سند العروه الوثقی (کتاب النکاح) المجلد الاول

اشارة

سرشناسه:عابدینی، حسین، 1349 -

عنوان قراردادی:العروه الوثقی. شرح

عنوان و نام پدیدآور:سند العروه الوثقی (کتاب النکاح)/ تقریرا لابحاث محمدالسند ؛ بقلم قیصر التمیمی ، علی حمود العبادی.

مشخصات نشر:قم: باقیات، 20م.= 14ق.= 13.

مشخصات ظاهری:2ج.

یادداشت:فهرست نویسی براساس جلد دوم، ، 2008م.= 1429ق.= 1387.

یادداشت:عربی.

یادداشت:کتابنامه.

مندرجات:ج.2. کتاب النکاح

موضوع:یزدی، سیدمحمدکاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی -- نقد و تفسیر

موضوع:یزدی، سیدمحمد کاظم بن عبدالعظیم، 1247؟ - 1338؟ ق . عروه الوثقی. شرح

موضوع:فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده:تمیمی، قیصر

شناسه افزوده:عبادی، علی حمود عناد، 1969 - م.

رده بندی کنگره:BP183/5/ی 4ع 402153 1300ی

رده بندی دیویی:297/342

شماره کتابشناسی ملی:1637325

ص :1

اشارة

ص:2

سند العروه الوثقی (کتاب النکاح)

تقریرا لابحاث محمدالسند

بقلم قیصر التمیمی ، علی حمود العبادی

ص:3

ص:4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحیم

و الصلاة و السلام علی أشرف الخلق و سید الکائنات أمین الله علی جمیع وحیه المبعوث رحمة لکل العالمین و علی آله الولاة بعده.

و قد وفق تعالی بعد إنهاء دورة بحث الحج التی ألقیتها فی أیام التعطیل علی الإخوة الأفاضل، أن أبدأ بحث کتاب النکاح فی العروة الوثقی و تکملته فی وسیلة النجاة، فجاءت هذه المدونة من جزءین کبدایة لسلسلة هذه الأبحاث، و قد قام بضبطها و تحریرها الفاضلان الألمعیان المدققان الشیخ قیصر التمیمی و الشیخ علی حمود العبادی أدام الباری توفیقهما و أحمده تعالی علی المثابرة و المکابدة التی تمیزا بها راجیاً لهما المزید من الدرجات العلمیة و خدمة الدین الحنیف.

قم - عش آل محمد - محمد سند

25 ذی القعدة الحرام

1428 ه- . ق

ص:5

ص:6

المقدمة للمقررین

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین و الصلاة و السلام علی محمد خاتم النبیین و آله الطیبین الطاهرین، و اللعنة الدائمة علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین.

و بعد، فإن من منن الله تعالی أن وفقنا بالتشرف بحضور ما ألقاه سماحة الشیخ آیة الله محمد السند )دامت برکاته( من الأبحاث فی الفقه و الأصول، و من جملة هذه الأبحاث التی تشرفنا بحضورها و تقریرها هی الأبحاث المتعلقة بکتاب النکاح التی کانت عبارة عن بحث موسع ألقاه سماحته فی أیام التعطیل طیلة خمس سنوات.

و من الجدیر بالذکر إن قسماً من هذه المباحث جاءت علی ضوء مسائل العروة الوثقی للسید الیزدی+، و القسم الآخر جاء علی ضوء المسائل فی کتاب )وسیلة النجاة( للسیّد أبو الحسن الأصفهانی.

و أخیراً أسأله تعالی أن یتقبل منا هذه البضاعة المزجاة و یجعلها ذخراً لنا فی الدنیا و الآخرة و أن یسددنا و یرشدنا منهاج الرشاد، إنه ولی التوفیق.

الشیخ الشیخ

قیصر التمیمی علی حمود العبادی

عش آل محمد قم المقدَّسة

ص:7

ص:8

کتاب النکاح

اشارة

کتاب النکاح

فصل: فی المقدمات

النکاح مستحب فی حدّ نفسه بالإجماع، و الکتاب، و السنة المستفیضة بل المتواترة. قال الله تعالی: ( وَ أَنْکِحُوا الْأَیامی مِنْکُمْ وَ الصّالِحِینَ مِنْ عِبادِکُمْ وَ إِمائِکُمْ إِنْ یَکُونُوا فُقَراءَ یُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِیمٌ . و فی النبوی المروی بین الفریقین: )النکاح سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی(، و عن الصادق(علیه السلام) عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال: )تزوّجوا فإن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: من أحب أن یتّبع سنّتی فإن من سنّتی التزویج(، و فی النبوی: )ما بُنی بناء أحبّ إلی الله تعالی من التزویج(، و عن النبی(صلی الله علیه و آله): )من تزوج أحرز نصف دینه فلیتق الله فی النصف الآخر(. بل یستفاد من جملة من الأخبار: استحباب حبّ النساء، ففی الخبر عن الصادق(علیه السلام): )من أخلاق الأنبیاء حبّ النساء(، و فی آخر عنه(علیه السلام): )ما أظن رجلاً یزداد فی هذا الأمر خیراً إلا ازداد حباً للنساء(. و المستفاد من الآیة و بعض الأخبار: أنه موجب لسعة الرزق، ففی خبر إسحاق بن عمار: )قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): الحدیث الذی یرویه الناس حق؟ إن رجلاً أتی النبی(صلی الله علیه و آله) فشکی إلیه الحاجة، فأمره بالتزویج حتی أمره ثلاث مرات. قال

ص:9

أبو عبد الله(علیه السلام): نعم هو حق. ثمّ قال(علیه السلام): الرزق مع النساء و العیال(.

(مسألة 1): یستفاد من بعض الأخبار کراهة العزوبة، فعن النبی صلی الله علیه و آله: )رذال موتاکم العزاب(. و لا فرق علی الأقوی فی استحباب النکاح بین من اشتاقت نفسه و من لم تشتق، لإطلاق الأخبار، و لأن فائدته لا تنحصر فی کسر الشهوة، بل له فوائد، منها زیادة النسل و کثرة قائل: (لا إله إلا الله)، فعن الباقر(علیه السلام): )قال رسول الله صلی الله علیه و آله ما یمنع المؤمن أن یتخذ أهلا لعل الله أن یرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله(.

(مسألة 2): الاستحباب لا یزول بالواحدة بل التعدّد مستحب أیضاً، قال الله تعالی: (فَانکِحُوا مَا طَابَ لَکُم مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَی وَ ثُلاَثَ وَ رُبَاعَ). و الظاهر عدم اختصاص الاستحباب بالنکاح الدائم أو المنقطع، بل المستحب أعم منهما و من التسری بالإماء.

(مسألة 3): المستحب هو الطبیعة أعم من أن یقصد به القربة أو لا. نعم عبادیته و ترتب الثواب علیه موقوفة علی قصد القربة.

(مسألة 4): استحباب النکاح إنما هو بالنظر إلی نفسه و طبیعته، و أما بالنظر إلی الطوارئ، فینقسم بانقسام الأحکام الخمسة، فقد یجب بالنذر أو العهد أو الحلف و فیما إذا کان مقدمة لواجب مطلق، أو کان فی ترکه مظنة الضرر، أو الوقوع فی الزنا أو محرم آخر. و قد یحرم کما إذا أفضی إلی الإخلال بواجب، من تحصیل علم واجب أو ترک حق من الحقوق الواجبة، و کالزیادة علی الأربع. و قد یکره کما إذا کان فعله موجباً للوقوع فی مکروه. و قد یکون مباحاً کما إذا کان فی ترکه مصلحة معارضة لمصلحة فعله مساویة لها. و بالنسبة إلی المنکوحة أیضاً ینقسم إلی

ص:10

الأقسام الخمسة، فالواجب کمن یقع فی الضرر لو لم یتزوجها، أو یبتلی بالزنا معها لو لا تزویجها، و المحرم نکاح المحرّمات عیناً أو جمعاً، و المستحب المستجمع للصفات المحمودة فی النساء، و المکروه النکاح المستجمع للأوصاف المذمومة فی النساء، و نکاح القابلة المربیة و نحوها، و المباح ما عدا ذلک.

(مسألة 5): یستحب عند إرادة التزویج أمور:

منها: الخطبة.

و منها: صلاة رکعتین عند إرادة التزویج قبل تعیین المرأة و خطبتها، و الدعاء بعدها بالمأثور، و هو: )اللّهم إنی أرید أن أتزوج فقدّر لی من النساء أعفهن فرجاً و أحفظهن لی فی نفسها و مالی و أوسعهن رزقاً و أعظمهن برکة، و قدر لی ولداً طیباً تجعله خلفاً صالحاً فی حیاتی و بعد موتی(. و یستحب أیضاً أن یقول: )أقررت الذی أخذ الله إمساک بمعروف أو تسریح بإحسان(.

و منها: الولیمة یوماً أو یومین لا أزید فانه مکروه، و دعاء المؤمنین، و الأولی کونهم فقراء، و لا بأس بالأغنیاء، خصوصاً عشیرته و جیرانه و أهل حرفته، و یستحب إجابتهم و أکلهم، و وقتها بعد العقد أو عند الزفاف لیلاً أو نهاراً، و عن النبی(صلی الله علیه و آله): )لا ولیمة إلا فی خمس: عرس أو خرس أو عذار أو وکار أو رکاز( العرس: التزویج، و الخرس: النفاس، و العذار: الختان، و الوکار: شراء الدار، و الرکاز: العود من مکة.

و منها: الخطبة أمام العقد بما یشتمل علی الحمد و الشهادتین و الصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله و الأئمة و الوصیة بالتقوی،

ص:11

و الدعاء للزوجین، و الظاهر کفایة اشتمالها علی الحمد و الصلاة علی النبی و آله(صلی الله علیه و آله)، و لا یبعد استحبابها أمام الخطبة أیضاً.

و منها: الإشهاد فی الدائم و الإعلان به، و لا یشترط فی صحة العقد عندنا.

و منها: إیقاع العقد لیلاً.

(مسألة 6): یکره عند التزویج أمور:

منها: إیقاع العقد و القمر فی العقرب أی فی برجها لا المنازل المنسوبة إلیها و هی القلب و الإکلیل و الزبانا و الشولة.

و منها: إیقاعه یوم الأربعاء.

و منها: إیقاعه فی أحد الأیام المنحوسة فی الشهر، و هی الثالث، و الخامس، و الثالث عشر، و السادس عشر، و الحادی و العشرون، و الرابع و العشرون، و الخامس و العشرون.

و منها: إیقاعه فی مُحاق الشهر و هو اللیلتان أو الثلاث من آخر الشهر.

(مسألة 7): یستحب اختیار امرأة تجمع صفات، بأن تکون بکراً، ولوداً، و دوداً، عفیفة، کریمة الأصل - بأن لا تکون من زنا أو حیض أو شبهة أو ممن تنال الألسن آباءها أو أمهاتها أو مسّهم رق أو کفر أو فسق معروف - و أن تکون سمراء، عیناء، عجزاء، مربوعة، طیبة الریح، و رمة الکعب، جمیلة، ذات شعر، صالحة، تعین زوجها علی الدنیا و الآخرة، عزیزة فی أهلها ذلیلة مع بعلها، متبرّجة مع زوجها حصاناً مع غیره، فعن النبی(صلی الله علیه و آله): )إن خیر نسائکم الولود الودود العفیفة العزیزة فی أهلها الذلیلة مع بعلها المتبرّجة مع زوجها الحصان علی غیره التی تسمع قوله و تطیع

ص:12

أمره، و إذا خلا بها بذلت له ما یرید منها و لم تبذل کتبذل الرجل. ثمّ قال(صلی الله علیه و آله): أ لا أخبرکم بشرار نسائکم: الذلیلة فی أهلها العزیزة مع بعلها العقیم الحقود التی لا تتورّع من قبیح، المتبرّجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله و لا تطیع أمره، و إذا خلا بها بعلها تمنّعت منه کما تمنّع الصعبة عن رکوبها، لا تقبل منه عذراً و لا تغفر له ذنباً(. و یکره اختیار العقیم و من تضمنه الخبر المذکور من ذات الصفات المذکورة التی یجمعها عدم کونها نجیبة، و یکره الاقتصار علی الجمال و الثروة، و یکره تزویج جملة أخری. منها: القابلة و ابنتها للمولود. و منها: تزویج ضرة کانت لأمه مع غیر أبیه. و منها: أن یتزوج أخت أخیه. و منها: المتولدة من الزنا. و منها الزانیة. و منها: المجنونة. و منها: المرأة الحمقاء أو العجوز. و بالنسبة إلی الرجال یکره تزویج سیئ الخلق، و المخنث، و الزنج، و الأکراد، و الخزر، و الأعرابی، و الفاسق و شارب الخمر.

(مسألة 8): مستحبات الدخول علی الزوجة أمور:

منها: الولیمة قبله أو بعده.

و منها: أن یکون لیلاً؛ لأنه أوفق بالستر و الحیاء؛ و لقوله(صلی الله علیه و آله): )زفّوا عرائسکم لیلاً و اطعموا ضحی(. بل لا یبعد استحباب الستر المکانی أیضاً.

و منها: أن یکون علی وضوء.

و منها: أن یصلی رکعتین و الدعاء - بعد الصلاة بعد الحمد و الصلاة علی محمد و آله - بالألفة و حسن الاجتماع بینهما. و الأولی المأثور، و هو: )اللهم ارزقنی ألفتها و ودّها و رضاها بی و أرضنی بها و اجمع بیننا بأحسن اجتماع و أنفس ائتلاف فإنک تحب الحلال و تکره الحرام(.

ص:13

و منها: أمرها بالوضوء و الصلاة أو أمر من یأمرها بهما.

و منها: أمر من کان معها بالتأمین علی دعائه و دعائها.

و منها: أن یضع یده علی ناصیتها مستقبل القبلة و یقول: )اللّهم بأمانتک أخذتها و بکلماتک استحللتها فان قضیت لی منها ولداً فاجعله مبارکاً تقیاً من شیعة آل محمد(صلی الله علیه و آله) و لا تجعل للشیطان فیه شرکاً و لا نصیباً(، أو یقول: )اللّهم علی کتابک تزوجتها و فی أمانتک أخذتها و بکلماتک استحللت فرجها، فإن قضیت فی رحمها شیئاً فاجعله مسلماً سویاً و لا تجعله شرک شیطان(. و یکره الدخول لیلة الأربعاء.

(مسألة 9): یجوز أکل ما ینثر فی الأعراس مع الإذن و لو بشاهد الحال، إن کان عامّاً فللعموم و إن کان خاصاً فللمخصوصین. و کذا یجوز تملّکه مع الإذن فیه، أو بعد الإعراض عنه فیملک، و لیس لمالکه الرجوع فیه، و إن کان عینه موجوداً، و لکن الأحوط لهما مراعاة الاحتیاط.

(مسألة 10): یستحب عند الجماع الوضوء و الاستعاذة و التسمیة و طلب الولد الصالح السوی و الدعاء بالمأثور، و هو أن یقول: )بسم الله و بالله اللّهم جنّبنی الشیطان و جنّب الشیطان ما رزقتنی(، أو یقول: )اللّهم بأمانتک أخذتها...( إلی آخر الدعاء السابق، أو یقول: )بسم الله الرحمن الرحیم الذی لا إله إلا هو بدیع السموات و الأرض، اللّهم إن قضیت منی فی هذه اللیلة خلیفة فلا تجعل للشیطان فیه شرکاً و لا نصیباً و لا حظاً و اجعله مؤمناً مخلصاً مصفی من الشیطان و رجزه جل ثناؤک(. و أن یکون فی مکان مستور.

(مسألة 11): یکره الجماع لیلة خسوف القمر، و یوم کسوف الشمس،

ص:14

و فی اللیلة و الیوم اللذین یکون فیهما الریح السوداء و الصفراء و الحمراء، و الیوم الذی فیه الزلزلة. بل فی کل یوم أو لیلة حدث فیه آیة مخوفة، و کذا یکره عند الزوال، و عند غروب الشمس حتی یذهب الشفق، و فی المحاق و بعد طلوع الفجر إلی طلوع الشمس، و فی أول لیلة من کل شهر إلا فی اللیلة الأولی من شهر رمضان فإنه یستحب فیها و فی النصف من کل شهر، و فی السفر إذا لم یکن عنده الماء للاغتسال، و بین الأذان و الإقامة، و فی لیلة الأضحی، و یکره فی السفینة، و مستقبل القبلة و مستدبرها، و علی ظهر الطریق و الجماع و هو عریان، و عقیب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء و الجماع و هو مختضب أو هی مختضبة، و علی الامتلاء، و الجماع قائماً، و تحت الشجرة المثمرة، و علی سقوف البنیان، و فی وجه الشمس إلا مع الستر، و یکره أن یجامع و عنده من ینظر إلیه و لو الصبی غیر الممیز، و أن ینظر إلی فرج الامرأة حال الجماع، و الکلام عند الجماع إلا بذکر الله تعالی، و أن یکون معه خاتم فیه ذکر الله أو شیء من القرآن. و یستحب الجماع لیلة الاثنین و الثلاثاء و الخمیس و الجمعة و یوم الخمیس عند الزوال و یوم الجمعة بعد العصر، و یستحب عند میل الزوجة إلیه.

(مسألة 12): یکره للمسافر أن یطرق أهله لیلاً حتی یصبح.

(مسألة 13): یستحب السعی فی التزویج، و الشفاعة فیه بإرضاء الطرفین.

(مسألة 14): یستحب تعجیل تزویج البنت و تحصینها بالزوج عند بلوغها فعن أبی عبد الله(علیه السلام): )من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته فی بیته(.

(مسألة 15): یستحب حبس المرأة فی البیت فلا تخرج إلا لضرورة،

ص:15

و لا یدخل علیها أحد من الرجال.

(مسألة 16): یکره تزویج الصغار و قبل البلوغ.

(مسألة 17): یستحب تخفیف مئونة التزویج و تقلیل المهر.

(مسألة 18): یستحب ملاعبة الزوجة قبل المواقعة.

(مسألة 19): یجوز للرجل تقبیل أی جزء من جسد زوجته، و مس أی جزء من بدنه ببدنها.

(مسألة 20): یستحب اللبث و ترک التعجیل عند الجماع.

(مسألة 21): تکره المجامعة تحت السماء.

(مسألة 21): یستحب إکثار الصوم و توفیر الشعر لمن لا یقدر علی التزویج مع میله و عدم طوله.

(مسألة 23): یستحب خلع خف العروس إذا دخلت البیت، و غسل رجلیها، وصب الماء من باب الدار إلی آخرها.

(مسألة 24): یستحب منع العروس فی أسبوع العرس من الألبان و الخل و الکزبرة و التفاح الحامض.

(مسألة 25): یکره اتحاد خرقة الزوج و الزوجة عند الفراغ من الجماع.

ص:16

فصل: فی أحکام اللمس و النظر

اشارة

فصل

فی أحکام اللمس و النظر

فی حدود النظر

(مسألة 26): یجوز لمن یرید تزویج امرأة أن ینظر إلی وجهها و کفّیها و شعرها و محاسنها، بل لا یبعد جواز النظر إلی سائر جسدها ما عدا عورتها، و إن کان الأحوط خلافه، و لا یشترط أن یکون ذلک بإذنها و رضاها. نعم یشترط أن لا یکون بقصد التلذذ و إن علم أنه یحصل بنظرها قهراً، و یجوز تکرار النظر إذا لم یحصل الغرض، و هو الاطلاع علی حالها بالنظر الأوّل، و یشترط أیضاً أن لا یکون مسبوقاً بحالها و أن یحتمل اختیارها و إلا فلا یجوز. و لا فرق بین أن یکون قاصداً لتزویجها بالخصوص، أو کان قاصداً لمطلق التزویج و کان بصدد تعیین الزوجة بهذا الاختبار، و إن کان الأحوط الاقتصار علی الأوّل، و أیضاً لا فرق بین أن یمکن المعرفة بحالها بوجه آخر من توکیل امرأة تنظر إلیها و تخبره أو لا، و إن کان الأحوط الاقتصار علی الثانی. و لا یبعد جواز نظر المرأة أیضاً إلی الرجل الذی یرید تزویجها، و لکن لا یترک الاحتیاط بالترک، و کذا یجوز النظر إلی جاریة یرید شراءها و إن کان بغیر إذن سیدها، و الظاهر اختصاص ذلک بالمشتری لنفسه، فلا یشمل الوکیل و الولی و الفضولی.

ص:17

و أما فی الزوجة فالمقطوع هو الاختصاص.(1)

(1) لا بدّ من الالتفات أولاً إلی أن المراد من الفرج فی قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ) (1) لیس خصوص العضو و الآلة المخصوصة، بل المراد منها الکنایة عن الشهوة الجنسیة، و صحح هذا الاستعمال الکنائی کون ذلک العضو أبرز آلة للغریزة الشهویة، و إلا فالمراد منها هو مطلق الشهوة، کما ورد مثل هذا الاستعمال فی قوله تعالی: (وَ الَّتِی أَحْصَنَتْ فَرْجَها) ، فإن المراد من هذا النعت لمریم(علیها السلام) - کما ورد لفاطمة(علیها السلام) - لیس خصوص العفة عن الزنا، و إلا لاشترک کثیر من المؤمنات معها فی هذا النعت، بل المراد منه العفة عن مطلق استعمال الغریزة الجنسیة بأی عضو من أعضاء البدن، و یؤیده ما ورد عن أبی جعفر و أبی عبد الله(علیه السلام)قالا: «ما من أحد إلاّ و هو یصیب حظاً من الزنا، فزنا العینین النظر وزنا الفم القبلة وزنا الیدین اللمس، صدّق الفرج ذلک أو کذب»(2)، و کذا صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام)، حیث قال: فی قوله تعالی: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) : «کلّ آیة فی القرآن فی ذکر الفروج فهی من الزنا، إلاّ هذه الآیة فإنها من النظر»(3).

و علی ضوء ذلک فالآیة آمرة بحفظ الاستمتاع و التلذذ فی الغریزة الجنسیة إلاّ علی الأزواج أو المملوکة بالیمین بأی عضو من أعضاء البدن،

ص:18


1- (1) المؤمنون: 5 - 6.
2- (2) وسائل الشیعة، الحرّ العاملی، أبواب مقدمات النکاح: ب103 ح2.
3- (3) تفسیر القمی، علی بن إبراهیم القمی: ج2، ص101.

فحینئذ یصح ما أطلقه الأصحاب فی الکلمات، من أن التلذذ فی النظر أو اللمس بأی شیء غیر الزوجة و لو بالجدار یحرم.(1)

و یدعم هذا التعمیم أن الآیة عامة لکلّ من الرجال و النساء، و إن کان فی ملک الیمین خاص بالرجال، فالمراد من الحفظ حینئذ حفظ المؤمن نفسه من أن یلتذّ أو یُلتذّ به فی الغریزة الجنسیة، إلاّ علی الأزواج و ملک الیمین بأی عضو من الأعضاء، و علی ضوء ذلک یقرر مفاد الآیة دلیلاً فی باب الستر و مسائله الآتیة.

جواز النظر لمن یرید التزویج بها

إن ظاهر إسناد الإرادة فی الروایات إلی شخص المرأة، هو المشارفة و المعرضیة القریبة للزواج بشخصها، لا إرادة عموم الزواج بعموم المرأة، فإنه خارج عن ظواهر الروایات; لأنه خارج عن ظاهر موضوع أسئلة الرواة، مضافاً إلی أن الأصل الأولی حرمة الأعراض، و القدر المتیقن من الروایات فی الباب ذلک.

فائدة فی حدود ما یجوز النظر إلیه

کما أن مقتضی لسان الروایات بلسان الاستثناء هو حرمة طبیعة هذا الفعل، لو لا هذا العنوان المرخّص به و هو إرادة التزویج، و إن کان الجواز شاملاً لما لو علم بوقوع التلذّذ، فإن الجواز لیس بلحاظ ذلک; و لذلک لا

ص:19


1- (1) و استقرب الزرکشی أن یکون التعبیر بالفرج یراد به فروج الثیاب و القمیص، و حاصل المعنی حینئذ الإحصان بحجاب الثیاب لمنع الآخرین من التلذذ بمفاتن بدنها - البرهان، الزرکشی: ج2 ص305 - و حکی ذلک الثعالبی أیضاً - تفسیر الثعالبی: ج4 ص100 -.

یجوز له استدامة النظر عند حصول الالتذاذ، مضافاً إلی ما فی مرسلة عبد الله بن الفضل من اشتراط عدم الالتذاذ.

ثمّ إن ظاهر حسنة أو مصححة عبد الله بن سنان، المتضمّنة لجواز النظر إلی شعر من یرید تزویجها و کذلک صحیحة یونس بن یعقوب و موثّق الیسع، حیث إنه فی صحیح یونس بن یعقوب، إنها ترقق له الثیاب، و فی موثّق الیسع الباهلی: النظر إلی محاسنها، و کذلک موثّقة غیاث و مرسل عبد الله بن الفضل عنه عن أبیه، إذ یظهر منها التعمیم إلی عموم الأعضاء التی هی محل اهتمام، لکن الانصاف إنها لا یظهر منها جواز النظر إلی تلک المواضع بدون ثیاب، لا سیما إذا فسرت کلمة (ترقق) بمعنی تخفف، لا بمعنی ما یحکی ما تحته من البشرة، و المحاسن یتم النظر إلیها و لو من وراء الثیاب الرقیقة، و إن لم تکن تشف ما تحتها من البشرة، و لکن یظهر بها حجم الأعضاء و ما شابهه، و لقد ورد نظیره فی روایات النظر إلی الأمة التی یرید شراءها، حیث یتضمن النظر إلی محاسنها(1).

و ما جاء فی روایة الحسین بن علوان من الکشف عن ساقیها، مضافاً إلی ضعف سندها و کون موردها الجاریة، لا یظهر منها جواز النظر إلیها مع التعری فی مواضع ما عدا العورة، بل لعل المراد من الساقین ما دون الفخذین فقط.

فالمحصل من الروایات جواز النظر إلی الشعر و الرقبة و الجید و الید و نحوها، مما لا یستره الإزار، فینظر إلی باقی الأعضاء من خلال الثیاب الرقیقة، کالخصر و الورک، و بذلک یتحقق النظر إلی محاسنها، کما ورد فی

ص:20


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب بیع الحیوان: ب20.

موثّق أو صحیح یونس بن یعقوب الآخر من أنها تحتجز، و احتجازها بالإزار فقط نظیر ترقیق الثیاب، ثمّ إن مقتضی التعبیر فی الروایة السابقة بالإزار انکشاف الساقین فی الجملة جواز النظر إلیهما.

و أما التقیید فی جملة من الروایات الأخری بالوجه و المعصم و نحوهما، فلا یعارض الروایات الناصّة علی الشعر و المحاسن، لضعف المفهوم فی قبال المنطوق المنصوص، مع احتمال الوجه للإمام فی قبال الخلف، و أن التدرج فی بیان الجواز أخذاً بالحیطة و التحفظ فی الأعراض، کما یشیر إلیه موثّق أو صحیح یونس بن یعقوب الثانی.

و أما الاستئذان فنقل عدم الخلاف فی أنه لا یشترط فی جواز النظر، إلاّ أن الظاهر المتراءی منه محل تأمل; لأن النظر و إن لم یکن حقاً محضاً للمنظور إلیه، بل فیه حق الله و الحکم الشرعی، لکنّه متضمّن لحق الناس أیضاً، إلاّ أن یقال: إن الأصحاب تمسکوا بإطلاق الروایات فی المقام، نظیر جواز أکل المار للثمر، الذی عرف بحق المارّة.

لکن بین المقامین فرق، حیث إن جعل جواز أکل المارّة هناک ظاهر أدلته ابتداءً هی بدون إذن لا بتوسط الإطلاق، بخلاف المقام، فإن المنساق غالباً منه هو عند المقاولة و مشارفة الطرفین للتراضی بالعقد، فالتمسک بالإطلاق محل تأمل، فالاحتیاط لا یترک.

و لعل مراد الأصحاب أن الإذن هو بظاهر حال المقاولة، و یشهد لذلک التعبیر فی بعض الروایات بأنها تحتجز له بإزار أو ترقق له الثیاب(1)، فالظاهر منه أنه إقدام منها.

ص:21


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب36.

أما الشروط الأخری التی ذکرها الأصحاب، من کونها خلیة و أن لا تکون ذات عدّة و لا أخت الزوجة، فالظاهر إنها شروط مسلّمة فی فرض موضوع الروایات و لا حاجة للتنبیه علیها.

حرمة النظر

الدلیل الأوّل: قوله تعالی: (قُل لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ)
اشارة

قوله تعالی: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِکَ أَزْکی لَهُمْ إِنَّ اللّهَ خَبِیرٌ بِما یَصْنَعُونَ* وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ) (1)، حیث إن إطلاق الآیة من حیث المتعلّقات شامل إلی ما إذا کان المنظور إلیه مؤمنة أو کافرة، و یدعمه أن حفظ الفرج متعلّقه بلحاظ المؤمن و الکافر و الصغیر و البالغ، و کذا الحال فی إبداء الزینة فی المرأة، فإطلاق المتعلّق فی الحکمین الأخیرین یدعم إطلاق المتعلّق فی الحکم الأوّل، سواء کان المنظور إلیها بالغة أو غیر بالغة و إنما ممیّزة فقط، فالمدار علی مواطن الشهوة الجنسیة، کما أن التعلیل ب- (ذلِکَ أَزْکی لَهُمْ ) یدلّ علی أن الحکم لیس حقاً للناس فقط و لا لأجل حرمة المنظور إلیه فحسب، و إنما لأجل طهارة و عفّة الناظر أو طهارة البیئة الاجتماعیة، و یعضده عطف حفظ الفرج، فإن الحکم فیه تکلیفی محض، و لیس مجرّد تابع للحق و الحرمة للطرفین.

ص:22


1- (1) النور: 30 - 31.
تحدید متعلق الآیة

إن الظاهر من کلمة (یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) - الذی هو متعلّق الحکم فی الآیة - و لم یعبّر ب- (یغضوا أبصارهم) کما لم یعبّر بصرف النظر و غمض البصر، و إنما جاء التعبیر بالغض و بکلمة (من) الظاهر منهما أن کلّ واحد منهما یدل علی أنه لیس مطلق النظر حرام، و إنما النظر إذا کان جعل المنظور إلیه فی مرکز الدائرة أی دائرة النظر، و هو ما یطلق علیه فی العرف بالتحدیق أو الترکیز، و مثله ملأ العین، و کذلک لو جعل المنظور إلیه فی ظل دائرة النظر لا فی المرکز، لکنّه جعل المنظور إلیه هو محط توجهه الذهنی، و هذا یفهم من کلّ من کلمة الغض و کلمة من، حیث إن الأوّل بمعنی عدم التوجه و الثانی بمعنی عدم جعله مرکز النظر، و ما ورد فی الروایات من التفصیل بین النظرة الأولی و الثانیة لا ینافی ذلک، حیث إنه بلحاظ مرکز النظر، و بنفس التقریب فی الآیة یقرب فی أمر النساء بالغض من أبصارهن.

و الخدشة فی الاستدلال بالآیة بأنها یظهر منها المساواة فی حکم النظر بین المرأة و الرجل، مع أنه قد قام التسالم علی جواز نظر المرأة للرجل من دون التذاذ و ریبة، و أن الآیات دالة علی استثناء نظر الرجل إلی الوجه و الکفین من المرأة من دون دلالة علی ذلک الجواز فی نظر المرأة للرجل، مدفوعة.

حیث یرد علی الإشکال الأوّل: بأن التسالم علی جواز نظر المرأة للرجل محل تأمل، لا سیما من القدماء، و الآیة دالة علی لزوم الغض و إن کان النظر بدون لذة و ریبة، و دعوی قیام السیرة علی الإطلاق محل تأمل.

و أما الإشکال الثانی: فلا دلالة فی الآیة علی جواز نظر الرجل لوجه و کفی المرأة؛ لأن إبداءهما و إبداء الزینة لا یدلّ علی جواز النظر، إذ لیس کلّ

ص:23

ما جاز إبداؤه جاز النظر إلیه، کما أنه لیس کلّ ما حرم النظر إلیه وجب ستره، بل کلّ ما وجب ستره حرم النظر إلیه.

و قد استدل السید الحکیم فی المستمسک علی جواز النظر إلی المرأة فی مواضع خاصة بصحیحة أبی حمزة الثمالی، عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن المرأة یصیبها البلاء فی جسدها إما کسر، و إما جرح فی مکان لا یصلح النظر إلیه یکون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أ یصلح له النظر إلیها؟ قال: إذا اضطررت إلیه، فلیعالجها إن شاءت»(1)، و استدل علی عدم الجواز مطلقاً بمکاتبة الصغار فی أبواب القضاء التی ورد فیها تنقب المرأة و ظهورها للشهود(2)، و قال صاحب الشرائع: لا ینظر الرجل إلی الأجنبیة أصلاً، إلاّ لضرورة یجوز أن ینظر إلی وجهها و کفیها علی کراهیة فیه مرّة و لا یجوز معاودة النظر، و کذا الحکم فی المرأة(3) و مثله ما فی القواعد کما فی کشف اللثام.

الدلیل الثانی: حرمة الوقوع فی الفتنة
قاعدة فی حرمة وقوع الفتنة الشهویة

و موردها إما النظر أو اللمس أو السمع أو الشم و مطلق الخلطة و المباشرة و لو البعیدة.

ص:24


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب130 ح1.
2- (2) من لا یحضره الفقیه، الشیخ الصدوق، أبواب القضاء: ب29 ح2.
3- (3) کتاب الشرائع، العلامة الحلی، القسم الأوّل، الفصل الأوّل فی النظر إلی المرأة.
معنی الریبة

قال فی مجمع البحرین فی مادة ریب: الریبة قلق النفس و اضطرابها(1)، و قال فی اللسان: فتن. یقول أهل الحجاز: فتنته المرأة إذا ولّهته و أحبها، و فتن إلی النساء فتوناً و فتن إلیهن: أراد الفجور بهن، و الفتنة إعجابک بالشیء ، فتن الرجل یفتن فتوناً إذا أراد الفجور... و قولهم: فتنت فلانة فلاناً: أمالته عن القصد... و الفتنة الفضیحة، و جاء فی الروایة: ما ترکت فتنة أضر علی الرجال من النساء، یقول: أخاف أن یعجبوا بهن، فیشتغلوا عن الآخرة و العمل لها(2).

و فی کشف اللثام: الریبة ما یخطر بالبال من النظر دون التلذذ، أو الریبة خوف افتتان، و یمکن تعمیم الریبة للافتتان، لأنها من راب إذا وقع فی الاضطراب(3).

و قال صاحب الجواهر: إن المراد من الریبة خوف الوقوع فی محرم، و لعله هو المعبر عنه بخوف الفتنة(4).

و قال فی المستند: کلّ ما ذکر فیه جواز النظر فقد قیده الأکثر بعدم التلذذ و الریبة، المفسّر تارة بما یخطر بالبال من المفاسد، و أخری بخوف الوقوع فی المحرم، و ثالثة بخوف الفتنة و الفساد و الوقوع فی موضع التهمة(5).

و فی دلائل الإمامة للطبری: «فبقی یلح النظر إلیها، فقلت: یا سیدی، هل

ص:25


1- (1) مجمع البحرین، الطریحی: ج2 مادة ریب.
2- (2) لسان العرب، ابن منظور: مادة فتن.
3- (3) کشف اللثام، الفاضل الهندی: ج7، ص23.
4- (4) الجواهر: ج29، ص70.
5- (5) مستند الشیعة، النراقی: ج16، ص60.

لک فیها من حاجة؟ فقال: إنا معاشر الأوصیاء لسنا ننظر نظر ریبة و لکنا ننظر تعجباً، أن المولود الکریم علی الله یکون منها»(1).

و استدل صاحب الجواهر و المستند علی حرمة النظر بریبة بالإجماع، و تسالم الأصحاب و بأنه القدر المتیقن من إشعار الروایات الواردة فی النظر، بل صریح بعضها، کما ورد فی نظر المملوک إلی سیّدته، قال(علیه السلام): «لا بأس أن ینظر إلی شعرها إذا کان مأموناً»(2)، و فی حسنة ربعی: أن الإمام علی(علیه السلام) کان یکره أن یسلم علی الشابة من النساء، و قال: «أتخوف أن یعجبنی صوتها، فیدخل من الإثم علی أکثر مما طلبت من الأجر»(3) و کذا صحیحة ابنی عمار و یعقوب: «لا یحل للمرأة أن ینظر عبدها إلی شیء من جسدها، إلاّ إلی شعرها غیر متعمّد لذلک»(4).

و کذا من الروایات الواردة فی الریبة و ممنوعیتها روایة الفضل عن أبیه(5).

و فی الروایات أیضاً، أن النظرة من سهام إبلیس، و أن النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة و کفی بصاحبها فتنة(6).

ثمّ إن المحصل من الکلمات المتقدّمة فی تعریف الریبة ثلاثة تعاریف:

ص:26


1- (1) دلائل الإمامة، محمد بن جریر الطبری: ص490.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب124 ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب131 ح3.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب124 ح1.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب36 ح5.
6- (6) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح6.
المعنی الأوّل: خوف الوقوع فی الحرام

و هذا التعریف یشمل بإطلاقه ما لو کان الحرام هو النظر بتلذذ، فابتداء النظر و إن لم یکن بتلذذ إلاّ أن خوف الوقوع فی التلذذ بقاءً یشمله التعریف، و إن کان یستظهر من هذا التعریف خصوص الأفعال الأخری من التقبیل و اللمس و الزنا، لکن إطلاق عنوان الحرام شامل لذلک، و علی ضوء ذلک، فیکون غالب النظر و لو ابتداءً تتحقق فیه الریبة، فیوافق قول المشهور فی حرمة النظر مطلقاً، عدا ما کان ابتداءً عفویاً.

المعنی الثانی: ما یخطر بالبال من النظر دون التلذذ به

و قد یعبّر عنه ما یخطر فی البال عند النظر من المیل إلی الوقوع فی الحرام مع المنظور إلیه من تقبیل و نحوه، فالأخذ بإطلاقه أیضاً یقرب من المحصل من التعریف الأوّل، حیث إن مطلق المیل یقارب و یساور و یصدق علی بدایات الشوق للالتذاذ بالنظر و إن لم یقع الالتذاذ، و إذا جعلنا محور التعریف ما یخطر بالبال بسبب النظر من الخواطر الباعثة للتلذذ، فدائرة الریبة تقرب أیضاً مما تقدّم، لا سیما مع إطلاق عنوان الحرام فی التعبیر الآخر علی القول الثانی الشامل للتلذذ.

المعنی الثالث: خوف الافتتان

و هو خوف الافتتان، فقد مرّ فی تعریف اللغویین أنه تارة بمعنی الوله و شوق النفس الشدید، و أخری بمعنی الإعجاب، و ثالثة بمعنی الإمالة، و رابعة ما یخاف أن لو اطلع علیه غیره یقبحه و یذمه.

و قد ذکر بعض أعلام العصر أن النظر بریبة هو المیل النفسانی للوقوع

ص:27

بمحرم مع المنظور إلیه، و إن لم یصل إلی درجة الخوف من الوقوع فیه، و أن التلذذ أن یحس فی قلبه بوجود لذة محرمة، سواء من النظر أو السماع أو الشم أو غیرها، فهو یتشهّاها و یطلب المزید منها، و هی مختلفة المراتب بخلاف اللذة المحللة.

و یستدل للتقیید بالریبة بالإضافة إلی ما تقدّم بروایة الفقه الرضوی(1) المرویة عند العامة أیضاً، حیث جعل الرسول(صلی الله علیه و آله) یده علی وجه الفضل بن عباس یستره من النظر إلی أخت الأعرابی، و علل ذلک فی طرق العامة للروایة ب- «أخاف أن یدخل الشیطان بینهما».

و فی صحیح الکاهلی قال أبو عبد الله(علیه السلام): «النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة و کفی بها لصاحبها فتنة»(2) و الفتنة تکون تعلیل التحریم.

فأثبتنا أن النظرة الثانیة حرام، و هذه الروایات بصدد بیان موضوع الحرمة، و لو بقرائن خارجیة، فهذه الروایات فی بیان النظرة المحرمة و التعلیل لشیء محرم، فیظهر من الصحیح التعلیل لمورد التحریم فی النظر بأنه فی معرض تولید الشهوة الذی هو مصداق الفتنة، فهذا التعلیل نص بإطار عنوان القاعدة، و نظیر ذلک ما فی روایة الأربعمائة المشهورة عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال: «لکم أول نظرة إلی المرأة فلا تتبعوها نظرة أخری و احذروا الفتنة»(3).

و فی المستدرک قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): «ذهاب النظر خیر من النظر إلی ما یوجب الفتنة»(4) و فیه أیضاً: «اللحظ رائد الفتن»(5).

ص:28


1- (1) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب81 ح7.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح ب104 ح6.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح15.
4- (4) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب81 ح12.
5- (5) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب81 ح13.

و فسّرت الریبة و الفتنة فی باب التشبیب الذی ذکروه فی المکاسب المحرمة بما یوجب و لو بعیداً تهییج القوی الشهویة من غیر الحلیلة، و قد مرّ الاستدلال علی حرمة التلذذ و الاستمتاع الجنسی من الآیة فی قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) و بهذه الدرجة من الافتتان یکون مندرجاً فی الالتذاذ، و بالتالی فالفتنة الجنسیة تندرج فی عموم تحریم الآیة، و بالتالی فقاعدة حرمة الفتنة فی الشهوة تندرج فی عموم حرمة الآیة.

و استدلوا علی تلک القاعدة أیضاً مضافاً إلی ما تقدّم فی باب التشبیب بموثّقة السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: «سئل أمیر المؤمنین(علیه السلام) عن الصبی یحجم المرأة، قال: إذا کان یحسن یصف فلا»(1).

و کذا بصحیح حفص بن البختری عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: «لا ینبغی للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة و النصرانیة، فإنهن یصفن لأزواجهن»(2)، و بما ورد من التعلیل فی المنع عن الخلوة بالأجنبیة، حیث جاء فی بعضها قوله(علیه السلام): «تحول منه فإن الرجل و المرأة إذا خلیا فی بیت کان ثالثهما الشیطان»(3).

و هناک روایات أخری فی أبواب مقدمات النکاح، کصحیح أو معتبرة مسمع بن أبی سیار(4) و هکذا أبواب الأمر بالمعروف(5)، بل قد ورد من

ص:29


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب130 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب8 ح6.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب أحکام الإجارة: ب31.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب99.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب الأمر بالمعروف: ب38 ح22.

الأحکام ما یشیر إلی بیان العزلة بین الطرفین و لو من بعد، کما فی کراهة جلوس الرجل فی مکان المرأة حتی یبرد المکان کما فی موثّقة السکونی(1)، و فی صحیحة ابن أبی یعفور قال: «قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتی تقبل شهادته لهم و علیهم، فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف و کف البطن و الفرج و الید و اللسان»(2)، فغیر العفیف یخل بالعدالة، و ما یخل بالعدالة وجوبی، فما یؤخذ فی حد العدالة لا بدّ أن یکون حکماً إلزامیاً.

و استدل أیضاً بطائفة من الآیات الواردة فی الأحکام، کقوله تعالی: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ) (3).

و الآیة تتعرض إلی ما یثیر الفتنة من جهة کیفیة الصوت أو من جهة مادة الکلام و مضمونه، نظیر ما قیل فی الغناء أنه لا ینحصر بالکیفیة، بل یعم المضمون أیضاً.

و کذا قوله تعالی: (وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ) (4)، و قوله تعالی: (وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) و کذا قوله تعالی: (وَ لکِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً) (5).

ص:30


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب145 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب الشهادات: ب41.
3- (3) الأحزاب: 32.
4- (4) النور: 31.
5- (5) البقرة: 235.

و قد أفتی الأصحاب بأن خضوع المرأة فی الصوت بتغنج یحرم، و کذلک مفاکهة الرجل للمرأة، و ما قد یعبّر عنه بالرفث فی الکلام بین الأجنبی و الأجنبیة.

و مجمل هذه الأحکام أعزاها الأصحاب إلی أنها منحدرة من أصل تشریعی فوقی، و هو ما دل علی حرمة الفحشاء و لزوم العفاف بین المؤمنین، کقوله تعالی :(إِنَّ اللّهَ یَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِیتاءِ ذِی الْقُرْبی وَ یَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ یَعِظُکُمْ) و قوله تعالی: (إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَةِ)1 .

و هذا تمام الکلام فی قاعدة الفتنة، و هو الدلیل الثانی علی حرمة النظر، کما ذکرناه فی الخلاصة المحصّلة.

الدلیل الثالث: آیة إدناء الجلابیب
اشارة

قال تعالی: (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ) (1).

فی الآیة المبارکة مقامات من البحث:

المقام الأوّل: فی تحدید مقدار حجاب المرأة
قال فی التبیان: الجلابیب جمع جلباب،

و هو خمار المرأة، و هی المقنعة تغطی جبینها و رأسها إذا خرجت لحاجة، بخلاف خروج الإماء اللاتی یخرجن مکشفات الرءوس و الجباه فی قول ابن عباس و مجاهد، و قال

ص:31


1- (2) الأحزاب: 59.

الحسن: الجلابیب الملاحف تدنیها المرأة علی وجهها(1).

و مثله ما فی مجمع البیان.

و فی تفسیر القمی: «فإنه کان سبب نزولها أن النساء کن یخرجن إلی المسجد و یصلین خلف رسول الله(صلی الله علیه و آله) و إذا کان باللیل خرجن إلی صلاة المغرب و العشاء و الآخرة و الغداة یقعد الشبان لهن فی طریقهن فیؤذونهن و یتعرضون لهن، فأنزل الله تعالی: (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ...)»2 .

أقوال اللغویین فی معنی الجلابیب

قال فی التحقیق: و الجلباب القمیص و ثوب أوسع من الخمار دون الرداء تغطی به المرأة رأسها و صدرها، و قیل هو ثوب أوسع دون الملحفة تلبسه المرأة، و قیل هو الملحفة، و قیل هو ما تغطی به المرأة الثیاب من فوق کالملحفة، و قیل جلباب المرأة ملاءتها التی تشتمل بها...

و قال الکشاف: ثوب واسع أوسع من الخمار دون الرداء و تلویه و تبقی منه ما بقی علی صدرها، و عن السدی: أن تغطی إحدی عینیها و جبهتها و الشق الآخر إلاّ العین.

و فی غریب الحدیث: سأله عن قوله الله عز و جل :(یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ) قال: فقنّع رأسه و غطی وجهه و أخرج إحدی عینیه و قال هکذا(2).

و قال فی مجمع البحرین: الجلابیب جمع جلباب و هو ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرداء، تلویه المرأة علی رأسها و تبقی منه ما ترسله علی

ص:32


1- (1) التبیان: ج8، ص361.
2- (3) التحقیق فی ألفاظ القرآن: ج4، ص463.

صدرها، و قیل: الجلباب الملحفة و کل ما یستتر به من کساء أو غیره، و فی القاموس: الجلباب کسرداب القمیص، و معنی یدنین علیهن من جلابیبهن، أی یرخینها علیهن و یغطین بها وجههن و أعطافهن، أی أکتافهن(1).

الحاصل من معنی الجلابیب

أقول: و المحصل من کلمات اللغویین المتقدّمة فی معنی الجلباب بقرینة قوله تعالی :(وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ)2 أن إدناء الجلباب حکم مغایر لحکم ضرب الخمار علی الجیوب متعلقاً و عنواناً، و قد مرّ فی کلماتهم أن الجلباب أوسع من الخمار، کما ذکر أن الخمار ما یخمر الرأس و مع ذلک یضرب به علی الجیوب، و أما الجلباب فهو الثوب الشامل الذی یشمل البدن.

و المحصل من مفاد الآیة هو وجوب ستر صفحة الوجه لا تمامه، فلا تکون صفحتی الوجه بادیتین بالتمام، و هذا یدل علی وجوب ستر الوجه فی الجملة و کل ما وجب ستره حرم النظر إلیه.

أصناف ثیاب الستر

فی الآیة دلالة واضحة علی تصنیف ثیاب الستر إلی صنفین:

الصنف الأول: ثیاب البیت الساترة للجسد

سواء کانت ساترة للرأس و الوجه و الشعر و الرقبة و نهایات الأطراف، أم لم تکن.

ص:33


1- (1) مجمع البحرین، فخر الدین الطریحی: ج1، ص384.
الصنف الثانی: ثیاب الخروج من البیت

و هی ثیاب الخروج الظاهرة، التی توضع فوق تلک الثیاب الأولی عند مواجهة الأجانب، بقرینة ذیل الآیة: (ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ)، فیظهر من الآیة الکریمة التصنیف إلی هذین القسمین اللازمین فی الستر.

و یظهر ذلک أیضاً من قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَ حِینَ تَضَعُونَ ثِیابَکُمْ مِنَ الظَّهِیرَةِ وَ مِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَکُمْ لَیْسَ عَلَیْکُمْ وَ لا عَلَیْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَیْکُمْ بَعْضُکُمْ عَلی بَعْضٍ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمُ الْآیاتِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ * وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْکُمُ الْحُلُمَ فَلْیَسْتَأْذِنُوا کَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ کَذلِکَ یُبَیِّنُ اللّهُ لَکُمْ آیاتِهِ وَ اللّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ) (1) حیث إن الآیة الکریمة تشیر إلی تصنیف لباس البیت إلی صنفین غیر ما مرّ من التصنیف فی آیة الجلباب; إذ أن الآیة تشیر إلی أن ساتر العورة من الألبسة الباطنة - و التی یصطلح علیها فی عصرنا بالملابس الداخلیة - یغایر ثیاب البیت التی تلبس عموماً فی الأوقات، مما یدلل علی أن العورة و العوار الواجب سترها علی مراتب:

مراتب العورة واجبة الستر
المرتبة الأولی: القبل و الدبر
المرتبة الثانیة: مواضع المحاسن المثیرة

مواضع المحاسن المثیرة للجنس الآخر و إن کان محرماً.

ص:34


1- (1) النور: 58 - 59.

و من ثمّ استدل بها البعض علی أن الستر اللازم أمام المحارم لا یقتصر علی القبل و الدبر، بل یشمل الثدیین و الفخذین و البطن.

المرتبة الثالثة: الشعر و الوجه و الرقبة

تشمل هذه المرتبة الشعر و الوجه و الرقبة و کذلک نهایات الأطراف.

و قد عقد الکلینی باباً فی الکافی خاصاً بالآیة الکریمة أورد فیه عدّة من الروایات فی تفسیر الآیة، منها روایة زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی قول الله عز و جل (الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ) قال: «هی خاصة فی الرجال دون النساء، قلت: فالنساء یستأذن فی هذه الثلاث ساعات؟ قال: لا، و لکن یدخلن و یخرجن ،(وَ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ) قال: من أنفسکم. قال: علیکم استیذان کاستیذان من قد بلغ فی هذه الثلاث ساعات»(1) و الروایة لا یتوهم منها أن ذلک وظیفة الرجال، بل المراد منها أن هذه وظیفة غیر المماثل، کما یشیر إلی ذلک ذیل الروایة.

و یتحصل مما مرّ من الآیات الثلاث - آیة الجلباب و آیة إبداء الزینة و آیة الاستیذان - أن الواجب فی ستر المرأة و الثیاب الساترة لها لا یکتفی فیه بالخمار و ما یستر الجیب و ما یستر سائر البدن، بل لا بدّ من إضافة الثیاب الظاهرة الأخری علیها، کالجلباب و الملحفة و الرداء و الملاءة و الإزار و نحوها، أو ما یعرف بالعباءة فی عصرنا الحاضر.

نعم الظاهر أن الموضوعیة و المدار علی هذه الدرجة من الستر لا خصوص هذه العناوین.

ص:35


1- (1) الکافی، الکلینی: ج5، ص529.

و مما یعضد لزوم الستر للثیاب الظاهرة فوق ثیاب البیت و الخمار ما ورد فی روایات جواز النظر إلی من یرید تزویجها، إنها ترقق له الثیاب بنحو تصف حجم جسمها، مما یدلل علی أن الواجب فی ستر الثیاب عن الأجنبی هو أن تکون کثیفة غیر رقیقة بدرجة ینتفی معها وصف البدن الحاکی للمحاسن.

المقام الثانی: مقدار جواز نظر المحارم
الضرورة علی أن العورة فی المحارم هی خصوص القبل و الدبر

إن الظاهر من المشهور کما حکی صاحب الجواهر عدم الخلاف، بل الضرورة علی أن العورة فی المحارم هی خصوص القبل و الدبر و لیست هی خاصة بالمماثل، لکن عن التحریر للعلامة و عن الفاضل فی آخر حدّ المحارب إنه لیس للمحرم التطلع فی العورة و الجسد عاریاً.

و فی روایة أبی الجارود تقسیم العورة إلی ثلاث، و عبّر عنها بالزینة(1) و الروایة تشیر للاستدلال بآیة ثالثة، و هی قوله تعالی: (وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ یَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ) (2) و هذه الآیة أیضاً تشیر إلی أن العورات علی ثلاث أقسام: عورة للمحرم و عورة للماثل و عورة للأجنبی، أی الفرج و المحاسن التی تستر بثیاب البیت، و عبر عنها فی مجمع البیان بثیاب الیقظة، و عبّر عن الملابس الداخلیة بثیاب النوم، فلا تحجب زینة القلادة فما فوقها و الدملج و ما دونه، أی نهایات الأطراف، و ذکر ما ملکت أیمانهن فی سیاق المحارم یعطی أن المقدار الجائز فی إبداء الزینة هو خصوص الشعر

ص:36


1- (1) مستدرک الوسائل، المحدث النوری: ب85 من أبواب مقدمات النکاح ح3.
2- (2) النور: 31.

و الرقبة و الأطراف، لا ما دون الجید و کذلک عطف التابعین غیر أولی الإربة من الرجال.

و فی الحبل المتین قال الشیخ: و أما تغسیل المحارم، فقد قطعوا بکونه من وراء الثیاب و عدم المماثل(1).

و قال فی کشف الغطاء: کما أن الأحوط تغسیل المحارم بل الزوجة من وراء الثیاب و إن کان الاحتیاط الأوّل أشد.

و کذلک نسب الشیخ الأنصاری ذلک إلی المشهور فی کتاب الطهارة(2) و کذلک نسب إلیهم فی کشف اللثام وجوب کون الغسل من وراء الثیاب(3).

و هذا یشف عن أن المحرم یختلف عن المماثل و أن العورة بالنسبة إلیه أشد.

و حکی فی کشف اللثام عن المعتبر الاستدلال فی ذلک، بأن المرأة عورة فیحرم النظر إلیها و إنما جاز مع الضرورة من وراء الثیاب جمعاً بین التطهیر و الستر، ثمّ قال فی کشف اللثام تعقیباً علی هذا الکلام: و هو مبنی علی حرمة نظر المحرم إلی الجسد عاریاً کما یصرح به المصنف - العلامة - فی آخر حدّ المحارم.

أقول: و قد مرّ حکایة ذلک عن التحریر أیضاً.

و قد یقال: إن ما ورد من تحدید العورة بالقبل و الدبر فی المماثل هی القدر المتیقن.

ص:37


1- (1) الحبل المتین: ص63.
2- (2) کتاب الطهارة، الشیخ الأنصاری: ج2، ص283.
3- (3) کشف اللثام، الفاضل الهندی: ج2، ص219.

و قال الفخر فی إیضاح الفوائد فی کتاب النکاح تحت عنوان قاعدة فی تحریم النظر و إباحته، قال فی المقام الثانی قال مسألة: یباح النظر إلی الوجه و الکفین و القدمین من المحارم المذکورین بإجماع الإمامیة، و من غیر من حرم بالمصاهرة منهنّ بإجماع الأمة، و یحرم النظر إلی القبل و الدبر من المحارم فی غیر الضرورة بإجماع الأمة. و أما الضرورة بمباشرة العلاج و شهادة الإیلاج فیجوز. و أما غیر ذلک من البدن فأقسام ثلاثة:

1- الثدی حال الإرضاع، و هو ملحق بالوجه لشدّة الحاجة إلیه و مشقة الاحتراز عنه اختاره والدی و به أفتی أنا.

2- الثدی لا فی حال الإرضاع.

3- سائر البدن غیر ما ذکرناه. و فی هذین القسمین خلاف، قیل بالإباحة.. و قیل بالتحریم.. و اختار والدی فی التذکرة الأوّل و هو الإباحة و هو الأقوی عندی. و فی المطلب الثالث فی الرضاع من کتاب القواعد الثانی و هو التحریم(1).

فیظهر من عبارته الخلاف فی غیر القبل و الدبر فضلاً عن المحارم بالمصاهرة. و ظاهر ما نقله عن العلامة فی رضاع القواعد وجود الخلاف فی إلحاق الرضاع بالنسب، بل إن عبارته فی الثدی فی حال الرضاع تشعر بوجود المخالف أیضاً.

و قال السیوری فی التنقیح الرائع: بعد ما ذکر التقسیمات الثلاثة التی مرّت فی کلام الفخر، قال: قال السعید: و الأحوط أنه یحرم ما عدا الوجه و الکفین و القدمین، و ما یظهر عادة بحسب أکثر الأوقات لأن جسد المرأة کلّه

ص:38


1- (1) إیضاح الفوائد: ج3، ص9.

عورة. و یحرم النظر إلی العورة(1).

و استظهر من السیوری میله إلی ذلک.

قال ذلک فی ذیل قول المحقق فی المختصر النافع و ینظر إلی محارمه ما خلا العورة.

و قال العلامة العصفور فی الأنوار اللوامع: فیحل النظر إلی المحارم بالنسب، و السبب کالمصاهرة ما عدا العورة و هی القبل و الدبر بإطلاق الآیة المتقدّمة، فیکون الاستدلال علیه واقعاً بالکتاب و السنة المطهرة و بالإجماع، کما ادعاه کثیر من المتقدّمین و المتأخرین، و قد توقف بعض المتأخرین فی جواز النظر إلی ما تحت الدرع من المحارم، نظراً إلی الخبر المرسل المروی فی تفسیر القمی(2).

و حکی النراقی فی المستند القول بالإباحة فیما عدا العورتین، و القول بالمنع، و قال ثالث بالإباحة فی المحاسن خاصة، و فسرها بمواضع الزینة کروایة السکونی لا بأس بأن ینظر الرجل إلی شعر أمه أو أخته.

و قال فی القواعد فی آخر حدّ المحارم: لیس للمحرم التطلّع علی العورة و الجسد(3) و قال المفید فی کتاب أحکام النساء: و لا یحل للمرأة أن تبدی زینتها لمن لیس بینها و بینها رحم من النساء کما تبدی لذوات الأرحام(4). و لا یجوز لهن الاجتماع فی الحمامات علی التعری مع من لا رحم بینها و بینها من النساء.

ص:39


1- (1) التنقیح الرائع، السیوری: ج3، ص22.
2- (2) الأنوار اللوامع، الشیخ العلامة العصفور: ج10، ص350.
3- (3) القواعد، النراقی، باب حد المحارب: ج4، ص546.
4- (4) أحکام النساء، الشیخ المفید: ص57.

و یظهر منه عدم جواز کشف المرأة جسدها للمرأة المماثلة الأجنبیة، بل مواضع الزینة خاصة فضلاً من غیر المماثل المحرم، و من ثمّ خص المحارم (بالذوات) أی الإناث. و أما عبارته فی عدم جواز الاجتماع فی الحمامات، فالظاهر إرادته عدم تعری الجسد لا العورتین بقرینة استثناء ذوات الأرحام، حیث لا یجوز لهن النظر إلی القبل و الدبر.

قال فی المبسوط: فأما إذا اطّلع علیه ذو رحم محرم لنسائه لم یمکن رمیه؛ لأن له النظر إلیهن، فإن رماه فجنی علیه کان علیه الضمان. و إن کانت فیهن امرأة متجردة لم یکن له أن یطّلع علیها؛ لأنه لا یجوز أن ینظر إلیها علی هذا الوجه، فإن لم یرتدع کان له رمیه، و إن جنی علیه لم یلزمه الضمان کالأجنبی سواء(1).

و علی هذا المبنی المذکور فی باب تغسیل المیت یشکل صحة النسبة إلی المشهور، بأن العورة فی المحرم هی القبل و الدبر خاصة; و ذلک لأن الجواز فی باب تغسیل المیت مأخوذ فی موضوعه جواز النظر فی حال الحیاة، و من ثمّ قسموا المغسِّل إلی المماثل و المحرم و الزوج و الأجنبی المأخوذ فی باب أحکام النظر.

ثمّ إنه قد یقال: إن مفاد آیة الاستیذان فی الدخول و الروایات الواردة فی ذیلها - و کذا فی فتوی الأصحاب - هو ضرب من الاستحباب و الآداب، فلا تدلّ علی أن غیر القبل و الدبر عورة محرمة فی المحارم، و یعضده أنه لو کان غیر القبل و الدبر عورة محرمة لما عُلّق علی الاستیذان; إذ لیس هو حکماً من حق الناس، و إنما هو تکلیف إلهی أیضاً.

ص:40


1- (1) المبسوط، الشیخ الطوسی: ج8، ص78.

و فیه: إن الاستیذان لا یتمحض ظهوره فی الإذن المالکی و حرمة حق الطرف فقط، بل قد یظهر منه أن الاستیذان هو إعطاء الفرصة للبس الثیاب، کما هو المتعارف المعتاد، و کما هو الحال فی العورة المسلّمة من القبل و الدبر.

و قد یستدل لاختصاص العورة بالقبل و الدبر: بأن مورد آیة الاستیذان و الروایات إنما هو فی عورة القبل و الدبر لا فی غیرهما، کی تدلّ علی أنه عورة محرمة علی المحارم.

و فیه: إن ما فی بعض الروایات من اختصاص الخطاب فی هذه الآیة بغیر المماثل، و أما المماثل فلا یستأذن، فجعلت المدار لا علی المحرمیة و الأجنبیة، بل علی المماثل و غیر المماثل، مع أن المماثل یحرم علیه النظر إلی القبل و الدبر أیضاً، مما یعزز أن مورد العورة فی الآیة لیس هو القبل و الدبر، بل ما عداهما من محاسن الطرفین للمحرم، فتخصیص الخطاب بغیر المماثل شاهد علی افتراق الحکم بین المماثل و المحرم غیر المماثل.

أدلة جواز نظر المحرم لما عدا القبل و الدبر

استدل مشهور متأخری المتأخرین و بعض المتأخرین علی جواز النظر إلی المحرم ما عدا القبل و الدبر:

الدلیل الأول: قوله تعالی: (وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ

إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْیَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلی جُیُوبِهِنَّ وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِی أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُنَّ أَوِ التّابِعِینَ غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ

ص:41

الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ) (1).

بتقریب أن إبداء الزینة غیر الظاهرة یشمل کلّ المحاسن ما عدا القبل و الدبر، و هو الذی استثنته الآیة فی حفظ الفروج قبل ذلک.

الدلیل الثانی: الروایات العامة

منها: موثّقة السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه(علیه السلام)قال: «لا بأس أن ینظر الرجل إلی شعر أمه و أخته و ابنته»(2).

و منها: موثّق سماعة، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن مصافحة الرجل المرأة، قال: «لا یحل للرجل أن یصافح المرأة إلاّ امرأة یحرم علیه أن یتزوجها، أختاً أو ابنة أو عمة أو خالة أو بنت أخته أو نحوها»(3).

و منها: ما ورد فی تغسیل الرجل أو المرأة محارمها، کصحیحة منصور، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یخرج فی السفر و معه امرأته یغسلها؟ قال: نعم و أمه و أخته و نحو هذا، یلقی علی عورتها خرقة»(4).

و فی موثّق عمار الساباطی فی الصبیة لا تصاب امرأة تغسلها، قال: «رجل أولی الناس بها»(5).

و خبر زید الشحام، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن امرأة ماتت و هی فی موضع لیس معهم امرأة غیرها، قال: «إن لم یکن فیهم لها زوج و لا ذو رحم

ص:42


1- (1) النور: 31.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104، ح7.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب115، ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح1.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح11.

-و فی المصدر (محرم) - لها دفنوها بثیابها و لا یغسلونها، و إن کان معهم زوجها أو ذو رحم لها، فلیغسلها من غیر أن ینظر إلی عورتها»(1).

الدلیل الثالث: الإجماع

و هو الإجماع المحکی فی کلمات صاحب الحدائق و الجواهر، حیث ادعی الضرورة أیضاً.

الرد علی الدلیل الأول

إنّ ظاهر مورد الآیة فی الزینة التی تبدی للمحارم، و هی الزینة التی هی محل اشتراک بین المحارم و الزوج و المماثل من النساء و غیر أولی الإربة من الرجال و الذین ملکت أیمانهم، فإن القدر المشترک بین هذه الأصناف من الزینة التی تبدی، هی شعر الرأس و الرقبة و أطراف الأعضاء، و إلا فلو بنی علی إطلاق الزینة لکلّ بدن المرأة لکان القبل و الدبر السائغ للبعولة سائغ للبقیة، و هو کما تری.

و من ثمّ لم یقع خلاف - إلاّ ما شذ - فی أن ما ملکت أیمانهم و غیر أولی الإربة من الرجال لا یسوغ لهم من الزینة إلاّ ذلک المقدار، کما هو مفاد النصوص و الفتاوی.

ثمّ إن الزینة التی تبدی فی الآیة هی زینة ثیاب الیقظة لا ثیاب النوم، و من ثمّ ذکر فی هذه الآیة ثلاثة عناوین: حفظ الفرج، و الزینة الظاهرة و الزینة غیر الظاهرة، و قد مرّ أنه بیان لتقسیم العورة إلی ثلاث، کما أشارت إلیه روایة أبی الجارود، و لک أن تقول إن الروایات الواردة فیما ملکت أیمانکم و فی غیر

ص:43


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح7.

أولی الإربة من الرجال تفسر مورد الزینة فی الروایة، و یؤید هذا التفسیر لمورد الزینة فی الآیة ما ورد فی النصوص و الفتاوی من تفسیر محاسن المرأة فی مسألة جواز النظر إلی امرأة یرید تزویجها بالشعر و أطراف البدن و ما وصفت الثیاب المرققة کما مرّ (1).

و یعضد استظهار معنی الزینة غیر الظاهرة التی تبدی للأصناف المستثناة، أن الزینة فی الوضع اللغوی و المعنی الحقیقی هو آلات الزینة من القلادة و قرامل الشعر و القرطین للأذن و السوار للمعاصم و نحو ذلک، و إرادة الموضع من الزینة بالتبع و یتحدد بالتالی بهذا القدر، و إن کان تزین المرأة لزوجها بثیاب النوم شاملة لکلّ مواضع الجسد لا سیما بقرینة (إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ ) .

و قال فی المسالک: فی جواز نظر البالغ الخصی المملوک للمرأة إلی مالکته، ذهب إلیه العلامة فی المختلف و مال إلیه الشیخ فی المبسوط، لعموم قوله تعالی: (أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ) الشامل للمملوک الفحل و الخصی، فإن فرض خروج الفحل بشبهة دعوی الإجماع بقی العام حجة فی الباقی، و اختار المنع المحقق و الشیخ فی الخلاف و العلامة فی التذکرة، و حملوا الآیة علی الإماء(2).

الرد علی الدلیل الثانی

إنّ موثّقة السکونی لا تخلو عن إشعار بأن مورد الجواز هو ما ذکرنا فی المحارم، من أنه شعر الرأس و الرقبة و الجید و أطراف الأعضاء، و إلا لما کان لتخصیص الجواز بعنوان شعر الرأس وجه، إذا کان کلّ الجسد جائز عدا

ص:44


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب6 ح3.
2- (2) المسالک، الشهید الثانی، أحکام النظر: ج7، ص51.

القبل و الدبر، و أما موثّقة سماعة فموردها المصافحة بالید، و هی محل وفاق نظراً و لمساً، و إنما الکلام فیما دون الجید و ما فوق الساق.

و أما الروایات الواردة فی تغسیل المحرم فهی مقیدة فی النصوص الأخری بما وراء الثیاب، أی أن المحرم یغسل المحرم بدون أن یعرّی جسده، بل فی نصوص أخری التقیید بعدم وجود المماثل، و هذین القیدین قد وردا فی جملة من فتاوی المتقدّمین و المتأخرین، لا سیما القید الأوّل، و قد مرّ نقل اتفاق الأصحاب علیه و قطعهم فلاحظ.

و جملة من المتقدّمین قد قیدوا بالقید الثانی أیضاً تبعاً للنصوص، و هذا مما یعطی أن العورة فی المماثل تختلف عن العورة فی المحارم، و أن المماثل حیث یجوز له رؤیة الجسد عدا القبل و الدبر هو أولی بالتغسیل من المحرم غیر المماثل.

و أما النصوص الواردة:

فموثّقة سماعة، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل مات و لیس عنده إلاّ نساء، قال: «تغسله امرأة ذات محرم و تصب النساء علیها الماء و لا تخلع ثوبه، و إن کانت امرأة ماتت مع رجال... و إن کان معها ذو محرم لها غسلها من فوق ثیابها»(1) و کذلک ما فی موثّقة عمار الساباطی(2) و کذلک مصحح عبد الله بن سنان، حیث قیّد اللمس بوضع خرقة علی الید(3)، بل فی روایة زید الشحام التی استدل بها... و سألته عن رجل مات فی السفر مع نساء لیس

ص:45


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح9.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح5.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح7.

معهن رجل...، فقال: «و إن کان له فیهن امرأة، فلیغسل فی قمیص من غیر أن تنظر إلی عورته»(1)، و فی روایة أبی حمزة عن أبی جعفر(علیه السلام) اشتراط المماثل مطلقاً.(2) و هو ظاهر ذیل روایة زید الشحام المتقدّمة التی ذکرناها، و فی روایة زید بن علی أیضاً التقیید بالقید الأوّل و هو من وراء الثیاب(3)، و موثّق عمار الساباطی الذی مرّ فی دلیل الجواز الثانی ظاهره المفروغیة من التقیید بالقید الثانی و هو عدم المماثل، و فی صحیح الحلبی الإشارة إلی کلا القیدین کما لا یخفی(4)، و لأجل ذلک ورد فی بقیة روایات الباب التی استدل بها القائلون بجواز النظر ورد فیها التعبیر بأن المحرم تصب الماء علیه صبّاً، و هو إشارة إلی کلّ من وجود الثیاب و عدم اللمس و الدلک بالید.

فتحصل: أن هذه الروایات الواردة فی غسل المیت و المفتی بها عند الأصحاب قدیماً و حدیثاً دلیل برأسه علی اختلاف جواز النظر بین المماثل و المحرم، و معاضدة لما تقدّم استظهاره من الآیات الأربعة.

الرد علی الدلیل الثالث

إنّ ما ادعی من الإجماع و الضرورة، فقد مرّ نقل کلمات الأصحاب المتقدّمین و بعض المتأخرین، کالشیخ المفید و العلامة فی القواعد و السیوری فی التنقیح و ما حکاه عن السعید، مضافاً إلی جملة فتاواهم قدیماً و حدیثاً فی تغسیل المیت کما مرّ، و هی ناصّة علی اختلاف الحکم فی النظر بین المماثل

ص:46


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح7.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح10.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب20 ح8.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب24 ح3.

و المحرم، و هی أصرح موضع یقف علیه المتتبع لفتاوی المتقدّمین و المتأخرین و متأخریهم فی باب النظر، و إلا فقد تتبعنا جملة من کتب المتقدّمین فلم نقف لهم علی تصریح فی باب النظر من کتاب النکاح و کتاب التخلی، فلم نقف لهم علی تصریح بجواز نظر المحرم إلی الجسد عدا القبل و الدبر.

نعم فی باب حد المحارب تعرضوا إلی نظر المحرم، فیما لو اطلع علی بیت محرم له من ثقب و نحوه أو من علی جدار، و کان المطلع رحماً لنساء صاحب المنزل، أنه لو کان من النساء مجردة جاز زجره و رمیه، و عللوا ذلک بأنه لیس للمحرم هذا الاطلاع المتضمن للعورة و الجسد، کما مرّ فی فتوی القواعد و المبسوط، و الغریب أن صاحب الجواهر مع دعواه الضرورة تأمل فی حرمة النظر إلی بدن المحرم مع عدم الریبة(1).

فتحصل: أن المحصل من ظاهر الآیات الأربعة و الروایات الواردة فی تغسیل المیت و فتاوی الأصحاب فی ذلک هو أن السائغ من نظر المحرم هو ما ورد فی النصوص من مقدار جواز نظر المملوک و غیر أولی الإربة من الرجال(2).

و یؤید ما تقدّم ما ورد عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال: «یا رسول الله، أمی أستأذن علیها؟ قال: نعم، قال: و لم یا رسول الله؟ قال: أ یسرک أن تراها عریانة؟ قال: لا، قال:فاستأذن»(3).

ص:47


1- (1) الجواهر، محمد علی النجفی: ج41، ص662 - 663.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب111 و ب124.
3- (3) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب92 ح4، (عن رجل).

و بنفس الإسناد قال: قال علی(علیه السلام): «قال رجل لرسول الله(صلی الله علیه و آله): یا رسول الله أختی تکشف شعرها بین یدی؟ قال: لا، إنی أخاف إن أبدت شیئاً من محاسنها و من شعرها و معصمها أن تواقعها».

و المراد من العری فی الروایة الأولی لیس کشف القبل و الدبر خاصة، بل المقصود نزع الثیاب، کما مرّ تقریبه فی آیة الاستیذان، و هو إلقاء ثیاب الیقظة و الکون فی ثیاب النوم - الملابس الداخلیة - و أما الروایة الثانیة، فموردها و إن کان الریبة إلاّ أنها لا تخلو من تأیید بلحاظ أن ما دون الجید من باطن الجسد مورد للفتنة غالباً.

الدلیل الرابع: آیة القواعد من النساء

قال تعالی: (وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ وَ أَنْ یَسْتَعْفِفْنَ خَیْرٌ لَهُنَّ وَ اللّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) (1).

القواعد من النساء کما فی جامع الشرائع لیحیی بن سعید و کنز العرفان للسیوری: اللاتی یئسن من المحیض و الولد، و لا یطمعن فی نکاح لکبر سنهن، فقد قعدن عن التزویج لعدم الرغبة فیهن(2)، و قال الجزائری فی التحفة السنیة: وهن العجائز البالغات حداً تنتفی الفتنة و التلذذ بنظرهن غالباً(3).

و قال الفیومی فی المصباح: و قعدت المرأة عن الحیض أسنت و انقطع حیضها فهی قاعد، و قعدت عن الزوج فهی لا تشتهیه.

ص:48


1- (1) النور: 60.
2- (2) جامع الشرائع، یحیی بن سعید: ص396، کنز العرفان: ج2، ص226.
3- (3) التحفة السنیة، الجزائری: ص300.

و قال فی المقال: امرأة قاعد عن الحیض و النفاس(1).

و قال صاحب الجواهر: اللاتی لا یرجون نکاحاً، أی یئسن من المحیض و الولد و الطمع فی النکاح.(2)

و المحصل من کلماتهم فی القواعد هی التی قعدت عن الحیض و یئست عن لذة النکاح.

فالمراد من عدم رجاء النکاح لیس خصوص العقد، بل الوقاع أیضاً لکبر سنها، لکن بقرینة ذیل الآیة (غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ) قد یظهر منها عدم انطفاء الشهوة من رأس منها، و إن کانت ضعیفة.

و أما الثیاب التی یضعنها ففی صحیح الحلبی و غیرها من الصحاح(3) تفسیرها بالخمار و الجلباب، و هذا التقسیم فی الآیة للثیاب ظاهر بین فی تصنیف الآیة الکریمة، نظیر آیة الجلباب فی سورة الأحزاب إلی صنفین، ثیاب ظاهرة و ثیاب باطنة غیر ظاهرة، و المراد من الثانیة لیس ما یصطلح علیه فی عصرنا بالملابس الداخلیة، و إنما المراد بها ثیاب البیت بخلاف ثیاب الخروج، فإنها توضع علی الثیاب الأخری و هو الملحفة أو الملاءة أو الإزار أو العباءة أو الخمار أو الجلباب، و أشار إلی هذا التصنیف من الثیاب السیوری فی کنز العرفان و کذلک فی المسالک للفاضل الجواد، و أن القواعد یباح لهن وضع الثیاب الظاهرة و یحرم إظهار موضع الزینة الخفیة.

ص:49


1- (1) نقلاً عن التحقیق فی ألفاظ القرآن: ج9، ص297.
2- (2) الجواهر: ج29، ص85.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب110.

ففی الآیة نفس المفاد الذی مرّ فی آیة الجلباب من تصنیف الثیاب الواجبة إلی صنفین.

و عن الکشاف: إن المراد بالثیاب الثیاب الظاهرة کالملحفة و الجلباب الذی فوق الخمار.

الدلیل الخامس: الروایات الواردة فی المقام

و هی علی نمطین:

منها: ما دل علی الحرمة

ففی حسنة عقبة بن خالد عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سمعته یقول: «النظرة سهم من سهام إبلیس مسموم، و کم من نظرة أورثت حسرة طویلة»(1) و فی الصحیح إلی ابن أبی نجران عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام): «ما من أحد إلاّ و هو یصیب حظاً من الزنا، فزنا العینین النظر وزنا الفم القبلة وزنا الیدین اللمس صدّق الفرج ذلک أو کذّب»(2).

و فی صحیح الکاهلی، قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة و کفی بها لصاحبها فتنة»(3)، و فی روایة أبی الطفیل عن علی بن أبی طالب(علیه السلام): «إن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال له: یا علی، لک کنز فی الجنة و أنت ذو قرنیها، فلا تتبع النظرة النظرة، فإن لک الأولی و لیس لک الآخرة»(4)، و قد

ص:50


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح6.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح14.

رواها الصدوق بطریق فی معانی الأخبار و بطریق آخر فی الخصال و بإسناد ثالث فی العیون، و لکن بتعابیر مختلفة، کالتعبیر ب- «أول نظرة لک و الثانیة علیک»، نعم فی الخصال فی حدیث الأربعمائة بسنده المعروف نفس المضمون.

و الصحیح إلی داود بن أبی یزید العطار، عن بعض أصحابنا، قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «إیاکم و النظر فإنه سهم من سهام إبلیس، و قال: لا بأس بالنظر إلی ما وصفت الثیاب»(1).

و جاء فی الحدیث أیضاً: «ذهاب النظر خیر من النظر إلی ما یوجب الفتنة»(2).

و منها: ما یوهم الجواز

1- صحیحة علی بن سوید، قال: قلت لأبی الحسن(علیه السلام): «إنی مبتلی بالنظر إلی المرأة الجمیلة، فیعجبنی النظر إلیها، فقال: یا علی، لا بأس إذا عرف الله من نیتک الصدق، و إیاک و الزنا، فإنه یمحق البرکة و یهلک»(3).

2- مصححة محمد بن سنان عن الرضا(علیه السلام) فیما کتبه إلیه من جواب مسائله، و حرّم النظر إلی شعور النساء المحجوبات بالأزواج و إلی غیرهن من النساء، لما فیه من تهییج الرجال، و ما یدعو إلیه التهییج من الفساد، و الدخول

ص:51


1- (1) جامع أحادیث الشیعة، السید البروجردی، أبواب جملة من أحکام الرجال و النساء الأجانب:ح4.
2- (2) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، المحدث النوری: ج14، ص271.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: ب1 ح3.

فیما لا یحل و لا یجمل، و کذلک ما أشبه الشعور، إلاّ الذی قال الله تعالی: (وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ) أی غیر الجلباب، فلا بأس بالنظر إلی شعورهن(1)، و تخصیص الحرمة بالشعر فی الروایتین السابقتین دال بالمفهوم علی الجواز فی الوجه و الکفین.

3 - عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «من اطلع فی بیت جاره فنظر إلی عورة رجل أو شعر امرأة أو شیء من جسدها کان حقاً علی الله أن یدخله النار مع المنافقین»(2) هذا.

و غیرها من الروایات التی یقف علیها المتتبع، مع أن ما تقدّم من الروایات الحرمة محمولة علی الریبة أو التلذذ، کما یشیر إلیه التعبیر بسهم الشیطان.

الرد علی الاستدلال بهذه الروایات علی الجواز

أما صحیحة علی بن سوید فلا یمکن الأخذ بالمنساق المتراءی الأولی منها، حیث أن المنسبق من الإعجاب النظر بتلذذ، و من ثمّ انبری الأعلام لتوجیهها.

و المحصل من مفادها - بقرینة تقدیم فرض الابتلاء بالنظر إلی المرأة الجمیلة - کون الخلطة بالنساء شغلاً له لمهنته، فوقوع النظر إلیهن بسبب ذلک یتوجب النظر وقوع إعجابه، فنفیه(علیه السلام) للبأس عن کلّ من الأمرین، أی عن

ص:52


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح12.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح16.

النظر الأوّل؛ لأنه اتفاقی بسبب ابتلاء المهنة معهن و عن الإعجاب الحاصل من ذلک الذی هو جبلّی، قیّده بعدم انضمام ذلک إلی المیل إلی الحرام، بقوله(علیه السلام): «من نیتک الصدق» فی قبال التحذیر بإیاک و الزنا، المراد به مطلق الحرام، فلا دلالة فی الروایة علی جواز النظر مطلقاً مع عدم اللذة و الریبة.

و أما الروایتین التالیتین، فإثبات التحریم فی الشعر و نحوه لا مفهوم له دال علی الجواز فی الوجه، بعد عدم کون مفهوم اللقب حجة، مع أن الروایة الثانیة منهما فی بعض فقراتها إطلاق.

و أما تخصیص روایات الحرمة بالنظر الذی فیه لذّة أو ریبة، فقد تقدّم فی بحث الریبة أنها قابلة للانطباق علی التحدیق و ترکیز النظر و ملأ العین، و هو بدایة مراتبها، و التفصیل بین النظرة الأولی و الثانیة فی روایات النمط الأوّل هو بلحاظ الترکیز و عدمه.

الدلیل السادس: التعلیل الوارد فی حرمة الخلوة مع الأجنبیة

إن من الوجوه الدالة أیضاً علی قاعدة حرمة الریبة و الفتنة التعلیل الوارد فی حرمة الخلوة مع الأجنبیة بمعرضیة إیقاع الشیطان الفتنة الحرام بینهما(1) حتی أنه شذ بعضهم عن حرمة مطلق الخلوة و قیدها بالفتنة.

محصلة قاعدة الریبة و الفتنة:

إن التعاریف المختلفة للریبة المتقدّمة یتم علی ضوئها تطبیق القاعدة علی النظرة الثانیة، أو ما یعبّر عنه بملء العین و التحدیق فی النظر، أی علی المقدار الذی دلّت علیه آیة الغض من الحرمة فی النظر، و هذا التطبیق لا

ص:53


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الإجارة: ب31 ح1.

(مسألة 27): یجوز النظر إلی نساء أهل الذمة، بل مطلق الکفار، مع عدم التلذذ و الریبة، أی خوف الوقوع فی الحرام، و الأحوط الاقتصار علی المقدار الذی جرت عادتهن علی عدم ستره، و قد یلحق بهم نساء أهل البوادی و القری من الأعراب و غیرهم، و هو مشکل، نعم الظاهر عدم حرمة التردّد فی الأسواق و نحوها مع العلم بوقوع النظر علیهن، و لا یجب غض البصر إذا لم یکن هناک خوف افتتان.(1)

یخصص قاعدة الریبة و الفتنة، بل هی قاعدة مطردة فی باب صنوف العلاقة بین الجنسین، و قد اعتمدها الأصحاب فی فروعات عدیدة، بل و فیما بین الجنس الواحد.

قاعدة: فی النظر و أنه حق أو حکم تکلیفی
فرع: النظر إلی الکفار و أهل الذمة و البوادی و نظائرهم
المشهور جواز النظر إلی وجوه أهل الذمة و شعورهن و أیدیهن

(1) نسب إلی المشهور جواز النظر إلی وجوه أهل الذمة و شعورهن و أیدیهن کما صرّح غیر واحد، بل یظهر من النراقی فی المستند المیل إلی جواز النظر إلی سائر جسدهن و عوراتهن و عورات رجال الکفار، و قال: إلاّ أنی لم أعثر علی مصرّح بالتجویز، فإن ثبت الإجماع و إلاّ فالظاهر الجواز، و قال المجلسی فی مرآة العقول فی ذیل صحیح ابن أبی عمیر الوارد فی عورة الکافر(1): یظهر من المؤلّف - الکلینی - و ابن بابویه* القول بمدلول الخبر، و یظهر من الشهید و جماعة عدم الخلاف فی التحریم مطلقاً، و عُلّل

ص:54


1- (1) مرآة العقول، ابن شعبة الحران: ج22 ص404.

الجواز فی السفور عند جملة من المتقدّمین و المتأخرین بأنّهن بمنزلة الإماء؛ لأن الکفار فیء للمسلمین و غایة عقد الذمة تحریم نسائهم کالأمة المزوجة للعبد، کما ورد فی جملة من النصوص أنهم ممالیک الإمام کما فی صحیح أبی بصیر(1).

الإشکال الأوّل علی المشهور

و أُشکل علیه: أن الملک للکفار إنما هو بالاستیلاء مع أنهن فیء مشترک بین المسلمین و لا یجوز النظر إلی الأمة المشترکة.

و یدفع الإشکال: بأن الاستیلاء هو لأجل الملک الفعلی و قبله فإنهن مما یمکن أن یتملکن، فیثبت فیهن حق الاستملاک نظیر المباحات.

و لک أن تقول: بأن کونهن فیء للمسلمین نظیر الأرض الخراجیة، فإن التصرّف تفصیلاً فی مورد معین منها، و إن توقف علی إذن و ولایة المعصوم، کما هو الحال فی الفیء ، فإن ولایته للمعصوم، إلاّ أن ذلک لا ینافی وجود استحقاق لعامة المسلمین و لو بالمصرف، و من ثمّ صح التعبیر الوارد فی الکلمات بأنهن فیء للمسلمین، و من ثمّ ورد أیضاً جواز الاستیلاء بالشراء و لو کان البائع من أهل الخلاف قد استرقّهن غیلة، نظیر ما ورد فی الأراضی (من أحیا أرضاً فهی له) الذی هو بمثابة إذن الوالی علی الفیء المالک للتصرّف فیه و هو المعصوم.

أما الإشکال الثانی:

فأما کونهن مشترکات بین المسلمین فإن ذلک لا یمنع من النظر إلی شعورهن و وجوههن، فإن الأمة المشترکة أو المزوّجة إنما لا یسوغ النظر إلی عورتها خاصّة کما تشیر إلی ذلک النصوص(2)، هذا فضلاً

ص:55


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد: ب2 ح2، و أبواب العِدد: ب45 ح1، و أبواب العاقلة: ب1ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید: ب44 و غیرها.

عن أن الأمة غیر المشترکة المملوکة للغیر لا یجب علیها وضع الجلباب کما هو مفهوم آیة الجلباب، بل فی صحیح أبی الصباح الکنانی عدم وجوب وضع الخمار علی رأسها(1)، نعم استثنی من ذلک خصوص أمهات الأولاد لتشبثهنّ بالحریة، فإنهن یتقنّعن کما فی صحیح ابن بزیع(2)، و إن کان یشکل بأن کلّ ما جاز کشفه جاز النظر إلیه، و لکن بضمیمة ما تقدّم من أنهن بمنزلة الإماء للمسلمین و بضمیمة تقیید النظر فی جملة کلمات الأصحاب بعدم اللذة و الریبة یتبیّن من ذلک أن شعورهن بمنزلة الوجه فی الحرائر المسلمات.

و استدل أیضاً بمعتبرة السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ینظر إلی شعورهن و أیدیهن»(3).

و فی روایة أبی البختری عن جعفر بن محمد عن أبیه عن علی بن أبی طالب( قال: «لا بأس بالنظر إلی رءوس نساء أهل الذمة، قال: ینزل المسلمون علی أهل الذمة فی أسفارهم و حاجاتهم و لا ینزل المسلم علی المسلم إلاّ بإذنه»(4)و مفاد هاتین الروایتین یشیر إلی مفاد الوجه المتقدّم، من أنهن فیء للمسلمین، حیث علّق جواز النظر علی عدم حرمتهن المعلّقة علی کفرهن، و کذلک سیاق الروایة الثانیة فإنه ذکر جواز النظر لهن فی سیاق بقیة أحکام أهل الذمة، مما یدلّ علی أن هذا الحکم بما هم مقهورین للمسلمین.

إن قلت: إن الوجه الأوّل و هذا التقریب لمفاد الروایتین مبنی علی کون حرمة النظر حرمة لحق المنظور إلیه، أی کأمر حقوقی یدور مدار حرمة

ص:56


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب110 ح6.
2- (2) المصدر السابق: ب114 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب112 ح1.
4- (4) المصدر السابق: ب112 ح2.

المنظور إلیه و حقوقه، بینما مفاد آیة الغض (قُلْ لِلْمُؤْمِنِینَ یَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ یَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِکَ أَزْکی لَهُمْ) و کذلک قوله تعالی: (قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ یَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ. .. وَ تُوبُوا إِلَی اللّهِ جَمِیعاً أَیُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) (1) فإن ظاهر هاتین الآیتین کون حکم النظر هو لعفّة و طهارة الناظر و فلاحه و عدم سقوطه فی مستنقع الشهوات و الفواحش، و هو لأجل عفّة البیئة بین المؤمنین و طهارتها، و هذا مما یعطی و یفید أن حرمة النظر حکم تکلیفی محض لا یرتبط بحرمة المنظور و حقوقه، فلا تسقط حرمة النظر بعدم حرمة المنظور إلیه و عدم حق کرامته، فالتعارض بمفاد الآیة بنحو التباین فلا یعوّل علی ما یخالف الکتاب.

أقول: نظیر هذا الإشکال قد یرد علی ما استدل به علی النظر فی المبتذلات، و هو الصحیح إلی الحسن بن محبوب عن عباد بن صهیب قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: «لا بأس بالنظر إلی رءوس أهل تهامة و الأعراب و أهل السواد و العلوج لأنهن إذا نهوا لا ینتهون»(2)، و فی علل الشرائع للصدوق تقیید العناوین بأهل الذمة، و قال: «و المجنونة و المغلوبة علی عقلها لا بأس بالنظر إلی شعرها و جسدها ما لم یتعمّد ذلک»، و کذلک علی ما استدل به النراقی فی المستند علی الحکم فی المقام بصحیح ابن أبی عمیر عن غیر واحد عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «النظر إلی عورة من لیس بمسلم مثل نظرک إلی عورة الحمار»(3)، و مرسلة الصدوق قال: روی عن الصادق(علیه السلام) قال: «انما کره النظر إلی عورة المسلم، فأما النظر إلی عورة من لیس بمسلم مثل

ص:57


1- (1) سورة النور: 30 - 31.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح 113 و فی الفقیه: «إذا نهین لا ینتهین».
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب آداب الحمام: ب6 ح1.

النظر إلی عورة الحمار»(1) حیث یظهر منها أن حرمة النظر إلی العورة هی لحقّ حرمة المنظور إلیه، فإذا کان المنظور إلیه لا حرمة له فلا یحرم النظر إلی عورته.

و الصحیح: أن حرمة النظر کما هی حرمة حقّیة فهی حکم تکلیفی محض أیضاً، مع اختلاف المتعلّق بین الحرمتین فی مراتب النظر فالحرمة الحقّیة التی یراعی فیها حرمة المنظور إلیه، فمتعلّقها النظرة الأولی الاتفاقیة أو موارد معرضیة النظر، بینما الحرمة الثانیة للنظر و هی التکلیفیة هی النظرة الثانیة أو ترکیز النظر و تحدیقه و ملء العین من المنظور، و من ثمّ قید جملة من الأصحاب جواز النظر إلی الکافرات و المتبذلات بعدم اللذة و الریبة، و هو تمییز بین موردی الحرمتین، من ثمّ فسر الحکم فی المقام - و هو جواز النظر- فی وسیلة النجاة بمعنی جواز التردّد فی العراء و الأسواق و مواقع تردّد تلک النسوة و مجامعهن و محالّ معاملتهن، مع العلم عادة بوقع النظر علیهن، و لا یجب غض البصر فی تلک المحال إذا لم یکن خوف افتتان(2)، و هذا معنی أن عورة الکافر کعورة الحمار، أی لا یجب توقیة النظر و تجنیبه عن

الوقوع علیه، لا بمعنی استدامة النظر و التحدیق إلیها، لا سیما بنحو ینطبق عنوان الریبة بعناوینها الثلاثة المتقدّمة فضلاً عن اللذة، و هذا بخلاف عورة المسلم و المؤمن المماثل و غیر المماثل حیث ورد أن عورة المؤمن علی المؤمن حرام(3)، فإن المراد بها تجنیب وقوع النظر و سقوطه فی موارد المعرضیة و لو فی النظرة الأولی، و کذلک الحال فی الفرق بین وجه المرأة

ص:58


1- (1) المصدر السابق: ب6 ح2.
2- (2) وسیلة النجاة، الأصفهانی: کتاب النکاح مسألة: 27.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب آداب الحمام: ب8 و ب3.

المسلمة و شعرها، فإن حرمة النظر إلی وجهها هی الحرمة التکلیفیة فقط دون الحرمة الحقّیة و کذلک الکفین بخلاف الشعر و الجید فضلاً عمّا هو أغلظ حرمة کالثدیین و العورة، فإن فی تلک المواضع حرمة حقیة لحرمة المسلمة و المؤمنة فیجب تجنیب النظر عن وقوعه و لو اتفاقاً کموارد المعرضیة و نحوها.

فتحصل ضرب قاعدة فی باب النظر و هو انقسام حرمة النظر إلی قسمین حقوقیة و حکمیة محضة مع اختلاف المتعلّق بلحاظ مراتب النظر، فلا یتوهم کون الحرمة حرمة لحقّ المنظور إلیه مطلقاً کما قد یتوهّم ذلک من بعض الأدلة فی فروع مسائل النظر، حیث أن المراد منها المراتب الأولی من النظر دون المراتب الشدیدة و العمیقة.

و من ثمّ یمکن ضرب قاعدة أخری: و هی أن کلّ ما جاز کشفه من البدن فی أحد الجنسین لم یکن له حرمة نظر حقّیة، و هذا بخلاف حرمة النظر الحکمیة المحضة فإنها لا تنتفی بجواز الکشف، و بذلک یتبین دفع الالتباس فی مقولة من استدل بأن کلّ ما جاز ابداؤه کما فی موارد الزینة الظاهرة جاز النظر إلیه، فإن المراد من جواز النظر هو الاتفاقی فی مقابل حرمة النظر الحقّیة لا مراتب النظر الأخری التی هی متعلّق الحرمة التکلیفیة المحضة، و من ثمّ یظهر أن الدخول فی نادی العراة أو المناطق المخصصة لذلک لا یسوغ من جهة حصول مراتب النظر الأخری، فضلاً عن جهات الحرمة الأخری کالافتتان و کونه مجلس معصیة من جهة کونه مجلس حرمة، ثمّ إن ما مرّ فی روایة عبّاد بن صهیب من التفصیل بین تعمد النظر و عدمه دال علی التفصیل بین حکمی مراتب النظر و أن جواز النظر فی نساء أهل الذمة و المبتذلات إنما هو بلحاظ المراتب الأولی دون المراتب اللاحقة، فمفادها ینطبق علی ما ذکرناه من التفصیل فی الجمع بین الأدلة و مفاد الآیة.

ص:59

النظر إلی ما عدا العورة من مماثله

(مسألة 28): یجوز لکلّ من الرجل و المرأة النظر إلی ما عدا العورة من مماثله شیخاً أو شاباً حسن الصورة أو قبیحها ما لم یکن بتلذذ أو ریبة. نعم یکره کشف المسلمة بین یدی الیهودیة و النصرانیة بل مطلق الکافرة فإنهن یصفن ذلک لأزواجهن، و القول بالحرمة للآیة، حیث قال تعالی: (أو نسائهن) فخصّ بالمسلمات، ضعیف؛ لاحتمال کون المراد من نسائهن الجواری و الخدم لهن من الحرائر.

(مسألة 29): یجوز لکلّ من الزوج و الزوجة النظر إلی جسد الآخر حتی العورة مع التلذذ و بدونه، بل یجوز لکلّ منهما مسّ الآخر بکل عضو منه کلّ عضو من الآخر مع التلذذ و بدونه.

(مسألة 30): الخنثی مع الأنثی کالذکر و مع الذکر کالأنثی.

(مسألة 31): لا یجوز النظر إلی الأجنبیة و لا المرأة النظر إلی الأجنبی من غیر ضرورة، و استثنی جماعة الوجه و الکفین فقالوا بالجواز فیهما مع عدم الریبة و التلذذ، و قیل بالجواز فیهما مرّة و لا یجوز تکرار النظر و الأحوط المنع مطلقاً.

(مسألة 32): یجوز النظر إلی المحارم التی یحرم علیه نکاحهن نسباً أو رضاعاً أو مصاهرة ما عدا العورة مع عدم تلذذ و ریبة، و کذا نظرهن إلیه.

(مسألة 33): المملوکة کالزوجة بالنسبة إلی السید إذا لم تکن

ص:60

مشرکة أو وثنیة أو مزوّجة أو مکاتبة أو مرتدة.

(مسألة 34): یجوز النظر إلی الزوجة المعتدّة بوط ء الشبهة و إن حرم وطیها و کذا الأمة کذلک، و کذا إلی المطلقة الرجعیة ما دامت فی العدّة و لو لم یکن بقصد الرجوع.

یستثنی من عدم جواز النظر من الأجنبی و الأجنبیة مواضع

اشارة

(مسألة 35): یستثنی من عدم جواز النظر من الأجنبی و الأجنبیة مواضع «منها» مقام المعالجة و ما یتوقف علیه من معرفة نبض العروق و الکسر و الجرح و الفصد و الحجامة و نحو ذلک إذا لم یمکن بالمماثل، بل یجوز المس و اللمس حینئذ «و منها» مقام الضرورة کما إذا توقف الاستنقاذ من الغرق أو الحرق أو نحوهما علیه أو علی المس «و منها» معارضة کلّ ما هو أهم فی نظر الشارع مراعاته من مراعات حرمة النظر أو اللمس «و منها» مقام الشهادة تحملا أو أداء مع ادعاء الضرورة لیس منها ما عن العلامة من جواز النظر إلی الزانین لتحمل الشهادة فالأقوی عدم الجواز و کذا لیس منها النظر إلی الفرج للشهادة علی الولادة أو الثدی للشهادة علی الرضاع و إن لم یمکن إثباتها بالنساء و إن استجوده الشهید الثانی «و منها» القواعد من النساء اللاتی لا یرجون نکاحاً بالنسبة إلی ما هو المعتاد له من کشف بعض الشعر و الذراع و نحو ذلک لا مثل الثدی و البطن و نحوهما مما یعتاد سترهن له «و منها» غیر الممیز من الصبی و الصبیة فإنه یجوز النظر إلیهما بل اللمس و لا یجب التستر منهما، بل الظاهر جواز النظر إلیهما قبل البلوغ، إذا لم یبلغا مبلغاً یترتب علی

ص:61

النظر منهما أو إلیهما ثوران الشهوة.(1)

أحکام النظر و الستر للصبی و الصبیة
اشارة

(1) التحقیق:

الجهة الأولی و الثانیة: النظر إلی عورة الصبی و حکم التستر المرأة عنه
عورة الصبی الممیز

فحکم النظر إلیها فضلاً عن کشف البالغ عورته لنظر الممیز إلیها، فیدل علی الحرمة فیه عموم آیة الغض للطفل الممیز، و ما فی الجواهر من عدم صدق المؤمن و المؤمنة علی الصبی و الصبیة غیر الممیزین فقد تقدّم فی باب الطهارة فی بحث الإسلام و الکفر صدق کلّ من العنوانین علی الممیز، و مما یدل علی عموم آیة الغض أیضاً استثناء خصوص غیر الممیز فی ذیلها، و یدل علی الحکم أیضاً فحوی مفاد موثّق السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام) «قال: سُئل أمیر المؤمنین صلوات الله علیه عن الصبی یحجم المرأة قال: إذا کان یحسن یصف فلا»، خلافاً لقاضی و الحلبی فیما یستر فی الصلاة و للعامة أیضاً.

و یعضد ذلک المفهوم من آیة الاستئذان و هی قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لِیَسْتَأْذِنْکُمُ الَّذِینَ مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْکُمْ ثَلاثَ مَرّاتٍ) (1) فإن مقتضی وجوب ستر العورة عن الممیز یقتضی عدم النظر إلی عورته

ص:62


1- (1) سورة النور: 58.

بمقتضی تضایف فعل الخلطة و المباشرة بین الطرفین، و یعضد ذلک تقیید إبداء الزینة بغیر الممیز و هی قوله تعالی: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِینَ لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ).

و أما حکم تستر المرأة عنه

کذلک مفهوم الآیة عدم جواز تکشف المرأة رأسها و ساقیها إلی الممیز.

و قد استند إلیه صاحب المسالک و بنی علی عدم جواز تکشّف المرأة أمام الممیز، بینما استند صاحب الحدائق إلی أن المفهوم من آیة الاستئذان المقید بالثلاث أوقات هو جواز دخولهم فی غیرها بدون استئذان مما یوجب نظرهم إلی الشعر و الرأس، و لأجل ذلک حمل فی الجواهر قوله تعالی: (لَمْ یَظْهَرُوا عَلی عَوْراتِ النِّساءِ) علی عدم القوة علی النکاح أی الذین لم یبلغوا، و علی أی تقدیر فنظر الصبی إلی عورة البالغ أو العکس یفهم مما تقدّم المنع منه و لو بدلالة الاقتضاء، هذا مضافاً إلی ما سیأتی من روایات و ما تقدّم.

و إنما الکلام فی جواز تکشّف المرأة ساقیها و شعرها للممیز، و قد عرفت ذهاب صاحب المسالک و صاحب المقاصد إلی عدم الجواز، بینما مال صاحب الحدائق إلی الجواز و کذلک صاحب الجواهر، و إن حکوا التسالم علی وجوب ستر الرأس عن الممیز القابل لثوران شهوته.

الجهة الثالثة و الرابعة و الخامسة: نظر البالغ و لمسه و اشتماله للصبیة

أما طوائف الروایات:

الطائفة الأولی: قد مرّ فی موثّقة السکونی المنع عن حجامة المرأة عند الصبی الذی یحسن یصف.

ص:63

الطائفة الثانیة : کما قد یستفاد - مما ورد فی عدم جواز تغسیل الصبی أو الصبیة من غیر المماثل البالغ إلاّ لمن بلغ ثلاث سنین فما دون(1) - حرمة نظر البالغ غیر المماثل لعورة الصبی و الصبیة و عدم جواز لمسهما من غیر المماثل.

الطائفة الثالثة: ثمّ إن هناک طائفة أخری من الروایات واردة فی حرمة ضمّ الصبیة أو تقبیلها من غیر المحرم، و فی صحیح عبد الله بن یحیی الکاهلی قال: «سأل أحمد بن النعمان أبا عبد الله(علیه السلام): فقال له: عندی (جویریة) لیس بینی و بینها رحم و لها ست سنین قال: لا تضعها فی حجرک»(2).

و فی موثّق هارون بن مسلم عن بعض رجاله عن أبی الحسن الرضا(علیه السلام): «إن بعض بنی هاشم دعاه مع جماعة من أهله فأُتی بصبیة فأدناها أهل المجلس جمیعاً إلیهم، فلما دنت منه سأل عن سنها فقیل: خمس، فنحاها عنه»(3) و فی الصحیح إلی ابن عقبة عن بعض أصحابنا قال: کان أبو الحسن الماضی(علیه السلام) عند محمد بن إبراهیم والی مکّة و هو زوج فاطمة بنت أبی عبد الله(علیه السلام)، و کانت لمحمد بن إبراهیم بنت یلبسها الثیاب و تجیء إلی الرجل فیأخذها و یضمها إلیه، فلما تناهت إلی أبی الحسن(علیه السلام) أمسکها بیدیه ممدودتین و قال: «إذا أتت علی الجاریة ست سنین لم یجز أن یقبلها رجل لیست هی بمحرم له، و لا یضمها إلیه»(4).

ص:64


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب23.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب127 ح1 و الفقیه کتاب النکاح: ص436 ح3ح4506.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب127 ح3.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب127 ح6.

و مثلها روایة زرارة و روایة عبد الرحمن بن بحر، و فی موثّق غیاث بن إبراهیم عن جعفر بن محمد عن أبیه(علیه السلام) قال: قال علی(علیه السلام): «مباشرة المرأة ابنتها إذا بلغت ست سنین شعبة من الزنا»(1).

و یستفاد من هذه الطائفة حرمة الاشتمال علی الصبیة إذا بلغت خمس أو ست سنین و کذا تقبیلها من غیر المحرم.

و هنا طائفة رابعة:

واردة فی عدم وجوب تقنع المرأة عن الصبی حتی یحتلم، کصحیح بن أبی نصر عن الرضا(علیه السلام): «یؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنین و لا تغطی المرأة شعرها منه حتی یحتلم»(2).

و مثلها صحیحته الأخری التی رواها فی قرب الأسناد(3)، و بهاتین الصحیحتین مضافاً إلی ما مرّ من دلالة آیة الاستیذان، و کذلک مفهوم قوله تعالی: (وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْکُمُ الْحُلُمَ فَلْیَسْتَأْذِنُوا کَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ)4 حیث إن مفهومها جواز دخول غیر البالغین من دون استیذان، و بذلک کلّه یرفع الید عن مفهوم آیة إبداء الزینة فی الحرمة، أو تحمل علی ما لو کان الممیز ممن یلتذ و تثار شهوته بالنظر، کما مرّ ادعاء التسالم علی وجوب التستر عنه، و الظاهر لقاعدة الفتنة أیضاً.

نعم المحصّل من الأدلة السابقة و التشقیق فی دلالتها، عدم جواز تکشّف

ص:65


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب127 ح5.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب126 ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب126 ح4.

المرأة للصبی الممیز فیما دون الرأس و الساقین کالثدیین و البطن و الفخذین، إذ هو محل اتفاق فی الدلالة بین آیة إبداء الزینة و آیة الاستیذان.

و فی صحیح محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «لا یصلح للجاریة إذا حاضت إلاّ أن تختمر، إلاّ أن لا تجده»(1).

الجهة السادسة: تستر الصبیة عن البالغ
اشارة

و هذه الصحیحة و إن ظهر منها عدم وجوب ستر الشعر علی الصبیة و لو من قبل الولی، إلاّ انه لا یستفاد منها إلاّ جواز النظر إلی شعر الصبیة بالنظر الاتفاقی - أی فی الحکم الحقّی للنظر - و إلا فما قد مرّ من روایات عدم جواز تغسیل الصبیة یستفاد منها عدم جواز النظر للصبیة الممیزة فیما عدا الرأس.

تنبیه: فی شمول إطلاق آیتی الغض للصبی و الصبیة

إن إطلاق آیتی الغض فی الرجال و النساء بعد حذف المتعلّق القدر المتیقّن من تقییده هو بلحاظ النظر إلی غیر المماثل، مما من شأنه أن یلتذ به بحسب النوع الغالب، فیشمل فی غض الرجال عن الصبیة الممیزة و فی غض النساء الصبی الممیز، و یدعم العموم فی المتعلّق لذلک ما فی الاستثناء من إبداء الزینة غیر الظاهرة خصوص الطفل الذین لم یظهروا علی عورات النساء، أی غیر الممیز فیبقی الممیز داخلاً فی العموم، مضافاً إلی ما مرّ من تقریب دخول الممیز فی عموم المؤمنین و الممیزة فی عموم المؤمنات، و ما مرّ من الأدلة المستظهر منها عدم وجوب تستر المرأة من الصبی الممیز لا

ص:66


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب126 ح1.

ینافی المقام و هو نظر المرأة إلیه، مع أن کشف الرأس لا یلازم جواز استدامة نظر الممیز إلی رأسها.

نعم قد یقال: مقتضی ما تقدّم من الأدلة من الآیات و الروایات، من جواز کشف المرأة البالغة شعرها و ساقیها للصبی الممیز مع عدم الفتنة أنه کالمحرم فی حکم النظر بین الطرفین، و کذلک ما ورد فی صحیحی البزنطی و صحیح عبد الرحمن بن الحجاج و غیرهما(1) من جواز تکشّف الصبیة الممیزة رأسها للرجل البالغ، نعم غایة ذلک هو النظر إلی الرأس و الساقین لا ما زاد علی ذلک کما مرّ أن الحکم کذلک فی المحارم کما استظهرناه من کلمات المتقدّمین و من ثمّ بنی مشهور المتأخرین علی جواز النظر فی الصبی و الصبیة مع البالغین من الطرفین.

و قد یشکل علی هذه القرینة بأن إبداء الرأس فی الآیة شامل للخصی و المملوک کما تقدّم و قال به جملة، مع أنه لا یسوغ تعمّد النظر أو استدامته له و إن ساغ الاسترسال فی النظرة الاتفاقیة و تعاقبت النظرة الأولی الفینة بعد الأخری، و لعلّه ینطبق تقییدهم بعدم الریبة علی ذلک لا سیما مع توسعة معنی الریبة کما مرّ هذا.

ص:67


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب126.

تقبیل الرجل الصبیة التی لیست له بمحرم قبل أن یأتی علیها ست سنین

(مسألة 36): لا بأس بتقبیل الرجل الصبیة التی لیست له بمحرم و وضعها فی حجره قبل أن یأتی علیها ست سنین إذا لم یکن عن شهوة.

نظر المملوک إلی مالکته

(مسألة 37): لا یجوز للملوک النظر إلی مالکته و لا للخصی النظر إلی مالکته أو غیرها، کما لا یجوز للعنین و المجبوب بلا إشکال، بل و لا لکبیر السن الذی هو شبه القواعد من النساء علی الأحوط.(1)

فی جواز نظر الخصی و الأعمی

(1) وقع الخلاف فی جواز نظر الخصی و المملوک و إن کان فحلاً إلی شعر مولاته و ساقها، و فی أن الثانی کالمحرم، إلاّ أن المشهور فیه المنع، و الظاهر إن مرادهم من المحرمیة لیس من جهة حکم نظر المملوک فقط، بل من جهة تکشف و عدم ستر المرأة لساقها و رأسها.

و عن الشیخ فی المبسوط: إن الأشبه بالمذهب أن لا یکون محرماً و إن أصحابنا رووا فی تفسیر الآیة: (أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ) أن المراد بها الإماء دون الذکران. و مثله ما عن الخلاف، و عن المحقق فی الشرائع منع شمول الآیة للخصی فضلاً عن الفحل المملوک، و مثله ما عن ابن إدریس و العلامة فی التذکرة، و عن المختلف شمول الآیة للخصی، و الروایات الواردة فی المملوک(1) - المعتبرة - جملتها دالة علی الجواز، عدا روایة القاسم الصیقل الحسین بن علوان و مرسلة الشیخ فی المبسوط و الخلاف، و جملة من الأصحاب حملوا روایات الجواز علی التقیة، و استشهد صاحب الوسائل

ص:68


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب124.

بصحیحة معاویة بن عمار المتضمّنة لدخول أبیه علی الصادق(علیه السلام) و هو من وجوه العامة و أنه(علیه السلام) لم ینف جواز وضع ید المرأة علی رأس مملوکها الذی ذکر فی السؤال، بل قد یوهم ذلک تقریره(علیه السلام)، هذا مضافاً إلی الروایات الآتیة فی الخصی الدال بعضها علی حلّیة نظره لزوجة المالک، و فیه: أن صحیحة معاویة بن عمار قد خص(علیه السلام) الجواز برؤیة المملوک الشعر و الساق، و مفهومه بحسب السیاق یومئ بنفی الجواز عن وضع المرأة یدها علی رأس المملوک، و العمدة أن مفاد روایات الجواز لیس کما توهم من جواز نظره إلی مولاته کنظر المحرم أی الجواز الحکمی فی النظر الذی أشرنا إلیه فی قاعدة أحکام النظر و الستر، بل هی ناظرة إلی الجواز فی مقابل الحرمة الحقّیة، لما مرّ من تلازم هذا الجواز مع جواز عدم ستر الشیء ، أی أن متعلّق الجواز هو بلحاظ النظرة الأولی و بلحاظ عدم التحفّظ من وقوع النظر، کما هو الحال فی حکم النظر إلی وجه الحرائر، لا أن الجواز بلحاظ استدامة النظر و تحدیقه. و عدم التمییز بین الحکمین و متعلّقیهما کما أشرنا إلیه فی القاعدة المزبورة هو الذی أوجب اضطراب البحث فی المقام، کما أوجبه فی مسائل عدیدة من أحکام النظر و الستر، کما مرّ التنبیه علیه فی القاعدة المزبورة، و یشیر إلی أن روایات الجواز ناظرة إلی الجواز فی مقابل حرمة النظر الحقّیة ما فی صحیح یونس بن یعقوب من تقیید الجواز ب-(غیر متعمد لذلک)، و فی مرسلة الکلینی بتقییده ب-(إذا کن مأموناً) و القید الأوّل یشیر إلی أن مورد الجواز فی النظر الاتفاقی، و القید الثانی یشیر إلی عدم تحدیق النظر بریبة، الذی مر أنه ینطبق

ص:69

(مسألة 38): الأعمی کالبصیر فی حرمة نظر المرأة إلیه.

سماع صوت الأجنبیة

(مسألة 39): لا بأس بسماع صوت الأجنبیة ما لم یکن تلذذ و لا ریبة من غیر فرق بین الأعمی و البصیر و إن کان الأحوط الترک فی غیر مقام الضرورة، و یحرم علیها إسماع الصوت الذی فیه تهییج للسامع بتحسینه و ترقیقه، قال تعالی: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ)(1).

علی مطلق تحدیق النظر. و بهذا الجمع تأتلف الروایات الواردة فی الخصی

أیضاً(1)، و ما ورد فیها من النهی عن رؤیته لهن محمول علی حرمة النظر الحکمیة لا مقابل الحرمة الحقیة، و کذا ما ورد فی بعضها فی الخصی و المملوک من تغطیة المرأة رأسها محمول علی الأولی، و منه یعلم شمول الآیة للملوک و الخصی و إن لم یکن مملوکاً، لکن تحت عنوان (أَوِ التّابِعِینَ غَیْرِ أُولِی الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) أی الخصی الخادم و إن کان حراً، لا ممن لیس له خدمة و تبعیة لأهل المرأة.

و منه یظهر أن العموم فی العنوانین الأخیرین فی آیة إبداء الزینة استغراقی علی حدّ العناوین السابقة.

(1) لا بأس بسماع صوت الأجنبیة ما لم یکن بتلذذ و ریبة، و یکره إطالة الکلام بینهما، و یحرم علیها إسماع الصوت الذی فیه تهییج بترقیق الصوت و تلیینه و تحسینه.

ص:70


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب25

و نسب إلی مشهور القدماء حرمة مطلق الإسماع إلاّ فی مقام الضرورة و الحاجة، و استدل له بأن صوتهن عورة کما فی موثّقة مسعد بن صدقة عن أبی عبد الله عن أمیر المؤمنین(علیه السلام): «لا تبدءوا النساء بالسلام و لا تدعوهن إلی الطعام فإن النبی قال: النساء عیّ و عورة استروا عیهن بالسکوت و استروا عوراتهن بالبیوت»(1)، و فی موثّق غیاث بن إبراهیم عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قال: «لا تسلِّم علی المرأة»(2) و ما ورد فی الصلاة من عدم جهرهن بالقراءة مع سماع الأجانب، و ادعی الإجماع علی حرمة الجهر و بطلان الصلاة، و فی اقتضاء جملة هذه الأدلة للحرمة المطلقة نظر واضح، فالأولی عطف البحث حول موارد الحرمة مما کان فیه تلذذ أو ریبة و إثارة و غیرها من موارد الریبة کالممازحة و المفاکهة و الانبساط فی الحدیث و تجاذب أطراف الکلام المثیر للرغبة بین الطرفین.

قاعدة فی حرمة مطلق تلذذ غیر الزوجین ببعضهما البعض

الدلیل الأول: الآیات القرآنیة

1- قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ * فَمَنِ ابْتَغی وَراءَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ العادُونَ) (3).

و المحصل من مفاد هذه الآیة لیس إرادة المنع عن خصوص لذّة الفرج، بل هو إشارة إلی مطلق الاستمتاعات الجنسیة، و ذکر الفرج من باب أنه أبرز

ص:71


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب131 ح1 و ب24 ح4 و ح6.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب131 ح2.
3- (3) سورة المؤمنون: 5 و 6 و 7.

الأعضاء لظهور تلک الغریزة، فالتلذذ و الاستمتاع بغریزة الجنس من أی عضو من الأعضاء سواء کان بالفرج أو البشرة باللمس أو العین أو الأذن بالسمع أو الأنف بالشم، و یشهد لإرادة هذا المعنی من حفظ الفرج و أن استخدام و إرسال الشهوة الجنسیة بأی عضو هو من التعدّی و العدوان فی الآیة، کما فی الصحیح إلی ابن أبی نجران عمن ذکره عن أبی عبد الله(علیه السلام) و محسّنة أبی جمیلة عن أبی جعفر و أبی عبد الله': قالا: «ما من أحد إلاّ و هو یصیب حظاً من الزنا، فزنا العینین النظر وزنا الفم القبلة وزنا الیدین اللمس، صدّق الفرج ذلک أو کذّب»(1) و کما فی روایة الجعفریات بسنده المعروف عن جعفر بن محمد عن أبیه': «إن فاطمة بنت رسول الله(صلی الله علیه و آله) استأذن علیها أعمی فحجبته، فقال لها النبی(صلی الله علیه و آله): لم حجبته و هو لا یراک؟ فقالت: یا رسول الله إن لم یکن یرانی فأنا أراه و هو یشم الریح، فقال النبی(صلی الله علیه و آله): أشهد أنک بضعة منی»(2) و فی دعائم الإسلام مثله أیضاً.

و فی موثّق السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سئل رسول الله(صلی الله علیه و آله) ما زینة المرأة للأعمی؟ قال: الطیب و الخضاب، فإنه من طیب النسمة»(3).

و کما فی صحیح الکاهلی عن أبی عبد الله(علیه السلام): «النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة و کفی بها لصاحبها فتنة»(4).

و فی مصحح محمد بن سنان عن الرضا(علیه السلام): «و حرم النظر إلی شعور

ص:72


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح.
2- (2) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب100 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب85 ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح6.

النساء... لما فیه من تهییج الرجال و ما یدعو إلیه التهییج من الفساد»(1).

و غیرها من الروایات فی الأبواب الدالة علی أن الاستمتاع بالشهوة یقع بجملة من الأعضاء، و الظاهر أن هذا هو المراد مما ورد من أن فاطمة(علیها السلام) أحصنت فرجها، و کذلک ما ورد فی مریم(علیها السلام)، أی أن حجاب العفاف کان منیعاً بینها و بین غیرها لا من قبلها، و لا تمکن الغیر قبلها، و منه یعلم عموم تحریم التعدی فی الاستمتاعات الجنسیة فی الآیة إلی المماثل، و من ثمّ بنی الفقهاء علی حرمة التلذذ بأی عضو مع غیر الزوج و الزوجة و ملک الیمین.

و من ثمّ ورد أن النساء عورات فالعورة لا تقتصر علی الفرج بل تعم مطلق أعضاء المرأة.

2 - قوله تعالی: (یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (2) أی لا تلنّ فی القول، بأن یکون فی صوتهن غلظة و خفاء، أی بجزالة و فصل لا بترخیم و ترقیق، و قیل: بجد و خشونة من غیر تخنث، ککلام المریبات و المومسات، فیوجب طمع الذی فی قلبه ریب و شهوة، و قیل: أنه لا تخاطبن الأجانب مخاطبة تؤدّی إلی طمعهم فیکن، کما تفعل المرأة التی تظهر الرغبة فی الرجال، و (قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) أی غیر منکر بعیداً عن الریبة و التهمة، و قد فسّر القول المعروف فی آیة المطلقات(3) بعد إظهار الرغبة فی الطرف الآخر، کما فی روایة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام): «لا تقول إنی أصنع کذا و أصنع کذا القبیح من الأمر فی

ص:73


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب104 ح12.
2- (2) سورة الأحزاب: 32.
3- (3) سورة البقرة: 235.

البضع و کل أمر قبیح»(1).

و فی تفسیر علی بن إبراهیم لا یصرّح لها النکاح و التزویج و إن کان ذلک منکراً فی خصوص من کانت فی عصمة الغیر بعدّة أو نکاح، فیعلم من مقابلة الأمر بالقول بالمعروف أن المنهی عنه کلّ قول منکر سواء فی کیفیة الصوت و أدائه أو فی مضمون الکلام، و بأی نحو یکون فیه إظهار للرغبة المحرمة بینهما أو إثارة التشهّی الجنسی و إحداث الافتتان بینهما و لو بانبساط الحدیث و إطالة الکلام، و التعبیر فی صدر الآیة (لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) لا ظهور له فی خصوصیة الحکم لنساء النبی، بل الظاهر منه الإشارة إلی ما تقدّم علی الآیة من مضاعفة الأجر لهن إن اتقین و مضاعفة العذاب إن عصین؛ لشرافة نسبتهن إلی النبی، و من ثمّ لم تذکر هذه الأحکام من خصائص النبی(صلی الله علیه و آله) و إن ذکر حرمة التزویج بنسائه من خصائصه، و مثله قوله تعالی: (وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ)2 و هی و إن احتمل فیها التنزیه أو الاختصاص، إلاّ أنها دالة علی أن مراتب المحادثة مع النساء من دون حجاب و ستار لا سیما إذا کان مثیراً فإنه فتنة للقلوب.

الدلیل الثانی: الروایات

ففی معتبرة أبی بصیر کنت أُقرئ امرأة کنت أُعلّمها القرآن فمازحتها بشیء ، فقدمت علی أبی جعفر(علیه السلام) فقال لی: )أی شیء قلت للمرأة؟( فغطیت وجهی، فقال: «لا تعودنّ إلیها»(2).

ص:74


1- (1) تفسیر العیاشی، العیاشی، فی ذیل الآیة.
2- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب106 ح5.

و فی عقاب الأعمال عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قال: «و من صافح امرأة حراماً جاء یوم القیامة مغلولاً ثمّ یؤمر به إلی النار، و من فاکه امرأة لا یملکها حبسه الله بکل کلمة کلّمها فی الدنیا ألف عام»(1).

و فی روایة دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد( أنه قال: «محادثة النساء من مصائد الشیطان»(2).

و روی القطب الراوندی فی لبّ اللباب عن علی(علیه السلام) أنه قال فی حدیث: «و من مازح الجواری و الغلمان فلا بدّ له من الزنا و لا بد للزانی من النار»(3).

هذا مضافاً إلی جملة من الروایات(4) الأخری الناهیة عن محادثة النساء، و هی و إن حملت علی الکراهة و التنزیه إلاّ أنها فیها إشعار بالحرمة بموارد الفتنة و التلذذ.

ثمّ إنه لا ریب إن من موارد الفتنة و الریبة الممازحة و المفاکهة مع النساء، لا سیما إذا اشتملت علی تغزل أو ما یستقبح ذکره.

ص:75


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب106 ح4.
2- (2) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب83 ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب83 ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب106.

(مسألة 40): لا یجوز مصافحة الأجنبیة، نعم لا بأس بها من وراء الثوب کما لا بأس بلمس المحارم.(1)

عموم حرمة المس فی الأجنبیة

اشارة

(1)لا یجوز ملامسة الرجل المرأة الأجنبیة و بالعکس، و لو بنی علی جواز النظر إلی الوجه و الکفین، فلا تلازم بین الجوازین، و حکایة الإجماع

علیه متفقاً، بل الحال کذلک فی حرمة ملامسة ما حرم النظر الیه، کما فی مواضع بدن المحارم التی یجب سترها، و کذلک الحال فی مواضع جواز النظر فی المحارم مع الریبة، و من ثمّ لا یجوز مصافحة الأجنبیة، إلاّ من وراء الثیاب، و قیدها بعضهم بعدم الغمز و عدم الریبة.

و یدل علی عموم حرمة المس فی الأجنبیة:

الدلیل الأوّل: اقتضاء أدلة حرمة النظر

إن الحکم المذکور مقتضی أدلة حرمة النظر، فإن الأقوی، کما تقدّم حرمة النظر إلی الوجه و الکفین حرمة حکمیة و ان لم یحرم النظر بالحرمة الحقیة، أی ان النظر المستدیم أو بتحدیق و ملأ العین یحرم حتی للوجه و الکفین، و ان لم تحرم النظرة الأولی العفویة، و کذلک فی المتکشفة المبتذلة مسلمة کانت أو کافرة، کما مرّ فی مسائل النظر، و إذا حرم النظر فیحرم اللمس بالأولویة القطعیة؛ لأن النظر أخف ارتباطاً بین الجنسین، فیحرم ما هو أشد منه و هو اللمس، بخلاف العکس، فإن حرمة اللمس لا تلازم حرمة النظر، هذا کله بحسب الطبیعة الأولیة لا بحسب العناوین الثانویة و الاضطراریة، و کذلک الحال إذا جاز اللمس جاز النظر بحسب الطبع الأولی، لا فیما إذا کان جواز اللمس بعنوان اضطراری کالمعالجة.

ص:76

(مسألة 41): یکره للرجل ابتداء النساء بالسلام و دعائهن إلی الطعام و تتأکد الکراهة فی الشابة.

(مسألة 42): یکره الجلوس فی مجلس المرأة إذا قامت عنه إلاّ بعد برده.

(مسألة 43): لا یدخل الولد علی أبیه إذا کانت عنده زوجته إلاّ بعد الاستیذان و لا بأس بدخول الوالد علی ابنه بغیر إذنه.

و منه یظهر صحة عبارة السید الیزدی فی العروة و غیره من الأعلام، من انه إذا اضطرت الأجنبیة فی المعالجة للمس الطبیب، فیقتصر علیه دون ترکیز النظر مع عدم الحاجة إلیه.

الدلیل الثانی: روایات مصافحة الأجنبیة

منها: روایة الحسین بن زید عن جعفر بن محمد عن آبائه فی حدیث المناهی «... و من صافح امرأة تحرم علیه فقد باء بسخط من الله عز و جل، و من التزم امرأة حراماً قرن فی سلسلة من نار مع شیطان فیقذفان فی النار»(1).

و منها: مرسل أبی کهمس مهزم الأسدی قال: کنا بالمدینة و کانت جاریة صاحب الدار تعجبنی و انی أتیت الباب فاستفتحت الجاریة، فغمزت ثدیها، فلما کان الغد دخلت علی أبی عبد الله(علیه السلام) فقال: «أین أقصی أثرک؟ قلت: ما

ص:77


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب105 ح1.

برحت بالمسجد فقال: «اما تعلم ان أمرنا هذا لا یتم إلاّ بالورع»(1).

و کذلک الروایات الواردة فی مصافحة الأجنبیة، کصحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «قلت له هل یصافح الرجل المرأة لیست بذات محرم؟ فقال: لا إلاّ من وراء الثوب».(2)

و فی موثّقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن مصافحة الرجل المرأة؟ قال: «لا یحل للرجل أن یصافح المرأة إلاّ امرأة یحرم علیه أن یتزوجها أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو بنت اخت أو نحوها و أما المرأة التی یحل له أن یتزوجها فلا یصافحها إلاّ ما وراء الثوب و لا یغمز کفها»(3) و هی تدلّ علی جواز مصافحة عموم المحرم نسبی أو سببی، و التمثیل فیها و ان أوهم خصوص السببی إلاّ أن المقابلة قرینة علی العموم. و نحوها من الروایات.

نعم فی عموم المحرم لما حرمت بالسبب غیر المحرم، کاللواط و الزنا إشکال، بل لا یبعد فی عرف المتشرعة نفی عنوان المحرمیة عن مثل هذه الموارد.

و فی روایة المفضل بن عمر أنه(صلی الله علیه و آله) کانت بیعته لهن بغمس یدیه فی الماء(4)، و مثلها روایة سعدان بن مسلم(5)، بل فی روایة الحکم بن مسکین

ص:78


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب105 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب115 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب115 ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب115 ح3 و ح4.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب115 ح3 و ح4.

الأمر بمصافحة الأخت أخاها من وراء الثوب(1) و فی روایة الصدوق فی عقاب الأعمال باسناد متصل إلی عبد الله بن عباس عن النبی(صلی الله علیه و آله) «و من صافح امرأة حراماً جاء یوم القیامة مغلولاً ثمّ یؤمر به إلی النار»(2).

و کذلک الروایات الواردة فی تغسیل المیت(3) انه لا یجوز أن یغسل الرجل و لا المرأة الآخر الأجنبیان(4)، بل فی هذه الروایات عدم جواز تغسیل المحرم أیضاً إلاّ عند فقد المماثل بنحو صب الماء من دون خلع الثیاب، و فی بعضها من غیر أن ینظر إلی عورتها، و فی بعضها یلف علی الید خرقة.

نعم قد ورد فی بعضها أن المیت إذا کان امرأة تیمم مع عدم وجود المحرم و لا المماثل، و فی بعضها تغسل کفیها، و فی بعضها جواز التغسیل من وراء ثوب کثیف.

و علی أی تقدیر فغیر المحرم لا یسوغ له مسّ الآخر و لو کان میتاً.

و لا یخفی أن هذه الروایات یستفاد منها حرمة المس و لو من وراء الثیاب و لو لبعض الجسد.

ثمّ إنه لا یخفی أن هذا الحکم غیر مختص بحسب الأدلة بالمسلمین، بل یعم غیرهم أیضاً، کما مرّ فی بحث النظر، أن عموم الحکم فی الحجاب بین الجنسین حکمی و لیس حقیاً راجعاً إلی طهارة المکلف نفسه، و ان لم تکن للآخر حرمة.

ص:79


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب115 ب116 ح1.
2- (2) عقاب الأعمال، الشیخ الصدوق: ص334، ب106 ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب116 ح3 و ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب غسل المیت: ب19 و 20 و 21 و 22.

و فی موثّق غیاث بن إبراهیم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: قال أمیر المؤمنین(علیه السلام): «یا أهل العراق نبئت أن نساءکم یدافعن الرجال فی الطریق أ ما تستحون»(1).

و فی طریق البرقی زاد قوله(علیه السلام) لعن الله من لا یغار.

و فی معتبرة علی بن الریان عن أبی الحسن(علیه السلام) أنه کتب الیه: رجل یکون مع المرأة لا یباشرها إلاّ من وراء ثیابها و ثیابه، فیتحرک حتی ینزل ما الذی علیه؟ و هل یبلغ به حد الخضخضة؟ فوقع(علیه السلام) فی الکتاب: «ذلک بالغ أمره»(2).

الدلیل الثالث: روایات مباشرة الرجل للرجل من دون ثیاب

جملة من الروایات المتقدّمة فی عدم مباشرة الرجل الرجل من دون ثیاب و عدم مباشرة المرأة المرأة من دون ثیاب، و التی مضی بعضها تحت عنوان النوم تحت لحاف واحد.

و فی روایة الصدوق فی عقاب الأعمال باسناده المتصل إلی عبد الله بن عباس عن رسول الله(صلی الله علیه و آله): «و المرأة إذا طاوعت الرجل فالتزمها أو قبلها أو باشرها حراماً أو فاکهها و أصاب منها فاحشة فعلیها من الوزر ما علی الرجل»(3).

و فی روایتی أو فی الصحیح إلی ابن أبی نجران عمن ذکره و الصحیح إلی یزید بن حماد و غیره عن أبی جمیلة عن أبی جعفر و أبی عبد الله(علیه السلام)قالا: «ما من أحد إلاّ و هو یصیب حظاً من الزنا فزنا العینین النظر وزنا الفم

ص:80


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح 132 ح1 و ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: ب30 ح1.
3- (3) عقاب الأعمال، الشیخ الصدوق: ص334.

القبلة وزنا الیدین اللمس، صدق الفرج ذلک أم کذب»(1).

ثمّ إنه قد یظهر من جملة من الروایات شدة التوقی من مباشرة الرجل الرجل أو المرأة المرأة من دون ثیاب، کما فی مرسلة الطبرسی فی مکارم الأخلاق(2) و معتبرة غیاث بن إبراهیم(3) و فی روایة عبد الله بن فضل عن أبی جعفر(علیه السلام)قال: «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن المکاعمة و المکامعة، فالمکاعمة أن یلثم الرجل الرجل و المکامعة أن یضاجعه و لا یکون بینهما ثوب من غیر ضرورة»(4). و غیرها من الروایات(5).

ثمّ انه یسوغ اللمس المحضور فی موارد الاضطرار کالولادة للقابلة أو المعالجة من المماثل أو غیره، نعم مع إمکان رفع الحاجة بالمماثل لا تصل النوبة إلی غیره لشدة الحرمة و المفسدة فی غیر المماثل، و یفیده صحیح أبی حمزة الثمالی(6)و صحیحة علی بن جعفر(7).

الدلیل الرابع: روایات حرمة تقبیل الصبی الممیز

ما تقدّم من الروایات الواردة فی أحکام الصبی تقبیلاً و التزاماً و الوضع فی الحجر، و قد قید فی جملة منها الجواز إلی ست سنین(8) أی مباشرة

ص:81


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: باب 14 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: باب 22 ح5.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: باب 127 ح5.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: باب21 ح4.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب117 ح5.
6- (6) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب130 ح1.
7- (7) نفس الباب ح4.
8- (8) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب127.

(مسألة 44): یفرق بین الأطفال فی المضاجع إذا بلغوا عشر سنین و فی روایة إذا بلغوا ست سنین.(1)

الرجل للبنت.

و یستفاد من هذه الطائفة من الروایات (طائفة التقبیل و نحوها)، ان حکم

اللمس للصبیین الممیزین الحرمة أیضاً بالنسبة إلی البالغین، و کذلک التزام و مباشرة و احتضان الصبیین الممیزین.

بل فی موثّقة السکونی(1) المنع عن حجامة الصبی الممیز للمرأة.

و لا یخفی أن جملة ما فی الروایات من موارد و صور قد یحمل علی بیان موارد الریبة تعبداً.

و قد یدعم الجواز ما یستظهر من الروایات الواردة فی وضع الجاریة فی الحجر و ضمها، حیث یظهر منها جواز النظر، کما أشار إلیه غیر واحد من الأصحاب، مضافاً إلی ما یظهر من هذه الروایات من ارتکاز مفروغیة الجواز بالنسبة إلی عن النظر، أما السؤال فقد وقع عن ما هو أشد کالتقبیل أو الضم أو الوضع فی الحجر.

حکم الاضطجاع تحت لحاف واحد

(1) و هو تارة یکون بین المماثل، و أخری فی غیر المماثل، کما إنه قد یکون بین البالغین، و ثالثة بین مجردین و أخری غیر مجردین، و رابعة مع التهمة و الریبة و أخری من دونهما، أما مع التهمة و الریبة أو التجرد، کما فی

ص:82


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: 130 ح2.

غیر المحرم و الرحم، فلا ریب فی الحرمة، و اتفاق النصوص علی ذلک،کما هی معنونة فی باب الحدود.

و أما فی غیر ذلک، فقد قال فی جامع المقاصد: یکره للرجلین أن یضطجعا فی ثوب واحد، قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «لا یغطی الرجل إلی الرجل فی ثوب واحد و لا المرأة إلی المرأة فی ثوب واحد، و مع الریبة یمنعان و یؤدّبهما الحاکم، و مع کون کلّ واحد منهما فی جانب فی الفراش فلا بأس»(1).

و یمکن أن یستدل للکراهة بالمفهوم من إطلاق الروایة الواردة فی مورد الریبة و التجرد، فإن موردها و إن کان فی الفرض المحرم، إلاّ أنه قد یستفاد بالدلالة الالتزامیة ذلک، و من هنا یفصل فی مفاد صحیحة عبد الله بن میمون عن جعفر بن محمد عن آبائه قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): «الصبی و الصبی و الصبی و الصبیة و الصبیة و الصبیة یفرق بینهم فی المضاجع لعشر سنین»(2) فیفصل بین موارد الریبة و التجرد و عدمهما فی الحرمة فی الأوّل و الکراهة فی الثانی، و مثلها روایته عن جعفر بن محمد الأشعری عن آبائه قال: «یفرق بین الصبیان و النساء فی المضاجع إذا بلغوا عشر سنین»(3) و فی مرسلة الصدوق قال: «و روی أنه یفرق بین الصبیان فی المضاجع لست سنین»(4)، و منه یظهر أن الوجه هو التفصیل بین موارد الریبة و عدمها، و من ثمّ حکی الکراهة عن المشهور مع الثیاب فی الصبیان.

ص:83


1- (1) جامع المقاصد، المحقق الکرکی: ج12 ص44.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب128 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب أحکام الأولاد: ب74 ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب128 ح2.

ثمّ إنه بالالتفات إلی جملة الروایات الواردة فی باب الحدود و التعزیرات فی تعزیر الرجلین المضطجعین تحت لحاف واحد أو مع الریبة و کذلک المرأتین، یظهر منها حرمة الاضطجاع تحت لحاف واحد فی هذه الموارد و الحالات،

و علی هذا الأساس یستفاد وجوب التفریق فی الصبیة أیضاً مع الریبة.

و هذه الروایات تصلح أن تکون شاهداً آخر علی حرمة الفتنة التی مرّت کقاعدة فیما سبق، و هذه الروایات من قبیل:

روایة عبد الله بن الفضل عن أبیه عن أبی جعفر(علیه السلام) عن جابر بن عبد الله قال: «نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن المکاعمة و المکامعة.. و المکامعة أن یضاجعه و لا یکون بینهما ثوب من غیر ضرورة»(1)، و غیرها مما یشارکها فی المضمون ذاته(2).

ص:84


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: ب21 ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب حد الزنا: ب10 و أبواب حد السحق و القیادة: ب2.

حکم النظر إلی العضو المبان من الأجنبی

(مسألة 45): لا یجوز النظر إلی العضو المبان من الأجنبی مثل الید و الأنف و اللسان و نحوها، لا مثل السن و الظفر و الشعر و نحوها.

وصل شعر الغیر بشعرها

(مسألة 46): یجوز وصل شعر الغیر بشعرها، و یجوز لزوجها النظر إلیه علی کراهة بل الأحوط الترک.(1)

قاعدة فی التبرج بالزینة

اشارة

(1) التحقیق:

الأقوال فی المسألة

قال الشیخ المفید فی رسالته أحکام النساء: «و لا یحل لها أن تصل شعرها بشعر غیرها من الناس، و لا یجوز لها وشم وجهها، و هو أن تنقب فی خدها من وجهها بإبرة و تجعل فیه الکحل لیکون کالخال المخلوق فی وجوه الناس، و لا یحل لها التصنع إلاّ لبعلها و لا یحل ذلک لغیره من النساء و الرجال علی حال... و لا یحل لهن الاجتماع فی العرسات و التبذل فی الزینة و الحلی».

و فی المحکی عن کشف الغطاء: «و الزینة المتعلقة بما لا یجب ستره فی النظر علی الأصح، و الصلاة من خضاب أو کحل أو حمرة أو سوار أو حلی أو شعر خارج وصل بشعرها، و لو کان من شعر الرجال و قرامل من صوف و نحو یجب ستره عن الناظر دون الصلاة علی الأقوی».

و حکی الأردبیلی فی زبدة البیان عن الکشاف: «إن الزینة ما تتزین به المرأة من حلی أو کحل أو خضاب، من کان ظاهراً منها کالخاتم و الفتخة و هی: حلقة من فضة لا فص لها، و الکحل و الخضاب فلا بأس بإبدائه

ص:85

للأجانب... و کذلک مواقع الزینة الظاهرة الوجه موقع الکحل فی عینیه و الخضاب بالموسمة فی حاجبیه و شاربیه و الغمرة فی خدیه و القدم و موقعا الخاتم و الفتخة و الخضاب بالحناء( إلی آخر ما نقله عن الکشاف.

تحریر محل البحث

إنه بناءً علی وجوب الجلباب کما مر و یأتی یکون إبداء الملابس المنزلیة - أی التی تلبس تحت الرداء و تکون فیها بهیئتها فی المنزل - بما لها من الزینة هو إبداء للزینة الخفیة و لیست هی مما استثنی و ظهر، کما أن إبداء الزینة الخفیة بلبسها علی الثیاب فی المواضع التی هی من الزینة الخفیة کالدملج فی العضد و کالقلادة فی العنق و کالقرطین فی الأذن و المنطقة المذهبة مثلاً فی الوسط و غیرها من آلات الزینة، فإنها و إن لبست علی الثیاب فی تلک المواضع أی ما کانت البشرة مستورة، إلاّ أنه لما کان تزیین بالزینة تلک المواضع کان إبداؤها إبداء للزینة فی تلک المواضع، فتندرج فی عموم قوله تعالی: (وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ) فإن النهی عن کشف المواضع و إن استفید من الآیة من النهی عن إبداء زینة تلک المواضع إلاّ أن ذلک لا یعنی سقوط المفاد المطابقی عن الإرادة الجدّیة فإن من خواص الاستعمال الکنائی إمکان إرادة کلّ من المعنیین علی نحو الطولیة.

و بعبارة أخری: إن تقریب مفاد الآیة هو بعد الفراغ من عورویة جسد المرأة و لزوم ستره، إلاّ المقدار الظاهر من الوجه و الکفین و القدمین، فهی فی صدد حکم الزینة و إبداؤها و إنه لا یسوغ إبداؤها و التجمل بها أمام الرجال، إلاّ التی فی ما یظهر من أعضاء البدن، و من ذلک یظهر أن اتخاذ الألوان

ص:86

الخلابة فی الجلباب و الرداء و التی هی بحسب العادة ألوان للقمیص و إزار المرأة للملابس الداخلیة و لیست هی ألوان مضادة للرداء و الجلباب، فإن اتخاذها فی الجلباب نحو من إبداء الزینة الخفیة أو إبداء الزینة علی المواضع التی هی غیر ما ظهر، و منه یظهر الحال فی الفرامل و الشعر الموصول إذا کانت ملبوسة بادیة.

القول فی تحدید الزینة الظاهرة

ففی صحیح الفضیل قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الذراعین من المرأة هما من الزینة التی قال الله (وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ) قال: نعم، و ما دون الخمار من الزینة و ما دون السوارین»(1) و فی موثّقة زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام) عن قول الله عز و جل: (إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) قال: «الزینة الظاهرة الکحل و الخاتم».(2)

و فی مصححة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن قول الله عز و جل: (وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها) قال: الخاتم و المسکة و هی القُلب»(3) و القلب: السوار.

و موثّقة مسعدة بن زیاد قال: «سمعت جعفراً و سئل عما تظهر المرأة من زینتها قال: الوجه و الکفین»(4).

ص:87


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب109 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب109: ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب109: ح3.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب109: ح5.

و یمکن الاستدلال أیضاً بقوله تعالی: (وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِی لا یَرْجُونَ نِکاحاً فَلَیْسَ عَلَیْهِنَّ جُناحٌ أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ) ، فإن فی الآیة موضعین فی الدلالة علی المقام:

الأوّل: دلالتها علی أن لبس الجلباب عزیمة للمرأة، و إنما استثنی من ذلک القواعد من النساء، کما فی قوله تعالی: (یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ)1 حیث وردت الصحاح کصحیحة محمد بن مسلم و الحلبی و أبی الصباح الکنانی(1) و غیرها بتفسیر الثیاب بالجلباب، مما یدلل علی أن ما تحت الجلباب لا یبدی و هو معنی عزیمة الجلباب.

و الموضع الثانی فی الآیة: نهیهن عن التبرج بزینة ما تحت الجلباب، أی عن البروز بالزینة التی یجب سترها من الحلی و ثیاب التجمل؛ لأن خروجهن بالزینة یدل علی أنهن متبرجات و داعیات للشواب لا طالبات لحاجتهن، هکذا قرر السیوری فی کنز العرفان مفاد الآیة فی الموضع الثانی.

و من ذلک یظهر أن ما یتعارف لبسه من الألبسة الضیقة من الثیاب من دون رداء و عباءة و التی تحکی مفاصل البدن أو المشتملة علی ألوان خلابة هو من التبرج بالزینة الواجب سترها، فضلاً عن أن ترک الجلباب هو بنفسه محظور.

و یدعم ذلک ما ورد من التبرج لغة، کما عن الجوهری: إن التبرج: إظهار المرأة زینتها و محاسنها للرجال. و عن الخلیل بن أحمد الفراهیدی: و إذا أبدت المرأة محاسن جیدها و وجهها قیل: قد تبرجت.

ص:88


1- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب110.

قال فی الکشاف: فإن قلت: ما حقیقة التبرج؟ قلت: تکلّف إظهار ما یجب إخفاؤه من قولهم: بارج لا غطاء علیها - إلی أن قال - بأن تتکشف المرأة للرجال بإبداء زینتها و إظهار محاسنها و قیل: غیر مظهرات لما یتطلع إلیه منهن و لا متعرضات بالتزین للنظر إلیهن و إن کن یحل ذلک منهن.

و عن ابن عباس فی قوله تعالی :(وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی): و لا تتزین بزینة الکفار فی الثیاب الرقاق الملونة(، و قیل: إن منه لبس ما یصف أو یشف من الثیاب، و قیل: من التبرج تبرج الجاهلیة الأولی: المشی بین الرجال و التغنج و المیلان فی المشی، و عن الفراء: کانت المرأة إذ ذلک تلبس الدرع من اللؤلؤ غیر مخیط الجانبین، و یقال: کانت تلبس الثیاب تبلغ المأکم و هو العجزة - و سیأتی للکلام تتمة.

ثمّ إنه یقع الکلام فی تحدید مقدار ما یسوغ من الزینة الظاهرة بعد کون الأقوی جواز إظهار الوجه و الکفین و القدمین، لکن لا بنحو تبدو تمام صفحات الوجه، فهل السائغ حینئذ إبداء خصوص الکحل و الخاتم و السوار المنصوص، أم إن السائغ هو ما اعتبر وضعه لزینة، أم تسوغ مطلق أنواع الزینة فی ذلک الموضع کالحمرة و السواد و أنواع المکیاج، الحدیث بنحو یعد تبرج لا لزینة؟

ففی صحیح محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «لا ینبغی للمرأة أن تعطل نفسها و لو أن تعلّق فی عنقها قلادة، و لا ینبغی أن تدع یدها من الخضاب و لو أن تمسحها مسحاً بالحناء، و إن کانت مسنة»(1) و فی صحیحة الآخر قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن حلیة النساء بالذهب و الفضة فقال: لا

ص:89


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب85، ح1.

بأس»(1)، و فی المرسل إلی الإمام جعفر بن محمد(علیه السلام) قال: «رخص رسول الله(صلی الله علیه و آله) المرأة أن تخضب رأسها بالسواد، قال و أمر رسول الله(صلی الله علیه و آله) النساء بالخضاب ذات البعل و غیر ذات البعل فتزین لزوجها، و أما غیر ذات البعل فلا تشبه یدها ید الرجال»(2).

لکنّه قد تقدّم دلالة قوله تعالی: ( غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ ) علی حرمة التبرج بالزینة فی نفسه و إن کان فی المواضع التی لا یجب سترها، و قد مرَّ أن التبرج بالزینة هو التکلیف بإظهار الزینة، و قد مرّ أیضاً أن إبراز المحاسن للمواضع التی ینبغی إخفاؤها مشمول للنهی فی قوله تعالی :(وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی) و لقوله تعالی: (غَیْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِینَةٍ ) .

و یدل علی التفصیل فی المراد بالزینة المحرّم التبرج بها - بین ما ظهر و ما ینبغی إخفاؤه بلحاظ موضع الأعضاء - صحیحة الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قرأ (أَنْ یَضَعْنَ ثِیابَهُنَّ ) قال: )الخمار و الجلباب، قلت: بین یدی من کان؟ فقال: بین یدی من کان غیر متبرجة بزینة، فإن لم تفعل فهو خیر لها، و الزینة التی یبدین لهن شیء فی الآیة الأخری(3).

و الظاهر إن مراده(علیه السلام) من الزینة فی الآیة الأخری هو قوله تعالی: (وَ لا یُبْدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ) هذا.

و قد یقال: إن هذه الصحیحة الناظرة إلی تفصیل الآیة لا تدلّ علی جواز الزینة المثیرة فیما ظهر، لأن الزینة المثیرة تدخل فی عنوان التبرج المنهی عنه

ص:90


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب أحکام الملابس: ب63، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب آداب الحمام: ب52، ح2.
3- (3) أبواب مقدمات النکاح، ب110، ح2

فی الآیتین، لما مرّ من أن تعریف اللغویین للتبرج من التکلف فی إظهار الزینة لجلب انتباه الرجال، و هو خارج عن إبداء الزینة الظاهرة، الذی هو بحد ما تخرج به المرأة عن أن تکون معطلة کما مر فی الروایات. فالتعریف اللغوی للتبرج المنهی عنه لا یختص بما خفی من زینة المرأة، بل یعم ما ظهر کما یعم ما یستحدث فی الجلباب أیضاً من ألوان مثیرة، فعن أبی عبیدة هو أن یبرزن محاسنهن فیظهرنها، و عن الزجاج: )التبرّج إظهار الزینة و ما تستدعی به شهوة الرجل، و قیل إنهن کن یتکسّرن فی مشیتهن و یتبخترن(، فیظهر من هذین التعریفین أنهما یشملان نحو المشی کما مر فی التغنج فی الصوت، و هذا التعمیم یمکن أن یستأنس من قوله تعالی: (وَ لا یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ ما یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ)1 و کذا الآیة: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ) و عن أبی عطیة: «التبرج إظهار الزینة و التصنّع بها» و قال المصطفوی فی التحقیق: )التبرج فی المرأة بالتزین فی مقابل الأجانب قولاً و عملاً و سلوکاً و مشیاً و لمزاً و نظراً، فکل حرکة أو سکون من المرأة یجذب نظر الرجل، و یقتضی نفوذها فیه - تأثیرها فیه - و یوجب التظاهر و التجلی و الاستعلاء فی قباله التبرج، و قال: «و المرأة المتزینة الحسناء التی أظهرت محاسنها للأجانب و نفذت فیهم (أن أثارتهم)(، و قد یقال: إن مقتضی صحیح الحلبی إن التبرج هو إبداء الزینة، لأنه قابل بین «غیر متبرجة بزینة)و بین «و الزینة التی یبدین لهن)فیقتضی ذلک تخصیص عموم النهی عن التبرج بإلا ما ظهر، نعم هذه الروایة و الروایات التی سبقت فی تفسیر الزینة التی نهی عن إبدائها و الزینة التی رخص فیها ظاهرها إنها محاسن المرأة سواء بحسب

ص:91

طبیعة خلقة العضو أو بحسب ما یوضع علیه من مواد أو آلات، ففی صحیح الفضیل المتقدّم هل الذراعین و الأعضاء نفسها من الزینة، و فی موثّق زرارة و صحیح أبی بصیر هل جعل ما یتزین به من الزینة، و فی موثّقة مسعدة نظیر صحیح الفضیل، و علی ذلک فلا یبقی لعموم التبرج المنهی عنه إطلاق.

و فیه: إن ما ذکر و إن کان متیناً، إلاّ أنه لا ینافی ما ذکرناه أولاً، فإن الآیة المفصلة لما یبدی من الزینة و ما لا یبدی ظاهرها بحسب الأعضاء و طبع محاسنها و ما تتزین به بنحو لا تکون معطلة، و أما ما یزید علی ذلک من درجة الحسن و بروزه فهو باق علی عموم النهی عن التبرج، و یشهد لهذا التفصیل فی التبرج المسوغ عن المنهی ما مرت الإشارة إلیه فی الآیة من النهی عن الضرب بالأرجل لئلا یعلم ما یخفین من الزینة، مع إن الزینة التی هی تحت الثیاب مخفیة، إلاّ أنه نهی عن بروزها و لو بتوسط الصوت، مما یدلل علی أن درجات البروز و التبرج ملحوظة فی مفاد الآیات و کذلک یشیر إلی هذا النهی عن التخضع فی القول، فإن الکلام و إن رخص فیه و هو مما ظهر، إلاّ أنه إذا أبرز بالقول محاسن أنوثة المرأة فإنه یکون منهی عن، مما یدلل علی إن الإبداء علی درجات کما أن زینة المرأة و محاسنها علی درجات أیضاً، و من ثمّ یحرم الرفث من القول مع الأجنبیة، کما فی قوله تعالی :(وَ لکِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً)1 و بالتالی یتبین الفرق بین ما هو زینة خفیفة معتادة فی تلک المواضع و بین ما هو زینة شدیدة تعمل بتکلّف و عنایة خاصة، و هی تختلف بحسب الأعراف و الأزیاء المشتهرة.

ثمّ إن فی موثّقة السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )سُئل رسول الله(صلی الله علیه و آله)

ص:92

ما زینة المرأة للأعمی؟ قال: الطیب و الخضاب فإنه من طیب النسمة(1) و هو یفید دخول الرائحة الطیبة فی الزینة، و لا ریب إنها علی درجات أیضاً و فی صحیح الولید بین صبیح عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) أی امرأة تطیبت و خرجت من بیتها فهی تلعن حتی ترجع إلی بیتها متی ما رجعت(2)، و فی طریق الصدوق و هو أیضاً صحیح «تطیبت لغیر زوجها ثمّ خرجت من بیتها» و مثلها روایة سعد الجلاب(3) و کذا موثّقة السکونی أیضاً عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) طیب النساء ما ظهر لونه و خفی ریحه و طیب الرجال ما ظهر ریحه و خفی لونه»(4) و مورد هذه الروایات فی الطیب ذو الرائحة المرکزة القویة المستعمل قبیل الخروج.

ثمّ إنه یمکن تقریر التفصیل المحصل من التبرج المنهی عنه إن استخدام المرأة الزینة أو إظهار ما یحدث إثارة للرجال هو داخل فی التبرج المنهی عنه بخلاف ما لا یکون بطبعه مثیراً، و منه یظهر إن قاعدة التبرج مقاربة لقاعدة حرمة الفتنة و الافتتان الجنسی التی مرّ تقریرها فی المباحث السابقة.

و من التبرج هو کلّ ما تبرزه و تصطنعه المرأة من محاسن یثیر حفیظة الرجال الأجانب سواء فی القول أو العمل و السلوک أو النظرات و المشی و کیفیة حرکات أعضاء البدن و الذی عبروا عنه بالتکسر تجاه حرکات الأعضاء، و منه یظهر إن الانفتاح الشدید فی الاختلاط مع الرجال من دون

ص:93


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح ب85 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح ب80 ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح ب80 ح1.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب آداب الحمام ب93 ح1.

حاجب العفاف فی السلوک العام هو الآخر یندرج فی مصادیق التبرج المحرم. بل هذا النمط من التبرج وردت فیه روایات خاصة.

فائدة: فی حکم إقامة علاقة الصداقة مع الأجنبیة

قال فی لسان العرب: «الخدن و الخدین الصدیق، أو الخدن و الخدین الذی یخادنک فیکون معک فی کلّ أمر ظاهر و باطن، و خدن الجاریة محدثها، و کانوا فی الجاهلیة لا یمتنعون من أن یحدث الجاریة فجاء الإسلام لهدمه، و المخادنة المصاحبة و فی التنزیل العزیز (مُحْصَناتٍ غَیْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ)1 أی یتخذن أصدقاء» و فی تفسیر القمی فی قوله تعالی: (وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ)2 . «أی لا یتخذها صدیقة»

و قال الزمخشری «و الأخدان الأخلاء فی السر أی غیر مجاهرات فی السفاح و لا مسرات له».

و قیل کانت البغایا فی الجاهلیة علی قسمین مشهورات و متخذات أخدان، و کانوا بعقولهم یحرمون ما ظهر من الزنا و یستحلون ما بطن، فنهی الله عز و جل عن الجمیع.

أقول: المستحصل من کلمات اللغویین و ظاهر الآیة إن إقامة العلاقة و الصداقة بین الأجنبی و الأجنبیة للتواطؤ علی أی نوع من الاستمتاع الجنسی أو الغرام محضور. و هذا المقدار - و هو عدم تکوین العلاقة علی أساس الانفتاح الجنسی و لو علی صعید الکلام - هو المستفاد من قوله تعالی أیضاً:

ص:94

(وَ لا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَکْنَنْتُمْ فِی أَنْفُسِکُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّکُمْ سَتَذْکُرُونَهُنَّ وَ لکِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکاحِ حَتّی یَبْلُغَ الْکِتابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ یَعْلَمُ ما فِی أَنْفُسِکُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِیمٌ) (1) قیل فی تفسیر الآیة أی لا تواعدوهن مواعدة قط بالزواج، إلاّ مواعدة معروفة غیر منکرة أی لا تواعدوهن إلاّ بالتعریض، أی لا تکنّوا فضلاً عن التصریح.

و قیل فی معنی (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) بالجماع، و القول المعروف هو القول الذی لیس فیه رفث و لا إفحاش، فالآیة الکریمة تحدد المقدار المجاز من الحدیث مع الأجنبیة مع أن هذا الحدیث متواطئ فیه علی الحلال و هو عقد النکاح. فلا تسوغ التصریح و لا الکنایة، بل فی ذات البعل لا یجوز مطلقاً حتی التعریض. و أما فی الخلیة فیجوز التصریح دون الرفث فی القول من الکلمات المستهجنة المنافیة لحاجب الحیاء و الستر بین الأجنبیین. و فی تفسیر العیاشی عن أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی قول الله: (لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً)؟ قال: )المرأة فی عدّتها تقول لها قولاً جمیلاً ترغبها فی نفسک و لا تقول إنی أصنع کذا و أصنع کذا القبیح من الأمر فی البضع و کل أمر قبیح(.(2)

و روی عن أبی بصیر عنه(علیه السلام) «(لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) هو قول الرجل للمرأة قبل أن تنقضی عدّتها أواعدک بیت آل فلان لترفث و یرفث معها»(3).

ص:95


1- (1) البقرة: 235.
2- (2) تفسیر العیاشی، العیاشی: ج1، ص142 ح395.
3- (3) تفسیر العیاشی، العیاشی: ج1 ص142 ح391.

و قریب من مضمونها ما رواه الکلینی من صحیح الحلبی و صحیح عبد الله بن سنان، و ما رواه فی الصحیح عن علی بن حمزة عن أبی الحسن(علیه السلام) إلاّ أن فیه فی قوله تعالی: )لا تواعدوهن سراً( قال: )یقول الرجل أواعدک بیت آل فلان یعرض لها بالرفث و یرفث(، و القول المعروف التعریض بالخطبة علی وجهها و حلّها، نعم ما رواه فی صحیح عبد الرحمن بن أبی عبد الله عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی تفسیر القول المعروف قال: «یلقاها و یقول إنی فیک لراغب و إنی فی النساء لمکرم و لا تسبقینی بنفسک. و السر لا یخلو معها حیث وعدها»(1) و یستفاد مما ورد فی الآیة و النصوص و الفتاوی فی مسألة الخطبة لذات العدّة المفروغیة من حرمة الرفث فی القول مع الأجنبیات. و قد تقدّم شطر وافر من الکلام حول حکم المفاکهة مع الأجنبیات و الانبساط المثیر للرغبة و التلذذ فی السماع و کذا حکم الخلوة و لو من فئة من الرجال مع فئة من النساء، و کل تلک المسائل ترسم حدود العلاقة بین الأجانب و الأجنبیات، بما یکفل حفظ الطرفین عن معرضیة الوقوع فی التلذذ المحرم من الطرفین و لو بأدنی درجاته.

و یؤید جمیع ما تقدّم المستفاد من فحوی قوله تعالی: (وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ

مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ) (2).

ص:96


1- (1) الکافی، الکلینی: ج5، ص434، ح1، ح2، ح3، حث، وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب37.
2- (2) سورة الأحزاب: 53.

(مسألة 47): لا تلازم بین جواز النظر و جواز المس، فلو قلنا بجواز النظر إلی الوجه و الکفین من الأجنبیة لا یجوز مسها إلا من وراء الثوب.

(مسألة 48): إذا توقف العلاج علی النظر دون اللمس أو اللمس دون النظر یجب الاقتصار علی ما اضطر إلیه، فلا یجوز الآخر بجوازه.

(مسألة 49): یکره اختلاط النساء بالرجال، و یکره لهن حضور الجمعة و الجماعات إلا للعجائز.

(مسألة 50): إذا اشتبه من یجوز النظر إلیه بین من لا یجوز بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجمیع، و کذا بالنسبة إلی من یجب التستر عنه و من لا یجب. و إن کانت الشبهة غیر محصورة أو بدویة فإن شک فی کونه مماثلا أو لا؟ أو شک فی کونه من المحارم النسبیة أو لا؟ فالظاهر وجوب الاجتناب لأن الظاهر من آیة وجوب الغض أن جواز النظر مشروط بأمر وجودی و هو کونه مماثلاً أو من المحارم، فمع الشک یعمل بمقتضی العموم، لا من باب التمسک بالعموم فی الشبهة المصداقیةو یعضد کلّ ما تقدّم أیضاً قوله تعالی :(وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ)1 فإن مقتضی الآیة کما مر فی مباحث الستر و النظر هو حرمة الاستمتاع الجنسی مطلقاً بأی لون و بأی درجة و بأی عضو إلاّ فی فصل فی ما یجوز من عدد الأزواج الزوجة و المملوکة. و هو شامل للتلذذ بالبهائم و غیرها.

ص:97

بل لاستفادة شرطیة الجواز بالمماثلة أو المحرمیة أو نحو ذلک فلیس التخصیص فی المقام من قبیل التنویع حتی یکون من موارد أصل البراءة، بل من قبیل المقتضی و المانع و إذا شک فی کونه زوجة أو لا فیجری مضافاً إلی ما ذکر من رجوعه إلی الشک فی الشرط أصالة عدم حدوث الزوجیة، و کذا لو شک فی المحرمیة من باب الرضاع، نعم لو شک فی کون المنظور إلیه أو الناظر حیواناً أو إنساناً فالظاهر عدم وجوب الاحتیاط، لانصراف عموم وجوب الغض إلی خصوص الإنسان. و إن کان الشک فی کونه بالغاً أو صبیاً أو طفلاً ممیزاً أو غیر ممیز ففی وجوب الاحتیاط وجهان: من العموم علی الوجه الذی ذکرنا، و من إمکان دعوی الانصراف. و الأظهر الأول.

(مسألة 51): یجب علی النساء التستر، کما یحرم علی الرجال النظر، و لا یجب علی الرجال التستر، و إن کان یحرم علی النساء النظر - نعم حال الرجال بالنسبة إلی العورة حال النساء - و یجب علیهم التستر مع العلم بتعمد النساء فی النظر من باب حرمة الإعانة علی الإثم.

(مسألة 52): هل المحرّم من النظر ما یکون علی وجه یتمکن من التمیز بین الرجل و المرأة و أنه العضو الفلانی أو غیره أو مطلقه؟ فلو رأی الأجنبیة من بعید بحیث لا یمکنه تمییزها و تمییز أعضائها، أو لا یمکنه تمییز کونها رجلاً أو امرأة، بل أو لا یمکنه تمییز کونها إنساناً أو حیواناً أو جماداً هل هو حرام أو لا؟ وجهان، الأحوط الحرمة.

ص:98

فصل: فیما یتعلق بأحکام الدخول علی الزوجة

اشارة

و فیه مسائل

(مسألة 1): الأقوی وفاقا للمشهور جواز وط ء الزوجة و المملوکة دبراً علی کراهة شدیدة، بل الأحوط ترکه خصوصاً مع عدم رضاها بذلک.(1)

حکم الوط ء فی الدبر

اشارة

(1) التحقیق:

أدلة الجواز

ذهب المشهور إلی الجواز مع الکراهة، و عن ابن حمزة و القمیین الحرمة، و مثله عن أبی الفتوح الرازی و الراوندی، و أما العامة فأکثرهم ذهب إلی المنع، و لکن فی المغنی لابن قدامة نسبه إلی جماعة الصحابة و التابعین و عبد الله بن عمر، بل حکی عن مالک الإجماع علی الجواز، و یؤید ذهابه إلی الجواز ما فی صحیحة معمّر بن خلاد الآتیة، و استدل للجواز:

ص:99

بقوله تعالی: (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ) (1)، بتقریب أن (أنّی) مکانیة و لیست زمانیة.

و قد یُتأمل فی الدلالة بأن کلمة الحرث قرینة علی إرادة القبل، لأنه الزرع أی التنسیل و التنسیل من القبل، کما فی الروایات کصحیحة محمد بن خلاد أن (أنّی) و إن کانت مکانیة، إلاّ أنها لتسویغ الوطی فی القبل من خلف زوجته أو من قدّامها، قال: قال لی أبو الحسن: «أی شیء یقولون فی إتیان النساء فی أعجازهن»؟ قلت: إنه بلغنی أن أهل المدینة لا یرون به بأساً، فقال: «إن الیهود کانت تقول: إذا أتی الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله عز و جل: (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ) من خلف أو قدام، خلافاً لقول الیهود و لم یعن فی أدبارهن».(2)

و استدل أیضاً بإطلاق قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ) (3)، حیث إن إطلاقها دال علی جواز الاستمتاع مطلقاً بالزوجة و المملوکة، لا سیما علی تقریب أن المراد من الفرج هو مطلق الشهوة الجنسیة کما مرّ تقریبه فی مسائل سابقة، و من ثمّ قلنا إن المتعلق فی الحفظ هنا أعم من الوطی و اللمس و النظر و کل استمتاع جنسی.

ص:100


1- (1) سورة البقرة: 223.
2- (2) باب 72 من أبواب مقدمات النکاح: ح1.
3- (3) سورة المؤمنون: آیة 5 و 6.

و کذلک قوله تعالی علی لسان لوط (علیه السلام): (هؤُلاءِ بَناتِی هُنَّ أَطْهَرُ لَکُمْ)1 بتقریب أنهم کانوا یریدون الأدبار لا القبل، و قد أشارت إلیه روایة موسی بن عبد الملک(1).

و علی أی تقدیر فدلالة الآیة محتملة و قریبة جدّاً.

و کذا قوله(علیه السلام): (إِنَّکُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ)3 و التقریب فی الآیة کما تقدّم، و أشارت إلیه مرسلة العیاشی عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی عبد الله(علیه السلام).(2)

و یستدل علی الجواز أیضاً بجملة من الروایات، کصحیحة عبد الله بن أبی یعفور قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یأتی المرأة فی دبرها؟ قال: لا بأس إذا رضیت، قلت: فأین قول الله عز و جل: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ أَمَرَکُمُ اللّهُ) قال: هذا فی طلب الولد فاطلبوا الولد من حیث أمرکم الله إن الله تعالی یقول: (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ)»5 ، و رواها الشیخ بطریق آخر بصورة أخری.

و فی صحیحة علی بن الحکم قال: «سمعت صفوان یقول: قلت للرضا(علیه السلام): إن رجلاً من موالیک أمرنی أن أسألک عن مسألة فهابک و استحی

ص:101


1- (2) أبواب مقدمات النکاح: ب73 ح3.
2- (4) أبواب مقدمات النکاح: ح12.

منک أن یسألک عنها. قال: ما هی؟ قال: قلت الرجل یأتی المرأة فی دبرها، قال: نعم ذلک له، قلت: و أنت تفعل ذلک؟ قال: لا أنا لا أفعل ذلک»(1).

و فی موثّقة حمّاد بن عثمان «قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) أو أخبرنی فی مسألة عن الرجل یأتی المرأة فی ذلک الموضع؟ - و فی البیت جماعة - فقال لی: - و رفع صوته - قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): من کلف مملوکه ما لا یطیق فلیعنه، ثمّ نظر فی وجوه أهل البیت ثمّ أصغی إلی فقال: لا بأس به»(2) و فی الموثّقة دلالة واضحة علی أن المنع و الحرمة هو قول العامة.

و فی محسّنة یونس بن عمار قال: «قلت لأبی عبد الله و لأبی الحسن(علیه السلام): إنی ربما أتیت الجاریة من خلفها یعنی دبرها و نذرت فجعلت علی نفسی إن عدت إلی امرأة هکذا فعلیّ صدقة درهم، و قد ثقل ذلک علیّ، قال: لیس علیک شیء و ذلک لک»(3).

و أشکل علی دلالتها بأن النذر قد تعلّق باجتناب المکروه و لا سیما علی الکراهة الشدیدة فهو منعقد فکیف لا یکون علیه شیء ؟!

و فیه: إن مع اضطراره لذلک و لو من جهة الشهوة بحیث یخاف الوقوع فی الحرام فلا ریب فی مرجوحیة النذر حینئذ و انفساخه، و هذا نظیر قول لوط(علیه السلام): (هؤُلاءِ بَناتِی هُنَّ أَطْهَرُ لَکُمْ ) بناء علی التقریب السابق فی دلالة الآیة.

و غیرها من الروایات الأخری، و هی و إن کانت مشتملة علی إرسال أو رفع إلاّ أنها معاضدة للجواز.

ص:102


1- (1) أبواب مقدمات النکاح: ب73 ح1.
2- (2) نفس الباب: ح4.
3- (3) نفس الباب: ح8.
أدلة الحرمة

استدل بقوله تعالی: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَیْثُ أَمَرَکُمُ اللّهُ) (1)، حیث قید إتیان المرأة بالقبل.

و فیه: إن التقیید بالقبل لیس مصرّحاً به فی الآیة، و إن کان فیها تقیید للإتیان بموضع قد أمر به، و الفعل فی الآیة (أمرکم) ماض هو إشارة إلی قوله تعالی الآخر فی سیاق الآیة السابقة (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنّی شِئْتُمْ) و هذا الأمر فی الآیة الثانیة إنما هو فی مقام طلب الولد لا فی مقام مطلق الوطی للاستمتاع، فالتقیید فی الآیة بلحاظ ذلک کما صرحت به صحیحة ابن أبی یعفور المتقدّمة عن أبی عبد الله(علیه السلام)، و کذلک فی مرسل علی بن إبراهیم.(2)

و قد یستدل أیضاً بقوله تعالی: (أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ) (3).

و فیه: إن کون دبر المرأة من الفاحشة ممنوع، کیف؟ و إطلاق الآیات (إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ) و إیماء بعض الآیات الأخری لذلک بالخصوص.

نعم ورد الاستدلال بهذه الآیة بروایة مرسلة(4) عن زید بن ثابت قال: «سأل رجل أمیر المؤمنین(علیه السلام) أ تؤتی النساء فی أدبارهن؟ فقال: سفلت سفل

ص:103


1- (1) سورة البقرة: 222.
2- (2) باب 72 أبواب مقدمات النکاح ح6.
3- (3) سورة الأعراف: 80.
4- (4) ب 72 ح12.

الله بک، أما سمعت یقول الله: (أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَکُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِینَ)»1 . إلا أن سیاق الاستدلال بها یومی إلی الکراهة الشدیدة.

و استدل علی الحرمة أیضاً بجملة من الروایات، کصحیحة معمّر بن خلاد المتقدّمة.

و فیه: إنه لا دلالة فی الروایة علی التحریم، و إنما هی فی صدد تفسیر الآیة، و إن کلمة (أنی) فیها و إن کانت مکانیة إلاّ أنها لیست من جهة موضع الوطی، بل من جهة الکیفیة المکانیة للوطی کما تقدّم.

و بعبارة أخری: إنه(علیه السلام) کان فی صدد الإنکار علی استدلال العامة من أهل المدینة علی الجواز بالآیة و مورد نزولها، لا فی صدد الإنکار علیهم علی أصل الجواز، و بین الموردین بون واضح.

و هناک جملة من الروایات الأخری المرسلة و الضعیفة السند، کروایة سدیر المرسلة قال: «سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله) محاش النساء علی أمتی حرام»(1).

و حملها جماعة علی التقیة فی الروایة، أی التقیة فی إسناد الباقر(علیه السلام) هذا القول لرسول الله(صلی الله علیه و آله)؛ و هذا المضمون مروی عند العامة.

و مرسلة العیاشی عن أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الرجل یأتی أهله فی دبرها فکره ذلک، و قال: و إیاکم و محاش النساء...». و فی مرسلة أبان عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن إتیان

ص:104


1- (2) باب 72 من أبواب مقدمات النکاح: ح1 و ح2.

النساء فی أعجازهن، قال: هی لعبتک فلا تؤذها»(1). و الروایة أدل علی الجواز منها علی الحرمة، نعم لا تخلو من دلالة علی أن الوطی فی الدبر و ان کان جائزاً إلاّ أنه لیس من ملک الزوج بحسب عقد القران (أو ماهیة الزواج).

و مرسلة العیاشی عن الفتح بن یزید الجرجانی: «قال: کتبت إلی الرضا(علیه السلام) فی مثله، فورد الجواب: سألت عمن أتی جاریة فی دبرها، و المرأة لعبة الرجل فلا تؤذی و هی حرث کما قال الله تعالی»(2). و هی تشیر إلی أن مقتضی القران و عقد الزواج و کل من الاستمتاع و طلب الولد من المرأة، إلاّ أن الاستمتاع هو بالنحو المقدر تکوینیاً من الباری تعالی، و هو الإتیان فی القبل، و أن الدبر و إن کان جائزاً، إلاّ أنه لیس من ملک الزوج فی أصل التشریع؛ لمکان تأذی المرأة بذلک، فلم یجعل من حقوقه.

و قد مرّ فی باب الحیض أن الأقوی ازدیاد شدة الکراهة فیه لا الحرمة، بل ما تقدّم من تلک الروایات ثمة دلیل آخر علی الجواز فی المقام.(3)

ص:105


1- (1) باب 72 من أبواب مقدمات النکاح: ح4.
2- (2) نفس الباب ح10.
3- (3) أبواب الحیض: ب 54 و 25 و 26.

وط ء الحائض دبراً و تحقق النشوز

(مسألة 2): قد مر فی باب الحیض الإشکال فی وط ء الحائض دبراً و إن قلنا بجوازه فی غیر حال الحیض.(1)

(مسألة 3): ذکر بعض الفقهاء ممن قال بالجواز: أنه یتحقق النشوز بعدم تمکین الزوجة من وطئها دبراً، و هو مشکل لعدم الدلیل علی وجوب تمکینها فی کل ما هو جائز من أنواع الاستمتاعات حتی یکون ترکه نشوزاً.

(مسألة 4): الوط ء فی دبر المرأة کالوطئ فی قبلها فی وجوب الغسل و العدة، و استقرار المهر، و بطلان الصوم، و ثبوت حد الزناء إذا کانت أجنبیة، و ثبوت مهر المثل إذا وطئها شبهة، و کون المناط فیه دخول الحشفة أو مقدارها، و فی حرمة البنت و الأم و غیر ذلک من أحکام المصاهرة المعلقة علی الدخول. نعم فی کفایته فی حصول تحلیل المطلقة ثلاثاً إشکال کما أن فی کفایة الوط ء فی القبل فیه بدون الإنزال أیضاً کذلک؛ لما ورد فی الأخبار من اعتبار ذوق عسیلته و عسیلتها فیه، و کذا فی کفایته فی الوط ء الواجب فی أربعة أشهر و کذا فی کفایته فی حصول الفئة و الرجوع فی الإیلاء أیضاً.

(مسألة 5): إذا حلف علی ترک وط ء امرأته فی زمان أو مکان یتحقق الحنث بوطئها دبراً، إلا أن یکون هناک انصراف إلی الوط ء فی القبل من حیث کون غرضه عدم انعقاد النطفة.

(1) و الوجه فی ذلک انسباق هذا المعنی من صحیحة صفوان و بقیة الروایات و الأدلة، أی بأن تقضی هی وطرها منه بالنحو المتعارف.

ص:106

حکم العزل

(مسألة 6): یجوز العزل بمعنی إخراج الآلة عند الإنزال و إفراغ المنی خارج الفرج فی الأمة و إن کانت منکوحة بعقد الدوام و الحرة المتمتع بها و مع إذنها و إن کانت دائمة، و مع اشتراط ذلک علیها فی العقد و فی الدبر و فی حال الاضطرار من ضرر أو نحوه. و فی جوازه فی الحرة المنکوحة بعقد الدوام فی غیر ما ذکر قولان: الأقوی ما هو المشهور من الجواز مع الکراهة، بل یمکن أن یقال بعدمها أو أخفیتها فی العجوزة و العقیمة و السلیطة و البذیة و التی لا ترضع ولدها. و الأقوی عدم وجوب دیة النطفة علیه و إن قلنا بالحرمة. و قیل بوجوبها علیه للزوجة و هی عشرة دنانیر، للخبر الوارد فیمن أفزع رجلاً عن عرسه فعزل عنها الماء من وجوب نصف خمس المائة عشرة دنانیر علیه. لکنه فی غیر ما نحن فیه، و لا وجه للقیاس علیه مع أنه مع الفارق. و أما عزل المرأة بمعنی منعها من الإنزال فی فرجها فالظاهر حرمته بدون رضا الزوج، فإنه مناف للتمکین الواجب علیها، بل یمکن وجوب دیة النطفة علیها. هذا، و لا فرق فی جواز العزل بین الجماع الواجب و غیره، حتی فیما یجب فی کل أربعة أشهر.(1)

حکم العزل

(1)ذهب إلی الحرمة جماعة القدماء و العلامة و کاشف اللثام و ذهب المشهور إلی الجواز و الکراهة.

و یدل علی الجواز - مع ورود روایات عدیدة ناهیة کصحیح محمد بن

ص:107

مسلم(1) و غیره من الروایات - صحیح محمد بن مسلم الآخر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن العزل، فقال: «ذاک إلی الرجل یصرفه حیث شاء »(2).

و موثّق عبد الرحمن بن أبی عبد الله قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن العزل قال: «ذلک إلی الرجل»(3) و غیرها من الروایات(4).

و أما انتفاء الکراهة أو تخفیفها فیدل علیه روایة یعقوب الجعفی، قال: سمعت أبا الحسن(علیه السلام) یقول: «لا بأس بالعزل فی ستة وجوه: المرأة التی تیقنت أنها لا تلد و المسنة و المرأة السلیطة و البذیة و المرأة التی لا ترضع ولدها و الأمة»(5).

و فی صحیح ثالث لمحمد بن مسلم: «إلاّ أن ترضی أو یشترط ذلک علیها حین یتزوجها»(6).

و أما الدیة علی الرجل فی العزل، فهی و إن أثبتها جملة ممن قال بالکراهة و الجواز، استناداً إلی صحیحة ظریف عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، و أفتی(علیه السلام): )فی منی الرجل یفزع عن عرسه فیعزل عنها الماء و لم یرد ذلک نصف خمس مائة عشرة دنانیر(7).

حیث أن ظاهرها ثبوت الدیة للمنی بما هو هو، غایة الأمر أن فی مورد

ص:108


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب76 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب75 ح1.
3- (3) نفس الباب: ح2.
4- (4) نفس الباب.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب 76 ح4.
6- (6) نفس الباب: ح2.
7- (7) وسائل الشیعة، أبواب دیات الأعضاء: ب19 ح1.

الروایة قد أثبتت الدیة علی الذی أفزعه، لأنه کان السبب فی التلف دون الرجل، فلسان الصحیحة أن المنی علی حذو النطفة المستقرة فی الرحم و العلقة التی تثبت فیها الدیة، غایة الأمر یغرمها من یکون السبب فی تلفها، فدعوی خصوصیة مورد الروایة و عدم التعدی إلی الموارد الأخری مدافعة للظهور، إذ تلک الخصوصیات بیان للضامن حیث یکون السبب فی التلف لا قیود فی أصل الضمان، و من ثمّ یثبت علی الزوجة لو أفرغت منی الزوج من رحمها من دون إذن الزوج.

إلاّ أن الصحیح عدم ثبوت الدیة علی الزوج لو عزل، و الوجه فی ذلک هو أن ظاهر أدلة جواز العزل أن المنی ما لم یستقر فی الرحم و یکون نطفة فهو من ملک الرجل، لمکان التعبیر فیها (ذلک إلی الرجل) أو التعبیر فی صحیحة ظریف (لم یرد ذلک) فیکون من باب إتلاف المالک لما یملکه، فلا یضمن، و هذا بخلاف النطفة التی استقرت فی رحم المرأة، فإن ظاهر أدلة الدیات خروجها حینئذ عن ملکیة الرجل و أن لها حرمة تکلیفیة وضعیة خاصة لانتسابها إلی تکوین الله عز و جل، و من ثمّ لو بنی فی المقام علی حرمة العزل للرجل، لبنینا علی ضمان الرجل للدیة؛ لخروجها بالحرمة عن سلطنته.

و أما حرمة ممانعة الزوجة لإنزال الزوج فی فرجها، فلأنه خلاف ملکیته لمنافع البضع و الاستمتاع به؛ و لأن أحد منافع البضع أیضاً التنسیل، کما فی قوله تعالی: (نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ).

ص:109

ترک وط ء الزوجة أکثر من أربعة أشهر

اشارة

(مسألة 7): لا یجوز ترک وط ء الزوجة أکثر من أربعة أشهر من غیر فرق بین الدائمة و المتمتع بها و لا الشابة و لا الشائبة علی الأظهر و الأمة و الحرة، لإطلاق الخبر کما أن مقتضاه عدم الفرق بین الحاضر و المسافر فی غیر السفر الواجب و فی کفایة الوط ء فی الدبر إشکال کما مر و کذا فی الإدخال بدون الإنزال لانصراف الخبر إلی الوط ء المتعارف و هو مع الإنزال. و الظاهر عدم توقف الوجوب علی مطالبتها ذلک. و یجوز ترکه مع رضاها أو اشتراط ذلک حین العقد علیها و مع عدم التمکن منه لعدم انتشار العضو، و مع خوف الضرر علیه أو علیها، و مع غیبتها باختیارها، و مع نشوزها. و لا یجب أزید من الإدخال و الإنزال، فلا بأس بترک سائر المقدمات من الاستمتاعات. و لا یجری الحکم فی المملوکة الغیر المزوجة فیجوز ترک وطئها مطلقاً.(1)

قاعدة: حق المرأة فی العشرة بالمعروف أو التسریح بإحسان
اشارة

(1) و فی المسألة جهات:

الجهة الأولی: فی کون حق الوطی من حقوق المرأة

و أصل الحکم مورد وفاق کما حکی، و إن وقع الاختلاف فی جملة من شقوق المسألة.

و یستدل له بصحیحة صفوان بن یحیی عن أبی الحسن الرضا(علیه السلام) أنه سأله عن الرجل یکون عنده المرأة الشابة، فیمسک عنها الأشهر و السنة لا

ص:110

یقربها لیس یرید الإضرار بها، یکون فی ذلک آثماً؟ قال: «إذا ترکها أربعة أشهر کان آثماً بعد ذلک»(1).

و إطلاق هذه الروایة شامل بظاهره إلی کلّ الأقسام و الشقوق التی مرّت سواء فی المرأة أو فی الرجل، عدا التقیید بالشابة، و من ثمّ قید جملة من أعلام العصر، الحکم بذلک.

لکن فی موثّق إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبیه أن علیاً(علیه السلام) سُئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا یمسّها، و یزعم أنه یمسّها، قال: «یحلف ثمّ یترک»(2)، و ظاهر الموثّق الإطلاق من دون التقیید بالشابة و من دون التقیید بالدائمة، کما یتبین أیضاً أن المسّ إجمالاً من حقوق الزوجة من دون التقیید بالأربعة أشهر.

الجهة الثانیة: وحدة موضوع العیوب و الإیلاء و الظهار من جهة حق الوطی

جاء فی صحیحة أبی حمزة سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول: «إذا تزوج الرجل المرأة الثیب التی تزوجت زوجاً غیره فزعمت أنه لم یقربها منذ دخل بها، فإن القول فی ذلک قول الرجل، و علیه أن یحلف بالله لقد جامعها؛ لأنها المدعیة، قال: فإن تزوجت و هی بکر فزعمت أنه لم یصل إلیها فإن مثل هذا تعرف النساء، فلینظر إلیها من یوثق به»(3).

و هذه الصحیحة و إن أوردها صاحب الوسائل فی أبواب العیوب و العنن، إلاّ أن مفادها یقتضی و یستلزم کون الوطی من حقوق الزوجة؛ و إلا لما کان

ص:111


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب71 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب الإیلاء: ب13 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب15 ح1.

لها حق المرافعة علیه، کما أن هذه الروایة لم تقید بالشابة، و سیأتی فی روایات العنن و العیوب أن الأقوی فی موضوعها هو کونه حق المرأة فی الوطی، و إن اختلف أثره بین ما یکون قبل العقد و بعده قبل الوطی، فیوجب حق الفسخ، و بین ما کان بعد تحقّق الوطی و ترکه بعد ذلک، فإنه یوجب حق الإجبار علی الطلاق.

و فی صحیح حفص بن البختری عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا غاضب الرجل امرأته فلم یقربها من غیر یمین أربعة أشهر استعدت علیه، فإما أن یفیء و إما أن یطلق، فإن ترکها من غیر مغاضبة أو یمین فلیس بمؤل»(1)، و دعوی أن الصحیحة واردة فی مورد إلحاق المغاضبة بالإیلاء و لا ربط لها فیما نحن فیه من ثبوت حق للمرأة فی الوطی مطلقاً، مدفوعة؛ إذ لم نقف علی قائل بإلحاق المغاضبة بالإیلاء.

و أما ذیل الروایة و هو (فإن ترکها من غیر مغاضبة فلیس بمؤل) فلا یتوهم منه أن ترک الوطی بدون مغاضبة لا یثبت معه حق للمرأة فی الاستعداء؛ و ذلک لأن المفهوم من الترک من غیر مغاضبة یعنی من غیر غضب الزوجة و هو رضاها بالترک، و هذا غیر ما نحن فیه.

بل هذه الصحیحة کموثّقة إسحاق المتقدّمة، دالة علی أن الاستعداء علی الزوج فی الإیلاء لیس موضوعه الإیلاء نفسه، و إنما موضوعه هو موضوع الإیلاء، و هو حق المرأة فی الوطی بعد الأربعة أشهر، و من ثمّ ذهب بعضهم فی الإیلاء إلی أن مبدأ المدة فی الأربعة أشهر هی منذ إیقاع الإیلاء لا منذ مرافعتها للحاکم، و کأن الوجه فی جعل الإیلاء مبدأ دون ترک الوطی هو أنه من حین الإیلاء تحصل المغاضبة و عدم رضا الزوجة بترک حقّها، و من

ص:112


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الإیلاء: ب1 ح2.

ثمّ قد تجعل نفس المرافعة مبدءاً للأربعة لا من حین الإیلاء، کما قد یظهر من بعض نصوص روایات الإیلاء أنها إن سکتت سکت عنها، حیث أن السکوت بمنزلة الرضا، و عدم المطالبة بالحق بمعنی الرضا بسقوطه فی تلک المدّة السابقة، فلا ینقض علی من استدل بروایات الإیلاء فی المقام -کصاحب الجواهر - باختلاف موضوع الإیلاء مع الموضوع فی المقام، إذ غایة ما یختص به الإیلاء هو انعقاد الیمین فیما هو مرجوح أو محرم و لزوم الکفارة علیه، و أما بقیة أحکامه فمأخوذ فی موضوعها حق المرأة فی الوطی، کما سیتبین من بعض روایاته الآتیة.

و کذا الحال فی الظهار، فإنه و إن حدّد بالثلاثة أشهر لکونه نحو طلاق موجب للبینونة المؤبدة فی الجاهلیة، و الشارع لم یبطل أثره من رأس و إنما جعل أثره معلّق و مؤقت بالکفارة أو الطلاق، و من هنا کان الأقوی فیه حرمة مطلق استمتاع الرجل بالمرأة ما لم یفیء و یکفر أو یطلق، و بعبارة أخری: إن جعل المرأة معلقة لا هی زوجة و لا مطلقة هضم لحقوقها فی القسم و العشرة بالمعروف و الوطی.

الجهة الثالثة: عموم حق استعداء المرأة بالطلاق مع عدم العشرة بالمعروف من دون تقیید ذلک بخصوص النفقة

و یدل علیه:

أولاً: ما مضی من الروایات.

ثانیاً: النصوص الخاصة الواردة فی حق الإنفاق(1) و بهذه النصوص یتعزز ثبوت القاعدة التی التزم بها جملة من أعلام عصرنا کالسید الگلپایگانی

ص:113


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب النفقات: الباب الأوّل.

و سیدنا الأستاذ السید محمد الروحانی و غیرها، من عموم حق المرافعة للزوجة بالطلاق أو العشرة بالمعروف فی کلّ ما للمرأة من حق العشرة لا خصوص ما إذا امتنع عن الإنفاق.

ثالثاً: جملة الآیات و الروایات الواردة فی باب الإیلاء.

رابعاً: جملة من الآیات و الروایات الواردة فی باب الظهار المتقدّم.

خامساً: ما ورد فی العیوب، کما فی العیب المستجد بعد الوطی، کما سیأتی استعراضها، الدالة علی أن موضوع الإجبار علی الطلاق أو علی أداء الحقوق لا یختص بحق النفقة، و إنما یعم بقیة حقوقها الأصلیة، کالوطی.

سادساً: إن العموم فی حقوق المرأة مطابق للآیات القرآنیة کقوله تعالی: (فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ) و قوله: (فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)1 و قوله تعالی: (فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ)2 .

و من الروایات ما ورد فی الإیلاء -مضافاً إلی ما تقدّم- صحیحة أبی مریم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «المؤلی یوقف بعد الأربعة أشهر فإن شاء إمساک بمعروف أو تسریح بإحسان، فإن عزم الطلاق فهی واحدة و هو أملک برجعتها»(1) و هذه الصحیحة ناصة علی عموم الآیة فی غیر حق النفقة، و أن الإجبار علی الطلاق فی باب الإیلاء هو حکم موضوعه حق المرأة فی الوطی و لیس موضوعه الحلف بما هو حلف.

هذا، مضافاً إلی التعبیر المستفیض أو المتواتر فی روایات الإیلاء کما هو

ص:114


1- (3) وسائل الشیعة، أبواب الإیلاء: باب10 ح2.

فی قوله تعالی أیضاً :(لِلَّذِینَ یُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ)1 فإن التعبیر بالفیء هو الرجوع إلی مصالحة أهله أی أداء حقوقها من الجماع، کما فی صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام): «..فإن فاء و هو أن یصالح أهله فإن الله غفور رحیم و إن لم یفئ جبر علی أن یطلق»(1) و فی موثّق سماعة قال فی حدیث: «و الإیفاء أن یصالح أهله فإن الله غفور رحیم»(2).

هذا مضافاً إلی أن حق المرافعة و الشکوی للزوجة علی الرجل المؤلی یقتضی فی رتبة سابقة أن لها حقاً مضیعاً من قبله، و فی صحیح برید بن معاویة عن أبی جعفر(علیه السلام) و أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث: «..فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن یمسها فسکتت و رضیت فهو فی حل وسعة، فإن رفعت أمرها، قیل له إما أن تفیء فتمسها و إما أن تطلق»(3).

و منها ما ورد فی الظهار، کما فی صحیح یزید الکناسی عن أبی جعفر(علیه السلام) فی حدیث قال: )قلت له: فإن ظاهر منها ثمّ ترکها لا یمسها إلاّ أنه یراها متجردة من غیر أن یمسها هل علیه فی ذلک شیء ؟ قال: هی امرأته و لیس یحرم علیه مجامعتها، و لکن یجب علیه ما یجب علی المظاهر قبل أن یجامع و هی امرأته قلت: فإن رفعته إلی السلطان و قالت هذا زوجی و قد ظاهر منی و قد أمسکنی لا یمسّنی مخافة أن یجب علیه ما یجب علی

ص:115


1- (2) وسائل الشیعة، أبواب الإیلاء: ب9 ح1.
2- (3) وسائل الشیعة، أبواب الإیلاء: ب9 ح4.
3- (4) وسائل الشیعة، أبواب الإیلاء: ب2 ح1.

المظاهر، فقال: لیس علیه أن یجبر... إذا لم یکن له ما یعتق و لم یقدر... قال: فإن کان یقدر علی أن یعتق فإن علی الإمام أن یجبره...»(1)، و الحدیث نص فی أن حکم الإجبار فی الظهار لیس مترتباً علی الظهار بما هو هو، و إنما مترتب علی ترک حق المرأة، سواء کونها معلّقة أو لحق الوطی.

و فی صحیح أبی بصیر قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل ظاهر من امرأته، قال: إن أتاها فعلیه عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین أو إطعام ستین مسکیناً و إلاّ ترک ثلاثة أشهر، فإن فاء و إلاّ أوقف حتی یُسأل: لک فی امرأتک حاجة؟ أو تطلقها فإن فاء فلیس علیه شیء و هی امرأته، و إن طلق واحدة فهو أملک برجعتها»(2).

و الصحیحة نص فی أن حکم الإجبار علی الطلاق أو أداء الحقوق المعبّر عنه بالفیء موضوعه حق المرأة، و من ثمّ کان لها حق المرافعة و الشکایة علیه عند الحاکم.

سابعاً: التعبیر بالفیء فی الظهار و الإیلاء، کما فسر فی روایات الإیلاء بأن یصالح أهله، یقتضی أن یکون معنی الزوجیة التی هی المسبب فی عقد الزواج هو الاقتران بضمیمة الإملاک، و هو یباین القطیعة و الانقطاع بین الزوجین، فمن ثمّ عبّر عما یقابلهما بالفیء و المصالحة، و هو مفاد ما تقدّم من قوله تعالی: (فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ ) .

ثامناً: قوله تعالی: (وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یُصْلِحا بَیْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَیْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا

ص:116


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الظهار: ب17 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب الظهار: ب18 ح1.

وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِیراً * وَ لَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِیلُوا کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوها کَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً * وَ إِنْ یَتَفَرَّقا یُغْنِ اللّهُ کُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَ کانَ اللّهُ واسِعاً حَکِیماً) (1) فإن مفاد هذه الآیات أنه إما اقتران بالزوجیة و صلح بین الطرفین صلح عشرة و أداء للحقوق من الطرفین، و إما التفرق و لا یسوغ تعلیق الحالة.

فالمحصل من الآیات ان هناک ثلاثة حالات:

إما حالة وئام و صلح و فیء من الطرفین لبعضهما و هی المرغوبة شرعاً.

أو حالة التعلیق بلا وئام و لا طلاق و هی المنهی عنها بقوله تعالی: (فَتَذَرُوها کَالْمُعَلَّقَةِ).

أو حالة الفراق و الطلاق، و هذا هو معنی الحصر فی الآیتین السابقتین )إما إمساک بمعروف أو تسریح بإحسان( أی نبذ لحالة التعلیق.

تاسعاً: ما ورد فی العیوب، کصحیحة ابن مسکان عن أبی بصیر «قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن امرأة ابتلی زوجها فلا یقدر علی جماع أ تفارقه؟ قال: نعم إن شاءت، و فی روایة أخری ینتظر سنة فإن أتاها و إلاّ فارقته فإن أحبت أن تقیم معه فلتقم»(2).

و المشهور أو الأشهر، و إن ذهبوا إلی تقیید حق الفسخ بالعیب قبل العقد أو بعد العقد قبل الوطی کالعنن و الجب، دون العیب المتجدد بعد الوطی، إلاّ أن مفاد هذه الصحیحة و ما یأتی من روایات ظاهرها الإجبار علی الطلاق لمکان حق الزوجة فی الوطی، و قد ذهب إلی ذلک الشیخ المفید و جماعة و کذلک بعض المعاصرین، و هو المحکی عن المبسوط - فی الجب - و ابن

ص:117


1- (1) النساء: 128 - 130.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب14 ح1.

البراج(1) و المختلف - فی الجب أیضاً - و توقف جماعة.

و فی موثّق عمار بن موسی عن أبی عبد الله(علیه السلام): «أنه سُئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا یقدر علی اتیانها، فقال: إذا لم یقدر علی إتیان غیرها من النساء فلا یمسکها إلاّ برضاها بذلک، و إن کان یقدر علی غیرها فلا بأس بإمساکها»(2) و التفصیل فی الروایة بلحاظ العنن و عدمه، حیث أنه فی الصورة الثانیة هو کالمرض الطارئ الذی یرجی زواله.

و فی صحیح أبی الصباح الکنانی قال: )سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن امرأة ابتلی زوجها فلا یقدر علی الجماع أبداً أ تفارقه؟ قال: نعم إن شاءت»(3).

و دعوی صاحب الجواهر بأن ما دل من الروایات علی عدم حق الفسخ لها فی صورة الطرو للعنن و العیب بعد الوطی أصحّ سنداً و أکثر عدداً،

مدفوعة: بأن تلک الروایات عامّیة و إن کانت موثّقة، و لا سیما أن الرواة لها من قضاة العامة، و هی لیست أکثر عدداً من الروایات الأولی، مع أن مفاد الروایات الأولی ظاهرة بالإجبار علی الطلاق لا الخیار المنفی فی الروایات النافیة.

مضافاً إلی أن الروایات الأولی مطابقة للسان ثالث من الروایات الواردة فی العنن الدالة بالعموم علی حق الزوجة فی مفارقة الزوج بالعنن، کصحیحة محمد بن مسلم و الصحیح الثانی لأبی الصباح(4) و کذلک روایة عبد الله بن الفضل الهاشمی و روایة غیاث بن إبراهیم(5)، و قد تقدّمت صحیحة

ص:118


1- (1) الحدائق: ج24.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب14 ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب14، ح6.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب14 ح5، و ح7.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب15 ح2، ح3.

أبی حمزة(1) الدالة علی ذلک، حیث أن موردها فی العیب الطارئ بعد الوطی، و هی صریحة فی الإجبار علی الطلاق لا الفسخ.

و لا یخفی أن هذه الروایات تعم مطلق العیوب المانعة عن الوطی، سواء کان غنیً أو جبّاً أو خصاءً مانعاً عن انتشار الآلة، و نحو ذلک.

ثمّ إن هناک جملة من التفاصیل فی مسألة العیوب، من التحدید بالمدد الواردة فی کل عیب و نحو ذلک، فهی موکولة إلی بحث العیوب الآتی.

أما المنقطعة، فظاهر صحیحة صفوان و إن کانت شاملة بإطلاقها لها، لکن بقیة الأدلة و الروایات التی مرّت غیر شاملة لها، لأن فیها الإجبار علی الطلاق، و یمکن أن یُقرّب قصور الصحیحة عن الشمول بما یظهر من جملة من الآیات و الروایات(2)، حیث ورد أنها لیست من الأربع، و أنهن مثل الإماء یتزوج ما شاء، مضافاً إلی عدم ثبوت جملة من الأحکام لها کالتوارث و النفقة و القسم و العدّة(3)، و کذا ما ورد فی الآیات بأن لا تجعل الزوجة معلّقة، بل إمّا تُسرّح و تطلّق أو تُمسک بمعروف، کما أن الظاهر أن وجوب التمکین فی المتعة من جهة أجرة العوض، فجملة ذلک موجب للانصراف، و إن کان الأحوط ذلک.

و أما السفر، فإطلاق الأدلة دافع للتقیید بعدمه، و دعوی أن سیرة المتشرعة علی سقوطه بالسفر مطلقاً، کما هو الحال فی القسم، مدفوعة بأن القدر المتیقن من السیرة إنما هی فیما احتاج و اضطر عرفاً إلیه، لا فی کل سفر بحیث یجعلها کالمعلّقة، و الحال کذلک فی القسم کما سیأتی.

ص:119


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب العیوب: ب15 ح1.
2- (2) أبواب المتعة: باب4.
3- (3) أبواب المتعة: باب25 و33.
الزوجة لا تقدر علی الصبر إلی أربعة أشهر
اشارة

(مسألة 8): إذا کانت الزوجة من جهة کثرة میلها و شبقها لا تقدر علی الصبر إلی أربعة أشهر بحیث تقع فی المعصیة إذا لم یواقعها فالأحوط المبادرة إلی مواقعتها قبل تمام الأربعة، أو طلاقها و تخلیة سبیلها.(1)

فائدة فی باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر

(1) و قد یستدل له بقوله تعالی :(یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَکُمْ وَ أَهْلِیکُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ)1 حیث أن مفادها یطابق قاعدة النهی عن المنکر، مؤیّداً بمرسل محمد بن جعفر عن بعض رجاله عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «من جمع من النساء ما لا ینکح فزنی منهن شیء فالإثم علیه»(1).

و أشکل علی الاستدلال: بأن اللازم فی باب النهی عن المنکر إنما هو الممانعة عن وقوعه عند وجود المقتضی القریب، لا لزوم إزالة المقتضی.

و فیه: أن ظاهر الآیة هو لزوم إیجاد الوقایة فی النفس و الأهل، و هو ینطبق علی إزالة المقتضی للمنکر و إیجاد المقتضی للمعروف، لا خصوص الممانعة عن المعصیة؛ لأن الوقایة تغایر العلاج.

و یعضد مفاد الآیة هو أن المخاطب فی الآیة هم الرجال القوامون علی النساء و علی من یعولون من الأولاد، أی ممن لهم ولایة و رعایة علی الأدب و التزکیة، بل الآیة نصّ فی الولایة فی هذا المقام، نظیر قوله تعالی: (الرِّجالُ

ص:120


1- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب71 ح2.

قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ)1 ضمن هذه الدائرة المحدودة، و الشأن فیمن یلی أمور الآخرین، کما هو الحال فی الوالی و الحاکم للأمة و أمره بالمعروف و النهی عن المنکر، لا علی نسق الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر الکفائی علی کلّ الأمة بصورة فردیة، حیث یقتصر فیه علی الممانعة عن المعصیة، بل اللازم فی الوالی و الولاة للأمور هو إزالة المقتضی للمعاصی فی عامة من یلون أمرهم و إیجاد المقتضی للمعروف، بل إن إقامة المعروف بدرجة الندب و إزالة المنکر بدرجة الکراهة إجمالاً فی جملة من الموارد التی هی شعاریة لمعالم الدین أمر لازم علی الوالی، کما ورد فی زیارة بیت الله الحرام و زیارة النبی(صلی الله علیه و آله) و إعمار الحرمین و إعمار مراقد المعصومین( و إقامة أذان الإعلام فی مدن المسلمین و غیرها من الموارد، فکذلک الحال فی ولایة الرجل لأهله، فإن مقتضاها ذلک؛ و من هنا ذهب جماعة إلی جواز إقامة الحدّ علی الزوجة فضلاً عن التعزیر و التأدیب(1)، و یظهر من صاحب الجواهر الاتفاق علی جواز التأدیب و التعزیر و قیام السیر المستمرة علی ذلک.(2)

و علی أی تقدیر فثبوت هذه الولایة الخاصة مقتضاها الوجوب العینی للأمر بالمعروف و النهی عن المنکر؛ لأنه مقتضی ولایته، و من ثمّ بحث المتقدّمون و المتأخرون ولایة إقامة الحدود و التعزیرات فی کتاب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، إشارة منهم إلی أن من له ولایة بحسبها یکون الوجوب علیه عینیاً، و قد أُغفل ذکر ذلک فی کتاب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر فی کتب أعلام هذا العصر.

ص:121


1- (2) الجواهر: ج21 ص388.
2- (3) المصدر السابق.
إذا ترک مواقعتها عند تمام الأربعة الأشهر

(مسألة 9): إذا ترک مواقعتها عند تمام الأربعة الأشهر لمانع من حیض أو نحوه، أو عصیاناً لا یجب علیه القضاء. نعم الأحوط إرضاؤها بوجه من الوجوه، لأن الظاهر أن ذلک حقاً لها علیه و قد فوته علیها. ثمّ اللازم عدم التأخیر من وط ء إلی وط ء أزید من الأربعة، فمبدأ اعتبار الأربعة اللاحقة إنما هو الوط ء المتقدم لا حین انقضاء الأربعة المتقدمة.(1)

(1) ظاهر صاحب العروة أن لکلّ أربعة أشهر وجوب مرّة واحدة، فإذا انقضت سقط الوجوب، ثمّ تبدأ حساب المدّة مرة ثانیة من جدید، کما أن ظاهر بعض محشّی العروة أنه حق للمرأة یلزم قضاؤه و أداؤه فوراً، فلو ترکها مدّة ثمانیة أشهر لزمه وطیها مرتین، و کلا القولین خلاف الظاهر من الأدلة، فإن ظاهر صحیح صفوان أن ذلک تکلیفاً یأثم بتأخیره، و حیث أنه مرعاة لحاجة المرأة؛ فلا وجه لاحتمال سقوطه بمضی الأربعة و فوات أصل الفعل، بل الظاهر هو فوات التوقیت بالمدّة، فمن ثمّ یلزم فوراً ففوراً، کما أن ظاهر الصحیح و غیره من الروایات المتقدّمة أنه حق تکلیفی للمرأة لا حق وضعی فی الذمة کالنفقة یکون بمثابة دین یقضی، و إن جاز التعاوض علی إسقاطه بإذنها، کما فی صحیح صفوان فی الطریق الآخر الذی ذکره الشیخ الطوسی فی التهذیب، إلاّ أن ذلک من الحق التکلیفی و الحق الوضعی المالی، إذ الحقوق مختلفة سنخاً و نوعاً و لیست علی شاکلة واحدة، کما هو منقّح فی کتاب البیع، و الحال فی المقام هو الحال فی حق القسم للزوجة کما سیأتی، حیث اختلف فی کونه حکماً أو حقّاً، أی فی کونه حقّاً کالنفقة أو حکماً تکلیفیاً عائداً نفعه للزوجة کحق تکلیفی، أی له بعض آثار الحق کجواز

ص:122

الإسقاط، و یعضد ذلک حصر حقوق الزوجة فی جملة من الروایات(1) الواردة فی أمور لم یذکر فیها حق الوطی و لا القسم، و هی و إن کانت قابلة للتخصیص، إلاّ أن الظاهر أن الفارق بین ما ذکر فی الروایات و بین حق الوطی و القسم هو أن تلک الحقوق من الحقوق الوضعیة بالأصالة، و هذان من الحقوق التکلیفیة بالأصالة.

ص:123


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب النفقات: ب1 و: ب2، و أبواب مقدمات النکاح: ب84.

فصل: فی التحریم

اشارة

(مسألة 1): لا یجوز وط ء الزوجة قبل إکمال تسع سنین، حرة کانت أو أمة، دواماً کان النکاح أو متعة، بل لا یجوز وط ء المملوکة و المحللة کذلک. و أما الاستمتاع بما عدا الوط ء من النظر و اللمس بشهوة، و الضم و التفخیذ، فجائز فی الجمیع و لو فی الرضیعة.(1)

وطئ الزوجة قبل إکمال تسع سنین

(1) لم یحک خلاف الحرمة فی الزوجة، و کذلک فی المملوکة، إلاّ ما یظهر من صاحب الوسائل من الجواز، و یظهر من بعض محشی العروة التوقف، أما فی الزوجة فیدل علیه صحیح الحلبی: «عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: إذا تزوج الرجل الجاریة و هی صغیرة فلا یدخل بها حتی یأتی لها تسع سنین»(1) و إطلاق الصحیحة شامل للقبل و الدبر.

و فی معتبرة زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام): «قال: لا یدخل بالجاریة حتی یأتی لها تسع سنین أو عشر سنین»(2)، و مثلها روایة أبی بصیر(3)، و ظاهر التردید فیها هو بمعنی إکمال التسع سنین و الدخول فی العاشرة، نظیر ما ورد فی بیان

ص:124


1- (1) أبواب مقدمات النکاح: ب45 ح1.
2- (2) أبواب مقدمات النکاح: ب45 ح2.
3- (3) أبواب مقدمات النکاح: ب45 ح4.

الحد فی أبواب متعددة، کبیان حد نصف الطواف، فورد تارة بلسان النصف و أخری بلسان أربعة أشواط، مع أن الأربعة فیها زیادة علی النصف، و غیرها من الروایات الصحیحة فی الباب.

و أما المملوکة فقد وردت فیها روایات ظاهرها الجواز، کصحیحة الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام): «أنه قال فی رجل ابتاع جاریة و لم تطمث، قال: إن کانت صغیرة لا یتخوف علیها الحبل فلیس له علیها عدّة و لیطأها إن شاء، و إن کانت قد بلغت و لم تطمث فإن علیها العدّة»(1)، حیث إن المقابلة بین الشقین ظاهرها بدواً أنها الصغیرة التی لم تبلغ، و من ثمّ فلیس علیها عدّة، و مثلها صحیحة ابن أبی یعفور عن أبی عبد الله(علیه السلام): «قال فی الجاریة التی لم تطمث و لم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل، قال: لیس علیها عدّة یقع علیها(2)، و مثلها روایة الربیع بن القاسم قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الجاریة التی لم تبلغ المحیض و یخاف علیها الحبل قال: یستبرأ رحمها الذی یبیعها... الحدیث»(3).

و فی روایة محمد بن اسماعیل بن بزیع عن الإمام الرضا(علیه السلام): «فی حد الجاریة الصغیرة السن الذی إذا لم تبلغه لم یکن علی الرجل استبراؤها، قال: إذا لم تبلغ استبرأت بشهر، قلت: و إن کانت ابنة سبع سنین أو نحوها مما لا تحمل؟ فقال: هی صغیرة و لا یضرک أن لا تستبرئها، فقلت: ما بینها و بین تسع سنین؟ فقال: نعم تسع سنین»(4). و ظاهر هذه الروایة - حیث نفت

ص:125


1- (1) أبواب نکاح العبید و الإماء: ب3 ح1.
2- (2) أبواب نکاح العبید و الإماء: ب3 ح2.
3- (3) أبواب نکاح العبید و الإماء: ب3 ح7.
4- (4) نفس الباب: ح11.

الاستبراء عن الصغیرة قبل تسع سنین - مفروغیة وطیها.

و الصحیح أن البلوغ فی هذه الروایات لم یستعمل فی البلوغ بحسب السن، و إنما البلوغ بحسب الطمث و إمکان الحبل، و القرینة الداخلیة علی ذلک، أن فی روایة ابن بزیع أثبت(علیه السلام) الاستبراء بشهر للتی لم تبلغ فی صدر الروایة، فی حین أنه(علیه السلام) فی ذیل الروایة نفی الاستبراء مطلقاً لما قبل التسع، مما یفهم منه أن موضوع لزوم الاستبراء بشهر هو لما کان سنها تسعاً، إلاّ أنها لم تبلغ الطمث و الحبل، فالبلوغ هو بلحاظ ذلک فی صدرها، و إلا لتناقض الصدر مع الذیل، و کذلک أسند البلوغ بصراحة فی صحیحة ابن أبی یعفور المتقدّمة، مما یقتضی أنه لیس البلوغ بحسب السن و إنما البلوغ بحسب الطمث و الحبل، و إن عطف بلوغ الحبل علی الطمث عطف تفسیری، و علی هذا یحمل البلوغ فی صحیحة الحلبی.

و المراد من تقیید الشق الثانی و هو (قد بلغت و لم تطمث) هو أنها بلغت أوان الحبل و الطمث فی أسنان نسائها و أقرانها، لکنّها لم تطمث.

و یدعم ذلک ما فی صحیحة الحلبی من أن المقسم فی الصغیرة فی کلا الشقین هی الصغیرة القابلة للحبل، إلاّ أن فی القسم الأوّل لا یتخوف علیها الحبل، و فی الثانی یتخوف علیها، و إلا لو أرید من الصغیرة ما دون التسع من المقسم لم یشمل المقسم الشق الثانی، و لا ینافی هذا الاستظهار نفی العدّة علی الصغیرة التی لم تدرک أوان الطمث و هی فی سن تسع سنین فما فوق؛ لأنه بمعنی نفی الاستبراء.

و قد یحمل نفی العدّة علی نفی نفس العدّة دون الاستبراء، و إن کان الحمل الأوّل أقرب إلی ظاهر الروایة، کما ذهب إلی استحباب الاستبراء ابن حمزة لمن لا تحیض و هی فی سن من تحیض.

ص:126

إذا تزوج صغیرة و دخل بها قبل إکمال تسع سنین

اشارة

(مسألة 2): إذا تزوج صغیرة دواماً أو متعة، و دخل بها قبل إکمال تسع سنین فأفضاها، حرمت علیه أبداً علی المشهور، و هو الأحوط و إن لم تخرج عن زوجیته، و قیل بخروجها عن الزوجیة أیضاً، بل الأحوط حرمتها علیه بمجرد الدخول، و إن لم یفضها، و لکن الأقوی بقاؤها علی الزوجیة و إن کانت مفضاة و عدم حرمتها علیه أیضاً خصوصاً إذا کان جاهلاً بالموضوع أو الحکم أو کان صغیراً أو مجنوناً، أو کان بعد اندمال جرحها، أو طلقها ثمّ عقد علیها جدیداً، نعم یجب علیه دیة الإفضاء و هی دیة النفس، ففی الحرة نصف دیة الرجل، و فی الأمة أقل الأمرین من قیمتها ودیة الحرة، و ظاهر المشهور ثبوت الدیة مطلقاً و إن أمسکها و لم یطلقها، إلاّ أن مقتضی حسنة حمران و خبر برید المثبتین لها عدم وجوبها علیه إذا لم یطلقها، و الأحوط ما ذکره المشهور، و یجب علیه أیضاً نفقتها ما دامت حیة و إن طلقها، بل و إن تزوجت بعد الطلاق علی الأحوط.(1)

(1) و فی المسألة أمور:

الأمرالأول: فی التحریم بالحرمة الأبدیة بالإفضاء قبل التسع

و قد حکی الإجماع علیه من کثیرین، لکن عن نزهة الناظر الذهاب إلی الحلیة، و لکن فی کشف الرموز و قواه فی کشف اللثام لاستضعاف الخبر، و کذا فی الجواهر و مال إلیه جملة محشی المتن، و نسب إلی الشیخین فی المقنعة و النهایة و المحکی عن التهذیب إلی ابن إدریس القول بحرمتها علیه بمجرد الدخول، لکن فی کشف الرموز صرّح صاحب نزهة الناظر إلی تحریم

ص:127

الوطی مع الإفضاء، و الظاهر أن نقاشه فی هذا التحریم من إطلاق الحرمة بمجرد الدخول من دون إفضاء و إن لم یفضها، قال ابن ادریس: «و اذا تزوج الرجل بصبیة لم تبلغ تسع سنین، فوطأها قبل التسع لم یحل له وطأها أبداً»(1) و هذه هی بعینها عبارة الشیخ فی النهایة إلاّ أنه فیها زیادة (فرق بینهما) و هل تعم الحرمة الإفضاء بلا عقد؟ کما أنه هل یعم المملوکة أو لا؟.

و حکی عن السیوری احتمال الجواز بعد الاندمال.

و قال کاشف اللثام: بقاء الزوجیة، للأصل. و حملت عبارة الشیخ و ابن ادریس علی الاقتضاء بقرینة ما ذکراه فی باب الزفاف، و توقف العلامة من التحریم بمجرد الدخول، و عن المسالک المیل إلیه و لم یصرح الصدوق فی المقنع بالحرمة، و ذهب صاحب المدارک إلی الحلیة.

الأمر الثانی الأقوال فی الدیة

قال ابن الجنید: إن الدیة تثبت إن طلقها و إلاّ فلا دیة. و قال الصدوق فی المقنع: «لا تتزوج امرأة حتی تبلغ تسع سنین، فإن تزوجها قبل أن تبلغ تسع سنین فأصابها عیب، فأنت ضامن»(2) و ظاهر العبارة الضمان فی مطلق العیب، و لعله لکونه الصغیرة فی کنفه و یده، فیضمن ما یجری علیها مطلقاً، و نسب جماعة المشهور، بل الإجماع القول بسقوط الدیة فی الزوجة خاصة بعد التسع، و لکن عن الحلبیین إطلاق ثبوت الدیة بالطلاق.

و أما موضوع الأحکام: فعن العلامة إلحاق الزوجة النحیفة بالصغیرة فی

ص:128


1- (1) السرائر، ابن ادریس الحلی: ج2 ص35.
2- (2) المقنع، الصدوق: ص309.

الدیة، و عن الشیخ فی صداق الخلاف التسویة بین الزوجة و الموطوءة بشبهة فی الفرق بین الصغیرة و الکبیرة، فی الدیة.

و عن کشف اللثام و السرائر و الخلاف تقیید موضوع النفقة بالزوجة، و عن الشیخ فی الخلاف تعمیم الموضوع فی التحریم و وجوب الإنفاق المقضاة بوطی الشبهة.

و عن العلامة و ابنه تعمیم موضوع الحرمة إلی غیر الزوجة مطلقاً، هل الحرمة حرمة وطی أم حرمة بینونة أبدیة؟.

ذهب الشیخ فی النهایة و ابن حمزة إلی الثانی، و ذهب الشیخ فی الاستبصار و ابن إدریس و المحقق إلی الأوّل، و لم یصرح الشیخ المفید بالحرمة و إن حکی عنه القول بالحرمة الأبدیة و احتمل إنها من عبارة التهذیب و اشتبهت علی النساخ. و صرح العلامة فی القواعد بالحرمة و تنظر فی عدم البینونة. و ذهب ابن البراج إلی الحرمة مع البینونة.

الأمر الثالث تحقیق الحال
الجهة الأولی: فی الحرمة و هل أنها حرمة وطی أم حرمة نکاح؟

فقد استدل للحرمة بالمصحح إلی یعقوب بن یزید عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «اذا خطب الرجل المرأة، فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنین فرق بینهما و لم تحل له أبداً»(1).

فهی و إن لم تکن معتبرة فی نفسها بهذا المقدار إلاّ أنها لیست شدیدة الضعف، فیمکن تراکم قرائن الوثوق المعاضدة لها بعمل المتقدّمین کالشیخ

ص:129


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: باب 34، ح2.

المفید و الطوسی و ابن براج و ابن حمزة و سلاّر بها و لو بنحو الجبر المضمونی.

و أما إطلاقها التحریم بمجرد الدخول فغایة الأمر یقید و لو بتوسط بقیة الروایات الدالة علی أن محل الفرض و السؤال هو الصبیة المفضاء، مع أنه قد استظهر من عدّة من المتقدّمین العمل بإطلاقها.

و أما البینونة فیها فقد تقدّم کلام الشیخ فی النهایة، و ابن حمزة فی الوسیلة التصریح بالبینونة، و الظاهر أن أول مَن بنی علی حرمة خصوص الوطی هو ابن إدریس و إن کان الشیخ فی الاستبصار قد أبدی احتمال ذلک، و قد ذکر فی السرائر وجه ذلک و جمعه بین قول الأصحاب بالتحریم و هو یفید إجماع المتقدّمین، و بین قولهم فی مسألة مَن طلق زوجته و کانت دون التسع سنین بعد أن دخل بها أنه لا عدّة علیها، حیث أشکل بتدافع کلامهم، فالتزم بالجواب عن ذلک بکون مرادهم الوطی خاصة لا البینونة، و جمعه المزبور بین کلامهم محل نظر; و ذلک لأن تصریحهم فی موارد أخری بإرادة الدخول مع الإفضاء لا الدخول مطلقاً، و هذا بخلاف مسألة الطلاق، فاختلف مورد المسألتین.

نعم؛ قد یقال بالمعارضة بین روایة یعقوب بن یزید و صحیحة حمران عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سأل عن رجل تزوج جاریة بکراً لم تدرک، فلما دخل بها اقتضها فأفضاها، فقال: «إن کان دخل بها حین دخل و لها تسع سنین فلا شیء علیه، و إن کانت لم تبلغ تسع سنین أو کان لها أقل من ذلک بقلیل حین اقتضاها فإنه قد أفسدها و عطلها علی الأزواج، فعلی الإمام أن یغرمه

ص:130

دیتها، فإن أمسکها و لم یطلقها حتی تموت فلا شیء علیه»(1)، و صحیحة برید عن أبی جعفر(علیه السلام) فی رجل افتض جاریة - یعنی امرأته - فأفضاها قال: «علیه الدیة إن کان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنین، قال: فإن أمسکها و لم یطلقها فلا شیء علیه، و ان کان دخل بها و لها تسع سنین فلا شیء علیه إن شاء أمسک و إن شاء طلق( حیث إن الظاهر من الإمساک فی مقابل الطلاق هو إمساکها علی الزوجیة لا بینونتها، فتعارض روایة یعقوب الظاهرة بقوة فی البینونة.

و قد جمع الشیخ بین الدلالتین بقوله: «إن المرأة إذا اختارت المقام معه و اختار هو أیضاً ذلک و رضیت بذلک عن الدیة کان جائزاً، و لا یجوز له وطئها علی حال علی ما تضمنه الخبر الأخیر - أی روایة یعقوب بن یزید- ثمّ ذکر معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علی( أن رجلاً أفضی امرأةً، فقومها قیمة الأمة الصحیحة و قیمتها مفضاة، ثمّ نظر ما بین ذلک فجعلها من دیتها و خیر الزوج علی إمساکها»(2). و قال: «و الوجه فی هذا الخبر إن تحمله علی ضرب من التقیة لأن ذلک مذهب کثیر من العامة» -انتهی کلامه-.

و ظاهر تعبیر الشیخ إن اختارت المقام معه مع قوله: «و لا یحل له وطئها» علی حال ما تضمنه الخبر هو المقام علی عیلولة الزوج بقرینة أنه ذکر الحرمة علی تضمنه خبر التحریم و الذی ظاهره البینونة.

لا سیما و أنه قد نسب القول بوجوب الإمساک المتضمن له معتبرة

ص:131


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: باب 34 ح1.
2- (2) الاستبصار: ج4 ص295؛ الوسائل، أبواب موجبات الضمان: باب 44، ح3.

السکونة إلی مذهب کثیر من العامة. و قوله قبل ذلک أیضاً یستظهر منه حمل الامساک علی العیلولة و القیام بالإجراء و إن المقابلة فی الصحیحتین بین ثبوت الدیة إذا لم یمسکها و طلقها و بین سقوط الدیة إن امسکها و لم یطلقها، فإن هذا التفصیل الذی لم یلتزم به جملة من مشهور المتأخرین و الذی دلت علیه هاتان الصحیحتان و الذی هو نوع تبعیض بالعمل بالصحیحتین، قرینة استظهر منها الشیح حمل الإمساک علی التزام الأجراء و العیلولة و ابقائها فی سکنه، لأن السکنی من جملة موارد النفقة و الأجراء و الطلاق بمعنی ترک ذلک، فیکون محصل مفاد الصحیحتین المقابلة بین النفقة و الأجراء ما دامت حیة، و إمساکها علی عیلولته و بین ترک العیلولة و تغریم الدیة.

و قد یعضد هذا الجمع بین الصحیحتین و روایة یعقوب بن یزید مضافاً إلی کونه تفسیراً للتفصیل بین الصحیحتین، ما ورد من التعبیر و الاستعمال فی مرفوعة محمد بن أحمد بن یحیی فی نوادر الحکمة إن الصادق(علیه السلام) قال: «فی رجل أفضت امرأته جاریته بیدها، فقضی أن تقوّم الجاریة قیمة و هی صحیحة و قیمة و هی مفضاة، فیغرمها ما بین الصحة و العیب، و اجبرها علی إمساکها؛ لأنها لا تصلح للرجال»(1) و وجه تأییدها الحکم بإمساک المرأة الجاریة، بمعنی عیلولتها لها و تکفی الروایة الضعیفة فی مقام الشاهد الاستعمالی.

ثمّ إن فی جملة من الروایات المعتبرة إطلاق ضمان من دخل بالمرأة و البکر فی أقل من تسع سنین، فأعابها کما فی صحیح الحلبی و موثّق غیاث

ص:132


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب دیات الاعضاء: باب 26، ح2.

بن إبراهیم و معتبرة طلحة بن یزید(1)، من دون التفصیل بین الامساک و الطلاق، بل ظاهرها سببیة التعییب للضمان و إن الدیة من باب التلف، و إنه تمام الموضوع لا یقید الطلاق) و یدعم إطلاق الضمان ما فی مسألة من الروایات التی أوردها صاحب الوسائل فی أبواب الدیات، کمرفوعة محمد بن یحیی و روایة أبی عمر الطیب و معتبرة السکونی، و کذا صحیح عبد الله بن سنان(2) و من ثمّ تکلف من عمل بالصحیحتین - صحیحة حمران و برید- علی ظاهرها فی تکلف توجیهها، حیث تضمنتا التفصیل فی ضمان الدیة و قد عرفت إمکان توجیهها بالذی مرَّ فی کلام الشیخ، فالتأویل فی الصحیحتین لا بدّ منه، و مع لزومه - و لو مع غض النظر عن روایة یعقوب بالتحریم و هی روایة یعقوب بن یزید - لما عرفت من أن الضمان مقتضی القاعدة و مقتضی الروایات الخاصة الواردة فی جملة من الابواب من دون تقیید بالإمساک و الطلاق.

فعلی ذلک ما ذکر من التفصیل فی الصحیحتین مؤول و لا یسمی أنه ذکر به، لا لأجل بیان الحلیة کی یکون معارضاً لروایة التحریم دائماً، لأجل التفصیل لضمان الدیة مع هذا الوصف أو مع هذا الحال فی مضمون الصحیحتین، یشکل رفع الید عن ما دل علی التحریم من قطع المتقدّمین بغض النظر عن روایة یعقوب بن یزید، کما مرَّ التصریح بذلک من غیر واحد منهم، فکیف و الروایة کما مرت الإشارة إلیه أن ضعفها خفیف، فالأقوی

ص:133


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: باب 45، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب دیات الاعضاء: باب 30، ح2.

و الأحوط البناء علیه.

و یعضد الحرمة أیضاً أن الحرمة الأبدیة التی أقر بها مشهور المتأخرین مع ذهابهم إلی بقاء الزوجیة تتنافی معها؛ لأن هذه الحرمة حرمة ذاتیة و أبدیة تقتضی سلب سلطة الزوج عن البضع و الذی هو قوام معنی عقد الزواج، فکیف یجمع بینهما، و تمثیل ابن إدریس لذلک بحرمة الإیلاء فیما لو لم ترفع الزوجة ذلک إلی الحاکم و نحوه من موارد الحرمة العرضیة مما لا یتنافی مع العقد لا ینقض به علی المقام، بعد وضوح الفرق کما أن التشبث بحلیة بقیة الاستمتاعات أو آثار الزوجیة غیر رافع للتنافی، لما هو مقرر فی ماهیة عقد النکاح، أن مفاده و موضوعه هو تملیک البضع، هذا مع أن بناء المتأخرین علی الحرمة الأبدیة، أما استناداً لروایة یعقوب بن یزید، فإن صریحها الفرقة مع الحرمة الأبدیة.

و أما استنادهم إلی قطع المتقدّمین، و هو لیس علی مجرّد حرمة الوط ء ، بل متعلق الحرمة لدیهم مطلق الاستمتاع المؤدی و التملک المؤدی للبینونة، و یضاف إلی ذلک ما سیأتی من تحدید موضوع الحرمة من حمله علی الإفضاء الذی تعطل المرأة عن الأزواج، لا مطلقاً، و علی ذلک فتکون صحیحة حمران لا تخلو عن دلالة علی الحرمة کما أشار إلی ذلک صاحب کشف الرموز الذی تقدّمت عبارته.

ثمّ إنه هل تعم الحرمة غیر الزوجة، کالموطوءة بشبهه و المزنی بها أو الموطوء بملک؟ ظاهر عبارة الشیخ المفید فی «کتاب العویص)الإطلاق لکلّ هذه الأقسام و قد تقدّمت الإشارة فی الأقوال. نعم فی المبسوط فی موضع منه

ص:134

لا تصریح بثبوت الأجراء و النفقة علی الأجنبیة مطلقاً(1).

و قد یقرّب العموم بأن التقیید قد ورد فی صحیحتی حمران و برید فی سؤال الراوی لا فی جوابه(علیه السلام)، فیکون من قبیل المورد الذی لا یخصص الوارد. و الصحیحتان و إن کانتا فی حکم الدیة، إلاّ أنک عرفت أن کلاً من القائل بالتحریم و القائل بالجواز قد استدل بهما؛ لاستظهار ورودهما فی محل البحث، فهی علی أی تقدیر واردة فی نفس موضوع المقام، و قد تضمن التعلیل فی صحیحة حمران ما یعم غیر الزوجة و مطلق الأجنبیة، و کذلک الحال فی صحیحة الحلبی الآتیة فی حکم الأجراء و النفقة و الواردة فی نفس الموضوع فی المقام فإن التقیید بالزوجة ورد فیها فی سؤال الراوی لا فی جوابه(علیه السلام)، و التفکیک بین حکم الأجراء و الحرمة بعید، و قد تقدّمت مرفوعة محمد بن أحمد بن یحیی الواردة فی إفضاء المرأة الجاریة باصبعها، لا سیما و أن الأجراء یتضمن معنی التقدیم و العقوبة المالیة و هی لیست سبب الزوجیة، بل بسبب فعل الإفضاء.

و بهذا التقریر لمعنی الحکم یقرر فی الحرمة الأبدیة أیضاً أی: أن الحرمة إنما تثبت بسبب الفعل و هو الإفضاء لا بسبب الزوجیة، نظیر الإطلاق تسعاً أو الملاعنة اللذین هما من أحکام الزوجیة، و منها تحریم المعقود علیها فی الإحرام، فالاحتیاط فی موضوع الحرمة متعین قوی.

الجهة الثانیة: فی معنی الافتضاض

و هل هو بمعنی اتحاد مسلکی البول و الحیض أو الحیض و الغائط أو

ص:135


1- (1) المبسوط، الشیخ الطوسی: ج4، ص318.

الغائط و البول أی: بمعنی المسالک الثلاثة، أو بمعنی تعطیل المرأة عن الأزواج أی بعدم إمکان وطئها أو بعدم الرغبة فی وطئها وجوه، بل أقوال.

و حکی فی کشف اللثام: (إن المشهور فی تفسیر صیرورة مسلک البول و الحیض واحداً) و حکی الشیخ فی الخلاف عن کثیر من علماء العامة هو: (صیرورة مسلک الحیض و الغائط واحداً)، ورد بأن الفاصل بینهما بعید و ثخین لکنّه محل نظر، إذ البعد إنما هو فی العمق بخلاف ما بین الثخین عند السطح، مع أن الحکم کما ذکر علماء الإیضاح هو قول علماء التشریح. و سیأتی فی بعض الروایات الواردة إشارة إلی هذا المعنی و المعنی الأوّل أیضاً، فالصحیح البناء علی المعنی الجامع الذی یقرب من أصل المعنی الذی هو (بمعنی الایصال أو النفاذ).

نعم الظاهر کما سیأتی من الروایات أنه لیس علی إطلاقه، بل فیما أوجب تعطیلها عن الأزواج، و أما مع الاندمال أو ما لا یوجب ذهاب الرغبة فی وطیها، فاندراجه فی موضوع المسألة محل تأمل. نعم حکم الدیة ثابت للموضوع مطلقاً بمقتضی قاعدة التلف، غایة الأمر إنه بقدر ما یحصل من التلف.

و فی روایة أبی عمر الطبیب عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی رجل افتض جاریة بإصبعه، فخرق مثانتها فلا تملک بولها، فجعل لها ثلث الدیة مائة و ستة و ستین دینار و ثلثی دینار، و قضی لها علیه بصداق مثل نساء قومها(1) و غایة مفاد الروایة استعمال الإفضاء فی إفضاء مسلک البول مع الحیض، و تغریمه للصداق فیه إشعار إما بتعطیلها عن الأزواج أو بتلازم ذلک مع ذهاب بکارتها.

ص:136


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب دیات الاعضاء: باب 30، ح2.

و فی صحیح عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی امرأة افتضت جاریة بیدها، قال: علیها المهر، فتضرب الحد(1) و الصحیحة حیث تثبت المهر دالة علی تلازم الافتضاض لزوال البکارة.

و فی معتبرة طلحة بن یزید عن جعفر عن أبیه عن علی(علیه السلام) قال: «اذا اغتَصَبَ أمة فافتضها فعلیه عشر قیمتها، و إن کانت حرة فعلیه الصداق»(2)، و دلالتها کالسابقة.

و فی معتبرة السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام): «أن علیاً(علیه السلام) رفع إلیه جاریتان دخلتا الحمام فافتضت إحداهما الأخری بإصبعها، فقضی علی التی فعلت عقلها»(3).

و قد یستظهر منها استعمال الافتضاض و الإفضاء فی إزالة البکارة. و فی موقع من التهذیب عقرها. و فی صحیح حمران المتقدّم التعلیل بتغریم الدیة بقوله(علیه السلام): «فإنه قد أفسدها و عطلها علی الازواج( و هو یقضی بتقیید الموضوع کما مال إلی ذلک.

الجهة الثالثة: فی الأجراء

و هو النفقة ما دامت حیة و إن طلقها، و قد مرّ کلام الشیخ فی المبسوط بثبوت الإجراء و النفقة فی الأجنبیة کما مرّت الإشارة إلی جملة من الأقوال فی صدر المسألة، و نسب فی الجواهر إلی المشهور الاختصاص بالصغیرة و بالإفضاء بالوطی دون الإصبع و غیره، و یدل علی أصل الحکم صحیحة

ص:137


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب حد الزنا: باب 39، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب حد الزنا: باب 39، ح5.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب دیات الاعضاء: باب45، ح1.

الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن رجل تزوج جاریة فوقع بها فأفضاها قال: علیه الإجراء علیها ما دامت حیة»(1).

نعم قد وقع الکلام فی النسبة بین هذه الصحیحة و صحیحتی برید و حمران، حیث إنها قد فصلتا فی الموضوع و نفتا ثبوت شیء فی جانب المحمول، فقد یقال بالتعارض بینهما حینئذ من جهة خصوص موضوع الصحیحتین و إطلاق موضوع صحیحة الحلبی، بینما العکس فی جانب المحول، فهل یراعی فی ملاحظة النسبة بینهما جانب الموضوع أو المحمول أو کلاهما معاً.

هذا لو تمت مقدمات الإطلاق فی لفظ الشیء المنفی فی الصحیحتین (برید، و حماد) و هو مورد تأمل بعد ذکر الدیة و تغریمها، لا سیما و أن الافضاء سبب الاتفاق، و إن نشزت أو طلقت مع قرب دعوی انصراف صحیحة الحلبی، موضوعاً بما قبل التسعة بالتعبیر بالجاریة، فالأظهر قصر عموم الشیء فی الدیة فی الصحیحتین فیتقرر الإنفاق مطلقاً.

نعم قد یقال: إن الإفضاء إتلاف موجب لضمان الدیة مطلقاً، و جواز وطیهما بعد التسع لا یتناولهما، فلا یراد نفی الدیة من نفی الشیء ، فیتخصص مفاد الصحیحتین و یقدم علی إطلاق صحیحة الحلبی فتقید بالمطلقة بما قبل التسع. و قد مر ما یقرب عموم النفقة للأجنبیة فی الجهة الأولی. و هو یقرب لشمولها فی الکبیرة و للإفضاء بغیر الوط ء ، لا سیما و أن عنوان الأجراء یقتضی أنه عنوان مغایر للنفقة الثابت بسبب الزوجیة و إن ذلک نوع من الکفالة التغریمیة عقوبةً للفعل، فحینئذ لا یثبت فی الکبیرة فیما لو کان الإفضاء غیر

ص:138


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: باب 34، ح4.

موجب للدیة، بإن لم یکن تقصیراً منه کأن لا یکون الوطی بعنف کما قد مرت مرفوعة محمد بن أحمد بن یحیی فی إفضاء المرأة لجاریة زوجها أنها تمسکها أی تعیلهما مع تقلیل ذلک بعین التقلیل الوارد فی صحیحة حمران، لا سیما و أن صحیحة الحلبی لم تقیید بقبل التسع؛ لأن عنوان الجاریة یطلق علی المرأة أول ما تدرک، فالتعمیم إن لم یکن ظاهراً من الأدلة، فهو أحوط لا سیما بالإفضاء بالوطی و لا سیما فی الصغیرة مطلقاً.

ثمّ إن الظاهر عموم و دوام النفقة إلی آخر حیاة المفضاة فی دائرة الموضوع الذی مرت الإشارة إلیه فی الجهة السابقة، فما استثناه غیر واحد من الصور بقاءً و انقطاع النفقة کصورة اندمال الجرح أو صورة صیرورته بنحو لا یوجب انعدام الرغبة فی وطیها، بأن تزوجت بعد ذلک و نحو ذلک من الصور، فإن مثل هذه الموارد هو خارج عن موضوع الحرمة و الإجراء، و إن لم یخرج عن موضوع الدیة کما سیأتی.

و قد یظهر من بعضهم أنه من باب تبدل الموضوع، فالتزم ببقاء الحرمة دون الإجراء و کأنه استظهر من موضوع الحرمة أن الإفضاء حیثیة تقلیلیة للحرمة لکنّها تقییدیة للإنفاق، و هذا الوجه قریب فیما کان الإفضاء عند حدوثه یصدق علیه وصف قیود الموضوع التی مرت فی الجهة السابقة، ثمّ اتفق تبدله إلی حال أخف، و إن کانت دعوة تبدل الموضوع لا تخلو من إشکال.

الجهة الرابعة: فی الدیة

و الکلام تارة فی قدرها و أخری فی عمومها للکبیرة و للمزنی بها.

ص:139

و قد مرت الأقوال فی الدیة فی صدر المسألة، و ظاهر عبائرهم إنها دیة النفس. نعم فی جملة من الروایات الضعیفة الحکومة أو الدیة بالنسبة، لا دیة النفس الکاملة. إلاّ أنه یمکن حملها.

أی لم یکن بدرجة تعطیل عضو الفرج عن منفعته فی المباضعة و الحرث، و أما الروایات الظاهرة فی الدیة الکاملة؛ لإطلاق الدیة فیها، و بعد کون مقتضی القاعدة فی الدیة فی العضو المضر فی البدن هو الدیة کاملة.

منها صحیحة حمران و برید المتقدّمتین، حیث أطلقت فیها لفظ الدیة، و صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبد الله(علیه السلام): «سألته عن رجل وقع بجاریة فأفضاها و کانت إذا نزلت بذلک المنزلة لم تلد فقال: الدیة کاملة»(1) و هی نص علی دیة النفس کاملة إلاّ أنه اختصر بها تعلیل الرحم و هو عضو واحد فی البدن عن منفعته.

و صحیحة الصدوق إلی قضاء أمیر المؤمنین أنه قضی فی امرأة أفضیت بالدیة، و فی موثّق إسحاق بن عمار عن جعفر(علیه السلام) أن علیاً(علیه السلام) کان یقول: «من وطأ امرأة من قبل أن یقوم لها تسع سنین فاعنف ضمن»(2)، و مثلها معتبرة غیاث بن إبراهیم. نعم فی معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه(3)(علیه السلام): «إن رجلاً أفضی امرأة فقومها قیمة الأمة الصحیحة و قیمتها مفضاة، ثمّ نظر ما بین ذلک»(4) فجعل من دیتها و أجبر الزوج علی إمساکها أما المهر فی غیر

ص:140


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب دیات المنافع: باب9، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب دیات الضمان: باب44، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: باب 45، ح7.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب موجبات الضمان: باب 44، ح3.

الزانیة لحرمة الفرج أو زوال البکارة کما لو کان الافتضاض بالإصبع، و أما ثبوت الدیة فی الزوجة الکبیرة، فظاهر صحیحتی برید و حمران عدم ثبوتها و ذلک علی مقتضی القاعدة حیث لا یکون فی وطئه تعنین و لا ازعاج غیر متعارف، حیث إن من حقوق الزوج الوطی المتعارف، حیث لا یکون فی فعله تجاوز علی المأذون شرعاً و ملکاً، بخلاف ما إذا کان الإفضاء بسبب العنف و نحوه.

و من ذلک یظهر الحال فی المزنی بها إنما أذنت فی الوطی، فلا یثبت لها مهر و لا ضمان بکارة بخلاف الإفضاء، إلاّ أن یفرض أن الإفضاء حصل مع کون وطئه مألوفاً علی الطریقة المعروفة أی: فی العادة أو بحسب الواقع الإفضاء، فهو معنی خفی بخلاف ما لو کان ملازماً، و منه یظهر الحال فی الموطوءة بشبهة فإن الدیة ثابتة فیها، فإن الوطی لیس ما لا یملکه الواطی و إن کان جاهلاً.

الجهة الخامسة: فی شمول الأحکام للواطئ الصغیر أو المجنون

أما المجنون فالظاهر عموم الحکم له، کما هو مطرد فی مسائل المحرمات بالمصاهرة؛ لأن ظاهر الأدلة أنه من قبیل الأسباب و المسببات الوضعیة، نعم لو استظهر من حکم الحرمة و الإجراء إنه عقوبة لتوجه عموم العموم للمجنون لعدم تنجز الحکم فی حقه إلاّ أن دعوی، إن ذلک کتقید لا یزید علی الإشعار.

نعم مقتضی التفصیل بین الأدلة مقتضی أخذ الحرمة، فالحرمة الأبدیة و البینونة تدور مدارها.

ص:141

و من ثمّ لا تشمل الصبی و المجنون.

و کذا کلّ من لم یتنجز علیه الحکم کالموطوءة بشبهه المتخیل أنها کبیرة بخلاف ما لو علم أنها صغیرة، و هذا بخلاف حکم الدیة فإنه تابع لسببیة الإتلاف للضمان و من ثمّ یعم حکم الإجراء و الضمان لهما - الصبی و المجنون- و لو بنی لعموم موضوعه للکبیرة فیما استلزم الضمان کما مر استظهاره.

و هذا تمام الکلام فی هذه المسألة. لو بنی علی عموم موضوعیة للکبیرة، فیما استلزم الضمان کما مر استظهاره و أنه أحوط.

تنبیه: فی أن التسع سنین أحد أسباب البلوغ

قد تقدّمت الإشارة فی المسألة الأولی أن المحرم وطئها هی المرأة قبل البلوغ، و أن التسع سنین هو لکونه أحد أسباب البلوغ و کذلک الطمث سبب مستقل للبلوغ کما نبهنا علیه فی مبحث الحیض، و إنه مختار المتقدّمین و الذی تنهض به الأدلة و قد مر فی المسألة السابقة ما یعاضد أن المدار علی البلوغ لا خصوص السن فلاحظ.

ص:142

فی الدخول الموجب للإفضاء

(مسألة 3): لا فرق فی الدخول الموجب للإفضاء بین أن یکون فی القبل أو الدبر، و الإفضاء أعم من أن یکون باتحاد مسلکی البول و الحیض أو مسلکی الحیض و الغائط و اتحاد الجمیع، و إن کان ظاهر المشهور الاختصاص بالأول.(1)

(مسألة 4): لا یلحق بالزوجة فی الحرمة الأبدیة - علی القول بها - و وجوب النفقة المملوکة و المحللة و الموطوءة بشبهة أو زنا و لا الزوجة الکبیرة، نعم تثبت الدیة فی الجمیع - عدا الزوجة الکبیرة إذا أفضاها بالدخول بها - و کذا لا یلحق بالدخول الإفضاء بالإصبع و نحوه، فلا تحرم علیه مؤبداً. نعم تثبت فیه الدیة.(2)

(1)أما عموم الوطی للقبل و الدبر فلعموم عنوان الوطی المأخوذ فی روایة التحریم أو الدخول، مضافاً إلی أن موضوع التحریم الوضعی فی الإفضاء هو موضوع الحرمة التکلیفیة و موضوع المنع عن وطی مَن لم تبلغ تسعاً، و أما عموم الإفضاء للصور التی ذکرها الماتن، فقد تقدّم فی المسألة السابقة عموم ذلک بحسب اللغة و بحسب الروایات الواردة.

(2) قد تقدّم فی الثانیة أن الزوجیة المأخوذة فی السنة الروایات لا یبعد أن یستظهر منها أنها من قبیح المورد الذی لا یخصص الوارد، مضافاً إلی تغلظ الحرمة فی غیر الزوجة، أی إن الحرمة من جهتین، من جهة الصغر و من جهة کونها غیر حلیلة. نعم فی الأمة الحرمة من جهة الصغر فقط کالزوجة، لا سیما مع استظهار أن الحرمة الأبدیة من جهة العقوبة أو التعبیر الوارد بأنه عطلها عن الأزواج، فالاحتیاط علی أقل تقدیر متعین.

ص:143

(مسألة 5): إذا دخل بزوجته بعد إکمال التسع فأفضاها لم تحرم علیه و لا تثبت الدیة کما مر، و لکن الأحوط الإنفاق علیها ما دامت حیّة.(1)

و أما الإنفاق و الأجراء، فالأظهر عمومه لغیر الزوجة مطلقاً کما ورد فی الأمة - التی مرت الإشارة إلیه - و إن أخذ عنوان الزوجیة ورد فی سؤال السائل لا ابتداءً منه(علیه السلام). و إن الإنفاق و الأجراء هو بمنزلة الضمان بضمیمة الدیة. فأشبه الدیة فی عموم ثبوتها.

و أما الدیة فقد مر أن الأقوی ثبوتها مطلقاً، حتی فی الکبیرة بعنف بغیر المتعارف، و کذلک فی الزنا، لأنها أذنت فی الوطی دون الإتلاف.

أما الإتلاف بالإصبع فلا یلحق بموضوع الحرمة الأبدیة، کما لا إشکال فی ترتب الدیة علیه، و الأحوط إلحاقه بموضوع الإجراء و النفقة، کما فی روایة إفضاء المرأة لجاریة زوجها، بالإصبع أن علیها إمساکها، و بعد إلحاق الأجراء بأحکام الضمان، و یؤیده المقابلة بین الدیة و الإمساک بمعنی العیلولة فی صحیحة حمران.

(1) أما الحرمة الأبدیة فقد تقدّم إنها لا تشملها لأن ظاهر الدلیل ظهوراً قویاً أخذ کلّ من الإفضاء و الوطی قبل التسع المحرم، و حرمة الوطی قبل التسع فی موضوع الحکم فلا تثبت الحرمة الأبدیة و أما الإنفاق فالأظهر ثبوته فی صورة ثبوت الضمان، و هو إذا کان وطئه بعنف و بغیر الطریقة المألوفة، فلا یکون مأذوناً فی ذلک بعد ما تبین أن الإنفاق من توابع الضمان بجملة قرائن تقدّمت.

ص:144

إذا کان المُفضی صغیراً أو مجنوناً

(مسألة 6): إذا کان المفضی صغیراً أو مجنوناً، ففی کون الدیة علیهما أو علی عاقلتهما؟ إشکال و إن کان الوجه الثانی لا یخلو من قوة.(1)

(1) کما هو مطرد فی عموم موارد غرامات الدیة، من أن فعله بمنزلة الفعل الخطئی تحمله العاقلة، هذا فی الدیة و یدل علیه صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «کان أمیر المؤمنین(علیه السلام) یجعل جنایة المعتوه علی عاقلته خطأ کان أو عمداً»(1) و موثّق إسحاق بن عمار عن جعفر(علیه السلام): «إن علیاً(علیه السلام) کان یقول: عمد الصبیان خطأ یحمل علی العاقلة»(2) و غیرها.

ثمّ إنه أشکل علی ثبوت الدیة علی العاقلة تارة بعد تصور دیة الخطأ فی الافضاء عن رأس، فلا تصل النوبة إلی تنزیل فعل الصبی و المجنون منزلة الخطأ، و أشکل ثانیاً بأن تحمل العاقلة تکلیفاً لا وضعاً أو أن تحملها الوضعی کبدل من الصبی و المجنون بنحو الضمیمة لا بمعنی فراغ ذمتهما، نظیر الضمان عند العامة.

و أجیب بأن الخطأ متصور فی البالغ العاقل کما إذا تخیل امرأته علی الفراش و کانت کیفیة الوط ء لا تفضی امرأته إلاّ أنها سببت إفضاء المرأة الأجنبیة خطأ، و عن الثانی بأن ظاهر لسان الروایات هو الثبوت فی الذمة علی العاقلة کدین علیها، و هو مقتضی التعبیر بلفظ حرف الاستعلاء الظاهر فی المفاد الوضعی، أما الجمع بین اشتغال ذمة کلّ من الصغیر و المجنون و العاقلة

ص:145


1- (1) وسائل الشیعة، کتاب الدیات أبواب العاقلة: ب11، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، کتاب الدیات أبواب العاقلة: ب11، 3.

نظیر الضمان فی تعاقب الأیدی علی العین المغصوبة، لا سیما و أن سبب الضمان لا یشترط فیه العمد و القصد و إنما یشترط فیه إسناد الفعل، فمقتضی العمومات ضمانهما - الصغیر و المجنون - أولاً و بالذات، إلاّ أن هذا التقریب علی تقدیر تمامیته - و بقیة الکلام موکول إلی محلّه فی بحث الدیات - لا ینفی أن قرار الضمان علی العاقلة، کما لا ینبغی أن الرجوع أولاً علی العاقلة.

ثمّ إنه قد یستشکل فی المقام بأن التنزیل إنما یتمّ بلحاظ دیة البدن، حیث إنها جنایة علی البدن و الضمان فی باب الجنایة و هی الدیات قد فرض نمطان من الفعل العمدی و الخطئی، و من ثمّ یتأتی الدلیل الوارد فی المجنون، بأن فعلهما بمنزلة الخطأ و أما فی الضمانات الأخری کإتلاف الأموال و کذلک الإجراء فی المقام، فلم یؤخذ فی موضوعه العمد تارة و الخطأ أخری کی ینزل فعلهما منزلة الخطأ، بل هنا الفعل أعم من الخطأ و العمد، فیثبت فی مالهما کما هو الحال فی إتلاف الاموال.

و أما التمسک بصحیح محمد بن مسلم فی المعتوه بتقریب أنه لیس متعرضاً لتنزیل العمد منزلة الخطأ، بل متعرض لیحمل العاقلة مطلقاً ضمان المعتوه فلا وجه له؛ لأن التعبیر فی الصحیحة هو بلفظ الجنایة و هی فی التلف الوارد علی البدن لا علی الأموال و الاجزاء، و إن کان ضماناً بسبب الجنایة إلاّ أنه قد علل فی الروایات بأنه عطلها عن الأزواج، و هو معنی یتناسب مع التلف و الخسارة المالیة لا الجنایة البدنیة، و قد مرَّ أن ثبوت الإجراء علی الصبی و المجنون أی بسبب فعلهما لاستظهار أنه ضمان بسبب الإتلاف مما یقوی الاحتیاط.

ص:146

فی بعض أحکام الإفضاء

(مسألة 7): إذا حصل بالدخول قبل التسع عیب آخر غیر الإفضاء ضمن أرشه، و کذا إذا حصل مع الإفضاء عیب آخر یوجب الأرش أو الدیة ضمنه مع دیة الإفضاء.(1)

(مسألة 8): إذا شک فی إکمالها تسع سنین لا یجوز وطؤها لاستصحاب الحرمة السابقة. فإن وطئها مع ذلک فأفضاها و لم یعلم بعد ذلک أیضاً کونها حال الوط ء بالغة أو لا لم تحرم أبداً - و لو علی القول بها - لعدم کونه قبل التسع و الأصل لا یثبت ذلک. نعم یجب علیه الدیة و النفقة علیها ما دامت حیة.(2)

(مسألة 9): یجری علیها بعد الإفضاء جمیع أحکام الزوجة: من حرمة الخامسة و حرمة الأخت، و اعتبار الإذن فی نکاح بنت الأخ و الأخت، و سائر الأحکام و لو علی القول بالحرمة الأبدیة، بل یلحق به الولد، و إن

(1) لعموم قاعدة الضمان بالإتلاف، و أما تقدیره بالأرش فلما هو مطرد فی عیوب المنافع.(1)

(2) أما الإجراء فثابت عند الشک و ارتکاب الوط ء لعموم الموضوع فی صحیح الحلبی(2)، و المخصص و هو الکبیرة لا یکسب العام وجودیاً کما هو محرر فی بحث العام و الخاص و إنما یکسبه عنواناً عدمیاً بنحو الترکیب فیمکن إحراز موضوعه، و أما الحرمة التکلیفیة، فأیضاً موضوعه(3) مطلق

ص:147


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: باب 34، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: باب 34، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب45.

قلنا بالحرمة لأنه علی القول بها تکون کالحرمة حال الحیض.(1)

الجاریة، أخرج منه البالغة تسعاً.

و أما الحرمة الأبدیة فقد أخذ فی المرسل - المجبور - بعمل الأصحاب و بخفة الإرسال - عنوان قبل أن تبلغ تسع سنین بخلاف الدیة، فإنه أخذ فی موضوعها «التی لم تبلغ تسع سنین» أی عنواناً عدمیاً، و من ثمّ فرق الماتن بین الحرمة الأبدیة و بقیة الأحکام.

و قد أشکل علی ذلک غیر واحد من المحشین و الشراح، بأن القبلیة لا تنفک عن البعدیة فلا یمکن أخذها موضوعاً لتحقق الحرمة الأبدیة وجداناً، لو کانت البنت ثمان سنین مع أنه لم تتحقق البعدیة حین الثمان. و فیه:

إن هذا إشکال شائع فلسفی فی کیفیة تلازم المتضایفین فی الأمور التدریجیة المتصرمة، و قد أجیب عنه بأجوبة عدیدة، بحیث یصور صدق أحد العنوانین من دون الآخر، فالأولی فی رفع الید عن القبلیة ببیان آخر، و هو أن القبلیة أخذت فی معتبرة برید بن معاویة مع أنه فی صحیح حمران أخذ العنوان العدمی «لم تبلغ تسعاً» مما ینبه علی أن الموضوع لجمیع الأحکام واحد و هو المرکب من سلب بلوغ التسعة، فالاحتیاط فی الحرمة الأبدیة لا یترک.

بل إن استصحاب الصغر أو قبل التسع کان متیقناً بنحو القید النعتی، فیستصحب و لیس من تبدل الموضوع.

(1) ما ذکره الماتن بناءً علی أن الحرمة تکلیفیة لا وضعیة و قد عرفت فی المسألة الثانیة أن الأقوی بناء علی المشهور أنها وضعیة، فلا تترتب آثار بقاء الزوجیة.

ص:148

سقوط الإنفاق علیها ما دامت حیة بالنشوز

(مسألة 10): فی سقوط وجوب الإنفاق علیها ما دامت حیة بالنشوز إشکال، لاحتمال کون هذه النفقة لا من باب إنفاق الزوجة، و لذا تثبت بعد الطلاق، بل بعد التزویج بالغیر، و کذا فی تقدّمها علی نفقة الأقارب و ظاهر المشهور إنها کما تسقط بموت الزوجة، تسقط بموت الزوج أیضاً، لکن یحتمل بعیداً عدم سقوطها بموته، و الظاهر عدم سقوطها بعدم تمکنه و تصیر دیناً علیه، و یحتمل بعیداً سقوطها و کذا تصیر دیناً إذا امتنع من دفعها مع تمکنه إذ کونها حکماً تکلیفیاً صرفاً بعید. هذا بالنسبة إلی ما بعد الطلاق، و إلاّ فما دامت فی حبالته الظاهر أن حکمها حکم الزوجة.(1)

(1) تقدّم الحدیث فی المسألة الثانیة علی أن هذه النفقة و الإجراء فی باب التغریم و لا یسقط بالبینونة فضلاً عن النشوز، بل و کذا بعد التزویج بالغیر و إن أشکل علی الصورة الأخیرة، بأن التعلیل فی صحیح حمران بأنه عطلها عن الأزواج ینتفی.

و فیه: إن التعلیل الوارد فی الصحیحة بضمیمة أفسدها فلا ینفرد بالتعلیل، مضافاً إلی التعلیل ورد فی تغریم الدیة لا تغریم الإجراء، هذا فضلاً فی کونه ظاهراً فی حکمة التغریم. ثمّ إن ظاهر التعبیر فی صحیحة الحلبی إنه دین فی الذمة و لا ریب فی أن منتهاه موت الزوجة إلاّ أن الکلام فی سقوطه فی موت الزوج کما هو الحال فی نفقة الزوجة، فقد یقال بعدم السقوط بتقریب أنه دین یقدر بامتداد حیاتها فی ذمته یخرج من أصل الترکة.

و فیه: إن ظاهر عنوان الإجراء أن حاله حال العیلولة أی: ما دام الزوج

ص:149

حیّاً و الدین متجدد حدوثه، لا أنه من الأوّل یثبت نفقتها مدی الحیاة نظیر تجدد اشتغال ذمة الزوجة بنفقة الزوجة.

و من ثمّ عبر فی صحیح حمران أیضاً بأنه إن أمسکها حتی تموت فلا شیء علیه أی: أمسکها فی عیلولته بمعنی العیلولة کما مر، فالأظهر ما ذهب إلیه ظاهر المشهور.

ص:150

فصل: فی عدد الأزواج

اشارة

لا یجوز فی العقد الدائم الزیادة علی الأربع حراً کان أو عبداً و الزوجة حرة أو أمة، و أما فی الملک و التحلیل فیجوز و لو إلی ألف. و کذا فی العقد الانقطاعی و لا یجوز للحر أن یجمع بین أزید من أمتین و لا للعبد أن یجمع بین أزید من حرتین. و علی هذا فیجوز للحر أن یجمع بین أربع حرائر أو ثلاث و أمة و للعبد أن یجمع بین أربع إماء أو حرة و أمتین أو حرتین، و لا یجوز له أن یجمع بین أمتین و حرتین أو ثلاث أو أربع حرائر أو ثلاث إماء و حرة، کما لا یجوز للحر أیضاً أن یجمع بین ثلاث إماء و حرة.(1)

حکم عدد الزوجات و الإماء

اشارة

(1) تعرّض الماتن لأمور:

الأمر الأوّل: حصر عدد الزوجات فی الدائم بالأربع

حصر العدد فی العقد الدائم علی الأربع و هو محل اتفاق بین المسلمین، و فی کنز العرفان نقل عن القاسمیة من الزیدیة جواز التسع، لمکان «الواو)فی

ص:151

الآیة، و عن الفتح القریب حکایته عن بعض الناس تمسکاً بالإطلاق، و لأن النبی(صلی الله علیه و آله) قد تزوج تسعاً و الأصل عدم الخصوصیة.

و یدل علیه قوله تعالی: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتامی فَانْکِحُوا ما طابَ لَکُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنی وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ ذلِکَ أَدْنی أَلاّ تَعُولُوا) (1) و وجه دلالة الآیة من الحصر لیس هو مفهوم العدد بمفرده، بل لقرینة أخری و هی کون الآیة فی مقام التحدید و البیان، و یشهد لذلک إن أصل تحلیل النکاح قد ورد فی آیات أخری، فالعنایة الخاصة فی دلالة الآیة إنما هو فی تحدید الحلیة بهذا العدد. و الوجه فی مجیء الواو دون أو فی الآیة، مع إن المراد منها الجمع فی الحکم لا الجمع فی الموضوع، لأنه لو أُتی ب- (أو) فیها لتوهم عدم جواز تبدیل صاحب الاثنتین بزیادته ثالثة و لا رابعة و عدم تبدیل صاحب الأربع أو الثلاث إلی أنقص من ذلک لما ذکره السیوری. أو کما فی الکشاف إنه یوجب الإیهام بأن یختار عموم الناکحین نوعاً من العدد دون الآخرین، لأن معنی مثنی جنس الثنائی و معنی ثلاث جنس الثلاثی و إن معنی رباع جنس الرباعیات، فالواو و للجمع فی الحکم للجمع بالمتعلق.

و أما الروایات فمستفیضة، منها:

1 - صحیحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) «قال: إذا جمع الرجل أربعاً و طلق إحداهن فلا یتزوج الخامسة حتی تنقضی عدّة المرأة التی طلق، و قال: لا یجمع ماؤه فی خمس»(2) و هی مع غض النظر عن حلیة

ص:152


1- (1) النساء: 3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب2 ح1.

استبدال الرابعة بخامسة بالطلاق أو بانتهاء العدّة، دالة علی إن العدد السائغ هو أربعة.

2 - معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا(علیه السلام) فی کتابه للمأمون قال «و لا یجوز الجمع بین أکثر من أربع حرائر»(1) و مثل صحیحة زرارة و محمد بن مسلم صحیح محمد بن قیس(2) و صحیح زرارة(3) و موثّق عمار(4) و غیرها من الروایات الواردة فی عدم جواز زواج الخامسة إلاّ بعد انقضاء عدّة المطلقة.

و کذا صحیح جمیل بن دراج عن أبی عبد الله(علیه السلام) )فی رجل تزوج خمساً فی عقدة، قال: یخلی سبیل أیتهن شاء و یملک الأربع(5) و کذا صحیح عنبسة بن مصعب: «فیمن کان عنده ثلاثة نساء فتزوج علیهن اثنین فی عقدة»(6) و کذا ما ورد فیمن أسلم و عنده أکثر من أربع إن علیه إن یفارق ما زاد علی الأربع(7) و کذا ما سیأتی فی المتعة إنها لیست من الأربع(8).

و إطلاق الأدلة شامل لما لو کان الزوج حراً أو عبداً و الزوجة حرة أو أمة.

ص:153


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب2 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب2 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب3 ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب3 ح5.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4 ح1.
6- (6) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب5 ح1.
7- (7) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب4.
8- (8) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب4 ح6.
الأمر الثانی: فی الملک و التحلیل و العقد المنقطع

ذکر فی کنز العرفان الإجماع علی عدم الحصر فی المتعة، و حکی عن ابن إدریس أیضاً، و لکن عن ابن البراج أنه خالف فی ذلک، و استشکل الشهید فی الروضة عدم الحصر، و یدل علی الجواز صحیح عمر بن أذینة سألته(علیه السلام) «کم یحل من المتعة قال: فقال هن بمنزلة الإماء»(1) و فی صحیح زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام)سألته ما یحل من المتعة قال: کم شئت. و أیضاً صحیحه الآخر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: ذکرت له المتعة هی من الأربع؟ فقال: «تزوج منهن ألفاً فإنهن مستأجرات»(2) و مثلها صحیح إسماعیل بن الفضل الهاشمی(3) و مثله صحیح الفضیل بن یسار. نعم فی موثّق عمار الساباطی عن أبی عبد الله(علیه السلام) عن المتعة فقال: «هی أحد الأربع»(4).

و مثلها صحیح أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی(5). و مثلهما صحیح أبی بصیر(6) إلاّ إنها محمولة علی التقیة، لصحیحة الآخر عن أبی الحسن الرضا(علیه السلام) قال: قال أبو جعفر(علیه السلام) «اجعلوهن من الأربع )فقال له صفوان بن یحیی علی الاحتیاط؟ قال: نعم»(7) و المراد من ذلک الحیطة علی نفسه من تشهیر العامة. و مفاد الروایات إلحاق هذا النمط فی هذا الزواج بملک الیمین

ص:154


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب4 ح3 و ب26 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب4 ح8.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4 ح12.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4، ح10.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4، ح12.
6- (6) وسائل الشیعة، أبواب استیفاء العدد ب3 ح4.
7- (7) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4 ح9.

فی هذا الحکم. و تعلیل ذلک بأن الزوج فی المتعة قد ملک المنفعة المحدودة فشابهه ملک الیمین; لأنه فی ملک الیمین هو ملک للمنافع حقیقةً. و کذا التعلیل فی بعض الروایات إنها لا تطلق و لا ترث(1) و کذا ما ورد فی جواز تسری العبد(2) ما شاء من الإماء مع إذن مولاه.

الأمر الثالث: عدم جواز جمع الحر لأکثر من أمتین

إنه لا یجوز للحر أن یجمع بین أکثر من أمتین، کما لا یجوز للعبد أن یجمع أکثر من حرتین مع حساب ذلک منهما من العدد المعتبر، و کل منهما حکی علیه الإجماع، و یدل علیه صحیح محمد بن مسلم عن أحدهما(علیه السلام) قال: )سألته عن العبد یتزوج أربع حرائر قال: لا و لکن یتزوج حرتین و إن شاء أربع إماء»(3)، و مثله صحیح حماد بن عیسی و صحیح زرارة و صحیح الحسن بن زیاد، و یستفاد من هذا التقابل إن الحرة بمنزلة أمتین إذ هو مقتضی التقابل، لا سیما بضمیمة ما فی مجمل أحکام العبید أنهم علی نصف أحکام الأحرار و الحرائر.

و الحصر فی التقسیم إنما هو بلحاظ عدم زیادة الاثنین فی طرف الحرة و عدم زیادة الأربع فی الأمة، لا أنه فی صدد حصر التزویج بالصورتین، فإنه من الضروری جواز زواجه بواحدة، فالروایة لیست فی صدد إن تزوجه إما بجنس الحرائر فقط أو بجنس الإماء فقط، أی فی کونها مانعة جمع. و لذلک اقتصر فی بعض الروایات علی نفی الزیادة عن الحرتین من دون ذکر الإماء.

ص:155


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4 ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب4 ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب8.

و أما عدم زیادة الحر علی التزویج بأمتین فیدل علیه صحیحة أبی بصیر عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانیة له أن یتزوج علیها یهودیة؟ فقال: إن أهل الکتاب ممالیک للإمام و ذلک موسع منا علیکم خاصة، فلا بأس أن یتزوج، قلت: فإنه یتزوج علیهما أمة؟ قال: لا یصح له أن یتزوج ثلاث إماء»(1)و التعبیر بالروایة ب- (لا یصلح) لا یخدش فی الدلالة و ذلک لکثرة التعبیر به فی الروایات عن فساد المعاملة و العقد کما یجده المتتبع فی أبواب المعاملات، ثمّ إن عموم التحدید بالأربع محکم علی الحر و العبد و علی الحرائر و الإماء فمن ثمّ ینضم فی البین شرطین و مقتضاهما هو ما ذکره الماتن من الصور فی المتن، فیسوغ للحر أن یتزوج بأربع حرائر أو ثلاث و أمة أو حرتین و أمتین، و للعبد أن یجمع بین أربع إماء أو حرة و أمتین أو حرتین، و لا یجوز للحر إن یجمع بین ثلاث إماء، کما لا یجوز للعبد أن یجمع بین أمة و حرتین فضلاً عن أمتین و حرتین، کما لا یجوز له الزیادة علی حرتین، و لا یجوز له أن یجمع بین ثلاث إماء و حرة. ثمّ إنه قد روی العیاشی فی تفسیره مرسلاً عن عباد بن صهیب عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «لا ینبغی للرجل المسلم أن یتزوج من إماء إلاّ مَن خشی العنت، و لا یحل له من الإماء إلاّ واحدة»(2) و هی مضافاً إلی ضعف السند، الظاهر من مفادها هو إن وجه الحصر فی الواحدة من جهة اشتراط عدم الطول و خوف العنت، لا من جهة العدد فی نفسه و هذا الاشتراط یأتی بحثه.

و نسب إلی ابن الجنید و ابن أبی عقیل عدم جواز التزویج أکثر من أمة

ص:156


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب2 ح2.
2- (2) مستدرک الوسائل، المحدث النوری أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب41 ح1.

واحدة، محتجین بزوال خوف العنت.

ثمّ إن مقتضی صحیح أبی بصیر عدم جواز التزویج بالکتابیة أکثر من اثنین، و الظاهر من مورده أنه فی الدائم، و المشهور عدم جواز الدائم بالکتابة، و إنما یسوغ المنقطع و هو لا یحد بعدد. و قد أشار المجلسی فی مرآة العقول(1) علی أن الصحیحة دالة علی أن حکم الکتابیة فی ذلک حکم الأمة، و أنه لا یصلح تزویج کتابیتین و أمة، إلی أن قال: و لم أر شیئاً من تلک الأحکام فی کلام الأصحاب إلاّ ما ذکرنا سابقاً من الجامع من أن مَن جوز نکاح الکتابیة جعلها فی الأحکام کالأمة و ظاهر الکلینی العمل بذلک.

و کان المجلسی قد نقل قبل ذلک فی ذیل الحدیث الرابع من نفس الباب قول صاحب الجامع و من أجاز من أصحابنا تزویج الکتابیات جعلهن کالإماء فلا یتزوج کتابیة علی حرة مسلمة، و قال فی المختلف قال الصدوق و لا یتزوج الیهودیة و النصرانیة علی حرة متعة و غیر متعة و الوجه الکراهیة، ثمّ حمل أمثال هذه الروایة علی الاستحباب و النکاح الدائم.

هذا؛ و مقتضی الصحیحة: لا یسوغ الزواج بأکثر من کتابیتین فی الدائم علی القول بجوازه بالکتابیة، و حمل ذیل الروایة الواردة فی الجمع فی التزویج بین الکتابیة و المسلمة علی الندبیة لو سلم به لا یقضی بالندبیة فی الصدر، لا سیما و أن عمدة دلیلهم علی عدم جواز تزویج الحر بأکثر من أمتین هو هذه الصحیحة. بل قد یقال: إن عدّ الکتابیة من الإماء فی تزویج الدائم یلحقها بها فی شرطیة عدم الطول و العنت، فإن قوله تعالی: (وَ مَنْ لَمْ یَسْتَطِعْ مِنْکُمْ طَوْلاً أَنْ یَنْکِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُکُمْ مِنْ فَتَیاتِکُمُ الْمُؤْمِناتِ وَ اللّهُ أَعْلَمُ

بِإِیمانِکُمْ بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْکِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَیْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَیْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَیْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَی الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِکَ لِمَنْ خَشِیَ الْعَنَتَ مِنْکُمْ وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَیْرٌ لَکُمْ) (2) و الآیة الکریمة و إن کانت فی صدد شرطیة الزواج بالإماء من جهة أخری لا فی صدد بیان العدد إلاّ إن مفادها یعاضد إجمالاً کون التزوج بالإماء لا یندرج فی عمومات النکاح و عموم الأربعة ابتداءً.

ص:157


1- (1) مرآة العقول، ابن شعبة الحران، ج2 ص70 باب نکاح الذمیة.
2- (2) النساء: 25.

إذا کان العبد مبعّضاً أو الأمة مبعّضة

(مسألة 1): إذا کان العبد مبعّضاً أو الأمة مبعّضة ففی لحوقهما بالحر أو القنّ إشکال، و مقتضی الاحتیاط أن یکون العبد المبعّض کالحر بالنسبة إلی الإماء، فلا یجوز له الزیادة علی أمتین، و کالعبد القن بالنسبة إلی الحرائر فلا یجوز له الزیادة علی حرتین و أن تکون الأمة المبعضة کالحرة إلی العبد و کالأمة بالنسبة إلی الحر، بل یمکن أن یقال إنه بمقتضی القاعدة بدعوی أن المبعّض حر و عبد فمن حیث حریته لا یجوز له أزید من أمتین و من حیث عبدیته لا یجوز له أزید من حرتین و کذا بالنسبة إلی الأمة المبعضة، إلاّ أن یقال أن الأخبار الدالة علی أن الحر لا یزید علی أمتین و العبد لا یزید علی حرتین منصرفة إلی الحر و العبد الخالصین و کذا فی الأمة، فالمبعض قسم ثالث خارج عن الأخبار، فالمرجع عمومات الأدلة علی جواز التزویج، غایة الأمر عدم جواز الزیادة علی الأربع، فیجوز له نکاح أربع حرائر أو أربع إماء،

ص:158

لکنّه بعید من حیث لزوم کونه أولی من الحر الخالص، و حینئذ فلا یبعد أن یقال أن المرجع الاستصحاب و مقتضاه إجراء حکم العبد و الأمة علیهما، و دعوی تغیر الموضوع کما تری، فتحصل أن الأولی الاحتیاط الذی ذکرنا أولاً و الأقوی العمل بالاستصحاب و إجراء حکم العبید و الإماء علیهما.(1)

(1)قد یقرّب الحال فی العبد المبعّض أو الأمة المبعضة بأن جهة المانعیة تغلب علی غیرها، سواء کانت جهة المانعیة الرقّیة أم الحریة، بتقریب أن العمومات تقتضی الجواز، إلاّ أن المانع بمنزلة المخصص، و إطلاق المخصص مقدّم علی عموم العام، ففی مورد الزواج بالحرة لم یؤخذ فی العموم الحریة، و إنما جعل الرقیة مانعاً مخصصاً، فیتمسک بإطلاقها لموارد الرقیة فی البعض، و کذلک الحال فی التزویج بالأمة فإنه مطلق قد جعلت الحریة مانعة عن الأخذ فوق الاثنتین، فیتمسک بإطلاقها لموارد الحریة فی البعض، و دعوی الانصراف فی عنوان المانع بما إذا کان خالصاً یدفعه الإطلاق و عدم المنشأ المعتد به للانصراف، لکن حیث یتکون لدینا علم إجمالی بسقوط أحد الملاقی المخصص للعام الإجمالی بعدم اندراج المبعض تحت کلا المانعین، لاستلزامه کون المبعض أسوأ حالاً من القن أو أفضل حالاً من الحر، فالنتیجة تساقط إطلاقات المخصص و إطلاقات العمومات أیضاً، و مقتضی الأصل العملی المسببی فی العقد الفساد، و أما الأصل السببی الجاری فی الموضوع فالتمسک به لا یخلو من إشکال، لتبدّل الموضوع عرفاً، لما عرفت من استلزامه الأسوئیة أو الأفضلیة، مع إن التبعیض

ص:159

لو کان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء

(مسألة 2): لو کان عبد عنده ثلاث أو أربع إماء فأعتق و صار حراً لم یجز إبقاء الجمیع; لأن الاستدامة کالابتداء، فلا بدّ من طلاق الواحدة أو الاثنتین. و الظاهر کونه مخیراً بینهما کما فی إسلام الکافر عن أزید من أربع. و یحتمل القرعة و الأحوط أن یختار هو القرعة بینهن. و لو أعتقت أمة أو أمتان فإن اختارت الفسخ - حیث إن العتق موجب لخیارها بین الفسخ و البقاء - فهو و إن اختارت البقاء یکون الزوج مخیراً، و الأحوط اختیاره للقرعة کما فی الصورة الأولی.(1)

فی بعض الأبواب تارة یلحق بالحریة و تارة بالرقیة، کما فی حکم وطی الأمة المبعضة و کما فی حکم تزوج العبد المبعض بسیدته.

(1) تحقیق الحال:

أن مجموع ذلک هو الابتداء و البقاء، و حمله علی التعبد الخاص لا یستقیم مع جملة من الوجوه التی ذکروها للبطلان، حیث قرروا البطلان من باب امتناع التعیین، و قد یعارض ذلک الاستدلال بما ورد فیمن تزوج واحدة من بنات رجل و لم یسمها وقت العقد، أنه إن کان الزوج لم یرهن کلهم، و لم یسم له واحدة منهن عند عقدة النکاح فالنکاح باطل کما فی صحیح أبی عبیدة.(1)

و فیه: إن ظاهر الصحیحة فی وجه البطلان من جهة تردّد الزوجة بین مَن رآهن و بین من لم یرهن و هو یوجب الجهالة بعد عدم التسمیة، و من ثمّ صح عقده علی إحداهن مع رؤیته لهن کلّهن، کما فی صدر الصحیحة، بل إن

ص:160


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح باب 15.

الصدر یستدل به للمطلوب. و نظیر ذلک ما ورد فی عقد الأب و الجد علی البنت إنه یقدّم عقد الجد(1)، و هی و إن کانت فی بیان أولویة الجد، إلاّ أنها لا تخلو من إشعار لمورد توارد الأسباب، و کذلک یدل علیه ما ورد فی تزویج الأخوین ابنة أخیهما إنها تختار أیهما أحب إلیها، کما فی صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع(2)، و یؤیّده ما ورد فی الصحیح إلی ابن مسکان فی تزویج الأخوین الأکبر و الأصغر لأختهما من أنه یقدّم الأکبر ما لم یکن الآخر قد دخل بها(3)، فإن التفصیل یفید إن مقتضی الصحة بنحو التوارد موجود فی العقدین، ثمّ إنه بعد تقرر أصل الصحة یقع الکلام فی أن الحکم حینئذ هو التخییر کما هو مفاد هذه الطوائف من الروایات، أو القرعة کما هو مفاد روایاتها و حیث إن البعض استدل لأصل الصحة بروایات القرعة الجاریة فی الشیء الغیر معین فی الواقع أیضاً، فجعل الحکم فی المقام مشمولاً لعمومات القرعة للدلالة علی أصل الصحة و للدلالة علی إن الحکم هو التعیین بالقرعة. و الروایات التی استدل بها هی صحیحة إبراهیم بن عمر عن أبی عبد الله(علیه السلام) سألته عن رجل قال: أول مملوک أملکه فهو حر، فورث ثلاثة؟ قال: «یقرع بینهم فمن أصابه القرعة أعتق، قال: و القرعة سنة»(4) و مثله صحیح الحلبی(5) و موردها الشیء غیر المعین فی الواقع،

کما إن التعبیر فی ذیلها بأنها سنة یقتضی العموم لغیر المورد، و لک أن تقول: إن الشیء غیر المعین فی الواقع

ص:161


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح باب11.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح باب8 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح باب7 ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم ب13 ح2.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم ب13 ح5.

و إن أدرجه المشهور فی الشبهة الموضوعیة، إلاّ أنه فی الحقیقة من الشبهة الحکمیة، إذ بعد عدم تعیین الشیء واقعاً لا یکون الالتباس و الشک من جهة الموضوع، بل من جهة الحکم، و لک أن تقول أیضاً: إنه من بیان الحکم الشرعی الکلّی فی عموم موارد التوارد، و بالتالی تکون الصحیحة دالة علی مقتضی القاعدة فی موارد التوارد، و أنه لیس التعارض و التساقط، بل فعلیة أحد الطرفین، و أن تعیینه بواسطة القرعة.

و صحیحة منصور بن حازم قال سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله(علیه السلام) عن مسألة فقال: «هذه تخرج فی القرعة( ثمّ قال: «فأی قضیة أعدل من القرعة إذا فوّضوا أمرهم إلی الله عز و جل، أ لیس الله یقول (فَساهَمَ فَکانَ مِنَ الْمُدْحَضِینَ) »(1) بل الاستدلال بکل من الآیة و الصحیحة، إذ الآیة واردة فی مشروعیة القرعة، لکن الاستدلال علی المقام لا یخلو من نظر، لما ورد فی صحیح جمیل فی تفسیر علی بن إبراهیم فی ذیل الآیة إن أصحاب السفینة مع النبی یونس قد علموا من اعتراض الحوت لهم إن فی السفینة عاص. فلم یکن مورد الآیة الشیء غیر المعین فی الواقع. نعم فی حسنة محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی الرجل یکون له المملوکون فیوصی بعتق ثلثهم، قال «کان علی(علیه السلام) یسهم بینهم»(2)، حیث إن مصداق الثلث لم یکن معیناً بحسب الواقع. و استدل أیضاً بحسنة محمد بن حکیم، حیث ورد فیها: «کلّ مجهول ففیه القرعة»(3) بدعوی شمول المجهول للمقام، و علی ضوء ذلک تکون أدلة

ص:162


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم ب13 ح17.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم ب13، ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم ب13، ح11.

القرعة دالة علی حکم تعیین ما لیس له تعین فی الواقع مع کون الحکم فی الأصل لا بدّ من ترتبه علی أحدهما بعینه، فتکون دالة علی عموم حکم التوارد.

نعم قد یقال: إن أدلتها هی فی مورد حکم التوارد فی حقوق الناس، لا فی الحقوق الإلهیة، و من ثمّ ورد فی السنة روایاتها إنها لا تکون إلاّ للإمام، أی إنها من شئون القضاء، لکن قد ورد أیضاً فی تعیین الشاة الموطوءة کما أنه قد وردت فی نذر عبد المطلب إذا رزقه الله غلاماً یذبحه ففداه بمائة من الإبل عند ما خرج السهام علیها. نعم لیس فی عموم الأدلة ما یشمل حقوق الله محضة، و من ثمّ بنوا علی أصالة التخییر فیها، و علی أی تقدیر فإن المقام من توارد فی حقوق الناس، فهل یؤخذ بعمومات القرعة أم یتعدّی بما ورد فی مسائل النکاح المتقدّمة من الجمع بین الأختین و فیمن أسلم علی أکثر من أربع و فیمن تزوج أکثر من خمسة بعقدة واحدة؟ و الأقرب هو التخییر لظهور عدم الخصوصیة فی تلک الموارد، لا سیما و أنها اشتملت علی ما کان التوارد فی الأسباب حدوثاً، و اشتملت أیضاً علی ما کان التوارد بین الأسباب بقاءً، نعم لا یمنع ذلک من الاحتیاط، بأن یختار القرعة، هذا کلّه فی الشق الأوّل فی المسألة و هو ما لو أُعتق العبد.

و أما الشق الثانی و هو ما لو أُعتقت الأمة أو الأمتان فحقّها فی الفسخ مقدّم علی حقّه فی الاختیار، بل لو کانت الأمة بمفردها زوجة له ثمّ أُعتقت کان لها حق الخیار أیضاً، فإن اختارت الفسخ فتخرج من أطراف تخییر الزوج، و إن اختارت البقاء فیندرج هذا الشق تحت الشق الأوّل.

ص:163

إذا کان عنده أربع و شک بالعقد الدائم أو بعقد الانقطاع

اشارة

(مسألة 3): إذا کان عنده أربع و شک إن الجمیع بالعقد الدائم و البعض المعین أو غیر المعین منهن بعقد الانقطاع، ففی جواز نکاح الخامسة دواماً إشکال.(1)

(1) التحقیق:

قاعدة فی وحدة ماهیة النکاح

حکی ذهاب المشهور إلی انقلاب العقد إلی الدائم إن لم یذکر الأجل، بل حکی علیه الإجماع، بل عن کشف اللثام و المسالک الجزم بذهاب المشهور إلی ذلک و إن کان مقصوداً له المنقطع. نعم حکی صاحب الجواهر أنهما أشکلا ذلک الحکم. و عن ابن إدریس التفصیل فإن کان الإیجاب بلفظ التزویج و النکاح فینقلب، و إن کان بلفظ التمتع فیبطل، و أن اللفظین الأولین صالحان لهما بخلاف الثالث، فإنه مختص بالمتعة. و قیل بالفرق بین تعمّد ترک الأجل فینعقد دائماً و بین الجهل به و نسیانه فیبطل، بدعوی ظهور العمد فی إرادة الدوام.

و مال صاحب الجواهر إلی المشهور إلاّ أنه لم یستبعد البطلان مع قصد الانقطاع من نفس الصیغة، بحیث یکون ذکر الأجل قرینة علی الاستعمال أی لا من باب تعدد الدال و المدلول، لأنه لم یقصد مطلق النکاح حینئذ و علیه یحمل مضمر سماعة.

فالاختلاف واقع فی إن ماهیة المنقطع و الدائم نوع واحد و الاختلاف فی الطوارئ و العوارض و الأحوال أی صنف، أو إن الاختلاف بینهما فی النوع أو

ص:164

إن التعبد قد ورد بأن عدم ذکر الأجل و لو غفلة موجب لقلب النکاح دائماً، ثمّ علی القول بوحدتهما فی الماهیة النوعیة یترتب إن عنوان المنقطع و الدائم عنوانان صنفیان و أن هذا التصنیف هو آت من الاشتراط الزائد علی أصل الماهیة، و بالتالی فإن الاشتراط هو سبب لاختلاف الآثار المترتبة علی العقد من الطلاق أو عدمه و الإرث و عدمه و بقیة الحقوق.

ثمّ إنه علی قول المشهور هل هذا یطّرد فی صیاغات الشروط الأخری، کما هو جار الآن عند بعض أبناء المذاهب الإسلامیة الأخری من زواج المسیار، حیث یشترط فیه عدم النفقة و إسقاط الحقوق من الطرفین و یفسخ بالطلاق، و کذا عندهم الزواج فی نهایة الأسبوع و بالتبانی علی عقد النکاح و عدم الدخول مثلاً ثمّ الطلاق بعده بیومین، و لهذا ما یقال بالزواج العرفی بغض النظر عن صیغة الشروط المأخوذة فیه إنما الکلام بنحو الإجمال - و کذا ما یقال بالزواج المدنی، هذا بعد الفراغ عن کون الشروط فی هذه الأقسام الجدید أن لا تکون مخالفة للکتاب و السنة، فالمدار فی تنقیح الأقسام علی بیان الجامع من الماهیة النوعیة للنکاح و إن مقتضی الشروط فی الصیغة إنما تشکل العناوین الصنفیة بعد کونها شروطاً محللة. و العمدة بعد صحة مبنی المشهور تنقیح عدم مخالفة الشروط للکتاب و السنة فی تلک الأقسام، و المهم فی المقام هو البحث عن وحدة الماهیة نوعاً، و أما حکم الشروط فی کلّ قسم فیأتی فی محلها.

و یمکن أن یقرر مقتضی القاعدة کما فی الجواهر و غیره: إن الجامع بین الدائم و المنقطع لا ریب فی تقرره و هو معنی الزوجیة و الاقتران و تملیک البضع بالمهر، فیبقی الکلام حول الدیمومة و الانقطاع کما هو مقتضی الحصر

ص:165

فی القسمین فی قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلی أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَکَتْ أَیْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَیْرُ مَلُومِینَ) مضافاً إلی عموم عنوان الزوجیة لکلّ من القسمین إلاّ ما استثنی بالدلیل، مضافاً إلی إنشائهما بالألفاظ المشترکة، کما هو الحال فی إنشاء أقسام البیع من السلم و النقد و النسیئة بألفاظ ماهیة مشترکة، و اختلاف الآثار مترتب علی الشرائط المأخوذة فی صیغة کلّ من الأقسام، و أما الدیمومة و الانقطاع منهما کما قرر فی البیع أنه مقتضی نفس العقد ما لم یأت رافع موجب للفسخ و إلا فالدیمومة لیست مأخوذة فی ماهیة البیع المستعمل فیها لفظه و لیست منشأه بالذات، بل حال الدیمومة فی جملة عدیدة من العقود و الایقاعات کذلک، بینما التحدید هو الذی یحتاج إلی التقیس فی اللفظ کما ستأتی دلالة الروایات علی ذلک أیضاً.

نعم قد یقال: انه قد ورد تشبیه العقد المنقطع بانهن مستأجرات کما فی قوله تعالی: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فیقال حینئذ إن الاختلاف بین الدائم و المنقطع کالاختلاف بین البیع و الإجارة فإن البیع و الإجارة و إن اشترکا فی أصل التملیک للمنفعة، إلاّ إن قوام الإجارة بذکر الأجل و التقدیر للمنفعة و لا ریب فی تباینهما فی الماهیة النوعیة لا الصنفیة، فهذا البیان یدعم القول المخالف للمشهور.

و فیه: إن البیع و الإجارة علی قول یشترکان فی الماهیة من کون کلّ منهما تملیک للعین، غایة الأمر إن الإجارة تملیک للمنفعة علی نحو خاص أو فی جهة خاصة مقدرة، و من ثمّ ورد بکثرة فی الروایات استعمال لفظ البیع فی باب الإجارة، فالحال فی الإجارة کذلک إذا أنشأت بلفظ البیع لا بدّ أن تقدّر و تقیّد و یشترط جهة التملیک و نحوه، و إلا کان مقتضی لفظ البیع هو

ص:166

التملیک علی نحو الإطلاق.

و ما یشکل من إن العقود تابعة للقصود فإذا لم یقصد الدائم، و کان قد قصد المنقطع إلاّ أنه سهواً لم یقید بالشرط فیقع دائماً، فیکون ما قصد لم یقع و ما وقع لم یقصد، و هل یظن ظاناً إن من قصد الإجارة بلفظ البیع و سهی عن التقیید بالمدة أنه یقع بیعاً علیه؟ مع أنه من الوضوح بمکان إن البیع غیر الإجارة، هذا مع لزوم الضرر.

فیجاب: بأن العقود اللازم توفرها فی صحة العقود هی قصد ماهیة العقود و الأرکان المتقومة بها، و أما قصد الشروط الخارجة عن ماهیة المعاملة فلیس دخیلاً فی صحة المعاملات و إن کان السهو و الغفلة فیها قد یکون مضراً مالیاً، و مجرّد تفاوت القیم المالیة لا یدلّ علی تباین ماهیة المعاملتین ذات القیمتین، أ لا تری إن السلم یفترق عن النقد فی القیمة و مع ذلک فالسهو فی ذکر شرطیة الأجل لا یبطل البیع، بل غایة الأمر إنه یقع نقداً، و لو افترض تضرر أحد المتعاقدین مع سهوه و غفلته، فغایة ما یثبت خیار الغبن من دون بطلان العقد. و العمدة ملاحظة النسبة بین ماهیات العقود، فقد تکون النسبة من قبیل الجنس و النوع أو من قبیل النوع و الصنف، لا سیما إذا کانت الماهیة المعاملیة الثانیة هی بتوسط إضافة بعض الشرائط کأجزاء. و فی بیئة المعاملات و التعارض العقلانی إنما تستحدث المعاملات الجدیدة عبر طریق زیادة الشروط علی معاملة تقلیدیة سابقة، و الشروط تستحدث بحسب الأغراض و الحاجیات فی البیئة المعاملیة علی صعید التعارض علی الحاجات و الأشیاء، غایة الأمر أن التشارط الذی یضاف إلی الماهیة السابقة یندمج ماهویّاً مع المعنی السابق فی إطار معنی فردی فی الذهن، و یتم ذلک بتعمّل

ص:167

من عالم الذهن و قدرة الفرض فی الاعتبار، أی القدرة علی الدمج بین المعانی فی کتلة معنی وحدانیاً، فی قبال قدرة الذهن و الغرض الاعتباری علی فتق المعنی الوحدانی إلی معان مفصلّة متکثّرة متعدّدة، فخذ مثلاً أصل تملیک الشیء فإنه قد ضم إلیه المشارطة بتملیک آخر و هو العوض، فنتجت ماهیة المعاوضة بعد أن کان العقد تملیک مجرّد بسیط، فالمعاوضة لیست إلاّ مشارطة بین تملیکین، ثمّ إن المعاوضة إذا اشترط فیها العین فی المعوّض، عنونت بعنوان البیع، و إذا جعلت المنفعة عنونت بعنوان الإجارة، و اذا جعلت منافع خاصّة عنونت بعنوان المزارعة و المساقاة و نحوها.

ثمّ إن البیع إذا اشترط فیه بعض الشروط من الأجل و نحو ذلک فی أحد الطرفین عنون بعنوان السلم و النسیئة و النقد، و من ثمّ یتبین إن تولّد المعاملات الحدیثة هی بإضافة شروط علی الماهیات المعاملیة الساذجة السابقة التی هی أبسط من الماهیة المعاملیة الترکیبیة الحدثیة، و قد ذکرنا فی فقه الحیل و البنوک إن المشارطة فی العقد تعود فی حقیقتها إلی معاوضة المزادة علی المعاملة السابقة یتبین إنها معاملة جدیدة فوقیة قد انضوت المعاملة السابقة تحتها کضلع من أحد طرفیها، و هذا لا ینافی ما تقدّم تقریره من إن المعاملة السابقة بمنزلة الجنس للمعاملة المتولدة النوعیة.

و علی ضوء کلّ ذلک فالنسبة بین العقد الدائم و المنقطع نسبة الماهیة الجنسیة إلی الماهیة النوعیة أو الماهیة النوعیة إلی الماهیة الصنفیة.

نعم الطبیعة الجنسیة تلقائیاً إذا أنشأت من دون زیادة الشروط و المشارطة تنوجد حینئذ بنحو الماهیة بشرط لا، بخلاف ما إذا زیدت المشارطة، فإنها تکون بنحو البشرط شیء ، و تباین البشرط لا و البشرط شیء

ص:168

لا یوجب کون المعنی و الماهیة فی النحوین من تباین الأنواع، بل هذا التباین قد یفرض فی الماهیات الفردیة مع اتحادهما نوعاً، أو الصنفیة مع اتحادهما نوعاً أیضاً.

و علی ذلک فإذا أنشأ المتکلم باللفظ الموضوع للجنس أو النوع من دون تقییده فلا محالة ینشأ به الماهیة الجنسیة، و لو کان ذلک عن سهو بالتقیید، فإنه لا ینحلّ بالقصد المتوجّه إلی الماهیة الجنسیة، و إن کان هناک خلل فی توجّه القصد إلی الماهیة الفردیة أو الصنفیة، إلاّ إن هذا المقدار من الخلل لا ینحل بتحقّق القصد إلی الماهیة الجنسیة، نظیر ما لو أنشأ شخص البیع بلفظ ملّکت من دون أن یقیّده بعوض سهواً أو استحیاءً، أی من دون أن یقول ملّکتک العین بکذا، فإن ذلک لا یخلّ بوقوع التملیک المجرّد و لا یؤدّی إلی کون الاستعمال مجازی، مع فرض عدم وجود القرینة فی البین علی استعماله المقیّد، سواء من باب تعدد الدال و المدلول أو من باب المجاز.

هذا، و قد یفرّق بین ما إذا کان ذات المشروط رکن آخر فی العقد المرکب کما هو الحال فی العوض، و بین ما إذا لم یکن کذلک، بأن کان ذات المشروط من قبیل التحصیص و التحدید للماهیة السابقة، لا بأن یکون عوضاً مقابل لمعوّض، و لا ریب إن النمط الثانی أوضح فی عدم تخلّف أصل القصد، کما هو الحال فی البیع و السلم و النسیئة و النقد و الدوام و المنقطع، بخلاف النمط الأوّل، کالهبة و البیع، هذا کلّه بحسب مقتضی القاعدة.

ص:169

فائدة فی عدم اعتبار الشروط المتبانی علیها قبل النکاح من دون التصریح بها فی العقد

و أما الروایات فعلی طوائف، منها ما ورد فی ترک ذکر الأصل ینعقد النکاح دائماً کموثّق عبد الله بن بکیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام) «ما کان من شرط قبل النکاح هدمه النکاح و ما کان بعد النکاح فهو جائز» و قال: «إن سمی الأجل فهو متعة، و إن لم یسم الأجل فهو نکاح بات»(1).

و صدر الروایة ظاهر فی تأسیس عموم دال علی عدم نفوذ الشروط التی یتقاول علیها قبل النکاح إذا لم یصرّح بها لفظاً أثناء إنشاء الصیغة، ثمّ ذکر(علیه السلام)تطبیقاً لهذا العموم ذکر الأجل فی النکاح، و من ثمّ لا یکفی التبانی علیه، بل لا بدّ من التصریح به أثناء النکاح کی یقع متعة، و بهذا التقریب فی تطبیق العموم علی شرطیة الأجل فی النکاح تفید الروایة المطلوب الذی نحن فی صدده، و هو لو أنه تشارطا علی الأجل فی المقاولة قبل صیغة النکاح ثمّ لم یذکر الأجل فی الصیغة، فإنه ینعقد نکاحاً باتاً، و بعبارة أخری: إن ذیل الروایة أورده صاحب الوسائل فی ذلک الباب مع حذف صدر الروایة، فتوهم من هذا الذیل أنه(علیه السلام) فی صدد بیان مغایرة المتعة مع النکاح الدائم بذکر الأجل و عدم ذکره، بینما بقرینة صدر الروایة المحذوف یتبیّن أنه(علیه السلام) فی صدد تطبیق العموم الذی ذکره فی صدر الروایة بعد الفراغ عن تباین المنقطع و الدائم بشرطیة الأجل، و إنما هو(علیه السلام) فی صدد بیان أن هذه الشرطیة للأجل المفرّقة بین العقدین إنما تعدّ مشروطة فی العقد إذا ذکرت مع الصیغة، و لا

ص:170


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب20، ح1.

یعتدّ بذکر الأجل و الشرط فی المقاولة قبل العقد مع متارکة ذکره مع الصیغة، فمع هذا التقریب تکون الموثّقة نصّ فیما ذهب إلیه المشهور.

و فی معتبرة أبان بن تغلب، قال: )قلت لأبی عبد الله(علیه السلام) کیف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول أتزوّجک متعة علی کتاب الله و سنة نبیه(صلی الله علیه و آله) لا وارثة و لا موروثة کذا و کذا یوماً، و إن شئت کذا و کذا سنة بکذا و کذا درهماً، و تسمّی من الأجر ما تراضیتما علیه قلیلاً کان أم کثیرة، فإذا قالت نعم فقد رضیت فهی امرأتک و أنت أولی الناس بها، قلت: فإنی أستحیی أن أذکر شرط الأیام؟ قال: هو أضر علیک، قلت: و کیف؟ قال: إنک إن لم تشترط کان تزویج مقام و لزمتک النفقة فی العدّة، و کانت وارثة و لم تقدر علی أن تطلقها إلاّ طلاق السنة(1).

و قد رواها الکلینی بطریقین عن إبراهیم بن الفضل عن أبان و الأول صحیح، و أما إبراهیم بن الفضل فهو و إن لم یوثق إلاّ أن الشیخ قال عنه فی رجاله أسند عنه، أی أنه ممن یروی عنه، و هو یفید قرینة فی الحسن علی الأصح فی معنی هذه اللفظة، مضافاً إلی روایة جعفر بن بشیر عنه، و قد استشعر الوحید فی تعلیقته الوثاقة من ذلک، فلا أقل من الحسن بل فوق الحسن و یکفی ذلک فی اعتبار الروایة، لا سیما و أن الروایة فی عرف الرواة تلمّذ.

و أما دلالة الروایة فهی نص بالمطلوب أیضاً، فإنه بیّن قصده للمنقطع إلاّ أنه لم یذکر شرط الأجل استحیاءً.

ص:171


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب21 ح2.

و قد یقال: إن مفاد هذه المعتبرة فی خصوص مَن کان ملتفتاً إلی شرطیة الأجل و لم یذکره تعمّداً، و لو بداعی الاستحیاء، و هذا بخلاف مَن لم یذکره نسیاناً، و بعبارة أخری: إن مورد الروایة مَن تعمّد بناء اللفظ علی العدم، فکأنه قصد العدم و بنی اللفظ علیه بخلاف الناسی و الغافل؟

فیقال: إن هذا الفرق إن تم فی معتبرة أبان فلیس بتام فی موثّقة ابن بکیر مضافاً إلی ان ما فی معتبرة أبان و ان کان تعمد من جهة الموضوع إلاّ انه ناشئ عن الجهل بالحکم، و بالتالی فلیس عمد تام؛ إذ لیس عامد بالموضوع عالم بالحکم، فالمورد مشوب بالجهل و الغفلة أیضاً بناءه علی کفایة قصد الشرط من دون التصریح له فلم یبن اللفظ علی العدم، أی لم یستعمل الترکیب المجموعی للجملة فی إرادة الدائم بنحو الجد، و لو من باب تعدّد الدال و المدلول، إذ أن المعنی المستعمل فیه النکاح فی القسمین واحد و إنما التغایر آت من ضمیمة الشرط، و هذا بنفسه تقریب آخر لدلالة الموثّقة و المعتبرة سیأتی بیانه فی الطائفة الثانیة، الدالة علی أن قوام التغایر بین القسمین هو لضمیمة لماهیة النکاح لا بنفس الماهیة.

و روایة هشام بن سالم قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام) أتزوّج المرأة متعة مرةً مبهمة؟ قال: )ذاک أشدّ علیک ترثها و ترثک، و لا یجوز لک إلاّ علی طهر و شاهدین قلت: أصلحک الله فکیف أتزوّجها؟ قال: أیاماً معدودة بشیء مسمّی مقدار ما تراضیتم به، فإذا مضت أیامها کان طلاقها فی شرطها و لا نفقة و لا عدّة لها علیک»(1) و الروایة لیس فی سندها ما یتوقف فیه إلاّ موسی

ص:172


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب20، ح3.

بن سعدان الحنّاط و عبد الله بن القاسم الحضرمی، و قد ضعف النجاشی الحناط فی الحدیث، قال: ضعیف فی الحدیث کوفی له کتب کثیرة ثمّ ذکر سنده إلی کتبه، و فیه: الراوی لکتبه محمد بن الحسین بن أبی الخطاب الکوفی الثقة الجلیل و لکن الشیخ فی الفهرست لم یضعفه و سنده إلی کتابه صحیح، عن ابن أبی سعید عن ابن الولید عن الصفار عن ابن أبی الخطاب عن موسی بن سعدان، و یظهر من ذلک اعتماد بن الولید القمی شیخ الصدوق علی کتابه و الصفار، هذا علی ما عرف من تشدّد بن الولید فی الاعتماد علی کتابه مضافاً إلی ابن أبی الخطاب الکوفی، و قال ابن الغضائری ضعیف فی مذهبه و اعترض الولید علی تضعیفه بأن ضعف الحدیث غیر ضعف الرجل و ان نسبة الغلو من القدماء لا یعتنی بها و ذکر جملة من الروایات التی رواها فی المعارف: و قال: لأمثال هذه رمی بالغلو، نظیر أن الأئمة یزدادون علماً فی لیلة الجمعة. و ذکر أن رمیه بالغلو لعلّه لروایته عن عبد الله بن القاسم الحضرمی.

ثمّ ذکر جملة من القرائن للاعتماد علیه، و أما عبد الله بن القاسم الحضرمی، فهو و إن ضعفه ابن الغضائری و النجاشی، و ذکر أنه کذّاب غال و ذکر سنده إلی کتابه و الرمی بالکذب معلول عند القدماء للرمی بالغلو مع التصریح بکلا الصفتین، و جملة روایاته فی المعارف من نفائس الروایات التی یمج من قبولها مذاق الکلام علی النحو السطحی الجاف مثل ما رواه الکافی(1) عنه فی باب أن الأئمة نور الله عز و جل، و ما رواه الصدوق عنه من

ص:173


1- (1) الکافی، الکلینی ج1 ص195.

أنه ینادی یوم القیامة أن علی بن أبی طالب یدخل الجنة من شاء و یدخل النار من شاء(1). و کذلک روی حدیث اللوح فی أسماء الأئمة، و ذکر بعض ذلک النمازی فی مستدرکاته، هذا مع أن الروایة فی المقام لیست فی المعارف، أی لیس فی الباب الذی ضعف فیه الروایات، و هذه نکتة یجدر الالتفات إلیها، و هی أن التضعیف إذا کان مخصوصاً بباب علی تقدیر التسلیم بصحة مدرکه یخص ببابه، کما لو کان التضعیف من جهة المذهب الاعتقادی، أی المسائل الاعتقادیة التی یعتقد بها الراوی أو کان التضعیف من جهة الوقف، أو من جهة مذهب فقهی فی بعض المسائل الفقهیة، کما یقع ذلک لبعض الرواة و نحو ذلک فیخصّ بذلک الباب.

أما دلالة الروایة فهی منطبقة علی المقام، حیث یقصد من النکاح المتعة إلاّ انه لا یقید جهلاً منه بالحکم، کما مر فی تقریر ما سبق.

و منها عنوان: عدم نفوذ الشروط المتبانی علیها عند المتعاقدین خاصة الروایات الواردة من أن الشرط السابق علی النکاح لیس بنافذ بخلاف الذی یذکر مع العقد کروایة بن بکیر قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «اذا اشترطت علی المرأة شروط المتعة فرضیت به و أوجبت التزویج فاردد علیها شرطک الأوّل بعد النکاح فإن أجازته فقد جاز و إن لم تجزه فلا یجوز علیها من شرط قبل النکاح»(2) و تقریب الدلالة: أن ظاهر الروایة أن شروط المتعة و الذی عمدته الأجل و المهر إذا ذکر فی المقاولة قبل العقد فلا یعتد به و لا ینفذ إذا کانت الصیغة مطلقة، و أنه لا بدّ فی نفوذ الشرط مع نفوذ العقد مرتبطاً فی ضمنه من

ص:174


1- (1) بحار الأنوار، العلامة المجلسی: ج39، ص198.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب19، ح1.

ذکر الشروط مع الصیغة. و لا یخفی دلالتها بالاقتضاء أن العقد فی الصورة الأولی نافذ دواماً و إن قصد به ما تشارطا من المنعقد فی المقاولة.

و مثلها صحیحة محمد بن مسلم قال: )سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن قول الله عز و جل: (وَ لا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما تَراضَیْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِیضَةِ) فقال: ما تراضوا به من بعد النکاح فهو جائز و ما کان قبل النکاح فلا یجوز إلاّ برضاها و بشیء یعطیها فترضی به(.(1) نعم مقدار ما یستفاد من هذه الطائفة هو کون النکاح یهدم الشروط السابقة المتبانی علیها عند المتعاقدین خاصّة دون ما کان التبانی علیها عند نوع العقلاء و العرف، کما هو صریح مورد تلک الروایات کالتعبیر بشرطک أو (اشترطت) و کذا فی موثّق بن بکیر مما یوهم الإطلاق أنه بقرینة التعبیر ب- (قبل) الدال علی تشخیص الشروط بالخاصة عند المتعاقدین، أی مما جری تداولها بینهما فی العقد، بخلاف الشروط النوعیة عند العقلاء فلا توصف بالقبلیة، فالقدر المتیقن من هذه الطائفة هدم الشروط الخاصة عند المتعاقدین و یبقی الباقی علی مقتضی القاعدة و هو الصحة.

و منها: ما ورد فی بیان أن صیغة المتعة متقوّمة بالشروط کموثّقة سماعة عن أبی بصیر عنه قال: )لا بدّ من أن یقول فیه هذه الشروط: أتزوّجک متعة کذا و کذا یوماً بکذا و کذا درهماً نکاحاً غیر سفاح علی کتاب الله و سنة نبیه و علی ان لا ترثینی و لا أرثک علی أن تعتدّی خمسة و أربعین یوماً. و قال بعضهم: حیضة»(2) و ظاهر الموثّقة أن قوام المتعة بالشروط و بالتالی تخالفها مع الدائم بذلک لا فی مادة و ماهیة النکاح و أن المتعة طور من النکاح متولّد

من الشروط و غیرها من الروایات(3) فی هذا المضمون.

فتحصل من کلّ ذلک أن الاختلاف بالشرط هو أنه لا تباین فی أصل قصد النکاح، و أنه لا اختلاف فی أصل قصد النکاح و إنما الاختلاف فی الشروط علی ذلک لو أنشأ النکاح مع الغفلة عن الشروط عن ذکرها مع الصیغة أو لم یذکرها لأسباب أخری فإن النکاح یقع باتاً.

و علی ذلک عند الشک فی کون العقد دائم أو منقطع، فإن أصالة عدم الاشتراط تقتضی دوام العقد، کما هو الحال لو حصل نزاع بین الزوجین فإن مدّعی الدوام یکون منکراً، و لا یتوهم أن هذا من الأصل المثبت و ذلک لأن موضوع الدوام هو صرف العقد لا وصف التجرد لیشکل بأن هذا العنوان وجودی لا یمکن إحرازه، کما أن موضوع المنقطع مرکب.

فالأصل عدمه و هو محرز للموضوع و هو الدوام و یترتب علیه حرمة نکاح الخامسة.

ص:175


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب19، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب18، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة ب17، ب18.

إذا کان عنده أربع فطلق واحدة منهن

(مسألة 4): إذا کان عنده أربع فطلق واحدة منهن و أراد نکاح الخامسة، فإن کان الطلاق رجعیاً لا یجوز له ذلک إلاّ بعد خروجها عن العدّة، و إن کان بائناً، ففی الجواز قبل الخروج عن العدّة قولان، و المشهور علی الجواز لانقطاع العصمة بینه و بینها، و ربما قیل بوجوب الصبر إلی انقضاء عدّتها عملاً بإطلاق جملة من الأخبار و الأقوی المشهور، و الأخبار محمولة علی الکراهة.

ص:176

هذا و لو کانت الخامسة أخت المطلقة، فلا إشکال فی جواز نکاحها قبل الخروج عن العدّة البائنة؛ لورود النص فیه معللاً بانقطاع العصمة. کما أنه لا ینبغی الإشکال إذا کانت العدّة لغیر الطلاق کالفسخ بعیب أو نحوه و کذا إذا ماتت الرابعة فلا یجب الصبر إلی أربعة أشهر و عشر، و النص الوارد بوجوب الصبر معارض بغیره و محمول علی الکراهة. و أما إذا کان الطلاق أو الفراق بالفسخ قبل الدخول فلا عدّة حتی یجب الصبر أو لا یجب.(1)

(1) التحقیق: حکی عن المفید فی المقنعة عدم جواز العقد علی الخامسة تنقضی عدّة المطلقة من دون أن یقیدها بالرجعیة، و حکی عن المشهور بین المتأخرین تقیید الحکم بالطلاق الرجعی دون البائن، کما هو الحال فی الرابعة المتوفاة، و أن المنع علی درجة الکراهیة.

و فی الوسیلة صرّح بجواز الخامسة فی صورة الطلاق البائن و الوفاة. و کذا ظاهر بن زهرة فی الغنیة، و حکی کاشف اللثام عن ظاهر التقریب الحرمة، و حکی المدارک الاستشکال و إن قوی قول المشهور، و الذی وقفنا علیه من عبارة المقنعة فی باب العدد تصریحه بالجواز فی البائن و تقیید المنع بالرجعیة، و بذلک ینتفی منشأ الخلاف، و قد صرّح الشیخ فی الخلاف بالجواز فی البائنة و ساوی سن التزویج بالخامسة و التزویج(1) بالأخت و العمة و الخالة و استدل بإجماع الفرقة و أخبارهم، و ذکر فی کشف اللثام أن ظاهر الروایات یقتضی المنع و الظاهر أن بدء الإشکال علی المشهور ابتدأ من المجلسی فی

ص:177


1- (1) الخلاف، الشیخ الطوسی: ج4 ص296 - 297، المسألة 65.

المرآة انسیاقاً من عبارة المقنعة و تبعه صاحب الحدائق و بقیة متأخری العصر، و یستدل لإطلاق المنع للبائن بإطلاق عنوان المطلقة و عنوان المطلقة ذات العدّة فی الروایات المانعة، کصحیح محمد بن قیس قال: )سمعت أبا جعفر(علیه السلام) یقول فی رجل کانت تحته أربع نسوة فطلّق واحدة ثمّ نکح أخری قبل أن تستکمل المطلقة العدّة؟ قال: فلیلحقها بأهلها حتی تستکمل المطلقة أجلها و تستقبل الأخری عدّة أخری و لها صداقها إن کان دخل بها»(1) الحدیث، و فی صحیح أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن رجل له أربع نسوة فطلق واحدة یضیف إلیهن أخری حتی تنقضی العدّة فقلت مَن یعتد؟ فقال: )هو، قلت: و إن کان متعة؟ قال: و ان کان متعة(2). و ذیل الروایة کالنص علی شمول الموضوع للمعتدة للعدّة البائنة، لکن لا بدّ من حمله علی الکراهة، إذ فی المتعة لا یحد بعدد، و لعل وجه الکراهة هو ما ورد فی روایات المتعة من مرجوحیة ارتکابها مع وجود ما یکفی من الدائم أو الإماء، إلاّ لإقامة السنة و هدم البدعة، و مثلها موثّق عمار الساباطی، قال: سئل أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یکون له أربع نسوة فتموت إحداهن فهل یحل له أن یتزوج أخری مکانها؟ قال: )لا حتی تأتی علیها أربعة أشهر و عشر، سئل فإن طلق واحدة فهل یحل له أن یتزوج؟ قال: لا حتی تأتی علیها عدّة المطلقة(3). و غیرها(4) من الروایات المطلقة الواردة فی الباب کصحیح علی بن جعفر و غیره، لکن فی صحیح لعلی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) قال:

ص:178


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب3، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب3، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب3: ح5.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد

)سألته عن رجل کانت له أربع نسوة فماتت إحداهن هل یصلح له إن یتزوج فی عدته أخری قبل أن تنقضی عدّة المتوفاة؟ فقال: إذا ماتت فلیتزوج متی أحب(1) و قد یعضد التمسک بالإطلاق للمطلقة البائنة أو یؤید بأن المطلقة بعدّة بائنة لیست بائنة بقول مطلق، إذ لا زالت المطلقة فی عدّة من الرجل مما یحرم علیها الزواج من الآخرین فالعلاقة بهذا المقدار لا زالت باقیة.

و یستدل للمشهور بما ورد فی تزویج الأخت فی عدّة أختها المطلقة البائنة کما فی صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أ یحل له أن یخطب أختها من قبل أن تنقضی عدّة المختلعة؟ قال: )نعم قد برأت عصمتها منه و لیس له علیها رجعة(2) و مثلها صحیح الحلبی(3) إلاّ أن فی السؤال فی رجل طلق امرأة أو اختلعت أو بانت، و فی روایة علی بن حمزة البطائنی عن أبی إبراهیم قال: سألته عن رجل طلق امرأته أ یتزوج أختها؟ قال: )لا حتی تنقضی عدّتها، قال: و سألته عن رجل کانت له امرأة فهلکت، أ یتزوج أختها؟ قال: من ساعته إن أحب(4) و استدل أیضاً بما فی صحیح زرارة و محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا جمع الرجل أربعاً و طلق إحداهن فلا یتزوج الخامسة حتی تنقضی عدّة المرأة التی طلق و قال: لا یجمع ماءه فی خمس»(5). و تقریب الاستدلال إما

ص:179


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باسیتفاء العدد ب3، ح7.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب العِدد ب48، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب العِدد ب48، ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب العِدد ب11، ح3.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد ب2، ح1.

بروایات التزویج بالأخت فلمکان التعلیل بأن المعتدّة البائنة قد برئت من عصمته و أما الصحیحة الأخیرة، فلأن إمکان جمع الماء المنهی عنه إنما یتصور فی الرجعیة دون البائن، و أشکل جماعة علی استدلال المشهور بأن روایات المنع مطلقة و التعدی عن روایات التزویج بالأخت قیاس؛ إذ مانعیة الجمع بین الأختین لا دلیل علی مانعیتها لمانعیة الزیادة علی أربعة، لا سیما و أن التعلیل فی صحیح زرارة و محمد بن مسلم ینطبق علی المعتدّة البائنة، فإن أصل الحکم بالعدّة للبائنة لاحتمال وجود مائه فی رحمها، بینما المانع فی الأختین لیس جمع مائه فیهما، بل الجمع بینهما فی العصمة. فإطلاق المنع محکم.

و یدفعه:

أولاً: عدم الإطلاق فی روایات المنع و إن ارتضاه جملة متأخری العصر، و ذلک لأن المتبادر من التطلیق و العدّة أی من التعبیر «رجل طلق امرأته فاعتدّت( منع مع فرض الدخول هو الطلاق الرجعی و العدّة الرجعیة، و من ثمّ تری فی الروایات المعتبرة الواردة فی تزویج الأخت فی عدّة أختها قد قید الراوی الطلاق و المرأة بالمختلعة أو بالتی بانت من الرجل، و فی الروایة الأخری قد جعل الراوی البائنة و المختلعة قسمین مقابلین للمرأة التی طلقت کما فی صحیح الحلبی، مما یدلّ علی أن الاستعمال فی طلاق المرأة بعد الدخول یستعمل و لو بقرینة الانصراف و الانسباق فی المطلقة رجعیاً، و من ثمّ فی روایة علی بن حمزة الثالثة حیث فرض الراوی طلاق المرأة مجرداً من دون قید، أجابه(علیه السلام) بأنه لا بدّ أن تنقضی عدّتها بخلاف المتوفاة مما یدلل علی إرادة المطلقة رجعیاً، و کذلک الحال فی بقیة الأبواب فإن المطلقة ثلاثاً أو غیرها یقید عنوان الطلاق بذلک و لا یطلق، فلا إطلاق فی الروایات المانعة.

ص:180

ثانیاً: إن التعلیل فی التزویج بالأخت فی عدّة أختها البائنة لیس بخصوصیة فی مانعیة الجمع بین الأختین، بل التعلیل بطبیعة غیر مختصة بنکاح الأختین أی إن التعبیر هو بطبیعة الطلاق الطارئ علی عقد النکاح إذا کان طلاقاً بائناً و أنه یوجب حل تلک العقدة و زوال العصمة بین الزوجین و وقوع البینونة، و هذه طبیعة عامة فی النکاح و الطلاق.

ثالثاً: أن التعلیل فی صحیح زرارة و محمد بن مسلم لا یجمع ماءه فی خمس ظاهر ابتداءً فی النهی عن الجمع حین تحقّق ذلک الموضوع و هو طلاق إحدی الأربع، أی إن المنهی عنه هو الفعل فی ظرف تحقّق الطلاق و هذا لا یتصور إلاّ مع کون المطلقة رجعیة، إذ لو أرید النهی عن نفس وجود الماء مطلقاً أعم مما قبل الطلاق و بعده فاللازم جواز نکاح الخامسة من دون ارتکاب الوطی، و هو کما تری، فیعلم أن المنهی عنه هو جواز وطیه للخمس، و هناک عدّة مؤیدات للمشهور:

منها: أنه لو بنی علی أن المطلقة بائناً لا زالت فی نمط من حبالة الزوج، لکان اللازم التعدی إلی ما لو کان له زوجة واحدة فطلقها بائناً ثمّ أراد أن یتزوج أربعاً فی عقد واحد أو کانت لدیه اثنتین مدخول بهما و طلق إحداهما و أراد تزویج ثلاث أو کان تزوج ثلاث و أراد تطلیق إحداهن و تزویج اثنتین، و لم نجد مَن یتعدّی لذلک بل صرّح بعضهم بعدم التعدّی، و منها ما لو انفسخ النکاح بالرابعة المدخول بها و أراد تزویج الخامسة، و منها ما لو طلق الحر إحدی الأمتین بالطلاق البائن و أراد التزویج بأمة أخری فی عدّتها، أو العبد طلق إحدی الحرتین و أراد التزویج بحرة ثالثة، هذا و لا بأس بالبناء علی الکراهة لما عرفت من روایة ابن أبی حمزة المتقدّمة و صحیح علی بن جعفر سواء فی البائنة أو المتوفاة.

ص:181

فصل: فی التزویج فی العدّة

اشارة

فصل

فی التزویج فی العدّة

لا یجوز التزویج فی عدّة الغیر

اشارة

لا یجوز التزویج فی عدّة الغیر دواماً أو متعة سواء کانت عدّة الطلاق بائنة أو رجعیة أو عدّة الوفاة أو عدّة وط ء الشبهة حرة کانت المعتدّة أو أمة. و لو تزوجها حرمت علیه أبداً إذا کانا عالمین بالحکم و الموضوع أو کان أحدهما عالماً بهما مطلقاً سواء دخل بها أو لا، و کذا مع جهلهما بهما لکن بشرط الدخول بها.

و لا فرق فی التزویج بین الدوام و المتعة، کما لا فرق فی الدخول بین القبل و الدبر، و یلحق بالعدّة أیام استبراء الأمة، فلا یوجب التزویج فیها حرمة أبدیة و لو مع العلم و الدخول، بل لا یبعد جواز تزویجها فیها و إن حرم الوط ء قبل انقضائها، فإن المحرّم فیها هو الوط ء دون سائر الاستمتاعات. و کذا لا یلحق بالتزویج الوط ء بالملک أو التحلیل، فلو کانت مزوجة فمات زوجها أو طلقها، و إن کان لا یجوز لمالکها وطؤها و لا الاستمتاع بها أیام عدّتها و لا تحلیلها للغیر، و لکن لو وطأها أو حللها للغیر فوطئها لم تحرم أبداً علیها أو علی ذلک الغیر و لو مع العلم بالحکم و الموضوع.(1)

(1) التحقیق: لم یذکر خلاف فی أصل المسألة لدلالة الآیات و الروایات المستفیضة بل المتواترة علی ذلک، و أما العامة ففی المغنی أنها لا تحرم مؤبّداً

ص:182

و نقل عن ابن حنبل الحرمة فی أحد قولیه و هو قول مالک مع الدخول فی قدیم قولی الشافعی، و الظاهر إن مستندهم قول عمر، و أما لو تزوجها فی عدّتها مع العلم و لم یدخل بها لم یذهب إلی التحریم منهم إلاّ مالک کما حکی ذلک الشیخ فی الخلاف(1) و الکلام یقع تارة فی إجمال الحکم و الموضوع و أخری فی جملة من الشقوق التی تعرّض لها الماتن.

الأمر الأوّل: عدم جواز التزویج فی العدة

و یدل علیه جملة من الآیات الکریمة الواردة فی لزوم العدّة فی الطلاق کقوله تعالی فی المعتدّة بعدّة الوفاة: (وَ الَّذِینَ یُتَوَفَّوْنَ مِنْکُمْ وَ یَذَرُونَ أَزْواجاً یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما فَعَلْنَ فِی أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ.. . وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکاحِ حَتّی یَبْلُغَ الْکِتابُ أَجَلَهُ) (2).

فإن مفاد التربّص فی مقابل ما یفعلن فی أنفسهن بعد بلوغ الأجل من التزویج بالآخرین، کما هو مفاد النهی عن عقد النکاح قبل بلوغ الکتاب أجله، و منه یظهر جملة من الآیات الأخر، کقوله تعالی: (وَ الْمُطَلَّقاتُ یَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (3) فإن التربص الانتظار، أی أن لا تقدّم علی فعل التزویج، و کذا قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ یَنْکِحْنَ أَزْواجَهُنَّ) (4) فإنه مما یدل بدلالة الاقتضاء و المفهوم أن فی العدّة لا عقد للنکاح و إن کانت هی فی مورد نکاح الزوج السابق، و کذا قوله تعالی:

ص:183


1- (1) المغنی، ابن قدامة: ج9 ص123. الخلاف، الشیخ الطوسی: ح4 ص321.
2- (2) البقرة: 234، 235.
3- (3) البقرة: 228.
4- (4) البقرة: 232.

( إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (1)، فإنه دال علی کون المعتدّة الرجعیة زوجة قبل تمام العدّة، و أن البینونة إنما تتحقق فی الرجعیة بعد تمام العدّة. و کذا قوله تعالی (إِذا نَکَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَکُمْ عَلَیْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها) (2) الدال علی کون العدّة هی بنفع الزوج المطلق، سواء کانت رجعیة أو بائن، أما البائن فلأن من حکمة التربّص فی العدّة عدم اختلاط ماء الزوج السابق بماء آخر درءاً من اشتباه الأنساب فلا یزاحم حقه بتزویج رجل آخر، فالآیة تدلّ بعمومها علی أن العدّة مطلقاً هی حکم لنفع الزوج السابق المطلق، و غیرها من الآیات التی یقف علیها المتتبع، نعم لا تشمل غیر المزوجة کالمعتدّة من وطی الشبهة، لکن فی النصوص الآتیة کفایة لبقیة الشقوق. نعم مفاد الآیات صرف التحریم التکلیفی و الوضعی، و أما الحکم الآخر و هو حصول الحرمة الأبدیة فلا دلالة فی الآیات السابقة علیها.

الأمر الثانی: الروایات الواردة فی المقام

إن الروایات الواردة علی طوائف خمس:

فمنها: ما دل علی الحرمة الأبدیة مطلقاً کخبر محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فی عدّتها قال: )یفرق بینهما و لا تحل له أبداً(3).

و منها: ما دل علی الحلّیة مطلقاً کمصحح علی بن جعفر عن أخیه، قال:

ص:184


1- (1) الطلاق: 1 - 2.
2- (2) الاحزاب: 49.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة،باب17ح15

سألته عن امرأة تزوجت قبل أن تنقضی عدّتها؟ قال: )یفرق بینهما و یکون خاطباً من الخطاب(1).

و منها: ما قید التحریم الأبدی بالعمد و العلم کصحیح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی إبراهیم(علیه السلام) قال سألته عن الرجل یتزوج المرأة فی عدّتها بجهالة أ هی مما لا تحل له أبداً؟ فقال: )لا اما إذا کان بجهالة فیتزوجها بعد ما تنقضی عدّتها و قد یعذر الناس فی الجهالة بما هو أعظم من ذلک، فقلت بأی الجهالتین یعذر بجهالته ان ذلک محرم علیه ام بجهالته انها فی العدّة فقال: إحدی الجهالتین أهون من الجهالة الأخری، بأن الله حرم ذلک علیه، و ذلک لأنه لا یقدر علی الاحتیاط معها، فقلت و هو فی الأخری معذور قال: نعم إذا انقضت عدّتها فهو معذور أن یتزوجها فقلت: فإن کان أحدهما متعمّداً و الآخر یجهل؟ فقال: الذی تعمّد لا یحل له أن یرجع إلی صاحبه أبداً(2) و فی الروایة دلالة علی استعمال لفظ الجهالة بلحاظ الموضوع و بلحاظ الحکم، کما أن فیها إن لفظ العمد بقول مطلق بلحاظ الموضوع و الحکم أیضاً، و مفاده أنه مع العمد إنه یوجب التحریم الأبدی سواء دخل أم لا، کما أن صدرها دال علی أنه مع الجهالة یعذر مطلقاً.

و منها: ما قید بالدخول کصحیح سلیمان بن خالد، قال: سألت عثمان بن عیسی قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فی عدّتها قال: فقال: )یفرّق بینهما و إن کان دخل بها فلها المهر لما استحل من فرجها و یفرّق بینهما فلا تحلّ له

ص:185


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة باب1 ح19.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة باب1 ح4.

أبداً، و إن لم یکن دخل بها فلا شیء لها من مهرها(1) و فی معتبرة محمد بن مسلم «و ان لم یکن دخل بها فرق بینهما و أتمت عدّتها من الأوّل و کان خاطباً من الخطاب»(2).

و منها: و هی الطائفة الخامسة صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا تزوج الرجل المرأة فی عدّتها و دخل بها لم تحل له أبداً عالماً کان أو جاهلاً، و إن لم یدخل بها حلّت للجاهل و لم تحلّ للآخر»(3) و مفاد هذه الصحیحة نص فی الجمع بین الطوائف الأربع السابقة، کما أنها شاهد صحة انقلاب النسبة فی أمثال المقام، حیث یرد إطلاقین متباینین و مقیّدین متخالفین، مما یشهد أن معالجة الدلالة بقلب السند أمر عرفی، کما أن الصحیحة شاهد أیضاً علی أن الجمع بین أدلة الأسباب (بأو) هو مقتضی الطبع الأولی دون الجمع «بالواو)و أن التصرف فی المفهوم مقدّم علی التصرف فی المنطوق لأقوائیة الدلالة فیه علی المفهوم، و بعبارة أخری: إن مفاد هذه الصحیحة علی مقتضی القاعدة لو أرید الجمع بین الطوائف الأربع السابقة علی وقف قاعدة انقلاب النسبة و الجمع «بأو)فی أدلة الأسباب المتعددة.

الأمر الثالث: مقتضی إطلاق الأدلة السابقة

مقتضی الأدلة السابقة عموم الحکم بإطلاق موضوع عنوان العدّة سواء کانت بالطلاق البائن أو الرجعی أو عدّة الوفاة، و أما عدّة وطی الشبهة

ص:186


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17، ح7.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17 ح9.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17، ح3.

فالتمسک بعموم العنوان الوارد «یتزوج المرأة فی عدّتها» فیندرج فی عدّة وطی الشبهة، لا سیما و أن هذه الروایات قد أطلقت لفظ العدّة علی اعتداد المرأة من وطی الزوج الثانی لأنه وطی شبهة، أی یطلق علی الاعتداد من وطی الشبهة أنه عدّة للمرأة، فیندرج فی إطلاق الموضوع.

قد یقال: إن اندراج عدّة وطی الشبهة فی موضوع الحرمة بالمعتدّة عدّة وطی الشبهة و أدلة حرمة التزویج بالمعتدّة فی الآیات و الروایات السابقة هی فی المعتدّة من الطلاق أو وطی الزواج، و بعبارة أخری: إن المعتدّة من وطی الشبهة غایة ما ثبت فی حقّها حرمة وطیها لا حرمة التزویج بها، أ لا تری إن الزوج الأوّل للمعتدة بعدّة الوفاة ظناً منها بوفاته ثمّ وطأها الزوج الثانی بعد العدّة ثمّ جاء الزوج الأوّل حیث إن حکمها أن تعتدّ من الثانی؛ لکونه وطی شبهة و یکون الزوج الأوّل أحق بها و لا تبین منه و ترجع إلی الزوج الأوّل بعد ذلک، فیدل ذلک علی أنه لا منافاة بین الزوجیة فی فترة العدّة فی وطی الشبهة. و لم نقف علی مَن صرّح بأنها فی فترة العدّة من وطی الشبهة تنفصل عن زوجها الأوّل بحیث یحرم علیه سائر أنواع المباشرة علاوة علی حرمة الوطی.

ثمّ إن جملة من المتقدّمین لم یصرحوا بوط ء الشبهة و إنما أطلقوا الحکم للمعتدة کالمقنعة و الوسیلة و المهذب و المراسم و الانتصار و ظاهر کلام الشیخ فی أن عدّة وطی الشبهة فراش و أنه فی أی مورد تحقق وطئ الشبهة تعتدّ منه و یوجب قطع عدّتها من الطلاق ثمّ تتمها بعد تمام عدّة الشبهة و أنه هل تترتب أحکام الرجعة فی مدّة الفاصل القاطع أو لا؟ بناء علی عدم

ص:187

تداخل العدتین؟ و ظاهرة بحمل کلامه أنه ترتب سائر آثار العدّة علی عدّة وطی الشبهة. و التتبع فی الکلمات و النصوص یشرف علی احترام وطی الشبهة فی ثبوت النسب و تکوین الفراش و الاعتداد منه، علی حذو الاعتداد من الوطی المحلل من الزواج، و من ذلک یمکن أن یقرب أن التعبیر بالعدّة و الاعتداد بوطی الشبهة إشارة إلی العدّة و الاعتداد المعهود فی الطلاق، لأن الاستعمال للعنوان الواحد یقضی بالحمل علی المعنی الواحد، و بالتالی یقتضی ترتّب آثار العدّة، من حرمة التزویج بها فی العدّة و حرمة الوطی و حرمة سائر الاستمتاعات، غایة الأمر إن تسبیب العدّة لحرمة العقد و الزواج منها بنحو الاقتضاء، فإذا فرض سبق المانع و هو کون الموطوءة شبهةً متزوجة سابقاً فلا ینفسخ الزواج، کما لا یترتب حل الاستمتاع و الوطی علی هذا الزواج، لأن تسبیبه لهما من قبیل الاقتضاء لا العلة التامة، کما هو الحال فی الظهار و الإیلاء، حیث یحرم الوطی بل سائر الاستمتاعات علی قول. و هذا نحو من التوفیق فی التمانع بین السببین المتضادین فیتحصل أن تمانع الأسباب إنما یتحقق و یتقرر بلحاظ الآثار التی یکون السبب بالإضافة إلیها بنحو الاقتضاء، فیطرد حینئذ أن ضابطة أن السبب الأسبق زماناً یمانع و یضادد السبب اللاحق فی تأثیره، و هذا بخلاف التقدیر الآخر مضافاً إلی ما یظهر من معتبرة زرارة(1) عن أبی جعفر(علیه السلام) الآتی ذکرها فی المسألة (12) و ثمة تتمة للکلام.

و هو تأثیر الأسباب فی الآثار إذا کان بنحو العلیة فإنه لا یتصور المراد

ص:188


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب16، ح7.

قاعدة التمانع بأن یکون السبب السابق مانعاً عن السب باللاحق، بل علی هذا التقدیر قد یکون الحال متعاکس، فیکون السبب المتأخر هو الممانع عن تأثیر السبب السابق فی الأثر الذی یکون ممانعة اللاحق بنحو العلیة و تأثیر السابق له بنحو الاقتضاء، فهذه ضابطة تفصیلیة مطّردة فی تمانع و تعاقب الأسباب أو عند اقترانها بلحاظ الزوجیة بنحو العلیة.

الأمر الرابع: مقتضی إطلاق عنوان التزویج

مقتضی إطلاق عنوان التزویج العموم للزواج الدائم و المتعة. و کذا عموم الدخول للقبل و الدبر بعد ترتیب آثار الدخول علی الوطی فی الدبر فی جملة من الأبواب، و ما ورد من أنه أحد المأتیین و لا یلحق بالمعتدّة استبراء الأمة و لانتفاء الحکم بعد عدم تحریم العقد علیها الذی هو موضوع الحرمة الأبدیة، مضافاً إلی أخذ عنوان العدّة فی الأدلة، إذ غایة ما ثبت من استبراء هو حرمة الوطی کما أنه لا یلحق بالتزویج الوطی بالملک أو التملیک لعدم الدلیل علی التعدّی علیه بعد کون الحرمة الأبدیة خلاف الأصل، کما أن المحرم أبداً هو التزویج منها، و أما تملّکها بعد ذلک فلا مانع منه و إن حرم علیه الاستمتاع بها مطلقاً.

ص:189

حکم وطی المعتدّة شبهةً من غیر عقد

(مسألة 1): لا یلحق بالتزویج فی العدّة وطی المعتدّة شبهةً من غیر عقد، بل و لا زنا إلاّ إذا کانت العدّة رجعیة، و کذا إذا کان بعقد فاسد؛ لعدم تمامیة أرکانه، و أما إذا کان العقد تام الأرکان و کان فساده تعبد شرعی، کما إذا تزوج أخت زوجته فی عدّتها أو أمها أو بنتها أو نحو ذلک مما یصدق علیه التزویج و إن کان فاسداً شرعاً، ففی کونه کالتزویج الصحیح إلاّ من جهة کونه فی العدّة و عدمه، لأن المتبادر من الأخبار التزویج الصحیح مع قطع النظر عن کونه فی العدّة إشکال و الأحوط الإلحاق فی التحریم الأبدی، فیوجب الحرمة مع العلم مطلقاً، و مع الدخول فی صورة الجهل.(1)

حکم وطی المعتدّة شبهةً من غیر عقد

(1) التحقیق: أما عدم شمول الحرمة الأبدیة لوطی المعتدّة إذا حصل بوطی الشبهة، فلأن المأخوذ فی الأدلة هو بضمیمة العقد، کما فی الجاهل، و کذلک لو کان الوطی عن عمد کما فی الزنا، فإنه لا یندرج فی موضوع الحکم السابق إلاّ إذا کانت المرأة فی العدّة الرجعیة، فإنه یکون من الزنا بذات البعل و سیأتی أنه یوجب الحرمة الأبدیة، نعم قال الشیخ الطوسی فی موضع من المبسوط بعد ما ذکر حصول الحرمة الأبدیة مع العقد و الوطی جاهلاً، قال: «و هکذا حکم کلّ وطی بشبهة یتعلّق به فساد النسب کالرجل یطأ زوجة غیره بشبهة، أو أمته فأما الوطی الذی لا یتعلّق به فساد النسب کالرجل یطأ امرأة لا زوج لها بشبهة أو نکاح فاسد، فإنه لا تحرم الموطوءة

ص:190

علیه بلا خلاف»(1) و ظاهر العبارة یوهم أن الموضوع عنده هو کلّ وطی بشبهة یوجب فساد النسب و من ثمّ ألحق الأمة، و ظاهرة اندراج الزنا بذات البعل و الوطی بشبهة للمعتدة أو بذات البعل، کلّ هذه الأقسام فی موضوع واحد و هو الوطی الذی یوجب فساد النسب، و لعله استظهر من الأدلة فی العقد مع الجهل و الوطی أن تمام الموضوع هو الوطی بشبهة الموجب لفساد النسب. و أن ذکر العقد مع الجهل توطئة لبیان کیفیة حصول الشبهة فی الوطی، أی کنایة عرفیة لبیان الشبهة فی الوطی. و قال فی المهذب البارع عن تعداده للمؤبّدات للتحریم بالعارض و ذکر منها مَن دخل بمعتدّة رجعیة مطلقاً أو عقد علیها عالماً، و مَن زنی بذات بعل و یرید به الزنا فی نفس الأمر و إن لم یکن فی ظن الواطی زنا، فلو وطئها لشبهة أو جاهلاً بالتحریم ثبت الحکم، فالمناط الوطی و تردّد فی التحریر فی وطی ذات البعل بالشبهة، و یعضد ما اخترناه روایة زرارة و قد تقدّمت و نبهنا علیه فیما سبق)و صریح عبارته أن المحرم هی المعتدّة الرجعیة و ذات البعل، هو مطلق الوطی فی مقابل العقد مع العلم، و قال فی التحریر(2): «من زنی بذات بعل سواء دخل بها البعل أو لا أو فی عدّة رجعیة حرمت علیه أبداً، سواء علم فی حال زناه کونها فی ذات بعل أو عدّة رجعیة أو لم یعلم، و لو زنی بذات عدّة أو عدّة بائن أو عدّة وفاة فالوجه أنه لا تحرم علیه عملاً بالأصل و لیس لأصحابنا فی ذلک نص، و علی ما قلنا من التنبیه(3) یحتمل التحریم مع العلم، لأنا قد بیّنا ثبوته مع العقد فمع

ص:191


1- (1) المبسوط، الشیخ الطوسی: ج5 ص270.
2- (2) تحریر الأحکام، العلامة الحلی: ج3، ص469 - 470.
3- (3) أی ان ثبوت الحکم فی مورد النص بطریق التنبیه علی مطلق المعتدّة.

التجرّد عنه أولی و هو الأقرب. ثمّ قال و لو زنا بذات بعل لشبهة فالوجه التحریم».

أقول: ما یشیر إلیه العلامة من تقریب دلالة الروایات و النصوص علی أن الموضوع مطلق الوطی أعم من کونه لمطلق الشبهة أو للزنا تعدیاً عن مورد النص و هو الوطی لشبهة بشبهة العقد مع الجهل إلی مطلق الشبهة، أی التعدّی إلی مطلق الشبهة و إلی مطلق الوطی و لو عن زنی یتم بتقریب أن الدلالة بطریق التنبیه أی أن ما ورد کنایة عن أن تمام الموضوع هو الوطی. فیظهر من ذلک أن کلّ من الشیخ فی المبسوط و العلامة فی التحریر و ابن فهد فی المهذب قربوا الکنایة فی دلالة الروایات أنه لمطلق الوطی و إن ذکر العقد مع الجهالة من باب التمثیل للشبهة أو الکنایة عنه.

و قال فی المهذب البارع: فرع «لو عقد جاهلاً فی العدّة و وطأ بعد خروجها لم یحرم لأن الحکم فی الجاهل متعلق بالوطی لا العقد و قد حصل بعد العدّة - إلی أن قال فی بحث تداخل العدتین و عدمه - لروایة زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) فی امرأة فقدت زوجها نعی إلیها فتزوجت ثمّ جاء زوجها بعد ذلک فطلقها قال: تعتدّ منهما جمیعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة و لیس للآخر أن یتزوجها أبداً. و فی طریقها ابن بکیر لکن أجمعوا علی تصحیح ما صح عنه، فقد استفید من هذه الروایة ثلاثة أحکام:

أ- الاکتفاء بالعدّة الواحدة.

ب- إلحاق ذات البعل بالمعتدّة.

ج - حکم وطی الشبهة بالنسبة لذات البعل کالزنا بها فی اقتضاء التحریم المؤبّد و حملها الشیخ علی عدم الدخول( انتهی.

ص:192

و المراد من حمل الشیخ علی عدم الدخول أی فی تداخل العدّة. و هذه العبارة من المهذب مفادها عین ما تقدّم من العبارات السابقة و أنهم استظهروا من روایات المقام کون العقد مع الجهل لبیان الشبهة فی الوطی، و أنه تمام الموضوع، نعم بین کلام المبسوط و التحریر و المهذب اختلاف فی سعة الموضوع حیث جعل فی المبسوط الموضوع مطلق المرأة ذات فراش سواء زواج أو ملک، فی کلّ وطی یوجب فساد النسب و فساد النسب إما یحمل علی الفساد الظاهری فهو یقرر فی وطی الشبهة، لأنه یوجب تحقّق الفراش و تعارض الفراشین بخلاف وطی الزنا فإنه لا حرمة له فلا یوجب التردید فی النسب، و إما یحمل علی الفساد الواقعی فیشمل الزنا، و علی أی تقدیر فکلام الشیخ یعم مطلق المعتدّة و لو بائن.

و أما مقتضی عبارة التحریر فهی شاملة لمطلق الوطی و لمطلق ذات البعل و المعتدّة، و لکنّه لم یعمّمها لمطلق ذات الفراش و لو بالملک.

و أما المهذب فمقتضی عبارته السابقة هو التعمیم لمطلق الوطی، لکنّه خصها لذات البعل و المعتدّة رجعیة و ان کان کلامه فی بدایة الفرع الذی عنونه لمطلق المعتدّة لکن ذیل کلامه و الذی قبله ظاهر فی التخصیص بالرجعیة و ذات البعل.

و قال الحلبی فی الکافی فی ذکر المحرمات: «و المعقود علیها فی عدّة معلومة و المدخول بها فی عدّة علی کلّ حال و المعقود علیها فی احرام معلوم و المدخول بها فیه علی کلّ حال»(1) و ظاهره إطلاق الدخول و انه السبب فی التحریم سواء بعقد أو بشبهة أخری أو بزنا، کما انه عمم ذلک للعدّة الرجعیة

ص:193


1- (1) الکافی، الکلینی، للحلبی: ص286.

و غیرها، نعم لم یدرج ذات البعل فی ذلک کما انه ساوی بین حالة الاحرام و حالة العدّة أو الزوجیة فی ان کلّ من العقد و الدخول سبب علی حده للتحریم و مثلها عبارة ابن زهرة فی الغنیة قال: «و یحرم أیضاً علی التأبید المعقود علیها فی عدّة معلومة أو احرام معلوم و المدخول بها فیهما علی کلّ حال»(1).

و قال فی جامع المقاصد فی معرض استدلاله علی التحریم الأبدی بالزنا بذات البعل أو الرجعیة، مستدلاً بالروایة الواردة فی تحریم العقد علی ذات البعل مع العلم بذلک، قال: )و هو شامل لمحل النزاع لأن ذلک شامل لما إذا دخل بها عالماً بأن لها زوجاً، فإنه زان حینئذ، و إن احتمل اختصاص الحکم بحال العقد دون مطلق الزنا»(2) و ظاهره تقریب کون ذکر العقد، مع العلم أنه ذکر کذریعة للتوصّل إلی الزنا فیکون کنایة عن الزنا و إیجابه للحرمة الأبدیة، فیکون من قبیل الموارد التی یحرم فیها کلّ من الغایة و الطریق و الذریعة إلیها کالخلوة و الفجور فی الحرمة التکلیفیة، فکذلک العقد و الفجور فی الحرمة الوضعیة، و قال فی کشف اللثام فی مسألة الحرمة الأبدیة للزنا بذات البعل أو الرجعیة قال: «و لیس علیه نص بخصوصه و یجوز أن یکون المستند فیه إن لم یکن إجماع أن النکاح محرّم فالزنا أولی أو الدخول مع النکاح محرم فلا معه أولی»(3) و ظاهره ذکر تقریبین:

الأوّل: أولویة حرمة الزنا من العقد المحرم.

ص:194


1- (1) الغنیة، ابن زهرة: ج2، ص338.
2- (2) جامع المقاصد، المحقق الکرکی: ج2، ص314.
3- (3) کشف اللثام، الفاضل الهندی: ج7، ص185.

الثانی: أولویة الدخول المجرد من الدخول مع العقد المحرم.

و ظاهر السید المرتضی فی الانتصار أن مدرک الأصحاب فی الحرمة الأبدیة من الزنا بذات البعل هی أخبار معروفة، متّحدة مع الأخبار فی التحریم الأبدی للزنا بذات العدّة الرجعیة، و بأخبار المسألة الثالثة من العقد علی المرأة مع العام و بمدرک الحرمة الأبدیة بمن عقد علی امرأة مع العلم و ان لم یدخل بها حیث قال فی المسألة الثانیة: «و الحجة لأصحابنا فی هذه المسألة الحجة فی التی قبلها و الکلام فی المسألتین واحد فلا معنی لتکراره» و قال فی المسألة الثالثة: «و الکلام فی هذه المسألة کالکلام فی المسألتین المتقدّمتین» ثمّ ذکر المسألة الرابعة و هی الحرمة الأبدیة فیمن عقد علی امرأة ذات عدّة مع الجهل لکنّه دخل بها.(1)

نعم قد یتأمل فی إرادته الوحدة فی الأخبار و أن الظاهر إرادته الوحدة فی کیفیة الاستدلال فی قبال العامة و إن کان المعنی الأوّل محتمل قویاً.

نعم قد تردّد صاحب الوسائل فی الحکم حیث عنون الباب بنحو التردید(2)، هذا و یمکن استخلاص جملة من القرائن علی التعمیم لمطلق الوطی و لمطلق ذات الفراش، بتقریب أن الموضوع هو نکاح ذات الفراش سواء کان بمعنی العقد أو بمعنی مطلق الوطی إذا کانت المرأة ذات فراش، سواء کانت ذات بعل أو ذات عدّة أو الموطوءة بملک، باستظهار أن أخذ السبب الدخول تارة و أخری نفس العقد، غایة الأمر أن نفس العقد إنما یکون سبباً مع العلم، و إلا فالمدار علی الدخول، و هو و إن ضمّ إلی العقد فی لسان

ص:195


1- (1) الانتصار، السید المرتضی: ص106 - 107.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب11.

الروایات، إلاّ انه یستظهر منه إرادته منفرداً لجملة من القرائن المتعاضدة:

منها: إنه قد رتّبت العدّة و ثبوت المهر فی ردیف الحرمة الأبدیة، مع أن الموضوع لهما هو صرف الدخول مع الشبهة.

و منها: ما فی روایة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) أنه قال فی رجل نکح امرأةً و هی فی عدّتها قال: «یفرّق بینهما، ثمّ تقضی عدّتها فإن کان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها، و یفرّق بینهما...»(1) حیث إن عنوان النکاح یعمّ کلّ من العقد أو الدخول، کما ورد نظیر ذلک فیمن نکح امرأة فتحرم علیه أمّها، فإنه أعم بحسب النصوص(2) الواردة فی تلک المسألة من العقد أو الدخول و سواء الوطی محلّل أو محرّم.

و کذلک فی مسألة تحریم بنت(3) الموطوءة سواء بعقد أو لا، مع أن التعبیر القرآنی الوارد فیهما: (وَ أُمَّهاتُ نِسائِکُمْ وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ) (4) فمع أن المأخوذ فی الآیة أم الزوجة، إلاّ أنه عمّم الموطوءة مطلقاً و لو بالملک(5) کما فی النصوص، بل الموطوءة بغیر حلّ أیضاً.

و مع أن التعبیر بالآیة بنت الزوجة المدخول بها، إلاّ أنه عمّم بنت المدخول بها مطلقاً و لو بحرام، و کذلک الحال فی قوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ) فإنه عامّ للعقد و الوطی، و سواء کان الوطی محلّل أو محرّم

ص:196


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح8.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6، 7.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب2، 3، 4.
4- (4) النساء: 23.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب21.

و کذلک منکوحة الابن، مع أن التعبیر الوارد فی الآیة الکریمة: (وَ حَلائِلُ أَبْنائِکُمُ) فالتعمیم إما لأجل عموم المعنی کما فی مادّة النکاح أو لکون المدار علی الدخول فیما إذا انضمّ مع العقد أو لکون العقد کنایة و ذریعة للوطی، فالتحریم إذا انوجد و ترتب علی الذریعة و الطریق فترتّبه علی الغایة أوضح عرفاً کما هو الحال فی تحریم الربا غیر المحض و ما هو فی معرض الرضا توصّلاً لتحریم ذات الربا. و کذلک الحال فیما ورد فی الجمع(1) بین الأختین فإنه کما أرید به العقد علیهن أرید صرف الوطی لهما أیضاً فی الملک، حیث إنه یجوز تملّکهما، لکن لا یسوغ وطیهما معاً، بل قد ورد إنه لو وطأهما معاً حرمتا علیه، إلاّ أن یخرج إحداهما عن ملکه، مع أن الوارد فی الآیة (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ) (2).

و منها: إجماع الطائفة بنحو مطابق، عدا ما حکی عن الشرائع من الحرمة الأبدیة فی الزنا بذات البعل أو ذات العدّة الرجعیة، بل بعضهم عمّم لمطلق الوطی و مطلق ذات الفراش، و قد مرّ فی کلمات بعض المتقدّمین و بعض المتأخرین الإشارة إلی أن مدرک فتوی الأصحاب بذلک هو تعمیم دلالة ما ورد من الروایات فی العقد علی المعتدّة و ذات البعل مع المدخول بها، إما بتقریب الکنایة عن مطلق الوطی أو الأولویة فی وطی الزنا و إن ذکر العقد مع الجهل لبیان مثال الشبهة.

و الحاصل من تقریب استظهارهم أنهم یقرّرون من عنوان التزویج أو النکاح الوارد فی موضوع التحریم الأبدی أنه الأعم من العقد و الوطی، فتری

ص:197


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب29.
2- (2) النساء: 23.

من کتاب الشرائع مثلاً و غیره عند ما عنون السبب الثالث للحرمة الأبدیة، قال: )المصاهرة و هی تتحقّق مع الوطی الصحیح و بشکل مع الزنا و الوطی بالشبهة و النظر و اللمس(، فتری التردید فی المصاهرة و هی التزویج أنه کنایة عن الوطی عندهم إلاّ انه تردّد فی الشرائع فی عموم تخصیصه.

و یعضد هذا التقریر أنه قد فرض جملة من روایات المقام إرادة الدخول من فرض التزویج، کما فی صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) فی امرأة تزوّجت قبل أن تنقضی عدّتها، قال: «یفرّق بینهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جمیعاً»(1)، و مثلها موثّقة أبی العباس و صحیح أبی بصیر و مصحّح جمیل عن بعض أصحابه و صحیح حمران(2) و روایة علی بن بشیر و عبد الله بن سنان و محمد بن مسلم(3).

و فی اللسان: نکح فلان امرأة ینکحها نکاحاً إذا تزوّجها، و نکحها ینکحها باضعها أیضاً، و قال الأزهری: أصل النکاح فی کلام العرب الوطی، و قیل للتزویج نکاحاً لأنه سبب للوطی المباح، و قال الجوهری: النکاح الوطی و قد یکون العقد، و قال ابن سیدة: النکاح البضع.

و من ذلک یظهر تقریب آخر لاستعمال التزویج فی الوطی أنه من باب استعمال السبب فی المسبب، و أن استعمال النکاح فی التزویج من استعمال المسبب فی السبب، و قد ورد فی الروایة الاستعمال فیمن نکح المرأة المیتة بمعنی وطئها(4).

ص:198


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17، ح11.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب نکاح البهائم و الاموات ب2.

هذا کله فی الشق الأوّل من المسألة.

و أما الشق الثانی فیها؛ و هو ما لو عقد بعقد فاسد فهل یندرج فی موضوع التحریم أو لا.

و الفساد تارة للخلل فی بعض الأرکان العرفیة للعقد أو شرائطه، و أخری لأرکان العقد أو شرائطه بحسب الشرع.

و حیث إن الأقوی فی وضع الألفاظ فی المعانی المرکبة أنها موضوعة للأعم من الصحیح و الفاسد عرفاً فضلاً عن الفاسد بحسب الشرع، فصدق العقد ما لم یخل بالأرکان العرفیة لا تردید فیه، و إنما یبقی الکلام فی أن العقد المأخوذ موضوعاً للتحریم الأبدی هل هو مطلق التزویج أو التزویج الصحیح اقتضاءً لو لا هذا السبب المحرّم، و الأظهر أنه لا موجب لتبادر الثانی، لا سیما بلحاظ الموانع عن الصحة الشرعیة التی هی فی رتبة واحدة فی المانعیة، فإن البطلان ینسب إلیها علی حدّ سواء إذ لا تنافی من توارد موانع متعدّدة علی ممنوع واحد، إذ نسبته إلی أحدهما بخصوصه دون البقیة أو لا علی التعیین لا موجب له، فلا تردید فی شمول الأدلة لما ذکره الماتن لأخت الزوجة أو بنت الزوجة غیر المدخول بها.

نعم التمثیل بتزویج أم الزوجة أو بنتهما فیما إذا کانت مدخول بها من سهو القلم، لأنهما من المحرّمات الأبدیة علی کلّ حال من دون فرض التزویج بهما، و من ذلک یظهر شمول العموم لمورد روایة الحکم بن عتیبة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن محرم تزوج امرأة فی عدّتها؟ قال: «یفرّق بینهما و لا تحلّ له أبداً»(1) و نظیر المقام لو عقد علی کافرة من غیر أهل الکتاب و هی ذات بعل.

ص:199


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة ب17 ح15.

حکم تزویج الولی فی عدة الغیر

(مسألة 2): إذا زوّجه الولی فی عدّة الغیر مع علمه بالحکم و الموضوع، أو زوّجه الوکیل فی التزویج بدون تعیین الزوجة، کذلک لا یوجب الحرمة الأبدیة؛ لأن المناط علم الزوج لا ولیّه أو وکیله. نعم لو کان وکیلاً فی تزویج امرأة معینة و هی فی العدّة فالظاهر کونه کمباشرته بنفسه، لکن المدار علم الموکّل لا الوکیل(1).

حکم تزویج الولی فی عدة الغیر

(1) التحقیق: إن المدار فی الحرمة علی علم الزوج لا علم العاقد، کما لا بدّ من انتساب العقد إلیه، و لا یدور الانتساب مدار صحة الوکالة، بل یدور مدار التسبیب بالإذن أو الأمر کما هو مطّرد فی باب الوکالة فی موارد فسادها، و علی ضوء کلّ ذلک یتضح الحال فی جملة من الصور:

منها: ما لو زوّج الولی الصغیر من امرأة فی العدّة، فإنه لا تسبیب من الصغیر فی ذلک العقد و لو فرض علمه، فضلاً عما لو کان جاهلاً، نعم لو فرض دخوله بها فحیث إن الأظهر وفاقاً للمتقدّمین تسبیب مطلق الوطی للحرمة فتثبت الحرمة الأبدیة، بخلاف ما لو بنینا - کما هو عند متأخری المتأخرین- علی ترکّب الموضوع من العقد مع الدخول فإنها لا تتحقق الحرمة فی المقام، لعدم انتساب العقد إلی الصبی؛ إذ لا ولایة للولی فی ذلک، کما لا تسبیب من الصبی فی البین.

و منها: ما لو وکّل وکیلاً و أطلق له مورد التزویج، فإن ظاهر الوکالة لا یتناول ذات البعل أو المعتدّة، کما أن التسبیب بطبعه کذلک، فلو أوقع الوکیل

ص:200

العقد علیهما لما تحقّق موضوع الحرمة الأبدیة مع عدم علم الزوج، و أما مع الدخول فلا یتحقق أیضاً بناءً علی ترکّب الموضوع من الدخول و العقد، لعدم حصول التسبیب إلی العقد.

و أما لو وکّله و صرح بالإطلاق الشامل لذات البعل أو أمره بالعقد له علی امرأة من مجموعة نساء مشتملة علی ذات البعل أو ذات العدّة مع علمه بذلک، ففی حصول الحرمة بالعقد إشکال، لا سیما فی الشق الأوّل; لخفاء صدق وقوع العقد علی ذات البعل أو العدّة، مع تعلّق علمه بذلک الوقوع الخاص.

لکن الأظهر تحقّق الموضوع فی الشق الثانی، لا سیما مع صغر دائرة المجموعة، لتحقّق کلّ من استناد العقد إلی الموکّل مع تعلّق علمه بذلک أیضاً.

و بعبارة أخری: لا یکفی فی تحقّق الموضوع مجرّد وقوع العقد مستنداً إلیه، بل لا بدّ من العلم بوقوع العقد علی المرأة ذات البعل أو العدّة، و ظاهر أخذ العلم فی الأدلة هو العلم التفصیلی بوقوع شخص العقد علیها، و من ثمّ وقع الفرق بین الشقّین.

و منها: ما لو أجاز الصبی بعد البلوغ أو الموکّل بعد العقد الذی لم تتناوله الوکالة و التسبیب، فتارة تقع الإجازة و المرأة علی هذا الوصف و أخری تقع الإجازة بعد ما انقضی الوصف.

و لا ریب فی تحقّق الموضوع فی الشق الأوّل.

و أما فی الشق الثانی، فعلی القول بأن الإجازة ناقلة فلا تحقّق للموضوع، و کذلک علی القول بالکشف الانقلابی أو البرزخی; فإن استناد و انتساب العقد وقع فی حین زوال الوصف عن المرأة، و أما علی الکشف الحقیقی فلتحقّق

ص:201

(مسألة 3): لا إشکال فی جواز تزویج من فی العدّة لنفسه، سواء کانت عدّة الطلاق أو الوط ء شبهة أو عدّة المتعة أو الفسخ بأحد الموجبات أو المجوّزات له، و العقد صحیح إلا فی العدّة الرجعیة، فإن التزویج فیها باطل، لکونها بمنزلة الزوجة، و إلاّ فی طلاق الثلاث الذی یحتاج إلی محلّل، فإنه أیضاً باطل بل حرام، و لکن مع ذلک لا یوجب الحرمة الأبدیة، و إلاّ فی عدّة الطلاق التاسع فی الصورة التی تحرم أبداً، و إلاّ فی العدّة بوطئه زوجة الغیر شبهة، لکن لا من حیث کونها فی العدّة، بل لکونها ذات بعل، و کذا فی العدّة شبهة إذا حملت منه، بناءً علی عدم تداخل العدّتین، فإن عدّة وطئ الشبهة حینئذ مقدّمة علی العدّة السابقة، التی هی عدّة الطلاق أو نحوه; لمکان الحمل، و بعد وضعه تأتی بتتمّة العدّة السابقة، فلا یجوز له تزویجها فی هذه العدّة - أعنی عدّة وطئ الشبهة، و إن کانت لنفسه - فلو تزوجها فیها عالماً أو جاهلاً بطل، و لکن فی إیجابه التحریم الأبدی إشکال(1).

الموضوع وجه، و دعوی أن الاستناد دخیل فی الموضوع و هو إنما تحقّق بعد زوال الوصف، فإنما یتمّ علی غیر الکشف الحقیقی; لأنه علیه لا یعتدّ بزمن الإجازة من رأس، فالدعوی المزبورة إشکال مبنائی و لیس بنائی، بمعنی أن فی الکشف الحقیقی لا دخالة للإجازة إلاّ الکشف المحض.

حکم تزویج من فی العدة لنفسه

اشارة

(1) التحقیق:

تعرّض الماتن لجملة من الأمور:

ص:202

الأمر الأوّل: جواز تزویج صاحب العدّة فی عدّة المرأة لنفسه

و الحکم بالجواز واضح من جهة أن العدّة لاحترام مائه عن الاختلاط بماء الغیر بعد احترام وطئه، بل إن لسان التربّص للعدّة فی الآیات و الروایات ظاهر أنه من الغیر بقرینة السیاق و المقابلة، و من ثمّ کان المنع عن معاودة الرجوع فی الطلقة الثالثة أو التاسعة کالاستثناء من ذلک. ثمّ إن سبب العدّة هو الدخول، سواء تعقّبه الطلاق أو لا.

نعم فی خصوص العدّة الرجعیة التزویج لغو؛ لأنها زوجة، لا کما عبّر الماتن و جماعة أنها بمنزلة الزوجة; لأن التعبیر فی الآیات بالمفارقة أو الإمساک بإحسان فی انتهاء العدّة الرجعیة قاض بأنها قبل ذلک فی أثناء العدّة زوجة و لم تحصل المفارقة، أی إن تأثیر الطلاق معلّق إلی انتهاء حدّ العدّة، فهی فی الأثناء یترتب علیها أحکام الزوجة. غایة الأمر أنه لو وطئها یکون ذلک منه رجوعاً.

و لا یبعد أن یکون التزویج منها فی العدّة الرجعیة رجوعاً عن الطلاق.

الأمر الثانی: عقد الزواج علی المطلقة ثلاثاً فی عدّتها

عقد الزواج علی المطلقة ثلاثاً فی عدّتها باطل، لقوله تعالی: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَیْهِما أَنْ یَتَراجَعا) (1)، و کذا النصوص الواردة(2).

ثمّ إن مادة (الحل)، حیث إنها تستعمل فی الجامع بین المعنی الوضعی

ص:203


1- (1) البقرة: 30.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب أقسام الطلاق: ب7.

و التکلیفی ظاهر النفی هنا فی الأعم، و هذا هو ظاهر جملة الموارد المحرّم نکاحهن، فإن مقتضی مفاده الأعم.

هذا کلّه فی المطلقة ثلاثاً فی الحرمة الوضعیة و التکلیفیة. و أما الحرمة الأبدیة فحیث إن موضوع العدّة کما تقدّم هی فی تزویج غیر صاحب العدّة فلا یشمله کما فی المقام.

ثمّ إن فی الطلاق تسعاً مما یحرم أبداً کذلک، بالنسبة إلی الحکمین الأوّلین بعد کون لسان الدلیل بمادّة الحرمة. و قد اطّرد حملها علی الجامع من قبل الأصحاب فی جملة من الموارد.

الأمر الثالث: فی المعتدّة شبهة

فی المعتدّة شبهة، سواء کانت ذات بعل أو معتدّة رجعیة أو معتدّة بائنة من طلاق أو غیره، لا یصح العقد علیها و لو فی أثناء العدّة لنفسه، سواء بنی علی التداخل فی العدتین أو عدمه، أما فی ذات البعل و الرجعیة فالأمر ظاهر.

و أما فی المطلّقة البائن و نحوها، فلدلالة جملة من النصوص علی البطلان مضافاً إلی أنه مقتضی مفاد العدّة کما مرّ، حیث إن الروایات جعلت موضوع البطلان هی المرأة قبل أن تنقضی عدّتها، و هو صادق علی الفرض فی المقام، سواء کانت الصورة انقطاع العدّة الأولی بعدّة الشبهة لنفسه أو کانت الصورة عدم ابتداء العدّة من الطلاق کما لو فرض وقوع وطی الشبهة منه قبل طلاق الزوج، و سواء بنینا فی الصورة الأولی فی الانقطاع علی الانقطاع الحقیقی أو الحکمی. ففی موثّق إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا إبراهیم(علیه السلام) عن الأمة یموت سیدها، قال: تعتدّ عدّة المتوفّی عنها زوجها،

ص:204

قلت: فإن رجلاً تزوجها قبل أن تنقضی عدّتها، قال: فقال: یفارقها، ثمّ یتزوجها نکاحاً جدیداً بعد انقضاء عدّتها، قلت: فأین ما بلغنا عن أبیک فی الرجل إذا تزوج المرأة فی عدّتها لم تحل له أبداً، قال: هذا جاهل»(1).

و موضع الشاهد فی الروایة أنه قد جعلت موضوع البطلان هو التزویج قبل انقضاء العدّة.

و فی صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام): «فی امرأة تزوّجت قبل أن تنقضی عدّتها، قال: یفرّق بینهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جمیعاً»(2).

و موضوع هذه الصحیحة مطلق ذات العدّة سواء من طلاق أو غیره. و مثلها مصحّح علی بن جعفر(3)، و کذا روایة عبد الله بن سنان(4) و معتبرة محمّد بن مسلم(5).

فیتحصّل أن روایات الباب دالّة علی بطلان العقد علی المرأة المرتهنة بعدّة و إن لم تبدأ عدّتها.

و أما الحرمة الأبدیة فتقرّب أن موضوعها بالمرأة قبل أن تنقضی عدّتها، و هذا العنوان کما مرّ أعم من التی کانت فی العدّة فعلاً أو التی لم تبدأ عدّتها أو انقطعت عدّتها فی الأثناء بعدّة أخری.

و بالتالی یکون المراد من اللسان الآخر فی الروایات (المرأة فی عدّتها)

ص:205


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح5.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح11.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح19 - 20.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح21.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح2.

أی المرأة فی عدّة علیها فی ذمّتها، و سیأتی فی المسألة الخامسة فی صحیح أبی بصیر التعبیر عن المرأة قبل أن تنتهی عدّتها بأنها علی غیر عدّة، فکأن المدار علی عدم انتهاء العدّة فی موضوع التحریم، و یعضده ما فی التعبیر فی الآیة (وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ) أی اللازم الانتهاء منها فی تحلیل التزویج.

و یقرّب هذا المدّعی بموثّق اسحاق بن عمّار السابق، حیث أخذ فی موضوعها ذلک، مع فرض أن سبب التحریم هو العلم دون الدخول کما فی ذیل الموثّقة.

و فی صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: «سألته عن المرأة الحبلی یموت زوجها فتضع و تزوّج قبل أن تمضی لها أربعة أشهر و عشراً، فقال: إن کان دخل بها فرّق بینهما و لم تحلّ له أبداً و اعتدّت بما بقی علیها من الأوّل و استقبلت عدّة أخری من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم یکن دخل بها فرّق بینهما و اعتدّت بما بقی علیها من الأوّل، و هو خاطب من الخطاب»(1). و موردها و إن لم یکن فیمن علیها عدّتان إلاّ أن موضوع التحریم قد أخذ فیه عنوان قبل مضی العدّة، کما أنه لم یفرض فیها علم الزوجة بموت زوجها و لا شروع ابتداء العدّة، و إن کان ذلک محتملاً بحسب سیاق السؤال و مناسباته، کما أن موثّق إسحاق المتقدّم و إن کان موضوعه فی الصدر عنوان (قبل انقضاء العدّة)، إلاّ أن فی الذیل أخذ عنوان فی عدّتها. و مثلها مصحّح علی بن جعفر(2)، و روایة عبد الله بن الفضل الهاشمی(3).

ص:206


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح6.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح20.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح16.

ثمّ إن هذا کلّه بناءً علی عدم تداخل العدّتین، و إلاّ فیصدق عنوان فی عدّتها من الغیر.

ثمّ إن هناک بعض الصور لم یتعرّض لها الماتن:

منها: ما لو وطأ الزوج زوجته المعتدّة بوطی الشبهة فی عدّتها.

و منها: ما لو وطأ رجل امرأة شبهة فی عدّتها من شبهة أخری. و الظاهری عموم کلامهم لهذه الصورة.

و أما الصورة الأولی فقد یقال بعدم الحرمة الأبدیة لعدم عقده علیها، بل عقده سابق علی العدّة، فلم یتحقّق جزء الموضوع.

نعم قد یقرّر تحقّق الموضوع بناءً علی أن الدخول أو الوطی بمجرّده فی العدّة موجب للحرمة، لکن لا یبعد أنه علی هذا القول الذی التزم به المشهور إنما یکون الوطی بمجرّده موضوع للحرمة فی غیر المرأة التی بینه و بینها عصمة، أی فی المرأة التی تمحّضت بالارتباط بالغیر إما بالزوجیة أو العدیة؛ و ذلک لکون نوع موارد الروایات الواردة هو ذلک و التعدی عنه هو من نوع إلی نوع آخر.

ص:207

(مسألة 4): هل یعتبر فی الدخول الذی هو شرط فی الحرمة الأبدیة فی صورة الجهل أن یکون فی العدّة، أو یکفی کون التزویج فی العدّة مع الدخول بعد انقضائها؟ قولان، الأحوط الثانی، بل لا یخلو عن قوة؛ لإطلاق الأخبار بعد منع الانصراف إلی الدخول فی العدّة.(1)

حکم التزویج فی العدّة مع الدخول بعد انقضائها

(1) التحقیق:

قد مرّ فی المسألة الأولی تصریح جماعة من المتقدّمین و المتأخرین بکون الدخول فی العدّة; إذ جعلوا سبب التحریم هو الوطی فی نفسه و أن ذکر العقد کنایة عنه أو توطئة لبیان الشبهة، فلیس العقد مع الجهل جزء الموضوع، بل إنه من ذکر السبب و إرادة المسبب.

و قد مرّ أیضاً جملة من القرائن و الشواهد علی ذلک، و أن هذا التقریب هو مدرک المشهور، و المجمعین علی تحریم الزنا بذات البعل أو الرجعیة. و ما صرّح به جماعة من عموم تحریم الوطی لعموم المعتدّة.

نعم حکی عن المسالک التردید لکنّه بنی علی التقیید و مثله فی الجواهر، و عن الریاض تقویة الإطلاق لما لو کان الدخول بعد العدّة، و استدلّ له بمعتبرة سلیمان بن خالد قال: «سألته عن رجل تزوّج امرأة فی عدّتها قال: فقال: یفرّق بینهما، و إن کان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها،

ص:208

و یفرّق بینهما، فلا تحلّ له أبداً»(1).

و مثلها صحیح الحلبی.

بتقریب أن التقیید فی عدّتها هو قد أخذ فی متعلّق التزویج دون متعلّق الدخول، فمتعلّق الدخول مطلق.

مضافاً إلی أنه قد عطف المهر علی الدخول، و ثبوت المهر بمطلق الوطی و إن کان خارج العدّة.

و فیه: مضافاً إلی ما مرّ فی المسألة الأولی من الشواهد العدیدة علی کون الموضوع الأصلی هو مجرّد الوطی فی العدّة، أن الضمیر فی (دخل بها) عائد علی المرأة التی فرض أنها فی العدّة، فأین الإطلاق؟!

و أما عطف المهر علی الوطی فهو قرینة لما تقدّم من أن المدار علی الوطی فی الجهل دون العقد.

ص:209


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح7.

حکم ما لو شک أنها فی العدة

اشارة

(مسألة 5): لو شک أنها فی العدّة أم لا مع عدم العلم سابقاً جاز التزویج، خصوصاً إذا أخبرت بالعدم، و کذا إذا علم کونها فی العدّة سابقاً و شک فی بقائها إذا أخبرت بالانقضاء، و أما مع عدم إخبارها بالانقضاء فمقتضی استصحاب بقائها عدم جواز تزویجها.

و هل تحرم أبداً إذا تزوجها مع ذلک؟ الظاهر ذلک، و إذا تزوجها باعتقاد خروجها عن العدّة أو من غیر التفات إلیها، ثمّ أخبرت بأنها کانت فی العدّة فالظاهر قبول قولها و إجراء حکم التزویج فی العدّة، فمع الدخول بها تحرم أبداً.(1)

حکم ما لو شک أنها فی العدة

(1) التحقیق:

قاعدة فی اعتبار قول المرأة فی شئونها

و یدل علی اعتبار قول المرأة فیما یخصّها کما مرّ فی بحث الطهارة جملة من الروایات، کصحیح زرارة: «العدّة و الحیض للنساء إذا ادّعت صدّقت»(1).

و فی معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه': «إن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال فی امرأة ادّعت أنها حاضت فی شهر واحد ثلاث حیض قال: کلّفوا نسوة من بطانتها أن حیضها کان فی ما مضی علی ما ادّعت، فإن شهدت صدّقت و إلاّ

ص:210


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الحیض: ب47، ح1.

فهی کاذبة»(1)، و فیها دلالة علی أن اعتبار قولها مقیدٌ بعدم الریبة، کما أن صحیح زرارة دال علی اعتبار قولها فی العدّة و الحیض، و إطلاقه شامل للبدء و الانتهاء و الوجود و العدم و یلحق به النفاس و نحوه.

و معتبرة میسر، قال: «قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): ألقی المرأة بالفلاة التی لیس فیها أحد، فأقول لها: أ لک زوج؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟ قال: نعم، هی المصدّقة علی نفسها»(2).

و مورد هذه المعتبرة و إن کان فی نفی الزوج، إلاّ أنه بضمیمة ما تقدّم الجامع هو ما یکون من شئون المرأة; فإن کونها خلیة فی زعمها مطلق شامل لما لو علم سابقاً بأن لها زوج مع مضی فترة متخلّلة لاحتمال وقوع الطلاق و العدّة، و إن کان إطلاق الروایة لهذه الصورة، فممنوع بحسب فرض السائل.

و فی صحیحة عمر بن حنظلة قال: «قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): إنی تزوّجت امرأة، فسألت عنها، فقیل فیها، فقال: و أنت لم سألت أیضاً؟! لیس علیکم التفتیش(3).

و یظهر من هذه الصحیحة أن اعتبار قول المرأة یعمّ فعلها، بل الصحیح أن أماریة قول المرأة لیس من جهة الأخبار و الحکایة و إنما هو من جهة اعتبار قول ذی الید فی شأن ما فی یده، و هو وجه آخر مستقلّ فی المقام.

و نظیرها صحیحة عبد العزیز المهتدی قال: «سألت الرضا(علیه السلام)، قلت: جعلت فداک إن أخی مات و تزوّجت امرأته فجاء عمّی فادّعی أنه کان

ص:211


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الحیض: ب47، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب25، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب25، ح1.

تزوجها سرّاً، فسألتها عن ذلک فأنکرت أشدّ الإنکار، و قالت: ما کان بینی و بینه شیء قط، فقال: یلزمک إقرارها و یلزمه إنکارها»(1).

بتقریب أن الراوی بنی علی الزواج بها لتعاطیها للزواج، و إنما جعل قولها إقراراً و إنکاراً، فی قبال دعوی عمّه.

و مثلها روایة یونس(2) و فی روایة محمد بن عبد الله الأشعری، قال: «قلت للرضا(علیه السلام): الرجل یتزوج بالمرأة فیقع فی قلبه أن لها زوج، فقال: و ما علیه؟ أ رأیت لو سألها البیّنة کان یجد من یشهد أن لیس لها زوج»(3). و قریب منها روایة مهران بن محمد(4)، و صریح أماریة قول من لا یعلم إلاّ من قبله.

و فی صحیح حمّاد عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی رجل طلق امرأته ثلاثاً فبانت منه فأراد مراجعتها، فقال لها: «إنی أرید مراجعتک، فتزوجی زوجاً غیری، فقالت له: قد تزوجت زوجاً غیرک و حلّلت لک نفسی، أ یصدّق قولها و یراجعها و کیف یصنع؟ قال: إذا کانت المرأة ثقة صدّقت فی قولها»(5) و اشتراط الوثاقة فی مورد الصحیحة باعتبار أن المورد مما یوجب الریبة بطبیعة حاله، فلا یدفع إلاّ بالوثاقة لا أن مدرک حجیة القول هو الوثاقة، فالوثاقة لدفع الریبة.

و من ذلک یظهر أن قول المرأة هنا لیس من باب الأمارة اللفظیة المحضة، و إنما هو بمنزلة الأمارة الفعلیة.

ص:212


1- (1) وسائل الشیعة: ب23، ح1.
2- (2) المصدر السابق: ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب10، ح5.
4- (4) وسائل الشیعة، نفس الباب: ح4.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب أقسام الطلاق: ب11، ح1.

و فی موثّقة سماعة قال: «سألته عن رجل تزوج جاریة أو تمتّع بها، فحدثه رجل ثقة أو غیر ثقة، فقال: إن هذه امرأتی و لیس لی بینة، فقال: إن کان ثقة فلا یقربها و إن کان غیر ثقة فلا یقبل منه»(1)، و هی محمولة علی ندبیة التجنّب لما تقدّم فی صحیحة ابن المهتدی، مضافاً إلی أن قول الثقة فی الموضوعات ذات الاستحقاق لا یعوّل علیه، مع أنه مدّع فی المقام أیضاً، ثمّ إن إطلاق اعتبار قولها و فعلها شامل لما لو کانت سابقاً فی العدّة، لما مرّ من اعتبار قولها فی انقطاع العدّة أیضاً.

ثمّ إنه یظهر الحال أیضاً فیما لو لم تخبر بالانقضاء و لکنّها أقدمت علی الزواج، أنه یعتد بفعلها أیضاً و لا خصوصیة للقول.

نعم و أنها إذا کانت متهمة و ذات ریبة لا یؤخذ بقولها و فعلها، فیعوّل حینئذ علی الاستصحاب، و هو کما حرّر فی علم الأصول یقوم مقام العلم الموضوعی فیحقّق موضوع الحرمة الأبدیة إذا أقدم علی الزواج بها.

و أما الصورة الأخیرة فی المتن، و هو ما إذا تزوجها، ثمّ أخبرت أنها فی العدّة فهل یقبل قولها؟ و هل تحرم مؤبّداً مع الدخول أو لا؟

ذهب الماتن إلی الاعتداد بقولها و هو محل تأمل؛ لما مرّ من أن المدار لیس علی قولها فقط، بل علی کلّ من فعلها و قولها، فمع فرض إقدامها علی العقد أو علی الجماع فهو بمثابة القول بأنها خلیه، فلا یمکن الأخذ بقولها الآخر؛ لأنه معارض للأول، مضافاً إلی أن قولها الآخر معارض لأصالة الصحة أیضاً، فتکون مدّعیة.

و فی صحیح أبی بصیر قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة، فقالت: أنا حبلی و أنا أختک من الرضاعة، و أنا علی غیر عدّة، قال: فقال: إن

کان دخل بها و واقعها فلا یصدّقها، و إن کان لم یدخل بها و لم یواقعها، فلیختبر و لیسأل إذا لم یکن عرفها قبل ذلک»(2).

ظاهر التفصیل بین الدخول و عدمه، حیث إنه مع الدخول یکون قولها اللاحق معارض لکلّ من أصالة الصحة و لقولها و فعلها السابق، فلا یؤخذ به و أما قبل الدخول، فحیث عارض قولها اللاحق فعلها السابق فیتعارضان و یتساقطان فیتعیّن علیه الفحص، إلاّ أنه قد یقال: بأن أصالة الصحة فی هذا الشقّ أیضاً جاریة إلاّ أن الصحیح عدم جریانه؛ لأنه من الشک فی المورد و قابلیة الموضوع للعقد و لا تجری فیه أصالة الصحة، إلاّ مع القرینة الحالیة علیه، بخلافه مع الدخول، فإن الإقدام علی الجماع یضعف فیه احتمال الغفلة و الذهول و نحو ذلک، فالعمل بمفادها متعیّن.

و علی أی تقدیر فمحصّل مفاد الروایة من الشقین سقوط اعتبار قولها؛ لتعارضه مع فعلها السابق.

ص:213


1- (1) المصدر السابق: ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب18، ح1.

إذا علم أن التزویج کان فی العدّة مع الجهل بها

(مسألة 6): إذا علم أن التزویج کان فی العدّة مع الجهل بها حکماً أو موضوعاً و لکن شک فی أنه دخل بها حتی تحرم أبداً أو لا؟ یبنی علی عدم الدخول، و کذا إذا علم بعدم الدخول بها و شک فی أنها کانت عالمة أو جاهلة، فإنه یبنی علی عدم علمها فلا یحکم بالحرمة الأبدیة.(1)

(1) التحقیق:

لاستصحاب العدم فی الموردین، بل مرّ فی المسألة السابقة أنها لو ادّعت العلم فلا یؤخذ بقولها، بل لا بدّ من الفحص.

ص:214

إذا علم إجمالاً بکون إحدی الامرأتین فی العدّة

(مسألة 7): إذا علم إجمالاً بکون إحدی الامرأتین المعیّنتین فی العدّة و لم یعلمها بعینها وجب علیه ترک تزویجها، و لو تزوج إحداهما بطل، و لکن لا یوجب الحرمة الأبدیة؛ لعدم إحراز کون هذا التزویج فی العدّة، نعم لو تزوجهما معاً حرمتا علیه فی الظاهر عملاً بالعلم الإجمالی(1).

(1) التحقیق:

تعرّض فی المتن إلی صور:

الصورة الأولی: إذا علم بأن إحدی الامرأتین فی عدّة و لم یعلم الحالة السابقة لهما أنهما فی العدّة، فهنا العلم الإجمالی منجّز لحرمة التزویج، و لو تزوج إحداهما بطل فی الظاهر؛ لأصالة الفساد، و لا تجری أصالة الصحة لتعارضها فی الطرفین، أو لتعارضهما مع البراءة فی الطرف الآخر.

الصورة الثانیة: ما لو علم بأن إحداهما بالعدّة و الأخری قد خرجت منها، فهنا قد یقال بجریان استصحاب بقاء العدّة لإحراز الحرمة الأبدیة; لأن الاستصحاب هنا موافق لمنجزیة العلم الإجمالی و لا یوجب المخالفة العملیة، بل المخالفة الالتزامیة و هی لا توجب التعارض بین الأصول.

لکن قد یقال: بأن هذا الاستصحاب یعارض استصحاب بقاء العدّة فی الطرف الأخر بعد کون جریانهما معاً مخالف للعلم الإجمالی الآخر، و هو العلم بصحة الزواج من إحداهما و ثبوت أحکام الزوجة لها.

و قد یقال أیضاً: إن العلم الإجمالی الثانی لا یتشکّل إلاّ إذا أوقع التزویج بکلتیهما، بخلاف ما لو أوقعه بإحداهما، فإنه لا علم بالوجوب الفعلی بالنفقة

ص:215

(مسألة 8): إذا علم أن هذه الامرأة المعینة فی العدّة لکن لا یدری أنها فی عدّة نفسه أو فی عدّة لغیره، جاز له تزویجها؛ لأصالة عدم کونها فی عدّة الغیر، فحاله حال الشک البدوی.(1)

و الوطی و نحو ذلک.

و یردّه إن اللازم علی ذلک التسلیم بتعارض استصحاب بقاء العدّة فی الطرفین لو تزوج بهما؛ لاستلزامهما المخالفة العملیة لوجوب الإنفاق، فیکون من التفصیل فیهما بین ما قبل وقوع العقد الثانی و ما بعده، و أنه یبنی علی الحرمة الأبدیة ابتداءً دون البقاء، أی أنه عند ما تزوّج الأولی حکم علیها بالحرمة الأبدیة فی الظاهر، فإذا تزوج الثانیة یسقط استصحاب العدّة فی الأولی و لا یثبت الحرمة الأبدیة بقاءً حینئذ.

و بعبارة أخری: کما أن من آثار استصحاب العدّة الحرمة الأبدیة، فکذلک من آثارها عدم النفقة، فالصحیح حینئذ هو تنجیز کلا العلمین و البقاء علی الحرمة الأبدیة من باب تنجیز العلم.

نعم لو تزوج بهما فإما أن یقرع بینهما لإخراج غیر ذات العدّة أو یحتاط بتطلیقهما.

(1) التحقیق:

لأصالة عدم کونها فی عدّة الغیر و لا یعارض باستصحاب عدم کونها فی عدّة نفسه؛ لعدم ترتب أثر نفیاً و إثباتاً علیه، لکن هذا فی البائن.

و أما لو کان التردید مع العدّة الرجعیة لنفسه و عدّة الغیر فالاستصحابین متعارضین فی الطرفین؛ لترتّب الأثر علی کلّ منهما، مضافاً إلی أن العقد علی

ص:216

تزویج ذات البعل

(مسألة 9): یلحق بالتزویج فی العدّة فی إیجاب الحرمة الأبدیة تزویج ذات البعل، فلو تزوجها مع العلم بأنها ذات بعل حرمت علیه أبداً مطلقاً، سواء دخل بها أم لا، و لو تزوجها مع الجهل لم تحرم إلاّ مع الدخول بها، من غیر فرق بین کونها حرة أو أمة مزوجة، و بین الدوام و المتعة فی العقد السابق و اللاحق، و أما تزویج أمة الغیر بدون إذنه مع عدم کونها مزوّجة، فلا یوجب الحرمة الأبدیة، و إن کان مع الدخول و العلم.(1)

--

المرأة یعلم بعدم صحته علی کلّ تقدیر إما لکونها ذات عدّة من الغیر أو لکونها رجعیة، و لا یصح العقد علیها؛ لأنها زوجة بالفعل، نعم مرّ أن العقد علیها بمثابة الرجوع.

(1) التحقیق:

نبّه علی الإلحاق أو الاندراج أو وحدة الحکم مع المعتدّة جملة من الأصحاب، أما الإلحاق ففی القواعد و الروضة و الإیضاح، و الظاهر لعدم وقوفهم علی النصوص.

و أما الاندراج فقد أشار إلیه صاحب الجواهر باعتبار ورود النص فی خصوص المعتدّة الرجعیة کما فی صحیح حمران(1) أو بالعموم للمعتدّة الرجعیة و هی کالزوجة، بل الصحیح أنها زوجة؛ لأن أثر الطلاق من الفرقة معلّق علی انقضاء العدّة، حیث قال تعالی: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ

ص:217


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح17.

بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (1) لدلالتها علی عدم حصول الفرقة قبل بلوغ الأجل، و أما إنشاء الرجوع فهو فسخ لإنشاء الطلاق المعلّق علی بلوغ المدّة.

فالمعتدّة الرجعیة زوجة حقیقة و من ثمّ تترتب علیها آثار الزوجیة.

و هذا وجه مستقلّ لترتیب أحکام المعتدّة علی الزوجة، و قد صرّح فی صحیحة حمران بأنه مع الدخول تحرم مؤبّداً و إن فرضت الجهالة من الطرفین، و هی مشعرة بالتفصیل بین جهل الزوجة و علمها فی صورة عدم الدخول.

و أما الروایات الواردة بالخصوص فی الزوجة فهی علی ألسن:

منها: ما حرم مطلقاً کموثّقة أدیم بن الحر، قال: «قال أبو عبد الله(علیه السلام): التی تتزوج و لها زوج یفرّق بینهما ثمّ لا یتعاودان أبداً»(2)، فإنها مطلقة من حیث علمهما أو جهلهما أو جهل أحدهما أو الدخول.

و منها: ما قیّدت الحرمة فیها بالدخول کموثّق زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)، فی امرأة فقد زوجها أو نعی إلیها فتزوجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلک فطلّقها قال: «تعتدّ منهما جمیعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة، لیس للآخر أن یتزوجها أبداً»(3).

و کذا موثّقته الأخری عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «إذا نعی الرجل إلی أهله أو أخبروها أنه قد طلّقها فاعتدّت ثمّ تزوجت فجاء زوجها الأوّل، فإن الأوّل أحقّ بها من هذا الأخیر دخل بها أو لم یدخل بها، و لیس للآخر أن یتزوجها

ص:218


1- (1) سورة الطلاق: 2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح2.

أبداً و لها المهر بما استحلّ من فرجها»(1).

حیث إن ذکر العدّة أو المهر دال علی الدخول.

لکن لفظ الموثّقة فی طریق الصدوق: «دخل بها الأخیر أو لم یدخل بها».

و منها: ما خصّ التحریم بعلم الزوج کصحیح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة و لها زوج و هو لا یعلم فطلقها الأوّل، أو مات عنها، ثمّ علم الأخیر أ یراجعها؟ قال: لا حتی تنقضی عدّتها»(2) فإن مفادها إخراج صورة الجهل عن عموم التحریم المتقدّم فی موثّق أدیم.

بل قد استظهر من هذه الصحیحة نفی الحرمة لصورة علم الزوجة ما دام الزوج لا یعلم، بل هذه الروایة مطلقة لنفی الحرمة فی صورة الدخول أیضاً، إلاّ أن موثّقتی زرارة المتقدّمتین أخص منها، حیث إنهما فی الدخول مع جهل الزوج.

و لکن یضعّف هذا الاستظهار أمور:

بأن التعبیر فی الصحیحة: «رجل تزوج امرأة و لها زوج(، مطلق من حیث علم الزوجة و جهلها، إذ قد تکون جاهلة من جهة غیبته و بنائها علی موته أو أنه نعی إلیها بموته أو أنها أخبروها بالطلاق و لم یقع.

فإذا کانت مطلقة من هذه الجهة فهی تقیّد بما ورد فی المعتدّة الرجعیة من التحریم بمجرّد علم الزوجة و إن لم یکن دخول.

ص:219


1- (1) المصدر السابق: ح6.
2- (2) المصدر السابق: ح3.

مضافاً إلی أن هذه الصحیحة الظاهر بقوّة اتحادها مع الصحیحة الأخری التی رواها الشیخ عن عبد الرحمن بن الحجاج نفسه، و قد فرض فیها ما یدلّ علی جهل الزوجة، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة ثمّ استبان له بعد ما دخل بها أن لها زوجاً غائباً فترکها، ثمّ إن الزوج قدم فطلقها أو مات عنها أ یتزوجها بعد هذا الذی کان تزوجها و لم یعلم أن لها زوجاً؟ قال: ما أحب أن یتزوجها حتی تنکح زوجاً غیره»(1) فإن التعبیر بأن لها زوجاً غائباً یومئ ببنائها علی موته کما فی موثّقة زرارة المتقدّم، حیث عبّر الراوی: «فی امرأة فقد زوجها أو نعی إلیها» فالبناء علی إطلاق الصحیحة لعلم الزوجة مشکل، بل ممنوع کما عرفت فی المعتدّة الرجعیة التی هی زوجة حقیقة.

و الذی ینبّه علی وحدة الحکم مع المعتدّة الرجعیة بعد کونها زوجة حقیقة أن الصحیحة فی جهل الزوج موضوعاً دون الجهل حکماً، مع أن الجهل حکماً بحکم الجهل موضوعاً عندهم، و لم تدلّ علیه روایة بالخصوص فی قبال عموم التحریم فی موثّقة أدیم، و لیس ذلک إلاّ لوحدة الحکم بین المعتدّة الرجعیة المسلّم فیها ذلک مع المقام.

مضافاً إلی أن صحیحة عبد الرحمن الثانیة مع وحدتها مع صحیحه الأوّل علی الأظهر مضطربة الدلالة، حیث إنه قد فرض فیها الدخول، فمن ثمّ تکلّف فی دلالتها بتأویل الدخول علی الخلوة، أو تأویل الحکم «ما أحب» بمعنی الحرمة و یکون معنی «حتی تنکح زوجاً غیره» أی لتنکح زوجاً غیره، أی أنها تحلّ للغیر و لا تحلّ له.

ص:220


1- (1) المصدر السابق: ح4.

إذا تزوج امرأة علیها عدّة و حکم الدخول بها

اشارة

(مسألة 10): إذا تزوج امرأة علیها عدّة و لم تشرع فیها - کما إذا مات زوجها و لم یبلغها الخبر، فإن عدّتها من حین بلوغ الخبر - فهل یوجب الحرمة الأبدیة به أم لا؟ قولان: أحوطهما الأوّل، بل لا یخلو عن قوة.(1)

(مسألة 11): إذا تزوج امرأة فی عدّتها و دخل بها مع الجهل فحملت مع کونها مدخولة للزوج الأوّل، فجاءت بولد فإن مضی من وطئ الثانی أقل من ستة أشهر و لم یمض من وطئ الزوج الأوّل أقصی مدّة الحمل لحق الولد بالأول، و إن مضی من وطئ الأوّل أقصی المدّة و من وطئ الثانی ستة أشهر أو أزید إلی ما قبل الأقصی فهو ملحق بالثانی. و إن مضی من الأوّل أقصی المدّة و من الثانی أقل من ستة أشهر، فلیس ملحقاً بواحد منهما. و إن مضی من الأوّل ستة فما فوق، و کذا من الثانی، فهل یلحق بالأول أو الثانی أو یقرع؟ وجوه أو أقوال، و الأقوی لحوقه بالثانی

فمع کلّ ذلک لا یجسر علی تقیید عموم التحریم بها لصورة علم الزوجة، مضافاً إلی أن تقیید الرواة فی جملة الروایات فی المقام بفقد الزوج أو النعی إلیها أو نحو ذلک، قرینة علی ارتکاز فرض جهل الزوجة و أنه مع علمها یکون من أسباب التحریم.

و أما التزویج بأمة الغیر بدون إذن سیدها فلا یندرج فی الأدلة؛ لعدم کونها معتدّة و لا ذات بعل.

(1) التحقیق:

قد مرّ أن الأظهر فی موضوع التحریم الأبدی هو التزویج بالمرأة قبل أن تنقضی عدّتها، أو المرأة التی علیها عدّة، أعم من کون عدّتها قد بدأت أو لا.

ص:221

لجملة من الأخبار، و کذا إذا تزوجها الثانی بعد تمام العدّة للأول و اشتبه حال الولد.(1)

(1) التحقیق:

تعرّض الماتن إلی جملة من الصور:

الصورة الأولی: ما إذا أمکن إلحاقه بالأوّل و لا یمکن إلحاقه بالثانی، و الحکم فیه واضح بعد قیام الأدلة علی بیان شرائط الإلحاق من مدّة الحمل و أکثره.

الصورة الثانیة: و هو ما إذا أمکن الحاقه بالثانی دون الأوّل، فکذلک.

الصورة الثالثة: و هو ما إذا امتنع إلحاقه بالأول؛ لمضی أقصی مدة الحمل و امتنع الحاقه بالثانی لکونه دون مدة أدنی الحمل، فلا یلحق بهما لانتفاء شرائط الإلحاق.

ص:222

تحقیق فی قاعدة الفراش

الصورة الرابعة: ما إذا أمکن الإلحاق لکلّ منهما لوقوع الولادة ما بین الستة أشهر إلی سنة بلحاظ الوط ء لکلّ منهما، فالظاهر أن للأصحاب هنا قولین:

أحدهما: هو الإلحاق بالثانی، ذهب إلیه الشیخ فی النهایة، و مال إلیه فی الشرائع و القواعد و کشف اللثام و فی المسالک نسبته إلی الأکثر للأخبار الواردة.

و القول الآخر: القرعة بینهما، ذهب إلیه الشیخ فی المبسوط، و استظهر منه الإجماع لقوله (عندنا)، و فخر المحققین فی الإیضاح و جملة من متأخری العصر. و أما الإلحاق بالأول، فعن المسالک أنه لا خلاف فی عدمه، و إن کان أحد الوجوه فی المقام.

و وجه التردید فی المسألة أن کلاً منهما صاحب فراش، أما الزوج فظاهر، و أما الواطی شبهة فلأن المرأة تعتدّ من وطئه، و الاعتداد لیس إلاّ لحرمة مائه، لئلا یختلط مع ماء آخر، فمعنی أنها ذات عدّة من الواطی شبهة هو أن للواطئ شبهة عدّة علی المرأة تتربّص فیه حیطة علی مائه، و هو معنی الفراش منه، مع أنه سیأتی فی بحث أحکام الأولاد أن الإلحاق یکفی فیه کونه ما بین أقل الحمل و أکثره، مع عدم وجود معارض ینسب إلیه کما لو تفرّد الزانی بالوطی. فحیث إن کلاً منهما ذو فراش فیکون مردّداً بینهما و یکون موضوعاً لعموم القرعة، إذا لم یرد النص الخاص لرفع التردید.

و النص الخاص الوارد هو الصحیح إلی جمیل عن بعض أصحابه عن

ص:223

أحدهما': «فی المرأة تزوج فی عدّتها، قال: یفرّق بینهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جمیعاً، و إن جاءت بولد لستة أشهر أو أکثر فهو للأخیر، و إن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر أو أکثر فهو للأول»(1).

و مراسیل جمیل کمسانیده، لا سیما التعبیر فی المقام عن بعض أصحابه مما یدل علی أن الروایة عنه عن مشایخه، و الروایة نص فی المقام، و ظاهرها أن الفراش من الثانی من وطی الشبهة مزیل للفراش الأوّل أو مقدّم علیه.

و یدعم هذه الروایة ما ورد من نصوص أخری وردت فی غیر المقام و لکنّها أجنبیة عن المقام بالمرّة، کصحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام): «قال: إذا کان للرجل منکم الجاریة یطؤها و یعتقها فاعتدّت و نکحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنه لمولاها الذی أعتقها، و إن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخیر»(2). فإنه علی التقدیر الأوّل فی الروایة یکون الوطی من الثانی شبهة بخلافه علی التقدیر الثانی، فإن الوطی بحسب الظاهر یکون وطیاً لفراش جدید مزیلاً أو مقدّماً علی الفراش السابق.

و الصحیح أنه مقدّم لا مزیل؛ و ذلک لأنها و إن اعتدّت فی الظاهر من الأوّل و زالت علقتها منه و أصبحت محلّلة للأزواج، إلاّ أنها لو لم تتزوج و وضعت لدون مدّة أقصی الحمل لألحق الولد بالأول، مما یدلّل علی أن قاعدة الفراش لم تکن زائلة، و إنما تتقدّم علیها قاعدة الفراش الأخری مع تحقّقها، و أنه عند تحقّق قاعدة الفراش اللاحقة تکون مقدّمة علی الأولی.

ص:224


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح14.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب أحکام الأولاد: ب17، ح1.

و نظیرها مرسل ابن أبی نصر عن زرارة.(1)

و فی معتبرة ابن أبی العباس قال: [قال:] «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخیر، و إن کان لأقل من ستة أشهر فهو للأول»(2).

و هذه المضمرة علی نسخة الوسائل، و إلا فالمتن مسند إلی أبی العباس علی نسخة التهذیب، و إطلاقها شامل للمقام.

و مما یؤید المطلوب - بناءً علی عدم تداخل العدّتین - ما ورد من الروایات أنها تکمل عدّتها من الأوّل، ثمّ تعتدّ من الثانی(3) مما یقضی بأن علقتها بالثانی هی الفعلیة الباقیة و أن علاقتها بالأول منقضیة.

و من مجموع ذلک یعلم عموم الحکم عند الدوران بین الأوّل و الثانی، سواء بین الزوجین المتعاقب زواجهما بفصل ظاهری صحیح أو ما لو کان الأوّل زوج و الثانی لشبهة أو مما کان الأوّل مطلق و الثانی واطئ لشبهة فی العدّة الرجعیة أو غیرها، و نسبه فی الجواهر إلی إطلاق کلماتهم فی أفراد الشبهة، مضافاً إلی روایات فی أبواب نکاح العبید و الإماء(4).

الصورة الخامسة: إذا تزوجت بعد تمام عدّة الأوّل و اشتبه حال الولد، فإن الحکم بالتفصیل کما تقدّم فی الصورة السابقة، لا سیّما و أن جلّ النصوص الواردة موردها هذه الصورة.

هذا و قد ذهب صاحب الجواهر إلی التفصیل بین کون الثانی ذو فراش

ص:225


1- (1) المصدر السابق: ب17، ح11.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب أحکام الأولاد: ب17، ح12.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح20 - 9 - 6 - 2.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب58.

فعلی، أی بمعنی أنه یملک الوطی شرعاً، و هذا أحد معنیی قاعدة الفراش فی قبال المعنی السابق لها، بمعنی الوطی المحترم مع قابلیة النسبة، و الذی یستشهد له باستثناء و مقابلة خصوص العهر و البغی و بین ما إذا لم یکن ذا فراش فعلی فیقرع بینهما(1).

و ظاهره أن ذا الفراش الفعلی لو کان هو الأوّل کما لو کانت زوجة حین وطی الشبهة أو ذات عدّة رجعیة فیحکم به للأول.

و منشأ تفصیله هو لطائفتین من الروایات وردتا فی أبواب نکاح الإماء:

الطائفة الأولی: ما دلّت علی أن الثانی إذا کان ذا فراش فعلی بمعنی أنه یملک الوطی فإنه یحکم له به، کصحیح الحلبی المتقدّم(2)، و روایة الحسن الصیقل عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سمعته یقول و سئل عن رجل اشتری جاریة، ثمّ وقع علیها قبل أن یستبرئ رحمها، قال: بئس ما صنع یستغفر الله و لا یعود، قلت: فإنه باعها من آخر و لم یستبرئ رحمها، ثمّ باعها الثانی من رجل آخر فوقع علیها، و لم یستبرئ رحمها، فاستبان حملها عند الثالث، فقال أبو عبد الله(علیه السلام): الولد للفراش و للعاهر الحجر»(3)، و فی طریق آخر للشیخ عن الصیقل مثله و فی ذیله قوله(علیه السلام): «الولد للذی عنده الجاریة و لیصبر لقول رسول الله(صلی الله علیه و آله): (الولد للفراش و للعاهر الحجر)»(4) و هی صریحة فی استعمال الفراش فی المالک للوطی و هو المعنی الثانی من المعنیین المتقدّمین.

و فی موثّق سعید الأعرج عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن رجلین

ص:226


1- (1) جواهر الکلام، محمد علی النجفی: ج29، ص261.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب58، ح1.
3- (3) المصدر السابق: ب58، ح2.
4- (4) المصدر السابق: ح3.

وقعا علی جاریة فی طهر واحد، لمن یکون الولد؟ قال: للذی عنده لقول رسول الله(صلی الله علیه و آله): الولد للفراش و للعاهر الحجر»(1).

و إطلاقها شامل لما لو کان الوطی الثانی لشبهة فیحکم بالولد للأول، و إن کان الانصراف غیر بعید لتعاقب الملک علیها، و هو ظاهر فی استعمال الفراش فی المالک للوطی و هو المعنی الثانی من المعنیین المتقدّمین و مثل الموثّق صحیح علی بن جعفر(2).

الطائفة الثانیة: ما دلت علی أنه یقرع بینهما فیما إذا کان کلا الوطیین وطی شبهة أو کلّ منهما مالک للفراش، بناءً علی إمکان ذلک فی القاعدة، کصحیح سلیمان بن خالد عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «قضی علی(علیه السلام) فی ثلاثة وقعوا علی امرأة فی طهر واحد و ذلک فی الجاهلیة قبل أن یظهر الإسلام، فأقرع بینهم فجعل الولد للذی قرع، و جعل علیه ثلثی الدیة للآخرین، فضحک رسول الله(صلی الله علیه و آله) حتی بدت نواجذه، قال: و قال: ما أعلم فیها شیئاً إلاّ ما قضی علی(علیه السلام)»(3)، و هی ظاهرة فی کون الأمة مشترکة بینهم فی الملکیة للحکم بتغریم صاحب القرعة للباقین، و غیرها.

أقول: مجموع طوائف الروایات عند دوران الولد بین شخصین هو ثلاث طوائف، هاتین الأخیرتین و أولی سابقة، أما الطائفة الأخیرة و هی الثالثة، سواء کان موردها وطی الشبهة متقارنین أو المالکین للأمة بنحو التقارن، فهی خارجة عن مورد الطوائف السابقة التی حکم بأنه یکون للثانی.

ص:227


1- (1) المصدر السابق: ح4.
2- (2) المصدر السابق: ح7.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب العبید و الإماء، ب57، ح2.

و أما الطائفة الثانیة من هاتین الأخیرتین و هی التی استدل بها صاحب الجواهر، فهی أیضاً لا تنافی الروایات السابقة أی الطائفة الأولی؛ لأنه قد حکم فیها بأن الولد للثانی أیضاً، غایة الأمر أنه علل الحکم بإلحاقه بالثانی بأن الثانی صاحب فراش فعلی، و هذا لا ینافی مفاد الطائفة الأولی، بل یؤکّده کما تقدّم.

و فی الطائفة الأخیرة الثالثة صحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جاریة فی طهر واحد فولدت فادّعوه جمیعاً أقرع الوالی بینهم، فمن قرع کان الولد ولده و یرد قیمة الولد علی صاحب الجاریة، قال: فإن اشتری رجل جاریة و جاء رجل فاستحقّها و قد ولدت من المشتری ردّ الجاریة علیه و کان له ولدها بقیمته»(1) و ظاهرها ینافی مفاد الطائفة الثانیة، حیث إنه جری فیها القرعة و لم یحکم بأن الولد للفراش و هو صاحب الجاریة.

لکن الظاهر عدم المنافاة؛ و ذلک لأن الطائفة الثانیة موردها ما إذا کان صاحب الفراش الفعلی هو الواطی أخیراً، و لم یفرض ذلک فی صحیحة معاویة بن عمار.

و بعبارة أخری: إن مفاد الطائفة الثانیة هو فیما تعاقب الفراش فیحکم لصاحب الفراش الأخیر، مع أن صحیح معاویة بن عمار محتمل لمعنیین آخرین أیضاً، و هو أن یکون صاحب الجاریة غیر مشترک فی الوطی، و الثانی أن یکون کلّ من الثلاثة مالکاً للجاریة بنحو الشرکة أیضاً.

و ما احتملناه فی الروایة أوجه.

ص:228


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب57، ح1.

فی تداخل العدد

اشارة

(مسألة 12): إذا اجتمعت عدّة وطئ الشبهة مع التزویج أو لا معه و عدّة الطلاق أو الوفاة أو نحوهما، فهل تتداخل العدتان أو یجب التعدد؟ قولان: المشهور علی الثانی و هو الأحوط، و إن کان الأوّل لا یخلو عن قوة، حملاً للأخبار الدالة علی التعدد علی التقیة، بشهادة خبر زرارة و خبر یونس، و علی التعدد یقدم ما تقدّم سببه، إلاّ إذا کان إحدی العدتین بوضع الحمل فتقدّم و إن کان سببها متأخراً، لعدم إمکان التأخیر حینئذ، و لو کان المتقدّمة عدّة وطئ الشبهة و المتأخرة عدّة الطلاق الرجعی، فهل یجوز الرجوع قبل مجیء زمان عدته؟ و هل ترث الزوج إذا مات قبله فی زمان عدّة وطئ الشبهة؟ وجهان، بل قولان: لا یخلو الأوّل منهما من قوة.

و لو کانت المتأخرة عدّة الطلاق البائن فهل یجوز تزویج المطلق لها

فیتحصّل: عدم التنافی بین مفاد الطوائف؛ و ذلک لأن الطائفة الأولی فی مورد کون الوطی متعاقباً متفرقاً فی أطهار، فیحکم بأن الولد هو للواطئ أخیراً.

و أما الطائفة الثانیة فإنها فی مورد تقارن الوطی فی طهر واحد، لکن تعاقب الفراش علیها فیحکم بأن الولد لصاحب الفراش الفعلی، بمعنی المالک للوطی.

و بعبارة أخری: إن الحکم بأن الولد لذی الفراش الفعلی فی الطائفة الثانیة لیس مطلقاً، بل فیما کان صاحب الفراش الفعلی هو الواطی أخیراً. و أما الطائفة الثالثة فیما إذا تقارن الوطی فی طهر واحد و کان کلّ منهم شبهة أو

ص:229

فی زمان عدّة الوط ء قبل مجیء زمان عدّة الطلاق؟ وجهان: لا یبعد الجواز بناءً علی أن الممنوع فی عدّة وطئ الشبهة، وطئ الزوج لها لا سائر الاستمتاعات بها کما هو الأظهر.

و لو قلنا بعدم جواز التزویج حینئذ للمطلق فیحتمل کونه موجباً للحرمة الأبدیة أیضاً، لصدق التزویج فی عدّة الغیر، لکنّه بعید لانصراف أخبار التحریم المؤبّد عن هذه الصورة.

هذا، و لو کانت العدتان لشخص واحد کما إذا طلق زوجته بائناً؟ ثمّ وطئها شبهة فی أثناء العدّة فلا ینبغی الإشکال فی التداخل، و إن کان

کلّ منهم مالکاً للأمة.

فیتحصل من مفاد هذه الطوائف ما ذهب إلیه المشهور من أنه یحکم بالولد للثانی فیما إذا تعاقب الوطی فی طهرین مختلفین، سواء کان الثانی وطی شبهة أو وطی صاحب فراش، و یخرج من هذا العموم ما إذا کان الوطیان فی طهر واحد، فإنه یحکم بأنه للثانی أیضاً فیما إذا کان صاحب فراش فعلی و یقرع بینهما فی غیر ذلک، هذا.

و لو فرض أن الواطئین کلّهم عن شبهة، فإن کان وطیهم فی طهر واحد فیقرع بینهم، و إن کانوا فی أطهار مختلفة فهو للأخیر لشمول الطائفة الأولی لهذه الصورة بالأولویة إن لم یکن بالإطلاق برفع الید عن الخصوصیة.

ص:230

مقتضی إطلاق بعض العلماء التعدد فی هذه الصورة أیضاً.(1)

فی تداخل العدد

(1) التحقیق:

تعرّض الماتن فی المسألة إلی أمور:

الأمر الأوّل: تداخل العدد ذات الأسباب المختلفة
اشارة

هل تتداخل العدد ذات الأسباب المختلفة مع اختلاف الأشخاص، من عدّة وطی شبهة أو طلاق أو وفاة أو غیرها، أو لا؟

حکی فی الجواهر الثانی عن المشهور شهرة عظیمة، و أنه حکی علیه الإجماع، بینما نسب الأوّل إلی الصدوق و ابن الجنید و جماعة من متأخری المتأخرین، حملاً لأخبار التعدد علی الندب أو التقیة، و تأمل فی نسبة هذا القول إلی الصدوق بکون المحکی عن موضع من کتاب المقنع - مبحث الإیلاء - أنه اعتمد علی متن صحیح علی بن بشیر النبّال الآتی الدال علی التعدد. و قد یستظهر من الجمع بین کلامیه هو التفصیل بین ذات العدّة فی الثانی و بین ذات البعل فی الأوّل، أی بین کون وطی الشبهة وارداً أو موروداً، و إن لم یعهد هذا التفصیل من أحد.

و یستدل لکلّ من القولین تارة بمقتضی القاعدة و أخری بالروایات الواردة فی المقام:

ص:231

تحریر القاعدة

فقد تقرّر بأن الأصل عدم تداخل الأسباب و لا المسببات، و قد تقرّر أیضاً بأن مقتضاها التداخل فی خصوص المقام من بحث العدد، و بیانه:

إن طبیعة أسباب العدد أن تکون العدد متصلة بالسبب، و علی ضوء ذلک فلا بدّ من تداخلها عند الاقتران و الاجتماع.

غایة الأمر أن هذا التداخل لیس بمعنی عدم مراعاة مقادیر العدد کما لو اختلفت فی المقدار بسبب اختلاف البدء الزمنی أو الکم بینها، لا سیما و أن الاعتداد بالعدّة الغایة منه استبراء الرحم کما فی معتبرة زرارة(1)، و الزمان الواحد غیر قابل للتعدد.

و أجیب: بأن الأسباب فی الشرع معرّفات و تعریفات للأسباب الحقیقیة، فلیست علی نمط الأسباب التکوینیة الممتنع فیها الانفصال الزمنی بین السبب و المسبب، کما لا ضرورة للتقارن الزمنی بین المعرّف و السبب، لا سیما و أن هذا معهود فی باب العدد أیضاً، کما فی الفصل بین موت الزوج و عدّة الوفاة، و قد علّل ذلک فی الروایات ب- «لکی تحدّ علیه»(2) مما یدلل علی أن العدّة لیس الغرض منها مجرّد الاستبراء، و مثل ذلک حقّ رجوع الزوج فی العدّة الرجعیة، و کذا التفصیل فی تقدیم قاعدتی الفراش کما تقدّم فی المسألة السابقة، فإنه شاهد قوی علی اختلاف تحقّق قاعدتی الفراش، بالإضافة إلی کلّ وطی من کلّ رجل.

و لا ریب أن العدّة هی من توابع و أحکام تحقّق الفراش، فالتفصیل فی التقدیم و التأخیر زمناً فی قاعدة الفراش کما دلّت علیه روایات المسألة

ص:232


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح7.
2- (2) وسائل الشیعة, أبواب عدّة الوفاة.

السابقة، قد یستظهر أنه أحد الوجوه المهمّة لاعتماد المشهور التعدّد فی هذه المسألة.

الروایات الواردة فی المقام

و هی علی ألسن:

اللسان الأول: عدم التداخل مطلقاً

و هو ما ادعی دلالته علی عدم التداخل مطلقاً، کصحیح علی بن بشیر النبّال، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة فی عدّتها و لم یعلم و کانت هی قد علمت أنه قد بقی من عدّتها و أنه قذفها بعد علمه بذلک، فقال:... و فرّق بینهما و تعتدّ ما بقی من عدّتها الأولی و تعتدّ بعد ذلک عدّة کاملة»(1).

و مثله موثّق محمد بن مسلم(2)، و غیرهما(3).

لکن دلالة هذه الروایات لیست مطلقة کما زعم، بل هی فی مورد ورود وطی الشبهة علی سبب للعدّة سابق، إلاّ أن یرفع الید عرفاً عن ذلک بأنه من توارد أسباب العدد من دون خصوصیة.

اللسان الثانی: التداخل مطلقاً

و هو ما ادّعی دلالته علی التداخل مطلقاً. کصحیح زرارة عن

ص:233


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح18.
2- (2) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح9.
3- (3) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح20.

أبی جعفر(علیه السلام): «فی امرأة تزوجت قبل أن تنقضی عدّتها، قال: یفرق بینهما، و تعتدّ عدّة واحدة منهما جمیعاً»(1) و مثلها موثّقة أبی العباس(2).

و مثله الصحیح إلی جمیل بن دراج عن بعض أصحابه المتقدّم فی المسألة السابقة، و هو مع تضمّنه لتداخل العدّة قد فصل فی قاعدة الفراش.

و التأمل فی إطلاق هذه الروایات کما فی الطائفة السابقة.

اللسان الثالث: عدم التداخل فی صورة خاصة

و هو ما دل علی عدم التداخل فیما إذا کان وطی الشبهة موروداً أو وارداً علی عدّة الوفاة، کصحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن المرأة الحبلی یموت زوجها فتضع و تزوج قبل أن تمضی لها أربعة أشهر و عشراً، فقال: إن کان دخل بها فرّق بینهما و لم تحلّ له أبداً، و اعتدّت بما بقی علیها من الأوّل، و استقبلت عدّة أخری من الآخر ثلاثة قروء... الحدیث»(3).

و مثلها معتبرة محمد بن مسلم عن أبی جعفر(4).

و فی صحیح جمیل بن صالح أن أبا عبد الله(علیه السلام) قال: «فی أختین أهدیتا لأخوین، فأدخلت امرأة هذا علی هذا و امرأة هذا علی هذا، قال: لکلّ واحدة منهما الصداق بالغشیان، و إن کان ولیّهما تعمّد ذلک أغرم الصداق، و لا یقرب واحد منهما امرأته حتی تنقضی العدّة، فإذا انقضت العدّة صارت کلّ امرأة

ص:234


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح11.
2- (2) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح12.
3- (3) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح6.
4- (4) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ح2.

منهما إلی زوجها الأوّل بالنکاح الأوّل، قیل له: فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة؟ قال: یرجع الزوجان بنصف الصداق علی ورثتهما فیرثانهما الرجلان، قیل فإن مات الزوجان و هما فی العدّة، قال: ترثانهما، و لهما نصف المهر و علیهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأولی تعتدّان عدّة المتوفی عنها زوجها»(1)، و قد رواها الکلینی بسند صحیح عن جمیل أیضاً عن بعض أصحاب أبی عبد الله.

و هذا لا یجعله بحکم المرسل؛ و ذلک لأن هذا التعبیر لو کان من علماء الرجال و کتب الفهارس لکان شاملاً لکلّ راو ثقة أو غیر ثقة، لکن هذا التعبیر هو من الرواة أنفسهم و من جمیل نفسه و الذی کان من أصحاب أبی عبد الله أیضاً، مما یعطی أن المراد خواص الرواة عن أبی عبد الله، هذا مضافاً إلی أنه لا یمتنع أن یکون الراوی رواها مرّة عمن رواها عن أبی عبد الله(علیه السلام)، ثمّ عاود السؤال مباشرة منه(علیه السلام) کما هو دیدن الرواة.

و یظهر ذلک فی عدّة روایات وردت فی باب الحج فی أسئلة الرواة عن المتعة و الإفراد الذی یقلب إلی التمتع، و قد کثر فی روایات جمیل بن دراج إسناد الروایة تارة إلی أبی عبد الله و أخری إلی بعض أصحابه عن أبی عبد الله، فهذا لا یسقط الروایة عن الاعتبار. ثمّ إن مفاد الصحیحة هو طرو الموت الذی هو سبب لعدّة الوفاة فی الأثناء علی عدّة الشبهة، و هو عکس مورد الروایتین السابقتین من طرو عدّة الشبهة علی عدّة الوفاة.

و مفاد مجموع هذه الروایات أن عدّة الوفاة لا تتداخل مع عدّة الشبهة أو العدد الأخری، و لعله لما بین فی أدلة تشریع عدّة الوفاة و أنها تبدأ ببلوغ

ص:235


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب49 ح2.

الخبر بعد الموت، أن من أغراض جعلها عداد المرأة علی زوجها و کأنه لا یتداخل و لا یمتزج مع ارتهانها و تربّصها لغیره.

و علی أیة حال فإن فی هذه الصحیحة دلالة أخری علی أن الزوجة إذا اعتدّت فی الأثناء من الشبهة، فإنها تعتزل زوجها فلا یحلّ له الاستمتاع بها مطلقاً؛ و ذلک للتعبیر فی الروایة بعد قوله(علیه السلام): «و لا یقرب واحد منهما امرأته» بقوله(علیه السلام): «فإذا انقضت العدّة صارت کلّ امرأة منهما إلی زوجها الأوّل بالنکاح الأوّل(، مما یفید معنی العزلة و الاعتزال و تعلیق آثار النکاح مدة العدّة، و أن النکاح الأوّل یعاود التأثیر بعد انقضاء العدّة.

و هذا المفاد یظهر أیضاً من صحیح محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن رجلین نکحا امرأتین فأتی هذا امرأة هذا و هذا امرأة هذا، قال: تعتدّ هذه من هذا و هذه من هذا، ثمّ ترجع کلّ واحدة إلی زوجها»(1)، فإن التعبیر بالرجوع بعد انقضاء العدّة ظاهر بقوة فی العزل و الاعتزال، و أن عقد الزواج یعلق تأثیره ضمن استباحة الاستمتاع فترة العدّة.

و بنفس التعبیر ورد فی صحیحة إبراهیم بن عبد الحمید(2).

اللسان الرابع: اعتداد الموطوءة شبهة عدّة واحدة لو طلقها زوجها

و هو ما دلّ علی أن الزوجة إذا وطئت شبهة، ثمّ طلقها زوجها أنها تعتدّ منهما عدّة واحدة، نظیر موثّق زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام): «فی امرأة فقد زوجها أو نعی إلیها، فتزوجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلک فطلقها، قال: تعتدّ منهما

ص:236


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب49، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح8.

جمیعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة و لیس للآخر أن یتزوجها أبداً»(1).

و قد رواه الشیخ و الکلینی أیضاً بطریق آخر عن زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن امرأة نعی إلیها زوجها فاعتدّت و تزوجت فجاء زوجها الأوّل، ففارقها [و فارقها] الآخر کم تعتدّ للثانی؟ قال: ثلاثة قروء، و إنما یستبرأ رحمها بثلاثة قروء و تحل للناس کلُّهم، قال زرارة: و ذلک أن ناساً قالوا: تعتدّ عدّتین من کلّ واحد عدّة، فأبی ذلک أبو جعفر(علیه السلام)، و قال: تعتدّ ثلاثة قروء و تحل للرجال»(2) هذا.

و التدبر یقضی بمنع الإطلاق فی الطائفة الأولی - مضافاً إلی ما تقدّم- حیث إن موثّق محمد بن مسلم لیس صریحاً، بل و لا ظاهراً بقوة، فإن قوله(علیه السلام): «و أتمّت عدّتها من الأوّل و عدّة أخری من الآخر» لا یقضی بالتعدّد;

لأنه یتلائم مع التداخل فی البعض، بأن تتم عدّتها بما بقی من الأوّل بمزامنة العدّة الثانیة.

غایة الأمر أن العدّة الثانیة ابتداؤها مع البعض اللاحق من العدّة الأولی، فتبقی مستمرة إلی انتهائها، إذ لم یرد التعبیر (بثم) أو (بعد) و إنما جاء التعبیر (بالواو) الذی هو أعم من التقارن و الترتیب، و الوجه فی التصریح بالعدّتین هو لبیان عدم زوال حکم العدّة الأولی و بقاء أحکامها إلی أن تنتهی، و أن بانتهائها لا تنتهی العدّة الثانیة؛ لأن التداخل تقارنی لا حقیقی، و هذا مراد من ذهب إلی التداخل لا بمعنی صیرورة العدّتان عدّة واحدة حقیقة.

و أما صحیحة النبّال، فقوله(علیه السلام): «و تعتدّ ما بقی من عدّتها الأولی و تعتدّ

ص:237


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة, ب17 ح7 - أبواب العدد: ب38، ح1.

بعد ذلک عدّة کاملة)فلا یأبی التقارن الزمانی أیضاً، فإن التعبیر ب- (بعد ذلک) أی تحصی بعد انتهاء الأولی ما یوجب کمال العدّة الثانیة أی تعتدّ بعد انتهاء العدّة الأولی ما یوجب کون المقدار الباقی مع ما تقدّم عدّة کاملة. و علی أی تقدیر فلا صراحة بأن مبدأ العدّة الثانیة هو بعد تمام العدّة الأولی.

و أما مصحح علی بن جعفر فهو وارد فی المتوفّی عنها زوجها.

و علی ذلک فلا یبقی دلیل لعدم التداخل، بمعنی عدم التقارن إلاّ فی عدّة الوفاة للتصریح فی روایتها باستقبال عدّة أخری، و هو صریح فی أن مبدأ العدّة الثانیة هو بعد انتهاء العدّة الأولی، أو أن عدّة الوفاة تعتدّ بها بعد الفراغ من العدّة الأولی.

و کأن الوجه فی عدم تقارن عدّة الوفاة مع العدد الأخری لغیر الزوج المتوفّی هو أنه فی عدّة الوفاة یجب علی المرأة الحداد لزوجها المتوفّی، بخلاف العدد الأخری فإنها لاستبراء الرحم و الامتناع عن التزوج بالآخرین.

و منه یعرف أن ما تقدّم من تقریر القاعدة بعدم التداخل بتعدد السبب إنما یقضی بعدم التداخل بمعنی وحدة العدّة حقیقة لا بمعنی عدم التقارن زمناً، أی بنحو التعاقب.

و مما یعضد هذا المعنی من عدم التداخل - و إن کان هو تداخل زمنی - ما فی موثّق زرارة من نسبة التعاقب الزمنی فی العدد إلی العامة، و مثله معتبرة یونس عن بعض أصحابه من نسبة القول بالتعاقب إلی إبراهیم النخعی(1) من العامة.

ص:238


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب العدد: ب38، ح1 - 2.
الأمر الثانی: تقدیم العدة التی تقدم سببها بناء علی التعدد

بناءً علی التعدد بمعنی التعاقب فإنه تقدّم العدّة التی تقدّم سببها، کما هو الحال فی عدّة الوفاة التی مرّ أن التعدد فیها بمعنی التعاقب.

نعم فی وضع الحمل، حیث دلت الروایات الخاصة علی أنه مقدم علی القروء و نحوه من التقدیر فی العدد فهو مقدم علی بقیة الأسباب.

الأمر الثالث: جواز الرجوع فی العدّة الرجعیة بناء علی التعدد و عدمه

بناءً علی التعدد و عدمه هل یجوز الرجوع فی العدّة الرجعیة قبل مجیء زمانها فی أثناء عدّة الشبهة، و هل ترث الزوج لو مات حینئذ؟

الأظهر جواز الرجوع لکون الموضع فی الأدلة هو عدم انقضاء العدّة کما فی موثّق عبد الله بن سنان قوله(علیه السلام): «فإن راجعها قبل أن یخلو أجلها»(1) و کما فی صحیح محمد بن مسلم قوله(علیه السلام): «هو أملک برجعتها ما لم تنقض العدّة»(2) و فی صحیح محمد بن مسلم الآخر قال(علیه السلام): «و إن أراد أن یراجعها أشهد علی رجعتها قبل أن تمضی أقراؤها»(3) و غیرها من الروایات.

و کذلک الحال فی المیراث، فإن المطلقة الرجعیة ما لم تنته العدّة زوجة حقیقة، فإن فعلیة البینونة معلّق علی انتهاء العدّة، کما وردت الروایات بثبوت الإرث لو مات أحدهما فی العدّة، ففی صحیح محمد بن قیس عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «سمعته یقول: أی امرأة طلقت ثمّ توفّی عنها زوجها قبل أن

ص:239


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب أقسام الطلاق: ب1، ح7.
2- (2) وسائل الشیعة, أبواب أقسام الطلاق: ب17، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة, أبواب أقسام الطلاق: ب1، ح2.

تنقضی عدّتها و لم تحرم علیه فإنها ترثه»(1) و غیرها من الروایات المثبتة للإرث ما لم تر الدم من الحیضة الثالثة(2).

و ما فی بعضها من أخذ الموضوع بلسان الظرفیة (و هی فی عدّة منه) فمثبتان لا نافیان.

الأمر الرابع: لو کانت العدّة المتأخرة عدّة طلاق بائن

لو کانت العدّة المتأخرة هی عدّة الطلاق البائن، فهل یجوز تزویج المطلق لها و هی فی عدّة الشبهة السابقة علی عدّة الطلاق؟

بنی الماتن علی الجواز لاختیاره حرمة الوطی خاصة فی عدّة الشبهة لا سائر الاستمتاعات کما لو کانت مزوجة.

و کلامه مدفوع لحرمة جمیع الاستمتاعات کما مرّ دلالة النصوص علیه فی هذه المسألة.

مضافاً إلی أن حکم الزواج غیر مرهون بحرمة الاستمتاعات بعد کونها حرمة موقتة.

فمجرد حرمة جمیع الاستمتاعات لا یوجب بطلان العقد بعد کون الحرمة موقتة، بل الوجه فی منع صحة العقد هو أن مقتضی العدّة لزوم تربّص المرأة عن التزویج حتی تنقضی العدّة کما مرّ بیان ذلک فی الآیات و الروایات فیما تقدّم.

و لا ینقض بالزوجة الموطوءة شبهة، حیث إن عدّة الشبهة حینئذ لا توجب إزالة التزویج و الزوجیة عن الزوج؛ و ذلک لوجود الفارق بین

ص:240


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب العدد: ب36، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة, أبواب میراث الأزواج: ب1 و 3.

الصورتین، حیث إنه فی الصورة الثانیة فرض تقدّم العقد علی العدّة، فلا تمانع العدّة المتأخرة عن السبب السابق بعد کون اقتضاء العدّة عن التزویج بنحو المقتضی لا التلازم العلّی، بخلاف ما إذا تأخر العقد عن العدّة، فإنها تؤثر فی الممانعة لسبقها زمناً.

و بناءً علی الحرمة فلو فرض تزویج المطلق لها فی عدّة الشبهة، فهل یوجب الحرمة الأبدیة أو لا؟

اختار الماتن العدم لدعوی الانصراف، و أجیب بإطلاق الأدلة، لکن قد مرّ فی ذیل شرح المسألة الثالثة أن الظاهر من موضوع الأدلة هو العقد أو الوطی فی مورد المرأة المرتهنة بعصمة الغیر، کأن تکون زوجة للغیر أو ذات عدّة فیه، و هذا بخلاف المرأة التی بینها و بینه نحو عصمة کما لو کانت زوجة له ذات عدّة شبهة من غیره أو مطلقة منه، له علیها عدّة و هی ذات عدّة شبهة من غیره، و هذا النمط من الموارد یختلف نوعاً عن نوع الموارد الواردة فی أدلة التحریم الأبدی فلا یتعدّی عنها إلی ما نحن فیه.

الأمر الخامس: لو کانت العدتان لشخص واحد

لو کان عدتان لشخص واحد کما لو طلقها بائناً، ثمّ وطأها شبهة أو طلقها رجعیاً، ثمّ توفی عنها، فالأظهر التداخل فی الصورة الأولی حتی لو بنی علی عدم التداخل، فیما لو کانت العدّتان من شخصین؛ لخروج هذه الصورة عن مورد أدلة عدم التداخل، و هذا بخلاف الصورة الثانیة، فإن الصحیح هو عدم التداخل لما مرّ من أن عدّة الوفاة لا تتداخل مع عدّة أخری لوجوب الحداد علیها.

مضافاً إلی ما مرّ من أن التداخل بمعنی التقارن (لا بمعنی التداخل

الحقیقی) هو مفاد و مقتضی القاعدة و أدلة التداخل، و هناک صورة أخری و هی ما لو وطئت المرأة شبهة، ثمّ طلقها زوجها طلاقاً بائناً أو رجعیاً فعقد علیها الواطئ لها شبهة فی عدّة الشبهة المقارن لعدّة الطلاق.

ص:241

حکم المهر فی وطی الشبهة

اشارة

(مسألة 13): لا إشکال فی ثبوت مهر المثل فی الوط ء بالشبهة المجرّدة عن التزویج إذا کانت الموطوءة مشتبهة، و إن کان الواطئ عالماً و أما إذا کان بالتزویج ففی ثبوت المسمّی أو مهر المثل قولان أقواهما الثانی، و إذا کان التزویج مجرّداً عن الوطی فلا مهر أصلاً.(1)

حکم المهر فی وطی الشبهة

(1) التحقیق:

تعرّض الماتن إلی ثلاثة صور:

الصورة الأولی: وطی الشبهة من دون تزویج

وقع الکلام فی وطی الشبهة من دون تزویج و أنه موجب لثبوت مهر المثل. و یدل علیه ما دل علی أن منافع البضع محترمة مالیاً، و من ثمّ تضمن فی کلّ مورد فسد فیه العقد، سواء لمانع فی العقد أو لمانع فی القابل، فالضمان مستند لإتلاف ما هو محترم و استیفاء منافعه، فلا یخرج عن عموم الاحترام إلاّ البغیّة، فثبوت مهر المثل علی مقتضی القاعدة فی العرف العقلائی و هو مفاد صحیح الحلبی، قال: «سئل أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل یصیب المرأة فلا ینزل علیه غسل؟ قال: کان علی(علیه السلام) یقول: إذا مسّ الختان الختان فقد

ص:242

وجب الغسل، قال: و کان علی(علیه السلام) یقول: کیف لا یجب الغسل و الحد یجب فیه، و قال: یجب علیه المهر و الغسل»(1) فهی دالة علی أن الوطی بمقدار التقاء الختانین بنفسه سبب للضمان، بغض النظر عن العقد أی مما یقضی بالحرمة المالیة للبعض.

و مثلها ما رواه فی المستطرفات من کتاب المستطرفات لأبی نصر البزنطی صاحب الرضا(علیه السلام) قال: «سألته ما یوجب الغسل علی الرجل و المرأة؟ قال: إذا أولجه أوجب الغسل و المهر و الرجم»(2) و التقدیر الواقع لمالیة البضع هو مهر المثل، و ذکر الرجم فی الروایة شاهد علی عموم الموضوع لموارد عدم وجود العقد.

الصورة الثانیة: الموطوءة شبهة بتوسّط التزویج

لقد مرّ أن ذلک مقتضی القاعدة، و أن النصوص الواردة فی هذه الصورة تشیر إلی مقتضی القاعدة، کموثّقة سلیمان بن خالد، قال: «سألته عن رجل تزوج امرأة فی عدّتها، قال، یفرق بینهما و إن کان قد دخل بها، فلها المهر بما استحلّ من فرجها و یفرّق بینهما فلا تحلّ له أبداً، و إن لم یکن دخل بها فلا شیء لها من مهرها»(3).

و مثلها روایة أبی بصیر(4)، و هی قابلة للاعتبار سنداً، إلاّ أن الراوی عن البطائنی الملعون هو علی بن الحکم مما یدل علی أن روایته عنه أیام

ص:243


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب وجوب الغسل علی الرجل و المرأة بالجماع: ب6، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب الجنابة: ب6، ح8.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17، ح7.
4- (4) وسائل الشیعة، ب17 نفس الباب: ح8.

استقامته، و حیث إن تعلیل ثبوت المهر باستحلال الفرج و هو الوطی فیدل علی أن الثابت هو مهر المثل لا المسمّی، کما یدل علی أن البضع فی نفسه محترم مالیاً.

و کذلک فی الدلالة صحیح عبد الله بن سنان(1).

نعم حکی عن الشیخ ثبوت مهر المسمّی؛ لأن التسبیب بالعقد الفاسد و مال إلیه بعض محشی المتن، و کأنه بنائهم علی ثبوت المسمّی فی الضمان فیما یضمن بفاسده، و الأقوی کون الضمان بالعقد الفاسد هو بالقیمة الواقعیة (المثل).

و لعلّهم استظهروا مهر المسمّی من الروایات لانسباق (ال) العهدیة فی فرض الروایات، و لکن قد عرفت أن التعلیل لثبوت المهر إنما هو بالوطی فیکون قرینة علی خلاف ذلک.

الصورة الثالثة: التزویج من دون وطی

و هو ما لو عقد علیها من دون وطئ، فإنه لا موجب للمهر، نعم فی ذیل صحیحة عبد الله بن سنان المتقدّم: «أو نصفه إن لم یکن دخل بها»، و هو مضافاً لمعارضته للروایات المعتبرة المتقدّمة الدالة علی عدم ثبوت المهر مع عدم الدخول، إن مفاده مخالف للقاعدة من وجوه:

منها: عدم سببیة العقد للمهر مع عدم الوطی.

و منها: إنه لو سلّمنا سببیة العقد الفاسد للمهر فهو لا یزید علی العقد الصحیح، حیث لا یوجب المهر مع الفسخ و عدم الوطی.

ص:244


1- (1) وسائل الشیعة، ب17 نفس الباب: ح21.

مبدأ العدة فی وطئ الشبهة المجردة عن التزویج

(مسألة 14): مبدأ العدّة فی وطئ الشبهة المجرّدة عن التزویج حین الفراغ من الوط ء، و أما إذا کان مع التزویج فهل هو کذلک أو من حین تبیّن الحال؟ وجهان: و الأحوط الثانی، بل لعلّه الظاهر من الأخبار.(1)

مبدأ العدة فی وطئ الشبهة المجردة عن التزویج

(1) التحقیق:

نسب التفصیل إلی صاحب الجواهر و هو مختار الماتن، و اختاره فی المستمسک فی بدایة کلامه، إلاّ أنه مال أخیراً إلی وحدة المبدأ فی الشقین و أن مبدأه من حیث تبیّن الحال.

و یستدلّ لکون العدّة من حین انکشاف الحال و تبیّنه إما مطلقاً أو فیما کانت مقرونة بالعقد بصحیحة إبراهیم بن عبد الحمید، أن أبا عبد الله(علیه السلام) قال فی شاهدین شهدا عند امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت، ثمّ جاء زوجها، قال: «یضربان الحدّ و یضمنان الصداق للزوج، ثمّ تعتدّ و ترجع إلی زوجها الأوّل»(1) و قریب منها موثّق محمد بن مسلم(2) و مثلها صحیح زرارة أیضاً(3) و غیرها.

و قد قرّب دلالة هذه الروایات أن ظاهرها هو أن الاعتداد فی وطی الشبهة من حین مفارقة الواطی للمرأة، أی انقضاء مباشرته و ملابسته لها لا من حین الوطی، لا سیما و أن الشبهة دوماً تنشأ من اشتباه الزیجة علی صور

ص:245


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح8.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة:ب17 ح9.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة:ب17 ح11.

عدیدة، لا سیما و أن الظاهر هو کون وطی الشبهة علی نمط واحد من تسبیبه للعدّة، أی سواء کان مقروناً بتزویج مشتبه أو لا.

أضف إلی ذلک فی مسألة تداخل العدّة من أن المتوفّی عنها زوجها تعتدّ لوطی الشبهة من انقضاء عدّة الوفاة فضلاً عن وقت الانکشاف، و هذا تفصیل لا بدّ من ذکره علی کلا التقدیرین، و علی أی قول بنی فیهما، لا سیما و أن عمدة روایات وطی الشبهة هی الروایات الواردة فی المقام، فتعمیمها للموارد غیر المقرونة بعقد التزویج و هو الشق الأوّل فی المسألة لا محالة یکون بالتعمیم فی المقام و المفروض أن مبدأه بعد المفارقة و اتضاح الحال.

و قد یستدل بکون المبدأ من حین الوطی، بقوی زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: «سألته عن امرأة نعی إلیها زوجها فاعتدّت و تزوجت، فجاء زوجها الأوّل ففارقها [فطلقها] قال: ثلاثة قروء، و إنما یُستبرأ رحمها بثلاثة قروء و تحلّ للناس کلّهم.

قال زرارة: و ذلک أن ناساً قالوا تعتدّ عدتین من کلّ واحد عدّة، فأبی ذلک أبو جعفر(علیه السلام)، و قال: تعتدّ ثلاثة قروء و تحلّ للرجال»(1)، و محلّ الشاهد فی الروایة قوله(علیه السلام) «یستبرء رحمها» الدال علی أن المدار علی استبراء الرحم من ماء الواطی وطی شبهة، فلا محالة یکون المبدأ من حین الوطی.

و فیه: إن التعبیر بالاستبراء فی الروایة لیس علی معناه الحقیقی کالاستبراء فی الأمة أو المزنی بها، بل کنایة عن العدّة، و من ثمّ عبّر فی الروایة بالعدّة فی ذیلها، و قد ذکر(علیه السلام) أن العدّة الواحدة لکلّ منهما، و عدّة الأوّل فی مفروض

ص:246


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب16، ح7.

(مسألة 15): إذا کانت الموطوءة بالشبهة عالمة، بأن کان الاشتباه من طرف الواطئ فقط، فلا مهر لها إذا کانت حرّة، إذ لا مهر لبغی و لو کانت أمة ففی کون الحکم کذلک، أو یثبت المهر لأنه حق السید وجهان، لا یخلو الأوّل منهما من قوة.(1)

الروایة هو من حین طلاقه و مفارقته لزوجته، و هو وقت مفارقة الثانی، لا من حین وطی الشبهة.

فالأظهر هو کون مبدأ عدّة وطی الشبهة من حین ارتفاع الشبهة، إلاّ أن تکون معتدّة بعدّة الوفاة فیکون المبدأ بعد تمامها، نظراً للنصوص الواردة فی المقام و التی تقدّمت الإشارة إلیها.

إذا کانت الموطوءة بالشبهة عالمة

(1) التحقیق:

أما فی الحرّة فانتفاء المهر واضح، إذ للعاهر الحجر و غیرها من النصوص الواردة فی نفی المهر عن البغی، بل هو مقتضی القاعدة لسقوط حرمة منفعة بضعها بإقدامها علی هدر بضعها.(1)

و أما فی الأمة فقد حکی عن الشیخ فی المبسوط و ابن إدریس ثبوت المهر، و عن الشرائع عدم ثبوت شیء لها، و یظهر منه أن ما ورد فی الروایة من ثبوت العشر و نصفه من قیمتها تحدید شرعی کمهر تعبّدی بدل عن مهر المثل، و أنه إنما یثبت مع الجهل و الاشتباه لا العلم.

ص:247


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب9، ح1، أبواب المتعة: ب28، ح2؛ و أبواب حد الزنا: ب27، ح6؛ أبواب حد الزنا: ب18، ح5.

و حکی عن ابن حمزة و المقنع و النهایة و القاضی و المدارک و الریاض ثبوت العشر فی البکر و نصف العشر فی الثیب، و اختاره فی الجواهر.

و استدل بسقوط المهر بحسب مقتضی القاعدة بأنها بغی، و لا مهر لبغی نصاً عاماً، و بمقتضی إقدامها علی هدر منفعة بضعها، بل یُتأمل فی أصل ثبوت المالیة لمنفعة البضع فی الأمة، فإن ذلک ثابت فی الحرة، و من ثمّ یقال لها: مهیرة، و علی ضوء ذلک فیُتأمل فی إثبات الأرش فی موردها، الذی هو مفاد صحیح الفضیل و الولید الآتیین، إذ لم یفرض فیهما علم الأمة بالحرمة.

و یرد علیه:

أولاً: إن منفعة البضع ذات مالیة فی الحرة و الأمة سواء، غایة الأمر أن هناک فارقاً فی القیمة کما هو الحال فی أرش البکارة أیضاً فیهما، و لا یقاس منفعة البضع بسائر الاستمتاعات، مع أنه یظهر من روایة زرارة(1) ثبوت مالیة لسائر الاستمتاعات فی الأمة، و هو غیر بعید بحسب العرف السوقی فی باب الإماء و العبید.

ثانیاً: إن إقدام الأمة علی الحرام لا یهدر منفعة بضعها؛ لأن حرمة المنفعة لیست متعلّقة بالأمة فقط و إنما متعلّقة بسیّدها أصالة، و لم یحصل منه هدر من المالیة، و من ثمّ صحّ ما قیل: من أن ما ورد فی النصوص العامة من عدم المهر للبغی إنما هو مختص بالحرّة.

ثالثاً: إن الظاهر أن ما فی صحیح الفضیل و الولید هو تحدید شرعی لمهر الأمة فی غیر موارد مهر المسمّی.

و ما یقال: من اختصاص شبهة المهر بالحرة دون الأمة، لا ینافی ثبوت المالیة لبضع الأمة، و من ثمّ یطلق علیه فی الحرّة فی موارد الاشتباه بالعقر،

ص:248


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب88، ح2.

فعن الصحاح: أن العقر مهر المرأة إذا وطئت علی شبهة، فاستبدل عنوان المهر بالعقر فی المرأة فی هذه الحالة و لو کانت حرّة.

و من ثمّ کان الأقرب فی مفاد الصحیحین کما ذکر صاحب الجواهر ثبوت التعبّد الشرعی کتحدید لقیمة مهر المثل للأمة فی کلّ موارد ثبوته من دون اختصاصه بمورد الصحیحین.

أما صحیح الفضیل بن یسار، قال: «قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): إن بعض أصحابنا قد روی عنک أنک قلت إذا أحل الرجل لأخیه جاریته فهی له حلال، فقال: نعم یا فضیل، قلت: فما تقول فی رجل عنده جاریة له نفیسة و هی بکر أحل لأخیه ما دون فرجها أله أن یفتضّها؟ قال: لا، لیس له إلاّ ما أحلّ له منها، و لو أحل له قبلة منها لم یحلّ له سوی ذلک، قلت: أ رأیت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: لا ینبغی له ذلک، قلت: فإن فعل أ فیکون زانیاً؟ قال: لا و لکن یکون خائناً و یغرم لصاحبه عشر قیمتها إن کانت بکراً و إن لم تکن فنصف عشر قیمتها»(1).

و أما صحیحة الولید بن صبیح عن أبی عبد الله(علیه السلام): «فی رجل تزوج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلّست نفسها له، قال: إن کان الذی زوجها إیاه من غیر موالیها فالنکاح فاسد، قلت: فکیف یصنع بالمهر الذی أخذت منه؟ قال: إن وجد مما أعطاها شیئاً فلیأخذه و إن لم یجد شیئاً فلا شیء له، و إن کان زوجها إیاه ولی لها ارتجع علی ولیها بما أخذت منه و لموالیها علیه عشر ثمنها إن کانت بکراً و إن کانت غیر بکر، فنصف عشر قیمتها بما استحل من فرجها... الحدیث»(2)، و فی کلا الصحیحین إثبات الغرامة للمالک، لحرمة ماله،

ص:249


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب35، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب67، ح1.

(مسألة 16): لا یتعدد المهر بتعدد الوط ء مع استمرار الاشتباه، نعم لو کان مع تعدد الاشتباه تعدّد.(1)

(مسألة 17): لا بأس بتزویج المرأة الزانیة غیر ذات البعل للزانی و غیره، و الأحوط الأولی أن یکون بعد استبراء رحمها بحیضة من مائه أو ماء غیره إن لم تکن حاملاً، و أما الحامل فلا حاجة فیها إلی الاستبراء، بل یجوز تزویجها و وطؤها بلا فصل، نعم الأحوط ترک تزویج المشهورة

و هی منفعة البضع، مما یقتضی عدم سقوط حرمته ببغی الأمة و أن العشر و نصفه بمثابة مهر المثل و لیس هو لخصوص البکارة، و من ثمّ ثبت فی الثیّب فلیس هو أرش مقابل المهر.

و التعبیر فی الصحیحة الثانیة بما استحل من فرجها المراد به بما انتفع من بضعها، و إلا فلیس فی البین حلیة واقعیة.

لا یتعدد المهر بتعدد الوط ء

(1) التحقیق:

لما هو مفروض فی النصوص من وحدة المهر مع عدم وحدة الوطی فی غالب موارد الروایات مما یبین أن ثبوت المهر مترتّب علی طبیعی الوطی مع وحدة السبب، و من ثمّ فلو تعدد السبب و هو الاشتباه تعدد المهر المترتب علی تعدد الوطی، لا سیما مع ما مرّ من أن مبدأ العدّة هو ارتفاع الاشتباه، مما یفید أن الاشتباه الواحد بمنزلة سبب واحد لثبوت المهر إلی أن تنتهی حالة الاشتباه.

ص:250

بالزنا إلاّ بعد ظهور توبتها، بل الأحوط ذلک بالنسبة إلی الزانی بها، و أحوط من ذلک

ترک تزویج الزانیة مطلقاً إلاّ بعد توبتها.(1)

حکم التزویج بالمرأة الزانیة

اشارة

(1) التحقیق:

تعرّض الماتن لعدّة جهات فی هذه المسألة:

الجهة الأولی: التزویج بالزانیة من جهة أصل عنوان الزنا
کلمات الفقهاء و المذاهب فیها

و هی الصورة الأصلیة فی المسألة و هی التزویج بالزانیة بحسب أصل وصف العنوان من الزانی أو غیره، إذا لم تکن ذات بعل و لم تکن معتدّة مطلقاً، کما هو الأقوی فی التحریم الأبدی لمطلق الوطی الذی مرّ فی المسألة الأولی.

و الحکم فی هذه الصورة عند المشهور الجواز، إلاّ ما ینسب إلی جماعة من المنع ما دامت لم تتب بالنسبة إلی الزانی.

نعم عن الحلبی و المقنع الحرمة لغیره أیضاً.

و أما العامة فالمحکی عن قتادة و إسحاق و أبی عبیدة و ابن حنبل المنع إلاّ مع التوبة.

بینما ذهب الثلاثة من المذاهب إلی الجواز.

و حکی عن ابن مسعود و البراء بن عازب و عائشة الذهاب إلی الحرمة مطلقاً و إن تابت(1).

ص:251


1- (1) حکی ذلک ابن قدامة فی المغنی: ج7، ص515.

و لسان الروایات الواردة متعارض بعد کون مقتضی القاعدة و العمومات الحلیة، هذا.

مضافاً إلی ورود النصوص فی جواز التزویج بالمعلنة و المشهورة، بل ذات الرایة کما سیأتی.

و لا بدّ من تحریر الکلام فی الآیة الکریمة الواردة، لکون مفادها بسبب الإبهام الحاصل فیه أوجب صدور لسان المنع منهم( تجنّباً عن توهم مخالفتهم للقرآن فی قوله تعالی: (الزّانِی لا یَنْکِحُ إِلاّ زانِیَةً أَوْ مُشْرِکَةً وَ الزّانِیَةُ لا یَنْکِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِکٌ وَ حُرِّمَ ذلِکَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ) (1)، فإن ظاهرها البدوی و إن کان یتراءی منه الحرمة، لا سیما بلحاظ مادة «حرّم».

إلا أنه هناک جملة من القرائن یستظهر منها الکراهة، و أن المراد من (لا) النافیة فی مقام الأخبار بداعی بیان خساسة الفعل، و من ثمّ إنشاء الکراهة بالالتزام.

و هناک جملة من القرائن فی المقام:

منها: إسناد الحرمة للمؤمنین فی مقابل الزانی، و هنا المراد مرتبة عالیة من الإیمان زیادة علی ظاهر الإسلام و علی الاعتقاد فی القلب، حیث جعل الإیمان فی مقابل من یرتکب الزنا، کما ورد فی الروایة عن الباقر(علیه السلام) و أن المراد من الإیمان التقوی و المتقین، حیث ورد فی ذیل الآیة: «فلم یسمّ الله الزانی مؤمناً و لا الزانیة مؤمنة، و قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): - لیس یمتری فیه أهل العلم أنه قال - لا یزنی الزانی حیث یزنی و هو مؤمن، و لا یسرق السارق حین یسرق و هو مؤمن، فإنه إذا فعل ذلک خلع عنه الإیمان کخلع

ص:252


1- (1) النور: 3.

القمیص»(1) و علی ضوء ذلک یکون إسناد الحرمة إلی المتقین ظاهراً فی کونها حکماً أخلاقیاً، و أن مثل هذا الفعل دنیء یرتکبه غیرهم.

و منها: أن النکاح لا یشرع بین المشرکین و الزناة من المسلمین، فلا محالة یکون صدر الآیة فی صدد الأخبار عن السلوک و الممارسة من قبل هؤلاء، و أن الزنا سبب لإحجام الناس عن التزویج بمن یرتکبه.

و من ها: إن الزانی لم یذهب أحد إلی تحریم عقد التزویج به.

و منها: إن مقتضی الجمود علی حرفیة ألفاظ الآیة صدراً و ذیلاً التفصیل فی حرمة التزویج بالزانیة بین الزانی و غیره، و هو أیضاً لا قائل به.

و منها: إنه لو أرید من التحریم ظاهره من عزیمة التشریع لکان مقتضی استعمال الآیة أن الزناة یخرجون بهذا الفعل عن حضیرة الإیمان باللسان أو الاعتقاد.

و قد ورد فی روایة أبی سارة عنه(علیه السلام) فی معنی قوله تعالی: (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) «فلا تضع فرجک حیث لا تأمن علی درهمک»(2)، و فی صحیح محمد بن إسماعیل عن الرضا(علیه السلام) فی ذیل الآیة: «لا ینبغی لک أن تتزوج إلاّ بمأمونة»(3) و یعضد الندبیة و الکراهة فی الآیة قوله تعالی الآخر: (الْخَبِیثاتُ لِلْخَبِیثِینَ وَ الْخَبِیثُونَ لِلْخَبِیثاتِ وَ الطَّیِّباتُ لِلطَّیِّبِینَ وَ الطَّیِّبُونَ لِلطَّیِّباتِ أُولئِکَ مُبَرَّؤُنَ مِمّا یَقُولُونَ) (4) مع أنها محمولة علی الندب کما فی نکاح المتولّدة من الزنا.

ص:253


1- (1) الکافی، الکلینی: ج2 ص32.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: باب6، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: باب6، ح2 - 3.
4- (4) النور: 26.
و أما الروایات فهی علی ألسن:

منها: ما دلّ علی الجواز و هو علی ضروب، منها المطلق و منها الخاص کالمعلنة بالزنا و لم تتب کموثّق زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام)، سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا النثاء علیها بشیء من الفجور، فقال: «لا بأس بأن یتزوجها و یعضها»(1) و النثاء مثل الثناء إلاّ أنه فی الخیر و الشر جمیعاً، و الثناء فی الخیر خاصّة، کما عن الصحاح، فمورد الروایة فی المعروفة بالفجور، و جاء الجواب بجواز التزویج بها من دون توبة مسبقة، بل بأن یکون التزویج بها طریق لذلک.

و فی مصحح علی بن یقطین، قال: «قلت لأبی الحسن(علیه السلام): نساء أهل المدینة، قال: فواسق، قلت: فأتزوّج منهن؟ قال: نعم»(2).

و لکن هذه الروایة موردها مطلق الزانیة من دون توبة.

و فی صحیح علی بن رئاب، قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن المرأة الفاجرة یتزوجها الرجل المسلم، قال: نعم، و ما یمنعه، و لکن إذا فعل فلیحصن بابه مخافة الولد»(3).

و فی موثّق إسحاق بن جریر، قال: «قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): إن عندنا بالکوفة امرأة معروفة بالفجور، أ یحل أن یتزوجها متعة؟ قال: فقال: رفعت رایة؟ قلت: لا، لو رفعت رایة أخذها السلطان، قال: نعم تزوجها متعة، قال: ثمّ أصغی إلی بعض موالیه فأسر إلیه شیئاً، فلقیت مولاه، فقلت له: ما

ص:254


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب12، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب12 ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب12 ح6.

قال لک؟ فقال: إنما قال لی: و لو رفعت رایة ما کان علیه فی تزویجها شیء إنما یخرجها من حرام إلی حلال»(1).

و هذه الموثّقة نص فی الجواز مطلقاً فی کلّ الأقسام، بل بالتنصیص علی الجواز فی أشدّ الأقسام کما فی ذیلها.

نعم صدرها و هو عنوان (المعروفة بالفجور) لا یبعد ظهوره فی کونها مدمنة غیر معلنة.

و أشکل علی الذیل بأنه مرویة عن مولی مجهول الحال فلا یعتمد علیه.

و فیه: إمکان إحراز الوثوق و إن لم یحرز حال المولی؛ و ذلک لظهور وثوق الراوی إسحاق بن جریر بإخباره، لا سیما بقرینة أن إصغاء الإمام للمولی کان بمشهد من الراوی، و یظهر منه أنه مقصود منه(علیه السلام) و أنه نحو تعریض منه(علیه السلام) بالتقیة و لو بسبب انطباع الحرمة فی ذهن عامة الناس من مفاد الآیة، لا سیما مع کون فتوی جملة من العامة کما مرّ هو اشتراط التوبة و جملة أخری منهم الحرمة مطلقاً، مضافاً إلی ما سیأتی من اشتمال روایات المنع علی شرطیة التوبة فی مطلق الزانیة المحمول علی الندبیة لصراحة الروایات المجوزة من دون ذلک، و أن العزیمة فی ظاهر تلک الروایات هو فتوی العامة، مع اعتضاد التعلیل فی الذیل بما مرّ فی موثّقة زرارة، من أن نفس التزویج هو إخراج لها من الحرام إلی الحلال و إحصان لها، و لا تنافی بین هذا التعلیل و مفاد الآیة الکریمة، فإن التزویج و إن عاد بالفائدة علیها إلاّ أنه یعود بالشین علی من یتزوج بها من أهل الصلاح.

ص:255


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب9، ح3.

و یؤید ذیل موثّق إسحاق أیضاً ما رواه فی کشف الغمة عن کتاب الدلائل للحمیری عن الحسن بن ظریف فی مکاتبته لأبی محمد(علیه السلام) فی التمتع بالفاجرة المعروفة بالهتک، و منعه(علیه السلام) عن التزویج بها بقوله: «و إیاک و جارتک المعروفة بالعهر و إن حدثتک نفسک، أن آبائی قالوا: تمتع بالفاجرة فإنک تخرجها من حرام إلی حلال فإن هذه امرأة معروفة بالهتک و هی جارة و أخاف علیک استفاضة الخبر منها»(1).

و أما روایات جواز زواج الزانی بمن زنی بها فعدیدة:

منها: صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن رجل فجر بامرأة ثمّ بدا له أن یتزوجها، فقال: حلال، أوّله سفاح و آخره نکاح، أوّله حرام و آخره حلال»(2) و مثله صحیح الحلبی، إلاّ أن فیه: «و مثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراماً ثمّ اشتراها بعد، فکانت له حلالاً»(3) و هاتان الصحیحتان و إن عدّتا مطلقتین من جهة التوبة و عدمها، إلاّ أن الأظهر فیهما نصوصیتهما فی عدم شرطیة التوبة و أن السبب المسوغ هو کون النکاح سبیل حلال، أی أن الحلیة الذاتیة للنکاح حیث کانت مباینة للحرمة الذاتیة للزنا ساغ اعتماده من الزانیة و أن ذلک نحو تحلیل و إصلاح لما مضی.

و غیر ذلک من الروایات.(4)

أما روایات المنع فهی أیضاً علی ضروب:

ص:256


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب9، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب11، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب11 ح3.
4- (4) ب11 - 12 - 13، و أبواب المتعة: ب6 - 7 - 8 - 9.

منها: ما یمنع مطلقاً، و منها ما یشترط التوبة، و منها ما یفصّل بین المعلنة و غیرها، کموثّق عمار بن موسی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألته عن الرجل یحل له أن یتزوج امرأة کان یفجر بها؟ قال: إن آنس منها رشداً فنعم، و إلا فلیراودها علی الحرام، فإن تابعته فهی علی حرام، و إن أبت فلیتزوجها»(1)، و هی صریحة فی الحرمة من دون التوبة، إلاّ أنها حملت علی التقیة لموافقتها للعامة، و فی موثّقة أخری لإسحاق بن جریر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «قلت له: الرجل یفجر بالمرأة، ثمّ یبدر له فی تزویجها هل یحل له ذلک؟ قال: نعم، إذا هو اجتنبها حتی تنقضی عدّتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله أن یتزوجها، و إنما یجوز له أن یتزوجها بعد أن یقف علی توبتها»(2) و ذیلها المتضمن للشرط الثانی فی التزویج رواه الکلینی و لم یروه الشیخ فی التهذیب، و طریق الشیخ أوضح.

و الموثّقتان متعرّضتان لحکم الزانی لا غیره.

و صحیح الحلبی قال: «قال أبو عبد الله(علیه السلام) لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا و لا یتزوج المرأة المعلنة بالزنا إلاّ بعد أن تعرف منهما التوبة»(3) و هذه الروایة فی خصوص المرأة المعلنة بالزنا من غیر فرق بین الزانی بها أو غیره، و فی صحیح زرارة قال: «سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن قول الله عز و جل: (الزّانِی لا یَنْکِحُ إِلاّ زانِیَةً أَوْ مُشْرِکَةً وَ الزّانِیَةُ لا یَنْکِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِکٌ) قال: هن نساء مشهورات بالزنا و رجال مشهورون بالزنا قد شهروا بالزنا و عرفوا به و الناس

ص:257


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب11، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب11، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب13، ح1.

الیوم بتلک المنزلة، فمن أقیم علیه حدّ الزنا أو شهر بالزنا لم ینبغ لأحد أن یناکحه حتی یعرف منه توبة»(1) و غیرها من الروایات. هذا.

و قد یجمع بین الطائفتین بحمل التوبة علی الندب لصراحة الروایات المجوّزة فی عدم الشرطیة، کما مرّ بیانه، سواء بالنسبة إلی الزانی أو غیره.

و أما بالنسبة إلی صورة المعلنة فالأقوی تقدیم صحیح الحلبی، المفصّل بین المعلنة و غیرها، غایة الأمر یرفع الید عن مفادها بالنسبة إلی الرجل المعلن؛ للتسالم علی الجواز، و یکون مفاد صحیح الحلبی أخص من صدر موثّق إسحاق بن جریر؛ لأن غیر ذات الرایة هی غیر المعلنة، فصدر موثّق إسحاق مطلق یقیّد بمفاد صحیح الحلبی الذی هو أخص منه، و کذلک الحال بالنسبة إلی صحیح الحلبی و إطلاق موثّق زرارة الوارد فی المرأة التی علیها نثاء، و أن ذیل موثّق إسحاق، فحیث لم یثبت بطریق معتبر لأن المولی مجهول الحال فنتیجة الجمع بین الروایات هی التفصیل بین الزانیة المشهورة و بین غیر المشهورة، و الأظهر عدم تمامیة هذا الجمع؛ و ذلک لأن المفهوم من عنوان المعلنة هی المشهورة بالفجور، سواء کانت ممتهنة له أم مدمنة، و سواء کانت محترفة للزنا و التی تسمی فی العرف الدارج مومسة أم غیر محترفة.

و المفهوم من ذات الرایة هی المتوغلة المحترفة فی هذا العمل علاوة علی الشهرة و الإعلان و الامتهان، کما أشیر إلی ذلک فی سبب نزول الآیة فی النساء کنّ بمکة ذوات رایات منصوبة، و علی ضوء ذلک فالمعلنة بمعنی المشهورة المعروفة بذلک، فمورد صحیح الحلبی الذی هو المعلنة بعینه مورد

ص:258


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب13، ح2.

صدر موثّق إسحاق و هو المعروفة فی الکوفة بالفجور أی المشتهرة به، و من ثمّ فسر مورد الآیة فی صحیح زرارة المتقدّم بمن أقیم علیه حدّ الزنا أو شهر به إنه بتلک المنزلة.

و من ذلک یظهر أن موثّق زرارة فی روایات الجواز یقرب أو یستقرب ظهوره فی المشهورة. هذا.

مضافاً إلی ما عرفت مما مرّ من حصول الوثوق بذیل موثّق إسحاق المعتضد بجملة من القرائن التی مرت الإشارة إلیها، فالأقوی البناء علی الکراهة الشدیدة، غایتها فی ذات الرایة.

بل قد یقال بالحرمة العرضیة إذا أوجب ذلک الشهرة أو المهانة علی ألسن الناس، و لعل ذلک التأویل الثانی لظاهر الآیة و بعض روایات المنع کموثّق عمار و کذلک الکراهة الشدیدة فی المشهورة بالزنا، و تحقق الکراهة بحسب التوبة و عدمها و بحسب الزواج الدائم و المنقطع و بحسب اتخاذها أم ولد و عدمه، و کذلک الحکم فی الزانی و تفاوت الحالات فیه.

الجهة الثانیة: فی لزوم استبراء رحم الزانیة بحیضة

ظاهر المقنعة لزوم استبراء الزانی من الزانیة و حکی عن التحریر لزوم العدّة علی الزانیة مع عدم الحمل، و عن المسالک نفی البأس عنه حذراً من اختلاط المیاه و الأنساب، و ذهب إلیه صاحب الحدائق و کذا صاحب الوسائل و احتاط الکاشانی فی المفاتیح، معللاً بما مر فی المسالک، و قد فصل صاحب الحدائق بین الزنا بالخلیة و الزنا بالمتزوجة، فذهب إلی ندب الاستبراء فی الثانیة استظهاراً من موثّقة سماعة الآتیة.

ص:259

و استدل للحرمة و لشرطیة العدّة لزوماً بوجوه:

أولاً: بالمطلقات الواردة من أن العدّة من الماء و الدخول، کصحیح محمد بن مسلم عن أحدهما(علیه السلام)قال: «العدّة من الماء»(1)، و صحیح حفص بن البختری عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا التقی الختانان وجب المهر و العدّة و الغسل»(2).

و صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام): «فی رجل دخل بامرأة، قال: إذا التقی الختانان وجب المهر و العدّة»(3) و فی صحیح آخر لمحمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام): «إذا أدخله وجب الغسل و المهر و الرجم»(4).

فدلت هذه الروایات علی أن السبب لهذه الآثار فی کلّ باب مترتب علی طبیعة الوطی فی نفسه، و أنه تمام الموضوع بغض النظر عن أی قید أو سبب خاص نشأ منه الوطی.

و ثانیاً: لموثّق إسحاق بن جریر المتقدّم الوارد فی خصوص الزانین، و مرسلة تحف العقول(5) عن أبی جعفر(علیه السلام) محمد بن علی الجواد، أنه سئل عن رجل نکح امرأة علی زنا أ یحل له أن یتزوجها؟ فقال: «یدعها حتی یستبرؤها من نطفته و نطفة غیره، إذا لا یؤمن منها أن تکون قد أحدثت مع غیره حدثاً کما أحدثت معه، ثمّ یتزوج بها إن أراد... الحدیث».

ص:260


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب العدد: ب1، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب54، ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب54، ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب54، ح9.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب العدد: ب44 ح2.

و قد یستدل أیضاً بموثّقة سماعة، قال: «سألته عن رجل له جاریة فوثب علیها ابن له ففجر بها، فقال: قد کان رجل عنده جاریة و له زوجة فأمرت ولدها أن یثب علی جاریة أبیه ففجر بها، فسئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن ذلک، فقال: لا یحرم ذلک علی أبیه، إلاّ أنه لا ینبغی أن یأتیها حتی یستبرئها للولد، فإن وقع فیما بینهما ولد فالولد للأب إذا کانا جامعاها فی یوم و شهر واحد»(1).

و استدل للحلّیة و ندبیة الاستبراء بوجوه:

أولاً: بهدر حرمة ماء الزانی، کما هو مفاد قوله(صلی الله علیه و آله): «الولد للفراش و للعاهر الحجر»(2) و کما هو مقتضی عدم تحقّق النسب به.

ثانیاً: معتبرة عبّاد بن صهیب عن جعفر بن محمد(علیه السلام)قال: «لا بأس أن یمسک الرجل امرأته إن رآها تزنی إذا کانت تزنی، و إن لم یقم علیها الحد فلیس علیه من إثمها شیء »(3).

ثالثاً: بما تقدّم فی موثّق سماعة، بتقریب أنها ظاهرة فی الندب، بقرینة استثناء (ینبغی) من عدم الحرمة، حیث إن لفظ ینبغی فی نفسه ظهوره فی اللزوم ضعیف فضلاً عما کان مقارناً لنفی الحرمة، و أنه ذکر کاستدراک من عدم الحرمة، مع ضمیمة عدم الفصل فی ماء الزانی بین المتزوجة و الخلیة؛ و ذلک لاستواء حکم طبیعة ماء الزنا من حیث الحرمة و عدمها، کما هو الحال فی استواء حکم ماء وطی الشبهة و ماء الزوجیة و الملک.

ص:261


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید الإماء: ب55، ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب،56 ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب12، ح1.

رابعاً: الخدشة فی أدلة الحرمة؛ و ذلک لأن التعلیل بالماء من قبیل الحکمة لا العلّة و هو اختلاط المیاه، و کذا سببیة الماء للعدّة، و الخدشة فی موثّق إسحاق بن جریر حیث إنه فی سیاق شرطیة التوبة التی هی ندبیة کما مرّ.

و أما روایة تحف العقول فهی مرسلة، مع أنها ظاهرة فی تعلیل الاستبراء من ماء غیر الزانی، و أنه مع الأمن من ماء الغیر تنتفی الحاجة من الاستبراء، مع أنها ظاهرة فی أن الاستبراء من باب الاحتیاط الندبی لتعلیله ب- (لعل). هذا.

و قد یناقش فی أدلة الحل:

أما الأوّل: بأن الحکم بکون الولد لفراش الزوجیة أو فراش الملک عند الدوران بینه و بین ماء الزنا لا یدلّ علی إسقاط اعتبار ماء الزنا و وطیه بالمرة کما هو الحال فی النسب، حیث إن الساقط من ماء الزنا طهارة النسب و آثارها من الإرث و نحوه، لا أصل النسب و آثاره العامة، من قبیل حرمة نکاح المحرّمات بالنسب و أحکام النفقة للنسب و غیرها من الأحکام الأخری، کما هو الصحیح فی مراد المشهور، من نفی النسب مع الزنا و ثبوت الإرث عن طرف الأم کما هو أحد القولین.

و مما یعضد ذلک ما مرّ فی المسائل السابقة من الحکم بکون الولد لفراش الزوجیة أو لمالک الأمة، عند الدوران بینه و بین وطی الشبهة، إذا کان الوطیان فی طهر واحد، فإن ذلک لم یقتض إسقاط اعتبار وطی الشبهة من رأس فی بقیة الآثار، کالعدّة و نحو ذلک من آثار العدّة.

و أما الثانیة: فمعتبرة عبّاد بن صهیب، فهی فی صدد نفی الحرمة الأبدیة و نفی الحرمة التکلیفیة من جهة إمساکها، لتوهّم تأثّم الزوج بإیوائه لها و هی

ص:262

مقیمة علی الفاحشة، غایة الأمر قد یتمسّک بالإطلاق و هو محلّ تأمل، فأین الصراحة من ذلک.

و أما الثالثة: و هو موثّق سماعة، فإن الاستثناء لیس قرینة علی الندب؛ لأن صدر الجواب فی صدد نفی الحرمة الأبدیة بسبب وطی الابن، حیث إن منکوحة الابن تحرم مؤبّداً علی الأب، إلاّ أن ذلک فیما کان سابقاً علی تزویج الأب لا بما إذا کان لاحقاً.

غایة الأمر أنه(علیه السلام) استدل لإتمام بیان الحال، بأن الحلّیة للأب قد علّق فعلیتها بسبب وطی الفجور علی الاستبراء، و أما لفظ (لا ینبغی) فهو و إن لم یکن فی نفسه ظاهراً بقوة فی اللزوم، إلاّ أنه لا یمکن البناء علی أن ظهوره الأوّلی فی غیر اللزوم؛ لاستعماله بکثرة کاثرة فی اللزوم أیضاً فی الأبواب الروائیة، لا سیما و أن الاستثناء من عدم الحرمة و هو الحلّیة یقتضی إثبات الحرمة فی ظهوره الأوّلی.

و لو تنزّلنا و بنینا علی کون الظهور فی الندبیة، فهذا یدفع ما مرّ من هدر ماء الزنا من رأس، فإن الاحتیاط و لو بدرجة الندب من ماء الزنا یقضی بدرجة من الاعتبار، و هو ما مرّ من أن النسب التکوینی غیر منقطع فی الزنا، بل غایة الأمر استقاط و نفی طهارة المولد و آثاره، مع أنه فی ذیل الروایة عند الدوران بین کون المولود من زنا الابن أو وطأ الأب قد حکم بأنه للفراش دون ماء الزنا، مما یقضی بأن ترجیح جانب الفراش و إن کان مقرّراً فی الظاهر إلاّ أنه لا یسقط ماء الزنا من الاعتبار من رأس بحسب الواقع.

أما الرابعة: فکون اختلاط المیاه حکمة لا علّة لا ینفی الإطلاق، بل یعضده سواء کان علّة أو حکمة، و کذلک الحال فی إطلاق التقاء الختانین،

ص:263

و غایة ما أوجب رفع المتأخرین یدهم عن هذا الإطلاق دعوی هدر ماء الزنا بقول مطلق و انقطاع النسب منه، و قد عرفت الحال فی ذلک فلا رافع للید عن الإطلاق، و أما وحدة السیاق فی موثّق إسحاق فلا یقضی بالندبیة بعد کون قرینة الندب فی شرطیة التوبة منفصلة، لا سیما بعد کون دلالة صیغة الأمر علی اللزوم بالإطلاق، فقیام الإذن بالترخیص فی بعض الصیغ فی سیاق واحد لا یصلح قرینة علی البعض الآخر، فالاحتیاط لا یترک مطلقاً.

فتبین أن الموانع التی هی من موارد التمانع التواردی فی الموضوع الواحد یمکن تصویرها بأنها من قبیل مانع الفعلیة من الصّحة لا الأهلیة، فالعمل بالصحیحة متعیّن.

و من ثمّ لا یفرّق فیه بین مورد الروایة، و ما لو عقد هو مباشرة علی إحداها و عقد وکیله علی الأخری، متزامناً بعد الاستفادة من الصحیحة أن المنع من الجمع من باب التمانع، و ما یقال: من أن الوکالة قاصرة عن الشمول للعقد الفاسد، مدفوع، بأن الفساد فی المقام لیس ذاتی و إنما هو تمانعی و تواردی، فإنشاء الوکالة من الموکل شامل لمثل هذا العقد، غایة الأمر قد ابتلی بمزاحم ممانع متوارد، و لو غض النظر عن ذلک فإن التسبیب من الموکل للوکیل متحقّق عرفاً.

هذا و نظیر مفاد الصحیح فی المقام مفاد ما ورد فیمن أسلم عن أزید من أربع. نعم یبقی الکلام فی مثل هذه الموارد فی کون اختیار الزوج کاشف أو ناقل، و علی الثانی یکون العقدان قبل اختیاره معلقین فی الصحة، و الأوفق بالقواعد هو الثانی، و لکن علی الثانی لو لم یختر أحدهما لما صح أی منهما. و هل الحال کذلک فیمن أسلم علی أزید من أربع؟

ص:264

و قد یقال: إن فی موارد التوارد - کما هو الصحیح - یکون لأحدهما الفعلیة بنحو مبهم و لا یکونا معلقین کل منهما، اذ الصحیح فی التوارد تماثله مع التزاحم من جهة و لیس بحکم التعارض، و علی ذلک فیکون ملزماً بتعیین أحدهما، و لعله ظاهر الصحیح فکما أن تخلیة سبیل الأخری بنحو اللزوم و الأبدیة فکذلک إمساک أحدهما.

و لیس تحقق الموضوع فی المورد لأحدهما بنحو المبهم یراد منه التردید فی الموجود، کی یشکل بأن التردید بالموجود محال، بل المراد من ذلک أن الموجود المتشخص فی طبیعته الساریة لم یتم تمام تشخصه فی هویته الفردیة، نظیر المادة الاستعدادیة فی طریق تشکلها بإحدی الصور الخاصة، فاختیاره و تخییره یوجب تعیین الموضوع لأحدهما و هذا الحال مطرد فی باب التوارد، فلا یندرج فی التعارض کما لا یندرج فی التزاحم بقول مطلق. و هناک أمثلة عدیدة فی الأبواب ورد فیها النص بمراعاة أحد الحکمین فی حالة التوارد.

نعم فی صحیح أبی بکر الخضرمی المتقدم فی المسائل السابقة قال: «قلت لأبی جعفر(علیه السلام): رجل نکح امرأةً ثمّ أتی أرضاً فنکح أختها و لا یعلم؟ قال: یمسک أیتهما شاء و یخلی سبیل الأخری»(1) و قد مرّ حمله علی التخییر بمعنی أن له طلاق الأولی و التزویج بالثانیة أو البقاء علی الأولی و ترک الأخری.

و قد یقال فی المقام: إن المراد فی صحیحة جمیل ذلک أیضاً کما حمل صاحب الجواهر الصحیح علی ذلک و إن احتاط بالعمل بظاهرها المنسبق منها

ص:265


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب26، ح2.

نظر لما ورد فی فیمن أسلم عن أزید من أربع من التخییر حقیقة لا بالمعنی المؤول فی صحیحة الحضرمی.

و بعبارة أخری: الموجب للتأویل فی صحیحة الحضرمی مفروض الوجود، بخلاف صحیحة جمیل فلا یرفع الید عن الظهور الأولی، و قد مرّ وهن ما استدل به علی مخالفتها للقواعد.

و بعبارة أخری: هناک فرق بین التنافی فی الجعل و هو التعارض و التنافی فی أصل الفعلیة و هو التوارد، من دون تناف بین جعلیهما و بین التنافی فی الامتثال و هو التزاحم من دون تنافی الحکمین فی الجعل و لا فی أصل الفعلیة. و علی ضوء ذلک فاختیاره یکون من قبیل الکشف عما هو فعلی.

هذا، و لو شک فی السبق و الاقتران، فمع العلم بتاریخ أحدهما یصح و یبطل مجهول التاریخ؛ لأصالة عدمه من دون معارض، أما مع الجهل بتاریخ کل منهما فقد تقدم إجراء القرعة إما لاستکشاف السابق منهما علی تقدیر سبق أحدهما فی الواقع، و إما تعییناً لأحدهما علی تقدیر الاقتران. و لو فرض العلم المردد بأحدهما بالسبق و الاقتران و فی الآخر المردد بین الاقتران و اللحوق، فالأول منهما معلوم التاریخ و الثانی مجهول، فیستصحب عدم الثانی حین وقوع الأول.

تحریر آخر للجهة الثانیة

فیما إذا کانت الزانیة حامل من الزنا، فالشهرة فی عدم الاستبراء أکثر من الصورة السابقة، فقد قال بالجواز و عدم الاستبراء فی المقام جملة ممن ذهب إلی المنع فی الصورة السابقة، و قال الشیخ فی الخلاف: لا عدة علی الزانیة،

ص:266

و یجوز لها أن تتزوج سواء کانت حاملاً أو حائلاً، غیر أنه لا ینبغی أن یطأها حتی تضع ما فی بطنها و یستبرئها بحیضة استحباباً(1).

و قال فی المبسوط: لا عدة علی الزانیة وجوباً حائلاً کانت أو حاملاً، و لکل واحد أن یتزوج بها فی العدة و بعدها حائلاً کانت أو حاملاً، إلا أنه لا یطؤها إن کانت حاملاً حتی تضع، فإن وطأها و أتت بولد لأقل من ستة أشهر، فقد انتفی بلا خلاف و لا لعان، و إن أتت به لستة أشهر فصاعداً فهو لا یعرف حقیقة أمره، فإن شک فیه و غلب علی ظنه أنه لیس منه کان له نفیه باللعان، و إن غلب علی ظنه أنه منه قبله و استلحقه و کان ولده(2).

أقول: الظاهر من کلام الشیخ فی النهایة و المبسوط أنه لا یقول بلزوم العدة فی الزانیة أی یجوز التزویج بها أو شراؤها بملک یمین، إلا أنه یحرم وطیها للاستبراء، و هذا الذی ذهب إلیه الشیخ یحتمل استظهاره من موثق إسحاق بن جریر المتقدم عن أبی عبد الله(علیه السلام)، قال: )قلت له الرجل یفجر بالمرأة ثمّ یبدو له فی تزویجها هل یحل له ذلک؟

قال: نعم إذا هو اجتنبها حتی تنقضی عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن یتزوجها، و إنما یجوز له أن یتزوجها بعد أن یقف علی توبتها(3).

بتقریب أن المراد من الجواب (نعم یجوز له أن یتزوجها إذا هو اجتنبها) أی اجتنب مقاربتها و وطئها، و انقضاء العدة یفسر باستبراء الرحم، أی أنه

ص:267


1- (1) الشیخ الطوسی، الخلاف: ج4 ص301.
2- (2) الشیخ الطوسی، المبسوط: ج4، ص203.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب24ح1.

المراد من العدة، لا تحریم التزویج بل تحریم الوط ء الذی هو أثر الاستبراء،

و قوله(علیه السلام) بعد ذلک (فله أن یتزوجها) لیس مترتباً زمانیاً و إنما هو تقریر لحلیة التزویج بها مع مراعاة حکم الاستبراء، و من ثمّ غایر فی الذیل التعبیر فی شرطیة التوبة بإیراد لفظ بعدم هذا.

و عبارة الشیخ المفید فی المقنعة صریحة فی ذلک، قال: و إذا عقد علیها بعد الفجور بها فلا یقربها حتی یستبرئها بحیضة، إن کانت ممن تحیض علی الاستقامة، و إن کانت حیضتها مرتفعة لمرض استبرأها بثلاثة أشهر، فإذا علم أنه لا حمل بها وطأها و إن کانت ممن لا تحیض للکبر أو کانت صبیة قبل البلوغ و لم تکن فی سن من تحیض لم یکن علیه لوطئها استبراء، إلی أن قال: إذا کان للرجل امرأة ففجرت... و ینبغی له أن یعتزلها بعد ما وقع من فجورها حتی یستبرءها علی ما شرحناه(1).

و ظاهره عدم التفرقة فی لزوم الاستبراء بین الزانی و غیره، و یساعده ظهور موثق إسحاق بن جریر، حیث أن الأمر بالاستبراء جعل بسبب مطلق الماء من الفجور لا خصوص مائه من الفجور مما یدل علی التعمیم.

ثمّ إن فی مرسل یونس الذی هو کالمسند عن بعض رجاله عن أبی عبد الله(علیه السلام): )قال: سألته عن رجل تزوج من امرأة متعة أیاماً معلومة فتجیئه فی بعض أیامها، فتقول إنی قد بغیت قبل مجیئی إلیک بساعة أو بیوم، هل له أن یطأها و قد أقرت له ببغیها؟ قال: لا ینبغی له أن یطأها(2).

و فی موثقة عباد بن صهیب عن جعفر بن محمد(علیه السلام)، قال: )لا بأس أن

ص:268


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب24ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب 38 ح1.

(مسألة 18): لا تحرم الزوجة علی زوجها بزناها، و إن کانت مصرة علی ذلک، و لا یجب علیه أن یطلقها.(1)

یمسک الرجل امرأته إن رآها تزنی إذا کانت تزنی، و إن لم یقم علیها الحدّ و لیس علیه من إثمها شیء (1).

عدم حرمة الزوجة علی الزوج بزناها

(1) التحقیق:

ذهب المشهور إلی عدم الحرمة، و عن المفید و سلار أنهما ذهبا إلی الحرمة، و بعض محشی المتن احتاط بالحرمة فیما إذا طرأ اشتهارها بذلک لعموم الآیة و الأخبار.

و یدل علی الجواز مضافاً إلی العموم الوارد من أن الحرام لا یحرم الحلال(2) و أن ما تقدم من الآیة و الأخبار الناهیة عن تزویج بمن زنی محمولة علی الکراهة.

و قد یستدل للحرمة بعموم الآیة و الأخبار الناهیة، و قد عرفت أن مفادها الکراهة، و استدل أیضاً بجملة من الروایات الواردة فی الزوجة التی زنت قبل الدخول بها أنه یفرق بینهما، کمعتبرة السکونی عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهما السلام قال: )قال علی(علیه السلام): فی المرأة إذا زنت قبل أن یدخل بها زوجها قال: یفرق بینهما و لا صداق لها لأن الحدث کان من قبلها(3)، و نحوه

ص:269


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب 12 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب - 8 - 9 - 11.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب6 ح3.

موثق الفضل بن یونس(1)، و مثلهما صحیح علی بن جعفر إلا أن فیها: )الرجل یزنی قبل أن یدخل بالمرأة یفرّق بینهما(2)، و هذه الروایات محمولة علی ثبوت خیار الفسخ، و أن الزنا من العیوب، کما استُعمل لفظ التفریق فی ذلک فی جملة من موارد العیوب و التدلیس، و قد أفتی بالخیار الصدوق فی المقنع، قال المجلسی فی مرآة العقول: )المشهور بین الأصحاب أن المرأة لا ترد بالزنا و إن حدث الزنا منه، و قال الصدوق فی المقنع بما دلت علیه هذه الروایة، و قال المفید و سلار و ابن البراج و ابن الجنید و أبو الصلاح ترد المحدودة فی الفجور(3).

و هذا یدل علی عمل المتقدمین بها فی بعض الصور.

و علی أی تقدیر فالروایة أجنبیة عن المقام، و یشهد لکون مفادها فی الخیار، صحیح الحلبی(4) المتضمن لتخییر الزوج بین أخذ صداقها من ولیها و إن شاء له أن یمسکها، و مثله صحیح معاویة بن وهب(5).

نعم فی موثق طلحة بن زید عن جعفر بن محمد عن أبیه علیهم السلام، قال: )قرأت فی کتاب علی(علیه السلام): إن الرجل إذا تزوج المرأة فزنا قبل أن یدخل بها لم تحل له، لأنه زان و یفرق بینهما و یعطیها نصف المهر(6)، و هی محمولة علی التقیة، کما مرّ من أن التعلیل بالزنا یوجب الکراهة، مضافاً إلی ما فی

ص:270


1- (1) وسائل الشیعة، نفس الباب: ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب17 ح2.
3- (3) مرآة العقول، ابن شعبة الحرانی: ج20 ص423.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب6 ح1 - 4.
5- (5) المصدر السابق.
6- (6) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب17 ح3.

الزنا بذات البعل

(مسألة 19): إذا زنی بذات بعل دواماً أو متعة حرمت علیه أبداً، فلا یجوز له نکاحها بعد موت زوجها، أو طلاقه لها، أو انقضاء مدتها إذا کانت متعة. و لا فرق علی الظاهر بین کونه حال الزنا عالماً بأنها ذات بعل أو لا، کما لا فرق بین کونها حرة أو أمة و زوجها حراً أو عبداً کبیراً أو صغیراً، و لا بین کونها مدخولاً بها من زوجها أو لا، و لا بین أن یکون ذلک بإجراء العقد علیها و عدمه بعد فرض العلم بعدم صحة العقد، و لا بین أن تکون الزوجة مشتبهة أو زانیة أو مکرهة. نعم لو کانت هی الزانیة و کان الواطئ مشتبهاً، فالأقوی عدم الحرمة الأبدیة. و لا یلحق بذات البعل الأمة المستفرشة و لا المحللة. نعم لو کانت الأمة مزوجة فوطئها سیدها لم یبعد الحرمة الأبدیة علیه و إن کان لا یخلو عن إشکال. و لو کان الواطئ

صحیحة رفاعة(1) من نفی التفریق، و أما ما فی روایة سعد بن عبد الله عن صاحب الزمان (عج) فی حدیث فی المرأة التی تفجر فی عدتها: )إن المرأة إذا زنت و أقیم علیها الحد لیس لمن أرادها أن یمتنع بعد ذلک فی التزویج بها لأجل الحد، و إذا سحقت وجب علیها الرجم و الرجم خزی، و من أمر الله برجمه فقد أخزاه و من أخزاه فقد أبعده و من أبعده فلیس لأحد أن یقربه(2).

و هی مضافاً إلی ضعف السند، محمولة علی کراهة مقاربة من استحق الرجم.

ص:271


1- (1) المصدر السابق ب246.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب12 ح5.

مکرهاً علی الزنا، فالظاهر لحوق الحکم و إن کان لا یخلو عن إشکال أیضاً.(1)

الزنا بذات البعل

(1) التحقیق:

قد تقدم فیما سبق جملة من الکلام فی المسألة الأولی عن الزنا بذات البعل و المعتدة، و کذا عن مطلق الوط ء بهما و اتضح أنه یوجب الحرمة الأبدیة، و یشمل ذلک ما إذا کان الزنا متحققاً من طرف المرأة فقط، و کذا الحال فی الأمة المزوجة، و قد تقدمت عبارة الشیخ و غیره فی المبسوط التی جعل موضوع الحرمة فیها مطلق المرأة ذات الفراش، و لو کانت أمة بملک یمین مما یتسبب وطیها فی فساد النسب.

و قد ذکرنا أنه ینبغی الاحتیاط مع کون الأمة موطوءة بالملک، و هی فراش فعلی للمالک، و الأظهر شمول الحکم للوط ء عن إکراه، لأن غایة ذلک المعذوریة، نظیر الجهل بکونها ذات عدة فوطأها، و من ثمّ استظهر الشیخ الطوسی أن موضوع الحرمة الأبدیة هو کل وطئ یوجب فساد النسب.

و أما وطی السید أمته المزوجة أو ذات العدة، فیتمسک للحرمة الأبدیة بعموم من دخل بالمزوجة أو نکحها أو بالمعتدة، و قد مر أن مدرک الإجماع هو شمول عنوان النکاح و مراتبه عنوان التزوج لذلک، و أنه کنایة عنه، إلا أنه فی خصوص المالک قد یتأمل فی شمول هذا العموم من جهة أن الجاریة لا زال لها نحو علقة بالمالک.

ص:272

(مسألة 20): إذا زنی بامرأة فی العدة الرجعیة حرمت علیه أبداً دون البائنة وعدة الوفاة وعدة المتعة و الوط ء بالشبهة و الفسخ. و لو شک فی کونها فی العدة أو لا، أو فی العدة الرجعیة أو البائنة، فلا حرمة ما دام باقیاً علی الشک. نعم لو علم کونها فی عدة رجعیة، و شک فی انقضائها و عدمه، فالظاهر الحرمة خصوصاً إذا أخبرت هی بعدم الانقضاء. و لا فرق بین أن یکون الزنا فی القبل أو الدبر، و کذا فی المسألة السابقة.(1)

الزنا بالمرأة فی العدة الرجعیة

(1) قد تقدم فی المسألة الأولی و التاسعة أیضاً أن موضوع الحرمة الأبدیة هو مطلق ذات العدة سواء کانت بائنة أو رجعیة أو فی دوام أو منقطع أو عدة وفاة، و قد ذهب إلی ذلک جملة من المتقدمین فلاحظ.

و أما فی حالة الشک، فتارة یشک فی أنها ذات عدة من دون علمه بالحالة السابقة فیستصحب العدم، و أخری یعلم بالحالة السابقة، و أنها ذات عدة، فیستصحب البقاء فضلاً عما لو أخبرت؛ لأن قولها معتبر فی شأنها، کما مرّ، و لا فرق فی الوط ء بین القبل و الدبر.

و یستفاد من جملة ما ورد من عمومات و إطلاقات فی الآیات الدالة علی أن المالک إذا تملک الأمة و هی حبلی فوطأها و هی حامل فإنه و إن فعل محرماً إلا أنها لا تحرم علیه مؤبداً(1)، و هذه الاطلاقات شاملة لما لو کانت الأمة حاملاً من زوج، و فی مکاتبة علی بن سلیمان، قال: )کتب إلیه رجل له

ص:273


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب5 و ب8 و ب9.

من لاط بغلام فأوقب

اشارة

(مسألة 21): من لاط بغلام فأوقب و لو بعض الحشفة حرمت علیه أمه أبداً و إن علت، و بنته و إن نزلت، و أخته، من غیر فرق بین کونهما کبیرین أو صغیرین أو مختلفین. و لا تحرم علی الموطوء أم الواطئ و بنته

غلام و جاریة، و زوج غلامه جاریته، ثمّ وقع علیها سیدها، هل یجب فی ذلک شیء ؟ قال: لا ینبغی له أن یمسها حتی یطلقها الغلام(1).

و قال الشیخ: المراد لا یقربها حتی تصیر فی حکم من طلقها الغلام، بأن یأمرها باعتزاله، و یستبرأها ثمّ یطأها.

و فی صحیحة الحسن بن زیاد قال: )سألت أبا عبد الله عن رجل اشتری جاریة یطؤها فبلغه أن لها زوجاً، قال: یطؤها فإن بیعها طلاقها، و ذلک أنهما لا یقدران علی شیء من أمرهما إذا بیعا(2)، و ظاهر موردها یحتمل بقوة وقوع الوط ء، نعم هی فی مورد الاستبراء.

و فی صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی رجل زوج أمته رجلاً، ثمّ وقع علیها، قال: (یضرب الحد)(3)، فقد یستظهر من هذه الصحیحة أن إقامة الحد علیه لإقامته بمنزلة الأجنبی، و قد یستظهر منها عدم الحرمة الأبدیة أیضاً؛ لعدم ذکره فی الجواب، مع أنه مورد سؤال الراوی عن الأحکام المترتبة علی ذلک الفعل.

و المحصل من مجموع ذلک، الإشکال فی الحرمة الأبدیة بالنسبة إلی المالک، فالأمر مبنی علی الاحتیاط.

ص:274


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب24 ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب47 ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب حد الزنا: ب22 ح9.

و أخته علی الأقوی. و لو کان الموطوء خنثی حرمت أمها و بنتها علی الواطئ، لأنه إما لواط أو زنا و هو محرم إذا کان سابقاً کما مر. و الأقوی حرمة المذکورات علی الواطئ و إن کان ذلک بعد التزویج، خصوصاً إذا طلقها و أراد تزویجها جدیداً. و الأم الرضاعیة کالنسبیة و کذلک الأخت و البنت. و الظاهر عدم الفرق فی الوط ء بین أن یکون عن علم و عمد و اختیار، أو مع الاشتباه کما إذا تخیله امرأته، أو کان مکرها، أو کان المباشر للفعل هو المفعول. و لو کان الموطوء میتاً ففی التحریم إشکال. و لو شک فی تحقق الإیقاب و عدمه بنی علی العدم. و لا تحرم من جهة هذا العمل الشنیع غیر الثلاثة المذکورة، فلا بأس بنکاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو أخته أو أمه و إن کان الأولی الترک فی ابنته.(1)

أحکام اللواط

(1) التحقیق:

ظاهر جملة من کلمات الأصحاب عدم التقیید فی الواطئ بالرجل، لأنهم عبروا باسم الموصول، نعم فی الموطوء یظهر من بعض الکلمات التفریق فی الموطوء بین عنوان الغلام و الرجل، و أنه مستفاد من إطباق الأصحاب، و تنظر فی هذه الدعوی صاحب الجواهر، و فی الحدائق استظهر عدم الفرق فی کل من الفاعل و المفعول بین الصغیر و الکبیر، و حکی عن القواعد الإشکال فی الفاعل إذا کان صغیراً، کما أنه استظهر فی الحدائق و الجواهر شمول الإیقاب لبعض الحشفة، و علی أی تقدیر ففی المسألة عدة أمور:

ص:275

الأمر الأول: فی شمول الوط ء لبعض الحشفة

ادعی صاحب الحدائق عدم الخلاف لغة و شرعاً فی صدق الدخول به، و إن لم یوجب الغسل، و هو محل تأمل، بعد کون المأخوذ شرعاً فی جملة من الأبواب هو مقدار الحشفة کما هو الحال فی ثبوت المهر، مع ورود التعبیر بالدخول و الإیلاج بالحشفة، مضافاً إلی ما ورد فی مثل صحیح محمد بن مسلم: )إذا أدخله وجب الغسل و المهر و الرجم(1)، و کذلک التعبیر بأولجه الوارد أیضاً فی معتبرة داود بن سرحان: (إذا أدخله)(2).

و فی الصحاح للجوهری: الوقب فی الجبل، نقرة یجتمع فیها الماء، و وقب العین نقرتها، تقول وقبت عیناه غارتا، وقب الشیء یقب وقباً أی دخل، تقول: وقبت الشمس إذا غابت و دخلت موضعها، و وقب الظلام دخل علی الناس، و أوقبت الشیء إذا أخلته فی الوقبة.

و فی اللسان: و الوقوب الدخول فی کل شیء ، و قیل کلما غاب فقد وقب وقباً.

کما أنه قد ورد فی لسان الروایات الآتیة عنوان ثقب، و هو ظاهر فی النفوذ و الدخول، و دخول بعض الحشفة بمثابة الوقوف علی حلقة الدبر من دون نفوذ، فالأمر فی بعض الحشفة مبنی علی الاحتیاط.

و یدل علی أصل الحکم فی المسألة، الصحیح لابن أبی عمیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی رجل یعبث بالغلام، قال: )إذا أوقب حرمت

ص:276


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المهور: 54.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب54 ح5.

علیه ابنته و أخته(1)، و حیث کان المرسل ابن أبی عمیر لا سیما و أن التعبیر فی المقام عن الواسطة ببعض أصحابنا یدل علی کونه إمامیاً، بل و کونه ممن یروی عنه فی باب الحدیث، مما یعطی و یفید نحو حسن فی شأنه، و فی معتبرة حماد بن عثمان قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): رجل أتی غلاماً أ تحل له أخته؟ قال: فقال: )إن کان ثقب فلا(2)، و فی موثقة إبراهیم بن عمیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی رجل لعب بغلام هل تحل له أمه؟ قال: )إن کان ثقب فلا(3) و غیرها من الروایات.

الأمر الثانی: فی عموم الحکم للأم و إن علت و للبنت و إن نزلت

کما هو مطرد فی باب النکاح و غیره، کالإرث، و دعوی انصرافه إلی الدرجة المباشرة، کما حکی عن المسالک استظهاره لو لا الاتفاق، مدفوع بأنه انسباق ناشئ من تفاوت أفراد العنوان تشکیکاً، بسبب القرب و البعد، و هو لا یوجب کثرة الاستعمال، مع أن الاستعمال واقع علی العموم فی بقیة الأبواب کما مر، نعم عنوان الأخت لا یصدق علی بنتها.

الأمر الثالث: فی عموم سن الواطئ و الموطوء

عرفت أن المشهور علی التعمیم فی الواطئ دون الموطوء، و لعل وجهه فی الواطئ أن ذکر عنوان الرجل فی الروایات، هو بحسب فرض ما یقع فی الغالب، و أما عنوان الغلام فقد یحمل أیضاً علی ذلک، مع أن دعوی

ص:277


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب15 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، نفس الباب: ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، نفس الباب: ح7.

اختصاص عنوان الغلام بالصغیر منظور فیها؛ لأنه و إن کثر استعماله فیه، إلا أنه فی أصل الوضع فی الاغتلام و الغیلمة و هو اشتداد الفحولة فی المراهق.

و فی صحیح أبی بصیر عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی غلام صغیر لم یدرک ابن عشر سنین زنا بامرأة، الحدیث(1)، فقید الغلام بالصغر و عدم البلوغ، مما ینبه علی عموم الوضع للبالغ.

فدعوی منع صدقه علی من بلغ، و کذا من کان فی سن التسعة عشر ممنوعة، نعم هو فی مقابل الکهل و الشیخ فی أصل الوضع، و مع صدقه علی البالغ، یکون الفرق بینه و بین الکهل مشکل، لا سیما و أن الفتنة فی الشاب الأمرد و المراهق و لو فی أوائل البلوغ المبکر، غیر بعیدة عن فرض الروایات.

الأمر الرابع: حرمة أم الموطوء و بنته و أخته علی الواطئ دون العکس

تتعلق الحرمة بأم الموطوء و بنته و أخته علی الواطئ دون العکس، و ذلک لعود الضمیر فی الروایات إلی الموطوء، کما أن الضمیر فی الفاعل المضاف إلیه الأم و الأخت و البنت فی فعل الإیقاب و الثقب هو الواطئ و هو المجرور بحرف (علی) المتعلق بالحرمة و احتمال العکس فی الضمائر ضعیف جداً.

الأمر الخامس: لو کان الموطوء خنثی مشکل مع فرض الوط ء فی الدبر

فقد تقرب الحرمة کما فی المتن للعلم الإجمالی فی الأم و البنت علی الواطئ؛ لأن الخنثی إن کان ذکراً فهو لواط، و إن کان أنثی فهو زنا، فتحرم الأم و البنت علی القول بکون الزنا موجب للحرمة، و لا یختص بالزنا بالخالة و العمة.

ص:278


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب النکاح المحرم: ب7 ح1.

و أشکل صاحب الجواهر علی ذلک بعدم وحدة الموضوع فی الحرمتین، فلا یتحقق العلم الإجمالی فی الموضوع الواحد، لأن ما یتولد من مائه مغایر لما یتولد من رحمه، لأنهما بنتان من رحمین، إلا إذا فرض أنه یتزوج بکل منهما.

و قد یجاب: بأن العلم الإجمالی متحقق فی الموضوع الواحد؛ لأن علاقة البنتین متحققة مع الخنثی، سواء کان من مائه أو من رحمه، و سواء کان الخنثی ذکراً أو کان أنثی، فإنه لو کان ذکراً و تولدت البنت من رحمه، فإن علاقة البنتیة أیضاً متحققة، لأن التوالد یتحقق و ینشأ من التنسیل من الماء أو البویضة و تغذیة الرحم تکویناً، فالعلم الإجمالی متحقق فی کل بنت علی حدة، و دعوی انصراف ابنة الموطوء للمتولدة من مائه لا من رحمه یدفعها الإطلاق.

هذا کله فی البنت.

و أما الأم فتحقق العلم الإجمالی فیها واضح.

الأمر السادس: حکم اللواط بعد التزویج بالأم و الأخت و البنت

هل یشمل التحریم للمذکورات فیما لو وقع الفعل المذکور بعد التزویج بإحدی الثلاث المذکورات.

فالمشهور - کما حکی - علی الاختصاص بالحرمة فیما لو تأخر التزویج علی الفعل، لا ما یحکی عن ابن أبی سعید فی الجامع، کما أن جملة قد التزموا بالحرمة فی صورة ثالثة، و هی ما لو تأخر الفعل عن التزویج، ثمّ حصل الطلاق فإنهم بنوا علی تحریم التزویج مرة أخری، لإطلاق السببیة فی

ص:279

الأدلة، و کذا الحال لو وقع الفعل بعد الطلاق فإنه یحرم التزویج اللاحق.

و استدل للحلیة التی ذهب إلیها المشهور و بقاء صحة التزویج السابق علی الفعل، بأن الحرام لا یحرم الحلال و لا یفسده، و العمدة فی روایات هذه القاعدة، کما سیأتی البحث فیها لاحقاً، ما ورد من الروایات الصحاح فی تفسیر هذا العموم للقاعدة بالتفصیل بین الحلال السابق علی الحرام و بین سبق الحرام علی الحلال، و أن القاعدة موردها الثانی، کما فی صحیح محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام، أنه سئل عن الرجل یفجر بامرأة أ یتزوج بابنتها؟ قال: )لا، و لکن إن کانت عنده امرأة ثمّ فجر بأمها أو أختها لم تحرم علیه امرأته، إن الحرام لا یفسد الحلال(1)، و صحیح أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبداً، و إن کان قد تزوج ابنتها قبل ذلک و لم یدخل بها فقد بطل تزویجه، و إن هو تزوج ابنتها و دخل بها ثمّ فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها، فلیس یفسد فجوره بأمها نکاح ابنتها إذا هو دخل بها(2)، و هو قوله لا یفسد الحرام الحلال إذا کان هکذا.

و الظاهر أن التعبیر فی الذیل من کلام الشیخ أدخله صاحب الوسائل فی متن الروایة، و العمدة فی الاستدلال ما قبله، فهذه الصحیحة الثانیة أخص تفصیلاً من الصحیحة الأولی.

و یدعم خصوصیة تفصیل صحیحة أبی الصباح صحیح الکاهلی، قال: )سئل أبو عبد الله(علیه السلام) و أنا عنده عن رجل اشتری جاریة، و لم یمسها، فأمرت

ص:280


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب8 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب8 ح8.

ابنه و هو ابن عشر سنین أن یقع علیها فوقع علیها فما تری فیه؟ فقال: أثم الغلام و أثمت أمه و لا أری للأب إذا قربها الابن أن یقع علیها(1)، کما أن کلتا الصحیحتین و الصحاح و المعتبرات الواردة فی هذا الباب - من أبواب ما یحرم بالمصاهرة - المفصلة بین السبق و اللحوق، أخص من مطلقات لفظ القاعدة فی روایات الباب السادس و غیره، و علی ذلک فالصحیح کما ذکره بعض المحشین علی المتن، أن الإیقاب و إن تأخر عن التزویج فإنه یوجب الحرمة إذا لم یکن قد دخل بامرأته، بخلاف ما إذا دخل فإن الحرام المتأخر لا یحرم الحلال المتقدم مع الدخول، و قد ذکر فی الجواهر الإجماع علی جریان قاعدة الحرام لا یحرم الحلال، و عدم نشر الحرمة، و ذکر أنه محکی البیان، لکنه اختار الحرمة فی المملوکة خاصة.

إلا أن فی البین مرسلة ابن أبی عمیر، و هی صحیحة إلیه عن بعض أصحابه، و إن عبر صاحب الوسائل أن إسناد هذه الروایة کالتی قبلها، مع أن التی قبلها لفظها عن بعض أصحابنا، و التعبیر عن بعض أصحابه أمتن فی الوثاقة؛ لأنه یدل علی أن من یروی عنه هو من مشایخ ابن أبی عمیر، فیکون الاعتماد علیها أکثر من السابقة، الواردة عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی رجل یأتی أخا امرأته فقال: إذا أوقبه فقد حرمت علیه المرأة(2)، و هی أضعف من عموم القاعدة، و إن کان بعض ألفاظ عموم القاعدة لا یقبل التخصیص، لتضمنه لفظة قط، مع أن هذه الروایة لیست أخص مطلقاً، لعمومها لما لو حصل الدخول و عدمه، فالصحیح أخصّیة القاعدة من عموم المرسلة.

ص:281


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب4 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب15 ح2.

و من ذلک یظهر الحال فی الصورتین الأخیرتین، و أن إطلاق أدلة التحریم محکّمة، و مورد القاعدة لیس هو الحرام لا یفسد الحلال.

الأمر السابع: فی عموم الحکم للأم و الأخت و البنت من الرضاع

کما ذهب إلیه المشهور، خلافاً للقواعد حیث توقف فی التعمیم؛ لکون صدق هذه العناوین علی ما کان بالرضاع مجازاً.

و فیه: أن عموم یحرم من الرضاع ما یحرم بالنسب، یفید عموم التنزیل لما لو کان سبب الحرمة هو النسب، کتمام الموضوع أو کان جزء الموضوع.

الأمر الثامن: فی عموم الحکم لما لو کان الواطئ عن اشتباه أو إکراه

فی عموم التحریم لما لو کان الوط ء عن اشتباه أو عن إکراه أو کان الموطوء هو المباشر للفعل، و کذا فی عمومه لما لو کان الموطوء میتاً، کما استقربه فی القواعد علی ما حکی عنه، کما أن ظاهر إطلاق الفتاوی هو العموم، و یدل علیه إطلاق دلیل الحرمة، کما هو مطّرد فی بقیة أسباب التحریم بالمصاهرة، و التمسک للحل بدلیل رفع الخطأ و الإکراه و نحوه ضعیف، لأن غایة الرفع هو رفع المؤاخذة، لا رفع الأحکام التکلیفیة فضلاً عن الوضعیة.

و أما صدق الغلام علی المیت مع عدم تفسخ الجسد، فهو الأقرب الأظهر، کما هو مطرد فی الأبواب الأخری کالجنایة و الحدود و نحوها، مضافاً إلی ترتب جملة من أحکام الحی علی جسد المیت.

الأمر التاسع: فی ثبوت الحرمة بین ولد الواطئ و ابنة الموطوء و أخته و أمه

کما هو ظاهر النص الوارد، و هو مرسل بن سعدان عن بعض رجاله، قال: )کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام) فقال له رجل: ما تری فی شابین کانا مصطحبین فولد لهذا غلام و للآخر جاریة أ یتزوج ابن هذا ابنة هذا؟ قال: فقال: نعم سبحان الله و لم لا یحل؟ فقال: إنه کان صدیقاً له، قال: و إن کان فلا بأس، قال: فإنه کان یفعل به [و فی التهذیب: فإنه کان یکون بینهما ما یکون بین الشباب] قال: فأعرض بوجهه، ثمّ أجابه و هو مشمر بذراعه، فقال: إن کان الذی کان منه دون الإیقاب، فلا بأس أن یتزوج و إن کان قد أوقب فلا یحل له أن یتزوج(، و لم یذهب لذلک أحد، و موسی بن سعدان، و إن لم یوثق، إلا أنه قد روی عنه محمد بن علی بن محبوب، و روی کتابه محمد بن الحسین بن أبی الخطاب الکوفی الجلیل، فالاحتیاط فی محله، نعم التعدی من الابن إلی الأخت و الأم محل تأمل، إلا بناء علی فهم التمثیل.

ص:282

لا یجوز إظهار الرغبة بالفعل المحرم للغیر

اشارة

(مسألة 22): لا یجوز إظهار الرغبة بالفعل المحرم للغیر تعریضاً و تصریحاً، و منه التعریض و التصریح بخطبة المزوجة و المعتدّة رجعیاً، بل لا یجوز التعریض بخطبتها و لو المعلقة علی الطلاق و انتهاء العدّة، کما لا یجوز التصریح بنکاح المعتدّة بعدّة البائن أو المتوفی عنها زوجها، نعم یجوز التعریض بالخطبة للمتوفی عنها زوجها، أما المعتدّة بعدّة البائن ففی جواز التعریض بخطبتها خلاف دون الزوج، فالتصریح بالنکاح یدور

ص:283

جوازه مدار جواز النکاح فی الحال، و أما التعریض به فیدور مدار جواز النکاح و لو مستقبلاً ما لم تکن فی عصمة الغیر، ثمّ إن المخطوبة غیر المعقود علیها أجنبیة فیما عدا جواز النظر فی الابتداء لاختیارها زوجة.(1)

فی حکم إظهار الرغبة بالفعل المحرم تعریضا و تصریحا

(1) و یستدل لمجمل هذه الشقوق بما یلی:

الدلیل الأوّل: قوله تعالی فی المتوفی عنها زوجها و المطلقة: (وَ لا جُناحَ عَلَیْکُمْ فِیما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَکْنَنْتُمْ فِی أَنْفُسِکُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّکُمْ سَتَذْکُرُونَهُنَّ وَ لکِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّکاحِ حَتّی یَبْلُغَ الْکِتابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ یَعْلَمُ ما فِی أَنْفُسِکُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِیمٌ) (1)، فبقرینة ذکر بلوغ الکتاب أجله - أجل العدّة - یظهر عموم مورد الآیة للمطلقات، لا خصوص المتوفی عنها زوجها، کما أن المفهوم من نفی الجناح عن التعریض، ثبوته فی التصریح، کما أن النهی عن المواعدة سرّاً - سواء فسر السر بمعنی النکاح الخفی و المستور أو بالرفث فی الکلام الجنسی الذی یدور بین الزوجین أو الخلوة بها، فإن کلّ ذلک من إظهار الرغبة بالفعل- محرّم، و إذا لم یجز بالمتوفی عنها زوجها، ففی المزوجة و المعتدّة الرجعیة بطریق أولی، لشدّة حرمة الفعل المرغوب فیه حینئذ، لحرمة الفعل فی نفسه و حرمة عرض الغیر، کما أنه یستفاد من مفهوم نفی الجناح عن الإکنان فی النفس فی موردهنّ ثبوته فیما لا یحلّ.

ص:284


1- (1) البقرة: 235.

الدلیل الثانی: یستدل للحرمة بحرمة عرض الغیر بجملة من الصور المتقدّمة، حتی فی الخلیة، لو کان إظهاراً للرغبة فی الفعل المحرم.

الدلیل الثالث: جملة من الروایات التی تقدّمت الإشارة إلیها فی المسألة السابقة.(1)

الدلیل الرابع: قوله تعالی: (مُحْصَناتٍ غَیْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) (2)، (مُحْصِنِینَ غَیْرَ مُسافِحِینَ وَ لا مُتَّخِذِی أَخْدانٍ) (3).

و الخدن و الخدین الصدیق و الصاحب المحدِّث... و لا متخذات أخدان یعنی أن یتخذن أصدقاء، و خدن الجاریة محدّثها، و کانوا فی الجاهلیة لا یمتنعون من خدن یحدّث الجاریة، فجاء الإسلام و هدمه(4)، و الخدین الذی یخادنک فیکون معک فی کلّ أمر ظاهر و باطن.

و قیل: الأخدان هم الأخلاء فی السر؛ لأن الرجل منهم کان یتخذ صدیقة فیزنی بها و المرأة تتخذ صدیقاً فتزنی به، فالمراد النهی عن الزنا سراً و جهراً، و قد یشهد له السیاق فی الآیة المذکورة.

و لا ریب أن المعنی الأوّل الذی ذکره جملة من اللغویین للخدن من موارد الفتنة و الریبة الموجبة للطمع و إثارة الرغبة المحرمة.

مسألة الخلوة بالأجنبیة
هل یختص ذلک بموارد الریبة و الفتنة

إن مسألة الخلوة بالأجنبیة قیدها جملة من أعلام العصر بموارد الریبة و الفتنة و عدم الأمن من الوقوع فی الحرام، و لو کان ذلک الحرام هو النظر

ص:285


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب37.
2- (2) سورة النساء: 25.
3- (3) سورة المائدة: 5.
4- (4) لسان العرب: مادة خدن.

المحرم، و بعضهم قیدها بعدم تیسّر دخول آخر علیهما، و عن القواعد: «و المعتبر من الخلوة المحرمة أن لا یکون معهما ثالث من ذکر أو أنثی بحیث یحتشم جانبه و لو زوجة أخری أو جاریة أو محرم له، و ألحق بعضهم بخلوة الرجل بالمرأة خلوة الاثنین فصاعداً بها دون خلوة الواحد بنسوة و فرّقوا بین الأمرین، بأن استحیاء المرأة من المرأة أکثر من استحیاء الرجل من الرجل، و لا یخلو ذلک من نظر».

و عن القواعد أیضاً فی الخلوة بالمطلقة البائن: «یمنع من السکنی معها إلاّ أن یکون معها من الثقات من یحتشمه الزوج»، و فی المسالک: «هذه المسألة من المهمات و لم یذکرها الأصحاب فی باب النکاح و أشاروا إلیها فی هذا الباب».

الروایات الدالة علی حرمة الخلوة بالمرأة الأجنبیة

1- روایة مسمع أبو سیار عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «فیما أخذ رسول الله(صلی الله علیه و آله) البیعة علی النساء أن لا یحتبین و لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء»(1).

2- روایة موسی بن إبراهیم عن موسی بن جعفر(علیه السلام): «و من کان یؤمن بالله و الیوم الآخر فلا یلبث فی موضع یسمع فیه نفس امرأة لیس له بمحرم»(2).

3- ما رواه الصدوق عن محمد بن علی بن الحسین، بإسناده عن محمد بن الطیار قال: دخلت المدینة و طلبت بیتاً أتکاراه فدخلت داراً فیها بیتان

ص:286


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب99 ح1
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب99 ح2.

بینهما باب و فیه امرأة، فقالت: تکاری هذا البیت؟ قلت: بینهما باب و أنا شاب، فقالت أنا أغلق الباب بینی و بینک فحولت متاعی فیه، و قلت لها: اغلقی الباب، فقالت: یدخل علی منه الروح دعه، فقلت: لا أنا شاب و أنتی شابة اغلقیه، فقالت: اقعد أنت فی بیتک، فلست آتیک و لا أقربک و أبت أن تغلقه، فلقیت أبا عبد الله(علیه السلام) فسألته عن ذلک فقال: «تحول منه فإن الرجل و المرأة إذا خلیا فی بیت کان ثالثهما الشیطان»(1).

4- حسنة سعدان بن مسلم عن أبی عبد الله جعفر بن محمد'، قال: )قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): بینما موسی بن عمران(علیه السلام) جالس إذ أقبل إلیه إبلیس -إلی أن قال- ثمّ قال له: أوصیک بثلاث خصال یا موسی، لا تخلو بامرأة و لا تخلو بک فإنه لا یخلو رجل بامرأة و لا تخلو به إلاّ کنت صاحبه من دون أصحابی»(2)، و مثله روایة جابر عن أبی جعفر(علیه السلام)(3)، و قریب منها حدیث الجعفریات(4).

و المتحصّل من مفاد هذه الروایات هو کون الخلوة موضع افتتان و ریبة فیندرج تحت قاعدة الریبة، لا سیما إذا کان الطرفان شابین و کانت الخلوة ذات انقطاع شدید فتشتدّ و تضعف الفتنة بحسب الملابسات المحیطة، و الظاهر عدم اختصاصها بالاثنین، فیمکن فرضها بخلوة بعض الرجال ببعض النساء مع عدم الحشمة، کما لو کانوا مبتذلین، و یشعر بذلک التعبیر ب- )لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء(.

ص:287


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الإجارة: ب31 ح1.
2- (2) مستدرک الوسائل، المحدث النوری، أبواب مقدمات النکاح: ب78 ح7.
3- (3) المصدر السابق: ح4.
4- (4) المصدر السابق: ح1.

فصل: التزویج حال الإحرام

اشارة

فصل

من المحرمات الأبدیة التزویج حال الإحرام

لا یجوز للمحرم أن یتزوج امرأة محرمة أو محلة، سواء کان بالمباشرة أو بالتوکیل مع إجراء الوکیل العقد حال الإحرام، سواء کان الوکیل محرماً أو محلاً و کانت الوکالة قبل الإحرام أو حاله. و کذا لو کان بإجازة عقد الفضولی الواقع حال الإحرام أو قبله مع کونها حاله، بناء علی النقل، بل علی الکشف الحکمی، بل الأحوط مطلقاً. و لا إشکال فی بطلان النکاح فی الصور المذکورة. و إن کان مع العلم بالحرمة حرمت الزوجة علیه أبداً سواء دخل بها أو لا. و إن کان مع الجهل بها لم تحرم علیه علی الأقوی دخل بها أو لم یدخل، لکن العقد باطل علی أی حال. بل لو کان المباشر للعقد محرماً بطل و إن کان من له العقد محلاً. و لو کان الزوج محلاً و کانت الزوجة محرمة فلا إشکال فی بطلان العقد، لکن هل یوجب الحرمة الأبدیة؟ فیه قولان: الأحوط الحرمة، بل لا یخلو عن قوة. و لا فرق فی البطلان و التحریم الأبدی بین أن یکون الإحرام لحج

ص:288

واجب أو مندوب أو لعمرة واجبة أو مندوبة، و لا فی النکاح بین الدوام و المتعة.(1)

(1) التحقیق:

تعرض الماتن لجملة من الأمور:

الأمر الأول: فی أن التزویج حال الإحرام باطل و موجب للحرمة الأبدیة

و الکلام یقع فی الموضوع، هل هو فیما کان الزوج محرماً، أو یعم ما لو کانت الزوجة کذلک و إن کان الزوج محلاً، أو ما لو کان المباشر للعقد و هو العاقد محرماً، و هل الحرمة تختص الأبدیة بالعلم أو تعم الجهل مع الدخول أو بدونه.

حکی عن المشهور التفصیل بین العلم و الجهل، و عن المرتضی و سلار التعمیم إلی الجهل، و عن الشیخ فی الخلاف و الکافی و الغنیة و السرائر الحرمة الأبدیة فی صورة الدخول و لو مع الجهل، و قال فی المختلف: قال الصدوق فی المقنع: من ملک بضع امرأة و هو محرم قبل أن یحل، فعلیه أن یخلی سبیلها، و لیس نکاحه بشیء ، فإذا أحل خطبها إن شاء، و روی أنه إذا تزوج المحرم امرأة فرق بینهما، إن کان دخل بها، و روی أنه إذا تزوج المحرم فرق بینهما و تحل له أبداً، فهذا هو الحدیث الذی أقصده و أفتی به و هو المعتمد عندی.

أقول ما وقفنا علیه من عبارة المقنع فی کتاب الحج لم یتضمن لفظ و روی؛ و لعله من عبارة العلامة، و یحتمل اختلاف النسخ، لکن الأظهر أنه

ص:289

جمع بین عبارة المقنع و الفقیه، کما سیأتی.

و هل یعم الحکم ما لو کان الزوج محلاً و المرأة محرمة؟

حکی عن الخلاف عموم الحرمة الأبدیة، مدعیاً علیه الإجماع، و عن غیر واحد التصریح بالحلیة، و قد حکی صاحب الجواهر عن بعض أفاضل عصره، کون إحرامها کإحرامه، و یستدل للحرمة بصحیح زرارة بن أعین و داود بن سرحان عن أبی عبد الله(علیه السلام)، أنه قال: )الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبداً، و الذی یتزوج المرأة فی عدتها و هو یعلم، لا تحل له أبداً، و الذی یطلق الطلاق الذی لا تحل له حتی تنکح زوجاً غیره ثلاث مرات و تزوج ثلاث مرات لا تحل له أبداً، و المحرم إذا تزوج و هو یعلم أنه حرام علیه لم تحل له أبداً(1).

و لا یخفی أن ذکر الحرمة الأبدیة بتزویج المحرم حال إحرامه، و هو یعلم و فی سیاق واحد مع تزویج الرجل بذات العدة و هو یعلم، مشعر بتطابق المسألتین فی عموم الأقسام، و فی موثق أدیم بن الحر الخزاعی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )إن المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بینهما و لا یتعاودان أبداً، و التی تتزوج و لها زوج یفرق بینهما و لا یتعاودان أبداً(2)، و فی الوسائل: (و الذی یتزوج المرأة)، و مثله الموثق إلی ابن بکیر عن إبراهیم بن الحسن، و مفاد هذه الموثقة کصحیحة زرارة ظاهرة فی وحدة الحرمة الأبدیة فی تزویج المحرم حال إحرامه و تزویج المرأة ذات البعل، لا سیما و أن فی هذه الموثقة قد أطلق موضوع الحکم فی کل من المسألتین من التقیید بالعلم أو

ص:290


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب31 ج1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب تروک الإحرام: ب15 ج2، التهذیب: ج5 ص329 ح1132.

الدخول، و بعبارة أخری: بغض النظر عن وحدة السیاق، فإن إطلاق موثق أدیم بن الحر یقضی بالحرمة فی جمیع الأقسام، سواء مع العلم من أحد الطرفین أو من کلا الطرفین أو مع الجهل من الطرفین، و سواء مع الدخول أو بدونه، کما أن عنوان المحرم کما هو مستعمل فی أبواب التروک، جنس ینطبق علی الرجل و المرأة، لا سیما بقرینة نسخة الروایة فی التهذیب المطبوع، حیث أن الحرمة الأبدیة فی ذات البعل سواء فیها التزویج من المرأة أو من الرجل مع علم کل منها أو جهلهما مع الدخول.

و ربما یقال بتقیید صحیحة زرارة و داود بن سرحان، لإطلاق موثقة أدیم، لأن الأصل فی القیود أن تکون احترازیة، و إلا لکانت لغواً، لا سیما مع وجود صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: )قضی أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی رجل ملک بضع امرأة و هو محرم قبل أن یحل فقضی أن یخلی سبیلها و لم یجعل نکاحه شیئاً حتی یحل، فإذا أحل خطبها إن شاء، و إن شاء أهلها زوجوه و إن شاءوا لم یزوجوه(1)، و هی مطلقة و نافیة للحرمة الأبدیة و إن کان النکاح باطلاً، فالجمع بین الإطلاقین المتنافیین بالخاص المقید لإطلاق عدم الحرمة فی صحیح محمد بن قیس، فتنقلب النسبة بینه و بین موثق أدیم، فیخصص بمن أقدم علی ذلک و هو یعلم، فتخص الحرمة الأبدیة المطلقة فی موثق أدیم بمن یعلم.

إلا أنه قد یتنظر فی هذا الجمع، بأن الإطلاق فی صحیحة محمد بن قیس قد یتأمل فیه، لأنه حکایة عن فعل و إن کان حکایة الباقر(علیه السلام) لها ظاهرة فی الإطلاق، مع التأمل فی حمل الإطلاق فی موثق أدیم علی صحیح زرارة؛

ص:291


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب تروک الإحرام: ب15 ج3.

و ذلک لأن کلاً منهما مثبت، مع أن الحکم استغراقی، فلا تجری قاعدة احترازیة القیود، و المخصوص بالحکم البدلی صرف الوجود، لا سیما و أن القید هنا لا یکون لغواً، بل یکون هو أحد سببی الحرمة الأبدیة، إما العلم أو الدخول علی القول بالجمع الآخر الذی ذهب إلیه الشیخ، فاللغویة علی التسلیم بها لا یتعین بها نحو دخالة القید، لا سیما و أن کلاً من صحیحة زرارة و موثق أدیم قد اشتمل علی وحدة سیاق و وحدة تعبیر بین مسألة نکاح المعتدة و نکاح المحرم، إلا أنه فی صحیح زرارة قید الموضوع فی کلا المسألتین بالعلم، و فی موثق أدیم أطلق الموضوع فی کلا المسألتین، فهذا التوحید فی السیاق و التعبیر تقییداً أو إطلاقاً یومئ إلی وحدة نمط التقیید فی موضوع المسألتین، و أن الموضوع فی کل من المسألتین مُنزّل منزلة الأخری، أی إما العلم أو الدخول.

و یعضد هذا التنزیل ما فی عبارة الفقیه بعد ما ذکر روایة مرسلة مطلقة فی الحرمة الأبدیة قال: (و فی روایة سماعة: لها المهر إن کان دخل بها)(1)، و ظاهر سیاق کلامه أن موثقة سماعة قد تضمنت کلاً من الحرمة الأبدیة و ثبوت المهر مع الدخول، و ظاهر العلامة فی المختلف حسب ما مر فیما حکی من عبارة الصدوق أنه استظهر ذلک من روایة سماعة.

نعم روی الکلینی و الشیخ موثقة سماعة عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )لا ینبغی للرجل الحلال أن یزوج محرماً و هو یعلم أنه لا یحل له، قلت: فإن فعل فدخل بها المحرم؟ فقال: إن کانا عالمین فإن علی کل واحد منهما بدنة، و علی المرأة إن کانت محرمة بدنة، و إن لم تکن محرمة فلا شیء علیها،

ص:292


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب تروک الإحرام: ب15 ج4، من لا یحضره الفقیه: ج2 ص361-362.

إلا أن تکون قد علمت أن الذی تزوجها محرم، فإن کانت علمت ثمّ تزوجته فعلیها بدنة(1).

لکن الظاهر أن هذه الموثقة مغایرة للتی رواها الصدوق، لأنها تضمنت بیان حکم الکفارة من دون تعرضها للحرمة الأبدیة و لا التفریق بینهما، نعم قد تضمنت تشقیق فروض المسألة إلی کل من علم الزوجین أو جهلهما أو جهل أحدهما.

فتحصل: أن الاحتیاط بالحرمة الأبدیة متعین مع الدخول إن لم یکن أظهر. لا سیما مع ما قیل من أن التعبیر ب-(یفرق بینهما) الوارد فی موثق أدیم و موثق ابن بکیر عن إبراهیم بن الحسن لیس مطلق، بل دلالته الخاصة بمورد المباشرة الجنسیة، لأن التفریق الخارجی إنما ورد علی الزوجین الذین اقترنا و تلابسا بممارسة علقة الزوجیة خارجاً و هو غالباً ما یصاحب الدخول إلا فی الحالات النادرة، بخلاف التعبیر الوارد فی الروایات الأخری ک-(بطل النکاح) أو (لا تحل له أبداً) فإنه نظیر التعبیر بالانفساخ المشیر إلی مجرد حل عقدة الزواج، لا الإبانة الخارجیة الطارئة علی الملابسة.

و أما الروایات المتعرضة لمجرد البطلان فهی مستفیضة و مطلقة لکافة الشقوق، کصحیحة ابن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )لیس للمحرم أن یتزوج و لا یزوج و إن تزوج أو زوج محلاً فتزویجه باطل(2)، و مثله صحیح أبی الصباح الکنانی قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن محرم یتزوج، قال: )نکاحه

ص:293


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب تروک الإحرام: ب14 ح10.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ترک الإحرام: ب14 ح1 - 6.

باطل(1) و مثله الموثق إلی الحسن بن علی عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(2) إلا أن التعبیر فیه بلفظ مادة النکاح بدل التزویج، و مثله صحیح معاویة بن عمار.

الأمر الثانی: فی عموم البطلان و الحرمة الأبدیة

کما لو کان الزوج محلاً و المرأة محرمة.

و یدل علیه جملة من القرائن:

منها: ما استظهره الأصحاب من العموم فی أدلة البطلان لهذه الصورة، مع أن الوارد فی أدلة البطلان عنوان المحرم، بل هذا الظهور هو المعول علیه فی جملة أدلة تروک الإحرام، إلا ما خرج بالدلیل، کأن یکون الفعل مختصاً بالرجال دون النساء.

و دعوی اختصاص التزویج بالرجل دون المرأة، یدفعها أن الإیجاب فی عقد النکاح من المرأة، و أن عقد الزواج أحد ماهیته هو الاقتران، و هی ماهیة متشابهة الطرفین، کما فی التضایف.

و منها: تسویة المسألة فی المقام مع مسألة التزویج بذات العدة، فی لسان الروایات و العموم مفروغ عنه فی ذات العدة فی جانب العلم من أحد الطرفین أو الدخول.

و منها: ما ورد فی روایات الکفارة فی المسألة، فإنه قد نص فی مثل موثقة سماعة المتقدمة علی ملاحظة جملة الشقوق فی المسألة.

ص:294


1- (1) المصدر السابق: ح3.
2- (2) المصدر السابق: ح7.
الأمر الثالث: شمول الحکم للنکاح الدائم و المؤقت و کذا لکل نسک

إذ أن مقتضی إطلاق الأدلة هو عموم الحکم لکل نسک و لکل من نکاح الدوام و المتعة.

الأمر الرابع: فی شمول الحکم لتزویج المحرم بالعقد الفضولی

الظاهر عموم الحکم لما لو کان تزویج المحرم بإجازته لعقد الفضولی الواقع حال الإحرام أو قبل الإحرام مع کون الإجازة حال الإحرام، سواء بنینا علی النقل أو علی الکشف بالانقلاب و الکشف البرزخی، و ذلک لأنه یراعی کل من وقت العقد و وقت الإجازة فی هذه الأقسام من الکشف، و کذلک علی القول بالنقل، فإنه علی الکشف البرزخی أو بالانقلاب المجاز هو العقد الواقع فی زمنه و الإجازة تتعلق به بما له من مبدأ زمنی و وقوع خارجی، فمن ثمّ یراعی وقته، هذا من جانب، و من جانب آخر فلأن للإجازة شأن فی تحقیق نسبة العقد إلی العاقد و هی نسبة الصدور و الإیجاد و التسبیب، و هذه النسبة لا تتحقق زمناً إلا فی وقت الإجازة، فیراعی وقتها أیضاً و تکون المحصلة تصحیح العقد السابق بما له من فرض وقوع زمنی کزمن للمعتبر، إلا أن زمان الاعتبار هو من حین الإجازة فزمن الاعتبار یغایر زمن المعتبر، إلا أن کلاً من الطرفین ملحوظان، نعم علی القول بالنقل و فرض العقد حال الإحرام دون الإجازة قد یتأمل فی البطلان حینئذٍ.

و بعبارة أخری: إن وقوع أحد الأمرین حال الإحرام إما العقد و إما الإجازة یوجب البطلان علی القول بالکشف الحکمی؛ لأنه فی الکشف الحکمی و إن روعی وقت الإجازة إلا أن الآثار یلحظ فیها وقت العقد، فیکون کل من الوقتین مراعی، و أما علی الکشف بالانقلاب أو الکشف البرزخی فلأن کلاً من وقت العقد یؤخذ بعین الاعتبار و هو زمن المعتبر و کذلک زمن

ص:295

استناد العقد إلی العاقد بسبب الإجازة، و هو من الاعتبار أیضاً و یؤخذ بعین الاعتبار، لأن کلاً من العقد و الاستناد من الرضا للعاقد رکنین فی الصحة و اللزوم، و کذلک الحال علی القول بالنقل حیث أن فی النقل یکون العقد بمنزلة الإیجاب و الإجازة بمنزلة القبول، و بالتالی فزمن کل من الإیجاب و القبول مأخوذ بعین الاعتبار.

نعم لو بنی علی الاعتداد بزمن المسبب دون زمن السبب، لأشکل فی البطلان علی القول بالنقل فی صورة وقوع العقد فی حال الإحرام و وقوع الإجازة بعد الإحرام فیشکل البطلان.

و أما علی القول بالکشف الحقیقی فیبطل فیما لو کان العقد حال الإحرام و إن وقعت الإجازة خارج أو بعد الإحرام.

أما لو کان العقد قبل الإحرام و الإجازة حال الإحرام فیشکل البطلان، و ذلک لأنه علی القول بالکشف الحقیقی لا دخالة للإجازة ثبوتاً و إنما تتمحض فی الکشف إثباتاً، فتقریب البطلان فی هذه الصورة علی القول المزبور بدعوی دخالة التسبیب و الاستناد خلف القول المزبور.

نعم قد یقرب البطلان بدعوی دلالة ما ورد من حرمة تحمل المحرم للشهادة و الإشهاد علی النکاح، بأنه یدعم شمول أدلة البطلان لهذه الصورة بسبب کون الإجازة کاشفة و لو إثباتاً.

ص:296

(مسألة 1): لو تزوج فی حال الإحرام مع العلم بالحکم، لکن کان غافلاً عن کونه محرماً أو ناسیاً له فلا إشکال فی بطلانه، لکن فی کونه محرماً أبداً إشکال و الأحوط ذلک.(1)

(مسألة 2): لا یلحق وط ء زوجته الدائمة أو المنقطعة حال الإحرام بالتزویج فی التحریم الأبدی، فلا یوجبه و إن کان مع العلم بالحرمة و العقد.(2)

حکم العالم بالحرمة مع الغفلة عن إحرامه

(1) التحقیق:

أما البطلان، فلعموم أدلة البطلان للجاهلین کما مرّ.

و أما الحرمة الأبدیة، فالظاهر عدم ترتبها؛ و ذلک لکون التعبیر الوارد فی صحیح زرارة ظاهر فی العلم بکل من الصغری و الکبری و النتیجة أی بالحکم الجزئی، لقوله(علیه السلام): و هو یعلم أنه حرام علیه، مضافاً إلی وحدة التعبیر و السیاق فی أخذ العلم فی مسألة المقام و مسألة ذات العدة، و العلم المأخوذ فی الحرمة الأبدیة فی التزویج بذات العدة قد مر ثمة أنه مأخوذ بکل من الحکم و الموضوع.

حکم وطی الزوجة حال الإحرام

(2) التحقیق:

و ذلک لعدم تناول الأدلة له.

إن قلت: إن عنوان التزویج قد مر فی مسألة العقد بذات البعل و إلحاق

ص:297

الزنا بالعقد علیها أن العقد کنایة عن الوط ء، فالمفروض فی المقام کذلک أیضاً، و أن موضوع الحرمة یدور مدار الوط ء لا العقد فقط، و علی ضوء ذلک، فلا بد من الالتزام بالحرمة الأبدیة إذا زنا المحرم بأجنبیة محلة أو کان هو محلاً و المرأة محرمة.

قلت: أما وطئ الزوجة فیمکن التمسک لعدم الحرمة الأبدیة بقاعدة: أن الحرام لا یحرم الحلال، التی مرت الإشارة إلیها، مضافاً إلی خصوص ما ورد فی روایات الحج فی تروک الإحرام، من فرض الروایات بقاء الزوجین علی الزوجیة، غایة الأمر أنهما یفترقان عن التصاحب فی بقیة أعمال الحج الذی أفسد، و کذلک فی الحج فی العام القابل إلی حین موضع الخطیئة.

و أما وط ء الأجنبیة حال الإحرام فی أحد الطرفین فقد یستأنس للحرمة الأبدیة مضافاً إلی کون التزویج کنایة عن الوط ء بالتنزیل المستظهر من وحدة مسألة المقام مع مسألة التزویج بذات العدة، حیث عمم المشهور و ألحق مطلق الوط ء للمعتدة و ذات البعل بالتزویج بهما فکذلک فی المقام، مستندین فی ذلک إلی کون التعبیر الوارد فی الأدلة کنایة عن الوط ء، لا سیما و أن جملة من المتقدمین قد عمموا موضوع الحرمة الأبدیة بکل من العقد مع العلم أو بالدخول، و هو نظیر الحکم فی المعتدة و ذات البعل.

و بما ورد فی روایة الحکم بن عتیبة، قال: )سأل أبا جعفر(علیه السلام) عن محرم تزوج امرأة فی عدتها، قال: یفرق بینهما و لا تحل له أبداً(1).

بتقریب أن کون العقد فاسداً من جهة کونها معتدة، کما أنه فاسد أیضاً من جهة کونه محرماً، فالتحریم المقرر بسبب الوط ء کما هو أحد موردی

ص:298


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب17 ج15.

(مسألة 3): لو تزوج فی حال الإحرام و لکن کان باطلاً من غیر جهة الإحرام - کتزویج أخت الزوجة، أو الخامسة - هل یوجب التحریم أو لا؟ الظاهر ذلک لصدق التزویج فیشمله الأخبار. نعم لو کان بطلانه لفقد بعض الأرکان بحیث لا یصدق علیه التزویج لم یوجب.(1)

الروایة، کما یصلح کونها معتدة سبباً کذلک یصلح کونه محرماً سبباً بعد ورود الأدلة بکون کل منهما سبباً للتحریم علی نسق واحد، هذا بضمیمة البناء علی أن التزویج المحرم المأخوذ فی الأدلة هو غیر الفاسد من جهة أخری.

ثمّ إنه قد یدعم لتسویة الوط ء بالزنا الوط ء بالعقد تصریح المشهور من المتقدمین و جملة من المتأخرین بأن الزنا ینشر تحریم المصاهرة مثل الوط ء بالعقد علی قول أکثر أصحابنا، کما صرح بذلک فی المبسوط (1).

و ظاهر المشهور أن کل مورد التزم فیه بالتحریم بسبب الوط ء بالعقد یلتزمون بالحرمة أیضاً فی حال الزنا، و من ثمّ ذکروها کقاعدة فی باب المصاهرة، و هی إشارة إلی کون التزویج الوارد فی الأدلة لا یقتصر فیه علی العقد، بل علی مطلق الوط ء. فالاحتیاط متعین.

حکم بطلان التزویج حال الإحرام لجهة أخری

(1) التحقیق:

قد تقدم فی المسألة الأولی من فصل التزویج بالمعتدة أن الأظهر هو عموم الأدلة للعقد الفاسد من جهة أخری ما دام الصدق متحققاً، و ذلک

ص:299


1- (1) الشیخ الطوسی، المبسوط: ج4 ص202

(مسألة 4): لو شک فی أن تزویجه هل کان فی الإحرام أو قبله بنی علی عدم کونه فیه. بل و کذا لو شک فی أنه کان فی حال الإحرام أو بعده علی إشکال. و حینئذ فلو اختلف الزوجان فی وقوعه حاله أو حال الإحلال سابقاً أو لاحقاً قدم قول من یدعی الصحة، من غیر فرق بین جهل التاریخین أو العلم بتاریخ أحدهما. نعم لو کان محرماً و شک فی أنه أحل من إحرامه أم لا، لا یجوز له التزویج. فإن تزوج مع ذلک بطل و حرمت علیه أبداً، کما هو مقتضی استصحاب بقاء الإحرام.(1)

لطبیعة الظهور الأولی فی الأدلة الناهیة عن العقود المبطلة لها فی أخذ العقد بما له من وجود عرفی لا بما له من وجود شرعی، نظیر أدلة العدة الشرعیة فإنها آخذة للمعاملة بما لها من وجود عرفی لا بما لها من وجود شرعی، و إلا لکان تحصیلاً للحاصل، و یؤید العموم ما مر من روایة الحکم بن عیینة التی مرت فی المسألة السابقة.

حکم الشک فی التزویج فی کونه حال الإحرام أو قبله

(1) التحقیق:

تعرض الماتن للشک تارة بعد مضی العقد و الفراغ منه و تارة للشک فی الأثناء و هی الصورة الأخیرة فی المتن، أما الشک بعد الفراغ فتجری أصالة الصحة فی کل الشقوق، سواء کان الشک من جهة وقوع العقد قبل الإحرام أو حاله أو کان الشک فی وقوع العقد بعد الإحرام أو حال الإحرام، و سواء جهل التاریخین أو علم بأحدهما، کل ذلک بجریان أصالة الصحة فی کل هذه

ص:300

(مسألة 5): إذا تزوج حال الإحرام عالماً بالحکم و الموضوع ثمّ انکشف فساد إحرامه صح العقد، و لم یوجب الحرمة. نعم لو کان إحرامه صحیحاً فأفسده ثمّ تزوج، ففیه وجهان : من أنه قد فسد و من معاملته معاملة الصحیح فی جمیع أحکامه.(1)

الشقوق و تقدمها علی الأصل المنافی لها، فضلاً عما لو کان الأصل موافقاً، هذا مع أن الأصل فی الصورة الأولی الجاری موافق لها، أی فی صورة العلم بالتزویج و الجهل بتاریخ الإحرام، و أما فی الصورة الثانیة، ففی فرض العلم بتاریخ العقد و الجهل بتاریخ الإحرام، فمقتضی الأصل و إن کان الفساد، إلا أن أصالة صحة المعقد مقدمة.

أما الشک فی الأثناء فلیس هو مجری لأصالة الصحة، لاختصاصها بموارد الفراغ من العمل، و حینئذ فإن کان للإحرام حالة سابقة فیستصحب بقاءه و یبطل العقد، و لو کان شاکّاً فی أصل الإحرام فیستصحب بقاء الإحرام.

و أما لو لم تکن حالة سابقة للإحرام فیستصحب عدم الإحرام، و منه یظهر الحال فی تنازع الزوجین فی کون العقد حال الإحرام أو فی غیر حاله.

إذا تزوج حال الإحرام عالما بالحکم و الموضوع

(1) التحقیق:

المدار فی البطلان و الحرمة الأبدیة علی وقوع العقد حال الإحرام، لا علی تخیل ذلک، و من ثمّ لو کان جاهلاً به و حصل الوط ء، لأوجب کل من الحکمین، و أما فی موارد إفساد النسک من الحج أو العمرة بالجماع أو بترک

ص:301

(مسألة 6): یجوز للمحرم الرجوع فی الطلاق فی العدة الرجعیة، و کذا تملک الإماء.(1)

ما هو رکن فیه فالصحیح هو بقاء الإحرام، لأن الإحرام حالة مسببة من النسک و لو بعمرة مفردة و إن بطل النسک الذی دخل به. هذا مع أن الأقوی فی الإفساد بالجماع أنه لیس إفساداً بمعنی بطلان الحج و العمرة، بل هو بمعنی فساد کماله و نقص ملاکه، و من ثمّ یجب علیه إتمام کل من الحج و العمرة، کما أشرنا إلی ذلک فی الروایات الواردة فی فساد العمرة.

جواز رجوع المحرم فی العدة الرجعیة

(1) التحقیق:

و ذلک لأن الرجوع لیس إنشاءً للعقد من جدید، بل هو ممانعة و فسخ للطلاق فی غالب آثاره؛ لأن الرجعیة هی زوجة حقیقیة، کما یشیر لذلک قوله تعالی: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) (1)، و قوله تعالی: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (2)، حیث أطلقت علی الرجل )البعل( فی الآیة الأولی و هو الزوج مع أنه فی العدة الرجعیة.

و أما تملک الإماء، فکذلک هو خارج عن موضوع الأدلة ما دام مجرداً عن الوط ء، و یدل علیه بالخصوص صحیحة سعد بن سعد عن أبی الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: )سألته عن المحرم یشتری الجواری و یبیعها؟ قال: نعم(3).

ص:302


1- (1) البقرة: 228.
2- (2) الطلاق: 2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب تروک الإحرام.

(مسألة 7): یجوز للمحرم أن یوکل محلاً فی أن یزوجه بعد إحلاله، و کذا یجوز له أن یوکل محرماً فی أن یزوجه بعد إحلالهما.(1)

(مسألة 8): لو زوجه فضولی فی حال إحرامه لم یجز له إجازته فی حال إحرامه. و هل له ذلک بعد إحلاله؟ الأحوط العدم و لو علی القول بالنقل. هذا، إذا کان الفضولی محلاً، و إلا فعقده باطل لا یقبل الإجازة و لو کان المعقود له محلاً.(2)

جواز توکیل المحرم بعد الاحلال

(1) التحقیق:

و ذلک لأن التوکیل لیس متسبباً بالفعل، لعدم کون العقد الموکل فیه متحققاً بالفعل حال الإحرام، بل هو إعداد الانتساب المستقبلی للعقد اللاحق خارج الإحرام، فافترق التوکیل عن إجازة عقد الفضولی، لأن فی الإجازة مع وقوعها حال الإحرام تسبیباً فعلیاً.

کما لا یقاس توکیل المحرم بأن یکون وکیلاً فی التزویج بعد الإحلال بإشهاد المحرم علی الزواج الفعلی، ثمّ إن هذا الحال لا یفترق فیما إذا کان متعلق الوکالة مقیداً فیما بعد الإحرام أو مطلقاً أو شاملاً لما بعد الإحرام، فإنها تصح بمقدار ما بعد الإحرام أیضاً.

لو زوجه فضولی فی حال إحرامه

(2) التحقیق:

قد تعرض الماتن لعدة صور و تقدم الکلام فی جملة منها:

ص:303

فالصورة الأولی فی المتن واضحة الاندراج فی أدلة البطلان.

و أما الصورة الثانیة فی المتن، فالأقوی کما مر اندراجها فی أدلة البطلان أیضاً سواء علی أقسام الکشف أو النقل، أما علی النقل، فلأن الإجازة و إن کانت مؤثرة فی إیجاد المسبب من حین وجودها، إلا أنها لیست منفردة فی عمادة السبب و محوریته، إذ إنشاء العقد من الفضولی رکن فی السبب أیضاً، و إن لم یکن تمام السبب، و من ثمّ یشکل علی بعض المحشین، الذین أشکلوا علی ما قرر الماتن فی حکمه بالبطلان فی الصورة الثالثة، و هی ما لو کان الفضولی محرماً و عقد حال الإحرام و کان المعقود له محلاً.

و بعبارة أخری: إن تصریح الأدلة بأن المحرم لا یعقد لغیره أی لا یزوِّج، هو تعمیم للمنع، کما لو کان المحرم یوجد أحد رکنی السبب، و کذا الحال فیما لو کان أحد طرفی العقد محرماً، فإن الذی یصدر منه أحد رکنی السبب، لا تمامه، فالأظهر شمول الأدلة لذلک، بل هی کالمصرحة به.

ص:304

فصل: فی المحرمات بالمصاهرة

اشارة

فصل

فی المحرمات بالمصاهرة

و هی علاقة بین أحد الطرفین مع أقرباء الآخر تحدث بالزوجیة، أو الملک عیناً أو انتفاعاً بالتحلیل، أو الوط ء شبهة أو زناء، أو النظر و اللمس فی صورة مخصوصة.

(مسألة 1): تحرم زوجة کل من الأب و الابن علی الآخر فصاعداً فی الأول و نازلاً فی الثانی - نسباً أو رضاعاً دواماً أو متعة - بمجرد العقد و إن لم یکن دخل. و لا فرق فی الزوجین و الأب و الابن و بین الحر و المملوک.(1) -

(1) التحقیق:

عدم الخلاف فی شقوق المسألة

لم یحک الخلاف فی شقوق المسألة، و یدل علیه قوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ) و کذا قوله تعالی: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ وَ أَخَواتُکُمْ وَ عَمّاتُکُمْ وَ خالاتُکُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُکُمُ اللاّتِی أَرْضَعْنَکُمْ وَ أَخَواتُکُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِکُمْ وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِکُمُ الَّذِینَ مِنْ أَصْلابِکُمْ) .

ص:305

و کذا النصوص، کصحیح محمد بن مسلم عن أحدهما أنه قال: )لو لم تحرم علی الناس أزواج النبی(صلی الله علیه و آله) لقول الله عز و جل: (وَ ما کانَ لَکُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْکِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) حرمن علی الحسن و الحسین بقول الله عز و جل: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ) و لا یصلح للرجل أن ینکح امرأة جده(1)، و هذه الصحیحة نص فی شمول عنوان الآباء لما لو کانوا من طرف الأم، کما هو مقتضی إطلاق العنوان لغة أیضاً.

و فی موثقة زرارة قال: قال: أبو جعفر(علیه السلام) فی حدیث: )إذا تزوج الرجل امرأة تزویجاً حلالاً، فلا تحل تلک المرأة لأبیه و لا لابنه(2)، و فی صحیح یونس بن یعقوب قال: قلت لأبی إبراهیم موسی(علیه السلام): رجل تزوج امرأة فمات قبل أن یدخل بها، أ تحل لابنه؟ فقال: )إنهم یکرهونه لأنه ملک العقدة(3)، و هذه الروایة صریحة فی التحریم بمجرد العقد، کما هو مقتضی إطلاق لفظ عنوان النکاح فی الآیة، و قد تقدم عموم عنوان النکاح لکل من التزویج المجرد و للوطی.

مضافاً إلی عموم عنوان الحلیة الوارد فی زوجة الابن فی الآیة، و النکاح مطلق لکل من الدوام و المتعة.

و أما عموم الحکم للرضاع؛ فلمقتضی عموم قاعدة التنزیل فی الرضاع منزلة النسب لما لو کان النسب جزء الموضوع، فی قبال ما لو کان من لوازم النسب.

ص:306


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب2 ح1.
2- (2) المصدر السابق: ح2.
3- (3) المصدر السابق: ح90.

(مسألة 2): لا تحرم مملوکة الأب علی الابن و بالعکس مع عدم الدخول و عدم اللمس و النظر، و تحرم مع الدخول أو أحد الأمرین إذا کان بشهوة. و کذا لا تحرم المحللة لأحدهما علی الآخر إذا لم تکن مدخولة.(1)

و أما عنوان المملوک فلا یعدم موضوع الحرمة المکون من عنوان الأب أو الابن و الزوجیة.

حکم المملوکة المنظورة و الملموسة بشهوة

(1) التحقیق:

عن مشهور المتقدمین تحریم المنظورة و الملموسة إذا کانت بشهوة، و عن ابن إدریس و الفاضلین الجواز مطلقاً، و عن ابن زهرة فی الغنیة نفی الخلاف عن تحریم منظورة الأب علی الابن، و عن المفید و الشهید فی اللمعة عدم تحریم منظورة الابن، مع استظهاره لتوقف ابن سلار فی هذه الصورة، و عن الخلاف و معقد إجماعه، تحقق المصاهرة الموجبة لنشر الحرمة فی النظر و اللمس لو وقعا حلالاً أو بشبهة دون المحرمین منهما، و ذهب صاحب الجواهر إلی أن المملوکة لو حصل النظر و اللمس المحرم لها و لو کانت مزوجة لم ینشر الحرمة، و ذکر فی الجواهر أن المعروف بین الأصحاب قصر النظر و اللمس علی الأمة المملوکة دون الأمة الزوجة، فضلاً عن الحرة، و استظهر فی الجواهر المفروغیة عندهم من لزوم الدخول فی الأم فی تحریم بنت الزوجة، سواء حرة کانت أم أمة، و قال فی الشرائع: و أما النظر و اللمس

ص:307

فما یسوغ لغیر المالک کنظر الوجه و لمس الکف لا ینشر الحرمة، و ما لا یسوغ لغیر المالک کنظر الفرج و القبلة و لمس باطن الجسد بشهوة، فیه تردد أظهره أنه یثمر الکراهیة، و من نشر به الحرمة، قصر التحریم علی أبی اللامس و الناظر و ابنه خاصة، دون أم المنظورة و الملموسة و بنتیهما، و استظهر صاحب الجواهر أن ذکر الولد فی التحریم بالنظر و اللمس للتمثیل به لسببیتهما کسببیته للمصاهرة فی نشر الحرمة، فلا یقتصر علی الولد، بل یعم الأب و الأم و البنت، لکن کمتممین للسببیة الناقصة للتزویج و الملک دون الحرام.

و قال الشیخ الطوسی فی المبسوط: و أما الکلام فی المباشرة من غیر إیلاج فی الفرج کالقبلة و اللمس بشهوة و الوط ء فیما دون الفرج، فإن کان بغیر شهوة لم یتعلق به تحریم المصاهرة بحال بلا خلاف، و إن کان بشهوة، فهو ثلاثة أضرب، کما قسمت الجماع: مباح و محضور صریح و محضور بشبهة، فإن کان محظوراً مثل أن قبل امرأة الغیر أو أمة الغیر بشهوة و غیر شهوة فإنه لا یتعلق به تحریم مصاهرة، و لا ثبوت حرمة.

و إن کان مباحاً أو محظوراً بشبهة المباح فی زوجة أو ملک یمین، فهل ینشر تحریم المصاهرة؟ قیل: فیه قولان، أحدهما و هو الصحیح یحرم أمها و أمهاتها و بنتها و بنات بنتها، و هو قول أکثر أهل العلم، و قال قوم: لا یثبت به تحریم المصاهرة، و أما النظر إلی فرجها فإنه یتعلق به تحریم المصاهرة عندنا و عند کثیر منهم، و قال قوم لا یتعلق به التحریم(1).

و لعله یستظهر من عبارته أن النظر إلی فرج الأجنبیة، و إن لم تکن زوجة أو مملوکة یوجب التحریم مطلقاً، سواء کان مباحاً بشبهة أو محظوراً فی قبال

ص:308


1- (1) الشیخ الطوسی، المبسوط: ج4 ص209.

المباشرة بالقبلة و نحوها، فإن الناشر للحرمة منه هو خصوص ما کان مباحاً أو بشبهة دون ما کان محظوراً صحیحاً.

قال فی الجواهر: ربما زاد بعضهم فیما حکی عنه، فخرج بناءً علی تحقق حکم المصاهرة بالزنا السابق أن النظر و اللمس المذکورین إذا حصلا فی الأجنبیة نشرا حکم المصاهرة کالزنا، مدعیاً ظهور النصوص المزبورة فی کونهما یقومان مقام الجماع و أنهما مثله مؤیداً له بالنبویین المزبورین، إلا أنه قول غیر معروف القائل، کما اعترف به فی المسالک.

و قال ابن زهرة: و تحرم علی الابن زوجة الأب و أمته المنظور إلیها بشهوة، بلا خلاف بین أصحابنا، و علی الأب زوجة الابن أیضاً و أمته المنظور إلیها بشهوة، و من أصحابنا من قال: الموطوءة، و الأول أحوط، و اقتصر الشیخ المفید و أبی الصلاح علی تحریم منظورة الأب المملوکة علی الابن دون العکس.

و ظاهر الکتاب، کون التحریم بالمصاهرة هو بواسطة الوط ء دون النظر و اللمس، کما فی قوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِیلاً * حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ وَ أَخَواتُکُمْ وَ عَمّاتُکُمْ وَ خالاتُکُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُکُمُ اللاّتِی أَرْضَعْنَکُمْ وَ أَخَواتُکُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِکُمْ وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِکُمُ الَّذِینَ مِنْ أَصْلابِکُمْ) (1).

فظاهر الآیة أن تحریم الأم و البنت من الزوجة أو المنکوحة و التحریم علی الأب و الابن هو فی الحلیلة بمعنی الزوجیة أو من حل وطؤها دون من

ص:309


1- (1) النساء: 21 - 23.

حرم و دون المباشرة أو النظر، هذا بحسب القیود التی أخذت فی الآیة، و المفهوم من احترازیة القیود أو المصرح به، و لکنه غیر آب عن التخصیص.

و أما الروایات، فهی علی ألسن:

منها: ما قد یستدل بإطلاقها علی التحریم، کصحیح الکاهلی عن أبی عبد الله(علیه السلام) فی حدیث قال: )سألته عن رجل تکون له جاریة فیضع أبوه یده علیها من شهوة أو ینظر إلی محرم من شهوة فکره أن یمسها ابنه(1).

فإن مقتضی ظهور الکراهة فی استعمال الروایات هو الحرمة ما لم یصرف عنه لصارف، و موردها غیر المملوکة للامس و الناظر و إن کانت مملوکة لابنه، إلا أن یقال إن للأب أن ینتفع من جاریة ابنه بأن یتملکها أو یستفیدها مع حاجته.

و صحیح محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )إذا جرد الرجل الجاریة و وضع یده علیها فلا تحل لابنه(2).

بتقریب أن الموضوع قد أخذ فیه مطلق الجاریة، سواء کانت مملوکة له أو محللة أو محرمة علیه، کما أن ذکر التحریم علی الابن و الولد من باب المثال للمحرمات بالمصاهرة.

و صحیح عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی الرجل تکون عنده الجاریة یجردها و ینظر إلی جسدها نظر شهوة هل تحل لأبیه؟ و إن فعل أبوه هل تحل لابنه؟ قال: إذا نظر إلیها نظر شهوة و نظر منها إلی ما یحرم علی

ص:310


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب3 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب3 ح4.

غیره لم تحل لابنه و إن فعل ذلک الابن لم تحل للأب(1).

بتقریب أن قوله(علیه السلام): (عنده الجاریة) شامل للمملوکة للناظر و اللامس و المحللة، بل و للشبهة، کما لو کان بیعها فاسداً و لم یعلم بفساده، بل قد یقال بشموله لما لو کان بغیر شبهة فإنه یصدق علیه لغة عنوان (عنده)، و إن کان بحسب استعمال العرف منصرف عنه.

و صحیح جمیل بن دراج، قال: )قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): الرجل ینظر إلی الجاریة و یرید شراءها أ تحل لابنه؟ قال: نعم إلا أن یکون نظر إلی عورتها(2).

و مورد الروایة غیر المملوکة للناظر و لا المحللة، نعم اقتصر فی التحریم فیها علی نظر العورة، و إطلاقها یفید ما تقدم استظهاره من عبارة الشیخ فی المبسوط، من تحریم النظر إلی العورة مطلقاً، سواء کان مباحاً أو بشبهة أو محرماً.

لا أن یقال: إن الاستثناء منقطع، و ذلک لأن النظر للعورة إنما یقع فی الأمة إذا اشتریت، و فی صحیح محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال: سألته عن رجل تزوج امرأة فنظر إلی رأسها و إلی بعض جسدها أ یتزوج ابنتها؟ قال: )لا إذا رأی منها ما یحرم علی غیره فلیس له أن یتزوج ابنتها(3). و مثلها روایة أبی الربیع الشامی و صحیح محمد بن مسلم الأخری(4)، بتقریب أنها دالة علی أن النظر إلی الزوجة کالدخول و الوط ء فی تحریم بنتها،

ص:311


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب3 ح6.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب3 ح3.
3- (3) المصدر السابق: ب9 ح1.
4- (4) المصدر السابق: ب19 ح2.

و صحیح الفضلاء، قالوا: سمعنا أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: فی الرجل تکون له الجاریة أ فتحل لابنه؟ فقال: )ما لم یکن جماع أو مباشرة کالجماع فلا بأس(1).

و صحیحة محمد بن إسماعیل، قال: )سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الرجل تکون له الجاریة فیقبلها هل تحل لولده؟ قال: بشهوة؟ قلت: نعم، قال: ما ترک شیئاً إذا قبلها بشهوة، ثمّ قال ابتداءً منه، إن جردها و نظر إلیها بشهوة حرمت علی أبیه و ابنه، قلت إذا نظر إلی جسدها؟ فقال: إذا نظر إلی فرجها و جسدها بشهوة حرمت علیه(2)، و ظاهر ذیلها یفید حرمة المنظورة بالنظر إلی فرجها مع جسدها، و کذلک فی صحیح عبد الله بن سنان بطریق أحمد بن محمد بن عیسی، حیث قید ذیلها بقوله(علیه السلام): (أو رأی فرجها)(3).

و الإشکال علی طریق الروایة بأن أحمد بن محمد بن عیسی الأشعری لا تتفق طبقته فی الروایة لیروی عن النظر بن سوید.

مدفوع: بأن الأشعری من أصحاب الجواد و الهادی و ابن سوید من أصحاب الکاظم*، و لا یمتنع بقاؤه إلی أصحاب الجواد، و قد روی علی بن مهزیار عنه أیضاً، و هو من أصحاب الجواد، کما روی عنه ابن أبی الخطاب و روی عنه أیضاً إبراهیم بن هاشم و یعقوب بن یزید و الحسن بن طریف و أیوب بن نوح و غیرهم من طبقته، ثمّ إن ذیل صحیح جمیل بن دراج - المتقدم فی طائفة روایات الحل - دال علی أن المدار فی تحریم

ص:312


1- (1) المصدر السابق: ب5 ح4.
2- (2) المصدر السابق: ب3 ح1.
3- (3) المصدر السابق: ب3 ح7.

المنظورة هو النظر إلی عورتها، و فی موثق عیص بن القاسم عن أبی عبد الله* قال: )أدنی ما تحرم به الولیدة تکون عند الرجل علی ولده إذا مسها أو جردها(1).

و فی موثقة عبد الله بن سنان: الجاریة تکشف أو یجردها لا یزد علی ذلک، فقال: )لا تحل لابنه(2).

و منها: ما دل علی الحلیة إما مطلقاً أو فی خصوص الأجنبیة، کصحیح منصور بن حازم عن أبی عبد الله(علیه السلام): فی رجل کان بینه و بین امرأة فجور، هل یتزوج ابنتها؟ فقال: )إن کان قبلة أو شبهها فلیتزوج ابنتها، و إن کان جماعاً، فلا یتزوج ابنتها و لیتزوجها هی إن شاء(3).

و موردها فی خصوص الأجنبیة و فی خصوص المباشرة بغیر جماع، و هی صریحة فی عدم التحریم بالنظر و اللمس.

و صحیح برید، قال: إن رجلاً من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه کان یلاعب أمها و یقبلها من غیر أن یکون أفضی إلیها، قال: فسألت أبا عبد الله(علیه السلام) فقال لی: )کذب، مره فلیفارقها، قال: فأخبرت الرجل فوالله ما دفع ذلک عن نفسه و خلّی سبیلها(4).

و فحوی دلالتها أن تحریم البنت لوط ء الأم لا لمباشرتها، و موردها فی الأجنبیة.

ص:313


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب77 ح1.
2- (2) المصدر السابق: ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6 ح3 و4 و8.
4- (4) المصدر السابق: ب6 ح5.

و صحیح العیص بن القاسم، سألت أبی عبد الله(علیه السلام) عن رجل باشر امرأة و قبل، غیر أنه لم یفض إلیها ثمّ تزوج ابنتها، فقال: )إن لم یکن أفضی إلی الأم، فلا بأس و إن کان أفضی إلیها فلا یتزوج ابنتها(1).

نعم لفظ الروایة )باشر امرأة( فی طریق الشیخ الطوسی فی التهذیب حسب ما ذکره فی الوسائل، و أما فی التهذیب المطبوع، فهو عین ما فی الکافی. بخلاف طریق الکلینی، و فی الاستبصار روی لفظ الروایة بعین لفظ الکافی.

و موثقة علی بن یقطین عن العبد الصالح(علیه السلام): عن الرجل یقبل الجاریة یباشرها من غیر جماع داخل أو خارج، أ تحل لابنه أو أبیه؟ قال: )لا بأس(2).

و قد یجمع بین الطائفتین: تارة فی خصوص المملوکة و فی خصوص المزوجة و فی خصوص الأجنبیة، فیقع الکلام فی کل منها علی حدة، و أخری یعمم فی عموم سببیة النظر و اللمس بنشر الحرمة کالوطئ.

فأما الجمع فی المملوکة، فتقع المعارضة فیها بین روایات الحرمة المتعددة و خصوص موثقة علی بن یقطین، و قد جمع المشهور بینهما بإطلاق موثقة علی بن یقطین، کما لو کانت المملوکة له أو مملوکة للغیر، بینما روایات الحرمة معظمها خاص بالمملوکة لنفسه، فتقید إطلاق موضوع الحل فی موثق علی بن یقطین بغیر المملوکة لنفسه، فیکون ذلک توفیقاً بین إطلاق الحل فی موثق علی بن یقطین و إطلاق الحرمة فی بعض روایات الحرمة المتقدمة کصحیح محمد بن مسلم و موثق عبد الله بن سنان، کما أن صحیح

ص:314


1- (1) المصدر السابق: ب6 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبد و الإماء: ب77 ح3.

جمیل بن دراج - الذی أوردناه فی روایات الحرمة - صدر الجواب فیه یعد من روایات الحل، و هو خاص بالمملوکة لغیره و به یقید إطلاق الحرمة أیضاً.

نعم یبقی الکلام فی جهة أخری فی المملوکة، و هو أن ما فی موثق علی بن یقطین الدال علی الحل مطلقاً إنما هو فی التقبیل و المباشرة من أفراد اللمس، بینما فی أدلة الحرمة هناک ما دل علی الحرمة فی خصوص مملوکة الغیر إذا نظر إلی عورتها، کصحیح جمیل بن دراج، و کذا موثقة عبد الله بن سنان الدالة علی الحرمة، لکنها فی سببیة النظر لا اللمس، و کذلک صحیح محمد بن مسلم المطلق فی التحریم فهو فی سببیة النظر أیضاً المنضم إلی اللمس، و کذلک صحیح الکاهلی، فإنه فی خصوص مملوکة الغیر و هو الابن، و فی سببیة النظر المنضم إلی اللمس.

فحینئذ قد یقال: إن النظر إذا وقع علی العورة أو الجسد و لو فی مملوکة الغیر، فهو یوجب الحرمة بخلاف اللمس.

کما أن مقتضی ما مر من صحیح جمیل و صحیح عبد الله بن سنان فی طریقه الثانی و فحوی ما فی صحیح محمد بن مسلم الثانی الوارد فی الزوجة من أن النظر المحرم لیس هو لمطلق مسمّی الجسد، بل هو خصوص العورة.

کما أنه قد یستشکل فی کل من الجمعین المفصلین و التفصیلین، بأن المملوکة للغیر هی کالأجنبیة الحرة، و إذا التزم بسببیة النظر لنشر الحرمة فلا بد أن یلتزم به فی الزوجة أیضاً، کما أنه إذا التزم بسببیة النظر و اللمس فی نشر الحرمة للابن و الأب، فلا بد أن یلتزم به أیضاً فی نشر الحرمة للأم و للبنت، و ذلک لأن ما ورد فی التحریم علی الابن استظهر مثالاً للتحریم علی الأب، فلا بد أن یکون ما ورد فیهما أیضاً مثالاً لتحریم الأم و البنت، مع أن

ص:315

ظاهر الآیة فی تحریم البنت، إنما هو فیما إذا کانت الأم مدخولاً بها.

و یدفع الأخیر بأن الآیة فی المزوجة لا فی المملوکة، و النصوص الواردة فی سببیة اللمس و النظر جلها فی المملوکة دون الحرة، بخلاف الحال فی الحرة، فإن الجمع بین النصوص یقضی بالکراهة لا بالحرمة فی بنت الحرة، کما هو صریح صحیح العیص و صحیح منصور بن حازم، و من ثمّ یمنع استظهار الإطلاق من التمثیل بالحرمة علی الولد فی المملوکة، و یقتصر فی المرأة علی المملوکة، و أما فی الحرة فیلتزم بالکراهة، کما أنه یقتصر فی المملوکة علی النظر إلی العورة و الجسد دون مطلق الجسد، کما أن الظاهر تحریم النظر إلی العورة لمطلق المملوکة و إن کانت مملوکة الغیر، و هذا هو ظاهر عبارة المبسوط المتقدمة.

نعم قد یقال، لدعم کلام الشیخ فی المبسوط للأجنبیة، أن روایات الحل الواردة، کصحیح العیص و صحیح منصور مختصة بالنظر و اللمس الحرام، و کذلک صحیح برید الکناسی.

و صحیح العیص و إن کان فی طریق الشیخ (باشر امرأته) إلا أنه فی طریق الکلینی (باشر امرأة) فلا یحرز أن الصحیح وارد فی الزوجة.

نعم یبقی الکلام فی التعمیم لبنت المملوکة و أم المملوکة، و لم نقف علی نص فی ذلک، و دعوی التمثیل لمطلق المصاهرة، قد عرفت ما فیها، لا سیما و أن سبب المصاهرة للتحریم یختلف من مورد لآخر، کما فی الفرق بین أم الزوجة و بنتها، فإن هذا التحریم لیس للجمع بین الأم و البنت فی التزویج أو بین الأختین، بینما یجمع بینهن فی الملک و إن کان لا یجمع بینهن فی الاستمتاع.

ص:316

نعم بناء علی الحرمة فی بنت الزوجة المنظور إلی فرجها، قد یتعدی إلی بنت المملوکة و أمها فی مجموع الأدلة، نعم فی صحیح صفوان قال: )سأله المرزبان عن رجل یفجر بالمرأة و هی جاریة قوم آخرین ثمّ اشتری ابنتها أ یحل له ذلک؟ قال: لا یحرم الحرام الحلال...(1)، بناء علی حمله علی ما دون المواقعة.

فتحصل: أن المقدار المحرم من اللمس و النظر هو فی المملوکة للناظر أو اللامس أو المحللة له، و لو من قبل البائع أو المحللة من قبل الشارع.

و الأظهر أن النظر إلی الجسد و العورة خاصة هو المحرم، دون مطلق الجسد، و إن کان الأحوط تحریم مطلق النظر إلی ما یحرم علی غیره.

کما أن الأظهر عدم تحریم بنت الأمة المنظورة و الملموسة و أمها، کما أن الأقوال فی الزوجة المنظور إلیها هی کراهة ابنتها، و ذلک لما ورد فی روایات شارطة لخصوص الوط ء فی التحریم.

و قد یقال: إن ما فی صحیح العیص فی الرجل یباشر امرأة أو امرأته حیث ورد فیها اشتراط الإفضاء.

فإنه یقال: أن الإفضاء أعم من الدخول، بل هو لمطلق المباشرة التی هی کالجماع، کما وقع نظیر هذا البحث فی أن استحقاق المرأة للمهر هل هو بالدخول أو الأعم منه و من الخلوة بها أو مطلق الغشیان.

قال فی لسان العرب: أفضی الرجل دخل علی أهله، و أفضی إلی المرأة غشیها، و قال بعضهم: إذا خلی بها فقد أفضی، غشی أو لم یغش، و الإفضاء

ص:317


1- (1) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6 ح12.

(مسألة 3): تحرم علی الزوج أم الزوجة و إن علت نسباً أو رضاعاً مطلقاً، و کذا ابنتها و إن نزلت بشرط الدخول بالأم، سواء کانت فی حجره أو لا و إن کان تولدها بعد خروج الأم عن زوجیته، و کذا تحرم أم المملوکة الموطوءة علی الواطئ و إن علت مطلقاً و بنتها.(1)

فی الحقیقة الانتهاء، و منه قوله تعالی: (وَ کَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضی بَعْضُکُمْ إِلی بَعْضٍ) حیث جاء متعدیاً ب- إلی؛ لأن فیه معنی وصل، و أفضی المرأة فهی مفضاة إذا جامعها، فجعل مسلکیها مسلکاً واحداً کأفضاها...

و قال الجوهری: أفضی الرجل إلی امرأته باشرها و جامعها.

فلو بنی علی أن معنی الإفضاء مطلق المباشرة و الغشیان لوافقت صحیح العیص حینئذٍ صحیحی محمد بن مسلم، فتأمل، لأن الظاهر من استعمال الإفضاء هو الدخول، لا سیما و قد فرض السائل فی صحیح العیص مباشرة المرأة، فأجاب(علیه السلام) بالتفصیل.

حرمة أم الزوجة و ابنتها علی الزوج

اشارة

(1) التحقیق:

البحث فی التحریم

لا خلاف فی أصل الحکم، إلا ما یحکی عن ابن أبی عقیل من اشتراط الدخول بالبنت فی حرمتها.

و یدل علی الحرمة فی أم الزوجة، و کذا بنتها المدخول بها قوله تعالی: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ وَ أَخَواتُکُمْ وَ عَمّاتُکُمْ وَ خالاتُکُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُکُمُ اللاّتِی أَرْضَعْنَکُمْ وَ أَخَواتُکُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِکُمْ وَ رَبائِبُکُمُ

ص:318

اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ) (1)، و الأمهات فی الآیة مطلقة غیر مقیدة بالدخول بخلاف الربائب.

و أما احتمال عود القید إلی کل من الفقرتین فهو احتمال ضعیف، سواء قلنا برجوع القید إلی (من نسائکم) أو أرجع القید إلی (أو اللاتی دخلتم بهن).

و ذلک لجملة من المبعدات الموجبة لرکاکة الترکیب و خروجه عن النسق الصحیح، و المبعدات فی المقام کثیرة، لا سیما علی التقدیر الأول:

منها: أن لفظة )من( کما أشار إلیه المفسرون علی الأول بیانیة و علی الثانی نشویة، لا سیما و أن فی رجوعها علی الأول یتکرر لفظ النساء بخلافه علی الثانی.

و منها: الفصل بین الصفة و الموصوف، لا سیما لو کان القید هو الثانی، فإنه من الفصل الطویل، فرجوع القید إلی کلا الفقرتین لا شاهد علیه.

و منها: إن الفصل بقید غالبی غیر احترازی و هو (اللاتی فی حجورکم).

و أما النصوص الواردة فهی دالة علی التفصیل فی التحریم بین أم الزوجة و بنتها کما هو ظاهر الآیة، کصحیحة أبی بصیر، قال: سألته عن رجل تزوج امرأة ثمّ طلقها قبل أن یدخل بها، فقال: )تحل له ابنتها و لا تحل له أمها(2).

و موثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه علیهما السلام: )أن علیاً(علیه السلام) کان یقول: الربائب علیکم حرام من الأمهات اللاتی دخلتم بهن فی الحجور

ص:319


1- (1) النساء: 23.
2- (2) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب18 ح5.

و غیر الحجور سواء و الأمهات مبهمات، دخل بالبنات أو لم یدخل بهن، فحرموا و أبهموا ما أبهم الله(1).

و موثقة غیاث ابن إبراهیم عن جعفر عن أبیه: )أن علیاً(علیه السلام) قال: إذا تزوج الرجل المرأة حرمت علیه ابنتها إذا دخل بالأم، فإذا لم یدخل بالأم فلا بأس أن یتزوج الابنة و إذا تزوج الابنة فدخل بها أو لم یدخل بها فقد حرمت علیه الأم، و قال: الربائب علیکم حرام کن فی الحجر أو لم یکن(2).

و هذه الروایات کما هو الظاهر ناصة علی التفصیل بین الدخول و عدمه بین البنت و الأم فی التحریم، کما أنها ناصة علی أن (فی حجورکم) لیس قیداً احترازیاً، بل غالبیاً بحسب العادة.

و فی قبالها روایات أخری معارضة لها فی نفی التفصیل، و أن قید الدخول بالنساء هو لکل من الأمهات و البنات، کصحیح جمیل بن دراج و حماد بن عثمان عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )الأم و البنت سواء إذا لم یدخل بها، یعنی إذا تزوج المرأة ثمّ طلقها قبل أن یدخل بها فإنه إن شاء تزوج بها و إن شاء تزوج بنتها(3).

و ظاهر ذیل الحدیث أنه من تفسیر الراوی، و قد أشار صاحب الوسائل إلی وروده فی نوادر أحمد بن محمد بن عیسی من دون التفسیر، و من ثمّ حمل التعبیر الوارد فی الروایة علی محامل أخری، کأن یجمع بینهما فی ملک الیمین و یطأ أیهما شاء قبل الأخری، أو أن الأم و البنت سواء فی تحریم

ص:320


1- (1) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب8 ح3 ب20 ح2.
2- (2) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب18 ح4.
3- (3) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب20 ح34.

الجمع بینهما و بین الزوجة غیر المدخول بها قبل مفارقتها و غیرها من المحامل.

و موثق محمد بن إسحاق بن عمار، قال: قلت له: )رجل تزوج امرأة و دخل بها ثمّ ماتت أ یحل له أن یتزوج أمها؟ قال: سبحان الله کیف تحل له أمها و قد دخل بها؟! قال: قلت له: فرجل تزوج امرأة، فهلکت قبل أن یدخل بها تحل له أمها؟ قال: و ما الذی یحرم علیه منها و لم یدخل بها(1).

و الموثقة مضمرة، لکن الراوی من أصحاب الکاظم(علیه السلام) و هو صاحب کتاب، و الظاهر کون الإضمار من العطف علی الروایات السابقة فی کتابه، و قد نوه باسم المعصوم فی بدئها، کما هو دین أصحاب الکتب کمضمرات سماعة، بل إن الراوی قد رد نعت ابن بابویه له بأنه واقفی، بأنه قد روی عن الرضا(علیه السلام) کما فی الکافی و إرشاد المفید.

و صحیح جمیل بن دراج أنه سأل أبا عبد الله(علیه السلام): عن رجل تزوج امرأة ثمّ طلقها قبل أن یدخل بها هل تحل له ابنتها؟ قال: )الأم و البنت فی هذا سواء إذا لم یدخل بأحدهما حلت له الأخری(2).

و الظاهر أن هذه الصحیحة هی الصحیحة المتقدمة الأولی التی رواها الشیخ فی التهذیب، بینما هذه رواها الصدوق فی الفقیه.

و صحیحة منصور بن حازم قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام) فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج امرأة، فماتت قبل أن یدخل بها، أ یتزوج بأمّها؟ فقال

ص:321


1- (1) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب20 ح34.
2- (2) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب20 ح6.

أبو عبد الله(علیه السلام): قد فعله رجل منا فلم یر به بأساً(1)، فقلت: جعلت فداک، ما تفخر الشیعة، إلا بقضاء علی(علیه السلام) فی هذا فی الشمخیة التی أفتاها ابن مسعود، أنه لا بأس بذلک، ثمّ أتی علیاً(علیه السلام) فسأله، فقال له علی(علیه السلام): من أین أخذتها؟ قال: من قول الله عز و جل: (وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ مِنْ نِسائِکُمُ اللاّتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَکُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَیْکُمْ) فقال علی(علیه السلام): إن هذه مستثناة، و هذه مرسلة و أمهات نسائکم، فقال أبو عبد الله(علیه السلام) للرجل: أما تسمع ما یروی هذا عن علی؟ فلما قمت ندمت، و قلنا أی شیء صنعت؟ یقول هو قد فعله رجل منا فلم نر به بأساً و أقول أنا: قضی علی(علیه السلام) فیها، فلقیته بعد ذلک، فقلت له: جعلت فداک، مسألة الرجل، إنما کان الذی قلت: یقول، کان زلة منی، فما تقول فیها؟ فقال: یا شیخ تخبرنی أن علیاً(علیه السلام) قضی بها و تسألنی ما تقول فیها(2).

و هذه الصحیحة علی نسخة الوسائل و الوافی و بعض نسخ الاستبصار حیث فیها قوله: (قد فعله رجل منا فلم یر به بأساً)، ظاهرها أن الرجل الذی أقدم علی ذلک التزویج، لم یر هو فی ذلک بأساً، فکأنه(علیه السلام) تحاشا أن یسند الحکم إلی نفسه من نفی البأس، و أسنده إلی ذلک الرجل، لا إلی نفسه، مما یلوح منه التعریض بعدم ارتضائه الجواز، کما أن ذیلها تلویح بأن الحکم ما یروی عن قضاء علی(علیه السلام) من التحریم، فلا مجال لتردید الراوی فی الحکم، کما یفهم من استنکاره(علیه السلام): )و تسألنی ما تقول فیها(، و کذلک تعریضه(علیه السلام)

ص:322


1- (1) فی نسخة الوسائل (فلم یر) و فی النسخة المطبوعة للکافی (فلم نری).
2- (2) المصدر السابق: ح1.

للرجل السائل بقوله: )أما تسمع هذا ما یروی عن علی( فکأنه(علیه السلام) یلوح له أن یأخذ بقضاء علی(علیه السلام) لا بما فعله الرجل منهم.

و الحاصل: إن هذه الصحیحة دالة علی وجود قولین فی المسألة فی زمن الصادق(علیه السلام) و أن ابن مسعود کان مذهبه علی الجواز، و أن قضاء علی(علیه السلام) بالتحریم معروفاً عند الشیعة فی الکوفة و غیرهم، و إن طرح المسألة فی أسئلة الرواة فی الروایات العدیدة یشیر إلی وقوع الخلاف.

فالصحیحة لها حکومة تفسیریة؛ لجهة صدور الروایات المسوغة من أنها صادرة للتقیة أو لتحاشی الإمام علیهم لما یقال و یعرف من أن رجلاً منهم أی ممن ینسب إلیهم قد بنی علی الجواز و ارتکب ذلک.

فالصحیح ما بنی علیه المشهور من التحریم الموافق لظاهر الکتاب.

أما الجمع بالحمل علی الکراهة لا مجال له لنصوصیة التحریم فی الروایات.

هذا کله فی التحریم،

و یبقی فروع:
الفرع الأول: أن قید (فی حجورکم) غالبی

و قد مرت الروایات المعتبرة الدالة علی ذلک، لکن فی مکاتبة الحمیری عن صاحب الزمان(علیه السلام): )أنه کتب إلیه، هل للرجل أن یتزوج بنت امرأته؟ فأجاب(علیه السلام) إن کانت ربیت فی حجره، فلا یجوز، و إن لم تکن ربیت فی حجره و کانت أمها فی غیر حباله [عیاله] فقد روی أنه جائز(1)، لکنها لا تقاوم الموثقات المتقدمة سنداً و دلالة، الناصة علی الحرمة مقابل المکاتبة التی

ص:323


1- (1) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب18 ح7.

لیست صریحة بالحلیة، بل التعبیر ب- (روی) یشعر بالتعریض.

الفرع الثانی: إن عنوان أم الزوجة (أمهات نسائکم) و بنتها شامل بطبیعته لما یعلو من الأمهات و لما ینزل من البنات

و یؤیده ما فی مکاتبة الحمیری: (و کتب إلیه هل یجوز أن یتزوج بنت امرأة ثمّ یتزوج جدتها بعد ذلک أم لا یجوز؟ فأجاب(علیه السلام): قد نهی عن ذلک(1).

الفرع الثالث : أنه تحرم الأم الرضاعیة للزوجة و بنتها

و ذلک بمقتضی عموم یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب، فیما کان النسب المنزل علیه الرضاع موضوعاً للحکم و لو بنحو جزء الموضوع، بخلاف ما لو کان الموضوع هو لوازم النسب المنزل علیه الرضاع.

الفرع الرابع: ما لو کانت بنت الزوجة متولدة بعد طلاق الزوجة الأم

قد یقال: إن مقتضی القاعدة عدم شمول الموضوع لها، لکون المشتق و هو الزوجة فیمن تلبس لا من انقضی عنه المبدأ، و مثلها ما لو تحققت الأم الرضاعیة للزوجة الرجعیة بعد طلاق الزوجة الرجعیة.

لکن هذا التقریر لمقتضی القاعدة غیر مبنی علی اختصاص وضع المشتق لمن تلبس أو عمومیته، بل علی تحریر کون الزوجیة حیثیة تعلیلیة أو تقییدیة، و أنها تقییدیة حدوثاً و بقاءً أم حدوثاً فقط.

و لا یبعد استظهار الأول و عدم لزوم اقتران عنوان الزوجیة زمناً بعنوان البنت أو الأم، لظهور الأدلة فی کون المصاهرة بنحو صرف الوجود، مأخوذة

ص:324


1- (1) الوسائل، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب18 ح7.

موضوعاً لا الطبیعة بوجودها الفعلی.

و أما التمسک بالإطلاق، فلا ینفع بعد الالتزام باختصاص الوضع للمشتق بالمتلبس؛ إذ بعد عدم السعة الذاتیة، فأی إطلاق یجری، إلا إذا أرید من الإطلاق نحو الاستعمال لا العمومیة و الشمول.

و یعضد هذا الاستظهار صحیح محمد بن مسلم، قال: )سألت أحدهما علیهما السلام عن رجل کانت له جاریة فأعتقت فتزوجت فولدت، أ یصلح لمولاها الأول أن یتزوج ابنتها؟ قال: لا هی حرام و هی ابنته و الحرة و المملوکة فی هذا سواء(1).

الفرع الخامس: حرمة أم المملوکة الموطوءة و بنتها

الظاهر اتفاقهم علی عدم حرمة الأم من دون الوط ء، لعدم کون الملک کالتزویج، و یدل علیه الصحیح إلی جمیل بن دراج عن بعض أصحابه عن أحدهما علیها السلام فی حدیث أنه قال: فی رجل کانت له جاریة فوطأها ثمّ اشتری أمها أو بنتها؟ قال: )لا تحل له(2)، و قد تقدم صحیح محمد بن مسلم فی تحریم بنت المملوکة الموطوءة، و مثلها روایة مسمع بن عبد الملک(3) و مصحح عبید بن زرارة(4)، و هی مثل قول الله عز و جل: (وَ رَبائِبُکُمُ اللاّتِی فِی حُجُورِکُمْ) ، و صحیح الحسین بن سعید قال: کتبت إلی أبی الحسن(علیه السلام) رجل

ص:325


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب18 ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28 ح1 - 8.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28 ح3.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28 ح4.

له أمة یطأها، فماتت أو باعها ثمّ أصاب بعد ذلک أمها، هل له أن ینکحها؟ فکتب(علیه السلام): )لا تحل له(1).

و صحیح أبی بصیر: )عن الرجل تکون عنده المملوکة و ابنتها فیطأ إحداهما فتموت و تبقی الأخری أ یصلح أن یطأها؟ قال: لا(2)، و غیرها من الروایات.

هذا و روی ما یعارضه، کمصحح الفضیل بن یسار و ربعی بن عبد الله قالا: سألت أبا عبد الله عن رجل کانت له مملوکة یطأها، فماتت ثمّ أصاب بعد ذلک أمها؟ قال: )لا بأس لیست بمنزلة الحرة(3).

و حمله الشیخ علی إصابتها بالملک و الاستخدام لا الوط ء، و أن المملوکة بالملک لیست بمنزلة الحرة بالتزویج، فالأمة یحرم وطؤها دون تملکها، و لم یعنون فی کلام الماتن و لا فی جملة من الکلمات التزویج بالمملوکة الأم مع وطئ البنت بالملک، و لکن مرّ فی صحیح محمد بن مسلم تحریم التزویج.

ص:326


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28 ح7
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28 ح10.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28 ح15.

(مسألة 4): لا فرق فی الدخول بین القبل و الدبر، و تکفی الحشفة أو مقدارها، و لا یکفی الإنزال علی فرجها من غیر دخول و إن حبلت به، و کذا لا فرق بین أن یکون فی حال الیقظة أو النوم، اختیاراً أو جبراً منه أو منها.(1)

فی عدم الفرق فی الحکم بین الدخول فی القبل أو الدبر

اشارة

(1) التحقیق:

تعرض الماتن لعدة أمور:

الأمر الأول: عموم نشر الحرمة فی المصاهرة للدخول فی الدبر

و لم یحک الخلاف فی ذلک، و إن ظهر من بعض الکلمات احتمال العدم، إلا أن عموم ترتیب الآثار فی العدة و المهر و الغسل و غیرها کالحدود و انتفاء حکم البکارة عنها، یقضی باستعمال العنوان فی الأعم، و هو هنا شامل، بحسب أصل الوضع اللغوی.

الأمر الثانی: کون الدخول بمقدار الحشفة

و ظاهر الکلمات اعتباره و إن احتمل غیر واحد الاکتفاء ببعض الحشفة، لکن الصحیح أن التحدید الوارد بالحشفة فی باب العدة و المهر و الغسل و الحد هو تحدید للعنوان شرعاً، کما هو مطرد فی الموضوعات المشککة، کمسافة السفر و الإقامة و کثرة الماء المعتصم، و غیر ذلک من العناوین فی الأبواب، فإنه من باب التحدید فی التقریب العرفی، أی الضبط من الشارع فی صدق الطبیعة بما لها من طبیعة المعنی، لغة و عرفاً و تکویناً، فهذا النمط

ص:327

(مسألة 5): لا یجوز لکل من الأب و الابن وط ء مملوکة الآخر من غیر عقد و لا تحلیل و إن لم تکن مدخولة له، و إلا کان زانیاً.

(مسألة 6): یجوز للأب أن یقوم مملوکة ابنه الصغیر علی نفسه و وطؤها. و الظاهر إلحاق الجد بالأب و البنت بالابن، و إن کان الأحوط خلافه. و لا یعتبر إجراء صیغة البیع أو نحوه و إن کان أحوط. و کذا لا یعتبر کونه مصلحة للصبی نعم یعتبر عدم المفسدة. و کذا لا یعتبر الملاءة فی الأب و إن کان أحوط.

(مسألة 7): إذا زنی الابن بمملوکة الأب حد. و أما إذا زنی الأب بمملوکة الابن فالمشهور عدم الحد علیه، و فیه إشکال.

توسط بین الحقیقة الشرعیة المحضة و الحقیقة اللغویة المحضة، و قد تقدم فی مسألة (21) من الفصل السابق فیمن لاط بغلام ما له صلة بالمقام، و أن عنوان الدخول و الإیقاب أو الإیلاج تشکیکی و مشکوک الصدق مع تلاقی بعض الحشفة بین الشفرتین، و أنه قد أخذ لغة فی بعض تلک العناوین، عنوان الغیبوبة، و علی ضوء کل ذلک یستظهر مما ورد شرعاً أنه تحدید فی تقریب صدق الدخول المشکک عرفاً.

الأمر الثالث: لا یکفی الإنزال علی الفرج من غیر دخول و إن حبلت به

و ذلک لعدم تحقّق عنوان الدخول المأخوذ قیداً فی موضوع التحریم، و إن تحقق به العدة و المهر، لکون موضوعهما أعم من دخول العضو أو دخول الماء.

ص:328

(مسألة 8): إذا وطئ أحدهما مملوکة الآخر شبهة لم یُحدّ، و لکن علیه مهر المثل. و لو حبلت فإن کان الواطئ هو الابن عتق الولد قهراً مطلقاً، و إن کان الأب لم ینعتق إلا إذا کان أنثی. نعم یجب علی الأب فکه إن کان ذکراً.

(مسألة 9): لا یجوز نکاح بنت الأخ أو الأخت علی العمة و الخالة إلا بإذنهما من غیر فرق بین الدوام و الانقطاع، و لا بین علم العمة و الخالة و جهلهما، و یجوز العکس، و إن کانت العمة و الخالة جاهلتین بالحال علی الأقوی.(1)

الأمر الرابع: عدم الفرق فی الدخول بین أن یکون إرادیاً أو غیر إرادی فی الحالات المختلفة

و ذلک کله لعموم و إطلاق عنوان الدخول المأخوذ فی الأدلة، کما هو الحال فی العنوان المزبور المأخوذ موضوعاً للعدة و المهر، و لو کان ثمة انصراف، لکان فی المهر أولی منه فی المقام.

فی نکاح بنت الأخ و الأخت علی العمة و الخالة

اشارة

(1) التحقیق:

الحکم فی أصل المسألة محل وفاق،

و لم یخالف فیه إلا القدیمین، حیث ذهبا إلی الجواز مطلقاً، و المقنع للصدوق حیث ذهب إلی المنع مطلقاً، و هذا الأخیر هو مذهب کل العامة و لم یحک عنهم فیه خلاف، فجعلوا الحکم

ص:329

فی المقام الجمع بین الأختین(1)، و من ثمّ حمل ما ورد فی الروایات التی لسانها التحریم علی التقیة، کصحیح أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )لا یحل للرجل أن یجمع بین المرأة و عمتها و لا بین المرأة و خالتها(2)، و مثله صحیح أبی عبیدة، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: )لا تنکح المرأة علی عمتها و لا علی خالتها و لا علی أختها من الرضاعة(3)، فإن النهی عن ذات الجمع المقابل للروایات المستفیضة الأخری الشارطة لرضاعة العمة و الخالة فی صحة نکاح بنت الأخ و الأخت لها، فالنهی المزبور و کذا سیاقه مع النهی عن الجمع بین الأختین محمول علی التقیة.

و فی الصحیحة الثانیة تلویح بذلک، حیث خص النهی عن الجمع بین الأختین بما کانت فی الرضاع، إلا أن یکون لخفاء الحکم فی الرضاع، و مثلها موثقة السکونی عن جعفر عن أبیه علیهما السلام: )أن علیاً(علیه السلام) أتی برجل تزوج امرأة علی خالتها، فجلده و فرق بینهما(4)، و الظاهر أنه محمول علی التقیة فی إسناد ذلک لعلی(علیه السلام)، لا سیما و أن الراوی هو السکونی و هو من العامة، خاصة و أن ظاهرها أن الجلد لأجل الجمع لا لعدم الإذن، و إن کان لا یمتنع حملها علی محامل أخر، لا سیما و أن التزویج بهما من دون إذن یکون إقداماً علی التزویج بشبهة، و هو درء للحد، و لا یبعد حملها أیضاً علی التعزیر، کما ورد ذلک فی تزویج الأمة علی الحرة.

ص:330


1- (1) المغنی، ابن قدامة: ج7 ص478.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح7.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح8.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح4.
أما الروایات الدالة علی أن المنع عن التزویج علی العمة و الخالة لاشتراط إذنهما،

نظیر موثق محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام)، قال: )لا تزوج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت علی العمة و لا علی الخالة إلا بإذنهما، و تزوج العمة و الخالة علی ابنة الأخ و ابنة الأخت بغیر إذنهما(1)، و مفاد الروایة شرطیة إذن العمة و الخالة فی التزویج علیهما، دون ما لو کان التزویج بهما علی الابنتین، کما أن ذیلها فی صدد نفی شرطیة إذن الابنتین فی التزویج بالعمة و الخالة علیهما، من دون أن یتعرض الذیل لنفی شرطیة إذن العمة و الخالة فی التزویج بهما علی الابنتین، و مثل الصدر معتبرة أبی عبیدة الحذاء(2)، و کذا صحیح علی بن جعفر، إلا أن فی ذیلها: )فمن فعل فنکاحه باطل(3)، و التعبیر بالبطلان لا یخلو من مجاراة لمذهب العامة، إذ بناءً علی الشرطیة لا یکون تخلف الشرط الذی هو منفصل عن الإیجاب و القبول موجباً للبطلان بمعنی الفساد الذاتی الفعلی، و إنما یمانع عن فعلیة الصحة، و لکن لا یزیل الصحة التأهلیة، فلیس هو کشرطیة القبض فی الصرف و لا کمانعیّة الربا أو مجهولیة العوضین فی صحة البیع، و لا سیما مع ظهور الاستثناء المعلق لعنوان )إذنهما( مما یفید کونه حقاً لهما، نظیر ولایة الطرف الأصلی فی العقد، فإن لزوم إسناد العقد إلی مالک العوض فی البیع مثلاً لا یقضی إلا تعلیق الصحة الفعلیة علی وجوده من دون فساد الصحة التأهلیة.

و مثلها صحیح مالک بن عطیة(4)، و إن کان مطلقاً فی المنع من دون

ص:331


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح3.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح9.

استثناء فی الإذن، و فی روایة محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: )إنما نهی رسول الله(صلی الله علیه و آله) عن تزویج المرأة علی عمتها إجلالاً للعمة و الخالة، فإذا أذنت فی ذلک فلا بأس(1)، و الروایة تفید أن شرطیة الإذن من جهة حق العمة و الخالة و حرمتهما، و ذکر العلامة فی المختلف عن ابن عقیل أنه روی عن علی بن جعفر قال: )سألت أخی موسی(علیه السلام) عن رجل یتزوج المرأة علی عمتها و خالتها؟ قال: لا بأس، لأن الله عز و جل قال: (وَ أُحِلَّ لَکُمْ ما وَراءَ ذلِکُمْ ) (2)، و هی و إن حملت علی الإذن، إلا لا ینافی ظهورها فی أن التزویج علیهما بالبنتین لیس من المحرمات الذاتیة کالتزویج بالمحارم أو التزویج بالمحرمات بالمصاهرة، نظیر اندراج الزواج بالبکر فی عموم الآیة من دون استلزام ذلک لنفی شرطیة إذن الأب.

ثمّ إن مقتضی إطلاق الأدلة السابقة عدم الفرق بین الدوام و الانقطاع،

کما لا فرق بین علم العمة و الخالة و جهلهما علی القول بلزوم الإذن الإنشائی.

و أما علی القول الآخر من کفایة الرضا الباطنی المنکشف، فیستثنی من صورة علمهما ما لم یکن هناک قرینة علی رضاهما.

أما صورة العکس فقد تقدم أن نطاق الأدلة المانعة هی فیما لو کانت العمة و الخالة مزوج علیهما، دون ما لو کان تزویج بهما علی الابنتین، إلا أن یعضد استظهار التعمیم بأن المقابلة التی مرت فی موثق محمد بن مسلم، إنما هی بین شرطیة إذن العمة و الخالة دون شرطیة إذن الابنتین، فبقرینة المقابلة یکون صدر الروایة لیس خاصاً بالتزویج بالابنتین و إدخالهما علی العمة

ص:332


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح10.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح11.

و الخالة، بل عام لکلا الصورتین، و أن الشرطیة هی إذن العمة و الخالة دون الابنتین، غایة الأمر أن المزوج بها سابقاً غالباً ما یخفی عنها التزویج بالثانیة بخلاف الثانیة، و کذلک المقابلة فی صحیح علی بن جعفر، و کذلک صحیحة مالک بن عطیة، و غیرها من الروایات الأخری فی الباب التی ذکرت تلک المقابلة، فکأن الوجه فی ذکر لفظ (علی) لیس هو التفرقة بین الصورتین، و إنما هو لأجل بیان أن الحق خاص بالعمة و الخالة دون الابنتین، فلا بد من استظهار کون المقابلة مسوقة إلی أی من الفرقتین، و یعضد استظهار التعمیم أن التعبیر بعینه قد ورد فی الحرة و الأمة(1)، مع أن الحق الذی جعل و الأحکام التی رتبت علی ذلک اللسان لم تفرق بین الصورتین(2)، و کذلک ورد التعبیر نفسه فی النهی عن تزویج الیهودیة و النصرانیة علی المسلمة و جواز العکس(3)، و مع ذلک فقد ورد فیهما فی صحیح أبی بصیر(4)، أنه لو تزوج الحرة المسلمة من دون علمها علی النصرانیة و الیهودیة، ثمّ دخل بها، فإن لها حق الفسخ.

و یعضد ذلک أیضاً ما فی روایة محمد بن مسلم المتقدمة فی التعلیل بأنه إجلالاً للعمة و الخالة، و یقرب ذلک أیضاً أن الزوجة الأولی تری أن الزوج خاصاً بها، و أن المرأة الداخلة علیها مقتحمة لها فیما یخصها، فمن ثمّ نفی شرطیة إذن الابنتین فی صورة العکس.

ص:333


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب46.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب47 و ب48.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالکفر: ب7.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالکفر: ب8.

و مما یؤید التعمیم أن نفی شرطیة إذن الابنتین فی الذیل، لیس خاصاً بالصورة المذکورة فی العدل الثانی من المقابلة و هو الذیل، بل نفس شرطیة إذن الابنتین یعم کلا الصورتین و العدلین، مما یقضی بالإطلاق فی إثبات شرطیة إذن العمة و الخالة.

و الظاهر أن السر فی التعبیر بشرطیة إذن العمة و الخالة بالصورة الأولی و العدل الأول هو؛ لأنه فی الصورة الثانیة فی العدل الثانی فی المقابلة لا معنی لشرطیة إذن العمة و الخالة فی العقد السابق للابنتین، فلا محالة یکون للعمة و الخالة مع جهلهما فی الصورة الثانیة حقاً فی فسخ عقدهما، لا فی العقد السابق علیهما الذی قد وقع صحیحاً منجزاً، لا سیما مع ما سیأتی من أن الأظهر لدیهم لیس هو شرطیة الإذن الإنشائی فی العمة و الخالة، بل هو ثبوت الحق لهما، و من ثمّ اکتفوا بالرضا الباطنی المکتشف القرائن من دون أن یکون المبرز إنشائیاً، و لعله علی ذلک یحمل مصحح أبی الصباح الکنانی المتقدم فی أنه لا یحل الجمع بینهما، المحمول علی أن الجمع، إنما هو من حق العمة و الخالة، و لا یحل للزوج الجمع من دون رضاهما مطلقاً سواء کان سابقاً أو لاحقاً، کما أن الوجه فی عدم تسلط العمة و الخالة فسخ عقدهما فی الصورة الأولی أن عقدهما السابق وقع منجزاً، و إنهما تتسلطان علی العقد اللاحق.

و إلی هذا التعمیم ذهب الشیخ الطوسی، حیث قال: و لا یجمع بین المرأة و عمتها و لا خالتها إلا برضاها، و عندهم علی کل حال و سواء کانت عمتها و خالتها حقیقة أو مجازاً أعنی العمات و الخالات و إن علون(1)، و کذا العلامة

ص:334


1- (1) الشیخ الطوسی، المبسوط: ج4 ص205.

فی القواعد، و أنه مع جهلهما الأقرب أن لهما الفسخ، بخلاف ما إذا کانتا عالمتین، و عن کشف اللثام توجیهه بأن الاحترام یعم کلا الصورتین، و وجه العموم فی إیضاح الفوائد بعموم المنع روایة أبی الصباح الکنانی و أن الحق فی ذلک لهما فی کلا الصورتین، غایة الأمر فی الصورة الثانیة لا سبیل إلی رفع العقد السابق فیبقی العقد الثانی، فإذا رضیتا لزم، و مال إلیه فی جامع المقاصد أیضاً.

و قد نقل الفخر فی إیضاح الفوائد و الکرکی فی جامع المقاصد و صاحب المسالک موثق محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: )لا تزوج العمة و الخالة علی ابنة الأخ و ابنة الأخت بغیر إذنهما( بإثبات لفظة (لا) فی صدر الروایة، و قد کرر فی جامع المقاصد الاستدلال بها بإثبات لفظ (لا) و فی الاستبصار المطبوع نقل الروایة بهذه الصورة. لا تتزوج علی الخالة و العمة ابنة الأخ و ابنة الأخت بغیر إذنهما، أی بإثبات (لا) فی صدر الروایة، إلا أنه قدم لفظة (علی) علی کلمة الخالة و العمة.

و علی أی تقدیر بناءً علی إثبات لفظة (لا) و تأخر لفظة (علی) تکون الموثقة نصاً فی التعمیم، بعد ظهور کون ضمیر التشبیه فی الترکیب بغیر إذنها عائداً علی العمة و الخالة، لجهة احترامهما، لا سیما و أن الاحترام المذکور فی الروایات المتقدمة لیس من قبیل حکمة الحکم، بل هو عنوان لماهیة و هویة الحق لهما، فهو یدعم العموم فی صورتین.

و سیأتی تتمة الکلام فی المسألة (20-21) حول قول الشیخین و جماعة من المتقدمین، من أن مقتضی ثبوت حق الخیار لهما فی فسخ عقدهما أو عقد البنتین.

ص:335

(مسألة 10): الظاهر عدم الفرق بین الصغیرتین و الکبیرتین و المختلفتین، و لا بین اطلاع العمة و الخالة علی ذلک و عدم اطلاعهما أبداً، و لا بین کون مدة الانقطاع قصیرة و لو ساعة أو طویلة، علی إشکال فی بعض هذه الصورة، لإمکان دعوی انصراف الأخبار.(1)

(مسألة 11): الظاهر أن حکم اقتران العقدین حکم سبق العمة و الخالة.(2)

(1) التحقیق:

لإطلاق الأخبار و الأدلة معتضداً بترتب الآثار الأخری علی المصاهرة، و بما ورد من تعمیم النهی عن الزواج بالکتابیة علی المسلمة و لو متعة(1)، و کذا بما ورد من عدم تزویج الحرة علی الأمة إلا بإذنها(2)، بناء علی اشتراط الإذن فی الموردین.

فی أن حکم الاقتران کحکم السبق

(2) قد عرفت من المسألة (9) أن عدة من المتقدمین و المتأخرین، قد ذهبوا إلی استظهار حق العمة و الخالة أن لا یجمع بینهما مع الابنتین إلا بإذنهما و أن هذا هو الأظهر، ففی صورة جهلهما لهما حق الرد، غایة الأمر أن عقد الابنتین إذا کان سابقاً فلا یبعد تسلطهما علی عقد الابنتین، لأنه لما یتم.

فإن قلت: إن عقد العمة و الخالة أیضاً لما یتم.

ص:336


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب16.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب13.

قلت: إن عقد العمة و الخالة لا مانع من فعلیته، و إنما حق العمة و الخالة یمانع من صحة عقد الابنتین إلا بإذنهما.

فإن قلت: إن حق العمة و الخالة لما ذا یمانع صحة عقد الابنتین و لا یفرض حقهما فی التسلّط علی فسخ عقد أنفسهما.

قلت: إن الغبطة تقتضی تسلّطهما علی عقد الابنتین لا إزالة عقد أنفسهما، و لو فرض الشک فیکون لدینا فی المقام علم إجمالی بمخصص إما لصحّة عقد الابنتین أو للزوم عقد أنفسهما، و استصحاب بقاء العقد لأنفسهما بضمیمة استصحاب عدم وقوع عقد الابنتین یقتضی تسلّط العمّة و الخالة علی عقد الابنتین، هذا.

و یمکن تقریب اشتراط إذن العمّة و الخالة فی صورة الاقتران و لو بنی علی اختصاص حق العمّة و الخالة بما إذا کان التزوج بالابنتین داخل علیهما، کما هو مسلک متأخری المتأخرین، بأن یقال: إن فی صورة التقارن یتوارد کل من العقدین علی الآخر، فیصدق علی کل منهما أنه داخل علی الآخر، و علی ذلک فیصدق العموم الوارد )أنه لا تزوج ابنة الأخ و ابنة الأخت علی العمّة و الخالة إلا بإذنهما( و لا یضر صدق التزوج بالعمّة و الخالة علی الابنتین، لأن غایته نفی اعتبار إذن الابنتین.

ص:337

(مسألة 12): لا فرق بین المسلمتین و الکافرتین و المختلفتین.(1)

(مسألة 13): لا فرق فی العمة و الخالة بین الدنیا منهما و العلیا.(2)

لا فرق بین المسلمتین و الکافرتین و المختلفتین

(1) التحقیق:

قد عمم الشیخ فی المبسوط الحکم للممالیک من الإماء، مع أن الغالب کونهن من الملل الأخری للإطلاق، کما هو مطّرد عندهم فی أحکام النکاح، و قد تقدّم إبداء الاحتمال باختصاص أحکام العشرة باتباع الملة دون الملل الأخری لکن الإطلاق لا یُمانع بمجرد ذلک الاحتمال، مدعوماً بالنصوص الواردة فی تعمیم الأحکام للإماء مع کونهن فی الغالب من ملل أخری.

نعم قد یقال فی خصوص المقام أن حق العمّة و الخالة هو حرمة لهما، فمع کونهما کافرتین دون الابنتین لا یقرّ احترامهما.

و فیه: إن الحرمة لهما لأجل الرحم، و هی مرعیة و لو کان الرحم کافراً، فیحرم قطع الصلة بالرحم الکافر.

لا فرق فی العمة و الخالة بین الدنیا و العلیا

(2) التحقیق:

قد تقدّمت عبارة المبسوط فی التعمیم للعلیا منهما کما ذهب إلی التعمیم جماعة، و الغریب من عبارة الشیخ أنه قال بأنهما عمّة و خالة مجازاً، و مع التسلیم بالمجازیة کیف یتمّ التعمیم؟

ص:338

(مسألة 14): فی کفایة الرضا الباطنی منهما من دون إظهاره و عدمها، و کون اللازم إظهاره بالإذن قولاً أو فعلاً وجهان.(1)

و الصحیح صدقهما حقیقة و إن کان هناک فی البین تقیید فی الإسناد، و لعلّ ذلک مراد الشیخ، فیقال عمّة الأب و خالته أو الخالة من الأب و العمّة من الأم

و بعبارة أخری: إن اللحمة تکوینیة و إن کانت بوسائط.

فی کفایة الرضا الباطنی

(1) التحقیق:

قد ورد فی جلّ الروایات اعتبار عنوان الإذن، و فی صحیح علی بن جعفر عنوان الرضا، و لو أرید الرضا الإنشائی لکان هو الإذن بنفسه،کما هو الحال فی قوله تعالی: (إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) .

لکن الصحیح أن الاحتیاج إلی الرضا و الإذن الإنشائی إنما هو فیما إذا احتیج إلی الإسناد المعاملی الإنشائی، و أما فی موارد التصرّف فی الحق و الملک فیکفی طیبة النفس و هو الرضا الباطنی، بل قد یکتفون بالطیبة التقدیریة، و قد مرّ أن المجعول فی المقام هو حق العمة و الخالة حرمة لهما، لا شرطیة إسناد العقد لهما کولایة لهما علی العقد.

ص:339

(مسألة 15): إذا أذنت ثمّ رجعت و لم یبلغه الخبر فتزوج لم یکفه الإذن السابق.(1)

(مسألة 16): إذا رجعت عن الإذن بعد العقد لم یؤثر فی البطلان.(2)

(مسألة 17): الظاهر کفایة إذنهما و إن کان عن غرور، بأن وعدها أن

یعطیها شیئاً فرضیت ثمّ لم یف بوعده، سواء کان بانیاً علی الوفاء حین

إذا أذنت ثمّ رجعت

(1) التحقیق:

لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، إذا اللازم فی الشرط تحققه حین العقد، و لا یثمر التحقق السابق الزائل، و الحال فی المقام لیس من قبیل الوکالة، حیث ثبت فیها تعبّداً بقاؤها ما لم یبلغ الوکیل خبر العزل.

فیما لو رجعت عن الإذن بعد العقد

(2) التحقیق:

لأن اللازم فی تحقق الشرط هو حین العقد، أما انتفاؤه بعد ذلک فلا یخل بالصحة، کما هو الحال فی الأطراف الأصلیة للعقد لو رجعت بعده فإنه لا یوجب التسلّط علی الفسخ، لأن الإذن السابق تصرف فی ما له سلطان علیه و انتقال أو انتفاء لتلک السلطة، فلا تعود إلا بدلیل یفید حق الفسخ أو نحو ذلک.

ص:340

العقد أم لا، نعم لو قیدت الإذن بإعطاء شیء فتزوج ثمّ لم یعط کشف عن بطلان الإذن و العقد و إن کان حین العقد بانیاً علی العمل به.(1)

فی کفایة الإذن و لو عن غرور

(1) التحقیق:

ذلک لأن الإذن من الإیقاعات، و المعروف لدیهم أن الإیقاع غیر قابل للتقیید و لا للتعلیق، و هذا بخلاف العقود کالتملیک المعاوضی و نحوه، فإنه قابل للتقیید و التعلیق، و علی ذلک فلو کان الإذن عن غرور أو وعد فالأمر ظاهر فی عدم تخلّف الإذن، أما لو کان مقیّداً بنحو المشارطة بإعطاء الزوج شیئاً أو بعمل معین فلم یؤدّه فقد حکم الماتن و جمله من المحشّین بتخلّف الإذن حینئذ، و المعروف فی القیود و الدواعی أنها علی ثلاثة أنماط:

الأول: ما یکون بنحو الداعی و تخلّفه لا یضر.

الثانی: ما یکون بنحو التقیید، و لکن بنحو تعدد المطلوب کما فی الشروط الأجنبیة عن المبیع.

الثالث: ما یکون بنحو وحدة المطلوب کما فی الأوصاف المقوّمة و المنوّعة للمبیع، و علی أی تقدیر فبعد الفراغ عن أن الإیقاع لا یمکن تعلیقه فی النمط الأول و الثانی، لکنه یمکن تضییقه فی النمط الثالث، کما أنه لو کان المالک قد أذن فی التصرف فی العین بالرکوب دون بقیة المنافع کحمل الأثقال و نحو ذلک، فهنا یتصور التقیید بنحو وحدة المطلوب، و لکن هذا بخلاف اشتراط الإذن بإعطاء شیء أو عمل شیء فإنه من النمط الثانی، فإن

ص:341

(مسألة 18): الظاهر أن اعتبار إذنهما من باب الحکم الشرعی، لا أن یکون لحق منهما، فلا یسقط بالإسقاط.(1)

الإذن فی المقام قد تعلق بتزوج الزوج للابنتین، و ما یذکر من عوض فهو من قبیل النمط الثانی لا الثالث، نعم لو کان التفاوض بین متعلّق الإذن و الإعطاء أو العمل لأمکن تصور أن متعلق الإذن مقیّد و المتعلق ینتفی بانتفاء القید، و أما لو کان الإذن بنفسه طرفاً فی المشارطة و قد مر أنه من الإیقاعات- فتخلّفه ممتنع کما بنوا علی ذلک فی الإیقاعات. هذا و لو بنی علی إمکان التعلیق فی الإیقاعات و کان التقیید فی المقام بنحو التعلیق لا بنحو التقیید و التوصیف و الثبوت عند الثبوت لتم تصوّر تخلّف الإذن.

اعتبار إذنهما من باب الحکم الشرعی

(1) التحقیق:

الصحیح کما حرّرناه فی الفرق بین الحق و الحکم- کما لعله أشار إلیه الماتن فی حاشیته علی المکاسب- لیس بقبول الحق للإسقاط و عدم قبول الحکم لذلک؛ إذ إن هناک جملة من الحقوق غیر قابلة للإسقاط و لا للانتقال، و إن کان الطبع الأوّلی للحق یمتاز بهما بخلاف الحکم، کما أن کلاً من الحکم و الحق هو اعتبار شرعی وضعی أصلی أو تبعی، بل الفرق الفارق بینهما هو فی کون الاعتبار الشرعی نفعی لطرف و قد یکون علی طرف آخر بخلاف الحکم.

و یُنقض ذلک بوجوب نفقة الأرحام أو العمودین، فإنه أیضاً حق و إن لم

ص:342

یستلزم مدیونیة المکلّف، فإن الدین أثر فارق بین الحق و الملک لا بین الحکم و الحق، و قد تقدم سابقاً أن ماهیة الإذن و عنوانه إنما تکون لمن له نحو من السلطنة و التسلّط، و لیس الحق مختصاً بمن یکون طرفاً أصلیّاً فی العقد نظیر إذن الولی فی تزویج الباکر، و نظیر حق الراهن فی العین المرهونة و غیرها من الحقوق التی تتعلّق بالعین لغیر المالک، فإن التزاحم بین ذوی الحق و المالک یقتضی الجمع فی شرطیة صحة العقد بإذن کل من المالک و صاحب الحق، و علی أیة حال فإذنهما فی المقام لمراعاة حق احترامهما، إلا أنه یقع الکلام فی أن هذا الحق قابل للإسقاط أم لا، و الغریب من الماتن و بعض من المحشّین فی المسألة اللاحقة أنهم صحّحوا شرط النتیجة فی عقد سابق علی التزویج و أنه لو رجعت قبل التزویج عن الإذن لم یخل بصحة العقد، مع أنه من قبیل الإسقاط أیضاً.

نعم یمکن إبداء التأمل و النظر و المنع من القول بعدم السقوط بالإسقاط فیما إذا کان فی ضمن عقد آخر، نعم فیما لو کان إسقاطاً ابتدائیاً لا فی ضمن عقد و مشارطة لاتجه عدم السقوط و إن کان حقاً، لأن الصحیح فی الملک فضلاً عن الحق هو التسلّط علی متعلّقهما لا علیهما بذاتهما فالناس مسلّطون علی أموالهم و لیسوا مسلّطون علی سلطانهم علی أموالهم ابتداءً و ذاتاً.

نعم بالتصرّف فی متعلّق السلطنة بالنقل و نحوه تزول السلطنة بالتبع، و ما هو معروف من جواز إسقاط الحق ابتداءً فهو محمول علی إعمال الحق فی أحد طرفیه متعلق فیما یوجب السقوط تبعاً.

ص:343

(مسألة 19): إذا اشترط فی عقد العمة أو الخالة إذنهما فی تزویج بنت الأخ أو الاخت ثمّ لم تأذنا عصیاناً منهما فی العمل بالشرط لم یصح العقد علی إحدی البنتین، و هل له إجبارهما فی الإذن؟ وجهان، نعم إذا اشترط علیهما فی ضمن عقدهما أن یکون له العقد علی ابنة الأخ أو الأخت فالظاهر الصحة و إن أظهرتا الکراهة بعد هذا.(1)

فی اشتراط الإذن فی عقد العمة و الخالة

(1) التحقیق:

اشتراط إذن العمة و الخالة فی ضمن عقدهما بأن تأذنا فی الزواج بالبنتین یقع فی صورتین:

1- بنحو شرط الفعل.

2- بنحو شرط النتیجة.

أما الصورة الأولی: و هی شرط الفعل، فلو عصیتا و لم تأذنا یکون للمالک و الحاکم إجبارهما، بناء علی ما هو الصحیح من أن الشرط یورث حقاً للمشروط له علی المشروط علیه، فللمالک أن یستوفی ذلک الحق کما أن للحاکم استیفاؤه أیضاً نیابة عن المالک، بل لو بنی علی أن الشرط مؤداه حکم تکلیفی فقط، فالصحیح أیضاً أن للحاکم إجبار المشروط علیه من باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر، لا سیما فی الأمور التی هی منشأ نزاع، و الوجه فی ذلک أن الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر هی تولیة من الشارع و إذن للآمر بالتدخل فی شئون التارک للمعروف و المقیم علی المنکر فی حدود

ص:344

(مسألة 20): إذا تزوجهما من غیر إذن ثمّ أجازتا صح علی الأقوی.(1)

المعروف و حدود ما هو منکر، فالأمر بالأمر بالمعروف بنفسه إذن و التولیة، و أما الإشکال بأن الإجبار لا یثمر مع کراهة العمة و الخالة، فمدفوع بأن الإکراه بالحق یقوم مقام الاختیار و الرضا کما هو مفاد أن الحاکم ولی الممتنع، و کما هو مطّرد فی جملة من الأبواب الفقهیة.

و بعبارة أخری: إن التولیة من الشارع للحاکم - و لو من باب الأمر بالمعروف و النهی عن المنکر - مقتضاها نفوذ التصرفات تلک الولایة، کما هو الحال فی الإکراه بالطلاق و الإکراه بالبیع و غیرها من الموارد.

و أما الصورة الثانیة: فبناءً علی أن الإذن حق لهما فشرط النتیجة عبارة عن إعمال لذلک الحق فیکون لازماً للشرط، و أما بناءً علی أن الإذن حکم فلا یصح الشرط لمخافته للحکم الشرعی، إلا إذا رجع شرط النتیجة إلی التوکیل بنحو شرط النتیجة، و التوکیل بنحو شرط النتیجة و إن کان تولیة من الموکل إلا أنه لا مانع منها بعد ما کانت بتبع الإذن فی المتعلق (الوکالة)، و بالاشتراط یکون لازماً و جعلاً لهذه التولیة بتبع ذات المشروط.

حکم التزویج من دون إذن العمة و الخالة

(1)التحقیق:

عن جماعة من المتقدمین منهم الشیخین القول بتخیّر العمة و الخالة بین فسخ عقد البنتین أو عقد أنفسهما، و عن الشرائع و النافع و غیرها البطلان،

ص:345

و عن ابن إدریس بطلان عقد البنتین وتخیرهما فی عقد أنفسهما، و إلی الصحة ذهب أکثر المتأخرین.

أما القول بالبطلان: فیستدل له تارة بما ورد فی صحیح علی بن جعفر من التعبیر ب-(فمن فعل فنکاحه باطل)(1) الظاهر فی الفساد، و أخری بأن العقد حیث قد وقع غیر صحیح لفقد إذنهما فلا ینقلب عما وقع علیه، و ثالثة بظهور النهی الوارد فی الروایات فی الفساد.

و فیه: إنه قد تقدم حمل البطلان علی النقصان و عدم الصحة الفعلیة لا الفساد الذاتی، ککون البیع ربویاً و کالعقد علی المحارم و نحو ذلک، و أما البطلان لفقد الشرط فلا یوجب اتصاف العقد بالمانع الذاتی.

و بعبارة أخری: إن النهی الوارد فی الروایات لا یشیر إلی المانعیة المقارنة للعقد کی یلتزم باتصاف العقد بالفساد الفعلی الذاتی، بل یشیر إلی شرطیة الإذن، و الجمع بین جعل الشرطیة و المانعیة قد تقرر فی بحث اللباس المشکوک امتناعه أو لغویته، و علی ذلک فلا بد أن یکون المستفاد من الروایات إما شرطیة الإذن أو مانعیة عدم الإذن و الکراهة، و حیث کان الأقوی ظهوراً أخذ الإذن مضافاً إلی تقدّم اعتبار الشرطیة رتبة علی المانعیة، کان الصحیح ظهور العدل لشرطیة الإذن، و حیث أن هذا الإذن لیس رکناً فی العقد فلا مقتضی لظهور الأدلة فی أخذ هذا الشرط بنحو یکون مقارناً صدوراً مع العقد، بل إن رضا المتعاقدین مع أنه رکن فی العقد قد دلت الأدلة علی صحة لحوقه بالعقد الفضولی فی مطلق العقود، فکیف برضا من لم یکن طرفاً أصلیاً فی العقد، کما هو الحال فی حق الرهن و حق الجنایة و إذن الولی فی زواج

ص:346


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح3.

(مسألة 21): إذا تزوج العمة و ابنة الأخ و شک فی سبق عقد العمة أو سبق عقد الابنة حکم بالصحة، و کذا إذا شک فی السبق و الاقتران بناء علی البطلان مع الاقتران.(1)

البکر، و هذا بخلاف الأوصاف المرتبطة بالعوضین أو بالإیجاب و القبول فی العقد، فإنها ظاهرة فی الاتصاف حین إنشاء العقد، أما القول بتخیر الخالة و العمة، فهو و إن کان باعتبار أن أصل المجعول لهما حق عدم الجمع بینهما و بین الابنتین، إلا أنه لا مقتضی لتسلّطهما علی عقد أنفسهما بعد کونه سابقاً متصفاً باللزوم، بل مقتضی تسلّطهما علی عدم الجمع هو منعه مع صحّة عقد الابنتین کما تقدّم بیانه فی (مسألة 9) من ثمّ کان قول ابن إدریس أبعد من قول المتقدّمین.

فی حکم الشک فی سبق أو لحوق عقد العمة أو الخالة

(1) التحقیق:

إن فرض الشک فی الصورتین یُثمر بناءً علی إن شرطیة إذن العمة و الخالة و حقّهما مخصوص بما إذا کان عقدهما سابقاً، فتجری الأصول العدمیة من أصالة سبق عقدهما لنفس الشرطیة و إثبات الصحة، لکن بناء علی ما استظهرناه وفاقاً لجملة من المتقدمین و المتأخرین أن حق العمة و الخالة مطلق فی صور الجمع کالجمع بین الحرة و الأمة و المسلمة و الکتابیة، غایة الأمر أنه فی صورة سبق عقدهما أو الاقتران تتسلطان علی عقد البنتین، بخلاف ما لو تأخر عقدهما، و إن کان یظهر من الشیخین و جماعة من

ص:347

المتقدّمین کما مر فی المسألة السابقة و المسألة التاسعة - أنهما تتخّیران فی کل من العقدین حتی لو - کان عقدهما سابق، لکنه خلاف الأصل و العمومات، فاللازم الاقتصار فی رفع الید عنها علی القدر المتیقّن، و إن کان لا یخلو من وجه مع ملاحظة التقریب الذی ذکرناه فی المسألة التاسعة، من تعمیم حقّهما لصورة کل من التقدم و التأخر و التقارن، مع أن ظاهر الأدلة فی صورة سبق عقدهما شرطیة الإذن فی صحة عقد الابنتین، نعم نظیر هذا اللسان قد ورد فی إذن الولی علی الباکر و قد حمل فی بعض التقادیر علی تسلّطه علی الفسخ.

لکن ما فی بعض الروایات المتقدمة من إجراء التعزیر علی من تزوج من دون الإذن، ظاهر فی کونه شرط الصحة أیضاً، و إن کان لا یأبی الحمل علی کراهة الخالة الذی هو بمنزلة الفسخ.

و قد یقرر کلام المتقدمین علی أخذ مانعیة کراهة العمة و الخالة، لا شرطیة الإذن، غایة الأمر أن هذا المانع مانعیته أعم من حالة الاقتران أو حالة اللحوق بالعقد، نظیر انحلال النذر بقاءً لمرجوحیة متعلّقه، و نظیر الردّ فی العقود الجائزة فإنه و إن لم یکن حقاً فی الفسخ و لکنه مزیل للصحة بقاءً.

و علی أی تقدیر فإن هذین محتملان، لکن ما اخترناه من الوجه الأول الوجهین الأخیرین کما مر فی المسألة التاسعة - أظهر، و علی ذلک فتظهر الثمرة أیضاً بین سائر الصور.

و مقتضی جریان أصالة عدم تقدم کل من العقدین هو التقارن، و بذلک تتسلّط العمّة و الخالة علی عقد البنتین دون عقد أنفسهما، هذا فی الشق الأول من المتن.

ص:348

(مسألة 22): إذا ادعت العمة أو الخالة عدم الإذن، و ادعی هو الإذن منهما قدم قولهما. و إذا کانت الدعوی بین العمة و ابنة الأخ - مثلاً - فی الإذن و عدمه فکذلک قدم قول العمة.(1)

نعم لو علم إجمالاً بعدم التقارن لوقع التعارض بین الأصلین، و یکون الحکم فی هذه الحالة هو حکم الشق الثانی فی المسألة؛ لتعارض أصالة العدم فی السبق و الاقتران، و حینئذٍ قد یقال بالقرعة لأنها لکل أمر مشکل، أو للزوم عمل الزوج بمقتضی الاحتیاط فیما إذا أعملت العمّة و الخالة حقّهما.

حکم ادعاء الإذن و عدمه

(1) التحقیق:

قد یُقرّب تقدیم قول العمة فی کلا شقی المتن بأصالة عدم الإذن، و أما أصالة الصحة فإنما تجری مع وجود قرینة علی الفعل و تمامیته، لا مع عدمها کما هو مسلک المشهور، و سواء کان الشک فیما هو موضوع السلطنة أو أجزاء العقد أو أرکانه، خلافاً للعلامة و المحقق الکرکی حیث منعا من جریان أصالة الصحة فیما إذا کان الشک فیما هو رکن و موضوع العقد، کما لو شک فی حیضیة المرأة المطلّقة و ادّعت هی الحیض أو شُک فی بلوغ العاقد أو البائع و نحو ذلک، بخلاف ما لو لم توجد قرینة فی البین، فکذلک فی المقام، فلو فرض تعاطی الزوج للحیاة الزوجیة مع الابنتین بمشهد من العمّة و الخالة مدّة، ثمّ ادّعت بعد ذلک عدم الإذن، کان الوجه فیه جریان أصالة الصحة؛ لوجود القرینة فی البین.

ص:349

(مسألة 23): إذا تزوج ابنة الأخ أو الأخت و شک فی أنه هل کان عن إذن من العمة و الخالة أو لا؟ حمل فعله علی الصحة.(1)

(مسألة 24): إذا حصل بنتیة الأخ أو الأخت بعد التزویج بالرضاع لم یبطل و کذا إذا جمع بینهما فی حال الکفر ثمّ أسلم علی وجه.(2)

حکم الشک فی إذن العمة أو الخالة

(1) التحقیق:

لجریان أصالة الصحة، لکون ظاهر الحال الوفاق من دون خصومة، و هی أمارة محقّقة لجریان أصالة الصحة.

إذا حصلت بنتیة الأخ أو الأخت بعد التزویج بالرضاع

(2) التحقیق:

قال الشیخ فی المبسوط: )إذا نکح امرأة و خالتها أو امرأة و عمّتها فکأنه تزوج أختین، فإذا أسلم اختار أیهما شاء و خلّی سبیل الأخری دخل بها أم لم یدخل بها، إلا أن ترضی العمة و الخالة فیجمع بینهما(1) و نظیر ذلک ما اختاره فی الشرائع و الجواهر(2).

و قد قرّب ذلک فی الجواهر بأنه عند الإسلام یکون إقراره علی الزوجیة بمنزلة عقد جدید، و علی ضوء ذلک فالخیار له دون العمّة و الخالة، إذ لو کان

ص:350


1- (1) المبسوط: ج4 ص222.
2- (2) الجواهر: ج30 ص70.

أراد أن یعقد علی العمة و الخالة و البنتین ابتداءً و لم تکونا راضیتین فالخیار له دونهما.

أقول: هذا إنما یتمّ فیما إذا لم تکن العمّة و الخالة قد رضیتا فی السابق، إذ مع الرضا فی حالة الکفر فالجمع صحیح عندنا و عندهم، أما لو لم تکونا راضیتین فیتمّ ما ذکره صاحب الجواهر؛ لأنه مع عدم رضاهما لا یسوغ له الجمع و یکون إقراره علی زوجیتهما اقتران فی الزوجیة، من غیر فرق بین ما إذا کان سبق أو تأخر فی العقد فی حال الکفر، نظیر ما لو أسلم علی أختین فإنه یتخیّر بینهما و إن کان بینهما سبق و لحوق.

و أما الشق الأول فی المسألة، فهل هو کالشق الثانی أو هو من قبیل المسلم الذی ارتضعت زوجته الصغیرة من لبن أم زوجته الکبیرة، فإن یتخیّر بینهما و لو بعقد مستأنف، أو یقال بالفرق بین الشقین، فإن طرو العمومة و الخؤولة لیس بمنزلة عقد جدید، بل هو أشبه بما لو کان ولی البکر مجنوناً فأفاق بعد العقد علی البکر.

نعم یحتمل تسلّط العمّة علی الفسخ بتجدّد حقها، لا سیما علی القول بأن المنع عن الجمع هو لکونه حقاً للعمّة و الخالة، لا مجرّد شرطیة، و لعل ذلک هو الأظهر.

ص:351

(مسألة 25): إذا طلق العمة أو الخالة طلاقاً رجعیاً لم یجز تزویج أحد البنتین إلا بعد خروجهما عن العدة، و لو کان الطلاق بائناً جاز من حینه.(1)

(مسألة 26): إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد علی البنت، لأن طلاق الخلع بائن. و إن رجعت فی البذل لم یبطل العقد.(2)

فی تزویج بنت الأخ أو الأخت فی العدة الرجعیة للعمة و الخالة

(1) التحقیق:

لأن المطلّقة رجعیاً زوجة، کما یدلّ علیه قوله تعالی: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (1)، حیث تدلّ علی أن المطلّقة الرجعیة قبل بلوغ أجل العدّة لم یحصل لها الفراق عن الزوج، و إنما هی معلّقة علی بلوغ الأجل، و هذا بخلاف البائنة، فإنها لیست زوجة و إن ترتبّت بعض أحکام الزوجیة بالتنزیل.

إذا طلق إحداهما بطلاق الخلع جاز له العقد علی البنت

(2) التحقیق:

أما صورة طلاق الخلع مع عدم رجوع الزوجة فی البذل فلأنه بائن، و أما إذا رجعت فی البذل فینقلب الطلاق إلی رجعی، و دعوی کونها زوجیة جدیدة أو زوجیة تنزیلیّة خلاف ظاهر الأدلة کما سیأتی، و علی ذلک فالتزوّج

ص:352


1- (1) الطلاق: 2.

(مسألة 27): هل یجری الحکم فی المملوکتین و المختلفتین؟ وجهان أقواهما العدم.(1)

بالبنتین و إن لم یکن ابتداءً بینهما و بین العمّة، إلا أنه بقاءً من الجمع، و قد مرّ أن حقهما فی المنع أعم من السبق و اللحوق أو الاقتران، غایة الأمر إذا کانت زوجیة البنتین داخلة علی زوجیة العمّة و الخالة لهما الحق فی منع زوجیة البنتین، و کذا فی الاقتران کما مرّ، بخلاف العکس فإن حقهما فی فسخ عقد أنفسهما، و فی المقام الطلاق و إن وقع بائناً و انقطعت الزوجیة، إلا إن الرجوع فی البذل یُعدّ فسخاً للطلاق الذی هو إیقاع، فإن هذا المورد من أمثلة ذلک، غایة الأمر یکون فسخاً للإیقاع و حلاً لفعلیته لا لأصل وجوده الإنشائی، و یضل وجوده الإنشائی معلقاً علی بلوغ الأجل فی العدّة، و إذا حصل رجوع من الزوج أثناء العدّة انحلّ الطلاق تماماً، و الاعتبار قاض بأن الفترة المتخلّلة بین الطلاق الخلعی و الرجوع فی البذل و إن کانت بینونة و لکنها بحکم الزوجیة المعلّقة، لأن الزوجة الباذلة لها حق الرجوع و إرجاع الزوجیة فی ضمن عنوان المطلّق الرجعی، فلا یبعد صدق تزویج البنت علی العمّة و الخالة.

هل یجری الحکم فی المملوکتین و المختلفتین؟

(1) التحقیق:

ظاهر عبارة الماتن إرادة الوطی بالملک فیهنّ جمیعاً، أو به و بالتزویج، و ما ورد بعنوان التزویج فهو غیر شامل للمقام، لکن قد ورد النهی عن عنوان

ص:353

النکاح فی صحیح علی بن رئاب(1) و مصحح أبی عبیدة(2) و قد مرّ أن فی مصحّح أبی الصباح النهی عن الجمع(3) و کما أن فی صحیح محمد بن مسلم المروی فی النوادر النهی عن النکاح(4)، و الإشکال فی دلالة هذه الروایات:

تارة بأن المنسبق من لفظ النکاح هو العقد و لا جامع بینه و بین الوطی إلا بتکلف.

و بضعف و أخری بضعف طریق أبی الصباح، مضافاً إلی أن جملة من هذه الروایات مفادها قریب لما علیه العامّة من الحرمة الذاتیة کحرمة الجمع بین الأختین.

مدفوع: بأن لفظ النکاح کما مرّ فی الحرمة الأبدیة للزنا بذات البعل یعمّ کل من العقد و الوطی بمعنی واحد، غایة الأمر أحدهما مصداق تکوینی و الآخر اعتباری تنزیلی، ما ورد فی الأدلة بعنوان النکاح لو أرید به العقد فهو شامل للوطی أیضاً عرفاً، لظهور ترتیب الأثر علی النکاح التنزیلی فی ترتیبها علی ما هو نکاح حقیقی و أنه من قبیل الغایة مع ذیها، فلاحظ بسط الکلام فی تلک المسألة، و هو کان معتمد المشهور فی الحرمة الأبدیة، و أما ضعف السند فی طریق أبی الصباح، فقد تقدم أن محمد بن الفضیل و إن کان الصیرفی فهو ثقة أیضاً، فلاحظ ما ذکره جامع الرواة من قرائن.

و أما کون جملة من مفادها ملحون بما یشبه مرام العامّة فقد تقدّم أن إطلاق المنع فیها مقیّد بالإذن، فالتعمیم للوطی بالملک غیر بعید.

ص:354


1- (1) أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب30 ح 8
2- (2) المصدر السابق: ح 9
3- (3) المصدر السابق: ح 7.
4- (4) المصدر السابق: ح12 -13.

(مسألة 28): الزنا الطارئ علی التزویج لا یوجب الحرمة إذا کان بعد الوط ء، بل قبله أیضاً علی الأقوی. فلو تزوج امرأة ثمّ زنی بأمها أو بنتها لم تحرم علیه امرأته. و کذا لو زنی الأب بامرأة الابن لم تحرم علی الابن. و کذا لو زنی الابن بامرأة الأب لا تحرم علی أبیه. و کذا الحال فی اللواط الطارئ علی التزویج، فلو تزوج امرأة و لاط بأخیها أو أبیها أو ابنها لم تحرم علیه امرأته، إلا أن الاحتیاط فیه لا یترک. و أما إذا کان الزنا سابقاً بغیرهما ففیه خلاف. و الأحوط التحریم، بل لعله لا یخلو عن قوة. و کذا الکلام فی الوط ء بالشبهة، فإنه إن کان طارئاً لا یوجب الحرمة، و إن کان سابقاً علی التزویج أوجبها.(1)

حکم الزنا بالأم أو البنت بعد التزویج

اشارة

(1) التحقیق:

کلمات الفقهاء

قال الشیخ الطوسی فی المبسوط: )الوطی بالنکاح و بالملک و بالشبهة یحرم و ینشر الحرمة بلا خلاف، و أما الزنا ففیه خلاف بین أصحابنا و فیه خلاف أیضاً بین الفقهاء - و قال أیضاً - و أما الوطی بشبهة فعلی ضربین...... فالحکم فی هذا الوطی کالحکم فی الوطی بملک الیمین فیما یتعلّق فیه من تحریم بالمصاهرة حرف بحرف(.

و قال أیضاً: )الزنا ینشر تحریم المصاهرة مثل الوطی بالعقد علی قول أکثر أصحابنا، و قد روی أنه لا ینشر و یحل له وطیها بنکاح، و نکاح أمهاتها و بناتها، و به قال قوم من المخالفین، و الوطی بالشبهة ینشر تحریم المصاهرة،

ص:355

تحرم علیه أمها و بنتها و إن علت الأمهات و إن نزلت البنات(1).

و التفصیل فی الحرمة بالزنا قبل الزواج دون ما بعده هو المحکی عن المشهور، کالشیخ فی بقیة کتبه، و کذا عن جملة المتقدّمین، و عن التذکرة و المختلف و الإیضاح و اللمعة و النکت و الکنز و التنقیح و غیرهم من المتأخرین و جملة من متأخری المتأخرین، بل عن ابن الجنید تحریم مزنیة الأب و الابن علی الآخر بعد التزویج قبل الوطی، و عن التبیان و مجمع البیان استظهر العموم فی قوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ) لکل من العقد و الوطی و لو سفاحاً لاستعماله فی کل منهما، و عن الغنیة دعوی الإجماع علیه، و أما القول بعدم التحریم مطلقاً فی الزنا فهو المحکی عن الصدوق فی کتبه، و المقنعة و المسائل الناصریة و ابن سلاّر و ابن إدریس و النافع و الإرشاد و کشف الرموز، و قد ادّعی شهرة هذا القول أیضاً.

و أما العامة فظاهر ما حکاه ابن قدامة فی المغنی معروفیّة کل من القول بالحرمة و القول بالحلّیة، إلا أن ظاهره إطلاق القائلین بالحرمة من دون تفصیل بین قبل الزواج و بعده، و کذلک القائلین بالحلّیة من دون تفصیل بین القبل و البعد، فالقول بالتفصیل مخالف لما ذهبوا إلیه(2).

و أما وطی الشبهة فمرّ اختیار المبسوط للحرمة، و عن التذکرة دعوی الإجماع علیه، و هو ظاهر ما تقدّم من عبارة المبسوط أیضاً، و نسب إلی الشهرة العظیمة أیضاً، و فی الشرائع اختار الحلّیة، مع أنه قوّی الحرمة فی الزنا، و قد تقدّم شطر من الکلام فی المسألة (1) و(21) من فصل التزویج فی عدّة الغیر.

ص:356


1- (1) المبسوط: ج4 ص208-209.
2- (2) المبسوط: ج4 ص202 ص203.
و أما عموم الآیة

و هی قوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِیلاً) .

فقد أشکل فی استظهاره بأن استعمال النکاح فی العقد و الوطی، بجامع واحد و هو معنی مجازی بعید، مضافاً إلی انسباق العقد من استعمال اللفظة.

و فیه: إن المعنی الجامع هو الأصل فی وضع اللفظة، غایة الأمر إن هذه الماهیة للمعنی و هو الضمّ و الاقتران له فرد تکوینی و هو الوطی، و له فرد اعتباری و هو المسبّب من العقد، إذ أسماء المعاملات موضوعة فی الأصل للمسبّبات لا للأسباب، و إنما تطلق علی الأسباب توسعاً، و المسبّب هنا من الزوجیة هو اقتران و ضم اعتباری، مع أنه إذا نهی عن الماهیة بوجودها الاعتباری فهو دال علی النهی عن الماهیة بوجودها التکوینی، کما مرّ فی مسألة نکاح الأجنبی بذات البعل، أنه لا یخص العقد بها فقط، بل یشمل الوطی بالزنا کما استظهر ذلک المتقدّمون من الروایات الواردة ثمة، و یؤیّد عموم الاستعمال ما سیأتی فی موثق حنّان من التعبیر فیها (عن رجل نکح امرأة سفاحاً) فاستعمل التزویج فی الوطی.

فالصحیح عموم دلالة الآیة، مضافاً إلی ما قیل إن فی ذیل الآیة قرینة علی إرادة ما یشمل الوطی أیضاً، غایة الأمر إن عموم الآیة مخصص بالروایات المفصّلة بین تأخر التزویج و سبقه.

و یدعم إرادة العموم من عنوان النکاح لکلّ من العقد و الوطی، ما سیأتی من مفهوم قاعدة الحرام لا یفسد الحلال، من کون منطوق القاعدة کالاستثناء من عموم سببیة مطلق الوطی.

ص:357

الروایات الواردة فی المقام
الطائفة الأولی: ما ظاهره الحلّیة مطلقاً

کصحیحة هشام ابن المثنی: )قال: کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام)، فقال له رجل: رجل فجر بامرأة، أ تحل له ابنتها؟ قال: نعم إن الحرام لا یفسد الحلال(1).

و فی الصحیح إلی ابن رباط عمّن رواه عن زرارة، قال: )قلت لأبی جعفر(علیه السلام) رجل فجر بامرأة هل یجوز له أن یتزوج ابنتها؟ قال: ما حرّم حرام حلال قط (2). و فی موثق حنّان بن سدیر قال: )کنت عند أبی عبد الله(علیه السلام) إذ سأله سعید عن رجل تزوج امرأة سفاحاً هل تحل له ابنتها؟ قال: نعم، إن الحرام لا یحرّم الحلال(3)، و فی صحیح صفوان قال: )عن رجل یفجر بامرأة و هی جاریة قوم آخرین ثمّ اشتری ابنتها أ یحلّ له ذلک؟ قال: لا یحرّم الحرام الحلال، و رجل فجر بامرأة حراماً یتزوج بابنتها؟ قال: لا یحرّم الحرام الحلال(4). و موثق زرارة، قال: قال أبو جعفر(علیه السلام) : إن زنا رجل بامرأة أبیه أو بجاریة أبیه فإن ذلک لا یحرّمها علی زوجها، و لا یحرّم الجاریة علی سیّدها إنما یحرّم ذلک منه إذا أتی الجاریة و هی له حلال فلا تحلّ تلک الجاریة لابنه و لا لأبیه، و إذا تزوج امرأة تزویجاً حلالاً فلا تحلّ تلک المرأة لأبیه و لا لابنه(5).

ص:358


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب 6 ح10.
2- (2) المصدر السابق: ح9.
3- (3) المصدر السابق: ح11.
4- (4) المصدر السابق: ح12.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب ما یرم بالمصاهرة: ب4 ح1 و الکافی، الکلینی: ج5 ص419 ح7.

بتقریب أن ذیل الروایة دال علی حصر السبب المحرّم من الوطی بما إذا کان منعوتاً بالحلّیة دون ما إذا کان حراماً.

و فی صحیح زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) أنه قال: )فی رجل زنا بأم امرأته أو بابنتها أو بأختها، فقال: لا یحرّم ذلک علیه امرأته، ثمّ قال: ما حرّم حرام قط حلالاً(1).

و فی صحیح سعید بن یسار، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل فجر بامرأة یتزوج ابنتها؟ قال: نعم یا سعید إن الحرام لا یفسد الحلال(2). و مثله معتبرة أخری لهشام بن المثنی(3).

الطائفة الثانیة: ما ظاهره الحرمة مطلقاً

کصحیحة أبی بصیر قال: )سألته عن الرجل یفجر بالمرأة أ تحلّ لابنه؟ أو یفجر بها الابن أ تحلّ لأبیه؟ قال: لا، إن کان الأب أو الابن مسّها واحد منهما فلا تحل(4). و فی صحیح علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر(علیه السلام) قال: )سألته عن رجل زنا بامرأة هل یحلّ لابنه أن یتزوجها؟ قال: لا(5).

الطائفة الثالثة: ما دل علی التفصیل بین سبق الزنا علی الزواج أو تأخره عنه

کصحیح محمد بن مسلم عن أحدهما: )أنه سئل عن الرجل یفجر بامرأة أ یتزوج بابنتها؟ قال: لا، و لکن إن کانت عنده امرأة ثمّ فجر بأمها أو

ص:359


1- (1) الکافی، الکلینی: ج5 ص461 ح4، وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب8 جح.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6 ح6.
3- (3) المصدر السابق: ح7.
4- (4) المصدر السابق: ب9 ح1.
5- (5) المصدر السابق: ح2.

أختها لم تحرم علیه امرأته، إن الحرام لا یفسد الحلال(1).

و فی صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی رجل تزوج جاریة فدخل بها ثمّ ابتلی بها ففجر بأمها أ تحرم علیه امرأته؟ فقال: لا إنه لا یحرّم الحلال الحرام(2) و موردها الحلّیة فی الزنا اللاحق للزواج، و مثلها صحیحة زرارة المتقدّمة فی آخر روایات الحلّ (3)، و صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما(علیه السلام)، قال: )سألته عن رجل فجر بامرأة أ یتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا(4).

الطائفة الرابعة: التفصیل بین سبق الزنا علی وطی الزوج أو تأخر الزنا عنه

أی بإضافة قید وطی الزوج علی التفصیل السابق، کموثق عمار بن موسی الساباطی عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی الرجل تکون عنده الجاریة فیقع علیها ابن ابنه قبل أن یطأها الجد، أو الرجل یزنی بالمرأة هل یجوز لأبیه أن یتزوجها؟ قال: لا، إنما ذلک إذا تزوجها فوطأها ثمّ زنا بها ابنه لم یضرّه، لأن الحرام لا یفسد الحلال، و کذلک الجاریة(5)، و صحیحة الکاهلی قال: )سئل أبو عبد الله و أنا عنده عن رجل اشتری جاریة و لم یمسّها فأمرّت امرأته ابنه و هو ابن عشر سنین أن یقع علیها فوقع علیها فما تری فیه؟ فقال: أثم الغلام و أثمت أمه و لا أری للأب إذا قربها الابن أن یقع علیها(6)، و مصحّح أبی

ص:360


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب8 ح1 - ح7.
2- (2) المصدر السابق: ح2.
3- (3) المصدر السابق: ح3.
4- (4) المصدر السابق: ب7 ح1-2.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب4 ح3.
6- (6) المصدر السابق: ح2.

الصباح الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )إذا فجر الرجل بالمرأة لم یحل له ابنتها أبداً، و إن کان قد تزوج ابنتها قبل ذلک و لم یدخل بها فقد بطل تزویجه، و إن هو تزوج ابنتها و دخل بها ثمّ فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فلیس یفسد فجوره بأمها نکاح ابنتها إذا هو دخل بها، و هو قوله: لا یفسد الحرام الحلال إذا کان هکذا(1) ، و ستأتی روایة رابعة فی التنبیه الرابع من هذه المسألة دالة علی المقام.

الجمع بین سائر الطوائف و طائفة الخامسة

العمدة هو الجمع بین الطائفة الأولی و البقیة الدالة علی أصل الحرمة، حیث إنه ادّعی فی لسان الطائفة الأولی الدالة علی الحل أن بعضها مطلق قابل للتقیید، و لکن بعضها الآخر خاص فی حلّیة الزواج المتأخر عن الزنا السابق، فتعارض الطوائف الثلاث الأخیرة برمّتها، کما فی صحیحة صفوان الناصّة علی سبق الفجور علی التزویج و الشراء، و کذلک موثّق زرارة حیث نُصّ فیه علی عدم تحریم الوطی المحرّم و حصر التحریم بالوطی المحلّل، بل إن ظاهر صحیحة هشام و المرسل عن زرارة و موثّق حنّان تأخر الزواج عن الزنا و إن لم یکن ذلک بدرجة النصوصیة.

و الصحیح هو ما ذکره الشیخ الطوسی فی حمل الطائفة الأولی علی الإطلاق القابل للتقیید فإن جلها ذکر عنوان الفجور و هو عنوان قابل للتقیید بما دون الوطی، و یشهد لعمومیة استعماله ما فی صحیحة منصور ابن حازم عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی رجل کان بینه و بین امرأة فجور هل یتزوج ابنتها؟

ص:361


1- (1) المصدر السابق: ب8 ح8.

فقال: إن کان من قبلة أو شبهها فلیتزوج ابنتها، و إن کان جماعاً فلا یتزوج ابنتها و لیتزوجها هی إن شاء(1). فإن فی هذه الصحیحة قد جعل الفجور مقسماً لکل من الجماع و ما دونه، بل هذه الصحیحة بنفسها من اللسان المفصّل و تعدّ طائفة خامسة، و توجب انقلاب النسبة بین الطائفة الأولی و بقیة الطوائف.

و فی موثق ابن بکیر قال: )سألت أبا عبد الله(علیه السلام) فی آخر ما لقیته عن غلام لم یبلغ الحلم وقع علی امرأة أو فجر بامرأة، أی شیء یصنع بهما؟ قال: یضرب الغلام دون الحد و یقام علی المرأة الحد(2) فقد قوبل فی سؤال السائل بین الواقع الذی هو الجماع و مطلق الفجور، مما یدلّل علی أعمّیة استعمال الفجور فی الجماع و ما دونه.

و من الطائفة الخامسة أیضاً - التی توجب انقلاب النسبة و الظهور بین الطائفة الأولی و بقیة الطوائف - ما فی جملة من الروایات الصحیحة التی ورد فیها لفظ المباشرة للمرأة، و هو منصرف أیضاً فی الوهلة الأولی إلی الوقاع، و إن کان أقل درجة من انصراف عنوان الفجور إلیه لکنه منصرف أیضاً، و قد قسّمت المباشرة فی تلک الروایات إلی الإفضاء و ما دون الإفضاء، کما فی

صحیح العیص بن القاسم، قال: )سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل باشر امرأة و قبل غیر أنه لم یفض إلیها، ثمّ تزوج ابنتها؟ فقال: إن لم یکن أفضی إلی الأم فلا بأس، و إن کان أفضی إلیها فلا یتزوج ابنتها(3) ، و أما موثّق زرارة فی

ص:362


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6 ح3-4.
2- (2) الکافی، الکلینی: ج7 ص180 ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6 ح2.

الطائفة الأولی فیخدش فی استظهار الحصر أن الحصر المذکور فی الذیل إنما هو فی قبال الوطی المحرّم المتأخر علی الزواج المذکور فی صدر الموثقة، فلا یکون له ظهور فی نفی الوطی المحرّم مطلقاً، أو فی نفی سببیة مطلق الوطی المحرّم.

و قد ذکر فی ذیل الموثقة سبب آخر للتحریم غیر الوطی الحلال، و هو العقد الحلال علی المرأة مما یشیر إلی کون إطلاق الحصر قابل للتقیید.

هذا مضافاً إلی أن لسان الطوائف الأخیرة لسان مفصّل بدرجة النصوصیة، فلا یعارض بها الطائفة الأولی التی هی بمنزلة الظهور، عدا صحیح صفوان، و یعضد ذلک التعبیر الوارد فی الطائفة الأولی (ما حرّم حرام قط حلالاً) فإنه لو کان المراد من الحلال الحلال المتأخر المقدّر لانتقض باللواط، و کذا العقد علی ذات البعل مع العلم، و کذا الزنا بالعمة و الخالة و غیر ذلک، مما یدلّل علی أن المراد من الحلال هو الحلال الفعلی، أی فیما کان الوطی الحرام متأخراً عن سبب الحلّیة کالزواج و الملک.

هذا و یبقی فی المقام معالجة الطائفة الرابعة و بقیة الطوائف، و لا مئونة فی الجمع بینها بعد کون الطائفة الرابعة أخص مطلقاً، کما مرت الإشارة فی المسألة (21) فیمن لاط بغلام، إلا أنه ادّعی إعراض المشهور عن العمل بالطائفة الرابعة و رمیت بالشذوذ، بل حکی عن جماعة ادّعاء الإجماع علی خلافها.

و فیه: أنه قد مرّ ذهاب ابن الجنید إلی التفصیل بمضمون هذه الطائفة الرابعة، و ظاهر الاستبصار العمل بموثّق عمّار من هذه الطائفة(1) و ذلک ظاهره

ص:363


1- (1) الاستبصار: ج3 ص164.

أیضاً فی موضع آخر من الاستبصار، حیث ظاهره العمل بمصحّح أبی الصباح الکنانی أیضاً(1)، و عن صاحب الحدائق المیل إلی هذا التفصیل أیضاً و حکاه عن بعض مشایخه المحقّقین.

فالعمل بمقتضی هذه الطائفة من التفصیل لا یخلو من قوة، لا سیما و أن من طعن فیها لم یتعرض إلا لمصحّح الکنانی، و بعض لموثق عمار.

تنبیهات
اشارة

بقی فی المسألة تنبیهات لا بد من التعرض لها:

التنبیه الأول: عموم الحکم لوطی الشبهة

لقد مرّ نسبة ذلک إلی المشهور، بل الإجماع فی المحکی عن التذکرة، و مرّ أیضاً شمول عموم قوله تعالی: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ) له، مضافاً إلی قرب دعوی أن المراد بالحرام - الذی فصّل فی تسبیبه منطوقاً و مفهوماً فی القاعدة - هو الحرام کحکم للفعل فی ذاته، أی الحرمة الفعلیة و إن لم تکن حرمة فاعلیة.

و بعبارة أخری: إن قاعدة (الحرام لا یحرّم الحلال) کالاستثناء من عموم سببیة الوطی لنشر الحرمة فیستثنی منه خصوص ما کان متأخراً، و علی ذلک لا یبعد القول بأن وطی الأب أو الابن شبهة لزوجة الآخر المدخول بها لا یوجب التحریم.

ص:364


1- (1) الاستبصار: ج3 ص165-166.
التنبیه الثانی: عموم نشر الحرمة للأم و البنت الرضاعیة و الأب و الابن الرضاعی

و ذلک لعموم قاعدة یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب، و خصوص صحیح محمد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام: )قال: سألته عن رجل فجر بامرأة أ یتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا(1).

التنبیه الثالث: تحریم بنت الخالة

و ذلک باتفاق الأصحاب، و قد ألحقوا بها بنت العمة أیضاً، و یقتضیه عموم سببیة الوطی الناشر للحرمة للزنا کما مرّ، و هو شامل لکل من بنت الخالة و بنت العمّة فیما إذا کان الزنا بخالته أو عمّته سابقاً علی العقد.

و یدل علیه بالخصوص: صحیح محمد بن مسلم، قال: )سأل رجل أبا عبد الله(علیه السلام) و أنا جالس عن رجل نال من خالته فی شبابه، ثمّ ارتدع یتزوج ابنتها؟ قال: لا، قلت: إنه لم یکن أفضی إلیها إنما کان شیء دون شیء ، فقال: لا یُصدق و لا کرامة(2) و مثله صحیح أبی أیوب و إن کان قد تضمن أن السائل محمد بن مسلم(3) لا یضرّ هذا المقدار من الاختلاف فی الروایة، و قد حکی السید المرتضی أن أکثر العامة خالفوا فی التحریم، مع أنه قد مرّ أنهم منقسمون فی نشر الزنا للتحریم.

التنبیه الرابع: فی اللواط المتأخر عن التزویج

لقد ورد فی اللواط المتأخر عن التزویج أنه یوجب التحریم، کما فی الصحیح إلی ابن أبی عمیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبد الله(علیه السلام) : )

ص:365


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب7 ح1-2.
2- (2) المصدر السابق: ب10 ح1.
3- (3) المصدر السابق: ح2.

فی رجل یأتی أخا امرأته، فقال: إذا أوقبه فقد حرمت علیه المرأة(1) و قد تقدم فی المسألة (21) أنها مقیدة بالطائفة الرابعة المفصّلة بین تأخر السبب الحرام عن کل من التزویج و وطی الزوج و عدمه، بل هذه الروایة داعمة للطائفة الرابعة.

التنبیه الخامس: فی عموم سببیة اللواط لنشر الحرمة

لقد تقدم أن الوطی الحرام بعد العقد الحلال و وطیه لا ینشر الحرمة، و لکن الکلام فیما لو طلق زوجته و بانت منه ثمّ أراد أن یُجدّد العقد علیها، فهل یجوز العقد المجدّد و لو استصحاباً للحلّ أو عملاً بعموم منطوق القاعدة أم أن المورد یندرج فی مفهوم القاعدة و عموم سببیة الوطی لنشر الحرمة؟

قد یقال: بأن المورد حیث قد خُصّص من عموم أسباب التحریم فلا یندرج مرة أخری فی العموم بعد تخلّل قطعة زمانیة کان خارجاً و داخلاً تحت عنوان المخصص، بل قد یقال: إن إطلاق المخصص شامل للحلال المتجدّد فیما قد سبقه حلال أسبق من الزنا.

و قد یقال: إن الزنا المتأخر عن التزویج لم یخرج مطلقاً عن عموم تحریم السببیة فی نشر الحرمة، و إنما خرج بقدر و بالإضافة إلی الحلال الفعلی لا الحلال المقدر و التزویج المتجدّد، لا سیما إنه لو وقع الزنا أو اللواط بعد طلاق الزوجة و بینونتها فإنه مشمول لإطلاقات التحریم، و لا یخلو هذا من وجه مع أنه أحوط.

ص:366


1- (1) المصدر السابق: ب15 ح2.

(مسألة 29): إذا زنی بمملوکة أبیه، فإن کان قبل أن یطأها الأب حرمت علی الأب و إن کان بعد وطئه لها لم تحرم. و کذا الکلام إذا زنی الأب بمملوکة ابنه.(1)

(مسألة30): لا فرق فی الحکم بین الزنا فی القبل أو الدبر.(2)

إذا زنی بمملوکة أبیه

(1) التحقیق:

قد تقدم تنقیح الحال فی هذه المسألة فی المسألة السابقة. و ما فی صحیح مرازم: )قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) سئل عن امرأة أمرت ابنها أن یقع علی جاریة لأبیه فوقع، فقال: أثمت و أثم ابنها، و قد سألنی بعض هؤلاء عن هذه المسألة، فقلت له: أمسکها فإن الحلال لا یفسده الحرام(1) و إطلاقها محمول علی الروایات المفصلة المتقدمة.

(2) التحقیق:

لعموم عنوان الزنا و الوطی و النکاح الشامل لکل منهما.

ص:367


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب4 ح4.

(مسألة 31): إذا شک فی تحقق الزنا و عدمه بنی علی العدم. و إذا شک فی کونه سابقاً أو لا، بنی علی کونه لاحقاً.(1)

(مسألة 32): إذا علم أنه زنی بأحد الامرأتین و لم یدر أیتهما هی؟ وجب علیه الاحتیاط إذا کان لکل منهما أم أو بنت. و أما إذا لم یکن لإحداهما أم و لا بنت فالظاهر جواز نکاح الأم أو البنت من الأخری.(2)

حکم الشک فی الزنا و عدمه أو فی سبقه أو لحوقه

(1) التحقیق:

أما فی الشق الأول فلأصالة عدم تحقق الزنا.

و أما فی الشق الثانی - و هو الشک فی السبق و اللحوق - فحیث أن کلاً من سبق أحد الطرفین موجب لحکم خاص به، ففی صورة کون أحدهما معلوماً و الآخر مجهولاً فأصالة العدم فی المجهول جاریة، و یترتب الحکم علی معلوم التاریخ، و أما إذا کان کل منهما مجهول التاریخ فلا تجری أصالة العدم فی کل منهما، کما لا یمکن التمسک بأصالة عموم صحة النکاح؛ لکونه من الشبهة المصداقیة فی المخصص، و لا أصل موضوعی عدمی ناف للمخصص، فتصل النوبة إلی أصالة الفساد فی العقد، و لا مجری لأصالة الصحة لعدم وجود قرنیة أماریّة فی البین، نعم لو فرض وجودها لکانت مقدمة علی أصالة الفساد.

العلم الإجمالی بالزنا بإحدی الامرأتین

(2) التحقیق:

أما الشق الأول فی المسألة فلتنجیز العلم الإجمالی، بخلاف الشق الثانی

ص:368

(مسألة 33): لا فرق فی الزنا بین کونه اختیاریاً أو إجباریاً أو اضطراریاً، و لا بین کونه فی حال النوم أو الیقظة، و لا بین کون الزانی بالغاً أو غیر بالغ و کذا المزنی بها. بل لو أدخلت الامرأة ذکر الرضیع فی فرجها نشر الحرمة علی إشکال. بل لو زنی بالمیتة فکذلک علی إشکال أیضاً. و أشکل من ذلک لو أدخلت ذکر المیت المتصل. و أما لو أدخلت الذکر المقطوع فالظاهر عدم النشر.(1)

لجریان الأصول فی أحد الطرفین بلا معارض، هذا بناء علی عدم وجود الأثر فی الطرف الآخر، و أما علی القول بلزوم استبراء المزنی بها و الزانیة کما مرّ قوّة وجهة، فکل من الطرفین ذو أثر، نعم لو بنی علی جریان البراءة فی الأقل و الأکثر بلحاظ الآثار و إن لم یکن أقل و أکثر فی أصل المعلوم بالإجمال لجرت الأصول النافیة بلا معارض.

و لکن هذا القول إنما نصحّحه فیما کانت الآثار مترتبة علی بعضها البعض، لا فیما إذا کانت عرضیة، ثمّ إنما تمثیل خروج أحد الطرفین عن الابتلاء بما إذا کانت أم و بنت أحد الطرفین متزوجتین دون الطرف الآخر، لا یخلو عن نظر، لأن کونهما مزوّجتین لا یقتضی الحرمة الأبدیة، و إنما یقتضی الحرمة الفعلیة المؤقتة فیغایر سنخ تنجیز العلم الإجمالی.

حکم الزنا الإجباری و الاضطراری و فی حالة النوم

(1) التحقیق:

قد عرفت ممّا مرّ أن المسوب إلی المشهور عدم التفرقة فی نشر الحرمة بین الزنا و وطی الشبهة، و هو المختار کما تقدّم، فعلی التعمیم لا حاجة

ص:369

للبحث عن حدود مفهوم الزنا و افتراقه عن وطی الشبهة، إذ علی کل من التقدیرین یتحقق طبیعی الوطی المأخوذ موضوعاً فی نشر الحرمة من المصاهرة، ثمّ إنه یدعم العموم - مضافاً إلی ما تقدّم - ما ورد مکرّراً فی الصحاح فی المقام من التفصیل بین الإفضاء و عدمه، کما فی صحیح العیص بن القاسم و صحیح محمد بن مسلم و أبی أیوب(1) و نظیر ما فی صحیح عبد الرحمن بن الحجاج و حفص بن البختری و علی بن یقطین(2) من تعلیق الحکم علی عنوان الجماع و المباشرة، و فی جملة من الروایات تعلیق الحکم علی عنوان الوطی کصحیح علی بن جعفر و موثقة الحسن بن صدقة(3) و هذه العناوین لا یُفرّق فی صدقها بین الاختیار و الإکراه و الاضطرار و النوم و الیقظة و البلوغ و الصبا و العقل و الجنون.

و أما بالنسبة إلی المیت و المیتة فقد بنوا علی عموم هذه العناوین فی باب الجنابة و الحدود، و أن المیت و إن کان جماداً بلحاظ ما، إلا أنه عرفاً یصدق علی وطیهما أنه وطی و جماع مباشرة لامرأة و رجل، مع أن دعوی الجمادیة فی المیت بقول مطلق محلّ تأمل کما یظهر من الروایات و جملة من البحوث العلمیة الحدیثة.

و کذلک بنوا علی التعمیم فی الطفل الرضیع.

ثمّ إنه فی باب الاضطرار و الإکراه و نحوه من العناوین الرافعة، إنما ترفع

المؤاخذة و العقوبة، و لا ترفع الحکم الفعلی، فترفع تنجیز الحکم دون أصل

ص:370


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب6 ح2 و ب10 ح1-2.
2- (2) المصدر السابق: ب5 ح3.
3- (3) المصدر السابق: ح2-5.

(مسألة 34): إذا کان الزنا لاحقاً فطلقت الزوجة رجعیاً ثمّ رجع الزوج فی أثناء العدة لم یعد سابقاً حتی ینشر الحرمة، لأن الرجوع إعادة الزوجیة الأولی. و أما إذا نکحها بعد الخروج عن العدة، أو طلقت بائناً فنکحها بعقد جدید، ففی صحة النکاح و عدمها وجهان : من أن الزنا حین وقوعه لم یؤثر فی الحرمة لکونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أیضاً، و من أنه سابق بالنسبة إلی هذا العقد الجدید و الأحوط النشر.(1)

فعلیّته، و الظاهر أن عنوان الزنا و إن تقوّم بالقصد و الالتفات، إلا أنه غیر مأخوذ فیه قید عدم العذر، بخلاف وطی الشبهة فإنه متقوّم بعدم الالتفات، کما أن الحال فی الصبی الممیّز غیر البالغ هو کون الرفع لیس لأصل الأحکام، و إنما المرفوع فعلیتها التامة و التنجیز.

و أما إدخال الذکر المقطوع فلا یصدق علیه تلک العناوین.

ثمّ إن أخذ عنوان المرأة أو الرجل فی أدلة الباب کأخذ عنوان الأب و الابن و عنوان البنت و الأم من باب تقابل الجنسین، الذکوریة و الأنوثیة لا خصوص البالغین.

إذا کان الزنا لاحقاً فطلقت الزوجة رجعیاً ثمّ رجع الزوج

(1) التحقیق:

أما بالنسبة إلی الرجوع فی العدّة الرجعیة، فالصحیح أنه فسخ للطلاق المعلّق تأثیره علی انقضاء العدة و لیس إعادة للزوجیة، لأن الزوجیة لا ترتفع بمجرّد الطلاق، و إنما ترتفع بمعیة انقضاء العدّة، کما یدل علی ذلک بعض

ص:371

(مسألة 35): إذا زوجه رجل امرأة فضولاً فزنی بأمها أو بنتها ثمّ أجاز العقد، فإن قلنا بالکشف الحقیقی کان الزنا لاحقاً. و إن قلنا بالکشف الحکمی أو النقل کان سابقاً.(1)

الآیات کقوله تعالی: (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (1) ، و أما قوله تعالی: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) فلا ینافی ذلک بعد التعبیر فیها بالبعولة، و أن الردّ بلحاظ ردّ الطلاق عن التأثیر.

و أما فی الطلاق البائن ثمّ التزویج من جدید فقد تقدم فی المسألة (28) وجه المنع و وجه التحریم، و أن الأحوط إن لم یکن أظهر هو البناء علی التحریم.

حکم الزنا بأم أو بنت المزوجة فضولا

(1) التحقیق:

قد تقدّم فی الفصول السابقة أنه علی الکشف الحقیقی تترتب جمیع الآثار علی العقد من حین وقوعه، و الرضا و الإجازة یکون من قبیل الأمارة المحضة، و کذلک بناء علی أخذ الرضا من قبیل الشرط المتأخر، بحیث یکون الشرط هو الاتصاف بالمتأخر لا ذات المتأخر، فهذا الاتصاف و هو الملحوقیة قد تحقّق من حین العقد، فیکون کالکشف الحقیقی، و أما علی الکشف الحکمی و النقل فمن الواضح أن العقد متأخر حقیقة عن الزنا، بخلاف المبنیین الأوّلین.

ص:372


1- (1) الطلاق:2.

(مسألة 36): إذا کان للأب مملوکة منظورة، أو ملموسة له بشهوة حرمت علی ابنه. و کذا العکس علی الأقوی فیهما، بخلاف ما إذا کان النظر أو اللمس بغیر شهوة، کما إذا کان للاختبار أو للطبابة، أو کان اتفاقیا، بل و إن أوجب شهوة أیضاً. نعم لو لمسها لإثارة الشهوة - کما إذا مس فرجها أو ثدیها أو ضمها لتحریک الشهوة - فالظاهر النشر.(1)

و ترتب الآثار فی الکشف الحکمی من حین العقد لا یوجب صدق سبق العقد، و من ثمّ قالوا إنه لا یتصور الکشف الحکمی فی الأحکام التکلیفیة، إلا المترتّبة علی الأحکام الوضعیة.

و أما علی الکشف البرزخی و الانقلاب، فإنه یحکم بوقوع العقد سابقاً، لکن اعتبار ذلک من حین الإجازة اللاحقة، و حینئذٍ قد یُقرّب اتصاف العقد بالسبق علی الزنا و إن کان اعتبار وجوده أسبق، فإن الاعتبار هو المتأخر.

و قد یقال: إن الزنا قبل الاعتبار کان متصفاً بالسبق، و لا سیما أن للإجازة دخل ثبوتی فی فعلیة الاعتبار و لو للمعتبر السابق، و لا یخلو التقریب الثانی من قوّة، فالاحتیاط متعیّن.

إذا کان للأب مملوکة منظورة، أو ملموسة

(1) التحقیق:

قد تقدّم الکلام فی المسألة الثانیة من هذا الفصل مفصلاً، و أن المقدار الذی ثبت نشر الحرمة به من طوائف الروایات هو تحریم مملوکة الأب أو الابن إذا باشرها أحدهما علی الآخر، أو نظر إلی عورتها و لم یدخل بها، و کذا إذا کانت محلّلة فضلاً عن الدخول بها، فیشمل مسّ الفرج أو الثدیین و الضمّ لا من وراء ثیاب.

ص:373

لا تحرم أم المملوکة الملموسة و المنظورة علی اللامس و الناظر

(مسألة 37): لا تحرم أم المملوکة الملموسة و المنظورة علی اللامس و الناظر علی الأقوی. و إن کان الأحوط الاجتناب، کما أن الأحوط اجتناب الربیبة الملموسة أو المنظورة أمها، و إن کان الأقوی عدمه. بل قد یقال: إن اللمس و النظر یقومان مقام الوط ء فی کل مورد یکون الوط ء ناشراً للحرمة، فتحرم الأجنبیة الملموسة أو المنظورة شبهة أو حراماً علی الأب و الابن، و تحرم أمها و بنتها حرة کانت أو أمة. و هو و إن کان أحوط، إلا أن الأقوی خلافه. و علی ما ذکر فتنحصر الحرمة فی مملوکة کل من الأب و الابن علی الآخر إذا کانت ملموسة أو منظورة بشهوة.(1)

(مسألة 38): فی إیجاب النظر أو اللمس إلی الوجه و الکفین إذا کان بشهوة نظر، و الأقوی العدم و إن کان هو أحوط.(2)

(1) التحقیق:

قد تقدّم الکلام فی المسألة الثانیة من هذا الفصل، و مرّ أن الأقوی عدم نشر الحرمة باللمس و النظر إلی الأم و البنت فی المملوکة، فضلاً عن الحرّة.

نعم تستفاد الکراهة الشدیدة من الجمع بین الأدلة.

و ما یظهر من ذیل کلام الماتن فی المسألة من تعمیم تحریم الملموسة و المنظورة للحرّة، لعله غیر مراد له، و المختار الکراهة فی الحرّة کما تقدّم.

(2) التحقیق:

تقدّم الکلام فی المسألة الثانیة أیضاً، و أن الأقوی البناء علی الکراهة فی المملوکة و الحرّة، و هی أحق من الکراهة فی موارد المسألة السابقة و شقوقها.

ص:374

(مسألة 39): لا یجوز الجمع بین الأختین فی النکاح دواماً أو متعة، سواء کانتا نسبیتین أو رضاعیتین أو [مختلفتین]. و کذا لا یجوز الجمع بینهما فی الملک مع وطئهما. و أما الجمع بینهما فی مجرد الملک من غیر وط ء فلا مانع منه. و هل یجوز الجمع بینهما فی الملک مع الاستمتاع بما دون الوط ء بأن لم یطأهما أو وطئ إحداهما و استمتع بالأخری بما دون الوط ء؟ فیه نظر، مقتضی بعض النصوص الجواز. و هو الأقوی لکن الأحوط العدم.(1)

عدم جواز الجمع بین الأختین

(1) التحقیق:

یدلّ علی تحریم الجمع بین الأختین قوله قال: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهاتُکُمْ وَ بَناتُکُمْ.. . وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً) (1) و إطلاق الآیة شامل لجملة الشقوق المذکورة فی المسألة حتی الوطی بالملک، إذ الظاهر من حرمة الجمع هی نفس الحرمة المذکورة فی سیاق المحرّمات النسبیة و المحرّمات بالمصاهرة، و هی حرمة النکاح وطیاً و استمتاعا و عقداً غایة الأمر إن دلیل الرضاع یُنزّل ما بالرضاع منزلة ما بالنسب، و یدل علی الحکم أیضاً جملة من الروایات المتواترة، کما فی صحیح محمد بن قیس عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: )قضی أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی أختین نکح أحدهما رجل ثمّ طلّقها و هی حبلی، ثمّ خطب أختها فجمعهما قبل أن تضع أختها

ص:375


1- (1) النساء: 23.

المطلّقة ولدها، فأمره أن یفارق الأخیرة حتی تضع أختها المطلّقة ولدها، ثمّ یخطبها و یصدقها صداقاً مرتین(1)، و فی صحیح أبی عبیدة قال سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: )لا تنکح المرأة علی عمّتها و لا خالتها و لا علی أختها من الرضاع(2) و فی صحیح ابن أبی نصر عن الرضا(علیه السلام) قال:)سألته عن رجل تکون عنده امرأة یحلّ أن یتزوج أختها متعة؟ قال: لا(3) و غیرها من الروایات.

نعم فی روایة منصور الصیقل عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال:) لا بأس بالرجل أن یتمتّع أختین(4) و لعلّه محمول علی توارد و تعاقب عقد المتعة علیهما.

و أما فی المملوکة فکما فی صحیح عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: )إذا کانت عند الرجل الأختان المملوکتان فنکح إحداهما ثمّ بدا له فی الثانیة فنکحها، فلیس ینبغی له أن ینکح الأخری حتی تخرج الأولی من ملکه یهبها أو یبیعها، فإن وهبها لولده یجزیه)(5).

نعم فی معتبرة معاویة بن عمّار، قال: )سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل کانت عنده جاریتان أختان فوطأ إحداهما ثمّ بدا له فی الأخری، قال: یعتزل هذه و یطأ الأخری، قال: فقلت: تنبعث نفسه للأولی، قال: لا یقربها حتی تخرج تلک عن ملکه(6) و الاعتزال فیها محمول علی الإخراج عن الملک،

ص:376


1- (1) وسائل الشیعة, أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب24ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب24ح2.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب27ح4.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب27ح2.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب29ج1.
6- (6) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب29ح4.

و لا ینافیه الذیل بحمله علی إعادة الأولی إلی ملکه بعد إخراج الثانیة، و إلا لکان الذیل متدافع مع صدر الجواب، کل ذلک أیضاً بضمیمة قرینیّة ما فی باقی الروایات.

و فی صحیحة علی بن یقطین قال: )سألت أبا إبراهیم(علیه السلام) عن أختین مملوکتین و جمعهما، قال: مستقیم و لا أحبّه لک، و سألته عن الأم و البنت المملوکتین، قال: هو أشدّهما و لا أحبّه لک(1)، و الظاهر منها بقرینة الذیل إرادة الجمع فی الملک لا فی الاستمتاع و الوطی، و فی موثق مسعدة بن زیاد قال: )قال أبو عبد الله(علیه السلام): یحرم من الإماء عشر، لا تجمع بین الأم و الابنة و لا بین الأختین(2). و غیرها من الروایات.

الحدیث إن الظاهر من هذه الروایات بقرینة السیاق مع حرمة الأم و البنت، إرادة حرمة مطلق الاستمتاعات و أبرزها الوطی، و من ثمّ کره الجمع بینهما فی الملک لمعرضیّة الوقوع فی الاستمتاع بهما معاً و لو بالنظر، و هذا هو مفاد الآیة أیضاً، فإن إطلاق الجمع الممنوع عنه بحذف المتعلّق یفید العموم، مضافاً إلی ظهور أن المنهی عنه المتعلّق المقدّر فی کل الموارد المذکورة فی الآیة فی التحریم بالمصاهرة هو النکاح کعنوان لکل درجات الاستمتاع الجنسی و الشامل لعقد الزواج أیضاً، الذی هو تملّک لفعل الاستمتاع، بقرینة الموارد السابقة فی الآیة من المحرّمات الأبدیة بالمصاهرة.

و أما مرسلة العیاشی عن عیسی بن عبد الله، سئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن

ص:377


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب29ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب29ح8.

أختین مملوکتین ینکح إحداهما أ تحل له الأخری؟ فقال: )لیس ینکح الأخری إلا فیما دون الفرج و إن لم یفعل فهو خیر له، نظیر تلک المرأة تحیض فتحرم علی زوجها أن یأتیها فی فرجها، لقول الله عز و جل: (وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّی یَطْهُرْنَ) و قال: (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ) یعنی فی النکاح، فیستقیم للرجل أن یأتی امرأته و هی حائض فیما دون الفرج(1)، فمحمول علی التقیة بقرینة ما فی جملة من الروایات الواردة فی کون التحلیل فی الجمع فی الاستمتاع بین المملوکتین الأختین، لا سیما مع ما فی جملة من الصحاح أنه لو وطأهما معاً حرمتا علیه جمیعاً، الظاهر من إطلاقها استعماله فی نظیر الترکیب الإسناد الوارد فی المحرّمات الأبدیة بالمصاهرة.

بقرینة ما فی جملة من الروایات الواردة، من کون التحلیل فی الجمع فی الاستمتاع بین المملوکتین الأختین من مذهب العامة فلاحظ، لا سیما مع ما فی جملة من الصحاح أنه لو وطأهما معاً حرمتا علیه جمیعاً(2)، الظاهر من إطلاقها استعماله فی نظیر ترکیب الإسناد الوارد فی المحرّمات الأبدیة بالمصاهرة.

ص:378


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب29ح11.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب29.

(مسألة 40): لو تزوج بإحدی الأختین و تملک الأخری لا یجوز له وط ء المملوکة إلا بعد طلاق المزوجة، و خروجها عن العدة إن کانت رجعیة. فلو وطئها قبل ذلک فعل حراماً، لکن لا تحرم علیه الزوجة بذلک و لا یحد حد الزنا بوط ء المملوکة، بل یعزر فیکون حرمة وطئها کحرمة وط ء الحائض.

(مسألة 41): لو وطئ إحدی الأختین بالملک ثمّ تزوج الأخری فالأظهر بطلان التزویج، و قد یقال بصحته و حرمة وط ء الأولی، إلا بعد طلاق الثانیة.

(مسألة 42): لو تزوج بإحدی الأختین ثمّ تزوج بالأخری بطل عقد الثانیة، سواء کان بعد وط ء الأولی أو قبله. و لا یحرم بذلک وط ء الأولی و إن کان قد دخل بالثانیة. نعم لو دخل بها مع الجهل بأنها أخت الأولی یکره له وط ء الأولی قبل خروج الثانیة عن العدة، بل قیل یحرم، للنص الصحیح. و هو الأحوط.(1)

بطلان عقد الأخت الثانیة فیما لو تزوج بالأولی

(1) التحقیق:

إن البطلان هو مقتضی النهی فی الآیة، کما أن عدم التقیید بالوطی هو مقتضی إطلاق النهی، فإنه قد مرّ أن المنهی عنه الجمع بینهما فی النکاح بمعنی الوطی و باقی الاستمتاعات و بمعنی مطلق العقد أیضاً، ثمّ إن العقد علی الثانیة بعد ما کان باطلاً لا یبطل عقد الأولی و لا یحرم وطیها، إذ الحرام

ص:379

المتأخر لا یُحرّم الحلال المتقدّم، و هو مفاد صحیح زرارة أیضاً، قال: )سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل تزوج بالعراق امرأة ثمّ خرج إلی الشام فتزوّج امرأة أخری فإذا هی أخت امرأته التی بالعراق، قال: یُفرّق بینه و بین المرأة التی تزوجها بالشام، و لا یقرب المرأة (العراقیة) حتی تنقضی عدّة، الشامیة(1) و مثلها موثق زرارة الآخر(2).

و فی صحیح أبی بکر الحضرمی، قال:)قلت لأبی جعفر(علیه السلام): رجل نکح امرأة ثمّ أتی أرضاً فنکح أختها و لا یعلم، قال: یُمسک أیّهما شاء، و یخلّی سبیل الأخری(3) و التخییر محمول علی التقدیر کما أوله الشیخ بأن یُطلّق الأولی و یعقد علی الثانیة، أو یبقی علی الأولی دون الثانیة، و الوجه فی هذا التعبیر هو دفع توهّم حرمتهما الأبدیة.

و أما لزوم الإمساک عن زوجته حتی تنقضی عدّة الثانیة من وطی الشبهة، فیدلّ علیه صحیحة زرارة المتقدّمة و موثقه، و کذلک مصحّح یونس، قال: )قرأت کتاب رجل إلی أبی الحسن(علیه السلام): الرجل یتزوج المرأة متعة إلی أجل مسمّی فینقضی الأجل بینهما هل یحلّ له أن ینکح أختها من قبل أن تنقضی عدّتها؟فکتب لا یحلّ له أن یتزوجها حتی تنقضی عدتها(4) و موردها و إن کان عکس الفرض، إلا أنه لا یخلو من دلالة فی المقام، باعتبار بینونة ذات

ص:380


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب26ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب8ح6.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب26ح2.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب27ح1.

العدّة، لکن هناک فی قبالها روایات أخری ظاهرة فی جواز النکاح فی عدّة الأخری، کما فی صحیح أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )سألت عن رجل اختلعت منه امرأته أ یحلّ له أن یخطب أختها قبل أن تنقضی عدّتها؟ قال: إذا برئت عصمتها منه و لم یکن له رجعة فقد حلّ له أن یخطب أختها(1).

و فی موثق زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام): ) فی رجل طلّق امرأته و هی حُبلی أ یتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال: لا یتزوجها حتی یخلو أجلها(2)، و هی محمولة علی العدّة الرجعیة، و قد مر فی المسائل السابقة صحیحة محمد بن قیس الدالة علی هذا التفصیل أیضاً، و قد مرّ فی المسائل السابقة صحیحة محمد بن قیس الدالة علی هذا التفصیل أیضاً، و قد مرّ أیضاً فی صحیحة أبی بکر الحضرمی بثبوت الإطلاق فیها، و التخییر المقتضی لجواز وطی الأولی فی عدّة وطی الشبهة للثانیة، و المتیقّن حمل النهی فی صحیح و موثق زرارة علی الکراهة، و هو مطابق لعموم مفاد الآیة الکریمة الظاهرة فی حصر النهی فی الجمع، بأن تکون کل منهما حلالاً له.

ص:381


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب27ح1.

لو تزوج بالأختین

اشارة

(مسألة 43): لو تزوج بالأختین و لم یعلم السابق و اللاحق، فإن علم تاریخ أحد العقدین حکم بصحته دون المجهول، و إن جهل تاریخهما حرم علیه وطؤهما، و کذا وط ء إحداهما إلا بعد طلاقهما أو طلاق الزوجة الواقعیة منهما ثمّ تزویج من شاء منهما بعقد جدید بعد خروج الأخری عن العدة إن کان دخل بها أو بهما. و هل یجبر علی هذا الطلاق دفعاً لضرر الصبر علیهما؟ لا یبعد ذلک لقوله تعالی: (فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ). و ربما یقال بعدم وجوب الطلاق علیه، و عدم إجباره، و أنه یعین بالقرعة. و قد یقال: إن الحاکم یفسخ نکاحهما. ثمّ مقتضی العلم الإجمالی بکون إحداهما زوجة وجوب الإنفاق علیهما ما لم یطلق. و مع الطلاق قبل الدخول نصف المهر لکل منهما، و إن کان بعد الدخول فتمامه. لکن ذکر بعضهم أنه لا یجب علیه إلا نصف المهر لهما، فلکل منهما الربع فی صورة عدم الدخول، و تمام أحد المهرین لهما فی صورة الدخول. و المسألة محل إشکال کنظائرها من العلم الإجمالی فی المالیات.(1)

حکم عدم العلم بالعقد السابق و اللاحق للأختین

(1) التحقیق:

عند الشک فی السبق و اللحوق مع العلم بعدم الاقتران، فإن کان أحدهما معلوم التاریخ صحّ دون مجهول التاریخ، و ذلک لعدم جریان أصالة العدم فی معلوم التاریخ کما حُرّر فی محلّه، و جریان الأصل العددی فی مجهول

ص:382

التاریخ، فیکون مجهول التاریخ مجری لأصالة الفساد، و أما فی مجهولی التاریخ، فلا یجری الأصلان العدمیان، و لا یُحرز صحّة أحدهما، و هذا التقریر للأصول العملیّة سواء بالنسبة إلی الزوج أو إلی کل من الأختین.

و توهّم أن کل منهما تُجری أصالة عدم العقد علی الأخری، فیصح عقدها، بناء علی القول بجریان الأصول العدمیة فی کل الصور من دون أن تُجری کل منهما الأصل المعارض، بدعوی أنه لیس محل ابتلاء لها.

ضعیف و ذلک لأن جریان کل من الأصلین علی القول به یُنقح صحة عقدها، فتقیح الحال فی عقد الأخری یفید تنقیح الحال فی عقد نفسها، و حینئذ یتحقّق علم إجمالی بصحّة أحد العقدین، فیلزم الزوج مراعاته باجتناب وطیهما لکون إحداهما أجنبیة، کما أنه یُجبر علی النفقة، ثمّ إنه یقع الکلام فی التخلّص من الضرر الواقع علیهما و من ناحیة الضرر الواقع علیه أیضاً، فهل یُجبر علی الطلاق دفعاً للمضارّة و التضارّ، أو تجری القرعة، لأنها لکلّ أمر مشکل؟

تتمة لقاعدة الإجبار علی الطلاق

(1)

و استدل الماتن لقاعدة الإجبار علی الطلاق من الحاکم فی مورد المضارة بقوله تعالی: (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسانٍ) (2) حیث حصرت الآیة بأن إمساک الزوجة لا بدّ أن یکون بمعروف و إلا فیسرّبحها بإحسان، فالحصر فی الشقّین إلزامی فی التشریع، و للحاکم أن یُجبر علی ما

ص:383


1- (1) تقدّم الکلام حول هذه القاعدة فی المسائل السابقة و نشیر هنا إلی تتمتها.
2- (2) البقرة: 229.

هو واجب و إلزامی.

و الخدشة فی دلالة الآیة بأن المراد منها التزویج بعد الطلاق مرّتین، فیمسکها من غیر إضرار بها أو یطلّقها الطلاق الثالث، کما دلّ علی ذلک جملة من الروایات(1)، فلا دلالة لها علی المقام.

مدفوعة بأنه لو سُلّم دلالة الروایات علی أن مفاد الآیة هو ذلک لما خدش فی الاستدلال، و ذلک لأنه علیه تکون الآیة دالة علی أن الزوج مُلزم فی الزواج بعد التطلیق مرّتین بأن یُمسک الزوجة بمعروف أو یطلقها طلاقاً ثالثاً بإحسان، و بالتالی فتدل علی أن الواجب أحد الشقین، فإن لم یلتزم بالشق الأول فیلزم بالشق الثانی، و من الظاهر أنه لا خصوصیة للزواج، هذا مع أن مفاد الروایات لیس کما ادعی، فإنها دالة علی أن تحدید الآیة للطلاق الرجعی بالمرتین دالّ علی أن الطلاق الثالث بائن، و لیست فی صدد نفی الواجب و حصره بالشقین فی الطلاقین الأولین.

و مثله قوله تعالی: (وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِکُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ لا تُمْسِکُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا) (2).

و الخدشة فی دلالتها بأنها متعرّضة للتزویج بعد انقضاء العدّة من غیر قصد الإضرار بها أو أن یغض النظر عنها و لا تزوجها کی تتزوج ممّن شاءت.

واهیة جداً، فإن هذا التقریب لمعنی الآیة خلاف الظاهر جدّاً، لأن الظاهر من الإمساک هو إمساکها بعد الطلاق فی العدّة قبل انقضاء الأجل بالرجوع أو تسریحها من دون رجوع عن الطلاق فی العدّة، فإن المسرّحة هی من کانت

ص:384


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب أقسام الطلاق: ب4.
2- (2) البقرة: 231.

لدی الرجل فیفک عصمته عنها و یُطلق سراحها، و من ثمّ استدلّ بهذه الآیة علی کون المطلقة الرجعیة زوجة حقیقة، لأنها قبل بلوغ الأجل و انقضائه لم تُسرّح بعد عن عصمته، و الإمساک قبل بلوغ الأجل و التسریح بتمضیة الأجل.

و لو سلّم کون التشقیق و التردید بین الإمساک أو التسریح هو بلحاظ ما بعد انقضاء العدّة، لما کان ذلک أیضاً خادشاً فی الاستدلال، فإنه علی هذا التقدیر أیضاً تدلّ الآیة علی أن اللازم و الواجب علی الرجل إما أن تکون الزوجیة بینه و بین المرأة من غیر إضرار أو یُتارک المرأة و یخلّیها مسرّحة لتتزوج من الآخرین.

و بعبارة أخری: إن الحصر فی الآیتین لخیار الزوج و صلاحیته مبنی علی الفراغ من حرمة الإضرار لا أن مفادهما فی صدد التعرّض لأصل حرمة الإضرار.

ثمّ إن فی ذیل الآیة الثانیة قرینة و دلالة أخری علی المطلوب، حیث أن النهی لم یتعلّق بالإضرار بل تعلّق بالإمساک بالمرأة فی عصمته و إبقائها علی الزوجیة، فتکون العلقة الزوجیة الضراریة بالمرأة منهی عن إبقائها، و من ثمّ اختلف التعبیر بذلک عن التعبیر فی قوله تعالی: (وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا عَلَیْهِنَّ) (1) حیث أنه جعل متعلّق النهی فیه نفس المضارّة، و کما فی قوله تعالی: (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها) (2).

و کذا قوله تعالی: (وَ لَنْ تَسْتَطِیعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَیْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِیلُوا کُلَّ الْمَیْلِ فَتَذَرُوها کَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً *

ص:385


1- (1) الطلاق: 6.
2- (2) البقرة:233.

وَ إِنْ یَتَفَرَّقا یُغْنِ اللّهُ کُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَ کانَ اللّهُ واسِعاً حَکِیماً) (1)، فمن الواضح أن الآیة تنهی عن جعل المرأة کالمعلّقة، أی بمتارکة العشرة بالمعروف معها، و تومئ الآیة فی ذیلها مع ما تقدم من الآیات إلی أن الخیار فی الزوجیة إما هو علی الإصلاح بین الذوجین و إما علی الفراق، هذا و قد مرّ جملة من الآیات الأخری و الروایات العدیدة فی موضع سابق فلاحظ.

ثمّ إنه قد یُخدش أیضاً فی دلالة الآیات و الروایات بما ورد فی جملة من الروایات المعتبرة، کروایة أبی الصباح الکنانی و الحلبی و غیرهما، الدالة علی حصر العشرة بالمعروف و الإمساک بالمعروف بتأدیة النفقة، و إلا فیجبر علی الطلاق، بل فیها تعرّض إلی عدم صبر المرأة عمّا تریده النساء، و أن ذلک لیس لها فلا یجبر علی الطلاق لأجل ذلک.

و فیه: أن هذه الروایات دالة علی ما تقدّم من کون التشقیق و التردید بین الخیارین إلزام حصریّ للمرأة، مما یدلّ علی أن مستند الإجبار علی الطلاق من الحاکم هو الحصر فی الآیة الکریمة.

و أما دعوی حصر الإمساک بالمعروف بالنفقة، فمدفوع بما ورد فی جملة من روایات الإجبار علی الطلاق، من تعلیل ذلک بالنهی عن إضرار الزوجة، مما یُدلل علی أن الإمساک بمعروف لا یُفسّر بخصوص النفقة، بل ببقیة أداء حقوقها، و منها عدم إیذائها و الإضرار بها فی الموارد الأخری، فما فی الروایات المتقدّمة من عدم صبر المرأة عمّا تریده النساء کما فی صحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام) إنه سئل عن المفقود، فقال: )المفقود إذا مضی له أربع سنین بعث الوالی، أو یکتب إلی الناحیة التی هو غائب فیها، فإن لم

ص:386


1- (1) النساء: 129.

یوجد له أثر أمر الوالی ولیّه أن یُنفق علیها، فما أنفق علیها فهی امرأته، قال: قلت: فإنها تقول: فإنی أرید ما ترید النساء، قال لیس ذاک لها و لا کرامة، فإن لم یُنفق علیها ولیّه أو وکیله أمره أن یُطلّقها، فکان ذلک علیها طلاقاً واجباً(1)، فهو بلحاظ المفقود و الغائب، فإن فی مورده من تعارض الضررین و تزاحم الحقّین، إذ لعل الغائب و المفقود قد انقطع به الطریق، أو غیر ذلک من الظروف التی حالت دون رجوعه إلی أهله، فطلاقها علیه إضرار به، فمراعاة حقّها دون حقّه إجحاف به و ترجیح من دون مُرجّح و هذا بخلاف ما لو انقطعت نفقته عنها من رأس، فإنه زوال لکفالته لها من رأس، و من ثمّ قد ورد بالنص الصحیح أنه مع مرور عشر سنین علی فقده تعتدّ منه عدّة الوفاة و إن لم یکن بحث و لم یُرفع أمرها إلی الحاکم الشرعی.

و الحاصل: إن عدم استحقاقها للطلاق فی المفقود إلی مدّة عشر سنین مع الإنفاق علیها رعایة للتزاحم بین حقوق الطرفین هذا.

و لکن الکلام فی المقام فی تطبیق هذه القاعدة علی المورد، حیث قد أشکل علی تحقق موضوعها بأن الضرر یتّجه علی الزوج أیضاً، لأن إلزامه بطلاقهما و دفع نصف المهر لکل منهما ضرر علی الزوج علی حدّ تضرّره بإبقاء المرأتین و الإنفاق علیهما، و تضرّرهما أیضاً.

أو یمکن لقائل أن یقول: إن إجباره علی الطلاق ضرر علیه، لتفویت زوجته علیه مع تغریمه للمهر، و علی ضوء ذلک فتصل النوبة إلی قاعدة القرعة، لأنها لکل أمر مشکل.

و أما فسخ الحاکم لنکاحهما فلا وجه، له إلا ما قد یقال من أن الإجبار

ص:387


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب أقسام الطلاق و أحکامه: ب23 ح3.

علی الطلاق ضرر علی الزوج و بقاؤهما بنحو معلّق ضرر علیهما، و أدلة القرعة قاصرة الشمول للمقام علی قول، فیقرب حینئذ التمسک بقاعدة لا ضرر لرفع لزوم النکاح، و القدر المتیقّن منه الفسخ من الحاکم، نظیر تمسک الشهور بالقاعدة لإثبات خیار العیب و خیار الغبن، و التمسک بقاعدة لا ضرر إنما یتمّ لو لم یفرض دخول من الزوج، و إلا فالفسخ لا یدفع عنه الضرر، بل یکون بالتزام التضرر بینه و بین الأختین، هذا کلّه فی حکم أصل النکاح عند الجهل بتاریخهما.

و أما مقتضی العلم الإجمالی قبل زوال العقد بالنسبة إلی النفقة فقد یقال بوجوب النفقة علی کل منهما عملاً بالاحتیاط، و لکنه ضرر علی الزوج بناء علی الصحیح من شمول لا ضرر لأطراف العلم الإجمالی، لرافعیة القاعدة للحکم الموجب للضرر و لو بالواسطة، و من الغریب البناء علی عموم القاعدة لذلک، و الإشکال علی شمولها لعقد الزوجیة لکون الضرر فی الآثار مترتبة علی العقد دونه، و من ثمّ قد یقال بتنصیف النفقة بینهما لقاعدة العدل و الإنصاف.

فائدة فی قاعدة العدل و الإنصاف

لکن فی ثبوت عموم القاعدة للمقام تأمل، مما یمکن جریان القرعة فیه، و أن ما استدل به من روایات علی القاعدة(1) جملة منها هی من باب فصل النزاع و الخصومة بالتبعیض فی العمل فی الأمارات المتعارضة، و منها ما

ص:388


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب الصلح: ب9ح12، و أبواب کیفیة القضاء: ب12 ح2 و3 و4، و أبواب میراث الأزواج: ب8 ح3 و4، و أبواب أحکام الوصایا: ب25 ح1.

یمکن فرض حصول الشرکة القهریّة فیه.

و أما الاستدلال علی ذلک بحکم العقل، فقد قرر فی محلّه أن الموافقة الاحتمالیة مع احتمال المخالفة أولی من الموافقة القطعیة المقترنة مع المخالفة القطعیة، و من ثمّ فالمقدار الثابت من هذه القاعدة فی مورد تزاحم الحقوق، بأن یناصف فی استیفائها عند تدافعها، فهی قاعدة مقرّرة فی ذلک، و أما عند اشتباه إحراز الحقوق أی تردّد الحق بین طرفین أو أطراف فإنما تصل النوبة إلی الموافقة القطعیة المقترنة بالمخالفة القطعیة مع عدم إمکان الموافقة الاحتمالیة المقرّرة بالقرعة و نحوها، لا سیما مع التعبیر الوارد فی القرعة بأنها سهم الله الذی لا یُخطئ.

و قد یقال: إن قاعدة العدل و الإنصاف مقدّمة علی القرعة، و الموافقة القطعیة بالنحو المزبور مقدّمة علی الموافقة الاحتمالیة، و ذلک لأن نصوص القرعة جلّها(1) وارد فی موارد لا یمکن فیها توزیع الحق بین الطرفین أو الأطراف، کتعیین الولد بین الواطئین شبهة أو تحریر أوّل مملوک، و کما فی تعیین الحر الوارث من المملوک فی القوم الذین انهدمت علیهم الدار و نحو ذلک، و إن کان العدید منها ورد بلفظ مطلق من دون تعیین مورد، إلا أنه محمول علی الأوّل.

فینحصر مورد القرعة بموارد عدم إمکان توزیع الحق، أی عند ضرورة تعیین الواقع بعینه و تمامه لرفع الشبهة و الحیرة، و لرفع الأشکال و التجاذب بین الطرفین أو الأطراف بحیث لا یرتفع الحیرة و الإشکال أو النزاع إلا بذلک، بخلاف موارد إمکان رفع هذه الأمور بتوسط التنصیف و التوزیع العادل بین

ص:389


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم: ب13.

احتمالات الاستحقاق، و یعضد ذلک توصیف مورد القرعة بالمشکل، فإنه إنما یصدق مع عدم إمکان الاحتیاط و لو بنحو التبعیض.

و لک أن تقول: إن هذا وجه برأسه، فإن العمل بالاحتیاط و لو بنحو التبعیض مقدّم علی القرعة، کما قرّر فی محلّه من تأخر القرعة من کافة الأصول العملیة.

و أما تقدیم الموافقة القطعیة المقترنة بالمخالفة القطعیة علی الموافقة الاحتمالیة فهو الأوجه فی موارد اشتباه إحراز الحقوق و الاستحقاق، فإنه إنصاف و عدل لوجهین:

الوجه الأول: إن احتمال الاستحقاق متساو بین الطرفین و الأطراف، فاللازم الإنصاف بینهما أو بینهم فی مراعات درجة الاحتمال و ذلک بالتوزیع.

الوجه الثانی: إن فی الموافقة القطعیة یقین بإیصال الحق إلی صاحبه و لو بعضه، بخلاف الموافقة الاحتمالیة فإنه یحتمل عندها عدم إیصال الحق إلی صاحبه من رأس.

نعم هذا الخلاف فی موارد کون الموافقة و المخالفة القطعیة و الاحتمالیة هی فی التکالیف التی هی من حق الله تعالی لا من حقوق الناس، فإن الأوجه فیها تقدیم الموافقة الاحتمالیة علی القطعیة بالنحو المزبور، و ذلک لأنه لا یحسن الموافقة القطعیة للمولی مع عصیانه القطعی و التمرّد علی ساحته، فلا بدّ من التفصیل بین نوعی الموارد.

ثمّ إنه علی القول بالقرعة یعیّن من یجب الإنفاق علیه منهما و من تستحق مهر المسمّی نصفه أو تمامه، و أما الأخری فعلی تقدیر الدخول فتستحق مهر المثل، و أما علی القول بالتوزیع و التنصیف فتنصّف النفقة بینهما،

ص:390

(مسألة 44): لو اقترن عقد الأختین، بأن تزوجهما بصیغة واحدة، أو عقد علی إحداهما و وکیله علی الأخری فی زمان واحد بطلا معاً. و ربما یقال بکونه مخیراً فی اختیار أیهما شاء، لروایة محمولة علی التخییر بعقد جدید. و لو تزوجهما و شک فی السبق و الاقتران حکم ببطلانهما أیضاً.(1)

کما یُقسّم نصف المهر المسمّی ربعاً ربعاً فی صورة عدم الدخول، و إلا فینصّف کل من مهر المثل و مهر المسمّی علیهما.

اقتران عقد الأختین

(1) التحقیق:

نُسب البطلان إلی جماعة من المتقدّمین و أکثر المتأخرین، و نُسبت الصحة بالتخییر إلی جماعة أخری من المتقدّمین، و الغریب من الماتن اختیار البطلان فی المقام، مع أنه اختار الصحة فیمن تزوج خمساً فی - الفصول السابقة - بضمیمة القرعة، مع أن المستند فی المسألتین واحد و هو صحیحة جمیل ابن دراج عن أبی عبد الله(علیه السلام): )فی رجل تزوج أختین فی عقدة واحدة، قال: یُمسک أیهما شاء و یُخلّی سبیل الأخری، و قال: فی رجل تزوج خمسة فی عقدة واحدة، قال: یُخلّی سبیل أیتهنّ شاء(1).

و روایة الکلینی الشیخ بطریقهما عن جمیل عن بعض أصحابه عن أحدهما، أی بصورة للطریق یقع فیه الإرسال، لا یخدش فی صحة طریق الصدوق، و ذلک لما هو المعهود من جلّ روایات جمیل بن دراج و دیدنه من

ص:391


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب25 ح1.

إسناده تارة الروایة مباشرة عن المعصوم و أخری بإسنادها بألفاظها عن بعض أصحابه، فهذا الدیدن مشاهد بکثرة فی روایات جمیل، و لیس خاصّاً فبهذه الروایة کما یشهد لذلک التتبع، فلعلّه سمع الکثیر من الروایات عن کبار أصحاب الصادق(علیه السلام) و کان هو من أحداث أصحابه ثمّ قام بعرضها علی الإمام(علیه السلام).

و یشهد لذلک أن ما یُسنده مباشرة هو عن الإمام الصادق(علیه السلام) بینما ما یرویه عن بعض أصحابه هو عن أحدهما علیهما السلام، أی إما عن الباقر أو الصادق(علیه السلام) و کبار أصحاب الصادق(علیه السلام) جلّهم من أصحاب الباقر(علیه السلام)، و قد مرّ أن العمل بمفاد الروایة متین، و أن ما یقال من أنها علی خلاف القواعد المسلّمة أو أن تصحیح أحدهما ترجیح بلا مرجح، مدفوع: بأن مفاد الصحیحة کما مرّ قابل للانطباق علی مفاد القواعد، لأنه من تمانع المقتضیات فإذا أفقد أحد المقتضیات بعض شرائط صحته بقاءً أثر الآخر بلا مانع، فإن التمانع یوجب تعلیق تأثیر کل من العقدین، فإذا رفع العاقد رضاه عن أحدهما اختلّ المرفوع عنه الرضا و أثر الآخر بلا مانع، و شرائط العقود و موانعها بعضها بنحو الاقتران مع الصیغة، أی لا بدّ أن تکون مقترنة، و بعضها مأخوذة بنحو أعم من الاقتران و التأخر، کما أن الموانع منها ما یُبطل و یُفسد العقد و یُزیل أهلیة للصحة، و منها ما یکون مانعاً عن الصحة الفعلیة للعقد دون الصحة التأهلیة، فیصح العقد إذا ارتفع اللفظ الثانی من الموانع، و إن فرض وجوده مقترناً بصیغة العقد، نظیر کراهة ولی الباکر لعقدها برجل معین ثمّ تجدّد رضاه، و نظیر ما لو باع عیناً مرهونة من دون إذن الراهن ثمّ أذن الراهن، و غیرها من المورد و الأمثلة.

ص:392

فتبیّن أن الموانع التی هی من باب التمانع التواردی فی الموضوع الواحد یمکن تصویرها أنها من قبیل مانع الفعلیة من الصحة لا الأهلیة، فالعمل بالصحیحة متعیّن، و من ثمّ لا یفرق فیه بین مورد الروایة أو ما لو عقد هو مباشرة علی إحداهما و عقد وکیله علی الأخری متزامناً، بعد الاستفادة من الصحیحة أن المنع من الجمع من باب التمانع.

و ما یقال: من أن الوکالة قاصرة عن الشمول للعقد الفاسد.

مدفوع: بأن الفساد فی المقام لیس ذاتیاً و إنّما هو تمانعی و تواردی، فإنشاء الوکالة من الموکّل شامل لمثل هذا العقد، غایة الأمر قد ابتلی بمزاحم ممانع متوارد، و لو غُضّ النظر عن ذلک فإن التسبیب من الموکّل للوکیل متحقق عرفاً، هذا.

و نظیر مفاد الصحیح فی المقام مفاد ما ورد فیمن أسلم عن أزید من أربع.

نعم یبقی الکلام فی مثل هذه الموارد فی کون اختیار الزوج کاشف أو ناقل، و علی الثانی یکون العقدان مثل اختیاره معلّقین فی الصحیحة، و الأوفق بالقواعد هو الثانی، و لکن علی الثانی لو لم یختر أحدهما لما صحّ أی منهما، و هل الحال کذلک فیمن أسلم علی أرید من أربع؟

قد یقال: أنه فی موارد التوارد - کما هو الصحیح - یکون لأحدهما الفعلیة بنحو مبهم و لا یکونان معلّقین معاً، إذ الصحیح فی التوارد تماثله مع التزاحم من جهة و لیس بحکم التعارض، و علی ذلک فیکون ملزماً بتعیین إحداهما، و لعلّه ظاهر الصحیح، فکما أن تخلیة سبیل الأخری بنحو اللزوم و اللابدّیّة فکذلک إمساک إحداهما، و لیس تحقق الموضوع فی المورد

ص:393

لأحدهما بنحو المبهم یراد منه التردید فی الموجود، کی یُشکل بأن التردید بالموجود محال، بل المراد من ذلک أن الموجود المتشخص فی طبیعته الساریة لم یتم بتمام تشخصه فی هویته الفردیة، نظیر المادة الاستعدادیة فی طریق تشکّلها بإحدی الصور الخاصة، فاختیاره و تخییره یوجب تعیین الموضوع لأحدهما، و هذا الحال مطّرد فی باب التوارد، فلا یندرج فی التعارض کما لا یندرج فی التزاحم بقول مطلق، و هناک أمثلة عدیدة فی الأبواب ورد فیها النص بمراعاة أحد الحکمین فی حالة التوارد.

نعم فی صحیح أبی بکر الحضرمی المتقدّم فی المسائل السابقة، قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): )رجل نکح امرأة ثمّ أتی أرضاً فنکح أختها و لا یعلم؟ قال یُمسک أیتهما شاء و یخلّی سبیل الأخری(1) و قد مرّ حمله علی التخییر، بمعنی أن له طلاق الأولی و التزویج بالثانیة أو البقاء علی الأولی و ترک الأخری.

و قد یقال فی المقام: إن المراد فی صحیح جمیل بن درّاج ذلک أیضاً، کما حمل صاحب الجواهر الصحیح علی ذلک و إن احتاط بالعمل بظاهرها المنسبق، نظراً لما ورد فیمن أسلم عن أزید من أربع من التخییر حقیقة، لا بالمعنی المؤوّل فی صحیحة الحضرمی، و بعبارة أخری: الموجب للتأویل فی صحیحة الحضرمی مفروض الوجود بخلاف صحیحة جمیل، فلا یرفع الید عن الظهور الأوّلی، و قد مرّ وهن ما استدل به علی مخالفتها للقواعد.

و بعبارة أخری: هناک فرق بین التنافی فی الجعل و هو التعارض و التنافی

ص:394


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب24ح1.

لو کان عنده أختان مملوکتان

(مسألة 45): لو کان عنده أختان مملوکتان فوطئ إحداهما حرمت علیه الأخری حتی تموت الأولی، أو یخرجها عن ملکه ببیع أو صلح أو هبة أو نحوهما و لو بأن یهبهما من ولده. و الظاهر کفایة التملیک الذی له فیه الخیار و إن کان الأحوط اعتبار لزومه. و لا یکفی علی الأقوی ما یمنع من المقاربة مع بقاء الملکیة - کالتزویج للغیر و الرهن و الکتابة و نذر عدم المقاربة و نحوها - و لو وطئها من غیر إخراج للأولی لم یکن زناء فلا یحد، و یلحق به الولد. نعم یعزر.

(مسألة 46): إذا وطئ الثانیة بعد وط ء الأولی حرمتا علیه مع علمه بالموضوع و الحکم. و حینئذ فإن أخرج الأولی عن ملکه حلت الثانیة

فی أصل الفعلیة و هو التوارد، من دون تناف بین جعلیهما و بین التنافی فی الامتثال و هو التزاحم، من دون تنافی الحکمین فی الجعل و لا فی أصل الفعلیة، و علی ضوء ذلک فاختیاره یکون من قبیل الکشف عمّا هو فعلی هذا.

و لو شک فی السبق و الاقتران فمع العلم بتاریخ أحدهما یصحّ و یبطل مجهول التاریخ، لأصالة عدمه من دون معارض، أما مع الجهل بتاریخ کل منهما، فقد تقدّم إجراء القرعة، إما لاستکشاف السابق منهما علی تقدیر سبق أحدهما فی الواقع، و إما تعییناً لأحدهما علی تقدیر الاقتران، و لو فرض العلم المردّد بأحدهما بالسبق و الاقتران و فی الآخر المردّد بین الاقتران و اللحوق، فالأول منهما معلوم التاریخ و الثانی مجهول، فیستصحب عدم الثانی حین وقوع الأوّل.

ص:395

. مطلقاً و إن کان ذلک بقصد الرجوع إلیها، و إن أخرج الثانیة عن ملکه یشترط فی حلیة الأولی أن یکون إخراجه لها لا بقصد الرجوع إلی الأولی، و إلا لم تحل. و أما فی صورة الجهل بالحرمة موضوعاً أو حکماً فلا یبعد بقاء الأولی علی حلیتها و الثانیة علی حرمتها، و إن کان الأحوط عدم حلیة الأولی إلا بإخراج الثانیة و لو کان بقصد الرجوع إلی الأولی، و أحوط من ذلک کونها کصورة العلم.

(مسألة 47): لو کانت الأختان کلتاهما أو إحداهما من الزنا، فالأحوط لحوق الحکم من حرمة الجمع بینهما فی النکاح و الوط ء إذا کانتا مملوکتین.(1)

(مسألة 48): إذا تزوج بإحدی الأختین ثمّ طلقها طلاقاً رجعیاً لا یجوز له نکاح الأخری إلاّ بعد خروج الأولی عن العدة، و أما إذا کان بائناً بأن کان قبل الدخول أو ثالثاً أو کان الفراق بالفسخ لأحد العیوب أو بالخلع أو المباراة جاز له نکاح الأخری، و الظاهر عدم صحة رجوع

تقدم فی الفصول السابقة بیان أن النسب علقة تکوینیة و لیست علقة اعتباریة شرعیة و لا اعتباریة عرفیة، و إنما هو تبعض تکوینی و تجزئة کما یشیر إلیه قوله تعالی: (لَمْ یَلِدْ وَ لَمْ یُولَدْ) و ما ورد من نصوص من نفی التوارث من طرف الأب دون الأم أو بعض الأحکام الأخری، فلیس هو نفیاً للموضوع التکوینی و إنما هو أخذ لحصة خاصة من النسب فی موضوع الأحکام و هو خصوص النسب الطاهر، نظیر أخذ هذه الحصة فی القاضی و إمام الجماعة و الشاهد، و هو نظیر أخذ حصة خاصة من الطهارة فی درجاتها

ص:396

الزوجة فی البذل بعد تزویج أختها، کما سیأتی فی باب الخلع إن شاء الله

نعم لو کان عنده إحدی الأختین بعقد الانقطاع و انقضت المدة لا یجوز له - علی الأحوط - نکاح أختها فی عدتها، و إن کانت بائنة للنص الصحیح، و الظاهر أنه کذلک إذا وهب مدتها و إن کان مورد النص انقضاء المدة.(1)

العالیة هی الإمامة الإلهیة و العصمة، و هذا بخلاف الموضوع المأخوذ فی باب محرمات النکاح فإن ظاهر المشهور علی أخذ عموم النسب موضوعاً، و هو مما یفصح المراد الأصلی للمشهور من عباراتهم الأخری التی توهم نفی النسب من رأس.

إذا تزوج بإحدی الأختین ثمّ طلقها

اشارة

(1) تعرض الماتن لجملة من الصور:

الصورة الأولی: فی المطلقة رجعیاً

فلا یجوز تزویج أختها فی عدتها. و هی کما مر مراراً زوجة بمقتضی الآیات و الروایات و تدل علیه مفهوم النصوص الآتیة أیضاً منها معتبرة زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام) فی رجل طلق امرأته و هی حبلی أ یتزوج أختها قبل أن تضع قال: «لا یتزوجها حتی یخلو أجلها [و فی نسخة بطنها]»(1) و ظاهرها فی المطلقة رجعیاً.

ص:397


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28، ح2.
الصورة الثانیة: إذا کانت مطلقة طلاقاً بائناً

فیسوغ التزویج بأختها بعد خروجها عن زوجیته و بینونتها منه، و إن کانت هی لا زالت علی علقة منه من طرفها، و من ثمّ یحرم علیها التزوج قبل انقضاء عدتها، و مرّ فی الفصول السابقة أن هذا المقدار من طرفها بالإضافة إلیه قد یکون موضوعاً لبعض الآثار، و علی أی تقدیر فقد دلت النصوص علی الجواز کصحیح أبی الصباح الکنانی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «سألت عن رجل اختلعت منه امرأته أ یحل له أن یخطب أختها قبل أن تنقضی عدتها؟ قال: اذا برئت عصمتها منه و لم یکن له رجعة فقد حل له أن یخطب أختها»(1).

الصورة الثالثة: و هی ما لو کان الفراق بالفسخ أو بالخلع أو المباراة

فإن العدة تکون بائنة و حکمها ما سبق. و هل یصح رجوع الزوجة فی البذل بعد تزویج أختها أم لا یصح؟ لعدم تمکن الزوج من الرجوع لما دلت الروایات(2) أن مورد الرجوع فیما یمکن أن تکون امرأته، أی فیما یمکن أن یرجع فی بضعها. و هو مقتضی ما دل من المشارطة فی الخلع و المباراة أنه إن رجعت فإنه أملک ببضعها و هذا هو الأقوی، و لو غض النظر عن ذلک و قیل بجواز رجوعها فالعدة لا تنقلب إلی رجعیة فی فرض المقام.

ص:398


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب28، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب الخلع و المباراة: ب7.
الصورة الرابعة: لو تمتع بأحد الأختین و انقضت مدتها أو وهبها إیاها

فعن المقنع للصدوق و المفید و نهایة المرام أنه لا یجوز التزویج بأختها حتی تنقضی عدتها و عن النهایة أنه احتاط؛ للنص الوارد عن ابن إدریس أن الروایة شاذة مخالفة لأصول المذهب، و الروایة مرویة بعدة أسانید، أحدها ینتهی إلی یونس بن عبد الرحمن بسند معتبر و الآخر للبطائنی و بسند صحیح أبی الحسین بن سعید و کذا أحمد بن محمد بن عیسی، إلاّ أن فی الطریقین الأولین إسناد الروایة إلی أبی الحسن، و فی الطریقین الثانیین إلی أبی الحسن الرضا(علیه السلام)، قال: «قرأت کتاب رجل إلی أبی الحسن(علیه السلام)، الرجل یتزوج المرأة متعة إلی أجل مسمی فینقضی الأجل بینهما هل یحل أن ینکح أختها من قبل أن تنقضی عدتها؟ فکتب لا یحل له أن یتزوجها حتی تنقضی عدتها»(1)، و رمیت الروایة بالشذوذ و إعراض الأصحاب عنها لمخالفتها للعمومات، لا سیما مع النص الوارد فی النکاح الدائم و الذی هو أشد من المنقطع حکماً وعدته البائن أطول من المنقطعة.

و بعبارة أخری: إن الزوجة المطلقة بائناً أشد تعلقاً بالزوج فی الدائم منها به فی المنقطع، هذا و قد یدعم مفاد الروایة بصحیح زرارة قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل تزوج بالعراق ثمّ خرج إلی الشام فتزوج امرأة أخری فإذا هی أخت امرأته التی هی بالعراق؟ قال: یفرق بینه و بین المرأة التی تزوجها بالشام و لا یقرب المرأة العراقیة حتی تنقضی عدة الشامیة، قلت: فإن تزوج امرأة ثمّ تزوج أمها و هو لا یعلم أنها أمها قال: قد وضع الله جهالته بذلک، ثمّ قال: إن علم أنها أمها فلا یقربها و لا یقرب الأبنة حتی تنقضی عدة الأم منه،

ص:399


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب26، ح1.

فإذا انقضت عدة الأم حل له نکاح الأبنة»(1).

و کذلک صحیح برید العجلی، قال: «سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل تزوج امرأة، فزفتها إلیه أختها و کانت أکبر منها فأدخلت منزل زوجها لیلاً تعمدت إلی ثیاب امرأته فنزعته منها و لبستها، ثمّ قعدت فی حجلة أختها و نحت امرأته و أطفأت المصباح و استحیت الجاریة أن تتکلم، فدخل الزوج الحجلة و هو یظن أنها امرأته التی تزوجها، فلما أن أصبح الرجل قامت إلیه امرأته، فقالت أنا امرأتک فلانة التی تزوجت، و أن أختی مکرت بی فأخذت ثیابی فلبستها، و قعدت فی الحجلة و نحتنی فنظر الرجل فی ذلک فوجد کما ذکر، فقال: أری أن لا مهر للتی دلست نفسها، و أری أن علیها الحد لما فعلت حد الزانی غیر محصن و لا یقرب الزوج امرأته التی تزوج حتی تنقضی عدة التی دلست نفسها، فإذا انقضت عدتها ضم إلیه امرأته»(2).

و یؤید أیضاً بصحیحة زرارة بن أعین و محمد بن مسلم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا جمع الرجل أربعاً و طلق إحداهن فلا یتزوج الخامسة حتی تنقضی عدة المرأة التی طلق، و قال: لا یجمع ماؤه فی خمس»(3) و یظهر منها أن المدار فی الجمع المنهی عنه عدم جمع مائه فی الأرحام المنهی عن الجمع بینهن لا علی خصوص الجمع فی العلقة الزوجیة.

و مثلها روایة منصور بن حازم عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «لا یحل لماء الرجل أن یجری فی أکثر من أربعة أرحام من الحرائر»(4).

ص:400


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب27، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب9، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد: ب2، ح16.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم باستیفاء العدد: ب2، ح4.

إذا زنی بإحدی الأختین

(مسألة 49): إذا زنی بإحدی الأختین جاز له نکاح الأخری فی مدة استبراء الأولی، و کذا إذا وطأها شبهة جاز له نکاح أختها فی عدتها؛ لأنها بائنة، نعم الأحوط اعتبار الخروج عن العدة، خصوصاً فی صورة کون الشبهة من طرفه و الزنا من طرفها، من جهة الخبر الوارد فی تدلیس الأخت التی نامت فی فراش أختها بعد لبسها لباسها(1).

(مسألة 50): الأقوی جواز الجمع بین فاطمیتین علی کراهة، و ذهب جماعة من الأخباریة إلی الحرمة و البطلان بالنسبة إلی الثانیة، و منهم من

أقول: أما الصحیح الأخیر من تعمیم الجمع بلحاظ الماء فقد تقدم فی مسائل التحریم بالعدد أنه محمول علی الکراهة فی البائن؛ لما دل علی الجواز فی قباله، أو محمول علی العدة الرجعیة.

و منه یظهر وجه الجمع أیضاً بین صحیح زرارة و صحیح أبی الصباح الکنانی بالحمل علی الکراهة، و کذلک الحال فی صحیح برید العجلی. و مورد صحیح زرارة و برید و إن کان فی وطی الشبهة، بینما صحیح أبی الصباح فی المعتدة البائن أقرب تعلقاً بالرجل من المعتدة فی وطی الشبهة، کما فی الإرث منه و جواز تغسیلها له و تغسیله لها.

فتبین من ذلک وجه عدم عمل الأصحاب بظاهر هذه الصحاح الأربعة، و منه یتضح الحال فی المسألة اللاحقة، و احتیاط الماتن لا بأس به، و إن کان الأقرب هو الکراهة کما مر.

(1) قد تقدم الحال فی المسألة السابقة و أن الأقرب هو الکراهة.

ص:401

قال بالحرمة دون البطلان، و الأحوط الترک، و لو جمع بینهما فالأحوط طلاق الثانیة أو طلاق الأولی و تجدید العقد علی الثانیة بعد خروج الأولی عن العدة، و إن کان الأظهر علی القول بالحرمة عدم البطلان؛ لأنها تکلیفیة فلا تدل علی الفساد، ثمّ الظاهر عدم الفرق فی الحرمة أو الکراهة بین کون الجامع بینهما فاطمیاً أو لا، کما أن الظاهر اختصاص الکراهة أو الحرمة بمن کانت فاطمیة من طرف الأبوین أو الأب، فلا تجری فی المنتسب إلیها - صلوات الله علیها - من طرف الأم، خصوصاً إذا کان انتسابه إلیها بإحدی الجدات العالیات.

و کیف کان فالأقوی عدم الحرمة، و إن کان النص الوارد فی المنع صحیحاً، علی ما رواه الصدوق فی العلل بإسناده عن حماد قال: «سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) یقول: (لا یحل لأحد أن یجمع بین اثنتین من ولد فاطمة(علیه السلام)أن ذلک یبلغها فیشق علیها) قلت: یبلغها؟ قال ': إی و الله؛ و ذلک لإعراض المشهور عنه، مع أن تعلیله ظاهر بالکراهة، إذ لا نسلم أن مطلق کون ذلک شاقاً علیها إیذاءً لها حتی یدخل فی قوله(صلی الله علیه و آله): (من آذاها فقد آذانی).(1)

الجمع بین الفاطمیتین

(1) ذهب إلی الحرمة جماعة من علماء البحرین فی القرون الأخیرة کما حکی ذلک صاحب الحدائق، و بعضهم من الأصولیة و لم تعنون المسألة فی الطبقات المتقدمة علی ما قیل.

نعم ذکر الروایة الشیخ فی التهذیب فی أبواب الزیادات فی فقه النکاح،

ص:402

و لم یذکرها الصدوق فی الفقیه، و إنما رواها فی علل الشرائع و قال المجلسی فی ملاذ الأخیار: «و لم أر عاملاً به»(1) و لعله محمول علی الکراهة، و طریق الصدوق صحیح إلی حماد قال: «سمعت ابا عبد الله(علیه السلام) یقول: لا یحل لأحد أن یجمع بین ثنتین من ولد فاطمة(علیها السلام) أن ذلک یبلغها فیشق علیها. قلت: یبلغها، قال: إی و الله»(2). و أشکل علی الاستدلال بالروایة تارة بالإعراض، و أخری بضعف السند، و ثالثة بالتأمل فی الدلالة، لمکان التعلیل و جملة من اللوازم الأخری.

أما الأول فظاهر، و أما الثانی، فلأن طریق الشیخ مشتمل علی السندی بن الربیع و هو ممن لم یوثق، مضافاً إلی الإرسال.

و أما طریق الصدوق فلاشتماله علی محمد بن علی ماجیلویه، و هو و إن کان من مشایخ الصدوق إلاّ أنه لم یوثق أیضاً.

و أما الدلالة؛ فلأن التعلیل یناسب الکراهة للانفکاک بین المشقة و الإیذاء، مضافاً إلی أن لازم الحرمة المعللة هو الالتزام بها أیضاً فی موارد أخری کما لو تزوج غیر الفاطمیة علی الفاطمیة أو طلق الفاطمیة و نحوها من الموارد.

هذا و یمکن التأمل فی الإعراض، أن المسألة حیث لم تعنون فلیس هذا من الإعراض المصطلح، و هناک جملة من الفروع وردت فی النصوص و لم ینبه علی ذکرها عند الأصحاب و لو فی بعض الطبقات المتقدمة، ثمّ ابتدر إلی ذکرها فی الطبقات اللاحقة.

و أما ضعف الطریق، فالصحیح صحة طریق الصدوق، فإن محمد بن

ص:403


1- (1) المجلسی، ملاذ الأخیار: ج16، ح462.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب ما یحرم بالمصاهرة: ب40، ح1.

علی ماجیلویه من مشایخ الصدوق و قد أکثر الصدوق عنه فی الفقیه و غیره مترضیاً علیه، کما قد وقع فی طریقه فی المشیخة ما یقرب من اثنین و خمسین مورداً علی ما قیل، مضافاً إلی أن بیت ماجیلویه من بیوت الشیعة المعروفین، فإن عمه محمد بن أبی القاسم عبد الله بن عمران الجنابی البرقی أبو عبد الله الملقب ماجیلویه و أبو القاسم یلقب «بندار( سید من أصحابنا القمیین، ثقة، عالم، فقیه و هو صهر البرقی أحمد علی ابنته، کما ذکر النجاشی.

و أما الدلالة فالتعبیر بلا یحل و إن استخدم فی المکروه، إلاّ أن المنسبق منه الحرمة، و التعبیر ب- «یشق علیها(علیها السلام)( فإنه درجة من الإیذاء، إذ هو ثقل ما ینفر عنه، و الغریب الإشکال بأن التأذی قد یکون من الفعل المباح و هو لیس بمحرم، إذ المحرم منه ما یکون بهظم حق و الغمس فیه و أما الإشکال ضعیف فی غایته، إذ الکلام لیس فی تأذی غیر المعصوم، و المعصوم بمقتضی العصمة موازین القسط و العدل فلا ینفر إلاّ عما هو مبغوض.

و أما اللوازم الأخری، فالالتزام بها غیر مستنکر لکن مع البناء علی کون الحکم فی المقام تکلیفی لا وضعی و کونه من آداب العشرة الخاصة مع ذریة الرسول(صلی الله علیه و آله) ، لا سیما من النسل الفاطمی فالحکم مرتکز فی سیرة الطائفة، بل فی سیرة عموم المسلمین عدا النواصب من احترام الذریة و إن الأدب معهم أشد من غیرهم. فالحکم فی المقام تکلیفی محض خارج مخرج الآداب الخاصة لاحترام ذریة السلالة الکریمة. و منه یظهر ضعف الإشکال بأن لازم الحکم فی المقام هو تعمیمه لمن کانت من ولد فاطمة من طرف الأم، و لو بأن کانت إحدی جداتها فاطمیة النسب.

ص:404

تزویج الأمة دواماً

(مسألة 51): الأحوط ترک تزویج الأمة دواماً مع عدم الشرطین: من عدم التمکن من المهر للحرة، و خوف العنت - بمعنی المشقة أو الوقوع فی الزنا - بل الأحوط ترکه متعة أیضاً و إن کان القول بالجواز فیها غیر بعید. و أما مع الشرطین فلا إشکال فی الجواز، لقوله تعالی: (وَ مَن لَمْ یَسْتَطِعْ) إلی آخر الآیة، و مع ذلک الصبر أفضل فی صورة عدم خوف الوقوع فی الزنا. کما لا إشکال فی جواز وطئها بالملک، بل و کذا بالتحلیل. و لا فرق بین القن و غیره، نعم الظاهر جوازه فی المبعضة لعدم صدق الأمة علیها و إن لم یصدق الحرة أیضاً.

(مسألة 52): لو تزوجها مع عدم الشرطین، فالأحوط طلاقها. و لو حصلا بعد التزویج جدد نکاحها إن أراد علی الأحوط.

و وجه الضعف أن الحکم حیث کان منشؤه و مستنده هو حرمة الذریة و بالتخصیص النسل الفاطمی، فظهوره فی المنتسبة من الأب ظاهر فضلاً عن المنتسب من الطرفین، نعم قد یفرض فی المنتسبة من الأم بأن کانت أمها المباشرة فاطمیة و عن التعامل بالجفاء ینعکس علی والدتها.

و من ثمّ یظهر أن الحکم - حرمة و کراهة و شدة و خفة - یدور مدار آداب العشرة و الاحترام و الألفة، و النصوص متواترة عند الفریقین علی احترام الذریة، لا سیما من نسل فاطمة، فلو فرض وجود الألفة فی الجمع بینهما و عدم تأذی الأولی و إن ندر و قلّ فرضه فتنتفی الحرمة و الکراهة.

ص:405

(مسألة 53): لو تحقق الشرطان فتزوجها ثمّ زالا، أو زال أحدهما، لم یبطل، و لا یجب الطلاق.

(مسألة 54): لو لم یجد الطول أو خاف العنت و لکن أمکنه الوط ء بالتحلیل أو بملک الیمین، یشکل جواز التزویج.

(مسألة 55): إذا تمکن من تزویج حرة لا یقدر علی مقاربتها لمرض، أو رتق، أو قرن، أو صغر، أو نحو ذلک فکما لم یتمکن. و کذا لو کانت عنده واحدة من هذه، أو کانت زوجته الحرة غائبة.

(مسألة 56): إذا لم تکفه فی صورة تحقق الشرطین أمة واحدة یجوز الاثنتین، أما الأزید فلا یجوز کما سیأتی.

(مسألة 57): إذا کان قادراً علی مهر الحرة، لکنها ترید أزید من مهر أمثالها بمقدار یعد ضرراً علیه فکصورة عدم القدرة؛ لقاعدة نفی الضرر، نظیر سائر المقامات، کمسألة وجوب الحج إذا کان مستطیعاً، و لکن یتوقف تحصیل الزاد و الراحلة علی بیع بعض أملاکه بأقل من ثمن المثل، أو علی شراء الراحلة بأزید من ثمن المثل، فإن الظاهر سقوط الوجوب و إن کان قادراً علی ذلک. و الأحوط فی الجمیع اعتبار کون الزیادة مما یضر بحاله لا مطلقاً.

ص:406

فصل: فی نکاح الأمة علی الحرة

فصل

الأقوی جواز نکاح الأمة علی الحرة مع إذنها. و الأحوط اعتبار الشرطین: من عدم الطول، و خوف العنت. و أما مع عدم إذنها فلا یجوز و إن قلنا فی المسألة المتقدمة بجواز عقد الأمة مع عدم الشرطین، بل هو باطل. نعم لو أجازت بعد العقد صح علی الأقوی بشرط تحقق الشرطین علی الأحوط. و لا فرق فی المنع بین کون العقدین دوامیین أو انقطاعیین أو مختلفین، بل الأقوی عدم الفرق بین إمکان وط ء الحرة و عدمه لمرض أو قرن أو رتق إلا مع عدم الشرطین. نعم لا یبعد الجواز إذا لم تکن الحرة قابلة للإذن لصغر أو جنون، خصوصاً إذا کان عقدها انقطاعیاً. و لکن الأحوط مع ذلک المنع. و أما العکس و هو نکاح الحرة علی الأمة فهو جائز و لازم إذا کانت الحرة عالمة بالحال، و أما مع جهلها فالأقوی خیارها فی بقائها مع الأمة و فسخها و رجوعها إلی أهلها. و الأظهر عدم وجوب إعلامها بالحال، فعلی هذا لو أخفی علیها ذلک أبداً لم یفعل محرماً.

(مسألة 1): لو نکح الحرة و الأمة فی عقد واحد مع علم الحرة صح، و مع جهلها صح بالنسبة إلیها و بطل بالنسبة إلی الأمة إلا مع إجازتها. و کذا الحال لو تزوجهما بعقدین فی زمان واحد علی الأقوی.

ص:407

(مسألة 2): لا إشکال فی جواز نکاح المبعضة علی المبعضة. و أما علی الحرة ففیه إشکال و إن کان لا یبعد جوازه لأن الممنوع نکاح الأمة علی الحرة، و لا یصدق الأمة علی المبعضة و إن کان لا یصدق أنها حرة أیضاً.

(مسألة 3): إذا تزوج الأمة علی الحرة فماتت الحرة، أو طلقها، أو وهب مدتها فی المتعة أو انقضت، لم یثمر فی الصحة، بل لا بد من العقد علی الأمة جدیداً إذا أراد.

(مسألة 4): إذا کان تحته حرة فطلقها طلاقاً بائناً، یجوز له نکاح الأمة فی عدتها، و أما إذا کان الطلاق رجعیاً، ففیه إشکال، و إن کان لا یبعد الجواز لانصراف الأخبار عن هذه الصورة.

(مسألة 5): إذا زوجه فضولی حرة فتزوج أمة ثمّ أجاز عقد الفضولی، فعلی النقل لا یکون من نکاح الأمة علی الحرة فلا مانع منه و علی الکشف مشکل.

(مسألة 6): إذا عقد علی حرة و عقد وکیله له علی أمة و شک فی السابق منهما لا یبعد صحتهما و إن لم تخبر الحرة، و الأحوط طلاق الأمة مع عدم إجازة الحرة.

(مسألة 7): لو شرط فی عقد الحرة أن تأذن فی نکاح الأمة علیها صح، و لکن إذا لم تأذن لم یصح، بخلاف ما إذا شرط علیها أن یکون له نکاح الأمة.

ص:408

فصل: فی نکاح العبید و الإماء

فصل

فی نکاح العبید و الإماء

(مسألة 1): أمر تزویج العبد و الأمة بید السید، فیجوز له تزویجهما و لو من غیر رضاهما أو إجبارهما علی ذلک. و لا یجوز لهما العقد علی نفسهما من غیر إذنه، کما لا یجوز لغیرهما العقد علیهما کذلک حتی لو کان لهما أب حر. بل یکون إیقاع العقد منهما أو من غیرهما علیهما حراماً إذا کان ذلک بقصد ترتیب الأثر و لو لا مع إجازة المولی. نعم لو کان ذلک بتوقع الإجازة منه فالظاهر عدم حرمته، لأنه لیس تصرفاً فی مال الغیر عرفاً کبیع الفضولی مال غیره. و أما عقدهما علی نفسهما من غیر إذن المولی و من غیرهما بتوقع الإجازة فقد یقال بحرمته لسلب قدرتهما و إن لم یکونا مسلوبی العبارة، لکنه مشکل لانصراف سلب القدرة عن مثل ذلک. و کذا لو باشر أحدهما العقد للغیر بإذنه أو فضولة، فإنه لیس بحرام علی الأقوی و إن قیل بکونه حراماً.

(مسألة 2): لو تزوج العبد من غیر إذن المولی، وقف علی إجازته فإن أجاز صح، و کذا الأمة علی الأقوی. و الإجازة کاشفة، و لا فرق فی صحته بها بین أن یکون بتوقعها أو لا، بل علی الوجه المحرم، و لا یضره النهی، لأنه متعلق بأمر خارج متحد. و الظاهر اشتراط عدم الرد منه قبل

ص:409

الإجازة فلا تنفع الإجازة بعد الرد. و هل یشترط فی تأثیرها عدم سبق النهی من المولی فیکون النهی السابق کالرد بعد العقد أو لا؟ وجهان: أقواهما الثانی.

(مسألة 3): لو باشر المولی تزویج عبده أو أجبره علی التزویج، فالمهر إن لم یعین فی عین یکون فی ذمة المولی، و یجوز أن یجعله فی ذمة العبد یتبع به بعد العتق مع رضاه. و هل له ذلک قهراً علیه؟ فیه إشکال کما إذا استدان علی أن یکون الدین فی ذمة العبد من غیر رضاه. و أما لو أذن له فی التزویج فإن عین کون المهر فی ذمته أو فی ذمة العبد أو فی عین معین تعین، و إن أطلق ففی کونه فی ذمته أو ذمة العبد مع ضمانه له و تعهده أداءه عنه أو کونه فی کسب العبد وجوه : أقواها الأول لأن الإذن فی الشیء إذن فی لوازمه، و کون المهر علیه بعد عدم قدرة العبد علی شیء و کونه کلا علی مولاه من لوازم الإذن فی التزویج عرفاً، و کذا الکلام فی النفقة. و یدل علیه أیضاً فی المهر روایة علی بن أبی حمزة، و فی النفقة موثقة عمار الساباطی، و لو تزوج العبد من غیر إذن مولاه ثمّ أجاز ففی کونه کالإذن السابق فی کون المهر علی المولی أو بتعهده أو لا؟ وجهان. و یمکن الفرق بین ما لو جعل المهر فی ذمته فلا دخل له بالمولی، و إن أجاز العقد، أو فی مال معین من المولی أو فی ذمته، فیکون کما عین أو أطلق فیکون علی المولی. ثمّ إن المولی إذا أذن فتارة یعین مقدار المهر، و تارة یعمم، و تارة یطلق. فعلی الأولین لا إشکال، و علی الأخیر ینصرف إلی المتعارف، و إذا تعدی وقف علی إجازته. و قیل یکون الزائد فی ذمته یتبع به بعد العتق. و کذا الحال بالنسبة إلی شخص الزوجة، فإنه إن لم

ص:410

یعین ینصرف إلی اللائق بحال العبد من حیث الشرف و الضعة، فإن تعدی وقف علی إجازته.

(مسألة 4): مهر الأمة المزوجة للمولی سواء کان هو المباشر أو هی بإذنه أو بإجازته، و نفقتها علی الزوج إلا إذا منعها مولاها عن التمکین لزوجها، أو اشترط کونها علیه و للمولی استخدامها بما لا ینافی حق الزوج، و المشهور أن للمولی أن یستخدمها نهاراً و یخلی بینها و بین الزوج لیلاً، و لا بأس به. بل یستفاد من بعض الأخبار و لو اشترطا غیر ذلک فهما علی شرطهما. و لو أراد زوجها أن یسافر بها هل له ذلک من دون إذن السید؟ قد یقال لیس له، بخلاف ما إذا أراد السید أن یسافر بها، فإنه یجوز له من دون إذن الزوج. و الأقوی العکس لأن السید إذا أذن بالتزویج فقد التزم بلوازم الزوجیة و الرجال قوامون علی النساء. و أما العبد المأذون فی التزویج فأمره بید مولاه فلو منعه من الاستمتاع یجب علیه طاعته، إلا ما کان واجباً علیه: من الوط ء فی کل أربعة أشهر، و من حق القسم.

(مسألة 5): إذا أذن المولی للأمة فی التزویج و جعل المهر لها، صح علی الأقوی من ملکیة العبد و الأمة، و إن کان للمولی أن یتملک ما ملّکاه بل الأقوی کونه مالکاً لهما و لمالهما ملکیة طولیة.

(مسألة 6): لو کان العبد أو الأمة لمالکین أو أکثر توقف صحة النکاح علی إذن الجمیع أو إجازتهم، و لو کانا مبعضین توقف علی إذنهما و إذن المالک، و لیس له إجبارهما.

(مسألة 7): إذا اشترت العبد زوجته بطل النکاح، و تستحق المهر إن کان ذلک بعد الدخول. و أما إن کان قبله ففی سقوطه، أو سقوط نصفه أو

ص:411

ثبوت تمامه وجوه: مبنیة علی أنه بطلان، أو انفساخ. ثمّ هل یجری علیها حکم الطلاق قبل الدخول أو لا؟ و علی السقوط کلاً إذا اشترته بالمهر الذی کان لها فی ذمة السید بطل الشراء للزوم خلو البیع عن العوض. نعم لا بأس به إذا کان الشراء بعد الدخول لاستقرار المهر حینئذ، و عن العلامة فی القواعد البطلان إذا اشترته بالمهر الذی فی ذمة العبد و إن کان بعد الدخول، لأن تملکها له یستلزم براءة ذمته من المهر فیخلو البیع عن العوض. و هو مبنی علی عدم صحة ملکیة المولی فی ذمة العبد. و یمکن منع عدم الصحة مع أنه لا یجتمع ملکیتها له و لما فی ذمته بل ینتقل ما فی ذمته إلی المولی بالبیع حین انتقال العبد إلیها.

(مسألة 8): الولد بین المملوکین رق سواء کان عن تزویج مأذون فیه، أو مجاز، أو عن شبهة مع العقد أو مجردة، أو عن زنا منهما أو من أحدهما، بلا عقد، أو عن عقد معلوم الفساد عندهما أو عند أحدهما. و أما إذا کان أحد الأبوین حراً فالولد حر إذا کان عن عقد صحیح، أو شبهة مع العقد أو مجردة، حتی فیما لو دلست الأمة نفسها بدعواها الحریة فتزوجها حر علی الأقوی و إن کان یجب علیه حینئذ دفع قیمة الولد إلی مولاها. و أما إذا کان عن عقد بلا إذن مع العلم من الحر بفساد العقد، أو عن زنا من الحر أو منهما، فالولد رق. ثمّ إذا کان المملوکان لمالک واحد فالولد له، و إن کان کل منهما لمالک فالولد بین المالکین بالسویة إلا إذا اشترطا التفاوت، أو الاختصاص بأحدهما. هذا إذا کان العقد بإذن المالکین، أو مع عدم الإذن من واحد منهما. و أما إذا کان بالإذن من أحدهما، فالظاهر أنه کذلک، و لکن المشهور أن الولد حینئذ لمن لم یأذن.

ص:412

و یمکن أن یکون مرادهم فی صورة إطلاق الإذن بحیث یستفاد منه إسقاط حق نمائیة الولد، حیث إن مقتضی الإطلاق جواز التزویج بالحر أو الحرة و إلا فلا وجه له. و کذا لو کان الوط ء شبهة منهما سواء کان مع العقد أو شبهة مجردة، فإن الولد مشترک. و أما لو کان الولد عن زنا من العبد فالظاهر عدم الخلاف فی أن الولد لمالک الأمة، سواء کان من طرفها شبهة أو زنا.

(مسألة 9): إذا کان أحد الأبوین حراً فالولد حر، لا یصح اشتراط رقیته علی الأقوی فی ضمن عقد التزویج، فضلاً عن عقد خارج لازم، و لا یضر بالعقد إذا کان فی ضمن عقد خارج. و أما إن کان فی ضمن عقد التزویج فمبنی علی فساد العقد بفساد الشرط و عدمه، و الأقوی عدمه. و یحتمل الفساد و إن لم نقل به فی سائر العقود إذا کان من له الشرط جاهلاً بفساده، لأن فی سائر العقود یمکن جبر تخلف شرطه بالخیار بخلاف المقام حیث إنه لا یجری خیار الاشتراط فی النکاح. نعم مع العلم بالفساد لا فرق، إذ لا خیار فی سائر العقود أیضاً.

(مسألة 10): إذا تزوج حر أمة من غیر إذن مولاها حرم علیه وطؤها و إن کان بتوقع الإجازة. و حینئذ فإن أجاز المولی کشف عن صحته علی الأقوی من کون الإجازة کاشفة، و علیه المهر، و الولد حر، و لا یحد حد الزنا و إن کان عالماً بالتحریم، بل یعزر، و إن کان عالماً بلحوق الإجازة فالظاهر عدم الحرمة و عدم التعزیر أیضاً. و إن لم یجز المولی کشف عن بطلان التزویج، و یحد حینئذ حد الزنا إذا کان عالماً بالحکم، و لم یکن مشتبهاً من جهة أخری، و علیه المهر بالدخول و إن کانت الأمة أیضاً عالمة

ص:413

علی الأقوی و فی کونه المسمی، أو مهر المثل، أو العشر إن کانت بکراً، و نصفه إن کانت ثیباً، وجوه بل أقوال: أقواها الأخیر. و یکون الولد لمولی الأمة. و أما إذا کان جاهلاً بالحکم، أو مشتبهاً من جهة أخری فلا یحد، و یکون الولد حراً. نعم ذکر بعضهم أن علیه قیمته یوم سقط حیّاً. و لکن لا دلیل علیه فی المقام. و دعوی أنه تفویت لمنفعة الأمة کما تری، إذ التفویت إنما جاء من قبل حکم الشارع بالحریة. و علی فرضه فلا وجه لقیمة یوم التولد، بل مقتضی القاعدة قیمة یوم الانعقاد، لأنه انعقد حراً فیکون التفویت فی ذلک الوقت.

(مسألة 11): إذا لم یجز المولی العقد الواقع علی أمته و لم یرده أیضاً حتی مات، فهل یصح إجازة وارثه له أم لا؟ وجهان: أقواهما العدم؛ لأنها علی فرضها کاشفة، و لا یمکن الکشف هنا، لأن المفروض أنها کانت للمورث، و هو نظیر من باع شیئاً ثمّ ملک.

(مسألة 12): إذا دلّست أمة فادعت أنها حرة فتزوجها حر و دخل بها ثمّ تبین الخلاف وجب علیه المفارقة، و علیه المهر لسیدها و هو: العشر، و نصف العشر علی الأقوی، لا المسمی، و لا مهر المثل. و إن کان أعطاها المهر استردّ منها إن کان موجوداً، و إلا تبعت به بعد العتق. و لو جاءت بولد ففی کونه حراً أو رقاً لمولاها، قولان: فعن المشهور أنه رق، و لکن یجب علی الأب فکه بدفع قیمته یوم سقط حیّاً، و إن لم یکن عنده ما یفکه به سعی فی قیمته، و إن أبی وجب علی الإمام (علیه السلام) دفعها من سهم الرقاب، أو من مطلق بیت المال. و الأقوی کونه حراً کما فی سائر موارد اشتباه الحر، حیث إنه لا إشکال فی کون الولد حراً فلا

ص:414

خصوصیة لهذه الصورة. و الأخبار الدالة علی رقیته منزلة علی أن للمولی أخذه لیتسلم القیمة جمعا بینها و بین ما دل علی کونه حراً. و علی هذا القول أیضاً یجب علیه ما ذکر: من دفع القیمة أو السعی، أو دفع الإمام (علیه السلام)، لموثقة سماعة. هذا کله إذا کان الوط ء حال اعتقاده کونها حرة. و أما إذا وطئها بعد العلم بکونها أمة فالولد رق، لأنه من زناء حینئذ. بل و کذا لو علم سبق رقیتها فادعت أن مولاها أعتقها و لم یحصل له العلم بذلک و لم یشهد به شاهدان فإن الوط ء حینئذ أیضاً لا یجوز، لاستصحاب بقائها علی الرقیة، نعم لو لم یعلم سبق رقیتها جاز له التعویل علی قولها، لأصالة الحریة. فلو تبین الخلاف لم یحکم برقیة الولد، و کذا مع سبقها مع قیام البینة علی دعواها.

(مسألة 13): إذا تزوج عبد بحرة من دون إذن مولاه و لا إجازته کان النکاح باطلاً، فلا تستحق مهراً و لا نفقة. بل الظاهر أنها تحد حد الزنا إذا کانت عالمة بالحال و أنه لا یجوز لها ذلک، نعم لو کان ذلک لها بتوقع الإجازة و اعتقدت جواز الإقدام حینئذ بحیث تکون شبهة فی حقها لم تحد، کما أنه کذلک إذا علمت بمجیء الإجازة، و أما إذا کان بتوقع الإجازة و علمت مع ذلک بعدم جواز ذلک فتحد مع عدم حصولها، بخلاف ما إذا حصلت فإنها تعزر حینئذ، لمکان تجریها، و إذا جاءت بولد فالولد لمولی العبد مع کونه مشتبها، بل مع کونه زانیاً أیضاً، لقاعدة النمائیة بعد عدم لحوقه بالحرة. و أما إذا کانت جاهلة بالحال فلا حد و الولد حر و تستحق علیه المهر یتبع به بعد العتق.

(مسألة 14): إذا زنی العبد بحرة من غیر عقد فالولد حر و إن کانت

ص:415

الحرة أیضاً زانیة. ففرق بین الزنا المجرد عن عقد و الزناء المقرون به مع العلم بفساده، حیث قلنا إن الولد لمولی العبد.

(مسألة 15): إذا زنی حر بأمة فالولد لمولاها و إن کانت هی أیضاً زانیة. و کذا لو زنی عبد بأمة الغیر فإن الولد لمولاها.

(مسألة 16): یجوز للمولی تحلیل أمته لعبده، و کذا یجوز له أن ینکحه إیاها. و الأقوی أنه حینئذ نکاح لا تحلیل، کما أن الأقوی کفایة أن یقول له: أنکحتک فلانة، و لا یحتاج إلی القبول منه أو من العبد، لإطلاق الأخبار، و لأن الأمر بیده. فإیجابه مغن عن القبول، بل لا یبعد أن یکون الأمر کذلک فی سائر المقامات - مثل الولی و الوکیل عن الطرفین - و کذا إذا وکل غیره فی التزویج فیکفی قول الوکیل أنکحت أمة موکلی لعبده فلان، أو أنکحت عبد موکلی أمته. و أما لو أذن للعبد و الأمة فی التزویج بینهما فالظاهر الحاجة إلی الإیجاب و القبول.

(مسألة 17): إذا أراد المولی التفریق بینهما لا حاجة إلی الطلاق، بل یکفی أمره إیاهما بالمفارقة. و لا یبعد جواز الطلاق أیضاً، بأن یأمر عبده بطلاقها و إن کان لا یخلو من إشکال أیضاً.

(مسألة 18): إذا زوج عبده أمته یستحب أن یعطیها شیئاً سواء ذکره فی العقد أو لا، بل هو الأحوط. و تملک الأمة ذلک بناء علی المختار من صحة ملکیة المملوک إذا ملکه مولاه أو غیره.

(مسألة 19): إذا مات المولی و انتقلا إلی الورثة فلهم أیضاً الأمر بالمفارقة بدون الطلاق، و الظاهر کفایة أمر أحدهم فی ذلک.

(مسألة 20): إذا زوج الأمة غیر مولاها من حر فأولدها جاهلاً بکونها

ص:416

لغیره علیه العشر أو نصف العشر لمولاها و قیمة الولد، و یرجع بها علی ذلک الغیر لأنه کان مغروراً من قبله، کما أنه إذا غرته الأمة بتدلیسها و دعواها الحریة تضمن القیمة و تتبع به بعد العتق، و کذا إذا صار مغروراً من قبل الشاهدین علی حریتها.

(مسألة 21): لو تزوج أمة بین شریکین بإذنهما ثمّ اشتری حصة أحدهما أو بعضها أو بعضاً من حصة کل منهما بطل نکاحه، و لا یجوز له بعد ذلک وطؤها. و کذا لو کانت لواحد و اشتری بعضها. و هل یجوز له وطؤها إذا حللها الشریک؟ قولان: أقواهما نعم، للنص. و کذا لا یجوز وط ء من بعضه حر إذا اشتری نصیب الرقیة لا بالعقد و لا بالتحلیل منها. نعم لو هایاها فالأقوی جواز التمتع بها فی الزمان الذی لها، عملاً بالنص الصحیح و إن کان الأحوط خلافه.

ص:417

فصل: فی الطوارئ و هی العتق و البیع و الطلاق

فصل

فی الطوارئ و هی العتق و البیع و الطلاق

أما العتق: فإذا اعتقت الأمة المزوجة کان لها فسخ نکاحها إذا کانت تحت عبد، بل مطلقاً و إن کانت تحت حر علی الأقوی. و الظاهر عدم الفرق بین النکاح الدائم و المنقطع. نعم الحکم مخصوص بما إذا اعتق کلها فلا خیار لها مع عتق بعضها علی الأقوی. نعم إذا اعتق البعض الآخر أیضاً و لو بعد مدة کان لها الخیار.

(مسألة 1): إذا کان عتقها بعد الدخول ثبت تمام المهر، و هل هو لمولاها أو لها أو تابع للجعل فی العقد؟ فإن جعل لها فلها، و إلا فله، و لمولاها فی الصورة الأولی تملکه کما فی سائر الموارد، إذ له تملک مال مملوکه بناء علی القول بالملکیة، لکن هذا إذا کان قبل انعتاقها، و أما بعد انعتاقها فلیس له ذلک. و إن کان قبل الدخول ففی سقوطه أو سقوط نصفه أو عدم سقوطه أصلاً، وجوه: أقواها الأخیر و إن کان مقتضی الفسخ الأول، و ذلک لعدم معلومیة کون المقام من باب الفسخ؛ لاحتمال کونه من باب بطلان النکاح مع اختیارها المفارقة. و القیاس علی الطلاق فی ثبوت النصف لا وجه له.

(مسألة 2): إذا کان العتق قبل الدخول و الفسخ بعده فإن کان المهر

ص:418

جعل لها فلها، و إن جعل للمولی أو اطلق ففی کونه لها، أوله قولان: أقواهما الثانی، لأنه ثابت بالعقد و إن کان یستقر بالدخول، و المفروض أنها کانت أمة حین العقد.

(مسألة 3): لو کان نکاحها بالتفویض فإن کان بتفویض المهر فالظاهر أن حاله حال ما إذا عین فی العقد، و إن کان بتفویض البضع فإن کان الانعتاق بعد الدخول و بعد التعیین فحاله حال ما إذا عین حین العقد، و إن کان قبل الدخول فالظاهر أن المهر لها، لأنه یثبت حینئذ بالدخول و المفروض حریتها حینه.

(مسألة 4): إذا کان العتق فی العدة الرجعیة فالظاهر أن الخیار باق. فإن اختارت الفسخ لم یبق للزوج الرجوع حینئذ، و إن اختارت البقاء بقی له حق الرجوع. ثمّ إذا اختارت الفسخ لا تتعدد العدة، بل یکفیها عدة واحدة، و لکن علیها تتمیمها عدة الحرة. و إن کانت العدة بائنة فلا خیار لها علی الأقوی.

(مسألة 5): لا یحتاج فسخها إلی إذن الحاکم.

(مسألة 6): الخیار علی الفور علی الأحوط فوراً عرفیاً. نعم لو کانت جاهلة بالعتق أو بالخیار أو بالفوریة جاز لها الفسخ بعد العلم، و لا یضره التأخیر حینئذ.

(مسألة 7): إن کانت صبیة أو مجنونة فالأقوی أن ولیها یتولی خیارها.

(مسألة 8): لا یجب علی الزوج إعلامها بالعتق أو بالخیار إذا لم تعلم، بل یجوز له إخفاء الأمر علیها.

ص:419

(مسألة 9): ظاهر المشهور عدم الفرق فی ثبوت الخیار لها بین أن یکون المولی هو المباشر لتزویجها أو أذنها فاختارت هی زوجاً برضاها، و لکن یمکن دعوی انصراف الأخبار إلی صورة مباشرة المولی بلا اختیار منها.

(مسألة 10): لو شرط مولاها فی العتق عدم فسخها فالظاهر صحته.

(مسألة 11): لو اعتق العبد لا خیار له و لا لزوجته.

(مسألة 12): لو کان عند العبد حرة و أمتان فاعتقت إحدی الأمتین فهل لها الخیار أو لا؟ وجهان و علی الأول، إن اختارت البقاء فهل یثبت للزوج التخییر أو یبطل نکاحها؟ وجهان و کذا إذا کان عنده ثلاث أو أربع إماء فاعتقت إحداها. و لو اعتق فی هذا الفرض جمیعهن دفعة ففی کون الزوج مخیراً، و بعد اختیاره یکون التخییر للباقیات أو التخییر من الأول للزوجات، فإن اخترن البقاء فله التخییر، أو یبطل نکاح الجمیع، وجوه.

ص:420

فصل: فی العقد و أحکامه

اشارة

فصل

فی العقد و أحکامه

(مسألة1): یشترط فی النکاح(1) الصیغة، بمعنی الإیجاب و القبول

ماهیة عقد النکاح و حقیقته

اشارة

(1) یتکوّن عقد النکاح من ماهیتین هما ماهیة القران و ماهیة الإملاک، و الأولی هی جنبة إیجاد و جعل الربطة و التقارن بین الطرفین المعقود لهما فی العقد، و الثانیة هی جنبة جعل العوض الذی هو المهر فی قبال البضع فیه، و لذا یمکن ان یتصور فی إنشاء عقد النکاح ثلاث صور:

الأولی: أن یُنشأ القران علی حدة.

الثانیة: أن یُنشأ الإملاک کذلک.

الثالثة: أن یُنشأ القران و یقع بدوره فی معاملة أخری أعلائیة فیکون معوضاً لعوض هو المهر، و بذلک قد یصحح ما قیل فی الصیغة من جواز قول الرجل للمرأة (زوجتکِ نفسی) فتقول هی (قبلت) کما سیأتی.

و انتظر لهذه النقطة فوائد تأتی لاحقاً.

و لعل ما ذکره الأعلام من التعبّدیة فی ماهیة عقد النکاح و التوقیفیة فی ألفاظ الصیغة نابع من الجنبة الأولی فی العقد، و هی ماهیة القران، فهی رابطة روحیة و عقدة ناموسیة، حتی قیل إنها عقدة کعقد السحر و لکنّها جائزة شرعاً، و لو لا هذه الجنبة فی عقد النکاح و الاقتصار علی ماهیة الإملاک فقط لأمکن أن یقال: إن عقد النکاح کباقی العقود المعاملاتیة التی تقع بالمعاطاة أیضاً.

ص:421

اللفظیین(1)، فلا یکفی التراضی الباطنی و لا الإیجاب و القبول الفعلیین(2).

شروط عقد النکاح
فی اعتبار اللفظ

(1) بعد أن استدل لذلک بإجماع المسلمین و الروایات الدالّة علی اعتبار اللفظ فی المتعة کما فی قوله(علیه السلام): «إذا قالت نعم فقد رضیت و هی امرأتک و أنت أولی الناس بها».

یمکن ان یستدل لذلک أیضاً بأن عقد النکاح حیث کان مشتملاً علی جهة ناموسیة روحیة و هی ماهیة القران کما تقدّم، حضی من قبل الشرائع السماویة بل المجتمعات العقلائیة باهتمام بالغ، و لذا فإن الاستقراء یعطی أنهم لا یجرون عقود النکاح و الزواج إلاّ بالألفاظ، حتی یضفوا علیه طابع الشرعیة و الرسمیة المقننة، علی حدّ المعاملات الخطیرة عند العقلاء، التی یتثبّتون فیها بشرائط و ألفاظ، بل عقود کتبیة و غیرها من القوالب المنضبطة التی یرکن إلیها العقلاء فی مثل تلک المعاملات، و علیه یکون تخطّی تلک الحالة من قبل الشارع یحتاج إلی دلیل و بیان و هو مفقود، بل الدلیل علی خلافه کما سبق.

و من هنا تعرف الفارق الجوهری بین ماهیة النکاح و ماهیة السفاح، فالأولی تتضمن القران و اعتبار الرابطة الروحیة بین الرجل و المرأة بالإضافة إلی الإملاک، و هو معنی الزواج و الزوجیة أی الضم و الانضمام، و هذا بخلاف السفاح الذی هو إراقة الماء بعوض.

و الطلاق حیث إنه إزالة النکاح باللفظ یکون داعماً لکون الإیجاب و القبول فی النکاح باللفظ، و یؤید ذلک أیضاً بقوله(علیه السلام): «و بکلماتک استحللت فرجها» حیث یشعر بوجود کلمات خاصّة من قبل الله تعالی لعقد النکاح. (2) الإیجاب و القبول لفظیان و معنویان:

ص:422

و أن یکون الایجاب بلفظ النکاح و التزویج علی الأحوط(1)، فلا یکفی بلفظ المتعة فی النکاح الدائم(2) و إن کان لا یبعد کفایته مع الإتیان بما یدل

أما الإیجاب فی المعنی: فهو الإیجاب فی ذات المسبب، و هو الطرف الذی یکون أصلیاً فی معنی المعاملة، کالمبیع فی البیع و المنفعة فی الإجارة و العین الموهوبة فی الهبة و بضع المرأة فی ماهیة الإملاک فی الزواج.

و أما القبول فی المعنی: فهو القبول فی ذات المسبب، و هو الطرف الآخر التابع للطرف الأوّل فی المسبب و هو الثمن و العوض.

و أما الإیجاب فی اللفظ - أی فی السبب - : فهو الذی یکون أولاً و یعبّر عنه بأنه الذی یوجد به المسبب بنحو الوجود التأهلی.

و أما القبول اللفظی: فهو المطاوعة فی اللفظ.

(1) الوجه فی کون الإیجاب بلفظ النکاح و التزویج هو أن یؤدّی اللفظ ماهیة العقد المحتویة لماهیتی القران و الإملاک، فالمدار فی اشتراط ذلک نفس الماهیة لا فی ناحیة الألفاظ بما هی ألفاظ، و حیث إنّ لفظ النکاح و التزویج هما القدر المعلوم و المتیقن من کونهما یؤدّیان معنی القران و الإملاک، و غیرهما مشکوک فی ذلک، فنشترطهما و نجری أصالة العدم فی سواهما، و لا نمانع فی أن یؤدّی العقد بلفظ تقوم الشواهد الأدبیة علی تأدیته لماهیتی القران و الإملاک، و من أجل ذلک نلتزم بکل لفظ یؤدّی معنی النکاح و التزویج و إن لم یکن عربیاً؛ إذ المدار علی تأدیته الماهیة لا اللفظ بما هو.

(2) قد یستدل لذلک بأن فسخ الزواج لغته توقیفیة بلفظ (أنت طالق) و حیث إنه من توابع النکاح یکشف عن أنّ ما لا ینفسخ إلاّ بألفاظ توقیفیة عربیة لا ینعقد إلاّ بذلک، فالطلاق یدلّ فی الجملة علی أن عقد النکاح فیه

ص:423

نوع من التوقیفیة، و یعضد ذلک قوله(علیه السلام) «و بکلماتک استحللتها»(1) و هی کلمات خاصّة عربیة أوقفنا الباری علیها، هذا.

و لکن ما ینبغی أن یقال فی المقام هو أن أدلة تعدد الصیغ و الهیئات ینافی بظاهره التوقیفیة، و بالتالی ینافی توقیفیة و شرطیة العربیة، لا سیما مع إمکان التمسّک بعموم «لکلّ قوم نکاح»(2) الظاهر فی عمومیة إمضاء عقد النکاح بحسب شرائط الماهیة و شرائط المتعاقدین، و من ضمن شرائط العقد آلة الإنشاء، غایة الأمر أنّ الشرائط المعتبرة فی الشریعة تقیّد العقد عند المسلمین بذلک، و یبقی الباقی علی إطلاقه، و لما لم یثبت أخذ صیغة توقیفیة فی النکاح فهی عند کلّ قوم بحسبهم.

نعم، قد یقال: بأن عموم القوم إنما هو بلحاظ الملل و النحل، لا بلحاظ اللغة و الألفاظ.

و لکنّه یقال: إنّ عنوان القوم من عنوان الملّة و النحلة، و إلاّ لکان الأحری التعبیر بأن لکلّ نحلة نکاح و تخصیص التطبیق فی موارد هذا العموم بالنحل لا یفید التقیید؛ لأن نفس کلمة (قوم) فیها اقتضاء التعمیم، و المورد إنما یخصص الوارد نوعاً فیما إذا کان نفس الوارد لیس فیه اقتضاء عموم.

و توقیفیة الطلاق فی النکاح و الخطبة المأثورة عند الدخول «و بکلماتک استحللتها» و إن کان فیهما إشارة إلی توقیفیة العقد اللفظی العربی فی النکاح، إلاّ إنها مجرّد إشارة تنتفی بما تقدّم آنفاً من إثبات عدم التوقیفیة.

ثمّ إنه یمکن الخدشة فی استفادة التوقیفیة من الخطبة، بأن المراد من

ص:424


1- (1) وسائل الشیعة باب 55 من أبواب مقدمات النکاح: ح2.
2- (2) وسائل الشیعة باب 55 من أبواب نکاح العبید: ح2.

کلماتک هی ألفاظ التحلیل الشرعی فی الآیات القرآنیة بقرینة قوله(علیه السلام): «و بأمانتک أخذتها» حیث إنّ المراد منها الإذن الشرعی فی النکاح و استحلال الاستمتاع، و هو قرینة علی کون المراد من ذلک الاستحلال بالحکم الشرعی المدلول علیه بکلماتک، أی الأدلة الشرعیة.

و أما بالنسبة إلی الطلاق فقد روی فیه: «عن وهب بن وهب عن جعفر عن أبیه عن علی(علیه السلام) قال: کلّ طلاق بکلِّ لسان فهو طلاق»(1)، فهو یدل علی عدم توقیفیة الطلاق، إلاّ أنّ المشهور لم یبن علی ذلک.

إلاّ أن الظاهر من روایات الطلاق أنّ المراد لیس خصوص الصیغة اللفظیة، و إنما المراد الماهیة الخاصّة، أی ماهیة التسریح فی قبال آثار الطلاق فقط کإنشاء الحرمة و نحوها، و من ثمّ ذکر فی روایات الطلاق أنّ إنشاء الآثار من دون إنشاء ماهیة الطلاق لیس بشیء و أنه تشریع مخالف لتشریع الله تعالی، أی مبتدع کما هو الحال فی الظهار و الإیلاء و غیرها.

و علی هذا تفسّر روایة وهب المتقدّمة «کلّ طلاق بکل لسان فهو طلاق)أی إنّ ماهیة الطلاق بأی لغة من اللغات المختلفة هی طلاق، بخلاف ما لو أنشأ غیر ماهیة الطلاق کماهیة التحریم و غیرها.

و نظیر هذا الکلام ما قیل فی النکاح أنّه لا یقع إلاّ بالنکاح و التزویج لا بالهبة و الإجارة و البیع.

و مما یؤیّد عدم توقیفیة اللفظ و الصیغة العربیة قبولهم وقوع النکاح باللفظ الملحون المغیر للمادة کما فی لفظ (جوزتک) و نحوها.

ص:425


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات الطلاق: ب17، ح1.

علی إرادة الدوام. و یشترط العربیة مع التمکن منها و لو بالتوکیل علی الأحوط(1). نعم مع عدم التمکن منها و لو بالتوکیل یکفی غیرها من الألسنة إذا أتی بترجمة اللفظین عن النکاح و التزویج.

و الأحوط اعتبار الماضویة(2) و إن کان الأقوی عدمه، فیکفی المستقبل و الجملة الخبریة کأن یقول: (أُزوّجک) أو (أنا مُزوجک فلانة).

(1) إذا قالت: متعتک أو قال هو قبلت المتعة بلا قرینة علی الدوام، ففیه إشکال؛ لأن لفظ المتعة یدل علی المنفعة المؤقتة، فهو منصرف إلی المنقطع، فلا بد من قرینة علی الدوام إذا أراده، علی وجه یوجب الظهور فیه عرفاً.

فی اعتبار الماضویة

(2) الوجه الأساس فی اعتبار الماضویة هو بتّیة دلالته فی الوقوع المعتبر فی مثل عقد النکاح، فإذا أفید ذلک من صیغة الأمر أو الجملة الخبریة کفی، و لو من خلال الاحتفاف بالقرائن البیّنة علی بتّیة الدلالة فی الوقوع، و هو مقتضی النصوص الواردة فی المقام، کما فی آیة تزویج شعیب ابنته من موسی(علیه السلام): (قالَ إِنِّی أُرِیدُ أَنْ أُنْکِحَکَ إِحْدَی ابْنَتَیَّ هاتَیْنِ عَلی أَنْ تَأْجُرَنِی ثَمانِیَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِکَ وَ ما أُرِیدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَیْکَ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّالِحِینَ) (1).

و هکذا فی بعض العقود التی أجراها بعض الأئمة( کما ورد فی روایة عبید بن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السلام)، حیث قال: «أ و لیس عامّة ما یتزوج فتیاننا

ص:426


1- (1) القصص: 27.

کما أن الأحوط تقدیم الایجاب علی القبول، و إن کان الأقوی جواز العکس أیضاً، و کذا الأحوط أن یکون الایجاب من جانب الزوجة، و القبول من جانب الزوج، و أن کان الأقوی جواز العکس.(1)

فتیاتنا و نحن نتعرّق الطعام علی الخوان، نقول: یا فلان زوج فلاناً فلانة، فیقول: نعم قد فعلت»(1) و غیرها من الروایات الواردة بهذا المضمون، کصحیحة زرارة فی خطبة آدم(2) حیث وقع القبول بلفظ التعهّد.

و الحاصل: هو صحة ما ذهب إلیه الماتن من کفایة الصیغ المستقبلیة و الجمل الخبریة، بل حتی غیرها کصیغة الأمر کما تقدّم، کلّ ذلک إذا احتفت بالقرائن علی بتّیة الدلالة فی الوقوع. و یدل علی ذلک أیضاً وقوع عقد المتعة بصیغة المضارع و الأمر(3).

فی تقدیم الایجاب علی القبول

(1) التحقیق فی الإیجاب و القبول اللفظی أنّ المدار فیه علی الإنشاء و المطاوعة، فإنّ الذی ینشأ و یوجد ماهیة المعاملة فهو الموجب و اللفظ الذی یوقعه یکون إیجاباً تقدّم أو تأخر، و الذی یکون دوره دور المطاوعة لفظاً فهو القابل تأخر أو تقدّم، فالذی یأتی بلفظ المطاوعة و هو القابل، قد حقّق شطراً من ماهیة المعاملة و إن کان متقدّماً فی الکلام، و الذی یأتی بلفظ الإیجاب و الإنشاء للمعاملة فهو القابل و إن کان متأخراً فی الکلام و لا إشکال فی ذلک.

ثمّ إنه لا تنافی بین الإیجاب و القبول اللفظی و الإیجاب و القبول المعنوی الذی تقدّم سابقاً، فإن لکلّ من الموجب و القابل المعنوی أن یکون موجباً

ص:427


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب1، ح7.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب1، ح1.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب18.

لفظیاً و موجداً للعقد و مُنْشئاً له و الآخر قابلاً و مطاوعاً لفظیاً و إن کان هو موجباً معنویاً، کما لو قال المشتری: (اشتریت المتاع بدینار)، فیقول البائع: قبلت، فهو صحیح، إلاّ أنّ القابل المعنوی یوجب إیجاباً لفظیاً عبارة عن المطاوعة المعنویة، حیث یقول المشتری مثلاً: اشتریت المتاع، أی تملّکته بدینار، فکل منهما یمکنه أن یوجد و یوجب لفظ الماهیة بتمامها من الجهة التی تلیه و یکون الطرف الآخر مطاوعاً لفظیاً فقط و إن کان معنویاً علی عکس ذلک.

ثمّ إنّ صاحب المستمسک فرق فی الایجاب من طرف الزوج بین قوله: (زوجتکِ نفسی) و قوله: (أنکحتکِ نفسی)، فاستشکل فی الأوّل و صحح الثانی، لوروده فی الأدلة کما فی قوله تعالی: (حَتّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیْرَهُ) .

و یجاب علی ذلک: بأنّ الآیة فی مقام بیان الماهیة و أنّ المرأة فاعل و الرجل مفعول به، و هذا إنما یکون بلحاظ ماهیة القران فی النکاح، إذ یجوز فیها أن یکون کلّ من الطرفین فاعلاً أو مفعولاً، و الألفاظ لا تغیر الماهیة فالتفرقة بین لفظ الزواج و لفظ النکاح فی غیر محلّه، و حینئذ یمکن للزوج أن یقول: زوجتکِ أو أنکحتک نفسی بمهر کذا. فیکون المهر مقابل جمیع القران الذی احتوی علی فاعل و مفعول، و حیث إنّ هذه العاملة الأکبر - و هی المهر فی مقابل القران - فیها انثی و ذکر، فالمنفعل فیها المرأة و الفاعل الرجل، فیکون إملاک بضع فلانة قراناً غیر متساوی من الطرفین فی التأثیر و التأثر، و هو یشعر بماهیة الإملاک فیکون المهر للمرأة فی طیات القران و الانضمام؛ لأنه احتوی علی موجب و سالب و متصرِّف و متصرف فیه کما هو فی تضایف العلة و المعلول، فهناک تساو من جهات و افتراق من جهات أخری، و بلحاظ

ص:428

و أن یکون القبول بلفظ: (قبلت) و لا یبعد کفایة (رضیت)(1)، و لا یشترط ذکر المتعلقات، فیجوز الاقتصار علی لفظ: (قبلت) من دون أن یقول: (قبلت النکاح لنفسی أو لموکلی بالمهر المعلوم).

القران یمکن التقدیم و التأخیر فی الإیجاب و القبول، و لکن بلحاظ الإملاک لا بدّ أن تکون الزوجة هی المعوّض.

و لکن قد یقال: إنّ ماهیة و إیجاب النکاح یقع الترکیز فیه علی ماهیة الإملاک و القران بالتبع لا العکس، و حینئذ یقع الإشکال فی مثل قول الزوج: (زوجتکِ أو أنکحتکِ نفسی).

فی اعتبار القبول بلفظ: قبلت

(1) الفرق بین (قبلت) و (رضیت) أنه فی الثانی لا یوجد قبول کما فی عقد الفضولی، فهو مشتمل علی إیجاب و قبول إلاّ أنه فاقد للرضا، فالأصیل إنما یرضی بعقد موجود متکون من إیجاب و قبول، و علی ذلک یکون الرضا غیر القبول؛ لأنه نسبة العقد الکامل إلی العاقد کما فی قوله تعالی: (لا تَأْکُلُوا أَمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَکُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) فهو عقد کامل و تجارة عن تراض، فلا یکون الرضا فی ضمن ماهیة العقد بل هو ینضمّ إلی ماهیة العقد، بخلاف القبول، إذ العقد هو تملیک عین بمال، فیکون القبول داخلاً فی الماهیة و هو شطرها الثانی؛ و لذا استشکل الکثیر فی إنشاء القبول فی البیع بلفظ (رضیت).

و أجیب علی ذلک: بتحقیق آخر، و هو: أنّ ماهیة المعاملة لا یوجد کلا طرفیها إلاّ من طرف واحد و هو الموجب، غایة الأمر أنّ القابل لا بدّ من حصول الرضا منه، فعند ما یقال: (بعتک سلعتی بدینار) فإنّ هذا إنشاء

ص:429

و الأقوی کفایة الإتیان بلفظ الأمر، کأن یقول: «زوجنی فلانة»(1) فقال: «زوجتکها» و إن کان الأحوط خلافه.

الإیجاب و القبول، و الطرف الآخر یُنشئ الرضا، فالموجب للعقد طرف واحد و الآخر إنما یُنشئ الرضا.

و بعضهم لم یقبل بهذا التحلیل، فقال: الموجب یوجد الفعل التضایفی من الوجهة التی تلیه، فیقال: ملّکتک متاعی بدینار، و الآخر یقول تملّکت متاعک بتملیکی بدینار، فلا بد من الإیجاد و الإنشاء بکلیهما، و حیث إنّ الفعل تضایفی فلا بدّ أن یذکر کلا الطرفین فی الإیجاب و القبول، و هذا بخلاف ما إذا قلنا إنّ العقود توجد بالموجب و لیس من القابل إلاّ الرضا، فإنه یکفی حینئذ قوله: رضیت.

فی الإتیان بلفظ الأمر

(1) و یدل علی ذلک - مضافاً إلی ما تقدّم فی الماضویة - بعض الروایات:

منها: صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر(علیه السلام) قال: «جاءت امرأة إلی النبی(صلی الله علیه و آله)، فقالت: زوجنی، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله): من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا یا رسول الله، زوجنیها، فقال: ما تعطیها؟ فقال: ما لی شیء ، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول الله(صلی الله علیه و آله) الکلام، فلم یقم أحد غیر الرجل، ثمّ أعادت، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله) فی المرّة الثالثة: أ تحسن من القرآن شیئاً؟ قال: نعم، قال: قد زوجتکها علی ما تحسن من القرآن، فعلمها إیاه»(1)، و هی ظاهرة فی أنّ الإیجاب وقع بلفظ الأمر و هو قول الرجل لرسول الله(صلی الله علیه و آله): (زوجنیها).

ص:430


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب2، ح1.

و منها: روایة عبید بن زرارة المتقدّمة، عن أبی عبد الله(علیه السلام)، حیث جاء فیها ذکر صیغة العقد بلفظ: (یا فلان، زوج فلاناً فلانة، فیقول: قد فعلت).

و منها: روایة الأحول فی أبواب المتعة، عن أبی عبد الله(علیه السلام): «یقول لها زوجینی نفسک متعة» الحدیث.(1)

ثمّ إنّ الروایة السابقة عن رسول الله(صلی الله علیه و آله) قد وجهها الشهید الأوّل بأنها من باب الولایة، أی ولایة النبی(صلی الله علیه و آله) علی النفوس کما فی قوله تعالی: (النَّبِیُّ أَوْلی بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، و لکن هذا التوجیه بعید عن هذه الروایة جدّاً; لأن الأولویة علی النفوس لها صلة بالولایة علی العقد، لا علی تشریع ماهیة العقد و إن کان له(صلی الله علیه و آله) صلاحیة التشریع بأدلة أخری.

فبحث الولایة لا صلة له بتغییر الماهیة اللفظیة أو المعنویة للنکاح و تشریعها، فله(صلی الله علیه و آله) الولایة علی الولایة علی العقد، و الکلام فی ماهیة العقد لا فی کیفیة صدور العقد من قبل أولیاء العقد.

و بعبارة أخری: النبی(صلی الله علیه و آله) أولی بالمؤمنین من جهة ولایاتهم، و هم لیس لهم ولایة علی تغییر العقود و الماهیات و التشریعات، فالکلام فی الماهیات لا فی فاعلیة الفواعل کی یأتی بحث الولایة.

و أما حمل الروایة علی کون الصیغة الواحدة هی إیجاب و قبول فمدفوع، بأنّ طلب الرجل بصیغة الأمر و الالتماس إنشاء للرضا و القبول و إن کان متقدّماً، و لا مانع من تقدّمه ما دام لیس بلفظ المطاوعة، کما فی روایة عبید بن زرارة الواردة فی خطبة آدم و غیرها من الروایات الصریحة فی الاجتزاء بالصیغة الواحدة فی الإیجاب و القبول لمن خول ذلک کما سیأتی.

ص:431


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب18، ح5.
فی الأخرس و فی الکتابة

(مسألة 2): الأخرس یکفیه الإیجاب و القبول بالإشارة مع قصد الإنشاء و إن تمکن من التوکیل علی الأقوی.(1)

(مسألة 3): لا یکفی فی الإیجاب و القبول الکتابة.(2)

(1) کما دلت علی ذلک صحیحة محمد ابن أبی نصر البزنطی، أنه سأل أبا الحسن الرضا(علیه السلام): «عن الرجل تکون عنده المرأة یصمت و لا یتکلم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، و یعلم منه بغض لامرأته و کراهة لها، أ یجوز أن یطلق عنه ولیه؟ قال: لا و لکن یکتب و یشهد علی ذلک، قلت: فإنه لا یکتب و لا یسمع کیف یطلقها؟ قال: بالذی یعرف به من أفعاله، مثل ما ذکرت من کراهته و بغضه لها»(1)، إلاّ أنّ هذه الروایة ظاهرها تعیّن تقدّم الکتابة علی الإشارة فی الأخرس، و یؤید ذلک أنّ الکتابة أبین فی الدلالة من الإشارة، نعم ظاهر مفاد هذه الروایة عدم لزوم التوکیل.

و أما ما ورد فی إشارة و تحریک الأخرس لسانه فی القراءة و التلبیة و التشهّد کما فی موثّق السکونی عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «تلبیة الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه و إشارته بإصبعه»(2)، فقد استدل به علی لزوم تحریک لسانه فی کلّ إنشاءاته بما فیها النکاح.

و یرد علیه: إنّ مورد الموثّق العبادة اللسانیة و لیست من الإنشاء، فالتحریک نحو من القراءة القلبیة و إن لم یسمع الصوت، و أین هذا من بحث الإنشاء؟ و لذا خلت روایات النکاح عن ذلک.

(2) أما فی المختار، فلما تقدّم من لزوم اللفظ فی عقد النکاح و عدم

ص:432


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات الطلاق: ب19، ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب القراءة فی الصلاة: ب59، ح1.
فی التطابق بین الإیجاب و القبول

(مسألة 4): لا یجب التطابق بین الإیجاب و القبول فی ألفاظ المتعلقات، فلو قال: (أنکحتک فلانة) فقال: (قبلت التزویج) أو بالعکس کفی، و کذا لو قال: (علی المهر المعلوم)، فقال الآخر: (علی الصداق المعلوم) و هکذا فی سائر المتعلقات.(1)

(مسألة 5): یکفی - علی الأقوی - فی الإیجاب لفظ نعم، بعد الاستفهام، کما إذا قال: زوجتنی فلانة بکذا؟ فقال: نعم، فقال الأوّل:

قبلت(2)، لکن الأحوط عدم الاکتفاء.

کفایة المعاطاة فیه، و أما فی الأخرس، فقد تقدّم آنفاً أسبقیة الکتابة علی الإشارة فی اللزوم.

(1) لما تقدّم من کفایة کلّ لفظ تقوم الشواهد الأدبیة علی تأدیته لماهیتی القران و الإملاک بمهر، و قد دلّت علیه بعض الروایات السابقة.

(2) سبق أنّ المدار علی تأدیة الماهیة لا اللفظ، و دلّ علی کفایة ذلک أیضاً عدّة من الروایات.

منها: روایة عبید بن زرارة المتقدّمة.

و منها: روایة أبان، قال: «قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): کیف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول أتزوّجک متعة علی کتاب الله و سنة نبیه، لا وارثة و لا موروثة کذا و کذا یوماً، و إن شئت کذا و کذا سنة، بکذا و کذا درهماً، و تسمّی من الأجر ما تراضیتما علیه قلیلاً کان أو کثیراً، فإذا قالت: نعم، فقد رضیت و هی امرأتک و أنت أولی الناس بها»(1).

ص:433


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب18، ح1.
إذا لحن فی الصیغة

(مسألة 6): إذا لحن فی الصیغة فإن کان مغیراً للمعنی لم یکف (1) ، و إن لم یکن مغیراً، فلا بأس به إذا کان فی المتعلقات، و إن کان فی نفس اللفظین، کأن یقول: جوزتک، بدل زوجتک، فالأحوط عدم الاکتفاء به، و کذا اللحن فی الإعراب.

فی قصد الإنشاء و مُجری الصیغة

(مسألة 7): یشترط قصد الإنشاء فی اجراء الصیغة.(2)

( مسألة 8): لا یشترط فی المجری للصیغة أن یکون عارفاً بمعنی الصیغة تفصیلاً بأن یکون ممیزاً للفعل و الفاعل و المفعول به، بل یکفی علمه إجمالاً، بأنّ معنی هذه الصیغة إنشاء النکاح و التزویج (3) ، لکن الأحوط العلم التفصیلی.

فی الموالاة بین الإیجاب و القبول

(مسألة 9): یشترط الموالاة بین الإیجاب و القبول، و تکفی العرفیة منها، فلا یضر الفصل فی الجملة، بحیث یصدق معه أن هذا قبول لذلک

و إشکال بعض الأعلام علی وقوع القبول بلفظ نعم، مندفع باستعمال اللفظة فی إبراز الإنشاء الموافق لما سبقه من الکلام کما هو مفاد روایة أبان السابقة.

(1) لأن حدود ما دل علی اعتبار اللفظ و الصیغة هو تأدیته لماهیتی القران و الإملاک، فلا مانع من تأدیتهما بأی لفظ تقوم الشواهد الأدبیة و العرفیة علی کفایته فی ذلک، و علیه فلا مانع من قوله: (جوزتک) إذا کان بحسب العرف و اللغة مؤدیاً لعقد النکاح.

(2) لاشتراط الدلالة علی الوقوع باللفظ فی سائر المعاملات الإنشائیة.

(3) لعدم اتساع دلیل اعتبار اللفظ فی تأدیة ماهیة عقد النکاح إلی أکثر من ذلک؛ لأن الشرط هو الإتیان بلفظ یؤدی البتّیة فی إیقاع العقد، فإذا علم

ص:434

الإیجاب، کما لا یضر الفصل بمتعلقات العقد من القیود و الشروط و غیرها و إن کثرت.(1)

فی اتحاد مجلس الإیجاب و القبول

(مسألة 10): ذکر بعضهم: أنه یشترط اتحاد مجلس الإیجاب و القبول، فلو کان القابل غائباً عن المجلس، فقال الموجب: زوجت فلاناً فلانة، و بعد بلوغ الخبر إلیه قال: قبلت، لم یصح.

و فیه: أنه لا دلیل علی اعتباره من حیث هو، و عدم الصحة فی الفرض المذکور؛ إنما هو من جهة الفصل الطویل أو عدم صدق المعاقدة و المعاهدة، لعدم التخاطب، و إلا فلو فرض صدق المعاقدة و عدم الفصل مع تعدد المجلس صح، کما إذا خاطبه و هو فی مکان آخر، لکنّه یسمع

المکلف إجمالاً بأنّ لفظاً من الألفاظ یؤدّی ذلک الدور، کان إیقاع العقد به کافیاً.

(1) قد ذکر فی بحث عقد الفضولی فیما لو کان أحدهما أصیل و الآخر فضولی، أنّ الإجازة من الأصیل الآخر ترتبط بالعقد و تنعقد به و لو طال المدی، ما لم یُعرض أو یرجع الأصیل الأوّل فی إنشائه، و هو و إن کان فی مورد ربط الالتزامین و التعهّدین مع بعضهما البعض بتوسّط التراضی، إلاّ أنه یقرب من الربط الذی یحصل بین الإیجاب و القبول فی وجود ماهیة المعاملة و صحتها، و أنّ إمکان الربط بینهما یبقی ما لم یحصل رجوع أو إعراض من الطرف الأوّل الذی أنشأ.

فلدینا سببان و مسببان، مسبب أول و هو وجود الماهیة و سببه الإیجاب و القبول، و مسبب ثان و هو الالتزام و ربط التعهدین، و سببه إنشاء التراضی

ص:435

صوته و یقول: قبلت بلا فصل مضر، فإنه یصدق علیه المعاقدة.(1)

فی اشتراط التنجیز

(مسألة 11): و یشترط فیه التنجیز، کما فی سائر العقود، فلو علقه علی شرط أو مجیء زمان بطل، نعم لو علقه علی أمر محقق معلوم - کأن یقول: إن کان هذا یوم الجمعة زوجتک فلانة، مع علمه بأنه یوم الجمعة - صح، و أما مع عدم علمه فمشکل.(2)

(مسألة 12): إذا أوقعا العقد علی وجه یخالف الاحتیاط اللازم مراعاته، فإن أراد البقاء، فاللازم الإعادة علی الوجه الصحیح، و إن أراد الفراق، فالأحوط الطلاق، و إن کان یمکن التمسک بأصالة عدم التأثیر فی الزوجیة، و إن کان علی وجه یخالف الاحتیاط الاستحبابی، فمع إرادة البقاء، الأحوط الاستحبابی إعادته علی الوجه المعلوم صحته، و مع إرادة

بالمعاملة، و السبب و المسبب الأوّل متقدّم رتبة علی السبب و المسبب الثانی.

نعم قد مرّ فی بعض أقوال المحققین أنّ ماهیات المعاملات لا تحتاج إلاّ إلی إیجاب، و أما القبول فهو مطلقاً دخیل فی حصول التراضی أی عقد الالتزام، و له وجه متین کما مرّ بیانه.

(1) اتضح الکلام فی ذلک فی المسألة السابقة.

(2) تسالم المشهور علی بطلان التعلیق مطلقاً، و وجه ذلک هو أنّ أدلة إمضاء المعاملات تأخذ العقد العرفی العقلائی، و عند العرف و قانون العقلاء أنّ صحة العقد معلقة علی شرائط خاصة، فإذا علق المنشأ علی تعلیق غیر معلق عند العقلاء یکون عقداً جدیداً جعل من شرائطه التعلیق المذکور، و هی غیر مقررة عند العقلاء، فلا یصح.

ص:436

الفراق فاللازم الطلاق(1).

و بعبارة أخری: إنّ شرائط الصحة نحو من التعلیق، فمع التعلیق علی شرائط غیر مقررة عند العقلاء یکون عقداً جدیداً فلا یصح، و أما الشرائط التی عند العقلاء فهی متعارفة و العقد لا یقوم إلاّ بها کما فی العقل و البلوغ و غیرها.

(1) أما مخالفة الاحتیاط الوجوبی، فمقتضاه الخلل بشرائط العقد المعتبرة لمقتضی الاحتیاط، فلا یکون له وجه یحرز الصحة إلاّ بإعادة العقد واجداً للشرائط المعتبرة، و لو بالاحتیاط الوجوبی، هذا إذا أرید إحراز تحقّق العقد و البناء علی وجوده، و أما إذا أرید عدمه و عدم الارتهان به، فاللازم احتیاطاً إجراء صیغة الطلاق فی جملة موارد الاحتیاط الوجوبی؛ و ذلک لأن اعتبارها حیث کان بنحو الاحتیاط، فإنها إن کانت غیر معتبرة فی الواقع فقد وقع العقد و لا یمکن الخروج عن عقدته إلاّ بالطلاق، بخلاف ما إذا لم تکن معتبرة، و حیث لا یحرز الواقع نفیاً و إثباتاً، فاللازم بعد وقوع العقد الفاقد من معالجته احتیاطاً، و أما تمسک الماتن بأصالة العدم، فخلف فرض الاحتیاط الوجوبی، و إلا لأحرز عدم الشرط من دون فرض الاحتیاط الوجوبی، و من ذلک یتضح الحال فی سقوط الاحتیاط الاستحبابی و أنّ مراعاته بنحو الندبیة لا اللزوم.

ص:437

ما یشترط فی العاقد
یشترط فی العاقد المجری للصیغة الکمال

(مسألة 13): یشترط فی العاقد المجری للصیغة الکمال بالبلوغ و العقل سواء کان عاقداً لنفسه أو لغیره وکالة أو ولایة، أو فضولاً، فلا اعتبار بعقد الصبی، و لا المجنون و لو کان أدواریاً حال جنونه، و إن أجاز ولیه أو أجاز هو بعد بلوغه أو إفاقته علی المشهور، بل لا خلاف فیه، لکنّه

فی الصبی الوکیل عن الغیر محل تأمل; لعدم الدلیل علی سلب عبارته إذا کان عارفاً بالعربیة، و علم قصده حقیقة، و حدیث رفع القلم منصرف عن مثل هذا، و کذا إذا کان لنفسه بإذن الولی أو إجازته، أو أجاز هو بعد البلوغ و کذا لا اعتبار بعقد السکران، فلا یصح و لو مع الإجازة بعد الإفاقة، و أما عقد السکری إذا أجازت بعد الإفاقة، ففیه قولان: فالمشهور أنه کذلک، و ذهب جماعة إلی الصحة مستندین إلی صحیحة بن بزیع، و لا بأس بالعمل بها، و إن کان الأحوط خلافه، لإمکان حملها علی ما إذا لم یکن سکرها بحیث لا التفات لها إلی ما تقول، مع أن المشهور لم یعملوا بها، و حملوها علی محامل، فلا یترک الاحتیاط.(1)

(1) یعتبر کلام الصبی قاصر عند القدماء؛ و ذلک لما ورد من قوله(علیه السلام): «عمد الصبی خطأ»، و هو دلیل علی أنّ الإرادة العمدیة عند الصبی لا یعتبرها الشارع تامة، و یعضده حدیث رفع القلم؛ لأن الرفع فیه رفع للفعلیة التامة کما ذهب إلیه المشهور، هذا مع أنه یشترط فی المتکلم الإرادة الجدیة، و هی ناقصة عند الصبی و إن صح تحقّق الإرادة الاستعمالیة فیه، إذا اتضح ذلک فنقول:

أما عدم نفوذ عقده بالاستقلال لنفسه، فللأدلة الدالة علی ذلک، کقوله تعالی: (وَ ابْتَلُوا الْیَتامی حَتّی إِذا بَلَغُوا النِّکاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَیْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (1) و کذا الروایات المقررة فی تلک القاعدة، و منه یظهر عدم استقلاله فی العقد عن الغیر أیضاً کما فی تفویض الوکالة، و أما توکیله فی

ص:438


1- (1) النساء: 6.

إجراء الصیغة فیخدش فی عقده ما ورد فی روایات باب القصاص من أن عمد الصبی خطأ، فهی تنزل إرادة الصبی العمدیة منزلة الإرادة الخطئیة لا منزلة عدم الإرادة، و لا یکفی فی الإنشاء الإرادة الاستعمالیة و التفهیمیة، بل لا بدّ من الإرادة الجدیة أیضاً، و إن لم تکن هناک ولایة علی العقد کما فی الفضولی، و کذلک الحال فی المجنون و لو أدواریاً، بل الحال فیه أوضح.

و أما ما ورد من الروایات فی صحة طلاق الصبی، کصحیح الحلبی عن أبی عبد الله(علیه السلام): قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): «الغلام له عشر سنین فیزوجه أبوه فی صغره أ یجوز طلاقه و هو ابن عشر سنین؟ قال: فقال: أما تزویجه فهو صحیح و أما طلاقه فینبغی أن تحبس علیه امرأته حتی یدرک فیعلم أنه کان قد طلق، فإن أقر بذلک فأمضاه فهی واحدة بائنة و هو خاطب من الخطاب»(1)، و کمرسل بن أبی عمیر عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: «یجوز طلاق الصبی إذا بلغ عشر سنین»(2).

فینخدش الاستدلال بها: أما صحیحة الحلبی فمن جملة التعلیق فی نفوذ الطلاق و هو من الإیقاعات غیر القابلة لذلک، و روایات نفوذ طلاق الصبی معارضة بروایات أخری أصح سنداً و مطابقة للقاعدة فی الصبی، بل إن هذه الروایات معارضة مع صحیحة الحلبی الدالة علی توقف وقوع طلاق الصبی علی البلوغ.

و لک أن تقرر مقتضی القاعدة علاوة علی ما حرر فی کتاب البیع و عموم المعاملات، أن الإنشاء للعقود اللازمة و لو من قبل الفضولی لیس هو إنشاء

ص:439


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب میراث الأزواج: ب11، ح4.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات الطلاق: ب32، ح2.

(مسألة 14): لا بأس بعقد السفیه إذا کان وکیلاً عن الغیر فی إجراء الصیغة أو أصیلاً مع إجازة الولی، و کذا لا بأس بعقد المکره علی إجراء الصیغة للغیر أو لنفسه إذا أجاز بعد ذلک.(1)

لماهیة المعاملة فقط، بل هو إنشاء للتعهد و الالتزام أیضاً فضولاً، غایة الأمر أن الأصیل یرضی بکلا الأمرین فیما بعد، إذ لا یتصور التفکیک فی إنشاء ماهیة المعاملة و وجودها عن إنشاء عقد التعهد و ربطة الالتزامین، و المفروض أن الصبی لیس له ذمة تامة و مسئولیة تعهد؛ لقصور إرادته الجدیة، و هذا هو وجه افتراقه عن الفضولی و عن المفلس و غیرهما.

أما عقد السکری فلا یمکن رفع الید عن القاعدة بالروایة، فلا بدّ من الإرادة الجدیة فی العقود، و الروایة محتملة المطابقة مع القاعدة، و القاعدة محکمة آبیة عن التخصیص، فیشکل ترک القاعدة لأجل الروایة.

(1) أما السفیه فلأنه لا یوجب قصوراً فی عبارته و إنشائه علی مستوی المعنی الاستعمالی و التفهیمی، و کذا الجدی و إنما السفه یوجب قصوراً فی الولایة، و الفرض أن الولایة هی لمن له العقد.

و أما المکره علی إجراء الصیغة لغیره، فمع تمشی القصد فی الاستعمال و التفهیم لا یضر تخلف رضاه، إذ لیس العقد منوطاً برضا و طیب إلاّ من له الولایة علی العقد دون ولایة المجری للصیغة، و مثل ذلک فی المکره علی إجراء الصیغة لنفسه، فإنه یکون حینئذ بمثابة عقد الفضولی و انتفاء الطیب و الرضا، إنما یخل بفعلیة العقد لا بأصل إنشائه المعلق الموقوف، بل غالب فرض عقد المکره یصاحب الإکراه علی الصیغة.

ص:440

لا یشترط الذکورة فی العاقد

(مسألة 15): لا یشترط الذکورة فی العاقد، فیجوز للمرأة الوکالة عن الغیر فی إجراء الصیغة، کما یجوز إجراؤها لنفسها. (1)

یشترط بقاء المتعاقدین علی الأهلیة إلی تمام العقد

(مسألة 16): یشترط بقاء المتعاقدین علی الأهلیة إلی تمام العقد، فلو أوجب ثمّ جن أو أغمی علیه قبل مجیء القبول لم یصح، و کذا لو أوجب ثمّ نام، بل أو غفل عن العقد بالمرة، و کذا الحال فی سائر العقود، و الوجه (2) عدم صدق المعاقدة و المعاهدة، مضافاً إلی دعوی الإجماع و انصراف الأدلة.

(1) کما هو الحال فی مطلق العقود و الإیقاعات إلاّ ما استثناه الدلیل، و کونهن نواقص العقول بعد اعتبار شهادتهن نصف شهادة الرجل فی القرآن الکریم لا یقضی بسلب عبارتهن، نظیر الصبی أو غیر الممیز، هذا وضعاً، و أما من جانب الحکم التکلیفی فقد تطرأ الکراهة لمراعاة جانب الحشمة أو نحو ذلک.

(2) و الوجه فی ذلک أنه مقتضی دلیل شرطیة الشروط تحققها مع العقد و عنده أی تمامه من بدئه إلی منتهاه، إذ لا یصدق العقد إلاّ بمجموع الإنشاءین لا بالإنشاء من طرف، کما لا یکفی توفر الشرائط ممن یُنشئ، ثمّ اختلالها عند إنشاء الطرف الآخر له، فإنه لا تتحقق عقدة الالتزام و ربط المشارطة، فإنه لا یصدق التعهد للمجنون مثلاً أنه التزام له، إذ مخاطبته کالعدم، و الالتزام نحو تملیک حق، و المجنون مثلاً غیر قابل لإنشاء قبول التملیک.

ص:441

یشترط تعیین الزوج و الزوجة

(مسألة 17): یشترط تعیین الزوج و الزوجة علی وجه یمتاز کلّ منهما عن غیره بالاسم، أو الوصف الموجب له أو الإشارة، فلو قال: زوجتک إحدی بناتی بطل، و کذا لو قال: زوجت بنتی أحد ابنیک أو أحد هذین، و کذا لو عین کلّ منهما غیر ما عینه الآخر، بل و کذا لو عینا معیناً من غیر معاهدة بینهما، بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عین ما قصده الآخر، و أما لو کان ذلک مع المعاهدة، لکن لم یکن هناک دال علی ذلک من لفظ أو فعل أو قرینة خارجیة مفهمة، فلا یبعد الصحة، و إن کان الأحوط خلافه، و لا یلزم تمییز ذلک المعین عندهما حال العقد، بل یکفی التمییز الواقعی مع إمکان العلم به بعد ذلک، کما إذا قال: زوجتک بنتی الکبری، و لم یکن حال العقد عالماً بتاریخ تولد البنتین، لکن بالرجوع إلی الدفتر یحصل له العلم.

نعم إذا کان ممیزاً واقعاً، و لکن لم یمکن العلم به ظاهراً - کما إذا نسی تاریخ ولادتهما و لم یمکنه العلم به - فالأقوی البطلان؛ لانصراف الأدلة عن مثله، فالقول بالصحة و التشخیص بالقرعة ضعیف.(1)

(1)استدل علی عدم وجوب التعیین فی عقد النکاح بروایة أبی عبیدة، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن رجل کن له ثلاث بنات أبکار، فزوج إحداهن رجلاً و لم یسمّ التی زوج للزوج و لا للشهود، و قد کان الزوج فرض لها صداقها، فلما بلغ إدخالها علی الزوج بلغ الزوج أنها الکبری من الثلاثة، فقال الزوج لأبیها: إنما تزوجت منک الصغیرة من بناتک، قال: فقال أبو جعفر(علیه السلام): «إن کان الزوج رآهن کلهنّ و لم یسم له واحدة منهنّ فالقول فی ذلک قول الأب، و علی الأب فیما بینه و بین الله أن یدفع إلی الزوج الجاریة التی کان

ص:442

(مسألة 18): لو اختلف الاسم و الوصف أو أحدهما مع الإشارة أخذ بما هو المقصود و ألغی ما وقع غلطاً، مثلاً لو قال: زوجتک الکبری من بناتی فاطمة، و تبین أن اسمها خدیجة، صح العقد علی خدیجة التی هی الکبری، و لو قال: زوجتک فاطمة و هی الکبری، فتبین أنها صغری، صح علی فاطمة؛ لأنها المقصود، و وصفها بأنها کبری وقع غلطاً فیلغی، و کذا لو قال: زوجتک هذه و هی فاطمة أو هی الکبری، فتبین أن اسمها خدیجة أو أنها صغری فإن المقصود تزویج المشار إلیها و تسمیتها بفاطمة أو وصفها بأنها الکبری وقع غلطاً فیلغی.

(مسألة 19): إذا تنازع الزوج و الزوجة فی التعیین و عدمه حتی یکون العقد صحیحاً أو باطلاً، فالقول قول مدعی الصحة، کما فی سائر الشروط إذا اختلفا فیها، و کما فی سائر العقود، و إن اتفقا الزوج و ولی الزوجة علی أنهما عیناً معیناً و تنازعا فیه أنها فاطمة أو خدیجة، فمع عدم البینة، المرجع التحالف، کما فی سائر العقود.

نوی أن یزوجها إیاه عند عقدة النکاح، و إن کان الزوج لم یرهن کلهن و لم یسم واحدة منهنّ عند عقدة النکاح، فالنکاح باطل»(1).

إلا إن هذه الروایة غیر ظاهرة فی مخالفة القاعدة فی التعیین، حیث إنّ مقتضی القاعدة فی عقد النکاح بعد کون ماهیة القران و الإملاک هو لزوم تشخص طرفی التضایف و هو و إن أمکن بنحو الکلی فی المعین، بل الکلی فی الذمة و لیس من المردد المستحیل هویة، بل من جهة أن التعیین بعد ذلک

ص:443


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب15، ح1.

نعم هنا صورة واحدة اختلفوا فیها، و هی ما إذا کان لرجل عدّة بنات، فزوج واحدة و لم یسمها عند العقد و لا عیّنها بغیر الاسم، لکنّه قصدها معینة، و اختلفا فیها، فالمشهور علی الرجوع إلی التحالف الذی هو مقتضی قاعدة التحالف، و ذهب جماعة إلی التفصیل بین ما لو کان الزوج

خارج العقد یحتاج إلی دلیل و لا دلیل علیه، إذ لیس من قبیل الدین الذی یتعین بالأداء.

و بعبارة أخری: لا تترتب مقتضیات عقد النکاح بما وراء العقد و بضمیمة أخری، بل بنفسه، فلا بدّ أن یکون التعیین به.

و بعبارة ثالثة: إنّ البطلان فی عدم التعیین لیس من جهة الامتناع العقلی، و إنما من جهة عدم الدلیل علی نفوذ التعیین بعد العقد بغیره، و الاستحالة فی الفرد المردد، إنما هو فی الوجود الذهنی بما هو هو أو الوجود الخارجی بما هو هو، لا فی حکایة الذهن عن الخارج بنحو مبهم أو مجمل.

ثمّ إنّ هناک جملة من الروایات الواردة فی أبواب المتعة(1) ظاهرها عدم النفوذ للشرط غیر الملفوظ و المصرح به فی صیغة العقد، إلاّ أن ظاهر المتأخرین نفوذ الشروط المتبانی علیها مع بناء العقد علیها فی ظاهر الحال، و قد تحمل تلک الروایات علی عدم وجود القرینة الحالیة علی البناء، لا سیما و أن فی المقاولة قبل العقد قد یکون فیها مداولة بین النفی و الاثبات، فلا یستقر التباین علی شیء ، و یؤیده ما ورد(2) من أن من أسر مهراً و أعلن غیره کان المعتبر الأوّل.

ص:444


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب19.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب15، ح1.

رآهن جمیعاً، فالقول قول الأب، و ما لو لم یرهن، فالنکاح باطل، مستندهم صحیحة أبی عبیدة الحذاء، و هی و إن کانت صحیحة إلاّ أن إعراض المشهور عنها، مضافاً إلی مخالفتها للقواعد مع إمکان حملها علی بعض المحامل یمنع العمل بها، فقول المشهور لا یخلو عن قوة، و مع ذلک الأحوط مراعاة الاحتیاط، و کیف کان لا یتعدی عن موردها.(1)

(1) قد استشکل علی الماتن فی إجراء أصالة الصحة، من جهة أن الأصل المزبور إنما یحرز الصحة عند الشک فی شرائط صیغة العقد و التعاقد، و أما عند الشک فی موضوع العقد، کتعیین المبیع و تعیین الزوجین أو أهلیة المتعاقدین فی المعاوضات و نحو ذلک، مما هو بمثابة الموضوع لماهیة العقد و للإیجاب و القبول، فلا تجری أصالة الصحة لإحراز الموضوع، و إنما هی فی مورد الشک فی النقص و التمام فی شروط المرکب کفعل المتعاقدین، و التردید فی التعیین یرجع إلی إحراز موضوع العقد.

أقول: هذا إنما یتم لو أرید من فرض المسألة أنه وقع الاختلاف فی إیقاع العقد علی امرأة بعینها أو أن العقد وقع علی امرأة أخری، أو أوقع العقد علی الکلی من دون وجود قرائن فی ظاهر الحال موجبة للظن بالتعیین.

و بعبارة أخری: لو قدّر أن المراد من فرض المسألة هو صدور العقد من الطرفین أو ولیهما أو وکیلهما، إلاّ أن أحدهما یدعی الإبهام فی الصیغة و عدم التبانی علی التعیین، و الآخر یدعی التعیین، فإن فی هذا الفرض ظاهر الحال یقتضی أن القائل بالتعیین هو المنکر؛ لأن الظاهر معه.

فظاهر عبارة المتن بقرینة مقابلة الصورة الأولی فی المسألة مع الصورة

ص:445

(مسألة 20): لا یصح نکاح الحمل و إنکاحه و إن علم ذکوریته أو أُنوثیته، و ذلک لانصراف الأدلة، کما لا یصح البیع أو الشراء منه و لو بتولی الولی، و إن قلنا بصحة الوصیة له عهدیة، بل أو تملیکیة.(1)

الثانیة و ما یلیها، أن المقسم الاتفاق علی وقوع التعاقد و إنما الشک فی الیقین تارة و فی مصداق التعیین تارة أخری و هی الصورة الثانیة، و هناک صور أخری کثیرة قابلة للافتراض مما یرتبط بالتعیین.

أما الصورة الثانیة و هی ما لو اتفقا علی التعاقد و التعیین و حصل الاختلاف فی مصداق التعیین، فیکون من التداعی بلحاظ الخصوصیة التی یدّعیها کلّ منهما، نعم قد یقال: إن هنا فی البین علم إجمالی بوقوع العقد علی إحدی المرأتین و هذا العلم مقرر فی غالب موارد التداعی، و الکلام فیه هو الکلام فی تلک الموارد، و الظاهر بنائهم علی الانفساخ بحسب الظاهر.

أما الصورة الثالثة فقد تقدّمت فی مسألة (18).

فی نکاح الحمل و إنکاحه

(1) حکی ذلک عن الأکثر، بل قد أدعی فی بعض الکلمات الإجماع، لکن تعلیلاتهم فی المنع مختلفة، فتارة أنه لأجل عدم التمییز و المجهولیة، و أخری لأجل قصور الولایة علی الحمل، و ثالثة لعدم قابلیة الحمل للعقد علیه، و رابعة لانصراف الأدلة و عدم الإطلاق.

و العمدة هو الوجه الثالث، أی عدم القابلیة بنظر العرف، و لا أقل من الشک فی ذلک عرفاً، فإنه لم یوقف علی تقنین عقلائی یعتمد حصول عقد النکاح فی الحمل الذی ولجته الروح، و إلاّ فلو تم تحقّق الموضوع عرفاً لما کان هناک وجهاً للانصراف و منع الإطلاق، إذ موضوع أدلة الصحة فی العقود

ص:446

(مسألة 21): لا یشترط فی النکاح علم کلّ من الزوج و الزوجة بأوصاف الآخر، مما یختلف به الرغبات و تکون موجبة لزیادة المهر أو قلته، فلا یضر بعد تعیین شخصها الجهل بأوصافها، فلا تجری قاعدة الغرر هنا.(1)

و الإیقاعات هو الموضوع بحسب الوجود العرفی، فمع عدم تقرر وجود

الموضوع عرفاً لا ینوجد للدلیل موضوع.

کما لا بدّ من إحراز وجوده، و أما عدم التمییز و المجهولیة فقد یندفع بتقدیر النکاح علی فرض الذکوریة أو الأنوثیة، و هو من التقدیر علی ما هو شرط فی صحة العقد، فلا یضر إذا کان من التقدیر فی الشرطیة بمعنی التقدیر و الفرض عند تحقّق الشرط لا التعلیق المصطلح.

و أما تعلیل الماتن بالتمثیل، بأنه لا یصح بیعه و لا الشراء منه، فمحل نظر، و ذلک بعد مفروغیة صحة الوصیة العهدیة له، بل الأصح صحة التملیکیة أیضاً، لما دلّ علی تملّکه لحصته من الإرث و إن کان مشروطاً بتولّده، إلاّ أنه من قبیل الشرط المتأخر، مما یقتضی تملّکه لسهمه من الإرث و هو حمل، غایة الأمر أنه مشروط بتولّده.

نعم قد یقال: إن اشتراط ملکیته بالولادة حیّاً یفید أن ملکیته متزلزلة.

و فیه: إن غایة الأمر صحة تملّکه، لکن بنحو مراعی، لکنّه لا یخلو من نظر، لعدم التعلیق فی البیع و نحوه من المعاوضات بشرط متأخر، و یمکن أن یقال: إنه لا یقصر عن بیع الفضولی، و لکن هذا یعنی عدم فعلیة صحة البیع.

فی علم کلّ من الزوج و الزوجة بأوصاف الآخر

(1) لا تردید فی قیام السیرة علی الاکتفاء بتعیین شخص الزوجة و لو بالاسم و لو لم یرها، إنما الکلام فی أن ذلک لعدم شرطیة الغرر فی النکاح،

ص:447

کما علل بذلک بعض شراح المتن، و لکون عقد النکاح لیس معاوضیاً أو لکون الأوصاف المهمة فی الرغبات تحرز بأصل السلامة، فالجهالة مرتفعة بهذا الأصل، لا أن انتفاء الغرر غیر معتبر، قال فی کشف اللثام: لأنهن تعیّن عنده دون من لم یرهن لکثرة الجهالة، و یعضد ذلک ما ورد فی روایات جواز النظر للمرأة التی یرید أن یتزوجها إلی شعرها و ساقیها، حیث عللت ذلک بأنها یشتریها بأغلی الأثمان، و مما یعضد أصالة السلامة عدم وجوب النظر فی تلک الروایات، و إنما جوازه، و کذلک ما ورد فی ثبوت خیار الفسخ فی العیوب و بأن أحدهما دلّس علی الآخر مما یقضی بأن مدار الرغبات علی تلک الأوصاف و أنها مطمع لها، غایة الأمر أنها تحرز بأصالة السلامة، فمع التخلف یثبت خیار الفسخ.

ص:448

فصل: فی مسائل متفرقة

اشارة

فصل

فی مسائل متفرقة

الأولی: لا یجوز فی النکاح اشتراط الخیار فی نفس العقد

اشارة

الأولی: لا یجوز فی النکاح دواماً أو متعة اشتراط الخیار فی نفس العقد، فلو شرطه بطل، و فی بطلان العقدیة قولان، المشهور علی أنه باطل، و عن ابن إدریس: إنه لا یبطل ببطلان الشرط المذکور و لا یخلو قوله عن قوة، إذ لا فرق شرطه بطل، و فی بطلان العقدیة قولان المشهور علی أنه باطل، و عن ابن ادریس: أنه لا یبطل ببطلان الشرط المذکور و لا یخلو قوله عن قوة، إذ لا فرق بینه و بین سائر الشروط الفاسدة فیه، مع أن المشهور علی عدم کونها مفسدة للعقد، و دعوی: کون هذا الشرط منافیاً لمقتضی العقد، بخلاف سائر الشروط الفاسدة التی لا یقولون بکونها مفسدة کما تری، و أما اشتراط الخیار فی المهر فلا مانع منه، و لکن لا بدّ من تعیین مدته، و إذا فسخ قبل انقضاء المدة یکون کالعقد بلا ذکر المهر، فیرجع إلی مهر المثل، هذا فی العقد الدائم الذی لا یلزم فیه ذکر المهر، و أما فی المتعة حیث أنها لا تصلح بلا مهر، فاشتراط الخیار فی المهر فیها مشکل.(1)

(1) استدل علی عدم جواز اشتراط الخیار فی نفس عقد النکاح بعدّة روایات:

منها: روایة أبان فی حدیث أنه قال لأبی عبد الله(علیه السلام): «فإنی أستحی أن

ص:449

أذکر شرط الأیام، قال: هو أضر علیک، قلت: و کیف؟ قال: لأنک إن لم تشرط کان تزویج مقام، و لزمتک النفقة و لم تقدر علی أن تطلقها إلاّ طلاق السنة»(1).

و منها: صحیحة زرارة قال: «سئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن رجل یتزوج المرأة بغیر شهود، فقال: لا بأس بتزویج البتة فیما بینه و بین الله، إنما جعل الشهود فی تزویج البتة من أجل الولد، و لو لا ذلک لم یکن به بأس»(2).

و من الواضح أن التعبیر ب- (البتة) یتنافی مع التعلیق و اشتراط الاختیار.

مقتضی القاعدة فی الشرط الفاسد

إن مقتضی القاعدة فی الشرط الفاسد أنه إذا لم یناف المقتضی القوامی الذاتی للعقد، ففساده لا یوجب فساد العقد، بل غایة الأمر یوجب خیار الفسخ أو ما یعبّر عنه بخیار تخلف الشرط، و الذی حقیقته ترجع إلی خیار الشرط المعلّق المتبانی علیه، کما حررناه فی کتاب البیع.

اشتراط الخیار فی عقد النکاح فاسد و غیر مفسد للعقد

إن مفاد الروایات الواردة فی المقام هو صحة العقد مع فساد اشتراط الخیار و لو معلّقاً، کما فی مصحّحة محمد بن قیس، عن أبی جعفر(علیه السلام): «فی الرجل یتزوج المرأة إلی أجل مسمی، فإن جاء بصداقها إلی أجل مسمی فهی امرأته، و إن لم یأت بصداقها إلی الأجل فلیس له علیها سبیل، و ذلک شرطهم بینهم حین أنکحوه، فقضی للرجل أن بیده بضع امرأته و أحبط شرطهم»(3).

ص:450


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب20، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب مقدمات النکاح: ب43، ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب10، ح2.

و هذا من اشتراط الخیار المعلّق علی تخلف الشرط، فالشرط الخاص هو المهر و إذا لم یوف به فلهم خیار الفسخ، و الإمام(علیه السلام) حکم ببطلان خیار الفسخ و لو معلّقاً، لکنّه لم یحکم بفساد العقد.

إذن للمصحّحة مفادان:

الأوّل: أن شرط الخیار فی عقد النکاح باطل.

الثانی: أن فساده لا یفسد عقد النکاح.

و کذا ما فی صحیحة محمد بن قیس الأخری عن أبی جعفر(علیه السلام): «أنه قضی فی رجل تزوج امرأة و أصدقته هی و اشترطت علیه أن بیدها الجماع و الطلاق، قال: خالفت السنة، و ولیت حقاً لیست بأهله، فقضی أن علیه الصداق و بیده الجماع و الطلاق، و ذلک السنة»(1) فإنها دالة علی أن مطلق الشرط الفاسد فی عقد النکاح لا یفسد النکاح.

ثمّ إنه قد یقرب صحة اشتراط الخیار فی المهر بأن الفسخ فی المهر غایته أن یکون العقد بلا مهر، و هو لا یوجب فساد النکاح کما سیأتی فی بحث المهور.

و قد یقرب بطلان ذات الشرط، بأن الخیار فی المهر هو من الخیار فی عقد الإملاک، حیث إن المهر عوض البضع، فالخیار فیه خیار فی هذه المعاوضة، فحینئذ یفسد هذا الشرط و إن لم یفسد النکاح به کما مرّ.

و فیه: إن مؤدی الخیار لیس فسخ عقد الإملاک، بل هو یرجع إلی تبدیل المهر بدل أن یکون المهر المسمّی، بل یکو مهر المثل، إذ لیس مؤدی الخیار فی مهر المسمّی هو اشتراط عدم المهر مطلقاً و إسقاطه، کی یکون فسخاً فی ماهیة الإملاک، فالأقوی صحة الشرط فضلاً عن صحة العقد.

ص:451


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المهور: ب29، ح1.

الثانیة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة فصدقته

الثانیة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة فصدقته أو ادعت امرأة زوجیة رجل فصدقها یبنی علی ثبوت الزوجیة فی الظاهر، و یحکم لکلّ منهما علی الآخر، و لیس لأحد الاعتراض علیهما من غیر فرق بین کونهما من بلد معروفین فیه أو غریبین.(1) و أما إذا ادعی أحدهما الزوجیة و أنکر الآخر، فیجری علیهما قواعد الدعوی، فإن کان للمدعی بینة، و إلا فیحلف المنکر، أو یرد الیمین فیحلف المدعی و یحکم له بالزوجیة، و علی المنکر ترتیب آثاره فی الظاهر. لکن یجب علی کل منهما العمل علی الواقع بینه و بین الله. و إذا حلف المنکر حکم بعدم الزوجیة بینهما، لکن المدعی مأخوذ بإقراره المستفاد من دعواه، فلیس له إن کان هو الرجل تزویج الخامسة، و لا ام المنکرة و لا بنتها مع الدخول بها، و لا بنت أخیها أو أختها إلا برضاها، و یجب علیه إیصال المهر إلیها. نعم لا یجب علیه نفقتها، لنشوزها بالإنکار. و إن کانت هی المدعیة لا یجوز لها التزویج بغیره إلا إذا طلقها، و لو بأن یقول: هی طالق إن کانت زوجتی. و لا یجوز لها السفر من دون إذنه، و کذا کل ما یتوقف علی إذنه. و لو رجع المنکر إلی الإقرار

قاعدة فی الحکم بالدعوی بلا معارض

(1) أما البناء علی ثبوت الزوجیة فی الظاهر؛ فلحمل الفعل علی الصحة، مضافاً إلی ظاهر الحال، فلا یسوغ الاعتراض علیهما، کما قد یستفاد من قوله تعالی: (وَ لا تَقْفُ ما لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ کُلُّ أُولئِکَ کانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) .

ص:452

هل یسمع منه و یحکم بالزوجیة بینهما؟ فیه قولان: و الأقوی السماع إذا أظهر عذرا لإنکاره و لم یکن متهما و إن کان ذلک بعد الحلف و کذا المدعی إذا رجع عن دعواه و کذب نفسه. نعم یشکل السماع منه إذا کان ذلک بعد إقامة البینة منه علی دعواه، إلا إذا کذبت البینة أیضاً نفسها.

و أما حکم الحاکم لهم بالزوجیة فمحل تأمل؛ لأنه غایة ما یثبت بإقرار کلّ منهما، إنما هو بحدود ما تثبته قاعدة الإقرار، و هو ما یکون ضرراً علی نفسه من حقوق الغیر، لا إثبات الزوجیة من حیث ترتب الآثار الأخری التی لیست فیها ضرر علی الطرفین، أو ضرر علی الآخرین.

نعم قد یقال بثبوتها من باب أن من ادعی شیئاً لم یدّعه غیره حکم له به، کما فی صحیح منصور بن حازم عن أبی عبد الله(علیه السلام) الوارد فیمن ادعی کیساً وسط جماعة قالوا کلهم إنه لیس لنا، فیحکم له به(1)، و لکن لازم ما قالوه فی تفسیر هذه القاعدة و الصحیحة، و هو أن المدعی یدعی ما لا یعارضه و لا ینازعه أحد، هو عدم تطبیق القاعدة المزبورة فی المقام، لأن الحکم بالزوجیة لازمه التوارث و هو من الضرر علی الورثة، و غیره من الآثار التی لیست فیها ضرر علی الطرفین، فلیست هی من الدعوی بلا معارض، هذا فضلاً عما لو خدشنا فی دلالة الصحیحة علی القاعدة المزبورة کما ذکره ابن إدریس و جماعة، حیث أن الجماعة لما أقروا علی أنفسهم بعدم ملکیة الکیس سقطت قاعدة الید التی لهم و بقیت ید فتکون ید بالمشاهدة أو ید حکمیة، کما عبر بذلک ابن إدریس.

ص:453


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب کیفیة الحکم و أحکام الدعوة: باب 17.

الثالثة: إذا تزوج امرأة تدعی خلوها عن الزوج، ثمّ ادعی زوجیتها رجل آخر

الثالثة: إذا تزوج امرأة تدعی خلوها عن الزوج، ثمّ ادعی زوجیتها رجل آخر، لم تسمع دعواه إلاّ بالبینة.(1) نعم له مع عدمها علی کل منهما الیمین؛ فإن وجه الدعوی علی الامرأة، فأنکرت و حلفت سقط دعواه علیها، و إن نکلت أو ردت الیمین علیه فحلف لا یکون حلفه حجة علی الزوج، و تبقی علی زوجیة الزوج مع عدمها، سواء کان عالما بکذب المدعی أو لا. و إن أخبر ثقة واحد بصدق المدعی، و إن کان الأحوط حینئذ طلاقها فیبقی النزاع بینه و بین الزوج، فإن حلف سقط دعواه بالنسبة إلیه أیضاً، و إن نکل أو رد الیمین علیه فحلف، حکم له بالزوجیة إذا کان ذلک بعد

و لکن مع ذلک یمکن تقریر ثبوت القاعدة بنطاقها المحدود فی ما لا یعارض حق الآخرین بأن القضاء بالید - أی بالأمارة الشرعیة التی هی أمارة علی باب الفتوی و الوظیفة الشرعیة الأولیة، لا أمارة فی باب القضاء - یستلزم کون الأمارة الظاهریة فی کلّ باب میزان للقضاء، حیث یکون المدعی بلا معارض، و أما مع المعارض فلا بد من البینة أو الیمین، و حینئذ یصح القضاء فی المدعی بلا معارض بکل أمارة شرعیة، و منها أصالة الصحة، و حینئذ یحکم فی المقام بالزوجیة فی حدود الآثار التی لا تعارض حقوق الآخرین کالورثة فی الترکة.

(1)الوجه فی القول الأوّل هو ما ورد من النصوص، کصحیحة عبد العزیز بن المهتدی قال: )سألت الرضا(علیه السلام) قلت: جعلت فداک إن أخی مات و تزوجت امرأته فجاء عمّی فادعی أنه کان تزوجها سراً، فسألتها عن ذلک فأنکرت أشد الانکار، و قالت: ما کان بینی و بینه شیء قط، فقال: یلزمک

ص:454

أن حلف فی الدعوی علی الزوجیة بعد الرد علیه، و إن کان قبل تمامیة الدعوی مع الزوجیة، فیبقی النزاع بینه و بینها، کما إذا وجه الدعوی أولا علیه. و الحاصل أن هذه دعوی علی کل من الزوج و الزوجة، فمع عدم البینة إن حلفا سقط دعواه علیهما، و إن نکلا أو رد الیمین علیه فحلف ثبت مدعاه. و إن حلف أحدهما دون الآخر فلکل حکمه، فإذا حلف

إقرارها و یلزمه إنکارها»(1).

و فی صحیح الحسین بن سعید أنه کتب إلیه: )یسأله عن رجل تزوج امرأة فی بلد من البلدان فسألها لکِ زوج؟ فقالت: لا فتزوجها، ثمّ إن رجلاً أتاه فقال: هی امرأتی فأنکرت المرأة ذلک ما یلزم الزوج؟ فقال: هی امرأته إلاّ أن یقیم البینة»(2)، إلاّ أن فی موثّق سماعة قال: )سألته عن رجل تزوج جاریة أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غیر ثقة، فقال: إن هذه امرأتی و لیست لی بینة، فقال: إن کان ثقة فلا یقربها و إن کان غیر ثقة فلا یقبل منه»(3)، و هو محمول علی الاستحباب و الاحتیاط جمعاً بینه و بین ما تقدّم، کما أشار إلی ذلک فی الجواهر.

و ظاهر الصحیحین الأولین عدم استحقاق المدعی لاستحلاف المنکر و هی المرأة، إذ عدم حلفها و نکولها أو ردها الیمین للمدعی الذی هو بمنزلة الإقرار لا یکون نافذاً فی حق الزوج، و الظاهر إنه لأجل ذلک لا تسمع دعوی الرجل الآخر.

ص:455


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب23 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب23 ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب23 ح2.

الزوج فی الدعوی علیه فسقط بالنسبة إلیه، و الزوجة لم تحلف بل ردت الیمین علی المدعی أو نکلت ورد الحاکم علیه فحلف و إن کان لا یتسلط علیها؛ لمکان حق الزوج، إلا أنه لو طلقها أو مات عنها ردت إلیه، سواء قلنا إن الیمین المردودة بمنزلة الإقرار، أو بمنزلة البینة، أو قسم ثالث. نعم فی استحقاقها النفقة و المهر المسمی علی الزوج إشکال، خصوصاً إن قلنا إنه بمنزلة الإقرار أو البینة. هذا کله إذا کانت منکرة لدعوی المدعی. و أما إذا صدقته و أقرت بزوجیته فلا یسمع بالنسبة إلی حق الزوج، و لکنها مأخوذة بإقرارها، فلا تستحق النفقة علی الزوج، و لا المهر المسمی، بل و لا مهر المثل إذا دخل بها، لأنها بغیة بمقتضی إقرارها إلا أن تظهر عذرا فی ذلک. و ترد علی المدعی بعد موت الزوج أو طلاقه إلی غیر ذلک.

و أما الوجه فی القول الثانی: فلأنه یترتب علی إقرار المرأة و نکولها وردها الیمین ضمانها لمهر المثل بناء علی القول بضمان منافع البضع؛ لأن الفرض فی المقام عدم فوات البضع من رأس و إنما تبعّض الفائت من منافعه، حیث أنها بتزویجها حالت و فوتت علی الرجل البضع، أو بلحاظ الأثر التقدیری فیما إذا مات أو طلقت، أو فیما إذا انضم و ترکبت دعوی الرجل الآخر علی کلّ من المرأة و الزوج، بأن ادعی علی الزوج علمه بذلک أیضاً، فکل هذه الآثار توجه سماع الدعوی، فضلاً عما لو ادعی العلم علی الزوج و من ثمّ حملت هذه الروایات علی بیان الوظیفة التکلیفیة لا الحکم فی القضاء.

ص:456

الرابعة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة و أنکرت

اشارة

الرابعة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة و أنکرت، فهل یجوز لها أن تتزوج من غیره قبل تمامیة الدعوی مع الأول، و کذا یجوز لذلک الغیر تزویجها أو لا، إلا بعد فراغها من المدعی؟ وجهان: من أنها قبل ثبوت دعوی المدعی خلیة و مسلطة علی نفسها، و من تعلق حق المدعی بها و کونها فی معرض ثبوت زوجیتها للمدعی، مع أن ذلک تفویت حق المدعی إذا ردت الحلف علیه و حلف، فإنه لیس حجة علی غیرها و هو الزوج. و یحتمل التفصیل بین ما إذا طالت الدعوی - فیجوز للضرر علیها بمنعها حینئذ - و بین غیر هذه الصورة. و الأظهر: الوجه الأول. و حینئذ فإن أقام المدعی بینة و حکم له بها کشف عن فساد العقد علیها. و إن لم یکن له بینة و حلفت بقیت علی زوجیتها. و إن ردت الیمین علی المدعی و حلف ففیه وجهان: من کشف کونها زوجة للمدعی فیبطل العقد علیها، و من أن

و فیه أنه خلاف ظاهر الروایات، حیث أن ظاهر السؤال هو عن التنازع و بالتالی فیکون ظاهر الجواب هو فی مقام حسم ذلک النزاع کما هو مقتضی القاعدة المطردة فی ظهور الروایات الواردة فی باب القضاء.

و بعبارة أخری: إن الفصل فی النزاع إنما یکون بمیزان قضائی لا بمیزان الفتوی، و الوظیفة الأولیة و یکون ذلک المیزان أداة من شئون القاضی و لا یتعاطاها المتنازعین بأنفسهما، و أما الآثار المزبورة، فیمکن الخدشة فیها بأنها نیل من عرض الزوج و سمعته حتی فیما لو ادعی علی الزوج العلم أیضاً، فیتجه حینئذ إبقاء ظهور الروایات علی حاله من عدم سماع دعواه بالاستحلاف أو طلب الإقرار إلاّ بالبینة.

ص:457

الیمین المردودة لا یکون مسقطاً لحق الغیر - و هو الزوج - و هذا هو الأوجه. فیثمر فیما إذا طلقها الزوج أو مات عنها فإنها حینئذ ترد علی المدعی. و المسألة سیالة تجری فی دعوی الأملاک و غیرها أیضاً و الله العالم.(1)

قاعدة فی حجر المتخاصمین عن التصرفات المفوتة فی مورد النزاع

(1) فی المسألة أقوال أخری، فنسب إلی المشهور جواز تزویجها قبل ثبوت دعوی المدعی؛ لأنها خلیة و مسلطة علی نفسها و لا استحقاق للمدعی متعلق بها قبل ثبوت الزوجیة له. و قیل فی وجه منعها عن الزواج و زواج الغیر بها أن ذلک تفویت لحق المدعی لکونها فی معرض ثبوت زوجیته، و بعبارة أخری: إن للمدعی حق استحلاف المرأة و إحضارها فی مجلس الدعوی و الحلف فی صورة النکول و إثبات دعواه، و جملة هذه الحقوق تفوت بتزوجها، کما مر فی المسألة السابقة.

و الأوجه أن ثبوت هذه الحقوق إنما یتم للمدعی بعد رفع الدعوی للحاکم و أما قبل ذلک، فهی غیر ثابتة بالفعل و إنما ثابتة بنحو الاقتضاء، و الحال أن المرأة مسلطة علی نفسها فی ظاهر الحال و لو بضمیمة الأصل، و یعضد هذا التفصیل أن النزاع بعد رفعه إلی الحاکم یکون فصل النزاع من شئونه و ولایته کما أن المتنازعین لیس لهما البناء علی أحد وجهی الدعوی من أنفسهما بمیزان الفتوی، بل مقتضی ولایة القضاء هو حبس مورد النزاع، عن التصرف حتی یحسم و یفصل القاضی مورد النزاع، فالقول بجواز تصرف المنکر فی مورد النزاع بعد رفع النزاع إلی الحاکم یستلزم البتّ فی مورد

ص:458

النزاع بغیر حکمه، کما یستلزم تغییر صورة الدعوی السابقة قبل الفصل فیها بغیر حجة ناقضة لحکم القاضی فی الدعوی السابقة، و لک أن تقول: إن تولیة القاضی علی مورد النزاع و رسم الحکم الشرعی فیه یقتضی حجر کلّ من المتنازعین عن التصرف فی مورد النزاع.

و الظاهر ممن ذهب إلی جواز التصرف قبل حکم القاضی حصر ولایة القضاء بإنشاء الحکم لفصل النزاع و الولایة علی إمضائه و إنفاذه من دون ثبوت ولایة للقاضی قبل ذلک، و هذا خلاف المنسبق من أدلة القضاء فی القاضی المنصوب، حیث أن ظاهرها تقرر ولایة الحاکم قبل ذلک، و من ثمّ یلزم المنکر بالحضور و بالحلف و نحو ذلک، و یؤیده ما ورد فی الحبس فی تهمة القتل ستة أیام، کما فی موثّقة السکونی(1)، مضافاً إلی أن تصرف أحد المتنازعین کالمنکر فی مورد النزاع بعد رفعها إلی القاضی موجب لمادة الفساد و التی من أجل قطعها شرع القضاء و ولایة القاضی.

هذا کله بعد رفع الدعوی إلی الحاکم، و أما قبله فلا حجر علی المنکر فی تصرفاته بعد عدم ثبوت حق فعلی و لا ولایة فعلیه للقاضی.

إلاّ أنه یقع الکلام فی صحة تزویج الغیر منها مع کونها متهمة و کون المدعی ثقة، ففی هذه الصورة یکون إقدام الزوج علی الزواج بلا أمارة أو أصل مصحح، فاعتباره منکراً حینئذ و احتیاج المدعی فی سماع دعواه إلی البینة محل تأمل، و الظاهر أن النصوص لا تشمل من یرید الزواج بها فی هذه الحالة، و یؤیده موثّقة سماعة المتقدّمة.

هذا فیما لو بنی علی عدم صحة قول الزوجة أنها خلیة، کما سیأتی فی المسائل اللاحقة.

ص:459


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب دعوی القتل ب12 ح1.

الخامسة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة فأنکرت و ادعت زوجیة امرأة أخری

الخامسة: إذا ادعی رجل زوجیة امرأة فأنکرت و ادعت زوجیة امرأة أخری لا یصح شرعاً زوجیتها لذلک الرجل مع الامرأة الأولی - کما إذا کانت أخت الأولی أو أمها أو بنتها - فهناک دعویان: إحداها من الرجل علی الامرأة، و الثانیة من الامرأة الأخری علی ذلک الرجل. و حینئذ فإما أن لا یکون هناک بینة لواحد من المدعیین، أو یکون لأحدهما دون الآخر، أو لکلیهما. فعلی الأول: یتوجه الیمین علی المنکر فی کلتا الدعویین، فإن حلفا سقطت الدعویان. و کذا إن نکلا و حلفت کل من المدعیین الیمین المردودة. و إن حلف أحدهما و نکل الآخر و حلف مدعیه الیمین المردودة سقطت دعوی الأول و ثبت مدعی الثانی. و علی الثانی: و هو ما إذا کان لأحدهما بینة ثبت مدعی من له البینة، و هل تسقط دعوی الآخر أو یجری علیه قواعد الدعوی من حلف المنکر أو رده؟ قد یدعی القطع بالثانی؛ لأن کل دعوی لا بد فیها من البینة أو الحلف. و لکن لا یبعد تقویة الوجه الأول، لأن البینة حجة شرعیة و إذا ثبت بها زوجیة إحدی الامرأتین لا یمکن معه زوجیة الأخری، لأن المفروض عدم إمکان الجمع بین الامرأتین فلازم ثبوت زوجیة إحداهما بالأمارة الشرعیة عدم زوجیة الأخری. و علی الثالث: فإما أن یکون البینتان مطلقتین، أو مورختین، متقارنتین أو تاریخ إحداهما أسبق من الأخری فعلی الأولین تتساقطان و یکون کما لو لم یکن بینة أصلا، و علی الثالث ترجح الأسبق إذا کانت تشهد بالزوجیة من ذلک التاریخ إلی زمان الثانیة، و إن لم تشهد ببقائها إلی زمان الثانیة فکذلک إذا کانت الامرأتان الام و البنت مع تقدم تاریخ البنت، بخلاف الأختین و الأم و البنت مع تقدم تاریخ الأم، لإمکان صحة

ص:460

العقدین بأن طلق الأولی و عقد علی الثانیة فی الأختین، و طلق الأم مع عدم الدخول بها، و حینئذ ففی ترجیح الثانیة أو التساقط وجهان.

هذا، و لکن وردت روایة تدل علی تقدیم بینة الرجل إلا مع سبق بینة الامرأة المدعیة أو الدخول بها فی الأختین. و قد عمل بها المشهور فی خصوص الأختین. و منهم من تعدّی إلی الأم و البنت أیضاً. و لکن العمل بها حتی فی موردها مشکل لمخالفتها للقواعد و إمکان حملها علی بعض المحامل التی لا تخالف القواعد.

السادسة: إذا تزوج العبد بمملوکة ثمّ اشتراها

السادسة: إذا تزوج العبد بمملوکة ثمّ اشتراها بإذن المولی فإن اشتراها للمولی بقی نکاحها علی حاله و لا إشکال فی جواز وطئها، و إن اشتراها لنفسه بطل نکاحها و حلّت له بالملک علی الأقوی من ملکیة العبد. و هل یفتقر وطؤها حینئذ إلی الإذن من المولی أو لا؟ وجهان: أقواهما ذلک لأن الإذن السابق إنما کان بعنوان الزوجیة و قد زالت بالملک فیحتاج إلی الإذن الجدید. و لو اشتراها لا بقصد کونها لنفسه أو للمولی، فإن اشتراها بعین مال المولی کانت له و تبقی الزوجیة و إن اشتراها بعین ماله کانت له و بطلت الزوجیة. و کذا إن اشتراها فی الذمة، لانصرافه إلی ذمة نفسه. و فی الحاجة إلی الإذن الجدید و عدمها الوجهان.

السابعة: یجوز تزویج امرأة تدعی أنها خلیة من الزوج

اشارة

السابعة: یجوز تزویج امرأة تدعی أنها خلیة من الزوج من غیر فحص مع عدم حصول العلم بقولها، بل و کذا إذا لم تدع ذلک و لکن دعت الرجل إلی تزویجها، أو أجابت إذا دعت إلیه. بل الظاهر ذلک، و إن علم کونها ذات بعل سابقا و ادعت طلاقها، أو موته. نعم لو کانت متهمة فی دعواها فالأحوط الفحص عن حالها و من هنا ظهر جواز تزویج زوجة

ص:461

من غاب غیبة منقطعة و لم یعلم موته و حیاته إذا ادعت حصول العلم لها بموته من الأمارات و القرائن أو بإخبار المخبرین، و إن لم یحصل العلم بقولها، و یجوز للوکیل أن یجری العقد علیها ما لم یعلم کذبها فی دعوی العلم. و لکن الأحوط الترک خصوصاً إذا کانت متهمة.(1)

قاعدة فی کون المرأة مصدقة فی قولها علی نفسها و شئونها

(1) حکی الاتفاق علی تصدیق قولها فی ذلک حتی إذا کانت متهمة، کما یظهر من کلماتهم فی أوائل کتاب النکاح المتعة، حیث قالوا باستحباب السؤال عن حالها مع التهمة، و لیست شرطاً فی الصحة، کما فی الشرائع و الجواهر و الحدائق، نعم فی باب دعواها المحلل قید بعضهم قبول قولها بما إذا کانت ثقة، کما فی الشرائع، و قیّد آخر بما إذا لم یکن لها معارض فی دعواها، کما لو أنکر من ادعت حصول التحلیل به، و فصل بعض محشی العروة الوثقی بین ما إذا لم یکن لها زوج فادعت طلاقها أو موته، و بین ما لم یکن لها زوج؛ و الوجه فی قبولها مضافاً إلی النصوص الآتیة عدّة أمور حمل مفاد النصوص علیها:

الأوّل: أنه من باب قبول ما لا یعلم إلاّ من قبله، أی موارد تعذر إقامة البینة کما علل بذلک فی بعض النصوص الآتیة، لکن فی شمول هذا الوجه لکلّ الصور تأمل واضح، کما فی ادعاء المحلل و انقضاء العدّة و الموت و الطلاق.

الثانی: إنه من باب من ادعی أمراً ممکناً بلا معارض.

ص:462

و هذا الوجه و إن کان تامّاً فی الجملة، إلاّ أنه أیضاً لا یشمل جمیع الصور فی قبول قولها، کما فی صورة إنکار من ادعت الزواج و المحلل، و کما لو ادعت أنها خلیة و ادعی آخر أنها زوجته، مع کونه ثقة أو مطلقاً، مع أن مقدار ما یثبت بهذا الوجه هو ما یختص بها من أحکام لا مطلقاً.

الثالث: حمل فعل المسلم علی الصحة.

و فیه أن ذلک إنما یکون فی الفعل الذی قد وقع لا فی دعوی الموضوع المأخوذ فی صحة فعل لم یقع.

الرابع: أنها مصدقة علی نفسها.

و هذا الوجه مطابق لقالب لفظ النصوص، لکن سیأتی الکلام حول مقدار الإطلاق فیها.

الخامس: لزوم الإضرار بها و الحرج لو لم یقبل قولها فی ذلک، و هذا الوجه أیضاً من الاستدلال بالقاعدتین، قاعدة الضرر و الحرج بالمعنی الثانی، أی النوعی الذی هو من قبیل حکمة الحکم، و مقدار دلالة الاقتضاء فیه لبیّة لا إطلاق فیها لکلّ الصور.

السادس: هو النصوص الواردة فی جملة من الأبواب،حیث استظهر الإطلاق فی جملة منها، کصحیحة میسرة، قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): )ألقی المرأة بالفلاة التی لیس فیها أحد، فأقول لها لکِ زوج؟ فتقول لا، فأتزوّجها، قال: نعم هی المصدقة علی نفسها»(1) و ظاهر الروایة قاعدة عامة و هو حجیة قول المرأة فی شئون نفسها مما لا یعلم نوعاً، إلاّ من قبلها. لکن فی شمول إطلاقها لما إذا کان الفحص یسیراً تأمل، کما فی مورد المرأة التی یعرفها

ص:463


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب10 ح1.

و یعرف سابقة زواج لها و نحو ذلک مما لا یخفی حالها علیه بأدنی فحص؛ و ذلک لأن موردها فی المرأة غیر المعروفة، و إن کان المورد لا یخصص الوارد.

و کذلک الموثّق إلی إسحاق بن عمار عن فضل مولی محمد بن راشد عن أبی عبد الله(علیه السلام) قال: )قلت إنی تزوجت امرأة متعة فوقع فی نفسی أن لها زوجاً ففتشت عن ذلک فوجدت لها زوجاً، قال: و لِمَ فتشت؟(1)، و موردها کما تقدّم فی الروایة السابقة، و مثلها روایة مهران بن محمد عن بعض أصحابنا(2)، و روایة محمد بن عبد الأشعری قال: )قلت للرضا الرجل یتزوج بالمرأة فیقع فی قلبه أن لها زوجاً، فقال: و ما علیه أ رأیت لو سألها البینة کان یجد من یشهد أن لیس لها زوج؟(3)، و استظهر منها الشمول إلی المتهمة، لکنّه غیر ظاهر؛ لأن التعبیر ب- ) فیقع فی قلبه( یلائم مجرّد الاحتمال و الشک لا القرینة الحالیة المریبة، لا سیما و أن موردها أیضاً المرأة الغریبة لا المعروفة.

و صحیحة عمر بن حنظلة قال: )قلت لأبی عبد الله(علیه السلام): إنی تزوجت امرأة فسألت عنها فقیل فیها، فقال: و أنت لم سألت أیضاً؟ لیس علیکم التفتیش(4)، و موردها أیضاً غیر المعروفة و غیر المتهمة، و صحیحة زرارة عن أبی جعفر(علیه السلام): قال: )العدّة و الحیض للنساء إذا ادّعت صدقت(5)، و هذه و إن اختصت بالحیض و انقضاء مدة العدّة، إلاّ أنها داعمة للعموم المتقدّم فی صحیحة میسرة من أنها مصدقة علی نفسها.

ص:464


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب10 ح3.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب10 ح4.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب1، ح5.
4- (4) وسائل الشیعة، أبواب عقد النکاح: ب25 ح1.
5- (5) وسائل الشیعة، أبواب الحیض: ب47 ح1.

و جملة أخری من الروایات قد یستظهر منها التقیید، کصحیح حمّاد عن أبی عبد الله(علیه السلام) )فی رجل طلق امرأته ثلاثاً فبانت منه فأراد مراجعتها، فقال لها: إنی أرید مراجعتک فتزوجی زوجاً غیری، فقالت له: قد تزوجت زوجاً غیرک و حللت لک نفسی أ یصدق قولها و یراجعها؟ و کیف یصنع؟ قال: إذا کانت المرأة ثقة صدّقت فی قولها(1)، و حمل صاحب الجواهر التقیید بالثقة فیها علی الندبیة لعدم القائل بشرطیة الوثاقة فی تصدیق قولها فی تلک المسألة؛ إذ لا مدخلیة لوثاقة المدعی من حیث کونه ثقة فی تصدیقه و إلاّ لاحتاج الموضوع إلی بینة و لم یکتف بدون ذلک بل لأجل کونها امرأة مصدقة علی نفسها.

و موثّقة إسماعیل بن أبی زیاد -السکونی- عن جعفر عن أبیه': )أن أمیر المؤمنین(علیه السلام) قال: فی امرأة ادّعت أنها حاضت فی شهر واحد ثلاث حیض، فقال: کلّفوا نسوة من بطانتها أن حیضها کان فی ما مضی علی ما ادعت فإن شهدت صدّقت و إلاّ فهی کاذبة(2)، و من ثمّ قیّد صاحب الوسائل عنوان الباب بتصدیق المرأة فی العدّة و الحیض إلاّ أن تدعی خلاف عادات النساء، و مورد هذه الموثّقة و إن کان أمراً ممکناً إلاّ أنه حیث کان خلاف العادة فیکون محل تهمة.

و صحیحة أبی مریم عن أبی جعفر(علیه السلام): )أنه سُئل عن المتعة فقال: إن المتعة الیوم لیس کما کانت قبل الیوم إنهن کنّ یومئذ یؤمنّ و الیوم لا یؤمنّ فاسألوا عنهن(3)، و مضمون هذه الصحیحة أن اعتبار قولها فی غیر موارد

ص:465


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب أقسام الطلاق ب11 ح1.
2- (2) وسائل الشیعة، أبواب الحیض باب 47 ح3.
3- (3) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب6 ح1.

التهمة النوعیة، و لکنّها حملت علی الاستحباب بقرینة ما فی مصحح میسر عن الصادق(علیه السلام)، و نظیرها روایة أبی سارة عنه(علیه السلام) فی ذیل قوله تعالی (وَ الَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) : )فلا تضع فرجک حیث لا تأمن علی درهمک(1).

و المحصّل مما تقدّم:

أولاً: من الجمع بین الطائفتین و إن لم یکن تقیید قول المرأة بالوثاقة، إلاّ أنه یقید بعدم التهمة بحسب نوع القرائن و الشواهد الحالیة النوعیة عند العقلاء، مضافاً إلی أن مجمل الروایات المطلقة هی فی مورد المرأة غیر المعروفة و الغریبة، فلا یشمل ما إذا کانت معروفة و معروف زوجها و الفحص عنها لا یکلّف أدنی مئونة، الذی هو من قبیل الالتفات إلی الموضوع، و قد حرر فی بحث الفحص فی الشبهة الموضوعیة لزومه و عدم صحة التمسک بالأصول بدون الفحص.

ثانیاً: أن نفوذ قولها إنما یکون فی الأحکام التی تتعلق بها لا فیما کان علی غیرها مما یوجب سلب حق أو نحوه، کما لو ادعت أن المیت طلقها فی المرض و أنکر الوارث و زعم أن الطلاق فی الصحة و نحو ذلک، و من ثمّ عبّر جملة من الأصحاب عن حجیة قولها بالوجوه الخمسة المتقدّمة، و هی و إن لم تکن منطبقة علی الکلیة الواردة فی الروایات أنها مصدقة علی نفسها إلاّ أنها تبین أن حجیة قولها بلحاظ نفسها لا علی الغیر.

ثمّ إنه لو علم تفصیلاً بأن للمرأة زوج، و قد غاب غیبة منقطعة و ادعت علمها بموته بقرائن أو أمارات، فالمدار حینئذ لیس علی قولها، و إنما علی السبب الکاشف الذی تدعیه، لما هو مقرر من أن الإمارة هی ذات السبب الإثباتی أو الثبوتی؛ فیکون المدار علی ذلک السبب إن کان إثباتیاً فعلی توفره

ص:466


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب المتعة: ب6 ح1.

الثامنة: إذا ادعت امرأة أنها خلیة فتزوجها رجل، ثمّ ادعت بعد ذلک کونها ذات بعل

الثامنة: إذا ادعت امرأة أنها خلیة فتزوجها رجل، ثمّ ادعت بعد ذلک کونها ذات بعل لم تسمع دعواها، نعم لو أقامت البینة علی ذلک فرّق بینها و بینه، و إن لم یکن هناک زوج معین، بل شهدت بأنها ذات بعل علی وجه الإجمال.(1)

التاسعة: إذا وکّلا وکیلاً فی إجراء الصیغة

التاسعة: إذا وکّلا وکیلاً فی إجراء الصیغة فی زمان معین لا یجوز لهما المقاربة بعد مضی ذلک الزمان، إلا إذا حصل لهما العلم بإیقاعه، و لا یکفی الظن بذلک، و إن حصل من إخبار مخبر بذلک، و إن کان ثقة. نعم لو أخبر الوکیل بالإجراء، کفی إذا کان ثقة بل مطلقاً؛ لأن قول الوکیل حجة فیما وکل فیه.

لشرائط الحجیة و إن کان ثبوتیاً فعلی نفوذه وضعاً، و أما الوکیل عنها أو عن الزوج فجواز التوکیل تکلیفاً یدور مدار إحراز إباحة الفعل الذی هو مورد التوکیل، و یحصل بالاعتماد علی قولها کما فی الرجل الذی أراد تزویجها.

(1) أما عدم سماع دعواها لو ادعت بعد زواجها کونها ذات بعل، فلأمور:

منها: أنها لا خصومة لها مع الزوج مع عدم ادعائها علمه بدعواها.

و منها: أن دعواها إقرار علی نفسها غیر نافذ فی حق الزوج فی ظاهر الحال.

و منها: ما ورد فی قبول قول المرأة أنها خلیة أو ذات بعل؛ إنما هو فی غیر هذه الصورة أی قبل العقد علیها تحریاً لحالها بقبولها، فمن ثمّ لا تسمع دعواها، و لیس لها استحقاق الحلف من الزوج، بخلاف ما لو أقامت بینة و کانت تامة.

ص:467

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.