرام بسوء الاختیار کما إذا دخل فی الدّار بدون إذن صاحبها و انحصر التخلّص منها بالتصرّف الخروجی.

یقع الکلام حینئذ فی مقامین:

المقام الأوّل:فی بیان الحکم التکلیفیّ للخروج الّذی صار اضطراریّا بسوء الاختیار و هنا أقوال:

أحدها هو اجتماع الوجوب و الحرمة فی الخروج و فیه أنّه لا مجال له بعد اعتبار المندوحة فی باب اجتماع الأمر و النهی إذ المفروض أنّه لا مندوحة له بالنسبة إلی التصرّف الخروجی و مع عدم المندوحة تکلیفه بوجوب الخروج مع حرمته تکلیف بالمحال.

و ثانیها:هو وجوب الخروج مع جریان حکم المعصیة علیه بعد سقوط النهی

ص:266

عنه بالاضطرار و هو منسوب إلی صاحب الفصول و مختار استاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه و هو أقوی الأقوال.

أمّا وجوب الخروج فمن جهة کون الخروج من مقدّمات ردّ المغصوب و هو واجب و أمّا سقوط النهی عن الخروج مع کونه تصرّفا غصبیا فللاضطرار.

ثالثها:أنّ الخروج واجب من دون جریان حکم المعصیة علیه و هو ظاهر البطلان بعد کون الاضطرار الیه بسوء الاختیار.

رابعها:أنّ الخروج حرام فعلی و لا وجوب له و فیه أنّ الخروج مقدّمة للواجب الأهمّ و هو وجوب ردّ المغصوب و المقدّمة الموصلة واجبة بوجوب ذیها و الحرمة الفعلیة لشیء مع فرض الاضطرار إلیه مستحیلة فمع الاستحالة یسقط الحرمة و یبقی عقوبته بسوء الاختیار لأنّ الاضطرار بسوء الاختیار لا یمنع عن العقوبة.

خامسها:أنّه لا وجوب و لا حرمة للخروج مع جریان حکم المعصیة علیه و فیه أنّ نفی الوجوب مع کونه من مقدّمات وجوب ردّ المغصوب غیر مسموع و ممّا ذکر یظهر أنّ أقوی الأقوال هو القول الثانی فلا تغفل.

المقام الثانی:فی بیان الحکم الوضعی عند الاضطرار إلی الخروج.

و لا یخفی علیک صحّة الصلاة عند الاضطرار إلی الخروج باتیانها مع الایماء بالرکوع و السجود حال الخروج الاضطراری و ضیق الوقت عن الاتیان بها فی خارج الدّار.

بل المختار هو صحّة الصلاة مطلقا و لو عصی فی إتیانها سواء قلنا بجواز الاجتماع أو لم نقل و سواء علم المضطرّ بحکم الغصب أو موضوعه أو لم یعلم و سواء وسع الوقت أو لم یسع و سواء تمکن من إقامة الصلاة فی خارج الدار المغصوبة مع الشرائط الکاملة أو لم یتمکّن و ذلک لما مرّ من تمامیّة الملاک و عدم إحراز دلیل لاشتراط خلوّ العبادة عن اقتران محرّم من المحرّمات.

ص:267

نعم من تمکّن من إقامة الصلاة فی خارج الدّار المغصوبة مع شرائطها الکاملة و أتی بها فی الدار المغصوبة مع الایماء بالرکوع و السجود عند الخروج لا یصحّ صلاته لأنّه اکتفی بوظیفة العاجز مع تمکّنه من الاتیان بصلاة القادر.

التنبیه الثانی:أنّه و قد ذکرنا اختصاص اجتماع الأمر و النهی بوجود الملاک فی الطرفین و علیه فلا تعارض بینهما لوجود الملاک فی الطرفین علی المفروض بل و لا تزاحم بینهما مع وجود المندوحة لامکان الجمع بینهما بتقدیم النهی و إتیان المأمور به فی مکان آخر جمعا بین الغرضین کما هو مقتضی القاعدة عند تزاحم المضیّق مع الموسّع کوجوب الإزالة و وجوب الصلاة.

و علیه فمع وجود المندوحة و إمکان الجمع المزبور لا مجال للرجوع إلی تقدیم جانب الأقوی ملاکا إذ لا وجه لرفع الید عن أحد الغرضین و لو کان فی غایة الضعف لأجل الآخر و لو کان فی غایة القوّة بعد إمکان إحرازهما معا کما هو المفروض مع وجود المندوحة نعم یقع التزاحم بینهما مع عدم وجود المندوحة حتّی علی القول بالاجتماع لعدم التمکّن من امتثالهما مع عدم وجود المندوحة فاللازم حینئذ هو تقدیم الأقوی ملاکا إن کان و إلاّ فالحکم هو التخییر من دون فرق بین الامتناع و جواز الاجتماع إذ لا یجوز التکلیف بهما فإنّه تکلیف بما لا یطاق.

و دعوی اختصاص الرجوع بالأقوی ملاکا بالقول بالامتناع لا وجه لها بعد عدم إمکان امتثالهما لعدم وجود المندوحة کما لا یخفی.

ثمّ إن کان الأقوی ملاکا معلوما فهو و إلاّ فالحکم هو التخییر عند عدم وجود المندوحة و تزاحم الأمر و النهی فی مقام الامتثال.

و دعوی تعارض الخطابین من جهة تشخیص الأقوی ملاکا فیرجع إلی المرجّحات السندیّة فیقدّم الأقوی منهما دلالة أو سندا و یکشف بذلک أنّ مدلوله أقوی ملاکا مندفعة أوّلا باختصاص المرجّحات السندیّة بمدارک حکم الحکمین

ص:268

لاختصاص المقبولة بذلک و ثانیا بأنّ مجرّد أقوائیّة السند لأجل أعدلیّة الراوی مثلا لا یکشف عن أقوائیّة ملاک مدلول الخبر.

التنبیه الثالث:فی حکم التردّد بین التزاحم أو التعارض و کیفیّة إحراز الملاک فی الطرفین.

لا إشکال فی وجود الملاک فی الطرفین علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة لوجود الکاشف عن الملاک فی الطرفین إذ المفروض هو فعلیة الأمر و النهی علی هذا القول فی الطرفین لعدم المزاحمة بینهما و یستکشف من اطلاق کلّ واحد من الأمر و النهی عن وجود الملاک.

و أمّا علی القول بالامتناع أو الاجتماع مع عدم المندوحة فقد یقال بأنّه لا طریق لنا إلی احراز وجود الملاک فی الطرفین مع عدم فعلیة الأمر و النهی معا فیهما.

و عدم اجتماع الخطابین فیهما یمکن أن یکون لعدم وجود المقتضی فی کلّ طرف لا للتزاحم و غلبة أحدهما علی الآخر فالمرجع حینئذ هو الاصول العملیّة بعد عدم جریان الأخبار العلاجیّة فی العامّین من وجه لاستلزام جریانها لطرح المرجوح مطلقا و لو فی مورد الافتراق بعد عدم إمکان التبعیض فی الحجّیّة و هو کما تری فیؤخذ بالبراءة الشرعیّة بالنسبة إلی الوجوب و الحرمة و یحکم بالاباحة بالنسبة إلی الفعل و الترک.

یمکن أن یقال إن کانت الخطابات بالنسبة إلی مورد الاجتماع شخصیّة فلا یمکن اجتماعهما و لا کاشف حینئذ عن وجود الملاک فی الطرفین.

و أمّا إذا کانت الخطابات متعلّقة بالطبیعة المطلقة الحاکیة عن أفرادها فالخطاب بالاطلاق الذاتی مع قطع النظر عن المزاحم موجود و مع إحراز وجود الخطاب یکشف عن وجود الملاک فی کلّ طرف.

و مزاحمة الخطاب الآخر إنّما توجب رفع فعلیة أحد الخطابین لا رفع الملاک

ص:269

و لا دلیل علی رفع الملاک بعد ثبوته بالاطلاق الذاتی.

و حکم العقل بتقدیم النهی أو الأمر علی تقدیر الامتناع أو علی فرض عدم وجود المندوحة و القول بالاجتماع لا یدلّ علی سلب الملاک لأنّ التقیید عقلی و لیس بشرعی.

و علیه فمع دلالة کلّ خطاب علی وجود الملاک فی الطرفین یندرج المورد فی المتزاحمین و یحکم علیه بالتخییر لو لم یکن دلیل علی ترجیح أحد الملاکین و لا مورد للمرجوع إلی الاصول العملیّة کما لا یخفی.

نعم علی القول بالامتناع و تعلّق الخطاب بما یصدر عن الفاعل فی الخارج لا علم بوجود الخطابین بعد افتراض استحالة تعلّقهما بالواحد الخارجی.

فحینئذ أمکن الرجوع إلی البراءة الشرعیّة بالنسبة إلی خصوص الوجوب أو الحرمة و یکون الحکم هو الاباحة بالنسبة إلی الفعل و الترک فتدبّر جیّدا.

التنبیه الرابع:

فی مقتضی القواعد من جهة الحکم الوضعی و قد عرفت ممّا تقدّم أنّ مقتضی المختار من جواز الاجتماع و کفایة تعدّد الحیثیّة و الملاک فی صحّة العبادة و عدم وجود دلیل علی اشتراط خلوّ جهة العبادة عن جهة المبغوضیّة هو الحکم بصحّة العبادة و لو مع العلم و العمد فضلا عن الجهل و النسیان و الاضطرار.

بل قلنا أمکن القول بالصحّة علی الامتناع و تعدّد الملاک و لو کان الترکیب بینهما ترکیبا اتّحادیّا لصدق العنوانین علیه فلا مانع من أن یأتی به بقصد العنوان المقرّب و لو لم یخل عن صدق العنوان المبعّد لعدم اشتراط خلوّ جهة العبادة عن العنوان المبعّد.

لا یقال لازم ذلک هو کون الموجود الخارجی محبوبا و مبغوضا و هو محال لأنّا نقول إن المحبوبیّة و المبغوضیّة لیستا من الصفات القائمة بالموضوع خارجا کالسواد و البیاض بل هما من الکیفیّات النفسانیّة و لا بدّ من أن یتشخّص کلّ واحد بما هو

ص:270

حاضر لدی النفس بالذّات و هو الصورة الحاصلة فیها و لذا قد تنسب المحبوبیّة إلی ما لیس موجودا فی الخارج مع أنّه ممتنع لو کان مناط الانتساب هو قیام صفة خارجیّة بالموضوع الخارجی.

فإذا کان الأمر کذلک یمکن أن یتعلّق الحبّ بعنوان و البغض بآخر فیکون الموجود الخارجی محبوبا و مبغوضا من جهة کون العنوانین موجودین بوجود واحد.

و علی ما ذکرنا أمکن القول بصحّة العبادة مطلقا و لو مع العلم و العمد فضلا عن الجهل و النسیان و الاضطرار و التفصیل بین العلم و غیره مبنیّ علی الاحتیاط أو تمامیّة الأدلّة الخاصّة المذکورة فی الفقه و أمّا إذا قلنا بعدم الوجه للزوم الاحتیاط لأنّ الأدلّة الخاصّة ضعیفة و الاجماع المدّعی فی المقام محتمل المدرک فمقتضی القاعدة هو الصحّة مطلقا.

و لو سلّمنا عدم تمامیّة ما ذکرناه من صحّة العبادة بمقتضی القاعدة فالعبادة فی صورة العلم و العمد باطلة و فی صورة النسیان و الاضطرار صحیحة لقیام الدلیل الخاص علی رفع شرطیّة الاباحة بسبب النسیان أو الاضطرار.

و أمّا الصحّة عند الجهل بالموضوع أو الحکم فهی غیر واضحة بعد کون الدلیل یفید الحکم الظاهری إذ مع کشف الخلاف لا مجال للدلیل بعد حصول العلم.

و القاعدة علی المفروض غیر تامّة اللّهمّ إلاّ أن یدّعی الاجماع فی المقام و هو لا یخلو عن التأمّل.

و الّذی یسهل الخطب هو ما عرفت من أنّ القاعدة تامّة و مقتضاها هو الصحّة علی کل حال و بقیّة الکلام فی محلّه.

التنبیه الخامس:فی الوجوه المذکورة لترجیح جانب النهی بناء علی الامتناع و عدم تعدّد الحیثیّات.

و قد ذکرنا أنّ علی القول بجواز الاجتماع و وجود المندوحة یلزم القول بتقدیم

ص:271

النهی علی الأمر فی مورد الاجتماع جمعا بین الغرضین مع إمکانه.

و مع عدم وجود المندوحة یلزم القول بتقدیم الأقوی ملاکا إن کان و إلاّ فالتخییر بل الأمر کذلک بناء علی الامتناع و الاعتراف بتعدّد الحیثیّات و عدم وجود المندوحة.

و أمّا بناء علی الامتناع و عدم الاعتراف بتعدّد الحیثیّات فقد ذکروا لترجیح النهی وجوها:

منها:أنّ النهی أقوی دلالة من دلیل الوجوب لأنّ دلالة النهی علی سریان الحرمة إلی الأفراد ناشئة من الوضع بخلاف دلالة صیغة الأمر علی السریان فإنّها مستندة إلی الاطلاق بمعونة مقدّمات الحکمة.

و من المعلوم أنّ الظهور الاطلاقی ینتفی بوجود الظهور الوضعیّ لأنّ الظهور الاطلاقی متقوّم بعدم البیان و الظهور الوضعیّ یصلح لأن یکون بیانا و هذا هو الوجه فی تقدیم النهی علی الأمر.

اورد علیه بأنّ التقوّم المذکور واضح فیما إذا کان الظهور الوضعیّ مقارنا فإنّه یمنع عن انعقاد الظهور و إلاّ فالظّهور الإطلاقی منعقد و یقع التعارض حینئذ بین الظهور الوضعی و الإطلاقی فاللاّزم هو مراعاة الأقوی و ربما یکون الإطلاقی أقوی من الوضعیّ کما قرّر فی محلّه.

هذا مضافا إلی أنّ التزاحم بین الأمر و النهی لا یختصّ بصورة تزاحم الإطلاقی مع الوضعی بل یعمّ ما إذا تزاحم الوضعی مع الوضعی مثل أکرم العلماء و لا تکرم الفسّاق.

مع أنّ الاستغراق فی کلیهما وضعیّ.

و منها:أنّ دفع المفسدة أولی من جلب المنفعة.

ربّما یقال فی الجواب أنّ الأمر دائر بین المفسدة و المفسدة فإنّ فی ترک الواجب

ص:272

أیضا المفسدة و یمکن دفعه بأنّ الواجب لا بدّ و أن یکون فی فعله مصلحة و لا یلزم أن یکون فی ترکه مفسدة.

فالأولی فی الجواب أن یقال أنّ الأولویة مطلقا ممنوعة لإمکان العکس أحیانا.

هذا مضافا إلی أنّه لا دوران فیما إذا کانت المندوحة و أمکن استیفاء الغرضین.

و منها:أنّ الاستقراء یشهد علی تقدیم جانب النهی علی الأمر.

و فیه أوّلا أنّه استقراء غیر تام.

و ثانیا:أنّه لا دلیل علی اعتبار الاستقراء.

فالحاصل أنّ دعوی تقدّم النهی علی الأمر مطلقا ممنوعة بل یمکن تقدیم الأمر علیه فیما إذا کانت مراعاة المصلحة أولی فاللاّزم حینئذ هو مراعاة الأولی و هو یختلف بحسب الموارد.

التنبیه السادس:أنّ تعدّد الإضافات کتعدّد العنوانات من جهة کونها من باب التزاحم لا التعارض فکما أنّ تعدّد العنوان یکفی فی جواز الاجتماع فکذلک تعدّد الاضافات یوجب جواز الاجتماع لاقتضاء الاضافات المختلفة اختلافها فی المصلحة و المفسدة کما یقتضی اختلاف العناوین ذلک و علیه فلا مجال للتفکیک بین تعدّد الاضافات کاکرام العلماء و اکرام الفساق و تعدّد العنوانات مثل عنوان الصلاة و الغصب و ممّا ذکر یظهر أنّ مثل أکرم العلماء و لا تکرم الفساق یکون من باب التزاحم و اجتماع الأمر و النهی کما أنّ صلّ و لا تغصب یکون کذلک.

نعم لو لم یکن لأحد الاضافات ملاک کان ذلک من باب التعارض لا التزاحم کما مرّ تفصیل ذلک،فراجع.

ص:273

الفصل الثالث:فی أنّ النهی هل یکشف عن

اشارة

الفساد أو لا؟

و هنا مقدّمات:

المقدّمة الأولی:

أنّه قد عرفت فی المسألة السابقة بیان الفرق بینها و بین هذه المسألة و حاصله أنّ تمایز المسائل کتمایز العلوم بالموضوعات و المحمولات و هما فی المسألتین متغایرتان فإنّ مرجع الموضوع و المحمول فی المسألة السابقة إلی أنّ الواحد المعنون بعنوانین هل یعدّ واحدا حقیقیّا أو لا،و الموضوع فی هذه المسألة هو أنّ النهی المتعلّق بذات العبادة أو المعاملة هل یقتضی الفساد أو لا،و من المعلوم أنّ الموضوع و المحمول فی المسألتین متغایران إذ الموضوع فی المسألة الأولی هو الواحد المعنون بعنوانین و الموضوع فی هذه المسألة هو النهی المتعلّق بذات العبادة أو المعاملة و المحمول فی الأولی هو أنّه یکون واحدا حقیقیّا و فی الثانیة هو أنّه هل یقتضی الفساد أو لا.

و مع امتیاز المسألتین بالموضوع و المحمول لا یبقی الإجمال و الشبهة حتّی ترفعه الجهة المبحوث عنها فی المسألتین إذ الاختلاف بالذاتیّات یوجب التمیّز بینهما فی المرتبة السابقة علی الاختلاف بالجهات المترتّبة و العارضة و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث قال:إنّ البحث فی هذه المسألة فی دلالة النهی علی الفساد بخلاف تلک المسألة فإنّ

ص:274

البحث فیها فی إنّ التعدّد یجدی فی رفع غائلة الاجتماع أم لا (1).

فالحقّ إنّ الاختلاف بین المسألتین باختلاف الموضوع و المحمول لا بالجهات العارضة.

و ممّا ذکر یظهر أیضا ما فی المحاضرات حیث قال:إنّ نقطة الامتیاز بین هذه المسألة و المسألة المتقدّمة هی أنّ النزاع فی هذه المسألة کبرویّ فإنّ المبحوث عنه فیها إنّما هو ثبوت الملازمة بین النهی عن عبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هی تعلّق النهی بالعبادة،و فی تلک المسألة صغرویّ حیث إنّ المبحوث عنه فیها إنّما هو سرایة النهی فی مورد الاجتماع و التطابق عن متعلّقه إلی ما ینطبق علیه متعلّق الأمر و عدم سرایته.

و علی ضوء ذلک فالبحث فی تلک المسألة فی الحقیقة بحث عن إثبات الصغری لهذه المسألة حیث إنّها علی القول بالامتناع و سرایة النهی عن متعلّقه إلی ما ینطبق علیه متعلّق الأمر تکون من إحدی صغریات هذه المسألة و مصادیقها فهذه النقطة الرئیسیّة للفرق بین المسألتین (2).

و ذلک لأنّ النقطة المذکورة أیضا من الجهات المترتّبة علی ناحیة اختلاف المسألتین فی الموضوع و المحمول فکما أنّ الامتیاز فی ناحیة الموضوعات و المحمولات لا یبقی المجال للاعتبار من ناحیة الجهات العارضة المذکورة فی الکفایة فکذلک لا یبقی المجال للامتیاز من ناحیة الجهات المترتّبة المذکورة فی المحاضرات.

ثمّ إنّ ما أفاده من أنّ نتیجة المسألة الأولی تکون صغری لهذه المسألة،بناء علی القول بالامتناع و سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه متعلّق الأمر،لا ما إذا قلنا بجواز الاجتماع فإنّ النهی حینئذ لم یتعلّق بالعبادة أصلا حتّی یبحث عن

ص:275


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 283.
2- 2) المحاضرات:ج 5 ص 3.

ملازمته مع الفساد و عدمها.

منظور فیه بعد ما ستعرف أنّ موضوع البحث فی المقام هو ما إذا تعلّق النهی بنفس العبادة من دون توسیط أیّ عنوان آخر و إلاّ فهو خارج عن محلّ الکلام و سیأتی إن شاء اللّه تعالی بقیّة الکلام فی المقدّمة السابعة.

و أمّا الفرق بین المسألتین بأنّ مورد المسألة السابقة هو العامّان من وجه بخلاف هذه المسألة فإنّ موردها هو العامّ و الخاصّ المطلق.

ففیه منع تخصیص المسألة الأولی بالعامّین من وجه إذ یجری النزاع المتقدّم فیما إذا لم یؤخذ مفهوم العامّ فی الخاصّ و إن کانا بحسب المورد العامّ و الخاصّ المطلق و علیه فیجری النزاع فی مثل قولهم(حرّک و لا تدن إلی موضع کذا)مع إنّ النسبة بینهما بحسب المورد هو العامّ و الخاصّ المطلق لتعدّد العنوان و کفایته فی المغایرة فی الذهن الذی یکون موطن تعلّق الأحکام،و علیه فلا یصحّ الفرق المذکور المحکیّ عن المحقّق القمیّ قدّس سرّه،و قد مرّ شطر من الکلام فی توضیح ذلک فی ص 58 فراجع.

المقدّمة الثانیة:أنّه اختلف أصحابنا الأصولیّون فی کون هذه المسألة من

مباحث الألفاظ

أو المباحث العقلیّة مع اتّفاقهم فی مسألة الاجتماع علی أنّ المسألة عقلیّة،و السبب فی ذلک هو اختلاف استدلالات القوم فإنّ جملة منها عقلیّة و جملة أخری لفظیّة،و بهذا الاعتبار جعل سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه المسألة عقلیّة لفظیّة حتّی تناسب استدلالات القوم.

و لکن ینبغی أن یقال علینا أن نجعل المسألة لفظیّة لأنّ الملازمة العقلیّة بین حرمة العبادة و انتفاء ملاک الأمر بوجود المفسدة و المرجوحیّة واضحة کما أنّ عدم الملازمة العقلیّة بین حرمة المعاملة تکلیفا و عدم ترتّب الأثر واضح فلا ینبغی أن یبحث فی الواضحات بل ینبغی البحث عن کشف النهی الذی یدلّ علی الحرمة عن مرجوحیّة المتعلّق و عدم وجود ملاک الأمر من المصلحة و عدم کشفه.

ص:276

و لذلک یکون الأنسب أن یجعل فی العنوان لفظ الکشف و یقال هل النهی عن الشیء یکشف عن الفساد أو لا.

و أمّا الاقتضاء بمعناه الفلسفیّ فلا مجال له لعدم التأثیر و التأثّر بین لفظ النهی و الفساد کما لا یخفی،و سیأتی إن شاء اللّه تعالی أنّ الدلالة الالتزامیّة ممنوعة فی المقام لفقدان شرطها من کون التلازم ذهنیّا و واضحا.

المقدّمة الثالثة:فی تحریر محلّ النزاع
اشارة

و لا یخفی علیک أنّ محلّ النزاع هو دلالة النواهی المولویّة و عدمها علی الفساد لا الإرشادیّة الدالّة علی المانعیّة فی المعاملات کالنهی عن الغرر،و فی العبادات کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه،إذ بعد إحراز کون النواهی هی الإرشادیّة إلی المانعیّة فلا خفاء فی دلالتها علی الفساد لأنّ مقتضی اعتبار عدم وجود شیء فی صحّة المعاملة أو العبادة هو عدم شمول أدلّتهما لهما مع وجود الشیء المذکور و اختصاصهما بغیر صورة وجود الحصّة المنهیّ عنها و هذا لیس إلاّ الفساد.

إدراج النواهی التنزیهیّة

ثمّ إنّ النواهی المولویّة هل تختصّ بالتحریمیّة أو تعمّ التنزیهیّة و لو بتعمیم الملاک،ذهب فی الکفایة إلی الثانی و إن کان ظاهر النواهی المولویّة هی التحریمیّة و ذلک لعموم ملاک البحث،إذ سیأتی إن شاء اللّه تعالی أنّ منشأ اقتضاء الفساد هو کاشفیّة النهی عن المرجوحیّة و مبغوضیّة متعلّق النهی فإنّ مع المبغوضیّة و المرجوحیّة لا یصلح المتعلّق للتقرّب.

و هذا الملاک موجود فی النواهی التنزیهیّة أیضا لأنّها تدلّ علی مرجوحیّة المتعلّق و هو مع المرجوحیّة لا یصلح للتقرّب،و الکلام فیما إذا تعلّق النهی بذات العبادة لا بالخصوصیّات اللاحقة بذاتها،و لا إشکال حینئذ فی دلالة النواهی علی مرجوحیّة ذات العبادة و مبغوضیّتها،و من المعلوم أنّه لا یمکن التقرّب بالمبغوض و المرجوح و إن

ص:277

کانت المبغوضیّة و المرجوحیّة ناقصة،هذا بخلاف ما إذا تعلّقت النواهی بالخصوصیّات اللاحقة فإنّ المرجوحیّة و المبغوضیّة لیست حینئذ فی ذات العبادة بل فی الخصوصیّات اللاحقة بالمصادیق فیمکن التقرّب بذات العبادة لأنّ حالها حال سائر الحصص و الأفراد فی إفادة الغرض و لکن هذه الصورة خارجة عن محلّ الکلام لأنّ الکلام فی النواهی المتعلّقة بذوات العبادات.

ذهب شیخنا الاستاد الأراکی قدّس سرّه إلی أنّ الحقّ هو عدم کون التنزیهیّ محلاّ للنزاع مستدلاّ بأنّ المفروض کون العنوان من حیث الذات مشتملة علی المصلحة الوجوبیّة المانعة من النقیض و هذه المصلحة لا تزاحمها إلاّ المفسدة التحریمیّة المانعة من النقیض أیضا لا المفسدة الکراهیّة الغیر المانعة عنه المشوبة بالرخصة فی الفعل فإنّ هذه لا یعقل أن تصیر مزاحمة للجهة الوجوبیّة و مسقطة لها عن التأثیر.

و بعبارة اخری الجهة الکراهیّة تقتضی کون الفعل خلاف الأولی و هو غیر مناف للعبادیّة و إنّما المنافی لها کونه معصیة و لهذا تراهم یسمّون العبادات التی تعلّق بها النهی التنزیهیّ بالعبادات المکروهة فإنّ معنی ذلک أنّها صحیحة غایة الأمر کونها أقلّ ثوابا و لم یعهد القول بفسادها من أحد حتّی من القائلین بأنّ النهی فی العبادات موجب للفساد فهذا دلیل علی خروج النهی التنزیهیّ من تحت هذا النزاع (1).

و یمکن أن یقال أوّلا إنّ المصلحة الوجوبیّة راجحة فلا یجتمع مع المرجوحیّة الدالّة علیها النهی التنزیهیّ فکما إنّ النهی التحریمیّ لا یجتمع مع المصلحة الوجوبیّة فکذلک لا یجتمع النهی التنزیهیّ الکاشف عن المرجوحیّة مع المصلحة الوجوبیّة فلا بدّ من تخصیص المطلقات بغیر صورة النواهی التنزیهیّة و لعلّ تسمیة العبادات بالمکروهة أو القول بأنّ العبادات المکروهة أقلّ ثوابا تختصّ بما إذا تعلّقت النواهی التنزیهیّة

ص:278


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 238.

بالخصوصیّات اللاحقة لا بذوات العبادات.

و ثانیا:أنّ محلّ الکلام فی النواهی التنزیهیّة لا یختصّ بالواجبات المنهیّة بالنهی التنزیهیّ بل یعمّ المستحبّات المنهیّة بالنهی التنزیهیّ،و من المعلوم أنّها لا تشتمل علی المصلحة الوجوبیّة حتّی یقال لا تزاحمها إلاّ المفسدة التحریمیّة المانعة من النقیض.

لا یقال:إنّ عموم الملاک لا یکون إلاّ بالنسبة إلی العبادات إذ المرجوحیّة لا تجتمع مع المقرّبیّة و هذا بخلاف المعاملات فإنّه لا مانع من اجتماع المرجوحیّة مع ترتّب الأثر و لذا تصحّ المعاملات المکروهة کبیع الأکفان لأنّا نقول کما فی تعلیقة المحقّق الأصفهانی قدّس سرّه بأنّ عدم العموم للمعاملات لا یقتضی التخصیص بالتحریمیّ مع العموم بالإضافة إلی العبادات لأنّ التحفّظ علی عموم العنوان الساری فی جمیع الأقسام ممکن بملاحظة النهی مطلقا أی غیر مقیّد بمرتبة خاصّة لا ملاحظته بجمیع مراتبه حتّی لا یعقل سریانه فی جمیع موارده من العبادات و المعاملات فتدبّر (1).

و بالجملة فلا وجه لتخصیص النزاع بالنواهی التحریمیّة لما عرفت من تعمیم الملاک بالنسبة إلی النواهی التنزیهیّة أیضا و لو فی العبادات.

خروج النواهی الغیریّة

ثمّ إنه ربّما یعمّم النزاع بالنسبة إلی النواهی الغیریّة کما ذهب إلیه فی الکفایة بدعوی تعمیم الملاک أیضا من جهة دلالتها علی الحرمة و إن لم تکن موجبة لاستحقاق العقوبة علی مخالفتها،إذ الحرمة مساوقة للمرجوحیّة و من المعلوم أنّها لا تجتمع مع العبادة لأنّها مساوقة للراجحیّة و مقتضی تقدیم النهی علی الأمر هو تخصیص مطلقات العبادة بغیر صورة النواهی و هذا لیس إلاّ معنی الفساد.

أورد علیه أوّلا بأنّ التکالیف المقدّمیّة علی فرض تسلیم المقدّمیّة و وجود

ص:279


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 141.

التکالیف شرعا خارجة عن محلّ النزاع لأنّها لیست متعلّقة بذات العبادة بل هی متعلّقة بها بعنوان غیر عنوان ذات العبادة و هی مقدّمیّتها لترک التکالیف النفسیّة مع أنّ الکلام فی النواهی المتعلّقة بذاتها.

و ثانیا:بأنّ التکالیف المقدّمیّة لا توجب مخالفتها العقوبة و البعد استقلالا لأنّهما مترتّبان علی مخالفة التکالیف النفسیة و علیه فالنواهی الغیریّة و إن قلنا بعدم اجتماعها مع الأمر بالعبادة إلاّ أنّها بمجرّدها لا توجب سقوط العبادة عن صلاحیّتها للتقرّب إذ لا تکون مخالفتها عصیانا و لا مبعّدة مستقلاّ.

لا یقال إنّ مقدّمیّة العبادة لترک ذی المقدّمة الذی هو مبعّد یکفی فی المنع عن التقرّب بها کما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانی (1)،بل و شیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه حیث قال:لا شکّ فی اتّصاف المقدّمیّة باللابدّیّة العقلیّة إذ معنی المقدّمیّة ذلک فیکون ترک ذیها مسبّبا عن ترکها فیکون ترتّب العقاب و البعد علی ترک ذی المقدّمة معلولا فی الحقیقة لترک المقدّمة و ما هو علّة لترتّب العقاب و البعد و لو علی غیره یکون اختیاره قبیحا لا محالة فیکون الحسن الفاعلیّ المعتبر فی العبادة منتفیا فیه فلهذا یمتنع عبادیّة الفعل الذی یکون ترکه مقدّمة لواجب.

و من هنا ظهر أنّ جریان ملاک النزاع فی المقدّمة التی تکون علّة للحرام غیر مبنیّ علی القول بوجوب مقدّمة الواجب بل یجری و لو علی القول بعدم وجوبها و ذلک لما عرفت من کفایة المقدّمیّة و اللابدّیّة العقلیّة فی ذلک،فمن قال فی مبحث الضدّ بعدم الاقتضاء لا لمنع مقدّمیّة ترک الضدّ لفعل ضدّه بل لمنع الوجوب مع تسلیم المقدّمیّة کان له أن یقول بفساد الضدّ لو کان عبادة فیشترک هذا القول مع القول بالاقتضاء بنتیجته (2).

ص:280


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 142.
2- 2) اصول الفقه:ج 1 ص 239.

لأنّا نقول أوّلا لا مقدّمیّة بین فعل العبادة و ترک الضدّ إذ الترک أمر عدمیّ و العدم لا یقبل العلّیّة بل الضدّ عدم بعدم أسبابه و علّته،و علیه ففعل الضدّ و هو العبادة لا یکون علّة لترک الضدّ الآخر الأهمّ الذی یوجب العقاب.

و ثانیا:بأنّ مبغوضیّة العبادة بعنوان مقدّمیّتها لترک ذی المقدّمة خارجة عن محلّ البحث عن مبغوضیّة العبادة بذاتها إذ تلک الجهة مغایرة لنفس العبادة من حیث هی بل داخلة فی مبحث اجتماع الأمر و النهی و قد مرّ أنّه لا مانع من اجتماع العنوان المحبوب و العنوان المبغوض فی شیء واحد بناء علی ما مرّ من جواز الاجتماع.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ صاحب نهایة الأفکار ذهب إلی خروج النواهی التحریمیّة عن محلّ النزاع کخروج الإرشادیّة عن محلّ النزاع،فالبحث فی دلالة النهی علی الفساد و عدمها یرجع إلی المبحث الصغرویّ بأنّ النهی المتعلّق بعنوان عبادة أو معاملة هل هو مولویّ تحریمیّ کی لا یقتضی الفساد أو إرشادیّ إلی خلل فیه حتّی یقتضی الفساد.

و تفصیل ذلک أنّه لا مجال لتوهّم الدلالة علی الفساد مطلقا سواء فی المعاملات أو العبادات.

أمّا المعاملات فواضح من جهة وضوح عدم اقتضاء مجرّد النهی المولویّ عن معاملة و حرمتها تکلیفا لفسادها وضعا و من ذلک لم یتوهّم أحد فساد المعاملة فی مورد نهی الوالد أو الحلف علی عدم البیع و نحوه.

و أمّا العبادات فکذلک أیضا و ذلک إنّ الفساد المتصوّر فیها لا یخلو إمّا أن یکون من جهة انتفاء الملاک و المصلحة فیها و عدم ترتّب الغرض علیها أو أن یکون من جهة الخلل فی القربة الموجب لعدم سقوط الأمر عنها.

أمّا الفساد من الجهة الأولی فواضح أنّه غیر مترتّب علی النهی حیث لا إشعار فیه فضلا عن الدلالة علی عدم المصلحة فی متعلّقه بل غایة ما یقتضیه إنّما هی الدلالة

ص:281

علی وجود المفسدة فی متعلّقه و أمّا الدلالة علی عدم المصلحة فیه و لو من جهة اخری فلا،و هو واضح بعد وضوح عدم الملازمة بین مجرّد حرمة الشیء و بین عدم ملاک الأمر و المصلحة فیه.

نعم لو کان بین المصلحة و المفسدة أیضا مضادّة کما بین المحبوبیّة و المبغوضیّة بحیث لا یمکن اجتماعهما فی موضوع واحد و لو بجهتین تعلیلیّتین لکان المجال لدعوی دلالة النهی و لو بالالتزام علی عدم وجود المصلحة فی متعلّقه و لکنّه لم یکن کذلک لما عرفت من إمکان اجتماعهما فی عنوان واحد بجهتین تعلیلیّتین و نظیره فی العرفیّات کما فی مثل وضع العمامة علی الرأس لمن کان له وجع الرأس فی مجلس فیه جماعة من المؤمنین الأخیار حیث إنّ کون العمامة علی الرأس مع کونه فیه کمال المفسدة بلحاظ وجع الرأس کان فیه أیضا کمال المصلحة بلحاظ کونه نحو إعزاز و إکرام للمؤمنین و کون ترکه هتکا و إهانة لهم،و علیه فلا یبقی مجال لدعوی دلالة النهی و اقتضائه للفساد من هذه الجهة.

و أمّا الفساد من الجهة الثانیة فهو و إن کان لا محیص عنه مع النهی و لکنّه أیضا مترتّب علی العلم بالنهی لا علی نفس وجود النهی و لو لم یعلم به المکلّف،فتمام العبرة فی الفساد فی هذه المرحلة علی مجرّد العلم بالنهی فإذا علم بالنهی کان علمه ذلک موجبا لعدم تمشّی القربة منه الموجب لفساد عبادته و إن لم یکن فی الواقع نهی أصلا کما أنّه مع عدم العلم به یتمشّی منه القربة و تصحّ منه العبادة و إن کان فی الواقع نهی کما عرفت فی مثال الجهل بالغصب أو الجهل بالحرمة عن تصوّر مع إنّ قضیّة ظاهر العنوان هو ترتّب الفساد علی نفس النهی الواقعیّ.

هذا مضافا إلی أنّه لو سلّم کون الفساد المفروض فی محلّ الکلام هو الفساد من تلک الجهة الأخیرة لما کان معنی لإنکاره من أحد فی العبادات بعد اتّفاقهم علی لزوم قصد القربة فیها.

ص:282

و علی ذلک فلا مجال لإرادة النهی المولویّ التحریمیّ من لفظ النهی فی عنوان البحث کما أنّه لا مجال أیضا لإرادة النهی الإرشادی منه لأنّه أیضا ممّا لا إشکال فی دلالته علی الفساد فی العبادات و المعاملات.

بل لا بدّ و أن یکون المراد منه فی العنوان طبیعة النهی فی نفسه فیکون مرجع النزاع حینئذ إلی أنّ النزاع فی أنّ النهی المتعلّق بالشیء عبادة کانت أم معاملة مولویّ تحریمیّ کی لا یقتضی الفساد أم إرشادیّ إلی خلل فیه حتّی یوجب الفساد،هذا (1).

و یمکن أن یقال إنّ الظاهر هو الخلط بین مسألة اجتماع الأمر و النهی و مسألة دلالة النهی عن ذات المعاملة أو العبادة علی الفساد و عدمها إذ ملاحظة نهی الوالد أو الحلف فی المعاملات أو الجهتین التعلیلیّتین فی العبادات و التمثیل بوضع العمامة علی الرأس تحکی عن ملاحظة العنوانین اللذین یکون أحدهما مرکبا للأمر و الآخر مرکبا للنهی مع أنّه یناسب باب مسألة اجتماع الأمر و النهی لا مسألة دلالة النهی علی الفساد لأنّ الکلام هاهنا بعد الفراغ عن تعلّق النهی بنفس العبادة من دون وساطة أیّ عنوان آخر.

فما مرّ فی مسألة الاجتماع من تصویر إمکان اجتماع المصلحة و المفسدة أو المحبوبیّة و المبغوضیّة فی شیء واحد لعدم کونها من الأعراض الخارجیّة القائمة بفعل المکلّف بل هی من الوجوه و الاعتبارات التی یمکن اجتماعهما فی شیء واحد بجهات مختلفة،یختصّ بتلک المسألة إذ تعدّد الجهات و الحیثیّات یوجب جواز اجتماع الأمور المذکورة فلا مانع من أن یکون شیء واحد بجهة ذا مصلحة و بأخری ذا مفسدة أو بجهة محبوبا و باخری مبغوضا بل بجهة مقرّبا و باخری مبعّدا کما مرّ تفصیله.

هذا بخلاف مسألة دلالة النهی علی الفساد بعد الفراغ عن تعلّقه بنفس العبادة

ص:283


1- 1) نهایة الأفکار:ص 453 و 454.

فإنّ مقتضی تعلّق النهی بنفس العبادة هو أنّ العبادة من حیث ذاتها تکون منهیّا عنها و من المعلوم أنّه لا یمکن اجتماع النهی المذکور مع الأمر بذات العبادة بعنوان واحد لعدم جواز اجتماع الامور المتضادّة فی شیء واحد بعنوان واحد.

فمع وحدة الجهة و الحیثیّة لا یبقی مجال لوجود المفسدة مع المصلحة أو لوجود المبغوضیّة مع المحبوبیّة أو لوجود المبعّدیّة مع المقربیّة لتضادّها.

و علیه فلقائل أن یدّعی أنّ النهی الدالّ علی وجود المفسدة أو المبغوضیّة أو المبعّدیّة یدلّ بالالتزام علی عدم وجود المصلحة أو المحبوبیّة أو المقرّبیّة.

و من المعلوم أنّ مقتضی وجود التضادّ بین الامور المذکورة هو اقتضاء النهی المولویّ بوجوده الواقعیّ للفساد من جهة تضادّ المفسدة مع المصلحة و المحبوبیّة مع المبغوضیّة و المبعّدیّة مع المقرّبیّة،و تمشّی قصد القربة ممّن لا یعلم بالنهی لا یوجب صحّة العبادة لأنّ المفروض أنّ النهی بوجوده الواقعیّ لا یجتمع مع المصلحة،و الحسن الفاعلیّ مع عدم الحسن الفعلیّ لا یکفی فی تحقّق العبادة.

هذا مضافا إلی أنّ البیان المذکور لخروج النهی المولویّ التحریمیّ عن محلّ النزاع و إرجاع البحث إلی النزاع الصغرویّ خلاف ظاهر کلمات الأصحاب.

فإنّ التصریح بأنّ الموضوع هو النهی المولویّ التحریمیّ أو الأعمّ من التنزیهیّ لا الإرشادیّ ینافی أن یکون الموضوع هو طبیعة النهی فی نفسه بحیث یرجع النزاع إلی النزاع فی أنّ طبیعة النهی المتعلّق بالشیء هل هو النهی المولویّ أو الإرشادیّ فلا تغفل.

فتحصّل أنّ النهی النفسیّ التحریمیّ و التنزیهیّ داخلان فی محلّ النزاع دون الإرشادیّ الغیریّ فإنّهما خارجان عن محلّ النزاع أمّا الإرشادیّ فلوضوح دلالة النهی علی الفساد بلا کلام و أمّا الغیریّ فلمّا عرفت من عدم تعلّقه بذات العبادة و عدم دلالته علی مبغوضیّة المتعلّق لأنّه لم یکن إلاّ للإلزام بإتیان غیره و الکلام فیما إذا تعلّق

ص:284

النهی بذات العبادة لا بعنوان آخر و دلّ علی مبغوضیّة العبادة.

و القول بأنّ الاختیار شیء و عموم النزاع فی المسألة شیء آخر فإنّ اختیارکم القول بأنّ النهی التنزیهیّ و الغیریّ لا یقتضیان الفساد لیس معناه اتّفاق الکلّ علی ذلک حتّی یکون النزاع فی المسألة مختصّا بما عداهما،و المفروض أنّ هناک من یقول بأنّ النهی التنزیهیّ و الغیریّ یقتضیان الفساد صحیح بالنسبة إلی ما لا یکون خارجا عن موضوع المسألة کالنهی التنزیهیّ أو التحریمیّ علی ما ذهب إلیه المحقّق العراقیّ قدّس سرّه و أمّا بالنسبة إلی ما یکون خارجا عن موضوع المسألة کالنهی الغیریّ فلا یصحّ کما لا یخفی.

المقدّمة الرابعة:فی المراد من العبادة و المعاملة المتعلّقتین للنهی

أمّا المراد من الاولی فی المقام فلیس ما یکون عبادة فعلیّة تامّة من جمیع الجهات و هو ما لا یحصل الغرض منه إلاّ إذا أتی به بداعی الأمر أو القربة ضرورة أنّه لا یمکن أن یتعلّق بها النهی حینئذ لامتناع اجتماع النهی مع الأمر فی شیء واحد فلا بدّ أن تفسّر العبادة فی المقام بشیء یمکن أن یتعلّق النهی به و هو أمران:

أحدهما:ما یکون بذاته و بعنوانه حسنا بالذات و مرتبطا بالمولی من دون حاجة إلی تعلّق الأمر به فإنّه عبادة ذاتیّة و موجبة بذاتها للتقرّب من حضرة المولی لو لا حرمته،و هذا مثل عنوان السجود له تعالی أو تسبیحه أو تقدیسه سبحانه فإنّ هذه العناوین تکون من العناوین الحسنة بالذات و مرتبطة بالمولی و لا تحتاج فی الحسن و الارتباط إلی تعلّق أمر بها فحیث خلت عن الأمر جاز تعلّق النهی بها و لا یلزم من تعلّقه بها محذور الاجتماع فی شیء واحد کما لا یخفی.

و ثانیهما:ما لا یکون بذاته و بعنوانه حسنا و مرتبطا بالمولی بل یحتاج فی الارتباط بالمولی إلی تعلّق الأمر به و حیث لا یمکن وجود الأمر الفعلیّ لمحذور اجتماع الأمر و النهی فالمراد منه هو العبادة التقدیریّة و الشأنیّة بمعنی أنّ المراد منها کلّ عمل لو امر به لکان عبادیّا لا یسقط أمره علی فرض تعلّقه به إلاّ إذا أتی به بوجه قربیّ.

ص:285

و المراد من العبادة الشأنیّة و التقدیریّة هی التی احرز وجود المصلحة فیها بإطلاق الأدلّة أو عمومها لا ما لم یحرز وجود المصلحة فیه بنفسه لأنّ محلّ الکلام فیما إذا استند الفساد إلی النهی لا إلی قصور المصلحة و لا ینافیه دلالة النهی علی عدم وجود المصلحة فی المتعلّق و تقیید المصلحة بعدم ورود النهی فلا تغفل.

و أمّا المراد من الثانیة أی المعاملة فهو ما یصحّ أن یتّصف بالصحّة و الفساد کی یصحّ النزاع فی أنّ النهی عنه هل یوجب الفساد أم لا فالعقود و الإیقاعات التی تسمّی بالمعاملة بالمعنی الأخصّ داخلة فی المعاملة لأنّها تتّصف بهما عند اجتماع الشرائط و عدمه بل مقتضی ما ذکر هو دخول غیرهما ممّا یتّصف بهما و یسمّی بالمعاملة بالمعنی الأعمّ کالتحجیر و الحیازة فإنّهما یتّصفان بالصحّة و الفساد بالنسبة إلی ثبوت الحقّ و الملکیّة و عدمهما.

نعم الأفعال التی لا تتّصف بهما کشرب الخمر و الغیبة و نحوهما من الفحشاء و المنکر فلا معنی للنزاع فیها بأنّ النهی عنها هل یقتضی الفساد أو لا بل هی خارجة عن المعاملات مطلقا کما لا یخفی،و هکذا یخرج عن المعاملة فی العنوان کلّ ما لا یمکن طروّ الفساد علیه مثل ما جعل علّة تامّة لبعض الآثار من دون تقیید و اشتراط کالإتلاف بالنسبة إلی الضمان فإنّه موجب له سواء کان عن عمد أو غیره و سواء کان المتلف عاقلا أو غیر عاقل فهو علّة تامّة بالنسبة إلی الضمان و لا یطرأ علیه الفساد فی حال من الأحوال فلا مجال بعد تعلّق النهی به للنزاع فی أنّه یوجب الفساد أو لا و إن کان من المعاملات بالمعنی الأعمّ و أمّا سائر المعاملات بالمعنی الأعمّ ممّا یتّصف بالصحّة و الفساد فهی داخلة فی عنوان المعاملة.

لا یقال إنّ الملکیّة تسبّبیة غیر مترتّبة علی ذات السبب قهرا فیمکن أن یتوهّم أنّ التسبّب القصدیّ لتقوّمه باعتبار الشارع نظرا إلی أنّ إیجاد الملکیّة تسبیبیّ من المالک و مباشریّ من الشارع،لا معنی لوجوده مع مبغوضیّة هذا الفعل التسبیبیّ

ص:286

المنوط تحقّقه بفعل الشارع و إیجاده المباشریّ من الشارع فمع النهی و المبغوضیّة لا یحصل الملکیّة هذا بخلاف ما کان الأثر مترتّبا علی نفس السبب قهرا من دون اعتبار التسبّب به إلی إیجاد اعتبار الشارع حتّی تتنافی المبغوضیّة مع إیجاد ما یتقوّم به المبغوض،و علیه فلا تستلزم مبغوضیة المعاملة بالمعنی الأعمّ کالغسل مبغوضیّة المسبّب و عدم حصوله شرعا له علیه فلا یعمّ ملاک اقتضاء النهی للفساد بالنسبة إلی غیر المعاملات بالمعنی الأخصّ کالعقود و الإیقاعات.

لأنّا نقول إنّ التحجیر و الحیازة و نحوهما کالمعاملة بمعنی الأخصّ فی عدم ترتّب الملکیّة علیهما قهرا بل یحتاج إلی التسبّب القصدیّ الذی یتقوّم باعتبار الشارع فیجری فیه ما ذکر فی المعاملة بالمعنی الأخصّ و مع کون التحجیر و الحیازة مثل المعاملات بالمعنی الأخصّ فلا وجه لدعوی خروجهما عن عنوان المعاملة و تخصیص العنوان بالمعاملات بالمعنی الأخصّ فتدبّر جیّدا.

و ممّا ذکر یظهر ما فی نهایة الدرایة حیث ذهب إلی اختصاص المعاملة بالمعاملات بالمعنی الأخصّ فراجع (1).

المقدّمة الخامسة:فی معنی الفساد فی عنوان البحث و هو أنّ النهی عن العبادة
اشارة

أو المعاملة هل یکشف عن الفساد أو لا؟.

و لا یخفی علیک أنّ الفساد فی مقابل الصحّة و لهما إطلاقان أحدهما بالنسبة إلی المرکّبات الاعتباریّة کالمعاملات و العبادات و ثانیهما بالنسبة إلی المرکّبات التکوینیّة کالفواکه و نحوهما.

أمّا معناهما فی الأوّل فهو التمام و النقص و أمّا معناهما فی الثانی فهو السلامة و العیب بناء علی کونهما کاشفین عن وجود الخصوصیّات الملاءمة أو المنافرة فإنّ مثل

ص:287


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 143 و 144.

البطّیخ الصحیح السالم یشتمل علی وجود الخصوصیّة الملاءمة و البطّیخ الفاسد یشتمل علی وجود الخصوصیّة المنافرة.

و من المعلوم أنّ التقابل فی الأوّل هو تقابل العدم و الملکة و التقابل فی الثانی هو تقابل التضادّ بناء علی کون الصحّة و الفساد فیه حاکیین عن أمرین وجودیّین.

و کلّ واحد من الإطلاقین شائع حقیقیّ سواء کان منشؤهما هو الوضع التعیّنی أو وضع الصحّة و الفساد بالتعیین للسلامة و العیب فی المرکّبات التکوینیّة ثم استعملا فی المرکّبات الاعتباریّة و الاختراعیّة مجازا إلی حدّ صارا حقیقة و حصل الوضع التعیّنی.

و علیه فدعوی الاشتراک المعنویّ بین الاستعمالین مردودة بل الاشتراک لفظیّ لما عرفت من اختلافهما فی التقابل.

و کیف کان فاستعمال الصحّة بمعنی التمام و الفساد بمعنی النقصان و الفقد فی العبادات و المعاملات واضح،و دعوی ترادف الصحّة و الفساد مع التمام و النقصان فی المرکبات الاعتباریّة و الاختراعیّة صحیحة کما أنّ دعوی أنّ التقابل بینهما هو التقابل بین العدم و الملکة أیضا صحیحة فی المرکّبات المذکورة.

و المراد من الفساد فی عنوان البحث هو هذا المعنی لا بمعنی العیب الذی یکون أمرا وجودیا یضادّ مع الصحّة بمعنی السلامة فی المرکّبات التکوینیّة.

تنبیه فی مجعولیّة الصحّة و الفساد و عدمها

و لا یخفی علیک أنّ المقصود من هذا البحث هو أنّ مع الشکّ فی الصحّة و عدمها هل یمکن جریان الاستصحاب فیها أم لا،فلیعلم أنّ الأقوی هو الجریان فی الصحّة الظاهریّة لأنّ المعیار فی جریان الاستصحاب کما ذهب إلیه صاحب الکفایة فی مبحث الاستصحاب هو أن یکون المستصحب ممّا تناله ید الشارع و یکون أمره بید الشارع

ص:288

وضعا و رفعا و لو بوضع منشأ انتزاعه و رفعه،و علیه فلا فرق بین أن یکون المستصحب مجعولا مستقلاّ کالتکلیف أو مجعولا تبعیّا کالجزئیّة و الشرطیّة و المانعیّة التی تکون مجعولة بتبع تعلّق الأمر أو تقیّده بوجود شیء أو بعدمه.

و لا ضیر فی انتزاعیّة الجزئیّة و الشرطیّة و المانعیّة لأنّ هذه الامور الانتزاعیّة ممّا تناله ید الشارع بوضع منشأ انتزاعها و رفعه فلا وجه لاعتبار أن یکون المترتّب أو المستصحب مجعولا مستقلاّ فراجع (1).

و أیضا صرّح بذلک فی مبحث البراءة فی الأقلّ و الأکثر حیث قال لا یقال إنّ جزئیّة السورة المنسیّة مثلا لیست بمجعولة و لیس لها أثر مجعول،و المرفوع بحدیث الرفع إنّما هو المجعول بنفسه أو أثره و وجوب الإعادة إنّما هو أثر بقاء الأمر بعد التذکّر مع أنّه عقلی و لیس إلاّ من باب وجوب الإطاعة عقلا.

لأنّه یقال إنّ الجزئیّة و إن کانت غیر مجعولة بنفسها إلاّ أنّها مجعولة بمنشإ انتزاعها و هذا کاف فی صحّة رفعها (2).

و علیه فلا مانع من أن یقال:إنّ الصحّة و الفساد أیضا من الامور الانتزاعیّة التی تکون مجعولة بتبع مجعولیّة منشأ انتزاعها فإنّ انتزاع الصحّة الظاهریّة من العمل فی موارد قاعدتی التجاوز و الفراغ فی العبادات و من المعاملات فی موارد الشکّ فیها یکون تابعا لتصرّف الشارع فی المنشأ برفع الید عن الشرط أو الجزء أو المانع فکما أنّ انتزاعیّة الجزئیّة لا تمنع عن جریان البراءة و الاستصحاب فکذلک انتزاعیّة الصحّة الظاهریّة لا تمنع عن جریان الاستصحاب و لا یلزم فی جریان الاستصحاب أن تکون الصحّة مجعولة بالاستقلال و علیه فالانتزاعات المترتّبة علی الوضع و الرفع الشرعیّ تکون مجعولة بالتبع و المجعولیّة بالتبع کالمجعولیّة بالاستقلال فی جریان الاستصحاب

ص:289


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 308 و 329.
2- 2) الکفایة:ج 2 ص 235.

فلا یضرّ التطبیق القهریّ بین المأتیّ به و المأمور به بعد رفع الید عن الشرط أو الجزء لأنّ التطبیق القهریّ و الانتزاع العقلیّ یتّبع الرفع الشرعیّ کما عرفت و بالجملة التبعیّة بوجه تکفی فی جریان الاستصحاب و لذلک قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه بأنّ مقتضی ما أفاده صاحب الکفایة فی مبحث الشکّ فی الأقلّ و الأکثر هو أن یکون الاستصحاب جاریا فی المقام لأنّ الصحّة سواء کانت بمعنی الموافقة کما فسّرها المتکلّم أو التمامیّة أو المسقطیّة للإعادة و القضاء کما فسّرها الفقیه و الأصولی تکون من المجعولات التبعیّة الشرعیّة فإنّ مع رفع الشرطیّة أو الجزئیّة یصیر العمل موافقا للمأمور به و مسقطا و مع عدم رفعهما یکون المأتیّ به مخالفا له فالموافقة و المخالفة أو المسقطیّة و عدم المسقطیّة یتّبعان إرادة الشارع و عدمها و لا معنی للمجعولیّة التبعیّة إلاّ ذلک،انتهی.

و التبعیّة العرفیّة للجعل الشرعی تکفی فی جریان الاستصحاب و لو لم یکن نفس جعل الشارع مستتبعا لأمر اعتباری أو انتزاعی آخر کما فی الجزئیّة أو الشرطیّة (التی یکفی فی انتزاعها نفس أمر الشارع مثلا بالمرکّب منه أو المقیّد به)لتوقّفه علی إتیان المکلّف به فی الخارج لکفایة ارتباطه بالجعل الشرعی بنحو من الأنحاء و لو لم یکن مستتبعا لأمر انتزاعی أو اعتباری بنفسه بل مع الإتیان به خارجا فتدبّر جیّدا.

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکلمات المذکورة من الأعلام فی المقام من عدم جریان الاستصحاب فی الصحّة و الفساد لعدم إمکان مجعولیّتهما مطلقا معلّلا بأنّ الصحّة أمر تکوینیّ عقلیّ لا ینالها الجعل (1).

مع إنّک عرفت أنّها و إن لم تکن مجعولة بالاستقلال و لکنّها مجعولة بالتبع و هو کاف فی جریان الاستصحاب أو من عدم جریان الاستصحاب فیهما لکون الصحّة

ص:290


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 155.

أمرا انتزاعیّا و الأمر الانتزاعیّ لیس مجعولا شرعیّا کما یظهر من المحقّق الأصفهانیّ (1).

مع إنک عرفت أنّها و إن کانت انتزاعیّة و لکن الانتزاع المذکور یکون تبعا و لو بنحو من الأنحاء للتصرّف الشرعیّ فی منشأ الانتزاع.

لا یقال-کما فی تعلیقة المحقّق الأصفهانیّ-أنّ الصحّة بمعنی مسقطیّة المأتی به للأمر بالإعادة و القضاء مستندة إلی مصلحة التسهیل و هی واقعیّة لأنّ العلّة لعدم الأمر بالقضاء هی مصلحة التسهیل المانعة عن اقتضاء بقیّة المصلحة للمبدل للقضاء فی الأحکام الظاهریّة فلا تکون الصحّة جعلیّة بتبع إنشاء عدم وجوب الإعادة و القضاء (2).

لأنّا نقول أوّلا إنّ المصلحة الواقعیّة لو کانت مانعة عن مجعولیّة الصحّة لکانت مانعة عن مجعولیّة الأحکام التکلیفیّة لأنّها مستندة إلیها فکما أنّ عدم وجوب الإعادة و القضاء أمران مجعولان فکذلک تکون المسقطیّة المنتهیة إلی الأمرین المذکورین مجعولة تبعا فلا وجه للتفرقة بین عدم وجوب الإعادة و القضاء و الصحّة بالمعنی المذکور.

و ثانیا:إنّ العلّة لعدم الأمر بالقضاء و الإعادة هی رفع الید عن الشرط أو الجزء فمع رفع الید عنهما ینطبق المأمور به قهرا علی المأتیّ به و ینتزع منه الصحّة،و لکنّه مع ذلک کان منتهیا إلی الرفع الشرعی و هو کاف فی جریان الاستصحاب.

و ثالثا:کما أفید أنّ نفی وجوب القضاء و الإعادة و إن کانت علّته الغائیّة و الداعی له هو مصلحة التسهیل الغالبة علی المصلحة الأوّلیّة لکنّ موضوعه من جاء بالعمل الاضطراریّ أو الظاهریّ دون غیره فنفی الأمر بالقضاء یترتّب علی المأتیّ به

ص:291


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 144 و 145.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 145.

ترتّب الحکم علی موضوعه فهو یرتبط بالمأتیّ به بهذا الارتباط و هو یکفی فی وصف المأتیّ به بالصحّة و کونه مسقطا للأمر بالقضاء و إن کانت العلّة الغائیّة لعدم الأمر به شیئا آخر (1).

ثمّ لا یخفی علیک أنّه لا فرق فی ما ذکر بین العبادات و المعاملات فإنّه کما أنّ الحکم بعدم وجوب القضاء أو الإعادة یکون منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی العبادات فی مثل موارد قاعدة الفراغ و التجاوز فکذلک یکون الحکم بعدم تکرار المعاملة منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی موارد أصالة الصحّة فی المعاملات.

فاستناد الصحّة الظاهریّة إلی الحکم الشرعیّ و لو بنحو من الأنحاء یکفی فی جریان الاستصحاب مطلقا سواء کانت الصحّة الظاهریّة فی العبادات أو المعاملات.

ثمّ لا یذهب علیک أنّه ذهب فی المحاضرات إلی التفصیل بین العبادات و جعل الصحّة و الفساد فیها أمرین واقعیّین دون المجعولین أصلا لا أصالة و لا تبعا بدعوی أنّ انطباق الطبیعیّ علی فرده فی الخارج و عدم انطباقه أمران تکوینیّان و غیر قابلین للجعل تشریعا من دون فرق فی ذلک بین الماهیّات الجعلیّة و غیرها،و الصحّة و الفساد منتزعان من انطباق العبادات علی الوجود الخارجیّ و عدم انطباقها علیه فلا تنالهما ید الجعل أصلا لأنّ المجعول هو الحکم المتعلّق بالماهیّات الجعلیّة من دون فرض وجودها(و إلاّ لزم تحصیل الحاصل).

و بین المعاملات فإنّها بما أنّها اخذت مفروضة الوجود فی لسان أدلّتها فبطبیعة الحال تتوقّف فعلیّة الإمضاء علی فعلیّتها فی الخارج فما لم تتحقّق المعاملة فیه لم یعقل تحقّق الإمضاء لاستحالة فعلیّة الحکم بدون فعلیّة موضوعه،و علی ذلک فإذا تحقّق بیع مثلا فی الخارج تحقّق الإمضاء الشرعی و إلاّ فلا إمضاء له لأنّ الإمضاء الشرعیّ فی

ص:292


1- 1) منتقی الاصول:ج 3 ص 175.

باب المعاملات لم یجعل لها علی نحو صرف الوجود لتکون صحّتها کالعبادات منتزعة عن انطباقها علی الفرد الموجود و فسادها من عدم انطباقها علیه.

و ذلک لامتیاز المعاملات عن العبادات فی أنّ نسبة المعاملات إلی الإمضاء الشرعیّ فی إطار أدلّته الخاصّة نسبة الموضوع إلی الحکم لا نسبة المتعلّق إلیه،و هذا بخلاف العبادات کالصلاة و نحوها فإنّ نسبتها إلی الحکم الشرعیّ نسبة المتعلّق لا الموضوع،و حیث إنّ موضوع الحکم فی القضایا الحقیقیّة قد اخذ مفروض الوجود فی مقام التشریع و الجعل دون متعلّقه تدور فعلیّة الحکم مدار فعلیّة موضوعه فیستحیل أن یکون الحکم فعلیّا فیها بدون فعلیّة موضوعه فلا حکم قبل فعلیّته إلاّ علی نحو الفرض و التقدیر فلکلّ فرد حکم علی حدة عند تحقّقه و لا معنی للصحّة إلاّ الحکم بترتّب الأثر علی الفرد الموجود فی الخارج و علیه فالصحّة و الفساد فی المعاملات مجعولین شرعا بخلاف العبادات (1).

یمکن أن یقال أوّلا أنّه لا فرق بین العبادات و المعاملات فی أنّ تعلّق الأحکام بهما علی نهج ضرب القانون و مقتضاه هو أن تلاحظ المعاملات کالعبادات بنحو الکلّیّ و یتعلّق بها الإمضاء کالقول بأنّ(من حاز ملک)و(من سبق إلی شیء صار أحقّ)و قوله تعالی (أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرّبا) و قول النبیّ صلّی اللّه علیه و آله(الصلح جائز)و غیر ذلک فإنّ المقصود بها إنشاءات لا إخبارات کما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانی قدّس سرّه حیث قال:إنّ(أحلّ اللّه البیع)إخبار بالاعتبار عند تحقّق البیع الإنشائیّ و نحوه فی الخارج و قوله علیه السّلام(من حاز ملک)إخبار بتحقّق الاعتبار عند تحقّق العنوان فی الخارج (2).

فإنّ الإخبارات لا تناسب دأب و دیدن المقنّنین فإنّهم أنشئوا الأحکام علی الموضوعات بنحو القضیّة الحقیقیّة لا أنّهم أخبروا بالاعتبار و الإنشاء فیما سیجیء

ص:293


1- 1) راجع المحاضرات:ج 5 ص 9 و 10.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 146 و 147.

طبقا لوجود الموضوع فالحکم بالنسبة إلی الموضوعات المقدرة الوجود إنشاء لا إخبار،و امکان تعلّق الحکم بالوجود الخارجیّ فی ناحیة الموضوعات دون المتعلّقات لا یوجب أن تحمل الإنشاءات فی المعاملات علی الإخبار مع إنّه خلاف دأب المقنّنین.

و ثانیا:أنّ الأحکام الواقعیّة الأوّلیة لا یمکن تعلّقها بالمتعلّقات بوجودها الخارجیّة لأنّ ذلک یوجب تحصیل الحاصل،و أمّا الأحکام الظاهریّة فلا مانع من تعلّقها بالمتعلّقات بلحاظ وجوداتها الخارجیّة فإنّ المتعلّقات الموجودة بعد فرض وجودها صارت کالموضوعات فی اللحاظ الثانی و الشارع ینظر إلی کلّ عمل صادر عن المکلّفین ممّا لم یکن مطابقا للواقع فحکم فی العبادات بعدم الإعادة و القضاء، فالحکم بعدم الإعادة کعدم القضاء مترتّب علی المتعلّق المفروض الوجود و معنی عدم وجوب القضاء و الإعادة هو الحکم بصحّة المتعلّق الموجود فلا فرق بینها و بین المعاملات الخارجیّة المحکومة بعدم التکرار،ففی کلّ منهما تکون القضیّة بنحو الحقیقیّة و یکون الحکم بالصحّة شرعیا فإن کان ذلک موجبا لمجعولیّة الصحّة لکلّ فرد فرد شرعا فهو کذلک فی کلا البابین من المعاملات و العبادات فلا وجه للتفرقة بین الأحکام الظاهریّة الواردة فی العبادات و بینها فی المعاملات و مقتضی ما ذکر هو کون الصحّة الظاهریّة من الأحکام الشرعیّة فی کلا البابین.

فتحصّل أنّ الأقوی هو مجعولیّة الصحّة و الفساد فی الأحکام الظاهریّة من دون فرق بین العبادات و المعاملات.

و سواء قلنا بتعلّق الأحکام الشرعیّة بالکلّیّات أو قلنا بتعلّقها بالجزئیّات بنحو القضیّة الحقیقیّة لأنّ الصحّة و الفساد إمّا منتزعة عن الموارد بتبع رفع الید الشرعیّ عن وجوب القضاء أو الإعادة بالنسبة إلی الکلّیّات أو مجعولة بالنسبة إلی الموضوعات و کلّ واحد منهما ینتهی إلی الشرع بوجه و الانتهاء إلیه بوجه یکفی فی صحّة الاستصحاب.

ص:294

و ممّا ذکر یظهر ما فی الکفایة حیث ذهب إلی الفرق بین الکلّیّات و الموارد فی مجعولیّة الصحّة و الفساد فذهب إلی مجعولیّتهما فی الکلّیّات دون الموارد و ذلک لما عرفت من کفایة المجعولیّة التبعیّة و عدم الحاجة إلی المجعولیّة الاستقلالیّة.

هذا مضافا إلی إمکان کون القضایا فی الأحکام الظاهریّة بنحو القضیّة الحقیقیّة و مجعولیّة الأثر لموضوعاتها من دون فرق بین العبادات و المعاملات.

فالصحّة و الفساد مجعولة حینئذ فی کلا البابین مطلقا فاتّضح عدم صحّة قول من ذهب إلی عدم المجعولیّة مطلقا و هکذا قول من فصّل بین العبادات و المعاملات لما عرفت من أنّ الأقرب هو التفصیل بین الأوامر الواقعیّة و الأوامر الظاهریة فتدبّر جیّدا.

المقدّمة السادسة:فی مقتضی الأصل فی المقام

و الکلام فیه یقع فی مقامین:

المقام الأوّل:فی مقتضی الأصل فی المسألة الاصولیّة و لا یخفی علیک أنّه إذا شکّ فی أنّ النهی هل یدلّ لفظا علی الفساد أو لا أو شک فی أنّ الحرمة هل تکون ملازمة مع الفساد عقلا أو لا فلا أصل فی المسألة.

أمّا فی الدلالة فلأنّ الدلالة و عدمها لیست لهما حالة سابقة لأنّ اللفظ إمّا وضع من أوّل وجوده لما یستفاد منه الفساد أو لغیره و المفروض أنّه لم یعلم أیّ منهما و لم یمض علی اللفظ زمان یعلم فیه حالة سابقة اللّهمّ إلاّ أن یقال کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه انّ عروض الترکیب لطبیعیّ اللفظ فی ذهن الواضع کان قبل الدلالة و الوضع زمانا أو یقال انّ الدلالة تحقّقت بعد الوضع زمانا (1).

و فیه أنّ محلّ الکلام هو اللفظ الدالّ لا اللفظ قبل دلالته فتأمّل.

ص:295


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 156.

هذا مضافا إلی إمکان تقارن الوضع و الدلالة کوضع أسامی الأولاد عند حضور الأهل و الأقارب إذ لا فاصلة بینهما کما لا یخفی ثمّ أنّ أصالة عدم وضع اللفظ لمجموع الحرمة و الفساد معارضة مع أصالة عدم وضعه لخصوص الحرمة.

و أمّا فی الملازمة العقلیّة فلأنّ الشکّ دائما فی أصل ثبوتها أو عدمه أزلا و لا أصل فی البین حتّی یعیّن أنّ الملازمة کانت من الأزل أو لم تکن،هذا إذا قلنا بأنّ الملازمة أو عدمها أزلیّة و أمّا إذا لم نقل بأزلیّتها و قلنا بأنّها عند تحقّق الحرمة إمّا تکون متحقّقة أو غیر متحقّقة ففی هذه الصورة حیث لم تکن الملازمة بنحو الکون التامّ موجودة قبل تحقّق الحرمة فالحالة السابقة معلومة و لکن استصحابها لا یثبت عدم ملازمة الحرمة المتحقّقة کما أنّ استصحاب عدم الکرّیّة لا یجری لإثبات عدم کرّیّة الماء الموجود المشکوک کرّیّته لأنّه ثبت هذا مضافا إلی أنّ الملازمة بین الحرمة و الفساد إن کانت عقلیّة لا مجال للاستصحاب فیها لأنّ العقل إمّا حکم بها أو لم یحکم بها و الأحکام العقلیّة لا تثبت بالاستصحاب.

و ممّا ذکر یظهر حکم جریان الاستصحاب فی الملازمة بنحو الکون الناقص لا من جهة أنّه لا حالة سابقة لها حتّی تستصحب إذ الحرمة من أوّل وجودها مشکوکة الملازمة مع الفساد لإمکان أن یجری فیها الاستصحاب بنحو الاستصحاب فی الأعدام الأزلیّة کاستصحاب عدم قرشیّة المرأة المشکوک انتسابها إلی قریش و لو بنحو سلب المحمول من باب السلب بانتفاء الموضوع و یقال إنّ هذه الحرمة قبل وجودها لم تکن ملازمة مع الفساد و لو بسبب انتفاء وجودها و الآن هی کذلک.

و لا ضیر فی أنّ العدم المذکور لا حالة سابقة له إذ العدم قبل الوجود کان من جهة عدم الموضوع و هو غیر العدم المقصود إثباته بالاستصحاب لأنّه العدم بعد الوجود لأنّ هذا المقدار لا یوجب تعدّدا فی ذات العدم لا دقّة و لا عرفا فلا مانع من استصحابه فتأمّل.

ص:296

بل من جهة ما عرفت من أنّ الاستصحاب لا معنی له فی الأحکام العقلیّة و المفروض أنّ الملازمة من الأحکام العقلیّة.

هذا مضافا إلی ما أفاده سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أنّ الملازمة کنفس الدلالة لیست موضوعة لحکم شرعیّ و اللازم فی جریان الاستصحاب هو کون المستصحب حکما أو موضوعا للأثر الشرعیّ.

و صحّة الصلاة لدی تحقّق المقتضیات و عدم الموانع عقلیّة لا شرعیّة (1).

فتحصّل أنّه لا أصل فی المسألة الاصولیّة حتّی یعوّل علیه عند الشکّ فی الدلالة أو الملازمة العقلیّة.

المقام الثانی:فی مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة.

و لا یخفی علیک أنّ مقتضی الأصل فی المعاملات هو الفساد لو لم یکن هناک إطلاق أو عموم یقتضی الصحّة فی المعاملات و لکنّ محلّ الکلام فیما إذا کان الإطلاق أو العموم موجودا بحیث لو لم یکن النهی کانت المعاملة صحیحة فإذا شکّ فی وجود الدلالة أو الملازمة فمقتضی الإطلاق و العموم هو الصحّة لا من جهة الاعتماد علی قاعدة البراءة أو قاعدة التجاوز حتّی یقال إنّ مجراهما هو المجعولات الشرعیّة لا الدلالة أو الملازمة العقلیّة بل نفس الإطلاق و العموم یصلح للاعتماد.

ثمّ إنّ مقتضی الأصل فی العبادات هو الفساد لسقوط الأمر بتعلّق النهی بذات العبادة إذ لا یجتمعان فی عنوان واحد و لعدم إحراز الملاک بسقوط الأمر إذ لا طریق لإحراز الملاک بعد سقوط الأمر فمقتضی الاشتغال الیقینیّ بالعبادة المقرّبة هو الفراع الیقینیّ و هو لا یحصل إلاّ بتحصیل الفرد الغیر المبغوض بالفعل یقینا و علیه فلا یجوز الاکتفاء بالمنهیّ المذکور فی مقام الامتثال.

ص:297


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 156.

یمکن أن یقال إنّ ذلک صحیح فیما إذا لم یکن إطلاق و أمّا مع وجود الإطلاق الدالّ علی وجود الملاک فالأصل هو الصحّة دون الفساد لکفایة قصد الملاک من دون حاجة إلی الأمر کما ذهب إلیه سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه.

و توضیح ذلک کما أفاد المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه سابقا فی مبحث اجتماع الأمر و النهی:

إنّ انتفاء المعلول کلّیّة و إن أمکن أن یکون بعدم المقتضی أو بوجود المانع إلاّ أنّ الکاشف عن المعلول کاشف عن علّته التامّة و التکاذب و التنافی بین المعلولین لا یوجب اختلال الکشف عن المقتضی و عدم المانع معا.

بیانه أنّ کلاّ من الدلیلین یدلّ بالمطابقة علی ثبوت مضمونه من الوجوب و الحرمة و یدلّ بالالتزام علی ثبوت المقتضی و الشرط و عدم المانع من التأثیر و عدم المزاحم وجودا لمضمونه المطابقیّ فإذا کان أحد الدلیلین أقوی دلّ علی وجود مزاحم فی الوجود لمضمون الآخر فیدلّ علی عدم تمامیّة العلّة من حیث فقد شرط التأثیر و لا یدلّ علی أزید من ذلک لیکون حجّة فی قبال الحجّة علی وجود المقتضی فی الآخر، و الدلالة الالتزامیّة تابعة للدلالة المطابقیّة وجودا لا حجّیّة و دلیلا،فسقوط الدلالة المطابقیّة فی الأضعف عن الحجّیّة لا یوجب سقوط جمیع دلالاته الالتزامیّة بل مجرّد الدلالة علی عدم المزاحم فی الوجود و المانع من التأثیر،و هذا طریق متین لإحراز المقتضی بقاء فی صورة الاجتماع و سقوط أحد الدلیلین عن الفعلیّة (1).

و علیه فسقوط الدلالة المطابقیّة فی الأمر بسبب تعلّق النهی بذات العبادة لا یلازم سقوط دلالاته الالتزامیّة عن الحجّیّة و مع عدم سقوط تلک الدلالات یبقی إطلاق الدلیل بالنسبة إلیها و یدلّ علی وجود الملاک،فیکون ذلک کافیا للقصد

ص:298


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 91.

و المفروض هو الشکّ فی الدلالة علی الفساد أو الملازمة مع الفساد.

فتحصّل أنّ مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة هو الفساد لو لم یکن إطلاق، و الصحّة إن کان للدلیل إطلاق،و لا فرق فیه بین المعاملات و العبادات فتدبّر.

المقدّمة السابعة:فی أنّه لا فرق فی العبادة المنهیّة بین أن تکون بسیطة کصوم العیدین أو مرکّبة کصلاة الحائض أو جزء للعبادة کقراءة سور العزائم.أو شرطا عبادیّا لها کالوضوء.

فإنّ النهی فی جمیع الصور یکون متعلّقا بالعبادة و الحکم المبحوث عنه من الفساد و عدمه یجری فی جمیع الصور من دون حاجة إلی البحث عن کلّ واحد واحد کما صنعه فی الکفایة،و لذلک أورد علیه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه بأنّه لا مجال للبحث عن کلّ واحد منها إذ لا فرق بین عبادة و عبادة،و حدیث فساد المرکّب بفساد الجزء و فساد المشروط بفساد الشرط لا ربط له بدلالة النهی علی فساد العبادة و لا بفساد العبادة المنهیّ عنها،فالبحث عن تعلّق النهی بجزء العبادة و شرطها و نحوها علی أیّ حال أجنبیّ عن المقام کما أنّ البحث عن النهی عنه لجزئه أو لشرطه أو لوصفه سواء کان حرمة الجزء و الشرط و الوصف واسطة فی العروض أو واسطة فی الثبوت من حیث اقتضاء الفساد خال عن السداد.

أمّا إذا کان المحرّم نفس الجزء و الشرط و الوصف و نسبت الحرمة إلی المرکّب و المشروط و الموصوف بالعرض فواضح،حیث لا حرمة لها حقیقة بل بالعرض و المجاز (و النهی العرضیّ خارج عن محلّ الکلام)و حرمة نفس الجزء و الشرط و الوصف إذا کانت عبادة ممّا لا مجال للبحث عنها إذ لا فرق بین عبادة و عبادة.

و أمّا إذا کان المرکّب و المشروط و الموصوف محرّما حقیقة لفرض سریان الحرمة حقیقة إلی هذه الأمور من الجزء و الشرط و الوصف فبعد هذا الفرض تکون

ص:299

العبادة محرّمة حقیقة و لا دخل لسبب الحرمة نفیا و إثباتا کی یتکلّم فیه (1).

ثمّ لا یخفی علیک أنّ مقتضی ما عرفت سابقا من أنّ محلّ النزاع فی المقام هو ما إذا تعلّق النهی بذات العبادة بعنوان واحد أنّ البحث عن النهی عن الوصف الملازم للعبادة-کالنهی عن الجهر فی موضع الإخفات و عن الإخفات فی موضع الجهر- خارج عن محلّ النزاع و داخل فی مسألة اجتماع الأمر و النهی لأنّ عنوان الإجهار غیر عنوان القراءة و المغایرة الذهنیّة تکفی فی تعدّد متعلّق الأمر و النهی و لا یضرّه اتّحاد وجودهما فی الخارج لأنّ الخارج ظرف للسقوط لا للثبوت و لذا قلنا بجواز الاجتماع فی صورة الاتّحاد کصورة الانضمام.

هذا مضافا إلی أنّ الوحدة الخارجیّة-علی الامتناع-لا توجب إلاّ سقوط الأمر لعدم إمکان اجتماعهما.

و أمّا ملاک الأمر بالقراءة فهو موجود لکون القراءة الجهریّة مصداقا لعنوانین أحدهما القراءة و الآخر الجهر بها.

علی أنّ القراءة یمکن انفکاکها عن الإجهار بإتیانها مع الإخفات فی الظهرین، کما یمکن انفکاکها عن الإخفات بإتیانها مع الإجهار فی العشاءین،و علیه فلا یکون بین القراءة و الإجهار أو الإخفات تلازم بحسب ملاحظتهما مع الظهرین أو العشاءین، و علیه فلا یکون أصل القراءة منهیّا عنه کما لا یخفی،ثمّ لا یخفی أن أظهر من خروج النهی عن الوصف الملازم عن محلّ الکلام و دخوله فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو خروج النهی خروج النهی عن الوصف المفارق للموصوف.

و ذلک لأنّ الوصف المفارق إن کان غیر متّحد مع الموصوف و لم نقل بسرایة الحکم من أحدهما إلی الآخر فلا مناص من القول بالجواز و لا یتجاوز النهی عن

ص:300


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 148-147.

متعلّقه إلی متعلّق الأمر.

و إن کان متّحدا مع الموصوف و قلنا بأنّ المغایرة الذهنیّة تکفی فی جواز الاجتماع و عدم السرایة فلا مناص أیضا عن القول بالجواز دون الامتناع کما اخترناه سابقا،و لو قلنا بعدم کفایة المغایرة الذهنیّة و تعلّق النهی بالخارج فاللازم هو القول بالامتناع لعدم إمکان اجتماع النهی فی الأمر فی الوجود الخارجیّ،و لکن یکفی فی صحّة العبادة وجود الملاک بالنسبة إلی مورد الأمر لأنّ المفروض أنّ الوجود الواحد الخارجیّ مصداق للعنوانین و مقتضاه هو وجود الملاک علی حسب ما مرّ مفصّلا فی مبحث اجتماع الأمر و النهی،و کیف کان فهو خارج عن محلّ النزاع المفروض فیه تعلّق النهی بالعبادة بعنوان واحد فلا تغفل.

فتحصّل أنّ محلّ النزاع هو ما إذا تعلّق النهی بالعبادة بعنوان واحد من دون فرق بین أن تکون العبادة مرکّبة أو بسیطة أو جزء أو شرطا بالنسبة إلی عبادة اخری إذ النهی فی کلّ هذه الصور تعلّق بالعبادة و یکون داخلا فی محلّ النزاع،هذا بخلاف ما إذا تعلّق النهی بعنوان آخر کالوصف ملازما کان أو مفارقا فإنّ النهی حینئذ لم یتعلّق بالعبادة بعنوان واحد بل هو داخل فی مسألة اجتماع الأمر و النهی فتدبّر جیّدا.

المختار فی المسألة

اشارة

إذا عرفت المقدّمات المذکورة فالمهمّ حینئذ هو بیان المختار فی المسألة و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی العبادات،

فنقول و علی اللّه الاتّکال:لا شبهة فی أنّ النهی التحریمیّ المتعلّق بعنوان العبادة یقتضی الفساد عقلا فإنّه یدلّ علی حرمتها بعنوانها و هو یکشف عن مبغوضیّتها و مع المبغوضیّة الذاتیّة لا یصلح المنهیّ لأن یتقرّب به و المفروض أنّ محلّ البحث هو أن تکون العبادة بعنوانها لا بعنوان آخر منهیّا عنها فلا

ص:301

أمر بالنسبة إلی متعلّق النهی إذ لا یمکن اجتماعهما فی عنوان واحد،کما لا ملاک فإنّ النهی عن العبادة مع فرض الإطلاقات الدالّة علی مطلوبیّة العبادة یرجع إلی استثناء مورد النهی عن تلک المطلقات،و معنی الاستثناء المذکور هو تقیید المادّة و مقتضی ذلک هو عدم وجود الملاک فیها،هذا مضافا إلی تضادّ المفسدة مع المصلحة فمع وجود المفسدة فی العبادة بعنوانها کما هو المفروض لا یمکن اجتماعها مع المصلحة بذلک العنوان کما لا یخفی.

ربّما یقال کما فی نهایة الأفکار أنّ النهی المولویّ المتعلّق بعنوان العبادة غیر مقتض لفساد العبادة إلاّ من جهة قضیّة الإخلال بالقربة الموقوفة علی العلم به و إلاّ فمن جهة فقدانها للملاک و المصلحة لا دلالة علیه بوجه من الوجوه لأنّ غایة ما یقتضیه النهی المزبور بما أنّه نهی مولویّ تحریمیّ إنّما هو الدلالة علی قیام المفسدة فی متعلّقه و أمّا الدلالة علی عدم وجود ملاک الأمر و المصلحة فیه و لو من جهة اخری فلا.نعم مع الشکّ فی الملاک کان مقتضی الأصل هو الفساد و لکنه غیر مرتبط باقتضاء النهی المولویّ لذلک کما هو واضح (1).

و لعلّ وجهه هو إمکان اجتماع المفسدة و المصلحة فی عنوان واحد بجهتین تعلیلیّتین کما فی مثل وضع العمامة علی الرأس لمن کان له وجع الرأس فی مجلس فیه جماعة من الأخیار حیث إنّ کون العمّامة فی الرأس مع کونه فیه کمال المفسدة بلحاظ وجع الرأس کان فیه أیضا کمال المصلحة بلحاظ کونه نحو إعزاز و إکرام للمؤمنین و کون ترکه هتکا و إهانة لهم کما صرّح به قبل العبارة المذکورة آنفا (2).

و لکن عرفت أنّ محلّ الکلام هو ما إذا کان النهی عن العبادة بعنوان واحد وجهة واحدة لا ما إذا کان العنوان متعدّدا أو الجهات متعدّدة فإنّه خارج عن محلّ

ص:302


1- 1) نهایة الأفکار:ص 456.
2- 2) نفس المصدر:ص 453.

الکلام و من الواضح أنّ العقل حاکم فی محلّ الکلام بعدم إمکان اجتماع المصلحة و المفسدة و الأمر و النهی فی عنوان واحد لوجود المضادّة بینهما کما لا یخفی.

هذا بحسب الحکم العقلیّ و أمّا الدلالة اللفظیّة فإن ارید بها دلالة لفظ النهی بحسب الوضع علی أمرین أحدهما الزجر عن الفعل المشتمل علی المفسدة و ثانیهما خلوّه عن المصلحة،ففیه منع إذ لا وضع للنهی إلاّ للزجر عن الفعل المشتمل علی المفسدة،و أمّا بالنسبة إلی خلوّه عن المصلحة و عدمه فلا وضع.

و إن ارید بها أنّ اللفظ یدلّ علی المعنی الموضوع له و هذا المعنی الموضوع له یکون فی الخارج ملازما مع الخلوّ المذکور فهو صحیح لما عرفت من حکم العقل من عدم إمکان اجتماع المفسدة مع المصلحة فی شیء واحد بعنوان واحد وجهة واحدة إلاّ أنّ هذه الدلالة لیست من الدلالات الالتزامیّة اللفظیّة بمعنی البیّن بالمعنی الأخصّ بل هی من البیّن بمعنی الأعمّ لاشتراط الدلالة الالتزامیّة اللفظیّة فی البیّن بالمعنی الأخصّ و هو أن یکون التلازم بینهما ذهنیّا واضحا بحیث إذا تصوّر معنی اللفظ ینتقل إلی لازمه بدون حاجة إلی توسّط شیء آخر و هو مفقود فی المقام و علیه فالدلالة عقلیّة لا لفظیّة.

ثمّ إنّ حکم النهی التنزیهیّ المولویّ کالنهی التحریمیّ المولویّ إذ النهی عن العبادة بعنوان واحد وجهة واحدة یدلّ علی مرجوحیّة متعلّقه و مع مرجوحیّة الشیء بعنوانه لا یکاد یمکن أن یتقرّب به إذ التقرّب لا یمکن إلاّ بما هو یکون راجحا و المفروض أنّه مرجوح،و بالجملة فکما أنّ النهی المولویّ التحریمیّ فی المقام یقتضی الفساد لخلوّ المتعلّق عن المصلحة کذلک النهی التنزیهیّ یقتضی الفساد لخلوّ المتعلّق عن الرجحان.

و أمّا النهی التنزیهیّ عن العبادة بعنوان آخر کالنهی عن صوم یوم عاشوراء من جهة الموافقة مع بنی امیّة فهو خارج عن محلّ الکلام لأنّ محلّ الکلام ما إذا تعلّق

ص:303

النهی بالعبادة بعنوان واحد وجهة واحدة و علیه یکون حمل الأصحاب الکراهة فی العبادة علی أقلّیّة الثواب مع ثبوت صحّتها شرعا لو أتی بها المکلّف مخصوصا بما إذا کان النهی بعنوان آخر وجهة اخری و إلاّ فقد عرفت أنّ النهی التنزیهیّ لا مجال معه للصحّة فلا تغفل.

و ممّا ذکر یظهر أنّ النهی الغیریّ کالنهی عن الضدّ بناء علی اقتضاء الأمر بالضد النهی عن الضدّ الآخر لا یقتضی الفساد عقلا و لا لفظا لأنّه لم یکن بعنوان واحد وجهة واحدة بل یکون للإلزام بإتیان غیره فکما أنّ الأمر المقدّمیّ لا یکشف عن المحبوبیّة فی ذات المقدّمة لأنّه إلزام لأجل إتیان الغیر فکذلک النهی المقدّمیّ من جهة الإلزام بإتیان الغیر لا یکشف عن المبغوضیّة و المرجوحیّة فی ذات الفعل و العبادة.

فالأمر بذات العبادة و ان لم یجتمع مع النهی الغیریّ فی مقام الامتثال و لکن یکفی وجود الملاک فی العبادة بعنوانها فی صحّتها لو أتی بها بقصد الملاک للّه تعالی أو أتی بها بقصد الأمر الترتّبیّ علی ما مرّ فی محلّه.

و أمّا النواهی الإرشادیّة فهی أیضا خارجة عن محلّ الکلام فإنّ دلالة النهی المتعلّق بالعبادة علی الفساد مع سوقه إلی بیان المانعیّة کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه واضحة فلا مجال للمناقشة و البحث فیها.

ربّما یدّعی ظهور النواهی المتعلّقة بالعبادات فی الإرشادیّة معلّلا بأنّ المکلّفین بحسب النوع إنّما یأتون بالعبادات لأجل اسقاط الأمر و الإعادة فإذا ورد من المقنّن نهی عن کیفیّة خاصّة تنصرف الأذهان إلی أنّ الإتیان بها مع هذه الکیفیّة غیر مسقط للأمر و إنّه لأجل الإرشاد إلی فسادها.

فقوله«لا تصلّ فی وبر ما لا یؤکل لحمه»ظاهر فی نظر العرف فی أنّ الطبیعة المتعلّقة للأمر لا تتحقّق بهذه الکیفیّة و أنّ الصلاة کذلک لا یترتّب علیها الأثر المتوقّع أی سقوط القضاء و الإعادة و سقوط الأمر لأجل الأمن من العقاب.

ص:304

و کذا الحال لو تعلّق بصنف خاصّ کصلاة الأعرابیّ أو فی حال خاصّ کالصلاة أیّام الإقراء أو مکان خاصّ کالحمّام،فمع عدم الدلیل تحمل تلک النواهی علی الإرشاد کالأوامر الواردة فی الأجزاء و الشرائط و هذه الدعوی قریبة (1).

و لا یخفی أنّ ما ذکر مناقشة فی الصغری و ملاحظته و تحقیقه موکول إلی محلّه کملاحظة أحکام الحائض و قد ذهب المحقّق الخوانساریّ قدّس سرّه إلی استفادة الحرمة الذاتیّة من قوله علیه السّلام فی صحیحة خلف بن حماد(فلتتّق اللّه فإن کان من دم الحیض فلتمسک عن الصلاة حتّی تری الظهر و لیمسک عنها بعلها إلخ (2).

بدعوی دلالة الروایة علی الحرمة الذاتیّة للصلاة فی صورة کون الدم دم الحیض (3).

و لکنّه محلّ إشکال لإمکان أن یقال إنّ حال هذه الروایة حال بقیّة الأخبار الناهیة عن الصلاة فی أیّام الحیض کقوله(لا تحلّ لها الصلاة)و قوله(فلتدع الصلاة) و غیر ذلک من العبائر التی یقال فیها إنّها ظاهرة فی الإرشاد إلی الفساد أو مانعیّة الحیض کما ذهب إلیه العلاّمة الخوئیّ قدّس سرّه (4).

اللّهمّ إلاّ أن یعتضد ذلک بقوله علیه السّلام فی روایة العلل(لأنّها فی حدّ نجاسة فأحبّ اللّه أن لا یعبد إلاّ طاهرا (5))فإنّه ظاهر فی وجوب ترک العبادة فی حال النجاسة بناء علی دلالته علی کراهته تعالی من أن یعبد فی غیر حال الطهارة و لکن استبعده فی المستمسک بأنّه حینئذ یدلّ علی عدم فائدة و خصوصیّة للطهارة و هو بعید (6)فتأمّل.

ص:305


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 159.
2- 2) الکافی:ج 3 ص 93.
3- 3) راجع جامع المدارک:ج 1 ص 79-80.
4- 4) راجع التنقیح:ج 6 ص 416.
5- 5) الوسائل:الباب 39 من أبواب الحیض:ج 2.
6- 6) المستمسک:ج 3 ص 311.

و کملاحظة زمان الصیام فقد صرّحت موثّقة زرارة و فضیل بوجوب الإفطار بعد انتهاء النهار حیث قال الإمام الباقر علیه السّلام فیها:لأنّه قد حضرک فرضان الإفطار و الصلاة فابدأ بأفضلهما و أفضلهما الصلاة (1).

و من المعلوم أنّ إطلاق الفرض علی الإفطار بعد انتهاء النهار یدلّ علی حرمة الصوم فی اللیل أو صوم مجموع اللیل و النهار أو إدخال جزء من اللیل فیه إلاّ بقصد المقدّمیّة کما أفتی به السیّد قدّس سرّه فی العروة الوثقی و یشهد للحرمة التکلیفیّة أیضا ما ورد عن علیّ بن الحسین(علیهما السّلام):

و أمّا الصوم الحرام فصوم یوم الفطر و یوم الأضحی و ثلاثة أیّام من أیّام التشریق،إلی أن قال:و صوم الوصال و صوم الصمت حرام و صوم المعصیة حرام و صوم الدهر حرام (2).

و کملاحظة أدلّة المنع عن الصوم فی السفر فإنّ الظاهر من قوله تعالی (فَمَنْ کانَ منْکُمْ مَریضاً أَوْ عَلی سَفَرٍ فَعدَّةٌ منْ أَیّامٍ أُخَرَ) تعیّن القضاء و عدم مشروعیّة الصوم من المسافر کما أنّها لا تشرّع من المریض،هذا مضافا إلی النصوص الواردة فی المریض و السفر،منها ما ورد فی الصوم فی السفر فی شهر رمضان من أنّه کالمفطر فی الحضر، و منها ما ورد فی مطلق الصوم:لیس من البرّ الصیام فی السفر،و قوله فی موثّقة عمّار:

لا یحلّ الصوم فی السفر فریضة کان أو غیره و الصوم فی السفر معصیة (3)فإنّ هذه الأدلّة ظاهرة فی حرمة الصیام حال السفر ذاتا و تکلیفا و یشهد له أیضا إطلاق العصاة علی ناس صاموا فی السفر (4)و غیر ذلک من الموارد.

ص:306


1- 1) الوسائل:الباب 7 من أبواب آداب الصائم:ج 1 و 2.
2- 2) نفس المصدر:الباب 1 من أبواب الصوم المحرّم.
3- 3) نفس المصدر:الباب 10 من أبواب من یصحّ منه الصوم:ح 8.
4- 4) نفس المصدر:الباب 81 من أبواب من یصحّ منه الصوم:ح 1.

و علیه فلا مجال للمناقشة الصغرویّة أیضا مع وجود بعض العبادات المحرّمة ذاتا و تکلیفا کما لا مجال للمناقشة الکبرویّة مع ما عرفت من عدم إمکان التقرّب بما هو مبغوض،فتحصّل أنّ الحرمة ملازمة مع الفساد عقلا و لا فرق فی ذلک بین أن یکون النهی المولویّ عن العبادة تحریمیّا أو تنزیهیّا فإنّه یکشف عن الفساد عقلا فی کلیهما بالتقریب المذکور و أمّا الدلالة الالتزامیّة فلا لعدم وجود شرطها من کون التلازم ذهنیّا و واضحا بحیث إذا تصوّر معنی اللفظ ینتقل إلی لازمه بدون حاجة إلی توسیط شیء آخر.

المقام الثانی فی المعاملات:

ذهب سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه إلی أنّ الظاهر من النواهی الواردة فی باب المعاملات هو الإرشاد إلی الفساد لا تحریم الأسباب لأنّها آلات لتحقّق المسبّبات و لا نفسیّة لها حتّی یتعلّق بها النهی مضافا إلی بعد تعلّق النهی و الحرمة بالتلفّظ بألفاظ الأسباب.

و لا تحریم المسبّبات فإنّها اعتبارات شرعیّة أو عقلائیّة و لا معنی لتعلّق النهی بها.

و لا الآثار المترتّبة علیها لبعد تعلّقها بها لأنّ مع تأثیر الأسباب لا معنی للنهی عنها و مع عدم تأثیرها یکون التصرّف فی أموال الغیر و وطء الأجنبیّة و أمثالهما محرّمة لا تحتاج إلی تعلّقها بها،فمع ما عرفت لا بدّ من حمل النواهی فی باب المعاملات علی الإرشاد إلی الفساد و أنّ الزجر عن الإیقاع لأجل عدم الوقوع.

و بالجملة المتفاهم به عرفا فی النهی عن معاملة خاصّة أو إیقاعها علی نحو خاصّ هو الإرشاد إلی أنّ الأثر المتوقّع منها لا یترتّب علیها فتکون فاسدة.

و أمّا ما یقال من أنّ النهی فیها منصرف إلی ترتیب الآثار فقوله(لا تبع المجهول)مثلا منصرف إلی حرمة ترتیب الآثار علی بیعه و منه یستفاد الوضع فغیر

ص:307

سدید لمنع الانصراف و لا داعی لرفع الید عن ظاهر العنوان بل الظاهر أنّ النهی متعلّق بإیقاع الأسباب لکن لا إلی ذاتها بما هی بل بداعی الإرشاد إلی عدم التأثیر (1).

و لا یخفی علیک أنّ دعوی التفاهم العرفیّ فی کون النواهی الواردة فی المعاملات إرشادیّا لا مولویّا مقبولة و لکنّ تعلیلها بالمذکورات منظور فیه لأنّ ظاهرها هو عدم معقولیّة أن یکون النواهی فیها مولویّة مع إنّ جملة من النواهی الواردة فی المعاملات تکون تکلیفیّة مولویّة منها النواهی الواردة فی حرمة التزویج علی المحرم فی حال الإحرام و قد أفتی الأصحاب بحرمة التزویج تکلیفا و وضعا علی المحرم لنفسه أو لغیره.

و یدلّ علیه صحیحة ابن سنان:لیس للمحرم أن یتزوّج و یزوّج فإن تزوّج أو زوّج محلاّ فتزویجه باطل (2).

فإنّ الظاهر من الفاء کما أفاد السیّد المحقّق الخوئیّ قدّس سرّه هو التفریع،و لا معنی للتفریع علی نفسه فإذا ارید من الجملة الأولی أی قوله(لیس للمحرم)البطلان فلا معنی لقوله ثانیا(و إن زوّج فتزویجه باطل)بل الصحیح أنّ المراد بقوله لیس للمحرم هو التحریم ثمّ فرّع علیه(فإن تزوّج....فباطل)نظیر تفریع بطلان النکاح بالمحرّمات علی حرمة النکاح بهنّ (3).

و منها النواهی الواردة فی حرمة الظهار و حرمة الربا و حرمة النکاح فی العدّة و غیر ذلک من الموارد التی یکون النهی فیها تکلیفیّا أیضا فراجع.

هذا مضافا إلی أنّ دعوی بعد تعلّق الحرمة التکلیفیّة بالتلفّظ بألفاظ الأسباب

ص:308


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 158 و 159.
2- 2) التهذیب:ج 5 ص 328.
3- 3) المعتمد:ج 4 ص 113 و 114.

صحیحة فیما إذا لم یرد الشارع التأکید فی الحرمة و أمّا مع إرادة ذلک فلا بعد فیه و لا یضرّ فی ذلک کون الألفاظ آلات لتحقّق المسبّبات کما لا یخفی.

و کیف کان فمع فرض تعلّق النهی التکلیفیّ بالمعاملات فإن کان النهی غیریّا أو تنزیهیّا فلا وجه لدلالته علی الفساد إذ المرجوحیّة التنزیهیّة أو الغیریّة لا تنافی تأثیر المعاملة کما لا یخفی.

و أمّا النهی التحریمیّ فهو علی أقسام منها أن یکون النهی عن التسبّب بعقد إنشائیّ لحصول المسبّب کالنهی عن الظهار أو النهی عن المراهنة بالعوض.

و منها أن یکون النهی عن السبب لأجل مبغوضیّة المسبّب کالنهی عن بیع المصحف أو العبد المسلم من الکافر لأجل مبغوضیّة مسبّبهما و هو ملکیّته لهما.

و منها أن یکون النهی عن المعاملة لأجل مبغوضیّة ترتیب الآثار المطلوبة علیها.

و منها أن یکون النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی بیع الخمر و المیتة أو الربا و نحوها.

و منها أن یکون النهی متعلّقا بذات السبب أی الفعل المباشریّ کالتلفّظ بعقد فی حال الصلاة.

و لا یذهب علیک أنّ الأخیر خارج عن المقام لأنّ النهی لم یتعلّق به بعنوان المعاملة و إیقاع السبب بل بما هو فعل مباشریّ له،و من المعلوم أنّ محلّ الکلام هو النهی عن المعاملة و لا إشکال فی أنّ النهی الغیریّ لا یدلّ علی الفساد فلو أوقع المعاملة فی حال الصلاة بطلت الصلاة و صحّت المعاملة لأنّ النهی لیس عن المعاملة بما هی معاملة.

کما أنّه لا إشکال فی خروج ما قبل الأخیر عن محلّ الکلام إذ النهی فیه متوجّه إلی أکل الثمن أو المثمن لا المعاملة مع إنّ الکلام فی النهی عن المعاملة،نعم النهی عن

ص:309

أکل الثمن أو المثمن کاشف عن عدم صحّة المعاملة فیهما إذ لا وجه لحرمتهما إلاّ فساد المعاملة فیهما.

و أمّا الثالث فقد ذهب سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه إلی أنّ المتفاهم العرفیّ فیما إذا تعلّق النهی بالمعاملة لأجل مبغوضیّة ترتیب الآثار المطلوبة علیها،هو الفساد.

بدلیل أنّ حرمة ترتیب الأثر علی معاملة مساوقة لفسادها عرفا (1).

و لکنّه لا یخلو عن تأمّل بل نظر لأنّ مبغوضیّة ترتیب الآثار کمبغوضیّة التسبّب بالمعاملة أو هی هی فی عدم الملازمة بین الحرمة و الفساد عند تعدّد الاعتبار.

فکما أنّ مبغوضیّة التسبّب بالمعاملة لا تستلزم الفساد بدلیل عدم المنافاة بین المبغوضیّة الشرعیّة و تأثیر السبب عرفا فکذلک مبغوضیّة ترتیب الآثار شرعا لا تنافی ترتّبها عرفا.

نعم لو قلنا بأنّ الاعتبار لم یکن متعدّدا بل لا یوجد فی المعاملات سوی ترتیب الآثار أو التسبّب شرعا لکان الأمر کما ذکر فی کلیهما و لکنّه لیس کذلک لأنّ صدق البیع أو ترتیب النقل و الانتقال الإنشائیّ علی بیع الفضولیّ و بیع الغاصب و من اشتبه فی مال و اعتقد أنّه له،یکشف عن تعدّد الاعتبار فی باب المعاملات سواء قلنا بأنّ الاعتبار ثلاثیّ کما حکی عن السیّد الطباطبائیّ من اعتبار العاقد و اعتبار العقلاء و اعتبار الشرع أو ثنائی من إنشاء العاقد و إیجاد المنشأ بوجود إنشائیّ فیکون موضوعا للآثار العقلائیّة و الشرعیّة.

فمع تعدّد الاعتبار فلا مانع من تأثیر إنشاء التسبّب أو ترتیب الآثار علی الأسباب عرفا مع النهی المولویّ المتعلّق بهما لعدم المنافاة بینهما.

إذ محلّ النزاع هو ما إذا تعلّقت النواهی المولویّة بالتسبّب بالأسباب العرفیّة أو

ص:310


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 163.

بترتیب الآثار العرفیّة علیها و أمّا ما یقال من أنّ الإمضاء الشرعیّ إن کان بمعنی التصدیق للعرف بمعنی عدم خطأ نظره فی رؤیة السببیّة فلا إشکال فی اقتضاء النهی للفساد کما فی اصول الفقه لشیخنا الاستاذ الأراکی قدّس سرّه ففیه أنّ ذلک الاقتضاء صحیح فیما إذا کان المنهیّ إرشادیا لا مولویّا فإنّ النهی الإرشادیّ یدلّ علی تخطئة العرف فی رؤیة السببیّة و أمّا النهی المولویّ فلا نظر له إلی تخطئة العرف أو تصویبه کما لا یخفی.

و بالجملة فمجرّد تعلّق النواهی المولویّة بترتیب الآثار أو التسبّب بالأسباب العرفیّة لا یکون رادعا أو مخصّصا أو مقیّدا لعموم ما دلّ علی تنفیذ المعاملات و الأسباب العرفیّة نعم لو قلنا بأنّ الاعتبار متعدّد فی التسبّب دون ترتیب الآثار فلا وجه لإلحاق ترتیب الآثار علی التسبّب و لکنّه کما تری لتعدّد الاعتبار فی ترتیب الآثار أیضا بل لعلّ مرجعهما إلی أمر واحد.نعم لو قامت قرینة علی أنّ النهی فی أمثالهما إرشادیّ فلا إشکال حینئذ فی دلالته علی الفساد و ردع ما علیه العرف و تخصیص أو تقیید ما دلّ علی تنفیذ المعاملات و لکنّ المفروض هو أن یکون النهی مولویّا لا إرشادیّا و هکذا یمکن استبعاد ذلک فیما إذا کان دلیل التنفیذ مختصّا بمورد فورد فیه النهی عن التسبّب به أو ترتیب الآثار علیه و لکنّه أیضا خلاف المفروض فإنّ دلیل التنفیذ عامّ و لا یکون مختصّا بمورد النهی.

و ممّا ذکر یظهر حکم الأوّل و الثانی فإنّ النهی عن التسبّب بالأسباب العرفیّة لأجل مبغوضیّة التسبّب شرعا أو النهی عن الأسباب العرفیّة لأجل مبغوضیّة المسبّب شرعا لا یستلزم الفساد،هذا مضافا إلی ما عرفت من أنّ الأوّل عین الثالث لأنّ مرجعهما إلی أمر واحد.

فتحصّل أنّ النواهی المولویّة مطلقا لا تدلّ علی الفساد فی المعاملات.

و لذلک قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه:إنّ النواهی المتعلّقة بالتسبّب أو السبب أو المسبّب العرفیّ لا تستلزم الفساد لأنّها قد تکون لمجرّد الحرمة التکلیفیّة

ص:311

کالنهی الوارد فی الظهار إذ الظهار مؤثّر و إن کان محرّما فلا یکون النهی عنه ملازما مع الفساد و قد یجتمع مع الفساد کالنواهی الواردة فی حرمة الربا فإنّ النهی فیه یفید الحرمة لکون الربا حربا مع اللّه و رسوله صلّی اللّه علیه و آله و مع ذلک یکون المعاملة الربویّة فاسدة فیجتمع الحرمة التکلیفیّة مع الحرمة الوضعیّة و بالجملة لا ملازمة بین الحرمة التکلیفیّة و الحرمة الوضعیّة،و لذا قد تفترق و قد تجتمع،و لعلّه لذلک ذهب المشهور إلی عدم دلالة النواهی التکلیفیّة علی الفساد فی المعاملات.

الاستدلال بالأدلّة الشرعیّة

ثم إنّه ربّما یتمسّک بالروایات و الأدلّة الشرعیّة علی إفادة النواهی التکلیفیّة للفساد منها صحیحة زرارة المرویّة فی نکاح العبید و الإماء عن أبی جعفر علیه السّلام قال:

سألته عن مملوک تزوّج بغیر إذن سیّده فقال:ذاک إلی سیّده إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بینهما،قلت أصلحک اللّه إنّ الحکم بن عتیبة و إبراهیم النخعیّ و أصحابهما یقولون إنّ أصل النکاح فاسد و لا یحلّ إجازة السیّد له.فقال أبو جعفر علیه السّلام إنّه لم یعص اللّه إنّما عصی سیّده فإذا أجازه فهو له جائز (1).

و منها معتبرة موسی بن بکر عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام قال سألته عن رجل تزوّج عبده امرأة بغیر إذنه فدخل بها ثمّ اطّلع علی ذلک مولاه،قال ذاک لمولاه إن شاء فرّق بینهما و إن شاء أجاز نکاحهما فإن فرّق بینهما فللمرأة ما أصدقها إلاّ أن یکون اعتدی فأصدقها صداقا کثیرا و إن أجاز نکاحه فهما علی نکاحهما الأوّل، فقلت لأبی جعفر علیه السّلام(فإنّه فی)فإنّ أصل النکاح کان عاصیا،فقال أبو جعفر علیه السّلام:إنّما أتی شیئا حلالا و لیس بعاص للّه إنّما عصی سیّده و لم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة و أشباهه (2).

ص:312


1- 1) الوسائل:ج 14 ص 523 الباب 24 من أبواب نکاح العبید و الإماء:ح 1.
2- 2) نفس المصدر:ص 524:ح 2.

و لا یخفی علیک أنّ موسی بن بکر و إن لم یوثّق بالخصوص إلاّ أنّه یکفی فی وثاقته روایة صفوان عنه علی ما قرّر فی محلّه.

و الاستدلال بتقریب أنّ الروایتین تدلاّن علی أمرین أحدهما الکبری و هی أنّ النکاح لو کان معصیة للّه تعالی لکان باطلا.

و ثانیهما نفی الصغری و هی أنّ نکاح العبد لم یکن معصیة للّه تعالی و إنّما کان معصیة للسیّد و الأمر الأوّل یکفی لإثبات التعبّد بالبطلان فی النواهی المولویّة فإنّ النواهی المولویّة المتعلّقة بالتسبّب بالمعاملات أو ترتیب الآثار علیها تدلّ علی أنّ إتیان مواردهما معصیة للّه تعالی کما لا یخفی.

و لذلک قال سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه:إنّهما تدلاّن علی ملازمة الحرمة التکلیفیّة المتعلّقة بذات المعاملة کحرمة عقد ذات العدّة أو ذات البعل مع الفساد و لا تدلاّن علی الملازمة فی کلّ معاملة محرّمة و لو بعنوان ثانویّ کحرمة عصیان العبد لو قلنا بأنّ مخالفته محرّمة للنفی الصریح فی ذیل بعض الروایات بأنّ ذلک أی عصیان السیّد لیس کإتیان ما حرّمه اللّه عزّ و جلّ من النکاح فی العدّة و أشباهه.

و إنّما الحرمة التکلیفیّة الذاتیّة فی المعاملات تکون ملازمة مع الفساد و لذا لم نر فی تضاعیف أبواب الفقه موردا ورد فیه النهی المولویّ عن ذات معاملة و مع ذلک تکون تلک المعاملة صحیحة إلاّ باب الظهار مع إنّه یمکن منع الصحّة فیه أیضا لأنّه لا یوجب حرمة أبدیّة مع إنّ المقصود من إنشائه ممّن یعتقد بصحّة الظهار هو الحرمة الأبدیّة و من المعلوم أنّ حرمة المقاربة ما لم یکفّر العاقد لا تدلّ علی صحّة الظهار علی ما قصده العاقد بل هو عقوبة علی من فعل ذلک حتّی لا یعود إلیه.

و إلیه أشار سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال بعد نقل الروایتین:بتقریب أنّ

ص:313

الظاهر منهما أنّ النکاح لو کان معصیة للّه لکان باطلا و إنّما نفی الصغری (1).

أورد علیه فی الکفایة بأنّ الظاهر أن یکون المراد من المعصیة المنفیّة هاهنا أنّ النکاح لیس ممّا لم یمضه اللّه و لم یشرّعه کی یقع فاسدا و من المعلوم استتباع المعصیة بهذا المعنی للفساد کما لا یخفی،و لا بأس بإطلاق المعصیة علی عمل لم یمضه اللّه و لم یأذن به کما أطلق علیه بمجرّد عدم إذن السیّد فیه أنه معصیة.

و بالجملة لو لم یکن ظاهرا فی ذلک لما کان ظاهرا فیما توهّم (2).

و بیانه أنّ المراد من المعصیة المنفیّة فی قوله(إنّه لم یعص اللّه)هی المعصیة الوضعیّة لا التکلیفیّة و لا کلام فی استتباع المعصیة الوضعیّة للفساد و إنّما الکلام فی المعصیة التکلیفیّة هل إنّها توجب الفساد أم لا،و الشاهد علی أنّ المراد من المعصیة فی الروایة فی قوله(لم یعص اللّه)هی المعصیة الوضعیّة لا التکلیفیّة إطلاق المعصیة بهذا المعنی فی صدر الروایة علی الفعل الغیر المأذون فیه بإذن وضعیّ حیث قال الراویّ فی معتبرة موسی بن بکر:فقلت لأبی جعفر علیه السّلام(فإنّه فی أصل النکاح کان عاصیا)مع إنّ إنشاء العقد لا ینافی حقّ المولی حتّی یکون معصیة تکلیفیّة،فالمراد منها هی المعصیة الوضعیّة کما نصّ علیه فی صحیحة زرارة حیث قال:(إنّ الحکم بن عتیبة و إبراهیم النخعیّ و أصحابهما یقولون إنّ أصل النکاح فاسد و لا یحلّ إجازة السیّد له) فالمعصیة و الفساد بمعنی واحد و مع الوحدة فالمراد من المعصیة هی المعصیة الوضعیّة لا التکلیفیّة.

هذا مضافا إلی ما أفاده المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه من أنّ فی روایة ثالثة(صحیحة منصور بن حازم)فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه أ عاص للّه فقال علیه السّلام عاص لمولاه

ص:314


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 165.
2- 2) الکفایة:ج 1 ص 299.

قلت هو حرام قال علیه السّلام ما أزعم أنّه حرام و قل له أن لا یفعل إلاّ بإذن مولاه (1).

و لو کان المراد بالمعصیة(فی قوله علیه السّلام عاص لمولاه)فعل الحرام لم یکن وجه للسؤال عن الحرمة بعد نفی کونه فاعلا للحرام فهذه الروایة أظهر من غیرها من حیث إرادة أنّه لم یفعل ما لم ینفّذه تعالی بل فعل ما لم ینفّذه السیّد و لا بأس بالسؤال عن الحرمة بعد النفوذ لما ذکرنا مرارا من عدم الملازمة بین الحرمة و عدم النفوذ و فیه إشارة إلی عدم الملازمة عرفا أیضا کما لا ملازمة عقلا فتأمّل (2).

و أجیب عنه بأنّ حمل المعصیة علی مخالفة النهی الوضعیّ خلاف الظاهر فی الغایة بل الظاهر منها مخالفة النهی التحریمیّ کما ذهب إلیه شیخنا الاستاذ الأراکیّ قدّس سرّه (3).

و یمکن أن یقال ترفع الید عن الظهور بالقرائن المذکورة فی الروایات سیّما الروایة الأخیرة بالتقریب الذی أفاده المحقّق الأصفهانی قدّس سرّه فإنّها تصلح للقرینیّة علی أنّ المراد من قوله(إنّما عصی سیّده)فی الروایتین هو العصیان الوضعیّ لأنّ السؤال عن الحرمة بعد قوله(عاص لمولاه)فی الروایة الثالثة لا وجه له إلاّ من جهة أنّ المراد من قوله(عاص لمولاه)هو المعصیة الوضعیّة و عدم النفوذ.

و علیه فالأقوی کما فی الکفایة و ذهب إلیه المحقّق الأصفهانیّ و السیّد الخوئیّ قدّس سرّه عدم دلالة الروایات علی اقتضاء النواهی التکلیفیّة للفساد لأنّ موردها هو النواهیّ الوضعیّة لا النواهیّ التکلیفیّة.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول أیضا حیث قال:إنّ مورد السؤال و الجواب النکاح بما له من المعنی المتعارف،أی ما صنعه العبد بلا إذن مولاه هو

ص:315


1- 1) الوسائل:الباب 23 من أبواب نکاح العبید و الإماء:ح 2.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 157.
3- 3) اصول الفقه:ج 1 ص 250.

عصیان سیّده و لیس بعصیان اللّه،أمّا عصیان السیّد فلأنّ ارتکابه هذا الأمر المهمّ بلا إذنه مخالفة لسیّده و خروج عن رسم العبودیّة،و أمّا عدم کون النکاح عصیان اللّه تعالی فلأنّ ما حرم اللّه تعالی علی العبد هو عنوان مخالفته لمولاه و متعلّق النهی هذا العنوان و لا یکاد یتجاوز عنه إلی عنوان آخر کالنکاح و الطلاق.

فالتزویج الخارجیّ مصداق لعنوان محرّم هو مخالفة المولی و عنوان غیر محرّم بل محلّل هو النکاح فالتزویج بعنوانه حلال لیس بمحرّم و لا تسری حرمة مخالفة المولی إلی ذلک العنوان فی وعاء من الأوعیة و إنّما یتّحد مصداق النکاح مع مصداق المخالفة فی الخارج الذی لم یکن ظرف تعلّق الحکم کما مرّ الکلام فیه ثمّ استشهد علیه بقوله علیه السّلام«إنّما أتی شیئا حلالا و لیس بعاص للّه إنّما عصی سیّده»و قال:تری کیف صرّح بأنّ أصل النکاح شیء حلال لیس بمعصیة اللّه و مع ذلک عصی سیّده أی فی النکاح،فالتزویج عصیان للسیّد و مخالفة السیّد عصیان للّه و هی بعنوانها غیر النکاح و إن اتّحدا خارجا.

و استشهد أیضا له بتعلیله علیه السّلام«بأنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة و أشباهه»ممّا تعلّق الحرمة بنفس الطبیعة و قال:و وجه الافتراق لیس إلاّ ما ذکرنا.

و استشهد له أیضا بصحیحة منصور بن حازم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه أ عاص للّه قال:عاص لمولاه،قلت حرام هو؟قال ما أزعم أنّه حرام و قل له أن لا یفعل إلاّ بإذن مولاه».

و قال:انظر کیف صرّح بعدم حرمة التزویج و مع ذلک نهاه عن إتیانه بلا إذن مولاه و لیس له وجه إلاّ ما تقدّم من أنّ النکاح لیس بحرام لکنّ إتیانه منطبق عنوان

ص:316

آخر محرّم هو مخالفة المولی (1).

لما عرفت من أنّ المراد من عصیان السیّد فی صدر الروایات هو العصیان الوضعیّ کما یشهد له عدم الحرمة التکلیفیّة لمجرّد الإنشاء،و السؤال عن الحرمة التکلیفیّة بعد قول الإمام علیه السّلام عاص لمولاه فی صحیحة منصور بن حازم و وحدة قوله فإنّه فی أصل النکاح کان عاصیا فی صحیحة زرارة مع قوله إنّ أصل النکاح فاسد و لا یحلّ إجازة السیّد له فی صحیحته الاخری.

و لا دلیل علی حرمة مخالفة العبد لمولاه فی مثل الإنشاء المذکور حتّی یکون الإنشاء مصداقا للمخالفة المذکورة المحرّمة فإذا عرفت أنّ المعصیة المثبّتة فی صدر الروایات هی المعصیة الوضعیّة فالمعصیة المنفیّة فی طرف اللّه تعالی أیضا هی المعصیة الوضعیّة،و علیه فالروایات أجنبیّة عن المقام الذی یبحث فیه عن النواهی التکلیفیّة و لا أقلّ من الشکّ فی أنّ المراد من العصیان هو العصیان التکلیفیّ أو الوضعیّ و مع الإجمال لا تدلّ الروایات علی خلاف ما اقتضت القاعدة فی النواهی التکلیفیّة من عدم اقتضائها للفساد،هذا کلّه علی فرض تسلیم کون النواهی فی المعاملات تکلیفیّة و أمّا علی ما مرّ من أنّ المتفاهم العرفیّ فی النواهی الواردة فی المعاملات أنّها للإرشاد فلا ریب فی دلالتها علی الفساد لإرشادها إلی وجود المانع فلا تغفل.

تبصرة:و لا یذهب علیک أنّه حکی عن أبی حنیفة و الشیبانیّ دلالة النواهی التکلیفیّة الواردة فی المعاملات و العبادات علی الصحّة خلافا لما عرفت من ملازمتها مع الفساد فی العبادات دون المعاملات فإنّها لا تدلّ علی الفساد کما لا تدلّ علی الصحّة.

و استدلّ لهما بأنّ النهی زجر عن إتیان المبغوض و مع الفساد لا یقدر المکلّف علی إیجاده و النهی مع عدم قدرة المکلّف یکون لغوا فمثل البیع الربوی و صوم یوم

ص:317


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 165-167.

العید الأضحی اللذین لا یمکن إتیانهما صحیحا یکون النهی عنهما لغوا لعدم القدرة علیهما و لا یتعلّق النهی من الحکیم المتعال بهما لعدم الحاجة إلیه فإذا صدر عن الحکیم النهی عنهما کشف عن کونهما مقدورین و عن صحّتهما.

ذهب فی الکفایة إلی تصدیقهما فی المعاملات فیما إذا تعلّق النهی بالمسبّب کالنهی عن بیع المصحف من کافر أو بالتسبیب کالنهی عن بیع المنابذة دون العبادات حیث قال:و التحقیق أنّه فی المعاملات کذلک إذا کان عن المسبّب أو التسبیب لاعتبار القدرة فی متعلّق النهی کالأمر و لا یکاد یقدر علیهما إلاّ فیما إذا کانت المعاملة مؤثّرة صحیحة و أمّا العبادات ففی ما إذا کانت العبادة ذاتیّة کالسجود للّه تعالی فمع النهی عنه یکون مقدورا کما إذا کان مأمورا به و فیما إذا لم تکن ذاتیّة بل کان عبادة لاعتبار قصد القربة فیه لو کان مأمورا به فلا یکاد یقدر علیه إلاّ إذا قیل باجتماع الأمر و النهی فی شیء و لو بعنوان واحد و هو محال.

و حکی عن المحقّق النائینیّ أنّ النهی إذا تعلّق بالمسبّب دلّ علی الفساد دون ما إذا تعلّق بالسبب.

و فیه کما أفاد سیّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه أنّ النواهی التکلیفیّة التی کانت محلاّ للنزاع فی المعاملات تعلّقت بالمسبّبات أو الأسباب أو التسبّبات العرفیّة لا الشرعیّة إذ الملحوظ فی متعلّق النواهیّ فی المعاملات هو ما یترتّب علیه الأثر عرفا لا شرعا حتّی یلزم اللغویّة مع عدم الصحّة الشرعیّة.

و علیه فلا دلالة للنواهی التکلیفیّة علی صحّة متعلّقها شرعا کما لا دلالة لها علی فسادها.

نعم لو تعلّقت بالأسباب و المسبّبات أو التسبّبات الشرعیّة فلا محالة تدلّ علی الصحّة کما ذهبا إلیه و إلاّ لزم الخلف فی کونها کذلک عند الشارع،هذا بالنسبة إلی النواهی التکلیفیّة المتعلّقة بالمعاملات.

ص:318

و أمّا فی العبادات الذاتیّة فالنهی فیها أیضا لا یدلّ علی الصحّة لأنّ تأثیرها فی القرب لیس لازم وجودها بل لا یعقل المقرّبیّة مع المبغوضیّة المکشوفة بالنهی عنها فلا محالة لا یکون النهی عن العبادات الذاتیّة کاشفا عن صحّتها مع إنّ تعلّق النهی بها کما أفاد صاحب الکفایة یکون مقدورا أ لا تری أنّ تعظیم المولی أو الاستاذ مطلوب ذاتا و مرغوب فی نفسه و لکن إذا أدّی ذلک إلی کسر ید المولی أو الاستاذ أو قتلهما فلا یوجب القرب إلیهما،و علیه فلا وجه لذهاب أبی حنیفة و الشیبانیّ إلی إفادة النواهی الصحّة فی العبادات الذاتیّة فقولهما ساقط فیها أیضا کما أنّ قولهما فی المعاملات ساقط لما عرفت.

و ممّا ذکر یظهر وجه عدم إفادة النواهی التکلیفیّة للصحّة فی غیر العبادات الذاتیّة أعنی ما لو أمر به لکان ممّا لا یسقط إلاّ بقصد القربة لأنّ تأثیر العبادات غیر الذاتیّة فی القرب لیس أیضا لازم وجودها فالنهی عنها کالنهی عن العبادات الذاتیّة مقدور،و مع ذلک لا یکشف النهی عنها أیضا عن الصحّة.

نعم لو کان المراد من العبادة فی غیر العبادات الذاتیّة العبادة الفعلیّة بمعنی ما یؤتی به بداعی الأمر الفعلیّ و یتقوّم بقصد القربة کان النهی عنها کاشفا عن صحّتها و لکن لا یعقل النهی عنها إلاّ بناء علی جواز اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد بعنوان واحد،و قد عرفت فی محلّه أنّه محال إذ الممکن هو اجتماعهما فی شیء واحد یکون معنونا بعنوانین و المفروض فی المقام هو أنّ النهی متعلّق بنفس العبادة من دون تعدّد العنوان.

فتحصّل أنّ التفصیل بین المعاملات و العبادات و قبول قول أبی حنیفة و الشیبانیّ فی المعاملات دون العبادات کما یظهر من صاحب الکفایة.

لا وجه له لما عرفت من بطلان قولهما فی المعاملات و العبادات کلیهما إذ الموضوع فی المعاملات هو الأسباب و المسبّبات و التسبّبات العرفیّة لا الشرعیّة فالنهی

ص:319

عنها ممکن مقدور کما أنّ النهی عن العبادات الذاتیّة أو العبادات التقدیریّة بعد ما عرفت من أنّ التقرّب لیس لازم وجودها ممکن مقدور فلا یکشف النهی فی البابین عن الصحّة إذ لا تتوقّف القدرة علی الصحّة الشرعیّة فی المعاملات کما لا تتوقّف القدرة علی المقرّبیة الفعلیّة فی العبادات لکفایة المقربیّة التقدیریّة.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول أیضا حیث قال:فالحقّ معهما إذا احرز أنّ النهی تکلیفیّ لا إرشادیّ (1).

هذا کلّه بناء علی ما مرّ من المختار فی حقیقة صیغة الأمر من أنّ نسبة الصیغة کنسبة صیغ العقود أو الإیقاعات إلی المعاملات نسبة الأسباب إلی المسبّبات و نسبة الآلة إلی ذیها لا نسبة المبرز إلی المبرز بالفتح لأنّها إیجادیّة لا حکائیّة،راجع تجده نافعا فی المقام (2).

و أمّا بناء علی إنکار المسببیّة و المسببیّة فی باب المعاملات کما ذهب إلیه فی المحاضرات فلا معنی لفرض تعلّق النهی بالسبب تارة و بالمسبّب اخری کما أوضحه فی المحاضرات (3).

ص:320


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 169.
2- 2) راجع الفصل الثانی فیما یتعلّق بصیغة الأمر.
3- 3) المحاضرات:ج 5 ص 31.

الخلاصة

الفصل الثالث:فی أنّ النهی هل یکشف عن الفساد أو لا؟

و هنا مقدّمات:

المقدّمة الاولی:أنّ الفرق بین هذه المسألة و المسألة السابقة باختلاف الموضوع و المحمول الذی به یتمایز المسائل کتمایز العلوم.

و قد عرفت أنّ الموضوع و المحمول فی المسألة السابقة یرجع إلی أنّ الواحد المعنون بعنوانین هل یعدّ واحدا حقیقیّا أو لا یعدّ.

و هما متغایران مع الموضوع و المحمول فی هذه المسألة و هو أنّ النهی المتعلّق بذات العبادة أو المعاملة هل یقتضی الفساد أو لا.

و مع امتیاز المسألتین بالموضوع و المحمول لا حاجة إلی طلب المیز من الجهات العارضة.

ثمّ دعوی الفرق بین المسألتین بأنّ مورد المسألة السابقة هو العامّان من وجه بخلاف هذه المسألة فإنّ موردها هو العامّ و الخاصّ المطلق.

مندفعة بأنّ نمنع تخصیص المسألة السابقة بالعامّین من وجه لما مرّ من أنّ النزاع فی المسألة السابقة یجری فیما إذا لم یؤخذ مفهوم العامّ فی الخاصّ و إن کان بحسب المورد العام و الخاص المطلق مثل قولهم(حرّک و لا تدن إلی موضع کذا)مع انّ النسبة بینهما بحسب المورد هو العامّ و الخاصّ المطلق لتعدّد العنوان و کفایته فی المغایرة فی الذهن الذی یکون موطن تعلّق الأحکام.

المقدّمة الثانیة:أنّه اختلف الأصحاب فی کون هذه المسألة عقلیّة أو لفظیّة أو عقلیّة لفظیّة.

ص:321

و الذی ینبغی أن یقال هو أنّ المسألة لفظیّة إذ الملازمة العقلیّة بین حرمة العبادة و انتفاء ملاک الأمر بوجود المفسدة و المرجوحیّة واضحة کما أنّ عدم الملازمة العقلیّة بین الحرمة التکلیفیّة فی المعاملات و عدم ترتّب الأثر أیضا واضح.

و لا ینبغی أن یبحث فی هذه الواضحات بل الاولی هو البحث عن أنّ النهی الدالّ علی الحرمة هل یکشف عن الفساد و هو مرجوحیّة المتعلّق و عدم وجود ملاک الأمر من المصلحة أو لا یکشف و لذلک فالأنسب أن یجعل فی العنوان لفظ الکشف و یقال هل النهی عن الشیء یکشف عن الفساد أو لا.

المقدّمة الثالثة:أنّ محلّ النزاع هو دلالة النواهی المولویة و عدمها علی الفساد لا النواهی الارشادیّة الدالّة علی المانعیّة فی العبادات کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل و فی المعاملات کالنهی عن الغرر إذ بعد کونها إرشادا إلی المانعیّة لا خفاء فی دلالة هذه النواهی علی الفساد فیما إذا کانت العبادة أو المعاملة مع وجود الشیء المنهی.

ثمّ إنّ النواهی المولویة لا تختصّ بالشرعیة بل تعم التنزیهیة لان منشأ اقتضاء الفساد هو کاشفیة النهی عن المرجوحیّة و مبغوضیّة متعلّق النهی فإنّ مع المبغوضیة و المرجوحیّة لا یصلح المتعلّق للتقرّب.

و هذا الملاک موجود فی النواهی التنزیهیّة أیضا لدلالتها علی مرجوحیّة ذات العبادة و من المعلوم أنّه لا یمکن التقرّب بالمبغوض ذاتا.

و أمّا النواهی الغیریّة فهی خارجة عن محلّ الکلام لأنّها لیست متعلّقة بذات العبادة بل متعلّقة بها بعنوان مقدّمیّتها لترک التکالیف النفسیّة مع أنّ الکلام فی هذه المسألة فی النواهی المتعلّقة بذات العبادة.

هذا مضافا إلی أنّ التکالیف المقدّمیّة لا توجب مخالفتها العقوبة و البعد استقلالا و مع عدم استلزام مخالفتها للعقوبة و البعد لا توجب سقوط العبادة عن صلاحیّتها

ص:322

للتقرّب.

و دعوی أنّ مقدّمیّة العبادة لترک ذی المقدّمة الذی هو مبعّد یکفی فی المنع عن التقرّب بالعبادة مندفعة بأنّ مبغوضیّة العبادة بعنوان مقدّمیّتها لترک ذی المقدّمة خارجة عن محلّ البحث عن مبغوضیّة العبادة بذاتها إذ تلک الجهة مغایرة لنفس العبادة من حیث هی بل داخلة فی مبحث اجتماع الأمر و النهی و قد مرّ أنّه لا مانع من اجتماع العنوان المحبوب و العنوان المبغوض فی شیء واحد بناء علی ما مرّ من جواز الاجتماع.

فتحصّل أنّ النهی النفسی التحریمی و التنزیهی داخلان فی محلّ النزاع دون النهی الغیری و الإرشادی أمّا الغیری فلعدم تعلّقه بذات العبادة و لعدم دلالته علی مبغوضیّة المتعلّق و أمّا الإرشادی فلوضوح دلالته علی الفساد و لا یحتاج إلی البحث إذ لاحکام فیه کما لا یخفی.

المقدّمة الرابعة:أنّ المراد من العبادة المنهیّة هو ما یکون بذاته و بعنوانه حسنا بالذات و مرتبطا بالمولی من دون حاجة إلی تعلّق الأمر به مثل عنوان السجود للّه تعالی.

أو المراد منها هی العبادة الشأنیّة و التقدیریّة و هی التی أحرز وجود المصلحة فیها و المقصود من التقدیریّة و الشأنیّة أنّه لو أمر بها لکان الأمر بها عبادیّا و لا یسقط أمرها علی فرض تعلّقه بها إلاّ إذا أتی به بوجه قربی و کیف کان فلیس المراد من العبادة المنهیّة عبادة فعلیّة تامّة من جمیع الجهات و إلاّ لزم من النهی عنها اجتماع الامر و النهی فی شیء واحد مع عنوان واحد و هو محال.

و بالجملة فالعبادة بالمعنی المذکور إذا وقعت تحت النهی یقع البحث عن کون النهی عنها هل یکشف عن الفساد أم لا.

ثمّ أنّ المراد من المعاملة المنهیّة هو ما یتّصف بالصحّة و الفساد حتّی یصحّ

ص:323

البحث فی أنّ النهی عنه هل یوجب الفساد أو لا.

فمثل العقود و الإیقاعات التی تسمّی بالمعاملات بالمعنی الأخصّ داخل فی المعاملة المنهیّة بل یدخل فی عنوان المعاملة المنهیّة فی المسألة کلّ ما یسمّی بالمعاملة بالمعنی الأعمّ و یتّصف بالصحّة و الفساد کالتحجیر و الحیازة.

و أمّا غیرهما من الأفعال التی لا تتّصف بالصحّة و الفساد کشرب الخمر و الغیبة و نحوهما فهو خارج عن عنوان المعاملة المنهیّة کما لا یخفی.

المقدّمة الخامسة:فی المراد من الفساد فی عنوان البحث و هو أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة هل یشکف عن الفساد أو لا.

و لا یخفی علیک أنّ الفساد فی مقابل الصحّة و هما فی المرکّبات الاعتباریّة کالعبادات و المعاملات بمعنی التمامیّة و النقص.

و التقابل بینهما هو تقابل العدم و الملکة لأنّ الفاسد هو ما لا یکون واجدا لتمام الأجزاء و الشرائط فی مقابل الصحیح الذی هو ما یکون واجدا لجمیع ما اعتبر فیه و هما فی المرکّبات الواقعیّة بمعنی السلامة و العیب و التقابل بینهما هو تقابل التضادّ لحکایتهما عن أمرین وجودیین فإنّ السالم هو الذی یکون واجدا للخصوصیّات الملاءمة و الفاسد هو الذی یکون واجدا للخصوصیات المنافرة و المرکبات الواقعیة خارجة عن محلّ الکلام فالصحّة و الفساد فی المرکّبات الاعتباریّة بمعنی التمام و النقصان.

تنبیه فی مجعولیّة الصحّة و الفساد و عدمها

و الذی ینبغی أن یقال أنّ الصحّة و الفساد تکونان من الأمور الانتزاعیة التی تکون مجعولة بتبع مجعولیّة منشأ انتزاعها.

فإنّ انتزاع الصحّة الظاهریّة من العمل فی موارد قاعدة التجاوز و الفراغ فی

ص:324

العبادات یکون تابعا لتصرّف الشارع فی المنشأ برفع الید عن الشرط أو الجزء أو المانع.

و هذه التبعیّة لا تختصّ بما إذا کان نفس الجعل الشرعی مستتبعا لأمر انتزاعی کالجزئیّة أو الشرطیّة بل تعمّ ما توقّف علی إتیان المکلّف به فی الخارج أیضا لأنّ انتزاع الصحّة فی هذه الصورة أیضا یکون تبعا للجعل الشرعی عرفا و هذه التبعیّة العرفیّة تکفی فی جریان الاستصحاب أو أصالة الصحّة عند الشکّ فی الصحّة و الفساد.

لأنّ الصحّة تکون من المجعولات التبعیّة الشرعیّة فإنّ مع رفع الشرطیّة أو الجزئیّة یصیر العمل موافقا للمأمور به و مسقطا و مع عدم رفعهما یکون العمل المأتی به مخالفا للمأمور به و علیه فالموافقة و المخالفة أو المسقطیّة و عدمها یتبعان إرادة الشارع و عدمها و لا معنی للمجعولیّة التبعیّة إلاّ ذلک و یکفی فی شرعیّة الصحّة و عدمها ارتباط انتزاعها بالشرعی بنحو من الأنحاء و لو لم یکن الجعل الشرعی مستتبعا لأمر انتزاعی بنفسه بل مع الإتیان به خارجا.

بل الأمر فی المعاملات أیضا یکون کذلک فإنّه کما أنّ الحکم بعدم وجوب القضاء أو الإعادة فی العبادات یکون منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی مثل موارد قاعدة الفراغ و التجاوز فکذلک یکون الحکم بعدم تکرار المعاملة منشأ لانتزاع الصحّة الظاهریّة فی موارد أصالة الصحّة فی المعاملات فتحصّل أنّ الأقوی هو مجعولیّة الصحّة و الفساد لکونها من الانتزاعیات التی ترتبط بوضع الشرع و رفعه من دون فرق بین العبادات و المعاملات،فتدبّر جیّدا.

المقدّمة السادسة فی مقتضی الأصل

و الکلام فیه یقع فی مقامین:

المقام الأوّل:فی مقتضی الأصل فی المسألة الاصولیّة.

و لا یخفی علیک أنّه إذا شککنا فی دلالة النهی لفظا علی الفساد و عدمه أو

ص:325

شککنا فی ملازمة الحرمة عقلا مع الفساد و عدمها فلا أصل فی المسألة.

لأنّ الدلالة و عدمها لیس لها حالة سابقة إذ اللفظ إمّا له الدلالة من أوّل وجوده بالوضع أو لیس له الدلالة و لم یمض علیه زمان یعلم فیه حالة سابقة حتّی یمکن استصحابها.

کما أنّ الملازمة العقلیّة بین الحرمة و الفساد و عدمها إن کان المقصود منها الملازمة الأزلیّة فهی مشکوکة إذ لا أصل فی البین حتّی یعیّن أنّ الملازمة کانت من الأزل أو لم تکن.

و إن کان المقصود منها الملازمة بین الحرمة الموجودة و الفساد و عدمها فقبل تحقّق الحرمة و إن علمنا بعدم وجود الملازمة و لکنّه کان بنحو العدم المحمولی و استصحابه لا یثبت العدم النعتی کما لا یفید استصحاب عدم الکرّیّة قبل وجود الماء المشکوک کرّیّته لإثبات عدم کرّیّته.

هذا مضافا إلی أنّ الملازمة المذکورة من الأحکام العقلیّة و أمرها یدور بین الوجود و العدم فإنّ العقل إمّا یحکم بها أو لا یحکم و لا مجال لتعیّنها بالاستصحاب مع قطع النظر عن کون الملازمة کنفس الدلالة لیست موضوعة للأحکام الشرعیّة فلا یجری الاستصحاب فیها لأنّ معیار جریانها هو کون المستصحب حکما شرعیا أو موضوعا للحکم الشرعی و هو مفقود فی الدلالة و الملازمة کما لا یخفی.

فتحصّل أنّه لا أصل فی المسألة الاصولیّة.

المقام الثانی فی مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة:

و لا یذهب علیک أنّ مقتضی الأصل فیما إذا شکّ فی دلالة النهی عن الفساد أو فی وجود الملازمة بین الحرمة و الفساد هو الفاسد فی المعاملات فیما إذا لم یکن إطلاق أو عموم یقتضی الصحّة.

بخلاف ما إذا کان الإطلاق أو العموم موجودا فإنّ مقتضاهما هو الصحة و لا

ص:326

عبرة بالشکّ فی الدلالة أو وجود الملازمة.

و أمّا فی العبادات فقد یقال أنّ مقتضی الأصل فیها هو الفساد بعد سقوط الأمر بتعلّق النهی بذات العبادة إذ لا یجتمعان فی واحد بعنوان واحد فلا أمر کما لا یحرز وجود الملاک بسبب سقوط الأمر و علیه فمقتضی الاشتغال الیقینی بالعبادة المقرّبة هو الفراغ الیقینی و هو لا یحصل إلاّ بإتیان الفرد غیر المنهی.

و لکنّ لقائل أن یقول أنّ ذلک صحیح فیما إذا لم یکن إطلاق و أمّا مع وجود الإطلاق و دلالته علی وجود الملاک فمقتضی الأصل هو الصحّة دون الفساد لکفایة قصد الملاک فی الصحّة و قد مرّ کیفیّة دلالة الإطلاق علی وجود الملاک فراجع فتحصّل أنّ مقتضی الأصل فی المسألة الفرعیّة فی المعاملات و العبادات هو الفساد فیما إذا لم یکن إطلاق و أمّا مع وجود الإطلاق فمقتضی الإطلاق هو الصحّة فتدبّر جیّدا.

المقدّمة السابعة:أنّه لا فرق فی العبادة المنهیّة بین أن تکون عبادة بسیطة کصوم العیدین أو عبادة مرکّبة کصلاة الحائض أو جزءا عبادیّا للعبادة کقراء سور العزائم أو شرطا عبادیّا للعبادة کالوضوء.

فإنّ النهی فی جمیع الصور متعلّق بنفس العبادة و یجری البحث فی کلّ واحد من الصور عن أنّ النهی یکشف عن الفساد أم لا إذ لا فرق بین عبادة و عبادة اخری و البساطة أو الترکیب أو الجزئیّة أو الشرطیّة لا توجب الفرق فی المسألة و المفروض هو تعلّق النهی بنفس العبادة فی جمیع الصور و هو محلّ البحث هذا بخلاف ما إذا تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة أو المفارق له فإنّه خارج عن محلّ النزاع إذ لم یتعلّق الأمر و النهی بالعبادة بعنوان واحد بل هو داخل فی مسألة اجتماع الامر و النهی لأنّ عنوان المأمور غیر عنوان المنهی عنه و یجری فیه ما جری فی تلک المسألة حرفا بحرف.

ص:327

المختار فی المسألة:

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل فی العبادات:

لا شبهة فی أنّ النهی الشرعی المتعلّق بعنوان العبادة یقتضی الفساد بحکم العقل فإنّه یدلّ علی حرمة متعلّقه و هو کاشف عن مبغوضیّته و مع المبغوضیّة الذاتیّة لا یصلح المتعلّق للتقرّب إذ المفروض أنّ المتعلّق لیس له إلاّ عنوان واحد و علیه فلا ملاک و لا أمر لأنّهما فرع کون المتعلّق ذا عنوانین و هو خارج عن محلّ البحث فالنهی عن العبادة مع فرض الإطلاقات الدالّة علی مطلوبیّة العبادة یرجع إلی تقیید المادّة و مقتضاه هو عدم وجود الملاک فیها و مع عدم وجود الملاک لا أمر فلا مجال للتقرّب به کما لا یخفی.

و هکذا الأمر فی النهی التنزیهی المولوی إذ النهی التنزیهی عن العبادة بعنوان واحد یدلّ أیضا علی مرجوحیّة متعلّقة و مع مرجوحیّة المتعلّق بعنوانه لا یکاد یمکن أن یتقرّب به إذ لا ملاک و لا أمر له حتّی یتقرّب بهما.

و أمّا النهی التنزیهی عن العبادة بعنوان آخر فهو خارج عن محلّ الکلام لأنّ محلّ الکلام هو ما إذا تعلّق النهی بالعبادة بعنوان واحد و حیث لا یکون العبادة بذاتها کمرجوحة لا مانع من صحّتها.

و ممّا ذکر یظهر خروج النهی الغیری عن محلّ الکلام أیضا کالنهی عن الضدّ بناء علی اقتضاء الأمر بالضدّ النهی عن الضدّ الآخر لأنّه لا یکون بعنوان واحد فکما أنّ الأمر المقدّمی لا یتعلّق بذات الشیء بل بعنوان المقدّمیّة لشیء آخر فکذلک النهی المقدّمی.

و علیه فالأمر بذات العبادة و إن لم یجتمع مع النهی الغیری فی مقام الامتثال

ص:328

و لکنّ یکفی وجود الملاک فی ذات العبادة لصحّتها لو أتی بها بقصد الملاک للّه تعالی.

و أمّا النواهی الارشادیة فهی خارجة عن محلّ النزاع أیضا لوضوح دلالتها علی الفساد مع سوقها لبیان المانعیّة کالنهی عن الصلاة فی وبر ما لا یؤکل لحمه و إنّما الکلام فی النواهی المولویّة و قد عرفت دلالتها علی الفساد بحکم العقل من دون فرق بین کونها تحریمیّة أو تنزیهیّة.

المقام الثانی فی المعاملات:

و لا یبعد دعوی أنّ المتفاهم العرفی من النواهی الواردة فی المعاملات و المرکّبات ما لم تقم قرینة هو کونها إرشادیّا لا مولویّا و إن کانت مولویّتها معقولة بل واقعة فی جملة من الموارد کالنواهی الواردة فی حرمة التزویج علی المحرم فی حال الإحرام أو حرمة الربا أو حرمة النکاح فی العدّة و غیر ذلک و لا ریب بعد کون المتفاهم العرفی هو الإرشاد أنّ النواهی الإرشادیّة حینئذ تدلّ علی الفساد لأنّها إرشاد إلی وجود المانع و من المعلوم أنّ الأسباب مع وجود المانع لا أثر لها و هذا لیس إلاّ معنی الفساد،کما لا یخفی.

ثمّ إنّه لو فرض تعلّق النهی التکلیفی بالمعاملات فالنهی إمّا تنزیهی أو تحریمیّ نفسی أو تحریمیّ غیری.

فإن کان النهی تنزیهیّا أو تحریمیّا غیریّا فلا یدلّ علی الفساد إذ لا منافاة بین المرجوحیّة التنزیهیّة و الغیریّة و بین تأثیر المعاملة کما لا یخفی.

و إن کان النهی تحریمیّا نفسیّا فهو إمّا متعلّق بالتسبّب بعقد إنشائی خاصّ لحصول المسبّب کالنهی عن تسبّب الظهار لحصول أثره و هو الفرقة.

و النهی المذکور لا یلازم الفساد لأنّ مبغوضیّة التسبّب بمعاملة شرعا لا ینافی تأثیر السبب عرفا و لذا ترتّب الأثر علی الظهار مع کونها محرّما.

و إمّا النهی متعلّق بالمعاملة من جهة مبغوضیّة ترتیب الآثار المطلوبة من العقد

ص:329

علیه و هو أیضا لا یلازم الفساد لما عرفت من عدم المنافاة بین مبغوضیّة ترتیب الآثار شرعا و ترتّب الآثار عرفا بل النهی عن ترتیب الآثار عین النهی عن التسبّب بعقد خاصّ.

و إمّا النهی متعلّق بالسبب لأجل مبغوضیّة المسبّب کالنهی عن بیع المصحف من الکافر لأجل مبغوضیّة ملکیّته له و هذا النهی أیضا لا یدلّ علی الفساد و إن کان محرّما لعدم المنافاة بین المبغوضیّة الشرعیّة و تأثیر السبب.

و إمّا النهی متعلّق بأکل الثمن أو المثمن و هو خارج عن محلّ الکلام إذ النهی لا یتعلّق فی هذه الصورة بالمعاملة نعم النهی عن أکل الثمن أو المثمن کاشف عن عدم صحّة المعاملة إذ لا وجه للنهی المذکور إلاّ فساد المعاملة.

و إمّا النهی متعلّق بذات السبب لا بما هو سبب بل بما هو فعل مباشری صادر من الفاعل و هو أیضا خارج عن محلّ الکلام إذ النهی فیه لم یتعلّق به بعنوان المعاملة و إیقاع السبب بل بما هو فعل مباشری له.

فتحصّل أنّ النهی المولوی مطلقا فی المعاملات لا یستلزم الفساد لأنّه ربّما یکون النهی لافادة مجرّد الحرمة التکلیفیّة کالنهی عن الظهار مع أنّ الظهار مؤثّر.

و إن أمکن اجتماعه مع الفساد مع قیام قرینة علیه کالنواهی الواردة فی حرمة الربا و فساده.

هذا کلّه بحسب القاعدة.

و أمّا بحسب الروایات فقد استدلّ علی إفادة النواهی التکلیفیّة المتعلّقة بذات المعاملة للفساد بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام قال:سألته عن مملوک تزوّج بغیر إذن سیّده فقال ذاک إلی سیّده إن شاء أجازه و إن شاء فرّق بینهما قلت أصلحک اللّه إنّ الحکم بن عتیبة و إبراهیم النخعی و أصحابهما یقولون أنّ أصل النکاح فاسد و لا یحلّ إجازة السید له فقال أبو جعفر علیه السّلام إنّه لم یعص اللّه إنما عصی سیّده فإذا أجازه فهو

ص:330

له جائز.

و بمعتبرة موسی بن بکر عن زرارة عن أبی جعفر علیه السّلام إنّه قال:إنّما أتی شیئا حلالا و لیس بعاص للّه إنما عصی سیّده و لم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة و أشباهه.

وجه الاستدلال أنّ الروایتین تدلاّن علی أمرین أحدهما الکبری و هی أنّ النکاح لو کان معصیة للّه تعالی لکان باطلا.و ثانیهما:نفی الصغری و هی أنّ نکاح العبد لم یکن معصیة للّه تعالی و إنّما کان معصیة للسیّد.

و الأمر الأوّل یکفی لإثبات التعبّد بالبطلان فی النواهی المولویّة المتعلّقة بذات المعاملة فإنّ النواهی المولویّة المتعلّقة بذلت المعاملة تدلّ علی أنّ إتیان مواردها معصیة للّه تعالی فیندرج فی قوله علیه السّلام إنّه لم یعص اللّه إنّما عصی سیّده فإذا أجازه فهو له جائز أو قوله إنّما أتی شیئا حلالا و لیس بعاص للّه إنّما عصی سیّده و لم یعص اللّه إنّ ذلک لیس کإتیان ما حرّم اللّه علیه من نکاح فی عدّة و أشباهه.

و مقتضی الکبری المذکورة فی روایتین هو أنّ النکاح لو کان معصیة للّه تعالی لکان باطلا.

و اجیب عن الاستدلال المذکور بأنّ المراد من المعصیة المنفیّة فی قوله علیه السّلام إنّه لم یعص اللّه أو قوله علیه السّلام و لیس بعاص للّه هی المعصیة الوضعیّة لا التکلیفیّة و لا کلام فی استتباع المعصیة الوضعیّة للفساد و إنّما الکلام فی المعصیة التکلیفیّة و المراد من المعصیة الوضعیّة إنّه لم یفعل ما لم یمضه اللّه و إنّما فعل ما لم یمضه مولاه و الشاهد علی إطلاق المعصیة علی المعصیة الوضعیّة هو إطلاق المعصیة بهذا المعنی فی صدر الروایة علی الفعل غیر المأذون فیه بإذن وضعی حیث قال الراوی فی معتبرة موسی بن بکر فقلت لأبی جعفر علیه السّلام«فإنّه فی أصل النکاح کان عاصیا»مع أنّ إنشاء العقد لا ینافی حقّ المولی حتّی یکون معصیة تکلیفیّة فالمراد من قوله کان عاصیا أنّه فعل ما لم یأذن به

ص:331

المولی و هی المعصیة الوضعیّة و علیه فالمعصیة و الفساد فی الروایة بمعنی واحد و مع وضوح وحدتهما فالمراد من قوله علیه السّلام إنّه لم یعص اللّه أو قوله إنّه لیس بعاص للّه لیس المعصیة التکلیفیّة و علیه فالروایتان حینئذ خارجتان عن محل الکلام و دعوی أنّ حمل المعصیة علی مخالفة النهی الوضعی خلاف الظاهر بل الظاهر منها هی مخالفة النهی التحریمی مندفعة بأنّ ذلک فیما إذا لم تقم قرینة علی ذلک.

و قد عرفت استعمال المعصیة فی صدر الروایة فی المعصیة الوضعیّة هذا مضافا الی استعمال المعصیة فی قوله علیه السّلام عاص لمولاه فی صحیحة منصور بن حازم فی المعصیة الوضعیّة.

منصور بن حازم عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه أ عاص للّه قال:عاص لمولاه قلت:حرام هو قال:ما أزعم أنّه حرام و قل له أن لا یفعل الاّ بإذن مولاه.

فإن السؤال عن الحرمة التعلقیة بعد قوله علیه السّلام عاص لمولاه لا وجه له إلاّ من جهة أنّ المراد من قوله عاص لمولاه هو المعصیة الوضعیّة.

لا یقال أنّ المعصیة فی الروایة هی معصیة تکلیفیّة لا الوضعیّة لأنّ المراد من عصیان السیّد هو إتیان الحرام و هو مخالفة السیّد إذ هی خروج عن رسم العبودیّة و الحرمة من عنوان مخالفة السیّد لا یسری إلی عنوان النکاح بما هو هو و حاصل الروایة أنّ حرمة تکلیفیّة متعلّقة بعنوان آخر غیر عنوان ذات الشیء لا توجب الفساد بخلاف ما إذا تعلّقت الحرمة التکلیفیّة بعنوان ذات الشیء کالنکاح فی أیّام العدّة و علیه فالروایتان تدلّ علی الفساد فیما إذا کان النهی متعلّقا بشیء بذاته لا بعنوانه الآخر.

لأنّا نقول قد عرفت أنّ المراد من عصیان السیّد فی صدر الروایات هو العصیان الوضعی لعدم حرمة مجرّد إنشاء النکاح عن العبد و حمله علی الحرمة التکلیفیّة لا

ص:332

وجه له و لو کانت الحرمة متعلّقة بعنوان آخر عن عنوان ذات الشیء کعنوان المخالفة مع مولاه إذ مجرّد الإنشاء لا یوجب تضییع حقّ من حقوق المولی.

و أیضا السؤال عن الحرمة التکلیفیّة بعد قوله علیه السّلام عاص لمولاه ممّا یشهد علی أنّ المراد من العصیان هو العصیان الوضعی و إلاّ فلا وجه للسؤال بعد تصریحه بأنه عاص لمولاه و علیه فالروایات أجنبیّة عن المقام لأنّ المعصیة المنفیّة فی طرف اللّه تعالی بقوله «وَ مَنْ یَعْص اللّهَ» هی المعصیة الوضعیّة بقرینة المعصیة المثبتة فی طرف العبد فإنّ المراد منها هی المعصیة الوضعیّة و محلّ الکلام فی المعصیة التکلیفیّة و لا أقل من الشک فی أنّ المراد من المعصیة المنفیة هی المعصیة التکلیفیّة أو الوضعیة فلا تصلح الروایات لإثبات شیء علی خلاف القاعدة المذکورة فی النواهی المولویّة التکلیفیّة من عدم اقتضائها للفساد،فلا تغفل.

ص:333

ص:334

المقصد الثالث: فی المفاهیم

اشارة

فی المفاهیم

و هنا فصول:

ص:335

ص:336

الفصل الأوّل:فی تعریف المفهوم و المنطوق

المنطوق هو ما دلّت علیه القضیّة الملفوظة المذکورة بالدلالة المطابقیّة.

و المفهوم هو ما دلّت علیه القضیّة التابعة غیر المذکورة فی شخص الکلام المستفادة من القضیّة الملفوظة المذکورة بالدلالة الالتزامیة من جهة اشتمالها علی خصوصیّة تستتبعها بالبیّن بالمعنی الأخصّ.

هذا بناء علی استفادة المفهوم من أداه الشرط أو القضیّة الشرطیّة بالوضع أو مقدّمات الإطلاق الجاریة فی الکلام.

فقولهم إذا جاء زید فأکرمه یدلّ علی أنّ شرط وجوب الإکرام هو مجیء زید فیدلّ ذلک علی ثبوت الوجوب عند ثبوت المجیء من جهة کونه شرطا له.

و هذا المدلول منطوق تدلّ علیه القضیّة الملفوظة المذکورة بالدلالة المطابقیّة.

و علی فرض دلالة القضیّة الشرطیّة علی المفهوم تدلّ القضیّة الملفوظة علی القضیّة غیر المذکورة و هی إن لم یجئ زید فلا یجب إکرامه و هی تدلّ علی انتفاء وجوب الإکرام عنه انتفاء المجیء فالانتفاء عند الانتفاء مدلول القضیّة غیر المذکورة التابعة للقضیّة المذکورة من جهة خصوصیّة مأخوذة فیها تستتبعها و هی إفادة التعلیق و التوقّف أی العلّة المنحصرة.

و هکذا قوله تعالی: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) قضیّة ملفوظة تدلّ علی حرمة التأفیف بالنسبة إلی الوالدین و هو مدلول منطوقی للقضیّة المذکورة و هذه القضیّة من جهة

ص:337

اشتمالها علی النهی عن أدنی وسیلة الزجر بالنسبة إلیهما تستتبع القضیّة غیر المذکورة التابعة لها و هی لا تشتمها و لا تضر بهما بفحوی الکلام و هذا هو مدلول مفهومی.

و بالجملة فالتعریف المذکور بالنسبة إلی المنطوق و المفهوم أقرب التعاریف المذکورة فی المقام و هو الذی اختاره صاحب الکفایة حیث قال إنّ المفهوم کما یظهر من موارد إطلاقه هو عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیّة المعنی الذی أرید من اللفظ بتلک الخصوصیّة و لو بقرینة الحکمة و کان یلزمه لذلک وافقه فی الإیجاب و السلب أو خالفه (1).

و تبعه فی الدرر حیث قال:و المراد من المفهوم هو القضیّة الغیر المذکورة التابعة للمذکورة لخصوصیّة مستفادة منها (2).

و أوضحه شیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه فی أصول الفقه حیث قال:المفهوم ما یکون غیر المنطوق و المدلول الأولی للفظ و یکون لازما للکیفیّة الخاصّة الثابتة للمدلول الأولی و یجب أن یکون الدلالة علیه دلالة لفظیّة مستندة إلی اللفظ لیصح عدّ هذا المبحث من مباحث الألفاظ و ذلک بأن یکون الانتقال إلی خصوصیّة المعنی الأوّلی موجبا للانتقال إلی المعنی الآخر عرفا لکون المعنی الآخر لازما بیّنا بالمعنی الأخص لتلک الخصوصیّة فلو انتفی هذا الانتقال فی مقام لزم الحکم بعدم المفهوم فیه (3).

و إلیه یؤول ما فی المحاضرات حیث أفاد أنّ ما دلّ علیه اللفظ وضعا أو إطلاقا أو من ناحیة القرینة العامّة أو الخاصّة فهو منطوق نظرا إلی أنه یفهم من شخص ما نطق به المتکلّم.

ص:338


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 300.
2- 2) الدرر:ج 1 ص 190 ط جدید.
3- 3) اصول الفقه:ج 1 ص 251.

و أمّا المفهوم فإنّه یطلق علی معنی یفهم من اللفظ بالدلالة الالتزامیّة نظرا إلی العلاقة اللزومیّة البیّنة بالمعنی الأخص إلی أن قال.

و هذه الدلالة مستندة إلی خصوصیّة موجودة فی القضیّة التی قد دلّت علیها بالمطابقة أو بالإطلاق و القرینة العامّة مثلا دلالة القضیّة الشرطیّة علی المفهوم و هو الانتفاء عند الانتفاء مثلا تقوم علی أساس دلالتها علی کون الشرط علّة منحصرة للحکم وضعا أو إطلاقا علی ما یأتی (1).

و لعلّ إلیه یرجع ما حکی عن الحاجبی أیضا حیث قال المنطوق هو ما دلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق و المفهوم ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق (2).

أی أنّ المنطوق هو المدلول المطابقی للفظ بخلاف المدلول الالتزامی فإنّه لیس مدلولا فی محلّ النطق بل لا ینتقل الذهن إلیه إلاّ بواسطة الملازمة التی تکون بین مدلول اللفظ و بینه فهو معنی خارج عن محلّ النطق أی لیس مدلولا لنفس اللفظ ابتداء و بلا واسطة.

و کیف کان فالمفهوم المستفاد من القضیّة غیر المذکورة حکم غیر مذکور فی شخص القضیّة المذکورة لا أنّه حکم لغیر مذکور سواء کان الحکم مذکورا أو غیر مذکور.

و ممّا ذکر یظهر ما فی محکی کلام العضدی حیث قال:المفهوم هو حکم لغیر مذکور لما عرفت من أنّ الحکم المستفاد من القضیّة غیر المذکورة غیر مذکور هذا مضافا إلی أنّ موضوع القضیّة غیر المذکورة ربّما یکون مذکورا بسنخه کما فی مفهوم الموافقة إذ الأفّ فی مثل قوله عزّ و جل: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) یکون أدنی ما یتزجّر به الوالدان و هو من سنخ سائر ما یتزجّران به کالشتم و الضرب و نحوهما فالموضوع فی

ص:339


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 54 و 55.
2- 2) مطارح الانظار:ص 167.

مفهوم الموافقة مذکور بسنخه.

بل قیل أنّ الموضوع فی مفهوم الشرط مثل قولک ان جاء زید فاکرمه هو الموضوع المذکور فی المنطوق و الموضوع فی مفهوم الغایة کقولک صم إلی اللیل هی الغایة المذکورة فی المنطوق إذ لا یجب الصوم فی اللیل و القول بأنّ الموضوع فی مفهوم الشرط هو زید الغیر الجائی و فی مفهوم الغایة هو غیر اللیل لا یخلو عن التکلّف فتأمّل.و کیف کان فإسناد عدم الذکر إلی الموضوع دون الحکم کما فی کلام العضدی لا یصحّ بل اللازم هو إسناده إلی نفس الحکم المستفاد من القضیّة فإنّه أمر غیر مذکور کما نصّ علیه صاحب الکفایة بقوله فصحّ أن یقال أنّ المفهوم إنّما هو حکم غیر مذکور لا أنّه حکم لغیر مذکور کما فسّر به (1).

ثمّ إنّ اعتبار الذکر فی المنطوقیّة و عدمه فی المفهومیّة بالذکر فی شخص الکلام لا فی سنخه کما أفاد المحقّق الاصفهانی قدّس سرّه حیث قال:و الاعتبار فی المنطوقیّة و المفهومیّة بمذکوریّة قضیّة مغایرة لأخری فی شخص الکلام و بعدم مذکوریّتها لا بعدم مذکوریّتها سنخا و إلاّ لخرج المفهوم عن کونه مفهوما بالتصریح به فی کلام آخر.

بل حقیقة هذه القضیّة المتّحدة فی کلامین منطوق فی شخص هذا الکلام و مفهوم فی شخص ذلک الکلام الآخر إلی أن قال العبرة فی المذکوریّة و عدمها بالذکر و عدمه فی شخص الکلام (2).

ثمّ لا یخفی علیک أنّ المفهوم و المنطوق من صفات المدلول لا الدلالة کما یظهر من تعاریفهم لظهور قول الحاجبی فی أنّ الموصوف بهما هو المدلول حیث قال المنطوق هو ما دلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق و المفهوم هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق.

وجه الظهور کما فی تقریرات الشیخ الأعظم قدّس سرّه هو أنّ لفظة ما موصولة فیدلّ

ص:340


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 301.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 159.

علی أنّ المنطوق و خلافه من أوصاف المدلول (1).

و إن أمکن اتّصاف الدلالة باعتبار علّیّة اللفظ لانفهام المعنی المطابقی بالدلالة المطابقیّة و باعتبار علّیّة اللفظ لانفهام المعنی الالتزامی بالدلالة المفهومیّة.

و أمّا ما فی نهایة الدرایة من أنّ معنی الدلالة بالمعنی الفاعلی هو علّیّة اللفظ لانفهام المعنی و لا یکون ذلک إلاّ بقالبیّة اللفظ للمعنی و من الواضح أنّ اللفظ لیس قالبا إلاّ للمعنی المنطوقی لا أنّه قالب أولا و بالذات للمعنی المنطوقی و ثانیا و بالتبع للمعنی المفهومی فإنّه غیر معقول بل الموجب لانفهام المعنی المنطوقی نفس اللفظ و لانفهام المعنی المفهومی نفس انفهام المعنی المنطوقی الخاصّ فتدبّر (2).

ففیه ما لا یخفی لما مرّ فی مبحث الوضع من أنّ القالبیّة ممنوعة إذ حقیقة الوضع هو جعل العلقة و الارتباط و العلامیّة و لا إشکال حینئذ فی جعل الارتباط و العلامیّة بین لفظ و المعنی المنطوقی أولا و بالذات و بین اللفظ و المعنی المفهومی ثانیا و بالتبع فالعمدة هو ما ذکرنا من أنّ الظاهر من التعاریف أنّهما وصفان للمدلول لا الدلالة، فلا تغفل.

و انقدح ممّا ذکر من أنّ المفهوم تابع للخصوصیّة المذکورة فی المنطوق خروج مثل وجوب المقدّمة و حرمة الضدّ و نحوهما عن محلّ الکلام فإنّ الصیغة الدالّة علی وجوب ذی المقدّمة لا تشتمل علی خصوصیّة تدلّ باعتبارها علی وجوب مقدّماته.

و من المعلوم أنّ مجرّد کون وجوب المقدّمات تابعا لوجوب ذیها لا یکفی فی إدراجه فی المفهوم لأنّ دلالة وجوب ذی المقدّمة علی وجوب مقدّماته علی القول به دلالة التزامیّة عقلیّة بین وجوب شیء و وجوب مقدّماته و لیست من المدالیل اللفظیّة المنطوقیّة.

ص:341


1- 1) مطارح الانظار:ص 165.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 160.

فملاک الخروج هو عدم کون الدلالة لفظیّة لا أنّ الدلالة لیست بین وجوب ذی المقدمة وجوب مقدّماته علی نحو اللزوم البیّن کما یظهر من موضع من المحاضرات حیث قال:و من ضوء هذا البیان یظهر خروج مثل وجوب المقدّمة و حرمة الضدّ و ما شاکلهما عن محلّ الکلام فإنّ الملازمة علی القول بها و إن کانت ثابتة بین وجوب شیء و وجوب مقدّمته و وجوب شیء و حرمة ضدّه و نحو ذلک إلاّ أنّها لیست علی نحو اللزوم البیّن ضرورة أنّ النفس لا تنتقل من مجرّد تصوّر وجوب الشیء و مقدمته إلی وجوبها ما لم تتصوّر مقدّمة أخری و هی حکم العقل بالملازمة بینهما فالنتیجة أنّ الملازمة فی تلک الموارد لا تکون علی شکل اللزوم البیّن (1).

و ذلک لأنّ اللزوم بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب مقدّماته و إن فرض بیّنا بالمعنی الأخصّ خارج عن المقام لما عرفت من أنّ المفهوم هو القضیّة التابعة للمذکورة لخصوصیّة فی المذکورة و هذا لا یصدق علیه و إن کان من الدلالات الالتزامیّة العقلیّة البیّنة کما لا یخفی.

و ممّا ذکرنا یظهر أیضا خروج دلالة الاقتضاء عن مثل المقام فإنّ انفهام کون أقلّ الحمل هو ستّة أشهر من الآیتین أعنی قوله عزّ و جلّ وَ حَمْلُهُ وَ فصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً (2).

و قوله تبارک و تعالی: وَ الْوالداتُ یُرْضعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْن کاملَیْن (3).

هو مقتضی تفریق الحولین من ثلاثین شهرا بحکم العقل فلا یکون من المفهوم لأنّه منفهم من کلامین بحکم العقل مع عدم کون إحدی الآیتین ناظرة إلی الأخری هذا مضافا إلی عدم اشتمالهما علی خصوصیّة تستتبع المفهوم بنحو اللزوم البیّن بالمعنی

ص:342


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 56 و 55.
2- 2) الاحقاف:15.
3- 3) البقرة:233.

الأخصّ لاحتیاج الانفهام المذکور إلی مقدمة اخری إذ المفروض أنّ الملازمة فیها غیر بیّنة بالمعنی الأخصّ مع أنّ المفهوم هو القضیّة التابعة للقضیّة المذکورة بنحو الدلالة الالتزامیّة بالبیّن بمعنی الأخصّ و علیه فلا یخفی ما فی نهایة الدرایة.

حیث قال إنّ انفهام التبعی إن کان من کلام واحد کان المدلول مفهوما و إن کان من کلامین کأقلّ الحمل المنفهم من الآیتین کان منطوقا إلاّ أن یصطلح علی تسمیة مطلق ما یفهم تبعا مفهوما و لا مشاحة فی الاصطلاح (1).

لما عرفت من عدم دلالتهما علیه من جهة المنطوق لعدم کون إحدی الآیتین ناظرة الی الأخری و لا من جهة المفهوم لعدم اشتمالهما علی خصوصیّة تستلزم هذه الدلالة بالدلالة الالتزامیّة بالبیّن بمعنی الأخصّ.

نعم یمکن إدراجها فی لوازم المنطوق من جهة کونها مستفادة بالدلالة الالتزامیة بالبیّن بمعنی الأعمّ و من المعلوم أنّ لوازم الإمارات حجّة سواء کانت بیّنة بمعنی الأخصّ أو بمعنی الأعمّ و إن لم یکن إحدی الآیتین ناظرة إلی الأخری.

و ممّا ذکر یظهر ما فی الوقایة حیث قال:و أین من المنطوق استفادة حکم من آیتین متفرّقتین غیر ناظرة إحداهما إلی الأخری و هو حکم لا یهتدی إلیه إلاّ الألمعی الفطن بعد ضرب من الاجتهاد (2).

هذا کلّه بناء علی استفادة المفهوم من أداة الشرط أو القضیّة الشرطیّة بالوضع أو مقدّمات الإطلاق الجاریة فی الکلام.

و أمّا بناء علی ما نسب إلی القدماء من أنّ دلالة الخصوصیّة المذکورة فی الکلام کالشرط علی الانتفاء عند الانتفاء من باب بناء العقلاء علی حمل الفعل الصادر عن الغیر علی کونه صادرا عنه لغایة و کون الغایة المنظورة منه هو دخالتها فی المطلوب

ص:343


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 159 و 160.
2- 2) الوقایة:ص 410.

فالدلالة المذکورة أجنبیّة عن المقام.

إذ دلالة الخصوصیّة حینئذ علی فرض صحّة النسبة و المطلب لیست من باب الدلالة اللفظیّة و الالتزامیّة بل هی من باب دلالة الأفعال و هی فی مقابل الألفاظ و قد أوضح ذلک فی نهایة الأصول حیث قال هنا مدالیل آخر للکلام سوی المدالیل المطابقیّة و التضمنیّة و الالتزامیّة تکون دلالة اللفظ علیها دلالة مفهومیّة کما تکون دلالته علی المعنی المطابقی و التضمّنی و الالتزامی دلالة منطوقیّة فالدلالة المفهومیّة خارجة من الأقسام الثلاثة فإنّها بأجمعها ممّا یمکن أن یقال أنّ المتکلّم نطق بها غایة الأمر أنّ نطقه بالنسبة إلی المدلول التضمنی و الالتزامی بالواسطة و المفهوم عبارة عمّا لم ینطق به المتکلّم و لو بالواسطة.

مدالیل المطابقیّة و التضمنیّة و الالتزامیّة کلّها ممّا لا یمکن للمتکلّم أنّ ینکر نطقه بها و أمّا عدم ثبوت الوجوب عند عدم المجیء فیفهم من اللفظ و لکن لو قیل للمتکلم أنت قلت هذا أمکنه إنکار ذلک بأن یقول ما قلت ذلک و إنّما الذی قلته و نطقت به هو وجوب الإکرام عند المجیء و لیس الانتفاء عند الانتفاء من لوازم الثبوت عند الثبوت حتی یقال أنّ دلالة اللفظ علیه بالالتزام لوضوح أنّ وجوب الاکرام عند المجیء لا یستلزم بحسب الواقع عدم وجوبه عند عدمه.

و مع ذلک نری بالوجدان أنّه یفهم من الکلام و لکنّه لیس بحیث یمکن أن ینسب إلی المتکلّم أنّه نطق به.

و أمّا الثبوت عند الثبوت و جمیع لوازمه العقلیة و العرفیة فمما یمکن أن تنسب إلی المتکلّم و یقال أنّه نطق بها و لیس له إنکاره و کذا الکلام فی مفهوم الموافقة فإنّ النهی عن الأفّ یفهم منه النهی عن مثل الضرب و لکنّه لا تلازم بین المعنیین و المدلولین بحسب متن الواقع لعدم الارتباط و العلاقة بین الحرمة المتعلّقة بالأفّ و بین الحرمة المتعلّقة بالضرب حتّی یقال باستلزام الأوّل للثانی و اللفظ الصادر عن المتکلّم کسائر

ص:344

أفعاله یحمل بحسب بناء العقلاء علی کونه صادرا عنه لغایة و کون المقصود منه غایته الطبیعیة العادیة و حیث أنّ الغایة العادیة للتلفظ إفادة المعنی فلا محالة یحکم المستمع للفظ(قبل اطّلاعه علی المعنی المقصود منه)بکون التکلّم به لغایة و فائدة و کون الغایة المنظورة منها إفادة معناه(أیّ شیء کان)و لیس هذا مربوطا بباب دلالة الألفاظ علی معانیها بل هو من باب بناء العقلاء علی حمل فعل الغیر علی کونه صادرا عنه لغایته الطبیعیة و هذا مقدّم بحسب المرتبة علی الدلالة الثابتة للفظ بما هو لفظ موضوع علی معناه المطابقی أو التضمّنی أو الالتزامی لأنّه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ موضوع و یحکم به العقلاء قبل الاطّلاع علی المعنی الموضوع له.

و هذا البناء من العقلاء کما یکون ثابتا فی مجموع الکلام کذلک یکون ثابتا فی أبعاضه و خصوصیّاته فکما أنّ نفس تکلّمه(بما أنّه فعل من الأفعال الاختیاریة)یحمل علی کونه لغایته الطبیعیة العادیة فکذلک الخصوصیّات المذکورة فی الجملة من الشرط أو الوصف أو غیرهما تحمل(بما هی من الأفعال الصادرة عنه)علی کونها لغرض الإفادة و الدخالة فی المطلوب فإنّها غایتها العادیة و کما لم تکن دلالة نفس الجملة علی کونها لغرض إفادة المعنی دلالة لفظیة وضعیّة بل کانت من جهة بناء العقلاء(المتقدم بحسب الرتبة علی الدلالة اللفظیة المنطوقیّة)فکذلک دخالة الخصوصیّة المذکورة فی الکلام علی کونها للدخالة فی المطلوب لیست من باب دلالة اللفظ بما هو لفظ موضوع بل هی من باب بناء العقلاء و من باب دلالة الفعل بما هو فعل انتهی موضوع الحاجة (1).

و لکن لا یخفی ما فیه أوّلا أنّ النسبة المذکورة إلی القدماء غیر محرزة بل یخالفه ظاهر ما حکی عن الحاجبی من أنّ المنطوق ما دلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق و المفهوم

ص:345


1- 1) نهایة الاصول:ج 1 ص 290-294 مع تقدیم و تأخیر و اختلاف یسیر.

ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق.

لأنّ الدال فی المنطوق و المفهوم کلیهما هو اللفظ بما هو لفظ لا بما هو فعل.

و ثانیا:أنّ ما حکم به العقلاء یکون من المبادی لدلالة الألفاظ علی معانیها و لا یستفاد منها إلاّ الدلالة الإجمالیة إذ غایته أنّ المستمع کما صرح به فی نهایة الأصول یحکم قبل اطّلاعه علی المعنی المقصود منه بکون التکلّم به لغایة و فائدة و کون الغایة المنظورة منه هو إفادة المعنی(أیّ شیء کان)و دخالته فی المطلوب.

و أمّا التفصیل فلا دلالة للّفظ بما هو فعل علیه بل هو مربوط بمفاد اللفظ بما هو اللفظ سواء کان مدلولا وضعیا أو مدلولا إطلاقیا فمجرد دلالة اللفظ بما هو فعل علی دخالة القید فی المطلوب لا ینفی دخالة شیء آخر فی شخص الحکم فی المنطوق کما لا ینفی وجود الحکم بسبب شیء آخر وراء الشرط المذکور بل هی متوقّفة علی استظهار مدلول اللفظ فإن کان المدلول هو العلّة المنحصرة لشخص الحکم أو سنخ الحکم یحکم بأنّ الشرط علّة منحصرة لذلک و إلاّ فمجرّد حکم العقلاء بکون اللفظ بما هو فعل صادرا للغایة و هی دخالته فی المطلوب لا یفید شیئا کما لا یخفی فحکم العقلاء بالمذکور یکون من المبادی التی یتوقّف علیها إسناد ظواهر الکلمات من المعانی الموضوع لها أو المستفاد منها بمقدّمات الإطلاق إلی المتکلّم بها.

و أمّا تفصیل المعانی فهو مستفاد من الوضع أو مقدّمات الإطلاق و لعلّ منشأ التوهّم المذکور هو الخلط بین الدلالة الإجمالیّة المستفادة من الأفعال و الدلالة التفصیلیّة المستفادة من الوضع أو مقدّمات الإطلاق الجاریة فی الکلام و قیوده و شروطه.

و لعلّ إلیه یئول ما أفاده سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه بقوله و أنت خبیر بأنّ ذلک لا یفید ما لم یضمّ إلیه شیء آخر و هو أنّ عدم الإتیان بشیء آخر فی مقام البیان یدلّ علی عدم القرین له و به یتمّ المطلوب و إلاّ فصرف عدم لغویة القیود لا یدلّ علی

ص:346

المفهوم ما لم تفد الحصر فإثبات المفهوم إنّما هو بإطلاق الکلام و هو أحد الطرق التی تشبث بها المتأخّرون.

و محصله أنّ غایة ما یقتضی الدلیل المذکور أنّ القید دخیل فی الحکم و لیس الحکم متعلقا بذات الموضوع بلا قید و إلاّ لزم اللغویة و أنّ الموضوع مع هذا القید تمام الموضوع للحکم فیترتّب علی المقیّد به الحکم بلا انتظار قید آخر و هو مقتضی الإطلاق أی عدم التقید بقید آخر.

و أمّا عدم تعلق سنخ هذا الحکم بموضوع أخر و هو ذات الموضوع مع قید آخر فلا یکون مقتضی إتیان القید و لا إطلاق الموضوع انتهی موضع الحاجة (1).

و ثالثا:أنّ مع کون دلالة الألفاظ بما هو أفعال دلالة اجمالیة کیف یفهم من المنطوق عدم ثبوت الوجوب عند عدم المجیء مع إنکار المتکلّم إیّاه.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ البحث عن المفاهیم بعد ما عرفت أنّ معنی المفاهیم هی القضایا غیر المذکورة التی تستلزمها الخصوصیّة المذکورة یکون من مباحث الأصولیّة اللفظیّة فإنّ الدالّ علیها هو الألفاظ غایة الأمر أنّ الألفاظ دلالتها علی المنطوق بالمطابقة و علی المفاهیم بالدلالة الالتزامیّة و لیست مسألة المفاهیم من المسائل الأصولیّة العقلیّة فإنّ المسائل العقلیة لا ارتباط لها بدلالة الألفاظ کمسألة مقدّمة الواجب فإنّ الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب مقدّماته عقلیّ و لا ارتباط له بمباحث الألفاظ.

و لکن ذهب فی المحاضرات إلی إمکان أن یقال أنّ مسألة المفاهیم من المسائل العقلیّة أیضا و قال و الوجه فی ذلک هو أنّ الحیثیّة التی تقتضی المفهوم و تستلزمه و هی العلّیّة المنحصرة.و إن کانت مدلولا لفظیّا وضعا أو إطلاقا حیث أنّ الدالّ علیها هو

ص:347


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 182.

الجملة الشرطیّة أو نحوها إلاّ أنّ هذه الحیثیّة نفسها لیست بمفهوم علی الفرض فإنّ المفهوم ما هو لازم لها و هو الانتفاء عند انتفائها و من المعلوم أنّ الحاکم بذلک أی بانتفاء المعلول عند انتفاء علّته التامّة إنّما هو العقل و لا صلة له باللفظ (1).

یمکن أن یقال أنّ المباحث العقلیّة هی التی تحکم العقل بها مع قطع النظر عن الأدلّة اللفظیّة التعبّدیّة کالملازمة بین وجوب شیء و وجوب مقدّماته و جواز اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد معنون بعنوانین و امتناعه و الملازمة بین وجوب شیء و حرمة ضدّه و غیر ذلک من المباحث العقلیّة فإنّ الملازمة و الجواز و الامتناع لیست من المدالیل اللفظیّة التعبّدیّة هذا بخلاف المقام فإنّ الخصوصیّة المذکورة فی المنطوق تدلّ بالمطابقة علی أنّ الشرط المذکور تلو أداة المشروط علّة تامّة منحصرة لسنخ الحکم کما هو المفروض و تدلّ بالالتزام علی أنّ الجزاء ینتفی بانتفائه فإنّه مقتضی انحصار علّة الجزاء فی الشرط المذکور و لا توقّف فی هذه الدلالة علی الدلالة العقلیّة بل هی مفاد العلّة المنحصرة کما لا یخفی و مجرّد کون العقل حاکما بعدم جواز تخلّف المعلول عن علّته لا یجعل مدلول اللفظ فی مورد العلّة التعبّدیّة مدلولا عقلیّا کما لا یخفی.

و کیف کان فالبحث فی المقام لیس فی حجّیّة المفهوم بعد الفراغ عن وجوده بل الکلام فی مبحث المفاهیم فی أنّ الجملة الشرطیّة أو الوصفیّة و ما شاکلهما هل تدلّ علی المفهوم أم لا فالبحث فی مباحث المفاهیم یکون عن ثبوت الصغری و هو إثبات الدلالة اللفظیّة بعد الفراغ عن ثبوت الکبری و هی حجیّة الظواهر سواء کانت من الدلالات المطابقیّة أو الدلالات الالتزامیّة و إذا عرفت تعریف المفهوم و المنطوق حان الوقت للبحث عن مقام الإثبات أعنی أنّ القضیّة الشرطیّة أو الوصفیّة و ما شاکلهما هل تدلّ علی المفهوم أو لا و سیجیء البحث عن ذلک إن شاء اللّه تعالی.

ص:348


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 58.

الفصل الثانی:فی دلالة الجملة الشرطیّة

اشارة

علی المفهوم و عدمها

و لا یخفی علیک أنّ المشهور ذهبوا إلی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم بمعنی أنّها کما تدلّ علی ثبوت شیء عند ثبوت شیء فکذلک تدلّ بالالتزام علی الانتفاء عند الانتفاء قال فی هدایة المسترشدین:

دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم مختار أکثر المحقّقین و قد عزاه إلیهم المحقّق الکرکیّ و الشهید الثانی و عزی إلی الشیخین و الشهیدین أیضا و اختاره جماعة من المتأخّرین و حکی القول به عن جماعة من العامّة أیضا خلافا لجماعة آخرین من العامّة و الشیخ الحرّ و غیره من متأخّری أصحابنا انتهی.

و کیف کان فاستدلّ لذلک بوجوه:

منها:التبادر و تقریبه:أنّ المستفاد من الجملة الشرطیّة هو تعلیق شیء و توقّفه علی شیء آخر و مقتضی توقّف شیء علی شیء هو الانتفاء بالانتفاء إذ لا معنی للتوقّف إلاّ ذلک و لذا شبّه فی المعالم الجملة الشرطیّة فی إفادة التوقّف و التعلیق بقولنا الشرط فی دخولک فی الجامعة الکذائیّة هو امتحانک و توفیقک فیه فکما أنّ مفاد الجملة المذکورة هو التوقّف و التعلیق بمعنی اشتراط الدخول فی الجامعة بالتوفیق فی الامتحان و انتفائه بانتفائه فکذلک الجملة الشرطیّة من دون فرق بینهما إلاّ فی أن الإفادة فی الجملة المذکورة تکون بنحو المعنی الاسمی و فی الجملة الشرطیّة تکون بنحو

ص:349

المعنی الحرفیّ و تبعه فی هدایة المسترشدین و قال:هو أمر ظاهر بالوجدان من التأمّل فی الإطلاقات العرفیة أ لا تری حصول المناقضة الظاهرة بین قول القائل أکرم زیدا علی کلّ حال من الأحوال سواء جاءک أو لم یجئک أکرمک أو لم یکرمک و قوله أکرم زیدا إن جاءک أو إن أکرمک و لذا یجعل حکمه الثانی عدولا عن الأوّل و رجوعا عنه إلی غیره.

إلی أن قال:لنا أنّ مفاد الاشتراط تعلیق الحکم بالشرط و إناطته به بحیث یفید توقّفه علیه کما مرّ بیانه و من البیّن أنّ توقّف الشیء لا یعقل إلاّ مع انتفائه(بانتفائه).

فمدلول المنطوق هو الحکم بالوجود عند الوجود علی سبیل توقّف الثانی علی الأوّل و الانتفاء بالانتفاء من لوازم البیّنة للتوقّف و لیس جزءا من مفهومه کما لا یخفی.

و الحاصل أنّ مفاد التعلیق هو الشرط کمفاد قولک هذا شرط فی هذا أو متوقّف علی کذا.

فکما أنّ کلاّ من اللفظین دالّ بالدلالة الالتزامیّة علی انتفاء المشروط بانتفاء الشرط و انتفاء ما یتوقّف بانتفاء ما یتوقّف علیه فکذا فی المقام-إلی أن قال-:

الظاهر أنّ الدلالة علی الانتفاء بالانتفاء فی المقامین التزامیّة.

فإنّ توقّف الشیء علی الشیء هو اقتصاره إلیه بحیث لا یتحقّق إلاّ بتحقّقه فالانتفاء بالانتفاء من لوازم المعنی و قیوده-إلی أن قال-:فالتحقیق أنّه لیس مفاد التعلیق علی الشرط إلاّ الحکم بوجود الجملة الجزائیّة عند وجود مصداق الجملة الشرطیّة علی سبیل توقّفه علیه و إناطته به و الانتفاء عند الانتفاء من لوازم تلک الإناطة و الارتباط المدلول علیه بالمنطوق (1).

و تبعه الشیخ الأعظم قدّس سرّه حیث قال:لنا قضاء صریح العرف بذلک فإنّ المنساق

ص:350


1- 1) هدایة المسترشدین:ص 281-288.

إلی الأذهان الخالیة من الجملة الشرطیّة هو التعلیق علی وجه ینتفی الحکم بانتفاء الشرط و کفانا بذلک دلیلا و حجّة ملاحظة الاستعمالات الواردة فی العرف.

و ذلک لا ینافی ثبوت استعمال الجملة فی معنی آخر فإنّ باب المجاز غیر منسدّ و لم یزل البلغاء و الفصحاء یستعملونه فی موارد تقضی بها الحال فما حکی عن الفوائد الطوسیّة من أنّه تجشّم باستخراج مائة مورد بل و أزید من القرآن الکریم لا دلالة فیها علی المفهوم فهو تکلف من غیر حاجة إذ لا نزاع فی ثبوت ذلک فی الجملة و لا یوجب ذلک و هنا فی قضاء العرف بثبوت المفهوم.

إلی أن قال:إنّ العرف قاض بأنّ المستفاد من أداة الشرط هو التعلیق علی وجه خاصّ یلزم منه الانتفاء عند الانتفاء و ذلک نظیر قضاء العرف باستفادة الطلب من الآمر علی وجه لا یرضی الطالب بترکه و هو المعبّر عنه بالوجوب فیکون الوجوب مدلولا التزامیا وضعیّا للأمر (1).

و تبعه أیضا صاحب الوقایة (2).

و یمکن تأیید ذلک بأنّ مقتضی کون أداة«لو»للامتناع هو الالتزام بالمفهوم و العلّیّة المنحصرة إذ القضیّة المشتملة علی کلمة«لو»تدلّ علی امتناع التالی لامتناع المقدّم و لیس ذلک إلاّ من جهة دلالتها علی حصر العلّة فی المقدّم.

هذا مضافا إلی صحّة الاستدراک کما إذا قیل إن ضربتنی ضربتک و لکنّک لم تضربنی فلا أضربک مع أنّه لو لم یکن للقضیّة الشرطیّة مفهوم فلا حاجة إلی الاستدراک و لا یکون صحیحا.

هذا غایة التقریب لوضع أداة الشرط للدلالة علی علّیّة الشرط للجزاء بنحو الانحصار و لکنّ مع ذلک لا یخلو عن التأمّل و النظر إذ دلالة الأداة علی الترتّب و إن

ص:351


1- 1) تقریرات الشیخ:ص 169-170.
2- 2) الوقایة:ص 418-419.

کانت متبادرة منها و یکون شاهدا لوضعها لذلک.

أمّا تبادر العلّیّة المنحصرة من الجملة الشرطیّة فغیر ثابت بل تبادرها من الجملة الاسمیّة بمثل هذا شرط لذلک غیر معلوم و تشبیه الجملة الشرطیّة بالجملة الاسمیة المذکورة لا یفید.

و من المعلوم أنّ استعمال الجملة الشرطیّة و الاسمیّة المذکورة فی غیر العلّة المنحصرة شائع و لا یحتاج إلی إعمال عنایة و هو شاهد علی عدم وضع الأداة للتعلیق و التوقّف.

نعم دعوی وضع الجملة الشرطیّة للترتّب السببی غیر مجازفة.

و أمّا دعوی انصراف الترتّب إلی التوقّف و التعلیق من جهة کونه أکمل الأفراد فهی مندفعة کما فی الکفایة بأنّ ملاک الانصراف لیس مجرّد الأکملیّة بل هو کثرة الاستعمال و هو مفقود هذا مضافا إلی إمکان منع الأکملیّة فإنّ الانحصار لا یوجب أن یکون ذاک الربط الخاصّ الذی لا بدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها أکثر و أقوی کما لا یخفی.

و أمّا التأیید بکلمة«لو»و صحّة الاستدراک ففیه أوّلا:أنّ ذلک لا یکون دلیلا علی الوضع لمساعدته مع القول بالدلالة من باب الإطلاق أیضا فالدلیل أعمّ من المدّعی و بالجملة دلالة القضیّة علی حصر العلّة فی المقدّم أعمّ من أن یکون بالوضع أو بمقدّمات الإطلاق.

و ثانیا:إنّ کلمة«لو»تکون حرف الامتناع لأنّ مدخولها الماضی و من المعلوم أنّ فرض وجود شیء فی الماضی لا یتصوّر إلاّ إذا کان الواقع عدم وجوده فی الماضی فلذا یکون المفروض محالا و علیه فما یکون مرتّبا علی المحال المفروض وجوده فی الماضی فهو أیضا وجوده یکون محالا فی الماضی لأنّه إن کان المرتّب علیه علّته المنحصرة فالمفروض أنّها لم توجد و إن لم یکن علّته المنحصرة و کانت له علّة أخری

ص:352

فهذه العلّة أیضا لم توجد فمع عدم وجود علل وجود الشیء رتّب عدم الشیء علی عدم المفروض وجوده فمن هذا البیان الذی أفاد إجماله المحقّق الأصفهانی یظهر أنّ الالتزام بأنّ أداة«لو»للامتناع لیس التزاما بالمفهوم و بالعلّیّة المنحصرة لمدخولها (1).

اللّهمّ إلاّ أن یقال:أنّ أداة«لو»إن لم تفد أنّ امتناع التالی لامتناع المقدّم و احتمل أن یکون امتناع التالی لأمر آخر غیر موجود فی الماضی لما اسند الامتناع إلی المقدّم بل لزم أن یسند إلی أمر آخر أیضا و حیث إنّ الإسناد إلی أمر آخر مفقود فلیس امتناع التالی إلاّ لامتناع المقدّم و هو مساوق لدلالة أداة«لو»أو الجملة الشرطیّة لحصر العلّة فی المقدّم.

و منها:ما فی نهایة الأفکار من إطلاق الجزاء و بیان ذلک أنّ طبع القضایا الإنشائیّة و الحملیّة فی نفسها یقتضی الظهور الإطلاقیّ الموجب لحصر الطبیعیّ فی قوله أکرم زیدا فی حکم شخصیّ محدود بحدّ خاصّ فإذا أنیط ذلک بالشرط فی القضیّة الشرطیّة یلزم انتفاء ذلک عند الانتفاء و حیث أنّه فرض انحصار الطبیعیّ بهذا الشخص بمقتضی الظهور الإطلاقی فقهرا یلزمه انتفاء الحکم السنخیّ بانتفائه من دون احتیاج إلی إثبات العلّیّة المنحصرة و ذکر لذلک مقدّمات طویلة (2)و لکنّها لا تثبت مقصوده لأنّ المقدّمة الأصلیة هی إطلاق القضیّة الإنشائیة من جهة موضوعها بحسب الأحوال من القیام و القعود و المجیء و عدمه و هی مخدوشة لأنّ إناطتها بالشرط و هو المجیء یمنع عن إطلاقها بالنسبة إلی عدم المجیء و مع عدم إطلاق القضیّة الإنشائیّة لتلک الحالة فلا دلیل علی نفی الحکم الآخر فی صورة عدم المجیء إلاّ القضیّة الشرطیّة و هی متوقّفة علی إفادة العلّیة المنحصرة.

و بعبارة أخری أنّ الحکم فی القضیّة الإنشائیّة و إن کان مطلقا باعتبار إطلاق

ص:353


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 161.
2- 2) نهایة الأفکار ج 2 ص:479-480.

موضوعه حتّی من جهة المجیء و عدمه و مقتضاه هو عدم حکم آخر لامتناع اجتماع المثلین و لکن إذا أنیط بالمجیء فی القضیّة الشرطیّة خرج عن إطلاقه من جهة عدم المجیء لأنّ الإطلاق من هذه الجهة و إناطته بأداة الشرط بالمجیء لا یجتمعان فاللازم هو رفع الید عن إطلاق الحکم بقرینة الإناطة و علیه فإذا خرج صورة عدم المجیء عن الإطلاق فلا یتعرّض الحکم فی ناحیة الجزاء لانحصار الطبیعة فی الحکم الموجود بالنسبة إلی صورة عدم المجیء و مع عدم تعرّضه لذلک فنفی الحکم الآخر فی حال عدم المجیء یحتاج إلی إفادة أداة الشرط العلّة المنحصرة و هو أوّل الکلام فراجع و تدبّر.

و منها:إطلاق أداة الشرط بدعوی أنّ مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق فی أداة الشرط هو أنّ المراد من الترتّب المستفاد من أداة الشرط هو الترتّب بنحو العلّیّة المنحصرة لأنّه لا یحتاج إلی مئونة زائدة علی بیان نفس الترتّب بقول مطلق لأنّ قیده عدمیّ إذ الترتّب بنحو العلّیّة المنحصرة هو الترتّب علی الشرط المذکور لا غیر بخلاف الترتّب غیر المنحصر فإنّه الترتّب علیه و علی الغیر و من المعلوم أنّه محتاج إلی مئونة زائدة فکما یتمسّک بالإطلاق لإثبات نفسیّة الوجوب و یقال أنّ خصوصیّة الوجوب النفسی خصوصیّة عدمیّة لأنّه الوجوب لا للغیر و لا یحتاج إلی بیان زائد بخلاف الوجوب الغیری فإنّ خصوصیّته وجودیّة لأنّه الوجوب للغیر و تحتاج إلی بیان زائد فالوجوب المطلق یحمل علی الوجوب لا للغیر لا الوجوب للغیر فکذلک یقال فی المقام بأنّ المراد من الترتّب المطلق هو الترتّب بنحو العلّیّة المنحصرة لأنّه لا یحتاج إلی مئونة زائدة.

أورد علیه أوّلا بأنّ معنی الأداة حرفیّ و المعنی الحرفی جزئیّ غیر قابل للتقیید و حیث إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید هو تقابل العدم و الملکة فالإطلاق دائما یمتنع بعین امتناع التقیید فلا مورد لمقدّمات الإطلاق إلاّ فی المعنی القابل للإطلاق و التقیید و هو المعانی الاسمیّة.

ص:354

و بعبارة أخری الإطلاق أو التقیید یحتاج إلی لحاظ المطلق أو المقیّد باللحاظ الاستقلالیّ و معنی الحرف ملحوظ آلیّا و إلاّ لمّا کان معنی حرفیّا و الملحوظ باللحاظ الآلی لا یجامع مع اللحاظ الاستقلالیّ فالمعانی الحرفیّة لا تقبل الإطلاق و التقیید.

یمکن الجواب عنه بإمکان ملاحظة المعنی الحرفیّ الوسیع أو الضیق بتبع المعنی الاسمی کما لوحظت معانی الحرفی عند وضع الحروف لها کذلک کقولهم«من»للابتداء، فإنّ معنی الابتداء الحرفی عند قولهم«من»للابتداء ثبت بالوضع لکلمة«من»بتبع معنی الابتداء الاسمی مع أنّ معنی الابتداء الحرفی من المعانی الحرفیّة و علیه فیمکن ملاحظة ما یستفاد من الأداة من الترتّب بنحو العلّیّة المنحصرة بتبع ملاحظة العلّة و المعلول علی نحو لا ینفکّ أحدهما عن الآخر بمعناها الاسمی (1).

و ثانیا:إنّ ترتّب العلّة بنحو الانحصار و بنحو غیر الانحصار مصداقان للترتّب المستفاد من أداة الشرط و کلّ واحد منهما مشتمل علی الخصوصیّة و لا یلازم أحدهما الإطلاق فإثبات أحدهما بالإطلاق مع أنّ نسبة الترتّب المطلق إلیهما متساویة بلا معیّن بل إرادة کلّ واحد من أنحاء الترتّب محتاجة إلی القرینة و علیه فقیاس الترتّب الانحصاری بالواجب النفسی قیاس مع الفارق لأنّ الوجوب النفسی وجوب علی کلّ حال و هو یلازم الإطلاق بخلاف الغیری فإنّه ثابت فی حال دون أخری هذا بیان ما ذهب إلیه فی الکفایة.

أورد علیه فی نهایة الدرایة بأنّ عدم ترتّب التالی علی غیر المقدّم لا یوجب أن یکون سنخ المترتّب علی غیره مبائنا معه من حیث الترتّب أو اللزوم بخلاف عدم کون الوجوب للغیر فإنّ الوجوب المنبعث عن وجوب الغیر سنخ من الوجوب و مقابل للوجوب الغیر المنبعث عن وجوب آخر فلیس عدم الترتّب علی غیر المقدّم

ص:355


1- 1) راجع نهایة الدرایة:ج 2 ص 162.

أو الترتّب علیه من خصوصیّات الترتّب علی المقدّم کی یختلف أنحاء الترتّب-إلی أنّ قال-:

فنحن أیضا نقول بعدم اقتضاء الإطلاق للعلّیّة المنحصرة لکنّه لا من أجل کون الانحصار و عدمه من شئون العلّیّة و حیثیاتها کالتمامیّة و النقص أو کالعلّیّة بنحو الاقتضاء أو الشرطیّة أو الإعداد بل من أجل أنّ الانحصار و عدمه لیسا من شئون العلّیّة أصلا حتّی یکون الإطلاق مقتضیا لإثبات خصوصیّة أو نفیها بل حیثیّة العلّیة أجنبیّة عن حیثیّة الانحصار و عدمه و إنّما هما من شئون العلّة و الکلام فی الإطلاق من حیث السببیّة لا الإطلاق من حیث وحدة السبب و تعدّده کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی (1).

هذا الإشکال بناء علی أنّ مدلول الأداة أو الهیئة هو الترتّب کما هو المفروض بل هو الظاهر فإنّ سنخ الترتّب فی أحدهما لا یغایر الترتّب فی الآخر إذ الانحصار و عدمه لیسا من شئون العلّیّة بل من شئون العلّة و لیس مدلول الأداة هو التعلیق و التوقیف حتّی یقال مدلول التعلیق و التوقیف ملازم للانحصار و لا حاجة فی إثباته إلی مقدّمات الإطلاق.

و أمّا دعوی أنّ مدلول الأداة هو الفرض و التقدیر و معه فالترتّب مستفاد من الفاء فیجری فی مدلول الفاء الإطلاق لإثبات الانحصار فهو کما تری لأنّ مدلول الأداة کما یشهد له التبادر هو الترتّب و مع خلوّ کثیر من القضایا الشرطیّة عن الفاء کیف یدّعی أنّ الترتّب مستفاد من الفاء.

فتحصّل أنّ إثبات الانحصار بدعوی جریان مقدّمات الإطلاق فی مدلول الأداة محلّ منع و نظر و إن أمکن الجواب عن بعض المناقشات.

ص:356


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 163.

و منها إطلاق الشرط:بتقریب أنّ مقدّمات الإطلاق الجاریة فی الشرط فیما إذا کان المتکلّم فی مقام بیان المؤثّر الفعلی تفید کون الشرط بخصوصه مؤثّرا مطلقا و هو لا یمکن إلاّ فیما إذا کان الشرط منحصرا فیه إذ لو لم یکن بمنحصر لزم تقییده ضرورة أنّه لو قارنه شرط آخر فی التأثیر لما کان مؤثّرا وحده و بخصوصه بل یکون مؤثّرا بالاشتراک أو یکون المؤثّر هو الجامع إن کان کلّ واحد مؤثّرا بالاستقلال،و أیضا لو سبقه شرط آخر فی التأثیر لکان المؤثّر هو السابق کما لا یخفی.

و علیه فإطلاق الشرط من دون قید لو لا شرط آخر یقتضی کون الشرط المذکور مؤثّرا بالفعل وحده و بخصوصه من دون تقیید بعدم شیء فی السابق أو المقارن و هو یساوق العلّة المنحصرة.

أورد علیه فی الکفایة و تبعه فی نهایة الدرایة بأنّه لا یکاد تنکّر الدلالة علی المفهوم مع إطلاق الکلام کذلک و کون المتکلّم فی مقام بیان المؤثّر الفعلی إلاّ أنّه من المعلوم ندرة تحقّقه لو لم نقل بعدم اتّفاقه.

و أوضحه المحقّق الاصفهانیّ بقوله لأنّ القدر المسلّم من القضیّة الشرطیّة إفادة العلّیّة و صلاحیّة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء وجودا أو عدما فی علّیّته الشأنیّة و أمّا ترتّب المعلول بالفعل علی العلّة فهو أمر آخر قد یتّفق سوق الإطلاق بلحاظه فتدبّر (1).

هذا مضافا إلی ما أفاده سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه من أنّ ذلک لیس قضیّة الإطلاق فإنها کما مرّ لیست إلاّ أنّ ما جعل شرطا هو تمام الموضوع لإناطة الجزاء به و إلاّ لکان علیه بیانه کما هو الحال فی جمیع موارد الإطلاق و بعبارة أخری أنّ الإطلاق فی مقابل التقیید و دخالة شیء آخر فی موضوع الحکم و کون شیء آخر

ص:357


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 163.

موضوعا للحکم أیضا لا یوجب تقییدا فی الموضوع بوجه.

و أمّا قضیّة الاستناد الفعلیّ إلی الموضوع مع عدم کون قرین له قبله و بعده فهو شیء غیر راجع إلی الإطلاق و التقیید فإنّ الاستناد و اللااستناد فی الوجود الخارجی بالنسبة إلی المقارنات الخارجیّة غیر مربوط بمقام جعل الأحکام علی العناوین فإنّ فی ذلک المقام لم یکن الدلیل ناظرا إلی کیفیّة الاستناد فی الوجود فضلا عن النظر إلی مزاحماته فیه.

و کیف کان فالإطلاق غیر متکفّل لإحراز عدم النائب و إن کان کفیلا لإحراز عدم الشریک أی القید الآخر.

و لو فرض إحراز کون المتکلّم بصدد بیان العلّة المنحصرة أو الموضوع المنحصر فهو غیر مربوط بمفهوم الشرط بل مع هذا یفهم الحصر مع اللقب أیضا لکنّه لأجل القرینة لا لأجل المفهوم المورد للنزاع (1).

و استشکل بعض علی ما ذکره المحقّق الأصفهانی من أنّ القضیّة الشرطیّة تفید صلاحیة الشیء للتأثیر لا الفعلیّة بأنّ الالتزام به یقتضی تأسیس فقه جدید لأنّ مقتضاه أن لا یستفاد من القضایا الشرطیّة الواردة فی لسان الشارع فعلیّة الوجوب عند تحقّق الشرط إذ لا رافع لاحتمال وجود المانع أو انتفاء الشرط و هذا ممّا لا یتفوّه به أحد فهل تری أحدا یتوقّف فی الحکم بوجوب الوضوء عند النوم استنادا إلی قوله إذا نمت فتوضّأ (2).

یمکن أن یقال:إنّ القضیّة الشرطیّة و إن لم تدلّ إلاّ علی صلاحیّة الشیء للتأثیر و لکن بعد تحقّق الشرط و إحراز عدم المانع بالأصول العقلائیّة یحکم العقل بفعلیّة الوجوب و هذا غیر أن یکون مفاد القضیّة من أوّل الأمر هو فعلیّة الوجوب بوجود

ص:358


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 184-185.
2- 2) منتقی الأصول:ج 3 ص 228.

الشرط فلا یلزم الفقه الجدید من القول بإفادة القضیّة الشرطیّة لصلاحیّة الشیء للتأثیر هذا.

ثمّ لو سلّمنا إفادة القضیّة الشرطیّة للفعلیّة أورد علیه سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه بأنّه یتمّ لو کان الجزاء صرف الوجود فإنّ مع تعدّد الشرط لا یمکن تأثیر کلّ واحد بالفعل بخصوصه.

هذا بخلاف ما إذا کان الجزاء قابلا للتکرار کقوله:إن أکرمک زید فأعطه درهما و إن أکرم غلامک فأعطه درهما فإنّ مقتضی القاعدة هو تأثیر کلّ شرط بالفعل فی فرد من الجزاء و لا یکتفی فی الامتثال بصرف الوجود من إعطاء الدرهم لتعدّد الأسباب فحینئذ بقیت فعلیّة کلّ شرط فی التأثیر لتعدّد الجزاء و لا ینافی الفعلیّة فی التأثیر مع تعدّد الشرط و علیه فلا ینتج الإطلاق المذکور انحصار الشرط و العلّة.

و منها تلفیق الوضع مع الإطلاق بتقریب أفاده فی الفصول من أنّ التحقیق أنّ التقیید بأداة الشرط یدلّ بالالتزام علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بالوضع فی الجملة و بالإطلاق مطلقا.

لنا:أنّ المتبادر من التقیید بإن و أخواتها تعلیق الجزاء علی الشرط بمعنی إفادة أن الثانی لازم الحصول لحصول الأوّل و مرجعه إلی أن للشرط علقة بالجزاء یقتضی بها عدم انفکاکه عنه.

و حیث تنحصر هذه العلقة أعنی علقة اللزوم فی علقة العلّیّة بأنواعها الثلاثة صحّ أن یکون الشرط سببا للجزاء أمّا سببا عقلیا کقولک:إذا أراد اللّه شیئا کان أو وضعیا نحو إن ظاهرت فکفّر و أن یکون مسبّبا عنه مساویا له نحو إن کان النهار موجودا کانت الشمس طالعة و أن یکونا معلولین لعلّة واحدة کذلک نحو إن کان النهار موجودا کان العالم مضیئا فأدوات الشرط فی هذه الموارد و نظائرها إنّما تستعمل لإفادة کون الجزاء لازم الحصول للشرط.

ص:359

و أمّا أنّ الشرط سبب للجزاء أو مسبّب عنه أو مشارک له فی العلّة فمستفاد من اعتبار أمور خارجة و لا اختصاص لها بأحدها.

نعم حیث یکون الجزاء إنشاء لا یصحّ أن یعتبر الشرط فیه مسبّبا عن الجزاء لظهور أنّ المعنی لا یستقیم فیتعیّن أنّ یکون شرطا أی سببا له نحو إن ظاهرت فکفّر فإنّ الظهار سبب وضعیّ لوجوب الکفّارة و مطلوبیّتها.

أو ملزوما بأن یکونا معلولین لعلّة واحدة نحو إذا شاهدت موضع کذا فقل کذا إذا کان السبب الوضعی للطلب ما هو لازم المشاهدة کالقرب المخصوص دون نفسها.

لکن حیث أنّ الظاهر من اللزوم عند الإطلاق هو اللزوم بدون الواسطة یتبادر منه عند الإطلاق کون الشرط شرطا و الجزاء مشروطا.

بل نقول:الظاهر من اعتبار المقدّم ملزوما و التالی لازما أن یکون الملزوم شرطا بالمعنی المتقدّم و اللازم مشروطا له مطلقا.

و منشؤه أنّ صفة اللازمیّة لازمة للمشروط دون الشرط فإنّه قد لا یکون لازما فیها مزید اختصاص به و لهذا ینصرف مطلقها إلیه.

فهذا هو السرّ فی تبادر شرطیّة الشرط للجزاء عند الإطلاق مطلقا لا کون أداته موضوعة لذلک إذ المفهوم منها فی الموارد المذکورة لیس إلاّ معنی واحد و هو کون الجزاء لازما للشرط.

و إذا ثبت أنّ قضیّة إطلاق التعلیق شرطیّة المقدّم للتالی لا سیّما إذا کان إنشاء فنقول:کما أنّ الظاهر من التعلیق شرطیّة المقدّم کذلک الظاهر من إطلاق الشرطیّة کون المذکور شرطا علی التعیین لا علی البدلیّة کما یرشد إلیه قولک حصول المجیء شرط لوجوب الإکرام.

فإذا کان المفهوم من إطلاقه کون المذکور شرطا علی التعیین فلا جرم یلزم من انتفائه انتفاء الجزاء لاستحالة وجود المشروط بدون الشرط.

ص:360

فظهر أنّ دلالة التعلیق بالشرط علی انتفاء التالی علی تقدیر انتفاء المقدّم فی الجملة مستند إلی الوضع لأنّ ذلک قضیة التعلیق و علی انتفائه عند انتفائه مطلقا مستندة إلی ظهور التعلیق فی شرطیّة المقدّم و ظهور الشرطیّة فی الشرطیّة التعیّنیّة.

فقول القائل:إن جاءک زید فأکرمه و إن أکرمک أکرمه مخالف للظهور دون الوضع و أمّا نحو أکرم زیدا إن جاءک و إن لم یجئک فالظاهر أنّه مخالف للوضع إذ لا تعلیق فیه حقیقة انتهی. (1)

و لا یخفی علیک أنّه لا یتوقّف هذا الاستدلال علی کون المتکلّم فی مقام بیان الفعلیّة بل یجری فیما إذا کان فی مقام بیان صلاحیّة الشرط للتأثیر أیضا و إنّما استدلّ بإطلاق السببیّة و الشرطیّة حیث جعل المتکلّم السببیّة مخصوصة بالشرط المذکور و لم یذکر معه عدلا آخر فإطلاق شرطیّة الشرط یدلّ علی انحصار الشرطیّة فی الشرط المذکور و هو یلازم انتفائه عند انتفائه فهذا الدلیل ملفّق من الوضع و مقدّمات الإطلاق.

و ذهب إلیه أستاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه حیث أفاد:أنّ حقیقة قضیّة الشرطیّة هو تعلیق الجزاء علی الشرط فیما یکون معلّقا علیه و لذا لا یجوز استعماله فیما لا یکون معلّقا علیه إلاّ مجازا کقوله إن ضربتنی ضربتک و إن لم تضربنی ضربتک.

فإذا عرفت ذلک فإذا کان المتکلّم فی مقام بیان المعلّق علیه و اقتصر علی ذکر الشرط و لم یذکر شیئا آخر بعنوان العدل له کان مقتضی مقدّمات الإطلاق هو مدخلیّة خصوص الشرط کما أنّ اقتصاره فی طرف المعلّق دلیل علی کونه بالخصوص معلّقا بسبب مقدّمات الحکمة و إلاّ لکان علیه أن یذکر غیره.

و علیه فمفاد القضیّة الشرطیّة بسبب مقدّمات الحکمة هو تعلیق خصوص

ص:361


1- 1) الفصول.الفصل الثالث من مباحث المفهوم.

الجزاء علی خصوص الشرط بحیث إذا ثبت الشرط ثبت الجزاء و إذا انتفی انتفی و حینئذ لو دلّ دلیل آخر علی تعلیق الجزاء علی شیء آخر لزم تقیید إطلاق هذه القضیّة الشرطیّة مثلا إذا قیل:إن جاءک زید فأکرمه تدلّ هذه القضیّة الشرطیّة علی أنّ الإکرام لا یجب إلاّ بمجیء زید بالخصوص فإذا قیل عقیب ذلک:إن سلّم علیک زید فأکرمه لزم تقیید القضیّة الأولی و یکون الشرط أحد الأمرین فکأنّه قیل من أوّل الأمر إن جاء زید أو سلّم علیک فأکرمه.

فالقضیّة الشرطیّة بعد کون المتکلّم فی مقام البیان تدلّ علی الثبوت عند الثبوت و الانتفاء عند الانتفاء.

هذا مضافا إلی عدم الفرق بین کلمة«لو»و أداة الشرط مثل إن إلاّ فی أنّ کلمة «لو»استعملت فیما علم انتفائه فی المضی و إن الشرطیّة مستعملة فی المستقبل الذی یکون وقوعه غیر معلوم و علیه فتکونان مشترکتین فی الدلالة علی الانتفاء عند الانتفاء و لیست هذه الدلالة إلاّ لدلالتهما علی حصر الشرط فیما تتلوهما و إلاّ فما دلّت کلمة«لو»علی امتناع الجزاء بامتناع الشرط ضرورة أنّه لو لم یکن منحصرا فیه أمکن قیام سبب آخر مقامه فلا یدلّ انتفاء الشرط المذکور علی امتناع الجزاء.

و قال سیّدنا الأستاذ قدّس سرّه:مراد صاحب الفصول أنّ دلالة أداة الشرط علی إناطة الجزاء بالشرط وضعیّة و لذا یکون استعمالها فیما لا إناطة فیه مجازا هذا بخلاف دلالته علی تعیین الشرط المذکور فی تلو الأداة فإنّها مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق فی الشرط و الشرطیّة بعد عدم الإتیان بکلمة«أو»شیء آخر فإذا کان التعیّن مستفادا من مقدّمات الإطلاق فی الشرط فإذا تعدّد الشرط لا یکون الاستعمال مجازا بل غایته هو خلاف الإطلاق و یمکن حمله علی أحد الأمرین کما یقتضیه الجمع بین الأدلّة.

و بالجملة فکما أنّ إطلاق الشرط و عدم تقییده بشیء بمثل العطف بالواو مثلا

ص:362

یدلّ علی عدم کون الشرط مرکّبا من المذکور فی القضیّة و غیره فکذلک إطلاق الشرط و عدم تقییده بشیء بمثل العطف بأو یدلّ علی انحصار الشرط فیما هو مذکور فی القضیّة و لیس له شرط آخر و إلاّ لکان علیه ذکره.

و هذا نظیر استفادة الوجوب التعیّنی من إطلاق الصیغة فکما أنّ إطلاق الصیغة فی الأمر یفید عدم سقوط الواجب بإتیان ما یحتمل أن یکون عدلا له فیثبت بذلک أنّ الوجوب یکون تعیینا فکذلک قضیّة إطلاق الشرط فی المقام هی انحصار قید الحکم فی الشرط المذکور و أنّه لا بدل له فی السببیّة للحکم و هذا هو الذی ینتهی إلیه المیرزا المجدّد الشیرازی قدّس سرّه حیث قال قدّس سرّه:إنّ أدوات الشرط ظاهرة بمقتضی الوضع فی التلازم بین الشرط و الجزاء فهی بظهورها الوضعی تنفی المقارنات الاتّفاقیّة لعدم اللزوم بینها بوجه و لما کانت ظاهرة فی لزوم الجزاء للشرط بمقتضی الوضع فهی بمقتضی إطلاق ما یفیده من لزوم الجزاء للشرط تنفی کونهما معلولین لثالث أو کون الشرط مسبّبا فإنّ معنی إطلاق لزومه له لزومه له عند وجوده سواء وجد معه أی مع الشرط شیء آخر فی العالم أو لم یوجد و من المعلوم أنّهما لو کانا مشترکین فی العلّة أو کان الجزاء سببا للشرط لم یصدق هذه القضیّة أعنی أنّه لازم للشرط المذکور فی القضیّة الشرطیّة علی الإطلاق سواء وجد معه شیء آخر فی العالم أو لم یوجد بل تکون کاذبة فیلزم تقییدها الذی هو مخالف للأصل.

و لا یصار إلیه إلاّ لدلیل و ذلک لأنّ کلّ أمرین متلازمین مشترکین فی العلّة لو فرض محالا وجود أحدهما فلا یکون الآخر لازما له بل إنّما یکون ذلک إذا وجد لوجود علّته المشترکة بینه و بین ذلک الآخر ضرورة عدم الارتباط بین نفس المعلولین لثالث بل إنّما هو من جهة أنّ وجود کلّ منهما لازم لوجود علّته التی هی علّة الآخر أیضا و من المعلوم أیضا أنّ المسبّب و إن کان لازما للسبب عند وجوده علی الإطلاق سواء وجد مع السبب شیء آخر فی العالم أو لا لکنّ لا عکس کلّیّا لعدم

ص:363

استلزام مجرّد وجود المسبّب له بل لا بدّ فی وجوده من وجود علّته فلا یصدق أنّه لازم للمسبّب و لو لم یوجد شیء غیره فی العالم فتعیّن أن یکون الشرط سببا و الجزاء مسبّبا لأنّه هو الذی لازم للشرط علی الإطلاق.

فاذا ظهر أنّ الشرط سبب فظاهر السببیّة بمقتضی إطلاقها بمعنی عدم ذکر بدل للمذکور فی القضیّة هو السببیّة المنحصرة بالتقریب المتقدّم و لازمها الانتفاء عند الانتفاء فثبت المطلوب فهنا إطلاقان:

أحدهما:إطلاق لزوم الجزاء للشرط یثبت به سببیّة الشرط للجزاء.

و ثانیهما:إطلاق سببیّة الشرط یثبت به انحصار السبب فیه المستلزم للانتفاء عند الانتفاء فافهم (1).

لا یقال:إنّ الإطلاق فی مقابل التقیید و دخالة شیء آخر فی موضوع الحکم و کون شیء آخر موضوعا للحکم أیضا لا یوجب تقییدا فی الموضوع بوجه کما فی المناهج (2).

لأنّا نقول:دخالة شیء آخر فی السببیّة یوجب أن یکون السبب أحد الأمرین لا شیء بخصوص فالإطلاق یدلّ علی أنّ السبب هو الشیء المتعیّن لا أحد الأمرین لاحتیاجه إلی مئونة زائدة و علیه فدخالة شیء آخر لا تکون أجنبیّا عن خصوصیّات السبب فلا تغفل.

و کیف کان فقد أورد علیه فی الکفایة بأنّ المقام لا یقاس بالوجوب التعیّنی لأنّ الوجوب التعیّنی سنخ خاصّ من الوجوب یکون مغایرا مع الوجوب التخییری و مع مغایرتهما لا بدّ للمولی فی التخییریّ منهما من العدل لاحتیاجه إلی مئونة زائدة و هذا بخلاف الشرط فإنّه واحدا کان أو متعدّدا کان نحوه واحدا و دخله فی المشروط بنحو

ص:364


1- 1) تقریرات المیرزا المجدّد الشیرازی:ج 3 ص 153-154.
2- 2) ج 2 ص 184.

واحد لا تتفاوت الحال فیه ثبوتا کی تتفاوت عند الإطلاق إثباتا و کان الإطلاق مثبتا لنحو لا یکون له عدل لاحتیاج ما له العدل إلی زیادة مئونة و هو ذکره بمثل أو کذا.

و احتیاج ما إذا کان الشرط متعدّدا إلی ذکر أو کذا إنّما یکون لبیان التعدّد لا لبیان نحو الشرطیّة.

و الحاصل أنّ ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة لیس مغایرا فی السنخ لترتّبه علی غیر المنحصرة بل هو فی کلیهما علی نحو واحد فإذن لا مجال للتمسّک بالإطلاق لإثبات انحصار العلّة بما هو مذکور فی القضیّة (1).

أجاب عنه بعض الأعلام بأنّ الإطلاق المتمسّک به فی المقام لیس هو إطلاق الجزاء و إثبات أنّ ترتّبه علی الشرط إنّما هو علی نحو ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة لیرد علیه ما ذکر بل هو إطلاق الشرط بعدم ذکر عدل له فی القضیّة إلی أن قال:و بما أنّ التقیید بشیء واحد یغایر التقیید بأحد الشیئین علی البدل سنخا یلزم علی المولی بیان الخصوصیّة إذا کان فی مقام البیان و حیث إنّه لم یبیّن العدل مع أنّه یحتاج إلی البیان تعیّن کون الشرط واحدا و أنّ القید منحصر به (2).

أورد علیه بأنّ الملاک المذکور للدلالة علی المفهوم لو تمّ لا یختصّ بالقضیّة الشرطیّة بل یعمّ غیرها کالقضایا الوصفیّة و نحوها لأنّ التمسّک بالإطلاق الجاری فی ذات الشرط لا یثبت مفهوم الشرط فی مقابل مفهوم القید فلو أثبت المفهوم فهو إنّما یثبته بعنوان مفهوم القید ببیان أنّ الحکم الثابت لشیء مقیّد بقید کقولنا أکرم العالم العادل مثلا فالقید لا یخلو من أن یکون مطلقا فی الکلام و لم یذکر المتکلّم عدلا له کالمثال المزبور أو ذکر عدلا له کقولنا أکرم العالم العادل أو الهاشمی فالقضیّة علی الأوّل تدلّ علی أنّ الحکم الثابت للعالم مقیّد بقید واحد و هو العدالة و علی الثانی تدلّ

ص:365


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 306 مع توضیح ما.
2- 2) المحاضرات:ج 5 ص 68.

علی أنّه مقیّد بأحد القیدین و هما العدالة و الهاشمیّة و بما أنّ التقیید بأحدهما علی البدل یحتاج إلی بیان زائد فی الکلام کالعطف بأو أو نحوه کان مقتضی إطلاق القید و عدم ذکر عدل له انحصاره به أی بما هو مذکور فی القضیّة و إلاّ لکان علی المولی البیان و من الطبیعیّ أنّه لا فرق بین کون القضیّة شرطیّة أو وصفیّة أو ما شاکلها.

هذا مضافا إلی أنّ مقتضی إطلاق القید فی الکلام و عدم ذکر عدل له و إن کان وحدته تعیینا فی مقابل تعدّده أو کونه واحدا لا بعینه إلاّ أنّه لا یدلّ علی انحصار الحکم به بل غایة ما یدلّ علیه هو أنّ الحکم فی القضیّة غیر ثابت لطبیعیّ المقیّد علی الإطلاق و إنّما هو ثابت لحصّة خاصّة منه و لکنّه لا یدلّ علی أنّه ینتفی بانتفاء تلک الحصة فإنّه لازم انحصار الحکم به لا لازم إطلاقه و عدم ذکر عدل له فإنّ لازمه عدم ثبوت الحکم للطبیعی علی الإطلاق و لا یدلّ علی انتفائه عن حصّة أخری غیر هذه الحصّة.

علی أنّ المتکلّم لیس فی مقام البیان من هذه الناحیة أی من ناحیة انحصار الشرط بما هو مذکور فیها بل الظاهر أنّه فی مقام بیان مؤثّریة الشرط علی نحو الاقتضاء بمعنی عدم قصوره فی حدّ ذاته عن التأثیر و لیس هو فی مقام بیان مؤثّریّته الفعلیّة و انحصارها بما هو مذکور فی القضیّة بلحاظ عدم ذکر عدل له حتّی یتمسّک بإطلاقه لإثبات انحصار المؤثّر الفعلی فیه (1).

و یمکن الجواب عن الإیرادات المذکورة بأنّ منشأها هو الغفلة عمّا ذکره صاحب الفصول و ذلک لأنّ حاصل کلامه أنّ دلالة القضیّة الشرطیّة علی المفهوم مبتنیة علی تلفیق أمرین:

أحدهما:الوضع و الآخر الإطلاق أمّا الوضع فهو أنّ الأداة وضعت لإفادة

ص:366


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 68-70.

اللزوم و المنصرف عنه فی الإنشاءات هو السببیّة لأنّ الجزاء الإنشائی لا یصحّ أن یعتبر الشرط فیه مسبّبا عن الجزاء لعدم استقامة المعنی کما لا معنی لکون الشرط و الجزاء معلولین لعلّة أخری لظهور اللزوم فی اللزوم الذی لا یکون بواسطة شیء آخر فإذا لم یکن الجزاء سببا للمقدّم و لا یکون المقدّم و الجزاء معلولین لعلّة أخری انحصر أن یکون الشرط سببا للجزاء فالأداة تدلّ علی سببیّة الشرط للجزاء و المراد من السببیّة و العلّیة لیس هی السببیّة و العلّیة الفلسفیّة إذ المجعولات الشرعیّة لا تقاس بالعلّیة و المعلولیّة التکوینیّة لعدم صدور الجزاء من المقدّم و إنّما المراد هو دخالة المقدّم فی التالی فإذا انضمّ مدلول الأداة مع جریان مقدّمات الإطلاق فی ذات الشرط ینتج أنّ السببیّة ثابتة للشرط بخصوصه لا بضمیمة شیء آخر معه و لا مع اقتران بدیل له بحیث یکون الشرط أحد الأمرین لا بخصوصه.

و من المعلوم أنّ محصّل الأمرین أنّ الشرط متعیّنا و بخصوصه سبب للجزاء و هو یساوق إفادة الانحصار فالمنطوق یدلّ بسبب الوضع و الإطلاق علی انحصار السبب فی الشرط المذکور و لازم انحصار السبب فیه هو انتفاء المسبّب بانتفاء السبب.

و الفرق بین القضیّة الشرطیّة و الوصفیّة فی أنّ الشرطیّة تفید بالوضع و الانصراف السببیّة و الوصفیّة لا تفید السببیّة نعم تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالحیثیّة و لکنّه لیس فی حدّ الدلالة و هذا هو السبب فی عدم إفادة الوصفیّة للانحصار دون الجملة الشرطیّة فإنّ انضمام الدلالة علی السببیّة مع جریان مقدّمات الإطلاق فی ذات الشرط ینتج تعیّن الشرط فی السببیّة للجزاء دون غیره و لیس هو إلاّ إفادة الانحصار و علیه فمفهوم الشرط مقابل لمفهوم الوصف و یفید الحصر بخلاف مفهوم الوصف؛ثمّ اعلم أنّه لا حاجة إلی کون المتکلّم فی مقام بیان المؤثّر الفعلی حتّی یقال لیس المتکلّم فی القضیّة الشرطیّة فی مقام البیان من هذه الناحیة بل یکفیه کونه فی مقام بیان أهلیّة التأثیر و تعیین ذات السبب مع دلالة القضیّة الشرطیّة علی علقة

ص:367

السببیّة فإذا اقتصر فی شیء خاصّ بعنوان کونه أهلا للسببیّة یفید ذلک انحصار السبب فیه بل لا یتوقّف ذلک علی إحراز کونه فی مقام بیان الانحصار حتّی یقال مع إحراز ذلک لا اختصاص لدلالة القضیّة علی المفهوم بالقضیّة الشرطیّة إذ یکفی کونه فی مقام بیان خصوصیّات ذات السبب بضمیمة دلالة القضیّة الشرطیّة علی السببیّة فی الدلالة علی المفهوم نعم لو لم تکن تلک الضمیمة لکان الحاجة إلی إحراز کونه فی مقام بیان الانحصار و أمّا مع الضمیمة یکفی کونه فی مقام بیان خصوصیّات السبب و لا إشکال فی کونه فی مقام البیان من جهة خصوصیّات السبب و کیفیّة مدخلیّته و إلاّ فلا یجوز التمسّک بإطلاق الشرط فی عدم مدخلیّة شیء آخر فیه فکما أنّ بالإطلاق یتمسّک لدفع احتمال مدخلیّة شیء آخر فی تأثیر الشرط بالانضمام فکذلک یتمسّک بالإطلاق لدفع احتمال مدخلیّة البدیل له و هذا لا یرجع إلاّ إلی الانحصار.

فتحصّل تمامیّة دلالة القضیّة الشرطیّة علی المفهوم بتلفیق دلالة الأداة وضعا و انصرافا علی سببیّة الشرط للتالی و جریان مقدّمات الإطلاق فی خصوصیّات ذات السبب.

هذا بخلاف الجملة الوصفیّة فإنّها لا دلالة لها علی العلّیّة و إنّما دلالتها علی مطلوبیّة شیء متّصف بوصف و المطلوبیّة فی قضیّة الوصفیة و إن کانت متعلّقة بشیء مع اتّصافه بکذا و کان الوصف دخالة فی المطلوبیّة و لکن لا ینفی المطلوبیّة عن غیر مورد الاتّصاف لإمکان تعدّد المطلوب و لذا لا یتقیّد الموضوع فی المثبتین إلاّ إذا أحرز وحدة السبب کما لا یخفی و القول بأنّ الإطلاق فی مقابل التقیید و دخالة شیء آخر فی موضوع الحکم و کون شیء آخر موضوعا للحکم أیضا لا یوجب تقییدا فی الموضوع بوجه (1).

ص:368


1- 1) مناهج الأصول ج 2 ص 184.

ینافیه ظهور الجملة الشرطیّة وضعا و إطلاقا فی أنّها فی مقام بیان تعیین السبب للحکم المذکور فی الجزاء فإذا اقتصر علی شیء بالخصوص و لم یتقیّده بالاقتران أو البدلیّة.

انعقد ظهورها الوضعی و الإطلاقی فی أنّ السبب المذکور متعیّن فی الدخالة و السببیّة للجزاء فلا تغفل.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه استدلّ لدلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم مضافا إلی ما ذکرناه بالروایات الخاصّة منها ما رواه فی الکافی عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد عن علی بن الحکم عن داود بن النعمان عن أبی أیوب قال:قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام إنّا نرید أن نتعجّل السیر-و کانت لیلة النفر حین سألته-فأیّ ساعة تنفر فقال لی:أمّا الیوم الثانی فلا تنفر حتّی تزول الشمس و کانت لیلة النفر و أمّا الیوم الثالث فإذا ابیضّت الشمس فانفر علی برکة اللّه فإنّ اللّه جلّ ثناؤه یقول:(فمن تعجّل فی یومین فلا إثم علیه و من تأخّر فلا إثم علیه)فلو سکت لم یبق أحد إلاّ تعجّل و لکنّه قال:(و من تأخّر فلا إثم علیه) (1).

و ذلک یکفی فی إثبات المفهوم للقضیة الشرطیّة لأنّ قوله علیه السّلام:فلو سکت لم یبق أحد إلاّ تعجّل یدلّ علی أنّ المفهوم من القضیّة الشرطیّة هو أنّ من لم یتعجّل فعلیه الإثم و کان ذلک مفهوما عرفیّا بحیث لو سکت اللّه تعالی و لم یقل و من تأخّر فلا إثم علیه لم یبق أحد إلاّ استفاد من القضیّة الشرطیّة حرمة التأخیر و تعجّل لئلاّ یبتلی بالحرمة إذ المفهوم مرکّب من نقیض الشرط و الجزاء و هو من لم یتعجّل فعلیه الإثم لأنّ نقیض التعجیل هو عدم التعجیل و نقیض عدم الإثم هو وجود الإثم.

و السند معتبر لأنّ المراد من أبی أیّوب بقرینة نقل داود بن النعمان هو الخزّاز

ص:369


1- 1) الکافی:ج 4 ص 519 و 520.

أو منصور بن حازم و کلاهما ثقتان کما أنّ داود بن النعمان و أخوه علی بن النعمان أیضا ثقتان.

و منها ما رواه أیضا فی الکافی عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن الحسن بن محبوب عن عبد العزیز العبدی عن عبید بن زرارة قال:قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام قول اللّه عزّ و جلّ: (فَمَنْ شَهدَ منْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ) قال:ما أبیّنها من شهد فلیصمه و من سافر فلا یصمه (1).

و الخبر یدلّ علی أنّ حکم المسافر مبیّن فی الآیة مع أنّه لا بیان فیها إلاّ من جهة دلالة القضیّة الشرطیّة علی الانتفاء عند الانتفاء و لا یکون ذلک من باب التعبّد بل الظاهر من قوله علیه السّلام«ما أبیّنها»أنّه علیه السّلام أرجع المخاطب إلی القضیّة و الدلالة اللفظیّة و لکنّه ضعیف لضعف عبد العزیز العبدی اللهم إلاّ أن یقال:أنّ ضعف السند و إن أوجب عدم جواز الإسناد إلی الإمام و أمّا نقل ذلک عند الرواة و عدم إنکارهم شاهد صدق علی أنّ للقضیّة الشرطیّة مفهوما لا ینکره العرف المتکلّم السامع و علیه فالخبر یصلح للتأیید کما لا یخفی.

و منها ما رواه فی تفسیر علی بن إبراهیم عن أبیه عن محمّد بن أبی عمیر عن جمیل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام قال له رجل جعلت فداک إنّ اللّه یقول:(ادعونی استجب لکم)و إنّا ندعوا فلا یستجاب لنا قال:لأنّکم لا توفون اللّه بعهده و إنّ اللّه یقول:(أوفوا بعهدی أوف بعهدکم)و اللّه لو وفیتم للّه لوفی اللّه لکم (2).

حیث دلّت هذه الروایة علی أنّ انتفاء وفائه تعالی بانتفاء وفاء الناس بعهدهم مستفاد من قوله تعالی: (أَوْفُوا بعَهْدی أُوف بعَهْدکُمْ) لأنّه جواب للأمر بتقدیر فعل الشرط أی إن وفیتم بعهدی أوف بعهدکم و هذا المفهوم یوجب التقیّد فی قوله تعالی:

ص:370


1- 1) الکافی:ج 4 ص 126.
2- 2) کنز الدقائق:ج 1 ص 395.

(ادْعُونی أَسْتَجبْ لَکُمْ) و لذلک قال فی تفسیر آلاء الرحمن و یؤخذ من الآیة قاعدة کلّیّة و هی أنّ من لم یف بعهد اللّه فیما أخذه من الدین و الشریعة فهو بنفسه قد نقض عهد اللّه معه و خرج عن کونه أهلا لما وعد به من اللطف و الرحمة و استجابة الدعاء و علی ذلک جاءت صحیحة القمّی عن جمیل عن أبی عبد اللّه علیه السّلام فی استجابة الدعاء (1).

و استدلّ فی أصول الفقه مضافا إلی ما نقلناه عن الفصول بموثقة أبی بصیر المرویّ فی التهذیب بإسناده عن الحسین بن سعید عن عاصم بن حمید عن أبی بصیر یعنی المرادی قال:سألت أبا عبد اللّه علیه السّلام عن الشاة تذبح فلا تتحرّک و یهراق منها دم کثیر عبیط فقال:لا تأکل إنّ علیّا علیه السّلام کان یقول إذا رکضت الرجل أو طرفت العین فکل (2).

و قال:إنّ استدلال الإمام بقول علی علیه السّلام لا یکون إلاّ إذا کان له مفهوم و هو إذا لم ترکض الرجل أو لم تطرف العین فلا تأکل (3).

فتحصّل:أنّ الأظهر هو أنّ القضیّة الشرطیّة تدلّ علی المفهوم أعنی الانتفاء عند الانتفاء کما ذهب إلیه صاحب الحاشیة و صاحب الفصول و الشیخ و غیرهم (قدّس اللّه أرواحهم).

ثمّ أنّه ربّما استدلّ المنکرون بوجوه منها قوله تعالی: (لا تُکْرهُوا فَتَیاتکُمْ عَلَی الْبغاء إنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) (4).

بتقریب أنّ القضیّة الشرطیّة لو کان لها مفهوم لزم منه عدم حرمة الإکراه فی

ص:371


1- 1) آلاء الرحمن:ج 1 ص 88.
2- 2) الوسائل،الباب 12 من ابواب الذبائح:ج 16 ص 264 ح 1.
3- 3) اصول الفقه:ج 1 ص 114.
4- 4) سورة نور،الآیة 33.

صورة عدم إرادة التعفّف و هو ممّا لا یلتزم به و یمکن الجواب عنه بأنّ محلّ الکلام ما إذا أمکن فرض الحکم بدون الشرط لا فیما إذا لم یمکن ذلک ممّا لا یکون له موضوع إلاّ بفرض الشرط کالمثال إذ لا یمکن الإکراه إلاّ فی فرض إرادة التحصّن فالشرط فی نحوه محقّق الموضوع و انتفاء الحکم فیه عند انتفاء الموضوع عقلی و هو خارج عن محلّ الکلام قال شیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه إنّ محلّ الکلام فی القضیّة الشرطیّة هو ما إذا کان للقضیّة موضوع و محمول و شرط و کان الموضوع ثابتا فی صورتی وجود الشرط و عدمه و لم یکن لوجود الشرط و عدمه دخل فی وجود الموضوع بل کان وجوده محفوظا فی کلتا الحالتین ففی قولک إن جاء زید فأکرمه الموضوع زید و المحمول وجوب الإکرام و الشرط هو المجیء فالقائل بالمفهوم یقول بأنّ الحکم المحمول علی زید فی صورة المجیء وجوب الإکرام و فی صورة عدمه عدم وجوبه.

و أمّا إذا کان الشرط محقّقا لوجود الموضوع بحیث لزم من انتفائه انتفاء الموضوع فعدم الحکم حینئذ عند عدمه لیس من باب المفهوم بل لأجل ارتفاع الموضوع.

و قد عرفت أنّ ارتفاع الحکم بارتفاع موضوعه عقلی خارج عن محلّ الکلام.

فلو قال:إن رزقت ولدا فاختنه أو إن رکب الأمیر فخذ رکابه فعدم وجوب الختان و أخذ الرکاب عند عدم الشرط إنّما هو لأجل انتفاء الموضوع و هو الولد فی الأوّل و الرکاب فی الثانی و الآیة الشریفة من هذا القبیل إذ فی صورة عدم إرادتهنّ التحفّظ و التعفّف لا یبقی موضوع للإکراه فعدم حرمة الإکراه حینئذ سالبة بانتفاء الموضوع فیصحّ أن یقال:إنّ الإکراه فی هذه الصورة لیس بحرام و تجب الممانعة (1).

و منها ما نسب إلی السیّد المرتضی قدّس سرّه من أنّ تأثیر الشرط إنّما هو تعلیق

ص:372


1- 1) اصول الفقه:ج 1 ص 259 و 260.

الحکم به و لیس یمتنع أن یخلفه و ینوب منابه شرط آخر یجری مجراه و لا یخرج عن کونه شرطا فإنّ قوله تعالی: (وَ اسْتَشْهدُوا شَهیدَیْن منْ رجالکُمْ) یمنع من قبول الشاهد الواحد حتّی ینضمّ إلیه شاهد آخر فانضمام الثانی إلی الأوّل شرط فی القبول ثمّ علمنا أنّ ضمّ امرأتین إلی الشاهد الأوّل شرط فی القبول ثمّ علمنا أنّ ضمّ الیمین یقوم مقامه أیضا فنیابة بعض الشروط عن بعض أکثر من أن تحصی.

یمکن الجواب عنه أوّلا بما أفاد فی الکفایة من أنّه قدّس سرّه إن کان بصدد إثبات إمکان نیابة بعض الشروط عن بعض فی مقام الثبوت و فی الواقع فهو ممّا لا یکاد ینکر ضرورة أنّ الخصم یدّعی عدم وقوعه فی مقام الإثبات و دلالة القضیّة الشرطیّة علیه لا فی مقام الثبوت.

و إن کان بصدد إبداء احتمال وقوعه(أی وقوع النائب)فمجرّد الاحتمال لا یضرّ القائل بالمفهوم ما لم یکن ذلک الاحتمال راجحا أو مساویا بحسب القواعد اللفظیّة و لیس فیما أفاده السیّد قدّس سرّه ما یثبت الرجحان أو التساوی أصلا انتهی (1).

بل مدّعی المفهوم یقول برجحان الدلالة علی المفهوم کما قرّرناه مفصّلا.

و ثانیا:بأنّ ما استدلّ به السیّد من قوله تعالی: (وَ اسْتَشْهدُوا شَهیدَیْن منْ رجالکُمْ) لیس له مفهوم الشرط بل له مفهوم العدد بالنسبة إلی الشهیدین و مفهوم الوصف بالنسبة إلی الرجال و علیه فهو أجنبی عن المقام کما أفاد أستاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه...

و ثالثا:إنّ الاستدلال ببعض الآیات و الروایات علی عدم المفهوم مع قیام القرینة فیها بحسب الأدلّة الواردة فیها لا ینافی دعوی ظهور القضیّة الشرطیّة لو خلّیت و طبعها فی الدلالة علی انحصار سبب الجزاء فی الشرط المذکور فی تلو أداة

ص:373


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 308.

الشرط فلا تغفل.

بقی التنبیه علی امور

أحدها:إنّ المختار فی مفاد المفهوم المصطلح أنّه الانتفاء عند الانتفاء و المراد من الانتفاء الثانی هو انتفاء سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط و انتفاء سنخ الحکم انتفاء طبیعة الحکم المعلّق علی الشرط فی القضیّة الشرطیّة الطبیعة لا تنتفی إلاّ بعدم جمیع الأفراد و لا یدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الطبیعة عند انتفاء الشرط إلاّ إذا کان الشرط علّة منحصرة لها و بالجملة فإذا وجدت العلّة المنحصرة تحقّقت الطبیعة ببعض الأفراد و إذا انتفت العلّة المنحصرة انتفت الطبیعة بجمیع الأفراد و علیه فانتفاء الطبیعة مساوق لانتفاء سنخ الحکم و هذا متفرّع علی أنّ المعلّق علی الشرط فی المنطوق هو الطبیعة لا الحکم الکلّیّ و لا شخص الحکم بما هو وجود شخص و لا صرف الحکم و تفصیل ذلک:إن المعلّق علی المجیء فی القضیّة الشرطیّة نحو إن جاءک زید فأکرمه لیس هو الوجوب الکلّیّ بحیث لا یشذّ عنها فرد منها لأنّ لازمه حینئذ هو انتفاء سنخ الحکم عقلا هذا مضافا إلی أنّه لا فرق بین مثل أکرم فی القضیّة الشرطیّة و بین أکرم فی مثل أکرم زیدا فکما أنّ أکرم زیدا لیس بکلّیّ کذلک فی القضیّة الشرطیّة.

علی أنّ النزاع بین الأصحاب فی القضیّة الشرطیّة لیس فی إفادة منطوقها إنشاء سنخ الحکم أو شخصه بل فی إفادة العلّیّة المنحصرة و عدمها.

و أیضا لیس المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو صرف وجوب الطبیعة بمعنی الطبیعة الناقض للعدم الکلّیّ بحیث إذا تحقّق صرف الوجوب نقض العدم الکلّیّ و إذا انتفی علّة صرف الوجوب بقی العدم المطلّق حتّی یصدق انتفاء سنخ الحکم لأنّ الوجود نقیض العدم و کلّ وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء نفسه

ص:374

لا انتفاء سنخ الوجوب و بالجملة انتفاء ناقص العدم لا یوجب بقاء العدم المطلق علی حاله بل عدم ما هو بدیل له فلیس تعلیق الوجوب بهذا المعنی أیضا مقتضیا لانتفاء سنخ الحکم.

فالتحقیق کما أفاد المحقّق الاصفهانی قدّس سرّه أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة فی المنطوق هو طبیعة وجوب الإکرام المنشئ فی شخص هذه القضیّة لکنّه لا بما هو متشخّص بلوازمه فإنّ انتفائه بانتفاء موضوعه أو شخص علّته و إن لم یکن منحصرة عقلی لا یحتاج إلی إفادة انحصار علّته بأداة أو غیرها بل بما هو وجوب فإذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیء مثلا استحال أن یکون للوجوب فرد آخر بعلّة أخری.

فیدلّ علی أنّ الوجوب لو کان له فرد کانت علّته المجیء لأنّه علّة منحصرة و إلاّ لزم الخلف (1).

و لعلّ إلیه یؤول ما فی الکفایة من أنّ المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحکم و علیه فلا حاجة فی إثبات المفهوم إلی إثبات إنشاء سنخ الحکم فی المنطوق بل یکفی تعلیق طبیعة الحکم مع إفادة أداة الشرط و مقدّمات الإطلاق انحصار العلّة.

ثمّ الدلیل علی تعلیق طبیعة الحکم فی الجزاء فی الجملة الشرطیّة بناء علی کون معانی الهیئات کالمعانی الحرفیّة جزئیّة کما هو الحقّ هو ما أشار إلیه المحقّق الاصفهانی قدّس سرّه فی کلامه من أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة نفس وجوب الإکرام المنشئ فی شخص هذه القضیّة لکنّه لا بما هو متشخّص بلوازمه فإنّ انتفائه بانتفاء موضوعه أو شخص علّته و إن لم یکن منحصرة عقلی لا یحتاج إلی إفادة انحصار علّته بأداة أو غیرها بل بما هو وجوب فإذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی

ص:375


1- 1) راجع نهایة الدرایة:ج 2 ص 165.

المجیء مثلا استحال أن یکون للوجوب فرد آخر بعلّة أخری (1).

و القول بأنّه یصحّ مع تسلیم الحکم العقلیّ بانتفاء الحکم عقلا لانتفاء موضوعه أن ینازع فی أنّ اللفظ أیضا یدلّ علی هذا الانتفاء أم لا منظور فیه إذ لا داعی لذلک عرفا مع الحکم العقلی فتدبّر.

و إلیه یؤول ما فی مناهج الوصول من أنّ الهیئة و إن کانت جزئیّة لکن تناسب الحکم و الموضوع یوجب إلغاء الخصوصیّة و جعل الشرط علّة منحصرة لنفس الوجوب و طبیعیه فبانتفائه ینتفی طبیعیّ الوجوب (2).

و لعلّ هو مراد الشیخ الأعظم قدّس سرّه ممّا حکی عنه فی الوجوب الإنشائیّ من أنّ ارتفاع مطلق الوجوب فیه من فوائد العلّیّة(المنحصرة)المستفادة من الجملة الشرطیّة حیث کان ارتفاع شخص الوجوب لیس مستندا إلی ارتفاع العلّة المأخوذة فیها فإنّه یرتفع و لو لم یوجد فی حیال أداة الشرط کما فی اللقب و الوصف (3).

و أمّا بناء علی عدم کون المعانی الحرفیّة و أشباهها جزئیّة بل کونها کلّیة کما ذهب إلیه فی الکفایة فالمعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو نفس الوجوب و الخصوصیّات الناشئة من قبل الاستعمال من خصوصیّات معناها المستعملة فیه.

و ممّا ذکر یظهر أنّه إذا کان مفاد الجزاء هو الإخبار عن الحکم الکلّی بداعی الإنشاء فلا کلام فیه من جهة أنّ الانتفاء عند الانتفاء من جهة المفهوم کقول القائل إذا جاء زید یکون إکرامه واجبا مما عبّر عنه بنحو القضیّة الخبریّة فإنّ المستعمل فیه فی الخبریّة لیس بجزئیّ بل هو کلّی و لا یضرّه أنّ المتکلّم فی مقام الإنشاء إذ الجملة مستعملة فی الخبریّة بداعی الإنشاء و علیه فهذه الجملة تدلّ علی ثبوت الجزاء عند

ص:376


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 165.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 189.
3- 3) الکفایة:ج 1 ص 311-312.

ثبوت المجیء و انتفائه عند انتفائه و من المعلوم أنّ انتفاء الطبیعة الکلّیّة من جهة دلالة القضیّة علی انحصار العلّة لا الدلالة العقلیّة.

و إنّما الکلام فی مثل الوقوف و النذور و العهود و الوصایا و الأیمان من جهة أنّ انتفاء الأحکام فیها عن غیر ما هو المتعلّق لها من الأشخاص هل یکون بدلالة العقل أو المفهوم.

ربّما یقال:لیس بدلالة الشرط أو الوصف أو الدلالة بل لدلالة العقل مثلا إذا قال الواقف وقفت مالی کذا لأولادی إن کانوا عدولا أو لأولادی العالمین فانتفاء الوقف مع سلب العدالة لیس للمفهوم بل لأنّ شخص الوقف ینتفی بانتفاء متعلّقه و لو بقیده أو شرطه عقلا و لا احتمال لجعل آخر لأنّ الشیء إذا صار وقفا علی أحد أو أوصی به أو نذر له إلی غیر ذلک لا یقبل أن یصیر وقفا علی غیره أو وصیة أو نذرا له کما فی الکفایة.

و لکنّ لقائل أن یقول إن کان المجعول شخصیّا کان الأمر کذلک و أمّا إذا احتمل أنّ المجعول ذا مراتب بحسب أغراض الواقف کما إذا احتمل أنّ الواقف أراد أن یکون الشیء وقفا فی المرتبة الأولی للعدول من أولاده و فی المرتبة الثانیة لنفس أولاده و فی المرتبة الثالثة لغیرهم فالمجعول بقرینة إفادة الجملة الشرطیّة للعلّیّة المنحصرة یکون طبیعة الوقف و مقتضی تعلیق الطبیعة علی العلّة المنحصرة و هو عدالة أولاده هو انتفاء الطبیعة بانتفاء عدالتهم و علیه فلو طلب غیر العدول بعد فقدان العدول شیئا من الوقف أو الوصیّة فلم یؤت شیئا للمفهوم المستفاد من القضیّة الشرطیّة فلا وجه لخروج أمثالها عن المفاهیم و لا دلالة للعقل فی نظائر ذلک علی الانتفاء لعدم کون الکلام حینئذ فی شخص الحکم بل فی طبیعة الحکم.

نعم التمسّک بهذه الموارد لإثبات المفهوم للقضیّة الشرطیّة فی جمیع الموارد لا یخلو عن النظر لأنّ المتکلّم فی هذه المقامات یکون فی مقام تحدید موضوع وقفه أو

ص:377

وصیّته و هو قرینة خاصّة فلا یقاس سائر المقامات بها مع عدم قیام قرینة خاصّة فیها فتدبّر جیّدا.

ثانیها:إنّ محلّ الکلام فی القضایا الشرطیّة هو ما إذا کان الموضوع ثابتا فی صورتی وجود الشرط و عدمه کقوله إن جاء زید فأکرمه فإنّ الموضوع زید و المحمول وجوب الإکرام و الشرط هو المجیء و الموضوع ثابت فی صورة وجود المجیء و عدمه فیتمکّن القائل بالمفهوم من أن یقول القضیّة الشرطیّة تدلّ علی وجوب الإکرام عند ثبوت المجیء و عدم وجوب إکرامه عند عدم ثبوت المجیء.

و أمّا إذا لم یکن الموضوع محقّقا إلاّ بالشرط فهو خارج عن محلّ الکلام لأنّ انتفاء الحکم فی هذه الصورة بانتفاء الموضوع عقلیّ و لا مفهوم للقضیّة إذ لم یبق الموضوع عند انتفاء الشرط حتّی تدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الحکم فیه کقوله إن رزقت ولدا فأختنه فعدم وجوب الختان عند عدم الولد إنّما هو لأجل انتفاء الموضوع و هو الولد و هو عقلی لا لأجل المفهوم و بالجملة یعتبر فی المفهوم حفظ الموضوع فی طرف المفهوم ففی مثل إن جاء زید یجب إکرامه یکون الموضوع و هو زید محفوظا فالقضیّة تدلّ بناء علی دلالتها علی المفهوم علی عدم وجوب إکرام زید عند انتفاء الشرط و هو المجیء هذا بخلاف إن رزقت ولدا فأختنه فإنّها قضیّة شرطیّة محقّقة الموضوع فلا مفهوم لها و یکون انتفاء الختان فیها عند انتفاء الولد من جهة انتفاء الموضوع لا من جهة دلالة القضیّة لما عرفت من عدم بقاء الموضوع.

ثالثها:إنّ دائرة المفهوم تتّسع بتعدّد القیود و الشروط فی القضیّة الشرطیّة لأنّ انتفاء کلّ قید یکفی فی انتفاء الجزاء فإذا قال السیّد إن جاء زید فأکرمه کان مفهومه إن لم یجیء فلا یجب إکرامه و إذا قال إن جاء زید و سلّم علیک و أتی بهدیة فأکرمه کان مقتضاه انتفاء وجوب الإکرام بانتفاء المجیء أو بانتفاء السلام أو بانتفاء الإتیان بالهدیّة و هکذا فکلّ قید و شرط یوجب توسعة فی ناحیة المفهوم کما أنّه یوجب ضیقا

ص:378

فی ناحیة المنطوق إذ دائرة وجوب الإکرام مع التقیّد بالشرطین أضیق ممّا یقید بشرط واحد.

هذا کلّه إذا جمع بین القیود و أمّا إذا ذکرت علی سبیل البدلیّة کما تقول إن جاء زید أو سلّم علیک أو أهدی إلیک فأکرمه فدائرة المنطوق و المفهوم کلیهما تسع بمقدار إضافة القیود.

رابعها:کما أفاد شیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه تبعا لما أفاده شیخه الأستاذ أنّه لا إشکال فی لزوم الاتّفاق و التطابق بین المفهوم و المنطوق فی جمیع القیود فی الجملة و یمحض الاختلاف فی السلب و الإیجاب فالمفهوم من قولک:

«إن جاء زید یوم الجمعة فأکرمه یوم السبت»،أنّه«إن لم یجئک یوم الجمعة لا یجب إکرامه یوم السبت».

و إنّما الإشکال فی بعض القیود مثل العموم المأخوذ فی الجزاء فإنّه إذا کان علی وجه العموم المجموعی فلا إشکال فی التطابق بمعنی مأخوذیّته فی طرف المفهوم أیضا علی وجه المجموعی دون الاستغراقی.

فإذا قیل:إن جاءک زید فیجب إکرام مجموع العلماء بحیث کان المطلوب إکرام المجموع کان المفهوم انتفاء إکرام المجموع الغیر المنافیّ مع وجوب إکرام البعض.

و أمّا لو أخذ علی وجه الاستغراق کما لو قیل أکرم کلّ عالم علی وجه کان المطلوب إکرام کلّ واحد واحد بالاستقلال فحینئذ قد وقع الخلاف بین أستادی الفنّ الشیخ محمد تقی و الشیخ مرتضی(قدّس سرّهما)فی المفهوم مع أنّهما من القائلین بالمفهوم.

فقال الأوّل:المفهوم رفع الإیجاب الکلّیّ الملائم مع الإیجاب الجزئیّ فالمفهوم فی المثال أنّه علی تقدیر عدم المجیء لا یثبت هذا الحکم الکلّیّ و هو وجوب إکرام کلّ عالم و لا ینافی ذلک مع ثبوت وجوب إکرام البعض(لأنّ رفع الحکم الکلّیّ یساعد مع

ص:379

الحکم الجزئیّ).

و قال الثانی:بل المفهوم هو السلب الکلّیّ إذ کما أنّ الاستغراق ثابت فی نفس القضیّة الجزائیّة کذلک یثبت الاستغراق فی ارتباطها بالشرط فکلّ حکم من الأحکام الجزئیّة صار مرتبطا بالشرط فکأنّه قیل:

إن صار کذا فأکرم هذا و إن صار کذا فأکرم ذاک و هکذا إلی آخر الأفراد و لا شک أنّ لازم القول بالمفهوم علی هذا ارتفاع الحکم عن جمیع الأفراد علی سبیل الاستغراق عند عدم الشرط هذا ثمّ رجّح شیخنا الأستاذ القول الأوّل بناء علی المفهوم حیث قال:و لا یخفی أنّ ملاحظة الأمثلة العرفیّة و التفاهم العرفی فی أمثال تلک القضایا یشهد بکون المفهوم جزئیّا و أنّ الحقّ مع الشیخ محمّد تقی قدّس سرّه.

فباعتبار نفس القضیّة و حمل الحکم علی الموضوع یلاحظ الآحاد مستقلاّ و لا یلاحظ العموم إلاّ مرآة لها و عند ملاحظة التقیید بالشرط یلاحظ العموم مستقلاّ و لا ینافی هذا مع الکبری المتقدّمة أعنی لزوم التطابق فی غیر النفی و الإثبات فیما بین المفهوم و المنطوق فإنّ الکلّ فی طرف المنطوق لوحظ بما هو عموم و شیء وحدانیّ منحلّ إلی أشیاء لا أن یکون الملحوظ هی المنحلاّت و المتکثّرات و إن کانت هی ملحوظة فی نفس القضیّة الجزائیّة و الحکم المذکور فیها فهذا المعنی الوحدانیّ محفوظ فی کلا الجانبین فیقع تلو الإیجاب فی المنطوق و تلو النفی فی المفهوم غایة الأمر أنّ رفع الإیجاب الکلّیّ لیس إلاّ سلبا جزئیّا و کذلک رفع السلب الکلّیّ لیس إلاّ الإیجاب کذلک،فتدبّر.ثمّ قال شیخنا الأستاذ قد نقل الأستاذ دام ظلّه استظهار ذلک من سیّدنا الأستاذ المیرزا الشیرازیّ عند بحثه قدّس سرّه عن ماء الغسالة انتهی (1).

و لا یذهب علیک أنّ ملاحظة المتکثّرات و المنحلاّت بعنوان واحد و شیء

ص:380


1- 1) حاشیة الدرر المطبوعة جدیدا مع الدرر:ص 314-316.

وحدانیّ عین ملاحظتها بنفسها لأنّ العنوان المذکور یکون مرآة بالنسبة إلیها و ملاحظة العموم موضوعا مستقلاّ یحتاج إلی مئونة زائدة مضافا إلی لزوم الخلف فی کون العامّ استغراقیّا فإنّ مقتضاه هو أن یکون العنوان الواحد مرآتا لا موضوعا مستقلاّ و أداة الشرط لمجرّد الإناطة لا لتغییر موضوع القضیّة الجزئیّة و علیه فالاستظهار المذکور لا یخلو عن الإشکال و لا یکون دلیلا علی قول صاحب التعلیقة بل الأمر بالعکس خلافا لما فی المنطق من أنّ نقیض کلّ شیء رفعه و مقتضاه هو أنّ نقیض الموجبة الکلّیّة السالبة الجزئیّة و نقیض السالبة الکلّیّة الموجبة الجزئیّة و ذلک لما ذهب إلیه الشیخ الأعظم فی مفهوم الشرط من أنّ مفاد الشرطیّة إذا کان الشرط علّة منحصرة هی علّیّة الشرط بالإضافة إلی کلّ واحد من الأفراد و لازمه انتفاء الحکم عن کلّ واحد منها عند انتفاء الشرط.

مثلا قوله علیه السّلام إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء یدلّ بالمنطوق علی أنّ الکرّیّة علّة منحصرة لعدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات للماء فعلّة عدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات بالنسبة إلی الماء منحصرة فی الکرّیّة و علیه فلا مفرّ من القول بعموم المفهوم لأنّه إذا کان العموم حاصلا من علّة واحدة منحصرة یلزم من انتفاء هذه العلّة انتفاء جمیع أفراد هذا العموم فإنّ العموم عبارة عن نفس الآحاد فلو کان لبعض الآحاد علّة أخری للحکم فلم یتحقّق العموم بعلّیّة هذه العلّة بل بعض أفراده و بعضها الآخر بعلّیّة العلّة الأخری فالعلّیّة للعموم معناها هو العلّیّة لکلّ واحد واحد من الآحاد.

فهذه قرینة علی تعمیم المفهوم بحیث لولاها لکان نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیّة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة کما هو المقرّر فی المنطق.

و علیه فمفهوم قوله الماء إذا کان قدر کرّ لم ینجّسه شیء أنّه إذا لم یکن الماء قدر کرّ ینجّسه کلّ شیء من النجاسات إذ مفاد«إذا»یکون حصر العلّة لعدم تنجیس کلّ

ص:381

واحد واحد من آحاد العموم الثابت لشیء للماء فی الکرّیّة فمعنی ذلک أن یکون استناد عدم التنجیس للماء فی البول إلی الکرّیّة و عدم تنجیس الدم له إلی الکرّیّة و کذا عدم تنجیس الغائط له و کذا إلی آخر النجاسات فلو کان عدم تنجیس البول مثلا له لأجل شیء آخر و إن لم یکن الماء حدّ الکرّ لا یصدق أنّ الماء الکرّ لا ینجّسه شیء من النجاسات لأجل أنّه کرّ بل یصدق أنّ بعضها لا ینجّسه لأجل ذلک و بعضها لأجل شیء آخر فالعموم فی السالبة الکلّیّة فی القضیّة الشرطیّة کقوله لم ینجّسه شیء لیس من قیود السلب و لا من قیود المسلوب بل هو منحلّ إلی السلب عن کلّ واحد واحد من الأفراد فالسلب کلّیّ.

و هذا هو مقتضی المختار فی القضایا الشرطیّة من أنّها تفید العلّیّة المنحصرة بل هو مقتضی کون القضیّة الشرطیّة مفیدة للمفهوم و لو بقیام القرینة الخاصّة علیه و لو لم نقل بالمفهوم وضعا أو إطلاقا و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام شیخنا الأستاذ قدّس سرّه حیث أورد علیه بأنّ الکلام فی صحّة المبنی إذ لا یجزم بأنّ معنی«إذا»کون التالی علّة منحصرة بل غایة ما یقال إنّه مفید لترتّب تحقّق الجزاء علی ترتّب الشرط لکنّ ذلک یجمع مع کون الشرط جزء أخیر للعلّة فلا اقتضاء فیه لکونه تمام العلّة فضلا عن إفادة کونه علّة تامّة منحصرة (1).

و ذلک لما عرفت أوّلا من قوّة مختار الشیخ و صاحب التعلیقة و صاحب الفصول من دلالة الجملة الشرطیّة علی انحصار العلّة فی الشرط بتقریب أفاده صاحب الفصول فراجع.و ثانیا:إنّ ذلک مقتضی دلالة القضیّة الشرطیّة علی المفهوم و لو من جهة قیام القرینة الخاصّة.

لا یقال:الحقّ هو التفصیل بین ما إذا کان العموم فی المنطوق مستفادا من لفظ

ص:382


1- 1) راجع الدرر 314 الطبع الجدید،و کتاب الطهارة:ج 1 ص 202-204.

دالّ علیه بالوضع أو الدلالة العرفیّة کما لو کان الکلام مشتملا علی کلمة کلّ و نحوها و بین ما إذا لم یکن کذلک کما إذا کان العموم من ناحیة وقوع النکرة فی سیاق النفی.

و إلاّ فالعموم التابع للنفی لیس مأخوذا فی المفهوم لو کان فی المنطوق إذ معنی هذا العموم أنّه إذا جیء الکلام بصورة النفی یتحقّق عموم و إن جیء بصورة الإثبات فلا عموم فهو تابع للنفی و حیث إنّ المفهوم لا بدّ من مخالفته مع المنطوق فی الإثبات و النفی فلا جرم یلزم مخالفته معه فیما هو من توابع النفی و الإثبات أیضا.

فإذن منطوق القضیّة له عموم أعنی إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء لمکان النفی فإذا أخذ المفهوم و قیل إذا کان الماء قدر کرّ ینجّسه شیء یصیر جزئیّا قهرا إذ النکرة فی الإثبات یفید الجزئیّة کما أنّه فی النفی یفید الکلّیّة (1).

لأنّا نقول:الظاهر إنّ ما ذکره الشیخ قدّس سرّه لا یبتنی علی کون العموم مستفادا من الوضع أو الدلالة العرفیّة بل یبتنی علی دلالة الجملة الشرطیّة علی الحصر فإنّ بعد دلالة الجملة علی أنّ علّة عدم تنجیس کلّ نجاسة للماء هو الکرّیّة لا غیرها فلا مفرّ من القول بالعموم إذ لو کان لبعض الأفراد علّة أخری لأن یمنع عن التنجیس لزم الخلف فی کون الکرّیّة مانعة عن ذلک فقط و لا فرق فی ذلک بین کون العموم مستفادا من لفظ دالّ علیه بالوضع أو مستفادا من ناحیة الدلالة العرفیّة.

بل الأمر کذلک لو کان العموم مستفادا من مقدّمات الإطلاق أیضا لأنّ کلّ ذلک لإفادة الجملة الشرطیّة العلّیّة المنحصرة لا یقال بالفرق بین العموم الجائی من قبل«کلّ»و العموم الجائی من قبل مقدّمات الحکمة بدعوی أنّ المفهوم فی الأوّل عامّ بخلاف الثانی فإنّه جزئیّ فإنّه رفع الإطلاق المستفاد من المنطوق و من المعلوم أنّ رفع المطلق جزئی و تفصیله کما حکاه شیخنا الأستاذ فی کتاب طهارته أنّ المقدّمات یجری

ص:383


1- 1) کتاب الطهارة لشیخنا الأستاذ الأراکیّ(قدّس سرّه):ج 1 ص 204-205.

أوّلا فی جانب المنطوق ثمّ یؤخذ المفهوم من المنطوق المحرز فیه وصف الإطلاق بالمقدّمات فإذن قولنا إذا جاء زید فأکرمه مفهومه بالنسبة إلی أحوال زید و أنحاء الإکرام جزئی و إن کان منطوقه عامّا لها فمعنی المنطوق بمقتضی المقدّمات أنّه إذا جاء زید فأکرمه بأیّ نحو کان الإکرام و فی أیّ حال کان زید و معنی المفهوم إذا لم یجیئک فلا یجب علیک هذا الذی ذکر من الإکرام علی أیّ نحو کان لزید علی أیّ حال کان.

و بعبارة أخری لا یجب علیک هذا المطلق و لا ینافی هذا،الوجوب المقیّد بأن یکون عند عدم مجیئه واجب الإکرام علی نحو خاصّ أو فی حال مخصوص فإذن المثال المذکور حاله حال قولک إذا جاء زید فأکرمه فی کلّ حال کان فإنّه لا إشکال فی أنّ مفهومه أنّه إذا لم یجیئک فلا یجب إکرامه فی کلّ حال و هو غیر مناف لوجوب إکرامه لو کان علی حالة مخصوصة کما هو واضح.

لأنّا نقول:-کما أفاد شیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه-إنّ الظاهر أنّ المقدّمات ترد علی القضیّة بتمامها لا أنّها تعمل فی المنطوق أوّلا ثمّ یوجد المفهوم ثانیا بل نسبتها إلی المنطوق و المفهوم علی السواء و یجری بالنسبة إلیها فی عرض واحد و إذن فکما یفید العموم الأحوالی فی المنطوق فکذا یفیده فی المفهوم أیضا فیکون المفهوم فی المثال إذا لم یجیئک زید فلا یجب إکرامه فی شیء من الأحوال و بشیء من الأنحاء بحکم المقدّمات کما یحمل المنطوق أعنی إذا جاء زید فأکرمه علی الإطلاق بالنسبة إلی الأحوال و الأنحاء بحکمها أیضا (1).

مراده أنّ المفهوم و إن کان مترتّبا علی المنطوق بحسب الاستعمال و لکنّه فی عرض المنطوق بحسب الحجّیّة و الإرادة الجدّیّة.

هذا مضافا إلی ما ذکرناه من أنّ مع فرض تسلیم الترتّب بین جریان المقدّمات

ص:384


1- 1) کتاب الطهارة:ج 1 ص 205-206.

فی المنطوق و أخذ المفهوم و عدم ثبوت الإطلاق فی ناحیة المفهوم یقتضی القضیّة الشرطیّة تعمیم المفهوم بناء علی دلالتها بالوضع أو الإطلاق أو قیام قرینة خاصّة علی أنّ المتکلّم فی مقام بیان العلّة المنحصرة و إلاّ لزم الخلف فی کون العلّة علّة منحصرة.

فتحصّل:أنّ المنطوق إذا کان الموضوع فیه مأخوذا علی وجه الاستغراق فالمفهوم فی القضیّة الشرطیّة هو السلب الکلّیّ إذا کان المنطوق إیجابا کلّیّا أو هو الإیجاب الکلّیّ إذا کان المنطوق سلبا کلّیّا مثلا قولک إذا جاء زید فأکرم کلّ واحد من العلماء یکون مفهومه أنّه إذا لم یجیء زید فلا یجب إکرام أحد من العلماء.

و قوله علیه السّلام إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء یکون مفهومه أنّه إذا لم یکن الماء قدر کرّ ینجّسه کلّ واحد من النجاسات.

و هذا ینافی ما فی المنطق من أنّ نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة و لکنّه لا مفرّ منه لأنّه من خواصّ إفادة العلّیّة المنحصرة فی القضایا الشرطیّة فاللازم هو حمل ما فی المنطق علی غیر القضایا الشرطیّة لما عرفت من أنّ القضایا الشرطیّة توجب تعمیم مفهومها لإفادتها العلّیّة المنحصرة هذا مضافا إلی ما قیل من أنّ الملحوظ من ذلک فی المنطق هو جعل ضابط عامّ للنقیض و موضع کلامهم هو المعقولات و لا یرتبط بموضوع کلام الأصولی و الفقیه فإنّ موضوع کلامهم هو ظواهر الألفاظ و ما تدلّ علیها.

ثمّ لا فرق فیما ذکر بین أن نقول بالمفهوم فی القضایا الشرطیّة وضعا أو إطلاق أو لم نقل بذلک و لکنّ قامت قرینة خاصّة علی أنّ المتکلّم فی مقام بیان حصر العلّة فلا تغفل.

ثمّ یظهر ممّا تقدّم من أنّ الاختلاف بین المفهوم و المنطوق بالسلب و الإیجاب أنّ مفهوم إن جاءک زید فأکرمه أنّه إذا لم یجیئک لا یجب إکرامه لا أنّه یحرم إکرامه إذ

ص:385

المفهوم نقیض المنطوق لا مضادّ له و نقیض الوجوب هو عدم الوجوب لا الحرمة.

ثمّ وقع النزاع فیما إذا کان الجزاء مذکورا بغیر صیغة الأمر کقوله إن جاء زید یکرم مبنیّا للمفعول فی أنّ مفهومه هو لا یجب إکرامه أو یحرم إکرامه و الأوّل هو المختار کما أفاد سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد إذا استعمل قوله یکرم فی الإنشاء مکان أکرم و الثانی هو المختار إذا استعمل قوله یکرم فی الإخبار کنایة عن کونه مطلوبا شدیدا بحیث یخبر عن وقوعه بداعی الإنشاء فإنّ مفهومه هو الإخبار عن عدم وقوعه قضاء للتطابق بین المفهوم و المنطوق إلاّ فی السلب و الإیجاب.

فکما أنّ الإخبار عن وقوعه کنایة عن الوجوب فکذلک إخباره عن عدم وقوعه کنایة عن الحرمة و لعلّ الأوّل أقرب لکثرة استعمال الجمل الخبریة فی الإنشاء کقوله بعت و اشتریت فإنّ الإنشاء یحصل بنفس قوله بعت و اشتریت و لا یکون إخبارا عن وقوعه سابقا کما لا یخفی.

ثمّ لا تذهب علیک أیضا أنّ مفهوم قولنا إذا ارتدّ المسلم یجب قتله أنّه إذا لم یرتدّ المسلم لا یجب قتله.

و لکنّ یعلم من الخارج أنّ قتله لا یجوز و لا منافاة بین عدم وجوب القتل مع عدم جوازه بمعنی الأعمّ إذ ما لا یجوز قتله لا یجب قتله و علیه فلا یقال إن لا یجب قتله لا یساعد حرمة القتل؛فتدبّر جیّدا.

خامسها:إنّه لو سلّمنا أنّ مفهوم الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیّة و السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة فقد یقع الکلام فی أنّ الأمر فی الإطلاق الأحوالیّ یکون کذلک أو لا یکون.

و الظاهر من بعض الأعلام أنّه یکون کذلک حیث قال فی البحث عن نجاسة الغسالة إنّ مقتضی مفهوم أخبار الکرّ هو الحکم بنجاسة ما دون الکرّ بملاقاة نجس ما فی الجملة فلیس لمفهومها عموم أفرادی بالنسبة إلی جمیع أفراد النجاسات فضلا عن

ص:386

المتنجّسات کما أنّه لیس له إطلاق أحوالیّ بالنسبة إلی ورود النجس علی الماء القلیل أو العکس و الورود للتطهیر أو عدمه.

بیان ذلک أنّ مفهوم قوله علیه السّلام«إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء»هو أنّه إذا لم یکن بمقدار الکرّ ینجّسه شیء ما فی بعض الحالات لا کلّ شیء فی جمیع الحالات لأنّ نقیض السالبة الکلّیّة موجبة جزئیّة.

و الوجه فی ذلک هو أنّ مقتضی العموم الأفرادیّ للمنطوق عدم تنجّس الکرّ بشیء ممّا یترقّب منه التنجیس من النجاسات أو المتنجّسات کما أنّ مقتضی إطلاقه الأحوالیّ عدم تنجّسه مطلقا سواء کان الکرّ واردا علی النجس أم مورودا فمفاد المنطوق سالبة کلّیّة و هی أنّ الکرّ لا ینجّسه شیء من النجاسات أو المتنجّسات فی شیء من الحالات فیکون نقیضها رفع هذا العموم و یکفی فی صدقه تنجّس ما دون الکرّ ببعض النجاسات و لو فی بعض الحالات و هذا معنی أنّ نقیض السالبة الکلّیّة موجبة جزئیّة فنفس المفهوم لیس فیه عموم أفرادیّ و لا إطلاق أحوالیّ (1).

و فیه کما أفاد شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه أنّ الإنصاف هو الفرق بین العموم الأحوالیّ المصرّح به کقوله فی کلّ حال و بین ما کان بالمقدّمات فإنّ الظاهر أنّ المقدّمات ترد علی القضیّة بتمامها أی بمنطوقها و مفهومها لا أنّها تعمل فی المنطوق أوّلا ثمّ یوجد المفهوم ثانیا بل نسبتها إلی المنطوق و المفهوم علی السواء و یجری بالنسبة إلیهما فی عرض واحد و إن کان استفادة المفهوم استعمالا متأخّرة عن دلالة المنطوق استعمالا و إذا فکما تفید العموم الأحوالیّ فی المنطوق فکذلک تفیده فی المفهوم أیضا فیکون المفهوم فی المثال إذا لم یکن الماء قدر کرّ ینجّسه بعض الأشیاء بالملاقاة فی جمیع أحواله سواء کان واردا علی الماء أو کان الماء واردا علیه أو کانا متلاقیین و سواء کان

ص:387


1- 1) دروس فی فقه الشیعة:ج 2 ص 142 و 143.

للتطهیر أو لغیره کلّ ذلک لجریان مقدّمات الإطلاق فی المفهوم و المنطوق عرضا لا طولا فالمنطوق و نقیضه فی عرض واحد مجری المقدّمات (1).

و علیه فمفهوم أخبار الکرّ یدلّ علی نجاسة ما دون الکرّ بملاقاة نجس ما بالإطلاق الأحوالیّ من دون فرق بین أنحاء الثلاثة من ورود النجاسة أو ورود الماء علی النجاسة کما فی الغسالة أو تلاقیهما عرضا و لا إشکال فیه من ناحیة الإطلاق الأحوالیّ و إن کان فیه إشکال فهو من جهة أخری التی أشار إلیه شیخنا الأستاذ من أنّ الإطلاق الأحوالیّ یتوقّف علی وجود قید الملاقاة فی الخبر و هو غیر مسلّم و إنما المسلّم أنّ للعرف مرتکزا فی هذا المقام و أمثاله و هو توقّف التأثیر علی الملاقاة لأنّ جمیع التأثیرات عنده إلاّ ما شذّ یکون بها و لا إشکال فی ذلک إنّما الإشکال فی أنّ هذا الارتکاز العرفیّ یکون بحیث متی أطلق لفظ التنجیس یکون منصرفا بسببه إلی القید أعنی بالملاقاة و یکون فی قوّة قولنا ینجّسه بالملاقاة کما ذهب إلیه رئیس المذهب فی رأس المائة الرابعة عشر المیرزا الشیرازیّ قدّس سرّه فإنّه یری علی ما حکاه أستاذنا الحاج الشیخ قدّس سرّه فی مثل قولنا النجس ینجّس الشیء و قولنا السکّین تقطّع الید و الشمس تنضّج الأثمار أنّ ظاهر اللفظ انصرافا هو القید فمعنی الأوّل بالملاقاة و الثانی بالمماسّة و الثالث بالإشراق علیها فاللفظ منصرف عند العرف إلی القید و منشأ الانصراف ارتکاز کون التأثیر بالملاقاة.

أو لا یصیر الارتکاز المذکور سببا للانصراف کما ذهب إلیه أکثر تلامذة المیرزا الشیرازیّ السیّد السند العالم الجلیل السیّد محمّد الأصفهانیّ حیث ذهبوا إلی أنّ قید الملاقاة لیس جزء من مدلول اللفظ إلی أن قال:

ص:388


1- 1) راجع حاشیة الدرر المطبوعة جدیدا:ص 314-316،و کتاب الطهارة:ج 1 ص 205-208.

و إن قلنا بالثانی أعنی عدم الدلالة الانصرافیّة کما هو غیر بعید فیکون مدلول الروایة أنّ الکرّیّة مانعة فی موضع یکون مقتضی النجاسة موجودا من دون دلالة أصلا علی أنّ مقتضی النجاسة ما ذا فلیس فی البیّن عموم أحوالیّ إذ قد عرفت أنّ الأحوال المذکورة من حالات الملاقاة و المفروض أنّ الملاقاة لیست مدلولة للخبر (1).

و لکنّ ما ذهب إلیه السیّد الأستاذ المیرزا الشیرازیّ قدّس سرّه هو الظاهر لأنّ بعد إدراج الملاقاة بالارتکاز کانت الملاقاة کالمذکور فکما أنّ المذکور مجری الإطلاق الأحوالیّ فکذلک ما یکون کالمذکور فقید الملاقاة فی المقام کسائر الموضوعات و المحمولات المحذوفة التی یفهم بالقرائن کقوله قل دنف فی جواب کیف زید أو قولهم لمن أراد أن یذهب إلی مکان«إلی أین»أو من جاء من مکان«من أین»و بالجملة فلا إشکال فی ذلک فلا تغفل.

سادسها:أنّ بناء علی المختار من إفادة الجملة الشرطیّة للعلّیّة تکون هی کما أفاد شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه للحکم بالنسبة إلی الموضوع المذکور فی نفس هذه القضیّة بمعنی أنّ وجود تالی الأداة علّة لترتّب الحکم علی هذا الموضوع و عدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن هذا الموضوع من غیر تعرّض لحال موضوع آخر أصلا فالعلّیّة هنا لیست علی نحو العلّیّة المستفادة من اللام ففرق إذن بین قولنا الخمر حرام لأنّه مسکر و قولنا الخمر حرام إذا کان مسکرا إذ مفاد الأوّل أنّ میزان الحرمة هو الإسکار فی أی موضوع کان و مفاد الثانی أنّ وصف الإسکار متی تحقّق فی موضوع الخمر یوجب ترتّب الحرمة علیه و متی لم یتحقّق فیه یوجب انتفائها عنه من دون تعرّض لحال غیر الخمر (2).

اللّهمّ إلاّ إذا قلنا بالغاء الخصوصیّة و لکنّه لا یعمّ جمیع موارد القضیّة الشرطیّة

ص:389


1- 1) کتاب الطهارة:ج 1 ص 205-208.
2- 2) کتاب الطهارة:ج 1 ص 9 و 10.

یقتصر فی مورده و لا یصحّ القول بالتعدّی عن الموضوع المذکور فی القضیّة الشرطیّة.

سابعها:فی کیفیّة الجمع بین القضایا الشرطیّة إذا تعدّد الشرط و لم یمکن تکرار الجزاء نحو القتل فیما إذا ورد إذا ارتدّ المسلم و إذا زنی المسلم المحصن قتل.

فإنّه یقع التعارض بین الدلیلین بناء علی مفهوم الشرط إذ مفهوم الأوّل أنّه إذا لم یرتدّ المسلم لا یقتل و إطلاقه یشمل ما إذا زنی زنا محصنة فیعارض مع منطوق الدلیل الآخر و هکذا مفهوم الثانی أنّه إذا لم یزن المسلم زنا محصنة لا یقتل و إطلاقه یشمل ما إذا ارتدّ المسلم فیعارض مع منطوق الدلیل الآخر فلا بدّ من التصرّف فیهما بنحو من الأنحاء و یقع الکلام فی مقامین.

أحدهما فی مقام الثبوت و یمکن أن یتصوّر وجوه لعلاج هذه المعارضة.

الأوّل:تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر فیکون کلّ واحد من الشرطین مستقلاّ فی التأثیر و لا یتوقّف علی وجود الشرط الآخر فالارتداد موجب للقتل کما أنّ الزنا من الشخص المذکور موجب له و انتفاء القتل بانتفاء الشرطین فیکفی وجود أحدهما لترتّب الجزاء و إن حصل الشرطان بالتعاقب کان التأثیر للسابق و إن تقارنا کان الأثر لهما لامتناع تکرار الجزاء علی المفروض و حیث إنّ المفهوم فی هذه الصورة باق فی کلّ واحد منهما فینفیان الثالث ففی هذه الصورة یعتبر أحد الأمرین.

الثانی رفع الید عن المفهوم فی الطرفین بتوهم ان المفهوم متقوم بالخصوصیة و هی إفادة العلّیّة المنحصرة فمع تعدّد الشرط اختل الانحصار و مع اختلال الانحصار لا موجب للمفهوم فحینئذ یکون کلّ واحد من الشرطین سببا مستقلاّ للجزاء و لا ینفیان الثالث و فی هذه الصورة أیضا یعتبر احد الامرین.

الثالث:تقیید کلّ واحد من المنطوقین بمنطوق الآخر و رفع الید عن استقلالیّة کلّ واحد منهما بأنّ یکون الشرط هو مجموعهما و لا یکفی وجود أحدهما فی حصول المسبّب و یدلّ مفهومهما علی انتفاء الجزاء بانتفاء المجموع و لو تحقّق أحدهما.و فی هذه

ص:390

الصورة یعتبر الأمران و لا یکفی أحدهما.

الرابع:أن یجعل الشرط و السبب هو الجامع بینهما و رفع الید عن خصوصیّة کلّ واحد منهما فیکون تعدّد الشرط قرینة علی أنّ الشرط فی کلّ منهما لیس بعنوانه الخاصّ بل بما هو مصداق لما یعمّهما من العنوان و هو الأجمع و القدر المشترک.و فی هذه الصورة یعتبر أحد الأمرین.

الخامس:رفع الید عن مفهوم أحدهما و بقاء الآخر علی مفهومه فیما إذا کان الباقی علی مفهومه أظهر و لکن هذا الوجه لا یخلو عن النظر فإنّه لا یوجب علاج المعارضة معارضة منطوق ما ترفع الید عن مفهومه مع مفهوم الأخری باقیة علی حالها اللّهم إلاّ أن ترفع الید عن أحدهما منطوقا و مفهوما بطرحه مرّة و لا وجه له أو بحمله علی مجرّد المعرّفیّة بالنسبة إلی الآخر و هو أیضا فی قوّة الطرح مفهوما و منطوقا و هو بعید جدّا و لعلّ لذلک ضرب علیه خطّ المحو فی بعض نسخ المصحّحة من الکفایة علی ما فی تعلیقة الأصفهانیّ و الإیروانی(قدّس سرّهما).

ثمّ لا یخفی علیک أنّ تمثیل تعدّد الشرط و اتّحاد الجزاء بخفاء الأذان أو البیوت فی المقام إنّما یصحّ لو کانا ملحوظین بعنوان الموضوع لجواز التقصیر لا بعنوان تحدید المقدار الخاصّ من البعد بمعنی أن یبعد الإنسان إلی حدّ لا یسمع فیه الأذان لو کان و یتواری عن البیوت لو کانت و إن لم یکن أذان و لا بیوت و إلاّ فلا مجال للوجوه المذکورة.

لأنّ التقدیرین إن کانا متساویین کان أحدهما عین الآخر فلا معنی للتعیین و التخییر.

و إن کانا مختلفین فحیث یمتنع التقدیر بالأقلّ و الأکثر معا وجب إعمال قواعد

ص:391

التعارض من الترجیح أو التخییر کما فی المستمسک (1).

أو وجب حمل الأکثر علی مراتب الفضل کما فی جامع المدارک حیث قال:

لا یبعد أن یقال فی المقام بأنّ الوصول إلی حدّ لا یسمع الأذان مرخّص للإفطار و قصر الصلاة و أحسن منه أن یؤخّر المسافر إلی الوصول إلی حدّ من البعد یکون متواریا عن الجدران و البیوت بحیث لا یشاهده من فی البیوت و هذا احتمال لم أجد لأحد التعرّض له (2).

نعم لو لوحظ خفاء الأذان و خفاء البیوت علامة علی تحقّق البعد فی الجملة أعمّ من أن یکون مقارنا لوجوده أو سابقا علیه أمکن أن یقع الخلاف فی أنّ العلامة مجموعهما أو کلّ منهما مستقلاّ مطلقا أو فی غیر صورة العلم بانتفاء الأخری و لکن أورد علیه فی المستمسک بما مرّ آنفا من أنّه لا یتم لو أرید بهما المقداران إذ مع البناء علی تلازمهما لا معنی للخلاف المذکور لرجوعهما إلی مقدار واحد و مع البناء علی انفکاکهما یتعیّن کون العلامة احدهما أمّا السابق أو اللاحق و یکون ضمّ الآخر إلیه فی غیر محلّه.

نعم لو أرید بهما الفعلیّان فحیث أنّه لا ریب فی انفکاک أحدهما عن الآخر یمکن النزاع المذکور لکنّ لازم ذلک انتفاء العلامة عند انتفائهما معا و هو ممّا لا یمکن الالتزام به (3).و بقیة الکلام فی محلّه.

و ثانیهما:فی مقام الإثبات و التحقیق أنّ طریق الجمع بینهما یختلف باختلاف المبانی.

فإن قلنا بالمفهوم من ناحیة وضع الأداة أو الجملة الشرطیّة للانحصار فتعدّد

ص:392


1- 1) ج 8 ص 89-90.
2- 2) جامع المدارک:ج 1 ص 586.
3- 3) المستمسک:ج 8 ص 90.

الشرط یکشف عن عدم استعمال الأداة أو الهیئة الشرطیّة فی الموضوع له و هو الانحصار لمنافاة التعدّد مع الانحصار فإذا اختلّ دلالة الجملة الشرطیّة علی الانحصار فلا دلالة للجملتین علی المفهوم لأنّ قوام دلالتهما علیه بالخصوصیّة التی هی الانحصار و المفروض أنّهما لیستا مستعملتین فی المعنی الموضوع له فلفظ الأداة بعد استعمالها فی غیر معناها الحقیقی بقرینة التعدّد فی القضایا الشرطیّة لا تدلّ علی الانحصار و لا علی عدم مدخلیّة شیء آخر و علیه فالمقدّم هو الوجه الثانی لا الوجه الأوّل لعدم مفهوم له و لا الثالث لعدم موجب لرفع الید عن السببیّة المستقلّة و لا الوجه الرابع لأنّ رفع الید عن العنوان الخاصّ و جعله مؤثّرا بعنوان کونه مصداقا للجامع خلاف الظاهر.

إلاّ إذا قلنا بظهور اللفظ فی أقرب المجازات بعد عدم استعماله فی معناه الحقیقیّ فتأمّل أو قلنا بأنّ للانحصار مراتب مختلفة فإذا جاء المنافیّ لمرتبة منها فلا وجه لرفع الید عن المراتب الأخری فمع ظهور الجملة الشرطیّة فی المفهوم یقتصر فی رفع المفهوم بمقدار المنافی،فتأمّل.

فتحصّل أنّ علی هذا المبنی هو الوجه الثانی و هو تأثیر کلّ واحد مستقلاّ بعنوانه من دون دلالة علی المفهوم.

و إن قلنا بالمفهوم من ناحیة مقدّمات الإطلاق اللفظی،فتعدّد الشرط لا یوجب استعمال الأداة أو الهیئة الشرطیّة فی غیر معناها الحقیقیّ کما لا یخل تعدّد الشرط بانعقاد الإطلاق اللفظیّ و الاستعمالیّ و إنّما یکشف تعدّد الشرط عن أنّ مقتضی المقدّمات و هو الانحصار المطلق غیر مطابق للمراد الجدیّ فمقتضی الجمع بین القضیّتین هو تقیید إطلاق کلّ منهما المقتضی للمفهوم بالآخر و یبقی الإطلاق اللفظیّ فی بقیّة الموارد تحت أصالة الجد کسائر المطلقات المقیّدة فإنّ مقتضی القاعدة هو رفع الید عن مقتضی الإطلاق بمقدار المقیّدات فالمنطوقان تدلاّن علی تأثیرهما بالخصوص فی

ص:393

التالی و مقتضاه هو انحصار علّة التالی فی الشرطین.

و علیه فالمقدّم هو الوجه الأوّل فإنّ مفهوم کلّ واحد منهما فی غیر ما یدلّ علیه منطوق الآخر یکون باقیا علی حاله و لا موجب لرفع الید عنه نعم منشأ التقیّد المذکور هو التصرّف فی المنطوقین إذ کلّ منطوق یدلّ بمقدّمات الإطلاق علی کونه مستقلاّ من دون حاجة إلی ضمیمة علّة أخری و وحیدا من دون بدیل مؤثّرا فی التالی فمع ملاحظة دلیل آخر یرفع الید عن إطلاق عدم البدیل و یقیّد کلّ منطوق بالآخر و یرفع الید عن الانحصار الحقیقیّ و یحملان علی إفادة الانحصار الإضافی بالنسبة إلی غیرهما و هکذا بتقیّد مفهوم کلّ منهما بغیر منطوق الآخر کما أنّ أصالة الإطلاق فی کلّ واحد من المنطوقین و المفهومین متقیّدة بالأخری.

و حیث عرفت أنّ رفع الید عن المفهوم فی غیر ما یدلّ علیه منطوق الآخر لا موجب له فلا مجال للوجه الثانی لأنّ رفع الید عن الظهور الإطلاقی المقتضی للانحصار الإضافی بلا موجب.

و بالجملة فالوجه الأوّل مقدم علی الوجه الثانی فإنّ رفع الید عن إطلاق الحصر اهون من رفع الید عن أصل الحصر فإنّه ارتکاب خلاف الظاهر أزید ممّا یقتضیه الدلیل.

قال المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه اعلم أنّ الوجه الأوّل و الثانی مشترکان فی التصرف فی الخصوصیّة المستفادة من منطوق القضیّة المستتبعة للمفهوم و الثانی یمتاز عن الأوّل بزیادة رفع الید عن الانحصار بالکلّیّة بخلاف الأوّل فإنّ الحصر إضافی فیه.

و أمّا الظهور فی السببیّة المستقلّة لکلّ منهما بعنوانه فهو محفوظ فیهما بخلاف الوجهین الآخرین.

و مما ذکرنا ظهر أنّه لا ترجیح للوجه الثانی علی الأوّل بتوهّم أنّه لا تصرف فیه فی المنطوق دون الأوّل فإنّ الثانی ما لم یتصرّف فی منطوقه لا یعقل رفع الید عن لازمه

ص:394

بل لعلّ الترجیح للأوّل فإنّ رفع الید عن إطلاق الحصر أهون من رفع الید عن أصل الحصر فتدبّر (1).

و دعوی منع دلالة القضیّتین علی المفهوم بسبب سقوط أصالة الإطلاق فی المنطوقین بالتعارض فإنّ الدلالة علی الانحصار تتقوّم بالإطلاق فمع معارضة أصالتی الإطلاق فی الجملتین لا دلالة علی الانحصار.

مندفعة بأنّ أصالة الإطلاق فی کلّ واحد من الجملتین متقیّدة بالأخری لا متعارضة و مع عدم المعارضة فدلالتهما علی الانحصار بالنسبة إلی غیرهما المعبّر عنه بالانحصار الإضافی باقیة لعدم جواز رفع الید عن أصالة الإطلاق إلاّ بمقدار الدلالة علی القید نعم لو قلنا بإفادة القضیّتین للانحصار بالوضع أو الانصراف فلا دلالة لهما علی المفهوم بعد رفع الید عن المعنی الحقیقی و الانصرافی و لکنّ الکلام فی الدلالة علی الانحصار بمقدّمات الإطلاق لا بهما.

فتحصّل أنّ الوجه الأوّل مقدّم علی الوجه الثانی بناء علی استفادة الانحصار من مقدّمات الإطلاق کما هو المختار و دعوی مساعدة العرف بالنسبة إلی الثانی کما ذهب إلیه فی الکفایة لا یصحّ بناء علی استفادة الانحصار من مقدّمات الإطلاق کما عرفت.

و أمّا تقدیمه علی الوجه الثالث و الرابع فواضح إذ لا وجه لرفع الید عن الظهور فی السببیّة المستقلّة لکلّ منهما بعنوانه فدعوی الاشتراک خلاف الظاهر کما أنّ دعوی تأثیر کلّ واحد منهما بعنوان کونه مصداقا للجامع أیضا خلاف الظاهر لأخذ العنوان الخاصّ و لا وجه له إذ التعارض بین المنطوقین أو المنطوق و المفهوم یرتفع بتأثیر کلّ واحد و لا حاجة إلی رفع الید عن الاستقلال أو عن العنوان الخاصّ.

ص:395


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 166.

و أمّا ما یظهر من الکفایة من أنّ العقل ربّما یعیّن الوجه الرابع بملاحظة أنّ الأمور المتعدّدة بما هی مختلفة لا یمکن أن یکون کلّ منهما مؤثّرا فی واحد فإنّه لا بدّ من الربط الخاص بین العلّة و المعلول و لا یکاد یکون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنین بما هما اثنان و لذلک لا یصدر من الواحد إلاّ الواحد فلا بدّ من المصیر إلی أنّ الشرط فی الحقیقة واحد و هو المشترک بین الشرطین و إن کان بناء العرف و الأذهان العامیة علی تعدّد الشرط و تأثیر شرط بعنوانه الخاص ففیه ما أفاده المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه من أنّ مورد القاعدة و عکسها الواحد الشخصیّ و أنّ مسألة المناسبة و السنخیة أجنبیة عن لزوم الانتهاء إلی جامع ماهوی (1).

أ لا تری أنّ النار تؤثّر فی الحرارة کما أنّ الشمس تؤثّر فیها و لا إشکال فیه و لیس ذلک إلاّ لکون الحرارة واحدا نوعیّا فیجوز تأثیر کلّ سبب فی فرد من هذا النوع.

فبرهان السنخیّة إنّما یتمّ فی الواحد الشخصیّ لا النوعی هذا مضافا إلی أنّ العلّیّة و المعلولیة فی المجعولات الشرعیّة کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه لیست علی حذو التکوین من صدور أحدهما من الآخر حتّی یأتی فیها القاعدة المعروفة فیجوز أن یکون الکرّ بعنوانه دخیلا فی عدم الانفعال و الجاری و المطر بعنوانهما کما هو کذلک فقیاس التشریع بالتکوین باطل و منشأ لاشتباهات کثیرة (2).

فتحصّل أنّ علی المبنی المختار یتقدّم الوجه الأوّل و نقول بدفع المعارضة بالتقیید و وجود المفهوم بالنسبة إلی غیرهما و لا وجه و لا موجب لسائر الوجوه المذکورة کما أنّ بناء علی استفادة العلّیّة المنحصرة من الوضع یتقدّم الوجه الثانی دون سائر الوجوه فالأمر فی الحقیقة یدور بین الوجه الأوّل و الثانی فالوجه الأوّل مقدّم بناء علی

ص:396


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 166.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 187.

استفادة العلّیّة المنحصرة من مقدّمات الإطلاق و الوجه الثانی مقدّم بناء علی استفادة العلّیّة المنحصرة من الوضع فلا تغفل.

ثامنها:فی تداخل الأسباب و المسبّبات و عدمه فیما إذا تعدّد الشروط أو الأسباب و اتّحد الجزاء و البحث فیه یقع فی مقامین.

المقام الأوّل:فی تداخل الأسباب و عدمه

اشارة

و المراد منه هو أنّه إذا تعدّد الشروط و الأسباب فهل یتداخل الشروط و الأسباب فی استیجاب الجزاء أو لا و لیعلم قبل التحقیق فی المسألة أنّ مفروض البحث هنا فیما إذا أمکن تکرار الجزاء و المسبّبات دون ما إذا لم یکن قابلا للتکرار کالقتل فإنّ من یستحقّ ذلک بارتداد أو نحوه فلا معنی للبحث المذکور فیه لعدم إمکان التکرار فالبحث فی المقام فی مورد إمکان تکرار الجزاء مثلا إذا ورد أنّه إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین فإن قلنا بتداخل الشروط و الأسباب فی استیجاب الجزاء و المسبّبات فالواجب عند وقوعهما معا صلاة واحدة لا متعدّدة.

و إن قلنا بعدم التداخل یتعدّد الواجب أعنی الصلاة بتعدّد الزلزلة و انخساف القمر.

و هکذا لزم أن یعلم أنّ البحث هنا لا یختصّ بالقضایا الشرطیّة بل یجری أیضا فی الحملیّات الدّالة علی سببیّة شیء لشیء بنحو القضیّة الحقیقیّة إذ لا فرق بین أن یقال إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین و بین أن یقال:حدوث الزلزلة فی بلدکم أو وقوع الخسوف فی أفقکم یوجب صلاة رکعتین.

و مما ذکر ینقدح أنّ البحث هنا لا یرتبط بالمفهوم بخلاف البحث السابق و لذا ذهب سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه إلی أنّ البحث هنا مرتبط بأحوال المنطوق و لا ارتباط له بالمفهوم فلا تغفل..

ثمّ إنّ المراد من تعدّد السبب هو أن یکون السبب قابلا للتعدّد النوعی أو

ص:397

الشخصی و أمّا ما لا یکون کذلک کما إذا کان السببیّة لصرف وجوده و طبیعیّ ناقض العدم فهو خارج عن محل البحث إذ المفروض أنّ صرف الشیء لا یتکرّر و لا یتعدّد کما ذهب المشهور إلی أنّ الکفارة فی باب الصوم مترتّبة علی الإفطار و هو لا یتکرّر لأنّه هو نقص الصوم و هو یحصل بأوّل وجود لاستعمال ما یجب الإمساک عنه و من البدیهی أنّه لا معنی للإفطار بعد الإفطار فتعدّد الإتیان بالمفطر لا یوجب تعدّد الکفّارة إلاّ إذا ورد النص تعبّدا بتعدّدها کما ورد فی الجماع و الاستمناء فتدبّر.

إذا عرفت هذه الأمور فاعلم أنّه إذا اجتمع أسباب متعدّدة من جنس واحد مثل تکرار الأکل أو الجماع فی یوم شهر رمضان فربّما یتوهّم التعارض بین ظهور أداة الشرط أو القضیّة الشرطیّة فی إفادة حدوث عند الحد و السببیّة المطلقة لکلّ فرد فرد من السبب و بین ظهور الجزاء فی وحدة وجود الطبیعة.

فإنّ مقتضی الأوّل هو تعدّد المسبب بتعدّد الأسباب و مقتضی الثانی هو وحدة المسبب و لا یجتمع التعدّد و الوحدة بالنسبة إلی شیء واحد و بعبارة أخری مقتضی الأوّل هو تعدّد الوجوب و مقتضی الثانی هو وحدة الوجوب و لا یجتمع الوحدة و التعدّد مضافا إلی استحالة اجتماع الوجوبات المتعدّدة فی الشیء الواحد الذی یتحقّق به امتثال الطبیعة بمقتضی إطلاق الجزاء.

أجاب عنه فی الکفایة بأنّه لا معارضة بینهما إذ لا دوران بین ظهور الجملة الشرطیّة فی حدوث الجزاء بحدوث الشرط و ظهور الإطلاق فی الجزاء فی الوحدة ضرورة أنّ ظهور الإطلاق فی الجزاء یکون معلّقا علی عدم البیان و ظهور الجملة الشرطیّة فی کون الشرط سببا أو کاشفا عن السبب صالح لأن یکون بیانا فلا ظهور للجزاء فی الوحدة مع البیان المذکور.

و مقتضی ذلک هو إفادة الجملة الشرطیّة تعدّد الحدوث و السببیّة المطلقة و عدم

ص:398

التداخل من دون لزوم تصرّف فی ظهور الجزاء أصلا (1).

أورد علیه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه بأنّ الوحدة و التعدّد و إن کانتا خارجتین عن نفس الماهیّة و هی تکون مهملة بالنسبة إلیهما و لذلک لا تعارض بین أداة الشرط و نفس الماهیّة لأنّ الماهیّة بالنسبة إلی الوحدة و التعدّد تکون لا اقتضاء و أداة الشرط بالنسبة إلی السببیّة المطلقة و التعدّد تکون مقتضیة و لا تعارض بین المقتضی و اللامقتضی.

إلاّ أنّ الماهیّة إذا وقعت فی حیّز الحکم لا بدّ من أنّ تلاحظ علی نهج الوحدة أو التعدّد إذ الحکم لا یعقل تعلّقه بالمهمل و علیه فهناک ظهوران متعارضان خصوصا إذا کان ظهور الأداة فی السببیّة المطلقة بالإطلاق لا بالوضع (2).

یمکن أن یقال:أنّ ظهور الجزاء فی الوحدة بمقدّمات الإطلاق یتقوّم بعدم وجود قرینة علی التعدّد و مع ظهور أدلّة الأسباب فی الانحلال و أنّ کلّ فرد فرد سبب مستقلّ لترتّب الأثر علیه سواء لحقه أو سبقه فرد آخر أم لا لا ینعقد إطلاق و لا ظهور فی الجزاء حتّی یتعارض مع ظهور الأداة أو ظهور الجملة الشرطیّة لا یقال:أنّ الظهور فی الجزاء منعقد لأنّه جملة مستقلّة لأنّا نقول:الاستقلال ممنوع بعد ارتباطها بالمقدّم بمعونة أداة الشرط فالظهور الإطلاقیّ فیه یکون فی طول ظهور الشرط فإذا دلّ المقدّم علی سببیّة کلّ فرد فرد من السبب فلا مجال لتوهّم ظهور الجزاء مع ارتباطه بالمقدّم فی الوحدة کما لا یخفی و ممّا ذکر یظهر أنّه لا فرق فیما ذکر بین أن یکون ظهور الأداة أو الجملة الشرطیّة فی إفادة السببیّة المستقلّة لکلّ فرد فرد من السبب بالوضع أو الإطلاق لأنّ طولیّة الجزاء توجب عدم انعقاد الظهور فی الوحدة مع إفادة التعدّد فی الشرط سواء کان الظهور فی الصدر بالوضع أو مقدّمات الإطلاق کطولیّة الإطلاق

ص:399


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 317-318 مع تلخیص و توضیح.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 169 بتلخیص و تغییر ما.

الأحوالیّ بالنسبة الی العموم الأفرادیّ فکما أنّ الإطلاق الأحوالیّ تابع للعموم الأفرادیّ فکذلک إطلاق الجزاء تابع لإطلاق المقدّم بخلاف العکس فأنّه خلاف طبیعة المقدّم لأنّه لا یکون تابعا للجزاء خصوصا إذا کان ظهوره وضعیّا.

و لذلک قال سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه إنّ کلام صاحب الکفایة تامّ فیما إذا کان الظهور فی المقدّم وضعیّا و الأسباب المتعدّدة من جنس واحد أو من أجناس مختلفة بشرط کونها مذکورة متّصلة کما یقال:إن جامعت أو استمنیت فی یوم شهر رمضان فکفّر بل یکون الأمر کذلک فیما إذا کان الظهور فی المقدّم إطلاقیّا لأنّ الظهور الإطلاقیّ فی الجزاء یکون فی طول الظهور الإطلاقیّ فی المقدم لا فی عرضه إذ انعقاد الظهور الإطلاقیّ فی الجزاء بعد ما إذا فرغنا عن الظهور الإطلاقیّ فی المقدّم کما هو مقتضی طبیعة تقدّم المقدّم فإذا جعل الشارع فی المقدّم السببیّة لکلّ فرد فرد من السبب لما أمکن أن یکون الجزاء صرف الوجود أو وجودا واحدا فلا مجال مع دلالة المقدّم علی السببیّة المطلقة لجریان مقدّمات الإطلاق فی الجزاء لإفادة الوحدة أو الصرف کما أنّ الإطلاق الأحوالیّ فی مثل إکرام زید متفرّع علی شمول العموم لذات زید فإذا کان داخلا فی العموم ثبت له الإطلاق الأحوالیّ و إلاّ فلا.

و لذا ذهب الشیخ المرتضی قدّس سرّه فی الشکّ فی شمول العموم بالنسبة إلی بعض الأحوال بعد خروج الفرد إلی استصحاب حکم المخصّص لا إلی عموم العامّ و لیس ذلک إلاّ لتبعیة الإطلاق الأحوالیّ بالنسبة الی العموم الأفرادیّ انتهی.

لا یقال:إنّ الصدر أعنی المقدّم لا ینعقد ظهوره الإطلاقیّ إلاّ إذا تمّت الجملة و علیه فلا ینعقد ظهوره مع وجود الجزاء فإنّه مع ظهور الجزاء فی الوحدة لا مجال لظهور الصدر فی التعدّد.

لأنّا نقول:أوّلا لازم المعارضة هو تساقط الظهورین لا ظهور الجزاء و ثانیا:انّ مانعیّة الجزاء ممنوعة لأنّ الظهور فی الجزاء متفرّع علی ظهور المقدّم کتفرّع الإطلاق

ص:400

الأحوالیّ بالنسبة الی العموم الأفرادیّ أو کتفرّع إطلاق الحکم علی إطلاق الموضوع فإذا کان الموضوع عاما کان الحکم عامّا و إذا کان الموضوع خاصّا کان الحکم خاصّا و المفروض أنّ المقدّم مطلق و یدلّ علی السببیّة المطلقة لکلّ فرد فرد من السبب و السرّ فی ذلک هو طولیّة الحکم بالنسبة إلی الموضوع و هذه الطولیّة موجودة فی الجزاء بالنسبة إلی المقدّم کما لا یخفی و بالجملة فمقتضی ظهور أدلّة الأسباب فی الانحلال و أنّ کلّ فرد فرد سبب مستقلّ لترتّب الأثر علیه هو تعدّد المسبّب لأنّ القضیّة الشرطیّة ترجع إلی قضیّة حقیقیّة و القضیّة الحقیقیّة نحلّ موضوعها إلی موضوعات متعدّدة.

و المفروض فی المقام أنّ الموضوع لیس هو صرف الوجود بل هو کلّ وجود و علیه فأداة الشرطیّة تفید السببیّة فی مطلق وجود الموضوع و الجزاء تابع له فی العمومیّة.

هذا کلّه بالنسبة إلی اجتماع أسباب متعدّدة من جنس واحد أو اجتماع أسباب متعدّدة من أجناس مختلفة مع کونها مذکورة متّصلة.

و أمّا إذا اجتمعت أسباب متعدّدة من أجناس مختلفة مع انفصال القضایا فلا إشکال فی انعقاد الظهور فی کلّ واحد من القضایا الشرطیّة بالنسبة إلی المقدّم و التالی إذ لا طولیّة بین جزاء کلّ قضیّة مع مقدّم قضیّة اخری حتّی یکون ظهوره تبعا لذاک فوقع التعارض بینهما و دعوی صاحب الکفایة عدم الظهور فی الجزاء فی هذه الصورة کما تری.لأنّ کلّ قضیّة تدلّ علی سببیّة شیء لوجوب وجود واحد من طبیعة المتعلّق مثلا إذا قیل:إذا جامعت فی یوم شهر رمضان فکفّر و إذا استمنیت فی یوم شهر رمضان فکفّر کان مقتضی کلّ قضیّة هو البعث نحو وجود واحد من الکفّارة و لا تفرّع حینئذ لظهور الجزاء فی کلّ قضیّة بالنسبة إلی المقدّم فی القضیّة الاخری و علیه فکلّ جزاء انعقد ظهوره فی اقتضاء وجوب وجود واحد من الکفّارة و دعوی عدم انعقاد الظهور فی الجزاء حینئذ غیر مقبولة.

ص:401

نعم یمکن دعوی أخری کما فی نهایة الدرایة و هی أنّ اقتضاء کلّ واحد لا یعارض مع اقتضاء الآخر لأنّ البعث المتعلّق بالطبیعة یقتضی وجودا واحدا من الطبیعة و لا یقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو بالاضافة إلی وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء و البعث الآخر مقتضی لوجود آخر فإنّ الإیجاد الآخر یقتضی وجودا آخر (1).

و علیه فلا تعارض بین الاقتضاء و اللااقتضاء بهذه الملاحظة و إن انعقد الظهور فی کلّ قضیّة لا یقال:انّ أخذ الوحدة فی متعلّق البعث فی کلّ واحد من الجزاء یعارض سببیّة شیء آخر لأنّ مقتضی سببیّة غیر واحد هو تعدّد الجزاء و هو لا یساعد مع وحدة الجزاء.

لأنّا نقول:أنّ الوحدة لو کانت مأخوذة فی المتعلّق کان کذلک و لکنّه لیس کذلک إذ المراد من الجزاء هو البعث نحو وجود المتعلّق و هذا البعث یقتضی امتثاله، و الامتثال یتحقّق بوجود واحد من المتعلّق و قد عرفت أنّ الاقتضاء بالنسبة إلی وجود واحد من المتعلّق لا یستلزم عدم البعث إلی وجود آخر بل هو بالإضافة إلی وجود آخر بوجوب آخر یکون لا اقتضاء و علیه فکیف ینافی الوحدة الجائیّة من حیث المطلوبیّة بالطلب المتعلّق به مع تعدّد السبب المستفاد من تعدّد القضیّة الشرطیّة.

نعم الوحدة الاسمیّة غیر صحیحة ضرورة أنّ کل قضیة لیست ناظرة إلی قضیّة أخری حتّی یکون مفادها تقیید المتعلّق بقید الآخر.

و لذلک قال فی نهایة الدرایة إنّ کلّ قضیّة مفادها التحریک إلی وجود واحد من الإکرام فنفس التحریک(الثانی)تحریک آخر فیقتضی حرکة أخری لتلازم التحریک و الحرکة لا أنّ المتعلّق مقیّد بالآخر ضرورة أنّ کلّ قضیّة لیست ناظرة إلی قضیّة

ص:402


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 170.

أخری حتّی یکون مفادها البعث إلی إکرام آخر.

فإن قلت:إطلاق الدلیلین للبعث نحو وجود واحد من الطبیعة بلحاظ شمول کلّ واحد منهما للأفراد البدلیّة أمّا بنحو التخییر العقلیّ أو التخییر الشرعیّ یقتضی اجتماع المثلین فی کلّ واحد من الأفراد البدلیّة فیکون کالبعثین التعیّنیّین نحو واحد معین.

قلت:لا شبهة فی ارتفاع المنافاة بتقیید الوجود الواحد من الطبیعة بالآخر عرفا بأن یقال:إن جامعت فی یوم شهر رمضان فکفّر و إن استمنیت فی شهر رمضان فکفّر کفّارة أخری هذا مضافا إلی أنّ الأشکال المذکور یندفع عن التخییر العقلیّ لتعلّق الحکم بوجود الطبیعة بنحو اللابشرطیّة عن الخصوصیّات البدلیّة و تجویز تطبیقه علی الأفراد البدلیّة بحکم العقل الذی لیس من قبیل البعث و الزّجر بل مجرّد الإذعان بقبول الانطباق علی کلّ فرد و حصول الامتثال به (1).

حاصله أنّ الحکم الشرعی متعلّق بنفس وجود الطبیعة بنحو اللابشرطیّة فلا تخییر فیه بحسب الشرع کما أنّ تجویز التطبیق عقلا أیضا لیس حکما عقلیّا فلا تخییر لا شرعا و لا عقلا حتّی یجتمع المثلان باعتبارهما فی الأفراد البدلیّة.

و التهافت بین القضیّتین من ناحیة أنّ کلّ جزاء بعث إلی وجود الطبیعة یرتفع بالجمع العرفیّ بینهما بتقیید الوجود الواحد من الطبیعة بالآخر فلا یجتمعان فی الوجود الواحد من الطبیعة کما لا یجتمعان فی الأفراد البدلیّة بعد ما عرفت من أنّه لا تخییر شرعا و لا عقلا.

قال المحقّق النائینیّ قدّس سرّه:إنّ تعلق الطلب بشیء لا یقتضی إلاّ إیجاد ذلک الشیء خارجا و نقض عدمه المطلق و بما أنّ نقض العدم المطلق یصدق علی أوّل وجود من

ص:403


1- 1) راجع نهایة الدرایة ج 2 ص 170-171 مع توضیح و تغییر ما.

وجودات الطبیعة یکون الإتیان به مجزیّا فی مقام الامتثال عقلا و أمّا توهّم أنّ ذلک من جهة تعلّق الطلب بصرف الوجود و صدقه علی أوّل الوجودات فهو فاسد إذ لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلّق الطلب بعد عدم کونه مدلولا علیه بالهیئة و لا بالمادّة ضرورة ان المادة لم توضع إلاّ لنفس الماهیّة المعرّات عن الوجود و العدم و أمّا الهیئة فهی لا تدلّ إلاّ علی طلب إیجادها و نقض عدمها المطلق الصادق قهرا علی أوّل الوجودات.

و لیس هناک ما یدلّ علی اعتبار صرف الوجود فی متعلّق الطلب غیر صیغة الأمر المفروض عدم دلالتها علی ذلک هیئة و مادّة و علیه فالطلب لا یرد علی صرف الوجود المأخوذ فی المتعلق فی مرتبة سابقة علی عروض الطلب علیه بل الطلب هو بنفسه یقتضی إیجاد متعلّقه خارجا و نقض عدمه المطلق.

فإذا فرض تعلّق طلبین بماهیّة واحدة کان مقتضی کلّ منهما إیجاد تلک الماهیّة فیکون المطلوب فی الحقیقة هو إیجادها و نقض عدمها مرّتین.

کما هو الحال بعینه فی تعلق إرادتین تکوینیّتین بماهیّة واحدة فتعدّد الإیجاد تابع لتعدّد الإرادة-إلی أن قال-:فإذا فرض ظهور القضیّة الشرطیّة فی الانحلال و تعدّد الطلب أو فرض تعدّد القضیّة الشرطیّة فی نفسها کان ظهور القضیّة فی تعدّد الحکم موجبا لارتفاع موضوع الحکم بوحدة الطلب أعنی به عدم المقتضی للتعدّد و واردا علیه.

و لو تنزّلنا عن ذلک و سلّمنا ظهور الجزاء فی وحدة الطلب لکان ذلک من جهة عدم ما یدلّ علی التعدّد فإذا دلّت الجملة الشرطیّة بظهورها فی الانحلال أو من جهة تعدّدها فی نفسها علی تعدّد الطلب کان هذا الظهور لکونه لفظیّا مقدّما علی ظهور

ص:404

الجزاء فی وحدة الطلب فیکون مقتضی القاعدة حینئذ عدم التداخل (1).

کلامه قدّس سرّه و ان لم یکن خالیا عن بعض المناقشات الجزئیّة لأنّ ظهور الشرط لو لم یکن وضعیّا فلا وجه لتقدّمه علی ظهور الجزاء لعدم المرجّح إلا أنّه صحیح من جهة حکم العرف بالبناء علی الجمع بینهما بحمل کلّ واحد علی الاقتضاء النسبیّ فیرتفع التهافت و التعارض کما أفاد سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه أنّ لحاظ صرف الوجود فی الجزاء لو کان لیس إلاّ من جهة سبب نفسه و لا نظر فیه إلی غیره من الأسباب، و علیه فإذا کانت الأسباب متعدّدة و کان الجزاء قابلا للتکرار لزم تکراره لأنّ کل واحد من الأسباب یقتضی وجوده هذا بخلاف ما إذا لم یکن سبب مذکورا فإنّ تکرار نفس الأمر لا یدلّ إلاّ علی التأکید و لا أقلّ من الشکّ فی التأسیس و التأکید فی الأمر المکرّر من دون ذکر سبب فمقتضی البراءة هو عدم لزوم التکرار.

فتحصّل أنّ صرف الوجود المطلق غیر ملحوظ فی الجزاء حتّی لا یساعد تکراره و إلاّ خرج عن المقام لأنّ البحث فیه بعد إمکان تکرار الجزاء و صرف الوجود المطلق لا یقبل التکرار و صرف الوجود النسبیّ لا مانع من تکراره و هو فی الحقیقة کالوجود فکما أنّ وجود الطبیعة قابل للتکرار فکذلک صرف الوجود النسبیّ و تعدّد السبب المدلول علیه بالانحلال أو الوضع فی المقدّم یقتضی تعدّد وجود الطبیعة فی الجزاء کما یتعدّد الفعل بتعدد الفاعل أو الأسباب الطبیعیّة.

و بالجملة إذا کانت الدلالة علی التعدّد فی السبب وضعیّا مع اتّصال القضایا فلا إشکال فی تقدّمها علی إطلاق الجزاء بل لا ینعقد الإطلاق فی المتّصل لعدم تمامیّة مقدّمات الحکمة فی الجزاء مع وجود القرینة علی التقیید و هو الدلالة فی المقدّم و إذا کانت الدلالة المذکورة لمقدّمات الإطلاق فهی أیضا مقدمة علی إطلاق الجزاء لتفرّع

ص:405


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 119-121.

إطلاق الجزاء علی المقدّم کتفرّع الحکم علی الموضوع أو کتفرّع الإطلاق الأحوالیّ علی العموم الأفرادیّ و علیه فلا تعارض فی الصورتین.

و إذا کانت الدلالة علی التعدّد وضعیّا أو إطلاقیّا مع انفصال القضایا فلا معارضة أیضا و إن کان الظهور فی کلّ واحد منها منعقدا و ذلک لعدم کون کلّ واحد اقتضائیّا إلاّ بالنسبة إلی جزائه فبعد وجود الأسباب المتعدّدة یحمل کلّ جزاء علی صرف الوجود النسبیّ أو الوجود بحکم العرف و لا منافاة بینها حینئذ کما لا یخفی.

و ممّا ذکر یظهر ما فی مناهج الوصول فی فرض تعدّد الأسباب و انفصال القضایا و کون الدلالة بمقدّمات الإطلاق حیث قال:کما أنّ مقتضی إطلاق الشرطیّة من کلّ من القضیّتین هو کون الشرط مستقلا علّة للجزاء کذلک إطلاق الجزاء یقتضی أن تکون الماهیّة المأخوذة فیه کالوضوء فی المثال تمام الموضوع لتعلّق الإیجاب بها فیکون الموضوع فی القضیّتین نفس طبیعة الوضوء فحینئذ یقع التعارض بین إطلاق الجزاء فی القضیّتین مع إطلاق الشرط فیهما و بتبعه یقع التعارض بین إطلاق الشرطیّتین فیدور الأمر بین رفع الید عن إطلاق الشرط و حفظ إطلاق الجزاء و بین رفع الید عن إطلاق الجزاء بتقیید ماهیّة الوضوء و حفظ إطلاق الشرط و لا ترجیح بینهما لأنّ ظهور الإطلاقین علی حدّ سواء فلا یمکن أن یکون أحدهما بیانا للآخر.

إلی أن قال:إنّ المعارضة إنّما هی بین إطلاق الجزاء و إطلاق الشرط فإنّ الشرط کما یقتضی باطلاقه أن یکون مستقلا کذلک الجزاء یقضی بإطلاقه أن یکون متعلّق الوجوب نفس الماهیّة بلا قید.

و منه یظهر أنّ التعارض بین المقتضیین فقول القائل إنّ اللامقتضی لا یتعارض مع المقتضی کما تری إلی أن قال-:و أمّا مقایسة العلل التشریعیّة بالتکوینیّة ففیها ما لا یخفی لأنّ المعلول التکوینیّ فی تشخّصه و وجوده تابع لعلّته فلا محالة یکون فی وحدته و کثرته کذلک.

ص:406

و أمّا الأسباب الشرعیّة فلم تکن بهذه المثابة ضرورة أنّ النوم و البول لم یکونا مؤثّرین فی الإیجاب و الوجوب و لا فی الوضوء فالقیاس مع الفارق و لا بدّ من ملاحظة ظهور الأدلّة و مجرّد هذه المقایسة لا یوجب تقدیم أحدهما علی الآخر بعد إمکان کون الوضوء مثلا بلا قید مأخوذا فی الجزاء أو مقیّدا.

و ممّا ذکرنا یظهر النظر فیما قیل من أنّ المحرّک الواحد یقتضی التحریک الواحد و المتعدّد المتعدّد کالعلل التکوینیّة فإنّ ذلک بمکان من الضعف فإنّ المحرّک أی البعث و الأمر إذا تعلّق بماهیّة بلا قید فمع تعدّده لا یعقل التکثّر بل لا توجب المحرّکات الکثیرة [نحو]ماهیّة واحدة إلاّ التأکید فقیاس التشریع بالتکوین موجب لکثیر من الاشتباهات فلا تغفل.

لکنّ بعد اللتیا و التی لا شبهة فی أنّ فهم العرف مساعد علی عدم التداخل و أن الشرطیّات المتعدّدة مقتضیة للجزاء متعدّدا (1).

وجه الظهور ما عرفت فی بحث متعلّق الأوامر من أنّ تعلّق الأمر بنفس الماهیّة غیر معقول لعدم انقداح الإرادة بالنسبة إلیها إذ الماهیّة لیست إلاّ هی لا مطلوبة و لا غیر مطلوبة فلا وجه لدعوی تعلّق الإرادة و البعث بها و حکم العقل بتقدیر الإیجاب لا مجال له بعد عدم معقولیّة تعلّق الإرادة بنفس الماهیّة بل تعلّقت الإرادة من أوّل الأمر بوجود الطبیعة و المراد بوجودها هو الوجود اللافراغیّ لا الوجود الخارجیّ إذ الخارج ظرف السقوط لا ظرف الثبوت.

و من المعلوم أنّ وجود الطبیعة قابل للتعدّد و التکثّر بتعدّد الأسباب و الشرطیّات المتعدّدة و لیس الوجود کنفس الماهیّة حتّی لا یعقل التکثّر و التعدّد فیها فإذا کان الموضوع فی الجزاء هو وجود الطبیعة لا نفس الماهیّة فلا یلزم التعارض.

ص:407


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 201-204.

لأنّ کلّ سبب یکون مقتضیا بالنسبة إلی وجود واحد من الماهیّة و لا یکون مستلزما لعدم البعث إلی وجود آخر بل هو بالنسبة إلی وجود آخر یکون لا اقتضاء و غیر ناظر إلیه و علیه فلا منافاة بینهما لأنّهما بالنسبة إلی الآخر لا اقتضاء و اقتضاء الوحدة فی ناحیة جزاء کلّ سبب حیثیّ و لیس بإطلاقیّ و لو من جهة سبب آخر و إلاّ لزم أن یکون کلّ قضیّة ناظرة إلی قضیّة أخری و هو ممنوع.

و دعوی أنّ إطلاق الجزاء یقتضی أن یکون متعلّق الوجوب نفس الماهیّة بلا قید کما تری فإنّ المتعلّق هو الوجود لا نفس الماهیّة و المراد من الوجود هو ما تتحقق الماهیّة به و هو وجود واحد من ناحیة سببه.

و لا تعرض له بالنسبة إلی وجود آخر من ناحیة سبب آخر حتّی یقال إنّ التعارض بین المقضیّین لا المقتضی و اللااقتضاء فلا یدور الأمر بین رفع الید عن إطلاق الشرط و بین رفع الید عن إطلاق الجزاء لأنّ الإطلاق فی ناحیة الجزاء حیثیّ إذ لا نظر له إلی غیره و الإطلاق الحیثیّ فی ناحیة الجزاء یجتمع مع تأثیر سبب آخر فی وجود آخر من الجزاء و علیه فالمقایسة بین تعدد الأسباب و الشرطیّات الشرعیّة و بین الأسباب التکوینیّة لیست بمجازفة لأنّ الشرطیّات الشرعیّة إمّا بنفسها شرطیّات أو تکون کاشفات عنها و الشارع لم یجعل إلاّ الشرطیّات و لم یبیّن کیفیّة تأثیرها فی معالیلها بل أحال ذلک إلی ما یعرفه العرف فی العلل و الأسباب التکوینیّة و علیه فتأثیرها کتأثیرها فإذا کانت کذلک فلا تکون المقایسة فی غیر محلّه.

و قد عرفت جواز تعلّق الإرادات المتعدّدة بوجود ماهیّة من الماهیّات و تأثیر الفواعل الطبیعیّة فی وجود معالیلها الطبیعیّة من دون لزوم تزاحم أو تعارض کما لا یخفی.

و بالجملة فعرف العقلاء بعد إحراز تعدّد الأسباب بالقضیّتین المنفصلتین یجمع بینهما بالقول بتأثیر کلّ واحد من قبل نفسه فی وجوب وجود الماهیّة لعدم دلالة کلّ

ص:408

علی عدم وجود الآخر من ناحیة أخری و هذا هو الوجه فی تحکیم إطلاق الشرط فی کلّ قضیّة علی إطلاق الجزاء فی قضیّة أخری.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ حمل السببیّة الجعلیّة علی الاقتضاء لا المؤثّریّة الفعلیّة و دعوی أنّ الاستقلال فی الاقتضاء لا یوجب تعدّد الجزاء لأنّ معنی استقلاله أنّ کلّ سبب بنفسه تمام المقتضی لا جزؤه و لا یتنافی الاستقلال فی الاقتضاء و الاشتراک فی التأثیر الفعلی کالعلل العقلیّة إذا فرض اجتماعهما علی معلول واحد فحینئذ مع حفظ إطلاق الجزاء و استقلال الشرطیّتین فی الاقتضاء صارت النتیجة التداخل فالأولی فی هذا المقام أیضا التشبّث بذیل فهم العرف تعدّد الجزاء لأجل مناسبات مغروسة فی ذهنه و لهذا لا ینقدح فی ذهنه التعارض بین إطلاق الجزاء و ظهور الشرطیّة فی التعدّد (1).

کما تری و ذلک لوضوح ظهور الشرط و السببیّة الجعلیة فی المؤثّریّة الفعلیّة المستقلّة و لا یمنع عنه إطلاق الجزاء بعد کونه حیثیّا و لا نظر له إلی غیر سببیّة المذکور بالتقریب الذی مرّ آنفا.

هذا مضافا إلی أنّ لازم ما ذکره هنا هو تقدیم إطلاق الجزاء علی إطلاق الشرط مع أنّه رحمه اللّه تعالی اعترف بأنّه لا ترجیح بین الإطلاقین.

فالأولی هو ما فی محکیّ کلام الشیخ الأنصاریّ قدّس سرّه من أنّ الأسباب الشرعیّة کالأسباب العقلیّة فحینئذ لو کانت الأسباب الشرعیّة سببا لنفس الأحکام وجب تعدّد إیجاد الفعل فإنّ المسبّب یکون هو اشتغال الذمّة بإیجاده و السبب الثانی لو لم یقتض اشتغالا آخر فإمّا أن یکون لنقص فی السبب أو المسبّب و لیس شیء منهما.

أمّا الأوّل فمفروض و أمّا الثانی فلأنّ قبول الاشتغال للتعدّد تابع لقبول الفعل

ص:409


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 208.

المتعلّق به و المفروض قبوله للتعدّد و احتمال التأکید مدفوع انتهی.

و دعوی أنّ قیاس الأسباب الشرعیّة بالعقلیّة مع الفارق (1).

مندفعة بما مرّ من أنّ بعد جعل الشارع شرطیّة شیء أو سببیّة لا مانع من القیاس المذکور فی کیفیّة التأثیر لأنّ الشارع لم یجعل إلاّ الشرطیّة و السببیّة و أحال کیفیّة تأثیرها إلی ما یعرفه العرف فی العلل و الأسباب التکوینیّة کما أنّ دعوی تحقق اشتغال آخر من السبب الثانی فرع تقدیم الظهور التأسیسیّ علی إطلاق الجزاء و هو ممنوع (2).

مندفعة أیضا بما ذکره الشیخ قدّس سرّه من أنّ السبب الثانی لو لم یقتض اشتغالا آخر فأمّا أن یکون لنقص فی السبب أو المسبّب و لیس شیء منهما أمّا الأوّل فلأنّ القضیّة الشرطیّة تدلّ علی سببیّة الثانی و أمّا الثانی فلأنّ متعلّق الوجوب هو وجوب الطبیعة و هو قابل للتعدّد و مع إمکان ذلک لا وجه لترجیح التأکید مع أنّه خلاف الظاهر.

و أیضا دعوی أنّه علی فرض استقلال کلّ شرط فی التأثیر لا بدّ من إثبات المقدّمة الثانیة أی کون أثر الثانی غیر الأوّل و یمکن منع ذلک بأنّ یقال أنّ الأسباب الشرعیّة علل للأحکام لا لأفعال المکلّفین فتعدّدها لا یوجب إلاّ تعدّد المعلول أی الوجوب مثلا فینتج التأکید (3).

مندفعة بما مرّ من أنّ متعلّق الوجوب لیس هو نفس الماهیّة حتّی یلزم حمل الوجوبین علی التأکید لوحدة المتعلّق بل المتعلّق هو وجود الماهیّة و وجود الماهیّة ممّا یقبل التعدّد فمع کون متعلّق الوجوب قابلا للتعدّد فلا مانع من تعدّد الوجوب و مقتضاه هو لزوم الإتیان مکرّرا و الحمل علی التأکید و جواز الإتیان مرّة واحدة خلاف الظاهر

ص:410


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 207.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 207.
3- 3) مناهج الوصول:ج 2 ص 205.

و هذا أمر یعرفه العرف کما لا یخفی.

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه

و قد ظهر ممّا ذکرناه عدم الفرق بین اتّحاد الجنس و عدمه فی أنّ مقتضی القاعدة هو عدم تداخل الأسباب لأنّ المناط فی الجمیع واحد و هو ظهور القضیّتین فی تعدّد الأسباب فیما إذا کانت الأجناس مختلفة کما أنّ الجملة الشرطیّة فیما إذا کانت الأجناس واحدة ظاهرة فی الطبیعة الساریة و انحلال طبیعة الشرط إلی آحادها و من المعلوم أنّ هذا مع ظهور الجملة الشرطیّة فی کلتا الصورتین فی الحدوث عند الحدوث یقتضی أنّ کلّ فرد فرد سبب مستقلّ لترتّب الأثر علیه من دون تداخل بعض فی بعض.

و لا فرق فیه بین الإتیان بالجزاء قبل تکرر الشرط و بین عدمه مثلا لا فرق بین أن یکفّر بعد الجماع فی یوم شهر رمضان أو لم یکفّر فإذا أتی بجماع آخر و لو قبل أداء کفّارة الأوّل کان مقتضی القاعدة هو تأثیر الجماع الثانی کما أنّ بعد الجماع الأوّل لو استمنی کان مقتضی القاعدة هو تأثیر الاستمناء بعد الجماع فی یوم شهر رمضان و تداخل الأسباب مطلقا سواء کان الجنس واحدا أو لم یکن خلاف القاعدة نعم لو ثبت أنّ الشرط بوجوده الأوّلیّ کان مؤثّرا فلا للوجود الثانی سواء کان متّحدا معه فی الجنس أو لم یتّحد و لکن ذلک الفرض خارج عن مورد البحث لأنّ النزاع فی التداخل و عدمه فرع وجود الأسباب المتعدّدة و أمّا إذا کان السبب واحدا و هو الوجود الأوّلیّ فلا یتحقّق فیه الأسباب المتعدّدة حتّی یجری فیه البحث فی أنّها تتداخل أو لم تتداخل.

و علیه فلا وقع لما حکی عن ابن إدریس قدّس سرّه من أنّه قال فی السرائر:فإن سها المصلّی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرّات کثیرة فی صلاة واحدة أ یجب علیه فی کلّ مرّة سجدتا السهو أو سجدتا السهو عن الجمیع قلنا:إن کانت المرّات من جنس واحد فمرّة واحدة یجب سجدتا السهو مثلا تکلّم ساهیا فی الرکعة الأولی

ص:411

و کذلک فی باقی الرکعات فإنّه لا یجب علیه تکرار السجدات بل یجب علیه سجدتا السهو فحسب لأنّه لا دلیل علیه-إلی أن قال:فأمّا إذا اختلف الجنس فالأولی عندی بل الواجب الإتیان عن کلّ جنس بسجدتی السهو لأنّه لا دلیل علی تداخل الأجناس بل الواجب إعطاء کلّ جنس ما تناوله اللفظ (1).

و دعوی أنّ الظاهر من تعلیق الحکم فی القضیّة الشرطیّة فیما إذا کانت وحدة الجنس هو تعلیق الحکم علی صرف وجود السبب لا کلّ فرد فرد من الطبیعة مندفعة بأنّ القضیّة الشرطیّة کالقضیّة الحملیّة فی أنّ الطبیعة فیها ساریة و علیه فتنحلّ موضوعها إلی موضوعات متعددة فتکون أدلّة الأسباب ظاهرة فی أنّ کلّ فرد فرد سبب مستقلّ لترتّب الأثر علیه و هو مقتضی ترتیب الحکم علی مجرّد وجود الطبیعة و تقیید وجود الطبیعة بصرف الوجود أو تقیید الطبیعة بشیء یرادف أوّل الوجود خلاف الظاهر و لا موجب للحمل علیه لأنّ التقیید و لو بالصرف یحتاج إلی مئونة زائدة فلا وجه للعدول عمّا یقتضیه ظاهر الکلام من ترتیب الحکم علی مجرّد وجود الطبیعة و من المعلوم أنّ ترتیب الحکم علی مجرّد وجود الطبیعة یقتضی لا محالة تعدّده بتعدّد الوجود بنفسه کما یقتضیه ظهور الجملة فی الطبیعة الساریة و لذلک قال فی الکفایة:إنّ قضیة إطلاق الشرط فی مثل إذا بلت فتوضّأ هو حدوث الوجوب عند کلّ مرّة لو بال مرّات (2).

و مع الغمض عمّا فی المثال المذکور یمکن أن یقال:أنّ وجه ذلک هو ما مرّ من أنّ القضیّة الشرطیّة ظاهرة فی انحلال الحکم بانحلال شرطها فإنّ الشرط فیها بمنزلة الموضوع فی القضیّة الحقیقیّة الحملیّة و لا شبهة فی انحلال الحکم فیها بانحلال موضوعها و علیه فنتیجة ذلک هو تعدّد الحکم بتعدّد سببه و شرطه من دون فرق بین

ص:412


1- 1) السرائر:ج 55.
2- 2) الکفایة:ج 1 ص 319.

أن یکون التعدّد بحسب الأفراد أو الأجناس کما فی المحاضرات (1).

و ممّا ذکر یظهر ما فی نهایة النهایة حیث قال:سببیّة الطبیعة تارة تکون بسببیّة وجودها السعی و اخری تکون بسببیّة وجوداتها الخاصّة و ظاهر تعلیق الجزاء علی الطبیعة هو الأوّل کما أنّ ظاهر توجیه التکلیف إلی الطبیعة هو ذلک (2).

وجه ذلک ما عرفت فإنّ اعتبار الوجود السعی بمعنی صرف الوجود أعنی أوّل الوجود خلاف الظاهر لأنّ الظاهر ترتیب الحکم علی مجرّد وجود الطبیعة لا علی الوجود المقیّد فإنّه یحتاج إلی مئونة زائدة و بمعنی صرف الوجود الفلسفیّ بحیث لا یشذّ عنه وجود فهو واحد لا تعدّد فیه فهو و إن أمکن لحاظه و لکن لا یعقل تحقّقه فی الخارج کما أفاد المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه حیث قال:إنّ تعلیق الحکم علیه محال إذ لا یعقل تحقّقه فی الخارج فلا یعقل تحقّق وجود النار مثلا بحیث لا یشذّ عنه نار و إن أمکن لحاظه بل المعقول منه الثابت فی الخارج من الوجود الصرف هو وجود المبدا و فیضه المسمّی بالوجود المنبسط فإنّه الذی لا یتخلّل فیه غیره کما یعرفه الأوحدی من أهل المعرفة و قال أیضا فی الذیل هذا مضافا إلی أن مجرّد وجوده یکفی فی ترتّب الأثر و لو لم یکن صرف الوجود (3).

و أیضا أن أراد صاحب نهایة النهایة من الوجود السعیّ عدم اعتبار الخصوصیّات المصداقیّة و اعتبار نفس الوجود بعنوان المسبّب فهو کلام صحیح و لکنّ یتعدّد السبب بتعدّد الوجود نفسه کما یقتضیه الطبیعة الساریة و ان لم یکن للخصوصیّة مدخلیّة.

و أمّا قیاس ترتیب الحکم علی طبیعة السبب بتعلّق الحکم بطبیعة شیء کما

ص:413


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 121.
2- 2) نهایة النهایة:ج 1 ص 266.
3- 3) نهایة الدرایة:ج 2 ص 175.

تری فإنّ فی الأوّل جعل حکمه مترتّبا علی کلّ فرد فرد من السبب و مقتضاه هو التعدّد هذا بخلاف الثانی فإنّه لا یعقل تعلّق الحکم بطبیعة شیء علی نحو الاستغراق لعدم إمکان الامتثال هذا مضافا إلی عدم تعلّق الغرض به.

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات

أو مؤثّرات

و لا یذهب علیک أنّه نسب إلی فخر المحقّقین أنّه قال:إنّ القول بالتداخل و عدمه فی الأسباب یبتنی علی کون العلل و الأسباب الشرعیّة مؤثّرات أو معرّفات و کواشف فعلی الأول لا یمکن القول بالتداخل و علی الثانی لا مانع منه حیث إنّ اجتماع معرّفات عدیدة علی شیء واحد بمکان من الوضوح (1).

أجاب عنه فی الکفایة بأنّ المجدیّ للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التی ذکرناه (من الالتزام بعدم دلالة الجملة الشرطیّة علی الحدوث عند الحدوث بل علی مجرّد الثبوت أو الالتزام بکون متعلّق الجزاء و المسبّب و إن کان واحدا صورة إلاّ أنّه حقائق متعدّدة و ماهیّات متعدّدة حسب تعدّد الشرط و متصادقة علی واحد و مقتضاه هو تداخل الماهیّات المتصادقة کتداخل العالم و الهاشمی فی عالم هاشمیّ أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود کلّ شرط إلاّ أنّه وجوب الوضوء فی المثال عند الشرط الأوّل و تأکّد وجوبه عند الآخر)لا مجرّد کون الأسباب الشرعیّة معرّفات لا مؤثّرات مع أنّ الأسباب الشرعیّة حالها حال غیرها فی کونها معرّفات تارة و مؤثّرات اخری

ص:414


1- 1) هکذا فی المحاضرات:ج 5 ص 113.ذیل قوله فی القواعد لا تداخل فی السهو و ان اتفق السبب علی رأی. أقول:ذهب الشیخ فی المبسوط إلی التداخل مطلقا لتعلق وجوبهما علی السهو من حیث هو هو و الامر المعلق علی شرط أو صفة لا یتکرر بتکرارها إلاّ بدلیل خارج و لیس. و ذهب ابن ادریس إلی التداخل فی المتفق لا المختلف.

ضرورة أنّ الشرط للحکم الشرعیّ فی الجملة الشرطیّة ربّما یکون ممّا له دخل فی ترتّب الحکم بحیث لولاه لما جدت له علّة کما أنّه فی الحکم الغیر الشرعیّ قد یکون أمارة علی حدوثه بسببه و إن کان ظاهر التعلیق أنّ له الدخل فیهما کما لا یخفی.

نعم لو کان المراد بالمعرّفیّة فی الأسباب الشرعیّة أنّها لیست بدواعی الأحکام التی هی فی الحقیقة علل لها و إن کان لها دخل فی تحقّق موضوعاتها بخلاف الأسباب الغیر الشرعیّة فهو و إن کان له وجه إلاّ أنّه مما لا یکاد یتوهّم أنّه یجدی فیما همّ و أراد (1).

و توضیح ذلک أنّ الوجوه المذکورة التی أشیر إلیها کلّها خلاف الظاهر فالقول بالتداخل مستندا إلیها غیر وجیه.

و علیه فمقتضی القاعدة کما عرفت أنّ القضیّة الشرطیّة ظاهرة فی الطبیعة الساریة و تدلّ علی حدوث الجزاء بحدوث کلّ فرد فرد من الطبیعة سواء کان الشرط سببا بنفسه أو کاشفا عن السبب و علیه فلا یوجب فرقا بین أن تکون الأسباب الشرعیّة معرّفات عن الأسباب أو تکون أسبابا بنفسها و علیه فلا یبتنی مسألة التداخل و عدمه علی کون الأسباب الشرعیة معرّفات أو مؤثّرات حتّی یقال بالتداخل بناء علی المعرّفیّة لإمکان أماریّة أمور متعدّدة علی مؤثّر واحد و حکایتها عنه و بعدم التداخل بناء علی المؤثّریّة لاقتضاء کلّ مؤثّر أثرا مستقلا.

إذ مجرّد معرفیّة الأسباب الشرعیّة لا تقتضی المصیر إلی التداخل لا مکان معرّفیّة الأسباب الشرعیّة المتعدّدة لأسباب حقیقیّة متعدّدة.

لا یقال مجرّد الاحتمال لا یفید للإثبات لأنّا نقول یکفی لإرادة الاحتمال المذکور ظهور الجملة الشرطیّة فی الطبیعة الساریة و الحدوث عند الحدوث و تعدّد المسبّب

ص:415


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 319.

بتعدّد السبب فإنّ هذا الظهور یدلّ علی تعدّد السبب الحقیقیّ المنکشف بالمعرّفات الشرعیّة فاختیار کون الأسباب الشرعیّة معرّفات لا یوجب القول بالتداخل بعد الاعتراف بظهور الجملة الشرطیّة فی الطبیعة الساریة و حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بکشفه عن سببه لأنّ مقتضاه هو تعدّد الشرط و السبب فیتعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط و السبب هذا مضافا إلی أنّ حمل العناوین المأخوذة فی لسان الأدلّة الشرعیّة علی المعرّفات لا تساعده ظواهر الأدلّة حیث إنّ الظاهر منها أنّ العناوین المأخوذة فی ألسنتها بأنفسها موضوعات للأحکام لا أنّها معرّفات لها (1).

ثمّ أنّه لا وجه لاختیار کون جمیع الأسباب الشرعیّة معرّفات مع أنّ حالها حال غیرها من الأسباب العرفیّة فی أنّها قد تکون مؤثّرة فی ترتّب الحکم علیها بحیث لولاها لما وجدت للحکم علّة کقوله علیه السّلام إذا شککت فی الثلاثة و الأربعة فی الرکعات فابن علی الأکثر و قد تکون امارة علی ما هو المؤثّر فی الحکم کخفاء الجدران الذی یکون أمارة علی البعد المخصوص الذی یترتّب علیه وجوب القصر اللّهم إلاّ أن یقال لم یظهر من قول فخر المحقّقین أنّه أختار کون جمیع الأسباب الشرعیّة معرّفات.

نعم لو کان مراده من المعرّفیّة فی الأسباب الشرعیّة أنّ الأسباب الشرعیّة لا تکون ملاکات للأحکام أعنی به المصالح و المفاسد التی تدعو الشارع إلی جعل الأحکام بل تکون موضوعات للأحکام أو ممّا هو دخیل فی قوامها کالأجزاء و الشرائط فهو له وجه من جهة عدم کون الأسباب الشرعیّة من قبیل المصالح و المفاسد و لکنّ مع ذلک لا یجدی فیما أراده من ابتناء التداخل علی المعرّفیّة و ذلک لأنّ المراد من المعرّف حینئذ هو موضوع الحکم الشرعی أو ممّا له دخل فیه و من المعلوم أنّ موضوع کلّ قضیّة سواء کانت القضیّة حملیة أو شرطیّة هو طبیعة ساریة إلاّ إذا

ص:416


1- 1) راجع المحاضرات:ج 5 ص 114-115.

قامت قرینة علی أنّ المراد هو صرف وجودها و مقتضاه أنّ کلّ فرد فرد من الموضوع یقتضی حدوث الجزاء.

و علیه فکون المراد من المعرّفیة عدم کونها دواعی الأحکام و عللها من المصالح و المفاسد لا یجدی فی مرام من ذهب إلی ابتناء مسألة التداخل و عدمه علی المعرّفیّة فلا تغفل.

و لعلّه لذلک قال فی المحاضرات إن أرید من کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أنّ الأسباب الشرعیّة غیر دخیلة فی الأحکام الشرعیة کدخل العلّة فی المعلول فهو متین لما ذکرناه فی بحث الشرط المتأخّر من أنّه لا دخل للأمور التکوینیّة فی الأحکام الشرعیّة أصلا و إلاّ لکانت تلک الأحکام معاصرة لتلک الأمور التکوینیّة و مسانخة لها بقانون التناسب و السنخیّة و الحال أنّ الأمر لیس کذلک بداهة أنّ وجوب صلاتی الظهرین مثلا لیس معلولا لزوال الشمس و إلاّ لکان معاصرا له من ناحیة و أمرا تکوینیّا من ناحیة أخری بقانون التناسب.

و علی الجملة فالأحکام الشرعیّة بأجمعها أمور اعتباریّة فرفعها و وضعها بید الشارع و فعل اختیاریّ له و لا یؤثّر فیها شیء من الأمور الطبیعیّة نعم الملاکات الموجودة فی متعلّقاتها و إن کانت أمورا تکوینیّة إلاّ أنّ دخلها فی الأحکام الشرعیّة لیس کدخل علّة طبیعیّة فی معلولها بل هی داعیة لجعل الشارع و اعتباره إیّاها و إن أرید من کون الأسباب الشرعیّة معرّفات ذلک فهو و إن کان متینا من هذه الناحیة إلاّ أنّه یرد علیه انه لا ملازمة بین عدم دخلها فی الأحکام الشرعیّة و کونها معرّفات بل هنا أمر ثالث و هو کونها موضوعات لها یعنی أنّ الشارع جعل الأحکام علی تلک الموضوعات فی مرحلة الاعتبار و الإنشاء علی نحو القضیّة الحقیقیّة مثلا أخذ الشارع زوال الشمس مع بقیّة الشرائط فی موضوع وجوب صلاتی الظهرین فی تلک المرحلة و کذا أخذ الاستطاعة مع سائر الشرائط فی موضوع وجوب الحجّ و هکذا هذا

ص:417

من ناحیة.

و من ناحیة أخری أنّا قد ذکرنا غیر مرّة أنّ القضیّة الحقیقیّة ترجع إلی قضیّة شرطیّة مقدّمها وجود الموضوع و تالیها ثبوت المحمول له.

فالنتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین هی أنّ عدم دخل الأسباب الشرعیّة فی أحکامها کدخل العلّة الطبیعیّة فی معلولها لا یستلزم کونها معرّفات محضة بل هی موضوعات لها و تتوقّف فعلیّتها علی فعلیّة تلک الموضوعات و لا تنفکّ عنها أبدا و من هنا تشبه العلّة التامّة من هذه الناحیة أی من ناحیة استحالة انفکاکها عن موضوعاتها (1).

و قال سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه إن أرید من کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أنّ بعضها معرّف لبعض آخر ففیه أنّه خلاف الظاهر لظهور کلّ شرط فی الحدوث عند الحدوث و لازم معرّفیّة بعض لبعض آخر هو دلالة المعرّف علی مجرد الثبوت لا الحدوث عند الحدوث.

و إن أرید من أماریة الأسباب الشرعیّة أنّ السبب الشرعیّ الأوّلیّ أمارة علی السبب الواقعیّ و السبب الشرعیّ الثانی أیضا أمارة علی سبب واقعی آخر فلازم ذلک هو تعدّد الأسباب الواقعیّة و یساعده ظهور القضیّة الشرطیّة فی الطبیعة الساریّة و الحدوث عند الحدوث و لا وجه لرفع الید عن الظهور المذکور بحمل الأسباب الشرعیّة علی معرّفات عدیدة بالنسبة إلی مسبّب واقعیّ واحد فاتضح أنّه لا مدخلیّة للمعرفیّة فی مسألة التداخل و عدمه.

و إنّما المدخلیّة لما عرفت من ظهور القضیّة الشرطیّة فی الطبیعة الساریّة و الحدوث عند الحدوث مع تقدیم ظهور الشرط علی ظهور الجزاء من دون فرق بین

ص:418


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 113-114.

أن یکون الشروط الشرعیّة أسبابا بنفسها أو کواشف عن الأسباب المستقلّة فلا تغفل.

فتحصّل أنّ مقتضی القاعدة هو تعدّد الأسباب قضاء لظهور القضیّة الشرطیّة فی الطبیعة الساریّة و هکذا مقتضی القاعدة هو عدم تداخلها قضاء لما عرفت من أنّ الظاهر من القضیّة الشرطیّة هو الحدوث عند الحدوث فلا تغفل.

المقام الثانی:فی تداخل المسبّبات و عدمه

اشارة

و لا یخفی علیک أنّ بعد ما عرفت من عدم تداخل الأسباب یقع البحث فی أنّه هل یکفی الإتیان بمسبّب واحد فی امتثال ما تقتضیه الأسباب المتعدّدة أو لا یکفی و الظاهر أنّه یجوز تداخل المسبّبات و یکفی الإتیان بمسبّب واحد فیما إذا کان العنوانان متصادقین کما إذا کانت النسبة بین المتعلّقین للتکلیف عموما من وجه کقوله إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه فیجوز التداخل بأنّ یمتثل الأمر بالإکرام و الأمر بالإطعام بکیفیّة یصدق علیه الإکرام و الإطعام.

أو کما إذا کانت النسبة بین المتعلّقین عموما من وجه من ناحیة إضافتهما إلی موضوعهما کقوله إذا جاءک زید فأکرم العالم و إذا سلّم علیک فأکرم الهاشمیّ فیجوز التداخل أیضا بأنّ یمتثل الأمرین بإکرام العالم الهاشمیّ ففی کلا الصورتین یتحقّق الامتثال بإتیان المجمع لانطباق متعلّق کلّ منهما علیه و من المعلوم أنّه لا یعتبر فی تحقّق الامتثال عقلا إلاّ الإتیان بما ینطبق علیه متعلّق الأمر.

و احتمال لزوم الإتیان بالمتعلّق منفردا لا مجتمعا مندفع بإطلاق المتعلّق من کلّ من الدلیلین إذ لم یتقیّد کلّ بعدم الآخر.

و دعوی أنّ العرف قاض بأنّ تعدّد الحکم یلازم تعدّد الإطاعة و الإتیان بالعملین مندفعة بما حکی عن المحقّق الهمدانی قدّس سرّه من أنّه لا شاهد له عرفا بل الشاهد

ص:419

علی خلافه إذ لو أتی شخص بعمل واحد ینطبق علیه عناوین حسنة متعدّدة یری أنّ ثوابه أکثر ممّا إذا انطبق علیه أحد هذه العناوین و لیس ذلک إلاّ لتعدّد الأمر و وقوع العمل امتثالا للأوامر المتعدّدة.

و قد ذهب فی نهایة الأفکار إلی التفصیل فی العنوانین المتصادقین حیث قال:إنّ العنوانین المتصادقین علی مجمع واحد تارة من قبیل الجنس و الفصل کالحیوان و الناطق و أخری من قبیل العامّین من وجه المتصادقین فی مجمع واحد عند الاجتماع فإن کانا من قبیل الجنس و الفصل فلا إشکال فی التداخل و فی أنّه لا یلزم منه محذور أصلا إذ حینئذ بعد اختلاف العنوانین بحسب الحقیقة و المنشأ فقهرا یکون مرکب کلّ حکم جهة غیر الجهة الاخری التی هی مرکب الحکم الآخر و معه فلا یلزم من القول بالتداخل محذور أصلا کما هو واضح.

و أمّا إن کانا من قبیل العامّین من وجه کما فی مثال إکرام العالم و الهاشمی فیبتنی علی القول بجواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه فعلی القول بالجواز فی مثله و لو بدعوی کفایة هذا المقدار من المغایرة فی رفع المحذور فلا إشکال فی التداخل فی المقام.

و أمّا علی القول بعدم الجواز کما هو التحقیق فی نحو المثال بلحاظ وحدة الحقیقة فی الجهة المشترکة و هو الإکرام ففیه إشکال جدّا لاستلزامه اجتماع الحکمین المتماثلین فی ذات الإکرام الذی هو مجمع الإضافتین مع کونه حقیقة واحدة و حیثیّة فاردة.

و أمّا الحمل علی التأکّد فهو مخالف لظاهر الشرطین فی اقتضاء کل لوجوب مستقلّ و حینئذ لا بدّ فرارا عن المحذور من المصیر إلی عدم التداخل حتّی فی مورد التصادق أیضا.

و لکن مع ذلک بناء الأصحاب فی مثله علی التداخل و جواز الاکتفاء بإکرام واحد فی المجمع فی سقوط الخطابین اللّهم إلاّ أن یقال حینئذ بکفایة التعدّد فی الحکم فی

ص:420

المجمع فی الجملة فی حفظ ظهور الشرطیّتین فی الاستقلال بدعوی أنّ الواجب فی قوله أکرم عالما و أکرم هاشمیّا و إن کان هو الإکرام المضاف إلی عنوان العالم و الهاشمیّ بحیث کان لحیثیّة الاضافة أیضا دخل فی موضوع الحکم إلاّ أنّ قضیّة الحکم فی تعلّقه بالإکرام المضاف هو مشمولیّة الإضافة المزبورة أیضا للحکم و لو ضمنا فلا بأس فی مثله بالمصیر إلی التأکّد برفع الید عن استقلال الحکمین و تعدّدهما فی المجمع بالإضافة إلی ذات الإکرام التی هی جهة مشترکة بین الإضافتین مع حفظ استقلالهما بالقیاس إلی الإضافتین المزبورتین.

فإنّ الذی ینافیه قضیّة الظهور المزبور إنّما هو رفع الید عن تعدّد الحکمین و استقلالهما فی المجمع علی الإطلاق حتّی بالقیاس إلی الإضافتین و أمّا رفع الید عن ذلک فی الجملة فی خصوص ذات الإکرام التی هی جهة مشترکة بین الإضافتین فلا و علی ذلک فیتمّ قول المشهور من جواز الاکتفاء بإیجاد واحد فی المجمع و مورد التصادق فی سقوط الأمرین و عدم وجوب تعدّد الإکرام فی سقوطهما و امتثالهما نعم لا بدّ حینئذ فی سقوط الأمرین من أن یکون الإیجاد الواحد بداعی کلا الأمرین و إلاّ یکون الساقط خصوص ما قصد منهما ما لم یکن الآخر توصّلیّا و إلاّ فیسقطان معا (1).

و فیه أوّلا أنّا اخترنا جواز الاجتماع کما مرّ تفصیل الکلام فی محلّه و ثانیا:أنّه لو سلّمنا الامتناع فالممتنع هو اجتماع الخطابین فی الواحد المعنون بالعنوانین لا الإتیان بالمتعلّقین.

فإذا أتی بالواحد المعنون بالعنوانین أتی بالمتعلّقین لأنّ الواحد المذکور متحیّث بالحیثیّتین فإذا أتی به تحقق الحیثیّتان و یصدق أنّه أتی بالعنوانین من إکرام العالم و إکرام

ص:421


1- 1) نهایة الأفکار:ج 1 ص 491-492.

الهاشمی و دعوی وحدة الحیثیّة فی الواحد الخارجی مع کونه متحیّثا بالحیثیّتین ممنوعة فالواحد المذکور لیس مجرّد الإکرام بل هو إکرام العالم و إکرام الهاشمیّ فتداخل الامتثال فی مثله لا مانع منه إذ بعد ما أتی به لا وجه لبقاء الأمر علیهما لسقوط الأمر بهما بعد اتیانهما فلا حاجة إلی فرض التأکّد فإنّه مخالف لظهور الشرطیّتین فی الاستقلال کما أنّه لا وجه لرفع الید عن الاستقلال فی الجملة إذ تأثیر کلّ شرط فی موضوعه لا مانع منه و ذات الاکرام لیس موضوعهما بل موضوعهما هو الإکرام المضاف إلی العالم و إلی الهاشمی کما هو المفروض.

و بالجملة لیست الجهة المشترکة موضوعا لکل من الشرطیّتین بل الإکرام المضاف إلی العالم أو الهاشمی و هما منطبقان علی الواحد الخارجی فمع فرض امتناع الخطابین یسقط أحدهما و لکن بقی ملاکهما و بقاء ملاکهما یکفی فی صدق الإتیان بهما بإتیان الواحد المعنون بهما.

و علیه فالمتجه هو عدم الفرق بین کون العنوانین المتصادقین من قبیل الجنس و الفصل أو من قبیل العامّین من وجه سواء قلنا بجواز الاجتماع أو لم نقل فمع الإتیان بالواحد المعنون بالعنوانین یصدق الإتیان بالمتعلّقین علی الإتیان علی الواحد المعنون بهما و ذلک لوجود الملاکین فیه و یکفی ذلک فی تحقّق الامتثال فتدبّر جیّدا.

ثمّ إنّه کما فی المحاضرات لا فرق فی العامّین من وجه بین أن یکون طرفاه هما الواجبان کما عرفت أو الواجب و المستحب کصوم الاعتکاف و صوم آخر واجب آخر أو المستحبان کصلاة الغفیلة و نافلة المغرب أو صلاة جعفر علیه السّلام و نافلة المغرب فإنّ الأمر المتعلّق بکلّ منها مطلق فلا مانع من الجمع بینها فی مقام الامتثال بإتیان الجمع بأن یأتی بصلاة الغفیلة بعنوان نافلة المغرب أو صلاة جعفر علیه السّلام بعنوان نافلة المغرب فإنها تجزی کما أفاد فی المحاضرات عن کلیهما لانطباق متعلّق کلّ منهما

ص:422

علیها (1).

أورد علیه فی منتقی الأصول فی مثل نافلة المغرب و الغفیلة بأنّ تحقّق امتثال کلا الأمرین برکعتی الغفیلة محلّ إشکال من جهة ما قرّر من اعتبار أمر واقعیّ قصدیّ فی الصلوات المتشابهة صورة یکون موجبا لتباینهما حقیقة و کون أحدهما غیر الآخر و أنّه لا طریق إلی قصده إلاّ بالإتیان بالعمل بقصد عنوانه الخاص کعنوان الظهر أو العصر و لولاه لما کان هناک فارق بین نافلة الصبح و صلاتها و بین صلاة الظهر و العصر و هکذا.

و علیه فإذا ثبت اعتبار العنوان القصدیّ فی نافلة المغرب لیتحقّق امتیازه عمّا یشاکلها کالصلاة القضائیّة و ثبت اعتباره فی الغفیلة أیضا فمن الممکن أن یکون العنوانان القصدیّان متباینین واقعا بحیث لا یمکن قصدهما بعمل واحد نظیر عدم إمکان الاتیان بأربع رکعات بقصد الظهر و العصر و نظیر قصد التعظیم و الإهانة بقیام واحد.

و مع هذا الاحتمال لا مجال للقول بالتداخل لعدم العلم بالفراغ مع الاتیان بعمل واحد بقصدهما معا فقاعدة الاشتغال محکمة و لا رافع لهذا الاحتمال.

نعم یمکن الإتیان بعمل واحد بداعی امتثال کلا الأمرین رجاء و هو غیر التداخل فالتفت (2).

و یمکن أن یقال إنّه یکفی فی رفع احتمال التباین عدم اشتراط نافلة المغرب بصورة مخصوصة و هو أن یأتی بها قبل الغفیلة أو بعدها کما أنّ الغفیلة لا تکون مشروطة بالإتیان بها بعد نافلة المغرب أو قبلها حتّی لا یمکن تصادقهما بل نافلة المغرب مطلقة بالنسبة إلی الغفیلة و هی مطلقة بالاضافة إلی نافلة المغرب مع کونهما

ص:423


1- 1) راجع المحاضرات:ج 5 ص 125.
2- 2) منتقی الأصول:ج 3 ص 270.

مستحبّتین بین العشاءین فمع الإطلاق المذکور لا مجال لدعوی احتمال التباین فإنّه متوقّف علی تقیید صلاة النافلة بالقبلیّة بالنسبة إلی الغفیلة و تقیید الغفیلة بالبعدیّة بالنسبة إلی النافلة کما فی صلاة الظهر و العصر و هما منتفیان فیهما کما أفاده السیّد المحقّق آیة اللّه العظمی البروجردیّ قدّس سرّه و علیه فلا إشکال حینئذ فی الإتیان برکعتین بصورة الغفیلة بعنوان نافلة المغرب أیضا و یتحقّق الامتثال بالنسبة إلی کلا الأمرین-إلی أن- :قال نعم یبقی الإشکال فی مثل صلاة الغفیلة و الوصیّة و نحوهما و أنّه هل تکون من العناوین القصدیّة فلا یکفی الإتیان بصورتها من دون قصد عنوانها أم لا تکون کذلک فیکفی الإتیان بمجرّد صورتها و إن قصد بها نافلة المغرب مثلا فیه وجهان (1).

فتحصّل أنّ مقتضی إطلاق أدلّة النافلة و الغفیلة هو عدم التباین فلا یقاس بالظهر و العصر اللذین یکون متباینین بتقیّد الظهر بالقبلیّة بالنسبة إلی العصر و تقیّد العصر بالبعدیّة بالنسبة إلی الظهر بل النافلة و الغفیلة تکونان عامّین من وجه إذ النافلة المعنونة بعنوان نافلة المغرب تعلّق بها أمر مستقلّ و صلاة الغفیلة تعلّق بها أمر مستقلّ آخر و لا بأس بتعلّق أمرین بعد تغایر المتعلّقین من حیث المفهوم و العنوان و یمکن تصادقهما فی الخارج و مقام الامتثال بعد عدم اشتراط کلّ بتقدّمه علی الآخر أو تأخّره عنه.

نعم لا یبعد دعوی احتمال التباین فی مثل صلاة جعفر علیه السّلام و نافلة المغرب لأنّ أدلّة صلاة جعفر علیه السّلام لا تعرض لها بالنسبة إلی وقت العشاءین فإطلاقه من ناحیة امتثاله فی ضمن نافلة المغرب یحتاج إلی مئونة زائدة و هی غیر محرزة فتأمّل.هذا بخلاف صلاة الغفیلة و نافلة المغرب اللتین کانتا مأمورتین بعنوان الصلوات التی تکون بین العشاءین فعدم تقیید کلّ واحد منهما بالتقدّم أو التأخّر حینئذ دلیل علی عدم

ص:424


1- 1) نهایة التقریر:ج 1 ص 13-16.

التباین فیجوز امتثالهما بالتداخل.

و الحاصل أنّ دعوی إطلاق الأدلّة فی جمیع الموارد إلاّ ما خرج لا تخلو عن الإشکال لأنّ الأدلّة فی مقام التشریع لا فی مقام بیان أحکام الامتثال و علیه فلا یجوز التداخل إلاّ إذا کان انطباق العناوین قهریّا کالجنس و الفصل أو إذا أحرز کون دلیل التشریع مطلقا من هذه الناحیة أیضا کما لا یبعد ذلک فی تشریع نافلة المغرب و صلاة الغفیلة فإنّهما مشروعتان بعنوان ما یفعل بین العشاءین.

اللّهم إلاّ أن یقال:عدم اجتماعهما فی مقام الامتثال ناش من اعتبار التقدّم أو التأخّر أو الانفراد أو الاجتماع فی نفس المأمور به و علیه فیمکن الأخذ بإطلاق المتعلّقات لنفی هذه الاحتمالات فیجوز التداخل أخذا بإطلاق المتعلّقات إلاّ إذا قام الدلیل علی عدمه فتدبّر و بقیّة الکلام فی محلّه.

ثمّ إنّ الظاهر من نهایة التقریر للسیّد المحقّق البروجردیّ قدّس سرّه جریان التداخل أیضا فیما إذا کانت النسبة بین العنوانین هی العموم و الخصوص المطلق أو التساوی بدعوی أنّ ملاک تعدّد الأمر هو تغایر المتعلّقین فی عالم المفهومیّة سواء کانت النسبة فیهما هو التباین أو التساوی أو العموم المطلق أو العموم من وجه غایة الأمر أنّه لا یمکن التداخل فی صورة التباین و أمّا فی غیرها من الصور الثلاثة فیتحقّق التداخل فی مقام الامتثال و إن لم یقصد العنوانین معا نعم لو کان العنوانان من العناوین القصدیّة التی قوامها بالقصد بحیث لا یتحقّق بدونه لا یمکن التداخل ما لم یقصد کلاهما (1)

توضیح ذلک أنّ مفهوم الأعمّ إن کان مأخوذا فی الأخصّ کطبیعی النافلة و النافلة المختصّة بالأیّام و الأمکنة أو طبیعیّ الغسل و غسل الجمعة بناء علی کون طبیعة الغسل مأمورا بها للصلاة من جهة الأسباب المختلفة فالمطلق عین ما أخذ فی

ص:425


1- 1) نهایة التقریر:13.

المقیّد فمع العینیّة لا یعقل تعلّق الحکمین المتماثلین بالواحد لاستحالة البعث نحو الشیء الواحد ببعثین و لو استحبابیّین فلا مناصّ حینئذ من تقیّد متعلّق کلّ منهما بفرد دون الفرد الآخر کما لا یعقل تعلّق الحکمین المختلفین به و لذا یجری حکم الامتناع بالنسبة إلیه فی مسألة اجتماع الأمر و النهی لوحدة المتعلّق و لو فی الذهن فیحمل النهی علی الارشاد إلی سائر الأفراد بعد عدم إمکان تعلّق النهی مع الأمر به أو تخصیص النهی بالمشخّصات الخارجة عن الطبیعة الواحدة مثلا فی قوله صلّ و لا تصلّ فی الحمام لا یمکن اجتماع الأمر و النهی لوحدة المتعلّق بعد ما کان المطلق مأخوذا فی المقیّد فیحمل النهی فیه علی الإرشاد إلی سائر الأفراد أو یخصّص النهی بالکون فی الحمّام من المشخّصات الخارجة عن الطبیعة.

هذا بخلاف ما إذا لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم حرّک و لا تدن إلی موضع کذا أو حرّک و أدن من موضع کذا أو الجنس و الفصل کالحیوان و الناطق فإنّ العنوانین متغایران بحسب المفهوم الذهنیّ و إن کانت النسبة بینهما الأعم و الأخصّ بحسب الخارج و المغایرة المفهومیّة تکفی فی جواز اجتماع الأمر و النهی أو اجتماع المثلین فیه لأنّ موطن تعلّق الأحکام هو الذهن و مفهوم الحرکة و الدنوّ و الحیوان و الناطق متغایران بحسب الذهن فیجوز تعلّق الحکمین المتماثلین بالعنوانین فیتداخلان فی الأخصّ بحسب الخارج.

و هکذا العنوانان المتساویان فإنّهما بحسب الذهن مفهومان متغایران و إن کانا بحسب الخارج متّحدین هذا فیجوز تعلق الحکمین المتماثلین بهما و یتداخلان بحسب الخارج.

و یمکن أن یقال إنّ التعدّد فی المتساویین کالإنسان و البشر مع وحدتهما فی المسمّی و الخارج یکون لفظیّا لا واقعیّا و علیه فالتعدّد لا ینتهی إلاّ إلی التأکّد إذ لا معنی لتعدّد الأمر بالنسبة إلی الحقیقة الواحدة المعبّر عنها بالعنوانین المتساویین و تعدّد

ص:426

اللفظ لا یکون موجبا لتعدّد المسمّی و لو فی الذهن فلا یعقل فیه تعدّد الأمر لاستحالة البعث نحو الشیء الواحد ببعثین مستقلّین و هکذا الأمر فی المتلازمین المتساویین کالإنسان و الضاحک فإنّ المسمی کاللفظ و إن کان متغایرا و متعدّدا و لکن المعنون بهما لیس متعدّدا فالأمر الأوّل یغنی عن الثانی بل لا یعقل إلاّ بعنوان التأکید نعم لو أرید بالأوّل فرد و بالثانی فرد آخر أمکن التعدّد و لکن لا یتداخلان لتغایر الفردین کما لا یتدخّلان فیما إذا تعلّقا بالحقیقة الواحدة و سیأتی إن شاء اللّه بیانه لا یقال یشکل الأمر أیضا فیما إذا لم یأخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ و کانت النسبة بینهما بحسب الخارج عموما و خصوصا لأنّ متعلّقهما واحد بحسب الخارج و لیس بمتعدّد لأنّا نقول:

تغایر المفهومین فی الذهن یکفی بجواز اجتماع المثلین و لا یضرّه الاتّحاد الخارجی لعدم کونه متعلّقا للحکم و إنّما هو مصداق للمفهومین المتغایرین و المسمّی فی الأعمّ و الأخصّ مفهومان متغایران و حاکیان عن الأمرین المتّحدین کالجنس و الفصل فتأمّل.

فتحصّل إلی حد الآن أنّ مقتضی القاعدة هو جواز التداخل فیما إذا کانت النسبة عموما من وجه أو العموم المطلق إذا لم یؤخذ مفهوم المطلق فی مفهوم الأخص و أمّا المفهومان المتساویان فتداخل الأمرین فیهما لا ینتهی إلاّ إلی التأکّد و إلاّ لزم البعث ببعثین نحو الشیء الواحد ثمّ إنّه لا مجال للتداخل فیما إذا کانت النسبة هی التباین لعدم إمکان اجتماعهما کالکسوة و الإطعام فتغایر المتعلّقین فیه لا ینتهی إلی التداخل بل إلی التعدّد.

و هکذا لا مجال للتداخل فیما إذا کان متعلّق الأمرین حقیقة واحدة لأنّ تعدّد الأمر فی الحقیقة الواحدة غیر معقول فاللازم أن یکون متعلّق کلّ واحد من الأمرین هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالسبب الآخر.و من المعلوم أنّه لا یمکن تداخل الأفراد من ماهیّة واحدة لمغایرتها.

ص:427

و لذلک قال الشیخ الأنصاریّ علی المحکیّ أنّ تعدّد الأثر یوجب تعدّد الفعل و لا یکفی إیجاد فعل واحد فی مقام فعلین الی أن قال:أنّ متعلّق التکالیف حینئذ هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالسبب الأوّل و لا یعقل تداخل فردین من ماهیّة واحدة و لا یعقل ورود دلیل علی التداخل أیضا علی ذلک التقدیر إلاّ أن یکون ناسخا لحکم السببیّة.

و أمّا تداخل الأغسال فبواسطة تداخل ماهیّاتها کما کشف عنه الروایة مثل تداخل الإکرام و الضیافة فیما إذا قیل:إذا جاء زید فأکرم عالما و إن سلم علیک فأضف هاشمیّا فعند وجود السببین یمکن الاکتفاء بإکرام العالم الهاشمیّ علی وجه الضیافة فیما لو قصد امتثال الأمرین فی التعبّدیّات و أین ذلک من تداخل الفردین.

لا یقال:إنّ تعدّد الأسباب یحتمل أن یکون کاشفا عن تعدّد ماهیّات المسبّبات أیضا فیصحّ دعوی الاکتفاء لأنّا نقول ظهور لفظ المسبّب فی ماهیّة واحدة مما لا یقبل الانکار و لو سلّمنا فلا یجدی لعدم العلم بالتصادق لإمکان المباینة فالقاعدة قاضیة بالتعدّد (1).

أورد علیه فی مناهج الوصول بقوله:و فیه أنّه إن کان مراده من الفرد المغایر للفرد الواجب بالسبب الأوّل هو الفرد الخارجی کما هو الظاهر فتداخل الفردین غیر معقول بلا إشکال لکن تعلّق الحکم بالفرد الخارجی ممتنع.

و إن کان المراد هو العنوان القابل للانطباق علی الخارج و إن سمّاه فردا لکونه تحت العنوان العامّ فعدم إمکان تداخل العنوانین من ماهیّة واحدة غیر مسلّم بل القیود الواردة علی ماهیّة مختلفة فقد تکون موجبة لصیرورة المقیّدین متباینین کالإنسان الأبیض و الأسود و قد لا تکون کذلک کالإنسان الأبیض و العالم ممّا بینهما

ص:428


1- 1) تقریرات الشیخ الأعظم(قدّس سرّه):ص 178-179.

عموم من وجه.

فالوضوء فی قوله إذا نمت فتوضّأ و إذا بلت فتوضّأ ماهیّة واحدة و لأجل تسلیم المقدّمتین لا بدّ من کونها مقیّدة بقیدین حتّی یکون کلّ سبب علّة مستقلّة للإیجاب علی أحد العنوانین.

لکن لا یجب أن یکون بین العنوانین التباین حتّی یمتنع تصادقهما علی الفرد الخارجیّ.

فمع عدم قیام دلیل علی امتناعه لا یجوز رفع الید عن الدلیل الدالّ علی التداخل فرضا فقوله(أی الشیخ)لا یعقل ورود الدلیل علی التداخل فرع إثبات الامتناع و هو مفقود بل لنا أن نقول لازم ظهور الشرطیّتین فیما ذکروا ورود الدلیل علی التداخل کون المقیّدین قابلین للتصادق هذا حال مقام الثبوت (1).

و فیه أوّلا:أنّ المراد من الفرد الخارجی هو وجوده الذهنی بنحو الوجود اللافراغی فصورة الذهنی من کلّ فرد کنفس الفرد الخارجی فی أنّه مغایر لغیره و مباین له و مع المغایرة و المباینة لا مجال لتداخل الفردین فی واحد کما أنّه لا مجال للتداخل فی الماهیّتین المتباینتین فالفرد الذهنیّ لا یکون قابلا للانطباق علی أزید من واحد و علیه فلا مجال للإشکال بأنّ تعلّق الحکم بالفرد الخارجی ممتنع لأنّه ظرف السقوط لا ظرف الثبوت لما عرفت من المراد من الفرد هو صورته الذهنیّة لا الفرد الخارجیّ.

و ثانیا:أنّ عنوان الفرد لیس بعنوان کلّی حتّی یکون قابلا للانطباق علی الکثیرین من الأفراد بل المقصود منه هو واحد من الأفراد و حیث لا یمکن تعدّد البعث نحو فرد واحد یحمل جمعا بین الشرطین کلّ واحد علی واحد مغایر مع واحد آخر

ص:429


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 209 و 210.

یکون مبعوثا إلیه.

و علیه فقیاس الفرد المأخوذ الذهنیّ علی الماهیّات الکلیّة و تقسیماتها بالقیود المختلفة التی ربما تکون موجبة لصیرورة المقیّدین متباینین کالإنسان الأبیض و الأسود و قد لا تکون کذلک کالإنسان الأبیض و العالم ممّا بینهما عموم من وجه لیس فی محلّه لما عرفت من أنّ المراد من الفرد لیس عنوانا کلّیّا بل هو واحد من الأفراد.

لا یقال:مفاد کلّ قضیّة شرطیّة أو شرطیّة واحدة بالنسبة إلی مرّات تحقّق الشرط أنّ الجزاء لا بد و أن یقع عقیب شرطه الموجب له فالواجب بکلّ شرط غیر ما وجب بالآخر و مع ذلک فحیث لا یقیّد بأزید من هذه البعدیّة فاللازم الاکتفاء بمصداق واحد من الطبیعة لصدق جمیع الإیتاءات بقیدها علیه فمقتضی إطلاق کلّ شرطیّة أنّه مع تعدّد الشرط یکون المقام من باب تداخل المسبّبات (1).

لأنّا نقول:إنّ کلّ شرطیّة ظاهرة فی کونه موجبا لأثر غیر أثر الآخر بعد ما عرفت من عدم مکان اجتماع الشرطین بالنسبة إلی واحد فإذا کان أثر کلّ مغایرا مع الآخر و مباینا له فالاکتفاء بمصداق واحد خلف فی کون کلّ منهما موجبا لأثر مباین للآخر کما أفاد الشیخ الأعظم قدّس سرّه حیث قال:إنّ تعدّد الأثر یوجب تعدّد الفعل و لا یکفی إیجاد فعل واحد فی مقام فعلین.

و ثالثا:أنّ بعد ما عرفت من امتناع التداخل فی ما إذا کانت متعلّق الأمرین حقیقة واحدة اتّضح صحّة ما أفاده الشیخ قدّس سرّه من أنّه لا یعقل ورود الدلیل علی التداخل إلاّ أن یکون ناسخا لسببیّة متعددة بأن یکون السبب صرف الوجود من الأسباب أو یکون کاشفا عن تداخل الماهیّات المختلفة کما یظهر من بعض النصوص کقوله علیه السّلام إذا اجتمعت علیک حقوق أجزأها عنک غسل واحد فإنّه کما فی نهایة

ص:430


1- 1) تسدید الأصول:ج 1 ص 480.

الأفکار ظاهر فی أنّ الأغسال مع اتّحادها صورة مختلفات بحسب الحقیقة و قابلیّة التصادق علی الواحد حیث إنّ قضیّة الاجتزاء بغسل واحد عن المتعدّد حینئذ إنّما هو من جهة تصادقها علی الواحد (1).

و رابعا:أنّ مثال الوضوء خارج عن محلّ البحث لأنّ الشرط فیه هو صرف الوجود من النواقض فلا یکون من باب الأسباب المتعدّدة إذ مع تأثیر النوم لا مجال لتأثیر البول و بالعکس.

و خامسا:أنّ مع الاعتراف بظهور الشرطیّة فی استقلال التأثیر و کون أثر کلّ منهما غیر أثر الآخر لا مجال لدعوی عدم وجوب أن یکون بین العنوانین تباین.

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل الأسباب

و لا یخفی علیک أنّ مرجع الشک فی تداخل الأسباب و عدمه إلی الشکّ فی التکلیف الزائد لا فی السقوط بعد الثبوت و مجراه هو البراءة.

فإنّ الشک فی تداخل الأسباب و عدمه یرجع الی احتمال کون المؤثّر هو الجامع بینهما المنطبق علی أوّل الوجود أو کون کلّ واحد مؤثرا.

و علیه فیجوز له الاکتفاء بوجود واحد لأصالة البراءة عن التکلیف الزائد إذ المتیقّن هو حدوث تکلیف واحد.

لا یقال:هذا فیما إذا کان الجزاء حکما تکلیفیا محضا و أمّا إذا کان تکلیفا مرتّبا علی وضع کما إذا وقع فی بئر میّتا الإنسان أو أصاب البول ید أحد مرّتین فربما یقال إنّ هذا الأمر الوضعی یحتمل بقاؤه بعد العمل بالمتیقّن من التکلیف فیحکم بمقتضی الاستصحاب ببقائه و یرتّب علیه آثاره فیحکم فی المثال بنجاسة البئر و الید إلاّ إذا أتی

ص:431


1- 1) نهایة الأفکار:ج 1 ص 490

بما یتیقّن معه بالفراغ.

لأنّا نقول:نمنع ذلک لأنّ وقوع المیّت الثانی من الإنسان فی البئر أو إصابة البول ثانیا إن کان بعد وقوع المیّت الأوّل فی البئر و بعد حدوث إصابة البول أوّلا فلا مجال لاستصحاب البقاء لأنّ الأمر بالعکس فإنّ بعد حدوث الأوّل و وقوعه کان المعلوم هو عدم تنجّس البئر بسبب آخر و عدم تنجّس الید بسبب آخر فإذا وقع الثانی أو حدث الثانی شکّ فی التنجّس الثانی فمقتضی الاستصحاب هو عدمه.

و إن کانا واقعین أو أصابا دفعة و شککنا فی أنّ کلّ واحد مؤثّر أو الجامع بینهما فبعد العمل بالمتیقّن من التکلیف یمکن استصحاب بقاء جامع النجاسة لأنّ قبل العمل بالمتیقّن من التکلیف علمنا بوجود النجاسة فإن کان المؤثّر هو الجامع و صرف الوجود بینهما ارتفعت النجاسة بالعمل المتیقّن و إن کان المؤثّر هو کلّ واحد منهما فلا ترتفع النجاسة بالعمل المذکور فالنجاسة فی ما إذا کان المؤثّر کلّ واحد منهما طویل البقاء بخلاف ما إذا کان المؤثّر هو صرف الوجود و الجامع بینهما فإنّها ترتفع بالعمل المذکور و حیث شککنا فی المؤثّر أنّه هو کلّ واحد أو صرف الوجود أمکن استصحاب بقاء جامع النجاسة و لکنّه لا أثر له إذ الأثر مترتّب علی الأفراد لا علی الجامع و استصحاب جامع النجاسة لإثبات تأثیر کلّ واحد منهما لا مجال له لأنّه أصل مثبت فتحصّل أنّ مع التعاقب کان المستصحب هو عدم تنجّس البئر أو الید بالمؤثّر الآخر فلا مجال لاستصحاب بقاء النجاسة و مع التقارن أمکن استصحاب جامع النجاسة و لکنّه لا أثر شرعیّ له بعد کون الآثار مترتّبة علی الأفراد و استصحاب الجامع لترتیب الأثر علی الأفراد أصل مثبت فلا مجال له کما لا یخفی.

هذا کلّه بالنسبة إلی مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل الأسباب.

ص:432

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسبّبات

و إذا شکّ فی تداخل المسبّبات فی أنّه هل تسقط المسبّبات المتعدّدة بوجود واحد أو لا تسقط فمرجع الشکّ إلی الشکّ فی الامتثال و السقوط بعد الفراغ عن أصل الثبوت و اشتغال الذمّة فالتداخل خلاف الأصل و القاعدة و یحتاج إلی إقامة الدلیل و مع عدمه فمقتضی القاعدة هو لزوم الإتیان بکلّ واحد منها حتّی یحصل الفراغ الیقینیّ بعد الاشتغال الیقینیّ.

فحینئذ إذا شکّ فی تداخل المسبّبات من ناحیة الشکّ فی احتمال تصادق العناوین المتعدّدة علی مجمع واحد فالمرجع فیه إلی الاشتغال لا غیر لو لم نقل بکفایة إطلاق المتعلّقات لنفی احتمال مدخلیّة التقدّم و التأخّر و إحراز إمکان التصادق أو لو کان دلیل المسببات لبیّا أو لو أجمل الدلیل من جهة قیام القرائن المختلفة بحیث اختلت المقدّمات و إلاّ فمقدّمات الاطلاق جاریة فی المتعلّقات و مقتضاها هو عدم اتّخاذ قید فیها یمنع عن التصادق فلا مجال للشکّ المذکور.

ربما یقال إن کان الجزاء حکما تکلیفیّا محضا فحیث إنّ الشکّ فی التطابق یکون لا محالة منشؤه الجهل بحدود العنوان المکلّف به و لا محالة هذا الشکّ سار فی کلّ منهما و حینئذ فإن کان الأمر دائرا فی کلّ منهما بین الأقلّ و الأکثر تجری البراءة عن الزائد المشکوک فلا یجب فی کلّ منهما إلاّ الأقلّ اللازم منه تطابقهما علی واحد کما إذا شکّ فی أنّ الواجب طبیعة الوضوء الواقعة بعد موجبه أو هی مقیّدة أیضا باستقلاله فی مقام الامتثال فوجوب الوضوء الواقع بعد موجبه معلوم و قید الاستقلال مشکوک تجری البراءة عنه فلا یجب إلاّ الوضوء بعد الموجب و وضوء واحد مصداق لکلتا الطبیعتین انتهی.

و فیه أنّه إن أرید بکون منشأ الشکّ هو الجهل بحدود العنوان المکلّف به

ص:433

و لا محالة هذا الشکّ سار فی کلّ منهما ما ذکرناه من أنّ مقتضی مقدّمات الإطلاق فی المتعلّقات هو عدم تقیّدها بما یمنع عن صدقها و تطابقها علی جود واحد فلا ارتباط له مع البراءة لأنّه أخذ بمقدّمات الإطلاق و قد عرفت کفایتها لرفع احتمال التباین فیما إذا جرت المقدّمات هذا مضافا إلی أنّ احتمال تقیید المتعلّقات بأحکام الامتثال لا مجال له بعد کون الأدلّة فی مقام تشریع الأحکام لا أحکام الامتثال فاللازم هو إرجاع القید إلی قیود المتعلّقات کما بیّناه.

و إن أرید بذلک أنّ المتعلّقات مجهولة فی مفادها و مفهومها فی نفسها ففیه منع واضح فإنّ مفاهیمها واضحة و لا إجمال لها و لا تقاس بموارد الشبهات المفهومیّة و إنّما الشکّ فی کونها مقیّدة بما یمنع عن تطابقها علی مصداق واحد و عدمه و هو کما عرفت مجری مقدّمات الإطلاق و مع عدم جریانها فاللازم هو الفراغ الیقینیّ لمعلومیّة الاشتغال بالمتعدّد بعد ظهور الشرطیّة فی الاستقلال و الحدوث بعد الحدوث و لا مجال للبراءة کما لا یخفی.

ثمّ إنّه إن شکّ فی التداخل من جهة احتمال تأکّد الوجوب و عدمه ذهب فی نهایة الأفکار إلی أنّه لا محیص حینئذ من الاحتیاط حیث یعلم تفصیلا بتأثیر کلّ شرط فی مرتبة من التکلیف و إنّما الشکّ فی تعلّقهما بوجود واحد أو بوجودین و بعبارة أخری یعلم تفصیلا بأنّه من قبل کلّ شرط توجّه الزام إلی المکلّف و إنّما الشکّ فی تعلّقهما بوجود واحد فیلزمه تأکّد الوجوب فیه أو بوجودین مستقلّین و فی مثله لا محیص إلاّ من الاحتیاط من جهة أنّه فی الاکتفاء بإیجاد واحد یشکّ فی الخروج عن عهدة ذلک التکلیف الناشئ من قبل الشرط الثانی لاحتمال تعلقه بوجود آخر (1).

و لا یخفی علیک أنّه لا مجال لاحتمال التأکید بعد استظهار تعدّد المتعلّق بتقدیر

ص:434


1- 1) نهایة الأفکار:ج 1 ص 494-495.

الوجود فی کلّ واحد منهما فی الحقیقة الواحدة لأنّ مقتضی الجمع بین الدلیلین هو بعث کلّ واحد إلی فرد مغایر مع فرد آخر و مع المغایرة لا مجال لاحتمال التأکید نعم لو قلنا بأنّ متعلّق الوجوب هو نفس الطبیعة لا وجودها و فردها لکان للاحتمال المذکور مجال و لکنّه سبق أنّ الطبیعة لیست مطلوبة حتّی یحمل الوجوبان المتعلّقان بها علی التأکید لوحدة المتعلّق بل المتعلّق هو وجود الطبیعة و هو ممّا یقبل التعدّد فمع کون المتعلّق قابلا للتعدّد و التکرار یکون مقتضی ظهور القضیّة فی الحدوث عند الحدوث هو حدوث الوجود و هو مساوق لحدوث الفرد و من المعلوم أنّ دلالة کلّ قضیّة علی ذلک تنتهی إلی مطلوبیّة وجودین و فردین من الحقیقة و حیث إنّ الفردین متغایران فلا مجال لاحتمال التأکید کما لا یخفی و إن أبیت عما ذکر و شکّ فی تعلّقه بوجود واحد أو وجودین فلا مجال للزوم الاحتیاط إذ لا علم بالاشتغال بالأزید من واحد حتّی یجب الفراغ عنه و مجرّد معلومیّة توجّه إلزام نحو المکلّف مع احتمال تعلّقهما بواحد و کونه تأکیدا لا یوجب العلم باشتغال التکلیفین إذ مع الاحتمال المذکور لا یفید الإلزامان إلاّ تکلیفا مؤکّدا.

هذا مضافا إلی أنّه لا مجال لاحتمال التأکید فی العامّین من وجه و إلاّ لزم الجمع بین التأکید و التأسیس فی صیغة واحدة فإنّها بالنسبة إلی مادّة الافتراق تأسیس و بالنسبة إلی مادّة الاجتماع تأکید و هو کما تری.

فتحصّل أنّ مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسبّبات هو عدم التداخل فیما اذا لم یکن إطلاق فی المتعلّق یقتضی جواز التداخل فإنّ مرجع الشکّ حینئذ إلی الشکّ فی ناحیة الامتثال و السقوط بعد الفراغ عن أصل الثبوت و اشتغال الذمّة فاللازم حینئذ هو الإتیان بکلّ واحد حتّی یحصل الیقین بالفراغ بعد العلم بالاشتغال.

ص:435

الخلاصة:

المقصد الثالث فی المفاهیم

و هنا فصول:

الفصل الأوّل فی تعریف المفهوم و المنطوق

و لا یخفی أنّ المنطوق هو ما دلّت علیه القضیّة الملفوظة بالدلالة المطابقیّة أو التضمنیّة.

و المفهوم علی تقدیر ثبوته هو ما دلّت علیه القضیّة غیر المذکورة فی شخص الکلام و هی التی تستفاد من القضیّة الملفوظة بالدلالة الالتزامیّة بسبب اشتمال القضیّة الملفوظة علی خصوصیّة و هی تستتبع القضیّة غیر المذکورة بلزوم بیّن بالمعنی الأخصّ و لقد أفاد و أجاد فی الکفایة حیث قال:إنّ المفهوم کما یظهر من موارد إطلاقه هو عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری تستتبعه خصوصیّة المعنی الذی أرید من اللفظ بتلک الخصوصیّة و لو بقرینة الحکمة و کان یلزمه لذلک وافقه فی الإیجاب و السلب أو خالفه.

و ممّا ذکر یظهر أنّ المفهوم مستند إلی اللفظ لأنّ الخصوصیّة المذکورة فی القضیّة الملفوظة تدلّ علی القضیة غیر المذکورة.

و بهذا الاعتبار یکون البحث عن المفاهیم من مباحث الألفاظ ثمّ الفرق بین المفهوم و المعنی الالتزامی بأنّ المفهوم أخصّ منه لاعتبار الخصوصیّة الملفوظة فی القضیّة المذکورة فی المفهوم دون المعنی الالتزامی إذ یکفی الملازمة بین المعنی المطابقی و المعنی الالتزامی.

ثمّ إنّ المنطوق و المفهوم یکونان من أوصاف المدلول لا الدالّ و لا الدلالة کما

ص:436

یظهر من تعاریف القوم منهم الحاجبی حیث قال المنطوق هو ما دلّ علیه اللفظ فی محل النطق و المفهوم هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق.

قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:إنّ لفظة«ما»موصولة فتدلّ علی أنّ المنطوق و خلافه من أوصاف المدلول.

و یظهر ممّا ذکرناه من اعتبار التابعیّة بین المفهوم و المنطوق باعتبار اشتمال المنطوق علی خصوصیّة تستتبع القضیّة غیر المذکورة خروج مثل وجوب المقدّمة علی المفهوم لأنّ الصیغة الدالّة علی وجوب ذی المقدمة لا تشتمل علی خصوصیّة تدلّ باعتبارها علی وجوب مقدّماته بل منشأ وجوب المقدّمة علی تقدیر ثبوته هو الملازمة العقلیة بین الوجوبین مع عدم خصوصیّة فی صیغة وجوب ذی المقدّمة.

و هکذا یظهر خروج دلالة الاقتضاء عن المفهوم کدلالة للآیتین أی قوله تعالی:

(وَ حَمْلُهُ وَ فصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) و قوله عزّ و جلّ: (وَ الْوالداتُ یُرْضعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْن کاملَیْن) علی أنّ مدّة أقلّ مدّة الحمل هو ستّة أشهر و ذلک لأنّ هذه الدلالة تکون بحکم العقل إذ لا یمکن جعل مدّة الرضاع حولین مع زیادة مدّة الحمل عن ستّة أشهر و إلاّ لزم ازدیاد الحمل و الفصال عن ثلاثین شهرا هذه الدلالة کما عرفت من جهة حکم العقل جمعا بین الآیتین لا من جهة خصوصیّة مذکورة فی إحدی الآیتین ثمّ لا یذهب علیک أنّ استفادة المفهوم من المنطوق علی القول بها تکون باعتبار اشتمال المنطوق علی الخصوصیّة المستتبعة للقضیّة غیر المذکورة و من المعلوم أنّها هی استفادة من ألفاظ المنطوق باعتبار وضع أداة الشرط أو القضیّة الشرطیّة أو مقدمات الإطلاق الجاریة فی الکلام.

و علیه فما نسب الی القدماء من أنّ الدلالة علی المفهوم من باب دلالة الأفعال لبناء العقلاء علی حمل الفعل الصادر عن الغیر علی کونه صادرا عنه لغایة و فائدة لا لغوا و أنّ الغایة المنظورة هی إفادة المعنی أیّ شیء کان و لیس هذا مربوطا بباب دلالة

ص:437

الألفاظ علی معانیها بل هو من باب بناء العقلاء علی حمل فعل الغیر علی کونه صادرا عنه لغایته الطبیعیة لا لغوا و هذا مقدّم بحسب المرتبة علی الدلالة الثابتة للفظ بما هو لفظ موضوع علی معناه لأنّه من باب دلالة الفعل لا اللفظ بما هو لفظ و لذا یحکم به العقلاء قبل الاطّلاع علی المعنی الموضوع له تفصیلا.

و هذا البناء کما یکون ثابتا بالنسبة إلی مجموع الکلام فکذلک یکون ثابتا بالنسبة إلی أبعاضه.

منظور فیه لعدم إحراز النسبة المذکورة بل یخالفها ما حکی عن الحاجبی لظهور تعریفه فی أنّ المنطوق و المفهوم من باب دلالة الألفاظ لا من باب الأفعال و بناء العقلاء.

هذا مضافا إلی أنّ ما حکم به العقلاء یکون من المبادی لدلالة الألفاظ علی معانیها إذ لا یستفاد منها إلاّ الدلالة الإجمالیة و أمّا التفصیل فهو مربوط بمفاد اللفظ بما هو اللفظ و علیه فمجرّد دلالة اللفظ بما هو فعل علی دخالة القید فی المطلوب لا ینفی دخالة شیء آخر فی شخص الحکم فی المنطوق بل هی متوقّفة علی استظهار الانحصار من مدلول اللفظ.

ثمّ إنّ البحث فی المقام بحث عن وجود المفهوم لا البحث عن حجیّته لأنّ حجیّة الظهورات مفروغ عنها.

الفصل الثانی:فی دلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم و عدمها

و لا یخفی أنّ المشهور ذهبوا إلی دلالتها بمعنی أنّها کما تدلّ علی ثبوت شیء عند ثبوت شیء فکذلک تدلّ بالالتزام علی الانتفاء عند الانتفاء.

و استدلّ له بوجوه:

منها التبادر بدعوی أنّ المنساق من الجملة الشرطیّة هو تعلیق شیء و توقّفه

ص:438

علی شیء آخر و هو دلیل علی کون الجملة الشرطیّة موضوعة لذلک.

و مقتضاه هو الانتفاء عند الانتفاء إذ لا معنی للتوقّف إلاّ ذلک.

و یؤیّده ما هو المعروف من أنّ أداة«لو»للامتناع إذ مقتضاه هو الالتزام بالمفهوم و العلّیّة المنحصرة و إلاّ فلا وجه لامتناع التالی بمجرّد امتناع المقدّم مع إمکان وجود علّة أخری.

هذا مضافا إلی شهادة صحّة الاستدراک کما إذا قیل إن ضربتنی ضربتک و لکنّک لم تضربنی فلا أضربک مع أنّه لو لم یکن للقضیّة الشرطیّة مفهوم لم یکن حاجة إلی الاستدراک.

أورد علیه بأنّ تبادر العلّیّة المنحصرة من الجملة الشرطیّة غیر ثابت بل غایته هو تبادر الترتب.

و لعلّ وجهه هو توهّم انصراف الترتّب الّذی یدلّ علیه الجملة الشرطیّة الی التوقّف و التعلیق من جهة کونه أکمل الأفراد من الترتّب مع أنّ مجرّد الأکملیّة لا یوجب الانصراف.

هذا مضافا إلی إمکان منع الأکملیّة فإنّ الانحصار لا یوجب الأکملیّة.

و أمّا تأیید ذلک بکلمة«لو»و صحّة الاستدراک ففیه منع کون ذلک دلیلا علی الوضع لإمکان ذلک مع القول بالدلالة من باب الإطلاق أیضا فالدلیل أعم من المدّعی و بالجملة دلالة القضیة علی حصر العلّة فی المقدّم أعم من أن یکون ذلک من جهة الوضع أو مقدّمات الإطلاق أو المرکّب منهما،فتدبّر جیّدا.

منها ما فی نهایة الأفکار من إطلاق الجزاء و بیانه أنّ قولهم أکرم زیدا مع قطع النظر عن القرائن الخارجیّة لا یقتضی إلاّ مجرّد ثبوت الحکم و المحمول لزید بنحو الطبیعة المهملة الغیر المنافی مع ثبوت شخص حکم آخر من هذا السنخ للعمرو.

و إهماله من هذه الناحیة لا ینافی إطلاقه من ناحیة أخری و من أنّ هذا الحکم

ص:439

ثابت علی الإطلاق لزید من دون فرق بین حالاته من القیام و القعود و المجیء و نحوه.

و بعبارة أخری أنّ الموضوع باعتبار حالاته مطلق و یلزمه قهرا إطلاق فی طرف الحکم المترتّب علیه أیضا بحسب تلک الحالات.

فإذا ورد علیه أداة الشرط لا یقتضی إلاّ مجرد إناطة النسبة الحکمیّة بمالها من المعنی الإطلاقی بالشرط و هو المجیء لأنّ ما هو شأن الأداة إنّما هو إناطة الجملة الجزائیة بمالها من المعنی الذی یقتضیه طبع القضیّة الحملیّة أو الإنشائیّة بالشرط.

فإذا کان مقتضی طبع القضیّة فی مثل قولهم أکرم زیدا هو ثبوت حکم شخصی محدود لزید علی الإطلاق الملازم لانحصاره و عدم فرد آخر منه فی بعض الحالات و کان قضیّة الأداة علی ما هو شأنها إناطة تلک الجملة بمالها من المعنی بالشرط و هو المجیء فلا جرم بعد ظهور الشرط فی دخل الخصوصیّة بمقتضی ما بیّناه یلزمه قهرا انتفاء وجوب الإکرام عن زید عند انتفاء المجیء.

و هذا البیان لا یحتاج فی إثبات المفهوم فی القضایا الشرطیة إلی إثبات العلیة المنحصرة لأنّ إطلاق الجزاء یکفی فی إفادة المفهوم من جهة أنّ لازم إناطة مثل هذا الحکم الشخصی حینئذ هو لزوم انتفاء ذلک عند الانتفاء.

و حیث أنّه فرض انحصار الطبیعی أیضا بهذا الشخص بمقتضی الظهور الإطلاقی قهرا یلزمه انتفاء الحکم السنخی بانتفائه من دون احتیاج إلی إثبات العلّیّة المنحصرة.

و یمکن أن یقال أنّ إطلاق القضیّة من جهة موضوعها بحسب الأحوال و منها المجیء و عدمه غیر باق بمجرّد إناطة القضیّة بالشرط و هو المجیء و مع عدم اطلاق القضیّة بالنسبة إلی عدم المجیء فلا دلیل علی نفی الحکم الآخر فی صورة عدم المجیء بجهة أخری إلاّ إذا أفادت القضیّة الشرطیّة علّیّة منحصرة و هو أوّل الکلام کما لا یخفی.

ص:440

و منها إطلاق أداة الشرط بدعوی أنّ مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق فی أداة الشرط أنّ المراد من الترتّب المستفاد من أداة الشرط هو الترتّب بنحو العلیّة المنحصرة لأنّه الذی لا یحتاج الی مئونة زائدة علی بیان نفس الترتّب بقول مطلق إذ قیده عدمی لأنّ المترتّب العلّی المنحصر هو الترتب علی الشرط لا غیر بخلاف الترتّب غیر المنحصر فإنّه الترتّب علی الشرط و علی الغیر و من المعلوم أنّ الترتّب غیر المنحصر یحتاج إلی المئونة الزائدة فکما أنّ فی إثبات نفسیّة الوجوب یتمسّک بالإطلاق و یقال أنّ خصوصیّة الوجوب النفسی خصوصیّة عدمیّة لأنّه الوجوب لا للغیر بخلاف الوجوب الغیری فإنّه الوجوب للغیر فکذلک یتمسّک بالإطلاق فی الترتّب العلّی المنحصر بعد ما عرفت من أنّه هو الترتّب المطلق و لا یحتاج إلی المئونة الزائدة.

یمکن أن یقال قیاس المقام بالوجوب النفسی قیاس مع الفارق لأنّ الوجوب النفسی یغایر الوجوب الغیری بخلاف الترتّب فی المقام فإنّ سنخ الترتّب فی العلّیّة المنحصرة لا یغایر الترتّب فی غیر المنحصرة إذ الانحصار و عدمه لیسا من شئون العلّیّة بل هما من شئون العلّة.

و لیس مدلول الأداة هو التعلیق و التوقیف حتی یقال أنّه ملازم للانحصار و یغایر مع ما لم یکن للانحصار و علیه فالترتّب بنحو الانحصار و بنحو غیر الانحصار مصداقان للترتّب و إرادة کلّ واحد منهما یحتاج إلی القرینة و لا یکفی لیتعیّن أحدهما الأخذ بالإطلاق،فتأمّل.

و منها إطلاق الشرط بدعوی أنّ إطلاق الشرط من دون قید لو لا شرط آخر یقتضی أن یکون الشرط مؤثّرا بالفعل وحده و بخصوصه من دون تقییده بعدم شیء آخر فی السابق أو المقارن و هذا المعنی هو العلّة المنحصرة.

یمکن أن یقال لا إنکار فی الدلالة علی المفهوم مع کون المتکلّم فی مقام بیان

ص:441

المؤثّر الفعلی بنحو المذکور و لکنّه نادر جدّا،بل القدر المسلّم فی القضیّة الشرطیّة هو کون المتکلّم فی مقام إفادة العلیّة و صلاحیّة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء آخر وجودا أو عدما فی العلیّة الشأنیّة هذا مضافا إلی أنّ الجزاء إذا کان قابلا للتکرار لا یدلّ الفعلیّة المذکورة علی الانحصار بل مقتضی فعلیّة کل شرط هو تأثیر کل شرط فی فرد من الجزاء و لا ینافی الفعلیّة فی التأثیر مع تعدّد الشرط و علیه فلا ینتج الإطلاق المذکور انحصار الشرط و العلّة.

و منها أنّ تلفیق الوضع فی أداة الشرط مع الإطلاق فی الشرط یکفی فی إفادة المفهوم کما ذهب إلیه فی الفصول و حاصل کلامه أنّ دلالة أداة الشرط علی إناطة الجزاء بالشرط و ترتّبه علیه وضعیّة و لذا یکون استعمالها فیما لا إناطة فیه مجازا هذا بخلاف دلالته علی تعیین الشرط المذکور فی تلو الأداة فإنّها مقتضی جریان مقدّمات الإطلاق فی الشرط بعد عدم ذکر کلمة«أو شیء آخر»و لذا إذا ظهر تعدّد الشرط لا یلزم منه أن یکون الاستعمال مجازا بل غایته هو المخالفة مع الظهور الإطلاقی فیحمل علی أنّ الشرط أحد الأمرین جمعا بین الأدلّة.

و الدلیل علی کون الأداة موضوعة للترتّب و اللزوم هو تبادر العلقة بین الشرط و الجزاء بحیث تقتضی عدم انفکاک الجزاء عن الشرط.

و أمّا انّ الشرط سبب للجزاء أو مسبّب عنه أو مشارک له فی العلّة فلا مجال للثانی فی الجزاء الانشائی إذ لا سببیّة للجزاء الإنشائی بالنسبة إلی الشرط کما لا مجال للثالث إذ الظاهر من الشرط و الجزاء هو دخالة الشرط فی الجزاء لا کونهما معلولین لعلّة ثالثة فلا یحمل علیه من دون قرینة فبقی الأوّل و هو أن یکون بینهما ترتّب و سببیّة و أمّا أنّ هذه السببیّة هل تکون منحصرة أو لا فلا دلالة للأداة علیها بحسب الوضع.

نعم یمکن أن یتمسّک لها بإطلاق الشرط فإنّ إطلاق الشرط من دون ضمیمة «أو شیء آخر»ظاهر فی تعیین المذکور و عدم دخالة شیء آخر فی ترتّب الجزاء علیه

ص:442

و لیس المراد من الإطلاق هو إطلاق الجزاء و إثبات أنّ ترتّبه علی الشرط إنّما یکون علی نحو ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة حتّی یرد علیه بأنّ ترتّب المعلول علی علّته المنحصرة لیس مغایرا فی السنخ مع ترتّب غیر المنحصرة بل هو فی کلیهما علی نحو واحد فإذن لا مجال للتمسّک بالإطلاق لإثبات الترتّب علی العلّة المنحصرة بل المراد هو إطلاق الشرط من دون ضمیمة شیء آخر معه.

و هذا الإطلاق مع انضمام مفاد الأداة یدلّ علی تعلیق خصوص الجزاء علی خصوص الشرط بحیث إذا حصل الشرط ثبت الجزاء و إذا انتفی الشرط انتفی الجزاء.

فالقضیّة الشرطیّة بعد کون المتکلّم فی مقام البیان تدلّ علی الثبوت عند الثبوت و الانتفاء عند الانتفاء و بالجملة فکما أنّه لو شکّ فی مدخلیّة شیء آخر فی شرطیة المذکور یدفع بالإطلاق فکذلک لو شکّ فی وجود البدیل للمذکور یدفع بالإطلاق و هذا لا یعتبر إلاّ الانحصار کما لا یخفی.

و یشهد علی أنّ الجملة الشرطیّة دلّت علی المفهوم عدّة من الروایات منها صحیحة أبی أیّوب قال:قلت لأبی عبد اللّه علیه السّلام إنّا نرید أن نتعجّل السیر و کانت لیلة النفر حین سألته فأیّ ساعة ننفر؟فقال لی أمّا الیوم الثانی فلا تنفر حتی تزول الشمس و کانت لیلة النفر و أمّا الیوم الثالث فإذا ابیضّت الشمس فانفر علی برکة اللّه فإنّ اللّه جلّ ثناؤه یقول فمن تعجّل فی یومین فلا إثم علیه و من تأخّر فلا إثم علیه فلو سکت لم یبق أحد إلاّ تعجّل و لکنّه قال و من تأخّر فلا إثم علیه (1).

و هذه الروایة و نحوها تکفی لإثبات المفهوم للقضیّة الشرطیّة بما هی هی من دون ضمّ قرینة إلیها لأنّ قوله علیه السّلام فلو سکت لم یبق أحد إلاّ تعجّل یدلّ علی أنّ المفهوم من القضیّة الشرطیّة هو أنّ من لم یتعجّل فعلیه الإثم و کان ذلک مفهوما عرفیّا

ص:443


1- 1) الکافی:4 ص 519 و 520.

بحیث لو سکت اللّه تعالی و لم یقل و من تأخّر فلا إثم علیه لم یبق أحد إلاّ استفاد من القضیّة الشرطیّة حرمة التأخیر و تعجّل لئلاّ یبتلی بالحرمة.

فالأظهر کما أفاد صاحب الفصول و ذهب الیه صاحب الحاشیة و الشیخ الأعظم و غیرهم من الأعلام هو أنّ القضیّة الشرطیّة تدلّ علی المفهوم أعنی الانتفاء عند الانتفاء.

بقی التنبیه علی أمور:

أحدها:أنّ المنتفی فی المفهوم هو سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط و انتفاء سنخ الحکم هو انتفاء طبیعة الحکم و انتفاء الطبیعة لیس إلاّ بانتفاء جمیع الأفراد و لا تدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الطبیعة عند انتفاء الشرط إلاّ إذا کان الشرط فی القضیّة الشرطیّة علّة منحصرة لوجود الطبیعة فالحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو الطبیعة و هذه الطبیعة تحقّقت ببعض الأفراد عند وجود الشرط و تنتفی بجمیع الأفراد عند انتفاء الشرط.

و لیس الحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو شخص الحکم فإنّه خارج عن محلّ الکلام إذ انتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه أو علّته عقلی و لا یحتاج إلی إقامة دلیل علی انحصار علّته بأداة أو غیرها.

و لیس الحکم المعلّق فیها هو الحکم الکلّی بحیث لا یشذّ عنها فرد منها لعدم الفرق بین أکرم زیدا فی القضیّة الشرطیّة و بین أکرم زیدا فی غیرها فکما أنّ أکرم زیدا لیس فی الثانی کلّیا فکذلک فی القضیّة الشرطیّة و لیس الحکم المعلّق فی القضیّة الشرطیّة هو صرف وجوب الطبیعة الذی هو ناقض للعدم الکلّی بحیث إذا تحقّق صرف الوجوب نقض العدم الکلّی و إذا انتفی شرط صرف الوجوب بقی العدم المطلق لأنّ الوجود نقیض العدم و کلّ وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق فانتفائه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.

ص:444

و بالجملة انتفاء ناقض العدم لا یوجب بقاء العدم المطلق علی حاله بل هو عدم ما هو ما بدیل له فتعلیق الوجوب علی الشرط بهذا المعنی لا یقتضی انتفاء سنخ الحکم.

فالتحقیق هو أن یقال أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة هو طبیعة وجوب الإکرام المنشأ فی شخص هذه القضیّة لکنّه لا بما هو متشخّص بلوازمه بل بما هو وجوب و طبیعة و الوجه فی کون المراد من الحکم هو طبیعة الحکم هو أنّ التعلیق یکون لمناسبة بین الشرط و مادّة الجزاء و هذه المناسبة لا تختصّ بفرد من المادّة بل إذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیء استحال أن یکون وجوب فرد آخر بعلّة أخری.

و لقد أفاد و أجاد فی الکفایة حیث قال:إنّ المفهوم إنّما هو انتفاء سنخ الحکم و علیه فلا حاجة فی إثبات المفهوم إلی إثبات سنخ الحکم فی المنطوق بل یکفی تعلیق طبیعة الحکم مع إفادة أداة الشرط و مقدّمات الإطلاق انحصار العلّة فالهیئة و إن کانت جزئیة و لکن تناسب الحکم و الموضوع یوجب إلغاء الخصوصیة و جعل الشرط علّة منحصرة لنفس الوجوب و طبیعته و علیه فبانتفاء الشرط ینتفی طبیعة الوجوب و هو مساوق لانتفاء سنخ الحکم.

هذا کلّه بحسب القاعدة الکلّیّة فی القضایا الشرطیّة من دون قیام قرینة علی ارادة شخص الحکم و أمّا مع قیام القرینة علی إرادة شخص الحکم فلا إشکال فی أنّ الانتفاء عند الانتفاء حینئذ یکون عقلیّا لا بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب کما أنّ الغالب فی مثل الوقوف و النذور و العهود و الوصایا یکون کذلک و لذلک تکون خارجة عن دائرة المفاهیم ثمّ إنّ البحث المذکور فیما إذا کان الجزاء فی القضیّة الشرطیّة إنشاء.

و أمّا إذا کان الجزاء قضیّة خبریّة و إن استعملت بداعی الإنشاء فلیس بجزئی بل هو کلّی و تدلّ القضیّة حینئذ علی ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط و انتفائه عند

ص:445

انتفائه و من المعلوم أنّ الدلالة علی الانتفاء من جهة دلالة القضیّة علی انحصار العلة لا من جهة الدلالة العقلیة فلا تغفل.

ثانیها:أنّ محلّ الکلام فی القضایا الشرطیة هو ما إذا کان الموضوع ثابتا فی صورتی وجود الشرط و عدمه کقوله إن جاء زید فأکرمه فإنّ الموضوع هو زید و المحمول وجوب الإکرام و الشرط هو المجیء و الموضوع ثابت فی صورة وجود المجیء و عدمه.

و أمّا إذا لم یکن الموضوع محققا إلاّ بالفرض و الشرط کقوله إن رزقت ولدا فاختنه فهو خارج عن محلّ الکلام لأن انتفاء الحکم فی هذه الصورة بانتفاء الموضوع عقلی و لا مفهوم للقضیّة إذ لم یبق الموضوع عند انتفاء الشرط حتی یمکن أن یدلّ القضیّة الشرطیّة علی انتفاء الحکم فیه.

ثالثها:أنّ دائرة المفهوم تتّسع بتعدّد القیود و الشروط فی القضیّة الشرطیّة إذ انتفاء کلّ قید یکفی فی انتفاء الجزاء مثلا إذا قال السیّد إن جاء زید فأکرمه کان مفهومه إن لم یجئ فلا یجب إکرامه و إذا قال إن جاء زید و سلّم علیک و أتی بهدیة فأکرمه کان مفهومه انتفاء الإکرام بانتفاء أحد الأمور المذکورة.

رابعها:أنّه لا إشکال فی لزوم التطابق بین المفهوم و المنطوق فی جمیع القیود عدی السلب و الإیجاب.

فالمفهوم من قولک إن جاء زید یوم الجمعة فأکرمه یوم السبت أنّه إن لم یجیئک زید یوم الجمعة لا یجب إکرامه یوم السبت.

و لا کلام فیه إلاّ فی العموم المأخوذ فی الجزاء فانه قد وقع الخلاف بین الأعلام فی أنّه لو أخذ العموم علی وجه الاستغراق فی المنطوق هل یکون المفهوم هو رفع الإیجاب الکلّی الملائم مع الإیجاب الجزئی أو یکون المفهوم هو السلب الکلّی.

و استدلّ للأوّل بما هو مقرّر فی المنطق من أنّ نقیض کلّ شیء رفعه و مقتضی

ص:446

ذلک أن نقیض الموجبة الکلیّة السالبة الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة الموجبة الجزئیة و هذا هو التفاهم العرفی فی أمثال تلک القضایا.

ففی نفس القضیّة المذکورة فی الجزاء یلاحظ الآحاد مستقلا و لا یلاحظ العموم إلاّ مرآة لها.

و عند ملاحظة القضیة مع ارتباطها بالشرط یلاحظ العموم مستقلا.

و التطابق بین المنطوق و المفهوم محفوظ لأنّ العموم ملحوظ مستقلا فی المنطوق و المفهوم غایته أنّ العموم منحلّ إلی الأشیاء بنفسه فی المنطوق دون المفهوم فإنّه رفع المنطوق و لا یلزم فیه الاستغراق.

یمکن أن یقال أنّ ملاحظة المتکثّرات بعنوان واحد و شیء وحدانی عین.

ملاحظة المتکثّرات بنفسها لأنّ المفروض أنّ العنوان الوحدانی مرآة بالنسبة الیها و ملاحظة العموم بما هو عموم بعنوان الموضوع المستقلّ یحتاج إلی مئونة زائدة مضافا إلی أنّه خلف فی کون العام للاستغراق و أداة الشرط لمجرّد الإناطة لا لتغیر موضوع القضیّة الجزائیة و علیه فالاستظهار المذکور فی القضایا الشرطیّة الدالّة علی المفهوم محلّ تأمّل و إشکال.

و استدلّ للثانی بأنّ مفاد القضیة الشرطیة إذا کان الشرط علة منحصرة هی علّیّة الشرط بالإضافة الی کلّ واحد من الأفراد و لازم ذلک هو انتفاء الحکم عن کلّ واحد منها عند انتفاء الشرط.

مثلا قوله علیه السّلام إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء یدلّ بالمنطوق علی أنّ الکرّیّة علّة منحصرة لعدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات للماء فعلّة عدم تنجیس کلّ واحد من النجاسات بالنسبة الی الماء منحصرة فی الکرّیّة و علیه فلا مفرّ من القول بعموم المفهوم لأنّه إذا کان العموم حاصلا من علّة واحدة منحصرة یلزم من انتفاء هذه العلّة انتفاء جمیع أفراد هذا العموم فإنّ العموم عبارة عن نفس الآحاد فلو کان

ص:447

لبعض الآحاد علّة أخری للحکم فلم یتحقّق العموم بعلیّة هذه العلة بل بعض الأفراد و بعضها الآخر بعلّیّة العلّة الاخری و هو خلف فی کون العلّة علّة منحصرة و هذه قرینة علی تعمیم المفهوم بحیث لولاها لکان نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة و الثانی أقرب علی المختار من أنّ القضایا الشرطیّة تفید العلیّة المنحصرة بل الأمر کذلک لو لم نقل بذلک و لکن قامت قرینة علی إفادة المفهوم و العلّیّة المنحصرة فتحصّل أنّ المنطوق إذا کان الموضوع فیه مأخوذا علی وجه الاستغراق فالمفهوم فی القضیة الشرطیّة هو السلب الکلّی إذا کان المنطوق إیجابا کلّیّا أو هو الإیجاب الکلّی إذا کان المنطوق سلبا کلّیّا.

و هذا و إن کان ینافی ما قرّر فی المنطق من أنّ نقیض الموجبة الکلّیّة هی السالبة الجزئیة و نقیض السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة و لکنّه لا مفسّر منه لأنّه خواصّ إفادة العلّیّة المنحصرة فی القضایا الشرطیّة فاللازم هو حمل ما فی المنطق علی غیر القضایا الشرطیّة بناء علی إفادتها العلّیّة المنحصرة هذا مضافا إلی ما قیل من أنّ موضوع کلام المنطقیین هو المعقولات و لا یرتبط بموضوع کلام الاصولی و الفقیه فإنّ موضوع کلامهم هو ظاهر الألفاظ،فتدبّر.

خامسها:أنّ مع فرض تسلیم أنّ مفهوم القضیّة الشرطیّة الموجبة الکلیّة هی السالبة الجزئیّة و مفهوم القضیّة الشرطیّة السالبة الکلّیّة هی الموجبة الجزئیّة یقع الکلام فی أنّ الأمر فی العموم الأحوالی یکون کذلک أولا ذهب بعض الأعلام إلی أنه کذلک نظرا إلی أنّ مفاد المنطوق فی مثل قوله علیه السّلام:(إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء)سالبة کلیّة و هی أنّ الکرّ لا ینجّسه شیء من النجاسات أو المتنجّسات فی شیء من الحالات فیکون نقیضها رفع هذا العموم و یکفی فی صدقه تنجّس ما دون الکرّ ببعض النجاسات و لو فی بعض الحالات فنفس المفهوم لیس فیه عموم أفرادی و لا إطلاق أحوالی.

ص:448

و یمکن أن یقال أنّ الإنصاف هو الفرق بین العموم الأحوالی المصرّح به بمثل قوله فی کلّ حال ففی هذه الصورة یصحّ أن یقال نقیضه هو رفع هذا العموم و هو یشمل الأحوالی أیضا و لا حاجة فی هذه الصورة إلی المقدّمات و بین العموم الأحوالی المستفاد من مقدّمات الحکمة.

فإنّ الظاهر فی هذه الصورة یحتاج إلی المقدّمات ثمّ أنّ نسبة المقدّمات الی المنطوق و المفهوم علی السواء و تجری بالنسبة إلیهما فی عرض واحد و علیه تدلّ المقدّمات المذکورة علی العموم الأحوالی فی المنطوق و المفهوم و یکون المفهوم فی مثل قوله علیه السّلام:«إذا کان الماء قدر کرّ لم ینجّسه شیء»أنّه إذا لم یکن الماء قدر کرّ ینجّسه بعض الأشیاء فی جمیع أحواله سواء کان الشیء واردا علی الماء أو کان الماء واردا علیه أو کانا متلاقیین.

و علیه فمفهوم أخبار الکرّ یدلّ علی نجاسة ما دون الکرّ بملاقاة نجس ما بالإطلاق الأحوالی من دون فرق بین أنحاء الثلاثة.

نعم یتوقّف الإطلاق الأحوالی علی إدراج قید الملاقاة بالارتکاز العرفی فی مثل النجس ینجّس الشیء کما یدرج المماسّة فی مثل السکّین یقطّع الید أو الإشراق فی مثل الشمس تنضّج الأثمار.

و من المعلوم أن بعد الإدراج المذکور کان المقدّر کالمذکور فی کونه مجری الإطلاق الأحوالی.

سادسها:أنّ العلّیّة المستفادة من القضیّة الشرطیّة بعد استظهار الانحصار بالوضع و الإطلاق تدلّ علی أنّ وجود تالی الأداة علّة لترتّب الحکم علی الموضوع المذکور و عدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن الموضوع المذکور و لا تعرّض له بالنسبة إلی غیره من الموضوعات و علیه فالعلّیّة هنا لیست علی نحو العلّیّة المستفادة من اللام لوجود الفرق بین قولنا الخمر حرام لأنّه مسکر و قولنا الخمر حرام إذا کان مسکرا إذ

ص:449

مفاد الأوّل هو أنّ میزان الحرمة هو الإسکار فی أیّ موضوع کان و مفاد الثانی أنّ وصف الإسکار متی تحقّق فی موضوع الخمر یوجب ترتّب الحرمة علیه و متی لم یتحقّق فیه یوجب انتفائها عنه من دون تعرّض لحال غیر الخمر اللّهمّ إلاّ أن قلنا بالغاء الخصوصیّة،فتدبّر جیّدا.

سابعها:فی تعدّد الشرط مع عدم إمکان تکرار الجزاء کالقتل کما إذا ورد إن ارتد المسلم قتل و إن زنی المسلم المحصن قتل ففی مثله بناء علی إفادة القضیّة الشرطیّة للمفهوم یقع التعارض بین الدلیلین فإنّ مقتضی إفادة المفهوم أنّ کلّ قضیّة تنفی الحکم عن غیر موضوعه.

و لذلک ذکروا وجوها للجمع بینهما.

الأوّل:تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر فیکون کلّ واحد من الشرطین مستقلا فی التأثیر و لا یتوقّف علی وجود الشرط الآخر فالارتداد موجب للقتل کما أنّ الزنا من الشخص المذکور موجب للقتل و علیه فانتفاء القتل بانتفاء الشرطین و یکفی وجود أحدهما لترتّب الجزاء و إن حصل الشرطان بالتعاقب فالتأثیر للسابق و إن تقارنا فی الحصول فالتأثیر لهما.

و حیث أنّ المفهوم فی هذه الصورة باق فی کلّ منهما فینفیان الثالث.

الثانی:رفع الید عن المفهوم فی الطرفین بدعوی أنّ المفهوم متقوّم بالخصوصیّة و هی إفادة العلیّة المنحصرة فمع تعدّد الشرط لا موجب للانحصار و مع اختلال الانحصار لا موجب للمفهوم فحینئذ یکون کلّ واحد من الشرطین سببا مستقلا و لا ینفیان الثالث.

الثالث:تقیید کلّ واحد من المنطوقین بمنطوق الآخر و رفع الید عن استقلالیّة کلّ واحد منهما فالشرط مع التعدّد هو مجموع الشرطین و مفهومهما هو انتفاء الجزاء بانتفاء المجموع و لو مع بقاء أحدهما.

ص:450

الرابع:أن یجعل الشرط و السبب هو الجامع بین الشرطین و أن یرفع الید عن خصوصیّة کلّ واحد منهما ففی هذه الصورة یکفی فی ترتّب الشرط أحد الأمرین.

و التحقیق هو الوجه الأوّل بعد ما عرفت من أنّ المختار فی إفادة المفهوم هو وضع الأداة للإناطة و جریان مقدّمات الإطلاق فی تالیها فإنّ مع تعدّد الشرط لا تستعمل الأداة أو الهیئة الشرطیّة فی غیر معناها الحقیقی و لا یخل بالإطلاق اللفظی و الاستعمالی و إنّما یکشف تعدّد الشرط عن تقیید المراد الجدّی فمقتضی الجمع بین الشرطین هو تقیید إطلاق کلّ منهما المقتضی للمفهوم بالآخر و یبقی الإطلاق اللفظی فی بقیّة الموارد تحت أصالة الجدّ کسائر المطلقات المقیّدة فإن مقتضی القاعدة هو رفع الید عن مقتضی الإطلاق بمقدار المقیّدات فالمنطوقان یدلاّن علی تأثیرهما بالخصوص فی الجزاء و مقتضاه هو انحصار علّة الجزاء فی الشرطین.

و منشأ التقیید المذکور هو التصرّف فی المنطوقین إذ کلّ منطوق یدلّ بمقدّمات الإطلاق علی کونه بلا بدیل و بلا حاجة إلی الضمیمة علّة فی الجزاء فمع ملاحظة دلیل آخر یرفع الید عن إطلاق عدم البدیل و یقیّد کلّ منطوق بالآخر و یرفع الید من الانحصار الحقیقی و یحملان علی إفادة الانحصار الإضافی بالنسبة إلی غیرهما و هکذا یتقیّد مفهوم کلّ منهما بمنطوق الآخر کما أنّ أصالة الإطلاق فی کلّ واحد من المنطوقین و المفهومین متقیّدة بالأخری.

و ممّا ذکر یظهر عدم صحّة الوجه الثانی لأنّ الانحصار لا یستفاد من الوضع حتّی یقال مع تعدّد الشرط اختلت دلالة الجملة الشرطیّة علی الانحصار و مع الاختلال المذکور لا دلالة للجملتین علی المفهوم لأنّ قوام دلالتهما علیه بالخصوصیّة التی هی الانحصار و المفروض أنّهما لیستا مستعملتین فی المعنی الموضوع له فلفظ الأداة بعد استعمالها فی غیر معناها الحقیقی بقرینة التعدّد لا تدلّ علی الانحصار و لا علی عدم مدخلیّة شیء آخر بل عرفت أنّ الانحصار یستفاد من الوضع و الإطلاق و من المعلوم

ص:451

أنّ التقیید لا ینافی بقاء الإطلاق و الانحصار الاضافی و دعوی رفع أصل الحصر لا موجب له کما لا یخفی.

و هکذا یظهر عدم صحة الوجه الثالث و الرابع إذ لا وجه لرفع الید عن الظهور فی السببیّة المستقلّة لکلّ منهما بعنوانه فدعوی الاشتراک فی التأثیر أو دعوی أنّ المؤثّر هو الجامع خلاف الظاهر و لا موجب لرفع الید عن الاستقلال فی التأثیر أو عن العنوان الخاصّ.

فتحصّل أنّ الوجه الأوّل مقدّم بناء علی استفادة العلّیّة المنحصرة من مقدّمات الإطلاق فلا تغفل.

ثامنها:فی تداخل الشروط و الأسباب و المسبّبات و الجزاء و عدمه فیما إذا تعدّد الشروط و الأسباب و اتّحد الجزاء أو المسبّب عنوانا و لکن کان قابلا للتکرار و البحث فیه یقع فی مقامین.

المقام الأوّل:فی تداخل الشروط و الأسباب و عدمه و المراد من التداخل عند تعدّد الشروط و الأسباب هو تداخل الأسباب أو الشروط فی استیجاب الجزاء أو المسبّب.

مثلا إذا ورد أنّه إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین فإن قلنا بالتداخل فالواجب عند وقوعهما صلاة واحدة و إن لم نقل به فالواجب صلوات متعدّدة.

ثمّ إنّ هذا البحث لا یتبنی علی المفهوم بل یجری فی القضیّات الحملیّات الدالّة علی سببیّة شیء لشیء بنحو القضیّة الحقیقیّة إذ لا فرق بین أن یقال إذا زلزلت الأرض أو انخسف القمر صلّ رکعتین و بین أن یقال حدوث الزلزلة فی بلدکم أو وقوع الخسف فی أفقکم یوجب صلاة رکعتین و السرّ فیه أنّه من مباحث المنطوق لا المفهوم.

ثمّ إنّ المراد من تعدّد السبب هو أن یکون السبب قابلا للتعدّد سواء کان التعدّد

ص:452

نوعیّا أو شخصیّا و أمّا ما لا یکون قابلا للتعدّد کما إذا کان السبب صرف الوجود فهو خارج عن محلّ البحث لأنّ صرف الشیء لا یتکرّر و لا یتعدّد و المفروض هو البحث عن تداخل الأسباب المتعدّدة.

و حاصل الکلام فی المقام أنّ المختار هو عدم تداخل الأسباب و الشروط فی مفروض الکلام و توضیح ذلک أنّه إذا کانت الدلالة علی التعدّد فی السبب و الشرط وضعیّا مع اتّصال القضایا فلا إشکال فی تقدم الدلالة علی التعدّد المذکور علی إطلاق المسبّب و الجزاء المقتضی للوحدة لعدم انعقاد الإطلاق فی ناحیة الجزاء أو السبب مع الدلالة الوضعیّة علی التعدّد لعدم تمامیّة مقدّمات الحکمة مع وجود القرینة علی التعدّد و هو الدلالة الوضعیّة فی ناحیة السبب و الشرط إذ من المعلوم أنّ تعدّد الأسباب و الشروط یقتضی تأثیر کلّ واحد منها من قبل نفسه فی وجود ماهیة المسبّب أو الجزاء بل الأمر کذلک إذا کانت الدلالة المذکورة لمقدّمات الإطلاق لتضرّع إطلاق الجزاء علی المقدّم کتفرّع الحکم علی الموضوع أو کتفرّع الإطلاق الأحوالی علی العموم الأفرادی هذا کلّه مع اتّصال القضایا.

و أمّا مع انفصال القضایا فالظهور و إن کان فی کلّ واحد من الشرط و الجزاء و السبب و المسبّب منعقدا و لکن مع ذلک لا یمنع ظهور الجزاء و المسبّب عن ظهور الشرط و السبب فی التعدّد و ذلک لأنّ اقتضاء کلّ واحد لا یعارض مع اقتضاء الآخر لأنّ البعث لا یتعلّق بالطبیعة بما هی هی إذ لیست هی إلاّ هی لا مطلوبه و لا غیر مطلوبة بل یتعلق بوجودها فالبعث المتعلّق بوجود الطبیعة یقتضی وجودا واحدا من الطبیعة و لا یقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو بالاضافة إلی وجود آخر بوجوب آخر لا اقتضاء و البعث الآخر یکون مقتضیا لوجود آخر بوجوب آخر و علیه فلا تعارض بین الاقتضاء و اللااقتضاء بهذه الملاحظة و إن انعقد الظهور فی کلّ قضیّة لانفصال کلّ قضیة عن الاخری.

ص:453

و بالجملة إنّ اقتضاء الوحدة فی ناحیة الجزاء و المسبّب اقتضاء حیثیّ و لیس بإطلاقی و لو من جهة سبب آخر و إلاّ لزم أن یکون کلّ قضیّة ناظرة إلی قضیّة أخری و هو ممنوع و علیه فلا منافاة بین ظهور کلّ قضیّة شرطیّة أو سببیّة فی إفادة الحدوث عند الحدوث و ظهور الجزاء أو المسبّب فی وحدة وجود الطبیعة لما عرفت من عدم التعارض بین الاقتضاء و اللااقتضاء إذ الماهیة فی الجزاء أو المسبّب لا اقتضاء لها بالنسبة إلی وجود آخر بخلاف القضیّة الشرطیّة أو القضیّة السببیّة فإنّها تکون مقتضیة لوجودات أخری و لا تعارض بین اللااقتضاء و الاقتضاء و إن انعقد الظهور فی الوحدة فی کلّ قضیّة لکونها منفصلة عن القضیّة الاخری لأنّ هذا الظهور حیثیّ فلا یمنع ظهور الجزاء أو المسبّب فی الوحدة من ناحیة سبب نفسه أو شرطه المذکور فی هذه القضیّة عن وجود آخر بسبب أو شرط آخر کما لا یخفی.

و علیه فکلّ قضیّة مفادها التحریک إلی وجود واحد فنفس التحریک الثانی تحریک آخر فیقتضی حرکة أخری لا أنّ المتعلّق مقیّد بالآخر ضرورة أنّ کلّ قضیّة لیست ناظرة إلی قضیّة أخری لأنّ المبحث فی المقام لا یکون مبتنیا علی النظارة و المفهوم نعم لو فرض ذلک لزم أن یقیّد إطلاق کلّ قضیّة بالأخری کما لا یخفی.

فلحاظ صرف الوجود فی الجزاء لو ثبت لیس إلاّ من جهة سبب نفسه أو شرطه و لا نظر فیه إلی غیره من الأسباب و الشرائط.

فإذا کانت الأسباب أو الشرائط متعدّدة و کان الجزاء قابلا للتکرار کما هو المفروض لزم تکرار المسبّب أو الجزاء لأنّ کلّ واحد من الأسباب و الشرائط یقتضی وجوده هذا بخلاف تکرار الأمر من دون تکرار السبب أو الشرط فإنّه لا یدلّ إلاّ علی التأکید و لا أقلّ من الشکّ فی التأسیس أو التأکید فی الأمر المکرّر من دون ذکر سبب أو شرط فمقتضی البراءة هو جواز الاکتفاء بالواحد و الحمل علی التأکید کما لا یخفی.

و علیه فإذا ورد إن فعلت کذا فتصدّق بکذا و إن فعلت ذاک فتصدّق بکذا کان

ص:454

مقتضی القاعدة هو تکرار التصدّق بتکرار الشرط و هکذا فی السبب و لا فرق فیه بین أن کانت القضایا متّصلة أو منفصلة و هذا هو الذی یعرفه العرف و یحکم به إذ کلّ سبب عنده یقتضی و یؤثّر فی مسبّبه بل الأمر کذلک فیما إذا کان السبب أو الشرط من جنس واحد و تکرّر فإنّ مقتضی جعل السببیّة للطبیعة هو سرایة السببیّة إلی کلّ فرد فرد منها.

و علیه فبعد جعل السببیّة بطبیعة شیء یترتّب علیها ما یترتّب علی الأسباب التکوینیّة فکما أنّ کلّ سبب من الأسباب التکوینیّة یؤثّر و لو من جنس واحد فکذلک یؤثّر کلّ سبب شرعی کما لا یخفی.

قال الشیخ الأعظم إنّ الأسباب الشرعیّة کالأسباب العقلیّة فحینئذ لو کانت الأسباب الشرعیّة سببا لنفس الأحکام وجب تعدّد إیجاد الفعل فانّ المسبّب یکون هو اشتغال الذمّة بإیجاده و السبب الثانی لو لم یقتض إشغالا آخر فإمّا أن یکون لنقص فی السبب أو المسبّب و لیس شیء منهما أمّا الأوّل فمفروض و أمّا الثانی فلانّ قبول الاشتغال للتعدّد تابع لقبول الفعل المتعلّق به و المفروض قبوله للتعدّد و احتمال التأکید مدفوع.

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه

و حیث عرفت أنّ مقتضی القاعدة هو عدم تداخل الأسباب و الشروط فی التأثیر مع إمکان تکرار المسبّب و الجزاء فلا فرق فی ذلک بین أن یکون الجنس متّحدا أو مختلفا لأنّ المناط فی الجمیع واحد و هو ظهور القضیّتین فی تعدّد الأسباب و الشروط فیما إذا کانت الأجناس مختلفة و ظهور القضیّة المأخوذة فیه طبیعة الشرط و السبب فی الطبیعة الساریة فیما إذا کانت الأجناس واحدة و مقتضی سریان الطبیعة هو انحلال طبیعة الشرط أو السبب إلی آحادها و علیه فمقتضی ظهور الجملة السببیّة

ص:455

أو الشرطیّة فی کلتا الصورتین فی الحدوث عند الحدوث یقتضی أن کلّ فرد فرد یکون سببا مستقلا لترتّب الأثر علیه فلا وجه لتداخل الأسباب بعضها فی بعض و لو کان من جنس واحد.

و علیه فإن سها المصلّی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرّات عدیدة فی صلاة واحدة یجب علیه لکلّ مرة سجدتا السهو و إن کان سببه واحدا نوعیا کما لا یخفی.

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات

و ذلک لأنّ مجرّد المعرفیّة لا تقتضی المصیر إلی التداخل لإمکان معرفیّة الأسباب الشرعیّة لأسباب حقیقیّة واقعیّة.

و یکفی لإثبات ذلک ظهور الجملة السببیّة أو الشرطیّة فی الطبیعة الساریة و فی الحدوث عند الحدوث و فی تعدّد المسبّب أو الجزاء بتعدّد السبب أو الشرط فإنّ هذه الظهورات تدلّ علی تعدّد السبب الحقیقی أو الشرط الحقیقی المنکشف بالمعرّفات الشرعیّة.

فاختیار کون الأسباب الشرعیّة معرّفات لا یستلزم القول بالتداخل بعد الاعتراف بظهور الجملة الشرطیّة أو السببیّة فیما ذکر.

هذا مضافا إلی أنّ حمل العناوین المأخوذة فی لسان الأدلّة الشرعیّة علی المعرّفات لا تساعده ظواهر الأدلّة حیث أنّ الظاهر من العناوین أنّها بأنفسها موضوعات لا بعنوان کونها معرّفات.

و عدم دخالة الأسباب الشرعیّة فی أحکامها کدخل العلّة الطبیعیّة فی معلولها لا یستلزم أن تکون الأسباب الشرعیّة معرّفات محضة بل هی کما یقتضیه الظواهر موضوعات لها و تتوقّف فعلیّة الأحکام علی فعلیّة تلک الموضوعات و لا تنفکّ عنها

ص:456

أبدا و من هنا تشبه العلّة التامّة من هذه الناحیة أی من ناحیة استحالة انفکاکها عن موضوعاتها فتحصل أنّ القضایا سواء کانت دالة علی الجنس الواحد أو المتعدّد تدلّ علی تعدّد الأسباب و عدم تداخلها و ذلک لما عرفت من ظهور الجمل المذکورة فی الحدوث عند الحدوث و هو یقتضی عدم التداخل بین الأجناس و الآحاد کما لا یخفی.

المقام الثانی:فی تداخل المسبّبات و عدمه.

و لا یخفی علیک أنّ بعد ما عرفت من عدم تداخل الأسباب و الشروط و تأثیر کلّ واحد منها یقع البحث فی جواز الاکتفاء بمسبّب واحد أو جزاء واحد فی امتثال الجزاء و المسبّبات المتعدّدة و عدمه.

و التحقیق أنّه یجوز التداخل بالإتیان بمسبّب واحد أو جزاء واحد فیما إذا کان العنوانان عامّین من وجه لتصادقهما علی المأتی به مع قصد الامتثال للمتعدّد إن کان أمرا قصدیّا و إلاّ فیتصادقان علیه قهرا ففی مثل إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه ممّا کان النسبة بینهما هی العموم من وجه یجوز التداخل بأن یمتثل الأمر بالإکرام و الأمر بالإطعام بکیفیّة یصدق علیه الإکرام و الإطعام و مع صدقهما یسقط الأمر بهما و لا معنی للامتثال إلاّ ذلک.

و هکذا بالنسبة إلی غسل الجنابة و غسل الحیض فإنّه یمکن أن تأتی المرأة بغسل واحد بقصدهما فإنّه مع قصدها ذلک یصدق علی المأتی به أنّه غسل الجنابة و غسل الحیض لأنّ العنوانین من العناوین المتصادفة و کانت النسبة بینهما هی العموم من وجه و مع الصدق المذکور یتحقّق الامتثال.

و بالجملة فمع الإتیان بالواحد المعنون بالعنوانین یصدق الإتیان بهما و یتحقّق الامتثال کما لا یخفی.

و لا یتوقّف ذلک علی القول بجواز الاجتماع فی الأمر و النهی لجواز الاکتفاء بإتیان ما فیه الملاکان فی الحکم بالامتثال بناء علی عدم لزوم قصد الأمر فی الامتثال

ص:457

کما هو الظاهر.

و یلحق بذلک ما إذا کانت النسبة بین المتعلّقین عموما من وجه من ناحیة إضافتهما إلی موضوعهما فقوله إذا جاءک زید فأکرم العالم و إذا سلّم علیک فأکرم الهاشمی مثل قوله إذا جاءک زید فأکرمه و إذا سلّم علیک فأطعمه فکما أنّ النسبة بین الإکرام و الإطعام هی العموم من وجه فکذلک تکون النسبة بین إکرام العالم و إکرام الهاشمی عموما من وجه فیجوز التداخل فی الامتثال بإتیان المجمع لانطباق العنوانین علیه إذ لا یعتبر فی تحقّق الامتثال إلاّ الإتیان بما ینطبق علیه متعلّق الأوامر و المفروض هو صدقه علیه.

و احتمال لزوم الإتیان بالمتعلّق منفردا لا مجتمعا مندفع بإطلاق المتعلّق من کلّ الدلیلین إذ لم یتقیّد کلّ واحد منهما بعدم اجتماعه مع الآخر مع امکان التقیید بذلک کما یقید صلاة العصر بکونها واقعة عقیب صلاة الظهر.

ثمّ لا فرق فیما ذکر بین أن یکون الطرفان واجبین کما فی الأمثلة المذکورة أو واجبا و مستحبّا کصوم الاعتکاف و صوم القضاء أو مستحبّین کنافلة المغرب و صلاة الغفیلة.

فإنّ مقتضی إطلاق الأمر بکلّ منها من دون تقییدها بالانفراد هو عدم دخالة التقدّم و التأخّر فی المأمور به و معه یجوز الجمع بینها فی مقام الامتثال بأن یأتی بصلاة بعنوان النافلة و الغفیلة أو أن یأتی بصوم بعنوان صوم الاعتکاف و القضاء و هکذا.

و مع الإطلاق لا مجال لاحتمال أن یکون العنوانان متباینین فی الواقع بحیث لا یمکن قصدهما بعمل واحد نظیر عدم امکان الإتیان بأربع رکعات بقصد الظهر و العصر.

إذ معنی الإطلاق هو عدم اشتراط إتیان نافلة المغرب أو صلاة الغفیلة أو صوم الاعتکاف أو صوم القضاء بکیفیّة خاصّة کإتیان نافلة المغرب قبل الغفیلة أو بعدها

ص:458

أو إتیان الغفیلة بعد نافلة المغرب أو قبلها فمع عدم اشتراط الکیفیّة المخصوصة ینتفی احتمال التباین و معه یجوز أن یأتی بهما مجتمعا فی مقام الامتثال ثمّ لا یبعد جواز التداخل فیما إذا کانت النسبة بین العنوانین هی العموم و الخصوص المطلق بحسب الخارج و لکن لم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ کقولهم حرّک و لا تدن إلی موضع کذا أو حرّک و أدن من موضع کذا و کقولهم جئنی بحیوان و جئنی بناطق لکفایة تغایر المفهومین فی الذهن فی جواز اجتماع الأمر و النهی أو اجتماع المثلین و إن کانت النسبة بحسب الخارج هی العموم و الخصوص فیجوز تعلّق الحکمین بالعنوانین فیتداخلان فی الأخص بحسب الخارج و لعلّ الأمر فی مثل الجنس و الفصل کالحیوان و الناطق کذلک فإنّهما متغایران بحسب الذهن و لکن النسبة بینهما هی العموم و الخصوص بحسب الخارج و الاتّحاد الخارجی لا یضرّ لعدم کون الخارج متعلّقا للحکم و إنّما هو مصداق للمفهومین المتغایرین اللذین کانا موردا للحکمین.

و ممّا ذکرناه یظهر أنّه لا مجال للتداخل فیما إذا کانت النسبة بین المفهومین هی التباین لعدم إمکان اجتماعهما کالکسوة و الإطعام فتغایر المفهومین المتعلّقین للحکمین لا یبقی مجالا للتداخل کما لا یخفی.

و یلحق به ما إذا کان متعلّق الحکمین حقیقة واحدة لأنّ تعدّد الأمر فی الحقیقة الواحدة غیر معقول فمع عدم الحمل علی التأکید لا بدّ و أن یکون متعلّق کلّ واحد من الأمرین هو الفرد المغایر للفرد الواجب بالأمر الآخر.

و من المعلوم أنّه لا مجال لتداخل الأفراد و لو من ماهیّة واحدة لمغایرة الأفراد بعضها مع بعض.

و المراد من الفرد لیس عنوانا کلّیا حتی یکون قابلا للانطباق علی الکثیرین من الأفراد حتّی یقال بأنّ عدم إمکان تداخل العنوانین من ماهیّة واحدة غیر مسلم بل القیود الواردة علی ماهیة مختلفة فقد تکون موجبة لصیرورة المقیّدین متباینین

ص:459

کالإنسان الأبیض و الأسود و قد لا تکون کذلک کالإنسان الأبیض و العالم ممّا بینهما عموم من وجه.

فالوضوء فی قوله إذا نمت فتوضّأ و إذا بلت فتوضّأ ماهیة واحدة و لا بدّ من کونها مقیّدة حتّی یکون کلّ سبب علّة مستقلّة للإیجاب علی أحد العنوانین لکن لا یجب أن یکون بین العنوانین التباین حتی یمتنع تصادقهما علی الفرد الخارجی.

بل المراد من الفرد هو الوجود الذهنی من الفرد الخارجی بنحو الوجود اللافراغی

فصورة الذهنی من کلّ فرد کنفس الفرد الخارجی فی أنّها مغایرة لغیرها و مباینة لها و مع المغایرة و المباینة لا مجال لتداخل الفردین فی واحد کما لا مجال للتداخل فی الماهیتین المتباینین.

فلا یجوز الاکتفاء بالوضوء الواحد فی المثال المزبور و إن کان فی المثال مناقشة لأنّ ناقض الوضوء هو صرف وجود الناقض و هو لا یتکرّر فالأولی أن یذکر طواف النساء فی ما إذا أتی بعمرتین فإنّ کلّ عمرة توجب طواف النساء غیر طواف النساء الذی اقتضته عمرة أخری فالمغایرة بین الفردین تمتّع عن امتثالهما بوجود واحد فاللازم هو أن یأتی بطواف النساء مرّتین و لا یکتفی بطواف واحد اللّهمّ إلاّ أن یقال یمکن إلقاء الخصوصیّات الفردیّة و معه تکون الصورة الذهنیّة من کلّ فرد بمنزلة الکلّی فتأمّل.

مقتضی الأصل فی الشک فی تداخل الأسباب

و لا یخفی أنّ الشکّ فی تداخل الأسباب و عدمه یرجع الی احتمال کون المؤثّر هو الجامع المنطبق علی أوّل الوجود أو کلّ واحد من الأسباب فالمتیقن حینئذ هو حدوث تکلیف واحد و یرجع فی الزائد إلی أصالة البراءة.

ص:460

هذا مضافا إلی جریان استصحاب عدم النجاسة بالسبب الثانی فیما إذا أصاب البول ید شخص مرّتین و متعاقبین لأنّ بعد الإصابة الأولی کان المعلوم هو عدم تنجّس الید بسبب آخر فإذا حدث الإصابة الثانیة و شکّ فی حدوث النجاسة ثانیا یستصحب عدمه.

و إن أصابا دفعة و شکّکنا فی أنّ کلّ واحد مؤثّر أو الجامع بینما فاستصحاب جامع النجاسة بعد العمل بالمتیقّن من التکلیف جار و لکن لا أثر له إذ الأثر مترتّب علی الأفراد لا علی الجامع و استصحاب جامع النجاسة لإثبات تأثیر کلّ واحد منهما مثبت.

و کیف کان فالشکّ فی التکلیف الزائد علی المقدار المتیقّن یکون مجری لأصالة البراءة.

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسبّبات

و لا یذهب علیک أنّ الشکّ فی تداخل المسبّبات و عدمه یرجع إلی الشکّ فی الامتثال و السقوط بعد الفراغ عن أصل ثبوت التکلیف و اشتغال الذمّة به.

و حینئذ فإن کان إطلاق المتعلّقات کافیا لدفع احتمال مدخلیّة التقدّم و التأخّر و إحراز إمکان التصادق فلا شکّ فی کفایة الإتیان بما یتصادق العنوانان علیه.

و إن لم یکن إطلاق أو کان الدلیل لبّیا أو کان مجملا فمقتضی الأصل هو عدم التداخل و لزوم الإتیان بکلّ واحد من الأسباب حتّی یحصل الفراغ الیقینی بعد الاشتغال الیقینی.

ص:461

الفصل الثالث:فی مفهوم الوصف

اشارة

و یقع البحث فی مقامین:

أحدهما فی محلّ النزاع

و لا یخفی علیک أنّ عنوان البحث کما أفاد الشیخ الأعظم و کان علیه المشهور هو أنّ إثبات حکم لذات مأخوذة مع بعض صفاتها لا یستلزم انتفاء ذلک الحکم عند انتفاء تلک الصفة.

و شمول هذا العنوان فیما إذا اعتمد الوصف علی الموصوف کقولهم أکرم رجلا عالما واضح و أمّا شموله لما إذا لم یعتمد علیه فی اللفظ کقولهم أکرم عالما فمحلّ الکلام ربما یقال بخروج المثال المذکور عن محلّ النزاع بدعوی أنّه لو کان داخلا فی محلّ الکلام لدخل اللقب فیه أیضا لوضوح أنّه لا فرق بین اللقب و غیر المعتمد من الوصف من هذه الناحیة فکما أنّ الأوّل لا یدلّ علی المفهوم من دون خلاف فکذلک الثانی و مجرّد أنّ الوصف ینحلّ بتعمّل من العقل إلی شیئین ذات و مبدأ کما هو الحال فی جمیع العناوین الاشتقاقیّة لا یوجب فارقا بینه و بین اللقب فی هذه الجهة حیث إنّ هذا الانحلال لا یتعدّی عن أفق النفس إلی أفق آخر فلا أثر له فی القضیّة فی مقام الإثبات و الدلالة أصلا حیث أنّ المذکور فیها شیء واحد و هو الوصف دون موصوفه.

و کیف کان فالظاهر أنّه لا خلاف و لا إشکال فی عدم دلالته علی المفهوم و السبب فیه أنّ الحکم الثابت فی القضیّة لعنوان اشتقاقیّا کان أو ذاتیّا فلا تدلّ القضیّة

ص:462

إلاّ علی ثبوت هذا الحکم لهذا العنوان و کونه دخیلا فیه و أمّا انتفائه عن غیره فلا إشعار فیها فضلا عن الدلالة بل لو دلّ علی المفهوم لکان الوصف الذاتیّ أولی بالدلالة نظرا إلی أنّ المبدأ فیه مقوّم للذات و بانتفائه تنتفی الذات جزما و هذا بخلاف الوصف غیر الذاتیّ فإنّ المبدأ فیه حیث أنّه جعلیّ غیر مقوّم للذات فلا محالة لا تنتفی الذات بانتفائه فالنتیجة أنّه لا فرق بین اللقب و غیر المعتمد من الوصف فإنّ ملاک عدم الدلالة فیهما واحد (1).

و فیه أوّلا:أنّ قیاس الوصف غیر المعتمد باللقب کما تری فإنّ الذات فی الوصف غیر المعتمد کالمذکور عرفا و إن قلنا ببساطة المشتقّ فإنّ مفهوم ضارب و إن کان بسیطا و یعبّر عنه فی اللغة الفارسیّة ب«زننده»و لکنّه مفهوم یحتوی الذات عرفا هذا بخلاف اللقب فإنّه لا یکون کذلک عرفا نعم یکون اللقب أیضا قابلا للتحلیل العقلیّ و لکنّ المعیار لیس هو إمکان التحلیل العقلیّ بل المعیار هو التفاهم العرفیّ.

و ثانیا:إنّ بعد ما عرفت من أنّ المعیار هو التفاهم العرفیّ لا التحلیل العقلیّ ینقدح أنّه لا مجال لقوله لو دلّ الوصف غیر المعتمد علی المفهوم لکان الوصف الذاتیّ (کقوله أکرم إنسانا)أولی بالدلالة نظرا إلی أنّ المبدأ فیه مقوّم للذات و ذلک لما عرفت من أنّ الذات عند العرف فی المثال المذکور غیر متفاهم و إن أمکن التحلیل العقلیّ فیه و لکنّه لیس بمعتبر.

و المراد من تفاهم الذات فی الوصف غیر المعتمد لیس هو الدلالة الوضعیّة علیه بل المراد أنّه متفاهم عندهم و لو کان اللفظ بسیطا و التفاهم العرفی یکفی فی إدراجه تحت العنوان المبحوث عنه.

و ثالثا:أنّ قوله إنّ الحکم الثابت فی القضیّة سواء کان لعنوان اشتقاقیّ کقولهم

ص:463


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 127-128.

أکرم عالما أو ذاتیّ کقولهم أکرم إنسانا لا یدلّ إلاّ علی ثبوت الحکم للعنوان و لا اشعار فیه لانتفائه عن غیره(لعدم الاعتماد علی الذات و لا یجری فیه ما یستدلّ للمفهوم من لزوم اللغویّة لو لم یدلّ علی المفهوم فإنّ المقصود من ذکر الموضوع لیس إلاّ إثبات الحکم له لا إثباته له و نفیه عن غیره).

منظور فیه لأنّ بعد ما عرفت من أنّ الذات فی الوصف متفاهم عرفیّ یجری فی غیر المعتمد أیضا تقریب اللغویّة فإنّ الوصف لو لم یکن دخیلا اکتفی بالذات و فاقدا لوصف و لمّا کان لذکر الوصف وجه فالصون عن اللغویّة یقتضی إثبات الحکم للذات و نفیه عن غیره هذا بخلاف ما إذا کان العنوان ذاتیّا.

و مما ذکر یظهر قوّة ما ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه من أنّه یدخل فی العنوان المذکور عند طلیعة البحث ما إذا کان الموضوع وصفا من الأوصاف کأن یقال أکرم عالما حیث یصدق علیه أنّه إثبات حکم لذات سواء قلنا باعتبار الذات فی المشتقّ أو لا (1).

و یؤیّده أیضا ما استدلّ به بعض المثبتین للمفهوم من التمسّک بفهم أبی عبیدة من مثل قوله مطل الغنیّ ظلم أنّه یدلّ علی أن مطل غیر الغنیّ لیس بظلم حیث لم یرده الثانی بأنّ هذا من قبیل مفهوم اللقب لا الوصف بل ردّه بغیره و لذلک قال فی مناهج الوصول:الظاهر أنّ محط الکلام أعمّ ممّا اعتمد الوصف علی موصوفه أولا (2).

بل یمکن أن یقال بلحوق الحال و التمییز و غیرهما من قیود الموضوع فإنّها فی حکم الوصف و ان لم یصدق علیه عنوان الوصف و دعوی أنّ الحال فی جمیع الموارد تکون من قیود الحکم مندفعة بأنّ الحال ربّما تکون من قیود الموضوع لا من قیود الحکم کما إذا قیل:أکرم رجلا فی حال کونه مسلّما علیک و داعیا لک إذ من المعلوم أنّ

ص:464


1- 1) مطارح الأنظار:ص 180.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 215.

الحال فی الجملة المذکور من أحوال الرجل لا المخاطب بوجوب الإکرام و لا تکون أیضا من قیود متعلّق الحکم أی الإکرام.

و لعلّه لذلک قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:و الإنصاف أنّ مناط الأقوال موجود فیه أی الحال بل ربما یحکی عن بعضهم عدّ جمیع جهات التخصیص منه فالمعدود و المحدود موصوفان بالعدّ و الحدّ إلاّ أنّ وجود المناط ممّا ینهض وجها للإلحاق لا للإدخال (1).

ثمّ إنّ المراد من الوصف المذکور فی العنوان هو الوصف الأخصّ کقولهم أکرم انسانا عالما أو الأعمّ من وجه کقوله صلّی اللّه علیه و آله و فی الغنم السائمة زکاة فإنّ الأوّل یوجب تضییقا فی ناحیة الموصوف فلدعوی دلالته علی المفهوم مجال کما أنّ الثانی أیضا یفید تضییق دائرة الموصوف من جهة فیقید الغنم فی المثال المذکور بخصوص السائمة فعلی القول بدلالة الوصف علی المفهوم یدلّ علی انتفاء وجوب الزکاة عن الموضوع المذکور فی القضیّة بانتفائه فلا زکاة فی الغنم المعلوفة.

نعم لا یدلّ علی انتفاء الحکم عن غیر هذا الموضوع کالإبل المعلوفة لاشتراط اتّحاد الموضوع فی المفهوم و المنطوق و الابل خارج عن موضوع المنطوق.

و ممّا ذکر یظهر ما فی دعوی بعض الشافعیّة من أنّ قوله صلّی اللّه علیه و آله:«و فی الغنم السائمة زکاة یدلّ علی نفی وجوب الزکاة فی الإبل المعلوفة استنادا إلی دلالة وصف السائمة مع أنّ الموضوع المذکور أجنبیّ عن الموصوف المذکور فی القضیّة المذکورة.

نعم لو قیل بأنّ السائمة علّة منحصرة لوجوب الزکاة یمکن التعدّی بها عن موضوع القضیّة و لکنّه غیر الاستدلال بدلالة الوصف بما هو وصف.

و کیف کان فإذا کان الوصف مساویا لموصوفه کقولهم أکرم إنسانا ضاحکا

ص:465


1- 1) مطارح الأنظار:ص 180.

بالقوّة أو أعمّ منه مطلقا کقولهم أکرم إنسانا ماشیا فلا إشکال فی خروجهما عن محلّ النزاع لأنّ الوصف فیهما لا یوجب تضییقا فی ناحیة الموصوف حتّی یدلّ علی انتفاء الحکم فی الموصوف بانتفاء الوصف إذ مع انتفاء الوصف لا یبقی موصوف حتّی یدلّ الوصف علی عدم الحکم فیه فلا تغفل.

و ثانیهما فی أدلّة المثبتین

منها التبادر عرفا بدعوی أنّ قول المولی لخادمه اشتر لی عبدا أسود یتبادر منه عدم مطلوبیّة شراء العبد الأبیض بحیث لو اشتراه خادمه لم یکن ممتثلا.

و فیه منع واضح لعدم استلزام بین عدمه المطلوبیّة من ناحیة هذا الخطاب و عدمها من سائر الجهات،قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه أنّ المتبادر منه هو ذلک فی الإنشاء الخاصّ و الکلام لیس فیه نعم لو کان مفاده عدم مطلوبیّته مطلقا کان ذلک وجها (1)

و منها دعوی الوضع للعلّیّة المنحصرة و أجیب عنها بأنّه لا شاهد لها أصلا.

و منها أنّ الوصف یقتضی العلّیّة المنحصرة و فیه أیضا أنّه لا دلیل له و ثبوته فی الشرط لا یقضی به فی الصفة کما فی الکفایة (2)لظهور الفرق بینهما من جهة دلالة الجملة الشرطیّة علی علّیّة الشرط للجزاء علی وجه الانحصار بخلاف الوصف لا یقال قد ملأ الأسماع قولهم إنّ التعلیق علی الوصف یشعر بالعلّیّة لأنّا نقول کما فی مطارح الأنظار (3)بعد الغضّ عن عدم اطّراده و تسلیم أصل الإشعار لا یثمر فی المقام إذ الإشعار بالعلّیّة لا ینفی احتمال خصوصیّة المورد أیضا فلا إشعار علی العلّیّة التامّة

ص:466


1- 1) مطارح الأنظار:ص 181.
2- 2) الکفایة:ج 1 ص 320.
3- 3) مطارح الأنظار:ص 181.

و علی تقدیره فلا ینفی احتمال التعدّد انتهی موضع الحاجة (1).

هذا مضافا إلی ما فی المحاضرات من أنّ مجرّد الإشعار لا یکون من الدلالات العرفیّة التی تکون متّبعة عندهم بل لا بدّ فی إثبات المفهوم له من إثبات ظهور القضیّة فی کون الوصف علّة منحصرة للحکم المذکور و هو فی غایة الإشکال حیث إنّ مردّ هذا الظهور إلی کون الوصف قیدا للحکم دون الموضوع أو المتعلّق و هو ممنوع لظهور القضیّة الوصفیّة فی کون الوصف قیدا للموضوع أو المتعلّق دون الحکم (2).

و توجیه اقتضاء الوصف للعلّیّة المنحصرة کما فی نهایة الدرایة(مع توضیح و اختصار)بأنّ علّیّة الوصف بعنوانه یقتضی الانحصار إذ بعد کون الأصل فی القیود و هو الاحتراز یکون معنی قیدیّة شیء لموضوع الحکم حقیقة أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّق الحکم بها إلاّ بعد اتّصافها بهذا الوصف فالوصف متمّم قابلیّة القابل و هو معنی الشرط حقیقة و حیث إنّ الظاهر دخله بعنوانه الخاصّ و أنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص من الوجوب فلا محالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیّة الموضوع لسنخ الحکم.

و الدلیل علی أنّ الوصف بعنوانه یقتضی الانحصار أنّ مع تعدّد العلّة لا یکون الوصف الخاصّ بعنوانه علّة بل بعنوان جامع إذ لا یصدر الواحد إلاّ عن الواحد فالواحد لا یصدر عن المتعدّد بل یصدر عن الجامع و حیث إنّ ظاهر الدلیل هو أنّ الوصف بعنوانه الخاصّ مؤثّر یعلم أنّ سائر الأوصاف لا تکون مؤثّرة (3).

غیر تامّ لما ذکره المحقّق الأصفهانی نفسه من أنّ ذلک الدلیل متوقّف علی

ص:467


1- 1) مطارح الأنظار:ص 181.
2- 2) المحاضرات:ج 5 ص 131.
3- 3) راجع نهایة الدرایة:ج 2 ص 177.

القاعدة المذکورة و هی خلاف ما یقتضیه النظر الدقیق (1).

و لعلّ مراده من النظر الدقیق أنّه لا موجب لإرجاع العلل المتعدّدة إلی الجامع مع کون معلولها واحدا نوعیّا کالحرارة بالنسبة إلی الشمس و النار و نحوهما إذ القاعدة علی فرض صحّتها یختصّ موردها بالواحد الشخصیّ لا الواحد النوعیّ هذا مضافا إلی ما أفاد سیّدنا الإمام قدّس سرّه من أنّ تأثیر الجامع لیس له أصل مطلقا (2).

لأنّ الجامع لیس فی الخارج بل هو أمر ذهنیّ و من المعلوم أنّ الماهیّات الذهنیّة لا أثر لها علی أنّ الوصف متمّم لقابلیّة الموضوع و علل قوامه لا من علل الحکم و هذا هو الفرق بین الوصف و الشرط فإنّ الشرط من علل الأحکام و الوصف من علل الموضوعات و انحصار تتمیم الموضوع فی وصف لا یدلّ علی علّیّة الموضوع أو انحصار العلّیّة فی الموضوع بالنسبة إلی الحکم فلا وجه لجعل الوصف فی معنی الشرط و إرجاع القضایا الوصفیّة إلی القضایا الشرطیّة لوضوح الفرق بینهما فإنّ الشرطیّة کما عرفت سابقا تفید بالوضع أو الاطلاق أو مجموعهما السببیّة و العلّیّة المنحصرة،و الجملة الوصفیّة لا تدلّ علی العلّیّة فضلا عن الانحصار و الإشعار لیس من الدلالات کما لا یخفی.

و منها:أنّ المفهوم مقتضی کون الأصل فی القیود هو الاحتراز.

ذهب صاحب الوقایة قدّس سرّه إلی أنّ الجملة الوصفیّة تدلّ علی المفهوم إمّا بالصراحة و إمّا بالظهور و قال فی تقریبه و ملخّص القول فیه أنّ التخصیص بأمر زائد علی الذات لا بد فیه من الفائدة و مع القطع بعدم شیء منها إلاّ النفی عن غیر الموصوف یوجب القطع به و یکون اللفظ صریحا فیه کما فی قولک صلّ خلف العادل و لا تجالس الجاهل.

ص:468


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 177.
2- 2) مناهج الوصول:ج 2 ص 218.

و مع احتماله و احتمال غیره یکون ظاهرا فیه لأنّه أظهر الفوائد و أشهرها و أکثرها و مجرّد احتمال غیره لا یضرّ بالظهور کما لا یضرّ احتمال القرینة المعاندة بأصالة الحقیقة.

و المفهوم بهذا المعنی و بهذا الوجه ممّا لا ینبغی أن یخفی علی أحد و من أنکره فی فنّ الأصول فلا شکّ أنّه یعمل به فی سائر أبواب الفقه و یجری علیه فی سائر محاوراته بل ینکر علی من تفوّه بالوصف مع عدم الاختصاص به و عدم الفائدة کما فی المثالین المعروفین و هما أنّ الإنسان الابیض لا یعلم الغیب و الإنسان الأسود إذا غمّض عینیه لا یبصر.

ثمّ استشهد للمفهوم بفهم العرف کأبی عبیدة أو تلمیذه من الوصف الضمنیّ کالکثیر و الامتلاء کقوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم لئن یمتلئ بطن الرجل قیحا خیر من أنّ یمتلئ شعرا.

حیث قال فی جواب من قال إنّ المراد من الشعر ما کان فی هجاء رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم لو کان ذلک المراد لم یکن لتعلیق ذلک بالکثرة و امتلاء الجوف معنی و أنّ القلیل منه ککثیره و کالقاسم بن سلام حیث فهم من قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم لیّ الواجد یحل عقوبته أنّ لیّ غیر الواجد لا یحل عقوبته.

و من قوله صلّی اللّه علیه و آله مطل الغنیّ ظلم أنّ مطل المعدم لیس بظلم إلی غیر ذلک (1).

یمکن أن یقال لا کلام فی ما إذا علم أنّ الموصوف علّة منحصرة فی ترتّب الحکم علیه فإنّ الحکم حینئذ ینتفی بانتفاء الموصوف و لکنّه لیس من جهة دلالة الجملة الوصفیّة علی ذلک بل هو لقیام القرینة الخاصّة کالعلم المذکور.

و إنّما الکلام فی دلالة الجملة الوصفیّة علی المفهوم و عدمها من حیث هی من دون قرینة خاصّة.

ص:469


1- 1) الوقایة:426-428.

و لا یخفی علیک أنّ احتمال کون الوصف للاهتمام و التوضیح أو الابتلاء و نحوهما یکون خلاف مقتضی الأصل فی القیود و الأوصاف فإنّ مقتضاه هو الاحتراز و هذه الفوائد لا تکون للاحتراز فلا یحمل القیود و الأوصاف علی مثل هذه الأمور و لکن لا یوجب ذلک حمل الأوصاف و القیود علی بیان العلّة فضلا عن انحصارها بدعوی الشیوع و الأکثریّة لأنّ الاحتراز یکفیه دخالة القیود فی تحقّق موضوع الحکم و تضیّقه و لا موجب للأزید منه و هو حاصل فی کلّ جملة وصفیّة التی تکون للوصف دخالة فی تحقّق موضوعها و القیود قیود الموضوع لا قیود الحکم کالشروط و لو سلّم کونها قیودا فالقیود من علل الحکم و لکن لا دلیل علی الانحصار و دعوی شیوع العلّیّة المنحصرة غیر ثابتة بل الأمر بالعکس لأنّ الجمل الوصفیّة التی لا تدلّ علی المفهوم أکثر إذ ترتّب حکم علی موصوف لا ینافی ترتّبه علی غیره بجهة من الجهات الاخری کقوله أکرم رجلا عالما و أکرم رجلا کبیرا و أکرم رجلا هاشمیّا و أکرم رجلا معینا لک و أکرم رجلا قریبا لک و هکذا و ذلک لأن إثبات شیء لشیء لا ینفی عمّا عداه.

و ممّا ذکر یظهر أنّ الاستشهاد بالإنکار علی من تفوّه بالمثالین لا یکون صحیحا لأنّ الإنکار من جهة عدم دخالة القید فی موضوعیّة الموضوع لا من جهة عدم دلالتها علی العلّیّة فضلا عن المنحصرة إذ الأبیضیّة و الأسودیّة لا مدخلیّة لهما فی موضوع عدم العلم بالغیب أو عدم الإبصار بعد تغمیض العین.

کما أنّ الاستشهاد بفهم العرف لیس فی محلّه بعد ما عرفت من أنّهم لا یقولون بأنّ مثل قولهم أکرم رجلا عالما یدلّ علی نفی وجوب الإکرام بالنسبة إلی الکبیر و الهاشمیّ و المعین و القریب و فهم أبی عبیدة أو تلمیذه منظور فیه إن أرادا دلالة قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم«لیّ الواجد یحلّ عقوبته»علی ان لیّ غیر الواجد لا یحلّ عقوبته أو دلالة قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم«مطل الغنیّ ظلم»علی أنّ مطل المعدم لیس بظلم.

فإنّ الدلالة المذکورة أوّل الکلام اللّهمّ إلاّ أن یکون مرادهما أنّ لیّ غیر الواجد

ص:470

أو مطل المعدم خارج عن الحکم المذکور و إلاّ فإن سئل عنهما هل تدلّ الجملتان المذکورتان علی اختصاص ظلم الغنیّ بالمطل أو حلّیّة عقوبة الواجد باللی أجابا بأنّهما لا تدلاّن علی ذلک إذ یمکن أن یظلم الغنیّ بجهة اخری من الجهات أو حلّت عقوبة بجهة غیر جهة اللّی.

و بالجملة المراد من الاحترازیّة فی القیود أنّها لیست لمجرّد توضیح أو مورد الابتلاء و نحوهما بل هی تدلّ علی تقیّد الموضوع و تضیّقه فی القضیّة بحیث یکون للقیود إطاعة و عصیان من جهة دخالتها فی الموضوع و لکن مع ذلک لا تدلّ علی المفهوم لاحتمال تعدّد المطلوب بحیث یکون المقیّد مطلوبا و له إطاعة و عصیان کما أنّ المطلق أیضا مطلوب و له اطاعة و عصیان فإذا قیل جئنی بحیوان ناطق لا یدلّ إلاّ علی مطلوبیّة إتیان الإنسان للخدمة و لا ینافی ذلک مع مطلوبیّة إتیان الحیوان بلا وصف الناطق للرکوب أو غیره من المنافع لکون کلیهما مورد احتیاجه فان قال فی دلیل آخر جئنی بحیوان کان هنا تکلیفان لأنّهما مثبتین.

فمع تعدّد المطلوب لا یکون القیود توضیحیّة أو لبیان مورد الابتلاء بل تکون احترازیّة و للدلالة علی تضییق موضوع الحکم فی شخص هذه القضیّة.

و ممّا ذکر یظهر مراد صاحب الکفایة حیث قال و لا ینافی ذلک أی إنکار المفهوم ما قیل من أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیّا لأنّ الاحترازیّة لا توجب إلاّ تضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیّة مثل ما إذا کان بهذا الضیق بلفظ واحد فلا فرق أن یقال جئنی بإنسان أو بحیوان ناطق (1).

و مراده أنّ قوله جئنی بحیوان ناطق لا یدلّ علی انتفاء الحکم عن غیر مورد الوصف و هو المطلق أی الحیوان کما لا یدلّ قوله جئنی بإنسان علی انتفاء الحکم عن

ص:471


1- 1) الکفایة:ج 2 ص 322.

نوع آخر و هو الحیوان الناطق مثلا و کلّ ذلک لاحتمال تعدّد المطلوب بحیث یحتاج إلی کلیهما کما عرفت.

و منها:إنّ القضیّة الوصفیّة لو لم تدلّ علی المفهوم لم یکن موجب لحمل المطلق علی المقیّد و فیه ما لا یخفی لما عرفت من أنّه لا وجه لحمل المطلق علی المقیّد فی المثبتین فیما إذا لم یحرز وحدة المطلوب لاحتمال مطلوبیّة کلیهما فمع عدم إحراز وحدة المطلوب فالمقیّد یدلّ علی مطلوبیّة المقیّد بحیث یکون له إطاعة و عصیان و لا ینافی ذلک مع مطلوبیّة المطلق بدلیل آخر بحیث له أیضا إطاعة و عصیان فانتفاء القید أو الوصف لا یدلّ علی عدم حکم آخر بالنسبة إلی ذات الموصوف بعد احتمال تعدّد المطلوب.

نعم لو کان المطلوب واحدا کما فی مثل قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم إن ظاهرت فأعتق رقبة و إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد و المراد من الحمل أنّ المقصود من المطلق فی الخطاب المذکور هو المقیّد فقوله أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة فی قوّة أن یقال من أوّل الأمر أعتق رقبة مؤمنة فالقید أو الوصف لتحدید الموضوع و تضییقه و لکنّ مع ذلک لیس ذلک من جهة دلالة القید أو الوصف علی المفهوم بنفسه بل من جهة العلم بوحدة المطلوب و حصول المعارضة و المناقضة العرضیّة بینهما فإنّ مقتضی الجمع العرفیّ بینهما هو حمل المطلق علی المقیّد لنصوصیّة دلالته بالنسبة إلیه.

و ممّا ذکر یظهر ما فی إیراد شیخنا البهائیّ قدّس سرّه حیث قال إنّ القائلین بعدم حجّیّة مفهوم الصفة قد قیّدوا بمفهومها فی نحو أعتق فی الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم یکن مفهوم الصفة حجّة عندهم کیف یقیّدون بها فما هذا إلاّ التناقض.

و لذلک خصّ مورد عدم حجّیّة المفهوم بغیر مورد الإطلاق (1).

و ذلک لأنّ القائلین بعدم حجّیّة المفهوم یقولون به فی مورد الإطلاق أیضا لما

ص:472


1- 1) مطارح الأنظار:ص 181.

عرفت من أنّ حمل المطلق علی المقیّد لیس من جهة دلالة الوصف أو القید علی العلّیّة فضلا عن العلّیّة المنحصرة بل من جهة دلالة الوصف أو القید علی تضییق دائرة الموضوع فی الظهار بالنسبة إلی الحکم المترتّب علیه من دون منافاته لتعلّق الحکم الأخر بالمطلق من جهة أخری.

و بعبارة أخری کما فی مطارح الأنظار أنّ حمل المطلق علی المقیّد(فیما إذا أحرز وحدة المطلوب)إنّما هو من جهة المنطوق من غیر ملاحظة المفهوم (1).

و علیه فحمل المطلق علی المقیّد من جهة کشف وحدة المطلق و المقیّد بسبب إحراز وحدة التکلیف و حیث إنّ المقیّد نصّ فی تعیین المراد یحمل المطلق علیه من دون فرق بین کون المطلق بدلیّا و مفاده هو التخییر بحکم العقل و مقدّمات الحکمة إذ المطلوب فیه صرف الوجود و بین کون المطلق شمولیّا و ینحلّ إلی قضایا متعدّدة حسب تعدّد أفراد الطبیعة بحیث یکون مثل العامّ الأصولیّ کلّ فرد معیّنا موردا للحکم لا مخیّرا و ذلک للنصوصیّة المقیّد بالنسبة إلی الإطلاق بدلیّا کان أو شمولیّا فرفع الید عنه یوجب اللغویّة بخلاف العکس.

و بعبارة أخری مع إحراز وحدة المطلوب وقعت المعارضة بین المطلق و المقیّد و الجمع العرفیّ بینهما هو بحمل المطلق علی المقیّد.

و ممّا ذکر یظهر ما فی المحکیّ عن المحقّق النائینیّ قدّس سرّه من الفرق بین الإطلاق البدلیّ و الشمولیّ بأنّه لا موجب للحمل فی المطلق الانحلالیّ لعدم التنافی بینهما و ذلک لظهور المعارضة و المنافاة مع العلم بوحدة التکلیف بین تعلّق التکلیف التعیینی بخصوص المقیّد و تعلّق التکلیف لکلّ واحد واحد من المطلق علی وجه الانحلال و مقتضی الجمع العرفیّ هو حمل المطلق الانحلالیّ علی المقیّد أیضا لنصوصیّة المقیّد فی

ص:473


1- 1) مطارح الأنظار:ص 181.

الدلالة علی تعیین التکلیف بخصوص المقیّد.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ المحصّل فی الإطلاق و التقیید هو تضییق موضوع التکلیف الواحد المذکور فی القضیّة بالتصرّف فی المنطوقین و لا دلالة فیهما علی انتفاء الحکم عن غیر المقیّد بجهة من الجهات الأخری.

و علیه فما فی نهایة الدرایة من أنّ مقتضی حمل المطلق علی المقیّد عدم وجوب المطلق مطلقا بدعوی أنّ مفاد المطلق لیس بعد الحمل مثل ما إذا ورد المقیّد بلا ورود المطلق فإنّ وجوب المقیّد شخصا بناء علی عدم المفهوم لا ینافی وجوب المطلق بوجوب آخر بدلیل آخر (1).

لا یخلو عن النظر فإنّ العلم بوحدة المطلوب یوجب المعارضة بین المطلق و المقیّد و الجمع بینهما بحمل المطلق علی المقیّد من جهة الحکم المذکور فی القضیّة و لا دلالة للقضیّة علی انتفاء الحکم عن المطلق بجهة أخری من الجهات بعد ما عرفت من عدم دلالة الجملة الوصفیّة علی المفهوم فلا تغفل.

هنا تفصیلان

أحدهما:ما ذهب إلیه سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه من أنّ للقیود مفهوما فی الأحکام الوضعیّة لأنّ الأحکام الوضعیّة لا تقبل التعدّد و الشدّة و الضعف بخلاف الأحکام التکلیفیّة فإنّها قابلة للتعدّد و للشدّة و الضعف فیمکن أن یحمل المقیّد فی التکالیف علی التعدّد أو علی شدّة التکلیف بخلاف الأحکام الوضعیّة مثلا إذا قیل فی دلیل«العقود لازمة»و ورد فی دلیل آخر«العقود العربیّة لازمة»أو قیل فی دلیل «الحیازة موجبة للملکیّة»و ورد فی دلیل آخر«الحیازة مع النیّة و القصد موجبة

ص:474


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 177-178.

للملکیّة»فالمقیّد بالعربیّة أو بالنیّة یدلّ علی عدم لزوم ذات المقیّد.

یمکن أن یقال حیث أن المطلقات و المقیّدات الواردة فی الأحکام الوضعیّة تکون نوعا مقترنة بالعلم بوحدة السبب تحمل المطلقات علی المقیّدات کما فی الأحکام التکلیفیّة لحصول المعارضة حینئذ بین سببیّة المطلق و سببیّة المقیّد و الجمع العرفیّ کما مرّ بحمل المطلق علی المقیّد و علیه فلا فرق بین الأحکام الوضعیّة و بین الأحکام التکلیفیّة إلاّ فی أنّ العلم بوحدة السبب فی الأحکام الوضعیّة موجود فی نوع الموارد فلا وجه لدعوی المفهوم فی تقیید الأحکام الوضعیّة إذ عدم سببیّة العقد غیر العربی علی الفرض أو الحیازة المطلقة من سائر الجهات لیس إلاّ من جهة عدم قابلیّة المورد لا من جهة مفهوم الوصف و علیه فالقضیّة الوصفیّة لا مفهوم لها إلاّ إذا کانت فی مقام التحدید فتدبّر جیّدا.

و ثانیهما:ما ذهب إلیه السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه من أنّ النزاع فی دلالة الوصف علی المفهوم تارة بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق به یدلّ علی انتفاء الحکم عن غیره فلو ورد فی الدلیل(أکرم رجلا عالما)یدلّ علی انتفاء وجوب الإکرام عن غیر مورده یعنی الرجل العادل أو الفاسق أو الفقیر أو ما شاکل ذلک و لو بسبب آخر.

و أخری بمعنی أنّ تقییده به یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق أو فقل أنّ معنی دلالته علی المفهوم هو دلالته علی نفی الحکم عن طبیعیّ موصوفه علی نحو الإطلاق و أنّه غیر ثابت له کذلک فإن کان النزاع فی المعنی الأوّل فلا شبهة فی عدم دلالته علی المفهوم بهذا المعنی ضرورة أنّ قولنا(أکرم رجلا عالما)لا یدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن حصّة أخری منه کالرجل العادل أو الهاشمیّ أو ما شاکل ذلک لوضوح أنّه لا تنافی بین قولنا(أکرم رجلا عالما)و قولنا(أکرم رجلا عادلا)مثلا بنظر العرف أصلا فلو دلّت الجملة الأولی علی المفهوم أی نفی الحکم عن حصص أخری منه لکان بینهما تناف لا محالة.

ص:475

و ان کان النزاع فی المعنی الثانی فالظاهر أنّه یدلّ علی المفهوم بهذا المعنی و نکتة هذه الدلالة هی ظهور القید فی الاحتراز و دخله فی موضوع الحکم أو متعلّقه إلاّ أن تقوم قرینة علی عدم دخله فیه ففی مثل قولنا أکرم رجلا عالما یدلّ علی أنّ وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعیّ الرجل علی الإطلاق و لو کان جاهلا بل ثبت لخصوص حصّة خاصّة منه و هی الرجل العالم و کذا قولنا(أکرم رجلا هاشمیّا)و هکذا.

و الضابط أنّ کلّ قید أتی به فی الکلام فهو فی نفسه ظاهر فی الاحتراز و دخله فی الموضوع أو المتعلّق یعنی أنّ الحکم غیر ثابت له إلاّ مقیّدا بهذا القید لا مطلقا و إلاّ لکان القید لغوا فالحمل علی التوضیح أو غیره خلاف الظاهر فیحتاج إلی قرینة.

و الحاصل أنّ مثل قولنا(أکرم رجلا عالما)و إن لم یدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن حصة أخری من الرجل کالعادل أو نحوه و لو بملاک آخر إلاّ أنّه لا شبهة فی دلالته علی أنّ وجوب الإکرام غیر ثابت لطبیعیّ الرجل علی نحو الإطلاق.

إلی أن قال:ثمّ إنّ هذه النقطة التی ذکرناها لها ثمرة مهمّة فی الفقه منها ما فی مسألة حمل المطلق علی المقیّد حیث إنّ المشهور قد خصّوا تلک المسألة فیما إذا کانا مثبتین أو منفیین بما إذا کان التکلیف فیهما واحد و أمّا إذا کان متعدّدا فلا یحملوا المطلق علی المقیّد.

و أمّا علی ضوء ما ذکرناه من النقطتین فیحمل المطلق علی المقیّد و لو کان التکلیف متعدّدا کما إذا ورد فی دلیل(لا تکرم عالما)و ورد فی دلیل آخر(لا تکرم عالما فاسقا)فإنّه یحمل الأوّل علی الثانی مع أنّ التکلیف فیهما انحلالیّ و کذا إذا ورد فی دلیل (أکرم العلماء)ثمّ ورد فی دلیل آخر(أکرم العلماء العدول)فیحمل الأوّل علی الثانی.

و النکتة فی ذلک هی ظهور القید فی الاحتراز یعنی أنّه یدلّ علی أنّ الحکم و هو وجوب الإکرام لم یثبت للعالم علی نحو الإطلاق و إنما یثبت لحصّة خاصّة منه و هو العالم العادل فی المثال دون العالم مطلقا و لو کان فاسقا و من الواضح أنّه لا فرق فی

ص:476

دلالة القید علی ذلک بین کون التکلیف واحدا أو متعدّدا (1).

و لا یخفی ما فیه إذ معنی الاحتراز هو عدم ثبوت الحکم المترتّب علی الموضوع فی هذه القضیّة لمطلق الموضوع بل للموضوع الموصوف بکذا و هذا لا ینافی أن یکون مطلق الموضوع محکوما بحکم من جهة أخری لا من هذه الجهة أ لا تری إذا قال المولی أکرم زیدا العالم فلا شبهة فی کون القید احترازیّا و الموضوع مضیّق فلا یشمل ما إذا لم یکن زید عالما و أمّا إذا سئل المولی بعد قوله المذکور عن إکرام زید غیر العالم بجهة أخری فقال أکرمه لا تقع المکاذبة بین الدلیلین.

و علیه فکما أنّ تقیید الموضوع لا یدلّ علی انتفاء الحکم عن الحصص الأخری فکذلک لا یدلّ علی انتفاء الحکم عن مطلق الموضوع بجهة أخری نعم إذا علم بوحدة الحکم فمع وحدة الحکم حصلت المعارضة بینهما و الجمع العرفیّ حینئذ یقتضی حمل المطلق علی المقیّد و أمّا مع تعدّد الحکم فلا معارضة إذ المفروض أنّ المقیّد لا ینفی الحکم الآخر المتعلّق بالمطلق و إنّما یدلّ علی اختصاص الحکم المتعلّق بالمقیّد به و عدم شمول هذا الحکم لذات المقیّد و المطلق و هو لا ینافی أن یتعلّق بالمطلق حکم آخر من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الحکمان مثبتین أو منفیین فقولهم أکرم العلماء فی عبارة غیر أکرم العلماء العدول فی عبارة اخری،و علیه فاختصاص وجوب الإکرام بالعلماء العدول فی قضیّة أکرم العلماء العدول و عدم جریانه فی العلماء من دون قید العدول لا ینافی وجوب إکرام مطلق العلماء بسبب آخر.

و هکذا الأمر فی الحکمین المنفیین عند تعدّد المطلوب مثلا إذا قیل لا تکرم کافرا ثمّ قیل لا تکرم کافرا حربیّا فاختصاص الکافر بالحربیّ فی الثانی لا ینافی النهی عن إکرام مطلق الکافر فی دلیل آخر من ناحیة حکم آخر.

ص:477


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 133-135.

فالتفصیل المذکور و الثمرة المترتّبة علیه منظور فیه إذ قاعدة احترازیّة القیود تدلّ علی انتفاء شخص الحکم لا سنخ الحکم و منشأ التفصیل المذکور هو عدم التفکیک بین الشخص و السنخ فإن دلّت الجملة الوصفیّة علی نفی شخص الحکم فلا یدلّ علی نفی سنخ الحکم لا فی الحصص و لا فی طبیعیّ الموضوع و إن دلّت الجملة الوصفیّة علی نفی سنخ الحکم فهی دالّة علی المفهوم سواء کان الحصص أو طبیعیّ الموضوع و علی کلّ تقدیر لا یصحّ التفصیل.

هذا مضافا إلی منع دلالة الجملة الوصفیّة علی علّیّة الوصف بالنسبة إلی الحکم فضلا عن العلّیّة المنحصرة.

قال الشهید السیّد الصدر قدّس سرّه مفاد هیئة أکرم مقیّد بمدلول المادّة باعتباره طرفا لها و مدلول المادّة مقیّد بالفقیر لأنّ المطلوب أکرم الفقیر و الفقیر مقیّد بالعدالة تقیید الشیء بوصفه و ینتج ذلک أنّ مفاد هیئة أکرم هو حصّة خاصّة من وجوب الإکرام یشتمل علی التقیید بالعدالة فغایة ما یقتضیه الربط المخصوص بین مفاد أکرم و الوصف انتفاء تلک الحصة الخاصّة عند انتفاء العدالة و هذا واضح لا انتفاء طبیعیّ الحکم:إلی أن قال-:فبالإمکان أن نضیف إلی ذلک أیضا منع دلالة الجملة الوصفیّة علی ذلک الربط المخصوص الذی یستدعی الانتفاء عند الانتفاء و هو التوقّف فإنّ ربط مفاد أکرم بالوصف إنّما هو بتوسّط نسبتین ناقصتین تقییدیتین لأنّ مفاد هیئة الأمر مرتبط بذاته بمدلول مادّة الفعل و هی مرتبطة بنسبة ناقصة تقییدیّة بالفقیر و هذا مرتبط بنسبة ناقصة تقییدیّة بالعادل و لا یوجد ما یدلّ علی التوقّف و الالتصاق لا بنحو المعنی الاسمیّ و لا بنحو المعنی الحرفیّ فالصحیح أنّ الجملة الوصفیّة لیس لها مفهوم نعم لا بأس بالمصیر إلی دلالتها علی الانتفاء عند الانتفاء بنحو السالبة الجزئیّة (1).

ص:478


1- 1) دروس فی علم الأصول الحلقة الثالثة:ج 1 ص 176 و 177.

الخلاصة:

الفصل الثالث:فی مفهوم الوصف

ذهب المشهور إلی أنّ إثبات حکم لذات مأخوذة مع بعض صفاتها لا یستلزمه انتفاء ذلک الحکم عند انتفاء تلک الصفة.

و یقع البحث عنه فی مقامین:

أحدهما:فی محلّ النزاع،و لا إشکال فی شمول عنوان البحث للوصف المعتمد علی الموصوف کقولهم أکرم رجلا عالما و أمّا ما لم یعتمد علی الموصوف کقولهم أکرم عالما فقد یقال بخروجه عن عنوان البحث بدعوی أنّه لا فرق بین اللقب و الوصف غیر المعتمد فکما أنّ اللقب لا یدلّ علی المفهوم من دون خلاف فکذلک الوصف غیر المعتمد و الملاک فی عدم الدلالة فیهما واحد و هو أنّ الحکم الثابت فی القضیة لعنوان اشتقاقیّا کان أو ذاتیّا لا تدلّ القضیة إلاّ علی ثبوت هذا الحکم لهذا العنوان و أمّا انتفاء الحکم عن غیر العنوان المذکور بجهة من الجهات فلا إشعار لها فضلا عن الدلالة علیها.

و یمکن أن یقال أنّ قیاس الوصف غیر المعتمد علی اللقب فی غیر محلّه فإنّ الذات فی الوصف غیر المعتمد کالمذکور عند العرف و إن قلنا ببساطة المشتقّ فإنّ مفهوم ضارب مثلا و إن کان بسیطا و یعبّر عنه فی اللغة الفارسیة ب«زننده»و لکن هذا المفهوم عند العرف یحتوی الذات بخلاف اللقب فإنّه لا یکون کذلک نعم یمکن تحلیله عقلا بالذات و العنوان و لکنّ المعیار هو التفاهم العرفی لا التحلیل العقلیّ فالأظهر کما أفاد الشیخ الأعظم قدّس سرّه هو دخول الوصف غیر المعتمد فی عنوان البحث فراجع.

و یؤیّده بعض الاستدلالات و الأجوبة کالاستدلال بقوله علیه السّلام مطل الغنی ظلم

ص:479

علی أنّ مطل غیر الغنی لیس بظلم و الجواب عنه بأنّ الدلالة مع القرینة لا مانع منها و إنّما الکلام فیما إذا کان الکلام خالیا عن القرینة مع أنّه لو لم یکن الوصف غیر المعتمد داخلا فی محلّ البحث کان الأولی فی الجواب عنه بکونه من قبیل مفهوم اللقب لا الوصف.

ثمّ إنّ الوصف إمّا وصف أخصّ کقولهم أکرم إنسانا عالما أو الوصف الأعمّ من وجه کقوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم و فی الغنم السائمة زکاة.

و کلاهما داخلا فی عنوان البحث و أمّا الوصف المساوی کقولهم أکرم إنسانا ضاحکا بالقوّة أو الوصف الأعمّ المطلق کقولهم أکرم إنسانا ماشیا فلا إشکال فی خروجهما عن محلّ البحث لأنّ الوصف المساوی أو الأعمّ المطلق لا یوجبان التضییق فی ناحیة الموصوف حتّی یدلّ علی انتفاء الحکم فی الموصوف عند انتفاء الوصف بل عند انتفاء الوصف لا یبقی موصوف کما لا یخفی.

ثمّ یمکن إلحاق الحال و التمییز و غیرهما من قیود الموضوع فإنّ مناط المفهوم فی الوصف یأتی فی تلک الموارد أیضا و لکن مقتضی وجود المناط فیها هو الإلحاق کما ذکرنا لا الإدخال لعدم صدق عنوان الوصف علی أمثال هذه الموارد فتدبّر جیّدا.

و ثانیهما:فی أدلّة المثبتین

منها:التبادر کما یشهد له تباعد عدم مطلوبیّة شراء العبد الأبیض من قول المولی لخادمه اشتر لی عبدا أسود.

و فیه منع واضح لأنّ عدم مطلوبیّته شراء العبد الأبیض من ناحیة هذا الخطاب لا یستلزم عدمه مطلوبیته بسائر الجهات.

و منها دعوی وضع الوصف للعلّیّة المنحصرة و فیه أیضا منع واضح لعدم شاهد لذلک بل لا دلالة للوصف علی العلّیّة فضلا عن انحصارها و ما اشتهر من أنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلّیّة منظور فیه لاحتمال خصوصیّة المورد و دخالة

ص:480

الموضوع أو المتعلّق الموصوف و علیه فلا یدلّ التعلیق المذکور علی أنّ الوصف علّة تامّة و علی فرض التسلیم لا ینفی احتمال تعدّد العلّة هذا مضافا إلی أنّه مجرّد إشعار و هو غیر الدلالة.

و لا یقاس الوصف بالشرط لما عرفت من وضع الشرط للإناطة و العلّیّة و دلالة اطلاق الشرط علی الانحصار و لا وضع و لا دلالة فی الوصف کما لا یخفی.

و دعوی أنّ الوصف بعنوانه متمّم لقابلیّة القابل و الموضوع و هو معنی الشرط حقیقة و حیث أنّ الظاهر دخله بعنوان الخاصّ لا بعنوان کونه مصداقا للجامع بینه و بین غیره و أنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص من الوجوب فلا محالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیّة الموضوع لسنخ الحکم فقیاس الوصف بالشرط فی محلّه مندفعة بأنّ الوصف متمّم لقابلیّة الموضوع و علل قوامه لا من علل الحکم و هذا هو الفرق بین الوصف و الشرط فإنّ الشرط من علل الأحکام و الوصف من علل الموضوعات و انحصار تتمیم الموضوع فی وصف لا یدلّ علی علّیّة الموضوع أو انحصار العلّیّة فی الموضوع بالنسبة إلی الحکم و علیه فلا وجه لجعل الوصف فی معنی الشرط و إرجاع القضیّة الوصفیّة إلی القضیّة الشرطیّة.

و منها أنّ الأصل فی القیود أنّها للاحتراز و لا معنی للاحتراز إلاّ هو المفهوم.

و بعبارة أخری أنّ التخصیص بأمر زائد علی الذات کقولک صلّ خلف العادل لا بدّ فیه من فائدة و حیث أنّه لا فائدة إلاّ نفی الحکم عن غیر الموصوف بوصف کذا أوجب ذلک القطع بهذا النفی و لیس ذلک إلاّ هو المفهوم.

یمکن أن یقال لا کلام فی ما إذا علم أنّ الموصوف علّة منحصرة فی ترتّب الحکم علیه فإنّ الحکم حینئذ ینتفی بانتفاء الموصوف و لکنّه لیس من جهة دلالة الجملة الوصفیّة بل لقیام قرینة خاصّة.

ص:481

و الأصل فی القیود و إن کان للاحتراز إلاّ أنّه لدفع احتمال کون الوصف مذکورا من باب الاهتمام أو التوضیح أو الابتلاء و إثبات دخالته فی تحقّق موضوع الحکم و هذا لا یوجب حمل الأوصاف و القیود علی بیان العلّة فضلا عن انحصارها لأنّ الاحتراز یکفیه دخالة القیود و الأوصاف فی تحقّق موضوع الحکم و تضیقه و لا موجب للأزید منه ما لم یقم قرینة خاصّة و بالجملة إثبات شیء لشیء لا ینفی إثباته عمّا عداه.

فإذا قیل جئنی بحیوان ناطق لا یدلّ هذه الجملة إلاّ علی مطلوبیّة إیتاء الانسان للخدمة و لا ینافی هذا مطلوبیّة إیتاء الحیوان أیضا لجهة من الجهات کالرکوب و نحوه و لذا لو قیل بعد هذه العبارة جئنی بحیوان فهم منه تعدّد المطلوب فکما أنّ جئنی بإنسان لا مفهوم له فکذلک جئنی بحیوان ناطق لا مفهوم له و وصف الناطقیة لا یدلّ علی انحصار المطلوبیّة فی الحیوان الناطق کما لا یخفی.

و منها أنّه لو لم تدلّ القضیّة الوصفیّة علی المفهوم فلا موجب لحمل المطلق علی المقیّد و قد أنکر شیخنا بهاء الدین قدّس سرّه علی منکری مفهوم الوصف بقوله بأنّهم قد قیّدوا بمفهوم الصفة فی نحو أعتق فی الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم یکن مفهوم الصفة حجة عندهم کیف یقیّدون بها فما هذا إلاّ التناقض.

فممّا ذکر یظهر أنّ مورد عدم حجّیّة المفهوم مختصّ بغیر موارد الإطلاقات و أمّا فیها فمفهوم الوصف حجّة.

یمکن أن یقال لا فرق فی عدم حجّیّة مفهوم الوصف بین موارد الإطلاقات و غیرها ما لم یحرز وحدة المطلوب بقرینة خارجیّة إذ لا وجه لحمل المطلقات علی المقیّدات فی المثبتات لاحتمال مطلوبیّة کلیهما فمع عدم إحراز وحدة المطلوب فالمقیّد یدلّ علی مطلوبیّة المقیّد و لا ینافی ذلک مع مطلوبیّة المطلق أیضا بدلیل آخر و علیه فانتفاء الوصف لا یدلّ علی عدم حکم آخر بالنسبة إلی ذات الموصوف بعد احتمال تعدّد المطلوب.

ص:482

نعم لو کان المطلوب واحدا کما فی مثال إن ظاهرت فأعتق رقبة و إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد و المراد من الحمل أنّ المقصود من المطلق فی الخطاب المذکور هو المقیّد فقوله أعتق رقبة و أعتق رقبة مؤمنة فی قوّة أن یقال من أوّل الأمر أعتق رقبة مؤمنة فالقید و الوصف لتحدید الموضوع و لیس ذلک من جهة دلالة الوصف علی المفهوم بل من جهة العلم بوحدة الطلوب و حصول المناقضة العرضیّة بینهما.

فإنّ مقتضی المطلق أنّه هو المطلوب لا المقیّد و مقتضی المقیّد أنّه هو المطلوب لا المطلق و الجمع بینهما یقتضی حمل المطلق علی المقیّد لمنصوصیّة دلالته بالنسبة إلی المطلق و لأنّ رفع الید عن المقیّد یوجب لغویّة المقیّد بخلاف العکس فإنّ المطلق بإطلاقه یشمل المقید أیضا و هذا الجمع غیر مرتبط بالمفهوم بل یکون من جهة المنطوقین المذکورین فتحصّل أنّ مفهوم الوصف لیس بحجّة لا فی المطلقات و لا فی غیرها ما لم یقم قرینة خاصّة کمقام التحدید و نحوه.

بل بعد العلم بوحدة المطلوب و حمل المطلق علی المقیّد یحکم بعدم کون المطلق محکوما بالحکم المذکور فی القضیّة و لا دلالة للقضیّة علی انتفاء الحکم عن المطلق بجهة أخری من الجهات بعد ما عرفت من عدم دلالة الجملة الوصفیّة علی المفهوم فلا تغفل.

هنا تفصیلان:

أحدهما:الفرق بین الأحکام الوضعیّة و الأحکام التکلیفیّة بمنع المفهوم فی الثانیة دون الأولی لعدم التعدّد و الشدّة و الضعف فیها بخلاف الأحکام التکلیفیّة فاللازم هو حمل المطلق علی المقیّد فی الوضعیّات و فیه أنّ وجه حمل المطلقات فی الوضعیّات علی المقیّدات هو العلم بوحدة السبب فیها غالبا و هو کما عرفت موجب للحمل المذکور مطلقا من دون فرق بین الأحکام التکلیفیّة و الأحکام الوضعیّة و مع

ص:483

وحدة السبب یکشف عدم قابلیّة المطلق للسببیّة فنفی السببیّة عن المطلق لیس من جهة مفهوم الوصف بل من جهة عدم قابلیّة المطلق للسببیّة و وحدة السبب.

و ثانیها:أنّه لا فرق فی عدم دلالة الوصف علی المفهوم بین نفی الحکم عن حصص أخری غیر الحصّة المذکورة کقولنا أکرم رجلا عالما فإنّه لا یدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن حصّة أخری کالرجل العادل أو الهاشمی و نحوهما و بین نفی الحکم عن طبیعی موصوفه علی نحو الإطلاق کقولنا أکرم رجلا عالما فإنّه لا یدلّ علی نفی وجوب الإکرام عن طبیعة الرجل بجهة من الجهات غیر الجهة المذکورة فی شخص هذه القضیّة و بالجملة،فکما لا دلالة للوصف علی المفهوم بحسب الأوّل فکذلک لا دلالة له علی المفهوم بحسب الثانی.

و ظهور القید فی الاحتراز و دخله فی الموضوع لا ینفی الحکم عن طبیعی موصوفه من سائر الجهات غیر الجهة المذکورة فی شخص هذه القضیّة إذ کلّ قید و إن کان فی نفسه ظاهرا فی الاحتراز و دخله فی الموضوع نفی أنّ الحکم غیر ثابت له إلاّ مقیدا بهذا القید لا مطلقا و إلاّ لکان القید لغوا و لکن ذلک کلّه بالنسبة إلی شخص الحکم المذکور فی القضیّة و لا نظر له بالنسبة إلی سنخ الحکم و لو من سائر الجهات و علیه فکما أنّ الوصف لا ینفی الحکم عن سائر الحصص فکذلک لا ینفی سنخ الحکم عن طبیعة الموصوف من سائر الجهات.

فلا مجال لاستنتاج حمل المطلق علی المقیّد و لو کان التکلیف متعدّدا بدعوی أنّ القید ظاهر فی الاحتراز فیدلّ علی أنّ الحکم و هو وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعة الموضوع علی الإطلاق و إنّما یثبت لحصّة خاصّة منه و هو العالم العادل فی مثل قوله أکرم عالما و أکرم عالما عادلا من دون فرق بین کون التکلیف واحدا أو متعدّدا و ذلک لما عرفت من عدم المنافاة بین عدم ثبوت شخص الحکم المذکور فی هذه القضیّة لطبیعة الموضوع علی الإطلاق و بین أن یکون محکوما بسنخ الحکم بجهة أخری غیر

ص:484

شخص هذا الحکم.

و علیه فلا منافاة بین أکرم عالما و أکرم عالما عادلا إلاّ إذا أحرز وحدة المطلوب و هکذا لا منافاة بین لا تکرم عالما و لا تکرم عالما فاسقا إلاّ إذا أحرز وحدة المطلوب و أمّا مع عدم إحراز وحدة المطلوب فمقتضی أدلّة أکرم عالما هو مطلوبیّة إکرام طبیعة العالم کما أنّ مقتضی قوله لا تکرم عالما هو النهی عن إکرام طبیعة العالم فتدبّر جیّدا.

ص:485

الفصل الرابع:فی مفهوم الغایة

اشارة

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی دلالة الغایة علی المفهوم.

ذهب المشهور بل المعظم إلی أنّ تقیید حقیقة الحکم بالغایة یدلّ علی انتفاء الحکم رأسا و سنخا عمّا بعد الغایة بناء علی دخول الغایة فی المغیّی و یدلّ علی انتفاء الحکم رأسا و سنخا عن الغایة و ما بعدها بناء علی خروجها و استدلّ له بالتبادر و الانسباق و الخلف.

و أمّا التبادر و الانسباق فلأنّ تقیید حقیقة الحکم بحدّ ظاهر فی ارتفاعه بحصول الحدّ بالخصوص.و معنی ارتفاع حقیقة الحکم بالحدّ هو ارتفاع جمیع أفراده إذ حقیقة الحکم و طبیعیّة لا یرتفع إلاّ بارتفاع جمیع أفراده.

و أمّا الثانی فلأنّ مقتضی تقیید الحکم بما هو حکم بالغایة هو الدلالة علی ارتفاعه عند حصول الغایة و إلاّ لما کان ما جعل غایة له بغایة و هو خلف و قد أشار إلیهما فی الکفایة.

لا یقال:أنّ الثابت فی مقام الإیجاب هو الإیجاب الجزئیّ لا الحقیقة و الطبیعة لأنّ الهیئة وضعت لإیقاع البعث و إیجاده و لیس هو إلاّ جزئیّا حقیقیّا و معه فالمقیّد بالحدّ لیس هو الطبیعة و الحقیقة بل أمر شخصیّ جزئیّ و ارتفاع الحکم الشخصیّ و الجزئیّ بحصول الحدّ لا یدلّ علی ارتفاع طبیعة الحکم و حقیقته و سنخ الحکم.

ص:486

لأنّا نقول-کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه-من أنّ الهیئة لمّا کانت آلة محضة للبعث و الإغراء و لا التفات عند الإنشاء إلی الخصوصیّة و الجزئیّة لا ینتزع منه العرف إلاّ نفس الوجوب من غیر توجّه إلی الجزئیّة و الکلّیّة فیفهم من قوله اجلس إلی الزوال وجوبه إلی هذا الحدّ من غیر توجّه إلی أنّ إیقاع الوجوب لا یکون إلاّ جزئیّا فحینئذ یفهم من القضیّة المغیّاة انتفاء سنخ الحکم بعد الغایة (1).

و بعبارة أخری التی أفادها المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه یمکن أن یقال:کما أنّ علّة الوجوب بما هو وجوب لا بما هو متشخّص بالوجود و لوازمه إذا انحصرت فی شیء فلا محالة لا یعقل ثبوت الوجوب بما هو وجوب لشیء آخر و مقتضاه هو انتفاء سنخ الوجوب بانتفاء العلّة المنحصرة و إلاّ لما کانت العلّة علّة منحصرة.فکذلک الغایة فإنّ طبیعة الوجوب بما هو وجوب إذا کانت محدودة بحدّ فلا محالة تنتفی عند حصول الحدّ و الغایة و إلاّ لم تکن الغایة غایة للوجوب بما هو وجوب بل بما هو شخص من الوجوب (2).

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا وقع لدعوی عدم الجزم بالتبادر و إنّ المتیقّن من التعلیق علی الغایة هو تعلیق شخص حکم القضیّة لا طبیعته.

و ذلک لما عرفت من أنّ جزئیّة الحکم ممّا لا یلتفت إلیه و إنّما الالتفات إلی أصل الحکم و هو معلّق أو محدود بحدّ فمع دلالة الجملة الشرطیّة أو القضیّة المغیّاة علی الانتفاء عند الانتفاء تمّت الدلالة.

و بالجملة فالجملة الشرطیّة الدالّة علی انتفاء التالی بانتفاء المقدّم تدلّ علی المفهوم بناء علی استفادة العلّیّة المنحصرة و هکذا القضیّة التی تکون حقیقة الحکم فیها مقیّدة بالغایة تدلّ علی انتفاء حقیقة الحکم بحصول الغایة هذا بخلاف القضیّة الوصفیّة

ص:487


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 222.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 179.

فإنّها مجرّد إثبات حکم لموصوف و لا دلالة فیها علی الانتفاء عند الانتفاء کما هو المعروف من أنّ إثبات شیء لشیء لا یدلّ علی نفی ما عداه.

نعم لو کانت الغایة قیدا للموضوع لا للحکم فلا ریب فی أنّ الجملة حینئذ تکون کالجمل الوصفیّة فی أنّها لیس لها مفهوم مثلا إذا قیل فی قوله سر من البصرة إلی الکوفة أنّ السیر مقیّد بالابتداء من البصرة و الانتهاء إلی الکوفة فمرجعه إلی طلب فعل واحد و هو السیر أوّله کذا و نهایته کذا فالطلب إنّما تعلّق بالفعل المحدود من جهة الابتداء و الانتهاء و لکن لا یکون أصل الطلب محدودا بحدّ.

و لذا یمکن أن یطلب بعد ذلک سیرا آخر و تحدید الفعل تقییده و التقیید کتوصیف الفعل بل عرفت أنّ موضوع البحث فی مفهوم الوصف أعمّ من الوصف النحویّ و علیه فالقیود الراجعة إلی الموضوع کلّها داخلة فی الوصف و لا مفهوم له فإذا لم یکن للغایة التی هی قید للفعل مفهوم فلا مانع من أن یطلب المولی بعد السیر المحدود بالحدود المذکورة سیرا آخر فیما إذا لم یر المصلحة فی ذکر طلباته دفعة واحدة مثلا إذا رأی مولی أنّ عبده لا نشاط له و لم یطعه إن أمره بکنس داره من أوّلها إلی نهایتها أمره أوّلا بکنس الدار من الباب إلی الحوض ثمّ بعد إطاعته ذلک أمره بکنس ما بقی منها من الحوض إلی الجدار.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه قال:تقیید الحکم بخصوص الغایة دون غیرها مع کونه فی مقام البیان یقتضی بحکم مقدّمات الإطلاق مدخلیّة خصوص الغایة المذکورة فی انتفاء الحکم و إلاّ لزم علیه أن یقول مکان خصوص الغایة إلی هذه الغایة أو غیرها من الغایات و حیث لم یقل الاّ خصوص الغایة فمقتضی مقدّمات الإطلاق هو مدخلیّة خصوصها فلو ذکر بعدها غایة أخری لکان مخالفا للظهور الإطلاقیّ المذکور کما لا یخفی.

و بهذا ینقدح أنّه کما یحتاج فی مفهوم الشرط إلی جریان مقدّمات الإطلاق

ص:488

فکذلک یحتاج إلی جریانها فی مفهوم الغایة و من هذه الجهة لا فرق بینهما.

و لا یخفی ما فیه فإنّ ذکر غایة بعد الغایة المذکورة ینافی کون الغایة المذکورة غایة أساسا إنّ أرید أنّ الغایة النهائیّة الأصیلة هی التی ذکرت بعد الغایة الأولی و إن أرید أنّ الغایة الثانیة هی غایة بعد الغایة الأولی ففیه أنّ الأولی و الثانیة من الغایات الزمانیّة أو المکانیّة التی تکون بینهما الأقلّ و الأکثر فمع وجود الأقلّ لا مجال للأکثر کما لا یخفی.

نعم یمکن الأخذ بالإطلاق لدفع احتمال وجود غایة قبل حصول الغایة المذکورة فتدبّر جیّدا.

و کیف کان فالأقوی هو ما ذهب إلیه المشهور بل المعظم من أنّ تقیید حقیقة الحکم بالغایة یدلّ علی المفهوم و هو انتفاء سنخ الحکم بحصولها.

ثمّ إنّ الظاهر من منتهی الأصول أنّ الغایة غالبا تکون مفاد أحد الحروف الجارّة فتکون من قبیل الجارّ و المجرور و لا بدّ من تعلّق الجارّ و المجرور لشیء و بمقتضی القواعد العربیّة یکون المتعلّق هی الجملة التی تمّ الإسناد فیها فیکون من قیود الجملة بعد تحقّق الإسناد فیها لا من قیود عقد وضعها أو عقد حملها فمثل قوله علیه السّلام کلّ شیء لک حلال حتّی تعرف أنّه حرام بعینه أو قوله تعالی: (ثُمَّ أَتمُّوا الصّیامَ إلَی اللَّیْل) و غیرها من الموارد ظاهرة فی أنّ الغایة قید للحکم المستفاد من الجملة التی سمّیناها بنتیجة الجملة فیکون حال الغایة حال الشرط فی کونه قیدا للحکم لا للموضوع و لا للمحمول و لا حال الوصف من کونه قیدا لعقد الوضع أو الحمل قبل الإسناد (1).

و لا یخفی ما فیه حیث أنّ قید الموضوع أو المحمول أیضا یکون مفاد أحد الحروف الجارّة و یحتاج إلی المتعلّق المقدّر و هو لا محالة یکون الجملة فالطریق المذکور

ص:489


1- 1) منتهی الأصول:ج 1 ص 438.

لتشخیص قید الحکم عن قید الموضوع أو المتعلّق غیر تامّ.

قال فی المحاضرات إنّ الحکم فی القضیّة إن کان مستفادا من الهیئة فالظاهر أنّ الغایة قید للفعل و هو المتعلّق دون الموضوع حیث إنّ حالها حال بقیّة القیود کما أنّ الظاهر منها هو رجوعها إلی الفعل باعتبار أنّه معنی حدثیّ فکذلک الظاهر من الغایة.

و أمّا رجوعها إلی الموضوع فیحتاج إلی قرینة تدلّ علیه کما فی الآیة الکریمة المتقدّمة حیث إنّ قوله تعالی: (إلَی الْمَرافق) فی هذه الآیة غایة للموضوع و هو الید لا للمتعلّق و هو الغسل و ذلک لأجل قرینة و خصوصیّة فی المقام و هی إجمال لفظ الید و اختلاف موارد استعماله و هو قرینة علی أنّه سبحانه فی هذه الآیة المبارکة فی مقام بیان حدّ المغسول من الید و مقداره و من هنا اتّفق الشیعة و السنّة علی أنّ الآیة فی مقام تحدید المغسول لا فی مقام بیان الترتیب.

و لذا یقول أهل السنّة بجواز الغسل من المرفق إلی الأصابع و أفتوا بذلک و إن کانوا بحسب العمل الخارجیّ ملتزمین بالغسل منکوسا.

و نظیر الآیة فی ذلک المثال المشهور(اکنس المسجد من الباب إلی المحراب)فإنّه ظاهر بمقتضی قرینة المقام فی أنّ کلمة(إلی)غایة للموضوع و بیان لحدّ المسافة التی أمر بکنسها و لیست فی مقام بیان الترتیب و من هذا القبیل أیضا قوله تعالی (وَ امْسَحُوا برُؤُسکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إلَی الْکَعْبَیْن) حیث إنّ الظاهر بمقتضی خصوصیّة المقام هو أنّ کلمة(إلی)غایة لتحدید حدّ الممسوح لا لبیان الترتیب.

و من هنا ذهب المشهور إلی جواز المسح منکوسا و هو الأقوی إذ مضافا إلی إطلاق الآیة فیه روایة خاصّة.

هذا کلّه فیما إذا کان الحکم فی القضیّة مستفادا من الهیئة و أمّا إذا کان الحکم فیها مستفادا من مادّة الکلام فإن لم یکن المتعلّق مذکورا فیه کقولنا(یحرم الخمر إلی أن یضطر المکلّف إلیه)فلا شبهة فی ظهور الکلام فی رجوع القید إلی الحکم.

ص:490

و أمّا إذا کان المتعلّق مذکورا فیه کما فی مثل قولنا(یجب الصیام إلی اللیل) فلا یکون للقضیّة ظهور فی رجوع الغایة إلی الحکم أو إلی المتعلّق فلا تکون لها دلالة علی المفهوم لو لم تقم قرینة من الداخل أو الخارج علیها (1).

و أنت خبیر بما فیه فإنّ دعوی ظهور کون الغایة قیدا للفعل فیما إذا کان حکم القضیّة مستفادا من الهیئة خالیة عن الشاهد إذ مثل قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم(صم إلی اللیل)من الموارد التی یکون الحکم فیه مستفادا من الهیئة و مع ذلک یکون الغایة فیه غایة للحکم لا غایة للمتعلّق کما یکون کذلک إذا کان الحکم فیها مستفادا من مادّة الکلام فلا فرق فی ذلک بین أن یکون الحکم مستفادا من الهیئة أو المادّة بل لا فرق أیضا بین أن یکون المتعلّق مذکورا و بین أن لا یکون مذکورا فالتفصیلات المذکورة لا موجب لها لظهور الغایة فی کونها قیدا للحکم المذکور قبله سواء کان بالهیئة أو بالمادّة فالأولی هو الإحالة إلی الاستظهار العرفیّ.

المقام الثانی:فی دخول الغایة أو خروجها فصّل فی الکفایة بین غایة الموضوع و غایة الحکم و قال فی الأولی و الأظهر خروجها لکونها من حدود الموضوع فلا تکون محکومة بحکمه و بالجملة یکون البحث فی هذا المقام بحثا منطوقیّا فإنّ البحث فی أنّ مدخول«إلی»و«حتّی»محکوم بحکم المغیّی أو غیر محکوم بحث عن شمول المنطوق کما لا یخفی.

و المحکیّ عن نجم الأئمّة هو ما ذهب إلیه صاحب الکفایة من أنّ الغایة و هی النهایة حدّ الشیء و الحدّ خارج عن المحدود کما یقال إنّ حدّ الدار أو المسجد هو الشارع العامّ و المراد من حدّ الشیء هو الحدّ العرفیّ لا الحدّ الفلسفیّ حتّی یقال بأنّه لا مساس له بمحلّ الکلام و ممّا ذکر یظهر ما فی کلام شیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه حیث

ص:491


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 138-139.

قال فالاستدلال للخروج بأنّ غایة الشیء حدّه و حدّ الشیء خارج عنه لا مساس له بمحلّ الکلام و الظاهر الدخول فی الغایة کما هو الحال فی المبدأ فالسیر من البصرة إلی الکوفة لا یتحقّق إلاّ بالمسیر المبتدأ فی جزء من البصرة المنتهی فی جزء من الکوفة و هکذا (1).

و ذلک لما عرفت من المراد من حدّ الشیء فی کلام نجم الأئمّة هو الحدّ العرفیّ لا الفلسفیّ هذا مضافا إلی ما فی استظهاره الدخول فی الغایة کما هو الحال فی المبدأ مع أنّه فی محلّ المنع لأنّ مفاد الأمر بالسیر من البصرة إلی الکوفة لیس إلاّ الأمر بالسیر الواقع بینهما و لا دلالة له علی دخول جزء من البصرة أو الکوفة بل الظاهر خروجهما کما یشهد له أمثال ذلک کالأمر بالسعی بین الصفا و المروة فتدبّر جیّدا.

نعم لا ینافیه دخول المدخول فی بعض الموارد بالقرینة کقوله حفظت القرآن من أوّله إلی نهایته.

و قال صاحب الکفایة فی الثانیة أعنی غایة الحکم هذا الخلاف لا یکاد یعقل جریانه فیما إذا کان قیدا للحکم و لعلّ وجه عدم المعقولیّة هو لزوم اجتماع الضدّین إذا کانت الغایة علما بالحکم المخالف مثل قوله علیه السّلام(کلّ شیء طاهر حتّی تعلم أنّه قذر)إذ یلزم من دخول الغایة أن تجتمع الطهارة و النجاسة فی شیء واحد و هو محال.

و لکنّه منظور فیه لإمکان النزاع أیضا فیما إذا کان الحکم مقیّدا کقوله صم إلی اللیل فإنّه قابل لأن یبحث فیه عن انقطاع وجوب الصوم بانتهاء الیوم أو بقائه إلی دخول مقدار من اللیل أو إلی انقضائه فلا وجه لاختصاص النزاع بغایة الموضوع و محذور اجتماع الضدّین مخصوص بما إذا کانت الغایة هو العلم بالحکم المخالف مثل قوله علیه السّلام کلّ شیء لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام أو کلّ شیء طاهر حتّی تعلم أنّه

ص:492


1- 1) أصول الفقه:ج 1 ص 271.

قذر و لا یعمّ سائر الموارد التی یکون الحکم فیها مقیّدا بغایة أخری کاللیل و نحوه.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ النزاع مختصّ بما استعملت کلمة حتّی فی الخافضة مثل قوله تعالی: (کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّی یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ منَ الْخَیْط الْأَسْوَد منَ الْفَجْر) .

و أمّا إذا استعملت کلمة حتّی فی العاطفة فلا یجری النزاع فیها لظهورها فی الدخول کقولهم أکلت السمکة حتّی رأسها بالفتح.

ثمّ إنّ الظاهر أنّه لا فرق بین أن یکون الغایة غایة للموضوع أو غایة للحکم فی ظهورها فی الخروج لأنّ ما وجّهه نجم الأئمّة یعمّهما إذ المراد من الغایة هو ما ینتهی عنده الشیء لا آخر الشیء و من المعلوم أنّ حدود الشیء خارج عن الشیء سواء کان الشیء موضوعا أو حکما نعم لو استعمل«حتّی»أو«إلی»فی آخر نفس الشیء لا یدلاّن علی خروج الشیء کقوله قرأت القرآن من أوّله إلی آخره.

و لقد أفاد و أجاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال:و الظاهر عدم الدخول مطلقا ضرورة أنّه إذا قال:سر من البصرة إلی الکوفة و کانت الکوفة اسما للمحصور بجدار فسار إلی جدارها و لو لم یدخل فیها یصدق أنّه أتی بالمأمور به فإذا أخبر بأنّی قرأت القرآن إلی سورة یس لا یفهم منه إلاّ انتهاؤه إلیها لا قراءتها (1).

و لذا أفتی الأصحاب بکفایة السعی من الصفا إلی المروة و لو لم یذهب علی المروة و بکفایة السعی من المروة إلی الصفا و لو لم یذهب علی الصفا و لیس ذلک إلاّ لخروج الصفا و المروة کما لا یخفی.

و لا فرق فیما ذکر فی فهم العرف بین کون الغایة من جنس المغیّی و عدمه.

و أمّا ما ذهب إلیه المحقّق النائینیّ قدّس سرّه فی المحکیّ عنه من الفرق فی الجملة بین کون الغایة مدخولة لکلمة(إلی)و کونها مدخولة لکلمة(حتّی)حیث إنّ کلمة(حتّی)

ص:493


1- 1) مناهج الوصول:ج 2 ص 224.

تستعمل غالبا فی إدخال الفرد الخفیّ فی موضوع الحکم فتکون الغایة حینئذ داخلة فی المغیّی لا محالة ففیه ما لا یخفی من أنّ الغلبة المذکورة فی حتّی العاطفة لا الخافضة و لذلک قال فی المحاضرات إنّ ما ذکره شیخنا الأستاذ نشأ من الخلط بین مورد استعمال کلمة(حتّی)عاطفة و موارد استعمالها لإفادة کون مدخولها غایة ما قبلها فإنّها فی أیّ مورد من الموارد إذا استعملت لإدراج الفرد الخفیّ کما فی مثل قولنا مات الناس کلّهم حتّی الأنبیاء لا تدلّ علی کون ما بعدها غایة لما قبلها بل هی من أداة العطف فالنتیجة أنّ مقتضی الظهور العرفیّ و الارتکاز الذهنیّ عدم دخول الغایة فی المغیّی (1).

ثمّ إنّه لو شکّ فی ثبوت الحکم بعد حصول الغایة و لم یستظهر المفهوم من القضیّة المغیّاة بغایة قال شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه الظاهر هو الفرق بین ما إذا کانت الغایة قیدا للحکم و بین ما إذا کانت قیدا للموضوع ففی الأوّل یجری استصحاب الکلّیّ فی القسم الثالث أعنی ما إذا کان زوال فرد من الکلّیّ مقطوعا بعد العلم بوجوده و لکن احتمل حدوث فرد آخر من هذا الکلّی مقارنا لزوال الفرد الأوّل إذ فی هذه الصورة أیضا یقطع بزوال وجوب الجلوس مثلا عند الزوال بعد العلم بثبوته قبله و لکن یحتمل حدوث شخص آخر من وجوبه بعد الزوال متّصلا بالشخص الأوّل فیجری الاستصحاب بالنسبة إلی أصل الوجوب.

و هذا بخلاف الصورة الثانیة فإنّ الشکّ فیها لیس فی بقاء الحکم المتعلّق بموضوع واحد بل فی حدوث الحکم المتعلّق بموضوع آخر مثلا نشکّ فی حدوث الوجوب المتعلّق بالجلوس من الزوال إلی الغروب بعد العلم بزوال الوجوب المتعلّق بالجلوس من الصبح إلی الزوال فیکون مجری البراءة دون الاستصحاب لاختلاف الموضوع (2)،فتدبّر.

ص:494


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 137.
2- 2) أصول الفقه:ج 1 ص 270.

الخلاصة:

الفصل الرابع فی مفهوم الغایة

و یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی دلالة الغایة علی المفهوم

ذهب المشهور بل المعظم إلی أنّ تقیید حقیقة الحکم بالغایة یدلّ علی انتفاء الحکم سنخا بعد الغایة بناء علی دخول الغایة فی المغیّی أو یدلّ علی انتفائه سنخا عن الغایة و ما بعدها بناء علی خروج الغایة.

و یشهد له التبادر إذ تقیید حقیقة الحکم بحدّ خاصّ ظاهر فی ارتفاعه بحصول الحدّ بالخصوص و مقتضی ارتفاع حقیقة الحکم بحصول الحدّ الخاصّ هو ارتفاع جمیع أفراده إذ حقیقة الحکم و طبیعته لا یرتفع إلاّ بارتفاع جمیع أفراده فکما أنّ علّة حقیقة الوجوب بما هو وجوب إذا انحصرت فی شیء فلا محالة یقتضی انتفاء العلّة انتفاء سنخ الوجوب فکذلک فی المقام إذا حدّدت طبیعة الحکم و حقیقته بحدّ خاصّ فلا محالة تنتفی حقیقة الحکم بحصول الحدّ المذکور و إلاّ لزم الخلف فی تحدیده بذلک الحدّ کما لا یخفی.

و دعوی أنّ المحدّد بالحدّ لیس هو الطبیعة و الحقیقة بل هو الحکم الجزئی الشخصی و ارتفاع الحکم الجزئی و الشخصی بحصول الحدّ لا یدلّ علی ارتفاع طبیعة الحکم و حقیقته و سنخ الحکم.

مندفعة بأنّ جزئیّة إنشاء الحکم و خصوصیّته لیست مورد الالتفات عند الإنشاء لأنّ الهیئة آلة محضة للبعث و الإغراء من غیر توجّه إلی الجزئیّة و الکلّیّة و المفروض أنّ القضیة لیست القضیّة الشخصیّة بل القضیّة الطبیعیّة فالمحدّد هو الوجوب بما هو وجوب فإذا حصل الحدّ ینتفی الوجوب بما هو وجوب و معنی انتفائه بما هو هو انتفائه بجمیع أفراده.

ص:495

و بعبارة أخری دلالة القضیّة المغیّاة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی انتفاء حقیقة الحکم بحصول الغایة و هکذا دلالة الجمل الشرطیّة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی انتفاء حقیقة الحکم بانتفاء العلّة إذ مقتضی دلالتهما علی انتفاء حقیقة الحکم بانتفاء العلّة أو بحصول الحدّ الخاصّ هو انتفائه بجمیع أفراده.

و لیست هذه الدلالة فی القضیّة الوصفیّة فإنّها لمجرد إثبات حکم لموصوف و لا دلالة فیها علی الانتفاء عند الانتفاء و علیه فما ذهب إلیه المشهور من دلالة القضیّة المغیّاة علی المفهوم و هو انتفاء سنخ الحکم بحصول الغایة لا یخلو عن وجه و لکنّ ذلک مختصّ بما إذا کانت الغایة قیدا للحکم و أمّا إذا کانت قیدا للموضوع کقوله تعالی:

(فَاغْسلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدیَکُمْ إلَی الْمَرافق) أو قوله تعالی (وَ امْسَحُوا برُؤُسکُمْ وَ أَرْجُلَکُمْ إلَی الْکَعْبَیْن) أو کانت قیدا للمتعلّق کالأمر بالسیر من البصرة إلی الکوفة فلا مفهوم لها لأنّ الجملة حینئذ تکون کالجمل الوصفیّة فی الدلالة علی مجرّد اثبات الحکم للموضوع أو المتعلّق و لا دلالة لها علی الانتفاء عند الانتفاء.

ثم لا یخفی علیک أنه ذکر بعض أمورا لتشخیص کون الغایة غایة للحکم أو قیدا للموضوع أو المتعلّق و لکنّه لا یخلو عن تأمّل و نظر فالأولی هو إحالة ذلک إلی لاستظهار العرفی

المقام الثانی:فی دخول الغایة أو خروجها و الظاهر أنّه لا فرق بین أن یکون الغایة غایة للموضوع أو غایة للحکم فی ظهورها فی الخروج لأنّ المراد من الغایة هو ما ینتهی عنده الشیء لا آخر نفس الشیء و من المعلوم أنّ حدود الشیء خارج عن الشیء سواء کان الشیء موضوعا أو حکما نعم ربّما یستعمل الغایة فی آخر نفس الشیء و حینئذ لا تدلّ علی خروجها کقولک قرأت القرآن من أوّله إلی آخره و أمّا فی مثل سر من الصبرة إلی الکوفة أو قوله عزّ و جلّ: (ثُمَّ أَتمُّوا الصّیامَ إلَی اللَّیْل) فالکوفة خارجة عن مورد السیر الواجب فیجوز أن سار إلی جدارها و لم یدخل فیها کما أنّ الصیام ینتهی إلی اللیل و کان اللیل خارجا عن الواجب و هو صوم الیوم.

ص:496

الفصل الخامس:فی مفهوم الحصر

اشارة

و لا یذهب علیک أنّ حصر حکم فی شیء یدلّ بمفهومه علی نفی الحکم المذکور عن غیره و لا کلام فیه و إنّما الکلام فی ما یفید الحصر و یمکن استفادة الحصر من کلمات منها:

منها:کلمة الاستثناء نحو«إلاّ»و هذه الکلمة إذا کانت بمعنی الاستثناء لا بمعنی الصفة و الغیر تدلّ علی الحصر فإنّ قولنا جاءنی القوم إلاّ زیدا یدلّ علی اختصاص الإیجاب بالمستثنی منه و النفی بالمستثنی فالخارج عن المجیء منحصر فی زید.

کما أنّ قولنا ما جاءنی القوم إلاّ زید یدلّ علی اختصاص النفی بالمستثنی منه و الإیجاب بالمستثنی و علیه فالجائی منحصر فی زید.

و یدلّ علیه التبادر و الانسباق عند أرباب المحاورة و هو کاف فی إثبات الاختصاص و الدلالة المذکورة و لذلک قال الشیخ الأعظم فی محکیّ کلامه لم نعثر علی حکایة خلاف فی الحکمین(أی أنّ الاستثناء من النفی یفید إثبات الحکم للمستثنی کقولک ما جاءنی أحد إلاّ زیدا و الاستثناء من الإثبات یفید نفی الحکم له کقولک جاءنی القوم إلاّ زیدا)إلاّ من أبی حنیفة حیث إنّه ذهب فیما حکی عنه إلی عدم الإفادة و المعقول من کلامه أن یقال أنّ المستفاد من قولک ما جاءنی إلاّ زید لیس إلاّ عدم دخول زید فی الحکم المذکور و أمّا حکمه فیحتمل أن یکون موافقا أو مخالفا إلاّ أنّ شیئا منهما غیر مستفاد من الکلام المذکور فغایة ما یفیده الاستثناء خروج

ص:497

المستثنی عن کونه مخبرا عنه بالنفی و الإثبات.

و احتجّ بمثل قوله لا صلاة إلاّ بطهور فإنّه علی تقدیر عدمه(أی عدم الاهمال و دخول المستثنی فی کونه مخبرا عنه بالنفی و الإثبات)یلزم أن یکون الطهارة المقرونة مع فقد الشرائط صلاة ثمّ أشار الشیخ الأعظم قدّس سرّه الی ردّه بقوله و هو ضعیف جدا فإن الحصر إضافیّ بالنسبة إلی حالة فقدان الطهارة مع فرض بقیّة الأجزاء و الشرائط و مجرّد الاستعمال أعمّ و شواهد خلافه کثیرة أقواها التبادر کما یحکم به الوجدان السلیم و ادّعی جماعة الإجماع علی ذلک و منهم العضدیّ (1).

و کیف کان فلا یخفی علیک سخافة قول أبی حنیفة من إهمال الاستثناء بالنسبة الی المستثنی لوضوح دلالة الاستثناء علی الحکمین فی مثل لیس لزید علیّ دراهم إلاّ درهم أحدهما نفی الدراهم و ثانیهما إثبات الدرهم و لذا یحکم العقلاء بکون ذمّة القائل مشغولة بالدرهم لزید و لیس ذلک إلاّ لدلالة الاستثناء و علیه فدعوی إهمال الاستثناء بالنسبة إلی المستثنی غیر مسموعة.

ثمّ لا یخفی علیک أنّه أجاب فی الکفایة و تعلیقتها عن احتجاج أبی حنیفة بوجوه:

الأوّل:هو ما أشار إلیه الشیخ الأعظم قدّس سرّه فی محکیّ کلامه من أنّ المراد من الصلاة فی هذا الترکیب هو الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط ما عدی الطهور فیکون مفاده أنّ الصلاة التی کانت واجدة للأجزاء و الشرائط لا تکون صلاة إلاّ إذا کانت واجدة للطهارة و بدونها لا تکون صلاة علی القول بالصحیح و صلاة تامّة علی القول بالأعمّ.

أورد علیه فی المحاضرات بأنّه واضح البطلان حیث إنّ لازم ذلک هو استعمال

ص:498


1- 1) مطارح الأنظار:ص 185.

الصلاة فی معان متعدّدة حسب تعدّد هذا الترکیب فإنّها فی هذا الترکیب قد استعملت فی جمیع الأجزاء و الشرائط ما عدا الطهور.

و فی مثل قوله علیه السّلام لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب قد استعملت فی جمیع الأجزاء و الشرائط ما عدا فاتحة الکتاب مع أنّ المتفاهم العرفیّ منها معنی واحد فی کلا الترکیبین (1).

و یمکن أن یقال إنّ الصلاة مستعملة فی الماهیّة الجامعة للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتّب ما هو الباعث علی الأمر بها علیه بنحو الإبهام من دون اعتبار نوع خاصّ أو صنف خاصّ من الأجزاء و الشرائط و علیه فلا یلزم استعمال الصلاة فی معان متعدّدة بل المصادیق متعدّدة و مختلفة کما لا یخفی (2).

الثانی:إنّ عدم دلالتها علی الحصر فی مثل هذا الترکیب إنّما هو من جهة وجود القرینة و لولاه لکانت دالّة علیه.

أورد علیه فی المحاضرات بأنّه لا قرینة هنا علی ذلک حیث إنّه لا فرق بین استعمالها فی هذا الترکیب و استعمالها فی غیره من الموارد (3).

و فیه منع لأنّ تلک التراکیب صادرة فی مقام الإرشاد إلی الشرطیّة أو الجزئیّة کما هو واضح و علیه فلا مفهوم له کما سیأتی بیان ذلک إن شاء اللّه تعالی.

الثالث:إنّ کلمة(إلاّ)فی مثل هذا الترکیب تدلّ علی نفی الإمکان یعنی أنّ الصلاة لا تکون ممکنة بدون الطهور و معه تکون ممکنة فقضیّة ذلک لیس إلاّ إمکان ثبوته معه لا ثبوته فعلا فالمعنی هکذا أی لا صلاة بممکنة إلاّ بطهور فتمکن به لا أنّه لا صلاة بموجودة إلاّ بطهور فتوجد به کی یقال أنّ الصلاة لا توجد بمجرّد الطهور.

ص:499


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 145.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 180.
3- 3) المحاضرات:ج 5 ص 145.

أورد علیه المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه بأنّه إن لوحظ اقتران الهیئة الترکیبیّة الواقعیّة بالطهارة فهی صلاة فعلا لا إمکانا و إن لوحظ نفس الطهارة أو کلّ مقرون بها فهی لیست بصلاة إمکانا هذا مضافا إلی ما فی المحاضرات من أنّ موارد استعمالاتها تشهد بأنّها تستعمل للنفی الفعلیّ أو الإثبات لذلک و بکلمة أخری أنّ خبر(لا)المقدّر فیه موجود لا ممکن (1).

و أجاب فی نهایة الدرایة عن احتجاج أبی حنیفة بأنّ الظاهر من هذا الترکیب و أمثاله إثبات صلاتیّة الهیئة الواقعیّة المقرونة بالطهارة لا إثبات صلاتیّة الطهارة أو صلاتیّة کلّ مقرون بالطهارة فهو نظیر لا علم إلاّ بالعمل فإنّ مفاده إثبات أنّ العلم المقرون بالعمل هو العلم حقیقة لا أنّ العمل علم أو کلّ مقرون به علم فلا نقض بمجرّد وجود الطهارة مع فقد غیرها (2).

و لقد أفاد و أجاد سیّدنا الإمام المجاهد فی جواب أبی حنیفة حیث قال و هذا الاستدلال ضعیف ضرورة أنّ مثل قوله(لا صلاة إلاّ بطهور)و(لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب)کان فی مقام الإرشاد إلی اشتراط الصلاة بالطهارة و إنّ فاتحة الکتاب جزؤها لا بصدد الأخبار عن العقد السلبیّ و الإیجابی و فی مثله لا مفهوم للاستثناء فمعنی قوله لا صلاة إلاّ بفاتحة الکتاب أنّها جزؤها و لا تکون الصلاة بدونها صلاة لا أنّها تمام الصلاة أو إذا اشتملت علیها لا یضرّها شیء و أین هذا من مثل جاءنی القوم إلاّ زیدا (3).

ثمّ جعل فی مطارح الأنظار قبول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم إسلام من قال لا إله إلاّ اللّه من أقوی الشواهد علی ظهور الاستثناء فی الاختصاص حیث قال و قبول رسول

ص:500


1- 1) نفس المصدر:ص 146.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 180.
3- 3) مناهج الوصول:ج 2 ص 226.

اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم إسلام من قال لا إله إلاّ اللّه من أعدل الشواهد علی ذلک و القول بأنّ ذلک للقرینة أو أنّها تدلّ علی التوحید شرعا بمکان من السخافة (1).

و تقریب الاستدلال أنّ کلمة لا إله فی جملة لا إله إلاّ اللّه تنفی طبیعة الآلهة و کلمة إلاّ اللّه فیها تثبت فردا واحدا فقط منها و هو اللّه سبحانه و تعالی و لیس هذا إلاّ الدلالة علی التوحید و الاخلاص و رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم قبل عنهم مدلول کلامهم بحسب المحاورات العرفیّة لا المدلول الشرعیّ کما لا یخفی إذ دلالة هذه الجملة علی التوحید و الإخلاص مبتنیة علی ما مرّ من تبادر الحصر و الاختصاص و قبول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم المعنی الظاهر العرفیّ شاهد علی التبادر و علیه فلا یکون فی الحقیقة دلیلا غیر التبادر و لعلّ قول الشیخ یؤول إلیه حیث قال و قبول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم إسلام من قال لا إله إلاّ اللّه من أعدل الشواهد علی ذلک انتهی.کما أنّ تسمیة کلمة لا إله إلاّ اللّه بکلمة الإخلاص أیضا من شواهد التبادر المذکور.

أورد علیه فی الکفایة بإمکان أن یکون دلالتها علی التوحید بقرینة الحال أو المقال (2).

و فیه أنّ دعوی القرینة سواء کانت حالا أو مقالا لا تساعد مع کون ظهور الکلمة فی التوحید و الإخلاص مبتنیا علی التبادر و لعلّه لذلک قال فی الدرر أنّ القول بأنّ هذه الدلالة فی کلّ مورد کانت مستندة إلی قرینة خاصّة بعید غایة البعد بل المقطوع به خلافه کالقطع بخلاف أنّ هذه الکلمة کانت سببا لقبول الإسلام شرعا مع قطع النظر عن مدلولها هذا و هذا الاستدلال و إن کان حسنا لکن لا یحتاج إلیه بعد کون المعنی الذی ذکرناه متبادرا قطعیّا من القضیّة (3).

ص:501


1- 1) مطارح الأنظار:ص 185.
2- 2) الکفایة:ج 1 ص 327.
3- 3) الدرر:ج 1 ص 206-207.

و لا یخفی علیک أنّ قبول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم فرع التبادر المذکور و لیس هو دلیلا آخر و بالجملة قبول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله إسلام من قال کلمة لا إله إلاّ اللّه و أیضا تسمیة الکلمة المذکورة بکلمة الإخلاص و التوحید من شواهد تبادر الاختصاص و الحصر من الاستثناء.

ثمّ إنّه وقع الکلام فی أنّ المستفاد من کلمة التوحید هو توحید الذات أو توحید المعبود ذهب الشیخ الأعظم قدّس سرّه إلی الأوّل و قال فی مقام إثباته و اندفاع هذا الإشکال و هو أنّ إثبات عنوان الإلهیّة للّه تعالی أمّا أن یکون بالفعل أو بالإمکان فعلی الأوّل لا یدلّ علی نفی إمکان الغیر و علی الثانی لا یدلّ علی ثبوت العنوان له تعالی فعلا بأنّ الأوجه علی ما صرّح به بعض المحققین أنّ المنساق من ذلک لیس إلاّ إثبات عنوان الإلهیّة للّه تعالی فعلا و أمّا نفی إمکان غیره فإنّما هو بواسطة ملازمة واقعیّة بینهما و لا یضرّ خفاء تلک الملازمة فإنّ ما اختفی منهما إنّما هو الالتفات إلیها تفصیلا بمعنی عدم الشعور بعلمها و أمّا العلم بنفس الملازمة فإنّما هو ممّا فطره اللّه تعالی علیه عامّة الخلق-إلی أن قال-و علی تقدیر الاختفاء فلا مانع من القول بکفایة ذلک فی الحکم بالإسلام سیّما فی صدر الإسلام کما صرّح به جماعة (1).

و تبعه فی الکفایة أیضا حیث قال:و الإشکال فی دلالتها علیه بأنّ خبر لا إمّا یقدر ممکن أو موجود و علی کلّ تقدیر لا دلالة لها علیه أمّا علی الأوّل فإنّه حینئذ لا دلالة لها إلاّ علی إثبات إمکان وجوده تبارک و تعالی لا وجوده و أمّا علی الثانی فلأنّها و إن دلّت علی وجوده تعالی إلاّ أنّه لا دلالة لها علی عدم إمکان إله آخر.

مندفع بأنّ المراد من الإله هو واجب الوجود و نفی ثبوته و وجوده فی الخارج و إثبات فرد منه فیه و هو اللّه یدلّ بالملازمة البیّنة علی امتناع تحقّقه فی ضمن غیره

ص:502


1- 1) مطارح الأنظار:ص 186.

تبارک و تعالی ضرورة أنّه لو لم یکن ممتنعا لوجد لکونه من أفراد الواجب (1).

و هو جیّد و لکنّه لا یختصّ ذلک بما إذا کان الخبر هو موجود کما أفاد المحقّق الأصفهانیّ.

حیث قال و لا یخفی علیک أنّ الملازمة الواقعیّة کما تکفی مع تقدیر الخبر موجود فکذلک تکفی مع تقدیر الخبر ممکنا لأنّ ما لا یمتنع أن یکون فردا للواجب بالذات یجب وجوده حیث لا جهة امتناعیّة فلا یقاس بغیره حیث لا یلازم الإمکان مع فعلیّة الوجود بل یجتمع مع عدمه لعدم العلّة بل مع امتناعه فعلا للامتناع الوقوعیّ الجامع مع الإمکان الذاتیّ (2).

و کیف کان فهذا البیان یکفی فی دلالة کلمة الإخلاص علی التوحید الذاتیّ.

أورد علیه سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه بأنّ الأجوبة الدقیقة الفلسفیّة و إن کانت صحیحة لکنّها بعیدة عن أذهان العامّة فابتناء قبوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم علی تلک الدقائق التی قصرت أفهام الناس عنها مقطوع العدم (3).

اللّهم إلاّ أن یقال:إنّ القبول یکفیه الارتکاز و إن لم یکن القائل قادرا علی البیان المبتنی علی الدقائق و ارتکاز وحدة الخالق و الواجب موجود فی الآحاد کما هو المفروض و یشهد له تخصیصهم خلقة السماوات و الارض باللّه تعالی عند السؤال عن خالقهما.

و أمّا ما أورده شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه من أنّ لفظ الإله لیس بحسب اللغة واجب الوجود بل یطلق علی المعبود و المناسب أن یراد به هاهنا المعبود بالحقّ لئلاّ

ص:503


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 327.
2- 2) نهایة الدرایة:ج 2 ص 180.
3- 3) مناهج الوصول:ج 2 ص 226.

یلزم الکذب من حصره فیه تعالی (1).

ففیه أنّ لفظة الإله ربما استعملت فی المحاورات فی معنی واجب الوجود و إن لم تستعمل فی أصل اللغة و لعلّ من هذا الباب قوله تعالی (أَ إلهٌ مَعَ اللّه) فی آیات من القرآن الکریم کقوله (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماوات وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَکُمْ منَ السَّماء ماءً فَأَنْبَتْنا به حَدائقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُنْبتُوا شَجَرَها أَ إلهٌ مَعَ اللّه بَلْ هُمْ قَوْمٌ یَعْدلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً -إلی أن قال عزّ و جلّ-: أَ إلهٌ مَعَ اللّه -إلی أن قال-: أَمَّنْ یُجیبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعاهُ -إلی أن قال-: أَ إلهٌ مَعَ اللّه -إلی أن قال-: أَمَّنْ یَهْدیکُمْ فی ظُلُمات الْبَرّ وَ الْبَحْر -إلی أن قال-: أَ إلهٌ مَعَ اللّه) (2)

و قوله تعالی أیضا فی سورة القصص (وَ هُوَ اللّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فی الْأُولی وَ الْآخرَة وَ لَهُ الْحُکْمُ وَ إلَیْه تُرْجَعُونَ قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إنْ جَعَلَ اللّهُ عَلَیْکُمُ اللَّیْلَ سَرْمَداً إلی یَوْم الْقیامَة مَنْ إلهٌ غَیْرُ اللّه یَأْتیکُمْ بضیاءٍ) (3).

و علیه فلا مانع من أن یکون المراد من الإله فی کلمة التوحید هو الواجب فتفید کلمة الإخلاص التوحید الذاتیّ کما لا یخفی و من المعلوم أنّ التوحید الذاتیّ یتعقّبه التوحید فی العبادة إذ لا یستحقّ للعبادة إلاّ الواجب المتعال.

ثمّ إنّ المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه أفاد بیانا یدلّ علی کلا الأمرین أی التوحید الذاتیّ و التوحید فی العبادة حیث قال:إنّ الإله بمعنی المستحقّ للعبادة و إن لم یعبد بالفعل راجع إلی الصفات الذاتیّة الراجعة إلی نفس الذات فإنّ استحقاق العبادة من أجل المبدئیّة و الفیّاضیّة فیستحقّ العلّة انقیاد المعلول لها و تخضعه لها فنفی فعلیّة هذا المعنی فی غیره تعالی لعدم کونه بذاته مبدأ مقتضیا لذلک و یستحیل أن ینقلب عمّا هو

ص:504


1- 1) أصول الفقه:ج 1 ص 274.
2- 2) النمل:60-64.
3- 3) القصص:70-71.

علیه (1).

و هو أیضا بیان تامّ یفید التوحید فی وجوب الوجود و التوحید فی استحقاق العبادة اللّهم إلاّ أن یقال إنّه بعید عن الأذهان و لذلک ذهب فی نهایة الأصول إلی أنّ العرب فی صدر الإسلام لم یکونوا مشرکین فی أصل واجب الوجود بحیث یعتقدون وجود آلهة متعدّدة فی عرض واحد بل کانت صفات الألوهیّة ثابتة عندهم لذات واحدة و إنّما کانوا مشرکین فی العبادة حیث کانوا یعبدون بعض التماثیل التی ظنّوا أنّها وسائط بینهم و بین اللّه و کانوا یعتقدون استحقاقها للعبودیّة أیضا کما یشهد بذلک قوله تعالی حکایة عنهم ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لیُقَرّبُونا إلَی اللّه فکلمة الإخلاص وردت لردعهم عن ذلک فمعناها نفی استحقاق العبودیّة عمّا سواه کما یشهد بذلک معنی کلمة «إله»فإنّها بمعنی المعبود و بالجملة کلمة الإخلاص لإثبات التوحید فی العبادة لا فی الألوهیّة إذ التوحید فی أصل الألوهیّة کان ثابتا عندهم قبل الإسلام أیضا فافهم (2).

و تبعه سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال:و یمکن أن یقال إنّ عبدة الأوثان فی زمانه کانوا معتقدین باللّه تعالی لکن جعلوا الأوثان وسائط له و کانوا یعبدونها لتقرّبهم إلی اللّه تعالی فقبول کلمة التوحید إنّما هو لأجل نفی الآلهة(أی المعبودین)لا إثبات وجود الباری تعالی فإنّه کان مفروغا عنه (3).

و من المعلوم أنّ الاعتقاد بوحدة الألوهیّة و المفروغیّة بالنسبة إلی توحید وجود الباریّ تعالی یکفی فی واجب الاعتقاد و لا یلزم أن یکون عندهم مدلّلا بالأدلّة الفلسفیّة بل یکفی تطابقه مع الواقع و هذا الاعتقاد حاصل و مفروغ عنه و لا نزاع بین النبیّ صلّی اللّه علیه و آله و بین المشرکین فی ذلک و إنّما النزاع فی وحدة المستحقّ للعبادة و هذا هو

ص:505


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 181.
2- 2) نهایة الأصول:ج 1 ص 313.
3- 3) مناهج الوصول:ج 2 ص 226.

الذی اختاره سیدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه.

و لکنّ بعد لا یخلو هذا المعنی عن الإشکال أیضا و هو أنّ دلالة کلمة التوحید علی اعتقاد القائل بوحدانیّة الواجب المتعال لا تختصّ بجماعة المشرکین المعاصرین للنبیّ صلّی اللّه علیه و آله الذین اعتقدوا بوجود الخالق الأصلیّ و الواجب المتعال بل هی دالّة علیها و لو کانت صادرة من غیرهم من الطوائف و الملل الذین لم یعتقدوا بوجود الخالق أصلا کالمادّیین کما یقتضیه إطلاق قوله صلّی اللّه علیه و آله قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا.

و لذلک أورد فی تحریرات فی الأصول علیه بقوله ضرورة أنّ هذه الکلمة تقبل شهادة من الکافر الجاحد المنکر الدهریّ و تکفی لترتّب أحکام الإسلام علیها إذا اقترنت بالشهادة الثانیّة فلا تخصّ بتلک الطائفة بالقطع و النصّ فما ارتضاه الأعلام السیّدان البروجردیّ و الوالد و العلاّمة المحشّی عفی عنهم لا یخلو من غرابة أیضا (1).

و علیه فما ذهب إلیه الشیخ الأنصاریّ و تبعه صاحب الکفایة من أنّ المراد من الإله هو واجب الوجود و المقصود من کلمة الإخلاص هو التوحید الذاتیّ و یتبعه العبادیّ أو ما ذهب إلیه المحقّق الأصفهانیّ من أنّ الاستحقاق للعبادة راجع إلی الصفات الذاتیّة یکون أظهر و أشمل و إنّ کان البیان التفصیلیّ لهما بعیدا عن بعض الأذهان.

و علیه فکلمة لا إله إلاّ اللّه تدلّ علی التوحید الذاتیّ و العبادیّ مطلقا سواء من المشرک المعتقد باللّه تعالی أو من الکافر الجاحد للّه تعالی کما یقتضیه إطلاق قوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم قولوا لا إله إلاّ اللّه تفلحوا.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ مفاد«إلاّ»فی الجمل الاستثنائیّة لیس إلاّ الإخراج من المستثنی منه حکما و أمّا إثبات الحکم المخالف لمدخولها فهو لازم الإخراج و تخصیص

ص:506


1- 1) تحریرات فی الأصول:ج 5 ص 176.

الحکم بالمستثنی منه.

قال المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه إنّ الإخراج لیس عین معنی سلب المجیء عن زید مثلا بل لازمه ذلک کما أنّ عدم الوجوب بعدم المجیء لازم العلّیّة المنحصرة لا عین معناها إذ العلّیّة هی المدخلیّة و لازم المدخلیّة علی وجه یخصّ بشیء عدم المعلول بعدمه لا أنّ العلّیّة متقوّمة بالوجود عند الوجود و العدم عند العدم ضرورة أنّ العلّیّة من المفاهیم الثبوتیّة فتوهّم أنّ ما یسمّی مفهوما عند القوم منطوق علی القول به غفلة (1).

و علیه فالاستثناء فی مثل جاءنی القوم إلاّ زیدا یدلّ علی الإخراج و اختصاص المجیء بالمستثنی منه و لازم ذلک هو سلب المجیء عن زید فی مثل جاءنی القوم إلاّ زیدا.

و حیث إنّ سلب المجیء عن المستثنی یکون من لوازم الإخراج فلا یکون الدلالة علیه بالمنطوق بل تکون بالمفهوم و علیه فلا وجه لقول صاحب الکفایة بأنّه لو کانت الدلالة فی طرف المستثنی بنفس الاستثناء لا بتلک الجملة کانت بالمنطوق هذا مضافا إلی ما فیه من جعل الدالّ علی الحصر هو الجملة المشتملة علی الاستثناء لا نفس الاستثناء مع أنّ الموضوع للحصر هو نفس الاستثناء لا الجملة المشتملة علیه فلا تغفل و کیف کان فقد أفاد فی الکفایة أنّه لا ثمرة فی النزاع بین أن تکون الدلالة بالمنطوق أو المفهوم بعد ما کان الملاک فی التقدیم عند تعارض المنطوق و المفهوم هو أقوائیّة الدلالة لا مجرّد المنطوقیّة أو المفهومیّة فتدبّر جیّدا.

أورد علیه بأنّ الحقّ أنّ هذا البحث له أثر عملیّ کبیر و نستطیع أن نقول إنّ المهمّ فی مبحث الاستثناء هو هذا الأمر و ذلک لأنّه إذا کان ثبوت الحکم فی المستثنی من باب المفهوم و کونه لازم الخصوصیّة الثابتة لحکم المستثنی منه فمع الشکّ فی سعة

ص:507


1- 1) نهایة الدرایة:ج 2 ص 181.

الحکم فی المستثنی و ضیقه لا طریق لدینا لإثبات سعته إذ لا معنی للإطلاق فیه بعد إن کان مدلولا التزامیّا.

و هذا بخلاف ما لو کان الحکم مدلولا للمنطوق فإنّه یمکن التمسّک بإطلاقه فی إثبات سعة الحکم و ما یصلح مثالا لما نحن فیه قوله علیه السّلام لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس فإنّه مع الشکّ فی ثبوت الإعادة من جهة هذه الخمس فی بعض الحالات فإن کان ثبوت الإعادة فیها بالمفهوم لا مجال لإحرازه فی مورد الشکّ و لو علم نفی الإعادة بنحو مطلق فی طرف المستثنی منه إذ لعلّ الاستثناء من حیث المجموع لا من حیث کلّ فرد فرد و أمّا إذا کان ثبوت الإعادة فیها بالمنطوق أمکن التمسّک بإطلاق الکلام فی إثباته فی مورد الشکّ فإنّه نظیر ما لو قال:لا تعاد الصلاة من کذا و کذا و تعاد من خمس (1).

و یمکن أن یقال:إنّ احتمال کون الاستثناء من حیث المجموع جار علی کلّ تقدیر سواء کان ثبوت الحکم فی المستثنی من باب المفهوم أو من باب المنطوق فکما أنّه یرفع بمقدّمات الإطلاق فیما إذا کان من باب المنطوق و یمنع احتمال مدخلیّة المجموع فکذلک یکون فیما إذا کان من باب المفهوم لأنّ الخصوصیّة الثابتة لحکم المستثنی منه المستتبعة للمفهوم مستفادة من الاستثناء أیضا و علیه فاحتمال مدخلیّة المجموع فی الخصوصیّة المذکورة مندفع بإطلاق الاستثناء علی کلا التقدیرین لأنّه یحتاج إلی مئونة زائدة و هی ملاحظة المجموع.

و علیه فلا یترتّب أثر علی النزاع المذکور فضلا عن أن یکون أثرا مهمّا.

نعم هنا ثمرة أخری تترتّب علی أنّ الحصر هل یکون مستفادا من مجموع الاخراج المستفاد من لفظة إلاّ و العموم المستفاد من المستثنی منه أو یکون مستفادا من نفس لفظة«إلاّ»و هی علی ما أفادها شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه أنّه إن کان الأوّل

ص:508


1- 1) منتقی الأصول:ج 3 ص 289.

یجوز ورود التخصیصات المتعدّدة علی الحصر المذکور فإنّه یرجع الإخراج مع العموم إلی انحصار الخارج فی مثل قولهم جاءنی القوم إلاّ زیدا فی زید و إنّ ما عداه داخل فی القوم و محکوم بحکمه فلیس فی البیّن إلاّ عامّ قد خصّ بفرد و هو زید فیمکن حینئذ أن یرد علی العامّ المذکور أیضا تخصیصات بغیره.

و أمّا إن کان الثانی أی کان الحصر مستفادا من نفس«إلاّ»فهو کأنّه یقال الزید خارج و لیس غیره فحینئذ یکون ورود دلیل آخر لخروج غیره منافیا مع هذا الحصر کما ینافی مع عموم المستثنی منه و لا یتوهّم أنّه أیضا عموم لأنّه عنوان الحصر المنحلّ إلی العموم لا أنّه ابتداء عموم فمع المنافاة مع الحصر فاللازم فی مقام العلاج عند تعدّد الاستثناء هو حمل الحصر علی الحصر الإضافیّ أو علی الحصر غیر المشوب بالکراهة بحسب اختلاف الموارد کما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ الأراکی قدّس سرّه فی مقام الجمع بین الأدلة الدالّة علی حصر العیوب المجوّزة لفسخ نکاح المرأة فی الأربعة من البرص و الجذام و الجنون و العفل مع أدلّة أخری تدلّ علی جواز الفسخ بالإفضاء و العرج و العمی بحمل الأربعة علی حصر الجواز الغیر المشوب بالکراهة دون غیرها (1).

و لکنّ لقائل أن یقول إنّ مفاد الاستثناء هو إخراج مدخوله کزید و لیس غیره مستفادا من إطلاق المدخول و علیه فکما یمکن ورود التخصیصات بالنسبة إلی عامّ قد خصّ بفرد و هو زید فکذلک یمکن تقیید إطلاق المدخول بورود مخصّصات أخری و حمل الحصر علی الإضافیّ لازم علی کلا التقدیرین فلا ثمرة مهمّة فی ذلک لأنّ مرجع التخصیصات إلی تخصیص العامّ أو تقیید إطلاق المدخول فتدبّر جیّدا.

و منها کلمة«إنّما»و هی علی المعروف تکون من أداة الحصر مثل کلمة«إلاّ» فإذا استعملت فی حصر الحکم أو الصفة فی موضوع معین دلّت بالملازمة البیّنة علی

ص:509


1- 1) راجع کتاب النکاح:ص 457-459.

انتفائه عن غیر ذلک الموضوع.

و الدلیل علیه هو التبادر العرفیّ عند أهل العرف المستعمل مضافا إلی تصریح أهل اللغة کالأزهریّ بذلک مع دعوی عدم الخلاف عن بعض بل الإجماع کما علیه أئمّة التفسیر أیضا.

و حکی عن المبرّد فی جواب من سأله عن اختلاف قولهم إنّ زیدا قائم و إنّما زید قائم أنّ الأوّل إخبار عن قیامه فقط(بخلاف الثانی فإنّه إخبار بذلک)مع اختصاصه به و ظاهره اختلاف المدلول باختلاف الدلالة و أیّد ذلک بدعوی التبادر عند استعمال تلک اللفظة.

أورد علیه الشیخ الأنصاریّ قدّس سرّه بأنّ الإنصاف أنّه لا سبیل لنا إلی ذلک فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة و لا یعلم بما هو مرادف لها فی عرفنا حتّی یستکشف منها ما هو المتبادر منها بخلاف ما هو بأیدینا من الألفاظ المترادفة قطعا لبعض الکلمات العربیّة کما فی أداة الشرط.

و أمّا النقل المذکور فاعتباره فی المقام موقوف علی اعتبار قول اللغویّ فی تشخیص الأوضاع علی تقدیر أن لا یکون ذلک منهم اجتهادا و لم یثبت ذلک إلاّ علی تقدیر اعتبار مطلق الظنّ کما قرّر فی محلّه و قد یتمسّک بأنّ العلماء لا یزالون یتمسّکون بحدیث إنّما الأعمال بالنیّات لفساد العمل بلا نیّة کاعتمادهم علی قوله و إنّما الولاء لمن أعتق فی مثله و هو لا یجدی شیئا.

إذ بعد الغضّ عمّا فیه لا یزید عن مجرّد الاستعمال (1).

و تبعه شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه حیث قال قد ینکر دلالة کلمة«إنّما»علی الانحصار و غایة الأمر أنّ تأکیدها أزید من تأکید«إنّ»الخالیّة عن«ما»و ربما یشهد

ص:510


1- 1) مطارح الأنظار:ص 186.

تعبیرنا فی الفارسیّة عن معناها بقولنا:(این است و جز این نیست)فإنّه لا یستفاد منه إلاّ زیادة تأکید بدون استفادة الانحصار (1).

و یمکن الجواب عنه أوّلا کما فی الکفایة بأنّ السبیل إلی التبادر لا ینحصر بالانسباق إلی أذهاننا فإنّ الانسباق إلی أذهان أهل العرف أیضا سبیل (2).

و لعلّه یکفی لإثبات التبادر عند أذهان عرف المحاورة ما حکی عن أهل الأدب العربیّ فی التفاسیر من الأقوال و الأشعار فإنّها توجب الاطمئنان بذلک.

قال فی مجمع البیان:لفظة إنّما مخصّصة لما أثبت بعده و نافیة لما لم یثبت یقول القائل لغیره إنّما لک عندی درهم فیکون مثل أن یقول إنّه لیس لک عندی إلاّ درهم و قالوا إنّما السخاء حاتم یریدون نفی السخاء عن غیره و التقدیر إنّما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف و المفهوم من قول القائل إنّما أکلت رغیفا و إنّما لقیت الیوم زیدا نفی أکل أکثر من رغیف و نفی لقاء غیر زید.

و قال الأعشی:

و لست بالأکثر منهم حصی و إنّما العزّة للکاثر

أراد نفی العزّة عمّن لیس بکاثر (3).

و قال الزمخشریّ فی ذیل قوله تعالی إنَّما وَلیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ یُقیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکعُونَ و معنی إنّما اختصاصهم بالموالاة (4).

و الظاهر من عبارة المجمع و الکشّاف و غیرهما أنّ«إنّما»تدلّ علی الحصر عند

ص:511


1- 1) کتاب النکاح:ص 457.
2- 2) الکفایة:ج 1 ص 328.
3- 3) مجمع البیان:ج 3 ص 209.
4- 4) الکشّاف:ج 1 ص 623.

استعمال أبناء المحاورة کما یشهد له الاستشهاد بالأقوال و الأشعار المذکورة.

و ثانیا:بأنّ عدم اعتبار قول اللغویین فی تشخیص الأوضاع لأنّهم یذکرون نوعا موارد الاستعمال و لا ینظرون إلی کونها حقیقة أو مجازا لا ینافی حصول الوثوق بذلک من نقلهم فی بعض الموارد فی الجملة و لعلّ المقام من جملة هذه الموارد قال فی تاج العروس و أنّ المفتوحة فرع عن أنّ المکسورة فصحّ أنّ إنّما تفید الحصر کأنّما-إلی أن قال-:و معنی إنّما إثبات لما یذکر بعدها و نفی لما سواه ثمّ زاد.

و فی الصحاح إذا زدت علی«إنّ»«ما»صار للتعیین کقوله تعالی إنّما الصدقات للفقراء و المساکین لانّه یوجب إثبات الحکم للمذکور و نفیه عمّا عداه،انتهی.

و اجتمعا فی قوله تعالی قُلْ إنَّما أَنَا بَشَرٌ مثْلُکُمْ یُوحی إلَیَّ أَنَّما إلهُکُمْ إلهٌ واحدٌ فالأولی لقصر الصفة علی الموصوف و الثانیة لعکسه أی لقصر الموصوف علی الصفة و قول من قال من النحویین إنّ الحصر خاصّ بالمکسورة و إلیه أیضا یشیر نصّ الجوهریّ مردود (1).

و لا یخفی علیک أنّ قوله و معنی إنّما إثبات لما یذکر بعدها و نفی لما سواه ظاهر فی أنّه فی مقام بیان معنی إنّما عند أبناء المحاورة لا ما فهمه باجتهاده من عبائرهم و هکذا قول الصحاح إذا زدت علی«إنّ»«ما»صار للتعیین ظاهر فی إنّه کذلک عند أبناء المحاورة.

و ثالثا:بأنّ ما ذکره شیخنا الأستاذ قدّس سرّه من أنّه لا یستفاد من قولنا(این است و جز این نیست)إلاّ زیادة تأکید بدون استفادة الانحصار منظور فیه لأنّ العبارة المذکورة تدلّ علی الحصر و لعلّه یرجع إلی الذی أشار إلیه فی تاج العروس من أنّ معنی إنّما إثبات لما یذکر بعدها و نفی لما سواه و هکذا إن قلنا بأنّ معنی کلمة انّما فی اللغة

ص:512


1- 1) تاج العروس:ج 9 ص 129.

الفارسیّة هو(تنها).

و رابعا:إنّ بعض المصرّحین بأنّ لفظة إنّما تدلّ علی الحصر کانوا أنفسهم من أهل اللسان و هم کثیرون من أهل الأدب و التفسیر و اللغة و علم الأصول کالأعشی أحد المعروفین من شعراء الجاهلیّة و المبرّد البصریّ و من جملتهم الشهید الصدر قدّس سرّه حیث قال:فمن جملة أدوات الحصر کلمة(إنّما)فإنّها تدلّ علی الحصر وضعا بالتبادر العرفیّ (1).

هذا مضافا إلی غیرهم ممّن سکنوا البلاد العربیّة سنوات متمادیة بحیث کانوا یعدّون من أهل اللسان کالأزهریّ الهرویّ و غیره.

فانقدح ممّا ذکر أنّه لا وقع لما یقال من أنّ التبادر غیر ثابت بعد ما عرفت من تصریح اللغویین و المفسّرین و أهل الأدب بظهور الکلمة فی الحصر.

قال فی المحاضرات:و قد نصّ أهل الأدب أنّ کلمة(إنّما)من أداة الحصر و تدلّ علیه هذا مضافا إلی أنّه المتبادر منها أیضا نعم لیس لها مرادف فی لغة الفرس علی ما نعلم حتّی نرجع إلی معنی مرادفها فی تلک اللغة لنفهم معناها نظرا إلی أنّ الهیئات مشترکة بحسب المعنی فی تمام اللغات مثلا لهیئة اسم(الفاعل)معنی واحد فی تمام اللغات بشتّی أنواعها و کذا غیرها و هذا بخلاف الموادّ فإنّها تختلف باختلاف اللغات و کیف کان فیکفی فی کون هذه الکلمة أداة للحصر و مفیدة له تصریح أهل الأدب بذلک من جهة و التبادر من جهة أخری ثمّ إنّها قد تستعمل فی قصر الموصوف علی الصفة و قد تستعمل فی عکس ذلک و هو الغالب و علی الأوّل فهی تستعمل فی مقام التجوّز أو المبالغة کقولنا(إنّما زید عالم أو مصلح)أو ما شاکل ذلک مع أنّ صفاته لا تنحصر به حیث إنّ له صفات أخری غیره و لکنّ المتکلّم بما أنّه بالغ فیه و فرض

ص:513


1- 1) الحلقة الثالثة:ج 1 ص 181.

کأنّه لا صفة له غیره فجعله مقصورا علیه ادّعاه.

و علی الثانی فهی تفید الحصر کقولنا إنّما الفقیه زید مثلا و إنّما القدرة للّه تعالی و ما شاکل ذلک-إلی أن قال-:فالنتیجة أنّ هذه الکلمة غالبا تستعمل فی قصر الصفة علی الموصوف و هی تفید الحصر عندئذ نعم قد تستعمل للمبالغة فی هذا المقام أیضا و عندئذ لا تدلّ علی الحصر (1).

و لقد أفاد و أجاد إلاّ أنّ ظاهره أنّ تصریح أهل الأدب دلیل آخر مع أنّه لیس کذلک بل هم یشیرون إلی التبادر عند أهل اللسان ثمّ إنّ استعمال کلمة إنّما فی قصر الموصوف و إن لم یفد الحصر الحقیقیّ بل المقصود هو الحصر الادّعائیّ و الإضافیّ فی مقام المبالغة و التجوّز و لکنّه حاک عن کون الکلمة موضوعة للحصر الحقیقیّ کما لا یخفی.

و کیف کان فقد استدلّ الفخر الرازیّ علی عدم إفادة إنّما للحصر بقوله تعالی:

(إنَّما مَثَلُ الْحَیاة الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ منَ السَّماء) مع أنّه لا شکّ فی أنّ الحیاة الدنیا لها أمثال أخری و لا تنحصر بهذا المثل.

و بقوله تعالی (إنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعبٌ وَ لَهْوٌ) مع أنّه لا شکّ فی أنّ اللعب و اللهو قد یحصلان فی غیرها و یمکن الجواب عنه أوّلا بأنّ الاستعمال بالقرینة فی غیر المعنی الموضوع له لا ینافی تبادر معناه عند أهل اللسان کما أنّ استعمال الأمر فی غیر الوجوب لا ینافی تبادر الوجوب منه.

و علیه فلا ضمیر فی استعمال کلمة إنّما فی الآیة الأولی فی مجرّد التأکید بقرینة أنّ للحیاة الدنیا أمثال أخری.

و ثانیا:بأنّ کلمة إنّما استعملت فی الآیة الأولی فی الحصر الإضافیّ و المراد هو

ص:514


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 140-141.

نفی ما توهّمه أهل الدنیا بالنسبة إلی الدنیا و إفادة الحصر الإضافیّ و الادّعائیّ بکلمة «إنّما»تکون ناشئة عن کون الکلمة موضوعة للحصر الحقیقی کما لا یخفی.

و ثالثا:بأنّ کلمة إنّما فی الآیة الثانیة تفید الحصر الحقیقیّ کما أفاده فی المحاضرات حیث قال:إنّ المراد من الحیاة فی الآیة الثانیة هی الحیاة الدانیة فالدنیا صفة لها و هی تنحصر باللعب و اللهو یعنی أنّ الحیاة الدنیّة فی هذه الدنیا هی اللعب و اللهو بمقتضی دلالة کلمة إنّما إلی أن قال الآیة فی مقام بیان حصر الحیاة الدنیا بهما لا حصرهما بها فلا یکون حصولهما فی غیر الحیاة الدنیا یعنی الحیاة الأخرویّة مانعا من دلالة الآیة علی الحصر (1).

و رابعا:بالنقض بکلمة إلاّ مع أنّه لا شبهة فی دلالتها علی الحصر فیما إذا استعملت فی مثل ما ذکر و لم یقل أحد بأنّ ذلک مضرّ بإفادتها للحصر أ لا تری قوله تعالی: (وَ مَا الْحَیاةُ الدُّنْیا إلاّ لَعبٌ وَ لَهْوٌ ) فإذن فما هو الجواب هناک هو الجواب فی المقام فإن أجیب عن ذلک بأنّ هذا من ناحیة قیام قرینة خاصّة فنقول بعین ذلک فی المقام فلا تغفل.

ثمّ لا یخفی علیک أنّ إنّما تدلّ علی تخصیص الحکم أو الصفة بالموضوع أو الموصوف فی مثل إنّما مجتهد زید بالمطابقة و تدلّ علی نفی الاجتهاد عن غیر زید بالمفهوم إذ لازم تخصیص الاجتهاد بزید هو نفیه عن غیره کما أنّ إنّما تدلّ علی تخصیص موضوع بصفة فی مثل إنّما زید کاتب بالمطابقة و تدلّ علی نفی اتّصافه بغیرها من الصفات بالمفهوم إذ لازم تخصیص الموضوع بالصفة هو ذلک و بالجملة کلمة إنّما تدلّ علی خصوصیّة هی تدلّ علی نفی الصفة أو الحکم أو الموضوع بالدلالة الالتزامیّة و علیه فالحصر مفهوم من دلالة إنّما علی الخصوصیّة المذکورة و بهذا الاعتبار صحّ

ص:515


1- 1) المحاضرات:ج 5 ص 143-144.

إدراجه فی مبحث المفاهیم فلا تغفل.

و منها کلمة«بل»الإضرابیّة قال فی الکفایة أنّ الإضراب علی أنحاء:منها ما کان لأجل أنّ المضرب عنه إنّما أتی به غفلة أو سبقه به لسانه(کقوله اشتریت دارا بل دکّانا)فیضرب بها عنه إلی ما قصد بیانه فلا دلالة له علی الحصر أصلا فکأنّه أتی بالمضرب إلیه ابتداء کما لا یخفی؛و منها ما کان لأجل التأکید(کقوله قدم رکبان الحجّاج بل المشاة)فیکون ذکر المضرب عنه کالتوطئة و التمهید لذکر المضرب إلیه فلا دلالة له علیه أیضا؛و منها ما کان فی مقام الردع و إبطال ما أثبت أوّلا کقوله تعالی:

(وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عبادٌ مُکْرَمُونَ) فیدلّ علیه و هو واضح (1).

و الحاصل أنّ کلمة بل موضوعة لمعان و مشترکة بینها فالدالّ علی الحصر هو القسم الأخیر منها.

و تبعه المحقّق العراقیّ حیث قال:و مثل«إنّما»فی الدلالة علی المفهوم کلمة«بل» الإضرابیّة فیما جیء للأعراض عن حکم ما سبق لا غلطا أو سهوا إذ یستفاد منها اختصاص سنخ الحکم بما یتلوها (2).

قال سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه ربما تکون کلمة بل مستعملة فی مقام إثبات الحکم لشیء آخر زائدا علی الموضوع السابق مثل جاء غلام زید بل زید.

و ربما تکون مستعملة للترقّی مثل یجوز صلاة الجمعة بل تجب فلا تفید الحصر فی الصورتین المذکورتین.

و ربما تکون مستعملة لابطال السابق و إثبات اللاحق و الداعی من هذا الاستعمال علی أنحاء:منها الغفلة و منها التوطئة و منها التوضیح و منها إبطال ما سبق و إثبات اللاحق و لا إشکال فی أنّ بل الإضرابیة ظاهرة فی القسم الأخیر لأنّ احتمال

ص:516


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 329.
2- 2) نهایة الأفکار:ص 502.

الغفلة و سبق اللسان مندفع بأصالة عدم السهو و الخطأ کما أنّ احتمال التوطئة مندفع بأصالة الجدّ فما لم تقم قرینة خاصّة علی الأمور المذکورة فالظاهر من کلمة بل هو إبطال ما سبق و تخصیص الحکم بما یتلوها و هذا التخصیص یفید الحصر فکلمة بل و إن کانت مشترکة بین المعانیّ المذکورة و لکنّها ظاهرة فی القسم الأخیر من دون حاجة إلی قیام القرینة بعد جریان أصالة عدم السهو و الخطأ و أصالة الجدّ و علیه فلا وقع لما یقال من أنّ بعد صحّة استعمال کلمة بل فی غیر القسم الأخیر فلا محالة یحتاج استفادة القسم الأخیر منها إلی القرینة هذا و لکنّ الإنصاف أنّ إفادة القسم الأخیر للحصر تتوقّف علی إحراز کون المتکلّم فی مقام تخصیص سنخ الحکم بمدخول بل لا الحکم المذکور فی شخص القضیّة أو علی إحراز کونه فی مقام تخصیص الفرد الخاصّ بخصوصه من بین الأفراد بالحکم أو الصفة و هو محتاج إلی القرینة و إلاّ فشأن کلمة بل لیس إفادة الحصر و إفادة الحصر فی مثل جاءنی القوم بل زید من جهة کون القوم اسم الجمع فإبطال مجیء القوم و هو اسم الجمع و إثبات المجیء لزید یفید الحصر لا من جهة کلمة بل فتدبّر.

و منها إفادة الحصر من ناحیة تعریف المسند إلیه بلام الجنس مع حمل المسند الاخص علیه کقوله عزّ و جلّ الحمد للّه.

قال فی الکفایة و التحقیق أنّه لا یفیده إلاّ فیما اقتضاه المقام لأنّ الأصل فی اللام أن تکون لتعریف الجنس کما أنّ الأصل فی الحمل فی القضایا المتعارفة هو الحمل المتعارف الذی ملاکه مجرّد الاتّحاد فی الوجود فإنّه الشائع فیها لا الحمل الذاتیّ الذی ملاکه الاتّحاد بحسب المفهوم کما لا یخفی و حمل شیء علی جنس و ماهیّة کذلک لا یقتضی اختصاص تلک الماهیّة به و حصرها علیه نعم لو قامت قرینة علی أنّ اللام للاستغراق أو أنّ مدخوله أخذ بنحو الإرسال و الإطلاق أو علی أنّ الحمل کان ذاتیّا

ص:517

لا قید حصر مدخوله علی محموله و اختصاصه به (1).

حاصله أنّ إفادة الحصر إمّا من ناحیة لام الجنس أو من ناحیة الحمل و شیء منهما لا یفید الحصر أمّا اللام فلأنّ الأصل فیه و إن کان إنّه لتعریف الجنس و لکنّ الجنس بنفسه لا یفید الحصر إلاّ أن یقوم قرینة علی أنّ المراد منه هو الجنس المطلق أو الاستغراق.

کقرینة المقامیة مثل کون الحمد واردا فی مقام الشکر علی نعم اللّه و آلائه و من المعلوم أنّه یقتضی انحصار مبنی الحمد به جلّ و علا و أمّا الحمل فالأصل فیه هو أن یکون حملا شائعا صناعیّا و اللازم فیه هو التغایر المفهومیّ و الاتّحاد الوجودی و ذلک لا یقتضی الحصر فقولنا الإنسان زید لا یفید الحصر و لا یمنع اتّحاده مع زید عن اتّحاده مع غیره من سائر الأفراد هذا.

أورد علیه سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه بأنّ ظاهر المبتدأ و الخبر أنّ المبتدأ لا یوجد بدون الخبر فإذا اکتفی بواحد من الأخبار دون غیره یفید لام الجنس الحصر و علیه فإن کان المسند إلیه أعمّ من المسند کما إذا کان المراد منه الجنس لا ینفکّ الجنس عن المسند و یختصّ به و لا یصحّ ذلک فیما إذا کان المسند أخصّ إلاّ أن یکون المقصود هو الحصر الادّعائیّ فالحصر من لوازم حمل الأخصّ علی الأعمّ و لو کان الحمل حملا شایعا صناعیّا فالحمل فی مثل الحیوان إنسان أو الإنسان زید لا یصحّ إلاّ إذا کان المقصود أنّ حقیقة الحیوان لا تتجاوز عن الإنسان ادّعاء أو حقیقة الإنسان لا تتجاوز عن زید ادّعاء من جهة المبالغة أو غیرها نعم لو کان اللام للعهد الذکریّ کان المقصود من المسند إلیه هو الإشارة إلی شخص معهود.

فلا یستفاد من حمل المسند علیه حصر لأنّه لیس من باب حمل الأخصّ

ص:518


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 330.

علی الأعمّ.

و علیه فلا حاجة فی إفادة الحصر إلی إثبات الاستغراق أو الإرسال لما ذکرناه من أنّ المسند إلیه إذا کان أعمّ من المسند فلا یصحّ الحمل إلاّ إذا کان المقصود هو الحصر.

لا یقال إنّ غایة التقریب المذکور هو إفادة الحصر الادّعائیّ لا الحصر الحقیقیّ لأنّا نقول:إنّ منشأ الحصر الادّعائیّ هو ظهور اللفظ و الجملة فی الحصر الحقیقیّ و حیث لا یمکن الالتزام بالحصر الحقیقیّ فی المورد یحمل علی الحصر الادّعائیّ حتّی یحصل بذلک المدح.

فمثل الإنسان زید یکون فی مقام حصر الإنسانیّة فی زید و المقصود منه هو المدح عنه و لا یخفی علیک أنّه یمکن استفادة الحصر الحقیقیّ أیضا فیما إذا أمکن الحصر الحقیقیّ مثل الحمد للّه أی جنس الحمد ثابت لخصوص اللّه تعالی و هو یفید الحصر الحقیقیّ إذ یمکن إثبات جنس الحمد للّه تعالی حقیقة لأنّه الأصل فی کلّ محمود فلا وجه لتخصیص الحصر بالحصر الادّعائیّ هذا مضافا إلی أنّ استفادة الحصر لا تختصّ بما إذا کانت النسبة هی العموم و الخصوص المطلق بل تعمّ ما إذا کانت النسبة هی العموم من وجه کقوله الأئمّة من قریش فإنّ قریش أعمّ من الأئمّة و الأئمّة أعمّ بحسب اللغة من قریش و مع ذلک یفید قوله الأئمّة من قریش الحصر أی جنس الأئمّة فی الإسلام کائنة فی قریش خاصّة و کیف کان فلا وجه لإنکار دلالة لام الجنس علی الحصر کما یظهر من الکفایة.

ثمّ لا یذهب علیک أنّ المحقّق الأصفهانیّ قدّس سرّه ذهب إلی إفادة الحصر بتقریب آخر و هو أنّ المعروف بین أهل المیزان و لعلّه کذلک عند غیرهم أیضا أنّ المعتبر فی طرف الموضوع هو الذات و فی طرف المحمول هو المفهوم حتّی فی الأوصاف العنوانیّة المجعولة موضوعات فی القضایا فالقائم مثلا و إن کان مفهوما کلّیّا لم یؤخذ فیه ما یوجب اختصاصه بشخص خاصّ إلاّ أنّ جعله موضوع القضیّة حقیقة لا بعنوان

ص:519

تقدیم الخبر فاعتباره موضوعا اعتباره ذاتا فهو بما هو ذات واحدة لا یعقل أنّ تعرضه خصوصیّات متباینة کخصوصیّة الزیدیّة و العمرویّة و البکریّة بل لا یکون الواحد إلاّ معروضا لخصوصیّة واحدة فاعتبار المعنی الکلیّ ذاتا بجعله موضوعا و فرض المحمول أمرا غیر قابل للسعة و الشمول هو المقتضی للحصر دائما لا تقدیم الخبر و لا تعریف المسند إلیه بمعنی إدخال اللام علیه فتأمّل (1).

و لا یخفی علیک أنّ ملاحظة الکلّیّ ذاتا و اعتباره فردا یحتاج إلی مئونة زائدة و قرینة خاصّة و اعتبار ذلک فی جمیع موارد اللام للجنس التی لا یری فیها إلاّ الجنس فی غایة الإشکال و لعلّ وجه التأمّل هو ذلک و علیه فتقریب سیّدنا الأستاذ أولی.

و ممّا ذکر یظهر أنّه لا وجه لتعلیق إفادة الحصر علی ما إذا کان اللام للاستغراق أو إرادة الطبیعة المرسلة من مدخوله حتّی یقال إنّ کلّ من الأمرین غیر ثابت لأنّ الأصل فی اللام أن تکون لتعریف الجنس فلا دلالة علی الحصر و ذلک لما عرفت من أنّ لام الجنس تفید الحصر بالتقریب المذکور کما لا وجه لتعلیق إفادة الحصر فی الحمل علی الحمل الأوّلیّ الذاتیّ حتّی یقال إنّ الأصل فی الحمل فی القضایا المتعارفة هو الحمل الشائع الصناعیّ و هو لا یفید الحصر و ذلک لما عرفت من أنّ نفس الحمل الشائع الصناعیّ مع لام الجنس یفید الحصر بالتقریب المذکور ثمّ إنّ المقصود فی المقام إنّما هو بیان أنّ تعریف المسند إلیه بلام الجنس و حمل المسند علیه یفید الحصر الحقیقیّ فیما إذا أمکن الحصر الحقیقیّ و علیه فإذا وردت روایة مشتملة علی ذلک یحکم بعدم تجاوز المسند إلیه عن المسند کما فی قولک الأئمّة من قریش أو قوله تعالی: (إنَّ الْإنْسانَ لَفی خُسْرٍ) نعم لو کان المورد ممّا لم یمکن فیه الحصر الحقیقیّ یحکم فیه بالحصر الادّعائیّ فلا تغفل.

ص:520


1- 1) نهایة الدرایة:ج 1 ص 182.

الخلاصة:

الفصل الخامس فی مفهوم الحصر

و لا یذهب علیک أنّ حصر حکم فی شیء یدلّ بمفهومه علی نفی الحکم المذکور عن غیره و لا کلام فی ذلک و إنّما الکلام فی موارد إفادة الحصر و هی متعدّدة.

منها کلمة الاستثناء نحو«إلاّ»إذا لم تستعمل بمعنی الصفة أی الغیر و إلاّ فلا تدلّ علی الاستثناء بل هی وصف فیدخل فی مفهوم الوصف و کیف کان فالاستثناء فی الإیجاب کقولک جاءنی القوم إلاّ زیدا یدلّ علی اختصاص الإیجاب بالمستثنی منه و النفی بالمستثنی و علیه فغیر الجائی منحصر فی زید.

و الاستثناء فی النفی کقولک ما جاءنی القوم إلاّ زید یدلّ علی اختصاص النفی بالمستثنی منه و الإیجاب بالمستثنی و علیه فالجائی منحصر فی زید و الشاهد علی ذلک هو التبادر عند أهل اللسان.

و دعوی أنّ المستفاد من قولک ما جاءنی إلاّ زید لیس إلاّ عدم دخول زید فی الحکم المذکور و أمّا حکمه فیحتمل أن یکون موافقا أو مخالفا و شیء منهما غیر مستفاد من الکلام المذکور.

مندفعة بوضوح دلالة الاستثناء علی الحکمین فی مثل لیس لزید علی دراهم إلاّ درهم أحدهما نفی الدراهم و ثانیهما إثبات الدراهم و لذا یحکم العقلاء باشتغال ذمّته بالدرهم بعد إقراره بذلک و لیس ذلک إلاّ لدلالة الاستثناء و علیه فدعوی إهمال الاستثناء بالنسبة إلی حکم المستثنی غیر مسموعة.

نعم ربّما تستعمل الجملة الاستثنائیّة مثل لا صلاة إلاّ بطهور فی مقام الإرشاد إلی اشتراط الصلاة بالطهارة و لیست الجملة حینئذ بعدد الإخبار عن العقد السلبی و الایجابی و فی مثله لا مفهوم للاستثناء و أین هذا من مثل ما جاءنی القوم إلاّ زید.

ص:521

و یشهد علی تبادر الاختصاص و الحصر من الاستثناء قبول رسول اللّه صلّی اللّه علیه و آله و سلم إسلام من قال کلمة لا إله إلاّ اللّه إذ لیس هذا إلاّ لدلالة هذه الکلمة علی التوحید و الإخلاص و لو کان الاستثناء مهملا من ناحیة حکم المستثنی فلا وجه للقبول المذکور کما لا یخفی.

ثمّ وقع الکلام استطرادا فی أنّ کلمة التوحید تفید توحید الذات أو توحید المعبود ذهب الشیخ الأعظم إلی الأوّل و تبعه المحقّق الخراسانی قدّس سرّه و قال فی الکفایة إنّ المراد من الإله هو واجب الوجود و نفی ثبوته و وجوده فی الخارج و إثبات فرد منه فیه و هو اللّه یدلّ بالملازمة البیّنة علی امتناع تحقّقه فی ضمن غیره تبارک و تعالی ضرورة أنّه لو لم یکن ممتنعا لوجد لکونه من أفراد الواجب.

و أورد علیه بأنّ هذا المعنی بعید عن أذهان العامّة هذا مضافا إلی أنّ العرب فی صدر الإسلام لم یکونوا مشرکین فی أصل واجب الوجود بل کانوا مشرکین فی العبادة فکلمة الإخلاص ردع لهم فی الشرک فی العبادة فقبول کلمة التوحید إنّما هو لأجل نفی الآلهة(أی المعبودین)لا إثبات وجود الباری تعالی فإنّه کان مفروغا عنه.

علی أنّ لفظة الإله تطلق علی المعبود بحسب اللغة لا واجب الوجود فالمناسب أن یراد منها فی کلمة التوحید المعبود بالحق أی لا معبود بالحقّ إلاّ اللّه.

و یمکن الجواب بأنّ ارتکاز وحدة الخالق و واجب الوجود غیر بعید عن أذهان الآحاد و لذا متی سئل المشرکون عن خالق السموات و الأرض أجابوا بأنّه هو اللّه و مع وجود هذا الارتکاز لا مانع من إرادة التوحید الذاتی.

و دعوی أنّ العرب کانوا مشرکین فی العبادة لا فی الذات فلا حاجة إلی التوحید الذاتی کما تری إذ هذه الکلمة لیست مخصوصة بجماعة المشرکین المعاصرین للنبی صلّی اللّه علیه و آله و سلم الذین اعتقدوا بوجود الخالق الأصلی بل هی لجمیع الطوائف و الملل و لو لم یعتقدوا بوجود الخالق أصلا کالمادّیین و الملحدین فلا وجه لتخصیص هذه الکلمة بتلک

ص:522

الطائفة.

و أمّا استعمال کلمة الإله فی واجب الوجود فی المحاورات فهو موجود و لعلّ منه لو کان فیهما آلهة غیر اللّه لفسدتا.

هذا مضافا إلی إمکان أنّ یقال أن الإله بمعنی المستحقّ للعبادة ذاتا و هو مساو لواجب الوجود و یدلّ علی کلا الأمرین أی التوحید الذاتی و التوحید فی العبادة لأنّ الإله بمعنی المستحقّ للعبادة و إن لم یعبد بالفعل راجع الی الصفات الذاتیّة الراجعة إلی نفس الذات فإنّ استحقاق العبادة من أجل المبدئیّة و الفیاضیّة فیستحقّ العلّة انقیاد المعلول لها و تخضّعه لها فنفی فعلیّة هذا المعنی عن غیره تعالی لعدم کونه بذاته مبدأ مقتضیا لذلک و یستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه فینحصر المستحقّ للعبادة ذاتا فی اللّه تعالی فتأمّل.

و منها کلمة«إنّما»و هی علی المعروف تکون من أداة الحصر مثل کلمة«إلاّ» فإذا استعملت فی حصر الحکم أو الصفة فی موضوع معین دلّت بالملازمة البیّنة علی انتفاء الحکم أو الصفة عن غیر ذلک الموضوع.

و یشهد له التبادر عند أهل اللسان مضافا إلی تصریح أهل اللغة و دعوی عدم الخلاف بل الإجماع علیه کما علیه أئمّة التفسیر.

و یشکل ذلک بأنّه لا سبیل لنا إلی ذلک فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة و لا یعلم بما هو مرادف لها فی عرفنا حتی یستکشف منها ما هو المتبادر منها.

و أمّا النقل المذکور فاعتباره موقوف علی اعتبار قول اللغوی فی تشخیص الأوضاع و هو غیر ثابت هذا مع احتمال أن یکون ذلک من اجتهاداتهم و تمسّک العلماء بمثل حدیث إنّما الأعمال بالنیّات لفساد العمل بلا نیّة لا یجدی لأنّه لا یزید عن مجرّد الاستعمال.

و أجیب عنه بأنّ السبیل إلی التبادر لا ینحصر بالانسباق إلی أذهاننا فإنّ

ص:523

الانسباق إلی أذهان أهل اللسان کالأعشی و المبرّد أیضا سبیل هذا مضافا إلی انسباق ذلک إلی أذهان الذین سکنوا البلاد العربیّة سنوات متمادیة کالأزهری و غیره و یکفی لإثبات التبادر عند أهل اللسان ما حکاه المفسّرون من أهل الأدب العربی من الأقوال و الأشعار فإنّها توجب الاطمئنان بذلک.

قال فی مجمع البیان لفظة«إنّما»مخصّصة لما أثبت بعده نافیة لما لم یثبت یقول القائل لغیره إنّما لک عندی درهم فیکون مثل أن یقول إنه لیس لک عندی إلاّ درهم و قالوا إنّما السخاء حاتم یریدون نفی السخاء عن غیره و التقدیر إنّما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف و المفهوم من قول القائل إنّما أکلت رغیفا و إنّما لقیت الیوم زیدا نفی أکل أکثر من رغیف و نفی لقاء غیر زید و قال الأعشی:

و لست بالأکثر منهم حصی و إنّما العزّة للکاثر

أراد نفی العزّة عمّن لیس بکاثر (1)و الأعشی أحد المعروفین من شعراء الجاهلیّة.

و قال الزمخشری فی ذیل قوله تعالی: (إنَّما وَلیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ یُقیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکعُونَ) و یعنی إنّما اختصاصهم بالموالاة (2).

و أیضا تاج العروس و الصحاح ظاهران فی أنّ الحصر مما یفیده کلمة«إنّما» عند ابناء المحاورة و حمله علی اجتهاداتهم بعید جدّا.

و دعوی أنّ قوله تعالی: (إنَّما مَثَلُ الْحَیاة الدُّنْیا کَماءٍ أَنْزَلْناهُ منَ السَّماء) مع أنّه لا شکّ فی أنّ الحیاة الدنیا لها أمثال أخری یدلّ علی عدم إفادة إنّما للحصر.

مندفعة أوّلا بأنّ الاستعمال بالقرینة فی غیر المعنی الموضوع له لا ینافی تبادر

ص:524


1- 1) مجمع البیان:209/3.
2- 2) الکشّاف:ج 1 ص 623.

الحصر الموضوع له من الکلمة.

و ثانیا بأنّ«إنّما»استعملت فی الآیة المذکورة فی الحصر الإضافی و المقصود منه هو نفی ما توهّمه أهل الدنیا بالنسبة إلی الدنیا و من المعلوم أنّ إفادة الحصر الإضافی حاکیة عن کون الکلمة موضوعة للحصر الحقیقی.

و منها کلمة«بل»الإضرابیّة و هی علی أنحاء لأنّها إمّا مستعملة فی مقام إثبات الحکم لشیء آخر زائدا علی الموضوع السابق مثل جاء غلام زید بل زید.

و إمّا مستعملة للترقّی مثل یجوز صلاة الجمعة بل تجب.

و لا تفید الصورتان المذکورتان للحصر.

و إمّا مستعملة لإبطال السابق و إثبات اللاحق ففی هذه الصورة إمّا أتی بها غفلة کقوله اشتریت دارا بل دکّانا أو توطئة و تأکیدا کقوله قدم رکبان الحجّاج بل المشاة و علی کلّ التقدیرین لا یدلّ علی الحصر و إمّا أتی بها لردع السابق و إثبات اللاحق جدّا و لا إشکال فی أنّ القسم الأخیر یفید الحصر و یمکن أن یقال أنّ بل الإضرابیّة ظاهرة فی هذا القسم لأنّ احتمال الغفلة و سبق اللسان مندفع بأصالة عدم السهو و الخطأ کما أنّ احتمال التوطئة و التأکید مندفع بأصالة الجدّ فما لم تقم قرینة خاصّة علی الأمور المذکورة تکون حکمة«بل»الإضرابیّة ظاهرة فی القسم الأخیر من إبطال ما سبق و تخصیص الحکم باللاحق و هذا التخصیص یفید الحصر.

و الإنصاف أنّ إفادة القسم الأخیر للحصر تتوقّف علی إحراز کون المتکلّم فی مقام تخصیص سنخ الحکم بمدخول«بل»و هو غیر ثابت.

و منها إفادة الحصر من ناحیة تعریف المسند إلیه بلام الجنس مع حمل المسند الأخصّ علیه کقوله عزّ و جلّ: «الْحَمْدُ للّه رَبّ الْعالَمینَ» .

قال فی الکفایة ما محصّله أنّ التحقیق أنّه لا یفید الحصر لأنّ الأصل فی اللام و إن کان أنّه لتعریف الجنس و لکنّ الجنس بنفسه لا یفید الحصر إذ إثبات المحمول

ص:525

للطبیعة لا یقتضی سوی اتّحادها به فی الجملة کما أنّ الأصل فی الحمل هو الحمل المتعارف الذی ملاکه هو مجرّد الاتّحاد فی الوجود لا حصر المسند إلیه فی المسند.

نعم لو قامت قرینة علی أنّ اللام للاستغراق أو أنّ مدخوله أخذ بنحو الإرسال و الإطلاق أو أنّ الحمل کان ذاتیّا فحمل المسند علی المسند إلیه المذکور یفید الحصر و لعلّه من ذلک قوله عزّ و جلّ: (الْحَمْدُ للّه رَبّ الْعالَمینَ) فإنّ مقام الشکر قرینة علی أنّ المراد هو انحصار جنس الحمد به جلّ و علا.

و یمکن أن یقال لا حاجة فی إفادة الحصر إلی إثبات الاستغراق أو الإرسال بل یکفی لام الجنس لذلک إذا کان المسند إلیه أعمّ من المسند و لو من وجه إذ ظاهر المبتدأ و الخبر أنّ المبتدأ لا یوجد بدون الخبر فإذا اکتفی بواحد من الأخبار دون غیره یفید لام الجنس الحصر و علیه فإن کان المسند إلیه أعمّ من المسند کما إذا کان المراد منه الجنس لا ینفکّ الجنس عن المسند و معنی عدم الانفکاک هو حصره فیه فالحصر یکون من لوازم حمل الأخصّ و لو من وجه علی الأعمّ و لو کان الحمل حملا شایعا صناعیّا ثمّ إنّ الحصر المستفاد من قوله عزّ و جلّ: (الْحَمْدُ للّه رَبّ الْعالَمینَ) یکون من ناحیة حصر الجنس الأعمّ فی الأخصّ لا من ناحیة قرینة المقام ثمّ إنّه یحمل الحصر علی الحقیقة فیما إذا أمکن کما فی مثل قوله تعالی: (الْحَمْدُ للّه رَبّ الْعالَمینَ) و علی الحصر الادّعائی فیما إذا لم یمکن الحمل علی الحقیقة کقولنا الإنسان زید.

و بالجملة لا فرق فیما ذکر بین أن یکون النسبة بین المسند إلیه و المسند هی العموم و الخصوص أو هی العموم من وجه فقوله صلّی اللّه علیه و آله و سلم الأئمّة من قریش یفید الحصر لحمل الأخصّ من وجه علی الأعمّ من وجه أی جنس الائمّة فی الإسلام منحصر بالقریش و لیس من غیرهم.

و علیه فلا وجه لإنکار إفادة لام الجنس للحصر مع حمل الأخصّ علیه؛ فلا تغفل.

ص:526

الفصل السادس:فی مفهوم اللقب و العدد

أمّا الأوّل أعنی اللقب

فالمراد منه هو مطلق ما یعبّر عن الشیء سواء کان اسما نحو زید قائم أم کنیة نحو أبی ذر و ابن أبی عمیر أم لقبا اصطلاحیّا کالنوفلیّ و کیف کان فقد قال فی مطارح الأنظار:الحقّ کما علیه أهل الحقّ و جماعة من مخالفینا أنّه لا مفهوم فی اللقب و المراد به ما یجعل أحد أرکان الکلام کالفاعل و المفعول و المبتدأ و الخبر و غیر ذلک و ذهب جماعة منهم الدقّاق و الصیرفیّ و أصحاب أحمد إلی ثبوت المفهوم فیه.

لنا انتفاء الدلالات الثلاث یکشف عن أنّه لا دلالة فی قولک زید موجود علی أنّه تعالی لیس بموجود و قولک موسی رسول اللّه علی أنّ محمّدا صلّی اللّه علیه و آله لیس برسول اللّه و قد اشتهر علی الألسن أنّ إثبات شیء لا ینفی الحکم عن الغیر و لا محلّ له إلاّ فی أمثال المقام.

و احتجّ القائل بالمفهوم بلزوم العراء عن الفائدة لولاه و بأن قول القائل لا أنا بزان و لا أختی زانیة رمی المخاطب و لاخته بالزنا و لذلک أوجبوا علیه الحدّ.

و الجواب عن الأوّل بمنع الملازمة و عن الثانی بأنّ ذلک بواسطة قرینة المقام (1).

و بالجملة بعد ما عرفت من دخول الوصف غیر المعتمد فی باب الوصف

ص:527


1- 1) مطارح الأنظار:ص 189-190.

و خروجه عن اللقب یکون الکلام فی المقام ممحّضا فی الحکم المتعلّق باللقب و من المعلوم أنّ تعلّق الحکم باللقب یکون من قبیل تعلّق الحکم الشخصیّ بموضوع خاصّ و قضیّة خارجیّة و لیس من قبیل الحکم المتعلّق بموضوع بواسطة الوصف.

و علیه فانتفاء الحکم الشخصیّ بانتفاء الموضوع عقلیّ إذ کلّ حکم متقوّم بموضوعه و هو لیس بمفهوم یدلّ علیه الکلام کما لا یخفی و لذا قال فی الکفایة لا دلالة للقب علی المفهوم و انتفاء سنخ الحکم عن غیر مورده أصلا و قد عرفت أنّ انتفاء شخص الحکم لیس بمفهوم (1).

نعم لو کان المتکلّم فی مقام بیان تعدید موارد الحکم و مصادیقه و مع ذلک اقتصر علی موضوع خاصّ دلّ الکلام علی انتفاء الحکم عن غیر الموضوع بسبب مقدّمات الإطلاق فإنّ قضیّة الإطلاق هنا نفی الموضوعیّة عن غیر المذکور فتکون النتیجة نفی سنخ الحکم عن سائر الموضوعات و لکنّه مختصّ بما إذا کان المتکلّم فی مقام بیان تعدید موارد الحکم المذکور لا حکم المورد و الغالب هو أنّه یکون فی مقام حکم المورد.

و ممّا ذکر یظهر ما فی تحریرات فی الأصول حیث قال:ربما یمکن أن یقال:إنّ التمسّک الذی تحرّر فیما سبق فی مفهوم الشرط بمقدّمات الإطلاق یقتضی المفهوم هنا ضرورة أنّ فی صورة کون اللقب موضع الحکم أو العدد یشکّ تارة فی أنّه تمام الموضوع أو جزؤه فالإطلاق ینفی الثانی و یثبت به أنّه تمام الموضوع و أخری یشکّ فی موضوعیّة شیء آخر لذلک الحکم و عدمه و قضیّة الإطلاق هنا أیضا نفی الموضوعیّة عن ذلک الشیء فتکون النتیجة نفی سنخ الحکم عن سائر الموضوعات و ما نعنی بالمفهوم إلاّ ذلک (2).

ص:528


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 330.
2- 2) تحریرات فی الأصول:ج 5 ص 189.

لما عرفت من أنّ الأخذ بالمقدّمات فیما إذا کان المتکلّم فی مقام بیان تعدید موارد الحکم لا حکم المورد و علیه فلو شکّ فی حکم سائر الموارد و لم یقم فیها دلیل علی ثبوت الحکم یجری فیه أصالة البراءة إذ لا مفهوم للکلام کما لا یخفی.

و أمّا الثانی أعنی العدد

فقد قال الشیخ الأعظم قدّس سرّه:الأقوی وفاقا لجمع کثیر من أصحابنا و مخالفینا أنّه لا مفهوم فی العدد بل و ادّعی بعضهم وفاق أصحابنا فیه.

و تبعه فی الکفایة حیث قال:إنّ قضیّة التقیید بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار علی ما دونه لأنّه لیس بذلک الخاصّ و المقیّد و أمّا الزیادة فکالنقیصة إذا کان التقیید به للتحدید به بالإضافة إلی کلا طرفیه نعم لو کان لمجرّد التحدید بالنظر إلی طرفه الأقلّ لما کان فی الزیادة ضیر أصلا بل ربما کان فیها فضیلة و زیادة کما لا یخفی.

و کیف کان فلیس عدم الاجتزاء بغیره من جهة دلالته علی المفهوم بل إنّما یکون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ فی المنطوق کما هو المعلوم (1).

و علیه فلا ینافی مع دلالة دلیل آخر علی الاجتزاء بغیره إذ لا مفهوم کما لا یخفی.

و لا یخفی علیک أنّ المتکلّم إمّا لا یکون فی مقام تحدید سنخ الحکم لا من طرف الأقلّ و لا من طرف الأکثر فلا دلالة للعدد علی المفهوم لا من طرف الأقلّ و لا من طرف الأکثر فإذا قیل صم ثلاثة أیّام من کلّ شهر لا یدلّ علی عدم استحباب صوم غیر الثلاثة الأیّام و إنّما یدلّ علی اختصاص الحکم المذکور فی هذه القضیّة بثلاثة مذکورة فلا یعارض ما دلّ علی استحباب غیرها لأنّ غیر المذکور فی هذه القضیّة مسکوت عنه فیها إذ هو خارج عن تحت الأمر المذکور فی هذه القضیّة و انتفاء هذا

ص:529


1- 1) الکفایة:ج 1 ص 331.

الحکم بانتفاء الثلاثة لیس من باب المفهوم حتّی ینافی استحباب غیر الثلاثة بل هو من باب حکم العقل بعدم الحکم الشخصیّ بعدم موضوعه و علیه فمجرّد العدد لا دلالة له علی المفهوم لا من ناحیة النقیصة و لا من ناحیة الزیادة فلا ینافی ما دلّ علی حکمهما.

فکما أنّ القضیّة ساکتة بالنسبة إلی حکم النقیصة فکذلک تکون بالنسبة إلی الزیادة لوحدة الملاک و هو أنّ النقیصة کالزیادة خارجة عن حدود الموضوع المذکور فی القضیّة الشخصیّة فلا ینافی ثبوت الحکم فی طرف الزیادة کالنقیصة بدلیل آخر لتعدّد المطلوب کما لا یخفی.

و إمّا یکون المتکلّم فی مقام تحدید سنخ الحکم من ناحیة الأقلّ فیکون العدد مأخوذا من جهة أنّه أقلّ عدد یقع تحت الحکم عند کون الحکم للأعمّ منه و ممّا زاد علیه کالعشرة،فی الإقامة للمسافر فالموضوع أعمّ من العشرة و ما زاد علیها و لکن یدلّ بالمفهوم علی عدم جواز الأقلّ لأنّه فی مقام التحدید بالنسبة إلیه.

و أمّا یکون المتکلّم فی مقام تحدید سنخ الحکم من ناحیة الأکثر فیکون العدد مأخوذا من جهة أنّه أکثر عدد یقع تحت الحکم عند کون الحکم له و ما دونه کتحدید أکثر الحیض بالعشرة فیدلّ بالمفهوم علی أنّ الزائد علی العشرة لیس بحیض.

و إمّا یکون المتکلّم فی مقام التحدید من الطرفین فیکون العدد مأخوذا من ناحیتین فیدلّ العدد بالمفهوم علی خروج النقیصة و الزیادة عن الموضوع مثل ما ورد فی عدد رکعات الصلوات فإنّه یدلّ علی خروج الأقلّ و الأکثر لأنّه فی مقام التحدید و بالجملة إذا کان المتکلّم فی مقام التحدید فدلالة العدد علی المفهوم واضحة و لا إنکار فیه و لکنّه مختصّ بما إذا قامت القرینة علی أنّه فی مقام تحدید سنخ الحکم و إلاّ فمجرّد العدد من دون إحراز کونه فی هذا المقام لا یدلّ بالمفهوم علی نفی سنخ الحکم عن غیر المذکور و إن دلّ علی عدم الاجتزاء بغیر العدد المذکور من أجل عدم الموافقة مع ما

ص:530

أخذ فی المنطوق.

ثمّ إنّه إذا شکّ فی أنّ العدد مأخوذ بنحو لا بشرط أو بنحو بشرط لا؟أمکن القول بالأوّل لأنّ أخذ العدد بنحو بشرط لا یحتاج إلی مئونة زائدة و مقتضی الإطلاق هو عدمه و علیه فلا یکون الإتیان بالزائد مضرّا فی امتثال العدد المذکور فی القضیّة.

و إن لم تکن للقضیّة إطلاق بل تکون مهملة دخلت المسألة فی الأقلّ و الأکثر الارتباطیین لأنّ الشکّ فی أنّ المطلوب هو العدد اللابشرط عن الأکثر أو العدد بقید عدم الأکثر فیبتنی علی الأصل فی تلک المسألة من البراءة أو الاحتیاط.

ربما قیل أنّ الظاهر کون ذلک العدد تمام الموضوع و مأخوذا بشرط لا فتکون الزیادة مضافا إلی عدم وجوبها مضرّة بالواجب و ربما تعدّ محرّمة فینتفی سنخ الحکم و یثبت ضدّه فافهم و اغتنم (1).

و فیه ما لا یخفی فإنّ دعوی ظهور العدد فی کونه مأخوذا بشرط لا مع أنّ الغالب کما فی نهایة النهایة هو أخذ أقلّ عدد یجزی تحت الحکم عند کون الحکم للأعمّ منه و ممّا زاد علیه (2)غیر مسموعة هذا مضافا إلی أنّه لا وجه لدلالة العدد علی عدم وجوب غیره ما لم یکن المتکلّم فی مقام تحدید سنخ الحکم و دلالة المنطوق علی عدم الاجتزاء بغیره لا ینافی الاجتزاء بدلیل آخر لأنّ الدلالة المذکورة من باب حکم العقل بعدم الحکم الشخصیّ بعدم موضوعه فافهم و اغتنم.

ص:531


1- 1) تحریرات فی الأصول:ج 5 ص 190.
2- 2) نهایة النهایة:ج 1 ص 273.

الخلاصة:

الفصل السادس فی مفهوم اللقب و العدد

أمّا الأوّل و هو اللقب فلا مفهوم له إذ إثبات حکم لموضوع لا ینفی سنخ الحکم عن غیره و دعوی أنّه لو لا المفهوم لزم العراء عن الفائدة ممنوعة لمدخلیّته فی شخص الحکم و لذا یتقوّم شخص الحکم به و ینتفی بانتفائه عقلا.

و ربّما یستدلّ له بأنّ قول القائل لا أنا بزان و لا أختی زانیة رمی المخاطب و لأخته بالزنا و لذلک أوجبوا علیه حدّ القذف و فیه أنّه إن صحّ ذلک فهو بواسطة قرینة المقام و هو خارج عن محلّ الکلام و بالجملة قوله زید موجود لا یدلّ علی أنّ عمروا لیس بموجود.

و علیه فلا دلالة للقب علی المفهوم و انتفاء سنخ الحکم عن غیر مورده و أمّا انتفاء شخص الحکم بانتفاء موضوعه فلیس بمفهوم.

نعم لو کان المتکلّم فی مقام تعدید الموجودین و اکتفی بموضوع خاصّ.

و قال مثلا زید موجود دلّ الکلام المذکور علی انتفاء الحکم عن غیر الموضوع المذکور بسبب مقدّمات الإطلاق فتکون النتیجة نفی سنخ الحکم عن سائر الموضوعات و لکنّ الغالب أنّه فی مقام حکم المورد لا سائر الموارد کما لا یخفی.

ثمّ إنّ المراد من اللقب هو مطلق ما یعبّر عن الشیء سواء کان اسما له أو کنیة له أو لقبا اصطلاحیّا و أمّا الوصف غیر المعتمد فقد مرّ أنّه ملحق بالوصف المعتمد و خارج عن اللقب فلا تغفل.

و أمّا الثانی أعنی العدد فإن لم یکن المتکلّم فی مقام تحدید سنخ الحکم لا من طرف الأقلّ و لا من طرف الأکثر فلا دلالة للعدد علی المفهوم لا من طرف الأقلّ و لا

ص:532

من طرف الأکثر فمثل قوله صم ثلاثة أیّام من کلّ شهر لا یدلّ علی عدم استحباب غیرها من الأقلّ أو الأکثر و إنّما یدلّ علی اختصاص الحکم المذکور فی هذه القضیّة بالثلاثة و علیه فلا یعارض مع ما دلّ علی استحباب غیرها لسکوته عنه.

و علیه فمجرّد العدد بما هو العدد لا دلالة له علی المفهوم و نفی سنخ الحکم لا من ناحیة النقیصة و لا من ناحیة الزیادة لأنّهما خارجتان عن حدود موضوع الدلیل فلا ینافی ثبوت الحکم لهما بدلیل آخر لتعدّد المطلوب.

نعم إذا کان المتکلّم فی مقام البیان و تحدید سنخ الحکم من ناحیة الأقلّ کالعشرة فی الإقامة أو من ناحیة الزیادة کالعشرة فی الحیض أو من ناحیتین کعدد الرکعات فی الصلوات فلا إشکال فی دلالة العدد علی المفهوم و نفی سنخ الحکم و لکنّه مختصّ بما إذا أحرز أنّ المتکلّم فی مقام البیان من ناحیة أو من النواحی المذکورة.

ثمّ أنّه لو شکّ فی أنّ العدد مأخوذ بنحو«لا بشرط»أو«بشرط لا»أمکن القول بالأوّل بمقدّمات الحکمة لأنّ أخذ العدد بنحو«بشرط لا»یحتاج إلی مئونة زائدة و علیه فلا یکون الإتیان بالزیادة مضرّا بامتثال العدد.

ص:533

الفصل السابع:فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصتین

اشارة

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی العلّة المنصوصة

و لا یخفی علیک أنّ العلّة بمنطوقها معمّمة و بمفهومها مخصّصة و توضیح ذلک أنّ مثل قولهم لا تأکل الرمّان لأنّه حامض ظاهر فی أنّ الحموضة علّة للحکم المذکور و هو المنع عن أکل الرمّان و إرجاع التعلیل إلی بیان قیود الموضوع خلاف الظاهر و لا موجب له ما لم تقم قرینة علیه.

ثمّ إنّ مقتضی عدم تقیید الحموضة بشیء آخر هو أنّها بخصوصها من دون ضمیمة شیء آخر تکون علّة للمنع المذکور فهی علّة مستقلّة لا جزء العلّة.

کما أنّ مقتضی عدم تقیید الحموضة بحموضة المورد فی المنطوق هو أنّ الحموضة فی کلّ مورد تکون موجبة للمنع و النهی و لذا یتعدّی عن الرّمان إلی کلّ حامض و یحکم بحرمته فمن هذه الجهة توصف العلّة بأنّها معمّمة و بعبارة أخری لأنّه حامض فی قوّة تعلیل التحریم بکون الرمّان من مصادیق الحامض و الحامض محرّم و هو کبری کلّیّة تدلّ علی تعمیم الحکم و لکنّ هذا التعمیم یکون بمناسبة الحکم و الموضوع فی دائرة المأکولات فلا یتعدّی عن الأکل إلی المسّ أو الحمل و نحوهما من الأمور.

ثمّ إنّ کون المتکلّم فی مقام بیان العلّة و اکتفائه بذکر خصوص الحموضة یقتضی بمقدّمات الحکمة أنّ العلّة الوحیدة لحرمة الرمّان هی الحموضة لا غیر و علیه فالعلّة المذکورة من جهة دلالتها علی انحصار العلّة فیها تخصّص إطلاق المنع عن أکل الرمّان

ص:534

بالرمّان الحامض فتدلّ العلّة بمفهومها علی جواز أکل الرمّان غیر الحامض و لذلک توصف العلّة الوحیدة بأنّها مخصّصة و هذا واضح و مستفاد من أداة التعلیل کلام التعلیل وفاء التعلیل (1)و کی التعلیل و لکیلا و نحوها لا من کلّ تعلیل و لو کان مستفادا من القضیّة الشرطیّة فإنّه مختصّ بموضوع القضیّة إذ اللازم فی مفهوم الشرط و نحوه حفظ الموضوع.

و لذا قال شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه إنّا و لو ساعدنا المشهور القائلین بدلالة الجملة الشرطیّة علی العلّیّة التامّة لکن نقول إنّ العلّیّة هنا تکون للحکم بالنسبة إلی الموضوع المذکور فی نفس هذه القضیّة بمعنی أنّ وجود تالی الأداة علّة لترتّب الحکم علی هذا الموضوع و عدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن هذا الموضوع من غیر تعرّض لحال موضوع آخر أصلا فالعلّیّة هنا لیس علی نحو العلّیّة المستفادة من اللام ففرق إذن بین قولنا الخمر حرام لأنّه مسکر و قولنا الخمر حرام إذا کان مسکرا إذ مفاد الأوّل أنّ میزان الحرمة هو الإسکار فی أیّ موضوع کان و مفاد الثانی أنّ وصف الإسکار متی تحقّق فی موضوع الخمر یوجب ترتّب الحرمة علیه و متی لم یتحقّق فیه یوجب انتفائها عنه من دون تعرّض لحال غیر الخمر (2).

نعم یمکن التعدّیّ بإلغاء الخصوصیّة فیما إذا أحرز عدم مدخلیّة الموضوع المذکور فی تالی الأداة و لکنّه غیر مدلول التعلیل.

ثمّ إنّ مقتضی کون العلّة مخصّصة هو نفی الحکم عن الموضوع فیما إذا کان خالیا عن العلّة و حینئذ فإن ورد دلیل علی إثبات الحکم فیه یقع التعارض بینهما و حیث إنّ

ص:535


1- 1) کقول سیّد الشهداء الامام الحسین علیه السّلام یا هذا کفّ عن الغیبة فإنّها إدام کلاب النار فإنّ الفاء فی قوله فإنّها إدام کلاب النار فاء التعلیل بخلاف فاء الترتیب فإنّه لا یفید التعلیل کقوله علیه السّلام بسم اللّه الرحمن الرحیم فإنّه من طلب رضا اللّه بسخط الناس کفاه اللّه أمور الناس.
2- 2) کتاب الطهارة:ج 1 ص 9-10.

التعارض بینهما یکون تعارضا تباینیّا یندرجان تحت أخبار العلاجیّة فیحکم بتقدّم ذی المرجّح فیحمل العلّة علی الحکمة إن کان الترجیح مع مقابلها و بالتخییر عند عدم المرجّح مثلا إذا ورد بعد النهی عن شرب الخمر بمثل قوله علیه السّلام لا تشرب الخمر لأنّه مسکر«ما کان کثیره یسکر فقلیله حرام و لو لم یکن مسکرا»یقع التعارض بینهما لأنّ النسبة بین التعلیل و بین الدلیل الوارد هی التباین ضرورة أنّ مفاد منطوق ما کان کثیره یسکر فقلیله حرام هو حرمة ما کان کثیره یسکر و مقتضاه أنّ القلیل مع عدم کونه بمسکر فهو حرام.

و قضیّة مفهوم العلّة حلّیّة کلّ ما لیس بمسکر لأنّ ذلک مقتضی انحصار علّة الحرمة فی الإسکار و علیه فالتعارض یوجب اندراجهما تحت أخبار العلاجیّة ذهب بعض إلی تقدّم مفهوم التعلیل علی المنطوق بدعوی أنّه لو کان نفس کونه مفهوما سببا لتأخّره تلزم اللغویّة فلا بدّ و أن یکون المرجّح أمورا أخری حتّی یتقدّم المفهوم أحیانا و یتأخّر أخری و لا مرجّح فی البین فتدور المسألة بین اندراجها فی الأخبار العلاجیّة و بین إنکار أصل المفهوم للتعلیل لعدم تمامیّة مقدّمات الإطلاق لاثبات انحصار العلّة مطلقا (1).

و فیه أوّلا أنّه یلزم اللغویّة فیما إذا کان المفهوم بعنوان أنّه المفهوم سببا لتأخّره فی جمیع الموارد لا فی بعض الموارد أحیانا و علیه فلو قلنا بتأخّر المفهوم فی موارد خاصّة من موارد المعارضة من جهة کونه مفهوما لا یلزم اللغویّة.

و ثانیا:أنّ عدم تمامیّة مقدّمات الإطلاق لإثبات الانحصار مطلقا غیر سدید بعد ما عرفت من تقریب کون العلّة مخصّصة و معمّمة فانحصر الأمر فی الاندراج فی أخبار العلاجیّة.

ص:536


1- 1) تحریرات فی الأصول:ج 5 ص 141.

و ثالثا:أنّ مقدّمات الإطلاق لو لم تکن تامّة لا تدلّ العلّة علی المفهوم أصلا لا فی خصوص حال تعارضها مع شیء آخر فالأقرب هو ما ذکرناه من تمامیّة مقدّمات الإطلاق و اندراجهما تحت عمومات الأخبار العلاجیّة.

هذا کلّه بالنسبة إلی العلّة.

المقام الثانی فی الحکمة المنصوصة:

و أمّا الحکمة فلا دلالة لها علی التخصیص لأنّها فی مقام تقریب الحکم المطلق لا فی مقام تحدیده و تقییده و لذا یکون إطلاق الحکم محکما و لو فی موارد خلت عن الحکمة کتقریب الحکم بالعدّة بحکمة عدم اختلاط المیاه و عدم اختلال الأنساب فإنّ الحکمة المذکورة حکمة نوعیّة لإطلاق الحکم بالعدّة فلا ینافی خلوّ بعض موارده عن تلک الحکمة لمعلومیّة عدم الاختلاط من دون حاجة إلی العدّة و علیه فیمکن أن یکون الحکم ثابتا و لو مع عدم الحکمة.

و أمّا دلالتها علی التعمیم فالمشهور هو العدم و لکن یمکن أن یقال الظاهر أنّها کالتعلیل فی الدلالة علیه لأنّ المراد من الحکمة هی الحکمة المنصوصة الفعلیّة الباعثة التی لا یرضی الشارع بإهمالها فإنّها هی تصلح لوجه الحکم الفعلیّ و من المعلوم أنّ مقتضی کونها باعثة فعلیّة کذلک هو ثبوت الحکم أینما کانت بعد عدم تقیّدها بالمورد و عمومیّتها،و یشهد له بناء العقلاء علی التعدّی من موارد الحکمة المنصوصة المذکورة إلی غیرها فیما إذا کانت الحکمة بعینها موجودة فیها أ لا تری أنّ الحکومة إذا منعت ساکنی بلد عن الخروج فی بعض اللیالی لحکمة جلب المهاجمین و المفسدین فإذا کانت هذه الحکمة موجودة بعینها فی بعض الأیّام أو فی بعض الأمکنة الأخری أیضا تقتضی تلک الحکمة منعهم أیضا عن الخروج فیهما.

قال شیخنا الأستاذ الأراکیّ قدّس سرّه تبعا لاستاذه المحقّق الحاج الشیخ قدّس سرّه شأن

ص:537

الحکمة و إن کان عدم الاطّراد لکن فی خصوص جانب العدم أعنی لا یدور عدم الحکم مدار عدمها و أمّا فی جانب الوجود فلا یمکن أن لا یدور مدارها بأن لا یوجد الحکم مع وجودها فیمکن أن یوجد الحکم فی الأعمّ بالملاک الأخصّ و أمّا وجوده فی الأخصّ(أی وجود الحکم و اختصاصه بالأخصّ و المورد)بالملاک الأعمّ فغیر جائز فإذا کان الملاک فی هذا الباب(أی باب المنع من السجدة علی المأکول و الملبوس) للمنع هو المعبودیّة لأهل الدنیا و هو موجود فی جمیع المأکولات حتّی فی مثل الخسّ، (من البقولات المأکولة التی لا تصدق علیها الثمرة)فلا یجوز تخصیص حکم المنع عن السجدة بما عدی الخسّ(و البقولات ممّا لم تصدق علیه الثمرة)و بالجملة فجعل هذه الحکمة شاهدة لترجیح أخبار استثناء الماکول من النبات(علی أخبار استثناء الثمرة) خال عن الإشکال (1).

و توضیح ما أفاده الأستاذ قدّس سرّه ببعض عبائره قدّس سرّه أنّ النصوص قد وردت علی جواز السجود علی نبات الأرض مع استثناء المأکول و الملبوس و قد ورد فی بعض آخر جواز السجود علی نبات الأرض مع استثناء الثمرة من النبات فیقع التعارض بین العقد الإثباتی لکلّ منهما و بین العقد السلبی فی موردی الافتراق فإنّ مقتضی العقد الإثباتیّ فی الأوّل جواز السجود علی غیر الماکول و إن صدق علیه الثمرة کالحنظل و نحوه و مقتضی العقد السلبی فی الثانی عدمه و مقتضی العقد الإثباتیّ فی الثانی جوازه علی غیر الثمرة و إن کان مأکولا کالخسّ و نحوه(من البقولات)و قد کان مقتضی العقد السلبیّ فی الأوّل عدمه فیقع التعارض بین الطائفتین فی الحنظل و ثمر الشوک(ممّا یصدق علیه الثمرة و لا یکون من الماکولات)و فی الخسّ و شبهه(من البقولات و نحوها ممّا لا یصدق علیه الثمرة و یکون من الماکولات).

ص:538


1- 1) کتاب الصلاة:ج 1 ص 347.

و حینئذ ففی مقام الجمع یحتمل وجوه:

الأوّل:تقیید کلّ من العنوانین بالآخر فیقیّد المأکول بما إذا کان ثمرة و الثمرة بما إذا کان مأکولا فالذی لا یجوز السجود علیه هو ما اجتمع فیه الأمران و ما تخلف فیه أحدهما یجوز السجود علیه و إن تلبّس بالآخر.

الثانی:أن یجعل أحدهما أصلا و الآخر معرّفا و من باب المثال لأجله و هذا یتصور علی وجهین:الأوّل أن یکون الأصل هو المأکول من النبات بحسب الغالب فی الثمار.

و أمّا الاسفناج و الخسّ و البقول فمن الأفراد النادرة و الباذنجان و البطّیخ و الخیار و نحوها و الحبوبات کلّها داخلة فی قسم الثمار و الثانی أن یکون الأصل فی المنع هو الثمرة و إنّما عبّر فی الأخبار الأوّل بملاحظة أفراد الثمار غالبا فی المأکول و ندرة ما کان منها غیر مأکول إلی أن قال ما حاصله حینئذ یمکن.

تخصیص الأوّل بالثانی بدعوی اختصاص الثمرة بما کان ممّا ینتفع به فائدة معتدّا بها فلیس الشوک و الحنظل من أفراد هذا العموم.

اللّهمّ إلاّ أن یتمسّک بالحکمة المذکورة فی الأخبار لعدم جواز السجدة علی المأکول و الملبوس بأنّ أبناء الدنیا عبید ما یأکلون و یلبسون و الساجد فی سجوده فی عبادة اللّه عزّ و جلّ فلا ینبغی أن یضع جبهته فی سجوده علی معبود أبناء الدنیا الذین اغترّوا بغرورها فإنّ مفادها أنّ کلّما کان مأکولا لا یجوز السجود علیه و إن لم یکن ثمرة کالخسّ و الاسفناج و البقولات فهذا یوجب أن یکون المقصود من ذکر الثمرة التمثیل للمأکول بواسطة الغلبة فالعبرة فی وجود الحکم بوجود الحکمة المذکورة و هی موجودة فی مطلق المأکول و إن لم تصدق علیه الثمرة فالجملة المذکورة تعمّمه حتّی بالنسبة إلی غیر الثمرة من المأکولات (1)ظاهره هنا هو المیل الی ذلک و لکن یظهر منه

ص:539


1- 1) کتاب الصلاة لشیخنا الاستاذ الأراکی:ج 1 ص 345-347.

العدم فی مسألة اشتراط مباشرة الجهة لما یصح السجود علیه فراجع (1)و کیف کان فقد ذهب إلیه سیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه حیث قال:إنّ مقتضی کون شیء حکمة هو جواز أن یوجد الحکم و هی غیر موجودة و أمّا إذا وجدت فلا إشکال فی وجود الحکم و لو فی غیر موضوع الدلیل کما فی العلّة فافتراقهما فی الجهة الأولی لا الثانیة.

و لذا تعدّی الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه عن تحریم النظر بشهوة إلی الأجانب إلی حرمة النظر بشهوة إلی المحارم بسبب عموم الحکمة لأنّ حکمة حرمة النظر بشهوة إلی الأجانب علی ما فی خبر محمّد بن سنان هی ما فیه من تهییج الرجال و ما یدعو إلیه التهییج من الفساد و الدخول فیما لا یحلّ و لا یحمل (2)و من المعلوم أنّ هذه الحکمة لا تختص بالنظر بشهوة إلی الأجانب و علیه فمقتضی وجودها فی النظر بشهوة إلی المحارم هو تحریم النظر الشهویّ إلیهم أیضا لأنّها هی التی بعثت الشارع نحو تحریم النظر إلی الأجانب (3).

فمع تعمیم الملاک المنصوص لا وجه لتخصیص الحکم بالأخصّ بل یتعدّی عن مورده إلی سایر الموارد و لو لم یکن من أفراد الإنسان کما ذهب الأصحاب إلی عدم جواز النظر الشهویّ إلی الحیوان أیضا فلا تغفل.

لا یقال إنّ الحکمة المنصوصة تکون فی قوّة المقتضی فإذا لم ینضمّ إلیه عدم المانع لا یوجب شیئا فمورد الحکمة المنصوصة من الموارد التی یعلم انتفاء الموانع فیه لأنّ المتکلم فی مقام توجیه الحکم الفعلی و من المعلوم أنّ الحکم الفعلی لا یجتمع مع وجود المانع هذا بخلاف سائر الموارد لوجود احتمال الموانع فیها و مع احتمال الموانع فلا یجوز التعدّی عن مورد الحکمة إلی سائر الموارد.

لأنّا نقول إنّ توجیه الحکم المطلق بالحکمة المنصوصة لا یکون غالبا إلاّ إذا

ص:540


1- 1) نفس المصدر:ج 2 ص 269-271.
2- 2) الوسائل:الباب 104 من مقدّمات النکاح:ح 12.
3- 3) راجع تقریرات الصلاة لسیّدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه:ج 1 ص 367.

کانت الحکمة من المقبولات العقلائیّة العامّة کالظلم و الفساد أو من الضرورات الشرعیّة التی لا یرضی الشارع بإهمالها و هذه الضرورات و المقبولات لا یحتمل فیها وجود الموانع و إن لم تکن من الضرورات الشرعیّة و المقبولات العامّة.

نعم لو کانت الحکمة مختصّة بالمورد أو احتمل فیها بعض الموانع بالنسبة إلی سایر الموارد فلا توجب تعمیم الحکم کما لا یخفی.

و ممّا ذکر ینقدح حکم تلقیح میاه الرجال بفروج نساء أجنبیّات فإنّ الحکمة المذکورة للعدّة و هی عدم اختلال الأنساب توجب المنع عن ذلک کما یظهر ممّا ذکر أیضا حکم الحیل الربویّة.

حیث إنّ النکتة المذکورة فی الأخبار لحکمة الربا هی ترک التجارات أو اصطناع المعروف و الفساد و هما و إن ذکرا بعنوان الحکمة لا العلّة و لکنّهما یوجبان المنع عن الحیل الشرعیّة لوجودهما فیها.

هذا مضافا إلی أنّ الحکم بجواز الربا بالحیل الشرعیّة فی جمیع الموارد یوجب اللغویّة فی جعل الحرمة فافهم کما أفاد سیّدنا الإمام المجاهد قدّس سرّه حیث قال فی ضمن کلام فتحریم الربا لنکتة الفساد و الظلم و ترک التجارات و تحلیله بجمیع أقسامه و أفراده مع تغیّر عنوان لا یوجب نقصا فی ترتّب تلک المفاسد من قبیل التناقض فی الجعل أو اللغویّة فیه (1).

و أیضا استدلّ بعض الأعلام لجواز إقامة الحدود للحاکم الجامع للشرائط فی عصر الغیبة بأنّ إقامة الحدود إنّما شرّعت للمصلحة العامّة و دفعا للفساد و انتشار الفجور و الطغیان بین الناس و هذا ینافی اختصاصه بزمان دون زمان و لیس لحضور الإمام علیه السّلام دخل فی ذلک قطعا فالحکمة المقتضیة لتشریع الحدود تقضی بإقامتها فی زمان الغیبة کما تقضی بها زمان الحضور (2).

ص:541


1- 1) کتاب البیع:ج 2 ص 409.
2- 2) مبانی تکملة المنهاج:224/1.

فتحصّل أنّ الحکم الشرعیّة المنصوصة الفعلیّة التی لا یرضی الشارع بإهمالها لها سهم وافر فی استنباط الأحکام الشرعیّة فعلینا النظر فیها و أن لا نرغب عنها بمجرّد کونها من الحکم لا العلل؛فافهم و اغتنم.

تبصرة:و هی أنّ مفهوم الموافقة مستفاد من المنطوق لا انتفاء الموضوع لأنّ مفهوم الموافقة ما کان الحکم فی المفهوم موافقا فی السنخ للحکم المذکور فی المنطوق.

و لا شبهة فی حجّیّته لأنّه من الظهورات المنطوقیّة من دون فرق بین إن قلنا إنّ الکلام سبق لإفادة ذلک المفهوم بحیث لا یکون المذکور فی الکلام مقصودا بالأصالة کقولنا فی المدح عن شخص أنّه ممّن لا یمکن لنا أن نقرّ به و بین إن قلنا بأنّ المذکور و مفهوم الموافقة کلاهما مقصودان.

کمثل قوله تعالی: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) الذی یدلّ علی النهی عن التأفیف و ما کان أشدّ منه ثمّ لا یخفی علیک أنّ مفهوم الموافقة ربما یسمّی بفحوی الخطاب أو بدلالة الأولویّة.

و کیف کان فمفهوم الموافقة لیس مندرجا فی مبحث المفاهیم المصطلحة لأنّه من المفاهیم الإثباتیّة التی یدلّ علیها منطوق الکلام و لا یستفاد من انتفاء الموضوع أو الشرط أو الوصف أو غیر ذلک و المفاهیم المصطلحة المبحوث عنها فی المقام هی التی تستفاد من انتفاء الأمور المذکورة کما عرفت فی مثل قولهم إن جاءک زید فأکرمه فإنّه یدلّ علی وجوب الإکرام عند مجیء زید و تحقّق الشرط و عدم وجوب إکرامه عند عدم وجود الشرط و هو عدم مجیئه و هذا هو المفهوم و من المعلوم أنّه متفرّع علی عدم الشرط کما لا یخفی.

ص:542

الخلاصة:

الفصل السابع:فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصتین

یقع الکلام فی مقامین:

المقام الأوّل:فی العلّة المنصوصة

و لا یخفی أنّ العلّة معمّمة بمنطوقها و مخصّصة بمفهومها.

ففی مثل قولهم لا تأکل الرمّان لأنّه حامض یعلّل النهی عن أکل الرمّان بأنّه حامض و مقتضی عدم تقیید الحموضة بشیء آخر هو أنّ الحموضة بخصوصها من دون حاجة إلی ضمیمة شیء آخر تکون علّة للمنع المذکور فالحموضة علّة مستقلّة للنهی لا جزء العلّة.

و أیضا مقتضی عدم تقیید الحموضة بحموضة المورد فی المنطوق هو أنّ الحموضة مطلقا و لو لم تکن فی المورد المذکور فی المنطوق موجبة للنهی و لذا یتعدّی عن الرمّان إلی کلّ حامض و یحکم بحرمته و من هذه الجهة توصف العلّة بکونها معمّمة و بتعبیر آخر قوله لأنّه حامض فی قوّة تعلیل تحریم الرمّان بکونه من مصادیق الحامض و الحامض محرّم و هو کبری کلّیّة تدلّ علی تعمیم الحکم و لکن هذا التعمیم بمناسبة الحکم و الموضوع یکون فی دائرة المأکولات و المشروبات فلا یتعدّی عن مواردها إلی غیرها کالحمل و المسّ و نحوهما من الأمور.

ثمّ إنّ الاکتفاء بخصوص هذه العلّة أی الحموضة فی تعلیل النهی عن أکل الرمّان یقتضی بمقدّمات الحکمة أن تکون العلّة الوحیدة لحرمة الرمّان هی الحموضة لا غیر و علیه فالعلّة المذکورة هی العلّة المنحصرة فی النهی المذکور و الانحصار المذکور یوجب تخصیص عموم المنع عن أکل الرمّان بالرمّان الحامض و علیه تدلّ العلّة

ص:543

بمفهومها علی جواز أکل الرمّان غیر الحامض و لذلک توصف العلّة الوحیدة بکونها مخصّصة ثمّ إنّ التعلیل المذکور یستفاد من أداة التعلیل کلام التعلیل وفاء التعلیل و کی التعلیل و لکیلا و لئلاّ و نحوها فالعلّة فی هذه الموارد معمّمة و مخصّصة و یتعدّی عن موردها إلی سائر الموارد.

و أمّا التعلیل المستفاد من القضیّة الشرطیّة مختصّة بموضوع القضیّة الشرطیّة إذ اللازم فی مفهوم الشرط هو حفظ الموضوع فلا یتعدّی عن الموضوع المذکور فی الشرط إلی غیره من الموضوعات إلاّ بإلقاء الخصوصیّة فوجود تالی الأداة الشرطیّة علّة لترتّب الحکم علی هذا الموضوع و عدمه علّة لانتفاء سنخ الحکم عن هذا الموضوع و لا تعرّض فیه لحال غیره من الموضوعات کما لا یخفی.

ثمّ أنّ مقتضی کون العلّة مخصّصة هو نفی الحکم عن الموضوع فیما إذا کان خالیا عن العلّة و حینئذ فإن ورد فیه دلیل آخر یدلّ علی إثبات الحکم فیه یقع التعارض بینهما و حیث أنّ التعارض بینهما یکون تعارضا تباینیّا یندرجان تحت أخبار العلاجیّة و ربّما یقال بتقدیم مفهوم التعلیل و لکنّه لا دلیل له فتدبّر جیّدا.

المقام الثانی:فی الحکمة المنصوصة

و لا یذهب علیک أنّ الحکمة المنصوصة لا دلالة لها علی التخصیص لأنّها فی مقام تقریب الحکم المطلق لا فی مقام تحدیده و تقییده و لذا یکون إطلاق الحکم محفوظا و لو فی موارد خلت عن الحکمة.

و أمّا دلالة الحکمة المنصوصة علی التعمیم فالمشهور ذهبوا إلی العدم و لکن یمکن أن یقال الظاهر أنّها کالتعلیل فی الدلالة علیه لأنّ المراد من الحکمة المنصوصة هی الحکمة الفعلیّة الباعثة علی الحکم التی لا یرضی الشارع بإهمالها و من المعلوم أنّ هذه الحکمة تصلح لأن تکون وجها للحکم الفعلی إذ مقتضی باعثیّتها علی النحو المذکور هو ثبوت الحکم أینما کانت بعد فرض عدم تقیّدها بالمورد الخاصّ

ص:544

و عمومیّتها.

و یشهد له تعدّی العقلاء عن موارد الحکمة إلی غیرها ممّا تکون الحکمة موجودة فیه بعینها أ لا تری أنّ الحاکم إذا أمر أهل بلد بتلقیح مواد خاصّة مع التصریح بحکمته و هی شیوع مرض خاصّ.

یتعدّی أهل سائر البلاد عن البلد المذکور و یلتزمون بالأمر المذکور للحکمة التی نصّ علیها مع أنّ الحاکم لم یأمر إلاّ أهل ذلک البلد.

و لیس ذلک إلاّ لإفادة تعمیم الحکمة المنصوصة و هکذا لو أمر الحاکم أهل بلد بإقلال مصرف الماء مع التصریح بحکمته و هو دفع الهلاکة یتعدّی أهل سائر البلاد عن البلد المذکور و یلتزمون بالأمر المذکور بسبب الحکمة التی صرّح الحاکم بها إذا کانت الحکمة المذکورة موجودة فیها بعینها و إن لم یأمرهم الحاکم بذلک لجواز الاکتفاء بالحکمة المنصوصة.

لا یقال أنّ مقتضی ذلک هو التعدّی عن موارد الحکمة غیر المنصوصة أیضا لأنّا نقول مع عدم التنصیص لا علم بالحکمة و لا بباعثیّتها بل لیست إلاّ حکمة ظنیّة مع احتمال اقترانها بالموانع و الروادع و لا یکون الحکمة المنصوصة کذلک إذ صرّح الشارع بکونها حکمة باعثة فعلیّة للحکم الّذی أمر به أو نهی عنه.

و قد حکی عن الأستاذ المحقّق الحاج الشیخ الحائری قدّس سرّه أنّه قال شأن الحکمة و إن کان عدم الاطّراد لکن فی خصوص جانب العدم أعنی لا یدور عدم الحکم مدار عدمها و أمّا فی جانب الوجود فلا یمکن أن لا یدور مدارها بأن لا یوجد الحکم مع وجودها.

و لعلّه لذلک ذهب أستاذنا المحقّق الداماد قدّس سرّه إلی أنّ الحکمة کالعلّة فی التعمیم دون التخصیص و قال إنّ مقتضی کون شیء حکمة هو جواز أن یوجد الحکم و هی غیر موجودة و أمّا إذا وجدت الحکمة فلا إشکال فی وجود الحکم و لو فی غیر

ص:545

موضوع الدلیل کما فی العلّة فافتراقها فی الجهة الأولی لا الثانیة.

و ظاهر کلامهما عدم تقیید الحکمة بالمنصوصة و لکن عرفت أنّ مع عدم التصریح بالحکمة لا علم بها و لا بباعثیّتها لاحتمال اقترانها بالموانع و الروادع فالقول بتعمیم مطلق الحکمة و إن لم تکن منصوصة محلّ إشکال و کیف کان فقد استدلّ بالحکمة السیّد المحقّق الخوئی قدّس سرّه لجواز إقامة الحدود فی زمان الغیبة.

و استدلّ بها أیضا المحقّق الحائری الحاج الشیخ قدّس سرّه لعدم جواز السجود علی المأکولات و لو لم یصدق علیها الثمرة کالاسفناج و البقولات.

و استدلّ سیدنا الأستاذ المحقّق الداماد قدّس سرّه لحرمة النظر بشهوة إلی المحارم بسبب عموم الحکمة الواردة فی حرمة النظر بشهوة إلی الأجانب فعلیک بإمعان النظر؛و اللّه هو الهادی.

و قد تمّ المجلد الثالث بحمد اللّه فی شهر محرّم الحرام سنة 1420 بعد الهجرة النبویة صلّی اللّه علیه و آله و سلم و یلیه المجلد الرابع و فیه مقاصد أوّلها فی العام و الخاصّ.

السید محسن الخرّازی

ص:546

فهرس محتویات الکتاب

الفصل الخامس:

فی أنّ الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه أو لا؟5

الأمر الأوّل:فی أنّ هذه المسألة هل تکون من المسائل الاصولیّة 5

أو الفقهیّة أو المبادئ الأحکامیّة 5

الأمر الثانی:فی أنّ هذه المسألة الاصولیّة هل تکون من 8

المسائل العقلیّة أو اللّفظیّة؟8

الأمر الثالث:أنّ المراد من الضدّ فی المقام 9

الأمر الرابع:أنّ محلّ النزاع لیس فی الواجبین الموسّعین 9

الأمر الخامس:فی استدلال القوم علی استلزام طلب الشیء 10

و الأمر به للنهی عن ضدّه:10

تبصرة 28

مقتضی الأصل 33

ثمرة المسألة 34

إنکار الثمرة بناء علی عدم لزوم الأمر فی تحقّق العبادة 34

إنکار الثمرة بناء علی لزوم الأمر فی العبادة 37

الخلاصة 77

ص:547

الفصل السادس:

فی جواز الأمر مع انتفاء الشرط و عدمه 94

الخلاصة:97

الفصل السابع:

فی تعلّق الأوامر و الطلب بالطبیعیّ أو الأفراد 99

الخلاصة:106

الفصل الثامن:

فی أنّه بعد نسخ الوجوب هل یبقی الرجحان أو الجواز بالمعنی الأخصّ أو الأعمّ أوّلا؟109

الخلاصة:114

الفصل التاسع:

فی تصویر الوجوب التخییریّ؛116

و یقع الکلام فی مقامین:116

الخلاصة:127

الفصل العاشر:

فی تصویر الواجب الکفائیّ 136

الفصل الحادی عشر:

فی الموسّع و المضیّق 138

الخلاصة:144

الفصل الثانی عشر:

فی دلالة الامر بالامر 147

الخلاصة 149

ص:548

الفصل الثالث عشر:

فی الأمر بعد الأمر 150

الخلاصة 152

المقصد الثانی:

فی النواهی الفصل الأوّل:

فی مفاد مادّة النهی و صیغته 155

الخلاصة:172

الفصل الثانی:

فی جواز اجتماع الأمر و النهی 179

الخلاصة:225

الفصل الثالث:

فی أنّ النهی هل یکشف عن الفساد أو لا؟274

الخلاصة 321

المقصد الثالث:

فی المفاهیم الفصل الأوّل:

فی تعریف المفهوم و المنطوق 337

الفصل الثانی:

فی دلالة الجملة الشرطیّة علی المفهوم و عدمها 349

بقی التنبیه علی امور 374

بطلان التفصیل بین اتّحاد الجنس و عدمه 411

ص:549

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات 414

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل الأسباب 431

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسبّبات 433

الخلاصة:436

الفصل الثالث:

فی مفهوم الوصف 462

و ثانیهما فی أدلّة المثبتین 466

هنا تفصیلان 474

الخلاصة:479

الفصل الرابع:

فی مفهوم الغایة 486

الخلاصة:495

الفصل الخامس:

فی مفهوم الحصر 497

الخلاصة:521

الفصل السادس:

فی مفهوم اللقب و العدد 527

الخلاصة:532

الفصل السابع:

فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصتین 534

المقام الأوّل:فی العلّة المنصوصة 534

المقام الثانی فی الحکمة المنصوصة:537

الخلاصة:543

ص:550

بطلان التفصیل بین کون الأسباب الشرعیّة معرّفات أو مؤثّرات 456

مقتضی الأصل فی الشک فی تداخل الأسباب 460

مقتضی الأصل فی الشکّ فی تداخل المسبّبات 461

الفصل الثالث فی مفهوم الوصف 462

و ثانیهما فی أدلّة المثبتین 466

هنا تفصیلان 474

الخلاصة:479

الفصل الثالث:فی مفهوم الوصف 479

الفصل الرابع:فی مفهوم الغایة 486

الخلاصة:495

الفصل الرابع فی مفهوم الغایة 495

الفصل الخامس فی مفهوم الحصر 497

الخلاصة:521

الفصل الخامس فی مفهوم الحصر 521

الفصل السادس فی مفهوم اللقب و العدد 527

الخلاصة:532

الفصل السادس فی مفهوم اللقب و العدد 532

الفصل السابع فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصتین 534

المقام الأوّل:فی العلّة المنصوصة 534

المقام الثانی فی الحکمة المنصوصة:537

الخلاصة:543

الفصل السابع:فی مفهوم العلّة و الحکمة المنصوصتین 543

ص:551

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.