بحوث فی القواعد الفقهیه المجلد 4

اشارة

سرشناسه:سند، محمد، 1962- م.

عنوان و نام پدیدآور:بحوث فی القواعد الفقهیه [کتاب]: تقریرات محمدالسند/ بقلم مشتاق الساعدی.

مشخصات نشر:قم: موسسه محکمات الثقلین؛ تهران: نشر صادق، 13 -

مشخصات ظاهری:5ج.

شابک:978-600-5215-35-9

یادداشت:عربی.

یادداشت:فهرستنویسی بر اساس جلد چهارم، 1437ق.= 2016م.= 1395.

یادداشت:کتاب حاضر بر اساس تقریرات محمد السند نوشته شده است.

موضوع:فقه -- قواعد

موضوع:Islamic law -- *Formulae

موضوع:اصول فقه شیعه

شناسه افزوده:ساعدی، مشتاق

رده بندی کنگره:BP169/5/س9ب3 1300ی

رده بندی دیویی:297/324

شماره کتابشناسی ملی:4803290

ص :1

اشارة

ص :2

بحوث فی القواعد الفقهیه المجلد 4

تقریرات محمدالسند

بقلم مشتاق الساعدی

ص :3

هویة الکتاب

عنوان الکتاب: بحوث فِی القواعد الفقهیة ---- الجزء الرابع

المؤلف: تقریر لأبحاث المرجع الدینی المحقق الشَّیْخ مُحمَّد السَّنَد

بقلم: الشَّیْخ مشتاق الساعدی

سنة الطبع: 2015 میلادیة

عدد صفحات الکتاب:

الإخراج الفنی: السِّیّد عبدالله الهاشمی - النجف الأشرف

حقوق الطبع محفوظة

ص:4

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام علی محمد وعلی اله الطاهرین المعصومین واللعن الدائم علی أعداء الدین.

نظراً لأهمیة إثراء المکتبة الإسلامیة ب - (القواعد الفقهیة) تواصل الشیخ الأستاذ (دام ظله) بطرح تلک القواعد بمحاور ثلاثة, تارة بشکل بحث مستقل وتارة استطرادا فی بحث خارج الفقه وفی بحث خارج الأصول وقد نتج عن ذلک أربعة اجزاء.

فجاء هذا الجزء الرابع استکمالاً لما طرحه فی الأجزاء الثلاثة من کتاب (بحوث فی القواعد الفقهیة).

وهذه المجموعة من القواعد الفقهیة فی هذا الجزء من الکتاب بحثها الشیخ الأستاذ ایة الله المحقق محمد السند (دام ظله) استطرادا فی بحوث الخارج لعلم الفقه, وقد اتصفت هذه البحوث - کما عودنا سماحته - بالتجدید والابداع بل لم یطرح بعضها من قبل کقاعدة فقهیة وانما طرح کمسالة او کفائدة او لم یطرح من قبل تفصیلاً.

ص:5

واکثر ما تجد ذلک التجدید فی طرح قواعد عدیدة فی الفقه المرتبط بباب القصاص وما یرتبط بالفقه الجنائی والقضائی, فکان بذلک هذا الجزء.

وقواعد هذا الکتاب هی:

1 - قاعدة الاقتصاص من السب او الإهانة.

2 - قاعدة فی ثبوت القصاص بالتسبیب.

3 - قاعدة فی تداخل القصاص والدیات وعدمه.

4 - قاعدة فی القصاص بین الکفار بعضهم مع بعض.

5 - قاعدة فی القضاء بین الکفار وبین اهل الکتاب وبین اهل الخلاف.

6 - قاعدة فی اسلام او کفر ابن الزنا.

7 - قاعدة الجب.

8 - قاعدة فی ثبوت القصاص علی کل جنایة عدوانیة فی النفس أو الطرف.

9 - قاعدة لا تقیة فی الدماء.

10 - قاعدة فی حرمة دم المسلم وعِرضه وماله.

11 - قاعدة فی ضرورة التمییز بین السیرة فی صدر الإسلام.

ص:6

12 - قاعدة فی مودّة أهل البیت علیهم السلام.

13 - قاعدة شوری الأمّة فی نظام الحکم.

14 - قاعدة فی بناء نظام القدرة والقوّة فی الکیان والنظام الإسلامی.

15 - قاعدة فی العدالة.

16 - قاعدة اشتراک الحد والقصاص فی ماهیة جامعة واحدة.

17 - قاعدة القصاص یدرء بالشبهات.

18 - قاعدة فی صلاحیات المرأة.

19 - قاعدة فی صلاة المسافر تماما فی کل مراقد آل البیت لا خصوص الأماکن الأربعة.

20 - قاعدة: فی أن الأعواض المحرمة مُسقطة للضّمان.

مشتاق الساعدی

النجف الاشرف 1436 ه -

ص:7

ص:8

القاعدة الأولی: قاعدة الاقتصاص من السب أو الإهانة

ص:9

ص:10

القاعدة الأولی: قاعدة الاقتصاص من السب أو الإهانة

وهی قاعدة مرتبطة بالعدوان المأخوذ فی قصاص العمد.

او هی قاعدة فی الرد او الاقتصاص فی السب والشتم او الاهانة ولها عنوان اخر وهو ضبط النفس (الحلم) فی ادارة الدفع لئلّا ینقلب الدفع الی عدوان.

وهذا البحث علیه جدل کبیر لا علی مستوی الرد والقصاص الفردی بل حتی علی المستوی الدولی والجماعی.

وبالحقیقة یوجد عندنا عناوین ثلاثة فی القاعدة: (العدوان - الدفع - القصاص), والضابطة فی تمییزها فی النزاعات سواء کانت نزاعات دولیة او فردیة, ان الرد المحض لا یستلزم تسویغ العدوان, فمثلا السب واللعن للمومن محرم سواء کانت الحرمة لحرمة المومن بنفسه او لکونه من اولیاء الله, فلو لعن المعتدی ولکنه متصف بالایمان لا یجوز لعنه وسبه واهانته فضلاً عن اشعال الفتنة فی ذات البین سواء کان بین فردین او جماعتین او حزبین او دولتین او شعبین, فهناک

ص:11

فرق بین الرد وبین العناوین المحرمة الاخری, فرد الساب لا یکون بسبه وانما یکون بتکذیبه, وتسویغ الرد له لا یعنی ان نسوغ مطلق الرد ای حتی بالعناوین المحرمة, وبعبارة ان الرد المحض لا یستلزم تسویغ العدوان وارتکاب المحرمات بل لا بد ان نقتصر علی الرد المحض. وهذا الرد المحض هو غیر الدفع, فیکون لدینا اربعة عناوین.

وهذه القاعدة لها ارتباط بقصد العدوان, وان العدوان الشدید وان وظفه الضارب فی قطع العضو ثم سرت الی القتل فانه وان لم یقصد القتل تفصیلا الا انه قصده ارتکازا او اجمالا بتوسط قصد العدوان فینطوی بذلک علی قصد القتل لان الاندفاع بهذا القدر قصد اجمالی للقتل.

وهذا البحث فی القاعدة یعطینا ضابطة فی النزاعات, وهی ان المعتدی علیه قد ینقلب الی معتدی وجانی کما هو حال البادی بالعدوان.

ولذلک شواهد منها:

ما قرره الاعلام فی بحث حد القذف من ان التعزیر علی السب بالتساوی علی کلا الطرفین.

واستدل القائلین بجواز السب بالسب بایة الاعتداء: (فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ) (1).

ص:12


1- (1) سورة البقرة: الآیة 194.

ومقابل ذلک استدل المانعین بروایات منها:

أوَّلاً: ما فی ابواب حد القذف من الوسائل باب 18 و 19 والتی منها هذه الروایات:

1 - معتبرة ابی مخلد السراج عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام أَنَّهُ قَالَ: «قَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی رَجُلٍ دَعَا آخَرَ ابْنَ الْمَجْنُونِ فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ أَنْتَ ابْنُ الْمَجْنُونِ فَأَمَرَ الْأَوَّلَ أَنْ یَجْلِدَ صَاحِبَهُ عِشْرِینَ جَلْدَةً وَقَالَ لَهُ اعْلَمْ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ مِثْلَهَا عِشْرِینَ فَلَمَّا جَلَدَهُ أَعْطَی الْمَجْلُودَ السَّوْطَ فَجَلَدَهُ نَکَالًا یُنَکِّلُ بِهِمَا»(1).

2 - صحیحة عَبْدِالله بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام«عَنْ رَجُلَیْنِ - افْتَرَی کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَی صَاحِبِهِ - فَقَالَ یُدْرَأُ عَنْهُمَا الْحَدُّ ویُعَزَّرَانِ»(2). وغیرهما.

ثانیاً: ما فی روایات ابواب احکام العشرة باب 145 وباب 147 وباب 158.

منها: صحیحة ابن الحجاج الاتیة والتی قرر فیها ان الساب وراد السب ظالمان, الا ان البادی یحمل وزره ووزر صاحبه, الا ان ثبوت المثلیة للرد علی البادی لا ینفی الوزر عن الراد وهو ظاهر قول الامام علیه السلام

ص:13


1- (1) وسائل الشیعة، باب 19 من أبواب حدّ القذف: ح 3.
2- (2) المصدر، باب 18، ح 1.

ففی صحیحة عبد الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ مُوسَی علیه السلام فِی رَجُلَیْنِ یَتَسَابَّانِ فَقَالَ: «الْبَادِی مِنْهُمَا أَظْلَمُ ووِزْرُهُ ووِزْرُ صَاحِبِهِ عَلَیْهِ مَا لَمْ یَتَعَدَّ الْمَظْلُومُ»(1). ولیس معناه ان الوزر یمحی من الثانی وانما یکتب علی الاول زیادة علی وزره ووزر صاحبه لا ان یمحی الوزر عن الراد بل ان وزر الراد موجود غایة الامر ان مثل وزر الراد یضاف الی وزر البادی.

ویوید ذلک ما رواه فی عوالی اللئالی العزیزیة؛ ج 3، ص: 595 عن مُحَمَّدٌ الْحَلَبِیُّ عَنِ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رَأْسَ رَجُلٍ بِمِعْوَلٍ فَسَالَتْ عَیْنَاهُ عَلَی خَدَّیْهِ فَوَثَبَ الْمَضْرُوبُ عَلَی ضَارِبِهِ فَقَتَلَهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام«هَذَانِ مُتَعَدِّیَانِ جَمِیعاً...».

وکذلک یستدل علی المنع بحرمة التنابز بالألقاب: (وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) (2). والتنابز هو تبادل من الطرفین فالنهی موجه لکلیهما, فالتفاعل وان استعمل للفعل من طرف ولکنه شامل لکلا الطرفین.

فتبین مما مر القول بمنع ردّ السّب بالسّب او الإهانة بالاهانة.

ص:14


1- (1) وسائل الشیعة: ج 12 ص 297.
2- (2) سورة الحجرات: الآیة 11.

القاعدة الثانیة:

قاعدة فی ثبوت القصاص بالتسبیب

ص:15

ص:16

القاعدة الثانیة: قاعدة فی ثبوت القصاص بالتسبیب

اشارة

وتحریر القاعدة فی نقاط:

النقطة الأولی: نقل کلام الاعلام فی المقام:

وننقل ابتداء کلمات الاعلام فی جملة من حیثیات المسالة علی شکل مواطن:

الموطن الأول: إسقاط القصاص فی مورد الشرکة سواء أکانت طولیة أم عرضیة

حیث ان ظاهر کلمات جملة منهم ان اسقاط القصاص یفتح باب الفساد ویبطل حکمة تشریع القصاص, وقد ذکروا ذلک فی مسالة اشتراک جماعة فی قتل شخص, حیث ذهبوا لثبوت القصاص علی الجمیع خلافا لاکثر العامة الذین اسقطوا القصاص, والمسالة وان کانت غیر ما نحن فیه الا ان بینهما بعض الاشتراک وهو جامع الشرکة

ص:17

الاعم من الاشتراک العرضی او الطولی.

قال الشیخ فی الخلاف: «فلو کانت الشرکة تسقط القصاص لبطل حفظ الدم بالقصاص، لأن کل من أراد قتل غیره شارکه آخر فی قتله، فبطل القصاص. وقال الله تعالی(وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ) ومن قتله ألف أو واحد فقتل مظلوما، وجب أن یکون لولیه سلطان فی القود به»(1).

وقال السید فی الانتصار: «و الذی یدل علی الفصل الأول: زائدا علی إجماع الطائفة، قوله تعالی: (وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ) ، ومعنی هذا أن القاتل إذا علم أنه إن قتل قتل کف عن القتل، وکان ذلک أزجر له عنه، وکان داعیا إلی حیاته وحیاة من هم بقتله، فلو أسقطنا القود فی حال الاشتراک سقط هذا المعنی المقصود بالآیة، وکان من أراد قتل غیره من غیر أن یقتل به شارک غیره فی قتله فسقط القود عنهما»(2).

وقریب منهما ما ذکره ابن زهرة فی الغنیة وابن ادریس فی السرائر وجامع الخلاف والوفاق.

وذکر ابن حمزة فی الوسیلة فی مسالة اذا امر انسان احدا بقتل غیره ما نصه: «وإذا أمر إنسان أحدا بقتل غیره لم یخل إما أمر حرا أو عبدا فإن أمر حرا لم یخل إما کان عاقلا بالغا أو طفلا أو مجنونا فإن أمر عاقلا

ص:18


1- (1) الخلاف: ج 5، ص 157.
2- (2) الانتصار: ص 534.

وقتل لزم القود المباشر والمراهق فی حکم العاقل وإن أمر صبیا أو مجنونا ولم یکرهه لزم الدیة عاقلته وإن أکرهه کان نصف الدیة علی الآمر ونصفها علی عاقلة القاتل. وإن أمر عبدا صغیرا أو کبیرا غیر ممیز لزم الأمر القود وإن کان ممیزا کان القصاص علی المباشر وإذا لزم القود المباشر خلد الأمر فی الحبس وإن لزم الأمر خلد المباشر فی الحبس إلا أن یکون صبیا أو مجنوناً»(1).

فقرر التنصیف فی الدیة مع ان الاشتراک طولی, وهو یقرر ان الاسناد الطولی فی الضمان المالی یمکن فرضه کالعرضی.

وقد ذکرنا فی کتاب القصاص المسالة الحادیة عشرة امکان استناد القتل الی طرفین طولیین معا, کما ذهب الیه المشهور خلافا للعامة.

وقال المحقق الاردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان؛ ج 13، ص: 395«وإن کان ممیّزا فیحتمل کون القصاص علی الآمر أیضا لعدم التکلیف علی المکره وإسقاط الدّم غیر معقول، بل والدّیة أیضا لأنّه عمد. ویحتمل الدیة علی عاقلة المکره لأنّ عمده خطأ وخطائه علی عاقلته وحینئذ یحتمل حبس الآمر للخبر... و یحتمل الدیة علی الآمر»(2).

ص:19


1- (1) الوسیلة الی نیل الفضیلة: ص 437.
2- (2) مجمع الفائدة والبُرهان: ج 13، ص 395.

الموطن الثانی: کلمات الأعلام فی الصبی المأمور:

وقال الشیخ فی المبسوط فی فقه الإمامیة؛ ج 7، ص: 43: «فأما إن کان المأمور حرا صغیرا لا یعقل أو کبیرا جاهلا، فأمره بقتل رجل فالقود علی الآمر، لأنه کالآلة له، وإن قال له اقتل نفسک فان کان کبیرا فلا شیء علی الآمر لما مضی وإن کان صغیرا لا تمییز له فعلی الآمر القود، لأنه کالآلة فی قتل نفسه. هذا إذا کان المأمور لا یعقل لصغر أو جهالة مع الکبر فأما إن کان المأمور عاقلا ممیزا إما بالغا أو صبیا مراهقا فأمره بقتل رجل فقتله فالحکم یتعلق بالمأمور، ویسقط الأمر وحکمه، لأنه إذا کان عاقلا ممیزا فقد أقدم علی ما یعلم أنه لا یجوز باختیاره فان کان عبدا کبیرا فعلیه القود، وإن کان صغیرا فلا قود، ولکن یجب الدیة متعلقة برقبته»(1).

ونقل ذلک فی الخلاف ایضا ج 5 ص 170(2).

وکلامه رحمه الله وان کان مورده امر شخص بقتل نفسه - وهی مسالة اتیه - الا انها تشترک مع البقاء فی التسبیب.

وقال ابن حمزة فی الوسیلة إلی نیل الفضیلة؛ ص: 437: «وإذا أمر إنسان أحداً بقتل غیره لم یخل إما أمر حراً أو عبداً فإن أمر حراً لم یخل

ص:20


1- (1) المبسوط: ج 7، ص 43.
2- (2) الخلاف: ج 5، ص 170.

إما کان عاقلاً بالغاً أو طفلاً أو مجنوناً فإن أمر عاقلاً وقتل لزم القود المباشر والمراهق فی حکم العاقل وإن أمر صبیا أو مجنونا ولم یکرهه لزم الدیة عاقلته وإن أکرهه کان نصف الدیة علی الآمر ونصفها علی عاقلة القاتل. وإن أمر عبدا صغیرا أو کبیرا غیر ممیز لزم الأمر القود وإن کان ممیزا کان القصاص علی المباشر وإذا لزم القود المباشر خلد الأمر فی الحبس وإن لزم الأمر خلد المباشر فی الحبس إلا أن یکون صبیا أو مجنونا ً»(1).

وکلامه رحمه الله قریب من کلام الشیخ فی المبسوط.

واحتمل المجلسی فی کتابه الحدود والقصاص ان مبنی المشهور حبس الامر مؤبدا وتعزیر الصبی الممیز.

واشکل کاشف اللثام علی عدم تحقق الاکراه فی الصبی الممیز بقوله: أنّ الظاهر تحقّق الإکراه بالنسبة إلیه فإنّه لا یقاد منه إذا قتل، وإذا تحقّق فالسبب أقوی فینتفی القود. نعم إذا لم یتحقّق إلّا الأمر اتّجه ما ذکر) ای عدم التسبیب.

وتبنی ذلک فی الجواهر صریحا ج 42 ص 50.

واحتمله السید الخمینی فی تحریر الوسیلة ج 2، ص: 514 مسالة 34: «... و لو أمر شخص طفلاً ممیزاً بالقتل فقتله لیس علی واحد

ص:21


1- (1) الوسیلة: ص 437.

منهما القود، والدیة علی عاقلة الطفل، ولو أکرهه علی ذلک فهل علی الرجل المکره القود أو الحبس أبدا؟ الأحوط الثانی».

وقال السید السبزواری فی مهذب الأحکام؛ ج 28، ص: 198 مسالة 31: «... و لو کان المباشر مجنونا أو طفلا غیر ممیز فالقود علی الآمر، ولو کان الآمر ممیزا فلا قود علی أحدهما، والدیة علی عاقلة الطفل، ویحبس الآمر أبدا ً».

وقال الشیخ التبریزی فی تنقیح مبانی الأحکام - کتاب القصاص؛ ص: 49: «لو قال اقتل نفسک فإن کان المأمور ممیّزا أو بالغا عاقلا فقتل نفسه لم یتعلّق بالمکره قود ولا دیة بل یحبس إلی أن یموت لما تقدّم. وإن کان غیر ممیّز یتعلّق بالمکره القود. وقد یقال بتحقّق الإکراه المجوّز لقتل النفس فیما إذا کان ما توعّد به من القتل من نوع أصعب. و لکن هذا غیر صحیح لعدم جواز قتل النفس بوجه وإلّا جاز قتل النفس اضطرارا فیما إذا کان مرضه المهلک موجبا لتحمّل الزجر مدّة طویلة، وأمّا إذا لم یکن فی البین إلّا مجرّد الأمر من دون توعّد فقد ذکر الماتن قدس سره عدم شیء علی الملزم فیما إذا کان المأمور ممیزا. ولکن لا یبعد جریان الحبس علیه لعدم احتمال الفرق بین الأمر بقتل الغیر أو بقتل نفسه کما لا یخفی».

ص:22

الموطن الثالث:

کلمات الأعلام فی التسبیب فیما لو امر شخص غیره ان یقتل نفسه, وکان الغیر بالغا کاملا مع الاکره والتهدید بالقتل او ما یزید علیه کالتعذیب حتی القتل صبرا, فللاصحاب اقوال: قول بقتل الامر مطلقا وقول بعدم القتل وقول بالتفصیل بین ما لو کان التهدید بما یزید علی القتل فیقتل الامر ویتحقق الاکراه.

واختلافهم فی هذا الفرع لا ینسجم مع ذهاب اکثرهم الی عدم تحقق الاکراه فی مسالة ما اذا امر شخصا غیره بان یقتل ثالثا واکرهه وتوعده بالقتل او بما یزید وذلک لان الاکراه فی المکره بالفتح علی قتل النفس اصعب تحققه من الاکراه علی قتل ثالث لان حب النفس ممانع قوی, والاغرب انهم فی هذا الفرع فیما لو کان المأمور المکره ممیزا غیر بالغ لم یترددوا فی نفی القود عن الامر والحال انهم ترددوا فی القود فی الامر للمأمور البالغ المکره بالقتل او ما یزید.

ففی شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام؛ ج 4، ص: 185«الثانی لو قال اقتل نفسک فإن کان ممیزا فلا شیء علی الملزم وإلا فعلی الملزم القود وفی تحقق إکراه العاقل هنا إشکال».

ومثله فی القواعد والتحریر, مع ان العلامة جزم بالنفی فی الارشاد, وفی الایضاح ذکر وجه الاشکال والتردد, ومثله الصیمری

ص:23

فی غایة المراد.

قال فی إیضاح الفوائد فی شرح مشکلات القواعد؛ ج 4، ص: 566 فی قصاص الاطراف: «والأقوی عندی أن الإکراه إذا بلغ حدّ الإلجاء کان القصاص علی المکره لان المکره یصیر کالآلة وفعل المکره فی الحقیقة مستند الی المکره».

وفی کشف اللثام: «وهل یتحقّق إکراه العاقل هنا؟ إشکال: من أنّه لا معنی للاضطرار إلی قتل نفسه خوفاً من قتله فلا قود، ومن أنّه ربما خوف بنوع من القتل أصعب من قتل نفسه فیدفعه به فیقاد من الآمر وإن کان المخاطب غیر ممیّز فعلی الملزم القود ألجأه إلیه أم لا»(1).

وحکی فی الجواهر عن المسالک وکشف اللثام فی مسالة«ما لو امره بقتل نفسه انه ان کان المتوعد به اشد من القتل اتجه الاکراه والقود من الامر».

وفی مسالک الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام؛ ج 15، ص: 90: «ولو أکرهه علی قتل نفسه، بأن قال: اقتل نفسک وإلا قتلتک، فقتل نفسه، ففی وجوب القصاص علی المکره وجهان، منشؤهما أن الإکراه هل یتحقّق للعاقل علی هذا الوجه أم لا؟ أحدهما: نعم، فیجب القصاص علی المکره، لأنه بالإکراه علی القتل والإلجاء إلیه قاتل له.

ص:24


1- (1) کشف اللّثام: ج 11، ص 35.

وأظهرهما: المنع، وأن ذلک لیس بإکراه حقیقة، لأن المکره من یتخلّص بما أمر به عمّا هو أشدّ علیه، وهو الذی خوّفه المکره به، وهنا المأمور به القتل المخوّف به القتل، ولا یتخلّص بقتل نفسه عن القتل، فلا معنی لإقدامه علیه. فظهر بذلک رجحان عدم تحقّق إکراه العاقل علیه. نعم، لو کان التعدّد بقتل أشدّ ممّا یقتل به المکره نفسه، کقتل فیه تعذیب، اتّجه تحقّق الإکراه حینئذ، لأن المکره یتخلّص بما أمر به عمّا هو أشدّ علیه، وهو نوع القتل الأسهل من النوع الأشقّ، فیجب القصاص فیه کغیره».

ولا یخفی التقابل بین الاکراه بالمعنی الاخص والالجاء وان کان کل منهما اکراه بالمعنی الاعم.

الموطن الرابع:

اشارة

کلمات الاعلام فیما لو اکرهه علی جرح او قطع ید وهدده بالقتل فالمشهور ان القصاص علی الامر لا المباشر.

ففی قواعد الأحکام فی معرفة الحلال والحرام؛ ج 3، ص: 590 فی بحث التسبیب: «ویتحقّق فیما عداه - کقطع الید والجرح - فیسقط القصاص عن المباشر. وفی وجوبه علی الآمر إشکال ینشأ: من أنّ السبب هنا أقوی، لضعف المباشرة بالإکراه، ومن عدم المباشرة. و علی کلّ تقدیر یضمن الآمر فیما یتحقّق فیه الإکراه».

وعلق علیه فی إیضاح الفوائد فی شرح مشکلات القواعد؛ ج 4،

ص:25

ص: 566: «ذکر المصنف طرفی الاشکال، والأقوی عندی أن الإکراه إذا بلغ حدّ الإلجاء کان القصاص علی المکره لان المکره یصیر کالآلة وفعل المکره فی الحقیقة مستند الی المکره».

تنقیح الحال فی التسبیب بالإکراه علی القتل:

ان الامر والمامور علی درجات فان المامور تارة صبی غیر ممیز او مجنون مع الاکراه او بدونه والصبی الممیز کذلک مع الاکراه او بدونه, کما ان الصبی تارة ابن الامر او من ذویه وتارة اجنبی, وتارة المامور عبد والعبد تارة مغرور واخری مکره, وغیر ذلک, فضلا عن کون العبد صبیا. وتارة العبد عبده واخری عبد غیره, وتارة للعبد شخصیة واخری بلا شخصیة.

فدرجات قوة امریة الامر من جهات وکذا ضعف المامور والعکس کذلک, وکلها لابد ان توخذ فی الحسبان, وبالتالی التفصیل بین هذه الدرجات.

کما ان التسبیب درجات فی ما دون القتل من الجنایات وتختلف قوة وضعفا بین الاکراه والالجاء الذی ذهب الیه فخر المحققین فی الایضاح فی کل من القتل وما دونه.

نعم لا تردد فی ثبوت الضمان المالی وکون قرار الضمان علی الامر, کما ان دفع القصاص عن الامر فیما لو کان المباشر - فی جنایة ما دون القتل - غیر ملجا لانه لیس کالالة فلا یتعلق القصاص بالامر.

ص:26

الموطن الخامس:

ما ذهب الیه المشهور فی شهادة الزور عمدا, من انهم یقتلون مع ان الفعل قد صدر بتوسط ارادة اختیاریة من الحاکم او المباشر للحد, ومع ذلک فان الفعل ها هنا اسند الی السبب, فکذا الحال فی الامر المکره للصبی الممیز, وان لم یکن الاکراه قاهرا له فان فعل الصبی الممیز غیر العارف خطا کخطا الحاکم, وکذا الحال فی المامور البالغ العاقل المکره فی جنایة الاطراف, نعم قد یقال بالفرق بان فی فرض شهادة الزور یکون الحاکم مجبورا شرعا کالمجبور عقلا مسلوب الارادة بخلاف فرض الامر, نعم لو فرضت شهادة الزور فی القصاص وباشر ولی الدم القصاص فولی الدم لیس مجبورا علی القتل, غایة الامر ان علیه دیة الخطا.

الموطن السادس:

ما ذکروه فی مسالة اذا رکبت جاریة جاریة اخری فنخست ثالثة المرکوبة فقمصت فوقعت الراکبة فماتت فالضمان علی الناخسة اذا کانت ملجأ للقموص کما ذهب الیه السرائر والارشاد والایضاح واشکله الشهید ودفعه المهذب البارع بان قمص المرکوبة کفعل النائم.

الموطن السابع: الإکراه فی الجنایة علی الأطراف:

اشارة

قال فی الروضة: «ویکون القصاص علی المکره بالکسر علی

ص:27

الأقوی، لقوة السبب بضعف المباشر بالإکراه خصوصا لو بلغ الإکراه حد الإلجاء» (1)وقریب من التفصیل بین الالجاء وعدمه ما ذکره الشهید فی تمهید القواعد«إذا أکره علی القتل، فإنه لا یباح إجماعا، ویجب به القصاص إن لم یبلغ حد الإلجاء، وإلا فالدّیة»(2). وفی النهایة: «ولا حدّ أیضا مع الإلجاء والإکراه. وإنّما یجب الحدّ بما یفعله الإنسان مختاراً»(3).

ضابطتان فی الحکم بالقصاص فی موارد التسبیب:

الأولی: ان درجة الاسناد فی الضمان المالی یکفی فیها مجرد اقوائیة التسبیب من المباشر, بخلاف القصاص فانه لابد فیه من توفر اقوائیة فی التسبیب والاسناد بدرجة عالیة, والکلام یقع فی تحدیدها.

الثانیة: لا یفرق فی الاشتراک باسناد القتل او الجنایة الموجبة للقصاص بین الاسناد الطولی والعرضی, والاشتراک وجه اخر فی تقریر القصاص علی الامر بانه مشترک مع المباشر وانه من قبیل الاشتراک العرضی, وقد مر ذهاب ابن حمزة فی الوسیلة فی تنصیف الدیة علی الامر والمامور فیما لو کان المامور صبیا, وهذا دال علی ان

ص:28


1- (1) الروضة البهیّة: ج 10، ص 28 حاشیة کلانتر.
2- (2) تمهید القواعد: ص 76.
3- (3) النّهایة فی مجرّد الفقه والفتاوی: ص 699.

الاسناد الطولی فی الضمان المالی یمکن بعینه فرضه فی القصاص کالاسناد العرضی کما مر فی مسالة 11 من بحث القصاص, من ان الاسناد الطولی فی بعض درجاته قد یعد بمنزلة الاشتراک العرضی فیسند القتل لکلا الطرفین. فالاشتراک بالقتل سواء العمدی او غیره ینصف او یوزع وان کان الاشتراک مختلف بالنسبة وفی درجة قوة التسبیب.

النقطة الثانیة: الأدلة فی المقام:

وفیما یلی نستعرض جملة من روایات التسبیب:

الطائفة الاولی: الروایات الواردة فی العبد:

الأولی: ما فی وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 45 صحیحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام«فِی رَجُلٍ أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ - فَقَالَ یُقْتَلُ بِهِ الَّذِی قَتَلَهُ - ویُحْبَسُ الْآمِرُ بِقَتْلِهِ فِی الْحَبْسِ حَتَّی یَمُوتَ».

الثانیة: وفی وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 46 موثقة الْوَلِیدِ بْنِ صَبِیحٍ قَالَ: قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِیٍّ لِأَبِی عَبْدِ الله علیه السلام - مَا أَنَا قَتَلْتُهُ یَعْنِی مُعَلّی قَالَ فَمَنْ قَتَلَهُ - قَالَ السِّیرَافِیُّ وکَانَ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ - قَالَ أَقِدْنَا مِنْهُ قَالَ قَدْ أَقَدْتُکَ - قَالَ فَلَمَّا أُخِذَ السِّیرَافِیُّ وقُدِّمَ لِیُقْتَلَ - جَعَلَ یَقُولُ یَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِینَ - یَأْمُرُونِّی بِقَتْلِ النَّاسِ فَأَقْتُلُهُمْ لَهُمْ ثُمَّ یَقْتُلُونِّی فَقُتِلَ السِّیرَافِیُّ.

الثالثة: وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 47 موثقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ

ص:29

عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام فِی رَجُلٍ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ یَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ قَالَ فَقَالَ: «یُقْتَلُ السَّیِّدُ بِهِ».

الرابعة: وفی الوسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 47 موثقة السَّکُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی رَجُلٍ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ یَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ - فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام وهَلْ عَبْدُ الرَّجُلِ إِلَّا کَسَوْطِهِ أَوْ کَسَیْفِهِ - یُقْتَلُ السَّیِّدُ ویُسْتَوْدَعُ الْعَبْدُ السِّجْنَ.

وقد قال الشیخ فی الخلاف؛ ج 5، ص: 169«فرووا فی بعضها: أن علی السید القود. و فی بعضها: أن علی العبد القود، ولم یفصلوا. والوجه فی ذلک انه ان کان العبد ممیزا عاقلا یعلم ان ما أمره به معصیة، فإن القود علی العبد، وان کان صغیرا أو کبیرا لا یمیز، ویعتقد أن جمیع ما یأمره سیده به واجب علیه فعله، کان القود علی السید. والأقوی فی نفسی أن نقول: ان کان العبد عالما بأنه لا یستحق القتل، أو متمکنا من العلم به، فعلیه القود. وان کان صغیرا أو مجنونا فإنه یسقط القود ویجب الدیة»(1).

وهذا التزام من الشیخ فی التفصیل بدرجات التسبیب وحکم القصاص فی ذلک, ولعله یشیر الی الروایات المطلقة فی القصاص من العبد القاتل للحر.

ص:30


1- (1) الخلاف: ج 5، ص 169.

ویستفاد من الروایات الواردة فی العبد الکلیة التی بنی علیها ابن حمزة فی الوسیلة من انه اذا لزم القود المباشر خلد الامر بالحبس وهذا یستفاد مما تقدم فی الحر وان لزم القود الامر خلد المباشر فی السجن مع تقصیره واستجابته للامر المکره وان کانت ارادته مقهورة له, وهذا مستفاد من الروایات الواردة بالعبد, نعم یستثنی من ذلک الصبی والمجنون لکون ارادتهما غیر تامة.

وقد ذکر فی الریاض قرینة علی ارادة غیر الصغیر من العبد لان الصغیر لا یحبس ابدا حیث ان فی نسخة الفقیه«رجل أمرَ رجلاً حراً».

الطائفة الثانیة: ما ورد فی شهود الزور علی ما یوجب القتل:

الروایة الأولی: ما فی وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 128 وهی الروایة المعتبرة عن أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام«فِی أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَی رَجُلٍ مُحْصَنٍ بِالزِّنَا - ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ مَا قُتِلَ الرَّجُلُ فَقَالَ - إِنْ قَالَ الرَّابِعُ وَهَمْتُ ضُرِبَ الْحَدَّ وغُرِّمَ الدِّیَةَ - وإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ قُتِلَ».

الروایة الثانیة: ما فی وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 129 المصححة عَنْ مِسْمَعٍ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام«أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام قَضَی فِی أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا عَلَی رَجُلٍ - أَنَّهُمْ رَأَوْهُ مَعَ امْرَأَةٍ یُجَامِعُهَا - فَیُرْجَمُ ثُمَّ یَرْجِعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ - قَالَ یُغَرَّمُ رُبُعَ الدِّیَةِ إِذَا قَالَ شُبِّهَ عَلَیَّ - فَإِنْ رَجَعَ اثْنَانِ وقَالا شُبِّهَ عَلَیْنَا - غُرِّمَا نِصْفَ الدِّیَةِ وإِنْ رَجَعُوا وقَالُوا شُبِّهَ عَلَیْنَا غُرِّمُوا الدِّیَةَ -

ص:31

وإِنْ قَالُوا شَهِدْنَا بِالزُّورِ قُتِلُوا جَمِیعاً».

وقریب من مضمونها روایة الفتح بن یزید ومحسنة مسمع وصحیحة حریز.

الحمد لله رب العالمین

ص:32

القاعدة الثالثة

فی تداخل القصاص والدیات وعدمه

ص:33

ص:34

القاعدة الثالثة: فی تداخل القصاص والدیات وعدمه

اشارة

و یستدل لهذه القاعدة بعدة ادلة, منها:

الدلیل الأول:

حسنة سَوْرَةَ بْنِ کُلَیْبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْداً - وکَانَ الْمَقْتُولُ أَقْطَعَ الْیَدِ الْیُمْنَی - فَقَالَ إِنْ کَانَتْ قُطِعَتْ یَدُهُ فِی جِنَایَةٍ جَنَاهَا عَلَی نَفْسِهِ - أَوْ کَانَ قُطِعَ فَأَخَذَ دِیَةَ یَدِهِ مِنَ الَّذِی قَطَعَهَا - فَإِنْ أَرَادَ أَوْلِیَاؤُهُ أَنْ یَقْتُلُوا قَاتِلَهُ - أَدَّوْا إِلَی أَوْلِیَاءِ قَاتِلِهِ دِیَةَ یَدِهِ الَّذِی قِیدَ مِنْهَا - إِنْ کَانَ أَخَذَ دِیَةَ یَدِهِ ویَقْتُلُوهُ - وإِنْ شَاءُوا طَرَحُوا عَنْهُ دِیَةَ یَدٍ وأَخَذُوا الْبَاقِیَ - قَالَ وإِنْ کَانَتْ یَدُهُ قُطِعَتْ - فِی غَیْرِ جِنَایَةٍ جَنَاهَا عَلَی نَفْسِهِ - ولَا أَخَذَ لَهَا دِیَةً قَتَلُوا قَاتِلَهُ ولَا یُغَرَّمُ شَیْئاً - وإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا دِیَةً کَامِلَةً - قَالَ وهَکَذَا وَجَدْنَاهُ فِی کِتَابِ عَلِیٍّ علیه السلام»(1).

ومفادها ان تلف العضو من المجنی علیه فی جنایة سابقة وان لم

ص:35


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29 ص 191.

تمانع القصاص الا انه تقتطع قیمتها من الضمان المجموعی للشخص.

الدلیل الثانی:

معتبرة أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام «فِی رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً ثُمَّ یَطْلُبُ فِیهَا - فَوَهَبَهَا لَهُ ثُمَّ انْتَفَضَتْ بِهِ فَقَتَلَتْهُ - فَقَالَ هُوَ ضَامِنٌ لِلدِّیَةِ إِلَّا قِیمَةَ الْمُوضِحَةِ - لِأَنَّهُ وَهَبَهَا ولَمْ یَهَبِ النَّفْسَ...» (1).

فاستثنی علیه السلام قیمة الموضحة من مجموع ضمانه وهو مما یدل علی حسبان واستثناء قیمة الجنایات السابقة فی ضمان الاشخاص.

الدلیل الثالث:

محسنة الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِیشِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی علیه السلام قَالَ: «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَوَّلُ علیه السلام«لِعَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ یَا أَبَا عَبَّاسٍ أَنْشُدُکَ الله هَلْ فِی حُکْمِ الله تَعَالَی اخْتِلَافٌ قَالَ فَقَالَ لَا قَالَ فَمَا تَرَی فِی رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا أَصَابِعَهُ بِالسَّیْفِ حَتَّی سَقَطَتْ فَذَهَبَتْ وأَتَی رَجُلٌ آخَرُ فَأَطَارَ کَفَّ یَدِهِ فَأُتِیَ بِهِ إِلَیْکَ وأَنْتَ قَاضٍ کَیْفَ أَنْتَ صَانِعٌ قَالَ أَقُولُ لِهَذَا الْقَاطِعِ أَعْطِهِ دِیَةَ کَفٍّ وأَقُولُ لِهَذَا الْمَقْطُوعِ صَالِحْهُ عَلَی مَا شِئْتَ أَوْ أَبْعَثُ إِلَیْهِمَا ذَوَیْ عَدْلٍ فَقَالَ لَهُ جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِی حُکْمِ الله ونَقَضْتَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَبَی الله أَنْ یُحْدَثَ فِی خَلْقِهِ شَیْ ءٌ مِنَ الْحُدُودِ ولَیْسَ تَفْسِیرُهُ فِی الْأَرْضِ اقْطَعْ یَدَ قَاطِعِ الْکَفِّ أَصْلًا ثُمَّ أَعْطِهِ دِیَةَ الْأَصَابِعِ هَذَا حُکْمُ

ص:36


1- (1) المصدر: ص 387.

الله تَعَالَی» (1).

ومفادها مطابق للروایة السابقة فی استثناء قیمة الاصابع المقطوعة التی ضمنت له من الکف.

الدلیل الرابع:

صحیحة أَبِی عُبَیْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ - عَلَی رَأْسِهِ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَأَجَافَهُ - حَتَّی وَصَلَتِ الضَّرْبَةُ إِلَی الدِّمَاغِ فَذَهَبَ عَقْلُهُ - قَالَ: «إِنْ کَانَ الْمَضْرُوبُ لَا یَعْقِلُ مِنْهَا الصَّلَاةَ - ولَا یَعْقِلُ مَا قَالَ ولَا مَا قِیلَ لَهُ - فَإِنَّهُ یُنْتَظَرُ بِهِ سَنَةً - فَإِنْ مَاتَ فِیمَا بَیْنَهُ وبَیْنَ السَّنَةِ أُقِیدَ بِهِ ضَارِبُهُ - وإِنْ لَمْ یَمُتْ فِیمَا بَیْنَهُ وبَیْنَ السَّنَةِ - ولَمْ یَرْجِعْ إِلَیْهِ عَقْلُهُ أُغْرِمَ ضَارِبُهُ الدِّیَةَ فِی مَالِهِ - لِذَهَابِ عَقْلِهِ قُلْتُ - فَمَا تَرَی عَلَیْهِ فِی الشَّجَّةِ شَیْئاً قَالَ لَا - لِأَنَّهُ إِنَّمَا ضَرَبَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً - فَجَنَتِ الضَّرْبَةُ جِنَایَتَیْنِ - فَأَلْزَمْتُهُ أَغْلَظَ الْجِنَایَتَیْنِ وهِیَ الدِّیَةُ - ولَوْ کَانَ ضَرَبَهُ ضَرْبَتَیْنِ فَجَنَتِ الضَّرْبَتَانِ جِنَایَتَیْنِ - لَأَلْزَمْتُهُ جِنَایَةَ مَا جَنَتَا کَائِناً مَا کَانَ - إِلَّا أَنْ یَکُونَ فِیهِمَا الْمَوْتُ - فَیُقَادَ بِهِ ضَارِبُهُ - فَإِنْ ضَرَبَهُ ثَلَاثَ ضَرَبَاتٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ - فَجَنَیْنَ ثَلَاثَ جِنَایَاتٍ - أَلْزَمْتُهُ جِنَایَةَ مَا جَنَتِ الثَّلَاثُ الضَّرَبَاتِ - کَائِنَاتٍ مَا کَانَتْ مَا لَمْ یَکُنْ فِیهَا الْمَوْتُ - فَیُقَادَ بِهِ ضَارِبُهُ - قَالَ فَإِنْ ضَرَبَهُ عَشْرَ ضَرَبَاتٍ - فَجَنَیْنَ

ص:37


1- (1) الکافی: ج 7، ص 317.

جِنَایَةً وَاحِدَةً أَلْزَمْتُهُ تِلْکَ الْجِنَایَةَ - الَّتِی جَنَتْهَا الْعَشْرُ ضَرَبَاتٍ»(1).

وحسنة أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاکَ - مَا تَقُولُ فِی رَجُلٍ ضَرَبَ رَأْسَ رَجُلٍ بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ - فَأَمَّهُ حَتَّی ذَهَبَ عَقْلُهُ - قَالَ عَلَیْهِ الدِّیَةُ - قُلْتُ فَإِنَّهُ عَاشَ عَشَرَةَ أَیَّامٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَکْثَرَ - فَرَجَعَ إِلَیْهِ عَقْلُهُ أَ لَهُ أَنْ یَأْخُذَ الدِّیَةَ - قَالَ لَا قَدْ مَضَتِ الدِّیَةُ بِمَا فِیهَا - قُلْتُ فَإِنَّهُ مَاتَ بَعْدَ شَهْرَیْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ - قَالَ أَصْحَابُهُ نُرِیدُ أَنْ نَقْتُلَ الرَّجُلَ الضَّارِبَ - قَالَ إِنْ أَرَادُوا أَنْ یَقْتُلُوهُ - ویَرُدُّوا الدِّیَةَ مَا بَیْنَهُمْ وبَیْنَ سَنَةٍ - فَإِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَلَیْسَ لَهُمْ أَنْ یَقْتُلُوهُ - ومَضَتِ الدِّیَةُ بِمَا فِیهَا(2).

ومفادهما تداخل الجنایتین فی ضربة واحدة الی دیة اغلظ الجنایتین بخلاف الضربتین او الاکثر فیلزم بها کلها ما لم تودی الی الموت, فاذا مات تداخلت الدیات فی دیة القتل او القصاص.

وکذلک روایة ابی بصیر عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام فِی رَجُلٍ شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً ثُمَّ یَطْلُبُ فِیهَا - فَوَهَبَهَا لَهُ ثُمَّ انْتَفَضَتْ بِهِ فَقَتَلَتْهُ - فَقَالَ: هُوَ ضَامِنٌ لِلدِّیَةِ إِلَّا قِیمَةَ الْمُوضِحَةِ - لِأَنَّهُ وَهَبَهَا ولَمْ یَهَبِ النَّفْسَ الْحَدِیثَ (3).

الدلیل الخامس:

صحیح محمد بن قیس عن احدهما: «فِی رَجُلٍ فَقَأَ عَیْنَیْ رَجُلٍ

ص:38


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29 ص 366.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 29، ص 376.
3- (3) المصدر: ص 387.

وقَطَعَ أُذُنَیْهِ ثُمَّ قَتَلَهُ - فَقَالَ إِنْ کَانَ فَرَّقَ ذَلِکَ اقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ یُقْتَلُ - وإِنْ کَانَ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً - ضُرِبَتْ عُنُقُهُ ولَمْ یُقْتَصَّ مِنْهُ» (1).

و معتبرة حفص بن البختری قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام عَنْ رَجُلٍ ضُرِبَ عَلَی رَأْسِهِ فَذَهَبَ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ - واعْتُقِلَ لِسَانُهُ ثُمَّ مَاتَ فَقَالَ - إِنْ کَانَ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً بَعْدَ ضَرْبَةٍ اقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ قُتِلَ - وإِنْ کَانَ أَصَابَهُ هَذَا مِنْ ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ قُتِلَ ولَمْ یُقْتَصَّ مِنْهُ»(2).

ومفادهما التفصیل بین الضربة والضربات فی القصاص فان کانت ضربة فیدخل الاقل فی الاکثر, اما اذا کانت ضربات فیقتص منه بعددها وان اقتص منه بالقتل فی النهایة بخلاف باب الدیات فان الضربة الواحدة موجبة لتداخل الدیات, ومع التعدد لا تداخل ایضا الا ان یموت فتتداخل, وهذا فارق بین باب الدیات والقصاص بالتداخل وعدمه. ومن الروایات الدالة علی عدم التداخل فی الدیات مع عدم الموت کصحیحة ابْرَاهِیمَ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «قَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فِی رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا - فَذَهَبَ سَمْعُهُ وبَصَرُهُ ولِسَانُهُ - وعَقْلُهُ وفَرْجُهُ وانْقَطَعَ جِمَاعُهُ وهُوَ حَیٌّ بِسِتِّ دِیَاتٍ»(3).

وقد افتی بذلک العلامة فی التحریر: ج 5، ص 608: «و لو جنی

ص:39


1- (1) المصدر: ص 112.
2- (2) المصدر السابق والصفحة.
3- (3) المصدر: ص 365.

علیه فأذهب عقله وسمعه وبصره وکلامه، فأربع دیات مع أرش الجراح إن حصل جراح أو قطع عضو. ولو مات بالجنایة لم یجب سوی دیة واحدة».

وخالف الشیخ فی المبسوط فی فقه الإمامیة؛ ج 7، ص: 81 فقال: «إذا قطع أطراف غیره یدیه ورجلیه وأراد أن یأخذ الدیة: قال قوم له أن یأخذ دیة الأطراف ولو بلغت دیات، مثل أن قطع یدیه ورجلیه وأذنیه، فله أن یستوفی ثلاث دیات قبل الاندمال، کما له أن یستوفی القصاص قبل الاندمال. و قال بعضهم له أن یستوفی دیة النفس ولا یزید علیها، وإن کانت الجنایات أوجبت دیات کثیرة وهو الذی یقتضیه مذهبنا وقال قوم لیس له أخذ دیة الطرف قبل الاستقرار، وله أخذ القود فی الطرف فی الحال».

وظاهر کلام الشیخ عدم الحکم بالتعدد قبل الاندمال.

وذهب الی ذلک ابن البراج فی المهذب: «وإذا قطع أطراف غیره، مثل ان یکون قطع یدیه، ورجلیه، وأذنیه، فله ان یأخذ دیة النفس دون ما زاد علیها، ولیس له ان یأخذ ثلاث دیات».

ثم ان هذا العموم یخصص بروایة ابی الصباح وموسی بن بکر ونحوهما الدالتان علی ان تعدد الضربات مع الموت یتم التداخل فیه فی القصاص ایضا اذا کان المقصود من الضربات القتل, ففی صحیحة أَبِی

ص:40

الصَّبَّاحِ الْکِنَانِیِّ والحلبی جَمِیعاً عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالا سَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا - فَلَمْ یُقْلِعْ عَنْهُ الضَّرْبَ حَتَّی مَاتَ - أَ یُدْفَعُ إِلَی وَلِیِّ الْمَقْتُولِ فَیَقْتُلَهُ قَالَ: نَعَمْ - ولَکِنْ لَا یُتْرَکُ یَعْبَثُ بِهِ - ولَکِنْ یُجِیزُ عَلَیْهِ بِالسَّیْفِ (1).

وموثقة مُوسَی بْنِ بَکْرٍ عَنِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ علیه السلام فِی رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا - فَلَمْ یَرْفَعِ الْعَصَا عَنْهُ حَتَّی مَاتَ - قَالَ: یُدْفَعُ إِلَی أَوْلِیَاءِ الْمَقْتُولِ - ولَکِنْ لَا یُتْرَکُ یُتَلَذَّذُ بِهِ - ولَکِنْ یُجَازُ عَلَیْهِ بِالسَّیْفِ (2).

وکذلک صحیحة سُلَیْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِالله علیه السلام عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِعَصًا - فَلَمْ یَرْفَعْ عَنْهُ حَتَّی قُتِلَ أَ یُدْفَعُ إِلَی أَوْلِیَاءِ الْمَقْتُولِ - قَالَ: نَعَمْ ولَکِنْ لَا یُتْرَکُ یُعْبَثُ بِهِ ولَکِنْ یُجَازُ عَلَیْهِ.

وقد افتی بها الشیخ الطوسی ومفادها دال علی التداخل فی المجلس الواحد بین الطرف والنفس, کما لو جنی علی الطرف ثم قتل.

فالمحصل ما یلی من نقاط:

النقطة الاولی: الجمع بین طوائف الروایات کالتالی:

اللسان الاول: الذی هو روایة کل من الکنانی والحلبی وسلیمان بن خالد الظاهرة جمیعها فی کون القصاص مع تفرق الضربات فی

ص:41


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 126.
2- (2) المصدر: ص 39.

واقعة واحدة موجب لتداخل القصاص.

اللسان الثانی: الذی هو روایة ابن قیس وروایة البختری المفصلتان بین تعدد الضربات او اتحاد الضربة ولا یبعد ظهورها او انصرافها فضلا عن شمولها للواقعة الواحد.

اللسان الثالث: الذی هو کل من صحیحة الحذاء وحسنة الثمالی وروایة ابی بصیر, وجمیعهن ظاهرات بان المدار علی التفصیل بین احاد الضربة وتعددها بشرط عدم القتل والا فتتداخل الضربات سواء اکان قصاصا ام دیات. وظهورهن جمیعا منصرف الی الواقعة الواحد فضلا عن شمولها له.

النسبة بین الألسن الثلاثة:

وحینئذ نلاحظ النسبة بین الالسن الثلاثة, کما فی روایة ابی عبیدة الظاهرة فی تداخل القصاص مع اتحاد الضربة فی الواقعة الواحدة وان کانت الجنایة متعددة, بخلاف تعدد الضربات الا فی صورة القتل فتتحد. بینما صحیح ابن قیس والبختری دالا علی عدم التداخل مطلقا مع تعدد الضربات وان مات المجنی علیه.

فالتعارض فی فرض الموت مع تعدد الضربات, وکذا التنافی مع اللسان الاول فی تداخل تعدد الضربات مع القتل. فتنافی صحیح ابن قیس والبختری الناصة علی عدم التداخل فی تعدد الضربات مع القتل.

ص:42

وجه الجمع بینها:

ووجه الجمع حینئذ بینها اما بحمل عدم التداخل فی صحیح ابن قیس والبختری علی کون تعدد الضربات لیس قاتلا وانما القاتلة هی الضربة الاخیرة بنحو الانفراد, بینما یحمل مفاد الالسن الاخری (الاول والثالث) علی تداخل ضمان تعدد الضربات مع القتل علی کون کل منها قاتل ولو بنحو الاشتراک لا الاستقلال, فیکون موضوع تعدد الضمان وعدم التداخل له قیدان, هما تعدد الضربات وعدم کون کل منهما قاتلا ولو اشتراکا.

النقطة الثانیة: صور تعدد الضربات والضمانات وعدمه:

ان جنایة الطرف مع تعدد الضربات تتعدد الا ان یراد بجنایة الطرف الجنایة علی النفس فلا تتعدد اذا حصلت الجنایة علی النفس فیکون فی تعدد الضربات صور عدیدة:

الصورة الأولی: تعدد الضربات مع عدم الموت سواء اتحد الموضع او تعدد فیتعدد الضمان.

الصورة الثانیة: تعدد الضربات مع الموت ولکن کل من الضربات لا تشترک فی سببیة الموت بل الموت مستند للضربة الاخیرة مستقلا وحکمها تعدد الضمان.

الصورة الثالثة: تعدد الضربات مع اشتراک کل الضربات بالقتل

ص:43

وحکمها تداخل الضمان.

الصورة الرابعة: تعدد الضربات فی موضع واحد مع الموت فتتداخل الضمانات.

الصورة الخامسة: تعدد الجنایة فی موضع واحد من دون قتل فیدخل الاقل فی الاکبر.

النقطة الثالثة: فذلکة اخری للجمع بین الروایات:

ان صحیح محمد بن قیس والبختری موردهما الضارب الواحد بالتفصیل فی القصاص, بینما حسنة سورة بن کلیب موردها هو اختلاف الجانی الضارب وتعدده مع جنایة النفس, واما صحیحة الحذاء فانها فی التداخل من ضارب واحد فی الضربة الواحدة فی الموضع الواحد من المجنی علیه, بخلاف ما اذا تعدد الموضع او الضربة ولم یبلغ الموت.

النقطة الرابعة: فذلکة ثالثة للجمع بین الروایات

اما التعارض بین صحیح محمد بن قیس والبختری من جهة وصحیح ابی عبیدة الحذاء من جهة اخری فی مورد الضارب الواحد مع تعدد الضربات, اذ ان مفاد روایة ابی عبیدة الحذاء استثناء وتداخل تعدد الضربات فیما کان کل منهما قاتل, ای فیما ادت الی القتل, بینما فی صحیح البختری وابن قیس تعدد ضربات غیر القاتل کل منها وان قتل فی الضربة الاخیرة وهذا جمع غیر ما ذکرناه وان تقاربا.

ص:44

النقطة الخامسة: مقتضی حسنة سورة بن کلیب استثناء دیة کل عضو قید منه للمجنی علیه او دفعت دیته, فلو ارید الاقتصاص من القاتل لابد من رد مقدار دیة العضو المجنی علیه سواء اخذت دیته او اخذ القود له, وکذا الحکم فی استثناء دیة الجرح کما دلت علیه معتبرة ابی بصیر التی ذکرناه انفا فی الدلیل الثانی من القاعدة اعلاه.

النقطة السادسة: ظهر مما مر ان التداخل تارة فیما بین الدیات الثابتة اصالة واخری فیما بین القصاص وثالثة فیما بین الدیات والقصاص, وقد ظهر عموم او تنصیص الروایات علی التداخل وعدمه بحسب التفصیل فی کتاب القصاص.

ص:45

ص:46

القاعدة الرابعة

فی القصاص بین الکفار بعضهم مع بعض

ص:47

ص:48

القاعدة الرابعة: فی القصاص بین الکفار بعضهم مع بعض

اشارة

البحث فی القاعدة یقع فی مقامین:

المقام الاول:

الاقوال فی المسالة:

القول الاول: الشیخ الطوسی:

استدل الشیخ فی مسألة ( 33 و 34) بعموم الایة بین الکفار لو قتل بعضهم بعضا:

قال فی الخلاف؛ ج 5، ص: 171: فی مسألة 33 [قتل المرتد للذمی]: «إذا قتل مرتد نصرانیا له ذمة ببذل جزیة أو عهد، فان رجع الی الإسلام فإنه لا یقاد به، وان لم یرجع فإنه یقاد به... دلیلنا: علی أنه لا یقتل إذا رجع: قوله علیه السلام: لا یقتل مسلم بکافر ولم یفصل. ودلیلنا علی أنه یقتل إذا لم یرجع: قوله تعالی(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وقوله

ص:49

(الْحُرُّ بِالْحُرِّ) . ولم یفصل. و قوله تعالی(وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً ( 33) .

وفی مسألة 34 [قتل النصرانی للمرتد): «إذا قتل نصرانی مرتدا وجب علیه القود. ولیس للشافعی فیه نص، ولأصحابه فیه ثلاثة أوجه: قال أبو إسحاق: لا قود له ولا دیة. و منهم من قال: علیه القود، فان عفی فعلیه الدیة. و قال أبو الطیب ابن سلمة: علیه القود، فان عفی فلا دیة له. دلیلنا: قوله تعالی(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) و(الْحُرُّ بِالْحُرِّ) ولم یفصل».

ووافقه علی ذلک جملة من الاعلام.

القول الثانی: قال فی المختصر النافع فی فقه الإمامیة؛ ج 2، ص: 303: «ولا دیة لغیرهم من أهل الکفر».

وان کان ظاهر العبارة فی نفی الدیة علی المسلم لو قتل الکفار, ووافقه ابن فهد فی المهذب البارع والسید فی الریاض وغیرهما.

القول الثالث: شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام؛ ج 4«ویقتل الذمی بالذمی وبالذمیة بعد رد فاضل الدیة والذمیة بالذمیة وبالذمی من غیر رجوع علیها بالفضل».

القول الرابع: تحریر الأحکام الشرعیة علی مذهب الإمامیة (ط - الحدیثة)؛ ج 5، ص: 454«یشترط فی المقتصّ منه مساواته للجانی أو

ص:50

کونه أخفض منه، فیقتل المسلم بمثله، والکافر بمثله، وإن کانا حربیّین علی إشکال وبالمسلم».

وقال «یقتل الذّمّی بمثله وبالذمّیة بعد ردّ فاضل دیته، والذمیّة بالذّمّیة، و لا یرجع علیها بالفضل، وسواء اتّفق القاتل والمقتول فی الملّة أو اختلفا، فیقتل الیهودیّ بالنصرانی والمجوسیّ وبالعکس».

وقال: «ولا دیة لغیر الأصناف الثلاثة من الکفّار، کعبّاد الأوثان وغیرهم سواء کانوا ذوی عهد أو لا، وسواء بلغتهم الدّعوة أو لا».

القول الخامس: الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة (المحشی - سلطان العلماء)؛ ج 2، ص: 406: «ویقتل الذمی بالذمی وإن اختلفت ملتهما کالیهودی والنصرانی - وبالذمیة مع الرد أی رد أولیائها علیه فاضل دیته عن دیة الذمیة - وهو نصف دیته - وبالعکس تقتل الذمیة بالذمی مطلقاً - ولیس علیها غرم کالمسلمة إذا قتلت المسلم لأن الجانی لا یجنی علی أکثر من نفسه».

القول السادس: ریاض المسائل (ط - الحدیثة)؛ ج 16، ص: 244: «ویقتل الذمّی بالذمّی وإن اختلفت ملّتهما، کالیهودی والنصرانی وبالذمّیة بعد ردّ أولیائها فاضل دیته عن دیة الذمّیة، وهو نصف دیته».

القول السابع: قواعد الأحکام فی معرفة الحلال والحرام؛ ج 3، ص: 605«ویقتل الذمّیّ بمثله وبالذمّیّة بعد ردّ فاضل دیته، وتقتل

ص:51

الذمّیّة بالذمّیّة وبالذمّیّ، ولا یرجع فی ترکتها بشیء. و یقتل الکفّار بعضهم ببعض وإن اختلفت مذاهبهم. و یقتل الذمّیّ بالمستأمن، والمستأمن بمثله وبالذمّیّ. و لو قتل مرتدّ ذمّیّا ففی قتله به إشکال ینشأ من تحرّمه بالإسلام، ومن المساواة فی الکفر، لأنّه کالملّة الواحدة. أمّا لو رجع إلی الإسلام لم یقتل، وعلیه دیة الذمّیّ».

وقال: «ولو قتل ذمّیّ مرتدّا قتل به، سواء کان ارتداده عن فطرة أو لا، لأنّه محقون الدم بالنسبة إلی الذمّیّ».

وقال: «ولو قتل حربیّ حربیّا لم یقتل به، وکذا لو قتله ذمّیّ، ویقتل الحربیّ بالذمّیّ».

القول الثامن: إیضاح الفوائد فی شرح مشکلات القواعد؛ ج 4، ص: 596: «ولو قتل مرتد مرتدا قتل به ولو قتل حربی حربیا لم یقتل به وکذا لو قتله ذمی ویقتل الحربی بالذمی».

القول التاسع: کشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحکام؛ ج 11، ص: 92: «ولو قتل مرتدّ مرتدّاً قتل به للتکافؤ مع تحرّمهما بالإسلام الموجب لعصمة الدم. و لو قتل حربیّ حربیّاً لم یجب أن یقتل به لأنّ المقتول غیر معصوم الدم وکذا لو قتله ذمّی وأولی، ولا یجوز لأنّه معصوم الدم. وفی الإرشاد یقتل به ولیس بجیّد. و یقتل الحربیّ بالذمّیّ».

القول العاشر: کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء (ط -

ص:52

الحدیثة)؛ ج 4، ص: 423: «ولو قتل مرتدّاً مثله، لم یُقتل به. ولو قتل متشبّثاً بالإسلام، قتل به؛ دون العکس. ولو قتل کافراً معتصماً، قتل به علی إشکال».

القول الحادی عشر: جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام؛ ج 42، ص: 163: «إذا قتل مرتد ذمیا ففی قتله تردد کما فی القواعد منشأه تحرم المرتد بالإسلام المانع من نکاحه الذمیة، ومن إرث الذمی له، ومن استرقاقه، والمقتضی لوجوب قضاء الصلاة علیه لو أسلم ولکن مع ذلک یقوی أنه یقتل وفاقا للفاضل وغیره ممن تأخر عنه، بل وللمحکی عن المبسوط والخلاف للتساوی فی الکفر، کما یقتل النصرانی بالیهودی، لأن الکفر کالملة الواحدة ولإطلاق أدلة القصاص المقتصر فی الخروج عنها علی عدم قتل المسلم بالکافر، إذ لا دلیل علی اعتبار التساوی علی وجه یقتضی خروج المفروض، بل لعل المراد من اشتراط التساوی فی عبارة الأصحاب ولو بقرینة التفریع هو عدم قتل المسلم بالکافر. و من ذلک یعلم عدم أثر لما سمعته من أحکام المرتد فی سقوط القود عنه الذی یمکن مقابلته بما یقتضی کونه أسوأ حالا من الذمی، کوجوب قتله مع عدم التوبة دونه، وعدم حل ذبیحته إجماعا بخلاف الذمی الذی اختلف فیه، وعدم إقراره بالجزیة وغیر ذلک. نعم هذا کله مع بقائه علی الارتداد».

ص:53

المقام الثانی:

وفیه مبحثان:

المبحث الأول: ما دل علی ما ینافی القاعدة:

وجه عدم عموم القاعدة للکفار:

الوجه الأول: قد تمسک کثیر من الاعلام بعموم قوله تعالی(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) للقصاص من المرتد للذمی وهو اعتماد علی عموم الایة, وقد یخدش بوجوه:

الأول: ان الایة منسوخة بقوله تعالی (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) و (وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) لان الحریة تعنی الکفائة بالدین بخلاف الذمی فانه اذا نکث ذمته یسترق, کما تشیر الیه مرسلة: مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِیِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام فِی قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ) أَهِیَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِینَ - قَالَ هِیَ لِلْمُؤْمِنِینَ خَاصَّةً».

والروایة تشیر الی شرطیة الکفاءة بالدین کما مر بحثه فی کتاب القصاص.

الثانی: انه لا حرمة لدمائهم - وهو وجه معاکس للوجه السابق - فلا قصاص ولا دیة الا ما استثنی نظیر الذمی بسبب الذمة.

والحاصل: ان القول بالقود للکفار درجة من الاحترام لهم نظیر القول بعموم(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) .

ص:54

الثالث: ان ایة النفس بالنفس خاصة ببنی إسرائیل کما هو ظاهر الایة(... کَتَبْنا عَلَیْهِمْ...), أی یغایر الکفار لاسیما فی زمانهم واوان شریعتهم.

فیبقی مفاد النفس بالنفس هو النفس المومنة المحترمة لا مطلق النفس الإنسانیة فتکون کلا الایتین فی حکم القصاص فی المنتسب للایمان.

الوجه الثانی: (وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکافِرِینَ دَیّاراً ( 26)

إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبادَکَ وَ لا یَلِدُوا إِلاّ فاجِراً کَفّاراً ( 27) (1).

قد یقرب ظاهر الایة لان الکفار لا حرمة لهم مطلقا وان الدعاء علیهم بالابادة الجماعیة.

ویرد:

ان الکفار الذین دعی علیهم من قبله من أبناء قومه انما هم الذین القی المعاذیر علیهم وکانوا من العتات والجحدة والمعاندین والمعتدین ولم تبقی لهم ذریه.

المبحث الثانی: أدلة القاعدة (عموم القصاص للکفار):

الدلیل الأول: القران الکریم:

الآیة الأولی: قد یستظهر عموم القصاص بین الکفار فی جملة من الایات کقوله تعالی فی المائدة بعد ذکر قتل قابیل لهابیل: (کَتَبْنا

ص:55


1- (1) سورة نوح: الآیة 26-27.

عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً وَ مَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً ... إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی الْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا) (1).

تقریب عموم دلالة الایة بجملة من القرائن:

منها: قوله تعالی: (بغیر نفس) أی لا لاجل القصاص.

ومنها: ترتیب مفاد الایة علی ما جری بین هابیل وقابیل.

ومنها: عطف الفساد فی الأرض وهو انتهاک حرمة النفوس کما هو الحال فی المحارب واهل الحرابة علی من قتل نفسا بغیر نفس.

ومنها: توحید نتیجة الفعلین بانه بمنزلة قتل الناس جمیعا.

ومنها: کون هذه النتیجة (قتل الناس) تقتضی القصاص لان من یقتل الناس جمیعا یقتص منه او یحد علی ذلک.

ومن مجموع القرائن یتضح ان الحکمة فی تشریع القصاص لا تقتصر علی کون المقتول محترم الدم بل هناک حکمة أخری وهو عدم حصول الفساد فی الأرض بسفک الدماء ومن ثم قد یقال ان قتل الکافر بالکافر هو من باب الحد للحرابة ونحوها لان القتل بظلم هو بمثابة الحرابة والمحارب.

ص:56


1- (1) سورة المائدة: الآیة 32.

الایة الثانیة: دعم العموم بما فی ذیل الایة: (وَ کَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ کَفّارَةٌ لَهُ وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ ( 45) )(1).

حیث ان الذیل حکم مشترک.

والحاصل انه یمکن الالتفات الی عموم النفس بالنفس بضمیمة مفاد ایة من قتل نفسا بغیر نفس حیث ان التعریف بالقصاص والحرابة واحد وهو حفظ النفس البشریة عن سفک الدماء.

الایة الثالثة: وحدة التعلیل فی القصاص والحرابة وهو حفظ النفس البشریة عن سفک الدماء. (وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ یا أُولِی الْأَلْبابِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ( 179) ) (2)(أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً) (3).

الایة الرابعة: ما جاء فی سورة النساء (وَ ما لَکُمْ لا تُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِینَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْیَةِ الظّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ وَلِیًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ نَصِیراً ( 75) )(4).

ص:57


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 179.
3- (3) سورة المائدة: الآیة 32.
4- (4) سورة النساء: الآیة 75.

فالایة تدعم ان عموم المستضعفین من الکفار اذا کان یقاتل لاجل نجاتهم من الجبابرة والطغاة فهم محل رعایة من التشریع الإلهی, والمستضعفین حقیقة هم ما یطلق علیهم فی العرف الحدیث بالمدنیین الأبریاء أی غیر المنخرطین فی اجندة الحرب والعدوان علی المسلمین أی لم یکونوا من المرتزقة, وهم بالحقیقة لیسوا بحربیین علی ما هو الصحیح من مذهب ال البیت وان لم یکونوا اهل ذمة ولیس بینهم وبین المسلمین صلح ولا عهد. وهذا قد یستفاد من قوله تعالی - حیث تدل ان لهم درجة من الحرمة فیتساووا فیما بینهم فی ذلک -: (لا یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 8) إِنَّما یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ أَخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ وَ ظاهَرُوا عَلی إِخْراجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ ( 9) (1).

نعم ان ظاهر کثیر من کلمات الاصحاب قد توهم عدهم من الحربیین نظیر مبنی العامة.

ان مودی هذا الوجه الدلالة علی حرمة نفوس المستضعفین مقابل الحربی العدوانی.

الایة الخامسة: قوله تعالی: (وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ

ص:58


1- (1) سورة الممتحنة: 8-9.

إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِکُمْ وَصّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ ( 151) (1).

وهذا المقطع ورد فی ثلاثة سور (الانعام والاسراء والفرقان), ففی الانعام بدأ بقوله تعالی(قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّکُمْ عَلَیْکُمْ) وفی ذیلها(وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً ( 33) (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً) (2).

فکل السور الثلاثة اشتملت علی أصول المحرمات المدرکة بالعقل, ومما یدعم عموم النفس فی السور الثلاثة الروایات المستفیضة الواردة فی الکبائر وان من اکبرها قتل النفس التی حرم الله, وتسمیتها بالکبائر یفید عموم الحکم للکفار لکونها من أصول الدیانات واصول العقل والفطرة.

وهذه الایة تدل علی حرمة النفس, نعم قصاص هذا من هذا مع التکافئ والتساوی بالحرمة.

قد یشکل:

ان الموضوع قد قید بقید التی حرم الله أی المحترمة دون غیر المحترمة وتقریر کون نفوس الکفار محترمة اول الکلام بل هو خلاف قاعدة حقن الدم بالإسلام.

ص:59


1- (1) سورة الأنعام: الآیة 155.
2- (2) سورة الإسراء: الآیة 33.

وفیه: ان احترام الدم بالإسلام لا ینافی اصل احترام النفس ولو کانت کافرة بل غایته مزید احترام للدم فی الإسلام سواء من جهة الدیة او القصاص ونحو ذلک. کما ان الایمان یزید من حرمة النفس.

ومن ثم فصل فی الأدلة بین الکافر الحربی وغیره, والمراد بالحربی المعتدی والعدوانی, وهذا مما یفید ان الموجب لهدر الدم کونه حربیا.

الآیة السادسة: (لا یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 8) إِنَّما یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ أَخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ وَ ظاهَرُوا عَلی إِخْراجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ ( 9) (1).

والایتان نص فی تقسیم الکافر الی مسالم ومحارب وان حکم الاثنین مختلف.

الآیة السابعة: (سَمّاعُونَ لِلْکَذِبِ أَکّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُکَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوکَ شَیْئاً وَ إِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 42) )(2).

قد مر ان مفاد الایة قاعدة للقضاء والقسط بین عموم الکفار ولیس خاصا باهل الکتاب وان کان هو مورد الایة, وذلک لجملة من القرائن:

ص:60


1- (1) سورة الممتحنة: الآیة 9-10.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 42.

الأولی: التعلیل بالقسط وهو موجب للتعمیم.

الثانیة: ما ذکر فی الایة علیها (یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْکُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْکَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِینَ لَمْ یَأْتُوکَ یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ یَقُولُونَ إِنْ أُوتِیتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا )(1).

من ان النزاع مع غیر اهل الکتاب ایضا هو تعمیم للحکم بین الکفار مطلقا.

الثالثة: ما ذکرناه فی الإرث من عموم حکمنا بین کل الکفار سواء اکانوا اهل کتاب ام لا.

الرابعة: عموم تکلیف الکفار بالفروع مما یقضی ان القسط فی الحکم عام ومقتضاه عموم الحکم سواء اکان قضائیا ام فتوائیا, لا سیما وان القضاء مبنی علی الفتوی کما فصلناه فی کتابنا الاجتهاد والتقلید الاصولی.

نعم یستثنی من ذلک ان القضاء او الدفاع او الولایة رعایة وخدمة لیست واجبة فیستحقها الکفار لذا خیرت الایة فی الحکم بینهم.

کما یستثنی من الاحکام ما کان مبنی علی درجة من الاحترام والحرمة لحیثیة الدین والایمان.

ص:61


1- (1) سورة المائدة: الآیة 41.

الایة الثامنة: (وَ مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِینارٍ لا یُؤَدِّهِ إِلَیْکَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَیْهِ قائِماً ذلِکَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَیْسَ عَلَیْنا فِی الْأُمِّیِّینَ سَبِیلٌ وَ یَقُولُونَ عَلَی اللّهِ الْکَذِبَ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ ( 75) بَلی مَنْ أَوْفی بِعَهْدِهِ وَ اتَّقی فَإِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُتَّقِینَ ( 76) إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَ أَیْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِیلاً أُولئِکَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ وَ لا یُکَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا یَنْظُرُ إِلَیْهِمْ یَوْمَ الْقِیامَةِ وَ لا یُزَکِّیهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ( 77) (1).

قال فی تفسیر القمی: «قال ذلک بانهم قالوا لیس علینا فی الامیین سبیل فان الیهود قالوا یحل لنا ان ناخذ مال الامیین, والامیون الذین لا کتاب معهم, فرد الله علیهم فقال ویقولون علی الله الکذب وهم یعلمون».

ثم قال: «وقوله ان الذین یشترون بعهد الله وایمانهم ثمنا قلیلا قال یتقربون للناس بانهم مسلمون فیاخذون منهم ویخونونهم وما هم بمسلمین علی الحقیقیة».

واستدل بها المشهور علی لزوم العهد فی الودیعة والامانه حتی مع الکفار.

الدلیل الثانی: الروایات:

اشارة

1 - موثقة السَّکُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام أَنَّ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام

ص:62


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 75-77.

«کَانَ یَقُولُ یَقْتَصُّ (الْیَهُودِیُّ والنَّصْرَانِیُّ والْمَجُوسِیُّ) بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ - ویَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِذَا قَتَلُوا عَمْداً» (1).

قد یقرر ان الموثقة وان کانت مطلقة من جهة کون الکافر ذمی او غیر ذمی الا انها تشعر بان دائرة القصاص فی الکفار هی فیما بین اتباع الدیانات الثلاثة دون غیرهم.

2 - معتبرة أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: «سَأَلْتُهُ عَنْ ذِمِّیٍّ قَطَعَ یَدَ مُسْلِمٍ قَالَ تُقْطَعُ یَدُهُ إِنْ شَاءَ أَوْلِیَاؤُهُ - ویَأْخُذُونَ فَضْلَ مَا بَیْنَ الدِّیَتَیْنِ - وإِنْ قَطَعَ الْمُسْلِمُ یَدَ الْمُعَاهَدِ خُیِّرَ أَوْلِیَاءُ الْمُعَاهَدِ - فَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا دِیَةَ یَدِهِ - وإِنْ شَاءُوا قَطَعُوا یَدَ الْمُسْلِمِ - وأَدَّوْا إِلَیْهِ فَضْلَ مَا بَیْنَ الدِّیَتَیْنِ - وإِذَا قَتَلَهُ الْمُسْلِمُ صُنِعَ کَذَلِکَ»(2).

وحملها الحر فی الوسائل علی المسلم المعتاد لذلک.

3 - معتبرة جَابِرِ بْنِ یَزِیدَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله «أَوَّلُ مَا یَحْکُمُ الله فِیهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ الدِّمَاءُ - فَیُوقَفُ ابْنَا آدَمَ فَیَفْصِلُ بَیْنَهُمَا - ثُمَّ الَّذِینَ یَلُونَهُمَا مِنْ أَصْحَابِ الدِّمَاءِ - حَتَّی لَا یَبْقَی مِنْهُمْ أَحَدٌ - ثُمَّ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِکَ حَتَّی یَأْتِیَ الْمَقْتُولُ بِقَاتِلِهِ - فَیَتَشَخَّبَ فِی دَمِهِ وَجْهُهُ فَیَقُولَ هَذَا قَتَلَنِی - فَیَقُولُ أَنْتَ قَتَلْتَهُ فَلَا یَسْتَطِیعُ أَنْ یَکْتُمَ الله

ص:63


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 184.
2- (2) الکافی: ج 7، ص 310.

حَدِیثاً»(1).

والکلام فی الروایة فی جهتین:

الاولی: السند:

سند الروایة: حال المفضل (أبو جمیلة):

المفضل بن صالح، وحاله معروف عند المشهور وإن کنا لا نبنی علی ضعفه لکون القدح فیه بدعوی غلوه فإن تضعیف النجاشی له مستند إلی تضعیف الغضائری وحال تضعیفه معروف، ولم یضعفه الشیخ، وقد مال الوحید البهبهانی إلی صلاح حاله؛ لروایة الأجلاء وأصحاب الإجماع عنه، مضافاً إلی کثرة روایاته وصحة مضامینها فی الأبواب العدیدة مع روایة عدّة من أکابر أصحاب الاجماع عنه بسند صحیح.

الثانیة: دلالة الروایة:

وهی دالة علی ان الأصل الاولی فی الدماء الحرمة وان کانت الدماء تتفاوت بالاحترام.

کما انها تدل بوضوح علی عموم القصاص بین الناس کل الناس, ومفاد الروایة داعم لعموم الایة: (وَ لا یَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ) (2) التی مر بیانها.

ص:64


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 12.
2- (2) سورة الفرقان: الآیة 68.

4 - ما فی نهج البلاغة؛ ص: 365«وَ لَا تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مُصَلٍّ ولَا مُعَاهِدٍ إِلَّا أَنْ تَجِدُوا فَرَساً أَوْ سِلَاحاً یُعْدَی بِهِ عَلَی أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا یَنْبَغِی لِلْمُسْلِمِ أَنْ یَدَعَ ذَلِکَ فِی أَیْدِی أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ فَیَکُونَ شَوْکَةً عَلَیْهِ»(1).

ومودی الروایة حرمة مال المعاهد فضلاً عن نفسه ومقتضاه التساوی والتقاص بین المعاهدین.

ویستفاد من ذیل کلام الأمیر علیه السلام أمور:

الأول: ان الکافر غیر الحربی وان کانت له درجة من الحرمة کالمسالم والمعاهد والذمی ونحوهم الا ان ذلک لا ینفی عنهم عنوان انهم أعداء الإسلام.

الثانی: بمقتضی عداوتهم للاسلام لا یمکنون من القوة والقدرة التی فی معرض توظیفها للعدوان علی الإسلام والمسلمین وهذا یندرج فی الدفاع الاستباقی.

الثالثة: عدم تمکین الکفار وان لم یکونوا حربیین فی التمدد والتنامی فی القوة الحربیة او التی تستخدم قوی ضغط علی المسلمین.

الرابعة: ان المعاهد واهل الهدنه قد یطلق حتی علی المخالف فیجری به اجمالا هذه الاحکام.

ص:65


1- (1) نهج البلاغة: ص 365.

الخامسة: ان المال اذا تصاعد کما وکیفا یتحول الی سلطة وقدرة وعامة وولایة وهذا الحد لا حرمة للعدو فیه لانه لا ولایة لهم علیه.

5 - الروایات الواردة فی الإرث وان الکفار یرث بعضهم بعضا, وقد استدل الشیخ الطُّوسی فی المبسوط علی ان الشرک ملة واحدة بانهم یورث بعضهم بعضا:

منها:

الأولی: الصحیح عن ابْنِ أَبِی عُمَیْرٍ عَنْ غَیْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام«فِی یَهُودِیٍّ أَوْ نَصْرَانِیٍّ یَمُوتُ ولَهُ أَوْلَادٌ غَیْرُ مُسْلِمِینَ - فَقَالَ هُمْ عَلَی مَوَارِیثِهِمْ»(1).

الثانیة: موثقة حَنَانِ بْنِ سَدِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام قَالَ: «سَأَلْتُهُ یَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَیْنِ قَالَ لَا»(2).

الثالثة: موثقة عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَعْیَنَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام عَنْ قَوْلِهِ ص لَا یَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَیْنِ - قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام نَرِثُهُمْ ولَا یَرِثُونَّا - إِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ یَزِدْهُ فِی مِیرَاثِهِ إِلَّا شِدَّةً»(3).

الرابعة: موثقة أَبِی الْعَبَّاسِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِالله علیه السلام یَقُولُ: «لَا

ص:66


1- (1) وسائل الشیعة: ج 26، ص 25.
2- (2) المصدر: ص 16.
3- (3) الکافی: ج 7، ص 143.

یَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَیْنِ یَرِثُ هَذَا هَذَا - ویَرِثُ هَذَا هَذَا إِلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ یَرِثُ الْکَافِرَ - والْکَافِرَ لَا یَرِثُ الْمُسْلِمَ» (1).

اعتراضات علی عموم القاعدة بلحاظ الایة:

دلیل اول معارض للقاعدة:

وقد تعارض القاعدة بما دل علی هدر دم الکافر مطلقا کما فی قوله: «وقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَی الْأَرْضِ مِنَ الْکَافِرِینَ دَیَّاراً إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبَادَکَ ولاَ یَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً کَفَّاراً»(2).

والصحیح انها واردة فی العتات والجحدة والمعاندین والمعتدین لا فی مطلق الکفار.

دلیل ثانی معارض للقاعدة:

وقد یعترض علی العموم بما رواه العیاشی عن البرقی عن بعض اصحابنا عن ابی عبدالله علیه السلام: «فی قول الله عز وجل() اهی لجماعة المسلمین قال هی للمومنین خاصة»(3).

دلیل ثالث معارض لعموم القاعدة:

قد یشکل شمول العموم فی ما اذا قتل المرتد الذمی, فان التمسک

ص:67


1- (1) الاستبصار: ج 4، ص 191.
2- (2) سورة نوح: الآیة 26-27.
3- (3) وسائل الشیعة: ج 29، ص 118.

بالعموم لهذه الصورة یعتمد علی عموم الایة وهی قد یقال بنسخ عمومها بقوله تعالی الحر بالحر والعبد بالعبد لان الحریة تعنی الکفائة فی الدین فی مقابل العبودیة بسبب الاسترقاق حیث ان المرتد لا یسترق لانتحاله الإسلام بخلاف الذمی فانه اذا نکث ذمته یسترق.

فان الکفار لا حرمة لدمائهم فلا قصاص ولا دیة الا ما استثنی نظیر الذمی بسبب الذمة, ان القول بالقود فی الکفار درجة من احترام لهم کما هو مقتضی عموم ایة النفس بالنفس.

کما ان ایة النفس بالنفس لبنی إسرائیل یغایر الکفار فی زمانهم واوان شریعتهم فیکون موضوع النفس بالنفس هی المومنة المحترمة لا مطلق النفس الإنسانیة.

فتکون کلا الایتین فی المنتسب للایمان.

تقییم الاعتراض الثانی والثالث:

ومحصل الاعتراضین غایته اخذ الکفاءة الدینیة فی القصاص والتساوی فی الدین لا المعارضة للقاعدة من راس, مضافا الی ان عدم الحرمة لدمائهم وعدم الدیة انما بالإضافة للمسلمین والمومنین لا بالإضافة للکفار انفسهم.

مع ان عدم الحرمة لیس بقول مطلق فان الحرمة التکلیفیة مالم

ص:68

یکن حربیا معادیا ولیس فحوی مفاد حقن الدماء بالشهادتین استباحة دماء الکفار ولو لم یکونوا حربیین وانما مفاده مزید حرمة للإنسان بالإسلام سواء من حیث الضمان والقصاص والدیة.

فان هذه الدرجة ثابت بالإسلام لا نفی مطلق حرمة دم الانسان. والکفر وان اوجب مهانة الانسان عن درجة الإنسانیة وبعض درجات الحرمة کالحرمة الوضعیة من الضمان والقصاص الا انه لا ترتفع اصل الحرمة التکلیفیة الا بالعنوان المجوز وهو الحربی المعتدی.

اما المسالم والمستامن والمعاهد فلا یسوغ استباحة دمائهم تکلیفا بالنسبة لنا فضلا عما فیما بینهم.

والنتیجة: فلو لم یکونوا کفارا حربیین فمن باب العدل یقتص منهم فیما بینهم, لذا یظهر من ذلک قوة ما بنی علیه الشیخ من عموم ایة القصاص(النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) للکفار فیما بینهم.

قاعدة فرعیة: من احترم ماله من الکفار فله دیة الذمی:

الصحیح القول بثبوت الدیة للمرتد الذی یستتاب لان امواله محترمة ومع احترام ماله لا محالة تحترم نفسه مالیا. لان نفسه اعظم أمواله وحرمة ماله فرع حرمة نفسه وضعیا وان لم یحترم من ناحیة القصاص سواء اکان مرتدا او مستامنا او معاهدا او ذمیا, ویدعم ذلک قوله تعالی: (وَ إِنْ کانَ مِنْ قَوْمٍ بَیْنَکُمْ وَ بَیْنَهُمْ مِیثاقٌ

ص:69

فَدِیَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلی أَهْلِهِ وَ تَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ یَجِدْ فَصِیامُ شَهْرَیْنِ مُتَتابِعَیْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ کانَ اللّهُ عَلِیماً حَکِیماً ( 92) (1).

وقد ورد ان النبی الأعظم اعطی دیة بعض الکفار الذین بینه وبینهم میثاق.

وکذلک روایات ابن الزنا ودیته.

کالصحیحة الی جَعْفَرِ بْنِ بَشِیرٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام عَنْ دِیَةِ وَلَدِ الزِّنَا - قَالَ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ - مِثْلُ دِیَةِ الْیَهُودِیِّ والنَّصْرَانِیِّ والْمَجُوسِیِّ»(2).

بتقریب بناء علی ان ابن الزنا لا یحکم باسلامه سیما لو کان فقیرا ولم یلحق بأحد فکانما هنا تأسیس لقاعدة کل کافر محترم المال دیته کدیة الذمی.

وکذا ما فی وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 221

موثقة سَمَاعَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام عَنْ مُسْلِمٍ قَتَلَ ذِمِّیّاً - فَقَالَ هَذَا شَیْ ءٌ شَدِیدٌ لَا یَحْتَمِلُهُ النَّاسُ - فَلْیُعْطِ أَهْلَهُ دِیَةَ الْمُسْلِمِ - حَتَّی یَنْکُلَ عَنْ قَتْلِ أَهْلِ السَّوَادِ وعَنْ قَتْلِ الذِّمِّیِّ - ثُمَّ قَالَ لَوْ أَنَّ مُسْلِماً

ص:70


1- (1) سورة النساء: الآیة 92.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 29، ص 222.

غَضِبَ عَلَی ذِمِّیٍّ فَأَرَادَ أَنْ یَقْتُلَهُ - ویَأْخُذَ أَرْضَهُ ویُؤَدِّیَ إِلَی أَهْلِهِ ثَمَانَمِائَةِ دِرْهَمٍ - إِذاً یَکْثُرُ الْقَتْلُ فِی الذِّمِّیَّیْنِ - ومَنْ قَتَلَ ذِمِّیّاً - ظُلْماً - فَإِنَّهُ لَیَحْرُمُ عَلَی الْمُسْلِمِ أَنْ یَقْتُلَ ذِمِّیّاً حَرَاماً - مَا آمَنَ بِالْجِزْیَةِ وأَدَّاهَا ولَمْ یَجْحَدْهَا» (1).

الروایة فیها اشعار علی منع القتل عن النفس المحترمة من الکفار.

والخلاصة: تحصل مما تقدم من ادلة التلازم بین حرمة قتل الکافر وثبوت القصاص له ممن یساویه بالحرمة من الکفار فضلا عن الدیة وان حرمة المال لبعض أصناف الکفار غیر الحربیین یلازم حرمة النفس وتقرر الدیة لها وانها بقدر دیة الذمی او مادونها فیما هو مقرر بینهم.

ص:71


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 221.

ص:72

القاعدة الخامسة:

فی القضاء بین الکفار وبین اهل الکتاب

وبین أهل الخلاف

ص:73

ص:74

القاعدة الخامسة: فی القضاء بین الکفار وبین اهل الکتاب وبین اهل الخلاف

توطئة:

لایخفی ان هذه القاعدة متداخلة او متدافعة او متواردة مع عدة قواعد أخری قد وردت فی احکام الکفار ولابد من ملاحظة النسبة بینها.

منها: قاعدة شروط الذمة لاهل الکتاب.

ومنها: قاعدة لکل قوم نکاح.

ومنها: قاعدة الالزام بما الزموا به انفسهم.

کما ان الحال کذلک فی النسبة فی ما بین تلک القواعد, فهل قاعدة لکل قوم نکاح مخصصة بما فی قاعدة شروط الذمة وهل هناک تداخل فی القضاء بینهم واحکام الذمة.

ص:75

فقد یُقال: ان عموم لکل قوم نکاح مستثنی منه ما قرر فی احکام الذمة ان انهم لا یظهروا نکاح المحارم.

وماذا عن الاختلاف عن العامة هل یشملهم حکم غیر المسلمین ام ان القاعدة هی التخییر بین الحکم لهم بحکمنا او بحکمهم کما هو الحال فی الفتوی لهم.

والبحث یقع فی مقامین:

المقام الأول: الاقوال:

القول الأوَّل: غنیة النزوع إلی علمی الأصول والفروع؛ ص: 332«ومن أصحابنا من قال: یورث المجوس وغیرهم من أهل الملل المختلفة فی الکفر إذا تحاکموا إلینا علی ما قرره شرع الإسلام، من الأنساب والأسباب الصحیحة والسهام، ومنهم من قال: یورثون علی ما یرونه فی ملتهم، والدلیل علی ذلک کله - سوی ما لم یتعین المخالف من الطائفة فیه - إجماعها علیه، وفیه الحجة علی ما بیناه»(1).

القول الثَّانی: السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی؛ ج 3، ص: 287: «اختلف قول أصحابنا فی میراث المجوس إذا تحاکموا الی حکام الإسلام علی ثلاثة أقوال. فقال قوم انهم یورثون بالأنساب والأسباب

ص:76


1- (1) الغُنیة: ص 332.

الصحیحة التی تجوز فی شرع الإسلام، ولا یورثون بما لا یجوز فیه علی کلّ حال. و قال قوم انهم یورّثون بالأنساب علی کل حال، ولا یورّثون بالأسباب إلّا بما هو جائز فی شریعة الإسلام. و قال قوم انهم یورثون من الجهتین معا، سواء کان ممّا یجوز فی شریعة الإسلام أولا یجوز، وهذا القول الأخیر الذی هو ثالث الأقوال، خیرة شیخنا أی أبو جعفر الطوسی فی نهایته، وسائر کتبه، وأوّل الأقوال اختیار شیخنا المفید، محمّد بن محمّد بن النعمان، فإنه قال فی کتاب الاعلام وشرحه، فاما میراث المجوس فإنه عند جمهور الإمامیة، یکون من جهة النسب الصحیح، دون النکاح الفاسد، وهو مذهب مالک، والشافعی، ومن اتبعهما فیه من المتأخرین، وسبقهما الیه من المتقدمین، هذا أخر کلامه رحمه الله»(1).

والی هذا القول اذهب، وعلیه اعتمد، وبه افتی، لأنّ اللّه تعالی قال: (فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ) وقال فی موضع أخر(وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ) وقال تعالی: (فَإِنْ جاؤُکَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوکَ شَیْئاً وَ إِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) (فَإِنْ جاؤُکَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوکَ شَیْئاً وَ إِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) فإذا حکم الحاکم بما لا یجوز فی شرع الإسلام فقد حکم بغیر الحق وبغیر ما انزل اللّه، وبغیر القسط

ص:77


1- (1) السرائر: ج 3، ص 287.

وأیضا فلا خلاف بیننا ان الحاکم لا یجوز له ان یحکم بمذاهب أهل الخلاف مع الاختیار...».

وحکی الاقوال الثلاثة جملة من الفقهاء المتقدمین کالشیخ فی الخلاف وابن ابی عقیل فی المحکی من فتاواه وغیرهم.

ومفاد کلامه فی نقاط:

1 - ان الحکم بالتوریث وعدمه نحو حکم قضائی منا بینهم فما ذکر من جملة الاقوال بین الاصحاب فی المیراث بینهم یتاتی کاقوال ووجوه فی مطلق مبحث قاعدة القضاء بینهم بل قد یتاتی فی مطلق الاحکام القضائیة بین الکفار.

ولذا صرح فی عبارته اذا تحاکموا الی حکام الإسلام.

2 - ان القول الأول الذی نقله عبارة عن ضابطة فی ان القضاء بینهم لابد ان یکون مطابق للموازین التی عندنا. والقول الثانی التفصیل بالقضاء بین الموضوعات التکوینیة والموضوعات الاعتباریة ففی التکوینیة یحکم باثارها مطلقا وان کانت ناتجة من أسباب محرمة لانها موجودة واقعا علی أیة حال بخلاف الموضوعات الاعتباریة فانها لایقرر وجودها بناء علی فسادها عند الشرع. والقول الثالث انهم یورثون بما هو الصحیح عندهم.

ونسب القول الثالث للشیخ الطوسی فی جملة کتبه والأول الی

ص:78

المفید فی کتاب الاعلام والقول الثانی نسبه للمشهور وذهب الیه ابن شاذان ومحکی ابن ابی عقیل والصدوق فی الفقیه والعلامة فی القواعد ونسب الی اکثر المتاخرین, وهو مذهب مالک والشافعی من العامة.

وزیادة علی ما نقله ابن ادریس ان بعض العامة یذهبون الی الإرث مطلقا کما حکی ذلک الشیخ فی الخلاف.

وفی المغنی لابن قدامة دعوی الاجماع علی عدم الإرث فی السبب الفاسد من نکاح المحارم دون غیره من الأسباب الفاسدة.

3 - لا یخفی ان القول الثانی یقرب من الأول ومال الیه ابن ادریس کما یظهر من العبارة.

4 - ان اکثر الاصحاب بل ادعی الاجماع علی عدم الإرث من السبب الفاسد ووصفت الروایة الاتیة فی المقام الثانی الدالة علی الإرث بالسبب الفاسد بالشذوذ وترک العمل.

5 - ان الوجه فی اقحام اقوال الاصحاب فی میراث المجوس وغیرهم من الملل والنحل فی هذه القاعدة هو ان التوریث نحو من الحکم والقضاء بل ونمط من التذمم فیندرج التوریث فیما بحثه الاصحاب من ترافع الذمیین بل المشرکین الینا فی حکم القضاء بینهم.

6 - ذکر العلامة فی نکاح القواعد وکاشف اللثام فی شرحها انهم اذا تحاکموا الینا فی النکاح یحکم علیهم ویقرون بما لو اسلموا اقر

ص:79

علیهم النکاح, قال فی کشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحکام؛ ج 7، ص: 225 «و إذا تحاکموا إلینا فی النکاح، أقرّ کلّ نکاح لو أسلموا أقرّوهم علیه الإمام، وهو ما کان صحیحا عندهم».

وهذا تبیان من العلامة لتداخل باب القضاء واحکام الذمة, ووجهه ان القضاء نحو رعایة وولایة وهو مضمون ماهیة عقد الذمة.

7 - المختار فی المسالة القول الثانی لما یأتی من الأدلة.

المقام الثانی: أدلّة الأقوال فی القاعدة:

اشارة

وهی ثلاثة اقوال کما مر فی نقل کلام ابن ادریس.

استدل للقول الأول والثانی بجملة من الأدلة: منها:

الدلیل الأول: القران:

قوله تعالی: (وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلٍّ جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لکِنْ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ إِلَی اللّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ ( 48) أَ فَحُکْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ ( 50) (1).

ص:80


1- (1) سورة المائدة: الآیة 49-50.

وقوله تعالی: (وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ) (1).

وقوله تعالی: (سَمّاعُونَ لِلْکَذِبِ أَکّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُکَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ یَضُرُّوکَ شَیْئاً وَ إِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 42) )(2).

تقریب الاستدلال بالایات:

ان مفاد الایة لیس خاصا باهل الکتاب بل عاما لکل الکفار بقرینة التعلیل (بالقسط), وبقرینة ما ذکر فی الایة 41 من سورة المائدة من ان النزاع مع غیر اهل الکتاب, وبقرینة ما قرر فی الإرث من عموم حکمنا بینهم باحکام الإرث لغیر اهل الکتاب. وبقرینة عموم قاعدة تکلیف الکفار بالفروع, یتبین ان القسط فی الحکم عام ولیس قضائیا فقط بل یشمل الفتوی سیما علی القول بان القضاء فی اصله حکم فتوائی.

الدلیل الثانی: الإجماع:

حیث حکی الاجماع فی کلمات الفقهاء من ان الحاکم لا یجوز له ان یحکم بمذاهب اهل الخلاف بالاختیار.

ص:81


1- (1) سورة الکهف: الآیة 29.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 12.

الدلیل الثالث:

مقتضی ما قرر فی کتاب القضاء ان الحاکم الشرعی مخیر بین الحکم علیهم بحکم الإسلام او بحکمهم, ومقتضی الأول التفصیل بین السبب والنسب الفاسدین.

الدلیل الرابع:

مقتضی احکام الذمة انهم لا یقرون علی السبب الفاسد کنکاح الأمهات والمحارم هو التفصیل بین النسب الفاسد والسبب الفاسد.

نعم هذا الوجه مختص باهل الکتاب وبما بعد دخولهم فی الذمة.

قال ابن ادریس: «... فکیف یجوز لنا ان نقرّهم علی نکاح المحرمات فی شرعنا، ونحکم لهم بذلک، وبصحته إذا تحاکموا إلینا، وأخذ علینا ان لا نقرهم علی ذلک...»(1).

فمن مقررات شروط الذمة ان لا یظهروا المحرمات کنکاح المحارم والربا وشرب الخمر وغیرها, وتوریثهم ومجیئهم الینا هو اظهار واعلان, ولا یبعد عموم الحکم بالمحرمات بالمصاهرة لانهم لو اسلموا لما اقروا علیه کما دلت النصوص وان المجوسی اذا اسلم عن سبع لم یقر الا علی اربع مع ان نکاح محرم بالاجتماع لا التابید.

ص:82


1- (1) السرائر: ج 3، ص 296.

الدلیل الخامس:

الروایات: یمکن الاستدلال بعدة روایات وهی علی طوائف:

الطائفة الأولی: (لو ثنیت لی الوسادة...)

ان الصفار فی بصائر الدرجات ج 3 باب 13 ص 249-253 قد عنون بابا فی تسع روایات: «باب قول امیر المومنین علی علیه السلام لو ثنیت لی الوسادة لحکمت بما فی التوراة والانجیل والزبور والفرقان».

وذکر فیها صحیحة ابی حمزة الثمالی وموثقة الاصبغ بن نباته ومصحح داوود بن فرقد ومعتبرة القداح وغیرها.

وفی بعضها عبارة (لقضیت بدل لحکمت...).

وفی بعضها (لو استقامت لی الامة وثنیت لی الوسادة....)

ومن تلک الروایات التی نقلها الصفار:

صحیحة ابی حمزة الثمالی عن ابی عبدالله علیه السلام: قال عَلِیّ علیه السلام«لَوْ ثُنِّیَتْ لِیَ الْوِسَادَةُ َ لحکمت بَیْنَ أَهْلِ الْقُرْآنِ بالقران حتی یزهر الی الله, ولَحکمت بَیْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِالتوراة حتی یزهر الی الله، وَلحکمت بَیْنَ أَهْلِ الْإِنْجِیلِ بِإِلانجیل حتی یزهر الی الله، ولحکمت بَیْنَ أَهْلِ الزَّبُورِ بِالزبور حتی یزهر الی الله...»(1).

ص:83


1- (1) بصائر الدرجات: ج 3، ص 249.

وقریب منه ما ذکره الصدوق فی التوحید والطوسی فی الامالی وغیرهم, بل مصادرنا مستفیضة بهذا المضمون.

والمحصل من هذه الروایات لیس الحکم بالاسباب الفاسدة المبتدعة عندهم تحریفا لکتابهم بل غایته امضاء النسب والسبب الصحیح فی شریعة التوراة والانجیل والزبور وان نسخ فی شریعتنا.

واما الأسباب الفاسدة باتفاق الشرائع السماویة وان استحلها اهل الکتاب بتحریفهم فلا یحکم بها.

فالنتیجة التفصیل.

الطائفة الثانیة: ما ورد فی شروط الذمة منها:

صحیحة زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام قَالَ: «قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله قَبِلَ الْجِزْیَةَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَی أَنْ لَا یَأْکُلُوا الرِّبَا ولَا یَأْکُلُوا لَحْمَ الْخِنْزِیرِ ولَا یَنْکِحُوا الْأَخَوَاتِ ولَا بَنَاتِ الْأَخِ ولَا بَنَاتِ الْأُخْتِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِکَ مِنْهُمْ فَقَدْ بَرِأَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الله وذِمَّةُ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله قَالَ ولَیْسَتْ لَهُمُ الْیَوْمَ ذِمَّةٌ»(1).

ورواه الصدوق فی الفقیه باسناده الی علی بن رئاب.

ومفاد الروایة التفصیل أیضا بین النسب والسبب.

ص:84


1- (1) المصدر السابق.

ولا یخفی ارتباط احکام الذمة بالقضاء بینهم فیما کانوا یسکنون فی دار الإسلام لان إعطاء الذمة لهم نحو من الحکم یصدره الولی الشرعی وان لم یکن حکما قضائیا.

الطائفة الثالثة: الروایات الواردة فی «لکل قوم نکاح».

مجمل الکلام فی قاعدة «لکل قوم نکاح»:

الصحیح صحة نکاح أهل الکفر فیما بینهم مع اختلاف مللهم ونحلهم، سواء اتفق فی الملّة أو اختلف، أما مع اتفاقهما فی الملّة والنحلة فلعموم قوله صلی الله علیه وآله: «لکل قوم نکاح»، کما فی صحیحة أبی بصیر، قال: «سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: نهی رسول الله صلی الله علیه وآله أن یقال للأمة: یا بنت کذا وکذا. وقال: لکل قوم نکاح». وکذا یدل علیه الروایات الوارد فیها: «هما علی نکاحهما» وصریح کلام الشیخ فی المبسوط، بل الأکثر، بل ربما یقال المشهور عموم صحة النکاح ولو اختلفت الملّة والنحلة، مع أنّه قد یستشکل بأن بعض تلک الملل والنحل لا تسوّغ النکاح من غیرهم، وظاهر قوله صلی الله علیه وآله: «لکل قوم نکاح» أنه بحسب ما تبنّوه من ماهیة وشروط وعقد فیما بینهم، ومن ثمَّ قد یشکل فی البناء علی الصحة فی الزواج المدنی المتعارف فی الحیاة العصریة المدنیة الراهنة فی الغرب والشرق. لکن یمکن أن یوجّه بأن المراد من (کل قوم) لیس مقیداً بالنحلة والملّة، بل المراد ما یُتبانی علیه فی أعراف الجماعات، ولو الذین صبوا عن مللهم ونحلهم کجملة من العلمانیین فی العصر الحدیث،

ص:85

بخلاف ما إذا کانت صورة الزواج لا یقرها عرف من الأعراف، کما فیما یشذ به بعض صور الزیجات فی العصر الحدیث.

ومن الروایات الدالة علی ذلک:

1 - موثقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ«قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام مَالُ النَّاصِبِ وکُلُّ شَیْ ءٍ یَمْلِکُهُ حَلَالٌ إِلَّا امْرَأَتَهُ - فَإِنَّ نِکَاحَ أَهْلِ الشِّرْکِ جَائِزٌ وذَلِکَ أَنَّ رَسُولَ الله صلی الله علیه وآله قَالَ - لَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشِّرْکِ فَإِنَّ لِکُلِّ قَوْمٍ نِکَاحاً - ولَوْ لَا أَنَّا نَخَافُ عَلَیْکُمْ أَنْ یُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْکُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ - ورَجُلٌ مِنْکُمْ خَیْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْهُمْ - لَأَمَرْنَاکُمْ بِالْقَتْلِ لَهُمْ ولَکِنَّ ذَلِکَ إِلَی الْإِمَامِ»(1).

2 - صحیحة أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله علیه السلام یَقُولُ نَهَی رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله أَنْ یُقَالَ لِلْإِمَاءِ یَا بِنْتَ کَذَا وکَذَا وقَالَ لِکُلِّ قَوْمٍ نِکَاحٌ» (2).

3 - ما فی التهذیب عن عبدالله بن سنان فی الحسن قال: «قذف رجل رجلاً مجوسیّاً عند أبی عبدالله علیه السلام فقال: مه، فقال الرجل: إنه ینکح امه وأخته، فقال: ذاک عندهم نکاح فی دینهم».

4 - عن أبی بصیر عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کل قوم یعرفون النکاح من السفاح فنکاحهم جائز»(3).

ص:86


1- (1) وسائل الشیعة: ج 15، ص 80.
2- (2) تهذیب الأحکام: ج 7، ص 472.
3- (3) المصدر: ص 486.

5 - صحیحة عَبْدِالله بْنِ سِنَانٍ قَالَ: «قَذَفَ رَجُلٌ مَجُوسِیّاً عِنْدَ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام - فَقَالَ مَهْ فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّهُ یَنْکِحُ أُمَّهُ وأُخْتَهُ - فَقَالَ ذَاکَ عِنْدَهُمْ نِکَاحٌ فِی دِینِهِمْ»(1).

قال فی جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام؛ ج 29، ص: 266«والمراد منه أن ما بأیدیهم من العقود الفاسدة لها حکم النکاح، لا أن المراد منه أنه نکاح حقیقة، ضرورة معلومیة بطلان نکاح الأم والأخت».

أقول: ان غایة المستفاد من روایات القاعدة وکذا کلمات الاصحاب ان ما یترتب من نسب او بعض الاثار علی انکحة فاسدة سابقة یقرون علیه من ما مضی منها لا انهم یقرون بقاء علی النکاح الفاسد فی حکمنا کما لو اصبحوا اهل ذمة او تقاضوا لدینا کما فی نکاح المحارم, نعم لو کان الفساد فی شروط صیغة العقد او فی المهر فالظاهر امضاء صحته بقاء لما ورد من روایات عدیدة فی إقرار نکاح الکفار اذا اسلموا معا او اسلم الزوج.

بخلاف مثل نکاح المحرمات سواء کان بالنسب او المصاهرة فان القاعدة غیر شاملة لذلک, وذلک یعلم من مقتضی ادلتها عدم رفع الشارع یده عن تحریمها بل ان حرمتها مطلقة ومبغوضیتها لا یرفع الشارع یده عنها فی ایة حال.

وکذلک ان القاعدة دالة علی الحاق الأولاد بهم لا علی معذوریتهم فی هکذا انکحة.

ص:87


1- (1) وسائل الشیعة: ج 21 ص 200.

الدلیل السادس:

قد یستدل بقاعدة الزموهم بما الزموا به انفسهم علی المطلوب، فقد روی: «إِنَّ کُلَّ قَوْمٍ دَانُوا بِشَیْ ءٍ یَلْزَمُهُمْ حُکْمُهُ»(1).

ویرد علیه:

أولاً: ان هذه القاعدة فی موارد التعامل بیننا وبینهم فی الاثار التی هی نفع للمسلمین والمومنین وضرر علی الکافرین والمخالفین, وأین هذا من القضاء والحکم فیما بین بعضهم البعض سواء کان بضررهم او نفعهم.

ثانیاً: ان هذه القاعدة لا تسوغ المحرمات المبغوضة التی علم من الشارع مبغوضیتها بنحو مطلق کنکاح المحرمات والمعاملات المحرمة کالربا فلا یستدل بها علی تجویز ارتکاب الفواحش التی یستحلونها.

الدلیل السابع:

الروایات الواردة فی ارث المجوس فیستدل بها للقول الثالث:

منها: موثقة السَّکُونِیِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ علیه السلام«أَنَّهُ کَانَ یُوَرِّثُ الْمَجُوسِیَّ إِذَا تَزَوَّجَ بِأُمِّهِ وبِابْنَتِهِ - مِنْ وَجْهَیْنِ مِنْ وَجْهِ أَنَّهَا أُمُّهُ ووَجْهِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ»(2).

ص:88


1- (1) الاستبصار: ج 4، ص 189.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 26، ص 417.

روایة أَبِی الْبَخْتَرِیِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ عَلِیٍّ علیه السلام: «أَنَّهُ کَانَ یُوَرِّثُ الْمَجُوسَ إِذَا أَسْلَمُوا - مِنْ وَجْهَیْنِ بِالنَّسَبِ ولَا یُوَرِّثُ (عَلَی النِّکَاحِ)»(1).

وروایة ابی البختری وان کانت ضعیفة سندا ومعارضة لموثقة السکونی ودالة علی التفصیل فی القولین الاولین الا ان مضمونها مدعوم بالروایات الواردة فی عقد الذمة من ان الکفار لا یقرون علی الانکحة الباطلة, فلا یعتمد علی موثق السکونی.

ومن ذلک یتبین ان قاعدة لکل قوم نکاح مخصصة بمفاد الروایات الواردة فی شروط الذمة, مثل ان لا یظهروا نکاح المحارم.

تتمة القاعدة: فی القضاء بین المخالفین:

اشارة

هل ان المخالفین مشمولیون بالحکم السابق او ان القاعدة هی التخییر بین الحکم لهم بحکمنا او بحکمهم نظیر ما هو مقرر فی باب الفتوی؟

والجواب: انه علی موازین القضاء الذی عندنا:

ویقرب ذلک بأدلة:

ص:89


1- (1) المصدر: ص 418.

الدلیل الأول: الروایات:

منها: حسنة أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ الله علیه السلام: «إِنِّی أَقْعُدُ فِی الْمَسْجِدِ - فَیَجِیءُ النَّاسُ فَیَسْأَلُونِّی - فَإِنْ لَمْ أُجِبْهُمْ لَمْ یَقْبَلُوا مِنِّی - وأَکْرَهُ أَنْ أُجِیبَهُمْ بِقَوْلِکُمْ ومَا جَاءَ عَنْکُمْ - فَقَالَ لِیَ انْظُرْ مَا عَلِمْتَ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ - فَأَخْبِرْهُمْ بِذَلِکَ»(1).

محسنة مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ النَّحْوِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام: «قَالَ: بَلَغَنِی أَنَّکَ تَقْعُدُ فِی الْجَامِعِ فَتُفْتِی النَّاسَ قُلْتُ نَعَمْ - وأَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَکَ عَنْ ذَلِکَ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ - إِنِّی أَقْعُدُ فِی الْمَسْجِدِ - فَیَجِیءُ الرَّجُلُ فَیَسْأَلُنِی عَنِ الشَّیْ ءِ - فَإِذَا عَرَفْتُهُ بِالْخِلَافِ لَکُمْ أَخْبَرْتُهُ بِمَا یَفْعَلُونَ - ویَجِیءُ الرَّجُلُ أَعْرِفُهُ بِمَوَدَّتِکُمْ - فَأُخْبِرُهُ بِمَا جَاءَ عَنْکُمْ - ویَجِیءُ الرَّجُلُ لَا أَعْرِفُهُ ولَا أَدْرِی مَنْ هُوَ - فَأَقُولُ جَاءَ عَنْ فُلَانٍ کَذَا وجَاءَ عَنْ فُلَانٍ کَذَا - فَأُدْخِلُ قَوْلَکُمْ فِیمَا بَیْنَ ذَلِکَ قَالَ - فَقَالَ لِیَ اصْنَعْ کَذَا - فَإِنِّی کَذَا أَصْنَعُ»(2).

تقریب ذلک:

ان الحکم القضاء کما هو مقرر فی محلة لیس هو الا الحکم الفتوائی الکلی بتطبیق علی المورد الجزئی بین المتنازعین علی ان یتم التطبیق بموازین قضائیة لا فتوائیة.

ص:90


1- (1) وسائل الشیعة: ج 16، ص 233.
2- (2) المصدر: ج 27، ص 148.

فموازین التطبیق وان کانت قضائیة لا فتوائیة الا ان الحکم المنزل هو الفتوائی الکلی.

ومن ثم اعتبر فی المفتی ما یعتبر فی القاضی والعکس کذلک فی الجهة المشترکة بین البابین.

الدلیل الثانی: جملة من قواعد الأبواب الفقهیة الأخری الشاملة لموارد النزاع فیما بین المخالفین وان کانت مختصة بأحد الأبواب الفقهیة او بأکثر من باب دون کل الأبواب:

1 - قاعدة لکل قوم نکاح.

2 - قاعدة الالزام فیما لو کان نزاع بین المومن والمخالف فیقضی للمومن علی المخالف.

ولا یخفی ان الوجه الأول غیر الثانی اذ ان الوجه الأول التخییر فی بیان حکمنا وحکمهم واما الوجه الثانی فهو التعیین لبیان حکمنا.

ویمکن التوفیق بین الوجه الثانی والأول بان نحمل الوجه الأول علی النزاعات المدنیة أی فی باب المعاملات بخلاف الوجه الثانی فانه خاص فی باب تلک القاعدة.

الدلیل الثالث: قواعد القصاص والحدود والدیات.

هناک جملة من الروایات الدالة علی تصدی ال البیت لاقامة

ص:91

الحدود والقصاص والدیات علی المخالفین.

وهو نحو من التعیین وخاص بالنزاعات الجنائیة.

ومن اهم مصادیق ذلک ما روی مستفیضا فی روایات الفریقین من ردع الثلاثة المستولین علی الخلافة عن حکمهم القضائی فی کثیر من الموارد فی نزاعات جنائیة مختلفة وغیرها من النزعات المدنیة والقضاء بینهم بحکم الله الواقعی.

وکذلک تصدی بقیة أئمة ال البیت لبیان الاحکام القضائیة وغیرها امام خلفاء بنی امیة وبنی العباس.

والیک جملة روایات:

1 - الکافی (ط - الإسلامیة)؛ ج 7، ص: 249

موثقة أَبِی بَصِیرٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «لَقَدْ قَضَی أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ ص بِقَضِیَّةٍ مَا قَضَی بِهَا أَحَدٌ کَانَ قَبْلَهُ وکَانَتْ أَوَّلَ قَضِیَّةٍ قَضَی بِهَا بَعْدَ رَسُولِ الله ص وذَلِکَ أَنَّهُ لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ الله ص وأَفْضَی الْأَمْرُ إِلَی أَبِی بَکْرٍ أُتِیَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَکْرٍ أَ شَرِبْتَ الْخَمْرَ فَقَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ فَقَالَ ولِمَ شَرِبْتَهَا وهِیَ مُحَرَّمَةٌ فَقَالَ إِنَّنِی لَمَّا أَسْلَمْتُ ومَنْزِلِی بَیْنَ ظَهْرَانَیْ قَوْمٍ یَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ویَسْتَحِلُّونَهَا ولَوْ أَعْلَمُ أَنَّهَا حَرَامٌ فَأَجْتَنِبُهَا قَالَ فَالْتَفَتَ أَبُو بَکْرٍ إِلَی عُمَرَ فَقَالَ مَا تَقُولُ یَا أَبَا حَفْصٍ فِی أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ فَقَالَ مُعْضِلَةٌ وأَبُو الْحَسَنِ لَهَا فَقَالَ أَبُو بَکْرٍ یَا غُلَامُ ادْعُ لَنَا

ص:92

عَلِیّاً قَالَ عُمَرُ بَلْ یُؤْتَی الْحَکَمُ فِی مَنْزِلِهِ فَأَتَوْهُ ومَعَهُ سَلْمَانُ الْفَارِسِیُّ فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّةِ الرَّجُلِ فَاقْتَصَّ عَلَیْهِ قِصَّتَهُ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لِأَبِی بَکْرٍ ابْعَثْ مَعَهُ مَنْ یَدُورُ بِهِ عَلَی مَجَالِسِ الْمُهَاجِرِینَ والْأَنْصَارِ فَمَنْ کَانَ تَلَا عَلَیْهِ آیَةَ التَّحْرِیمِ فَلْیَشْهَدْ عَلَیْهِ فَإِنْ لَمْ یَکُنْ تَلَا عَلَیْهِ آیَةَ التَّحْرِیمِ فَلَا شَیْ ءَ عَلَیْهِ فَفَعَلَ أَبُو بَکْرٍ بِالرَّجُلِ مَا قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام فَلَمْ یَشْهَدْ عَلَیْهِ أَحَدٌ فَخَلَّی سَبِیلَهُ فَقَالَ سَلْمَانُ لِعَلِیٍّ علیه السلام لَقَدْ أَرْشَدْتَهُمْ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أُجَدِّدَ تَأْکِیدَ هَذِهِ الْآیَةِ فِیَّ وفِیهِمْ أَ فَمَنْ یَهْدِی إِلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ یُتَّبَعَ أَمَّنْ لا یَهِدِّی إِلّا أَنْ یُهْدی فَما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ».

2 - السرائر الحاوی لتحریر الفتاوی؛ ج 3، ص: 480 «عن شیخنا المفید محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثی رضی الله عنه فی کتابه الإرشاد، فی قضایا أمیر المؤمنین علیه السلام فی امرة عمر بن الخطاب، بحضور جماعة من الصحابة، فسألهم عمر عن ذلک، فاخطأوا وأمیر المؤمنین جالس فقال له عمر، ما عندک فی هذا یا أبا الحسن، فتنصّل من الجواب، فعزم علیه، فقال له ان کان القوم قد قاربوک، فقد غشوک، وان کانوا ارتاءوا، فقد قصروا، الدیة، علی عاقلتک، لان قتل الصبیّ خطأ، تعلق بک فقال أنت واللّه نصحتنی من بینهم، واللّه لا تبرح حتی تجری الدیة علی بنی عدی...».

3 - الکافی (ط - الإسلامیة)؛ ج 7، ص: 199

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَرْزَمِیِّ عَنْ أَبِیهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِی عَبْدِ

ص:93

الله عَنْ أَبِیهِ علیه السلام قَالَ: «أُتِیَ عُمَرُ بِرَجُلٍ وقَدْ نُکِحَ فِی دُبُرِهِ فَهَمَّ أَنْ یَجْلِدَهُ فَقَالَ لِلشُّهُودِ رَأَیْتُمُوهُ یُدْخِلُهُ کَمَا یُدْخَلُ الْمِیلُ فِی الْمُکْحُلَةِ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لِعَلِیٍّ علیه السلام مَا تَرَی فِی هَذَا فَطَلَبَ الْفَحْلَ الَّذِی نَکَحَهُ فَلَمْ یَجِدْهُ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام أَرَی فِیهِ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُهُ قَالَ فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ ثُمَّ قَالَ خُذُوهُ فَقَدْ بَقِیَتْ لَهُ عُقُوبَةٌ أُخْرَی قَالُوا ومَا هِیَ قَالَ ادْعُوا بِطُنٍّ مِنْ حَطَبٍ فَدَعَا بِطُنٍّ مِنْ حَطَبٍ فَلُفَّ فِیهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَأَحْرَقَهُ بِالنَّارِ قَالَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عِبَاداً لَهُمْ فِی أَصْلَابِهِمْ أَرْحَامٌ کَأَرْحَامِ النِّسَاءِ قَالَ فَمَا لَهُمْ لَا یَحْمِلُونَ فِیهَا قَالَ لِأَنَّهَا مَنْکُوسَةٌ فِی أَدْبَارِهِمْ غُدَّةٌ کَغُدَّةِ الْبَعِیرِ فَإِذَا هَاجَتْ هَاجُوا وإِذَا سَکَنَتْ سَکَنُوا».

4 - یُونُسَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام: «الْحَدُّ فِی الْخَمْرِ إِنْ شُرِبَ مِنْهَا قَلِیلًا أَوْ کَثِیراً قَالَ ثُمَّ قَالَ أُتِیَ عُمَرُ بِقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ وقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ وقَامَتْ عَلَیْهِ الْبَیِّنَةُ فَسَأَلَ عَلِیّاً علیه السلام فَأَمَرَهُ أَنْ یَجْلِدَهُ ثَمَانِینَ فَقَالَ قُدَامَةُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ لَیْسَ عَلَیَّ حَدٌّ أَنَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْآیَةِ لَیْسَ عَلَی الَّذِینَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِیما طَعِمُوا قَالَ فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لَسْتَ مِنْ أَهْلِهَا إِنَّ طَعَامَ أَهْلِهَا لَهُمْ حَلَالٌ لَیْسَ یَأْکُلُونَ ولَا یَشْرَبُونَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ الله لَهُمْ ثُمَّ قَالَ عَلِیٌّ علیه السلام إِنَّ الشَّارِبَ إِذَا شَرِبَ لَمْ یَدْرِ مَا یَأْکُلُ ولَا مَا یَشْرَبُ فَاجْلِدُوهُ ثَمَانِینَ جَلْدَةً».

5 - وسائل الشیعة؛ ج 29، ص: 125

أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَحَدِهِمَا علیه السلام قَالَ: «أُتِیَ عُمَرُ بْنُ

ص:94

الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ أَخَا رَجُلٍ - فَدَفَعَهُ إِلَیْهِ وأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ - فَضَرَبَهُ الرَّجُلُ حَتَّی رَأَی أَنَّهُ قَدْ قَتَلَهُ - فَحُمِلَ إِلَی مَنْزِلِهِ فَوَجَدُوا بِهِ رَمَقاً فَعَالَجُوهُ فَبَرَأَ - فَلَمَّا خَرَجَ أَخَذَهُ أَخُو الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ - فَقَالَ أَنْتَ قَاتِلُ أَخِی ولِی أَنْ أَقْتُلَکَ - فَقَالَ قَدْ قَتَلْتَنِی مَرَّةً - فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَی عُمَرَ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ - فَخَرَجَ وهُوَ یَقُولُ والله قَتَلْتَنِی مَرَّةً - فَمَرُّوا عَلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ - فَقَالَ لَا تَعْجَلْ حَتَّی أَخْرُجَ إِلَیْکَ - فَدَخَلَ عَلَی عُمَرَ فَقَالَ لَیْسَ الْحُکْمُ فِیهِ هَکَذَا - فَقَالَ مَا هُوَ یَا أَبَا الْحَسَنِ - فَقَالَ یَقْتَصُّ هَذَا مِنْ أَخِی الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ مَا صَنَعَ بِهِ - ثُمَّ یَقْتُلُهُ بِأَخِیهِ - فَنَظَرَ الرَّجُلُ أَنَّهُ إِنِ اقْتَصَّ مِنْهُ أَتَی عَلَی نَفْسِهِ - فَعَفَا عَنْهُ وتَتَارَکَا».

الی غیرها من الروایات فی أبواب مختلفة من الوسائل کما فی باب 19 من أبواب کیفیة الحکم وباب 21 کذلک, وفی باب 1 من أبواب اقسام حدود الزنا وباب 3 من أبواب حد اللواط مع الاعقاب وغیرها.

الدلیل الرابع:

وهو فی القضاء بین الکفار الکتابیین, ویلحق بهم المخالفین سواء بنی علی اسلامهم او علی کونهم منتحلین للاسلام فیکونوا بمنزلة اهل الکتاب:

وهو عموم ما دل من الحکم بین اهل الکتاب بما انزل الله کقوله تعالی فی سورة المائدة: (وَ أَنْزَلْنا إِلَیْکَ الْکِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ

ص:95

مِنَ الْکِتابِ وَ مُهَیْمِناً عَلَیْهِ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَکَ مِنَ الْحَقِّ لِکُلٍّ جَعَلْنا مِنْکُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً )(1).

وقوله تعالی: (وَ أَنِ احْکُمْ بَیْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ یَفْتِنُوکَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَیْکَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما یُرِیدُ اللّهُ أَنْ یُصِیبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَ إِنَّ کَثِیراً مِنَ النّاسِ لَفاسِقُونَ ( 49) أَ فَحُکْمَ الْجاهِلِیَّةِ یَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُکْماً لِقَوْمٍ یُوقِنُونَ ( 50) (2).

ووقوله تعالی: (وَ إِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 42) (3).

الدلیل الخامس:

وهو دلیل عام فی إقامة القسط بین کل البشر فیشمل اهل الکتاب والمخالفین, وهی الایات الامرة بالقیام بالقسط:

قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلی أَنْفُسِکُمْ أَوِ الْوالِدَیْنِ وَ الْأَقْرَبِینَ) (4).

قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوّامِینَ لِلّهِ شُهَداءَ

ص:96


1- (1) سورة المائدة: الآیة 48.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 47-50.
3- (3) سورة النساء: الآیة 135.
4- (4) سورة هود: الآیة 85.

بِالْقِسْطِ )(1).

قوله تعالی: (وَ یا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِکْیالَ وَ الْمِیزانَ بِالْقِسْطِ )(2).

قوله تعالی: (قُلْ أَمَرَ رَبِّی بِالْقِسْطِ وَ أَقِیمُوا وُجُوهَکُمْ عِنْدَ کُلِّ مَسْجِدٍ وَ ادْعُوهُ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ کَما بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ ( 29) (3).

قوله تعالی: (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْکِتابَ وَ الْمِیزانَ لِیَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ) (4).

وغیرها من الایات.

ص:97


1- (1) سورة الأعراف: الآیة 29.
2- (2) سورة هود: الآیة 85.
3- (3) سورة الأعراف: الآیة 29.
4- (4) سورة الحدید: 25.

ص:98

القاعدة السادسة:

قاعدة فی اسلام او کفر ابن الزنا

ص:99

ص:100

القاعدة السادسة: قاعدة فی اسلام او کفر ابن الزنا

هذه القاعدة تتمحورفی بیان حقیقة ابن الزنا وحکمه من حیث الاسلام والکفر وما یتبع ذلک من احکام:

والبحث فی القاعدة یقع فی مقامین:

المقام الأول:

أقوال الأعلام فی المسالة:

انقسمت اقوال الاعلام بین اثبات الکفر او الاسلام او الواسطة بینهما.

والیک جملة منها:

1 - رسائل الشریف المرتضی؛ ج 3، ص: 131: «حکم عبادة ولد الزنا: مسألة: ما یظهر من ولد الزنا من صلاة وصیام وقیام لعبادة کیف القول فیه، مع الروایة الظاهرة أن ولد الزنا فی النار. وأنه لا یکون

ص:101

قط من أهل الجنة.

الجواب: هذه الروایة موجودة فی کتب أصحابنا، الا أنه غیر مقطوع بها. ووجهها ان صحت: أن کل ولد زنیة لا بد أن یکون فی علم اللّه تعالی أنه یختار الکفر ویموت علیه، وأنه لا یختار الایمان. ولیس کونه من ولد الزنیة ذنبا یؤاخذ به، فان ذلک لیس ذنبا فی نفسه وانما الذنب لأبویه، ولکنه انما یعاقب بأفعاله الذمیمة القبیحة التی علم اللّه أنه یختارها ویصیر کذا، وکونه ولد زنا علامة علی وقوع ما یستحق من العقاب، وأنه من أهل النار بتلک الاعمال، لا لانه مولود من زنا».

2 - الشیخ البحرانی فی الحدائق الناضرة: «محل الخلاف فی المسألة انه هل یقع من ابن الزنا الایمان والتدین أم یقطع بعدمه؟ وحمله القول بکفره علی معنی انه لا یقع منه إلا الکفر وإلا فإنهم لا ینکرون انه لو فرض ایمانه وتدینه أمکن دخوله الجنة بل وجب. فإنه لیس فی محله بل هؤلاء القائلون بکفره یقولون به وان أظهر الایمان وتدین به کما هو ظاهر النقل عنهم، وبه صرح جملة من أصحابنا: منهم - شیخنا خاتمة المحدثین غواص بحار الأنوار.

حیث قال فیه: ونسب الی الصدوق والمرتضی وابن إدریس (قدس الله أسرارهم) القول بکفره وان لم یظهره، ثم قال: وهذا مخالف لأصول العدل إذ لم یفعل باختیاره ما یستحق به العقاب فیکون عقابه ظلما وجورا ولیس بظلام للعبید. انتهی.

ص:102

أقول: وهذا الذی نقله عن المشایخ الثلاثة هو الذی تدل علیه الأخبار وهی التی أوجبت مصیرهم الیه کما ستمر بک ان شاء الله تعالی فإنها صریحة فی حرمانه الجنة وان أظهر التدین والایمان، نعم ما ذکره من القول بالکفر انما هو وجه تأویل حیث حمل القائلون بإسلام ولد الزنا الأخبار الدالة علی عدم دخوله الجنة علی انه لکونه یظهر الکفر فجعلوه جوابا عن الاخبار المذکورة مع انها صریحة فی رده ایضا کما سیظهر لک لا ان ذلک مذهب القائلین بکفره».

ثم قال مبینا مختاره: «وبالجملة فالمفهوم من الاخبار التی سردناها ان ابن الزنا له حالة ثالثة غیر حالتی الایمان والکفر، لان ما تقدم من الاخبار الدالة علی أحکامه فی الدنیا من النجاسة وعدم العدالة مع الاتصاف بشروطها وحکم دیته وکذا اخبار عدم دخوله الجنة وکذا الأخبار الأخیرة لا یجامع الحکم بالایمان بوجه، وأسباب الکفر الموجبة للحکم بکونه کافرا غیر موجودة لأن الفرض انه متدین بظاهر الایمان کما عرفت من ظاهر الاخبار المذکورة».

2 - فی کتاب الطهارة (للشیخ الأنصاری)؛ ج 5، ص: 155:

«حکم ولد الزنا: المشهور بین أصحابنا رضوان اللّه علیهم طهارة ولد الزنا وإسلامه؛ لأصالة الطهارة وأصالة الإسلام؛ لحدیث الفطرة؛ لما دلّ علی ثبوته لمن أظهره وتدیّن به.

ص:103

خلافاً للمحکیّ عن الصدوق والسیّد والحلّی: من القول بکفره ونجاسته. وعن المختلف: نسبته إلی جماعة. ویظهر من المعتبر: أنّ بعضاً منهم ادّعی الإجماع علی ذلک. وعن الحلّی: نفی الخلاف فی ذلک».

ثم قال مبینا مختاره:

«ثمّ إنّ الأخبار المذکورة لا دلالة فیها علی الکفر إلّا بناءً علی نفی الواسطة بین الکفر والإسلام، مضافاً إلی عموم طهارة کلّ مسلم. و قد منع صاحب الحدائق عن المقدّمة الأُولی، فاختار أنّه نجس وله حالة غیر حالتی الإیمان والکفر والمحکی عن عبارة الصدوق أیضاً: عدم جواز التوضّؤ بسؤره، فلم یبقَ مع الحلیّ روایة تدلّ علی کفره، ولا فتوی یوافقه إلّا علم الهدی، فکیف ینفی الخلاف؟ ثمّ إنّ الأخبار فی مجازاة ولد الزنا مختلفة، والذی یحصل من الجمع بین مجموعها: أنّه لا یدخل الجنّة ولا یعذّب فی النار إن لم یعمل عملًا موجباً له».

3 - مسالک الأفهام إلی تنقیح شرائع الإسلام؛ ج 14، ص: 222:

«وعلّله ابن إدریس بأن ولد الزنا کافر، محتجّا بالإجماع، فمن ثمَّ لا تقبل شهادته کغیره من الکفّار. والدعوی للحکم والإجماع ممنوعان».

4 - مستند الشیعة فی أحکام الشریعة؛ ج 1، ص: 219:

«والأظهر الأشهر: طهارته، للأصل. وعن الصدوق والسید والحلّی نجاسته. وفی المعتبر عن بعض الأصحاب الإجماع علیها، لروایتی حمزة

ص:104

بن أحمد وابن أبی یعفور المتقدمتین فی غسالة الحمام، والمرویات فی عقاب الأعمال وثواب الأعمال، والمحاسن، والعلل.

[الأولیان]: «إنّ نوحا حمل فی السفینة الکلب والخنزیر، ولم یحمل فیها ولد الزنا».

والثالثة: «لا خیر فی ولد الزنا، ولا فی بشره، ولا فی شعره، ولا فی لحمه، ولا فی دمه، ولا فی شیء منه».

والرابعة: وفیها مخاطبا له یوم القیامة: «وأنت رجس، ولن یدخل الجنة إلّا طاهر».

ومرسلة الوشاء: «کره سؤر ولد الزنا، والیهودی، والنصرانی، وکل ما خالف الإسلام». فإن المراد بالکراهة فیها الحرمة، بقرینة البواقی لئلّا یلزم استعمال اللفظ فی الحقیقة والمجاز.

مع أن سیاقها یدلّ علی مخالفته الإسلام، فیکون کافرا، کما تدلّ علیه أیضا استفاضة الأخبار «بأنّه لا یدخل الجنة إلّا من طابت ولادته» و «بأنّ دیته کدیة الیهودی والنصاری» وهذا وجه آخر لنجاسته.

ویجاب عن الروایتین: بأنهما تنفیان الطهوریة دون الطهارة، ولا تلازم بینهما کما مرّ.

و الطهارة المنفیة فی ثانیتهما غیر ما یوجب انتفاؤه النجاسة قطعا، لنفیها عن سبعة آبائه.

ص:105

وعن الروایات الأربع: بعدم الدلالة، لأن حمل الکلبین دونه لمطلوبیة بقاء نوعهما دون نوعه، لا لکونه أنجس منهما.

و نفی الخیر لا یثبت النجاسة.

وثبوت الرجسیة أو نفی الطهارة عنه یوم القیامة لا یدلّ علیه فی الدنیا، مع أن کون الرجس والطهارة بالمعنی المفید هنا لغة غیر ثابت.

وعن المرسلة: بأن الکراهة غیر الحرمة، وذکر البواقی لا یثبت إرادتها، لجواز إرادة القدر المشترک الذی هو معناها اللغوی. ودلالة سیاقها علی کفره ممنوعة.

وعدم دخوله الجنة - لو سلّم وخلا ما یدلّ علیه عن المعارض - لا یستلزم الکفر، إذ غایته عدم الإیمان، وقد أثبت بعضهم له الواسطة. کما لا یستلزمه کون دیته کدیة الکافر لو سلّم، مع أنّ نجاسة کل کافر ممنوعة کما مر».

المقام الثانی:

الاخبار: وهی طوائف تدل علی کفره:

منها: «ان عمله لا یقبل ولا تطیب ذاته ابدا»:

وفی هذه الطائفة روایات منها:

1 - المحاسن (للبرقی)؛ ج 1، ص: 108 «موثقة زُرَارَةَ قَالَ

ص:106

سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ علیه السلام یَقُولُ لَا خَیْرَ فِی وَلَدِ الزِّنَا ولَا فِی بَشَرِهِ ولَا شَعْرِهِ ولَا فِی لَحْمِهِ ولَا فِی دَمِهِ ولَا فِی شَیْ ءٍ مِنْهُ یَعْنِی وَلَدَ الزِّنَا» (1).

وَ فِی رِوَایَةِ أَبِی خَدِیجَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام، قَالَ: «إ ِنْ کَانَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الزِّنَا نَجَا لَنَجَا سَائِحُ بَنِی إِسْرَائِیلَ فَقِیلَ لَهُ ومَا سَائِحُ بَنِی إِسْرَائِیلَ قَالَ کَانَ عَابِداً فَقِیلَ لَهُ إِنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَا یَطِیبُ أَبَداً ولَا یَقْبَلُ الله مِنْهُ عَمَلًا قَالَ فَخَرَجَ یَسِیحُ بَیْنَ الْجِبَالِ ویَقُولُ مَا ذَنْبِی»(2).

تقریب الاستدلال:

ومعنی انه لا خیر فیه ان اعماله لا تقبل ولا تطیب وهذا لیس الا لعدم ایمانه نظیر ما ورد انه لا یحبنا الا طیب الولادة کما ذکرنا.

ومعنی ذلک انه فاقد لشرطیة الایمان. بل هو اسوا حالا من المستضعف اذ ان الأخیر یمتحن فان امن ادخل الجنه اما ابن الزنا فلا.

ویعضد ان دیته اقل من ابن الحلال ان الروایات عبرت عنه انه لا خیر فیه.

ویدل أیضا انه لا حرمة مالیة فیه فیناسب الروایات القائلة ان دیته بمقدار ما انفق علیه فان الدیة لا لاجل ذاته بل لاجل من تولی عیلولته.

منها: ما دل علی نجاسة سوره:

ص:107


1- (1) المحاسن: ج 1، ص 108.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 20 ص 443.

وهذه الطائفة فیها روایات منها:

1 - الکافی (ط - الإسلامیة)؛ ج 3، ص: 11:

عن الْوَشَّاءِ عَمَّنْ ذَکَرَهُ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام: «أَنَّهُ کَرِهَ سُؤْرَ وَلَدِ الزِّنَا وسُؤْرَ الْیَهُودِیِّ والنَّصْرَانِیِّ والْمُشْرِکِ وکُلِّ مَا خَالَفَ الْإِسْلَامَ وکَانَ أَشَدَّ ذَلِکَ عِنْدَهُ سُؤْرُ النَّاصِبِ».

2 - الکافی (ط - الإسلامیة)؛ ج 3، ص: 14:

عَنِ ابْنِ أَبِی یَعْفُورٍ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام قَالَ: «قَالَ: لَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِی تَجْتَمِعُ فِیهَا غُسَالَةُ الْحَمَّامِ فَإِنَّ فِیهَا غُسَالَةَ وَلَدِ الزِّنَا وهُوَ لَا یَطْهُرُ إِلَی سَبْعَةِ آبَاءٍ وفِیهَا غُسَالَةَ النَّاصِبِ وهُوَ شَرُّهُمَا».

3 - وسائل الشیعة؛ ج 1، ص: 218: «عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ علیه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ أَوْ سَأَلَهُ غَیْرِی عَنِ الْحَمَّامِ - قَالَ ادْخُلْهُ بِمِئْزَرٍ وغُضَّ بَصَرَکَ - ولَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِی یَجْتَمِعُ فِیهَا مَاءُ الْحَمَّامِ - فَإِنَّهُ یَسِیلُ فِیهَا مَا یَغْتَسِلُ بِهِ الْجُنُبُ - ووَلَدُ الزِّنَا والنَّاصِبُ لَنَا أَهْلَ الْبَیْتِ وهُوَ شَرُّهُمْ».

ومنها: انه لا تقبل شهادته ولا یصلی خلفة ولا یولی القضاء:

وهذا قد دلت علیه الروایات واتفقت علیه کلمات الاصحاب لاشتراط طهارة المولد فیها.

ص:108

ففی کل مورد اشترط فیه العداله لا یجتزی بابن الزنا.

وقد یقال ان هذا یدل علی فسقه فقط لا علی عدم ایمانه واسلامه؟

فیقال: ان الحکم بعدم عدالته او عدم الاجتزاء فی مواطن اشتراط العدالة لیس بموجب بروز فسق عملی منه بل بمجرد انه ابن زنا, وهذا انسب لسببیة عدم ایمانه او عدم تمامیة ایمانه نظیر المخالف او المستضعف انه لا یحکم بعدالته لعدم تحقق الایمان منه وان لم یبرز من المستضعف الفسق العملی.

ومن هذه الروایات:

1 - وسائل الشیعة؛ ج 27، ص: 375:

مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِالله علیه السلام: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا»(1).

2 - الخلاف؛ ج 1، ص: 561:

و روی أبو بصیر عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «خمسة لا یأمون الناس علی کل حال: المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنا، والأعرابی»(2).

منها: ما دل علی انه اسوا حالا من الکلب والخنزیر:

ص:109


1- (1) وسائل الشیعة: ج 27، ص 375.
2- (2) الخلاف: ج 1، ص 561.

وفی ذلک روایات منها:

1 - وسائل الشیعة؛ ج 27، ص: 377:

عَنْ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام قَالَ: «إِنَّ نُوحاً حَمَلَ الْکَلْبَ فِی السَّفِینَةِ ولَمْ یَحْمِلْ وَلَدَ الزِّنَا»(1).

2 - الکافی (ط - الإسلامیة)؛ ج 5، ص: 355 زُرَارَةَ بْنِ أَعْیَنَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «سَمِعْتُهُ یَقُولُ لَا خَیْرَ فِی وَلَدِ الزِّنَا ولَا فِی بَشَرِهِ ولَا فِی شَعْرِهِ ولَا فِی لَحْمِهِ ولَا فِی دَمِهِ ولَا فِی شَیْ ءٍ مِنْهُ عَجَزَتْ عَنْهُ السَّفِینَةُ وقَدْ حُمِلَ فِیهَا الْکَلْبُ والْخِنْزِیرُ»(2).

3 - المحاسن (للبرقی)؛ ج 1، ص: 185: «عَنْ أَبِی بَصِیرٍ لَیْثٍ الْمُرَادِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام قَالَ: «إِنَّ نُوحاً حَمَلَ فِی السَّفِینَةِ الْکَلْبَ والْخِنْزِیرَ ولَمْ یَحْمِلْ فِیهَا وَلَدَ الزِّنَاءِ وإِنَّ النَّاصِبَ شَرٌّ مِنْ وَلَدِ الزِّنَاءِ»(3).

وهذه الروایات دالة علی عدم ایمانه بل اسوا من المسلم المستضعف والا فان الأخیر لا یقال له انک اسوا من الکلب والخنزیر, نعم الناصب شر منه, وهذا دال علی عدم ایمانه وانه کالمنتحل للاسلام وانه اسوا من المستضعف الذی هو مسلم ظاهراً.

ص:110


1- (1) وسائل الشیعة: ج 27، ص 377.
2- (2) الکافی: ج 5، ص 355.
3- (3) المحاسن: ج 1، ص 185.

وهذا یقوی ان دیته لیست کالمستضعف.

منها: ان ابن الزنا لا یدخل الجنه:

وفیها روایات منها:

1 - المحاسن (للبرقی)؛ ج 1، ص: 139:

المعتبرة الی الحسن بن راشد عن شریس الوابشی عن سَدِیرٍ الصیرفی قالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام: «مَنْ طَهُرَتْ وِلَادَتُهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»(1).

2 - المحاسن (للبرقی)؛ ج 1، ص: 139:

معتبرة عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام: «قَالَ خَلَقَ الله الْجَنَّةَ طَاهِرَةً مُطَهَّرَةً لَا یَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ طَابَتْ وِلَادَتُهُ»(2).

3 - الفصول المهمة فی أصول الأئمة - تکملة الوسائل؛ ج 3، ص: 265: مرفوعة مُحَمَّدِ بْنِ سُلَیْمَانَ الدَّیْلَمِیِّ، عَنْ أَبِیهِ رَفَعَ الْحَدِیثَ إِلَی الصَّادِقِ قَالَ: «یَقُولُ وَلَدُ الزِّنَا: یَا رَبِّ مَا ذَنْبِی؟ فَمَا کَانَ لِی فِی أَمْرِی صُنْعٌ، قَالَ: فَیُنَادِیهِ مُنَادٍ فَیَقُولُ: أَنْتَ شَرُّ الثَّلَاثَةِ، أَذْنَبَ وَالِدَاکَ فَنَبَتَّ عَلَیْهِمَا وأَنْتَ رِجْسٌ، ولَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا طَاهِرٌ»(3).

4 - المحاسن (للبرقی)؛ ج 1، ص: 149:

ص:111


1- (1) المحاسن: ج 1، ص 139.
2- (2) المحاسن: ج 1، ص 139.
3- (3) الفصول المهمة: ج 3، ص 265.

مصحح أَیُّوبَ بْنِ حُرٍّ عَنْ أَبِی بَکْرٍ قَالَ: «کُنَّا عِنْدَهُ ومَعَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَجْلَانَ فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَجْلَانَ مَعَنَا رَجُلٌ یَعْرِفُ مَا نَعْرِفُ ویُقَالُ إِنَّهُ وَلَدُ زِنًا فَقَالَ مَا تَقُولُ فَقُلْتُ إِنَّ ذَلِکَ لَیُقَالُ لَهُ فَقَالَ إِنْ کَانَ ذَلِکَ کَذَلِکَ بُنِیَ لَهُ بَیْتٌ فِی النَّارِ مِنْ صَدْرٍ یُرَدُّ عَنْهُ وَهَجُ جَهَنَّمَ ویُؤْتَی بِرِزْقِهِ»(1).

5 - قرب الإسناد (ط - الحدیثة)؛ ص: 25:

معتبرة عَبْدِ الله بْنِ مَیْمُونٍ الْقَدَّاحِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِیهِ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَی عَلِیٍّ علیه السلام فَقَالَ: جَعَلَنِیَ الله فِدَاکَ، إِنِّی لَأُحِبُّکُمْ أَهْلَ الْبَیْتِ. قَالَ: وکَانَ فِیهِ لِینٌ. قَالَ: فَأَثْنَی عَلَیْهِ عِدَّةٌ. فَقَالَ لَهُ: کَذَبْتَ، مَا یُحِبُّنَا مُخَنَّثٌ، ولَا دَیُّوثٌ، ولَا وَلَدُ زِنًا، ولَا مَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ فِی حَیْضِهَا. قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ، فَلَمَّا کَانَ یَوْمُ صِفِّینَ قُتِلَ مَعَ مُعَاوِیَةَ».

وغیرها من الروایات.

وهذه الروایات مستفیضة فی مفاد عدم دخول ابن الزنا الجنة وعلی تقدیر صلاحه نادرا فلا یعذب فی النار وان دخلها.

ویتحصل من هذا المفاد عدم تحقق الایمان منه حقیقة وان تشدق به لسانا او میولا وخطورا الا انه لا یکون ایمانا فی الأعماق واللب بل صوریا.

ص:112


1- (1) المحاسن: ج 1، ص 149.

ولک ان تقول انه لو تحقق الایمان منه فلا یکون ایمانا مستقرا.

وعن الشیخ البهائی فی شرح الأربعین حمل مفاد الاخبار أعلاه علی حرمانه الجنه مدة طویلة او علی حرمانه لطبقات خاصة من الجنة.

وحمله هذا اعتراف بنقص الایمان وعدم تحقق تمامیته فیه.

الثانی: طوائف تدل علی الحکم باسلامه ظاهرا:

منها:

1 - موثقة ابْنِ أَبِی یَعْفُورٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام: «إِنَّ وَلَدَ الزِّنَا یُسْتَعْمَلُ إِنْ عَمِلَ خَیْراً جُزِئَ بِهِ وإِنْ عَمِلَ شَرّاً جُزِئَ بِهِ»(1).

وشرح الروایة کل من صاحب البحار والمرآة:

قال فی مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول؛ ج 26، ص: 194:

«قوله علیه السلام: «إنْ عمل خیراً جُزی به» الظاهر أن المراد أنه لا یحکم بکفره بل یؤمر بالأعمال فإن عمل خیرا یثاب علیه، وإن عمل شرا یعاقب علیه کما هو المشهور بین الأصحاب، وهذا لا ینافی ما یظهر من بعض الأخبار أنه یفعل باختیاره ما یستوجب النار، إذ هذا حکم ظاهر حاله، وذاک بیان ما یؤول إلیه أمره، وعلی مذهب من قال - کالسید المرتضی رحمه الله - أنه بحکم الکفار وإن لم یظهر منه ما یوجب کفره، یمکن

ص:113


1- (1) قرب الإسناد: ص 25.

أن یحمل الجزاء علی الأجر المنقطع الذی یکون للکفار أیضا لا علی الثواب الدائم، وقد سبق الکلام فیه فی شرح کتاب الطهارة).

قال فی بحار الأنوار (ط - بیروت)؛ ج 5؛ ص 288:

«أقول یمکن الجمع بین الأخبار علی وجه آخر یوافق قانون العدل بأن یقال لا یدخل ولد الزنا الجنة لکن لا یعاقب فی النار إلا بعد أن یظهر منه ما یستحقه ومع فعل الطاعة وعدم ارتکاب ما یحبطه یثاب فی النار علی ذلک ولا یلزم علی الله أن یثیب الخلق فی الجنة ویدل علیه خبر عبد الله بن عجلان ولا ینافیه خبر ابن أبی یعفور إذ لیس فیه تصریح بأن جزاءه یکون فی الجنة وأما العمومات الدالة علی أن من یؤمن بالله ویعمل صالحا یدخله الله الجنة یمکن أن تکون مخصصة بتلک الأخبار وبالجملة فهذه المسألة مما قد تحیر فیه العقول وارتاب به الفحول والکف عن الخوض فیها أسلم ولا نری فیها شیئا أحسن من أن یقال الله أعلم».

یتحصل من کلام المجلسی عدم منافاة هذه الروایة للطائفة السابقة کما لا یخفی علی اللبیب.

2 - الکافی (ط - الإسلامیة)؛ ج 7، ص: 62:

صحیحة عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ الله علیه السلام: «إِنَّ أَبِی حَضَرَهُ الْمَوْتُ فَقِیلَ لَهُ أَوْصِ فَقَالَ هَذَا ابْنِی یَعْنِی عُمَرَ فَمَا صَنَعَ فَهُوَ

ص:114

جَائِزٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام فَقَدْ أَوْصَی أَبُوکَ وأَوْجَزَ قُلْتُ فَإِنَّهُ أَمَرَ لَکَ بِکَذَا وکَذَا فَقَالَ أَجْرِهِ قُلْتُ وأَوْصَی بِنَسَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ عَارِفَةٍ فَلَمَّا أَعْتَقْنَاهُ بَانَ لَنَا أَنَّهُ لِغَیْرِ رِشْدَةٍ فَقَالَ قَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِکَ مَثَلُ رَجُلٍ اشْتَرَی أُضْحِیَّةً عَلَی أَنَّهَا سَمِینَةٌ فَوَجَدَهَا مَهْزُولَةً فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ» (1).

علق علی الروایة:

1 - قال فی الحدائق: أقول: فیه إشارة إلی کفر ابن الزنا کما هو أحد القولین.

2 - روضة المتقین فی شرح من لا یحضره الفقیه؛ ج 11، ص: 138.

أی کان ولد زناء ویظهر منه أن ولد الزنا لیس بمؤمن کما یظهر من التمثیل ویمکن حمله علی نفی الکمال.

الحاصل من دلالة الروایة انها اقرب دلالة علی نفی الایمان منها الی اثباته. بل قد تکون نصا فی المطلوب.

ان ابن الزنا محکوم بظاهر الإسلام ولیس مسلم حقیقة نظیر المخالف الذی هو منتحل للاسلام.

و التمسک بالشهادتین اعم من الحکم بالإسلام والانتحال کما مر فی اسلام المخالف وان کان الأصل العمل بظاهر الإقرار بالشهادتین.

ص:115


1- (1) الکافی: ج 7، ص 62.

فمجرد الإقرار بالشهادتین ظاهراً لا یکفی فی ترتیب اثار القصاص والقود بل لابد من ضمیمة باقی الشروط کالکفائة فی الدین.

ان قلت:

ان ابن الزنا لو ادرک التمییز والبلوغ وتشهد الشهادتین او الشهادات الثلاثة فهل یرفع الید عن ظاهر الشهادتین بالحکم باسلامه او ظاهر الشهادات الثلاثة عن الحکم بظاهر ایمانه لاسیما وان بعض الاحتمالات ان ایمانه مستودع فغایة الامر الحکم باسلامه وایمانه فعلیا مالم یبرز منه ما یخرجه من الإسلام والایمان فغایة الامر ان عاقبة عمره یسلب عنه الایمان لا انه فعلا مسلوب الایمان.

قلت:

ان عموم الإقرار بالشهادتین او الثلاثة وان کان مقتضی القاعدة ترتیب اثار الإسلام والایمان فی الظاهر بغض النظر عن حقیقة الواقع ومن ثم ذهب مشهور المتاخرین الی ذلک وان الروایات الواردة حول حقائق القلوب ناظرة الی أحوال الجزاء والحساب الاخروی او تجسم الاعمال البرزخیة لا الی الاثار والاحکام الفقهیة الدنیویة الا ان ورود جملة من طوائف الروایات فی جملة من الاحکام الفقهیة مما یتوقف علی الایمان والعدالة کعدم امامته للجماعة وعدم قبول شهادته وعدم تولیه القضاء والا المناصب الشرعیة الأخری وکون دیته کدیة الذمی

ص:116

ونجاسة غسالته وان حمل علی النجاسة بدرجة الکراهة وعدم التوارث وغیرها من الاحکام لیست أحوال اخرویة بل اثار فقهیة دنیویة منوطة بالایمان والعدالة فاذا انتفت کان ذلک مقتضیا اما لنفی الموضوع او لکونه حالة متوسطة بین النفی والاثبات, نظیر ما قرره مشهور القدماء فی المخالف بنفس التقریب, فالجمع بین مقتضی قاعدة الإقرار بالشهادتین او الثلاثة مع هذه الأدلة الفقهیة لجملة من الاحکام هو الحاقة ببعض احکام الإسلام انتحالاً لا اندراجاً فی الموضوع بلحاظ کل الاثار کما فی المستضعف مثلاً.

وبعبارة أخری: انه ظاهر اقراره بالشهادتین او الثلاثة مع مقتضی حسن الظاهر ما لو اتَّصف به هو ترتیب اثار ظاهر الإسلام والایمان والعدالة ولکن لابد ان نرفع الید عن ذلک بنفی هذه الجملة من الاحکام باتفاق النصوص والفتاوی.

وحینئذ لا محالة من رفع التدافع بین مقتضیات القواعد وطوائف الروایات بما قررنا مبسوطا تبعا لمشهور القدامی للمخالف وابن الزنا.

ص:117

ص:118

القاعدة السابعة:

قاعدة الجب

ص:119

ص:120

القاعدة السابعة: قاعدة الجب

اشارة

مر فی الجزء الأول من کتابنا الکلام عن قاعدة الجب وهنا نضیف أمور أخری:

ادلة القاعدة:

1 - للحدیث النبوی «الإسلام یجبُّ ما قبله ویهدم»(1).

2 - ونظیره ما رواه ابن شهرآشوب فِی المناقب فیمن طلّق زوجته فِی الشرک تطلیقة وفی الإسلام تطلیقتین قَالَ علی علیه السلام «هدم الإسلام ما کَانَ قبله هِیَ عندک عَلَی واحدة»(2).

3 - بَلْ لقوله تَعَالَی: (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ

ص:121


1- (1) رواه القمی فی تفسیره فی ذیل الآیة 90 من الأسراء والآیة 93 من النساء وظاهر کلامه وکلام جملة من المُتقدّمین التسالم علی الحدیث، وذکره الرضی فی المجازات النبویة.
2- (2) البحار: 230/40 عن المناقب: 364/2.

وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ) (1).

4 - ومفهوم قوله تَعَالَی فِی آیة غافر(2) کَمَا تشیر إلیه روایة جعفر بن رزق الآتیة وأنَّ قاعدة الجبّ مفادها مسقطیة التوبة لما تَقَدَّمَ فِی مورد التوبة مِنْ الکفر الأصلی، وَقَدْ قرّب فِی المبسوط تقریب الاستدلال بالآیة أنَّ مفاد الآیة قبول إسلام الکافر کَمَا هُوَ مُقتضی أحادیث نبویة کثیرة وأنَّهم إذَا أسلموا وتشّهدوا الشهادتین عصموا دمائهم وأموالهم ومُقتضاه عدم ملاحقتهم وعدم مُتابعتهم فیما أتوه فِی حال الکفر مما یوجب هدر الدم، لکنَّ غایة هَذَا التقریر مفاد الآیة هُوَ سقوط ما أتوه فِی الأموال والدماء بعنوان الاحتراب بسبب عنوان الکفر وأمَّا ما أتوه مِنْ جهة تعامل فردی فلا صلة لَهُ بالدیانة وتبدلها.

وروی العیاشی عَنْ علی بن درّاج الأسدی قَالَ: دخلت عَلَی أبی جعفر علیه السلام فقلت لَهُ: إنِّی کُنْت عاملاً لبنی أُمیة فأصبت مالاً کثیراً فظننت أنَّ ذَلِکَ لا یحلّ لی، قَالَ: فسألت عَنْ ذَلِکَ غیری قَالَ: قلت: قَدْ سألت فَقِیلَ لی: أنَّ أهلک ومالک وَکُلّ شیء لک حرام؟ قَالَ: «لَیْسَ کَمَا قالوا لک: قلت جعلت فداک فلی توبة؟ قَالَ: نعم توبتک فِی کتاب اللة(قُلْ لِلَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ یَنْتَهُوا یُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) ».

ص:122


1- (1) سورة البقرة: الآیة 275.
2- (2) سورة النساء: الآیة 2.

وفی القاعدة جهات:

الأولی: موارد تدعم القاعدة:

أنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِی جملة مِنْ الموارد جبّ ما سبق:

1 - کَمَا فِی الربا... (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهی فَلَهُ ما سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَ مَنْ عادَ فَأُولئِکَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ ( 275) )(1).

2 - النکاح لزوجة الاب: (وَ لا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً )(2).

3 - الجمع بین الاختین: (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَیْنَ الْأُخْتَیْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ کانَ غَفُوراً رَحِیماً ( 23) )(3).

4 - ما ورد فی الصوم من صحاح کصحیح عیص بن القاسم قال: سألت أبا عبدالله عن قوم أسلموا فی شهر رمضان وقد مضی منه أیام هل علیهم أنء یصوموا ما مضی منه أو یومهم الذی أسلموا فیه؟ فقال: «لیس علیهم قضاء ولا یومهم الذی أسلموا فیه، إلا أنء یکونوا أسلموا قبل طلوع الفجر»(4).

ص:123


1- (1) سورة النساء: الآیة 23.
2- (2) سورة النساء: الآیة 22.
3- (3) سورة النساء: الآیة 23.
4- (4) وسائل الشیعة: ج 10، ص 328.

5 - ومفهوم روایة جعفر بن رزق جَعْفَرِ بْنِ رِزْقِ الله قَالَ: «قُدِّمَ إِلَی الْمُتَوَکِّلِ رَجُلٌ نَصْرَانِیٌّ - فَجَرَ بِامْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ وأَرَادَ أَنْ یُقِیمَ عَلَیْهِ الْحَدَّ فَأَسْلَمَ - فَقَالَ یَحْیَی بْنُ أَکْثَمَ قَدْ هَدَمَ إِیمَانُهُ شِرْکَهُ وفِعْلَهُ - وقَالَ بَعْضُهُمْ یُضْرَبُ ثَلَاثَةَ حُدُودٍ - وقَالَ بَعْضُهُمْ یُفْعَلُ بِهِ کَذَا وکَذَا - فَأَمَرَ الْمُتَوَکِّلُ بِالْکِتَابِ إِلَی أَبِی الْحَسَنِ الثَّالِثِ ع - وسُؤَالِهِ عَنْ ذَلِکَ - فَلَمَّا قَدِمَ الْکِتَابَ کَتَبَ أَبُو الْحَسَنِ ع - یُضْرَبُ حَتَّی یَمُوتَ - فَأَنْکَرَ یَحْیَی بْنُ أَکْثَمَ وأَنْکَرَ فُقَهَاءُ الْعَسْکَرِ ذَلِکَ - وقَالُوا یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ سَلْهُ عَنْ هَذَا - فَإِنَّهُ شَیْ ءٌ لَمْ یَنْطِقْ بِهِ کِتَابٌ - ولَمْ تَجِئْ بِهِ السُّنَّةُ - فَکَتَبَ أَنَّ فُقَهَاءَ الْمُسْلِمِینَ قَدْ أَنْکَرُوا هَذَا - وقَالُوا لَمْ تَجِئْ بِهِ سُنَّةٌ ولَمْ یَنْطِقْ بِهِ کِتَابٌ - فَبَیِّنْ لَنَا بِمَا أَوْجَبْتَ عَلَیْهِ الضَّرْبَ حَتَّی یَمُوتَ - فَکَتَبَ علیه السلام بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ - وکَفَرْنا بِما کُنّا بِهِ مُشْرِکِینَ - فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا - سُنَّتَ اللّهِ الَّتِی قَدْ خَلَتْ فِی عِبادِهِ - وخَسِرَ هُنالِکَ الْکافِرُونَ - قَالَ فَأَمَرَ بِهِ الْمُتَوَکِّلُ فَضُرِبَ حَتَّی مَاتَ»(1).

الجهة الثانیة: مورد القاعدة:

إنَّ ظاهر جملة کلمات الأصحاب أنَّ مورد القاعدة هُوَ حقّ الله تَعَالَی لا حق الناس وغالباً فِی العبادات لا فِی الواجبات لأبواب المعاملات، وأنَّ الساقط لَیْسَ خصوص العذاب والعقوبة، بَلْ کُلّ ما

ص:124


1- (1) تفسیر العیاشی: 55/2 - ح 47.

یوجب عَلَیْهِ کلفة مِنْ القضاء وغیره، نعم فِی عِدَّة مِنْ الکلمات أنَّهُ لا یرجع علیهم بما أتلفوه مِنْ نفس أو مال إذَا أسلموا، والظاهر إرادة ما أتلفوه فِی الحرب مَعَ المسلمین ولو فرادی بعنوان العدوان مِنْ منطلق المباینة فِی الدین. بَلْ عَنْ الدروس «وکذا جنایة حرب عَلَی حربی هدر إذَا أسلما».

کَمَا أنَّهُ ظاهر جملة مِنْ کلماتهم الاستدلال بالحدیث لعدم مؤاخذة ومتابعة ما وقع منهم مُطلقاً مِنْ تعامل محرم سواء مِنْ جهة نفس المعاملة أو العوض فیها أو المُتعاقد وَأنَّهُ نهی أنَّ یؤخذ بَعْدَ الإسلام بدخل الجاهلیة وحمل عَلَیْهِ النهی عَنْ استحلال قتال الأمین البیت الحرام مِنْ أسلم.

الجهة الثالثة: اشکال ودفعه:

ثمَّ أنَّ ههنا إشکال یعترض به عَلَی التکلیف بالقضاء وقاعدة الجبّ بأنه لَهُ أمَّا تکلیف بالمحال أو لغو لِإنَّهُ الکافر لا قدرة لَهُ عَلَی الامتثال مَعَ الکفر إلَّا بالإسلام وَمَعَ دخوله فِی الإسلام یجبّ دخوله القضاء فلا محصل للتکلیف بالقضاء.

ویردّه أنَّ ثمرة التکلیف هُوَ تأثمه مَعَ عدم دخوله فِی الإسلام وَهُوَ قادر عَلَی تخلیص نفسه مِنْ العقوبة ولو بتوسّط قاعدة الجبّ.

ص:125

ص:126

القاعدة الثامنة:

فی ثبوت القصاص علی کل جنایة

عدوانیة فی النفس او الطرف

ص:127

ص:128

القاعدة الثامنة: فی ثبوت القصاص علی کل جنایة عدوانیة فی النفس او الطرف

ادلة القاعدة:

ویدل علیها جملة من الادلة:

الدلیل الاول:

عمومات وإطلاقات أدلة القصاص:

قوله تعالی: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُتِبَ عَلَیْکُمُ الْقِصاصُ فِی الْقَتْلی الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثی بِالْأُنْثی) (1).

وقوله تعالی: (وَ لَکُمْ فِی الْقِصاصِ حَیاةٌ) (2).

ص:129


1- (1) سورة البقرة: الآیة 178.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 179.

وقوله تعالی: (وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِی حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِیِّهِ سُلْطاناً فَلا یُسْرِفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ کانَ مَنْصُوراً )(1).

وقوله تعالی: (وَ مَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِیها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِیماً ( 93) (2).

وقوله تعالی: (وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ یَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً )(3).

وقوله تعالی: (وَ کَتَبْنا عَلَیْهِمْ فِیها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَیْنَ بِالْعَیْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ کَفّارَةٌ لَهُ )(4).

وقوله تعالی: (وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِکَ ما عَلَیْهِمْ مِنْ سَبِیلٍ )(5).

وقوله تعالی: (وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَی اللّهِ) (6).

وقوله تعالی: (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ

ص:130


1- (1) سورة الإسراء: الآیة 33.
2- (2) سورة النساء: الآیة 93.
3- (3) سورة الأحزاب: الآیة 36.
4- (4) سورة المائدة: الآیة 45.
5- (5) سورة الشوری: الآیة 41.
6- (6) سورة الشوری: الآیة 40.

اِعْتَدی عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدی عَلَیْکُمْ) (1).

مفاد الآیات إجمالاً:

ان القاعدة الاولیة ثبوت القصاص فی کل الجنایات, فالخروج عن العموم یحتاج الی دلیل.

الدلیل الثانی: ما استدل به جملة من المتقدمین کما مر من ان اسقاط القصاص یفتح باب الفساد ویبطل حکمة القصاص. وان مجرد الشرکة لا تسقط القصاص والا لبطل حفظ الدم.

الدلیل الثالث: ما دل علی عصمة دم المسلم لا سیما فی قبال العدوان. فمع تحقق العدوان فالقصاص ثابت, فاذا بنی علی سقوط القصاص للزم بطلان تلک العصمة.

الدلیل الرابع: ما مر مبسوطا فی قاعدة التسبیب, فان مقتضاها تحمیل الامر - لاسیما اذا کان مکرها بالکسر - المسؤولیة, وخصوصا اذا کان الاکراه بدرجة الالجاء.

ص:131


1- (1) سورة البقرة: الآیة 194.

ص:132

القاعدة التاسعة

قاعدة: لا تقیة فی الدماء

ص:133

ص:134

القاعدة التاسعة: قاعدة: لا تقیة فی الدماء

لا ریب فی الحرمة لثبوت حرمة الدم, وان مقدار التهدید بالقتل او التوعد به غیر رافع للحرمة ولا مسوغ لارتکاب القتل لقاعدة لا تقیة فی الدماء.

أدلة القاعدة:

ان مفاد الروایات دال علی ذلک, والتی منها:

1 - صحیحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ علیه السلام قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَتِ التَّقِیَّةُ لِیُحْقَنَ بِهَا الدَّمُ - فَإِذَا بَلَغَ الدَّمَ فَلَیْسَ تَقِیَّةٌ»(1).

وهذه الروایة مرویة فی المحاسن ایضا.

2 - موثقة أَبِی حَمْزَةَ الثُّمَالِیِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله علیه السلام: «لَمْ تَبْقَ

ص:135


1- (1) وسائل الشیعة: ج 16، ص 234.

الْأَرْضُ إِلَّا وفِیهَا مِنَّا عَالِمٌ - یَعْرِفُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ - قَالَ إِنَّمَا جُعِلَتِ التَّقِیَّةُ لِیُحْقَنَ بِهَا الدَّمُ - فَإِذَا بَلَغَتِ التَّقِیَّةُ الدَّمَ فَلَا تَقِیَّةَ - وایْمُ الله لَوْ دُعِیتُمْ لِتَنْصُرُونَا - لَقُلْتُمْ لَا نَفْعَلُ إِنَّمَا نَتَّقِی - ولَکَانَتِ التَّقِیَّةُ أَحَبَّ إِلَیْکُمْ مِنْ آبَائِکُمْ وأُمَّهَاتِکُمْ - ولَوْ قَدْ قَامَ الْقَائِمُ - مَا احْتَاجَ إِلَی مُسَاءَلَتِکُمْ عَنْ ذَلِکَ - ولَأَقَامَ فِی کَثِیرٍ مِنْکُمْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ حَدَّ الله» (1).

بیان القاعدة فی نقاط:

النقطة الاولی: ان مفاد روایات القاعدة اعم من الاکراه بما دون القتل بل هی شاملة للإکراه بالقتل.

النقطة الثانیة: ان مفاد هذه الروایات لیس نفی التقیة فحسب بل حرمتها اذا بلغت الدم.

النقطة الثالثة: لا یدخل التوعد بالقتل لاجل الاکراه علی القتل فی باب التزاحم والتخییر فی احد الامرین وذلک لتنصیص الروایات علی حرمة قتل الغیر وانه لا یسوغ.

ومن ثم ذکر المشهور ان التوعد بالقتل لا یسوغ قتل الغیر.

ص:136


1- (1) المصدر: ص 235.

القاعدة العاشرة

حرمة دم المسلم وعِرضه وماله

ص:137

ص:138

القاعدة العاشرة: حرمة دم المسلم وعِرضه وماله

اشارة

وحاصل هذه القاعدة هو أنّ کلّ من تشهّد الشهادتین، کان مسلماً وحقن دمه وعرضه وماله.

هناک عدد من الأدلّة القرآنیّة والروائیّة تدلّ علی أنّ مَن تشهّد الشهادتین فقد حقن دمه وعِرضه وماله، ومن هذه الأدلّة:

الأدلّة علی القاعدة:

الدلیل الأوّل:

قوله تعالی: (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ وَ إِنْ تُطِیعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ لا یَلِتْکُمْ مِنْ أَعْمالِکُمْ شَیْئاً إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ ( 14) (1).

ص:139


1- (1) سورة الحجرات: الآیة 14.

وهی واضحة الدلالة علی أنّ الإسلام عبارة عن الإقرار بالشهادتین، وبها تحقن الدماء والأعراض والأموال.

من الواضح أنّ الإسلام یختلف عن الإیمان، إذ الإیمان عبارة عن الیقین الثابت فی قلوب المؤمنین، المقارن للإقرار اللّسانیّ بالشهادتین، وبذلک یتّضح أنّ الإیمان أعلی مرتبة من الإسلام.

فقد روی الکلینی عن القاسم الصیرفی، قال: «سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: الإسلام یحقن به الدم، وتؤدّی به الأمانة، وتستعمل به الفروج والثواب علی الإیمان»(1).

وروی سماعة، قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: أخبرنی عن الإسلام والإیمان أهما مختلفان؟

فقال: إنّ الإیمان یشارک الإسلام، والإسلام لا یشارک الإیمان.

فقلت: فصفهما لی.

فقال: الإسلام شهادة أن لا إله إلّاالله، والتصدیق برسول الله صلی الله علیه وآله، وبه حقنت الدماء، وعلیه جرت المناکح والمواریث، وعلی ظاهره جماعة الناس.

والإیمان: الهدی وما یثبت فی القلوب من صفة الإسلام، وما ظهر

ص:140


1- (1) الکافی: 20/2.

من العمل به، والإیمان أرفع من الإسلام درجة. إنّ الإیمان یشارک الإسلام فی الظاهر، والإسلام لا یشارک الإیمان فی الباطن وإن اجتمعا فی القول والصفة»(1).

وقال الفیض الکاشانی فی تفسیر الصافی: «الإیمان تصدیق مع ثقة وطمأنینة قلب، ولم یحصل لکم، ولکن قولوا أسلمنا، فإنّ الإسلام انقیاد، ودخول فی السلم، وإظهار الشهادة، وترک المحاربة یشعر به»(2).

قال الزمخشریّ - فی تفسیر الآیة المبارکة آنفة الذکر -:

«الإیمان: هو التصدیق مع الثقة وطمأنینة النفس، والإسلام:

الدخول فی السلم، والخروج من أن یکون حرباً للمؤمنین بإظهار الشهادتین، ألا تری إلی قوله تعالی: ولَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ، فاعلم أنّ ما یکون من الإقرار باللسان من غیر مواطأة القلب فهو إسلام، وما واطأ فیه القلب اللسان فهو إیمان»(3).

وقال القرطبی فی تفسیره: «وحقیقة الإیمان التصدیق بالقلب، وأمّا الإسلام فقبول ما أتی به النبیّ صلی الله علیه وآله فی الظاهر، وذلک یحقن الدم»(4).

ص:141


1- (1) الکافی: 21/2.
2- (2) تفسیر الصافی: 55/5.
3- (3) الکشّاف: 376/4.
4- (4) الجامع لأحکام القرآن: 299/16.

وبنفس المضمون ما ورد فی (إرشاد الساری) للقسطلانی و (صفوة التفاسیر) للصابونی(1).

وقال ابن کثیر فی تفسیره: «وقد استفید من هذه الآیة الکریمة:

أنّ الإیمان أخصّ من الإسلام، کما هو مذهب أهل السنّة والجماعة - إلی أن قال: - فدلّ هذا علی أنّ هؤلاء الأعراب المذکورین فی هذه الآیة لیسوا بمنافقین؛ وإنّما هم مسلمون لم یستحکم الإیمان فی قلوبهم، فادّعوا لأنفسهم مقاماً أعلی ممّا وصلوا إلیه، فادِّبوا فی ذلک».

ثمّ قال: «ولو کانوا منافقین لعنّفوا وفضحوا، کما ذُکر المنافقون فی سورة براءة؛ وإنّما قیل لهؤلاء تأدیباً: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ولَمَّا یَدْخُلِ الْإِیمانُ فِی قُلُوبِکُمْ، أی: لم تصلوا إلی حقیقة الإیمان بعد»(2).

وقال الطبری فی تفسیره لقوله تعالی: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا...): «أسلمنا: بمعنی دخلنا فی الملّة والأموال والشهادة الحقّ»(3).

وقال البیضاوی فی تفسیره: «إنّ الإسلام انقیاد ودخول فی السلم، وإظهار الشهادتین، وترک المحاربة»(4).

ص:142


1- (1) إرشاد الساری: 110/1. صفوة الصفوة: 203/3.
2- (2) تفسیر القرآن العظیم: 1607.
3- (3) جامع البیان: 166/13.
4- (4) تفسیر البیضاوی: 220/5.

الدلیل الثانی:

قوله تعالی: (وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقی إِلَیْکُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (1).

حیث نزلت هذه الآیة المبارکة - باتّفاق المسلمین - فی رجل من الکفّار أظهر الإسلام عندما غشیتهم خیول المسلمین فقتلوه.

والذی یستفاد من الآیة المبارکة أنّ من أظهر الإسلام، یحقن دمه ویکون مسلماً لا یجوز قتله، وإن لم یعلم منه الإیمان القلبیّ، فإنّ الله تعالی هو الذی یتولّی السرائر، فلا یجوز أن یقتل بحجّة أنّه لیس مؤمناً، أو لا یعلم الإیمان من ظاهره.

ولذا قال رسول الله صلی الله علیه وآله لقاتله - حینما اعتذر بأنّه نطق بالشهادتین خوفاً من السلاح -: «أفلا شققت عن قلبه»(2) ، أی لا یلزم من دخوله الإسلام لیحقن الدم والمال أن یکون مؤمناً، بل بمجرّد تشهّده بالشهادتین.

الدلیل الثالث: الروایات:

اشارة

هناک عدد وافر من روایات الفریقین تدلّ علی هذه القاعدة، ومن هذه الروایات:

ص:143


1- (1) سورة النساء: الآیة 94.
2- (2) سنن أبی داوود: 595/1، الحدیث 2643.

اولا: من طرق الشیعة:

1 - صحیحة حمران بن أعین، عن الباقر علیه السلام، قال: «الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، وهو الذی علیه جماعة الناس من الفرق کلّها، وبه حقنت الدماء، وعلیه جرت المواریث، وجاز النکاح»(1).

2 - روایة سفیان بن السمط، عن الصادق علیه السلام، قال: «الإسلام هو الظاهر الذی علیه الناس، شهادة أن لا إله إلّاالله، وأنّ محمّداً رسول الله صلی الله علیه وآله، وإقام الصلاة، وأداء الزکاة، وحجّ البیت، وصیام شهر رمضان،...»(2).

3 - عن سماعة، عن الصادق علیه السلام، قال: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا الله، والتصدیق برسول الله صلی الله علیه وآله، به حقنت الدماء، وعلیه جرت المناکح والمواریث، وعلی ظاهره جماعة من الناس»(3).

4 - ما روی عن أبی عبدالله علیه السلام، حیث قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله:

أیّها الناس، إنّی امرت أن اقاتلکم حتّی تشهدوا أن لا إله إلّاالله، وأنّی محمّد رسول الله، فإذا فعلتم ذلک حقنتم أموالکم ودماءکم إلّا بحقّها، وکان حسابکم علی الله»(4).

ص:144


1- (1) اصول الکافی: 26/2.
2- (2) اصول الکافی: 24/2.
3- (3) اصول الکافی: 45/2.
4- (4) المحاسن: 284.

5 - عن الباقر علیه السلام، قال - فی جوابه لشخص سأله عن الإیمان -: «الإیمان ما کان فی القلب، والإسلام ما کان علیه المناکح والمواریث، وتحقن به الدماء، والإیمان یشرک الإسلام، والإسلام لا یشرک الإیمان»(1).

6 - عن أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام، قال: «مَن استقبل قبلتنا، وأحلّ ذبیحتنا، وآمن بنبیّنا، وشهد شهادتنا، دخل فی دیننا، أجرینا علیه حکم القرآن وحدود الإسلام...»(2).

ونحوها من الروایات(3).

ثانیا: من طرق السنّة:

1 - أخرج مسلم فی صحیحه عن أبی شیبة، قال: «بعثنا رسول الله صلی الله علیه وآله فی سریّة فصبّحنا الحرقات من جهینة، فأدرکت رجلًا فقال: لا إله إلّاالله، فطعنته، فوقع فی نفسی من ذلک، فذکرته للنبیّ صلی الله علیه وآله، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: أقال لا إله إلّاالله وقتلته؟

قال: قلت: یا رسول الله، إنّما قالها خوفاً من السلاح.

قال صلی الله علیه وآله: أفلا شققت عن قلبه حتّی تعلم أقالها أم لا، فما زال

ص:145


1- (1) المحاسن: 285.
2- (2) الکافی: 361/8.
3- (3) انظر اصول الکافی: 45/2.

یکرّرها حتّی تمنّیت أنّی أسلمت یومئذٍ.

قال: فقال سعد: وأنا والله لا أقتل مسلماً حتّی یقتله ذو البطین - یعنی اسامة -.

قال: قال رجل: ألم یقل الله: (وَ قاتِلُوهُمْ حَتّی لا تَکُونَ فِتْنَةٌ وَ یَکُونَ الدِّینُ کُلُّهُ) (1).

فقال سعد: قد قاتلنا حتّی لا تکون فتنة، وأنت وأصحابک تریدون أن تقاتلوا حتّی تکون فتنة» (2).

2 - کذلک أخرج مسلم فی صحیحه عن المقداد بن الأسود، أنّه أخبره أنّه قال: «یا رسول الله، أرأیت إن لقیت رجلًا من الکفّار فقاتلنی فضرب إحدی یدیّ بالسیف فقطعها، ثمّ لاذ منّی بشجرة فقال: أسلمت للَّه، أفاقتله یا رسول الله بعد أن قالها؟

قال رسول الله صلی الله علیه وآله: لا تقتله.

قال: فقلت: یا رسول الله، إنّه قد قطع یدی ثمّ قال بعد أن قطعها! أفأقتله؟

قال رسول الله صلی الله علیه وآله: لا تقتله، فإن قتلته فإنّه بمنزلتک قبل أن

ص:146


1- (1) سورة الأنفال: الآیة 39.
2- (2) صحیح مسلم: 67/1.

تقتله، وأنت بمنزلته قبل أن یقول کلمته التی قال»(1).

3 - أخرج البخاری فی صحیحه عن أنس بن مالک، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: امرت أن اقاتل الناس حتّی یقولوا: لا إله إلّاالله، فإذا قالوها وصلّوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبیحتنا، فقد حرمت علینا دماؤهم وأموالهم إلّابحقّها، وحسابهم علی الله»(2).

وفی لفظ آخر: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: امرت أن اقاتل الناس حتّی یقولوا: لا إله إلّاالله، فمن قال لا إله إلّاالله فقد عصم منّی نفسه وماله إلّا بحقّه، وحسابه علی الله»(3).

ونحو ذلک من الروایات التی وردت بهذا المضمون التی تدلّ علی أنّ مجرّد الإقرار بالشهادتین یدخل قائلها الإسلام، ویحقن دمه وماله(4).

ویستفاد من ذلک: أنّ تحقّق الإسلام یتوقّف علی الإقرار بالشهادتین وإن کان إقراراً صوریّاً، ولم یکن معتقداً به حقیقة وقلباً.

وهذه الروایات واضحة الدلالة علی أنّ ملاک صدق الإسلام هو الشهادتین، التی بها تحقن الدماء والأعراض والأموال.

ص:147


1- (1) صحیح مسلم: 66/1.
2- (2) صحیح البخاری: 102/1 و 103.
3- (3) صحیح البخاری: 110/2 و: 5/4 و 6.
4- (4) انظر صحیح مسلم: 38/1-40، باب تحریم قتل الکافر بعد أن قال لا إله إلّا الله.

الدلیل الرابع: سیرة النبی صلی الله علیه وآله:

اشارة

فهناک الکثیر من موارد سیرة النبیّ صلی الله علیه وآله تکشف بوضوح هذه الحقیقة، وهی أنّه صلی الله علیه وآله کان یتعامل مع کلّ مَن تشهّد الشهادتین معاملة المسلم، وإن لم یدخل الإیمان فی قلبه، بل وإن کان صلی الله علیه وآله عالماً بعدم کونهم جمیعاً معتقدین بالإسلام حقیقة، کما فی الآیات الکثیرة النازلة فی المنافقین، کما فی سورة المنافقین وسورة البراءة والبقرة، وغیرها من السور، ومع ذلک فکان النبیّ صلی الله علیه وآله والقرآن یتعامل معهم معاملة بقیّة المسلمین فی حقن دمهم وأموالهم وغیرها من أحکام ظاهر الإسلام، وکذلک قوله تعالی: (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا) (1).

حیث أنکر الله تعالی علی الأعراب دعواهم الإیمان القلبیّ مع إقرارهم بالشهادتین، ولکن مع ذلک کان النبیّ صلی الله علیه وآله یعاملهم معاملة المسلمین لإظهارهم الشهادتین.

ومن هذه الموارد:

1 - ما أخرجه ابن شهرآشوب فی مناقبه: عن ابن عبّاس، فی قوله تعالی: (وَ یَوْمَ یَعَضُّ الظّالِمُ) (2): «نزلت فی ابن أبی معیط وابیّ بن خلف، وکانا توأمین فی الخلّة، فقدم عقبة من سفره وأولم جماعة

ص:148


1- (1) سورة الفرقان: الآیة 27.
2- (2) سورة الحجرات: الآیة 14.

الأشراف، وفیهم رسول الله صلی الله علیه وآله، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله: لا آکل طعامک حتّی تقول: لا إله إلّاالله، وأنّی رسول الله، فتشهّد الشهادتین، فأکل طعامه» (1).

ومحلّ الشاهد فی هذه الروایة أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله حکم بإسلام الرجل، وعامله معاملة المسلمین من الطهارة ونحوها بمجرّد إظهار الشهادتین، ولذا شرط الرسول صلی الله علیه وآله علی الرجل بأنّه لا یأکل معه إلّا بعد التشهّد بالشهادتین، فرتّب صلی الله علیه وآله أحکام الإسلام علی الشهادتین فقط.

2 - عن النعمان بن سالم: «إنّ عمرو بن أوس أخبره أنّ أباه أوساً قال: إنّا لقعود عند النبیّ صلی الله علیه وآله وهو یقصّ علینا ویذکّرنا، إذ أتاه رجل فسارّه، فقال النبیّ صلی الله علیه وآله: اذهبوا فاقتلوه.

فلمّا ولّی الرجل دعاه رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: هل تشهد أن لا إله إلّا الله؟

قال: نعم.

قال: اذهبوا فخلّوا سبیله، فإنّما امرت أن اقاتل الناس حتّی یقولوا: لا إله إلّاالله، فإذا فعلوا ذلک حرم علَیَّ دماؤهم وأموالهم»(2).

3 - ما تقدّم فی صحیح البخاری من قوله صلی الله علیه وآله: «إنّ صیانة الدماء

ص:149


1- (1) مناقب آل أبی طالب: 118.
2- (2) مسند أحمد بن حنبل: 8/4.

والأموال ونحوها من الآثار، مترتّبة علی إظهار الشهادتین، ولا یشترط فی ترتیب هذه الآثار الاعتقاد بالإسلام قلباً وحقیقة.

نعم، یشترط فی الإیمان، العقد القلبیّ، کما تقدّم.

إلی غیر ذلک من الشواهد علی السیرة المبارکة للنبیّ الأکرم صلی الله علیه وآله.

تنقیح موضوع:

ما یوجب الخروج عن الإسلام:

بعد أن تبیّن أنّ الدخول فی الإسلام یتحقّق بالإقرار بالشهادتین، ینبغی بیان ما یوجب الخروج عن الإسلام.

ویتحقّق الخروج عن الإسلام بأحد امرین علی تفصیل مر فی کتاب الطهارة وغیره:

الامر الاول: إنکار أحد اصول الإسلام الأساسیّة، کالتوحید والنبوّة والمعاد، سواء اکان إنکاره عن عمد أم جهل.

وأجمع المسلمون علی الحکم بکفر من أنکر هذه الاصول الثلاثة، وقد دلّت علی ذلک جملة وافرة من الآیات المبارکة.

أمّا بالنسبة إلی التوحید، فکقوله تعالی: (لَقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ وَ إِنْ لَمْ یَنْتَهُوا

ص:150

عَمّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ( 73) (1).

وأمّا بالنسبة إلی أصل النبوّة، فکقوله تعالی: (وَ إِنْ کُنْتُمْ فِی رَیْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلی عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا شُهَداءَکُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ کُنْتُمْ صادِقِینَ ( 23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِی وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْکافِرِینَ ( 24) (2).

وأمّا بالنسبة إلی أصل المعاد، فکقوله تعالی: (وَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِآیاتِ اللّهِ وَ لِقائِهِ أُولئِکَ یَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِی وَ أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ ( 23) )(3).

الامر الثانی:

إنکار ضروریّ من ضروریّات الإسلام، فیما إذا استلزم ذلک الإنکار، تکذیب النبیّ صلی الله علیه وآله وإنکار رسالته.

والمقصود من الضروریّ فی المقام: هو ما علم من الدین بالضرورة، بمعنی أنّ المسلم یعلم به بالبداهة لکونه مسلماً، ولا یحتاج إلی دلیل، کوجوب الصلاة والصوم والحجّ والزکاة، ونحوها.

وعلی هذا الأساس، فلو أنکر واحدة من ضروریّات الدین مع العلم بکون حکمها ضروریّاً فی الشریعة المقدّسة، وأنّ النبیّ صلی الله علیه وآله أتی

ص:151


1- (1) سورة المائدة: الآیة 73.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 23-24.
3- (3) سورة العنکبوت: الآیة 23.

بها، حینئذٍ یکون إنکاره موجباً للارتداد والکفر، والخروج عن الإسلام، وهو فی الحقیقة تکذیب للنبیّ صلی الله علیه وآله وإنکار لرسالته، وهذا بخلاف ما إذا لم یستلزم إنکاره للضروریّ تکذیباً للنبیّ صلی الله علیه وآله، أو إنکاراً لرسالته الخاتمة، کما إذا أنکر ضروریّاً باعتقاد عدم ثبوته فی الشریعة الإسلامیّة، وأنّه لم یأت به النبیّ صلی الله علیه وآله، فإنّ إنکاره هذا لا یرجع إلی تکذیب النبیّ صلی الله علیه وآله أو إنکار رسالته، ولا یکون کفراً عند المتأخّرین من کلمات علماء جملة وافرة من المذاهب الإسلامیّة.

فعلی سبیل المثال: لو کان أحد فی أوّل إسلامه، وسئل عن الربا، فأنکر حرمته باعتقاد حلّیّته، فإنّه لا یکون إنکاره موجباً لکفره وارتداده، وإن کانت حرمة الربا من ضروریّات الدین لعدم استلزام إنکاره تکذیب النبیّ صلی الله علیه وآله أو إنکار رسالته.

وقد تقرّرت قاعدة حرمة المسلم دمه وعرضه وماله المنصوص علیها بألسنة متعدّدة، منها:

1 - عن النبیّ صلی الله علیه وآله، قال: «المسلم أخو المسلم، لا یحلّ دمه ولا ماله إلّامن طیبة نفسه»(1).

2 - عن زید الشحّام، عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام، قال: «قال

ص:152


1- (1) انظر وسائل الشیعة: الباب 13 من أبواب العِشرة، کتاب الحجّ.

رسول الله صلی الله علیه وآله: لا یحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّابطیب نفسه» (1).

3 - عن أبی هریرة، عن رسول الله صلی الله علیه وآله، قال: «کلّ المسلم علی المسلم حرام، دمه وماله وعِرضه»(2).

ونحوها من الروایات التی بلغت حدّ التواتر، وهی واضحة الدلالة علی وجوب احترام دم المسلم وعِرضه وماله.

النتیجة:

ومن مجموع هذه الروایات یتّضح:

أنّ أدلّة حقن الدماء بالشهادتین قطعیّ لا ظنّی، ومن ثمّ فإنّ رفع الید عن هذا الدلیل القطعی لا بدّ أن یکون بدلیل قطعیّ، فلا یسوغ رفع الید عنها بدلیل ظنّیّ، ولا یسوغ التکفیر واستباحة الدماء لکلّ من تشهّد الشهادتین، بالاعتماد علی دلیل ظنّیّ؛ وذلک لما هو مقرّر فی قواعد المنهج الفقهی الذی یبحث فی اصول فقه الأحکام أنّ العموم القطعی ذی الحکم الخطیر آبّ عن التخصیص بالدلیل الظنّی.

وبعبارة أُخری: إنّ عموم الحکم بدخول الإسلام لکلّ من اعتنق الشهادتین، هذا العموم لم یقرّر بدلالة ظنّیّة بل بدلالة قطعیّة، فالحکم

ص:153


1- (1) الکافی: 273/7. من لا یحضره الفقیه: 17/4.
2- (2) صحیح مسلم: 1986/4.

قطعیّ.

مضافاً إلی أنّ ملاک الحکم والمصلحة والمفسدة المترتّبة علیه هی من الخطورة بمکان، والقاعدة تقتضی فی مثل ذلک قوّة الدلیل الدالّ علی الحکم، وهذه القاعدة أساسیّة مطّردة فی نظام معرفة الأحکام الشرعیّة، أی أنّ قوّة الدلیل لا بدّ أن تتناسب مع أهمّیّة الحکم، فلا یمکن أن ینصب الشارع دلیلًا متوسّطاً - فضلًا عن دونه - علی حکم خطیر مهمّ، بل لا بدّ من توفّر الداعی لنصب وبیان أدلّة قویّة توازی قوّة وأهمیّة الحکم.

والوجه فی اعتماد هذه القاعدة هو أنّ أهمّیّة الحکم لا بدّ أن تتناسب طردیّاً مع درجة قوّة الدلیل الذی سیق علیه؛ للتناسب الطردیّ فی الأهمیّة ودرجة خطورته.

ومن ثمّ کانت الأدلّة المقامة تکویناً وشرعاً علی اصول الدین، أکثر قوّة وبیاناً ودلالة من الأدلّة التی تقام علی الفروع، وکذلک أدلّة الأرکان فی الدین بالقیاس إلی أدلّة التفاصیل.

وعلی هذا الأساس، فإنّ عدم مراعاة هذه القاعدة فی منهاج وطریق معرفة الأحکام یؤدّی إلی الهرج والمرج فی الاستنتاج، وفی المعرفة الدینیّة، وفی طریقة التفکیر، ومن ثمّ یتسبّب فی الجرأة والاجتراء علی التکفیر واستباحة الدماء والتجاوز علی حرمات ومقدّسات الدین

ص:154

لمجرّد استدلال واستظهار ظنّیّ، ومن ثمّ حکم الفقهاء تبعاً للروایات أنّ الحدود تدرأ بالشبهات وذلک لخطورة حرمة الدماء فی المقاصد الشرعیّة، فلا یجترئ علیها بمجرّد إیهام ظنّیّ.

إذن درجة قدسیّة الأحکام إنّما تستعلم بحسب قوّة الدلیل وأهمّیّة غایة التشریع.

ومن ذلک نخلص إلی أنّ المجترئ علی المسلمین بتکفیرهم واستباحة دمائهم تحت ذریعة الغیرة والحمیّة الدینیّة، هو فعل فی الطرف النقیض من قوله وادّعائه الغیرة والحمیّة علی الدین؛ لأنّه بفعله هذا قد أخذ بمعول هدّام لتقویض الدین والملّة، إذ أنّ مقتضی قدسیّة الشهادتین هو الالتزام الشدید بآثارهما، لا الاستخفاف بمقتضاهما، والتعویل علی أمر ودلیل ظنّیّ وجعله الأساس فی الملّة والدین ممّا یعنی تغییر الملّة والدین من الشهادتین إلی ذلک الأصل الظنّیّ، وجعله المحور والمرکز بدل الشهادتین، وهذا من لوازم عدم مراعاة القاعدة المنهجیّة السابقة من جعل الظنّیّ فی مصاف درجة القطعی الیقینی، فإنّه یصاعد بالحکم الظنّیّ إلی مصاف الحکم القطعی الیقینی ممّا یجعله یکتسب آثار الحکم الیقینی من المرکزیّة والامومة مع أنّ الحکم الظنّیّ لیس شأنه إلّا الفرعیّة والتبعیّة. وهذا ممّا یبیّن خطورة تلک القاعدة وأنّها حافظة لمنظومة أحکام الدین عن الانفراط والتبدّل.

ص:155

ص:156

القاعدة الحادی عشرة:

ضرورة التمییز بین السیرة فی صدر الإسلام

ص:157

ص:158

القاعدة الحادی عشرة: ضرورة التمییز بین السیرة فی صدر الإسلام وبین سیرة بنی امیّة

اشارة

وتتمحور هذه القاعدة حول ضرورة التمییز بین السیرة فی صدر الإسلام وبین سیرة بنی امیّة وبنی العبّاس الدخیلة علی دین الإسلام، سواء علی الصعید الاعتقادیّ أم علی صعید قواعد الفقه السیاسیّ والاجتماعیّ والقضائیّ، وغیره من المجالات.

والمقصود من السیرة فی صدر الإسلام هو سیرة المسلمین قبل وبعد وفاة النبیّ صلی الله علیه وآله الجیل الأوّل من المهاجرین والأنصار.

فإنّ هناک فرقاً رئیسیّاً فی محاور وجوانب متعدّدة، یجب الترکیز علیها، وتنبیه عموم المسلمین تجاهها؛ لئلّا ینبذوا شعار سیرة الأوائل، وإن کان تلک الشعارات لم تتنجّز علی صعید الواقع بشکل حقیقیّ تامّ، إلّاأنّه علی الرغم من ذلک فهی تختلف وتتاقطع مع سیرة الأمویّین فی کثیر من المحاور المتعدّدة.

ص:159

الفروق الرئیسیّة بین السیرة فی صدر الإسلام وبین سیرة بنی امیّة:

الفارق الأوّل: فی طریق إقامة الحکم:

إنّ شعار سیرة الأوائل للخلافة کان اختیار الحاکم إمّا بالنصّ أو بالشوری، وهو یختلف ویتقاطع کثیراً مع سیرة الأمویّین الذین انتهجوا منهج الملکیّة الوراثیّة للحکم، للاستئثار بالسلطة، مضافاً إلی نهج الاستبداد فی ممارسة الحکم.

ومع الأسف نجد أنّ سیاسة بنی امیّة ونهجهم لا زال موجوداً بعینه وممارساً من قِبل کثیر من أنظمة الدول العربیّة منذ عهد الأمویّین إلی یومنا هذا.

الفارق الثانی: منهج النقد والرقابة للحاکم والحکم:

وهذا الأمر یعدّ من الامور التی سنّها رسول الله صلی الله علیه وآله فی عهده، حیث کان صلی الله علیه وآله یفتح الباب لاعتراض الناس ونقدهم ورقابتهم للولاة الذین ینصّبهم فی البلدان، کما یفتح المجال للشکاوی والاعتراضات التی یبدیها عموم الناس تجاه جهاز الحکم.

فعلی الرغم من عصمته صلی الله علیه وآله عن الخطأ، إلّا أنّه صلی الله علیه وآله أراد من سنّته لذلک هو معاونته ومناصرته فی مراقبة الجهاز البشری للحکم الذی

ص:160

یقوده وما یترتّب علیه من فوائد وثمرات مهمّة نافعة للمسلمین، من قبیل تفاعل الناس مع أنشطة الحکومة والحاکم وقیامهم بالمسؤولیّة، وکذا صیرورة عموم الناس عین مراقبة لاستقامة الذین ینتسبون إلی جهاز الحکم، وغیرها من الفوائد.

وهذه السنّة النبویّة مستمدّة من اصول قرآنیّة، کأصل الشوری والتشاور، لإدارة امورهم الخاصّة بهم دون الامور التی هی من شؤون الباری تعالی، کالنبوّة والإمامة، کما فی قوله تعالی:

(وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِیاءُ بَعْضٍ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ یُطِیعُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِکَ سَیَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ ( 71) )(1) ، ونحوها من الآیات التی تشارکها فی المضمون ذاته، التی تؤکّد علی أهمّیّة مراقبة الجهاز الحاکم.

وهذا المنهج لم نجده فی سیرة بنی امیّة وبنی العبّاس.

الفارق الثالث: مشروعیّة طاعة السلطان الجائر:

من الواضح أنّ الشریعة الإسلامیّة أکّدت علی عدم جواز طاعة الحاکم الجائر، کما أشارت إلی ذلک جملة من النصوص القرآنیّة والروائیّة

ص:161


1- (1) سورة التوبة: الآیة 71.

المتظافرة، منها:

قوله تعالی: (وَ لا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النّارُ) (1).

وقوله: (وَ تَعاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْوی وَ لا تَعاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ )(2).

وقوله: (وَ لْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّةٌ یَدْعُونَ إِلَی الْخَیْرِ وَ یَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) (3).

وعن رسول الله صلی الله علیه وآله، قال: «من رأی منکم سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحرم الله، ناکثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله، یعمل فی عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم یغیّر بقول أو فعل، کان حقیقاً علی الله أن یدخله مدخله»(4).

وقال صلی الله علیه وآله: «لا طاعة لمخلوق فی معصیة الخالق»(5).

وهذه النصوص الشریفة تحدّد ضوابط طاعة وولایة الحاکم والوالی، والتی من أهمّها هو أن لا تتجاوز طاعة الله وطاعة رسوله بل فی الحقیقة یستفاد من النصوص الآنفة الذکر عدم ولایة للجائر، وعدم الطاعة له.

وفی قبال هذا الأصل العظیم من قواعد الدین، أسّس بنو امیّة ما

ص:162


1- (1) سورة هود: الآیة 113.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 2.
3- (3) سورة آل عمران: الآیة 104.
4- (4) بحار الأنوار: 382/44.
5- (5) من لا یحضره الفقیه: 621/2.

یلغی هذا الأصل، وذهبوا إلی وجوب طاعة السلطان وإن کان جائراً، متذرّعین بحجّة أنّ السلطان ظلّ الله فی الأرض.

وأنّ طاعة السلطان واجبة، والخروج علیه مروق من الدین ما لم یظهر الکفر البواح (البیّن).

وقد أخرج السیوطی عدداً من روایاتهم فی هذا المقام، منها:

1 - «السلطان ظلّ الله فی الأرض، فمن أکرمه أکرمه الله، ومن أهانه أهانه الله».

2 - «السلطان ظلّ الله فی الأرض، یأوی إلیه کلّ مظلوم من عباده، فإن عدل کان له الأجر وکان علی الرعیّة الشکر، وإن جار أو حاف أو ظلم کان علیه الوزر وکان علی الرعیّة الصبر، وإذا جارت الولاة قحطت السماء، وإذا منعت الزکاة هلکت المواشی، وإذا ظهر الزنا ظهر الفقر والمسکنة».

3 - «السلطان ظلّ الله فی الأرض، یأوی إلیه الضعیف، وبه ینتصر المظلوم، ومن أکرم سلطان الله فی الدنیا أکرمه الله یوم القیامة».

4 - «السلطان ظلّ الله فی الأرض، فإذا دخل أحدکم بلداً لیس به سلطان فلا یقیمنّ به».

5 - «السلطان ظلّ الله فی الأرض، فمن غشّه ضلّ، ومن نصحه اهتدی».

ص:163

6 - «السلطان ظلّ الرحمن فی الأرض، یأوی إلیه کلّ مظلوم من عباده، فإن عدل کان له الأجر وعلی الرعیّة الشکر، وإن جار وحاف وظلم کان علیه الإصر وعلی الرعیّة الصبر».

7 - «السلطان العادل المتواضع ظلّ الله ورمحه فی الأرض، یرفع له عمل سبعین صدّیقاً».

وغیرها من الروایات(1).

وعلی ضوء ذلک قاموا بإلغاء وتحریم ملفّ المعارضة بکلّ درجاتها، وانتهجوا سیاسة الاستبداد، ومن ثمّ عمدوا إلی تثقیف الامّة علی الخنوع والخضوع والسبات وعدم المشارکة فی تحدید مصیرها.

وقد نجم جرّاء هذه السیاسة أمر خطیر، وهو تجییر وتوظیف علماء الدین کعلماء بلاط السلطة لخدمة سیاساتهم ومصالحهم، بدلًا من أن یکون العلماء حکّاماً علی السلاطین.

ومن ثمّ نتج من ذلک نهجٌ خطیر من تبعیّة بعض من یتسمّون بعلماء الدین، للحکومات والأنظمة، وفقدهم الاستقلالیّة، وهذا أمر خطیر ابتلیت به الامّة، بل هو الطامّة الکبری علی الدین؛ لأنّ العلماء بدل أن یقوموا بمهمّتهم الأساسیّة من حفظ الدین، أصبحوا یحفظون الأنظمة والحکومات ویغیّروا من الدین بما یخدم الحکّام والسلاطین

ص:164


1- (1) الجامع الصغیر: 69/2 و 70.

الظلمة.

ومن المؤسف جدّاً هو ما نجده فی عصرنا الحاضر من تبنّی واتّباع نهج بنی امیّة، کما نلمسه من بعض علماء الدین، وتبنّیهم لمشاریع الأنظمة والحکومات فی الأقطار الإسلامیّة لأجل تمریر مخطّطاتهم وأغراضهم السیاسیّة.

ومن أهمّ مخاطر هذه السیاسة هو منح علماء الدین فی بلاط السلطة، المشروعیّة لتبعیّة الأنظمة الإسلامیّة لأعداء الإسلام فی الغرب، ولو علی حساب ثوابت ومصالح الدین الحنیف، وهذا بدوره یشکّل خطراً کبیراً، لأنّه یؤدّی إلی طمس معالم الشریعة والفرائض والواجبات التی یحیی بها الدین.

الفارق الرابع: الموالاة للمسلمین دون الکافرین:

فی الوقت الذی فتح الإسلام المجال للمسلمین للتعاطف والتواصل مع الکافرین الذین لا یتحرّکون بشکل عدوانیّ ضدّ الإسلام والمسلمین بالقتال أو الفتنة، کما فی قوله تعالی: (لا یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ لَمْ یُخْرِجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ ( 8) (1).

ص:165


1- (1) سورة الممتحنة: الآیة 8.

إلّا أنّه من جانب آخر شدّدت الشریعة الإسلامیّة علی عدم موالاة الکافرین الذین یتحرّکون بشکل عدوانیّ علی المسلمین، وقد تظافرت النصوص القرآنیّة والروائیّة علی ذلک.

منها قوله تعالی: (إِنَّما یَنْهاکُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِینَ قاتَلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَ أَخْرَجُوکُمْ مِنْ دِیارِکُمْ وَ ظاهَرُوا عَلی إِخْراجِکُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ یَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِکَ هُمُ الظّالِمُونَ ( 9) )(1).

وقوله: (لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ) (2).

وقوله: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ) (3).

وقوله: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَ عَدُوَّکُمْ أَوْلِیاءَ تُلْقُونَ إِلَیْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ کَفَرُوا بِما جاءَکُمْ مِنَ الْحَقِّ) (4).

وهذه النصوص القرآنیّة تبیّن طبیعة علاقة المسلمین مع الکافرین الذین یکیدون ویخطّطون ضدّ الإسلام، فمثل هذا الصنف من الکفّار لا بدّ أن تکون علاقة المسلمین معهم قائمة علی الحذر والیقظة، ولا یجوز التحالف معهم ضدّ المسلمین، کلّ ذلک لأجل عدم الانهزام

ص:166


1- (1) سورة الممتحنة: الآیة 9.
2- (2) سورة آل عمران: الآیة 28.
3- (3) سورة النساء: الآیة 144.
4- (4) سورة الممتحنة: الآیة 1.

والاستسلام أمام الأعداء؛ إذ أنّ طبیعة الموالاة تقتضی النصرة والمتابعة والمودّة لأعداء الدین، مضافاً إلی ما تحمله فی طیّاتها من الذوبان فی هویّة الکافرین وثقافتهم علی حساب الثقافة الدینیّة؛ لأنّ ذلک یؤدّی إلی إضعاف شعار الدین، وبالتالی یتسبّب فی إضعاف ومهانة المسلمین، وسیطرة الکافرین علیهم فی کلّ المجالات، وتمزیق الصفّ الإسلامیّ الواحد، کما فی قوله تعالی: (إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الَّذِینَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِهِ صَفًّا کَأَنَّهُمْ بُنْیانٌ مَرْصُوصٌ ( 4) (1) التی تؤکّد علی ضرورة ووجوب تراصّ صفوف المسلمین فی مواجهة الأعداء کالبنیان المرصوص الذی لا یمکن فیه الانشقاق والفرقة، لا سیّما وأنّ القتال لا ینحصر بالمواجهة العسکریّة، وإنّما هو شامل لکلّ مجالات المواجهة من الثقافیّة والسیاسیّة والاقتصادیّة، ونحوها.

وکذلک قوله تعالی: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِینَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَی الْکُفّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ ) (2) التی تؤکّد علی ضرورة تلاحم المسلمین وصمودهم وثباتهم الجماعیّ فی مواجهة الأعداء، وأنّ أساس التعامل بینهم قائم علی أساس التراحم والتعاطف، والالفة والمحبّة.

إلّا أنّ بنی امیّة وبنی العبّاس قد نهجوا منهج الموالاة مع الکافرین ضدّ المسلمین بشکل سافر وواضح فی موالاتهم لأعداء

ص:167


1- (1) سورة الصَّف: الآیة 4.
2- (2) سورة الفتح: الآیة 29.

الإسلام، بل وصل الحال عند العبّاسیّین إلی قیام الخلیفة العبّاسی بإغراء المغول والتتر بالهجوم علی شمال طبرستان (شمال إیران) للإطاحة بالدولة الإسماعیلیّة(1).

وقد أوغل التتر والمغول فی سفک دماء المسلمین فی کلّ أرجاء مدن إیران، وفی ذلک الوقت قام قاضی القضاة العبّاسی فی بغداد بزیارة سرّیّة إلی المغول فی إیران لإغرائهم بالهجوم علی بغداد أیضاً.

والشیء المؤسف هو ما نلمسه بوضوح من وجود نهج بنی امیّة وبنی العبّاس لدی جملة من حکّام المسلمین فی عصرنا الراهن الذین أعلنوا موالاتهم للکافرین ضدّ المسلمین، علی الرغم من تشدید النهی القرآنی عن ذلک.

الفارق الخامس: استباحة المحرّمات:

وهذه السیاسة تبنّاها بنو امیّة بشکل ملحوظ وواضح، وهی سیاسة ترمی إلی إشاعة المنکرات والفواحش والفجور بین المسلمین، وبشکل رسمیّ معلن، ومدعوم من قِبل السلطات الحاکمة، لأجل تغطیة ممارسة الحکّام لنزواتهم وشهواتهم من دون اعتراض المسلمین، ومن دون أن یخدش ذلک بصلاحیّتهم فی الحکم.

ص:168


1- (1) من شواهد ذلک: انظر کتاب جوامع التاریخ للهمدانی.

وقد أشار إلی هذا النهج، الإمام الحسین وسیّد شباب أهل الجنّة علیه السلام حینما قال: «یزید شارب الخمور، ورأس الفجور، یدّعی الخلافة علی المسلمین، ویتآمر علیهم بغیر رضی منهم، مع قصر حلم، وقلّة علم، لا یعرف من الحقّ موطئ قدمیه، فاقسم بالله قسماً مبروراً، لجهاده علی الدین أفضل من جهاد المشرکین» (1).

وهذا النهج نجده الیوم بشکل واضح، مکرّس لدی الحکومات فی بلاد المسلمین، وهی سیاسة مدروسة من قِبل أعداء الإسلام؛ لأجل تمزیق المسلمین وإبعادهم عن دینهم الذی هو مصدر قوّتهم وعزّتهم، ومن ثمّ یفسح المجال لهم للسیطرة علی مقدّرات البلاد الإسلامیّة.

ص:169


1- (1) اللهوف فی قتلی الطفوف: 26 و 27.

ص:170

القاعدة الثانی عشرة:

مودة أهل البیت علیهم السلام ضرورة إسلامیّة

ص:171

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

ص:182

القاعدة الثالثة عشرة: قاعدة شوری الأمّة فی نظام الحکم

اشارة

ونستطیع أن نخلص إلی قاعدة مفادها تعمیم السلطة والقدرة والصلاحیات بنحو منتشر. وهذه القاعدة قد یعبّر عنها فی لسان النصوص «نبذ الاستئثار فی الولایات العامّة» فإنّ هناک مفاصل عدیدة فی قواعد النظام السیاسی والولائی فی الأدلّة کلّها کفیلة بإزالة وتفتیت تمرکز القدرة والحیلولة دون وقوع الاستبداد.

وهذه القاعدة مطّردة ومتّبعة فی الإطار العام وفی الأطر المتوسطة والجزئیة الاخری وفی جملة الموارد.

ویعبّر عنها فی الأدبیات القانونیّة الحدیثة بالدیمقراطیة فی اللغة اللاتینیة أو بالجمهوریة الشعبیة کلغة موازیة لها فی العربیة.

ولا یخفی أنّ هذا الأساس لا یتقاطع مع حصر الولایة العامّة فی کلّ المجالات بالله وبرسوله وبأولی الأمر من أوصیاء نبیّه فی قوله

ص:183

تعالی: (إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ راکِعُونَ ( 55) (1).

وذلک لأنّ هذا الحصر إنّما هو فی رأس الهرم دون بقیّة طبقات النظام وفصوله وفقراته لأنّ النظام الّذی رسم للمعصوم تشکیله وبناءه لا یطلق لغیر المعصوم الاستئثار والاستبداد والتملّص من مشارکة ومداولة الآخرین والعموم معهم.

بل إنّ الحال فی المعصوم أیضاً لیس هو بانقیاد العموم له عن عمایة، بل عن معرفة ودرایة وعلم وانتخاب له بمعنی استکشاف الحقیقة لا تحکیم الناس لما یستهویهم من آراء مع أن أکمل وأبرع ما یمکن تصوره من مشارکة العموم هو فی ظلّ النظام الّذی یرأسه المعصوم علیه السلام کما فی الحکومة النبویة والعلویة والحسنیة والمهدویة علیهم السلام.

وبعبارة أخری: إنّ المشورة والرقابة والمشارکة مفروضة لغایة الوصول إلی الصواب وکمال الحقیقة کما یحکم بذلک العقل وأقرّ به المذهب العقلی فی القوانین الوضعیة البشریّة الراهنة، حیث إنّهم یقیّدون انتخاب الجمهور لمواقع الرئاسة بمواصفات خاصّة یحکم بها العقل ویکون دور الانتخاب هو استکشاف الواجد لتلک المواصفات فالحکم العقلی فی هذا الجانب أیضاً متطابق مع الحکم الإلهی فی تعیینه

ص:184


1- (1) سورة المائدة: الآیة 55.

والتنصیص علی مواصفات ذی الصلاحیّات القیادیّة والرئاسیة.

فکون المعصوم معیّناً بالنصّ الإلهی لا یعنی تغییب دور الأمّة فی الرقابة والمشارکة فی إقامة ذلک النظام فی کلّ المراتب والطبقات بل إنّ کون المعصوم فی رأس السلطة هو أکبر الضمانات لشورویّة تدبیر الأمّة.

ویمکن ترسیم هیکل المراتب فی الولایة أنّه یبتدئ من ولایة الله عزّوجل ثم ولایة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وهی لیست فی عرض ولایة الله وإنّما امتداد لولایة الله وتنفیذ لها کما هو الحال فی ولایة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم فی التشریع من سننه فإنّها تنزیل لفرائض الله بحسب ما لها من سعة وعموم. وکذلک الحال فی جانب الولایة السیاسیّة والقضائیّة، ثمّ من بعد ذلک ولایة أولی الأمر أوصیائه من أهل بیته سواء فی ولایتهم التشریعیّة أو السیاسیّة وغیرها من مجالات الولایات، فإنّها لیست فی عرض فرائض الله وسنن النبیّ بل امتداد وتبع له وتنزیل لفرائض الله وسنن نبیّه فیما للفرائض من سعة وعموم، وکذلک الحال فی ولایة القضاء وولایة السیاسة وبقیة الولایات.

ثم بعد هذه المرحلة حیث تفتقد العصمة سواء من ناحیة العلم أو فی الجانب العملی والخبروی فتتّخذ الصلاحیّات والولایات المحدودة طابعاً جماعیاً مشارکیاً وإن لم یکن العموم بصیغة وبهیئة المجموع بل بصیغة الجمیع الاستغراقی المستغرق لکل الأفراد، سواء فی ذلک النظام الّذی قرّره القرآن والأحادیث فی نیابة الفقهاء فی

ص:185

منصب الفتیا والسلطة التشریعیّة أو فی المجالات الاخری کالسلطة القضائیّة أو فی السلطة الولائیة، فإنّه مضافاً إلی عدم کون هذا النظام - المقرر فی القرآن والأحادیث - حصریاً فی فرد بل استغراقیاً لجمیع من هو واجد للشرائط والمواصفات فی الأدلّة المقرّرة من قبلهم علیهم السلام. فإنّه مضافاً إلی ذلک أنّ تقلید هذا المنصب قد أوکلّ من قبل المعصومین إلی مشورة الأمّة ورقابتها ومشارکتها فی إحراز الواجدین لتلک المواصفات.

ومن ثمّ یمکن أن نستخلص أنّ شوری الأمّة فی عرض نیابة الفقهاء فی المرتبة الولائیة الّتی تأتی بعد ولایة المعصوم وأنّه کما تکون نیابة الفقیه فی امتداد وتبع ولایة المعصوم علیه السلام ونیابة عنها فإنّ دور شوری الأمّة کذلک امتداد وتبع لولایة المعصوم أی أنها تأخذ طابعاً تطبیقیّاً وتنزیلیاً للمقرّرات والمواصفات والموازین المقرّرة فی القرآن والسنّة ولأحکام الله وولایة رسوله وولایة أولی الأمر من الأوصیاء.

وهذا لا یتقاطع مع ولایة المعصوم کما أنّ فتوی الفقهاء لا تتقاطع مع فرائض الله وسنن النبیّ ومنهاج المعصومین علیهم السلام، لأنّ الفتوی تطبیق وتشعب وإنفاذ للفرائض والسنن کذلک الحال فی دور الشوری ولک أن تقول: إنه فی الامور الّتی حدّد الأمر سلفاً فهو للَّه ولرسوله ولأولی الأمر وإن أطلق الأمر ووسّع فتطبیقه وإقامته لِشوری الأمّة کما فی آیتی الشوری حیث عبّر «وأمرهم» وکذا قوله علیه السلام.

«فانظروا»

ص:186

و «فارضوا» فی روایة

«انظروا إلی رجل قد روی حدیثنا... فارضوا به حکماً فإنّی قد جعلته علیکم حاکماً»(1).

فکما هو الحال مما بیّنت العلاقة بین فرائض الله وسنن النبیّ أو بینها وبین سنن المعصومین فکذلک الحال فیما بین دور الشوری وولایة الله ورسوله وأولی الأمر أنها فیما وسّع لا ما ضیّق.

بل قد تقدّم أنّ شور الأمّة لا یتقاطع مع تعیّنیّة الخیار والحقیقة حتّی بلحاظ معرفة الله ومعرفة الرسول وأولی الأمر فإنها فی ذلک المقام تأخذ طابع الاستکشاف والتعرّف وتحصیل العلم کما هو حقیقة مفاد الشور فی کلّ الأصعدة من استکشاف الصواب والحقیقة بنحو منفتح علی کلّ العقول.

فوارق الدیمقراطیّة والشوری:

اشارة

إنّ بین الدیمقراطیّة الغربیّة وشوری الأمّة جهات اتحاد کما أنّ بینهما جهات افتراق، فإنّهما یتّحدان فی مشارکة عامّة الناس فی أنشطة الحکم وإسهامهم فی تشکیل الحکومات والقیام بالدور الرقابی وضرورة مداولة الشأن العام لا سیّما فی الموارد الخطیرة معهم مع تجویز

ص:187


1- (1) الکافی: 412:7، الحدیث 5.

الآلیات المختلفة لتحقیق هذه المحاور بحسب البیئات الزمانیّة المختلفة، إلّاأنّه تظلّ فوارق بینهما:

الأوّل: موقعیة الشوری والمشارکة:

إنّ مرتبة دور الأمّة وصلاحیّاتها فی النظام الغربی والأنظمة الوضعیة هو الدور الأساس ولو علی صعید الشعار والنظریّة - إذ فی کونهم قد أنجزوا ذلک علی صعید الهیکل العینی الموجود فی الخارج بنحو تامّ مطلق محل نظر ومنع -.

وهذا بخلاف دور شوری الأمّة فی النظام الإسلامی ولا سیّما فی منهاج أهل البیت علیهم السلام فإنه دور یأتی فی المرتبة الرابعة کما مرّ بلحاظ وبلحاظ آخر یأتی کدور شریک فی کلّ المراتب لکنه یکون بمعنی الاستعلام والاستکشاف والإحراز وضرورة الاطلاع، فإنّ القرآن الکریم یری للأمّة شخصیة اعتباریة واحدة ذات عقل وفکر مجموعیّین وذات ذمّة ومسؤولیة مشترکة فیصف القوم فی قوله تعالی:

(وَ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الْآیاتِ وَ لِتَسْتَبِینَ سَبِیلُ الْمُجْرِمِینَ ( 55) ، وکقوله: (إِنَّ فِی ذلِکَ لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ) (1) ، وقد ورد هذا التعبیر بکثرة وهذا نوع من ملاحظة العقل الجمعی والفکر الجمعی والموقف الجمعی تجاه الامور الخطیرة ومن ثم ورد فی القرآن وصف

ص:188


1- (1) سورة الرعد: الآیة 4؛ سورة النحل: الآیة 12؛ سورة الروم: الآیة 24.

القوم بحکم عام واحد سواء فی محلّ الإدانة أو فی موضع المدیح والتحسین کما فی قوله تعالی: (قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) (1) أو(قَوْمٌ مُنْکَرُونَ) (2) أو قوله: (قَوْمٌ یَعْدِلُونَ) (3) أو(قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (4) و(الْقَوْمَ الظّالِمِینَ) (5) و(قَوْماً فاسِقِینَ) (6) و(قَوْماً طاغِینَ) (7) و(قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ) (8) و(وَ هُمْ یَخِصِّمُونَ) (قَوْمٌ خَصِمُونَ) (9) وقوله تعالی: (لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ) (10) أو(لِقَوْمٍ عابِدِینَ) (11) أو(لِقَوْمٍ

ص:189


1- (1) سورة الحجر: الآیة 58؛ سورة الذاریات: الآیة 32.
2- (2) سورة الحجر: الآیة 62؛ سورة الذاریات: الییة 25.
3- (3) سورة النمل: الآیة 60.
4- (4) سورة الأعراف: الآیة 138؛ سورة النمل: الآیة 55.
5- (5) سورة البقرة: لاآیة 258؛ سورة آل عمران: الآیة 86؛ سورة المائدة: الآیة 51؛ سورة الأنعام: الآیة 68، 144؛ سورة الأعراف: الآیة 47، 50؛ سورة التوبة: الآیة 19، 109؛ سورة المؤمنون: الآیة 28، 94؛ سورة الشعراء: الآیة 10؛ سورة القصص: الآیة 21، 25، 50؛ سورة الأحقاف: الآیة 10؛ سورة الصفّ: الآیة 7؛ سورة الجمعة: الآیة 5؛ سورة التحریم: الآیة 11.
6- (6) سورة التوبة: الآیة 53؛ سورة النملک الآیة 12؛ سورة القصص: الآیة 32؛ سورة الزخرف: الآیة 54؛ سورة الذاریات: الآیة 46.
7- (7) سورة الصّافّات: الآیة 30.
8- (8) سورة الأنفال: الآیة 65؛ سورة التوبة: الآیة 127؛ سورة الحشر: الآیة 13.
9- (9) سورة الزخرف: الآیة 58.
10- (10) سورة الأنعام: الآیة 99؛ سورة الأعراف: الآیة 52، 188، 203؛ سورة یوسف: الآیة 111؛ سورة النحل: الآیة 64، 79؛ سورة النمل: الآیة 86؛ سورة القصص: الآیة 3؛ سوة ر العنکبوت: الآیة 24، 51؛ سورة الروم: الآیة 37.
11- (11) سورة الأنبیاء: الآیة 106.

یَسْمَعُونَ) (1).

فمقتضی اعتبار العقل الواحد والفکر الواحد والمسؤولیّة الواحدة لمجموع الأمّة أمام أیّ حدث وواقعة بدءً من التوحید والنبوّة ووصولًا إلی الإمامة الإلهیّة والقیادة السیاسیّة ونظام الحکم، فإنّ الأمّة هی الطرف الآخر فی کلّ تلک المعادلات والنظم، فإنّه متقوّم بطرفین ولیس السنن الإلهیّة فی هذه النظم قائمة علی الإلجاء والفرض من دون علم أو بیّنة أو دلائل وبراهین والشور والمداولة فی ملأ الأمّة طریق لتحصیل العلم ولحضور الأمّة فی ساحة الحدث وتحمّل المسؤولیّة. ومن ثمّ خاطب القرآن هذه الشخصیّة الواحدة للأمّة بقوله: (وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً) (2) لتبیان أنّ للأمّة مسؤولیّة مشترکة فی کلّ الواجبات والوظائف وهو نوع من إسهام للأمّة فی جمیع الامور.

الثانی: الشوری بین الذاتیّة والطریقیّة:

إنّ فی الدیمقراطیّة الغربیة - بعد غلبة المذهب الفردی علی المذهب العقلی فیها - لا یتقنّن دور المشارکة فی ضوابط وثوابت تتحمّل الأمّة مسؤولیّة القیام بها مقرّرة بشکل مسبق کحقائق ثابتة، بل ما یتصالح علیه العموم من أعراف لیحکم فیما بینهم ولو علی طبق أهواء

ص:190


1- (1) سورة یونس: الآیة 67؛ سورة النحل: الآیة 65؛ سورة الروم: الآیة 23.
2- (2) سورة الأنفال: الآیة 25.

ومیول الجمیع وهذا بخلاف دور الأمّة فی النظام الإسلامی فإنّه قائم علی تحمّل الأمّة مسؤولیة إقامة الفرائض والوظائف الثابتة المقرّرة مسبقاً فی الشریعة الإلهیّة وأنّ دور الأمّة فی جانبها العقلانی وشخصیّتها الجمعیّة الروحیّة لا فی بعدها الغرائزی ومیول الأهواء.

الثالث: المدافعة بین الدیمقراطیّة واللیبرالیّة (بین الشوری والحریات الفردیّة):

إنّ هناک تضادّاً بین النزعة الفردیة والنزعة الجماعیّة وبین الحقّ الخاص والحقّ العام وأنّ التأکید علی عدم الاستبداد یقضی بتحدید الحریة الفردیة بحدود لا تؤدّی إلی مصادرة الدور العامّ لشخصیّة الأمّة وتغییبها عن موقع التحکّم فی المسیر العامّ، فإصرارهم علی الدیمقراطیّة ومشارکة عموم الأمّة فی الحاکمیّة لا ینسجم مع إفراطهم فی النزعة والحقوق الفردیّة فإنّها لا محالة لها تداعیات تقوّض إسهام الجمهور وتمانع فاعلیة حضوره ودوره.

الرابع: تنامی القوّة الفردیّة والاستبداد:

إنّ قدرة الفرد أو الفئة والجماعة الخاصّة إذا اشتدّت فی المال والإعلام ووسائل النقل والتصنیع وغیرها من المجالات، وتنامی القدرة والقوی، یعطیها طابعاً عامّاً بدل أن تکون فردیّة وإن فرض جدلًا أنّ استحصال هذه القدرة المتنامیة هو من المنابع المشروعة

ص:191

وبطریقة مرخّصة یقرّها القانون والأعراف؛ إلّاأنّ تنامی القدرة والقوّة لا محالة یؤثّر بشکل سلبی علی دور الأمّة وممانعة مشارکتها وإسهامها أی أنّ التنامی المزبور یوجب الاستبداد ومن ثمّ لابدّ أن یکون فی التقنین ونظام الحقوق ما یحول دون حصول الاستبداد الفردی أو الفئوی أو بعض الجماعات لئلّا یوأد الدور العام للأمّة وإسهامها ومشارکتها. وهذا ممّا لم یضمنه النظام الدیمقراطی فی الغرب وهذا بخلاف النظام الإسلامی فی منهاج أهل البیت علیهم السلام.

الخامس: الترقّی الإنسانی فی مقابل الحضیض:

حیث إنّ فی النظام الإسلامی ومنهج أهل البیت علیهم السلام تلک الخاصّیة حیث إنّه فی حین لا یُعدم الطابع الفردی کما هو الحال فی النظام الشیوعی والاشتراکی بل یصنع حریماً للحقوق الفردیة ویقی عن حصول الاستبداد بضمانة القانون والحقوق ویحافظ علی الدور الشوروی الجمعی وعلاوة علی ذلک فإنّه یؤکّد علی ضمانة أخری وهی تذویب النزوات الفردیّة وتبدیلها إلی تلوین عامّ تتجلّی فیه العبودیة وتندحر فیه حرص الأنانیّة الذاتیّة الفردیة بنظام التهذیب وتطهیر الأعراق بینما لا یمکن للنظام الغربی بحسب منطلقاته ومبادئه تذویب هذه النزعات الفردیة بعد عدم تبنیهم لنظام العدل الإلهی والتسویة العبودیة للجمیع قباله تعالی.

ص:192

القاعدة الرابعة عشرة

قاعدة فی بناء نظام القدرة والقوّة

فی الکیان والنظام الإسلامی

ص:193

ص:194

القاعدة الرابعة عشرة: قاعدة فی بناء نظام القدرة والقوّة فی الکیان والنظام الإسلامی

ضرورة البحث:

إنّ البحث عن القوّة والقدرة فی طابعها العام المنتشر - أی الّتی تتّخذ مساحة کبیرة فی المجتمع - هو بحث فی الحاکمیّة والحکم، لأنّهما یبحثان علی أصعدة متعدّدة. فهناک عدة مراحل للبحث عن الحکم والحاکمیّة، فهناک بحث تنظیری وهناک بحث تطبیقی عملی:

المرحلة الاولی: فی بحث الحکم والحاکمیّة هو البحث فی المشروعیّة.

المرحلة الثانیة: بیان الصیغة الإجمالیة لمحاور الحکم والحاکمیّة ومراتب الحکم.

المرحلة الثالثة: الصیغة التفصیلیة لنظام الحکم.

إلّا أنّ هذه المراحل رغم الجدل التنظیری الواسع فیها تبقی

ص:195

بحوثاً تنظیریة لا تسهم بتأثیر کبیر فی تغییر الواقع نحو الغایات المنشودة ما لم یبحث فی الحکم والحاکم والحکومة بمعنی آخر، وهی القدرة والقوّة الراهنة أو المتولّدة فی المستقبل؛ فإنّ البحث فی هیکل ومخطّط القوّة والقدرة هو بحث عینی فی الحکم والحکومة وما لم یکن هناک تطابق بین خریطة القوّة والقدرة مساحة وقواعد ومحاور مع خریطة مشروعیة الحکم وسلسلة مراتبها، فإنّ البحث فی المشروعیّة وأطرها یظلّ بحثاً عقیماً أجوف لا یحصد ثماراً عملیاً.

فالبحث عن العدالة والحریّة وعن أسلمة نظام الحکم یظلّ بحثاً شعاریاً رمزیاً لا مصداقیّة له ما لم یبحث عن خریطة مخطط القدرة وهذا یحتّم البحث بکثافة وترکیز وبنحو مستمر عن جغرافیا القدرة الراهنة وخرائط المستقبل لها الشامل لجمیع أنواع وأنماط القوّة فی المجالات المختلفة وکیفیّة تأثیر بعضها علی البعض الآخر.

فمتابعة جغرافیا القدرة سواء الاقتصادیّة أو الزراعیّة أو المالیّة أو التجاریّة أو العسکریّة أو الثقافیة وغیرها من المجالات هو بحث عن واقع الحکم العینی لا بحث تنظیری تجریدی.

ومتابعة وملاحظة جغرافیا القدرة والقوّة وإن کان من شأن العلوم الاستراتیجیة والأمنیّة إلّا أنّ ترسیم هیکل ونظام القدرة یساهم بشدّة فی التطبیق العینی لخریطة المشروعیّة وأطر الأهداف الغائیّة للحکم والحکومة.

ص:196

وبکلمة واضحة: فإنّ الحکم والحکومة تنطلق من نقطة المشروعیّة والغایات إلی مرتبة الصلاحیات والمفاصل والمحاور ثم إلی مرتبة تفاصیل النظم والآلیات إلی أن تصل إلی الحکومة والحکم الواقعی وهی الموجودة فی القدرة العینیّة الخارجیّة.

فهناک نظام للحکم والحکومة اسمی وحامل للشعار وهناک نظام للحکم واقعی وعینی وهو نظام القوّة والقدرة الفعلیّة العینیّة فی الخارج. وبهذا یتبیّن ضرورة هذا البحث وعدم الاکتفاء ببحوث المشروعیّة وأطرها وسلسلة مراتبها والآلیات وضرورة ضمّ البحوث الدائرة حول نظم القدرة لأنّها الطریق التطبیقی العملی لأهداف نظام الحکم علی مستوی المشروعیّة والتنظیر.

المحور الأوّل: أنواع القدرة والقوّة ودوائرها:

لا یخفی أنّ القدرة والقوّة علی أنماط وأنواع مختلفة؛ والاختلاف تارة بحسب قوّة وضعف القدرة وبلحاظ دائرة ومساحة القدرة کمّاً وکیفاً وأخری بلحاظ موضوع القدرة وبیئتها.

فتارة فی المجال السیاسی أو الاقتصادی والمالی والتجاری والصناعی والزراعی أو العسکری والأمنی.

کما أنّه قد تخلق بحسب متغیّرات البیئة بیئات جدیدة کالإعلام والمنظّمات الحقوقیّة ومراکز المعلومات ومن هذا القبیل فی التقسیم

ص:197

تقسیم القوّة والسلطة فی أنظمة الدول إلی التنفیذیّة والتشریعیّة والقضائیّة والإعلامیة وغیرها من التقسیمات الّتی یمکن استقصاؤها فی الواقع الحدیث والقدیم.

إلّا أنّ المهم فی المقام هو التمییز بین المساحات وحدود القدرات ذات الطابع الفردی وبین القوّة والقدرة ذات الطابع العامّ. فإنّ القدرة تبدأ بطابع فردی فی مساحة ودائرة فردیة محدودة فی نطاق الفرق کعنصر من عناصر أعضاء المجتمع یباشر القدرة کبقیّة العناصر فی تفاعل وتأثیر وتأثّر مع بقیّة الأعضاء والأفراد، کما أنها فیما بعد قد تتسّع إلی نطاق أوسع کدائرة ربّ الأسرة أو مدراء المؤسسات والهیئات الأهلیّة وقد تتسع بالتدریج إلی دوائر أوسع فأوسع سواء کان نمط القدرة مالیّة أو ثقافیّة أو سیاسیّة أو اجتماعیّة، فالقدرة کلّما اتسعت دائرتها أخذت طابعاً عامّاً واتّسعت فی تأثیرها علی عموم المجتمع وإن صنّفت فی قسم القطاع الخاص دون القطاع العام الّذی هو طابع الدولة الرسمیّة، إلّا أنّ حقیقة الحال أنّ التقسیم الحقیقی للقوّة لایدور مدار التقسیم والتنظیم الحالی للقطاع العام والقطاع الخاص أو لما یندرج فی أجزاء الدولة وما لا یندرج فیها.

بل التقسیم یدور مدار ذوی السلطات العامّة سواء کانت رسمیّة أو تقلیدیّة اجتماعیّة الّتی تمتلک نفوذاً إما بسبب المال الواسع أو بسبب الموقعیّة الدینیّة أو الموقعیّة العشائریة أو بسبب تملّک مؤسّسات

ص:198

وشرکات عملاقة فی المجالات المختلفة؛ فإنّ طابع القدرة فی کلّ هذه الموارد والنماذج هو من السلطات العامّة، کما أنّ هناک سلطات وقدرات متوسّطة سواء کانت رسمیّة کالمدراء المتوسّطین فی إدارات الدولة أو فی المجال التقلیدی والبیئات الحرّة الاخری.

فالقدرة الّتی لها تأثیر عام فی المجتمع هی من السلطات العامّة ولها تأثیر علی عموم المجتمع والأفراد وإن لم تصنّف فی القانون الوضعی أو فی الدساتیر أنّها من أجزاء الدولة ولا من القطاع العام وجعل لها حکم القطاع الفردی الخاصّ.

ولا ریب أنّ القدرات العامّة حیث إنّ المفروض أن لا تکون بید الإرادة الفردیّة لا یعنی بذلک وقوعها بید الدولة والنظام والّذی هو بدوره ربما یکون فی تحکّم أفراد أو شرائح خاصّة فإنّ هذا کرّ علی المحذور بعد الفرار منه.

بل المراد هو لزوم وقوع القدرات المطلقة ذات الطابع العام فی ید نظامٍ تحکمه الإرادة الجمعیّة وتحکمه القوانین العادلة أیضاً بتوسط الآلیات والمؤسّسات الّتی تعیق تمرکز القدرة عند فئة بل تعمل علی انتشار متوازن للقدرة بنحو رقابی.

المحور الثانی: أنماط العموم والعمومیّة وأنواع الخاص والتخصیص والتدافع بین أنماط العموم

ص:199

قد بحث وقرّر فی علم أصول القانون أنّ هناک أنواعاً وأنماطاً من العموم کما أنّ هناک أنواعاً من الخصوص والتخصیص وهذه البحوث الجاریة لیست کما یتخیّل بحوثاً فی الأدب واللغة کما أنها لیست بحوثاً تقتصر علی بیئة قوالب المعانی وأطرها کبحوث فقهیّة وقانونیة بل هی بحوث منطقیّة أیضاً وفلسفیّة.

وبعبارة أخری: أنّ موضوع بحوث العام والعموم وبحوث الخاص والخصوص لا یقتصر علی موضوعات الألفاظ ولا علی بیئة المعانی الاعتباریّة الأدبیة القانونیة بل یجدان طریقهما إلی الوجود العینی الخارجی وهو موضوع بحث المنطق والفلسفة وإن کان البحث المنطقی موضوعه المعانی من حیث إراءتها للحقائق.

وعلی ضوء ذلک فیأخذ العام والعموم والخاص والخصوص طابعاً هندسیّاً وریاضیّاً ترتسم منهما ومن أنواعهما وأقسامهما صور وخرائط وهیاکلّ وأبنیة مختلفة الأشکال والملامح والطبائع ویکون من قبیل البحث عن البعد التطبیقی الجغرافی للتنظیرات القانونیّة فی العموم والخصوص والشیوع والاختصاص.

وعلی ضوء ذلک یتبیّن أنّ ما یذکر من أقسام العموم لیس یختصّ بمقام الدلالة الأدبیّة وبحوث الألفاظ بقدر ما یرتبط بقواعد وأطر القوانین والأحکام سواء المرتبطة بالفقه والقوانین السیاسیّة أو بالمجال الاقتصادی أو بالمجال الحقوقی أو بالمجال النظمی الإداری أو غیرها

ص:200

من المجالات.

ولابدّ من تبیان جملة من أقسام العموم لیتبیّن الفوارق فیما بینها کما یتبیّن کونها قوالب هندسیّة هیکلیّة وقوالب للمسح المیدانی ساریة فی الظواهر والطبائع المختلفة:

القسم الأوّل: العموم البدلی وهو العموم الّذی یلحظ فیه سریان الطبیعة الواحدة فی کلّ أفرادها وانتشارها وشمولها فی مصادیقها لکن الملحوظ هو الفرد الواحد بنحو العموم، أی یکتفی فی إسناد ذلک الحکم إلی الطبیعة المأخوذة موضوعاً ویکتفی بالفرد الواحد من دون تقیّده وتضیّقه بمشخّصات خاصّة.

وهذا النمط من ملاحظة العموم فی الطبائع تلحظ فی الأحکام الّتی لا تکون فیها الفرصة لأکثر من فرد أو أفراد قلائل وذلک نظیر المناصب العلیا ومواقع الإرادة العالیة حیث لا یقیّد القانون تلک المواقع لأشخاص بأسمائهم عدا منصب النبوّة والإمامة.

وفی هذا العموم رغم سریانه إلّا أنّه فی المآل یختصّ تطبیقیاً بدائرة محدودة وبالتالی لا یکون مشتملًا علی مساحة کبیرة للجمیع.

القسم الثانی: العموم الاستغراقی وهو أیضاً طابع من العموم والشمول والسریان والانتشار إلّا أن الانتشار فیه ملحوظ بنمط یلحظ فیه جمیع أفراد الطبیعة بنحو یکون الحکم أو الوصف ثابت لکلّ

ص:201

واحد واحد منهم؛ ومن ثمّ السریان فی هذا القسم لیس لون الاختصاص فیه کالقسم السابق فی دائرة محدودة ضیّقة بل هو فی دائرة لا یشذّ منها أیّ فرد من الطبیعة أو المجتمع أو المحیط والمجال إلّا أنّه رغم ذلک فإنّ الوصف أو الحکم ثابت بنحو الاستقلال والانفراد لکلّ واحد واحد من أفراد الطبیعة والمجتمع.

وکثیر من بحوث وأحکام وقوانین المدارس الحقوقیّة الباحثة عن المذهب الفردی تلحظ الأحکام والأوصاف فی ثبوتها للإنسانیّة علی نحو الاستغراق لکلّ فرد فرد علی حدة، وتغرق فی ملاحظة العموم بهذه الشاکلة، ومن ثمّ فیقع الإخلال لدیها فی ملاحظة طبیعة المصالح بنحو العموم المجموعی الآتی بیانه، فإنّ طبیعة المصالح والمنافع والکمالات لیست موجودة ومتحقّقة بشاکلة الوجود الاستغراقی لکلّ فرد فرد علی حدة. بل الکثیر من تلک المصالح والمنافع هیئة تکوّنها بنمط العموم المجموعی فی القسم الآتی.

القسم الثالث: العموم المجموعی، وفی هذا النمط من العموم تلحظ الطبیعة ساریة أیضاً ومنتشرة وشمولیّة إلّاأنّ السریان هنا لکلّ الأفراد لیس لکل فرد فرد علی حدة، بل للمجموع بهیئته المجموعیة، وفی هذا النمط من العموم والعمومیّة والاشتراک والشیوع یکون لون العموم أکثر ترکیزاً ویکاد ینعدم لون الخصوص للأفراد.

وقد نزع نحو هذه الشاکلة فی ترسیم المصالح والمنافع بإغراق

ص:202

شدید المذهب الشیوعی، وحمل وسام الانتشار والشمول والشیوع بین مجموع الأفراد بنحو لا یبقی للأفراد علی حدة أی اختصاص وإن کان هذا الاختصاص ثابت لجمیع الأفراد.

ففی المذهب الشیوعی لم یعترف بالملکیّة الفردیّة، وجعلت الأموال بنحو الشیوع والانتشار ملکاً للجمیع، إلّاأن ولایة تدبیرها بید الدولة وبالتالی نشأت تداعیات سلبیّة کبیرة من إماتة النزعة الفردیة سواء فی المجال الاقتصادی والتجاری والزراعی أو السیاسی.

ومن ثمّ خفّفت الشیوعیة إلی الاشتراکیة حیث یراعی العموم من النمط الثانی أکثر من النمط الثالث وتبنّته کثیر من المدارس الغربیة فی العلوم الاجتماعیّة والاقتصادیّة والسیاسیّة فی مقابل الإفراط الّذی لدیها فی العموم من النمط الأوّل وخلق بذلک حالة التوازن النسبی.

وفی مقابل ذلک فإنّ الرأسمالیة واللیبرالیة شدّدت فی الشعار علی العموم الاستغراقی وعلی مخاطبة واستمالة الضمیر الجمعی بعنوان الجمیع وکذلک مدارس الدیمقراطیّة وهی المشارکة السیاسیّة واتّکأت علی العموم الاستغراقی وإن کان جملة هذه المدارس فی المآل لا تفتح المجال للعموم المجموعی إلّا بقدر ما یصبّ فی العموم الاستغراقی کما أنها لا تفتح المجال للعموم الاستغراقی إلّابقدر ما یؤدّی إلی العموم البدلی ومن ثمّ تتمرکز القدرة والقوّة العامّة فی دائرة محدودة من طبقات المجتمع وفئاته وهو ما یرکّز الإقطاع والاستبداد الطبقی ولکن

ص:203

بنظم متوازن یحافظ علی الحدّ الأدنی من منافع عموم الأفراد استغراقاً بالحدّ الأدنی أو المتوسّط، لا سیّما وأنّ العموم من النمط الأوّل یرفع عنوان وشعار العمومیة إلّاأنّه فی اللبّ والمآل لا یتباعد عن الخصوص والخصوصیّة کما مرّ بیانه.

نسبة العدالة مع العموم والمساواة والحریّة:

لا یخفی أنّ العموم والعمومیّة والشمول یحمل فی طیّاته المساواة فی انتساب وانتماء واندراج الأفراد بنمط واحد ومتساوٍ إلی الطبیعة. فمن ثمّ هناک ترابط تکوینی بین العموم والمساواة کما أنّ هناک ارتباطاً بین هذین المحورین ومحور وحدة الطبیعة إلّاأنها وحدة فی ضمن العموم، إذ الوحدة فی الخصوص هی کثرة ولیست بوحدة حقیقیة؛ وبالتالی هناک ارتباط بین هذه المحاور الثلاثة معنی وماهیّة ووجوداً مع العدل والعدالة، ومن ثمّ یستغلّ عنوان العموم لتوظیفه کشعار للعدالة والمساواة والمشارکة والدیمقراطیّة والحریّة واللیبرالیّة، إلّاأنّه کما عرفت أنّ العموم علی أنماط وسیأتی أنماط أخری له وهی تختلف بحسب طبائع الموضوعات والصفات والأحکام ولیست کلّها تؤدّی إلی نفی الخصوصیة بشاکلة واحدة، بل قد مرّ أیضاً أن التصادم والتضادّ بین العموم بنحو الاستغراق (النمط الثانی) والعموم بنحو المجموع (النمط الثالث) لابدّ أن یوازن بینهما فی القوانین والأحکام

ص:204

بنحو لا یغرق ویفرط فی جانب علی حساب الجانب الآخر فإنّه یؤدّی إلی نقض الغرض المطلوب.

وأمّا ارتباط هذه المحاور مع الحرّیة فمن جهة أن فی العموم والشیوع هناک انسیاب وسریان وسیولة سیاقیّة لتواجد طبیعة کلّ شیء فی الأفراد من دون فقدان الأفراد لتوفّر الأفراد علی الحکم والصفة والاختصاص المرتبط بالطبیعة والمترتبّة علیها.

وبعبارة أخری: إنّ العموم والشیوع ینفی الاستبداد الفئوی أو الفردی کما أنّه یزیل الحرمان وتمرکز القوّة والقدرة للبعض علی البعض الآخر. ومن ذلک یتّضح أن هناک ارتباطاً ماهویاً وعینیاً تکوینیاً بین العدالة والمشارکة العمومیّة والحرّیات العامّة والخاصّة وأنّ هذه محاور وحقائق لا تنفکّ عن بعضها البعض کما أنّ لکلّ منها أنماطاً ترتبط وتتناسب طردیّاً مع أقسام بعضها البعض.

ولا یخفی أنّ العموم أو المساواة أو الحریّة لیست فی حدّ ذاتها عین العدالة وإنّما هی أسباب أو آلیات لتحقیق العدالة، والعدالة أمر أسمی وأشرف منها والعدالة حسنها ذاتی بخلاف تلک الامور.

وبعبارة أخری: إنّ العمومیة لا تلازم العدالة بنحو الدوام وکذلک الحال فی الحرّیة والمساواة، وإنّما تلازم هذه الامور مع العدالة بنحو غالبی. أی أنّ التخصیص والخصوص والتفاضل والافتراق والحدّ

ص:205

والقیود قد تکون فی جملة من الموارد هی الموجبة للعدالة والتعمیم والمساواة وإطلاق الحریّة موجبة للظلم.

وهناک ضابطة تناسبیة معادلیة طردیة وانعکاسیة بین هذه العناوین والعدالة وهی کما سیأتی یمکن تلخیصها بأنّ الطبیعة الّتی تکون مناطاً ومداراً لحکم ما أو حق واستحقاق، تارة تکون بطبعها عامّة سریانیة وتواجدها بین الأفراد بنحو التساوی، وأخری لا تکون تلک الطبیعة منتشرة بل تکون بطبعها لا تتواجد إلّافی بعض الأفراد أو أنّ تواجدها بدرجة متفاوتة شدّة وضعفاً بین الأفراد؛ ففی النمط الأوّل یکون العموم والمساواة موجباً للعدالة، وأما فی النمط الثانی فالاختصاص والتفاضل هو الموجب للعدالة. وهذا التفصیل والتقابل والاختلاف بیّن بعد کون المدار فی الحکم أو الحق والاستحقاق هو الطبیعة الّتی تکون مناط الحکم.

وهذا فی الحقیقة مراعاة لوحدة المیزان والمعیار من دون تفرقة فی المعیار إلّا أنّ مقتضی الطبیعة الّتی هی المناط فی الاستحقاق مراعاة وحدة المعیار والتفاضل والاختصاص فی بعض تلک الطبائع.

ومن أمثلة النمط الأوّل حاجة الإنسان إلی الهواء والماء والعناصر المعیشیة الضروریة؛ فإنّ طبیعة الحاجة فی أفراد البشر متساویة ومتقاربة علی وتیرة واحدة فی الحدّ الأدنی من الضرورات. ومن ثمّ لابد من مراعاة التعمیم والتساوی وفتح أبواب الفرص بنحو متساوٍ لاقتناء

ص:206

وتأمین تلک الحاجیات من المنابع العامّة.

ومثال النمط الثانی العلم والکفاءة والأمانة؛ فإنّ هذه الطبائع لیست منتشرة بنطاق واسع بدرجة واحدة متساویة، ولا محالة فإنّ الأحکام والحقوق والاستحقاقات المترتّبة علیها لا تعمیم فیها علی الأفراد بنمط متساو بل هناک اختصاصات وتفاضل فی الدرجات. ومن ثم فإنّ للنخب وأهل الخبرة والخبرویّة اختصاصات وتفاضل علی بقیّة الطبقات.

نعم، فتح باب تحصیل العلم والکفاءة والتربیة لابدّ أن یکون بنحو متساوٍ للعموم وهو شأن آخر یختلف مع الحالة المبحوث عنها بعد وجود تلک الطبائع.

التغیّر والتدویل والتبدیل ضمانة للعموم:

إنّ التغیّر والتبدیل عضید مهمّ لبقاء السریان والانتشار والشمولیة؛ فإنّ الطبیعة بحکم سریانها ومقتضی عمومیّتها وعدم الوقوف علی دائرة من الأفراد بخصوصها فإنّ وقوف الطبیعة علی دائرة معیّنة من الأفراد یوجب انقطاع السریان والعموم؛ ومن ثمّ کان التدویل والتبدیل الفردی أو بین الأفراد موجب للمحافظة علی الشمولیة والسریان.

فمثلًا العموم البدلی إذا أصابته حالة الثبات بمعنی الوقوف علی أفراد معیّنین فإنّه تنسلخ هویّته من عموم بدلی إلی خصوص متشخّص

ص:207

عادم للون العموم من رأس، فیلاحظ أنّ التغییر والتبدیل والتدویل یُبقی أصل هویّة العموم وفی الحقیقة أنّ المحافظة علی التغییر والتدویل والتبدیل یقارب ویشارف العموم من النمط الأوّل إلی العموم من النمط الثانی وکأنّه یرتقی من العموم من النمط الأوّل إلی العموم من النمط الثانی ویجعله استغراقیاً بعدما فرض بدلیّاً.

والحال کذلک فی العموم من النمط الثانی وهو الاستغراقی، فإنّ وقوف العموم علی دائرة محدودة کما فی مثال الثروات الطبیعیّة وصرفها علی عموم أفراد الأمّة فی حقبة زمنیة معیّنة فإنّ الاقتصار فی لحاظ العموم علی دائرة خاصّة بالموجودین یوجب انقلاب هذا العموم من النمط الثانی إلی النمط الأوّل، فصرف ثروات البلاد علی جیل معین من الأمّة بنحو العموم الاستغراقی من دون ملاحظة وتوسعة الدائرة إلی الأجیال اللاحقة یوجب تطبیق العموم بنحو بدلی علی صعید الأجیال لا بنحو استغراقی.

ومن ثمّ فلأجل المحافظة علی العموم الاستغراقی لابدّ من تدویل دائرة انطباق الطبیعة استغراقاً بنحو یبدّل حدود الدائرة بنحو متغیّر لا ثابت واقف وإلّا لفقد العموم الاستغراقی هویّته وماهیّته وحقیقته.

وکذلک الحال فی العموم المجموعی فإنّه إذا لوحظت المصلحة بلحاظ المجموع ولم یلحظ جانب التغیّر فی دائرة المجموع فإنّه یوجب

ص:208

تبدّل فرض عموم المجموعی إلی عموم بدلی أیضاً. کما أنّ عدم توطید العموم المجموعی لیؤول إلی العموم الاستغراقی یوجب سلب العموم المجموعی عن کونه عموماً مجموعیّاً بل یستلزم إمّا فرض التلف وانعدام أصل الطبیعة أو صیرورتها إلی فرد أو دائرة أفراد خاصّة.

اختلاف مراتب العموم شدّة وضعفاً بنحو متفاوت:

إنّ مقتضی الطبائع فی عمومیّتها وشمولها تختلف فی حالاتها وانتساب أفرادها إلیها. فإنّ طبیعة العلم مثلًا أو الخبرویّة أو المهارة أو الکفاءة والأمانة تختلف فی انطباقها وسریانها فی أفرادها قوّة وضعفاً وکثرة وقلّة. ومن ثمّ فإنّ سریان الطبیعة وشمولها لا یکون علی وتیرة واحدة ویکون العموم فی هذه الطبائع بنحو بدلی لا استغراقی فضلًا عن أن یکون مجموعیاً کما هو الحال فی القوّة والضعف فی العلم والخبرة والأمانة والکفاءة ففی الحقیقة العموم البدلی یحافظ علی أصل الطبیعة الّتی هی عامّة بینما الاستغراقی أو المجموعی عادم لأصل الطبیعة.

وهذا بخلاف الطبائع الّتی یتساوی تواجدها وتوفّرها فی الأفراد بدرجة واحدة فإنّها تتّخذ شاکلة النمط الثانی وإذا ازدادت وأوغلت فی التساوی فإنّها تأخذ طابع النمط الثالث.

ص:209

الاختصاص والعدل:

وعلی ضوء ذلک یتبیّن أنّ الطبائع فی سریانها تختلف اقتضاءً وحالات فی انتشارها فی الأفراد وأن مقتضی العدل والاستحقاق یختلف بحسب الطبائع شکلًا وقالباً، فلیس أحد أنماط العموم یلازم العدالة بنحو الدوام.

ویتجلّی بذلک أنّ العدل لا یلازم العموم بنحو الدوام بل یتناسب فی بعض الطبائع مع لون التخصیص والاختصاص، کما قد مرّ أن الفرق بین أنماط العموم هو فی الامتزاج بدون الاختصاص والخصوصیة بدرجات مختلفة بین أقسام العموم وهو الّذی أوجب انقسام العموم إلی أنماط.

کما أنّه یتّضح من ذلک أنّ المحافظة علی المصالح والمنافع فی بعض الطبائع لابدّ أن یکون بنحو الاختصاص وهذا الاختصاص لا یمثّل الاحتکار والاستبداد بل یکون عین العدل وإیفاء للاستحقاق.

ومنه یظهر وجه الاختصاص فی الاصطفاء والعصمة والنبوّة والإمامة کما یرتسم لنا من ذلک أنّ هیئة وشکل نظام الطبائع هو بنحو هرمی من نقطة رأس مخروط الهرم الخاصّة إلی القاعدة العریضة الوسطیة وإنّما بینهما طبقات، وأنّه لابد من تمییز بین مقتضیات الطبائع.

وهذا برهان ریاضی وعقلی وقانونی لنظریّة الإمامة فی نظام إدارة

ص:210

الحکم فی النظام الاجتماعی البشری.

العدالة شعار الأنبیاء وبقیة العناوین شعار المدارس الغربیّة

من الامور الملاحظة بوضوح أنّ القرآن الکریم یرفع شعار العدالة أو ما هو محقّق للعدل وملازم له بنحو الدوام کالقسط والمیزان کما فی قوله تعالی:

(وَ إِذا حَکَمْتُمْ بَیْنَ النّاسِ أَنْ تَحْکُمُوا بِالْعَدْلِ) (1).

وقوله تعالی: (وَ إِنْ حَکَمْتَ فَاحْکُمْ بَیْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) (2).

وقوله تعالی: (وَ أَقِیمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِیزانَ )(3).

ولا یخفی تلازم المیزان والقسط کآلیتین دائمیتین لتحقیق العدالة. والمیزان یشیر إلی المعیار والقانون الّذی یزن کلّ شیء بحسبه وقدره من الاستحقاق.

وغیر خفی أنّ المعیار فی کلّ صعید هو من نمط متناسب مع ذلک الصعید، والقسط هو التجزئة والتوزیع بإعطاء کلّ ذی حقّ حقّه وقدره المستحقّ له کما یشیر إلیه قوله تعالی: (وَ أَوْفُوا الْکَیْلَ وَ الْمِیزانَ بِالْقِسْطِ) (4).

ص:211


1- (1) سورة النساء: الآیة 58.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 42.
3- (3) سورة الرحمن: الآیة 9.
4- (4) سورة الأنعام: الآیة 152.

ومن الواضح أنّ القسط والمیزان یختلف عن عنوان المساواة بل هو متّحد مع العدل والعدالة، بخلاف عنوان المساواة وعنوان العمومیّة والمشارکة فإنّها عناوین لا تطّرد تلازماً مع العدالة کما مرّ توضیحه.

وهذا بخلاف ما یرفعه الغرب فی مدارسه الفکریّة والفلسفیّة والحقوقیة من شعار المساواة والحریة (اللیبرالیة) والمشارکة الشعبیة (الدیمقراطیّة) فإنها کما تقدّم غیر مطّردة - فی الأصول الّتی تنبنی علیها کنظام - لا تطّرد مع العدالة دوماً کما مرّت الإشارة إلیه. ومن ثم نلاحظ أنّ شعارات الحرکة الغربیة فی مسار تغییر دائم فمن الرأسمالیة إلی الشیوعیة إلی الاشتراکیة إلی الدیمقراطیّة واللیبرالیة وذلک لعدم دوام تولید هذه الأنظمة للعدالة ومن ثمّ یجرون علیها تغییرات تدعوهم إلیها فطرتهم.

النظرة المجموعیّة والتجزّئیّة فی رسم العدالة:

لا ریب أنّ العدالة فی الأحکام والقوانین المتعلّقة بالأفعال لا یمکن ملاحظتها بنحو تجزیئی مبعثر بل لابدّ من ملاحظتها بنحو منظومی مجموعی وذلک لأنّ الجهات والحیثیّات المختلفة لا تستوعب فی تشریع واحد وحکم واحد بل فی الغالب یتمّ استیعابها ضمن تشریعات متعدّدة.

ص:212

ومن ثم لا یصحّ أن یقارن بین تشریع معیّن من مدرسة تشریعیّة أو قانونیّة مع تشریع آخر من مدرسة أخری بنحو تجریدی بل لابد من المقارنة بین التشریعین ضمن مجموعة التشریعات.

فمثلًا لا یصحّ ملاحظة سهم الإرث للمرأة فی التشریع الإسلامی مقارنة بالتشریعات فی القوانین الوضعیّة إلّابملاحظة مجموعة التشریعات المالیّة فی الشریعة المرتبطة بالمرأة، حیث إنّ کفالتها المالیّة قد الزم بها الرجل کما أنّه أسقط عنها بقیّة الالتزامات المالیّة إلّاالشیء الیسیر؛ هذا مع فتح الباب لها لإنماء الثروة فی المجالات المختلفة.

والحاصل أنّ التشریع الواحد لفعلٍ مّا هو علی ارتباط شبکی بمجموعة أفعال وظواهر متعدّدة فی البیئة الاجتماعیّة.

ص:213

ص:214

القاعدة الخامسة عشر

قاعدة فی العدالة

ص:215

ص:216

القاعدة الخامسة عشر: قاعدة فی العدالة

اشارة

وقعت العدالة کشرط فی بعض الموضوعات الشرعیة کشرطیة العدالة فی المرجع وامام الجماعة والقاضی او الشاهد وغیرها.

وهنا نبحثها من حیث شرطیتها فی المرجع فقط.

أدلة العدالة:

وهی جملة من الأخبار المعتبرة، کقوله علیه السلام: «المأمون علی الدین والدنیا»(1) ، وأیضاً روایة العسکری علیه السلام: «مخالفاً لهواه مطیعا لأمر مولاه»(2) ، فإنها تدل بوضوح علی اعتبار العدالة بل قیل أنها تدل علی ما یزید علیها.

وأیضا یمکن أن یستدل بما فی التوقیع المبارک: «وأما الحوادث

ص:217


1- (1) وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 246 ح 27.
2- (2) المصدر نفسه، ص 131 ح 20.

الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا، فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله» (1) ، فإن مقام الحجیة لا یتصف به فاسق وأیضا بالأولیة القطعیة علی اعتبارها فی الامور الیسیرة کصلاة الجماعة فمن باب أولی أعتبارها فی النیابة عن المعصوم علیه السلام ومن الواضحات بمکان تناسب مقام الحجیة وأتساقه مع مقام العادلة...

وأیضاً مصححة عمر بن حنظلة: «الحکم ما حکم به أعدلهما...»(2) ، تدل علی المفروغیة من اعتبار العدالة إلا أنه فی الترجیح یأخذ بمن تزید درجة عدالته.

وأما الاشکال علی اختصاصها بالقضاء وهو لا یعم الفتوی والافتاء فالجواب هو الجواب المتقدم وهو أن القضاء متقوم بالفتیا والاستنباط فما أخذ فی القضاء إن کان یتناسب مع خصوصیات میزان القضاء فهو خاص به وأما ما کان مرتبطا بأصل استنباط الحکم الکلی کحیثیة الفقاهة والاستنباط فی القاضی فهو عام للفقیه والقاضی.

وهناک روایات مستفیضة أخری، حیث سُئل علیه السلام إلی من یرجع قال: «إلی حاکم أهل العدل» وهو فی قبال أهل الجور، وقد مر بنا فی بحث الاجتهاد والتقلید أن المراد من أهل العدل هم أهل القول بالعدل، وهذا یتناسب مع وصفه بأهل القول بالعدل وأهل العمل به

ص:218


1- (1) المصدر نفسه، ص 240 ح 9.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 9 ص 106-107 ح 1.

فی قبال أهل الجور فی القول والعمل به، وأیضا مثل ما جاء فی صحیح عهد أمیر المؤمنین علیه السلام لمالک الأشتر رحمه الله: «أختر للحکم بین الناس أفضل رعیتک»(1) ، وواضح أنه یشمل العدالة وغیرها.

ولو یتصفح الباحث الباب التاسع والباب العاشر والحادی عشر یجد أخبارا کثیرة علی اعتبار العدالة وما ذکرناه فیه الکفایة.

ملاحظة ودفعها:

وقد أشکل علی أن المراد بالعدالة هی الوثاقة لا العدالة المصطلحة باعتبار ان الفتیا اخبار کما فی الروای فغایة ما یشترط الوثاقة اللسانیة لا الوثاقة فی الدین والعمل المعبر عنها بالعدالة، ومما یؤید ذلک وجود اخبار أخذت لفظ الوثاقة بدل العدالة....

والجواب عن هذ الاشکال: هو أنه کما مر أن الفتیا منصب وزعامة ولیست اخبار محض بل هی ولایة نیابیة وقدرة وسلطة فالوثاقة فی هذا المنصب هی الأمانة العامة والوثاقة بالقیام بالمسؤولیات الدینیة والدنیویة علی الوجه المطلوب شرعا وظاهر أنها لیست بوثاقة فی اللسان فحسب بل هی وثاقة فی کل المسؤولیات وهی عبارة أخری عن العدالة، ولذلک ورد فی ما تقدم من الاخبار فی حق زکریاء ابن آدم فقال علیه السلام: «المأمون علی الدین والدنیا»، وکل ذلک لأنه زعامة لیست فی

ص:219


1- (1) وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 8 ص 224 ح 9.

مجرد استنباط الاحکام بل مرتبط بالامور المعاشیة باشراف التشریع الدینی فی نظم أمور المعاش ولذلک لم یقتصر علی کونه (مأموناً علی الدین) فقط بل قال علیه السلام: «علی الدین والدنیا».

فالصحیح لهذه المناصب عدم الاکتفاء بصرف الوثاقة اللسانیة.

و هذا بخلاف الراوی فإنه لیس له منصب حتی یؤخذ منه الدین کله بل یؤخذ منه الخبر فی مسألة وفرع من الفروع وأما أن یؤخذ منه باب کامل قد تفرد به فلا؛ وذلک لأن الروایة لیست بمنصب یؤخذ منها الدین وأیضاً أغلب ما یرویه فی الأبواب له شواهد من المعتبرات والحسان.

فیفترق باب الروایة عن باب الفتیا لأن الفتیا استحفاظ للدین بتبع استحفاظ الانبیاء لأنه نیابة الهیة عن الانبیاء والاوصیاء کما دل علیه الآیة قوله تعالی: (إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِیها هُدیً وَ نُورٌ یَحْکُمُ بِهَا النَّبِیُّونَ الَّذِینَ أَسْلَمُوا لِلَّذِینَ هادُوا وَ الرَّبّانِیُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ کِتابِ اللّهِ وَ کانُوا عَلَیْهِ شُهَداءَ) (1) ، فنفس الاستحفاظ یتطلب الأمانة وهی لیست فقط فی الإخبار بل فی کل أداء المسؤولیات التی هی عبارة أخری عن العدالة.

و هل یشترط فی العدالة الورع وعدم منافاة المروة أی التحرز عن

ص:220


1- (1) سورة المائدة: الآیة 44.

منافی المروة؟

الصحیح أن العدالة معناها واحد إلا أنها ذات درجاتها وذلک لأختلاف المسؤلیات فکل بحسبه فکلما تکثرت المسؤولیات والواجبات والمحرمات اتسعت دائرة العدالة وکلما عظم المنصب کانت المسؤولیة أعظم وأکبر بحیث تراعی حتی جنبة نفس المنصب الذی ینافیه ما ینافی المروءة.

ص:221

ص:222

القاعدة السادسة عشر:

اشتراک الحد والقصاص فی ماهیة جامعة واحدة

ص:223

ص:224

القاعدة السادسة عشر: اشتراک الحد والقصاص فی ماهیة جامعة واحدة

ومما یدعم وحدة الحد والقصاص فی جامع ماهوی واحد بعنوان الحد بالمعنی الاعم جملة من الشواهد, وبوحدة هذا العنوان یتم العموم الوارد فی صحیح فضیل لکل من الحد والقصاص بعد کون هذا العموم عام لکل قاصر من الصبی والمجنون وغیرهما:

الشاهد الأول: ما فی صحیح ابی بصیر المتقدم من اطلاق الحد فی کلام السائل علی القصاص.

الشاهد الثانی: ما مر فی قتل الکافر للکافر من قوله تعالی: (کَتَبْنا عَلی بَنِی إِسْرائِیلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً) (1) فان الشق الأول فی الایة فی القصاص والثانی فی الحد, لا سیما وقد ذکر فی الایة اللاحقة جزاء الشق الثانی(إِنَّما جَزاءُ الَّذِینَ یُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَسْعَوْنَ فِی

ص:225


1- (1) سورة المائدة: الآیة 32.

اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ یُقَتَّلُوا) (1) فهل هذا الجزاء للمفسد فی الأرض هو قصاص او حد؟ مع ان مفاد الایة الأولی ان النتیجة(فَکَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِیعاً) هی کمفسدة جزء من تعریف الماهیة بجامع فی الجنس الماهوی متحد.

الشاهد الثالث: ما ورد من قتل من اعتاد قتل اهل الذمة او الکافر المعاهد او غیرهم کالعبد والمجنون وانه یقتل واختلف فی کونه حد او قصاصا علی قولین مشهورین.

وهذا التردید بین القولین موشر للتقارب بین ماهیة القسمین.

الشاهد الرابع: ان الحد لغة شامل للقصاص جنسا فی الشروط العامة الماهویة.

الشاهد الخامس: ما یأتی من قاعدة درء الشبهة للقصاص کما فی الحدود, وکذا وردت روایة معتبرة فیه ومفادها ان القصاص حد فیدرء بالشبهة.

الشاهد السادس: ان قاعدة لا حد لمن لا حد علیه مطابقة لعنوان لا قود لمن لاقود علیه لسانا وموضوعا ومحمولا وکذا بالوصف المشعر بالتعلیل.

الشاهد السابع: ما ورد فی باب لا یقاد الوالد بولده کما فی الروایة الصحیحة عن حُمْرَانَ عَنْ أَحَدِهِمَا علیه السلام قَالَ: «لَا یُقَادُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ

ص:226


1- (1) سورة المائدة: الآیة 33.

- ویُقْتَلُ الْوَلَدُ إِذَا قَتَلَ وَالِدَهُ عَمْداً» (1).

وما ورد من انه لا یحد الوالد للولد کما فی موثقة إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ«أَنَّ عَلِیّاً علیه السلام کَانَ یَقُولُ لَا یُقْتَلُ وَالِدٌ بِوَلَدِهِ إِذَا قَتَلَهُ - ویُقْتَلُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ إِذَا قَتَلَهُ - ولَا یُحَدُّ الْوَالِدُ لِلْوَلَدِ إِذَا قَذَفَهُ - ویُحَدُّ الْوَلَدُ لِلْوَالِدِ إِذَا قَذَفَهُ»(2).

فهذان التعبیران (لا یحد) و (لا یقاد) بلسان واحد, بل فی الموثقة اعلاة ورد کلا الامرین لا یقتل ولا یحد, وهذا مشعر بوحدة الشرط فی الماهیة الجامعة.

وقد ذکرت بعض الروایات العبد فی سیاق الولد مما یدلل علی اتحاد وجه الشرط وکونه ولایة الوالد مما یعم الجد فی الشرط الثالث فی القصاص کما سیاتی.

الشاهد الثامن: اطلاق الحدود علی القصاص فی بعض الروایات کصحیح جَمِیلِ بْنِ دَرَّاجٍ ومُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «قُلْنَا أَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِی الْحُدُودِ فَقَالَ فِی الْقَتْلِ وَحْدَهُ إِنَّ عَلِیّاً علیه السلام کَانَ یَقُولُ لَا یَبْطُلُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ»(3).

ص:227


1- (1) تهذیب الأحکام: ج 10، ص 236.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 29، ص 79.
3- (3) المصدر: ص 137.

ص:228

القاعدة السابعة عشرة: القصاص یدرء بالشبهات

اشارة

ص:229

ص:230

قاعدة: القصاص یدرء بالشبهات

ویستدل للقاعدة بوجوه:

الوجه الأول:

اشارة

روایة بُرَیْدِ بْنِ مُعَاوِیَةَ الْعِجْلِیِّ قَالَ: «سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام عَنْ رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا عَمْداً - فَلَمْ یُقَمْ عَلَیْهِ الْحَدُّ ولَمْ تَصِحَّ الشَّهَادَةُ عَلَیْهِ - حَتَّی خُولِطَ وذَهَبَ عَقْلُهُ ثُمَّ إِنَّ قَوْماً آخَرِینَ - شَهِدُوا عَلَیْهِ بَعْدَ مَا خُولِطَ أَنَّهُ قَتَلَهُ - فَقَالَ إِنْ شَهِدُوا عَلَیْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ حِینَ قَتَلَهُ - وهُوَ صَحِیحٌ لَیْسَ بِهِ عِلَّةٌ مِنْ فَسَادِ عَقْلٍ قُتِلَ بِهِ - وإِنْ لَمْ یَشْهَدُوا عَلَیْهِ بِذَلِکَ - وکَانَ لَهُ مَالٌ یُعْرَفُ دُفِعَ إِلَی وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ - الدِّیَةُ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ - وإِنْ لَمْ یَکُنْ لَهُ مَالٌ أُعْطِیَ الدِّیَةُ مِنْ بَیْتِ الْمَالِ - ولَا یَبْطُلُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ»(1).

اما السند:

وهی لیست شدیدة الضعف وان کان خضر الصیرفی مجهول

ص:231


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 72.

الحال وذلک لان الروای عنه الحسن بن محبوب ووقد رواها المحمدون الثلاثة عن کتاب الحسن بن محبوب.

وظاهر جملة من الاصحاب الفتوی بصدرها.

واما الدلالة:

وموضع الاستشهاد فی ذیلها من نفی القصاص لعدم احراز موجبه مع انه قد تحقق من ارتکابه القتل.

قاعدة أخری:

ومفادها أیضا یدل علی قاعدة ثانیة«اخذ المتهم لوثا بالدیة» أی ان اللوث یوجب الدیة علی المتهم بالقتل وان احتمل انه خطا تحمله العاقلة, فان ذلک الاحتمال لا یدفع ولا یسقط الضمان للدیة, فان الضمان للدیة حکم متوسط بین القود وبین تحمل العاقلة للدیة بسبب اللوث, وسیاتی مزید البحث فیها فی بحث القسامة وفی ذیک الوجه الثالث والرابع الاتیین.

الوجه الثانی:

المرسل کالمصحح عن جَمِیلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا علیه السلام: «أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ عَلَی نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ - قُتِلَ إِذَا لَمْ یَکُنْ

ص:232

عَلَیْهِ شُهُودٌ - فَإِنْ رَجَعَ وقَالَ لَمْ أَفْعَلْ تُرِکَ ولَمْ یُقْتَلْ» (1).

وهذه الروایة نص فی المطلوب, والوجه فی التفصیل بین الإقرار والشهود کما هو الحال فی الحد ان الرجوع فی الإقرار متجه بخلاف الشهود فانه فی الشهود غیر مسموع, فان المثبت للقصاص او الحد لیس قوله نفسه بل شهادة الشهود بخلاف الإقرار فان المثبت للقصاص او الحد قوله.

الوجه الثالث:

موثق السَّکُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِالله علیه السلام قَالَ: «کَانَ قَوْمٌ یَشْرَبُونَ فَیَسْکَرُونَ - فَیَتَبَاعَجُونَ بِسَکَاکِینَ کَانَتْ مَعَهُمْ - فَرُفِعُوا إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام فَسَجَنَهُمْ - فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ وبَقِیَ رَجُلَانِ - فَقَالَ أَهْلُ الْمَقْتُولَیْنِ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ ع - أَقِدْهُمَا بِصَاحِبَیْنَا فَقَالَ لِلْقَوْمِ مَا تَرَوْنَ - فَقَالُوا نَرَی أَنْ تُقِیدَهُمَا - فَقَالَ عَلِیٌّ علیه السلام لِلْقَوْمِ - فَلَعَلَّ ذَیْنِکَ اللَّذَیْنِ مَاتَا قَتَلَ کُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ - قَالُوا لَا نَدْرِی فَقَالَ عَلِیٌّ ع - بَلْ أَجْعَلُ دِیَةَ الْمَقْتُولَیْنِ عَلَی قَبَائِلِ الْأَرْبَعَةِ - وآخُذُ دِیَةَ جِرَاحَةِ الْبَاقِیَیْنِ مِنْ دِیَةِ الْمَقْتُولَیْنِ - قَالَ وذَکَرَ إِسْمَاعِیلُ بْنُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ - عَنْ سِمَاکِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عُبَیْدِ الله بْنِ أَبِی الْجَعْدِ - قَالَ کُنْتُ أَنَا رَابِعَهُمْ فَقَضَی عَلِیٌّ علیه السلام هَذِهِ الْقَضِیَّةَ فِینَا»(2).

حیث علل نفی القود والقصاص بالشبهة, کما یدل علی ان اللوث

ص:233


1- (1) وسائل الشیعة: ج 28، ص 27.
2- (2) المصدر: ج 29، ص 234.

موجب للدیة بنفسه فیدل علی القاعدة الثانیة اعلاة

الوجه الرابع:

موثق السَّکُونِیِّ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله علیه السلام قَالَ: «رُفِعَ إِلَی أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام سِتَّةُ غِلْمَانٍ - کَانُوا فِی الْفُرَاتِ فَغَرِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ - فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ مِنْهُمْ عَلَی اثْنَیْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ - وشَهِدَ اثْنَانِ عَلَی الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ فَقَضَی عَلِیٌّ علیه السلام بِالدِّیَةِ أَخْمَاساً - ثَلَاثَةَ أَخْمَاسٍ عَلَی الِاثْنَیْنِ - وخُمُسَیْنِ عَلَی الثَّلَاثَةِ» (1).

ومثله صحیح ابن قیس.

ان التعارض فی البینتین اوجب شبهة فی المقام فلم یثبت الأمیر القصاص وانما اثبت الدیة, ولو حملت علی اختلال شروط البینة لم یخرج الفرض عن الشبهة وثبت الدیة بلوث الاتهام.

فان تعارض البینتین لا تجری القرعة بل الدیة علی الجمیع, ومفادها دال علی القاعدتین, فان احد المجموعتین لیست علیها ضمان ومع ذلک اغرمت للوث, فان اللوث سبب للتغریم.

الوجه الخامس:

مرفوعة عَلِیِّ بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ إِلَی أَبِی عَبْدِ

ص:234


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 142.

الله علیه السلام قَالَ: «أُتِیَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام بِرَجُلٍ وُجِدَ فِی خَرِبَةٍ - وبِیَدِهِ سِکِّینٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ - وإِذَا رَجُلٌ مَذْبُوحٌ یَتَشَحَّطُ فِی دَمِهِ - فَقَالَ لَهُ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام مَا تَقُولُ - قَالَ أَنَا قَتَلْتُهُ قَالَ اذْهَبُوا بِهِ فَأَقِیدُوهُ بِهِ - فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ أَقْبَلَ رَجُلٌ مُسْرِعٌ إِلَی أَنْ قَالَ - فَقَالَ أَنَا قَتَلْتُهُ - فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام لِلْأَوَّلِ - مَا حَمَلَکَ عَلَی إِقْرَارِکَ عَلَی نَفْسِکَ - فَقَالَ ومَا کُنْتُ أَسْتَطِیعُ أَنْ أَقُولَ - وقَدْ شَهِدَ عَلَیَّ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ وأَخَذُونِی - وبِیَدِی سِکِّینٌ مُلَطَّخٌ بِالدَّمِ - والرَّجُلُ یَتَشَحَّطُ فِی دَمِهِ وأَنَا قَائِمٌ عَلَیْهِ - خِفْتُ الضَّرْبَ فَأَقْرَرْتُ - وأَنَا رَجُلٌ کُنْتُ ذَبَحْتُ بِجَنْبِ هَذِهِ الْخَرِبَةِ شَاةً - وأَخَذَنِی الْبَوْلُ فَدَخَلْتُ الْخَرِبَةَ - فَرَأَیْتُ الرَّجُلَ مُتَشَحِّطاً فِی دَمِهِ - فَقُمْتُ مُتَعَجِّباً فَدَخَلَ عَلَیَّ هَؤُلَاءِ فَأَخَذُونِی - فَقَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام خُذُوا هَذَیْنِ - فَاذْهَبُوا بِهِمَا إِلَی الْحَسَنِ - وقُولُوا لَهُ مَا الْحُکْمُ فِیهِمَا - قَالَ فَذَهَبُوا إِلَی الْحَسَنِ وقَصُّوا عَلَیْهِ قِصَّتَهُمَا - فَقَالَ الْحَسَنُ علیه السلام قُولُوا لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام - إِنْ کَانَ هَذَا ذَبَحَ ذَاکَ فَقَدْ أَحْیَا هَذَا وقَدْ قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ ومَنْ أَحْیاها فَکَأَنَّما أَحْیَا النّاسَ جَمِیعاً یُخَلَّی عَنْهُمَا - وتُخْرَجُ دِیَةُ الْمَذْبُوحِ مِنْ بَیْتِ الْمَالِ»(1).

ویمکن توجیه مفاد عدم القتل فیها لاجل الشبهة فی القصاص لا سیما ان الدیة من بیت المال لا بالقرعة ولا من الثانی, وقد تم تفصیلها فی مسالة 108 من بحث القصاص.

ص:235


1- (1) وسائل الشیعة: ج 29، ص 143.

ص:236

القاعدة الثامنة عشر:

قاعدة فی صلاحیات المرأة

ص:237

ص:238

القاعدة الثامنة عشر: قاعدة فی صلاحیات المرأة

توطئة:

بحث الفقهاء صلاحیات المراة فی القیادة والحکم ومنها القیادة الدینیة کالمرجعیة, وذکروا ان شرط من شروط المرجع ان یکون رجلا فلا تقلد المراة, نعم المرأءة لها أن تکون مجتهدة وإن لم یکن لها الافتاء لغیرها، وهذا الکلام نبحثه هنا کقاعدة فی احکام المراة وصلاحیاتها فی النظام الدینی بشکل مفصل وإن لم یکن بشکل مسهب جدا إلا إنا سنذکره بشکل منقط ومفهرس:

محل البحث:

فی المناصب الثلاثة لا فی الفتیا فقط.

فالبحث لا یقع فی منصب الافتاء فقط - نعم جملة من الاعلام تناولوا البحث وکانوا یجزمون باشتراط الرجولة إلا أنه فی البحث

ص:239

یخوضون فیها بشکل تردیدی فی دلالة الأدلة وفی الحقیقیة مقدار ما خاضوه من البحث مقتضب جداً - بل یقع البحث فیه وفی منصب القضاء ومنصب الولایة، وعدم تقلدها هذا المنصب عند الامامیة أمر متسالم علیه فی القضاء والفتیا والولایة، فالسلطة التنفیذیة والولایة التشریعة والسلطة القضائیة کلها مندرجة فی منصب الفتیا فالفتیا جامعة لهذه السلطات الثلاثة غایة الامر ان القضاء والولایة احکام جزئیة مستمدة من احکام کلیة هی الفتیا.

وقد نقل السیدالحکیم فی المستمسک قولا عن متأخری علمائنا بجواز افتاء المرأة(1) إلا أنه خلاف المسلم عندنا.

فالمناصب العلیا لهذه السلطات والمناصب التی هی رأس الهرم قد حصل التسالم علی عدم تولیها لها وهی محل بحثنا.

وأما الطبقات المتوسطة لهذه السلطات - وهی المراتب الدونیة من مراتب القضاء والفتیا مثل استنطاق الشهود وغیرها فالقاضی والفقیه یستنطق الشهود واستنطاق المتخاصمین وتحریر مورد الدعوی والنزاع وتحدید المدعی من المنکر - فهل هذه المقدمات من أعمال القضاء تشارک المرأة الرجل أم لا؟

هذا أمر آخر، فإن کثیراً من القضاة لیسوا بقضاة فی الأصل بل

ص:240


1- (1) مستمسک العروة ج 1 ص 43.

بالنیابة عن الفقیه - فیقضون بفتاوی الفقیه وسیأتی أن القضاء بالفتوی أو بالصلح - فهو بمنزلة النائب والید للفقیه فهو یحرر موضوع الدعوی - بحسب فتاوی الفقیه - ویقضی فهو لیس قاضیاً مستنبطاً بل هو من أعوان القاضی والقاضی فی الحقیقة هو الفقیه والکثیر ممن یتولی القضاء الآن لیس بمجتهد أصلا ومع ذلک یتولی القضاء بفتاوی الفقیه نعم له فضل لأنه یحرر محل الدعوی بضوابط وموازین وما أن یستعصی علیه جانب یرجع فیه إلی المجتهد الفقیه.

فادوار الفقیه کثیرة جداً ولیست خاصة بالمرجعیة العلیا بل لها تشعبات کثیرة جداً والفضلاء بدورهم یملؤون هذه الحاجات والتشعبات نیابة عنه ومن هنا أنبثق عند الأعلام بحث فی المسائل المستحدثة فی القضاء من أن القضاء وحل الخصومة خاص بالفقیه أو یوجد قضاء بالنیابة وقضاء بالفتوی وقضاء بالصلح وحل النزاع بالتراضی وتولی الفضلاء لهذه الأدوار نیابة عن الفقیه لاینافی اختصاص القضاء بالفقیه فهم فی الحقیقة تابعون لما یراه الفقیه.

و هذا شبیه بالقاضی فی محکمة کبیرة یدیر فیها جمیع شؤون البلد الکبیر فهو فی منصبه الأعلی لا یحرر جمیع القضایا بل یوجد عنده من یقوم بهذه الامور المقدمیة من مراهقین علمیا فیحرروا موضع النزاع علی وفق موازین قاضی المحکمة ثم هو بعد ذلک یقوم بالاشراف علی ما فعلوه، وأما فی الاشیاء التی لا یعلمونها فیرجعون إلیه ویعبر عن

ص:241

هذا بالتوکیل فی مقدمات القضاء وکذا أیضا فی المسائل والاستفتاءات من المقلدین الذین لا یمکنهم الوصول إلی مرجع التقلید فبواسطة المراهقین للاجتهاد ولاحاطتهم بمبانی الفقیه والمجتهد یوصلون الاحکام بتحدید موضوعاتها للناس وهکذا تترامی القدرات التی هی فی طول قدرة الفقیه العلیا حتی تغذی کافة المجتمعات فی کافة المجالات.

وقد تبین أن هذه المناصب الثلاثة لها مراتب علیا ومتوسطة ودنیا وموقع البحث یختلف بحسب هذه المراتب.

الاقوال فی المسالة:

وقبل الخوض فی البحث نذکر بعض أقوال الخاصة والعامة:

ویمکن تحصیل الاجماع عند الخاصة بالنسبة إلی المرتبة العلیا أما بقیة المراتب فتحصیل الاجماع غیر واضح من عبائرهم ولاسیما فی القطاع الخاص، فمن باب المثال: کانت ابنة الشیخ الطوسی قدس سره مجتهدة وکذا ابنة العلامة الحلی قدس سره وابنة الشهید الأول قدس سره وکانت تسمی بسیدة النسوان، وکانت تدرّس من وراء حجاب، وکانوا یستجیزونها، وکذا ابنة المجلسی قدس سره الأول - زوجة الملا صالح المازندرانی قدس سره - کانت مجتهدة، بل إن السیدة حکیمة علیها السلام کانت نائبة عن الامام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف، وکذا العقیلة زینب علیهما السلام کانت نائبة عن الامام زین العابدین علیه السلام، وکذا أم سلمة فقد استودعها الامام الحسین علیه السلام ودائع النبوة، وهذا لیس

ص:242

بالامر الیسیر.

فبحسب سیرة علماء الأمامیة - فضلا عن سیرة المعصومین علیهم السلام - نری أنه یُقرُّ للمرأة دوراً فی غیر المناصب العلیا سواء فی جانب السلطة التشرعیة أوالقضائیة ولا یستفاد من أقوال الامامیة منع المرأة من الشعب النازلة ولا من سیرتهم العملیة فالقدر المتیقن من المتسالم علیه فی المنع عند الامامیة هی المناصب العلیا.

نعم، توجد فی الشعب النازلة ضوابط مرعیة إذا لم تراع تفقد المرأة صلاحیاتها کما لو استلزم ذلک فقد حجابها ولو علی مستوی التعامل بحیث امتنع الحجاب أو العفة فی التعامل فإنها تفقد تلک صلاحیات، وإلا ففرق بین أن نقول لا أهلیة للمرأة أصلًا لهذه المناصب وبین أن نقول لها تلک الأهلیة ولکن بشروط مرعیة إذا فقدتها فقدت تلک الصلاحیات ولابد من إیقاع البحث علی حسب تدرج هذه المناصب.

هذا بالنسبة إلی أقوال الخاصة.

وأما أقوال العامة، فقال فی ابن قدامة: «إن المتسالم لدیهم فی الامامة العظمی بل عند المسلمین وحتی الولایة فی البلدان عدم تولی المرأة»(1).

ص:243


1- (1) المغنی: ج 11 ص 380.

وأما فی الافتاء فمتسالم عندهم جواز تصدی المرأة اللافتاء وأما تصدیها للقضاء فالمشهور شهرة کبیرة عندهم جوازه إلا من ابن جریر وأما أبو حنیفة فیجوّز لها القضاء أیضاً عدا الحدود.

هذا مع اعترافهم أن الفتیا منصب ومن ثم لدیهممنصب (مفتی الدیار)، ومع ذلک یتعاملون مع الفتیا معاملة الامارة المحضة. والصحیح أنها ولایة وسلطة تشریعة فکما أنها ممنوعة من منصب الولایة فهی ممنوعة من منصب الافتاء.

ادلة القاعدة:

الآیات والأخبار الدالة علی عدم تولی المرأة:

اشارة

والاستدلال بالآیات أو الأخبار علی منع المرأة من تولی هذه المناصب لا یقتصر فیه علی الدلالة المطابقیة والحرفیة بل یستدل علیه بما تدل علیه الآیات بالدلالة الالتزامیة کما هو منهج الاستدلال بصناعة التحلیل.

الآیات المستدل بها علی طوائف:

الطائفة الأولی: ما یدل علی ضعف المرأة ولیونتها:

اشارة

استدل علی ضعف المرأة ولیونتها المانع من تولیها هذه المناصب بعدة آیات:

ص:244

منها: (أَ لَکُمُ الذَّکَرُ وَ لَهُ الْأُنْثی ( 21) (1).

ومنها: (إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الْأُنْثی ( 27) )(2).

ومنها: (إِنْ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِناثاً وَ إِنْ یَدْعُونَ إِلاّ شَیْطاناً مَرِیداً ( 117) (3).

ومنها: (فَلَمّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثی وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثی) (4).

ومنها: (أَ فَأَصْفاکُمْ رَبُّکُمْ بِالْبَنِینَ وَ اتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِکَةِ إِناثاً إِنَّکُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِیماً ( 40) (5).

ومنها: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَ لِرَبِّکَ الْبَناتُ وَ لَهُمُ الْبَنُونَ ( 149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِکَةَ إِناثاً وَ هُمْ شاهِدُونَ ( 150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْکِهِمْ لَیَقُولُونَ ( 151) وَلَدَ اللّهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ ( 152) أَصْطَفَی الْبَناتِ عَلَی الْبَنِینَ ( 153) ما لَکُمْ کَیْفَ تَحْکُمُونَ ( 154) (6).

ومنها: (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَکُمُ الْبَنُونَ ( 39) (7).

ص:245


1- (1) سورة النجم: الآیة 21.
2- (2) سورة النجم: الآیة 27.
3- (3) سورة النساء: الآیة 117.
4- (4) سورة آل عمران: الآیة 37.
5- (5) سورة الإسراء: الآیة 40.
6- (6) سورة الصّافّات: الآیات 149-154.
7- (7) سورة الطّور: الآیة 39.

ومنها: (وَ یَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَ لَهُمْ ما یَشْتَهُونَ ( 57) وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثی ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ ( 58) یَتَواری مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَ یُمْسِکُهُ عَلی هُونٍ أَمْ یَدُسُّهُ فِی التُّرابِ أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ ( 59) لِلَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلی وَ هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ ( 60) (1).

إشکالیة استحقار الاسلام للمرأة:

هذه الآیات تشیر وتدل علی ضعف المرأة ولیونتها ونقصان قوتها لا علی سبیل ونهج ذمها واستحقارها فقبل الاستدلال بهذه الآیات الکریمة علی المطلوب نبین بعض ما أورد علی النصوص والتشریعات الأسلامیة من تقلیلها من شأن المرأة ووصفها بالضعف واللیونة المستوجب لذمها واستحقارها ولا یخفی أن منشأ هذه الاشکالیات قصور النظر وعدم القراءة الصحیحة للشریعة المقدسة کما یتبین.

فمِن قائل:

إن الأسلام یستحقر المرأة ویستنقصها ولا یبالی بحقوقها وأن القرآن کتاب تاریخی خاص بحقبة زمنیة قد انقضت وتصرمت وغیرها من الترهات.

ص:246


1- (1) سورة النحل: الآیات 57-60.

والجواب عن هذا:

أن الاسلام جاء مربیاً ومعلماً ومخرجاً للناس من الظلمات إلی النور فلیست وظیفته التعییر والذم والاستحقار فمثله مثل الطبیب لما یبین مرض المریض أو خواص بدن ومزاج الشخص الذی هو نقص فی الواقع لکی یتفادی المریض ما یزید فی مرضه ونقصه أو یفعل ما یزیل ذلک النقص والمرض أو یبیّن خواص الطبیعة لما لها من نظام تعامل خاص یمکن استثماره إیجابیا من جهات ضعفه ونقصه إذ کل طبیعة لها جانب ایجابی وقوة ولها جانب سلبی وضعف فالشارع فی مقام الناصح الشفیق والمرشد المربی.

فالقرآن والشارع المقدس یستعمل لفظ المرأة والانوثة بما هو مظهر للضعف واللیونة والعطوفة والرحمة من جانبین وذلک فی قبال صفة الرجولة فإنها مظهر قوة وشدة وقساوة وجفاف قال بعض الحکماء: «الخالق رجل والمخلوقات إناث»، یقصد أنه ذو قوة وغنیً بالذات وکل ما یذب فیه النقص فهو منفعل فسمی بالأنثی؛ لأن الأنوثة فی اللغة العربیة وبقیة اللغات بمعنی الضعف والنقص.

و هذا لا یعنی استحقار المرأة وتنقیصها وتعییرها وذلک لعدم الملازمة بین النقص والضعف وبین الاستحقار لاسیما وأن هذه الصفة لطبیعة المرأة هی ملازمة لصفة أخری إیجابیة عظیمة هی صفة الرحمة والعطف فبالنظر إلی مفاد سورة النحل فمع بیانها لضعف المرأة

ص:247

ولیونتها فهی تصرح أیضاً بعدم قبول استحقارها والنهی عن التبرم والتشائم منها وتذم الخجل منها حتی تدس فی التراب.

فذمهم فی هذه السورة علی ما یفعلونه عندما یبشرون بالأنثی فقال تعالی: (أَلا ساءَ ما یَحْکُمُونَ) . فالقرآن یدین ما یفعلونه فی الجاهلیة إلا أنه یبین أن المرأة ضعیفة من جانب البنیة البدنیة مثلًا مع أن القرآن والسنة یبینان أنها أقوی من الرجل من جهة الحنان والعطف والرحمة.

فالنقص والضعف شیء والذم شیء آخر فانظر إلی الکمال فی قول أمیر المؤمنین علیه السلام: «کفی بی عزا أن أکون لک عبداً»، فحدد الکمال

فی عبودیة المخلوق للخالق وفی الحقیقة أن النقص خاضع للقابلیات والذم راجع للتقصیر والتمرد وهذا یغایر ما یتوهمه الحداثویون والعلمانیون بل حتی من تأثر بهذه الشبهة من الباحثین فی العلوم الدینیة.

فإن الشریعة قائمة علی الموازین والمعادلات الدقیقة فی نظامها واحکامها فتراها تجعل وتصب أحکاماً خاصة بالرجل تارة وأحکاماً خاصة بالمرأة تارة أخری وأحکاماً مشترکة بینهما أخری، وذلک لقیام الاختلاف بین طبیعة المرأة وطبیعة الرجل فکما یوجد مشترکات بینهما توجد أیضاً خصوصیات وممیزات مختصة بکل منهما واحکام الشریعة تنصب علیهما بما یتناسب مع طبیعتهما.

ص:248

ولابد فی فهم حقیقة الشریعة المقدسة من خلال قوانینها أن ینظر إلی جمیع أحکامها حتی تتضح الموازنة والمعادلة ولا یکفی فی الحکم بالحسن أو القبح علی شیء من قوانینها إلا بعد معرفة منظومتها القانونیة کلها حتی یعرف مقدار حکمتها من عدمها فهل الشارع حکیم فی تصرفاته أم تنظیمه تنظیماً عشوائیاً.

النصوص الشرعیة فی مکانة المرأة:

فلابد من النظر إلی جمیع مایتعلق بالمرأة عند الشارع حتی یعرف مدی احاطة الشارع بخصائصها الروحیة والجسدیة فکما أنه قد تعرض للمرأة فی جوانب الادارة والقیادة فقد تعرض لها فی جوانب أخری.

کما تشیر إلیه النصوص المستفیضة بالتصریح أو التلمیح فی عظمة وفضل المراة بأصنافها کبنت وأخت وزوجه وأم، ونذکر بعض ما یدل علی مکانتها:

منها: أنه صلی الله علیه وآله أبو البنات، ومنزلة وفضل البیت الذی فیه بنات:

منها: روایة حماد بن عثمان، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه وآله أبا بنات»(1).

ومنها: ما رواه القطب الراوندی عن النبی صلی الله علیه وآله أنه قال: «رحم

ص:249


1- (1) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 361 ح 2.

الله أبا البنات البنات مبارکات محببات والبنون مبشرات وهن الباقیات الصالحات» (1).

ومنها: روایة الراوندی أیضاً عنه صلی الله علیه وآله قال: «من کان له ابنة فالله فی عونه ونصرته وبرکته ومغفرته»(2).

ومنها: ما روایته أیضاً عنه صلی الله علیه وآله قال: «من کانت له ابنة واحدة کانت خیرا له من ألف حجة وألف غزوة وألف بدنة وألف ضیافة» (3).

ومنها: ما رواه فی الصدوق عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من کن له ثلاث بنات فصبر علی لأوائهن وضرائهن وسرائهن کن له حجابا یوم القیامة»(4).

ومنها: ما رواه فی جامع الاخبار عن رسول الله صلی الله علیه وآله قال: «ما من بیت فیه البنات إلا نزلت کل یوم علیه اثنتا عشرة برکة ورحمة من السماء ولا تنقطع زیارة الملائکة من ذلک البیت یکتبون لأبیهم کل یوم ولیلة عبادة سنة»(5).

وصیته صلی الله علیه وآله بالاحسان للأنثی وتقدیمها علی الابن:

ص:250


1- (1) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 3.
2- (2) المصدر نفسه، ح 5.
3- (3) المصدر نفسه، ح 7.
4- (4) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 362 ح 6.
5- (5) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 116 ح 12.

منها: ما رواه فی العوالی، عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من کان له أنثی فلم یبدها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها أدخله الله الجنة»(1).

ومنها: روایة السکونی، قال دخلت علی أبی عبدالله علیه السلام وانا مغموم مکروب فقال لی: «یا سکونی مما غمک». قلت: ولدت لی ابنة. فقال لی: «یا سکونی، علی الأرض ثقلها وعلی الله رزقها، تعیش فی غیر اجلک وتأکل من غیر رزقک». فسری والله عنی فقال (لی): «ما سمیتها». قلت: فاطمة. فقال: «آهٍ آه»، ثم وضع یده علی جبهته - إلی أن قال - «أما إذا سمیتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها»(2).

منها: ما رواه فی العوالی، عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من کان له اختان أو بنتان فأحسن إلیهما کنت أنا وهو فی الجنة کهاتین وأشار بإصبعیه السبابة والوسطی»(3).

منها: ما رواه فی العوالی، عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من ابتلی بشیء من هذه البنات فأحسن إلیهن کن له سترا من النار»(4).

منها: ما رواه فی العوالی عن الصادق علیه السلام قال: «إذا أصاب الرجل ابنة بعث الله عز وجل إلیها ملکا فأمر جناحه علی رأسها

ص:251


1- (1) المصدر نفسه، ب 5 ص 118 ح 2.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 87 ص 482 ح 1.
3- (3) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 5 ص 118 ح 3.
4- (4) المصدر نفسه، ح 4.

وصدرها وقال ضعیفة خلقت من ضعف المنفق علیها معان» (1).

ومنها: ما رواه الطبرسی - من کتاب نوادر الحکمة - عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من دخل السوق فاشتری تحفة فحملها إلی عیاله کان کحامل صدقة إلی قوم محاویج، ولیبدأ بالأناث قبل الذکور فإنه من فرح ابنته فکأنما أعتق رقبة من ولد إسماعیل ومن أقر عین ابن فکأنما بکی من خشیة الله ومن بکی من خشیة الله أدخله الله جنات النعیم»(2).

قوله صلی الله علیه وآله: «مبارکات» و «مؤنسات» و «ریحانة»:

منها: ما رواه فی الجعفریات - کما فی نسخة الشهید - بإسناده عن علی علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات باکیات مبارکات»(3).

ومنها: روایة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «نعم الولد البنات ملطفات مجهزات مؤنسات مبارکات مفلیات»(4).

ومنها: روایة الجارود بن المنذر قال: قال لی أبو عبدالله علیه السلام: «بلغنی أنه ولد لک ابنة فتسخطها وما علیک منها، ریحانة تشمها وقد

ص:252


1- (1) المصدر نفسه، ح 5.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 5 ص 118 ح 1.
3- (3) المصدر نفسه، ب 3 ص 115 ح 2.
4- (4) الکافی: ج 6، ص 5.

کفیت رزقها وقد کان رسول الله صلی الله علیه وآله أبا بنات» (1).

ومنها: روایة القطب الراوندی عن النبی علیه السلام قال: «نعم الولد البنات ملطفات مؤنسات ممرضات مبدیات»(2).

ومنها: ما رواه فی الصدوق، عن إبراهیم بن هاشم، عن البرقی رفعه قال: «بشر النبی صلی الله علیه وآله بابنة، فنظر فی وجوه أصحابه فرأی الکراهة فیهم فقال: مالکم! ریحانة أشمها ورزقها علی الله (عز وجل)»(3).

ومنها: ما فی الجعفریات بإسناده عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه وآله إذا بشر بجاریة قال: ریحانة ورزقها علی الله»(4).

ومنها: ما رواه الکلینی عن إبراهیم الکرخی عن ثقة حدثه من أصحابنا قال: تزوجت بالمدینة فقال لی أبو عبدالله علیه السلام: «کیف رأیت؟». قلت: ما رأی رجل من خیر فی امرأة إلا وقد رأیته فیها ولکن خانتنی. فقال: «و ما هو؟». قلت: ولَدَت جاریة. قال: «لعلک کرهتها!! إن الله (عز وجل) یقول: (لا تَدْرُونَ أَیُّهُمْ أَقْرَبُ لَکُمْ نَفْعاً) (5)»(6).

ص:253


1- (1) المصدر نفسه، ب 5 ص 364 ح 3.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 8.
3- (3) المصدر نفسه، ب 4 ص 117 ح 4.
4- (4) المصدر نفسه، ب 3 ص 114-115 ح 1.
5- (5) سورة النساء: الآیة 11.
6- (6) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 5 ص 363 ح 1.
عظمة ادخال السرور علی المرأة:

منها: روایة سلمان الجعفری، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إن الله (تبارک وتعالی) علی الإناث أرأف منه علی الذکور، وما من رجل یدخل فرحة علی امرأة بینه وبینها حرمة إلا فرحه الله تعالی یوم القیامة»(1).

البنات حسنات وجهات فضلهن علی الابناء:

منها: روایة أحمد بن عبد الرحیم، عن بعض أصحابه، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «البنات حسنات والبنون نعمة فإنما یثاب علی الحسنات ویسأل عن النعمة»(2).

ومنها: روایة أحمد بن الفضل، عن الصادق علیه السلام قال: «البنون نعیم والبنات حسنات، والله یسأل عن النعیم ویثیب علی الحسنات» (3).

ومنها: روایة الکلینی عن الحسین بن سعید اللخمی، قال: ولد لرجل من أصحابنا جاریة فدخل علی أبی عبدالله علیه السلام فرآه متسخطا فقال له أبو عبدالله علیه السلام: «أرأیت لو أن الله (تبارک وتعالی) أوحی إلیک أن أختار لک أو تختار لنفسک ما کنت تقول؟». قال: کنت أقول: یا رب تختار لی. قال: «فإن الله قد اختار لک». قال: ثم قال: «إن الغلام

ص:254


1- (1) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 7 ص 367 ح 1.
2- (2) المصدر نفسه، ح 2.
3- (3) المصدر نفسه، ح 3.

الذی قتله العالم الذی کان مع موسی علیه السلام وهو قول الله (عز وجل): (فَأَرَدْنا أَنْ یُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَیْراً مِنْهُ زَکاةً وَ أَقْرَبَ رُحْماً ( 81) (1) أبدلهما الله به جاریة ولدت سبعین نبیا» (2).

ومنها: ما رواه الطبرسی، عن حذیفة الیمانی قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «خیر أولادکم البنات»(3).

ومنها: ما رواه فی روضة الواعظین، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «نِعْمَ الولد البنات المخدرات من کانت عنده واحدة جعلها الله له سترا من النار ومن کانت عنده اثنتان أدخله الله بهما الجنة ومن کانت له ثلث أو مثلهن من الأخوات وضع عنه الجهاد والصدقة»(4).

عظمة کفالتهن:

منها: ما رواه الصدوق، عن یعقب بن یزید یرفعه إلی أحدهما الإمامین الباقر أو الصادق علیهما السلام قال: «إذا أصاب الرجل ابْنَةً بعث الله إلیها ملکا فأمر جناحه علی رأسها وصدرها وقال: ضعیفة خلقت من ضعف المنفق علیها معان إلی یوم القیامة»(5).

ص:255


1- (1) سورة الکهف: الآیة 81.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 117 ح 2.
3- (3) المصدر نفسه، ب 3 ص 116 ح 11.
4- (4) المصدر نفسه، ص 117 ح 10.
5- (5) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 7 ص 368 ح 5.

ومنها: ما رواه الراوندی، عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من عال ابنتین أو ثلاثا کان معی فی الجنة»(1).

ومنها: ما رواه الشریف الزاهد فی کتاب التعازی، عن أصحابه، عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنه قال فی حدیث: «ومن عال واحدة أو اثنتین من البنات جاء معی یوم القیامة کهاتین وضم إصبعیه»(2).

ومنها: ما رواه الراوندی، عن النبی صلی الله علیه وآله: «من ابتلی من هذه البنات باثنتین کن له براءة من النار ومن کانت له ثلاث بنات فأعینوه وأقرضوه وارحموه»(3).

ومنها: ما رواه الرواندی، عن الصادق علیه السلام قال: «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتین حجبتاه عن النار»(4).

ومنها: ما روایة عمر بن یزید، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقیل یا رسول الله، واثنتین؟ فقال: (واثنتین) فقیل: یا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة»(5).

ص:256


1- (1) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 4.
2- (2) المصدر نفسه، ب 3 ص 116 ح 13.
3- (3) المصدر نفسه، ح 9.
4- (4) جامع أحادیث الشیعة: ج أبواب أحکام الأولاد والاستیلاد، ص ح 12.
5- (5) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 4 ص 361 ح 3.

ومنها: ما رواه فی عدة الداعی، النبی صلی الله علیه وآله قال: «من عال بنات أو مثلهن من الأخوات وصبر علی ایوائهن حتی یبن إلی أزواجهن أو یمتن فیصرن إلی القبور کنت أنا وهو فی الجنة کهاتین وأشار بالسبابة والوسطی». فقیل: یا رسول الله واثنتین؟ وذکر نحوه(1).

ومنها: ما رواه الراوندی، عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من عال ثلاث بنات یعطی ثلاث روضات من ریاض الجنة کل روضة أوسع من الدنیا وما فیها»(2).

حق المرأة کأم ومکانتها:

منها: ما رواه الحسین بن سعید، عن علی بن الحسین صلی الله علیه وآله قال: «جاء رجل إلی النبی صلی الله علیه وآله فقال: یا رسول الله، ما من عمل قبیح إلا قد عملته، فهل لی من توبة؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: فهل من والدیک أحد حی؟». قال: أبی، قال: «فاذهب، فبره»، قال: فلما ولیّ، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «لو کانت أمه!»(3).

ومنها: ما رواه الصدوق فی (فقه الرضا) علیه السلام قال: «واعلم أن حق الأم أ لزم الحقوق وأوجب، لأنها حملت حیث لا یحمل أحد أحدا،

ص:257


1- (1) المصدر نفسه، ص 362 ح 7.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 115 ح 6.
3- (3) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 70 ص 179 ح 1.

ووقت بالسمع والبصر وجمیع الجوارح، مسرورة مستبشرة بذلک، فحملته بما فیه من المکروه الذی لا یصبر علیه أحد، ورضیت بأن تجوع ویشبع، وتظمأ ویروی، وتعری ویکتسی، وتظله وتضحی، فلیکن الشکر لها والبر والرفق بها علی قدر ذلک، وان کنتم لا تطیقون بأدنی حقها الا بعون الله» (1).

ومنها: مارواه أبو القاسم الکوفی فی (کتاب الأخلاق) قال: قال رجل لرسول الله صلی الله علیه وآله: إن والدتی بلغها الکبر، وهی عندی الآن، أحملها علی ظهری، وأطعمها من کسبی، وأمیط عنها الأذی بیدی، وأصرف عنها مع ذلک وجهی استحیاء منها واعظاما لها، فهل کافأتها؟ قال: «لا؛ لأن بطنها کان لک وعاء، وثدیها کان لک سقاء، وقدمها لک حذاء، ویدها لک وقاء، وحجرها لک حواء، وکانت تصنع ذلک لک وهی تمنی حیاتک، وأنت تصنع هذا بها وتحب مماتها»(2).

ومنها: ما رواه القطب الراوندی، عن النبی صلی الله علیه وآله، أنه قال: «الجنة تحت أقدام الأمهات». وقال صلی الله علیه وآله: «تحت أقدام الأمهات، روضة من ریاض الجنة». وقال صلی الله علیه وآله: «إذا کنت فی صلاة التطوع، فان دعاک والدک فلا تقطعها، وان دعتک والدتک فاقطعها»(3).

ص:258


1- (1) المصدر نفسه، ص 180 ح 2.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 70 ص 180 ح.
3- (3) المصدر نفسه، ص 180-181 ح 4.

ومنها: ما رواه الفتّال عن الباقر علیه السلام قال: «قال موسی بن عمران علیه السلام: یا رب، أوصنی، قال: أوصیک بی، قال: فقال: رب أوصنی قال: أوصیک بی، ثلاثا. قال: یا رب أوصنی، قال: أوصیک بأمک، قال: رب أوصنی، قال: أوصیک بأمک، قال: رب أوصنی قال: أوصیک بأبیک، قال: (فکان یقال) لأجل ذلک أن للأم ثلثی البر وللأب الثلث»(1).

منها: ما رواه الطبرسی فی (المشکاة) عن الصادق علیه السلام، قال: «جاء رجل فسأل رسول الله صلی الله علیه وآله، عن بر الوالدین، فقال: أبرر أمک، أبرر أمک، أبرر أمک، أبرر أباک، أبرر أباک، أبرر أباک، وبدأ بالأم»(2).

ومنها: ما رواه قال: قلت للنبی صلی الله علیه وآله: یا رسول الله، من أبرر؟ قال: «أمک» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمک» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أمک» قلت: ثم من؟ قال: «ثم أباک، ثم الأقرب فالأقرب»(3).

ومنها: ما رواه فی (العوالی) فی حدیث عنه صلی الله علیه وآله، قیل: یا رسول الله، ما حق الوالد؟ قال صلی الله علیه وآله: «أن تطیعه ما عاش» فقیل: وما حق الوالدة؟ فقال: «هیهات هیهات، لو أنه عدد رمل عالج، وقطر المطر أیام الدنیا، قام بین یدیها، ما عدل ذلک یوم حملته فی بطنها»(4).

ص:259


1- (1) المصدر نفسه، ص 181 ح 5.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ص 181 ح 6.
3- (3) المصدر نفسه، ح 7.
4- (4) المصدر نفسه، ص 182 ح 8.

ومنها: ما رواه (العوالی) أیضاً عنه صلی الله علیه وآله قال له رجل: یا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتی؟ قال: «أمک». قال: ثم من؟ قال: «أمک» قال: ثم من؟ قال: «أبوک». وفی روایة أخری أنه جعل ثلاثاً للأم، والرابعة للأب(1).

ومنها: ما رواه الکراجکی: أنّ رجلا قال للنبی صلی الله علیه وآله: یا رسول الله، أی الوالدین أعظم؟ قال: «التی حملته بین الجنبین، وأرضعته بین الثدیین، وحضنته علی الفخذین، وفدته بالوالدین»(2).

ومنها: ما رواه فی (المستدرک): وقیل للامام زین العابدین علیه السلام: أنت أبر الناس، ولا نراک تواکل أمک! قال: «أخاف أن أمد یدی إلی شئ، وقد سبقت عینها علیه، فأکون قد عققتها»(3).

مکانة وشأن المرأة کزوجة وترک ضربها والعفو عن ذنبها:

منها: ما رواه عبد الرحمن بن کثیر، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «فی رسالة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحسن علیه السلام: لا تملک المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بکرامتها نفسها، واغضض بصرها

ص:260


1- (1) المصدر نفسه، ح 9.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ص 182 ح 10.
3- (3) المصدر نفسه، ح 11.

بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک من شفعت له علیک معها واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار» (1).

ومنها: ما رواه الصدوق: سئل النبی صلی الله علیه وآله عن الرجل یقبّل امرأته وهو صائم؟ قال: «هل هی إلا ریحانة یشمها»(2).

ومنها: ما رواه الصدوق: وقال صلی الله علیه وآله: «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة» قیل: یا رسول الله واثنتین، قال: «واثنتین»، قیل: یا رسول الله وواحدة؟ قال: «وواحدة»(3).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق علیه السلام: «من عال ابنتین أو أختین أو عمتین أو خالتین حجبتاه من النار»(4).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق علیه السلام: «إذا أصاب الرجل ابنة بعث الله (عز وجل) إلیها ملکا فأمرّ جناحه علی رأسها وصدرها، وقال: ضعیفة خلقت من ضعف، المنفق علیها معان»(5).

ص:261


1- (1) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 87 ص 361 ح 1.
2- (2) المصدر نفسه، أبواب وجوب الصوم، ب 33 ص 98 ح 4.
3- (3) من لا یحضره الفقیه، ج 3 ص 482 ح 1501.
4- (4) وسائل الشیعة: ج 21 أبواب أحکام الأولاد، ب 12 ص 527 ح 1.
5- (5) المصدر نفسه، ب 7 ص 368 ح 5.

ومنها: ما رواه الصدوق: قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته لابنه محمد بن الحنفیة: «یا بنی إذا قویت فاقو علی طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف عن معصیة الله (عز وجل)، وإن استطعت أن لا تملک من أمرها ما جاوز نفسها فافعل فإنه أدوم لجمالها وأرخی لبالها وأحسن لحالها، فإن المرأة ریحانة ولیست، بقهرمانة فدارها علی کل حال، وأحسن الصحبة لها لیصفو عیشک»(1).

استحباب اکرام الزوجة وترک ضربها:

منها: روایة أبی مریم، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: أیضرب أحدکم المرأة ثم یظل معانقها!» (2).

ومنها: روایة السکونی، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا یضیعها»(3).

ومنها: روایة سماعة، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «اتقوا الله فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء»(4).

ومنها: روایة عمار الساباطی، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «أکثر

ص:262


1- (1) من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 556 ح 4911.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 86 ص 167 ح 1.
3- (3) المصدر نفسه، ح 2.
4- (4) المصدر نفسه، ص 167-168 ح 3.

أهل الجنة من المستضعفین النساء علم الله ضعفهن فرحمهن» (1).

ومنها: ما رواه الصدوق، وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لولده محمد بن الحنفیة، قوله: «ولیست بقهرمانة، فدارها علی کل حال، وأحسن الصحبة لها لیصفو عیشک»(2).

ومنها: روایة اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسنا؟ قال: «یشبعها ویکسوها وان جهلت غفر لها»، وقال أبو عبد الله علیه السلام: «کانت امرأة عند أبی علیه السلام تؤذیه فیغفر لها»(3).

ومنها: روایة محمد بن مسلم، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: أوصانی جبرئیل بالمرأة حتی ظننت انه لا ینبغی طلاقها إلا من فاحشة مبینة»(4).

ومنها: ما رواه الصدوق: قال الصادق علیه السلام: «رحم الله عبدا أحسن فیما بینه وبین زوجته فإن الله (عز وجل) قد ملکه ناصیتها وجعله القیم علیها»(5).

ومنها: ما رواه الصدوق قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «ملعون

ص:263


1- (1) المصدر نفسه، ص 168 ح 4.
2- (2) من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 556 ح 4911.
3- (3) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 88 ص 169 ح 1.
4- (4) المصدر نفسه، ص 170 ح 4.
5- (5) المصدر نفسه، ح 5.

ملعون من ضیع من یعول» (1).

ومنها: ما رواه الصدوق قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «خیرکم خیرکم لأهله وأنا خیرکم لأهلی»(2).

ومنها: ما رواه الصدوق قال: وقال صلی الله علیه وآله: «عیال الرجل اسراؤه وأحب العباد إلی الله عز وجل أحسنهم صنعا إلی اسرائه»(3).

وغیرها من الاخبار الدالة علی موضوعیة المرأة فی نفس المنظومة الدینیة بما هی أم وبما هی بنت وبما هی أخت وبما هی زوجة وبما هی مرأة. فلابد من الناظر والباحث أن لا ینظر نظرة دونیة وتجزئیة بدون الاطلاع علی تمامیة الاحکام المتعلقة بالمرأة وعظمتها وعدم الاطلاع علی خصائص المرأة التکوینیة.

فالآیات التی تذکر المرأة أو الأنثی لیست ذات نظرة دونیة ومنطلقة من نزعة ذکوریة تغالبیة ولا بصدد الذم والتنقیص والإزراء بل هی بصدد بیان طبیعة ترکیبة المرأة واختلافها عن ترکیبة وفسلجة وطبیعة الرجل وعلیه یکون تکامل کل نوع بحسب اختلاف طبیعته وبیئته ولیست الآیات بصدد بیان ذم واستحقار المرأة ومدح الرجل علی نحو الاطلاق کی یقال أن التشریع الاسلامی ذو نزعة دونیة ذکوریة.

ص:264


1- (1) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 88 ص 171 ح 6.
2- (2) المصدر نفسه، ح 8.
3- (3) المصدر نفسه، ح 9.

و هذا مثل الطبیب یقول للرجل: أنت فیک الطبیعة المعینة أو المرض الفلانی أو طبیعتک ومزاجک حار لا یناسبک بعض الأغذیة وأنک تستطیع أن تتجنب الامراض مثلا بترکک کذا وکذا فإن الطبیب لیس فی مقام الذم وإنما هو فی مقام النصیحة التوصیة باراءة خصائص الواقع وزوایا الحقائق وبیان طبیعة هذا الانسان لأجل أن یتفادی الارتطام بالعوائق ولیس فی مقام الذم والتقریع.

فمثلًا قوله علیه السلام: «إن النساء نواقص الایمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول»(1) ، لیس بمعنی لا عقل لها بل لها أصل وطبیعة العقل إلا أن الله زود المرأة بعاطفة جیّاشة وحیث إن ظروف الحیاة فیها الشدة والضعف والجانب الروحی والجانب الجسدی تمیز الرجل فی طبیعته بخصائص جسدیة وروحیة وتمیزت المرأة أیضا بخصائص جسدیة وروحیة، ولهذا عبر عنها النبی صلی الله علیه وآله أنها «ریحانة»(2).

والریحانة لابد منها فی نظام الحیاة الأسری والإجتماعی، ولهذا تبتلی الأسرة التی لا مرأة فیها بصلافة الاخلاق والخشونة الشدیدة والبعد عن الحنان والعاطفة، بخلاف الأسرة التی یتواجد فیها إناث أکثر تتوفر فیها نعومة الأخلاق وکثرة العاطفة وذلک لأن المرأة ینبوع الرحمة والعاطفة والحنان والشفقة فهی تفیض من رحمتها وعاطفتها

ص:265


1- (1) نهج البلاغة، الخطبة 80.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 15 أبواب أحکام الأولاد، ب 3 ص 117 ح 4.

وشفقتها علی الأولاد ومن فی البیت فتارة تزیل اتعاب الرجل حینما یأتی للبیت مع ماله من التعب الجسدی وعلیه ما علیه من أتعاب نفسیة وروحیة مما یلقاه خارج المنزل فبنعومة وعطوفة المرأة تزیل هذا کله عنه وهذا لیس فی الاسرة فقط بل فی المجتمع فإنها تجعل المجتمع متعادل حیث أن الطفل الذی لا یترعرع فی أحضان الأم ینشأ وحشی ومیهئ للاجرام وذلک لما عنده من نقص فی الجانب العاطفی وهذه الآن بحوث وظواهر أصبحت مسلمة.

فهذ الآیات تبین وتکشف عن أن المرأة منبع روحی وعاطفی وأن جانب الصرامة والحسم والشدة فیها ضعیف فالشارع یقول للنساء والرجال بما أن طبیعة المرأة معبئة بطاقة روحیة عاطفیة فلابد أن توازن بین هذه الامور وبین العقل وکذا یقال للرجل أنه إنسان صلب شزر إذا استمر بهذا الحال فسیکون ذا أخلاق خشنة فلابد من التوازن ولا یکون التوازن إلا بأن تکون المرأة مستندة فیما هو ناقص من طبیعتها للرجل وهو یستند لها فیما هو ناقص من طبیعته لها فعن الصادق علیه السلام: «العبد کلما ازداد للنساء حبا ازداد فی الایمان فضلا»(1).

فمفاد الطائفة الأولی التی ذکرناها هو ضعف المرأة وأنها لیست بمظهر قوة ولا مظهر صلابة فلا یناسبها مظاهر السلطة العلیا التی

ص:266


1- (1) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 3 ص 23-24 ح 10.

تحتاج إلی طبیعة الصلابة والقوة والشدة والحزم.

ویدل علی هذه الحقیقة:

قوله تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ ) (1) فإن الآیة تصرح بأن من یتربی فی الحلیة والزینة یعنی النساء لا یصلح للخصام والشدة والمجادلة فهی ضعیفة البیان فهذه الأیة واضحة الدلالة علی أن المرأة ترعرعها فی الدلال والنعومة یسلبها قوة المخاصمة والمجادلة والحجاج والاحتجاج.

وقد ورد فی الاخبار عند الفریقین وبعضها صحیح، منها: «إنما النساء عی وعورة، فاستروا العورة بالبیوت، واستروا العی بالسکوت»(2) ، أی ضعیفة البیان عند الفریقین، والبعض یخدش فیها سندا أومضمونا، والحال أنه مضمون القرآن الکریم.

فالآیة تفید: أن النساء علی الدوام اهتمامهن فی الزینة والجمال الجسدی فعقلهن منشد اهتمامه فی الجمال البدنی کما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «عقول النساء فی جمالهن، وجمال الرجال فی عقولهم»(3). فکل مناشئها ماضمین قرآنیة وهو نفس مضموم الآیة(أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ) ، أی طبیعتها - دوماً إلی أن تهرم - میّالة للزینة والحلیة

ص:267


1- (1) سورة الزُّخرف: الآیة 18.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 24 ص 65-66 ح 4.
3- (3) الأمالی، الشیخ الصدوق: ص 298.

وهو فی الخصام غیر مبین یعنی أن عیاء المرأة یمتد إلی المنطق وهذه صفة غالبة لا صفة دائمة.

فهذه الطائفة دالة علی ضعف المرأة حیث قرر القرآن ذلک فی قوله تعالی: (أَمِ اتَّخَذَ مِمّا یَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاکُمْ بِالْبَنِینَ ( 16) (1) ، وتشیر إلی ضعف المرأة وأن البنات مظهر الضعف، وکذا قوله تعالی: (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ ( 17) (2) وغیرها من الآیات المتقدمة.

وقال بعضهم: إن هذا المضمون لیس مراداً للقرآن وإنما هو مجاراة لأعراف العرب أو أعراف البشریة الخاطئة آنذک، لا أنه یرید أن یبین أن المرأة ضعیفة واقعاً وحقیقة.

والبعض الآخر قال: إن القرآن یجادل العرب آنذاک بمنطقهم وبما یعتقدونه أو لأنه یجاریهم علی ما عندهم من اعراف فاسدة وهذا کله شطط من القول وذلک لأن القرآن یعلل قوله: (وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ کَظِیمٌ) (3) بأمور تکوینیة فیقول تعالی: (أَ وَ مَنْ یُنَشَّؤُا فِی الْحِلْیَةِ وَ هُوَ فِی الْخِصامِ غَیْرُ مُبِینٍ) فأن المرأة موضعها ومعیشتها علی الدوام فی النعومة

ص:268


1- (1) سورة الزُّخرف: الآیة 16.
2- (2) سورة الزخرف: الآیة 17.
3- (3) سورة الزخرف: الآیة 17.

والرقة واللیونة والدلال وبالتالی تکون عیاً فی المنطق والخطاب.

وهذا کله بحسب الغالب لا العموم الاستقصائی لتمام أفراد النساء وسیأتی توجیهه وهو خلاف نظرة الحداثویین إلی هذه الآیات بأن القرآن نظرته للمرأة دونیة واستحقاریة والصحیح أنه غیر ما ذهبوا إلیه بل الآیات فی وادی آخر وقد عزف بعض المحققین عن هذه الروایات واستنکرها أو شکک فی سندها أو مضمونها مع أنها کلها مضامین قرآنیة ففی الأحادیث المرأة عی وعورة فالعی تثبته سورة الزخرف بقوله تعالی: وهو فی الخصام غیر مبین وأما أنها عورة فسیأتی فی طائفة أخر من الآیات تدل علی أن المرأة عورة لا بمعنی القباحة بل الإثار الجنسیة فهی کتلة ومنشأ لانشداد الغریزة الجنسیة.

فدعوة ونظرة القرآن تغایر النظرة الجاهلیة باجحاف المرأة کما یأتیک زیادة بیان والغریب من أهل التحصیل والبصیرة ترجلوا فی هذا البحث وتنکروا لهذه المضامین مع أنها مضامین قرآنیة إلا أن هناک من تجرأ وقال: إن القرآن یجاری الاعراف الفاسدة أو من باب الجدل وهذه أجوبة وتفسیرات زائغة عن الحقیقة والحق وغیر صحیحة وأن التفسیر الصحیح غیر هذا کما سیأتی مفصلا وکون القرآن یثبت أن من یعمل من ذکر وأنثی له جزاءه لا یتنافی مع هذه الأخبار.

فالطائفة الأولی من الآیات القرآنیة بما أنها من أصول القانون أو روح الشریعة تدل علی أن المرأة لیست مظهر القوة والبسالة والشدة بل

ص:269

مظهر الضعف والنقص واللیونة والنعومة فضعف فی جهات عدیدة، وهذا لا یعنی الدونیة للمرأة کما فی حدیث النبی صلی الله علیه وآله«المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة»(1) ، فإنه تعبیر دقیق - وهذه الطائفة من الآیات لا تدل علی عدم تولی المراة بالمطابقة وإنما تدل علیه بالالتزام، لأن المواقع الخطیرة فی النظام السیاسی أو الاجتماعی او القضائی أو النظام الفتوائی أو النظام الولائی تحتاج إلی ارادة وعزیمة وصلابة وشجاعة وجرأة وقوة شخصیة ومظهر اللیونة والرقة والنعمومة واللطافة والضعف لا یتناسب مع هذه المناصب.

الطائفة الثانیة: من الآیات التی ذکرت أن المرأة عورة وآیات الحجاب:

اشارة

أما الطائفة الثانیة من الآیات التی تعرضت لکون النساء عورة فآیات الحجاب وغیرها من الاحادیث التی تأمر بستر المرأة وذلک لما مرّ من أن الاسلام قائم علی نظام ومنظومة المعادلات فتارة ینظر إلی الصفات الروحیة للمرأة والرجل وتارة ینظر إلی صفاتهما البدینة فتراه یبین أحکام کل منهما بحسب ما لدیه من خصائص جسدسة وهو - کما تقدم - کبیان الطبیب للمریض خصائصه الجسدیة لیرتب علیها بعض العلاجات البدنیة أو یتفادی العوائق المرضیة وبالوجدان الذی

ص:270


1- (1) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 87 ص 361 ح 1.

لا ینکر أن طبیعة جسد المرأة جذاب وملفت ومغری فلا تکاد امرأة تبرز جسدها إلا أخذت بالانظار والافکار فجسدها بطبیعته فریسة، وهذه الآیات تبین أن المرأة عورة فیجب أن تحتجب فمجموع آیات الحجاب دالة علی ذلک وأن المرأة محل الافتراس.

ولهذا تکون الروایات - المصرحة بأن خیر للمرأة أن لا تری الرجال ولا الرجال یروها وغیرها من الاخبار - وإن کانت ضعیفة السند إلا أن مضمونها قرآنی مثل قوله تعالی: (یا نِساءَ النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ( 32) وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی) (1).

وهذا یبین شکل المرأة ومظهرها عورة ولیس العوار بمعنی القبح فی المرأة - وقد تقدم دفع شبهة العلمانیین والحداثویین - بل بمعنی أنها معرضیة للافتراس لذوی الشهوات النزویة فلذا قال: فلا تخضعن بالقول فیطمع الذی فی قلبه مرض فإذا کان صوتها یطمع إلی هذه الدرجة فما بالک بجسدها فالعورة هی بمعنی وجود موجبات الانجذاب نحو المرأة من جهة صوتها أو جسدها لهجوم أو تعدی ذوی الافتراس علیها، فالاسلام وضع حجاب الرؤیة وحجاب

ص:271


1- (1) سورة الأحزاب: الآیة 33.

السمع علیها لحفظها من کل ما یسوء لها فقال: (وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی) .

فإذا کانت المرأة بهذه الموضعیة من الصون والحجاب فیجب علیها غض الصوت ویجب علیها القرار فی البیت فمع هذا کیف تقلد زمام الامامة العامة أو القضاء أو الزعامة حتی تتحاور وترتبط بالقاعدة الشعبیة الجماهریة... فطبیعة جسدها عائق لها عن ذلک. والقرار فی البیت هو حالة طبیعیة للمرأة وهذا لیس معنی حرمانها عن التعلم ورفع مستوی کفائتها وما اشبه ذلک، بل معنی أن المرأة وظیفتها الکبری هی تربیة الاسرة وبث روح العطف والحنان فی الاسرة، فالقرار فی البیت یمثل أن دورها الأساسی هو الأسرة وهذا لا یعنی حرمانها من العلم والمواهب الأخری وإنما دورها الاساسی الاسرة فالبیوت هی الخلایا الأولیة التی ینتشر منها مکوّنات المجتمع.

وأیضا قوله: (وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِیَّةِ الْأُولی) ، فالبروز وخفض الصوت والحجاب الجید موانع تحول عن ارتباط المرأة مع الرعیة بینما الرئس والمفتی یخوض المیادین ویبرز فی المجالات المختلفة فلا تتناسب مع أدلة الاحتجاب بالنسبة إلی المرأة.

فخفض الصوت وعدم التبرج والبروز والقرار فی البیت تدل علی عدم تناسب المرأة مع تلک الوظائف المقررة لمنصب الافتاء.

ص:272

وقوله تعالی: (وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِکُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِکُمْ) (1). فإذا کان السؤال والتعاطی بالحدیث من وراء حجاب مع النساء فلا یتناسب مع تلک المقامات بل احتجاب النساء عن الرجال موجب لطهارة القلوب من النزوات والإثارات الجنسیة.

وهذه الآیات لیست خاصة بنساء النبی صلی الله علیه وآله باعتبار أنهن نساء زعیم الدین، والبعض أراد أن یخص هذه الآیات بنساء النبی صلی الله علیه وآله باعتبارهن زوجات خلیفة الله فی ارضه دون باقی النساء.

وهو غیر تام باعتبار أن تشریع الله لنساء النبی صلی الله علیه وآله قدوة لبقیة النساء فی الأخذ به فقوله تعالی: (لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ) فهذه التشریع تشریع قدوة لا انکن تختلفن عن بقیة النساء بل أولویة تقیدهن بالتشریع فالتشریع للجمیع وهن أولی بالتقید به لا أن هذه الآیات خاصة بهن دون غیرهن وفرق بین المقامین، فنفس التشریع التحریمی أو الالزامی فی قوله: (لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَیْتُنَّ) ثابت لجمیع النساء إلا أن نساء النبی صلی الله علیه وآله یتقرر علیهم التعامل مع التشریع بموجب أولویة أخذهن به لإضافتهن للنبی صلی الله علیه وآله بالمصاهرة ولهذا یختلف عقابهن قال تعالی: (یا نِساءَ النَّبِیِّ مَنْ یَأْتِ

ص:273


1- (1) سورة الأحزاب: الآیة 53.

مِنْکُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَیِّنَةٍ یُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَیْنِ وَ کانَ ذلِکَ عَلَی اللّهِ یَسِیراً ( 30) (1). مع أن هذا ثابت لغیر لنساء النبی صلی الله علیه وآله إلَّا أنه فی نساء النبی صلی الله علیه وآله فیه یضاعف أجرهن وعقابهن لا أن هذا التشریع خاص بنساء النبی صلی الله علیه وآله ولا یشمل غیرهن.

وأیضاً قوله تعالی: (یا أَیُّهَا النَّبِیُّ قُلْ لِأَزْواجِکَ وَ بَناتِکَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِینَ یُدْنِینَ عَلَیْهِنَّ مِنْ جَلاَبِیبِهِنَّ ذلِکَ أَدْنی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلا یُؤْذَیْنَ وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً ( 59) (2).

فالآیة تأمر بوضع اللباس وما شابهه لإقامة الجدار العازل بینهن وبین الرجال فکل هذه التشریعات للحجاب فی موارد عدیدة دالة علی عدم امکان تولی المرأة مناصب الزعامة لممانعة الحجاب لها؛ وأن وظائف الأمهات الأصلیة فی المنزل کما یبینه قوله: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً...)3.

مضامین أخبار النساء عی وعورة مضامین قرآنیة وبیان عدم کونه نقصا وازدراءا:

فهذه الآیات وغیرها من آیات الحجاب دالة علی عدم تولی المرأة بالدلالة الالتزامیة، فالطاعن فی مضمون أخبار أن النساء (عی)

ص:274


1- (1) سورة الأحزاب: الآیة 30.
2- (2) سورة الأحزاب: الآیة 59.

و (عورة) یطعن فی القرآن لأنها مضامین قرآنیة وأما مسألة أن القرآن یتأثر بالتاریخ فهو تاریخی ومراده من کون أن القرآن تاریخی أن الوحی لما یتنزل ببئیة یتأرخ ویفقد وحیانیته ویتلون بلون تلک البئیة التاریخیة بما هی علیه من علاتها، وحیث کانت تلک البئیة آنذاک تحتقر المرأة فکذا القرآن حیث إنه عبر عن اغراضه بتلک اللغة المبنیة علی تلک الثقافة بعلاتها.

فجوابه هو ما تقدم من أن المرأة عورة لیس نقصاً فضلا عن کونه إذماً بل إن هذه الخطابات الشرعیة لبیان حقیقة أن جسم المراة طبیعته مثیرة للطرف الآخر فهو یسبب فتنة وغیرها... فالقرآن یبین أهمیة قیمة جسد المراة فالشارع بصدد أن لجسد المرأة قیمة، حتی جاء أن أکثر جند الشیطان المرأة وذلک باعتبار أن بدن المرأة بما له من خصوصیات تفتن به بحیث یجعل النفس تنجدب وتمیل إلیه ولهذا تجد الدول الاجنبیة تروج لبضائعها بواسطة المرأة بإبداء محاسنها، فالمرأة لدیهم سمسار یعرض بها البضائع ویسوق به کل ما یراد تسویقه بل حتی ثقافاتهم یروجونها بجسد المرأة، فالغرب لا یقرر حقوق المرأة حقیقة بل هو فی الواقع استغلال المرأة وجهل بقیمة بدنها حتی جعله مبتذل یروج به ما یرید ترویجه. وإذا ما هرمت وکبرت تعزل جانباً ولاقیمة لها لا فی الاسرة ولا فی المجتمع وما ذلک إلا لأنهم یتعاملون مع جسد المرأة معاملة الجسد بلا روح فإذا ما ذهب جمال جسدها انتهت صلاحیتها وبار سوقها وکسدت تجارتها، وبخلافهذا، الحضارة الأسلامیة فإن

ص:275

الاسلام کرم الانسان وأعطی کل ذی حق حقه فیتعامل مع المرأة بما لها من روح وجسد وبما هی بنت وأخت وزوجة وأم بل وبما هی أمرة ذات خصائص تکوینیة... ولا یستغل جسدها لأشباع الملذات بل یحترمها ویقدرها بما لها من روح وجسد بحیث یحافظ علی جسدها من الأجانب الذین همهم من المرأة اشباع غرائزهم فقط وفقط ویبیح لها إشباع غرائزها بما یتناسب مع طبیعتها بنحو منظم مقنن بدون إنفلات فالأمر بالحجاب والتحجب هو صون وحفظ لها وللمجتمع من الانحطاط لما لبدنها من التأثیر الکبیر فی زلق المجتمع ولهذا یبین أن طبیعة المرأة عورة - لا ذمّا لها - إذ إثارة جسد المرأة للفتنة والریبة من الأمور الوجدانیة التی لا ینکرها جملة العقلاء.

وبعد ذهاب زهرة بدنها وکبرها یزداد وقارها واحترامها فتحترم أکثر فأکثر فإنها تکون أم البیت وجدة الأسرة وغیرها من عناوین الافخام والاجلال والاعظام فالمرأة کل ما تزداد سنا تزداد شخصیتها أو قیمتها بروحیتها وکمالها لا بجسدها بینما فی الغرب إذا ما کبرت کأنها علک عُلٍکَ ویُتفَل؛ وما ذلک إلا لأنهم جعلوا قیمتها فی جسدها، ولیس لها کوافل أسریة بل هی تتکفل نفسها بنفسهاوبشأنها.

وأما عند الاسلام فلیس من وظیفتها ودورها الکوافل الامالیة بل دورها الکوافل الروحیة فالمتکلف بالتوازن الروحی والعاطفی فی البیت فالشارع جعل وظیفتها بما یتناسب مع طبیعتها فالاسلام قائم علی الدقة فی توزیع الوظائف، فتری وظائف المرأة هی کل ما یتناسب

ص:276

مع طبیعتها من الحنان فکل ما یوجب الهدوء والروحیة والعاطفیة فهو من وظائفها الأولیة فقد جاء عن النبی صلی الله علیه وآله: «جهاد المرأة حسن التبعل»(1) ، وأیضا کل ما یوجب الشدة والکلفة والحزم کحفظ الأسرة وإیجاد الأمان فهو من وظائف الرجل، وما ذلک إلا لأن الاسلام یتعاطی مع الطبائع البشریة بحسبها لا بحسب الملذات التی هی لطرف علی حساب طرف آخر.

وقد صدر تقریر عن نساء انجلترا أنهن أعلنَّ بأن المسؤولیة علیهن تزداد وذلک لأنهن یتولین مسؤولیة الدار وخارجه، وهذا ما قضی به النبی صلی الله علیه وآله وأخذته سیدة النساء فاطمة الزهراء الحجة علی الخلق علیها السلام: کما فی أکثر من خبر بهذا المضمون، فعن أبی جعفر علیه السلام قال: «إن فاطمة علیها السلام ضمنت لعلی علیه السلام عمل البیت والعجین والخبز وقم البیت وضمن لها علی علیه السلام ما کان خلفالباب من نقل الحطب وأن یجئ بالطعام»(2).

فدور المرأة فی البیت دور آخر فهو دور تربوی، وأما هؤلاء الغرب ومن حدا حدوهم باسم المراة سلبوها حقوقها حتی استعملت کدابةٍ تمتطئ وسلعة تشتری وتباع إلی أن تکسد وتبور فأعطوها دور الحمل ودور البیت ومع ذلک أعطوها دور الخارج فتکون لعبة بأیدی

ص:277


1- (1) وسائل الشیعة: ج 15 أبواب جهاد العدو، ب 4 ص 23 ح 2.
2- (2) مستدرک الوسائل: ج 13 أبواب مقدمات (التجارة)، ص 25 ح 11.

الأجانب من الرجال فیهتکون سترها ویتلاعبون بشرفها، فالقرآن حینما یعبر عنها بألفاظ متعددة مضمونها أنها عی وعورة فلیس بصدد ذم المرأة بل بصدد اثارة الحفظیة لحمایة المرأة وللاهتمام بها.

فهذه الطوائف من الآیات لیست بصدد تنقیص المراة أو النظرة الدونیة والتحقیر أبدا بل هی بصدد تشخیص طبیعة المراة وفسلجتها وهندستها التکوینیة لتتعاطی مع ما یناسبها، ولهذا أمرها بعدم التشبه بالرجال کما نهی الرجل عن التشبه بها فذم الرجل المتخنث وهو من یتشبه بالنساء.

وکما مرّ أن هذه الاخبار لا تقتضی التنقیص والازدراء والتحقیر والسخریة بالمرأة بل هی لبیان طبیعتها الفسلوجیة مثل نصیحة وارشاد الطبیب لما یحدد ویبین مزاجک وهذا هو ما یقتضیه اختلاف الطبائع والوظائف فانظر فی هذه الأزمنة التی بدأ فیها تعین الوظائف الصناعیة بحسب أمزجة البشر فالطیار لابد أن من تتوفر فیه بعض الخصوصیات وکذا الطبیب وکذا مطفئ الحریق وأیضا مجری للعملیات الجراحیة وقیادة الجیوش فإنهم لا یولونها المرأة فلا یقوم بها إلا الرجال لما تحتاجه من قسوة وشدة وجسارة لا تتناسب مع عاطفتها وروحیتها وطبیعتها بل تتناسب مع طبیعة الرجل وهذا لا یعنی أن المرأة مذمومة ومحقرة.

فالشارع لو لم یبیّن هذه الفوارق الطبیعیة بین الجنسین لما کان هادیاً ومرشداً لأتباعه کما أن الطبیب لو لم یخبر مرضاه بطبائعهم التی

ص:278

یتعرفون من خلالها علی ما ینفعهم ویضرهم لکان مقصرا فی وظیفته، فبیان طبایع البشر لمعرفة خواصها لا یعنی الذم مثل بیان أقسام وأنواع الدم التی بعضها لا یتناسب مع بعض أنواع الدم الأخری وأیضا مثل معرفة المعادن وأنواعها لمعرفة قیمتها وآثارها کلها معادن إلا أن الذهب لیس بالحدید وغیرها من الخصوصیات التی هی ثمرة معرفة طبائع الاشیاء مع أن ذلک لا یعنی التنقیض والحط من شأنها.

و هذا نظیر ما جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «المرأة شر کلها وشر ما فیها أنه لا بد منها»(1).

فکونها شر أی کل ممیزاتها یمکن أن تستغل وتستخدم للشر بحیث تکون من حبائل الشیطان وجهة الشر أن التی تحتوی علی هذه الصفات لابدّ منها فالحاجة إلی المرأة ضروریة لا یستغنی عنها بحال ولها هذه الصفات وبسبب الاضطرار والحاجة إلیها یمکن أن یسیطر أصحاب السوء علی الانسان فلابُدَّ من الحذر فإن الهدایة والتوصیة الدینیة مربیة وهذا فی مقام التحذیر لا فی مقام التنقیص والذم، فإن قوله: (یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِکُمْ وَ أَوْلادِکُمْ عَدُوًّا لَکُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) (2) ، لیس فی مقام الاغراء بالزوج علی معاداة زوجته وأولاده، وإنما الاسلام فی مقام بیان الوظیفة التی یتفادی بها عداوة الزوجة والأولاد وتحثه علی حسن التدبیر والادارة کی لا یؤدی

ص:279


1- (1) نهج البلاغة: ص 53، الخطبة 238.
2- (2) سورة التغابن: الآیة 14.

الحال بالاسرة إلی التفکک والطلاق وضیاع الأولاد، وهذا ما یفصح عنه ذیل قوله تعالی: (وَ إِنْ تَعْفُوا وَ تَصْفَحُوا وَ تَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ) (1).

فلابد من أن ننظر إلی توجیه الدین کمربی مثل قوله صلی الله علیه وآله: «من زوج ابنته شارب خمر فقد قطع رحمه»(2) فهو لیس فی مقام ذم وتنقیص وازدراء بل فی مقام تعلیم وتربیة. ولهذا لما تراه یأمر المرأة بالستر فلسفته هو تعقیم الجو العام عن الامراض الاخلاقیة. ومن هذا حین یأمر بالستر عن الفواحش وعدم اشاعة الفحشاء فهو تعقیم للجو العام أیضا عن مثل هذه الامراض لأنها تسقط بالفرد وبالمجتمع فتسقط الفرد بالفضیحة والرذیلة وتسقط المجتمع فی الکادورات وعدم صفاءه من المظاهر السیئة التی تقود المجتمع إلی السوء والنقص بحیث یتفشی وینتشر ذلک الوباء ولهذا تراه یأمر بالعفو وهو شیء وبالصفح وهو شیء آخر وبالغفران وهو شیء ثالث وهذه الآیة یمکن الاستدلال بها علی ولایة الزوج علی الزوجة أیضاً.

وأما أن فی المرأة صفات خیر وکمال فهذا لا تنکره الشریعة وأن کل صفاتها یمکن أن تستخدم للخیر فهی خیر کله إلا أن الشارع إذا کان فی مقام التحذیر لابد له من أن یبین الجانب السلبی الذی یحذر منه

ص:280


1- (1) سورة التغابن: الآیة 14.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 25 أبواب الأشربة المحرمة، ب 11 ص 312 ح 7.

وإذا کان فی مقام الاغراء والبعث إلی الجانب الایجابی تراه یقول: أحب من دنیاکم ثلاث منها النساء وغیرها من الاخبار المادحة.

مسألة غلبة طابع الذکوریة فی القوانین الالهیة وعدم مساوة المرأة للرجل:

وأما مسألة أن الغرب والعلمانیین فهم لایفقهون مثل هذه الحقائق إلا أن هذا لا یسبب مشکلة فی المبادئ وإنما هو نقص التوجیه الاعلامی الذی ینصب علی بیان الحقائق الطبیعیة الخاضة للموازین العقلیة والعقلائیة، فهذا البیان للطبائع لیس تنقیصاً بل هو لتکامل الادوار فکون المرأة ناقصة للعقل لزیادة العاطفة لدیها لا لخلل فی أصل العقل فیها فلابد أن تُکمِّله بالرجل وکما أن الرجل عنده نقص فی العاطفة فیتکامل بالمرأة فتجد التکافل بین الجنسین.

والعجیب من الغرب الذی یدعی بأنه رائد المجتمعات وهو ینتکس ویتردی فی حضارته فتراه یقرأ القوانین الدینیة بتشویش والخطأ عند من یتأثر به فی قراءته لهذه العناوین بدون تفهم لحقیقة النظرة الدینیة، فقوله تعالی: (وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثی) - مثلًا - أمر واقعی وجدانی من وجود الاختلافات بین الرجل والمرأة بحیث یتمیز کل منهما عن الآخر والاسلام یتعامل مع هذه الخصوصیات بنظام دقیق وعادل لا یشوبه أی خلل وتخلخل فی نفس النظام الطبیعی.

ص:281

والدلیل الواضح - الذی یرد مزاعم الغرب المدعی لانفتاح المرأة علی کل شیء وأنها تصلح لمنصب الوزارات وکل شیء ویترنمون بهذا الانفتاح - أنک تری أن عدّة النساء اللواتی یشغلن هذه المناصب فعلًا بالنسبة للوظائف الوزاریة لا تصل خمسة فی المائة من تلک الوظائف بل غالبا یشغلها الرجال وذلک لأنهم بوجدانیاتهم یدرکون عدم تناسب هذ المناصب مع العنصر النسوی بل یتولها العنصر الذکوری لما له من الحزم والشدة فانظر إلی جمیع الوزارات - التی تتکون أفرادها مثلا من العشرات أو المئات - لا تجد إلا امرأة واحدة أو امرأتین یشغل منصب وزیر فی تلک الوزارات وبقیة مناصب الورزاء یشغلها رجال وما ذلک إلا لأن طبیعة ادارة الولایات والشوؤن یحتاج إلی حزم وربط لا تتوفر فی طبیعة المرأة العاطفیة والروحیة.

فأین من ینادنی بالمساواة - لا بالعدل - بین الرجل والمراة؟ ولماذا لا یجعل نصف الوزراء نساء ونصف البرلمان ونصف مجلس النواب أو المجلس البلدی الذی هو أقل بکثیر؟ فإنک لم تجد ولا تجد بل ولن تجد حتی خمسة بالمائة فضلًا عن النصف.

وقد جاء فی عدة من التقریرات الاستراتیجیة الأمنیة أن المرأة أکبر خطراً وطعمة للأختراق الأمنی فهذه بحوثهم تؤید ما یذکره القرآن الذی هو یناغی الطبیعة والوجدان السلیم فالاسلام یعین ویحدد ما هو صالح للمرأة وأنها لو جعلت فی غیر موضعها ومکانها

ص:282

ستکون طعمة وضحیة وسلعة مبتدلة.

فتشریعات الغرب دائماً تصب فی ابتذال وحط وإزراء واثقال واشقاء المرأة، بینما تشریعات الدین رحمة وعنایة وحمایة وکرامة للمرأة.

القول بتاریخیة القرآن:

فقول الحداثیین بأن القرآن تاریخی بمعنی أن الوحی حینما ینزل یفقد ما هو علیه فیکون مواکباً وجاریاً لتلک الحقبة الزمنیة فحسب، فیتأثر القرآن بالبیئة التاریخیة فیفتقد روحانیته ویتکیف بتلک البئیة بعلاتها، فتکون صیاغته صیاغة تابعة لتلک الثقافات بعلاتها کما لو کانت معلوماتها خاطئیة فالنبی یصیغ القرآن علی حسب تلک الثقافة بما هی وعلی علاتها واخطائها إذ الغرض یتحقق وأن کانت تلک المفاهیم خاطئة مادام الناس یعتقدون صحتها إذ الغرض هو التمثیل لبیان الغرض الالهیة فیمکن أیبرز ذلک الغرض کبیان قدرة الله بقوله(فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) (1) فإنه یصح علی حسب اعتقادهم السائد آنذاک وإن کان فی نفسه خطأ، وهذا النظریة الغربیة هی التی تفسر النبوة بأنها تجربة بشریة مثلها مثل بقیة التجارب استهلکت وأکل علیها

ص:283


1- (1) وکل الاشکالات الموجهة تجاه القرآن من جهة علمیة ناتجة من الخلط بین الحقیقة العلمیة وبین النظریة العلمیة والفرضیة العلمیة بل والخیال العملی فیشکل بالنظریة أو الفرضیة مع انها لیست حقیقة حتی تصلح للاشکال بها أو للخلط فی الفهم کفهم العظام فی قوله تعالی: فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً غیر المراد القرأنی.

الدهر وشرب، فالأسلام خاص بتلک الحقبة الزمنیة لا یتعداها. وهذا غیر صحیح لأن هذا مصادم لأصول ثابتة قام علیها الدلیل بأن الوحی شامل لکل البیئات ولیست الأعراف التاریخیة تکبله ببیئاتها وثقافتها بعلاتها وذلک لأن الوحی شیء شفاف لا ینحبس بظرف خاص، فمن باب المثال لدفع هذه الشبهة فی توجیه هذه الآیات - وهذا القول ینظر لقدسیة القرآن - فالثابت فرضه لیس بمحال والبشریة دوماً فی البحث والسیرة العلمیة لکافة العلوم فی السعی للوصول إلیه کمعادلات ثابتة إلا أنها لم تصل إلیه لقصورها وعدم اطلاعها علی حقائق الاشیاء الجسمیة والروحیة.

إلا أننا لو فرضنا أن آخر جیل بشری تکاملت فیه مسیرة العقل البشری ولدیه النوابغ بحیث یحمل جمیع الجهود البشریة والاکتشافات والعلوم عبر التاریخ باعتباره آخر جیل وبالتالی یتوصل إلی قوانین عامة ومعادلات کلیة شاملة ومعالجات لجمیع الامور ولجمیع البیئات لفرض أنه توصل إلی کل ما یمکن أن یتوصل إلیه البشر فإذا کان هذا حال القدرة البشریة فکیف بک بالله خالق الخلق!!

وعلیه فالله خالق الکون بما یحوی من اسرار مادیة وروحیة محیط بتلک الامور وتلک الأسس وخواصها بحیث یقدر علی أن یوحیها إلی أحد من خلقه فتکون هذه الأسس التابعة لواقعیة الاشیاء عامة لجمیع الاجیال فلا قصور فیها عن الشمولیة والعمومیة ولا تتغیر بل هی

ص:284

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

برای ادامه مشاهده محتوای کتاب لطفا عبارت امنیتی زیر را وارد نمایید.

ص:

تناسب طبیعة الأحکام مع الطبیعة التکونیة للمرأة والرجل:

فطبیعة وفسلجة المرأة روحا وبدنا تحتاج إلی حام یحمیها لا أنها تحمی نفسها بنفسها فمثلًا بمجرد أن تترک المرأة فی المنزل بدون رجل یختل أمن المنزل فالمرأة بدون رجل لا آمان لها بخلاف طبیعة الرجل فإنه بنفسه أمان لنفسه ولغیره وهذا أمر عقلائی تکونی فالمرأة کطبیعة فریسة أی طبیعتها أن تکون فریسة إلا أن تحمی، وهذا یقر به حتی دعاة الحداثة من الغرب وغیرهم وأنهم یطالبون بحمایة المرأة ولو إدعاءاً إلا أنهم یختلفون مع النظام الاسلامی فی نفس ما هو المحقق لحمایتها ولهذا ینادون بحمایة المرأة بالاسالیب المتطورة مع أن الاسلام لا یمنع من التطور والرقی بل یحث ویشجع علیه کما قال تعالی: (أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی) (1) ، وأن أکرمکم عند الله أتقاکم لیس هو الرجل بل التقی سواء امرأة أو رجل، أما التسویة فی البدن والنزعات الروحیة وما یناسبها وما یلائمها فالاسلام عادل یعطی کلًا حسب طبیعته وفسلجته مع مراعاة کلا الجانبین ولا ینظر الاسلام إلی المتطلبات الذاتیة التی تکون علی حساب النظام القائم بین الرجل والمرأة ولأجل التفریط فی طبیعة ترکیب وتوازن الأسرة نری أغلب البلدان الاوربیة مهددة حالیاً بالشیخوخة ومستقبلًا بالانقراض

ص:292


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 195.

بعد عقود من الزمن وکل ذلک لعدم النظم فی الأسرة وذلک لکون الهم الأکبر عندهم الترکیز علی ملذات الذات فإن الحمل وتربیة الاطفال عبأ وثقل وبتقنیاتهم لا یحافظون علی المسؤولیة تجاه المجتمع بقدر الترکیز علی افراط ملذات الذات بقطع النظرعن المجتمع فإن الحمل وتربیة الأولاد والمسؤولیة الزوجیة یعیق عن افراط تلذذ المرأة بالرجل وبالعکس فالمنطق المحکم هو منطق الشهوة والذاتیة فالجیل الراهن لا یضحی لأجل الأجیال الآتیة وبذلک أن یتهدد النسل البشری عندهم بالانقراض وسبب ذلک هو عدم معرفتهم بالطبیعة البشریة.

وکلامنا لیس مع الشرق والغرب بل الکلام مع النظام الغربی وفی الوقت الحاضر تشیر احصایئات فی العالم الأعم من الشرقی والغربی تبین أن تسعین بالمائة من النساء اللواتی یعملن فی القطاعات العامة والخاصة یتعرض لتحرش الرجال بالعین أو بالید إلی أن یصل إلی ما یصل إلیه وهذا مؤشر برهانی دامغ دال علی تکوینیة قانون قوله تعالی: (وَ قَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ) (1) ، فإن قیمتها فی روحها ونفسها وعاطفتها وبدنها أما غیر النظام الأسلامی فقیمتها عندهم فی بدنها وجمالها فقط وعندما یذهب جمال بدنها تسقط قیمتها لدیهم من رأس.

بینما الشارع یعادل فی توزیعه للوظائف کل حسب فسلجته

ص:293


1- (1) سورة الأحزاب: الآیة 33.

وطبیعته، وإلی هذا یشیر أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله: «خیار خصال النساء شرار خصال الرجال: الزهو والجبن والبخل فإذا کانت المرأة مزهوة لم تمکن من نفسها، وإذا کانت بخیلة حفظت مالها ومال بعلها. وإذا کانت جبانة فرَّت من کل شیء یعرض لها»(1).

فانظر إلی هذه الصفات التی یختلف موطنها فی الرجل عنه فی المرأة وما ذلک إلا بحسب ما یناسب طبیعة الرجل والمرأة فتری الاسلام یعین الجهاد للرجل فی الحروب وأما المرأة، فجهادها هو حسن التبعل لزوجها وأما جهاد الرجل یختلف موطنه وموضوعه بحسب طبیعته وفسلجته، وأحد الاخطاء المصیریة هو الخلط بین طرق تحصیل الکمالات لکل صنف فأن طرق الکمالات للمرأة تختلف عن طرق وشاکلة العمل الذی یصل به الرجل إلی کمالاته ومن الخطأ الفاضح أن یجعل طریقهما واحد مع اختلاف طبیعتهما فالخطأ الذی یقع فیه المشرع والمقنن الغربی هو أنه یجعل کل صفة للرجل والمرأة تجعل بشکل وزیٍّ واحد، فارد فیجعل اظهار قوة المرأة بمظهر قوة الرجل ویجعل مظهر کمالات المرأة بمظهر کمالات الرجل وهذا خطأ واضح بعد معرفة اختلاف الطبیعتین وأما الاسلام فتراه یجعل الجبن فی المرأة من الکمالات ومن النقائص فی الرجل والبخل للمرأة من کمالاتها ومن نقائص الرجل وهکذا کل تکامله علی حسب وظیفته

ص:294


1- (1) نهج البلاغة: ص 52 الخطبة 234.

وهذا مثل اللباس فإن وظیفة اللباس هو ستر البدن إلا أنه یختلف زیه عن زین الآخر فالهدف واحد إلا أن الصورة تختلف وتفترق بین الرجل والمرأة. فمن الغلط الفاضح هو مساواة وجعلهما نسخة طبق الاصل فی توحید ازیاء الرجال والنساء فإنه هذا لیس منالمساواة الموصلة کل إلی کماله فی شیءإذ المساواة والعدل هو بأن یخالف کل صاحبه علی حسب طبیعته فی السلوک العملی لا أن تشابه وتطابق.

فبیان ضعف المرأة لبیان صورة ما یناسبها فی التکامل بأنه یختلف عن صورة ما یتکامل به الرجل، فهذه الاخبار تفسر وتبین فلسفة الطائفة الأولی والطائفة الثانیة.

منها: موثقة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «إنما المرأة لعبة، من اتخذها فلا یضیعها»(1).

وروی الکلینی بثلاثة طرق مسندة وهذا یوجب الوثوق بصدورها - عن عبد الرحمن بن کثیر، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «فی رسالة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحسن علیه السلام: لا تملک المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بکرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک

ص:295


1- (1) وسائل الشیعة: ج 20 أبواب مقدمة النکاح وآدابه، ب 86 ص 167 ح 2.

من شفعت له علیک معها واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار» (1).

فقوله علیه السلام هذا جامع من جومع الکلم یبین فلسفة منظومة التشریع فی الاسلام، فالاسلام فی مقام بیان نعومتها ورحمتها ولیس فی مقام التنقیص والحط من شأنها، والبیان النبوی یفلسف کل منظومة التشریع فی تلک الجملتین فإذا کانت المرأة ریحانة من النعومة والخضوع فالولایة والسیطرة تتنافی مع أصل خلقتها إذ خلقتها ریحانیة حتی قال صلی الله علیه وآله: «رفقا بالقواریر»(2) ، فالقاروریة بمعنی ظرافة الخلقة لما فیها من النعومة والنزاکة فلیس نظرة الاسلام نظرة منطلقة من اضطهاد المرأة أو الازراء بها بل هو نوع من الحمایة للمرأة لأنها موجود ذو نعومة وریحانیة فهی مثل الوردة التی لیست لها خشونة الغصون فضعفها لیس بمعنی الازراء بل لزوم الصیانة والحمایة والوقایة بأن لا تستهدف وتبتز وتکسر فانظر کیف اختلاف حمایة الورد عن حمایة الاشجار الصلبة فالورود تحتاج إلی حمایة أکثر وأشد عنایة وجهد.

فانظر إلی دقة التعبیر النبوی وإعجازه فإنه ینظر بنظرة اکرام واعزاز واحترام وعنایة بحالها لا بمثل النظرة الیهودیة المنحرفة

ص:296


1- (1) المصدر نفسه، ب 87 ص 168 ح 1.
2- (2) المجازات النبویة ص 30.

والمسیحیة المنحرفة من أن المرأة نجسة أو أنها شؤم أو أنها قاذورة أو یتطیر منها ویتشائم بل المرأة ریحانیة فینظر لها نظرة احترام وعنایة.

الطائفة الخامسة: الآیات الدالة علی أنهن نواقص حظوظ:

قوله تعالی: (یُوصِیکُمُ اللّهُ فِی أَوْلادِکُمْ لِلذَّکَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَیَیْنِ) فهذه الآیة تدل علی أن المرأة حقها أنقص من حق الرجل فلامعنی لرد الاخبار التی تدل علی أن النساء نواقص حظوظ ونواقص إیمان أو دین إذ أن کونها ناقصة حظ ودین مضامین قرآنیة کما هو فی آیات الارث وآیات اسقاط الصلاة عن النساء فی الحیض، والسبب عند هؤلاء المعترضین أو المشتبهین هو عدم فهمهم لما یصبو إلیه القرآن الکریم من بیان طبیعة المرأة والرجل واعطاء کل علی حسب طبیعته کما تقدم بیان ذلک فی طوائف الآیات المتقدمة، ولیس هو فی مقام الازدراء والتشنیع والذم بل هو دائما فی مقام التربیة والتهذیب، فلا معنی لرد الأخبار بعد تضمنها هذه المضامین القرآنیة.

ومن خطبة لأمیر المؤمنین علیه السلام بعد حرب الجمل: «معاشر الناس إن النساء نواقص الإیمان، نواقص الحظوظ نواقص العقول. فأما نقصان إیمانهن فقعودهن عن الصلاة والصیام فی أیام حیضهن. وأما

ص:297

نقصان حظوظهن فمواریثهن علی الانصاف من مواریث الرجال. وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتین کشهادة الرجل الواحد. فاتقوا شرار النساء. وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف حتی لا یطمعن فی المنکر» (1).

فأمیر المؤمنین علیه السلام یرجع هذه المضامین إلی مضامین قرآنیة. والصلاة اطلق علیها (ایمان) فی القرآن: (وَ ما کانَ اللّهُ لِیُضِیعَ إِیمانَکُمْ) (2) ، ولیس المقصود أن الرجل لا یفعل المعروف بل یفعله ولکن بدون أن یکون فعله للمعروف مستنداً إلی أمر المرأة وطلبها وتحکیم سلطنة المرأة وسیطرتها لکی لا تطمع فی أمره بالمنکر.

ویمکن أن یقرب الاستدلال بهذه الطائفة بأن المرأة إذا کانت ناقصة حظ فی المجتمع الأسری الصغیر فکیف بها فی المجتمع الکبیر الذی هو أکبر بکثیر فنقصان حظها بطریق أولی فلا ترقی إلی درج حظ الرجل من تلک المناصب بحسب طبیعتها.

وبتقریب آخر إذ کان حظ المرأة أنقص من الرجل لکونها مکفولة للرجل فی الجانب الأسری فکیف تکون کافلة للجوانب العظیمة والخطیرة. فهی لم تولَّ مسؤولیة الکفالة الخاصة بل کانت مکفولة لما تحتاجه فالکفالة من الوظائف التی لا تتناسب مع طبیعة المرأة فکیف تتولی کفالة المجتمعات ذات المسؤلیات الخطیرة التی تحتاج إلی حزم

ص:298


1- (1) نهج البلاغة: ص 129-130 الخطبة 80.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 143.

وشدة وقوة لا یستهان بها.

وأیضا من جهة أنها ناقصة إیمان ودین بمعنی أن مسؤولیتها أخف من الرجل باعتبار طبیعتها فکیف تولی المناصب ذات المسؤلیات الثقیلة والخطیرة وهذه مثل غیر البالغ الذی لا ذمة له فکیف یسلم المناصب التی تحتاج إلی تحمل وذمة، خصوصاً أن هذه الرئاسة وظیفة وخدمة لا أنها سلطنة تجبر وتکبر وبطش حتی یتهافت علیها ذو القابلیة وغیره حتی تعرض هذه الولایة علی الجمیع فیقال: إن للمرأة نصیب کما للرجل نصیب.

الطائفة السادسة: الآیات التی تعرض لملکة سبأ:

قوله تعالی: (إِنِّی وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ وَ أُوتِیَتْ مِنْ کُلِّ شَیْ ءٍ وَ لَها عَرْشٌ عَظِیمٌ ( 23) وَجَدْتُها وَ قَوْمَها یَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ ( 24) (1).

وتقریب الاستدلال أن القرآن صور وقرر ما جری بین الهدهد وبین النبی علیه السلام حیث رکز تقریره عن قوم سبأ بالاهم والغریب وهو أن امرأة تملکهم وقدم المرأة لما فی ذلک من الغرابة والعجب والاستنکار فترک تقدیم خبر الشرک بالله ورکز علی ما هو عجیب ومستنکر فطریاً

ص:299


1- (1) سورة النمل: الآیة 23-24.

من أن المرأة تملک أمر القوم.

ویؤید ما ذکرناه ما جاء عن الامام الحسین علیه السلام: «ولقیه أبو هرة الأسدی فسلم علیه ثم قال: یا ابن رسول الله، ما الذی أخرجک عن حرم جدک محمد صلی الله علیه وآله. فقال علیه السلام: ویحک یا أبا هرة إن بنی أمیة اخذوا مالی وشتموا عرضی فصبرت وطلبوا دمی، فهربت وأیم الله لتقتلنی الفئة الباغیة ولیلبسنهم الله ذلا شاملا وسیفا قاطعا ولیسلطن الله علیهم من یذلهم حتی یکونوا أذل من قوم سبا إذ ملکتهم امرأة فحکمت فی أموالهم ودمائهم»(1).

وبلسانها ما جاء عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی ذم من خرج مع عائشة من أهل البصرة: «کنتم جند المرأة. وأتباع البهیمة»(2).

وقد أشکل البعض علی هذا: بأنه مجرد سرد خبری لا یستفاد منه تنقیص وحط لولایة المرأة بل هو حکایة عما هو موجود فی الخارج.

وفیه: أنه تقریر لکلام الهدهد وإن کان سردا خبریاً إلا أن التقریر لصاحب الشأن یرکز فیه علی الجوانب ذات الأهمیة والحساسة والغریبة وأکثر هذه الجوانب غرابة هو ما قدمه علی جمیع الاخبار والحوادث التی صادفها من کون المرأة تملکهم وهو جانب ازدراء

ص:300


1- (1) اللهوف فی قتلی الطفوف: ص 43، مثیر الأحزان: ص 33.
2- (2) نهج البلاغة: ص 44 الخطبة 13.

وتنقیص وذم لتولیة المرأة علیهم وهذا مثل ما جاء فی الخبر: «ما ولی قوما امرأة إلا ذُلِّوا». وسنبین أن هذا الخبر یوجد بطریق صحیح.

والقرآن حینما نقل الاحداث والمشاهد البشریة لا یستعرض کل ما هب ودب بل یرکز علی الأمور المهمة التی فیها حکمة وعبرة فلا یقتطع مقطوعة من تلک الأحداث إلا لما لها من الخصوصیة والأهمیة فی بیان الحکمة التی یرید إیصالها.

ولهذا ینقل القرآن بعض أقوال أهل النار وذلک لما فی تلک الأقوال من حکمة وعبرة للغیر وهذا لا یدل علی أن أهل النار أناس معتبرون حتی یقال هل کلام الهدهد معتبر أم لا؟ فترکیز القرآن الکریم علی ما قیل لا علی من قال!. ولم یفند القرآن ما ذکره الهدهد أو أقوال أهل النار فهذا یدل علی أن القرآن یعتبرها.

وهنا نکتة لابد من الالتفات إلیها حاصلها أن غیر المعصوم لیس المیزان علی شخصه بل علی الدلائل بحیث یخضع کلامه للموازین والأدلة بخلاف المعصوم فإن المیزان فی حجیة کلامه هو شخصه.

فالهدهد کان بصدد تحفیز سلیمان علیه السلام علی اقامة الحق فی القضیة التی یذکرها له بذکر الموجبات لقیامه قبال بلقیس وقومها باعتبار أن وظیفة النبی سلیمان علیه السلام الاصلاح واقامة النظام العادل ومن تلک الامور التی توجب له الخروج: کون المالک لأمر هؤلاء امرأة، ولکونه علیه السلام بصدد

ص:301

العلاج واقامة الحق، لذا(قالَ سَنَنْظُرُ أَ صَدَقْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْکاذِبِینَ ( 27).

والقرینة أخری أن الولایة لو کانت للرجل والمراة سیان فلم التعجب الدال علی أن ولایتها من الامور غیر الطبیعیة.

ومع رجحان عقلها وجزالته ومع ذلک لم یرتضها لهذه المنصب.

فانظر إلی ما یدل علی رجحان عقلها من خلال ما تعرضه الآیات المبارکة: (قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنِّی أُلْقِیَ إِلَیَّ کِتابٌ کَرِیمٌ ( 29) إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ( 30) أَلاّ تَعْلُوا عَلَیَّ وَ أْتُونِی مُسْلِمِینَ ( 31) قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی أَمْرِی ما کُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتّی تَشْهَدُونِ ( 32) )(1).

فمن رجحان عقلها - مع کون الادارة بیدها فقط کملکة وحاکمة - إلا أنها تستشیر قومها - وذلک لأن الاستشارة لا تنافی الامارة بل هی صاحبة الأمر الأول - لتکامل النظرة والحصول علی الرأی الجامع الجازل فالاستشارة هی مداولة الرأی للوصول للقول الصائب فهذا معنی الاستشارة عند الامامیة وأما عند العامة فهی تحکیم رأی الأکثر وإن کان خلاف الواقع ولهذا جعلوا شق عصا الجماعة مخالفة للدین وإن کان خلاف الواقع بل خلاف الدین نفسه. فهذه ثمرة من ثمار وفوائد الاستشارة.

ومن فوائدها أیضا غیر الوصول والاستکشاف، بل تأثر المستشارین

ص:302


1- (1) سورة النمل: الآیات 29-33.

لیتفاعلوا مع قائدهم، فهکذا کان یستشیر النبی صلی الله علیه وآله لا أنه یستشیر إلی الوصول للصواب، وأیضا متعلق الشوری هو الفعل لا الفاعل والحکم لا الحاکم فیستشار فی الفعل وفی الحکم ولا یستشار فی الحاکم وتحدیده وتحدید ارادته وذلک لکونه صاحب الاردة والعزم فالشوری لا تحد الارادة، ولهذا قال تعالی: (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی اللّهِ إِنَّ اللّهَ یُحِبُّ الْمُتَوَکِّلِینَ ( 159) )(1).

و مما یدل علی رجحان عقلها أیضا أنه لما استفتتهم عرضوا لها قوتهم وشدتهم فلم تسمع بکلامهم وإنما تعاملت بحنکة ورجحان لمعرفة أحوال النبی سلیمان علیه السلام وارسلت طعماً - کما هو مضمون الأخبار - لکی تستکشف إن کان ملکاً أو نبیاً (قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ إِنِّی أُلْقِیَ إِلَیَّ کِتابٌ کَرِیمٌ ( 29) إِنَّهُ مِنْ سُلَیْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ ( 30) أَلاّ تَعْلُوا عَلَیَّ وَ أْتُونِی مُسْلِمِینَ ( 31) قالَتْ یا أَیُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِی فِی أَمْرِی ما کُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتّی تَشْهَدُونِ ( 32) قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِیدٍ وَ الْأَمْرُ إِلَیْکِ فَانْظُرِی ما ذا تَأْمُرِینَ ( 33) قالَتْ إِنَّ الْمُلُوکَ إِذا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوها وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وَ کَذلِکَ یَفْعَلُونَ ( 34) وَ إِنِّی مُرْسِلَةٌ إِلَیْهِمْ بِهَدِیَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ یَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ( 35) )(2).

فلما عرضوا علیها الشدة والقوة لم تتسرع بل ذکرت لهم ما هو

ص:303


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 159.
2- (2) سورة النمل: الآیات 32-35.

أنفع ومع هذا القرآن لم یرتض ولایتها ولهذا عد من المؤاخذات علی قوم سبأ تولی امرأة علیهم بحیث خصه بالذکر فی بدایة کلامه بطریقة تعجبیة وأنه أمر غیر طبیعی حتی قدمه علی محذور الشرک وعبادة الشمس وغیره والقرآن الکریم إذا لم یرد ولم یدفع ما جاء به الهدهد من تعجبه واستغرابه فهو یُقرُّه ویثبته، ولیس الأمر أنه من باب سرد الأمر الواقع فی الخارج فحسب.

وأیضاً ما یدل علی رجحان عقلها فی جوابها للنبی سلیمان علیه السلام لما أوهم لها قصرها فأجابت بالایهام. فالقرآن مع مایراه من عدم تولی المرأة لهذه المناصب بمقتضی طبیعتها إلا أنه لا ینکر رشادتها ورجحانها بل یقر صفات الکمال فیها - لو وجدت - ولا ینکرها بل یشید بها.

والبعض یشکل بأن القرآن مع اقراره برشادتها وحنکتها لماذا ینکر ولایتها وقیادتها.

والجواب: أن القیادة لا تحتاج إلی العلم والرشادة فقط بل تحتاج إلی صفات أخری من الحزم والشدة والصلابة وعدم اللیونة.

وقد أشکل البعض: بأن هناک أخبار تدل علی أن النبی سلیمان علیه السلام أقرّ بلقیس علی ولایتها ولم یعزلها، وهذا یدل علی جواز تولی المرأة لهذه المناصب.

وفیه: أن هذه الاخبار لم تثبت ذلک وإنما الثابت منها أنه علیه السلام تزوجها وکان یذهب إلیها، وهذا لایدل علی عدم عزلها.

ص:304

خلاصة ما تقدم من هذه الطوائف:

أن الطائفة الأولی من الآیات:

تدل علی أن فسلجة وطبیعة المرأة من الضعف والنعومة واللیونة والرقة لا تتناسب مع تولی هذه المناصب التی تحتاج إلی القوة والبأس والحزم والشدة التی تتنافی مع طبیعتها فشأن المرأة لیس شأن الولایة والسلطة بحسب ما یتناسب ویتناغم مع طبیعتها.

والطائفة الثانیة وهی آیات الحجاب والتستر:

وهی دالة علی وضع السیاج بین اختلاط المرأة بالرجال وأن المرأة طبیعتها من جهة بدنها وروحها فریسة وطعم تحتاج إلی حمایة وعزل عن الرجال فلا یناسبه المناصب التی تحتاج إلی مباشرة الأمور والاطلاع علیها فالقرآن یجدر الأعراف التی تتناسب مع طبیعتها حفاظاً علیها مع أنه لا یمنعها من المشارکة فی القطاعات الأهلیة مثل التجارة بأموالها لأنه أمر خاص بها بخلاف السلطنة العامة علی المجتمع.

والطائفة الثالثة:

وهی الدالة علی عدم مساواة شهادة المرأة لشهادة الرجل وإنها فی التوثیق الخبری لا کفاءة لها بمفردها فکیف تکون لها الکفاءة فی ادارة الأمور الخطیرة التی تقوِّم مصیر الأمة.

ص:305

والطائفة الرابعة:

وهی الآیات الدالة علی قیومیة الرجل علی المرأة فی غیر الاسرة بل أنه لو دلت علی عدم قیومیتها علی الرجال فی الاسرة فنفی ولایتها علیه فی غیرها بالأولویة القطعیة فی الامور الخطیر.

والطائفة الخامسة:

الدالة علی أن النساء نواقص حظوظ وإیمان: فهی تدل علی أنها مکفولة فکیف تکفل غیرها؟ وأیضا تدل علی أن مسؤولیتها ضعیفة فکیف تولی المناصب ذات المسؤویات الخطیرة کالقیادة والسلطنة.

والطائفة السادسة وهی ما تقدم قریباً فی سورة سبأ:

وهذا ما توصلنا إلیه بحسب استقرائنا من الآیات القرآنیة، ولعل الباحث یصل إلی بعض آیات أخر لم نقف علیها.

وقد قلنا: إن هذه الطوائف لا تدل علی تنقیص المرأة وتحقیرها وإنما هو بیان طبیعتها التی لا تتناسب مع هذه المناصب وإلا فالقرآن لا یمنع من تکامل المرأة بل هی مع الرجل فی التکامل علی حد سواء.

قال تعالی: (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّی لا أُضِیعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْکُمْ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی بَعْضُکُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِینَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیارِهِمْ وَ أُوذُوا فِی سَبِیلِی وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُکَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَیِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِی

ص:306

مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ ( 195) )(1).

وقوله تعالی: (وَ مَنْ یَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا یُظْلَمُونَ نَقِیراً ( 124) (2).

وقوله تعالی: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُونَ ( 97) )(3).

وقوله تعالی: (مَنْ عَمِلَ سَیِّئَةً فَلا یُجْزی إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثی وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ یُرْزَقُونَ فِیها بِغَیْرِ حِسابٍ ( 40) (4).

وقوله تعالی: (یا أَیُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثی وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ ( 13) )(5).

فهی دالة علی أن التکامل - بالنسبة للرجل والمرأة - علی حد سواء ولا یتمیز الرجل عن المرأة ولا هی تتمیز علیه فی التکامل فی شیء، بل کلیهما سواء إلا أن طریق التکامل بالنسبة للرجل یختلف عنه بالنسبة للمرأة وهو مقتضی العدل ووضع الشیء فی موضعه بأن ینصب لکل

ص:307


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 195.
2- (2) سورة النساء: الآیة 124.
3- (3) سورة النحل: الآیة 97.
4- (4) سورة غافر: الآیة 40.
5- (5) سورة الحجرات: الآیة 13.

طریق یتناسب ویتناغم مع طبیعته البدنیة والروحیة ومن هنا یتضح قوله تعالی: (وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثی) (1) ، وهذا حتی لو کان من قول مریم علیها السلام فالقرآن أقره ولم یرده وهو ناظر إلی الاختلاف الطبیعی الذی تختلف لأجله الوظائف الملقاة علی عاتق الرجل والمرأة من خدمة المعبد إذ النساء تمنع من الدخول فی أوقات طمثها دون الرجال.

طوائف الاخبار:

اشارة

وهی أحادیث مستفیضة عند الفریقین ومتواترة تواترا اجمالیا أو معنویاً وهی علی طوائف مثل طوائف الآیات المبارکة المتقدمة فمنها ما یدل علی ضعف المرأة ومنها ما یدل علی صون المرأة بالحجاب والحفاظ ومنها ما یدل علی عدم ضبط المرأة مثل شهادة امرأتین بمنزلة شهادة رجل ومنها ما یدل علی أن الرجال قوامون علی النساء ومنها ما یدل علی أنهن نواقص حظوظ ونواقص دین ومنها ما یدل علی ذم تولی المرأة لهذه المناصب الموافقة للطائفة السادسة.

وحیث إن مضامین الاخبار مضامین آیات قرآنیة ومع تعددها وتعاضدها فلا معنی للبحث عن صحة وضعف السند لکون مضامینها مضامین قرآنیة والاخبار بمنزلة الشرح للمتن القرآنی ولهذا قدمنا بحث الآیات ثم عقبناه بالاخبار لکی یتنبه لما فی الأخبار إذ

ص:308


1- (1) سورة آل عمران: الآیة 36.

الشرح لا یوقف علی مفاده الصحیح والدقیق إلا بعد ملاحظة المتن الذی هو بصدد بیانه.

الطائفة الأولی: الموافقة للطائفة الرابعة من الآیات الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة:
أنها لا تتولی القضاء:

1 - ما رواه الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد، عن آبائه علیهم السلام فی وصیه النبی صلی الله علیه وآله لعلی علیه السلام - قال: «یا علی، لیس علی النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا عیادة مریض، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولی القضاء، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبیة، ولا تقیم عند قبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولی التزویج بنفسها، ولا تخرج من بیت زوجها إلا بإذنه، فان خرجت بغیر اذنه لعنها الله (عز وجل) وجبرئیل ومیکائیل، ولا تعطی من بیت زوجها شیئا إلا باذنه، ولا تبیت وزوجها علیها ساخط وإن کان ظالما لها»(1).

و هذا الخبر فیه جملة غیر موثقین وهو یدل علی أن المرأة إذا لم تول القضاء لم تول ما هو أعظم منه مثل الفتیا بالأولویة القطعیة، وهذه

ص:309


1- (1) الخصال للصدوق: وضع عن النساء تسعة عشر شیئا ص 511 ح 2.

الطائفة موافقة لطائفة آیات: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) (1).

وأما مسألة إن کان ظالماً لها، فلابد من الالتفات إلی أن الإسلام علاجاته حیثیة فمنبع الفساد هو ما یغلق لا أنه یسقط حقوق الزوج بمجرد ظلم الزوج لزوجته کما أن حقوق المرأة لا تسقط بمجرد ظلم المرأة لزوجها، فحین تراه یؤکد علی طاعة المرأة لزوجها یؤکد علی معاملة الزوج لزوجته کما فی الآیات والروایات إلا أنها تدل علی أن حق الزوج أعظم من حق الزوجة علی زوجها باعتبار مسؤولیته تجاهها.

2 - مارواه الکلینی بثلاثة طرق عن کل من عمرو بن أبی المقدام، عن أبی جعفر علیه السلام، وعن عبد الرحمن بن کثیر، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: فی رسالة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحسن علیه السلام. وعن الاصبغ بن نباته، عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «لا تملک المرأة من الامر ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لحالها، وأرخی لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة، ولا تعد بکرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترک واکففها بحجابک ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فیمیل علیک من شفعت له علیک معها واستبق من نفسک بقیة فإن إمساکک نفسک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یرین منک حالا علی انکسار»(2).

وهذا الخبر له ثلاثة طرق متباینة تماماً وهو موجب للوثوق

ص:310


1- (1) سورة النساء: الآیة 34.
2- (2) الکافی للکلینی أبواب المتعة باب حق المرأة علی الزوج ح 3.

بالصدور لتعاضدها وهو نص فی المطلوب وأیضا لتشاهد مضمونه مع روایات أخری ولوجود هذا المضمون فیها، ووجه الاستدلال أن المرأة إذا کانت لا تملک من الامر ما یجاوز نفسها فلا تملک أمر غیرها فمن باب أولی أن لا تولی الامور العامة، فهی مثل الاخبار التی وردت فی القضاء.

فهذه الاخبار تدرج فی الطائفة الرابعة من الآیات القرآنیة التی هی نص فی المطلوب وهی کون الرجال قوامون علی النساء ولا یخفی أن استدلال أمیر المؤمنین علیه السلام بقول النبی صلی الله علیه وآله: «المرأة ریحانة ولیست بقهرمانیة» هو استدلال بضعف المرأة ولیونتها علی عدم تولیها هذه المناصب فهو استدلال بلسان الطائفة الأولی علی الرابعة، وأیضا یحتوی هذا الخبر علی الاستدلال بطائفة الحجاب علی مفاد الطائفة الرابعة ایضاً فهذا الخبر فیه استدلال بطوائف من الاخبار علی الطائفة الرابعة.

3 - ما جاء فی صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبدالله علیه السلام: «أن قوماً أتوا رسول الله صلی الله علیه وآله فقالوا: یا رسول الله إنا رأینا أناسا یسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: لو أمرت أحدا أن یسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»(1).

ص:311


1- (1) الکافی للکلینی أبواب المتعة باب حق المرأة علی الزوج ح 6.

فهذه یمکن أن تعد نصاً فی المطلوب لکونها مأمورة بطاعة زوجها فهو ولیها وهی تابعة له فی أمورها.

ولا یخفی أن طرق الاستدلال علی المطلوب تارة بالآیات والروایات الدالة مطابقةً بالمباشرة وحرفیة النص، وتارة بالملازمات والتحلیل کما فی (الخلاف) حیث قال: «لا یجوز أن تکون المرأة قاضیة فی شئ من الأحکام، وبه قال الشافعی. وقال أبو حنیفة: یجوز أن تکون قاضیة فیما یجوز أن تکون شاهدة فیه، وهو جمیع الأحکام إلا الحدود والقصاص. وقال ابن جریر: یجوز أن تکون قاضیة فی کل ما یجوز أن یکون الرجل قاضیا فیه، لأنها تعد من أهل الاجتهاد. دلیلنا: أن جواز ذلک یحتاج إلی دلیل، لأن القضاء حکم شرعی، فمن یصلح له یحتاج إلی دلیل شرعی.

وروی عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «لا یفلح قوم ولیتهم امرأة»(1).

وقال صلی الله علیه وآله: «أخروهن من حیث أخرهن الله»(2) فمن أجاز لها أن تلی القضاء فقد قدمها وأخر الرجل عنها. وقال: من فاته شئ فی صلاته فلیسبح، فإن التسبیح للرجال والتصفیق للنساء، فإن النبی صلی الله علیه وآله منعها من النطق لئلا یسمع کلامها، مخافة الافتتان بها، فبأن تمنع

ص:312


1- (1) المستدرک علی الصحیحین (الحاکم النیسابوری): ج 4 ص 39.
2- (2) عمدة القاری: ج ص، المصنف (لعبد الرزاق) ج ص.

القضاء الذی یشتمل علی الکلام وغیره أولی)(1) أنتهی کلامه.

4 - منها ما جاء بالفاظ متعددة عند الفریقین:

عن النبی صلی الله علیه وآله: «لن یفلح قوم یدبر أمرهم امرأة»(2).

وعن أمیر المؤمنین علیه السلام: «کل امرئ تدبره امرأة فهو ملعون»(3).

وعنه علیه السلام قال: «طاعة المرأة ندامة»(4).

وروی أحمد بن حنبل، عن أبی بکرة بکار بن عبد العزیز ابن أبی بکرة قال: سمعت أبی یحدث عن أبی بکرة انه شهد النبی صلی الله علیه وآله أتاه بشیر یبشره بظفر جند له علی عدوهم ورأسه فی حجر عائشة، فقام فخر ساجدا، ثم أنشأ یسائل البشیر فأخبره فیما أخبره أنه ولی أمرهم امرأة فقال النبی صلی الله علیه وآله: «الآن هلکت الرجال إذا أطاعت النساء، هلکت الرجال إذا أطاعت النساء ثلاثا»(5).

وما رواه البخاری عن أبی بکرة قال: لقد نفعنی الله بکلمة سمعتها من رسول الله صلی الله علیه وآله أیام الجمل بعد ما کدت ان الحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال لما بلغ رسول الله صلی الله علیه وآله أن أهل فارس قد ملکوا

ص:313


1- (1) الخلاف (للشیخ الطوسی): ج 6 ص 213-214.
2- (2) مستدرک سفینة البحار (للشیخ النمازی): ج 5 ص 99.
3- (3) المصدر نفسه، وأیضاً ج 3 ص 255.
4- (4) بحار الأنوار: ج 100 ص 227 ح 22.
5- (5) المسند: ج 5 ص 45.

علیهم بنت کسری قال: «لن یفلح قوم ولوا امرهم امرأة»(1).

وما رواه الترمیذی عن أبی بکرة قال: عصمنی الله بشئ سمعته من رسول الله صلی الله علیه وآله، لما هلک کسری قال: «من استخلفوا؟» قالوا: ابنته. فقال النبی صلی الله علیه وآله: «لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة». قال فلما قدمت عائشة - یعنی البصرة - ذکرت قول رسول الله صلی الله علیه وآله فعصمنی الله به. هذا حدیث صحیح(2).

وهذه الطائفة من الطائفة الرابعة من طوائف الآیات ومفادها نص فی المقام ولها طرق متعددة عند الفریقین وقد وقفت علی طریق معتبر فی الوسائل لم یذکره الأعلام ولا الشیخ.

5 - صحیحة عبد الصمد قال: دخلت امرأة علی أبی عبدالله علیه السلام فقالت: أصلحک الله إنی امرأة متبتلة فقال: «و ما التبتل عندک؟». قالت: لا أتزوج، قال: «و لم؟» قالت: ألتمس بذلک الفضل، فقال: «انصرفی، فلو کان ذلک فضلا لکانت فاطمة علیها السلام أحق به منک إنه لیس أحد یسبقها إلی الفضل»(3).

و هذا الخبر یدل أن من کمال المرأة أن یکون علیها ولایة من الزوج.

ص:314


1- (1) صحیح البخاری: ج 5 ص 136 وأیضاً ج 8 ص 97.
2- (2) سنن الترمذی: ج 3 ص 360.
3- (3) الکافی للشیخ الکلینی باب اکرام الزوجة ج 5 ص 509 ح 3.

6 - موثقة السکونی عن أبی عبدالله صلی الله علیه وآله قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إنما المرأة لعبة، من اتخذها فلا یضیعها»(1).

وهذه أیضا تدرج فی الطائفة الاولی والطائفة الرابعة، ولیس المراد من قوله: «المرأة لعبة» وصف عقلها وروحها بل بدنها وهذه حقیقة یثبتها الشارع فهو یبین جسد المرأة وکیفیته فالمراد باللعب ببدنها کونه بطبعه جذاباً وموضوع لاستلذاذ الزوج؟ فالشارع لایستهین بها بل المراد أن بدنها ینفس به الزوج ویرتاح إلیها ویستلد بها ویلهو بها ولهذا ورد لهو المؤمن فی ثلاثة حتی تحضره الملائکة إذا جاءها... فی أخبار متعددة:

7 - ما رواه الشیخ الصدوق بسنده عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لهو المؤمن فی ثلاثة أشیاء: التمتع بالنساء ومفاکهة الاخوان والصلاة باللیل. من اجتمعت له ثلاث خصال فکأنما حیزت له الدنیا»(2).

8 - مرفوعة علی بن اسماعیل عن رسول الله صلی الله علیه وآله - فی حدیث قال: «کل لهو المؤمن باطل إلا فی ثلاث: فی تأدیبه الفرس، ورمیه عن قوسه، وملاعبته امرأته فإنهن حق»(3).

9 - محسنة أبی بصیر عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «لیس شیء تحضره

ص:315


1- (1) الکافی للشیخ الکلینی باب حق المرأة علی الزوج ج 5 ص 510 ح 2.
2- (2) الخصال للصدوق ص 161 ح 2210.
3- (3) الکافی للکلینی باب ارباض الخیل ج 5 ص 50 ح 13.

الملائکة إلا الرهان وملاعبة الرجل أهله» (1).

فالمدابع أهله له من الأجر ما له لأنه فی طاعة الله فیلتذ کل بالآخر وبه یبتعد عن الحرام ولیس کما یفعله الغرب من التلاعب بالمراة بحیث یجعلها رخیصة کآلة النفایات یروج بها سلعاته وثقافته، ولهذا جاء أن لهو المؤمن فی التمتع بالنساء وملاعبتهن وهو من الحق لا من الباطل، وتحضره الملائکة وذلک لما فیه من حالة نورانیة فیها اقبال علی حلال الله وابتعاد وصد عن حرامه.

10 - معتبرة ضریس الکناسی - علی الأصح - عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إن امرأة أتت رسول الله صلی الله علیه وآله لبعض الحاجة فقال لها: لعلک من المسوفات، قالت: وما المسوفات یا رسول الله؟ قال: المرأة التی یدعوها زوجها لبعض الحاجة فلا تزال تسوفه حتی ینعس زوجها وینام فتلک لا تزال الملائکة تلعنها حتی یستیقظ زوجها»(2).

وقد عقد الکلینی قدس سره باباً فی حق المراة علی زوجها: وهیتبین حقوق المولی علیه للولی وذکر فیه أخباراً:

11 - موثقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما حق المرأة علی زوجها الذی إذا فعله کان محسنا؟ قال: «یشبعها ویکسوها

ص:316


1- (1) نفسه ح 10.
2- (2) الکافی للکلینی باب کراهة أن تمنع النساء أزواجهن ج 5 ص 508 ح 2.

وإن جهلت غفر لها»، وقال أبو عبدالله علیه السلام: «کانت امرأة عند أبی علیه السلام تؤذیه فیغفر لها»(1).

12 - مارواه الکلینی بسنده عن عمرو بن جبیر العزرمی، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «جاءت امرأة إلی النبی صلی الله علیه وآله فسألته عن حق الزوج علی المرأة، فخبرها، ثم قالت: فما حقها علیه؟ قال: یکسوها من العری ویطعمها من الجوع وإن أذنبت غفر لها، فقالت: فلیس لها علیه شیء غیر هذا؟ قال: لا، قالت: لا والله لا تزوجت أبدا، ثم ولت، فقال النبی صلی الله علیه وآله: ارجعی فرجعت، فقال: إن الله (عزّ وجل) یقول: (وَ أَنْ یَسْتَعْفِفْنَ خَیْرٌ لَهُنَّ) (2)»(3).

وظاهرأن لسان هذین الخبرین لسان حق المولی علیه للولی فهی ترجع إلی الطائفة الرابعة وأما الاستعفاف فهو مطلوبلکن لا بالاعتزال عن الزواج. وقد عقد الشیخ الکلینی قدس سره بابا بعنوان: (ما یجب عن طاعة الزوج علی المرأة) وذکر أخباراً من هذه الطائفة.

14 - معتبرة عبدالله بن سنان - علی الأصح - عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إن رجلا من الأنصار علی عهد رسول الله صلی الله علیه وآله خرج فی بعض حوائجه فعهد إلی امرأته عهدا ألا تخرج من بیتها حتی یقدم قال: وإن

ص:317


1- (1) نفسه باب حق المرأة علی الزوج ج 5 ص 510 ح 1.
2- (2) سورة النور: الآیة 60.
3- (3) الکافی للکلینی باب حق المرأة علی الزوج ج 5 ص 510 ح 1.

أباها مرض فبعثت المرأة إلی النبی صلی الله علیه وآله فقالت: إن زوجی خرج وعهد إلی أن لا أخرج من بیتی حتی یقدم وإن أبی قد مرض فتأمرنی أن أعوده؟ فقال: رسول الله صلی الله علیه وآله: لا اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فثقل فأرسلت إلیه ثانیا بذلک، فقالت: فتأمرنی أن أعوده؟ فقال: اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فمات أبوها فبعثت إلیه أن أبی قد مات فتأمرنی أن أصلی علیه؟ فقال: لا اجلسی فی بیتک وأطیعی زوجک، قال: فدفن الرجل فبعث إلیها رسول الله صلی الله علیه وآله إن الله قد غفر لک ولأبیک بطاعتک لزوجک»(1).

وهذا محمول علی الاستحباب أو أن الرجل کان متشدداً وبمخالفته تحصل فتنة، وإلا فلیس للزوج أن یمنع المرأة من صلة الأرحام وهو من العشرة بالمعروف نعم فیما لا ینافی حقه.

15 - معتبرة أبی بصیر قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: «خطب رسول الله صلی الله علیه وآله النساء فقال: (یا معاشر النساء تصدقن ولو من حلیکن ولو بتمرة ولو بشق تمرة فإن أکثر کن حطب جهنم إن کن تکثرن اللعن وتکفرن العشیرة، فقالت امرأة من بنی سلیم لها عقل: یا رسول الله ألیس نحن الأمهات الحاملات المرضعات، ألیس منا البنات المقیمات والأخوات المشفقات فرق لها رسول الله صلی الله علیه وآله فقال: حاملات

ص:318


1- (1) الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج 5 ص 513 ح 1.

والدات مرضعات رحیمات، لولا ما یأتین إلی بعولتهن ما دخلت مصلیة منهن النار)» (1).

والطریق وإن أشتمل علی البطائنی إلا أن روایته هذه قبل انحرافه لأنه فی أیام انحرفه قاطعته الشیعة وکون الروای عنه أحد الأجلاء مثل علی بن الحکم الامامی دلیل علی أن الروایة عنه قبل انحرافه.

فمع هذا الدور الانسانی العظیم لولا ما یأتین من المعاصی، فیلاحظ أن نظرة الشارع العظیمة مجانبة للنظرة الدونیة للمرأة فهی نظرة منصفة تبین القوة فی المرأة کما تبیّن جهات الضعف فیها وکل ذلک للحذر عن استغلالها فی الشرور أو انزلاقها فیه وهذا مخالفلمن یتعامل مع المرأة باسم حریة المرأة بحیث جعل قیمتها فی بدنها لا فی عقلها ولهذا تری المرأة مثلًا فی الفضائیات والأعلام لا یستعمل عقلها لأنه لا یشتریه أحد من تلک الشعوب بفلس فهو غیر تجاری وغیر مربح إذ المربح فیها - بنظرتهم الدونیة - هو بدنها وجمالها وما إن تذهب نظارتها تلقی فی الحضیض.

16 - موثقة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: (أیما امرأة خرجت من بیتها بغیر إذن زوجها فلا نفقة لها حتی ترجع)» (2).

ص:319


1- (1) الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج 5 ص 513 ح 2.
2- (2) الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج 5 ص 514 ح 5.

وهذه لیست بصدد حق الزوج من الجانب الجنسی بأنه إذا لم تنافِ استمتاعاته الجنسیة فإنه یصح لها الخروج؛ إذ إن عقد النکاح الذی یقرّه العرف والعقلاء والشرع لیس مقتصراً فی الحقوق علی الاستمتاع الجنسی بل لأمر آخر کسکون النفس إذ وجود المرأة فی بیتها سکون نفسی للزوج ولهذا یستوحش الزوج بدون زوجته.

فنفس الکون فی المنزل بل حتی لو لم یکن الزوج فی البیت إذ بمجرد کون المرأة فی بیته یوجب قرار نفسی له، هذا لو سلمنا صغرویاً أن الخبر بلحاظ المنافع وإلا فالخبر مطلق.

17 - منها صحیحة عبد الله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «لیس للمرأة أمر مع زوجها فی عتق ولا صدقة ولا تدبیر ولا هبة ولا نذر فی مالها إلا بإذن زوجها إلا فی زکاة أو بر والدیها أو صلة قرابتها»(1).

وقد اختلف فی مفادها الفقهاء هل یشترط فی هذه الامور أذن الزوج وممانعته تنفسخ أو فیما زاحم حقه وعلی أی فهو یدل علی قیمومة الزوج علی تصرفات زوجته.

18 - ومنها ما رواه الشیخ الکلینی عن الجعفی، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «خرج رسول الله صلی الله علیه وآله یوم النحر إلی ظهر المدینة علی جمل عاری

ص:320


1- (1) نفسه ح 4.

الجسم فمر بالنساء فوقف علیهن، ثم قال: (یا معاشر النساء، تصدقن وأطعن أزواجکن فإن أکثرکن فی النار فلما سمعن ذلک بکین، ثم قامت إلیه امرأة منهن فقالت: یا رسول الله فی النار مع الکفار؟! والله ما نحن بکفار فنکون من أهل النار، فقال لها رسول الله صلی الله علیه وآله: إنکن کافرات بحق أزواجکن)» (1).

وهذه الاخبار من الطائفة الرابعة الدالة علی أن قیمومة الزوج علی زوجته.

19 - صحیح ابن أبی عمیر، عن غیر واحد، عن الصادق، عن أبیه، عن آبائه علیهم السلام، قال: «شکا رجل من أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام نساءه، فقام علیه السلام خطیبا، فقال: (معاشر الناس، لا تطیعوا النساء علی حال، ولا تأمنوهن علی مال، ولا تذروهن یدبرن أمر العیال، فإنهن إن ترکن وما أردن أوردن المهالک، وعدون أمر المالک، فإنا وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عند شهوتهن، البذخ لهن لازم وإن کبرن، والعجب بهن لا حق وإن عجزن، لا یشکرن الکثیر إذا منعن القلیل، ینسین الخیر ویحفظن الشر، یتهافتن بالبهتان، ویتمادین بالطغیان، ویتصدین للشیطان، فداروهن علی کل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن یحسن الفعال)»(2).

ص:321


1- (1) الکافی للکلینی باب ما یجب من طاعة الزوج علی المرأة ج 5 ص 514 ح 3.
2- (2) الأمالی ص 274، علل الشرائع ج 2 - ص 512.

والخبر صحیح أعلائی؛ لأن المراد من «وغیر واحد»: مشایخ ابن أبی عمیر وجلهم أجلاء ولیست هذه من مراسیله، وهو نص فی عدم ولایتهن وقد تقدم جملة من الاخبار الصحیحة السند المعتبرة وذلک لأن من خصائص القضاء والطاعة ثبوت الولایة وقد نهینا عن طاعتهن.

وفیها نهی بقوله علیه السلام: «معاشر الناس لا تطیعوا النساء علی حال» وبقوله: «ولا تأمنوهن علی مال، ولا تذروهن یدبرن أمر العیال»، فالنهی عن ادارتهن للبیت وشؤونه فیکون النهی عن ادارتهن لما هو أخطر کادارة المجتمع من باب أولی. فقوله: «وجدناهن لا ورع لهن عند حاجتهن، ولا صبر لهن عن شهوتهن، البذخ لهن لازم وإن کبرن، والعجب بهن لاحق وإن عجزن، لا یشکرن الکثیر إذا منعن القلیل، ینسین الخیر ویحفظن الشر، یتهافتن بالبهتان، ویتمادین بالطغیان، ویتصدین للشیطان، فداروهن علی کل حال، وأحسنوا لهن المقال، لعلهن یحسن الفعال» تعلیل للطائفة الرابعة بالطائفة الأولی الدالة علی ضعفهن ولیونتهن مما یوجب علیهن الحذر لکی لا یقعن فی هذه المهالک.

والغریب من بعض المعاصرین أنه ذهب إلی عدم تسریة احکام باب النکاح إلی باب الفقه السیاسی مع أنه إذا کانت الولایة الضعیفة لم تجعل للمرأة کولایة التدبیر فی الأسرة والأحوال الشخصیة بل جعلت مولی علیها ومدبر أمرها فلا تولاها لضعفها وغیره من خصائصها الطبیعیة فلئن لا تولی الامور السیاسیة الاجتماعیة مما لا شک فیه ولا ریب.

ص:322

هذا لو فرضنا أن مسألة الرجال قوامون علی النساء خاصة بالازواج وإلا فالدلالة مطابقیة علی المطلوب فهی عامة بلفظ المرأة والرجل أو النساء.

وقوله: «یردن المهالک» موافق للطائفة الثالثة من ضعف رأیهن.

وکما قلنا إن الشارع لما کانت وظیفته تربویة فإنه حینما یبین هذه الخصائص والنقائص لکی یتفاداها المبتلی بها وهکذا ما ورد فی الاکراد وغیرهم فإنه یبین أن هذه الخصائص لابد من ملاحظتها والحذر منها وکل ذلک لأن الشارع لیس بصدد الإزدراء والذم وإنما هو بصدد حث هؤلاء القوم علی معالجة تلک الامور ببیان مقتضیاتها فإن لسان الشارع لسان الطبیب المرشد الذی لا یعلاج إلا بعد تشخیصه حالة المریض.

فالشارع بصدد أن البیئة المعینة تحمل هذا الموروث فیجب علی المبتلی مراعاتها حتی لا ینزلق فی مهاویها، فالخطأ فی الفهم عند بنی البشر إنهم إذا رأوا نقصا اعتقدوا أنه التقدیر الذی لا یتغیر کما قد یتوهم ذلک أیضا من ما ورد من أن المرأة مثل الضلع الأعوج إن أقمته أنکسر وهکذا وما ورد: شر لابد منه، فإنه محمول علی طبیعة المرأة العاطفیة فلا یمکن ازالة أصل طبیعتها ومعنی أنها شر لابد منه أی أن خیرها أکثری وذلک لأن الشر أکثریاً لا یکون لابد منه وإنما الذی لابد منه هو الخیر الأکثری غایة الأمر یلازم ویصاحب شر قلیل وإلا

ص:323

لو کان شرها أکثر فالمفروض تبعد وتقصی، فخیرها کثیر نظیر کونها ریحانه ومراح ومنها النسل وبها سکون النفس وغیر ذلک من المصالح والمنافع العظیمة.

فبیانات الشارع بیان لطبیعتها التکوینیة لما لها من تداعیات لابد من تفادیها من جهة الرجل والمرأة فالشارع فی مقام العلاج وتفادی هذه السلبیات، وإلا فإنه قد ورد علی لسان الشارع: «حُبب لی من دنیاکم ثلاث»(1) ، وورد: «کلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(2) وغیرها. فیعرف أن الشارع بصدد بیان الجهات القلیلة من الشر التی یجب تفادیه علی المرأة والرجل.

قوله: «العجب لهن لاحق» هو عدم الاتزان فی الصفات العملیة.

وقوله: «لا یشکرن الکثیر إذا منعن القلیل» عد الاتزان فی الصفات العملیة والعلمیة

وقوله: «ینسین الخیر ویحفظن الشر» وهذا من ضعف الرأی الموافق لطائفة الشهادة.

وقوله: «یتهافتن بالبهتان» فإذا تفادین هذه الظواهر نجینَ».

وقوله: «ویتصدین للشیطان» یعنی سریعات للانزلاق لأبواب

ص:324


1- (1) وسائل الشیعة: ج أبواب آداب الحمام والتنظیف، ب 89 ص 144 ح 12.
2- (2) المصدر نفسه، ج 20 أبواب مقدمات النکاح وآدابه، ب 3 ص 21-22 ح 1.

المعاصی.

وقوله: «داروهن علی کل حال» هذا العلاج فلا یتشدد معهن، لأن الشدة قسوة علیها فإن لهذه الطبائع السلبیة تداعیات فإذا لم تدبر ولم تنظم تنشط هذه التداعیات ولهذا یأتی العلاج بقوله علیه السلام: «وداروهن» واحسنوا إلیهن الفعال لا تحتدوا معهن فی القول، وهذا موافقة للطائفة الرابعة، والنتیجة ایجابیة ولعلهن یحسن الفعال.

و هذا الخبر جمعَ کل الطوائف وهو لا یقصر عن لسان الاخبار النبویة: «لن یفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»(1) بل لعل هذا الخبر أصرح فلا معنی لأشکال بعضهم: بأن هذا ارشاد إلی عدم حسن تولیة المرأة للأمور لا أنه منع وتحریم.

وإن کان هذا الاشکال غیر صحیح لان المفروض فی الوالی أن یجعل وینصب بغایة تحصیل مصلحة الولایة والتدبیر فإذا کانت نتائجه سلبیة لم تؤهله سلبیاته لذلک.

و هذا الخبر یمکن أن یعترض علی دلالته بما ذکر بل أن ما تقدم من الاخبار التی منها لا تطیعوا النساء علی حال وغیرها أصرح منه.

وواضح أن من آثار الحاکمیة الطاعة فإذا لم تطع فکیف تقلد

ص:325


1- (1) صحیح البخاری ج 5 ص 136.

منصب الطاعة، أو قوله: «ولا تأمنوهن علی مال» فإن الوالی من وظائفه حفظ الأمور فإذا لم تأمن علی الاموال کیف تدبر الأمور. وهذه أکثر نصوصیة ووضوحا.

وعدم ذکر الاعلام هذه الاخبار لعدم نقل صاحب الوسائل لها فی باب القضاء وذکرها فی باب العشرة والتتبع لازم فی الفقه والاستنباط إذ الاعتماد علی تبویب صاحب الوسائل وتتبعه فیه مخاطر کثیرة لأن هذا کله اجتهاده واستنباطه ولایصح متابعته فی استنباطاته إقتصاراً.

20 - معتبرة أبی الجارود - الذی وإن کان زیدیا ملعونا إلا أن له وثاقة لسانیة - عن أبی جعفر، عن أبیه، عن جده علیه السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «اتقوا شرار النساء وکونوا من خیارهن علی حذر، إن أمرنکم بالمعروف فخالفوهن کیلا یطمعن منکم فی المنکر»(1).

21 - صحیح عبدالله بن سنان عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «ذکر رسول الله صلی الله علیه وآله النساء فقال: اعصوهن فی المعروف قبل أن یأمرنکم بالمنکر وتعوذوا بالله من شرارهن وکونوا من خیارهن علی حذر»(2).

ومفادهما یدل علی عدم ولایتها وآمریتها لأنه لا یؤمن جانب

ص:326


1- (1) الأمالی (للصدوق): ص 282 ح 483.
2- (2) وسائل الشیعة: ج أبواب مقدمات النکاح، باب 94 ص ح 1.

المنکر منها فهذه من الاخبار التی بینت أن من خصوصیات النساء ما یتنافی مع الولایة وهذه الطائفة تندرج فی لسان الطائفة الرابعة والثالثة وهو عدم متانة رأیهن.

22 - موثقة مسعدة بن صدقة، قال: حدثنی جعفر بن محمد، عن أبیه صلی الله علیه وآله قال: «من اتخذ نعلا فلیستجدها، ومن اتخذ ثوبا فلیستنظفه، ومن اتخذ دابة فلسیتفرهها، ومن اتخذ امرأة فلیکرمها، فإنما امرأة أحدکم لعبته فمن اتخذها فلایضعها...» الحدیث(1).

فلیس إکرام المرأة بأن تجعل ادوارها کأدوار الرجل فهذه توصیات من الشارع بمعنی أن نعومتها ولیونتها العاطفیة تذهب بالتعکیر فی الخلق فبلیونتها تمتص اعباء التعب واللعبیة هی ما یسبب سرور الخاطر فهی تشارک فی ترویح الرجل من هذه الزاویة فالمرأة فیها کمالات یحتاج إلیها الرجل وفی الرجل کمالات تحتاج إلیها المرأة، فالحزم من شؤون الرجل وفی موضوع الحزم یحتاج إلی الرجل فمن الوهم الکبیر أن نصور المرأة بأنها رجل تماماً أو الرجل امرأة تماماً أونتصور أن طبیعتهما واحدة حتی نجری ونوحد الاحکام بینهما وهذا غفلة وخلط بین هاتین الطبیعتین.

و هذا المفاد یندرج فی الطائفة الرابعة من ولایة الرجل علی المرأة.

ص:327


1- (1) وسائل الشیعة: ج 5 أبواب أحکام الملابس، باب 32 ص 61 ح 4.

ومن جهة أنها لعبة بمعنی ضعیفة ورقیقة فتندرج فی الطائفة الأولی.

23 - موثقة مسعدة، عن جعفر، عن آبائه علیهم السلام: «إن رسول الله صلی الله علیه وآله قال: أصناف لا یستجاب لهم: منهم من ادان رجلا دینا إلی اجل فلم یکتبعلیه کتابا ولم یشهد علیه شهودا، ورجل یدعو علی ذی رحمورجل تؤذیه امرأته بکل ما تقدر علیه، وهو فی ذلک یدعو الله علیهاویقول: اللهم أرحنی منها. فهذا یقول الله له: عبدی، أوما قلدتک أمرها، فإنشئت خلیتها، وإن شئت أمسکتها...» الحدیث(1).

فقوله: «قلدتک أمرها» دال علی أن المرأة مولی علیها وتقلید أمرها بید الرجل، فبیده الطلاق وغیره من شؤونها فهی تندرج فی الطائفة الرابعة.

24 - ما رواه الشیخ بسنده: أن النبی صلی الله علیه وآله قال: «إن أکمل المؤمنین إیمانا أحسنهم خلقا، وخیارکم خیارکم لنسائه»(2).

فمفاده رعایة الزوج أی ولایة الزوج علی زوجته.

25 - موثقة غیاث، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إن المرأة خلقت من الرجل وإنما همتها فی الرجال فأحبوا نساءکم، وإن الرجل خلق من الأرض فإنما همته فی الأرض»(3).

ص:328


1- (1) وسائل الشیعة: ج 7 أبواب الدعاء، باب 50 ص 127 ح 7.
2- (2) الأمالی (للطوسی): ص 393 ح 227.
3- (3) علل الشرائع باب 245 ح 1.

وهذا المضمون مستفیض فی الاخبار وهو یدل علی تبعیة المرأة للرجل ومنشأ کون الرجال قوامین علی المرأة.

26 - ومنها ما رواه الشریف الرضی، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام إنه قال: «معاشر الناس، إن النساء نواقص العقول، فأما نقصان إیمانهن فقعودهن عن الصلاة والصیام فی أیام حیضهن، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتین منهن کشهادة الرجل واحد، وأما نقصان حظوظهن فمواریثهن علی الانصاف من مواریث الرجال، فاتقوا شرار النساء وکونوا من خیارهن علی حذر، ولا تطیعوهن فی المعروف حتی لا یطمعن فی المنکر»(1).

ومضمونه مطابق للطائفة الثالثة وهی نواقص عقول ومضمون الطائفة الخامسة وهی نقص الحظوظ فإنه علیه السلام جعل هاتین الطائفتین تفید مضمون الطائفة الرابعة فقال علیه السلام: «فاتقوا شرار النساء وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف فیطمعن فی المنکر».

27 - مصحح خلد بن نجیح عن أبی عبدالله علیه السلام قال: تذاکروا الشوم عند أبی عبدالله علیه السلام فقال: «الشوم فی ثلاث: فی المرأة والدابة والدارفأما شوم المرأة فکثرة مهرها وعقم رحمها»(2).

ص:329


1- (1) سائل الشیعة: ج 2 أبواب الحیض، ب 39 ص 344 ح 4.
2- (2) سائل الشیعة: ج 2 أبواب مقدمات النکاح، باب 51 ص 53 ح 2.

فثبوت عقوق الزوجة لزوجها دال اقتضاءا علی أن له ولایة علیها وهو مفاد الطائفة الرابعة.

28 - روایة أنس بن محمد، عن أبیه، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده، عن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله فی وصیته لی: یا علی، أربعة من قواصم الظهر: إمام یعصی الله ویطاع أمره، وزوجة یحفظها زوجها وهی تخونه، وفقر لا یجدصاحبه له مداویا، وجار سوء فی دار مقام)»(1).

وهی دالة أیضا علی أن حفظ الزوجة وتدبیر شؤونها من مسؤولیة الزوج فهو مولی علیها.

29 - موثقة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: من أطاع امرأته أکبه الله علی وجهه فی النار، قیل: وما تلک الطاعة؟ قال: تطلب منه الذهاب إلی الحمامات والعرسات والعیدات والنیاحات والثیاب الرقاق»(2).

وهذه لها عدة طرق فی هذا الباب.

ولا یتوهم حمل الطاعة فی الروایات التی تقدمت بالنهی عن طاعة المرأة خاصة بهذه الأمور فیحمل المطلق علی هذا المقید؟ وذلک

ص:330


1- (1) الخصال للصدوق باب الاربعة ح 24.
2- (2) الکافی للکلینی باب ترک طاعتهن ج 5 ص 517 ح 3.

للتصریح فی کثیر منها بعدم طاعتهن فی المعروف فضلًا عن مطلق المنکر لا خصوص الأربعة.

30 - روایة الحسین بن یزید، عن الصادق عن أبائه علیهم السلام أن النبی صلی الله علیه وآله: «ونهی أن تخرج المرأة من بیتها بغیر إذن زوجها، فإن خرجت لعنها کل ملک فی السماء وکل شئ تمر علیه من الجن والإنس حتی ترجع إلی بیتها. ونهی أن تتزین المرأة لغیر زوجها، فإن فعلت کان حقا علی الله عز وجل أن یحرقها بالنار. ونهی أن تتکلم المرأة عند غیر زوجها وغیر ذی محرم منها أکثر من خمس کلمات مما لابد لها منه. ونهی أن تحدث المرأة بما تخلو به مع زوجها»(1).

و ذلک باعتبار أنها فریسة یطمع فی أنوثتهاحتی فی حدیثها فإن کثرة الحدیث یسقط جدار الحشمة کما فی قوله تعالی: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ) .

31 - ما رواه الصدوق عن النبی صلی الله علیه وآله: «ونهی أن یدخل الرجل حلیلته إلی الحمام»(2).

32 - ما رواه الصدوق عن النبی صلی الله علیه وآله: «أیما امرأة آذت زوجها بلسانها لم یقبل الله منها صرفا ولا عدلا ولا حسنة من عملها حتی

ص:331


1- (1) الأمالی (للصدوق): ص 510 فی حدیث المناهی.
2- (2) المصدر نفسه.

ترضیه وإن صامت نهارها وقامت لیلها وأعتقت الرقاب وحملت علی جیاد الخیل فی سبیل الله وکانت أول من یرد النار، وکذلک الرجل إذا کان لها ظالما» (1).

33 - ما رواه الصدوق عن النبی صلی الله علیه وآله: «ألا ومن صبر علی خلق امرأة سیئة الخلق واحتسب فی ذلک الاجر أعطاه الله ثواب الشاکرین فی الآخرة، ألا وأیما امرأة لم ترفق بزوجها وحملته علی ما لا یقدر علیه وما لا یطیق لم تقبل منها حسنة وتلقی الله وهو علیها غضبان»(2).

34 - مصحح علی بن جعفر، عن أخیه علیه السلام قال: «سألته عن المرأة العاصیة لزوجها هل لها صلاة وما حالها؟ قال: لا تزال عاصیة حتی یرضی عنها»(3).

34 - مصحح علی بن جعفر، علی عن أخیه علیه السلام قال: وسألته عن المرأة هل لها أن تعطی من بیت زوجها بغیر إذنه؟ قال: «لا، إلا أن یحلها»(4).

فهذه کلها تدل علی أن المرأة مولی علیها فتندرج فی الرابعة.

35 - معتبرة ضریس، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إن الله (تبارک

ص:332


1- (1) المصدر نفسه.
2- (2) الأمالی (للصدوق): ص 510 فی حدیث المناهی.
3- (3) قرب الإسناد: ص 226 ح 884.
4- (4) المصدر نفسه، ح 885.

وتعالی) جعل الشهوة عشرة أجزاء تسعة منها فی النساء وواحدة فی الرجال، ولولا ما جعل الله (عزّ وجل) فیهن من أجزاء الحیاء علی قدر أجزاء الشهوة لکان لکل رجل تسع نسوة متعلقات به» (1).

36 - مارواه الراوندی باسناده، عن موسی بن جعفر، عن آبائه علیهم السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: (اضربوا النساء علی تعلیم الخیر)»(2).

37 - صحیح محمد بن مسلم، عن الباقر علیه السلام قال: «جاءت امرأة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله فقالت: یا رسول الله، ما حق الزوج علی المرأة؟ فقال لها: تطیعه ولا تعصیه ولا تتصدق من بیته بشیء إلا باذنه ولا تصوم تطوعا إلا باذنه ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیته إلا باذنه، فان خرجت بغیر إذنه لعنتها ملائکة السماء وملائکة الأرض وملائکة الغضب وملائکة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها. فقالت: یا رسول الله، من أعظم الناس حقا علی الرجل؟ قال: والده، قالت: فمن أعظم الناس حقا علی المرأة؟ قال: زوجها. قالت: فما لی علیه من الحق مثل ما له علی؟ قال: لا، ولا من کل مائة واحد. فقالت: والذی بعثک بالحق لا یملک رقبتی رجل أبدا»(3).

38 - ما رواه العلامة المجلسی وقال النبی صلی الله علیه وآله: «إنی أتعجب ممن

ص:333


1- (1) الخصال للصدوق باب العشرة ح 28.
2- (2) نوادر الراوندی ص 118.
3- (3) الکافی للکلینی باب حق الزوج علی المرأة ج 5 ص 507 ح 1.

یضرب امرأته وهو بالضرب أولی منها، لا تضربوا نساءکم بالخشب فإن فیه القصاص، ولکن اضربوهن بالجوع والعری حتی تربحوا فی الدنیا والآخرة، وأیما رجل تتزین امرأته وتخرج من باب دارها فهو دیوث ولا یأثم من یسمیه دیوثا. والمرأة إذا خرجت من باب دارها متزینة متعطرة والزوج بذلک راض یبنی لزوجها بکل قدم بیت فی النار. فقصروا أجنحة نسائکم ولا تطولوها فإن فی تقصیر أجنحتها رضی وسرورا ودخول الجنة بغیر حساب، احفظوا وصیتی فی أمر نسائکم حتی تنجوا من شدة الحساب، ومن لم یحفظ وصیتی فما أسوء حاله بین یدی الله». وقال صلی الله علیه وآله: «النساء حبائل الشیطان»(1).

39 - ما رواه الصدوق، قال: خطب النبی صلی الله علیه وآله فقال: «یا أیها الناس، إن النساء عندکم عوار لا یملکن لأنفسهن ضرا ولا نفعا أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بکلمات الله، فلکم علیهن حق، ولهن علیکم حق، ومن حقکم علیهن أن لا یوطؤوا فرشکم ولا یعصینکم فی معروف، فإذا فعلن ذلک فلهن رزقهن وکسوتهن بالمعروف ولا تضربوهن»(2).

40 - منها مارواه الصدوق بسند معتبر علی الأصح، عن أبی عبد الله عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «جهاد المرأة حسن التبعل»،

ص:334


1- (1) بحار الأنوار: ج 100 ص 249.
2- (2) الخصال: ص 468.

وقال: «لتطیب المرأة المسلمة لزوجها» (1).

41 - معتبرة عبد العظیم الحسنی، عن محمد بن علی الرضا، عن أبیه الرضا، عن أبیه موسی بن جعفر، عن أبیه جعفر بن محمد، عن أبیه محمد بن علی، عن أبیه علی بن الحسین، عن أبیه الحسین بن علی، عن أبیه أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام قال: «دخلتُ أنا وفاطمة علی رسول الله صلی الله علیه وآله فوجدته یبکی بکاءً شدیدا، فقلت: فداک أبی وأمی یا رسول الله! ما الذی أبکاک؟ فقال: یا علی، لیلة أسری بی إلی السماء رأیت نساء من أمتی فی عذاب شدید فأنکرت شأنهن فبکیت لما رأیت من شدة عذابهن، ورأیت امرأة معلقة بشعرها یغلی دماغ رأسها، ورأیت امرأة معلقة بلسانها والحمیم یصب فی حلقها، ورأیت امرأة معلقة بثدییها، ورأیت امرأة تأکل لحم جسدها والنار توقد من تحتها، ورأیت امرأة قد شد رجلاها إلی یدیها وقد سلط علیها الحیّات والعقارب، ورأیت امرأة صمّاء عمیاء خرساء فی تابوت من نار یخرج دماغ رأسها من منخرها، وبدنها متقطع من الجذام والبرص، ورأیت امرأة معلقة برجلیها تنور من نار، ورأیت امرأة تقطع لحم جسدها من مقدمها ومؤخرها بمقاریض من نار، ورأیت امرأة تحرق وجهها ویداها وهی تأکل أمعائها، ورأیت امرأة رأسها رأس الخنزیر وبدنها بدن الحمار وعلیها ألف ألف لون من العذاب، ورأیت امرأة علی صورة

ص:335


1- (1) الخصال: ص 621 فی حدیث الاربعمائة.

الکلب والنار تدخل فی دبرها وتخرج من فیها والملائکة یضربون رأسها وبدنها بمقامع من نار فقالت فاطمة علیها السلام: حبیبی وقرّة عینی، أخبرنی ما کان عملهن وسیرتهن حتی وضع الله علیهن هذا العذاب!! فقال: یا بنیتی، أما المعلقة بشعرها فإنها کانت لا تغطی شعرها من الرجال، وأما المعلقة بلسانها فإنها کانت تؤذی زوجها، وأما المعلقة بثدییها فإنها تمتنع من فراش زوجها، وأما المعلقة برجلیها فإنها کانت تخرج من بیتها بغیر اذن زوجها، وأما التی تأکل لحم جسدها فإنها کانت تزین بدنها للناس، والتی شد یداها إلی رجلیها وسلط علیها الحیّات والعقارب فإنها کانت قذرة الوضوء قذرة الثیاب وکانت لا تغتسل من الجنابة والحیض ولا تتنظف وکانت تستهین بالصلاة، وأما الصماء العمیاء الخرساء فإنهاکانت تلد من الزنا فتعلقه فی عنق زوجها وأما التی تقرض لحمهابالمقاریض فإنها کانت تعرض نفسها علی الرجال وأما التی کانت تحرق وجههاوبدنها وتأکل أمعائها فإنها کانت قوّادة وأما التی کان رأسها رأسالخنزیر وبدنها بدن الحمار فإنها کانت نمامة کذابة وأما التی کانت علی صورة الکلب والنار تدخل فی دبرها وتخرج من فیها فإنها کانت قینة نواحة حاسدة ثم قال علیه السلام: ویل لامرأة أغضبت زوجها وطوبی لامرأة رضی عنهازوجها» (1).

42 - معتبرة سعد الجلاب، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «إن الله تعالی

ص:336


1- (1) عیوان أخبار الرضا علیه السلام: ج 1 ص 13 ح 24.

لم یجعل الغیرة للنساء، إنما تغار المنکرات منهن، فاما المؤمنات فلا، وإنما جعل الله تعالی الغیرة للرجال لأن الله قد أحل تعالی له أربعا، وما ملکت یمینه ولم یجعل للمرأة إلا زوجها وحده، فان بغت معه غیره کان زانیة» (1).

43 - ما فی تفسیر القمی: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (2) ، یعنی فرض الله

علی الرجال أن ینفقوا علی النساء ثم مدح النساء فقال:

(فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَیْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ) ، یعنی تحفظ نفسها إذا غاب عنها زوجها، وفی روایة أبی الجارود، عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله (قانِتاتٌ ) «أی مطیعات»(3).

44 - منها صحیح الولید بن صبیح، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «أی امرأة تطیبت ثم خرجت من بیتها فهی تلعن حتی ترجع إلی بیتها متی رجعت»(4).

45 - موثقة أو قویة موسی بن بکر، عن أبی إبراهیم علیه السلام قال:

ص:337


1- (1) علل الشرائع: ب 272 ح 1.
2- (2) سورة النساء: الآیة 34.
3- (3) تفسیر القمی: ص 137.
4- (4) ثواب الأعمال للصدوق عقاب الشک والمعصیة ص 259.

«جهاد المرأة حسن التبعل»(1).

46 - معتبرة سلمان بن خالد، عن أبی عبدالله علیه السلام: «أن قوما أتوا رسول الله صلی الله علیه وآله فقالوا: یا رسول الله إنا رأیناأناسا یسجد بعضهم لبعض فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: لو أمرت أحدا أن یسجد لأحد لأمرتالمرأة أن تسجد لزوجها»(2).

47 - ما رواه الطبرسی عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من صبر علی سوء خلق امرأته أعطاه الله من الاجر ما أعطاه داود علیه السلام علی بلائه، ومن صبرت علی سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب آسیة بنت مزاحم»(3).

وهذا الباب هو مضمون روایات الکافی ومعزز ومثبّت لاستفاضتها فکون بعض ما مر ضعیف السند یجبره تکاثرها ویعضد بعضها بعضا فتولد وثوق بالصدور وتصب فی الدلالة علی قیمومة الزوج للزوجة.

48 - صحیحة معاویة بن وهب قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: «انصرف رسول الله صلی الله علیه وآله من سریة قد کان أصیب فیها ناس کثیر من المسلمین، فاستقبلته النساء یسألنه عن قتلاهن، فدنت منه امرأة. فقالت: یا رسول الله، ما فعل فلان؟ قال: وما هو منک؟ قالت: أبی قال: احمدی الله واسترجعی فقد استشهد، ففعلت ذلک، ثم قالت: یا

ص:338


1- (1) الکافی: کتاب الجهاد ج 5 ص 9 ب وجوب الجهاد ح 1.
2- (2) الکافی: باب حق الزوج علی المرأة ج 5 ص 506 ح 6.
3- (3) بحار الأنوار: ج 100 ص 247 ح 30.

رسول الله ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منک؟ فقالت أخی، فقال: احمدی الله واسترجعی فقد استشهد، ففعلت ذلک، ثم قالت: یا رسول الله، ما فعل فلان؟ فقال: وما هو منک؟ فقالت: زوجی، قال: احمدی الله واسترجعی فقد استشهد، فقالت: واویلی. فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما کنت أظن أن المرأة تجد بزوجها هذا کله حتی رأیت هذه المرأة» (1).

49 - ما رواه الطبرسی عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «کان إبراهیم أبی غیورا وأنا أغیر منه، وأرغم الله أنف من لا یغار من المؤمنین»(2).

50 - ما رواه المجلسی عن جامع الأخبار عن رسول الله صلی الله علیه وآله قال: «من قذف امرأته بالزنا خرج من حسناته کما تخرج الحیة من جلدها، وکتب له بکل شعرة علی بدنه ألف خطیئة»(3).

51 - ما رواه الطبرسی عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «لا تقذفوا نساءکم بالزنا فإنه شبه بالطلاق، وإیاکم والغیبة فإنها شبه بالکفر، واعلموا أن القذف والغیبة یهدمان عمل مائة سنة»(4).

52 - ما رواه الطبرسی عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «من قذف امرأته بالزنا

ص:339


1- (1) الکافی: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة ص 506 ح 1.
2- (2) بحار الأنوار: ج 100 ص 248 ح 33.
3- (3) المصدر نفسه، ح 34.
4- (4) المصدر نفسه، ح 35.

نزلت علیه اللعنة ولا یقبل منه صرف ولا عدل»(1).

53 - ما رواه الطبرسی عن النبی صلی الله علیه وآله قال: «لا یقذف امرأته إلا ملعون أو قال: منافق، فإن القذف من الکفر والکفر فی النار، لا تقذفوا نساءکم فإن فی قذفهن ندامة طویلة وعقوبة شدیدة»(2).

و هذا المفاد بمثابة تحذیر الرجل عن التمادی فی استغلال موقعه ومقامه لظلم المرأة.

54 - ما رواه المجلسی عن نوادر الراوندی باسناده عن موسی بن جعفر، عن آبائه علیهم السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: (اضربوا النساء علی تعلیم الخیر)»(3).

فمن شعب القیّومیة هو تولیته تربیتها اخلاقیاً فی محیط الجو الأسری.

55 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه، قال: «إن فاطمة دخل علیها علی بن أبی طالب علیه السلام وبه کآبة شدیدة فقالت فاطمة علیها السلام: یا علی ما هذه الکآبة؟ فقال علی علیه السلام سألنا رسول الله صلی الله علیه وآله عن المرأة ما هی؟ فقلنا عورة، فقال فمتی تکون أدنی من ربها؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلی علیه السلام: ارجع إلیه فأعلمه أن أدنی ما تکون من ربها أن

ص:340


1- (1) المصدر نفسه، ح 36.
2- (2) بحار الأنوار: ج 100 ص 249 ح 37.
3- (3) المصدر نفسه، ح 39.

تلزم قعر بیتها، فانطلق فأخبر رسول الله صلی الله علیه وآله ما قالت فاطمة علیها السلام، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: إن فاطمة بضعة منی»(1).

وهذا مفاد آیة الحجاب الذی تقدم تقریب دلالتها وأما قوله علیه السلام: «فلم ندر» فبحسب ظاهر الحال وحال الآخرین وبغیة ظهور شأن فاطمة علیها السلام وأن حالهم علیهم السلام علی حسب مراتب أبدانهم ونفوسهم النازلة یختلف عن شأنهم بحسب مراتب نورهم علیهم السلام والاشارة إلی هذا الاختلاف کثیر فی الروایات.

56 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال علی علیه السلام: «أقبلت امرأة إلی رسول الله صلی الله علیه وآله فقالت: یا رسول الله صلی الله علیه وآله إن لی زوجا وله علی غلظة وإنی صنعت به شیئا لأعطفه علی فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: أفٍّ لک کدرت دینک، لعنتک الملائکة الأخیار، لعنتک ملائکة السماء (لعنتک) ملائکة الأرض فصامت نهارها وقامت لیالیها ولبست المسوح ثم حلقت رأسها فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: إن حلق الرأس لا یقبل منها إلا أن یرضی الزوج»(2).

57 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «إنما المرأة لعبة فمن اتخذها فلیبضعها»(3).

ص:341


1- (1) بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 40.
2- (2) المصدر نفسه، ح 41.
3- (3) بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 42.

والاتخاذ دال علی تملکه أمرها فی الجملة.

58 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «النساء عورة احبسوهن فی البیوت واستعینوا علیهن بالعری»(1).

و هذا مما یقتضی قیمومته علیها.

59 - روایة أبی عبیدة الحذاء، عن أبی عبدالله علیه السلام، قال: «أتی النبی صلی الله علیه وآله بأساری فأمر بقتلهم خلا رجل من بینهم، فقال الرجل: بأبی أنت وأمی - یا محمد - کیف أطلقت عنی من بینهم؟ فقال: أخبرنی جبرئیل عن الله (عزّ وجل) أن فیک خمس خصال یحبها الله عز وجل ورسوله: الغیرة الشدیدة علی حرمک، والسخاء، وحسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة، فلما سمعها الرجل أسلم وحسن إسلامه، وقاتل مع رسول الله صلی الله علیه وآله قتالا شدیدا حتی استشهد»(2).

وفی روایة قال صلی الله علیه وآله: «إن الغیرة من الایمان»(3).

وفی روایة: «غیرة المرأة کفر وغیرة الرجل إیمان»(4).

فغیرة الرجل علی امرأته تقتضی اشرافه علیها وتولّیه تدبیر شؤونها.

ص:342


1- (1) المصدر نفسه، ح 43.
2- (2) الأمالی (للصدوق): ص 435 ح 417.
3- (3) من لا یحضره الفقیه: ج 3 ص 444 ح 4541.
4- (4) خصائص الأئمة: ص 100.

60 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد المتقدم: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «کتب الله الجهاد علی رجال أمتی والغیرة علی نساء أمتی فمن صبر منهم واحتسب أعطاه أجر شهید»(1).

وکتب بمعنی ابتلی واختصاص الرجل بالجهاد الذی هو من الشأن العام دون المرأة.

61 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد نفسه: قال علی علیه السلام: «أتی النبی صلی الله علیه وآله رجل من الأنصار بابنة له فقال: یا رسول الله إن زوجها فلان بن فلان الأنصاری فضربها فأثر فی وجهها فأقیده لها؟ فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: لک ذلک فأنزل الله تعالی قوله: (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ) فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: أردت أمرا وأراد الله تعالی غیره»(2).

واختلاف الارادتین اشارة إلی تعدد مراتب الارادة الالهیة نظیر القضاء والقدر وحصول البداء أو البداء الأعظم.

62 - ما رواه المجلسی عن الراوندی بالاسناد المتقدم: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «أیما رجل رأی فی منزله شیئا من الفجور فلم یغیر بعث الله تعالی طیرا أبیض یظل علیه أربعین صباحا فیقول کلما دخل وخرج غیر غیر فإن غیر وإلا مسح رأسه بجناحیه علی عینیه، فإن رأی

ص:343


1- (1) بحار الأنوار: ج 100 ص 251 ح 45.
2- (2) المصدر نفسه، ص 252 ح 46.

حسنا لم یستحسنه وإن یری قبیحا لم ینکره» (1).

وتولیة الرجل التغییر تقتضی قیمومته فی الاسرة علی المرأة.

63 - صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: النساء عی وعورة فاستروا العورات بالبیوت واستروا العی بالسکوت»(2).

ومفاده مطابق لمفاد الطائفة الأولی من الآیات.

64 - روایة أبی المفضل بن عمر عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «سألَتْ أم سلمة رسول الله صلی الله علیه وآله: عن فضل النساء فی خدمة أزواجهن، فقال صلی الله علیه وآله: ما من امرأة رفعت من بیت زوجها شیئا من موضع إلی موضع ترید به صلاحا إلا نظر الله إلیها، ومن نظر الله إلیه لم یعذبه. فقالت أم سلمة: زدنی فی النساء المساکین من الثواب بأبی أنت وأمی. فقال: یا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت کان لها من الاجر کمن جاهد بنفسه وماله فی سبیل الله (عزّ وجل)، فإذا وضعت قیل لها: قد غفر لک ذنبک فاستأنفی العمل، فإذا أرضعت فلها بکل رضعة تحریر رقبة من ولد إسماعیل»(3).

ص:344


1- (1) بحار الأنوار: ج 100 ص 251 ح 47.
2- (2) الکافی: ج 5 باب الغیرة ص 535 ح 4.
3- (3) الأمالی (للطوسی): ص 612 ح 9.

و هذا النوع من الاخبار فیه دلالة واضحة علی أن منشأ ولایة الرجل علی المرأة هو ضعف المرأة وکون بدنها فتنة.

65 - روایة تحف العقول: من وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام لابنه الامام الحسن المجتبی علیه السلام: «وإیاک ومشاورة النساء فإن رأیهن إلی أفن وعزمهن إلی وهن واکفف علیهن من أبصارهن بحجبک إیاهن فإن شدة الحجاب خیر لک ولهنولیس خروجهن بأشد من إدخالک من لا یوثق به علیهن وإن استطعت أن لا یعرفن غیرک فافعل ولا تمک المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن ذلک أنعم لحالها وأرخی لبالها وأدوم لجمالها، فإن المرأة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تعد بکرامتها نفسها ولا تطمعها أن تشفع لغیرها فتمیل مغضبة علیک معها، ولا تطل الخلوة مع النساء فیملنک أو تملهن. واستبق من نفسک بقیة من إمساکک فان إمساکک عنهن وهن یرین أنک ذو اقتدار خیر من أن یظهرن منک علی انتشار وإیاک والتغایر فی غیر موضع غیرة فإن ذلک یدعو الصحیحة منهن إلی السقم ولکن أحکم أمرهن، فإن رأیت ذنبا فعاجل النکیر علی الکبیر والصغیر...»(1).

ومضمون هذا الخبر یحوی مفاد عدة طوائف متقدمة فقوله علیه السلام: «واکفف علیهن من أبصارهن بحجابک إیاهن فان شدة الحجاب أبقی

ص:345


1- (1) تحف العقول: ص 86-87.

علیهن، ولیس خروجهن بأشد من إدخالک من لا یوثق به علیهن، وإن استطعت أن لا یعرفن غیرک فافعل».

وهذا مضمون طائفة الحجاب وهو یبیّن کونها فریسة تنتهز وتصطاد برمق العین بنظرة تخدع توقع فی هتک عرضها فالحجاب هو أن لا توضع أمام الرجال لأنها دوماً فریسة وضحیة ولهذا قال علیه السلام: «إن شدة الحجاب أبقی علیهن» والمراد بالخروج هو الذی تکون فیه المرأة فی معرض الرجال لا صرف الخروج وهذا لیس سجناً وحبساً بل المرأة لها أن تنطلق فی مجالاتها النسویة أومع مراعاة الحجاب فهو لا مانع منه فالتشریع الاسلامی لا یحضر علی المرأة التواجد الحیوی فی مجال السیاسة والعلم کما فعلته السیدة خدیجة علیها السلام من الاتجار وغیره والادوار السیاسیة التی قامت بها سید النساء فاطمة الزهراء علیها السلام وابنتها زینب علیها السلام وإنما یحضر ویمنع من البئیة الإثاریة الجنسیة التی تهدم الاسرة وتفسد الأولاد فالشراع علی الدوام ینهی عن التبرج ونحوه ویأمر بالحجاب ولیس حبساً لها کما یصورها العلمانیون والحداثویون لأنهم نظروا إلی المرأة کجسد یتمتع بها ویأخذ منه اللذات ولم یرع فیها الجانب الروحی والفکری بخلاف نظرة الشارع لها وللمجتمع فهو یقیها وینشلها من البیئة الجنسیة الهدامة التی همها الإنفلاتی الارتباط ببدنها وجمالها بل یراعی بدنها ویوفر له الأمان أولًا وثانیا لا یحصر دورها بالارتباطات البدنیة بل یقیّمها بالارتباط

ص:346

العلمی... فالشارع یرفعها عن الانزلاق فی البیئة المثیرة الجنسیة الهدامة ویقرر ویثبت البیئة النظیفة الطاهرة.

وقوله علیه السلام: «رأیهن إلی أفن» مضمون الطائفة الثالثة، وهذه الخطابات إلی الرجل فهو المولی علیها والقائم بشؤونها، وهو مضمون الطائفة الرابعة وکذا قوله علیه السلام: «و لا تملک من أمرها ما یجاوز نفسها».

66 - مصحح یونس بن یعقوب، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «ملعونة ملعونة امرأة تؤذی زوجها وتغمه، وسعیدة سعیدة امرأة تکرم زوجها ولا تؤذیه وتطیعه فی جمیع أحواله» (1) . ومفاده من الطائفة الرابعة:

67 - روایة الکراجکی: من کلام أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه وآله) فی ذکر النساء: «إیاک ومشاورة النساء إلا من جربت بکمال عقلها فإن رأیهن یجر إلی الأفن وعزمهن إلی وهن وقصر علیهن أجنحتهن فهو خیر لهن ولیس خروجهن باشد علیک من دخول من لا یوثق به علیهن وان استطعت ان لا یعرفن غیرک فافعل لا تملک المراة امرها ما یجاوز نفسها فإن ذلک أنعم لبالها وبالک وإنما المراة ریحانة ولیست بقهرمانة ولا تطعها ان تشفع لغیرها ولا تطیلن الخلوة مع النساء فیمللنک وتملهن واستبق من نفسک بقیة وإیاک والتغایر فی غیر موضع غیره فإن ذلک یدعو الصحیحة إلی السقم وان رأیت منهن ریبة

ص:347


1- (1) کنز الفوائد (للکراجکی): ص 63.

فعجل النکیر وأقل الغضب علیهن الا فی عیب أو ذنب».

وقال: «لا تطلعوا النساء علی حال ولا تأمنوهن علی مال ولا تثقوا بهن فی الفعال فإنهن لا عهد لهن عند عامدهن ولا ورع لهن عند حاجتهن ولا دین لهن عند شهوتهن یحفظن الشر وینسین الخیر فالطفوا لهن علی کل حال لعلهن یحسن الفعال» (1).

والاستثناء بقوله: «إلا فی عیب أو ذنب» دال علی عدم امتناع تکامل المرأة رغم أن طبیعتها فی الخلقة الاولیة مفطورة لوظائفها الخاصة فی التربیة وخدمة الاسرة داخلیاً.

68 - روایة محمد بن مسلم، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: أوصانی جبرئیل علیه السلام بالمرأة حتی ظننت أنه لا ینبغی طلاقها إلا من فاحشة مبینة»(2).

فالطلاق الذی بید الرجل فرع تملک أمرها.

69 - روایة شهاب بن عبد ربه قال: قلت له: ما حق المرأة علی زوجها؟ قال: «یسد جوعتها ویستر عورتها ولا یقبح لها وجها فإذا فعل ذلک فقد والله أدی إلیها حقها». قلت: فالدهن؟ قال: «غبا یوما ویوما لا». قال: قلت: فاللحم؟ قال: «فی کل ثلاثة أیام مرة، فی الشهر

ص:348


1- (1) کنز الفوائد: ص 66.
2- (2) الکافی: ج 5 باب حق المرأة علی الزوج، ص 512 ح 6.

عشر مرات لا أکثر من ذلک»، قلت: فالصغ؟ قال: «فی کل ستة أشهر، ویکسوها فی کل سنة أربعة أثواب ثوبین للشتاء وثوبین للصیف، ولا ینبغی أن تقفر بیتک من ثلاثة أشیاء: الخل والزیت ودهن الرأس، وقوتهن بالمد فانی أقوت عیالی بالمد، ولیقدر کل انسان منهم قوته فان شاء اکله وان شاء وهبه وان شاء تصدق به، ولا یکون فاکهة عامة إلا أطعم عیاله منها، ولا یدع أن یکون للعیدین من عیدهم فضلا من الطعام ان ینیلهم من ذلک شیئا لا ینیلهم فی سائر الأیام»(1).

ومفاده تولیه شأن المرأة، وهذه تصب فی مفاد الطائفة الرابعة وهی ولایة الرجل علی المرأة.

وقد أورد المجلسی قدس سره باباً تحت عنوان (جوامع احکام النساء ونوادرها) وذکر أخباراً، منها:

70 - روایة جابر بن یزید الجعفی قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علی الباقر علیهم السلام یقول: «لیس علی النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة، ولا جماعة، ولا عیادة المریض، ولا اتباع الجنائز، ولا إجهار بالتلبیة، ولا الهرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر الأسود، ولا دخول الکعبة، ولا الحلق إنما یقصرن من شعورهن، ولا تولی المرأة القضاء، ولا تولی الامارة، ولا تستشار، ولا تذبح إلا من اضطرار، وتبدء فی

ص:349


1- (1) تهذیب الأحکام: ج 7 ص 457-458 ح 38.

الوضوء بباطن الذراع والرجل بظاهره، ولا تمسح کما یمسح الرجال بل علیها أن تلقی الخمار من موضع مسح رأسها فی صلاة الغداة والمغرب، وتمسح علیه وفی سائر الصلوات تدخل إصبعها فتمسح علی رأسها من غیر أن تلقی عنها خمارها فإذا قامت فی صلاتها ضمت رجلیها ووضعت یدیها علی صدرها، وتضع یدیها فی رکوعها علی فخذیها، وتجلس إذا أرادت السجود سجدت لاطئة بالأرض، وإذا رفعت رأسها من السجود جلست ثم نهضت إلی القیام، وإذا قعدت للتشهد رفعت رجلیها وضمت فخذیها، وإذا سبحت عقدت بالأنامل لأنهن مسؤولات، وإذا کانت لها إلی الله عز وجل حاجة صعدت فوق بیتها وصلت رکعتین وکشفت رأسها إلی السماء فإنها إذا فعلت ذلک استجاب الله لها ولم یخبها، ولیس علیها غسل الجمعة فی السفر، ولا یجوز لها ترکه فی الحضر، ولا یجوز شهادة النساء فی شئ فی الحدود، ولا یجوز شهادتهن فی الطلاق، ولا فی رؤیة الهلال، وتجوز شهادتهن فیما لا یحل للرجل النظر إلیه، ولیس للنساء من سروات الطریق شیء ولهن جنبتاه، ولا یجوز لهن نزول الغرف، ولا تعلم الکتابة، ویستحب لهن تعلم المغزل، وسورة النور، ویکره لهن تعلم سورة یوسف، وإذا ارتدت المرأة عن الاسلام استتیبت، فإن تابت وإلا خلدت فی السجن، ولا تقتل کما یقتل الرجل إذا ارتد، ولکنها تستخدم خدمة شدیدة، وتمنع من الطعام والشراب إلا ما تمسک به نفسها، ولا تطعم إلا جشب

ص:350

الطعام ولا تکسی إلا غلیظ الثیاب وخشنها، وتضرب علی الصلاة والصیام، ولا جزیة علی النساء، وإذا حضر ولادة المرأة وجب إخراج من فی البیت من النساء کیلا یکن أول ناظر إلی عورتها، ولا یجوز للمرأة الحائض ولا الجنب الحضور عند تلقین المیت لان الملائکة تتأذی بهما، ولا یجوز لهما إدخال المیت قبره، وإذا قامت المرأة من مجلسها فلا یجوز للرجل أن یجلس فیه حتی یبرد، وجهاد المرأة حسن التبعل وأعظم الناس حقا علیها زوجها، وأحق الناس بالصلاة علیها إذا ماتت زوجها، ولا یجوز للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة والنصرانیة، لأنهن یصفن ذلک لأزواجهن، ولا یجوز لها أن تتطیب إذا خرجت من بیتها، ولا یجوز لها أن تتشبه بالرجال لان رسول الله صلی الله علیه وآله لعن المتشبهین من الرجال بالنساء ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، ولا یجوز للمرأة أن تعطل نفسها ولو أن تعلق فی عنقها خیطا، ولا یجوز أن تری أظافیرها بیضاء، ولو أن تمسحها بالحناء مسحا، ولا تخضب یدیها فی حیضها لأنه یخاف علیها الشیطان، وإذا أرادت المرأة الحاجة وهی فی صلاتها صفقت بیدیها والرجل یومی برأسه وهو فی صلاته ویشیر بیده ویسبح، ولا یجوز للمرأة أن تصلی بغیر خمار إلا أن تکون أمة فإنها تصلی بغیر خمار مکشوفة الرأس، ویجوز للمرأة لبس الدیباج والحریر فی غیر صلاة وإحرام، وحرم ذلک علی الرجال إلا فی الجهاد، ویجوز أن تتختم بالذهب وتصلی فیه، وحرم

ص:351

ذلک علی الرجال [إلا فی الجهاد]، قال النبی صلی الله علیه وآله: (یا علی لا تتختم بالذهب فإنه زینتک فی الجنة، ولا تلبس الحریر فإنه لباسک فی الجنة)، ولا یجوز للمرأة فی مالها عتق ولا بر إلا بإذن زوجها، ولا یجوز لها أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا یجوز للمرأة ان تصافح غیر ذی محرم إلا من وراء ثوبها، ولا تبایع إلا من وراء ثوبها، ولا یجوز أن تحج تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا یجوز للمرأة أن تدخل الحمام فان ذلک محرم علیها، ولا یجوز للمرأة رکوب السرج إلا من ضرورة، أو فی سفر، ومیراث المرأة نصف میراث الرجل، ودیتها نصف دیة الرجل وتقابل المرأة الرجل فی الجراحات حتی تبلغ ثلث الدیة فإذا زادت علی الثلث ارتفع الرجل وسفلت المرأة، وإذا صلت المرأة وحدها مع الرجل قامت خلفه ولم تقم بجنبه، وإذا ماتت المرأة وقف المصلی علیها عند صدرها ومن الرجل إذا صلی علیه عند رأسه، وإذا دخلت المرأة القبر وقف زوجها فی موضع یتناول ورکها، ولا شفیع للمرأة أنجح عند ربها من رضا زوجها، ولما ماتت فاطمة علیها السلام قام علیها أمیر المؤمنین علیه السلام وقال: (اللهم إنی راض عن ابنة نبیک، اللهم إنها قد أوحشت فأنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فاحکم لها وأنت خیر الحاکمین)» (1).

فقوله: «و لا تولی القضاء ولا تستشار» صریح فی المطلوب وهی

ص:352


1- (1) الخصال: ص 585 ح 12.

من الطائفة الرابعة والمقصود بالمشاورة لیس مطلق المشورة بل المشورة فی المواضع التی تحتاج إلی صلابة وجرأة وشجاعة وذلک لضعفها وعدم حزمها، نعم لو جربت وعرف فهمها ودقتها فلا مانع من الاسشتارة ففی الاخبار أن النبی صلی الله علیه وآله کان یستشیر خدیجة علیها السلام فی أمور مهمة فی الإسلام وقبوله مشورة أم سلمة علیها السلام فی قضیة عصیان وتمرد الصحابة فی صلح الحدیبیة فی حلق الرؤوس والتحلل من إحرام العمرة... ونفس الاستشارة من المعصوم لا یدل علی نقص فیه کما حققناه فی موراد کثیرة....

ویوجد فی هذا الخبر عدة سنن منها ما هو بلسان الطائفة الثالثة کقوله: «و لا تجوز شهادة النساء فی شئ من الحدود ولا یجوز شهادتهن فی الطلاق، ولا فی رؤیة الهلال».

ومنها بلسان الطائفة الرابعة کقوله: «وجهاد المرأة حسن التبعل وأعظم الناس حقا علیها زوجها، وأحق الناس بالصلاة علیها إذا ماتت زوجها»(1). وقوله: «و لا یجوز للمرأة فی مالها عتق ولا بر إلا بإذن زوجها، ولا یجوز أن تخرج من بیتها إلا بإذن زوجها، ولا یجوز لها أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها»(2).

ومنها بلسان الطائفة الثانیة کقوله علیه السلام: «و لا یجوز للمرأة أن

ص:353


1- (1) الکافی: ج 5، ص 507.
2- (2) وسائل الشیعة: ج 20، ص 222.

تصافح غیر ذی محرم إلا من وراء ثوبها، ولا تبایع إلا من وراء ثوبها، ولا یجوز لها أن تحج تطوعا إلا بإذن زوجها» (1).

71 - ما رواه الصدوق، عن أنس بن محمد أبی مالک، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده، عن علی بن أبی طالب علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه وآله أنه قال فی وصیته له: «یا علی، لیس علی النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا عیادة مریض، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بین الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولی القضاء، ولا تستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهر بالتلبیة، ولا تقیم عند قبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولی التزویج، ولا تخرج من بیت زوجها إلا بإذنه، فإن خرجت بغیر إذنه لعنها الله وجبرئیل ومیکائیل ولا تعطی من بیت زوجها شیئا إلا بإذنه، ولا تبیت وزوجها علیها ساخط وإن کان ظالما لها»(2).

قوله علیه السلام: «ولا تولی القضاء، ولا تستشار» فإنه من لسان الطائفة الرابعة».

72 - منها ما فی تفسیر الإمام العسکری علیه السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی قوله (عز وجل): (فَإِنْ لَمْ یَکُونا رَجُلَیْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ) (3) قال:

ص:354


1- (1) وسائل الشیعة: ج 20، ص 222.
2- (2) الخصال: ص 511 ح 12.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 282.

«عُدلت امرأتان فی الشهادة برجل واحد، فإذا کان رجلان، أو رجل وامرأتان، أقاموا الشهادة قضی بشهادتهم. قال أمیر المؤمنین علیه السلام: کنا نحن مع رسول الله صلی الله علیه وآله وهو یذاکرنا بقوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِیدَیْنِ مِنْ رِجالِکُمْ) ، قال: أحرارکم دون عبیدکم فان الله تعالی قد شغل العبید بخدمة موالیهم عن تحمل الشهادات وعن أدائها، ولیکونوا من المسلمین منکم فان الله (عز وجل) إنما شرف المسلمین العدول بقبول شهاداتهم، وجعل ذلک من الشرف العاجل لهم، ومن ثواب دنیاهم قبل أن یصلوا إلی الآخرة إذ جاءت امرأة، فوقفت قبالة رسول الله علیه السلام وقالت: بأبی أنت وأمی یا رسول، الله أنا وافدة النساء إلیک، ما من امرأة یبلغها مسیری هذا إلیک إلا سرها ذلک، یا رسول الله، إن الله (عز وجل) رب الرجال والنساء، وخالق الرجال والنساء، ورازق الرجال والنساء، وإن آدم أبو الرجال والنساء، وإن حواء أم الرجال والنساء، وإنک رسول الله إلی الرجال والنساء. فما بال امرأتین برجل فی الشهادة والمیراث؟ فقال رسول الله علیه السلام: یا أیتها المرأة إن ذلک قضاء من ملک عدل، حکیم لا یجور، ولا یحیف، ولا یتحامل، لا ینفعه ما منعکن، ولا ینقصه ما بذل لکن، یدبر الامر بعلمه، یا أیتها المرأة لأنکن ناقصات الدین والعقل. قالت: یا رسول الله وما نقصان دیننا؟ قال: إن إحداکن تقعد نصف دهرها لا تصلی بحیضة، وإنکن تکثرن اللعن، وتکفرن النعمة تمکث إحداکن عند الرجل عشر سنین

ص:355

فصاعدا یحسن إلیها، وینعم علیها، فإذا ضاقت یده یوما، أو خاصمها قالت له: ما رأیت منک خیرا قط. فمن لم یکن من النساء هذا خلقها فالذی یصیبها من هذا النقصان محنة علیها لتصبر فیعظم الله ثوابها، فأبشری...» (1).

وهذا التفسیر معتمد عندنا اجمالًا، ومفاد هذه الروایة هو اعتبار تکامل طبیعة المرأة بالرجل فهی مندرجة فی الطائفة الرابعة.

73 - روایة عبد الله بن سلیمان، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام: لیأتین علی الناس زمان یظرف فیه الفاجر ویقرب فیه الماجن ویضعف فیه المنصف، قال: فقیل له: متی ذاک یا أمیر المؤمنین؟ فقال: إذا اتخذت الأمانة مغنماً. والزکاة مغرماً. والعبادة استطالة. والصلة منا، قال: فقیل: متی ذلک یا أمیر المؤمنین؟ فقال: إذا تسلطن النساء وسلطن الإماء وأمر الصبیان»(2).

وهذا ظاهر فی الطائفة الرابعة من ذم تولی المرأة وسلطنتها.

74 - صحیحة حمران، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «فإذا رأیت الحق قد مات وذهب أهله، ورأیت الجور قد شمل البلاد، ورأیت القرآن قد خلق واحدث فیه ما لیس فیه ووجه علی الأهواء، ورأیت النساء وقد

ص:356


1- (1) تفسیر الإمام العسکری علیه السلام: ص 658-659 ح 374.
2- (2) الکافی: ج 8 ص 69 ح 25.

غلبن علی الملک وغلبن علی کل أمر لا یؤتی إلا ما لهن فیه هوی» (1).

فهذا من لسان الطائفة الرابعة وهو ذم غلبة النساء«علی الملک» وأیضا اللسان الثالث وهو قوله: «لا یؤتی إلا ما لهن فیه هوی» یعنی رأیهن تابع للشهوة والعاطفة لا للحذر والجزم. ومثلها الروایة الآتیة:

75 - روایة عطا بن أبی رباح، عن عبد الله بن عباس قال: حججنا مع رسول الله صلی الله علیه وآله حجة الوداع فأخذ بحلقة باب الکعبة ثم أقبل علینا بوجهه فقال: «ألا أخبرکم بأشراط الساعة؟»، وکان أدنی الناس منه یومئذ سلمان رحمه الله، فقال: بلی یا رسول الله، فقال صلی الله علیه وآله: «إن من اشراط القیامة إضاعة الصلوات واتباع الشهوات، والمیل إلی الأهواء وتعظیم أصحاب المال، وبیع الدین بالدنیا، فعندها یذوب قلب المؤمن فی جوفه کما یذاب الملح فی الماء مما یری من المنکر فلا یستطیع أن یغیره»، قال سلمان وإن هذا لکائن یا رسول الله؟ قال إی والذی نفسی بیده - إلی قوله - یا سلمان، فعندها تکون امارة النساء ومشاورة الإماء وقعود الصبیان علی المنابر...»(2).

وتوجد أخبار کثیرة ومستفیضة بهذه المضامین فالقول بعدم صحة السند إما للغفلة عن استفاضتها بل لا یکون مجازفا من ادعی تواترها مع وجود الصحاح أو للغفلة عن دلالة النص القرآنی

ص:357


1- (1) الکافی: ج 8 ص 36 ح 7.
2- (2) تفسیر القمی: ج 2 ص 303.

بمضمون هذه الطوائف الست.

والأخبار کثیرة موزعة فی الأبواب، ومن تلک: ما جاء فی أبواب مقدمات النکاح.

76 - معتبرة محمد بن سنان قال: إن أبا الحسن علی بن موسی الرضا علیه السلام کتب إلیه فیما کتب من جواب مسائله قال: «علة المهر ووجوبه علی الرجال ولا یجب علی النساء أن یعطین أزواجهن، قال: لان علی الرجال مؤنة المرأة، لأن المرأة بایعة نفسها، والرجل مشتری، ولا یکون البیع بلا ثمن ولا شراء بغیر اعطاء الثمن مع النساء محظورات عن التعامل والمتجر مع علل کثیرة»(1).

وکون المرأة بایعة نفسها هو لسان الطائفة الرابعة بأن له الولایة علیها ویمتلک بعض شؤون المرأة، وقوله مع أن النساء محظورات عن التعامل والمتجر هو اللسان الثانی وهو الحجاب والقرار فی البیوت.

77 - مرسلة یعقوب بن یزید، عن رجل من أصحابنا (یکنی أبا عبدالله)، رفعه إلی أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام: فی خلاف النساء البرکة»(2).

فما تبدیه المرأة من آراء - باعتبار ما فیها من العواطف - مشوب

ص:358


1- (1) علل الشرائع: ج 2 ص 500، ورواه عنه فی عیون أخبار الرضا بأکثر من طریق.
2- (2) الکافی: ج 5 باب التستر، ص 517 ح 9.

بالضعف والعجز.

78 - وبالاسناد المتقدم أیضاً عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام: کل امرء تدبره امرأة فهو ملعون»(1).

ومفادها نفی تولیتة المرأة أمر الرجل، فکیف بتولیتها أمر الرجال؟!

79 - صحیحة معاویة بن عمار، عن الحسن بن عبد الله عن آبائه عن جده الحسن بن علی بن أبی طالب علیهم السلام قال: «جاء نفر من الیهود إلی رسول الله صلی الله علیه وآله فسأله اعلمهم عن مسائل، فکان فیما سأله ان قال له: ما فضل الرجال علی النساء؟ فقال النبی صلی الله علیه وآله: کفضل السماء علی الأرض، وکفضل الماء علی الأرض، فالماء یحیی الأرض، وبالرجال تحیی النساء لولا الرجال ما خلقت النساء یقول الله (عز وجل): (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَی النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) ، قال الیهودی: لأی شئیء کان هکذا؟ فقال النبی صلی الله علیه وآله: خلق الله تعالی آدم من طین، ومن فضلته وبقیته خلقت حواء، وأول من أطاع النساء آدم، فأنزله الله تعالی من الجنة، وقد بین فضل الرجال علی النساء فی الدنیا ألا تری إلی النساء کیف یحضن ولا یمکنهن العبادة من القذارة والرجال لا یصیبهم شیء من الطمث، قال

ص:359


1- (1) الکافی: ج 5 باب التستر، ص 517 ح 10.

الیهودی: صدقت یا محمد» (1).

ففی الروایة دلالة واضحة علی أن النساء لا تطاع ولاویة لها علی الرجل وهی تندرج فی الطائفة الربعة وهی تبین الوجه فی کون الرجل قوام علی المرأة وهی العلة التکونیة وهی کونها مخلوقة من الرجل.

80 - قول أمیر المؤمنین علیه السلام: «یأتی علی الناس زمان لا یقرب فیه إلا الماحل، ولا یظرف فیه إلا الفاجر، ولا یضعف فیه إلا المنصف، یعدون الصدقة فیه غرما، وصلة الرحم منا، والعبادة استطالة علی الناس، فعند ذلک یکون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبیان وتدبیر الخصیان»(2).

ومن الاخبار التی یستدل بها علی المطلوب مباشرة: أخبار عدم امامة المرأة فی الصلاة، فإنها وإن کانت من المناصب الیسیرة إلا أنهاتدل علی أن الرجل یؤم المرأة وهی لا تؤمه ففیه بیان القوامیة وأن المرأة لا یمکن أن تکون فی عرض الرجل.

وأیضا یستدل بالاخبار الدالة علی قصور المرأة عن ولایة الصبی والمجنون، فکیف بالولایة العظمی؟! فهذه کأصول مسلّمة فی عدم امامة المرأة للرجل.

ص:360


1- (1) علل الشرائع: ج 2 ص 512 ح 1.
2- (2) نهج البلاغة ص 22 الخطبة 102.

هذا مضافا إلی الروایات الدالة بالنص علی المطلوب.

روایات ضعف المرأة المعبر عنها بالطائفة الأولی:

ومن هذه الطائفة اخبار غیرة النساء وحسدها، وقد عقد لها الشیخ الکلینی قدس سره بابا مستقلًا، منها:

1 - مرسلة یوسف بن حماد: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبی عبد الله، عن محمد بن الحسن، عن یوسف بن حماد، عمن ذکره، عن جابر قال: قال أبو جعفر علیه السلام: «غیرة النساء الحسد والحسد هو أصل الکفر، إن النساء إذا غرن غضبن وإذا غضبن کفرن إلا المسلمات منهن»(1).

ودلالتها بتقریب عدم توازن قرار رأیها لنشوّه من هیجان العاطفة المنافی لشأن التوازن المطلوب فی الولایة.

2 - مرسلة عثمان بن عیسی عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لیس الغیرة إلا للرجال وأما النساء فإنما ذلک منهن حسد والغیرة للرجال ولذلک حرم الله علی النساء إلا زوجها وأحل للرجال أربعا وإن الله أکرم أن یبتلیهن بالغیرة ویحل للرجال معها ثلاثا»(2).

وهذه الاخبار تدل اجمالًا علی بیان فسلجة وطبیعة المرأة بنقص

ص:361


1- (1) الکافی: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 4.
2- (2) المصدر نفسه، ص 504 ح 1.

عقلها بسبب هیجان العواطف والغرائز ولیس هذا بذم کما تقدم مرارا وتکرارا بل بیان حالها من عدم التوازن فی العاطفة ولهذا تخرج عن ضبط العقلاء انفسهم.

3 - مرفوعة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «بینا رسول الله صلی الله علیه وآله قاعد إذ جاءت امرأة عریانه حتی قامت بین یدیه، فقالت: یا رسول الله إنی فجرت فطهرنی قال: وجاء رجل یعد وفی إثرها وألقی علیها ثوبا، فقال: ما هی منک؟ فقال: صاحبتی یا رسول الله، خلوت بجاریتی فصنعت ما تری، فقال: ضمها إلیک، ثم قال: إن الغیراء لا تبصر أعلی الوادی من أسفله»(1).

وهذه الاخبار تبین ضعف المرأة فلم تخاطب بالغیرة کما خاطب الرجل ولم یجعل للمراة زوجاً إلا زوجها.

4 - معتبرة أبی بکر الحضرمی، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إن الله (عز وجل) لم یجعل الغیرة للنساء وإنما تغار المنکرات منهن، فأما المؤمنات فلا، إنما جعل الله الغیرة للرجال؛ لأنه أحل للرجال أربعا وما ملکت یمینه ولم یجعل للمرأة إلا زوجها، فإذا أرادت معه غیره کانت عند الله زانیة»، ورواه القاسم بن یحیی عن جده الحسن بن راشد عن أبی بکر الحضرمی عن أبی عبد الله علیه السلام إلا أنه قال: «فإن بغت معه

ص:362


1- (1) الکافی: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 3.

غیره» (1).

والجعل للرجل بمعنی تملّکه شأنهن بخلافهن وجعل الغیرة له بنفس المفاد.

5 - مصححة خالد القلانسی قال: ذکر رجل لأبی عبد الله علیه السلام امرأته فأحسن علیها الثناء فقال له أبو عبد الله علیه السلام: «أغَرْتَهَا؟» قال: لا، قال: «فأغرها»، فأغارها فثبتت، فقال لأبی عبد الله علیه السلام: إنی قد أغرتها فثبتت، فقال: «هی کما تقول»(2).

ومفاده أن حسن المرأة فی التسلیم للرجل لا التمرد علیه، فإن هذا الخبر یدل علی أن طبیعة المرأة هی الغیرة غیر المتّزنة وإن کان منشأ هذه الغیرة هو الحب کما جاء فی موثق اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: «المرأة تغار علی الرجل تؤذیه، قال: ذلک من الحب»(3).

حسد المرأة وحق الزوج علیها:

وقد عقد الشیح الکلینی قدس سره باباً آخر فی حسد المرأة وباباً فی حق الزوج علی المرأة، وهذه الطوائف من الاخبار لا تدل علی ذم المرأة وإنما تدل علی اختلاف الأدوار علی حسب اختلاف طبیعة کل من الرجل

ص:363


1- (1) الکافی: ج 5 باب غیر النساء، ص 505 ح 2.
2- (2) المصدر نفسه، ح 5.
3- (3) المصدر نفسه، ص 506 ح 6.

والمرأة. منها:

1 - صحیحة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «جاءت امرأة إلی النبی صلی الله علیه وآله فقالت: یا رسول الله، ماحق الزوج علی المرأة؟ فقال لها: أن تطیعه ولا تعصیه ولا تصدق من بیته إلا بإذنه ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن کانت علی ظهر قتب، ولا تخرج من بیتها إلا بإذنه وإن خرجت من بیتها بغیر إذنه لعنتها ملائکة السماء وملائکة الأرض وملائکة الغضب وملائکة الرحمة حتی ترجع إلی بیتها، فقالت: یا رسول الله من أعظم الناس حقا علی الرجل؟ قال والده، فقالت: یا رسول الله، من أعظم الناس حقا علی المرأة؟ قال: زوجها، قالت: فمالی علیه من الحق مثل ماله علی؟ قال: لا، ولا من کل مائة واحدة، قال: فقالت: والذی بعثک بالحق نبیا لا یملک رقبتی رجل أبدا»(1).

ومفاده جامع لأکثر مضامین الطوائف المتقدمة کما لا یخفی.

2 - معتبرة سعد بن أبی عمرو الجلاب قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «إیما امرأة باتت وزوجها علیها ساخط فی حق لم تقبل منها صلاة حتی یرضی عنها وأیما امرأة تطیبت لغیر زوجها لم تقبل منها صلاة حتی تغتسل من طیبها کغسلها من جنابتها»(2).

ص:364


1- (1) الکافی: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة، ص 506 ح 1.
2- (2) الکافی: ج 5 باب حق الزوج علی المرأة، ص 507 ح 2.

والمتأخرون یحملون هذه الاخبار علی الاستمتاع وأما المتقدمون فیحملونها علی حسن العشرة بما تداریه وکذا الرجل مأمور بحسن العشرة لها مع الحفاظ علی قیمومته الاداریة للأمر.

مدارة المرأة:

وقد عقد الکلینی قدس سره فی الکافی بابا فی مداراة الزوجة، منها:

1 - موثقة أو صحیحة اسحاق بن عمار - علی الاختلاف فی الصیرفی الامامی أو السباطی الفطحی - عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن ترکته انتفعت به وإن أقمته کسرته. وفی حدیث آخر: استمتعت به»(1).

ولیس المراد الذم والاستنقاص من المرأة بل بیان هندسة المرأة وطبیعتها من أنها مشتملة علی تجاذبات متعاکسة.

2 - روایة محمد الواسطی قال: قال أبو عبدالله علیه السلام: «إن إبراهیم علیه السلام شکا إلی الله (عز وجل) ما یلقی من سوء خلق سارة، فأوحی الله تعالی إلیه: إنما مثل المرأة مثل الضلع المعوج إن أقمته کسرته وإن ترکته استمتعت به، اصبر علیها» (2).

ص:365


1- (1) الکافی: ج 5 باب مداراة الزوجة، ص 513 ح 1.
2- (2) الکافی: ج 5 باب مداراة الزوجة، ص 513 ح 2.

فالمقصود أن المرأة طبیعتها وفسلجتها التکوینیة لها تداعیات سلبیة وتجاذبات متعددة فإذا استطاع الزوج أن یتفادی هذه التداعیات السلبیة یستطیع أن یحصل علی التوفیق بین تلک الجهات والجانب الایجابی فی المرأة، وهذا مثل قوله: «شر لابد منه» أی نقصها لابد منه لیکمل الرجل ما عنده من الجانب العاطفی فلابد منه لأن المرأة عنصر ضروری وکمال للرجل إلا أنها تحوی علی نقائص فالمراد من الاعوجاج هو الخاصیات الایجابیة فی المرأة لها تداعیات سلبیة فتستغل من أجل عاطفیتها وتستثمر من قبل الشیطان ومن قبل أصحاب الاغراض السیئة کاصحاب الشرکات الدعائیة والافلام وغیرها فتستعمل المرأة کطعم وسلعة تروّج بها بضاعتها وترویج ثقافات الدول وسیاساتها ذلک لسبب ما للمرأة من جذابیة من جهة بدنها وروحها وعطفها وحنانها... فالقرآن والتشریع الاسلامی لا یستغل جانب الشر وإنما ینبه علیه ویحذر منه فینبه المرأة ویحذرها لکی لا تنساق مع تلک التداعیات ولهذا بیَّن طبیعة المرأة حتی بالنسبة إلی طبیعة سارة تلک المرأة التی هی زوجة نبی ومن بنات الانبیاء وأم الانبیاء.

وهذه الطائفة تندرج فی الطائفة الأولی من کون المرأة ضعیفة لابد من مراعاتها.

3 - معتبرة اسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «من

ص:366

أخلاق الأنبیاء (صلی الله علیهم) حب النساء» (1).

4 - روایة عمر بن یزید، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «ما أظن رجلا یزداد فی هذا الامر خیرا إلا ازداد حبا للنساء»(2).

5 - روایة حفص البحتری، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «ما أحب من دنیاکم إلا النساء والطیب»(3).

6 - روایة الراوندی: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «أعطینا أهل البیت سبعة لم یعطهن أحد کان قبلنا ولا یعطاهن أحد بعدنا: الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والعلم والحلم والمحبة للنساء»(4).

7 - فی الجعفریات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثنی موسی قال: حدثنا أبی، عن أبیه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده علی بن الحسین، عن أبیه، عن علی علیهم السلام، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: کلما ازداد العبد إیمانا، ازداد حبا للنساء»(5).

8 - وبالاسناد المتقدم قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: أعطینا أهل البیت سبعة لم یعطهن أحد قبلنا ولا یعطاها أحد بعدنا: الصباحة، والفصاحة

ص:367


1- (1) الکافی: ج 5 باب حب النساء، ص 320 ح 1.
2- (2) المصدر نفسه، ح 5.
3- (3) المصدر نفسه، ص 321 ح 6.
4- (4) النوادر: ص 123.
5- (5) مستدرک الوسائل: ج 14 ص 157 ح 1.

والسماحة، والشجاعة، والحلم، والعلم، والمحبة من النساء» (1).

9 - قول أمیر المؤمنین علیه السلام قال: «المرأة عقرب حلوة اللبسة»(2).

وهی تدل علی أن المرأة فیها نزعات لابد من أن یحذر منها ویجب علیها أن تحذر من نفسها لئلا تستثمر فی غیر الخیر.

قلة الصلاح فی المرأة:

وقد عقد الکلینی قدس سره باباً آخر تحت عنوان قلة الصلاح فی النساء، وهذه الطائفة من الروایات تندرج فی الطائفة الاولی التی تبین جهات ضعف فی المرأة، منها:

1 - روایة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «الناجی من الرجال قلیل ومن النساء أقل وأقل، قیل: ولم یا رسول الله؟ قال: لأنهن کافرات الغضب مؤمنات الرضا»(3).

أی حین الغضب یکفرن وحین الرضا یؤمنًّ إذ عند الغضب ینکرن حق الله أو حق الزوج فهن عند الغضب لایمسکن انفسهن اندفاعیات علی الدوام، وهذا یدل علی عدم تماسک المرأة نتیجة الجانب العاطفی.

ص:368


1- (1) المصدر نفسه، ح 2.
2- (2) نهج البلاغة، الخطبة ح 61.
3- (3) الکافی: ج 5 باب قلة الصلاح فی النساء، ص 514 ح 1.

2 - معتبرة سعد الجلاب، عن أبی عبدالله علیه السلام أنه قال لامرأة سعد: «هنیئا لک یا خنساء، فلو لم یعطک الله شیئا إلا ابنتک أم الحسین لقد أعطاک الله خیرا کثیرا، إنما مثل المرأة الصالحة فی النساء کمثل الغراب الأعصم فی الغربان وهو الأبیض إحدی الرجلین»(1).

وهو یدل علی الأقلة وأن تکامل المرأة لیس ممتنعاً بل صعباً.

3 - صحیحة حفص البختری، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «مثل المرأة المؤمنة مثل الشامة فی الثور الأسود»(2).

وهو یدل علی قلة الصلاح الکامل فی النساء.

4 - معتبرة محمد بن مسلم، عن أبی جعفر علیه السلام: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «إنما مثل المرأة الصالحة الغراب الأعصم الذی لا یکاد یقدر علیه، قیل: وما الغراب الأعصم الذی لا یکاد یقدر علیه؟ قال: الأبیض إحدی رجلیه»(3).

5 - مرسلة الواسطی، عن أبی جعفر علیه السلام: «إن المرأة إذا کبرت ذهب خیر شطریها وبقی شرهما، ذهب جمالها وعقم رحمها واحتد لسانها»(4).

ص:369


1- (1) المصدر نفسه، ص 515 ح 2.
2- (2) الکافی: ج 5 باب قلة الصلاح فی النساء، ص 515 ح 3.
3- (3) المصدر نفسه، ص 518 ح 4.
4- (4) المصدر نفسه، ح 6.

وهی تدل علی ضعف المرأة وعدم تماسکها وخصوصاً إذا کبرت.

6 - صحیحة عبد الله بن سنان، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: ذکر رسول الله صلی الله علیه وآله النساء فقال: «اعصوهن فی المعروف قبل أن یأمرنکم بالمنکر وتعوذوا بالله من شرارهن وکونوا من خیارهن علی حذر»(1).

و هذا اللسان یندرج فی الطائفة الأولی ویندرج فی طائفة شهادة المرأة نصف شهادة الرجل فإن هذا یدل علی ضعف قول المرأة وتصرفاتها وهذا لیس بذم وإنما هو لأجل بیان مواطن الضعف عند المرأة لکی تکون المرأة والرجل علی حذر.

تأدیب النساء:

عقد الکلینی قدس سره باباً بعنوان (تأدیب النساء) (2) ، وهو نوع من التعالیم للمرأة، وتندرج فی الطائفة الرابعة وتندرج فی الأولی باعتبار ضعف طبیعتها لدلاتها علی مواقع الضعف فی المرأة وکذا الطائفة الثانیة.

ترک طاعة النساء:

وقد عقد الشیخ الکلینی باباً فی ترک طاعتهن:

1 - منها موثق اسحاق بن عمار، قال: قلت لأبی الحسن علیه السلام

ص:370


1- (1) المصدر نفسه، ح 2.
2- (2) الکافی: ج 5 ص 515.

وسألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الاسلام فتقول لزوجها: أحجنی من مالی، أله أن یمنعها؟ قال: «نعم، ویقول: حقی علیک أعظم من حقک علی فی هذا»(1).

2 - وموثقة السکونی عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «من أطاع امرأته أکبه الله علی وجهه فی النار، قیل: وما تلک الطاعة؟ قال: تطلب منه الذهاب إلی الحمامات والعرسات والعیدات والنیاحات والثیاب الرقاق»(2).

فهذه الاخبار تبین أن لا طاعة للمرأة فی المعاصی - والنهی عن الطاعة فی المعاصی لا یدل علی سلب وعدم الطاعة إن لم یدل علی ثبوت الطاعة - ومفادها النهی عن طاعتها فی المعاصی ولا دلالة فیها علی النهی مطلقا لأن هذا اللسان ورد فی قوله تعالی فی طاعة الأبوین علی المعاصی: ولا تطعهما وقل لهما قولا معروفا.

3 - منها موثقة السکونی بإسناده قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «طاعة المرأة ندامة»(3).

وهذه الروایة مطلقة فلا تجعل لها الولایة. وهی أیضاً من الاخبار التی هی نص فی المطلوب.

ص:371


1- (1) الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 516 ح 1.
2- (2) الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 516 ح 3.
3- (3) المصدر نفسه، ح 4.

4 - مرسلة الحسین بن المختار - بارسالة خفیف - عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی کلام له: اتقوا شرار النساء وکونوا من خیارهن علی حذر وإن أمرنکم بالمعروف فخالفوهن کیلا یطمعن منکم فی المنکر»(1).

5 - مرفوعة أبی عبد الله علیه السلام قال: «ذکر عند أبی جعفر علیه السلام النساء فقال: لا تشاوروهن فی النجوی ولا تطیعوهن فی ذی قرابة»(2).

لأن النجوی إشارة إلی الأمور الخطیرة التی من شأنها أن تکتم فلا تشاور النساء فیها لأنهن تفشین السر ولا تمسکن ألسنتهن.

6 - مرفوعة المطلب بن زیاد، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «تعوذوا بالله من طالحات نسائکم وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف فیأمرنکم بالمنکر»(3).

7 - روایة سلمان بن خالد - وهی قابلة للاعتبار - قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: «إیاکم ومشاورة النساء فإن فیهن الضعف والوهن والعجز»(4).

8 - مرفوعة محمد بن یحیی قال: «کان رسول الله صلی الله علیه وآله إذا أراد

ص:372


1- (1) الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 517 ح 5.
2- (2) المصدر نفسه، ح 6.
3- (3) المصدر نفسه، ح 7.
4- (4) المصدر نفسه، ح 8.

الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن» (1).

و ذلک لأن موطن الحرب مورد قوة وشدة لا یتناسب مع لیونة طبیعة المرأة.

9 - مرسلة عمرو بن عثمان، عن الصادق علیه السلام قال: «استعیذوا بالله من شرار نسائکم وکونوا من خیارهن علی حذر ولا تطیعوهن فی المعروف فیدعونکم إلی المنکر»، وقال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: النساء لا یشاورن فی النجوی ولا یطعن فی ذوی القربی، إن المرأة إذا أسنت ذهب خیر شطریها وبقی شرهما وذلک أنه یعقم رحمها ویسوء خلقها ویحتد لسانها وأن الرجل إذا أسن ذهب شر شطریه وبقی خیرهما وذلک أنه یؤوب عقله ویستحکم رأیه ویحسن خلقه»(2).

وبهذه الاخبار یتضح أن النهی عن استشارة المرأة مقیدة بالامور الخطیرة ویدل علیه قوله: «فی النجوی» أی الأمور التی تحتاج إلی الکتم والمواطن التی تتطلب القوة والشدة وهی الامور الخطیرة الهامة.

فهذا الباب یندرج فی الطائفة الاولی لدلالتها علی ضعف المرأة وفی الطائفة الثالثة وهی عدم الاعتداد بقولها خصوصاً فی الموارد الخطیرة والتی تتطلب قوة وشدة وذلک لأن هذه الموارد لیست من

ص:373


1- (1) الکافی: ج 5 باب ترک طاعتهن، ص 518 ح 11.
2- (2) المصدر نفسه، ح 12.

شؤونها ولا من طبیعتها بل هو خلاف طبیعتها.

10 - منها روایة غیاث بن إبراهیم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبیه، عن جده علیهم السلام، قال: «قال علی بن أبی طالب علیه السلام: عقول النساء فی جمالهن، وجمال الرجال فی عقولهم»(1).

هذا بیان الخاصیة فی طبیعة الجنسین وهو أن من خصوصة المرأة أن یکون إهتمامها فی الجمال فتجعل هذه الروایة فی الطائفة الأولی الدالة علی ضعف المرأة أو تضاف إلی الطائفة الثالثة من عدم متانة رأی المرأة فیما لها من عقل إلا أنها ترکزه فی جانب الجمال دون غیره.

11 - روایة الحسین بن علوان، جعفر الصادق، عن أبیه قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: اتقوا الله، اتقوا الله فی الضعیفین: الیتیم، والمرأة، فإن خیارکم خیارکم لأهله»(2).

ومفادها قصور المرأة علی حذو قصور الیتیم فی الولایة.

12 - موثقة سماعة - لورود علی بن السندی فیها، وهو وإن لم یرد فیه توثیق إلا أنه یمکن اعتباره - عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «اتقوا الله فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء»(3).

ص:374


1- (1) الأمالی (للصدوق): ص 298 ح 9.
2- (2) قرب الاسناد: ص 92 ح 306.
3- (3) الخصال: ص 37 ح 13.

وهذه الاخبار مرت عن الکافی وهی تندرج فی الطائفة الأولی بل یمکن من جهة القصور أن تندرج فی الطائفة الرابعة.

13 - معتبر الاصبغ بن نباته قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام: الفتن ثلاث: حب النساء وهو سیف الشیطان، وشرب الخمر وهو فخ الشیطان وحب الدینار والدرهم وهو سهم الشیطان، فمن أحب النساء لم ینتفع بعیشه، ومن أحب الأشربة حرمت علیه الجنة، ومن أحب الدینار والدرهم فهو عبد الدنیا، وقال: قال عیسی بن مریم علیه السلام: الدینار داء الدین، والعالم طبیب الدین فإذا رأیتم الطبیب یجر الداء إلی نفسه فاتهموه، واعملوا أنه غیر ناصح لغیره»(1).

وکیف یکون حب النساء هو سیف الشیطان مع أنه ورد عنه صلی الله علیه وآله: «حبب لی من دنیاکم ثلاث»(2) ، وورد: «کلما ازداد العبد إیماناً ازداد حباً للنساء»(3) وغیرها، فلیس مثل هذا مناقضاً لما تقدم وذلک لأن المقصود ان حب النساء سیف الشیطان هو ما کان من طریق الحرام وأما من طریق الحلال أو لأجله فهو من علامات الایمان ویمکن أن المراد بالحب هنا هو اتباع المرأة فی نزعاتها العاطفیة التی تکون صد له عن أهله وارحامه، وأما حبها لدفع الحرام عن نفسه فهو

ص:375


1- (1) الخصال: ص 113 ح 91.
2- (2) وسائل الشیعة: ج أبواب آداب الحمام والتنظیف، ب 89 ص 144 ح 12.
3- (3) المصدر نفسه، ب 3 ص 21-22 ح 1.

من الایمان والمقرب لله تعالی فهذا هو الجمع بین هذه الطوائف.

14 - مرفوعة البرقی الأب إلی أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «خمس من خمسة محال: النصیحة من الحاسد محال، والشفقة من العدو محال، والحرمة من الفاسق محال، والوفاء من المرأة محال، والهیبة من الفقیر محال»(1).

وهذه أیضاً تندرج فی الطائفة الأولی وهی بیان ضعف المرأة المنافی لقوة شخصیة الولی.

15 - موثقة السکونی، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله علیه السلام أو قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «النساء أربع: جامع مجمع وربیع مربع وکرب مقمع وغل قمل» (2).

وقال الصدوق قدس سره: «جامع مجمع» أی کثیر الخیر مخصبة، و «ربیع مربع» التی فی حجرها ولد وفی بطنها آخر، و «کرب مقمع» أی سیئة الخلق مع زوجها، و «غل قمل» أی هی عند زوجها کالغل القمل، وهو غل من جلد یقع فیه القمل فیأکله فلا یتهیأ أن یحل منه شیء، وهو مثل للعرب(3).

ص:376


1- (1) الخصال: ص 269 ح 5.
2- (2) الکافی: ج 5 باب أصناف النساء ص 322 ح 1.
3- (3) الخصال: ص 241-242 ح 92.

وهذه تدل علی أن النساء یستطعن أن یتغلبن علی تلک صفات ونزعات النقص التی یحملنها وتبلغ درجات الکمال.

وقد ذکر صاحب البحار باباً فی صفات النساء بحاره یبین دور المرأة فی الأسرة وتصنیف انماط النساء فجل ما فی هذا الباب یندرج فی الطائفة الأولی والثانیة فلا حاجة لاستعراضه وتفسیره وهو الباب الثالث من أبواب النساء.

16 - روایة مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبیه صلی الله علیه وآله قال: «إن الله (تبارک وتعالی) جعل للمرأة صبر عشرة رجال، فإذا حملت زادها قوة صبر عشرة رجال أخری»(1).

17 - منها موثقة اسحاق بن عمار - عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «سمعته یقول: إن الله (عز وجل) جعل للمرأة صبر عشرة رجال فإذا هاجت کان لها قوة عشرة رجال»(2).

و هذا بیان لجهات القوة فی المرأة تتمیز بها علی الرجل فإن هذه الاخبار تبین مدی تحمل المرأة وأنها أقوی من الرجل فی تحمل آلام البدن بل هی أقوی من عشرین رجل فإن الولادة والحمل شبیه بنزع الروح من شدته وأما مسألة الولادة بالسقوط - فما بالک بالاسقاط -

ص:377


1- (1) الخصال: ص 439 ح 31.
2- (2) الخصال: ص 439 ح 32.

کما یقال إنه یعادل عشر ولادات من شدته - لعن الله الظالمین لک یا فاطمة - لأنه ینزع من الجوف نزعا وقلعا، فهذه من الاخبار المادحة والمبینة لکمال من کمالات المرأة.

تکامل الرجل والمرأة بالآخر:

فالمرأة أعطیت قوة فی الدور الذی وظفت له بینما لم تعط القوة فی الادوار التی وظف لها الرجل کما أن الرجل عنده قوة فی الادارة التی وظف لها وهو ضعیف فی الأدوار التی وظفت لها المرأة.

ولا یخفی أن هذه القوة تدریجیة لا دفعیة ولنمثل لتنوع نماذج القوی فی الاصناف فإن سرعة النمر کما یقولون تقارب خمسین أو ستین کیلو متر فی الساعة ولکنها لا تستمر إلا دقائق وبعدها تنهار وتضعف وأما الجمل فإنه لا سرعة له ولکن له قوة علی تحمل قطع المسافات تدریجیة أقوی بکثیر من النمر فقوة النمر فی السرعة قوة وهی أقوی من الجمل ولکنها دفعیة. وأما الجمل فقوته الدفعیة ضعیفة إلا أن قوته التدریجیة أقوی بکثیر من النمر فکذا قوة المرأة علی تحمل المتاعب بالاستمرار والتدرج أقوی بکثیر من الرجل فإن قوة الرجل الدفعیة أقوی بکثیر من المرأة فکل بحسب فسلجته وطبیعته.

والبیانات الشرعیة تبین التوازن بین الرجل والمرأة وذلک لأن الشارع المقدس صاحب منظومة متکاملة ومتوازنة فلابد من النظر إلی

ص:378

جمیع الجوانب وعلیه فلیس من الصحیح النظر إلی جنبة واغفال الآخری.

18 - روایة عنبسة عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «فی کتاب علی علیه السلام الذی املی رسول الله صلی الله علیه وآله (إن کان الشوم فی شئ ففی النساء)»(1).

وهذه تندرج فی الطائفة الأولی وهی الضعف فالخوف یکون من جهة المرأة فهی نافذة من نوافذ تخویف وتهدید الرجل أی یمکن اختراقه والنفوذ إلی استهدافه من خلالها.

الطائفة الثالثة: ضعف الرأی:

1 - محسنة عبد الله بن سنان، عن أبی عبدالله علیه السلام: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: إن أول ما عصی الله (عز وجل) به ست: حب الدنیا، وحب الرئاسة وحب الطعام، وحب النوم، وحب الراحة، وحب النساء»(2).

والمراد من «حب النساء» هو ما یودی إلی المعصیة لا ما یودی إلی العفاف والطهارة فإنه زیادة فی الایمان.

2 - روایة أبی المجبر قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «أربع مفسدة للقلوب: الخلوة بالنساء، والاستماع منهن، والأخذ برأیهن، ومجالسة الموتی»، فقیل له: یا رسول الله وما مجالسة الموتی؟ قال: «مجالسة کل

ص:379


1- (1) بصائر الدرجات: ص 185 ح 15.
2- (2) الکافی ج 2 باب فی أصول الکفر وأرکانه ص 289 ح 3.

ضال عن الإیمان وجائر فی الأحکام» (1).

وهی تندرج فی الطائفة الأولی والثالثة وهی ضعف الرأی.

3 - منها موثقة سماعة - وعلی بن السندی وإن لم یرد فیه توثیق إلا أنه یمکن اعتباره - عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «اتقوا الله فی الضعیفین یعنی بذلک الیتیم والنساء»(2).

و هذا الخبر یندرج فی الطائفة الأولی - وهی ضعف المرأة - والثانیة والرابعة باعتبار أنها مولی علیها من الرجل.

4 - مصحح عمر بن یزید، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «جاءت امرأة من أهل البادیة إلی النبی صلی الله علیه وآله ومعها صبیان حاملة واحدا وآخر یمشی، فأعطاها النبی صلی الله علیه وآله قرصا ففلقته بینهما، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: الحاملات الرحیمات لولا کثرة لعبهن لدخلت مصلیاتهن الجنة»(3).

فإنها من الاخبار الدالة علی خصائص المرأة الایجابیة من کونها من ینابیع الرحمة.

5 - ما رواه فی مستطرفات السرائر: عن أبی عبد الله صلی الله علیه وآله قال: «کل من اشتد لنا حبا، اشتد للنساء حبا وللحلواء»(4).

ص:380


1- (1) الأمالی (للشیخ المفید): ص 315.
2- (2) الخصال: ص 37 ح 13.
3- (3) علل الشرائع: ج 2 ص 598 ح 47.
4- (4) السرائر: ص 635-636.

فحبها موجب للعفاف والطهارة وهو نوع من المدارة والحنان علیها.

6 - مرفوعة اسحاق بن عمار قال: «کان رسول الله صلی الله علیه وآله إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن»(1).

وهی تندرج فی الطائفة الثالثة الدالة علی ضعف رأیهن.

7 - معتبرة المحاربی، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال: «قال النبی صلی الله علیه وآله: ثلاث یحسن فیهن الکذب: المکیدة فی الحرب، وعدتک زوجتک، والاصلاح بین الناس. وثلاث یقبح فیهن الصدق: النمیمة، وإخبارک الرجل عن أهله بما یکرهه. وتکذیبک الرجل عن الخبر. قال: وثلاثة مجالستهم تمیت القلب: مجالسة الأنذال والحدیث مع النساء، ومجالسة الأغنیاء»(2).

و هذا لیس خاصا بالمرأة بل یشمل الاغنیاء والانذال فهذه الروایة تندرج فی الطائفة الثالثة بأن رأیها غیر حازم وأنها ذات انجذاب إلی الحرص المادی أیضا باعتبار أن کثرة الحدیث معهن تدخله الأمور العاطفیة حتی ینجر إلی شؤونها وخواصها من ضعف الرأی.

8 - موثق بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبیه صلی الله علیه وآله قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «أربع یُمتْن القلب: الذنب علی الذنب، وکثرة مناقشة

ص:381


1- (1) الکافی ج 5 باب التستر، ص 518 ح 11.
2- (2) الخصال: ص 87 ح 20.

النساء - یعنی محادثتهن - ومماراة الأحمق تقول ویقول ولا یرجع إلی خیر أبدا، ومجالسة الموتی، فقیل له: یا رسول الله صلی الله علیه وآله وما الموتی؟ قال کل غنی مترف. لا تخلو الأرض من أربعة من المؤمنین»(1).

9 - معتبرة عامر بن عبد الله قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: إن امرأتی تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم فی الاستطاعة وتری رأیهما؟ فقال: «ما للنساء وللرأی والقول لها (أو بهما أو بقولهما)، انهما لیسا بشیء فی ولایة، قال: فجئت إلی امرأتی فحدثتها، فرجعت عن ذلک القول»(2).

و هذا الخبر قابل للاعتبار وهو مما یندرج فی اللسان الثالث بعدم الاعتبار بقولها.

10 - موثقة مسعدة بن صدقة بن زیاد قال: سمعت أبا الحسن علیه السلام یقول لأبیه: «یا أبة، إن فلانا یرید الیمن، أفلا أزود ببضاعة لیشتری لی لها عصب الیمن؟ فقال له: یا بنی، لا تفعل. قال: ولم؟ قال: لأنها إن ذهبت لم تؤجر علیها ولم تخلف علیک، لان الله (تبارک وتعالی) یقول: (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ الَّتِی جَعَلَ اللّهُ لَکُمْ قِیاماً) فأی سفیه أسفه - بعد النساء - من شارب الخمر؟!»(3).

ص:382


1- (1) الخصال: ص 228 ح 65.
2- (2) اختیار معرفة الرجال: ج 1 ص 392 ح 282.
3- (3) قرب الاسناد: ص 314 ح 1222.

11 - موثقة السکونی، عن جعفر بن محمد، عن أبیه، عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «المرأة لا یوصی إلیها لأن الله تعالی یقول: (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ) ».

قال محمد بن الحسن: هذا الخبر محمول علی ضرب من الکراهیة

لأنا قد بینا فیما تقدم جواز الوصیة إلی النساء. أنتهی کلامه(1).

قال الشیخ الصدوق: وفی خبر آخر: سئل أبو جعفر علیه السلام عن قول الله (عز وجل): (وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ) قال: «لا تؤتوها شارب الخمر ولا النساء، ثم قال: وأی سفیه أسفه من شارب الخمر». قال: إنما یعنی کراهة اختیار المرأة للوصیة، فمن أوصی إلیها لزمها القیام بالوصیة علی ما تؤمر به ویوصی إلیها فیه إن شاء الله تعالی. أنتهی(2).

وهی محمولة علی الکراهة عند المشهور وإن عمل بظاهرها جماعة وعلی کلا التقدیرین فهی دالة علی المطلوب لأن الکراهة فی تولیتها الأمور الشخصیة یلزم منه الکراهة فی الأمور العامة.

12 - ما قاله الشیخ الحویزی: اختلف فی المعنی بالسفهاء علی أقوال، أحدها: انهم النساء والصبیان، رواه أبو الجارود عن أبی جعفر علیه السلام. وثالثها: انه عام فی کل سفیه من صبی أو مجنون أو محجور

ص:383


1- (1) تهذیب الأحکام: ج 9 ص 245-246 ح 953.
2- (2) من لا یحضره الفقیه: ج 4 ص 226 ح 5534.

علیه للتبذیر وقریب منه ما روی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «إن السفیه شارب الخمر، ومن جری مجراه»(1).

وهاتان الموثقتان تندرجان فی الطائفة الثالثة الدالة علی ضعف الرأی.

13 - ما فی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله(وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَکُمُ) قال: «فالسفهاء النساء والولد، إذا علم الرجل ان امرأته سفیهة مفسدة وولده سفیه مفسد لا ینبغی له یسلط واحدا منهما علی ماله الذی جعله الله له»(2).

و هذا بمقتضی سعة اطلاع الرجل وتجاربه وطبیعته وأما قوتها وحنکتها فدونه.

و هذا الخبر مسند فی الکافی إلا أنه مقتطع متنه وهو یدل علی أن ضعف الرأی من طبیعة الولد والمرأة إلا أن یزول عن الطفل بکبره وعن المرأة بکمالها.

14 - قول أمیر المؤمنین علیه السلام: «و إن النساء همهن زینة الحیاة الدنیا والفساد فیها»(3).

ص:384


1- (1) تفسیر نور الثقلین: ج 1 ص 442 ح 54.
2- (2) تفسیر القمی: ج 1 ص 131.
3- (3) نهج البلاغة، من الخطبة رقم 153 ص 43.

وقد تقدم أن هذا لیس بلسان ذم بل تحذیر لکی لا تقع النساء فی تداعیات سلبیة لطبیعتها.

15 - عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «و أما فلانة فأدرکها رأی النساء»(1).

16 - روایة الشیخ الطبرسی، عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «و أما عائشة فأدرکها رأی النساء، ولها بعد ذلک حرمتها الأولی والحساب علی الله یعفو عمن یشاء، ویعذب من یشاء»(2).

وهو یدل علی أن طبیعة النساء رأیهن ضعیف لا اعتبار به.

17 - عن أمیر المؤمنین علیه السلام: «ولا تهیجوا النساء بأذی وإن شتمن أعراضکم وسببن أمراءکم، فإنهن ضعیفات القوی والأنفس والعقول، إن کنا لنؤمر بالکف عنهن وإنهن لمشرکات. وإن کان الرجل لیتناول المرأة فی الجاهلیة بالفهر أو الهراوة فیعیر بها وعقبه من بعده»(3).

فإنه علیه السلام یعلل بأمور تکوینیة فی المرأة موجبة لمراعاتها، فالشارع المقدس یحذر تحذیراً شدیداً من الاعتداء الجسدی علی المرأة وإنما هو بالتسییس والتدبیر ومع ذلک یأمره بأن لایحکم صفات المرأة فی الأسرة والمجتمع فأنظر أی حمایة للمرأة وأی صیانیة لها وللمجتمع

ص:385


1- (1) نهج البلاغة، خطبة رقم 156 ج 2 ص 47 فی کلامه لأهل البصرة.
2- (2) الاحتجاج: ج 1 ص 248.
3- (3) نهج البلاغة، باب المختار من کتبه ورسائله، ج 3 ص 15 ح 14.

والتشریع الاسلامی ینظم کل ذلک لها مع ما مرّ منه صلی الله علیه وآله من بیان جهات النقص فإن الدین یحمل الزوج أعباء المرأة ونفقتها ویأمره بأن لا یتعدی علیها.

الطائفة الثانیة: الآمرة بالحجاب:
ستر المرأة:

1 - موثقة الصدوق بالاسناد قال قال علی علیه السلام: «للمرأة عشر عورات فإذا زوجت سترت لها عورة واحدة وإذا ماتت سترت عوراتها کلها»(1). وهذه تندرج فی الطائفة الثانیة أیضاً وقد مر أن العورة هنا لیس معناها الازدراء والقباحة بل هی مواضع الضعف والانتهاز من الآخرین لهاوفریسة لابد من الحفاظ علیها.

2 - موثقة السکونی عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «لا تنزلوا النساء بالغرف ولا تعلموهن الکتابة وعلموهن المغزل وسورة النور»(2).

والمراد ب (الغرف) أماکن الفتنة کما هو الحال فی الطابق الثانی من البناء للاستشراف، فهذه دالة علی مسألة الحجاب وان النساء موراد للفتنة الجنسیة.

ص:386


1- (1) عیون أخبار الرضا: ج 1 ص 42 ح 116.
2- (2) الکافی: ج 5 باب فی ترک طاعتهن، ص 516 ح 1.

3 - مرفوعة یعقوب بن سالم قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا تعلموا نساءکم سورة یوسف ولا تقرؤوهن إیاها فإن فیها الفتن وعلموهن سورة النور فإن فیها المواعظ»(1).

4 - روایة ابن القداح عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «نهی رسول الله صلی الله علیه وآله أن یرکب سرج بفرج»(2).

ومفاده فی محدودیة حرکة المرأة جسمانیاً.

5 - منها روایة الحارث الأعور قال: قال أمیر المؤمنین علیه السلام: «لا تحملوا الفروج علی السروج فتهیجوهن للفجور»(3).

وهذه تدل علی حرمة الاستمناء بالأولویة لکون النهی عن الرکوب للتهییج فما بلک بالاستمناء.

وهی دالة علی ولایة الرجل علی المرأة بسلطنته علیها بحیث لا یرکَّبها السروج فالروایة من الاخبار الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة إذ هو الذی یقوم بمنعها عن هذه الأمور وأن أمرها بیده.

6 - منها مرسلة ابن سنان عن أبی جعفر علیه السلام، قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «ما لإبلیس جند أعظم من النساء والغضب»(4).

ص:387


1- (1) الکافی: ج 5 باب فی ترک طاعتهن، ص 516 ح 2.
2- (2) المصدر نفسه، ح 3.
3- (3) المصدر نفسه، ح 4.
4- (4) الکافی: ج 5 باب فی ترک طاعتهن، ص 516 ح 5.

و هذا لیس بتنقیص للمرأة وإنما هو باعتبار ما لها من جذابیة فی جمال بدنها وصوتها وروحیتها من مصیدة قد تستغل ویوقع الشیطان الآخرین فهذه الاخبار من باب التحذیر وفهذا الخبر یندرج فی الطائفة الثانیة. وقد عقد الشیخ الکلینی باباً فی التستر، وهو موافق للطائفة الثانیة وهی الحجاب والعزلة، منها:

7 - صحیح الولید بن صبیح عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: لیس للنساء من سروات الطریق شیء ولکنها تمشی فی جانب الحائط والطریق»(1).

8 - صحیحة الولید بن صبیح، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: أی امرأة تطیبت ثم خرجت من بیتها فهی تلعن حتی ترجع. إلی بیتها متی ما رجعت»(2).

ومفادها النهی عن الخروج التبرجی لا مطلق الخروج حتی العبادی.

9 - موثق ابن بکیر عن رجل، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا ینبغی للمرأة أن تجمر ثوبها إذا خرجت من بیتها»(3).

10 - منها صحیحة هشام بن سالم، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قال

ص:388


1- (1) الکافی: ج 5 باب فی التستر، ص 518 ح 1.
2- (2) المصدر نفسه، ح 2.
3- (3) الکافی: ج 5 باب فی التستر، ص 519 ح 3.

رسول الله صلی الله علیه وآله: «لیس للنساء من سراة الطریق ولکن جنبیه»(1). ومعنی سراة: وسط.

11 - صحیحة حفص البحتری، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا ینبغی للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة والنصرانیة فإنهن یصفن ذلک لأزواجهن»(2).

وهذه تندرج فی الطائفة الثانیة الدالة علی حجاب المراة المانع من اتصالها المجتمعی.

12 - معتبرة مسمع أبی سیار، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «فیما أخذ رسول الله صلی الله علیه وآله من البیعة علی النساء أن لا یحتبین ولا یقعدن مع الرجال فی الخلاء»(3).

ومفاده دال علی ما ذهبنا إلیه من أن الخلوة المحرمة خلوة التعداد القلیل من الرجال بالنساء کخلوة ثلاثة رجال أجانب بنساء أو رجلین بنساء خلوة منقطعة فإنه یشکل الحال فإنها تلحق بخلوة الرجل والمرأة الواحدة. فإن جملة من أدلة حرمة الخلوة لا تحصر الخلوة بالرجل والمرأة منفردین بل حتی إذا کان ثلاثة رجال ونساء فی موضع مریب.

ص:389


1- (1) المصدر نفسه، ح 4.
2- (2) المصدر نفسه، ح 5.
3- (3) المصدر نفسه، ح 5.
مصافحة النساء:

ویدل علی مضمون الطائفة الثانیة أیضا ما رواه الکلینی قدس سره تحت عنوان مصافحة النساء، منها:

1 - موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن مصافحة الرجل المرأة، قال: «لا یحل للرجل أن یصافح المرأة إلا امرأة یحرم علیه أن یتزوجها: أخت أو بنت أو عمة أو خالة أو ابنة أخت أو نحوها فأما المرأة التی یحل له أن یتزوجها فلا یصافحها إلا من وراء الثوب ولا یغمز کفها»(1).

2 - صحیحة أبی بصیر قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام: «هل یصافح الرجل المرأة لیست بذی محرم؟ فقال: لا، إلا من وراء الثوب»(2).

3 - روایة سیعدة وآمنة ابنتا أبی عمید بیاع السابری قالتا: دخلنا علی أبی عبد الله علیه السلام فقلنا: تعود المرأة أخاها؟ قال: «نعم»، قلنا: تصافحه؟ قال: «من وراء الثوب»، قالت إحداهما: إن أختی هذه تعود إخوتها!! قال: «إذا عدت إخوتک فلا تلبسی المصبغة»(3).

ص:390


1- (1) الکافی: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 1.
2- (2) المصدر نفسه، ح 2.
3- (3) الکافی: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 3.
کیفیة مبایعة النبی صلی الله علیه وآله للنساء:

وعقد بابا لروایات بعنوان (صفة مبایعة النبی صلی الله علیه وآله النساء)، منها:

1 - معتبرة سعدان بن مسلم: قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: «أتدری کیف بایع رسول الله صلی الله علیه وآله النساء؟»، قلت: الله أعلم وابن رسوله أعلم، قال: «جمعهن حوله ثم دعا ب (تور برام) (1)فصب فیه نضوحا ثم غمس یده فیه، ثم قال: اسمعن یا هؤلاء أبایعکن علی أن لا تشرکن بالله شیئا ولا تسرقن ولا تزنین ولا تقتلن أولادکن ولا تأتین ببهتان تفترینه بین أیدیکن وأرجلکن ولا تعصین بعو لتکن فی معروف، أقررتن؟ قلن: نعم. فأخرج یده من التور. ثم قال لهن: اغمسن أیدیکن، ففعلن فکانت ید رسول الله صلی الله علیه وآله الطاهرة أطیب من أن یمس بها کف أنثی لیست له بمحرم»(2).

فقوله: «ولا تعصین بعو لتکن فی معروف» واضح فی ولایة الزوج.

النهی عن الدخول علی النساء:

وقد عقد الشیخ الکلینی قدس سره باباً فی الدخول علی النساء:

1 - روایة جعفر بن عمر، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «نهی رسول

ص:391


1- (1) التور: اناء یشرب فیه. و ویرام جبل فی بلاد بنی سلیم عند الحرة من ناحیة البقیع. (المراصد).
2- (2) الکافی: ج 5 باب مصافحة النساء، ص 525 ح 1.

الله صلی الله علیه وآله أن یدخل الرجال علی النساء إلا بإذنهن» (1).

2 - منها بالاسناد المتقدم: «أن یدخل داخل علی النساء إلا بإذن أولیائهن»(2).

وهی تندرج فی الطائفة الثانیة، إذ أن هذه الاخبار دلت علی أن الدخول علی النساء لیس کیفما کان بل له مقدمات لتأخذ المرأة حجابها.

السلام علی النساء:

وقد عقد الشیخ الکلینی بابا فی التسلیم علی المرأة بروایات، منها:

1 - موثقة مسعدة بن صدقة، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام: لا تبدؤوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلی الطعام فإن النبی صلی الله علیه وآله قال: النساء عی وعورة فاستروا عیهن بالسکوت واستروا عوراتهن بالبیوت»(3).

فالعی هو الضعف عن منطق الاحتجاج والحجة والسکوت والستر هو الحجاب، وهذا الخبر فیه دلالة علی الطائفة الأولی والثالثة.

موثقة غیاث بن ابراهیم، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «لا تسلم علی المرأة»(4).

ص:392


1- (1) الکافی: ج 5 باب الدخول علی النساء، ص 528 ح 1.
2- (2) المصدر نفسه، ح 2.
3- (3) الکافی: ج 5 باب التسلیم علی المرأة، ص 534 ح 1.
4- (4) المصدر نفسه، ح 2.
المیزان فی درجات حکم الاختلاط:

3 - صحیحة ربعی بن عبد الله، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «کان رسول الله صلی الله علیه وآله یسلم علی النساء ویرددن علیه وکان أمیر المؤمنین علیه السلام یسلم علی النساء وکان یکره أن یسلم علی الشابة منهن ویقول: أتخوف أن یعجبنی صوتها فیدخل علی أکثر مما طلبت من الاجر»(1).

وهذا الصحیح یشیر إلی أن الخلطة والاختلاط بالنساء علی درجات بحسب درجات الاثارة والفتنة وبحسب عمر المرأة وبحسب الملابسات الأخری فالحکم یختلف بحسب ذلک ولیس علی نمط واحد، وهذا میزان عام فی باب العلاقة بین الجنسین.

4 - صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد الله علیه السلام: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: النساء عیٌّ وعورة، فاستروا العورات بالبیوت واستروا العیَّ بالسکوت»(2).

وهی تندرج فی الطائفة الثانیة.

5 - ما رواه المجلسی عن الراوندی عن جعفر الصادق علیه السلام عن أمه رضی الله عنه: «إن فاطمة علیها السلام دخل علیها علی بن أبی طالب علیه السلام وبه کآبة شدیدة فقالت فاطمة علیها السلام: یا علی ما هذه الکآبة؟ فقال علی علیه السلام: سألنا

ص:393


1- (1) المصدر نفسه، ص 535 ح 3.
2- (2) الکافی: ج 5 باب التسلیم علی المرأة، ص 535 ح 4.

رسول الله صلی الله علیه وآله عن المرأة ما هی؟ فقلنا: عورة، فقال: فمتی تکون أدنی من ربها؟ فلم ندر فقالت فاطمة لعلی علیه السلام: ارجع إلیه فأعلمه أن أدنی ما تکون من ربها أن تلزم قعر بیتها. فانطلق فأخبر رسول الله صلی الله علیه وآله بما قالت فاطمة علیها السلام: فقال رسول الله صلی الله علیه وآله: إن فاطمة بضعة منی» (1).

وقد تقدم مفاد هذه الروایة، وهی تندرج فی الطائفة الثانیة.

6 - موثقة سماعة، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «اتقوا الله فی الضعیفین - یعنی بذلک الیتیم والنساء - وإنما هن عورة» (2).

وهذا الخبر له لسانان الأول وبیان ضعف المرأة واللسان الثانی بکون المرأة عورة لا بمعنی النقص وإنما لکون طبیعتها فریسة للرجال فهی موضوع طمع لهم.

7 - ما رواه الشیخ الطبرسی: قال صلی الله علیه وآله: «صلاة المرأة وحدها فی بیتها کفضل صلاتها فی الجامع خمسا وعشرین درجة»(3).

بعض الأدلة التی استدل بها علی ولایة المرأة:
1 - منها: الاطلاقات:

والجواب أولا بالاجمال وهو أنه لو وجدت اطلاقات دالة علی تولی

ص:394


1- (1) بحار الأنوار: ج 100 ص 250 ح 40.
2- (2) الکافی: ج 5 باب حق المرأة علی الزوج، ص 511 ح 3.
3- (3) مکارم الأخلاق ص 233.

هذه المناصب للأعم من الرجل والمرأة فهذه الطوائف الست مقیدة لها وإن کانت الأدلة هی الاخبار الخاصة علی فرض وجودها فتصل النوبة إلی التعارض والتنافی والترجیح لجانب تلک الطوائف الست لتواترها.

2 - منها: الأصل العملی:

إذ الأصل عدم التقیید بالذکورة.

و هذا التقریر خاطئ جداً لأنه یوجد فرق بین جریان الاصل العملی فی الاحکام التکلیفیة وبین جریانه فی الاحکام الوضعیة کالاسباب والمسببات، فالشک فی الشرط فی باب الواجبات التکلیفیة مثل الأقل والأکثر الارتباطی فتجری البراءة فی الزیادة أما فی الاسباب والمسبابات الوضعیة کالعقود والایقاعات فالشک فی أخذ شیء فی السبب یوجب الشک فی المسبب وجریان البراءة فی أخذه شیء فی السبب لا یثبت وجود المسبب إلا بالأصل المثبت.

فمثلاً الشک فی اشتراط عقد البیع بالعلم بالعوض فلو اجرینا البراءة فی هذا الشرط لا یرفع الشک فی تحقق البیع المسبب والنقل والانتقال.

فالبیع غیر محرز وجوده لا بدلیل لفظی لکونه خلاف فرض الشک لعدم الدلیل اللفظی إذ لا تأتی النوبة للأصل معه ومجری الاصل العملی هو العقد اللفظی السبب وهو لاثبت البیع المسبب إلا بالأصل المثبت فجریان الاصول فی الأسباب لا یوجب ثبوت المسببات

ص:395

إلا علی القول بالأصل المثبت.

فالشک فی نفوذ ولایة تصرف المرأة یحتاج إلی دلیل فی النفوذ

والاصل الجاری هو عدم النفوذ.

وجریان البراءة فی فعل المرأة لا یثبت نفوذ تصرفاتها إلا بالاصل المثبت.

3 - منها: الأخبار الواردة:

وقد استدل علی ذلک بما جاء فی صحیحة عمر بن حنظلة من قوله الصادق علیه السلام: «انظروا إلی رجل منکم روی حدیثنا»(1).

وما فی معتبرة أبی خدیجة قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق علیه السلام: «إیاکم أن یحاکم بعضکم بعضا إلی أهل الجور ولکن انظروا إلی رجل منکم یعلم شیئا من قضایانا فاجعلوه بینکم فأنی قد جعلته قاضیا فتحاکموا إلیه»(2).

ووجه الاستدلال بقوله«انظروا إلی رجل منکم» أن تخصیصه بلفظ الرجل مثبت ولیس فیه نفی، واثبات شیء لشیء لا ینفی ما عداه فإن قوله علیه السلام: «رواة حدیثنا» یشمل النساء إلا أن التذکیر للتغلیب، وأیضا

ص:396


1- (1) وسائل الشیعة: ج 27 أبواب صفات القاضی، ب 11 ص 13 ح 7.
2- (2) المصدر نفسه، ح 5.

قوله تعالی: (وَ ما کانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا...)1 یشمل النساء. فمع وجود هذه المطلقات لا تصلح کلمة رجل فی هذه الاخبار للتقیید.

فطائفة من الأدلة تبین صلاحیة الرجل وطائفة آخری تبین صلاحیة کل من یکون فقیها ولا تنافی بینهما وهذا موافق للدلیل الأول.

والجواب: أنه توجد أدلة کثیرة مخصصة ونافیة لولایة المرأة کما تقدم من الطائفة الرابعة.

4 - منها: الاستدلال بآیة ملک بلقیس لقوم سبأ.

والجواب قد تقدم من أن ذکر الخبر الفظیع والعجیب الذی قدمه الهدهد حتی علی الشرک بالله تعالی هو قوله تعالی: (وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِکُهُمْ) (1).

وأما مدح القرآن الکریم لها بما یدل علی رجحان عقلها فهذا أدل دلیل علی عدم تولیها هذه المناصب وسلب صلاحیة الملک فإنه مع رجحان عقلها ومع ذلک ذم أولئک القوم الذین خالفوا السیر الفطریة العقلائیة وأمّروا امرأة علیهم.

وأما أن النبی سلیمان علیه السلام قد أثبتها فی الملک، فهذا لم یثبت بدلیل

ص:397


1- (2) سورة النمل: الآیة 23.

منک، علیک بدنة ولیس علیها شیء» (1).

وفیه:

أن هذین الخبرین یدلان علی وصول المرأة إلی مرتبة الفقاهة ولا دلالة علی تولیها مقام ومنصب الفقاهة، فکونها تصل لمقام الفقاهة شیء وأنها تتولی هذه المناصب شیء آخر ولیس ما ذکرناه یمنع من وصولها إلی مرحلة الفقه والفقاهة تکویناً نعم من الصلاحیات الثابتة للمرأة أنها إذا وصلت إلی مرحلة الفقاهة یحرم علیها التقلید ویجب علیها العمل علی وفق رأیها لأنها عالمة ولیست جاهلة کی ترجع إلی غیرها.

وأیضا لها مقام ومنصب حجیة الروایة فإنها مع وثاقتها یؤخذ بخبرها وهذا کله بخلاف ما نحن فیه من تولی منصب القضاء والفتیا.

4 - مصححة أحمد بن إبراهیم، قال: دخلت علی حکیمة بنت محمد بن علی الرضا، أخت أبی الحسن صاحب العسکر علیهم السلام فی سنه اثنتین وستین ومائتین فکلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دینها فسمّت لی من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن بن علی، فسمته. فقلت لها: جعلنی الله فداک، معاینة أو خبرا؟ فقالت: خبرا عن أبی محمد علیه السلام کتب به إلی أمه. فقلت لها: فأین الولد؟ فقالت: مستور.

ص:401


1- (1) وسائل الشیعة ج 13 أبواب کفارات الاستمتاع فی الاحرام، باب 5 ص 508 ح 7.

فقلت: إلی من تفزع الشیعة؟ فقالت: إلی الجدة أم أبی محمد علیه السلام. فقلت لها: أقتدی بمن وصیته إلی امرأة؟! فقالت: اقتداءً بالحسین بن علی علیهما السلام فإن الحسین بن علی علیهما السلام أوصی إلی أخته زینب بنت علی فی الظاهر، فکان ما یخرج عن علی بن الحسین علیهما السلام من علم ینسب إلی زینب سترا علی علی بن الحسین علیهما السلام، ثم قالت: إنکم قوم أصحاب أخبار، أما رویتم أن التاسع من ولد الحسین بن علی علیهما السلام یقسم میراثه وهو فی الحیاة...(1).

وأیضاً ما فی باب الحجج، فقد وردت عدة نصوص قابلة للاعتبار:

8 - صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام:

إن معنا صبیا مولودا فکیف نصنع به؟ فقال: «مر أمه تلقی حمیدة فتسألها کیف تصنع بصبیانها»، فأتیتها فسألتها کیف تصنع، فقالت: إذا کان یوم الترویة فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه کما یجرد المحرم وقفوا به المواقف فإذا کان یوم النحر فارموا عنه وأحلقوا عنه رأسه ومری الجاریة أن تطوف به بین الصفا والمروة. قال: وسألته عن رجل من أهل مکة یخرج إلی بعض الأمصار ثم یرجع إلی مکة فیمر ببعض المواقیت أله أن یتمتع؟ قال: «ما أزعم أن ذلک لیس له لو فعل وکان

ص:402


1- (1) کمال الدین وتمام النعمة: باب 45 ص 507 ح 36 ومثله فی ص 501 ح 27.

الاهلال أحب إلی» (1).

فقولها: (إلی الجدة أم أبی محمد) تعنی أم الامام العسکری علیه السلام.

وقد ورد عن حکیمة علیها السلام أنها کذلک تجیب المسائل.

وکذا ما یروی عن فاطمة المعصومة علیها السلام بنت الامام الکاظم علیه السلام کما هو مسموع وإن لم نتتبع الوقوف علی مصدره.

وفی بعض الروایات أن فاطمة الزهراء علیها السلام کانت تفتی الناس، وقد ذکرنا مفصلًا فی کتاب (مقامات فاطمة علیها السلام) أنه قد ثبت لها ما هو أعظم من ذلک وأنها حجة علی الائمة علیهم السلام فإن لها مقام الحجیة والعصمة وولایة التشریع بعد الله ورسوله ووصیه.

وأما بالنسبة للاخبار الدالة علی أن الجدة والدة الامام العسکری علیه السلام أو حکمیة أو زینب علیهما السلام فهذه مناصب خاصة بل ورد أن أم سلمة (رضوان الله علیها) قد أوصاها الامام الحسین علیه السلام بمواریث الامامة أی أنه أودعها عندها فهذه مناصب خاصة لبعض النساء دل علیها الدلیل ولا ننکرها وما مر فی الأدلة لیس امتناع عقلی بل هو شرعی وتطابقه مع الحکمة التکونیة غالباً.

بل إن بعض النساء یتکاملن إلی مقامات عالیة کأن تکون من الأوتاد والارکان کتکامل خدیجة وزینب علیهما السلام، فإن هذه الاستثناءات

ص:403


1- (1) الکافی: ج 4 باب کیفیة حج الصبیان والحج بهم، ص 300 ح 5.

لا ننکرها إلا أنه لا یستفاد منها دلیل عام.

و مثل هذا ما جاء أن من اصحاب الامام العسکری علیه السلام خمسون امرأة. وهذا أیضا استثناء خاص مثل بقیة الاستثناءات، وزیادة علی ذلک أن هذه الموارد - عدا فاطمة الزهراء علیها السلام - لیست من موارد المناصب بل هی ولایات خاصة من قبیل التبشیر بالایمان وغیرها من المناصب الخاصة المندرجة تحت ولایة الامام العامة.

وقد حملت هذه الاخبار علی الروایة أی ثبوت حجیة روایة النساء.

والصحیح أنها مناصب خاصة دون الفتیا والقضاء عدا مقام فاطمة الزهراء وابنتها زینب الکبری علیهما السلام.

8 - منها: الاستدلال بالسیرة وما فیه:

والجواب: أنه لا توجد سیرة فی تلک الأمور العلیا. نعم توجد سیرة فی الصلاحیات المتوسطة، أی دون تلک الولایات العامة.

ص:404

القاعدة التاسعة عشر:

قاعدة فی اتمام المسافرالصلاة فی کل مراقد ال البیت

ص:405

ص:406

القاعدة التاسعة عشر: قاعدة فی اتمام الصلاة فی کل مراقد آل البیت

اشارة

مجمل الاقوال فی المسالة:

قد ذهب جمع من المتقدمین وبعض المتأخرین إلی عموم حکم التخییر بین القصر والتمام للمسافر فی مراقد جمیع المعصومین علیهم السلام ولا تختص فضیلة الإتمام للمسافر فی الرباعیة بخصوص الأماکن الأربعة، بل تعم مراقد المعصومین علیهم السلام أجمع، کمشهد الامام الکاظم والامام الجواد ومشهد الامام الرضا ومشهد الامامین العسکریین علیهم السلام فضلًا عن النجف الأشرف مشهد أمیر المؤمنین علیه السلام، حیث أنه مندرج فی الأماکن الأربعة، بلْ هو الأصل للإتمام فی مسجد الکوفة.

تفصیل الأقوال فی المسألة: أقوال الأصحاب فی التعمیم:

أقوال فی التوسعة من جهات أُخری.

ملحق الأقوال:

ص:407

أقوال الأصحاب فی التعمیم:

اشارة

ظاهر کلام السید المرتضی وابن الجنید المنع من التقصیر فی المواضع الأربعة، وألحقا بها فی ذلک أیضاً المشاهد المشرّفة والضرائح المنوّرة، وکذلک ابن قولویه - استاذ المفید فی الفقه - ذهب إلیه فی کامل الزیارات، کما سیأتی.

1 و 2 - قال فی المختلف: «قال السیّد المرتضی فی (الجمل): لایقصر فی مکّة ومسجد النبیّ صلی الله علیه وآله ومسجد الکوفة ومشاهد الأئمّة القائمین مقامه»(1).

ونقل عن ابن الجنید: «والمسجد الحرام لاتقصیر فیه علی أحد، لأنّ الله عزّ وجلّ جعله سواء العاکف فیه والباد»(2).

3 - عبارة علیّ بن بابویه یلوح منها التعمیم لجمیع المشاهد، کما استظهره المجلسی فی البحار. قال فی الفقه الرضوی: «إذا بلغت موضع قصدک من الحجّ والزیارة والمشاهد وغیر ذلک ممّا قد بیّنته لک فقد سقط عنک السفر، ووجب علیک الإتمام»(3).

ولایبعد أن یکون هذا المتن هو متن فقه ابن أبی عزاقر الشلمغانی

ص:408


1- (1) جمل العلم والعمل: ص 77 ط الآداب.
2- (2) المختلف ج 3 ص 135.
3- (3) الفقه الرضوی ص 160.

أیّام استقامته قبل انحرافه، إذ هو متن رسالة ابن بابویه فی الأصل، وعمّم صاحب الوسائل بجزم عدم سقوط النوافل النهاریة لکلّ المشاهد المشرّفة، مع أنّ الموضوع لعدم سقوط النوافل متّحد مع موضوع إتمام الفرائض فی السفر.

وقال المجلسی فی ذیل عبارة الفقه الرضوی: «وظاهره الإتمام فی جمیع المشاهد، کما قیل وسیأتی ذکره»(1).

وقال الوحید البهبهانی فی مصابیح الظلام - بعد ذکره القول بالإتمام فی جمیع المشاهد للمرتضی وابن الجنید: «نعم، عبارة الفقه الرضوی ربّما یدلّ علی قولهما وقیاس المنصوص العلّة التی فی صحیحة علیّ بن مهزیار، حیث قال: قد علمت فضل الصلاة فی الحرمین فی مقام التعلیل للإتمام فی الحرمین، والحقّ أنّه حجّة، لکن یلزم التمام فی کلّ موضع للصلاة فیه فضل، کما أنّ عبارة الفقه الرضوی أیضاً ظاهرها کذلک، وهما لایقولان به، ومع ذلک لایفیان لاثبات ما یخالف الأخبار المتواترة والخبر المجمع علیه والإجماعات»(2).

وقال السید فی الریاض: «وخلاف المرتضی والإسکافی فیها نادر، فلایفیدهما التمسّک ببعض التعلیلات والظواهر. نعم، فی الرضوی - ثمّ ذکر عبارته - لکن فی الخروج به عن مقتضی الأصل والعمومات

ص:409


1- (1) البحار ج 86 ص 67.
2- (2) مصابیح الظلام ج 2 ص 211.

المعتضدة بالشهرة العظیمة القریبة من الإجماع، بل الإجماع، مشکل، لاسیّما مع تضمّنه الحکم بوجوب التمام، لما مرّ من شذوذه ومخالفته الإجماع والأخبار المستفیضة بل المتواترة، إلّا أن یحمل الوجوب علی مطلق الثبوت»(1).

واستشکل النراقی فی المستند(2) فی استظهار ذلک من عبارة الرضوی، وتشبّث بما ذکر قبل هذه العبارة من اشتراط قصد المباح فی السفر، نظیر الحجّ والزیارة ونحوهما، وهو عجیب، لأنّه العبارة السابقة فی التقصیر، وهذه العبارة فی التمام، مع أنّه ذکر فی الفقه الرضوی قبل العبارتین الإتمام عند دخول منزل أخیک لأنّه مثل منزلک.

واستظهر فی الجواهر (3) التعمیم فی عبارة الفقه الرضوی، ولعلّ مستند المرتضی وابن الجنید التعلیلات فی النصوص، واستفادة علیّة شرفیّة المکان بقوله: «وشرف قبورهم، وأنّها مساویة للمسجدین أو تزید».

أقول:

اعترف الشیخ الوحید وسیّد الریاض بدلالة صحیح ابن مهزیار علی عموم الإتمام فی المشاهد، إلّا أنّهما استشکلا فی العمل به بأنّه مخالف للإجماع وللأخبار المتواترة والمجمع علیه من الخبر، وبأنّه یلزم

ص:410


1- (1) ریاض المسائل ج 4 ص 382.
2- (2) مستند الشیعة ج 3 ص 138.
3- (3) الجواهر ج 14 ص 344.

منه التمام فی کلّ موضع للصلاة فیه فضل.

وفیه:

أمّا الأوّل، فلاإجماع علی الخلاف:

لما مرّ وسیأتی من ذهاب ابن بابویه وابن قولویه، ومحتمل ابن ابن عزاقر - أیّام استقامته - وابن الجنید والمرتضی وتمایل الکیدری فی الإصباح إلیه ومن المتأخّرین المیرداماد والشیخ حسین العصفوری البحرانی، ثمّ إنّ القائلین بالمنع من الإتمام فی الأماکن الأربعة - فضلًا عن غیرها - لیس اتّفاقهم بسیط مع الحاصرین بالأربع، بل المسألة ثلاثیّة الأقوال من عهد روایة الأئمّة علیهم السلام، کما یشیر إلی ذلک صحیح ابن مهزیار وغیره، بل لو جعلنا أحد الأقوال ذهاب الشیخ إلی الإتمام عند قبر أمیر المؤمنین علیه السلام والنجف وکذا الکیدری فی الإصباح لزاد تشعّب الأقوال.

وأمّا الثانی - وهی المخالفة للأخبار المتواترة:

فإنّ قصدا عمومات التقصیر فی السفر، فالمخالفة بالعموم والخصوص، کما فی الأماکن الأربعة، وإنّ قصدا روایات الأماکن الأربعة فسیأتی فی الوجه الثالث، أنّ ألسنة الروایات متعدّدة بین ما اقتصر علی ذکر مکّة والمسجد الحرام فقط، وبین ما اقتصر علی ذکر المسجدین والحرمین، وثالث إضافة عند قبر الحسین علیه السلام، ورابع إضافة

ص:411

مسجد الکوفة إلی المسجد، وخامس ذکر الأماکن الأربعة، وسادس إضافة عنوان مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله، فأین الحصر فی الأربعة؟

وأمّا الثالث - وهو التعمیم لکلّ مکان ذی فضیلة:

فهو انما یلزم لکل مکان أمر باکثار الصلاة فیه لتعاظم فضیلتها فیه لا ما إذا أمر بإکثار الصلاة لأجل رجحان ذات طبیعة الصلاة فی نفسها من حیث هی صلاة کما هو الحال فی الصلاة فی مطلق المسجد أو المسجد الجامع الذی هو من النمط الثانی، فإنّ الصلاة فیه وإن اکتسبت مزیّة ورجحانا، لکنّ الأمر بإکثار الصلاة حینئذٍ لیسَ إلّا من جهة طبیعة نفس الصلاة وأنّها خیر موضوع مَن شاء استکثر ومَن شاء استقلّ لا من جهة سببیة المکان نفسه لرجحان الإکثار، فالمسجد أو الجامع یضیفان مزیّة علی طبیعة الصلاة، نظیر نظافة الثیاب واستخدام الطیب ولبس العمامة والتحنّک بها، ونحو ذلک وهذه المزایا لیست سببا لرجحان إکثار الصلاة، وهذا بخلاف ما إذا کانت الأرض مقدّسة معظّمة کما سیأتی فی قوله تعالی: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ) (1) ، فإنّ إذنه تعالی هو أمره بتعظیم وتقدیس تلک البیوت، وأمره بأن یذکر فیها، وأمره تعالی أن یسبّح له فیها بالغدوّ والآصال، فیستحب إکثار الصلاة فیها بهذا الأمر بغض النظر عن

ص:412


1- (1) سورة النور: الآیة 36.

الأمر بإکثار ذات الصلاة فی نفسها، فلو لم یکن فی البین دلیل علی الأمر بإکثار ذات طبیعة الصلاة لالتزمنا باستحباب الإکثار فی خصوص هذه البیوت المعظمة المقدسة.

ویشهد لهذه التفرقة أن صلاة النوافل الیومیة وغیرها یندب إتیانها فی البیوت والمنازل إستتاراً وروماً للإخلاص والخلاص عن الریاء، أفضل من إتیانها فی عموم المساجد ولو کان المسجد الجامع وإنما المندوب المجیء بصلاة الفریضة فی عموم المساجد کشعیرة عامة، وهذا بخلاف المسجد الحرام والمسجد النبوی والمواطن الأربعة ومشاهد جمیع الأئمة علیهم السلام فإنه یندب المجیء بجمیع النوافل الیومیة وغیرها فضلًا عن الفرائض فیها وکفی بهذا فارقاً بین الموضوعین. وسیأتی الإشارة إلی الروایات الدالة علی ذلک فی الوجوه اللاحقة.

4 - وعنون ابن قولویه فی کامل الزیارات الباب ( 82) بقوله: «التمام عند قبر الحسین علیه السلام وجمیع المشاهد»، مع أنّه لم یورد فی الباب إلّا روایات الإتمام فی الأماکن الأربعة، والظاهر أنّ استظهر من التعلیل فیها العموم وهو فی محلّه.

وعنون ابن قولویه الباب ( 81) من کتاب کامل الزیارات بقوله: «التقصیر فی الفریضة والرخصة فی التطوع عنده وجمیع المشاهد» وذکر فی ذلک الباب روایات استحباب التطوع فی الأماکن الأربعة للمسافر وفی مشاهد النبی صلی الله علیه وآله وهو عنوان خامس وموضوع فضیلة التطوع فی

ص:413

السفر هو موضوع التخییر فی الفریضة، فیظهر منه اعتماده علی وجه آخر فی التعمیم.

5 - وقد یستظهر من الشیخ المفید التمایل إلی التعمیم لکل مراقد الأئمة علیهم السلام وذلک لما رواه فی المزار الکبیر والصغیر من ثواب وفضیلة صلاة الفریضة عند الحسین علیه السلام ففی باب ( 59) من المزار الکبیر الذی عنونه بقوله «باب فضل الصلاة عند مشهد الحسین علیه السلام» وقال فی مقدمة هذا الباب: «قد کنا دعونا فی ما تقدم إلی الإکثار من الصلاة فی مشهد أبی عبدالله علیه السلام لفضل ذلک وعظم ثوابه ویجب أن یؤدی الفرائض بأسرها والنوافل کلها طول المقام هناک فیه وأفضل المواضع للصلوات منه عند رأس الإمام علیه السلام».

ثم روی فی الباب فضیلة کل رکعة فریضة عند الحسین علیه السلام وفضیلة کل رکعة نافلة، وروی الحدیث الثالث فی الباب بسنده عن هارون بن مسلم عن أبی علی الحرانی عن الصادق علیه السلام فی من أتاه وزاره وصلی عنده رکعتین أو أربع رکعات کتبت له حجة وعمرة وفی ذیل الروایة «قال قلت له: جعلت فداک وکذلک لکل من أتی قبر إمام مفترضة طاعته قال: نعم»(1) وقد روی هذا الحدیث عن هارون بن

ص:414


1- (1) کتاب المزار: الأول (الکبیر): باب 59 ح 3 ص 116-118. ط. قم ممدرسة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف.

مسلم بطرق متعددة وبألفاظ مختلفة فی کامل الزیارات(1) وفی التهذیب(2) وفی المزار الکبیر للمشهدی(3) ، ورواه الشیخ المفید أیضاً بطریق آخر فی المزار الصغیر(4).

وقال فی المزار الثانی (الصغیر) الباب ( 18) «باب مختصر: فضل زیارة السیدین أبی الحسن علی بن محمد وأبی محمد الحسن بن علی العسکریین علیهم السلام» ثم روی الحدیث الثانی بقوله وتقدم أیضا عن أبی عبدالله علیه السلام: «من زار إماما مفترض الطاعة بعد وفاته وصلی عنده أربع رکعات کتب الله له حجة وعمرة»(5) انتهی. فحکم قدس سره باستحباب إکثار الصلاة عند العسکریین علیهما السلام بعین ما تقدم من الدلیل علی استحباب إکثار الصلاة عند الحسین علیه السلام، حیث قال فی المزار الأول (الکبیر) فی الباب ( 56) بعد ذکر زیارة الحسین والعباس علیهما السلام: «ثم ارجع إلی مشهد الحسین علیه السلام وأکثر من الصلاة فیه والزیارة والدعاء»(6) ومن ثَمّ قال فی العبارة المتقدم نقلها فی صدر الباب ( 59): «قد کنا دعونا فی ما تقدم إلی الإکثار من الصلاة فی مشهد أبی عبدالله علیه السلام

ص:415


1- (1) کامل الزیارات: باب 83 ح 3 ص 434.
2- (2) التهذیب: ج 6 کتاب المزار باب 26 ح 4 ص 79.
3- (3) المزار الکبیر: القسم الأول، الباب الأول: ح 16 ص 39.
4- (4) کتاب المزار: الثانی (الصغیر): باب 11 ح 3 ص 160.
5- (5) کتاب المزار: الثانی (الصغیر): باب 18 ح 2 ص 173.
6- (6) کتاب المزار: الأول (الکبیر): الباب 56 ص 111.

لفضل ذلک وعظم ثوابه ویجب أن یؤدی الفرائض بأسرها والنوافل کلها طول المقام هناک فیه وأفضل المواضع للصلوات منه عند رأس الإمام علیه السلام».

وقال فی الباب اللاحق لذلک الباب ( 60) والذی عنونه بقوله: «باب فضل إتمام الصلاة فی الحرمین وفی المشهدین علی ساکنهما السلام» قال: «الأصل فی صلاة السفر التقصیر، لطفا من الله جل اسمه لعباده، ورحمة لهم وتخفیفا عنهم، وجاءت آثار لا شبهة فی طریقها، ولا شک فی صحتها بإتمام الصلاة فی الأربعة مواطن لشرفها وتعظیمها، فکان التقصیر فیها علی الأصل للرخصة جائزا والإتمام أفضل»(1). فجعل (قدس سره) موضوع الإتمام فضیلة إکثار الصلاة فی تلک البقاع وموضوع استحباب إکثار الصلاة هو شرف وعظمة البقاع، وهذا بعینه ما ذکره ونبه علیه فی زیارة العسکریین علیهما السلام وما ذکره من ذیل الروایة المتقدمة أن ذلک لکل من أتی قبر إمام مفترضة طاعته.

بلْ إنَّ فی الباب ( 60) أفتی باستحباب إتمام الصلاة فی مشهد أمیر المؤمنین علیه السلام مع أن النصوص التی أوردها فی الکوفة ومسجدها، کما أن جعله عنوان موضوع الإتمام هو الآخر یشعر باستظهار عموم

ص:416


1- (1) کتاب المزار: الأول (الکبیر): الباب 60 ص 119.

هذا العنوان لکل مشاعر المعصومین علیهم السلام لإتحاد عنوان المشهد. بل قد صرح فی باب ( 44) باب صلاة زیارة أمیر المؤمنین علیه السلام بقوله «فإنْ أردت المقام فی المشهد أو لیلتک فأقم فیه وأکثر من الزیارة والصلاة والتحمید والتسبیح والتکبیر والتهلیل وذکر الله تعالی بتلاوة القرآن والدعاء والاستغفار، فإذا أردت الانصراف فودع أمیر المؤمنین صلوات الله علیه»(1) وبنفس العبارة أفتی الشیخ فی المصباح(2) فی مشهد أمیر المؤمنین علیه السلام مع أنَّ الشیخ یفتی صریحاً بالإتمام فی مشهد أمیر المؤمنین علیه السلام ومدینة النجف الأشرف.

6 - وقال الکیدری البیهقی فی إصباح الشیعة: «ویستحبّ الإتمام فی السفر فی أربعة مواطن: مکّة والمدینة ومسجد الکوفة والحائر. وروی فی حرم الله وحرم الرسول وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام وحرم الحسین علیه السلام، فعلی هذه الروایات یجوز الإتمام خارج المسجد بالکوفة والنجف، وعلی الأوّل لایجوز إلّا فی نفس المسجد، وقال المرتضی»، ثمّ نقل کلامه المزبور(3). ولم یعلق علیه بشیء فیظهر منه التمایل إلی التعمیم.

7 - وفی التنقیح الرائع للسیوری قوّی قول المشهور علی قول الصدوق بالمنع فی الأماکن الأربعة، بقوله: «والأقوی قول الأصحاب،

ص:417


1- (1) کتاب المزار: الأول (الکبیر): الباب 44 ص 81.
2- (2) مصباح المتهجد: الباب الرابع: ص 321.
3- (3) إصباح الشیعة ص 92.

لأنّها أماکن شریفة، فناسب کثرة الطاعات فیها، ولروایات کثیرة بذلک... ثمّ إنّ السیّد وابن الجنید جعلا مجموع المشاهد داخلة فی هذا الحکم، والفتوی علی خلافه»(1).

وظاهر کلامه یعطی توقّفه فی التعمیم من دون جزم بالنفی.

8 - وقال المیرداماد: «وألحق السیّد المرتضی وابن الجنید مشاهد الأئمّة علیهم السلام بین القصر والإتمام، والمستحبّ الأفضل هناک هو الإتمام، وظاهرهما تحتّمه، وعمّم الصدوق القصر تحتّما، والأقرب تخصیص التخییر مع استحباب الإتمام بالمساجد الثلاثة وما دار علیه سور الحضرة الحسینیّة، وما حوته قبب المشاهد المنوّرة دون البلدان. وقال بعض الأصحاب بذلک فی البلدان، وقال فی المعتبر: الحرمان کمسجدیهما بخلاف الکوفة»(2). ثمّ نقل عبارة المبسوط.

وظاهره التعمیم لکلّ المشاهد المنوّرة للمعصومین علیهم السلام، لأنّه فی صدر کلامه نقل کلا الخلافین فی التعمیم موضوعاً وفی المحمول من جهة الوجوب أو التخییر أو المنع، فاختار التخییر فی الحکم والتعمیم فی الموضوع.

ثمّ إنّه یستفاد من کلامه قدس سره استظهار أنّ العدد (أربعة) من الروایات

ص:418


1- (1) التنقیح الرائع: ج 1 ص 291.
2- (2) عیون المسائل ص 210.

قید للبلدان، وإلّا فالمشاهد عنوانها عام غیر مقید بالأربعة، وتقریبه ما سیأتی فی الوجه الثالث من ورود عنوان مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله باندراجها فیه، کاندراج بیوت أهل البیت علیهم السلام فی بیوت النبیّ صلی الله علیه وآله، والظاهر أنّ ابن بابویه وابن قولویه والمرتضی وابن الجنید اعتمدوا علیه لاعلی التعلیل فقط.

وقال فی منتهی المطلب فی مقام الردّ علی منع الصدوق من الإتمام فی الأماکن الأربعة: «ولأنّها مواضع اختصّت بزیادة شرف، فکان إتمام العبادة فیها مناسباً لتحصیل فضیلة العبادة فیها، فکان مشروعاً»(1).

وفی المختلف قال فی ردّ الصدوق: «لنا: أنّها مواطن شریفة یستحبّ فیها الإکثار من الطاعات والنوافل، فناسب استحباب إتمام الفرائض»(2).

9 - وقال الشیخ حسین العصفوری فی کتابه سداد العباد: «شرط تحتّم القصر أن لایکون بمکّة ولابالمدینة ولابالکوفة ولاالحائر الحسینی، بل الحرم له أجمع ومشاهد الأئمّة علیهم السلام علی الأحوط، لأنّه یخیّر فی هذه الأمکنة کلّها والتمام أفضل، بل کاد أن یکون متعیّناً، لاسیّما فی الکوفة وحائر الحسین علیه السلام، وأخبار تحتّم القصر محمولة علی

ص:419


1- (1) منتهی المطلب: ج 6 ص 365.
2- (2) مختلف الشیعة: ج 3 ص 132.

التقیّة لئلّا ینسبونا إلی التلاعب فی الدین»(1).

وقال الشیخ العصفوری فی کتاب الفرحة الانسیّة: «ولابأس بالتمام فی المشاهد کلّها، کما هو ظاهر المرتضی والإسکافی، ویشهد لهما خبر الفقه الرضوی، وظاهره أنّ الفضل فیه، والجمع بین القصر والتمام فیها طریق الاحتیاط والسلامة من الخلل»(2).

أقول: ذکر نمطین للاحتیاط: الأول باختیار الإتمام، والثانی بالجمع بین القصر والتمام، وذلک مراعاة للقول بتعین الإتمام الذی ذهب إلیه ابن الجنید والسید المرتضی، والقول بتعین القصر الذی ذهب إلیه الصدوق وجملة من فقهاء الرواة، فما عرف من أن الإتمام أفضل والقصر أحوط، علی إطلاقه لیس فی محله، بل الاحتیاط هو بالجمع بینهما، والإتمام أفضل.

وحکی عنه تلمیذه الشیخ عبدالله الستری فی کتابه الکنز، قال: «والمرتضی والإسکافی ظاهرهما تحتّم الإتمام فی جمیع مشاهد الأئمّة علیهم السلام وشیخنا خیّر فیها کلّها، وزاد مسجد براثا).

وقال فی المختلف أیضاً: «وقال السیّد المرتضی: لاتقصیر فی مشاهد الأئمّة علیهم السلام، وهو اختیار ابن الجنید.

ص:420


1- (1) سداد العباد ورشاد العباد: ص 169.
2- (2) الفرحة الإنسیة ص 175.

لنا: الأصل الدالّ علی وجوب القصر علی المسافر.

احتجّا بأنّها من المواضع المشرّفة فاستحب فیها الإتمام کالأربعة».

وقال: «قال ابن الجنید: والمسجد الحرام لاتقصیر فیه علی أحد، ومکّة عندی یجری مجراه، وکذلک مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله ومشاهد الأئمّة القائمین مقام الرسول علیه السلام، فأمّا ما عدا مکّة والمشاهد من الحرم فحکمها حکم غیرها من البلدان فی التقصیر والإتمام»(1).

وقال الشریف المرتضی فی جمل العلم والعمل: «ولاتقصیر فی مکّة ومسجد النبیّ صلی الله علیه وآله ومسجد الکوفة ومشاهد الأئمّة القائمین مقامه»(2) ، وقال بنفس اللفظ فی رسائله.

ومن ذلک یتحصّل ذهاب کلّ من علیّ بن بابویه والشلمغانی - فترة استقامته - وابن قولویه فی کامل الزیارات، وابن الجنید، والمرتضی، والمیرداماد فی رسالته(3) عیون المسائل، والشیخ حسین العصفوری البحرانی - ابن أخی صاحب الحدائق - فی السداد، ویستظهر من کلام الشیخ المفید فی المزار الأول والثانی، وتمایل إلیه المجلسی والبروجردی فی مسجد براثا، ویظهر تمایل الکیدری فی إصباح الشیعة إلی قول المرتضی، وتوقف السیوری فی التعمیم ولم یجزم بالنفی. بلْ قدْ مرَّ اعتراف

ص:421


1- (1) مختلف الشیعة ج 3 ص 135-137.
2- (2) جمل العلم والعمل ص 78.
3- (3) عیون المسائل (الرسائل الإثنی عشر) ص 210.

الوحید وصاحب الریاض بتمامیة مستند التعمیم لولا خوف

مخالفة الإجماع ودعوی منافاته للأخبار المتواترة، وقد تقدم منع دعوی الإجماع ووهن دعوی المنافاة للأخبار.

أقوال فی التوسعة من جهات أخری:

اشارة

1 - قال الشیخ المفید فی المزار الأول (الکبیر) الباب ( 60) تحت عنوان «باب فضل إتمام الصلاة فی الحرمین وفی المشهدین علی ساکنهما السلام» وقد مر تقریب صراحة هذا التعبیر فی فتواه بالإتمام فی مشهد أمیر المؤمنین علیه السلام ومدینة النجف، ویستظهر من کلامه: أنَّ الأصل فی الإتمام فی الکوفة هو حرم أمیر المؤمنین علیه السلام ومشهده ومرقده، وأن المسجد تابع له، وهو الذی أشار إلیه تلمیذه الشیخ الطوسی فی عبارة المبسوط الآتیة.

2 - وذهب الشیخ الطوسی فی المبسوط والنهایة إلی الإتمام عند مرقد أمیر المؤمنین علیه السلام. قال: «وقد روی الإتمام فی حرم الله وحرم الرسول وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام، فعلی هذه الروایة یجوز الإتمام خارج المسجد بالکوفة والنجف، وعلی الروایة الاولی لایجوز إلّا فی نفس المسجد، ولو قصّر فی هذه المواضع کلّها کان جائزاً، غیر أنّ الأفضل ما قدّمناه»(1).

ص:422


1- (1) المبسوط: ج 1 / ص 141.

ونقل فی المختلف عن النهایة والمبسوط قولهما: «وقد رویت روایة بلفظ آخر وهو أن یتمّ الصلاة فی حرم الله وفی حرم رسوله وفی حرم أمیر المؤمنین علیه السلام وفی حرم الحسین علیه السلام، فعلی هذه الروایة جاز التمام خارج المسجد بالکوفة وبالنجف، وعلی الروایة الاخری لم یجز، إلّا فی نفس المسجد».

وقال الشیخ فی التهذیب «لمّا روی حدیث زیاد القندی قال: قال أبو الحسن موسی: احبّ لک ما احبّ لنفسی، وأکره لک ما أکره لنفسی، أتمّ الصلاة فی الحرمین وعند قبر الحسین علیه السلام وبالکوفة. وحدیث أبی بصیر قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام یقول: تمّم الصلاة فی أربعة مواطن: فی المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلی الله علیه وآله، ومسجد الکوفة، وحرم الحسین علیه السلام، ولیس لأحد أن یقول لأجل هذا الخبر والخبر المتقدّم الذی رواه ابن منصور، أنّ الإتمام مختصّ بالمسجد الحرام ومسجد الکوفة، فإذا خرج الإنسان منهما فلاتمام، لأنّه لایمتنع أن یکون فی هذین الخبرین قدْ خصّا بالذکر تعظیماً لهما، ثمّ ذکر فی الأخبار الاخر ألفاظ یکون هذان المسجدان داخلین فیه، وإن کان غیرهما داخلًا فیه، وهذا غیر مستبعد ولامتناف.

وقد قدّمنا من الأخبار ما یتضمّن عموم الأماکن التی من جملتها هذان المسجدان منها: حدیث حمّاد بن عیسی، عن الصادق علیه السلام أنّه قال: فی حرم رسول الله صلی الله علیه وآله، وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام وبعده حدیث

ص:423

زیاد القندی، فإنّه قال: أتمّ الصلاة فی الحرمین وبالکوفة ولم یقل مسجد الکوفة، وما تقدّم من الأخبار فی تضمّن ذکر الحرمین علی الإطلاق، فهی أکثر من أن تحصی، وإذا ثبت أنّ الإتمام فی حرم رسول الله صلی الله علیه وآله هو المستحبّ دون المسجد علی الاختصاص، وإنْ کان قد خصّ فی هذین الخبرین، فکذلک فی مسجد الکوفة، لأنّ أحداً لم یفرّق بین الموضعین، وکذا قال فی الاستبصار»(1).

3 - وذهب إلی ذلک الکیدری فی إصباح الشیعة(2).

4 - وقال فی الذکری: «فهل الإتمام مختصّ بالمساجد نفسها أو یعمّ البلدان؟ ظاهر أکثر الروایات أنّ مکّة والمدینة محلّ لذلک، فعلی هذا یتمّ فی البلدین، أمّا الکوفة ففی مسجدها خاصّة قاله فی المعتبر، والشیخ ظاهره الإتمام فی البلدان الثلاثة» ثمّ نقل قول ابن إدریس والمختلف بالاختصاص إلی خصوص المشهد والمسجد، ثمّ قال: «وقول الشیخ هو الظاهر من الروایات وما فیه ذکر المسجد منها فلشرفه لالتخصیصه»(3).

أقول: ما ذکره من عدم تخصیص البلدان بما ورد بعنوان المساجد، وأنّ ذکر المساجد من بایب الأبرز شرفیّة، وإلّا فالعنوان

ص:424


1- (1) مختلف الشیعة ج 3 ص 135-137.
2- (2) إصباح الشیعة ص 94.
3- (3) الذکری ج 4 ص 291.

العامّ باق علی عمومه بعد کونهما مثبتین استغراقیّین، یتأتّی بعینه - کما ذکر ابن قولویه فی کامل الزیارات والمیرداماد - بین عنوان الأماکن الأربعة وعنوان مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله الذی ذکر خامساًفی الروایات، وکذلک عنوان فضل إکثار الصلاة وزیادة الخیر، فإنّه عنوان یعمّ ما ثبت من الشرع قدسیّته وشرفه وکونه روضة وبقعة من بقاع وریاض الجنّة یستحبّ فیه إکثار الصلاة.

هذا، ثمّ قال فی الذکری: «والشیخ نجیب الدین یحیی بن سعید - فی کتاب السفر له - حکم بالتخییر فی البلدان الأربعة حتّی فی الحائر المقدّس لورود الحدیث بحرم الحسین علیه السلام، وقدّر بخمسة فراسخ وبأربعة وبفرسخ، قال: والکلّ حرم، وإن تفاوتت الفضیلة». وفی الحقیقة أنّ الشهید ارتکز لدیه کلّ من عمومیّة الموضوع - وهو الوجه الأوّل الآتی، وعلیّة شرفیّة المکان وفضیلته - وهو الوجه الثانی الآتی. وقد مر أن هذین الوجهین للتعمیم ذکرهما الشیخ المفید فی المزار الأول والثانی.

5 - وفی مزار المفید فی بابٍ عقده للإتمام فی کربلاء بعنوان «باب فضل الحائر وحرمته وحدّه» ونقل فیه عدّة روایات، ثمّ قال: «وکأنّ أقصی الحرم علی الحدیث الأوّل خمسة فراسخ، وأدناه من المشهد فرسخ، وأشرف الفرسخ ( 25) ذراعاً، وأشرف ( 25) ذراعاً ( 20) ذراعاً، وأشرف العشرون ذراعاً ما شرف به، وهو الجدث نفسه،

ص:425

وشرف الجدث الحالّ فیه صلوات الله علیه»(1).

6 - وفی الدروس: «ویستشفی بترتبه من حریم قبره، وحدّه خمسة فراسخ من أربع جوانبه»(2).

7 - وقال الفیض الکاشانی فی معتصم الشیعة: (ثمّ هاهنا نوع اختلاف بین الأصحاب نشأ من اختلاف الروایات؛ فقیل: إنّه یجوز الإتمام فی مکّة والمدینة وإنْ وقعت الصلاة خارج المسجدین. وقیل: بلْ لا یجوز إلا فیهما.

وأمّا الحرمان الآخران فقیل: إنّ الجواز فیهما مختصّ بمسجد الکوفة والحائر، وهو ما دار سور المشهد والمسجد علیه علی ما قاله ابن إدریس. وقیل: بل یعمّ خارج المسجد والنجف، وخارج الحائر إلی خمسة فراسخ أو أربعة فراسخ أیضاً.

والمعتمد فی الأوّل الأوّل، وفی الأخیر الأخیر - کما علیه الأکثر -، لأنّه المستفاد من الأخبار المعتبرة إن ثبت إطلاق حرم الحسین علیه السلام علی ذلک فی نصّ یعتدّ به، وإلا فیختص فیه خاصّة بالحائر أخذاً بالمتیقّن»(3).

ص:426


1- (1) المزار الباب 61 ص 140.
2- (2) الدروس: ج 2 ص 11.
3- (3) معتصم الشیعة فی أحکام الشریعة: ج 1 ص 164.

8 - وقال المجلسی بعد نقل عبارة النهایة والمبسوط فی توسعة الإتمام للنجف: «وکأنّه نظر إلی أنّ حرم أمیر المؤمنین علیه السلام ما صار محترماً بسببه واحترام الغریّ أکثر من غیره، ولایخلو من وجه یومئ إلیه بعض الأخبار، والأحوط فی غیر المسجد القصر»(1) ، انتهی.

9 - فقد ذهب إلی عدم سقوط النوافل الیومیّة فی الأماکن الأربعة کلّ من الشهید فی الذکری، والسبزواری فی الذخیرة.

10 - وکذلک صاحب الوسائل، بل عمّم صاحب الوسائل عدم سقوطها لکلّ المشاهد المشرّفة، مع أنّ موضوع عدم سقوط النوافل متّحد مع موضوع الإتمام، حیث عنون الباب ( 26) من أبواب صلاة المسافر: «باب استحباب تطوّع المسافر وغیره فی الأماکن الأربعة وفی سائر المشاهد، لیلًا ونهاراً، وکثرة الصلاة بها وإن قصّر فی الفریضة» وفتواه هذه تشیر إلی وجه دلالة الروایات الواردة فی هذا الباب وهو التطوع فی الأماکن الخمسة.

ویتحصل أن من ذهب من الأصحاب الأعلام إلی الإتمام فی مدینة النجف ومرقد أمیرالمؤمنین علیه السلام ما یزید علی إثنی عشر قائل، وذلک بضمیمة من ذهب إلی التعمیم مطلقاً.

ص:427


1- (1) البحار ج 86 ص 88.

ملحق الأقوال:

ذهب الشهید الأول إلی أفضلیة قبور أئمة أهل البیت علیهم السلام فضلًا عن قبر النبی صلی الله علیه وآله علی مکة المکرمة قال فی الدروس: «مکَّة أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول الله صلی الله علیه وآله، وروی فی کربلاء علی ساکنها السلام مرجّحات، والأقرب أنّ مواضع قبور الأئمّة علیهم السلام کذلک، أمّا البلدان التی هم بها فمکَّة أفضل منها حتّی من المدینة»(1). وهذا نظیر ما نقله السمهودی فی وفاء الوفاء من إجماع علماء المسلمین بل ضرورتهم علی أفضلیة تراب قبر علیهما السلام» علی الکعبة، بل نقل عن جملة منهم أن عموم حرم المدینة المنورة أفضل من الکعبة المکرمة(2).

تقریب الأدلّة علی التعمیم فی موضوع التخییر:

الوجه الأوّل:

اصطیاد العموم فی الموضوع من الأدلَّة.

الوجه الثانی:

عموم التعلیل (قدسیة المکان) یعمم الموضوع.

الوجه الثالث: تعدد ألسنة الموضوع للإتمام:

ص:428


1- (1) الدروس: ج 1 ص 470 الدرس 118.
2- (2) وفاء الوفاء ج 1: الفصل الأول فی تفضیلها علی غیرها من البلاد.

الوجه الرابع: التنصیص الخاص علی الإتمام عند قبور بقیة الأئمة المعصومین علیهم السلام.

الوجه الخامس: عموم موضوع الإتمام حرم الله وحرم رسوله صلی الله علیه وآله، وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام للمشاهد المشرفة.

وهو ما یظهر من أدلّة الإتمام فی الأماکن الأربعة أنّ الموضوع للإتمام هو قدسیّة الموضع الموجبة لتضاعف ثواب الصلاة فیه، فیستحبّ إکثار الصلاة لذلک. والتقریب بعده وجوه:

الوجه الأوّل: اصطیاد العموم فی الموضوع من الأدلَّة:

وهو فضیلة إکثار الصلاة لشرف المکان:

1 - محسّنة إبراهیم بن شیبة، قال: «کتبت إلی أبی جعفر علیه السلام أسأله عن إتمام الصلاة فی الحرمین؟

فکتب إلیَّ: کان رسول الله صلی الله علیه وآله یحبّ إکثار الصلاة فی الحرمین، فأکثر فیهما وأتمّ» (1).

وهذه المحسّنة صریحة الدلالة علی أنّ موضوع الإتمام هو الموضع الذی یستحب فیه إکثار الصلاة لعظم فضیلة الثواب فیه، فعطْف علیه السلام الإتمام فی الحرمین علی ذلک کالتفریع، وابتدأ علیه السلام جواب السؤال

ص:429


1- (1) وسائل الشیعة: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 18.

بتقدیم بیان الموضوع، وهو استحباب إکثار الصلاة، تبیانا لکون هذا العنوان هو أصل الموضوع، فهذا من باب اصطیاد عموم الموضوع لاالتعلیل للحکم کی یردّد فیه بین کونه علّة للحکم أو حکمة له لایتعدّی منها، ومن ثمّ استظهر ابن قولویه والمرتضی وابن الجنید عموم الموضوع، ویلوح ذلک من المفید فی المزار.

والغریب أنّ العلّامة فی المختلف مع اعتراضه علیهم بأنّ هذا قیاس ولانقول به أنّه نفسه قدس سره جعله عنوانا لموضوع إتمام الصلاة فی الأماکن الأربعة رداً علی الصدوق المانع من الإتمام فیها بقوله استدلالًا علیه: «لنا: أنّها مواطن شریفة یستحبّ فیها الإکثار من الطاعات والنوافل، فناسب استحباب إتمام الفرائض»(1).

فالتدافع واضح لدی العلّامة قدس سره ومَن استشکل بذلک، فإنّهم جعلوا موضوع الإتمام ما استظهروه من الروایات وهو شرافة الموطن وکثرة ثواب الصلاة فیه.

نعم، شرافة الموطن بکونه مشهداً شهده نبیّ أو وصیّ نبیّ وصلّیا فیه، وکونه روضة من ریاض الجنّة فی الأرض، کما ورد توصیف الأماکن الأربعة بذلک لامطلق استحباب إکثار الصلاة

ص:430


1- (1) المختلف: ج 3 ص 132.

لأجل طبیعة الصلاة نفسها، کما فی المسجد الجامع لکلّ بلد وإن اکتسبت مزیة لأجله، بل الاستحباب لقدسیّة المکان کما فی قوله تعالی: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی) (1) ، وقوله تعالی: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ( 36) )(2) ، فالموضوع کلّ موطن شعّر تقدیساً منه تعالی کروضة من ریاض الجنّة.

2 - وکذا صحیح علیّ بن مهزیار، قال: «کتبت إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام: إنّ الروایة قد اختلفت عن آبائک علیهم السلام فی الإتمام والتقصیر للصلاة فی الحرمین، فمنها: أن یأمر بتتمیم الصلاة ولو صلاة واحدة، ومنها: أن یأمر بتقصیر الصلاة ما لم ینو مقام عشرة أیّام، ولم أزل علی الإتمام فیهما إلی أن صدرنا من حجّنا فی عامنا هذا، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا علَیَّ بالتقصیر إذا کنت لاأنوی مقام عشرة، وقد ضقت بذلک حتّی أعرف رأیک.

فکتب بخطّه علیه السلام: قد علمت - یرحمک الله - فضل الصلاة فی الحرمین علی غیرهما، فأنا احبّ لک إذا دخلتهما أن لاتقصّر، وتکثر فیهما من الصلاة.

فقلت له بعد ذلک بسنتین مشافهة: إنّی کتبت إلیک بکذا فأجبت بکذا.

ص:431


1- (1) سورة البقرة: الآیة 125.
2- (2) سورة النور: الآیة 36.

فقال: نعم.

فقلت: أیّ شیء تعنی بالحرمین؟

فقال: مکّة والمدینة...» الحدیث(1).

وتقریب الدلالة فی هذه الصحیحة من جهتین:

الاولی: صدر جوابه علیه السلام - حیث قال علیه السلام: «فضل الصلاة فی الحرمین علی غیرهما» - بمثابة بیان الموضوع للإتمام، ولم یورد علیه السلام أیّ لفظ للتعلیل، فالدلالة من باب اصطیاد العموم (عموم الموضوع) من سیاق الجواب، وسیأتی أنّ التخصیص بالحرمین من باب أبرز الأفراد، وإلّا فقد ورد فی الروایات ذکر الثلاثة، وذکر الأربعة، وذکر مکّة فقط، وفی لسان آخر ذکر خمسة بضمیمة مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله کما سیأتی.

الثانیة: قوله علیه السلام: «إذا دخلتهما أن لا تقصّر، وتکثر فیهما من الصلاة»، فهذا بیان لتلازم إکثار الصلاة مع الإتمام فی الموضوع، وهو کلّ موضع شریف ومقدّس - کما استظهر ذلک جملة من المتقدّمین ارتکازاً، کابن بابویه وابن قولویه والمرتضی وابن الجنیدوالمفید فی المزار - یستحبّ فیه إکثار الصلاة لأجل شرافته یرجح فیه إتمام الصلاة فی السفر؛ لأنّ الموضع لیس موضعاً تنقص فیه الصلاة، بل یستحبّ

ص:432


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 4. عن التهذیب ج 5 ص 429 رقم الحدیث ( 1487).

إکثارها، ویدعم ذلک ما سیأتی فی المؤیّدات والشواهد من جعل ثواب کلّ رکعة فریضة عند الحسین علیه السلام بمنزلة ثواب حجّة، وثواب کلّ رکعة نافلة بمنزلة ثواب عمرة، وهذا الثواب بعینه قد قرّر فی الصلاة عند بقیّة المعصومین علیهم السلام.

ثمّ إنّ فی هذه الصحیحة عدّة فوائد لبحث المقام:

الفائدة الاولی: أنّ هذه الصحیحة نصّ فی تعمیم الإتمام فی کلّ المدینة وکلّ مکّة، ولیس خصوص المسجدین، لأنّه علیه السلام مع ذکره عنوان الحرمین فی جوابه الأوّل، إلّا أنّه فسّرهما فی جوابه الثانی بمکّة والمدینة دون خصوص عنوان المسجدین، ممّا یدلّ علی أنّ ما ورد فی ألسن الروایات من اختلاف، سواءً فی العدد أو المساحة، من باب تعدّد مراتب الفضیلة لاالحصر.

الفائدة الثانیة: أنّ الصحیحة حاکمة فی جهة الصدور علی الروایات المتعارضة فی الظاهر، ونظیر حکومة هذه الروایة جهتیّاً حکومة مصحّح عبدالرحمن بن الحجّاج(1) الناظر إلی الطائفتین جهتیّاً، فلامعنی لترجیح روایات القصر جهة علی روایات الإتمام، مع أنّه لامعنی للتقیّة فی الإتمام عند قبر الحسین علیه السلام.

الفائدة الثالثة: أنّه مع جعل موضوع الإتمام فضیلة إکثار

ص:433


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25، ح 6.

الصلاة، إلّا أنّه قد ورد فی الحرم المکّی والمدنی عدم استواء الفضیلة فی کلّ مواضعهما:

کصحیحة أبی عبیدة، قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: الصلاة فی الحرم کلّه سواء؟

فقال: یا أبا عبیدة، ما الصلاة فی المسجد الحرام کلّه سواء، فکیف یکون فی الحرم کلّه سواء.

قلت: فأی بقاعه أفضل؟

قال: ما بین الباب إلی الحجر الأسود» (1).

ومثله موثّقة الحسن بن الجهم، قال: «سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن أفضل موضع فی المسجد یصلّی فیه؟ قال: الحطیم ما بین الحَجَر وباب البیت.

قلت: والذی یلی ذلک فی الفضل؟ فذکر: أنّه عند مقام إبراهیم.

قلت: ثمّ الذی یلیه فی الفضل؟ قال: فی الحِجر. قلت: ثمّ الذی یلی ذلک؟ قال: کلّ ما دنا من البیت» (2).

وغیرها من الروایات فی هذا الباب أیضاً.

ص:434


1- (1) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 53 ح 5.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 53 ح 2.

بل قد ورد أنّ فضیلة الصلاة فی المسجد الحرام تعدل ألف ضعف الصلاة فی مسجد الرسول صلی الله علیه وآله کما فی مرسلة الصدوق(1) ، وفی موثقة مسعدة عشرة أضعاف(2) ، کما قد ورد أنّ الصلاة فی بیت فاطمة علیها السلام أفضل من الصلاة فی الروضة(3).

وهذا یقرب أنّ درجات الفضیلة - مع اختلافها بعد قدسیّة المقام وشرافته - مندرجة فی الموضوع العامّ، وأنّ التعمیم لکلّ الحرم المکّی والحرم المدنی قرینة علی عموم الموضوع بما یشمل مراقد المعصومین علیهم السلام.

3 - معتبرة أبی شبل (عبدالله بن سعید الأسدی)، قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: أزور قبر الحسین علیه السلام؟ قال: زر الطیّب، وأتمّ الصلاة عنده.

قلت: اتمّ الصلاة؟! قال: أتمّ.

قلت: بعض أصحابنا یری التقصیر؟ قال: إنّما یفعل ذلک الضعفة» (4).

ولا یخفی دلالة الروایة علی أنّ موضوع التمام قداسة المکان بقدسیّة المکین، وهی تومئ إلی عموم الموضوع، کما أنّها تشیر إلی قید آخر فی الموضوع، وهو کلّ مکان مقدّس تشدّ إلیه الرحال.

ص:435


1- (1) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 52 ح 3.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 52 ح 5.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 59 ح 1 وح 2.
4- (4) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 12.

وقد عقد ابن قولویه أستاذ الشیخ المفید فی کامل الزیارات بابین فی التعمیم لکلّ مشاهد الأئمّة علیهم السلام وهما الباب ( 81) والباب ( 82)، وباباً خاصّاً وهو الباب ( 83) لفضیلة صلاة الفریضة عند الحسین علیه السلام، وأنّها تعدل حجّة، وأنّ النافلة تعدل عمرة، والباب ( 81) عقد بعنوان «التقصیر فی الفریضة والرخصة فی التطوّع عنده وجمیع المشاهد»، والباب ( 82) عقده بعنوان «التمام عند قبر الحسین وجمیع المشاهد» وعلّق العلّامة الأمینی - حیث صحّح کامل الزیارات - علی فتوی ابن قولویه فی عنوان الباب ( 82) بتعمیم الإتمام لجمیع المشاهد بقوله: «لیس فی أخبار الباب ما یدلّ علی الإتمام فی غیر المواطن الأربعة، فالتعبیر بجمیع المشاهد لاوجه له» وقد أوّل البعض کلام ابن قولویه بإرادة المواطن الأربعة من المشاهد، وهو خلاف شدید للظاهر، لأنّه فی الباب السابق أورد روایات بلفظ «مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله» فی قبال المسجدین والحرمین وقبر الحسین علیه السلام، وأضاف المشاهد إلی النبیّ صلی الله علیه وآله.

وسنذکر فی روایات الإتمام فی الفریضة عدّة من الروایات الصحاح والموثّقات المشتملة علی لفظ (مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله فی قبال المواطن الأربعة فی الوجه الثالث الآتی.

4 - وقد روی فی کامل الزیارات بسنده عن أبی علیّ الحرّانی، قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما لمَن زار قبر الحسین؟ قال: مَن أتاه وزاره وصلّی عنده رکعتین أو أربع رکعات کتب الله له حجّة وعمرة.

ص:436

قال: قلت: جُعلت فداک، وکذلک لکلّ مَن أتی قبر إمام مفترض الطاعة؟

قال: وکذلک لکلّ مَن أتی قبر إمام مفترض الطاعة» (1).

ورواه الشیخ المفید فی المزار عن أبی القاسم قال: حدثنی علی بن الحسین رحمه الله، عن محمد بن یحیی العطار، عن محمد بن أحمد، قال: وحدثنی محمد بن الحسین بن مت الجوهری، عن محمد بن أحمد، عن هارون بن مسلم، عن أبی علی الحرانی قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما لمن زار قبر الحسین صلوات الله علیه؟

قال: من أتاه وزاره وصلی عنده رکعتین أو أربع رکعات کتبت له حجة وعمرة.

قال: قلت له: جعلت فداک، وکذلک لکل من أتی قبر إمام مفترضة طاعته؟ قال: نعم» (2).

ورواه بطریق ثالث عن الشریف أبی عبدالله محمد بن محمد بن طاهر الموسوی، عن أحمد بن محمد بن سعید - ابن عقدة - قال: أخبرنی أحمد بن یوسف قال: حدثنا هارون بن مسلم قال حدثنی أبو عبد الله الحرانی قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام(3). الحدیث.

ص:437


1- (1) کامل الزیارات: ب 83 ح 3 ص 265.
2- (2) المزار الأول (الکبیر) ب 59 ح 3 ص 117-118.
3- (3) المزار الثانی (الصغیر) ب 11 ح 3 ص 160.

ورواها بطریق موثّق الطوسی فی التهذیب بسنده عن أحمد بن محمّد بن سعید، قال: أخبرنا أحمد بن یوسف، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن أبی عبدالله الحرّانی - ولعله عیسی بن راشد - ومتنه کما فی نسخة التهذیب - قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما لمَن زار قبر الحسین علیه السلام؟

قال: مَن أتاه وزاره وصلّی عنده رکعتین کُتب له حجّة مبرورة، فإن صلّی عنده أربع رکعات کُتبت له حجّة وعمرة.

قلت: جُعلت فداک، وکذلک لکلّ مَن زار إماماً مفترضة طاعته؟

قال: وکذلک لکلّ مَن زار إماماً مفترضة طاعته» (1).

ورواه المشهدی فی المزار الکبیر بالاسناد عن أحمد بن محمد بن سعید بن عقدة، قال: أخبرنا أحمد بن یوسف، قال: حدثنا هارون بن مسلم، قال: حدثنی أبو عبد الله الحرانی، قال: قلت لأبی عبد الله علیه السلام(2). الحدیث.

وأبو علی الحرّانی قد روی عنه ابن أبی عمیر بسند صحیح فی الفقیه(3). وقال عنه النجاشی: «أبو علی الحرانی، ابن بطة عن أحمد بن محمد بن خالد عنه أبیه عن أبی علی بکتابه» وقال الشیخ: «أبو علی

ص:438


1- (1) التهذیب ج 6 کتاب المزار ب 26 ح 4 ص 79.
2- (2) المزار الکبیر للمشهدی القسم الأول الباب الأول ح 16 ص 39.
3- (3) من لا یحضره الفقیه ج 1 ص 408 ح 1217.

الحرانی له کتاب رویناه بهذا الإسناد عن أحمد بن أبی عبد الله عنه» ویرید بهذا الإسناد: (عدة من أصحابنا عن أبی المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبی عبد الله) فظهر من ذلک أنه صاحب کتاب رواه الأصحاب وروی عنه ابن أبی عمیر الذی لا یروی إلا عن الثقات، کما روی عنه الثقة الجلیل هارون بن مسلم والطرق مستفیضة إلی هارون بن مسلم. فطریق الروایة مصحح.

5 - صحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبدالله علیه السلام قال: سأله ابن أبی یعفور کم أصلی؟ فقال: صل ثمان رکعات عند زوال الشمس فان رسول الله صلی الله علیه وآله قال: الصلاة فی مسجدی کألف فی غیره إلا المسجد الحرام فان الصلاة فی المسجد الحرام تعدل ألف صلاة فی مسجدی)(1).

وهذه الصحیحة صریحة فی مشروعیة نوافل الظهر - التی تتحد موضوعا مع الإتمام - للمسافر فی مسجد النبی صلی الله علیه وآله والتعلیل بفضیلة المکان یعنی عموم موضوع الإتمام لکل مکان ذی فضیلة وشرف یستحب فیه إکثار الصلاة.

ثم إنَّ هناک ملحقا لهذا الوجه الأوَّل لتبیان مزید دلائل موضحة لعموم الموضوع.

ص:439


1- (1) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 57 ح 6.

الوجه الثانی: عموم التعلیل (قدسیة المکان) یعمم الموضوع:

اشارة

تضمنت جملة من الروایات الواردة فی الإتمام فی المواطن الأربعة تعلیل الإتمام بأنه زیادة خیر - أی: ثواب - وکذلک قد تضمنت ذلک التعلیل الروایات الآمرة بإکثار التطوّع وهو صلاة النافلة فی المواطن الأربعة وإن قصّر فی الفریضة ولم یقم:

1 - محسنة عمران بن حمران، قال: «قلت لأبی الحسن علیه السلام: اقصّر فی المسجد الحرام أو اتمّ؟

قال: إن قصّرت فلک، وإن أتممت فهو خیر، وزیادة الخیر خیر» (1).

2 - صحیح الحسین بن المختارعن أبی إبراهیم علیه السلام، قال: «قلت له: إنّا إذا دخلنا مکّة والمدینة نتمّ أو نقصّر؟

قال: إن قصّرت فذلک، وان أتممت فهو خیر تزداد» (2).

3 - التعلیل بالخیریّة الوارد فی جملة روایات(3) التطوّع فی الأماکن الأربعة الآتی الإشارة إلی بعضها.

4 - التعلیل لفضیلة الحرمین والمسجدین بأنّه قد صلّی فیهما

ص:440


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 11.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 16.
3- (3) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 26.

الأنبیاء وإضافة الروضة إلی النبیّ صلی الله علیه وآله وإلی فاطمة علیها السلام، وهذا من قبیل علّة العلّة وتعلیل التعلیل، أی تعلیل الإتمام بفضیلة المسجدین والحرمین، ثمّ تعلیل فضیلتهما بأنّ الأنبیاء قد صلّوا فیهما أو إضافتهما لأهل البیت علیهم السلام.

ویدلّ علی ذلک:

أ - مصحّحة ابن أبی عمیر، عن بعض أصحابنا، عن أبی عبدالله علیه السلام، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنّة، ومنبری علی تُرعة من تُرع الجنّة، لأنّ قبر فاطمة علیها السلام بین قبره ومنبره، وقبرها روضة من ریاض الجنّة، وإلیه تُرعة من تُرع الجنّة»(1).

وفی هذا المصحّح تعلیل لفضیلة المسجد النبویّ، بل لأفضل موضع منه بکونه موضع قبر فاطمة علیها السلام.

ب - صحیحة أبی عبیدة، عن أبی جعفر علیه السلام، قال: «مسجد کوفان روضة من ریاض الجنّة، صلّی فیه ألف نبیّ وسبعون نبیّاً، ومیمنته رحمة، ومیسرته مکر، فیه عصا موسی، وشجرة یقطین، وخاتم سلیمان، ومنه فار التنّور ونجرت السفینة وهی صرّة بابل، ومجمع الأنبیاء»(2).

وظاهر الصحیحة أنّه علّل فضیلته بأنّه روضة من ریاض الجنّة و

ص:441


1- (1) الوسائل: أبواب المزار: ب 18 ح 5.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 44 ح 1.

(أنّه قد صلّی فیه الأنبیاء).

ج - وفی روایة أبی بصیر، عن أبی عبدالله علیه السلام: «نعم، المسجد مسجد الکوفة، صلّی فیه ألف نبیّ وألف وصیّ»(1).

د - وفی معتبرة هارون بن خارجة عن أبی عبدالله علیه السلام تعلیل فضله: «وتدری ما فضل ذلک الموضع؟ ما من عبد صالح ولانبیّ، إلّا وقد صلّی فی مسجد کوفان، حتّی إنّ رسول الله لمّا أسری الله به... ثمّ ذکر علیه السلام صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله فی المسجد»(2).

ه -- وفی روایة لأبی حمزة الثمالی: «أنّ علیّ بن الحسین أتی مسجد الکوفة عمداً من المدینة فصلّی فیه رکعات، ثمّ عاد حتّی رکب راحلته وأخذ الطریق»(3).

و - وفی محسنة أبی بکر الحضرمی عن أبی جعفر الباقر علیه السلام، قال: «قلت له: أی البقاع أفضل بعد حرم الله وحرم رسوله؟

قال: الکوفة - یا أبا بکر - هی الزکیّة الطاهرة، فیها قبور النبیّین والمرسلین وغیر المرسلین والأوصیاء الصادقین، وفیها مسجد سهیل الذی لم یبعث الله نبیّاً إلّا وقد صلّی فیه» (4).

ص:442


1- (1) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 44 ح 2.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 44 ح 3.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 44 ح 6.
4- (4) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 44 ح 10.

وفی هذه الروایة دلالة علی قدسیة کل الکوفة لا خصوص مسجدها ومسجد السهلة.

ز - ما رواه ابن طاووس فی فرحة الغریّ بسند متّصل عن أبی اسامة، عن أبی عبدالله علیه السلام، قال: «سمعته یقول: الکوفة روضة من ریاض الجنّة، فیها قبر نوح وإبراهیم، وقبور ثلاثمائة نبیّ وسبعین نبیّاً وستّمائة وصیّ، وقبر سیّد الأوصیاء وأمیر المؤمنین علیه السلام»(1).

وفی هذه الروایة إطلاق الکوفة وشمولها لکل النجف الأشرف.

فذلکة فی التعلیل:

وظاهر تلک الروایة تعلیل فضیلة الکوفة وشرفها وقدسیّتها بکونها روضة من ریاض الجنّة، ولایخفی أنّ التعلیل فی هذه الروایة - بل فی ما تقدم - هو فی سیاق بیان علّة الحکم لاعلّة وجود عنوان تکوینی للکوفة أو للمسجد الحرام أو للحرم النبویّ، بل فی صدد بیان علّة موضوعیّة الموضوع للحکم، وقد بنی المحقّق النائینی فی الفرق بین علّة الحکم وحکمته أنّ کلّ عنوان یدرک العرف وجوده وموارد تواجده، ویفهم عرفاً ویکون صالحاً لدیهم کضابطة، فإنّه یکون من قبیل علّة الحکم، أی الموضوع الأصلی لذلک الحکم، وأنّ ما بیّن من عنوان آخر للموضوع فإنّه من أفراده ومصادیقه.

ص:443


1- (1) الوسائل: أبواب المزار: ب 27 ج 6.

وهذا التقریب مطّرد فی کلّ روایات هذا الوجه الثانی.

ثمّ إنّ فی الروایة فائدة اخری، وهی تعلیل کون الکوفة روضة من ریاض الجنّة، أی تعلیل عنوان الروضة بأنّ فیها قبر الأنبیاء والأوصیاء ممّا یفید أنّ قبورهم علیهم السلام کلّها روضة من ریاض الجنّة فی الأرض.

ثمّ إنّ الروایة أبدت تمییزاً خاصّاً لقبر سیّد الأوصیاء، کما هو الحال فی روایات ذلک الباب الذی عقده صاحب الوسائل فی أبواب المزار الباب ( 27).

وممّا یشیر إلی ما ذکرناه من تقریب التعلیل ما استدلّ به العلّامة الحلّی فی منتهی المطلب وفی المختلف لردّ قول الصدوق المانع من الإتمام فی الأماکن الأربعة، قال فی المختلف: «منع الصدوق من الإتمام فی هذه المواطن... وتبعه ابن البرّاج، والمشهور استحباب الإتمام. اختاره الشیخ والسیّد المرتضی وابن الجنید وابن إدریس وابن حمزة.

لنا: أنّها مواطن شریفة یستحبّ فیها الإکثار من الطاعات والنوافل، فناسب استحباب إتمام الفرائض» (1).

وذکر نفس العبارة فی المنتهی فی مقام الردّ علی الصدوق.

وفی التنقیح الرائع للسیوری قوّی قول المشهور علی قول الصدوق بالمنع فی الأماکن الأربعة، بقوله: «والأقوی قول الأصحاب، لأنّها

ص:444


1- (1) مختلف الشیعة: ج 3 ص 131-132.

أماکن شریفة، فناسب کثرة الطاعات فیها، ولروایات کثیرة بذلک... ثمّ إنّ السیّد وابن الجنید جعلا مجموع المشاهد داخلة فی هذا الحکم، والفتوی علی خلافه» (1).

وظاهر کلامه یعطی توقّفه فی التعمیم من دون جزم بالنفی.

وقال الشهید الثانی فی حاشیة الشرائع فی شرح قوله: «ولو صلّی واحدة بنیّة التمام لم یرجع... قال: المراد صلّی رباعیّة بنیّة التمام، واحترز بالنیّة عمّا لو صلّاها لشرف البقعة کأحد المواطن الأربعة»(2).

5 - ما ورد فی فضل مسجد الغدیر ففی صحیحة عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الصلاة فی مسجد غدیر خم بالنهار وأنا مسافر، فقال: «صل فیه فان فیه فضلا، وقد کان أبی علیه السلام یأمر بذلک»(3).

وفی صحیحة أبان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إنه تستحب الصلاة فی مسجد الغدیر لأنَّ النبی صلی الله علیه وآله أقام فیه أمیر المؤمنین علیه السلام، وهو موضع أظهر الله عَزَّ وَجَلَّ فیه الحق»(4). فإن التعلیل فیهما لعدم سقوط النوافل النهاریة للمسافر بأن فیه فضلا إشارة إلی عموم الموضوع الذی جعل

ص:445


1- (1) التنقیح الرائع: ج 1 ص 291.
2- (2) حاشیة الشرائع: ص 143.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 61 ح 2.
4- (4) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 61 ح 3.

لعدم سقوط النوافل النهاریة، وهو متحد مع موضوع الإتمام فی الفریضة فی السفر، هذا إن لم یکن عنوان الصلاة فیهما عام ظهورا للفریضة، ومثله التعلیل بأن فیه ظهر الحق.

الوجه الثالث: تعدِّد ألسنة الموضوع للإتمام الواردة فی الروایات عدداً وعنواناً شاهد علی عموم الموضوع:

إختلاف الألسنة فی عدد المواطن:

بعضها اقتصر علی الحرم المکّی، کصحیح معاویة بن عمّار(1).

وبعضها اقتصر علی الحرمین، کموثّق مسمع عن أبی إبراهیم علیه السلام، قال: «کان أبی یری لهذین الحرمین ما لایراه لغیرهما، ویقول: إنّ الإتمام فیهما من الأمر المذخور»(2).

مع أنّ لسانه یوهم الحصر فی الاثنین دون غیرهما، ومع ذلک رفع الید عنه بدلالة ما دلّ علی غیره، ومنه نرفع الید عن الأربع أو الثلاث بما دلّ علی عموم الموضوع لکلّ موضع مقدّس بدلالة من الشرع علیه استحبّ فیه إکثار الصلاة والعبادة، کما هو مفاد الآیتین: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ) (أی تعظم) (وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ) (أی یتعبد

ص:446


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 3.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 2.

إلیه) (یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ) وکذلک قوله تعالی: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی) ، وکذا صحیح علیّ بن مهزیار(1) المتقدم اقتصر علی الاثنین.

وبعضها اقتصر علی الثلاثة الحرمین وعند قبر الحسین علیه السلام أو مسجد الکوفة دون قبر الحسین علیه السلام بلفظ: (ثلاثة مواطن)، وبعضها اشتمل علی الأربعة.

ویستفاد من ذلک أنّ عنوان الأربعة الوارد فی الأدلّة لیس للتحدید، بل من باب أبرز المصادیق والأفراد.

اللسانان الآخران: المشاهد ومشاهد النبی صلی الله علیه وآله:

ومن ثمّ ورد فی روایات التطوّع والنوافل فی الأماکن الأربعة لسان وعنوان خامس وهو مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله (2) وهو عنوان آخر غیر البلدان الأربعة، کما قرّب ذلک عدة من القدماء وبعض المتأخرین کالمیر داماد.

وسنذکر التلازم بین موضوعی التطوع النهاری والإتمام فی الصلاة کما هو مفاد مصححة أبی یحیی الحناط قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة النافلة بالنهار فی السفر فقال: «یا بنی لو صلحت

ص:447


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 4.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 26.

النافلة فی السفر تمت الفریضة» (1).

1 - صحیحة ابن أبی عمیر، عن أبی الحسن علیه السلام، قال: «سألته عن التطوّع عند قبر الحسین علیه السلام وبمکّة والمدینة وأنا مقصّر؟

فقال: تطوّع عنده وأنت مقصّر ما شئت، وفی المسجد الحرام، وفی مسجد الرسول، وفی مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله، فإنّه خیر» (2).

فإنّه لا یخفی دلالتها من وجهین:

الأوّل: ما مرّ من التعلیل بأنّ إکثار الصلاة خیر فی الأرض ذات الشرافة والقدس، وهو جزء الموضوع للإتمام.

الثانی: عنوان مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله، فإنّه - کما استظهره جملة من القدماء وعدة من المتأخرین کما مَرَّ - یغایر عنوان المساجد وعنوان البلدان الأربعة، بل هو ناصّ علی شرافة المکان بإضافته للنبیّ صلی الله علیه وآله ویندرج فیه ما اضیف إلی أهل بیته، کما قرّر فی روایات الفریقین الواردة فی أنّ من بیوته بیت علیّ وفاطمة علیها السلام.

2 - روایة علیّ بن أبی حمزة الظاهر روایتها عنه فترة استقامته، فتکون معتبرة، قال: «سألت العبد الصالح علیه السلام عن زیارة قبر الحسین علیه السلام، فقال: ما احبّ لک ترکه.

ص:448


1- (1) الوسائل: أبواب أعداد الفرائض ونوافلها: ب 21 ح 5.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 26 ح 2.

قلت: وما تری فی الصلاة عنده وأنا مقصّر؟

قال: صلّ فی المسجد الحرام ما شئت تطوّعاً، وفی مسجد الرسول صلی الله علیه وآله ما شئت تطوّعاً، وعند قبر الحسین علیه السلام، فإنّی احبّ ذلک.

قال: وسألته عن الصلاة بالنهار عند قبر الحسین علیه السلام ومشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله والحرمین تطوّعاً ونحن نقصّر؟

فقال: نعم، ما قدرت علیه» (1).

والامتیاز فی دلالة هذه الروایة هو رغم أنّ جوابه علیه السلام الأوّل لم یشتمل علی عنوان مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله إلّا أنّ الراوی ارتکازاً جعله عنواناً مقابلًا للحرمین وفهم واستظهر من لسان الأدلة عموم عنوان الموضوع وجوابه علیه السلام تقریر لهذا الارتکاز، ممّا یدلّ علی إرادة الأرض التی فیها إضافة له صلی الله علیه وآله ممّا حصل مشهداً مهمّاً استحقّ به قدسیّة، وهذا تقریب صریح بالمغایرة بین عنوان المشاهد وعنوان الحرمین والمسجدین، کما تقدّم تقریب ذلک فی صحیحة ابن أبی عمیر.

3 - موثّق إسحاق بن عمّار، عن أبی الحسن علیه السلام، قال: «سألت عن التطوّع عند قبر الحسین علیه السلام ومشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله والحرمین والتطوّع فیهنّ بالصلاة ونحن مقصّرون؟ قال: نعم، تطوّع ما قدرت علیه هو خیر»(2).

ص:449


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 26 ح 1.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 26 ح 4.

والتقریب فیه کما مرّ.

4 - ما رواه ابن قولویه صحیحاً عن أبیه، عن سعد بن عبدالله، قال: «سألت أیّوب بن نوح عن تقصیر الصلاة فی هذه المشاهد مکّة والمدینة والکوفة وقبر الحسین علیه السلام، والذی روی فیها، فقال: أنا اقصّر، وکان صفوان یقصّر، وابن أبی عمیر وجمیع أصحابنا یقصّرون»(1).

وهذه الصحیحة وإن کانت فی سیرة الرواة وما ذهب إلیه فقهاء الرواة من مشروعیّة التقصیر أو رجحانه أو تعیّنه حسب محتملات مفادها، إلّا أنّ وجه الاستظهار للمطلوب منها هو تقریر الارتکاز لدی الأصحاب أنّ الأماکن الأربعة من باب مصادیق عنوان المشاهد الذی هو عنوان عامّ لا للحصر فی شخص العناوین الأربعة، فیدعم بقیّة الروایات.

5 - صحیحة عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الصلاة فی مسجد غدیر خم بالنهار وأنا مسافر، فقال: «صل فیه فان فیه فضلا، وقد کان أبی علیه السلام یأمر بذلک»(2).

6 - صحیحة أبان عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «إنه تستحب الصلاة فی مسجد الغدیر لأنَّ النبی صلی الله علیه وآله أقام فیه أمیر المؤمنین علیه السلام، وهو موضع أظهر الله عَزَّ وَجَلَّ فیه الحق»(3) فإن التعلیل فیهما بأن النبی صلی الله علیه وآله أقام أمیر

ص:450


1- (1) کامل الزیارات ب 81 ح 9 ص 429.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 61 ح 2.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 61 ح 3.

المؤمنین علیه السلام إشارة إلی عنوان مشاهد النبی وأهل بیته (صلوات الله علیهم)، وأن السفر لا یسقط فضیلة صلاة النافلة نهارا فیه، بل عموم طبیعة الصلاة ولو فریضة.

مع أن عبد الرحمن بن الحجاج وهو فقیه قد ارتکز لدیه سببیة السفر لسقوط النفل فی النهار وعدم مشروعیتها فمن ثم استفهم عن عمومیة فضیلة الصلاة فی مسجد الغدیر للمسافر ولو نهارا.

7 - الصدوق فی الفقیه قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: «من أتی مسجدی مسجد قبا فصلی فیه رکعتین رجع بعمرة»(1).

8 - محسنة عقبة بن خالد قال: «سألت أبا عبدالله علیه السلام إنا نأتی المساجد التی حول المدینة فبأیها أبدأ؟

فقال: ابدأ بقبا فصل فیه وأکثر فإنه أول مسجد صلی فیه رسول الله صلی الله علیه وآله فی هذه العرصة ثم ائت مشربة أم إبراهیم فصل فیها، فإنها مسکن رسول الله صلی الله علیه وآله ومصلاه ثم تأتی مسجد الفضیخ فتصلی فیه فقد صلی فیه نبیک صلی الله علیه وآله، فإذا قضیت هذا الجانب أتیت جانب أحد فبدأت بالمسجد الذی دون الحیرة فصلیت فیه، ثم مررت بقبر حمزة بن عبد المطلب فسلمت علیه، ثم مررت بقبور الشهداء فقمت عندهم فقلت: «السلام علیکم یا أهل الدیار أنتم لنا فرط وإنا بکم لاحقون» ثم تأتی

ص:451


1- (1) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 60 ح 3.

المسجد الذی فی المکان الواسع إلی جنب الجبل عن یمینک حتی تأتی أحدا فتصلی فیه فعنده خرج النبی صلی الله علیه وآله إلی أحد حین لقی المشرکین فلم یبرحوا حتی حضرت الصلاة فصلی فیه، ثم مر أیضا حتی ترجع فتصلی عند قبور الشهداء ما کتب الله لک ثم امض علی وجهک حتی تأتی مسجد الأحزاب فتصلی فیه وتدعو الله، فإن رسول الله صلی الله علیه وآله دعا فیه یوم الأحزاب وقال: یا صریخ المکروبین، ویا مجیب دعوة المضطرین، ویا مغیث المهمومین اکشف همی وکربی وغمی فقد تری حالی وحال أصحابی» (1).

ولا یخفی دلالة الروایة علی فضیلة إکثار الصلاة فی مشاهد رسول الله صلی الله علیه وآله فی مواضع عدیدة، معللة إستحباب إکثار الصلاة بإرتباط الموضع بالنبی صلی الله علیه وآله کمشهد شهد حدثاً من الأحداث التی مرَّت علی النبی صلی الله علیه وآله وهی تتفاوت فی الفضیلة بحسب عظمة وأهمیة ذلک الحدث الذی مرَّ به.

الوجه الرابع: التنصیص الخاص علی الإتمام عند قبور بقیة الأئمة المعصومین علیهم السلام:

اشارة

1 - روی فی کامل الزیارات فی مصححة أبی علیّ الحرّانی«وهو عیسی بن راشد ظاهراًوقد تقدم الکلام فی توثیق رواة الطریق) قال: قلت لأبی عبدالله علیه السلام: ما لمَن زار قبر الحسین علیه السلام؟

ص:452


1- (1) الوسائل: أبواب المزار: ب 12 ح 2.

قال: مَن أتاه وزاره وصلّی عنده رکعتین أو أربع رکعات کتب الله له حجّة وعمرة.

قال: قلت: جُعلت فداک، وکذلک لکلّ مَن أتی قبر إمام مفترضة طاعته؟

قال: وکذلک لکلّ مَن أتی قبر إمام مفترض طاعته» (1).

تعدّد ألفاظ المتن وتعدّد الطرق:

وقد تقدم جملة من الکلام فی ذلک وأنه قد رواه کل من المفید فی المزارین والطوسی فی التهذیب والمشهدی فی المزار الکبیر، وهذا المتن قد روی بطرق متعدّدة ومستفیضة عن هارون بن مسلم، عن أبی علیّ الحرّانی (الخزاعی)، وهی صحیحة السند.

ومضافاً لماتقدم من الطرق والمصادر فقد رواه ابن طاووس فی مصباح الزائر عن الصادق علیه السلام فی حدیث ومتنه: «أنّ مَن زار إماماً مفترض الطاعة بعد وفاته، وصلّی عنده أربع رکعات کتبت له حجّة وعمرة»(2).

رواه بهذا المتن فی البلد الأمین أیضاً. وهذا المتن رواه - قبل ابن

ص:453


1- (1) کامل الزیارات ب 83 ح 3.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار ب 69 ح 10.

طاووس - المفید فی موضع من المزار الثانی (الصغیر) فی الباب: مختصر فضل زیارة العسکریّین علیهما السلام(1) ، وکذلک رواه فی المقنعة تحت عنوان: (باب فضل زیارة أبی الحسن وأبی محمّد علیّ بن محمّد والحسن بن علیّ علیهما السلام: «مَن زار إماماً مفترض الطاعة بعد وفاته وصلّی عنده أربع رکعات کتب الله له حجّة وعمرة»(2).

والمدّعی فی تقریب دلالة الروایة أنّ التردید فیها بین الرکعتین والأربع للتخییر فی الفریضة بین القصر والتمام، اذ کما أنّه یستحبّ عمارة هذه المشاهد المقدّسة بالزیارة یستحبّ مؤکّداً أیضاً إقامة الفرائض والنوافل وإکثار الصلاة فیها، کما هو مفاد قوله تعالی فی معلمیة البیت الحرام أنه لإقامة الصلاة ولتولی ذریة إبراهیم الخلیل علیه السلام وهم النبی وأهل بیته (صلوات الله علیهم أجمعین): (رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ) (3).

وعلی هذا التقریر الآتی تفصیله تکون هذه الصحیحة ناصّة علی التخییر فی جمیع مراقد المعصومین علیهم السلام، بینما احتمل المجلسی فی ملاذّ الأخیار أنّ المراد بالصلاة صلاة زیارة کلّ إمام، وأنّ أقلّها رکعتان،

ص:454


1- (1) المزار الثانی (الصغیر) ب 18 ح 2.
2- (2) المقنعة: ج 1 ص 486.
3- (3) سورة إبراهیم: الآیة 37.

والأربع أفضل، ویدفع هذا الاستظهار ما یدل علی التقریر المتقدم من الشواهد التالیة:

فقه ودلالة الروایة:

1 - ما فی مزار المفید، حیث أورد هذه الروایة فی باب (فضل الصلاة فی مشهد الحسین بن علیّ علیهما السلام وقال: «ویجب أن تؤدّی الفرائض بأسرها والنوافل کلّها طول المقام هناک فیه، وأفضل المواضع للصلوات عند رأس الإمام علیه السلام. حدّثنی أبو القاسم جعفر بن محمّد، قال: حدّثنی جعفر بن محمّد بن إبراهیم، عن عبدالله بن نهیک، عن ابن أبی عمیر، عن رجل، عن أبی جعفر علیه السلام، قال: (قال لرجل: یا فلان، ما یمنعک إذا عرضت لک حاجة أن تأتی قبر الحسین فتصلّی عنده أربع رکعات، ثمّ تسأل حاجتک؟ فإنّ الصلاة الفریضة عنده تعدل حجّة وصلاة النافلة عنده تعدل عمرة»(1).

وهذا سند صحیح إلی ابن أبی عمیر.

ولا یخفی أنّ هذه الصحیحة إلی ابن أبی عمیر نصّ فی إرادة الإتمام فی الفریضة من (الأربع رکعات) الواردة فی صحیحة الحرّانی، وأنّ التردید بین الاثنتین والأربع، هو التخییر بین القصر والتمام.

ص:455


1- (1) المزار الأول (الکبیر): ب 59 ح 1.

وقد أورد صحیحة ابن أبی عمیر المصرّحة بإرادة الفریضة من الأربع رکعات ابن قولویه فی کامل الزیارات(1). ورواه فی التهذیب(2) أیضاً.

2 - ما فی معتبرة عبدالله بن سعید الأسدی (أبی شبل)، قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: أزور قبر الحسین علیه السلام؟ قال علیه السلام: زر الطیّب، وأتمّ الصلاة عنده. قلت: اتمّ الصلاة؟ قال: أتمّ. قلت: بعض أصحابنا یری التقصیر؟ قال: إنّما یفعل ذلک الضعفة»(3).

وقد رواه کلّ من الکلینی فی الکافی، وابن قولویه فی کامل الزیارات، والشیخ فی التهذیبین.

وهذه الروایة ناصّة علی أنّ شدّ الرحال والسفر إلی قبر الحسین علیه السلام لغایتین:

الاولی: زیارته علیه السلام، والثانیة: إقامة الفریضة عنده، وإتمامها فضل آخر، فکما أنّ إقامة الفریضة فی المسجد الحرام والمسجد النبویّ لها من الفضل العظیم، فکذلک إقامة الفریضة عند الحسین علیه السلام حتّی أنّه قد روی المفید فی المزار، وابن قولویه فی کامل الزیارات أنّ فضیلة کلّ رکعة من الفریضة عند الحسین علیه السلام تعدل ثواب ألف حجّة وألف

ص:456


1- (1) کامل الزیارات: ب 83 ح 1.
2- (2) التهذیب: ج 6 ص 73 ح 141.
3- (3) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 25 ح 12.

عمرة، وإعتاق ألف رقبة، وکأنّما وقف فی سبیل الله ألف مرّة مع نبیّ مرسل(1).

فبذلک یظهر أنّ الأمر بالزیارة لقبر المعصوم علیه السلام، والعطف علیه بالأمر بالصلاة عنده المراد منه هو إقامة الفریضة فی الدرجة الاولی، وإتمامها وإتیان النوافل والإکثار من التطوّع فی الدرجة الثانیة، فیکون الظاهر من مصححة الحرّانی من إتیان قبر الحسین علیه السلام وزیارته والصلاة عنده رکعتین أو أربع هو إقامة الزیارة والفریضة نظراً لِعظَم فضیلتها بإقامتها عنده مخیّراً بین التقصیر (رکعتین) والإتمام (أربع).

وما یعزّز هذا الشاهد أنّ إقامة الفریضة عند الحسین علیه السلام أحد الغایات العبادیّة ذات الفضیلة العظمی - مضافاً إلی ما تقدّم - ما أورده ابن قولویه فی الباب الذی عقده الباب ( 83) تحت عنوان: (إنّ الصلاة الفریضة عنده تعدل حجّة، والنافلة عمرة) فقد أورد فی هذا الباب مصحّحة شعیب العقرقوفی، عن أبی عبدالله علیه السلام، قال: «قلت له: مَن أتی قبر الحسین علیه السلام ما له من الثواب والأجر، جُعلت فداک؟ قال: یا شعیب، ما صلّی عنده أحد الصلاة إلّا قَبِلَها الله منه...»(2) الحدیث.

ومفادها صریح فی کون أحد غایات قصد السفر والذهاب إلی قبر الحسین علیه السلام، وشدّ الرحال إلیه، هو إقامة صلاة الفریضة عنده

ص:457


1- (1) کامل الزیارات ب 83 ح 2. المزار الأول للمفید ب 59 ح 2.
2- (2) کامل الزیارات ب 83 ح 4.

وقبولها ببرکته.

3 - إنّه قد نصّ فی جملة من الروایات أنّ ثواب الحجّ والعمرة هو علی التفصیل من أنّ ثواب الحجّة لرکعة الفریضة وثواب العمرة لرکعة النافلة، کما مرّ فی الصحیح إلی ابن أبی عمیر، عن رجل، عن أبی جعفر علیه السلام المتقدّمة(1).

4 - الشاهد الرابع: إنّ لسان ما ورد من الحثّ علی إقامة الصلاة عند قبر الحسین علیه السلام وقبر کلّ إمام مفترض الطاعة، ورد بعنوان (الصلاة عنده) وثواب إقامتها عنده، ومن الواضح أنّ التقیید ب - (عنده) فی تلک الروایات المستفیضة أنّ هذه الصلاة رجحانها لیس من جهة کونها صلاة زیارة، وأنّ صلاة الزیارة مخیّرة بین الرکعتین والأربع فی زیارة کلّ إمام، بل من جهة إقامة هذه الصلاة عند المعصوم، وإقامة الصلاة هذه من حیث هی هی عند المعصوم، وأبرز ذلک صلاة الفریضة والنوافل الیومیّة والنوافل ذات الأسباب.

5 - الشاهد الخامس: أنّ عنوان (الأربع) فی الصلاة باتَ عنواناً للإتمام فی الفریضة، فالأمر بالرکعتین أو بالأربع بلفظة (أو) لسان من ألسنة التخییر بین القصر والإتمام. ویبدو هذا واضحاً لمَن راجع مستفیض الروایات ومتواترها فی أبواب صلاة المسافر، نظیر مرفوعة محمّد بن أحمد بن یحیی، عن بعض أصحابنا، رفعه إلی أبی عبدالله علیه السلام،

ص:458


1- (1) المزار الأول (الکبیر) للمفید: ب 59. ح 1.

قال: «مَن صلّی فی سفره أربع رکعات، فأنا إلی الله منه بریء»(1).

وفی مرسلة الصدوق إسناد هذا القول إلی الرسول صلی الله علیه وآله(2).

کما قد أورد صاحب الوسائل فی الباب ( 17) من أبواب صلاة المسافر عدّة من الأحادیث بلفظ: (مَن صلّی - أو مَن یصلّی - فی السفر أربع رکعات) عنواناً للإتمام وغیرها من أبواب صلاة المسافر، کما قد ورد فی تلک الأبواب أیضاً.

6 - وقدْ روی الصدوق فی ثواب الأعمال بسند متّصل عن أبی النمیر، قال: «قال أبو جعفر علیه السلام: إنّ ولایتنا عرضت علی أهل الأمصار فلم یقبلها قبول أهل الکوفة [شیء]؛ وذلک أنّ قبر أمیر المؤمنین علیه السلام فیه، وإنّ إلی لزقِهِ لقبراً آخر - یعنی قبر الحسین علیه السلام - وما من آت أتاه یصلّی عنده رکعتین أو أربعاً، ثمّ سأل الله حاجته إلّا قضاها له، وإنّه لیحفّه کلّ یوم ألف ملک»(3).

ورواه ابن قولویه فی کامل الزیارات بطریقین: أحدهما عن محمّد بن ناجیه، عن عامر بن کثیر، عن أبی النمیر، وهو غیر طریق الصدوق إلی عامر بن کثیر، عن أبی النمیر، والطریق الآخر لابن قولویه بإسناد معتبر عن الحلبی عن أبی عبدالله علیه السلام.

ص:459


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 22 ح 8.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر: ب 22 ح 3.
3- (3) الوسائل: أبواب المزار ب 69 ح 4 وثواب الأعمال ص 114 ح 20.

ومفاد هذه الروایة المعتبرة (بطریقین) خصوصیّة إقامة الصلاة عند قبر أمیر المؤمنین علیه السلام، وأنّه مخیّر بین القصر برکعتین أو الإتمام بالأربع، وأنّ ثوابها قضاء الحاجة. وهذه الروایة مختصّة بفضیلة إقامة الصلاة عند قبر أمیر المؤمنین علیه السلام، والتخییر بین القصر والتمام، کما أنّها دالّة علی أنّ الرکعتین أو الأربع هی التخییر فی الفریضة لاصلاة الزیارة النافلة.

ومتنها بطریق ابن قولویه عن الحلبی أنّ أبا عبدالله قال: «إنّ الله عرض... وإنّ إلی جانبها قبراً لایأتیه مکروب فیصلّی عنده أربع رکعات إلّا رجعه الله مسروراً بقضاء الحاجة»(1).

الوجه الخامس: عموم موضوع الإتمام (حرم الله وحرم رسوله صلی الله علیه وآله، وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام للمشاهد المشرفة:

قدْ مرَّ فی الوجه الثالث أن عنوان (المشاهد) و (مشاهد النبی) قدْ ورداً عدیداً فی الروایات، ومضافا إلی ذلک قد ثبت نعت مراقدهم علیهم السلام بأنّها من حرم الله وحرم الرسول، کما ورد فی الزیارات المستفیضة وغیرها، وأنّها من بیوت النبیّ صلی الله علیه وآله، کما مرّت الإشارة إلیه، منها ما ورد فی صحیحة الحسین بن ثویر الواردة فی آداب زیارة الإمام الحسین علیه السلام عن أبی عبد الله علیه السلام: «إذا أتیت أبا عبدالله علیه السلام فاغتسل علی شاطئ الفرات والبس ثیابک الطاهرة، ثم امش حافیا فإنک فی حرم من حرم

ص:460


1- (1) کامل الزیارات ب: 69 ح 4.

الله وحرم رسوله» (1) وحینئذ یندرج فی لسان ما ورد فی إتمام المسافر فی حرم الله وحرم الرسول، ولایشکل بظهورهما فی القضیّة الخارجیّة، وأنّ التنزیل لیس بلحاظ مطلق الآثار، فإنّه یدفع بأنّ ظاهر أدلّة الإدراج أنّها بلحاظ حکم التعظیم والتقدیس والفضیلة، فهی توسعة لعنوان الحرمین، لاسیّما مع ما مرّ فی جملة من الروایات المعتبرة أنّ بیوت النبیّ وأهل بیته أعظم فضیلة من المسجدین، وأنّ أهم أسباب فضیلة المسجد الحرام هی أنّه صلّی فیه الأنبیاء وفیه قبور سبعین نبیّاً أو أکثر فی مواضع متعدّدة حول الکعبة.

ویعضده إطلاق الحرم علی کل مراقدهم فی الروایات، وقد أخذ عنوان الحرم فی روایات الإتمام فی المواطن الأربعة کما فی الباب ( 25) من أبواب صلاة المسافر وهو مشعر بعلیة الحرمیة للإتمام.

ص:461


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 62 ح 1.

ص:462

الملحقات والتبیهات

اشارة

ملحق الوجه الأول لتبیین عموم الموضوع:

تنبیهات مسألة عموم التخییر وأفضلیة الإتمام فی مشاهد الأئمة علیهم السلام:

ملحق الوجه الأوَّل: لتبیین عموم الموضوع: فضیلة وشرف مشاهد المعصومین:

اشارة

قال الشیخ خضر بن شلّال (تلمیذ العلّامة بحرالعلوم) فی أبواب الجنان فی صدر کتابه تحت عنوان (شرف المشاهد): (والبیت الذی لا ریب أنّ مزید شرفه عند أهل السماوات السبع والأرضین السبع کنار علی علم، کمزید شرف المدینة والنجف الأشرف وکربلاء وسائر المشاهد المشرّفة علی ما عداها عندهم، سیّما ما اشتملت علیه من الروضات التی لاریب أنّها من ریاض الجنّة... (إلی أن قال ما یستفاد منه): ما یستفاد من کثیر من وجوه العقل والنقل من أنّ روضة النبیّ وروضة ابن عمّه والأئمّة المعصومین أفضل من المسجد الحرام

ص:463

الذی قد مرّ أنّ الصلاة فیه بألف صلاة فی مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله الذی قد مرّ أنّ الصلاة فی مسجده بعشرة آلاف صلاة، سیّما بعد ملاحظة ما ورد عن الصادق علیه السلام أن المبیت عند علیّ یعدل(1) عبادة سبعمائة عام(2) ، وعند الحسین سبعین عاماً(3) ، وأنّ الصلاة عند علیّ مائتی ألف صلاة.

وعن مولانا الرضا علیه السلام، أنّه قال: «جوار أمیر المؤمنین یوماً خیر من عبادة سبعمائة سنة، وعند الحسین خیر من عبادة سبعین عاماً»، وخصوصاً بعد ملاحظة الاعتبار وتتبّع السیر والآثار، وما جاء فی قبر النبیّ صلی الله علیه وآله والمدینة وقبر فاطمة وقبور الأئمّة المعصومین علیهم السلام ومشاهدهم من مزید الفضل.

ثمّ ذکر فضائل للمدینة المنوّرة والغریّ وکربلاء، ثمّ نقل قول الشهید فی الدروس: (إنّها (أی مکّة) أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول الله صلی الله علیه وآله، وروی فی کربلاء مرجّحات، والأقرب أنّ قبور الأئمّة کذلک، أمّا البلدان التی هم بها فمکّة أفضل منها حتّی من المدینة)، انتهی کلام الدروس(4).

ص:464


1- (1) والصحیح کما فی الروایة أفضل کذا عند الحسین علیه السلام.
2- (2) لاحظ کتاب الذریعة للطهرانی فی حرف (میم) فی ترجمة مدینة العلم للصدوق حیث ذکر سنداً عن أحد الأعلام لروایة متضمنة لذلک وقد تضمنت فضل المبیت عند الحسین علیه السلام أیضا أنه أفضل من سبعین عاما أیضا.
3- (3) مضافاً لما تقدم من کتاب الذریعة روی ذلک ابن قولویه فی کامل الزیارات فی بابین بطریقین أن المبیت عند الحسین علیه السلام أفضل من عبادة سبعین عاماً.
4- (4) الدروس الشرعیة ج 1 ص 457 (أفضل بقاع الأرض، وما یستحب فیها).

ثمّ قال الشیخ ابن شلّال شرحاً لکلام الدروس: «کالصریح فی (تفضیل) روضة قبر النبیّ وقبور الأئمّة علی الکعبة الحرام، وفی کلام الأصحاب کقریب من ذلک الذی لایشکّ فیه ذو مسکة، کما لایشکّ فی تفضیل بلدانهم علی مکّه من سائر البلدان، وإن تأمّل فی تفضیلها علی مکّة التی قد یوجد فی الأخبار المتواترة معنی ما یدلّ علی مزید فضل المدینة والنجف الأشرف وسائر بلدان الأئمّة علی مکّة أیضاً، بل علی الکعبة التی قد ورد أنّها تفاخرت مع کربلاء ففخرتها».

ثمّ ذکر جملة من الروایات الدالّة علی تفضیل کربلاء علی مکّة ومزایاها العدیدة، وذکر أنّ حریم قبر الحسین علیه السلام إلی خمسة فراسخ مستشهداً لعدّة من الروایات، ونقل عن المجلسی قدس سره فی البحار عن المصباح أنّ تعدّد حرمة حریم قبر الحسین من ترتّب هذه المواضع فی الفضل.

ثمّ حکاه عن التهذیب، وهو موجود فی المقنعة أیضاً، ثمّ قال: «قلت: والأمر فی ذلک سهل بعد ما عرفت من کون المراد منه ترتّب الفضل الذی لاریب أنّه کلّما قرب من الجدث الشریف کان آکد فی سائر المشاهد التی لایشکّ فی کون روضاتها أفضل من الکعبة الحرام التی لایشکّ فی مزید فضلها وفضل بلادها ومواقعها علی ما عدا المشاهد الشریفة التی قد یعلم من النصوص وکثیر من الوجوه أنّ بلدانها أفضل من سائر البلاد، وإن کان فی تفضیلها علی الکعبة الحرام إشکال لایخلو منه تفضیله علی المسجد الحرام، بل سائر المساجد وإن

ص:465

ورد فی المدینة والنجف وکربلاء والکوفة وغیرها ما ورد من النصوص التی قد تحمل علی خصوص الروضة وما قاربها بأذرع، ولعلّه هو الوجه الجامع بین النصوص التی لاتلتئم إلّا علی تقدیره الذی قد یکون هو المعلوم من مذهب الأصحاب وطریقتهم خلفاً عن سلف، وإن اشتهر من أمثال عصرنا تفضیل کربلاء علی الکعبة الحرام حتّی نقل فی الأشعار، وقال العلّامة الطباطبائی:

وفی حدیث کربلاء والکعبة لکربلاء بان علوِّ الرتبة

وقد لایرید إلّا ما أشرنا إلیه من مزید فضل الروضة الشریفة وما قاربها علی الکعبة وسائر المساجد وغیرها، کما قد لایرید غیر ذلک معظم مَن قد أشرنا إلیه، فلاتغفل وتدبّر فی ما یستفاد من أنّ مثل الصحن الشریف والرواق فی النجف وکربلاء وسائر المشاهد المشرّفة أفضل من سائر المساجد حتّی المسجد الأعظم، بلْ والکعبة الحرام، فضلًا عن خصوص الروضات المشرّفة التی لاینبغی التأمّل فی مزید فضلها وفضل مساکنهم فی أیّام حیاتهم علی کلّ بقعة من بقاع الأرض علی اختلاف فی مراتبها من الفضل الذی لاریب أنّه لرسول الله صلی الله علیه وآله، ثمّ لأخیه علیه السلام، ثمّ لولدیه علیهم السلام، ثمّ لسائر الأئمّة علیهم السلام، ثمّ لسائر الأنبیاء علیهم السلام علی اختلاف مراتبهم أیضاً»(1).

ص:466


1- (1) أبواب الجنان: ص 52-58.

وقال المحقّق السبزواری فی الذخیرة فی الصلاة عند القبور: «ولاریب أنّ الإمامیّة مطبقة علی مخالفة قضیّتین من هذه، إحداهما البناء، والاخری الصلاة فی المشاهد المقدّسة... والأخبار الدالّة علی تعظیم قبورهم وعمارتها وأفضلیّة الصلاة عندها، وهی کثیرة».

وفی العروة قال الیزدی فی فصل مکان المصلی فی الأمکنة المستحبّة: «مسألة 5: یستحبّ الصلاة فی مشاهد الأئمّة (علیهم السلام) وهی البیوت التی أمر الله تعالی أن ترفع ویذکر فیها اسمه، بل هی أفضل من المساجد، بلْ قدْ ورد فی الخبر أنّ الصلاة عند علیّ علیه السلام بمائتی ألف صلاة، وکذا یستحبّ فی روضات الأنبیاء ومقام الأولیاء والصلحاء والعلماء والعباد، بل الأحیاء منهم أیضاً».

آیة بیوت النور:

ثمّ إنّه هناک آیتان متطابقتان مع مفاد أدلّة تعمیم الموضوع للإتمام، وبعبارة أُخری هما واردتان فی بیان الموضوع لحکم الإتمام:

الاولی: وهی الکبری الأصلیّة للموضوع، قوله تعالی: (بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ) (1).

وتقریب دلالة الآیة علی تحقق قیود موضوع الإتمام فی جمیع

ص:467


1- (1) سورة النور: الآیة 36.

مشاهد المعصومین علیهم السلام لاخصوص الأماکن الأربعة:

القید الأوّل: کون هذه البیوت هی بیوت المعصومین الأربعة عشر وبیوت الأنبیاء وبعض المساجد العظیمة المقدّسة، وأفضلها بیت النبیّ وبیوت آله.

القید الثانی: تقدیس هذه البیوت، أی تشعیرها مشاعر من قِبله تعالی، کما قرّر هذا القید الشیخ جعفر کاشف الغطاء.

القید الثالث: رجحان إکثار الصلاة ومطلق العبادة وذکر الله فیها.

وبهذا التقریر یندرج مفاد قوله تعالی علی لسان إبراهیم فی سورة إبراهیم تحت هذا المفاد الذی هو کالقاعدة الکلّیّة فی آیة النور، وهو قوله تعالی: (رَبَّنا إِنِّی أَسْکَنْتُ مِنْ ذُرِّیَّتِی بِوادٍ غَیْرِ ذِی زَرْعٍ عِنْدَ بَیْتِکَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِیُقِیمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِی إِلَیْهِمْ ) (1) وکذا قوله تعالی - کما سیأتی -: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی) (2).

وأمّا القید الأوّل (3) ، فقد استفاضت روایات أهل البیت علیهم السلام فی أنّ أبرز مصادیق البیوت فی الآیة هی بیوت النبیّ وأهل بیته (صلوات الله علیهم أجمعین)، کما فی مستفیض الزیارات کالجامعة وروایات المعارف، بل قد بسطنا تقریب دلالة آیات النور الثلاث قبلها وبعدها علی

ص:468


1- (1) سور ة إبراهیم: الآیة 37.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 125.
3- (3) لاحظ الإمامة الإلهیة ج 4.

إرادة النبیّ وأهل بیته، کما نبّه علی ذلک فی إشارات الروایات، بل ورد فی روایات الفریقین(1) ، کما رواه السیوطی فی ذیل الآیة، وأخرجه عن جمع من المحدّثین المتقدّمین عندهم أنّ سائلًا سأل النبیّ عن هذه البیوت أهی بیوت الأنبیاء؟ فأجاب صلی الله علیه وآله: نعم، فقام أبو بکر وأشار إلی بیت علیّ وفاطمة وقال: أهذا منها؟ فقال النبیّ صلی الله علیه وآله: هو من أفاضلها»(2).

وقد ورد فی مستفیض روایات الزیارات استحباب الاستئذان قبل دخول مشاهدهم، وأفتی بذلک جماعة کثیرة من الأعلام وقد تضمّن لفظ الإستئذان کون المشهد بیتاً من بیوت النبیّ صلی الله علیه وآله، فقد ورد فی بعض نصوص الإستئذان فقرة: «وَقَفْتُ عَلی بابِ بَیْت مِنْ بُیُوتِ نَبِیِّکَ وَآلِ نَبِیِّکَ عَلَیْهِ وَعَلَیْهِمُ السَّلَامُ، وَقَدْ مَنَعْتَ النّاسَ الدُّخولَ إِلَی بُیُوتِهِ إِلَّا بِ - إِذْنِ نَبِیِّکَ صلی الله علیه وآله...».

کما فی المزار الکبیر لابن المشهدی(3). وأیضاً تحت عنوان: الزیارة الاولی الجامعة لسائر المشاهد علی أصحابها أفضل السلام(4) ، وفی زیارة أمیر المؤمنین فی یوم الغدیر(5) ، وفی البلد الأمین(6) ، ومصباح

ص:469


1- (1) صحیح جمیل بن دراج فی الکافی: ج 4 556.
2- (2) الدر المنثور: ذیل الآیة.
3- (3) المزار لابن المشهدی ص 55.
4- (4) المزار لابن المشهدی: ص 555.
5- (5) المزار لابن المشهدی: ص 64.
6- (6) ص 76.

الکفعمی(1) ، ومزار الشهید(2). وذکر السیّد ابن طاووس فی آداب السرداب(3) نقلًا عن نسخة قدیمة من أصحابنا.

وأمّا القید الثانی: وهو تقدیس البیوت وتشعیرها، وقد بسطنا الکلام فی ذلک فی کتابنا الإمامة الإل - هیّة فی التوسّل، وقرّر غیر واحد من الأعلام کالشیخ الکبیر، أنّه یستفاد من الآیة تشعیر مراقد المعصومین علیهم السلام، لاسیّما بضمیمة الأحادیث المستفیضة من الفریقین کالحدیث النبویّ الوارد: «ما بین بیوتی ومنبری روضة من ریاض الجنّة»(4).

وقد فسّر تلک البیوت ببیوته وبیت علیّ وفاطمة وسائر المعصومین علیهم السلام، فلاحظ ثمّت.

أمّا القید الثالث: وهو رجحان إکثار الصلاة، فقد وردت فی ذلک روایات عظیمة الدلالة:

1 - معتبرة یاسر الخادم، عن الرضا علیه السلام: «لاتشدّ الرحال إلی شیء من القبور إلّا إلی قبورنا»(5).

ص:470


1- (1) ص 472.
2- (2) ص 19.
3- (3) نقلناه عن البحار ج 99 ص 83 وص 145.
4- (4) الکافی: ج 4 ص 554. ومسند أحمد ج 4 حدیث عبد الله بن زید بن عاصم ص 39.
5- (5) الوسائل: أبواب المزار ب 84 ح 1.

وفی هذه المعتبرة دلالة واضحة علی أنّ شدّ الرحال هو لزیادة نیل الخیر والفضل فی العبادة، وإکثارها عند قبورهم، وأنّها بمثابة المسجدین اللذین یشدّ إلیهما الرحال لقصد ذلک، فإنّه ورد فی الحدیث: «لاتشدّ الرحال إلّا إلی ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الکوفة»(1).

وروی مسلم فی صحیحه عن أبی هریرة عن رسول الله صلی الله علیه وآله: «إنما یسافر إلی ثلاثة مساجد، مسجد الکعبة ومسجدی ومسجد إیلیا»(2).

2 - مصحّحة جمیل بن درّاج، قال: «سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما بین منبری وبیوتی روضة من ریاض الجنّة، ومنبری علی تُرعة من تُرع الجنّة، وصلاة فی مسجدی تعدل عشرة آلاف صلاة فی ما سواه من المساجد، إلّا المسجد الحرام. قال جمیل: قلت له: بیوت النبیّ وبیت علیّ منها؟ قال: نعم، وأفضل»(3).

وتقریب الدلالة فی هذه المصحّحة أنّها ناصّة علی أفضلیّة الصلاة والعبادة فی بیت علیّ وبیت النبیّ وأهل بیته المعصومین علی فضیلة الصلاة فی مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله، فهی نصّ فی أنّ ما ورد مستفیضاً فی الحثّ

ص:471


1- (1) مرسلة الصدوق، الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 44 ح 16.
2- (2) صحیح مسلم: ج 2 ص 1015 رقم الحدیث المسلسل ( 1397) کتاب الحج: باب المسجد الذی أسس علی التقوی.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 57 ح 4.

علی السفر إلی المسجدین وشدّ الرحال، والحثّ علی إکثار العبادة والصلاة فی مسجد النبیّ بعینه وارد بنحو آکد فی بیوت النبیّ وعلیّ وفاطمة وولدهما علیهم السلام، ومن ثمّ یقرب التطابق مع قول النبیّ فی روایة الفریقین أنّ تلک البیوت هی بیوت الأنبیاء، وأنّ بیت علیّ وفاطمة من أفاضل تلک البیوت.

3 - موثّقة یونس بن یعقوب: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: الصلاة فی بیت فاطمة أفضل أو فی الروضة؟ قال: فی بیت فاطمة» (1).

4 - مصحّحة جمیل بن درّاج: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: الصلاة فی بیت فاطمة مثل الصلاة فی الروضة؟ قال: وأفضل» (2).

ولایخفی أنّ موثّقة یونس صریحة فی أنّ بیوت أهل البیت علیهم السلام کبیت النبیّ صلی الله علیه وآله أعظم فضیلة من الصلاة فی مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله، وهذا النصّ ناصّ علی أنّ الفضیلة الواردة فی الصلاة وإکثارها فی مسجد النبیّ هی ثابتة بعینها لبیت النبیّ وبیت علیّ وفاطمة وأهل البیت علیهم السلام.

5 - وروی الکلینی عن الحسین بن محمّد الأشعریّ، قال: حدّثنی شیخ من أصحابنا یقال له عبدالله بن رزین، قال: «کنت مجاوراً بالمدینة مدینة الرسول صلی الله علیه وآله وکان أبو جعفر علیه السلام یجیء فی کلّ یوم مع الزوال إلی

ص:472


1- (1) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 59 ح 1.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 59 ح 2.

المسجد فینزل فی الصحن ویصیر إلی رسول الله صلی الله علیه وآله ویسلّم علیه ویرجع إلی بیت فاطمة علیها السلام» (1) الحدیث.

6 - مصحّحة ابن أبی عمیرعن بعض أصحابنا المتقدّمة، عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله: ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنة، ومنبری علی ترعة من ترع الجنة، لان قبر فاطمة علیها السلام بین قبره ومنبره، وقبرها روضة من ریاض الجنة وإلیه ترعة من ترع الجنة»(2).

7 - وروی المجلسی: وجدت بخطّ الشیخ حسین بن عبدالصمد ما هذا لفظه: «ذکر الشیخ أبو الطیّب الحسین بن أحمد الفقیه: مَن زار الرضا علیه السلام أو واحداً من الأئمّة علیهم السلام فصلّی عنده صلاة جعفر، فإنّه یکتب له بکلّ رکعة ثواب من حجّ ألف حجّة، واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، ووقف ألف وقفة فی سبیل الله مع نبیّ مرسل، وله بکلّ خطوة ثواب مائة حجّة، ومائة عمرة، وعتق مائة رقبة فی سبیل الله، وکتب له مائة حسنة، وحطّ منه مائة سیّئة»(3).

8 - روایة أبی عامر واعظ أهل الحجاز، عن الصادق علیه السلام، عن أبیه، عن جدّه علیهم السلام، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله لعلیّ علیه السلام: إنّ الله جعل قبرک وقبور ولدک بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وإنّ الله

ص:473


1- (1) الکافی: ج 1 ص 493، باب مولد أبی جعفر محمد بن علی الثانی.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار: ب 18 ح 5.
3- (3) البحار: ج 97 ص 137 کتاب المزار ب 3 آداب الزیارة وأحکام الروضات ح 25.

جعل قلوب نجباء من خلقه... فیعمرون قبورکم، ویکثرون زیارتها تقرّباً منهم إلی الله، ومودة منهم لرسوله...» الحدیث(1).

ولا یخفی أنّ الروایة متعرّضة لکلا القیدین فی الموضوع، کون قبورهم من ریاض الجنّة مقدّسة، واستحباب شدّ الرحال إلیها لعمارتها بالعبادة وکثرة الطاعة والصلاة.

9 - موثّقة الحسن بن علیّ بن الفضّال التی رواها الصدوق والطوسی عن أبی الحسن الرضا علیه السلام: «إنّ بخراسان لبقعة یأتی علیها زمان تصیر مختلف الملائکة، فقال فلایزال فوج ینزل من السماء وفوج یصعد إلی أن ینفخ فی الصور. وقیل له: یا ابن رسول الله، وأیّة بقعة هذه؟ قال: هی بأرض طوس، فهی والله روضة من ریاض الجنّة، مَن زارنی فی تلک البقعة کان کمَن زار رسول الله، وکتب الله تبارک وتعالی له ثواب ألف حجّة مبرورة، وألف عمرة مقبولة، وکنت أنا وآبائی شفعاءه یوم القیامة» (2).

10 - روی الصدوق فی الأمالی والعیون بطریقین مختلفین حسن کالصحیح عن الصقر بن دلف، قال: «سمعت سیّدی علیّ بن محمّد بن علیّ الرضا علیهم السلام یقول: مَن کانت له إلی الله عزّ وجلّ حاجة فلیزر

ص:474


1- (1) الوسائل: أبواب المزار: ب 26 ح 1.
2- (2) الفقیه ج 2 ص 585 والتهذیب ج 6 ص 108 وأمالی الصدوق المجلس 15 ص 36 والعیون ج 2 ص 256.

قبر جدّی الرضا علیه السلام بطوس، وهو علی غسل، ولیصلِّ عند رأسه رکعتین، ولیسأل الله تعالی حاجته فی قنوته، فإنّه یستجیب له ما لم یسأل مأثم وقطیعة رحم، فإنّ موضع قبره لبقعة من بقاع الجنّة، لایزورها مؤمن إلّا أعتقه الله تعالی من النار وأدخله دار القرار» (1).

11 - صحیح أبی هاشم داود بن القاسم الجعفری، قال: «سمعت أبا جعفر محمّد بن علیّ الرضا علیه السلام یقول: إنّ بین جَبَلَی طوس قبضة قُبضت من الجنّة، مَن دخلها کان آمناً یوم القیامة من النار» وقد رواها کلّ من الشیخ والصدوق(2).

ولا یخفی دلالة الصحیح والموثّق الذی قبله علی قدسیّة وشرافة أرض طوس المتضمّنة لقبر الإمام الثامن من أهل البیت علیهم السلام، ویثبت ذلک لأرض الکاظمیّة المتضمّنة لاثنین من أئمّة أهل البیت علیهم السلام، وسیأتی أمر الرضا علیه السلام بالصلاة فی المساجد حول قبر أبیه موسی بن جعفر علیهما السلام، کما فی محسّنة علیّ بن حسّان(3).

12 - حسنة کالمصحّحة لسلیمان بن حفص المروزی، قال: «سمعت

ص:475


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 88 ح 2. والعیون: ب 66 ح 32، وأمالی الصدوق المجلس 86 ص 684.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار ب 82 ح 13. والتهذیب ج 6 ص 109 ح ( 192). والفقیه ج 2 ص 349 ح ( 1602) والعیون ج 2 ص 256.
3- (3) المزار الکبیر ص 547.

أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام یقول: مَن زار قبر ولدی علیّ علیه السلام کان له عند الله عزّ وجلّ سبعون حجّة مبرورة. قلت: سبعون حجّة مبرورة؟! قال: نعم، وسبعون ألف حجّة. قلت: سبعون ألف حجّة؟! فقال: ربّ حجّة لاتقبل. مَن زاره أو بات عنده کان کمَن زار الله فی عرشه. قلت: مَن زار الله فی عرشه؟!

قال: نعم، إذا کان یوم القیامة کان علی عرش الله جلّ جلاله أربعة من الأوّلین وأربعة من الآخرین، فأمّا الأوّلون فنوح وإبراهیم وموسی وعیسی، أمّا الأربعة الآخرون فمحمّد وعلیّ والحسن والحسین، ثمّ یمدّ المطمار فیقعد معنا زوّار قبور الأئمّة علیهم السلام، ألاأنّ أعلاهم درجة وأقربهم حبوة زوّار قبر علیّ علیه السلام».

ورواه الصدوق فی الأمالی والعیون، ورواه ابن قولویه فی کامل الزیارات(1) ، والشیخ فی التهذیب عن الکلینی بطریق آخر عن یحیی بن سلیمان المازنی، عن أبی الحسن موسی علیه السلام(2) ، ورواه المشهدی فی المزار الکبیر عن الکلینی(3).

ولا یخفی دلالة الروایة علی عظمة زیارة قبورهم وفضیلتها علی

ص:476


1- (1) أمالی الصدوق المجلس 25 ح 186؛ وعیون أخبار الرضا ج 2 ص 291؛ وکامل الزیارات ب 101 ح 13؛ والوسائل: أبواب المزار ب 86 ح 1.
2- (2) التهذیب ج 6 ص 85.
3- (3) الوسائل أبواب المزار ب 81 ح 2.

زیارة المسجد الحرام، وبالتالی زیادة فضیلة الصلاة عندها علی الصلاة فیه، کما ورد فی فضیلة الصلاة فی بیت فاطمة علیها السلام علی الصلاة فی الروضة، کما أنّها دالّة علی فضیلة زیارة الرضا علیه السلام نظیر فضیلة زیارة الحسین علیه السلام.

وکذلک حرم العسکریّین علیهما السلام، ویعضده أنّ تربتهم علیهم السلام کانت واحدة(1) ، وقد مرّ فی مصحّح ابن أبی عمیر أنّ قبر فاطمة روضة من ریاض الجنّة(2) ، وفی مصحّح جمیل بن درّاج أنّ الصلاة فی بیت فاطمة أفضل من الصلاة فی روضة النبیّ (3).

13 - روایة محمّد بن سلیمان الزرقان، عن علیّ بن محمّد العسکری علیهما السلام، قال: «قال لی: یا زرقان، إنّ تربتنا کانت واحدة، فلمّا کان أیّام الطوفان افترقت التربة فصارت قبور شتّی والتربة واحدة»(4).

ومفاد هذه الروایة وحدة قدسیّة قبور الأئمّة مع قبر النبیّ صلی الله علیه وآله وقبر علیّ علیه السلام وقبر الحسین علیه السلام.

وفی حدیث الخصال المعتبر بإسناده عن علیّ علیه السلام فی حدیث

ص:477


1- (1) راجع الوسائل أبواب المزار ب 13 ح 1.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار: ب 18 ح 5.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 59 ح 2.
4- (4) الوسائل: أبواب المزار ب 13 ح 1. باب استحباب التبرک من مشهد الرضا ومشاهد الأئمة علیهم السلام والمزار للمفید باب مختصر فی فضل زیارات العسکریین: ص 201 ح 4. وفی التهذیب ج 6 ص 109 ح 10.

الأربعمائة، قال: «ألّموا [وأتمّوا] برسول الله صلی الله علیه وآله حجّکم إذا خرجتم إلی بیت الله الحرام، فإنّ ترکه جفاء، وبذلک امرتم، وألِمّوا بالقبور التی ألزمکم الله حقّها وزیارتها، واطلبوا الرزق عندها»(1).

وقد استفیض فی الزیارات أنّ طینتهم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض، وفی معتبرة محمّد بن مسلم حیث کان محمّد بن مسلم وجعاً، فأرسل إلیه أبو جعفر علیه السلام شراباً فتشافی منه فقال علیه السلام: «یا محمّد، إنّ الشراب الذی شربته فیه من طین قبور آبائی، وهو أفضل ما استشفی به، فلاتعدلنّ به، فإنّا نسقیه صبیاننا ونساءنا، فنری فیه کلّ خیر» الحدیث(2) ، فأضاف علیه السلام الطین إلی کلّ آبائه.

14 - وفی کامل الزیارات: روی ابن قولویه بإسناده عن الأصمّ، عن عبدالله بن بکیر - فی حدیث طویل - قال: «قال أبو عبدالله علیه السلام: یا ابن بکیر، إنّ الله اختار من بقاع الأرض ستّة: البیت الحرام، والحرم، ومقابر الأنبیاء، ومقابر الأوصیاء، ومقاتل الشهداء، والمساجد التی یذکر فیها اسم الله...»(3) الحدیث.

ولا یخفی تقیید (المساجد) بالتی یُذکر فیها اسم الله إشارة إلی الآیة الشریفة(فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ) وهی

ص:478


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 2 ح 10.
2- (2) کامل الزیارات ب 91 ح 7.
3- (3) کامل الزیارات ب 44 ح 3.

إشارة إلی بیوت الأنبیاء، ومن أفاضلها بیوت أهل البیت علیهم السلام کما فی الروایة المرویّة عند الفریقین، وبیوتهم أعم من مقابرهم.

15 - مصحّحة الهروی، قال: «سمعت الرضا علیه السلام یقول: إنّی ساقتل بالسمّ مظلوماً واقبر إلی جانب هارون، ویجعل الله تربتی مختلف شیعتی وأهل محبّتی، فمَن زارنی فی غربتی وجبت له زیارتی یوم القیامة.

والذی أکرم محمّداً صلی الله علیه وآله بالنبوّة، واصطفاه علی جمیع الخلیقة، لایصلّی أحد منکم عند قبری رکعتین إلّا استحقّ المغفرة من الله عزّوجلّ یوم یلقاه.

والذی أکرمنا بعد محمّد صلی الله علیه وآله وخصّنا بالولایة إنّ زوار قبره لأکرم الوفود علی الله یوم القیامة» الحدیث(1).

وهذه المصحّحة دالّة - کما مرّ فی جملة من الروایات ویأتی أیضاً - علی أنّ قبورهم علیهم السلام تقصد وتشدّ الرحال إلیها لغایتین الاولی زیارتهم، والثانیة الصلاة عندهم، وفی بعض الروایات ثالثة: وهی البیتوتة فی جوارهم وقد عد جوارهم سواء فی المدة القصیرة أو الطویلة من الجهاد.

والصلاة عندهم أعمّ من الفریضة والنافلة الراتبة أو التطوّعیّة، وهی غیر صلاة الزیارة، بل إقامة الصلاة عندهم بالقرب من مراقدهم ذات فضیلة یستحبّ إکثار الصلاة عند قبورهم لأجل ذلک، کما أنّها

ص:479


1- (1) عیون أخبار الرضا ج 2 ص 248 باب 25 ح 1.

دالّة علی أنّ زوّار الرضا علیه السلام لهم امتیاز علی زوّار قبور سائر الأئمّة علیهم السلام، فیدلّ علی قدسیّة الموضع وفضیلته.

معتبرة سلیمان بن حفص المروزی، قال: «سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام یقول: إنّ ابنی علیّاً مقتول بالسمّ ظلماً، ومدفون إلی جنب هارون بطوس، فمَن زاره کمَن زار رسول الله صلی الله علیه وآله»(1).

16 - اللسان الموحّد لزیارة قبورهم فی العدید من الزیارات الجامعة التی نصّ علی أن یؤتی بها عند أی قبر من قبورهم علیهم السلام، وهی وإن کانت واردة فی متن الزیارة وألفاظ الثناء والتحیّة والتشهّد بالإقرار والعهد لهم علیهم السلام، إلّا أنّها مصرّحة بوحدة حکم المشهد لمراقدهم، کما فی الزیارة الرجبیّة والزیارة الجامعة الکبیرة والصغیرة، والتعبیر فی آدابها: «إذا زرت واحداً منکم» وقوله علیه السلام فیها: «فإذا دخلت ورأیت القبر»، وکذا الزیارة الجامعة الاخری المرویّة فی العیون عن أبی الحسن الرضا علیه السلام، فقال: «صلّوا فی المساجد حوله «أی حول أبیه موسی» ویجزی فی المواضع کلّها أن تقول:...»(2).

وکذا ذیل زیارة أمین الله، قال جابر: «قال لی الباقر علیه السلام: ما قال هذا الکلام... عند قبر أمیر المؤمنین علیه السلام، أو أحد من الأئمّة، إلّا رفع

ص:480


1- (1) الوسائل أبواب المزار ب 82 ح 5.
2- (2) عیون أخبار الرضا: ب 68 ح 1.

دعاؤه» (1).

وتوحید اللسان والطلب والحثّ لکلّ قبورهم علیهم السلام شاهد علی وحدة الفضیلة والحکم لقبورهم علیهم السلام.

17 - ما رواه فی کامل الزیارات والتهذیب فی الصحیح، عن ابن بزیع، عن بعض أصحابه، یرفعه إلی أبی عبدالله علیه السلام، قال: «قلت: نکون بمکّة أو بالمدینة أو الحَیْر أو المواضع التی یرجی فیها الفضل، فربّما یخرج الرجل یتوضّأ فیجیء آخر فیصیر مکانه؟ قال: مَن سبق إلی موضع فهو أحقّ به یومه ولیلته»(2) ، ففیها تصریح أنّ الفضیلة موضوعها أعمّ من المواضع الأربعة، بل هی مواطن عدیدة.

18 - ما ورد فی عدّة روایات فیها المعتبر من أنّ فضل زیارة قبر أبی الحسن موسی بن جعفر علیهما السلام مثل فضل زیارة قبر الحسین علیه السلام، کما فی معتبرة الوشّاء، عن الرضا علیه السلام(3).

وفی روایة الحسن بن محمّد القمّی، عن الرضا علیه السلام: «مَن زار قبر أبی ببغداد کان کمَن زار قبر رسول الله صلی الله علیه وآله وقبر أمیر المؤمنین، إلّا أنّ لرسول الله صلی الله علیه وآله ولأمیر المؤمنین علیه السلام فضلهما»(4).

ص:481


1- (1) مصباح المتهجد وکامل الزیارات ب 11.
2- (2) کامل الزیارات ب 108 ح 6. التهذیب ج 6 ص 110.
3- (3) الوسائل أبواب المزار ب 80 ح 6 وح 1.
4- (4) الوسائل أبواب المزار ب 80 ح 2.

وفی مصحّحة الحسین بن بشّار الواسطی، قال: «سألت أبی الحسن الرضا علیه السلام: ما لمَن زار قبر أبیک؟ قال: زره. قلت: فأیّ شیء فیه من الفضل؟ قال: فیه من الفضل کمَن زار قبر والده - یعنی رسول الله صلی الله علیه وآله -. فقلت: فانّی خفت فلم یمکنّی أن أدخل داخلًا؟ فقال: سلّم من وراء الحائر». وفی نسخة التهذیب المطبوع حالیاً: «سلم من وراء الجسر» وقد أشار إلیه فی الوسائل(1).

19 - وفی الصحیح إلی یحیی - وکان فی خدمة أبی جعفر الثانی علیه السلام - عن علی عن صفوان الجمال عن أبی عبدالله فی حدیث، قال: «قلت له: فما لمَن صلّی عنده رکعتین؟ قال: لم یسأل الله شیئاً إلّا أعطاه» (2) الحدیث.

20 - عن علیّ بن إبراهیم وأحمد بن مهران جمیعاً، عن محمّد بن علیّ، عن الحسن بن راشد، عن یعقوب بن جعفر قال: «کنت عند أبی إبراهیم علیه السلام وأتاه رجل من أهل نجران الیمن من الرهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: إِذَا کانَ غَداً فَأْتِ بِهِمَا عِنْدَ بِئْرِ أُمِّ خَیْر.

قال: فوافینا من الغد، فوجدنا القوم قد وافوا، فأمر بخصفة بواری، ثمّ جلس وجلسوا، فبدأت الراهبة بالمسائل، فسألت عن مسائل کثیرة، کلّ ذلک یجیبها، وسألها أبو إبراهیم علیه السلام عن أشیاء لم

ص:482


1- (1) الوسائل أبواب المزار ب 80 ح 4، التهذیب ج 6 ص 82.
2- (2) الوسائل أبواب المزار ب 58 ح 5.

یکن عندها فیها شیء، ثمّ أسلمت.

ثمّ أقبل الراهب یسأله، فکان یجیبه فی کلّ ما یسأله، فقال الراهب: قد کنت قویّاً علی دینی، وما خلّفت أحداً من النصاری فی الأرض یبلغ مبلغی فی العلم، ولقد سمعت برجل فی الهند إذا شاء حجّ إلی بیت المقدس فی یوم ولیلة، ثمّ یرجع إلی منزله بأرض الهند، فسألت عنه بأی أرض هو؟ فقیل لی: إنّه بسُبذان، وسألت الذی أخبرنی، فقال: هو علم الاسم الذی ظفر به آصف صاحب سلیمان لمّا أتی بعرش سبأ، وهو الذی ذکره الله لکم فی کتابکم، ولنا - معشر الأدیان - فی کتبنا.

فقال له أبو إبراهیم علیه السلام: فَکَمْ للهِ مِنِ اسْم لَا یُرَدُّ؟

فقال الراهب: الأسماء کثیرة، فأمّا المحتوم منها - الذی لایردّ سائله - فسبعة.

فقال له أبو الحسن علیه السلام: فَأَخْبِرْنِی عَمَّا تَحْفَظُ مِنْها.

قال الراهب: لا، والله الذی أنزل التوراة علی موسی، وجعل عیسی عبرة للعالمین، وفتنة لشکر اولی الألباب، وجعل محمّداً برکة ورحمة، وجعل علیّاً عبرة وبصیرة، وجعل الأوصیاء من نسله ونسل محمّد ما أدری، ولو دریت ما احتجت فیه إلی کلامک، ولاجئتک ولاسألتک.

فقال له أبو إبراهیم علیه السلام: عُدْ إِلی حَدِیثِ الْهِنْدِیِّ.

ص:483

فقال له الراهب: سمعت بهذه الأسماء ولاأدری ما بطانتها ولاشرائحها؟ ولاأدری ما هی؟ ولاکیف هی ولابدعائها؟ فانطلقت حتّی قدمت سُبْذان الهند، فسألت عن الرجل، فقیل لی: إنّه بنی دیراً فی جبل، فصار لایخرج ولایری إلّا فی کلّ سنة مرّتین، وزعمت الهند أنّ الله فجّر له عیناً فی دیره، وزعمت الهند أنّه یُزرع له من غیر زرع یُلقیه، ویُحرث له من غیر حرث یعمله، فانتهیت إلی بابه، فأقمت ثلاثاً لاأدقّ الباب، ولااعالج الباب.

فلمّا کان الیوم الرابع فتح الله الباب، وجاءت بقرة علیها حطب، تجرّ ضرعها یکاد یخرج ما فی ضرعها من اللّبن، فدفعت الباب فانفتح، فتبعتها ودخلت، فوجدت الرجل قائماً ینظر إلی السماء فیبکی، وینظر إلی الأرض فیبکی، وینظر إلی الجبال فیبکی، فقلت: سبحان الله! ما أقلّ ضربک فی دهرنا هذا! فقال لی: والله، ما أنا إلّا حسنة من حسنات رجل خلّفته وراء ظهرک.

فقلت له: اخبرت أنّ عندک اسماً من أسماء الله تبلغ به فی کلّ یوم ولیلة بیت المقدس، وترجع إلی بیتک؟

فقال لی: وهل تعرف بیت المقدس؟

قلت: لاأعرف إلّا بیت المقدس الذی بالشام.

قال: لیس بیت المقدس، ولکنّه البیت المقدّس، وهو بیت آل محمّد.

ص:484

فقلت له: أما ما سمعت به إلی یومی هذا فهو بیت المقدس.

فقال لی: تلک محاریب الأنبیاء، وإنّما کان یقال لها: حظیرة المحاریب، حتّی جاءت الفترة التی کانت بین محمّد وعیسی صلّی الله علیهما، وقرب البلاء من أهل الشرک، وحلّت النقمات فی دور الشیاطین، فحوّلوا وبدّلوا ونقلوا تلک الأسماء، وهو قول الله تبارک وتعالی - البطن لآل محمّد، والظهر مَثَلٌ: (إِنْ هِیَ إِلاّ أَسْماءٌ سَمَّیْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُکُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) (1).

فقلتُ له: إنّی قد ضربت إلیک من بلد بعید، تعرّضت إلیک بحاراً وغموماً وهموماً وخوفاً، وأصبحت وأمسیت مؤیساً، ألاأکون ظفرت بحاجتی؟

فقال لی: ما أری امّک حملت بک إلّا وقد حضرها ملک کریم، ولاأعلم أنّ أباک حین أراد الوقوع بامّک إلّا وقد اغتسل وجاءها علی طهر، ولاأزعم إلّا أنّه قد کان درس السفر الرابع من سهره ذلک، فختم له بخیر، ارجع من حیث جئت، فانطلق حتّی تنزل مدینة محمّد صلی الله علیه وآله - التی یقال لها: طیبة، وقد کان اسمها فی الجاهلیّة یثرب - ثمّ اعمد إلی موضع منها یقال له: البقیع، ثمّ سل عن دار یقال لها: دار مروان، فانزلها، وأقم ثلاثاً، ثمّ سل عن الشیخ الأسود الذی یکون علی

ص:485


1- (1) سور ة النجم: الآیة 23.

بابهایعمل البواری، وهی فی بلادهم اسمها الخصف، فالْطفْ بالشیخ، وقل له: بعثنی إلیک نزیلک الذی کان ینزل فی الزاویة فی البیت الذی فیه الخشیبات الأربع، ثمّ سله عن فلان بن فلان الفلانی، وسله: أین نادیه؟ وسله: أی ساعة یمرّ فیها؟ فلیریکاه أو یصفه لک، فتعرفه بالصفة، وسأصفه لک.

قلت: فإذا لقیته فأصنع ماذا؟

قال: سله عمّا کان، وعمّا هو کائن، وسله عن معالم دین مَن مضی ومَن بقی.

فقال له أبو إبراهیم علیه السلام: قَدْ نَصَحَکَ صاحِبُکَ الَّذِی لَقِیتَ.

فقال الراهب: ما اسمه جُعلت فداک؟

قال: هُوَ مُتَمِّمُ بْنُ فَیْرُوز، وَهُوَ مِنْ أَبْناءِ الْفُرْسِ، وَهُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِاللهِ وَحْدَهُ لَا شَرِیکَ لَهُ، وَعَبَدَهُ بِالْاخْلَاصِ وَالْایقانِ، وَفَرَّ مِنْ قَوْمِهِ لَمَّا خافَهُمْ، فَوَهَبَ لَهُ رَبُّهُ حُکْماً، وَهَداهُ لِسَبِیلِ الرَّشادِ، وَجَعَلَهُ مِنَ الْمُتَّقِینَ، وَعَرَّفَ بَیْنَهُ وَبَیْنَ عِبادِهِ الْمُخْلَصِینَ، وَما مِنْ سَنَة إِلَّا وَهُوَ یَزُورُ فِیها مَکَّةَ حاجّاً، وَیَعْتَمِرُ فی رَأْسِ کُلِّ شَهْر مَرَّةً، وَیَجِیءُ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الْهِنْدِ إِلی مَکَّةَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَعَوْناً، وَکَذلِکَ یَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ.

ثمّ سأله الراهب عن مسائل کثیرة، کلّ ذلک یجیبه فیها، وسأل الراهبَ عن أشیاء لم یکن عند الراهب فیها شیء، فأخبره بها.

ص:486

ثمّ إنّ الراهب قال: أخبرنی عن ثمانیة أحرف نزلت، فتبیّن فی الأرض منها أربعة، وبقی فی الهواء منها أربعة، علی مَن نزلت تلک الأربعة التی فی الهواءومَن یفسّرها؟

قال: ذَاکَ قائِمُنا یُنْزِلُهُ اللهُ عَلَیْهِ فَیُفَسِّرُهُ، وَیُنَزِّلُ عَلَیْهِ ما لَمْ یُنَزِّلْ عَلَی الصِّدِّیقِینَ وَالرُّسُلِ وَالْمُهْتَدِینَ.

ثمّ قال الراهب: فأخبرنی عن الاثنین من تلک الأربعة الأحرف التی فی الأرض ما هما؟

قال: أُخْبِرُکَ بِالْارْبَعَةِ کُلِّها: أَمَّا أَوَّلُهُنَّ فَ - لَا إِل - هَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِیکَ لَهُ باقِیاً، وَالثَّانِیَةُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله صلی الله علیه وآله مُخْلَصاً، وَالثَّالِثَةُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَیْتِ، وَالرَّابِعَةُ شِیعَتُنا مِنَّا، وَنَحْنُ مِنْ رَسُولِ الله صلی الله علیه وآله وَرَسُولُ اللهِ مِنَ اللهِ بِسَبَب.

فقال الراهب: أشهد أن لاإله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّ ما جاء به من عند الله حقّ، وأنّکم صفوة الله من خلقه، وأنّ شیعتکم المطهّرون المستبدلون، ولهم عاقبة الله، والحمد لله ربّ العالمین.

فدعا أبو إبراهیم علیه السلام بجبّة خزّ، وقمیص قوهیّ، وطیلسان، وخفّ، وقلنسوة، فأعطاه إیّاها، وصلّی الظهر وقال له: اخْتَتِنْ.

فقال: قد اختتنت فی سابعی» (1).

ص:487


1- (1) الکافی ج 1 ص 481-484 باب مولد أبی الحسن علیه السلام ح 5.

ونقلنا هذه الروایة بطولها تبرکاً وموضع الشاهد تقریره علیه السلام ما قاله الهندی من أنَّ بیت المقدس بالدرجة الأولی هو بیت محمد وآل محمد (صلوات الله علیهم) وأما الذی فی فلسطین فهو فی الدرجة الثانیة ومثل ظاهر لحقیقة خفیة علی کثیرین من کون بیت المقدس فی الأصل بیت محمد وآل محمد (صلوات الله علیهم) بل إن بیت المقدس فی فلسطین إنما نال القدسیة فی ذلک الأوان بسبب صلاة الأنبیاء السابقین فیه وهذا شاهد علی الکبری المتقدمة من أن الأرض التی تحفل بالأنبیاء والمرسلین والأوصیاء والمصطفین تکتسب شرفا وقدسیة فتصبح مقدسة وتکون من البیوت التی أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه، وأشرفها وأعلاها وأقدسها بیت محمد وآل محمد (صلوات الله علیهم)، وهذا هو الذی ورد فی إحدی زیارات الحسین علیه السلام التی رواها السید ابن طاووس فی مصباح الزائر (1)وفیها الخطاب لعلی بن الحسین علیهما السلام: «والله ما ضرک القوم بما نالوا منک ومن أبیک الطاهر صلوات الله علیکما ولا ثلموا منزلتکما من البیت المقدس».

21 - وروایة محمّد بن الفضیل بن بنت داود الرقی، قال: (قال الصادق علیه السلام: «أربع بقاع ضجّت إلی الله تعالی من الغرق أیّام الطوفان: البیت المعمور فرفعه الله، والغریّ، وکربلاء، وطوس»(2).

ص:488


1- (1) مصباح الزائر ص 235.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار: ب 83 ح 2.

22 - محسّنة علیّ بن حسّان، عن الرضا علیه السلام، قال: «سئل عن إتیان قبر أبی الحسن موسی علیه السلام، فقال: صلّوا فی المساجد حوله، ویجزئ فی المواضع کلّها أن تقول: (السلام علی أولیاء الله وأصفیائه...). هذا یجزی فی الزیارات کلّها، وتکثر من الصلاة علی محمّد وآله، وتسمّی واحداً واحداً بأسمائهم، وتبرأ إلی الله من أعدائهم، وتخیّر لنفسک من الدعاء ما أحببت وللمؤمنین والمؤمنات»(1).

ورواها الصدوق والکلینی والشیخ، وظاهر الروایة أنّ قبورهم کما تقصد لزیارتهم علیهم السلام فهی تقصد لإتیان الصلاة عندها لتضاعف ثوابها، وتقصد للدعاء ثالثاً، ومن أجل البیتوتة عندها رابعاً کما مر، والجامع ما ذکرته الآیة: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ( 36) وقوله تعالی: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی) .

ویدعم ذلک ما ورد فی مشاهد جمیع المعصومین بلسان واحد من النهی عن الصلاة متقدّماً علی قبر المعصوم، بل الصلاة خلفه وعند رأسه وأنّ ثواب الصلاة یتضاعف بالقرب منه، کما فی معتبرة هشام بن سالم عن أبی عبدالله علیه السلام - فی حدیث طویل - قال: «أتاه رجل فقال له: یابن رسول الله، هل یزار والدک؟ فقال: نعم، وتصلّی عنده. وقال:

ص:489


1- (1) الوسائل: أبواب المزار: ب 81 ح 2.

یصلّی خلفه، ولایتقّدم علیه» (1).

فإنّها واضحة الدلالة فی تضاعف ثواب الصلاة عند قبر الباقر علیه السلام، وقد یراد الحسین علیه السلام، ویدلّ علی العموم أیضاً صحیح الحمیری، قال: «کتبت إلی الفقیه علیه السلام أسأله عن الرجل یزور قبور الأئمّة، هل یجوز أن یسجد علی القبر أم لا؟ وهل یجوز لمَن صلّی عند قبورهم أن یقوم وراء القبر ویجعل القبر قبلة، ویقوم عند رأسه ورجلیه؟ وهل یجوز أن یتقدّم القبر ویصلّی ویجعله خلفه أم لا؟

فأجاب وقرأت التوقیع ومنه نسخت: أمّا السجود علی القبر فلایجوز فی نافلة ولافریضة ولازیارة، بل یضع خدّه الأیمن علی القبر، وأمّا الصلاة فإنّها خلفه یجعله الإمام، ولایجوز أن یصلّی بین یدیه، لأنّ الإمام لایُتقدّم، ویصلّی عن یمینه وشماله»(2).

وهذه الصحیحة دالّة بوضوح أنّ قبور الأئمّة علیهم السلام کما تقصد للزیارة تقصد لإتیان الصلاة عندهالفضیلة إتیانها عندها، سواء کانت فریضة أو تطوّعاً، وهذا المفاد مرتکز عند الفقیه الراوی الحمیری، وجوابه علیه السلام یقرّر ذلک، ومنشأه - مضافاً إلی ما مرّ ویأتی - هو قدسیّة أماکن قبورهم علیهم السلام لکونها رمساً لهم وطیّبها الله تعالی بهم.

ص:490


1- (1) الوسائل: أبواب مکان المصلی ب 27 ح 7.
2- (2) الوسائل: أبواب مکان المصلی ب 26 ح 1.

وهذا هو مفاد قوله تعالی: (فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ ( 36) ، فإنّها قد فسّرت ببیوت النبیّ صلی الله علیه وآله وأهل بیته علیهم السلام وهی مراقدهم، ومن ثمّ ورد کما فی الروایات المتقدّمة وکما فی روایة عمارة بن زید - أی عامر واعظ أهل الحجاز - عن الصادق، عن أبیه، عن جدّه علیهم السلام، قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله لعلیّ علیه السلام: إنّ الله جعل قبرک وقبور ولدک بقاعاً من بقاع الجنّة، وعرصة من عرصاتها، وإنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه... فیعمرون قبورکم، ویکثرون زیارتها تقرّباً منهم إلی الله، ومودة منهم لرسوله...» الحدیث(1).

24 - أفضلیّة زیارة قبورهم علیهم السلام والصلاة عندها علی الحجّ والعمرة الندبیّان.

1 - مصحّح جمیل بن درّاج، قال: «الصلاة فی بیت فاطمة مثل الصلاة فی الروضة؟ قال: وأفضل».

ومثله موثّق یونس بن یعقوب(2) ، ومفاده واضح فی أنّ ثواب الصلاة فی بیت فاطمة علیهم السلام لامن جهة کونها من مسجد الرسول صلی الله علیه وآله، بل ورد إنّه لیس من المسجد وإنّما أدخله الأمویون فیه، کما ذکر ذلک الصدوق أنّه روی أنّها علیهم السلام دفنت فی بیتها، فلمّا زادت بنو امیّة فی

ص:491


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 26 ح 1.
2- (2) الوسائل: أبواب أحکام المساجد: ب 59 ح 1 وح 2.

المسجد صارت فی المسجد(1).

2 - وفی مصحح ابن أبی عمیر عن أصحابنا عن أبی عبد الله علیه السلام قال: «قال رسول الله صلی الله علیه وآله ما بین قبری ومنبری روضة من ریاض الجنة، ومنبری علی ترعة من ترع الجنة، لأن قبر فاطمة علیها السلام بین قبره ومنبره، وقبرها روضة من ریاض الجنة وإلیه ترعة من ترع الجنة»(2).

وفی هذا المصحّح دلالة من وجهین:

أوّلًا: إن قبرها روضة من ریاض الجنّة، أی إنّ قبورهم علیهم السلام روضة من ریاض الجنّة، فیعظم عندها ثواب الصلاة.

ثانیاً: إنّ استحباب وفضیلة الصلاة فی الروضة فی المسجد النبویّ إنما هو لمکان قبرها علیها السلام.

3 - موثّق الحسن بن الجهم، قال: «قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام: أیّهما أفضل رجل یأتی مکّة ولایأتی المدینة، أو رجل یأتی النبیّ صلی الله علیه وآله ولایبلغ مکّة؟

قال: فقال لی: أیّ شیء تقولون أنتم؟

فقلت: نحن نقول فی الحسین علیه السلام، فکیف فی النبیّ صلی الله علیه وآله؟

ص:492


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 18 ح 4.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار ب 18 ح 5.

فقال: أما لئن قلت ذلک لقد شهد أبو عبدالله علیه السلام عیداً بالمدینة فدخل علی النبیّ صلی الله علیه وآله فسلّم علیه، ثمّ قال لمَن حضره: لقد فضلنا أهل

البلدان کلّهم - مکّة فما دونها - لسلامنا علی رسول الله صلی الله علیه وآله» (1).

4 - موثّق آخر للحسن بن الجهم، قال: «سألت أبا الحسن علیه السلام: أیّهما أفضل المقام بمکّة أو بالمدینة؟

فقال: أیّ تقول أنت؟

قال: فقلت: وما قولی مع قولک؟

قال: إنّ قولک یردّک إلی قولی.

قال: فقلت له: أمّا أنا فأزعم أنّ المقام بالمدینة أفضل من المقام بمکّة.

فقال: أمّا لئن قلت ذلک لقد قال أبو عبدالله علیه السلام ذلک یوم فطر، وجاء إلی رسول الله صلی الله علیه وآله فسلّم علیه فی المسجد، ثمّ قال: لقد فضلنا الناس الیوم بسلامنا علی رسول الله صلی الله علیه وآله»(2).

5 - ما رواه الصدوق مرسلًا فی الفقیه، قال: «لمّا دخل رسول الله صلی الله علیه وآله المدینة قال: اللّهمّ حبّب إلینا المدینة کما حبّبت إلینا مکّة أو أشدّ، وبارک فی صاعها ومدّها، وانقل حماها ووباءها إلی الجحفة»(3).

ص:493


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 10 ح 1.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار ب 9 ح 2.
3- (3) الوسائل: أبواب المزار: ب 9 ح 5.

6 - ما تقدّم من مصحّحة سلیمان بن حفص المروزی، عن أبی الحسن موسی بن جعفر صلی الله علیه وآله، «أنّ ثواب زیارة ابنه علیّ علیه السلام تعدل سبعون ألف حجّة، وقال علیه السلام: وربّ حجّة لا تقبل»(1).

وبهذا البیان واللسان یتبیّن أنّ ما ورد مستفیضاً من ثواب زیارة کلّ واحد من المعصومین علیهم السلام من أنّها تعدل آلاف الحجج دالّة وناظرة إلی التفضیل.

7 - ما تقدّم من جملة من الروایات وغیرها ممّا لم نذکره الدالّة علی أنّ الصلاة رکعة عند قبر أحد المعصومین علیهم السلام تعدل حجّة فی الفریضة أو عمرة فی النافلة، بل فی بعض الصلوات تعدل آلاف الحجج وآلاف العمر.

الآیة الثانیة: آیة مقام إبرهیم علیه السلام:

وهی تمثیل موردٍ لکبری الموضوع، قوله تعالی: (وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِیمَ مُصَلًّی) (2).

وقد بُحث فی آیات الأحکام تقریب دلالة الآیة الشریفة علی جعل حجر وصخرة مقام إبراهیم قبلة وإماماً وأماماً فی صلاة الطواف، کما قد أشرنا فی بحث التوسّل فی الإمامة الإلهیّة إلی جملة من نکات وفوائد مفاد هذه الآیة الکریمة، وأنّ أمره تعالی للاتّخاذ تشعیر

ص:494


1- (1) الوسائل: أبواب المزار: ب 86 ح 1. عن العیون والأمالی وکامل الزیارات.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 125.

منه تعالی نظیر تشعیر المسجد الحرام، فلیس هو عنوان المسجدیّة فقط، بل هو تشعیر لمشعر إلهی، کما أنّ متعلّق الاتّخاذ لأن یکون مصلّی - أی محلًا للصلاة وبقیّة العبادات - وهو عنوان آخر قریب لعنوان المسجدیّة والمشعر الإلهی، کما أنّ التعبیر ب - (المقام) یراد به التعظیم والتقدیس، وهو عنوان آخر لتشعیر المشعر.

مضافاً إلی دلالة الآیة علی تقدیسه وتعظیمه نظیر مفاد الآیة السابقة(فِی بُیُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ) أی تقدّس وتعظّم، ونظیره فی الآیة الثانیة التعبیر ب - (المقام) فإن هذا اللفظ للتعظیم والتفخیم ونظیر قوله تعالی: ویُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ عنوان (المصلّی).

ثمّ إضافة المقام إلی إبراهیم نموذج وعنوان لکلّ مشهد وبیت ومقام ومکان یضاف إلی الأنبیاء والأوصیاء، لاسیّما من یعلو النبیّ إبراهیم فی الفضیلة، کما قال تعالی: (تِلْکَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلی بَعْضٍ) (1) ، وقوله: (وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلی بَعْضٍ) (2).

فمقامات النبیّ ومشاهده أحری بالتعظیم والتفخیم وباتّخاذها محلًّا لعبادة الله والصلاة من مقام إبراهیم، ومن ثمّ ورد فی روایات المقام کما تقدم فی الوجه الثالث، الحثّ علی الصلاة وإکثارها فی جمیع مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله وبیوته، وأنّ من بیوته صلی الله علیه وآله بیت علیّ وفاطمة وسائر

ص:495


1- (1) سورة البقرة: الآیة 253.
2- (2) سورة الإسراء: الآیة 55.

المعصومین علیهم السلام، وقد أشیر إلی ذلک کله فی الروایات العدیدة الدالة علی عدم سقوط التطوع فی السفر نهارا فی مشاهد النبی صلی الله علیه وآله.

وممّا یشیر إلی عموم مفاد هذه الآیة موضوعاً وحکماً ما فی مفاد الروایة الواردة فی صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام بالإتمام فی بقعة مسجد براثا، ونصب الصخرة التی وضعت مریم النبیّ عیسی علیها من عاتقها، ثمّ صلّی إلی الصخرة وجعل منها حرماً وأتمّ هناک الصلاة أربعة أیّام.

ما ورد من إتمام أمیر المؤمنین علیه السلام: الصلاة فی مسجد براثا أربعة أیّام:

روی الشیخ فی أمالیه بسنده عن حمید بن قیس قال: «سمعت أبا الحسن علیّ بن الحسین بن علیّ بن الحسین قال: سمعت أبی یقول: سمعت أبا جعفر محمّد بن علیّ بن الحسین علیهم السلام یقول: إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام لمّا رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزوراء (وذکر مرور أمیر المؤمنین علیه السلام بمسجد براثا.

فلمّا أتی یَمنة السواد إذا هو براهب فی صومعة له، فقال له: یا راهب، أنزل هاهنا؟

فقال له الراهب: لاتنزل هذه الأرض بجیشک.

قال: ولِمَ؟

ص:496

قال: لأنّه لاینزلها إلّا نبیّ أو وصیّ نبیّ بجیشه، یقاتل فی سبیل الله عزّ وجلّ، هکذا نجد فی کتبنا.

فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام: فأنا وصیّ سیّد الأنبیاء، وسیّد الأوصیاء.

فقال له الراهب: فأنت إذن أصلع قریش ووصی محمّد صلی الله علیه وآله. فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام: أنا ذلک، فنزل الراهب إلیه، فقال: خذ علَیَّ شرائع الإسلام، إنّی وجدت فی الإنجیل نعتک، وأنّک تنزل أرض براثا بیت مریم، وأرض عیسی علیه السلام.

فقال أمیر المؤمنین علیه السلام: قف ولاتخبرنا بشیء.

ثمّ أتی موضعاً فقال: الکزوا هذه، فلکَزه برجله علیه السلام، فانبعقت عین خرّارة، فقال: هذه عین مریم التی نبعت لها.

ثمّ قال: اکشفوا هاهنا علی سبعة عشر ذراعاً، فکشف، فإذا بصخرة بیضاء،] فقال علیه السلام: علی هذه وضعت مریم عیسی من عاتقها، وصلّت هاهنا، فنصب أمیر المؤمنین علیه السلام الصخرة وصلّی إلیها، وأقام هناک أربعة أیّام یتمّ الصلاة، وجعل الحرم فی خیمة من الموضع علی دعوة، ثمّ قال: أرض براثا هذا بیت مریم علیها السلام، هذا الموضع المقدّس صلّی فیه الأنبیاء»(1).

ودلالتها واضحة فی أنّ الإتمام لکون الموضع مقدّساً وذلک لصلاة

ص:497


1- (1) الأمالی: ص 200 ح 42/340.

الأنبیاء علیهم السلام فیه.

فقوله علیه السلام: «فنصب أمیر المؤمنین الصخرة وصلّی إلیها وأقام هناک أربعة أیّام یتمّ الصلاة، وجعل الحرم فی خیمة من الموضع علی دعوة، ثمّ قال: أرض براثا بیت مریم هذا الموضع المقدّس صلّی فیه الأنبیاء» مفاده متطابق مع مفاد الآیة الآمر باتّخاذ مقام الأنبیاء والمصطفین مکاناً للصلاة وعبادة الله تعالی.

فکما تجعل صخرة مقام إبرهیم أماماً فی الصلاة جعل علیه السلام صخرة مریم والنبیّ عیسی أماماً لاتجاه القبلة فی صلاته.

کما أنّ ذکره علیه السلام أنّه صلّی فیه الأنبیاء تبیان لکون الموضع کبیوت أذن الله أن ترفع ویذکر فیها اسمه، ووجه ثالث أنّه جعل الموضع بمثابة الحرم، وهذه الوجوه بمثابة الموضوع لإتمامه علیه السلام للصلاة، وقد تقدّم أنّ المجلسی والسیّد البروجردی احتملا إلحاق مسجد براثا بالأماکن الأربعة.

وروی الصدوق بسنده عن جابر بن عبدالله الأنصاری أنّه قال: «صلّی بنا علیّ علیه السلام ببراثا بعد رجوعه من قتال الشراة ونحن زهاء عن مائة ألف رجل... [قال الراهب:] أنّه لایصلّی فی هذا الموضع بهذا الجمع إلّا نبیّ أو وصیّ نبیّ، وقد جئت اسلم، فأسلم وخرج معنا إلی الکوفة، فقال له علیّ علیه السلام: فمَن صلّی هاهنا؟

قال: صلّی عیسی بن مریم وامّه.

ص:498

فقال له علیّ علیه السلام: فاخبرک مَن صلّی هاهنا؟

قال: نعم.

قال: والخلیل علیه السلام»(1).

وقال السیّد البروجردی فی أبواب صلاة المسافر، الباب ( 22) من کتاب جامع أحادیث الشیعة بعد إشارته إلی هذه الروایة: «وأقام علیّ علیه السلام هناک (أی فی أرض براثا بیت مریم علیها السلام أربعة أیّام یتمّ الصلاة» «إنّما أشرنا إلی هذه الروایة، لأنّه یمکن أن یستفاد منها جواز الإتمام للمسافر فی هذا المکان کالأماکن الأربعة»(2).

وقال المجلسی فی البحارفی ذیلها: «ثمّ اعلم أنّه یستفاد من هذا الخبر أنّ هذا الموضع أیضاً من المواضع التی یجوز للمسافر إتمام الصلاة فیها، ولم یقل به أحد»(3).

ویعضد روایة الإتمام فی براثا موثقة حفص بن غیاث قال رأیت أبا عبدالله علیه السلام یتخلل بساتین الکوفة، فانتهی إلی نخلة فتوضأ عندها ثم رکع وسجد، فأحصیت فی سجوده خمسمائة تسبیحة ثم استند إلی النخلة فدعا بدعوات، ثم قال: «یا حفص إنها النخلة التی قال الله

ص:499


1- (1) الفقیه: ج 1 ص 232 ح 698. التهذیب ج 3 ص 264 باب فضل المساجد ح 67.
2- (2) جامع أحادیث الشیعة: أبواب صلاة المسافر ب 22 ح 38.
3- (3) البحار: ج 102 أو 99 ص 28.

لمریم(وَ هُزِّی إِلَیْکِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَیْکِ رُطَباً جَنِیًّا ( 25) »(1).

ومفادها ظاهر فی فضیلة المکان مما سبب فضیلة العبادة والإکثار منها فیه، وقد خلد القرآن ذکری هذا المکان لحادث لصدّیقة وصدّیق فیه.

ما ورد فی فضل النوافل ولو النهاریة للمسافر فی مسجد الغدیر:

ففی صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج التی رواها کل من الکلینی والصدوق والشیخ فی التهذیب قال: سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن الصلاة فی مسجد غدیر خم بالنهار وأنا مسافر، فقال: «صل فیه فان فیه فضلا، وقد کان أبی علیه السلام یأمر بذلک»(2).

وفی صحیحة أبان عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال: «إنه تستحب الصلاة فی مسجد الغدیر لان النبی صلی الله علیه وآله أقام فیه أمیر المؤمنین علیه السلام، وهو موضع أظهر الله عز وجل فیه الحق»(3) ورواها المحمدون الثلاثة فی کتبهم.

وفی هاتین الصحیحتین إشارة واضحة إلی الموضوع المتقدم المشترک لعدم سقوط النوافل النهاریة والإتمام فی الفریضة وهی فضیلة

ص:500


1- (1) وسائل: أبواب السجود: ب 23 ح 6.
2- (2) الوسائل: أبواب المزار ب 21 ح 1 وأبواب أحکام المساجد ب 61 ح 2.
3- (3) الوسائل: أبواب أحکام المساجد ب 61 ح 3.

المکان النابعة من قدسیته الحاصلیة من کونه مشهداً للنبی والمعصومین (صلوات الله علیهم أجمعین).

مؤیّدات أخری للتعمیم:

1 - ما مرّ من روایة أمالی الشیخ بسنده عن حمید بن قیس من صلاة أمیر المؤمنین علیه السلام تماماً أربعة أیّام فی مسجد براثا فی سفره عند رجوعه من قتال أهل النهروان، وأنّه ذکر علیه السلام فی سیاق بیان ذلک أنّه صلّی فیه الأنبیاء، وصلّت فیه مریم، وجعل حرماً، وأنّ الصخرة فیه مقام ومشهد لوضع مریم عیسی علیها من عاتقها، وتقدّم دلالتها من وجوه.

2 - ما تقدم من ذهاب جماعة من الأصحاب إلی تعمیم عدم سقوط النوافل النهاریة للمسافر فی جمیع مشاهد المعصومین علیهم السلام وقد تقدم سرد قائمة بأقوال من ذهب إلی ذلک، کما تقدم الإشارة إلی العدید من الروایات الصحیحة المعتبرة فی ذلک والتی عقد لها ابن قولویه وصاحب الوسائل باب مستقلًا، مع أن موضوع الحکم فی النوافل للمسافر مع موضوع الفریضة واحد کما هو مفاد مصححة أبی یحیی الحناط قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن صلاة النافلة بالنهار فی السفر فقال: «یا بنی لو صلحت النافلة فی السفر تمت الفریضة»(1).

ص:501


1- (1) الوسائل: أبواب أعداد الفرائض ونوافلها: ب 21 ح 5.

3 - ما استظهره جماعة من الأصحاب بتعمیم صیام قضاء الحاجة ثلاثة أیّام الأربعاء والخمیس والجمعة الوارد عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله لمشاهد المعصومین علیهم السلام.

قال فی المقنعة: «وصوم ثلاثة أیّام للحاجة أربعاء وخمیس وجمعة متوالیات عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله، أو فی مشهد من مشاهد الأئمّة علیهم السلام»(1).

وقال فی إیضاح الفوائد: «ذهب قوم إلی تحریم صوم النفل إلّا ثلاثة أیّام للحاجة الأربعاء والخمیس والجمعة عند قبر النبیّ صلی الله علیه وآله أو مشهد من مشاهد الأئمّة علیهم السلام»(2).

وقال ابن فهد فی المهذّب: «إلّا ثلاثة أیّام الحاجة بالمدینة، وألحق المفید المشاهد والصدوقان وابن إدریس الاعتکاف فی مواطنه الأربعة»(3).

تنبیهات مسألة عموم التخییر وأفضلیّة الإتمام فی مشاهد الأئمّة علیهم السلام.

التنبیه الأول: فی حدود الإتمام فی مراقد المعصومین علیهم السلام:

فقد تقدّم فی کلام المحقّق المیرداماد أنّه ما دارت علیه سور المشاهد، وهو ظاهر تعبیر علیّ بن بابویه فی الفقه الرضوی، وابن قولویه فی کامل الزیارات، والمرتضی فی الجمل، وابن الجنید وغیرهم ممّن عبّر

ص:502


1- (1) المقنعة: 350.
2- (2) إیضاح الفوائد: ج 1 ص 243.
3- (3) المهذب البارع ج 2 ص 53.

بالمشاهد المشرّفة. ویدعم ما ذهبوا إلیه صدق عنوان (عند القبر) الوارد فی الأدلّة المتقدّمة، وکذا عنوان الصلاة فی بیوتهم علیهم السلام التی هی عبارة عن حرمهم بل وعنوان مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله الوارد فی الوجه الثالث بعد إضافة مشاهدهم إلی مشاهد النبیّ صلی الله علیه وآله، کما هو الحال فی بیوتهم أنّها بیوت النبیّ صلی الله علیه وآله.

ویدعمه أیضاً ما ورد فی محسّنة علیّ بن حسّان عن الرضا علیه السلام - المتقدّمة - الواردة فی إتیان قبر أبی الحسن موسی علیه السلام، قوله علیه السلام: «صلّوا فی المساجد حوله»(1).

هذا مضافاً إلی معاضدة ذلک بإشارات فی الأدلّة شاملة للأوسع من المشاهد للبلد الذی هو فیه، وإن لم تصل إلی الدلالة التامّة، نظیر صحیح أبی هاشم الجعفری: «إنّ بین جَبَلَی طوس قبضة قُبضت من الجنّة»(2).

ومثلها موثّقة ابن فضّال(3) وهو نظیر تعدد مراتب الفضیلة الوارد فی الأماکن الأربعة، فتعدّدت الألسن فی کل واحد منها تارة بعنوان المسجد، واخری بعنوان البلد، وثالثة بعنوان الحرم ورابعة بغیر ذلک.

ص:503


1- (1) الوسائل: أبواب المزار ب 81 ح 2.
2- (2)
3- (3) التهذیب: ج 6 ص 108. والفقیه ج 2 ص 585.

الثانی: توسعة محل التخییر للبلدان الأربعة:

توسعة محلّ التخییر وأفضلیّة الإتمام فی المواطن الأربعة لکلّ البلدان الأربعة لاخصوص المساجد ولا خصوص الحائر القریب من قبر الحسین علیه السلام، فقد تقدّم ذهاب جماعة کثیرة من الأصحاب إلیه، لاسیّما المتقدّمین، بل ذهاب الشیخ والکیدری وأکثر المتقدمین إلی الإتمام فی کلّ النجف والکوفة، فضلًا عن العدّة التی ذهبت إلی الإتمام فی جمیع المشاهد.

وقد تقدّمت الإشارة إلی وجه ذلک، وهی ورود الروایات المعتبرة بألسن متعدّدة، فمنها صحیح حمّاد، عن أبی عبدالله علیه السلام أنّه قال: «من مخزون علم الله الإتمام فی أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله صلی الله علیه وآله، وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام، وحرم الحسین بن علیّ علیه السلام»(1).

وقد رواه کلّ من الصدوق وابن قولویه والشیخ، وهو بلفظ وعنوان الحرم لاخصوص عنوان المدینة ولاعنوان المسجد.

وفی روایة زیاد القندی، قال: «قال أبو الحسن علیه السلام: یا زیاد، احبّ لک ما احبّ لنفسی، وأکره لک ما أکره لنفسی، أتمّ الصلاة فی الحرمین والکوفة وعند قبر الحسین علیه السلام»(2) ، فقد ورد عنوان الکوفة کما ورد فی

ص:504


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 1.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 13.

العدید من الروایات عنوان مکّة والمدینة، والمصحّح إلی عبدالحمید خادم إسماعیل بن جعفر، عن أبی عبدالله علیه السلام، قال: «تمّم الصلاة فی أربعة مواطن: فی المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلی الله علیه وآله، ومسجد الکوفة، وحرم الحسین علیه السلام»(1).

فذکر عنوان الحرام فیه خاصّة مضافاً إلی الحسین علیه السلام دون الثلاثة، مع أنّ عنوان الحرمین ورد فی عدّة صحاح مضافاً إلی مکّة والمدینة.

ومثله مصحّح حذیفة بن منصور(2) وموثّق أبی بصیر(3).

ومرسل الشیخ فی المصباح قال بعد روایته عن حذیفة بن منصور المزبور: «وفی خبر آخر: فی حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام، وحرم الحسین علیه السلام»(4).

فمع:

1 - عموم لسان الدلیل لاموجب لحمله علی اللسان الخاصّ بعد کونهما مثبتین، وبنحو الاستغراق موضوعاً.

2 - مضافاً إلی ما تقدّم من تفاوت الفضل فی لسان الأدلّة فی نفس

ص:505


1- (1) الوسائل: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 14.
2- (2) الوسائل: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 23.
3- (3) الوسائل: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 25.
4- (4) الوسائل: أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 24.

المسجد الحرام والحرم المکّی ومکّة مع وجود الفضل فی کلّ ذلک، وکذلک فی المسجد النبویّ والروضة وبیت فاطمة علیها السلام وبیوت النبیّ صلی الله علیه وآله والمدینة والحرم المدنی، فکذلک الحال فی مسجد الکوفة والکوفة ومرقد وحرم أمیر المؤمنین علیه السلام.

3 - مع ورود جملة من الروایات الصحیحة الواردة فی زیارته علیه السلام أنّ أصل حرم الأمیر علیه السلام هو مرقده علیه السلام، واستوجه المجلسی استظهار الشیخ فی النهایة والمبسوط أنّ الأصل فی حرمة الکوفة ومسجدها مرقده علیه السلام.

4 - فذکر المساجد من باب الأبرز شرفیّة فی نقاط تلک البلدان، کما تقدّم فی کلام الذکری، وهذا وجه التخصیص بعنوان المساجد فی بعض الروایات.

وأمّا حرم الحسین علیه السلام فقد تقدّم أنّ المفید فی المزار حمل الحائر علی نفس معنی الحرم، وأنّ التحدید بخمسة فراسخ وفرسخ وبالأذرع محمول علی تفاوت درجات القدسیّة والفضل، ووافقه یحیی بن سعید فی کتاب السفر، وأنّه قدّر بخمسة فراسخ وأربعة فراسخ وبفرسخ، وقال: (والکلّ حرم وإنْ تفاوتت الفضیلة).

ص:506

قاعدة العشرون: قاعدة: فی ان الاعواض المحرمة مسقطة للضمان

ص:507

ص:508

قاعدة العشرون: قاعدة: فی ان الاعواض المحرمة مسقطة للضمان

اشارة

قال السید الیزدی فی العروة الوثقی کتاب الطهارة:

(مسألة 8): لو تبین فساد العقد - بأن ظهر لها زوج أو کانت اخت زوجته أو أمها مثلا ولم یدخل بها - فلامهر لها، ولو قبضته کان له استعادته، بل لو تلف کان علیها بدله، وکذا ان دخل بها، وکانت عالمة بالفساد، واما ان کانت جاهلة فلها مهر المثل، فان کان ما اخذت ازید منه استعاد الزائد، وان کان أقل أکمله.

ونبحث القاعدة فی محاور ثلاثة:

المحور الأول: تحریر المسألة:

لو اخلت المرأة ببعض المدّة فیسقط من المهر بحسبها، فی غیر موارد العذر کالحیض.

ص:509

امّا توزیع المهر علی المدة فهو مقتضی کونها اجارة، الا ان الکلام فی المقدار الذی یوزع من المهر علی المدة، هل هو نصف المهر باعتبار ان الدخول یقابل بنصف أیضاً أو تمام المهر، ظاهر عبارات الاصحاب الثانی، وان کان مقتضی التزامهم بمقابلة الدخول نصف المهر عند عدمه هو الاوّل، لاسیما مع تصریحهم ان استقرار المهر مشروط بکل من الدخول والوفاء بالمدة، فالصحیح هو الاوّل.

وعلی أی تقدیر فیدل علی التوزیع ما ورد فی موثقة اسحاق بن عمار وصحیح عمر بن حنظلة(1) ، وفی صحیح آخر لعمر بن حنظلة قال: قلت لأبی عبدالله علیه السلام: أتزوج المرأة شهراً بشیء مسمی فتأتی بعض الشهر ولا تفی ببعض، قال: یحبس عنها من صداقها مقدار ما احتبست عنک، الا ایام حیضها فانها لها»(2).

نعم فی معتبرة(3) أُخْرَی له عن أبی عبدالله علیه السلام قال: قلت له أتزوج المرأة شهراً فاحبس عنها شیئاً فقال: نعم، خذ منها بقدر ما تخلفک، ان کان نصف الشهر فالنصف وان کان ثلثا فالثلث»(4).

ص:510


1- (1) أبواب المتعة باب 27 ح 1 و 3.
2- (2) أبواب المتعة، باب 27 ح 4.
3- (3) صالح بن السندی غیر موثق لکن حالة مستحسن لانه صاحب کتاب ویروی عنه ثقات وکبار الطائفة ویروی کتابه البرقی، ویروی عنه علی بن ابراهیم وابراهیم بن هاشم، والشیخ الطوسی له طریق الی کتابه فی الفهرست.
4- (4) أبواب المتعة، باب 27 ح 2.

الثانی: تحریر القاعدة: فی ضابطة التوزیع:

فان ظاهر جلّ الروایات هو التوزیع بحسب المدّة من دون التصریح بان تمام المهر یوزع أو نصف المهر، نعم فیمکن حمله علی مقتضی ما تقدم من ان الدخول یقابل بالنصف، والنصف الآخر یوزع علی المدّة، ولکن ظاهر خصوص معتبرة عمر بن حنظلة هو توزیع تمام المهر علی المدّة، وکذلک ظاهر عباراتهم فی التوزیع، الا انّ ما تقدم من قرائن اقوی وجها فی مقابلة الدخول بنصف المهر ووفاء المدة بالنصف الآخر، اذ لو فرض دخل بها بعد العقد علیها سنة أو سنوات ثم اخلّت بباقی المدة بعد الدخول فلازم احتمال توزیع تمام المهر هو ان لا یقابل الدخول الا بالنزر الیسیر وهو کما تری، بل ان موثق اسحاق بن عمار المتقدم فی ذیله من قوله علیه السلام بعد ما ذکر من توزیع المهر علی المدة بحسب ما اخلت ما خلی ایام الطمث قال علیه السلام: «ولا یکون لها الا ما احل له فرجها»(1) ، والجملة وان کانت لا تخلو من اجمال الاّ انّه بقرینة ما فی صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبدالله علیه السلام قال: «اذا بقی علیه شیء من المهر وعلم ان لها زوجاً فما اخذته فلها بما استحل من فرجها، ویحبس علیها ما بقی عنده»(2) حیث ان ظاهر الصحیح ان

ص:511


1- (1) أبواب المتعة، باب 27 ح 3.
2- (2) أبواب المتعة، باب 28 ح 1.

اصل الوط ء والدخول واستحلال الفرج یقابل بشطر من المهر کما استفید فی موثقة سماعة من هبة المدّة من دون الوط ء، فلیس المهر یقابل بالمدة فقط، وکذلک الحال فی مکاتبة الریان بن شبیب, ومن ثمّ تفرض فی المقام صورة اخری وهی ما لو تبین فساد العقد، بان کان لها زوج، أو کان هناک مانع شرعی من موانع النکاح، وموجبات تحریمه، فانها وان لم تستحق المسمی بالعقد لفساده، الاّ انها تستحق مهر المثل مع الجهل، واما لو فرض انها کانت عالمة بالفساد فلا تستحق شیئاً لانه لا مهر لبغی، ولو فرض اخذها شیئاً من المهر وکانت قد اتلفته مع تحقق الوط ء فهل تضمن وتغرمه للرجل العاقد علیها، قد یقال بذلک، لانه فرض عدم استحقاقها لشیء من ذلک، لا مهر المثل ولا مهر المسمی، لکن قد یقال ان الرجل العاقد کان اقدامه غیر مجانی کما ان المرأة لم تمکّن من هذا الفعل علی أنه مجانی، وکون الفعل من ناحیتها حراماً أو فی الواقع فی نفسه حراماً لا مالیة له وان استلزم عدم استحقاقها القیمة المسماة ولا المثل الا انّ ضمانها لا یترتب علی عدم استحقاقها، بل هو مترتب علی ان ما بذله من المال وضع یدها علیه لم یکن باذن منه.

لایقال: ان اذنه کان مقیداً بالعقد الصحیح والوط ء الحلال، ولم یتم ذلک له ولم یستوفه لاسیما وانه تقرر ان لا مهر لبغی.

فانه یقال: ان المهر المسمی وان کان کذلک الا انّ طبیعی المهر والمال المبذول کان بازاء الوط ء، ولک أن تقول قد استوفی ذلک طبیعی

ص:512

الوط ء غایة الامر انه لم یتم له الوصف المطلوب، وان کان بنحو وحدة المطلوب لا تعدد المطلوب، الا انّه علی أی تقدیر قد استوفی حصة من المطلوب، وهذه الحصة وان لم تکن لها مالیة ومن ذلک لا تستحق المرأة البغی شیئاً، الا انّ استیفاء هذه الحصة لم تکن المرأة لتمکِّن الرجل منه بدون ذلک البذل، ولعل هذا البیان یستخرج منه قاعدة عامة فی باب الضمان فی الأعواض المحرمة انها وان لم تکن مضمونة لا بالقیمة المسماة ولا بقیمة المثل، الا انها توجب نفی الضمان القیمة التالفة مع فرض استیفاءها من الباذل للمال، ولعل هذا تفسیر ما تقدم من صحیح حفص بن البختری وان اعرض عن العمل به جماعة. ومثله ما رواه فی حسنة علی بن أحمد بن اشیم(1) قال: «کتب الیه الریان بن شبیب - یعنی ابا الحسن علیه السلام - الرجل یتزوج المرأة متعة بمهر الی اجل معلوم واعطاها بعض مهرها واخرته بالباقی ثم دخل بها وعلم بعد دخوله بها قبل أن یوفیها باقی مهرها انّه زوّجته نفسها ولها زوج مقیم معها، أیجوز حبس باقی مهرها أم لایجوز؟ فکتب لایعطیها شیئاً لانها عصت الله عزّوجل».

وظاهر قوله علیه السلام وان نفی اعطائها شیئاً، مما یفید عدم استحقاقها لکن الظاهر ان نفی الاعطاء هو بلحاظ الباقی لا بمعنی استرجاع المأخوذ، کما انّ عدم تعرضه علیه السلام لاسترجاع المأخوذ لیس

ص:513


1- (1) أبواب المتعة، باب 28 ح 2.

بمعنی استحقاقها للمقدار الذی أخذته، کیف والتعلیل الذی ذکره علیه السلام شامل لکلا المقدارین ولعدم استحقاقها شیئاً من رأس، بل الوجه فی ذلک محمول علی ما هو فی صیح حفص بن البختری، أی ان عدم الاسترجاع لما استحل من فرجها وانه لم یقدم علی ذلک مجاناً، وقد استوفی فی الجملة ما اقدم علیه وان لم یکن ذلک بمعنی استحقاقها للعوض، لکنه یقتضی عدم ضمانها، ولک ان تمثل لمن اقدم علی شراء طعام ما، فتبین بعدما اکل ذلک الطعام انه غیر الذی کان سمی وبذل العوض بازائه. کما انّه لابد من الالتفات الی تحریم الشیء علی انماط لاتوجب جمیعها سلب وهدر مالیة الشیء، فمثلاً حرمة المغصوب لا تعدم مالیته، وکذلک الامور المحرمة کالخنزیر والمیتة والخمر عند اهل الکتاب والکفار فیما لو تعاوضوا علیها ثم اسلموا، ونحو ذلک من الموارد، لاسیما وان الرجل فی المقام الوط ء من جهته وطی شبهة، و وط ء الشبهة له مالیة وان لم تستحق المرأة تلک المالیة من جهتها لان الوط ء من جهتها بغی وزنا(1).

ص:514


1- (1) وکذا صحیح الولید بن صبیح عن أبی عبدالله علیه السلام فی رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلّست نفسها له قال: ان کان الذی زوجها ایاه من غیر موالیها فالنکاح فاسد قلت: فکیف یصنع بالمهر الذی اخذت منه، قال: ان وجد مما اعطاها شیء فلیأخذه، وان لم یجد شیئاً فلاشیء له الحدیث. الوسائل ابواب نکاح العبید والاماء باب 67 ح 1 ویعضد مفاد القاعدة ما فی ذیل هذا الصحیح من فرض آخر وهو تدلیس ولی الامة لکن المدلّس علیه یغرم عُشرها بما استحل من فرجها: أی ان

المحور الثالث: مثالان تطبیقیان للقاعدة:

مثال تطبیقی 1:

قال السید الیزدی فی العروة:

(مسألة 10): اذا قالت زوجتک نفسی الی شهر أو شهراً مثلاً، واطلقت اقتضی الاتصال بالعقد، وهل یجوز ان تجعل المدّة منفصلة عن العقد، بأن تعیّن المدّة شهراً مثلاً، ویجعل مبدأه بعد شهر من حین وقوع العقد أم لا؟ قولان: أحوطهما الثانی، بل لایخلو من قوة.

الشرح:

نسب الی المشهور صحة المدّة المنفصلة، وذهب جماعة الی عدم الصحة. وعلی الصحة هل یسوغ ان تعقد نفسها لغیره فیما بین ذلک أو بعد ذلک، وهل التحدید للمدة راجع الی المسبب للعقد وهی الزوجیة أو هو راجع للانتفاع کفعل مشروط، أو لملک المنفعة؟

ولو اطلق المدّة أو ابهمها من جهة الاتصال والانفصال فالاکثر علی انه ینصرف الی الاتصال وذهب ابن ادریس الی البطلان للجهالة.

ص:515

وعلی أی تقدیر فتقرب الصحة بأن عقد المتعة نظیر الاجارة، فکما یمکن عقدها علی مدة متأخرة علی العقد کاستئجار الأجیر للحج قبل موسم الحج بمدّة، فانّ عقد الاجارة منجّز فعلی، والملکیة للعوضین أیضاً فعلیة، غایة الامر ان المملوک متأخر، فالانشاء فعلی، والمنشأ فعلی وهو المسبب للعقد، الاّ ان متعلق المسبب متأخر، وکذلک الحال فی المقام فان انشاء الزوجیة فعلی، والمنشأ وهو المسبب وهی الزوجیة أیضاً وملکیة البُضع فعلیة الاّ أنّ المملوک - وهو منفعة البضع - متأخرٌ فالزوجیة فعلیة وهی زوجة بالفعل وان تأخرت مدة الاستمتاع عن العقد، الا انّه یبقی الکلام فی ترتب آثار الزوجیة، فمنها ما لاریب فی ترتبه نظیر حرمة تزویج الغیر منها، وتواضع مثل هذا الحکم.

وَمِنْهَا: ما هو محل الاختلاف کما لو مات الزوج فتعتدّ منه عدّة الوفاة، ومن هذا القبیل جواز نظره الیها، بل لو فرض انّه باشرها قبل المدّة فهل یکون قد فعل حراماً، کوط ء غیر الزوجة، أم انّه قد ارتکب خلاف الشرط فقط، فان مقتضی الزوجیة حلیة الوط ء والاستمتاع، وان کان یحرم من جهة الشرط، لکن مقتضی تخصیص ملکیة البضع للمدة المتأخرة هو عدم جواز وطئه فی نفسه، فکأنّه بمنزلة انقضاء المدّة. وعلی ضوء هذا التردد فی الآثار قد التزم البعض بانّ المدّة المتأخرة عبارة عن تحدید منتهی الزوجیة، أی ان منتهی تلک المدّة المتأخرة هو منتهی عقد الزوجیة، وأما مبدأ الزوجیة فهو من حین وقوع العقد،

ص:516

وأمّا مبدأ المدّة المتأخرة فهو مبدأ لما عینا من منافع المملوکة; وهذا نظیر لو ما اشترطت علیه ان لا یطؤها فی الفرج ویستمتع منها ما شاء فان غایة ذلک هو التبعیض فی استیفاء منافع الزوجیة بحسب الشرط من دون أن یکون تعلیق فی الزوجیة.

ان قلت: ان فی باب اجارة العین لو اقدم المستأجر علی الانتفاع بالعین قبل المدة المعینة المتأخرة فکان غاصباً، لا انه خالف الشرط فقط، فکذلک فی المقام، فهو زوج لها فی تلک المدة المعینة لا قبلها.

قلت: انه فرق بین باب ملکیة الاعیان والمنافع فی المعاوضات وباب نکاح عقد الزوجیة وملکیة البضع، فان الزوجیة غیر قابلة للتبعیض ولا للتقیید للحیثیة وانما الاجل غایة مفاده انقطاع الزوجیة ورفعها، نظیر الطلاق الرافع لدوام النکاح.

ألا تری ان المرأة المتمتع بها فی المدّة المتصلة بالعقد لایجوز لها أن تعقد نفسها للغیر فی المدّة المتأخرة عن انقضاء عقد الاجل الاول ومدته(1) بینما یجوز ذلک فی ملکیة الاعیان المستأجرة بأنّ یتصافق ویعقد علی العین الواحدة عقود اجارة متعددة فی آن واحد، ولکن بمدد زمانیة متعاقبة ومتناوبة.

ومن ثمّ ورد عدم جواز عقد الزوج الاول نفسه علی امرأته

ص:517


1- (1) أبواب المتعة، باب 23.

المتمتع بها لتحدید الزوج قبل أن یتم الاجل الاول أو هبته المدّة لها، وعلّل ذلک بأن ذلک شرطین فی شرط وهو فاسد(1).

فتحصل الفرق بین باب الزوجیة والنکاح وباب ملکیة الاعیان وان المدة المتأخرة عبارة عن تحدید فترة استیفاء وانتهاء الاجل. والظاهر ان هذا التقریر علی مقتضی القاعدة وتفسیر مارواه بکار بن کردم قال: قلت لأبی عبدالله علیه السلام رجل یلقی المرأة فیقول لها زوجینی نفسک ولا یسمی الشهر بعینه ثم یمضی فیلقاها بعد سنین فقال: له شهره ان کان سماه فان لم یکن سماه فلا سبیل له علیها(2).

فالشق الاول معمول علی انه عیّن شهراً متأخراً عن وقت العقد فیلقاها بعدُ قبل مضی الشهر المعیّن فیکون له شهره لانّها زوجته ولم تنته مدّة الاجل. واما اذا ابهم الشهر واطلقه فینصرف الی الاتصال، فاذا القاها بعده فتکون العلقة الزوجیة قد تصرمت ولاسبیل له علیها.

نعم حکی عن الشیخ فی التهذیب حمل الشق الثانی علی البطلان لعدم تعیین المدّة ولکنه تأویل من دون موجب، وظاهر السیاق خلافه.

هذا کله اذا لم یکن التقیید بالمدّة المتأخرة یوجب ظهور الانشاء والمنشأ فی التعلیق، والا فلایصحّ، ولکن بمجرد تقیید المدة المتأخرة

ص:518


1- (1) أبواب المتعة، باب 24.
2- (2) أبواب المتعة، باب 35 ح 1.

لاظهور له فی ذلک کما هو الحال فی اجارة العین مع التقیید للمدة المتأخرة.

مثال تطبیقی 2:

قال السید الیزدی فی العروة الوثقی: (مسألة 15): إذا کانت الموطوءة بالشبهة عالمة، بأن کان الاشتباه من طرف الواطئ فقط، فلا مهر لها إذا کانت حرّة، إذ لا مهر لبغی و لو کانت أمة ففی کون الحکم کذلک، أو یثبت المهر لأنه حق السید وجهان، لا یخلو الأوّل منهما من قوة.

الشرح:

أما فی الحرّة فانتفاء المهر واضح، إذ للعاهر الحجر و غیرها من النصوص الواردة فی نفی المهر عن البغی، بل هو مقتضی القاعدة لسقوط حرمة منفعة بضعها بإقدامها علی هدر بضعها(1).

وأما فی الأمة فقد حکی عن الشیخ فی المبسوط و ابن إدریس ثبوت المهر، و عن الشرائع عدم ثبوت شیء لها، و یظهر منه أن ما ورد فی الروایة من ثبوت العشر ونصفه من قیمتها تحدید شرعی کمهر تعبّدی بدل عن مهر المثل، وأنه إنما یثبت مع الجهل والاشتباه لا العلم.

وحکی عن ابن حمزة والمقنع والنهایة والقاضی والمدارک والریاض

ص:519


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب العیوب و التدلیس: ب 9، ح 1، أبواب المتعة: ب 28، ح 2؛ و أبواب حد الزنا: ب 27، ح 6؛ أبواب حد الزنا: ب 18، ح 5.

ثبوت العشر فی البکر ونصف العشر فی الثیب، واختاره فی الجواهر.

واستدل بسقوط المهر بحسب مقتضی القاعدة بأنها بغی، ولا مهر لبغی نصاً عاماً، وبمقتضی إقدامها علی هدر منفعة بضعها، بل یُتأمل فی أصل ثبوت المالیة لمنفعة البضع فی الأمة، فإن ذلک ثابت فی الحرة، ومن ثمّ یقال لها: مهیرة، وعلی ضوء ذلک فیُتأمل فی إثبات الأرش فی موردها، الذی هو مفاد صحیح الفضیل والولید الآتیین، إذ لم یفرض فیهما علم الأمة بالحرمة.

ویرد علیه:

أولًا: إن منفعة البضع ذات مالیة فی الحرة والأمة سواء، غایة الأمر أن هناک فارقاً فی القیمة کما هو الحال فی أرش البکارة أیضاً فیهما، ولا یقاس منفعة البضع بسائر الاستمتاعات، مع أنه یظهر من روایة زرارة ثبوت مالیة لسائر الاستمتاعات فی الأمة، وهو غیر بعید بحسب العرف السوقی فی باب الإماء والعبید.

ثانیاً: إن إقدام الأمة علی الحرام لا یهدر منفعة بضعها؛ لأن حرمة المنفعة لیست متعلّقة بالأمة فقط وإنما متعلّقة بسیّدها أصالة، ولم یحصل منه هدر من المالیة، ومن ثمّ صحّ ما قیل: من أن ما ورد فی النصوص العامة من عدم المهر للبغی إنما هو مختص بالحرّة.

ثالثاً: إن الظاهر أن ما فی صحیح الفضیل والولید هو تحدید

ص:520

شرعی لمهر الأمة فی غیر موارد مهر المسمّی.

وما یقال: من اختصاص شبهة المهر بالحرة دون الأمة، لا ینافی ثبوت المالیة لبضع الأمة، ومن ثمّ یطلق علیه فی الحرّة فی موارد الاشتباه بالعقر، فعن الصحاح: أن العقر مهر المرأة إذا وطئت علی شبهة، فاستبدل عنوان المهر بالعقر فی المرأة فی هذه الحالة ولو کانت حرّة.

ومن ثمّ کان الأقرب فی مفاد الصحیحین کما ذکر صاحب الجواهر ثبوت التعبّد الشرعی کتحدید لقیمة مهر المثل للأمة فی کلّ موارد ثبوته من دون اختصاصه بمورد الصحیحین.

أما صحیح الفضیل بن یسار، قال: «قلت لأبی عبدالله علیه السلام: إن بعض أصحابنا قد روی عنک أنک قلت إذا أحل الرجل لأخیه جاریته فهی له حلال، فقال: نعم یا فضیل، قلت: فما تقول فی رجل عنده جاریة له نفیسة وهی بکر أحل لأخیه ما دون فرجها أله أن یفتضّها؟ قال: لا، لیس له إلّا ما أحلّ له منها، ولو أحل له قبلة منها لم یحلّ له سوی ذلک، قلت: أ رأیت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: لا ینبغی له ذلک، قلت: فإن فعل أ فیکون زانیاً؟ قال: لا ولکن یکون خائناً ویغرم لصاحبه عشر قیمتها إن کانت بکراً وإن لم تکن فنصف عشر قیمتها»(1).

ص:521


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب 35، ح 1.

و أما صحیحة الولید بن صبیح عن أبی عبدالله علیه السلام: «فی رجل تزوج امرأة حرّة فوجدها أمة قد دلّست نفسها له، قال: إن کان الذی زوجها إیاه من غیر موالیها فالنکاح فاسد، قلت: فکیف یصنع بالمهر الذی أخذت منه؟ قال: إن وجد مما أعطاها شیئاً فلیأخذه وإن لم یجد شیئاً فلا شیء له، وإن کان زوجها إیاه ولی لها ارتجع علی ولیها بما أخذت منه ولموالیها علیه عشر ثمنها إن کانت بکراً وإن کانت غیر بکر، فنصف عشر قیمتها بما استحل من فرجها... الحدیث»(1) ، وفی کلا الصحیحین إثبات الغرامة للمالک، لحرمة ماله، وهی منفعة البضع، مما یقتضی عدم سقوط حرمته ببغی الأمة وأن العشر ونصفه بمثابة مهر المثل ولیس هو لخصوص البکارة، ومن ثمّ ثبت فی الثیّب فلیس هو أرش مقابل المهر.

والتعبیر فی الصحیحة الثانیة بما استحل من فرجها المراد به بما انتفع من بضعها، وإلا فلیس فی البین حلیة واقعیة.

ص:522


1- (1) وسائل الشیعة، أبواب نکاح العبید و الإماء: ب 67، ح 1.

ص:523

ص:524

فهرس الموضوعات

هویة الکتاب 4

المقدمة 5

القاعدة الأولی: قاعدة الاقتصاص من السب أو الإهانة 11

القاعدة الثانیة: قاعدة فی ثبوت القصاص بالتسبیب 17

الموطن الأول: إسقاط القصاص فی مورد الشرکة 17

سواء أکانت طولیة أم عرضیة 17

الموطن الثانی: کلمات الأعلام فی الصبی المأمور: 20

الموطن الثالث: 23

الموطن الرابع: تنقیح الحال فی التسبیب بالإکراه علی القتل 25

الموطن الخامس: 27

الموطن السادس: 27

الموطن السابع: الإکراه فی الجنایة علی الأطراف: 27

ضابطتان فی الحکم بالقصاص فی موارد التسبیب: 28

النقطة الثانیة: الأدلة فی المقام: 29

القاعدة الثالثة: فی تداخل القصاص والدیات وعدمه 35

النسبة بین الألسن الثلاثة: 42

القاعدة الرابعة: فِی القصاص بین الکفار بعضهم مَعَ بعض 49

المبحث الأول: ما دل علی ما ینافی القاعدة: 54

وجه عدم عموم القاعدة للکفار: 54

المبحث الثانی: أدلة القاعدة (عموم القصاص للکفار): 55

الدلیل الأول: القران الکریم: 55

الدلیل الثانی: الروایات: 62

قاعدة فرعیة: من احترم ماله من الکفار فله دیة الذمی: 69

القاعدة الخامسة: فِی القضاء بین الکفار وبین أهل الکتاب 75

توطئة: 75

ص:525

المقام الثانی: أدلّة الأقوال فی القاعدة: 80

الدلیل الأول: القران: 80

الدلیل الثانی: الإجماع: 81

الدلیل الثالث: 82

الدلیل الرابع: 82

الدلیل الخامس: 83

الدلیل السادس: 88

الدلیل السابع: 88

تتمة القاعدة: فی القضاء بین المخالفین: 89

الدلیل الأول: الروایات: 90

الدلیل الرابع: 95

الدلیل الخامس: 96

القاعدة السادسة: قاعدة فی إسلام أو کفر ابن الزنا 101

القاعدة السابعة: قاعدة الجب 121

الأولی: موارد تدعم القاعدة: 123

الجهة الثانیة: مورد القاعدة: 124

الجهة الثالثة: اشکال ودفعه: 125

القاعدة الثامنة: فی ثبوت القصاص علی کل جنایة عدوانیة 129

القاعدة التاسعة: قاعدة لا تقیة فی الدماء 135

القاعدة العاشرة: حرمة دم المسلم وعرضه وماله 139

الدلیل الثالث: الروایات: 143

ثانیا: من طرق السنّة: 145

الدلیل الرابع: سیرة النبی صلی الله علیه وآله: 148

تنقیح موضوع: 150

ما یوجب الخروج عن الإسلام: 150

النتیجة: 153

القاعدة الحادی عشرة: ضرورة التمییز بین السیرة فی صدر الإسلام 159

الفروق الرئیسیّة بین السیرة فی صدر الإسلام وبین سیرة بنی أمیة 160

ص:526

الفارق الأوّل: فی طریق إقامة الحکم: 160

الفارق الثانی: منهج النقد والرقابة للحاکم والحکم: 160

الفارق الثالث: مشروعیّة طاعة السلطان الجائر: 161

الفارق الخامس: استباحة المحرّمات: 168

القاعدة الثانی عشرة 173

مودة أهل البیت علیهم السلام ضرورة إسلامیّة 173

القاعدة الثالثة عشرة: قاعدة شوری الأمة فی نظام الحکم 183

فوارق الدیمقراطیّة والشوری: 187

الأوّل: موقعیة الشوری والمشارکة: 188

الثانی: الشوری بین الذاتیّة والطریقیّة: 190

الثالث: المدافعة بین الدیمقراطیّة واللیبرالیّة 191

(بین الشوری والحریات الفردیّة): 191

الرابع: تنامی القوّة الفردیّة والاستبداد: 191

الخامس: الترقّی الإنسانی فی مقابل الحضیض: 192

القاعدة الرابعة عشرة: قَاعدَِة فِی بناء نظام القدرة والقوة 195

ضرورة البحث: 195

المحور الأوّل: أنواع القدرة والقوّة ودوائرها: 197

نسبة العدالة مع العموم والمساواة والحریّة: 204

التغیّر والتدویل والتبدیل ضمانة للعموم: 207

اختلاف مراتب العموم شدّة وضعفاً بنحو متفاوت: 209

الاختصاص والعدل: 210

النظرة المجموعیّة والتجزّئیّة فی رسم العدالة: 212

القاعدة الخامسة عشر: قاعدة فی العدالة 217

أدلة العدالة: 217

ملاحظة ودفعها: 219

القاعدة السادسة عشر: اشتراک الحد والقصاص فی ماهیة جامعة واحدة 225

قاعدة: القصاص یدرء بالشبهات 231

الوجه الأول: 231

ص:527

قاعدة أخری: 232

الوجه الثانی: 232

الوجه الثالث: 233

الوجه الخامس: 234

القاعدة الثامنة عشر: قاعدة فی صلاحیات المرأة 239

توطئة: 239

محل البحث: 239

الاقوال فی المسالة: 242

ادلة القاعدة: 244

الآیات والأخبار الدالة علی عدم تولی المرأة: 244

الطائفة الأولی: ما یدل علی ضعف المرأة ولیونتها: 244

إشکالیة استحقار الاسلام للمرأة: 246

النصوص الشرعیة فی مکانة المرأة: 249

عظمة ادخال السرور علی المرأة: 254

البنات حسنات وجهات فضلهن علی الابناء: 254

عظمة کفالتهن: 255

حق المرأة کأم ومکانتها: 257

مکانة وشأن المرأة کزوجة وترک ضربها والعفو عن ذنبها: 260

استحباب اکرام الزوجة وترک ضربها: 262

الطائفة الثانیة: 270

من الآیات التی ذکرت أن المرأة عورة وآیات الحجاب: 270

القول بتاریخیة القرآن: 283

الطائفة الثالثة: 287

الآیة التی تجعل شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل: 287

الطائفة الرابعة: 288

الآیات الدلالة علی ولایة الرجل علی المرأة: 288

تناسب طبیعة الأحکام 292

مع الطبیعة التکونیة للمرأة والرجل: 292

ص:528

الطائفة الخامسة: 297

الآیات الدالة علی أنهن نواقص حظوظ: 297

الطائفة السادسة: 299

الآیات التی تعرض لملکة سبأ: 299

خلاصة ما تقدم من هذه الطوائف: 305

أن الطائفة الأولی من الآیات: 305

والطائفة الثانیة وهی آیات الحجاب والتستر: 305

والطائفة الثالثة: 305

والطائفة الرابعة: 306

والطائفة الخامسة: 306

والطائفة السادسة وهی ما تقدم قریباً فی سورة سبأ: 306

طوائف الاخبار: 308

الطائفة الأولی: الموافقة للطائفة الرابعة من الآیات 309

الدالة علی ولایة الرجل علی المرأة: 309

أنها لا تتولی القضاء: 309

حسد المرأة وحق الزوج علیها: 363

مدارة المرأة: 365

قلة الصلاح فی المرأة: 368

تأدیب النساء: 370

ترک طاعة النساء: 370

تکامل الرجل والمرأة بالآخر: 378

الطائفة الثالثة: ضعف الرأی: 379

الطائفة الثانیة: الآمرة بالحجاب: 386

ستر المرأة: 386

مصافحة النساء: 390

کیفیة مبایعة النبی صلی الله علیه وآله للنساء: 391

النهی عن الدخول علی النساء: 391

السلام علی النساء: 392

ص:529

المیزان فی درجات حکم الاختلاط: 393

بعض الأدلة التی استدل بها علی ولایة المرأة: 394

1 - منها: الاطلاقات: 394

2 - منها: الأصل العملی: 395

3 - منها: الأخبار الواردة: 396

القاعدة التاسعة عشر: قاعدة فی إتمام الصلاة فی کل مراقد آل البیت 407

تفصیل الأقوال فی المسألة: 407

أقوال الأصحاب فی التعمیم: 407

أقوال الأصحاب فی التعمیم: 408

وأمّا الثانی - وهی المخالفة للأخبار المتواترة: 411

وأمّا الثالث - وهو التعمیم لکلّ مکان ذی فضیلة: 412

أقوال فی التوسعة من جهات أخری: 422

ملحق الأقوال: 428

تقریب الأدلّة علی التعمیم فی موضوع التخییر: 428

الوجه الأوّل: اصطیاد العموم فی الموضوع من الأدلَّة: 429

الوجه الثانی: عموم التعلیل 440

(قدسیة المکان) یعمم الموضوع: 440

فذلکة فی التعلیل: 443

الوجه الثالث: تعدِّد ألسنة الموضوع للإتمام الواردة فی الروایات عدداً وعنواناً شاهد علی عموم الموضوع: 446

إختلاف الألسنة فی عدد المواطن: 446

اللسانان الآخران: المشاهد ومشاهد النبی صلی الله علیه وآله: 447

الوجه الرابع: التنصیص الخاص علی الإتمام 452

عند قبور بقیة الأئمة المعصومین علیهم السلام: 452

تعدّد ألفاظ المتن وتعدّد الطرق: 453

فقه ودلالة الروایة: 455

الوجه الخامس: عموم موضوع الإتمام 460

الملحقات والتبیهات 463

ملحق الوجه الأول لتبیین عموم الموضوع: 463

تنبیهات مسألة عموم التخییر وأفضلیة الإتمام فی مشاهد الأئمة علیهم السلام: 463

ص:530

ملحق الوجه الأوَّل: لتبیین عموم الموضوع: 463

فضیلة وشرف مشاهد المعصومین: 463

آیة بیوت النور: 467

ما ورد من إتمام أمیر المؤمنین علیه السلام: 496

الصلاة فی مسجد براثا أربعة أیّام: 496

مؤیّدات أخری للتعمیم: 501

الثانی: توسعة محل التخییر للبلدان الأربعة: 504

القاعدة العشرون: فِی أنَّ الأعواض المحرمة مسقطة للضمان 509

المحور الأول: تحریر المسألة: 509

الثانی: تحریر القاعدة: 511

فی ضابطة التوزیع: 511

المحور الثالث: مثالان تطبیقیان للقاعدة: 515

فهرس الموضوعات 525

فهرست إجمالی لکتاب بحوث فی القواعد الفقهیة 533

ص:531

ص:532

فهرست إجمالی لکتاب بحوث فی القواعد الفقهیة

فی أجزائه الأربعة

الجزء الأول

ثمانیة عشر قَاعدَِة، وَهِیَ:

1 - قاعدة سوق المسلمین.

2 - قاعدة التقیة.

3 - قاعدة الإمکان فی الحیض.

4 - قاعدة حرمة إهانة المقدسات.

5 - قاعدة نجاسة کل مسکر.

6 - قاعدة الأصل فی الأموال الاحتیاط.

7 - قاعدة إخبار ذی الید.

8 - قاعدة الإقرار بحق مشاع.

9 - قاعدة حق الله وحق الناس.

10 - قاعدة فی المیتة.

11 - قاعدة فی انفعال الماء القلیل.

12 - قاعدة کل کافر نجس.

13 - قاعدة الإیمان والکفر.

14 - قاعدة تکلیف الکفار بالفروع.

15 - قاعدة التبعیة.

16 - قاعدة فی عبادة الکافر والمخالف.

17 - قاعدة عموم ولایة الأرحام.

18 - قاعدة أصالة عدم التذکیة.

ص:533

الجزء الثانی

أربعة وعشرون قاعدة وهی:

19 - قاعدة (الفراش).

20 - قاعدة (یحرم من الرضاع ما یحرم من النسب).

21 - قاعدة (المرأة مصدقة فی قولها علی نفسها وشؤونها).

22 - قاعدة (حرمة تلذذ غیر الزوجین).

23 - قاعدة (فی وحدة ماهیة النکاح).

24 - قاعدة (فی تداخل العدد).

25 - قاعدة (عموم حرمة المس فی الأجنبیة).

26 - قاعدة (فی التبرج بالزینة).

27 - قاعدة (فی الفرق بین النکاح والسفاح).

28 - قاعدة (فی المال او الحق المأخوذ استمالة أو اکراها).

29 - قاعدة فی لزوم الفحص الموضوعی قبل البینة أو الیمین

30 - قاعدة: فی نظام التحکیم والصلح فی النزاعات.

31 - قاعدة (حق المرأة العشرة بالمعروف أو التسریح بإحسان).

32 - قاعدة (شرطیة الإسلام فی الولایة).

33 - قاعدة (فی عموم قاعدة ولایة الأرحام).

34 - قاعدة (فی حرمة وقوع الفتنة الشهویة).

35 - قاعدة (بطلان الإحرام ببطلان النسک).

36 - قاعدة (فی تقوّم مشروعیة التمتع بالإحرام من بُعْد).

37 - قاعدة (فی صحة النسک مع الخلل غیر العمدی فی الطواف والسعی).

38 - قاعدة (بطلان إدخال نسک فی نسک).

39 - قاعدة (لزوم الحج من قابل بفساد الحج).

40 - قاعدة (تباین أو وحدة أنواع الحج).

41 - قاعدة (دفع الأفسد بالفاسد).

42 - قاعدة (المصلحة).

ص:534

الجزء الثالث

ستة عشر قاعدة وهی:

43 - قاعدة العرض علی الکتاب والسنة.

44 - قاعدة العقود تابعة للقصود.

45 - قاعدة لا تبع ما لیس عندک.

46 - قاعدة عمد الصبی خطا.

47 - قاعدة لزوم العسر والحرج.

48 - قاعدة لا ضرر.

49 - قاعدة ان المتنجس ینجس.

50 - قاعدة فی تعیین المالک لما یقابل الدین والوصیة من الترکة.

51 - قاعدة شرطیة اذن الاب فی اعمال الصبی.

52 - قاعدة من ادرک المشعر فقد ادرک الحج.

53 - قاعدة الشعائر الدینیة.

54 - قاعدة توسعة حریم مواسم الشعائر زمانا ومکانا.

55 - قاعدة المشی الی العبادة عبادة.

56 - قاعدة رجحان الشعائر ولو مع الخوف.

57 - قاعدة عمارة مراقد الائمة فریضة هامة.

58 - قاعدة تعدد طرق الحکایة والإخبار عن الواقع.

الجزء الرابع

عشرون قاعدة وهی:

59 - قاعدة الاقتصاص من السب او الإهانة.

60. - قاعدة فی ثبوت القصاص بالتسبیب.

61 - قاعدة فی تداخل القصاص والدیات وعدمه.

62 - قاعدة فی القصاص بین الکفار بعضهم مع بعض.

63 - قاعدة فی القضاء بین الکفار وبین اهل الکتاب وبین اهل الخلاف.

64 - قاعدة فی اسلام او کفر ابن الزنا.

ص:535

65 - قاعدة الجب.

66 - قاعدة فی ثبوت القصاص علی کل جنایة عدوانیة فی النفس او الطرف.

67 - قاعدة لا تقیة فی الدماء.

68 - قاعدة فی حرمة دم المسلم وعِرضه وماله.

69 - قاعدة فی ضرورة التمییز بین السیرة فی صدر الإسلام

70 - قاعدة فی مودّة أهل البیت علیهم السلام

71 - قاعدة شوری الأمّة فی نظام الحکم.

72 - قاعدة فی بناء نظام القدرة والقوّة فی الکیان والنظام الإسلامی

73 - قاعدة فی العدالة.

74 - قاعدة اشتراک الحد والقصاص فی ماهیة جامعة واحدة.

75 - قاعدة القصاص یدرء بالشبهات.

76 - قاعدة فی صلاحیات المرأة.

77 - قاعدة فی صلاة المسافر تماما فی کل مراقد ال البیت لا خصوص الاماکن الاربعة.

78 - قاعدة الاعواض المحرمة مسقطة للضمان.

وسیاتی تتمة باقی القواعد فی اجزاء قادمة ان شاء الله تعالی

ص:536

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.