العقائد الاسلامیة المجلد 3

اشارة

سرشناسه : کورانی، علی، 1944 - م.Kurani,Ali

عنوان و نام پدیدآور : العقائد الاسلامیة/ [علی الکورانی العاملی]

مشخصات نشر : قم: مرکز المصطفی للدراسات الاسلامیه،1422ق.= 1380.

مشخصات ظاهری : 108ص.

یادداشت : عربی.

موضوع : کتاب های چاپی -- فهرست ها

موضوع : عقائد شیعه

رده بندی کنگره : Z7835/ک9م6 1380

رده بندی دیویی : 016/297

ص: 1

لطبعة الثانیة مزیدة ومنقحة

ص: 2

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین ، وأفضل الصلاة وأتم السلام علی سیدنا ونبینا محمد وآله الطیبین الطاهرین

وبعد ، فهذا هو المجلد الثالث من کتاب العقائد الإسلامیة ، وقد اشتمل علی أکثر مسائل الشفاعة ، وعدد من البحوث النافعة فیها .

ونظراً لاهمیة مسائل الشفاعة ، فقد حاولنا استقصاء الآراء فیها ، وتعرضنا أحیاناً لاراء غیر المسلمین .

وتلاحظ ما تعرضت له من تحریفات کبیرة بعد الأنبیاء(علیهم السّلام) خدمةً لاغراض سیاسیة وثقافیة ، بعیدة عن الدین الإلهی !!

وقد ساعد علی ذلک أنها من عقائد الغیب والآخرة غیر المنظورة ، التی یسهل علی المحرفین التحریف فیها ، ویصعب کشف عملهم. نسأله تعالی أن یجعلنا من المشمولین بشفاعة سید المرسلین وآله الطیبین الطاهرین ، وأن یصلی علیهم أجمعین .

مرکز المصطفی للدراسات الإسلامیة علی الکورانی العاملی

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول :تعریف الشفاعة وتاریخها

اشارة

ص: 5

ص: 6

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهیة

الرحمة الإلهیة وسعت کل شئ ، ولا یمکن للبشر أن یحصوا أعدادها . . ولا أنواعها . . لکن نشیر إلی ستة أنواع کبری منها ، لیتضح موقع الشفاعة من بینها.

النوع الأول : التوبة ، التی تمحو السیئات .

النوع الثانی: أن السیئة بواحدة والحسنة بعشرة .

النوع الثالث : أن نیة الحسنة تکتب ، ونیة السیئة لا تکتب .

النوع الرابع : أن الحسنات یذهبن السیئات .

النوع الخامس : أنواع الرحمة الإلهیة الخاصة بالآخرة .

النوع السادس : الشفاعة ، وهی نوع من الوساطة إلی الله تعالی من ولیٍّ مقرب عنده لیغفر لمذنب ویسامحه .

شبهة حول أصل الشفاعة

یدور فی ذهن البعض سؤال عن أصل الشفاعة مفاده: أن رحمة الله تعالی

ص: 7

ومغفرته وسعت وتسع کل شئ ، وهی تتم بشکل مباشر ، فلماذا یجعلها الله تعالی

تحتاج إلی واسطة عباده مثل الأنبیاء والأوصیاء (علیهم السّلام) ؟

والجواب: أن الرحمة الإلهیة المباشرة فی الدنیا والآخرة أنواع کثیرة لا تحصی ، ولا یمنع أن یکون منها رحمة غیر مباشرة جعلها الله تعالی مرتبطة بالدعاء والشفاعة لمصالح یعلمها سبحانه ، کأن یرید رحمة عدد کبیر من عباده بالشفاعة ، ویُظهر کرامة أنبیائه وأولیائه عنده. .

فالشفاعة من ناحیة عقلیة لا مانع منها ولا إشکال فیها ، نعم ، لا تثبت إلا بدلیل ، وفی الحدود والدائرة التی یدل علیها الدلیل .

مثال لتقریب فهم عقیدة الشفاعة

یمکن تقریب الشفاعة إلی الذهن بأنها ( قاعدة الإستفادة من الدرجات الإضافیة ) کأن یقال للطالب الذی حصل علی معدل عال: یمکنک أن تستفید من النمرات الإضافیة علی معدل النجاح فتعطیها إلی أصدقائک ، الاقرب فالأقرب من النجاح. .

ولنفرض أن الإنسان یحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلی 51 درجة ( من رجحت حسناته علی سیئاته ) فالذی بلغ عمله 400 درجة مثلاً یسمح له أن یوزع 349 درجة علی أعزائه ، ولکن ضمن شروط ، مثل أن یکونوا من أقربائه القریبین ، وأن یکون عند أحدهم ثلاثین درجة فما فوق ، وذلک لتحقیق أفضل استفادة وأوسعها من هذه الدرجات الاضافیة .

وقد نصت بعض الأحادیث عن الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) علی أن شفاعة المؤمن تکون علی قدر عمله ، ففی مناقب آل أبی طالب:2/15 عن الإمام

ص: 8

الباقر (علیه السّلام) فی قوله تعالی: وَتَرَی کُلَّ أُمَّةٍ جَاثِیَةً . . الآیة ، قال: ذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعلی(علیه السّلام)یقوم علی کوم قد علا الخلایق فیشفع ثم یقول: یا علی إشفع ، فیشفع الرجل فی القبیلة ، ویشفع الرجل لأهل البیت ویشفع الرجل للرجلین علی قدر عمله. فذلک المقام المحمود. انتهی. وورد شبیه به فی مصادر السنة أیضاً .

وعلی هذا ، فالشفاعة مقننة بقوانین دقیقة حکیمة مثل کل الأعمال الإلهیة الدقیقة والحکیمة ، ولیست کما یتصوره البعض من نوع الوساطات والمحسوبیات والمنسوبیات الدنیویة .

وبما أن درجات الملائکة والأنبیاء والأوصیاء صلوات الله علیهم ودرجات المؤمنین متفاوتة ، وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلیس غریباً أن یکون أعظمهم شفاعة عند الله تعالی .

وبما أن سیئات الناس تتفاوت درکاتها ویصل بعضها إلی تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً..فإن الذین تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلی النجاح والافضل من مجموع المسیئین ، وقد وردت فی شروطهم عدة أحادیث ، منها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( إن أدناکم منی وأوجبکم علیَّ شفاعةً: أصدقکم حدیثاً ، وأعظمکم أمانةً ، وأحسنکم خلقاً ، وأقربکم من الناس ). مستدرک الوسائل:11/171 .

قال أبو الصلاح الحلبی فی الکافی/497:

إن قیل: فإذا کانت الإثابة والمعاقبة مختصتین به تعالی، فکیف یصح لکم ما تذهبون إلیه من الحوض واللواء والوقوف علی الاعراف ، وقسمة النار

ص: 9

وإدخال بعض إلیها وإخراج بعض منها ، مع کون ذلک ثواباً وعقاباً ؟

قیل: لا شبهة فی اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالی ، غیر أنه تعالی ردَّها أو ردَّ منها إلی المصطفین من خلقه: رسول الله وأمیر المؤمنین والأئمة من آلهما صلوات الله علیهم ، فأوردوها عن أمره وأصدروها. کما یضاف تعذیب أهل النار وتنزیل أهل الجنة حاصلاً بالملائکة المأذون لهم فیه . . . ولیس لأحد أن یقول: فأی میزة لهم بتولی هذه الأمور علی غیرهم فی الفضل وهی موقوفة علی إذنه تعالی ، لأن الآخرة لما کانت أفضل الدارین بکونها دار الجزاء وغایة المستحقین ، وجعل الله سبحانه إلی هؤلاء المصطفین أفضل منازله وأسنی درجاته من اللواء والحوض والشفاعة وقسمة النار ، دل علی تخصصهم من الفضل بما لا مشارک لهم فیه .

محاولات المستشرقین التشکیک فی الشفاعة

وقد حاول بعضهم الإشکال علی قانون الشفاعة فی الإسلام فتصوره أو صوره بأنه من نوع الوساطات الدنیویة المخالفة للعدالة ، التی یفعلها الناس عند الحکام الظلمة لمن یحبونه من المجرمین..وقد مدح جولد تسیهر فی کتابه مذاهب التفسیر الإسلامی/192 المعتزلة وزعم أنهم لم یقبلوا الشفاعة لأنها تنافی العدالة، قال: والمعتزلة . . لا یریدون التسلیم بقبول الشفاعة علی وجه أساسی حتی لمحمد ذلک بأنه یتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهی المطلق . انتهی .

ولکن لایمکن لعاقل أن یدعی بأن زیادة الرحمة الإلهیة والمغفرة للمذنبین

ص: 10

بأسباب متعددة ، أمرٌ یتنافی مع العدالة الإلهیة ! !

ثم إن الذی نفاه المعتزلة هو شمول الشفاعة لأهل الکبائر ، ولم ینفوا الشفاعة لمرتکبی المعاصی الصغائر ، کما سیأتی فی محله .

علی أن تسیهر الیهودی نفسه یعتقد بالشفاعة التی یزعمها الیهود لکل بنی إسرائیل دون سواهم من البشر ، ولایراها منافیة للعدالة الإلهیة ، فلا معنی لمدحه المعتزلة بأنهم یرفضون الشفاعة لأنهم طلاب مساواة !

تهافت منطق الوهابیین فی الشفاعة والاستشفاع

والأعجب من المستشرقین الوهابیون . . حیث یتوسعون فی الشفاعة فیجعلونها تشمل الیهود والنصاری وجمیع الخلق ، علی حد تعبیر ابن تیمیة، قال فی مجموعة رسائله:1/10: أجمع المسلمون علی أن النبی (ص) یشفع للخلق یوم القیامة بعد أن یسأله الناس ذلک وبعد أن یأذن الله فی الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علی ما اتفقت علیه الصحابة ... أنه یشفع لأهل الکبائر ، ویشفع أیضاً لعموم الخلق. انتهی.

ولکنهم فی نفس الوقت یحرّمون الاستشفاع والتوسل بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویعتبرونه شرکاً ، مع أن الاستشفاع هو طلب شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی الله تعالی فی الآخرة ، أو فی أمر من أمور الدنیا !

إن التناسب بین الإعتقاد بسعة الشفاعة فی الآخرة یقتضی تجویز الإستشفاع بأهلها فی الدنیا !

وبتعبیر آخر: إن تحریم الإستشفاع والتوسل فی الدنیا ، یناسبه إنکار الشفاعة

ص: 11

فی الآخرة ، لا القول بسعتها لجمیع الخلق !

وقد التفت إلی ضرورة هذا التناسب بعض المتأثرین بالفکر الوهابی فی تحریم التوسل والاستشفاع ، فأنکر شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بمعناها المعروف ، وفسرها بتفسیر شاذٍّ جعل منها أمراً شکلیاً بعیداً عن أفعال الله تعالی .

قال فیما قال: إن الشفاعة هی کرامة من الله لبعض عباده فیما یرید أن یظهره من فضلهم فی الآخرة فیشفعهم فی من یرید المغفرة له ورفع درجته عنده ، لتکون المسألة فی الشکل واسطة فی النتائج التی یتمثل فیها العفو الإلهی الربانی ، تماماً کما لو کان النبی السبب أو الولی هو الواسطة.

إلی أن قال: وفی ضوء ذلک لا معنی للتقرب للأنبیاء والأولیاء لیحصل الناس علی شفاعتهم، لأنهم لا یملکون من أمرها شیئاً بالمعنی الذاتی المستقل. بل الله هو المالک لذلک کله علی جمیع المستویات ، فهو الذی یأذن لهم بذلک فی مواقع محددة لیس لهم أن یتجاوزوها. الأمر الذی یفرض التقرب إلی الله فی أن یجعلنا ممن یأذن لهم بالشفاعة له. انتهی.

ولم یصرح صاحب هذا القول بحرمة طلب الشفاعة من الأنبیاء والأولیاء (علیهم السّلام) ، ولکن محمد ابن عبد الوهاب صرح بذلک ، واعتبر طلب الشفاعة منهم (علیهم السّلام) شرکاً ! قال ( فالشفاعة کلها لله فاطلبها منه ، وقل: اللهم لا تحرمنی شفاعته اللهم شفعه فیَّ. وأمثال هذا .

فإن قال: النبی (ص) أعطی الشفاعة ، وأنا أطلب مما أعطاه الله.

فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاک عن هذا ، وقال: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا . . . الخ. ) .

وقد قسم ابن عبد الوهاب الشفاعة إلی شفاعة منفیة ، وهی التی ( تطلب من

ص: 12

غیر الله فیما لا یقدر علیه إلا الله ) وشفاعة مثبتة ، وهی ( التی تطلب من الله الشافع المکرم بالشفاعة . . . الخ. ) انتهی.

والجواب الکلی علی هذه المقولة أنها دعوی بدون دلیل ، نشأت من سوء الفهم لمعنی الشفاعة ، ومعنی طلبها من الشافع ، ومعنی الاستشفاع والتوسل إلی الله تعالی بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأولیائه المقربین ! فافترضت فیها معان لا توجد فیها !!

والجواب عنها بشیء من التفصیل ، أنها تتضمن شبهتین ینبغی التفکیک بینهما:

فالشبهة الأولی حول الشفاعة ، ومفادها أن آیات الشفاعة وأحادیثها ، یجب أن تحمل علی المجاز ، لأن الشفاعة فیها أمرٌ شکلی لا حقیقی !

ولم یذکر صاحب هذه الشبهة دلیلاً علی لزوم ترک المعنی الحقیقی وحمل نصوص الشفاعة علی المجاز، بل لم نجد أحداً من الوهابیین ذکر ذلک.. نعم ذکر محمد رشید رضا إشکال بعضهم علی ذلک وأجاب عنه بما قد یفهم منه أن الشفاعة أمرٌ شکلی !

قال فی تفسیر المنار:8/13:

فإن قیل: ألیس الشفعاء یؤثرون فی إرادته تعالی ، فیحملونه علی العفو عن المشفوع لهم والمغفرة لهم ؟

قلنا: کلا إن المخلوق لا یقدر علی التأثیر فی صفات الخالق الأزلیة الکاملة . . . فیکون ذلک إظهار کرامة وجاه لهم عنده ، لا إحداث تأثیر الحادث فی

ص: 13

صفات القدیم وسلطان له علیها ، تعالی الله عن ذلک. انتهی .

ومفاد هذه الشبهة أن القول بالشفاعة الحقیقیة یستلزم أن تکون إرادة الخالق متأثرة بإرادة المخلوق ، وهو محال ، فلا بد من القول بأن الشفاعة شکلیة !!

وکذلک القول بتعلیق بعض أفعاله تعالی علی طلب أنبیائه وأولیائه منه ، مثل الرزق ، والشفاء ، والمغفرة ، والنجاة من النار وإدخال الجنة . . لابد أن یکون شکلیاً ، لأن الحقیقی منه محال .

والجواب عنها: أن أصحاب هذه الشبهة أخطأوا فی تخیلهم أن تعلیق الله تعالی لمغفرته أو عطائه علی طلب مخلوق ، معناه تأثیر المخلوق فی إرادته سبحانه وتعالی ! فإن تعلیق الإرادة علی شیء ممکنٌ بالوجدان ، ولا محذور فیه ، لأنه بذاته فعلٌ إرادی وتأکیدٌ للارادة لا سلبها ، أو جعلها متأثرة بفعل آخر ، أو شیء آخر . . لقد تصور هؤلاء أن الشفاعة من الله ، إذا أعطیت لاحد تصیر شفاعةً من دون الله تعالی ، فوقعوا فی هذه الشبهة !

أما إذا قالوا إن ذلک ممکنٌ ولکن الله تعالی لا یفعله لأنه لا یجوز له ، فلا دلیل لهم علیه من عقل ، ولا قول الله تعالی ولا قول رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وإن کانوا یمنعونه من عند أنفسهم ، فهو تعدٍّ علی الله تعالی ، وتحدیدٌ لصلاحیات من لایسأل عما یفعل ، وهم یسألون !

ثم إن اللغة تأبی علیهم ما قالوه ، فآیات الشفاعة وأحادیثها ظاهرة فی الشفاعة الحقیقیة لا الشکلیة ، ولا یمکنهم صرفها عن ظاهرها !

والشبهة الثانیة حول الاستشفاع بالنبی وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وهی الشبهة التی

ص: 14

یکررها ابن تیمیة والوهابیون ، وهی غیر شبهة الشفاعة وإن کانت مرتبطة بها .

ومفادها أن طلب الشفاعة حتی ممن ثبت أن الله تعالی أعطاهم إیاها حرامٌ ، لأنه شرکٌ بالله ، وادعاءٌ لهؤلاء المخلوقین بأنهم یملکون الشفاعة من دون الله تعالی !!

وقد استدل ابن عبد الوهاب علی ذلک بآیات النهی عن اتخاذ شریک مع الله کقوله تعالی (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ) .

والجواب عنها: أنه ثبت من القرآن والسنة أن کثیراً من الأفعال الإلهیة تتم بواسطة الملائکة ، ولیس فی ذلک أی شرک لهم مع الله تعالی، لا فی ملکه ، ولا فی أمره ، بل هم عبادٌ مکرمون مطیعون.

ولا مانع من العقل أو النقل أن یجعل الله تعالی أنواعاً من أفعاله وعطائه بواسطة الأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) أو یجعلها معلقةً علی طلبهم منه !

ولا یصح التفریق بین الأمرین والقول بأن ذلک إن کان بواسطة الملائکة فهو إیمان لانهم لایصیرون شرکاء ، أما إن کان بواسطة غیرهم فیصیرون شرکاء لله تعالی !

أو القول بأن تعلیق العطاء الالهی علی طلب الأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) شراکةٌ لله تعالی وشرکٌ به ، لکن شراکة الملائکة لله تعالی والشرک بهم لا بأس به !!

نقول لأصحاب هذه الشبهة: إقرؤوا قول الله تعالی: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَکَانَ اللهُ عَلِیمًا حَکِیمًا. الفتح : 4 .

ص: 15

وقوله تعالی: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَکَانَ اللهُ عَلِیمًا حَکِیمًا. الفتح : 7 .

وقوله تعالی: وَمَا یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلا هُوَ وَمَا هِیَ إِلا ذِکْرَی لِلْبَشَرِ. المدثر:31.

ثم نقول لهم: نحن وأنتم لایحق لنا أن نقسم رحمة الله تعالی أو نحصرها، أو نحصر طرقها ، أو نضع له لائحة فتاوی لما یجوز له أن یفعله وما لا یجوز !

ومعرفتنا ومعرفتکم بما یمکن له تعالی أن یفعله وما لا یمکن ، إنما جاءت مما دلنا علیه العقل دلالةً قطعیة ، أو دلنا علیه کتاب الله وسنة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

والعقل لا یری مانعاً فی أن یربط الله تعالی أفعاله بطلب ملائکته أو أولیائه ، فیجعلهم أدوات رحمته ، ووسائط فیضه ، ووسائل عطائه . . وذلک لا یعنی تشریکهم فی ألوهیته ، بل هم عباده المکرمون المطیعون ، ووسائله وأدواته التی یرحم بها عباده .

هذا من ناحیة نظریة . . وأما من ناحیة الوقوع والثبوت ، فقد دل الدلیل علی أن أنظمة الفعل الالهی وقوانینه واسعةٌ ومعقدةٌ ، ودل علی أنه تعالی جعل کثیراً من عطائه - إن لم یکن کله - عن طریق خِیَرِةِ عباده من الملائکة والأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) ودل الدلیل علی جواز الاستشفاع والتوسل بنبینا وآله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والطلب من الله تعالی بحقهم وحرمتهم وواسطتهم ، سواءً فی ذلک أمور الدنیا والآخرة . .

ودل الدلیل علی أن موتهم (علیهم السّلام) لیس کموت غیرهم ، وأن حرمتهم أمواتاً کحرمتهم أحیاء صلوات الله علیهم .

وقد قال تعالی فی آخر سورة أنزلها من کتابه: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة : 35 ، ولا فرق فی أصحاب الوسیلة إلی الله تعالی بین الملائکة وغیرهم ، بل التوسل

ص: 16

بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أفضل وأرجی من التوسل بالملائکة ، لأنه أفضل مقاماً عند الله منهم.

وسیأتی ذلک فی بحث التوسل والإستشفاع ، إن شاء الله تعالی. ویأتی أنه یجوز لنا أن نطلب العطاء الإلهی المعلق علی شفاعة الأنبیاء والأولیاء ، أو غیر المعلق ، منهم أنفسهم (علیهم السّلام) ولا یعتبر ذلک شرکاً ، بل هو طلبٌ من الله تعالی .

وأن حکم التوسل بالأنبیاء والأولیاء والإستشفاع بهم إلی الله تعالی ، لا یختلف بین الاموات منهم والاحیاء (علیهم السّلام) .. إلی آخر المسائل التی خالف فیها الوهابیون عامة المسلمین .

وقد أجاب السید جعفر مرتضی فی کتابه خلفیات مأساة الزهراء(علیهاالسّلام) / 221 - 225 علی الشبهتین المذکورتین ، ومما قاله:

1 - إن الکل یعلم: أن لا أحد یدعو محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو علیاً(علیه السّلام)أو أی نبی أو ولی کوجودات منفصلة عن الله تعالی ومستقلة عنه بالتأثیر ، ولم تحدث فی کل هذا التاریخ الطویل أن تکونت ذهنیة شرک عند الشیعة نتیجة لذلک فضلاً عن غیرهم .

2 - إننا نوضح معنی الشفاعة فی ضمن النقاط التالیة:

أ - إن الإنسان المذنب قد لا یجد فی نفسه الاهلیة أو الشجاعة لمخاطبة ذلک الذی أحسن إلیه وأجرم هو فی حقه ، أو هکذا ینبغی أن یکون شعوره فی مواقع کهذه ، فیوسط له من یحل مشکلته معه ممن لا یرد هذا المحسن طلبهم ولا یخیب مسألتهم. .

ب - إن الله إنما یرید المغفرة للعبد المذنب بعد شفاعة الشفیع له . . ولم

ص: 17

تکن تلک الإرادة لتتعلق بالمغفرة لولاتحقق الشفاعة..فلو أن الشفیع لم یبادر إلی الشفاعة لکان العذاب قد نال ذلک العبد المذنب .

وهذا کما لو صدر من أحد أولادک ذنب فتبادر إلی عقوبته ، فإذا وقف فی وجهک من یعز علیک وتشفع به فإنک تعفو عنه إکراماً له، وإن لم یفعل ذلک کما لو لم یکن حاضراً مثلاً فإنک ستمضی عقوبتک فی ذلک الولد المذنب لا محالة..فالشفاعة علی هذا سبب فی العفو أو جزء سببه له .

إذن فلیس صحیحاً ما یقوله البعض من أن الله تعالی له قد تعلقت إرادته بالمغفرة للعبد قبل الشفاعة بحیث تکون المغفرة له حاصلة علی کل حال ، ثم یکرم الله نبیه ویقول له: هذا العبد أرید أن أغفر له فتعال وتشفع إلی فیه..

ج - إذا کان الشخص المذنب قد أقام علاقة طیبة مع ذلک الشافع وتودد إلیه ورأی منه سلوکاً حسناً واستقامة وانقیاداً ، فإن الشافع یری أن من اللائق المبادرة إلی مساعدته فی حل مشکلته أما إذا کان قد أغضبه وأساء إلیه أو تعامل معه بصورة لا توحی بالثقة ولا تشیر إلی الإستقامة ، فإنه لا یبادر إلی مساعدته ولا یلتفت إلیه . . فسلوک المشفوع له أثر کبیر فی مبادرة الشافع إلی الشفاعة .

د - وحین یکون الشفیع لا یرید شیئاً لنفسه من ذلک الشخص ولا من غیره ویکون ما یرضیه هو ما یرضی الله سبحانه فإن تقدیم الصدقات والقربات للفقراء والإهتمام بما یرضی الشافع ، هو فی الواقع إثباتات عملیة علی أن ذلک المذنب راغبٌ فی تصحیح خطئه وتدارک مافاته ، وهو براهین وإثباتات علی أنه قد التزم جادة الإستقامة وندم علی ما فرط منه ، فإذا قدم مالاً للفقراء أو أطعم أو ذبح شاة وفرقها علی المحتاجین ، فإن ذلک لا

ص: 18

یکون رشوةً للنبی أو الولی . . وهو یعلم أن النبی والولی لا یأخذ ذلک لنفسه بل یعود نفعه إلی الفقراء والمحتاجین أو یستثمر فی سبیل الله وفی نشر الدین والباذل إنما یبذل ذلک رغبة فی الحصول علی رضا الشافع الذی رضاه رضا الله .

ه- - أما إذا أدار ذلک المذنب ظهره للنبی والوصی ولم یلمس الشافع منه أنه یتحرق لتحصیل العفو والرضا عنه ، ویقرع کل باب ویتوسل بکل ما من شأنه أن یحل هذا الإشکال ، ویبادر إلی العمل بکل مایعلم أنه یرضی سیده عنه ، فإنه لا یشفع له ولا کرامة . .

و - ومن الواضح: أن من یکون جرمه هائلاً وعظیماً فإن إمکانیة وفرص الاقدام علی الشفاعة له تتضاءل وتضعف . . فلا یضع النبی والوصی نفسه فی مواضع کهذه ولا یرضی الله سبحانه له ذلک. کما أن من یدیر ظهره لأولیاء الله ولا یهتم لرضاهم ولا یزعجه سخطهم فإنه لا یستحق شفاعتهم قطعاً ، لأن الإهتمام بهم وبرضاهم جزء من عبادته تعالی ومن المقربات إلیه وموجبات رضاه . . فالتوسل إلیهم والفوز بمحبتهم وبرضاهم سبیل نجاة وطریق هدی وسلامة وسعادة .

ز - إن من الواضح أن المجرم لا یمکن أن یتشفع فی مجرم مثله ، وأن المقصر لا یتشفع بنظیره ، لأن الشفاعة مقامٌ عظیمٌ وکرامةٌ إلهیة فلا یقبل الله سبحانه شفاعة کل أحد ، بل الذین یشفعون هم أناسٌ مخصصون بکرامة الله سبحانه لانهم یستحقونها . .

ح - قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تکن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل الشفاعة لتکون شفاعة النبی أو الوصی بعدها - بالشکل - ومن دون أن یکون

ص: 19

لها تسبیب حقیقی . . بل هناک تسبیب حقیقی للشفاعة ، فإنها هی سبب المغفرة وهی سبب إرادة الله بأن یغفر لذلک المذنب ولو لم یقم الشافع بها لم یغفر الله لذلک المذنب .

ولولا ذلک فإنه لا یبقی معنی للشفاعة..ولا یکون العفو إکراماً للشافع واستجابة له. انتهی .

تعریف الشفاعة فی اللغة

قال الخلیل فی کتاب العین:1/260:

الشافع: الطالب لغیره ، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لی إلیه فشفعه فیَّ. والاسم: الشفاعة. واسم الطالب: الشفیع. قال:

زعمت معاشر أننی مستشفع

لما خرجت أزوره أقلامها

أی: زعموا أنی أستشفع ( بأقلامهم ) أی بکتبهم إلی الممدوح ، لا بل إنی أستغنی عن کتب المعاشر بنفسی عند الملک. والشفعة فی الدار ونحوها معروفة یقضی لصاحبها . والشافع: المعین ، یقال فلان یشفع لی بالعداوة ، أی یعین علی ویضادنی قال النابغة:أتاک امرؤ مستعلن شنآنهله من عدوٍّ مثل ذلک شافع أی : معین. وقال الاحوص:بأنَّ من لامَنِی لاصْرمهاکانوا علینا بلومهم شفعواأی: أعانوا .

وقال الراغب فی المفردات/263:

ص: 20

الشفع: ضم الشئ إلی مثله ویقال للمشفوع شفع. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ: قیل الشفع المخلوقات من حیث إنها مرکبات کما قال: ومن کل شئ خلقنا زوجین. والوتر هو الله من حیث إن له الوحدة من کل وجه .

وقیل: الشفع یوم النحر من حیث إن له نظیراً یلیه ، والوتر یوم عرفة. وقیل الشفع ولد آدم والوتر آدم لأنه لا عن والد .

والشفاعة: الإنضمام إلی آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وأکثر ما یستعمل فی انضمام من هو أعلی حرمة ومرتبة إلی من هو أدنی. ومنه الشفاعة فی القیامة قال ( لا یَمْلِکُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا . لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ . لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ، أی لا یشفع لهم. وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ. مِنْ حَمِیمٍ وَ لا شَفِیعٍ مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً . وَمَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً ، أی من انضم إلی غیره وعاونه وصار شفعاً له أو شفعیاً فی فعل الخیر والشر فعاونه وقواه وشارکه فی نفعه وضره .

وقیل الشفاعة هاهنا أن یشرع الإنسان للآخر طریق خیر أو طریق شر فیقتدی به ، فصار کأنه شفع له وذلک کما قال(علیه السّلام): من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ، ومن سن سنة سیئة فعلیه وزرها ووزر من عمل بها، أی إثمها وإثم من عمل بها وقوله: ما من شفیع إلا من بعد إذنه ، أی یدبر الأمر وحده لا ثانی له فی فصل الأمر إلا أن یأذن للمدبرات والمقسمات من الملائکة فیفعلون ما یفعلونه بعد إذنه. واستشفعت بفلان علی فلان فتشفع لی ، وشفعه أجاب شفاعته ، ومنه قوله(علیه السّلام): القرآن شافع مشفع .

والشفعة: هو طلب مبیع فی شرکته بما بیع به لیضمه إلی ملکه ، وهو من

ص: 21

الشفع وقال(علیه السّلام): إذا وقعت الحدود فلا شفعة .

وقال فی المفردات/436:

وأما قوله: مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً إلی قوله: یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْهَا ، فإن الکفل ههنا لیس بمعنی الأول بل هو مستعار من الکفل وهو الشئ الردی .

وقال الزبیدی فی تاج العروس:5/401:

وشفعته فیه تشفیعاً حین شفع کمنع شفاعة ، أی قبلت شفاعته ، کما فی العباب قال حاتم یخاطب النعمان:

فَکَکْتَ عدیّاً کلها من إسارها فأفضلْ وشفعنی بقیسِ بن جُحْدرِ وفی حدیث الحدود: إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع .

وفی حدیث أبی مسعود (رض): القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، أی من اتبعه وعمل بما فیه فهو شافع له مقبول الشفاعة من العفو عن فرطاته ، ومن ترک العمل به ندم علی إساءته وصدق علیه فیما یرفع من مساویه ، فالمشفع الذی یقبل الشفاعة .

والمشفع الذی تقبل شفاعته ، ومنه حدیث الشفاعة: إشفع تشفع ، واستشفعه إلینا ، وعبارة الصحاح واستشفعه إلی فلان أی سأله أن یشفع له إلیه ، وأنشد الصاغانی للاعشی:

تقول بنتی وقد قربت مرتحلاً یا رب جنِّب أبی الاوصاب والوجعا واستشفعت من سراة الحی ذا شرف فقد عصاها أبوها والذی شفعا یرید والذی أعان وطلب الشفاعة فیها.

وأنشد أبو لیلی:

ص: 22

زعمت معاشر أننی مستشفعٌ

لما خرجت أزوره أقلامها

قال زعموا أنی أستشفع بأقلامهم فی الممدوح أی بکتبهم .

ومما یستدرک علیه الشفیع من الأعداد ما کان زوجاً ، والشفع ما شفع به سمی بالمصدر ، وجمعه شفاع ، قال کثیر:

وأخو الاباءة إذ رأی خلانه

تلی شفاعاً حوله کالاذخر

شبههم بالأذخر لأنه لا یکاد ینبت إلا زوجاً زوجاً . وشاة شفوع کشافع ویقال هذه شاة الشافع کقولهم صلاة الأولی ومسجد الجامع .

وهکذا روی فی الحدیث الذی تقدم عن سعر بن دیسم (رض) ، وشاة مشفع کمکرم ترضع کل بهیمة ، عن ابن الأعرابی. وتشفع إلیه فی فلان: طلب الشفاعة ، نقله الجوهری. وتشفعه أیضاً مطاوع استشفع به کما فی المفردات. وتشفع صار شافعی المذهب وهذه مولدة .

والشفاعة ذکرها المصنف ولم یفسرها وهی کلام الشفیع للملک فی حاجة یسألها لغیره. وشفع الیه فی معنی طلب إلیه. وقال الراغب: الشفع ضم الشئ إلی مثله ، والشفاعة الإنضمام إلی آخر ناصراً له وسائلاً عنه وأکثر ما تستعمل فی إنضمام من هو أعلی مرتبة إلی من هو أدنی ومنه الشفاعة فی القیامة. وقال غیره: الشفاعة التجاوز عن الذنوب والجرائم . وقال ابن القطاع: الشفاعة المطالبة بوسیلة أو ذمام .

تعریف الشفاعة عند المتکلمین

قال الشریف المرتضی فی رسائله:1/150:

ص: 23

وحقیقة الشفاعة وفائدتها: طلب إسقاط العقاب عن مستحقه ، وإنما تستعمل فی طلب إیصال المنافع مجازاً وتوسعاً ، ولا خلاف فی أن طلب إسقاط الضرر والعقاب یکون شفاعة علی الحقیقة .

وقال فی:3/17:

وشفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنما هی فی إسقاط عقاب العاصی لا فی زیادة المنافع ، لأن حقیقة الشفاعة تختص بذلک ، من جهة أنها لو اشترکت لکنا شافعین فی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إذا سألنا فی زیادة درجاته ومنازله. انتهی .

وقال فی:2/273:

الشفاعة: طلب رفع المضار عن الغیر ممن هو أعلی رتبة منه ، لاجل طلبه .

وقال أبو الصلاح الحلبی فی الکافی/469:

وقلنا: إن الشفاعة وجهٌ عندنا لإجماع الأمة علی ثبوتها له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومضی إلی زمان حدوث المعتزلة علی الفتوی بتخصیصها بإسقاط العقاب ، فیجب الحکم بکونها حقیقة فی ذلک ، لانعقاد الإجماع فی الازمان السابقة لحدوث هذه الفرقة .

تفسیر التبیان:5/334:

قوله تعالی: إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ . . .

ص: 24

وقوله: مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ، فالشفیع هو السائل فی غیره لاسقاط الضرر عنه . وعند قوم أنه متی سأله فی زیادة منفعة توصل إلیه کان شفیعاً. والذی اقتضی ذکره هاهنا صفات التعظیم مع الیأس من الإتکال فی دفع الحق علی الشفیع .

والمعنی هاهنا أن تدبیره للاشیاء وصنعته لها، لیس یکون منه بشفاعة شفیع ، ولا تدبیر مدبر لها سواه ، وأنه لا یجسر أحدٌ أن یشفع الیه إلا بعد أن یأذن له فیه ، من حیث کان تعالی أعلم بموضع الحکمة والصواب من خلقه بمصالحهم . . .

وإنما ذکر الشفیع فی الآیة ولم یجر له ذکر ، لأن المخاطبین بذلک کانوا یقولون الأصنام شفعاؤهم عند الله ، وذکر بعدها: ویعبدون من دون الله ما لا یضرهم ولا ینفعهم ویقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وإذا کانت الأصنام لا تعقل فکیف تکون شافعة ! مع أنه لا یشفع عنده إلا من ارتضاه الله .

کنز الدقائق:1/238:

واتقوا یوماً لا تجزی نفس عن نفس شیئاً ولا یقبل منها شفاعة ولا یؤخذ منها عدل ولا هم ینصرون. واستدلت المعتزلة بهذه الآیة علی نفی الشفاعة لأهل الکبائر .

قال البیضاوی: وأجیب بأنها مخصوصة بالکفار للآیات والأحادیث الواردة فی الشفاعة ، قال: ویؤیده أن الخطاب معهم ، والآیة نزلت رداً لما کانت الیهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .

أقول: الآیة یحتمل أن تکون مخصصة للآیات والأحادیث الواردة فی

ص: 25

الشفاعة الدالة علی عمومها ، کما أن کون الخطاب معهم یحتمل أن یکون مؤیداً للتخصیص بالکفار ، فلا یتم الإستدلال من الجانبین ، فتأمل .

مجمع البحرین:2/522:

قال تعالی: مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً یَکُنْ لَهُ نَصِیبٌ مِنْهَا ، قیل معناه من یصلح بین اثنین یکن له جزء منها. ومن یشفع شفاعة سیئة ، أی یمشئ بالنمیمة مثلاً ، یکن له کفل منها أی إثم منها .

وقیل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنین ، وبالشفاعة السیئة الدعاء علیهم .

قوله: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی ، دینه ، وهو مروی عن الرضا(علیه السّلام)وعن بعض المفسرین ولایشفعون إلا لمن ارتضی دینه من أهل الکبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغیر محتاجین إلی الشفاعة. قال الصدوق: المؤمن من تسره حسنته وتسوءه سیئته لقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من سرته حسنته وساءته سیئته فهو مؤمن ، ومتی ساءته سیئته ندم علیها والندم توبة ، والتائب مستحق الشفاعة والغفران. ومن لم تسوؤه سیئته فلیس بمؤمن ومن لم یکن مؤمناً لم یستحق الشفاعة ، لأن الله تعالی غیر مرتض دینه .

قوله: فما تنفعهم شفاعة الشافعین قیل فی معناه لا شافع ولا شفاعة ، فالنفی راجع إلی الموصوف والصفة ، کقوله لا یسألون الناس إلحافاً .

وفی الحدیث تکرر ذکر الشفاعة فیما یتعلق بأمور الدنیا والآخرة ، وهی السؤال فی التجاوز عن الذنوب والجرائم، ومنه قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعطیت الشفاعة .

قال الشیخ أبو علی: واختلفت الأمة فی کیفیة شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة

ص: 26

فقالت المعتزلة ومن تابعهم: یشفع لأهل الجنة لیزید فی درجاتهم. وقال غیرهم من فرق الأمة: بل یشفع لمذنبی أمته ممن ارتضی الله دینهم ، لیسقط عقابهم بشفاعته .

وفی حدیث الصلاة علی المیت: وإن کان المستضعف بسبیل منک فاستغفر له علی وجه الولایة. وفی الخبر: إشفع تشفع ، أی تقبل شفاعتک ، وفیه: أنت أول شافع وأول مشفع ، هو بفتح الفاء ، أی أنت أول من یشفع وأول من تقبل شفاعته.

وفی الحدیث: لا تشفع فی حق امرئ مسلم إلا بإذنه. وفیه: یشفعون الملائکة لإجابة دعاء من یسعی فی المسعی کأنهم یقولون: اللهم استجب دعاء هذا العبد .

تفسیر الرازی:2 جزء 3/55:

أجمعت الأمة علی أن لمحمد (ص) شفاعة فی الآخرة ، وحمل علی ذلک قوله تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، وقوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . . . ثم اختلفوا بعد هذا فی أن شفاعته(علیه السّلام)لمن تکون ؟ أتکون للمؤمنین المستحقین للثواب ، أم تکون لأهل الکبائر المستحقین للعقاب ؟ فذهب المعتزلة إلی أنها للمستحقین للثواب . . . وقال أصحابنا تأثیرها فی إسقاط العذاب عن المستحقین للعقاب .

ص: 27

ص: 28

الفصل الثانی :تحریف الیهود والنصاری للشفاعة

اشارة

ص: 29

ص: 30

أولاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرهم عراقة عقیدة الشفاعة

اشارة

قاموس الکتاب المقدس/513:

شفع - شفیع - شفاعة: وهی التوسط بین شخص وآخر. وهی دلیل محبة الإنسان لأخیه الإنسان. کما أنها مؤسسة علی أن معاملة الله للبشر معاملة لیست فردیة فحسب بل جماعیة أیضاً .

والصلاة الشفاعیة قدیمة قدم نوح ( تک 8: 20 و 22 ) وإبراهیم ( تک 17: 18 و23-33 ) وموسی ( خر 15: 25 ) .

وخلیفة موسی الذی رفع صلواته کقاضی وکاهن ونبی هو صموئیل ( 1 صم 7:5 و 8) وحیاة المسیح کانت ملیئة بالصلوات الشفاعیة. بل إن الصلاة الربانیة تحمل روح الشفاعة فی طلب الملکوت ومغفرة ذنوب الآخرین .

والصلاة الشفاعیة یرفعها الإنسان لاجل صدیق أو لاجل عدو ( مت 5: 44 ) أما الروح القدس فهو یشفع فینا (رو 8: 26) أما المسیح فی حیاته الشخصیة وموته علی الصلیب فهو شفیعنا الذی ساقته شفاعته للموت علی الصلیب کفارة لخطایا البشریة. أنظر ( وسیط ) .

ص: 31

قاموس الکتاب المقدس/933:

وکان موسی وسیطاً بین الله وشعب بنی إسرائیل وهکذا المسیح هو وسیط بین الله والناس .

العهد القدیم والجدید:3/307:

18 - لأنه إن کانت الوراثة من الناموس فلم تکن أیضاً من موعد . ولکن الله وهبها لإبراهیم بموعد .

19 - لماذا الناموس. قد زید بسبب التعدیات إلی أن یأتی النسل الذی قد وعد له مرتباً بملائکة فی ید وسیط .

20 - وأما الوسیط فلا یکون لواحد ولکن الله واحد .

شفاعة ابراهیم للمؤمنین ولاسماعیل ولوط

قاموس الکتاب المقدس/11:

ثم أعلن الرب لإبراهیم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهیم لاجل الابرار هناک فأنقذ الرب لوطاً بید ملاکین ( تک/18 و 19 ) . . . وحیثما سکن إبراهیم کان یقیم مذبحاً للرب ویدعو باسمه (تک 12: 7 و 8 ) وقد قدم صلوات تشفعیة لأجل الآخرین ففی تک 17:20 صلی لأجل إسماعیل وفی تک 18: 23 - 32 تشفع لاجل لوط .

ص: 32

شفاعة زکریا لبنی إسرائیل

قاموس الکتاب المقدس/441:

کما ظهر لزکریا بروح النبوة واقفاً علی هذا الجبل شافعاً فی شعبه ( زک 14: 4 ) .

البشارة بالشفیع الذی سیأتی ( البراقلیطس )

قاموس الکتاب المقدس/627:

معز: ( یو 14: 16 و 15: 26 و 16: 7 ) وهو الروح القدس. ولم ترد إلا فی إنجیل یوحنا. والکلمة الأصلیة الیونانیة ( پرا کلیتیس ) وتعنی ( معز ومعین وشفیع ومحام ) وتشیر إلی عمل الروح القدس لأجلنا .

توسیع بولس للشفاعة وحصرها بالمسیح

قاموس الکتاب المقدس/124:

ومع أن بنی الإنسان قد فقدوا الصورة الإلهیة التی خلقوا علیها ، ومع أنهم وقعوا تحت طائلة العقاب الإلهی الرهیب ، إلا أنهم بسبب عمل الفداء أهل لأن ینالوا غفران خطایاهم غفراناً تاماً کاملاً إذا آمنوا بالرب یسوع المسیح (الشفیع الوحید بین الله والناس ) وندموا علی خطایاهم ندامة صحیحة حقیقیة ، وأصبحوا أهلاً للتحرر من عبودیة الخطیئة ورقها والانتقال إلی حریة أبناء الله بالنعمة المجانیة .

ص: 33

قاموس الکتاب المقدس/795:

وقد وصف یسوع بأنه رئیس کهنة المؤمنین العظیم الذی نضح قدس الاقداس السماوی بدمه ، والذی جلس عن یمین الاب هناک حیث هو الان یشفع فیهم ( عب 4: 14 و7: 25 و 9: 12 ) الخ .

قاموس الکتاب المقدس/869:

وأعلن لهم أن یهوذا الذی کان واحداً منهم سیسلمه ( مر 14: 18-21 ویو 13 21 - 30 ) ورسم لهم فریضة العشاء الربانی ( مت 26: 26-29 وما یلیه ) ثم قدم صلاته الشفاعیة العظمی من أجل أتباعه ( یو 17: 1-26. من ثم قدم نفسه نهائیاً للاب وسلم إرادته تسلیماً کلیاً له فی بستان جثسیمانی ( مت 26: 39-46 غیره ) .

قاموس الکتاب المقدس/889:

وسیط 1 تی 2: 5 وسیط العهد الجدید عب 12: 24 .

قاموس الکتاب المقدس/904:

وکذلک یذکر فیلو ( ملکی صادق ) کرمز ومجاز للعقل الصائب الخیر ، بینما یذکره کاتب الرسالة إلی العبرانیین رمزاً للمسیح الفادی والوسیط الأعظم .

العهد القدیم والجدید:2/57:

لأن معاصینا کثرت أمامک وخطایانا تشهد علینا لأن معاصینا معنا وآثامنا

ص: 34

نعرفها .

13 - تعدینا وکذبنا علی الرب وحدنا من وراء إلهنا . تکلمنا بالظلم والمعصیة ، حبلنا ولهجنا من القلب بکلام الکذب .

14 - وقد ارتد الحق إلی الوراء والعدل یقف بعیداً. لأن الصدق سقط فی الشارع والإستقامة لا تستطیع الدخول .

15 - وصار الصدق معدوماً والحائد عن الشر یسلب ، فرأی الرب وساء .

16 - فرأی أنه لیس إنسان وتحیر من أنه لیس شفیع . . .

34 - من هو الذی یدین. المسیح هو الذی مات بل بالحری قام أیضاً الذی هو أیضاً عن یمین الله الذی أیضاً یشفع فینا .

العهد القدیم والجدید:3/339:

5 - لأنه یوجد إله واحد ووسیط واحد بین الله والناس : الإنسان یسوع المسیح .

6 - الذی بذل نفسه فدیة لاجل الجمیع ، الشهادة فی أوقاتها الخاصة .

7 - التی جعلت أنا لها کارزاً ورسولاً. الحق أقول فی المسیح ولا أکذب. معلماً للأمم فی الإیمان والحق .

8-فأرید أن یصلی الرجال فی کل مکان رافعین أیادی طاهرة بدون غضب ولا جدال

العهد القدیم والجدید:3/256:

26 - وکذلک الروح أیضاً یعین ضعفاءنا ، لاننا لسنا نعلم ما نصلی لأجله کما ینبغی ولکن الروح نفسه یشفع فینا بأنات لا ینطق بها .

ص: 35

27 - ولکن الذی یفحص القلوب یعلم ما هو اهتمام الروح ، لأنه بحسب مشیئة الله یشفع فی القدیسین .

العهد القدیم والجدید:3/358:

25 - فمن ثم یقدر أن یخلص أیضاً إلی التمام الذین یتقدمون به إلی الله ، إذ هو حی فی کل حین لیشفع فیهم .

26 - لأنه کان یلیق بنا رئیس کهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلی من السموات .

27 - الذی لیس له اضطرار کل یوم مثل رؤساء الکهنة أن یقدم ذبائح أولاً عن خطایا نفسه ثم عن خطایا الشعب ، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه .

العهد القدیم والجدید:3/361:

11 - وأما المسیح وهو قد جاء رئیس کهنة للخیرات العتیدة ، فبالمسکن الأعظم والأکمل غیر المصنوع بید أی الذین لیس من هذه الخلیقة .

12 - ولیس بدم تیوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلی الأقداس فوجد فداء أبدیاً .

العهد القدیم والجدید:3/362:

ولأجل هذا هو وسیط عهد جدید ، لکی یکون المدعوون إذ صار موت لفداء التعدیات التی فی العهد الأول ، ینالون وعد المیراث الأبدی .

ص: 36

العهد القدیم والجدید:3/367:

22 - بل قد أتیتم إلی جبل صهیون ، وإلی مدینة الله الحی أورشلیم السماویة وإلی ربوات هم محفل ملائکة .

23 - وکنیسة أبکار مکتوبین فی السموات ، وإلی الله دیان الجمیع ، وإلی أرواح أبرار مکملین .

24 - وإلی وسیط العهد الجدید یسوع ، وإلی دم رش یتکلم أفضل من هابیل .

25 - انظروا أن لا تستعفوا من المتکلم. لأنه إن کان أولئک لم ینجوا إذ استعفوا من المتکلم علی الأرض ، فبالأولی جداً لا ننجو نحن المرتدین عن الذی من السماء .

العهد القدیم والجدید:3/386:

1 - یا أولادی أکتب إلیکم هذا لکی لا تخطئوا ، وإن أخطأ أحد فلنا شفیع عند الأب، یسوع المسیح البار. 2 - وهو کفارة لخطایانا. لیس لخطایانا فقط، بل لخطایا کل العالم أیضاً .

3 - وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصایاه .

نفهم من هذه النصوص ملامح حقائق عدیدة أهمها:

أولاً: أن أصل شفاعة الأنبیاء والاوصیاء وخیار المؤمنین للخاطئین ، هی عندهم کما عندنا ، أمرٌ ثابتٌ فی الرسالات الإلهیة من عهد إبراهیم ، بل من عهد نوح (علیهماالسّلام) .

ص: 37

ثانیاً: أنها أخذت فی الیهود شکل شفاعة رؤساء الکهنة ومسؤولی القرابین فی المعابد ، ثم وصلت إلی ادعاء الیهود أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأنهم شعب الله المختار ، وأنهم لا تمسهم النار إلا أیاماً معدودة . . فلا یحتاجون إلی شفاعة !

ثالثاً: أن ( عقیدة الفداء المسیحیة ) التی تدعی أن المسیح(علیه السّلام)قد شفع فی خطایا کل البشر بتحمله الصلب والقتل . . هی توسیع لعقیدة الشفاعة الیهودیة ، وقد اخترعها بولس الذی نصَّرَ النصاری ، وعممها لغیر القومیة الیهودیة .

قال الدکتور أحمد شلبی فی کتابه مقارنة بین الأدیان: 2/245 تحت عنوان: الله فی التفکیر المسیحی:

ومن أجل هذا کان نقل المسیحیة من الوحدانیة إلی التثلیث ونقل عیسی من رسول إلی إله ، والقول بأن المسیحیة رسالة عامة ، والقول بأن عیسی ابن الله نزل لیضحی بنفسه للتکفیر عن خطیئة البشر، وأنه عاد مرة أخری إلی السماء لیجلس علی یمین أبیه ، کان هذا کله

عملاً جدیداً علی المسیحیة التی جاء بها عیسی .

کیف انتقلت المسیحیة من حال إلی حال ومن الذی قام بذلک ومتی ؟

هذا ما سنحاول إبرازه فیما یلی:

ترتبط هذه الأمور بشخصیة مهمة فی المسیحیة هی شخصیة شاؤول ( بولس ) ولذلک یری الباحثون الغربیون أن المسیحیة الحالیة بهذه العناصر

ص: 38

الجدیدة من صنع هذا الرجل . . . !

وبولس کما یقول عن نفسه ( یهودی فریسی ابن فریسی علی رجاء قیامة الأموات - أعمال الرسل 23: 6 ) وکان عدواً للمسیحیین وهو فی ذلک یقول ( سمعتم بسیرتی قبلاً فی الدیانة الیهودیة ، إنی کنت أضطهد کنیسة الله بإفراط وأتلفها ، وکنت أتقدم فی الدیانة الیهودیة علی کثیرین من أترابی فی جنسی ، إذ کنت أوفر غیرة فی تقلیدات آبائی ( غلاطیة 1: 13-14 ) .

ویبدو أنه کان من وسائل بولس لتدمیر المسیحیة أن یحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة ، ووضع لذلک طریقة تکفل له الوقوف فی وجه معارضیه عندما یظهر بأفکاره الجدیدة ،

فادعی شاؤول أن السید المسیح - بعد نهایته علی الأرض - ظهر له وصاح فیه وهو فی طریقه إلی دمشق: لماذا تضطهدنی ، فخاف شاؤول وصرخ: من أنت یا سید؟ قال: أنا یسوع الذی تضطهده!

قال شاؤول: ماذا ترید أن أفعل؟ قال یسوع: قم وکرز بالمسیحیة !!

ویقول لوقا فی ختام هذه القصة جملة ذات بال غیرت وجه التاریخ هی:

وللوقت جعل یکرز فی المجامع بالمسیح أنه ابن الله(أعمال 9: 3-30 ) انتهی .

رابعاً: أن الإتجاه العام عند محرفی الأدیان بعد أنبیائهم هو تسهیل أمر المغفرة الإلهیة ودخول الجنة لاتباعهم ، والافراط فی ذلک إلی حد إلغاء قانون العقوبة الإلهیة ، وفی المقابل التشدد مع خصومهم ومخالفیهم من التابعین لنفس الدین ، والحکم علیهم بأنهم من أهل النار !

ص: 39

خامساً: بما أنه ثبت عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأحادیث صحیحة عند الجمیع ، أن الأمة الإسلامیة سوف تتبع سنن الیهود والنصاری فی انحرافها عن الإسلام وتحریفها له ، وفی صراعاتها الداخلیة . . فإن علی الباحث أن یکون حذراً متثبتاً فی أحادیث الصحابة فی الشفاعة ، لکی یمیز بین الثابت منها بنصوص متفق علیها عند جمیع المسلمین ، وبین الذی یتبناه صحابی نافذ ، أو فئة حاکمة ، وفی نفس الوقت یوجد فی الصحابة من ینفیه أو یکذبه !

ثانیاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرنا

قال الله تعالی: وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُکُمْ بِذُنُوبِکُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ یَغْفِرُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَنْ یَشَاءُ وَللهِ مُلْکُ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَیْنَهُمَا وَإِلَیْهِ الْمَصِیرُ . یَا أَهْلَ الْکِتَابِ قَدْ جَاءَکُمْ رَسُولُنَا یُبَیِّنُ لَکُمْ عَلَی فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِیرٍ وَلا نَذِیرٍ فَقَدْ جَاءَکُمْ بَشِیرٌ وَنَذِیرٌ وَاللهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ قَدِیرٌ . المائدة 18-19 .

تفسیر التبیان:3/477:

وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ . . . روی عن ابن عباس أن جماعة من الیهود قالوا للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حین حذرهم بنقمات الله وعقوباته فقالوا: لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه .

وقال السدی: إن الیهود تزعم أن الله عز وجل أوحی إلی بنی اسرائیل أن ولدک بکر من الولد. وقال الحسن: إنما قالوا ذلک علی معنی قرب الولد من الوالد .

ص: 40

وأما قول النصاری فقیل فیه : إنهم تأولوا ما فی الإنجیل من قول عیسی أذهب إلی أبی وأبیکم. وقال قوم: لما قالوا المسیح ابن الله أجری ذلک علی جمیعهم کما یقولون: هذیل شعراء ، أی منهم شعراء . . .

وقوله: وأحباؤه ، جمع حبیب فقال الله لنبیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قل لهؤلاء المفترین علی ربهم: فلم یعذبکم بذنوبکم ؟ فلای شئ یعذبکم بذنوبکم إن کان الأمر علی ما زعمتم ، فإن الاب یشفق علی ولده والحبیب علی حبیبه .

والیهود تقرُّ أنهم یعذبون أربعین یوماً ، وهی عدد الأیام التی عبدوا فیها العجل !

وقوله: بل أنتم بشر ، معناه قل لهم لیس الأمر علی ما زعمتم أنکم أبناء الله وأحباؤه ، بل أنتم بشر ممن خلق من بنی آدم ، إن أحسنتم جوزیتم علی إحسانکم مثلهم ، وإن أسأتم جوزیتم علی إساءتکم ، کما یجازی غیرکم ، ولیس لکم عند الله إلا ما لغیرکم من خلقه .

تفسیر التبیان:1/486:

أَتُحَاجُّونَنَا فِی اللهِ . . . وکانت محاجتهم له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنهم زعموا أنهم أولی بالحق لانهم راسخون فی العلم وفی الدین ، لتقدم النبوة فیهم والکتاب ، فهم أولی بأن یکون الرسول منهم .

وقال قوم: بل قالوا نحن أحق بالإیمان ، لأنا لسنا من العرب الذین عبدوا الأوثان. وقال الحسن: کانت محاجتهم أن قالوا نحن أولی بالله منکم، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ ، وقالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، وقالوا کونوا هوداً أو نصاری تهتدوا. وغرضهم بذلک الإحتجاج بأن الدین

ص: 41

ینبغی أن یلتمس من جهتهم ، وأن النبوة أولی أن تکون فیهم. ولیس الأمر علی ما ظنوا ، لأن الله أعلم حیث یجعل رسالته ، ومن الذی یقوم بأعبائها ویتحملها علی وجه یکون أصلح للخلق وأولی بتدبیرهم. وقوله: لنا أعمالنا ، معناه الإنکار لإحتجاجهم بأعمالهم ، لأنهم مشرکون ونحن له مخلصون. وقیل معناه الإنکار للإحتجاج بعبادة العرب للاوثان، فقیل: لا حجة فی ذلک ، إذ لکل أحد عمله لا یؤخذ بجرم غیره .

سیرة ابن هشام:2/403:

وأتی رسول الله(ص)نعمان بن أضاء ، وبحری بن عمرو ، وشاس بن عدی ، فکلموه وکلمهم رسول الله(ص)ودعاهم إلی الله وحذرهم نقمته ، فقالوا: ما تخوفنا یا محمد ؟ ! نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، کقول النصاری فأنزل الله تعالی فیهم: وَقَالَتِ الْیَهُودُ وَالنَّصَارَی نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ یُعَذِّبُکُمْ بِذُنُوبِکُمْ . . . الخ . ورواه فی الدر المنثور:2/269 عن ابن اسحق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والبیهقی فی الدلائل ، عن ابن عباس .

الدر المنثور:2/14:

عن قتادة: وغرهم فی دینهم ما کانوا یفترون ، حین قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر عن مجاهد: وغرهم فی دینهم ما کانوا یفترون ، قال: غرهم قولهم لن تمسنا النار إلا أیاماً معدودة .

ص: 42

الدر المنثور:2/170:

وأخرج عبد الرزاق وابن جریر وابن أبی حاتم عن الحسن فی قوله: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، قال: هم الیهود والنصاری ، قالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وقالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری .

وأخرج ابن جریر عن السدی فی قوله: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، قال: نزلت فی الیهود قالوا: إنا نعلم أبناءنا التوراة صغاراً فلا یکون لهم ذنوب ، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا ، ما عملنا بالنهار کُفِّرَ عنا باللیل .

الدر المنثور:3/37:

وأخرج عبد بن حمید وابن أبی حاتم عن قتادة فی قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَبَنَاتٍ ، قال کذبوا له ، أما الیهود والنصاری فقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وأما مشرکوا العرب فکانوا یعبدون اللات والعزی ، فیقولون : العزی بنات الله ، سبحانه وتعالی عما یصفون ، أی عما یکذبون. .

وأخرج الطستی عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرنی عن قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِینَ وَ بَنَاتٍ ، قال: وصفوا لله بنین وبنات افتراء علیه ، قال: وهل تعرف العرب ذلک ؟ قال نعم ، أما سمعت حسان بن ثابت یقول:

اخترق القول بها لاهیاً

مستقبلاً أشعث عذب الکلام

الدر المنثور:1/89:

أخرج ابن جریر عن أبی العالیة قال: قالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، فأنزل الله: قل إن کانت لکم

ص: 43

الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن کنتم صادقین ، فلم یفعلوا .

وأخرج البیهقی فی الدلائل عن ابن عباس فی هذه الآیة قال: قُلْ إِنْ کَانَتْ لَکُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ ، یعنی الجنة کما زعمتم خالصة من دون الناس ، یعنی المؤمنین فتمنوا الموت إن کنتم صادقین أنها لکم خالصة من دون المؤمنین. فقال لهم رسول الله (ص): إن کنتم فی مقالتکم صادقین قولوا: اللهم أمتنا ، فوالذی نفسی بیده لا یقولها رجل منکم إلا غص بریقه فمات مکانه ، فأبوا أن یفعلوا وکرهوا ما قال لهم ، فنزل: وَلَنْ یَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ ، یعنی عملته أیدیهم وَاللهُ عَلِیمٌ بِالظَّالِمِینَ .

وأخرج ابن اسحق وابن جریر وابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ ، أی ادعوا بالموت علی أی الفریقین أکذب ، فأبوا ذلک ، ولو تمنوه یوم قال ذلک ما بقی علی وجه الأرض یهودی إلا مات .

وأخرج ابن اسحق وابن جریر وابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَی حَیَاةٍ ، یعنی الیهود ، ومن الذین أشرکوا ، وذلک أن المشرک لا یرجو بعثاً بعد الموت فهو یحب طول الحیاة ، وأن الیهودی قد عرف ماله فی الآخرة من الخزی بما ضیع ما عنده من العلم .

وقال الله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 80 - 82 .

ص: 44

تفسیر التبیان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، وإنما لم یبین عددها فی التنزیل لأنه تعالی أخبر عنهم بذلک وهم عارفون بعدد الأیام التی یوقتونها فی النار ، فلذلک نزل تسمیة عدد الأیام وسماها معدودة لما وصفنا. وقال أبو العالیة وعکرمة والسدی وقتادة: هی أربعون یوماً. ورواه الضحاک عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الأیام التی عبدوا فیها العجل .

وقال ابن عباس: إن الیهود تزعم أنهم وجدوا فی التوراة مکتوباً إن ما بین طرفی جهنم مسیرة أربعین سنة ، وهم یقطعون مسیرة کل سنة فی یوم واحد ، فإذا انقطع المسیر انقطع العذاب ، وهلکت النار .

وقال مجاهد وسعید بن جبیر عن ابن عباس: إنها سبعة أیام ، لأن عمر الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنهم یعذبون بعدد کل ألف سنة یوماً واحداً من أیام الآخرة ، وهو کألف سنة من أیام الدنیا .

ولما قالت الیهود ما قالت من قولها: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاأَیَّامًا مَعْدُودَةً علی ما بیناه، قال الله تعالی لنبیه: قل أتخذتم عند الله عهداً بما تقولون من ذلک أو میثاقاً ، فالله لا ینقض عهده ، أم تقولون علی الله ما لا تعلمون من الباطل جهلاً وجرأة علیه . . .

قوله تعالی: بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . . . قوله بلی جواب لقوله لن تمسنا النار إلا أیاماً معدودة ، فرد الله علیهم بأن قال: بلی من أحاطت به خطیئته . . .

کنز الدقائق:2/47:

ص: 45

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً: بسبب تسهیلهم أمر العذاب. وغرهم فی دینهم ما کانوا یفترون، من قولهم السابق، أو أن آبائهم الأنبیاء یشفعون لهم، أو أنه تعالی وعد یعقوب أن لا یعذب أولاده إلا تحلة القسم ، وتکریر الکذب والإفتراء یصیره فی صورة الصدق عند قائله ومفتریه .

تفسیر نور الثقلین:1/93:

فی تفسیر علی بن ابراهیم قوله: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، قال: قال بنو اسرائیل: لن تمسنا

النار ولن نعذب إلا الایام المعدودات التی عبدنا فیها العجل ، فرد الله علیهم: قُلْ - یا محمد لهم - أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .

سیرة ابن هشام:2/380:

وقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ .

قال ابن إسحاق: وحدثنی مولی لزید بن ثابت عن عکرمة أو عن سعید بن جبیر عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدینة والیهود تقول: إنما مدة الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنما یعذب الله الناس فی النار بکل ألف سنة من أیام الدنیا یوماً واحداً فی النار من أیام الآخرة ، وإنما هی سبعة أیام ثم ینقطع العذاب ، فأنزل الله فی ذلک من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ ، أی من

ص: 46

عمل بمثل أعمالکم وکفر بمثل ما کفرتم به حتی یحیط کفره بماله عند الله من حسنة ، فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ ، أی خلداً أبداً. وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . أی من آمن بما کفرتم به وعمل بما ترکتم من دینه فلهم الجنة خالدین فیها ، یخبرهم أن الثواب بالخیر والشر مقیم علی أهله أبداً ولا انقطاع له .

قال ابن إسحاق: ثم قال الله عز وجل یؤنبهم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِیثَاقَ بَنِی إِسْرَائِیلَ، أی میثاقکم ، لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ وَبِالْوَالِدَیْنِ إِحْسَانًا وَذِی الْقُرْبَی وَالْیَتَامَی وَالْمَسَاکِینِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِیمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّکَاةَ ثُمَّ تَوَلَّیْتُمْ إِلا قَلِیلاً مِنْکُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ. أی ترکتم ذلک کله...

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآیة. أخرج ابن إسحق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والواحدی عن ابن عباس أن الیهود کانوا یقولون مدة الدنیا سبعة آلاف سنة . . . الخ .

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن عکرمة قال: اجتمعت یهود یوماً فخاصموا النبی(ص)فقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَاتٍ، وسموا أربعین یوماً ثم یخلفنا فیها ناس وأشاروا إلی النبی(ص) وأصحابه ! فقال رسول الله(ص)ورد یده علی رؤسهم: کذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فیها لا نخلفکم فیها إن شاء الله تعالی أبداً ، ففیهم أنزلت هذه الآیة: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، یعنون أربعین لیلة .

ص: 47

وأخرج ابن جریر عن زید بن أسلم أن رسول الله(ص)قال للیهود: أنشدکم بالله وبالتوراة التی أنزل الله علی موسی یوم طور سیناء: من أهل النار الذین أنزلهم الله فی التوراة قالوا: إن ربهم غضب علیهم غضبة فنمکث فی النار أربعین لیلة ثم نخرج فتخلفوننا فیها ! فقال رسول الله (ص): کذبتم والله لا نخلفکم فیها أبداً ، فنزل القرآن تصدیقاً لقول النبی(ص)وتکذیباً لهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلی قوله هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ .

مجمع الزوائد:6/314:

قوله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً عن ابن عباس أن یهوداً کانوا یقولون هذه الدنیا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لکل سنة یوماً فی النار وإنما سبعة أیام معدودات ، فأ نزل الله عز وجل: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، إلی قوله: فِیهَا خَالِدُونَ .

وقال الله تعالی: وَقَالُوا لَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ کَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَی تِلْکَ أَمَانِیُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ بَلَی مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لا هُمْ یَحْزَنُونَ . البقرة : 111 - 112 .

یَا بَنِی إِسْرَاءِیلَ اذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتِی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ وَأَنِّی فَضَّلْتُکُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ. وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ . البقرة : 47 - 48 .

قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ . آل عمران : 31 .

ص: 48

إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ وَ مَنْ یُشْرِکْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَی إِثْمًا عَظِیمًا . أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً . اُنْظُرْ کَیْفَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَکَفَی بِهِ إِثْمًا مُبِینًا . أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ أُوتُوا نَصِیبًا مِنَ الْکِتَابِ یُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ کَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَی مِنَ الَّذِینَ آمَنُوا سَبِیلاً . النساء : 48 - 51 .

تفسیر التبیان:3/221:

وقالوا لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، تلک أمانیهم. قال الزجاج: الیهود جاؤوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأولادهم الأطفال فقالوا: یامحمد أعلی هؤلاء ذنوب؟ فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا، فقالوا: کذلک نحن مانعمل باللیل یغفر بالنهار، وما نعمل بالنهار یغفر باللیل، فقال الله تعالی: بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ .

وقال: مجاهد وأبو مالک: کانوا یقدمونهم فی الصلاة ویقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: کانوا یقولون: أطفالنا یشفعون لنا عند الله .

کنز الدقائق:2/58:

قال الله تعالی: إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ وَیَغْفِرْ لَکُمْ ذُنُوبَکُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ . . .

قال البیضاوی: روی أنها نزلت لما قالت الیهود: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وقیل: نزلت فی وفد نجران لما قالوا: إنا نعبد المسیح حباً لله..انتهی .

حقائق التأویل/126:

ص: 49

وقال بعضهم إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، فالخلائق غیرنا عبید لنا ومنخفضون عن علونا ، فلیس علینا جناح فی أکل أموال عبیدنا ومن هم فی الرتبة دوننا. قال صاحب هذا القول: والیهود یتدینون باستحلال أموال کل من خالفهم باستعمال الغش فی معاملاتهم ، ویدعون أن ذلک فرض علیهم فی دینهم ، ولیس تأولهم لذلک علی حد ما یتأوله المسلمون فی أهل الحرب .

وذهب أبو علی إلی أن قولهم: لَیْسَ عَلَیْنَا فِی الأُمِّیِّینَ سَبِیلٌ ، إنما یعنون به لیس علینا لهم سلطان ولا قدرة ، فلا یجب علینا اتباعهم ولا النزول تحت حکمهم ، یریدون بذلک النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأصحابه ، فلذلک استحلوا أموالهم. انتهی .

تفسیر التبیان:1/213:

وقوله: وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ، مخصوص عندنا بالکفار ، لأن حقیقة الشفاعة عندنا أن یکون فی إسقاط المضار دون زیادة المنافع. والمؤمنون عندنا یشفع لهم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیشفعه الله تعالی ویسقط بها العقاب عن المستحقین من أهل الصلاة ، لما روی من قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ادخرت شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی...

والشفاعة ثبتت عندنا للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکثیر من أصحابه ، ولجمیع الأئمة المعصومین ، وکثیر من المؤمنین الصالحین .

وقیل إن نفی الشفاعة فی هذه الآیة یختص بالیهود من بنی إسرائیل ، لأنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبیائه ، وأن آباءهم یشفعون إلیه ،

ص: 50

فآیسهم الله من ذلک فأخرج الکلام مخرج العموم والمراد به الخصوص .

تفسیر التبیان:3/221:

قوله تعالی: أَلَمْ تَرَ إلی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ وَلا یُظْلَمُونَ فَتِیلاً . . . قال الحسن والضحاک وقتادة وابن زید وهو المروی عن أبی جعفر(علیه السّلام): إنهم الیهود والنصاری فی قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ، وَقَالُوا لَنْ یَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ کَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَی تِلْکَ أَمَانِیُّهُمْ .

قال الزجاج: الیهود جاؤوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأولادهم الاطفال فقالوا: یا محمد أعلی هؤلاء ذنوب؟ فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا ، فقالوا: کذلک نحن ما نعمل باللیل یغفر بالنهار وما نعمل بالنهار یغفر باللیل ، فقال الله تعالی: بَلِ اللهُ یُزَکِّی مَنْ یَشَاءُ. وقال: مجاهد وأبو مالک: کانوا یقدمونهم فی الصلاة ویقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: کانوا یقولون: أطفالنا یشفعون لنا عند الله .

تفسیر التبیان:3/222:

وافتراؤهم الکذب علی الله هاهنا المراد به تزکیتهم لانفسهم بأنا أبناء الله وأحباؤه، وأنه لن یدخل الجنة إلا من کان هوداً أو نصاری ، ذکره ابن جریج. وقوله: وَکَفَی بِهِ إِثْمًا مُبِینًا ، معناه تعظیم إثمه ، وإنما یقال کفی به فی العظم علی جهة المدح أو الذم کقولک کفی بحال المؤمن نبلاً ، وکفی بحال الکافر إثماً .

تفسیر التبیان:3/76:

ص: 51

وقوله: وَیُحِبُّونَ أَنْ یُحْمَدُوا بِمَا لَمْ یَفْعَلُوا . . . قال البلخی: إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وأهل الصوم والصلاة. ولیسوا بأولیاء الله ولا أحباؤه ولا أهل الصلاة والصیام ، ولکنهم أهل شرک ونفاق. وهو المروی عن أبی جعفر (علیه السّلام)...

تفسیر نور الثقلین:1/489:

فی نهج البلاغة من کلام له(علیه السّلام)یصف فیه المتقین: لا یرضون من أعمالهم القلیل ولا یستکثرون الکثیر ، فهم لانفسهم متهمون ، ومن أعمالهم مشفقون ، إذا زُکِّیَ أحد منهم خاف مما یقال له ، فیقول أنا أعلم بنفسی من غیری وربی أعلم بی من نفسی ، اللهم لا تؤاخذنی بما یقولون واجعلنی أفضل مما یظنون ، واغفر لی ما لا یعلمون. انتهی .

هذا ، والآیات والأحادیث فی تحریفات الیهود للشفاعة ومقولاتهم فیها کثیرة ، وسوف نری أن بعض الصحابة قد أخذوا أفکار الیهود وتحریفاتهم للشفاعة حرفاً بحرف ، حَذْوَ القُذَّةِ بالقذة ، والنعل بالنعل..کما أخبر به الصادق الامین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ص: 52

الفصل الثالث :الشفاعة عند عرب الجاهلیة

اشارة

ص: 53

ص: 54

عبد العرب الأصنام أملاً بشفاعتهن

تدل آیات القرآن الکریم علی أن عبادة العرب للأصنام کانت علی أساس أنها رموز لمخلوقات مقربة عند الله تعالی تشفع لهم عنده. قال الله عز وجل:

وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ . وَلَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَ کَانُوا بِشُرَکَائِهِمْ کَافِرِینَ . الروم : 12 - 13 .

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یُنْقِذُونَ . إِنِّی إِذًا لَفِی ضَلالٍ مُبِینٍ . یس : 23 - 24 .

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَلا یَعْقِلُونَ . قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . وَإِذَا ذُکِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخرة وَإِذَا ذُکِرَ الَّذِینَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ. الزمر : 43-45 .

أَلا للهِ الدِّینُ الْخَالِصُ وَالَّذِینَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِیَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِیُقَرِّبُونَا إلی اللهِ زُلْفَی إِنَّ اللهَ یَحْکُمُ بَیْنَهُمْ فِی مَا هُمْ فِیهِ یَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا یَهْدِی مَنْ هُوَ کَاذِبٌ کَفَّارٌ . لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ یَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَی مِمَّا یَخْلُقُ مَا یَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . الزمر : 3 - 4 .

ص: 55

رسائل الشریف المرتضی:3/223:

حکی أبو عیسی الوراق فی کتابه کتاب المقالات أن العرب صنوف شتی: صنف أقر بالخالق وبالإبتداء والإعادة وأنکروا الرسل وعبدوا الأصنام ، زعموا لتقربهم إلی الله زلفی ومعبراً إلیها ، ونحروا لها الهدایا ونسکوا لها النسائک ، وأحلوا لها وحرموا .

ومنهم صنف أقروا بالخالق وبابتداء الخلق وأنکروا الإعادة والبعث والنشور.

ومنهم صنف أنکروا الخالق والبعث والاعادة ، ومالوا إلی التعطیل والقول بالدهر، وهم الذین أخبر القرآن عن قولهم: ما هی إلا حیاتنا الدنیا نموت ونحیا وما یهلکنا إلا الدهر . ومنهم صنف مالوا إلی الیهودیة ، وآخر إلی النصرانیة .

رسائل الشریف المرتضی:3/228:

وقد عبد الأصنام قوم من الأمم الماضیة من أهل الهند والسند وغیرها ، وقد أخبر الله تعالی عن قوم نوح أنهم عبدوها أیضاً فقال: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَکُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا یَغُوثَ وَیَعُوقَ وَنَسْرًا . . . وکان ( سواع ) لهذیل وکان ( برهاط ) وکان بدومة الجندل ، وکان ( یغوث ) لمذحج ولقبائل الیمن ، وکان ( نسر ) لذی الکلاع بأرض حمیر ، وکان ( یعوق ) لهمدان ، وکانت ( اللات ) لثقیف وکانت بالطائف ، وکانت ( العزی ) لقریش وجمیع بنی کنانة وسدنتها من بنی سلیم ، وکانت ( مناة ) للاوس والخزرج وغسان وکانت بالمسلک ، وکان (الهبل) أعظم أصنامهم عند أنفسهم وکان

ص: 56

علی الکعبة. وکان ( أساف ونائلة ) علی الصفا والمروة ، ووضعهما عمرو بن یحیی فکان یذبح علیهما تجاه الکعبة .

مجمع الزوائد:7/115:

عن ابن عباس أن العزی کانت ببطن نخلة ، وأن اللات کانت بالطائف ، وأن مناة کانت بقدید ، قال علی بن الجعد: بطن نخلة هو بستان بنی عامر .

تفسیر القمی:2/250:

قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ ، یعنی الأصنام لیشفعوا لهم یوم القیامة ، وقالوا إن فلاناً وفلاناً یشفعون لنا عند الله یوم القیامة. وقوله: قل لله الشفاعة جمیعاً، قال: لا یشفع أحد إلا بإذن الله تعالی .

تفسیر القمی:2/289:

وقال علی بن ابراهیم: ولا یملک الذین یدعون من دونه الشفاعة ، قال: هم الذین قد عبدوا فی الدنیا، لا یملکون الشفاعة لمن عبدهم .

تفسیر التبیان:4/207:

وَمَا نَرَی مَعَکُمْ شُفَعَاءَکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاءُ... یقول تعالی لهؤلاء الکفار: َمَا نَرَی مَعَکُمْ شُفَعَاءَکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاءُ ، الذین کنتم تزعمون فی الدنیا أنهم یشفعون لکم عند ربکم یوم القیامة. وقال عکرمة: إن الآیة نزلت فی النضر بن الحارث بن کلدة حیث قال: سوف یشفع فیَّ اللات والعزی ، فنزلت الآیة .

ص: 57

وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَیْنَکُمْ ، أی وصلکم. وَضَلَّ عَنْکُمْ مَا کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ، أی جار عن طریقکم ما کنتم تزعمون من آلهتکم أنه شریک لله تعالی ، وأنه یشفع لکم عند ربکم ، فلا شفیع لکم الیوم .

تفسیر التبیان:9/33:

ثم أخبر عن هؤلاء الکفار فقال ( أم اتخذوا ) معناه بل اتخذ هؤلاء الکفار ( من دون الله شفعاء ) بزعمهم من الأصنام والأوثان فقال (قل) لهم یا محمد: أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَ لا یَعْقِلُونَ ، تنبیهاً لهم علی أنهم یتخذونهم شفعاء وإن کانوا لا یقدرون علی شئ من الشفاعة ، ولا غیرهما ولا یعقلون شیئاً. والألف فی ( أ ولو ) ألف الإستفهام یراد به التنبیه .

ثم قال ( قل ) لهم یا محمد ( للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أی الشفاعة لمن له التدبیر والتصرف فی السموات والأرض ، لیس لأحد الإعتراض علیه فی ذلک .

ثم إلیه ترجعون ، معاشر الخلق أی إلی حیث لا یملک أحد التصرف والأمر والنهی سواه ، وهو یوم القیامة فیجازی کل إنسان علی عمله علی الطاعات بالثواب وعلی المعاصی بالعقاب .

الدر المنثور:3/302:

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا ... أخرج ابن أبی حاتم عن عکرمة قال قال النضر: إذا کان یوم القیامة شفعت لی اللات والعزی ، فأنزل الله تعالی: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ کَذِبًا أَوْ کَذَّبَ بِآیَاتِهِ إِنَّهُ لا یُفْلِحُ

ص: 58

الْمُجْرِمُونَ . وَیَعْبُدُونَ مِنْ دونِ اللهِ مَا لا یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُمْ وَ یَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. ومثله فی:3/8

الدر المنثور:5/329:

قوله تعالی: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ . . أخرج عبد بن حمید وابن جریر عن قتادة (رض) فی قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قال: الإلهة .

الدر المنثور:3/149:

وأخرج ابن أبی حاتم عن ابن عباس فی قوله: ذَرُوا الَّذِینَ یُلْحِدُونَ فِی أَسْمَائِهِ قال: اشتقوا العزی من العزیز ، واشتقوا اللات من الله .

مکانة اللات والعزی عند مشرکی العرب

کان لصنمی اللات والعزی مکانة عظیمة عند قریش خاصة ، وعند بعض قبائل العرب ، ویلیهما صنم مناة ، أما هبل فهو وإن کان الإله الأکبر عندهم ولکن ارتباطهم المباشر وقَسَمَهُم الرسمی ومراسم عبادتهم الاساسیة إنما کانت لللات والعزی ، ولیس لهبل. .

قال المحدث البحرانی فی حلیة الابرار:1/127:

الشیخ فی أمالیه بإسناده عن ابن عباس قال: وقف رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی قتلی بدر فقال: جزاکم الله من عصابة شراً ! لقد کذَّبتمونی صادقاً ، وخوَّنتمونی أمیناً. ثم التفت إلی أبی جهل بن هشام فقال: إن هذا أعتی علی الله من فرعون ! إن فرعون لما أیقن بالهلاک وَحَّدَ الله ، وهذا لما أیقن بالهلاک دعا باللات والعزی!! راجع أمالی الطوسی:1 - 316 والبحار: 19 - 272 ح

ص: 59

11 ومثله فی مجمع الزوائد:6/91 ) .

وقال فی مجمع الزوائد:6/21:

وعن رجل من بنی مالک بن کنانة قال: رأیت رسول الله(ص)بسوق ذی المجاز یتخللها یقول: یا أیها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، قال وأبو جهل یحثی علیه التراب ویقول: لا یغوینکم هذا عن دینکم فإنما یرید لتترکوا آلهتکم وتترکوا اللات والعزی ، وما یلتفت إلیه رسول الله(ص)! قلت: إنعت لنا رسول الله(ص). قال: بین بردین أحمرین ، مربوع ، کثیر اللحم ، حسن الوجه ، شدید سواد الشعر ، أبیض شدید البیاض، سابغ الشعر. رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/408:

وأخرج أبونعیم فی الدلائل عن ابن عباس قال: ما کان أبولهب إلا من کفار قریش،ما هو حتی خرج من الشعب حین تمالات قریش حتی حصرونا فی الشعب وظاهرهم ، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقی هنداً بنت عتبة بن ربیعة حین فارق قومه فقال: یا ابنة عتبة هل نصرتُ اللات والعزی ؟ قالت: نعم فجزاک الله خیراً یا أبا عتبة ! قال: إن محمداً یعدنا أشیاء لا نراها کائنة ، یزعم أنها کائنة بعد الموت فما ذاک ! وصنع فی یدی ثم نفخ فی یدیه ، ثم قال: تباً لکما ما أری فیکما شیئاً مما یقول محمد! فنزلت: تبت یدا أبی لهب. قال ابن عباس: فحصرونا فی الشعب ثلاث سنین وقطعوا عنا المیرة ، حتی أن الرجل لیخرج منا بالنفقة فما یبایع حتی یرجع، حتی هلک فینا من هلک !!

ص: 60

الیمین الرسمی المقدس عند قریش باللات والعزی

روی الحاکم فی المستدرک:1/163:

عن ابن عباس قال دخلت فاطمة علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وهی تبکی فقال: یابنیة ما یبکیک قالت: یا أبت مالی لا أبکی وهؤلاء الملا من قریش فی الحجر یتعاقدون باللات والعزی ومناة الثالثة الأخری لو قد رأوک لقاموا إلیک فیقتلونک ، ولیس منهم رجل إلا وقد عرف نصیبه من دمک ! فقال یا بنیة إئتنی بوضوء فتوضأ رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ثم خرج إلی المسجد فلما رأوه قالوا: ها هوذا ،فطأطأوا رؤوسهم وسقطت أذقانهم بین یدیهم ، فلم یرفعوا أبصارهم ! فتناول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصاته إلا قتل یوم بدر کافراً. هذا حدیث صحیح ، قد احتجا جمیعاً بیحیی بن سلیم. واحتج مسلم بعبد الله بن عثمان بن خثیم ولم یخرجاه. انتهی. ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد: 8/228 وقال: رواه أحمد بإسنادین ، ورجال أحدهما رجال الصحیح .

وروی العیاشئ فی تفسیره:2/259:

عن أبی بصیر عن أبی عبدالله(علیه السّلام)فی قوله: وأقسموا بالله جهد أیمانهم لا یبعث الله من یموت ، قال: ما یقولون فیها ؟ قلت: یزعمون أن المشرکین کانوا یحلفون لرسول الله أن الله لا یبعث الموتی. قال: تباً لمن قال هذا ،

ص: 61

ویلهم هل کان المشرکون یحلفون بالله أم باللات والعزی ؟ قلت: جعلت فداک فأوجدنیه أعرفه. قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إلیه قوماً من شیعتنا قَبَایِعُ سیوفهم علی عواتقهم ، فیبلغ ذلک قوماً من شیعتنا لم یموتوا فیقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم، فیبلغ ذلک قوماً من أعدائنا فیقولون: یا معشر الشیعة ما أکذبکم ! هذه دولتکم وأنتم تکذبون فیها ، لا والله ما عاشوا ولا تعیشوا إلی یوم القیامة ، فحکی الله قولهم فقال:وأقسموا بالله جهد أیمانهم. انتهی .

المسألة... بعض الصحابة کانوا یقسمون باللات والعزی !

تدل مصادر الفقه السنی علی أن عادة القسم باللات والعزی بقیت فی أذهان القرشیین وعلی ألسنتهم حتی بعد إسلامهم ! فقد روی البخاری فی صحیحه: 6/51: عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): من حلف فقال فی حلفه واللات والعزی فلیقل لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه تعال أقامرک فلیتصدق .انتهی. (ورواه أیضاً فی: 7/97 وص144 وص222 و223.

ورواه مسلم فی: 5/81 وص82 ، ورواه ابن ماجة فی: 1/678، وروی بعده عن مصعب بن سعد ، عن سعد بن أبی وقاص قال: حلفت باللات والعزی فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شریک له ، ثم انفث عن یسارک ثلاثاً ، وتعوَّذ ولا تعد). ( ورواه أبو داود فی:2/90 ، والترمذی فی: 3/ 46 وص51 ، والنسائی فی: 7/7 ، وأحمد: 1/ 183 و186 و:2/ 309 ، والبیهقی:1/ 149 و:10/30 ، ومالک فی

ص: 62

المدونة: 2/108 ) .

الأسئلة

1 - هذا یدلنا علی أن الصحابة کانوا حدیثی عهد بالإسلام ، وأن رواسب الجاهلیة حتی عبادة الأصنام کانت ما

تزال فی مشاعرهم وعلی ألسنة بعض کبارهم کسعد بن وقاص ، ومن یخلف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لابد أن یکون کرم الله وجهه عن السجود للأصنام ، حتی یکون نقیاً من هذه الرواسب الجاهلیة.. فهل تعرفون هذه الصفة فی غیر علی(علیه السّلام)؟

2 - نحن نفتی بأن الیمین الشرعی لاینعقد إلا بالله تعالی ، ومن حلف بغیره فلا یمین له ولا شئ علیه. وقد أفتی ابن حزم فی المحلی: 8/51 ، وابن قدامة فی المغنی:1/169 و:11/162 ،بأن من حلف باللات والعزی فلا شئ علیه إلا الإستغفار ، وعلله ابن حزم فی:11/ 163 بقوله: (لأن الحلف بغیر الله سیئة والحسنة تمحو السیئة ، وقد قال الله تعالی: إِنَّ الْحَسَنَاتِ یُذْهِبْنَ السَّیِّئَاتِ، وقال النبی (ص): إذا عملت سیئة فأتبعها حسنة تمحها. ولأن من حلف بغیر الله فقد عظم غیر الله تعظیماً یشبه تعظیم الرب تبارک وتعالی ، ولهذا سمی شرکاً لکونه أشرک غیر الله مع الله تعالی فی تعظیمه بالقسم به ، فیقول لا إله إلا الله توحیداً لله تعالی وبراءة من الشرک ).

فهل تفتون بأن من حلف بصنم لا یخرج عن الملة ، ومن حلف بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أو بأحد من عترته(علیهم السّلام) فهو مشرک یخرج من الملة ؟!

ص: 63

اعتقاد قریش بنفع اللات والعزی وضرهما

مناقب آل أبی طالب:1/102 عن امرأة یقال لها زهرة قال:

أسلمت فأصیب بصرها ، فقالوا لها أصابک اللات والعزی ، فرد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیها بصرها فقالت قریش: لو کان ما جاء محمد خیراً ما سبقتنا إلیه زهرة ! فنزل: وقال الذین کفروا للذین آمنوا لو کان خیراً ما سبقونا إلیه .

مسند أحمد:1/264:

عن عبدالله بن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بکر ضمام بن ثعلبة وافداً إلی رسول الله(ص)فقدم علیه وأناخ بعیره علی باب المسجد ثم عقله ، ثم دخل المسجد ورسول الله(ص)جالس فی أصحابه ، وکان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غریرتین ، فأقبل حتی وقف علی رسول الله(ص)فی أصحابه فقال: أیکم ابن عبد المطلب ؟ فقال رسول الله (ص): أنا ابن عبد المطلب. قال محمد ؟ قال نعم فقال: یا ابن عبد المطلب إنی سائلک ومغلظ فی المسألة فلا تجدن فی نفسک. قال: لا أجد فی نفسی فسل عما بدا لک. قال: أنشدک الله إلهک وإله من کان قبلک وإله من هو کائن بعدک ، آلله بعثک إلینا رسولاً ؟ فقال: اللهم نعم. قال: فأنشدک الله إلهک وإله من کان قبلک وإله من هو کائن بعدک آلله أمرک أن تأمرنا أن نعبده وحده لانشرک به شیئاً وأن نخلع هذه الأنداد التی کانت آباؤنا یعبدونها معه ؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدک الله إلهک وإله من کان قبلک وإله من هو کائن بعدک آلله أمرک أن نصلی هذه الصلوات الخمس ؟ قال: اللهم نعم. قال ثم جعل یذکر فرائض الإسلام فریضة فریضة الزکاة والصیام والحج وشرائع الإسلام کلها یناشده عند کل

ص: 64

فریضة کما یناشده فی التی قبلها ، حتی إذا فرغ قال: فإنی أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سیدنا محمداً رسول الله ، وسأؤدی هذه الفرائض وأجتنب ما نهیتنی عنه ، ثم لا أزید ولا أنقص .

قال ثم انصرف راجعاً إلی بعیره فقال رسول الله(ص)حین ولی: إن یصدق ذو العقیصتین یدخل الجنة. قال فأتی إلی بعیره فأطلق عقاله ثم خرج حتی قدم علی قومه فاجتمعوا إلیه ، فکان أول ما تکلم به أن قال: بئست اللات والعزی ! قالوا مه یا ضمام ، إتق البرص والجذام ، إتق الجنون. قال: ویلکم إنهما والله لا یضران ولا ینفعان ، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل علیه کتاباً استنقذکم به مما کنتم فیه ، وإنی أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله ، إنی قد جئتکم من عنده بما أمرکم به ونهاکم عنه. قال فوالله ما أمسی من ذلک الیوم وفی حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً !

قال یقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم کان أفضل من ضمام بن ثعلبة .

مصادرنا تروی بغض النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأصنام قریش

کمال الدین وتمام النعمة:1/184:

قال بحیری: یاغلام أسألک عن ثلاث خصال بحق اللات والعزی إلا ما أخبرتنیها. فغضب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عند ذکر اللات والعزی وقال: لا تسألنی بهما فوالله ما أبغضت شیئاً کبغضهما ، وإنما هما صنمان من حجارة لقومی ! فقال بحیری: هذه واحدة ، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتنی ، فقال: سل عما بدا

ص: 65

لک فإنک قد سألتنی بإلهی وإلهک الذی لیس کمثله شئ ، فقال: أسألک عن نومک ویقظتک ، فأخبره عن نومه ویقظته وأموره وجمیع شأنه ، فوافق ذلک ما عند بحیری من صفته التی عنده ، فانکب علیه بحیری فقبل رجلیه وقال: یا بنی ما أطیبک وأطیب ریحک ، یا أکثر النبیین أتباعاً

الخرائج والجرائح:1/71:

فی خبر الراهب بحیری مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قال: یا غلام أتخبرنی عن أشیاء أسألک عنها قال: سل. قال: أنشدک باللات والعزی إلا أخبرتنی عما أسألک عنه ، وإنما أراد أن یعرف لأنه سمعهم یحلفون بهما فذکروا أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال له: لا تسألنی باللات والعزی فإنی والله لم أبغض بغضهما شیئاً قط. قال: فبالله إلا أخبرتنی عما أسألک عنه قال: فجعل یسأله عن حاله فی نومه وهیئته وأموره فجعل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یخبره فکان یجدها موافقة لما عنده ... فأخذه الافکل وهو الرعدة واهتز الدیرانی فقال: من أبو هذا الغلام ؟ قال أبو طالب: هو ابنی. قال: لا والله لا یکون أبوه حیاً. قال أبو طالب: إنه ابن أخی. قال: فما فعل أبوه قال: مات وهو ابن شهرین. قال صدقت !-وروی فی:3/1089 تتمة قول الراهب: کأنی بک قد قدت الاجناب والخیل وقد تبعک العرب والعجم طوعاً وکرها ، وکأنی باللات والعزی قد کسرتهما وقد صار البیت العتیق تضع مفاتیحه حیث ترید . . . معک الذبح الأکبر وهلاک الأصنام. أنت الذی لا تقوم الساعة حتی تدخل الملوک کلها فی دینک صاغِرَةً قَمِئَة .

ص: 66

وتمسک سدنة اللات والعزی بهما إلی آخر نفس

شرح الأخبار:2/163:

ولما فتح رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الطائف سأله أهلها أن یدع لهم اللات - وکانوا یعبدونها - لمدة ذکروها وقالوا: إنا نخشی فی هدمها سفهاءنا ، فأبی علیهم .

مناقب آل أبی طالب:1/52:

ابن عباس فی قوله: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِی أَوْحَیْنَا ، قال وفد ثقیف: نبایعک علی ثلاث: لا ننحنی ، ولا نکسر إلهاً بأیدینا ، وتمتعنا باللات سنة. فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا خیر فی دین لیس فیه رکوع وسجود ، فأما کسر أصنامکم بأیدیکم فذاک لکم ، وأما الطاغیة اللات فإنی غیر ممتعکم بها .

وحطم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کل الأصنام

مناقب آل أبی طالب:1/399:

وحدثنی أبو الحسن علی بن أحمد العاصمی ، عن اسماعیل بن أحمد الواعظ ، عن أبی بکر البیهقی بإسناده عن أبی مریم عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إحملنی لنطرح الأصنام عن الکعبة ، فلم أطق حمله ! فحملنی فلو شئت أتناول السماء فعلت ! وفی خبر والله لو شئت أن أنال السماء بیدی لنلتها .

وروی القاضی أبو عمرو عثمان بن أحمد ، عن شیوخ بإسناده عن ابن عباس قال قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لعلی (علیه السّلام): قم بنا إلی الصنم فی أعلی الکعبة

ص: 67

لنکسره ، فقاما جمیعاً فلما أتیاه قال له النبی: قم علی عاتقی حتی أرفعک علیه ، فأعطاه علی ثوبه فوضعه رسول الله علی عاتقه ثم رفعه حتی وضعه علی البیت ، فأخذ علی الصنم وهو من نحاس فرمی به من فوق الکعبة...

حلیة الابرار:2/125:

عن علی(علیه السّلام): أنا الذی قال فیَّ الامین جبرئیل(علیه السّلام): لا سیف إلا ذوالفقار ولا فتی إلا علی ، أنا صاحب فتح مکة ، أنا کاسر اللات والعزی ، أنا هادم الهبل الاعلی ، ومناة الثالثة الأخری ، أنا علوت علی کتف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وکسرت الأصنام ، أنا الذی کسرت یغوث ویعوق ونسراً .

واخترعت قریش قصة الغرانیق انتصاراًلللات والعزی

قال الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی . فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی . فَأَوْحَی إلی عَبْدِهِ مَا أَوْحَی . مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَی . أَفَتُمَارُونَهُ عَلَی مَا یَرَی . وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَی . عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَی . عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَی . إِذْ یَغْشَی السِّدْرَةَ مَا یَغْشَی . مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَی . لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی . أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی . وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی . أَلَکُمُ الذَّکَرُ وَلَهُ الأُنْثَی . تِلْکَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِیزَی . إِنْ هِیَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَی الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَی . أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّی . فَلِلَّهِ الآخرة وَالأُولَی . وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی . إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالآخرة لَیُسَمُّونَ الْمَلائِکَةَ تَسْمِیَةَ الأُنْثَی . وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئًا. فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّی عَنْ ذِکْرِنَا وَلَمْ یُرِدْ إِلا

ص: 68

الْحَیَوةَ الدُّنْیَا . ذَلِکَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّکَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِیلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَی . وَللهِ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ لِیَجْزِیَ الَّذِینَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَیَجْزِیَ الَّذِینَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَی . النجم : 8 - 31 .

نزلت هذه الآیات فی مکة بعد مرحلة ( َأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) وبعد مرحلة ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) وإعلان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دعوته لجمیع الناس ودخول عدد من المستضعفین فی الإسلام وتضییق قریش علیهم وتعذیبهم ، وهجرة بعضهم إلی الحبشة . . ومن الواضح أن الصراع فی تلک المرحلة کان یتفاقم بین الإسلام والمشرکین ، وکان أهم ما یتسلح به المشرکون ویطرحونه سبباً لمقاومتهم الإسلام هو ( أن محمداً قد سبَّ آلهتنا وسفَّه أحلامنا ) .

وقد کان موقف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من آلهتهم موقفاً صریحاً قویاً لامساومة فیه ولامهادنة . . وقد اتضح ذلک من السور الأولی للقرآن ، وآیاتها القاطعة فی مسألة الأصنام . . ولم تکن سورة النجم إلا استمراراً لذلک الخط الربانی الصریح القوی ، بل هی الحسم الالهی النهائی فی المسألة ، ووضع النقاط علی الحروف بتسمیة أصنام قریش المفضلة ( اللات والعزی ومناة ) بأسمائها ، وإسقاطها إلی الابد !

ومن الطبیعی أن تکون هذه الآیات شدیدة جداً علی قریش ، وأن تثیر کبریاءها وعواطفها لأصنامها ، وأن تقوم بردة فعل بإشکال متعددة. وقصة الغرانیق ما هی إلا واحدة من ردات الفعل القرشیة..!

لکن متی اختُرِعَتْ ومن اخترعها ؟!

یغلب علی الظن ماذکره الشریف المرتضی من أن المشرکین عبدة هذه

ص: 69

الأصنام الثلاثة لما سمعوا ذمها فی آیات السورة حرَّفَ بعضهم الآیات ، ووضع بعد أسماء الأصنام الثلاثة عبارة ( تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی )

فأعجب ذلک القرشیین ، وتمنوا لو یضاف هذا المدیح لآلهتهم فی السورة !

ولکن کیف یمکن ذلک ؟ وکیف ینسجم مع السیاق ، والسیاق کله حملة شدیدة علی فکر الأصنام وأهلها ؟ ! !

هکذا ولدت قصة الغرانیق علی ألسنة القرشیین ، ولکنها کانت هذیاناً ولغواً فی القرآن من قریش المشرکة لا أکثر !

ولکن الجریمة الکبری عندما حولت قریش المنافقة هذا اللغو فی القرآن إلی آیات الغرانیق واتهمت بها النبی بعد وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لإثبات أنه لم یکن معصوماً عصمة مطلقة لتکون کل تصرفاته وأقواله حجة ، بل کان یخطئ حتی فی تبلیغ الوحی ! وفی ذلک فوائد عدیدة لقریش للالتفاف علی أوامر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتبریر أخطاء حکامها ومخالفاتهم لسنته !!

وهکذا سجلت مصادر السنیین قصة الغرانیق التی تزعم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد ارتکب خیانة والعیاذ بالله فی نص القرآن ، وشهد بالشفاعة لأصنام اللات والعزی ومناة ، وسجد لها لکی ترضی عنه قریش !

وقد طار منافقو قریش بهذه القصة فرحاً، ثم طار بها فرحاً ورثتهم الغربیون!!

وقد روی الهیثمی فی مجمع الزوائد:6/32 بعض روایات الغرانیق ، وروی السیوطی عدداً وافراً منها فی الدر المنثور: 4/194 وص 366 وبعضها صحیح السند ، خلافاً لمن برّأ منها الرواة المعتمدین عند

ص: 70

حکام قریش ! قال السیوطی فی/366:

وأخرج البزار والطبرانی وابن مردویه والضیاء فی المختارة بسند رجاله ثقات من طریق سعید بن جبیر عن ابن عباس قال: إن رسول الله(ص)قرأ أفرأیتم اللات والعزی ومنات الثالثة الأخری تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ! ففرح المشرکون بذلک وقالوا قد ذکر آلهتنا ! فجاء جبریل فقال: إقرأ علیَّ ما جئتک به ، فقرأ: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی . تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ! فقال ما أتیتک بهذا ، هذا من الشیطان !! فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی . . إلی آخر الآیة . وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه بسند صحیح عن سعید بن جبیر . . . الخ !! انتهی .

وقد ورد فی بعض روایاتهم الافتراء علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بأنه سجد للاصنام ! (فقال: وإنهن لهن الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لهی التی ترتجی ، فکان ذلک من سجع الشیطان وفتنته ، فوقعت هاتان الکلمتان فی قلب کل مشرک بمکة ، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها ، وقالوا إن محمداً قد رجع إلی دینه الأول ودین قومه. فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم سجد وسجد کل من حضر من مسلم ومشرک ، ففشت تلک الکلمة فی الناس وأظهرها الشیطان حتی بلغت أرض الحبشة فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ . . . ) .

وفی بعضها ( ألقی الشیطان علی لسانه: وهی الغرانیق العلی شفاعتهن ترتجی فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشرکون إلا أبا أحیحة سعید بن العاص فإنه أخذ کفاً من تراب فسجد علیه وقال: قد آن لابن أبی

ص: 71

کبشة أن یذکر آلهتنا بخیر ، فبلغ ذلک المسلمین الذین کانوا بالحبشة أن قریشاً قد أسلمت ، فأرادوا أن یُقْبِلوا واشتد علی رسول الله(ص)وعلی أصحابه ما ألقی الشیطان علی لسانه فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ . . الآیة ) انتهی .

وقد تجرأ بعض العلماء السنیین وردُّوا روایات الغرانیق ولکنهم ضعفوا سندها رغم صحته عندهم ، من أجل أن لا یطعنوا فی مؤلفی صحاحهم والموثقین من رواتهم !

قال المجلسی فی بحار الأنوار:17/56:

قوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ . . . قال الرازی: ذکر المفسرون فی سبب نزول هذه الآیة أن الرسول لما رأی إعراض قومه عنه شق علیه ما رأی من مباعدتهم عما جاءهم به تمنی فی نفسه أن یأتیهم من الله ما یقارب بینه وبین قومه ، وذلک لحرصه علی إیمانهم فجلس

ذات یوم فی ناد من أندیة قریش کثیر أهله وأحب یومئذ أن لا یأتیه من الله شئ ینفروا عنه وتمنی ذلک ! فأنزل تعالی سورة والنجم إذا هوی ، فقرأها رسول الله(ص)حتی بلغ: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ألقی الشیطان علی لسانه: تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی ! فلما سمعت قریش فرحوا ومضی رسول الله(ص)فی قراءته وقرأ السورة کلها ، فسجد المسلمون لسجوده وسجد جمیع من فی المسجد من المشرکین ، فلم یبق فی المسجد مؤمن ولا کافر إلا سجد ، سوی الولید بن المغیرة وسعید بن العاص ، فإنهما أخذا حفنةً من البطحاء ورفعاها إلی جبهتیهما وسجدا علیها ، لأنهما کانا شیخین کبیرین لم یستطیعا السجود ، وتفرقت قریش وقد

ص: 72

سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذکر محمد آلهتنا بأحسن الذکر ، فلما أمسی رسول الله أتاه جبرئیل فقال: ماذا صنعت ! تلوت علی الناس ما لم آتک به عن الله ، وقلت ما لم أقل لک ! فحزن رسول الله(ص)حزناً شدیداً وخاف من الله خوفاً عظیماً حتی نزل قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ . . الآیة .

هذا روایة عامة المفسرین الظاهریین ، وأما أهل التحقیق فقد قالوا: هذه الروایة باطلةٌ موضوعةٌ واحتجوا بالقرآن ، والسنة ، والمعقول ، أما القرآن فوجوه:

أحدها: قوله تعالی: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ .

وثانیها: قل ما یکون لی أن أبدله من تلقاء نفسی إن أتبع إلا ما یوحی إلی .

وثالثها: قوله: وما ینطق عن الهوی ، إن هو إلا وحیٌ یوحی .

فلو أنه قرأ عقیب هذه الآیة تلک الغرانیق العلی لکان قد أظهر کذب الله تعالی فی الحال ، وذلک لا یقول به مسلم .

ورابعها: قوله تعالی: وَإِنْ کَادُوا لَیَفْتِنُونَکَ ، وکاد معناه قرب أن یکون لأمر کذلک مع أنه لم یحصل .

وخامسها: قوله: ولولا أن ثبتناک ، وکلمة ( لولا ) تفید انتفاء الشئ لإنتفاء غیره ، فدل علی أن الرکون القلیل لم یحصل .

وسادسها: قوله: کذلک لنثبت به فؤادک .

وسابعها: قوله: سنقرئک فلا تنسی .

ص: 73

وأما السنة فهی أنه روی عن محمد بن إسحاق بن خزیمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة ، وصنف فیه کتاباً .

وقال الإمام أبوبکر البیهقی: هذه القصة غیر ثابتة من جهة النقل ، ثم أخذ یتکلم فی أن رواة هذه القصة مطعونون ، وأیضاً فقد روی البخاری فی صحیحه أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ سورة ( والنجم ) وسجد فیها المسلمون والمشرکون والانس والجن ولیس فیه حدیث الغرانیق ، وروی هذا الحدیث من طرق کثیرة ولیس فیها البتة حدیث الغرانیق .

وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أن من جوز علی الرسول(ص)تعظیم الأوثان فقد کفر ، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعیه(ص)کان فی نفی الأوثان .

وثانیها: أنه(ص)ما کان یمکنه فی أول الأمر أن یصلی ویقرأ القرآن عند الکعبة آمناً لأذی المشرکین له ، حتی کانوا ربما مدوا أیدیهم إلیه ، وإنما کان یصلی إذا لم یحضروها لیلاً أو فی أوقات خلوة ، وذلک یبطل قولهم .

وثالثها: أن معاداتهم للرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت أعظم من أن یقروا بهذا القدر من القراءة دون أن یقفوا علی حقیقة الأمر ، فکیف أجمعوا علی أنه عظم آلهتهم حتی خروا سجداً ، مع أنه لم یظهر عندهم موافقته لهم .

ورابعها: قوله: فینسخ الله ما یلقی الشیطان ثم یحکم الله آیاته ، وذلک أن أحکام الآیات بإزالة تلقیة الشیطان عن الرسول أقوی من نسخه بهذه الآیات التی تنتفی الشبهة معها ، فإذا أراد الله تعالی إحکام الآیات لئلا یلتبس ما لیس بقرآن قرآناً ، فبأن یمنع الشیطان من ذلک أصلاً ، أولی .

ص: 74

وخامسها: وهو أقوی الوجوه: أنا لو جوزنا ذلک ارتفع الأمان عن شرعه ، وجوزنا فی کل واحد من الأحکام والشرائع أن یکون کذلک ، ویبطل قوله تعالی: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ ، فإنه لا فرق بین النقصان من الوحی وبین الزیادة فیه !

فبهذه الوجوه عرفنا علی سبیل الإجمال أن هذه القصة موضوعة ، أکثر ما فی الباب أن جمعاً من المفسرین ذکروها لکنهم ما بلغوا حد التواتر . وخبر الواحد لا یعارض الدلائل العقلیة والنقلیة المتواترة . . . انتهی .

ولم یلتفت هذا المفسر الکبیر إلی أن الآیة التی ادعوا أنها نزلت علی أثر القصة مدنیة ، نزلت بعد النجم بنحو عشر سنوات ! کما لم یلتفت إلی أن روایة البخاری وغیره التی ذکرها هی قصة الغرانیق بعینها !

البخاری ومسلم رویا فریة الغرانیق

وینبغی أن نحسن الظن بالرازی وأمثاله الذین دافعوا عن البخاری والصحاح فقالوا إنهم لم یرووا قصة الغرانیق ، حیث لم یقرؤوا الصحاح جیداً ، وإلا لوجدوا فیها قصة الغرانیق بأکثر من روایة ! غایة الأمر أن أصحابها حذفوا منها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )زاد فی السورة مدح أصنام المشرکین ، ولکنهم ذکروا دلیلاً علیه وهو سجود المسلمین والمشرکین وحتی سجود أبی أحیحة أو أمیة بن خلف أو غیرهما علی کف من تراب أو حصی !! فإن سجود المشرکین بعد سماع القرآن لم ینقله أی مصدر علی الإطلاق فی أی روایة علی الإطلاق ، إلا فی روایة الغرانیق ! ومضافاً إلی روایة البخاری الفظیعة التی ذکرها الرازی فقد روی البخاری أیضاً فی:5/7: عن عبدالله (رض)

ص: 75

عن النبی(ص)أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه ، غیر أن شیخاً أخذ کفاً من تراب فرفعه إلی جبهته فقال یکفینی هذا ! قال عبد الله: فلقد رأیته بعد قتل کافراً. انتهی. ورواه مسلم فی /88 .

وروی البخاری أیضاً فی:6/52:

عن الأسود بن یزید عن عبد الله (رض) قال: أول سورة أنزلت فیها سجدة والنجم ، قال فسجد رسول الله(ص)وسجد من خلفه إلا رجلاً رأیته أخذ کفاً من تراب فسجد علیه ، فرأیته بعد ذلک قتل کافراً ، وهو أمیة بن خلف .

وقال الحاکم فی المستدرک:1/221:

عن أبی إسحاق عن الاسود عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الناس الحج ، حتی إذا قرأها سجد فسجد الناس إلا رجل أخذ التراب فسجد علیه فرأیته قتل کافراً . هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین بالإسنادین جمیعاً ولم یخرجاه ، إنما اتفقا علی حدیث شعبة عن أبی اسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قرأ والنجم فذکره بنحوه ، ولیس یعلل أحد الحدیثین الآخرین فإنی لا أعلم أحداً تابع شعبة علی ذکره النجم غیر قیس بن الربیع. والذی یؤدی إلیه الإجتهاد صحة الحدیثین ، والله أعلم .

ومعنی کلام الحاکم: أنه کان الأولی بالبخاری ومسلم أن یرویا روایة السجود فی سورة الحج لأنها أصح ، ولکنهما ترکاها ورویا روایة سورة النجم !!

ص: 76

وقال البیهقی فی سننه:2/314:

عن عکرمة عن ابن عباس أن النبی(ص)سجد فیها ، یعنی والنجم وسجد فیها المسلمون والمشرکون والجن والإنس . رواه البخاری فی الصحیح عن أبی معمر وغیره ، عن عبد الوارث .

ورواها فی مجمع الزوائد:7/115 أیضاً وصححها ، قال:

قوله تعالی ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ) عن ابن عباس فیما یحسب سعید بن جبیر أن النبی(ص)کان بمکة فقرأ سورة والنجم حتی انتهی إلی ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ) فجری علی لسانه: تلک الغرانیق العلی الشفاعة منهم ترتجی ، قال فسمع بذلک مشرکو أهل مکة فسروا بذلک ، فاشتد علی رسول الله(ص)فأنزل الله تبارک وتعالی ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ ) رواه البزار والطبرانی وزاد إلی قوله ( عَذَابُ یَوْمٍ عَقِیمٍ ) یوم بدر. ورجالهما رجال الصحیح إلا أن الطبرانی قال لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبی(ص)،

وقد تقدم حدیث مرسل فی سورة الحج أطول من هذا ، ولکنه ضعیف الإسناد. انتهی.

ویقصد بالروایة الطویلة الضعیفة ما رواه فی مجمع الزوائد:7/70 وقد ورد فیها:

حین أنزل الله السورة التی یذکر فیها ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی ) فقال المشرکون لو کان هذا الرجل یذکر آلهتنا بخیر أقررناه وأصحابه، فإنه لا یذکر أحداً

ص: 77

ممن خالف دینه من الیهود والنصاری بمثل الذی یذکر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله السورة التی یذکر فیها والنجم وقرأ ( أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ) ألقی الشیطان فیها عند ذلک ذکر الطواغیت فقال: وإنهم من الغرانیق العلی ، وإن شفاعتهم لترتجی ، وذلک من سجع الشیطان وفتنته ، فوقعت هاتان الکلمتان فی قلب کل مشرک وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمداً قد رجع إلی دینه الأول ودین قومه، فلما بلغ رسول الله(ص)آخر السورة التی فیها النجم سجد وسجد معه کل من حضره من مسلم ومشرک غیر أن الولید بن المغیرة کان کبیراً فرفع ملء کفه تراب فسجد علیه ، فعجب الفریقان کلاهما من جماعتهم فی السجود لسجود رسول الله(ص)، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشرکین من غیر إیمان ولا یقین ، ولم یکن المسلمون سمعوا الذی ألقی الشیطان علی ألسنة المشرکین ، وأما المشرکون فاطمأنت أنفسهم إلی النبی(ص)، وحدثهم الشیطان أن النبی(ص)قد قرأها فی السجدة ، فسجدوا لتعظیم آلهتهم، ففشت تلک الکلمة فی الناس وأظهرها الشیطان حتی بلغت الحبشة! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن کان معهم من أهل مکة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله(ص)، وبلغهم سجود الولید بن المغیرة علی التراب علی کفه ، أقبلوا سراعاً ! فکبر ذلک علی رسول الله(ص)، فلما أمسی أتاه جبریل(علیه السّلام)فشکا إلیه فأمره فقرأ له ، فلما بلغها تبرأ منها جبریل وقال: معاذ الله من هاتین ما أنزلهما ربی ولا أمرنی بهما ربک !! فلما رأی ذلک رسول الله(ص)شق علیه وقال: أطعت الشیطان وتکلمت بکلامه وشرکنی فی أمر الله !! فنسخ الله ما یلقی الشیطان وأنزل علیه (وَمَا

ص: 78

أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللَّهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللَّهُ آیَاتِهِ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ ، لِیَجْعَلَ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقَاسِیَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِینَ لَفِی شِقَاقٍ بَعِیدٍ) فلما برأه الله عز وجل من سجع الشیطان وفتنته ، انقلب المشرکون بضلالهم وعداوتهم ، فذکر الحدیث ، وقد تقدم فی الهجرة إلی الحبشة. رواه الطبرانی مرسلاً وفیه ابن لهیعة ، ولا یحتمل هذا من ابن لهیعة. انتهی .

فتبین من مجموع ذلک أن سند القصة فی مصادر السنیین صحیح ، ولا یصح القول بأن الواقدی تفرد بها ، أو أن الصحاح لم تروها !!

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) علی فریة الغرانیق

قال الشریف المرتضی فی تنزیه الأنبیاء/106:

مسألة: فإن قال فما معنی قوله تعالی: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِیٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّی أَلْقَی الشَّیْطَانُ فِی أُمْنِیَّتِهِ فَیَنْسَخُ اللهُ مَا یُلْقِی الشَّیْطَانُ ثُمَّ یُحْکِمُ اللهُ آیَاتِهِ وَاللهُ عَلِیمٌ حَکِیمٌ .

أو لیس قد روی فی ذلک أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لما رأی تولی قومه عنه شق علیه ما هم علیه من المباعدة والمنافرة وتمنی فی نفسه أن یأتیه من الله تعالی ما یقارب بینه وبینهم وتمکن حب ذلک فی قلبه ، فلما أنزل الله تعالی علیه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَی ، وتلاها علیهم ، ألقی الشیطان علی لسانه لما کان تمکن فی نفسه من محبة مقاربتهم: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن

ص: 79

لترتجی ، فلما سمعت قریش ذلک سرت به وأعجبهم ما زکی به آلهتهم ، حتی انتهی إلی السجدة فسجد المؤمنون وسجد أیضاً المشرکون لما سمعوا من ذکر آلهتهم بما أعجبهم ،فلم یبق فی المسجد مؤمن ولا مشرک إلا سجد ، إلا الولید بن المغیرة فإنه کان شیخاً کبیراً لا یستطیع السجود فأخذ بیده حفنة من البطحاء فسجد علیها ، ثم تفرق الناس من المسجد وقریش مسرورة بما سمعت. وأتی جبرائیل(علیه السّلام)إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )معاتباً علی ذلک فحزن له حزناً شدیداً. فأنزل الله تعالی علیه معزیاً له ومسلیاً: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِکَ . . الآیة .

قلنا: أما الآیة فلا دلالة فی ظاهرها علی هذه الخرافة التی قَصُّوها ، ولیس یقتضی الظاهر إلا أحد أمرین: إما أن یرید بالتمنی التلاوة کما قال حسان بن ثابت:

تمنی کتاب الله أول لیله وآخره لاقی حمام المقادر

أو أرید بالتمنی تمنی القلب .

فإن أراد التلاوة ، کان المراد من أرسلنا قبلک من الرسل ، کان إذا تلا ما یؤدیه إلی قومه حرفوا علیه وزادوا فیما یقوله ونقصوا ، کما فعلت الیهود فی الکذب علی نبیهم فأضاف ذلک إلی الشیطان ، لأنه یقع بوسوسته وغروره. ثم بین أن الله تعالی یزیل ذلک ویدحضه بظهور حجته وینسخه ، ویحسم مادة الشبهة به .

وإنما خرجت الآیة علی هذا الوجه مخرج التسلیة له(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما کذب المشرکون علیه وأضافوا إلی تلاوته مدح آلهتهم ما لم یکن فیها .

وإن کان المراد تمنی القلب ، فالوجه فی الآیة أن الشیطان متی تمنی النبی

ص: 80

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بقلبه بعض مایتمناه من الأمور یوسوس إلیه بالباطل ویحدثه بالمعاصی ویغریه بها ویدعوه الیها ، وأن الله تعالی ینسخ ذلک ویبطله بما یرشده إلیه من مخالفة الشیطان وعصیانه وترک استماع غروره .

وأما الأحادیث المرویة فی هذا الباب ، فلا یلتفت إلیها من حیث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل (علیهم السّلام) عنه. هذا لو لم یکن فی أنفسها مطعونة ضعیفة عند أصحاب الحدیث بما یستغنی عن ذکره .

وکیف یجیز ذلک علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من یسمع الله تعالی یقول: کَذَلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَکَ یعنی القرآن ، وقوله تعالی: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِیلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ ، وقوله تعالی: سَنُقْرِئُکَ فَلا تَنْسَی!

علی أن من یجیز السهو علی الأنبیاء (علیهم السّلام) یجب أن لا یجیز ما تضمنته هذه الروایة المنکرة لما فیها من غایة التنفیر عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن الله تعالی قد جنب نبیه من الأمور الخارجة عن باب المعاصی کالغلظة والفظاظة وقول الشعر ، وغیر ذلک مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالی .

علی أنه لا یخلو(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) - وحوشی مما قذف به - من أن یکون تعمد ما حکوه وفعله قاصداً أو فعله ساهیاً. ولا حاجة بنا إلی إبطال القصد فی هذا الباب والعمد لظهوره ، وإن کان فعله ساهیاً فالساهی

لا یجوز أن یقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطریقها ثم لمعنی ما تقدمها من الکلام ، لأنا نعلم ضرورةً أن من کان ساهیاً لو أنشد قصیدة لما جاز أن یسهو حتی یتفق منه بیت شعر فی وزنها وفی معنی البیت الذی تقدمه ، وعلی الوجه الذی یقتضیه فائدته ، وهو مع ذلک یظن أنه من القصیدة التی ینشدها. وهذا ظاهر فی بطلان هذه الدعوی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أن الموحی إلیه من الله النازل

ص: 81

بالوحی وتلاوة القرآن جبرائیل(علیه السّلام)وکیف یجوز السهو علیه ؟ !

علی أن بعض أهل العلم قد قال: یمکن أن یکون وجه التباس الأمر أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما تلا هذه السورة فی ناد غاصٍّ بأهله وکان أکثر الحاضرین من قریش المشرکین فانتهی إلی قوله تعالی: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی ، وعلم فی قرب مکانه منه من قریش أنه سیورد بعدها ما یسوؤهم به فیهن قال کالمعارض له والراد علیه:

تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترتجی ، فظن کثیر ممن حضر أن ذلک من قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واشتبه علهیم الأمر ، لانهم کانوا یلغطون عند قراءته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ویکثر کلامهم وضجاجهم طلباً لتغلیطه وإخفاء قراءته .

ویمکن أن یکون هذا أیضاً فی الصلاة لانهم کانوا یقربون منه فی حال صلاته عند الکعبة ویسمعون قراءته ویلغون

فیها .

وقیل أیضاً إنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان إذا تلا القرآن علی قریش توقف فی فصول الآیات وأتی بکلام علی سبیل الحجاج لهم ، فلما تلا: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَ الْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی قال: تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی ؟! علی سبیل الإنکار علیهم وأن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلک. ولیس یمتنع أن یکون هذا فی الصلاة لأن الکلام فی الصلاة حینئذ کان مباحاً وإنما نسخ من بعد .

وقیل إن المراد بالغرانیق الملائکة ، وقد جاء مثل ذلک فی بعض الحدیث فتوهم المشرکون أنه یرید آلهتهم .

وقیل إن ذلک کان قرآناً منزلاً فی وصف الملائکة فتلاه الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلما ظن المشرکون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته .

وکل هذا یطابق ما ذکرناه من تأویل قوله: إذا تمنی ألقی الشیطان فی أمنیته ،

ص: 82

لأن بغرور الشیطان ووسوسته أضیف إلی تلاوته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مالم یرده بها. وکل هذا واضح بحمد الله تعالی .

نهج الحق للعلامة الحلی/139:

ذهبت الإمامیة کافة إلی أن الأنبیاء (علیهم السّلام) معصومون عن الصغائر والکبائر ومنزهون عن المعاصی قبل النبوة وبعدها ، علی سبیل العمد والنسیان ، وعن کل رذیلة ومنقصة ، وما یدل علی الخسة والضعة .

وخالفت الأشاعرة فی ذلک وجوزوا علیهم المعاصی. وبعضهم جوزوا الکفر علیهم قبل النبوة وبعدها ، وجوزوا علیهم السهو والغلط ، ونسبوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی السهو فی القرآن بما یوجب الکفر فقالوا: إنه صلی یوماً وقرأ فی سورة النجم عند قوله تعالی: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی . تلک الغرانیق العلی منها الشفاعة ترتجی. وهذا اعتراف منه بأن تلک الأصنام ترتجی الشفاعة منها !

نعوذ بالله من هذه المقالة التی نسب النبی إلیها ، وهی توجب الشرک ، فما عذرهم عند رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟ !

مجمع البحرین للطریحی:4/239:

رووا أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کان فی الصلاة فقرأ سورة النجم فی المسجد الحرام وقریش یستمعون لقراءته ، فلما انتهی إلی هذه الآیة: أَفَرَأَیْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّی وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَی ، أجری إبلیس علی لسانه: فإنها الغرانیق العلی وشفاعتهن لترتجی ! ففرحت قریش وسجدوا وکان فی ذلک القوم الولید

ص: 83

بن المغیرة المخزومی وهو شیخ کبیر فأخذ کفاً من حصی فسجد علیه وهو قاعد ، وقالت قریش: قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزی. قال فنزل جبرئیل فقال له: قرأت ما لم أنزل به علیک ! انتهی .

وقد طار أعداء الإسلام بهذه القصة کما أشرنا وشنعوا بها علی الإسلام ورسوله ،محتجین بأنها وردت فی مصادر المسلمین ! وکان آخر من استغلها المرتد سلمان رشدی والدول التی وراءه! وقد أخذها من المستشرقین بروکلمان ومونتغمری وأمثالهما ، وأخذها هؤلاء من مصادر السنیین !!

وقد نقد الباحث السودانی الدکتور عبدالله النعیم فی کتابه (الاستشراق فی السیرة النبویة ) - المعهد العالمی للفکر الإسلامی 1417 ، استغلال المسشرقین لحدیث الغرانیق ونقل فی/51 ، افتراء بروکلمان حیث قال عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( ولکنه علی ما یظهر اعترف فی السنوات الأولی من بعثته بآلهة الکعبة الثلاث اللواتی کان مواطنوه یعتبرونهن بنات الله ، وقد أشار الیهن فی إحدی الآیات الموحاة الیه بقوله: تلک الغرانیق العلی وإن شفاعتهن لترجی . . . ثم مالبث أن أنکر ذلک وتبرأ منه فی الیوم التالی ) !!

ونقل الدکتور النعیم فی/96 زعم مونتغمری وات ( تلا محمد الآیات الشیطانیة باعتبارها جزءاً من القرآن إذ لیس من المتصور أن تکون القصة من تألیف المسلمین أو غیر المسلمین ، وأن انزعاج محمد حینما علم بأن الآیات الشیطانیة لیست جزء من القرآن یدل علی أنه تلاها ، وأن عبادة

ص: 84

محمد بمکة لاتختلف عن عبادة العرب فی نخلة والطائف. .ولقد کان توحید محمد غامضاً (!) ولا شک أنه یعد اللات والعزی ومناة کائنات سماویة أقل من الله ) انتهی .

أما نحن فإننا تبعاً لأهل البیت (علیهم السّلام) نرفض روایة الغرانیق من أصلها ، ونعتقد أنها واحدة من افتراءات قریش الکثیرة علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حیاته وبعد وفاته .. ونستدل بوجودها علی أن مطلب قریش کان الإعتراف بآلهتها وشفاعتهن ، وأن منافقی قریش وضعوا هذه الروایات طعناً فی عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخدموا بذلک هدف قریش المشرکة ، وهدف أعداء الإسلام فی کل العصور !

ومع أن المستشرقین لا یحتاجون إلی الروایات الموضوعة لیتمسکوا بها ، فهم یکذبون علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعلی مصادرنا جهاراً نهاراً ، ولکنا نأسف لأن مصادر إخواننا السنیین روت عدة افتراءات علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أنها حقائق، منها قصة الغرانیق ، ومنها قصة ورقة بن نوفل فی بدء الوحی ، وغیرها من الروایات المخالفة للعقل والتهذیب والاحترام الذی ینبغی لمقام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). .ثم لم یرووا ما ورد فی مصادرنا من بغض النبی لاصنام قریش منذ طفولته ، ولم یرووا تکذیب أهل البیت (علیهم السّلام) لروایة ورقة بن نوفل ، وتأکیدهم علی الأفق المبین الذی نص علیه القرآن وبدأ فیه الوحی .

وقد ذکر الدکتور النعیم فی هامش کتابه المذکور المصادر التی روت حدیث الغرانیق وهی طبقات ابن سعد:1/205

وتاریخ الطبری:2/226 وتاریخ ابن الاثیر:2/77 وسیرة ابن سید الناس:1/157. . وقال فی/97 ( یعتبر الواقدی أول من روج لهذه الفریة ثم أخذها عنه ابن سعد والطبری

ص: 85

وغیرهم ) وقال فی/98 (ولم یرو ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً، ومهما یکن من أمر فالواقدی هو أصلها. إن ما یدعو للتساؤل هو کیف أمکن تمریر هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل ! ) انتهی .

ولکن عرفت أن أصحاب الصحاح رووها ، فعلی الذی یرد سندها أن یرد جمیع أسانیدها ، لا سند الواقدی وحده !

ثم نقل الدکتور النعیم نقد القاضی عیاض فی کتابه (الشفا) لحدیث الغرانیق سنداً ومتناً ، وکذلک نقد القرضاوی فی کتابه ( کیف نتعامل مع السنة النبویة ) ونقل عنه قوله فی/93 ( ومعنی هذا أن تفهم السنة فی ضوء القرآن ولهذا کان حدیث الغرانیق مردوداً بلا ریب ، لأنه مناف للقرآن ) انتهی .

ولیت بقیة الباحثین من إخواننا السنیین یتمسکون بدلیل مخالفة القرآن ویردون به المکذوبات التی وضعها المنافقون ، وروجتها الخلافة القرشیة ورواتها ، وما زالت إلی عصرنا صحیحة أو موثقة !!

تنبؤ عمیق للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حول اللات والعزی

روت مصادر السنیین بأسانید صحیحة عندهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر أن العرب سوف یعبدون اللات والعزی مرة أخری !

فقد روی مسلم فی صحیحه:8/182:

عن أبی سلمة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله(ص)یقول: لا یذهب اللیل والنهار حتی تعبد اللات والعزی ! فقلت یا رسول الله إن کنت لأظن حین أنزل الله: هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَی وَ دِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ

ص: 86

کُلِّهِ وَ لَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ ، أن ذلک تاماً. قال: إنه سیکون من ذلک ما شاء الله انتهی .

ورواه الحاکم فی مستدرکه:4/446 وص 549 وقال فی الموردین (هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه ) ورواه البیهقی فی سنه:9/181 ورواه الهندی فی کنز العمال:14/211 وقال عنه السیوطی فی الدر المنثور:6/61: وأخرج مسلم والحاکم وصححه . . وقال عن الحدیث الأول فی:3/231 أخرج أحمد ومسلم والحاکم وابن مردویه عن عائشة. انتهی .

وإذا صحت هذه الأحادیث فتفسیرها أن بعض العرب سوف یکفرون فی المستقبل ، ویرجعون إلی عبادة اللات والعزی !

ولکن الاقرب أن یکون مقصوده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن الأمة سوف تنحرف من بعده وتطیع شخصین من دون الله تعالی ، ویکون لهما تأثیر اللات والعزی . . لأن من أطاع شخصاً فی معصیة الله تعالی أو من دون أمره ، فقد عبده من دون الله تعالی !!

والنتیجة التی نخلص بها من هذا البحث ، أن الشفاعة کانت معروفة عند مشرکی العرب ، وکان یهمهم أن یثبتوا هذه المنزلة لاصنامهم..وهی نقطة تنفعنا فی فهم السبب لوضع بعض الأحادیث التی تدعی توسیع شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لتشمل کل قریش وکل المنافقین وغیرهم ، وتحل محل شفاعة اللات والعزی ، وتضاهی شفاعة الیهود المزعومة لقومیتهم !!

ص: 87

ص: 88

الفصل الرابع :آیات الشفاعة فی القرآن

اشارة

ص: 89

ص: 90

الشفاعة الحسنة والشفاعة السیئة فی الدنیا

مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً یَکُنْ لَهُ نَصِیبٌ مِنْهَا وَ مَنْ یَشْفَعْ شَفَاعَةً سَیِّئَةً یَکُنْ لَهُ کِفْلٌ مِنْهَا وَ کَانَ اللَّهُ عَلَی کُلِّ شَئٍْ مُقِیتًا . النساء : 85 .

الشفعاء یوم القیامة یشفعون بعهد من الله تعالی

لا یَمْلِکُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا . مریم : 87 .

یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلا . طه : 109 .

الأولیاء المکرمون ینفعون موالیهم بشفاعتهم

إِنَّ یَوْمَ الْفَصْلِ مِیقَاتُهُمْ أَجْمَعِینَ . یَوْمَ لا یُغْنِی مَوْلًی عَنْ مَوْلًی شَیْئًا وَلا هُمْ یُنْصَرُونَ . إِلا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِیزُ الرَّحِیمُ . الدخان : 40 - 42 .

ص: 91

عباد الله المکرمون کلهم شفعاء

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ . لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ . یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبیاء : 26 - 28 .

الشهداء بالحق شفعاء

وَلا یَمْلِکُ الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ یَعْلَمُونَ . الزخرف : 86 .

الملائکة یشفعون للناس بإذن الله تعالی

وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَ یَرْضَی . النجم : 26

الشفیع الأکبر(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 79

وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . الضحی : 5

ص: 92

لا شفاعة من دون الله تعالی

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِینَ یَخَافُونَ أَنْ یُحْشَرُوا إلی رَبِّهِمْ لَیْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ لَعَلَّهُمْ یَتَّقُونَ . الانعام : 51

اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ مَا لَکُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِیٍّ وَ لا شَفِیعٍ أَفَلا تَتَذَکَّرُونَ . السجدة : 4

لا شفاعة إلا بإذنه ومن بعد إذنه

اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَیُّ الْقَیُّومُ لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِی یَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یُحِیطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا یَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ . البقرة : 255

إِنَّ رَبَّکُمُ اللهُ الَّذِی خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَی عَلَی الْعَرْشِ یُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَکَّرُونَ . یونس : 3

وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّی إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّکُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِیُّ الْکَبِیرُ . سبأ : 23

وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی . النجم : 26

ص: 93

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

وَیَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا یَضُرُّهُمْ وَلا یَنْفَعُهُمْ وَیَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا یَعْلَمُ فِی السَّمَوَاتِ وَلا فِی الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی عَمَّا یُشْرِکُونَ . یونس : 18

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَی کَمَا خَلَقْنَاکُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَکْتُمْ مَا خَوَّلْنَاکُمْ وَرَاءَ ظُهُورِکُمْ وَمَا نَرَی مَعَکُمْ شُفَعَاءَکُمُ الَّذِینَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِیکُمْ شُرَکَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَیْنَکُمْ وَضَلَّ عَنْکُمْ مَا کُنْتُمْ تَزْعُمُونَ . الأنعام : 94

وَلَمْ یَکُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَکَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَکَانُوا بِشُرَکَائِهِمْ کَافِرِینَ . الروم : 13

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ یُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا وَلا یُنْقِذُونَ . یس : 23

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ کَانُوا لا یَمْلِکُونَ شَیْئًا وَلا یَعْقِلُونَ . قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِیعًا لَهُ مُلْکُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ . الزمر : 43 - 44

لا شفاعة فی یوم القیامة کشفاعة الدنیا

وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ . البقرة : 48

وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ یُنصَرُونَ . البقرة : 123

یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاکُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ یَاتِیَ یَوْمٌ لا بَیْعٌ فِیهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْکَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ . البقرة : 254

ص: 94

وَذَرِ الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا وَذَکِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا کَسَبَتْ لَیْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِیٌّ وَلا شَفِیعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ کُلَّ عَدْلٍ لا یُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِکَ الَّذِینَ أُبْسِلُوا بِمَا کَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِیمٍ وَعَذَابٌ أَلِیمٌ بِمَا کَانُوا یَکْفُرُونَ . الأنعام : 70

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ ، وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ . الشعراء : 100 - 101

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ . المدثر : 48

الکفار یبحثون بحثاً حثیثاً عن الشفعاء

هَلْ یَنْظُرُونَ إِلا تَاوِیلَهُ یَوْمَ یَاتِی تَاوِیلُهُ یَقُولُ الَّذِینَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَیَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَیْرَ الَّذِی کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَفْتَرُونَ . الأعراف : 53

یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا . النبأ : 38

لا شفاعة للظالمین

وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الأَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَی الْحَنَاجِرِ کَاظِمِینَ مَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ حَمِیمٍ وَلا شَفِیعٍ یُطَاعُ . غافر : 18

وَکُنَّا نُکَذِّبُ بِیَوْمِ الدِّینِ حَتَّی أَتَانَا الْیَقِینُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ . المدثر : 46-48

ص: 95

ص: 96

الفصل الخامس :شفاعة نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

اشارة

ص: 97

ص: 98

تفسیر ( المقام المحمود ) لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قال الله تعالی: أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إلی غَسَقِ اللَّیْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کَانَ مَشْهُودًا.وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء : 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المحشر

لعل أقوی نص فی متنه یبین أهمیة المقام المحمود الذی وعد الله رسوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأن یکرمه به یوم القیامة ، ما رواه الصدوق عن علی (علیه السّلام)، فقد بین فیه أن لیوم القیامة مراحل ومراسم قبل الحساب ، وأن المقام المحمود لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یبدأ فی أوائل مراحل ذلک الیوم العظیم بتلک الخطبة ( الفریدة ) التی یفتتح بها نبینا المحشر ویلهمه الله تعالی فیها أنواع المحامد لربه تعالی نیابة عن الخلائق ، ویعطی علی أثرها لواء الحمد الذی هو رئاسة المحشر ، وذلک قبل الحساب والشفاعة وحوض الکوثر. .

قال الصدوق فی التوحید فی حدیث طویل/255 - 262:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن یحیی عن بکر بن

ص: 99

عبدالله بن حبیب قال: حدثنی أحمد بن یعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزیز الأحدب الجند بنیسابور قال: وجدت فی کتاب أبی بخطه: حدثنا طلحة بن یزید عن عبید الله بن عبید عن أبی معمر السعدانی أن رجلاً أتی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب(علیه السّلام)فقال:

یا أمیر المؤمنین إنی قد شککت فی کتاب الله المنزل .

قال له (علیه السّلام): ثکلتک أمک وکیف شککت فی کتاب الله المنزل !

قال: لأنی وجدت الکتاب یکذب بعضه بعضاً فکیف لا أشک فیه .

فقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): إن کتاب الله لیصدق بعضه بعضاً ولا یکذب بعضه بعضاً ولکنک لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شککت فیه من کتاب الله عز وجل .

قال له الرجل: إنی وجدت الله یقول: فَالْیَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا ، وقال أیضاً: نَسُوا اللهَ فَنَسِیَهُمْ ، وقال: وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیًّا. فمرة یخبر أنه ینسی ومرة یخبر أنه لا ینسی ، فأنی ذلک یا أمیر المؤمنین !

قال: هات ما شککت فیه أیضاً....

فقال علی(علیه السّلام): قُدُّوسٌ ربنا قدوس ، تبارک وتعالی علواً کبیراً ، نشهد أنه هو الدائم الذی لا یزول ، ولا نشک فیه ، ولیس کمثله شئ وهو السمیع البصیر ،

وأن الکتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زیادة إیمان أو حرمته فإن ذلک بید الله إن شاء رزقک وإن شاء حرمک ذلک، ولکن سأعلمک ما شککت فیه ولا قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بک خیراً أعلمک بعلمه وثبتک ، وإن یکن شراً ضللت وهلکت .

ص: 100

أما قوله: نَسُوا اللهَ فَنَسِیَهُمْ إنما یعنی نسوا الله فی دار الدنیا لم یعملوا بطاعته فنسیهم فی الآخرة أی لم یجعل لهم فی ثوابه شیئاً ، فصاروا منسیین من الخیر

وکذلک تفسیر قوله عز وجل: فَالْیَوْمَ نَنْسَاهُمْ کَمَا نَسُوا لِقَاءَ یَوْمِهِمْ هَذَا، یعنی بالنسیان أنه لم یثبهم کما یثیب أولیاءه الذین کانوا فی دار الدنیا مطیعین ذاکرین حین آمنوا به وبرسله وخافوه بالغیب. وأما قوله: وَمَا کَانَ رَبُّکَ نَسِیًّا ، فإن ربنا تبارک وتعالی علواً کبیراً لیس بالذی ینسی ولا یغفل ، بل هو الحفیظ العلیم ، وقد یقول العرب فی باب النسیان: قد نَسِیَنَا فلان فلا یذکرنا أی أنه لا یأمر لنا بخیر ولا یذکرنا به ، فهل فهمت ما ذکر الله عز وجل ؟ قال: نعم ، فرجت عنی فرج الله عنک ، وحللت عنی عقدة فعظم الله أجرک .

فقال(علیه السّلام): وأما قوله: یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِکَةُ صَفًّا لا یَتَکَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا ، وقوله: وَاللهِ رَبِّنَا مَا کُنَّا مُشْرِکِینَ ، وقوله: یَوْمَ الْقِیَامَةِ یَکْفُرُ بَعْضُکُمْ بِبَعْضٍ وَیَلْعَنُ بَعْضُکُمْ بَعْضًا ، وقوله: إِنَّ ذَلِکَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَیَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَیْکُمْ بِالْوَعِیدِ ، وقوله: الْیَوْمَ نَخْتِمُ عَلَی أَفْوَاهِهِمْ وَتُکَلِّمُنَا أَیْدِیهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ ، فإن ذلک فی موطن غیر واحد من مواطن ذلک الیوم الذی کان مقداره خمسین ألف سنة ! یجمع الله عز وجل الخلائق یومئذ فی مواطن یتفرقون ویکلم بعضهم بعضاً، ویستغفر بعضهم لبعض، أولئک الذین کان منهم الطاعة فی دار الدنیا. ویلعن أهل المعاصی الذین بدت منهم البغضاء وتعاونوا علی الظلم والعدوان فی دار الدنیا ، الرؤساء والأتباع من المستکبرین والمستضعفین یکفر بعضهم بعضاً ویلعن بعضهم بعضاً. والکفر

ص: 101

فی هذه الآیة: البراءة یقول یبرأ بعضهم من بعض ، ونظیرها فی سورة إبراهیم قول الشیطان: إنی کفرت بما أشرکتمون من قبل ، وقول إبراهیم خلیل الرحمن: کفرنا بکم ، یعنی تبرأنا منکم .

ثم یجتمعون فی موطن آخر یبکون فیه ، فلو أن تلک الاصوات بدت لأهل الدنیا لأذهلت جمیع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا یزالون یبکون الدم .

ثم یجتمعون فی موطن آخر فیستنطقون فیه فیقولون: والله ربنا ما کنا مشرکین ، فیختم الله تبارک وتعالی علی أفواههم ویستنطق الأیدی والأرجل والجلود فتشهد بکل معصیة کانت منهم ، ثم یرفع عن ألسنتهم الختم فیقولون لجلودهم: لم شهدتم علینا ، قالوا أنطقنا الله الذی أنطق کل شئ .

ثم یجتمعون فی موطن آخر فیستنطقون ، فیفر بعضهم من بعض ، فذلک قوله عز وجل: یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِیهِ . وَ صَاحِبَتِهِ وَ بَنِیهِ، فیستنطقون فلا یتکلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فیقوم الرسل صلی الله علیهم فیشهدون فی هذا الموطن ، فذلک قوله: فَکَیْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ کُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِیدٍ وَ جِئْنَا بِکَ عَلَی هَؤُلاءِ شَهِیدًا .

ثم یجتمعون فی موطن آخر یکون فیه مقام محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو المقام المحمود فیثنی علی الله تبارک وتعالی بما لم یثن علیه أحد قبله ، ثم یثنی علی الملائکة کلهم فلا یبقی ملک إلا أثنی علیه محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ثم یثنی علی الرسل: بما لم یثن علیهم أحد قبله ، ثم یثنی علی کل مؤمن ومؤمنة ، یبدأ بالصدیقین والشهداء ثم بالصالحین، فیحمده أهل السماوات والأرض ،

ص: 102

فذلک قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فطوبی لمن کان له فی ذلک المقام حظ ، وویل لمن لم یکن له فی ذلک المقام حظ ولا نصیب .

ثم یجتمعون فی موطن آخر ویدال بعضهم من بعض ، وهذا کله قبل الحساب ، فإذا أخذ فی الحساب شغل کل إنسان بما لدیه. نسأل الله برکة ذلک الیوم .

قال: فرجت عنی فرج الله عنک یا أمیر المؤمنین ، وحللت عنی عقدةً ، فعظم الله أجرک. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار:7/119 الصحیفة السجادیة:1/37:

اللهم واجعله خطیب وفد المؤمنین إلیک ، والمکسو حلل الأمان إذا وقف بین یدیک ، والناطق إذا خرست الألسن فی الثناء علیک .

اللهم وابسط لسانه فی الشفاعة لامته ، وأَرِ أهل الموقف من النبیین وأتباعهم تمکن منزلته ، وأوهل أبصار أهل المعروف العلی بشعاع نور درجته ، وقفه فی المقام المحمود الذی وعدته، واغفر ما أحدث المحدثون بعده فی أمته، مما کان اجتهادهم فیه تحریاً لمرضاتک ومرضاته ، وما لم یکن تألیباً علی دینک ونقضاً لشریعته ، واحفظ من قبل بالتسلیم والرضا دعوته ، واجعلنا ممن تکثر به واردیه ، ولا یذاد عن حوضه إذا ورده ، واسقنا منه کأساً رویاً لا نظمأ بعده .

وروی فی بحار الأنوار:7/335 عن تفسیر فرات الکوفی:

ص: 103

عن الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام)عن أبیه عن آبائه (علیهم السّلام) قال: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الله تبارک وتعالی إذا جمع الناس یوم القیامة وعدنی المقام المحمود ، وهو واف لی به. إذا کان یوم القیامة نصب لی منبر له ألف درجة فأصعد حتی أعلو فوقه فیأتینی جبرئیل(علیه السّلام)بلواء الحمد فیضعه فی یدی ویقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی ، فأقول لعلی: إصعد فیکون أسفل منی بدرجة ، فأضع لواء الحمد فی یده ، ثم یأتی رضوان بمفاتیح الجنة فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی ، فیضعها فی یدی فأضعها فی حجر علی بن أبی طالب ، ثم یأتی مالک خازن النار فیقول: یا محمد هذا المقام المحمود الذی وعدک الله تعالی هذه مفاتیح النار أدخل عدوک وعدو أمتک النار ، فآخذها وأضعها فی حجر علی بن أبی طالب ، فالنار والجنة یومئذ أسمع لی ولعلی من العروس لزوجها ، فهی قول الله تعالی: أَلْقِیَا فِی جَهَنَّمَ کُلَّ کَفَّارٍ عَنِیدٍ. انتهی.

ویؤید هذا الحدیث أنک لا تجد تفسیراً مقنعاً لتثنیة الخطاب فی هذه الآیة ، إلا هذا الحدیث !

تفسیر القمی:2/25:

وأما قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، فإنه حدثنی أبی عن الحسن بن محبوب ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: سألته عن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة ؟ فقال: یلجم الناس یوم القیامة العرق فیقولون: إنطلقوا بنا إلی آدم یشفع لنا عند ربنا فیأتون آدم فیقولون: یا آدم إشفع لنا عند ربک ، فیقول: إن لی ذنباً وخطیئة فعلیکم بنوح ، فیأتون نوحاً فیردهم إلی من یلیه ، ویردهم کل نبی إلی من یلیه ، حتی ینتهوا إلی عیسی

ص: 104

فیقول: علیکم بمحمد رسول الله ، فیعرضون أنفسهم علیه ویسألونه فیقول: إنطلقوا ، فینطلق بهم إلی باب الجنة ویستقبل باب الرحمة ویخر ساجداً فیمکث ما شاء الله ، فیقول الله: إرفع رأسک واشفع تشفع ، واسأل تعط، وذلک هو قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. انتهی. ورواه فی تفسیر نور الثقلین: 3/206 .

تفسیر العیاشی:2/314:

عن عبید بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله(علیه السّلام)عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل یحتاج المؤمن إلی شفاعة محمد یومئذ ؟ قال: نعم إن للمؤمنین خطایا وذنوباً ، وما من أحد إلا ویحتاج إلی شفاعة محمد یومئذ. قال وسأله رجل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم ولا فخر ؟ قال: نعم یأخذ حلقة باب الجنة فیفتحها فیخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک إشفع تشفع ، أطلب تعط ، فیرفع رأسه ثم یخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک ، إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم یرفع رأسه فیشفع ، فیشفع ویطلب فیعطی .

روضة الواعظین/500:

وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): المقام الذی أشفع فیه لامتی.

وفی/273: وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إذا قمت المقام المحمود تشفعت فی أصحاب الکبائر من أمتی فیشفعنی الله فیهم ، والله لا تشفعت فیمن آذی ذریتی

تفسیر التبیان:6/512:

ص: 105

وقوله: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، معناه متی فعلت ما ندبناک إلیه من التهجد یبعثک الله مقاماً محموداً ، وهی الشفاعة فی قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وقال قوم: المقام المحمود: إعطاؤه لواء الحمد. وعسی من الله واجبة .

وقال أبو الصلاح الحلبی فی الکافی/491:

ولرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، صلوات الله علیه وآله فی ذلک الیوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء المعقود لواء الحمد، والحوض المورود ، والمقام المحمود، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلیة ، والدرجة المنیعة علی جمیع النبیین وأتباعهم. وکل شئ خص به من التفضیل ورشح له من التأهیل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصیه فی أمته وخلیفته علی رعیته أمیرالمؤمنین وسید المسلمین علی بن أبی طالب بن عبد المطلب(علیه السّلام)شریک فیه ، وهو صاحب الاعراف ، وقسیم الجنة والنار ، بنصه الصریح وقوله الفصیح .

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله علیهم أعوانٌ علیه ومساهمون فیه ، حسب ما أخبر به وأشار بذکره .

ولشیعتهم من ذلک الحظ الأوفر والقسط الأکبر ، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالإیمان دون من سواهم .

ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحدیث طریف ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) فی مواعظ الله تعالی لنبیه عیسی(علیه السّلام)وشاهدنا منه الفقرة الأخیرة المتعلقة ببشارته بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشفاعته ، لکن نورده کاملاً لکثرة فوائده.

ص: 106

فقد روی الکلینی فی الکافی:8/131:

عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن علی بن أسباط ، عنهم (علیهم السّلام) فیما وعظ الله عز وجل به عیسی(علیه السّلام):

یا عیسی ، أنا ربک ورب آبائک إسمی واحد ، وأنا الاحد المتفرد بخلق کل شی، وکل شئ من صنعی ، وکل إلیَّ راجع .

یا عیسی ، أنت المسیح بأمری ، وأنت تخلق من الطین کهیئة الطیر بإذنی ، وأنت تحیی الموتی بکلامی ، فکن إلیَّ راغباً ومنی راهباً ، ولن تجد منی ملجأً إلا إلیَّ .

یا عیسی ، أوصیک وصیة المتحنن علیک بالرحمة حتی حقت لک منی الولایة بتحرِّیک منی المسرة ، فبورکت کبیراً وبورکت صغیراً حیث ما کنت، إشهد أنک عبدی ابن أمتی ، أنزلنی من نفسک کهمک واجعل ذکری لمعادک ، وتقرب إلی بالنوافل ، وتوکل علیَّ أکفک ، ولا توکل علی غیری فآخذ لک .

یا عیسی ، إصبر علی البلاء وارض بالقضاء ، وکن کمسرتی فیک ، فإن مسرتی أن أطاع فلا أعصی .

یا عیسی ، أحی ذکری بلسانک ، ولیکن ودی فی قلبک .

یا عیسی ، تیقظ فی ساعات الغفلة ، واحکم لی لطیف الحکمة .

یا عیسی ، کن راغباً راهباً ، وأمت قلبک بالخشیة .

یا عیسی ، راع اللیل لتحری مسرتی ، واظمأ نهارک لیوم حاجتک عندی .

یا عیسی ، نافس فی الخیر جهدک ، تعرف بالخیر حیثما توجهت .

یا عیسی ، أحکم فی عبادی بنصحی ، وقم فیهم بعدلی ، فقد أنزلت علیک

ص: 107

شفاء لما فی الصدور من مرض الشیطان .

یا عیسی ، لا تکن جلیساً لکل مفتون .

یا عیسی ، حقاً أقول: ما آمنت بی خلیقة إلا خشعت لی ، ولا خشعت لی إلا رجوت ثوابی ، فاشهد أنها آمنة من عقابی ما لم تبدل أو تغیر سنتی .

یا عیسی ابن البکر البتول ، إبک علی نفسک بکاء من ودع الاهل وقلی الدنیا وترکها لاهلها ، وصارت رغبته فیما عند إلهه .

یا عیسی ، کن مع ذلک لین الکلام وتفشئ السلام ، یقظان إذا نامت عیون الابرار ، حذراً للمعاد والزلازل الشداد ، وأهوال یوم القیامة ، حیث لا ینفع أهل ولا ولد ولا مال .

یا عیسی ، أکحل عینک بمیل الحزن إذا ضحک البطالون .

یا عیسی ، کن خاشعاً صابراً ، فطوبی لک إن نالک ما وعد الصابرون .

یا عیسی ، رح من الدنیا یوماً فیوماً ، وذق لما قد ذهب طعمه ، فحقاً أقول: ما أنت إلا بساعتک ویومک ، فرح من الدنیا ببلغة، ولیکفک الخشن الجشب، فقد رأیت إلی ما تصیر ، ومکتوب ما أخذت وکیف أتلفت .

یا عیسی ، إنک مسؤول فارحم الضعیف کرحمتی إیاک ، ولا تقهر الیتیم .

یا عیسی ، إبک علی نفسک فی الخلوات ، وانقل قدمیک إلی مواقیت الصلوات واسمعنی لذاذة نطقک بذکری ، فإن صنیعی إلیک حسن .

یا عیسی ، کم من أمة قد أهلکتها بسالف ذنوب قد عصمتک منها .

یا عیسی ، إرفق بالضعیف ، وارفع طرفک الکلیل إلی السماء وادعنی ، فإنی منک قریب ، ولا تدعنی إلا متضرعاً إلیَّ ، وهمک هماً واحداً ، فإنک متی تدعنی کذلک أجبک.

ص: 108

یا عیسی ، إنی لم أرض بالدنیا ثواباً لمن کان قبلک ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه .

یا عیسی ، إنک تفنی وأنا أبقی ، ومنی رزقک ، وعندی میقات أجلک ، وإلیَّ إیابک ، وعلیَّ حسابک ، فسلنی ولا تسأل غیری فیحسن منک الدعاء ومنی الإجابة .

یا عیسی ، ما أکثر البشر وأقل عدد من صبر ، الأشجار کثیرة وطیبها قلیل ، فلا یغرنک حسن شجرة حتی تذوق ثمرها .

یا عیسی ، لا یغرنک المتمرد علیَّ بالعصیان ، یأکل رزقی ویعبد غیری ، ثم یدعونی عند الکرب فأجیبه ، ثم یرجع إلی ما کان علیه ، فعلیَّ یتمرد ؟ أم بسخطی یتعرض ! فبی حلفت لاخذنه أخذةً لیس له منها منجاً ولا دونی ملجأ ، أین یهرب من سمائی وأرضی ؟ !

یا عیسی ، قل لظلمة بنی إسرائیل: لا تدعونی والسحت تحت أحضانکم ، والأصنام فی بیوتکم ، فإنی آلیت أن أجیب من دعانی ، وأن أجعل إجابتی إیاهم لعناً علیهم حتی یتفرقوا .

یا عیسی ، کم أطیل النظر ، وأحسن الطلب والقوم فی غفلة لا یرجعون ، تخرج الکلمة من أفواههم لا تعیها قلوبهم ، یتعرضون لمقتی ویتحببون بقربی إلی المؤمنین یا عیسی ، لتکن فی السر والعلانیة واحداً ، وکذلک فلیکن قلبک وبصرک ، واطو قلبک ولسانک عن المحارم ، وکف بصرک عما لا خیر فیه ، فکم من ناظر نظرة قد زرعت فی قلبه شهوة ، ووردت به موارد حیاض الهلکة .

یا عیسی ، کن رحیماً مترحماً ، وکن کما تشاء أن یکون العباد لک ، وأکثر

ص: 109

ذکر الموت ومفارقة الأهلین، ولا تَلْهُ فإن اللهو یفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل منی بعید ، واذکرنی بالصالحات حتی أذکرک .

یا عیسی ، تب إلیَّ بعد الذنب، وذکر بی الأوابین، وآمن بی وتقرب بی إلی المؤمنین ، ومرهم یدعونی معک ، وإیاک ودعوة المظلوم ، فإنی آلیت علی نفسی أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول ، وأن أجیبه ولو بعد حین .

یا عیسی ، إعلم أن صاحب السوء یُعدی ، وقرین السوء یردی ، واعلم من تقارن واختر لنفسک إخواناً من المؤمنین .

یا عیسی ، تب إلی، فإنی لا یتعاظمنی ذنب أن أغفره ، وأنا أرحم الراحمین. إعمل لنفسک فی مهلة من أجلک قبل أن لا یعمل لها غیرک ، واعبدنی لیوم کألف سنة مما تعدون ، فیه أجزی بالحسنة أضعافها ، وإن السیئة توبق صاحبها ، فامهد لنفسک فی مهلة ، ونافس فی العمل الصالح ، فکم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .

یا عیسی ، إزهد فی الفانی المنقطع ، وطأ رسوم منازل من کان قبلک ، فادعهم وناجهم ، هل تحس منهم من أحد ، وخذ موعظتک منهم ، واعلم أنک ستلحقهم فی اللاحقین .

یا عیسی ، قل لمن تمرد علی بالعصیان وعمل بالأدهان: لیتوقع عقوبتی وینتظر إهلاکی إیاه ، سیصطلم مع الهالکین .

طوبی لک یا ابن مریم ثم طوبی لک إن أخذت بأدب إلهک الذی یتحنن علیک ترحماً ، وبدأ النعم منه تکرماً ، وکان لک فی الشدائد. لا تعصه یا عیسی فإنه لا یحلک عصیانه. قد عهدت إلیک ما عهدت إلی من کان قبلک وأنا علی ذلک من الشاهدین .

ص: 110

یا عیسی ، ما أکرمت خلیقة بمثل دینی ، ولا أنعمت علیها بمثل رحمتی .

یا عیسی ، إغسل بالماء منک ما ظهر وداو بالحسنات منک ما بطن ، فإنک إلیَّ راجع .

یا عیسی ، أعطیتک ما أنعمت به علیک فیضاً من غیر تکدیر ، وطلبت منک قرضاً لنفسک فبخلت به علیها ، لتکون من الهالکین .

یا عیسی ، تزین بالدین وحب المساکین ، وامش علی الأرض هوناً ، وصل علی البقاع ، فکلها طاهر .

یا عیسی ، شمر فکل ما هو آت قریب ، واقرأ کتابی وأنت طاهر ، وأسمعنی منک صوتاً حزیناً .

یا عیسی ، لا خیر فی لذاذة لا تدوم ، وعیش من صاحبه یزول .

یا ابن مریم ، لو رأت عینک ما أعددت لاولیائی الصالحین ذاب قلبک وزهقت نفسک شوقاً إلیه ، فلیس کدار الآخرة دار ، تجاور فیها الطیبون ، ویدخل علیهم فیها الملائکة المقربون ، وهم مما یأتی یوم القیامة من أهوالهما آمنون ، دارٌ لا یتغیر فیها النعیم ، ولا یزول عن أهلها .

یا ابن مریم ، نافس فیها مع المتنافسین ، فإنها أمنیة المتمنین ، حسنة المنظر ، طوبی لک یا ابن مریم إن کنت لها من العاملین ، مع آبائک آدم وإبراهیم فی جنات ونعیم ، لا تبغی لها بدلاً ولا تحویلاً ، کذلک أفعل بالمتقین .

یا عیسی ، أهرب إلی مع من یهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنکال ، لا یدخلها روح ، ولا یخرج منها غم أبداً ، قطع کقطع اللیل المظلم ، من ینج منها یفز، ولن ینجو منها من کان من الهالکین ، هی دار الجبارین والعتاة الظالمین ، وکل فظ غلیظ ، وکل مختار فخور .

ص: 111

یا عیسی ، بئست الدار لمن رکن إلیها ، وبئس القرار دار الظالمین ، إنی أحذرک نفسک فکن بی خبیراً .

یا عیسی ، کن حیث ما کنت مراقباً لی ، واشهد علی أنی خلقتک وأنت عبدی .

یا عیسی لا یصلح لسانان فی فم واحد ، ولا قلبان فی صدر واحد ، وکذلک الأذهان .

یا عیسی ، لا تستیقظن عاصیاً ، ولا تستنبهن لاهیاً ، وافطم نفسک عن الشهوات الموبقات ، وکل شهوة تباعدک منی فاهجرها ، واعلم أنک منی بمکان الرسول الأمین ، فکن منی علی حذو العم. إن دنیاک مؤدیتک إلیَّ وإنی آخذک بعلمی ، فکن ذلیل النفس عند ذکری ، خاشع القلب حین تذکرنی ، یقظاناً عند نوم الغافلین .

یا عیسی ، هذه نصیحتی إیاک وموعظتی لک ، فخذها منی ، وإنی رب العالمین .

یا عیسی ، إذا صبر عبدی فی جنبی کان ثواب عمله علیَّ ، وکنت عنده حین یدعونی ، وکفی بی منتقماً ممن عصانی ، أین یهرب منی الظالمون ؟

یا عیسی ، أطب الکلام ، وکن حیثما کنت عالماً متعلماً .

یا عیسی ، أفض بالحسنات إلیَّ ، حتی یکون لک ذکرها عندی ، وتمسک بوصیتی فإن فیها شفاء للقلوب .

یا عیسی ، لا تأمن إذا مکرت مکری ، ولا تنس عند خلوات الدنیا ذکری .

یا عیسی، حاسب نفسک بالرجوع إلی ، حتی تتنجز ثواب ما عمله العاملون ، أولئک یؤتون أجرهم وأنا خیر المؤتین .

ص: 112

یا عیسی ، کنت خلقاً بکلامی ، ولدتک مریم بأمری المرسل إلیها روحی جبرئیل، الامین من ملائکتی ، حتی قمت علی الأرض حیاً تمشئ کل ذلک فی سابق علمی .

یا عیسی ، زکریا بمنزلة أبیک وکفیل أمک ، إذ یدخل علیها المحراب فیجد عندها رزقاً ، ونظیرک یحیی من خلقی ، وهبته لامه بعد الکبر من غیر قوة بها ، أردت بذلک أن یظهر لها سلطانی وتظهر قدرتی. أحبکم إلی أطوعکم لی ، وأشدکم خوفاً منی .

یا عیسی ، تیقظ ولا تیأس من روحی ، وسبحنی مع من یسبحنی ، وبطیب الکلام فقدّسنی .

یا عیسی، کیف یکفر العباد بی ونواصیهم فی قبضتی ، وتقلبهم فی أرضی ، یجهلون نعمتی ویتولون عدوی ، وکذلک یهلک الکافرون .

یا عیسی ، إن الدنیا سجن منتن الریح ، وحسن فیها ما قد تری مما قد تذابح علیه الجبارون ، وإیاک والدنیا فکل

نعیمها یزول ، وما نعیمها إلا قلیل .

یا عیسی ، إبغنی عند وسادک تجدنی ، وادعنی وأنت لی محب ، فإنی أسمع السامعین ، أستجیب للداعین إذا دعونی .

یا عیسی ، خفنی وخوف بی عبادی ، لعل المذنبین أن یمسکوا عما هم عاملون به ، فلا یهلکوا إلا وهم یعلمون .

یا عیسی ، إرهبنی رهبتک من السبع والموت الذی أنت لاقیه ، فکل هذا أنا خلقته ، فإیای فارهبون .

یا عیسی ، إن الملک لی وبیدی ، وأنا الملک فإن تطعنی أدخلتک جنتی فی جوار الصالحین .

ص: 113

یا عیسی ، إنی إذا غضبت علیک لم ینفعک رضی من رضی عنک ، وإن رضیت عنک لم یضرک غضب المغضبین .

یا عیسی ، أذکرنی فی نفسک أذکرک فی نفسی ، واذکرنی فی ملاک أذکرک فی ملا خیر من ملا الآدمیین .

یا عیسی ، أدعنی دعاء الغریق الحزین ، الذی لیس له مغیث .

یا عیسی ، لا تحلف بی کاذباً فیهتز عرشئ غضباً. الدنیا قصیرة العمر طویلة الامل وعندی دار خیر مما تجمعون .

یا عیسی ، کیف أنتم صانعون إذا أخرجت لکم کتاباً ینطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد کتمتموها وأعمال کنتم بها عاملین .

یا عیسی ، قل لظلمة بنی إسرائیل: غسلتم وجوهکم ودنستم قلوبکم ، أبی تغترون أم علی تجترئون ؟ ! تطیبون بالطیب لأهل الدنیا وأجوافکم عندی بمنزلة الجیف المنتنة ، کأنکم أقوام میتون !

یا عیسی ، قل لهم: قلموا أظفارکم من کسب الحرام ، وأصموا أسماعکم عن ذکر الخنا ، وأقبلوا علی بقلوبکم ، فإنی لست أرید صورکم .

یا عیسی ، إفرح بالحسنة فإنها لی رضی ، وابک علی السیئة فإنها شین ، وما لا تحب أن یصنع بک فلا تصنعه بغیرک ، وإن لطم خدک الأیمن فأعطه الایسر ، وتقرب إلیَّ بالمودة جهدک ، وأعرض عن الجاهلین .

یا عیسی ، ذُلَّ لأهل الحسنة وشارکهم فیها ، وکن علیهم شهیداً. وقل لظلمة بنی إسرائیل: یا أخدان السوء والجلساء علیه ، إن لم تنتهوا أمسخکم قردة وخنازیر .

یا عیسی ، قل لظلمة بنی إسرائیل: الحکمة تبکی فرقاً منی ، وأنتم بالضحک

ص: 114

تهجرون ، أتتکم براءتی ، أم لدیکم أمان من عذابی، أم تعرضون لعقوبتی ؟ ! فبی حلفت لاترکنکم مثلاً للغابرین .

ثم أوصیک یابن مریم البکر البتول ، بسید المرسلین وحبیبی ، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر ، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشدید البأس ، الحیی المتکرم ، فإنه رحمة للعالمین ، وسید ولد آدم یوم

یلقانی ، أکرم السابقین علیَّ وأقرب المرسلین منی ، العربی الامین ، الدیان بدینی ، الصابر فی ذاتی ، المجاهد المشرکین بیده عن دینی ، أن تخبر به بنی إسرائیل ، وتأمرهم أن یصدقوا به وأن یؤمنوا به وأن یتبعوه ، وأن ینصروه .

قال عیسی: إلهی من هو حتی أرضیه ، فلک الرضا ؟ قال: هو محمد رسول الله إلی الناس کافة ، أقربهم منی منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبی له من نبی ، وطوبی لامته إن هم لقونی علی سبیله ، یحمده أهل الأرض ویستغفر له أهل السماء ، أمین میمون ، طیب مطیب ، خیر الباقین عندی ، یکون فی آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء عزالیها ، وأخرجت الأرض زهرتها ، حتی یروا البرکة ، وأبارک لهم فیما وضع یده علیه ، کثیر الازواج ، قلیل الأولاد ، یسکن بکة ، موضع أساس إبراهیم .

یا عیسی ، دینه الحنیفیة ، وقبلته یمانیة ، وهو من حزبی وأنا معه ، فطوبی له ثم طوبی له ، له الکوثر والمقام الأکبر فی جنات عدن ، یعیش أکرم من عاش ویقبض شهیداً ، له حوض أکبر من بکة إلی مطلع الشمس ، من

ص: 115

رحیق مختوم ، فیه آنیة مثل نجوم السماء ، وأکواب مثل مدر الأرض ، عذب فیه من کل شراب ، وطعم کل ثمار فی الجنة ، من شرب منه شربة لم یظمأ أبداً ، وذلک من قسمی له وتفضیلی إیاه. علی فترة بینک وبینه ، یوافق سره علانیته ، وقوله فعله ، لایأمر الناس إلا بما یبدأهم به ، دینه الجهاد فی عسر ویسر ، تنقاد له البلاد ویخضع له صاحب الروم. علی دین إبراهیم ، یسمی عند الطعام ، ویفشئ السلام ، ویصلی والناس نیام ، له کل یوم خمس صلوات متوالیات ، ینادی إلی الصلاة کنداء الجیش بالشعار ، ویفتتح بالتکبیر ویختتم بالتسلیم ، ویصف قدمیه فی الصلاة کما تصف الملائکة أقدامها ، ویخشع لی قلبه ورأسه ، النور فی صدره والحق علی لسانه ، وهو علی الحق حیثما کان أصله. یتیمٌ ضال برهة من زمانه عما یراد به ، تنام عیناه ولاینام قلبه ، له الشفاعة ، وعلی أمته تقوم الساعة ، ویدی فوق أیدیهم فمن نکث فإنما ینکث علی نفسه ومن أوفی بما عاهد علیه أوفیت له بالجنة ، فمر ظلمة بنی إسرائیل ألا یدرسوا کتبه ، ولا یحرفوا سنته ، وأن یقرؤوه السلام ، فإن له فی المقام شأناً من الشأن. انتهی .

وقد یکون حدث فی هذا النص تغییر ما من الرواة ، ولکن فیه أفکاراً وأموراً مهمة یحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد فی مصادرنا عن عیسی(علیه السّلام) بالنصوص التی تشابهها من الانجیل والتوراة ، لمعرفة التفاوت والتغییر فیها

ص: 116

تفسیر إخواننا السنیین القریب من تفسیرنا

مسند أحمد:2/441:

عن أبی هریرة عن النبی(ص)فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: هو المقام الذی أشفع لامتی فیه .

الدر المنثور:4/197:

أخرج سعید بن منصور والبخاری وابن جریر وابن مردویه عن ابن عمر رضی الله عنهما قال: إن الناس یصیرون یوم القیامة جثاء ، کل أمة تتبع نبیها یقولون یا فلان إشفع لنا ، حتی تنتهی الشفاعة إلی النبی(ص)، فذلک یوم یبعثه الله المقام المحمود .

وأخرج أحمد والترمذی وحسنه وابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن أبی هریرة (رض) عن النبی(ص)فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، وسئل عنه قال: هو المقام الذی أشفع فیه لأمتی .

وأخرج ابن جریر والبیهقی فی شعب الإیمان عن أبی هریرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: المقام المحمود الشفاعة .

وأخرج ابن جریر والطبرانی وابن مردویه من طرق عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال مقام الشفاعة .

وأخرج ابن مردویه عن سعد بن أبی وقاص (رض) قال: سئل رسول الله(ص)عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة .

الدر المنثور:4/198:

ص: 117

وأخرج ابن أبی شیبة عن سلمان (رض) قال: یقال له: سل تعطه ، یعنی النبی(ص)، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فیرفع رأسه فیقول: أمتی مرتین أو ثلاثاً فقال سلمان (رض): یشفع فی کل من فی قلبه مثقال حبة حنطة من إیمان ، أو مثقال شعیرة من إیمان ، أو مثقال حبة خردل من إیمان. قال سلمان (رض): فذلکم المقام المحمود .

الدر المنثور:5/98:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: بأبی أنت وأمی أین کنت وآدم فی الجنة؟ فتبسم حتی بدت نواجذه ثم قال: إنی کنت فی صلبه ، وهبط إلی الأرض وأنا فی صلبه ، ورکبت السفینة فی صلب أبی نوح ، وقذفت فی النار فی صلب أبی ابراهیم ، لم یلتق أبوای قط علی سفاح ، لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الطیبة إلی الارحام الطاهرة ، مصفی مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما ، قد أخذ الله بالنبوة میثاقی وبالإسلام هدانی وبین فی التوراة والإنجیل ذکری ، وبین کل شئ من صفتی فی شرق الأرض وغربها ، وعلمنی کتابه ، ورقی بی فی سمائه ، وشق لی من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدنی أن یحبونی بالحوض وأعطانی الکوثر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجنی فی خیر قرون أمتی ، وأمتی الحمادون یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر. انتهی.

ورواه فی کنز العمال:12/427 وأضاف فیه: قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت فی النبی (ص):

من قبلها طبت فی الظلال وفی

مستودع حیث یخصف الورقُ

ص: 118

ثم سکنت البلاد لا بشرٌ

أنت ولا نطفة ولا عل-ق

مطهر ترکب السفین وقد

ألجم أهل الضلالة الغ-رق

تنقل من صلب إلی رحم

إذا مضی عالم بدا طبق

تفسیر الطبری:15/97:

وقوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، عن ابن عباس قال: المقام المحمود مقام الشفاعة. .

ومثله فی طبقات المحدثین بأصبهان:1/201 عن جابر وأبی سعید مرفوعاً وفی مختصر تاریخ دمشق لابن منظور:1 جزء 2/165 عن ابن عباس .

الشفا للقاضی عیاض:1/188:

فصل فی تفضیله(ص)بالشفاعة والمقام المحمود ، قال الله تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا... عن آدم بن علی قال سمعت ابن عمر یقول: إن الناس یصیرون یوم القیامة جثی ، کل أمة تتبع نبیها یقولون یا فلان إشفع لنا یا فلان إشفع لنا ، حتی تنتهی الشفاعة إلی النبی(ص)، فذلک یوم یبعثه الله المقام المحمود .

تفسیر الرازی:11 جزء 21/31:

قال الواحدی: أجمع المفسرون علی أنه ( المقام المحمود ) مقام الشفاعة . . . إن احتیاج الإنسان إلی دفع الآلام العظیمة عن النفس فوق احتیاجه إلی تحصیل المنافع الزائدة التی لا حاجة به إلی تحصیلها. وإذا ثبت هذا وجب

ص: 119

أن یکون المراد من قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا، هو الشفاعة فی إسقاط العقاب. انتهی. وراجع التفسیر الوسیط للنیسابوری:3/122.

وقال فی: 16 جزء 32/127: قوله تعالی: إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ ، الکوثر هو المقام المحمود الذی هو الشفاعة . . . شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی .

تفسیرهم الذی فیه تجسیم

صحیح البخاری:8/183:

فأستأذن علی ربی فی داره ! فیؤذن لی علیه ، فإذا رأیته وقعت ساجداً ، فیدعنی ما شاء الله أن یدعنی فیقول: إرفع یا محمد وقل یسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال فأرفع رأسی فأثنی علی ربی بثناء وتحمید یعلمنیه ، ثم أشفع فیحد لی حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أیضاً یقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فاستأذن علی ربی فی داره ! فیؤذن لی علیه فإذا رأیته وقعت ساجداً ، فیدعنی ماشاء الله أن یدعنی ثم یقول: إرفع محمد وقل یسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسی فأثنی علی ربی بثناء وتحمید یعلمنیه ، قال ثم أشفع ، فیحد لی حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته یقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلی ربی فی داره ! فیؤذن لی علیه فإذا رأیته وقعت ساجداً فیدعنی ماشاء الله أن یدعنی ، ثم یقول إرفع محمد وقل یسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسی فأثنی علی ربی بثناء وتحمید یعلمنیه ، قال ثم أشفع فیحد لی حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته یقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، حتی

ص: 120

ما یبقی فی النار إلا من حبسه القرآن ، أی وجب علیه الخلود .قال: ثم تلا الآیة: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، قال وهذا المقام المحمود الذی وعده نبیکم(ص). ونحوه فی صحیح مسلم:1/123 ومسند أحمد: 3/244 وشبیهه فی مسند أحمد:1/398 وسنن الترمذی:4/370 ومستدرک الحاکم:4/496 والدر المنثور:3/87 عن الطبری .

وفی الدر المنثور:6/257 فی قصة الدجال:

عن ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وصححه والبیهقی فی البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذکر عنده الدجال فقال . . . إلی آخر الروایة. وستأتی بتمامها فی بحث الخلود فی الجنة والنار وفی بعض نصوصها تجسیم صریح وفی بعضها رائحة التجسیم .

وکذلک ما رواه البخاری فی تسعة مواضع من صحیحه:2 جزء 4/105 وج 3 جزء 5/146 وص 225 وص 228 وج 7/203 وج 8/172 وص 183 وص 200 وص 203 من حدیث الشدة التی تکون علی الناس فی المحشر حتی یلجؤون ( کذا ) إلی آدم وغیره من الأنبیاء فیحولونهم علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیشفع إلی الله تعالی فیشفعه. وروی ذلک فی کنز العمال:2/26 وغیره .

سنن الدارمی:2/325:

عن ابن مسعود عن النبی(ص)قال قیل له: ما المقام المحمود ؟ قال: ذاک یوم

ص: 121

ینزل الله تعالی علی کرسیه یئط کما یئط الرحل الجدید من تضایقه به ، وهو کسعة ما بین السماء والأرض ، ویجاء بکم حفاة عراة غرلاً ، فیکون أول من یکسی إبراهیم ، یقول الله تعالی إکسوا خلیلی فیؤتی بریطتین بیضاوین من ریاط الجنة ، ثم أکسی علی أثره ، ثم أقوم عن یمین الله مقاماً یغبطنی الأولون والآخرون. انتهی.

ورواه الحاکم فی:2/364 والبغوی فی مصابیحه:3/552 والهندی فی کنز العمال:14/412 والسیوطی فی الدر المنثور:3/84 وروی نحوه فی الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324 قال: وأخرج ابن المنذر وأبوالشیخ عن ابن مسعود قال قال رجل: یا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال . . .

وأخرج ابن جریر عن الضحاک قال کان الحسن یقول: الکرسی هو العرش..فقال رسول الله(ص) . . . وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فهی تئط من عظمته وجلاله کما یئط الرحل الجدید ! انتهی. ورواه فی کنز العمال: 14/636 .

وفی فردوس الأخبار:3/85:

عن ابن عمر: عسی الله أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، یجلسنی معه علی السریر.

وفی:4/298 عن أنس بن مالک: من کرامتی علی ربی عز وجل قعودی علی العرش .

مجمع الزوائد:7/51:

ص: 122

وعن ابن عباس أنه قال فی قول الله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، یجلسه بینه وبین جبریل ویشفع لأمته ، فذلک المقام المحمود. ورواه السیوطی فی الدر المنثور:4/198 .

وروی البیهقی فی دلائل النبوة:5/481:

یأتی رسول الله (ص) یوم القیامة إلی الله وهو جالس علی کرسیه .

وقال الشوکانی فی فتح القدیر:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه یجلس محمداً معه علی کرسیه حکاه ابن جریر . . . وقد ورد فی ذلک حدیث .

وفی تاریخ بغداد:3/22 عن لیث بن مجاهد فی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال: یقعده معه علی العرش. .

وفی تاریخ بغداد:8/52:

عن عبدالله بن خلیفة قال قال رسول الله (ص): الکرسی الذی یجلس علیه الرب عز وجل وما یفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطیطاً کأطیط الرحل الجدید !

قال أبوبکر المروذی قال لی أبو علی الحسین بن شبیب قال لی أبوبکر بن سلم العابد حین قدمنا إلی بغداد: أخرج ذلک الحدیث الذی کتبناه عن أبی حمزة ، فکتبه أبوبکر بن سلم بخطه وسمعناه جمیعاً ، وقال أبوبکر بن سلم: إن الموضع الذی یفضل لمحمد(ص)لیجلسه علیه ! قال أبوبکر الصیدلانی: من رد هذا فإنما أراد الطعن علی أبی بکر المروزی ، وعلی أبی بکر بن سلم العابد !!

ص: 123

القعود علی العرش فکرة یهودیة مسیحیة

قال جولد تسیهر فی مذاهب التفسیر الإسلامی/122:

سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع علی مسألة من التفسیر ذلک هو تفسیر الآیة 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّیْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَکَ عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة ... إلی أن الذی یفهم من ذلک هو أن الله یقعد النبی معه علی العرش... ربما کان هذا متأثراً بما جاء فی انجیل مرقص 16 - 19 ، وآخرون ذهبوا إلی أن المقام المحمود... هو مرتبة الشفاعة التی یرفع إلیها النبی. انتهی .

وقد أوردنا فی المجلد الثانی من العقائد الإسلامیة أن أفکار التجسیم والصفات المادیة لله تعالی وعرشه قد أخذها بعض المسلمین من الیهود وأدخلوها فی الثقافة الإسلامیة ، وأضاف الیها هؤلاء المقلدة إجلاس نبیهم إلی جنب الله تعالی ! بینما روی الیهود إجلاس موسی وداود إلی جنبه ! وروی المسیحیون جلوس عیسی علی السریر إلی جنب أبیه !! وقد تقدم ذلک فی الشفاعة عند الیهود والنصاری .

ونلاحظ أن ابن سلام الیهودی الذی أسلم یقول عن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنه لا یجلس إلی جنب الله تعالی بل ( یلقی ) له کرسیٌّ فی جنب المجلس مثلاً فیجلس علیه !

قال البیهقی فی دلائل النبوة:5/486: عن عبد الله بن سلام: وینجو النبی (ص) والصالحون معه ، وتتلقاهم الملائکة یرونهم منازلهم . . حتی ینتهی

ص: 124

إلی الله عز وجل فیلقی له کرسی. انتهی .

وسوف تعرف فی بحث الشفیع الأول أن مصادر السنیین تأثرت بالاسرائیلیات وصححت روایاتها وجعلت شفاعة أنبیاء بنی إسرائیل قبل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وجعلته الشفیع الرابع .

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/198: وأخرج ابن جریر وابن أبی حاتم والطبرانی وابن مردویه عن ابن مسعود (رض) قال: یأذن الله تعالی فی الشفاعة فیقوم روح القدس جبریل(علیه السّلام)ثم یقوم إبراهیم خلیل الله علیه الصلاة والسلام ثم یقوم عیسی وموسی (علیهم السّلام) ثم یقوم نبیکم(ص)رابعاً لیشفع . . . ورواه الحاکم فی المستدرک: 4/496 بسند صحیح علی شرط الشیخین !!

أما الفتنة التی ذکرها تسیهر فقد ذکرها ابن الأثیر فی تاریخه:5/121 فقال: ( فی سنة 317 ه-) وقعت فتنة عظیمة ببغداد بین أصحاب أبی بکر المروزی الحنبلی وبین غیرهم من العامة ، ودخل کثیر من الجند فیها ، وسبب ذلک أصحاب المروزی قالوا فی تفسیر قوله تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، هو أن الله سبحانه یقعد النبی (ص) معه علی العرش ! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل بینهم قتلی کثیرة. انتهی .

وذکرها الذهبی فی تاریخ الإسلام: 23/384

وأنها بسبب تفسیر آیة المقام المحمود ، حیث قالت الحنابلة إنها تعنی أن الله یقعده علی عرشه کما قال مجاهد .

وقال غیرهم: بل هی الشفاعة العظمی .

ص: 125

انتقاد بعض علماء السنة التفسیر بالقعود علی العرش

قال السقاف فی صحیح شرح العقیدة الطحاویة: 1/570:

قال الإمام الطحاوی(رحمه الله): والشفاعة التی ادخرها لهم حق کما روی فی الأخبار ونرجو للمحسنین من المؤمنین أن یعفو عنهم ویدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن علیهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسیئهم ، ونخاف علیهم ولا نقنّطهم .

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً فی القرآن الکریم وخاصة للنبی (صلی الله علیه وآله وسلم)ومن تلک الآیات قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . الضحی : 3 وقال تعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 79 وتفسیر المقام المحمود بالشفاعة ثابت فی الصحیحین وغیرهما ( 338 ) .

وقال الله تعالی: یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلا .طه : 109. وقال تعالی: مَا مِنْ شَفِیعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ. یونس : 3 .

وفی شفاعة الملائکة قوله تعالی: بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ . . لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ . یَعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَهُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبیاء : 78 .

وقال فی هامشه: ( 338 ) أنظر البخاری 3 - 338 و 8 - 399 و 13 - 422 ومسلم 1 - 179. ومن الغریب العجیب أن یعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت فی الصحیحین ، ویفسروا المقام المحمود بجلوس سیدنا محمد علی العرش بجنب الله ! تعالی الله عن إفکهم وکذبهم علواً کبیراً ،

ص: 126

وهم یعتمدون علی ذلک علی ما یروی عن مجاهد بسند ضعیف من أنه قال ما ذکرناه من التفسیر المنکر المستشنع ، وتکفل الخلال فی کتابه السنة 1 - 209 بنصرة التفسیر المخطئ المستبشع ، وقد نطق بما هو مستنشع عند جمیع العقلاء !

وقال السقاف فی شرح العقیدة الطحاویة/170:

وهذا الخلال یقول فی سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا فی عصرنا هذا إلا وهو منکر لما أحدث الترمذی ( 99 ) من رد حدیث محمد بن فضیل عن لیث عن مجاهد فی قوله: عسی أن یبعثک ربک مقاماً محموداً ، قال یقعده علی العرش ( 100 ) فهو عندنا جهمی یهجر ونحذر عنه .

وقال السقاف فی هامشه: ( 99 ) مع أن التأویل والتفویض لم یحدثه ولم یخترعه الترمذی ;. ومن الغریب العجیب أیضاً أن محقق سنة الخلال عطیة الزهرانی حاول أن ینفی أن کون الترمذی المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 فی الهامش تعلیق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلک/232 فقال فی الهامش التعلیق رقم 8 ( کنت أظنه جهم ، ولکن اتضح من الروایات أنه یقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلی معرفته ) فیا للعجب !!

( 100 ) وهذا القعود الذی یتحدثون عنه هو قعود سیدنا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بجنب الله تعالی علی العرش ! تعالی الله عن ذلک علواً کبیراً ! والدلیل علیه قول الخلال هناک/244: حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذیل عن محمد بن فضیل

ص: 127

عن لیث عن مجاهد قال: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: یجلسه معه علی العرش قال عبد الله: سمعت هذا الحدیث من جماعة وما رأیت أحداً من المحدثین ینکره ، وکان عندنا فی وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحدیث إنما تنکره الجهمیة .

أقول: ومن العجیب الغریب أن الآلبانی ینکر هذا ، ویقول بعدم صحته وأنه لم یثبت کما سیأتی ، وکذلک محقق الکتاب وهو متمسلف معاصر ینکر ذلک أیضاً ویحکم علی هذا الأثر بالضعف حیث یقول فی هامش تلک الصحیفة تعلیق رقم 19: إسناده ضعیف ! فهل هؤلاء جهمیة ! وما هذا الخلاف الواقع بین هؤلاء فی أصول اعتقادهم !

ومن الغریب العجیب أیضاً أنهم اعتبروا أن نفی قعود سیدنا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بجنب الله نافیاً ودافعاً لفضیلة من فضائل النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والدلیل علی ما قلناه قول الخلال هناک/237: ( وقال أبو علی إسماعیل بن إبراهیم الهاشمی (وهو مجهول بنظر المحقق ): إن هذا المعروف بالترمذی عندنا مبتدع جهمی ، ومن رد حدیث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضیلة الرسول(ص)فهو عندنا کافر مرتد عن الإسلام !!) وقال/234 ناقلاً ( وأنا أشهد علی هذا الترمذی أنه جهمی خبیث ) ! انتهی .

تفسیر قوله تعالی ( ولسوف یعطیک ربک فترضی )

قال الله تعالی: وَالضُّحَی وَاللَّیْلِ إِذَا سَجَی مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَی وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . الضحی : 1 - 5 .

ص: 128

والعطاء فی الآیة مطلق شامل لانواع ما یعطیه الله تعالی لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومن الطبیعی أن یکون عطاء عظیماً متناسباً مع کرم الله تعالی علی حبیبه أشرف الخلق وسید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . ولم تنص الآیة علی أنه الشفاعة ولکن بعض الأحادیث نصت علی ذلک ، وبعضها نص علی أنها الشفاعة فی أهل بیته وبنی هاشم وعبد المطلب ، وبعضها نص علی أنه العطاء فی الجنة ، وبعضها أطلق..وبعضها قال إنها الشفاعة فی أهل بیته وأمته..وجعلها بعضهم الشفاعة فی جمیع أمته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بحیث لا یدخل أحد منها النار أبداً ! ولکن ذلک لا یصح لأنه مخالف لما ثبت عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلهی ، کما ستعرف .

تفسیر الآیة بالعطاء الالهی الاعم من الشفاعة

تفسیر القمی:2/427:

حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسی بن الحسن بن علی بن أبی حمزة ، عن أبیه ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)فی قوله: وللآخرة خیر لک من الأولی ، قال: یعنی الکرة هی الآخرة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). قلت قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: یعطیک من الجنة فترضی. ورواه فی مختصر بصائر الدرجات/47 وفی بحار الأنوار:53/59 وفی تفسیر نور الثقلین:5/594 .

تفسیر التبیان:10/369:

ص: 129

قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، وعد من الله له أن یعطیه من النعیم والثواب وفنون النعم ما یرضی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )به ویؤثره .

تأویل الآیات:2/810:

قوله تعالی: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی. تأویله ما رواه محمد بن العباس(رحمه الله)عن أبی داود ، عن بکار ، عن عبد الرحمان ، عن إسماعیل بن عبدالله، عن علی بن عبد الله بن العباس قال: عرض علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما هو مفتوح علی أمته من بعده کفراً کفراً فسرَّ بذلک فأنزل الله عز وجل: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی ، وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: فأعطاه الله عز وجل ألف قصر فی الجنة ترابه المسک ، وفی کل قصر ما ینبغی له من الأزواج والخدم. وقوله: کفراً کفراً أی قریة ، والقریة تسمی کفراً . انتهی.

ورواه فی الدر المنثور:6/361:

عن ابن أبی حاتم وعبد بن حمید وابن جریر والطبرانی والحاکم وصححه والبیهقی وابن مردویه وأبو نعیم کلاهما فی الدلائل عن ابن عباس قال . . . الخ .

وقال: أخرج الطبرانی فی الأوسط والبیهقی فی الدلائل عن ابن عباس رضی الله عنهما قال قال رسول الله (ص): عرض علیَّ ما هو مفتوح لأمتی بعدی فسرنی ، فأنزل الله: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی .

بحار الأنوار:16/136:

ص: 130

وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، أی من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الکرامة ، أو فی الدنیا أیضاً من إعلاء الدین وقمع الکافرین .

سیرة ابن هشام:1/278:

قال ابن إسحاق: ثم فتر الوحی عن رسول الله(ص)فترةً من ذلک حتی شق ذلک علیه فأحزنه ، فجاءه جبریل بسورة الضحی یقسم له ربه وهو الذی أکرمه بما أکرمه به: ما ودَّعه وماقلاه ، فقال تعالی: وَالضُّحَی وَاللَّیْلِ إِذَا سَجَی، مَا وَدَّعَکَ رَبُّکَ وَمَا قَلَی ، یقول: ما صرمک فترکک ، وما أبغضک منذ أحبک. وللآخرة خیر لک من الأولی ، أی لَمَا عندی من مرجعک إلیَّ خیرٌ لک مما عجلت لک من الکرامة فی الدنیا. ولسوف یعطیک ربک فترضی ، من الفلج فی الدنیا والثواب فی الآخرة .

تفسیرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً

تفسیر فرات الکوفی/570:

فرات قال: حدثنی محمد بن القاسم بن عبید معنعناً: عن حرب بن شریح البصری قال: قلت لمحمد بن علی (علیهماالسّلام): أی آیة فی کتاب الله أرجی ؟ قال: مایقول فیها قومک قال قلت یقولون: یا عبادی الذین أسرفوا علی أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، قال: لکنا أهل البیت لا نقول ذلک. قال قلت: فأیش تقولون فیها ؟ قال نقول: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، الشفاعة والله ، الشفاعة والله الشفاعة. ورواه فی بحار الأنوار:8/57 .

ص: 131

وقال فی هامش تفسیر فرات:

وأخرج الحسکانی فی شواهد التنزیل عن الحسین بن محمد الثقفی عن الحسین بن محمد بن حبیش المقری ، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلی ، عن محمد بن أحمد المرادی ، عن حرب بن شریح البزاز ، عن محمد بن علی الباقر ، عن ابن الحنفیة ، عن علی بن أبی طالب قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أشفع لامتی حتی ینادی ربی: رضیت یا محمد ؟ فأقول: رب رضیت. ثم قال الباقر: إنکم معشر أهل العراق تقولون إن أرجی آیة فی القرآن: یا عبادی الذین أسرفوا . . قلت: إنا لنقول ذلک. قال: ولکنا أهل البیت نقول: إن أرجی آیة فی کتاب الله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، وهی الشفاعة .

وفی الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن المنذر وابن مردویه وأبو نعیم فی الحلیة من طریق حرب بن شریح (رض) قال قلت: لابی جعفر محمد بن علی بن الحسین: أرأیت هذه الشفاعة التی یتحدث بها أهل العراق أحق هی ؟ قال: إی والله ، حدثنی عمی محمد بن الحنفیة ، عن علی أن رسول . . (بما یشبه روایة الحسکانی). انتهی .

وقال أیضاً:

وأخرج ابن أبی حاتم عن الحسن (رض) أنه سئل عن قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ؟ قال: هی الشفاعة. انتهی. وروی الأول منهما فی کنز العمال:14/636

عن مسند علی ، ورواه الواحدی النیسابوری فی

ص: 132

تفسیره:4/510 والکاندهلوی فی حیاة الصحابة:3/46 والشوکانی فی فتح القدیر:5/568 .

مناقب آل أبی طالب:1/190 ، قال حسان:

لئن کلم الله موسی علی

شریف من الطور یوم الندا

فإن النبی أبا قاسم

حبی بالرسالة فوق السما

وقد صار بالقرب من ربه علی

قاب قوسین لما دنا

وإن فجَّر الماء موسی لهم

عیوناً من الصخر ضرب العصا

فمن کفِّ أحمد قد فجرت

عیونٌ من الماء یوم الظما

وإن کان هارون من بعده

حبی بالوزارة یوم الملا

فإن الوزارة قد نالها

علی بلا شک یوم الفدا

وقال کعب بن مالک الأنصاری:

فإن یک موسی کلم الله جهرةً

علی جبل الطور المنیف المعظم

فقد کلم الله النبی محمداً

علی الموضع الاعلی الرفیع المسوم

داو د (علیه السّلام)کان له سلسلة الحکومة لیمیز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن: ما فرطنا فی الکتاب من شئ، ولیست السلسلة کالکتاب ، والسلسلة قد فنیت والقرآن بقی إلی آخر الدهر. وکان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة: وإذا سمعوا ماأنزل إلی الرسول . . . قال حسان:

وإن کان داود قد أوبت

جبال لدیه وطیر الهوا

ففی کف أحمد قد سبحت

بتقدیس ربی صغار الحصی

ص: 133

. . . وسلیمان کان یصفدهم لعصیانهم ، ونبینا أتوه طائعین راغبین. وسأل سلیمان ملک دنیا: رب هب لی ملکاً . . . وعرض مفاتیح خزائن الدنیا علی محمد فردها ، فشتان بین من یسأل وبین من یعطی فلا یقبل ، فأعطاه الله الکوثر والشفاعة والمقام المحمود: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وقال لسلیمان: أمنن أو امسک بغیر حساب ، وقال لنبینا: ما آتاکم الرسول فخذوه وما نهاکم عنه فانتهوا. قال حسان بن ثابت:

وإن کانت الجن قد ساسها

سلیمان والریح تجری رخا

فشهر غدوٌّ به رابیاً

وشهر رواحٌ به إن یشا

فإن النبی سری لیلةًمن

المسجدین إلی المرتقی

وقال کعب بن مالک:

وإن تک نمل البر بالوهم کلمت

سلیمان ذا الملک الذی لیس بالعمی

فهذا نبی الله أحمدُ سبحت صغار

الحصی فی کفه بالترنم

ورواه فی بحار الأنوار:16/415 .

مناقب آل ابی طالب:3/103:

وکان رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یهتم لعشرة أشیاء فآمنه الله منها وبشره بها:

لفراقه وطنه فأنزل الله: إِنَّ الَّذِی فَرَضَ عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لَرَادُّکَ إلی مَعَادٍ .

ولتبدیل القرآن بعده کما فعل بسائر الکتب ، فنزل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

ولامته من العذاب ، فنزل: وَمَا کَانَ اللهُ لِیُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِیهِمْ .

ص: 134

ولظهور الدین ، فنزل: لِیُظْهِرَهُ عَلَی الدِّینِ کُلِّهِ .

وللمؤمنین بعده ، فنزل: یُثَبِّتُ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَفِی الآخرة .

ولخصمائهم ، فنزل: یَوْمَ لا یُخْزِی اللهُ النَّبِیَّ وَ الَّذِینَ آمَنُوا .

وللشفاعة ، فنزل: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وللفتنة بعده علی وصیه، فنزل: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِکَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ .یعنی بعلی.

ولثبات الخلافة فی أولاده ، فنزل: لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الأَرْضِ .

ولابنته حال الهجرة ، فنزل: الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیَامًا وَقُعُودًا . . . الآیات. انتهی.

وقال الفخر الرازی فی تفسیره:16 جزء 31/213:

قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، فالمروی عن علی بن أبی طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة فی الأمة . . . واعلم أن الحمل علی الشفاعة متعین ویدل علیه وجوه ( أحدها ) أنه تعالی أمره (ص) فی الدنیا بالاستغفار . . . عن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدی أن لا یدخل النار موحد ، وعن الباقر: أهل العراق یقولون: أرجی آیة قوله ( یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ ) . . . الخ.

ص: 135

تفسیرها بشفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأهل بیته خاصة

تفسیر فرات الکوفی/570:

قال حدثنی جعفر بن محمد الفزاری قال: حدثنا عباد، عن نصر ، عن محمد بن مروان ، عن الکلبی، عن أبی صالح ، عن ابن عباس(رض) فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: یدخل الله ذریته الجنة .

تأویل الآیات:2/810:

وروی أیضاً عن محمد بن أحمد بن الحکم ، عن محمد بن یونس ، عن حماد بن عیسی ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبیه صلی الله علیهما ، عن جابر بن عبد الله

قال: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی فاطمة(علیهاالسّلام)وهی تطحن بالرحی وعلیها کساء من جلَّة الإبل فلما نظر إلیها بکی وقال لها: یا فاطمة تعجلی مرارة الدنیا لنعیم الآخرة غداً ، فأنزل الله علیه: وَلَلأخِرَةُ خَیْرٌ لَکَ مِنَ الأُولَی ، وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وروی أیضاً عن أحمد بن محمد النوفلی ، عن أحمد بن محمد الکاتب ، عن عیسی بن مهران بإسناده إلی زید بن علی(علیه السّلام)فی قول الله عز وجل: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: إن رضی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إدخال الله أهل بیته وشیعتهم الجنة ، وکیف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم. فعلی أعدائهم لعنة الله والملائکة والناس أجمعین .

مناقب آل أبی طالب:3/120:

تفسیر الثعلبی عن جعفر بن محمد(علیه السّلام)وتفسیر القشیری عن جابر الأنصاری

ص: 136

أنه رأی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فاطمة وعلیها کساء من جلة الإبل . . . الخ.

ورواه فی تفسیر نور الثقلین:5/594 عن المناقب لابن شهر آشوب عن تفسیر الثعلبی ، وفی بحار الأنوار: 39/85 عن تفسیر الثعلبی وعن تفسیر القشیری عن جابر الأنصاری .

ورواه فی الدر المنثور:6/361 قال: وأخرج العسکری فی المواعظ وابن مردویه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله (ص)علی فاطمة وهی تطحن بالرحی . . . الخ .

مناقب أمیر المؤمنین:1/153:

محمد بن سلیمان قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: وحدثنی محمد بن الصباح الدولابی قال: حدثنا الحکم بن ظهیر ، عن السدی فی قوله تعالی: ومن یقترف حسنة نزد له فیها حسناً ، قال: المودة فی آل الرسول. وفی قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: یدخل أهل بیته الجنة .

أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبی العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابی ، حدثنا الحکم بن ظهیر ، عن السدی فی قوله عز وجل: وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْنًا ، قال: المودة فی آل الرسول (صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وفی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، فقال: رضی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن یدخل أهل بیته الجنة. انتهی.

وقال فی هامشه: أقول: وقریباً منه رواه الحافظ الحسکانی فی تفسیر الآیة 23

ص: 137

من سورة الشوری والآیة 5 من سورة الضحی فی کتاب شواهد التنزیل: 2/147 و 344 .

مناقب آل أبی طالب:2/15:

تفسیر وکیع ، قال ابن عباس فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، یعنی ولسوف یشفعک یا محمد یوم القیامة فی جمیع أهل بیتک فتدخلهم کلهم الجنة ترضی بذلک عن ربک. انتهی. ورواه فی بحار الأنوار: 8/43 .

بحار الأنوار:24/48:

وروی عن ابن المغازلی أیضاً بإسناده عن السدی مثله ، وزاد فی آخره: وقال فی قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: رضی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أن یدخل أهل بیته الجنة .

الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن جریر من طریق السدی عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: من رضا محمد أن لا یدخل أحد من أهل بیته النار .

وأخرج ابن أبی شیبة عن ابن مسعود (رض) قال قال رسول الله (ص): إنا أهل بیت اختار الله لنا الآخرة علی الدنیا ، وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . .

ص: 138

تفسیرها بشفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لجمیع أمته !

شعب الإیمان للبیهقی:2/164:

عن ابن عباس من قوله عز وجل: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . قال: رضاه أن یدخل أمته کلهم الجنة .

الدر المنثور:6/361:

وأخرج البیهقی فی شعب الإیمان من طریق سعید بن جبیر عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .، قال: رضاه أن تدخل أمته الجنة کلهم .

وأخرج الخطیب فی تلخیص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، قال: لا یرضی محمد واحد من أمته فی النار .

وأخرج مسلم عن ابن عمرو (رض) أن النبی(ص) تلا قول الله فی إبراهیم: فمن تبعنی فإنه منی ، وقول عیسی: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُکَ . . الآیة ، فرفع یدیه وقال: اللهم أمتی أمتی وبکی ، فقال الله: یا جبریل إذهب إلی محمد فقل له إنا سنرضیک فی أمتک ، ولا نسوؤک .

تفسیر نور الثقلین:5/595:

فی مجمع البیان عن الصادق(علیه السّلام)قال: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی فاطمة(علیهاالسّلام) وعلیها کساء من جلة الابل وهی تطحن بیدها وترضع ولدها فدمعت عینا

ص: 139

رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما أبصرها فقال: یا بنتاه تعجلی مرارة الدنیا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .

وقال الصادق(علیه السّلام): رضا جدی أن لا یبقی فی النار موحد .

وروی حریث بن شریح ، عن محمد بن علی بن الحنفیة أنه قال: یا أهل العراق تزعمون أن أرجی آیة فی کتاب الله عز وجل: یَا عِبَادِیَ الَّذِینَ أَسْرَفُوا عَلَی أَنْفُسِهِمْ . . الآیة ، وإنا أهل البیت نقول: أرجی آیة فی کتاب الله: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی ، وهی والله الشفاعة لیعطاها فی أهل لا إله إلا الله حتی یقول: رب رضیت .

مجمع البحرین:1/115:

وفی حدیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کساه الله من حلل الأمان. قال بعض الشارحین: المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالی قال له: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .، وهو(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی بدخول أحد من أمته إلی النار ، کما ورد فی الحدیث .

مجمع البحرین:2/186:

قوله تعالی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی، قال المفسرون: اللام فی ( ولسوف ) لام الإبتداء المؤکدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدیر: ولانت سوف یعطیک ، ولیست بلام قسم لأنها لا تدخل علی المضارع إلا مع نون التأکید. وفی الروایة: إن أرجی آیة فی کتاب الله هذه الآیة ، لأنه لا یرضی بدخول أحد من أمته النار .

ص: 140

بحار الأنوار:79/91:

( المکسو حلل الأمان ) قال الشیخ البهائی(رحمه الله): المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالی قال له: ولسوف یعطیک ربک فترضی، وهو(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی بدخول أحد من أمته فی النار ، کما ورد فی الحدیث ، وحلل الأمان استعارة .

ملاحظتان

الأولی: قد یشکل علی بعض هذه الأحادیث بأن سورة الضحی مکیة فکیف نزلت فی المدینة بعد ما قاله النبی للزهراء صلی الله علیه وعلیها ؟ أو بعد أن سب بعض القرشیین بنی هاشم وقال ( إنما مثل محمد فیهم کمثل شجرة فی کبا ) کما ذکرت بعض الروایات ؟ .

والجواب: أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآیات مرتین أو مرات ، کما قرر ذلک علماء التفسیر فی أسباب النزول ، فیکون النزول الثانی مؤکداً ، أو مبیناً لمصادیق الآیة ، أو تأویلاً لها . . ومن الواضح أن هذه الآیة من النوع الذی یصح نزوله فی أکثر من مناسبة لتطمین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتذکیره بنعم الله تعالی الآتیة ، لیتحمل أحقاد المشرکین ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذایاها ، ومصاعب الدنیا ومراراتها .

ویؤید نزولها مرة ثانیة ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:6/361: وأخرج ابن مردویه عن عکرمة (رض) قال: لما نزلت وللاخرة خیر لک من الأولی ، قال العباس بن عبد المطلب: لا یدع الله نبیه فیکم إلا قلیلاً لما هو خیر له.

ص: 141

انتهی .

ویؤیده أیضاً ما رواه المجلسی فی بحار الأنوار:22/533: عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: لما حضرت النبی الوفاة استأذن علیه رجل فخرج إلیه علی(علیه السّلام) فقال: حاجتک ؟ قال: أردت الدخول إلی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال علی(علیه السّلام): لست تصل إلیه فما حاجتک ؟ فقال الرجل: إنه لابد من الدخول علیه ، فدخل علی فاستأذن النبی (علیهماالسّلام) فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال: یا نبی الله إنی رسول الله إلیک ، قال: وأی رسل الله أنت قال: أنا ملک الموت ، أرسلنی إلیک یخیَّرک بین لقائه والرجوع إلی الدنیا ، فقال له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): فأمهلنی حتی ینزل جبرئیل فأستشیره ، ونزل جبرئیل(علیه السّلام)فقال: یا رسول الله الآخرة خیر لک من الأولی، ولسوف یعطیک ربک فترضی ، لقاء الله خیر لک ، فقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لقاء ربی خیر لی ، فامض لما أمرت به ، فقال جبرئیل لملک الموت: لا تعجل حتی أعرج إلی ربی وأهبط ... الخ. انتهی .

علی أنا نلاحظ فی بعض روایاتها أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لفاطمة(علیهاالسّلام)( یا بنتاه تعجلی مرارة الدنیا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علی: وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی .) وهو یدل علی أن النبی ذکَّر فاطمة بنزول الآیة ، لا أنها نزلت فی ذلک الوقت .

الثانیة: نلاحظ فی تفسیر هذه الآیة ملامح الاتجاه إلی توسیع الشفاعة لکل المسلمین ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسیئهم ! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمین والجبارین والطغاة ومحرفی الدین والمفسدین فی أمور البلاد والعباد ! ولا اشترطت شروطاً لنیل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً: من مات علی الشهادتین وکان من الذین خلطوا عملاً صالحاً وآخر

ص: 142

سیئاً ، ولم یکن فی رقبته ظلم للعباد . . ولو أنها اشتملت علی ذلک لکان لعمومها وجه یمکن الدفاع عنه . . ولکنها وأمثالها من الروایات ترید أن تقول إن المسلمین کلهم یدخلون الجنة مهما ارتکبوا من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن فی سلوکهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالی ورسوله ! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم فی هدم أصوله وتغییر فروعه..! فما داموا مسلمین بالاسم منتمین إلی أمة النبی فإن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی یوم القیامة حتی یدخلهم الجنة إلی آخر نفر !!

وهذه نفس مقولة الیهود ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ولا یمکن التوفیق بینها وبین آیات القرآن والأحادیث التی اتفق الجمیع علی صدورها عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . مثل إخباره بأن بعض أصحابه یمنعون من ورود الحوض ، ویؤمر بهم إلی النار . . کما سیأتی فی محاولات توسیع الشفاعة، إن شاء الله تعالی، وستعرف أن عدداً من الآیات والأحادیث الثابتة عند الجمیع تنص علی أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یمکن أن تشمل أنواعاً من المجرمین والظالمین ، حتی لو کانوا من أمة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصحابته ، وحتی لو کان عندهم بعض الأعمال الحسنة ، لأن إجراء قوانین الجزاء والعقاب من مقتضیات العدل الالهی.

ولذلک فإن مقولة ( أن النبی لا یرضی مادام أحد من أمته محکوماً علیه بدخول النار ) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلی النبی وآله صلی الله علیه وعلیهم ، لأن الآیات والأحادیث القطعیة تعارضها ، ویعارضها حکم العقل أیضاً ، لأنها تساوی بین المحسنین والفجار ، بل تبطل القانون الالهی فی العقاب !

ص: 143

وبسبب ذلک نستظهر أن أصل الحدیث شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأهل بیته فجعلوه لأمته، کما حرفوا غیره من الأحادیث والمناقب الخاصة ببنی هاشم أو بالعترة وجعلوه لکل قریش أو لکل الأمة ، ومن ذلک حدیث ( الأئمة من بعدی اثنا عشر من أهل بیتی ) فجعلوه من قریش ! ولا یتسع المجال للتفصیل .

نعم یمکن القول بشمول شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لکل أمته إذا حددنا مفهوم أمته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بمن یقبلهم ویرتضیهم بسبب صحة عقیدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خیار الموحدین الذین خلطوا عملاً صالحاً وآخر سیئاً ، فهؤلاء قد یصح القول فیهم ان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا یرضی أن یدخلوا النار .

وقد ورد معنی قریب مما ذکرنا فی دعاء فی بحار الأنوار: 94/119 یقول: اللهم إنک قلت لنبیک(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی . اللهم إن نبیک ورسولک وحبیبک وخیرتک من خلقک لا یرضی بأن تعذب أحداً من أمته دانک بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بیته وإن کان مذنباً خاطئاً فی نار جهنم ، فأجرنی یا رب من جهنم وعذابها ، وهبنی لمحمد وآل محمد ، یا أرحم الراحمین. انتهی .

ص: 144

الفصل السادس :حدود الشفاعة

اشارة

ص: 145

ص: 146

حدود الشفاعة

من الطبیعی للباحث فی مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار، أن یتذکر دائماً أن مصدر معلوماته عن ذلک العالم وکل عوالم الغیب إنما هو النصوص الشریفة من القرآن والسنة ، وأن بحثه فی مسائله یعنی الاهتداء بالعقل والفکر فی إطار هذه النصوص لا خارجها . . ولذلک یحتاج فی کثیر من التفاصیل وأحیاناً فی أمر أساسی ، إلی التوقف عند القدر المتیقن من النصوص ، حتی لا یقول فی دین الله تعالی بغیر علم .

ومن الملاحظ فی آیات الجنة والنار والشفاعة أن أحادیثها التی تصنف الناس بأنهم من أهل النار أو من أهل الجنة، لا تستوعب کل أصناف الناس، بل تبقی أصناف کثیرة خارجة عن القدر المتیقن من الطرفین . . وکذلک الأمر فی الشفاعة حیث نجد فی القرآن الکریم شروطاً للشفعاء وللمشفوع لهم ، ونجد فی السنة تفصیلات لها وذکراً لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة ، أو لا تشملهم . . وتبقی أصناف أخری من الناس لا تذکرها النصوص ولا تشملها .

والحل فی مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط فی تصنیف عباد الله فی الجنة أو النار ، أو داخل الشفاعة أو خارجها ،

بالظنون والاحتمالات ، کما یفعل البعض !

ص: 147

المذاهب فی حدود الشفاعة ( من ارتضی )

هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحیة نظریة ، کما أنه بحث حساس من ناحیة تطبیقیة ، لأنه یصنِّف المسلمین إلی مرضیین عند الله ورسوله وغیر مرضیین..ولذلک اختلفت فیه آراء المذاهب والفئات ، وکثر فی تاریخ المسلمین وکتبهم البحث فی الذین تشملهم شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والذین لا تشملهم. .

وأهم الأقوال أو المذاهب فی المسألة أربعة:

القول الأول: قول أهل البیت (علیهم السّلام) الذی یشترط للشفاعة: الإسلام ، وعدم الشرک، وعدم الظلم ، وإطاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مودة أهل بیته (علیهم السّلام) .

القول الثانی: القول بتوسیع الشفاعة ، وهو قول أکثر المذاهب السنیة التی توسعها إلی جمیع المسلمین ، بل إلی غیرهم من الیهود والنصاری . . وستعرف أن فیه عدة آراء بل مذاهب .

القول الثالث: إنکار شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أصلاً ، وهو قول قدماء الخوارج ، وقد رد علیهم أهل البیت (علیهم السّلام) وبقیة المذاهب. وقد ولد هذا الرأی ردةَ فعل علی مذهب توسعة الشفاعة الذی تبنته الدولة وأفرطت فیه .

القول الرابع: قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذی یرتکب المعاصی الکبائر لأنه یستحق النار ، بل تختص بالمسلم الذی یرتکب المحرمات الصغائر المعفو عنها ، وفائدتها رفع درجته فی الجنة .

وسوف نستعرض هذه المذاهب فی الفقرات التالیة إن شاء الله تعالی .

ص: 148

حدود الشفاعة عند أهل البیت (علیهم السلام)

ما دل علی استثناء المشرک والظالم من الشفاعة

التوحید للصدوق/407:

حدثنا أحمد بن زیاد بن جعفر الهمدانی (رض) قال: حدثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن محمد بن أبی عمیر قال: سمعت موسی بن جعفر (علیهماالسّلام) یقول: لا یخلد الله فی النار إلا أهل الکفر والجحود ، وأهل الضلال والشرک. ومن اجتنب الکبائر من المؤمنین لم یسأل عن الصغائر ، قال الله تبارک وتعالی: إِنْ تَجْتَنِبُوا کَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ وَنُدْخِلْکُمْ مُدْخَلاً کَرِیمًا .

قال فقلت له: یابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبین ؟

قال: حدثنی أبی عن آبائه عن علی (علیهم السّلام)

قال: سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول: إنما شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی ، فأما المحسنون منهم فما علیهم من سبیل .

قال ابن أبی عمیر فقلت له: یابن رسول الله فکیف تکون الشفاعة لأهل الکبائر والله تعالی ذکره یقول: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی وَ هُمْ مِنْ خَشْیَتِهِ مُشْفِقُونَ ؟ ومن یرتکب الکبائر لا یکون مرتضی !

فقال: یا أبا أحمد مامن مؤمن یرتکب ذنباً إلا ساءه ذلک وندم علیه ، وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): کفی بالندم توبة.

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من سرته حسنته وساءته سیئته فهو مؤمن ، فمن لم یندم علی

ص: 149

ذنب یرتکبه فلیس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة ، وکان ظالماً والله تعالی ذکره یقول: ما للظالمین من حمیم ولا شفیع یطاع .

فقلت له: یا ابن رسول الله وکیف لا یکون مؤمناً من لم یندم علی ذنب یرتکبه ؟ فقال: یا أبا أحمد ما من أحد یرتکب کبیرة من المعاصی وهو یعلم أنه سیعاقب علیها إلا ندم علی ما ارتکب ، ومتی ندم کان تائباً مستحقاً للشفاعة ، ومتی لم یندم علیها کان مصراً ، والمصر لا یغفر له ، لأنه غیر مؤمن بعقوبة ما ارتکب ، ولو کان مؤمناً بالعقوبة لندم. وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا کبیرة مع الإستغفار ، ولا صغیرة مع الإصرار . وأما قول الله عز وجل: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی، فإنهم لا یشفعون إلا لمن ارتضی الله دینه ، والدین الإقراربالجزاء علی الحسنات والسیئات ، فمن ارتضی الله دینه ندم علی ما ارتکبه من الذنوب ، لمعرفته بعاقبته فی القیامة. انتهی. ورواه فی وسائل الشیعة:11/266 ، وفی تفسیر نور الثقلین:4/517 .

الإعتقادات للصدوق/44:

إعتقادنا فی الشفاعة: أنها لمن ارتضی دینه من أهل الکبائر والصغائر ، فأما التائبون من الذنوب فغیر محتاجین إلی الشفاعة.

قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من لم یؤمن بشفاعتی فلا أناله الله شفاعتی .

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): لا شفیع أنجح من التوبة .

والشفاعة للأنبیاء والاوصیاء (علیهم السّلام) ، وفی المؤمنین من یشفع مثل ربیعة ومضر ، وأقل المؤمنین من یشفع ثلاثین ألفاً .

والشفاعة لا تکون لأهل الشک والشرک ، ولا لأهل الکفر والجحود ، بل

ص: 150

تکون للمذنبین من أهل التوحید .

من لا یحضره الفقیه:3/574:

وقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنما شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی.

وقال الصادق (علیه السّلام): شفاعتنا لأهل الکبائر من شیعتنا ، وأما التائبون فإن الله عز وجل یقول: مَا عَلَی الْمُحْسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ. ورواهما فی وسائل الشیعة:11/264 .

روضة الواعظین/501:

قیل للرضا (علیه السّلام): یابن رسول الله فما معنی قول الله تعالی: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی؟ قال: لا یشفعون إلا لمن ارتضی دینه ، قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): شفاعتی لأهل الکبائر من أمتی ما خلا الشرک والظلم .

الاختصاص للمفید/33: باب فیه مسائل الیهودی التی ألقاها علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

حدثنا عبدالرحمن بن إبراهیم قال: حدثنا الحسین بن مهران قال: حدثنی الحسین بن عبدالله ، عن أبیه ، عن جده ، عن جعفر بن محمد ، عن أبیه ، عن جده الحسین بن علی بن أبی طالب(علیه السّلام)قال: جاء رجل من الیهود إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا محمد أنت الذی تزعم أنک رسول الله وأنه یوحی إلیک کما أوحی إلی موسی بن عمران ؟ قال: نعم ، أنا سید ولد آدم ولا فخر ، أنا خاتم النبیین وإمام المتقین ورسول رب العالمین .

فقال: یا محمد إلی العرب أرسلت أم إلی العجم أم إلینا ؟ قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی رسول الله إلی الناس کافة .

فقال: إنی أسألک عن عشر کلمات أعطاها موسی فی البقعة المبارکة حیث

ص: 151

ناجاه لا یعلمها إلا نبیٌّ مرسل أو ملکٌ مقرب .

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سل عما بدا لک .

فقال: یا محمد أخبرنی عن الکلمات التی اختارها الله لابراهیم(علیه السّلام)حین بنی هذا البیت ؟

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نعم: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أکبر .

فقال: یا محمد لأی شئ بنی إبراهیم (علیه السّلام)

الکعبة مربعاً ؟

قال: لأن الکلمات أربعة .

قال: فلای شئ سمیت الکعبة کعبة ؟

قال: لأنها وسط الدنیا .

قال: فأخبرنی عن تفسیر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ؟ فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): علم الله أن ابن آدم والجن یکذبون علی الله تعالی فقال: سبحان الله ، یعنی بری مما یقولون .

وأما قوله: الحمد لله ، علم الله أن العباد لا یؤدون شکر نعمته ، فحمد نفسه عز وجل قبل أن یحمده الخلائق ، وهی أول الکلام ، لولا ذلک لما أنعم الله علی أحد بنعمة .

وأما قوله: لا إله إلا الله ، وهی وحدانیته لا یقبل الله الأعمال إلا به ، ولا یدخل الجنة أحد إلا به ، وهی کلمة التقوی سمیت التقوی لما تثقل بالمیزان یوم القیامة .

وأما قوله: الله أکبر ، فهی کلمة لیس أعلاها کلام وأحبها إلی الله ، یعنی لیس أکبر منه ، لأنه یستفتح الصلوات به لکرامته علی الله ، وهو اسم من أسماء الله الأکبر .

ص: 152

فقال: صدقت یا محمد ما جزاء قائلها ؟

قال: إذا قال العبد: سبحان الله سبح کل شئ معه مادون العرش ، فیعطی قائلها عشر أمثالها. وإذا قال: الحمد لله أنعم الله علیه بنعیم الدنیا حتی یلقاه بنعیم الآخرة ، وهی الکلمة التی یقولها أهل الجنة إذا دخلوها ، والکلام ینقطع فی الدنیا ما خلا الحمد ، وذلک قولهم: تحیتهم فیها سلام ، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمین .

وأما ثواب: لا إله إلا الله فالجنة ، وذلک قوله: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان . وأما قوله: الله أکبر ، فهی أکبر درجات فی الجنة وأعلاها منزلة عند الله. فقال الیهودی: صدقت یا محمد ، أدیت واحدة ، تأذن لی أن أسألک الثانیة ؟ فقال: النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سلنی ما شئت - وجبرئیل عن یمین النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومیکائیل عن یساره یلقنانه - فقال الیهودی: لأی شئ سمیت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشیراً ونذیراً وداعیا ؟

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أما محمد فإنی محمود فی السماء ، وأما أحمد فإنی محمود فی الأرض ، وأما أبو القاسم فإن الله تبارک وتعالی یقسم یوم القیامة قسمة النار بمن کفر بی أو یکذبنی من الأولین والآخرین، وأما الداعی فإنی أدعو الناس إلی دین ربی إلی الإسلام ، وأما النذیر فإنی أنذر بالنار من عصانی ، وأما البشیر فإنی أبشر بالجنة من أطاعنی .

قال: صدقت یا محمد ، فأخبرنی عن الثالثة لأی شئ وقت الله هذه الصلوات الخمس فی خمس مواقیت علی أمتک ، فی ساعات اللیل والنهار . . . .

قال: صدقت یا محمد ، فأخبرنی عن العاشرة: تسعة خصال أعطاک الله من بین النبیین ، وأعطی أمتک من بین الأمم ؟

ص: 153

فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): فاتحة الکتاب ، والأذان ، والإقامة ، والجماعة فی مساجد المسلمین ، ویوم الجمعة ، والأجهار فی ثلاث صلوات ، والرخصة لأمتی عند الأمراض والسفر ، والصلاة علی الجنائز ، والشفاعة فی أصحاب الکبائر من أمتی . . . وأما شفاعتی فی أصحاب الکبائر من أمتی ما خلا الشرک والمظالم. قال: صدقت یا محمد ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنک خاتم النبیین ، وإمام المتقین ، ورسول رب العالمین .

ثم أخرج ورقاً أبیض من کمه مکتوب علیه جمیع ما قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حقاً ، فقال . . . یا محمد فقد کنت أمحی إسمک فی التوراة أربعین سنة ، فکلما محوت وجدت إسمک مکتوباً فیها ! وقد قرأت فی التوراة هذه المسائل لا یخرجها غیرک ، وإن ساعة ترد جواب هذه المسائل یکون جبرئیل عن یمینک ومیکائیل عن یسارک . فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): جبرئیل عن یمینی ومیکائیل عن یساری !

الخصال للصدوق/355:

حدثنا محمد بن علی ماجیلویه ، عن عمه محمد بن أبی القاسم ، عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی ، عن أبی الحسن علی بن الحسین البرقی ، عن عبد الله بن جبلة ، عن الحسن بن عبدالله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علی بن أبی طالب(علیهم السّلام) فی حدیث طویل قال: جاء نفر من الیهود إلی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسأله أعلمهم عن أشیاء فکان فیما سأله: أخبرنا عن سبع خصال أعطاک الله من بین النبیین وأعطی أمتک من بین الأمم . . . الخ. وهو شبیه بما تقدم عن الاختصاص ، ولعل السبع تصحیف للتسع ورواه فی تفسیر نور

ص: 154

الثقلین:1/77 وبعضه فی مستدرک الوسائل:11/364.

بشارة المصطفی/20:

قال الصادق جعفر بن محمد(علیه السّلام): أغفل الناس قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی علی بن أبی طالب یوم مشربة أم إبراهیم ، کما أغفلوا قوله فیه یوم غدیر خم ! إن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان فی مشربة أم إبراهیم وعنده أصحابه إذ جاءه علی (علیه السّلام)فلم یفرجوا له ، فلما رآهم لم یفرجوا له قال لهم: یا معاشر الناس هذا علی من أهل بیتی ، وتستَخِفُّونَ بهم وأنا حیٌّ بین ظهرانیکم ! أما والله لئن غبت عنکم فإن الله لا یغیب عنکم ، إن الرَّوْحَ والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلی وتولاه ، وسلم له وللأوصیاء من ولده. إن حقاً علیَّ أن أدخلهم فی شفاعتی لأنهم أتباعی فمن تبعنی فإنه منی ، سنة جرت فیَّ من إبراهیم لانی من إبراهیم وإبراهیم منی ، وفضلی فضله وفضله فضلی ، وأنا أفضل منه ، تصدیق قول ربی: ذریة بعضها من بعض والله سمیع علیم .

التبیان فی تفسیر القرآن:10/187:

فقال الله تعالی لهم: فما تنفعهم شفاعة الشافعین ، الذین یشفعون لهم ، لأن عذاب الکفر لا یسقطه الله بالشفاعة

بالإجماع .

أصناف من الناس موعودون بالشفاعة

اشارة

وردت فی مصادر الفریقین أحادیث متعددة وَعَدت أصنافاً من الناس بالشفاعة جزاء لأعمالهم ، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغیرهم ، أو حذرتهم من الحرمان منها عقاباً علی أعمالهم ، ونذکر منها نماذج من مصادرنا، ومن مصادر السنیین فی محلها:

ص: 155

1 - من قضی لأخیه المؤمن حاجة

وسائل الشیعة:11/588:

فی ثواب الأعمال ، عن أبیه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن سیف بن عمیرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن شرحبیل بن سعد الأنصاری ، عن أشید بن حضیرة قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أغاث أخاه المسلم حتی یخرجه من هم وکربة وورطة ، کتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات ، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات ، ودفع عنه عشر نقمات ، وأعد له یوم القیامة عشر شفاعات .

مستدرک الوسائل:12/405:

عوالی اللآلی: عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: من قضی حاجة لأخیه کنت واقفاً عند میزانه ، فإن رجح وإلا شفعت له .

مستدرک الوسائل:12/407:

وعن إبراهیم التیمی قال: کنت فی الطواف إذ أخذ أبو عبد الله(علیه السّلام)بعضدی فسلم علیَّ ثم قال: ألا أخبرک بفضل الطواف حول هذا البیت ؟ قلت: بلی قال: أیما مسلم طاف حول هذاالبیت أسبوعاً ثم أتی المقام فصلی خلفه رکعتین کتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سیئة ، ورفع له ألف درجة، وأثبت له ألف شفاعة ، ثم قال: ألا أخبرک بأفضل من ذلک ؟ قلت: بلی قال: قضاء حاجة امرئ مسلم أفضل من طواف أسبوع وأسبوع ، حتی بلغ عشرة .

ص: 156

مستدرک الوسائل:12/409:

وعن أبی عبد الله(علیه السّلام): من مشی فی حاجة أخیه کتب الله له بها عشر حسنات ، وأعطاه الله عشر شفاعات .

2 - من سعی فی حوائج ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

الکافی:4/60:

وعنه ، عن أبیه ، عن بعض أصحابنا ، عن أبی عبد الله قال قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی شافع یوم القیامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنیا: رجل نصر ذریتی ، ورجل بذل ماله لذریتی عند المضیق ، ورجل أحب ذریتی باللسان وبالقلب ، ورجل یسعی فی حوائج ذریتی إذا طردوا أو شردوا. ورواه فی من لا یحضره الفقیه:2/65 وفی تهذیب الأحکام: 4/111 وفی تأویل الآیات:2/109 وفی وسائل الشیعة:11/556 وفی مستدرک الوسائل:12/382 .

3 - من زار قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )

الکافی:4/548:

علی بن محمد بن بندار ، عن إبراهیم بن إسحاق ، عن محمد بن سلیمان الدیلمی، عن أبی حجر الاسلمی ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتی مکة حاجاً ولم یزرنی إلی المدینة جفوته یوم القیامة ، ومن أتانی زائراً وجبت له شفاعتی ، ومن وجبت له شفاعتی وجبت له الجنة ،

ص: 157

ومن مات فی أحد الحرمین مکة والمدینة لم یعرض ولم یحاسب ، ومن مات مهاجراً إلی الله عز وجل ، حشر یوم القیامة مع أصحاب بدر .

4-من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالی

الکافی:2/178:

محمد بن یحیی ، عن محمد بن الحسین ، عن محمد بن إسماعیل بن بزیع ، عن صالح بن عقبة ، عن عبدالله بن محمد الجعفی ، عن أبی جعفر(علیه السّلام) قال: إن المؤمن لیخرج إلی أخیه یزوره فیوکل الله عز وجل به ملکاً فیضع جناحاً فی الأرض وجناحاً فی السماء یظلّه ، فإذا دخل إلی منزله نادی الجبار تبارک وتعالی: أیهاالعبد المعظم لحقی المتبع لآثار نبیی، حقَّ علی إعظامک، سلنی أعطک ، أدعنی أجبک ، أسکت أبتدئک ، فإذا

انصرف شیعه الملک یظله بجناحه حتی یدخل إلی منزله ، ثم ینادیه تبارک و تعالی: أیها العبد المعظم لحقی حق علی إکرامک ، قد أوجبت لک جنتی ، وشفعتک فی عبادی .

الکافی:2/176:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن حماد بن عیسی ، عن إبراهیم بن عمر الیمانی ، عن جابر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): حدثنی جبرئیل(علیه السّلام)أن الله عزوجل أهبط إلی الأرض ملکاً فأقبل ذلک الملک یمشئ حتی وقع إلی باب علیه رجل یستأذن علی رب الدار ، فقال له الملک ما حاجتک إلی رب هذه الدار ؟ قال: أخ لی مسلم زرته فی الله تبارک وتعالی ،

ص: 158

قال له الملک: ما جاء بک إلا ذاک ؟ فقال: ما جاء بی إلا ذاک ، فقال: إنی رسول الله إلیک وهو یقرؤک السلام ویقول: وجبت لک الجنة. وقال الملک: إن الله عز وجل یقول: أیما مسلم زار مسلماً ، فلیس إیاه زار ، إیای زار وثوابه علیَّ الجنة .

5 - من یدعو للمؤمنین

الکافی:2/507:

علی بن محمد ، عن محمد بن سلیمان ، عن إسماعیل بن إبراهیم ، عن جعفر بن محمد التمیمی ، عن حسین بن علوان ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما من مؤمن دعا للمؤمنین والمؤمنات إلا رد الله عز وجل علیه مثل الذی دعا لهم به من کل مؤمن ومؤمنة مضی من أول الدهر أو هو آت إلی یوم القیامة. إن العبد لیؤمر به إلی النار یوم القیامة فیسحب فیقول المؤمنون والمؤمنات: یا رب هذا الذی کان یدعو لنا فشفعنا فیه ، فیشفعهم الله عز وجل فیه ، فینجو من النار برحمة الله عزوجل. ورواه فی وسائل الشیعة:4/541 وفی مستدرک الوسائل:5/242 عن أمالی الشیخ الطوسی .

6 - شفاعة الملائکة لأهل مجلس الدعاء

الکافی:2/187:

الحسین بن محمد ومحمد بن یحیی جمیعاً ، عن علی بن محمد بن سعد ،

ص: 159

عن محمد بن مسلم ، عن أحمد بن زکریا ، عن محمد بن خالد بن میمون ، عن عبد الله بن سنان ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنین فصاعداً إلا حضر من الملائکة مثلهم فإن دعوا بخیر أمَّنوا وإن استعاذوا من شر دعوا الله لیصرفه عنهم ، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلی الله وسألوه قضاها. وما اجتمع ثلاثة من الجاحدین إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشیاطین. ورواه فی وسائل الشیعة:11/568 .

7 - من شیع جنازة مسلم

الکافی:3/173:

أبو علی الأشعری ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن میسر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من تبع جنازة مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات ولم یقل شیئاً إلا وقال الملک: ولک مثل ذلک. ورواه فی من لا یحضره الفقیه:1/161 وفی تهذیب الأحکام:1/455 .

8 - من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً

وسائل الشیعة:18/67:

وعن طاهر بن محمد ، عن حیاة الفقیه ، عن محمد بن عثمان الهروی ، عن جعفر بن محمد بن سوار، عن علی بن حجر السعدی ، عن سعید بن نجیح ، عن ابن جریح ، عن عطاء عن ابن عباس عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً من السنة کنت له شفیعاً یوم القیامة .

ص: 160

وسائل الشیعة:18/70:

محمد بن علی الفارسی فی روضة الواعظین قال قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من حفظ من أمتی أربعین حدیثاً من السنة کنت له شفیعاً یوم القیامة. ورواه فی العمدة/17 بلفظ ( من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً من سنتی أدخلته یوم القیامة فی شفاعتی ) .

9 - من عاهد أخاه المؤمن علی الشفاعة

مستدرک الوسائل:6/278:

قال فی ضمن أعمال هذا الیوم المبارک ( یوم الغدیر ): وینبغی عقد الأخوة فی هذا الیوم مع الأخوان بأن یضع یده الیمنی علی یمنی أخیه المؤمن ویقول: واخیتک فی الله وصافیتک فی الله وصافحتک فی الله ، وعاهدت الله وملائکته وکتبه ورسله وأنبیاءه والأئمة المعصومین (علیهم السّلام) علی أنی إن کنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لی بأن أدخل الجنة ، لا أدخلها إلا وأنت معی. فیقول الأخ المؤمن: قبلت ، فیقول: أسقطت عنک جمیع حقوق الأخوة ما خلا الشفاعة ، والدعاء ، والزیارة .

10 - مجموعة أعمال وصفات توجب الشفاعة

اشارة

من لا یحضره الفقیه:4/17:

ألا ومن مشی إلی مسجد یطلب فیه الجماعة کان له بکل خطوة سبعون

ص: 161

ألف حسنة ، ویرفع له من الدرجات مثل ذلک ، فإن مات وهو علی ذلک وکل الله عز وجل به سبعین ألف ملک یعودونه فی قبره ویبشرونه ویؤنسونه فی وحدته ویستغفرون له حتی یبعث .

ألا ومن أذن محتسباً یرید بذلک وجه الله عز وجل أعطاه الله ثواب أربعین ألف شهید وأربعین ألف صدیق ، ویدخل فی شفاعته أربعون ألف مسی من أمتی إلی الجنة .

ألا وإن المؤذن إذا قال ( أشهد أن لا إله إلا الله ) صلی علیه سبعون ألف ملک ویستغفرون له وکان یوم القیامة فی ظل العرش حتی یفرغ الله من حساب الخلائق ویکتب له ثواب قوله (أشهد أن محمداً رسول الله) أربعون ألف ملک .

هذا ، وتوجد أحادیث کثیرة ضمنت الجنة لبعض أصناف الناس علی أعمالهم الحسنة، وهی تصلح بنحو للإستدلال علی شمول الشفاعة لهم، لأن الوعد من النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد یکون بسبب شمولهم لشفاعته ، ونذکر منهم:

1 - من شفع لاخیه المؤمن فی حاجة

وسائل الشیعة:11/562:

عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ومن شفع لاخیه شفاعة طلبها ، نظر الله إلیه فکان حقاً علی الله أن لا یعذبه أبداً ، فإن هو شفع لاخیه شفاعة من غیر أن یطلبها، کان له أجر سبعین شهیداً .

ص: 162

2 - من قام بخدمة لمجتمع المسلمین

الکافی:2/164:

عنه عن علی بن الحکم ، عن مثنی بن الولید الحناط ، عن فطر بن خلیفة ، عن عمر بن علی بن الحسین ، عن أبیه

صلوات الله علیهما قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من رد عن قوم من المسلمین عادیة ماء أو نار ، وجبت له الجنة .

3 - من ربَّی بنتاً أو أکثر

الکافی:6/6:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات ، وجبت له الجنة فقیل: یا رسول الله واثنتین ؟ فقال: واثنتین ، فقیل: یا رسول الله وواحدة ؟ فقال: وواحدة .

4 - من احترم نعمة الله تعالی

من لا یحضره الفقیه:1/27:

ودخل أبو جعفر الباقر(علیه السّلام)الخلاء فوجد لقمة خبز فی القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلی مملوک کان معه فقال: تکون معک لاکلها إذا خرجت ، فلما خرج(علیه السّلام)قال للمملوک: أین اللقمة؟ قال أکلتها یا ابن رسول الله ، فقال:

ص: 163

إنها ما استقرت فی جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر، فإنی أکره أن استخدم رجلاً من أهل الجنة .

5 - أصناف أخری موعودون بالجنة

من لا یحضره الفقیه:1/140:

وقال أمیر المؤمنین(علیه السّلام): ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة ، ورجل خرج یعود مریضاً فمات فله الجنة ، ورجل خرج مجاهداً فی سبیل الله فمات فله الجنة ، ورجل خرج حاجاً فمات فله الجنة ، ورجل خرج إلی الجمعة فمات فله الجنة ، ورجل خرج فی جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة .

من لا یحضره الفقیه:4/17:

ألا ومن تصدق بصدقة ، فله بوزن کل درهم مثل جبل أحد من نعیم الجنة، ومن مشی بصدقه إلی محتاج ، کان له کأجر صاحبها من غیر أن ینقص من أجره شی، ومن صلی علی میت صلی علیه سبعون ألف ملک وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فإن أقام حتی یدفن ویحثی علیه التراب ، کان له بکل قدم نقلها قیراط من الأجر ، والقیراط مثل جبل أحد .

ألا ومن ذرفت عیناه من خشیة الله عز وجل کان له بکل قطرة قطرت من دموعه قصر فی الجنة مکللاً بالدر والجوهر ، فیه ما لا عینٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر علی قلب بشر .

ص: 164

أصناف لا تنالهم الشفاعة

1-السلطان الظالم الغشوم

قرب الاسناد/64:

وعنه ، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد ، عن أبیه قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): صنفان لا تنالهما شفاعتی: سلطان غشوم عسوف ، وغال فی الدین مارق منه ، غیر تائب ولا نازع .

الخصال/63:

حدثنا محمد بن الحسن (رض) قال: حدثنا محمد بن یحیی العطار ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الجبار بإسناده یرفعه إلی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: رجلان لا تنالهما شفاعتی: صاحب سلطان عسوف غشوم ، وغال فی الدین مارق. ورواه فی مناقب أمیرالمؤمنین:2/330 ونحوه فی مستدرک الوسائل:12/99 .

تاریخ الیعقوبی:2/96:

أربع من فعلهن فقد خرج من الإسلام: من رفع لواء ضلالة ، ومن أعان ظالماً أو سار معه أو مشی معه وهو یعلم أنه ظالم ، ومن اخترم بذمة .

ورجلان لا تنالهما شفاعتی یوم القیامة: أمیر ظلوم ، ورجل غال فی الدین مارق منه. والأمیر العادل لا ترد دعوته .

ص: 165

2 - المنان والبخیل والنمام

اشارة

من لا یحضره الفقیه:4/17:

ثم قال(علیه السّلام): یقول الله عزوجل: حرَّمت الجنة علی المنان والبخیل والقتات ، وهو النمام. انتهی .

ولا نطیل فی تعداد هذه الأصناف ، وهی فی مصادرنا مشابهة لما یأتی فی مصادر إخواننا السنیین ، مع تأکیدها علی عدم شمول الشفاعة لمن عصی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مودة أهل بیته وولایتهم وإطاعتهم .

الذین یخرجون من النار بالشفاعة یکونون أدنی درجة

تفردت مصادر أهل البیت (علیهم السّلام) ببیان أن الموحدین الذین یخرجون من النار دخلون جنة أخری أدنی درجةً ، وهی غیر الجنة التی یسکنها أولیاء الله تعالی .

ففی بحار الأنوار:8/361:

ین: فضالة ، عن عمر بن أبان ، عن آدم أخی أیوب ، عن حمران قال: قلت لأبی عبد الله(علیه السّلام): إنهم یقولون ألا تعجبون من قوم یزعمون أن الله یخرج قوماً من النار فیجعلهم من أصحاب الجنة مع أولیائه ؟ فقال: أما یقرؤون قول الله تبارک وتعالی: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ، إنها جنة دون جنة ، ونار دون نار ، إنهم لا یساکنون أولیاء الله ! وقال: بینهما والله منزلة ، ولکن لا أستطیع أن أتکلم ، إن أمرهم لاضیق من الحلقة ، إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء .

ص: 166

رأی السنیین القریب من رأی أهل البیت (علیهم السّلام)
اشارة

وهو الرأی القائل بأن الشفاعة تشمل بعض العاصین من المسلمین ولیس کلهم .

ویدل علیه من مصادرهم:

أولاً: أحادیث کثیرة صحیحة السند عندهم ، لکن دلالتها ضاعت ، لأنها مخلوطة بأحادیث توسیع الشفاعة وشمولها لکل العاصین والمنافقین !

ونکتفی منها بالأحادیث التی نصت علی أن عدداً من صحابة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) سیغیرون ویبدلون بعده ، فلایشفع لهم یوم القیامة ، فیؤمر بهم إلی النار. فقد روی البخاری فی صحیحه:7/208 عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: بینا أنا قائم فإذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال هلم ، فقلت أین ؟ قال إلی النار والله ! قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! ثم إذا زمرة حتی إذا عرفتهم خرج رجل من بینی وبینهم فقال هلم ، قلت أین ؟ قال إلی النار والله ! قلت ماشأنهم؟ ! قال إنهم ارتدوا بعدک علی أدبارهم القهقری ! ! فلا أراه یخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم. انتهی.

وروی شبیهاً به فی:7/195 وص 207-210 وفی نفس المجلد أیضاً /84 و87 وج 8/86 و87 ، وروی نحوه مسلم فی:1/150 وج 7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد فی:2/25 وص 408 وج 3/28 وج 5/21 وص 24 وص 50 وج 6/16 ، ورواه البیهقی فی سننه:4/14 ، ونقل روایاته المتعددة فی کنز العمال فی:13/157 وج 14/48 و:15/647

ص: 167

وقال رواه ( مالک والشافعی حم م ن - عن أبی هریرة ) انتهی .

فلو کانت الشفاعة تشمل کل الخلق أو کل الموحدین أو کل المسلمین ، لشملت هؤلاء الصحابة المعروفین ! فلابد من القول بأن شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) مشروطة بشروط من أولها الإسلام وعدم الانحراف الکبیر الذی ارتکبه هؤلاء الصحابة المطرودون !

ثانیاً: أحادیث اشترطت شروطاً أخری فوق الشهادتین للشفاعة ، کالذی رواه البخاری: 8/139: عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: کل أمتی یدخلون الجنة إلا من أبی ! قالوا یا رسول الله ومن یأبی ؟ قال من أطاعنی دخل الجنة ومن عصانی فقد أبی. انتهی. وفیه تصریح أن المستثنی هم الذین عصوا الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من أمته وأنهم لا یدخلون الجنة ! ورواه الحاکم أیضاً بلفظ قریب منه فی:1/55 وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

والذی رواه النسائی فی سننه: 7 من/88 عن أبی أیوب الأنصاری أن رسول الله(ص)قال: من جاء یعبد الله ولا یشرک به شیئاً ویقیم الصلاة ویؤتی الزکاة ویجتنب الکبائر، کان له الجنة. فسألوه عن الکبائر فقال: الإشراک بالله وقتل النفس المسلمة ، والفرار یوم الزحف .

والذی رواه أحمد فی:2/176 عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً جاء إلی النبی(ص)فقال: یا رسول الله ما عمل الجنة؟ قال: الصدق ، وإذا صدق العبد برَّ ، وإذا بر آمن ، وإذا آمن دخل الجنة .

قال یا رسول الله ما عمل النار ؟

ص: 168

قال: الکذب ، إذا کذب فجر ، وإذا فجر کفر ، وإذا کفر دخل .. یعنی النار. انتهی .

فهذه الأحادیث تشترط لدخول الجنة شروطاً أخری غیر التوحید ، فلو کان التوحید وحده کافیاً لما کان لهذه الشروط معنی .

ثالثاً: أحادیث نصت علی أن الشفاعة تشمل أصنافاً معینین من الناس ، نذکر منها:

1 - من قضی لاخیه حاجة

الدر المنثور:3/71:

وأخرج أبو نعیم عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من قضی لأخیه حاجة کنت واقفاً عند میزانه ، فإن رجح ، وإلا شفعت له .

الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة جمع الله الأولین والآخرین ثم أمر منادیاً ینادی: ألا لیقم أهل المعروف فی الدنیا فیقومون حتی یقفوا بین یدی الله فیقول الله أنتم أهل المعروف فی الدنیا ، فیقولون نعم فیقول: وأنتم أهل المعروف فی الآخرة فقوموا مع الأنبیاء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة، حتی تدخلوا علیهم المعروف فی الآخرة کما أدخلتم علیهم المعروف فی الدنیا .

ص: 169

2 - من صلی علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فی مسند أحمد:4/108:

من صلی علی محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندک یوم القیامة ، وجبت له شفاعتی. ورواه فی فردوس الأخبار:4/21 ح 5555

وفی فردوس الأخبار فی:4/61 ح 5680:

أبو الدرداء: من صلی ( علیَّ ) حین یصبح عشراً وحین یمسی عشراً، أدرکته شفاعتی یوم القیامة. ورواه فی مجمع الزوائد:10/120 و163 .

3-من زار قبر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وفی الدر المنثور:1/237:

وأخرج الحکیم الترمذی والبزار وابن خزیمة وابن عدی والدارقطنی والبیهقی عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من زار قبری وجبت له شفاعتی. ( ورواه فی سنن الدار قطنی:2/278 ح 194 والذهبی فی تاریخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارنی بعد موتی وجبت شفاعتی ).

وأخرج الطبرانی عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من جاءنی زائراً لم تنزعه حاجة إلا زیارتی کان حقاً علی أن أکون له شفیعاً یوم القیامة .

وأخرج الطیالسی والبیهقی فی الشعب عن عمر سمعت رسول الله(ص) یقول: من زار قبری کنت له شفیعاً أو شهیداً ، ومن مات فی أحد الحرمین بعثه الله فی الآمنین یوم القیامة .

ص: 170

مختصر تاریخ دمشق:1 جزء 2/406:

وعن علی بن أبی طالب قال: من سأل لرسول الله(ص)الدرجة الوسیلة حلت له شفاعته یوم القیامة ومن زار قبر رسول الله(ص)کان فی جوار رسول الله (ص) .

هامش طبقات المحدثین بإصبهان:2/420 ، 167:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءنی زائراً لم تنزعه حاجة إلا زیارتی کان حقاً علی الله أن أکون له شفیعاً یوم القیامة. وشبیهه فی:1/55.

وراجع أیضاً مجمع الزوائد:4/2 وکنز العمال:15/383 وص 651 .

وقد اقتصرنا من أحادیث زیارة قبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی ماورد فیه ذکرالشفاعة وسنورد بقیة أحادیثها فی محلها إن شاء الله تعالی مع جواب شبهة الوهابیین فی تحریمهم زیارة القبور وخیرها وأشرفها قبر سید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

4 - من دعا للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بالوسیلة

روی البخاری:5/228:

من قال حین یسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسیلة والفضیلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذی وعدته ، حلَّت له شفاعتی یوم القیامة .

ورواه أیضاً فی:1 جزء 1/152 ورواه البیهقی فی سننه:1/409 ومجمع الزوائد: 1/333 والنویری فی نهایة الارب:3 جزء 5/308 .

ص: 171

5 - من حفظ من أحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أربعین حدیثاً

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:4/91 ح 5778:

عن ابن عباس: من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً من أمر دینها ، فهو من العلماء وکنت له شفیعاً یوم القیامة. ونحوه فی کنز العمال:10/158 .

وفی کتاب المجروحین لابن حبان:2/133:

عن أبی الدرداء قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: یا رسول الله ما حد العلم الذی إذا بلغه الرجل کان فقیهاً ؟ فقال: من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً فی أمر دینها بعثه الله فقیهاً ، وکنت له شافعاً وشهیداً .

6 - من حفظ أسماء الله الحسنی

صحیح البخاری:8/169:

عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: إن لله تسعة وتسعین إسماً مائة إلا واحداً ، من أحصاها دخل الجنة .

ونحوه فی:7/169 ونحوه فی مستدرک الحاکم:1/16 .

7 - من قرأ بعض سور القرآن
اشارة

روی فی فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتی آیة فی کل یوم شفع فی سبع قبور حول قبره وخفف الله عز وجل عن والدیه وإن کانا مشرکین. وفی/34 ح 5598: ابن

ص: 172

عباس: من قرأ سورة الأعراف جعل الله بینه وبین إبلیس ستراً وکان آدم شفیعاً له یوم القیامة. انتهی .

فهذه المجموعة من الأحادیث تدل علی أن بعض المسلمین من أصحاب الأعمال الحسنة یستحقون الدخول فی شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ولو کانت الشفاعة تشمل کل المسلمین لما صح جعلها میزة لاصناف معینة من أصحاب الأعمال الحسنة ، کما نصت هذه المجموعة .

ولا یضر بالإستدلال بها أن یکون بعضها ضعیفاً أو مکذوباً ، لأن الإستدلال بمجموعها ، بل حتی لو کانت کلها موضوعة فهی تدل علی أن المرتکز فی أذهان المسلمین أن الشفاعة مخصوصة بأصناف من المسلمین ولیست عامة .

رابعاً: أحادیث نصت علی أن الشفاعة لا تشمل أصنافاً من الناس ، أو دلت علی أنهم لا یدخلون الجنة ، بسبب سوء أعمالهم ، نذکر منها:

1 - السلطان الظلوم الغشوم

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/558 ح 3598:

أبو أمامة: صنفان من أمتی لن تنالهما شفاعتی ولن أشفع لهما ولن یدخلا شفاعتی: سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق من الدین. انتهی. ورواه السیوطی فی الدر المنثور:1 ص352 عن الطبرانی وفی کنز العمال: 6/21 وص30 وفی مجمع الزوائد: 5/235 وص 236 .

وعن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص): إن أشد أهل النار عذاباً یوم

ص: 173

القیامة من قتل نبیاً ، أو قتله نبی ، أو إمام جائر. قلت: فی الصحیح بعضه ، رواه الطبرانی وفیه لیث بن أبی سلیم وهو مدلس وبقیة رجاله ثقات. ورواه البزار إلا أنه قال: وإمام ضلالة ، ورجاله ثقات ، وکذلک رواه أحمد .

2 - الذی یکذب علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

روی البخاری فی:1/35:

عن سلمة بن الأکوع قال سمعت النبی(ص)یقول: من یقل علیَّ ما لم أقل فلیتبوأ مقعده من النار.

وروی نحوه أیضاً فی:1 من/36 وج 2/81 وج 4/145 وص 156 و: 6/84 وص 118 ورواه مسلم فی:1/7 و8 وص 57 وج 7 ورواه غیرهما من مصادر السنة والشیعة .

3 - الذی یبغض ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو یظلمهم

لسان المیزان:3/276:

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبنی فلیحب علیاً ، ومن أبغض أحداً من أهل بیتی حرم شفاعتی . . الحدیث .

کنز العمال:12/103:

عن الطبرانی والرافعی عن ابن عباس: من سره أن یحیا حیاتی ویموت مماتی ویسکن جنة عدن التی غرسها ربی فلیوال علیاً من بعدی ، ولیوال

ص: 174

ولیه ولیقتد بأهل بیتی من بعدی ، فإنهم عترتی خلقوا من طینتی ورزقوا فهمی وعلمی ، فویل للمکذبین بفضلهم من أمتی ، القاطعین فیهم صلتی ، لا أنالهم الله شفاعتی . انتهی.

والأحادیث فی ذلک کثیرة ، سنوردها فی مسائل الإمامة إن شاء الله .

4 - أصحاب البدع المخالفین للسنة

قال الشاطبی فی الاعتصام:1/120:

( البدعة ) مانعة من شفاعة محمد ، لما روی أنه(ص)قال: ( حلت شفاعتی لأمتی إلا صاحب بدعة ) .

قال السبکی فی طبقات الشافعیة:6/291:

حدیث: إن لله ملکاً ینادی کل یوم: من خالف السنة لم تنله الشفاعة ( ورد فی إحیاء الغزالی ) .

5 - من طلب العلم للدنیا أو طلب الدنیا بعمل الآخرة

فی مجمع الزوائد:1/184:

عن معاذ بن جبل عن رسول الله(ص)قال: من طلب العلم لیباهی به العلماء أو یماری به السفهاء فی المجالس ، لم یرح رائحة الجنة. ورواه فی کنز العمال:10/201-203 .

وفی کنز العمال:3/474 عن الدیلمی عن ابن عباس: ریح الجنة توجد من

ص: 175

مسیرة خمسمائة عام ، ولا یجدها من طلب الدنیا بعمل الآخرة.

6 - من یؤذی جیرانه

صحیح مسلم:1/49:

عن أبی هریرة أن رسول الله(ص)قال: لا یدخل الجنة من لا یأمن جاره بوائقه .

وفی مستدرک الحاکم:1/11:

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): المؤمن من أمنه الناس ، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ویده ، والمهاجر من هجر السوء ، والذی نفسی بیده لا یدخل الجنة عبد لا یأمن جاره بوائقه .

وفی مسند أحمد:2/440:

عن أبی هریرة قال قال رجل: یا رسول الله إن فلانة یذکر من کثرة صلاتها وصیامها وصدقتها ، غیر أنها تؤذی جیرانها بلسانها ! قال: هی فی النار. قال یا رسول الله فإن فلانة یذکر من قلة صیامها وصدقتها وصلاتها ، وأنها تصدق بالأتوار من الاقط ، ولا تؤذی جیرانها بلسانها ، قال: هی فی الجنة .

7 - الذی یسی إدارة من تحت یده

روی البخاری فی:8/107 بروایتین: عن معقل: سمعت النبی(ص)یقول: ما

ص: 176

من عبد استرعاه الله رعیة فلم یحطها بنصیحة إلا لم یجد رائحة الجنة. ونحوه فی کنز العمال:4/567 عن ابن سعد وابن عساکر، وفی: 6/20 وص 35 ( عق ش م حم طب وابن عساکر عن معقل بن یسار )

وفی سنن الترمذی:3/225:

عن أبی بکر الصدیق عن النبی(ص)قال: لا یدخل الجنة سی الملکة. انتهی. ورواه أحمد فی مسنده:1/7 وص 12 وج 5/22 والهیثمی فی مجمع الزوائد:5/211 .

وفی کنز العمال:6/39:

من ولی ذا قرابة محاباةً وهو یجد خیراً منه ، لم یجد رائحة الجنة .

8 - المتکبر ولو مثقال حبة خردل

روی مسلم فی صحیحه:1/65:

عن عبد الله عن النبی(ص)قال: لا یدخل الجنة من کان فی قلبه مثقال ذرة من کبر. انتهی. ورواه ابن ماجة فی:2/1397 وأحمد:1/412 وص 416 وص 451 و ج2/164 وص 248 والحاکم فی:3/416 .

وفی مجمع الزوائد:6/255:

وعن نافع مولی رسول الله(ص)أن رسول الله(ص)قال: لا یدخل الجنة مسکین مستکبر ، ولا شیخ زان ، ولا منان علی الله تعالی بعمله. رواه

ص: 177

الطبرانی وتابعه الصباح بن خالد بن أبی أمیة لم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/116:

وأخرج البیهقی عن جابر قال کنا مع النبی(ص)فأقبل رجل ، فلما رآه القوم أثنوا علیه ، فقال النبی(ص)قال: إنی لأری علی وجهه سفعة من النار ، فلما جاء وجلس قال: أنشدک بالله أجئت وأنت تری أنک أفضل القوم ؟ قال نعم. انتهی .

وقد ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) أن التکبر المانع من دخول الجنة هو التکبر عن قبول الحق ولیس التکبر العادی وإن کان معصیة کبیرة .

ویؤیده ما رواه الحاکم فی المستدرک:1/26: عن عبد الله بن مسعود (رض)عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لا یدخل الجنة من کان فی قلبه حبة من کبر ، فقال رجل: یا رسول الله إنه لیعجبنی أن یکون ثوبی جدیداً ورأسی دهیناً وشراک نعلی جدیداً ، قال وذکر أشیاء حتی ذکر علاقة سوطه ، فقال: ذاک جمال ، والله جمیل یحب الجمال ، ولکن الکبر من بطر الحق وازدری الناس. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه وقد احتجا جمیعاً برواته .

9 - من قتل نفسه

مسند أحمد:2/435:

عن أبی هریرة عن النبی(ص): الذی یطعن نفسه إنما یطعنها فی النار ، والذی یتقحم فیها یتقحم فیها فی النار ، والذی یخنق نفسه یخنقها فی النار .

ص: 178

10 - من نبت لحمه من سحت

روی أحمد فی:3/321:

قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لکعب بن عجرة: یا کعب بن عجرة ، الصوم جنة ، والصدقة تطفی الخطیئة ، والصلاة قربان أو قال برهان. یا کعب بن عجرة إنه لا یدخل الجنة لحم نبت من سحت ، النار أولی به .

ورواه فی:3/399 وفی مجمع الزوائد:10/230 وص 293 .

11 - من زنی بذات محرم

فی مجمع الزوائد:6/269:

وعن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا یدخل الجنة من أتی ذات محرم. رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح ، غیر یحیی بن حسان الکوفی وهو ثقة .

12 - من نسب نفسه إلی غیر أبیه

روی ابن ماجة فی:2/870:

عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): من ادعی إلی غیر أبیه لم یرح رائحة الجنة ، وإن ریحها لیوجد من مسیرة خمسمائة عام. انتهی . ورواه أحمد فی:2/71 وفیه (وإن ریحها لیوجد من قدر سبعین عاماً )

ص: 179

ورواه فی:2/171 وص 194 وفی مجمع الزوائد:1/98 وص 148 وکنز العمال:6/195 وج 16/32 .

13 - مدمن الخمر وقاطع الرحم والنمام وقاسی القلب . . . الخ .

مسند أحمد:4/399:

من حدیث أبی موسی أن النبی(ص)قال: ثلاثة لا یدخلون الجنة: مدمن خمر ، وقاطع رحم ، ومصدق بالسحر .

وفی:2/69: ثلاثة قد حرم الله علیهم الجنة: مدمن الخمر ، والعاق ، والدیوث الذی یقر فی أهله الخبث .

ونحوه فی:2/164 وص 201 و203 وفی سنن البیهقی:8/288 .

وفی:8/166: عن إبراهیم عن همام قال: کنت جالساً عند حذیفة فمر رجل فقالوا: هذا یرفع الحدیث إلی السلطان ، فقال حذیفة قال رسول الله(ص): لا یدخل الجنة قتات. قال الاعمش: والقتات النمام.أخرجه مسلم فی الصحیح.

مسند أحمد:2/134:

قال عبد الله (رض) قال رسول الله (ص): ثلاثة لا یدخلون الجنة ولا ینظر الله إلیهم یوم القیامة: العاق والدیه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والدیوث. وثلاثة لا ینظر الله الیهم یوم القیامة: العاق بوالدیه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطی. وروی نحوه فی:2/69 وص 134 والحاکم: 1/72 .

ص: 180

وفی مسند أحمد:1/190:

عن سعید بن زید عن النبی(ص)أنه قال:

من أربی الربا الإستطالة فی عرض مسلم بغیر حق ، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن فمن قطعها حرم الله علیه الجنة .

وفی مسند أحمد:3/14:

عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): لا یدخل الجنة صاحب خمس: مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ، ولا کاهن ، ولا منان. ونحوه مسند أحمد:3/28

وفی مجمع الزوائد:8/149 ونحوه فی:5/125:

فإن ریح الجنة یوجد من مسیرة ألف عام ، والله لا یجده عاق ، ولا قاطع رحم ، والباغی فإنه لیس من عقوبة أسرع من عقوبة بغی ، ولا قاطع رحم ، ولا شیخ زان ، ولا جارُّ إزاره خیلاء .

وفی مجمع الزوائد:6/257 ونحوه فی:8/148:

وعن عبدالله بن عمرو عن النبی(ص)قال: لا یدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا منان ، ولا ولد زنیة. قلت: رواه النسائی غیر قوله ولا ولد زنیة. رواه أحمد والطبرانی وفیه جابان وثقه ابن حبان وبقیةرجاله رجال الصحیح.

سنن الترمذی:3/232:

ص: 181

عن أبی بکر الصدیق ، عن النبی (ص): لا یدخل الجنة خب ، ولا بخیل ، ولا منان. هذا حدیث حسن غریب .ونحوه فی کنز العمال:3/546 .

وفی مجمع الزوائد:10/243:

وعن نافع قال سمع ابن عمر رجلاً یقول: الشحیح أعذر من الظالم ، فقال ابن عمر: کذبت ، سمعت رسول الله(ص)یقول: الشحیح لا یدخل الجنة .

وفی مجمع الزوائد:8/155:

عن ابن عمر عن النبی(ص)قال: إن لکل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد ، إن الله لا یرحم من لا یرحم ولده. والذی نفسی بیده لا یدخل الجنة إلا رحیم. قلنا یا رسول الله: کلنا یرحم ، قال: لیس رحمته أن یرحم أحدکم صاحبه ، إنما الرحمة أن یرحم الناس .

وفی کنز العمال:16/53:

لا یدخل الجنة ولد زنی ، ولا مدمن خمر ، ولا عاق ، ولا منان ( ابن جریر ع - عن أبی سعید ) .

14 - الذی یقتل أحداً من أهل الذمة

فی صحیح البخاری:4/65:

عن عبد الله بن عمرو رضی الله عنهما عن النبی(ص)قال: من قتل معاهداً لم یرح رائحة الجنة ، وإن ریحها یوجد من

مسیرة أربعین عاماً. ونحوه فی:8

ص: 182

/47 وابن ماجة: 2/896 والترمذی: 2/429 والحاکم فی: 2/126 والبیهقی فی سننه:8/133 وج 9/205 والنسائی:8/24 وفیه ( وإن ریحها لیوجد من مسیرة سبعین عاماً ) ورواه فی مسند أحمد:2/186 وج 4/61 وص 237 وج 5/46 و50 و51 و369 و374 والهیثمی فی مجمع الزوائد:6/293 .

ونعم ما علق به الفخر الرازی علی هذا الموضوع حیث قال فی تفسیره ج2 جزء3 ص151: عن الحسن ، عن أبی بکرة ، قال(علیه السّلام): من قتل نفساً معاهداً لم یرح رائحة الجنة. وإذا کان فی قتل الکفار هکذا، فما ظنک بقتل أولاد رسول الله(ص)؟ !

15-الذی یغش العرب

فی مسند أحمد:1/72:

عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله (ص): من غش العرب لم یدخل فی شفاعتی ولم تنله مودتی. انتهی . ورواه البغوی فی مصابیح السنة:4/142 والدیلمی فی فردوس الأخبار:4/180 ح 6075 وأبو الشیخ فی طبقات المحدثین بأصبهان:2/640 .

ص: 183

16 - اللعان الفحاش

صحیح مسلم:8/24:

حدثنی سوید بن سعید ، حدثنی حفص بن میسرة ، عن زید بن أسلم أن عبد الملک بن مروان بعث إلی أم الدرداء بأنجاد من عنده ، فلما أن کان ذات لیلة قام عبد الملک من اللیل فدعا خادمه فکأنه أبطأ علیه فلعنه ، فلما صبح قالت له أم الدرداء: سمعتک اللیلة لعنت خادمک حین دعوته ! فقالت سمعت أبا الدرداء یقول قال رسول الله (ص): لا یکون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء یوم القیامة. انتهی. ورواه أبو داود فی:2/458 والحاکم:1/48 والدیلمی فی فردوس الأخبار:5/311 ح 8009 وفی کنز العمال: 3/615 والسیوطی فی الدر المنثور:1/146 وقال: وأخرج مسلم وأبو داود والحکیم الترمذی عن أبی الدرداء. .

وقال البخاری فی تاریخه:6/22:

عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضی الله عنها قالت لعبد الملک بن مروان: سمعت أبا الدرداء (رض) یقول سمعت النبی(ص)یقول: لا یکون الحلیم لعَّاناً ، ولا یؤذن فی الشفاعة للعَّان .

وفی کنز العمال:3/353:

عن الدیلمی عن عائشة: رحم الله امرأ کف لسانه عن أعراض المسلمین ، لا تحل شفاعتی لطعان ولا لعان. انتهی .

ولا بد أن یکون المراد باللعان فی هذه الأحادیث بذی اللسان الفحاش

ص: 184

الذی یسب المسلمین ویلعنهم ، وإلا فإن لعن الذین لعنهم الله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عملٌ جائز أو واجب شرعاً وفیه ثوابٌ ، لأنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاءٌ علیهم باستمرار طردهم من رحمة الله تعالی .

17 - ورووا أن أکثر النساء فی النار

صحیح البخاری:7/200:

عن عمران بن الحصین عن النبی(ص)قال: اطلعت فی الجنة فرأیت أکثر أهلها الفقراء ، واطلعت فی النار فرأیت أکثر أهلها النساء . . .

عن أسامة عن النبی(ص)قال: قمت علی باب الجنة فکان عامة من دخلها المساکین وأصحاب الجد محبوسون ، غیر أن أصحاب النار قد أمر بهم إلی النار. وقمت علی باب النار فإذا عامة من دخلها النساء !. انتهی .

ورواه أحمد فی مسنده:2/297 .

وفی مجمع الزوائد:4/274:

قال کنا مع عمرو بن العاص فی حج أو عمرة فلما کنا بمر الظهران إذ امرأة فی هودجها واضعةً یدها علی هودجها ، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه، قال کنا مع رسول الله(ص)فی هذا المکان فإذا نحن بغربان کثیر وإذا بغراب أعصم المنقار والرجل فقال: لا یدخل الجنة من النساء إلا کقدر الغراب فی هذه الغربان ، قال أبو عمر : الأعصم الأحمر. رواه الطبرانی واللفظ له ، وأحمد ورجال أحمد ثقات. انتهی .

ص: 185

18 - ورووا فی من أطال إزاره أو ثوبه

سنن النسائی:8/207:

عن أبی هریرة قال رسول الله (ص): ما تحت الکعبین من الإزار ففی النار. وفی روایة: ما أسفل من الکعبین من الإزار ففی النار. انتهی .

فهذه الأحادیث تدل علی أن بعض المسلمین لا یدخلون الجنة .. ولو کانت الشفاعة تشمل کل المسلمین لم یکن لهذه الإستثناءات معنی ، بل للزم من إحدی المجموعتین کذب المجموعة الأخری !

ولا یضر بالإستدلال بمجموع أحادیث الاستثناء من الجنة ، أو الحکم باستحقاقها أن بعضها ضعیف أو مکذوب کما ذکرنا ، لأن المکذوب أیضاً یدل علی أن المرتکز فی أذهان المسلمین اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمین ، لا بجمیعهم .

شرط الشفاعة فی المظالم الشخصیة

اشارة

روت مصادر الفریقین أحادیث تدل علی إمکانیة أن تشمل الشفاعة أهل المظالم الشخصیة ، بشرط أن یعفو صاحب المظلمة عن ظالمه.

ص: 186

ففی تفسیر الإمام العسکری (علیه السّلام)/204:

وقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): یا معشر شیعتنا اتقوا الله واحذروا أن تکونوا لتلک النار حطباً ، وإن لم تکونوا بالله کافرین ، فتوقوها بتوقی ظلم إخوانکم المؤمنین ، فإنه لیس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارک له فی موالاتنا ، إلا ثقَّل الله فی تلک النار سلاسله وأغلاله ولم یفکه منها إلا شفاعتنا ، ولن نشفع إلی الله تعالی إلا بعد أن نشفع له إلی أخیه المؤمن ، فإن عفا عنه شفعنا له ، وإلا طال فی النار مکثه .انتهی .

ورواه فی مستدرک الوسائل:12/101 .

وفی الإعتقادات للصدوق/29:

قیل لامیر المؤمنین(علیه السّلام): صف لنا الموت فقال: علی الخبیر سقطتم، هو أحد أمور ثلاثة یرد علیه: إما بشارةٌ بنعیم الأبد ، وإما بشارةٌ بعذاب الأبد ، وإما تخویفٌ وتهویلٌ وأمرٌ مبهمٌ لا یدری من أی الفرق هو ؟ فأما ولینا والمطیع لأمرنا فهو المبشر بنعیم الابد ، وأما عدونا

والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد ، وأما المبهم أمره الذی لا یدری ما حاله فهو المؤمن المسرف علی نفسه لا یدری ما یؤول إلیه حاله یأتیه الخبر مبهماً مخوفاً ، ثم لن یسویه الله تعالی بأعدائنا ، ولکن یخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطیعوا ولا تتکلوا ولا تستصغروا عقوبة الله ، فإن من المسرفین من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة .

وفی مسند أحمد:3/13:

ص: 187

عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): یخلص المؤمنون یوم القیامة من النار فیحبسون علی قنطرة بین الجنة والنار فیقتص لبعضهم من بعض مظالم کانت بینهم فی الدنیا ، حتی إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فی دخول الجنة. فوالذی نفسی بیده لأحدهم أهدی لمنزله فی الجنة منه بمنزله کان فی الدنیا. ورواه فی:3/63 وص 74 .

نتیجة

النتیجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفقٌ علیه بین السنة والشیعة ، علی أصوله وخطوطه العامة أیضاً ، وهی أنه یشمل من مات علی الشهادتین ، ولم یکن ظالماً ، ولم یکن عاصیاً للنبی فی أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ومنه نعرف أن کل ما خالف هذه الأصول فهو نشاز عن ثقافة الإسلام ، جاء إلی أصحابه من خلل الرأی ، أو من التلقی والتأثر بثقافة الیهود ، والنصاری ، والمجوس وغیرهم !

ص: 188

الفصل السابع :توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه

اشارة

ص: 189

ص: 190

توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه

اشارة

فی مصادر السنیین اتجاه یقول بتوسیع الشفاعة أکثر من القدر المتفق علیه بین الجمیع ، وهو اتجاه خطیر ، لأنه یلغی قانون العقوبة الإلهیة جزئیاً أو کلیاً ! وهو أربعة آراء أو مذاهب نذکرها حسب توسیعها لدائرة الشفاعة:

الرأی الأول: أن الشفاعة تشمل کل من شهد الشهادتین حتی الطلقاء والمنافقین !

الرأی الثانی: أن الشفاعة تشمل کل من شهد بتوحید الله تعالی ، حتی لو کفر برسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

الرأی الثالث: أن الشفاعة تشمل کل الخلق !

الرأی الرابع: أن العقاب فی الآخرة ینتهی کلیاً ، وأن جهنم تفنی أوتبقی ، ولکن ینقل أهلها کلهم إلی الجنة !

ونذکر هنا ملاحظات کلیة علی هذه المذاهب أو الاقوال:

الملاحظة الأولی: أن هذه التوسیعات فی الشفاعة أو فی دخول الجنة

ص: 191

زادت علی توسیع الیهود لها ، لأن الیهود حصروا الشفاعة والجنة بقومیتهم الیهودیة ، وهذه التوسعات عممتها إلی العقائد المختلفة والقومیات المختلفة ، وإن کانت احتفظت بمیزة لکل قبائل قریش .

کما زادت علی عقیدة الفداء النصرانیة ، لأن بولس اشترط لشمول فداء المسیح وشفاعته الدخول فی النصرانیة . . بینما أکثر هذه التوسیعات لا تشترط الدخول فی الإسلام !

الثانیة: أن لکعب الأحبار وتلامیذه دوراً أساسیاً فی توسیع الشفاعة ، بل کان کعب مرجعاً فی الشفاعة بحیث أن الخلیفة عمر یستفتیه فیها ویؤید آراءه ، ویعمل علی نشرها ، کما ستری.

الثالثة: أن هذه التوسیعات لا تشمل أحداً ممن اعترض علی الخلفاء أو خالفهم فی الرأی ، أو امتنع عن بیعتهم ، کما لا تشمل بنی هاشم وبنی عبد المطلب أسرة النبی وآباءه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وخاصة أبا طالب والد علی(علیه السّلام) ! وستری هذه الغرائب وغیرها فی نصوص الشفاعة فی مصادر إخواننا السنیین !

الرابعة: أن هذه الأفکار صارت أصلاً ومنبعاً لمذاهب فاسدة ، جرَّت علی الأمة مصائب ثقافیة وسیاسیة ، مثل مذهب المرجئة والقدریة وغیرهما .

الرأی الأول: أن الشفاعة تشمل کل من شهد الشهادتین حتی الطلقاء والمنافقین !

روی البخاری فی صحیحه:1/41:

قال حدثنا أنس بن مالک أن رسول الله(ص)ومعاذ ردیفه علی الرحل قال: یا

ص: 192

معاذ بن جبل ، قال لبیک یا رسول الله وسعدیک. قال یا معاذ ، قال لبیک یا رسول الله وسعدیک ثلاثاً ! قال ما من أحد یشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه ، إلا حرمه الله علی النار. قال: یا رسول الله أفلا أخبر به الناس فیستبشروا ؟ قال: إذاً یتکلوا ، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً ! انتهی .

وروی البخاری فی تاریخه:8/41:

عن عوف بن مالک قال: کنا مع النبی(ص)فی بعض مغازیه فقال: إن ربی خیرنی بین أن یدخل نصف أمتی الجنة والشفاعة ، فاخترت الشفاعة. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/304 ح 2774 .

وروی البخاری فی تاریخه:1/184:

عن عوف بن مالک سمع النبی(ص)یقول: الشفاعة لمن مات من أمتی لا یشرک بالله شیئاً .

وروی مسلم فی:1/122:

أخبرنی أبو الزبیر أنه سمع جابر بن عبد الله یسأل عن الورود ، فقال:... فتدعی الأمم بأوثانها وما کانت تعبد الأول فالأول ، ثم یأتینا ربنا بعد ذلک فیقول: من تنظرون؟ فیقولون ننظر ربنا ! فیقول أنا ربکم ، فیقولون حتی ننظر إلیک ، فیتجلی لهم یضحک ! قال فینطلق بهم ویتبعونه ! ویعطی کل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً ثم یتبعونه ، وعلی جسر جهنم کلالیب وحسک ، تأخذ من شاء الله ، ثم یطفأ نور المنافقین ثم ینجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم کالقمر لیلة البدر سبعون ألفاً لا یحاسبون ، ثم الذین یلونهم کأضوأ نجم فی السماء ، ثم کذلک.

ص: 193

ثم تحل الشفاعة ویشفعون حتی یخرج من النار من قال لا إله إلا الله وکان فی قلبه من الخیر ما یزن شعیرة ، فیجعلون بفناء الجنة ، ویجعل أهل الجنة یرشون علیهم الماء حتی ینبتوا نبات الشئ فی السیل ویذهب حراقه. ثم یسأل حتی تجعل له الدنیا وعشرة أمثالها معها !!

وروی أبو داود فی:1/632:

عن عامر بن سعد عن أبیه قال: خرجنا مع رسول الله(ص)من مکة نرید المدینة ، فلما کنا قریباً من عزوراء نزل ثم رفع یدیه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمکث طویلاً ، ثم قام فرفع یدیه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمکث طویلاً ، ثم قام فرفع یدیه ساعة ثم خر ساجداً ذکره أحمد ثلاثاً ، قال: إنی سألت ربی وشفعت لأمتی فأعطانی ثلث أمتی ، فخررت ساجداً لربی شکراً ثم رفعت رأسی فسألت ربی لامتی فأعطانی ثلث أمتی ، فخررت ساجداً لربی شکراً ثم رفعت رأسی فسألت ربی لأمتی فأعطانی الثلث الآخر ، فخررت ساجداً لربی. ورواه البیهقی فی سننه:2/370 .

وروی أحمد فی مسنده:5/149:

عن أبی ذر قال صلی رسول الله(ص)لیلةً ، فقرأ بآیة حتی أصبح یرکع بها ویسجد بها: إن تعذبهم فإنهم عبادک وإن تغفر لهم فإنک أنت العزیز الحکیم، فلما أصبح قلت: یا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآیة حتی أصبحت ترکع بها وتسجد بها ؟ قال: إنی سألت ربی عز وجل الشفاعة لأمتی فأعطانیها وهی نائلة إن شاء الله لمن لا یشرک بالله عز وجل شیئاً. ورواه ابن أبی شیبة فی مصنفه:7/432 ح 104 عن أبی جعفر الباقر(علیه السّلام). وفی

ص: 194

الدر المنثور:3/204 عن أحمد .

وروی أحمد فی:5/325:

عن عبادة بن الصامت قال: فقد النبی(ص)لیلة أصحابه ، وکانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارک وتعالی اختار له أصحاباً غیرهم! فإذا هم بخیال النبی(ص)فکبروا حین رأوه وقالوا: یا رسول أشفقنا أن یکون الله تبارک وتعالی اختار لک أصحاباً غیرنا ! فقال رسول الله (ص): لا بل أنتم أصحابی فی الدنیا والآخرة ، إن الله تعالی أیقظنی فقال یا محمد إنی لم أبعث نبیاً ولا رسولاً إلا وقد سألنی مسألة أعطیتها إیاه فاسأل یا محمد تعط، فقلت: مسألتی الشفاعة لأمتی یوم القیامة ، فقال أبو بکر: یا رسول الله وما الشفاعة ؟ قال أقول: یا رب شفاعتی التی اختبأت عندک ، فیقول الرب تبارک وتعالی: نعم ، فیخرج ربی تبارک وتعالی بقیة أمتی من النار ، فینبذهم فی الجنة .

وقال فی مجمع الزوائد:10/369:

عن عوف بن مالک الأشجعی قال: سافرنا مع رسول الله(ص)سفراً حتی إذا کان اللیل أرقت عینای فلم یأتنی النوم ، فقمت فإذا لیس فی العسکر دابة إلا واضعة خدها إلی الأرض ، وأری وقع کل شئ فی نفسی ، فقلت لاتین رسول الله(ص)فلاکلا به اللیلة حتی أصبح ، فخرجت أتخلل الرحال حتی دفعت إلی رحل رسول الله(ص)فإذا هو لیس فی رحله ، فخرجت أتخلل الرحال حتی خرجت من العسکر فإذا أنا بسواد ، فتیممت ذلک السواد فإذا هو أبو عبیدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لی: ما الذی أخرجک ؟ فقلت: الذی أخرجکما ، فإذا نحن بغیطة منا غیر بعید فمشینا إلی الغیطة فإذا نحن

ص: 195

نسمع فیها کدوی النحل وتخفیق الریاح ، فقال رسول الله (ص): هاهنا أبو عبیدة بن الجراح ؟ قلنا نعم ، قال ومعاذ بن جبل ؟ قلنا نعم ، قال وعوف بن مالک ؟ قلنا نعم ، فخرج إلینا رسول الله(ص)لا نسأله عن شئ ولا یسألنا عن شئ حتی رجع إلی رحله فقال: ألا أخبرکم بما خیرنی ربی آنفاً ؟ قلنا بلی یا رسول الله ، قال: خیرنی بین أن یدخل ثلثی أمتی الجنة بغیر حساب ولا عذاب ، وبین الشفاعة. قلنا: یا رسول الله ما الذی اخترت ؟ قال: اخترت الشفاعة. قلنا جمیعاً: یا رسول الله إجعلنا من أهل شفاعتک قال: إن شفاعتی لکل مسلم .

وفی روایة عن عوف أیضاً قال: نزلنا مع رسول الله(ص)منزلاً فاستیقظت من اللیل فإذا أنا لا أری فی العسکر شیئاً أطول من مؤخرة رحل ! قد لصق کل إنسان وبعیره بالأرض، فقمت أتخلل حتی جفلت إلی مضجع رسول الله (ص)فإذا هو لیس فیه ! فوضعت یدی علی الفراش فإذا هو بارد ، فقمت أتخلل الناس وأقول: إنا لله وإنا إلیه راجعون، فذکر نحوه إلا أنه قال: خیرنی بین أن یدخل نصف أمتی الجنة. وفی روایة جعل مکان أبی عبیدة أبا موسی. قلت: روی الترمذی وابن ماجة طرفاً منه ، رواه الطبرانی بأسانید ورجال بعضها ثقات .

وعن أبی کعب صاحب الحریر قال سألت النضر بن أنس فقلت: حدثنی بحدیث ینفعنی الله عز وجل به ، فقال نعم أحدثک بحدیث کتب إلینا به من المدینة فقال أنس: إحفظوا هذا فإنه من کنز الحدیث ، قال: غزا رسول الله (ص)فسار ذلک الیوم إلی اللیل ، فلما کان اللیل نزل وعسکر الناس حوله ونام هو وأبو طلحة زوج أم سلیم وفلان وفلان أربعة ، فتوسد النبی(ص)ید

ص: 196

راحلته ثم نام ونام الأربعة إلی جنبه ، فلما ذهب عتمة من اللیل رفعوا رؤوسهم فلم یجدوا النبی(ص)عند راحلته ، فذهبوا یلتمسون رسول الله (ص)فلقوه مقبلاً فقالوا: جعلنا الله فداک أین کنت فإنا قد فزعنا لک إذ لم نرک ؟ قال النبی (ص): کنت نائماً حیث رأیتم فسمعت فی نومی دویاً کدوی الرحا أو هزیز الرحی ففزعت فی منامی فوثبت فمضیت ! فاستقبلنی جبریل(علیه السّلام)فقال: یا محمد إن الله بعثنی إلیک الساعة لاخیرک إما أن یدخل نصف أمتک الجنة وإما الشفاعة یوم القیامة ، فاخترت الشفاعة لامتی. فقال النفر الأربعة: یا رسول الله إجعلنا ممن تشفع لهم ، فقال: وجبت لکم. ثم أقبل النبی(ص)والنفر الأربعة حتی استقبله عشرة فقالوا: أین نبینا نبی الرحمة ؟ قال نحدثهم بالذی حدث القوم فقالوا: جعلنا الله فداءک إجعلنا ممن تشفع لهم یوم القیامة ، فقال: وجبت لکم. فجاؤا جمیعاً إلی عظم الناس فنادوا فی الناس: هذا نبینا نبی الرحمة ، فحدثهم بالذی حدث القوم ، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءک جعلنا الله ممن تشفع لهم ، فنادی ثلاثاً: إنی أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتی لمن یموت لا یشرک بالله عز وجل شیئاً. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه علی بن قرة بن حبیب ولم أعرفه وبقیة رجاله ثقات. انتهی. ورواه فی المعجم الکبیر أیضاً:18/107 .

وفی مجمع الزوائد:10/377:

وعن أبی أمامة عن النبی(ص)قال: نعم الرجل أنا لشرار أمتی ، فقال له رجل من جلساه: کیف أنت یا رسول الله لخیارهم ؟ قال: أما شرار أمتی فیدخلهم الله الجنة بشفاعتی ، وأما خیارهم فیدخلهم الله الجنة بأعمالهم. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/9 ح 7004 .

ص: 197

وقال فی الدر المنثور:2/115:

وأخرج البیهقی عن ابن عابد قال خرج رسول الله(ص)فی جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل علیه یا رسول الله فإنه رجل فاجر ، فالتفت رسول الله(ص)إلی الناس وقال: هل آراه أحد منکم علی الإسلام ؟ فقال رجل: نعم یا رسول الله حرس لیلة فی سبیل الله ، فصلی علیه رسول الله(ص)وحثی علیه التراب وقال: أصحابک یظنون أنک من أهل النار ، وأنا أشهد أنک من أهل الجنة ! وقال: یا عمر إنک لا تسأل عن أعمال الناس ولکن تسأل عن الفطرة !!

وفی أسد الغابة:1/156:

عن أنیس الأنصاری أن النبی(ص)قال: إنی لاشفع یوم القیامة لأکثر مما علی ظهر الأرض من حجر ومدر .

وفی تفسیر الرازی:10 جزء 19/192:

فثبت أن ( إن المتقین فی جنات وعیون ) یتناول جمیع القائلین بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً ، سواء کانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصیة ! انتهی .

وهذا غریب من الرازی الذی هو حریص علی العقلانیة ، ولکن کثرة أحادیث أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذین ینتقدهم ! فقد حکم بأن المسلم یدخل الجنة بالعقیدة فقط بدون عمل ، بل حتی لو کانت حیاته سلسلة من

المعاصی والطغیان والاجرام !

ولم یزد علیه فی ذلک إلا الدیلمی حیث روی أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إنما

ص: 198

جعلت من أجل جبابرة هذه الأمة وفراعنتها ! قال فی فردوس الأخبار: 2/498 ح 3397: أنس بن مالک: شفاعتی للجبابرة من أمتی !!

وقد نقل السیوطی مجموعة کبیرة من الروایات مفادها أن الله تعالی یحاسب المسلمین علی أعمالهم ویدخل قسماً منهم إلی الجنة وقسماً آخر إلی النار، ولکن الکفار یعیرون المسلمین فی جهنم بأنهم لم ینفعهم إسلامهم ، فیأنف الله تعالی ویغضب وتأخذه الغیرة للمسلمین لتوحیدهم ، فینقلهم جمیعاً حتی جبابرتهم ومجرمیهم وشیاطینهم إلی الجنة ، فعندئذ یتمنی الکفار لو کانوا مسلمین ، واستدل هو وغیره بذلک علی أن جمیع المسلمین یدخلون الجنة !

وقد ورد شبیه هذا المعنی فی أحادیثنا من طریق أهل البیت (علیهم السّلام) ولکنه بالنسبة إلی بعض أصناف الموحدین ولیس لکل المسلمین کما تذکر هذه الروایات !

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/92 - 94 فی تفسیر قوله تعالی: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ:

وأخرج ابن المبارک فی الزهد وابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر والبیهقی فی البعث عن ابن عباس وأنس (رض) أنهما تذاکرا هذه الآیة: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، فقالا: هذا حیث یجمع الله بین أهل الخطایا من المسلمین والمشرکین فی النار فیقول المشرکون ما أغنی عنکم ما کنتم تعبدون ، فیغضب الله لهم فیخرجهم بفضل رحمته .

ص: 199

وأخرج سعید بن منصور وهناد والبیهقی عن مجاهد (رض) فی قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ، قال: إذا خرج من النار من قال لا إله إلا الله .

وأخرج الطبرانی فی الأوسط وابن مردویه بسند صحیح عن جابر بن عبد الله (رض)قال قال رسول الله (ص): إن ناساً من أمتی یعذبون بذنوبهم فیکونون فی النار ما شاء الله أن یکونوا ، ثم یعیرهم أهل الشرک فیقولون: ما نری ما کنتم فیه من تصدیقکم نفعکم ، فلا یبقی موحد إلا أخرجه الله تعالی من النار. ثم قرأ رسول الله (ص): رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ .

وأخرج ابن أبی عاصم فی السنة وابن جریر وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وصححه وابن مردویه والبیهقی فی البعث والنشور عن أبی موسی الأشعری (رض) قال قال رسول الله (ص): إذا اجتمع أهل النار فی النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الکفار للمسلمین: ألم تکونوا مسلمین؟ قالوا بلی ، قالوا: فما أغنی عنکم الإسلام وقد صرتم معنا فی النار ! قالوا: کانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ماقالوا فأمر بکل من کان فی النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأی ذلک من بقی من الکفار قالوا: یا لیتنا کنا مسلمین فنخرج کما خرجوا ، ثم قرأ رسول الله (ص): أعوذ بالله من الشیطان الرجیم بسم الله الرحمن الرحیم: الرَ تِلْکَ آیَاتُ الْکِتَابِ وَ قُرْآنٍ مُبِینٍ رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ .

وأخرج إسحق بن راهویه وابن حبان والطبرانی وابن مردویه عن أبی سعید الخدری أنه سئل هل عندک من رسول الله(ص)فی هذه الآیة شی: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ؟ قال نعم سمعته یقول: یخرج الله أناساً من

ص: 200

المؤمنین من النار بعد ما یأخذ نقمته منهم ، لما أدخلهم الله النار مع المشرکین قال لهم المشرکون: ألستم کنتم تزعمون أنکم أولیاء الله فی الدنیا فما بالکم معنا فی النار ! فإذا سمع الله ذلک منهم أذن فی الشفاعة لهم فیشفع الملائکة والنبیون والمؤمنون حتی یخرجوا بإذن الله ، فإذا رأی المشرکون ذلک قالوا: یا لیتنا کنا مثلهم فتدرکنا الشفاعة فنخرج معهم ، فذلک قول الله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، قال فیسمون فی الجنة الجهنمیین من أجل سواد فی وجوههم ، فیقولون: یا ربنا أذهب عنا هذا الاسم ، فیأمرهم فیغتسلون فی نهر الجنة فیذهب ذلک الاسم عنهم .

وأخرج هناد بن السری والطبرانی فی الأوسط وأبو نعیم عن أنس (رض) قال قال رسول الله(ص): إن ناساً من أهل لا إله إلا الله یدخلون النار بذنوبهم فیقول لهم أهل اللات والعزی: ما أغنی عنکم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا فی النار! فیغضب الله لهم فیخرجهم فیلقیهم فی نهر الحیاة فیبرؤون من حرقهم کما یبرأ القمر من خسوفه، فیدخلون الجنة ویسمون فیها الجهنمیین.

وأخرج الحاکم فی الکنی عن حماد (رض) قال سألت إبراهیم عن هذه الآیة: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، قال: حدثت أن أهل الشرک قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغنی عنکم ما کنتم تعبدون ، فیغضب الله لهم فیقول للملائکة والنبیین: إشفعوا لهم فیشفعون لهم فیخرجون ، حتی أن إبلیس لیتطاول رجاء أن یدخل معهم ، فعند ذلک یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین .

ص: 201

وأخرج ابن جریر عن ابن مسعود (رض) فی قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ ، قال: هذا فی الجهنمیین ، إذا رأوهم یخرجون من النار. انتهی.

وفی نفس الوقت روی السیوطی روایات تدل علی أن تمنی الکفار هذا لیس بعد دخول النار بل فی یوم القیامة قبل دخول الجنة والنار . . قال: وأخرج ابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والبیهقی فی البعث عن ابن عباس (رض) فی قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا قال:

ذلک یوم القیامة یتمنی الذین کفروا لو کانوا مسلمین قال: موحدین.

وأخرج سعید بن منصور وهناد بن السری فی الزهد ابن جریر وابن المنذر والحاکم وصححه والبیهقی فی البعث والنشور عن ابن عباس (رض) قال: ما زال الله یشفع ویدخل الجنة ویشفع ویرحم ، حتی یقول من کان مسلماً فلیدخل الجنة فذلک قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ. انتهی .

والإشکالات علی هذا الرأی کثیرة یکفی منها ما تقدم من أدلة الرأی الأول ویکفی منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذین أسقطوا قوانین العقوبة الإلهیة ، کما فعل الیهود من قبلهم !

وینبغی التذکیر هنا بأن القرآن الکریم والأحادیث الثابتة المتفق علیها هی المیزان فی قبول الأحادیث الأخری أو ردها . . وبهذا المیزان نجد أنفسنا ملزمین برد الأحادیث التی تکتفی بشرط إعلان الشهادتین فقط لدخول الجنة ، وتسقط کل الشروط العملیة ! لأنها تناقض عشرات الآیات والأحادیث القطعیة المتفق علیها عند الجمیع !

علی أنه یمکن لمن ثبتت عنده هذه الأحادیث أن یؤولها بأنها تقصد التأکید

ص: 202

علی أهمیة الشهادتین ، ولا تقصد إسقاط بقیة الشروط التی نصت علیها الآیات والأحادیث الأخری ، لأنها شرط ضمنی فیها ، فتکون النتیجة إخضاع هذه الأحادیث لمفاد أحادیث القول الأول ، وهو المطلوب .

الرأی الثانی: أن الشفاعة تشمل کل من شهد بتوحید الله تعالی حتی لو کفر بنبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

اشارة

والمستفید الأول من هذه التوسعة هم المنافقون من قریش والأنصار ، الذین کانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الإیمان بالنبی فی حیاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وقد جعل الله تعالی لهم علامات یعرفهم المسلمون بها ، ومن أوضحها بغض علی بن أبی طالب(علیه السّلام)باعتباره یمثل تحدی الإسلام للکفر والنفاق ، وباعتباره أول عترة النبی ووصیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. فکان حب علی وبغضه فی حیاة رسول الله وبنصه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )میزاناً للایمان والنفاق! وقد روی الجمیع أحادیثه وصححوها ، منها ما رواه أحمد فی مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبیش عن علی (رض) قال عهد إلیَّ النبی(ص)أنه لا یحبک إلا مؤمن ولا یبغضک إلا منافق. ورواه الترمذی فی سننه:5/306 .

وقال الترمذی فی سننه:5/298:

عن أبی سعید الخدری قال: إن کنا لنعرف المنافقین نحن معشر الأنصار ببغضهم علی بن أبی طالب. هذا حدیث غریب. وقد تکلم شعبة فی أبی هارون العبدی، وقد روی هذا عن الاعمش عن أبی صالح ، عن أبی سعید .

ص: 203

وروی الحاکم فی المستدرک:3/128:

عن ابن عباس (رض) قال نظر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی علی فقال: یا علی أنت سید فی الدنیا سید فی الآخرة ، حبیبک حبیبی وحبیبی حبیب الله ، وعدوک عدوی وعدوی عدو الله ، والویل لمن أبغضک بعدی !! صحیح علی شرط الشیخین ، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة ، وإذا تفرد الثقة بحدیث فهو علی أصلهم صحیح .

وروی الحاکم فی:3/135 سمعت عمار بن یاسر (رض) یقول سمعت رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یقول لعلی: یا علی طوبی لمن أحبک وصدق فیک ، وویل لمن أبغضک وکذب فیک. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.

وروی الحاکم فی:3/142 أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر علیاً بأن الأمة ستغدر به من بعده ، قال: عن حیان الأسدی سمعت علیاً یقول قال لی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إن الأمة ستغدر بک بعدی ، وأنت تعیش علی ملتی وتقتل علی سنتی ، من أحبک أحبنی ومن أبغضک أبغضنی ، وإن هذه ستخضب من هذا ، یعنی لحیته من رأسه. صحیح. انتهی .

أما بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فصار بغض علی(علیه السّلام)جهاراً نهاراً ، ولم یعد علامةً علی النفاق بل صار علامةً علی ( الإیمان ) والتقوی والإخلاص للإسلام وتأیید السلطة الجدیدة التی یعارضها علی وشیعته ! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنین ! فقد روی البخاری:8/100 عن حذیفة بن الیمان قوله ( إن المنافقین الیوم شرٌّ منهم علی عهد النبی(ص)! کانوا یومئذ

یسرون ، والیوم یجهرون ) !

هذه الحقیقة الثابتة تنفعنا فی فهم أحادیث هذا الرأی التی ترید شمول

ص: 204

المنافقین بالشفاعة والجنة! وهی کثیرة نورد عدداً منها ثم نذکر الملاحظات علیها:

روی مسلم فی صحیحه:1/44:

عن أبی هریرة قال: کنا قعوداً حول رسول الله(ص)معنا أبو بکر وعمر فی نفر ، فقام رسول الله(ص)من بین أظهرنا ، فأبطأ علینا وخشینا أن یقتطع دوننا وفزعنا ، فقمنا فکنت أول من فزع ، فخرجت أبتغی رسول الله(ص)حتی أتیت حائطاً للأنصار لبنی النجار ، فدرت به هل أجد له باباً فلم أجد ، فإذا ربیع یدخل فی جوف حائط من بئر خارجة - والربیع الجدول - فاحتفرت فدخلت علی رسول الله(ص)، فقال: أبو هریرة ؟ فقلت نعم یا رسول الله ، قال: ما شأنک ؟ قلت کنت بین أظهرنا فقمت فأبطأت علینا فخشینا أن تقتطع دوننا ففزعنا فکنت أول من فزع ، فأتیت هذا الحائط فاحتفرت کما یحتفر الثعلب ، وهؤلاء الناس ورائی !

فقال: یا أبا هریرة وأعطانی نعلیه قال: إذهب بنعلیَّ هاتین فمن لقیت من وراء هذا الحائط یشهد أن لا إله إلا الله مستیقناً بها قلبه فبشره بالجنة ! فکان أول من لقیت عمر فقال: ماهاتان النعلان یا أبا هریرة ؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله(ص)بعثنی بهما من لقیت یشهد أن لا إله إلا الله مستیقناً بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بیده بین ثدییَّ فخررت لاستی ! فقال: إرجع یا أبا هریرة ، فرجعت إلی رسول الله(ص)فأجهشت بکاءً ، ورکبنی عمر فإذا هو علی أثری ، فقال رسول الله (ص): مالک یا أبا هریرة ؟ ! قلت: لقیت عمر فأخبرته بالذی بعثتنی به فضرب بین ثدیی ضربةً خررت لاستی قال إرجع !

ص: 205

قال رسول الله (ص): یا عمر ما حملک علی ما فعلت ؟ قال: یا رسول الله بأبی أنت وأمی أبعثت أبا هریرة بنعلیک من لقی یشهد أن إله إلا الله مستیقناً بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال: نعم. قال فلا تفعل ! فإنی أخشی أن یتکل الناس علیها فخلهم یعملون ! قال رسول الله (ص): فخلهم !!

وروی البخاری فی:1/41:

عن أنس: قال ذکر لی أن النبی(ص)قال لمعاذ: من لقی الله لا یشرک به شیئاً دخل الجنة. قال ألا أبشر الناس ؟ قال: لا ، أخاف أن یتکلوا .

وروی البخاری فی:1/109:

قال أخبرنی محمود بن الربیع الأنصاری أن عتبان بن مالک وهو من أصحاب رسول الله(ص)ممن شهد بدراً من الأنصار ، أنه أتی رسول الله (ص)فقال: یا رسول الله قد أنکرت بصری وأنا أصلی لقومی ، فإذا کانت الأمطار سال الوادی الذی بینی وبینهم لم أستطع أن آتی مسجدهم فأصلی

بهم ، ووددت یا رسول الله أنک تأتینی فتصلی فی بیتی فأتخذه مصلی.

قال فقال له رسول الله (ص): سأفعل إن شاء الله ، قال عتبان: فغدا رسول الله(ص)وأبو بکر حین ارتفع النهار ، فاستأذن رسول الله(ص)فأذنت له فلم یجلس حین دخل البیت ، ثم قال: أین تحب أن أصلی من بیتک ؟ قال: فأشرت له إلی ناحیة من البیت فقام رسول الله(ص)فکبر فقمنا فصففنا فصلی رکعتین ثم سلم ، قال وحبسناه علی خزیرة صنعناها له قال فثاب فی البیت رجال من أهل الدار ذووا عدد ، فاجتمعوا فقال قائل منهم: أین مالک بن الدخیشن أو ابن الدخشن ؟ فقال بعضهم: ذلک منافق لا یحب الله

ص: 206

ورسوله ، فقال رسول الله (ص): لا تقل ذلک ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله یرید بذلک وجه الله ؟ قال: الله ورسوله أعلم ، قال: فإنا نری وجهه ونصیحته إلی المنافقین ! قال رسول الله (ص): فإن الله قد حرم علی النار من قال لا إله إلا الله یبتغی بذلک وجه الله !! ورواه فی کنز العمال:1/302 .

وروی البخاری:2/55 وج 6/202:

فإن الله قد حرم علی النار من قال لا إله إلا الله یبتغی بذلک وجه الله.

وروی شبیهه فی:1/33 ، ورواه أحمد فی مسنده:4/44 .

وروی البخاری فی:7/172:

عن أحد بنی سالم قال غدا علی رسول الله(ص)فقال: لن یوافی عبد یوم القیامة یقول لا إله إلا الله یبتغی به وجه الله إلا حرم الله علیه النار.

وروی البخاری فی:2/69:

عن أبی ذر (رض) قال قال رسول الله (ص): أتانی آت من ربی فأخبرنی أو قال بشرنی أنه من مات من أمتی لا یشرک بالله شیئاً دخل الجنة ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی وإن سرق . . . عن عبدالله (رض) قال قال رسول الله (ص): من مات یشرک بالله شیئاً دخل النار. وقلت أنا: من مات لا یشرک بالله شیئاً دخل الجنة !!

وروی البخاری فی:7/43:

أن أبا ذر حدثه قال: أتیت النبی(ص)وعلیه ثوب أبیض وهو نائم، ثم أتیته وقد استیقظ فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات علی ذلک إلا دخل الجنة ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی وإن سرق. قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی

ص: 207

وإن سرق ! قلت وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال وإن زنی وإن سرق ، علی رغم أنف أبی ذر !! وکان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبی ذر !! قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله. انتهی.

وأبو عبدالله هو البخاری نفسه، وهو یرید بقوله هذا تخفیف إطلاق الحدیث ووضع شرط للتوحید المذکور فیه ، بأنه المسلم المجرم یدخل الجنة بشرط أن یقول ( لا إله إلا الله ) قبل موته أو عند موته. ولکن الحدیث مطلق ولیس فیه هذا الشرط !

وروی النسائی فی:8/112:

عن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): ما مجادلة أحدکم فی الحق یکون له فی الدنیا بأشد من مجادلة المؤمنین لربهم فی إخوانهم الذین أدخلوا النار ، قال یقولون: ربنا إخواننا کانوا یصلون معنا ویصومون معنا ویحجون معنا فأدخلتهم النار! قال فیقول: إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم ، قال فیأتونهم فیعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلی أنصاف ساقیه، ومنهم من أخذته إلی کعبیه ، فیخرجونهم فیقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا ، قال: ویقول أخرجوا من کان فی قلبه وزن نصف دینار ، حتی یقول من کان فی قلبه وزن ذرة ! قال أبو سعید: فمن لم یصدق فلیقرأ هذه الآیة: إِنَّ اللَّهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَ یَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ إلی عَظِیمًا .

وروی أحمد فی مسنده:4/43:

ذکروا المنافقین وما یلقون من أذاهم وشرهم حتی صیروا أمرهم إلی رجل منهم یقال له مالک بن الدخشم ، وقالوا: من حاله ، ومن حاله ، ورسول الله (ص)ساکت ، فلما أکثروا قال رسول الله (ص): ألیس یشهد أن لا إله إلا

ص: 208

الله ؟ ! فلما کان فی الثالثة قالوا: إنه لیقوله. قال: والذی بعثنی بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأکله النار أبداً ! قالوا فما فرحوا بشئ قط کفرحهم بما قال !!انتهی .

وابن الدخشن هذا ، أو الدخشم ، أو الدخیشن ، هو الذی ذکره البخاری وهو رئیس المنافقین الرسمی بعد ابن سلول ! ویمکنک أن تفکر فیما یزعمه هذا الحدیث من أن أکبر فرحة للمسلمین کانت فی ذلک الیوم ، أی یوم ساوی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین المسلمین والمنافقین الذین قال الله تعالی فیهم ما قال !!

ولعمری إنها فرحة السلطة وأتباعها الذین أرادوا حل مشکلة المنافقین لتأییدهم لهم ، فألصقوا ذلک بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وروی أحمد فی مسنده:4/411:

عن أبی بکر بن أبی موسی ( الأشعری ) عن أبیه أن رسول الله(ص)قال: أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة ، فخرجوا یبشرون الناس ، فلقیهم عمر (رض) فبشروه فردهم ، فقال رسول الله (ص): من ردکم ؟ قالوا عمر ، قال: لم رددتهم یا عمر ؟ قال إذاً یتکل الناس یا رسول الله ! انتهی. وقال عنه فی مجمع الزوائد:1/16 رجاله ثقات .

وروی أحمد:1/464:

عن عبد الله قال قال رسول الله(ص)کلمة وأنا أقول أخری ! من مات وهو یجعل لله ندا أدخله الله النار. قال وقال عبد الله: وأنا أقول: من مات وهو لا یجعل لله ندا أدخله الله الجنة !!. انتهی .

ولکن أحمد روی فی:2/170 أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الکلمتین إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: من لقی الله وهو

ص: 209

لایشرک به شیئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطیئة ، کما لو لقیه وهو مشرک به دخل النار ولم ینفعه معه حسنة .انتهی.

ولکن أحمد روی هذا الحدیث أیضاً عن عبد الله بن مسعود ولیس عبد الله بن عمرو ! قال فی:1/374: قال ابن مسعود: خصلتان یعنی إحداهما سمعتها من رسول الله(ص)، والأخری من نفسی: من مات وهو یجعل لله ندا دخل النار. وأنا أقول من مات . . . الخ .

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:1/23:

عن عقبة بن عامر (رض) قال جئت فی اثنی عشر راکباً حتی حللنا برسول الله(ص)فقال أصحابی: من یرعی إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله(ص)، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله(ص)؟ فقلت: أنا ، ثم قلت فی نفسی: لعلی مغبون ، یسمع أصحابی ما لا أسمع من نبی الله(ص)، فحضرت یوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله (ص): من توضأ وضوء کاملاً ثم قام إلی صلاة کان من خطیئته کیوم ولدته أمه ، فتعجبت من ذلک ، فقال عمر بن الخطاب: فکیف لو سمعت الکلام الآخر کنت أشد عجباً ! فقلت: أردد علیَّ جعلنی الله فداءک ، فقال عمر بن الخطاب: إن نبی الله(ص)قال: من مات لا یشرک بالله شیئاً فتحت له أبواب الجنة یدخل من أیها شاء ، ولها ثمانیة أبواب ! فخرج علینا رسول الله(ص)فجلست مستقبله فصرف وجهه عنی ، فقمت فاستقبلته ففعل ذلک ثلاث مرات فلما کانت الرابعة ، قلت یا نبی الله بأبی أنت وأمی لم تصرف وجهک عنی ؟ ! فأقبل علی فقال: أواحد أحب الیک أم اثنا عشر ؟ مرتین أو ثلاثاً ! فلما رأیت ذلک رجعت إلی أصحابی!

ص: 210

وفی مجمع الزوائد:1/32:

عن عمر بن الخطاب (رض) أنه سمع النبی(ص)یقول: من مات یؤمن بالله والیوم الآخر ، قیل له أدخل من أی أبواب الجنة الثمانیة شئت. رواه أحمد وفی إسناده شهر بن حوشب وقد وثق. وأورده أیضاً فی/49 .

وفی مجمع الزوائد:1/22:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رض) قال: جئت ورسول الله(ص)قاعد فی أناس من أصحابه فیهم عمر بن الخطاب (رض) وأدرکت آخر الحدیث ورسول الله(ص)یقول: من صلی أربع رکعات قبل العصر لم تمسه النار ! فقلت بیدی هکذا یحرک بیده إن هذا حدیث جید ، فقال عمر بن الخطاب: لما فاتک من صدر الحدیث أجود وأجود ! قلت یا ابن الخطاب فهات ، فقال عمر بن الخطاب: حدثنا رسول الله(ص)أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة !!

وفی مجمع الزوائد:1/16:

عن أبی الدرداء (رض) قال قال رسول الله (ص): من قال لا إله إلا الله وحده لا شریک له دخل الجنة. قال قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ قال: وإن زنی وإن سرق ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال: وإن زنی وإن سرق ! قلت: وإن زنی وإن سرق ؟ ! قال: وإن زنی وإن سرق علی رغم أنف أبی الدرداء ! قال فخرجت لانادی بها فی الناس فلقینی عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتکلوا علیها ! قال: فرجعت فأخبرته(ص)فقال: صدق عمر.

ص: 211

رواه أحمد والبزار والطبرانی فی الکبیر والأوسط وإسناد أحمد أصح، وفیه ابن لهیعة وقد احتج به غیر واحد. ورواه فی الدر المنثور:2/170 .

وروی أحمد:5/170:

حدثتنی جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلی الربذة فسمعت أباذر یقول: قام النبی(ص)لیلة من اللیالی فی صلاة العشاء فصلی بالقوم ثم تخلف أصحاب له یصلون ، فلما رأی قیامهم وتخلفهم انصرف إلی رحله ، فلما رأی القوم قد أخلوا المکان رجع إلی مکانه فصلی ، فجئت فقمت خلفه فأومأ إلیَّ بیمینه فقمت عن یمینه ، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفی وخلفه ، فأومأ إلیه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا ، یصلی کل رجل منا بنفسه ویتلو من القرآن ما شاء الله أن یتلو ، فقام بآیة من القرآن یرددها حتی صلی الغداة ، فبعد أن أصبحنا أومأت إلی عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلی ما صنع البارحة ؟ فقال ابن

مسعود بیده لا أسأله عن شئ حتی یحدث إلی ، فقلت: بأبی أنت وأمی قمت بآیة من القرآن ومعک القرآن ؟ ! لو فعل هذا بعضنا وجدنا علیه ، قال: دعوت لأمتی، قال: فماذا أجبت أو ماذا علیک ؟ قال: أجبت بالذی لو اطلع علیه کثیر منهم طلعةً ترکوا الصلاة ! قال: أفلا أبشر الناس ؟ قال بلی ، فانطلقت معنقاً قریباً من قذفة بحجر ، فقال عمر: یا رسول الله إنک إن تبعث إلی الناس بهذا نکلوا عن العبادة ، فنادی أن ارجع ، فرجع .

وروی أحمد فی مسنده:2/307 وفی/518:

ص: 212

عن أبی هریرة أنه سمعه یقول: سألت رسول الله (ص): ماذا رد إلیک ربک فی الشفاعة ؟ فقال: والذی نفس محمد بیده لقد ظننت أنک أول من یسألنی عن ذلک من أمتی لما رأیت من حرصک علی العلم ! والذی نفس محمد بیده ما یهمنی من انقصافهم علی أبواب الجنة أهم عندی من تمام شفاعتی، وشفاعتی لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً یصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/197 ح 3395 .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/324:

وأخرج ابن مردویه عن أبی سعید قال: لما نزلت: فبشر عبادی الذین یستمعون القول فیتبعون أحسنه ، أرسل رسول الله(ص)منادیاً فنادی: من مات لا یشرک بالله

شیئاً دخل الجنة ، فاستقبل عمر الرسول فرده ، فقال: یا رسول الله خشیت أن یتکل الناس فلا یعملون ، فقال رسول الله (ص): لو یعلم الناس قدر رحمة الله لا تکلوا ولو یعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم!

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبی حاتم وابن شاهین فی السنة عن علی بن أبی طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الکبائر من موحدی الأمم کلها الذین ماتوا علی کبائرهم غیر نادمین ولا تائبین ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعینهم ولا تسود وجوههم ، ولا یقرنون بالشیاطین ولا یغلون بالسلاسل، ولا یجرعون الحمیم ولا یلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم علی الخلود من

ص: 213

أجل التوحید ، وصورهم علی النار من أجل السجود ، فمنهم من تأخذه النار إلی قدمیه ، ومنهم من تأخذه النار إلی عقبیه ، ومنهم من تأخذه النار إلی فخذیه ، ومنهم من تأخذه النار إلی حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلی عنقه ، علی قدر ذنوبهم وأعمالهم. ومنهم من یمکث فیها شهراً ثم یخرج منها ، ومنهم من یمکث فیها سنة ثم یخرج منها ، وأطولهم فیها مکثاً بقدر الدنیا منذ یوم خلقت إلی أن تفنی .

فإذا أراد الله ان یخرجهم منها قالت الیهود والنصاری ومن فی النار من أهل الأدیان والأوثان لمن فی النار من أهل التوحید: آمنتم بالله وکتبه ورسله فنحن وأنتم الیوم فی النار سواء ، فغضب الله غضبا لم یغضبه لشئ فیما مضی ، فیخرجهم إلی عین بین الجنة والصراط فینبتون فیها نبات الطراثیث فی حمیل السیل ، ثم یدخلون الجنة مکتوب فی جباههم هؤلاء الجهنمیون عتقاء الرحمن ، فیمکثون فی الجنة ما شاء الله أن یمکثوا ، ثم یسألون الله تعالی أن یمحو ذلک الاسم عنهم ، فیبعث الله ملکاً فیمحوه ثم یبعث الله ملائکة معهم مسامیر من نار فیطبقونها علی من بقی فیها یسمرونها بتلک المسامیر فینساهم الله علی عرشه، ویشتغل عنهم أهل الجنة بنعیمهم ولذاتهم وذلک قوله: رُبَمَا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ کَانُوا مُسْلِمِینَ .

وقال ابن باز فی فتاویه:1/179:

روی البخاری عن أبی هریرة أنه قال: یا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتک قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. انتهی .

ص: 214

ملاحظات علی روایات هذا الرأی

أولاً: نلاحظ فی أحادیث هذا الرأی بل هذا المذهب ، اضطرابها وتعارضها إلی حد التناقض ! ولعل أصلها روایة مسلم التی ضرب فیها عمر أبا هریرة حتی خر لاسته ! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد ( اعترف وشهد ) بأن توحید الله تعالی فقط کاف لدخول الجنة ، وأنه لا یحتاج الأمر إلی الإیمان بنبوته ولا شفاعته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ویلاحظ أنها تؤکد علی أن الذی قال ذلک هو النبی نفسه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیس عمر! بل إن عمر کان مخالفاً لذلک ، وقد ردَّ أبا هریرة من الطریق وضربه ، واعترض علی النبی مرات ومرات ، وقد أطاعه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی بعض المرات، ثم أصرَّ النبی علی هذا القول فهو الذی یتحمل مسؤولیته ، ولیس عمر ، ولا أبو موسی ، ولا أبو هریرة ، ولا کعب الأحبار !!

ثانیاً: أن هذا المذهب یلغی حاجة المسلمین إلی الشفاعة أصلاً ! ! فأحادیثه تبشر بالجنة کل من قال ( لا إله إلا الله ) وتشمل روایاته الیهود والنصاری وغیرهم ، فلا یبقی معنی للشفاعة !!

ثالثاً: أنه یلغی الحاجة إلی أصل الإسلام ونبوة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! لأن روایاته تقول إن الله تعالی یقبل إیمان الموحد ویدخله الجنة لتوحیده ، حتی لو کفر بنبوة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! فلا یبقی مبرر لجهاد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وحروبه وشدته علی الکافرین بنبوته ! ولا یبقی معنیً لقوله تعالی ( وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسلام دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخرة مِنَ الْخَاسِرِینَ ) وکیف یجرأ مسلم علی قبول رأی من رواة أو خلیفة ، یستلزم إبطال دینه من أصله ؟!!

رابعاً: تزعم روایات هذا المذهب عدم عصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه أخطأ فی

ص: 215

تبلیغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه ! علی أنه توجد روایة أخری فی تهذیب الکمال:4 ص31 وفی مجمع الزوائد:1 ص16 تقول إن النبی لم یقتنع وأصرَّ علی رأیه ، وقال لعمر: دعهم یتکلوا ! وتوجد روایة أخری فی مجمع الزوائد وفی مسند أحمد:4/402 تقول إن النبی سکت ! . . الخ .

ومن جهة أخری تدل هذه الروایات علی عدم إیمان عمر بعصمة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتعطی لعمر دور الناظر علی أعمال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والولایة علیه لتصحیح أخطائه ! بینما یؤکد الله تعالی عصمة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی کل کلمة یتفوه بها ، فیقول ( وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی إِنْ هُوَ إِلا وَحْیٌ یُوحَی ) !

خامساً: تقدمت روایة أن عمر هو الذی بشر الناس ، ولعله اقترح علی النبی أن یبشر الناس بذلک فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!! وقد روی الهیثمی روایة فیها تصریح بأن الذی أراد تبشیر الناس هو عمر وإن کانت متناقضة ، قال ( وعن جابر (رض) قال: قال رسول الله (ص): ناد یا عمر فی الناس إنه من مات یعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم علی النار ! قال فقال عمر: یا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال: لا ، لا ، یتکلوا. انتهی.

فأول الروایة یقول: إن النبی أمر عمر بالنداء ، وآخرها یقول إن عمر اقترح النداء فلم یقبل به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ونهاه عنه !

وهذا یؤید أن یکون أصل القضیة کلها محاولة من عمر لتبشیر الناس بعدم اشتراط العمل للجنة ، فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

سادساً: إن روایات ( ضیاع النبی! ) فی غزوة من غزواته أو فی المدینة ، قد حملت من التناقض واللامعقول ما یوجب علی الباحث بل علی القارئ الشک فیها من أصلها !

ص: 216

فحدیث مسلم یقول: إنهم ( أضاعوا ) النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المدینة حتی وجده أبوهریرة فی بستان فی المدینة لبنی النجار ! وروایتا الطبرانی المتقدمتان عن عوف بن مالک والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبی فی إحدی الغزوات ! أو خرج مبهوتاً فی وسط اللیل ! وبعض روایاتها تقول إن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یضع بل کان فی بیته أو فی مسجده وأمر أبا موسی ونفراً من قومه أن یبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقیهم عمر . . . الخ . وقد رواها أحمد:4 ص402 وص411 و قال عنها مجمع الزوائد ج1ص 16 (رواه أحمد والطبرانی فی الکبیر ورجاله ثقات ) .

ثم إن روایة مسلم تقول: إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هریرة وأن عمر ضربه ! بینما تقول روایات أخری إن المأمور بالنداء أبو موسی الأشعری ونفر من الأشعریین وأن عمر رده ولم یضربه ! وأخری تقول: إن المأمور هو أبو الدرداء ، وأخری تقول: إنه أبوذر ، وأخری تقول: إنه عمر .. إلخ . وروایة أبی سعید تذکر مأموراً بدون تسمیة !

أما روایات الطبرانی فتذکر بطلین آخرین للحادثة هما عوف والنضر ، وفی روایة أخری فی مجمع الزوائد ج1 ص23 إنه عقبة بن عامر !

وتوجد روایة فی مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحید هو عمر ، ولا یوجد غیره قال الهیثمی فی مجمع الزوائد ج1 ص16 وعن عمر (رض) أن رسول الله(ص)أمره أن یؤذن فی الناس أنه: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له مخلصاً دخل الجنة ، فقال عمر: یا رسول الله إذا یتکلوا فقال: دعهم. رواه أبو یعلی والبزار إلا أن عمر قال یا رسول الله إذا یتکلوا! قال دعهم یتکلوا. انتهی .

ص: 217

أما روایة البخاری فتذکر أن بطل الروایة معاذ فقط ، وأنه اقترح تبشیر الناس بذلک فنهاه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وروایة أحمد تذکر أن بطلها عبادة بن الصامت.. وقد تقدمت الروایتان فی الرأی الثانی لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة !!

ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضیاع النبی المزعوم ، والنداء المزعوم ، لوجدنا فیها تناقضات أخری توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحیة لإثبات حکم شرعی عادی، فکیف تصلح لاثبات عقیدة خطیرة ، أخطر من مذهب المرجئة ؟ ! لأن المرجئة یشترطون لدخول الجنة الشهادتین ،

وهذه القصة تلغی الشهادة الثانیة !!

سابعاً: توجد روایات تناقض هذا الرأی عن الخلیفة عمر نفسه وتقول إن الذی یسرق عباءة من الغنائم یحرم من دخول الجنة ، حتی لو کان السارق مسلماً واستشهد فی سبیل الله تعالی ! وتقول إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قد أمر عمر أن ینادی بنداء مضاد لما ذکرته قصة ضیاع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ونداء النعلین !!

فقد روی أحمد فی مسنده:1/30 وص 47 عن عمر بن الخطاب (رض) قال لما کان یوم خیبر أقبل نفر من أصحاب النبی(ص)فقالوا: فلان شهید فلان شهید، حتی مروا علی رجل فقالوا فلان شهید ، فقال رسول الله (ص): کلا إنی رأیته فی النار فی بردة غلها أو عباءة ! ثم قال رسول الله (ص): یابن الخطاب إذهب فناد فی الناس إنه لا یدخل الجنة إلا المؤمنون قال: فخرجت فنادیت: ألا إنه لا یدخل الجنة إلا المؤمنون. انتهی .

فإذا کانت سرقة عباءة تمنع صاحبها ( الشهید ) من دخول الجنة ، فکیف تکون شهادة ( لا إله إلا الله ) وحدها بدون عمل کافیة لدخول الجنة ؟ !

وإذا کان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أمر عمر بهذا النداء ، فکیف أمر عمر نفسه أو غیره

ص: 218

بنداء مناقض له ؟ ! وکیف لم یعترض علیه عمر وهو المعروف بکثرة اعتراضاته ؟ !

ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الإیمان والعمل الصالح ، کانتا فی خیبر ، وهذه ظاهرة تحدید فی الروایة توجب نوعاً من الثقة ، ولکنک لا تجد فی قصة ضیاع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والنداء المضاد المزعومین شیئاً من التحدید ، لا اسم الغزوة ، ولا اسم البستان ، بل لا تجد إلا مجملاً فی مجمل ، وتناقضاً بعد تناقض !

وبما أن أغلب روایات هذه القصة تشترک فی ذکر دور عمر ومناقشته للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونصحه إیاه بضرر إعلان ذلک للناس ، یترجح فی الذهن احتمال أن یکون أصل القصة أن الخلیفة عمر هو الذی بشر الناس کما نصت الروایات المتقدمة ، وقد یکون اقترح علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یأمره بذلک فلم یقبل ، وأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ما ضاع لا فی غزوتین ولا فی غزوة ،ولا خرج مذعوراً فی اللیل من کلام جبرئیل ، ولا ضاع فی المدینة ، ولا اختبأ فی بستان ، ولا أعطی نعلیه لابی هریرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولا ضرب عمر أبا هریرة حتی خر لاسته ! فعندما تتناقض الروایات ولا یمکن الجمع بینها، أو تکون مخالفة للقرآن وللسنة القطعیة المتفق علیها.. فلا مجال أمام الباحث إلا ترجیح هذا الإحتمال الأخیر .

ثامناً ثبت عند الجمیع أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قد أرسل علیاً(علیه السّلام)الی مکة بأمر من الله تعالی لإبلاغ سورة براءة ، وأمره أن ینادی فی الناس بعدة أمور ، منها ( لا یدخل الجنة إلا نفس مؤمنة )! وقد روی ذلک أحمد: 1/47 وص 79 والنسائی: 5/234 والدارمی:2/230 وغیرهم ، وفی أحمد: 5/438: نفس

ص: 219

مسلمة ).

وروایات هذا النداء ثابتة عند الطرفین ، ولیست مهزوزة مثل نداء النعلین المزعوم !

ثم إن هذا النداء کان بعد فتح مکة ، فلا بد للقائل بصحة روایات نداء النعلین أن یقول إنه ناسخ لهذا النداء ، وأن یثبت صحة قصته وأنها کانت بعد نداء مکة . . ولکن دون إثبات ذلک خرط القتاد !

أما الأحادیث الأخری التی استدلوا بها علی هذا المذهب ، فلیست أحسن حالاً من حدیث ( ضیاع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واختفائه واختبائه ونداء النعلین ) فی تضاربها وتعارضها مع غیرها..ویکفی لردها الروایات التی تقدمت فی الرأی الأول .

وأخیراً ، فقد آن لاخواننا فقهاء السنة أن ینظروا بجدیة إلی تناقضات روایات الصحاح ومخالفاتها الصریحة للقرآن وضرورات الإسلام ، ویعیدوا النظر فی مفهومهم للصحیح والحجة الشرعیة !

ذلک أن صریح العقل هو الأصل الذی وصلنا به إلی الإیمان بالله تعالی ورسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ثم وصلنا به إلی قطعیات الشرع الشریف. وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانیدها لا یجوز أن یوصلنا إلی التنازل عن قطعیات الشرع والعقل، لأن إبطال الأصل یستلزم إبطال الفرع الذی نحبه ، وبالنتیجة خسارة کل شئ !!

ص: 220

أحادیث أن الله تعالی یشفع عند نفسه !

بمقتضی أحادیثهم فی استحقاق الموحد لدخول الجنة ، فلا یحتاج الأمر إلی شفاعة ، بل تصیر الشفاعة من نصیب المشرکین !

ولکن أصحاب هذا الرأی احتاطوا فی أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة ! واختلفت روایاتهم فی من یشفع فیهم ! فقال بعضها إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الذی یشفع فی الموحدین، وقال بعضها إن إسحاق هو شفیع الموحدین ، وقد صحح الحاکم روایته علی شرط الشیخین ، کما سیأتی فی مسألة الذبیح ! وقال بعضها إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یطلب من الله تعالی أن یعطیه الشفاعة فیهم فلا یعطیه إیاها بل یستأثر بها لنفسه، فکأنه تعالی یرید أن یجازیهم هو شخصیاً ، لانهم شهدوا بتوحیده !!

قال فی کنز العمال:1/56:

ما زلت أشفع إلی ربی فیشفعنی حتی أقول: شفعنی فیمن قال لا إله إلا الله ، فیقول: لیست هذه لک یا محمد ! إنما هی لی ! أنا وعزتی وحلمی ورحمتی لا أدع فی النار أحداً قال لا إله إلا الله-ع عن أنس. انتهی. وأورده الرازی فی تفسیره: 11 جزء 22/10. وفی کنز العمال:1/64 فیقال: لیست هذه لک ولا لاحد ، هذا إلیَّ ، فلا یبقی أحد قال لا إله إلا الله إلا أخرج منها - الدیلمی عن أنس .

طبقات الحنابلة لأبی یعلی:1/312:

قال أحمد بن حنبل: إذا لم یبق لاحد شفاعة قال الله تعالی: أنا أرحم الراحمین ، فیدخل کفه فی جهنم فیخرج منها ما لا یحصیه غیره .

ص: 221

وروی البیهقی فی سننه:10/42:

عن معبد بن هلال العنزی قال: أتیت أنس بن مالک (رض) فی رهط من أهل البصرة وسماهم لنا ، نسأله عن حدیث الشفاعة ، فذکر الحدیث بطوله فی سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم عن الحسن بن أبی الحسن البصری ، قال الحسن حدثنی کما حدثکم ، قال ثم قال یعنی النبی (ص): فأجئ فی الرابعة فأحمد بتلک المحامد ثم أخر له ساجداً فیقال لی یا محمد إرفع رأسک قل یسمع لک وسل تعطه واشفع تشفع ، فأقول یا رب إئذن لی فیمن قال لا إله إلا الله فیقول لیس ذلک إلیک ولکنی وعزتی وکبریائی وعظمتی لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. رواه البخاری فی الصحیح عن سلیمان بن حرب عن حماد بن زید زاد فیه ( وجلالی ) ورواه مسلم عن سعید بن منصور وغیره .

ولکن الدیلمی روی فی فردوس الأخبار:3/276 ح 4695:

أن الله تعالی یتنازل ویعطی الشفاعة فیهم لرسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال عمرو بن العاص: قلت یا ربی شفعنی فیمن قال لا إله إلا الله ، قال: لک ذلک ! انتهی .

وقال الثعالبی فی الجواهر الحسان:1/351 فی تفسیر الآیة 40 من سورة النساء:

فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون ولم یبق إلا أرحم الراحمین فیقبض قبضة من النار فیخرج منها قوماً لم یعملوا خیراً قط !

وقال فی:2/360:

ص: 222

وأحادیث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم الراحمین ففی صحیح مسلم من حدیث أبی سعید الخدری قال: فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون... الخ .

ورواه البغوی فی مصابیح السنة:3/542 .

وقد أوردنا روایات هذه (الشفاعة ) من مصادر السنیین فی المجلد الثانی فی ادعائهم رؤیة الله تعالی بالعین فی الآخرة ! ومعناها أن الله تعالی یتوسط عند نفسه ، وهو معنی عامی للشفاعة ! والظاهر أن أصلها الحدیث المروی فی مصادرنا عن الإمام محمد الباقر(علیه السّلام)الذی رواه فی بحار الأنوار:8/361 عن حمران قال سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: إن الکفار والمشرکین یرون أهل التوحید فی النار فیقولون مانری توحیدکم أغنی عنکم شیئاً ، وما أنتم ونحن إلا سواء ! قال: فیأنف لهم الرب عز وجل فیقول للملائکة: إشفعوا فیشفعون لمن شاء الله ، ویقول للمؤمنین مثل ذلک ، حتی إذا لم یبق أحدٌ تبلغه الشفاعة ، قال تبارک وتعالی : أنا أرحم الراحمین ، أخرجوا برحمتی ، فیخرجون کما یخرج الفراش ، قال: ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): ثم مدت العُمُد وأعمدت علیهم ، وکان والله الخلود. انتهی .

ورواه فی تفسیر نور الثقلین:5/523 عن مجمع البیان عن العیاشئ .

والمقصود بأهل التوحید الذین تشملهم الشفاعة فی هذه الروایة ، المسلمون الذین ارتضی الله دینهم وأماتهم علی التوحید.. فقد ورد عن أهل البیت (علیهم السّلام) أن بعض أصحاب المعاصی والانحرافات الکبیرة ، یسلب منهم التوحید قبل موتهم ، والعیاذ بالله ! !

ص: 223

الرأی الثالث: أن الشفاعة تشمل جمیع الخلق !

مجموعة الرسائل لابن تیمیة:1/10:

أجمع المسلمون علی أن النبی(ص) یشفع للخلق یوم القیامة بعد أن یسأله الناس ذلک ، وبعد أن یأذن الله فی الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علی ما اتفقت علیه الصحابة . . . أنه یشفع لأهل الکبائر ویشفع أیضاً لعموم الخلق . . . أما الوعیدیة من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هی للؤمنین خاصة . . . ومنهم من أنکر الشفاعة مطلقاً . . . ومذهب أهل السنة والجماعة أنه یشفع فی أهل الکبائر ولا یخلد أحد فی النار .

ولکن ابن باز لم یأخذ بفتوی إمامه ابن تیمیة فقال فی فتاویه:4/368:

إن المشرک إذا مات علی شرکه فهو مخلد فی النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلک مثل الذی یعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الکواکب... أو یعبد الأموات ومن یسمونهم بالأولیاء ، أو یستغیث بهم ویطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم ، مثل قول بعضهم: یا سیدی فلان المدد المدد، یا سیدی البدوی المدد المدد ... أو یا سیدی رسول الله المدد المدد الغوث الغوث ، أو یا سیدی الحسین أو یا فاطمة أو یا ست زینب ، أو غیر ذلک ممن یدعوه المشرکون . . . وهذا کله من الشرک الأکبر ، فإذا مات علیه صاحبه صار من أهل النار. انتهی .

فإن عجبت فاعجب لإبن تیمیة إمام الوهابیین حیث یحکم بدخول إبلیس وقابیل وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق! ولإمامهم المعاصر ابن

ص: 224

باز حیث یحکم بأن ملایین المسلمین الذین یدعون الله تعالی ویطلبون من أولیائه مدداً مما أعطاهم الله تعالی کلهم ( مشرکون ) مخلدون فی النار أبد الآباد !!

مجمع الزوائد:10/379:

وعن أنیس الأنصاری قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: إنی لاشفع یوم القیامة فی کل شئ مما علی وجه الأرض من حجر ومدر. رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه أحمد بن عمرو صاحب علی بن المدینی ویعرف بالقلوری ولم أعرفه ، وبقیة رجاله وثقوا علی ضعف فی بعضهم. انتهی. ورواه ابن عبد البر فی الاستیعاب:1/114 والدیلمی فی فردوس الأخبار:1/93 ح 174 عن بریدة الاسلمی وفیه ( لاکثر مما علی وجه الأرض من حجر ومدر ) .

الدر المنثور:6/285:

وأخرج ابن مردویه عن عبدالرحمن بن میمون أن کعباً دخل یوماً علی عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثنی إلی ما تنتهی شفاعة محمد یوم القیامة ؟ ! فقال کعب: قد أخبرک الله فی القرآن أن الله یقول ( ما سلککم فی سقر إلی قوله الیقین ) قال کعب: فیشفع یومئذ حتی یبلغ من لم یصل صلاة قط ویطعم مسکیناً قط ومن لم یؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم یبق أحد فیه خیر ! ) انتهی .

وإذا أراد کعب بقوله ( حتی یبلغ ، فإذا بلغت هؤلاء ) أن النبی یشفع حتی یبلغ هؤلاء فیشفع لهم أیضاً ، فلم یبق أحد فی النار ! وإن أراد أنه یبلغهم

ص: 225

ویقف عندهم ، فمعناه أن کعباً لا یشترط لشمول الشفاعة إلا الإیمان بیوم الدین ، وعملاً واحداً من الأعمال المذکورة !

کنز العمال:14/511 عن ابن عساکر:

عن أنس أن رسول الله(ص)قال: والذی نفسی بیده ! إنی لسید الناس یوم القیامة ولا فخر ، وإن بیدی لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر ، ینادی الله یومئذ آدم فیقول: یا آدم ، فیقول لبیک رب وسعدیک ، فیقول: أخرج من ذریتک بعث النار ، فیقول: یا رب وما بعث النار ؟ فیقول: من کل ألف تسعمائة وتسعة وتسعین ، فیخرج ما لا یعلم عدده إلا الله ، فیأتون آدم فیقولون: یا آدم أنت أکرمک الله وخلقک بیده ، ونفخ فیک وروحه وأسکنک جنته، وأمر الملائکة فسجدوا لک ، فاشفع لذریتک أن لا تحرق الیوم بالنار ، فیقول آدم: لیس ذلک إلیِّ الیوم ، ولکن سأرشدکم ، علیکم بنوح فیأتون نوحاً فیقولون: یا نوح إشفع لذریة آدم فیقول: لیس ذلک إلیَّ الیوم ولکن علیکم بعبد اصطفاه الله بکلامه ورسالته وصنع علی عینه وألقی علیه محبة منه موسی وأنا معکم ، فیأتون موسی فیقولون: یا موسی أنت عبد اصطفاک الله برسالته وبکلامه وصنعت علی عینه وألقی علیک محبة منه إشفع لذریة آدم لا

ص: 226

تحرق الیوم بالنار ، فیقول: لیس ذلک إلیَّ الیوم علیکم بروح الله وکلمته عیسی فیأتون عیسی فیقولون: یا عیسی أنت روح الله وکلمته إشفع لذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ، فیقول: لیس ذلک إلیَّ الیوم ولکن سأرشدکم علیکم بعبد جعله الله رحمة للعالمین أحمد وأنا معکم ، فیأتون أحمد فیقولون: یا أحمد جعلک الله رحمة للعالمین إشفع لذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ، فأقول: نعم أنا صاحبها فآتی حتی آخذ بحلقة باب الجنة فیقال: من هذا أحمد ؟ فیفتح لی فإذا نظرت إلی الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً ، ثم یفتح لی من التحمید والثناء علی الرب شیئاً لا یفتح لاحد من الخلق ثم یقال: إرفع رأسک سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول: یا رب ذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار فیقول الرب جل جلاله: إذهبوا فمن وجدتم فی قلبه مثقال قدر قیراط من إیمان فأخرجوه !

ثم یعودون إلیَّ فیقولون: ذریة آدم لا یحرقون الیوم بالنار فآتی حتی آخذ بحلقة الجنة فیقال: من هذا ؟ فأقول أحمد ، فیفتح لی فإذا نظرت الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً مثل سجودی أول مرة ومثله معه فیفتح لی من الثناء علی الرب والتحمید مثل ما فتح لی أول مرة ، فیقال: إرفع رأسک سل تعطه واشفع تشفع ، فأقول: یا رب ذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ! فیقول الرب: إذهبوا من وجدتم فی قلبه مثقال دینار من إیمان فأخرجوه !

ثم آتی حتی أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلی الجبار عز جلاله خررت ساجداً فأسجد کسجودی أول مرة ومثله معه فیفتح لی من الثناء والتحمید مثل ذلک ثم یقال: إرفع رأسک وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: یا رب ذریة آدم لا تحرق الیوم بالنار ! فیقول الرب: إذهبوا فمن وجدتم فی قلبه مثقال ذرة من إیمان فأخرجوه فیخرجون ما لا یعلم عدده إلا الله ویبقی أکثر. ثم یؤذن لادم فی الشفاعة فیشفع لعشرة آلاف ألف ثم یؤذن للملائکة والنبیین فیشفعون ثم یؤذن للمؤمنین فیشفعون وإن المؤمن یشفع یومئذ لاکثر من ربیعة ومضر. انتهی .

ومن الواضح أن هذه الروایة تطرح ذریة آدم کلهم موضوعاً للشفاعة ،

ص: 227

ولکنها (تحتاط ) من التصریح بشمول الشفاعة لهم ، علی عکس الروایات والآراء المتقدمة التی صرحت بشمول الشفاعة لجمیع الخلق !

وإذا کان هذا الرأی یحتاج إلی رد ، فإن ما تقدم فی أدلة الرأی الموافق لمذهبنا ، وما تقدم فی نقد الآراء التوسیعیة السابقة کاف لرده .

الرأی الرابع أن العقاب فی الآخرة ینتهی کلیاً وأن جهنم تفنی وینقل أهلها إلی الجنة !

وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة ، ولکن بحثناها هنا لذکر الشفاعة فی کثیر من روایاتها .

وأول من قال من المسلمین بفناء النار هو الخلیفة عمر بن الخطاب ، وقد تأثر به عدد من المذاهب الکلامیة. ولکن

أکثر المتعصبین لعمر لم یأخذوا بقوله هذا ، ماعدا ابن تیمیة وبعض تلامیذه ، کما ستری !

قال السیوطی فی الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر (رض) قال: لو لبث أهل النار فی النار کقدر رمل عالج لکان لهم یوم علی ذلک یخرجون فیه. انتهی. ورواه الشوکانی فی فتح القدیر:2/658 وغیره ، وعالج: منطقة رملیة فی بین صحراء نجد والبحرین .

ص: 228

آراء المسلمین فی آیات الخلود وأحادیثه

من عادة الکلامیین والمفسرین عندما یجدون قولاً لصحابی یحبونه مخالفاً لآیات محکمة وأحادیث صریحة ، کمسألتنا هذه أنهم یحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عدیدة متضاربة متناقضة ، ویؤیدونها بروایات کثیرة متضاربة أیضاً ، وکأن واحدهم متحیرٌ یکتب للناس تحیره ویستغیث بهم ! أو کأن هدفه بدل التفسیر والتوضیح ترویض ذهن القارئ وتدویخه لکی یقبل التناقض الذی یرید إقناعه به !

وموضوعنا هذاواحدٌ من هذه الموضوعات التی اتبع فیها المفسرون السنیون هذه السیاسة .

وتفادیاً لذلک نقدم رأی أهل البیت (علیهم السّلام) وعلماء مذهبهم فی المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الأخری ، لیعرف الباحث من أین جاء الخلل إلی الرواة السنیین ومصادرهم فی تفسیر آیات الله تعالی ، وتفسیر أقوال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فإن المیزان الشرعی لکل الاراء والأحادیث عند الجمیع هو القرآن والمتفق علیه من السنة..ویضاف الیه عندنا ماثبت عن المفسرین الشرعیین للقرآن بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین هم عترته بصریح قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( إنی تارک فیکم الثقلین: کتاب الله وعترتی وإنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ) وحدیث الثقلین صحیح عند الجمیع .

ص: 229

أجمع المسلمون علی خلود الکفار فی جهنم

الإعتقادات للصدوق/53:

باب الإعتقاد فی الجنة والنار: قال الشیخ أبو جعفر(رحمه الله): اعتقادنا فی الجنة: أنها دار البقاء ودار السلامة ، لا موتٌ فیها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر. وأنها دار الغنی ودار السعادة ، ودار المقامة ودار الکرامة ، لا یمس أهلها نصب ولا یمسهم فیها لغوب ، لهم فیها ما تشتهی الانفس وتلذ الأعین وهم فیها خالدون. وأنها دارٌ أهلها جیران الله تعالی وأولیاؤه وأحباؤه وأهل کرامته .

وهم أنواع علی مراتب: منهم المتنعمون بتقدیس الله وتسبیحه وتکبیره فی جملة ملائکته ، ومنهم المتنعمون بأنواع المآکل والمشارب والفواکه والأرائک وحور العین واستخدام الولدان المخلدین والجلوس علی النمارق والزرابی ولباس السندس ، کلٌّ منهم إنما یتلذذ بما یشتهی ویرید ، علی حسب ما تعلقت همته ، ویعطی ما عبد الله من أجله .

وقال الصادق(علیه السّلام): إن الناس یعبدون الله علی ثلاثة أصناف: فصنف منهم یعبدون شوقاً إلی جنته ورجاء ثوابه ، فتلک عبادة الخدام ، وصنف منهم یعبدونه خوفاً من ناره ، فتلک عبادة العبید ، وصنف منهم یعبدونه حباً له ، فتلک عبادة الکرام ، وهم الامناء ، وذلک قوله عز وجل: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ یَوْمَئِذٍ آمِنُونَ .

واعتقادنا فی النار: أنها دار الهوان ودار الإنتقام من أهل الکفر والعصیان ، ولا یخلد فیها إلا أهل الکفر والشرک .

ص: 230

الإعتقادات/81:

واعتقادنا فی قتلة الأنبیاء (علیهم السّلام) وقتلة الأئمة المعصومین (علیهم السّلام) أنهم کفار مشرکون مخلدون فی أسفل درک من النار. ومن اعتقد بهم غیر ما ذکرناه ، فلیس عندنا من دین الله فی شئ .

تفسیر الإمام العسکری (علیه السّلام)/578:

قال الله تعالی: وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ ، کان عذابهم سرمداً دائماً ، وکانت ذنوبهم کفراً ، لا تلحقهم شفاعة نبی ولا وصی ، ولا خیِّر من خیار شیعتهم .

التبیان فی تفسیر القرآن:2/524:

الخلود فی اللغة هو طول المکث ، ولذلک یقال: خلده فی السجن وخلد الکتاب فی الدیوان . وقیل للأثافی: خوالد مادامت فی موضعها ، فإذا زالت لا تسمی خوالد .

والفرق بین الخلود والدوام: أن الخلود یقتضی ( فی ) کقولک خلد فی الحبس ولا یقتضی ذلک الدوام ، ولذلک جاز وصفه تعالی بالدوام دون الخلود .

إلا أن خلود الکفار المراد به التأبید بلا خلاف بین الأمة ... ومعنی خلودهم فیها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من ألیم العقاب ، فأما من لیس بکافر من فساق أهل الصلاة فلا یتوجه إلیه الوعید بالخلود ، لأنه لا یستحق إلا عقاباً منقطعاً به ، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم ، لأنه لو کان کذلک

ص: 231

لأدی إلی اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد. والإجماع بخلافه .

الطهارة للشیخ الأنصاری/388:

ومن ذلک یعلم الجواب عما دل من الأخبار علی عدم قبول توبته ، مثل قوله (علیه السّلام): من رغب عن الإسلام وکفر بما أنزل علی محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلا توبة له وقد وجبت علیه وبانت منه امرأته ، ویقسم ما ترک علی ولده. هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ینافی الإسلام ، ودعوی المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود فی النار وهو ینافی الإسلام ، مدفوع بأنه لا إجماع علی خلود الکافر فی النار مطلقاً حتی مثل هذا بعد التوبة .

هذا مضافاً إلی معارضتها مع عمومات قبول التوبة ، حیث أن ظاهرها القبول فیما یتعلق بأمر الآخرة من العقاب ، فتدل بظاهرها علی أن المرتد تقبل توبته ولا یخلد فی النار بعد التوبة ، بل یدخل الجنة فیکون مسلماً ، للإجماع علی خلود الکافر فی النار .

فکما یمکن تقیید هذه بغیر المرتد الفطری کذلک یمکن تقیید مثل الروایة والأخبار المستفیضة بعدم قبول التوبة فی دفع ما یحکم علیه بحدث الکفر من مفارقة المال والزوجةوالحیاة. وبعد التعارض یجب الرجوع إلی الأصل.

هذا مضافاً إلی قول الباقر(علیه السّلام)المروی فی باب إعادة الحج: من کان مؤمناً فحج وعمل فی إیمانه خیراً ثم أصابته فتنة فکفر ثم تاب وآمن ؟ قال: یحسب له کل عمل صالح عمله فی إیمانه ولا یبطل منه شئ .

هذا کله مع أن لنا أن نکتفی بالأصل ، ونستدل علی طهارته بما دل علی

ص: 232

طهارة المسلمین .

الروایات التی توافق هذا الرأی عند إخواننا السنیین

صحیح البخاری:7/203:

عن أنس (رض) قال قال رسول الله (ص): یجمع الله الناس یوم القیامة فیقولون لو استشفعنا علی ربنا حتی یریحنا من مکاننا ؟ فیأتون آدم فیقولون أنت الذی خلقک الله بیده ونفخ فیک من روحه وأمر الملائکة فسجدوا لک فاشفع لنا عند ربنا ، فیقول: لست هناکم ویذکر خطیئته ویقول: إئتوا نوحاً أول رسول بعثه الله فیأتونه فیقول: لست هناکم ، ویذکر خطیئته ، إئتوا إبراهیم الذی اتخذه الله خلیلاً، فیأتونه فیقول:لست هناکم ، ویذکر خطیئته ، ائتوا موسی الذی کلمه الله فیأتونه فیقول: لست هناکم ، فیذکر خطیئته ، إئتوا عیسی فیأتونه فیقول: لست هناکم ، إئتوا محمداً فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فیأتونی فأستأذن علی ربی فإذا رأیته وقعت ساجداً فیدعنی ما شاء الله ثم یقال: إرفع رأسک ، سل تعطه ، قل یسمع ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسی فأحمد ربی بتحمید یعلمنی ثم أشفع فیحد لی حداً ، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فأقع ساجداً مثله فی الثالثة أو الرابعة حتی ما بقی فی النار إلا من حبسه القرآن. وکان قتادة یقول عند هذا: أی وجب علیه الخلود. انتهی .

وقد روت مصادر السنیین عبارة ( إلا من حبسه القرآن ) وفسرتها روایاتهم ومفسروهم بالتأبید . .

ص: 233

وممن رواها البخاری فی:8/183 کما تقدم

ورواها أیضاً فی:5/147 وفیه ( إلا من حبسه القرآن ووجب علیه الخلود. ثم قال البخاری: إلا من حبسه القرآن یعنی قول الله تعالی: خَالِدِینَ فِیهَا ) .

وقال فی:7/203 ( إلا من حبسه القرآن ، وکان قتادة یقول عند هذا: أی وجب علیه الخلود ) .ورواها فی:8 من/173 ( إلا من حبسه القرآن ووجب علیه الخلود ) .

وفی:8/184: إلا من حبسه القرآن ، أی وجب علیه الخلود. انتهی .

ورواها مسلم فی:1/124 وص 125 وأحمد:3/116 وص 244 مثل روایة البخاری الاخیرة .ورواها ابن ماجة:2/1443 ، وکنز العمال:14 /397 عن أحمد والبیهقی والترمذی وغیرهم .

سنن الترمذی:4/95:

باب ما جاء فی خلود أهل الجنة وأهل النار: عن أبی هریرة أن رسول الله (ص)قال: یجمع الله الناس یوم القیامة فی صعید واحد ثم یطلع علیهم رب العالمین فیقول ألا یتبع کل إنسان ما کانوا یعبدون . . .

فإذا أدخل الله تعالی أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتی بالموت ملبباً فیوقف علی السور الذی بین أهل الجنة وأهل النار ، ثم یقال: یا أهل الجنة فیطلعون خائفین ثم یقال: یا أهل النار فیطلعون مستبشرین یرجون الشفاعة ، فیقال لأهل الجنة ولاهل النار: هل تعرفون هذا ؟ فیقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الذی وکل بنا ، فیضجع فیذبح ذبحاً علی السور ، ثم یقال: یا أهل الجنة خلود لا موت ، ویا أهل النار خلود لا موت. هذا حدیث

ص: 234

حسن صحیح. ورواه أحمد فی:2/368 .

مستدرک الحاکم:4/496:

فإذا أراد الله عز وجل أن لا یخرج منها أحد غیر وجوههم وألوانهم ، قال فیجی الرجل فینظر ولا یعرف أحداً فینادیه

الرجل فیقول: یا فلان أنا فلان ، فیقول: ما أعرفک ، فعند ذلک یقول: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فیقول عند ذلک: إخسؤوا فیها ولا تکلمون ، فإذا قال ذلک أطبقت علیهم فلا یخرج منهم بشر. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

الدر المنثور:1/166:

وأخرج ابن أبی حاتم عن عکرمة فی قوله: وما هم بخارجین من النار قال: أولئک أهلها الذین هم أهلها .

وأخرج ابن أبی حاتم من طریق الأوزاعی قال سمعت ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار یأملون الخروج منها حتی نزلت: وما هم بخارجین من النار .

الدر المنثور:2/163:

وأخرج ابن أبی حاتم عن سعید بن جبیر فی قوله: وإن تک حسنة ، وزن ذرة زادت علی سیآته یضاعفها ، فأما المشرک فیخفف به عنه العذاب ولا یخرج من النار أبداً .

الدر المنثور:6/257:

وأخرج ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم

ص: 235

وصححه والبیهقی فی البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذکر عنده الدجال فقال: یفترق ثلاث فرق فرقة تتبعه ، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشیح، وفرقة تأخذ شط الفرات فیقاتلهم ویقاتلونه حتی یجتمع المؤمنون بقری الشام . . . وما یترک فیها أحداً فیه خیر ، فإذا أراد الله أن لا یخرج منها أحداً غیر وجوههم وألوانهم ، فیجی الرجل من المؤمنین فیشفع فیقال له من عرف أحداً فیخرجه فیجی الرجل فینظر فلا یعرف أحداً فیقول الرجل للرجل یا فلان أنا فلان فیقول ما أعرفک فیقولون ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فیقول إخسؤوا فیها ولا تکلمون ، فإذا قال ذلک أطبقت علیهم فلم یخرج منهم بشر .

مجمع الزوائد:10/395:

باب الخلود لأهل النار فی النار وأهل الإیمان فی الجنة. عن أنس قال قال رسول الله (ص): یؤتی بالموت یوم القیامة کأنه کبش أملح فیوقف بین الجنة والنار ثم ینادی مناد: یا أهل الجنة فیقولون لبیک ربنا ، قال فیقال: هل تعرفون هذا ؟ فیقولون نعم ربنا هذا الموت ، فیذبح کما یذبح الکبش ، فیأمن هؤلاء وینقطع رجاء هؤلاء. رواه أبو یعلی والطبرانی فی الأوسط بنحوه والبزار ورجالهم رجال الصحیح غیر نافع بن خالد الطاحی وهو ثقة .

وعن معاذ بن جبل أن رسول الله(ص)بعثه إلی الیمن فلما قدم علیه قال: یا أیها الناس إنی رسول رسول الله(ص)إلیکم یخبرکم أن المرد إلی الله، وإلی جنة أو

نار ، خلود بلا موت ، وإقامة بلا ظعن .

ص: 236

الدر المنثور:3/350:

وأخرج البیهقی فی البعث والنشور عن ابن عباس فی قوله: إلا ما شاء ربک ، قال فقد شاء ربک أن یخلد هؤلاء فی النار ، وأن یخلد هؤلاء فی الجنة .

وأخرج أبو الشیخ عن السدی فی قوله: فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا . . . الآیة ، قال: فجاء بعد ذلک من مشیئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدینة: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ یَکُنِ اللَّهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِیَهْدِیَهُمْ طَرِیقًا . . إلی آخر الآیة ، فذهب الرجاء لأهل النار أن یخرجوا منها وأوجب لهم خلود الابد. وقوله وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا.. الآیة قال: فجاء بعد ذلک من مشیئة الله ما نسخها فأنزل بالمدینة: وَالَّذِینَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ..إلی قوله ظلاً ظلیلاً ، فأوجب لهم خلود الأبد .

الأحکام فی الحلال والحرام:1/35:

وأن من دخل الجنة أو النار من الأبرار والفجار فإنه غیر خارج من أیهما ، صار إلیها وحل بفعله فیها أبد الأبد ، لا ما یقول الجاهلون من خروج المعذبین من العذاب المهین إلی دار المتقین ومحل المؤمنین ، وفی ذلک ما یقول رب العالمین: خالدین فیها أبداً ، ویقول عز وجل: یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ .

ففی کل ذلک یخبر أن کل من دخل النار فهو مقیم فیها ، غیر خارج منها من بعد مصیره إلیها ، فنعوذ بالله من الجهل والعمی .

ص: 237

سبب خلود أهل النار فیها

الکافی:2/85:

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن القاسم بن محمد ، عن المنقری ، عن أحمد بن یونس ، عن أبی هاشم قال: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إنما خلد أهل النار فی النار ، لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو خلدوا فیها أن یعصوا الله أبداً ، وإنما خلد أهل الجنة فی الجنة لأن نیاتهم کانت فی الدنیا أن لو بقوا فیها أن یطیعوا الله أبداً ، فبالنیات خلد هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالی: قُلْ کُلٌّ یَعْمَلُ عَلَی شَاکِلَتِهِ، قال علی نیته. ورواه الصدوق فی الهدایة/12 وفی علل الشرائع:2/523 والعیاشئ فی تفسیره:2/316 والبرقی فی المحاسن:2/36 .

آیات الخلود فی الجنة والنار

وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَآ أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 39 .

بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ .

وَالَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 81-82 .

خَالِدِینَ فِیهَا لا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ یُنْظَرُونَ . البقرة-162 .

ص: 238

وَمَنْ یَرْتَدِدْ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَیَمُتْ وَهُوَ کَافِرٌ فَأُولَئِکَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 217 .

وَالَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلی الظُّلُمَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ البقرة : 257 .

الَّذِینَ یَاکُلُونَ الرِّبَا لا یَقُومُونَ إِلا کَمَا یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطَهُ الشَّیْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَی فَلَهُ مَا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إلی اللَّهِ وَ مَنْ عَادَ فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . البقرة : 275 .

أُولَئِکَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَیْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِکَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ خَالِدِینَ فِیهَا لا یُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لا هُمْ یُنْظَرُونَ إِلا الَّذِینَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِکَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِیمٌ. آل عمران : 87 - 89 .

إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئًا وَ أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . آل عمران-116 .

وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ یَتَعَدَّ حُدُودَهُ یُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِیهَا وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِینٌ . النساء : 14 .

وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِیمًا . النساء : 93 .

ص: 239

قَالَ النَّارُ مَثْوَاکُمْ خَالِدِینَ فِیهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ . الأنعام : 128 .

وَالَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا وَاسْتَکْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . الأعراف : 36 .

أُولَئِکَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَ فِی النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ . التوبة : 17 .

أَلَمْ یَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ یُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِیهَا ذَلِکَ الْخِزْیُ الْعَظِیمُ . التوبة : 63 .

وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِینَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْکُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا هِیَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ . التوبة : 68 .

وَالَّذِینَ کَسَبُوا السَّیِّئَاتِ جَزَاءُ سَیِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ کَأَنَّمَا أُغْشِیَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّیْلِ مُظْلِمًا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . یونس : 27 .

ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا کُنْتُمْ تَکْسِبُونَ . وَیَسْتَنْبِئُونَکَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِی وَ رَبِّی إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ مَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِینَ . یونس : 52 - 53 .

ص: 240

فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیهَا زَفِیرٌ وَ شَهِیقٌ . خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِمَا یُرِیدُ . وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ عَطَاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ . هود : 106 - 108

أُولَئِکَ الَّذِینَ کَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِکَ الْأَغْلالُ فِی أَعْنَاقِهِمْ وَ أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . الرعد : 5 .

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ . النحل-29 .

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ یَحْمِلُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ وِزْرًا. خَالِدِینَ فِیهِ وَ سَاءَ لَهُمْ یَوْمَ الْقِیَامَةِ حِمْلا . طه : 100 - 101 .

إِنَّکُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ، لَوْ کَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ کُلٌّ فِیهَا خَالِدُونَ . الأنبیاء : 98 - 99 .

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِینُهُ فَأُولَئِکَ الَّذِینَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِیهَا کَالِحُونَ . أَلَمْ تَکُنْ آیَاتِی تُتْلَی عَلَیْکُمْ فَکُنْتُمْ بِهَا تُکَذِّبُونَ . المؤمنون : 103 - 105 .

وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ . السجدة : 14 .

خَالِدِینَ فِیهَا أَبَدًا لا یَجِدُونَ وَلِیًّا وَلا نَصِیرًا . الأحزاب : 65 .

ص: 241

قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ . الزمر : 72 .

قِیلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا فَبِئْسَ مَثْوَی الْمُتَکَبِّرِینَ . غافر : 76

ذَلِکَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِیهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا کَانُوا بِآیَاتِنَا یَجْحَدُونَ . فصلت : 28

إِنَّ الْمُجْرِمِینَ فِی عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ . لا یُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِیهِ مُبْلِسُونَ . وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَکِنْ کَانُوا هُمُ الظَّالِمِینَ وَنَادَوْا یَا مَالِکُ لِیَقْضِ عَلَیْنَا رَبُّکَ قَالَ إِنَّکُمْ مَاکِثُونَ . الزخرف : 74 - 77

وَلَهُمْ فِیهَا مِنْ کُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ کَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِی النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِیمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ . محمد : 15

لَنْ تُغْنِیَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَیْئًا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . المجادلة : 17

فَکَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِی النَّارِ خَالِدَیْنِ فِیهَا وَ ذَلِکَ جَزَاءُ الظَّالِمِینَ . الحشر : 17

وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَ کَذَّبُوا بِآیَاتِنَا أُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِینَ فِیهَا وَ بِئْسَ الْمَصِیرُ . التغابن - 10

وَمَنْ یَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا أَبَدًا . الجن : 23

ص: 242

إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَ الْمُشْرِکِینَ فِی نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا أُولَئِکَ هُمْ شَرُّ الْبَرِیَّةِ . البینة : 6

إِنَّ فِی ذَلِکَ لایَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الأخِرَةِ ذَلِکَ یَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِکَ یَوْمٌ مَشْهُودٌ . وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ . یَوْمَ یَأْتِ لا تَکَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَسَعِیدٌ . فَأَمَّا الَّذِینَ شَقُوا فَفِی النَّارِ لَهُمْ فِیهَا زَفِیرٌ وَشَهِیقٌ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِمَا یُرِیدُ . وَأَمَّا الَّذِینَ سُعِدُوا فَفِی الْجَنَّةِ خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ عَطَاءً غَیْرَ مَجْذُوذٍ . هود : 103 - 108

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ یَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا یُحِبُّونَهُمْ کَحُبِّ اللهِ وَالَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَ لَوْ یَرَی الَّذِینَ ظَلَمُوا إِذْ یَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِیعًا وَ أَنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعَذَابِ . إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِینَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ . وَقَالَ الَّذِینَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا کَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ کَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا کَذَلِکَ یُرِیهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَیْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنَ النَّارِ .البقرة : 165-167 .

إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِی الْأَرْضِ جَمِیعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِیَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ یَوْمِ الْقِیَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ . یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِیمٌ . المائدة : 36 - 37

ص: 243

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادرنا

تقدم رأی أهل البیت (علیهم السّلام) فی شمول الشفاعة للمسلمین بشروط، وأوردنا فیه حدیث ابن أبی عمیر عن الإمام الکاظم(علیه السّلام)من توحید الصدوق/407 وفیه ( لا یخلد الله فی النار إلا أهل الکفر والجحود والضلال والشرک... ) انتهی. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:8/351 ووصف الشیخ الأنصاری فی مکاسبه/335 روایته بأنها حسنة .

بحار الأنوار:8/361:

عیون أخبار الرضا: فیما کتب الرضا(علیه السّلام)للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا یدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة ، ولا یخرج من النار کافراً وقد أوعده النار والخلود فیها ، ومذنبو أهل التوحید یدخلون النار ویخرجون منها ،

والشفاعة جائزة لهم .

بحار الأنوار:8/366:

قال العلامة(رحمه الله)فی شرحه علی التجرید: أجمع المسلمون کافة علی أن عذاب الکافر مؤبد لا ینقطع ، واختلفوا فی أصحاب الکبائر من المسلمین ، فالوعیدیة علی أنه کذلک ، وذهبت الإمامیة وطائفة کثیرة من المعتزلة والأشاعرة إلی أن عذابه منقطع ، والحق أن عقابهم منقطع لوجهین:

الأول: أنه یستحق الثواب بإیمانه لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ ، والإیمان أعظم أفعال الخیر ، فإذا استحق العقاب بالمعصیة فإما یقدم

ص: 244

الثواب علی العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإیمان دائم علی ما تقدم ، أو بالعکس وهو المراد ، والجمع محال .

الثانی: یلزم أن یکون من عبَد الله تعالی مدة عمره بأنواع القربات إلیه ، ثم عصی فی آخر عمره معصیة واحدة مع بقاء إیمانه ، مخلداً فی النار ، کمن أشرک بالله مدة عمره ! وذلک محال لقبحه عند العقلاء .

الکافی للحلبی/481:

إن قیل: فإذا کان الوعید ثابتاً بکل معصیة ومن جملته صریح الخلود والتأبید ، کیف یتم لکم ما تذهبون الیه من انقطاع عقاب بعض العصاة ؟.

قیل: ثبوت الوعید علی کل معصیة لا ینافی قولنا فی عصاة أهل القبلة ، لأنا نقول بموجبه ، وإنما نمنع من دوامه لغیر الکفار ، وثبوته منقطعاً یجوز سقوطه بأحد ما ذکرناه ، ولا یمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن ، من حیث کان الإجماع حاصلاً باستحقاق العقاب دون دوامه . . . وإنما یعلم به دوام عقاب الکفر .

الکافی للحلبی/492:

وأهل النار من الأولین والآخرین ضربان: کفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض علی بعض بحسب کفره، وفساق مقطوع علی خروجهم من النار بعفو مبتدأ ، أو عند شفاعة ، أو انتهاء عقابهم إلی غایة مستحقه ، وحالهم فی مراتب التعذیب بحسب عصیانهم. ولا یجوز أن یبلغ عقابهم فی العظم عقاب الکفار ، لإقتران ما استحقوا به العقاب من المعصیة بالمعرفة بالمعصی تعالی والخوف منه والرجاء لفضله ، وتسویف التوبة ، وانتفاء ذلک أجمع

ص: 245

عن عصیان الکفار. ولا سبیل إلی العلم بمقدار إقامتهم فیها .

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادر السنیین

صحیح البخاری:1/195:

عن أبی هریرة: أن الناس قالوا یا رسول الله هل نری ربنا یوم القیامة ؟

قال: هل تمارون فی القمر لیلة البدر لیس دونه سحاب ؟ قالوا لا ، یا رسول الله. قال: فهل تمارون فی الشمس لیس دونها سحاب ؟ قالوا لا ، قال: فإنکم ترونه کذلک. یحشر الناس یوم القیامة فیقول: من کان یعبد شیئاً فلیتبع ، فمنهم من یتبع الشمس ، ومنهم من یتبع القمر ، ومنهم من یتبع الطواغیت. وتبقی هذه الأمة فیها منافقوها فیأتیهم الله عز وجل فیقول أنا ربکم ! فیقولون: هذا مکاننا حتی یأتینا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فیأتیهم الله فیقول أنا ربکم، فیقولون: أنت ربنا! فیدعوهم فیضرب الصراط بین ظهرانی جهنم، فأکون أول من یجوز من الرسل بأمته ، ولا یتکلم یومئذ أحد إلا الرسل ، وکلام الرسل یومئذ: اللهم سلم سلم ، وفی جهنم کلالیب مثل شوک السعدان ، هل رأیتم شوک السعدان ؟ قالوا نعم ، قال: فإنها مثل شوک السعدان غیر أنه لا یعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من یوبق بعمله ومنهم من یخردل ثم ینجو ، حتی إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار ، أمر الله الملائکة أن یخرجوا من کان یعبد الله فیخرجونهم ویعرفونهم بآثار السجود وحرم الله علی النار أن تأکل أثر السجود ، فیخرجون من النار ، فکل ابن آدم تأکله النار إلا أثر السجود ،

ص: 246

فیخرجون من النار قد امتحشوا ، فیصب علیهم ماء الحیاة فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل . . . ورواه البخاری أیضاً فی:7/205 .

صحیح البخاری:1/16:

عن أنس عن النبی(ص)قال: یخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفی قلبه وزن شعیرة من خیر ، ویخرج من النار من قال لا إله الا الله وفی قلبه وزن برة من خیر ، ویخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفی قلبه وزن ذرة من خیر ، قال أبو عبد الله قال أبان ، حدثنا قتادة ، حدثنا أنس عن النبی (ص): من إیمان ، مکان خیر .

صحیح البخاری:7/202:

عن جابر (رض) أن النبی(ص)قال: یخرج من النار بالشفاعة کأنهم الثعاریر ! قلت: ما الثعاریر ؟ قال الضغابیس ! وکان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دینار: أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله یقول: سمعت النبی(ص)یقول: یخرج بالشفاعة من النار ؟ قال: نعم .

حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا همام ، عن قتادة ، حدثنا أنس بن مالک عن النبی (ص) قال: یخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع فیدخلون الجنة فیسمیهم أهل الجنة الجهنمیین . . .

عن أبی سعید الخدری (رض) أن النبی(ص)قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار یقول الله: من کان فی قلبه مثقال حبة من خردل من إیمان فأخرجوه ، فیخرجون قد امتحشوا وعادوا حمماً ، فیلقون فی نهر الحیاة

ص: 247

فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل ، أو قال حمیة السیل ، وقال النبی (ص): ألم تروا أنها تنبت صفراء ملتویة .

وفی/203:

عمران بن حصین (رض) عن النبی(ص)قال: یخرج قوم من النار بشفاعة محمد(ص)فیدخلون الجنة ، یسمون الجهنمیین .

سنن النسائی:2/229:

عن الزهری ، عن عطاء بن یزید قال: کنت جالساً إلی أبی هریرة وأبی سعید فحدث أحدهما حدیث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتی الملائکة فتشفع وتشفع الرسل ، وذکر الصراط ، قال قال رسول الله (ص): فأکون أول من یجیز ، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بین خلقه ، وأخرج من النار من یرید أن یخرج أمر الله الملائکة والرسل أن تشفع ، فیعرفون بعلاماتهم أن النار تأکل کل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود ، فیصب علیهم من ماء الجنة فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل .

الدر المنثور:3/349:

أما قوله فمنهم شقی وسعید ، فهم قوم من أهل الکبائر من أهل هذه القبلة یعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم ، ثم یأذن فی الشفاعة لهم ، فیشفع لهم المؤمنون فیخرجهم من النار فیدخلهم الجنة ، فسماهم أشقیاء حین عذبهم فی النار. فأما الذین شقوا ففی النار لهم فیها زفیر وشهیق خالدین فیها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربک ، حین أذن فی الشفاعة لهم

ص: 248

وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، وهم هم. وأما الذین سعدوا یعنی بعد الشقاء الذی کانوا فیه ، ففی الجنة خالدین فیها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربک ، یعنی الذین کانوا فی النار .

الدر المنثور:2/280:

قوله تعالی ( إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ) الایتین: أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(ص)قال: یخرج من النار قوم فیدخلون الجنة ، قال یزید بن الفقیر: فقلت لجابر بن عبد الله: یقول الله یریدون أن یخرجوا من النار وما هم بخارجین منها ؟ قال: أتل أول الآیة: إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِیَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ یَوْمِ الْقِیَامَةِ ، ألا إنهم الذین کفروا .

وأخرج البخاری فی الأدب المفرد وابن مردویه والبیهقی فی الشعب عن طلق بن حبیب قال: کنت من أشد الناس تکذیباً للشفاعة ، حتی لقیت جابر بن عبدالله فقرأت علیه کل آیة أقدر علیها یذکر الله فیها خلود أهل النار ، قال: یا طلق أتراک أقرأ لکتاب الله وأعلم لسنة رسول الله(ص)منی ؟ ! إن الذین قرأت هم أهلها هم المشرکون ، ولکن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً ثم خرجوا منها ، ثم أهوی بیده إلی أذنیه فقال: صمَّتا إن لم أکن سمعت رسول الله(ص)یقول: یخرجون من النار بعد ما دخلوا ، ونحن نقرأ کما قرأت .

وأخرج ابن جریر عن عکرمة أن نافع بن الازرق قال لابن عباس: وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا ؟ فقال ابن عباس: ویحک إقرأ ما فوقها ، هذه للکفار .

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة قال: إن الله إذا فرغ من القضاء بین خلقه

ص: 249

أخرج کتاباً من تحت عرشه فیه: رحمتی سبقت غضبی وأنا أرحم الراحمین قال فیخرج من النار مثل أهل الجنة ، أو قال مثلی أهل الجنة ، مکتوب هاهنا منهم ، وأشار إلی نحره عتقاء الله تعالی.

فقال رجل لعکرمة: یا أبا عبدالله فإن الله یقول: یُرِیدُونَ أَنْ یَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِینَ مِنْهَا ؟ قال: ویلک أولئک هم أهلها الذین هم أهلها .

الدر المنثور:2/111:

ابن جریر والحاکم عن عمرو بن دینار قال: قدم علینا جابر بن عبد الله فی عمرة فانتهیت إلیه أنا وعطاء فقلت: وما هم بخارجین من النار ؟ قال: أخبرنی رسول الله(ص)أنهم الکفار ، قلت لجابر فقوله: إنک من تدخل النار فقد أخزیته ؟ قال وما أخزاه حین أحرقه بالنار ؟ ! وإن دون ذلک خزیاً .

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبی حاتم وابن شاهین فی السنة عن علی بن أبی طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الکبائر من موحدی الأمم کلها الذین ماتوا علی کبائرهم غیر نادمین ولا تائبین ، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعینهم ولا تسود وجوههم ، ولا یقرنون بالشیاطین ولا یغلون بالسلاسل ، ولا یجرعون الحمیم ولا یلبسون القطران ، حرم الله أجسادهم علی الخلود من أجل التوحید . . . الخ. وقد تقدم ذلک فی روایات الرأی الثانی القائل بأن التوحید وحده کاف لدخول الجنة ، وأن الموحدین کلهم یخرجون من جهنم ویدخلون الجنة ، ویسمون الجهنمیین ، ویلاحظ کثرة روایات الجهنمیین فی مصادر السنیین.

ص: 250

الإمام الصادق للشیخ محمد أبی زهرة/227:

اتفقت الإمامیة علی أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة لم یخلد فی العذاب . . . وإن هذا الرأی . . . یتفق مع رأی الجمهور . . . وقد نسبه إلیه ( الإمام جعفر الصادق(علیه السّلام) ) أبو جعفر القمی...

شرح مسلم للنووی:1/69:

لا یخلد فی النار أحد مات علی التوحید ، وهذه قاعدة متفق علیها عند أهل السنة .

روایات فی الصحاح تقول بخلود الموحدین فی النار

ولکن توجد فی مصادر السنیین أحادیث تعارض الإجماع المذکور والأحادیث المتقدمة ، وتنص علی خلود بعض الأصناف من أهل القبلة فی جهنم !

کالذی رواه النسائی فی:4/66:

عن أبی هریرة ، عن النبی(ص)قال: من تردی من جبل فقتل نفسه فهو فی نار جهنم یتردی خالداً مخلداً فیها أبداً. ومن تحسَّی سماً فقتل نفسه فسمه فی یده یتحساه فی نار جهنم خالداً مخلداً فیها أبداً . ومن قتل نفسه بحدیدة . . . کانت حدیدته فی یده یجأ بها فی بطنه فی نار جهنم خالداً مخلداً فیها أبداً. ورواه أحمد فی:2/254 وبعضه أبو داود فی:2/222 .

ص: 251

وکالذی رواه الدارمی فی:2/266:

عن أبی أمامة أن رسول الله(ص)قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بیمینه فقد أوجب الله له النار ، وحرم علیه الجنة. فقال له رجل: وإن کان شیئاً یسیراً یا رسول الله ! قال: وإن قضیبا من أراک !!

والذی رواه ابن ماجة فی:2/876 ح 2623:

عن أبی شریح الخزاعی قال: قال رسول الله (ص): من أصیب بدم أو خبل ( والخبل الجرح ) فهو بالخیار بین إحدی ثلاث ، فإن أراد الرابعة فخذوا علی یدیه: أن یقتل ، أو یعفو ، أو یأخذ الدیة. فمن فعل شیئاً من ذلک فعاد ، فإن له نار جهنم خالداً مخلداً فیها أبداً. انتهی .

والذی رواه الطبرانی فی المعجم الکبیر:12/8:

عن ابن عباس: ومن یقتل مؤمناً متعمداً قال: لیس لقاتل توبة ما نسختها آیة !

وقال النیسابوری فی الوسیط:2/96: وقوله: فجزاؤه جهنم خالداً فیها..إلی آخر الآیة ، وعیدٌ شدیدٌ لمن قتل مؤمناً متعمداً حرم الله قتله وحظر سفک دمه ، وقد وردت فی قتل المؤمن أخبار شداد ، فإن ابن عباس سأله رجل فقال: رجل قتل مؤمناً متعمداً ؟ فقال ابن عباس: جزاؤه جهنم خالداً فیها ، قال: فإن تاب وآمن وعمل صالحاً ؟ فقال ابن عباس: وأَنَّی له التوبة ، وقد سمعت نبیکم یقول: ویحٌ له قاتل المؤمن...

عن القاسم بن أبی بزة أنه سأل سعیداً: هل لمن قتل مؤمناً توبة ؟ فقال لا... وعن حمید عن أنس عن النبی قال: إن الله أبی أن یجعل لقاتل المؤمن

ص: 252

توبة... وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله: والذی نفسی بیده لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنیا . . .

ومذهب أهل السنة: أن قاتل المؤمن عمداً له توبة ، عن عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله: ألقاتل المؤمن توبة ؟ فقلت لک توبة ، لکی لا یلقی بیده إلی التهلکة. انتهی .

ولکن هذه الروایة التی استندوا علیها عن ابن عباس تؤکد عدم قبول توبته ، ولا تدل علیها ! فلا بد لهم من طرح روایات خلود قاتل المسلم فی النار وأمثالها ، والقول بأن روایاته تشدیدٌ من الرواة لتخویف القاتل فی مجتمع کان یستسهل القتل !

وقد حاول النووی تأویلها فقال فی شرح مسلم:9 جزء 17/83:

وأما قوله تعالی: وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا ، فالصواب فی معناها أن جزاؤه جهنم ، وقد یجازی به وقد یجازی بغیره ، وقد لا یجازی بل یعفی عنه، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغیر حق ولا تأویل فهو کافر مرتد ، یخلد به فی جهنم بالإجماع . . . ثم أخبر أنه لا یخلد من مات موحداً فیها ، فلا یخلد هذا ولکن قد یعفی عنه فلا یدخل النار أصلاً . . . انتهی .

وقد تضمنت محاولة النووی عدة وجوه ضعیفة ، أقواها: القول بأن القاتل عمداً یخرج بقتله عن التوحید فیجری علیه حکم المشرک فی الآخرة .

ونحن نعتقد بصحة الأحادیث التی تقول إن بعض الأعمال توجب سلب التوحید من صاحبها قبل الموت ، فلا یموت علی التوحید کما سیأتی ، ولکن ذلک یحتاج

فی موردنا إلی دلیل .

ص: 253

ما دل من مصادرنا علی أن الدار الآخرة لا موت فیها

بحار الأنوار:8/349:

الکافی: علی ، عن أبیه ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وساق الحدیث فی مراتب خلق الأشیاء یغلب کل واحد منها الآخر حیث بغی وفخر ، إلی أن قال: ثم إن الإنسان طغی وقال: من أشد منی قوة ؟ فخلق الله له الموت وقهره وذل الإنسان ، ثم إن الموت فخر فی نفسه ، فقال الله عز وجل لا تفخر فإنی ذابحک بین الفریقین أهل الجنة وأهل النار، ثم لا أحییک أبداً فترجی أو تخاف.. الحدیث .

تذنیب: إعلم أن خلود أهل الجنة فی الجنة مما أجمع علیه المسلمون ، وکذا خلود الکفار فی النار ودوام تعذیبهم ، قال شارح المقاصد: أجمع المسلمون علی خلود أهل الجنة فی الجنة وخلود الکفار فی النار .

فإن قیل: القوی الجسمانیة متناهیة ، فلا یعقل خلود الحیاة ، وأیضاً الرطوبة التی هی مادة الحیاة تفنی بالحرارة سیما حرارة نار جهنم ، فیفضی إلی الفناء ضرورة ، وأیضاً دوام الإحراق مع بقاء الحیاة خروج عن قضیة العقل !

قلنا: هذه قواعد فلسفة غیر مسلمة عند الملیین ، ولا صحیحة عند القائلین بإسناد الحوادث إلی القادر المختار، علی تقدیر تناهی القوی وزوال الحیاة، لجواز أن یخلق الله البدل فیدوم الثواب والعقاب، قال الله تعالی: کُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَیْرَهَا لِیَذُوقُوا الْعَذَابَ .

ص: 254

تفسیر القمی:2/50:

وقال علی بن إبراهیم فی قوله: وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِیَ الأَمْرُ وَهُمْ فِی غَفْلَةٍ وَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ . ، فإنه حدثنی أبی ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبی ولاد الحناط ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال سئل عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ ؟ قال: ینادی مناد من عند الله ، وذلک بعد ما صار أهل الجنة فی الجنة وأهل النار فی النار: یا أهل الجنة ویا أهل النار هل تعرفون الموت فی صورة من الصور ؟ فیقولون لا ، فیؤتی بالموت فی صورة کبش أملح ، فیوقف بین الجنة والنار ، ثم ینادون جمیعاً: أشرفوا وانظروا إلی الموت فیشرفون ، ثم یأمر الله به فیذبح ، ثم یقال: یا أهل الجنة خلود فلا موت أبداً ، ویا أهل النار خلود فلا موت أبداً. وهو قوله: وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِیَ الأَمْرُ وَهُمْ فِی غَفْلَةٍ. أی قضی علی أهل الجنة بالخلود ، وعلی أهل النار بالخلود فیها .

ما دل من مصادر السنیین علی أن الدار الآخرة لا موت فیها

صحیح البخاری:7/200:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): إذا صار أهل الجنة إلی الجنة وأهل النار إلی النار ، جی بالموت حتی یجعل بین الجنة والنار ، ثم یذبح ، ثم ینادی مناد: یا أهل الجنة لا موت ، یا أهل النار لا موت ، فیزداد أهل الجنة فرحاً إلی فرحهم ویزداد أهل النار حزناً إلی حزنهم. ورواه أحمد فی:

ص: 255

2/118 وص 120 وص 121 .

وفی مسند أحمد:2/130:

عن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله(ص)قال: یدخل أهل الجنة الجنة ، قال أبی وحدثناه سعد قال: یدخل الله أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ثم یقوم مؤذن بینهم فیقول: یا أهل الجنة لا موت ، ویا أهل النار ، لا موت ، کل خالد فیما هو فیه. ورواه الترمذی فی:4/95 .

وفی الدر المنثور:4/272:

وأخرج ابن أبی حاتم وابن مردویه عن ابن مسعود (رض) فی قوله: وأنذرهم یوم الحسرة إذ قضی الأمر ، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار یأتی الموت فی صورة کبش أملح حتی یوقف بین الجنة والنار ، ثم ینادی منادی أهل الجنة: هذا الموت الذی کان یمیت الناس فی الدنیا ، ولا یبقی أحد فی علیین ولا فی أسفل درجة من الجنة إلا نظر إلیه ، ثم ینادی یا أهل النار هذا الموت الذی کان یمیت الذی فی الدنیا ، فلا یبقی أحد فی ضحضاح من النار ولا فی أسفل درک من جهنم إلا نظر إلیه ، ثم یذبح بین الجنة والنار ، ثم ینادی یا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدین ، ویا أهل النار هو الخلود أبد الآبدین ، فیفرح أهل الجنة فرحة لو کان أحد میتاً من فرحة ماتوا ، ویشهق أهل النار شهقة لو کان أحد میتاً من شهقة ماتوا ، فذلک قوله: وأنذرهم یوم الحسرة إذ قضی الأمر ، یقول إذا ذبح الموت .

وقال الرازی فی تفسیره:13 جزء 26/139:

ص: 256

إن أهل الجنة لا یعلمون فی أول دخولهم فی الجنة أنهم لا یموتون ، فإذا جی بالموت علی صورة کبش أملح وذبح ، فعند ذلک یعلمون أنهم لا یموتون .

وقال فی الأحادیث القدسیة:1/160:

شرح حدیث ذبح الموت وأنه یؤتی بالموت یوم القیامة فیوقف علی الصراط . . الخ. وإنه لا مانع عقلاً من أن یخلق الله تعالی الموت علی صوررة حیوان ویوقف ویذبح . . . ونحن نؤمن بما ثبت عن رسول الله ، ولا نبحث عن کیفیة تحقیقه .انتهی .

عودة إلی رأی عمر بفناء النار

فی هذا الجو من آیات الخلود فی النار وإجماع المسلمین علی خلود الجنة والنار . . نری الخلیفة عمر من دون الصحابة یخالف المتفق علیه بین الجمیع ویقول بفناء النار وانتهائها ، ونقل أهلها إلی الجنة !!

وقد أخذ الخلیفة ذلک من بعض أحبار الیهود الذین کان یثق بعلمهم ، لأن من مقولاتهم أن الله تعالی وعد یعقوب بأن لا یدخل أبناءه إلی النار إلا تحلة القسم ، وأن النار أساساً عمرها قصیر ثم تنتهی وتهلک !!

وقد تقدم عنهم ذلک فی تفسیر قوله تعالی ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ) فی فصل الشفاعة عند الیهود !!

ونظراً لغرابة هذا الرأی حاول البعض التشکیک فی نسبته إلی الخلیفة عمر ،

ص: 257

ولکنه ثابت عنه عند المحدثین والمؤرخین والمتکلمین کما تقدم ویأتی ! وأکثر أتباع الخلیفة لا یعرفون رأیه هذا ، فبعضهم ینکره . . وبعضهم (یستحی ) به . . ولکن بعضهم تجرأ وکتب رداً علیه !

قال فی مقدمة فتح القدیر:1/9:

للشوکانی مؤلفات ، منها کتاب نیل الأوطار شرح منتقی الأخبار ... وکشف الأستار فی إبطال القول بفناء النار. انتهی .

وأکثر المتحمسین لتأیید رأی عمر ابن قیم الجوزیة فی رسالته حادی الأرواح تبعاً لأستاذه ابن تیمیة. ومن المتأخرین الشیخ محمد رشید رضا فی تفسیر المنار:8/68

حیث أورد فی کتابه رسالة ابن قیم کاملة ، وهی تبلغ نحو خمسین صفحة ، ولم یأت صاحب المنار بجدید سوی المدح والغلو فی ابن قیم . . لأنه مفکر إسلامی نابغة استطاع أن یحل المشکلة ویثبت رأی الخلیفة بخمس وعشرین دلیلاً !

وتدور رسالة ابن قیم علی محور واحد هو أن النار تفنی کما یخرب السجن فلا یبقی محل لأهلها إلا أن ینقلوا إلی الجنة ، وهو کلامٌ لم یقله عمر !!

قال ابن قیم وهو یعدد الأقوال فی الخلود فی جهنم:

السابع: قول من یقول بل یفنیها ربها وخالقها تبارک وتعالی ، فإنه جعل لها أمداً تنتهی إلیه ، ثم تفنی ویزول عذابها .

قال شیخ الإسلام ( ابن تیمیة ): وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبی هریرة وأبی سعید وغیرهم ، وقد روی عبد بن حمید وهو من أجل

ص: 258

أئمة الحدیث فی تفسیره المشهور: حدثنا سلیمان بن حرب ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن الحسن ، قال قال عمر: لو لبث أهل النار فی النار کقدر رمل عالج ، لکان لهم علی ذلک یوم یخرجون فیه .

وقال: حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن حمید ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لو لبث أهل النار فی النار عدد رمل عالج ، لکان لهم یوم یخرجون فیه. ذکر ذلک فی تفسیر ثابت عند قوله تعالی (لابِثِینَ فِیهَا أَحْقَابًا ) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ ، وعلماء السنة عن هذین الجلیلین سلیمان بن حرب وحجاج بن منهال ، وکلاهما عن حماد بن سلمة وحسبک به ، وحماد یرویه عن ثابت وحمید وکلاهما یرویه عن الحسن وحسبک بهذا الإسناد جلالة ، والحسن وإن لم یسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعین ، ولو لم یصح عنده ذلک عن عمر لما جزم به وقال قال عمر بن الخطاب ، ولو قدر أنه لم یحفظ عن عمر فتداولُ هؤلاء الأئمة له غیر مقابلین له بالإنکار والرد ، مع أنهم ینکرون علی من خالف السنة بدون هذا ، فلو کان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لکتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة ، لکانوا أول منکر له .

قال: ولا ریب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلک جنس أهل النار الذین هم أهلها ، فأما قوم أصیبوابذنوبهم فقد علم هؤلاء وغیرهم أنهم یخرجون منها ، وأنهم لا یلبثون قدر رمل عالج ولا قریباً منه ، ولفظ أهل النار لا یختص (یقصد لا یطلق ) بالموحدین بل یختص بمن عداهم ، کما قال النبی (ص) ( أما أهل النار الذین هم أهلها فهم لا یموتون فیها ولا یحیون ) ولا یناقض هذا قوله تعالی ( خَالِدِینَ فِیهَا ) وقوله ( وَمَا

ص: 259

هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِینَ ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذی لا یقع خلافه. لکن إذا انقضی أجلها وفنیت کما تفنی الدنیا ، لم تبق ناراً ولم یبق فیها عذاب ). انتهی .

وقد استدل ابن قیم علی رأی الخلیفة عمر بخمس وعشرین وجهاً ! لا نطیل الکلام بسردها وردها ، لأنها ماعدا واحد منها وجوه خطابیة استحسانیة ، ولیست علمیة ، ویکفی فی جوابها جمیعاً أنها لا تنهض بمعارضة الآیات والأحادیث المتقدمة الدالة علی خلود بعض الفجار فی النار ، ولا علی معارضة الإجماع الذی تقدم من الفریقین !

أما الوجه الذی یحسن التعرض له فهو قول ابن القیم:

فصل. والذین قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:

أحدها: اعتقاد الإجماع ، فکثیر من الناس یعتقدون أن هذا مجمع علیه بین الصحابة والتابعین ، لا یختلفون فیه ، وأن الإختلاف فیه حادث ، وهو من أقوال أهل البدع .

الطریق الثانی: أن القرآن دل علی ذلک دلالة قطعیة ، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقیم ، وأنه لا یفتر عنهم ، وأنه لن یزیدهم إلا عذاباً ، وأنهم خالدون فیها أبداً ، وما هم بخارجین من النار ، وما هم منها بمخرجین ، وأن الله حرم الجنة علی الکافرین ، وأنهم لا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط ، وأنهم لا یقضی علیهم فیموتوا ، ولا یخفف عنهم من عذابها ، وأن عذابها کان غراماً أی مقیماً لازماً . . قالوا وهذا یفید القطع بدوامه واستمراره .

الطریق الثالث: أن السنة المستفیضة أخبرت بخروج من کان فی قلبه مثقال

ص: 260

ذرة من إیمان دون الکفار، وأحادیث الشفاعة من أولها إلی آخرها صریحة فی خروج عصاة الموحدین من النار ، وأن هذا حکم مختص بهم فلو خرج الکفار منها لکانوا بمنزلتهم ولم یختص الخروج بأهل الإیمان .

الطریق الرابع: أن الرسول وقفنا علی ذلک وعلمناه من دینه بالضرورة من غیر حاجة بنا إلی نقل معین ، کما علمنا من دینه دوام الجنة وعدم فنائها .

الطریق الخامس: أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنیان بل هما دائمتان ، وإنما یذکرون فناءهما عن أهل البدع .

الطریق السادس: أن العقل یقضی بخلود الکفار فی النار. وهذا مبنی علی قاعدة وهی أن المعاد وثواب النفوس المطیعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما یعلم بالعقل أو لا یعلم إلا بالسمع فیه طریقتان لنظار المسلمین ، وکثیر

منهم یذهب إلی أن ذلک یعلم بالعقل مع السمع کما دل علیه القرآن فی غیر موضع کإنکاره سبحانه علی من زعم أنه یسوی بین الأبرار والفجار فی المحیا والممات ، وعلی من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إلیه لا یرجعون وأنه یترکهم سدی أی لا یثیبهم ولا یعاقبهم ، وذلک یقدح فی حکمته وکماله وأنه نسبة إلی ما لا یلیق به. وربما قرروه بأن النفوس البشریة باقیة واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت علیها لما رأت العذاب فلم تندم علیها لقبحها أو کراهة ربها لها ، بل لو فارقها العذاب رجعت کما کانت أولاً قال تعالی (وَلَوْ تَرَی إِذْ وُقِفُوا عَلَی النَّارِ فَقَالُوا یَا لَیْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُکَذِّبَ بِآیَاتِ رَبِّنَا وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا کَانُوا یُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَکَاذِبُونَ ) فهؤلاء قد

ص: 261

ذاقوا العذاب وباشروه ولم یزل سببه ومقتضیه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم یفارقها بحیث لو ردوا لعادوا کفاراً کما کانوا ، وهذا یدل علی أن دوام تعذیبهم یقضی به العقل کما جاء به السمع .انتهی .

ثم قال ابن قیم:

قال أصحاب الفناء علی هذه الطرق یبین الصواب فی هذه المسألة:

فأما الطریق الأول فالإجماع الذی ادعیتموه غیر معلوم وإنما یظن الإجماع فی هذه المسألة من لم یعرف النزاع

وقد عرف النزاع بها قدیماً وحدیثاً ، بل لو کلف مدعی الإجماع أن ینقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلی الواحد أنه قال إن النار لا تفنی أبداً لم یجد إلی ذلک سبیلاً ، ونحن قد نقلنا عنهم التصریح بخلاف ذلک ، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلک ، بل التابعون حکوا عنهم هذا وهذا ، قالوا والإجماع المعتد به نوعان متفق علیهما ونوع ثالث مختلف فیه ، ولم یوجد واحد منها فی هذه المسألة:

النوع الأول ما یکون معلوماً من ضرورة الدین کوجوب أرکان الإسلام وتحریم المحرمات الظاهرة .

الثانی ما ینقل عن أهل الإجتهاد التصریح بحکمه .

الثالث أن یقول بعضهم القول وینشر فی الأمة ولا ینکره أحد. فأین معکم واحد من هذه الانواع ، ولو أن قائلاً ادعی الإجماع من هذه الطریق واحتج بأن الصحابة صح عنهم ولم ینکر أحد منهم علیه ، لکان أسعد بالإجماع منکم !

قالوا: وأما الطریق الثانی وهو دلالة القرآن علی بقاء النار وعدم فنائها ، فأین

ص: 262

فی القرآن دلیل واحد یدل علی ذلک ، نعم الذی دل علیه القرآن أن الکفار خالدون فی النار أبداً ، وأنهم غیر خارجین منها ، وأنه لا یفتر عنهم من عذابها ، وأنهم لا یموتون فیها ، وأن عذابهم فیها مقیم ، وأنه غرام أی لازم لهم. وهذا کله مما لا نزاع فیه بین الصحابة والتابعین وأئمة المسلمین ، ولیس هذا مورد النزاع ، وإنما النزاع فی أمر آخر ( !! ) وهو أنه هل النار أبدیة أو مما کتب علیه الفناء ؟ وأما کون الکفار لا یخرجون منها ، ولا یفتر عنهم من عذابها ، ولا یقضی علیهم فیموتوا ، ولا یدخلون الجنة حتی یلج الجمل فی سم الخیاط ، فلم یختلف فی ذلک الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة. وإنما خالف فی ذلک من قد حکینا أقوالهم من الیهود ( ! ! ) والاتحادیة وبعض أهل البدع، وهذه النصوص وأمثالها تقتضی خلودهم فی دار العذاب مادامت باقیة ولا یخرجون منها مع بقائها البتة کما یخرج أهل التوحید منها مع بقائها ، فالفرق کالفرق بین من یخرج من الحبس وهو حبس علی حاله ، وبین من یبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه .

قالوا: وأما الطریق الثالث وهو مجی السنة المستفیضة بخروج أهل الکبائر من النار دون أهل الشرک، فهی حق لا شک فیه ، وهی إنما تدل علی ما قلناه من خروج الموحدین منها وهی دار عذاب لم تفن ، ویبقی المشرکون فیها ما دامت باقیة. والنصوص دلت علی هذا وعلی هذا .

قالوا: وأما الطریق الرابع وهو أن رسول الله(ص)وقفنا علی ذلک ضرورة، فلا ریب أنه من المعلوم من دینه بالضرورة أن الکفار باقون فیها ما دامت باقیة ، هذا معلوم من دینه بالضرورة، وأما کونها أبدیة لا انتهاء لها ولا تفنی کالجنة فأین فی القرآن والسنة دلیل واحد یدل علی ذلک !! انتهی .

ص: 263

وقد ذکر فی 79: قول أهل السنة (إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنیان أبداً فلا ریب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمیة ) وأجاب علیه بقوله ( فقولکم إنه من أقوال أهل البدع کلام من لا خبرة له بمقالات بنی آدم وآرائهم واختلافهم . . . ) انتهی .

ونلاحظ أن ابن قیم اعترف بأن الذین نفوا خلود النار هم الیهود والإتحادیة من الوثنیین والمادیین ، ثم قام بتغییر موضوع النزاع فی المسألة ، لکی یوفق بین إجماع المسلمین علی الخلود فی النار وبین قول عمر بفنائها ، وعمدة ماقاله: إنه لا مانع أن نقول خالدین فیها إذا لم تخرب ، کما نقول مؤبدٌ فی السجن مادام السجن موجوداً ولم یخرب. یرید بذلک أن أهل النار إنما ینقلون إلی الجنة بسبب خرابها !

ولو سلمنا هذا المنطق فی المسألة ، فأین دلیله علی خراب السجن أو جهنم؟ !

یکفی لرد ذلک أنه لو کان له أصلٌ فی الإسلام لکثرت فیه الآیات والأحادیث !

ولو کان له أصلٌ لاحتج به الخلیفة ، وذکر ولو کلمةً عن فناء النار ، وما اقتصر علی رمل عالج !!

إن فذلکات ابن قیم وأمثاله لا یمکنها أن تقاوم ما تقدم من الآیات والأحادیث والإجماع ، ولا أن تقلب معانی ألفاظ اللغة فتلغی معنی الدوام والتأبید والخلود وتجعلها کلها لزمن محدود ینتهی .

وقد اغتر بهذه الفذلکة بعضهم وقال: لیس فی اللغة العربیة کلمة للوقت

ص: 264

الممتد بلا انقطاع ! وخیر جواب لهؤلاء أن نسألهم: إذا أردتم التعبیر بالعربیة عن هذا المعنی فبماذا تعبرون ؟ فلابد أنهم سیستعملون ألفاظاً من مادة الدوام والتأبید والخلود..وهی المواد التی استعملها القرآن والحدیث !!

الجهمیة أخذت من الخلیفة عمر

قال الأشعری فی مقالات الإسلامیین/148:

واختلفت المرجئة فی تخلید الله الکفار . . . فقالت الفرقة الأولی منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنیان وتبیدان ویفنی أهلهما ... وأنه لا یجوز أن یخلد الله أهل الجنة فی الجنة ، وأهل النار فی النار !!

وفی/279:

والذی تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبیدان وتفنیان !

تأویلات أهل السنة/75-76:

الرد علی الجهمیة فی قولهم بفناء الجنة وما فیها ، وقوله وَهُمْ فِیهَا خَالِدُونَ أی مقیمون أبداً ، فالآیة ترد علی الجهمیة قولهم لأنهم یقولون بفناء الجنة... لکن ذلک وهمٌ عندنا ، لأن الله تعالی هو الأول بذاته . . والباقی بذاته ، والجنة وما فیها باقیة بغیرها. إن الله تعالی جعل الجنة داراً مطهرة عن المعایب کلها . . ولو کان آخرها للفناء لکان فیها أعظم المعایب إذ المرء لا یهنأ بعیش إذا نقص علیه بزواله. فلو کان آخره للزوال کانت نعمته منغصه علی أهلها . . .

ص: 265

تأویلات أهل السنة/121:

الرد علی الجهمیة فی قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فیهما: وَالَّذِینَ کَفَرُوا وَکَذَّبُوا بِآیَاتِنَآ أُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ ، تنقض علی الجهمیة قولهم . . . فلو کانت الجنة تفنی وینقطع ما فیها لکان فیها خوف وحزنٌ لأن من خاف فی الدنیا زوال النعمة عنه وفوتها یحزن علیه . . فأخبر عز وجل أن لا خوف علیهم فیها ، خوف التبعة ولا حزن فوات النعمة ، ولا هم یحزنون ، دل علی أنها باقیة وأن نعیمها دائم لا یزول ، وکذلک أخبر عز وجل أن الکفار فی النار خالدون .

والمرجئة أخذوا من عمر

تاریخ الإسلام للذهبی:13/160:

وکان أبو المطیع فیما نقل الخطیب من رؤوس المرجئة.. وذکروا عنه أنه کان یقول: الجنة والنار خلقتا وستفنیان ، وهذا کلام جهم .

وابن العاص أخذ من عمر

فتح القدیر للشوکانی:2/658:

عن ابن عمرو قال: لیأتین علی جهنم یوم تصفق فیه أبوابها لیس فیها أحد. ثم قال صاحب الکشاف: ما کان لابن عمرو فی سیفیه ومقاتلته بهما علیاً ما یشغله عن تسییر هذا الحدیث ! انتهی.

ویقصد الزمخشری أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوی هذا الحدیث لا

ص: 266

یوثق به ، لأنه کان مبغضاً لعلی(علیه السّلام)وقد قاتله فی صفین بسیفین ، وکان الأولی به أن یکتفی بفعلته تلک ولا ینقل مثل هذه الأحادیث الخارجة عن إجماع المسلمین !

قال فی هامش اختیار معرفة الرجال:1/157: وقال فی الکشاف: وماظنک بقوم نبذوا کتاب الله لما روی لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص: لیأتین علی جهنم یوم تصفق فیه أبوابها لیس فیها أحد وذلک بعدما یلبثون أحقابا. وبلغنی أن من الضلال من اغتر بهذا الحدیث فاعتقد أن الکفار لا یخلدون فی النار ، وهذا ونحوه والعیاذ بالله من الخذلان المبین زادنا الله هدایة إلی الحق ومعرفة

بکتابه وتنبهاً علی أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم یخرجون من حر النار إلی برد الزمهریر ، فذلک خلق جهنم وصفق أبوابها ، وأقول: أما کان لابن عمرو فی سیفیه ومقاتلته بهما علی بن أبی طالب (رض) ما یشغله عن تسییر هذا الحدیث. انتهی قول الکشاف .

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر وأبو الشیخ عن إبراهیم قال: ما فی القرآن آیة أرجی لأهل النار من هذه الآیة: خَالِدِینَ فِیهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّکَ قال وقال ابن مسعود: لیأتین علیها زمان تخفق أبوابها .

ص: 267

وفی تفسیر التبیان:6/68 وروی عن ابن مسعود أنه قال: لیأتین علی جهنم زمان تخفق أبوابها لیس فیها أحد ، وذلک بعد أن یلبثوا فیها أحقاباً .

والشعبی أخذ من عمر

تفسیر التبیان:6/68:

وقال الشعبی: جهنم أسرع الدارین عمراناً ، وأسرعهما خراباً .

ویلاحظ علی روایاتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبی أن جهنم تبقی ولکن تفرغ وینقل أهلها إلی الجنة ! وهذا هو موضوع کلام عمر ، لا ماادعاه ابن قیم !

والمعتزلة أخذت من عمر

الملل والنحل للشهرستانی - هامش الفصل:1/64:

الخامسة: قوله ( أبو الهذیل ) إن حرکات أهل الخلدین تنقطع ، وإنهم یصیرون إلی سکون دائم خموداً ، وتجتمع اللذات فی ذلک السکون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام فی ذلک السکون لأهل النار .

والجاحظ أخذ من عمر

الملل والنحل - هامش الفصل:1 جزء 1/95:

أقوال الجاحظ التی انفرد بها عن أصحابه..منها: قوله فی أهل النار إنهم لا

ص: 268

یخلدون فیها عذاباً ، بل یصیرون إلی طبیعة النار .

وابن عربی والجیلی أخذاً من عمر

قال فی تفسیر المنار:8/70:

ویدخل فیه أنها تفنی کما تقول الجهمیة ، أو تتحول إلی نعیم کما قال الشیخ محیی الدین بن العربی وعبد الکریم الجیلی من الصوفیة .

أما عمر فقد أخذ من کعب الأحبار والیهود

سیرة ابن هشام:2/380:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ

قال ابن إسحاق: وحدثنی مولی لزید بن ثابت عن عکرمة أو عن سعید ابن جبیر عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدینة والیهود تقول: إنما مدة الدنیا سبعة آلاف سنة ، وإنما یعذب الله الناس فی النار بکل ألف سنة من أیام الدنیا یوماً واحداً فی النار من أیام الآخرة ، وإنما هی سبعة أیام ثم ینقطع العذاب !!

فأنزل الله فی ذلک من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ یُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ بَلَی مَنْ کَسَبَ سَیِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِیئَتُهُ ، أی من عمل بمثل أعمالکم وکفر بمثل ما کفرتم به حتی یحیط کفره بماله عند الله من حسنة ، فَأُولَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ . أی خلداً أبداً. وَالَّذِینَ آمَنُوا

ص: 269

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ أی من آمن بما کفرتم به وعمل بما ترکتم من دینه فلهم الجنة خالدین فیها ، یخبرهم أن الثواب بالخیر والشر مقیم علی أهله أبداً ، ولا انقطاع له .

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالی: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآیة. أخرج ابن إسحق وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والواحدی عن ابن عباس أن الیهود کانوا یقولون مدة الدنیا سبعة آلاف سنة . . . الخ. ورواه فی مجمع الزوائد: 6/314 .

تفسیر التبیان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَیَّامًا مَعْدُودَةً ، وإنما لم یبین عددها فی التنزیل، لأنه تعالی أخبر عنهم بذلک وهم عارفون بعدد الایام التی یوقتونها فی النار ، فلذلک نزل تسمیة عدد الایام وسماها معدودة لما وصفنا .

وقال أبو العالیة وعکرمة والسدی وقتادة: هی أربعون یوماً. ورواه الضحاک عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الایام التی عبدوا فیها العجل .

وقال ابن عباس: إن الیهود تزعم أنهم وجدوا فی التوراة مکتوباً إن ما بین طرفی جهنم مسیرة أربعین سنة ، وهم یقطعون مسیرة کل سنة فی یوم واحد ، فإذا انقطع المسیر انقطع العذاب ، وهلکت النار !!

قال السیوطی فی الدر المنثور:6/285:

ص: 270

وأخرج ابن مردویه عن عبد الرحمن بن میمون أن کعباً دخل یوماً علی عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثنی إلی ما تنتهی شفاعة محمد یوم القیامة ؟ فقال کعب قد أخبرک الله فی القرآن إن الله یقول: ما سلککم فی سقر . . . إلی قوله الیقین قال کعب: فیشفع یومئذ حتی یبلغ من لم یصل صلاة قط ، ویطعم مسکیناً قط ، ومن لم یؤمن ببعث قط ، فإذا بلغت هؤلاء لم یبق أحد فیه خیر ! انتهی .

وقد ذکرنا أن کلام کعب هذا یحتل وجهین لأن قوله: حتی یبلغ ، وقوله فإذا بلغت ، قد یقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المکذبین بیوم الدین الذین لم یفعلوا خیراً قط ! فلا یبقی أحد فی النار وتنتهی. وقد یقصد بهما أن الشفاعة تقف عند هؤلاء فیکون کلامه توسیعاً لها لکل المؤمنین بالبعث من غیر المسلمین !

ولایبعد أن یکون هدف کعب القول بدخول الجمیع الجنة وفناء النار ، لأن ذلک من مقولات الیهود کما رأیت ! ویکون قصده أن سؤال أهل الیمین للمجرمین: ماسلککم فی سقر ؟ إنما هو مقدمةٌ لاخراجهم من النار.. وبشفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وقد یتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخلیفة عمر بأنه أخذ هذه العقیدة من کعب الأحبار ، ولکن الذی یقرأ احترام عمر لاحبار الیهود والنصاری ولکعب الأحبار خاصة حتی قبل إسلام کعب . . لا یستبعد ذلک بل یطمئن الیه ، ویحسن مراجعة ما کتبناه فی ذلک موثقاً فی کتاب تدوین

ص: 271

القرآن ، وأن الخلیفة عمر کان یدرس عند الیهود فی المدینة فی حیاة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأن النبی نهاه عن عن ذلک ولم یمتثل ! ونذکر هنا بعض النصوص التی تکشف ثقته العالیة بکعب ، والمقام العظیم الذی یحتله کعب فی ذهنه وعواطفه !

عمر ینظر إلی کعب کأنه نبی ویتلقی منه

یلاحظ الباحث تعاملاً فریداً للخلیفة عمر مع کعب الأحبار ، وأنه کان یحترمه أکثر من کل صحابة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویفضله علیهم علمیاً وسیاسیاً ، ویسأله عن عوالم الغیب والشهادة والأنبیاء والجنة والنار وتفسیر القرآن ، وعن مستقبل الأمة ومستقبله الشخصی ویثق به ثقةً مطلقة ویقبل منه.. شبیهاً بتعامل الصحابی المؤمن مع نبیه الذی ینزل علیه الوحی !

قال السیوطی فی الدر المنثور:3/6:

وأخرج ابن جریر عن أبی المخارق زهیر بن سالم قال قال عمر لکعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه ؟ فقال کعب: کتب الله کتاباً لم یکتبه قلم ولا مداد ،ولکن کتب بإصبعه یتلوها الزبرجد واللؤلؤ والیاقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتی غضبی !!

وقال أحمد فی مسنده:1/42:

قال عمر یعنی لکعب: إنی أسألک عن أمر فلا تکتمنی ، قال: والله لا أکتمک شیئاً أعلمه قال: ما أخوف شئ تخوفه علی أمة محمد ؟ قال أئمة مضلین. قال عمر: صدقت قد أسرَّ ذلک الیَّ وأعلمنیه رسول الله(ص). ورواه

ص: 272

الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/239 وقال: رجاله ثقات .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصری أن عمر قال لکعب: ما عدن ؟ قال: هو قصر فی الجنة لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حاکم عدل .

وقال فی:5/347:

عن قتادة قال: إن عمر بن الخطاب (رض) قال: یا کعب ما عدن ؟ قال: قصور من ذهب فی الجنة یسکنها النبیون والصدیقون وأئمة العدل .

وقال فی کنز العمال:12/560:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثنی یا کعب عن جنات عدن. قال: نعم یا أمیر المؤمنین قصور فی الجنة لا یسکنها إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حکم عدل ، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لاهلها ، وأما الصدیقون فقد صدقت الله ورسوله ، وأما الحکم العدل فإنی أرجو الله أن لا أحکم بشئ إلا لم آل فیه عدلاً ، وأما الشهادة فأ نَّی لعمر بالشهادة ؟ !-ابن المبارک وأبو ذر الهروی فی الجامع .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:4/57:

وأخرج عبد بن حمید عن الحسن (رض) أن عمر قال لکعب: ما عدن ؟ قال: هو قصر فی الجنة لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید أو حاکم عدل .

وأخرج ابن أبی شیبة وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن مجاهد

ص: 273

(رض) قال: قرأ عمر (رض) علی المنبر جنات عدن ، فقال: أیها الناس هل تدرون ما جنات عدن ؟ قصر فی الجنة له عشرة آلاف باب ، علی کل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العین ، لا یدخله إلا نبی أو صدیق أو شهید!

وقال فی الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمید عن قتادة (رض) . . . فی قوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ قال إن عمر بن الخطاب (رض) قال: یا کعب ما عدن ؟ قال: قصور من ذهب فی الجنة یسکنها النبیون والصدیقون وأئمة العدل .

معجم ما استعجم:2/74:

الحثمة: بفتح أوله وإسکان ثانیة: صخرات بأسفل مکة بها ربع عمر بن الخطاب. روی عنه مجاهد أنه قرأ علی المنبر: جنات عدن فقال: أیها الناس أتدرون ما جنات عدن ؟ قصر فی الجنة له خمسة آلاف باب علی کل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العین لا یدخله إلا نبی ، وهنیئاً لصاحب القبر وأشار إلی النبی(ص)، أو صدیق وهنیئاً لأبی بکر وأشار إلی قبره ، أو شهید وأنی لعمر بالشهادة وإن الذی أخرجنی من منزلی بالحثمة قادر أن یسوقها إلی !! انتهی .

وفی هذه الروایة دلالة علی أن کعباً استطاع أن یقنع عمر أن مقصوده بالنبی والصدیق والشهید الذین یسکنون عدن: رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأبا بکر وعمر، وأن کعباً کان من المخططین لقتله !

وقال فی الدر المنثور:5/306:

ص: 274

قوله تعالی: یَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاکَ خَلِیفَةً فِی الأَرْضِ الآیة. أخرج الثعلبی من طریق العوام بن حوشب قال حدثنی رجل من قومی شهد عمر (رض) أنه سأل طلحة والزبیر وکعباً وسلمان: ماالخلیفة من الملک ؟ قال طلحة والزبیر: ما ندری ، فقال سلمان (رض): الخلیفة الذی یعدل فی الرعیة ، ویقسم بینهم بالسویة ، ویشفق علیهم شفقة الرجل علی أهله ویقضی بکتاب الله تعالی. فقال کعب: ما کنت أحسب أحداً یعرف الخلیفة من الملک غیری !

وفی کنز العمال:12/567:

عن طبقات ابن سعد: عن سفیان بن أبی العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدری أخلیفة أنا أم ملک ؟ فإن کنت ملکاً فهذا أمر عظیم ، قال قائل یا أمیر المؤمنین إن بینهما فرقاً ، قال ما هو ؟ قال: الخلیفة لا یأخذ إلا حقاً ولا یضعه إلا فی حق ، فأنت بحمد الله کذلک ، والملک یعسف الناس فیأخذ من هذا ویعطی هذا ، فسکت عمر ( ابن سعد ) .

وقال فی کنز العمال:12/573:

عن کعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدک بالله یا کعب أتجدنی خلیفة أم ملکاً ؟ قال بل خلیفة ، فاستحلفه فقال کعب: خلیفة والله من خیر الخلفاء ، وزمانک خیر زمان-نعیم بن حماد فی الفتن .

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر کعباً عن آیات أول سورة الحدید فقال: معناها إن علمه بالأول کعلمه بالاخر ، وعلمه بالظاهر کعلمه بالباطن ! انتهی .

ص: 275

کنز العمال:2/488:

عن عمر قال: ذکر النبی(ص)یوم القیامة فعظم شأنه وشدته ، قال: ویقول الرحمن لداود(علیه السّلام): مرَّ بین یدی ، فیقول داود: یا رب أخاف أن تدحضنی خطیئتی ، فیقول: مرِّ خلفی ، فیقول: یا رب أخاف أن تدحضنی خطیئتی فیقول: خذ بقدمی ! فیأخذ بقدمه عز وجل فیمر !! قال فتلک الزلفی التی قال الله تعالی: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَحُسْنَ مَآبٍ! ورواه السیوطی فی الدر المنثور: 5/305 عن ابن مردویه .

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الدیلمی عن عمر (رض) قال: قال رسول الله (ص): لا ینبغی لأحد أن یقول إنی أعبد من داود !

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حمید ، عن السدی بن یحیی ، قال حدثنی أبو حفص رجل قد أدرک عمر بن الخطاب: إن الناس یصیبهم یوم القیامة عطش وحر شدید فینادی المنادی داود فیسقی علی رؤس العالمین ، فهو الذی ذکر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَی وَ حُسْنَ مَآبٍ ! انتهی .

ومن الواضح أن هذه الروایات عن داود(علیه السّلام)من مقولات الیهود وکعب الأحبار ولکن الخلیفة عمر یقبلها منه ، والرواة ینسبونها إلی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

کنز العمال:14/146:

ص: 276

عن سعید بن المسیب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب فی إتیان بیت المقدس فقال له: إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمنی فلما تجهز جاءه فقال له عمر: إجعلها عمرة !

مجمع الزوائد:9/65:

عن عمر بن ربیعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلی کعب الأحبار فقال: یا کعب کیف تجد نعتی ؟ قال: أجد نعتک قرن من حدید. قال: وما قرن من حدید ؟ قال: أمیر شدید لا تأخذه فی الله لومة لائم. قال: ثم مه ؟ قال: ثم یکون من بعدک خلیفة تقتله فئة .

تاریخ الطبری:1/459:

عن أشعث عن سالم النصری قال: بینما عمر بن الخطاب یصلی ویهودیان خلفه، وکان عمر إذا أراد أن یرکع خوی ، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو ؟ قال فلما انفتل عمر قال: أرأیت قول أحدکما لصاحبه أهو هو ؟ فقالا: إنا نجد فی کتابنا قرناً من حدید یعطی ما أعطی حزقیل الذی أحیا الموتی بإذن الله !!

فقال عمر: مانجد فی کتابنا حزقیل ، ولا أحیا الموتی بإذن الله إلا عیسی بن مریم ! فقالا: أما تجد فی کتاب الله: ورسلاً لم نقصصهم علیک ؟ فقال عمر: بلی ، قالا: وأما إحیاء الموتی فسنحدثک إن بنی اسرائیل وقع فیهم الوباء ، فخرج منهم قوم حتی إذا کانوا علی رأس میل أماتهم الله فبنوا علیهم حائطاً حتی إذا بلیت عظامهم بعث الله حزقیل فقام علیهم فقال: ما شاء الله ، فبعثهم

ص: 277

الله له فأنزل الله فی ذلک: ألم تر إلی الذین خرجوا من دیارهم وهم ألوف حذر الموت. انتهی .

والأخوی: الذی لا یستطیع أن یرکع أو یسجد بشکل طبیعی إلا بفتح قدمیه ونحوه . . والروایة تدل علی اهتمام الیهود

بإیمان عمر بثقافتهم ، ومحاولتهم التزلف إلیه بادعاء أن شخصیته مذکورة فی کتبهم ، وأنه نبی یحیی الموتی مثل حزقیل !

تاریخ المدینة لابن شبة:3/110:

لما قدم عمر (رض) من مکة فی آخر حجة حجها أتاه کعب فقال: یا أمیر المؤمنین إعهد فإنک میت فی عامک ! قال عمر (رض)وما یدریک یا کعب؟ قال: وجدته فی کتاب الله ! فقال: أنشدک الله یا کعب هل وجدتنی باسمی ونسبی عمر بن الخطاب ؟ قال: اللهم لا ، ولکنی وجدت صفتک وسیرتک وعملک وزمانک !

ورواه فی:3/88 وزاد فیه: فلما أصبح الغد غدا علیه کعب فقال عمر (رض): یا کعب ، فقال کعب: بقیت لیلتان ، فلما أصبح الغد غدا علیه کعب-قال عبدالعزیز: فأخبرنی عاصم بن عمر بن عبید الله بن عمر قال: قال عمر (رض):

یواعدنی کعب ثلاثاً یعدُّها

ولا شک أن القول ما قاله کعبُ

وما بی لقاء الموت إنی لمیتٌ

ولکنما فی الذنب یتبعه الذنبُ

فلما طعن عمر (رض) دخل علیه کعب فقال: ألم أنهک ؟ !

قال: بلی ، ولکن کان أمر الله قدراً مقدورا !! انتهی .

ص: 278

ولا یتسع المجال للرد علی أفکار کعب التی تضمنتها روایاته ، وقد أوردنا عدداً منها فی سبب نشأة التجسیم فی

المجلد الثانی .

والواقع أن کعب الأحبار من أکبر المصائب فی مصادر إخواننا السنیین ، حیث تجده مقیماً فیها ، کامناً فی المواقع الحساسة من أصول العقیدة والشریعة ! وهذا أمر یحتاج إلی معالجات جریئة من علمائهم !

ولکن لابد من الإلفات هنا إلی أن النصوص المتقدمة تدل بما لایقبل الریب علی أن کعباً کان شریکاً فی مؤامرة قتل عمر !

ولکن إخواننا السنیین ما زالوا یبرئون کعباً ویثقون به ، کما برَّأَ المسیحیون الیهود من دم المسیح !

کما نشیر إلی أن کعباً أخطأ فی تفسیر أول سورة الحدید ، لأنه فسر ( هو ) بعلمه !! ولکن الخلیفة عمر یقبل منه کل مایقوله ، بل یحدث به المسلمین علی المنبر !

ص: 279

ص: 280

الفصل الثامن: شفاعات وحرمانات غیر معقولة روتها مصادر السنیین

اشارة

ص: 281

ص: 282

النوع الأول: شفاعة اثنین لصاحب الجنازة

اشارة

لیس من السهل أن نعترض علی الأحادیث التی تحکم علی نوع من الناس باستحقاق الجنة أو النار . . لأن الخیر والشر فی داخل الإنسان عالمٌ معقد ، وما یظهر للعیان لا یجب أن یکون دائماً هو الحقیقة ! فرب عمل صغیر نقوم به یکون فی حساب الثواب والعقاب الإلهی کبیراً ، وبالعکس . . ورب ظرف یجعل العمل السی حسناً وبالعکس !

وبسبب هذه السعة والتعقید فی أعمال الناس وظروفها ، لابد أن تکون أنظمة الجزاء عمیقة واسعة حتی تستوعبها .

ولکنا مع ذلک نملک یقینیات من العقل والشرع تسمح لنا أحیاناً بالحکم بإمکان هذا الجزاء الإلهی أو عدم إمکانه..ومن هذه الیقینیات: لو أن شخصاً قاتلاً ظالماً جامعاً للصفات الشریرة ، توفی وحملوا جنازته ، فمر بها شخصان مسلمان فقالا:

کان مؤمناً تقیاً ، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان ، فإن شهادتهما لا تغیر شیئاً من قوانین المجازاة الإلهیة !

لکن توجد ( أحادیث ) فی مصادر السنیین تقول: إن مجرد شهادة إثنین

ص: 283

بالخیر لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة ! کما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل النار !!

فکأن الشهادة علی الجنازة فی منطق هذه الأحادیث وثیقة شرعیة نهائیة لا یقرأ الملائکة غیرها ، أو ختم نهائی لا یقبل الله تعالی غیره !!

لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة الیهودیة ، ولکنه مهما کان مصدره ، لیس منطقاً إسلامیاً ! لأن معناه السماح للمجرمین بأن یفعلوا ما شاؤوا ویهلکوا الحرث والنسل ، ثم یوصی أحدهم بأن یشهد علی جنازته عشرة شهود کذباً وزوراً فیدخل الجنة !

والأخطر من ذلک أن الإنسان المؤمن الطیب الأمین المستقیم مهما عمل من خیر فی حیاته فإن عمله یتبخر بمجرد أن یرسل خصومه اثنین یشهدان علی جنازته بأنه کان سیئاً ، فیدخلانه النار !

ولو کانت هذه المقولة توجد فی مصادرهم من الدرجة الثانیة لکان الأمر أسهل ، ولکنها توجد فی مصادر الدرجة الأولی مع الأسف ، وعن لسان أقدس الشخصیات عندهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأمر الذی یتطلب من فقهائهم جرأةً فی معالجتها:

روی البخاری فی صحیحه:2/100:

عن أنس بن مالک قال: مروا بجنازة فأثنوا علیها خیراً ، فقال النبی (ص): وجبت ، ثم مروا بأخری فأثنوا علیها شراً فقال: وجبت ، فقال عمر بن الخطاب (رض): ما وجبت ؟ قال: هذا أثنیتم علیه خیراً فوجبت له الجنة ، وهذا أثنیتم علیه شراً فوجبت له النار ، أنتم شهداء الله فی الأرض.

ص: 284

ورواه فی:3/148 وفیه ( قال شهادة القوم المؤمنین شهداء الله فی الأرض). ورواه مسلم فی صحیحه:3/53 وقد کرر فیه کلمة: وجبت وأنتم شهداء الله ثلاث مرات. ورواه النسائی:4/50 ورواه الترمذی:2/261 وقال ( وفی الباب عن عمر وکعب بن عجرة وأبی هریرة. قال أبو عیسی: حدیث أنس حدیث حسن صحیح ).

ورواه ابن ماجة فی:1/478 وفیه ( فقال: شهادة القوم والمؤمنون شهود الله فی الأرض ) . وفی هامشه ( ویوافقه حدیث عمر رواه الترمذی والنسائی وإسناد ابن ماجة صحیح ورجاله رجال الصحیحین ) .

ورواه أبو داود فی:2/86 وفیه ( إن بعضکم علی بعض شهداء ) .

ورواه أحمد فی ج3 ص179 وج2 ص261 وص498 وص528 وج2 ص466 وص470 وفیه ( بعضکم شهداء علی بعض ) وج3 ص186 وکرر فیه وجبت ثلاث مرات مثل مسلم . وفی روایة أخری (قال شهادة القوم والمؤمنون شهداء الله فی الأرض) وفی ج3/197 وص 211 وص 245 وص 281 .

ورواه البیهقی فی سننه ج4 ص75 وج 10/123 وص 209 .

وقال البخاری فی صحیحه:2/100:

عن أبی الأسود قال: قدمت المدینة وقد وقع بها مرض فجلست إلی عمر بن الخطاب (رض) فمرت بهم جنازة فأثنی علی صاحبها خیراً فقال عمر (رض): وجبت. ثم مر بأخری فأثنی علی صاحبها خیراً ، فقال عمر

ص: 285

(رض): وجبت . ثم مر بالثالثة فأثنی علی صاحبها شراً ، فقال: وجبت. فقال أبو الأسود فقلت: وما وجبت یا أمیر المؤمنین؟ قال: قلت کما قال النبی (ص): أیما مسلم شهد له أربعة بخیر أدخله الله الجنة ، فقلنا وثلاثة قال: وثلاثة. فقلنا واثنان قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد !

ورواه البخاری أیضاً فی:3/149 والنسائی فی:4/51 وفیه:

( فقلت وما وجبت یا أمیر المؤمنین ؟ قال: قلت کما قال رسول الله (ص): أیما مسلم شهد له أربعة قالوا خیراً أدخله الله الجنة. قلنا: أو ثلاثة ؟ قال: أو ثلاثة. قلنا: أو اثنان ؟ قال: أو اثنان .

ورواه الترمذی فی:2/261 وقال ( قال أبو عیسی: هذا حدیث حسن صحیح وأبو الاسود الدؤلی اسمه ظالم بن عمر بن سفیان ) .

ورواه أحمد فی:1/21 وص 22 وص27 وص 30

وص 45 وص 46، والبیهقی فی سننه:10/124 .

إلی هنا تجد أن هذه المقولة بمقاییس إخواننا السنیین تامة السند والدلالة . . ولکن توجد مؤشرات تفتح باب البحث حولها:

المؤشر الأول: أن الإمام أحمد روی أن بعض الذین سمعوا الحدیث من الخلیفة عمر شککوا فیه لغرابته عن منطق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وظنوا أنه رأیٌ من عمر لا من قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأکد له عمر أن النبی هو الذی قال ذلک !

قال أحمد فی:1/54:

ص: 286

حدثنا عبد الله حدثنی أبی ثنا وکیع ثنا عمر بن الولید الشنی عن عبد الله بن بریدة قال: جلس عمر (رض) مجلساً کان رسول الله(ص)یجلسه ، فمر علیه الجنائز ، قال فمروا بجنازة فأثنوا خیراً فقال: وجبت . ثم مروا بجنازة فأثنوا خیراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا خیراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا هذا کان أکذب الناس ، فقال: إن أکذب الناس أکذبهم علی الله ، ثم الذین یلونهم من کذب علی روحه فی جسده ، قال قالوا: أرأیت إذا شهد أربعة؟ قال: وجبت. قالوا: أو ثلاثة ؟ قال: وثلاثة ، قال وجبت. قالوا: واثنین؟ قال: وجبت ، ولان أکون قلت واحد أحب إلی من حمر النعم. قال فقیل لعمر: هذا شئ تقوله برأیک أم شئ سمعته من رسول الله(ص)؟ قال: لا ، بل سمعته من رسول الله(ص). انتهی.

والروایةتدل علی أن الخلیفة تفرد بهذه الروایة من دون الصحابة الحاضرین فی ذلک المجلس الرسمی الذی کان یجلسه رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنهم تعجبوا لأنهم لم یسمعوا ذلک ، وتجرؤوا أن یسألوا عمر رغم سطوته ، فأکد لهم أنه سمع ذلک !

المؤشر الثانی: یشیر إلی أن الحادثة قضیة شخصیة فی جنازة أشخاص معینین فی زمن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیست قاعدة کلیة لکل جنازة..

فقد روی الحاکم فی:1/377: عن أنس قال کنت قاعداً مع النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فمر بجنازة فقال: ما هذه الجنازة ؟ قالوا جنازة فلان الفلانی کان یحب الله ورسوله ویعمل بطاعة الله ویسعی فیها ، فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة أخری قالوا جنازة فلان الفلانی کان یبغض الله ورسوله ویعمل بمعصیة الله ویسعی فیها ، فقال: وجبت وجبت وجبت. فقالوا یا

ص: 287

رسول الله قولک فی الجنازة والثناء علیها ؟ أثنی علی الأول خیر وعلی الآخر شر فقلت فیها وجبت وجبت وجبت ؟ فقال: نعم یا أبا بکر إن لله ملائکة تنطق علی ألسنة بنی آدم بما فی المرء من الخیر والشر. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه بهذا اللفظ. انتهی .

فلو صح الحدیث لکان معناه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )شهد ، بما عرفه الله تعالی ، بأن الملائکة نطقت علی ألسنة أولئک المادحین والذامین . . ولیس معناه أن الملائکة تنطق دائماً علی ألسنة المسلمین .

المؤشر الثالث : یدل علی أن الخصوصیة للشاهد أو الشافع فی الجنازة.. ففی مستدرک الحاکم:2/268: عن جابر بن عبد الله رضی الله عنهما قال: کنت مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی جنازة فینا فی بنی سلمة وأنا أمشئ إلی جنب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال رجل: نعم المرء ما علمنا إن کان لعفیفاً مسلماً إن کان.. فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت الذی تقول ؟ قال یا رسول الله ذاک بدا لنا والله أعلم بالسرائر. فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وجبت. قال وکنا معه فی جنازة رجل من بنی حارثة أو من بنی عبد الأشهل ، فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن کان لفظاً غلیظاً إن کان . . فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنت الذی تقول ؟ قال یا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذی بدا لنا منه فذاک. فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وجبت . ثم تلا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه ، إنما اتفقا علی وجبت فقط. انتهی .

فقد أکد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی شخص القائل الذی لم تسمه الروایة فقال له: أنت الذی تقول ذلک وتشهد بهذه الشهادة لهذا المیت ؟ فقال نعم إنی أشهد

ص: 288

حسب ظاهر حاله. فقال النبی إن الجنة قد وجبت

له بشهادة ذلک الرجل ، أو إن شهادته طابقت الواقع کما أوحی الله إلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، فیحتمل أن تکون القضیة شخصیة کما فی الروایة السابقة، وإذا وجد الإحتمال بطل الإستدلال، ولم یبق یقین بأنها قاعدة عامة .

المؤشر الرابع: أنه توجد أحادیث معارضة تجعل دعاء مئة مسلم موحد أو أربعین بالشفاعة للمیت موجباً للامل بأن الله تعالی یشفعهم فیه ویدخله الجنة..وقد روت الصحاح روایة المئة، وروایة الأربعین، وفی بعض روایاتها ثلاثة صفوف ، وأمة من الناس ، ونحوها . . الأمر الذی یدل علی أن وجود کثرة من المسلمین المؤمنین یصلون علی جنازة المیت أو یدعون له ، أمر مفید له ، وأن الله تعالی قد یستجیب دعاءهم . . ولکن لیس فی هذه الأحادیث تلک الحتمیة و( الأتوماتیکیة ) التی فی أحادیث (وجبت وجبت) المتقدمة !

ففی صحیح مسلم:3/52 عن عائشة عن النبی(ص)قال: ما من میت یصلی علیه أمة من المسلمین یبلغون مائة کلهم یشفعون له ، إلا شفعوا فیه . انتهی وفی روایة أخری: أربعون. ورواه فی سنن البیهقی:3/180-181 .

وفی سنن ابن ماجة:1/477:

عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: من صلی علیه مائة من المسلمین غفر له. فی الزوائد: قد جاء عن عائشة فی الترمذی والنسائی مثله. وإسناده صحیح ورجاله رجال الصحیحین. انتهی. وما ذکره موجود فی سنن

ص: 289

الترمذی:2/247 وفی سنن النسائی:4/75 بصیغة مائة وأمة من الناس).

وفی فردوس الأخبار:4/329 ح 6496:

أنس وعائشة: ما من میت یصلی علیه أمة من المسلمین یبلغوا أن یکونوا مائة یشفعون له إلا شفعوا فیه .

وفی/371 ح 6609: أبو هریرة: ماصف قوم صفوفاً ثلاث علی میت فیستغفرون له إلا شفعوا .

وروی ابن ماجة فی سننه:1/477:

عن کریب مولی عبدالله بن عباس قال: هلک ابن لعبد الله بن عباس فقال لی: یا کریب قم فانظر هل اجتمع لابنی أحد ؟ فقلت نعم. فقال ویحک کم تراهم أربعین ؟ قلت: لا ،بل هم أکثر. قال: فاخرجوا بابنی فأشهد لسمعت رسول الله(ص)یقول: ما من أربعین من مؤمن یشفعون لمؤمن ، إلا شفعهم الله .

وروی ذلک أحمد بشروط أشد قال فی:1/277:

عن کریب مولی ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقدید أو بعسفان فقال: یا کریب أنظر ما اجتمع له من الناس ؟ قال فخرجت فإذا ناس قداجتمعوا له فأخبرته ، قال یقول هم أربعون ؟ قال نعم ، قال أخرجوه فإنی سمعت رسول الله(ص)یقول: ما من مسلم یموت فیقوم علی جنازته أربعون رجلاً لا یشرکون بالله شیئاً ، إلا شفعهم الله فیه. ورواها الدیلمی فی

ص: 290

فردوس الأخبار:4/318 ح 6469 .

المؤشر الخامس: یشیر إلی احتمال اختلاط الحدیث بغیره..

ففی مسند أحمد:3/303 عن جابر قال: قال قال رسول الله (ص): من کن له ثلاث بنات یؤویهن ویرحمهن ویکفلهن ، وجبت له الجنة البتة. قال قیل یا رسول الله فإن کانت اثنتین ؟ قال: وإن کانت اثنتین. قال فرأی بعض القوم أن لو قالوا له واحدة لقال واحدة. انتهی .

وفی مسند أحمد:4/212:

عن الحرث بن أقیش قال: کنا عند أبی برزة لیلة فحدث لیلتئذ عن النبی (ص)أنه قال: ما من مسلمین یموت لهما أربعة أفراط ، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته. قالوا یا رسول الله وثلاثة ؟ قال: وثلاثة. قالوا: واثنان ؟ قال: واثنان. انتهی .

فیحتمل أن یکون الأمر اشتبه علی الخلیفة فجعل أجر ( وجبت الجنة ) لمن ربی ثلاث بنات أو اثنتین - جعله لمن شهد ثلاثة أو اثنان علی جنازته ، لتشابه العدد فیهما ووحدة التعبیر ب( وجبت ) .

ولا یرد الإشکال علی روایة تربیة البنات تربیة إسلامیة کیف جعلت سبباً قطعیاً لدخول الجنة ، لأنها تجعل الجزاء للاب أو الام علی عمل یقومان به ، بینما روایة الشهادة للجنازة تجعل لصاحبها الجنة مجاناً مهما کان فاجراً بمجرد قول غیره !

کما تجعل له النار مجاناً بمجرد قول غیره ، مهما کان صالحاً !!

علی أنه یمکن القول إن الله تعالی جعل ثواب تربیة ثلاث بنات أو اثنتین

ص: 291

الجنة لیعالج مشکلة فی مجتمع کانوا یئدون بناتهم ، وإذا بشر أحدهم بالأنثی ظل وجهه مسوداً وهو کظیم..وأن هذا الثواب قد یشمل فی عصرنا الازواج الذین یئدون أطفالهم بطرق أخری ، خوفاً من الفقر أو طلباً للراحة من الأطفال .

وفی أحادیث أهل البیت عن الإمام الصادق(علیه السّلام)أن المسلمین قد سألوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تربیة البنت الواحدة کما تقدم ، فقد روی فی الکافی:6/6 عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن الحکم ، عن عمر بن یزید ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من عالَ ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقیل: یا رسول الله واثنتین ؟ فقال: واثنتین. فقیل: یا رسول الله وواحدة ؟ فقال: وواحدة. انتهی .

وفی مسند أحمد:1/223:

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من ولدت له ابنة فلم یئدها ولم یهنها ولم یؤثر ولده علیها یعنی الذکر ، أدخله الله بها الجنة. انتهی .

والنتیجة: أن هذه المؤشرات تفتح باب البحث للشک فی أحادیث ( وجبت وجبت ) للجنازة ، وتضغط علیها لتکون منسجمةً مع الیقینیات العقلیة والشرعیة غیر ناقضة لها .

ومادام الباب مفتوحاً للتخلص من منطقها الیهودی ، فلا معنی للتشبث بها بحجة الدفاع عن البخاری وعن الخلیفة عمر !!

ص: 292

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) فی الشهادة للجنازة

لا أثر فی أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) لروایات ( وجبت ) ولا لمنطقها ! بل نجد الترغیب فی الدعاء للمیت والشفاعة به إلی الله تعالی ، والأمل بأن یستجیب الله تعالی ویشمل هذا المیت برحمته . .کل ذلک علی حسب قوانین الجزاء والشفاعة التی یعلمها عز وجل بأصولها وتفاصیلها وتطبیقاتها، ولا نعرف نحن منها إلا القلیل .

روی الکلینی فی الکافی:3/188:

عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زیاد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن ثابت أبی المقدام قال: کنت مع أبی جعفر ( الباقر (علیه السّلام)فإذا بجنازة لقوم من جیرته فحضرها وکنت قریباً منه، فسمعته یقول: اللهم إنک أنت خلقت هذه النفوس وأنت تمیتها وأنت تحییها ، وأنت أعلم بسرائرها وعلانیتها منا ومستقرها ومستودعها. اللهم وهذا عبدک ولا أعلم منه شراً وأنت أعلم به ، وقد جئناک شافعین لبعد موته فإن کان مستوجباً فشفعنا فیه واحشره مع من کان یتولاه. انتهی.

ونحوه فی الکافی:3/185 ، ورواه الشیخ فی تهذیب الأحکام:3/196 ورواه الحر العاملی فی وسائل الشیعة: 2/237

وینبغی الإلتفات إلی عبارة ( فإن کان مستوجباً فشفعنا فیه ) فهی تدل علی وجود قانون استحقاق الشفاعة وعدم استحقاقها. وعبارة ( واحشره مع من کان یتولاه ) التی تدل علی قانون ( یوم ندعو کل أناس بإمامهم ) وهما

ص: 293

قانونان مترابطان.

أما منطق ( وجبت ) فیقول لو کان المیت فاجراً مثل فرعون ومدح جنازته شخصان ، لوجب أن یصیر من أهل الجنة ویحشر یوم القیامة إلی جنب الأنبیاء (علیهم السّلام) !

هذا، وقد روی فی الکافی روایة صحیحة طریفة تتضمن أضواء مهمة علی قانون الشفاعة قال فی:3/187

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبی، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن کان مستضعفاً فقل: اللهم اغفر للذین تابوا واتبعوا سبیلک وقهم عذاب الجحیم ، وإذا کنت لا تدری ما حاله فقل: اللهم إن کان یحب الخیر وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه ، وإن کان المستضعف منک بسبیل فاستغفر له علی وجه الشفاعة لا علی وجه الولایة. انتهی .

وروی فی نفس الصفحة عن الإمام الصادق(علیه السّلام)أیضاً قال: الترحم علی جهتین: جهة الولایة وجهة الشفاعة. ورواه فی وسائل الشیعة:2/237 .

ففی هذا الروایة منطق دقیق فی التعامل مع المیت والشهادة له . . إن کنت لا تدری ما حاله ، أو کان مستضعفاً فکریاً لا یعرف الحق من الباطل ، أو کان معانداً یعرف الحق وینکره . . أو کان ممن یبغض أهل البیت (علیهم السّلام) وینصب العداوة لهم.. وادع له علی نحو الولایة ووحدة الإمام الذی ستدعی أنت وإیاه به یوم القیامة ، أو علی جهة الشفاعة لارحامک إن لم یکن عارفاً بحق أهل بیت نبیه . . إلی آخر النقاط المنسجمة مع الیقینیات العقلیة

ص: 294

والشرعیة .

قد یقال: یوجد فی روایات أهل البیت (علیهم السّلام) شبیه لروایة ( وجبت )

فقد روی الکلینی فی الکافی:3/173 عن أبی علی الأشعری ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن علی بن عقبة ، عن میسر قال: سمعت أبا جعفر(علیه السّلام)یقول: من تبع جنازة مسلم أعطی یوم القیامة أربع شفاعات ولم یقل شیئاً إلا وقال الملک: ولک مثل ذلک. انتهی.

ورواه الصدوق فی من لا یحضره الفقیه:1/161 والشیخ فی تهذیب الأحکام: 1/455 والحر فی وسائل الشیعة:2/288 وقال: ورواه فی المجالس عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علی بن فضال. ورواه الشیخ بإسناده عن أبی علی الأشعری مثله. انتهی .

ولکن الفرق کبیر بین روایة تعطی حق الشفاعة لشخص علی عمل یقوم به، وبین روایة تعطی الجنة أو النار مجاناً بکلمة یقولها شخص أو اثنان بعد موته !!

وقد وجدنا فی مصادر إخواننا السنیین روایة شبیهة بما مصادرنا فی الدعاء للمیت فی الصلاة علی جنازته رواها أحمد فی مسنده: 2/256 قال: سمعت أبا هریرة ومر علیه مروان فقال: بعض حدیثک عن رسول الله(ص)أو حدیثک عن رسول الله(ص)؟ ثم رجع ، فقلنا الآن یقع به قال: کیف سمعت رسول الله(ص)یصلی علی الجنائز ؟ قال سمعته یقول: أنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هدیتها للإسلام ، وأنت قبضت روحها تعلم سرها وعلانیتها ، جئنا شفعاء فاغفر لها.

انتهی .

ص: 295

النوع الثانی: شفاعة النبی للظالمین من الامة

اشارة

قال الله تعالی: وَالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ مِنَ الْکِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِیرٌ بَصِیرٌ . ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ . جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِیهَا حَرِیرٌ . وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَکُورٌ . الَّذِی أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبٌ وَلا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبٌ . فاطر : 31 - 35

اتفق الجمیع علی أن موضوع الآیة: الذین اصطفاهم الله تعالی وأورثهم الکتاب بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بقرینة أن السیاق قبلها عن الکتاب الموحی إلی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

واتفقوا علی أن الأقسام الثلاثة للذین اصطفاهم هم من أهل الجنة بدلیل السیاق حیث انتقل الکلام بعد المصطفین إلی الکافرین .

والذی یتصل بموضوعنا من ذلک تعیین هؤلاء المصطفین ورثة الکتاب الإلهی . . فقد ذهب السنیون إلی أنهم جمیع المسلمین ، وأنهم جمیعاً فی الجنة إما بالإستحقاق أو بالشفاعة .

ومذهبنا أن هؤلاء المصطفین ورثة الکتاب هم ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من ابنته فاطمة(علیهاالسّلام)وأن السابقین بالخیرات منهم هم الأئمة المعصومون (علیهم السّلام) والمقتصدین أتباعهم ، والظالمین لانفسهم مخالفوهم . . وفیما یلی تفصیل

ص: 296

هذه الآراء :

قال کعب الأحبار هم جمیع المسلمین وهم فی الجنة

الظاهر أن أقدم القائلین بهذا الرأی کعب الأحبار وأنه اعتمد علی استنتاجه الشخصی ولیس علی روایة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقد

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252: وأخرج عبد بن حمید عن صالح أبی الخلیل قال قال کعب: یلومنی أحبار بنی اسرائیل أنی دخلت فی أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة ! ثم تلا هذه الآیة: ثم أورثنا الکتاب الذین اصطفینا من عبادنا، حتی بلغ جنات عدن یدخلونها قال قال: فأدخلهم الله الجنة جمیعاً.

وأخرج ابن أبی شیبة وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل کعباً عن قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآیة ، قال: نجوا کلهم. ثم قال: تحاکت مناکبهم ورب الکعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.

وفی تفسیر الطبری:22/88 ، عن کعب:

إن الظالم لنفسه من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخیرات کلهم فی الجنة، ألم تر أن الله قال: ثم أورثنا الکتاب الذی اصطفینا...الخ. وروی أیضاً بعض ما تقدم فی الدر المنثور .

وقال الخولانی إنه قرأ ذلک فی کتب الیهود

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252:

ص: 297

وأخرج عبد بن حمید عن أبی مسلم الخولانی قال: قرأت فی کتاب الله أن هذه الأمة تصنف یوم القیامة علی ثلاثة أصناف: صنف منهم یدخلون الجنة بغیر حساب ، وصنف یحاسبهم الله حساباً یسیراً ویدخلون الجنة ، وصنف یوقفون ویؤخذ منهم ما شاء الله ، ثم یدرکهم عفو الله وتجاوزه .

عائشة وعثمان یوافقان کعباً علی تفسیره

روی الحاکم أن عائشة وافقت کعباً علی تفسیره قال فی المستدرک:2/426:

عقبة بن صهبان الحرانی قال: قلت لعائشة رضی الله عنها: یا أم المؤمنین أرأیت قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ ؟ فقالت عائشة رضی الله عنها: أما السبَّاق فمن مضی فی حیاة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فشهد له بالحیاة والرزق . وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتی یلحق بهم . وأما الظالم لنفسه فمثلی ومثلک ومن اتبعنا ، وکل فی الجنة !! صحیح

الإسناد ولم یخرجاه. انتهی. ورواه فی مجمع الزوائد:7/96. وقال عنه السیوطی فی الدر المنثور:5ص 251: وأخرج الطیالسی وعبد بن حمید وابن أبی حاتم والطبرانی فی الأوسط والحاکم وابن مردویه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة... الخ .

وروی السیوطی فی الدر المنثور أن الخلیفة عثمان أیضاً وافق کعباً علی تفسیره قال فی:5/252:وأخرج سعید بن منصور وابن أبی شیبة وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآیة قال: إن

ص: 298

سابقنا أهل جهاد ، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا ، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. انتهی. ورواه فی کنز العمال:2/485

وواضح من الروایتین أن عائشة وعثمان اعتمدا علی کعب الأحبار ، أو علی فهمهما للآیات ، ولم یذکرا روایة عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

الحسن البصری یرد تفسیر کعب الأحبار

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعید بن منصور وعبد بن حمید وابن المنذر والبیهقی عن کعب الأحبار أنه تلا هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ، إلی قوله لغوب ، قال: دخلوها ورب الکعبة. وفی لفظ قال: کلهم فی الجنة ، ألا تری علی أثره والذین کفروا لهم نار جهنم ، فهؤلاء أهل النار. فذکر ذلک للحسن فقال: أبت ذلک علیهم الواقعة ! وأخرج عبد بن حمید عن کعب فی قوله: جنات عدن یدخلونها قال: دخلوها ورب الکعبة ، فأخبر الحسن بذلک فقال: أبت والله ذلک علیهم الواقعة. انتهی .

ویقصد الحسن البصری بذلک أن التقسیم الثلاثی للناس الذی ورد فی سورة الواقعة یردُّ تفسیر کعب وهو قوله تعالی: وَکُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً . فَأَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَیْمَنَةِ . وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ . وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِکَ الْمُقَرَّبُونَ . الواقعة : 7 -11 وکلام البصری قوی لأن الخطاب عنده فی الآیة للمسلمین ، ولو کان المقصود بالمصطفین الذین أورثهم الله الکتاب کل المسلمین لکانوا جمیعاً من أهل الجنة ، ولما بقی معنی لتقسیمات القرآن لهم فی سورة الواقعة إلی أصحاب

ص: 299

یمین وشمال وسابقین. فهذا التقسیم یدل علی أن من المسلمین من یدخل النار .

وإن ناقشنا فی إستدلال الحسن البصری ، فتدل علی رأیه الأحادیث والأدلة المتقدمة فی الرد علی مذاهب توسیع الشفاعة !

الخلیفة عمر یمیل إلی تفسیر کعب

روی السیوطی فی الدر المنثور عن الخلیفة عمر أنه خالف تفسیر کعب الأحبار، وأن رأیه کان کما قال الحسن البصری . . قال فی: 5/252:

وأخرج ابن مردویه عن عمر عن النبی(ص)فی قوله فمنهم ظالم لنفسه قال: الکافر. انتهی . ویحتمل أن تکون هذه الروایة تفسیراً للآیة 32 من سورة لقمان وهی قوله تعالی: وَإِذَا غَشِیَهُمْ مَوْجٌ کَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلی الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا یَجْحَدُ بِآیَاتِنَا إِلا کُلُّ خَتَّارٍ کَفُورٍ . ولکنها علی أی حال تنطبق علی موضوعنا لأنها تفسر معنی ( الظالم لنفسه ) .

ولکن من البعید أن تصح هذه الروایة ، لأنه ورد عن عمر أنه کان یردد تفسیر کعب ، إلا أن نقول إنه کان یفسرها بذلک قبل أن یسمع تفسیرها من کعب !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعید بن منصور وابن أبی شیبة وابن المنذر والبیهقی فی البعث عن عمر بن الخطاب أنه کان إذا نزع بهذه الآیة قال: ألا إن سابقنا سابق

ص: 300

ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له. انتهی. (والشوکانی فی فتح القدیر: 4/441 ، ورواه فی کنز العمال:2/485 .

وقال فی هامشه: نزع بهذه الآیة . . . ومنه الحدیث: لقد نزعت بمثل ما فی التوراة، أی: جئت بما یشبهها اه-. قلت: فکأن أمیر المؤمنین عمر (رض) یأتی برأیه بما یشبه ظاهر الآیة ، ولا عجب فقد نزلت آیات توافق رأیه. انتهی.

غیر أن معنی نزع بالآیة: شرع فیها فقرأها أو فسرها ، لا أنه أتی بشبیهها ، کما زعم مهمش کنز العمال ، وأین الشبیه الذی أتی به عمر !

وغرضنا هنا تفسیر عمر للایة بأن الظالم مغفور له ، وهو مؤشرٌ علی أنه قبل تفسیر کعب بأن المقصود بالآیة کل المسلمین .

وتوجد روایة نقلها السیوطی قد یفهم منها أن عمر روی ذلک عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

قال فی الدر المنثور:5/252:

وأخرج العقیلی وابن هلال وابن مردویه والبیهقی من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله(ص)یقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له ، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه الآیة. انتهی .

وروی السیوطی نحوها عن أنس ، ورواها فی کنز العمال:2/10 وفی /485 عن عمر وأضاف إلی رواتها: الدیلمی فی الفردوس والبیهقی فی البعث والنشور. انتهی .

ولکن عمر لم یصرح فیها بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یقصد کل الأمة، فقد یکون

ص: 301

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قصد بقوله: سابقنا ومقتصدنا وظالمنا ، ذریته وأهل بیته الذین أورثهم الله الکتاب کما أورثه آل ابراهیم وآل عمران ، من نوع قوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): المهدی منا ، بنا فتح الله وبنا یختم ، وشهیدنا خیر الشهداء. .الخ. وهو فی کلامه کثیر(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وعلی هذا الإحتمال یبطل الإستدلال بأن المقصود بورثة الکتاب کل الأمة، لأنه یحتمل أن یکونوا بعضها . . خاصة بعد

أن نصت أن بعض الأحادیث علی أنهم بعض الأمة ولیس کلها:

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/251:

وأخرج الطبرانی والبیهقی فی البعث عن أسامة بن زید (رض): فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخیرات ، قال قال رسول الله (ص): کلهم من هذه الأمة ، وکلهم فی الجنة. انتهی. ونقله فی کنز العمال: 2/486 .

ویؤید ذلک ما رواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/96 عن أسامة بن زید قال: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، الآیة ، قال النبی (ص): کلهم من هذه الأمة. رواه الطبرانی وفیه محمد بن عبد الرحمن بن أبی لیلی وهو سی الحفظ. انتهی.

وتعبیر کلهم من الأمة یدل علی أنهم لیسوا کل الأمة ، ویکون هذا الحدیث من ابن أبی لیلی السی الحفظ علی حد تعبیر الهیثمی معقولاً أکثر من کلام غیره !

ص: 302

إلی هنا یبدو أنه لا مشکلة فی تفسیر ورثة الکتاب ببعض الأمة وهم ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . وأن هؤلاء الذریة کلهم مقبولون بشرط أن لا یدعوا الناس إلی أنفسهم کما سیأتی، وأن الذین یمثلون خط جدهم هم السابقون منهم صلی الله علیه وعلیهم .

لکن تبقی مجموعة روایات فی مصادر السنیین تؤکد علی تفسیر کعب وتنسبه إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! لکنها تصطدم بسورة الواقعة علی حد قول الحسن البصری ، کما تصطدم بحکم العقل والأدلة المتقدمة التی لا تسمح بالقول إن کل مسلم فی الجنة !!

وأول سؤال عن هذه الروایات: أین کانت عندما فسر کعب وعائشة وعثمان وعمر آیات ورثة الکتاب الإلهی ، وکانت موضوعاً مهما یطرحه کعب الأحبار مع الیهود ، ویطرحه الخلیفة عمر فی مجلسه أو علی منبر الجمعة ؟ !

إن عدم احتجاج أحد بها ، یوجب الشک فی سندها ، أو القول بأن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یتحدث عن اصطفاء الله تعالی لذریته من أولاد فاطمة وورثة خطه فی الأمة (علیهم السّلام) وقال کلهم من هذه الأمة ، فرواها الراوی ( کل هذه الأمة ) ویوجد لذلک نظائر ! فکم من میزة للعترة الطاهرة جعلت بسبب بساطة الرواة ، لکل الأمة !

ومما یؤید ذلک وجود روایات مترددة فی جعل هؤلاء المصطفین مجموع الأمة . .

کالذی رواه أحمد:3/78: عن أبی سعید الخدری عن النبی(ص)أنه قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ، قال: هؤلاء کلهم بمنزلة واحدة ، وکلهم

ص: 303

فی الجنة !ورواه الترمذی فی:5/41 وقال ( هذا حدیث غریب حسن ) ورواه فی الدر المنثور:5/251 عن الطیالسی وأحمد وعبدبن حمید والترمذی وحسنه وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی عن أبی سعید الخدری . . . انتهی .

وقریب منه ما رواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:10/378 والطبرانی کما فی الدر المنثور:5/252 عن ابن عباس ، وکذا شهادة البراء بن عازب التی نقلها الهیثمی عن سعید بن منصور ، والبیهقی فی البعث وجاء فیها ( أشهد علی الله أنه یدخلهم الجنة جمیعاً ) .

فکل هذه الروایات تنص علی أنهم من أهل الجنة ، وأنهم من هذه الأمة لا کلها . . الأمر الذی یوجب الشک فی تعبیر أنهم: کل الأمة !

هذا ، وقد ارتکب الحاکم خطأً فی میله إلی تصحیح حدیث نسبوه إلی أبی الدرداء فی تفسیرالآیة یقول إن الظالمین من المسلمین یحاسبون حساباً یسیراً ثم یدخلون الجنة بالشفاعة !

قال فی المستدرک:2/426:

عن أبی الدرداء (رض) قال: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول فی قوله عز وجل: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ ، قال: السابق والمقتصد یدخلان الجنة بغیر حساب ، والظالم لنفسه یحاسب حساباً یسیراً ثم یدخل الجنة. ثم قال الحاکم: وقد اختلفت الروایات عن الأعمش فی إسناد هذا الحدیث فروی عن الثوری ، عن الأعمش ، عن أبی ثابت ، عن أبی الدرداء (رض) ، وقیل عن شعبة ، عن الأعمش ، عن رجل من ثقیف ،

ص: 304

عن أبی الدرداء. وقیل ، عن الثوری أیضاً ، عن الأعمش قال: ذکر أبو ثابت ، عن أبی الدرداء. وإذا کثرت الروایات فی الحدیث ظهر أن للحدیث أصلاً. انتهی .

وحسب ماذکره السیوطی فقد ارتکب البیهقی نفس الخطأ أیضاً قال فی الدر المنثور:5/251: وأخرج الفریابی وأحمد وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والطبرانی والحاکم وابن مردویه والبیهقی عن أبی الدرداء . . . ثم قال السیوطی: قال البیهقی: إن کثرت الروایات فی حدیث ظهر أن للحدیث أصلاً .

والخطأ هو تطبیق قاعدة أن (کثرة الروایات فی إسناد حدیث تدل علی أن له أصلاً ) علی هذا الحدیث الذی نسب بثلاث نسب إلی أبی الدرداء کلها بلفظ قیل ، وإحداها عن رجل من ثقیف عن أبی الدرداء ، أو رجل لم یسم ! فهذا لیست کثرة إسناد ، بل کثرة تردد فی الاسناد وعدم قطع به ، وکثرة الإحتمالات من هذا النوع ککثرة أسماء السنور لا تزید فی قیمته !

وقد کان الهیثمی أدق من الحاکم عندما علق صحة الحدیث علی احتمال أن یکون الرجل المجهول ابن عمیر فقال فی مجمع الزوائد:7/96: رواه الطبرانی عن الأعمش عن رجل سماه ، فإن کان هو ثابت بن عمیر الأنصاری کما تقدم عند أحمد فرجال الطبرانی رجال الصحیح. انتهی .

وقصده بما تقدم ماذکره فی نفس المجلد/95 حیث قال ( رواه أحمد بأسانید رجال أحدها رجال الصحیح ، وهی هذه إن کان علی بن عبد الله الأزدی سمع من أبی الدرداء فإنه تابعی ) انتهی .

فأین کثرة الاسانید إلی أبی الدرداء ! بل أین السند الواحد القطعی !

ص: 305

وأخیراً ، نلاحظ فی بعض روایات تفسیر الآیة بکل الأمة ضعفاً لا یتفق مع بلاغة الحدیث النبوی وقوة منطقه ، کحدیث عوف بن مالک الذی سیأتی فی نظریة الفداء المزعومة من النار .

قال أهل البیت (علیهم السّلام) لا یمکن أن تشمل الآیة کل الأمة

الإعتقادات للصدوق/87:

وسئل الصادق(علیه السّلام)عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ، قال: الظالم لنفسه هنا من لم یعرف حق الإمام ، والمقتصد من عرف حقه ، والسابق بالخیرات بإذن الله هو الإمام.

وسأل إسماعیل أباه الصادق(علیه السّلام)قال: ما حال المذنبین منا ؟ فقال(علیه السّلام): لیس بأمانیکم ولا أمانی أهل الکتاب ، من یعمل سوء یجز به ولا یجد له من دون الله ولیاً ولا نصیرا .

الاحتجاج:2/301:

وعن أبی بصیر قال: سألت أبا عبد الله(علیه السّلام)عن هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا ؟ قال: أی شئ تقول ؟ قلت: إنی أقول إنها خاصة لولد فاطمة. فقال(علیه السّلام): أما من سل سیفه ودعا الناس إلی نفسه إلی الضلال من ولد فاطمة وغیرهم فلیس بداخل فی الآیة ، قلت: من یدخل فیها ؟ قال: الظالم لنفسه الذی لا یدعو الناس إلی ضلال ولا هدی ، والمقتصد منا أهل البیت هو العارف حق الإمام ، والسابق بالخیرات هو الإمام .

بصائر الدرجات/44:

ص: 306

حدثنا أحمد بن محمد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی الحلبی ، عن ابن مسکان ، عن میسر ، عن سورة بن کلیب ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)أنه قال فی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآیة ، قال: السابق بالخیرات الإمام فهی فی ولد علی وفاطمة (علیهم السّلام) .

شرح الأخبار:2/505:

حماد بن عیسی بإسناده ، عن أبی عبد الله جعفر بن محمد(علیه السّلام)أنه سئل عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ. قال: فینا أنزلت أورث الله عز وجل الکتاب الأئمة منا ، وقوله: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ یعنی منهم من لا یعرف إمام زمانه ولا یأتم به فهو ظالم لنفسه بذلک ، وقوله:

وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، یعنی من هو منهم فی النسب ممن عرف إمام زمانه وائتم به واتبعه فاقتصد سبیل ربه بذلک ، والسابق بالخیرات هو الإمام منا .

شرح الأخبار:3/472:

الرازی قال: قال أبو جعفر محمد بن علی(علیه السّلام): ما یقول من قبلکم فی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا . . .؟ قال قلت یقولون: نزلت فی أهل القبلة. قال: کلهم ؟! قلت کلهم. قال فینبغی أن یکونوا قد غفر لهم کلهم ؟ ! قلت: یابن رسول الله فیمن نزلت ؟ قال: فینا. قلت: فما لشیعتکم ؟ قال: لمن اتقی وأصلح منهم

ص: 307

الجنة ، بنا یغفر الله ذنوبهم ، وبنا یقضی دیونهم ، ونحن باب حطتهم کحطة بنی إسرائیل .

الثاقب فی المناقب/566:

وعنه قال: کنت عند أبی محمد(علیه السّلام)فسألته عن قول الله تعالی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ؟ فقال(علیه السّلام): کلهم من آل محمد (علیهم السّلام) الظالم لنفسه الذی لا یقر بالإمام ، والمقتصد العارف بالإمام والسابق بالخیرات بإذن الله: الإمام.

البحار:23/218:

روی السید ابن طاووس فی کتاب سعد السعود من تفسیر محمد بن العباس بن مروان قال: حدثنا علی بن عبدالله بن أسد ، عن إبراهیم بن محمد ، عن عثمان بن سعید ، عن إسحاق بن یزید الفراء ، عن غالب الهمدانی ، عن أبی إسحاق السبیعی قال: خرجت حاجاً فلقیت محمد بن علی فسألته عن هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ . . الآیة ؟ فقال: ما یقول فیها قومک یا أبا إسحاق ؟ یعنی أهل الکوفة ، قال: قلت یقولون إنها لهم ، قال: فما یخوفهم إذا کانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت: فما تقول أنت جعلت فداک ؟ فقال: هی لنا خاصة یا أبا إسحاق ، أما السابق بالخیرات فعلی بن أبی طالب والحسن والحسین والشهید منا أهل البیت ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم باللیل ، وأما الظالم لنفسه ففیه ما جاء فی التائبین وهو مغفور له .

یا أبا إسحاق بنا یفک الله عیوبکم ، وبنا یحل الله رباق الذل من أعناقکم ، وبنا یغفر الله ذنوبکم ، وبنا یفتح الله وبنا یختم لا بکم ، ونحن کهفکم

ص: 308

کأصحاب الکهف ، ونحن سفینتکم کسفینة نوح ، ونحن باب حطتکم کباب حطة بنی إسرائیل .

وقال ابن شعبة الحرانی فی تحف العقول/425:

لما حضر علی بن موسی (علیهماالسّلام)مجلس المأمون وقد اجتمع فیه جماعة علماء أهل العراق وخراسان. فقال المأمون: أخبرونی عن معنی هذه الآیة: ثُمَّ أَوْرَثْنَا

الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا . . الآیة ؟

فقالت العلماء: أراد الله الأمة کلها .

فقال المأمون: ما تقول یا أبا الحسن ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): لا أقول کما قالوا ولکن أقول: أراد الله تبارک وتعالی بذلک العترة الطاهرة (علیهم السّلام) .

فقال المأمون: وکیف عنی العترة دون الأمة ؟

فقال الرضا لنفسه: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَیْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِکَ هُوَ الْفَضْلُ الْکَبِیرُ. ثم جعلهم کلهم فی الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا ، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغیرهم. ثم قال الرضا(علیه السّلام): هم الذین وصفهم الله فی کتابه فقال: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً ، وهم الذین قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إنی مخلف فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ، فانظروا کیف تخلفونی فیهما ، یا أیها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منکم .

قالت العلماء: أخبرنا یا أبا الحسن عن العترة هم الال أو غیر الال ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): هم الآل .

فقالت العلماء: فهذا رسول الله یؤثر عنه أنه قال: أمتی آلی ، وهؤلاء أصحابه

ص: 309

یقولون بالخبر المستفیض (!!) الذی لا یمکن دفعه: آل محمد أمته !

فقال الرضا(علیه السّلام): أخبرونی هل تحرم الصدقة

علی آل محمد ؟

قالوا: نعم .

قال (علیه السّلام): فتحرم علی الأمة ؟

قالوا: لا .

قال(علیه السّلام): هذا فرق بین الآل وبین الأمة ، ویحکم أین یذهب بکم أصرفتم عن الذکر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون ، أما علمتم أنما وقعت الروایة فی الظاهر علی المصطفین المهتدین دون سائرهم !

قالوا: من أین قلت یا أبا الحسن ؟

قال(علیه السّلام): من قول الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِیمَ وَجَعَلْنَا فِی ذُرِّیَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْکِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَکَثِیرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ، فصارت وراثة النبوة والکتاب فی المهتدین دون الفاسقین. أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: رب إن ابنی من أهلی وإن وعدک الحق ، وذلک أن الله وعده أن ینجیه وأهله ، فقال له ربه تبارک وتعالی: إِنَّهُ لَیْسَ مِنْ أَهْلِکَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّی أَعِظُکَ أَنْ تَکُونَ مِنَ الْجَاهِلِینَ .

فقال المأمون: فهل فضل الله العترة علی سائر الناس ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): إن الله العزیز الجبار فضل العترة علی سائر الناس فی محکم کتابهُ.

قال المأمون: أین ذلک من کتاب الله ؟

قال الرضا(علیه السّلام): فی قوله تعالی إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَ نُوحًا وَ آلَ إِبْرَاهِیمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ ذُرِّیَّةً

بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، وقال الله فی موضع آخر:

ص: 310

أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا ، ثم رد المخاطبة فی أثر هذا إلی سائر المؤمنین فقال: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ یعنی الذین أورثهم الکتاب والحکمة وحسدوا علیهما بقوله: أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَیْنَا آلَ إِبْرَاهِیمَ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَآتَیْنَاهُمْ مُلْکًا عَظِیمًا ، یعنی الطاعة للمصطفین الطاهرین ، والملک هاهنا الطاعة لهم .

قالت العلماء: هل فسر الله تعالی الاصطفاء فی الکتاب ؟

فقال الرضا(علیه السّلام): فسر الاصطفاء فی الظاهر سوی الباطن فی اثنی عشر موضعاً. فأول ذلک قول الله: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ، وهذه منزلة رفیعة وفضل عظیم وشرف عال حین عنی الله عز وجل بذلک الآل فهذه واحدة .

والآیة الثانیة فی الإصطفاء قول الله: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً ، وهذا الفضل الذی لا یجحده معاند ، لأنه فضل بین .

والآیة الثالثة ، حین میز الله الطاهرین من خلقه أمر نبیه فی آیة الإبتهال فقال: قل یا محمد تعالوا ندع أبناءنا وأبناءکم ونساءنا ونساءکم وأنفسنا وأنفسکم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علی الکاذبین ، فأبرز النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً والحسن والحسین وفاطمة (علیهم السّلام) فقرن أنفسهم بنفسه. فهل تدرون ما معنی قوله: وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ؟

قالت العلماء: عنی به نفسه .

قال أبو الحسن(علیه السّلام): غلطتم ، إنما عنی به علیاً(علیه السّلام)، ومما یدل علی ذلک

ص: 311

قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین قال: لینتهین بنو ولیعة أو لأبعثن إلیهم رجلاً کنفسی ، یعنی علیاً(علیه السّلام). فهذه خصوصیة لا یتقدمها أحد ، وفضل لا یختلف فیه بشر، وشرف لا یسبقه إلیه خلق ، إذ جعل نفس علی(علیه السّلام)کنفسه ، فهذه الثالثة .

وأما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة ، حین تکلم الناس فی ذلک وتکلم العباس فقال: یارسول الله ترکت علیاً وأخرجتنا ! فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما أنا ترکته وأخرجتکم ، ولکن الله ترکه وأخرجکم. وفی هذا بیان قوله لعلی(علیه السّلام): أنت منی بمنزلة هارون من موسی .

قالت العلماء: فأین هذا من القرآن ؟

قال أبوالحسن (علیه السّلام): أوجدکم فی ذلک قرآناً أقرؤه علیکم .

قالوا: هات .

قال(علیه السّلام): قول الله عز وجل: وَأَوْحَیْنَا إلی مُوسَی وَأَخِیهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِکُمَا بِمِصْرَ بُیُوتًا وَاجْعَلُوا بُیُوتَکُمْ قِبْلَةً ، ففی هذه الآیة منزلة هارون من موسی، وفیها أیضاً منزلة علی(علیه السّلام)عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ومع هذا دلیل ظاهر فی قول رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین قال: إن هذا المسجد لا یحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فقالت العلماء: هذا الشرح وهذا البیان لا یوجد إلا عندکم معشر أهل بیت رسول الله !

قال أبو الحسن(علیه السّلام): ومن ینکر لنا ذلک ؟ ! ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: أنا مدینة العلم وعلی بابها فمن أراد مدینة العلم فلیأتها من بابها ، ففیما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والإصطفاء والطهارة ما لا ینکره إلا معاند ، ولله عز وجل الحمد علی ذلک. فهذه الرابعة .

ص: 312

وأما الخامسة ، فقول الله عزوجل: وآت ذا القربی حقه ، خصوصیة خصهم الله العزیز الجبار بها ، واصطفاهم علی الأمة ، فلما نزلت هذه الآیة علی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: أدعوا لی فاطمة فدعوها له فقال: یا فاطمة ، قالت: لبیک یا رسول الله ، فقال: إن فدکاً لم یوجف علیها بخیل ولا رکاب ، وهی لی خاصة دون المسلمین . وقد جعلتها لک لما أمرنی الله به فخذیها لک ولولدک فهذه الخامسة.

وأما السادسة: فقول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی فهذه خصوصیة للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دون الأنبیاء ، وخصوصیة للآل دون غیرهم. وذلک أن الله حکی عن الأنبیاء فی ذکر نوح(علیه السّلام): وَیَا قَوْمِ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مَالا إِنْ أَجْرِیَ إِلا عَلَی اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَکِنِّی أَرَاکُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ، وحکی عن هود(علیه السّلام)قال: لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِیَ إِلا عَلَی الَّذِی فَطَرَنِی أَفَلا تَعْقِلُونَ،

وقال لنبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی.

ولم یفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا یرتدون عن الدین أبداً ولا یرجعون إلی ضلالة أبداً . . . إلی آخر الحدیث .

ورواه فی بشارة المصطفی/228 وفی بحار الأنوار:25/220

ص: 313

النوع الثالث: نظریة فداء المسلمین بالیهود والنصاری !

روی مسلم فی:8/104:

عن أبی موسی الأشعری قال: قال رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة دفع الله عز وجل إلی کل مسلم یهودیاً أو نصرانیاً فیقول هذا فکاکک من النار !! ورواه ابن ماجة:2/1434 عن أنس وزاد فی أوله ( إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأیدیها ) وقال فی هامشه: فی الزوائد: له شاهد فی صحیح مسلم من حدیث أبی بردة بن أبی موسی عن أبیه. وقد أعلَّه البخاری .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/251:

وأخرج ابن أبی حاتم والطبرانی عن عوف بن مالک عن رسول الله (ص): أمتی ثلاثة أثلاث ، فثلث یدخلون الجنة بغیر حساب ، وثلث یحاسبون حساباً یسیراً ثم یدخلون الجنة ، وثلث یمحصون ویکسفون ، ثم تأتی الملائکة فیقولون وجدناهم یقولون لا إله إلا الله وحده فیقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطایاهم علی أهل التکذیب ، وهی التی قال الله: ولیحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وتصدیقاً فی التی ذکر الملائکة قال الله تعالی: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْکِتَابَ الَّذِینَ اصْطَفَیْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ، فهذا الذی یکسف ویمحص، ومنهم مقتصد وهو الذی یحاسب حساباً یسیراً ، ومنهم سابق بالخیرات فهو الذی یلج الجنة بغیر حساب ولا عذاب بإذن الله ، یدخلونها جمیعاً لم یفرق بینهم ، یحلون فیها

ص: 314

من أساور من ذهب إلی قوله لغوب. انتهی. ورواه الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/95 وقال: رواه الطبرانی وفیه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقیة رجاله ثقات .

وقال النبهانی فی جامع الثناء علی الله/41:

روی الإمام أحمد ، عن أبی موسی ، عن النبی(ص)قال: یجمع الله الأمم فی صعید واحد یوم القیامة ، فإذا بدأ الله یصدع بین خلقه مثَّل لکل قوم ما کانوا یعبدون فیتبعونه حتی یقحموهم النار ، ثم یأتینا ربنا عز وجل ونحن علی مکان رفیع فیقول: من أنتم ؟ فنقول: نحن المسلمون ، فیقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا ! فیقول: وهل تعرفونه إن رأیتموه ؟ فنقول: نعم، فیقول کیف تعرفونه ولم تعرفوه ؟ فنقول: نعم ، إنه لا عدل له فیتجلی لنا ضاحکاً !! فیقول: أبشروا یا معشر الإسلام فإنه لیس منکم أحد إلا جعلت فی النار یهودیاً أو نصرانیاً مکانه !! انتهی

وما ذکره النبهانی رواه أحمد فی:4/407 و 408 ورواه أیضاً فی: 4/391 وص 398 وص 402 وص 410 بروایات متعددة ، وفی کنز العمال:1/73 وص 86 وج 12/159 وص 170-172 وج 4/149 عن مصادر متعددة .

وما تدعیه هذه الروایات من رفع جرائم أحد ووضعها علی ظهر أحد لا علاقة له بجرمه . . أمرٌ لا یقبله دینٌ ولا عقل ، ویرده قوله تعالی ( لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَی ).

أما الذین قال الله تعالی إنهم یحملون أثقالاً مع أثقالهم ، فإنهم الُمضِلُّون

ص: 315

الذین یحملون من أثقال الذین أضلوهم ، لأنهم شرکاء فی کفرهم ومعاصیهم ، ثم لا ینقص من أثقال الضالین شی، لا أن جرائمهم تسقط کما تدعی هذه الروایة !!

والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعل من بعض المسلمین علی زعم الیهود بأنهم لا تمسهم النار إلا أیاماً معدودة ثم یخلفهم فیها المسلمون ، کما تقدم فی فصل الشفاعة عند الیهود ! فاخترع لهم أبو موسی الأشعری أو غیره نظریة فداء المسلم من النار بیهودی أو نصرانی ! کما یفعل المجرم الشاطر فیفدی نفسه من مشکلة تحصل له فی الدنیا بأن یجعلها فی رقبة غیره زوراً وبهتاناً ! !

النوع الرابع: إسقاط المحرمات عن أهل بدر

قال البخاری فی صحیحه:5/10:

عن علی (رض) قال: بعثنی رسول الله(ص)وأبا مرثد والزبیر وکلنا فارس قال: إنطلقوا حتی تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشرکین معها کتاب من حاطب بن أبی بلتعة إلی المشرکین ، فأدرکناها تسیر علی بعیر لها حیث قال رسول الله(ص)، فقلنا: الکتاب ! فقالت: ما معنا کتاب ! فأنخناها فالتمسنا فلم نر کتاباً، فقلنا: ما کذب رسول الله(ص)، لتخرجن الکتاب أو لنجردنک، فلما رأت الجد أهوت إلی حجزتها وهی محتجزة بکساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلی رسول الله(ص)فقال عمر: یا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنین فدعنی فلا ضرب عنقه ، فقال النبی (ص): ماحملک علی ما

ص: 316

صنعت ؟ قال حاطب: والله مابی أن لا أکون مؤمناً بالله ورسوله(ص)أردت أن تکون لی عند القوم یدٌ یدفع الله بها عن أهلی ومالی ، ولیس أحد من أصحابک إلا له هناک من عشیرته من یدفع الله به عن أهله وماله. فقال: صدق، ولا تقولوا له إلا خیراً ، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنین فدعنی فلاضرب عنقه ، فقال: ألیس من أهل بدر ؟ فقال: لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد وجبت لکم الجنة ، أو فقد غفرت لکم. فدمعت عینا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. انتهی .

ورواه مسلم فی صحیحه:7/168 وقال ( ولیس فی حدیث أبی بکر وزهیر ذکر الآیة وجعلها إسحاق فی روایته من تلاوة سفیان ) .

ورواه أبو داود فی سننه:1/597 وج 2/403 والترمذی:5/83 والحاکم:3/134 وص 301 وج 4/77 والبیهقی فی سننه:9/146 والدارمی فی:2/313 ورواه أحمد فی:1/80 وص 105وص 331 وج 2/109 وص 295... الخ .

ورواه البخاری أیضاً فی مواضع عدیدة أخری وجدنا منها سبعة: فی:4/19 وقال بعده ( قال سفیان وأی إسناد هذا ! ) وفی:4/39 وفی:5/89 وفی:6/60 وفیه ( قال عمرو ونزلت فیه یا أیها الذین آمنوا لا تتخذوا عدوی عدوکم. قال لا أدری الآیة فی الحدیث أو قول عمرو ) وفی:7/134 وفی:8/55 .

والموضعان الاخران روی البخاری فیهما طعناً علی علی(علیه السّلام) قال

ص: 317

فی:4/38:

عن أبی عبد الرحمن وکان عثمانیاً فقال لابن عطیة وکان علویاً: إنی لأعلم ما الذی جرأ صاحبک علی الدماء ! سمعته یقول: بعثنی النبی(ص)والزبیر فقال إئتوا روضة کذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب کتاباً . . . فقال: وما یدریک لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم ! فهذا الذی جرأه. انتهی . وروی نحوه فی:8/54 .

ومن الواضح أن البخاری أعجبه قول أبی عبد الرحمان العثمانی حتی رواه مرتین بدون تعلیق !

وجوابه: أن علیاً(علیه السّلام)لم یکن یعتقد بهذه المقولة التی نسبوها إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن أهل بدر . . وأن حروبه الداخلیة الثلاثة علی تأویل القرآن کانت بعهد معهود الیه من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کما رواه البخاری نفسه وغیره !

بل ثبت عندنا أن کل مواقفه وأعماله کانت بعهد ووصیة من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وعلی فرض تسلیمنا ما یراه البخاری ، فالسؤال موجهٌ الیه: مادام الذی جرَّأَ علیاً(علیه السّلام)علی سفک دماء المسلمین بزعمک ، أنه رفع القلم عن أهل بدر ، وأن علیاً(علیه السّلام)معذورٌ لذلک !

فما هو عذر عدوه معاویة فی خروجه علی الخلیفة الشرعی وقتاله إیاه وسفکه لدماء المسلمین ؟

وما عذرک فی الدفاع عن معاویة وتوثیقه والروایة عنه ؟

إلا أن یکون البخاری قد عدَّ معاویة بدریاً لأنه شهدها مع أبیه أبی سفیان فی صف المشرکین !!

ص: 318

ومن أشرف المواقف السنیة فی هذا الموضوع موقف الحافظ ابن الجوزی، حیث رد مقولة المغفرة المطلقة لأهل بدر ، وفسرها بأنها مغفرة مامضی من ذنوبهم لا ما سیأتی ، ثم رد علی روایة البخاری بقوله:

ثم دعنا من معنی الحدیث ، کیف یحل لمسلم أن یظن فی أمیر المؤمنین علی رضی الله عنه فعل ما لا یجوز اعتماداً منه علی أنه سیغفر له ؟ ! حوشئ من هذا ، وإنما قاتل بالدلیل المضطر له إلی القتال ، فکان علی الحق ، ولا یختلف العلماء أن علیاً لم یقاتل أحداً إلا والحق مع علی ، کیف وقد قال رسول الله (ص): اللهم أدر الحق معه کیفما دار ! فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبیحاً ، حمله علیه أنه کان عثمانیاً ! انتهی. ( الصحیح فی السیرة:5/141 عن صید الخاطر/385 )

وینبغی أن نشیر أولاً إلی أن ما رووه من قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( لعل الله اطلع علی أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لکم الجنة أو فقد غفرت لکم ) معناه القطع بذلک ولیس الإحتمال والرجاء . . فعلی هذا تعامل العلماء السنیون مع الحدیث ، وقد صرح بالقطع والیقین حدیث آخر رواه الحاکم وصححه قال فی المستدرک: 4 ص 77: عن أبی هریرة (رض) عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الله تعالی اطلع علی أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه بهذا اللفظ علی الیقین ( إن الله اطلع علیهم فغفر لهم ) إنما أخرجاه علی الظن وما یدریک لعل الله تعالی اطلع علی أهل بدر. انتهی.

ص: 319

وروی مفاده فی دلائل النبوة للبیهقی:3/153 قال: عن جابر بن عبد الله: أن عبداً لحاطب بن بلتعة جاء إلی رسول الله یشکو حاطباً فقال: یا رسول الله لیدخلن حاطب النار ! فقال رسول الله (ص): جُذِبْت ، لا یدخلها فإنه شهد بدراً والحدیبیة !. انتهی .

ولکن هذه الأحادیث الصحیحة عندهم بمقاییس الجرح والتعدیل وأحکامه یواجهها حکم العقل وآیات القرآن وأحادیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )القطعیة المتفق علیها عند الجمیع ! إذ لا یمکن لعاقل أن یقبل أن الصحابة من أهل بدر أو کل الصحابة کما تقول روایات أخری..مبشرون بالجنة ، وأعمالهم مغفورة مهما کانت ، وولایتهم فریضة من الله تعالی علی المسلمین بعد ولایة الله تعالی وولایة رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وأن من لایتولاهم أو ینتقصهم فهو فی النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة ، وخارج عن ربقة الإسلام . . . إلی آخر الأحکام التی ذکروها للصحابة ، وجعلوها جزء من شریعة الإسلام المقدسة ، بل جزء من عقائده الاساسیة !!

تقول لهم: یا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سبَّ بعضهم بعضاً ، وتبرأ بعضهم من بعضهم ، وکفَّر بعضهم بعضاً ، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضاً ! فمن المحق ومن المبطل ؟ ومن المظلوم ومن الظالم ؟ ومن یستحق الشفاعة منهم ومن یستحق الحرمان ؟

فیقولون: لا تخوضوا فی موضوع الصحابة ، فکلهم عدول وکلهم فی الجنة!

تقول لهم: لقد علَّمنا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن نخوض فی أمرهم، فقد ثبت فی الصحاح أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أخبر بأن بعضهم یدخل النار وأنهم لا یرونه ولا یراهم فی الآخرة ،

ص: 320

وأن بعضهم یردون علیه الحوض ، فیذودهم عنه ویطردهم کما تطرد الأباعر الغریبة !!

فیقولون: لاتخوضوا فی موضوع الصحابة ، فکلهم عدول وکلهم فی الجنة !

وترجمة کلامهم: أنک یجب علیک فی موضوع الصحابة أن تعطل عقلک ، وتعطل آیات القرآن وأحادیث الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی تحافظ علی إیمانک بالصحابة وتتمسک بهم !

ولکن التناقض لا فرق فیه بین صغیر وکبیر ، فإذا قبلنا به لحل مشکلة الصحابة ، فلنقبل به لحل مشکلة الأدیان ، ولنقل بصحة التثلیث والتوحید ، والإیمان والکفر، والوثنیة والإسلام..ولنحلَّ به مشکلة إبلیس ونقول إنه عدو الله وولی الله معاً !!

العقل یقول: إذا تناقض أمران أو شخصان فی القول ولم یمکن الجمع بین قولیهما ، فلا یمکن أن یکون کلا القولین حقاً ، لأنه تناقض مستحیل .

وإذا تناقضا فی الفعل واقتتلا فلا یمکن أن یکون کل منهما علی الحق ، لأنه تناقض مستحیل . . ولا معنی للقبول بالتناقض إلا تعطیل العقل والتنازل عن قوانین العلیة والبدهیات ! وإذا عطلنا العقل ، فلا یبقی إیمان بالله ورسله وکتبه ، ولا صحابة ولا مصحوبون !

إن ماننعاه علی الیهود والنصاری بأن عندهم عقائد لا یقبلها العقل ، وأنهم یقبلون ما یناقض عقولهم من أجلها..یجب أن ننعاه علی أنفسنا ، لاننا نزعم أن الله تعالی أمرنا بإطاعة صحابة نبینا المتناقضین فی أقوالهم وأفعالهم ، إلی حد کسر العظم وقطع الرقاب !

ص: 321

ولاننا نقرأ قول الله تعالی ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلاً فِیهِ شُرَکَاءُ مُتَشَاکِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ . . ) ثم ندعی أن الله تعالی قد سلَّمَ أمة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من بعده إلی صحابة متشاکسین فی الفقه والعقائد والسیاسة إلی حد التناقض والتکفیر والحرب !!

قال المفید فی الإفصاح/49:

فإن قال: ألیس قد روی أصحاب الحدیث عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: خیر القرون القرن الذی أنا فیه ، ثم الذین یلونه (1).

وقال(علیه السّلام): إن الله تعالی اطلع علی أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لکم (2). وقال (علیه السّلام): أصحابی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم (3) .

فکیف یصح مع هذه الأحادیث أن یقترف أصحابه السیئات أو یقیموا علی الذنوب والکبائر الموبقات ؟ !

قیل له: هذه أحادیث آحاد ، وهی مضطربة الطرق والإسناد ، والخلل ظاهر فی معانیها والفساد ، وما کان بهذه الصورة لم یعارض الإجماع ، ولا یقابل حجج الله تعالی وبیناته الواضحات ، مع أنه قد عارضها من الأخبار التی جاءت بالصحیح من الإسناد ، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار ، وأطبق علی نقلها الفریقان من الشیعة والناصبة علی الإتفاق ، ما ضمن خلاف ما انطوت علیه فأبطلها علی البیان:

فمنها: ما روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لتتبعن سنن من کان قبلکم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتی لو دخلوا فی جحر ضب لاتبعتموهم. فقالوا یا رسول الله الیهود والنصاری ؟ قال: فمن إذن ؟ ! (4) .

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی مرضه الذی توفی فیه: أقبلت الفتن کقطع اللیل المظلم یتبع

ص: 322

آخرها أولها ، الآخرة شر من الأولی (5) .

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حجة الوداع لاصحابه: ألا وإن دماءکم وأموالکم وأعراضکم علیکم حرام کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا ، ألا لیبلغ الشاهد منکم الغائب ، ألا لأعرفنکم ترتدون بعدی کفاراً یضرب بعضکم رقاب بعض ، ألا إنی قد شهدت وغبتم (6) .

وقال(علیه السّلام)لأصحابه أیضاً: إنکم محشورون إلی الله تعالی یوم القیامة حفاة عراة ، وإنه سیجاء برجال من أمتی فیؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: یا رب أصحابی؟ فیقال: إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک ، إنهم لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم (7) .

وقال(علیه السّلام): أیها الناس بینا أنا علی الحوض إذ مُرَّ بکم زمراً ، فتفرق بکم الطرق فأنادیکم: ألا هلموا إلی الطریق ، فینادینی مناد من ورائی: إنهم بدلوا بعدک ، فأقول:ألا سحقاً ألا سحقاً (8) .

وقال(علیه السّلام): ما بال أقوام یقولون: إن رحم رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لا تنفع یوم القیامة؟! بلی والله إن رحمی لموصولة فی الدنیا والآخرة ، وإنی أیها الناس فرطکم علی الحوض ، فإذا جئتم قال الرجل منکم: یا رسول الله أنا فلان بن فلان ، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان ، فأقول: أما النسب فقد عرفته ، ولکنکم أحدثتم بعدی فارتددتم القهقری (9) .

وقال(علیه السّلام)وقد ذکر عنده الدجال: أنا لفتنة بعضکم أخوف منی لفتنة الدجال (10).

وقال(علیه السّلام): إن من أصحابی من لا یرانی بعد أن یفارقنی(11) .

ص: 323

فی أحادیث من هذا الجنس یطول شرحها، وأمرها فی الکتب عند أصحاب الحدیث أشهر من أن یحتاج فیه إلی برهان ، علی أن کتاب الله عز وجل شاهدٌ بما ذکرناه ، ولو لم یأت حدیث فیه لکفی فی بیان ما وصفناه: قال الله سبحانه وتعالی: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّاللهَ شَیْئًا وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ، فأخبر تعالی عن ردتهم بعد نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی القطع والثبات ، وقال جل اسمه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِیبَنَّ الَّذِینَ ظَلَمُوا مِنْکُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ . فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة فی الدین ، وأعلمهم أنها تشملهم علی العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب .

وقال سبحانه وتعالی: اَلَمِ . أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا یُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الْکَاذِبِینَ . أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئَاتِ أَنْ یَسْبِقُونَا سَاءَ مَا یَحْکُمُونَ . وهذا صریح فی الخبر عن فتنتهم بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإختبار ، وتمییزهم بالأعمال .

وقوله تعالی: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَاتِی اللهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ . . إلی آخر الآیة ، دلیل علی ما ذکرناه .

وقوله تعالی: أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ یُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ . یزید ما شرحناه .

ولو ذهبنا إلی استقصاء ما فی هذا الباب من آیات القرآن والأخبار عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لانتشر القول فیه ، وطال به الکتاب .

وفی قول أنس بن مالک: دخل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المدینة فأضاء منها کل شئ ،

ص: 324

فلما مات(علیه السّلام)أظلم منها کل شئ ، وما نفضنا عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأیدی ونحن فی دفنه حتی أنکرنا قلوبنا. (12) شاهد عدل علی القوم بما بیناه .

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حکایته وأثبتنا أن أصحاب رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذین توهمت أنهم لا یقارفون الذنوب ولا یکتسبون السیئات ، هم الذین حصروا عثمان بن عفان وشهدوا علیه بالردة عن الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام . . . إلی آخر کلامه المفید(رحمه الله).

وقال فی هامشه:

( 1 ) مسند أحمد 2: 228 سنن أبی داود 4: 214/4657 صحیح مسلم 4: 1962/210 وفیها: خیر أمتی القرن. .

( 2 ) مسند أحمد 1: 80 و 2: 295 صحیح مسلم 4: 1941/161 صحیح البخاری 6: 363/383 سنن الدرامی 2: 313 .

( 3 ) لسان المیزان 2: 137 تفسیر البحر المحیط 5: 528 أعلام الموقعین 2: 223 کنز العمال 1:199/1002 کشف الخفاء ومزیل الالباس 1/132. وانظر تلخیص الشافی 2: 246 .

( 4 ) مسند أحمد 2:511 سنن ابن ماجة 2:1322/3994 صحیح البخاری 4: 326/249 .

( 5 ) مسند أحمد 3: 489 مجمع الزوائد 9: 24 سنن ابن ماجة 2: 1310/3961 .

( 6 ) الجامع الصحیح للترمذی 4: 461/2159 و 486/2193 صحیح البخاری 7: 182 و8:285/14 و9:90/27 صحیح مسلم 3: 1305/29-31 سنن أبی داود 4: 221/4686 قطعة منه مسند أحمد 1:230 سنن النسائی

ص: 325

7:127 قطعة منه سنن الدارمی 2:69 قطعة منه .

( 7 ) صحیح البخاری 6: 108 صحیح مسلم 4: 2194/58 الجامع الصحیح للترمذی 4: 615/2423 سنن النسائی 4: 117 .

( 8 ) مسند أحمد 6: 297 .

( 9 ) مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه .

( 10 ) کنز العمال 14: 322/28812 .

( 11 ) مسند أحمد 6: 307 .

( 12 ) الجامع الصحیح للترمذی 5: 588/3618 مسند أحمد بن حنبل 3: 221/268 سنن ابن ماجة 1: 522/1631. انتهی .

النوع الخامس: حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

روی الدیلمی فی فردوس الأخبار:2/498 ح 3398:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: شفاعتی مباحة إلا لمن سب أصحابی.

وفی:1/98 ح 196:

عن عبدالرحمن بن عوف أیضاً وفیه: فشفاعتی محرمة علی من شتم أصحابی. ورواه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء کما ذکر فی کنز العمال: 14/398 .

وروی الشیرازی فی الالقاب وابن النجار کما ذکر کنز العمال:

ص: 326

14/635:

عن أم سلمة قالت قال رسول الله (ص): نعم الرجل أنا لشرار أمتی! فقال له رجل من مزینة: یا رسول الله أنت لشرارهم فکیف لخیارهم ؟ قال: خیار أمتی یدخلون الجنة بأعمالهم ، وشرار أمتی ینتظرون شفاعتی. ألا إنها مباحةٌ یوم القیامة لجمیع أمتی إلا رجل ینتقص أصحابی! ونقله کاندهلوی فی حیاة الصحابةج 3/45 .

ولا نقصد بنقد هذه الروایات الدفاع عن الذین یسبون بعض الصحابة ، فالسب والشتم وکل أنواع البذاءة فی المنطق لایمکن لعاقل أن یدافع عنها ، بل لا یرتکبها عاقل فی حالة سیطرة عقله علی منطقه ، فضلاً عن الأتقیاء الأبرار .

وإنما غرضنا بیان تهافت منطق هذه الأحادیث فی منح الشفاعة والحرمان منها ! فهذا المنطق یقول: یجوز للصحابی أن یحکم بفسق الصحابی الآخر أو کفره ، وأن یسبه ویهینه ویضربه ویحبسه ویشهر علیه سیفه ویقتله ، أو یکید به ویقتله بالسم أو بالاغتیال ، ویجوز له أن یستعمل کل أسالیب السیاسة والمناورة والمخادعة ضده ، وأن یجمع حوله الناس بالرشوة والتهدید . . وأن یخرج علی إمام زمانه ویسبب انشقاقاً فی الأمة وحروبا یقتل فیها عشرات ألوف المسلمین ، وأن یرتکب کل المحرمات . . ولا بأس بذلک کله ، لأنه مغفورٌ له مشمولٌ بشفاعة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو مستحق للجنة بدون شفاعة !!

أما غیر الصحابة من المسلمین فلو انتقد صحابیاً ولو انتقاداً صغیراً . . فقد شمله مرسوم الحرمان النبوی من الشفاعة وصار مخلداً فی النار !!

ص: 327

إنه منطق یستشکل فی الحبة ویأکل القبة ! ولا یمکن أن یکون مما أنزله الله تعالی علی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

بل إن صیغة الحدیث ( لا تسبوا أصحابی ) وأمثاله یصعب تعقل صدورها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأن مخاطبیه هم أصحابه ، فکیف یقول لهم: لا تسبوا أصحابی أو اقتدوا بأصحابی !

وأخیراً ، فإن أحادیث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم وانتقاصهم وانتقادهم..یصعب فهمها بل لا یمکن فهمها إلا بالمقارنة مع الآیات والأحادیث المشابهة الواردة فی حق أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مثل قوله تعالی: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی ، وقوله: إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ یُطَهِّرُکُمْ تَطْهِیراً . . . وأحادیث: إنی تارک فیکم الثقلین کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وأهل بیتی کالنجوم بأیهم اقتدیتم اهتدیتم ، ولا یؤمن أحدکم حتییحبهم لحبی ، وعشرات غیرها متفق علی صدورها عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقد رکز فیها الإسلام مکانة عترة النبی من بعده حتی أنه حرم علیهم الصرف من المصارف العامة وجعل لهم مالیة خاصة هی الخمس !

والباحث المتتبع یجد أن کل حدیث قاله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی أهل بیته . . نبت مقابله حدیث فی أصحابه ! حتی أن حدیث الحسن والحسین سیدا شباب أهل الجنة ، نبت مقابله: أبو بکر وعمر سیدا کهول أهل الجنة ، وحدیث إحفظونی فی أهل بیتی نبت مقابله: إحفظونی فی أصحابی. .

وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ینتقص الصحابة ، ما هو إلا نبتةٌ قریشیة

ص: 328

مقابل قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذی ثبت عند الجمیع ، کما سیأتی إن شاء الله تعالی .

النوع السادس: الدخول إلی جهنم لتحلیل القسم الالهی بأن یملاها

روی البخاری فی صحیحه:2/72:

عن أبی هریرة (رض) عن النبی(ص)قال: لا یموت لمسلم ثلاثة من الولد فیلج النار ، إلا تحلة القسم. ورواه أیضاً فی:7/224 .

ورواه مسلم:8/39 وفیه ( فتمسه النار ) ورواه ابن ماجة:1/512 والنسائی:4/22 و25 بعدة روایات وفی بعضها: فتمسه النار.. والترمذی:2/262 وأحمد:2/240 وص 276 وص 473 وص 479 والبیهقی فی سننه:4/67 وج 7/78 والهیثمی فی مجمع الزوائد:1/163 وج 5/287 والهندی فی کنز العمال:3/284 وص 293 وج 4/323 وج 10/216 والسیوطی فی الدر المنثور:4/280 وفی عدد من روایاته: تمسه النار. وفی عدد آخر: یلج النار وفی أکثرها ( تحلة القسم ) .

ورغم التفاوت فی صیغ هذه الروایات إلا أنها تتفق علی أن هذا الوالد الذی

ص: 329

تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة یستحق الجنة حتی لو کان مذنباً ، لکن یجب علی هذا المسکین أن یدفع ضریبة یمین الله تعالی ، ویدخل النار مدة قلیلة تحلةً لقسم الله تعالی حتی لا یکون الله حانثاً بقسمه ، ثم له من الله تعالی وَعْدُ شَرف أن ینقله إلی الجنة !!

فما هی قصة هذا القسم ؟ وما ذنب هذا الوالد وغیره من المساکین الذین أدخلتهم صحاح السنیین فی جهنم لا لشئ إلا لتحلیل یمین الله تعالی !

حاولت بعض الروایات أن تجعل القسم قوله تعالی ( وَإِنْ مِنْکُمْ إِلا وَارِدُهَا کَانَ عَلَی رَبِّکَ حَتْمًا مَقْضِیًّا . ثُمَّ نُنَجِّی الَّذِینَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِینَ فِیهَا جِثِیًّا . ) مریم : 70-71 وقالوا إن هذا القضاء الالهی الحتمی هو القسم وهو عام للجمیع .

ولکنه تفسیر من الرواة لأن الصحاح لم ترو حدیثاً یفسر القسم بذلک !

قال البیهقی فی سننه:10/64:

قال أبو عبید: نری قوله تحلة القسم یعنی قول الله تبارک وتعالی: وَإِنْ مِنْکُمْ إِلا وَارِدُهَا کَانَ عَلَی رَبِّکَ حَتْمًا مَقْضِیًّا . ، یقول فلا یردها إلا بقدر ما یبر الله قسمه فیه. وفیه: أنه أحل للرجل یحلف لیفعلن کذا وکذا ثم یفعل منه شیئاً دون شئ ، یبری فی یمینه. انتهی .

ولکن تفسیرهم هذا لا یصح:

أولاً ، لما ذکره البیهقی من أنه یفتح الباب للناس للتلاعب بأیمانهم ، ولا تبقی قیمة لیمین ! فإذا کان الله تعالی یستعمل الحیلة الشرعیة للتحلل من یمینه ویسمیها ( تحلة القسم ) فلا حرج علی عباده أن یلعبوا بأیمانهم !!

وثانیاً ، لا یوجد فی آیة الورود قسم ، بینما ورد فی کل روایات الصحاح

ص: 330

أن سبب دخول هذا الاب ( تحلَّةَ القسم ) .

وثالثاً ، إن المؤمنین الذین یردون جهنم ویشرفون علیها فی طریق عبورهم إلی الجنة لا تمسهم نارها ، بینما ورد فی عدد من صیغ الحدیث التعبیر بتمسه النار تحلة القسم .

ورابعاً ، أن الورود المذکور فی الآیة أمرٌ عامٌ شاملٌ ، ولیس من البلاغة استثناء هذا الوالد من استحقاق الجنة ، مع أن حال فی الورود حال غیره !!

وخامساً، ورد فی صیغة البخاری وغیره تعبیر بالولوج وهو الدخول المحقق فی النار ، بینما الورود أعم من الدخول فی النار والاشراف علیها عند المرور علی الصراط .

قال فی تفسیر التبیان:7/143:

واختلفوا فی کیفیة ورودهم الیها فقال قوم وهو الصحیح: إن ورودهم هو وصولهم إلیها وإشرافهم علیها من غیر دخول منهم فیها ، لأن الورود فی اللغة هو الوصول إلی المکان ، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه. ویقال: ورد الخبر بکذا تشبیهاً بذلک .

ویدل علی أن الورود هو الوصول إلی الشئ من غیر دخول فیه قوله تعالی: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْیَنَ ، وأراد وصل الیه. وقال زهیر:

فلما وردنَ الماء زرقاً جمامَه وضعنَ عِصِیَّ الحاضرِ المتخیمِ

وقال قتادة وعبدالله بن مسعود: ورودهم إلیها هو ممرهم علیها .

وقال عکرمة: یردها الکافر دون المؤمن ، فخص الآیة بالکافرین .

وقال قوم شذاذ: ورودهم إلیها دخولهم فیها ولو تحلة القسم. روی ذلک عن ابن عباس وکان من دعائه: اللهم أزحنی من النار سالماً وأدخلنی الجنة

ص: 331

غانماً. وهذا الوجه بعید ، لأن الله قال: إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَی أُولَئِکَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . ، فبین تعالی أن من سبقت له الحسنی من الله یکون بعیداً من النار ، فیکف یکون مبعداً منها مع أنه یدخلها وذلک متناقض. فإذاً المعنی بورودهم: إشرافهم علیها ووصولهم إلیها. انتهی .

وعلی هذا یتعین أن یکون المقصود بتحلة القسم فی هذه الأحادیث المزعومة: قسمه تعالی بأن یملا جهنم من الجنة والناس ، فی قوله تعالی: وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَلِذَلِکَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِینَ . هود : 118-119

ویکون معنی الحدیث: أن هذا الوالد یستحق الجنة ، ولکن بما أن الله تعالی أقسم أن یملأ النار ، ولیس عنده ما یکفی لملئها ، فإن علی هذا الوالد المسکین أن یدفع الضریبة من جلده !!

إن منطق هذا الحدیث یصور الله تعالی کأنه حاکم دنیوی بنی سجناً وأقسم أن یملاه من المجرمین ، وعندما وجد أن السجن کبیرٌ لم یمتلی بالمجرمین الموجودین، أمر شرطته أن یقبضوا علی الناس من الشارع ویضعوهم فی السجن حتی یملاوه ویفی حضرة الحاکم بیمینه ، ولا یکون کاذباً !وهو تصورٌ نجده عن الله تعالی فی التوراة ولا نجده فی القرآن . . الأمر الذی یجعلنا نطمئن بأن فکرة إدخال الناس إلی النار لتحلة القسم فکرة توراتیة أخذها المسلمون من الیهود ، ففی تفسیر کنز الدقائق:2/47 ، جاء فی رد مقولات الیهود التی منها ( أنه تعالی وعد یعقوب أن لا یعذب أولاده إلا تحلة القسم ) !!

ص: 332

ولکن أین هذا المنطق من قوانین الحق والعدل الالهی التی أقام الله تعالی علیها الکون والحیاة ، وأنزلها فی کتابه وأوحی بها إلی رسوله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفکرون !

النوع السابع: حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

اشارة

یمکن للباحث أن یتفهم أحادیث الحرمان من الشفاعة لمن ینتقد الصحابة ، ویفسرها بأنها محاولة لتسکیت المسلمین عن الصحابی الحاکم وجماعته. ولکن بعض الحرمانات الواردة فی الصحاح لا یستطیع أن یفهم لها علة ولا معنی ، إلا بعد جهد جهید ، مثل حرمانهم الذی یصبغ شعره ولحیته بالسواد من الشفاعة والجنة !

فقد روت ذلک الصحاح کما فی النسائی:8/138 قال: عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم یخضبون بهذا السواد آخر الزمان کحواصل الحمام لا یریحون رائحة الجنة. انتهی .

ورواه أبو داود فی:2/291

وأحمد فی:1/273

والبیهقی فی سننه:7/311

وروی الهیثمی فی مجمع الزوائد:5/163 روایةً شدیدةً علی المجرم الذی یصبغ شعره ولحیته بالسواد ، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معین وابن حبان قال: عن أبی الدرداء قال قال رسول الله(ص): من خضب بالسواد

ص: 333

سوَّد الله وجهه یوم القیامة. رواه الطبرانی وفیه الوضین بن عطاء وثقه أحمد وابن معین وابن حبان ، وضعفه من هو دونهم فی المنزلة وبقیة رجاله ثقات. انتهی .

وقد تحیر فی ذلک بعض أصحاب الصحاح . . ومن حقهم أن یتحیروا . . فمع أنهم عاشوا فی القرن الثالث ولم یشهدوا القرن الأول ولا الثانی ، ولکن عهدهم کان قریباً نسبیاً ، والمسألة واضحةٌ وضوح اللحی! ومع ذلک وصلت الیهم أحادیث متناقضة فیها ! فمنها أحادیث تقول إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أمر بتغییر الشیب ومخالفة الیهود الذین یحرمون صبغ الشیب ، وأحادیث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء ، أی باللون الاحمر الذی تصبغ به العرب ونهی عن السواد لأنه خضاب الکفار ! وأخری تقول إنه أمر بالسواد ، وأخری تقول بالکتم والوسم الأصفر . . . !

واختلفت روایاتهم فی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هل صبع شیبه أم لا ، فروایةٌ تقول إنه صبغه بالحناء ، ولکنهم رجحوا أخری تقول لم یدرکه الشیب إلا شعرات قلیلة ولم یصبغها .

قال مسلم فی صحیحه: 7/84 و85: قال سئل أنس بن مالک عن خضاب النبی(ص)فقال: لو شئت أن أعد شمطات کن فی رأسه فعلت وقال: لم یختضب وقد اختضب أبو بکر بالحناء والکتم واختضب عمر بالحناء بحتا. انتهی .

وقد روی الجمیع خضاب أبی بکر وعمر بالحناء والکتم کما فی مسند أحمد: 3/100 وج 3/108 وص 160 وص 178 .

ولکن تحیر أصحاب الصحاح کان علی مستوی الروایة فقط ، أما الرأی

ص: 334

السائدالمتبع عندهم فهو النهی المشدد عن الخضاب بالسواد ، لأنه رأی الدولة من زمن أبی بکر وعمر وعثمان ومعاویة..إلی آحر الخلافة الأمویة !

ولذا جعل النسائی عنوان المسألة: النهی عن الخضاب بالسواد وقال فی:8/38

عن ابن عباس رفعه أنه قال: قوم یخضبون بهذا السواد آخر الزمان کحواصل الحمام لا یریحون رائحة الجنة .

عن أبی الزبیر عن جابر قال أتی بأبی قحافة یوم فتح مکة ، ورأسه ولحیته کالثغامة بیاضاً ، فقال رسول الله (ص): غیروا هذا بشئ واجتنبوا السواد . . . ثم قال النسائی: والناس فی ذلک مختلفون ، والله تعالی أعلم ، لعل المراد الخالص ، وفیه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مکروهٌ ، وللعلماء فیه کلام ، وقد مال بعض إلی جوازه للغزاة ، لیکون أهیب فی عین العدو ، والله تعالی أعلم .

أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صیغتها الشرعیة ، وأجمعوا علی ذم الحضاب بالسواد ، ذمَّ تحریم ، وربما وجد فیهم نادرٌ یقول بأنه ذم تنزیه !

قال النووی فی المجموع:1/294:

( فرع ) اتفقوا علی ذم خضاب الرأس أو اللحیة بالسواد ، ثم قال الغزالی فی الأحیاء والبغوی فی التهذیب وآخرون من الأصحاب هو مکروه ، وظاهر عباراتهم أنه کراهة تنزیه ، والصحیح بل الصواب أنه حرام . وممن صرح بتحریمه صاحب الحاوی فی باب الصلاة بالنجاسة ، قال إلا أن یکون فی الجهاد ، وقال فی آخر کتابه الأحکام السلطانیة: یمنع المحتسب الناس من خضاب الشیب بالسواد إلا المجاهد .

ص: 335

ودلیل تحریمه حدیث جابر (رض) قال: أتی بأبی قحافة والد أبی بکر الصدیق رضی الله عنهما یوم فتح مکة ورأسه ولحیته کالثغامة بیاضاً ، فقال رسول الله (ص): غیروا هذا واجتنبوا السواد. رواه مسلم فی صحیحه ، والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفیف الغین المعجمة نبات له ثمر أبیض. وعن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله (ص): یکون قوم یخضبون فی آخر الزمان بالسواد کحواصل الحمام لا یریحون رائحة الجنة. رواه أبو داود والنسائی وغیرهما ، ولا فرق فی المنع من الخضاب بالسواد بین الرجل والمرأة ، هذا مذهبنا. انتهی .

وقال ابن قدامة فی المغنی:1/76:

وعن الحکم بن عمر الغفاری قال: دخلت أنا وأخی رافع علی أمیر المؤمنین عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخی مخضوب بالصفرة ، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الإسلام ، وقال لاخی رافع: هذا خضاب الإیمان. ویکره ( وکره ) الخضاب بالسواد. قیل لابی عبدالله تکره الخضاب بالسواد قال إی والله . . . ! انتهی .

وروی الحاکم قصة أخری مشابهة وجعل رأی الخلیفة عمر حدیثاً مسنداً قال فی المستدرک:3/526 قال:

دخل عبدالله بن عمر علی عبدالله بن عمرو وقد سوَّدَ لحیته ، فقال عبدالله بن عمر: السلام علیک أیها الشویب ! فقال له ابن عمرو: أما تعرفنی یا أبا عبدالرحمن ؟ قال بلی أعرفک شیخاً فأنت الیوم شاب ! إنی سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: الصفرة خضاب المؤمن ، والحمرة خضاب المسلم ، والسواد خضاب الکافر. انتهی.

ص: 336

وقال عنه فی مجمع الزوائد:5/163: رواه الطبرانی وفیه من لم أعرفه. انتهی .

- وقد سئل الشیخ ابن باز فی کما فی فتاویه:4/58 طبعة مکتبة المعارف بالریاض:

- مامدی صحة الأحادیث التی وردت فی صبغ اللحیة بالسواد ، فقد انتشر صبغ اللحیة بالسواد عند کثیر ممن ینتسبون إلی العلم ؟

فقال فی جوابه: فی هذا الباب أحادیث صحیحة کثیرة ، وذکر حدیث حواصل الحمام ، وقال بعده: وهذا وعیدٌ شدید ، وفی ذلک أحادیث أخری، کلها تدل علی تحریم الخضاب بالسواد ، وعلی شرعیة الخضاب بغیره. انتهی.

والمتتبع لنصوص المسألة یصل إلی قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ قرشی..وسببه أن العرب ومنهم قریش کانوا یصبغون شیبهم بالحناء الذی یأتیهم من الهند ، وبعضهم یصبغونه بالورس والزعفران الذی یأتیهم من الیمن وإیران ( لاحظ مغنی ابن قدامة:1/76 ) .

وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب کما نص السهیلی فی الروض الانف:1/7 ونقله عنه النووی فی

المجموع:18/254 .

ولا یبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبنی هاشم. وسیأتی أن الإسلام أقر عدة تشریعات سنَّها عبد المطلب بإلهام من الله تعالی مثل: الطواف سبعاً ، والدیة ، ومنها سنَّة الخضاب بالوسم .

ص: 337

ماذا یصنع رواة الخلافة القرشیة بهذه الأحادیث

تدل الأحادیث من مصادر الجمیع علی أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب فی صبغ الشیب بالسواد فقد روی ابن ماجة فی سننه:2/1197 عن صهیب قال: قال رسول الله (ص): إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد ، أرغب لنسائکم فیکم ، وأهیب لکم فی صدور عدوکم. انتهی .

وقالوا بعده: هذا الحدیث معارض لحدیث النهی عن السواد ، وهو أقوی إسناداً وأیضاً النهی یقدم عند المعارضة ، وفی الزوائد: إسناده حسن. انتهی.

وإذا صح ما ذکره رواة قریش من أن النهی دائماً أقوی من الرخصة ، وأن الخضاب بالسواد حرام وصاحبه لا یشم رائحة الجنة ! فهل یلتزمون بأن الإمام الحسین(علیه السّلام)سید شباب أهل الجنة لا یشم رائحتها !

فقد روی البخاری فی صحیحه:4/216:

عن أنس بن مالک (رض): أتی عبید الله بن زیاد برأس الحسین بن علی فجعل فی طست فجعل ینکته وقال فی حسنه شیئاً فقال أنس: کان أشبههم برسول الله(ص)وکان مخضوباً بالوسمة ! انتهی. والوسمة هی السواد .

وفی مجمع الزوائد:5/162:

عن محمد بن علی أنه رأی الحسن بن علی (رض) مخضوباً بالسواد علی فرس ذنوب. رواه الطبرانی ورجاله رجال الصحیح، خلا محمد بن إسماعیل بن رجاء وهو ثقة. وعن سلیم قال: رأیت جریر بن عبدالله یخضب رأسه ولحیته بالسواد. رواه الطبرانی وسلیم والراوی عنه لم أعرفهما .

ص: 338

وعن محمد بن علی أن الحسین بن علی (رض) کان یخضب بالسواد. رواه الطبرانی ورجاله رجال الذی قبله ، وقد روی عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال الصحیح .

وعن عبد الرحمن بن بزرج قال: رأیت الحسن والحسین ابنی فاطمة یخضبان بالسواد ، وکان الحسین یدع العنفقة. رواه الطبرانی وفیه ابن لهیعة وحدیثه حسن وفیه ضعف ، وبقیة رجاله ثقات .

وعن عبدالله بن أبی زهیر قال: رأیت الحسین بن علی یخضب بالوسمة. رواه الطبرانی وعبد الله بن أبی زهیر لم أعرفه ، وبقیة رجاله ثقات. انتهی .

وجریر بن عبدالله المذکور هو البجلی من کبار أصحاب علی (علیه السّلام) ومن قادة جیشه وقد حمل عدداً من رسائله إلی معاویة .

فیتضح من ذلک أن أهل البیت (علیهم السلام) وشیعتهم کانوا یخضبون شیبهم بالسواد. وأن النهی عن السواد نهی قرشئ لا نبوی ، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببنی هاشم المعارضین للدولة !

بل ماذا یصنع الشیخ ابن باز بإمامه الزهری الذی روی عنه البخاری نحو 1200 روایة فی صحیحه ، فقد کان-بعد أن خفَّت حدة المسألة فی القرن الثانی-یصبغ شیبه بالسواد ، ویقول إن النبی أمر بتغییر الشیب ولم یحدد لون الصبغ !

قال أحمد فی مسنده:2/309:

قال رسول الله (ص): إن الیهود والنصاری لا یصبعون فخالفوهم. قال عبد الرزاق فی حدیثه: قال الزهری: والأمر بالاصباغ ، فأحلکها أحب الینا. قال معمر: وکان الزهری یخضب بالسواد. انتهی .

ص: 339

رأی أهل البیت (علیهم السّلام)

روی الکلینی فی الکافی:6/481:

عن: أحمد بن محمد ، عن سعید بن جناح ، عن أبی خالد الزیدی ، عن جابر ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: دخل قوم علی الحسین بن علی صلوات الله علیهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلک ، فمد یده إلی لحیته ثم قال: أمر رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی غزاة غزاها أن یختضبوا بالسواد ، لیقووا به علی المشرکین .

وفی الکافی:6/483:

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبی عبدالله ، عن عدة من أصحابه ، عن علی بن أسباط ، عن عمه یعقوب بن سالم قال: قال أبو عبدالله (علیه السّلام): قتل الحسین صلوات الله علیه وهو مختضب بالوسمة .

وفی الکافی:6/480:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن علی بن الحکم ، عن مسکین بن أبی الحکم ، عن رجل ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: جاء رجل إلی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنظر إلی الشیب فی لحیته فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نورٌ ، ثم قال: من شاب شیبةً فی الإسلام کانت له نوراً یوم القیامة. قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فلما رأی الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ ، فخضب الرجل

ص: 340

بالسواد ، فقال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): نورٌ وإسلامٌ وإیمانٌ ، ومحبةٌ إلی نسائکم ، ورهبةٌ فی قلوب عدوکم .

وفی الکافی:6/480:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن الحسن بن الجهم قال: دخلت علی أبی الحسن ( الرضا )(علیه السّلام)وقد اختضب بالسواد فقلت: أراک قد اختضبت بالسواد ؟ فقال: إن فی الخضاب أجراً ، والخضاب والتهیئة مما یزید الله عز وجل فی عفة النساء ، ولقد ترک النساء العفة بترک أزواجهن لهن التهیئة !

وفی من لا یحضره الفقیه:1/122:

قال الصادق (علیه السّلام): الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء ، ومهابةٌ للعدو .

وفی وسائل الشیعة:1/403:

محمد بن الحسین الرضی الموسوی فی نهج البلاغة عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام) أنه سئل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): غیروا الشیب ، ولا تشبهوا بالیهود فقال: إنما قال ذلک والدین قلٌّ ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه ، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار. انتهی .

ویفهم من هذا الحدیث أن الأمر بتغییر الشیب لیس للوجوب ، بل هو لإثبات الرخصة فی مورد توهم الحظر والتحریم ، کما یعتقد الیهود .

ص: 341

خلاصة المسألة

والخلاصة: أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله علیه ، خالف فیها الیهود ، وخالف فیها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب، وقد أقر الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة ، ولم یحرم الخضاب بغیرها. بل لم یوجب فی الأصل تغییر لون الشیب ، وإنما جعله مستحباً فی بعض الحالات .

ولکن دخلت قریش علی الخط لتمسکها من جهة بالخضاب الأحمر والاصفر ، وحساسیتها من جهة أخری من عبد المطلب وأولاده الذین لم یعترفوا بخلافتها . . فنتج عن ذلک تحریم الخضاب بالسواد، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة ، وتسوید وجهه یوم القیامة ! !

ولکن العباسیین أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم ، فجعلوا رایاتهم سوداء حتی سماهم الناس ( المُسَوِّدَة ) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد علی جمیع المسلمین ، خاصة أتباع الدولة ، وجعلوه شعاراً لهم ! فکان ذلک إفراطاً فی الانتصار لخضاب عبد المطلب !

لذلک رأینا أن الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) نهوا عن لبس السواد إلا فی الحرب، والحزن ، خاصةً لمصاب الإمام الحسین(علیه السّلام)، وفضلوا فی الحالات العادیة اللون الاخضر الذی کان یفضله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

وعندما أراد المأمون أن یتقرب إلی الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) ویغیض العباسیین الذین خلعوه ، نقل ولایة العهد من العباسیین وأوصی بها للإمام علی بن موسی الرضا(علیه السّلام)وأمر بتغییر اللباس الاسود فی الدولة إلی اللباس

ص: 342

الأخضر . . وبذلک استقر اللون الاخضر شعاراً لبنی هاشم، ثم شعاراً للعرب، والحمد لله .

وأخیراً لا یفوتنا أن نشیر إلی حدیث الرایات السود الثابت عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی علامات ولده المهدی الموعود(علیه السّلام)وأن العباسیین حرصوا علی مصادرته وتطبیقه علی رایاتهم وثورتهم ، وسموا أحد خلفائهم بالمهدی ، وأشهدوا کبار قضاتهم وفقهائهم علی أنه المهدی الموعود المبشر به من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ولکن المهدی العباسی لم یملا الأرض قسطاً وعدلاً ، ولم یعط المال للناس حثیاً بدون عدٍّ کما ورد فی صفات المهدی (علیه السّلام) .

فقد ورد فی سیرة هذا المهدی العباسی أن قصره کان خالیاً من التقوی والعدل ، وأنه کان یصادر أموال الناس أحیاناً حثیاً أو حثواً من غیر عد !!

النوع الثامن: مرسوم بحرمان الزوجة التی تطلب الطلاق

ومن مراسیم الصحاح فی الحرمان من الشفاعة مرسومٌ مفیدٌ للرجال فی حق الزوجة التی تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب..

ففی سنن ابن ماجة:1/662:

عن ابن عباس أن النبی(ص)قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق فی غیر کنهه فتجد ریح الجنة. وإن ریحها لیوجد من مسیرة أربعین عاماً.

ص: 343

ورواه الترمذی فی:2/29 3

وأبو داود:1/496

وأحمد:5/277 وص 283

والدارمی:2/162

والحاکم فی:2/200

والبیهقی فی سننه:7/316

والهندی فی کنز العمال:16/382 وص 287 عن أحمد وأبی داود والترمذی وابن حبان وابن عساکر .

وفی بعض روایات الحدیث: بدون عذر ، والمقصود منه العذر القوی الذی یقبله المجتمع .

ولکنه تشدیدٌ مبالغٌ فیه ، فلا نعرف أحداً من الفقهاء یفتی بأن قولها لزوجها طلقنی یعتبر جریمة تستحق علیها العقوبة الدنیویة أو الاخرویة ، فإن أصل الطلاق حلال وإن کان مکروهاً ، وطلبها الطلاق فی أصله حلال وقد یطرأ علیه ما یجعله مکروهاً أو منافیاً للاخلاق ، أو یجعله حراماً ، أو واجباً .

وإذا حدث أن صار حراماً شرعاً ، فلا یصیر من المعاصی الکبائر التی یستحق صاحبها عقاب الدخول فی جهنم ، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

وقد حاول بعض الفقهاء أن یتخلصوا من الحدیث بتضعیفه ، وساعدهم علی ذلک أن الشیخین البخاری ومسلماً لم یرویاه ، فقد ذکروا بعد روایته فی ابن ماجة أن الهیثمی فی مجمع الزوائد ضَعَّف إسناده . . ولکن ذلک لا یحل

ص: 344

المشکلة لأن الحاکم قال عنه فی المستدرک: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

وحاولوا محاولةً أخری أن یجعلوا الحدیث فی طلب الزوجة الطلاق الخلعی من زوجها بسبب کرهها له ، فقد وضع ابن ماجة الحدیث تحت عنوان ( باب کراهیة الخلع للمرأة ) ولکن واجههم قوله تعالی (فَلا جُنَاحَ عَلَیْهِمَا فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ ) حیث نصت الآیة علی جواز افتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق الخلعی . . فاضطروا أن یحملوا الحدیث علی طلبها الخلع بدون سبب ویجعلوه مکروهاً لا حراماً !

وهکذا فعل ابن قدامة فی المغنی:8/176:

قال شارحاً قول الماتن (ولو خالعته لغیر ما ذکرنا کره لها ذلک ووقع الخلع):

والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغیر بغض وخشیة من أن لا تقیم حدود الله ، لأنه لو أراد الأول لقال کره له ، فلما قال

کره لها دل علی أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة ، فإنه یکره لها ذلک ، فإن فعلت صح الخلع فی قول أکثر أهل العلم منهم أبو حنیفة والثوری ومالک والأوزاعی والشافعی ، ویحتمل کلام أحمد تحریمه فإنه قال: الخلع مثل حدیث سهلة تکره الرجل فتعطیه المهر فهذا الخلع ، وهذا یدل علی أنه لا یکون الخلع صحیحاً إلا فی هذه الحال ، وهذا قول ابن المنذر وداود .

وقال ابن المنذر: وروی معنی ذلک عن ابن عباس وکثیر من أهل العلم ، وذلک لأن الله تعالی قال (وَلا یَحِلُّ لَکُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَیْتُمُوهُنَّ شَیْئًا إِلا أَنْ یَخَافَا أَلا یُقِیمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا یُقِیمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ

ص: 345

عَلَیْهِمَا فِیمَا افْتَدَتْ بِهِ ) فدل بمفهومه علی أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غیر خوف ، ثم غلظ بالوعید فقال ( تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ یَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) وروی ثوبان قال: قال رسول الله(ص)( أیما امرأة سألت زوجها الطلاق من غیر ما بأس فحرام علیها رائحة الجنة ) رواه أبوداود. وعن أبی هریرة عن النبی(ص)قال ( المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ) رواه أبو حفص ورواه أحمد فی المسند وذکره محتجاً ، به وهذا یدل علی تحریم المخالعة لغیر حاجة ، ولانه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النکاح من غیر حاجة ، فحرم لقوله(علیه السّلام)( لا ضرر ولا ضرار ). واحتج من أجازه بقول الله سبحانه ( فَإِنْ طِبْنَ لَکُمْ عَنْ شَئْ مِنْهُ نَفْسًا فَکُلُوهُ هَنِیئًا مَرِیئًا ) انتهی .

ولکن کل ذکاء هؤلاء الفقهاء لا یحل مشکلة الحدیث أیضاً:

أولاً ، لأن الحدیث فی مجرد طلب الطلاق ، ولیس فی بذل المهر وطلب الخلع ، وقد اعترف بذلک ابن حزم قال فی المحلی:10/236 حیث قال: قال أبو محمد (یعنی نفسه ): واحتج من ذهب إلی هذا ( حرمة الخلع ) بما حدثناه عبدالله بن ربیع نا محمد ابن اسحاق بن السلیم نا ابن الاعرابی نا محمد بن إسماعیل الصائغ نا عفان بن مسلم نا حماد نا أیوب السختیانی عن أبی قلابة عن أبی أسماء الرحبی عن ثوبان قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أیما امرأة سألت زوجها الطلاق من غیر ما بأس فحرام علیها رائحة الجنة .

وبما روینا من طریق أحمد بن شعیب نا إسحق بن ابراهیم - هو ابن راهویه - أنا المخزومی هو المغیرة بن سلمة - نا وهیب عن أیوب السختیانی عن

ص: 346

الحسن البصری عن أبی هریرة عن النبی(ص)أنه قال: المنتزعات والمختلعات هن المنافقات. قال الحسن: لم أسمعه من أبی هریرة .

قال أبو محمد: فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلک الخبر. وأما الخبر الأول فلا حجة فیه فی المنع من الخلع لأنه إنما فیه الوعید علی السائلة الطلاق من غیر بأس وهکذا نقول. انتهی .

وثانیاً ، لو سلمنا أن الحدیث فی طلب الخلع ، فلا بد لهم من القول بحرمته علی الزوجة مطلقاً بسبب صیغة التشدید المؤکدة فیه ، وذلک مخالف لقوله تعالی (فَلا جُنَاحَ عَلَیْهِمَا ) .

ولذلک اضطروا إلی التنازل کما رأیت إلی القول بالکراهة فقط !

ومعناه أنهم اضطروا أن یبطلوا مرسوم الحدیث بحرمان هذه الزوجة من رائحة الجنة ورائحة الشفاعة ! ولکنه إبطالٌ له بصیغة الإستدلال به ، والاحترام له ! !

ولم یتسع لنا الوقت لبحث فتوی الیهود فی هذه المسألة ، ومن المحتمل أن أصل حدیثها من الإسرائیلیات التی تسربت إلی فقهنا ! !

ص: 347

ص: 348

الفصل التاسع :محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

اشارة

ص: 349

ص: 350

محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بنی عبد المطلب وبنی هاشم .

المسألة الأولی ، فی إیمان آباء النبی وأمهاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ومذهبنا أن کل آباء النبی وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون ، من آدم وحواء إلی عبد الله وآمنة ، صلوات الله علیه وعلیهم. وقد روینا فی ذلک أحادیث صحیحة ودلت علیه آیات کریمة ، ووافقنا علی هذا الرأی عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازی والسیوطی وغیرهما، وألفوا فی ذلک رسائل مستقلة.

بینما قال أکثر السنة إن آباء النبی وأمهاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) کفار مشرکون ، وأنهم فی النار ، ورووا فی ذلک روایات هی عندهم صحیحة ! منها روایة خشنة رواها مسلم فی:1/133: أن رجلاً قال یا رسول الله أین أبی ؟ قال فی النار ، فلما قفی دعاه فقال: إن أبی وأباک فی النار !!

المسألة الثانیة ، فی شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لبنی هاشم وبنی عبد المطلب ، وهم ثلاثة أصناف: صنف مات قبل البعثة. وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). وصنف لم یذکر التاریخ أنهم أسلموا ولکنهم ناصروا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فی مواجهة قریش وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنین ، وهم کل من بقی من بنی هاشم وبنی عبد المطلب ماعدا أبی لهب .

ص: 351

ومذهبنا أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) تشمل أول ما تشمل بنی هاشم وبنی عبد المطلب ، من ارتضی الله منهم ، وکلهم عندنا مرضی إلا من ثبت فیه عدم الإرتضاء وأنه من أهل النار مثل أبی لهب. وقد ثبت عندنا إسلام أبی طالب وإیمانه ، وأنه کان یکتم إیمانه مثل مؤمن آل فرعون .

ومذهب إخواننا السنة فی هذه المسألة متفاوت ، ففی روایاتهم ما یوافقنا تقریباً ، وفیها روایات تحاول حرمان کل بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

المسألة الثالثة: فی موقع علی (علیه السّلام) وعترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة من الشفاعة العظمی التی یعطاها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )..ومذهبنا أن عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الذین نصَّ علیهم بأسمائهم هم أوصیاؤه وخلفاؤه الشرعیون وأئمة المسلمین وهداتهم بأمر الله تعالی ، وأنهم خیرة البشر بعد النبی صلی الله علیه وعلیهم ، وهم معه یوم القیامة ، وبأیدیهم ینفذ الشفاعة المعطاة له من الله تعالی ، ویفوضهم فی کثیر من الأمور .

وقد ثبت عندنا وروی السنیون أن لواء الحمد الذی هو رئاسة المحشر یجعله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بید علی (علیه السّلام) کما کان صاحب لوائه فی الدنیا .

وأن مقام الصدیقة الزهراء (علیهاالسّلام) فی الشفاعة یوم القیامة مقام ممیزٌ حتی من بین العترة .

أما السنیون فلیس لهم مذهبٌ واحدٌ فی مقام عترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة ، بل حتی فی مقام صحابته ، لأن روایاتهم فی ذلک متناقضة..فهم یریدون إعطاء الصحابة المرتبة الأولی بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ولکن النصوص الصحیحة عندهم فی دخول بعض الصحابة النار ، وفی المقام الممیز للعترة الطاهرة ،

ص: 352

تأبی علیهم ذلک ، فیقعون فی حیص بیص !

حساسیة قریش من أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

من الواضح للمطلع علی السیرة أن الدافع الاساسی لتکذیب قبائل قریش بنبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورفضهم لها ، کان دافعاً سیاسیاً ، لانهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن هاشم ، فقد اعترفوا بالقیادة لبنی هاشم وصاروا أتباعاً لهم ، وانتهی الأمر !

ولذلک کانوا شدیدین فی تکذیبهم ، متحدین فی موقفهم ، شرسین فی مواجهتهم ، صریحین فی إظهار تخوفهم..

وکان بعض قریش وغیر قریش یفاوضون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الإیمان بنبوته ، بشرط أن یکون لهم ( الأمر ) من بعده..ولکن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان نبیاً مبلغاً عن ربه تعالی ، ولم یکن مساوماً علی الأمر من بعده .

لقد ظهرت هذه الحقیقة القرشیة العمیقة منذ إعلان النبی بعثته الشریفة ثم واجهته طوال نبوته ، ولم تنته حتی بعد وفاته !

وهی حقیقةٌ ضخمةٌ لم تعطَ حقها من الدراسة ، بسبب أن القرشیین بعد انتصار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیهم ودخولهم تحت حکمه کرهاً وطوعاً، جعلوا مواجهتهم معه من نوع الحرب الباردة، ثم ما أن توفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بیته وحاصروهم ! وألقوا بثقلهم لصیاغة السنة والسیرة والتاریخ لمصلحة قبائل قریش ، وضد العترة الطاهرة !

وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسیة قریش من أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لکی

ص: 353

نفهم تأثیرها علی روایاتهم فی کفر آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وروایاتهم فی عدم انتفاع بنی هاشم بقرابتهم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وشفاعته !

وهو باب خطیرٌ والدراسات فیه ممنوعةٌ ، ولکن القلیل منه یجعل الباحث یتوقف ملیاً فی قبول أی حدیث سلبی عن أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )جاءت روایته عن طریق القرشیین من غیر أهل بیته !

حادثةٌ خطیرةٌ ، عَتَّمَتْهَا الصحاح

روی البخاری فی:1/32: تحت عنوان: باب الغضب فی الموعظة والتعلیم:

عن أبی بردة عن أبی موسی قال: سئل النبی(ص)عن أشیاء کرهها فلما أکثر علیه غضب ثم قال للناس سلونی عما شئتم ! قال رجل: من أبی ؟ قال أبوک حذافة ! فقام آخر فقال: من أبی یا رسول الله ؟ فقال أبوک سالم مولی شیبة ! فلما رأی عمر ما فی وجهه قال: یا رسول الله إنا نتوب إلی الله عز وجل !

باب من برک علی رکبتیه عند الإمام أو المحدث:

عن الزهری قال أخبرنی أنس بن مالک أن رسول الله(ص)خرج فقام عبدالله بن حذافة فقال من أبی ؟ فقال أبوک حذافة ، ثم أکثر أن یقول سلونی ! فبرک عمر علی رکبتیه فقال: رضینا بالله رباًوبالإسلام دیناً وبمحمد(ص)نبیاً، فسکت! انتهی .

عندما تقرأ هذا النص تحس أنه لیس طبیعیاً ! فهو یقول: أکثروا علیه السؤال فغضب . . ثم قال: سلونی عما شئتم . . ثم أکثر أن یقول سلونی . . فسألوه هل هم أولاد شرعیون أو أولاد زنا !! فبرَّأ صحابیاً وفضح آخر علی رؤوس

ص: 354

الإشهاد ، وشهد بأنه ابن زنا ! ثم أصرَّ علیهم: سلونی سلونی سلونی . . ! ! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسکت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

فما هی القصة ، وما سبب هذا الغضب والتحدی والفضح النبوی ! والتوبة العمریة ؟!

الذی یساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح ، لکنها روتها هی وغیرها بأکثر من عشرین نصاً..فیمکن للباحث أن یجمع منها خیوطاً کثیرة .

یقول مسلم فی صحیحه لم یکن غضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لسؤال کما قال البخاری ! بل بلغه عن أصحابه شئ کریه ! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن یسألوه ( عن أنسابهم ) وتحداهم فخافوا وبکوا ، فقام عمر وتاب ! !

قال مسلم فی صحیحه:7/92:

عن أنس بن مالک قال: بلغ رسول الله(ص)عن أصحابه شئ فخطب فقال: عرضت علی الجنة والنار فلم أر کالیوم فی الخیر والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً. قال فما أتی علی أصحاب رسول الله(ص)یوم أشد منه !! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنین ! قال فقام عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً ! قال فقام ذاک الرجل فقال: من أبی ؟ قال أبوک فلان ، فنزلت: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ ! انتهی. وروی مسلم جزء منها أیضاً فی:3/167

فالمسألة إذن غضبٌ نبویٌّ لما بلغه عن ( أصحابه ) وخطبةٌ ناریة . . وتحدٍّ نبوی لهم فی أنسابهم . . وأشد یوم مر علیهم مع نبیهم . . وبکاء الصحابة المعنیین خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم . . والفضیحة . . وإعلان

ص: 355

عمر توبته وتوبتهم . . ! !

وهکذا تبدأ خیوط الحادثة بالتجمع..ویمکنک بعد ذلک أن تجمع من خیوطها من نفس البخاری !

قال البخاری فی:1/136:

عن الزهری قال أخبرنی أنس بن مالک أن رسول الله(ص)خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر ، فقام علی المنبر فذکر الساعة فذکر أن فیها أموراً عظاماً ، ثم قال: من أحب أن یسأل عن شئ فلیسأل فلا تسألونی عن شئ إلا أخبرتکم ما دمت فی مقامی هذا ! ! فأکثر الناس فی البکاء وأکثر أن یقول سلونی ! فقام عبدالله بن حذافة السهمی فقال: من أبی ؟ قال أبوک حذافة !

ثم أکثر أن یقول سلونی ! ! فبرک عمر علی رکبتیه فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً ! فسکت ، ثم قال: عرضت علی الجنة والنار آنفاً فی عرض هذا الحائط فلم أر کالخیر والشر !

وقال البخاری فی:7/157:

عن أنس (رض) سألوا رسول الله(ص)حتی أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألونی الیوم عن شئ إلا بینته لکم ، فجعلت أنظر یمیناً وشمالاً فإذا کل رجل لافٌّ رأسه فی ثوبه یبکی ! فإذا رجل کان إذا لاحی الرجال یدعی لغیر أبیه ، فقال: یا رسول الله من أبی ؟ قال: حذافة ثم أنشأ عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً

وبمحمد(ص)رسولاً نعوذ بالله من الفتن. فقال رسول الله (ص): ما رأیت فی الخیر والشر کالیوم قط ! إنه

ص: 356

صورت لی الجنة والنار حتی رأیتهما وراء الحائط. وروی نحوه أیضاً فی: 8/94

وقال البخاری فی:8/143:

عن الزهری أخبرنی أنس بن مالک (رض) عن النبی(ص)خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر فلما سلم قام علی المنبر فذکر الساعة ، وذکر أن بین یدیها أموراً عظاماً ثم قال: من أحب أن یسأل عن شئ فلیسأل عنه ، فوالله لا تسألونی عن شئ إلا أخبرتکم به ما دمت فی مقامی هذا ! قال أنس فأکثر الناس البکاء ! وأکثر رسول الله(ص)أن یقول سلونی!! فقال أنس فقام إلیه رجل فقال: أین مدخلی یا رسول الله ؟ قال النار ! ! ! فقام عبدالله بن حذافة فقال: من أبی یا رسول الله؟ قال أبوک حذافة. قال ثم أکثر أن یقول سلونی سلونی !! فبرک عمر علی رکبتیه فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد(ص)رسولاً. قال فسکت رسول الله(ص)حین قال عمر ذلک ! ثم قال رسول الله: أولی، والذی نفسی بیده لقد عرضت علی الجنة والنار آنفاً فی عرض هذا الحائط وأنا أصلی ، فلم أر کالیوم فی الخیر والشر !

وقال البخاری فی:4/73:

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر (رض)

یقول: قام فینا النبی(ص)مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتی دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم... ! حفظ ذلک من حفظه ونسیه من نسیه .

وقال أبو داود:1/542:

ص: 357

عن أبی قتادة أن رجلاً أتی النبی(ص)فقال: یا رسول الله کیف تصوم ؟ فغضب رسول الله(ص)من قوله ، فما رأی ذلک عمر قال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله ، فلم یزل عمر یرددها..حتی سکن غضب رسول الله(ص). انتهی .

وقال فی مجمع الزوائد:1/161:

عن أبی فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله(ص)ذات یوم: سلونی عما شئتم ؟ فقال رجل: یا رسول الله من أبی ؟ قال: أبوک فلان الذی تدعی إلیه ، وسأله رجل: فی الجنة أنا ؟ قال: فی الجنة. وسأله رجل: فی الجنة أنا ؟ قال: فی النار ! ! فقال عمر: رضینا بالله رباً. رواه الطبرانی فی الکبیر ورجاله رجال الصحیح .

وقال فی مجمع الزوائد:7/188 وص 390:

وعن أنس قال خرج رسول الله(ص)وهو غضبان ! فخطب الناس فقال: لا تسألونی عن شئ الیوم إلا أخبرتکم به ، ونحن نری أن جبریل معه ! قلت فذکر الحدیث إلی أن قال فقال عمر: یا رسول الله إنا کنا حدیثی عهد بجاهلیة فلا تبد علینا سوآتنا فاعف عفا الله عنک! رواه أبو یعلی ورجاله رجال الصحیح .

وفی مجمع الزوائد:9/170:

وأتاه العباس فقال: یا رسول الله إنی انتهیت إلی قوم یتحدثون فلما رأونی سکتوا وما ذاک إلا لانهم یبغضونا ! فقال رسول الله (ص): أو قد فعلوها؟!

ص: 358

والذی نفسی بیده لا یؤمن أحدهم حتی یحبکم ، أیرجون أن یدخلوا الجنة بشفاعتی، ولا یرجوها بنو عبد المطلب !

وفی مجمع الزوائد:9/258:

وجلس علی المنبر ساعة وقال: أیها الناس مالی أوذی فی أهلی؟ ! فوالله إن شفاعتی لتنال حی حا ، وحکم ، وصدا ، وسلهب ، یوم القیامة !

وفی مجمع الزوائد:8/214:

عقد الهیثمی باباً فی عدة صفحات بعنوان: باب فی کرامة أصله(ص). وأورد فیه أحادیث عن طهارة آباء النبی وأمهاته صلی الله علیه وعلیهم ، ونقل حوادث خطیرة أهان فیها القرشیون أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حیاته ، وهم تحت قیادته فی المدینة ، وهم مسلمون مهاجرون ، أو طلقاء منَّ علیهم بالعفو بالأمس فی فتح مکة ! فغضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجابهم بشدة !

الحادثة الأولی:

عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله(ص)إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد ، فقال رجل من القوم: إن مثل محمد فی بنی هاشم مثل الریحانة فی وسط النتن ! فانطلقت المرأة فأخبرت النبی (ص)فجاء النبی(ص)یعرف فی وجهه الغضب ، ثم قام علی القوم فقال: ما بال أقوال تبلغنی عن أقوام ! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً فاختار العلیا منها فسکنها وأسکن سمواته من شاء من خلقه ، وخلق الخلق فاختار من الخلق بنی آدم ، واختار من بنی آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قریشاً ، واختار من قریش بنی هاشم ، واختارنی من بنی

ص: 359

هاشم ، فأنا من خیار إلی خیار ، فمن أحب العرب فبحبی أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضی أبغضهم .

والثانیة:

عن عبد المطلب بن ربیعة بن الحارث بن عبدالمطلب قال: أتی ناس من الأنصار النبی(ص)فقالوا: إنا نسمع من قومک حتی یقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت فی الکبا ( قال حسین الکبا الکناسة ) فقال رسول الله (ص): أیها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب - قال فما سمعناه ینتمی قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتین ، فجعلنی فی خیر الفریقین ، ثم جعلهم قبائل فجعلنی فی خیرهم قبیلة ، ثم جعلهم بیوتاً فجعلنی فی خیرهم بیتاً ، فأنا خیرهم بیتاً وخیرهم نفساً . . . رواه أحمد ورجاله رجال الصحیح .

والثالثة: عن ابن عباس قال توفی ابنٌ لصفیة عمة رسول الله(ص)فبکت علیه وصاحت ، فأتاها النبی(ص)فقال لها: یا عمة ما یبکیک ؟ قالت توفی ابنی ، قال: یا عمة من توفی له ولدٌ فی الإسلام فصبر ، بنی الله له بیتاً فی الجنة. فسکتت ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: یا صفیة قد سمعت صراخک ، إن قرابتک من رسول الله(ص)لن تغنی عنک من الله شیئاً ! فبکت فسمعها النبی(ص)وکان یکرمها ویحبها ، فقال: یا عمة أتبکین وقد قلت لک ماقلت ؟! قالت: لیس ذاک أبکانی یا رسول الله ، استقبلنی عمر بن الخطاب فقال إن قرابتک من رسول الله(ص)لن تغنی عنک من الله شیئاً ! قال فغضب النبی(ص) وقال: یا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال

ص: 360

بالصلاة ، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لا تنفع !! کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی ، فإنها موصولة فی الدنیا والآخرة !

فقال عمر: فتزوجت أم کلثوم بنت علی رضی الله عنهما لما سمعت من رسول الله(ص)یومئذ ، أحببت أن یکون لی منه سببٌ ونسب .

ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فمررت علی نفر من قریش فإذا هم یتفاخرون ویذکرون أمر الجاهلیة فقلت رسول الله(ص)! فقالوا: إن الشجرة لتنبت فی الکبا ( المزبلة ) قال فمررت إلی النبی(ص)فأخبرته ! فقال یا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال: یا أیها الناس من أنا ؟ قالوا أنت رسول الله ، قال أنسبونی ، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، قال أجل أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام یبتذلون أصلی !! فوالله لانا أفضلهم أصلاً وخیرهم موضعاً !

قال فلما سمعت الأنصار بذلک قالت قوموا فخذوا السلاح ، فإن رسول الله(ص)قد أغضب ، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبی(ص)لا تری منهم إلا الحدق ، حتی أحاطوا بالناس فجعلوهم فی مثل الحرة ، حتی تضایقت بهم أبواب المسجد والسکک!! ثم قاموا بین یدی رسول الله(ص)فقالوا: یا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته. فلما رأی النفر من قریش ذلک قاموا إلی رسول الله(ص)فاعتذروا وتنصلوا !! فقال رسول الله (ص): الناس دثارٌ والأنصار شعار ، فأثنی علیهم وقال خیراً. انتهی .

وقال فی الدر المنثور:2/335:

ص: 361

وأخرج الفریابی وابن جریر وابن مردویه عن أبی هریرة قال: خرج رسول الله(ص)وهو غضبان محمار وجهه ، حتی جلس علی المنبر فقام إلیه رجل فقال: أین آبائی؟ قال فی النار ! فقام آخر فقال من أبی ؟ فقال أبوک حذافة، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد نبیاً وبالقرآن إماماً ، إنا یا رسول الله حدیثُ عهد بجاهلیة وشرک والله أعلم من آباؤنا !! فسکن غضبه ، ونزلت هذه الآیة: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ .

وقال فی الدر المنثور:4/309:

وأخرج الزبیر بن بکار فی الموفقیات عن ابن عباس رضی الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب (رض)عن قول الله: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ ؟ قال: کان رجال من المهاجرین فی أنسابهم شئ فقالوا یوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً فی نسبنا ، فأنزل الله ما قرأت .

ثم قال لی: إن صاحبکم هذا یعنی علی بن أبی طالب إن ولی زهد ، ولکنی أخشی عجب نفسه أن یذهب به. قلت: یا أمیر المؤمنین إن صاحبنا من قد علمت ، والله ما نقول إنه غیَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله(ص)أیام صحبته ! فقال: یابن عباس من ظن أنه یرد بحورکم فیغوص فیها حتی یبلغ قعرها فقد ظن عجزاً! انتهی .

وراجع أیضاً: سنن ابن ماجة:1/546 ، ومسند أحمد:3/162 وص 177 وج 5/296 و303 ، وسنن البیهقی:4/286 ، ومصنف عبد الرزاق:11/379 ، وکنز العمال:4/443 وج 13/453

ص: 362

من مجموع هذه النصوص یصل الباحث إلی نتائج قطعیة متعددة ، نذکر منها:

أولاً - أن القرشیین لم یترکوا حساسیتهم من بنی هاشم حتی بعد فتح مکة وإعلان إسلامهم ! غایة الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

بل من حق الباحث أن یشک فی هذا أیضاً ، فالطلقاء أسلموا مهزومین تحت السیف ! ولم یکونوا یستطیعون أن یتفوهوا بحرف علی شخص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإلا کفروا وعرضوا أنفسهم لسیوف الأنصار !

ثانیاً-أن القرشیین کانوا فی حیاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وفی عاصمته ، وتحت لواء نبوته ، وتحت سیوف الأنصار . . شرسین علی أسرته وعشیرته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وکانت ألسنتهم بذیئة علی أصل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وعشیرته ، حتی ضجَّ من ذلک الأنصار ، وجاؤوا یشکون إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بذاءة قریش بحقه ، طالبین منه معالجة هذه الألسنة المنافقة ، أو إصدار أمر بتقتیلهم. وقد قال الهیثمی عن حدیث شکوی الأنصار: رجاله رجال الصحیح !!

ثالثاً - أن الحوادث التی تکلم فیها القرشیون علی أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )متعددة ، فقد نقلت کتب الحدیث منها أکثر من عشرة حوادث ، ولا بد أن ما لم تنقله أکثر وأعظم ! !

رابعاً - أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت حساسیته من هذا الموضوع عالیة جداً ، وکان رده دائماً شدیداً ، فهو یتعامل معه علی أنه موضوع دینی ولیس موضوعاً شخصیاً ، لأن عدم الإیمان بأسرته الطاهرة ، یساوق عدم الإیمان به(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

خامساً - أن إحدی الحوادث کانت کبیرة بذاتها ، أو بالتراکم ، فغضب الله

ص: 363

تعالی لغضب نبیه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأمره بالرد علی القرشیین ( المسلمین الصحابة ) وإتمام الحجة علیهم ، وأنزل علیه جبرئیل لیکون إلی جانبه یوجهه ویجیبه عن أنساب القرشیین ، وعن مستقبلهم فی الجنة أو فی النار ! ! !.

سادساً - أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أحضرهم فی المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح ، وخطب خطبةً نبویةً ناریة بلیغة عاصفة ، صبَّ فیها الغضب الإلهی والنبوی علی القرشیین ، وتحداهم فی أنسابهم وأعمالهم ونوایاهم ! فلفُّوا رؤوسهم ! واستغشوا ثیابهم ! وعلا خنینهم وبکاؤهم ! وکان ذلک أشد یوم علیهم !!!

فتدارک الموقف زعیمهم وتقدم وبرک علی قدمی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقبلها ! وبکی له ! لیعفو عنهم ! ولا یفضح أنسابهم ! وعشائرهم ! ولا یصدر علیهم حکمه بالقتل، أو بالحرمان من الحقوق المدنیة حتی أداء الشهادة ! ! فسکت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولم یقل لهم کلمة قبول أو عفو ! وهدأت عاصفة الانتقام النبوی فی الدنیا ! !

سابعاً - إنها قضیةٌ ضخمةٌ فی الحساب العقائدی والفقهی والسیاسی، تستحق الدراسة ووضع النقاط علی الحروف . . ولکن الخلافة القرشیة تعرف کیف تتخلص منها ، فتعتم علیها إن استطاعت ، أو تحولها إلی مجد لقریش ، ولا تسمح لبنی هاشم أن یستفیدوا منها !

ومن أجل هذا کانت براعة الخلیفة عمر فی طریقة روایتها ، ثم کانت براعة الرواة ومصنفی الصحاح فی تجزئتها وتقطیع أوصالها وتغییب حقیقتها !

وهذه هی مهمة جیل ما بعد الأنبیاء !!

ص: 364

أما عبد الله بن الزبیر الزهری ، فقد کان عنده عقدةٌ من بنی هاشم مع أنهم أخوال أبیه ! وقد اشتهر عنه أنه لم یکن یطیق ذکرهم ، وأنه ترک حتی ذکر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والصلاة علیه فی خطبة الجمعة حتی لا تشمخ أنوف بنی هاشم بزعمه !

والظاهر أن القرشیین ربَّوه علی کره بنی هاشم منذ کان غلاماً ، وأن له مشارکة فی قصة الغضب النبوی !

فقد روی عنه الهیثمی فی مجمع الزوائد:8/215 افتراء عجیباً علی النبی فی ذم أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حیث حول کلام قریش الذی غضب منه النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وغضب منه الله تعالی من فوق عرشه کما رأیت . . إلی حدیث مسند عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

قال الهیثمی: وعن عبد الله ابن الزبیر عن النبی(ص)قال: مثلی ومثل أهل بیتی کمثل نخلة نبتت فی مزبلة. رواه الطبرانی وهو منکر ، والظاهر أنه من قول الزبیر إن صح عنه ، فإن فیه ابن لهیعة ومن لم أعرفه .

وعن ابن الزبیر أن قریشاً قالت: إن مثل محمد مثل نخلة فی کبوة. رواه البزار بإسناد حسن ، وهذا الظن به .

براعة البخاری فی تضییع القضیة

المحدث العادی-فضلاً عن البخاری-یعرف أن هذا الحدیث قصةٌ واحدةٌ کما ذکر صاحب فتح الباری ، أو اثنتان فی الأکثر . . وهنا تظهر براعة البخاری فی اختراع العناوین لجعل قطعة الحدیث تحتها ، أو عقد باب مناسب لتغطیة حقیقة الحدیث !

ص: 365

ففی:1/31:

عقد له باباً باسم: باب الغضب فی الموعظة والتعلیم إذا رأی ما یکره. فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ !

وفی/32:

جعله من نوع تأدب التلمیذ بین یدی معلمه فسمی الباب: باب من برک علی رکبتیه عند الإمام أو المحدث !

وفی/136:

وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الناریة القاصعة کانت عند الزوال !

وفی:4/73:

جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء فی قول الله تعالی وَهُوَ الَّذِی یَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ یُعِیدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَیْهِ . . بحجة أن الراوی قال: قام فینا النبی (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتی دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم !

وفی:7/157:

عقد له باباً باسم: باب التعوذ من الفتن ! وکأن الموضوع کان حدیثاً هادئاً عاماً لکل الأمة عن الفتن الاتیة ، وأن عمر قال: رضینا بالله رباً وبمحمد رسولاً . . . نعوذ بالله من الفتن !

ص: 366

وفی:8/142:

عقد له باباً باسم: باب ما یکره من کثرة السؤال وتکلف ما لا یعنیه وقوله تعالی: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ . . !

وکان ینبغی له أن یسمی الباب: باب وجوب امتثال أمر النبی إذا أمر بالسؤال ، وأن لا یربط الآیة به ، ولا یحشرها فی هذا الموضوع أصلاً کما فعلت قریش ، لأن موضوع الآیة کراهة السؤال ، وموضوع الحدیث أمر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )المکرر المشدد لقریش أن یسألوه !

اللهم إلا یقصد البخاری بکراهة السؤال: کراهة إلحاح المعلم علی تلامیذه بقوله سلونی ! فیکون الخطأ حینئذ من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لأنه ألحَّ علیهم بالسؤال ! ویکون موقف عمر تصحیحاً لخطأ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما هی عادته المشکورة ! !

ماذا قال کبار الشراح ؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضیة ، فلا رأوا شیئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا ، ولا شموا رائحة شیء یستوجب التساؤل والبحث !!

قال ابن حجر فی فتح الباری:

قوله سئل النبی(ص)عن أشیاء..کان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلک من المسائل ، کما سیأتی فی حدیث ابن عباس فی تفسیر المائدة !

قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء ، القرشئ السهمی ، کما سماه فی حدیث أنس الاتی .

قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولی شیبة بن ربیعة ، سماه بن عبد البر فی

ص: 367

التمهید فی ترجمة سهیل بن أبی صالح ، وأغفله فی الاستیعاب ولم یظفر به أحد من الشارحین ، ولا من صنف فی المبهمات ولا فی أسماء الصحابة ، وهو صحابی بلا مریة ، لقوله فقال من أبی یا رسول الله ؟ ووقع فی تفسیر مقاتل فی نحو هذه القصة أن رجلاً من بنی عبد الدار قال من أبی ؟ قال سعد: نسبه إلی غیر أبیه ، بخلاف ابن حذافة ! وسیأتی مزید لهذا فی تفسیر سورة المائدة .

قوله فلما رأی عمر . . هو بن الخطاب..ما فی وجهه ، أی من الغضب ، قال: یا رسول الله إنا نتوب إلی الله ، أی مما یوجب غضبک ، وفی حدیث أنس الآتی بعد أن عمر برک علی رکبتیه ، فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد

نبیاً ، والجمع بینهما ظاهر ، بأنه قال جمیع ذلک فنقل کل من الصحابیین ما حفظ ، ودل علی اتحاد المجلس اشتراکهما فی نقل قصة عبد الله بن حذافة .

تنبیه: قصر المصنف الغضب علی الموعظة والتعلیم دون الحکم لأن الحاکم مأمورٌ أن لا یقضی وهو غضبان ، والفرق أن الواعظ من شأنه أن یکون فی صورة الغضبان ، لأن مقامه یقتضی تکلف الإنزعاج لأنه فی صورة المنذر !!

وکذا المعلم إذا أنکر علی من یتعلم منه سوء فهم ونحوه ، لأنه قد یکون أدعی للقبول منه ، ولیس ذلک لازماً فی حق کل أحد ، بل یختلف باختلاف أحوال المتعلمین. وأما الحاکم فهوبخلاف ذلک کما یأتی فی بابه.

فإن قیل: فقد قضی علیه الصلاة والسلام فی حال غضبه حیث قال: أبوک فلان !

ص: 368

فالجواب: أن یقال أولاً ، لیس هذا من باب الحکم ! ! وعلی تقدیره فیقال هذا من خصوصیاته لمحل العصمة ، فاستوی غضبه ورضاه ، ومجرد غضبه من الشئ دالٌّ علی تحریمه أو کراهته ، بخلاف غیره(ص).

قوله باب من برک: هو بفتح الموحدة والراء المخففة یقال: برک البعیر إذا استناخ ، واستعمل فی الادمی مجازاً .

قوله خرج ، فقام عبد الله بن حذافة: فیه حذف یظهر من الروایة الأخری ، والتقدیر خرج فسئل فأکثروا علیه ،

فغضب ! ! فقال سلونی ، فقام عبد الله .

قوله فقال رضینا بالله رباً..قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلک الاسئلة قد تکون علی سبیل التعنت أو الشک ، فخشئ أن تنزل العقوبة بسبب ذلک ! فقال رضینا بالله رباً الخ. فرضی النبی(ص)بذلک ، فسکت !

قوله وقال سلونی: فی حدیث أنس المذکور فصعد المنبر فقال: لا تسألونی عن شئ إلا بینته لکم .

وفی روایة سعید بن بشیر عند قتادة عن أبی حاتم: فخرج ذات یوم حتی صعد المنبر ، وبین فی روایة الزهری المذکورة فی هذا الباب وقت وقوع ذلک ، وأنه بعد أن صلی الظهر ، ولفظه: خرج حین زاغت الشمس فصلی الظهر فلما سلم قام علی المنبر فذکر الساعة ، ثم قال: من أحب ( ! ) أن یسأل عن شئ فلیسأل عنه ، فذکر نحوه .

قوله فقام رجل فقال یا رسول الله من أبی ؟ بین فی حدیث أنس من روایة الزهری اسمه ، وفی روایة قتادة سبب سؤاله ، قال فقام رجل کان إذا لاحی

ص: 369

أی خاصم دعی إلی غیر أبیه ، وذکرت اسم السائل الثانی ، وأنه سعد ، وأنی نقلته من ترجمة سهیل بن أبی صالح من تمهید بن عبد البر.

وزاد فی روایة الزهری الاتیة بعد حدیثین فقام إلیه رجل فقال: أین مدخلی یا رسول الله ؟ قال: النار ! ولم أقف علی اسم هذا الرجل فی شئ من الطرق کأنهم أبهموه عمداً للستر علیه !

وللطبرانی من حدیث أبی فراس الاسلمی نحوه ، وزاد: وسأله رجل فی الجنة أنا ؟ قال: فی الجنة ، ولم أقف علی اسم هذا الآخر .

ونقل بن عبد البر عن روایة مسلم أن النبی(ص)قال فی خطبته: لا یسألنی أحد عن شئ إلا أخبرته ، ولو سألنی عن أبیه ، فقام عبد الله بن حذافة ، وذکر فیه عتاب أمه له وجوابه ، وذکر فیه فقام رجل فسأل عن الحج فذکره ، وفیه فقام سعد مولی شیبة فقال من: أنا یا رسول الله ؟ قال أنت سعد بن سالم مولی شیبة. وفیه فقام رجل من بنی أسد فقال: أین أنا ؟ قال: فی النار !! فذکر قصة عمر ، قال فنزلت: یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ . . الآیة .

ونهی النبی(ص)عن قیل وقال ، وکثرة السؤال ( ؟ !) وبهذه الزیادة یتضح أن هذه القصة سبب نزول: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْیَاءَ إِنْ تُبْدَ لَکُمْ تَسُؤْکُمْ ، فإن المساءة فی حق هذا جاءت صریحة بخلافها فی حق عبد الله بن حذافة، فإنها بطریق الجواز أی لو قدر أنه فی نفس الأمر لم یکن لابیه ، فبین أباه الحقیقی لافتضحت أمه ، کما صرحت بذلک أمه حین عاتبته علی هذا السؤال ، کما تقدم فی کتاب الفتن .

ص: 370

قوله: فلما رأی عمر ما بوجه رسول الله(ص)من الغضب . . بین فی حدیث أنس أن الصحابة کلهم فهموا ذلک ، ففی روایة هشام فإذا کل رجل لافاً رأسه فی ثوبه یبکی ، وزاد فی روایة سعید بن بشیر: وظنوا أن ذلک بین یدی أمر قد حضر ! وفی روایة موسی بن أنس عن أنس الماضیة فی تفسیر المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم حنین..زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتی علی أصحاب رسول الله(ص)یوم کان أشد منه !

قوله: فقال إنا نتوب إلی الله عز وجل . . زاد فی روایة الزهری: فبرک عمر علی رکبته فقال رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد رسولاً . وفی روایة قتادة من الزیادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفی مرسل السدی عند الطبری فی نحو هذه القصة: فقام إلیه عمر فقبل رجله وقال رضینا بالله رباً فذکر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفی الله عنک فلم یزل به . . . حتی رضی .

وفی هذا الحدیث غیر ما یتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبی (ص)وشدة إشفاقهم إذا غضب خشیة أن یکون لامر یعم فیعمهم ، وإدلال عمر علیه وجواز تقبیل رجل الرجل ، وجواز الغضب فی الموعظة ، وبروک الطالب بین

یدی من یستفید منه ، وکذا التابع بین یدی المتبوع إذا سأله فی حاجة ، ومشروعیة التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد یظهر منه قرینة وقوعها ، واستعمال المزاوجة فی الدعاء فی قوله اعف عفی الله عنک ، وإلا فالنبی(ص) معفوٌّ عنه قبل ذلک .

قال ابن عبد البر: سئل مالک عن معنی النهی عن کثرة السؤال ، فقال: ما

ص: 371

أدری أنهی عن الذی أنتم فیه من السؤال عن النوازل ، أو عن مسألة الناس المال .

قال بن عبد البر: الظاهر الأول ، وأما الثانی فلا معنی للتفرقة بین کثرته وقلته ، لا حیث یجوز ولا حیث لا یجوز.

قال: وقیل کانوا یسألون عن الشئ ویلحون فیه إلی أن یحرم. قال: وأکثر العلماء علی أن المراد کثرة السؤال عن النوازل والاغلوطیات والتولیدات ، کذا .

وقال النووی فی شرح مسلم:8/291 فی سبب غضب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما تصوره أو صوره:

قوله: رجل أتی النبی فقال کیف تصوم فغضب رسول الله(ص).. قال العلماء: سبب غضبه أنه کره مسألته ، لأنه یحتاج إلی أن یجیبه ویخشی من جوابه مفسدة ، وهی أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر علیه ، وکان یقتضی حاله أکثر منه !!

وقال فی:15-16/111:

قوله: غطوا رؤوسهم ولهم خنین ، هو بالخاء المعجمة هکذا هو فی معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة. وممن ذکر الوجهین القاضی وصاحب التحریر وآخرون ، قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت البکاء وهو نوع من البکاء دون الانتحاب. قالوا وأصل الخنین خروج الصوت من الانف کالحنین بالمهملة من الفم. وقال الخلیل: هو صوت فیه غنة ، وقال

ص: 372

الاصمعی: إذا تردد بکاؤه فصار فی کونه غنة فهو خنین. وقال أبو زید: الخنین مثل الخنین وهو شدید البکاء .

قوله: فلما أکثر رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) أن یقول: سلونی برک عمر فقال: رضینا بالله رباً وبالإسلام دیناً وبمحمد رسولاً. فسکت رسول الله (صلی الله علیه وآله وسلم) حین قال عمر ذلک. قال العلماء: هذا القول منه (صلی الله علیه وآله وسلم) محمولٌ علی أنه أوحی إلیه وإلا فلا یعلم کل ما سئل عنه من المغیبات إلا بإعلام الله تعالی .

قال القاضی: وظاهر الحدیث أن قوله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): سلونی إنما کان غضباً کما قال فی الروایة الأخری سئل النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عن أشیاء کرهها فلما أکثر علیه غضب ، ثم قال للناس: سلونی. وکان اختیاره(ص)ترک تلک المسائل ، لکن وافقهم فی جوابها ، لأنه لا یمکن رد السؤال ، ولما رآه من حرصهم علیها!! والله أعلم .

وأما بروک عمر(رض) وقوله: فإنما فعله أدباً وإکراماً لرسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وشفقةً علی المسملمین لئلا یؤذوا النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فیهلکوا !!

ومعنی کلامه: رضینا بما عندنا من کتاب الله تعالی وسنة نبینا محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )واکتفینا به عن السؤال. ففیه أبلغ کفایة. انتهی .

وأنت تری أن ابن حجر والنووی غائبان عن کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وأن فی کلامهما تهافتاً ونقاط ضعف کثیرة لا نطیل فیها . . ولیس کلام غیرهما من الشراح أفضل ، وإن کان فیه مادة مهمة لمن أراد أن یتتبع ملف القضیة !

ص: 373

الحادثة فی بعض روایات أهل البیت (علیهم السّلام)

قال النیشابوری فی الفضائل/134:

عن سلیم بن قیس یرفعه إلی أبی ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب: إنی مررت بفلان یوماً فقال لی: ما مثل محمد فی أهل بیته إلا کمثل نخلة نبتت فی کناسة ! قال: فأتیت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فذکرت ذلک له ، فغضب غضباً شدیداً ، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح ، لما رأوا من غضبه ، ثم قال:

ما بال أقوام یعیرون أهل بیتی ؟!! وقد سمعونی أقول فی فضلهم ما أقول ، وخصصتهم بما خصهم الله تعالی به ، وفضل علیاً علیهم بالکرامة وسبقه إلی الإسلام وبلائه ، وأنه منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی !

ثم إنهم یزعمون أن مثلی فی أهل بیتی کمثل نخلة نبتت فی کناسة ! ألا إن الله سبحانه وتعالی خلق خلقه وفرقهم فرقتین ، وجلعنی فی خیرها شعباً وخیرها قبیلة ، ثم جعلهم بیوتاً فجعلنی فی خیرها بیتاً ، حتی حصلت فی أهل بیتی وعشیرتی وبنی أبی ، أنا وأخی علی بن أبی طالب... .

أنا خیر النبیین والمرسلین ، وعلی خیر الوصیین ، وأهل بیتی خیر بیوت أهل النبیین ، وفاطمة ابنتی سیدة نساء أهل الجنة أجمعین .

أیها الناس: أترجون شفاعتی لکم ، وأعجز عن أهل بیتی ؟!

أیها الناس: ما من أحد غداً یلقی الله تعالی مؤمناً لا یشرک به شیئاً إلا أجره الجنة ، ولو أن ذنوبه کتراب الأرض .

ص: 374

أیها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلی لی الله عز وجل ، فسجدت بین یدیه ثم أذن لی فی الشفاعة ، لم أوثر علی أهل بیتی أحداً .

أیها الناس: عظموا أهل بیتی فی حیاتی وبعد مماتی، وأکرموهم وفضلوهم، لا یحل لاحد أن یقوم لاحد غیر أهل بیتی ، فانسبونی من أنا ؟!

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأیدهم السلاح ، وقالوا: نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله ، أخبرنا یا رسول الله من آذاک فی أهل بیتک حتی نضرب عنقه ؟!!

قال: أنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب ، ثم انتهی بالنسب إلی نزار ، ثم مضی إلی إسماعیل بن إبراهیم خلیل الله ، ثم مضی منه إلی نوح ، ثم قال: أنا وأهل بیتی کطینة آدم(علیه السّلام)نکاح غیر سفاح !

سلونی ، والله لا یسألنی رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبیه !

فقام إلیه رجل فقال: من أنا یا رسول الله ؟ فقال: أبوک فلان الذی تدعی إلیه ! قال فارتد الرجل عن الإسلام .

ثم قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والغضب ظاهر فی وجهه: مایمنع هذا الرجل الذی یعیب علی أهل بیتی وأهلی وأخی ووزیری وخلیفتی من بعدی وولی کل مؤمن ومؤمنة بعدی ، أن یقوم ویسألنی عن أبیه ، وأین هو فی جنة أم فی نار ؟!

قال فعند ذلک خشئ فلان علی نفسه أن یذکره رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویفضحه بین الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله ، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنا عفی الله عنک ، أقلنا أقالک الله ، أسترنا سترک الله ، إصفح عنا جعلنا الله فداک. فاستحی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وسکت ، فإنه کان من أهل الحلم وأهل الکرم وأهل العفو ثم نزل(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

ص: 375

وقال فرات الکوفی فی تفسیره/392:

حدثنا عبد السلام بن مالک قال: حدثنا محمد بن موسی بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمی قال: حدثنا الحکم بن سنان الباهلی ، عن ابن جریج ، عن عطاء بن أبی رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسین: أخبرینی جعلت فداک بحدیث أحدث واحتج به علی الناس. قالت: نعم أخبرنی أبی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان نازلاً بالمدینة ، وأن من أتاه من المهاجرین مرسوا أن یفرضوا لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فریضة یستعین بها علی من أتاه ، فأتوا رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقالوا: قد رأینا ما ینوبک من النوائب ، وإنا أتیناک لتفرض فریضة تستعین بها علی من أتاک .

قال: فأطرق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) طویلاً ، ثم رفع رأسه فقال: إنی لم أؤمر أن آخذ منکم علی ما جئتم به شیئاً ، إنطلقوا فإنی لم أؤمر بشئ ، وإن أمرت به أعلمتکم .

قال: فنزل جبرئیل(علیه السّلام) فقال: یا محمد إن ربک قد سمع مقالة قومک ، وما عرضوا علیک ، وقد أنزل الله علیهم فریضة: قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی .

قال فخرجوا وهم یقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشیاء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبنی عبد المطلب !!

قال: فبعث رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی علی بن أبی طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إلیک ثم قل: أیها الناس من انتقص أجیراً أجره فلیتبوأ مقعده من النار، ومن ادعی إلی غیر موإلیه فلیتبوأ مقعده من النار ، ومن انتفی من والدیه

ص: 376

فلیتبوأ مقعده من النار !!

قال: فقام رجل وقال: یا أبا الحسن مالهن من تأویل ؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبره ، فقال رسول الله: ویلٌ لقریش من تأویلهن ! ثلاث مرات. ثم قال: یا علی إنطلق فأخبرهم أنی أنا الأجیر الذی أثبت الله مودته من السماء ، ثم أنا وأنت مولی المؤمنین ، وأنا وأنت أبوا المؤمنین .

ثم خرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقال: یا معشر قریش والمهاجرین والأنصار . فلما اجتمعوا قال: یا أیها الناس ، إن علیاً أولکم إیماناً بالله وأقومکم بأمر الله ، وأوفاکم بعهد الله ، وأعلمکم بالقضیة ، وأقسمکم بالسویة ، وأرحمکم بالرعیة ، وأفضلکم عند الله مزیة. ثم قال: إن الله مثَّل لی أمتی فی الطین ، وعلمنی أسماءهم کما علَّم آدم الأسماء کلها، ثم عرضهم فمر بی أصحاب الرایات فاستغفرت لعلی وشیعته ، وسألت ربی أن تستقیم أمتی علی علی من بعدی ، فأبی إلا أن یضل من یشاء ویهدی من یشاء. انتهی .

وقال محمد بن سلیمان فی المناقب:2/122:

عن عبد المطلب بن أبی ربیعة قال: قال العباس: یا رسول الله إن قریشاً إذا لقی بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن ، وإذا

لقونا لقونا بوجوه ننکرها ! فغضب رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) غضباً شدیداً ، ثم قال: والذی نفسی بیده لا یدخل قلب عبد الإیمان حتی یحبکم لله ورسوله. هکذا قال خالد قال أبو خلیفة ، فأما أبی فحدثناه عن یزید بن هارون ، عن إسماعیل بن أبی خالد ، عن عبدالله بن الحارث ، عن العباس بن عبد المطلب (رض)قال: قلت: یا رسول الله . .

ص: 377

فذکر نحوه أو مثله .

وقال فی هامشه:

وروی أبوبکر ابن أبی شیبة فی الحدیث الأول والثالث من فضائل العباس من کتاب الفضائل تحت الرقم: 12259 والرقم: 12261 من کتاب المصنف::12/108 - 109 قال: حدثنا ابن فضیل ، عن یزید ، عن عبد الله بن الحارث قال: حدثنی عبدالمطلب بن ربیعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل علی رسول الله(ص)وهو مغضب ، فقال له رسول الله (ص): من أغضبک ؟ قال: یا رسول الله مالنا ولقریش إذا تلاقوا بینهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغیر ذلک ؟! قال: فغضب رسول الله(ص)حتی احمر وجهه ، وحتی استدر عرْق بین عینیه ، وکان إذا غضب استدر العرق - فلما سری عنه قال: والذی نفس محمد بیده لا یدخل قلب رجل الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله. ثم قال: أیها الناس من آذی العباس فقد آذانی إنما عم الرجل صنو أبیه .

حدثنا ابن نمیر عن سفیان عن أبیه عن أبی الضحی مسلم بن صبیح قال: قال العباس: یا رسول الله إنا لنری الضغائن فی وجوه قوم من وقائع أوقعتها فیهم. فقال النبی (ص): لن یصیبوا خیراً حتی یحبوکم لله ولقرابتی ، ترجو سلهب شفاعتی ولا یرجوها بنو عبد المطلب ؟!

أقول: والحدیث الأول رواه الحاکم فی فضائل العباس من کتاب المستدرک: 3/332 قال: أخبرنا الشیخ أبوبکر بن إسحاق أخبرنا إسماعیل بن قتیبة حدثنا یحیی بن یحیی وإسحاق بن إبراهیم وأبوبکر بن أبی شیبة قالوا: . . .

ص: 378

وأیضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل فی مسند عبد المطلب بن ربیعة من کتاب المسند ، ورواه عنه ابن کثیر فی تفسیر آیة المودة من سورة الشوری من تفسیره .

وقد روی الحافظ ابن عساکر معنی الحدیث بوجوه وأسانید فی ترجمة العباس من تاریخ دمشق ، کما أورده أیضاً البدران فی تهذیبه::7/239 فراجعهما .

وروی عمر بن شبه فی عنوان: ذکر فضل بنی هاشم... من تاریخ المدینة المنورة: 2/639 قال: حدثنا یزید بن هارون قال: حدثنا إسماعیل بن أبی خالد عن یزید بن أبی زیاد عن عبدالله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: یا رسول الله إن قریشاً إذا لقی بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ! فغضب النبی غضباً شدیداً فقال: والذی نفس محمد بیده لا یدخل قلب عبد الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله حدثنا خلف بن الولید قال: حدثنا جریر عن یزید بن أبی زیاد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربیعه بنحوه .

حدثنا عمرو بن عون قال: أنبأنا بن عبدالله عن یزید بن أبی زیاد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربیعة قال: کنت جالساً عند رسول الله (ص)فدخل علیه العباس وهو مغضب فقال: یا نبی الله ما بال قریش إذا تلاقوا بینها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغیر ذلک ! قال: فغضب النبی(ص)حتی احمرَّ وجهه وقال: لا یدخل قلب رجال الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله.

وحدثنا عیسی بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علی قال: حدثنی أبی عن

ص: 379

أبیه عن جده قال: قال العباس: یا رسول الله إن قریشاً تتلاقی بینهما بوجوه لا تلقانا بها ! فقال رسول الله (ص): أما إن الإیمان لا یدخل أجوافهم حتی یحبوکم لی .

حدثنا أبو حذیفة قال: حدثنا سفیان عن أبیه عن أبی الضحی: عن ابن عباس قال: جاء العباس إلی رسول الله(ص)فقال: إنک ترکت فینا ضغائن منذ صنعت الذی صنعت ! فقال رسول الله (ص): لن یبلغوا الخیر - أو قال الإیمان - حتی یحبوکم لله لقرابتی ، أیرجو سؤلهم شفاعتی من مراد ولا یرجو بنو عبد المطلب شفاعتی.

انتهی .

وسعوا شفاعة النبی للیهود والنصاری ولم یسمحوا أن تشمل أسرته !!

شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تتسع لکل المسلمین . . بل لکل الموحدین . . بل لکل الخلق . . هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنیین . . ولکن هذه المصادر عندما تصل إلی آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأسرته تختلف لهجتها ! فالشفاعة لا تشملهم ، بل هم فی النار والعذاب . . وأحسنهم حالاً أبو طالب الذی ( یشفع ) له النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنه نصره ، فلا تؤثر شفاعته فیه بسبب شرک أبی طالب وکثرة ذنوبه ! فیضعه الله تعالی فی ضحضاح ماء ناری یغمر قدمیه فیغلی منه دماغه !!

وفیما یلی نستعرض ما رواه السیوطی فی تفسیر قوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . ولک أن تلاحظ التأثیرات القرشیة علی هذه الروایات .

ص: 380

وینبغی أولاً أن نشیر إلی أن مرحلة ( وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) هی المرحلة الأولی من دعوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهی مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بنی هاشم ، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنین ، ثم بدأت عدها المرحلة العامة ، عندما أمره الله تعالی بأن یصدع بدعوته لعامة الناس. .

ولکن المؤرخین أتباع الخلافة القرشیة یعتِّمون علی هذه المرحلة ، أو یسمونها المرحلة السریة ، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم . . الخ. وقد أعطوا لدار الأرقم دوراً خیالیاً لطمس حقیقة أن الدعوة الإلهیة اختصت فی مرحلتها الأولی ببنی هاشم ، وأنهم وحدهم حموا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من فراعنة قریش ، وقد فعل ذلک مسلمهم إیماناً ، وکافرهم حمیةً ، وتحملوا جمیعاً ماعدا أبی لهب قرار المقاطعة والحصار القرشئ ثلاث سنوات بل أربع سنوات..حتی فک الله حصارهم بمعجزة !!

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/95:

قوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . .

أخرج أحمد وعبد بن حمید والبخاری ومسلم والترمذی وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی شعب الإیمان وفی الدلائل عن أبی هریرة (رض) قال لما نزلت هذه الآیة: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، دعا رسول الله(ص)قریشاً وعم وخص ، فقال:

یا معشر قریش أنقذوا أنفسکم من النار فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً .

یا معشر بنی کعب بن لؤی أنقذوا أنفسکم من النار ، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً .

ص: 381

یا معشر بنی قصی أنقذوا أنفسکم من النار، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً.

یا معشر بنی عبد مناف أنقذوا أنفسکم من النار ، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً .

یا بنی عبدالمطلب أنقذوا أنفسکم من النار، فإنی لا أملک لکم ضراً ولا نفعاً.

یا فاطمة بنت محمد أنقذی نفسک من النار، فإنی لا أملک لک ضراً ولا نفعاً، إلا أن لکم رحماً وسأبلها ببلالها .

وأخرج عبد بن حمید وابن مردویه عن ابن عباس رضی الله عنهما قال لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، جعل یدعوهم قبائل قبائل. انتهی .

ففی هذه الروایة ( الصحیحة ) فی مصادرهم صار معنی ( عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ) کل قریش ! وصار تعبیر (أَلأَقْرَبِینَ) غلطاً قرآنیاً یلزم علی قریش أن تصححه! لأنه لم یبق معنی لعشیرته الأبعدین والأوسطین !

وصار أول ما قاله النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهم: إن قرابتی لا تنفعکم وشفاعتی لا تنالکم ! وصار کل القرشیین أرحام النبی الذین وعدهم بصلة الرحم والشفاعة یوم القیامة !

ولکن هذا الکلام یناسب منطق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بعد انتصاره وفتحه مکة مثلاً ، ولا یناسب بدایة نبوته ودعوته عشیرته الأقربین للتوحید والإسلام ! وقد ورد شبیهٌ لذلک عند فتح مکة .

غیر أن القرشیین یریدون سلب أی امتیاز أعطاه الله ورسوله لبنی هاشم ، فالامتیازات لقریش کلها ، لا لبنی هاشم ! وفی نفس الوقت یریدون خلط أنفسهم بعشیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والإستفادة من قرابته أمام العالم !

ص: 382

وقد استفادوا منه فعلاً فی مقابل الأنصار فی السقیفة ، وقامت خلافة أبی بکر وعمر علی حق ( قرابتهما ) من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! بل تجرأ رواة القرشیین ووضعوا علی لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن عشیرته الأقربین هم کل قریش !

قال فی الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردویه عن عدی بن حاتم أن النبی(ص)ذکر قریشاً فقال : وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، یعنی قومی !

وفی مسند أحمد:2/333:

عن أبی هریرة قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، جعل یدعو بطون قریش بطناً بطناً یا بنی فلان أنقذوا أنفسکم من النار . . حتی انتهی إلی فاطمة فقال: یا فاطمة ابنة محمد ، أنقذی نفسک من النار ، لا أملک لکم من الله شیئاً ، غیر أن لکم رحماً سأبلها ببلالها .

ولکن روایات أخری فلتت منهم واعترفت بأن عشیرته الاقربین تعنی بنی هاشم فقط !

قال فی الدر المنثور:5/98: قوله تعالی: وَاخْفِضْ جَنَاحَکَ . . الآیتین ، أخرج ابن جریر وابن المنذر عن ابن جریج

قال لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، بدأ بأهل بیته وفصیلته ، فشق ذلک علی المسلمین فأنزل الله: وَاخْفِضْ جَنَاحَکَ. انتهی .

فالروایة تعترف بأن عشیرته الاقربین هم أهل بیته وفصیلته ، لکنها تجعل

ص: 383

الآیة التی بعدها لبقیة المسلمین ! ولکن من هم المسلمون الذین شق علیهم ذلک ! وهل کان یوجد مسلم من غیر بنی هاشم عند نزول الآیة ؟!

لقد کان الأولی بالروایة أن تقول: شقَّ ذلک علی قریش قبل إسلامها ، وبعد أن اضطرت للدخول فی الإسلام ، فجعلت خلافة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إرثاً لها دون بنی هاشم !

روایات أخری غیر منطقیة أیضاً

من عادة المفسرین عندما یصلون إلی آیة فی حق أهل البیت (علیهم السّلام) أن یحشدوا الآراء والإحتمالات والروایات المتناقضة فیها ، لیضیعوا بذلک مناقب عترة نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ومما حشده المفسرون هنا:

ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:5/96 قال:

وأخرج عبد بن حمید عن قتادة (رض): وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، قال ذکر لنا أن نبی الله(ص)نادی علی الصفا بأفخاذ عشیرته فخذاً فخذاً یدعوهم إلی الله فقال فی ذلک المشرکون: لقد بات هذا الرجل یهوت منذ اللیلة .

قال وقال الحسن (رض): جمع نبی الله(ص)أهل بیته قبل موته فقال: ألا إن لی عملی ولکم عملکم ، ألا إنی لا أغنی عنکم من الله شیئاً ، ألا إن أولیائی منکم المتقون ، ألا لا أعرفنکم یوم القیامة تأتون بالدنیا تحملونها علی رقابکم ، ویأتی الناس یحملون الآخرة. یا صفیة بنت عبد المطلب یا فاطمة بنت محمد إعملا فإنی لا أغنی عنکما من الله شیئاً. انتهی .

أما روایة قتادة فإن النداء علی الصفا یناسب المرحلة العامة التی أمر النبی

ص: 384

فیها أن یصدع بالدعوة لکل الناس . . أما إنذار عشیرته الخاصین الذین کان عدد رجالهم أربعین نفراً فیناسبه أن یدعوهم إلی طعام ویحدثهم کما ورد فی الروایات المعقولة .

وأما روایة قتادة عن الحسن البصری إن صحت فلا علاقة لها بالموضوع ، لأنها عند وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والآیة نزلت فی أول بعثته !

ومع أن الحسن البصری غلامٌ فارسی ، فهو مع قبائل قریش وحساسیتها ضد أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویرید أن یقول بهذه الروایة إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یخاف من حرص ابنته فاطمة وعمته صفیة وعترته علی الدنیا ، ولذلک جمعهم وحذرهم !

وقال فی الدر المنثور:5/96:

وأخرج عبد بن حمید عن عکرمة أن رسول الله(ص)قال: یا بنی هاشم ویا صفیة عمة رسول الله ، إنی لا أغنی عنکم من الله شیئاً ، إیاکم أن یأتی الناس یحملون الآخرة وتأتون أنتم تحملون الدنیا ، وإنکم تردون علی الحوض ذات الشمال وذات الیمین ، فیقول القائل منکم یا رسول الله أنا فلان ابن فلان ، فأعرف الحسب وأنکر الوصف ، فإیاکم أن یأتی أحدکم یوم القیامة وهو یحمل علی ظهره فرساً ذات حمحمة ، أو بعیراً له رغاء ، أو شاة لها ثغاء ، أو یحمل قشعاً من أدم ، فیختلجون من دونی ، ویقال لی إنک لا تدری ما أحدثوا بعدک ! فطیبوا نفساً وإیاکم أن ترجعوا القهقری من بعدی !

ص: 385

قال عکرمة (رض): إنما قال لهم رسول الله(ص)هذا القول حیث أنزل الله علیه: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ انتهی .

ومع أن عکرمة غلامٌ لابن عباس الهاشمی ، لکنه معروفٌ ببغضه لعترة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی أنه انضم إلی الخوارج. وهو بهذا التفسیر یقول إن علیاً وفاطمة وعترة النبی انحرفوا بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ورجعوا بعده القهقری ! لانهم عارضوا خلافة قریش ولم یطیبوا نفساً عن الخلافة لقریش ، ولذلک سوف یمنعون من ورود الحوض ، ولا تنالهم شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

لقد أخذ عکرمة عبارات النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) التی روت الصحاح أنه قالها عن صحابته الذین یرتدون من بعده ویمنعون من ورود حوضه یوم القیامة ، وجعلها لعشیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الأقربین ، ثم ادعی عکرمة أن النبی کان یعرف هذا الإنحراف من أول یوم أمره الله تعالی أن ینذر عشیرته الأقربین !

وقد روی السیوطی نفس مضمون عکرمة عن أبی أمامة أیضاً .

ثم قال فی الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن مردویه وابن عساکر والدیلمی عن عبد الواحد الدمشقی قال: رأیت أبا الدرداء یحدث الناس ویفتیهم وولده وأهل بیته جلوس فی جانب الدار یتحدثون، فقیل له: یا أبا الدرداء ما بال الناس یرغبون فیما عندک من العلم وأهل بیتک جلوس لاهین ؟! فقال: إنی سمعت نبی الله(ص)یقول: إن أزهد الناس فی الأنبیاء وأشدهم علیهم الأقربون! وذلک فیما أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . . إلی آخر الآیة. انتهی .

فهؤلاء الرواة الشامیون یریدون أن یقولوا علی لسان أبی الدرداء: إن أولاد

ص: 386

النبی وعترته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانوا لاهین عن علمه کأولاد أبی الدرداء ! وإن بنی هاشم کانوا أشد الناس علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد کذبوه وأرادوا قتله ، وحاصروه فی شعب بنی أمیة !! لکن القرشیین حموه من بنی هاشم ، وتحملوا معه الحصار أربع سنوات ، فحق لهم أن یرثوه ویحکموا من بعده ، خاصة آل أبی سفیان الکرام !!

ویطول بنا الکلام إذا أردنا أن ننقد کل ما رووه فی تفسیر هذه الآیة، وکیف جردوا عترة النبی وعشیرته الاقربین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من کل فضیلة ، وحرموهم من کل امتیاز أعطاهم إیاه الله تعالی ورسوله !

ولکنا نشیر هنا إلی أن الرواة خلطوا عن عمد وبعضهم عن جهل بین أربع حوادث: الأولی: نزول الآیة وبدایة إنذار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لبنی عبد المطلب بدعوتهم إلی طعام .

والثانیة: مرحلة الإنذار العام عندما صعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی الصفا فی المرحلة الثانیة من الدعوة ، ونادی واصباحاه ، وبدأ یدعو قریشاً والعالم .

والثالثة: عندما دخل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مکة فاتحاً ، وخضع له أبو سفیان وبقیة أئمة الکفر من قریش ، وأحس بعض بنو عبد المطلب بالنصر والفخر ، وامتلات قلوب القرشیین حسداً لهم ، وتفکیراً فی مرحلة ما بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

والرابعة: فی مرض وفاته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندما شکی له بنو هاشم ما یحسونه من خطر قبائل قریش علیهم من بعده وتحالفهم علی إبعادهم .

ص: 387

وإلیک أهم ما بقی من روایات السیوطی المخلوطة فی تفسیر آیة الاقربین:

قال فی الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردویه عن البراء قال لما نزلت علی النبی (ص): وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، صعد النبی(ص)ربوةً من جبل فنادی: یا صباحاه ، فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم ، ثم قال: لا أملک لکم من الله شیئاً، یا فاطمة بنت محمد أنقذی نفسک من النار فإنی لا أملک لک من الله شیئاً. انتهی .

وأخرج مسدد ومسلم والنسائی وابن جریر والبغوی فی معجمه والباوردی والطحاوی وأبو عوانة وابن قانع والطبرانی وابن أبی حاتم وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن قبیصة بن مخارق وزفیر بن عمرو قالا: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، انطلق رسول الله(ص)إلی ربوة من جبل فعلا أعلاها حجراً ثم قال: یا بنی عبد مناف إنی نذیر لکم ، إنما مثلی ومثلکم کمثل رجل رأی العدو فانطلق یرید أهله فخشئ أن یسبقوه إلی أهله ، فجعل یهتف یا صباحاه یا صباحاه ، أُتیتم أُتیتم .

وأخرج عبد بن حمید والترمذی وابن جریر وابن مردویه عن أبی موسی الأشعری قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، وضع رسول الله (ص) اصبعیه فی أذنیه ورفع صوته وقال: یا بنی عبد مناف یا صباحاه .

وأخرج ابن مردویه عن الزبیر بن العوام قال: لمانزلت وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ، صاح علی أبی قبیس: یا آل عبد مناف إنی نذیر فجاءته قریش فحذرهم وأنذرهم .

ص: 388

وأخرج سعید بن منصور والبخاری وابن مردویه وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، ورهطک منهم المخلصین خرج النبی(ص)حتی صعد علی الصفا فنادی: یا صباحاه فقالوا: من هذا الذی یهتف قالوا محمد فاجتمعوا إلیه فجعل الرجل إذا لم یستطع أن یخرج أرسل رسولاً لینظر ما هو فجاء أبو لهب وقریش فقال: أرأیتکم لو أخبرتکم أن خیلاً بالوادی ترید أن تغیر علیکم أکنتم مصدقی ؟

قالوا: نعم ما جربنا علیک إلا صدقاً .

قال: فإنی نذیر لکم بین یدی عذاب شدید .

فقال أبو لهب: تباً لک سائر الیوم ، ألهذا جمعتنا ؟! فنزلت: تبت یدا أبی لهب وتب. انتهی .

فهذه الروایات تناسب بدایة مرحلة الدعوة العامة کما أشرنا ، وقد جعلوها لمرحلة الدعوة الخاصة ببنی هاشم ، وذکروا فیها فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)قبل ولادتها !!

أما الروایة الیتیمة المعقولة التی رواها السیوطی فهی حدیث الدار المعروف. .

قال فی الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن إسحاق وابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه وأبو نعیم والبیهقی فی الدلائل من طرق عن علی (رض) قال: لما نزلت هذه الآیة

ص: 389

علی رسول الله (ص): وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، دعانی رسول الله(ص)فقال: یا علی إن الله أمرنی أن أنذر عشیرتی الأقربین فضقت بذلک ذرعاً ، وعرفت أنی مهما أبادؤهم بهذا الأمر أری منهم ما أکره ، فصمتُّ علیها حتی جاء جبریل فقال: یا محمد إنک إن لم تفعل ما تؤمر به یعذبک ربک ، فاصنع لی صاعاً من طعام واجعل علیه رجل شاة واجعل لنا عِسَّاً من لبن ، ثم اجمع لی بنی عبد المطلب حتی أکلمهم وأبلغ ما أمرت به ، ففعلت ما أمرنی به ثم دعوتهم له ، وهم یومئذ أربعون رجلاً یزیدون رجلاً أو ینقصونه ، فیهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلما اجتمعوا إلیه دعانی بالطعام الذی صنعت لهم فجئت به ، فلما وضعته تناول النبی(ص)بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها فی نواحی الصحفة ، ثم قال: کلوا بسم الله ، فأکل القوم حتی نهلوا عنه ، ما تری إلا آثار أصابعهم ! والله إن کان الرجل الواحد لیأکل ما قدمت لجمیعهم !

ثم قال: إسق القوم یا علی ، فجئتهم بذلک العس فشربوا منه حتی رووا جمیعاً ، وأیم الله إن کان الرجل منهم لیشرب مثله !

فلما أراد النبی(ص)أن یکلمهم بدره أبولهب إلی الکلام فقال: لقد سحرکم صاحبکم ! فتفرق القوم ولم یکلمهم

النبی(ص).

فلما کان الغد قال: یاعلی إن هذا الرجل قد سبقنی إلی ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أکلمهم ، فعد لنا بمثل الذی صنعت بالامس من الطعام والشراب ، ثم اجمعهم لی ففعلت ، ثم جمعتهم ثم دعانی بالطعام فقربته ففعل کما فعل بالامس ، فأکلوا وشربوا حتی نهلوا ، ثم تکلم النبی (ص) فقال:

ص: 390

یا بنی عبد المطلب إنی والله ما أعلم أحداً فی العرب جاء قومه بأفضل مما جئنکم به ، إنی قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله أن أدعوکم إلیه ، فأیکم یوازرنی علی أمری هذا ؟ فقلت وأنا أحدثهم سناً: إنه أنا ، فقام القوم یضحکون. انتهی .

ورواها السیوطی بسند آخر عن ابن مردویه عن البراء بن عازب ، قال: لما نزلت هذه الآیة: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، جمع رسول الله(ص)بنی عبدالمطلب وهم یومئذ أربعون رجلاً ، منهم العشرة یأکلون المسنة ویشربون العس . . . الخ. انتهی .

- وقد روی المحدثون ومؤرخو السیرة هذا الحدیث ، لکن السیوطی بتره هنا ولم یذکر بقیة کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . وهو أسلوب دَأَبَ رواة خلافة قریش علی ارتکابه ضد عترة النبی وأسرته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، والسبب فی ذلک أن بقیة الحدیث تقول إن الله أمر رسوله من ذلک الیوم أن یختار وزیراً وخلیفة من عشیرته الأقربین !

قال الأمینی فی الغدیر:1/207:

وها نحن نذکر لفظ الطبری بنصه حتی یتبین الرشد من الغی ، قال فی تاریخه:2/217 من الطبعة الأولی: إنی قد جئتکم بخیر الدنیا والآخرة ، وقد أمرنی الله تعالی أن أدعوکم إلیه ، فأیکم یوازرنی علی هذا الأمر علی أن یکون أخی ووصیی وخلیفتی فیکم ؟

قال: فأحجم القوم عنها جمیعاً ، وقلت وإنی لاحدثهم سناً وأرمصهم عیناً

ص: 391

وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً: أنا یا نبی الله أکون وزیرک علیه. فأخذ برقبتی ثم قال: إن هذا أخی ووصیی وخلیفتی فیکم فاسمعوا له وأطیعوا.

قال: فقام القوم یضحکون ویقولون لابی طالب: قد أمرک أن تسمع لابنک وتطیع !!

وقال الأمینی فی:2/279:

وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسکافی المتکلم المعتزلی البغدادی المتوفی 240 فی کتابه نقض العثمانیة وقال: إنه روی فی الخبر الصحیح.

ورواه الفقیه برهان الدین فی ( أنباء نجباء الأبناء )/ 46 - 48 وابن الاثیر فی الکامل 2/24 وأبو الفداء عماد الدین الدمشقی فی تاریخه:1/116 وشهاب الدین الخفاجی فی شرح الشفا للقاضی عیاض: 3/37 (وبتر آخره) وقال: ذکر فی دلایل البیهقی وغیره بسند صحیح. والخازن علاء الدین البغدادی فی تفسیره/390 والحافظ السیوطی فی جمع الجوامع کما فی ترتیبه:6/392 نقلا عن الطبری وفی/397 عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق وابن جریر وابن أبی حاتم وابن مردویه وأبی نعیم والبیهقی. وابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة 3/254. انتهی .

ثم شکا صاحب الغدیر من تحریف الذین حرفوا الحدیث لارضاء قریش ، ومنهم الطبری الذی رواه فی تفسیره بنفس سنده المتقدم فی تاریخه ، ولکن أبهم کلام النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حق علی (رض) فقال: ثم قال: إن هذا أخی وکذا وکذا. وتبعه علی ذلک ابن کثیر فی البدایة والنهایة 3/40 وفی

ص: 392

تفسیره 3/351

وقال فی مناقب آل أبی طالب:1/305 وما بعدها:

وأما بیعة العشیرة ، قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): بعثت إلی أهل بیتی خاصة ، وإلی الناس عامة

وهذا النص النبوی هو أصح تفسیر لقوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ .

وقد ذکر فی المناقب أن السید الحمیری نظم هذه المنقبة لبنی هاشم فقال:

وقیل له أنذر عشیرتک الآلی

وهم من شباب أربعین وشیبِ

فقال لهم إنی رسول الیکم

ولست أرانی عندکم بکذوب

وقد جئتکم من عند رب مهیمن

جزیل العطایا للجزیل وهوب

فأیکم یقفوا مقالی فأمسکوا

فقال ألا من ناطق فمجیبی

ففاز بها منهم علیٌّ وسادهم

وما ذاک من عاداته بغریب

وله أیضاً:

ویوم قال له جبریل قد علموا

أنذر عشیرتک الادنین إن بصروا

فقام یدعوهم من دون أمته

فما تخلف عنه منهم بشر

فمنهم آکلٌ فی مجلس جذعاً

وشاربٌ مثل عس وهو مختفر

فصدهم عن نواحی قصعة شبعاً

فیها من الحب صاع فوقه الوزر

فقال یا قوم إن الله أرسلنی

الیکم فأجیبوا الله وادَّکِروا

فأیکم یجتبی قولی ویؤمن بی

إنی نبی رسول فانبری غُدَرُ

فقال تباً أتدعونا لتلفتنا

عن دیننا ثم قام القوم فانشمروا

من الذی قال منهم وهو أحدثهم

سناً وخیرهم فی الذکر إذ سطروا

ص: 393

آمنت بالله . . قد أعطیتَ نافلةً

لم یعطها أحد جنٌّ ولا بشر

وإن ما قلته حقٌّ وإنهم

إن لم یجیبوا فقد خانوا وقد خسروا

ففاز قدماً بها والله أکرمه

فکان سباق غایات إذا ابتدروا

وقال دعبل:

سقیاً لبیعة أحمد ووصیه

أعنی الإمام ولینا المحسودا

أعنی الذی نصر النبی محمداً

قبل البریة ناشیاً وولیدا

أعنی الذی کشف الکروب ولم یکن

فی الحرب عند لقائها رعدیدا

أعنی الموحد قبل کل موحد

لا عابداً وثناً ولا جلمودا

وقال فی هامش بحار الأنوار:32/272:

وناهیک من ذلک مؤاخاته مع رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأمر من الله عز وجل فی بدء الإسلام حین نزل قوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ . . .

راجع تاریخ الطبری 2 - 321 کامل ابن الاثیر 2 - 24 تاریخ أبی الفداء 1 - 116 والنهج الحدیدی 3 - 254 مسند الإمام ابن حنبل 1 - 159 جمع الجوامع ترتیبه 6 - 408 کنز العمال 6 - 401 .

وهذه المؤاخاة مع أنها کانت بأمر الله عزوجل إنما تحققت بصورة البیعة والمعاهدة ( الحلف ) ولم یکن للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یأخذ أخاً ووزیراً وصاحباً وخلیفة غیره ولا لعلی أن یقصر فی مؤازرته ونصرته والنصح له ولدینه کمؤازرة هارون لموسی علی ما حکاه الله عزو جل فی القرآن الکریم. ولذلک تری رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حین یؤاخی بعد ذلک المجلس بین المهاجرین بمکة فیؤاخی بین کل رجل وشقیقه وشکله: یؤاخی بین عمر وأبی بکر ،

ص: 394

وبین عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، وبین الزبیر وعبد الله بن مسعود ، وبین عبیدة بن الحارث وبلال ، وبین مصعب بن عمیر وسعد بن أبی وقاص ، وبین أبی عبیدة بن الجراح وسالم مولی أبی حذیفة ، وبین حمزة بن عبد المطلب وزید بن حارثة الکلبی ( راجع سیرة ابن هشام 1-504 المحبر 71-70 البلاذری 1/270 )

یقول لعلی (علیه السّلام): والذی بعثنی بالحق نبیاً ما أخرتک إلا لنفسی فأنت منی بمنزلة هارون من موسی إلا أنه لا نبی بعدی ، وأنت أخی ووارثی وأنت معی فی قصری فی الجنة. ثم قال له: وإذا ذاکرک أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله ، ولا یدعیها بعدی إلا کاذب مفتر ( الریاض النضرة 2-168 منتخب کنز العمال 5-45 و 46 ) .

ولذلک نفسه تراه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حینما عرض نفسه علی القبائل فلم یرفعوا إلیه رؤسهم ثم عرض نفسه علی بنی عامر بن صعصعة قال رجل منهم یقال له بیحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخیر بن قشیر بن کعب بن ربیعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أنی أخذت هذا الفتی من قریش لأکلت به العرب ثم قال لرسول الله: أرأیت إن بایعناک علی أمرک ثم أظهرک الله علی من خالفک أیکون لنا الأمر من بعدک ؟ قال: الأمر إلی الله یضعه حیث یشاء! قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونک فإذا أظهرک الله کان الأمر لغیرنا ؟! لا حاجة لنا بأمرک ، فأبوا علیه (راجع سیرة ابن هشام 1-424 الروض الأنف 1-264 بهجة المحافل 1-128 سیرة زینی دحلان 1-302 السیرة الحلبیة 2-3 ). فلولا أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان تعاهد مع علی(علیه السّلام)بالخلافة

ص: 395

والوصایة بأمر من الله عز وجل ، قبل ذلک لَمَا ردهم بهذا الکلام المؤیس ، وهو بحاجة ماسة من (. .) نصرة أمثالهم. انتهی .

وختاماً فإن ما أوردناه یکفی لإثبات أن قبائل قریش کانت قبل الإسلام تحسد قبیلة بنی هاشم حسداً إلی العظم ، وأنها بعد إسلامها وخضوعها للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ابن بنی هاشم ! لم تشف من هذا المرض ، بل انتقل حسدها وحساسیتها إلی عشیرة النبی وعترته من أهل بیته(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واتفقوا عزلهم سیاسیاً بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وعلی هذا الأساس یجب علی المؤمن والباحث أن یکون حذراً فی تصدیق أحادیث المصادر القرشیة فی هذا الموضوع ، وفی کل ما یتعلق ببنی هاشم . . ومن ذلک الأحادیث التی تنفی وعد الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لاسرته بالشفاعة الخاصة فی الآخرة. .

أغرب شفاعة اخترعها القرشیون لرئیس بنی هاشم

کل مطلع علی سیرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یعرف أن عمه أبا طالب کان حامیه وناصره ، وأنه بحمایته ونصرته استطاع أن یصدع بدعوته ، وبحکمة أبی طالب ونفوذه المعنوی وقف الهاشمیون فی وجه قریش إلی جانب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وصمدوا فی حصار الشعب أربع سنوات ، وبإخلاصه واستماتته فی الدفاع عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفشل الله أکثر خطط قریش فی إهانة النبی وقتله .

ویعرف أن أبا طالب له دیوان شعر نقلته مصادر السیرة والتاریخ وکله فی

ص: 396

تأیید النبی والإیمان به وفی ذم قادة المشرکین الذین وقفوا ضده . . وأن رواة الخلافة القرشیة لو وجدوا بیتین من الشعر لشخصیة قرشیة یحبونها من المعاصرین لأبی طالب لطبلوا بأحدهما وزمروا بالاخر واستخرجوا منهما عشرین دلیلاً علی إیمانه .

ویتفق فقهاء المذاهب أن القاضی إذا شک فی إسلام شخص متوفی ، یکفیه لاثبات إسلامه إقراره أو شهادة شاهدین عادیین بأنه کان مسلماً . . ولکن إثبات إسلام أبی طالب لا یکفی له عندهم إقراراته الصریحة ، ولا ألوف الشهود !

ثم إن أهل البیت أدری بما فیه والأبناء أعرف بآبائهم ، وإن علیاً وأبناءه الصادقین المصدقین الطاهرین المطهرین بنص القرآن ، قد شهدوا بأن أبا طالب کان مسلماً مؤمناً یکتم إیمانه ، وأن مَثَلَه مثَلُ مؤمن آل فرعون.. ولکن ذلک لم یکف أیضاً فی نظر قریش لإثبات إسلام أبی طالب !

والسبب فی کل هذا التشدد والتعنت أن قریشاً لا ترید إعطاء هذا الوسام لابی طالب ، وعندها لذلک مبررات عدیدة:

أولاً: أبو طالب بن عبد المطلب، هو رئیس بنی هاشم وزعیم قریش بعد أبیه عبدالمطلب. وإذا أعطی هذا الوسام فإن أولاده أولی بملک ابن عمهم النبی محمد ! (صلّی الله علیه و آله وسلّم )..ولا إخالک تقول هنا إن هذا منطق قبلی غیر إسلامی ، فإن نظام الخلافة الإسلامی إنما قام علی أساس القبلیة ، وإنما کانت حجة عمر وأبی بکر فی السقیفة قرابتهما القبلیة من محمد وأنه من قریش وقریش أولی بسلطانه !

فالمنطق الذی حکم بعد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وقامت علیه خلافة قریش هو

ص: 397

المنطق القبلی وقد کان هو المنطق العام الحاکم عنند الجمیع ! لا یستثنی منه إلا منطق النص الذی قال به أهل البیت (علیهم السّلام) وشیعتهم ، ولم یصغ لهم أحدٌ إلا الاقلُّون عدداً !

ثانیاً: إن شعر أبی طالب رضوان الله علیه ما زال یرنُّ فی آذان قادة قریش !! وفیه لهم من التوبیخ والتعنیف لهم ، ووصفهم بالحسد والبغی والجحود والکفر وقطیعة الرحم ، والحقارة..وأسوأ الصفات !! فالإعتراف بإسلامه إعطاء شعره الصفة لشعره الذی نشر به غسیل قریش !

ثالثاً: إن أبا طالب والد علی ، وعلی یطالب بخلافة النبی بالنص ، وهو المعارض الأول لأن تکون خلافة محمد لکل قریش تدور بین قبائلها بقاعدة من غلب ! وهذه المعارضة ذنبٌ یجب أن یدفع ثمنه علیٌّ وأولاده وأبوه أبو طالب !

والظاهر أن أکبر ذنب لابی طالب عندهم أنه والد علی..فلو کان والد معاویة لاحبته قریش وقالت عنه إنه أسلم وحسن إسلامه ، وشملته شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

فقد غفرت قریش لأبی سفیان ما لم یغفره الله ورسوله ، ونسیت أنه إمام الکفر ، ومحزب الأحزاب ، والعدو اللدود الذی لم یلق سلاحه فی وجه الإسلام إلا مکرهاً ، ولم یسلم إلا مکرهاً ! بل غفرت له قولته عندما وصلت الخلافة إلی بنی أمیة ( تلقفوها یا بنی أمیة تلقُّفَ الکرة ، فوالذی یحلف به أبو سفیان ما من جنة ولا نار ) !

لهذه الأسباب وغیرها صدر حکم قریش بحق أبی طالب بأن حمایته للنبی

ص: 398

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ودفاعه عنه وتحمله الشدائد من أجله واتصالاته بالقبائل ورسائله إلیهم وإلی النجاشئ وعمله الدائب من أجل تمکین النبی من نشر دعوته . .کل ذلک کان عصبیةً هاشمیةً فقط ، وأنه مات کافراً ولیس له أی حق فی وراثة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولیس لأولاده أی امتیاز بسبب حمایة أبیهم للنبی ، بل هم من قریش وقریش هی التی ترث سلطان محمد ! وقد قال عمر للأنصار فی السقیفة: نحن قومه وعشیرته فمن ذا ینازعنا سلطان محمد ؟!

إنسجاماً مع هذه الثقافة تجد فی مصادر السنیین أعجب الأحادیث عن أبی طالب ، ولعل أعجبها علی الإطلاق حدیث شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهذا العم الذی أحبه ورباه وحماه وفداه بنفسه وأولاده..فشفع له النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ووضعه فی مکان من جهنم یغلی منه دماغه !

قال البخاری فی:7/203:

عن أبی سعید الخدری رضی الله عنه أنه سمع رسول الله(ص)وذکر عنده عمه أبو طالب ، فقال: لعله تنفعه شفاعتی یوم القیامة فیجعل فی ضحضاح من النار یبلغ کعبیه یغلی منه أم دماغه !!

ورواه فی:4/202 وروی نحوه أحمد فی:1/290 وص 295 وص 206 وص 207 وج 3/9 وص 50 وص 55 والحاکم فی:4/582 والبیهقی فی البعث والنشور/59 والذهبی فی تاریخ الإسلام:1/234 وغیره من مصادرهم. وقال ابن الاثیر فی النهایة:3/13: ضحضاح: الضحضاح: فی الأصل مارق من الماء علی وجه الأرض وما یبلغ الکعبین فاستعاره للنار .

ص: 399

وقال البخاری فی:4/247:

باب قصة أبی طالب. حدثنا مسدد ، حدثنا یحیی ، عن سفیان ، حدثنا عبد الملک ، حدثنا عبد الله بن الحرث ، قال حدثنا العباس بن عبد المطلب (رض): قال للنبی (ص): ما أغنیت عن عمک فوالله کان یحوطک ویغضب لک ؟ قال: هو فی ضحضاح من نار ، ولولا أنا لکان فی الدرک الأسفل من النار !!

ورواه فی: 7/121 وص 203 ورواه مسلم:1/135 ورواه أحمد فی: 1/206 و207 و210 وج 3/50 و 55 قال: عن عباس بن عبد المطلب قال: یا رسول الله هل نفعت أباطالب بشئ فإنه قد کان یحوطک ویغضب لک ! قال: نعم هو فی ضحضاح من النار لولا ذلک لکان فی الدرک الأسفل من النار. انتهی .

فهذه الروایة ترید بیان التأثیر الکبیر لشفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمه وأن أبا طالب بالأساس یستحق الدرک الأسفل من النار مثل أبی لهب وأبی جهل وفراعنة قریش الذین کذبوا النبی وأرادوا قتله ، والذین نص الله تعالی علی طغیانهم وعقابهم ! فحماة الأنبیاء فی منطق هذه الأحادیث مثل أعدائهم ، بل أسوأ حالاً منهم !

وقد رووا أن أبا طالب کان فی طمطام من النار فخفف الله عنه ! وطمطام النار هو وسطها الملتهب !

قال فی مجمع الزوائد:1/118 عن لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): وقد وجدت عمی أبا

ص: 400

طالب فی طمطام من النار فأخرجه الله لمکانه منی وإحسانه الی فجعله فی ضحضاح من النار. انتهی .

لقد تحیر علماء ثقافة قریش فی هذا النوع من الشفاعة المخترعة ، لأن الشفاعة إما أن یأذن بها الله تعالی لرسوله فیخلص المشفوع له من النار ویدخله الجنة ، وإما أن لا یأذن بها فیبقی الشخص فی مکانه فی النار..وما ذکرته أحادیث الضحضاح لیس بشفاعة ! ولکنهم ابتکروا له اسماً خاصاً وهو شفاعة التخفیف والنقل من الدرک الاسفل من النار إلی مستنقع من النار وضحضاحها !

قال القسطلانی فی إرشاد الساری:9/328:

الشفاعات کما قال عیاض خمسة ، وقد زاد سادسة هی التخفیف عن أبی طالب. انتهی .

ثم احتاط القسطلانی لئلا یقال کیف تسمون الضحضاح شفاعة ؟ فقال هی شفاعة مجازیة ولیست حقیقیة !

قال فی إرشاد الساری:9/324: إن أبا طالب لما بالغ فی إکرام النبی (ص) والذب عنه ، جوزی بالتخفیف ، وأطلق علی ذلک شفاعة ! انتهی .

وهکذابالغ النبی بزعم رواة قریش فی إکرام عمه کما بالغ عمه فی إکرامه!!

علی أن مقصود القرشیین من روایة الضحضاح قد یکون تشدید العذاب علی أبی طالب لا تخفیفه ، فیکون ما تصوره النووی من المبالغة فی إکرام أبی طالب مبالغةً فی عذابه ! فقد روت مصادر الثقافة القرشیة أن العذاب فی الضحضاح أشد من بقیتها !

قال السیوطی فی الدر المنثور:4/127:

ص: 401

وأخرج ابن أبی حاتم عن السدی فی الآیة قال: إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح فی النار ، فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب کأنهن البغال الدهم ، وأفاع کأنهن البخاتی ، فضربنهم ، فذلک الزیادة !

بماذا یفسرون قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سأبلها ببلالها

لم یقنع حدیث الضحضاح المسلمین بعدم شمول شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعمه الحبیب أبی طالب ، خاصةً أن رواة الضحضاح رووا أن أبا طالب له رحم مع النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأن النبی وعد أنه سیبلها ببلالها ، فهل لهذا الوعد تفسیرٌ إلا الشفاعة ؟ وهل یسمی وضع أبی طالب فی ضحضاح من نار بلالاً من

النبی لرحمه ؟!

والطریف أن البخاری نقل حدیثاً عن عمرو بن العاص ( وزیر معاویة ) تبرأ فیه النبی من آل أبی طالب وأعلن قطع الولایة والرحم بینه وبینهم ! وفی نفس الحدیث وعدٌ من النبی أن یبل رحمهم ببلالها !!

قال البخاری فی:7/73: الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. باب یبل الرحم ببلالها. عن قیس بن أبی حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبی(ص)جهاراً غیر سر یقول: إن آل ( أبی طالب ) قال عمر وفی کتاب محمد بن جعفر بیاض ، لیسوا بأولیائی إنما ولیی الله وصالح المؤمنین. زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بیان عن قیس عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبی (ص): ولکن لهم رحمٌ أبلها ببلاها ، یعنی أصلها بصلتها. قال أبو عبدالله ( أی البخاری ) ببلاها کذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها

ص: 402

لا أعرف له وجهاً. وروی نحوه مسلم فی:1/133 والترمذی:5/19 والنسائی:6/248-250 وأحمد:2/360 وص 519وفی بعض روایاتهم توجه الوعد النبوی إلی أبی طالب خاصة ، کما فی کنز العمال:12/152: إن لابی طالب عندی رحماً سأبلها ببلالها ( ابن عساکر عن عمرو ابن العاص ). وراجع کنز العمال:16/10 وج 12/42

ومعنی بلال الرحم: صلتها حتی ترضی. قال الجوهری فی الصحاح: 4/1639: ویقال أیضاً: فی سقائک بلال أی ماء... ومنه قولهم: إنضحوا الرحم ببلالها أی صلوها بصلتها وندوها... ویقال أیضاً: لا تبلک عندی بلال مثال قطام قالت لیلی الاخیلیة:

فلا وأبیک یا ابن أبی عقیل تبلک بعدها عندی بلال

وقال فی الصحاح:5/1929: والرحم أیضاً: القرابة والرحم بالکسر مثله .

قال الأعشی: أما لطالب نعمة یممتهاووصال رحم قد بردت بلالها

وقال فی الدرجات الرفیعة/514:

إن المکارم أصبحت لهفانةً

حرَّی وأنت بلالها وبلیلها

وإذا المکارم ذللت أو ضللت

یوماً فأنت دلالها ودلیلها

وقال ابن الاثیر فی البدایة والنهایة:3/51: سأبلها ببلائها: وفی البیهقی ببلالها: معناه سأصلها. شبهت قطیعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة. ومنه بلوا أرحامکم: أی صلوها. انتهی .

والنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عندما استعمل هذا التعبیر ووعد هذا الوعد کان یعرف أن معنی بلال الرحم عند العرب إکرام القریب بسخاء حتی یرضی وفوق الرضا، فهو

ص: 403

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفصح من نطق بالضاد ، وأعرف الناس بمعانیها .

لهذا یبقی السؤال للبخاری وکافة علماء الخلافة القرشیة: إذا وعد نبی أسرته وأهل بیته بأنه سیصل رحمهم ویرضیهم ، فکیف تتعقلون أنه یجعل عمه العزیز علیه منهم الذی له علیه فضل خاص ، فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه ؟!

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

لعل الراوی الاساسی لحدیث ضحضاح النار هو المغیرة بن شعبة الثقفی ، ثم أخذه عنه الآخرون ، أو نسب إلیهم . . وسبب إسلام المغیرة أنه کان فی سفر فی تجارة مع عدد من رفقائه الثقفیین من أهل الطائف ، فغدر بهم وقتلهم جمیعاً وسرق أموالهم ، وفر إلی المدینة و . . . أسلم ! وهو معروف بدهائه وفساد أخلاقه ، وبغضه لعلی(علیه السّلام)وبنی هاشم ، وتاریخه مدونٌ معروف !

ولا یبعد أن یکون أخذ تعبیر ( الضحضاح ) من حدیث ضحضاح النور الذی ورد فی حق أهل البیت (علیهم السّلام) فجعله ضحضاح نار لأبی طالب !

فقد روی الشیخ الطوسی فی الغیبة/147 قال: وأخبرنا جماعة عن التلعکبری ، عن أبی علی أحمد بن علی الرازی الأیادی قال: أخبرنی الحسین بن علی ، عن علی بن سنان الموصلی العدل ، عن أحمد بن محمد الخلیلی ، عن محمد بن صالح الهمدانی ، عن سلیمان بن أحمد، عن زیاد بن مسلم ، وعبد الرحمن بن یزید بن جابر ، عن سلام قال: سمعت أبا سلمی راعی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: سمعت رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یقول: سمعت لیلة أسریَ بی إلی السماء قال العزیز جل ثناؤه: آمن الرسول بما أنزل إلیه من ربه. قلت:

ص: 404

والمؤمنون. قال: صدقت یا محمد... إنی اطلعت علی الأرض اطلاعة فاخترتک منها فشققت لک إسماً من أسمائی فلا أذکر فی موضع إلا وذکرت معی ، فأنا المحمود وأنت محمد ، ثم اطلعت الثانیة فاخترت منها علیاً وشققت له اسماً من أسمائی فأنا الأعلی وهو علی. یا محمد إنی خلقتک وخلقت علیاً وفاطمة والحسن والحسین والأئمة من ولده أشباح نور من نوری، وعرضت ولایتکم علیالسماوات وأهلها وعلی الأرضین ومن فیهن، فمن قبل ولایتکم کان عندی من المقربین ومن جحدها کان عندی من الکفار الضالین .

یا محمد لو أن عبداً عبدنی حتی ینقطع أو یصیر کالشن البالی ، ثم أتانی جاحداً لولایتکم ما غفرت له حتی یقر بولایتکم .

یا محمد تحب أن تراهم ؟ قلت: نعم یا رب قال التفت عن یمین العرش فالتفتُّ فإذا أنا بأشباح علی وفاطمة والحسن والحسین والأئمة کلهم حتی بلغ المهدی ، فی ضحضاح من نور قیام یصلون والمهدی فی وسطهم کأنه کوکب دری ، فقال لی: یا محمد هؤلاء الحجج ، وهو الثائر من عترتک ، فوعزتی وجلالی إنه حجةٌ واجبة لاولیائی منتقمٌ من أعدائی. انتهی .

ورواه فرات الکوفی فی تفسیره/74 عن الإمام الباقر 7 وقال فی هامشه:

وأخرجه الحموینی فی الفرائد 2-571 ط 1 والخوارزمی فی مقتله والطوسی فی الغیبة وصاحب المقتضب کما فی البرهان بأسانیدهم إلی أبی سلمی راعی إبل رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال سمعته یقول . . . ( مثله تقریباً ). وأخرج صدره القاضی أبو جعفر الکوفی فی

ص: 405

المناقب ح 130 وأورده بکامله مع تالیه العلامة المجلسی فی البحار 37-82 انتهی. ورواه ابن شاذان فی المنقبة السابعة عشرة من مناقب علی 7. ورواه المجلسی فی بحار الأنوار:15/247 وج 18:18/297 وج 26/301

محاولتهم التخلص من الوعد النبوی لبنی هاشم

وجد المفسرون للثقافة القرشیة أن أحسن طریقة للتخلص من الوعد النبوی الذی انتشرت روایته فی الناس ، أن یبعدوه عن الآخرة کلیاً ، ویقولوا إنه لیس وعداً بالشفاعة !

قال ابن الاثیر فی النهایة:1/153: سأبلها ببلالها: أی أصلکم فی الدنیا ولا أغنی عنکم من الله شیئاً ، والبلال جمع بلل. انتهی .

ولکن ذلک لا یصح:

أولاً ، لأنه ورد فی سیاق حدیث النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن الآخرة وإنقاذ النفس من النار فالأصل أن یکون هذا استثناء متصلاً من موضوع الحدیث ومصبه ، لا من خارجه !

وثانیاً ، أن الحدیث فی مقام نفع نسبه وسببه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الآخرة وقد صح عند الجمیع أنه النسب الوحید الذی لا ینقطع یوم القیامة. وتقدمت روایته عن عمر أن النبی: قال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لا تنفع ؟ ! کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی، فإنها موصولة فی الدنیا والآخرة!

ص: 406

وثالثاً ، لم یکن النبی یملک دنیاً عند نزول أمره تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، حتی یعد أقاربه بها ، بل لا معنی لوعده إیاهم فی ذلک الوقت حتی بالشفاعة فی الآخرة ، لأنه فی مرحلة عرض الإسلام علیهم..وهذا مما یضعف الروایة بأن هذا الوعد النبوی صدر عند نزول الآیة .

ورابعاً ، أنهم رووا هذا الحدیث بشأن أبی طالب بعد وفاته کما تقدم فی کنز العمال عن ابن عساکر وغیره ، فهل وعده النبی بأن یعطیه مالاً بعد وفاته ! أم وعد بأن یعطی ذریته ثروة فلم یعطهم وترکهم فقراء !

وخامساً ، رووا فی نفس هذا الوعد أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خاطب کل قریش ووعدهم ببلال الرحم ، فإن قالوا إنه وعدٌ بإعطائهم مالاً فی الدنیا دون الآخرة ، لزم أن لا تشمل شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أحداً من قریش أبداً ! ، فهل یلتزمون بذلک !

قال النووی فی المجموع:15/356:

وأخرج الشیخان عن أبی هریرة واللفظ لمسلم ( لما نزلت هذه الآیة: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، دعا رسول الله(ص)قریشاً فاجتمعوا ، فعم وخص فقال: یا بنی کعب بن لؤی أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی مرة بن کعب أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی هاشم أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی عبد مناف أنقذوا أنفسکم من النار ، یا بنی عبد المطلب أنقذوا أنفسکم من النار ، یا فاطمة أنقذی نفسک من النار ، فإنی لا أملک لکم من الله شیئاً ، غیر أن لکم رحماً سأبلها ببلالها ) وفی هذا دلیل علی أن کل من ناداهم النبی(ص)یطلق

ص: 407

علیهم لفظ الأقربین ، لانه(ص)فعل ذلک ممتثلاً لقوله تعالی: وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ أَلأَقْرَبِینَ ، وهو دلیل علی صحة ما ذهب إلیه الشافعی (رض) من دخول النساء لذکره فاطمة ، ودخول الکفار .انتهی .

وسادساً، رووا أحادیث عدیدة صرحت بالوعد النبوی بالشفاعة فی الآخرة، کالذی رواه الحاکم فی:3/568 ورواه مجمع الزوائد:1/88 وکنز العمال: 12/41: والذی نفسی بیده لا یؤمن أحدهم حتی یحبکم لحبی ! أیرجون أن یدخلوا الجنة بشفاعتی ولا یرجوها بنو عبد المطلب ؟! انتهی .

بل روی فی کنز العمال:12/100 أن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مخصوصةٌ بمن أحب أهل بیته ،

قال: شفاعتی لامتی ، من أحب أهل بیتی وهم شیعتی ! انتهی.

وبذلک یتضح أن محاولة إبعاد وعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لبنی هاشم عن الشفاعة.. محاولة مردودة ، بل مشبوهة .

عمل المعروف ینجی الکفار من النار إلا أبا طالب

روی ابن ماجة فی سننه:2/496:

عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله (ص): یُصَفُّ الناس یوم القیامة صفوفاً ، وقال ابن نمیر أهل الجنة ، فیمر الرجل من أهل النار علی الرجل فیقول: یا فلان أما تذکر یوم استسقیت فسقیتک شربة ؟ قال فیشفع له. ویمر الرجل فیقول: أما تذکر یوم ناولتک طهوراً ؟ فیشفع له. قال ابن نمیر ویقول:

ص: 408

یا فلان أما تذکر یوم بعثتنی فی حاجة کذا وکذا فذهبت لک ؟ فیشفع له. انتهی .

والرجل من ( أهل النار ) یعنی الکافر أو یشمل الکافر الذی قدم خدمة ولو صغیرة للمسلم.. فإذا کانت مکانة المسلم العادی کبیرة عندالله تعالی بحیث یشفِّعه فی من قدم له خدمة ولو بسیطة ، فکیف بخدمات أبی طالب لأفضل الخلق(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

ویؤید حدیث ابن ماجة ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:2/249: عن ابن مسعود قال قال رسول الله(ص)فی قوله: فیوفیهم أجورهم ویزیدهم من فضله ، قال: أجورهم یدخلهم الجنة ، ویزیدهم من فضله الشفاعة فیمن وجبت لهم النار ممن صنع الیهم المعروف فی الدنیا .

وما رواه فی الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص):إذا کان یوم القیامة جمع الله الأولین والآخرین ، ثم أمر منادیاً ینادی: ألا لیقم أهل المعروف فی الدنیا ، فیقومون حتی یقفوا بین یدی الله ، فیقول الله: أنتم أهل المعروف فی الدنیا ؟ فیقولون نعم ، فیقول وأنتم أهل المعروف فی الآخرة ، فقوموا مع الأنبیاء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتی تدخلوا علیهم المعروف فی الآخرة کما أدخلتم علیهم المعروف فی الدنیا !

ویؤیده من مصادرنا مارواه المجلسی فی بحار الأنوار:8/288

عن ثواب الأعمال للصدوق/163 قال: أبی ، عن سعد ، عن النهدی، عن

ص: 409

ابن محبوب ، عن علی بن یقطین ، عن أبی الحسن موسی(علیه السّلام)قال: کان فی بنی إسرائیل رجلٌ مؤمن وکان له جارٌ کافر فکان یرفق بالمؤمن ویولیه المعروف فی الدنیا ، فلما أن مات الکافر بنی الله له بیتاً فی النار من طین ، فکان یقیه حرها ویأتیه الرزق من غیرها ، وقیل له: هذا بما کنت تدخل علی جارک المؤمن فلان بن فلان من الرفق ، وتولیه من المعروف فی الدنیا !

وقال المجلسی: هذا الخبر الحسن الذی لا یقصر عن الصحیح، یدل علی أن بعض أهل النار من الکفار یرفع عنهم العذاب لبعض أعمالهم الحسنة ، فلا یبعد أن یخصص الآیات الدالة علی کونهم معذبین فیها لا یخفف عنهم العذاب ، لتأیده بأخبار أخر .

وفی بحار الأنوار:8/41 عن ثواب الأعمال أیضاً/167:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن المؤمن منکم یوم القیامة لیمر به الرجل له المعرفة به فی الدنیا وقد أمر به إلی النار والملک ینطلق به ، قال فیقول له: یا فلان أغثنی فقد کنت أصنع إلیک المعروف فی الدنیا وأسعفک فی الحاجة تطلبها منی فهل عندک الیوم مکافأة ؟ فیقول المؤمن للملک المؤکل به: خلِّ سبیله ، قال فیسمع الله قول المؤمن فیأمر الملک أن یجیز قول المؤمن ، فیخلی سبیله. انتهی .

هذه الشفافیة فی الرحمة الإلهیة وإکرامه تعالی لأنبیائه وعباده المؤمنین.. تتبخر عند قبائل قریش ورواتهم عندما یصلون إلی أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

بل تتحول إلی قسوة وخشونة ینسبونها إلی الله ورسوله ضد هذه الأسرة التی

ص: 410

جعل الله مودتها أجراً لتبلیغ الإسلام، لأنه الضمانة الوحیدة لسلامة الإسلام !!

أحادیث نجت من الرقابة القرشیة

مع کل المحاولات المتقدمة بقیت أحادیث عدیدة ، منها صحیح عندهم ، استطاعت أن تعبر نقاط التفتیش ، وتنجو من رقابة الثقافة القرشیة الحاکمة ، وفیما یلی نماذج منها:

تقدمت روایة الهیثمی فی مجمع الزوائد:8/216 عن عمر وما قاله لصفیة عمة النبی وما أجابه به النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فقد جاء فیها:

قال فغضب النبی(ص)وقال: یا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة ، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لا تنفع ؟! کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی ! فإنها موصولة فی الدنیا والآخرة ! انتهی .

وقد حاولت روایة أن تعتذر عن قول الخلیفة عمر هذا باتهام أم هانی أخت علی(علیه السّلام)بأنها کانت متبرجة ، فنهاها عمر عن ذلک ، وقال لها ذلک القول ! ولکن الظاهر أن حادثة أم هانی حادثة أخری غیر حادثة صفیة ، وقد کان جواب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیها أیضاً حاسماً:

قال فی مجمع الزوائد:9/257:

عن عبد الرحمن بن أبی رافع أن أم هانی بنت أبی طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها ، فقال لها عمر بن

الخطاب: إعملی فإن محمداً لا یغنی عنک شیئاً ، فجاءت إلی النبی(ص)فأخبرته به ، فقال رسول الله (ص): ما بال أقوام یزعمون أن شفاعتی لا تنال أهل بیتی ؟! وإن شفاعتی تنال حا وحکم !! وحا

ص: 411

وحکم قبیلتان. انتهی .

وذکرت مصادرنا کما فی بحار الأنوار:93/219:

أن عمر قال لها: غطی قرطک فإن قرابتک من رسول الله لاتنفعک شیئاً ! فقالت له: هل رأیت لی قرطاً یا ابن اللخناء ؟! ثم دخلت علی رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فأخبرته بذلک وبکت ، فخرج رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فنادی الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فقال: ما بال أقوام یزعمون أن قرابتی لاتنفع ! لو قمت المقام المحمود لشفعت فی حاء وحکم ! لایسألنی الیوم أحد من أبواه إلا أخبرته ! فقام إلیه رجل فقال: من أبی یا رسول الله ؟ فقال: أبوک غیر الذی تدعی له ، أبوک فلان بن فلان ! فقام آخر فقال: من أبی یا رسول الله ؟ قال: أبوک الذی تدعی له ! ثم قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): ما بال الذی یزعم أن قرابتی لاتنفع لا یسألنی عن أبیه ؟ فقام إلیه عمر فقال: أعوذ بالله یا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله ، أعف عنی عفا الله عنک . . .

ونقل البیهقی فی البعث والنشور/59:

حادثة ثالثة: عن أبی هریرة قال کانت امرأه من بنی هاشم تحت رجل من قریش ، فکان بینه وبینها شئ فقال لها ستعلمین والله أنه لا ینفعک قرابتک من رسول الله (ص) شیئاً ! فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال رجال یزعمون أن قرابتی لا تنفع ! وإنی لترجو شفاعتی صدی أو سهلب !

وفی الانساب للسمعانی:1/30:

عن أبی هریرة وعمار بن یاسر رضی الله عنهما أن النبی(ص)قال: أیها

ص: 412

الناس مالی أوذی فی أهلی ؟! والله إن شفاعتی لتنال حاء وحکم وسلهب وصداء ، تنالها یوم القیامة !

وسلهب فی نسب الیمن من دوس. قال ابن إسحاق: هذا مما یصدق نسابة مضر أن هذه القبائل من معد .

وقال الدیلمی فی فردوس الأخبار:4/399 ح 6683:

أبو سعید: ما بال أقوام یزعمون أن رحمی لا تنفع ؟! والله إن رحمی لموصولة فی الدنیا والآخرة .

وقال ابن الاثیر فی أسد الغابة:1/134:

عن شهر بن حوشب قال أقام فلانٌ ( یقصد معاویة ) خطباء یشتمون علیاً رضی الله عنه وأرضاه ویقعون فیه حتی کان آخرهم رجلٌ من الأنصار أو غیرهم یقال له أنیس ، فحمد الله وأثنی علیه ثم قال: إنکم قد أکثرتم الیوم فی سب هذا الرجل وشتمه ، وإنی أقسم بالله أنی سمعت رسول الله (ص) یقول: إنی لاشفع یوم القیامة لأکثر مما علی الأرض من مدر وشجر، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه ، أفترون شفاعته تصل الیکم وتعجز عن أهل بیته ؟! ورواه فی مجمع الزوائد:9/170: عن شهر بن حوشب وفیه (أفیرجوها غیره ویقصر عن أهل بیته)

تاریخ المدینة:2/264:

حدثنا أبو حذیفة ، قال حدثنا سفیان ، عن أبیه ، عن أبی الضحی ، عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: جاء العباس إلی رسول الله(ص)فقال: إنک

ص: 413

ترکت فینا ضغائن منذ صنعت الذی صنعت. فقال رسول الله (ص): لن یبلغوا الخیر - أو قال: الإیمان - حتی یحبوکم لله ولقرابتی ! أیرجو سؤلهم شفاعتی من مراد ، ولا یرجو بنو عبد المطلب شفاعتی ! وروی نحوه فی کنز العمال:13/512 وص 514

الدر المنثور:6/409:

وأخرج ابن مردویه عن ابن عمر وأبی هریرة وعمار بن یاسر رضی الله عنهم قالوا: قدمت درة بنت أبی لهب مهاجرةً ، فقال لها نسوة أنت درة بنت أبی لهب الذی یقول الله تبت یدا أبی لهب ، فذکرت ذلک للنبی(ص)، فخطب فقال: یا أیها الناس مالی أوذی فی أهلی ، فوالله إن شفاعتی لتنال بقرابتی حتی أن حکماً وحاء وصدا وسلهباً تنالها یوم القیامة بقرابتی ! ورواه فی کنز العمال:13/644

عن فردوس الدیلمی .

مجمع الزوائد:10/380:

باب فی أول من یشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): أول من أشفع له من أمتی أهل بیتی ، ثم الأقرب فالأقرب من قریش والأنصار . انتهی .

ولو تتبعنا المصادر لوجدنا الکثیر من هذه الأحادیث. وهی ملیئة بالحقائق والفوائد ، ونکتفی منها بما یلی:

أولاً: أن حدیث ( مالی أؤذی فی أهل بیتی ) أصله هنا ، ولکن صار نصه فی الصحاح ( مالی أؤذی فی أهلی ) وصار أهله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بمعنی زوجته عائشة،

ص: 414

فقد ادعوا أن قصة الافک التی اتهم فیها المنافقون المؤمنة الطاهرة الغافلة ماریة القبطیة ، کانت المتهمة فیها عائشة ورضوا هنا أن تکون عائشة من (المؤمنات الغافلات ) اللواتی ذکرتهم الآیة ، لکی تکون البراءة النازلة من السماء لها ولیس لماریة ، وادعوا أن قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): مالی أؤذی فی أهلی ، صدر بتلک المناسبة ! وصار المؤذی للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیاً بن أبی طالب ، الذی زعموا أنه أشار علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بطلاق عائشة !

ثانیاً: أن أذی القرشیین للنبی فی آله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان کثیراً متکرراً وقد نصت مصادر السنیین علی عدد من حوادثه کما تقدم فی حادثة (برک علی قدمیه) وتقدم هنا: قول فلان من قریش ( کمثل نخلة نبتت فی کناسة ) وقول عمر لصفیة ، وقوله لأم هانی وقول ( صهر بنی هاشم ) الذی لم یصرحوا باسمه ، وقصة بنت أبی لهب ، وشکوی العباس المتکررة.

کما أن تعدد الایذاء وتعدد جواب النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یفهم من تعدد أسماء القبائل الغریبة البعیدة التی ذکرها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عمداً ، بما آتاه الله من جوامع الکلم لتبقی أسماؤها ترنُّ فی الأذان ویبقی حدیثه فی الأذهان . . الأمر الذی یدل علی أن روح الایذاء للنبی فی آله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کانت فی القرشیین مرضاً لا عرضاً !

ثالثاً: ینبغی أن یسأل الذین یدافعون عن جمیع الصحابة ویقدسونهم ، عن حکم هؤلاء الذین آذوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأغضبوه مراراً فی أهل بیته ، فقد ثبت علیهم الحکم الذی نزل به القرآن فی حقهم ، ولم یثبت أنهم جددوا إسلامهم وخرجوا من تبعات هذا الحکم .

رابعاً: إن هذه الأحادیث وحدها تکفی للمسلم لأن یعرف أن فی الأمر شیئاً کبیراً یتعلق بآل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه یجب إعادة النظر فی الروایات التی تنفی أن

ص: 415

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لم یوص لهم ، ولم یجعل لهم حقاً علی الأمة ، ولم یعدهم بشفاعة خاصة . . وتکفیه لأن یحتمل أن تکون روایاتهم فی أبی طالب من هذا النوع. وهذا الإحتمال کاف للتوقف عن تصدیقها .

بخلهم علی أبی طالب وخدیجة وسخاؤهم علی غیرهما

من ظلامة الخلافة القرشیة أنها بخلت علی أبی طالب بکلمة شکر، فی حین تبنت مشرکین فی مقابله لم یؤمنوا بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فجعلتهم من أهل الجنة ، بل جعلتهم فی مرتبة الأنبیاء ! ومن أبرز هؤلاء ورقة بن نوفل وزید بن عمرو بن نفیل.. والنص التالی یبین بعض الرتب التی أعطوها لهؤلاء فی الجنة ، بالمقایسة إلی الرتبة النازلة التی أعطوها لخدیجة أم المؤمنین ورتبة الضحضاح لأبی طالب رضوان الله علیهما .

قال الهیثمی فی مجمع الزوائد:9/416:

عن جابر بن عبد الله قال سئل النبی(ص)عن عمه أبی طالب ، هل تنفعه نبوتک ؟ قال: نعم أخرجته من غمرات جهنم إلی ضحضاح منها .

وسئل عن خدیجة ، لأنها ماتت قبل الفرائض وأحکام القرآن ، فقال: أبصرتها علی نهر من أنهار الجنة فی بیت من قصب ، لا صخب فیه ولا نصب .

وسئل عن زید بن عمرو بن نفیل فقال: یبعث یوم القیامة أمةً وحده ، بینی وبین عیسی(علیه السّلام). رواه أبو یعلی وفیه مجالد ، وهذا مما مدح من حدیث مجالد ، وبقیة رجاله رجال الصحیح .

وعن جابر قال سألنا رسول الله(ص)عن زید بن عمرو بن نفیل فقلنا: یا رسول الله إنه کان یستقبل القبلة ویقول دینی دین إبراهیم وإلهی إله إبراهیم

ص: 416

وکان یصلی ویسجد ؟ قال: ذاک أمة وحده ، یحشر بینی وبین یدی عیسی بن مریم .

وسئل عن ورقة بن نوفل وقیل: یا رسول الله إنه کان یستقبل القبلة ویقول إل هی إله زید ودینی دین زید ، وکان یتوجه ویقول:

رشدت فأنعمت ابن عمرو فإنما

عنیت بتنور من النار حامیا

بدینک دیناً لیس دین کمثله

وترکک حنَّان الجبال کما هیا

قال: رأیته یمشئ فی بطنان الجنة ، علیه حلة من سندس. انتهی .

وإنما جعلوا بیت القصب لخدیجة ، لأنها بزعمهم توفیت قبل فرائض الصلاة والصوم والزکاة والحج ، فهی تستحق درجة سفلی فی الجنة وبیتاً عادیاً من قصب أو سعف النخل..أما عائشة المحترمة عند دولة الخلافة فهی فی الفردوس فی قصر من یاقوت ولؤلؤ !

ویتألم المسلم عندما یری فی المصادر الإسلامیة افتراءً علی أم المؤمنین خدیجة یصل إلی حد اتهامها بأنها کانت تعبد اللات والعزی وتلح علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یعبدهما قبل منامه ، فیمتنع عن ذلک !!

فقد روی أحمد فی مسنده:4/222 و:5/362:

عن عروة بن الزبیر یعنی ابن أخت عائشة قال: حدثنی جار لخدیجة بنت خویلد أنه سمع النبی (ص) وهو یقول لخدیجة: أی خدیجة والله لا أعبد اللات والعزی ، والله لا أعبد أبداً ! قال فتقول خدیجة:خل اللات خل العزی ، قال کانت صنمهم التی کانوا یعبدون ثم یضطجعون ) !! انتهی.

فکأن مدح عائشة یستلزم ذم ضرتها ، والتی توفیت قبل أن یتزوج النبی بها !

ص: 417

لأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یذکرها دائماً بالخیر ، ویباهی بها !!

وأما ورقة المعاصر لأبی طالب أیضاً ، فهو فی بطنان الجنة أی فی وسطها ، یرفل بالسندس ، مع أنه مات بعد البعثة ولم یسلم ! والسبب فی استحقاقه الجنة أنه کان یقول: أنا علی دین زید بن نفیل ! بینما ذکروا أن الدلیل علی کفر أبی طالب أنه کان یقول: أنا علی دین عبد المطلب !!

وأما زید بن نفیل فقد عاش سنوات بعد البعثة ولم یسلم ، ورووا عنه أنه نهی المشرکین ذات مرة عن تعذیب بلال ، ولکنهم جعلوه فی مرتبة نبی لأنه ابن عم الخلیفة عمر..بل هو بزعمهم أتقی من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، لأن النبی کان قبل البعثة مشرکاً یذبح للأصنام ویأکل مما ذبح علی النصب ، بینما کان زید علی دین إبراهیم لا یذبح للأصنام ولا یأکل إلا ما ذکر اسم الله علیه ، وقد نصح النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ذات مرة أن لا یأکل مما ذبح علی النصب فاقتدی النبی به ! !

إنها الکارثة الفکریة فی الأمة . . عندما تفضل حکامها وأقاربهم علی نبیها سید الأنبیاء ، وأهل بیته الطاهرین(علیهم السّلام) !!

قال فی مجمع الزوائد:9/417: باب ما جاء فی زید بن عمرو بن نفیل...

قال فمر زید بن عمرو بالنبی(ص)وزید بن حارثة ، وهما یأکلان من سفرة فدعیاه فقال: یابن أخی لا آکل ما ذبح علی النصب ، قال فما رؤی النبی(ص)یأکل ماذبح علی النصب من یومه ذلک ، حتی بعث .

قال: وجاء سعید بن زید إلی النبی(ص)فقال: یا رسول الله إن زیداً کان کما رأیت أو کما بلغک ، فأستغفر له ؟ قال: نعم ، فاستغفروا له فإنه یبعث یوم

ص: 418

القیامة أمة وحده. رواه الطبرانی والبزار باختصار عنه ، وفیه المسعودی وقد اختلط ، وبقیة رجاله ثقات .

وعن سعید بن زید قال: سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله(ص)عن زید بن عمرو ؟ فقال: یأتی یوم القیامة أمة وحده. رواه ابو یعلی وإسناده حسن .

وعن زید بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله(ص)یوماً حاراً من أیام مکة وهو مردفی إلی نصب من الأنصاب ! وقد ذبحنا له ( أی للصنم )شاة فأنضجناها ، قال فلقیه زید بن عمرو بن نفیل فحیَّا کل واحد منهما صاحبه بتحیة الجاهلیة ، فقال النبی (ص): یا زید مالی أری قومک قد شنفوا لک ؟ قال: والله یا محمد ذلک لغیر نائلة لی منهم ، ولکنی خرجت أبتغی هذا الدین حتی أقدم علی أحبار فدک ، وجدتهم یعبدون الله ویشرکون به ، قال قلت ماهذا الدین الذی أبتغی ، فخرجت حتی أقدم علی أحبار الشام ، فوجدتهم یعبدون الله ویشرکون به ، قلت ما هذا الدین الذی أبتغی ، فقال شیخ منهم إنک لتسأل عن دین ما نعلم أحداً یعبد الله به إلا شیخٌ بالحیرة ، قال فخرجت حتی أقدم علیه فلما رآنی قال ممن أنت ؟ قلت من أهل بیت الله ، من أهل الشوک والقرظ ، فقال إن الدین الذی تطلب قد ظهر ببلادک قد بعث نبی قد ظهر نجمه ، وجمیع من رأیتهم فی ضلال ، فلم أحس بشئ بعد یا محمد !!

قال: وقرب إلیه السفرة فقال: ما هذا یا محمد ؟ فقال شاة ذبحناها لنصب من الانصاب ! فقال: ما کنت لأکل مما لم یذکر اسم الله علیه !

قال زید بن حارثة: فأتی النبی(ص)البیت فطاف به وأنا معه ، وبین الصفا والمروة صنمان من نحاس أحدهما یقال له یساف والآخر یقال له نائلة ،

ص: 419

وکان المشرکون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبی (ص): لا تمسحهما فإنهما رجس ، فقلت فی نفسی لامسنهما حتی أنظر ما یقول النبی(ص)؟ فقال النبی(ص)لزید: إنه یبعث أمة وحده. رواه أبو یعلی والبزار والطبرانی إلا أنه قال فیه: فأخبرته بالذی خرجت له فقال: کل من رأیت فی ضلال وإنک لتسأل عن دین الله وملائکته ، وقد خرج فی أرضک نبی أو هو خارج فارجع فصدقه وآمن به. وقال أیضاً فقال زید إنی لا آکل شیئاً ذبح لغیر الله، ورجال أبی یعلی والبزار وأحد أسانید الطبرانی رجال الصحیح غیر محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحدیث .

وعن أسماء بنت أبی بکر قالت: کان زید بن عمرو بن نفیل فی الجاهلیة یقف عند الکعبة ویلزق ظهره إلی صفحتها ، ویقول: یا معشر قریش ما علی الأرض علی دین إبراهیم غیری ، وکان یفدی الموؤودة أن تقتل ، وقال عمرو بن نفیل:

عزلت الجن والجنان عنی

کذلک یفعل الجلد الصبور

رواه الطبرانی وإسناده حسن. انتهی .

فقد ثبت عندهم بهذه الأحادیث الصحیحة والحسنة ، أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کان یعبد الأصنام ویذبح لها ! وثبت أن زید بن عمرو کان موحداً علی دین إبراهیم ، وکان ینتظر النبوة ، وکان أولی بها من محمد ، ولکن زیداً إلی تاریخ لقائه بالنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو فی طریقه إلی الصنم لم یحس بالوحی ولعله أحس به بعد ذلک ! !

وقد روت الصحاح افتراءهم علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بأنه ذبح للصنم وقصة اللحم الذی کان یأکل منه بزعمهم ویعافه ابن نفیل !! فقد رواها

ص: 420

البخاری: 4/232 وأضاف فیها

( ثم قال زید إنی لست آکل مما تذبحون علی أنصابکم ، ولا آکل إلا ما ذکر اسم الله علیه ، وإن زید بن عمر کان یعیب علی قریش ذبائحهم ویقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها علی غیر اسم الله !! إنکاراً لذلک وإعظاماً له ! ) انتهی.

وروی نحوها أیضاً فی:6/225 وکذلک أحمد فی:1/189 وج 2/68 و89 و127

وعلی هذه الروایات الصحاح والحسان ! یکون زید بن عمرو بن نفیل أتقی من محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأوعی منه ، وأولی بالنبوة منه ، ولکن الحظ جعلها لمحمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

ولذلک لم یؤمن به زید عندما بعث لأنه لا یحتاج إلی ذلک !

کما أن ابن عمه عمر یستحق النبوة ولکن الحظ جعلها لمحمد ، فقد نسبوا إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لو لم أبعث لبعث عمر بن الخطاب !! وهذا یعطی الشرعیة لکل مناقشات عمر للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واعتراضاته علیه ، بل ومخالفاته له !!

ویلاحظ فی روایاتهم عن زید بن عمرو، أن عدداً منها عن لسان ولده سعید وابن عمه عمر ، وأنها ترید التأکید علی أن زیداً العدوی وحده کان علی ملة إبراهیم لا عبد المطلب الهاشمی ولا أبو طالب ، ولا حتی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وهو عملٌ یقصد منه المساس بشخصیة النبی وأجداده(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) من أجل تکبیر شخصیات مشرکة من أقارب الحکام !!

لکن المتأمل فی روایاتهم یجد فیها حقیقة مهمة ، وهی أنهم شهدوا علی زید بن عمرو بن نفیل بأنه لم یسلم ومات کافراً رغم معرفته المزعومة ببعثة

ص: 421

النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولو أنه أسلم لما سألوا النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) عنه ، ولملاوا الکتب بفضائله ومناقبه ! کما ملؤوها بذم أبی طالب وضحضاحه !!

أهم الأدلة علی إیمان أبی طالب

تکفلت کتب مستقلة بإثبات إیمان أبی طالب رضوان الله علیه..ومن أشهرها کتاب ( أبو طالب مؤمن قریش ) لمؤلفه الشیخ عبد الله الخنیزی الذی صادره الوهابیون وحبسوا مؤلفه (السعودی) بسببه ، وحکموا علیه بالإعدام ! ولکن الدولة السعودیة خشیت من العواقب فأقنعت مفتیهم بتخفیف الحکم فخففه إلی الحبس والتعزیر ! !

وقد کتب علماؤنا عن إیمان أبی طالب بحوثاً مستفیضة فی مصادر السیرة والعقائد ، من أهمها ما کتبه المجلسی فی البحار:35 والامینی فی الغدیر: 7 و 8 والشیخ نجم الدین العسکری فی مقام الإمام علی(علیه السّلام) والسید جعفر مرتضی فی الصحیح من السیرة:3/227 .

ونورد فیما یلی خمسة أدلة علی إیمانه مستفادة من المصادر المذکورة وغیرها:

الدلیل الأول: النصوص الصریحة الثابتة عندنا عن النبی والأئمة من آله (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهم الطاهرون المطهرون الصادقون المصدقون ، غیر المتهمین فی شهادتهم لآبائهم وأقربائهم وأنفسهم .

منها: عن أمیر المؤمنین(علیه السّلام)أنه قال: والله

ما عبد أبی ولا جدی عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف ، صنماً قط. قیل له فما کانوا یعبدون ؟ قال: کانوا

ص: 422

یصلون إلی البیت علی دین إبراهیم متمسکین به. انتهی.

وقال عنه فی الغدیر:7/384: رواه شیخنا الصدوق بإسناده فی کمال الدین/104 والشیخ أبوالفتوح فی تفسیره 4: 210 والسید فی البرهان 3: 795

ومنها: عن أبی عبد الله الصادق(علیه السّلام)قال: نزل جبرئیل(علیه السّلام)علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فقال: یا محمد إن ربک یقرؤک السلام ویقول: إنی قد حرمت النار علی صلب أنزلک وبطن حملک وحجر کفلک. فالصلب صلب أبیه عبد الله بن عبد المطلب ، والبطن الذی حملک آمنة بنت وهب ، وأما حجر کفلک فحجر أبی طالب. وزاد فی روایة: وفاطمة بنت أسد. انتهی .

وقال عنه فی الغدیر: روضة الواعظین/121. راجع الکافی لثقة الإسلام الکلینی/242 ، معانی الأخبار للصدوق ، کتاب الحجة السید فخار بن معد/8 ، ورواه شیخنا للمفسر الکبیر أبو الفتوح الرازی فی تفسیره 4-210 ، ولفظه: إن الله عز وجل حرم علی النار صلباً حملک وبطناً حملک وثدیاً أرضعک وحجراً کفلک..إلخ .

ومنها: ما رواه فی مقام الإمام علی:3/140: قال السید الحجة فخار بن معد فی کتابه ( الحجة علی الذاهب إلی تکفیر أبی طالب )/16 بالإسناد إلی الکراجکی عن رجاله ، عن أبان ، عن محمد بن یونس ، عن أبیه ، عن أبی عبدالله أنه قال: یا یونس ما تقول الناس فی أبی طالب ؟ قلت جعلت فداک یقولون: هو فی ضحضاح من نار ، وفی رجلیه نعلان من نار تغلی منهما أم

ص: 423

رأسه ! فقال: کذب أعداء الله ! إن أبا طالب من رفقاء النببین والصدیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقاً .

ومنها: فی المصدر المذکور أیضاً ، عن علی بن حسان ، عن عمه عبد الرحمن بن کثیر قال: قلت لابی عبد الله(علیه السّلام): إن الناس یزعمون أن أبا طالب فی ضحضاح من نار ؟ فقال: کذبوا ما بهذا نزل جبرئیل علی النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! قلت وبما نزل ؟ قال: أتی جبرئیل فی بعض ما کان علیه فقال: یا محمد إن ربک یقرؤک السلام ویقول لک: إن أصحاب الکهف أسروا الإیمان وأظهروا الشرک فآتاهم الله أجرهم مرتین ، وإن أبا طالب أسر الإیمان وأظهر الشرک فآتاه الله أجره مرتین ، وماخرج من الدنیا حتی أتته البشارة من الله تعالی بالجنة. ثم قال(علیه السّلام): کیف یصفونه بهذا وقد نزل جبرئیل لیلة مات أبو طالب فقال: یا محمد أخرج من مکة فما لک بها ناصر بعد أبی طالب !

ومنها: فی المصدر المذکور أیضاً عن أبی بصیر لیث المرادی قال: قلت لابی جعفر: سیدی إن الناس یقولون: إن أبا طالب فی ضحضاح من نار یغلی منه دماغه ؟ فقال(علیه السّلام): کذبوا ، والله إن إیمان أبی طالب لو وضع فی کفةِ میزان وإیمان هذا الخلق فی کفة لرجح إیمان أبی طالب علی إیمانهم، ثم قال: کان والله أمیر المؤمنین یأمر أن یحج عن أب النبی وأمه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعن أبی طالب فی حیاته ، ولقد أوصی فی وصیته بالحج عنهم بعد مماته. انتهی.

الدلیل الثانی: تصریحات أبی طالب رضی الله علیه بصدق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأنه

ص: 424

رسول رب العالمین.

قال السید جعفر مرتضی فی الصحیح من السیرة:3/230:

ویکفی أن نذکر نموذجاً من أشعاره التی عبر عنها ابن أبی الحدید المعتزلی بقوله: إن کل هذه الاشعار قد جاءت مجی التواتر من حیث مجموعها (شرح النهج:14/78 ) ونحن نذکر هنا اثنی عشر شاهداً من شعره ، علی عدد الأئمة المعصومین من ولده علیه وعلیهم السلام تبرکاً وتیمناً ، والشواهد هی:

1 - ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبیاً کموسی خط فی أول الکتب

2 - نبی أتاه الوحی من عند ربه

ومن قال لا ، یقرع بها سن نادم

3 - یا شاهد الوحی من عند ربه

إنی علی دین النبی أحمد

4 - أنت الرسول رسول الله نعلمه

علیک نزِّل من ذی العزة الکتب

5 - أنت النبی محمدُ

قرمٌ أغرُّ مُسَوَّدُ

6 - أو تؤمنوا بکتاب منزل عجب

علی نبی کموسی أو کذی النون

7 - وظلم نبی جاء یدعو إلی الهدی

وأمر أتی من عند ذی العرش قیم

8 - لقد أکرم الله النبی محمداً

فأکرم خلق الله فی الناس أحمد

9 - وخیر بنی هاشم أحمدٌ

رسول الاله علی فترةِ

10 - والله لا أخذل النبی ولا

یخذله من بنیَّ ذو حسب

11 - وقال(رحمه الله)یخاطب ملک الحبشة ویدعوه إلی الإسلام:

أتعلم ملک الحسن أن محمداً

نبیاً کموسی والمسیح ابن مریم

أتی بالهدی مثل الذی أتیا به

فکلٌّ بأمر الله یهدی ویعصم

وإنکم تتلوته فی کتابکم

بصدقِ حدیث لا حدیث الترجم

ص: 425

فلا تجعلوا لله نداً فأسلموا

فإن طریق الحق لیس بمظلم

12 - وقال مخاطباً ولده حمزة (رحمه الله):

فصبراً أبا یعلی علی دین أحمد

وکن مظهر للدین وفقت صابرا

وحط من أتی بالحق من عند ربه

بصدق وعزم لاتکن حمز کافرا

فقد سرنی أن قلت إنک مؤمنٌ

فکن لرسول الله فی الله ناصرا

وباد قریشاً فی الذی قد أتیته

جهاراً وقل ما کان أحمد ساحرا

وأشعار أبی طالب الناطقة بإیمانه کثیرة ، وقد اقتصرنا منها علی هذا القدر لنفسخ المجال لذکر لمحة عن سائر ما قیل ویقال فی هذا الموضوع. انتهی .

ونضیف إلی ماذکره صاحب الصحیح ما قاله الطبرسی فی الاحتجاج: 1/345: وقد اشتهر عن عبدالله المأمون أنه کان یقول: أسلم أبو طالب والله بقوله:

نصرت الرسول رسول الملیک

ببیض تلالا کلمع البروقِ

أذب وأحمی رسول الاله

حمایة حام علیه شفیق

وما إن أدبُّ لأع-دائه

دبیب البکار حذار الفنیق

ولکن أزیر لهم سامیاً

کما زار لیث بغیل مضیق

وما ذکره أبو الفداء فی تاریخه:1/170 قال: ومن شعر أبی طالب مما یدل علی أنه کان مصدقاً لرسول الله(ص)قوله:

ودعوتنی وعلمت أنک صادقٌ

ولقد صدقت وکنت ثم أمینا

الدلیل الثالث: تحلیل مقومات شخصیة أبی طالب (رض) وعلاقته بالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )منذ أن أوصاه به أبوه عبد المطلب وکفله إیاه ، ونصرته له من أول

ص: 426

بعثته ، وفی أصعب مراحلها..إلی أن توفی فی السنة العاشرة من البعثة..فإن أی باحث ینظر فی ذلک یقتنع بأن نصرته وحمایته للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لایمکن أن تصدر إلا عن مؤمن قوی الإیمان .

بل لا یحتاج الأمر إلی دراسة مقومات شخصیته وکل حیاته ، فیکفی دراسة بعض مواقفه لإثبات ذلک .

منها: الموقف الذی رواه فی الغدیر:7/388: عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمیر المؤمنین علیاً(علیه السّلام)یقول: مرَّ رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بنفر من قریش وقد نحروا جزوراً ، وکانوا یسمونها الفهیرة ویذبحونها علی النصب ، فلم یسلِّم علیهم . فلما انتهی إلی دار الندوة قالوا : یمر بنا یتیم أبی طالب فلا یسلم علینا ! فأیکم یأتیه فیفسد علیه مصلاه ؟ فقال عبد الله بن الزبعری السهمی: أنا أفعل ، فأخذ الفرث والدم فانتهی به إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو ساجدٌ فملا به ثیابه ومظاهره ، فانصرف النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی أتی عمه أبا طالب فقال: یا عم من أنا ؟ فقال: ولم یا ابن أخی ؟! فقص علیه القصة فقال:

وأین ترکتهم ؟ فقال: بالابطح. فنادی فی قومه: یا آل عبد المطلب ! یا آل هاشم ! یا آل عبد مناف ! فأقبلوا إلیه من کل مکان ملبین ، فقال: کم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحکم ، فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتی انتهی إلی أولئک النفر ، فلما رأوه أرادوا أن یتفرقوا ، فقال لهم: ورب هذه البنیة لا یقومن منکم أحد إلا جللته بالسیف ! ثم أتی إلی صفاة کانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتی قطعها ثلثة أفهار ، ثم قال: یا محمد سألتنی من أنت ؟ ثم أنشأ یقول ویومی بیده إلی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) :

أنت النبیُّ محمَّدُ

قَرْمٌ أعَزُّ مُسَوَّدُ

ص: 427

ثم قال: یا محمد أیهم الفاعل بک ؟ فأشار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إلی عبد الله بن الزبعری السهمی الشاعر ، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتی أدماها ! ثم أمر بالفرث والدم فأمرَّ علی رؤس الملا کلهم ! ثم قال: یا ابن أخ أرضیت ؟

ثم قال: سألتنی من أنت ؟ أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلی آدم(علیه السّلام)ثم قال:

أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً !

یا معشر قریش من شاء منکم یتحرک فلیفعل أنا الذی تعرفونی !

رواه السید ابن معد فی الحجة/106 وذکر لِدَة هذه القضیة الصفوری فی نزهة المجالس 2: 122 وفی طبع/91 ، وابن حجة الحموی فی ثمرات الأوراق بهامش المستطرف 2: 3 نقلاً عن کتاب الأعلام للقرطبی 13

ومنها: الموقف الذی رواه الطبرسی فی الإحتجاج:1/345 قال:

لما رأی المشرکون موقف أبی طالب من نصرة الرسول ، وسمعوا أقواله اجتمعوا بینهم ، وقالوا ننافی بنی هاشم ونکتب صحیفة ونودعها الکعبة ، أن لا نبایعهم ، ولا نشاریهم ، ولا نحدثهم ، ولا نجتمع معهم فی مجمع ، ولا نقضی لهم حاجة ، ولا نقتضیها منهم ، ولا نقتبس منهم ناراً ، حتی یسلِّموا الینا محمداً ، ویخلوا بیننا وبینه أو ینتهی عن تسفیه آبائنا ، وتضلیل آلهتنا. وأجمع کفار مکة علی ذلک .

فلما بلغ ذلک أبا طالب ، قال یخبرهم باستمراره علی مناصرة الرسول ومؤازرته له ، ویحذرهم الحرب ، وینهاهم عن متابعة السفهاء:

ألا أبلغا عنی علی ذاتِ بینِها

لؤیّاً وخصَّا من لؤیٍّ بنی کعبِ

ص: 428

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً

نبیاً کموسی خُطَّ فی أول الکتْبِ

وأن علیه فی العباد محبةً

ولا حیفَ فیمن خصَّهُ الله بالحب

وأن الذی لفقتم فی کتابکم

یکون لکم یوماً کراغیة السقب

أفیقوا أفیقوا قبل أن تُحْفَر الزُّبَی

ویصبح من لم یجنِ ذنباً کذی الذنب

أفیقوا أفیقوا قبل أن تُحْفَر الزُّبَی

ویصبح من لم یجنِ ذنباً کذی الذنب

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا

أواصرنا بعد المودة والقرب

وتستجلبوا حرباً عواناً وربَّمَا

أمَرَّ علی من ذاقهُ حَلَبُ الحرب

فلسنا وبیتِ الله نسلم أحمداً

لعزَّاءَ من عضِّ الزمان ولا حرب

ولَمَّا تَبِنْ منا ومنکم سوالفٌ

وأید أبیدت بالمهندة الشهب

بمعترک ضَنْک تری کِسَرَ القنا

به نَواً لضباعِ العُرْجِ تعکف کالسرب

کأن مجال الخیل فی حجراته

وغمغمة الأبطال معرکة الحرب

ألیس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره

وأوصی بنیه بالطعان وبالض-رب

ورواها فی البحار:35/160 وزاد فیها:

ولسنا نملُّ الحرب حتی تملَّنا

ولا نشتکی مما ینوب من النکب

ولکننا أهل الحفائظ والنهی

إذا طار أرواح الکماة من الرعب

ومنها: إیمانه بمعجزات النبی وکراماته(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، ونظمه إیاها شعراً .

قال الطبرسی فی الاحتجاج:1/343:

روی أن أبا جهل بن هشام جاء إلی رسول الله وهو ساجد وبیده حجر یرید أن یرمیه به ، فلما رفع یده لصق الحجر بکفه فلم یستطع ما أراد ، فقال أبو طالب:

ص: 429

أفیقوا بنی غالب وانتهوا

عن الغی من بعض ذا المنطق

وإلا فإنی إذن خائفٌ

بوائقَ فی دارکم تلتقی

تکون لغیرکمُ عبرةً

وربِّ المغارب والمشرق

کما نال من کان من قبلکم

ثمودٌ وعادٌ وماذا بقی

غداةَ أتاهم بها صرصرٌ

وناقة ذی العرش قد تستقی

فحلَّ علیهم بها سَخْطَةٌ

من الله فی ضربة الأزرق

غداة یعضُّ بعرقوبها

حساماً من الهند ذا رونق

وأعجب من ذاک فی أمرکم

عجائب فی الحجر الملصق

بکف الذی قام من خبثه

إلی الصابر الصادق المتقی

فأثبته الله فی کفه

علی رغمةِ الجائر الأحمق

أحیمق مخزومکم إذ غوی

لغیِّ الغواةِ ولم یَصْدُقِ

أحیمق مخزومکم إذ غوی

لغیِّ الغواةِ ولم یَصْدُقِ

الدلیل الرابع: استدل به سبط ابن الجوزی علی إیمان أبی طالب ، ومفاده: أن خصوم علی(علیه السّلام)من الأمویین والزبیریین وغیرهم ، کانوا حریصین علی انتقاصه بأی عیب ممکن فی نفسه وأبیه وأمه وعشیرته ، وقد سجل التاریخ مراسلات علی(علیه السّلام)ومعاویة ومناظرات أنصارهم ، وقد تضمنت ماذمهم علی(علیه السّلام)به وإزراؤه عیهم بکفر آبائهم وأمهاتهم ، بل سجل التاریخ أن علیاً (علیه السّلام)فاخر معاویة بأبی طالب ، فکتب له فی رسالة ( لیس أمیة کهاشم ، ولا حرب کعبد المطلب ، ولا أبو سفیان کأبی طالب ، ولا المهاجر کالطلیق ، ولا الصریح کاللصیق ) ومع ذلک لم یتکلم معاویة ولا غیره من أعداء علی (علیه السّلام) بکلمة ذم فی أبی طالب !!

ص: 430

فلو أنه کان مشرکاً ومات علی الشرک کما یدعون ، لاغتنم أعداء علی هذه النقطة وعیروه بها وشنعوا علیه بها. ولو کان حدیث ضحضاح أبی طالب صادراً عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لسمعت أخباره شعراً ونثراً فی صفین وبعدها.. !

وهذا یدل علی أن أحادیث شرک أبی طالب وأنه فی النار والضحضاح ، قد وضعت فی عهد الأمویین بعد شهادة علی(علیه السّلام)!

الدلیل الخامس: ترحم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أبی طالب واستغفاره له ، وتسمیته عام وفاته ووفاة خدیجة رضوان الله علیهما ( عام الحزن ).

قال الأمینی فی الغدیر:7/372:

أخرج ابن سعد فی طبقاته 1: 105 عن عبید الله بن أبی رافع عن علی قال: أخبرت رسول الله(ص)بموت أبی طالب فبکی ثم قال: إذهب فاغسله وکفنه وواره ، غفر الله له ورحمه .

وفی لفظ الواقدی: فبکی بکاء شدیداً ثم قال: إذهب فاغسله.. الخ. وأخرجه ابن عساکر کما فی أسنی المطالب/21 والبیهقی فی دلائل النبوة. وذکره سبط ابن الجوزی فی التذکره/6 وابن أبی الحدید فی شرحه 3-314 والحلبی فی السیرة 1-373 والسید زینی دحلان فی السیرة هامش الحلبیة 1-90 والبرزنجی فی نجاة أبی طالب وصححه کما فی أسنی المطالب/35 وقال: أخرجه أیضاً أبوداود وابن الجاوود وابن خزیمة وقال: إنما ترک النبی(ص)المشئ فی جنازته اتقاء من شر سفهاء قریش ، وعدم صلاته لعدم مشروعیة صلاة الجنازة یومئذ .

عن الأسلمی وغیره: توفی أبوطالب للنصف من شوال فی السنة العاشرة من

ص: 431

حین نبئ رسول الله(ص)، وتوفیت خدیجة بعده بشهر وخمسة أیام ، فاجتمعت علی رسول الله(ص)علیها وعلی عمه حزناً شدیداً ، حتی سمی ذلک العام عام الحزن. انتهی .

وقد روی الخطیب البغدادی فی تاریخه:13/196 عن ابن عباس ترحم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واستغفاره لابی طالب بعد موته ،وکذا الذهبی فی تاریخ الإسلام:1/235 ، وروت مصادرنا أحادیث کثیرة فی ذلک کما فی مناقب آل أبی طالب:1/150 عن آخرین وبحار الأنوار:19/15 وص 25 وج 22/530

هذا وقد ثبت أن أبا طالب کان علی دین عبد المطلب ، وسوف یتضح لک إیمان عبد المطلب ومقامه ، رضوان الله علیهما ، فی فصل شفاعة الأنبیاء (علیهم السّلام) .

ص: 432

الفصل العاشر :ولادة المذاهب المنحرفة من أفکار توسیع الشفاعة

اشارة

ص: 433

ص: 434

عمل الیهود علی إسقاط المحرمات من الأدیان

کان الیهود أسبق الأمم إلی تحریف قانون العقوبة الإلهی ، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخری ، وخففوا قانون العقوبة الإلهی وشوشوه بالنسبة إلی الجرائم الأخری التی یرتکبونها !

ومن الطبیعی أن یسری ذلک إلی عقیدتهم بالله تعالی ، فصوروه بأنه قاس عصبیُّ المزاج ، ولذا فإن عقوباته شدیدة وغیر منطقیة ! وذلک واضح لمن قرأ صفحات قلیلة من توراتهم .

وقد أخذ المسیحیون هذه الثقافة من الیهود ، وما زالوا.. وقد سمعت أن من المسائل الفکریة المطروحة أخیراً عند الکتاب الغربیین ، خاصةً فی فرنسا ، موضوع: هل یجب أن یکون فی الدین الإلهی محرمات ، أم لا. .

ذلک أن الیهود والکتاب المتأثرین بهم یریدون من الکنیسة المسیحیة أن تقدم دیناً بلا محرمات ، وتفتی بأن المهم هو الإیمان الذی هو أمرٌ فی القلب ، مهما کان عمل الناس !

وهذا بالضبط هو مذهب المرجئة الذی زرعه الیهود فی عقائد المسلمین ، عن طریق بعض الصحابة !

أما زارعوه الجدد فلیسوا کعب الأحبار ولا وهب بن منبه ، بل هم ذراری

ص: 435

النصاری والیهود الصرحاء! والمزروع فیهم لیسوا صحابة ، بل هم ذراری المسلمین المتغربین!

إخبار النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بظهور المرجئة والقدریة وتحذیره منهم

روت مصادر السنة والشیعة تنبؤ النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بظهور المرجئة والقدریة فی أمته وتحذیره من خطرهم ، وأنهم لا تنالهم شفاعته ، لأنهم یحرفون الإسلام ویشوشون أمر الأمة من بعده.

فقد روی الهیثمی فی مجمع الزوائد:7/207:

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): صنفان من أمتی لا یردا علیَّ الحوض ولا یدخلان الجنة ، القدریة والمرجئة. رواه الطبرانی فی الأوسط ورجاله رجال الصحیح غیر هارون بن موسی الفروی وهو ثقة. انتهی. وروی الترمذی شبیهاً به فی:3/308

ورواه فی کنز العمال:1/119 عن حلیة الأولیاء لأبی نعیم عن أنس ، وعن مسند الطیالسی ، عن واثلة عن جابر. وروی نحوه فی:1/362 عن السلفی فی انتخاب حدیث القراء عن علی. ورواه ابن حبان فی کتاب المجروحین:2/112 عن عکرمة .

وفی مجمع الزوائد:7/203:

عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلی علیه وسلم: ما بعث الله نبیاً قط إلا وفی أمته قدریة ومرجئة یشوشون علیه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدریة والمرجئة علی لسان سبعین نبیاً. رواه الطبرانی وفیه بقیة بن الولید وهو لین

ص: 436

ویزید بن حصین لم أعرفه. انتهی. ورواه ابن حبان عن أبی هریرة فی کتاب المجروحین:1/362 وفیه (أمته من بعده..سبعین نبیاً أنا آخرهم)

وفی کتاب الخصال للصدوق/72:

أخبرنی الخلیل بن أحمد قال: أخبرنا ابن منیع قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا علی بن ثابت عن إسماعیل بن أبی إسحاق ، عن ابن أبی لیلی ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): صنفان من أمتی لیس لهما فی الإسلام نصیب: المرجئة والقدریة. انتهی.

ورواه فی ثواب الأعمال/212.وقال فی صحیفة الرضا/278: وبإسناده قال قال رسول الله 9: صنفان من أمتی لیس لهما فی الإسلام نصیب: المرجئة والقدریة. رواه فی ثواب الأعمال: 252 ح3 بالإسناد رقم 10 عنه البحار: 5-118 ح 52. ورواه الشیخ حسن بن سلیمان فی المختصر: 135 بالاسناد رقم 57 والکراجکی فی کنزه: 51 بالإسناد رقم 14 عنه البحار: 5-7 ح 8. ورواه الصدوق فی الخصال: 1-72 ح 110 بإسناده عن ابن عمر عن النبی 9 عنه البحار: 5-7 ح 7 .

وفی دعائم الإسلام:2/511:

وعنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: لا تجوز شهادة أهل الاهواء علی المؤمنین، قال أبو جعفر (علیه السّلام): لا تجوز شهادة حروری ، ولا قدری ومرجئ ، ولا أموی ، ولاناصب، ولا فاسق ، یعنی من باین بذلک وظهرت عداوته ونصبه ، فأما من کتم ذلک وأسره فظهر منه الخیر وکان عدلاً فی مذهبه ، جازت شهادته وعلی هذا العمل .

ص: 437

تعریف المرجئة ومذهبهم

قال النووی فی شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضی عیاض: اختلف الناس فیمن عصی الله من أهل الشهادتین فقالت المرجئة: لا تضره المعصیة ، وقالت الخوارج: تضره ویکفر بها ، وقالت المعتزلة: یخلد فی النار ، وقالت الأشعریة: بل هو مؤمن .

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

فی أن الله تعالی یعفو عن الکبائر. الإجماع منعقد علی أنه تعالی عفوٌّ ، وأن عفوه لیس فی حق الکافر بل فی حق المؤمنین ، فقالت المعتزلة: هو عفوٌّ عن الصغائر قبل التوبة ، وعن الکبائر بعدها. وقالت المرجئة: عفو عن الصغائر والکبائر مطلقاً !!

تفسیر الرازی:16 جزء 31/203:

قوله تعالی ( لا یَصْلاهَا إِلا الأَشْقَی ) إن المرجئة یتمسکون بهذه الآیة فی أنه لا وعید إلا علی الکفار ! قال القاضی: ولا یمکن إجراء هذه الآیة علی ظاهرها ، ویدل علی ذلک ثلاثة أوجه: أحدها أنه یقتضی أن لا یدخل النار إلا الأشقی الذی کذب وتولی . . . وثانیهما أن هذا إغراء بالمعاصی . . . وثالثهما . . . معلوم من حال الفاسق أنه لیس بأتقی . . . الخ .

وقال فی هامش بحار الأنوار:8/364:

ص: 438

الوعیدیة: فرقة من الخوارج یکفِّرون أصحاب الکبائر ، والکبیرة عندهم کفرٌ یخرج به عن الملة ، ویقابلهم المرجئة وهم یقولون: إنه لا یضر مع الإیمان معصیة ، کما لا ینفع مع الکفر طاعة ، ولیس العمل علی مذهبهم ، وإن کان من الإیمان. فعلیه معنی الارجاء تأخیر العمل عن النیة والعقد .

وروی فی الکافی:1/403:

محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علی بن الحکم ، عن الحکم بن مسکین ، عن رجل من قریش من أهل مکة قال: قال سفیان الثوری: إذهب بنا إلی جعفر بن محمد ، قال فذهبت معه إلیه فوجدناه قد رکب دابته ، فقال له سفیان: یا أبا عبد الله حدثنا بحدیث خطبة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مسجد الخیف ، قال: دعنی حتی أذهب فی حاجتی فإنی قد رکبت فإذا جئت

حدثتک ، فقال: أسألک بقرابتک من رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لما حدثتنی ، قال: فنزل فقال له سفیان: مر لی بدواة وقرطاس حتی أثبته ، فدعا به ثم قال: أکتب: بسم الله الرحمن الرحیم. خطبة رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی مسجد الخیف: نضر الله عبداً سمع مقالتی فوعاها ، وبلغها من لم تبلغه .

یا أیها الناس لیبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه لیس بفقیه ، ورب حامل فقه إلی من هو أفقه منه ، ثلاث لا یغلُّ علیهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، والنصیحة لأئمة المسلیمن ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محیطةٌ من ورائهم ، المؤمنون إخوة تتکافأ دماؤهم ، وهم ید علی من سواهم ، یسعی بذمتهم أدناهم .

فکتبه سفیان ثم عرضه علیه ، ورکب أبو عبد الله(علیه السّلام). وجئت أنا وسفیان ،

ص: 439

فلما کنا فی بعض الطریق قال لی: کما أنت حتی أنظر فی هذا الحدیث ، قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتک شیئاً لا یذهب من رقبتک أبداً !

فقال: وأی شئ ذلک ؟

فقلت له: ثلاث لا یغل علیهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله ، قد عرفناه ، والنصیحة لأئمة المسلمین ، من هؤلاء الأئمة الذین یجب علینا نصیحتهم ؟ معاویة بن أبی سفیان ویزید بن معاویة ومروان بن الحکم ؟ وکل من لاتجوز الصلاة خلفهم؟! وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأی الجماعة؟ مرجئ یقول:

من لم یصل ولم یصم ولم یغتسل من جنابة وهدم الکعبة ونکح أمه فهو علی إیمان جبرئیل ومیکائیل؟! أو قدری یقول: لا یکون ما شاء الله عز وجل ویکون ما شاء إبلیس ؟! أو حروری یتبرأ من علی بن أبی طالب ویشهد علیه بالکفر ؟! أو جهمی یقول إنما هی معرفة الله وحده لیس الإیمان شئ غیرها ؟!

قال: ویحک وأی شئ یقولون ؟!

فقلت یقولون: إن علی بن أبی طالب والله الإمام الذی وجب علینا نصیحته ، ولزوم جماعتهم: أهل بیته. قال: فأخذ الکتاب فخرَّقه ، ثم قال. لا تخبر بها أحداً .

المرجئة ولدوا من عهد الخلیفة عمر

رأینا کیف وسعت دولة الخلافة القرشیة شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )حتی شملت کل من یشهد بالتوحید فقط ولو لم یشهد بالنبوة . .

ثم وسعتها إلی جمیع الخلق ، کما تقدم من روایاتهم وکلام ابن تیمیة .

ثم استغنت عن شفاعة الأنبیاء جمیعاً ، وأوجبت الجنة بأعمال وکلمات

ص: 440

بسیطة .

ثم استغنت عن کل ذلک ، وقالت بفناء النار ونقل أهلها إلی الجنة !!

ولعل الخلیفة عمر وکعب الأحبار رائدی هذه الافکار ومن تابعهم علیها لم یلتفتوا إلی خطورتها الزائدة ، وأنها تمثل مشروعاً خطیراً لإسقاط کل المحرمات وتعویم الإیمان ، فی أمة نهضت بالإسلام والإیمان وأخذت تفتح بلاد الإمبراطوریة الفارسیة والرومانیة ، بلداً بعد آخر. . وهی بأمسِّ الحاجة إلی حفظ شخصیة جنودها وجدیتهم ، وعدم التساهل فی مفاهیم إیمانهم .

علی أی حال فالذی وقع فی حیاة الأمة ، أن هذه الأفکار بمساعدة فکرة الجبر وأن الله تعالی قد فرغ من الأمر وکتب کل شئ وانتهی الأمر ولا بداء . . سرعان ما أثمرت مذهبین عقائدیین موالیین للسلطة هما: المرجئة والقدریة ، وقد تبنتهما السلطة وأیدت علماءهما وهیأت لهم الظروف لنشر أفکارهم فی الأمة .

ویتلخص مذهب المرجئة بمقولتهم المشهورة (الإیمان لا تضر معه معصیة) فالإیمان عندهم مجرد القول بالشهادتین ، وبذلک یضمن الإنسان دخول الجنة مهما کان عمله !!

ویتلخص مذهب القدریة أو الجبریة: بأن مسؤولیة الإنسان عن أعماله وجرائمه محدودة أو منتفیة ، لأن الخیر والشر من الله تعالی ، وکل شئ مکتوب ومقدر منه تعالی !!

ومن الواضح أن هذین المذهبین هما نفس الأفکار والأحادیث التی رأیناها فی توسیع الشفاعة وتوسیع دخول الجنة ، لکن بصیغة ( ممذهبة ) .

ص: 441

کما أن أحدهما مکمل للآخر فی تخفیف مسؤولیة الإنسان ، لأن جوهرهما واحد وهو ( تعویم ) قانون العقوبة الإلهی ، بل تطمین الناس بأنه قد تم شطبه !!

وقد مر معنا فی بحث توسیعات الشفاعة ما رواه السیوطی فی الدر المنثور:2/116 عن البیهقی ، وادعاؤهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال لعمر: یا عمر إنک لا تسأل عن أعمال الناس ، ولکن تسأل عن الفطرة ! وهذا نفس ما یقوله المرجئة !

وفی سنن الترمذی:3/87:

أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سمع ذات یوم رجلاً یقول: الله أکبر الله أکبر ، فقال: علی الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله ، قال: خرجت من النار ! انتهی. ونحوه فی صحیح مسلم ج2/4 ومسند أحمد:3/241 وکنز العمال:8/366

بل وجدنا نفس تعبیر ( الإیمان لا تضر معه خطیئة ) فی عدة روایات فی مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص:2/170 قال: قال رسول الله (ص): من لقی الله لا یشرک به شیئاً لم تضره معه خطیئة ! انتهی .

وقال عنه فی مجمع الزوائد:1/19: رواه أحمد والطبرانی فی الکبیر ورجاله رجال الصحیح ماخلا التابعی فإنه لم یسم ، ورواه الطبرانی فجعله من روایة مسروق عن عبد الله بن عمرو. وقال فی کنز العمال:1/81 إنه صحح ! انتهی .

ومصدر ابن عمرو إما أن یکون الخلیفة عمر ، وإما أن یکون أخذه من أحادیث (العِدْلَیْن) أی الکیسین الکبیرین اللذین أخذهما بعد معرکة

ص: 442

الیرموک من الشام من رایات الیهود وکتبهم، وکان یحدث المسلمین منهما!

أول من تصدی لمذهب المرجئة علی (علیه السّلام)

روی الصدوق فی علل الشرائع:2/602:

حدثنا الحسین بن أحمد(رحمه الله)عن أبیه عن محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو عبد الله الرازی ، عن علی بن سلیمان بن راشد ، بإسناده رفعه إلی أمیر المؤمنین(علیه السّلام)قال: یحشر المرجئة عمیاناً ، إمامهم أعمی ، فیقول بعض من یراهم من غیر أمتنا: ماتکون أمة محمد إلا عمیاناً ! فأقول لهم: لیسوا من أمة محمد ، لانهم بدَّلوا فبدل ما بهم ، وغیَّروا فغیر ما بهم .

وروی فی الخصال/611:

حدثنا أبی (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنی محمد بن عیسی بن عبید الیقطینی ، عن القاسم بن یحیی ، عن جده الحسن بن راشد ، عن أبی بصیر ومحمد بن مسلم ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: حدثنی أبی عن جدی عن آبائه (علیهم السّلام) أن أمیر المؤمنین (علیه السّلام) علم أصحابه فی مجلس واحد أربع مائة باب مما یصلح للمسلم فی دینه ودنیاه .

قال(علیه السّلام): إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل ، والطیب فی الشارب من أخلاق النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکرامة الکاتبین، والسواک من مرضات الله عز وجل وسنة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومطیبة للفم ، والدهن یلین البشرة ویزید فی الدماغ ویسهل مجاری الماء ویذهب بالقشف ویسفر اللون ، وغسل الرأس یذهب بالدرن وینفی القذاء، والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والانف ، والسعوط مصحة للرأس وتنقیة للبدن وسائر أوجاع الرأس ، والنورة نشرة وطهور

ص: 443

للجسد ، واستجادة الحذاء وقایة للبدن وعون علی الطهور والصلاة . وتقلیم الاظفار یمنع الداء الأعظم . . . الخ .

وهو حدیث طویل فیه تعلیمات هامة دینیة ودنیویة ، وقد جاء فیه عن المرجئة: علموا صبیانکم ما ینفعهم الله به ، لا تغلب علیهم المرجئة برأیها... انتهی .

وقال فی هامشه: قال العلامة المجلسی(رحمه الله): إعلم أن أصل هذا الخبر فی غایة الوثاقة والإعتبار علی طریقة القدماء ، وإن لم یکن صحیحاً بزعم المتأخرین ،

واعتمد علیه الکلینی(رحمه الله)وذکر أکثر أجزائه متفرقة فی أبواب الکافی ، وکذا غیره من أکابر المحدثین .

أقول: عدم صحة السند عند المتأخرین لمقام القاسم بن یحیی ، والظاهر أن أصل الروایة فی کتابه ، قال الشیخ فی الفهرست: القاسم بن یحیی الراشدی له کتاب فیه آداب أمیر المؤمنین(علیه السّلام)، والراشدی نسبة إلی جده الحسن بن راشد البغدادی مولی المنصور الدوانیقی الذی کان وزیراً للمهدی وموسی وهارون الرشید. قال ابن الغضائری: ضعیف. وقال البهبهانی فی التعلیقة: لا وثوق بتضعیف ابن الغضائری إیاه ، وروایة الاجلة سیما مثل أحمد بن محمد بن عیسی عنه تشیر إلی الاعتماد علیه ، بل

الوثاقة وکثرة روایاته والافتاء بمضمونها یؤیده. ویؤید فساد کلام ابن الغضائری فی المقام ، عدم تضعیف شیخ من المشایخ العظام الماهرین بأحوال الرجال إیاه ، وعدم طعن من أحد ممن ذکره فی ترجمته وترجمة جده وغیرها ، والعلامة(رحمه الله) تبع ابن الغضائری بناء علی جواز عثوره علی مالم یعثروا علیه ، وفیه ما فیه.

ص: 444

انتهی. ورواه ابن شعبة الحرانی مرسلاً فی تحف العقول/104

هذا وقد صرح القاضی النعمانی المغربی المتوفی سنة 363 بأن اسم المرجئة أول ما أطلق علی المتخلفین عن بیعة علی(علیه السّلام)ونصرته علی الفئة الباغیة ، وهو یدل علی أن بعض الصحابة تمسکوا بفکرة کعب وعمر التی تکتفی لدخول الجنة بالتوحید بدون عمل ، فیکون مذهب المرجئة قد تمت ولادته بعد وفاة عمر بقلیل وفی حیاة کعب الأحبار !

قال القاضی النعمانی فی شرح الأخبار:2/82:

فأما المتخلفون عن الجهاد مع علی صلوات الله علیه ، وقتال من نکث بیعته ومن حاربه وناصبه ، فإنه تخلف عنه فی ذلک من المعروفین من الصحابة: سعد بن أبی وقاص وکان أحد الستة الذین سماهم عمر للشوری ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، ومحمد بن سلمة ، واقتدی بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه ، ولم یشهدوا شیئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم

اقتدوا، وذهب إلی ذلک من رأیهم جماعة من الناس وصوبوهم فیه وذهبوا إلی ما ذهبوا إلیه ، فقالوا فی الفریقین فی علی(علیه السّلام)ومن قاتل معه وفی الذین حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفریقین: إنهم یخافون علیهم العذاب ویرجون لهم الخلاص والثواب ، ولم یقطعوا علیهم بغیر ذلک وتخلفوا عنهم. والإرجاء فی اللغة التأخیر فسموا مرجئة لتأخیرهم القول فیهم ، وتأخرهم عنهم ولم یقطعوا علیهم بثواب ولا عقاب، لأنهم زعموا أنهم کلهم موحدون ولا عذاب عندهم علی من قال: لا إله إلا الله ، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فکان هذا أصل الإرجاء ثم تفرق

ص: 445

أهله فرقاً إلی الیوم یزیدون علی ذلک من القول وینقصون. انتهی .

وقال فی شرح الأخبار:1/365:

ثم هذه الفرق التی ذکرناها تتشعب ویحدث فی أهلها الإختلاف إلی الیوم وأصلها ست فرق: شیعة وعامة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وحشویة .

فالشیعة: هم شیعة علی صلوات الله علیه القائلون بإمامته ، وهم أقدم الفرق وأصلها الذی تفرعت عنه ، ورسول الله صلوات الله علیه وآله سماها بهذا الاسم. وقال: شیعة علیٍّ هم الفائزون. وقال لعلی(علیه السّلام): أنت وشیعتک . . فی آثار کثیرة رویت عنه. وسنذکر فی هذا الکتاب ما یجری ذکره إن شاء الله تعالی. وغیر ذلک من الفرق محدثةٌ أحدثت بعد النبی صلوات الله علیه وآله. انتهی .

ویدل النصان التالیان علی وجود المرجئة علی شکل مذهب متکامل فی عصر الإمام الباقر(علیه السّلام)المتوفی سنة 94 هجریة ، أی فی الجیل الأول من التابعین بعد الصحابة مباشرة .

قال الصدوق فی ثواب الأعمال/213:

وحدثنی محمد بن موسی بن المتوکل قال: حدثنی محمد بن جعفر قال: حدثنی أحمد بن محمد العاصمی قال: حدثنی علی بن عاصم الهمدانی ، عن محمد بن عبد الرحمن المحرری ، عن یحیی بن سالم ، عن محمد بن سلمة ، عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال: ما اللیل باللیل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة بالیهود ، ولا من القدریة بالنصرانیة .

وفی علل الشرائع:2/528:

ص: 446

وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد، عن ابن عیسی، عن عثمان بن سعید قال: حدثنا عبدالکریم الهمدانی، عن أبی ثمامة قال: دخلت علی أبی جعفر(علیه السّلام) وقلت له: جعلت فداک إنی رجل أرید أن ألازم مکة وعلیَّ دینٌ للمرجئة فما تقول ؟ قال: قال إرجع ( وأد ) دینک وانظر أن تلقی الله تعالی ولیس علیک دین ، فإن المؤمن لا یخون. انتهی .

أما فی عصر الإمام الصادق(علیه السّلام)وما بعده فقد کان للمرجئة وجودٌ واسع وصولةٌ ، وانتشر مذهبهم حتی شمل أکثر الرواة وعلماء الدولة..کما اتسع تصدی أهل البیت (علیهم السّلام) لأفکارهم ، ففی دعائم الإسلام للقاضی النعمان: 1/3 قال: روینا عن جعفر بن محمد أنه قال: الإیمان قول باللسان وتصدیق بالجنان وعمل بالأرکان، وهذا الذی لا یصح غیره، لا کما زعمت المرجئة أن الإیمان قولٌ بلا عمل ، ولا کالذی قالت الجماعة من العامة إن الإیمان قولٌ وعملٌ فقط ، وکیف یکون ما قالت المرجئة إنه قول بلا عمل وهم والأمة مجمعون علی أن من ترک العمل بفریضة من فرائض الله عز وجل التی افترضها علی عباده منکراً لها أنه کافر حلال الدم ما کان مصراً علی ذلک ، وإن أقر بالله ووحده وصدق رسوله بلسانه ، إلا أنه یقول هذه الفریضة لیست مما جاء به ، وقد قال الله عز وجل: وَیْلٌ لِلْمُشْرِکِینَ أَلَّذِینَ لا یُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ بِالآخرة هُمْ کَافِرُونَ ، فأخرجهم من الإیمان بمنعهم الزکاة ، وبذلک استحل القوم أجمعون بعد رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )دماء بنی حنیفة وسبی ذراریهم ، وسموهم أهل الردة إذ منعوهم الزکاة. انتهی .

قال الکلینی فی الکافی:2/40:

ص: 447

محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن الأشعث بن محمد ، عن محمد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السّلام)یقول: وسأله رجل عن قول المرجئة فی الکفر والإیمان ، وقال إنهم یحتجون علینا ویقولون کما أن الکافر عندنا هو الکافر عند الله ، فکذلک نجد المؤمن إذا

أقر بإیمانه أنه عند الله مؤمن ! فقال: سبحان الله وکیف یستوی هذان ؟! والکفر إقرارٌ من العبد ، فلا یکلف بعد إقراره ببینة ، والإیمان دعوی لا یجوز إلا ببینة ، وبینته عمله ونیته ، فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن. والکفر موجود بکل جهة من هذه الجهات الثلاث من نیة أو قول أو عمل ، والأحکام تجری علی القول والعمل، فما أکثر من یشهد له المؤمنون بالإیمان ویجری علیه أحکام المؤمنین وهو عند الله کافر ، وقد أصاب من أجری علیه أحکام المؤمنین بظاهر قوله وعمله .

وقال فی الایضاح/44:

ومنهم المرجئة الذین یروی عنهم أعلامهم مثل إبراهیم النخعی وإبراهیم بن یزید التیمی ، ومن دونهما مثل سفیان الثوری وابن المبارک ووکیع وهشام وعلی بن عاصم ، عن رجالهم أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: صنفان من أمتی لیس لهما فی الإسلام نصیب: القدریة والمرجئة. فقیل له: ما المرجئة قالوا: الذین یقولون: الإیمان قول بلا عمل. وأصل ما هم علیه أنهم یدینون بأن أحدهم لو ذبح أباه وأمه وابنه وبنته وأخاه وأخته وأحرقهم بالنار أو زنی أو سرق أو قتل النفس التی حرم الله أو أحرق المصاحف أو هدم الکعبة أو نبش القبور أو أتی أی کبیرة نهی الله عنها . . أن ذلک لا یفسد علیه إیمانه ولا یخرجه

ص: 448

منه ، وأنه إذا أقر بلسانه بالشهادتین أنه مستکمل الإیمان إیمانه کإیمان جبرئیل ومیکائیل صلی الله علیهما ، فعل ما فعل وارتکب ما ارتکب ما نهی الله عنه !

ویحتجون بأن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: أمرنا أن نقاتل الناس حتی یقولوا: لا إله إلا الله. وهذا قبل أن یفرض سائر الفرائض وهو منسوخ. وقد روی محمد بن الفضل ، عن أبیه ، عن المغیرة بن سعید ، عن أبیه ، عن مقسم ، عن سعید بن جبیر قال: المرجئة یهود هذه الأمة. وقد نسخ احتجاجهم قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) حین قال: بنی الإسلام علی خمس: شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإیتاء الزکاة ، وحج البیت ، وصوم شهر رمضان.

کان المرجئة خداماً لبنی أمیة ومبررین لجرائمهم

الکافی:2/409:

محمد بن یحیی ، عن أحمد بن محمد ، عن مروک بن عبید ، عن رجل ، عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: لعن الله القدریة ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة ، لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتین !

قال: إن هؤلاء یقولون: إن قتلتنا مؤمنون ! فدماؤنا متلطخة بثیابهم إلی یوم القیامة ، إن الله حکی عن قوم فی کتابه: لن نؤمن لرسول حتی یأتینابقربان تأکله النار ، قل قد جاءکم رسل من قبلی بالبینات وبالذی قلتم فلم قتلتموهم إن کنتم صادقین . . قال کان بین القاتلین والقائلین خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا. انتهی .

ص: 449

ومعنی کلام الإمام الصادق(علیه السّلام): أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسین (علیه السّلام)مؤمنون من أهل الجنة ولا یعاقبون علی جریمتهم ! وبذلک صار المرجئة شرکاءلبنی أمیة فی الجریمة ، لأن من رضی بعمل قوم فقد شرکهم فیه !

ویدل النص التالی علی أن المرجئة کانوا یجادلون المعارضین لبنی أمیة لیأخذوا علیهم مستمسکاً للخلیفة لکی یضطهدهم !

- وقال الکلینی فی الکافی:8/270:

عن عبد الحمید بن أبی العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأیت مولی لابی عبد الله(علیه السّلام)فملت إلیه لأسأله عن أبی عبدالله ، فإذا أنا بأبی عبد الله ساجداً فانتظرته طویلاً فطال سجوده علیَّ ، فقمت وصلیت رکعات وانصرفت وهو بعد ساجد ، فسألت مولاه متی سجد ؟ فقال: قبل أن تأتینا ، فلما سمع کلامی رفع رأسه ثم قال: أبا محمد أدن منی فدنوت منه فسلمت علیه ، فسمع صوتاً خلفه فقال: ما هذه الاصوات المرتفعة ؟ فقلت: هؤلاء قوم من المرجئة والقدریة والمعتزلة ، فقال: إن القوم یریدونی فقم بنا ، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم:

کفوا أنفسکم عنی ولا تؤذونی وتعرضونی للسلطان ، فإنی لست بمفت لکم ، ثم أخذ بیدی وترکهم ومضی ، فلما خرج من المسجد قال لی یا أبا محمد والله لو أن إبلیس سجد لله عز ذکره بعد المعصیة والتکبر عمر الدنیا ما نفعه ذلک ولا قبله الله عز ذکره ما لم یسجد لادم ، کما أمره الله عز وجل أن یسجد له .

وکذلک هذه الأمة العاصیة المفتونة بعد نبیها(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبعد ترکهم الإمام الذی نصبه نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لهم فلن یقبل الله تبارک وتعالی لهم عملاً ، ولن یرفع لهم

ص: 450

حسنة حتی یأتوا الله عز وجل من حیث أمرهم، ویتولوا الإمام الذی أمروا بولایته ویدخلوا من الباب الذی فتحه الله عز وجل ورسوله لهم .

یا أبا محمد إن الله افترض علی أمة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )خمس فرائض: الصلاة والزکاة والصیام والحج وولایتنا، فرخص لهم فی أشیاء من الفرائض الأربعة ، ولم یرخص لاحد من المسلمین فی ترک ولایتنا ، لا والله مافیها رخصة .

تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة فی الإرجاء

للمرجئة فی المذاهب الأربعة وفی الصحاح الستة مکانةٌ محترمةٌ حتی أن بعض أئمة المذاهب أنفسهم اتهموا بأنهم مرجئة..قال فی هامش کتاب المجروحین: 3/63: هناک تعلیقات کثیرة علی المخطوطة هاجمت ابن حبان لتحامله علی أبی حنیفة ، ومما هوجم من أجله والد أبی حنیفه بأنه کان خبازاًواعتبر المعلق ذلک غیبة تخرج عن حد الرأی فی المحدث .

ونشیر هنا إلی أن جد أبی حنیفة کان أحد أمراء بلاد الافغان ( مرزبان ) واختلفت أقوال حفیده فی مسألة أسر جده ثم عتقه ، قال أحدهما: والله ما وقع لنا رقٌّ قط .

یراجع الإمام الاعظم: اتهام أبی حنیفة بالإرجاء وأنه داعیة إلی البدع ، غیر مقبول من ابن حبان ومن شارکه هذا القول علی إطلاقه ، ونلخص القول فی ذلک بما جاء فی کتاب اللکنوی ( الرفع والتکمیل 154 ):

جملة التفرقة بین اعتقاد أهل السنة وبین اعتقاد المرجئة: أن المرجئة یکتفون فی الإیمان بمعرفة الله ونحوه ویجعلون ما سوی الإیمان من الطاعات وما سوی الکفر من المعاصی غیر مضرة ولا نافعة ویتشبثون بظاهر حدیث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة .

ص: 451

وأهل السنة یقولون: لا تکفی فی الإیمان المعرفة ، بل لا بد من التصدیق الإختیاری مع الإقرار اللسانی ، وأن الطاعات مفیدة والمعاصی مضرة مع الإیمان توصل صاحبها إلی دار الخسران .

والذی یجب علمه علی العالم المشتغل بکتب التواریخ وأسماء الرجال أن (یعرف أن ) الإرجاء یطلق علی قسمین: أحدهما الارجاء الذی هو ضلال. وثانیهما الإرجاء الذی لیس بضلال ، ولا یکون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجاً .

ولهذا ذکروا أن المرجئة فرقتان: مرجئة الضلالة ، ومرجئة أهل السنة. وأبو حنیفة وتلامذته وشیوخه وغیره من الرواة الإثبات إنما عدوا من مرجئة أهل السنة لا من مرجئة الضلالة .

ثم یقول أیضاً فی ختام مناقشته لهذا الموضوع 161: وخلاصة المرام فی هذا المقام أن الإرجاء: قد یطلق علی أهل السنة والجماعة من مخالفیهم المعتزلة الزاعمین بالخلود الناری لصاحب الکبیرة ، وقد یطلق علی الأئمة القائلین بأن الأعمال لیست بداخلة فی الإیمان وبعدم الزیادة فیه والنقصان - وهو مذهب أبی حنیفه وأتباعه - من جانب المحدثین القائلین بالزیادة والنقصان وبدخول الأعمال فی الإیمان . وهذا النزاع وإن کان لفظیاً کما حققه المحققون من الأولین والآخرین لکنه لما طال وآل الأمر إلی بسط کلام الفریقین من المتقدمین والمتأخرین، أدی ذلک إلی أن أطلقوا الإرجاء علی مخالفیهم وشنعوا بذلک علیهم ، وهو لیس بطعن فی الحقیقه ، علی ما لا یخفی علی مهرة الشریعة .

أقول: إذا عرفت هذا علمت أن قول ابن حبان فی إطلاقه الإرجاء علی أبی

ص: 452

حنیفة وأصحابه فیه اتهام غیر محدد وتعمیة تضلل الباحث ، وهو یقصد إلی ذلک قصداً ما کان یجدر به أن یقع فی مثل ذلک. انتهی .

ولا کلام لنا فی دفاعهم عن نسب أبی حنیفة وحسبه ، فقد کان علی أتباعه أن یجعلوه من ملوک الأفاغنة وأبناء المرازبة أو الأکاسرة ، حتی یواجهوا به مذهب أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ونسبهم الشامخ من عَلْیَا قریش وذروة بنی هاشم. .

ولکنا نسأل: من أین جاؤوا بهذا التقسیم للمرجئة إلی مرجئة من أهل السنة ومرجئة ضلالة ، وحکموا بأن أبا حنیفة من النوع الجید لا الردئ .. ! فما هو الفرق العلمی والعقائدی بین هذین النوعین حتینقبل الجید ونترک الردئ؟!

وهل یکفی التخلص اللفظی من مذهب المرجئة بمثل قول اللکنوی المتقدم بأن مذهب أهل السنة (أن الطاعات مفیدة والمعاصی مضرة مع الإیمان توصل صاحبها إلی دار الخسران) مع أن الأحادیث التی تشبث بها المرجئة علی حد تعبیره ثابتة وصحیحة عندهم !

تورُّط أصحاب الصحاح الستة فی الارجاء

أما إذا نظرت إلی الصحاح فیأخذک العجب عندما تجد نسبةً کبیرةً من رواتها المحترمین مرجئة !! وهو موضوع یحتاج إلی دراسة مستقلة ولا یتسع المجال لأکثر من إشارة إلی بعضهم :

فمنهم: الفأفاء، وهو رأس فی المرجئة متعصب لبنی أمیة مبغض لعلی (علیه السّلام) بل مبغض للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! وکان یقرأ لخلفاء بنی أمیة القصائد فی هجاء النبی ! وقد قتله العباسیون فی ثورتهم .. ومع ذلک فهو معتمدٌ عند ابن المدینی شیخ

ص: 453

البخاری ویقول عنه قتل مظلوماً ، ومعتمدٌ عند البخاری فقد روی عنه فی الأدب المفرد وکذلک عند مسلم والنسائی وابن ماجة والترمذی وأبی داود! قال فی تهذیب التهذیب:3/83: خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغیرة المخزومی أبو سلمة ، ویقال أبو المقسم المعروف بالفأفاء الکوفی ، أصله حجازی ، روی عن عبدالله البهی وعیسی وموسی ابنی طلحة بن عبید الله ، وسعید بن المسیب وأبی بردة بن أبی موسی والشعبی وغیرهم. وعنه أولاده عکرمة ومحمد وعبد الرحمن، والسفیانان ، وشعبة، ومسعر ، وزائدة، وزکریاء بن أبی زائدة وابنه یحیی بن زکریاء، وحماد بن زید، وغیرهم.. وحدث عنه عمرو بن دینار ، ویحیی بن سعید الأنصاری ، وهما أکبر منه .

قال البخاری عن ابن المدینی له نحو عشرة أحادیث .

وقال أحمد وابن معین وابن المدینی ثقة ، وکذا قال ابن عمار ویعقوب بن شیبة والنسائی .

وقال أبو حاتم شیخ یکتب حدیثه .

وقال ابن عدی: هو فی عداد من یجمع حدیثه ، ولا أری بروایته بأساً .

وذکره ابن حبان فی الثقات .

وقال ابن سعد: هرب من الکوفة إلی واسط لما ظهرت دعوة بنی العباس ، فقتل مع ابن هبیرة .

وقال محمد بن حمید عن جریر: کان الفأفأ رأساً فی المرجئة ، وکان یبغض علیاً .

وقال یعقوب بن شیبة: یقال إن بعض الخلفاء قطع لسانه ثم قتله ، ذکره علی بنالمدینی یوماً فقال: قتل مظلوماً .

ص: 454

وقال أبو داود عن الحسن بن علی الخلال: سمعت یزید بن هارون یقول دخلت المسودة واسط سنة 132 فنادی منادیهم بواسط: الناس آمنون إلا ثلاثة: العوام بن حوشب ، وعمر بن ذر ، وخالد بن سلمة المخزومی. فأما خالد فقتل ، وأما العوام فهرب وکان یحرض علی قتالهم ، وکان عمر بن ذر یقص بهم ویحرض علی قتالهم عندنا بواسط. له عند مسلم حدیث واحد .

قلت: وقع فی صحیح البخاری ضمناً حیث قال فی الحیض وقالت عائشة کان رسول الله(ص)یذکر الله علی کل أحیانه ، فإن مسلماً أخرجه من طریق خالد بن سلمة .

هذا وذکر ابن المدینی فی العلل الکبری أن الفأفاء لم یسمع من عبد الله بن عمر ، وذکر ابن عائشة: أنه کان ینشد بنی مروان الأشعار التی هجی بها المصطفی (ص)!!. انتهی .

ومنهم: الحمانی ، الذی روی عنه البخاری ومسلم وأبو داود والترمذی وابن ماجة . . قال فی تهذیب التهذیب:6/109: عبد الحمید بن عبد الرحمن الحمانی أبو یحیی الکوفی

ولقبه بشمین . أصله خوارزمی . روی عن یزید بن أبی بردة ، والأعمش ، والسفیانین ، وأبی حنیفة وجماعة . وعنه أبو بکر ومحمد بن خلف الحدادی ، والحسن بن علی الخلال ، وأحمد بن عمر الوکیعی ، وأبو کریب ، وموسی بن عبد الرحمن المسروقی ، وأبو بکر وعثمان ابنا أبی شیبة ، وسفیان بن وکیع ، والحسین بن یزید الکوفی ، ومحمد بن عبد بن ثعلبة، ویحیی بن موسی خت، وعمرو بن علی الفلاس ، وأبو سعید الأشج ، والحسن بن علی بن عفان العامری ، وغیرهم. قال ابن

ص: 455

معین: ثقة .

وقال أبو داود: کان داعیة فی الإرجاء !!

وقال النسائی: لیس بقوی ، وقال فی موضع آخر: ثقة ، وذکره ابن حبان فی الثقات. وقال ابن عدی: هو وابنه ممن یکتب حدیثه. قال هارون الحمال مات سنة اثنتین ومائتین. قلت: وفیها أرخه ابن قانع وزاد فی جمادی الأولی وهو ثقة .

وقال ابن سعد وأحمد: کان ضعیفاً. وقال العجلی: کوفی ضعیف الحدیث مرجئ. وقال البرقی: قال ابن معین: کان ثقة ، ولکنه ضعیف العقل !.انتهی .

ومنهم: شعیب بن اسحاق مولی بنی أمیة الذی روی عنه البخاری ومسلم وأبو داود والنسائی وابن ماجة . . قال فی تهذیب التهذیب:4/304: شعیب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقی الأموی ، مولی رملة بنت عثمان ، أصله من البصرة. روی عن أبیه وأبی حنیفة وتمذهب له ، وابن جریج والأوزاعی ، وسعید بن أبی عروبة ، وعبید الله بن عمرو ، وهشام بن عروة ، والثوری وغیرهم. وعنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعیب ، وداود بن رشید ، والحکم بن موسی ، وأبو النضر الفرادیسی ، وعمرو بن عون ، وإبراهیم بن موسی الرازی ، وإسحاق بن راهویه ، وسوید بن سعید ، وأبو کریب محمد بن العلاء ، وهشام بن عمار ، وغیرهم.

وحدث عنه اللیث بن سعد ، وهو فی عداد شیوخه .

قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حدیثه وأوثقه.

وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ ، سمعت أحمد یقول: سمع من سعید بن

ص: 456

أبیعروبة بآخر رمق .

وقال هشام بن عمار عن شعیب: سمعت من سعید سنة 144 وقال ابن معین ودحیم والنسائی: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال الولید بن مسلم: رأیت الأوزاعی یقربه ویدنیه .

قال دحیم: ولد سنة 18 ومات سنة 189 وکذا أرخه ابن مصفی وزاد فی رجبوفیها أرخه غیر واحد . ووقع فی الکمال سنة 98 وهو وهم .

قلت: وفی سنة 89 أرخه ابن حبان فی الثقات ، ونقل أبو الولید الباجی عن أبی حاتم قال: شعیب ابن اسحاق ثقة مأمون. انتهی .

ومنهم: الغنوی الذی روی عنه مسلم والأربعة..قال فی تهذیب التهذیب: 1/411: بشیر بن المهاجر الغنوی الکوفی ، رأی أنس بن مالک ، وروی عن عبد الله بن بریدة والحسن البصری وعکرمة وغیرهم. وعنه ابن المبارک ، ووکیع ، وابن نمیر ، والثوری ، وجعفر بن عون ، وأبو نعیم ، وخلاد بن یحیی ، وغیرهم... وقال العجلی: کوفی ثقة ، وقال العقیلی: مرجئ متهم متکلم فیه. وقال الساجی: منکر الحدیث عنده. انتهی .

وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض علی أصحاب الصحاح فقال فی الإیضاح /502: ومن جهة أخری تروون عن المرجئة ویروون عنکم وتروون عن القدریة ویروون عنکم وتروون عن الجهمیة ویروون عنکم فتقبلون منهم بعض أقاویلهم وتردون علیهم بعضها ، فلا الحق أنتم منه علی ثقة ، ولا الباطل أنتم منه علی یقین وأنتم عند أنفسکم أهل السنة والجماعة

ص: 457

حب المستشرقین للمرجئة وحزنهم علیهم

قال الدکتور حسن إبراهیم فی کتابه تاریخ الإسلام:1/416 عن المرجئة:

وهی طائفة المرجئة التی ظهرت فی دمشق حاضرة الأمویین بتأثیر بعض العوامل المسیحیة خلال النصف الثانی من القرن الأول الهجری .

وقد سمیت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخیر ، لأنهم یرجئون الحکم علی العصاة من المسلمین إلی یوم البعث. کما یتحرجون عن إدانة أی مسلم مهما کانت الذنوب التی اقترفها... .

وهؤلاء هم فی الحقیقة کتلة المسلمین التی رضیت حکم بنی أمیة ، مخالفین فی ذلک الشیعة والخوراج. ومع هذا فإنهم یتفقون فی العقیدة إلی حد ما مع طائفة المحافظین وهی أهل السنة ، وإن کانوا - کما یری فون کریمر - قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنیین باعتقادهم ( أنه لا یخلد مسلم مؤمن فی النار ) وعلی العموم فهم یضعون العقیدة فوق العمل .

وکانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموی ومن یلوذ به ، بحیث لا یستطیع أحد من الشیعیین أو الخوارج أن یعیش بینهم ، فی الوقت الذی تمکن فیه المسیحیون وغیرهم من المسلمین أن ینالوا الحظوة لدیهم ، أو یشغلوا المناصب العالیة !. انتهی .

ویمکنک ملاحظة التناقض بین ما ذکره الدکتور والمستشرقون عن تقوی المرجئة وتحرجهم عن إدانة أی مسلم مهما کانت الذنوب التی اقترفها وحکمهم علیه بأنه من أهل الجنة بحکم عقیدتهم ،وبین تقواهم فی أنهم

ص: 458

کانوا یتعایشون مع الحکام الأمویین والنصاری والیهود ولا یتعایشون مع من خالفهم من المسلمین .

ولعل السبب فی ذلک أن الحکام الأمویون أساتذتهم فی عملیة إسقاط المحرمات، بینما الیهود والنصاری أساتذتهم فی نظریة إسقاط المحرمات !!

ثم قال الدکتور حسن إبراهیم:

وبزوال الدولة الأمویة أفل نجم طائفة المرجئة ولم تصبح بعد حزباً مستقلاً ، ومع ذلک فقد ظهر من بینهم أبو حنیفة صاحب المذهب المشهور. انتهی .

ولکن حکمه بزوال المرجئة مع أسیادهم الأمویین غیر دقیق ، لانهم سقطوا سیاسیاً لا ثقافیاً ، فقد بقیت أفکارهم وروایاتهم وعقائدهم فی مصادر المسلمین..ویکفی دلیلاً علی ذلک اتهام أبی حنیفة وغیره بأنهم منهم..فإن خط المرجئة عاد إلی النفوذ والحکم بقرار من الدولة العباسیة لکی تواجه به أهل البیت (علیهم السّلام)

غایة الأمر أن اسمهم صار الأشعریة والحنابلة وأهل الحدیث وأهل السنة ، فإن أکثریة هؤلاء من المرجئة !

ویکفی دلیلاً علی ذلک أن کبار علمائهم لا یستطیعون التفریق بین رأیهم فی الشفاعة وبین رأی المرجئة ، وأن إطاعتهم للعباسیین کإطاعة المرجئة للأمویین !

بل یمکن القول إنه بعد زوال العباسیین وکثیر من الفرق لم ینته المرجئة ، لأن أساس مذهبهم ومنبع أفکارهم الأحادیث التی دخلت الصحاح کما رأیت ، ومن أراد أن یأخذ بها ویلتزم بلوازمها فلا بد له أن یکون مرجئاً ویقول بسقوط المحرمات عملیاً ، ویکتفی بالشهادتین کما مر فی توسیع

ص: 459

الشفاعة !!

وأخیراً فقد نقل الدکتور المذکور تأسف المستشرق فون کریمر علی ضیاع تاریخ المرجئة بعد زوالهم قال فی:1/418:

ویقول فون کریمر: ومما یؤسف له کثیراً أنه لیس لدینا غیر القیل من الأخبار الصحیحة عن هذه الطائفة ، فقد استمروا طوال ذلک العصر وذاقوا حلوه ومره ، وقد ضاعت جمیع المصادر التاریخیة العربیة عن الأمویین ، حتی أن أقدم المصادر التاریخیة التی وصلت إلینا إنما ترجع إلی عهد العباسیین ، ومن ثَمَّ کان لزوماً علینا أن نستقی معلوماتنا عن المرجئة من تلک الشذرات المبعثرة فی مؤلفات کتاب العرب فی ذلک العصر الثانی. انتهی .

وهو تأسف ظاهره علمی وواقعه البکاء علی المرجئة لما اشتهر عنهم وعن الأمویین من تفضیلهم التعایش مع المسیحیین والیهود علی التعایش مع من خالفهم من المسلمین..وهو تأسف یجعلنا نلمس صدق قول الإمام محمد الباقر(علیه السّلام)عن المرجئة بأنهم أشبه بالیهود من اللیل باللیل ، وذلک لجرأتهم علی إسقاط قانون العقوبة الالهی ، وقولهم إن المسلم مهما ارتکب من جرائم فلن تمسه النار حتی أیاماً معدودة ، فلیس غریباً أن یحبهم ویتأسف علیهم المستشرقون من الیهود والنصاری !

ص: 460

المرجئة والجبریة شقیقان لاب وأم

مع أن مذهب المرجئة مذهبٌ فی الثواب والعقاب ولا علاقة له بالقضاء والقدر والجبر والتفویض..ومع أن النسبة بین المرجئة وبین القدریة والمفوضة عمومٌ من وجه ، لأن المرجئ فی الأعمال قد یکون مفوضاً أو قدریاً ، کما أن القدری والمفوض قد یکون مرجئاً أو غیر مرجئ. .

ولکن ذلک کله فی مقام الإثبات والنظریة ، أما فی مقام الثبوت والتطبیق فالأعم الأغلب فی المرجئة أنهم قدریة جبریة ، والسبب فی ذلک أن الأحادیث التی استندوا إلیها فی القول بالإرجاء أو ( تشبثوا ) بها علی حد تعبیر اللکنوی رافقتها أحادیث الجبر التی تنسب أفعال الإنسان إلی الله تعالی وتحمله مسؤولیتها ، لکی ترفعها عن الإنسان ، کما رأیت فی أحادیث توسیع الشفاعة وفناء النار !

وبما أن مسائل القضاء والقدر متعددة ، لذا نکتفی هنا بإعطاء تصور کلی عنها لیتضح ارتباطها بموضوع الشفاعة والإرجاء فنقول:

ورد تعریف القدر الإلهی فی نص بدیع عن الإمام الرضا(علیه السّلام)بأنه ( الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء ) کما سیأتی. وقد وقع الخلاف بین المسلمین فی مسائله العدیدة ، وتکونت علی أساس آرائهم مذاهبهم العقائدیة .

قال السید الطباطبائی فی هامش الکافی:1/157:

واعلم أن البحث عن القضاء والقدر کان فی أول الأمر مسألة واحدة ثم تحول ثلاث مسائل أصلیة الأولی: مسألة القضاء وهو تعلق الإرادة الإلهیة

ص: 461

الحتمیة بکل شئ والأخبار تقضی فیها بالإثبات ...

الثانیة: مسألة القدر وهو ثبوت تأثیر ماله تعالی فی الأفعال والأخبار تدل فیها أیضاً علی الإثبات .

الثالثة: مسألة الجبر والتفویض والأخبار تشیر فیها إلی نفی کلا القولین وتثبت قولاً ثالثاً وهو الأمر بین الأمرین لا ملکاً لله فقط من غیر ملک للإنسان ولا بالعکس بل ملکاً فی طول ملک وسلطنة فی ظرف سلطنة .

واعلم أیضاً أن تسمیة هؤلاء بالقدریة مأخوذة مما صح عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )( إن القدریة مجوس هذه الأمة الحدیث ) فأخذت المجبرة تسمی المفوضة بالقدریة لأنهم ینکرون القدر ویتکلمون علیه والمفوضة

تسمی المجبرة بالقدریة لأنهم یثبتون القدر. والذی یتحصل من أخبار أئمة أهل البیت (علیهم السّلام) أنهم یسمون کلتا الفرقتین بالقدریة ویطلقون الحدیث النبوی علیهما .

أما المجبرة فلانهم ینسبون الخیر والشر والطاعة والمعصیة جمیعاً إلی غیر الإنسان کما أن المجوس قائلون بکون فاعل الخیر والشر جمیعاً غیر الإنسان وقوله(علیه السّلام)فی هذا الخبر مبنی علی هذا النظر .

وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقین فی العالم هما الإنسان بالنسبة إلی أفعاله والله سبحانه بالنسبة إلی غیرها کما أن المجوس قائلون بإله الخیر وإله الشر وقوله(علیه السّلام)فی الروایات التالیة ( لا جبر ولا قدر ) ناظر إلی هذا الإعتبار. انتهی .

ونضیف إلی ما ذکره السید الطباطبائی(رحمه الله): مسألة البداء ، وهی هل أن تقدیر الله تعالی فی کل الأمور حتمی علیه ، فلا یمکنه تغییر شئ منه ، لأنه

ص: 462

فرغ من الأمر علی حد تعبیر بعض المسلمین ، أو لأن یده مغلولة علی حد تعبیر الیهود..أم أن القدر مفتوح له تعالی ، وله الحق والقدرة علی البداء والتغییر کما یشاء ، لأنه فرغ من الأمر ولم یفرغ منه علی حد تعبیر أهل البیت (علیهم السّلام) .

القدریة المفوضة ( الذین ینفون القدر)

محور الخلاف فی مسألة القدر هو: سلطة الله تعالی علی أفعال الإنسان وحرکة الطبیعة والکون ، وفعله فیها .

فالذین ینفون هذه السلطة یسمون ( المفوضة ) لانهم یزعمون أن الإنسان مفوضٌ فی أعماله ، ولا دخل لله تعالی ولا لسلطته فیها .

وقد یکون المفوضة مؤمنین بوجود الله تعالی ، ولکنهم یقولون إنه فوض ذلک إلی الإنسان وقوانین الطبیعة. .

وقد یکونون ملحدین دهریین أو مشککین ، ویعبر عنهم بالمفوضة أیضاً ، لانهم ینفون سلطة الله تعالی وفاعلیته فی أفعال الإنسان وحرکة الطبیعة .

وهم فی عصرنا فئات المادیین من الملحدین والطبیعیین وأکثر العلمانیین ، وبعض المتأثرین بالثقافة الغربیة من المسلمین .

والتفویض فی القدر مرفوض کلیاً عند أهل البیت (علیهم السلام) ومنه التفویض الذی یذهب إلیه أکثر المعتزلة أیضاً. قال فی شرح المواقف: 8/146: وقالت المعتزلة أی أکثرهم: هی ( الأفعال الإختیاریة ) واقعة بقدرة العبد وحدها علی سبیل الإستقلال بلا إیجاب بل باختیار .

وقال الکلینی فی الکافی:1/157:

ص: 463

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن إسماعیل بن مرار ، عن یونس بن عبد الرحمن قال: قال لی أبو الحسن الرضا(علیه السّلام):

یا یونس ، لا تقل بقول القدریة فإن القدریة لم یقولوا بقول أهل الجنة ، ولا بقول أهل النار ، ولا بقول إبلیس !

فإن أهل الجنة قالوا: الحمد لله الذی هدانا لهذا وما کنا لنهتدی لولا أن هدانا الله .

وقال أهل النار: ربنا غلبت علینا شقوتنا وکنا قوماً ضالین .

وقال إبلیس: رب بما أغویتنی .

فقلت: والله ما أقول بقولهم ولکنی أقول: لا یکون إلا بما شاء الله وأراد وقدروقضی .

فقال: یا یونس لیس هکذا ، لا یکون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضی .

یایونس تعلم ما المشیئة ؟

قلت: لا .

قال: هی الذکر الأول .

فتعلم ما الإرادة ؟

قلت: لا .

قال: هی العزیمة علی ما یشاء .

فتعلم ما القدر ؟

قلت: لا .

قال: هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء .

قال ثم قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العین .

ص: 464

قال: فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت: فتحت لی شیئاً کنت عنه فی غفلة. انتهی .

وفی مجمع الزوائد:7/205:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): القدریة مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه زکریا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغیره وضعفه جماعة. انتهی. ورواه البیهقی فی سننه:10/202 وقال: أخرجه أبو داود فی کتاب السنن هکذا. انتهی .

فهذان النصان یردَّان علی القدریة المفوضة .

وینبغی الالتفات إلی أن اسم المرجئة لا یستعمل فی الأحادیث فی ضد معناه ، بینما یستعمل اسم القدریة للمؤمن بالقدر ولمنکر القدر.. ویعرف ذلک من سیاق الکلام .

القدریة الجبریة ( الذین یثبتون القدر )

أما الذین یثبتون فعل الله تعالی فی حرکة الکون وأفعال الإنسان فیسمون (القدریة ) لانهم یؤمنون بوجود سلطة لله تعالی علی أفعال الإنسان وحرکة الطبیعة بشکل من الإشکال ، وهؤلاء منهم من یفرط فی إثبات الفعل الإلهی فی أفعال الإنسان فینسبون أفعال الإنسان إلی الله تعالی نسبةً کاملة فیسمون ( الجبریة ) وهم أکثر المرجئة ، ولعلهم أکثر إخواننا السنة ، وإن لم یصرحوا بذلک . . والسبب فی ذلک وجود أحادیث ثبتت عندهم عن الخلیفة عمر

ص: 465

ومن تبعه من الصحابة توجب القول بذلک ، وهی نقطة التقاء شدیدة بینهم وبین المرجئة وقد أشرنا إلی أن السبب فی جبریة المرجئة أن أحادیث الارجاء التی صحت عندهم رافقتها أحادیث الجبر مرافقة الأخت لأختها ، بل کانت نفسها فی بعض الأحیان..ومن هنا قلنا إن الارجاء والجبر أخوان شقیقان لأب وأم .

قال فی شرح المواقف:8/146:

المقصد الأول فی أن أفعال العباد الإختیاریة واقعة بقدرة الله سبحانه وتعالی وحدها ، ولیس لقدرتهم تأثیر فیها بل الله سبحانه أجری عادته بأن یوجد فی العبد قدرةً واختیاراً ، فإذا لم یکن هناک مانعٌ أوجد فیه فعله المقدور مقارناً لهما ، فیکون فعل العبد مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً ، ومکسوباً للعبد ، والمراد بکسبه إیاه مقارنته لقدرته وإرادته من غیر أن یکون هناک منه تأثیر أو مدخل فی وجوده سوی کونه محلاً له ! وهذا مذهب الشیخ أبی الحسن الأشعری .انتهی .

وأقدم الأحادیث فی الجبر مرویة عن الخلیفة عمر وکعب الأحبار ، وقد تقدم عدد منها فی توسیع الشفاعة وفناء النار ، ونذکر فیما یلی بعضها:

روی أحمد فی مسنده:1/29:

عن ابن عمر عن عمر رضی الله عنهما أنه قال للنبی (ص): أرأیت ما نعمل فیه أقد فرغ منه أو فی شئ مبتدأ أو أمر مبتدع ؟ قال: فیما قد فرغ منه. فقال عمر ألا نتکل ؟ فقال: إعمل یا ابن الخطاب فکل میسر ، أما من کان من أهل السعادة فیعمل للسعادة ، وأما أهل الشقاء فیعمل للشقاء !

ورواه فی:2/77 ، ونحوه فی الترمذی:4/352 ونحوه الحاکم:2/462

ص: 466

وقال: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه.

ورواه فی مجمع الزوائد:7/194 عن أبی بکر وعن عمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحیح. ورواه فی کنز العمال بعدة روایات فی:1/128 وص 339

ورواه البخاری بصیغة أخری تذکر أن الله تعالی یتحمل مسؤولیة خطیئة آدم(علیه السّلام)، عیناً کما فی التوراة !..قال فی صحیحه:4/131

عن أبی هریرة: قال قال رسول الله (ص): احتج آدم وموسی فقال له موسی: أنت آدم الذی أخرجتک خطیئتک من الجنة ؟ فقال له آدم: أنت موسی الذی اصطفاک الله برسالاته وبکلامه ثم تلومنی علی أمر قدر علی قبل أن أخلق ؟ فقال رسول الله (ص): فحج آدم موسی مرتین ! انتهی .

ورواه بصیغة أخری أیضاً فیها تعنیفٌ لادم قال فی:7/214 فیها (فقال له موسی یا آدم أنت أبونا خیبتنا وأخرجتنا من الجنة ) ، وروی نحوه أیضاً فی:8/203

فهذه النصوص الصحیحة عندهم تقول بالجبر فی أفعال الإنسان ، وفی تکوین الکون معاً .

القدر عند أهل البیت (علیهم السّلام) : لا جبر ولا تفویض

أما مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) فهو یثبت القدر ویؤمن بسلطة الله تعالی علی أفعال الإنسان وفعله فیها ، ولکنه یقول لا تصح نسبة المعصیة إلیه تعالی وإن کان الأقدار علیها منه تعالی ، أما نسبتها التی تستلزم تحمل مسؤولیتها فهی

ص: 467

لفاعلها الذی هو الإنسان. .

فالإنسان فی هذا المذهب لیس مجبوراً فی أفعاله الاختیاریة ولا مفوضاً إلیه ، ولا مجرد مجری لأفعاله کمجری النهار ، بل حاله من نوع آخر یوجد فیه القدر الالهی بشکل کامل لصغیر الأمور وکبیرها ویوجد فیه حریة الإنسان ومسؤولیته . وهذا معنی ( لا جبر ولا تفویض ولکن أمر بین أمرین ) .

وقد أکد أهل البیت (علیهم السّلام) علی هذا النوع من القدر ، وقاوموا المفوضة لإنکارهم سلطان الله تعالی علی صغیر الأمور وکبیرها. کما قاوموا القائلین بالجبر فی أفعال الإنسان لانهم ینسبون المعاصی إلی الله تعالی ، وینسبون إلیه الظلم بمجازاة الإنسان علیها ! وکذلک القائلین بالجبر فی الخلق والتکوین والتخطیط ، لأنهم یریدون تصویر الکون بأنه آلة وضع الله مخططها وأطلقها ولا یمکنه البداء والتغییر والتبدیل فیها وهم الیهود الذین قالوا ( یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ

) والمسلمون الذین قلدوهم فقالوا ( فرغ من الأمر ) .

روی الصدوق فی معانی الأخبار/18:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال فی قول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْیَهُودُ یَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ، لم یعنوا أنه هکذا ولکنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا یزید ولا ینقص ، فقال الله جل جلاله تکذیباً لقولهم: غُلَّتْ أیدیهم ولُعِنُوا بما قالو بل یداه مبسوطتان ینفق کیف یشاء. ألم تسمع الله عز وجل یقول: یَمْحُواْ اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ .

وقال الحویزی فی تفسیر نور الثقلین:2/514:

ص: 468

فی عیون الأخبار فی باب مجلس الرضا(علیه السّلام)مع سلیمان المروزی قال الرضا (علیه السّلام)بعد کلام طویل لسلیمان: ومن أین قلت ذلک وما الدلیل علی أن إرادته علمه ؟ وقد یعلم ما لا یریده أبداً وذلک قوله تعالی: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِی أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ فهو یعلم کیف یذهب به ولا یذهب به أبداً ؟

قال سلیمان: لأنه قد فرغ من الأمر فلیس یزید فیه شیئاً .

قال الرضا(علیه السّلام): هذا قول الیهود ، فکیف قال: أدعونی أستجب لکم ؟

قال سلیمان: إنما عنی بذلک أنه قادر علیه !

قال: أفیعد بما لا یفی به ؟! فکیف قال: یزید فی الخلق ما یشاء ؟ وقال عز وجل: یَمْحُواْ اللهُ مَا یَشَاءُ وَیُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْکِتَابِ ، وقد فرغ من الأمر ؟!

فلم یَحِرْ جواباً .

وفی هذا المجلس أیضاً قال الرضا(علیه السّلام):

یا سلیمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله تعالی ، یقدم منها ما یشاء ویؤخر ما یشاء .

یا سلیمان إن علیاً(علیه السّلام)کان یقول: العلم علمان ، فعلم علمه الله ملائکته ورسلهفإنه یکون ولا یکذب نفسه ولا ملائکته ورسله .

وعلم عنده مخزونٌ لم یطلع علیه أحداً من خلقه ، یقدم منه ما یشاء ویؤخر مایشاء ، ویمحو ما یشاء ویثبت ما یشاء. انتهی .

وبذلک یتضح أن البداء الذی یؤکد أهل بیت النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أنه جزءٌ من الإسلام ، وأنه ما عبد الله بشئ کما عبد به ، إنما هو نفی الجبریة علی الله تعالی ، ونفی زعم الیهود أن یده مغلولة بحجة أنه فرغ من الأمر !

ویتضح منه أن الذین یشنعون علی الشیعة بعقیدة البداء..لم یفهموها !

ص: 469

ردة فعل الخوارج علی توسیع الدولة للشفاعة

من الواضح للباحث أن بذور تفکیر الخوارج ولدت فی عهد الخلیفة عمر ، وکانت تأخذ شکل اعتراضات علی عدم تطبیق الخلیفة للقرآن ، کما نلاحظ فی أسئلة الوفد المصری ( الدر المنثور:2/145 )

ثم نمت فی عهد الخلیفة عثمان. .

ثم أخذت شکل اتجاه فکری فی فهم الدین ، وشکل حزب سیاسی معارض فی عهد الإمام علی(علیه السّلام)ثم استمرت مذهباً وحزباً مسلحاً فی معارضة الأمویین والعباسیین وتکفیرهم وقتالهم. .

ومن أبرز صفات الخوارج الفکریة: جمودهم فی فهم الدین ، ومیلهم إلی إصدار الأحکام الکلیة بدون شروط ولا تفاصیل ولا استثناءات ، وتکفیرهم من خالفهم من فرق المسلمین ، وفتواهم بهدر دمائهم ووجوب جهادهم .

وهذا المنحی الذهنی یقع فی الجهة المضادة لمذهب المرجئة الذی تتبناه السلطة ، المنحی المتساهل فی أداء الواجبات وترک المحرمات ، المفرط فی تأمیل الناس بالشفاعة والجنة مهما عصوا.. ماعدا المعارضین للدولة طبعاً .

لقد ساعد مذهب الإرجاء الدولة وأتباعها فی تخفیف المسؤولیة المشددة فی القرآن و السنة علی الحکام ، ولکنه سبب ردات فعل فی الأمة فظهرت فئات تنکر أصل الشفاعة التی تتذرع بها الدولة ، وتکذب کل أحادیثها وتؤول کل آیاتها..ولم یکن ذلک منحصراً بالخوارج ، وإن اشتهروا به .

بل تدل روایات السنیین علی أن ردود الفعل علی توسیع الشفاعة بدأت من زمن الخلیفة عمر ، ولکنه لم یستطع أن یؤدب أصحابها بالسوط ، إما لأنه لم

ص: 470

یعرفهم بالضبط ، أو لسبب آخر ، فخطب محذراً منهم بشدة !

قال فی مجمع الزوائد:7/207:

عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثنی علیه فقال: ألا إنه سیکون من بعدکم قوم یکذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة !

وروی نحوه فی مسند أحمد:1/23 وفی الدر المنثور:3/60: عن سعید بن منصور والبیهقی عن ابن عباس وفی کنز العمال:1/387 وج 5/429 وص 431 وفیه ( قال أمر عمر بن الخطاب منادیاً فنادی أن الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم قال... ) .

ویظهر من النص التالی أن بنی أمیة أفرطوا فی التأکید علی الشفاعة أیضاً ، ففی فردوس الأخبار للدیلمی:1/116 ح 254: عن معاویة: إشفعوا إلی تؤجروا ، فإن الرجل لیسألنی الحاجة فأرده کی تشفعوا له فتؤجروا ! انتهی .

أما الخوارج فقد ثبت أنهم کانوا یقولون: إن مرتکب المعصیة الکبیرة أو الصغیرة کافر ، وإذا مات ولم یتب فهو مخلد فی النار ، وأنه لا شفاعة لاحد أبداً ولا خروج من النار !

وأول من تصدی لرد مقولتهم الأئمة من أهل البیت (علیهم السّلام) ثم تبعهم غیرهم .

قال البرقی فی المحاسن:1/184:

عن علی بن أبی حمزة قال: قال رجل لابی عبد الله(علیه السّلام): إن لنا جاراً من الخوارج یقول: إن محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة همه نفسه فکیف یشفع ؟! فقال أبو عبد الله(علیه السّلام): ما أحدٌ من الأولین والآخرین إلا وهو یحتاج إلی شفاعة

ص: 471

محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) یوم القیامة .

وقال العیاشی فی تفسیره:2/314:

عن عبید بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله(علیه السّلام)عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال: نعم ، فقال له رجل من القوم: هل یحتاج المؤمن إلی شفاعة محمد یومئذ ؟ قال: نعم إن للمؤمنین خطایاً وذنوباً ، وما من أحد إلا ویحتاج إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یومئذ .

قال: وسأله رجل عن قول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم ولا فخر ؟ قال: نعم ، یأخذ حلقة باب الجنة فیفتحها فیخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک إشفع تشفع أطلب تعط ، فیرفع رأسه ثم یخر ساجداً فیقول الله: إرفع رأسک إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم یرفع رأسه فیشفع فیشفع ، ویطلب فیعطی .

وفی تفسیر القمی:2/201:

قال: حدثنی أبی ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی العباس المکبر قال: دخل مولی لامرأة علی بن الحسین(علیه السّلام)علی أبی جعفر(علیه السّلام)یقال له أبو أیمن فقال: یا أبا جعفر یغرون الناس ویقولون شفاعة محمد شفاعة محمد ؟!

فغضب أبو جعفر(علیه السّلام)حتی تربَّدَ وجهه ، ثم قال: ویحک یا أبا أیمن ! أغرَّک أن عفَّ بطنک وفرجک ؟! أما لو قد رأیت أفزاع القیامة لقد احتجت إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! ویلک ! فهل یشفع إلا لمن وجبت له النار ؟!

ثم قال: ما أحد من الأولین والآخرین إلا وهو محتاج إلی شفاعة محمد (صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة.

ص: 472

ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): إن لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشفاعة فی أمته ، ولنا الشفاعة فی شیعتنا ، ولشیعتنا الشفاعة فی أهالیهم.

ثم قال: وإن المؤمن لیشفع فی مثل ربیعة ومضر ، فإن المؤمن لیشفع حتی لخادمه ویقول: یارب حق خدمتی کان یقینی الحر والبرد. ورواه فی بحار الأنوار:8/38 وفی تفسیر نور الثقلین:4/102 و334

وفی الأدب المفرد للبخاری/224:

عن طلق بن حبیب قال: کنت أشد الناس تکذیباً بالشفاعة فسألت جابراً فقال: یا طلق سمعت النبی یقول: یخرجون من النار بعد الدخول .

وقال السیوطی فی الدر المنثور:6/286:

وأخرج ابن مردویه عن صهیب الفقیر قال: کنا بمکة ومعی طلق بن حبیب ، وکنا نری رأی الخوارج ، فبلغنا أن جابر بن عبد الله یقول فی الشفاعة فأتیناه فقلنا له: بلغنا عنک فی الشفاعة قول الله مخالف لک فیها فی کتابه ! فنظر فی وجوهنا فقال: من أهل العراق أنتم ؟! قلنا نعم ، فتبسم وقال: وأین تجدون فی کتاب الله ؟ قلت: حیث یقول: ربنا إنک من تدخل النار فقد أخزیته ، ویریدون أن یخرجوا من النار وما هم بخارجین منها ، وکلما أرادوا أن یخرجوا منها من غم أعیدوا فیها ، وأشباه هذا من القرآن .

فقال: أنتم أعلم بکتاب الله أم أنا ؟ قلنا بل أنت أعلم به منا. قال: فوالله لقد شهدت تنزیل هذا علی عهد رسول الله(ص)وشفاعة الشافعین، ولقد سمعت تأویله من رسول الله(ص)وإن الشفاعة لنبیه فی کتاب الله ، قال فی السورة التی تذکر فیها المدثر: مَا سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ الآیة. ألا ترون أنها حلت لمن مات لم یشرک بالله شیئاً ؟!

ص: 473

وفی تفسیر الطبری:4/141:

عن الأشعث الحملی قال قلت للحسن: یا أبا سعید أرأیت ما تذکر من الشفاعه حق هو ؟ قال: نعم حق .

وفی فتح القدیر للشوکانی:5/567:

وأخرج بن المنذر عن طریق حرب بن شریح قال: قلت لأبی جعفر محمد بن علی بن الحسین: أرأیت هذه الشفاعة التی یتحدث بها أهل العراق أحقٌّ هی ؟ قال: إی والله .

وفی دلائل النبوة للبیهقی:1/25:

عن شبیب بن أبی فضالة المالکی: لما بنی مسجد الجامع ذکروا عند عمران بن حصین الشفاعة فقال رجل من القوم: إنکم تحدثونا بأحادیث لم نجد لها أصلاً فی کتاب الله ، وعمران یقول أنتم أخذتم هذا الشأن منا ، وأخذنا نحن عن نبی الله .

وفی الجواهر الحسان للثعالبی:1/356:

قوله تعالی: إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ . . . قالت المعتزلة: إذا کان صاحب کبیرة فهو فی النار ولا بد ، وقالت الخوارج إذا کان صاحب کبیره أو صغیره فهو فی النار مخلد .

وفی تطهیر الجنان لإبن حجر/38:

إن قلت: فی هذا الحدیث ( کل ذنب عسی الله أن یغفره إلا رجل یموت کافراً أو یقتل مؤمناً متعمداً ) دلیل للمعتزلة والخوارج قبحهم الله تعالی علی أن الکبیرة لا تغفر ؟

ص: 474

قلت: لا دلیل لهم فیها أبداً ، لقوله تعالی: وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِیهَا ، لوجوب حملها علی المستحل . . . بدلیل قوله تعالی: إِنَّ اللهَ لا یَغْفِرُ أَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ ، وهو مخصص أیضاً بقوله تعالی: إِنَّ اللهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِیعًا . . . قد ضل . . . فرقٌ من فرق الضلالة القائلون بأن مرتکب الکبیرة إذا مات بلا توبة یخلد ، وهؤلاء المعتزلة والخوارج ، والفرق بینهما إنما هو من حدیث إن المیت فاسقاً هل هو کافر أو لا مؤمن ولا کافر ؟ فالخوارج علی الأول والمعتزلة علی الثانی .

وفی مقالات الإسلامیین للأشعری:1/124:

وأما الوعید فقول المعتزلة فیه وقول الخوارج قولٌ واحد ، لأنهم یقولون أن أهل الکبائر الذین یموتون علی کبائرهم فی النار خالدون .

وفی مقالات الإسلامیین: 1/86 - 87 :

وأجمعوا ( الخوارج ) علی أن کل کبیرة کفر إلا النجدات ، فإنها لاتقول ذلک. وأجمعوا أن الله سبحانه یعذب أصحاب الکبائر عذاباً دائماً إلا النجدات .

والأزارقة ( من الخوارج ) تقول إن کل کبیرة کفر، وإن الدار دار کفر یعنون دار مخالفیهم، وإن کل مرتکب معصیة کبیرة ففی النار خالداً مخلداً، ویکفرون علیاً (رض)فی التحکیم .

وقال فی شرح المواقف:4 جزء 8/334:

إن مرتکب الکبیره من أهل الصلاة . . . مؤمن . . . ذهب الخوارج إلی أنه کافر ، والحسن البصری إلی أنه منافق ، والمعتزلة إلی أنه مؤمن ولا کافر .

ص: 475

وقال الرازی فی تفسیره:1 جزء 3/238:

إن المعصیة عند المعتزلة وعندنا لا توجب الکفر ، أما عندنا فلان صاحب الکبیرة مؤمن ، وأما عند المعتزلة فلانه وإن خرج عن الإیمان فلم یدخل فی الکفر ، وأما عند الخوارج فکل معصیة کفر .

وقال الرازی فی تفسیره:6 جزء 12/5:

قالت الخوارج: کل من عصی الله فهو کافر... احتجوا بهذه الآیة (وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ... ) وقالوا إنها نص فی أن کل من حکم بغیر ما أنزل الله فهو کافر ، وکل من أذنب فقد حکم بغیر ما أنزل الله ، فوجب أن یکون کافراً .

وقال الرازی فی:15 جزء 30/239:

إن الخوارج احتجوا بهذه الآیة ( إِمَّا شَاکِرًا وَإِمَّا کَفُورًا ) علی أنه لا واسطة بین المطیع والکافر قالوا: لأن الشاکر هو المطیع والکفور هو الکافر ، والله تعالی نفی الواسطة وذلک یقتضی أن یکون کل ذنب کفراً .

وقال النووی فی شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضی عیاض: اختلف الناس فیمن عصی الله من أهل الشهادتین ، فقالت المرجئة: لا تضره المعصیة ، وقالت الخوارج: تضره ویکفر بها ، وقالت المعتزلة: یخلد فی النار ، وقالت الأشعریة: بل هو مؤمن. .

وقال المجلسی فی بحار الأنوار:8/62:

ص: 476

وقال النووی فی شرح صحیح مسلم: قال القاضی عیاض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ، ووجوبها سمعاً بصریح الآیات وبخبر الصادق ، وقد جاءت الآثار التی بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة فی الآخرة لمذنبی المؤمنین ،وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة علیها. ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذاهبهم فی تخلید المذنبین فی النار ، واحتجوا بقوله تعالی: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ وأمثاله وهی فی الکفار .

وأما تأویلهم أحادیث الشفاعة بکونها فی زیادة الدرجات فباطل ، وألفاظ الأحادیث فی الکتاب وغیره صریحة فی بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار .

( راجع شرح مسلم للنووی:2 جزء 3/35 )

وفی شرح مسلم للنووی:2 جزء 3/50:

رأی الخوارج . . أنهم یرون أن أصحاب الکبائر یخلدون فی النار .

وفی إرشاد الساری للقسطلانی:1/115:

لا ینسب إلی الکفر باکتساب المعاصی والإتیان بها إلا بالشرک أی بارتکابه، خلافاً للخوارج القائلین بتکفیره بالکبیرة ، والمعتزلة القائلین بأنه لا مؤمن ولا کافر .

وفی فتاوی ابن باز:2/27:

وذهب الخوارج إلی أن صاحب المعصیة مخلد فی النار وهو بالمعاصی

ص: 477

کافر أیضاً ووافقهم المعتزلة بتخلیده فی النار .

وفی فتاوی ابن باز:3/367:

قول أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة . . . المعاصی التی دون الشرک لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها . .

وفی بحار الأنوار:8/364:

قال العلامة(رحمه الله)فی شرحه علی التجرید: أجمع المسلمون کافة علی أن عذاب الکافر مؤبد لا ینقطع ، واختلفوا فی أصحاب الکبائر من المسلمین ، فالوعیدیة علی أنه کذلک ، وذهبت الإمامیة وطائفة کثیرة من المعتزلة والأشاعرة إلی أن عذابه منقطع. والحق أن عقابهم منقطع لوجهین:

الأول ، أنه یستحق الثواب بإیمانه لقوله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ .

والإیمان أعظم أفعال الخیر فإذا استحق العقاب بالمعصیة فإما یقدم الثواب علی العقاب وهو باطل بالإجماع ، لأن الثواب المستحق بالإیمان دائم علی ما تقدم ، أو بالعکس وهو المراد ، والجمع محال .

الثانی ، یلزم أن یکون من عبد الله تعالی مدة عمره بأنواع القربات إلیه ثم عصی فی آخر عمره معصیة واحدة مع بقاء إیمانه مخلداً فی النار کمن أشرک بالله مدة عمره ، وذلک محال لقبحه عند العقلاء. انتهی .

وفی بحار الأنوار:8/370:

وقال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فیمن ارتکب الکبیرة من

ص: 478

المؤمنین ومات قبل التوبة ، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل کلاهما فی مشیئة الله تعالی، لکن علی تقدیر التعذیب نقطع بأنه لا یخلد فی النار بل یخرج البتة ، لا بطریق الوجوب علی الله تعالی ، بل مقتضی ما سبق من الوعد وثبت بالدلیل کتخلید أهل الجنة .

وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم ، من غیر عفو ولا إخراج من النار ، وما وقع فی کلام البعض من أن صاحب الکبیرة عند المعتزلة لیس فی الجنة ولا فی النار فغلطٌ نشأ من قولهم: إن له المنزلة بین المنزلتین ، أی حالة غیر الإیمان والکفر.

وأما ما ذهب إلیه مقاتل بن سلیمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنین لا یعذبون أصلاً وإنما النار للکفار تمسکاً بالآیات الدالة علی اختصاص العذاب بالکفار مثل: قد أوحی إلینا أن العذاب علی من کذب وتولی ، إن الخزی الیوم والسوء علی الکافرین .

فجوابه: تخصیص ذلک العذاب بما یکون علی سبیل الخلود .

وأما تمسکهم بمثل قوله(علیه السّلام): من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنی وإن سرق ، فضعیف ، لأنه إنما ینفی الخلود لا الدخول .

لنا وجوه: الأول ، وهو العمدة: الآیات والأحادیث الدالة علی أن المؤمنین یدخلون الجنة البتة ، ولیس ذلک قبل

دخول النار وفاقاً ، فتعین أن یکون بعده وهو مسألة انقطاع العذاب ، أو بدونه وهو مسألة العفو التام ، قال الله تعالی: فَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْرًا یَرَهُ . مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَی وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ .

ص: 479

تبادل المواقع بین الخوارج والمرجئة !

یحسن هنا أن نسجل أمراً طریفاً نلاحظه فی عصرنا ، وهو تبادل المواقع بین ورثة الخوارج ، وورثة الخلافة الأمویین والمرجئة !

فورثة الخوارج ( الأباضیون ) تنازلوا عن العنف الفکری وسجلوا لیونتهم العقائدیة والفقهیة تجاه فرق المسلمین..بینما ورثة الخلافة الأمویة ( التکفیر والهجرة والوهابیون ) تخلوا عن أفکار اللیونة والتسامح ، وتبنوا مذهب العنف والشدة ، وأفتوا بکفر کل فرق المسلمین ، ماعدا فرقتهم ! ولعلهم یتخلون أیضاً عن شمول الشفاعة لکل المسلمین ویحصرونها بفرقتهم..کما یشم ذلک من فکرهم !

وهکذا تتغیر المواقع الفکریة والسیاسیة مع العصور من أقصی الیمین إلی أقصی الیسار . . وسبحان من لا یتغیر .

المعتزلة مثقفون متوسطون بین الدولة والخوارج

قال ابن ناصر الدین فی توضیح المشتبه:8/204:

ولد واصل سنة ثمانین بالمدینة وکان یجلس إلی الحسن البصری ، فلما ظهر بین أهل السنة القول من الخوارج بتکفیر أهل الکبائر ، ومن المرجئة بجعلهم إیمان أهل الکبائر کإیمان جبرئیل ومیکائیل ، أبدع واصل ( بن عطاء مولی بنی ضبة ) قوله فی المنزلة بین المنزلتین . . . مات واصل سنة إحدی وثلاثین ومئة .

ص: 480

الصغائر تغفر والکبائر لا تغفر إلا بالتوبة

مقالات الإسلامیین للأشعری:1/270:

واختلفت المعتزلة . . فی الصغائر والکبائر.. فقال قائلون منهم: کل ما أتی فیه الوعید فهو کبیر ، وکل ما لم یأت فیه الوعید فهو صغیر.. وقال جعفر بن میثر: کل عمد کبیر وکل مرتکب لمعصیة متعمداً لها فهو مرتکب لکبیرة...

واختلفت المعتزلة فی غفران الصغائر... فقال قائلون: إن الله سبحانه یغفر الصغائر إذا اجتنبت الکبائر تفضلاً.. وقال قائلون: لا یغفر الصغائر إلا بالتوبة .

وقال فی شرح المواقف:8/303:

أوجب جمیع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الکبیرة إذا مات بلا توبة ، ولم یجوزوا أن یعفو الله عنه ، لوجهین: الأول أنه تعالی أوعد بالعقاب علی الکبائر وأخبر به أی بالعقاب علیها ، فلو لم یعاقب علی الکبیرة وعفا لزم الخلف فی وعیده والکذب فی خبره ، وإنه محال .

الجواب: غایته وقوع العقاب فأین وجوبه الذی کلامنا فیه ، إذ لا شبهة فی أن عد الوجوب مع الوقوع لا یستلزم خلفاً ولا کذباً .

قالت المعتزلة والخوارج: صاحب الکبیرة إذا لم یتب عنها مخلد فی النار ولا یخرج منها أبداً. وعمدتهم فی إثبات ما ادعوه دلیل عقلی هو أن الفاسق یستحق العقاب بفسقه ، واستحقاق العقاب بل العقاب مضرة خالصة لا یشوبها ما یخالفها دائمة لا تنقطع أبداً. واستحقاق الثواب بل الثواب منفعة خالصة عن الشوائب دائمة. والجمع بینهما أی بین استحقاقهما محال ، کما أن الجمع بینهما محال .

ص: 481

وقال فی شرح المواقف:8/334:

مرتکب الکبیرة من أهل الصلاة أی من أهل القبلة مؤمن ، وقد تقدم بیانه فی مسألة حقیقة الإیمان وغرضنا هاهنا ذکر مذهب المخالفین والجواب عن شبهتهم: ذهب الخوارج إلی أنه کافر ، والحسن البصری إلی أنه منافق ، والمعتزلة

إلی أنه لا مؤمن ولا کافر .

حجة الخوارج وجوه: الأول قوله تعالی: وَمَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِکَ هُمُ الْکَافِرُونَ ، فإن کلمة (من ) عامة فی کل من لم یحکم بما أنزل ، فیدخل فیه الفاسق المصدق. وأیضاً فقد علل کفرهم بعدم الحکم ، فکل من لم یحکم بما أنزل الله کان کافراً ، والفاسق لم یحکم بما أنزل الله .

قلنا: الموصولات لم توضع للعموم ، بل هی للجنس تحتمل العموم والخصوص .

وفی ثمرات الأوراق بهامش المستطرف/13:

المعتزلة طائفة من المسلمین یرون أن أفعال الخیر من الله وأفعال الشر من الإنسان وأن القرآن مخلوق محدث لیس بقدیم وان الله تعالی غیر مرئی یوم القیامة ، وأن المؤمن إذا ارتکب الذنب مثل الزنا وشرب الخمر کان فی منزلة بین منزلتین .

تأویلات أهل السنة للحنفی:1/630:

وقوله تعالی: وَیُکَفِّرْ عَنْکُمْ سَیِّئَاتِکُمْ ، فیه دلیل علی أن من السیئات ما یکفرها الصدقة . . . وهو نقض علی المعتزلة لأنهم لا یرون تکفیر الکبائر

ص: 482

بغیر التوبة عنها ، ولا التعذیب علی الصغائر. فأما إن کانت الآیة فی الکبائر فبطل قولهم ( لا یکفر بغیر التوبة ) أو فی الصغائر یبطل قولهم إنها مغفورة ، إذ وعدت بالصدقة لأنهم یخلدون صاحب الکبیره فی النار ، والله تعالی أطمع له تکفیر السیئات بالصدقة .

وصاحب الکبیرة فی النار ولا تشمله الشفاعة

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

أجمعت الأمة علی ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له علیه الصلاة والسلام ، ولکن هی عندنا لأهل الکبائر من الأمة فی إسقاط العقاب عنهم... وقالت المعتزلة: إنما هی لزیادة الثواب لا لدرأ العقاب ، لقوله تعالی: وَاتَّقُوا یَوْمًا لا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ، وهو عام فی شفاعة النبی علیه الصلاة والسلام وغیره .

الجواب: أنه لا عموم له فی الاعیان ، لأن الضمیر لقوم معینین هم الیهود ، فلا یلزم أن لا تنفع الشفاعة غیرهم .

تأویلات أهل السنة:1/590:

قال المعتزلة: لا تکون الشفاعة إلا لأهل الخیرات خاصة ، الذین لا ذنب لهم أو کان لهم ذنب فتابوا عنه .

تفسیر الرازی 11 جزء 22/160:

ص: 483

احتجت المعتزلة بقوله تعالی: وَلا یَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَی ، علی أن الشفاعة فی الآخرة لا تکون لأهل الکبائر ، لأنه لا یقال فی أهل الکبائر إن الله یرتضیهم .

تفسیر الرازی 11 جزء 22/118:

المعتزلة قالوا: الفاسق غیر مرضی عند الله تعالی، فوجب أن لا یشفع الرسول (ص) فی حقه لأن هذه الآیة ( یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ ) دلت علی أن المشفوع له لابد وأن یکون مرضیاً عند الله .

تفسیر الرازی:12 جزء 23/66:

أما قوله (وَمَا لِلظَّالِمِینَ مِنْ نَصِیرٍ) احتجت المعتزلة بهذه الآیة فی نفی الشفاعة.

وقال فی:14 جزء 27/33:

احتج الکعبی بهذه الآیة علی أن تأثیر الشفاعة فی حصول زیادة الثواب للمؤمنین ، لا فی إسقاط العقاب عن المذنیین

وقال فی:4 جزء 7/10:

قال القفال: إنه لا یأذن فی الشفاعة لغیر المطیعین . . . وأقول إن هذا القفال عظیم الرغبة فی الإعتزال . . . ومع ذلک فقد کان قلیل الاحاطة بأصولهم. وذلک لأن من مذهب البصریین أن العفو عن صاحب الکبیرة حسن فی العقول . . إلا أن السمع دل . . . لا یقع ، وإذا کان کذلک کان الإستدلال العقلی علی المنع من الشفاعة فی حق العصاة خطأ علی قولهم .

ص: 484

وفی إرشاد الساری للقسطلانی:8/340:

قوله تعالی: مَنْ یَعْمَلْ سُوءً یُجْزَ بِهِ ، استدل بهذه الآیة المعتزلة علی أنه تعالی لا یعفو عن شئ من السیئات .

وفی إرشاد الساری:9/447:

المعصیة لا تخرج المسلم عن الإیمان ، خلافاً للمعتزلة المکفرین بالذنب ، القائلین بتخلید العاصی بالنار .

وفی معجم الادباء للحموی:9 جزء 17/81:

قال عبدالعزیز بن محمد الطبری: کان أبو جعفر ( الطبری ) یذهب فی جل مذاهبه إلی ما علیه الجماعة من السلف . . . وکان یذهب إلی مخالفة أهل الاعتزال فی جمیع ماخالفوا فیه الجماعة ، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤیة الله فی القیامة ، وفی قولهم بتخلید أهل الکبائر فی النار ، وإبطال شفاعة رسول الله(ص)، وفی قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله .

وفی طبقات الشافعیة للسبکی:3/347:

یصف تحول الأشعری من الاعتزال إلی خط الدولة (أهل السنة والجماعة) قام علی بن اسماعیل بن أبی بشر علی الاعتزال أربعین سنة حتی صار للمعتزلة إماماً . . . وهو الذی قال: تکافأت عندی الأدلة ولم یترجح عندی شئ علی شئ فاستهدیت الله فهدانی إلی اعتقاد ما أودعته فی کتبی هذه وانخلعت من جمیع ما کنت أعتقده . . ودفع الکتب التی ألفها علی مذاهب أهل السنة للناس . . وأخذ فی نصرة الأحادیث فی الرؤیة والشفاعة. انتهی .

ص: 485

هذا وقد تقدمت نصوص عن رأی المعتزلة فی آراء المرجئة والخوارج فی هذا الفصل وفی تعریف الشفاعة فی الفصل الأول .

ص: 486

الفصل الحادی عشر : المزید من تأثیر الإسرائیلیات علی أحادیث الشفاعة

اشارة

ص: 487

ص: 488

اتفق الجمیع نظریاً علی أن الشفاعة من مختصات نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قد یستشکل علی أحادیث اختصاص الشفاعة بنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الواردة فی مصادر الفریقین، بأنها تنافی الأحادیث الصحیحة التی تثبت الشفاعة لغیر نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

والجواب: أن وجه الجمع بین الأحادیث أن باب الشفاعة إنما یفتح یوم القیامة إکراماً لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).. وکل من یشفع من الملائکة والأنبیاء والأوصیاء والعلماء والشهداء والمؤمنین ، فإنما یشفع بإجازته وبالسهم الذی یعطیه إیاه شفیع المحشر(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

فلا منافاة بین أحادیث اختصاصه بالشفاعة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وبین مادل علی ثبوتها لغیره من الأنبیاء (علیهم السّلام) إلا ما دل منها علی أن لغیره شفاعة مستقلة أو أنه یشفع قبله کما فی أحادیث الإسرائیلیات الآتیة .

من لا یحضره الفقیه:1/240:

قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أعطیت خمساً لم یعطها أحدٌ قبلی: جعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً ، ونصرت بالرعب ، وأحل لی المغنم ، وأعطیت جوامع الکلم ، وأعطیت الشفاعة. ورواه فی وسائل الشیعة:2/438 وفی سائل الشیعة:3/422 وفی مستدرک الوسائل:2/529

ص: 489

علل الشرائع:1/127:

حدثنا أبوالحسین محمد بن علی بن الشاه قال: حدثنا أبوبکر محمد بن جعفر بن أحمد البغدادی بآمد قال: حدثنا أبی قال: حدثنا أحمد بن السخت قال: حدثنا محمد بن الأسود الوراق عن أیوب بن سلیمان عن حفص بن البختری عن محمد بن حمید عن محمد بن المنکدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ):

أنا أشبه الناس بآدم وإبراهیم أشبه الناس بی خلقه وخلقه .

وسمانی الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبین الله وصفی وبشرنی علی لسان کل رسول بعثه الله إلی قومه .

وسمانی ونشر فی التوراة باسمی وبث ذکری فی أهل التوراة والإنجیل وعلمنی کتابه ورفعنی فی سمائه وشق لی إسماً من أسمائه فسمانی محمداً وهو محمود .

وأخرجنی فی خیر قرن من أمتی وجعل اسمی فی التوراة أحید فبالتوحید حرم أجساد أمتی علی النار .

وسمانی فی الانجیل أحمد فأنا محمود فی أهل السماء .

وجعل أمتی الحامدین وجعل اسمی فی الزبور ماحی محی الله عز وجل بی من الأرض عبادة الأوثان .

وجعل اسمی فی القرآن محمداً فأنا محمود فی جمیع القیامة فی فصل القضاء لا یشفع أحد غیری .

وسمانی فی القیامة حاشراً یحشر الناس علی قدمی .

وسمانی الموقف أوقف الناس بین یدی الله عز وجل .

ص: 490

وسمانی العاقب أنا عقب النبیین لیس بعدی رسول .

وجعلنی رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفی قفیت النبیین جماعة وأنا المقیم الکامل الجامع ومن علی ربی وقال لی یا محمد صلی الله علیک فقد أرسلت کل رسول إلی أمته بلسانها وأرسلتک إلی کل أحمر وأسود من خلقی ونصرتک بالرعب الذی لم أنصر به أحداً وأحللت لک الغنیمة ولم تحل لاحد قبلک وأعطیتک لک ولأمتک الأرض کلها مسجداً وترابها طهوراً وأعطیتک ولأمتک التکبیر وقرنت ذکرک بذکری حتی لا یذکرنی أحد من أمتک إلا ذکرک مع ذکری فطوبی لک یا محمد ولأمتک .

تفسیر القمی:1/194:

ثم قال حکایة عن قریش: وقالوا لولا أنزل علیه ملک ، یعنی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ولو أنزلنا ملکاً لقضی الأمر ثم لا ینظرون ، فأخبر عز وجل أن الآیة إذا جاءت والملک إذا نزل ولم یؤمنوا هلکوا ، فاستعفی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الآیات رأفةً ورحمةً علی أمته ، وأعطاه الله الشفاعة .

صحیح البخاری:1/86:

جابر بن عبد الله أن النبی(ص)قال: أعطیت خمساً لم یعطهن أحد قبلی: نصرت بالرعب مسیرة شهر ، وجعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً ، فأیما رجل من أمتی أدرکته الصلاة فلیصل ، وأحلت لی الغنائم ولم تحل لأحد قبلی ، وأعطیت الشفاعة ، وکان النبی یبعث إلی قومه خاصة وبعثت إلی الناس عامة.

ص: 491

ورواه أیضاً فی ص:1 جزء 1/113 وج 2 جرء 2/105 ونحوه فی مسلم:2/63 وفی سنن النسائی:1/209 وفی سیرة ابن هشام:2/234 وفی مسند أحمد: 5/149 .

وفی:4/417 منه:

عن أبی موسی قال قال رسول الله (ص): أعطیت خمساً: بعثت إلی الأحمر والأسود ، وجعلت لی الأرض طهوراً ومسجداً ، وأحلت لی الغنائم ولم تحل لمن کان قبلی ، ونصرت بالرعب شهراً ، وأعطیت الشفاعة ولیس من نبی إلا وقد سأل شفاعة وإنی أخبأت شفاعتی ثم جعلتها لمن مات من أمتی لم یشرک بالله شیئاً. ونحوه فی:1/301 وفی الدر المنثور:3 ص204 وج 5/237 وسنن الدارمی:1/322 وسنن البیهقی:9/4 وتفسیر الطبری:3/2 وصفة الصفوة لابن الجوزی جزء 1 و2/76 وتفسیرالمنار لرشید رضا: 9/300

ولکن الهیثمی ضعف روایته فی مجمع الزوائد:8/259 فقال:

ابن یزید قال قال رسول الله (ص): فضلت علی الأنبیاء بخمس: بعثت إلی الناس کافة ، ودخرت شفاعتی لأمتی ، ونصرت بالرعب شهراً أمامی وشهراً خلفی ، وجعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً ، وأحلت لی الغنائم ولم تحل لاحد قبلی. رواه الطبرانی وفیه إسحاق بن عبد الله بن أبی فروة وهو متروک.

ص: 492

نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول شافع یوم القیامة

فی مصادرنا نصوص واضحة صریحة فی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو خطیب المحشر والشفیع الأول قبل الأنبیاء ، بل هو شفیع الأنبیاء صلوات الله علیهم جمیعاً.. وقد تقدم بعضها آنفاً وفی تفسیر قوله تعالی ( عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) وفی بعضها أن الله تعالی قد أذن لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالشفاعة وهو فی الدنیا فلا یحتاج إلی إذن یوم القیامة .

فی تفسیر القمی:2/201:

قال: حدثنی أبی ، عن ابن أبی عمیر ، عن معاویة بن عمار ، عن أبی العباس المکبر قال: دخل مولی لامرأة علی بن الحسین(علیه السّلام)علی أبی جعفر(علیه السّلام)یقال له أبو أیمن فقال: یا أبا جعفر یغرون الناس ویقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب أبو جعفر(علیه السّلام)حتی تربد وجهه ثم قال: ویحک یا أبا أیمن أغرک أن عف بطنک وفرجک ! أما لو قد رأیت أفزاع القیامة لقد احتجت إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! ویلک فهل یشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال: ما أحد من الأولین والآخرین إلا وهو محتاج إلی شفاعة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یوم القیامة .

ثم قال أبو جعفر(علیه السّلام): إن لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشفاعة فی أمته ولنا الشفاعة فی شیعتنا ولشیعتنا الشفاعة فی أهالیهم .

ثم قال: وإن المؤمن لیشفع فی مثل ربیعة ومضر فإن المؤمن لیشفع حتی لخادمه ویقول: یا رب حق خدمتی کان یقینی الحر والبرد. ورواه فی بحار الأنوار:8/38 وفی تفسیر نور الثقلین:4/334 ، وقد تقدم ذلک فی الرد

ص: 493

علی الخوارج .

الصحیفة السجادیة:2/290:

اللهم أنزل محمداً فی أشرف منازل الأبرار ، اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل . . . اللهم أحسن عنا جزاءه ، وعظم حباءه ، وأکرم مثواه ، وتقبل شفاعته فی أمته ، وفی من سواهم من الأمم ، واجعلنا ممن تشفعه فیه ، واجعلنا برحمتک ممن یرد حوضه یوم القیامة. ونحوه فی المقنعة/411

الصحیفة السجادیة:2/30:

اللهم فارفعه بما کدح فیک إلی الدرجة العلیا من جنتک ، حتی لا یساوی فی منزلة ، ولا یکافأ فی مرتبة ، ولا

یوازیه لدیک ملک مقرب ، ولا نبی مرسل ، وعرفه فی أهله الطاهرین وأمته المؤمنین من حسن الشفاعة أجل ما وعدته ، یا نافذ العدة ، یا وافی القول ، یا مبدل السیئات بأضعافها من الحسنات ، إنک ذو الفضل العظیم. ونحوه فی المقنعة/125

تهذیب الأحکام:3/121:

اللهم إنی أسألک من فضلک بأفضله . اللهم واجعل محمداً(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أدنی المرسلین منک مجلسا ، وأفسحهم فی الجنة عندک منزلاً ، وأقربهم الیک وسیلة ، واجعله أول شافع وأول مشفع ، وأول قائل وأنجح سائل ، وابعثه المقام المحمود الذی یغبطه به الأولون والاخرون یا أرحم الراحمین .

ص: 494

تأویل الآیات:2/37:

قال علی بن إبراهیم: روی عن أبی عبد الله(علیه السّلام)أنه قال: لا یقبل الله الشفاعة یوم القیامة لأحد من الأنبیاء والرسل حتی یأذن فی الشفاعة لرسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) فإن الله قد أذن له فی الشفاعة من قبل یوم القیامة فالشفاعة له ولأمیر المؤمنین وللائمة من ولده ثم بعد ذلک للأنبیاء (علیهم السّلام) أجمعین. ( ورواه فی تفسیر القمی:2/201 ونحوه فی تفسیر نور الثقلین: 4/334 ) .

بحار الأنوار:16/326:

الأمالی: أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدی ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن جعفر بن مدرار ، عن عمه طاهر ، عن الحسن بن عمار ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن علی(علیه السّلام)قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ( أمالی ابن الشیخ 170 ) .

بحار الأنوار:16/304:

عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا. عسی من الله واجبة ، والمقام بمعنی البعث فهو مصدر من غیر جنسه ، أی یبعثک یوم القیامة بعثاً أنت محمود فیه ، ویجوز أن یجعل البعث بمعنی الإقامة أی یقیمک ربک مقاماً یحمدک فیه الأولون والآخرون ، وهو مقام الشفاعة یشرف فیه علی جمیع الخلائق یسأل فیعطی ویشفع فیشفع ، وقد أجمع المفسرون علی أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذی یشفع فیه للناس ، وهو المقام الذی یعطی فیه

ص: 495

لواء الحمد فیوضع فی کفه وتجتمع تحته الأنبیاء والملائکة ، فیکون(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أول شافع وأول مشفع .

بحار الأنوار:8/47:

تفسیر العیاشی: عن عیص بن القاسم عن أبی عبد الله(علیه السّلام)إن أناساً من بنی هاشم أتوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشئ وقالوا: یکون لنا هذا السهم

الذی جعله للعاملین علیها فنحن أولی به فقال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یابنی عبدالمطلب إن الصدقة لا تحل لی ولا لکم ، ولکنی وعدت الشفاعة - ثم قال: والله أشهد أنه قد وعدها - فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أترونی مؤثرا علیکم غیرکم ؟ ثم قال: إن الجن والإنس یجلسون یوم القیامة فی صعید واحد ، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فیقولون: إلی من ؟ فیأتون نوحاً فیسألونه الشفاعة فقال: هیهات قد رفعت حاجتی ، فیقولون: إلی من إلی إبراهیم ، فیأتون إلی إبراهیم فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قدر رفعت حاجتی ، فیقولون: إلی من فیقال: إیتوا موسی فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قد رفعت حاجتی ، فیقولون إلی من ؟ فیقال إیتوا محمداً ، فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقوم مدلاً حتی یأتی باب الجنة فیأخذ بحلقة الباب ثم یقرعه ، فیقال: من هذا ؟ فیقول: أحمد فیرحبون ویفتحون الباب ، فإذا نظر إلی الجنة خر ساجداً یمجد ربه بالعظمة ، فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع ، فیرفع رأسه ، فیدخل من باب الجنة فیخر ساجداً ویمجد ربه ویعظمه فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع ، فیقوم فما

ص: 496

یسأل شیئاً إلا أعطاه إیاه .انتهی.

وقد تقدمت الأحادیث بهذا المضمون ،وهی محل اتفاق فی مصادر الطرفین، وفیها دلالة علی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هوأول من یتقدم للشفاعة یوم القیامة.

الأحادیث الموافقة لمذهبنا فی مصادر السنیین

فی مصادر السنیین نوعان من الأحادیث فی هذا الموضوع: فمنها ما یوافق مصادرنا ، وقد روته صحاحهم کالذی رواه ابن ماجة:2/724: عن الطفیل بن أبی بن کعب ، عن أبیه أن رسول الله(ص)قال: إذا کان یوم القیامة کنت إمام النبیین وخطیبهم وصاحب شفاعتهم ، غیر فخر .

والذی رواه مسلم فی:1/130:

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): أنا أول الناس یشفع فی الجنة ، وأنا أکثر الأنبیاء تبعاً . . .

عن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): أنا أکثر الأنبیاء تبعاً یوم القیامة ، وأنا أول من یقرع باب الجنة...

أنس بن مالک قال النبی (ص): أنا أول شفیع فی الجنة ، لم یصدَّق نبی من الأنبیاء ما صدِّقت ، وإن من الأنبیاء نبیاً ما یصدقه من أمته إلا رجل واحد .

وروی فی:7/59:

عن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ، وأول من ینشق عنه القبر ، وأول شافع وأول مشفع. انتهی .

ص: 497

وفی سنن الترمذی:5/248:

عن ابن عباس قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله(ص)ینتظرونه قال فخرج حتی إذا دنا منهم سمعهم یتذاکرون فسمع حدیثهم فقال بعضهم: عجباً إن الله اتخذ من خلقه خلیلاً اتخذ من إبراهیم خلیلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من کلام موسی کلمه تکلیماً. وقال آخر: فعیسی کلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج علیهم فسلم وقال: قد سمعت کلامکم وعجبکم، إن إبراهیم خلیل الله وهو کذلک ، وموسی نجی الله وهو کذلک ، وعیسی روحه وکلمته وهو کذلک ، وآدم اصطفاه الله وهو کذلک ، ألا وأنا حبیب الله ولا فخر ، وأنا حامل لواء الحمد یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع یوم القیامة ولا فخر، وأنا أول من یحرک حلق الجنة فیفتح الله لی فیدخلنیها ومعی فقراء المؤمنین ولا فحر ، وأنا أکرم الأولین والآخرین ولا فخر. هذا حدیث غریب. انتهی. وروی نحوه ابن ماجه: 2/1440 وأحمد فی:3/2

وفی سنن الدارمی:1/26:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطیبهم إذا أنصتوا ، وأنا مشفعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أیسوا. الکرامة والمفاتیح یومئذ بیدی ، وأنا أکرم ولد آدم علی ربی .

وفی فردوس الأخبار: 1/80 ح 124:

أنس بن مالک: أنا أول شفیع یوم القیامة ، وأنا أکثر الأنبیاء تبعاً یوم القیامة ،

ص: 498

إن من الأنبیاء لمن یأتی یوم القیامة ما معه مصدق غیر واحد. انتهی .

وفی شعب الإیمان للبیهقی:2/132 وص 179:

أبو هریرة قال قال رسول الله (ص): أنا سید ولد آدم ، وأول شافع وأول مشفع .

وفی شعب الإیمان/181:

عن أنس قال: سمعت النبی (ص) یقول: إنی أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتی یوم القیامه ، وأنا أول من یدخل الجنة . . . ونحوه فی تهذیب الکمال: 15/425 وج 22/551 وسیر أعلام النبلاء:8/293 وکنز العمال: 11/404 فما بعدها بروایات متعددة ، وفی:14/393 فما بعدها. وفیه فی:11/435: أنا سید المرسلین إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا ، ومبشرهم إذا أیسوا ، وإمامهم إذا سجدوا ، وأقربهم مجلساً إذا اجتمعوا ، أتکلم فیصدقنی ، وأشفع فیشفعنی ، وأسأل فیعطینی .

وفی الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن مردویه عن أنس بن مالک (رض) قال وأول ما یأذن الله عزوجل له یوم القیامة فی الکلام والشفاعة محمد(ص)فیقال له قل تسمع وسل تعطه قال: فیخر ساجداً فیثنی علی الله ثناء لم یثن علیه أحد فیقال إرفع رأسک...

وفی سیرة ابن کثیر:1/195:

فروی الحافظ أبو القاسم بن عساکر من طریق أبی الحسن بن أبی الحدید...

ص: 499

عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداک أبی وأمی أین کنت وآدم فی الجنة ؟ قال: فتبسم حتی بدت نواجذه ، ثم قال: کنت فی صلبه ورکب بی السفینة فی صلب أبی نوح ، وقذف بی فی صلب أبی إبراهیم ، لم یلتق أبوای علی سفاح قط ، لم یزل الله ینقلنی من الأصلاب الحسیبة إلی الأرحام الطاهرة، صفیاً مهذباً ، لا تتشعب شعبتان إلا کنت فی خیرهما ، وقد أخذ الله بالنبوة میثاقی وبالإسلام عهدی، ونشر فی التوراة والانجیل ذکری ، وبین کل نبی صفتی تشرق الأرض بنوری والغمام بوجهی ، وعلمنی کتابه وزادنی شرفاً فی سمائه ، وشق لی اسماً من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد ، ووعدنی أن یحبونی بالحوض والکوثر ، وأن یجعلنی أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجنی من خیر قرن لامتی ، وهم الحمادون یأمرون بالمعروف وینهون عن المنکر .

فتاوی ابن باز:1/187:

قال رسول الله: أنا أول من ینشق عنه القبر یوم القیامة ، وأنا أول شافع وأول مشفع. انتهی .

الأحادیث المتأثرة بالاسرائیلیات فی مصادر السنیین

والنوع الثانی من أحادیث السنیین: أحادیث تجعل الشفاعة أولاً لابراهیم ، ثم لموسی ، ثم لعیسی (علیهم السّلام) وتجعل نبینا الشفیع الرابع (علیهماالسّلام) ! !

روی الحاکم فی المستدرک:4/496 حدیثاً طویلاً عن الدجال ویأجوج ومأجوج وأشراط الساعة والقیامة والشفاعة ، وصححه علی

ص: 500

شرط الشیخین ، وفیه أمورٌ وتفصیلاتٌ غیر معقولة ، جاء فیه:

عن أبی الزعراء قال کنا عند عبد الله بن مسعود (رض) فذکر عنده الدجال فقال عبد الله بن مسعود: تفترقون أیها الناس لخروجه علی ثلاث فرق ، فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشیح ، وفرقة تأخذ شط الفرات یقاتلهم ویقاتلونه حتی یجتمع المؤمنون بقری الشام ، فیبعثون الیهم طلیعة فیهم فارس علی فرس أشقر وأبلق قال فیقتتلون فلا یرجع منهم بشر . . . .

قال: ثم تقوم الساعة علی شرار الناس ثم یقوم ملک بالصور بین السماء والأرض فینفخ فیه. والصور قَرْنٌ ، فلا یبقی خلق فی السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربک...

قال: ثم یقوم ملک بالصور بین السماء والأرض فینفخ فیه فینطلق کل نفس إلی جسدها حتی یدخل فیه ثم یقومون فیحیون حیاة رجل واحد قیاماً لرب العالمین. قال: ثم یتمثل الله تعالی إلی الخلق فیلقاهم فلیس أحد یعبد من دون الله شیئاً إلا وهو مرفوع له یتبعه ، قال فیلقی الیهود فیقول من تعبدون ؟ قال فیقولون نعبد عزیراً قال هل یسرکم الماء ؟ فیقولون نعم ، إذ یریهم جهنم کهیئة السراب ! قال ثم قرأ عبد الله: وعرضنا جهنم یومئذ للکافرین عرضاً ، قال ثم یلقی النصاری فیقول من تعبدون ؟ فیقولون المسیح ، قال فیقول هل یسرکم الماء ؟ قال فیقولون نعم ، قال فیریهم جهنم کهیئة السراب ! ثم کذلک لمن کان یعبد من دون الله شیئاً. قال: ثم قرأ عبد الله: وقفوهم إنهم مسؤولون .

قال: ثم یتمثل الله تعالی للخلق حتی یمر علی المسلمین قال فیقول من تعبدون ؟ فیقولون نعبد الله ولا نشرک به شیئاً ، فینتهرهم مرتین أو ثلاثاً

ص: 501

فیقول من تعبدون ؟ فیقولون نعبد الله ولا نشرک به شیئاً. قال فیقول هل تعرفون ربکم ؟ قال فیقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه ! قال فعند ذلک یکشف عن ساق فلا یبقی مؤمن إلا خر لله ساجداً ، ویبقی المنافقون ظهورهم طبقاً واحداً کأنما فیها السفافید ! قال فیقولون: ربنا فیقول قد کنتم تدعون إلی السجود وأنتم سالمون.

قال ثم یأمر بالصراط فیضرب علی جهنم فیمر الناس کقدر أعمالهم زمراً کلمح البرق ثم کمر الریح ثم کمر الطیر ثم کأسرع البهائم ، ثم کذلک حتی یمر الرجل سعیاً ثم مشیاً ، ثم یکون آخرهم رجلاً یتلبط علی بطنه !

قال فیقول أی رب لماذا أبطأت بی ؟ فیقول لم أبطئ بک ، إنما أبطأ بک عملک.

قال ثم یأذن الله تعالی فی الشفاعة فیکون أول شافع روح القدس جبریل علیه الصلاة والسلام ، ثم إبراهیم خلیل الله ، ثم موسی ، ثم عیسی علیهما الصلاة والسلام قال: ثم یقوم نبیکم رابعاً، لا یشفع أحد بعده فیما یشفع فیه ، وهو المقام المحمود الذی ذکره الله تبارک وتعالی: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا .

قال فلیس من نفس إلا وهی تنظر إلی بیت فی الجنة أو بیت فی النار . . .

قال: ثم یشفع الملائکة والنبیون والشهداء والصالحون والمؤمنون فیشفعهم الله .

قال ثم یقول الله: أنا أرحم الراحمین فیخرج من النار أکثر مما أخرج من جمیع الخلق برحمته ، قال ثم یقول: أنا أرحم الراحمین ، قال ثم قرأ عبدالله:

ص: 502

مَا سَلَکَکُمْ فِی سَقَرَ ؟ قَالُوا لَمْ نَکُ مِنَ الْمُصَلِّینَ وَلَمْ نَکُ نُطْعِمُ الْمِسْکِینَ وَکُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِینَ ، وَکُنَّا نُکَذِّبُ بِیَوْمِ

الدِّینِ ، قال فعقد عبد الله بیده أربعاً ثم قال: هل ترون فی هؤلاء من خیر ؟ ما ینزل فیها أحد فیه. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی.

ورواه البیهقی فی البعث والنشور/326 والدیلمی فی فردوس الأخبار: 1/54 وص 80 والنیسابوری فی الوسیط ج4/387 وابن منظور فی مختصر تاریخ دمشق:1 جزء 2/170. وغیرهم .

أما الهیثمی فقد روی فی مجمع الزوائد:9/31 حدیث أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول شافع ، ووصفه لأنه موضوع ، وقال عن بعض طرقه فی:8/254 ( وفیه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقیة رجاله ثقات )

ولکنه فی نفس الوقت ردَّ الحدیث الذی صححه الحاکم علی شرط الشیخین فی ج10/330 وقال ( رواه الطبرانی وهو موقوف ، مخالف للحدیث الصحیح وقول النبی: أنا أول شافع ) ! فیبدو أنه اطلع علی طریق آخر صحیح للحدیث ، غیر الطریقین اللذین ضعفهما. ولکنا لم نطلع علیه .

البخاری یفضل أنبیاء بنی إسرائیل علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

أما البخاری فقد روی فی تاریخه الذی ألفه قبل صحیحه أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الشفیع الأول ، وتوقف فی روایة أنه الشفیع الرابع ، لوجود ما یعارضها.

قال فی تاریخه:4/286:

ص: 503

عن جابر بن عبد الله: قال النبی (ص): أنا قائد المسلمین ، ولا فخر ، وأنا خاتم النبیین ولا فخر ، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر.

وقال فی تاریخه:5/221:

عبد الله بن هانی أبو الزعراء الکوفی سمع ابن مسعود (رض) سمع منه سلمة بن کهیل یقال عن أبی نعیم إنه الکندی روی عن ابن مسعود (رض) فی الشفاعة: ثم یقوم نبیکم رابعهم والمعروف عن النبی (ص): أنا أول شافع. ولا یتابع فی حدیثه. انتهی .

ولکنه فی صحیحه لم یرو هذه الروایة ولا غیرها مما ینص علی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أول شافع !

نعم ، روی أن الشفاعة من مختصات نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) دون الأنبیاء (علیهم السلام):

قال فی:1/113:

جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص): أعطیت خمساً لم یعطهن أحد من الأنبیاء قبلی: نصرت بالرعب مسیرة شهر ، وجعلت لی الأرض مسجداً وطهوراً وأیما رجل من أمتی أدرکته الصلاة فلیصل ، وأحلت لی الغنائم ، وکان النبی یبعث إلی قومه خاصة وبعثت إلی الناس کافة ، وأعطیت الشفاعة. انتهی .

وروی فی:5/226:

روایة الشفاعة المعروفة فی المصادر وأن الأنبیاء (علیهم السّلام) یهابون التقدم

ص: 504

للشفاعة للخلق ، ویطلبون من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أن یشفع إلی الله تعالی فیتقدم ویشفع . . وهی تدل علی أنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الشفیع الأول ، قال فیها: إذهبوا إلی محمد فیأتون محمداً فیقولون یا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبیاء وقد غفر الله لک ما تقدم من ذنبک وما تأخر ، إشفع لنا إلی ربک ، ألا تری إلی مانحن فیه ! فأنطلق فآتی تحت العرش فأقع ساجداً لربی عز وجل ثم یفتح الله علیَّ من محامده وحسن الثناء علیه شیئاً لم یفتحه علی أحد قبلی ، ثم یقال یا محمد إرفع رأسک ، سل تعطه واشفع تشفع .انتهی .

والی هنا یبدو أنه لامشکلة..

ولکن البخاری روی فی صحیحه ما یعارض ذلک ، ویجعل درجة نبی الله موسی(علیه السّلام)فی درجة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أو أفضل منه ! فقد روی أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )نهی المسلمین أن یفضلوه علی موسی ، وقال إنه عندما یبعث من قبره یجد موسی جالساً عند العرش قبله !!

قال البخاری فی صحیحه:7/193:

عن أبی هریرة قال: استبَّ رجلان ، رجلٌ من المسلمین ورجلٌ من الیهود ، فقال المسلم: والذی اصطفی محمداً علی العالمین ، فقال الیهودی والذی اصطفی موسی علی العالمین ، قال فغضب المسلم عند ذلک فلطم وجه الیهودی ، فذهب الیهودی إلی رسول الله(ص)فأخبره بما کان من أمره وأمر المسلم ، فقال رسول الله (ص): لا تخیرونی علی موسی ، فإن الناس یصعقون یوم القیامة فأکون أول من یفیق ، فإذا موسی باطشٌ بجانب

ص: 505

العرش ، فلا أدری أکان موسی فیمن صعق فأفاق قبلی ؟ أو کان ممن استثنی الله ؟ ! انتهی.

ورواه فی صحیحه فی سبعة مواضع أخری علی الأقل ! فی:3/89 ، وج 4/126 ، وج 5/196 ، وج 6/34 ، وج 8/48 ، وص 177 ، وص 192 ، وهی روایاتٌ متفاوتة فی دلالتها علی تفضیل موسی ، ولکن مجموعها کاف فی الدلالة علیه ، مهما حاول الشراح تأویلها !

فقد نصت الروایة المذکورة کما رأیت علی نهی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تفضیله علی موسی ، ووردت هذه العبارة ( لا تخیرونی علی موسی ) فی روایة البخاری الأخری:7/193 وفی:8/192 وکذا فی مسلم:7/101 ، وسنن أبی داود:2/407 ، وأحمد:2/264. وورد فی روایة:5/196 ( قال لا تخیرونی من بین الأنبیاء )

کما نصت علی أن موسی(علیه السّلام)مستثنی دون نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من الصعقة التی یقول الله تعالی عنها: وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَوَاتِ وَ مَنْ فِی الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَی فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ . الزمر : 68 ، وهذا امتیازٌ له علی جمیع الأنبیاء ! وروی مثلها فی:8/192 .

وجاء فی:8/177:

( فإذا أنا بموسی آخذ بقائمة من قوائم العرش ) وزاد فی:5/196 وج 8/48 ( فلا أدری أفاق قبلی ، أم جُزِیَ بصعقة الطور )

ص: 506

وفی:5/196:

( قال إنی أول من یرفع رأسه بعد النفخة الآخرة ، فإذا أنا بموسی متعلق بالعرش ) وفی روایة أخری فی غیر البخاری أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول ما ینفض رأسه من التراب یری موسی جالساً عند العرش !!

قد یقال: إن روایة البخاری لا تدل علی أن موسی أفضل من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنها تنص علی أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته فی الطور ولا علاقة له بالأفضلیة .

والجواب: أن الروایة واردةٌ أساساً فی مقام بیان أفضلیة موسی ، أو بالأقل عدم أفضلیة نبینا علیه ، فهذا هو موضوع الخلاف بین المسلم والیهودی ، وهو موضوع الحدیث ، وموضوع النهی المزعوم من النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن تفضیله علی موسی !!

وقد یقال: لو سلمنا أن الروایة تدل علی مساواة موسی لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو أفضلیته علیه، فهی لا تدل علی أن موسی هو الشفیع الأول .

والجواب: أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطی لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بسبب أنه أفضل الأنبیاء صلوات الله علیهم جمیعاً ، فإذا ثبت أن موسی أفضل منه ، فلا یبعد أن یکون هو رئیس المحشر وشفیعه . . الخ.

وقد حاولت بعض الروایات أن تحل المسألة مع الإسرائیلیات حلاً سلمیاً ، فتجعل الافضلیة لموسی ، وتحتفظ بدرجة الشفیع الأول لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کالتی

ص: 507

رواها الطبری فی تفسیره:24/20 قال: عن قتادة قال: ذکر لنا أن نبی الله قال: أتانی ملکٌ فقال یا محمد إختر نبیاً ملکاً أو نبیاً عبداً ، فأومأ الیَّ أن تواضع ، قال نبیاً عبداً ، قال فأعطیت خصلتین: أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسی فأجد موسی آخذاً بالعرش ، فالله أعلم أصُعِقَ بعد الصعقة الأولی ، أم لا. انتهی .

ولکنها علی أی حال محاولاتٌ فی مصلحة تصدیق الاسرائیلیات التی لا نثق بها !

ومن جهة أخری . . فإن تأویل الروایات الواردة فی موسی علی نبینا وآله وعلیه السلام حتی لو أمکن فهو لا یحل

المشکلة ، لأنه توجد فی صحاح إخواننا ومصادرهم روایات مشابهة عن کبار أنبیاء بنی إسرائیل ، فهی تفضلهم علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو تجعلهم فی درجته ، فلا بد من معالجتها جمیعاً !

ویحاول العلماء السنیون حل المشکلة بالتأویلات والإحتمالات البعیدة ، حتی لا یقعوا فی محذور رد الأحادیث الصحیحة أو تکذیب رواتها.. والدخول فی هذا البحث یخرجنا عن موضوعنا ، وإن کان من بحوث السیرة المهمة ، لکن نکتفی بذکر نماذج من هذه الأحادیث:

فمنها حدیث الحاکم المتقدم الصحیح علی شرط الشیخین ، الذی یعطی الشفاعة فی الموحدین لیعقوب(علیه السّلام)قبل نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بحجة أن یعقوب هو الذبیح !!

ومنها حدیث البخاری المتقدم فی:4/133 حیث جاء فیه ( فإنه ینفخ فی

ص: 508

الصور فیصعق من فی السموات ومن فی الأرض إلا من شاء الله ، ثم ینفخ فیه أخری فأکون أول من بعث ، فإذا موسی آخذٌ بالعرش ، فلا أدری أحوسب بصعقته یوم الطور ، أم بعث قبلی. ولا أقول إن أحداً أفضل من یونس بن متی !) ومثله فی مسلم:7/100

وفی البخاری:4/125:

عن ابن عباس عن النبی(ص)قال: لا ینبغی لعبد أن یقول أنا خیر من یونس بن متی ، ونسبه إلی أبیه.

وفی:4/132:

عن ابن عباس أیضاً ، عن النبی(ص)قال:

لا یقولن أحدکم إنی خیر من یونس ، زاد مسدد یونس بن متی. ونحوه فی:4/132 و:4/133 و:5/185 وص 193 بروایتین ، وفی:8/213

وقد صرحت روایة مسلم:7/102 بأنه حدیث قدسی !! وأنه یشمل کل الناس حتی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال:

عن النبی(ص)أنه قال یعنی الله تبارک وتعالی: لا ینبغی لعبد لی - وقال ابن المثنی لعبدی - أن یقول أنا خیر من یونس بن متی(علیه السّلام)) ! وروی نحوه فی/103

أما ابن ماجة فقد شدد علی الموضوع فروی فی:2/1428 عن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال ( ومن قال: أناخیر من یونس بن متی فقد کذب !. فی الزوائد:

ص: 509

إسناده صحیح رجاله ثقات .

وروی نحو ما فی البخاری أبو داود فی سننه:2/406 والترمذی ج1/118 وج 5/51

وعلل أفضلیة یونس فی کنز العمال:12/476:

فروی عن عدة مصادر ، عن علی ، عن النبی(ص)قال: لا ینبغی لأحد - وفی لفظ لعبد - أن یقول أنا خیرٌ من یونس بن متی ، سبح الله فی الظلمات !

أما روایاتهم عن نبی الله داود(علیه السّلام)فقد تکون أکثر صراحةً بتفضیله علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !!

ففی مجمع الزوائد:8/206:

عن أبی الدرداء قال: وکان رسول الله(ص)إذا ذکر داود(ص)قال: کان أعبد البشر. رواه البزار فی حدیث طویل وإسناده حسن .

وفی کنز العمال:12/476:

عن ابن عساکر ، عن أنس أن رجلاً قال للنبی (ص): یا خیر الناس ، قال: ذاک إبراهیم ! قال: یا أعبد الناس ، قال: ذاک داود !!. وفی:3/671 ( إن أخی داود کان أعبد البشر )

وفی صحیح البخاری:6/31 ونحوه فی:4/135:

قال سألت مجاهداً عن سجدة( سورة ) (ص) فقال سألت ابن عباس: من أین سجدت ( یعنی لماذا ) فقال: أو ما تقرأ: ومن ذریته داود وسلیمان أولئک الذین هدی الله فبهداهم اقتده ، فکان داود ممن أُمِرَ نبیکم(ص)أن

ص: 510

یقتدی به ، فسجدها رسول الله(ص)!!

ونفس المشکلة تجدها فی روایاتهم عن یحیی(علیه السّلام)، فقد روی الهندی فی کنز العمال:11/521 عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغیرهما ، عن ابن عباس: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطیئة ، إلا یحیی بن زکریا ، فإنه لم یهم بها ولم یعملها )

وفی کنز العمال:11/522 عن ابن عساکر: لا ینبغی لاحد أن یقول أنا خیر من یحیی بن زکریا ، ما همَّ یخطیئة ولا جالت فی صدره امرأة .

والنتیجة: أنه لابد للباحث من القول بأن روایات بنی اسرائیل وجدت طریقها إلی مصادر إخواننا السنیین فی عقیدة الشفاعة ، وبقیت ضعیفة فی بعض الحالات ، ولکنها فی حالات أخری صارت إلی صفِّ الروایات الإسلامیة وبستواها من الصحة .. وأحیاناً صارت أقوی منها وحلت محلها !!

أحسن تصور فی مصادر السنیین عن شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

حاول القاضی عیاض فی کتابه (الشفا ) أن یقدم أفضل صورة عن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ولذلک لم یتقید بروایات الصحاح، وجمع روایات لم یصححوها وجرَّدها من کثیر من الإسرائیلیات التی تفضل أنبیاء بنی إسرائیل علی نبینا ، کما جرَّد بعض روایاتها من تجسیم الإسرائیلیات ، وبقی فی بعضها ، ولم یجردها من التهم التی تضمنتها لادم وإبراهیم وموسی وعیسی (علیهم السّلام) عندما

ص: 511

یطلب الناس منهم الشفاعة یوم القیامة فیتکلمون عن خطایاهم وجرائمهم التی لم تغفر ! فجاءت صورة عیاض قریبة إلی أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) ، وکانت أحسن تصور قدمها عالمٌ سنیٌّ عن شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وفیما یلی مقتطفات من کلامه من/216 وما بعدها:

وعن أبی هریرة سئل عنها رسول الله(ص)یعنی قوله: عَسَی أَنْ یَبْعَثَکَ رَبُّکَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، فقال: هی الشفاعة .

وروی کعب بن مالک عنه (ص): یحشر الناس یوم القیامة فأکون أنا وأمتی علی تل ، ویکسونی ربی حلة خضراء ، ثم یؤذن لی فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلک المقام المحمود .

وعن ابن عمر رضی الله عنهما وذکر حدیث الشفاعة قال: فیمشی حتی یأخذ بحلقة الجنة ، فیومئذ یبعثه الله المقام المحمود الذی وعده .

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): إنی لقائم المقام المحمود ، قیل وما هو ؟ قال: ذلک یوم ینزل الله تبارک وتعالی علی کرسیه . . . !

وقال جابر بن عبد الله لیزید الفقیر: سمعت بمقام محمد یعنی الذی یبعثه الله فیه: قال قلت نعم ، قال: فإنه مقام محمد المحمود ، الذی یخرج الله به من یخرج یعنی من النار ، وذکر حدیث الشفاعة فی إخراج الجهنمیین.

وفی روایة أنس وأبی هریرة وغیرهما دخل حدیث بعضهم فی حدیث بعض قال (ص): یجمع الله الأولین والآخرین یوم القیامة فیلهمون فیقولون لو استشفعنا إلی ربنا. ومن طریق آخر عنه ماج الناس بعضهم فی بعض ، وعن أبی هریرة: وتدنو الشمس فیبلغ الناس من الغم ما لا یطیقون ولا

ص: 512

یحتملون ، فیقولون ألا تنظرون من یشفع لکم فیأتون آدم فیقولون . . .. .

وفی روایة: فآتی تحت العرش فأخر ساجداً ، وفی روایة فأقوم بین یدیه فأحمده بمحامد لا أقدر علیها ، إلا أنه یلهمنیها الله ، وفی روایة: فیفتح الله علیَّ من محامده وحسن الثناء علیه شیئاً لم یفتحه علی أحد قبلی . . .

وفی روایة قتادة عنه قال فلا أدری فی الثالثة أو الرابعة فأقول یا رب ما بقی فی النار إلا من حبسه القرآن أی من وجب علیه الخلود...

ومن طریق زیاد النمیری عن أنس أن رسول الله(ص)قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر ، وأنا سید الناس یوم القیامة ولا فخر ، ومعی لواء الحمد یوم القیامة ، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر ، فآتی فآخذ بحلقة الجنة ، فیقال من هذا ؟ فأقول محمد ، فیفتح لی فیستقبلنی الجبار تعالی ! فأخر ساجداً...

وفی روایة أنس سمعت رسول الله(ص)یقول: لاشفعن یوم القیامة لأکثر مما فی الأرض من حجر وشجر .

فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الاثار أن شفاعته(ص)ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلی آخرها ، من حین یجتمع الناس للحشر وتضیق بهم الحاجر ، ویبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه ، وذلک قبل الحساب ، فیشفع حینئذ لاراحة الناس من الموقف ، ثم یوضع الصراط ویحاسب الناس کما جاء فی الحدیث عن أبی هریرة وحذیفة ، وهذا الحدیث أتقن ، فیشفع فی تعجیل من لا حساب علیه من أمته إلی الجنة...

ثم یشفع فیمن وجب علیه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضیه الأحادیث الصحیحة ثم فیمن قال لا إله إلا الله. ولیس هذا لسواه(ص).. .

ص: 513

وفی/207:

أورد القاضی عیاض أحادیث فی أن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الشفیع الأول قبل غیره من الأنبیاء منها:

أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا ، وأنا قائدهم إذا وفدوا ، وأنا خطیبهم إذا أنصتوا ، وأنا شفیعهم إذا حبسوا ، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا ، لواء الکرم بیدی وأنا أکرم ولد آدم علی ربی ولا فخر ، ویطوف علیَّ ألف خادم کأنهم لؤلؤ مکنون .

وعن أبی هریرة: وأکسی حلةً من حلل الجنة ، ثم أقوم عن یمین العرش لیس أحد من الخلائق یقوم ذلک المقام غیری .

وعن أبی سعید الخدری قال قال رسول الله (ص): أنا سید ولد آدم یوم القیامة ، وبیدی لواء الحمد ولا فخر ، وما نبی یومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائی ، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر .

وعن ابن عباس رضی الله عنهما: أنا حامل لواء الحمد یوم القیامة ولا فخر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر ، وأنا أول من یحرک حلق الجنة فیفتح لی فأدخلها فیدخل معی فقراء المؤمنین ولا فخر ، وأنا أکرم الأولین والاخرین ولا فخر .

وعن أنس (رض) قال قال النبی (ص): أنا سید الناس یوم القیامة ، وتدرون لم ذلک ؟ یجمع الله الأولین والآخرین . . وذکر حدیث الشفاعة .

وفی حدیث آخر: أما ترضون أن یکون إبراهیم وعیسی فیکم یوم القیامة ،

ص: 514

ثم قال إنهما فی أمتی یوم القیامة ، أما إبراهیم فیقول أنت دعوتی وذریتی فاجعلنی من أمتک ، وأما عیسی فالأنبیاء إخوة بنو علات أمهاتهم شتی ، وإن عیسی أخی لیس بینی وبینه نبی ، وأنا أولی الناس به...

قوله أنا سید الناس یوم القیامة: هو سیدهم فی الدنیا ویوم القیامة ولکن أشار(ص)لإنفراده فیه بالسؤدد والشفاعة دون غیره ، إذ لجأ الناس إلیه فی ذلک فلم یجدوا سواه. والسید هو الذی یلجأ الناس إلیه فی حوائجهم ، فکان حینئذ سیداً منفرداً من بین البشر لم یزاحمه أحد فی ذلک ولا ادعاه. انتهی .

والنتیجة أن روایات الشفیع الأول فی مصادر السنیین متعارضة بشکل لا یمکن الجمع بینها فلا بد من ترجیح طائفة منها وإسقاط الأخری ، ولا شک فی أن الأرجحیة للطائفة الموافقة لأحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) وللعقل ، المخالفة للیهود .

مسألتا: الذبیح وأول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة

اشارة

یوجد مسألتان علی الأقل ترتبطان بمسألة الشفیع الأول ، تغلب فیهما الإسرائیلیات فی مصادر السنیین یناسب أن نتعرض لهما باختصار، خاصة أن شفاعة إسحاق وإبراهیم (علیهماالسّلام) وردت فی روایاتهما:

الأولی منهما فی تعیین الذبیح المذکور فی القرآن ، وهل هو إسحاق أوإسماعیل ؟

ص: 515

والثانیة فی أول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة ، هل هو إبراهیم أم نبینا صلی الله علیهما وآلهما !

المسألة الأولی

اشارة

رأی الشیعة أن الذبیح هو اسماعیل(علیه السّلام)کما سیأتی .

وقالت الیهود إن الذبیح هو إسحاق ولیس اسماعیل .

قال السید جعفر مرتضی فی ( الصحیح )من السیرة:2/47:

السؤال الذی یلح فی طلب الإجابة علیه هو: من أین جاء هذا الأمر الغریب: أن الذبیح هو إسحاق ؟

والجواب: هو ما قاله ابن کثیر وغیره ( إنما أخذوه والله أعلم من کعب الأحبار أو من صحف أهل الکتاب ، ولیس فی ذلک حدیث صحیح عن المعصوم حتی نترک من أجله ظاهر الکتاب. (1)

فالیهود إذن قد أرادوا ترویج عقیدتهم بین المسلمین ، وتخصیص هذه الفضیلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم. ولکن الیهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة فی هذا الأمر ، فإنها فی حین تقول ( خذ ابنک وحیدک الذی تحبه إسحاق. وإذهب إلی أرض المریا وأصعده هناک محرقة علی. .الخ. (2) فقد عبرت هنا بکلمة وحیدک الدالة علی أن إسحاق هو أکبر ولد إبراهیم ، ولکنها تعود فتکذِّب نفسها وتنص علی أن إسحاق لم یکن وحیداً وإنما ولِدَ وعمرُ إسماعیل أربعة عشر سنة. انتهی .

وقال فی هامشه:

ص: 516

(1) البدایة والنهایة:1/161 و159 وراجع السیرة الحلبیة:1/38 عن ابن تیمیة.

(2) سفر التکوین: الإصحاح 22 الفقرة 1 - 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أیضاً .

(3) سفر التکوین الإصحاح 16 فقرة 15-16

نص علی أن عمرَ إبراهیم حین ولادة إسماعیل 86 سنة. وفی سفر التکوین الإصحاح 17 والإصحاح 18 نص علی أنه ولد له إسماعیل وهو ابن 99 أو مئة سنة. انتهی .

أما السنیون فقد تحیروا تحیراً شدیداً فی من هو الذبیح ، وروت مصادرهم روایات ( صحیحة ) متناقضة ! فقد روی الحاکم مثلاً عدة روایات فی أن الذبیح المذکور فی القرآن هو اسماعیل ، وصحح بعضها علی شرط الشیخین !

قال الحاکم فی:2/430:

عن ابن أبی نجیح عن مجاهد عن ابن عباس رضی الله عنهما فی قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِیعَتِهِ لابْرَاهِیمَ ، قال من شیعة نوح إبراهیم علی منهاجه وسنته. بلغ معه السعی: شب حتی بلغ سعیه إبراهیم فی العمل. فلما أسلما: ما أمرا به.

وتله للجبین: وضع وجهه إلی الأرض فقال لا تذبحنی وأنت تنظر عسی أن ترحمنی فلا تجهز علی، إربط یدی إلی رقبتی ثم ضع وجهی علی الأرض، فلما أدخل یده لیذبحه فلم یحرک المدیة حتی نودی: أن یا إبراهیم قد صدقت الرؤیا فأمسک یده ورفع .

ص: 517

قوله فدیناه بذبح عظیم: بکبش عظیم متقبل. وزعم ابن عباس أن الذبیح اسمعیل ، هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی .

وقال فی:2/554:

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: الذبیح اسمعیل. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه. انتهی.

وروی فی الصفحة التی بعدها:

عن عطاء بن أبی رباح عن عبد الله بن عباس رضی الله عنهما أنه قال: المفدی اسمعیل ، وزعمت الیهود أنه إسحاق وکذبت الیهود. انتهی .

ثم روی الحاکم عدة روایات فی أن الذبیح هو إسحاق ، وأنه هو الذی یشفع للموحدین ! ولم یذکر فیها شیئاً عن شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وصحح بعضها أیضاً علی شرط الشیخین! قال فی:2/557 عن إحدی روایاته: قال الحاکم: سیاقة هذا الحدیث من کلام کعب بن ماتع الأحبار ، ولو ظهر فیه سندٌ لحکمتُ بالصحة علی شرط الشیخین ، فإن هذاإسنادٌ صحیحٌ لا غبار علیه !

وقال فی/559:

حدثنا إسمعیل بن الفضل بن محمد الشعرانی ، ثنا جدی ، ثنا سنید بن داود، ثنا حجاج بن محمد ، عن شعبة ، عن أبی إسحاق ، عن أبی الاحوص ، عن عبد الله قال عبد الله قال: الذبیح إسحاق. هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .

ص: 518

وحدثنا محمد بن عمرو الأویسی ، عن أبی الزبیر ، عن جابر (رض) قال: لما رأی إبراهیم فی المنام أن یذبح إسحاق أخذ بیده. فذکره بطوله . . . قال الحاکم: وقد ذکره الواقدی بأسانیده. وهذا القول عن أبی هریرة ، وعبد الله بن سلام ، وعمیر بن قتادة اللیثی ، وعثمان بن عفان ، وأبی بن کعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو ، والله أعلم. وقد کنت أری مشائخ الحدیث قبلنا وفی سائر المدن التی طلبنا الحدیث فیها ، وهم لا یختلفون أن الذبیح إسمعیل ، وقاعدتهم فیه قول النبی (ص): أنا ابن الذبیحین ، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعیل ، وأن الذبیح الآخر أبوه الادنی عبد الله بن عبد المطلب. والان فإنی أجد مصنفی هذه الأدلة یختارون قول من قال إنه إسحاق. انتهی .

فقد بین الحاکم أنه یوجد عند السنیین اتجاهان فی تعیین الذبیح: قول بأنه اسماعیل ، وهو الاتجاه الشعبی عند الناس وعند مشایخ الحدیث الاکثر تقدیساً للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )واختلاطاً بالناس ، ولم یکن عندهم شکٌّ ولا خلافٌ بأن الذبیح اسماعیل .

وقول بأنه إسحاق ، وهو اتجاه ( مصنفی هذه الأدلة ) أی مجموعات الأحادیث التی أمرت دولة الخلافة بتصنیفها ، وکانت تکتبها علی دفاتر وتبعث بها إلی الآفاق ، ومن راجع قصص دفاتر الزهری والعلماء الذین صنفوا الحدیث برعایة الدولة ، یعرف أن مقصود الحاکم هؤلاء المصنفین ! ثم أشار الحاکم إلی أن هذه الأحادیث أوجبت علیه أن یتوقف فیما هو مشهور عند مشائخ الحدیث ، وأن یمیل إلی اتجاه المصنفین ، وأن الذبیح إسحاق ولیس إسماعیل !

ص: 519

ثم أورد روایة عن وهب ابن منبه ( الیهودی المقبول فی مصادرهم ) تؤکد أن الذبیح إسحاق وأنه هو شفیع الموحدین !! قال الحاکم:

عن وهب بن منبه قال: حدیث إسحاق حین أمر الله إبراهیم أن یذبحه: وهب الله لإبراهیم إسحاق فی اللیلة التی فارقته الملائکة ، فلما کان ابن سبع أوحی الله إلی إبراهیم أن یذبحه ویجعله قرباناً ، وکان القربان یومئذ یتقبل ویرفع ، فکتم إبراهیم ذلک إسحاق وجمیع الناس وأسرَّه إلی خلیل له ، فقال العازر الصدیق وهو أول من آمن بابراهیم وقوله ، فقال له الصدیق: إن الله لا یبتلی بمثل هذا مثلک ولکنه یرید أن یجربک ویختبرک، فلا تسوأن بالله ظنک فإن الله یجعلک للناس إماماً ولا حول ولا قوة لابراهیم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحیم. فذکر وهب حدیثا طویلاً إلی أن قال وهب: وبلغنی أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: لقد سبق إسحاق الناس إلی دعوة ما سبقها إلیه أحد ! ویقومن یوم القیامة فلیشفعن لأهل هذه الدعوة ، وأقبل الله علی إبراهیم فی ذلک المقام فقال:

إسمع منی یا إبراهیم أصدق الصادقین. وقال لاسحاق: إسمع منی یا أصبر الصابرین ، فإنی قد ابتلیتکما الیوم ببلاء عظیم لم أبتل به أحداً من خلقی ، ابتلیتک یا إبراهیم بالحریق فصبر صبراً لم یصبر مثله أحد من العالمین ، وابتلیتک بالجهاد فیَّ وأنت وحیدٌ وضعیفٌ فصدقت وصبرت صبراً وصدقاً لم یصدق مثله أحد من العالمین ، وابتلیتک یا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسک ولم تعظم ذلک فی طاعة أبیک ، ورأیت ذلک هنیئاً صغیراً فی الله کما یرجو من أحسن ثوابه ویسر به حسن لقائه ، وإنی أعاهدکما الیوم عهداً لا أحبسن به: أما أنت یا إبراهیم فقد وجبت لک الجنة علیَّ فأنت خلیلی من

ص: 520

بین أهل الأرض دون رجال العالمین ، وهی فضیلة لم ینلها أحد قبلک ولا أحد بعدک ، فخرَّ إبراهیم ساجداً تعظیماً لما سمع من قول الله متشکراً لله .

وأما أنت یا إسحاق فتمنَّ علیَّ بما شئت ، وسلنی واحتکم ، أوتک سؤلک .

قال: أسألک یا إلهی أن تصطفینی لنفسک ، وأن تشفعنی فی عبادک الموحدین ، فلا یلقاک عبدٌ لا یشرک بک شیئاً إلا أجرته من النار .

قال له ربه: أوجبت لک ما سألت وضمنت لک ولأبیک ما وعدتکما علی نفسی ، وعداً لا أخلفه ، وعهداً لا أحبسن به ، وعطاء هنیئاً لیس بمردود. انتهی .

والنتیجة أن الحاکم یشهد بأن الروایات القائلة بأن الذبیح اسماعیل صحیحة ومشهورة عند مشائخ الحدیث وعامة الناس .

ویشهد أیضاً بأن الروایات القائلة بأن الذبیح إسحاق صحیحة أیضاً عند أهل المصنفات ، وهو یرجحها مع أنها مخالفة للمشهور !

لکن یبقی السؤال: من أین جاء هذان الاتجاهان فی المسألة !

أما البخاری فقد تهرب فی صحیحه من تعیین الذبیح ولکنه اختار فی تاریخه أنه إسحاق ولیس إسماعیل رغم وجود عدة روایات صحیحة علی شرطه تقول إنه اسماعیل ومن البعید جداً أنه لم یرها !

قال السیوطی فی الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد بن حمید والبخاری فی تاریخه وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم وابن مردویه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبیح إسحاق.

ص: 521

انتهی .

بل یمکن القول إن البخاری اختار فی صحیحه أیضاً أن الذبیح إسحاق لأن الروایة الیتیمة التی رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من روایة مجاهد المتقدمة فی مستدرک الحاکم ، وقد حذف منها أن الذبیح اسماعیل ! !

قال البخاری فی صحیحه:8/70:

باب رؤیا إبراهیم وقوله تعالی: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْیَ قَالَ یَا بُنَیَّ إِنِّی أَرَی فِی الْمَنَامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَی . . . قال مجاهد: أسلما: سلما ما أمرا به ، وتله: وضع وجهه بالأرض. انتهی .

ولابد أن البخاری لم یرتض رأی مجاهد فی أصل هذه الروایة وغیرها بأن الذبیح اسماعیل ، ولذلک حذفه من تفسیره للایات الذی نقله عنه ! ولکنه لم یشیر إلی ما فعل مع الأسف !

ووما یدل علی أن رأی مجاهد القاطع بأن الذبیح اسماعیل : ما رواه السیوطی فی الدر المنثور: 5/280 قال:

وأخرج سعید بن منصور وابن المنذر وابن أبی حاتم من طریق مجاهد ویوسف بن ماهک عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: الذبیح اسمعیل(علیه السّلام) .

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر من طریق یوسف بن مهران وأبی الطفیل عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: الذبیح اسمعیل(علیه السّلام).

وأخرج عبد بن حمید عن سعید بن المسیب وسعید بن جبیر قالا: الذی أراد إبراهیم(علیه السّلام)ذبحه اسمعیل(علیه السّلام).

ص: 522

وأخرج ابن جریر عن الشعبی ومجاهد والحسن ویوسف بن مهران ومحمد بن کعب القرظی مثله. انتهی .

وأما مسلم ، فلم نجد فیه روایة تعین الذبیح ! ولو کان یری أنه إسماعیل

لذکره ، لوجود روایات عدیدة صحیحة علی شرطه فی ذلک ، ومن البعید أنه لم یرها ! فلا بد أنه کالبخاری والحاکم رجح أن الذبیح إسحاق .

أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلک ؟

ولماذا أسقطوا الأحادیث الصحیحة بأن الذبیح اسماعیل !

فالجواب: أنهم فعلوه لحاجة فی نفس یعقوب !!

والحاجة التی فی نفس یعقوب هنا: أن قریشاً تبنت القول بأن الذبیح هو إسحاق حتی لا تضطر إلی الإعتراف بحدیث ( أنا ابن الذبیحین ) لأن هذا الحدیث یعطی لعبد المطلب مقاماً شبیهاً بمقام إبراهیم(علیه السّلام)وأنه کان ولیاً ملهماً کالأنبیاء وأن الله تعالی امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه . . وإذا اعترفت بذلک ، فإن حق الحکم بعد النبی یجب أن یکون فی ذریة عبد المطلب دون غیرهم من بیوتات قریش وقبائلها !!

فالأفضل للقرشیین فی تصورهم أن یقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وکل أسرة النبی الماضین، کانوا کفاراً وأنهم فی النار ، وأن ورثة سلطان النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )هم جیل قریش الذین عاصروه من جمیع قبائل قریش الثلاث والعشرین !

ولهذا نجد أن شخص ( الخلیفة ) یتدخل فی هذا الموضوع ویصیر راویاً ،

ص: 523

ویقول إن النبی لم یقل إنه ابن الذبیحین ،ولکن بدویاً فقیراً تقرب إلیه بهذه العبارة ، فتبسم لها النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! وقد کان تبسمه اشتباهاً ورأیاً رآه من عنده ولم ینزل علیه به وحی !!

روی الحاکم فی المستدرک:2/554 عن: عبد الله بن سعید الصنابحی قال: حضرنا مجلس معاویة بن أبی سفیان فتذاکر القوم اسمعیل وإسحاق بن إبراهیم فقال بعضهم: بل إسحاق الذبیح فقال معاویة: سقطتم علی الخبیر کنا عند رسول الله فأتاه الاعرابی فقال: یا رسول الله خلفت البلاد یابسة والماء یابساً هلک المال وضاع العیال فعد علی بما أفاء الله علیک یابن الذبیحین فتبسم رسول الله ولم ینکر علیه !!

فقلنا یا أمیرالمؤمنین وما الذبیحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ینحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بینهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بنی مخزوم وقالوا: أرض ربک وافد ابنک. قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبیح واسمعیل الثانی. انتهی .

وفی ظنی أن الراوی تصرف فی القسم الأخیر من کلام معاویة ، لأنه فی القسم الأول نفی مسألة الذبیح من أصلها ! ولا بد أن تکون بقیة حدیث معاویة فی نفی الذبیحین بلسان معاویة أو عن لسان النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

لقد التقت مصلحة القرشیین فی هذه المسألة مع مصلحة الیهود ! وکعب الأحبار وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة ، لیثبتوا أن الذبیح اسحاق ، ولیس إسماعیل ، وینقضوا علی الشفاعة للموحدین فیأخذوها من النبی

ص: 524

(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ویجعلوها لاسحاق !!

ویتضح عمل کعب فی الموضوع من الروایة التالیة التی رواها عبد الرزاق فی تفسیره:2/123 عن الزهری عن القاسم بن محمد فی قوله: إنی أری فی المنام أنی أذبحک ، قال: اجتمع أبو هریرة وکعب فجعل أبو هریرة یحدث کعباً عن النبی (ص) وجعل کعب یحدث أبا هریرة عن الکتب ! فقال: أبو هریرة قال النبی (ص): إن لکل نبی دعوة مستجابة وإنی خبأت دعوتی شفاعة لامتی یوم القیامة فقال له کعب: أنت سمعت هذا من رسول الله ! قال نعم .

قال کعب: فداه أبی وأمی أفلا أخبرک عن إبراهیم إنه لما رأی ذبح ابنه إسحاق قال الشیطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهیم بابنه لیذبحه فذهب الشیطان فدخل علی سارة فقال: أین ذهب إبراهیم بابنک قالت: غدا به لبعض حاجته فقال: إنه لم یغد به لحاجة إنما ذهب لیذبحه. قالت: ولم یذبحه ! قال: یزعم أن ربه أمره بذلک ! قالت: فقد أحسن أن یطیع ربه فی ذلک فخرج الشیطان فی أثرهما فقال للغلام أین یذهب بک أبوک قال

لحاجته قال إنما یذهب بک لیذبحک ! قال لم یذبحنی قال یزعم أن ربه أمره بذلک ! قال والله لئن کان أمره بذلک لیفعلن. قال فترکه ولحق بإبراهیم فقال: أین غدوت بابنک فقال لحاجة قال: فإنک لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه ! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربک أمرک بذلک ! قال: فوالله لئن کان أمرنی بذلک لافعلن. قال: فترکه ویئس أن یطاع. انتهی .

ص: 525

وروی الطبری فی تاریخه:1/187:

روایة معاویة وعدة روایات عن کعب الأحبار فی أن الذبیح إسحاق ، ومنها روایة عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فیها: فلما أخذ إبراهیم إسحاق لیذبحه وسلم إسحاق أعفاه الله وفداه بذبح عظیم قال إبراهیم لإسحاق قم أی بنی فإن الله قد أعفاک فأوحی الله إلی إسحاق إنی أعطیک دعوة أستجیب لک فیها قال إسحاق: اللهم فإنی أدعوک أن تستجیب لی أیما عبد لقیک من الأولین والآخرین لا یشرک بک شیئاً فأدخله الجنة. انتهی .

وبذلک یقول لنا کعب: إن الذبیح هو إسحاق جد الیهود ولیس جد العرب ، ثم إنکم تزعمون أن محمداً یشفع فی الموحدین ، وقد سبقه إلی ذلک إسحاق فلم یبق معنی لشفاعة نبیکم !

وقال السیوطی فی الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر وابن أبی حاتم والحاکم وصححه والبیهقی فی شعب الإیمان عن کعب (رض) أنه قال لابی هریرة: ألا أخبرک عن اسحاق قال بلی قال: لما رأی إبراهیم أن یذبح إسحاق . . . وذکر شفاعة اسحاق للموحدین بنحو روایة الطبری المتقدمة !

وقال ابن خلدون فی تاریخه:2/38:

واختلف فی ذلک الذبیح من ولدیه ، فقیل اسمعیل وقیل اسحاق وذهب إلی کلا القولین جماعة من الصحابة والتابعین فالقول باسمعیل لابن عباس وابن عمر والشعبی ومجاهد والحسن ومحمد بن کعب القرظی وقد یحتجون له

ص: 526

بقوله صلی الله علیه وسلم: أنا ابن الذبیحین ولا تقوی الحجة به لأن عم الرجل قد یجعل أباه بضرب من التجوز لا سیما فی مثل هذا الفخر !!

ویحتجون أیضاً بقوله تعالی: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَآءِ إِسْحَاقَ یَعْقُوبَ ولو کان ذبیحاً فی زمن الصبا لم تصح البشارة بابن یکون له لأن الذبح فی الصبا ینافی وجود الولد ولا تقوم من ذلک حجة لأن البشارة إنما وقعت علی وفق العلم بأنه لا یذبح وأنما کان ابتلاء لإبراهیم .

والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلی وابن مسعود وکعب الأحبار وزید بن أسلم ومسروق وعکرمة وسعید بن جبیر وعطاء والزهری ومکحول والسدی وقتادة . انتهی .

وینبغی الإلتفات هنا إلی أن أصل القول بأن الذبیح إسحاق من شخصین حسب روایة ابن خلدون وغیره:

الأول: الخلیفة عمر مؤسس الخلافة القرشیة وصاحب مشروع عزل بنی هاشم عن الخلافة .

والثانی: کعب الأحبار حامل رایة الثقافة الإسرائیلیة .

وقد ذکر الرواة المؤیدون للخلافة القرشیة اسم علی والعباس، ورووا عنهما أن الذبیح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب ، ومن المناسب الإحتجاج بشهادتهما لسلب هذه المنقبة العظیمة عن عبد المطلب ، التی تجعله بنص الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إبراهیم الثانی !

ویظهر أن قریشاً وکعباً لم یستطیعوا إقناع جمهور المسلمین بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن ، ولا إسکات بنی هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبیح

ص: 527

هو إسحاق ، وإن رووا ذلک عنهم ، فقد بقی عوام المسلمین مع ظاهر القرآن وفطرتهم ، وبقیت روایات أهل البیت الصریحة ، وروایات ابن عباس التی تقدمت فی مستدرک الحاکم: 2/555: قال: المفدی إسمعیل وزعمت الیهود أنه إسحاق وکذبت الیهود. انتهی. بقی کل ذلک یتحدی رواة الخلافة القرشیة واسرائیلیاتها !

رأی أهل البیت (علیهم السّلام)

تؤکد مصادر أهل البیت(علیهم السّلام) أن الذبیح هو اسماعیل(علیه السّلام)وقد قوی العلماء روایاته وضعفوا روایة أن الذبیح إسحاق حتی صار ذلک من مختصات مذهبنا . . ففی تفسیر القمی:2/226: قال: وحدثنی أبی عن صفوان بن یحیی وحماد عن عبدالله بن المغیرة عن ابن سنان عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال سألناه عن صاحب الذبح فقال: اسماعیل. وروی عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: أنا ابن الذبیحین یعنی اسماعیل وعبد الله بن عبد المطلب .

وفی تفسیر التبیان:8/517:

واختلفوا فی الذبیح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن کعب القرطی وسعید بن المسیب والحسن فی إحدی الروایتین عنه والشعبی: إنه کان إسماعیل وهو الظاهر فی روایات أصحابنا ویقویه قوله بعد هذه القصة وتمامها: وبشرناه بإسحاق نبیاً من الصالحین فدل علی أن الذبیح کان اسماعیل. ومن قال: إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترک الظاهر لأن الظاهر یقتضی البشارة بإسحاق دون نبوته .

ص: 528

ویدل أیضاً علیه قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق یعقوب ولم یذکر اسماعیل. فدل علی أنه کان مولوداً قبله .

وأیضاً فإنه بشره بإسحاق وأنه سیولد له یعقوب فکیف یأمره بذبحه مع ذلک ؟ وأجابوا عن ذلک بأن الله لم یقل إن یعقوب یکون من ولد إسحاق .

وقالوا أیضاً یجوز أن یکون أمره بذبحه بعد ولادة یعقوب. والأول هو الاقوی علی ما بیناه. وقد روی عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: أنا ابن الذبیحین ولا خلاف أنه کان من ولد اسماعیل والذبیح الآخر عبد الله أبوه. انتهی

وفی تفسیر نور الثقلین:4/421:

فی أمالی شیخ الطائفة+بإسناده إلی سلیمان بن یزید قال: حدثنا علی بن موسی قال: حدثنی أبی عن أبیه عن أبی جعفر عن أبیه عن آبائه (علیهم السّلام) قال: الذبیح اسماعیل(علیه السّلام) .

وفی مهج الدعوات فی دعاء مروی عن أمیر المؤمنین (علیه السّلام) عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یا من فدی اسماعیل من الذبح .

وفی مستدرک الوسائل:16/98:

وفی العیون: عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعید الکوفی عن علی بن حسن بن فضال عن أبیه قال: سألت أبا الحسن الرضا (علیه السّلام)عن معنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین قال: یعنی إسماعیل بن إبراهیم الخلیل (علیهماالسّلام) وعبد الله بن عبدالمطلب... إلی أن قال: وأما الآخر فإن عبدالمطلب کان تعلق بحلقة باب الکعبة ودعا الله عز وجل أن یرزقه عشرة بنین ونذر لله عز وجل أن یذبح واحداً منهم متی أجاب الله دعوته

ص: 529

فلما بلغوا عشرة قال: قد وفی الله تعالی لی فلافین لله عز وجل فأدخل ولده الکعبة وأسهم بینهم فخرج سهم عبد الله . . الخبر .

ابن شهر آشوب فی المناقب: تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعیل فنذر أنه متی رزق عشرة أولاد ذکوراً أن ینحر أحدهم فی الکعبة شکراً لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم: یا بنی ما تقولون فی نذری فقالوا: الأمر إلیک ونحن بین یدیک..الخبر. انتهی .

بحث فی إیمان عبد المطلب وروایة أنا ابن الذبیحین

نظراً لاهمیة هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبی وشخصیة أبیه وجده(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .. نستعرضها بشکل موجز ، ونبین ظلامة عبد المطلب فی مصادر السنیین:

فقد روت مصادرهم بأسانید صحیحة عن لسان أصدق الصادقین الناطق بإلهام رب العالمین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، نقاطاً ملفتة فی مدح عبد المطلب ، توجب الإعتقاد بأن شخصیته شخصیة ربانیة ، وتوجب رفض الروایات التی تعارضها وتتهمه بالشرک وعبادة الأصنام !

فمن هذه الأحادیث:

أنه عندما انهزم المسلمون فی حنین وترکوا نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بین سهام الکفار ورماحهم وسیوفهم فی أشد ظروف الخطر ، ولم یبق معه إلا الملائکة وعلی وبعض بنی هاشم..ترجل(صلّی الله علیه و آله وسلّم )للحرب وافتخر علی الکفار بأمرین: نبوته ، وأنه ابن عبد المطلب وباهاهم بذلک بین یدی الله تعالی وقاتلهم !

والنبی العادی لا یفتخر بجده وآبائه إذا کانوا کفاراً ، فکیف بسید الأنبیاء

ص: 530

والمرسلین وأتقی الموحدین(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!

قال البخاری فی صحیحه:5/98:

عن أبی إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال: یا أبا عمارة أتولیت یوم حنین ! فقال أما أنا فأشهد علی النبی(ص)أنه لم یول ولکن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفیان بن الحرث ( بن عبد المطلب ) آخذ برأس بغلته البیضاء ( وهو ) یقول:

أنا النبی لا کذب

أنا ابن عبد المطلب

وقال البخاری فی:3/220:

قال: لا والله ما ولی النبی(ص)، ولکن ولی سرعان الناس ، فلقیهم هوازن بالنبل، والنبی(ص)علی بغلته البیضاء، وأبو سفیان بن الحر ث آخذ بلجامها، والنبی(ص)یقول:

أنا النبی لا کذب أنا ابن عبد المطلب

وقال فی:4/28:

فلما غشیه المشرکون نزل فجعل یقول:

أنا النبی لا کذب

أنا ابن عبدالمطلب

قال: فما رؤی من الناس یومئذ أشد منه ! ورواه مسلم فی:5/168 و 169

وقال البخاری فی صحیحه:4/161:

باب من انتسب إلی آبائه فی الإسلام والجاهلیة. وقال ابن عمرو وأبو هریرة عن النبی (ص): إن الکریم ابن الکریم بن الکریم بن الکریم یوسف بن یعقوب بن إسحاق بن إبراهیم خلیل الله. وقال البراء عن النبی (ص): أنا ابن

ص: 531

عبد المطلب.

ومن هذه الأحادیث:

ما دل أن الله تعالی جعل فی شریعته الخالدة مالیة خاصة لأبناء عبد المطلب إلی یوم القیامة ، فحرم علیهم الصدقات لأنها أوساخ الناس ، وجعل لهم بدلها الخمس. وإن شخصاً یکون فی ذریته أبرار وأخیار بهذا المستوی إلی یوم القیامة ، یستبعد أن یکون مشرکاً عابداً للأصنام !

قال النسائی فی سننه:7/134:

عن مجاهد قال الخمس الذی لله وللرسول کان للنبی(ص)وقرابته لا یأکلون من الصدقة شیئاً . . . قال الله جل ثناؤه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذی القربی والیتامی والمساکین وابن السبیل .

وقال أبو داود فی سننه:2/26:

حدثنا حسین بن علی العجلی، ثنا وکیع، عن الحسن بن صالح، عن السدی، فی ذی القربی قال: هم بنو عبد المطلب .

وقال النسائی:5/105:

باب استعمال آل النبی(ص)علی الصدقة... أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا یونس عن ابن شهاب عن عبدالله بن الحرث بن نوفل الهاشمی أن عبد المطلب بن ربیعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربیعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربیعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتیا رسول الله(ص)فقولا له

ص: 532

استعملنا یا رسول الله علی الصدقات ، فأتی علی بن أبی طالب ونحن علی تلک الحال فقال لهما: إن رسول الله(ص)لا یستعمل منکم أحداً علی الصدقة ، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتی أتینا رسول الله(ص)، فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هی أوساخ الناس ، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد !

وفی صحیح مسلم:3/118:

عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن الصدقة لاتنبغی لآل محمد ، إنما هی أوساخ الناس... وقال أیضاً: ثم قال رسول الله (ص): أدعوا لی محمیة بن جزء ، وهو رجل من بنی أسد کان رسول الله(ص)استعمله علی الأخماس. انتهی.

ونحوه فی سنن أبی داود:2/28 ومسند أحمد:4/166 والبیهقی فی سننه:7/31 - وشبهه فی:6/338

وروی إحدی روایاته الحاکم فی المستدرک:3/484وقال: هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. وروی نحوه فی کنز العمال:6/458 بعدة روایات .

ومعنی قوله ادعوا لی محمیة: أدعوا لی المسؤول عن الأخماس التی هی شرعاً لبنی عبد المطلب ، حتی أعطی هؤلاء منها. وهو یدل علی أن النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )نفذ فی حیاته الحکم الشرعی فی الخمس ، وجعل له مسؤولاً هو محمیة بن جزء، ولکن ذلک انتهی بوفاته ، ولم یبق له أثرٌ عند خلفاء قریش!

ص: 533

وقد یشکل علی هذا التشریع الإسلامی: بأنه قد أسس الطبقیة فی المجتمع الإسلامی ، وجعل أسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )من بنی هاشم وعبد المطلب ، أسرة ممیزة اجتماعیاً ومالیاً ، بل ومترفعة علی غیرها ، فهی لا تأکل من أموال بیت المال التی تتجمع من الزکوات والضرائب لأنها أوساخ الناس ، بل لها مالیتها الخاصة فی موارد الدولة.

وقد اختلف الفقهاء فی موارد مالیة بنی عبد المطلب هذه ، فحصرها فقهاء الخلافة القرشیة بغنائم الحرب وجعلوا خمسها لذوی قربی النبی من بنی هاشم..وعممها فقهاء الشیعة لکل مایغنم فی الحرب والکسب ، مما زاد علی مصارف المسلم السنویة.. فقد یقال إن هذه الاموال تشکل میزانیة دولة فکیف یجعلها الله تعالی لاسرة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ؟!

والجواب: أولاً ، أن الخمس لیس لأغنیاء بنی هاشم ، بل هو مختص بفقرائهم المؤمنین .

وثانیاً ، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الأنبیاء والنابغین أمر حضاری ، فلو أن مجلس العموم البریطانی مثلاً أقرَّ قانوناً بإعطاء أبناء آینشتاین من أموال الدولة ما یکفی لمعیشة فقراءهم ، بسبب أنهم من ذریة عالم نابغ ، ویؤمل أن ینبغ منهم آخرون..لرأی فیه المعترضون علی الخمس الإسلامی عملاً عصریاً صحیحاً ، واهتماماً جیداً من دولة متحضرة !

فما هو الإشکال فی أن تهتم الشریعة الخاتمة بذریة سید الأنبیاء وأسرته (صلّی الله علیه و آله وسلّم )وتجعل لهم میزانیة من أزکی الموارد ، لمن کان منهم مؤمناً محتاجاً .

ص: 534

وثالثاً ، إن الذی یشکل علی تشریع الخمس لال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علیه أن یرجع إلی القرآن لیری ما هو أعظم من الخمس ، فإن نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو الوحید من بین الأنبیاء الذی أوجب الله تعالی علی أمته إعطاءه أجراً علی تبلیغ الرسالة ، وجعل هذا الأجر: مودة آله فقال (قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی) ولذا أفتی کل فقهاء المذاهب بنفاق الناصبی الذی یکره آل النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأفتی بعضهم بکفره !

إن المتأمل فی آیات القرآن وتاریخ الأدیان ، لا مفر له من القول بأن الله تعالی من الأصل قد اختار الأنبیاء وأسرهم لتبلیغ الدین الإلهی ، وإقامة الحکم به فی المجتمعات البشریة. فالاسرة المختارة أساسٌ فی نظام الدین الإلهی ، ولکنها أسرة مصطفاة من الله العلیم بشخصیات عباده ، الحکیم فی اختیار أنبیائه وأولیائه . . لا کالاسر التی یختارها الناس بأهوائهم ، أو بعلمهم المحدود ، أو الأسر التی تتسلط بالقوة وتفرض نفسها علی الناس !

قال الله تعالی: إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ . ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ . آل عمران 33 - 34

وقال عن جمهرة أسر الأنبیاء:

وَتِلْکَ حُجَّتُنَا آتَیْنَاهَا إِبْرَاهِیمَ عَلَی قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّکَ حَکِیمٌ عَلِیمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ کُلاًّ هَدَیْنَا وَنُوحًا هَدَیْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّیَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَی وَهَارُونَ وَکَذَلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ . وَزَکَرِیَّا وَیَحْیَی وَعِیسَی وَإِلْیَاسَ کُلٌّ مِنَ الصَّالِحِینَ .

ص: 535

وَإِسْمَاعِیلَ وَالْیَسَعَ وَیُونُسَ وَلُوطًا وَکُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَی الْعَالَمِینَ . وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَیْنَاهُمْ وَ هَدَیْنَاهُمْ إلی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ . ذَلِکَ هُدَی اللهِ یَهْدِی بِهِ مَنْ یَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَکُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ . أُولَئِکَ الَّذِینَ آتَیْنَاهُمُ الْکِتَابَ وَالْحُکْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ یَکْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَکَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَیْسُوا بِهَا بِکَافِرِینَ . الأنعام : 83 - 89

وقال عن دعاء زکریا بالذریة الطیبة:

هُنَالِکَ دَعَا زَکَرِیَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِی مِنْ لَدُنْکَ ذُرِّیَّةً طَیِّبَةً إِنَّکَ سَمِیعُ الدُّعَاءِ . آل عمران : 38

وقال عن ذریة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وکثرتهم:

وَکَذَلِکَ أَنْزَلْنَاهُ حُکْمًا عَرَبِیًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَکَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا وَاقٍ . وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِکَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّیَّةً وَمَا کَانَ لِرَسُولٍ أَنْ یَأْتِیَ بِآیَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِکُلِّ أَجَلٍ کِتَابٌ . الرعد : 37 - 38

إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّکَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الأَبْتَرُ . الکوثر : 1-3

وقال عن دعاء الملائکة للذریات المؤمنة:

الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ شَئٍْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِی وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ

ص: 536

الْحَکِیمُ . وَقِهِمُ السَّیِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّیِّئَاتِ یَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ . غافر : 7 - 9

وقال عن نظام الذریة والاسر فی الآخرة أیضاً:

وَالَّذِینَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِیَةً وَیَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّیِّئَةَ أُولَئِکَ لَهُمْ عُقْبَی الدَّارِ . جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّیَّاتِهِمْ وَالْمَلائِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِمْ مِنْ کُلِّ بَابٍ . سَلامٌ عَلَیْکُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ . الرعد : 22-24

مُتَّکِئِینَ عَلَی سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِینٍ . وَالَّذِینَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئْ کُلُّ امْرِئٍ بِمَا کَسَبَ رَهِینٌ. الطور : 20 - 21 انتهی .

فنظام الأسرة والذریة نظام طبیعی فی بنی آدم ، وقد أقره الله تعالی واستفاد منه فی الدین الإلهی.

وإذا کانت البشریة قد عانت الویلات والمآسی وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام الاسر الفاسدة المتجبرة . . فإن ذلک یرجع إلی فساد تلک الأسر ولا یصح أن یکون سبباً لرفض بنیة الأسرة وفکرتها . . فهذه البنیة تختزن إیجابیات کبری لحمل الرسالة واستمرارها کما أن فیها خطر سلبیات کبری أیضاً وأن تتحول إلی ملک عضوض . . وقد تحدث القرآن عن الأجیال التی فسدت من أسر الأنبیاء وأتباعهم فقال تعالی:

أُولَئِکَ الَّذِینَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنَ النَّبِیِّینَ مِنْ ذُرِّیَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّیَّةِ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْرَائِیلَ وَمِمَّنْ هَدَیْنَا وَاجْتَبَیْنَا إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ

ص: 537

آیَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُکِیًّا . فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ یَلْقَوْنَ غَیًّا . إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِکَ یَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا یُظْلَمُونَ شَیْئًا. مریم: 58 -60

لکن عندما یختار الله تعالی أسرة کأسرة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ویصطفیها فلیس معناه أنه یختار کل أفرادها علی علاتهم بل معناه أنه یختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سیوجد منها أفراد معصومون یختارهم لهدایة الأمة وقیادتها .

ولو فکرت فیما نقلته الصحاح من قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی حدیث الثقلین ( ولقد أخبرنی اللطیف الخبیر أنهما لن یفترقا حتی یردا علی الحوض ) لما وجدت له معنی إلا أن الله تعالی أخبر نبیه بأنه سیکون من عترته شخص معصوم یواصل خط نبوته فی کل عصر إلی یوم القیامة! فالاختیار لبنی عبد المطلب کلیٌّ عام لانهم معدن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )ومعدن الأئمة من عترته (علیهم السّلام) ولأنهم الأفضل بالمقایسة مع غیرهم من الأسر ، فهی أقلهم سلبیات وأکثرهم إیجابیات . . وهو اختیار ترافقه تشریعات حازمة شرعها الله تعالی بشأنهم تتلخص بما یلی:

أن المودة والاحترام لجمیع بنی هاشم ، بشرط الإسلام والإیمان .

أن الخمس لفقرائهم المؤمنین بمقدار کفایتهم وتمشیة أمور معیشتهم .

أن وجوب الإطاعة فقط لاولی الأمر المعصومین منهم (علیهم السّلام) الذین هم الأئمة الإثنا عشر لاغیر . . وقد تقدم فی الفصل الثامن تفسیر آیة المصطفین الذین أورثهم الله الکتاب بعد نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وأنهم محصورون فی ذریة فاطمة الزهراء(علیهاالسّلام)، وأن الصالحین منهم ثلاثة أنواع: سابق بالخیرات وهم الأئمة (علیهم السّلام) ومقتصد وظالم لنفسه .

ص: 538

ومن الأمور الطریفة أن الذین ینتقدون الشیعة لتمسکهم بمودة أهل البیت وولایتهم (علیهم السّلام) ویقولون إن مذهب التشیع مذهب أسری ، ینسون أنهم أسریون أکثر منا ! فنحن نعتقد أن الخلافة فی هذه الأمة إلی یوم القیامة مخصوصة فی ذریة النبی عملاً بنصه (صلّی الله علیه و آله وسلّم )..بینما هم یقولون إن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لم ینص علی أحد ، وبعضهم یقول إنه علی أن الخلافة فی قریش إلی یوم القیامة ، لأنهم قبیلة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ).

فنحن أسریون بالنص ، وهم قبلیون بغیر نص ، أو بنص !

ونطاق ولائنا نحن لبنی هاشم وعبد المطلب بصورة عامة، ولإثنی عشر إماماً منهم بصورة خاصة . . بینما نطاق ولائهم لبضع وعشرین قبیلة، هم مجموعة قبائل قریش ، ومنهم أئمة الشرک ، والکفر ، والنفاق !

وقد روینا ورووا أن علیاً(علیه السّلام)بعد أن فرغ من مراسم تغسیل النبی والصلاة علیه ودفنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بلغه أن بعض زعماء قریش ذهبوا إلی السقیفة حیث کان رئیس الأنصار مریضاً، واحتجوا علی الأنصار بأنهم قوم النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وعشیرته وأولی منهم بسلطانه ! فقال علی(علیه السّلام)فیما قال: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة ! !

وغرضنا هنا أن نوضح أن جمیع المسلمین ماعدا من شذ قد أجمعوا علی أن نظام الحکم فی الإسلام بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )إما أن یکون أسریاً مخصوصاً بعترته‘، أو قبلیاً مخصوصاً بقبائل قریش الثلاث والعشرین أو الخمس والعشرین .

فنحن نقول إنه نظامٌ أسری بالنص واختیار الله تعالی کما قال ( ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) ، والسنة یقولون إنه نظامٌ قبلی باختیار الناس لکن من داخل

ص: 539

قریش ، ولا یجب أن یکون الحاکم عندهم من أسرة النبی(علیه السّلام)، بل لعله یستحبون أن یکون من غیرها !

ومن الأحادیث والنصوص الدالة علی إیمان عبد المطلب:

ما ثبت فی الحدیث والتاریخ من کرامات بل معجزات لعبد المطلب ، فی حملة أبرهة لهدم الکعبة تدل علی توحیده وإیمانه ویقینه ، وعلی أنه کان یعرف أن الله تعالی سیرسل علیهم طیراً أبابیل ، وکان یرسل بعص أولاده إلی الجبل لینظروا هل جاء سرب الطیور من قبل البحر!

ورووا کذلک مخاطبته للفیل وجواب الفیل له بالاشارة بأنه لن یدخل إلی محیط الکعبة . . . إلی آخر ما اتفق علیه المؤرخون والمحدثون مما لا یمکن

أن یصدر إلا عن ولی مقرب !

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی الکرامة التی أکرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم علی یده وما رافق ذلک من آیات فقد کان الله تعالی أکرم بهذا النبع جده اسماعیل وأمه هاجر ثم نضب وعفی علی مر الزمن حتی أعاده الله تعالی علی ید عبد المطلب عن طریق الرؤیا الصادقة التی لا تکون إلا للأنبیاء والاوصیاء وکبار الأولیاء.

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی معرفته بنبوة حفیده(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، واهتمامه الخاص به ورعایته الممیزة له فی طفولته وصباه ، وتوصیته به إلی أرشد أبنائه أبی طالب ، وإخباره إیاه بأمره . . . إلی آخر ما اتفق علیه المؤرخون والمحدثون ، مما لا یمکن أن یصدر إلا عن ولی مقرب !

ص: 540

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی المکانة الدینیة التی کانت لعبد المطلب فی قلوب قبائل العرب وجماهیر ها والتی لم یکن لاحد مثلها حتی لرؤساء قبائلهم . . . کل ذلک مع حسد قریش له وعمل رؤسائها للحط من مکانته خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قریش الذین قادوا معرکة بدر وبنو المغیرة الذین کان یرأسهم أبو جهل وبنو أمیة الذین کان یرأسهم صخر .

وقد نصت مصادر التاریخ علی هذه المکانة وأن طابعها کان تقدیساً دینیاً غیر وثنی بل مرتبطاً بالکعبة وزمزم وإسماعیل وإبراهیم (علیهم السّلام) . ویلاحظ ذلک من مواقف عقلاء العرب وأصحاب الاذهان الحرة منهم واحترامهم للنبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )باعتباره ابن عبدالمطلب لأن عبد المطلب عندهم وارث أمجاد اسماعیل وإبراهیم وبرکتهما !

روی النسائی فی سننه:4/124:

عن أبی هریرة قال بینما النبی(ص)مع أصحابه ( إذ ) جاء رجل من أهل البادیة قال: أیکم ابن عبد المطلب

قالوا: هذا الامغر المرتفق. قال حمزة: الامغر الأبیض مشرب حمرة .

فقال: إنی سائلک فمشتد علیک فی المسألة .

قال: سل عما بدا لک .

قال: أسألک بربک ورب من قبلک ورب من بعدک آلله أرسلک .

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن تصلی خمس صلوات فی کل یوم ولیلة .

ص: 541

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن تأخذ من أموال أغنیائنا فترده علی فقرائنا .

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن تصوم هذا الشهر من إثنی عشر شهراً .

قال: اللهم نعم .

قال: فأنشدک به آلله أمرک أن یحج هذا البیت من استطاع إلیه سبیلا .

قال: اللهم نعم .

فقال: فإنی آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة. انتهی .

ورواه البخاری مختصراً فی صحیحه:1/23وأبوداود فی سننه:1/117- 118 ویفهم من هذا النص أن لعبدالمطلب وأولاده مکانة خاصة فی قلوب المتفکرین من العرب. .بل یشیر النص التالی فی صحیح البخاری إلی أن أولاد بنی عبد المطلب لهم ممیزات نورانیة خاصة. ففی:5/140: أن علی بن أبی طالب (رض)خرج من عند رسول الله(ص)فی وجعه الذی توفی فیه فقال الناس: یا أبا الحسن کیف أصبح رسول الله(ص)فقال أصبح بحمد الله بارئاً فأخذ بیده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإنی والله لاری رسول الله(ص)سوف یتوفی من وجعه هذا إنی لاعرف وجوه بنی عبد المطلب عند الموت . . . !! ورواه البخاری أیضاً فی:7/136

ومن هذه الأحادیث والنصوص:

ما دل علی العاطفة النبویة الجیاشة التی کانت تفیض من قلب نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

ص: 542

علی بنی هاشم وبنی عبد المطلب وذریتهما وأحادیث ذلک کثیرة صحیحة ملیئة بالدلالات لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقین القرشی ضد عبد المطلب .

قال البخاری فی صحیحه:2/204:

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال لما قدم النبی(ص)مکة استقبله أغیلمة بنی عبدالمطلب فحمل واحداً بین یدیه وآخر خلفه . . ورواه فی:7/67

فهل کانت هذه العاطفة النبویة والحفاوة المحمدیة بأطفال کافرین ! أم بأطفال آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السیف !

کلا بل کانت عاطفة علی غصون شجرة مبارکة یحملون إرث أجدادهم الأنبیاء والأوصیاء ، ولم یظهر منهم إلی الآن انحراف عنها !!

وروی البخاری أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )تعمد فی حجة الوداع أن یوعی الأمة علی ظلم قریش للنبوة ، ولکل بنی هاشم وعبد المطلب !

قال البخاری فی:2/158:

عن أبی هریرة (رض) قال قال النبی(ص)من الغد یوم النحر وهو بمنی: نحن نازلون غدا بخیف بنی کنانة حیث تقاسموا علی الکفر. یعنی بذلک المحصب ، وذلک أن قریشاً وکنانة تحالفت علی بنی هاشم وبنی عبد المطلب أو بنی المطلب ، أن لا یناکحوهم ولا یبایعوهم حتی یسلموا إلیهم النبی (ص). انتهی .

ثم لاحظ ذلک التعبیر النبوی الملی بالعاطفة والحنان والإیمان بنوعیة أبناء عبدالمطلب الممیزة حیث قال(صلّی الله علیه و آله وسلّم )کما حدیث الکافی الآتی ( فما ظنکم

ص: 543

یا بنی عبدالمطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثراً علیکم غیرکم!) .

ویؤیده ما رواه ابن شبة فی تاریخ المدینة:2/264 قال:

حدثنا أبوحذیفة قال حدثنا سفیان عن أبیه عن أبی الضحی عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: جاء العباس (رض) إلی رسول الله(ص)فقال: إنک ترکت فینا ضغائن منذ صنعت الذی صنعت ! فقال رسول الله (ص): لن یبلغوا الخیر أو قال الإیمان حتی یحبوکم لله ولقرابتی أیرجو سؤلهم شفاعتی عن مراد ولا یرجو بنو عبد المطلب شفاعتی انتهی. وروی نحوه غیره .

ومن هذه الأحادیث:

ما دل علی أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بنی عبدالمطلب ! فقد روی ابن ماجة فی سننه:2/1368: حدثنا هدیة بن عبدالوهاب ثنا سعد بن عبد الحمید بن جعفر عن علی بن زیاد الیمامی عن عکرمة بن عمار عن إسحاق بن عبدالله بن أبی طلحة عن أنس بن مالک قال: سمعت رسول الله(ص)یقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلی وجعفر والحسن والحسین والمهدی. انتهی. وهو حدیث صحیح عند إخواننا السنة وقد أورنا مصادره وطرقه العدیدة فی معجم أحادیث الإمام المهدی(علیه السّلام)فزادت علی مئة مصدر. وصحح العدید منها علماء الجرح والتعدیل .

إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تکفی الباحث السوی الذهن ، لأن

ص: 544

یعید النظر فی الأحکام التی أصدرتها الخلافة القرشیة وفقهاؤها علی عبد المطلب..! فکیف بهذه المجموعات الثمانیة مجتمعة ، ومثلها معها !

وإذا أنهار البناء القرشئ ضد عبد المطلب ، انهارت الجدران القرشیة الأخری وانکشفت محاصرتهم الجدیدة لبنی هاشم وبنی عبد المطلب..التی أحکموها أکثر من محاصرتهم لهم فی شعب أبی طالب ، لانهم فعلوها هذه المرة باسم الإسلام فطالت قروناً ، وعمت أجیالاً ، إلا من رحم ربک من أصحاب البصائر !

عبد المطلب علیه سیماء الأنبیاء وبهاء الملوک

اتفقت أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) علی أن عبد المطلب رضوان الله علیه مؤمن بالله الواحد الاحد علی ملة جده إبراهیم ولی من أولیاء الله ملهم بواسطة الملائکة والرؤیة الصادقة . . بل یحتمل الناظر فی هذه الأحادیث أن عبد المطلب کان من الأنبیاء وأنه کان مأموراً أن یعبد ربه علی دین إبراهیم ویأمر أولاده بذلک .

وقد روت ذلک مصادرنا وبعض مصادر السنیین قال السیوطی فی الدر المنثور:5/98: وأخرج ابن أبی عمر العدنی فی مسنده والبزار وابن أبی حاتم والطبرانی وابن مردویه والبیهقی فی الدلائل عن مجاهد فی قوله: وتقلبک فی الساجدین قال: من نبی إلی نبی حتی أخرجت نبیاً. انتهی .

قال المجلسی فی بحار الأنوار:31/155:

روی عن جعفر بن محمد(علیه السّلام)أنه قال: یبعث الله عبد المطلب یوم القیامة وعلیه سیماء الأنبیاء وبهاء الملوک .

ص: 545

وروی الکلینی فی الکافی:4/58:

عن أحمد بن إدریس عن محمد بن عبدالجبار ومحمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن صفوان بن یحیی عن عیص بن القاسم عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن أناساً من بنی هاشم أتوا رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فسألوه أن یستعملهم علی صدقات المواشئ وقالوا: یکون لنا هذا السهم الذی جعله الله للعاملین علیها فنحن أولی به فقال رسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الله: یا بنی عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لی ولا لکم ولکنی قد وعدت الشفاعة - ثم قال أبو عبد الله (علیه السّلام): والله لقد وعدها - فما ظنکم یا بنی عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أترونی مؤثرا علیکم غیرکم !

ثم قال: إن الجن والإنس یجلسون یوم القیمة فی صعید واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فیقولون: إلی من فیأتون نوحا فیسألونه الشفاعة فیقول: ههیات قد رفعت حاجتی فیقولون إلی من فیقال: إلی إبراهیم فیأتون إلی إبراهیم فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قد رفعت حاجتی فیقولون إلی من فیقال: إیتوا موسی فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقول: هیهات قد رفعت حاجتی فیقولون: إلی من فیقال: إیتوا عیسی فیأتونه ویسألونه الشفاعة فیقول:

هیهات قد رفعت حاجتی فیقولون: إلی من فیقال إیتوا محمداً فیأتونه فیسألونه الشفاعة فیقوم مدلاً حتی یأتی باب الجنة فیأخذ بحلقة الباب ثم یقرعه فیقال: من هذا ؟ فیقول: أحمد فیرحبون ویفتحون الباب فإذا نظر إلی الجنة خر ساجداً یمجد ربه ویعظمه فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع فیرفع رأسه فیدخل من باب الجنة فیخر ساجداً ویمجد ربه ویعظمه فیأتیه ملک فیقول: إرفع رأسک وسل تعط وأشفع تشفع فیقوم

ص: 546

فما یسأل شیئاً إلا أعطاه إیاه. ورواه فی تهذیب الأحکام:4/58 وتفسیر العیاشی:2/93 وتفسیر نور الثقلین:2/235 ووسائل الشیعة:6/185 ومستدرک الوسائل:7/119 وتفسیر نور الثقلین:3/210

هذا وقد تکفلت مصادر الحدیث والتفسیر عندنا بإثبات إیمان عبد المطلب وجمیع آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، وقد وافقنا علی ذلک عدد من العلماء السنیین منهم السیوطی والفخر الرازی والشعرانی . . وغیرهم .

آراء شیعیة مخالفة للمشهور فی الذبیحین
رأی الشیخ الصدوق بأن إسحاق ذبیح أیضاً !

من لا یحضره الفقیه:2/230: وسئل الصادق(علیه السّلام)عن الذبیح من کان فقال: إسماعیل(علیه السّلام)لأن الله عز وجل ذکر قصته فی کتابه ثم قال: وبشرناه بإسحاق نبیاً من الصالحین .

وقد اختلفت الروایات فی الذبیح فمنها ما ورد بأنه إسماعیل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبیل إلی رد الأخبار متی صح طرقها وکان الذبیح إسماعیل لکن إسحاق لما ولد بعد ذلک تمنی أن یکون هو الذی أمر أبوه بذبحه وکان یصبر لأمر الله عز وجل ویسلم له کصبر أخیه وتسلیمه فینال بذلک درجته فی الثواب فعلم الله عز وجل ذلک من قبله فسماه بین ملائکته ذبیحاً لتمنیه لذلک وقد ذکرت إسناد ذلک فی کتاب النبوة متصلاً بالصادق (علیه السّلام). انتهی .

ص: 547

وقال الجزائری فی هامش تفسیر القمی:1/351:

قال جدی السید الجزائری(رحمه الله)فی قصص الأنبیاء: اختلف علماء الإسلام فی تعیین الذبیح هل هو إسماعیل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلی أنه اسماعیل والأخبار الصحیحة دالة علیه مع دلالة غیرها من الآیات ودلائل العقل. وذهبت طائفة من الجمهور إلی أنه إسحاق وبه أخبار واردة من الطرفین وطریق تأویلها إما أن تحمل علی التقیة وأما حملها علی ما قاله الصدوق صار ذبیحاً بالنیة والتمنی... حمل (رحمه الله)قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( أنا

ابن الذبیحین ) علی ذلک.

أقول: إن بعض الروایات المعتبرة کروایة هذا التفسیر وغیره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح إسحاق حقیقة لا مجازاً وفداه بکبش فعلیه لا مجال إلی ما ذهب إلیه الصدوق(رحمه الله)من الحمل فإما أن تحمل هذه الروایات کما قال جدی(رحمه الله)علی التقیة أو علی تعدد الواقعة. انتهی .

ملاحظة: إن الشیخ الصدوق(رحمه الله)صحت عنده روایة أن الذبیح هو إسماعیل وروایة أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده روایة نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ( أنا ابن الذبیحین ) ففسره بأنه ابن الذبیحین من وجهین: أی من جهة عبد الله واسماعیل ومن جهة اسماعیل وإسحاق. وقد صرح بذلک فی آخر کلامه فی الخصال. ولکن کلامه جاء متداخلاً فالتبس الأمر علی الجزائری وعلی الغفاری وتصوراً أنه یفسره بالوجه الثانی فقط ویرفض الوجه الأول !

وروایته التی استند علیها فی أن إسحاق ذبیح مجازی روایة عامیة من نوع

ص: 548

روایات معاصره الحاکم النیسابوری. ولو صحت لتعین ترجیح الموافق لمذهب أهل البیت (علیهم السّلام) علی الموافق للیهود والنواصب. أو حملها کما ذکر السید الجزائری علی التقیة من الحکام خاصة أن المسألة کانت مطروحة فی دار الخلافة فی المدینة وفی قصور الخلافة فی الشام کما رأیت من روایاتها .

محاولة أحد المعاصرین تفسیر الذبیحین بإسماعیل وإسحاق

من لا یحضره الفقیه:3/89:

روی حماد بن عیسی عمن أخبره عن حریز عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: أول من سوهم علیه مریم بنت عمران وهو قول الله عز وجل: وَمَا کُنْتَ لَدَیْهِمْ إِذْ یُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَیُّهُمْ یَکْفُلُ مَرْیَمَ والسهام ستة ثم استهموا فی یونس(علیه السّلام)لما رکب مع القوم فوقعت السفینة فی اللجة فاستهموا فوقع السهم علی یونس ثلاث مرات قال: فمضی یونس(علیه السّلام)إلی صدر السفینة فإذا الحوت فاتح فاه فرمی نفسه .

ثم کان عند عبد المطلب تسعة بنین فنذر فی العاشر إن رزقه الله غلاماً أن یذبحه فلما ولد عبد الله لم یکن یقدر أن یذبحه ورسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی صلبه فجاء بعشر من الإبل فساهم علیها وعلی عبد الله فخرجت السهام علی عبد الله فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج علی عبد الله ویزید عشراً فلما أن خرجت مائة خرجت السهام علی الإبل فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربی فأعاد السهام ثلاثاً فخرجت علی الإبل فقال: الان علمت أن ربی قد رضی

ص: 549

فنحرها. انتهی .

قال الأستاذ علی أکبر غفاری فی تعلیقه علی هذا الحدیث:

جاءت هذه القصة فی کثیر من کتب الحدیث من الطریقین ، واشتهرت بین الناس وأرسلها جماعة من المؤلفین إرسال المسلمات ، ونقلوها فی مصنفاتهم دون أی نکیر ، وهی کما تری تضمنت أمراً غریباً بل منکراً لا یجوز أن ینسب إلی أحد من أوساط الناس والسذج منهم ، فضلاً عن مثل عبدالمطلب الذی کان من الأصفیاء وهو فی العقل والکیاسة والفطنة علی حد یکاد أن لا یدانیه أحد من معاصریه ، وقد یفتخر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )مع مقامه السامی بکونه من أحفاده وذراریه ویباهی به القوم ویقول:

أنا النبی لا کَذِبْ

أنا ابن عبد المطلب

وفی الکافی روایات تدل علی عظمته وجلالته وکمال إیمانه وعقله ودرایته ورئاسته فی قومه ، ففی المجلد الأول منه/446 فی الصحیح عن زرارة عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: یحشر عبد المطلب یوم القیامة أمة وحده ، علیه سیماء الأنبیاء وهیبة الملوک. یعنی إذا حشر الناس فوجاً فوجاً یحشر هو وحده ، لأنه کان فی زمانه منفرداً بدین الحق من بین قومه ، کما قاله العلامة المجلسی(رحمه الله). وفی حدیث آخر رواه الکلینی أیضاً مسنداً عن الصادق(علیه السّلام) قال: یبعث عبد المطلب أمة وحده علیه بهاء الملوک وسیماء الأنبیاء ، وذلک أنه أول من قال بالبداء .

وفی الحسن کالصحیح عن رفاعة عن أبی عبد الله(علیهاالسّلام)قال: کان عبدالمطلب یفرش له بفناء الکعبة لا یفرش لاحد غیره ، وکان له ولد یقومون علی

ص: 550

رأسه فیمنعون من دنا منه... إلی أمثالها الکثیر الطیب کلها تدل علی کمال إیمانه وعقله وحصافة رأیه..وإن أردت أن تحیط بذلک خبراً فانظر إلی تاریخ الیعقوبی المتوفی فی أواخر القرن الثالث ، وما ذکر من سننه التی سنها وجاء بها الإسلام مثل تحریمه الخمر ، والزنا ، ووضع الحد علیه ، وقطع ید السارق ، ونفی ذوات الرایات ، ونهیه عن قتل المؤودة ، ونکاح المحارم ، وإتیان البیوت من ظهورها ، وطواف البیت عریاناً وحکمه بوجوب الوفاء بالنذر ، وتعظیم الأشهر الحرم ، وبالمباهلة بمائة إبل فی الدیة. ثم تأمل کیفیة سلوکه مع أبرهة صاحب الفیل فی تلک الغائلة المهلکة المهدمة ، کیف حفظ بحسن تدبیره وسدید رأیه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار ، دون أی مؤونة ، وقال: أنا رب الإبل ولهذا البیت رب یمنعه ، مع أن الواقعة موحشة بحیث تضطرب فی أمثالها قلوب أکثر السائسین .

فإذا کان الأمر کذلک فکیف یصح أن یقال: إنه نذر أن یذبح سلیله وثمرة مهجته وقرة عینه قربة إلی الله سبحانه ، وأن یتقرب بفعل منهی عنه فی جمیع الشرایع ، والقتل من أشنع الأمور وأقبحها ، والعقل مستقل بقبحه بل یعده من أعظم الجنایات، مضافاً إلی کل ذلک أن النذر بذبح الولد قرباناً للمعبود من سنن الوثنیین والصابئین ، وقد ذکره الله تعالی فی جملة ما شنع به علی المشرکین ، وقال فی کتابه العزیز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتریانهم: وَکَذَلِکَ زَیَّنَ لِکَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِکِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَکَاؤُهُمْ لِیُرْدُوهُمْ وَ لِیَلْبِسُوا عَلَیْهِمْ دِینَهُمْ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا یَفْتَرُونَ . الأنعام : 137

ص: 551

وهذا غیر مسألة الوأد المعروف الذی کان بنو تمیم من العرب یعلمون به ، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من المذکور منهم والبنات ، والوأد مخصوص بالبنات ، وأیضاً غیر قتلهم أولادهم من إملاق أو خشیته ، بل هو عنوان آخر یفعلونه علی سبیل التقرب إلی الإلهة .

فإن قیل: لعله کان مأموراً من جانب الله سبحانه کما کان جده إبراهیم(علیه السّلام) مأموراً؟ قلنا: هذا التوجیه مخالف لظاهر الروایات ، فإنه صرح فی جمیعها بأنه نذر مضافاً إلی أنه لو کان مأموراً فلا محیص له عنه ویجب علیه أن یفعله کما أمر ، فکیف فداه بالابل ولم لم یقل فی جواب من منعه کما فی الروایات: إنی مأمور بذلک .

وبالجملة فی طرق هذه القصة وما شاکلها مثل خبر ( أنا ابن الذبیحین ) رواه جماعة کانوا ضعفاء أو مجهولین أو مهملین ، أو علی غیر مذهبنا مثل أحمد بن سعید الهمدانی المعروف بابن عقدة ، وهو زیدی جارودی أو أحمد بن الحسن القطان ، وهو شیخ من أصحاب الحدیث عامی ویروی عنه المؤلف فی کتبه بدون أن یردفه بالترضیة ،مع أن دأبه أن یتبع مشایخه بها إن کانوا إمامیة ، وکذا محمد بن جعفر بن بطة الذی ضعفه ابن الولید وقال: کان مخلطاً فیما یسنده ، وهکذا عبد الله بن داهر الأحمری وهو ضعیف کما فی الخلاصة والنجاشی ، وأبو قتادة ووکیع بن الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا یحتج بحدیثهم إذا کان مخالفاً لاصول المذهب ، وإن کانوا یسندون خبرهم إلی أئمة أهل البیت (علیهم السّلام) .

وإنک إذا تتبعت أسانید هذه القصة وما شابهها ما شککت فی أنها من مفتعلات القصاصین ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد

ص: 552

المطلب ونسبة الشرک والعیاذ بالله إلیه ، رغماً للامامیة حیث أنهم نزهوا آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )عن دنس الشرک .

ویؤید ذلک أن کثیراً من قدماء مفسریهم کالزمخشری والفخر الرازی والنیشابوری وأضرابهم ، والمتأخرین کالمراغی وسید قطب وزمرة کبیرة منهم ، نقلوا هذه القصة أو أشاروا إلیها عند تفسیر قوله تعالی: وَکَذَلِکَ زَیَّنَ لِکَثِیرٍ مِنَ الْمُشْرِکِینَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ، وجعلوا عبد المطلب مصداقاً للایة انتصاراً لمذهبهم الباطل فی اعتقاد الشرک فی آباء النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجداده .

قال العلامة المجلسی(رحمه الله): اتفقت الإمامیة رضوان الله علیهم علی أن والدی الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکل أجداده إلی آدم(علیه السّلام)کانوا مسلمین بل کانوا من الصدیقین إما أنبیاء مرسلین أو أوصیاء معصومین ثم نقل عن الفخر الرازی أنه قال: قالت الشیعة إن أحداً من آباء الرسول(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأجداده ما کان کافراً. ثم قال: نقلت ذلک عن إمامهم الرازی لیعلم أن اتفاق الشیعة علی ذلک کان معلوماً بحیث اشتهر بین المخالفین .

وإن قیل: لا ملازمة بین هذا النذر وبین الشرک ، ویمکن أن یقال إن نذر عبدالمطلب کان لله ، وأما المشرکون فنذروا لالهتهم .

قلت: ظاهر الآیة أن النذر بذبح الولد من سنن المشرکین دون الموحدین ، فالناذر إما مشرک أو تابع لسنن الشرک وجلَّت ساحة عبد المطلب أن یکون مشرکاً والعیاذ بالله أو تابعاً لسنن المشرکین ، والإصرار بتصحیح أمثال هذه القصص مع نکارتها کثیراً ما یکون من الغفلة عما جنته ید الإفتعال .

ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالی علیه لم یحتج بهذا الخبر فی حکم من الأحکام ، إنما أورده فی هذا الکتاب طرداً للباب ، ویکون مراده جواز

ص: 553

القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر. انتهی .

ثم کرر الاستاذ الغفاری رأیه فی:4/368

فقال:

قال المصنف(رحمه الله)فی الخصال (/27 باب الإثنین ) قد اختلفت الروایات فی الذبیح ، فمنها ما ورد بأنه اسماعیل لکن اسحاق لما ولد بعد ذلک تمنی أن یکون هو الذی أمر أبوه بذبحه فکان یصبر لأمر الله ویسلم له کصبر أخیه وتسلیمه ، فینال بذلک درجته فی الثواب ، فعلم الله عز وجل ذلک من قلبه فسماه بین الملائکة ذبیحاً ، لتمنیه لذلک. انتهی.

أقول: علی هذا فالمراد بالذبیحین إسماعیل وإسحاق: أحدهما ذبیح بالحقیقة والآخر ذبیح بالمجاز ، مع أن کلیهما لم یذبحا بعد. وتقدم فیه کلام: 3/89 والإشکال بأن إسحاق کان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الاب علی العم شایع ، وفی روایة سلیمان بن مهران عن الصادق(علیه السّلام)فی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین یرید بذلک العم ، لأن قد سماه الله عز وجل أبا فی قوله: أَمْ کُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ یَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِی قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَکَ وَإِلَهَ آبَائِکَ إِبْرَاهِیمَ وَإِسْمَاعِیلَ وَإِسْحَاقَ. وکان اسماعیل عم یعقوب فسماه الله فی هذه الموضع أباً ، وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): العم والد. فعلی هذا الأصل أیضاً یطرد قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین أحدهما ذبیح بالحقیقة والآخر ذبیح بالمجاز. انتهی .

والجواب علی ما ذکره الأستاذ الغفاری:

أولاً: أن الروایة التی استدل بها الصدوق علی أن اسحاق ذبیحٌ أیضاً مجازاً ، عامیة ضعیفة ، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاری نفسه من حیث لایدری

ص: 554

کما ستری !

ثم إن إطلاق العم علی الأب فی اللغة وإن کان أمراً شائعاً ، ولکن لا ینطبق علی قول القائل ( أنا ابن فلان ) مفتخراً أو مباهیاً ، لأن المتبادر منه الإفتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبیحین قربانین لله تعالی ، لا من أعمامه ، وإلا لقال: أنا من قوم فیهم ذبیحان أو من آل إبراهیم آل الذبیحین .

کما أن إطلاق اسم الذبیح المجازی علی إسحاق أیضاً ضعیف لغةً ، لأن کلمة ( الذبیح ) لا تصدق إلا علی من قصدوا ذبحه لله تعالی قصداً عملیاً حقیقیاً ورضی به ، ولو کان یکفی لإطلاقها مجازاً أن الشخص قد أحب ذلک ونواه کما فی إسحاق ، لصح أن تطلق علی کل آباء النبی أو جلهم ، بل علی کثیر من المؤمنین ، لأن أکثر الأنبیاء والاوصیاء والمؤمنین یحبون مقام إسماعیل وینوون أن لو کانوا مکانه لقبلوا بما قبل به .

فارتکاب المجاز فی معنی الإبن وجعله العم ، ثم ارتکاب المجاز فی الذبیح وجعله من یحب أن یکون ذبیحاً . . خلاف الظاهر جداً ، وهو یکاد یفرغ الکلمة من هدفها بل من معناها !

ثانیاً: لعل الغفاری لم یطلع علی تاریخ القربان لله تعالی فی الشرائع الإلهیة السابقة ، فقد کان عامة الناس یقدمون قرابین من الانعام ، وکان من المشروع أن یقدم کبار المؤمنین أحد أولاده قرباناً لله تعالی ، وعلی أساسه کان منام إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) . . ولم یثبت نسخ هذا التشریع قبل الإسلام .

فالمشرکون لم یخترعوا القربان لأوثانهم ، وإنما أخذوه من الأدیان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالی . وما عابه الله تعالی علیهم من قتلهم

ص: 555

أولادهم وتقدیمهم إیاهم قرابین لآلهتهم ، إنما عاب فیه شرکهم وتقربهم للأوثان .

ثالثاً: إن وجود عبد المطلب فی مجتمع وثنی یتقرب إلی الأصنام بالقرابین وقد یذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه . . وإعلان عبد المطلب أنه علی ملة أبیه إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، وإحیائه عدداً من سننها ، وما جری فی عهده من حفظ الله تعالی لکعبة إبراهیم فی حادثة الفیل ، وإعادة ماء زمزم المفقود علی یده . . . کل ذلک یساعد علی فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن یذبح أحدهم قرباناً لله تعالی علی ملة إبراهیم ، ویجعل هذا النذر أمراً طبیعیاً مشروعاً فی ذلک الوقت ، بل دعوةً لعَبَدَة الأصنام أن یعبدوا رب البیت رب إبراهیم ، ویقدموا له قرابینهم ، ولا یقدموها لأصنامهم .

أما لماذا نذر عبد المطلب ذلک ، ولماذا عزم علی تنفیذ نذره جدیاً فشاور أولاده فأطاعوه ، وأقرع بینهم فرست القرعة علی عبدالله ، وقال لأبیه کما قال إسماعیل . . ثم کیف تحلل من عبد المطلب من نذره بطریقة القرعة بین ذبح ولده أو نحر الإبل . . فهی إشکالات واردة. وجوابها: أنها واردة علی شریعتنا لا علی شریعة إبراهیم وعبد المطلب. وهی واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصیل الحادث وبالمستند الشرعی الذی استند علیه عبد المطلب فی نذره وطریقة وفائه به .

ولکن معرفتنا بشخصیة عبد المطلب وإیمانه العمیق ، تکفی للقول بأنه لم یکن یقدم علی نذره ثم علی التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بینة من ربه تعالی .

ویکفینا لإثبات هذه الصفة فی شخصیته ، حادثتا زمزم والفیل حیث ظهر

ص: 556

للناس علی نحو الیقین أنه کان یتلقی أوامره من ربه عز وجل !

فما المانع أن تکون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات ، خاصة أن الولد الذی رست علیه القرعة هو والد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )الذی أعطاه الله تعالی ما أعطی جده إسماعیل من شرف الرضا بأن یذبحه أبوه قرباناً لله تعالی ، ثم فداه الله بطریقة ألهمها لأبیه لیعطیه شرف أبوة سید المرسلین(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

هذا ، وقد روی الدکتور شوقی ضیف فی تاریخ الأدب العربی/41 ط دار المعارف المصریة ، أن المنذر بن ماء السماء ملک المناذرة المعاصر لعبد المطلب ، والذی کان أعظم ملک وثنی فی العرب ، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملک الغساسنة النصرانی فی حربه معه ، فذبحه قرباناً للعزی !!

فلعل نذر عبد المطلب أن یذبح واحداً من أولاده لرب البیت سبحانه ، کان تعزیزاً لدین ابراهیم ، ورداً علی عمل المنذر ، وإبطالاً لتأثیر عمله فی تعزیز مکانة صنم العزی !

وأخیراً ، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله علیه لم یکن ارتجالاً بل امتد وقته طویلاً، فقد ذکرت الروایات أنه کان فی أیام رؤیته الصادقة فی حفر زمزم، وکان له ولدٌ واحدٌ ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وکبروا أن یذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالی . . وقد یکون نذره تحقق بعد عشرین سنة أو ثلاثین !

رابعاً: إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس علی أن یجدوا له مذمة أو منقصة ، وقد رأیت فی روایة الحاکم المتقدمة أن معاویة ذکر نذر عبد المطلب ، وأنه کان نذراً لله تعالی مرتبطاً بأمر الله له بحفر زمزم ( قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ینحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بینهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من

ص: 557

بنی مخزوم وقالوا: أرضِ ربک وافدِ ابنک ) .

فقد کان الأمر بحفر زمزم أمراً من الله تعالی وقد انکشفت صحته.. وهذا یقرب أن یکون النذر لله تعالی بأمره سبحانه ، ویشیر إلیه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة إلی داخل الکعبة وأقرع بینهم فخرجت القرعة علی عبد الله ورضی عبد الله بها واستعد للذبح مختاراً ، وقرر عبد المطلب تنفیذ ذلک کما قرر جده إبراهیم..ولکن أسرته ومحبیه من قریش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن یرضی ربه بفدائه ، فتریث عبد المطلب یومه حتی أمره الله بطریقته التی کان یتلقی بها أن یقرع بین عبد الله وبین فدائه من الإبل ، ویزید فی عدد الفداء حتی تخرج القرعة علیه فیفدیه به .

إنه لو کان فی عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها علیه ، ولکنها کرامة زادت من مکانته فی حیاته ، وذکرت له باحترام وإجلال حتی من أعدائه بعد وفاته.

بل زادت من تفکیر الناس الوثنیین بإله إبراهیم وعبد المطلب ، وهیأتهم للدعوة إلی عبادته بدل أصنامهم .

خامساً: لقد وقع الغفاری فی اشتباهین کبیرین: أولهما أنه جعل سند روایة الذبیح المجازی لروایة نذر عبد المطلب وضعفها بسببه ! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووکیع لم یردوا فی سند روایة النذر عن الإمام الرضا(علیه السّلام)، بل وردوا فی روایة أن الذبیح المجازی إسحاق ! وقد التبس الأمر علیه لأن الصدوق ذکر مضمونها قبل سندها ،فیکون الأستاذ الغفاری قد ضعف دلیله متصوراً أنه ضعف روایة نذر عبد المطلب ! ولیس فی روایة النذر ممن ضعفهم الغفاری إلا القطان الذی قال فیه ( ویروی عنه المؤلف فی کتبه بدون أن

ص: 558

یردفه بالترضیة ) فإن کان هذا مستنده فی التضعیف فقد قال فی طرائف المقال/155 عن القطان هذا ( کثیراً ما یروی عنه الصدوق مترضیاً ) !

ولو سلمنا ضعفه ، فإن روایته المعتضدة بالشهرة التی سنذکر طرفاً منها والمخالفة للیهود والخط القرشی المعادی لعبد المطلب، والمؤیدة بتصحیح عدد من العلماء منهم الصدوق . . لهی جدیرة بالقبول .

والإشتباه الثانی الذی وقع فیه الاستاذ الغفاری أنه حسب أن روایة الإمام الصادق(علیه السّلام)تتعلق بإطلاق الاب علی العم وترتبط بموضوع الذبیحین ، مع أنها لا علاقة لها بالعم والأب ، وإنما استشهد الصدوق علی ذلک بالآیة وبقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): العم أب. ویتضح الأمر من ملاحظة النص بتمامه وهو فی الخصال للصدوق کما یلی:

قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعید الکوفی قال: حدثنا علی بن الحسن بن علی بن فضال عن أبیه قال: سألت أبا الحسن علی بن موسی الرضا (علیهماالسّلام) عن معنی قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین قال: یعنی إسماعیل

بن إبراهیم الخلیل (علیهماالسّلام) وعبد الله بن عبد المطلب. أما إسماعیل فهو الغلام الحلیم الذی بشر الله به إبراهیم: فلما بلغ معه السعی قال یا بنی إنی أری فی المنام أنی أذبحک فانظر ماذا تری قال یا أبت افعل ما تؤمر (ولم یقل له یا أبت افعل ما رأیت ) ستجدنی إن شاء الله من الصابرین فلما عزم علی ذبحه فداه الله بذبح عظیم بکبش أملح یأکل فی سواد ویشرب فی سواد وینظر فی سواد ویمشی فی سواد ویبول ویبعر فی سواد وکان یرتع قبل ذلک فی ریاض الجنة أربعین عاماً وما خرج من رحم أنثی وإنما قال الله عز وجل له کن فکان لیفدی به

ص: 559

إسماعیل فکل ما یذبح بمنی فهو فدیة لإسماعیل إلی یوم القیامة فهذا أحد الذبیحین .

وأما الآخر فإن عبد المطلب کان تعلق بحلقة باب الکعبة ودعا الله عز وجل أن یرزقه عشرة بنین ونذر لله عز وجل أن یذبح واحداً منهم متی أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة أولاد قال: قد وفی الله لی فلافین لله عز وجل فأدخل ولده الکعبة وأسهم بینهم فخرج سهم عبد الله أبی رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وکان أحب ولده إلیه ثم أجالها ثانیة فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم علی ذبحه فاجتمعت قریش ومنعته من ذلک واجتمع نساء عبدالمطلب یبکین ویصحن فقالت له ابنته عاتکة: یا أبتاه أعذر فیما بینک وبین الله عز وجل فی قتل ابنک: قال: فکیف أعذر یا بنیة فإنک مبارکة قالت: إعمد إلی تلک السوائم التی لک فی الحرم فاضرب بالقداح علی ابنک وعلی الإبل وأعط ربک حتی یرضی. فبعث عبدالمطلب إلی إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله فما زال یزید عشراً عشراً حتی بلغت مائة فضرب فخرج السهم علی الإبل فکبرت قریش تکبیرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتی أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثاً کل ذلک یخرج السهم علی الإبل فلما کان فی الثالث اجتذبه الزبیر وأبو طالب وإخوانه من تحت رجلیه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذی کان علی الأرض وأقبلوا یرفعونه ویقبلونه ویمسحون عنه التراب وأمر عبدالمطلب أن تنحر الابل بالحسرة ولا یمنع أحد منها وکانت مائة .

وکانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل فی الإسلام: حرم

ص: 560

نساء الآباء علی الأبناء وسن الدیة فی القتل مائة من الإبل وکان یطوف بالبیت سبعة أشواط ووجد کنزاً فأخرج منه الخمس وسمی زمزم لما حفرها سقایة الحاج ولولا أن عبد المطلب کان حجة وأن عزمه علی ذبح ابنه عبد الله شبیه بعزم إبراهیم علی ذبح ابنه إسماعیل لما افتخر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإنتساب إلیهما لأجل أنهما الذبیحان فی قوله (علیه السّلام): أنا ابن الذبیحین .

والعلة التی من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعیل هی العلة التی من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهی کون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة (علیهم السّلام) فی صلبهما فببرکة النبی والأئمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة فی الناس بقتل أولادهم ولولا ذلک لوجب علی الناس کل أضحی التقرب إلی الله تعالی ذکره بقتل أولادهم وکل ما یتقرب الناس به إلی الله عز وجل من أضحیة فهو فداء لإسماعیل إلی یوم القیامة .

قال مصنف هذا الکتاب أدام الله عزه: قد اختلف الروایات فی الذبیح فمنها ما ورد بأنه إسماعیل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبیل إلی رد الأخبار متی صح طرقها وکان الذبیح إسماعیل لکن إسحاق لما ولد بعد ذلک تمنی أن یکون هو الذی أمر أبوه بذبحه فکان یصبر لأمر الله ویسلم له کصبر أخیه وتسلیمه فینال بذلک درجته فی الثواب فعلم الله عز وجل ذلک من قلبه فسماه الله عز وجل بین ملائکته ذبیحاً لتمنیه لذلک. وحدثنا بذلک محمد بن علی البشاری القزوینی (رض) قال: حدثنا المظفر بن أحمد القزوینی قال: حدثنا محمد بن جعفر الکوفی الأسدی عن محمد بن إسماعیل البرمکی عن عبدالله بن داهر عن أبی قتادة الحرانی عن وکیع بن الجراح عن سلیمان بن مهران عن أبی عبدالله الصادق جعفر بن محمد (علیهماالسّلام) .

ص: 561

وقول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین یرید بذلک العم لأن العم قد سماه الله عز وجل أبا فی قوله أم کنتم شهداء إذ حضر یعقوب الموت إذ قال لبنیه ما تعبدون من بعدی قالوا نعبد إلهک وآله آبائک إبراهیم وإسماعیل وإسحاق. وکان إسماعیل عم یعقوب فسماه الله فی هذا الموضع أبا وقد قال النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): العم والد .

فعلی هذا الأصل أیضاً یطرد قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أنا ابن الذبیحین أحدهما ذبیح بالحقیقة والاخر ذبیح بالمجاز واستحقاق الثواب علی النیة والتمنی فالنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو ابن الذبیحین من وجهین علی ما ذکرناه. انتهی .

وأورده فی البحار:12/22 عن العیون والخصال .

وفی هذا النص أمور متعددة تکفی للرد علی رأی الاستاذ الغفاری حفظه الله فی إنکار قصة نذر عبد المطلب . . ومن هذه الأمور أن الصدوق حکم بصحة الروایة من عنوانها الذی وضعه لها.

ومنها قوة حجج الإمام الرضا(علیه السّلام)فیها وسنذکر بعضها .

ومنها أن الصدوق قبل تفسیر الذبیحین بعبد الله واسماعیل من وجه ، وبإسماعیل وإسحاق من وجه آخر ، کما صرح فی آخر کلامه .

والواقع أن نقطة الضعف الوحیدة فیها هی اعتماد الصدوق(رحمه الله)علی روایة الذبیح بالمجاز العامیة . . والتی ضعفها الغفاری ، والحمد لله !

سادساً: ولو أن المحقق الغفاری تأمل فی قول الإمام الرضا(علیه السّلام)فی روایة الصدوق ( ولولا أن عبد المطلب کان حجة وأن عزمه علی ذبح ابنه عبد الله شبیهٌ بعزم إبراهیم علی ذبح ابنه إسماعیل ، لما افتخر النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )بالإنتساب إلیهما لاجل أنهما الذبیحان فی قوله(علیه السّلام): أنا ابن الذبیحین .

ص: 562

والعلة التی من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعیل هی العلة التی من أجلها رفع الذبح عن عبد الله ، وهی کون النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) والأئمة (علیهم السّلام) فی صلبهما . . فببرکة النبی والأئمة(صلّی الله علیه و آله وسلّم )رفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة فی الناس بقتل أولادهم ) لعرف أن إشکاله علی نذر عبد المطلب یرد بعینه علی إبراهیم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأنهما عملان من نوع واحد ، غایة الأمر أن إبراهیم أمر بالذبح فی المنام وأمر بالفداء بالوحی. ومادام عبد المطلب لانعرف کیف أمر بنذر الذبح والفداء ، ولکن نعرف أنه حجة وعمله صحیح ، ولا بد أنه کان عنده حجة شرعیة علی نذره وفدائه.

وحینئذ فما یجاب به عن عمل إبراهیم ، یجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق ، فلا معنی لاستظهار أن ذبح الولد کان من عادات المشرکین ، ولا معنی للقول بأنه لو کان عبد المطلب نذر ذلک فلماذا لم یقدم علیه... الخ .

سابعاً: إن ما ذکره حفظه الله من ملاحظات

روائیة لیس شاملاً ولا مقنعاً ، والظاهر أنه لم یطلع علی مصادر روایة ( أنا ابن الذبیحین ) وطرقها ، واشتهارها عند الشیعة من العصر الأول ، بل عند السنة أیضاً حتی أن فقهاءهم أخذوا بها ، وإن لم یأخذ بها أهل صحاحهم ، وممن صححها من الاحناف أبو بکر الکاشانی فی بدائع الصنائع:5/85 قال ( ودلیل ما قلنا الحدیث وضرب من المعقول. أما الحدیث فقول النبی علیه الصلاة والسلام: أنا ابن الذبیحین أراد أول آبائه من العرب وهو سیدنا اسماعیل علیه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقیقة وهو عبدالله بن عبد المطلب سماهما علیه الصلاة والسلام ذبیحین ومعلوم أنهما ما کانا ذبیحین حقیقة فکانا ذبیحین تقدیراً

ص: 563

بطریق الخلافة لقیام الخلاف مقام الأصل. انتهی .

وقال ابن کثیر فی السیرة النبویة:1/184:

( وهو ابن عبد الله وکان أصغر ولد أبیه عبد المطلب وهو الذبیح الثانی المفدی بمائة من الإبل کما تقدم ). انتهی .

وفی اطمئنانی أن المتتبع یجد لهذا الحدیث طرقاً أخری سواء فی مصادرنا أو فی مصادر السنیین ، ویجد المزید ممن صححه من علماء الفریقین .

المسألة الثانیة: أول من یکسی کسوة الجنة

ذکرت بعض الروایات أن الناس یخرجون من قبورهم عریاً یوم القیامة ثم یکسون علی حسب عملهم. ولکن الظاهر أن المقصود بحدیث أول من یکسی هنا لیس الکسوة من العری ، بل کسوة الجنة کما ورد فی النص .

وقد ادعی الیهود أن إبراهیم أول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة..ولا أظن أن هذه المسألة کانت مطروحة فی ثقافتهم ، ولکن لما رأوا المسلمین یروون عن نبیهم(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه رئیس المحشر ، والشفیع الأول ، وخطیب الأنبیاء ، وأول من یکسی یوم القیامة..ادعی الیهود أن أول من یکسی إبراهیم ، وروی ذلک أحبارهم الذین أسلموا ( ؟ ) عن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ! ! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت فی مصادر المسلمین وثقافتهم ، وساعد علیها أن إبراهیم هو جد النبی صلی الله علیهما وآلهما ، وأن من المعقول أن یکون إکرام الله تعالی للجد قبل إکرام الابن .

وقد اختار البخاری أن أول من یکسی إبراهیم ولیس محمداً صلی

ص: 564

الله علیهما وآلهما !قال فی صحیحه:4/110:

ابن عباس رضی الله عنهما عن النبی(ص)قال: إنکم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: کما بدأنا أول خلق نعیده وعداً علینا إنا کنا فاعلین. وأول من یکسی یوم القیامة إبراهیم وإن أناسا من أصحابی یؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابی أصحابی فیقال إنهم لم یزالوا مرتدین علی أعقابهم منذ فارقتهم ! فأقول کما قال العبد الصالح: وکنت علیهم شهیداً ما دمت قال العبد الصالح وکنت علیهم شهیداً ما دمت فیهم إلی قوله الحکیم. انتهی .

ورواه أیضاً فی:4/142 وروته بقیة الصحاح وغیرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذی فی:4/38 والنسائی:4/117 والدارمی:2/325 وفیه (فیکون أول من یکسی إبراهیم یقول الله تعالی: إکسوا خلیلی فیؤتی بریطتین بیضاوین من ریاط الجنة ثم أکسی علی أثره )

وروی نحوه فی أحمد:1/398 ورواه أیضاً موجزاً فی:1/223 وص 229 ورواه السیوطی فی الدر المنثور:1/116 عن أبی نعیم فی الحلیة وابن أبی شیبة وأحمد. ورواه فی:2/231 عن البیهقی فی الأسماء والصفات ، وفی:4/197 عن أحمد وابن جریر وابن المنذر والحاکم وابن مردویه عن ابن مسعود

ورواه فی:3/284:

وفیه من تجسیمات الیهود لله تعالی ( قال ذاک یوم ینزل الله فیه علی کرسیه یئط فیه کما یئط الرحل الجدید من تضایقه وهو کسعة ما بین السماء والأرض ویجاء بکم حفاة عراة غرلا فیکون أول من یکسی إبراهیم یقول

ص: 565

الله اکسوا خلیلی ) .

وقد حاول القسطلانی فی إرشاد الساری:5/343 أن یخفف من وقع الحدیث علی المسلمین فقال ( ولا یلزم من تخصیص إبراهیم بأولیة الکسوة هنا أفضلیته علی نبینا (ص) لأن حلة نبینا (ص) أعلی وأکمل وکم لنبینا (ص) من فضائل مختصه به لم یسبق إلیها ولم یشارک فیها ولو لم یکن له سوی خصوصیة الشفاعه العظمی لکفی ). انتهی .

ولعل القسطلانی رأی أن الیهود أخذوا الشفاعة فی الموحدین من نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وأعطوها لإسحاق(علیه السّلام) ! وصارت حدیثاً صحیحاً علی شرط الشیخین کما تقدم فی مستدرک الحاکم !

ومن المؤکد أنه رأی الأحادیث التی تنفی أن تکون الشفاعة خصوصیةً لنبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )، ورأی الروایات التی تفضل أنبیاء بنی اسرائیل حتی یونس ویحیی علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) ، لأن البخاری رواها وشرحها القسطلانی وفسرها !

والذی یدخل فی بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحکومة القرشیة الیهود من فی تقدیمهم إبراهیم علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی الکسوة وفی الشفاعة ، وتبناها رواتهم ؟ !

یتوقف الجواب علی التأمل فی النص الذی روته صحاحهم ، فقد تضمن موضوعین: أولهما أن أول من یکسی یوم القیامة إبراهیم. والثانی أن بعض الصحابة یؤمر بهم إلی النار ، لانهم انحرفوا وکفروا بمجرد وفاة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ). ولم یبین الحدیث العلاقة بین الموضوعین ! وبما أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أفصح من نطق بالضاد وقد أوتی جوامع الکلم ، وکلامه دائماً مترابط . . فلا بد أن

ص: 566

تکون فی الحدیث حلقة مفقودة . . عن عدم کسوة بعض الصحابة مثلاً فما هی !

هذه الحلقة تجدها فی مصادر السنیین مجزأة ، ولکنک تجدها فی أحادیث أهل البیت (علیهم السّلام) مجتمعة ، لأنها تذکر نص النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )علی أن علیاً یوم القیامة هو أول ینشق عنه قبره بعد النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو أول من یصافحه ، وهو أول من یکسی بعده، وهو حامل لوائه لواء الحمد ، وهو وزیره فی المحشر، وهو الساقی علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

قال القاضی النعمانی فی شرح الأخبار:2/475:

فی حدیث وصیة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )لعلی(علیه السّلام): یا علی أنا أکرم ولد آدم ولا فخر ، ولیس بینی وبین ربی حجاب إلا النور ، وأول من یکسی کسوة الجنة ولا فخر ، وأول من یؤذن له فی الکلام ولا فخر ، وأول من یؤذن له فی السجود ولا فخر ، وأول من یؤذن له فی الشفاعة ولا فخر ، وأول من یسعی نوره أمامه ولا فخر

وقال الصدوق فی من لا یحضره الفقیه:4/374:

یا علی: إن الله تبارک وتعالی أعطانی فیک سبع خصال: أنت أول من ینشق عنه القبر معی ، وأنت أول من یقف علی الصراط معی ، وأنت أول من یکسی إذا کسیت ، ویحیی إذا حییت ، وأنت أول من یسکن معی فی علیین ، وأنت أول من یشرب معی من الرحیق المختوم الذی ختامه مسک. انتهی. ورواه فی الخصال/342

ص: 567

وروی محمد بن عباس فی تأویل الآیات:2/657:

یا علی أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت ، وأول من یحیی محمد ثم أنت، وأول من یکسی محمد ثم أنت. فانکب علی(علیه السّلام)ساجداً وعیناه تذرفان بالدموع. انتهی .

وقال ابن شهر آشوب فی مناقب آل أبی طالب:3/26: قال الحمیری:

یدعو النبی فیکسوه ویکرمه

رب العباد إذا ما أحضر الأمما

ثم الوصی فیکسی مثل حلته

خضراء یرغم منها أنف من رغما

وله أیضاً:

علیٌّ غداً یدعی ویکسوه ربه

ویدنوه منه فی رفیع مکرم

فإن کنت منه حیث یکسوه راغماً

وتبدی الرضی کرهاً من الان فارغم

وقال أعرابی:

إن رسول الله یعطی لوا ء

الحمد علیاً حین یلقاه

یدعی فیعطی کسوة المصطفی

وعن یمین العرش مثواه.

انتهی .

فحدیث الکسوة یوم القیامة فیه إذن سهم لعلی(علیه السّلام)، فلا عجب إذا قفزت عنه قبائل قریش .

لکن السهم الأکبر لعلی والاخطر علی قریش أنه هو الساقی علی حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وهو الذی یذود الذین قال عنهم البخاری ( وإن أناساً من أصحابی یؤخذ بهم ذات الشمال ) وقال عنهم فی:8/86 ( قال أنا علی حوضی انتظر من یرد علی فیؤخذ بناس من دونی فأقول أمتی فیقول لا تدری مشوا علی القهقری ). انتهی .

ص: 568

وقال عنهم مسلم فی:7/ 68 - 70 ( قال رسول الله (ص ) أنا فرطکم علی الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن علیهم، فأقول یارب أصحابی أصحابی ! فیقال إنک لا تدری ما أحدثوابعدک !!... قال لاذودن عن حوضی رجالاً کما تذاد الغریبة من الإبل) ونحوه فی:1/ 150

وقد صرحت أحادیث أخری بأن الذائد عن حوض النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )هو علی(علیه السّلام)، من ذلک ما رواه الحاکم وصححه قال فی:3/138:

عن علی بن أبی طلحة قال: حججنا فمررنا علی الحسن بن علی بالمدینة ومعنا معاویة بن حدیج فقیل للحسن إن هذا معاویة بن حدیج الساب لعلی فقال علی به فاتی به فقال أنت الساب لعلی فقال: ما فعلت فقال والله إن لقیته وما أحسبک تلقاه یوم القیامة لتجده قائماً علی حوض رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )یذود عنه رایات المنافقین بیده عصا من عوسج ! حدثنیه الصادق المصدوق(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) وقد خاب من افتری. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. انتهی .

وروی الدیلمی فی فردوس الأخبار:5/ 408 ح 8314 عن أبی سعید:

یا علی أنت یوم القیامة بیدک عصاً من الجنة تذود بها المنافقین!!

وروی فی مناقب آل أبی طالب:2/12-14 عن الفائق للزمخشری:

أن النبی قال لعلی: أنت الذاید عن حوضی یوم القیامة ، تذود عنه الرجال کما یذاد الأصید. البعیر الصادی أی الذی به الصید والصید داء یلوی عنقه .

ونقل فی المناقب قول حسان بن ثابت:

له الحوض لا شک یحبی به

فمن شاء أسقی برغم العدی

ص: 569

ومن ناصبَ القوم لم یسقه ویدعو إلی الورد للأولیا

وقول الحمیری:

أؤمل فی حبه شربةً

من الحوض تجمع أمناً ورَیَّا

إذا م ا وردنا غداً حوضه

فأدنی السعید وذاد الشقیا

متی یدن مولاه منه یقل

رِدِ الحوض واشرب هنیئاً مریا

وإن یدن منه عدوٌّ له

یذده علی مکاناً قصیا. انتهی .

وعلی هذا فذکر کسوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أولاً وعلی ثانیاً(علیه السّلام)، وأنه یذود الصحابة المنحرفین عن الحوض ، حدیث لیس فی مصلحة القرشیین ، لأن معناه أن موقف علی هو الصحیح وموقف من یعارضه خطأ..فالأسلم لهم الأخذ بحدیث یکسی إبراهیم أولاً والنبی ثانیاً ، لأنه لیس فیه ذکر لعلی !

وهکذا التقت مصلحة قریش مع مصلحة الیهود.. وصار حدیث کعب الأحبار أسلم طریق للتخلص من علی بن أبی طالب حتی لو صححه الحاکم ، ولم یروه الشیخان !

وهکذا یدون الخلفاء السنة ، کما یکتب الحکام التاریخ ! !

ص: 570

الفصل الثانی عشر : شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداء

اشارة

ص: 571

ص: 572

شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداءمن مصادرنا

قال الحمیری فی قرب الاسناد/64:

عن مسعدة بن صدقة قال: حدثنی جعفر بن محمد عن أبیه عن آبائه: أن رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ثلاثة یشفعون إلی الیوم القیامة فیشفعهم: الأنبیاء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء. انتهی .

ورواه فی مستدرک الوسائل:11/20 وتفسیر نور الثقلین:5/264

من لا یحضره الفقیه:4/399:

إذا کان یوم القیامة جمع الله عز وجل الناس فی صعید واحد ، ووضعت الموازین فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء ، فیرجح مداد العلماء علی دماء الشهداء .

علل الشرائع للصدوق:2/394:

عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إذا کان یوم القیامة بعث الله عز وجل العالم

ص: 573

والعابد ، فإذا وقفا بین یدی الله عز وجل قیل للعابد: انطلق إلی الجنة ، وقیل للعالم قف تشفَّع للناس بحسن تأدیبک

لهم .

تفسیر الإمام العسکری 7/344:

وقال علی بن موسی الرضا (علیهماالسّلام): یقال للعابد یوم القیامة: نعم الرجل کنت، همتک ذات نفسک وکفیت الناس مؤنتک ، فادخل الجنة. إلا إن الفقیه من أفاض علی الناس خیره ، وأنقذهم من أعدائهم ، ووفر علیهم نعم جنان الله ، وحصل لهم رضوان الله تعالی. ویقال للفقیه: یا أیها الکافل لأیتام آل محمد الهادی لضعفاء محبیه وموالیه ، قف حتی تشفع لکل من أخذ عنک أو تعلم منک ، فیقف فیدخل الجنة ومعه فئاماً وفئاماً حتی قال عشراً ، وهم الذین أخذوا عنه علومه ، وأخذوا عمن أخذ عنه ، إلی یوم القیامة ، فانظروا کم فرقُ ما بین المنزلتین !

وروی المجلسی فی البحار حدیثاً یدل علی أن العالم الذی یشفع یوم القیامة لیس من العلماء السبعة المذمومین.. قال فی بحار الأنوار 8/307: قال أبو عبد الله(علیه السّلام): إن من العلماء من یحب أن یخزن علمه ولا یؤخذ عنه، فذاک فی الدرک الاسفل من النار .

ومن العلماء من إذا وعظ أنف ، وإذا وعظ عنف ، فذاک فی الدرک الثانی من النار .

ومن العلماء من یری أن یضع العلم عند ذوی الثروة ، ولا یری له فی المساکین ، فذاک فی الدرک الثالث من النار .

ص: 574

ومن العلماء من یذهب فی علمه مذهب الجبابرة والسلاطین ، فإن رد علیه شئ من قوله أو قصر فی شئ من أمره غضب ، فذاک فی الدرک الرابع من النار .

ومن العلماء من یطلب أحادیث الیهود والنصاری لیغزر به علمه ویکثر به حدیثه ، فذاک فی الدرک الخامس من النار .

ومن العلماء من یضع نفسه للفتیا ویقول: سلونی ولعله لا یصیب حرفاً واحداً والله لا یحب المتکلفین ، فذاک فی الدرک السادس من النار .

ومن العلماء من یتخذ علمه مروةً وعقلاً ، فذلک فی الدرک السابع من النار (نقلاً عن الخصال:2/7 ) .

وفی تفسیر التبیان:9/65:

وقوله: ماللظالمین من حمیم ولا شفیع یطاع ، نفیٌ من الله أن یکون للظالمین شفیع یطاع ، ویحتمل أن یکون المراد بالظالمین الکفار فهؤلاء لا یلحقهم شفاعة شافع أصلاً ، وإن حملنا علی عموم کل ظالم من کافر وغیره جاز أن یکون إنما أراد نفی شفیع یطاع ، ولیس فی ذلک نفی شفیع یجاب ، ویکون المعنی: إن الذین یشفعون یوم القیامة من الأنبیاء والملائکة والمؤمنین إنما یشفعون علی وجه المسألة إلیه والاستکانة إلیه ، لا أنه یجب علی الله أن یطیعهم فیه .

تفسیر التبیان:9/429:

ص: 575

قوله تعالی: وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ یَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ یَشَاءُ وَیَرْضَی ... یقول الله تعالی مخبراً بأن کثیراً من ملائکة السموات لا تغنی شفاعتهم ، أی لا تنفع شفاعتهم فی غیرهم بإسقاط العقاب عنهم شیئاً ، إلا من بعد أن یأذن الله لمن یشاء أن یشفعوا فیه ویطلق لهم ذلک ویرضی ذلک .

وقیل: إن الغرض بذلک الإنکار علی عبدة الأوثان وقولهم إنها تشفع لا الملک ، إذا لم تغن شفاعته شیئاً فشفاعة من دونه أبعد من ذلک. وفی ذلک التحذیر من الإتکال علی الشفاعة لأنه إذا لم تغن شفاعة الملائکة کانت شفاعة غیرهم أبعد من ذلک .

ولا ینافی ما نذهب إلیه من أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )والأئمة والمؤمنین یشفعون فی کثیر من أصحاب المعاصی فیسقط عقابهم لمکان شفاعتهم ، لأن هؤلاء عندنا لا یشفعون إلا بإذن من الله ورضاه ، ومع ذلک یجوز أن لا یشفعوا فیه، فالزجر واقع موقعه .

تفسیر التبیان:7/209:

قوله تعالی: یَوْمَئِذٍ یَتَّبِعُونَ الدَّاعِیَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا . یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِیَ لَهُ قَوْلا ... أخبر الله تعالی أن ذلک الیوم لا تنفع شفاعة أحد فی غیره ، إلا شفاعة من أذن الله له أن یشفع ورضی قوله فیها ، من الأنبیاء والأولیاء والصدیقین والمؤمنین .

مجمع البحرین:4/467:

ص: 576

وفی الحدیث: الساعی بین الصفا والمروة تشفع له الملائکة بالإیجاب ، أی القبول ، یعنی أن الله تعالی یثبت لهم الشفاعة .

دعائم الإسلام:1/343:

روینا عن رسول الله (ص) أنه قال: کل مؤمن من أمتی صدیق شهید، ویکرم الله بهذا السیف من شاء من خلقه ، ثم تلا قول الله عز وجل: وَالَّذِینَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِکَ هُمُ الصِّدِّیقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ .

دعائم الإسلام:1/217:

وعن علی(علیه السّلام)أنه قال: المریض فی سجن الله ما لم یشک إلی عواده ، تمحی سیئآته . وأی مؤمن مات مریضاً مات شهیداً ، وکل مؤمن شهید ، وکل مؤمنة حوراء ، وأی میتة مات بها المؤمن فهو شهید ، وتلا قول الله جل ذکره: والذین آمنوا بالله ورسله أولئک هم الصدیقون والشهداء عند ربهم .

من مصادر السنیین

تاریخ البخاری:9/37:

عن أبی بکرة عن النبی(ص)قال: یحمل الناس علی الصراط یوم القیامة فیتقاذع بهم جنبتا الصراط تقاذع الفراش فی النار: ثم یؤذن للملائکة والنبیین والشهداء والصالحین فیشفعون ، ویخرجون فیشفعون ویرجون فیشفعون فیجابون .

سنن النسائی:2/229:

ص: 577

عن عطاء بن یزید قال کنت جالساً إلی أبی هریرة وأبی سعید فحدث أحدهما حدیث الشفاعة والآخر منصت ، قال: فتأتی الملائکة فتشفع وتشفع الرسل ، وذکر الصراط قال قال رسول الله (ص): فأکون أول من یجیز ، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بین خلقه، وأخرج من النار من یرید أن یخرج، أمر الله الملائکة والرسل أن تشفع فیعرفون بعلاماتهم أن النار تأکل کل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود ، فیصب علیهم من ماء الجنة ، فینبتون کما تنبت الحبة فی حمیل السیل .

سنن ابن ماجة:2/724:

عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله (ص): یشفع یوم القیامة ثلاثة: الأنبیاء ، ثم العلماء ، ثم الشهداء.

ورواه البیهقی فی شعب الإیمان:2/265 والدیلمی فی فردوس الأخبار:5/428 وکنز العمال:10/151 وتهذیب الکمال:22/551 وتهذیب التهذیب:8/195 ومجمع الزوائد:10/381 راجع أیضاً سنن البیهقی:9/164

سنن الترمذی:4/46:

عن أبی سعید أن رسول الله(ص)قال: إن من أمتی من یشفع للفئام من الناس ، ومنهم من یشفع للقبیلة ، ومنهم من یشفع للعصبة ، ومنهم من یشفع للرجل حتی یدخلوا الجنة. هذا حدیث حسن .

مسند أحمد:3/20:

ص: 578

عن أبی سعید الخدری عن النبی(ص)قال قد أعطی کل نبی عطیة فکل قد تعجلها وإنی أخرت عطیتی شفاعة لأمتی، وإن الرجل من أمتی لیشفع للفئام من الناس فیدخلون الجنة ، إن الرجل لیشفع للقبیله وإن الرجل لیسشفع للعصبة ، وإن الرجل لیشفع للثلاثة ، وللرجلین ، وللرجل .

مجمع الزوائد:10/380:

باب شفاعة الصالحین. وعن أبی برزة قال سمعت رسول الله(ص)یقول: إن من أمتی لمن یشفع لأکثر من ربیعة ومضر وإن من أمتی لمن یعظم للنار حتی یکون رکناً من أرکانها. رواه أحمد ورجاله ثقات . . .

وعن أنس بن مالک قال قال رسول الله (ص): إن الرجل لیشفع للرجلین والثلاثة. رواه البزار ورجاله رجال الصحیح .

وعن أنس عن رسول الله(ص)قال: سلک رجلان مفازة أحدهما عابد والآخر به رهق ، فعطش العابد حتی سقط فجعل صاحبه ینظر إلیه وهو صریع فقال والله لئن مات هذا

العبد الصالح عطشاً ومعی ماء لا أصیب من الله خیراً وإن سقیته مائی لأموتن فاتکل علی الله وعزم ورش علیه من مائه وسقاه من فضله قال فقام حتی قطع المفازة قال فیوقف الذی به رهق یوم القیامة للحساب فیؤمر به إلی النار فتسوقه الملائکة فیری العابد فیقول یا فلان أما تعرفنی قال فیقوب من أنت قال أنا فلان الذی آثرتک علی نفسی یوم المفازة قال فیقول بلی أعرفک قال فیقول للملائکة قفوا ویجی حتی یقف ویدعو ربه فیقول یا رب قد تعرف یده عندی وکیف آثرنی علی نفسه یا رب هبه لی قال فیقول: هو لک ویأخذ بیده فیدخله الجنة. رواه أبو یعلی ورجاله رجال الصحیح غیر أبی ظلال القسملی قد وثقه ابن حبان وغیره

ص: 579

وضعفه غیر واحد .

فردوس الأخبار للدیلمی:1/396:

ابن عباس: إذا اجتمع العالم والعابد علی الصراط قیل للعابد: أدخل الجنة وتنعم بعبادتک ، وقیل للعالم هاهنا فاشفع لمن أحببت فإنک لا تشفع لأحد إلا شفعت ، فقام مقام الأنبیاء. ورواه فی کنز العمال:10/136 وص 173 وص 256

مجمع الزوائد:5/293:

قال رسول الله (ص): إن للشهید عند الله عز وجل ست خصال: أن یغفر له فی أول دفعة من دمه ، ویری مقعده من الجنة ، ویحلی حلة الإیمان ، ویزوج من الحور العین ، ویجار من عذاب القبر ، ویأمن من الفزع الأکبر ، ویوضع علی رأسه تاج الوقار الیاقوتة منه خیر من الدنیا وما فیها ، ویزوج ثنتین وسبعین زوجه من الحور العین ، ویشفع فی سبعین إنساناً من أقاربه. رواه أحمد هکذا قال مثل ذلک ، والبزار والطبرانی إلا أنه قال سبع خصال وهی کذلک ، ورجال أحمد والطبرانی ثقات .

وعن أبی هریرة قال قال رسول الله (ص): الشهید یغفر له فی أول کل دفقة من دمه ، ویزوج حوراوین ویشفع فی سبعین من أهل بیته ، والمرابط إذا مات فی رباطه کتب له أجر عمله إلی یوم القیامة ، وأتی علیه ریح برزقه ، ویزوج سبعین حوراء ، وقیل له قف فاشفع إلی أن یفرغ من الحساب - قلت روی ابن ماجة بعضه - رواه الطبرانی فی الأوسط عن شیخه بکر بن سهل

ص: 580

الدمیاطی ، قال الذهبی مقارب الحدیث وضعفه النسائی. انتهی. وروی عدداً من هذه الروایات فی مجمع الزوائد 2/98 وص 115 وج 4/398 وص 401 وص 405 وص 410

الدر المنثور:6/24:

وأخرج عبد بن حمید وابن جریر وابن المنذر عن مجاهد فی قوله: ولا یملک الذین یدعون من دونه الشفاعة ، قال: عیسی وعزیر والملائکة. إلا من شهد بالحق قال کلمة الإخلاص. وهم یعلمون أن الله حق . . .

وأخرج عبد بن حمید وعبد الرزاق وابن جریر وابن المنذر عن قتادة فی قوله: إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ یَعْلَمُونَ ، قال: الملائکة وعیسی وعزیر فإن لهم عند الله شفاعة .

الدر المنثور:4/94:

وأخرج الحاکم فی الکنی عن حماد (رض) قال: سألت إبراهیم عن هذه الآیة: ربما یود الذین کفروا کانوا مسلمین ، قال: حدثت أن أهل الشرک قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام ما أغنی عنکم ما کنتم تعبدون ، فیغضب الله لهم فیقول للملائکة والنبیین: اشفعوا لهم فیشفعون لهم فیخرجون حتی أن إبلیس لیتطاول رجاء أن یدخل معهم ، فعند ذلک یود الذین کفروا لو کانوا مسلمین .

تفسیر الطبری:25/62:

ص: 581

اختلف أهل التأویل فی تأویل ذلک فقال بعضهم: معنی ذلک ولا یملک عیسی وعزیز والملائکة الذین یعبدهم هؤلاء المشرکین لشفاعة عند الله لاحد إلا من شهد بالحق فوحد الله وأطاعه . . . وأولی الأقوال فی ذلک بالصواب أن یقال: إن الله تعالی ذکره أخبره أنه لا یملک الذین یعبدهم المشرکون من الله الشفاعة عنده لأحد ، إلا من شهد بالحق . . ویعنی بذلک أنهم یملکون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها ، کما قال جل ثناؤه: ولا یشفعون إلا لمن ارتضی ، فأثبت جل ثناؤه للملائکة وعیسی وعزیز ملکهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان ، باستثنائه الذی استثناه .

تفسیر الطبری:27/37:

وقوله: وکم من ملک فی السموات لا تغنی شفاعتهم شیئاً یقول تعالی ذکره: وَکَمْ مِنْ مَلَکٍ فِی السَّمَوَاتِ لا تُغْنِی شَفَاعَتُهُمْ شَیْئًا ، عند الله لمن شفعوا له شیئاً إلا أن یشفعوا له من بعد أن یأذن الله لهم ، بالشفاعه لمن یشاء منهم أن یشفعوا له ویرضی ، یقول ومن بعد أن یرضی لملائکته الذین یشفعون له أن یشفعوا له ، فتنفعه حینئذ شفاعتهم. .

تفسیر الرازی:4 جزء 7/11:

هؤلاء المذکورون فی هذه الآیة ( َعْلَمُ مَا بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ) یحتمل أن یکونوا هم الملائکة وسائر من یشفع یوم القیامه من النبیین والصدیقیین والشهداء والصالحین .

الجواهر الحسان للثعالبی:1/351:

ص: 582

فیقول الله عز وجل: شفعت الملائکة وشفع النبیون وشفع المؤمنون ، ولم یبق إلا أرحم الراحمین ، فیقبض قبضة من النار فیخرج منها قوماً لم یعلموا خیراً قط .

الأنساب:5/623:

عن ابن عباس رضی الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): سبعة لهم شفاعة کشفاعة الأنبیاء: المؤذن ، والإمام ، والشهید وحامل القرآن ، والعالم ، والمتعلم ، والتائب .

ما یوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنین له

الکافی:2/248:

عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن محمد بن عبد الله عن خالد العمی عن خضر بن عمرو عن أبی عبد الله(علیه السّلام): المؤمن مؤمنان: مؤمن وفی لله بشروطه التی شرطها علیه فذلک مع النبیین والصدیقین والشهداء والصالحین وحسن أولئک رفیقاً وذلک من یشفع ولا یشفع له وذلک ممن لا تصیبه أهوال الدنیا ولا أهوال الآخرة .

ومؤمن زلت به قدم فذلک کخامة الزرع کیفما کفأته الریح انکفأ وذلک ممن تصیبه أهوال الدنیا والآخرة ویشفع له وهو علی خیر. وروی نحوه فی الکافی:2/188 وفی تفسیر نور الثقلین:1/514 وج 4/260

الکافی:6/3:

ص: 583

محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد بن عیسی عن محمد بن یحیی عن طلحة بن زید عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن أولاد المسلمین موسومون عند الله شافع ومشفع فإذا بلغوا اثنتی عشرة سنة کانت لهم الحسنات

فإذا بلغوا الحلم کتبت علیهم السیئات .

الکافی:8/101:

محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد بن عیسی عن الحسن بن علی بن فضال عن علی بن عقبة عن عمر بن أبان عن عبدالحمید الوابشی عن أبی جعفر (علیه السّلام) قال... وإن المؤمن لیشفع لجاره وماله حسنة فیقول: یا رب جاری کان یکف عنی الأذی فیشفع فیه فیقول الله تبارک وتعالی: أنا ربک وأنا أحق من کافی عنک فیدخله الجنة وماله من حسنة ! وإن أدنی المؤمنین شفاعة لیشفع لثلاثین إنساناً فعند ذلک یقول أهل النار: فما لنا من شافعین ولا صدیق حمیم .

وسائل الشیعة:8/407:

وعن إبراهیم بن الغفاری عن جعفر بن إبراهیم عن جعفر بن محمد (علیهماالسّلام) قال: أکثروا من الأصدقاء فی الدنیا فإنهم ینفعون فی الدنیا والآخرة أما فی الدنیافحوائج یقومون بها وأما فی الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ .

وعن أحمد بن إدریس عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبدالله(علیه السّلام): استکثروا من الأخوان فإن لکل مؤمن دعوة مستجابة وقال:

ص: 584

استکثروا من الأخوان فإن لکل مؤمن شفاعة. وقال: أکثروا من مؤاخاة المؤمنین فإن لهم عند الله یداً یکافئهم بها یوم القیامة .

مستدرک الوسائل:8/323:

وقال علی بن أبی طالب(علیه السّلام): علیکم بالاخوان فإنهم عدة فی الدنیا والآخرة ألا تسمعون إلی قوله تعالی: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِینَ وَلا صَدِیقٍ حَمِیمٍ .

بحار الأنوار:8/41:

ثواب الأعمال: أبی عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبی ولاد عن میسر عن أبی عبد الله(علیه السّلام)قال: إن المؤمن منکم یوم القیامة لیمربه الرجل له المعرفة به فی الدنیا وقد أمر به إلی النار والملک ینطلق به قال: فیقول له: یا فلان أغثنی فقد کنت أصنع إلیک المعروف فی الدنیا وأسعفک فی الحاجة تطلبها منی فهل عندک الیوم مکافاة فیقول المؤمن للملک المؤکل به: خل سبیل قال: فیسمع الله قول المؤمن فیأمر الملک أن یجیز قول المؤمن فیخلی سبیله. ( المصدر/167 )

من مصادر السنیین

تاریخ البخاری:6/533:

روی وکیع عن محمد بن قیس قال: أدنی أهل الجنة منزلة الذی یشفع فی الرجل من أهل بیته .

ص: 585

مسند أبی یعلی:2/292:

حدثنا أبوبکر حدثنا محمد بن بشرحدثنا زکریا بن أبی زائدة حدثنی عطیة عن أبی سعید عن النبی(ص)قال: من أمتی من یشفع للرجل وأهل بیته فیدخلون الجنة بشفاعته .

فردوس الأخبار للدیلمی:1/105:

أنس بن مالک: أکثروا من المعارف من المؤمنین ، فإن لکل مؤمن شفاعة عند الله یوم القیامة .

الدر المنثور:6/8:

وأخرج ابن جریر من طریق قتادة عن أبی إبراهیم اللخمی فی قوله: وَیَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال یشفعون فی إخوان إخوانهم .

تفسیر الطبری:25/18:

قوله تعالی: وَیَزِیدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ . . . وقیل إن ذلک الفضل الذی ضمن جل ثناؤه أن یزیدهموه هو أن یشفعهم فی إخوان إخوانهم ، إذا هم شفعوا فی إخوانهم فشفعهوا فیهم

تفسیر الطبری:29/105:

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِینَ ، یقول فما یشفع لهم الذین شفعهم الله فی أهل الذنوب . . وفی هذه الآیة دلالة واضحة علی أن الله مشفع بعض خلقه فی بعض .

ص: 586

هامش طبقات المحدثین بأصبهان:2/346:

عن أبی أمامة عن النبی (ص) قال: إن ذراری المسلمین یوم القیامة تحت العرش شافع مشفع .

الإیمان لابن تیمیة/115:

أبو الحسن الأشعری نصر قول جهم فی الإیمان مع أنه نصر المشهور من أهل السنة فی أنه یستثنی فی الإیمان فیقول: أنا مؤمن إن شاء الله لأنه نصر مذهب أهل السنة فی أنه لا یکفر أحد من أهل القبلة ولا یخلدون فی النار وتقبل منهم الشفاعة ونحو ذلک .

فتاوی الالبانی/286:

سؤال: هل تارک الصلاة کافر ولا ینفعه أی عمل ؟

جواب: نحن قلنا إن إخواننا کانوا یصلون ویصومون إلی آخره ، فیأذن الله عز وجل بأن یشفع لهم فیشفعون ، ثم یشفعون لوجبة أخری .

ص: 587

ص: 588

الفصل الثالث عشر : شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، والزوار وأصناف أخری من الناس...

اشارة

ص: 589

ص: 590

شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، والزوار

وردت فی مصادر الفریقین أحادیث عن شفاعة القرآن ، وصرح بعضها بأن القرآن یتجسد یوم القیامة علی صورة إنسان وملک نورانی ، ویتکلم مع أهل المحشر .

وقد ورد فی أحادیث البعث والقیامة والحساب والجنة والنار ، من طرق الجمیع ما یدل علی تجسد القرآن ، وتجسد بعض الأعمال ، والأمور والأمکنة والأزمنة ..

وقد کان هذا الأمر صعب التصدیق بل صعب التصور فی العصور السابقة ، أما فی عصر الذرة والجینات فقد عرف الناس حقائق مدهشة من خلق الله تعالی وقوانینه ، وصار الإیمان بضبط أعمال الإنسان وتجسدها فی هذه الدنیا أمراً معقولاً فضلاً عن عالم الآخرة !

شفاعة القرآن

فی نهج البلاغة:2/91:

واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذی لا یغش ، والهادی الذی لا یضل ،

ص: 591

والمحدث الذی لا یکذب.

وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزیادة أو نقصان: زیادة فی هدی أو نقصان فی عمی .

واعلموا أنه لیس علی أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لأحد قبل القرآن من غنی ، فاستشفوه من أدوائکم ، واستعینوا به علی لأوائکم ، فإن فیه شفاء من أکبر الداء ، وهو الکفر والنفاق والغی والضلال .

فاسألوا الله به ، وتوجهوا إلیه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنه ما توجه العباد إلی الله بمثله .

واعلموا أنه شافع مشفع ، وقائل مصدق ، وإنه من شفع له القرآن یوم القیامة شفع فیه ، ومن محل به القرآن یوم القیامة صدق علیه ، فإنه ینادی مناد یوم القیامة: ألا إن کل حارث مبتلی فی حرثه وعاقبة عمله ، غیر حَرَثَةِ القرآن ، فکونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه علی ربکم، واستنصحوه علی أنفسکم، واتهموا علیه آراءکم ، واستغشوا فیه أهواءکم. العملَ العملِ ، ثم النهایة النهایة. انتهی .

وفی الکافی:2/596-کتاب فضل القرآن:

علی بن محمد ، عن علی بن العباس ، عن الحسین بن عبد الرحمن ، عن سفیان الحریری ، عن أبیه ، عن سعد الخفاف ، عن أبی جعفر(علیه السّلام)قال: یا سعد تعلموا القرآن ، فإن القرآن یأتی یوم القیامة فی أحسن صورة نظر إلیها الخلق ، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صف أمة محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )وأربعون ألف صف من سائر الأمم ، فیأتی علی صف المسلمین

ص: 592

فی صورة رجل فیسلَّم ، فینظرون إلیه ثم یقولون: لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، إن هذا الرجل من المسلمین نعرفه بنعته وصفته ، غیر أنه کان أشد اجتهاداً منا فی القرآن ، فمن هناک أعطی من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم یجاوز حتی یأتی علی صف الشهداء ، فینظرون إلیه ثم یقولون: لا إله إلا الله الرب الرحیم ، إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته ، غیر أنه من شهداء البحر ، فمن هناک أعطی من البهاء والفضل ما لم نعطه ، قال: فیتجاوز حتی یأتی علی صف شهداء البحر فی صورة شهید ، فینظر إلیه شهداء البحر فیکثر تعجبهم یقولون: إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته ، غیر أن الجزیره التی أصیب فیها کانت أعظم هولاً من الجزیرة التی أصبنا فیها ، فمن هناک أعطی من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه ، ثم یجاوز حتی یأتی صف النبیین والمرسلین فی صورة نبی مرسل ، فینظر النبیون والمرسلون إلیه ، فیشتد لذلک تعجبهم ویقولون: لا إله إلا الله الحلیم الکریم ، إن هذا النبی مرسل نعرفه بسمته وصفته ، غیر أنه أعطی فضلاً کثیراً ، قال: فیجتمعون فیأتون رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم )فیسألونه ویقولون: یا محمد من هذا؟ فیقول لهم: أو ما تعرفونه ؟ فیقولون ما نعرفه ، هذا ممن لم یغضب الله علیه ، فیقول رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): هذا حجة الله علی خلقه .

فیسلم ثم یجاوز حتی یأتی علی صف الملائکة فی سورة ملک مقرب ، فتنظر إلیه الملائکة فیشتد تعجبهم ، ویکبر ذلک علیهم لما رأوا من فضله ، ویقولون: تعالی ربنا وتقدس إن هذا العبد من الملائکه نعرفه بسمته وصفته، غیر أنه کان أقرب الملائکة إلی الله عز وجل ، مقاماً ، فمن هناک ألبس من النور والجمال ما لم نلبس ، ثم یجاوز حتی ینتهی إلی رب العزة تبارک

ص: 593

وتعالی ، فیخر تحت العرش ، فینادیه تبارک وتعالی: یاحجتی فی الأرض وکلامی الصادق الناطق، إرفع رأسک وسل تعط واشفع تشفع ، فیرفع رأسه، فیقول الله تبارک وتعالی: کیف رأیت عبادی ؟ فیقول: یا رب منهم من صاننی وحافظ علی ولم یضیع شیئاً ، ومنهم من ضیعنی واستخف بحقی وکذب بی وأنا حجتک علی جمیع خلقک، فیقول الله تبارک وتعالی: وعزتی وجلالی، وارتفاع مکانی لاثیبن علیک الیوم أحسن الثواب ، ولأعاقبن علیک الیوم ألیم العقاب .( ورواه فی وسائل الشیعة:4/213 )

علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن النوفلی ، عن السکونی ، عن أبی عبدالله ، عن آبائه (علیهم السّلام) قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): أیها الناس إنکم فی دار هدنة ، وأنتم علی ظهر سفر ، والسیر بکم سریع ، وقد رأیتم اللیل والنهار والشمس والقمر یبلیان کل جدید ، ویقربان کل بعید ، ویأتیان بکل موعود ، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز .

قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: یا رسول الله وما دار الهدنة ؟ قال: دار بلاغ وانقطاع ، فإذا التبست علیکم الفتن کقطع اللیل المظلم ، فعلیکم بالقرآن فإنه شافع مشفع ، وماحلٌ مصدق ، ومن جعله أمامه قادة إلی الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلی النار ، وهو الدلیل یدل علی خیر سبیل ، وهو کتاب فیه تفصیل وبیان وتحصیل ، وهو الفصل لیس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حکم وباطنه علم ، ظاهره أنیق وباطنه عمیق ، له نجوم وعلی نجومه نجوم، لا تحصی عجائبه ولا تبلی غرائبه ، فیه مصابیح الهدی، ومنار الحکمة ، ودلیل علی المعرفة لمن عرف الصفة .. فَلْیجُلْ جَال بصره ، ولیبلغ الصفة نظره ، ینج من عطب ، ویتخلص من نشب ، فإن التفکر حیاة

ص: 594

قلب البصیر ، کما یمشئ المستنیر فی الظلمات بالنور ، فعلیکم بحسن التخلص وقلة التربص. انتهی.

ورواه فی وسائل الشیعة:4/218 وفی تفسیر نور الثقلین:4/13 وفی صحیح مسلم:2/197:

عن أبی أمامة الباهلی قال سمعت رسول الله(ص)یقول: إقرؤوا القرآن ، فإنه یأتی یوم القیامة شفیعاً لاصحابه. إقرأوا الزهراوین البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتیان یوم القیامة کأنهما غمامتان أو کأنهما غیایتان ، أو کأنهما فرقان من طیر ، صوافُّ تحاجان عن أصحابهما. إقرأوا سورة البقرة ، فإن أخذها برکة ، وترکها حسرة ، ولا یستطیعها البطلة. قال معاویة بلغنی أن البطلة السحرة. انتهی. ورواه أحمد فی:5/248 - 249

وفی مستدرک الحاکم:1/554:

عن عبدالله بن عمرو (رض) أن رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) قال: الصیام والقرآن یشفعان للعبد ، یقول الصیام رب إنی منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعنی فیه ، ویقول القرآن: منعته النوم باللیل فیشفعان. هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه. انتهی. ورواه أحمد فی مسنده:2/174 وقال عنه فی مجمع الزوائد:10/380: رواه أحمد وإسناده حسن علی شعف فی ابن لهیعة وقد وثق. وقال فی عنه الدر المنثور:1/182: وأخرج أحمد وابن أبی الدنیا فی کتاب الجوع والطبرانی والحاکم وصححه عن عبد الله بن عمرو. ورواه الدیلمی فی فردوس الأخبار:

ص: 595

2/568 ح3631 وکنز العمال:8/444

وفی مستدرک الحاکم:1/568:

عن معقل بن یسار (رض) قال قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): إعملوا بالقرآن ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، واقتدوا به ولا تکفروا بشئ منه ، وما تشابه علیکم منه فردوه إلی الله وإلی أولی الأمر من بعدی کیما یخبروکم .

وآمنوا بالتوراة والإنجیل والزبور ، وما أوتی النبیون من ربهم .

ولیسعکم القرآن وما فیه من البیان ، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق. ألا ولکل آیة نور یوم القیامة ، وإنی أعطیت سورة البقرة من الذکر الأول ، وأعطیت طه وطواسین والحوامیم من ألواح موسی، وأعطیت فاتحة الکتاب من تحت العرش. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه. وروی نحوه فی:3/578 ورواه فی کنز العمال:1/190

وفی مسند أحمد:5/348:

عن عبدالله بن بریدة عن أبیه عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: إن القرآن یلقی صاحبه یوم القیامة حین ینشق عنه قبره کالرجل الشاحب ، فیقول له هل: تعرفنی؟ فیقول ما أعرفک ! فیقول له: هل تعرفنی ؟ فیقول ما أعرفک ! فیقول: أنا صاحبک القرآن الذی أظمأتک فی الهواجر ، وأسهرت لیلک ، وإن کل تاجر من وراء تجارته ، وإنک الیوم من وراء کل تجارة ، فیعطی الملک بیمینه ، والخلد بشماله ، ویوضع علی رأسه تاج الوقار ، ویکسی والداه حلتین ، لا یقوم لهماأهل الدنیا ، فیقولان بم کسینا هذه ؟ فیقال بأخذ ولدکما القرآن !

ص: 596

ثم یقال له: إقرأ واصعد فی درجة الجنة وغرفها ، فهو فی صعود ما دام یقرأ هذاً کان أو ترتیلاً. وروی نحوه فی الدر المنثور: 6/277:عن ابن أبی شیبة وابن الضریس عن مجاهد وفی الدر المنثور:3/56:

وأخرج ابن أبی شیبة وأحمد فی الزهد ، وابن الضریس ، ومحمد بن نصر ، والطبرانی عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع وماحل مصدق ، من جعله أمامه قاده إلی الجنة ، ومن جعل خلفه ساقه إلی النار. انتهی. وروی نحوه فی کنز العمال:1/552 ونحوه فی:1/516 و/519 و: 2/292 عن ابن مسعود وکذا فی فردوس الأخبار:3/281 ح 4710 وفی المعجم الکبیر للطبرانی:9/132

وفی کنز العمال:14/390:

عن فردوس الأخبار عن أبی هریرة: الشفعاء خمسة: القرآن ، والرحم ، والأمانة ، ونبیکم ، وأهل بیته .

وفی سنن الدارمی:2/430:

عن أبی هریرة یقول: إقرؤوا القرآن ، فإنه نعم الشفیع یوم القیامة ، إنه یقول یوم القیامة: یا رب حلِّه حلیةَ الکرامة ، فیحلی حلیة الکرامة ، یا رب أکسه کسوة الکرامة ، فیکسی کسوة الکرامة ، یا رب ألبسه تاج الکرامة ، یا رب إرض عنه ، فلیس بعد رضاک شئ .

ص: 597

عن ابن عمر قال: یجی القرآن یشفع لصاحبه یقول: یا رب لکل عامل عمالة من عمله ، وإنی کنت أمنعه اللذة والنوم فأکرمه ، فیقال: أبسط یمینک فیملا من رضوان الله ، ثم یقال أبسط شمالک فیملا من رضوان الله ، ویکسی کسوة الکرامة ، ویحلی حلیة الکرامة ، ویلبس تاج الکرامة .

عن أبی صالح قال: القرآن یشفع لصاحبه فیکسی حلة الکرامة ، ثم یقول: رب زده ، فیکسی تاج الکرامه ، قال فیقول رب زده فآته فآته ، یقول: رضائی.

قال أبو محمد: قال وهیب بن الورد: إجعل قراءتک القرآن علماً ولا تجعله عملاً .

وفی سنن الدارمی:2/433:

عن ابن مسعود کان یقول: یجیء القرآن یوم القیامة فیشفع لصاحبه ، فیکون له قائداً إلی الجنة ، ویشهد علیه ، ویکون سائقاً به إلی النار .

وفی الدر المنثور:1/18:

وأخرج أبو عبید وأحمد وحمید بن زنجویه فی فضائل القرآن ومسلم وابن الضریس وابن حبان والطبری وأبوذر الهروی فی فضائله والحاکم والبیهقی فی سننه عن أبی أمامة الباهلی قال:

سمعت رسول الله(ص)یقول: إقرؤا القرآن فإنه یأتی یوم القیامة شفیعاً لاصحابه. انتهی .

ورواه الطبرانی فی المعجم الکبیر:8/118

ص: 598

وقد بالغ بعضهم فی شفاعة القرآن حتی جعلها أعظم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )! قال السبکی فی طبقات الشافعیه:6/301 نقلاً عن إحیاء الدین للغزالی: ما من شفیع أعظم عند الله منزلة من القرآن !

شفاعة سور القرآن وآیاته

روت مصادر الشیعة والسنة أحادیث کثیرة فی فضل سور القرآن وآیاته ، وشفاعتها لمن قرأها أو حفظها أو علمها أو تعلمها أو عمل بها ، أو إعطائه حق الشفاعة بسبب ذلک.. ویطول الکلام لو أردنا استعراض هذه الأحادیث لکثرتها وضعف سند بعضها أو متنه.. لذا نکتفی بتقدیم نماذج منها من مصادر الفریقین:

ففی وسائل الشیعة:4/199:

عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقیام بها، فإنها لا تقر فی قلوب المنافقین ، وتأتی بها یوم القیامة فی صورة آدمی فی أحسن صورة وأطیب ریح ، حتی تقف من الله موقفاً لا یکون أحد أقرب إلی الله منها ، فیقول لها: من الذی کان یقوم بک فی الحیاة الدنیا ویدمن قراءتک ؟ فتقول: یا رب فلان وفلان، فتبیض وجوههم ، فیقول لهم: إشفعوا فیمن أجبتم ، فیشفعون حتی لا یبقی لهم غایة ولا أحد یشفعون له ، فیقول لهم: أدخلوا الجنة واسکنوا فیها حیث شئتم .

عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: من قرأ التغابن فی فریضة کانت شفیعة له یوم القیامة ، وشاهد عدل عند من یجیز شهادتها ، ثم لا یفارقها حتی یدخل

ص: 599

الجنة .

وفی تفسیر نور الثقلین:2/2:

فی کتاب ثواب الأعمال بإسناده إلی أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: من قرأ سورة الأعراف فی کل شهر ، کان یوم القیامة من الذین لا خوف علیهم ولا هم یحزنون. فلا تدعوا قراءتها ، فإنها تشهد یوم القیامة لمن قرأها.

وفی مصباح الکفعمی عنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من قرأها جعل الله بینه وبین إبلیس ستراً ، وکان آدم(علیه السّلام)شفیعاً له یوم القیامة. ( ورواه فی فردوس الأخبار: 4/34 ح 8 559 )

وفی مستدرک الوسائل:4/351:

وعنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: ومن قرأ سورة الممتحنة ، کان المؤمنون والمؤمنات له شفعاء یوم القیامة .

وفی مستدرک الوسائل:4/335:

وقال(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من قرأ آیة الکرسی مرة ، محی اسمه من دیوان الاشقیاء ، ومن قرأها ثلاث مرات ، استغفرت له الملائکة ، ومن قرأها أربع مرات شفع له الأنبیاء ، ومن قرأها خمس مرات کتب الله اسمه فی دیوان الابرار ، واستغفرت له الحیتان فی البحار ووقی شر الشیطان ، ومن قرأها سبع مرات أغلقت عنه أبواب النیران، ومن قرأها ثمانی مرات فتحت له أبواب الجنان ، ومن قرأها تسع مرات کفی هم الدنیا والآخرة ، ومن قرأها عشر مرات نظر الله إلیه بالرحمة ، ومن نظر الله إلیه بالرحمة فلا یعذبه .

ص: 600

وفی مستدرک الوسائل:4/323:

عن أبی عبدالله(علیه السّلام)قال: إن لکل شئ قلباً وقلب القرآن یس ، فمن قرأ یس فی نهاره قبل أن یمسی ، کان فی نهاره من المحفوظین والمرزوقین حتی یمسی ، ومن قرأها فی لیلة قبل أن ینام وکَّل به ألف ملک یحفظونه من کل شیطان رجیم ، ومن کل آفة وإن مات فی یومه أدخله الله الجنة... ثم یقول له الرب تعالی: إشفع عبدی اشفعک فی جمیع ما تشفع ، وسلنی عبدی أعطک جمیع ما تسأل ، فیسأل ویعطی ویشفع فیشفع ، ولا یحاسب فیمن یحاسب ، ولا یذل مع من یذل، ولا یبکت بخطیئته ولا بشئ من سوء عمله، ویعطی کتاباً منشوراً فیقول الناس بأجمعهم: سبحان الله ما کان لهذا العبد خطیئة واحدة ، ویکون من رفقاء محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم )

وفی مستدرک الوسائل:6/356:

عن أبی هریرة قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): یصلی لیلة السبت أربع رکعات ، یقرأ فی کل رکعة الحمد مرة وآیة الکرسی ثلاث مرات ، وقل هو الله أحد مرة ، فإذا سلم ، قرأ فی دبر هذه الصلاة آیة الکرسی ثلاث مرات ، غفر الله تبارک وتعالی له ولوالدیه ، وکان ممن یشفع له محمد(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) .

وفی سنن ابن ماجة:2/525:

عن أبی هریرة عن النبی(ص)قال: إن سورة فی القرآن ، ثلاثون آیة ، شفعت لصاحبها حتی غفر له: تَبَارَکَ الَّذِی بِیَدِهِ الْمُلْکُ .

ورواه أبو داود:1 ص316 والترمذی:4/238 والحاکم:1/565 وأحمد:

ص: 601

2/299 وکنز العمال:1/583 وص 594 وفردوس الأخبار: 2/470 ح 3318

وفی سنن الدارمی:2/454:

عن خالد بن معدان قال: إقرؤا المنجیة ، وهی أ. ل. م. تَنْزِیلُ ، فإنه بلغنی أن رجلاً کان یقرؤها ما یقرأ شیئاً غیرها ، وکان کثیر الخطایا ، فنشرت جناحها علیه ، وقالت: رب اغفر له ، فإنه کان یکثر قراءتی ، فشفعها الرب فیه وقال: أکتبوا له بکل خطیئة حسنة ، وارفعوا له درجة .

وفی سنن الدارمی:2/459:

عن سعید بن المسیب یقول إن نبی الله(ص)قال: من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشر مرات بنی له بها قصر فی الجنة ، ومن قرأها عشرین مرة بنی له بها قصران فی الجنة ، ومن قرأها ثلاثین مرة بنی له بها ثلاثة قصور فی الجنة. فقال عمر بن الخطاب: والله یا رسول الله إذن لنکثرن قصورنا ! فقال رسول الله (ص): الله أوسع من ذلک .

وفی الدر المنثور:6/247:

وأخرج الدیلمی عن أنس مرفوعاً قال: یبعث رجل یوم القیامة لم یترک شیئاً من المعاصی إلا رکبها ، إلا أنه کان یوحد الله ، ولم یکن یقرأ من القرآن إلا سورة واحدة ، فیؤمر به إلی النار ، فطار من جوفه شئ کالشهاب ، فقالت: اللهم إنی مما أنزلت علی نبیک(ص)، وکان عبدک هذا یقرؤنی ، فما

ص: 602

زالت تشفع ، حتی أدخلته الجنة ، وهی المنجیة: تبارک الذی بیده الملک .

وفی فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتی آیة فی کل یوم ، شفع فی سبع قبور حول قبره ، وخفف الله عز وجل عن والدیه ، وإن کانا مشرکین. ورواه فی کنز العمال:1/537 2408 عن ابن أبی داود فی المصاحف والدیلمی .

شفاعة القرآن لمن یتعلمه ویعلمه

فی سنن ابن ماجة:1/78:

عن علی بن أبی طالب قال قال رسول الله (ص): من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة ، وشفعه فی عشرة من أهل بیته ، کلهم قد استوجب النار.

ورواه أحمد فی مسنده:1/148 وفی:1/149 عن علی أیضاً، ورواه الترمذی فی:4/245 عن علی(علیه السّلام)أیضاً ورواه البیهقی فی شعب الإیمان: 2/328 وص 329 وص 552 وکنز العمال:1/521 وروی الخطیب فی تاریخ بغداد:11/395 نحوه عن عائشة .

وفی مسند أحمد:3/440:

عن سهل ، عن أبیه ، عن رسول الله(ص)أنه قال: من قال سبحان الله العظیم نبت له غرس فی الجنة. ومن قرأ القرآن فأکمله وعمل بما فیه ، ألبس والدیه یوم القیامة تاجاً هو أحسن من ضوء الشمس فی بیوت من بیوت الدنیا لو کانت فیه ، فما ظنکم بالذی عمل به !

ص: 603

کما روت المصادر ذم من یتعلم القرآن للدنیا ، ففی سنن النسائی:6/23:

عن أبی هریرة فقال له قائل من أهل الشام: أیها الشیخ حدثنی حدیثاً سمعته من رسول الله(ص)قال: نعم سمعت رسول الله(ص)یقول: أول الناس یقضی لهم یوم القیامة ثلاثة: رجل استشهد فأتی به فعرفه نعمة فعرفها ، قال: فما عملت فیها ؟ قال: قاتلت فیک حتی استشهدت. قال: کذبت ، ولکنک قاتلت لیقال فلان جرئ فقد قیل! ثم أمر به فسحب علی وجهه حتی ألقی فی النار!

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن ، فأتی به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما عملت فیها ؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فیک القرآن. قال: کذبت ، ولکنک تعلمت العلم لیقال عالم ! وقرأت القرآن لیقال قارئ ، فقد قیل ! ثم أمر به فسحب علی وجهه حتی ألقی فی النار .

ورجل وسع الله علیه وأعطاه من أصناف المال کله ، فأتی به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فیها ؟ قال ما ترکت من سبیل تحب کما أردت أن ینفق فیها إلا أنفقت فیها لک. قال کذبت ، ولکن لیقال إنه جواد ، فقد قیل ! ثم أمر به فسحب علی وجهه فألقی فی النار ! ورواه الحاکم فی المستدرک: 1/107 وقال: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه بهذه السیاقة. انتهی .

شفاعة الکعبة لمن زارها

فی الدر المنثور:1/137:

وأخرج ابن مردویه والإصبهانی فی الترغیب والدیلمی عن جابر قال قال

ص: 604

رسول الله (ص): إذا کان یوم القیامة زفت الکعبة البیت الحرام إلی قبری ، فتقول: السلام علیک یا محمد ، فأقول

وعلیک السلام یا بیت الله ، ما صنع بک أمتی بعدی ؟ فتقول: یا محمد من أتانی فأنا أکفیه وأکون له شفیعاً ، ومن لم یأتنی فأنت تکفیه وتکون له شفیعاً .

وروی فی مستدرک الوسائل:8/40 روایة أخری فی تجسد الکعبة وشفاعتها أشبه من روایة السیوطی بالإسرائیلیات وإن کان موضوعها الکعبة الشریفة ! قال:

عن وهب بن منبه أنه قال: مکتوب فی التوراة: إن الله تعالی یبعث یوم القیامة سبعمائة ألف ملک ، ومعهم سلاسل من الذهب لیأتوا بالکعبة إلی عرصات القیامة ، فیأتون بها بسلاسل الذهب إلی موقف القیامة فیقول لها ملک: یا کعبة الله سیری ، فتقول: لا أذهب حتی تقضی حاجتی ، فیقول ما حاجتک ؟ إلی أن قال ما حاجتک سلی حتی تعطی ؟ فتقول: إلهی عبادک العصاة ، أتوا إلیَّ من کل فج عمیق ، شعثاً غبراً وخلفوا أهلیهم وأولادهم وبیوتهم ، وودعوا أحباءهم وأصحابهم لزیارتی وأداء المناسک کما أمرت ، إلهی فاشفع لهم لتؤمنهم من الفزع الأکبر ، فاقبل شفاعتی واجعلهم فی کنفی .

فینادی ملک: إن فیهم أصحاب الکبائر والمصرین علی الذنوب، المستحقین النار ! فتقول الکعبة: أنا أشفع فی أهل الکبائر ، فیقول الله تعالی: قبلت شفاعتک وقضیت حاجتک ، فینادی ملک: ألا من کان من أهل الکعبة فلیخرج من بین أهل الجمع ، فیخرج جمیع الحاج من بینهم ، ویحتوشون

ص: 605

الکعبة بیض الوجوه آمنون من الجحیم ، یطوفون حول الکعبة ، وینادون لبیک ، فینادی ملک: یا کعبة الله سیری ، فتسیر الکعبة وتنادی: لبیک اللهم لبیک لبیک ، إن الحمد والملک والنعمة لک لا شریک لک لبیک ، وأهلها یتبعونها. انتهی .

وقد روت المصادر أحادیث فی شفاعة الحجر الأسود أعزه الله تعالی ، کالذی فی الدر المنثور:1/136 عن عائشة: قالت: قال رسول الله (ص): أشهدوا هذا الحجر خیراً ، فإنه یأتی یوم القیامة شافع مشفع ، له لسان وشفتان یشهد لمن استلمه. وقد رواه فی مجمع الزوائد:3/242 وفی کنز العمال:12/217.

وورد فی مصادر الطرفین أن الحجر الأسود ملکٌ من ملائکة الجنة ، وأنه شهد علی میثاق بنی آدم، ثم أنزله الله تعالی مع آدم إلی الأرض ، ولا یتسع المجال لبحث ذلک.

شفاعة حجاج بیت الله الحرام

فی الکافی:4/255:

محمد بن یحیی ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عیسی ، عن زکریا المؤمن، عن إبراهیم بن صالح ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: الحاج والمعتمر وفد الله ، إن سألوه أعطاهم ، وإن دعوه أجابهم ، وإن شفعوا شفعهم ، وإن سکتوا ابتدأهم ، ویعوضون بالدرهم ألف درهم. ( وفی نسخة ألف ألف درهم ) ورواه فی وسائل الشیعة:8/68 وروی

ص: 606

أحادیث متعددد عن استحقاق الجاج للجنة .

وفی من لا یحضره الفقیه:2/217:

ومن حج أربعین حجة قیل له: اشفع فیمن أحببت ، ویفتح له باب من أبواب الجنة ، یدخل منه هو ومن یشفع له .

وفی وسائل الشیعة:8/92:

عن زکریا الموصلی کوکب الدم ، قال: سمعت العبد الصالح(علیه السّلام)یقول: من حج أربعین حجة ، قیل له: إشفع فیمن أحببت ، ویفتح له باب من أبواب الجنة ، یدخل منه هو ومن یشفع له .

وفی سائل الشیعة:9/512:

وقال علی بن الحسین (علیهماالسّلام): الساعی بین الصفا والمروة، تشفع له الملائکة، فیشسفع فیه بالإیجاب .

وفی مجمع الزوائد:3/211:

الحاج یشفع فی أربعمائة أهل بیت ، أو قال من أهل بیته ، ویخرج من ذنوبه کیوم ولدته أمه. ورواه فی کنز العمال:5/14 وفی الدر المنثور:1/210

وفی ذکر أخبار أصبهان:1/148:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إذا کان عشیة یوم عرفة أشرف الرب عز وجل من عرشه إلی عباده فیقول: یا ملائکتی أنظروا إلی

ص: 607

عبادی شعثاً غبراً ، قد أقبلوا یضربون إلی من کل فج عمیق ، أشهدکم أنی قد شفعت محسنهم فی میسئهم ، وأنی قد غفرت لهم جمیع ذنوبهم ، إلا التبعات التی بینهم وبین خلقی. قال: فإذا أتوا المزدلفة وشهدوا جمعاً ، ثم أتوا منی فرموا الجمار وذبحوا وحلقوا ثم زاروا البیت ، قال: یا ملائکتی أشهدکم أنی قد شفعت محسنهم فی مسیئهم ، وأنی غفرت لهم جمیع ذنوبهم ، وأنی قد خلفتهم فی عیالاتهم ، وأنی قد استجبت لهم جمیع ما دعوا به ، وأنی قد غفرت لهم التبعات التی بینهم وبین خلقی ، وعلیَّ رضاء عبادی .

وفی مجمع الزوائد:3/275:

عن أنس بن مالک قال: کنت قاعداً مع رسول الله(ص)فی مسجد منی ، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقیف فسلما علیه ودعیا له دعاء حسناً فقالا: یا رسول الله جئنا لنسألک ، فقال: إن شئتما أخبرتکما بما جئتما تسألانی عنه فعلت ، وإن شئتما أسکت وتسألانی فعلت ؟ فقالا: أخبرنا یا رسول الله نزدد إیماناً أو یقیناً - الشک من إسماعیل قال لا أدری أیهما قال إیماناً أو یقیناً - فقال الأنصاری للثقفی: سل رسول الله(ص)،فقال الثقفی: بل أنت فسله فإنی أعرف لک حقک ، فسأله فقال: أخبرنی یا رسول الله .

قال: جئت تسألنی عن مخرجک من بیتک تؤم البیت الحرام ، ومالک فیه ، وعن طوافک بالبیت وما لک فیه ، وعن رکعتیک بعد الطواف ومالک فیهما ، وعن طوافک بالصفا والمروة وما لک فیه ، وعن وقوفک عشیة عرفة وما لک فیه ، وعن رمیک الجمار ومالک فیه ، وعن نحرک ومالک فیه ، وعن حلقک

ص: 608

ورأسک ومالک فیه ، وعن طوافک بالبیت بعد ذلک یعنی طواف الافاضة .

قال: والذی بعثک بالحق عن هذا جئت أسألک.

قال: فإنک إذا خرجت من بیتک تؤم البیت الحرام ، لا تضع ناقتک خفاً ولا ترفعه إلا کتب الله لک به حسنة وحط عنک به خطیئة ورفعک درجة ، وأما رکعتاک بعد الطواف کعتق رقبة من بنی إسماعیل .

وأما طوافک بین الصفا والمروة بعد ذلک ، کعتق سبعین رقبة .

وأما وقوفک عشیة عرفة ، فإن الله تبارک وتعالی یهبط إلی السماء الدنیا یباهی بکم الملائکة ، یقول هؤلاء عبادی جاؤوا شعثاً شفعاء من کل فج عمیق ، یرجون رحمتی ومغفرتی ، فلو کانت ذنوبکم کعدد الرمل وکعدد القطر وکزبد البحر لغفرتها !

أفیضوا عبادی مغفوراً لکم ولمن شفعتم له...

وروی بعضه فی کنز العمال:5/71 وروی فی/74:

ما من مسلم یقف عشیة عرفة بالموقف فیستقبل القبلة ثم یقول: لا إله إلا الله وحده لا شریک له له الملک وله الحمد بیده الخیر وهو علی کل شئ قدیر ، مائة مرة ثم یقرأ أم الکتاب مائة مرة ، ثم یقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له وأن محمداً عبده ورسوله مائة مرة ، ثم یسبح الله مائة مرة فیقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أکبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم یقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مائة مرة ، ثم یقول: اللهم صل علی محمد وعلی آل محمد کما صلیت علی إبراهیم وآل إبراهیم إنک حمید مجید وعلینا معهم مائة مرة ، إلا قال الله تعالی: یا ملائکتی ما جزاء عبدی هذا

ص: 609

سبحنی وهللنی وکبرنی وعظمنی ومجدنی ونسبنی وعرفنی وأثنی علی وصلی علی نبیی .. إشهدوا یا ملائکتی أنی قد غفرت له وشفعته فی نفسه ، ولو شاء أن یشفع فی أهل الموقف لشفعته. ( هب وابن النجار والدیلمی عن جابر ) قال أبو بکر بن مهران الحافظ: تفرد به عبدالرحمن بن محمد المحاربی عن محمد بن سوقة وقال ( هب ): هذا متن غریب ولیس فی إسناده من نسب إلی الوضع .انتهی .

وقد أوردنا عدداً من أحادیث عرفة فی المجلد الثانی ، فی أحادیث النزول وغیرها ، ونقدنا مافیها من تجسید !

شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الخاصة لزوار قبره

فی الکافی:4/548:

أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبان عن السدوسی عن أبی عبدالله (علیه السّلام)قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتانی زائراً کنت شفیعه یوم القیامة. ورواه فی تهذیب الأحکام ج6 ص4

وفی تفسیر نور الثقلین:1/541:

علی بن محمد بن بندار عن إبراهیم بن إسحاق عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن أبی حجر الاسلمی عن أبی عبدالله (علیه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من أتی مکة حاجاً ولم یزرنی إلی المدینة جفوته یوم القیامة ومن أتانی زائراً وجبت له شفاعتی ومن وجبت له شفاعتی وجبت له الجنة.

ص: 610

ورواه فی من لا یحضره الفقیه:2/565 وفی تهذیب الأحکام:6/4 وفی وسائل الشیعة:10/261

وروی فی الوسائل:10/263:

عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبیه أن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )قال: من زارنی حیاً أو میتاً کنت له شفیعاً یوم القیامة .

وفی المقنعة للمفید/457:

روی عن الصادق(علیه السّلام)، عن آبائه ، عن أمیرالمؤمنین صلوات الله علیهم قال: قال رسول الله(صلّی الله علیه و آله وسلّم ): من زارنی بعد موتی کان کمن

هاجر إلیَّ فی حیاتی ، فإن لم تستطیعوا فابعثوا إلیَّ بالسلام ، فإنه یبلغنی.

وقال (علیه السّلام): من أتانی زائراً ، کنت شفیعه یوم القیامة .

وفی مستدرک الوسائل:10/185:

القطب الراوندی فی لب اللباب: عن النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أنه قال: من زار قبری وجبت له شفاعتی ، ومن زارنی میتاً فکأنما زرارنی حیاً.

وعنه(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) أنه قال: من زار قبری حلت له شفاعتی .

وفی سنن الدار قطنی:2/278 ح 194:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من زار قبری وجبت له شفاعتی.

ورواه الذهبی فی تاریخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارنی بعد موتی وجبت شفاعتی.

ص: 511

وفی هامش طبقات المحدثین بأصبهان:2/167 ونحوه فی:1/55:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءنی زائراً لم تنزعه حاجة إلا زیارتی ، کان حقاً علی الله أن أکون له شفیعاً یوم القیامة. انتهی .

وقد اقتصرنا من أحادیث زیارة قبره(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) علی ما ورد فیه ذکر الشفاعة ، وسنورد بقیة أحادیثها فی محلها إن شاء الله تعالی ، مع الجواب علی شبهة الوهابیین فی تحریمهم زیارة القبور وخیرها وأشرفها قبر سید المرسلین (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) !

هذا وقد تقدم ذکر عدد من الاصناف الذین یستحقون الشفاعة فتشملهم ، أو یعطیهم الله تعالی حق الشفاعة بغیرهم ویقبل شفاعتهم ، فی الفصل السادس ( حدود الشفاعة ) وهم أنواع عدیدة .

وکل هذه الأحادیث تدل علی أن شفاعة المؤمنین حقیقةٌ مسلَّمَةٌ عند الجمیع ، فلا عجبَ أن تکون شفاعة الأئمة الأطهار من عترة النبی أعظم من جمیع الشفاعات بعد شفاعة جدهم ، وأشمل وأکمل ، صلی الله علیه وعلیهم ، ورزقنا شفاعتهم .

تم المجلد الثالث من کتاب العقائد الإسلامیة

ویلیه المجلد الرابع إن شاء الله تعالی ، وأوله بحث شفاعة أهل البیت(علیهم السّلام)

ص: 612

فهرس المجلد الثالث من کتاب العقائد الإسلامیة

مقدمة.................................................................3

الفصل الأول : تعریف الشفاعة وتاریخها......................5

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهیة............................7

شبهة حول أصل الشفاعة......................................7

محاولات المستشرقین التشکیک فی الشفاعة..........10

تهافت منطق الوهابیین فی الشفاعة والاستشفاع......11

تعریف الشفاعة فی اللغة......................................20

تعریف الشفاعة عند المتکلمین.............................23

الفصل الثانی: تحریف الیهود والنصاری للشفاعة......29

أولاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرهم..............31

شفاعة ابراهیم للمؤمنین ولاسماعیل ولوط.............32

شفاعة زکریا لبنی إسرائیل.................................33

توسیع بولس للشفاعة وحصرها بالمسیح................33

ثانیاً: مقولاتهم فی الشفاعة من مصادرنا..................40

الفصل الثالث: الشفاعة عند عرب الجاهلیة..............53

ص: 613

عبد العرب الأصنام أملاً بشفاعتهن..........................55

مکانة اللات والعزی عند مشرکی العرب....................59

الیمین الرسمی المقدس عند قریش باللات والعزی......61

المسألة... بعض الصحابة کانوا یقسمون باللات والعزی !62

اعتقاد قریش بنفع اللات والعزی وضرهما.....................64

مصادرنا تروی بغض النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأصنام قریش.....................................................65

وحطم النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )کل الأصنام67

واخترعت قریش قصة الغرانیق انتصاراً لللات والعزی68

قال المجلسی فی بحار الأنوار:17/56:...................72

البخاری ومسلم رویا فریة الغرانیق.........................75

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البیت (علیهم السّلام) علی فریة الغرانیق.............................................79

تنبؤ عمیق للنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )حول اللات والعزی.............................................................86

الفصل الرابع: آیات الشفاعة فی القرآن...................89

الشفاعة الحسنة والشفاعة السیئة فی الدنیا..........91

الشفعاء یوم القیامة یشفعون بعهد من الله تعالی........91

الأولیاء المکرمون ینفعون موالیهم بشفاعتهم..............91

عباد الله المکرمون کلهم شفعاء................................92

الملائکة یشفعون للناس بإذن الله تعالی...................92

الشفیع الأکبر (صلّی الله علیه و آله وسلّم )..............92

لاشفاعة من دون الله تعالی..................................93

ص: 614

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم...........................94

لا شفاعة فی یوم القیامة کشفاعة الدنیا.................94

الکفار یبحثون بحثاً حثیثاً عن الشفعاء.......................95

لا شفاعة للظالمین.............................................95

الفصل الخامس: شفاعة نبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )97

تفسیر ( المقام المحمود ) لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )99

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبینا (صلّی الله علیه و آله وسلّم )فی المحشر99

تفسیر إخواننا السنیین القریب من تفسیرنا...............117

تفسیرهم الذی فیه تجسیم..............................120

القعود علی العرش فکرة یهودیة مسیحیة.................124

انتقاد بعض علماء السنة التفسیر بالقعود علی العرش126

تفسیر قوله تعالی ( ولسوف یعطیک ربک فترضی )128

تفسیر الآیة بالعطاء الالهی الاعم من الشفاعة129

تفسیرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً131

تفسیرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً131

تفسیرها بشفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )لأهل بیته خاصة136

تفسیرها بشفاعة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم ) لجمیع أمته !139

الفصل السادس : حدود الشفاعة........................145

حدود الشفاعة..................................................147

المذاهب فی حدود الشفاعة ( من ارتضی )...........148

حدود الشفاعة عند أهل البیت (علیهم السلام).........149

ص: 615

ما دل علی استثناء المشرک والظالم من الشفاعة149

أصناف من الناس موعودون بالشفاعة....................155

1 - من قضی لأخیه المؤمن حاجة........................156

2 - من سعی فی حوائج ذریة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )157

3 - من زار قبر النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )157

4-من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالی..................158

5 - من یدعو للمؤمنین........................................159

6 - شفاعة الملائکة لأهل مجلس الدعاء................159

7 - من شیع جنازة مسلم...................................160

8 - من حفظ علی أمتی أربعین حدیثاً....................160

9 - من عاهد أخاه المؤمن علی الشفاعة..............161

10 - مجموعة أعمال وصفات توجب الشفاعة.........161

أصناف لا تنالهم الشفاعة...................................165

1-السلطان الظالم الغشوم................................165

2 - المنان والبخیل والنمام.................................166

الذین یخرجون من النار بالشفاعة یکونون أدنی درجة166

رأی السنیین القریب من رأی أهل البیت (علیهم السّلام)167

1 - السلطان الظلوم الغشوم.................................173

2 - الذی یکذب علی النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )174

3 - الذی یبغض ذریة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أو یظلمهم174

4 - أصحاب البدع المخالفین للسنة.........................175

5 - من طلب العلم للدنیا أو طلب الدنیا بعمل الآخرة175

ص: 616

6 - من یؤذی جیرانه..........................................176

7 - الذی یسی إدارة من تحت یده.....................176

8 - المتکبر ولو مثقال حبة خردل............................177

9 - من قتل نفسه.............................................178

10 - من نبت لحمه من سحت..............................179

11- من زنی بذات محرم.....................................179

12 - من نسب نفسه إلی غیر أبیه........................179

14 - الذی یقتل أحداً من أهل الذمة....................182

15-الذی یغش العرب.......................................183

16 - اللعان الفحاش.........................................184

17 - ورووا أن أکثر النساء فی النار...........................185

18 - ورووا فی من أطال إزاره أو ثوبه.......................186

شرط الشفاعة فی المظالم الشخصیة...................186

الفصل السابع: توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه189

توسیعات الشفاعة عند الخلیفة عمر وأتباعه191

الرأی الأول: أن الشفاعة تشمل کل من شهد الشهادتین حتی الطلقاء والمنافقین192

الرأی الثانی: أن الشفاعة تشمل کل من شهد بتوحید الله تعالی حتی لو کفر بنبوة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )!203

أحادیث أن الله تعالی یشفع عند نفسه !...............221

الرأی الثالث: أن الشفاعة تشمل جمیع الخلق !224

الرأی الرابع أن العقاب فی الآخرة ینتهی کلیاً وأن جهنم تفنی وینقل أهلها إلی الجنة !228

ص: 617

آراء المسلمین فی آیات الخلود وأحادیثه...................229

أجمع المسلمون علی خلود الکفار فی جهنم...........230

الروایات التی توافق هذا الرأی عند إخواننا السنیین 233

سبب خلود أهل النار فیها..................................238

آیات الخلود فی الجنة والنار.................................238

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادرنا..............244

عدم خلود الموحدین فی النار فی مصادر السنیین .....246

روایات فی الصحاح تقول بخلود الموحدین فی النار......251

ما دل من مصادرنا علی أن الدار الآخرة لا موت فیها254

ما دل من مصادر السنیین علی أن الدار الآخرة لا موت فیها255

عودة إلی رأی عمر بفناء النار.............................257

الجهمیة أخذت من الخلیفة عمر...........................265

والمرجئة أخذوا من عمر.....................................266

وابن العاص أخذ من عمر.....................................266

ورووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر.....................267

والشعبی أخذ من عمر......................................268

والمعتزلة أخذت من عمر...................................268

والجاحظ أخذ من عمر........................................268

وابن عربی والجیلی أخذاً من عمر..........................269

أما عمر فقد أخذ من کعب الأحبار والیهود ............269

عمر ینظر إلی کعب کأنه نبی ویتلقی منه...............272

ص: 618

الفصل الثامن: شفاعات وحرمانات غیر معقولة روتها مصادر السنیین281

النوع الأول: شفاعة اثنین لصاحب الجنازة................283

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) فی الشهادة للجنازة293

النوع الثانی: شفاعة النبی للظالمین من الامة..........293

قال کعب الأحبار هم جمیع المسلمین وهم فی الجنة297

وقال الخولانی إنه قرأ ذلک فی کتب الیهود..............297

عائشة وعثمان یوافقان کعباً علی تفسیره...............298

الحسن البصری یرد تفسیر کعب الأحبار...............299

الخلیفة عمر یمیل إلی تفسیر کعب.....................300

قال أهل البیت (علیهم السّلام) لا یمکن أن تشمل الآیة کل الأمة306

النوع الثالث: نظریة فداء المسلمین بالیهود والنصاری !314

النوع الرابع: إسقاط المحرمات عن أهل بدر...............316

النوع الخامس: حرمان من سب الصحابة من الشفاعة326

النوع السادس: الدخول إلی جهنم لتحلیل القسم الالهی بأن یملاها329

النوع السابع: حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر333

ماذا یصنع رواة الخلافة القرشیة بهذه الأحادیث...........338

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) ..........................340

خلاصة المسألة..............................................342

النوع الثامن: مرسوم بحرمان الزوجة التی تطلب الطلاق243

الفصل التاسع : محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )349

ص: 619

محاولة القرشیین حرمان بنی هاشم من شفاعة لنبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )351

حساسیة قریش من أسرة النبی (صلّی الله علیه و آله وسلّم )353

حادثةٌ خطیرةٌ ، عَتَّمَتْهَا الصحاح............................354

براعة البخاری فی تضییع القضیة.........................365

الحادثة فی بعض روایات أهل البیت (علیهم السّلام)374

وسعوا شفاعة النبی للیهود والنصاری ولم یسمحوا أن تشمل أسرته !!380

روایات أخری غیر منطقیة أیضاً..............................384

أغرب شفاعة اخترعها القرشیون لرئیس بنی هاشم396

بماذا یفسرون قول النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم )سأبلها ببلالها402

ضحضاح النور لا ضحضاح النار..............................404

محاولتهم التخلص من الوعد النبوی لبنی هاشم....406

عمل المعروف ینجی الکفار من النار إلا أبا طالب.....408

أحادیث نجت من الرقابة القرشیة.........................411

بخلهم علی أبی طالب وخدیجة وسخاؤهم علی غیرهما416

أهم الأدلة علی إیمان أبی طالب........................422

الفصل العاشر : ولادة المذاهب المنحرفة من أفکار توسیع الشفاعة433

عمل الیهود علی إسقاط المحرمات من الأدیان........435

إخبار النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) بظهور المرجئة والقدریة وتحذیره منهم436

تعریف المرجئة ومذهبهم......................................438

المرجئة ولدوا من عهد الخلیفة عمر.....................440

أول من تصدی لمذهب المرجئة علی (علیه السّلام)443

ص: 620

کان المرجئة خداماً لبنی أمیة ومبررین لجرائمهم449

تورُّط أصحاب المذاهب الأربعة فی الإرجاء............451

تورُّط أصحاب الصحاح الستة فی الارجاء...............453

حب المستشرقین للمرجئة وحزنهم علیهم............458

المرجئة والجبریة شقیقان لاب وأم..........................461

القدریة المفوضة ( الذین ینفون القدر )...................463

القدریة الجبریة ( الذین یثبتون القدر )....................465

القدر عند أهل البیت (علیهم السّلام) : لا جبر ولا تفویض467

ردة فعل الخوارج علی توسیع الدولة للشفاعة470

تبادل المواقع بین الخوارج والمرجئة !................480

المعتزلة مثقفون متوسطون بین الدولة والخوارج480

الصغائر تغفر والکبائر لا تغفر إلا بالتوبة................481

وصاحب الکبیرة فی النار ولا تشمله الشفاعة493

الفصل الحادی عشر : المزید من تأثیر الإسرائیلیات

علی أحادیث الشفاعة487

اتفق الجمیع نظریاً علی أن الشفاعة من مختصات نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )489

نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )أول شافع یوم القیامة493

الأحادیث الموافقة لمذهبنا فی مصادر السنیین 497

الأحادیث المتأثرة بالاسرائیلیات فی مصادر السنیین500

شرط الشیخین ، وفیه أمورٌ وتفصیلاتٌ غیر معقولة ، جاء فیه:501

البخاری یفضل أنبیاء بنی إسرائیل علی نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )503

أحسن تصور فی مصادر السنیین عن شفاعة نبینا(صلّی الله علیه و آله وسلّم )511

ص: 621

مسألتا: الذبیح وأول من یکسی کسوة الجنة یوم القیامة515

المسألة الأولی.............................................516

رأی أهل البیت (علیهم السّلام) .........................528

بحث فی إیمان عبد المطلب وروایة أنا ابن الذبیحین530

ومن الأحادیث والنصوص الدالة علی إیمان عبد المطلب:540

عبد المطلب علیه سیماء الأنبیاء وبهاء الملوک545

آراء شیعیة مخالفة للمشهور فی الذبیحین547

رأی الشیخ الصدوق بأن إسحاق ذبیح أیضاً !547

محاولة أحد المعاصرین تفسیر الذبیحین بإسماعیل وإسحاق549

المسألة الثانیة: أول من یکسی کسوة الجنة 564

الفصل الثانی عشر : شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداء 571

شفاعة الملائکة والأنبیاء والعلماء والشهداء من مصادرنا573

من مصادر السنیین ......................................577

ما یوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنین له583

من مصادر السنیین ......................................585

الفصل الثالث عشر: شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، الزوار وأصناف أخری من الناس...589

شفاعة القرآن ، والکعبة ، والحجاج ، والزوار .............591

شفاعة القرآن..................................................591

شفاعة سور القرآن وآیاته....................................599

شفاعة القرآن لمن یتعلمه ویعلمه.........................603

ص: 622

شفاعة الکعبة لمن زارها....................................604

شفاعة حجاج بیت الله الحرام................................606

شفاعة النبی(صلّی الله علیه و آله وسلّم ) الخاصة لزوار قبره610

ص: 623

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.