موسوعه الامام الصادق عليه السلام المجلد 44

اشارة

سرشناسه : قزويني، سيدمحمدكاظم، 1308 - 1373.

عنوان و نام پديدآور : موسوعه الامام الصادق عليه السلام/ تاليف محمدكاظم القزويني.

مشخصات نشر : قم: الرافد، 14ق.-= 13 -

مشخصات ظاهري : 60ج.

شابك : ج.1 : 978-600-6588-19-1 ؛ ج.42 978-600-6593-06-7 : ؛ ج.44 978-600-6593-15-9 : ؛ ج.47 978-600-6593-23-4 : ؛ ج.59 978-964-8485-92-9 : ؛ ج.60 978-964-2581-88-7 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : فهرست نويسي بر اساس جلد سي و چهارم، 1431ق. = 1389.

يادداشت : ج.24 (چاپ اول: 1431ق. = 1389).

يادداشت : ج.47 (چاپ اول: 1437ق. = 1394).

يادداشت : ج.59 (چاپ اول: 1440ق. = 1397).

يادداشت : ج.60 (چاپ اول: 1440ق. = 1398) (فيپا).

يادداشت : ناشر جلد پنجاه و نهم ، انتشارات دارالغدير است .

يادداشت : ناشر جلد شصتم، انتشارات دار الموده است .

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : .- ج.34. التجاره.- ج.42. الحدود والتعزيرات

موضوع : جعفربن محمد (ع)، امام ششم، 83 - 148ق.

رده بندي كنگره : BP45/ق4م8 1300ي الف

رده بندي ديويي : 297/9553

شماره كتابشناسي ملي : 2105726

ص: 1

اشارة

القزويني ، السيد محمد کاظم ، 1368 - 1414 ه

موسوعة الإمام الصادق (عليه السلام) / تأليف السيد محمد کاظم القزويني

(قدس سره)

اعداد : أبناء المرحوم المؤلف .

مؤسسة الرافد للمطبوعات قم ، 1637 ه / 2019م

ISBN:978 -100-1093 00 - 0

الكتاب عربی : 600 صفحة

المجلد التاسع والأربعون من موسوعة الإمام الصادق (عليه السلام)

1. تفسير القرآن - أحاديث .

2. جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ، الإمام السادس ، 83 - 168 ه

هوية الكتاب :

الكتاب: موسوعة الإمام الصادق (عليه السلام) الجزء التاسع والأربعون

تأليف : المرحوم آية الله العلامة السيد محمد کاظم القزويني (قدس سره)

إعداد و تنظیم : ابناء المرحوم المؤلف

الناشر: مؤسسة الرافد للمطبوعات

المطبعة : عترت

التنضيد والإخراج : دار المجتبى (عليه السلام) للطباعة الكومبيوترية

الطبعة: الأولى عام 1437 هجري

العدد : 1000 نسخة

ISBN 978-900 - 1093 -10-0

مراكز التوزيع

مكتبة فدك - قم - صفائية - مجمع الإمام المهدي (عليه السلام) - الرقم 116 - تليفون : 37833626

مؤسسة الرافد للمطبوعات - قم شارع معلم - الفرع 12 - الرقم 3- مكتبة ابن فهد الحلي - كربلاء المقدسة - شارع قبلة الإمام الحسين (عليه السلام) - 07801508962

ص: 2

دیباجة الکتاب

بسم الله الرحمن الرحيم «الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ »(1).

«الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ٭ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(2).

«كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(3).

«وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ»(4).

«شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ»(5).

«وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ»(6).

«وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(7).

«وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا»(8).

ص: 3


1- البقرة 2: 1 و 2
2- یوسف 12: 1و2
3- فصلت 41: 3
4- فصلت 41: 44
5- البقرة 2: 185
6- الانعام 6: 19
7- یونس 10: 37
8- الرعد 13: 31

«وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»(1).

«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا»(2).

«وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا»(3).

«وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا»(4).

«وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا»(5).

«وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا»(6).

«وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ»(7).

«لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(8).

«عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ»(9)

ص: 4


1- الحجر 15: 87
2- الاسراء 17: 9
3- الاسراء 17: 41
4- الاسراء 17: 45
5- الاسراء 17: 82
6- الکهف 18: 54
7- القمر 54: 17
8- الحشر 59: 21
9- المزمل 72: 20.

المقدَّمة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لاتُغیّٙره الأَزمنة، ولا تُحيط به الأمكنة، ولاتأخذه نَوم ولا سِنَة...(1).

والصلاة والسلام على مَن نَطقتْ بفضلهم الألسِنة سيّدنا ونبيّٙنا محمّد وآله الطيّٙبين الطاهرين.

ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

وبعد: فهذا هو الجزء الرابع والأربعون من موسوعة الامام الصادق (عليه السّلام) المباركة -والجزء الأول من أجزاء تفسير القرآن الكريم -.

ويحتوي على ما روي عنه (عليه السلام) من الأحاديث المتعلّقة بالقرآن الحكيم من فضله وإعجازه والاستشفاء به، وما يتعلّق بظاهره وباطنه وتفسيره وتأويله، وما فيه من العلوم والمعارف، وضرورة التمسُّك به والعمل بأوامره والابتعاد عن نواهيه، وثواب حفظه وتعلُّمه وتعليمه والتدبُّر فيه، وصيانته عن التحريف والزيادة والنقصان.

هذا.. ولقد ترك رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اُمَّته خليفتين عظيمتين، عبَّر عنهما بالثقلين.. فقال: «إنّي تارك -أو: مُخلّٙف -فیکم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إنْ تمسّكتم بهما لن 1- مُهج الدعوات ص 135 مقتَبس من دعاء للامام علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) ذكرناه مع تغيير الضمير من المخاطب الى الغائب.

ص: 5


1- مُهج الدعوات ص 135مقتَبس من دعاء للامام علی أمیر المؤمنین (علیه السّلام) ذکرنا مع تغییر الضمیر من المخاطب الی الغائب

تضلُّوا بعدي أبداً، وانهما لن یفترقا حتى يٙرِدا علىَّ الحوض، فانظروا كيف تُخلّٙفوني فيهما»(1).

وهذا الحديث رواه أئمة الحديث - على اختلاف مذاهبهم - في الصحاح والمسانيد والمجاميع الحديثَّیة.

ويعتبر وجود العترة النبويَّة الى جانب القرآن الكريم في غاية الأهميَّة والضرورة.. وذلك لأنهم ترجمان القرآن وقد أودع رسولُ الله (صلّى الله علیه و آله) فيهم علوم القرآن وأحكامه وأسراره وتفسيره وتأويله.

قال الامام الصادق (عليه السّلام): «نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله»(2).

وقال (عليه السّلام): «.. فرسولُ الله أفضلُ الراسخين في العِلم، قد علَّمه الله عزَّوجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل...

وأوصياؤه من بعده يعلمونه كُلَّه..»(3).

نسأل الله تعالى أن يوفّٙقنا للتمسُّك بالثقلين قولاً وفعلاً، واقتداءً وتطبيقاً.. لنسعد بهما في الدنيا والآخرة .. انه سميع مجيب.

محمّد کاظم القزويني قم المقدَّسة - إيران

ص: 6


1- قد ذکرنا - فی الجزء الأول من هذه الموسوعة - شرحاً وافیاً حول هذا الحدیث مع ذکر المصادر، فراجِع
2- تفسیر نور الثقلین: ج 1 ص 316
3- تفسیر نور الثقلین: ج 1 ص 317

تفسیر القرآن(ابواب ما یتعلق بالقرآن الکریم)

باب (1) فضلُ القرآن

تفسير القرآن أبواب ما يتعلّق بالقرآن الكريم الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّی الله عليه وآله): أيُّها النَّاس إنَّكم في دار هدنة، وأنتم على ظهر سفر(1)، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يُبلیان كل جدید و یُقرّبان كلَّ بعيد ويأتيان بكل موعود فأعدُّوا الجهاز لبُعد المجاز(2).

قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: يارسول الله وما دار الهدنة؟

ص: 7


1- المقصود به اللیل و النهار حیث شبههما بالمرکب الذی یحمل الانسان الی مقصد
2- المجاز: الطریق (أقرب الموارد) أی هیّئوا الوسیلة لهذا الطریق البعید، والوسیلة هی فعل الطاعات و ترک المحرمات و روحها ولایة النبی و أهل بیته الطاهرین فهم الوسیلة الی اللّه للسعادة فی الدنیا و النجاة فی الآخرة

قال: دار بلاغ(1) وانقطاع، فإذا التُبست عليكم الفتن كِقطَع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فانّه شافع مشفَّع وماحل مصدَّق(2) ومن جعله أمامه قاده إلى الجنَّة و من جعله خلفه ساقه إلى النَّار، وهو الدليل يدلُّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حُکم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عمیق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لاتُحصی عجائبه ولا تُبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة و دليل على المعرفة لمن عَرف الصّٙفة، فلیجْلُ جال بَصَره وليُبلغ الصّفة نظره، ينجُ من عطبٍ ويتخلَّص من نشبٍ فإنَّ التفكّر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظُّلمات بالنُّور، فعليكم بحُسن التّخلُّص وقلَّة التربُّص(3).

تفسير العياشي: روی جعفر بن محمد بن مسعود بأسانيد عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أيُّها النَّاس، إنّكم في زمان هُدنةٍ ، وأنتم على ظهر السَّفر ... وذكر نحوه إلى قوله: ودليل

ص: 8


1- أی أنّ الدُّنیا محلّ اجتهاد و اکتساب موقت یجب اغتنام هذه الفرصة الموقتة قبل فواتها و انقطاعها
2- ماحل مصدَّق: أی خصم مجادل مصدَّق، وقیل: ساعٍ مصدَّق. یعنی أنَّ من اتبعه و عمل بما فیه فانّه شافع له مقبول الشفاعة، ومصدَّق علیه فیما یرفع من مساویه اذا ترک العمل به. (النهایة)
3- الکافی:ج 2 ص 598 ح 2

فضل القرآن على المعروف لمن عرفه(1).

نوادر الراوندي : باسناده، عن موسی بن جعفر، عن آبائه (علیهم السّلام) قال علي (عليه السّلام) : خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال: أيُّها النَّاس ... وذكر قريباً من ذلك(2).

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنُّ هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدُّجی، فلیجلُ جالٍ بصره، ويفتح للضّياء نظره، فإنَّ التَّفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المُستنير في الظُلمات بالنُّور(3).

الكافي: علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): كان في وصيّة أمير المؤمنين (عليه السّلام) أصحابه: اعلموا أنّ القرآن هدى النهار، ونور اللیل المظلم علی ما کان من جهد وفاقة(4).

الكافي: علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): كان في وصيّة أمير المؤمنین (عليه السّلام) لأصحابه: اعلموا أنَّ القرآن هدى الليل والنهار، ونور

ص: 9


1- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 74 ح 1 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 17
2- نوادر الراوندی:ص 21. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 17
3- الکافی: ج 2 ص 600 ح 5
4- الکافی: ج 2 ص 600 ح 6

الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة... الحديث(1).

أقول: قال الفيض الكاشاني: (يعني يهدي بالنهار الى طريق الحق وسبيل الخير بتعليمه وتبيان أحكامه ومواعظه وينوّر بالليل المظلم قلب المتهجّد التالي له في قيامه بالصلاة بأنواره وأغواره و أسراره، على ما كان عليه المهتدی به والمتنوؘّر من المشقَّة والفقر فانّهما لا يمنعانه من ذلك بل يزيدانه رغبة فيما هنالك).

تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السّلام) قال: خطبنا أمير المؤمنين (عليه السّلام) خُطبةً فقال فيها: نشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنَّ محمّداً عبده ورسوله، أرسله بكتابٍ فصّله وأحكمه وأعزَّه، وحفظه بعلمه، وأحكمه بنُوره، وأيّده بسُلطانه، وكلأه(2) من لم يتنرَّه هوى أو تميل به شهوة، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حکیم حمید، ولا يخلقه طول الرَّد، ولا تفنی عجائبه، من قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن خاصم به فَلَج، ومن قاتل به نُصر، ومن قام به هُدي إلى صراطٍ مستقیم.

فيه نبأ من كان قبلكم، والحكم فيما بينكم، وخبرُ معادكم، أنزله بعلمه، وأشهد الملائكة بتصديقه، قال الله (جلَّ وجهه):«لَكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ

ص: 10


1- الکافی: ج 2 ص 216 ح 2
2- کَلأه: حفظَه وحَرَسَه (أقرب الموارد)

فضل القرآن شَهِيداً»(1) فجعله الله نوراً يهدي للتي هي أقوم، وقال:«فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ»(2) وقال: «اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ»(3) وقال: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(4).

ففي إتّباع ما جاءکم من الله الفوز العظيم، وفي تركه الخطأ المبين، قال: «فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى»(5)فجعل في إتّباعه كلّ خير يُرجي في الدُّنيا والآخرة، فالقرآن آمر وزاجر، حُدّ فيه الحدود، و سُنَّ فيه السُّنن، وضُرب فيه الأمثال، وشرّع فيه الدّين، إعذاراً من نفسه، و حُجّة على خَلقه، أخذ على ذلك میثاقهم، وارتهن عليه أنفسهم، ليبيّن لهم ما يأتون وما يتّقون، ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ، وإنَّ الله سميعٌ عليم(6).

الكافي: أبو علي الأشعري، عن بعض أصحابه، عن الخشّاب، رفعه قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام) : لا والله لا يرجع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبداً ولا إلى بني أُميّة أبداً ولا في وُلد

ص: 11


1- النساء 4: 166
2- القیامة 75: 18
3- الأعراف 7: 3
4- هود 11: 112
5- طه 20: 123
6- تفسیرالعیاشی: ج 1 ص 80 ح 15 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 25

طلحة والزبير أبداً وذلك أنّهم نبذوا القرآن و أبطلوا السنن وعطَّلوا الأحكام، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : القرآن هُدًى من الضلالة وتبيان من العمى وإستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الأحداث وعصمة من الهلكة و رُشد من الغواية وبيان من الفتن وبلاغ من الدُّنيا إلى الآخرة وفيه كمال دینکم، وما عَدَل أَحدٌ عن القرآن إلاَّ إلى النَّار(1).

تفسير العياشي: عن الحسن بن موسى الخشّاب رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): لا يرفع الأمر والخلافة .... وذكر نحوه(2).

أقول: قوله (عليه السّلام): «لا والله لا يرجع الأمر...» فيه احتمالان:

الاوّل: انّ الامامة - التي هي منصب الهي - لاتصلح الاّ لمن علم القرآن ظاهره وباطنه و عمل به وأحيا سُننه وهو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السّلام) والمعصومون من وُلده الطاهرين (عليهم السلام) لا الى الغاصبين الجاهلين بالقرآن وعلومه وأحكامه الذين نبذوه وراء ظهورهم، وهم المذكورون في الحديث.

الثاني: انّ السلطة لاترجع اليهم - ولا الى أولادهم من بعدهم - بعد زوالها عنهم.

الكافي: علي بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد، عن الحجّال،

ص: 12


1- الکافی: ج 2 ص 600 ح 8
2- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 78 ح 7 الطبعة الحدیثة

فضل القرآن عمّن ذكره، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن قول الله (عزّوجلّ): «بِلِسَانٍ عَرَبِیٍّ مُبِينٍ»(1) ؟ قال: یُبيّٙنُ الألسُنَ ولا تُبيّنُهُ الألسُنُ (2).

أقول: قال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه): (... انّه لايحتاج القرآن الى الاستشهاد باشعار العرب وكلامهم، بل الأمر بالعكس لأنّ القرآن أفصح الكلام وقد أذعن به جميع الأنام) (3).

وقال الفيض الكاشاني: (قوله (عليه السّلام): «یُبيّٙن الألسن» من الإبانة يعني يرفع الاختلاف من بين أصحاب الألسن المختلفة من الناس) (4).

ولعلّ المعنى المناسب لهذه الجملة هو انّ القرآن ليس فيه إلتواء في معناه أو إبهام في دلالته على المقصود أو إغلاق في معانيه، نعم فيه المحكم والمتشابه والمجمل والمبيّن والمطلق والمقيّد والعام والخاص والناسخ والمنسوخ ولا غنىً عن سؤال المعصومين (عليهم السّلام) عن بعض معانيه، لأن القرآن نزل في بيوتهم وهم أعرف به من غيرهم، ولكن الحالة العامّة هي ما ذكرنا، والله العالم.

عدّة الداعي: عن الصادق (عليه السّلام) [قال:] وقع مصحف في

ص: 13


1- الشعراء 26: 195
2- الکافی: ج 2 ص 632 ح 20
3- مرآة العقول: ج 12 ص 522
4- الوافی: ج 9 ص 1771

البحر فوجدوه قد ذهب ما فيه إلاّ هذه الآية: «أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ»(1).

بحار الأنوار: أسرار الصلاة - قال الصادق (عليه السّلام): لقد تجلّى الله لخلقه في كلامه، ولكنّهم لايبصرون(2).

باب (2) لله حُرُمات ثلاث

أمالي الصدوق - معاني الأخبار: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال:

حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني قال: حدثني يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) أنّه قال: إنَّ لله (عزّوجلّ) حرمات ثلاث ليس مثلهنّ شيء:

كتابه وهو حكمته ونوره.

وبيته الذي جعله قبلة للنّاس لا يقبل من أحد توجّهاً إلى غيره .

وعترة نبيّكم (صلّى الله عليه وآله)(3).

ص: 14


1- عدّة الداعی: ص 279، و الآیة فی سورة الشوری 53:42 . منه بحار الانوار: ج 92 ص 35
2- بحار الأنوار: ج 92 ص 107. والمعنی انّ عظمته و کبریاءه ظهرتا، ولکن الناس لایرون ذلك
3- أمالی الصدوق: ص 239 ح 13 - معانی الأخبار: ص 117 ح 1. منهما بحار الأنوار: ج 92 ص 13

إعجاز القرآن

باب (3) إعجاز القرآن

الخرائج والجرائح: روي أنَّ ابن أبي العوجاء، وثلاثة نفر من الدَّهرية اتّفقوا على أن يُعارض كلُّ واحدٍ منهم ربع القرآن، وكانوا بمكة عاهدوا على أن يجيئوا بمعارضته في العام المقبل، فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم (عليه السّلام) [أيضاً] قال أحدهم:

إنّي لمّا رأيت قوله: «وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ»(1) كففتُ عن المعارضة.

وقال الآخر: وكذلك أنا لمّا وجدتُ قوله: «فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا»(2) أيستُ من المعارضة.

وكانوا يُسرّون بذلك، إِذ مرّ عليهم الصادق (عليه السّلام) فالتفت إليهم وقرأ عليهم: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا»(3) فبُهتوا(4).

ص: 15


1- هود 11: 44
2- یوسف 12: 80
3- الاسراء 17: 88
4- الخرائج و الجرائح: ج 2 ص 710 ح 5. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 16

باب (4) حدود القرآن

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عن النّضر بن سوید، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن عبد الحميد بن عوّاض الطائي قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: إنَّ للقرآن حدوداً كحدود الدار(1).

أقول: قوله (عليه السّلام): «إنّ للقرآن حدوداً...» بمعنى انّ القرآن ليس كتاباً عادياً كسائر الكُتب بل هو كتاب الله الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فليس للانسان أن يقول فيه ما يشاء بل عليه ان يراعي الحدود المفروضة وهي مراجعة اولي العلم من المعصومين (عليهم السلام) لفهم دقائقه وخفاياه. والله العالم.

باب (5) القرآن لكل زمان ومكان

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا الحاكم أبو علي الحسين ابن أحمد البيهقي قال: حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال: حدثني القاسم بن إسماعيل أبو ذكوان قال: سمعت إبراهيم بن العباس يُحدّث، عن الرضا، عن أبيه موسی بن جعفر (عليهما السّلام) أنّ

ص: 16


1- المحاسن: ج 1 ص 425 ح 979 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 16

الفرق بين القرآن والفرقان رجلاً سأل أبا عبدالله (عليه السّلام) ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدّراسة(1) إلاّ غضاضة(2) ؟ فقال: لأنَّ الله (تبارك وتعالی) لم ينزله(3) لزمان دون زمان، ولا الناس دون ناس، فهو في كلّ زمان جديد، وعند كلّ قوم غضٌّ إلى يوم القيامة(4).

باب (6) الفرق بين القرآن والفرقان

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو عن غيره، عمّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن القرآن والفرقان أهما شيئان أو شيء واحد؟ [قال:] فقال (عليه السلام): القرآن: جملة الكتاب، والفرقان:

المحكم الواجب العمل به(5).

تفسير العياشي: عن ابن سنان، عمّن ذكره مثله(6).

معاني الأخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا أحمد بن إدريس

ص: 17


1- فی بحار الانوار: والدرس
2- غضَّ النبات و غیره: نَضُرَ و طَرُئَ (أقرب الموارد)
3- فی بحار الأنوار: لم یجعله
4- عیون أخبار الرضا: ج 2 ص 87 ح 32. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 15
5- الکافی: ج 2 ص 630 ح 11
6- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 185 ح 291 الطبعة الحدیثة

قال: حدثنا محمد بن أحمد قال: حدثني أبو إسحاق يعني إبراهيم بن هاشم، عن ابن سنان وغيره، عمَّن ذكره قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن القرآن والفرقان أهما شيئان أم شيء واحد ... وذكر مثله(1).

تفسير العياشي: عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن القرآن والفرقان؟ قال: القرآن: جملة الكتاب و أخبار ما يكون، والفرقان: المحكم الذي يُعمَل به وكلُّ محكمٍ فهو فرقان(2).

تفسير القمي: حدثني أبي، عن النّضر بن سوید، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سألته عن قول الله (تبارك وتعالی): «الم ٭ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» إلى قوله «وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ»(3).

قال: الفرقان: هو كلُّ أمر مُحكم، والكتاب: هو جملة القرآن الذي يصدّقه [فيه] من كان قبله من الأنبياء(4).

تفسير العياشي: عن عبد الله بن سنان مثله(5).

ص: 18


1- معانی الأخبار: ص 189
2- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 84 ح 26 الطبعة الحدیثة. منه الأنوار: ج 92 ص 15
3- آل عمران 3: 1-4
4- تفسیر القمی: ج 1 ص 96. منهما بحار الانوار: ج 92 ص 16
5- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 291 ح 641 الطبعة الحدیثة

الحكمة في نزول القرآن على العرب

باب (7) الحكمة في نزول القرآن على العرب

تفسير القمي: «وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ٭ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ»(1) قال الصادق (عليه السّلام) : لو اُنزل(2) القرآن على العجم ما آمنت به العرب، وقد نزّل على العرب فآمنت به العجم فهذه فضيلة العجم(3).

أقول: يستفاد من هذا الحديث وغيره فضيلة غير العرب من العجم على العرب في قبولهم ما يتلى عليهم من القرآن وایمانهم به.

باب (8) القرآن والعترة

تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): إنَّ الله جعل ولايتنا أهل البيت قطبَ القرآن، وقطبَ جميع الكتب، عليها يستدير محكم القرآن، وبها نوّهت(4) الكتب ويستبين الإيمان، وقد أمر رسول الله (صلّى الله علیه و آله) أن يُقتدی بالقرآن

ص: 19


1- الشعراء 26: 198 و 199
2- فی بحار الأنوار: نزل
3- تفسیر القمیّ: ج 2 ص 124. منه بحار الأنوار: ج 17 ص 206
4- نوهت بالحدیث: أشدت به وأظهرته، ونوَّه به: رفع ذکره ومدحه وعظمه (أقرب الموارد) و فی بحار الأنوار: یوهب

وآل محمد (عليهم السّلام)، وذلك حيث قال في آخر خطبة خطبها:

إنّي تاركٌ فيكم الثقلين: الثّقل الأكبر والثّقل الأصغر، فأمّا الأكبر: فكتاب ربّي وأمّا الأصغر: فعترتي أهل بيتي فاحفظوني فيهما، فلن تضلّوا ما تمسّكتم بهما(1).

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد ابن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسین ابن علي (عليهم السّلام) قال: سُئل أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن معنی قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّي مخلف فیکم الثقلين :

كتاب الله وعترتي [فقال:] من العترة؟ فقال: أنا والحسن والحسين والأئمّة التسعة من ولد الحسین تاسعهم مهدیُّهم وقائمهم، لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّى يردا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حوضه(2).

بصائر الدرجات: حدثنا محمد بن الحسين (بن أبي الخطّاب) عن جعفر بن بشير (البجلي)، عن ذريح بن محمد بن يزيد المحاربي، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه

ص: 20


1- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 78 ح 8 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 27
2- عیون أخبار الرضا: ج 1 ص 57 ح 25. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 131

القرآن والعترة وآله): إنّي قد ترکت فیکم الثقلين: كتاب الله (عزّوجلّ) وعترتي أهل بيتي فنحن أهل بيته(1).

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا محمد بن عمر بن محمد بن سلم بن البراء الجعابي قال: حدثني أبو محمد الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي التميمي قال: حدثني سيّدي علي ابن موسی الرضا قال: حدثني أبي موسى بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي ابن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي، عن علي (عليهم السّلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): إنّي تاركٌ فيكم الثقلين:

كتاب الله وعترتي ولن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض(2).

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): بالأسانيد الثلاثة(3)، عن الرضا، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

كأنّي قد دُعيتُ فأَجبت وإنّي تاركٌ فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله (تبارك وتعالی) حبل ممدود من السَّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما(4).

ص: 21


1- بصائر الدرجات: ص 434 ح 4. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 121
2- عیون أخبار الرضا: ج 2 ص 62 ح 259. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 129
3- المذکورة فی العیون: ج 2 ص 24
4- عیون أخبار الرضا: ج 2 ص 30 ح 40. منه بحار الانوار: ج 92 ص 13

باب (9) ست خصال ينتفع بها المؤمن بعد موته

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن شعيب الصيرفي، عن الهيثم بن أبي کهمش، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ستّ خصال ينتفع بها المؤمن من بعد موته: ولد صالح يستغفر له، و مصحف يقرأ فيه، وقليب يحفره، وغرس يغرسه، وصدقة ماء يجريه، وسنّة حسنة يؤخذ بها بعده(1).

باب (10) الرجل المفتري على الله تعالی

الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن قول الله (عزّ وجلّ): «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ»(2)؟ قال: نزلت في ابن أبي سرح الذي كان عثمان استعمله على مصر، وهو ممّن كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم فتح مكة

ص: 22


1- الخصال: ص 323 ح 9. منه بحار الانوار: ج 92 ص 34
2- الانعام 6: 93

الرجل المفتري على الله تعالی هدر دمه، وكان يكتب لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) فإذا أنزل الله (عزّوجلّ): «إنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» كتب: إنَّ الله عليم حكيم.

فيقول له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): دعها إنّ الله عليم حکیم.

وكان ابن أبي سرح يقول للمنافقين: إنّي لأقول من نفسي مثل ما يجيء به فما يغيّر عليّ، فأنزل الله (تبارك وتعالی) فيه الذي أنزل(1).

تفسير العياشي: عن الحسين بن سعيد، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن قول الله : «أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ» قال...وذكر قريباً من ذلك(2).

أقول: قال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه) - في قوله (صلّى الله علیه و آله) لذلك المفتري: «دعها...» -: (أي اتركها كما نزلت ولا تغيّرها وإنَّ ما كتبتَ و ان كان حقاً لكن لا يجوز تغییر ما نزل من القرآن. فقوله: (فما يغيّر عليّ) إما افتراء منه على الرسول (صلّی الله عليه وآله) أو هو إشارة الى ما جرى على لسانه ونزل الوحي مطابقاً له)(3).

ص: 23


1- الکافی: ج 8 ص 200 ح 242
2- تفسیر العیاشی: ج 2 ص 109 ح 1455 الطبعة الحدیثة
3- مرآة العقول: ج 26 ص 110

باب (11) الاستشفاء بالقرآن

طب الأئمّة (عليهم السّلام): إسحاق بن يوسف قال: حدثنا فضالة، عن أبان بن عثمان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) في الرجل يكون به العلّة فيُكتَب له القرآن فيُعلّق عليه، أو يكتب له فيغسله ويشرب؟ قال: لا بأس به كلّه(1).

باب (12) حكم كتابة القرآن بالذهب

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن ابن مسکان، عن محمد بن الورّاق قال: عرضت على أبي عبدالله (عليه السّلام) كتاباً فيه قرآن مختَّم مُعشّر(2) بالذَّهب وكُتب في آخره سورة بالذّهب وأريته إيَّاه فلم يَعِب فيه شيئاً إلاَّ كتابة القرآن بالذهب، وقال: لا يُعجبني أن يُكتب القرآن إلاَّ بالسّواد كما كُتب أوَّل مرَّة(3).

ص: 24


1- طب الائمّة: ص 49
2- أی مجزءاً بالذهب یعنی ان افتتاح السور واختتامها والعلامة المشیرة الی ختم السورة کانت بالذهب ویظهر من الحدیث الشریف انّ کتابة القران الکریم بالذهب أمر مرجوح وغیر مرغوب فیه
3- الکافی: ج 2 ص 629 ح 8

حكم تحلية القرآن بالذهب التهذيب: الحسن بن محمد بن سماعة، عن محمد بن زیاد، عن أبي أيوب الخزّاز، عن محمد الورّاق قال: عرضت على أبي عبد الله (عليه السّلام) كتاباً فيه قرآن مختم معشّر بالذهب وكتب في آخر السورة بالذهب فأريته إيّاه، فلم يعب منه شيئاً إلاّ كتابة القرآن بالذهب فإنّه قال: لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسّواد كما كتب أول مرة(1).

التهذيب: احمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، قال: سألته عن رجل يعشّر المصاحف بالذّهب؟ فقال: لا يصلح.

فقال: إنّها معيشتي؟ فقال: إنَّك إن تركته لله جعل الله لك مخرجاً(2).

أقول: النهي في هكذا أحاديث لا يدلّ على الحرمة - كما هو واضح - بل يدلّ على الكراهة و ذلك جمعاً بين الأحاديث المجوّزة والناهية، والله العالم.

باب (13) حکم تحلية القرآن بالذهب

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه

ص: 25


1- التهذیب: ج 6 ص 367 ح 1056
2- التهذیب: ج 6 ص 366 ح 1055

السّلام) قال: ليس بتحلية المصاحف والسّيوف بالذّهب والفضّة بأس(1).

باب (14) النهي عن محو القرآن بالبزاق

من لا يحضره الفقيه: روي عن شعیب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) في حديث المناهي قال:

نهى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يُمحى شيء من كتاب الله (عزّوجلّ) بالبزاق أو يكتب به(2).

باب (15) النهي عن بيع و شراء القرآن

الكافي: محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: إنَّ المصاحف لن تُشتَرى فإذا اشتريت فقل: إنّما اشتري منك صك الورق و مافيه من الأدم وحليته ومافيه من عمل يدك بكذا وكذا(3).

ص: 26


1- الکافی: ج 6 ص 475 ح 7
2- من لا یحضره الفقیه: ج 4 ص 5 ح 4968
3- الکافی: ج 5 ص 121 ح 1

النهي عن بيع و شراء القرآن الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سألته عن بيع المصاحف وشرائها؟ فقال: لا تشتر کتاب الله (عزّوجلّ) ولكن اشتر الحديد والورق والدّفتين، وقل: أشتري منك هذا بكذا وكذا(1).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن غالب بن عثمان، عن روح بن عبد الرَّحيم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سألته عن شراء المصاحف وبيعها؟ فقال: إنّما كان يوضع الورق عند المنبر وكان ما بين المنبر والحائط قدر ما تمرّ الشّاة أو رجل منحرف، قال: فكان الرجل يأتي ويكتب من ذلك ثمَّ إنّهم اشتروا بعد [ذلك].

قلت: فما ترى في ذلك؟ قال لي: أشتري أحبّ إليَّ من أن أبيعه قلت: فما ترى أن أعطي على كتابته أجراً؟ قال: لا بأس ولكن هكذا كانوا يصنعون(2) التهذيب: الحسين بن سعيد، عن النّضر، عن عاصم بن حمید، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن بيع المصاحف وشرائها؟

ص: 27


1- الکافی: ج 5 ص 121 ح 2
2- الکافی: ج 5 ص 121 ح 3

فقال: إنّما كان يوضع عند القامة والمنبر قال: وكان بين الحائط والمنبر قید ممرّ شاة ورجل وهو منحرف ، فكان الرّجل يأتي فيكتب البقرة ويجئ آخر فيكتب السورة وكذلك كانوا ثمَّ إنّهم اشتروا بعد ذلك.

فقلت: فما ترى في ذلك؟ فقال: اشتريه أحبُّ إليَّ من أن أبيعه(1).

الكافي: علي بن محمد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد ابن علي، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سابق السندي، عن عنبسة الورّاق قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) فقلت: أنا رجل أبيع المصاحف فإن نهيتني لم أبعها؟ فقال: ألست تشتري ورقاً وتكتب فيه؟ قلت: بلى وأعالجها.

قال: لا بأس بها(2).

التهذيب: الحسين بن سعيد، عن النّضر، عن القاسم بن سلیمان، عن جرّاح المدائني، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في بيع المصاحف؟ قال: لا تبع الكتاب ولا تشتره وبع الورق والأديم والحديد(3).

ص: 28


1- التهذیب: ج 6 ص 366 ح 1052. وقوله (علیه السّلام): «...عند القامة» أی عند الجدار أو الحائط،فانّ حائط مسجد النبی (صلّی الله علیه و آله) کان قدر قامة
2- الکافی: ج 5 ص 122 ح 4
3- التهذیب: ج 6 ص 366 ح 1051

النهي عن بيع و شراء القرآن التهذيب: محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي عبد الله الرّازي، عن أبي الحسن علي بن أبي حمزة، عن زرعة بن محمد، عن سماعة ابن مهران قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: لا تبيعوا المصاحف فإنَّ بيعها حرام قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدَّفتين والحديد والغلاف، وإيَّاك أن تشتري الورق وفيه القرآن مکتوب فيكون عليك حراماً، وعلی من باعه حراماً(1).

أقول: قال الشهيد الأول في الدروس: (يحرم بيع خط المصحف دون الآلة)(2).

وقال في جواهر الكلام: (... والتحقيق الجواز لإطلاق الأدلَّة وإطلاق كثير من الفتاوى في مقام ذکر شرائط البيع وغیره)(3).

والظاهر انّ كلام صاحب الجواهر هو الأقوى والمستفاد من الأخبار والأدلَّة، ولعلّه المشهور بين الفقهاء في هذه الأزمنة. والله العالم.

ص: 29


1- التهذیب: ج 7 ص 231 ح 1007
2- الدروس الشرعیة: ج 3 ص 165
3- جواهر الکلام: ج 22 ص 126

باب (16) حكم أخذ الاُجرة على كتابة القرآن

التهذيب: أحمد بن محمد، عن علي بن فضّال، عن غالب بن عثمان، عن روح بن عبد الرَّحيم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) (في حدیث) قال: قلت: فما ترى أن أعطي على كتابته أجراً؟ قال: لا بأس ولكن هكذا كانوا يصنعون(1).

التهذيب: أحمد بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن أبان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنَّ أم عبد الله بن الحارث أرادت أن تكتب مصحفاً واشترت ورقاً من عندها ودعت رجلاً يكتب لها على غير شرط فأعطته حين فرغ خمسين دیناراً، وأنّه لم تبع المصاحف إلاّ حديثاً(2).

باب (17) النهي عن العمل بالحديث المخالف للقرآن

الكافي: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ على کلّٙ حقٍ حقيقة وعلى كلؘّ صواب نوراً، فما وافق كتاب

ص: 30


1- التهذیب: ج 6 ص 366 ح 1053
2- التهذیب: ج 6 ص 366 ح 1054

النهي عن العمل بالحديث المخالف للقرآن الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه (1).

أمالي الصدوق: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي (رحمه الله) قال: حدثنا أحمد بن علي بن ابراهيم بن هاشم قال: حدثنا أبي عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن اسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السّلام) قال: قال علي (عليه السّلام): انّ على كلّ حقّ .... وذكر مثله(2).

المحاسن: البرقي، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) عن آبائه، عن علي (عليهم السّلام) قال: انّ على كلّ حقٍ ... وذكر مثله(3).

تفسير العياشي: عن اسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (صلوات الله عليهم) في حديث قال:.... إنّ على كل حقٍ .... وذكر مثله(4).

الكافي: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:

خطب النبي (صلّى الله عليه وآله) بمنى فقال: أيّها الناس ما جاء کم

ص: 31


1- الکافی:ج 1 ص 69 ح 1
2- أمالی الصدوق: ص 300 ح 16
3- المحاسن: ج 1 ص 354 ح 749 الطبعة الحدیثة
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 83 ح 19 الطبعة الحدیثة

عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جاء کم يخالف كتاب الله فلم أقله(1).

تفسير العياشي: عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) - في خطبة بمنى أو بمكة - : يا أيها الناس .... وذكر نحوه(2).

المحاسن: البرقي، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن علي(3)، عن أيوب، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إذا حدّثتم عنّي بالحديث فأنحلوني أهنأه وأسهله وأرشده فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله(4).

أقول: قال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه): النحلة: العطيَّة، ولعلّ المراد: إذا ورد عليكم أخبار مختلفة فخذوا بما هو أهنأ وأسهل وأقرب إلى الرُّشد والصواب ممّا علمتم منّا. ويحتمل أن تكون تلك الصفات قائمة مقام المصدر أي انحلوني أهنأ نحل وأسهله وأرشده، والحاصل أنَّ كلّ ما يرد منّي عليكم فاقبلوه أحسن القبول، فيكون ما ذكره بعده في قوة الاستثناء منه.

الكافي: محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: وحدّثني

ص: 32


1- الکافی: ج 1 ص 69 ح 5
2- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 82 ح 18 الطبعة الحدیثة
3- فی بحار الأنوار: علی بن محبوب
4- المحاسن: ج 1 ص 348 ح 728 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 2 ص 242

النهي عن العمل بالحديث المخالف للقرآن حسین بن أبي العلاء أنّه حضر ابن أبي يعفور في هذا المجلس قال:

سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به؟ قال: إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإلاّ فالذي جاء کم به أولى به(1).

المحاسن: البرقي، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور قال علي: وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنّه حضر ابن ابي يعفور في هذا المجلس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن اختلاف الحديث ... وذكر مثله(2).

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن کلیب بن معاوية الأسدي، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: ما أتاكم عنّا من حديث لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل(3).

تفسير العياشي: عن كليب الأسدي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: ما اتاكم .... وذكر مثله(4).

ص: 33


1- الکافی: ج 1 ص 69 ح 2
2- المحاسن: ج 1 ص 352 ح 744 الطبعة الحدیثة
3- المحاسن: ج 1 ص 347 ح 726 الطبعة الحدیثة
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 83 ح 22 الطبعة الحدیثة

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النّضر بن سوید، عن يحيى الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف(1).

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن أيوب بن الحرّ، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: كل شيء .... وذكر مثله(2).

تفسير العياشي: عن أيّوب بن حرّ مثله (3).

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن فضّال، عن علي بن عقبة، عن أيوب بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف(4).

تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): يا محمد، ما جاءك في رواية من برٍّ أو فاجرٍ يُوافق القرآن فخذ به، وما جاءك في رواية من برٍّ أو فاجر يُخالف القرآن فلا تأخذ به(5).

ص: 34


1- الکافی: ج 1 ص 69 ح 3. و قوله (علیه السّلام): «فهو زخرف»: أی باطل مزیّن (مجمع البحرین)
2- المحاسن: ج 1 ص 347 ح 725 الطبعة الحدیثة
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 83 ح 21 الطبعة الحدیثة
4- الکافی: ج 1 ص 69 ح 4
5- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 83 ح 20الطبعة الحدیثة

النهي عن العمل بالحديث المخالف للقرآن تفسير العياشي: عن سدير قال: كان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السّلام) يقولان: لا تُصدّق علينا إلاّ بما يوافق كتاب الله وسُنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله).(1) الكافي: محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبی عمير، عن بعض أصحابه قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول:

من خالف كتاب الله وسنّة محمد (صلّى الله عليه وآله) فقد كفر.(2) بحار الأنوار: روى الشيخ قطب الدين الراوندي في رسالة الفقهاء على ما نقل عنه بعض الثقات بإسناده عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن أيوب بن نوح ، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامّة فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه(3).

بحار الأنوار: اعتقادات الصدوق - اعتقادنا في الحديث المفسّٙر أنّه يحكم على المجمل كما قال الصادق (عليه السّلام)(4).

ص: 35


1- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 83 ح 23 الطبعة الحدیثة
2- الکافی: ج 1 ص 70 ح 6
3- بحار الأنوار: ج 2 ص 235 ح 20
4- بحار الأنوار: ج 2 ص 235 ح 20

باب (18) أوَّل سورة وآخر سورة نزلت من القرآن

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وسهل بن زیاد، عن منصور بن العباس، عن محمد بن الحسن السّري، عن عمّه علي ابن السري، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: أوَّل ما نزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله): بسم الله الرحمن الرحيم «اقْرَأ۟ بِاسْمِ رَبِّكَ» وآخره «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ»(1).

قال العلاّمة المجلسي (قدّس سرّه) : (لعل المراد انه لم ينزل بعدها سورة كاملة فلا ينافي نزول بعض الآيات بعدها، كما هو المشهور).

عیون اخبار الرضا (عليه السّلام) : حدثنا احمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (رضي الله عنه) قال: حدثني أبي، عن جدي إبراهيم ابن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد قال: قال الرضا (عليه السّلام): سمعت أبي يُحدّث عن أبيه (عليهما السّلام) أنّ أوّل سورة نزلت «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ٭ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ » و آخر سورة نزلت: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ»(2).

ص: 36


1- الکافی: ج 2 ص 628 ح 5
2- عیون أخبار الرضا: ج 2 ص 6 ح 12. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 185 ح 2

متى نزل القرآن؟

باب (19) متى نزل القرآن؟

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه ومحمد بن القاسم، عن محمد ابن سليمان، عن داود، عن حفص بن غیاث، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سألته عن قول الله (عزّوجلّ): «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ»(1) وإنّما أُنزل في عشرين سنة بين أوَّله وآخره؟ فقال أبو عبد الله (عليه السّلام): نزل القرآن جملةً واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثمَّ نزل في طول عشرين سنة.

ثمَّ قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): نزلت صحف إبراهيم في أوَّل ليلة من شهر رمضان وأُنزلت التَّوراة لست مضين من شهر رمضان وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلةً خلت من شهر رمضان وأُنزل الزَّبور الثمان عشر خلون من شهر رمضان وأُنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان(2).

باب (20) جمع القرآن

تفسير القمي: حدثنا علي بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد

ص: 37


1- البقرة 2: 185
2- الکافی: ج 2 ص 628 ح 6

الله، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال لعلي: يا علي القرآن خلف فراشي في الصّحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة .

فانطلق علي (عليه السّلام) فجمعه في ثوب أصفر، ثمَّ ختم عليه في بيته وقال: لا أرتدي حتّى أجمعه، وإن كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء، حتّى جَمَعه.

قال: وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لو أنَّ النَّاس قرأوا القرآن كما أنزل الله ما اختلف اثنان(1).

باب (21) الأمر بتلاوة القرآن الموجود بين الناس

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن عبدالله بن جندب، عن سفيان بن السمط قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن تنزيل القرآن؟ قال: إقرأوا كما عُلّمتم(2).

الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي

ص: 38


1- تفسیر القمی: ج 2 ص 451. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 48
2- الکافی: ج 2 ص 631 ح 15

الأمر بتلاوة القرآن الموجود بين الناس عبد الله (عليه السّلام) وأنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأُها الناس.

فقال أبو عبدالله (عليه السّلام) : كُفَّ عن هذه القراءة إقرأ كما يقرأ النَّاس حتى يقوم القائم (عليه السّلام) فإذا قام القائم (عليه السّلام) قرأ كتاب الله (عزّوجلّ) على حدّه. وأخرج(1) المصحف الّذي كتبه علي (عليه السّلام) وقال: أخرجه عليّ (عليه السّلام) إلى النَّاس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم: هذا كتاب الله (عزّوجلّ) كما أنزله [الله] على محمد (صلّى الله عليه وآله) وقد جمعتُه من اللَّوحین.

فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه.

فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنّما كان عَلَيَّ أن أُخبركم حين جمعته لتقرأوه(2).

بصائر الدرجات: حدثنا عبدالرحمن بن أبي نجران، عن هاشم، عن سالم بن أبي سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله (عليه السّلام).... وذكر نحوه(3).

ص: 39


1- أی: اخرج الامام الصادق (علیه السّلام)
2- الکافی: ج 2 ص 633 ح 23
3- بصائر الدرجات: ص 213 ح 3

باب (22) أحاديث التحريف والقول الفصل فيها

إختيار معرفة الرجال: أبو علي خلف بن حامد قال: حدثني أبو محمد الحسن بن طلحة، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن بريد العجلي، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب.

وسألت عن قول الله (عزّ وجلّ): «هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ»«تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ»(1) قال: هم سبعة: المغيرة بن سعيد، وبيان، وصائد النهدي، والحارث الشامي، وعبد الله بن الحارث، وحمزة بن عمارة البربري وأبو الخطاب(2).

تفسير القمي: حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد الفزاري، عن الحسن بن علي اللؤلؤي، عن الحسن بن أيوب، عن سلیمان بن صالح، عن رجل، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قلت: «هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ»(3)؟ قال له: إنّ الكتاب لم ينطق ولن ينطق، ولكن رسول الله (صلّى

ص: 40


1- الشعراء 26: 221 و 222
2- اختیار معرفة الرجال: ج 2 ص 577 ح 511. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 54
3- الجاثیة 45: 29

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها الله عليه وآله) هو الناطق بالكتاب، قال الله : «هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ» فقلت: إنّا لا نقرأها هكذا.

فقال: هكذا والله نزل بها جبرئیل (عليه السّلام) على محمّد (صلّى الله عليه وآله) ولكنه فيما حرّٙف من كتاب الله(1).

تفسير القمي: حدثنا علي بن الحسين، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في قوله: «وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ»(2)؟ قال: بل، هي وتجعلون شكر كم أنّكم تكذّبون(3).

بصائر الدرجات: حدثنا احمد بن محمد، عن محمد بن خلف، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: فتلا رجل عنده هذه الآية «عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»(4).

فقال أبو عبد الله (عليه السّلام): ليس فيها «من» إنّما هي: وأوتينا كل شيء(5).

تفسير العياشي: عن بريد العجلي قال: سمعني أبو عبد الله (عليه السّلام) وأنا أقرأ «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر

ص: 41


1- تفسیر القمی: ج 2 ص 295. منه بحار الانوار: ج 92 ص 48
2- الواقعة: 56: 82
3- تفسیر القمی: ج 2 ص 349. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 50
4- النمل 27: 16
5- بصائر الدرجات: ص 362 ح 3. منه بحار الانوار: ج 92 ص 51

اللهِ»(1) فقال: مه: وكيف تكون المُعقّٙبات من بين يديه؟ إنّما تكون المُعقّٙبات من خلفه، إنّما أنزلها الله: له رقیب من بين يديه ومُعَقّبات من خلفه يحفظونه بأمر الله(2).

تفسير العياشي: عن داود بن فرقد، عمّن أخبره، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: لو قد قُرِئ القرآن كما اُنزل، لألفيتنا فيه مُسَمّين(3).

أقول: نعم لو قُرئ القرآن مع تفسيره وتأويله فهو هكذا يكون.

والله العالم.

تفسير العياشي: عن محمد بن سالم، عن أبي بصير قال: قال جعفر بن محمد (عليهما السّلام): خرج عبدالله بن عمرو بن العاص من عند عثمان، فلقي أمير المؤمنین (صلوات الله عليه) فقال له: يا علي بيّتنا الليلة في أمرٍ نرجو أن يثبّت الله هذه الأمّة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): لن يخفى عليَّ ما بیَّتم فيه:

حرَّفتم وغيّرتم وبدَّلتم تسعمائة حرف: ثلاثمائة حرَّفتم وثلاثمائة غیّرتم وثلاثمائة بدَّلتم «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» إلى آخر الآية «مِمَّا يَكْسِبُونَ»(4) (5).

ص: 42


1- الرعد 13: 11
2- تفسیر العیاشی: ج 2 ص 381 ح 2194 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 54
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 89 ح 46 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 55
4- البقرة 2 : 79
5- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 139 ح 166 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 55

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنَّ القرآن الذي جاء به جبرئیل (عليه السّلام) إلى محمد (صلّى الله عليه وآله) سبعة عشر ألف آية(1).

أقول: الظاهر انّ كلمة «عشر» قد زيدت في هذا الحديث والزيادة إمّا من بعض الرواة أو من النُسّاخ فعدد الآيات بين ستة وسبعة آلاف، والمقصود من العدد - هنا - التقريب والكثرة لا العدد بالدقَّة.

وقال الفيض الكاشاني:

قال شيخنا الصدوق (طاب ثراه) في اعتقاداته: اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد (صلّى الله عليه وآله) هو ما بين الدفَّتين وما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة...

ثم استدلّ على ذلك بما ورد في ثواب قراءة السور في الصلوات وغيرها وثواب ختم القرآن كلّه و تعیین زمان ختمه وغير ذلك.

قال: وقد نزل من الوحي الذي ليس بقرآن ما لو جُمع الى القرآن لكان مبلغه مقدار سبع عشرة ألف آية وذلك مثل قول جبرئیل (عليه السلام) للنبي (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى يقول لك: (یا محمد دارِ خَلقي).

ص: 43


1- الکافی: ج 2 ص 634 ح 28

ومثل قوله: (عش ما شئت فإنّك ميّت، وأحبب ماشئت فانّك مفارقه، واعمل ما شئت فانّك ملاقيه)، و(شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزّه كفّ الأذى عن الناس)(1) تأويل الآيات الظاهرة: روي عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن قوله تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا»(2) ؟.

قال: هذه الآية ممّا غيّروا وحرَّفوا، ما كان الله ليهلك محمّداً (صلّى الله عليه وآله)، ولا من كان معه من المؤمنين، وهو خير ولد آدم، ولكن قال تعالى: قل أرأيتم إن أهلككم الله جميعاً أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم(3).

تأويل الآيات الظاهرة: روي عن محمد البرقي يرفعه عن عبدالرحمن بن سالم(4) الأشل قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السّلام):

«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ»؟ قال: ما أنزلها الله هكذا وما كان الله ليهلك نبيّه (صلّى الله عليه و آله) ومن معه، ولكن أنزلها: قل أرأيتم إن أهلككم الله ومن معكم ونجّاني ومن معي فمن يجير الكافرين من عذاب أليم(5).

ص: 44


1- الوافی: ج 9 ص 1778
2- الملک 67: 28
3- تأویل الآیات الظاهرة: ج 2 ص 707 ح 10. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 55
4- فی بحار الأنوار: عبد الرحمن بن سلام
5- تأویل الآیات الظاهرة: ج 2 ص 707 ح 11. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 56

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها قرب الإسناد: محمد بن عيسى قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الحميد قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) فأخرج إليَّ مصحفاً قال: فتصفَّحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب:

(هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان فأصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان) يعني الأولين(1).

الكافي: الحسين بن محمد، عن معلّی بن محمد، عن علي بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» في ولاية علي و ولاية الأئمة من بعده «فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا»(2) هكذا نزلت(3).

أقول: قوله (عليه السّلام): «هكذا نزلت» بضميمة التفسير والتأويل.

بحار الأنوار: جعفر بن محمد بن قولویه، عن سعد الأشعري القمّي أبي القاسم (رحمه الله) وهو مصنّفه: روی مشایخنا عن أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)..... وساق الحديث إلى أن قال:

باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله (عزّ وجلّ) ممّا رواه مشایخنا (رحمة الله عليهم) عن العلماء من آل محمد

ص: 45


1- قرب الاسناد: ص 15 ح 46 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 48
2- الأحزاب 33: 71
3- الکافی: ج 1 ص 414 ح 8

(صلوات الله عليه وعليهم).

قوله (جلَّ وعزّ) : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ»(1) فقال أبو عبد الله (عليه السّلام) لقارئ هذه الآية: ويحك خير أمّة يقتلون ابن رسول الله (صلوات الله عليه وآله) ؟!! فقال: جعلت فداك فكيف هي؟ فقال: كنتم خير أئمة، أما ترى إلى مدح الله لهم في قوله:

«تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» فمدحه لهم دليل على أنّه لم يعن الأُمة بأسرها، ألا تعلم أنَّ في الأُمّة الزناة واللاطة والسّراق وقطّاع الطّريق والظّالمين والفاسقين، أفترى أنَّ الله مدح هؤلاء وسمّاهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ؟ كلاّ، ما مدح الله هؤلاء ولا سمّاهم أخياراً، بل هم الأشرار.

في سورة النحل وهي قراءة من قرأ : «أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ»(2) فقال أبو عبد الله (عليه السّلام) لمن قرأ هذه عنده: ويحك ما أربي؟ فقال: جعلت فداك فما هو؟ فقال: إنّما أنزل الله (جلّ وعزّ): أن تكون أئمة هم أزکی من

ص: 46


1- آل عمران 3: 110
2- النحل 16: 92

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها أئمتكم إنّما يبلوكم الله به.

وقرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السّلام) : «فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»(1).

فقال أبو عبد الله (عليه السّلام) : الجنّ كانوا يعلمون أنّهم لا يعلمون الغيب.

فقال الرجل: فكيف هي؟ فقال: إنّما أنزل الله: فلمّا خرَّ تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

ومنه في سورة هود «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً»(2).

قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : لا والله ما هكذا أنزلها إنّما هو:

فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه إماماً ورحمة ومن قبله کتاب موسی.

ومثله في آل عمران «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ»(3).

فقال أبو عبد الله (عليه السّلام) : إنما أنزل الله: ليس لك من الأمر شيء أن يتوب عليهم أو تعذبهم فإنّهم ظالمون.

ص: 47


1- سبأ 34: 14
2- هود 11: 17
3- آل عمران 3: 128

وقوله: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ»(1). وهو: أئمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس.

وقوله في سورة عم يتساءلون: «وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا»(2) إنّما هو : يا ليتني كنت ترابياً، أي علوياً، وذلك أنَّ رسول الله کنی أمير المؤمنین (صلوات الله عليهما) بأبي تراب.

ومثله في إذا الشَّمس کوّرت قوله: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ٭ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ»(3) ومثله: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»(4).

قال أبو عبد الله (عليه السّلام): لقد سألوا الله عظيماً أن يجعلهم أئمة للمتقين إنّما أنزل الله (جلّ وعزّ) : الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعل لنا من المتقين إماماً.

ومثله في سورة النساء قوله: «وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»(5) قال أبو عبد الله (عليه السّلام): من عنى بقوله : «جَاءُوكَ» ؟ فقال الرجل: لا ندري .

ص: 48


1- البقرة 2: 143
2- النبأ 78: 40
3- التکویر 81: 8 و 9
4- الفرقان 25: 74
5- النساء 4: 64

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها قال: إنّما عنى (تبارك وتعالى) في قوله: «جَاءُوكَ - يا علي - فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» الآية .

وقوله: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(1) وذلك أنّه لما أن كان في حجّة الوداع دخل أربعة نفر في الكعبة فتحالفوا فيما بينهم وكتبوا كتاباً لئن أمات الله محمداً لا يردُّوا هذا الأمر في بني هاشم، فأطلع الله رسوله على ذلك فأنزل عليه: «أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ٭ أَمْ یَحْسَبُونَ» الآية(2).

وقرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السّلام) سورة الحمد على ما في المصحف فردَّ عليه وقال إقرأ: صراط من أنعمت عليه غير المغضوب عليهم وغير الضالين.

وقرأ آخر: «فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ»(3).

فقال أبو عبدالله (عليه السّلام): ليس عليهن جناح أن يضعن من ثيابهن غير متبرجات بزينة.

وكان يقرأ: «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى» صلاة

ص: 49


1- النساء 4: 65
2- الزخرف 43: 79 و 80
3- النور 24: 60

العصر «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»(1) في صلاة المغرب.

وكان يقرأ: فإِن تنازعتم فِي شيءٍ فردوه إِلى اللهِ والرسولِ وإلى أولي الأمر منکم.

وقرأ هذه الآية في دعاء إبراهيم: ربّٙ اغفر لي ولولدي. يعني إسماعيل وإسحاق.

وكان يقرأ: وكان أبواه مؤمنين وطبع کافراً.

وكان يقرأ: إنّ الساعة آتية أكاد أخفيها من نفسي.

وقرأ: وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبيّ ولا مُحدّث. يعني الأئمّة (عليهم السلام).

وقرأ: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة فانّهما قد قضيا الشَّهوة .

وقرأ: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أُمهاتهم وهو أب لهم.

وقرأ: وجاءت سكرة الحق بالموت.

وقرأ: وتجعلون شکر کم أنّكم تكذبون.

وقرأ: وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انصرفوا إليها وتركوك قائماً قل ماعند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين اتقوا والله خير الرازقين.

وقرأ: اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا الى ذكر الله .

ص: 50


1- البقرة :2: 238

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها وقرأ: فستبصرون ويبصرون بأيكم المفتون.

وقرأ: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة لهم ليعلموا فيها.

وقرأ: ولقد نصرکم الله ببدر وأنتم ضعفاء.

قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : ما كانوا أذلّة ورسول الله (صلوات الله عليه وآله) فيهم.

وقرأ: وكان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً.

وقرأ: أفلم يتبيّن الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى النَّاس جميعاً.

وقرأ: هذه جهنم التي كنتم بها تكذبان اصلياها فلا تموتان فيها ولا تحييان.

وقرأ: فإنّ الله بيتهم من القواعد.

قال أبو عبد الله (عليه السّلام): بيّت مكرهم هكذا نزلت.

وقرأ: يحكم به ذو عدل منكم. يعني الإمام.

وقرأ: وما نقموا منهم إلا أن آمنوا بالله.

وقرأ: ويسئلونك الأنفال.

وقرأ أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السّلام) : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهُنَّ أُجورهن.

وقرأ: إن تتوبا إلى الله فقد زاغت قلوبكما.

وقرأ أبو عبد الله (عليه السّلام) : إنّي أرى سبع بقرات سمان وسبع سنابل خضر وأُخر يابسات.

ص: 51

وقرأ: يأكلن ما قرَّبتم لهن.

وقرأ: «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا»(1).

وقرأ في سورة مريم: «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا»(2).

وصلّى أبو عبد الله (عليه السّلام) بقوم من أصحابه فقرأ : قتل أصحاب الخدود. وقال: ما الأُخدود؟ وقرأ رجل عليه: «وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ»(3) فقال: لا، وطلع منضود.

وقرأ: والعصر إنّ الإنسان لفي خسر وإنّه فيه إلى آخر الدهر .

وقرأ: إذا جاء فتح الله والنصر.

وقرأ: الم يأتك كيف فعل ربك بأصحاب الفيل.

وقرأ: إنّي جعلت كيدهم في تضليل.

وسأل رجل أبا عبد الله (عليه السّلام) عن قول الله (عزّ وجلّ):

«وَالْفَجْرِ»(4)؟ فقال: ليس فيها واو وإنّما هو الفجر.

وقرأ رجل على أبي عبد الله (عليه السّلام) : «جَاهِدِ الْكُفَّارَ

ص: 52


1- الانعام 6: 158
2- مریم 19: 26
3- الواقعة 56: 29
4- الفجر 89: 1

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها وَالمُنَافِقِينَ»(1).

فقال: هل رأيتم وسمعتم أنَّ رسول الله (عليه السّلام) قاتل منافقاً؟ إنّما كان يتألّفهم، وإنّما قال الله (جلّ وعزّ) : جاهد الكفار بالمنافقين(2).

أقول: قد يستفاد من بعض الأَحاديث - التي تقدّم ذكر بعضها - وقوع التحريف في القرآن بنقص بعض آیاته - كما قال به بعض محدّثي الشيعة وجمع من علماء العامّة - ولكن الصحيح أنه لم يثبت وقوع التحريف في القرآن بحديث معتبر صحيح بل الأدلّة تدل على خلاف ذلك، فلا تحريف في القرآن بهذا المعني.

فمن الأدلّة: قوله سبحانه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(3) حيث يدل على حفظ القرآن المنزل على الرسول الأعظم (صلّی الله عليه وآله) عن التلاعب والتحريف، وكان القرآن موجوداً بين الناس وفي متناول الأيدي ويمكنهم الوصول إليه.

ومنها: قوله سبحانه: «وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٭ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(4) فانّه يدل على نفي الباطل

ص: 53


1- التوبة 9: 73
2- بحار الأنوار: ج 92 ص 60 ح 47
3- الحجر 15: 9
4- فصلت 41: 41 و 42

بجميع أشكاله عن القرآن وصيانة القرآن وحفظه عنه، إذ التحريف من أفراد الباطل ومصادیقه كما لاشك في ذلك.

ومنها: أحاديث الثقلين الّذين خلّفهما الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في اُمّته وصرَّح أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض وأمرهم بالتمسك بهما، وهما الكتاب والعترة، وهذه الأحاديث كثيرة في كتب الشيعة والعامّة.

ومن الواضح أنّ القول بالتحريف يستلزم عدم جواز التمسك بالكتاب المُنزَل وسقوطه عن الحجّية مع أن وجوب التمسك به وحجّيته مستمران الى يوم القيامة حسب أحاديث الثقلين حيث إنّها دلّت على إقتران العترة بالكتاب وإنّهما باقيان في الناس إلى يوم القيامة، فلابدَّ من وجودهما ليكون كلّ منهما قريناً للآخر حتی یردا على النبي (صلّى الله عليه وآله) الحوض، ويكون التمسك بهما حافظاً للاُمّة عن الضلال والإنحراف، ومن البديهي أنّ التمسك بالعترة إنّما يكون بموالاتهم واتّباع أوامرهم ونواهيهم والسير على هداهم.

وبما أنّه لا يمكن الوصول الى الامام لجميع المكلّفين حال حضور الامام فضلاً عن زمان الغيبة فالتمسك بالعترة يكون بالعمل بأحاديثهم ورواياتهم.

وأمّا التمسك بالكتاب فلايتحقق الاّ بتطبيقه، فلابدّ أن يكون

ص: 54

أحاديث التحريف والقول الفصل فيها موجوداً بين المسلمين حتى يمكنهم الوصول اليه.

وخلاصة القول: انّ المستفاد من ظواهر الأدّلة انّ القرآن المنزل على الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) هو الموجود بين المسلمين من دون زيادة ولانقصان.

ثم إن قوله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ»(1) الوارد في مقام التحدّي، وهكذا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّي تارك فيكم الثقلين ...» لهما أكبر شاهد على أنّ القرآن كان في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله) مکتوباً مجموعاً موجوداً بين الناس، اذ لفظ «الكتاب» أو قوله «هذا القرآن» ظاهر فيما كان له وجود مجموع ولايُطلق على ما كان محفوظاً في الصدور فقط.

وأحاديث أهل الخلاف من العامّة - في جمع القرآن في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان، وأنّ أبا بكر هو الذي جمع القرآن بنفسه، أو انّ الجامع هو زید بن ثابت وحده، أو هو مع عمر بن الخطّاب، أو أن عثمان هو الجامع للقرآن - مختلفة ومتناقضة في نفسها مضافاً الي ماورد في بعض كتبهم من انّ القرآن جُمع وكُتب على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ص: 55


1- الاسراء 17: 88

وإهتمام الرسول الأعظم (صلّی الله عليه وآله) بالقرآن وحاجة المسلمين اليه تأبى القول بتأخير جمع القرآن عن وفاته (صلّى الله عليه وآله) والتحاقه بالرفيق الأعلى. والله العالم.

باب (23) العزائم في القرآن

الكافي: جماعة، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسین ابن سعيد، عن النّضر بن سوید، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يُسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك ولكن تكبّر حين ترفع رأسك، والعزائم أربع:

حم السجدة، و [الم] تنزيل، والنّجم، وإقرأ باسم ربّك(1).

التهذيب: الحسين بن سعيد، عن النّضر مثله(2).

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنَّ العزائم أربع: إقرأ باسم ربّك الذي خلق، والنجم، وتنزيل السجدة، وحم السجدة(3).

ص: 56


1- الکافی: ج 3 ص 317 ح1
2- التهذیب: ج 2 ص 291 ح 1170
3- الخصال: ص 252 ح 124. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 40

ما يُقرأ في سجدة العزائم مجمع البيان: روي عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: العزائم: ألم تنزیل، وحم السجدة، والنَّجم إذا هوى، وإقرأ باسم ربّك، وماعداها في جميع القرآن مسنون وليس بمفروض(1).

مستطرفات السرائر: نقلاً من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يقرأ بالسورة فيها السجدة فينسى فيركع ويسجد سجدتين ثمَّ يذكر بعد ذلك؟ قال: يسجد إذا كانت من العزائم، والعزائم أربع: ألم تنزیل، وحم السجدة، وإقرأ باسم ربّك، والنّجم.

قال: وكان علي بن الحسين (عليهما السّلام) يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة(2).

باب (24) ما يُقرأ في سجدة العزائم

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده:

سجدت لك تعبّداً ورقاً، لا مستكبراً عن عبادتك ولا مستنکفاً ومتعظّماً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير(3).

ص: 57


1- مجمع البیان: ج 5 ص 516
2- مستطرفات السرائر: ص 31 ح 28. منه بحار الأنوار: ج 85 ص 170
3- الکافی: ج 3 ص 328 ح 23

مستطرفات السرائر: نقلاً من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن علي بن خالد، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدَّق بن صدقة، عن عمّار السّاباطي قال: سُئل أبو عبدالله (عليه السّلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم، كيف يصنع؟ قال: ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت، ولكن إذا سجدت قلت ما تقول في السُّجود(1).

مستدرك الوسائل: الشهيد الأول في (البيان)، روی ابن محبوب، عن عمّار، عن الصَّادق (عليه السّلام): لا تكبّر إذا سجدت إلاّ إذا قمت، وإذا سجدت قلت ما تقول في السُّجود(2).

دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد (عليهما السّلام) أنّه قال: من قرأ السجدة أو سمعها، سجد أيّ وقت كان ذلك، ممّا تجوز الصَّلاة فيه أو لا تجوز، وعند طلوع الشَّمس وعند غروبها، ويسجد وإن كان على غير طهارة، وإذا سجد فلايكبّر، ولا يسلّم إذا رفع، وليس في ذلك غير السُّجود، ويسبح ويدعو في سجوده، بما تيسر من الدُّعاء(3).

التهذيب: الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام) : إذا قرأت السجدة فاسجد ولا تكبّر حتّى ترفع رأسك(4).

ص: 58


1- مستطرفات السرائر: ص 99 ح 22. منه بحار الانوار: ج 85 ص 69
2- مستدرك الوسائل: ج 4 ص 321
3- دعائم الاسلام: ج 1 ص 215. منه مستدرک الوسائل: ج 4 ص 318
4- التهذیب: ج 2 ص 292 ح 1175

حكم من سمع آية السجدة

باب (25) حكم من سمع آية السجدة

الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبدالرحمن، عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن رجل سمع السَّجدة تُقرأ؟ قال: لا يسجد إلا أن يكون منصتاً لقراءته(1) مستمعاً لها أو يُصلّي بصلاته فأمّا أن يكون يُصلّي في ناحية وأنت [تصلّي] في ناحية أخرى فلا تسجد لما سمعت(2).

التهذيب: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عیسی مثله(3).

الكافي: أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسین ابن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن الحسين بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إذا صلّيت مع قوم فقرأ الإمام: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»(4) أو شيئاً من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماءً، والحائض تسجد إذا سمعت السجدة(5).

ص: 59


1- فی التهذیب: للقرائة
2- الکافی: ج 3 ص 318 ح 3
3- التهذیب: ج 2 ص 291 ح 1169
4- العلق 96: 1
5- الکافی: ج 3 ص 318 ح 4

باب (26) حكم قراءة آية السجدة في الفريضة

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن ابن بکیر، عن زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإنَّ السُّجود زيادة في المكتوبة(1).

دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد (عليهما السّلام) أنّه قال: من قرأ السجدة، أو سمعها من قارئ يقرأها، وكان يسمع قراءته، فليسجد، فإن سمعها وهو في صلاة فريضة من غير إمام، أومأ برأسه وإن قرأها وهو في الصَّلاة سجد وسجد من معه إن كان إماماً، ولا ينبغي للإمام أن يتعمّد قراءة سورة فيها سجدة في صلاة فريضة(2).

باب (27) حكم مَن سمع آية السجدة وهو في الصلاة

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السّلام) أنَّ علي (عليه السّلام) قال: إذا سمع الرَّجلُ الرّجلَ يقرأ السجدة، وهو يصلّي، لم يسجد حتّى يقضي صلاته، ثمَّ يسجد(3).

ص: 60


1- الکافی: ج 3 ص 318 ح 6
2- دعائم الاسلام: ج 1 ص 215. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 319
3- الجعفریات: ص 52. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 319

حكم من قرأ آية السجدة وهو على ظهر الدابّة التهذيب: سعد، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن عمرو بن سعيد، عن مصدَّق بن صدقة، عن عمّار بن موسى السّاباطي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في الرَّجل يسمع السّجدة في السّاعة التي لا يستقيم الصَّلاة فيها قبل غروب الشّمس وبعد صلاة الفجر؟ فقال: لا يسجد.

وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم؟ فقال: إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها وإن أحبَّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها.

وعن الرجل يصلّي مع قوم لا يقتدي بهم فيصلّي لنفسه وربّما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها فكيف يصنع؟ قال: لا يسجد(1).

أقول: قوله (عليه السّلام): «لا يسجد» ينبغي أن يُحمل على أَنّه لم يكن مُنصِتاً للآية حتى يجب عليه السجود.

أو يُحمل على التقية من العامة أو على كون السجدات مستحبة، فانّ المستحبة منها تبلغ الأحد عشر عندنا. والله العالم.

باب (28) حكم من قرأ آية السجدة وهو على ظهر الدابّة

علل الشرایع: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (رحمه الله)

ص: 61


1- التهذیب: ج 2 ص 293 ح 1177

قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السّجدة وهو على ظهر دابته؟ قال: يسجد حيث توجّهت به فإنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يصلّي على ناقته وهو مستقبل المدينة، يقول الله تعالى:

«فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»(1) (2).

باب (29) الظاهر والباطن للقرآن

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن ثعلبة بن میمون، عمّن حدثه، عن المعلّی بن خنیس قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): ما من أمر يختلف فيه إثنان إلاَّ وله أصل في كتاب الله (عزّوجلّ) ولكن لا تبلغه عقول الرّجال(3).

المحاسن: البرقي، عن الحسن بن علي بن فضّال مثله(4).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن

ص: 62


1- البقرة 2: 115
2- علل الشرایع: ص 358 ح 1
3- الکافی: ج 1 ص 60 ح 6
4- المحاسن:ج 1 ص 417 ح 959 الطبعة الحدیثة

الظاهر والباطن للقرآن سلیمان، عن زياد القندي، عن عبد الله بن سنان، عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السّلام) : إنَّ الله أمرني في كتابه بأمر فأحبُّ أن أعمله.

قال: وما ذاك؟ قلت: قول الله (عزّ وجلّ): «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ»(1).

قال: ليقضوا تفثهم لقاء الإمام، ولیوفوا نذورهم تلك المناسك.

قال عبد الله بن سنان: فأتيت أبا عبد الله (عليه السّلام) فقلت:

جعلت فداك قول الله (عزّ وجلّ): «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ»؟ قال: أخذ الشّارب وقصُّ الأظفار وما أشبه ذلك.

قال: قلت: جعلت فداك إنَّ ذريح المحاربي حدّثني عنك بأنَّك قلت له: «لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» لقاء الإمام ولیوفوا نذورهم تلك المناسك؟ فقال: صدق ذريح وصدقتُ إنَّ للقرآن ظاهراً وباطناً، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح؟!(2).

معاني الأخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن يحيی العطّار، عن سهل بن زياد الآدمي، عن علي بن سليمان، عن زیاد القندي، عن عبدالله بن سنان، عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي

ص: 63


1- الحج 22: 29
2- الکافی: ج 4 ص 549 ح 4

عبدالله (عليه السّلام) ... وذكر نحوه(1).

تفسير العياشي: عن جابر قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): یا جابر، إنَّ للقرآن بطناً وللبطن ظهراً.

ثمَّ قال: يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه، إنَّ الآية لينزل أوَّلها في شيء، وأوسطها في شيء، وآخرها في شيء، وهو كلام متّصل مُتصرّف على وجوه(2).

تفسير العياشي: عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: ليس أبعد من عقول الرجال من القرآن(3).

قال الشيخ الطوسي في مقدمة التبيان: فأمّا ما روي عن النبي (صلّی الله عليه و آله) أنّه قال: [ما نزل من القرآن من آية إلاّ ولها ظهر وبطن] وقد رواه أيضاً أصحابنا عن الأئمة (عليهم السّلام) فإنّه يحتمل ذلك وجوهاً: أحدها: ما روي في أخبارنا عن الصادقين (عليهما السّلام) وحكي ذلك عن أبي عبيدة أنَّ المراد بذلك القصص بأخبار هلاك الأوَّلين وباطنها عظة للآخرين(4).

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في رسالة: وأمَّا ما سألت من القرآن، فذلك أيضاً من خطراتك 111.

4- التبيان: ج 1 ص 9.

ص: 64


1- معانی الأخبار: ص 340 ح 10
2- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 86 ح 33 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 94
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 96 ح 68. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 111
4- التبیان: ج 1 ص 9

الظاهر والباطن للقرآن المتفاوتة المختلفة، لأنَّ القرآن ليس على ما ذكرت، وكلُّ ما سمعت فمعناه غير ما ذهبت إليه، وإنّما القرآن أمثال لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حقَّ تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، فأمّا غيرهم فما أشدَّ إشكاله عليهم، وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّه ليس شيء بأبعد من قلوب الرّجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلاّ من شاء الله.

وإنّما أراد الله بتَعْميَته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوّام بكتابه، والناطقين عن أمره، وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم، لا عن أنفسهم، ثمَّ قال:

«وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(1)، فأمّا عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً ، ولا يوجد، وقد علمت أنّه لا يستقيم أن يكون الخلق كلّهم ولاة الأمر إذ لا يجدون من يأتمرون عليه، ولا من يبلّغونه أمر الله ونهيه، فجعل الله الولاة خواصّاً ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك، فافهم ذلك إن شاء الله.

وإيّاك وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك(2) فإنَّ النَّاس غير مشتركين في علمه كإشتراكهم فيما سواه من الأُمور، ولا قادرين عليه ولا علی تأويله إلا من حدّٙه وبابه الذي جعله الله له، فافهم إن شاء الله، واطلب

ص: 65


1- النساء 4: 83
2- یعنی تلاوة القرآن مع تفسیر برأیک. وفی نسخة: و ایاك و تأویل القرآن «هامش بحار الأنوار»

الأمر من مكانه تجده إن شاء الله(1).

معاني الأخبار: حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي المقري قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري الجرجاني قال :

حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي قال: حدثنا أبو زيد عباس بن يزيد بن الحسين بن علي الكحّال مولی زید بن علي قال: أخبرني أبي يزيد بن الحسین قال: حدثني موسی بن جعفر (عليه السّلام) قال: قال الصادق (عليه السّلام) في قوله تعالى: «يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا»(2).

قال: يقولون: لا علم لنا بسواك.

قال: قال الصادق (عليه السّلام): القرآن كلّه تقريع، وباطنه تقریب.

قال الصدوق (رحمه الله): يعني بذلك أنَّ من وراء آیات التوبيخ والوعيد آيات الرَّحمة والغفران(3).

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر ابن أُذينة، عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام):

إنَّ النَّاس يقولون: إنَّ القرآن نزل على سبعة أحرف؟

ص: 66


1- المحاسن: ج 1 ص 417 ح 960 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 100
2- المائدة 5: 109
3- معانی الأخبار: ص 312. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 380

الظاهر والباطن للقرآن فقال: كذبوا أعداء الله ولكّنه نزل على حرف واحد من عند الواحد(1).

أقول: قال الفيض الكاشاني (رحمه الله): (فُسّر السبعة الأحرف هنا بسبع لغات من لغات العرب لا القراءات السبع.

قال ابن الاثير في نهايته: في الحديث: نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كاف شاف، أراد بالحَرف: اللّغة يعني على سبع لغات من لغات العرب أي انّها مفرّقة في القرآن فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه....

وأنت خبير بأنّ قوله (عليه السّلام) نزل على حرف واحد من عند الواحد لايلائم هذا التفسير بل إنّما يناسب اختلاف القراءة فلعلّه (عليه السّلام) انّما كذّب ما فهموه من هذا الكلام من اختلاف القراءة إلاّ ما تفوّهوا به منه - كما حقق في نظائره - فلاينافي تكذيبه نقلة الحديث بهذا المعنى صحته بمعنی اختلاف اللغات أو غير ذلك)(2).

الخصال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن محمد بن يحيى الصيرفي، عن حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبی عبد الله (عليه السّلام): إنَّ الأحاديث تختلف عنكم.

ص: 67


1- الکافی: ج 2 ص 630 ح 13
2- الوافی: ج 9 ص 1775

قال: فقال: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، وأدني ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه، ثمَّ قال: «هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1) (2).

تفسير العياشي: عن حمّاد بن عثمان مثله(3).

باب (30) القرآن فيه تبيان كلّٙ شيء

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنَّ الله (تبارك و تعالی) أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء، حتّى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا أُنزل في القرآن، إلاَّ وقد أنزله الله فيه(4).

تفسير القمي: محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد بهذا الإسناد نحوه(5).

المحاسن: البرقي، عن علي بن حديد، عن مرازم، عن أبي عبد

ص: 68


1- سورة ص 38: 39
2- الخصال: ص 358 ح 43. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 83
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 88 ح 42 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 83
4- الکافی: ج 1 ص 59 ح 1
5- تفسیر القمی: ج 2 ص 451

القرآن فيه تبيان كلّٙ شيء الله (عليه السّلام) نحوه(1).

المحاسن: البرقي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن محمد ابن حمران، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: أتاني الفضل بن عبد الملك النوفلي ومعه مولى له يقال له: شبيب معتزليُّ المذهب ونحن بمنی، فخرجت إلى باب الفسطاط في ليلة مقمرة، فأنشأ المعتزلي يتكلّم فقلت: ما أدري ما كلامك هذا الموصل الذي قد وصلته، إنَّ الله خلق الخلق فرقتين، فجعل خيرته في إحدى الفرقتين، ثمَّ جعلهم أثلاثاً فجعل خيرته في إحدى الأثلاث ثمَّ لم يزل يختار حتّی إختار عبد مناف ثمَّ إختار من عبد مناف هاشماً ثمَّ إختار من هاشم عبدالمطلب، ثم إختار من عبد المطّلب عبدالله، ثمَّ اختار من عبدالله محمّداً رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فكان أطيب الناس ولادة، فبعثه الله تعالى بالحق وأنزل عليه الكتاب فليس من شيء إلاّ وفي كتاب الله تبیانه(2).

تفسير العياشي: عن محمد بن حمران، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنَّ الله لما خلق الخلق ... وذكر نحوه(3).

أقول: لعلّ المقصود من الفرقتين: السعداء والأشقياء، و المقصود من الفِرق الثلاث أولاد النبي نوح (عليه السّلام) حيث كانوا ثلاثة

ص: 69


1- المحاسن: ج 1 ص 416 ح 956 الطبعة الحدیثة
2- المحاسن: ج 1 ص 417 ح 958 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 89
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 79 ح 11 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 94

و منهم تناسل البشر، و لهذا يقال لنوح: أبو البشر الثاني. والله العالم.

الكافي: محمد بن يحيى الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن النّضر بن سوید، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب ابن الحر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنَّ الله (عزّوجلّ) ختم بنبيّكم النَّبيين فلا نبيَّ بعده أبداً، وختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبداً، وأنزل فيه تبيان كلّ شيء، وخلقکم وخلق السَّماوات والأرض ونبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما بعدكم وأمر الجنّة والنّار وما أنتم صائرون إليه(1).

تفسير العياشي: عن عبد الله بن الوليد قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): قال الله لموسى (عليه السّلام) : «وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»(2) فعلمنا أنّه لم يكتب لموسى الشّيء كلّه، وقال الله لعيسى (عليه السّلام) : «لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ»(3)، وقال الله لمحمّد (صلّی الله عليه وآله): «وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»(4) (5).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن

ص: 70


1- الکافی: ج 1 ص 269 ح 3
2- الاعراف 7: 145
3- النحل 16: 39
4- النحل 16: 89
5- تفسیر العیاشی: ج 3 ص 19 ح 2417 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 102

القرآن فيه تبيان كلّٙ شيء سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، وعدَّة من أَصحابنا منهم عبد الأعلى وأبو عبيدة وعبد الله بن بشر الخثعميُّ(1) سمعوا أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: إنّي لأعلم ما في السَّماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنَّة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون.

قال: ثمَّ مكث هنيئةً فرأى أنَّ ذلك كبر على من سمعه منه فقال:

علمت ذلك من كتاب الله (عزّوجلّ)، إنَّ الله (عزّوجلّ) يقول: فيه تبیان كلّٙ شيء(2).

بصائر الدرجات: حدثنا أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان بهذا الإسناد نحوه(3).

بصائر الدرجات: حدثنا عبد الله بن عامر، عن محمد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة وعبيدة وعبد الله بن بشر الخثعمي سمعوا أبا عبد الله (عليه السّلام) ... وذكر نحوه(4).

مناقب آل أبي طالب: بکیر بن أعين قال: قبض أبو عبدالله (عليه السّلام) على ذراع نفسه وقال: یا بکير هذا والله جلد رسول الله، وهذه والله عروق رسول الله، وهذا والله لحمه وهذا عظمه، و [الله] إنّی

ص: 71


1- فی بصائر الدرجات: و عبیدة بن عبدالله بن بشر الخثعمی و عبدالله بن بشیر
2- الکافی: ج 1 ص 261 ح 2
3- بصائر الدرجات: ص 148 ح 5
4- بصائر الدرجات: ص 148 ح 6

لأعلم ما في السَّماوات وأعلم ما في الأرض وأعلم ما في الدُّنيا وأعلم ما في الآخرة، فرأى تغيّر جماعة فقال: يا بكير إنّي لأعلم ذلك من کتاب الله تعالى إذ يقول: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»(1).

بصائر الدرجات: حدثنا أحمد بن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن المغيرة، عن عبد الأعلى وعبيدة بن بشير قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام) ابتداءً منه:

والله إنّي لأعلم ما في السّماوات وما في الأرض وما في الجنّة وما في النّار وما كان وما يكون إلى أن تقوم السَّاعة ، ثمّ قال: أعلمه من كتاب الله أنظر إليه هكذا، ثمَّ بسط كفّيه ثمّ قال : إنَّ الله يقول: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»(2).

کشف الغمة: من كتاب (دلائل الحميري)، عن عبد الأعلى وعبيد بن بشير قالا: قال أبو عبد الله (عليه السّلام) ... وذكر نحوه(3).

الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن عبدالجبّار، عن ابن فضّال، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: قَدْ ولدني رسول الله (عليه السّلام) ، وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدأ الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر السَّماء وخبر الأرض وخبر الجنَّة وخبر النّار وخبر ما كان و [خبر] ما

ص: 72


1- مناقب آل أبی طالب: ج 4 ص 250. منه بحار الأنوار: ج 26 ص 28
2- بصائر الدرجات: ص 147 ح 2. منه بحار الأنوار: ج 26 ص 110
3- کشف الغمة: ج 2 ص 196. منه بحار الأنوار: ج 47 ص 35

القرآن فيه تبيان كلّٙ شيء هو كائن، أعلم ذلك كما(1) أنظر إلى كفّي، إنَّ الله يقول: فِيهِ تِبْیَانُ کُلّٙ شَيءٍ(2).

بصائر الدرجات: حدثنا محمد بن عبد الجبّار، عن الحسن بن علي بن فضّال مثله(3).

أقول: قوله (عليه السّلام): «إنّ الله يقول : فِيهِ تِبْیَانُ کُلِّ شَيءٍ» نقلٌ بالمعنى فإن الآية «تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ».

الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال:

سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوَّله إلى آخره كأنّه في كفّي،(4) فيه خبر السَّماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله (عزّوجلّ): فيه تبيان كلّٙ شَيءٍ(5).

بصائر الدرجات: حدثنا محمد بن عيسى، عن أبي عبد الله المؤمن مثله(6).

تفسير العياشي: عن يونس، عن عدّة من أصحابنا قالوا: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): إنّي لأعلم خبر السَّماء وخبر الأرض، وخبر ما

ص: 73


1- فی بصائر الدرجات: کأنّما
2- الکافی: ج 1 ص 61 ح 8
3- بصائر الدرجات: ص 217 ح 2
4- قوله (علیه السلام): «فی کفّی» أی انّ الأمر واضح لی فکأنّه فی کفی
5- الکافی: ج 1 ص 229 ح 4
6- بصائر الدرجات: ص 214 ح 7

كان وخبر ماهو كائن، كأنّه في كفّي ثمَّ قال: من كتاب الله أعلمه، إنَّ الله يقول: فيه تبيان كلّٙ شيء(1).

بصائر الدرجات: حدثنا علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزّيات، عن يونس، عن عبد الأعلى بن أعين قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: إنّي لأعلم ما في السَّماء وأعلم ما في الأرض، وأعلم ما في الجنَّة، وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وأعلم ما یکون، علمت ذلك من كتاب الله إنَّ الله تعالى يقول: فيه تبيان كلّ شيء(2).

الكافي: علي، عن محمد، عن يونس، عن أبان، عن سليمان بن هارون قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: ما خلق الله حلالاً ولا حراماً إلاَّ وله حدُّ كحدّٙ الدّار - فما كان من الطَّريق فهو من الطَّريق، وما كان من الدّار فهو من الدار - حتّى أرشِ الخدشِ فما سواه والجلدة ونصف الجلدة(3).

أقول: قال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه): (قوله (عليه السّلام):

«حتى ارش الخدش» الخدش تقشير الجلد بعود ونحوه، وأرشه ما يجبر نقصه من الدّية، والجلدة: الضربة بالسوط، ونصفها أن يؤخذ من وسط السوط فيضرب)(4).

ص: 74


1- تفسیر العیاشی: ج 3 ص 18 ح 2415 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 101
2- بصائر الدرجات: ص 147 ح 3. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 85
3- الکافی: ج 1 ص 59 ح 3
4- مرآة العقول: ج 1 ص 204

علم كلّ شيء في القرآن

باب (31) علم كلّ شيء في القرآن

الكافي: محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): أيُّها الناس، إنَّ الله (تبارك وتعالی) أرسل إليكم الرَّسول (صلّى الله عليه وآله) وأنزل إليه الكتاب بالحقّ وأنتم أُمّیُّون عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله، على حين فترةٍ من الرُّسل وطول هَجْعَةٍ(1) من الأُمم وإنبساطٍ من الجهل وإعتراض من الفتنة وإنتقاضٍ من المبرم(2)، وعمىً عن الحقّ، وإعتسافٍ من الجور، وإمتحاق(3) من الدّين، وتلظّ من الحروب على حين إصفرارٍ من رياض جنّات الدُّنيا، ويبسٍ من أغصانها، وإنتثارٍ من ورقها ويأس من ثمرها، وإغورارٍ من مائها(4)، قد درست أعلام الهُدی، فظهرت أعلام

ص: 75


1- الهجوع: النَّوم لیلاً، والهجعة: نومة خفیفة من أَوَّل اللیل (لسان العرب)
2- أبرم الأمر: أی احکم، ومنه القضاء المبرم (مجمع البحرین)
3- العسف: السَّیر بغیر هدایة و الأخذ علی غیر الطَّریق. ومحقه: أی أبطله ومحاه (لسان العرب)
4- اللظی: النار، وقیل: لهبها. وغار الماء غوراً: ذهب فی الأرض وسفل فیها (أقرب الموارد) وقال العلامة المجلسی (طاب ثراه): (والظَّاهر انَّ هذه الاستعارات والترشیحات لبیان خلوّ الدُّنیا حینئذ عن آثار العلم والهدایة وما یوجب السَّعادات الاُخرویة) (مرآة العقول)

الرَّدي، فالدُّنيا متهجّمة(1)، في وجوه أهلها مُكفهرَّة(2)، مُدبرةٌ غيرُ مُقبلةٍ، ثمرتُها الفتنةُ وطعامها الجيفة وشعارُها الخوف ودثارها السَّيفُ، مُزّقتُم كُلَّ ممزَّق وقد أعمت عيون أهلها وأظلمت عليها أيَّامُها، قد قطعوا أرحامهم وسفكوا دمائهم، ودفنوا في التُّراب الموؤدة بينهم(3) من أولادهم، يجتاز دونهم طيب العيش ورفاهية خفوض الدُّنيا(4).

لا يرجون من الله ثواباً ولا يخافون والله منه عقاباً، حيُّهم أَعمى نجس وميّتهُم في النَّار مبلس(5)، فجاءهم بنسخة ما في الصُّحف الأُولى(6) وتصديق الذي بين يديه وتفصيل الحلال من ريب الحرام، ذلك القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق لكم أخبركم عنه، أنَّ فيه علم ما مضى وعلم ما يأتي الى يوم القيامة وحُكم ما بينكم وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون

ص: 76


1- قوله (عليه السّلام): «متهجّمة» في بعض النسخ بتقديم الجيم على الهاء وهو الصَّواب، يقال: فلان يتجهّمني أي يلقاني بغلظة ووجه کریه وفي اكثر النّسخ بتقديم الهاء وهو الدخول بغتة و انهدام البيت ولا يخلوان من مناسبة أيضاً (مرآة العقول)
2- المكفهر : الوجه القليل اللحم الغليظ الذي لا يستحي، والمتعبّس (أقرب الموارد)
3- وأد بنته: دفنها في القبر وهي حيَّة، وكانوا يفعلون ذلك مخافة العار والحاجة (أقرب الموارد)
4- المجتاز: السّالك ومجتاب الطريق ومجيزه. ورفه عيشه رفاهية: رغد ولان واخصب
5- الابلاس: الانكسار والحزن، والقنوط وقطع الرجاء من رحمة الله تعالى. والمبلس: الساكت من الحزن أو الخوف (لسان العرب)
6- قال العلامة المجلسي (طاب ثراه): قوله (عليه السّلام) : «ما في الصّحف الأُولى» أي التَّوراة والانجيل والزّبور وغيرها ممّا نزل على الأنبياء (عليهم السّلام) (مرآة العقول)

علم كلّ شيء في القرآن فلو سألتموني عنه لعلَّمتكُم(1).

کشف الغمة: عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ الله بعث محمداً نبياً فلا نبي بعده، أنزل عليه الكتاب فختم به الكتاب فلا كتاب بعده، أحلَّ فيه حلاله، وحرَّم فيه حرامه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة ، فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ثمَّ أومأ بيده إلى صدره، وقال: نحن نعلمه(2).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) [أنّه] قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه(3).

بصائر الدرجات: حدَّثنا محمد بن عيسى، عن اسماعیل بن جابر مثله(4).

بصائر الدرجات: حدثنا محمد بن عبد الجبّار، عن منصور بن يونس، عن حمّاد اللّحام قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام) : نحن والله نعلم ما في السَّماوات وما في الأرض، وما في الجنَّة وما في

ص: 77


1- الکافی: ج 1 ص 60 ح 7
2- کشف الغمة: ج 2 ص 197. منه بحار الأنوار: ج 47 ص 35
3- الکافی: ج 1 ص 61 ح 9
4- بصائر الدرجات: ص 216 ح 10

النار، وما بين ذلك قال: فَبُهِتُّ أنظر إليه.

قال: فقال: يا حمّاد إنَّ ذلك من كتاب الله إنَّ ذلك من كتاب الله، إنَّ ذلك من كتاب الله، ثمَّ تلا هذه الآية: «وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ»(1) إنّه من كتاب الله، فيه تبيان کلّٙ شيء، فيه تبيان كلّٙ شّٙيء(2).

تفسير العياشي: عن منصور، عن حمّاد اللحام قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام).... وذكر قريباً من ذلك(3).

بصائر الدرجات: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن محمد بن عیسی، عن إسماعيل بن سهل، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في قوله: «هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي»(4).

فقال: ذكر من معي ما هو كائن، وذكر من قبلي ما قد كان(5).

تفسير العياشي: عن داود بن فرقد قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم آية نجا بها من كان قبلكم

ص: 78


1- النحل 16: 89
2- بصائر الدرجات: ص 148 ح 4. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 86
3- تفسیر العیاشی: ج 3 ص 18 ح 2416. منه بحار الانوار: ج 92 ص 101
4- الأنبیاء 21: 24
5- بصائر الدرجات: ص 149 ح 1. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 86

علم كلِّ شيء في القرآن فاعملوا بها، وما وجدتموه ممّا هلك به من كان قبلكم فاجتنبوه(1).

الكافي: علي، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): إنَّ العزيز الجبّار أنزل عليكم کتابه، وهو الصادق البارُّ، فيه خبر کم وخبر مَن قبلكم وخبر مَن بعدكم وخبر السَّماء والأرض، ولو أتاكم مَن يُخبركم عن ذلك لتعجَّبتم(2) (3).

تفسير العياشي: عن سماعة قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام):

إنَّ الله أنزل: ... وذكر مثله(4).

المحاسن: البرقي، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: ... وذكر نحوه(5).

بصائر الدرجات: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسین ابن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): لا تقولوا لكل آية: هذا رجل وهذا رجل، من القرآن حلال ومنه حرام ومنه نبأ ما قبلكم وحكم ما بينكم وخبر ما بعد کم، فهكذا هو(6).

ص: 79


1- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 77 ح 6 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 94
2- فی تفسیر العیاشی: لتعجّبتم من ذلك
3- الکافی: ج 2 ص 599 ح 3
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 82 ح 17 الطبعة الحدیثة
5- المحاسن: ج 1 ص 416 ح 957 الطبعة الحدیثة
6- بصائر الدرجات: ص 556 ح 3

باب (32) تأويل القرآن

تفسير العياشي: عن أبي الصبّاح قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): إنّ الله علم نبيّه (صلّى الله عليه وآله) التنزيل والتأويل، فعلّمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) علياً (عليه السّلام)(1).

بصائر الدرجات: حدثنا أحمد بن محمد، عن البرقي، عن المرزبان بن عمران، عن إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنَّ للقرآن تأويلاً، فمنه ما قد جاء، ومنه مالم يجيء، فإذا وقع التأويل في زمان إمام من الأئمّة، عرفه إمام ذلك الزمان(2).

تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: نحن الرَّاسخون في العلم فنحن نعلم تأويله(3).

باب (33) القرآن شفاء

تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله (عليه

ص: 80


1- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 95 ح 63. الطبعة الحدیثة
2- بصائر الدرجات: ص 215 ح 5. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 97
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 293 ح 648 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 92

الإنذار بالقرآن السّلام) قال: إنّما الشّفاء في علم القرآن لقوله: «مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(1) لأهله، لا شكَّ فيه ولا مرية، وأهله أئمّة الهدى الذين قال الله: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»(2) (3).

باب (34) الإنذار بالقرآن

مجمع البيان: قال الصادق (عليه السّلام) : أنذر بالقرآن من يرجون الوصول إلى ربّهم ترغّبهم فيما عنده، فإنَّ القرآن شافع مشفّع(4).

باب (35) القرآن على أربعة أشياء

بحار الأنوار: الدرة الباهرة - قال الصادق (عليه السّلام) : کتاب الله (عزّ وجلّ) على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللّطائف، والحقائق، فالعبارة للعوام، والإشارة للخواصّ، واللّطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء(5).

ص: 81


1- الاسراء 17: 82
2- فاطر 35: 32
3- تفسیر العیاشی: ج 3 ص 79 ح 2596 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 102
4- مجمع البیان: ج 2 ص 304. منه بحار الأنوار: ج 9 ص 88
5- بحار الأنوار: ج 92 ص 103 ح 81

باب (36) علوم القرآن عند آل محمّد (عليهم السّلام)

بصائر الدرجات: حدثنا هيثم النهدي، عن العباس بن عامر قال:

حدثنا عمرو بن مصعب، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: إنَّ مِن عِلم ما أُوتينا: تفسير القرآن وأحكامه، وعِلم تغيير الزَّمان وحدثانه، وإذا أراد الله بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع من لم يسمع لولّي معرضاً كأن لم يسمع، ثمَّ أمسك هنيئة ثمَّ قال: لو وجدنا وعاء ومُسْتَراحاً(1)، والله المستعان(2).

بصائر الدرجات : حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: [إنَّ] في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن [و] كانت فيه أسماء الرجال فالقيت، وإنّما الأسم الواحد في وجوه لا تُحصى، يعرف ذلك الوصاة(3).

تفسير العياشي: عن إبراهيم بن عمر قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام) إنَّ في القرآن .. وذكر مثله(4).

ص: 82


1- فی تفسیر البرهان: ومُستراحاً لقلنا
2- بصائر الدرجات: ص 214 ح 1. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 139
3- بصائر الدرجات: ص 215 ح 6. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 139
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 88 ح 41 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 95

علوم القرآن عند آل محمّد (عليهم السّلام) بصائر الدرجات: حدثنا محمد بن الحسين، عن النّضر بن شعيب، عن عبد الغفار الجازي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال:

سمعته يقول: نحن ورثة كتاب الله، ونحن صفوته(1).

تفسير العياشي: عن أيوب بن حُرّ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قلت له: الأئمة بعضهم أعلم من بعض؟ قال: نعم، وعلمهم بالحلال والحرام و تفسير القرآن واحد(2).

تفسير العياشي: عن حفص بن قرط الجهني، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كان علي (عليه السّلام) صاحب حلال وحرام، وعلم بالقرآن، ونحن على منهاجه(3).

تفسير العياشي: عن بشير الدهان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنَّ الله فرض طاعتنا في كتابه، فلا يسع الناس جهلاً، لنا صفو المال، ولنا الأنفال، ولنا کرائم القرآن - ولا أقول لكم: إنا أصحاب الغيب - ونعلم كتاب الله، وكتاب الله يحتمل كلّ شيء، إنَّ الله أعلمنا علماً لا يعلمه أحد غيره، وعلماً قد أعلمه ملائكته ورسله، فما علمته ملائكته ورسله فنحن نعلمه(4).

تفسير العياشي: عن الحكم بن عتيبة قال: قال أبو عبد الله (عليه

ص: 83


1- بصائر الدرجات: ص 533 ح 33. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 100
2- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 93 ح 54
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 93 ح 55 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 95
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 93 ح 57 الطبعة الحدیثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 96

السّلام) لرجل من أهل الكوفة - وسأله عن شيء - : لو لقيتك بالمدينة الأريتك أثر جبرئيل في دورنا، ونزوله على جدّي بالوحي والقرآن والعلم، أفيستقي الناس العلم من عندنا فيُهدَون هم، وضَلَلنا نحن !! هذا محال(1).

بصائر الدرجات: حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم قال: دخلت عليه (عليه السّلام) بعد ما قُتل أبو الخطّاب، قال: فذكرت له ما كان يروي من أحاديث تلك العظام قبل أن يُحدث ما أحدث. فقال: فحسبك والله يا أبا محمد أن تقول فينا: يعلمون الحلال والحرام وعلم القرآن وفصل ما بين الناس. فلمّا أردت أن أقوم أخذ بثوبي فقال: يا أبا محمد وأيّ شيء الحلال والحرام في جنب العلم ؟ !! إنّما الحلال والحرام في شيء يسير من القرآن(2).

تفسير العياشي: عن مرازم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنّا أهل بيت لم يزل الله يبعث فينا من يعلم كتابه من أوّله إلى آخره، وإنّ عندنا من حلال الله وحرامه ما يَسَعنا كِتمانه ما نستطيع أن تحدّث به أحداً.(3) تفسير العياشي: عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبد الله

ص: 84


1- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 94 ح 59 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 96
2- بصائر الدرجات: ص 214 ح 2. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 140
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 94 ح 58 الطبعة الحدیثة

علوم القرآن عند آل محمّد (عليهم السّلام) (عليهما السّلام) في قوله: «وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ»(1) يعني الأئمّة من بعده، وهم ينذرون به النَّاس(2).

المحاسن: البرقي، عن علي أبي إسحاق، عن داود، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من لم يعرف الحقَّ من القرآن لم يتنکَّب الفتن(3) (4).

تفسير العياشي: عن ابن مسکان قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام): من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكّب الفتن(5).

تفسير العياشي: عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) [قال: سألت] عن قول الله «قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ»(6) فلمّا رآني أتتبَّع هذا وأشباهه من الكتاب، قال : حسبُك، كل شيء في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا، فهو في الائمة - عنى به -(7).

ص: 85


1- الانعام 6: 19
2- تفسیر العیاشی: ج 2 ص 92 ح 1407 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 101
3- قوله (علیه السلام): «لم یتنکَّب الفتن» أی لا مخلَص له منها. والنَّکبة: ما یصیب الانسان من الحوادث ( مجمع البحرین)
4- المحاسن: ج 1 ص 341 ح 702 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 2 ص 242
5- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 88 ح 43 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 115
6- الرعد 13: 43
7- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 90 ح 50 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 116

باب (37) ضرب القرآن بعضه ببعض

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن حسين بن سعيد، عن النّضر بن سوید، عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال أبي (عليه السّلام) : ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلاَّ كفر(1).

أقول: قال المازندراني : (قوله (عليه السّلام): «ما ضرب رجل...» يحتمل وجهين: الاول: أن يراد بالضرب المعنى المعروف فان كان من باب الاستخفاف فهو کفر جحود والاّ فهو كفر النعمة وترك الادب.

الثاني: أن يستعمل الرأي في المجمل والمُأوَّل والمطلق والعام والمجاز والمتشابه وغيرها من المعضلات ويجمع بينها باعتبارات خياليَّة واختراعات وَهميَّة ويستنبط منها احكاماً يعمل بها ويُفتي بها من غير أن يكون له مستندٌ صحیح ونقلٌ صريح عن أهل الذكر (عليهم السّلام).(2) الكافي: علي (بن إبراهيم)، عن أبيه، عن النّضر بن سوید، عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال [لي] أبي

ص: 86


1- الکافی: ج 2 ص 632 ح 17
2- شرح ملا صالح المازندرانی: ج 11 ص 72

النهي عن تفسير القرآن بالرأي (عليه السّلام) : ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلاّ كفر(1).

معاني الأخبار - ثواب الأعمال: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله) قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد مثله(2).

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عن النّضر بن سوید، عن القاسم بن سلیمان قال: قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : سمعت أبي يقول ...

وذكر مثله(3).

تفسير العياشي: عن القاسم بن سليمان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال أبي (عليه السّلام) ... وذكر مثله(4).

جامع الأخبار: عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال أبي (عليه السّلام) : ما ضرب الرجل القرآن بعضه على بعض إلا كفر.(5)

باب (38) النهي عن تفسير القرآن بالرأي

التوحيد - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) - أمالي الصدوق:

ص: 87


1- الکافی: ج 2 ص 633 ح 25
2- معانی الأخبار: ص 190 - ثواب الأعمال: ص 329
3- المحاسن: ج 1 ص 335 ح 683 الطبعة الحدیثة
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 97 ح 71
5- جامع الأخبار: ص 48

حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا أبي، عن الريان بن الصلت، عن علي بن موسی الرضا (عليه السّلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قال الله (عزّوجلّ) :

«ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي، وما عرفني من شبّهني بخَلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني»(1).

تفسير العياشي: عن عمّار بن موسى، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سُئل عن الحكومة؟ قال: من حَكَم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسّر [برأيه] آيةً من كتاب الله فقد كفر(2).

تفسير العياشي: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: من فسّر القرآن برأيه فأصاب لم يُؤجَر، وإن أخطأ كان إثمه عليه(3).

تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجَر، وإن أخطأ فهو أبعد من السَّماء(4).

ص: 88


1- التوحید: ص 68 ح 23 - عیون أخبار الرضا: ج 1 ص 116 ح 4 - أمالی الصدوق: ص 15 ح 3. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 107
2- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 96 ح 69 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 111
3- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 95 ح 65 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 110
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 96 ح 67 الطبعة الحدیثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 110

النهي عن تفسير القرآن بالرأي الخصال: حدّثنا حمزة بن محمد بن أحمد العلوي (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: حدثنا يحيى ابن الحسن بن جعفر قال: حدثنا محمد بن میمون الخزّاز قال: حدثنا عبدالله بن میمون، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ستة لعنهم الله وكلّ نبيّ مجاب: الزائد في كتاب الله، والمُكذّٙب بقدر الله، والتّارك لسنّتي، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والمتسلّط بالجبروت ليذلّ من أعزّه الله ويعزّ من أذّله الله، والمستأثر بفيئ المسلمين المستحلّ له(1).

الخصال: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن أحمد، عن أحمد ابن محمد، عن أبي القاسم الكوفي، عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

إنّي لعنت سبعة لعنهم الله وكلّ نبي مجاب قبلي.

فقيل: ومن هم؟ فقال: الزائد في كتاب الله، والمُكذّٙب بقدر الله، والمخالف لسنّتي، والمستحلّ من عترتي ما حرّم الله، والمتسلّط بالجبريّة ليعزّ من أذلّ الله ويذلّ من أعزّ الله، والمستأثر على المسلمين بفيئهم مستحلاً

ص: 89


1- الخصال: ص 338 ح 41

له، والمحرّم ما أحلّ الله (عزّوجلّ)(1).

المحاسن: البرقي، عن أبي القاسم عبد الرحمن بن حمّاد، عمّن ذكره، عن عبد المؤمن الأنصاري، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .... وذكر نحوه(2)

باب (39) تنوّع آيات القرآن

الكافي: حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمد، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إنّ القرآن زاجر و آمر: يأمر بالجنّة ويزجُر عن النار(3).

تفسير العياشي: عن أبي بصير مثله(4).

الكافي: عدّة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحجّال، عن علي بن عقبة، عن داود بن فرقد، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: إنَّ القرآن نزل أربعة أرباع: رُبع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم، ونبأ ما يكون بعدكم، وفصل ما بينكم(5).

ص: 90


1- الخصال: ص 349 ح 24
2- المحاسن: ج 1 ص 74 ح 33 الطبعة الحدیثة
3- الکافی: ج 2 ص 601 ح 9
4- تفسیر العیاشی: ج 1 ص 85 ح 30 الطبعة الحدیثة
5- الکافی: ج 2 ص 627 ح 3

معنى الحروف المقطَّعة في القرآن

باب (40) معنى الحروف المقطَّعة في القرآن

معاني الأخبار: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إليَّ على يدي علي بن أحمد البغدادي الورّاق قال: حدثنا معاذ بن المثنى العنبري قال: حدثنا عبد الله بن أسماء قال: حدثنا سفيان بن سعيد الثوري قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام): يابن رسول الله ما معنى قول الله (عزّ وجلّ): «الم» و «المص» و «الر» و «کهیعص» و «طه» و «طس» و «طسم» و «یس» و «ص» و «حم» و «حم عسق» و «ق» و «ن» ؟ قال (عليه السّلام): أما «آلم» في أوَّل البقرة فمعناه: أنا الله الملك، وأمَّا «الم» في أوَّل آل عمران فمعناه: أنا الله المجيد، و «المص» فمعناه: أنا الله المقتدر الصَّادق و «الر» فمعناه: أنا الله الرَّؤوف، و «المر» فمعناه: أنا الله المحيي المميت الرّزاق و «کهیعص» فمعناه: أنا الكافي الهادي الوليُّ العالم الصَّادق الوعد، وأمَّا «طه» فاسم من أسماء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ومعناه: يا طالب الحقّ الهادي إليه ما أُنزل عليك القرآن لتشقى بل لتسعد به، وأمَّا «طس» فمعناه: أنا الطالب السَّميع، وأمَّا «طسم» فمعناه: أنا الطالب السَّميع المبدئ المعيد.

وأمَّا «یس» فاسم من أسماء النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ومعناه:

ص: 91

يا أيُّها السَّامع للوحي «وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ٭ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٭ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1).

وَأَمَّا «ص» فعين تنبع من تحت العرش، وهي التي توضّأ منها النبي (صلّى الله عليه وآله) لما عُرج به ، ويدخلها جبرئیل (عليه السّلام) كلَّ يوم دخلة فيغتمس فيها(2) ثمَّ يخرج فينفض أجنحته فليس من قطرة تقطر من أجنحته إلا خلق الله (تبارك وتعالی) منها ملكاً يسبّح الله ويقدّٙسه ويكبّره وبحمّده إلى يوم القيامة.

وأمَّا «حم» فمعناه: الحميد المجيد، وأمَّا «حمعسق» فمعناه:

الحليم المثيب العالم السَّميع القادر القويّ، وأمَّا «ق» فهو الجبل المحيط بالأرض وخضرة السَّماء منه، وبه يمسك الله الأرض أن تميد بأهلها، وأمّا «ن» فهو نهر في الجنَّة قال الله (عزّوجلّ): اجمد! فجمد فصار مداداً ثم قال (عزّوجلّ) للقلم: اکتب، فسطر القلم في اللّوح المحفوظ ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمداد مداد من نور، والقلم قلم من نور، واللّوح لوح من نور.

وقال سفيان: فقلت له: يابن رسول الله بيّن لي أمر اللوح والقلم والمداد فضل بیان، وعلّمني ممّا علّمك الله؟ فقال: یابن سعید لولا أنّك أهل للجواب ما أجبتك، فنون ملك يؤدّٙي إلى القلم وهو ملك، والقلم يؤدّٙي إلى اللّٙوح وهو مَلك، واللوح

ص: 92


1- یس 36: 1 - 4
2- اغتمس فی الماء: غاص فیه (أقرب الموارد)

معنى الحروف المقطَّعة في القرآن يؤدّي إلى إسرافيل، وإسرافيل يؤدّي إلى میکائیل، و میکائیل يؤدّي إلى جبرائیل، وجبرائيل يؤدّٙي إلى الأنبياء والرُّسل (صلوات الله عليهم).

قال: ثمَّ قال لي: قم یا سفیان فلا آمن عليك(1).

تفسير القمي: قال حدثنا جعفر بن أحمد، عن عبيد الله، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: «کهیعص» قال: هذه أسماء الله مقطّعة، وأمَّا قوله:

«کهیعص» قال: الله هو الكافي، الهادي، العالم، الصَّادق، ذي الأيادي العظام، وهو كما وصف نفسه (تبارك و تعالی)(2).

معاني الأخبار: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي قال: أخبرنا محمد بن زکریا قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال:

حضرت عند جعفر بن محمد الباقر (عليه السّلام) فدخل عليه رجل فسأله عن «کهیعص»؟ فقال (عليه السّلام) : «كاف» كاف لشيعتنا «ها» هادٍ لهم «یا» وليٌّ الهم «عين» عالم بأهل طاعتنا «صاد» صادق لهم وعدهم، حتّى يبلغ بهم المنزلة التي وعدها إيّاهم في بطن القرآن(3).

تفسير البرهان : أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي

ص: 93


1- معاني الأخبار: ص 22 ح 1. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 373
2- تفسير القمي: ج 2 ص 48. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 376
3- معاني الأخبار: ص 28 ح 6. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 377

صاحب التفسير في تفسير قوله تعالى: «طه» قال: قال جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) : «طه» طهارة أهل بيت محمد (عليهم السّلام) ثمَّ قرأ «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرّٙجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1) (2).

معاني الأخبار: حدثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي السمرقندي (رضي الله عنه) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العيّاشي، عن أبيه قال: حدثنا أحمد بن أحمد قال: حدثنا سليمان بن الخصيب(3) قال: حدثنا الثقة قال: حدثنا أبو جمعة رحمة بن صدقة قال:

أتى رجل من بني أُمية (لعنهم الله) - وكان زنديقاً - جعفر بن محمد (عليه السّلام) فقال: قول الله (عزّوجلّ) في كتابه «المص» أي شيء أراد بهذا؟ وأي شيء فيه من الحلال والحرام؟ وأي شيء فيه ممّا ينتفع به الناس؟ قال: فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمد (عليه السّلام) فقال:

امسك، ويحك «الألف» واحد، و«اللام» ثلاثون، و «الميم» أربعون، و«الصاد» تسعون ، کم معك؟ فقال الرجل: أحد وثلاثون ومائة(4).

ص: 94


1- الأحزاب 33: 33
2- تفسير البرهان: ج 8 ص 41 ح 41
3- في تفسير البرهان: حدثني علي بن سليمان بن الخصيب
4- في تفسير البرهان والعياشي: مائة وإحدى وستون. وكذا في بقيّة الفقرات. وبويع أبو العبّاس في أوائل سنة 132 ھ بعد ما تزلزلت الحكومة الأمويّة

معنى الحروف المقطَّعة في القرآن فقال له جعفر بن محمد (عليه السّلام): إذا انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة انقضى ملك اصحابك، قال: فنظرنا فلمّا انقضت سنة إحدى وثلاثين ومائة يوم عاشورا دخل المسوّدة الكوفة وذهب ملكهم(1).

تفسير العياشي: عن أبي جمعة رحمة بن صدقة قال: أتى رجل ... وذكر نحوه(2).

بحار الأنوار: أقول: قال السيد في (سعد السعود) : قال أبو عبد الرحمن محمد بن الحسن السلمي في (حقائق التفسير) في قوله تعالی: «الم ٭ ذَلِكَ الْكِتَابُ»(3) :

قال جعفر الصادق (عليه السّلام): «الم» رمز وإشارة بينه وبين حبيبه محمّد (صلّی الله عليه وآله) أراد أن لا يطلع عليه سواهما بحروف بعدت عن درك الإعتبار، وظهر السرُّ بينهما لا غير(4).

معاني الأخبار: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن عمران(5)، عن يونس بن عبد الرحمن، عن سعدان، عن أبي بصير، عن أبي

ص: 95


1- معاني الأخبار: ص 28 ح 5
2- تفسير العياشي: ج 2 ص 135 ح 1544 الطبعة الحديثة. منهما تفسير البرهان: ج 4 ص 94 و 95
3- البقرة 1:2 - 2
4- بحار الأنوار: ج 92 ص 384
5- والصحيح يحيى بن أبي عمران

عبدالله (عليه السّلام) قال: «الم» هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطع في القرآن الذي يؤلّفه النّبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام(1) ، فإذا دعا به أُجيب.

«ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّٙلْمُتَّقِينَ».

قال: بيان لشيعتنا.

«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»(2).

قال: ممّا علّمناهم يبثّون، وممّا علّمناهم من القرآن يتلون(3).

تفسير القمي: قال أبو الحسن علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن سعدان بن مسلم، عن أبي بصیر، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: «الكتاب» علي (عليه السّلام) لا شكّ فيه «هدىً للمتقين» قال: بيان لشيعتنا ... وذكر نحوه(4).

الكافي: محمد بن يحيى، عن عبد الله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن بکیر، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: نزل القرآن بإيَّاك أعني وإسمعي يا جارة(5).

ص: 96


1- في بحار الأنوار: أو الامام
2- البقرة 2: 3
3- معاني الأخبار: ص 23 ح 2. منه بحار الأنوار: ح 92 ص 375
4- تفسير القمي: ج 1 ص 30. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 376
5- كناية عن أن الآيات المخاطبة للنبي (صلّى الله عليه وآله) بشيء من العتاب واللَّوم الذی لا يليق بمقامه الكريم أو لا ينسجم مع العصمة يعني بها غيره (صلّى الله علیه و آله)

الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابَه وفي رواية أخرى: عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: معناه: ما عاتب الله (عزّ وجلّ) به على نبيّه (صلّى الله عليه وآله) فهو يعني به ما قد مضى في القرآن مثل قوله: «وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا»(1) عنى بذلك غيره(2).

تفسير العياشي :عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) مثله(3).

تفسير العياشي: عن ابن أبي عمير، عمّن حدّثه، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: ما عاتب الله نبيّه فهو يعني به من قد مضى في القرآن ... وذكر مثله(4).

تفسير القمي: قال الصادق (عليه السّلام): إنَّ الله بعث نبیّه ب-- :

إيّاك أعني وإسمعي يا جارة(5).

باب (41) الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابَه

تفسير العياشي: عن مسعدة بن صدقة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه؟ قال: الناسخ: الثابت المعمول به، والمنسوخ: ما قد كان يعمل به

ص: 97


1- الاسراء 17: 74
2- الكافي: ج 2 ص 630 ح 14
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 84 ح 28. الطبعة الحديثة
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 84 ح 29. الطبعة الحديثة
5- تفسير القمي: ج 2 ص 18. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 381

ثمَّ جاء ما نَسَخَه، والمتشابه: ما اشتبه على جاهله(1).

تفسير العياشي: سُئل أبو عبدالله (عليه السّلام) عن المحكم والمتشابه؟ قال: المحكم ما يُعمَل به، والمتشابه ما اشتَبه على جاهله(2).

کتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي: عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي قال: سمعت جعفر بن محمد (عليه السّلام) يقول: إنَّ القرآن فيه محکم و متشابه، فأمَّا المحکم فنؤمن به ونعمل به وندین به، وأمَّا المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به، وهو قول الله في كتابه:

«فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(3).

تفسير العياشي: عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: إنَّ القرآن فيه محکم و متشابه، فأمَّا المحكم: فنؤمن به ونعمل به وندین به، وأمَّا المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به(4).

تفسير العياشي: عن أبي محمد الهمداني، عن رجل، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: سألته عن الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه؟ قال: الناسخ: الثابت، والمنسوخ: ما مضى، والمحكم : ما يُعمل به،

ص: 98


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 87 ح 38 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 383
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 292 ح 643 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 382
3- الاصول الستة عشر: ص 225 ح 240 الطبعة الحديثة. والآية في سورة آل عمران 3: 7. منه بحار الأنوار : ج 2 ص 237
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 87 ح 37 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 383

مَن هم الراسخون في العِلم؟ والمتشابه: الذي يشبه بعضه بعضاً(1).

باب (42) مَن هم الراسخون في العِلم؟

الكافي: علي بن محمد، عن عبد الله بن علي، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حمّاد، عن برید بن معاوية، عن أحدهما (عليهما السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» فرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أفضل الرَّاسخين في العلم، قد علَّمه الله (عزّوجلّ) جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يُعلّمه تأويله.

وأوصياؤه من بعده يعلمونه كُلّه.

والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم(2) بعلم، فأجابهم الله بقوله: «يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»(3).

والقرآن خاصٌّ وعامٌّ، ومحکمٌ و متشابهٌ، وناسخٌ ومنسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه(4).

بصائر الدرجات : حدثنا إبراهيم بن إسحاق، عن عبدالله بن حمّاد مثله(5).

ص: 99


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 85 ح 32 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 383
2- في بصائر الدرجات: إذا قال العالم فيه
3- آل عمران 3: 7
4- الكافي: ج 1 ص 213 ح 2
5- بصائر الدرجات: ص 224 ح 8

الكافي: الحسين بن محمد، عن معلّی بن محمد، عن محمد بن أورمة، عن علي بن حسّان، عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: الراسخون في العلم أمير المؤمنين والائمة من بعده (عليهم السلام)(1).

الكافي: عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن أيوب بن الحرّ وعمران بن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله(2).

باب (43) الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن

بحار الانوار: قال أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (رضي الله عنه) في كتابه في (تفسير القرآن): حدثنا أحمد بن محمد بن سعید بن عقدة قال: حدثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصَّادق (عليه السلام) يقول: إنَّ الله (تبارك وتعالى) بعث محمداً فختم به الأنبياء، فلا نبيَّ بعده، وأنزل عليه كتاباً فختم به الكتب فلا كتاب بعده،

ص: 100


1- الكافي: ج 1 ص 213 ح 3
2- الكافي: ج 1 ص 213 ح 1

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن أحلَّ فيه حلالاً وحرَّم حراماً، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فيه شرعكم وخبر من قبلكم وبعد كم.

وجعله النبي (صلّى الله عليه وآله) علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم الناس - وهم الشُّهداء على أهل كلّٙ زمان - وعدلوا عنهم، ثمَّ قتلوهم واتّبعوا غيرهم، وأخلصوا لهم الطَّاعة، حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر، وطلب علومهم، قال الله سبحانه: «وَنَسُوا حَظًّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ»(1) وذلك أنَّهم ضربوا بعض القرآن ببعض، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنون أنّه النَّاسخ، واحتجّوا بالمتشابه وهم يرون أنّه المحكم، واحتجّوا بالخاصّ وهم يقدّٙرون أنّه العامُّ، واحتجّوا بأوّل الآية، وتركوا السبب في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلّوا وأضلّوا.

واعلموا رحمكم الله أنّه من لم يعرف من كتاب الله (عزّوجلّ) الناسخ من المنسوخ، والخاصّ من العامّٙ، والمحكم من المتشابه، والرُّخص من العزائم والمكي والمدني، وأسباب التنزيل، والمبهم من القرآن في ألفاظه المنقطعة والمؤلّفة، وما فيه من علم القضاء والقدر، والتّقديم والتّأخير، والمبين والعميق، والظَّاهر والباطن ، والإبتداء والإنتهاء، والسّؤال والجواب، والقطع والوصل، والمستثنى منه والجاري فيه، والصفة لما قبل ممّا يدلُّ على ما بعد، والمؤكّد منه، والمفصّل، وعزائمه ورخصه، ومواضع فرائضه وأحكامه، ومعنی حلاله

ص: 101


1- المائدة 5: 13

و حرامه الذي هلك فيه الملحدون، والموصول من الألفاظ والمحمول على ما قبله، وعلى ما بعده، فليس بعالم بالقرآن، ولا هو من أهله، ومتى ما ادَّعي معرفة هذه الأقسام مدَّع بغیر دلیل، فهو كاذب مرتاب، مفترٍ على الله ورسوله، ومأواه جهنّم وبئس المصير.

ولقد سأل أمير المؤمنین (صلوات الله عليه) شیعته عن مثل هذا، فقال: إنَّ الله (تبارك وتعالی) أنزل القرآن على سبعة أقسام كلٌّ منها شاف كاف، وهي أمر وزجر، وترغيب وترهيب، وجدل، ومثل، وقصص، وفي القرآن ناسخ و منسوخ، ومحکم و متشابه، وخاصٌّ وعامٌّ، ومقدَّم ومؤخّر، وعزائم ورخص، وحلال و حرام، وفرائض وأحكام، ومنقطع ومعطوف ومنقطع غير معطوف، وحرف مکان حرف.

ومنه مالفظه خاصٌّ، ومنه مالفظه عامٌّ محتمل العموم، ومنه ما لفظه واحد ومعناه جمع، ومنه ما لفظه جمع ومعناه واحد، ومنه ما لفظه ماض ومعناه مستقبل ، ومنه ما لفظه على الخبر ومعناه حكاية عن قوم آخر، ومنه ما هو باق محرَّف عن جهته، ومنه ما هو على خلاف تنزيله، ومنه ما تأويله في تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه ما تأويله بعد تنزيله.

ومنه آیات بعضها في سورة وتمامها في سورة أُخرى، ومنها آیات نصفها منسوخ ونصفها متروك على حاله، ومنه آیات مختلفة اللّفظ متفقة المعنى، ومنه آیات متفقة اللفظ مختلفة المعنى، ومنه آیات فيها رخصة وإطلاق بعد العزيمة - لأنَّ الله (عزّ وجلّ) يحبُّ أن يُؤخذ برخصه كما يُؤخذ بعزائمه . ومنه رخصة صاحبها فيها بالخيار، إن شاء أخذ وإن شاء تركها، ومنه رخصة ظاهرها خلاف باطنها، يعمل

ص: 102

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن بظاهرها عند التقيّة، ولا يعمل بباطنها مع التقية، ومنه مخاطبة لقوم والمعنى الآخرين، ومنه مخاطبة للنبي (صلّى الله عليه وآله) ومعناه واقع على أُمّته، ومنه لا يعرف تحريمه إلا بتحليله، ومنه ما تأليفه وتنزيله على غير معنى ما أُنزل فيه.

ومنه ردٌّ من الله تعالى وإحتجاج على جميع الملحدين والزّنادقة الدّهرية والثنويّة والقدریّة والمجبّرة وعبدة الأوثان وعبدة النيران، ومنه إحتجاج على النّصارى في المسيح (عليه السلام) ومنه الردُّ على اليهود، ومنه الردُّ على من زعم أنَّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص وأنّ الكفر كذلك، ومنه ردُّ على من زعم أن ليس بعد الموت وقبل القيامة ثواب وعقاب.

ومنه ردٌّ على من أنكر فضل النبي (صلّى الله عليه وآله) على جميع الخلق، ومنه ردٌّ على من أنكر الإسراء به ليلة المعراج، ومنه ردٌّ على من أثبت الرّؤية، ومنه صفات الحقّ وأبواب معاني الإيمان ووجوبه ووجوهه، ومنه ردٌّ على من أنكر الإيمان والكفر والشّرك والظّلم والضلال، ومنه ردٌّ على من وصف الله تعالى وحدَّه، ومنه ردٌّ على من أنكر الرَّجعة ولم يعرف تأويلها، ومنه ردٌّ على من زعم أنَّ الله (عزّوجلّ) لايعلم الشيء حتى يكون، ومنه ردٌّ على من لم يعلم الفرق بين المشيّة والإرادة والقدرة في مواضع، ومنه معرفة ما خاطب الله (عزَّوجلَّ) به الأئمَّة والمؤمنين.

ومنه أخبار خروج القائم منّا (عجّل الله فرجه) ومنه ما بيّن الله تعالى فيه شرائع الإسلام، و فرائض الأحكام، والسّبب في معنی بقاء الخلق ومعايشهم ووجوه ذلك، ومنه أخبار الأنبياء وشرائعهم وهلاك

ص: 103

أُممهم، ومنه ما بيَّن الله تعالى في مغازي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وحروبه، وفضائل أوصيائي(1)، وما يتعلّق بذلك ويتّصل به.

فكانت الشيعة إذا تفرَّغت من تكاليفها تسأله عن قسمٍ قسمٍ فيخبرها، فممّا سألوه عن النّاسخ والمنسوخ، فقال (صلوات الله عليه) :

إنَّ الله (تبارك وتعالی) بعث رسوله (صلّى الله عليه وآله) بالرأفة والرَّحمة، فكان من رأفته ورحمته أنَّه لم ينقل قومه في أوَّل نبوَّته عن عادتهم، حتّى استحكم الإسلام في قلوبهم، وحلّت الشريعة في صدورهم، فكانت من شريعتهم في الجاهليّة أنَّ المرأة إذا زنت حُبست في بيت وأُقيم بأودها(2) حتّى يأتي الموت، وإذا زنى الرّجل نفوه عن مجالسهم وشتموه و آذوه وعیّروه، ولم يكونوا يعرفون غير هذا.

قال الله تعالى في أوَّل الإسلام: «وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ٭ وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا»(3).

فلمّا كثر المسلمون وقوي الإسلام واستوحشوا أُمور الجاهليّة،

ص: 104


1- هكذا في الحديث والظاهر أنّ الصحيح: وفضائل أوصيائه
2- الأود: الكدُّ والتَعَب، وآده الأمر أوداً: بلغ منه المجهود (أقرب الموارد)
3- النساء 4: 15 و 16

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن أنزل الله تعالى «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ»(1) إلى آخر الآية فنَسخت هذه الآية آية الحبس والأذى.

ومن ذلك: أنَّ العدَّة كانت في الجاهليّة على المرأة سنة كاملة، وكان إذا مات الرَّجل ألقت المرأة خلف ظهرها شيئاً - بعرة وما جرى مجراها - ثمَّ قالت: البعل أهون عليَّ من هذه، فلا أكتحل ولا أمتشط ولا أتطيّب ولا أتزوَّج سنة، فكانوا لا يُخرجونها من بيتها بل يُجرون عليها من تركة زوجها سنة، فأنزل الله تعالى في أوَّل الإسلام «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ»(2) فلمّا قوي الإسلام أنزل الله تعالى «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ»(3) إلى آخر الآية.

قال (عليه السلام): ومن ذلك أنَّ الله (تبارك وتعالی) لمّا بعث محمداً (صلّی الله عليه وآله) أمره في بدو أمره أن يدعو بالدعوة فقط، وأنزل عليه: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيراً ٭ وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ٭ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا ٭ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى

ص: 105


1- النور 24: 2
2- البقرة 2: 240
3- البقرة 2: 234

بِاللهِ وَكِيلاً»(1) فبعثه الله تعالى بالدّعوة فقط، وأمره أن لا يؤذيهم.

فلمّا أرادوه بما همّوا به من تبيیته أمره الله تعالى بالهجرة وفرض عليه القتال فقال سبحانه: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(2) فلمّا أُمر الناس بالحرب، جزعوا وخافوا فأنزل الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ» إلى قوله سبحانه: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»(3) فنَسخت آية القتال آية الكف.

فلمّا كان يوم بدر وعرف الله تعالی حرج المسلمين أنزل على نبيّه: «وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ»(4) فلمّا قوي الإسلام، وكثر المسلمون أنزل الله تعالى: «فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»(5) فنسخت هذه الآية التي أذن لهم فيها ان يجنحوا، ثمَّ أنزل سبحانه ... :

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ»(6)

ص: 106


1- الاحزاب 33: 45 - 48
2- الحج 22: 39
3- النساء 4: 77 و 78
4- الانفال 8: 61
5- محمد (صلی الله علیه و آیه) 47: 35
6- التوبة 9: 5

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن إلى آخر الآية.

ومن ذلك: أنَّ الله تعالی فرض القتال على الأُمّة فجعل على الرجل الواحد أن يقاتل عشرة من المشركين، فقال: «إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ»(1) إلى آخر الآية، ثمَّ نسخها سبحانه فقال: «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ»(2) إلى آخر الآية فنسخ بهذه الآية ماقبلها، فصار مَن فرَّ من المؤمنين في الحرب إن كانت عدَّة المشركين أكثر من رجلين لرجل لم يكن فاراً من الزَّحف، وإن كان العدَّة رجلين لرجل فارّاً من الزَّحف.

وقال (عليه السلام): ومن ذلك نوع آخر، وهو أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا هاجر إلى المدينة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار وجعل المواريث على الأُخوَّة في الدّين لا في میراث الأرحام، وذلك قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا»(3) فأخرج الأقارب من الميراث، وأثبته لأهلِ الهجرة وأهل الدّين خاصّة، ثمَّ عطف بالقول فقال تعالى: «وَالَّذِينَ

ص: 107


1- الانفال 8: 65
2- الانفال 8: 66
3- الانفال 8: 72

«كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ»(1) فكان من مات من المسلمين يصير ميراثه وتركته لأخيه في الدين، دون القرابة والرّحم والوشيجة(2)، فلمّا قوي الإسلام أنزل الله «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا»(3) فهذا المعنی نسخ آية الميراث.

ومنه وجه آخر وهو أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا بُعث كانت الصَّلاة إلى قبلة بيت المقدس سنّة بني إسرائيل، وقد أخبرنا الله بما قصّه في ذكر مُوسى (عليه السلام) أن يجعل بيته قبلة، وهو قوله:

«وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً»(4) وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في أوَّل مبعثه يصلّي إلى بيت المقدس جميع أيام مقامه بمكّة، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر، فعيّرته اليهود وقالوا: أنت تابع لقبلتنا، فأحزن رسولَ الله (صلّى الله عليه وآله) ذلك منهم فأنزل الله تعالى عليه وهو يقلّٙب وجهه في السَّماء وينتظر الأمر: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ

ص: 108


1- الأنفال 8: 73
2- رحم وشیجة: مشتبكة متصلة (أقرب الموارد)
3- الاحزاب 33: 6
4- یونس 10: 87

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ »(1) ، «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ»(2) يعني اليهود في هذا الموضع.

ثمَّ أخبرنا الله (عزّوجلّ) ما العلّة التي من أجلها لم يحوّٙل قبلته من أوّل مبعثه، فقال (تبارك و تعالی) : «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ»(3) فسمّى سبحانه الصَّلاة هاهنا إيماناً، وهذا دليل واضح على أنَّ كلام الباري سبحانه لا يشبه کلام الخلق كما لا يشبه أفعالُه أفعالهم، ولهذه العلّة وأشباهها لا يبلغ أحدٌ كنه معنی حقیقة تفسیر کتاب الله تعالى وتأويله إلا نبيّه (صلّى الله عليه وآله) وأوصياؤه.

ومن ذلك ما كان مثبتاً في التوراة من الفرائض في القصاص، وهو قوله: «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ»(4) إلى آخر الآية، فكان الذَّكر والأُنثى والحرُّ والعبد شرعاً سواء، فنسخ الله تعالى ما في التوراة بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى»(5) فنسخت هذه

ص: 109


1- البقرة 2: 144
2- البقرة 2: 150
3- البقرة 2: 143
4- المائدة 5: 45
5- البقرة 2: 178

الآية «وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ».

ومن ذلك أيضاً: آصار(1) غليظة كانت على بني إسرائيل في الفرائض، فوضع الله تعالى تلك الآصار عنهم وعن هذه الأمّة فقال سبحانه: «وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»(2).

ومنه أنّه تعالى لمّا فرض الصّٙيام فرض أن لا ينكح الرجل أهله في شهر رمضان بالليل ولا بالنّهار على معنی صوم بني إسرائيل في التَّوراة، فكان ذلك محرَّماً على هذه الأُمَّة، وكان الرَّجل إذا نام في أوّل الليل قبل أن يفطر فقد حرم عليه الأكل بعد النوم، أفطر أو لم يفطر.

وكان رجل من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يُعرف بمطعم بن جبیر شیخاً، فكان في الوقت الذي حضر فيه الخندق حفر في جملة المسلمين، وكان ذلك في شهر رمضان، فلمّا فرغ من الحفر وراح إلى أهله، صلّى المغرب وأبطأت عليه زوجته بالطّعام، فغلب عليه النَّوم فلمّا أحضرت إليه الطعام أنبهته فقال لها: استعمليه أنت فإنّي قد نمت وحرم عليَّ، وطوى إليه(3) وأصبح صائماً، فغدا إلى الخندق وجعل يحفر مع النَّاس فغشي عليه فسأله رسول الله (صلّى الله

ص: 110


1- الاصر: الثقل، والعهد، والذنب (أقرب الموارد)
2- الأعراف 7: 157
3- أقول: طوى الرجل: تعمَّد الجوع وقصده. وطوى نهاره صائماً: أي اقام فيه - كما في أقرب الموارد - وقوله (عليه السّلام): «و طوى إليه» الظاهر انّه تصحيف والصحيح «وطوى ليله» أي بات جائعاً

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن عليه وآله) عن حاله فأخبره.

وكان من المسلمين شبّان ينكحون نساءهم بالليل سرّاً لقلّة صبرهم، فسأل النّبي الله سبحانه في ذلك فأنزل الله عليه «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ»(1) فنسخت هذه الآية ماتقدمها.

ونسخ قوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(2) قوله (عزّوجلّ): «وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ٭ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ»(3) أي للرّحمة خلقهم.

ونَسخ قوله تعالى: «وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا»(4) قوله سبحانه :

«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»(5) إلى آخر الآية.

ونسخ قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا

ص: 111


1- البقرة 2: 187
2- الذاريات 51: 56
3- هود 11: 118
4- النساء 4: 8
5- النساء 4: 11

تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(1) نسخها قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ»(2).

ونسخ قوله تعالى: «وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا»(3) آية التحريم وهو قوله (جلَّ ثناؤه) : «قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ»(4) ونسخ قوله تعالى: «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا»(5) قوله: «إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ»(6).

ونُسخ قوله سبحانه : «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا»(7) يعني اليهود حين هادنهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلمّا رجع من غزاة تبوك أنزل الله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى

ص: 112


1- آل عمران 3: 102
2- التغابن 64: 16
3- النحل 16: 67
4- الاعراف 7: 33
5- مریم 19: 71
6- الانبياء 21: 101 - 103
7- البقرة 2: 83

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(1) فنسخت هذه الآية تلك الهدنة.

وسُئل(2) (صلوات الله عليه) عن أوَّل ما أنزل الله (عزَّ وجلَّ) من القرآن؟ فقال (عليه السلام): أوّل ما أنزل الله (عزّ وجلّ) من القرآن بمكّة سورة «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»(3) وأوَّل ما أنزل بالمدينة سُورة البقرة.

ثمَّ سألوه (صلوات الله عليه) عن تفسير المحكم من كتاب الله (عزّوجلّ)؟ فقال: أمّا المحكم الَّذي لم ينسخه شيء من القرآن فهو قول الله (عزّوجلّ): «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ»(4) وإنّما هلك الناس في المتشابه لأنّهم لم يقفوا على معناه، ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء ونبذوا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وراء ظهورهم، والمحكم ممّا ذكرته في الأقسام ممّا تأويله في تنزيله من تحليل ما أحلَّ الله سبحانه في كتابه، و تحریم ما حرَّم الله من المآكل والمشارب والمناكح.

ومنه ما فرض الله (عزّوجلّ) من الصَّلاة والزّكاة والصّٙيام والحجّ

ص: 113


1- التوبة 9: 29
2- أمير المؤمنين علي (عليه السلام)
3- العلق 96: 1
4- آل عمران 3: 7

والجهاد وممّا دلّهم به ممّا لا غنى بهم عنه في جميع تصرُّفاتهم، مثل قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»(1) الآية، وهذا من المحكم الَّذي تأويله في تنزيله لا يحتاج في تأويله إلى أكثر من التّنزيل.

ومنه قوله (عزّوجلّ) : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ»(2) فتأويله في تنزيله.

ومنه قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ»(3) إلى آخر الآية فهذا كلّه مُحكم لم ينسخه شيء، قد استغني بتنزيله من تأويله، وكلُّ ما يجري هذا المجری.

ثمَّ سألوه (عليه السّلام) عن المتشابه من القرآن؟ فقال: وأمّا المتشابه من القرآن فهو الّذي انحرف منه متّفق اللّفظ مختلف المعنی، مثل قوله (عزّوجلّ) : «فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»(4) فنسب الضّلالة إلى نفسه في هذا الموضع، وهذا ضلالهم عن طريق الجنّة بفعلهم، ونَسبَه إلى الكفّار في موضع آخر ونَسبَه إلى الأصنام في آية اُخرى.

ص: 114


1- المائدة 5: 6
2- المائدة 5: 3
3- النساء 4: 23
4- المدثر 74: 31

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فمعنى الضّلالة على وجوه فمنه ما هو محمود، ومنه ما هو مذموم، ومنه ما ليس بمحمود ولا مذموم، ومنه ضلال النسيان، فالضّلال المحمود هو المنسوب إلى الله تعالى وقد بيّناه، والمذمُوم هو قوله تعالى: «وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ»(1) وقوله: «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى»(2) ومثل ذلك في القرآن كثير، وأمّا الضّلال المنسوب إلى الأصنام فقوله تعالى في قصّة إبراهيم (عليه السّلام): «وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ ٭ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ»(3) و الآية: والأصنام لم تضلّنَّ أحداً على الحقيقة وإنّما ضلَّ النّاس بها وكفروا حين عبدوها من دون الله (عزّوجلّ).

وأمّا الضّلال الّذي هُو النسيان، فهو قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى»(4).

وقد ذكر الله تعالى الضّلال في مواضع من كتابه فمنه ما نسبه إلى نبيّه على ظاهر اللّفظ كقوله سبحانه: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى»(5) معناه: وجدناك في قوم لا يعرفون نبوَّتك فهديناهم بك.

ص: 115


1- طه 20: 85
2- طه 20: 79
3- ابراهیم 14: 35 و 36
4- البقرة 2: 282
5- الضحى 93: 7

وأمّا الضّلال المنسوب إلى الله تعالى الَّذي هو ضدّ الهدی، والهدي هو البيان، وهو معنى قوله سبحانه: «أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ»(1) معناه أي ألم اُبيّن لهم؟ ، مثل قوله سبحانه: «فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى»(2) أي بيّنّا لهم.

وجه آخر وهو قوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ»(3) وأمّا معنى الهدى فقوله (عزّوجلّ):

«إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(4) و معنی الهادي هاهنا: المبيّن لما جاء به المنذر من عند الله، وقد احتجَّ قوم من المنافقين على الله تعالى أنَّ الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها؟ وذلك أنَّ الله تعالى لمّا أنزل على نبيّه (صلّى الله عليه وآله): «وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فقال طائفةٌ من المنافقين: ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضلُّ به كثيراً؟ فأجابهم الله تعالى بقوله: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ» إلى قوله: «أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(5).

ص: 116


1- السجدة 32: 26
2- فصلت 41: 17
3- التوبة 9: 115
4- الرعد 13: 7
5- البقرة 2: 26 و 27

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فهذا معنى الضلال المنسوب إليه تعالى، لأنّه أقام لهم الامام الهادي لما جاء به المنذر، فخالفوه وصرفوا عنه، بعد أن أقرُّوا بفرض طاعته، ولمّا بيّن لهم ما يأخذون و ما یذرون، فخالفوه، ضلّوا.

هذا مع علمهم بما قاله النبيٌّ (صلّى الله عليه وآله) وهو قوله: لا تصلّوا عليَّ صلاة مبتورة إذا صلّيتم عليّ ، بل صلّوا على أهل بيتي ولا تقطعوهم منّي، فانَّ كلَّ سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، ولمّا خالفوا الله تعالی ضلّوا وأضلّوا ، فحذَّر الله تعالى الاُمّة من اتّباعهم.

وقال سبحانه: «وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ»(1) والسّبيل هاهنا: الوصيُّ.

وقال سبحانه: «وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ»(2) الآية، فخالفوا ما وصّاهم به الله تعالى واتّبعوا أهواءهم، فحرَّفوا دين الله (جلّت عظمته) وشرايعه، وبدَّلوا فرائضه وأحكامه وجميع ما أُمروا به، كما عدلوا عمّن اُمروا بطاعته، واُخذ عليهم العهد بموالاتهم واضطرَّهم ذلك إلى استعمال الراي والقياس فزادهم ذلك حيرة والتباساً.

وأمّا قوله سبحانه: «وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ

ص: 117


1- المائدة 5: 77
2- الأنعام 6: 153

مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ»(1) فكان تركهم اتَّباع الدَّليل الَّذي أقام الله لهم ضلالة لهم، فصار ذلك كأنّه منسوب إليه تعالی، لمّا خالفوا أمره في اتّباع الامام، ثمَّ افترقوا واختلفوا، ولعن بعضهم بعضاً، واستحلَّ بعضهم دماء بعض، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضّلال، فأنّى يؤفكون.

ولمّا أردتُ قتل الخوارج - بعد أن أرسلت إليهم ابن عباس لإقامة الحجّة عليهم . قلت: يا معشر الخوارج أنشدكم الله ألستم تعلمون أنَّ في القرآن ناسخاً و منسوخاً ومحکماً و متشابهاً، وخاصاً وعاماً؟ قالوا: اللهم نعم.

فقلت: اللهم أشهد عليهم.

ثمَّ قلت: أنشدكم الله هل تعلمون ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه و خاصّه وعامّه؟ قالوا: اللهم لا.

قلت: أنشدكم الله هل تعلمون أنّي أعلم ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه؟ قالوا: اللهم نعم.

فقلت: من أضلُّ منكم إذ قد أقررتم بذلك؟!! ثمَّ قلت: اللهم إنّك تعلم أنّي حكمتُ فيهم بما أعلمه.

ص: 118


1- المدثر 74: 31

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ثمَّ قال (صلوات الله علیه): وأوصاني رسول الله (صلّى الله عليه و آله) فقال: یا على إن وجدت فئة تقاتل بهم فاطلب حقّك ، وإلاّ فالزم بيتك، فإنّي قد أخذت لك العهد يوم غدیر خم بأنّك خليفتي ووصيّي، وأولى النَّاس بالناس من بعدي، فمثلك كَمثَل بيت الله الحرام، يأتونك النَّاس ولا تأتيهم.

يا أبا الحسن: حقيق على الله أن يُدخل أهل الضّلال(1) الجنّة، وإنّما أعني بهذا المؤمنين الذين قاموا في زمن الفتنة على الايتمام بالإمام الخفيّ المكان، المستور عن الأعيان، فهم بإمامته مقرُّون، وبعروته مستمسكون، ولخروجه منتظرون، موقنون غير شاکّین، صابرون مسلمون، وإنّما ضلّوا عن مكان إمامهم وعن معرفة شخصه.

يدلُّ على ذلك أنَّ الله تعالى إذا حجب عن عباده عين الشّمس - التي جعلها دليلاً على أوقات الصّلاة - فموسّع عليهم تأخير الوقت، ليتبيّن لهم الوقت بظهورها ويستيقنوا أنّه قد زالت، فكذلك المنتظر الخروج الإمام (عليه السلام) المتمسّٙك بإمامته موسَّع عليه جميع فرائض الله الواجبة عليه مقبولة منه بحدودها غير خارج عن معنى ما فرض عليه، فهو صابر محتسب لا تضرُّه غيبة إمامه.

ثمَّ سألوه (صلوات الله عليه) عن لفظ الوحي في كتاب الله تعالی ؟

ص: 119


1- الضياع، يقال ضللتُ الشيء: اذا جعلته في مكان ولم تدر أين هو. وضللت المسجد والدار: اذا لم تعرف موضعهما (مجمع البحرین)

فقال: منه وحي النبوَّة، ومنه وحي الإلهام، ومنه وحي الإشارة، ومنه وحي أمر، ومنه وحي كذب، ومنه وحي تقدير، [ومنه وحي خبر] ومنه وحی الرّسالة.

فأمّا تفسير وحي النبوَّة والرّسالة فهو قوله تعالى: «إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيّٙينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ»(1) إلى آخر الآية.

وأمّا وحي الإلهام فقوله (عزّوجلّ): «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ»(2) ومثله «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمّٙ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمّٙ»(3).

وأمّا وحي الاشارة فقوله (عزّ وجلّ): «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبّٙحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا»(4) أي أشار إليهم لقوله تعالى: «أَلَّا تُكَلّٙمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا»(5).

وأمّا وحي التقدير فقوله تعالى: «وَأَوْحَى فِي كُلّٙ سَمَاءٍ أَمْرَهَا»(6)«وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا»(7)

ص: 120


1- النساء 4: 163
2- النحل 16: 68
3- القصص 28: 7
4- مریم 19: 11
5- آل عمران 3: 41
6- فصّلت 41: 12
7- فصّلت 41: 10

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وأمّا وحي الأمر فقوله سبحانه: «وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيّٙينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي»(1) وأمّا وحي الكذب فقوله (عزّوجلّ): «شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنّٙ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ»(2) إلى آخر الآية.

وأمّا وحي الخبر فقوله سبحانه «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ»(3).

وسألوه (صلوات الله عليه) عن متشابه الخلق؟ فقال: هو على ثلاثة أوجه ورابع، فمنه خلق الاختراع فقوله سبحانه: «خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ»(4).

وأمَّا خلق الاستحالة فقوله تعالى: «يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ»(5) وقوله تعالى : «فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيّٙنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ»(6) وأمّا خلق التقدير فقوله لعيسى (عليه السلام): «وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ

ص: 121


1- المائدة 5: 111
2- الأنعام 6: 112
3- الانبياء 21: 73
4- الاعراف 7: 54
5- الزمر 39: 6
6- الحج 22: 5

الطّٙينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ»(1) إلى آخر الآية.

وأمّا خلق التغيير فقوله تعالى: «وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّٙرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ»(2).

وسألوه (عليه السّلام) عن المتشابه في تفسير الفتنة؟ فقال: «الم ٭ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(3) وقوله لموسى (عليه السلام): «وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا»(4) ومنه فتنة الكفر وهو قوله تعالى: «لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ»(5).

[وقوله تعالى: «وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ»(6) يعني هاهنا الكفر] وقوله سبحانه في الّذين استأذنوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة تبوك أن يتخلّفوا عنه من المنافقين فقال الله تعالى فيهم: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّٙي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا»(7) يعني ائذن لي ولا تكفّرني، فقال (عزَّ وجلَّ): «أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ»

ص: 122


1- المائدة 5: 110
2- النساء 4: 119
3- العنكبوت 29 : 1 و 2
4- طه 20: 40
5- التوبة 9: 48
6- البقرة 2: 217 ،وما بين المعقوفتين لا يوجد في الأصل
7- التوبة 9: 49

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ومنه فتنة العذاب وهو قوله تعالى : «يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ»(1) أي يعذَبون «ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ»(2) أي ذوقوا عذابكم، ومنه قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا»(3) أي عذَّبوا المؤمنين، ومنه فتنة المحبّة للمال والولد كقوله تعالى : «إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ»(4) أي إنّما حبّكم لها فتنة لكم.

ومنه فتنة المرض وهو قوله سبحانه: «أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ»(5) اي يمرضون ويعتلّون.

وسألوه (صلوات الله عليه) عن المتشابه في القضاء؟ فقال: هو عشرة أوجه مختلفة المعنى فمنه قضاء فراغ، وقضاء عهد، ومنه قضاء إعلام، ومنه قضاء فعل، ومنه قضاء إيجاب، ومنه قضاء كتاب، ومنه قضاء إتمام، ومنه قضاء حكم وفصل، ومنه قضاء خلق، ومنه قضاء نزول الموت.

أمَّا تفسير قضاء الفراغ من الشَّيء فهو قوله تعالى : «وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا

ص: 123


1- الذاريات 51: 31
2- الذاريات 51: 14
3- البروج 85: 10
4- التغابن 64: 15، الانفال 8: 28
5- التوبة 9: 126

قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ»(1) معنى «فَلَمَّا قُضِيَ» أي فلمّا فرغ، وكقوله: «فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ»(2).

أما قضاء العهد فقوله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ»(3) أي عهد، ومثله سورة القصص«وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ»(4) أي عهدنا إليه.

أمَّا قضاء الإعلام فهو قوله تعالى : «وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ»(5) وقوله سبحانه: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ»(6) أي أعلمناهم في التوراة ما هم عاملون.

أمّا قضاء الفعل فقوله تعالى في سورة طه: «فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ»(7) أي افعل ما أنت فاعل، ومنه في سورة الأنفال: «لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا»(8) اي يفعل ما كان في علمه السَّابق، ومثل هذا في القرآن كثير .

ص: 124


1- الاحقاف 46: 29
2- البقرة 2: 200
3- الاسراء 17: 23
4- القصص 28: 44
5- الحجر 15: 66
6- الاسراء 17: 4
7- طه 20: 77
8- الانفال 8: 42

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن أمّا قضاء الايجاب للعذاب كقوله تعالى في سورة إبراهيم (عليه السّلام): «وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ»(1) أي لمّا وجب العذاب، ومثله في سورة يوسف (عليه السلام) «قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ»(2) معناه أي وجب الأمر الّذي عنه تساءَلان.

أمّا قضاء الكتاب والحتم فقوله تعالى في قصّة مريم: «وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا»(3) اي معلوماً.

وأمّا قضاء الاتمام فقوله تعالى في سورة القصص: «فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ»(4) أي فلمّا أتمَّ شرطه الَّذي شارطه عليه، وكقول موسی (عليه السلام): «أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ»(5) معناه إذا اتممت.

وأمّا قضاء الحكم فقوله تعالى: «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(6) أي حكم بينهم، وقوله تعالى : «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(7)

ص: 125


1- ابراهیم 14: 22
2- يوسف 12: 41
3- مریم 19: 21
4- القصص 28: 29
5- القصص 28: 28
6- الزمر 39: 75
7- غافر 40: 20

وقوله سبحانه: والله يقضي بالحقّٙ وهو خير الفاصلين(1) ، وقوله تعالی في سورة يونس: «وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ»(2).

وأمّا قضاء الخلق فقوله سبحانه: «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ»(3) أي خلقهنَّ.

وأمّا قضاء إنزال الموت فكقول أهل النّار في سورة الزخرف:

«وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ»(4) أي لينزل علينا الموت، ومثله «لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا»(5) أي لا ينزل عليهم الموت فيستريحوا، ومثله في قصّة سلیمان بن داود «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ»(6) يعني تعالى لمّا أنزلنا عليه الموت.

وسألوه (صلوات الله عليه) عن أقسام النّور في القرآن؟ قال: النُّور القرآن، والنور اسم من أسماء الله تعالى، والنور النوريَّة، والنُّور القمر، والنُّور ضوء المؤمن وهو الموالاة الّتي يلبس بها نوراً يوم القيامة، والنور في مواضع من التوراة والانجيل والقرآن حجّة

ص: 126


1- الانعام 6: 57، والآية في المصحف الكريم هكذا: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ» والظاهر أن الامام نَقلها بالمعنى
2- یونس 10: 54
3- فصلت 41: 12
4- الزخرف 43: 77
5- فاطر 35: 36
6- سبأ 34: 14

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن الله (عزّوجلّ) على عباده، وهو المعصوم، ولمّا كلّم الله تعالی ابن عمران (عليه السّلام) أخبر بني إسرائيل فلم يصدّٙقوه، فقال لهم: ما الَّذي يصحّح ذلك عندكم؟ قالوا: سماعه.

قال: فاختاروا سبعين رجلاً من خياركم.

فلمّا خرجوا معه، أوقفهم وتقدَّم فجعل يناجي ربّه، ويعظّمه، فلما كلّمه قال لهم: أسمعتم؟ قالوا: بلى، ولكنّا لا ندري أهو كلام الله أم لا؟ فليظهر لنا حتّی نراه فنشهد لك عند بني إسرائيل، فلمّا قالوا ذلك صعقوا فماتوا.

فلمّا أفاق موسی ممّا تغشّاه، ورآهم، جزع وظنّ أنَّهم إنّما اُهلكوا بذنوب بني إسرائيل فقال: يا ربّٙ أصحابي وإخواني أنست بهم، وأنسوا بي، وعرفتهم وعرفوني «أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ»(1) فقال تعالى : «عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»(2) إلى قوله تعالى: «النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ

ص: 127


1- الاعراف 7: 155
2- الاعراف 7: 156

وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»(1) فالنور في هذا الموضع هو القرآن.

ومثله في سورة التغابن قوله تعالى: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا»(2) يعني سبحانه القرآن وجميع الأوصياء المعصومین، حملة كتاب الله (عزّوجلّ)، وخزنته وتراجمته، الّذين نعتهم الله في كتابه فقال: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا»(3).

وهم المنعوتون الّذين أنار الله بهم البلاد، وهدی بهم العباد، قال الله تعالى في سورة النور: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ»(4) إلى آخر الآية، فالمشكاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والمصباح: الوصيُّ والأوصياء (عليهم السّلام) والزجاجة فاطمة، والشَّجرة المباركة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، والكوكب الدّرّي:

القائم المنتظر الّذي يملاء الأرض عدلاً.

ثمَّ قال تعالى: «يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ» اي ينطق به ناطق، ثمَّ قال تعالى: «نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ

ص: 128


1- الاعراف 7: 157
2- التغابن 64: 8
3- آل عمران 3: 7
4- النور 24: 35

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» وثم قال (عزّ وجلّ):

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ٭ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ»(1) وهم الأوصياء.

قال الله (تبارك وتعالی) - في سورة الأنعام في ذكر التوراة وأنّها نور - : «قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ»(2) وقال الله تعالى في سورة يونس: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا»(3) ومثله في سورة نوح (عليه السّلام) قوله تعالى:

«وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا»(4) وقال سبحانه«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ»(5) يعني اللّيل والنّهار، وقال سبحانه في سورة البقرة: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(6) يعني من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، فسمّی الايمان هاهنا نوراً، ومثله في سورة إبراهيم (عليه السّلام) «لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»(7)

ص: 129


1- النور 24: 36 و 37
2- الانعام 6: 91
3- يونس 10: 5
4- نوح 71: 16
5- الانعام 6: 1
6- البقرة 2: 257
7- إبراهيم 14: 1

وقال (عزّ وجلّ) في سورة براءة: «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ»(1) يعني نور الاسلام بكفرهم وجحودهم، وقال سبحانه في سورة النساء: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا»(2) «يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ»(3) وقال سبحانه في سورة الحديد في ذكر المؤمنين «يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(4) وفیها: «انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ»(5) أي نمشي في ضوئكم، ومثل هذا في القرآن كثير.

وسألوه (صلوات الله عليه) عن أقسام الأمّة في كتاب الله تعالی؟ فقال: قوله تعالى: «كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ»(6) منها الأمّة أي الوقت الموقّت كقوله سبحانه في سورة يوسف: «وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ»(7) أي بعد وقت، وقوله سبحانه: «وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ»(8) أي إلى وقت معلوم، والاُمّة هي الجماعة قال الله تعالى: «وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ

ص: 130


1- التوبة 9: 32
2- النساء 4: 174
3- النور 24: 35
4- الحديد 57: 12
5- الحديد 57: 13
6- البقرة 2: 213
7- يوسف 12: 45
8- هود 11: 8

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن يَسْقُونَ»(1) والاُمّة: الواحد من المؤمنين قال الله تعالى: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً»(2) والأمّة جمع دوابّ وجمع طيور قال الله تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ»(3) أي جماعات يأكلون ويشربون ويتناسلون وأمثال ذلك.

وسألوه (صلوات الله عليه) عن الخاصّ والعامّ في كتاب الله تعالی؟ فقال: إنّ من كتاب الله تعالی آیات لفظها الخصوص والعموم، ومنه آیات لفظها لفظ الخاصّ ومعناه عامّ، ومن ذلك لفظ عامٌّ يريد به الله تعالى العموم وكذلك الخاص أيضاً.

فأمّا ما ظاهره العموم ومعناه الخصوص فقوله (عزوجل) : «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ»(4).

فهذا اللّفظ يحتمل العموم ومعناه الخصوص، لأنّه تعالى إنّما فضّلهم على عالم أزمانهم بأشياء خصّهم بها، مثل المنّٙ والسّلوى والعيون الّتي فجّرها لهم من الحجر، وأشباه ذلك، ومثله قوله تعالى:

ص: 131


1- القصص 28: 23
2- النحل 16: 120
3- الأنعام 6: 38
4- البقرة 2: 47 و 122

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ»(1) أراد الله تعالى أنّه فضّلهم على عالمي زمانهم وكقوله تعالى: «وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ»(2) يعني سبحانه بلقيس وهي مع هذا لم تؤت أشياء كثيرة ممّا فضّل الله تعالى به الرّجال على النساء ومثل قوله تعالى: «تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا»(3) يعني الريح وقد تركت أشياء كثيرة لم تدمّرها.

ومثل قوله (عزّوجلّ): «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ»(4) أراد سبحانه بعض النّاس، وذلك أنّ قريشاً كانت في الجاهلية تفيض من المشعر الحرام، ولا يخرجون إلى عرفات كسائر العرب، فأمرهم الله سبحانه أن يفيضوا من حيث أفاض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه، وهم - في هذا الموضع - النّاس على الخصوص واُرجعوا عن سنّتهم.

وقوله: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(5) يعني بالناس - هاهنا - اليهود فقط، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(6) وهذه الآية

ص: 132


1- آل عمران 3: 33
2- النمل 27: 23
3- الاحقاف 46: 25
4- البقرة 2: 199
5- النساء 4: 165
6- الانفال 8: 27

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن نزلت في أبي لبابة بن عبدالمنذر(1) وقوله (عزّوجلّ): «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا»(2) نزلت في أبي لبابة وإنّما هو رجل واحد، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ»(3) نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وهو رجل واحد، فلفظ الآية عامّ ومعناها خاص وإن كانت جارية في الناس.

وقوله سبحانه: «الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»(4) نزلت هذه الآية في نعيم بن مسعود الأشجعيّ وذلك أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا رجع من غزاة اُحد وقد قُتل عمّه حمزة، وقُتل من المسلمين من قُتل، وجُرح من جُرح، وانهزم من انهزم ولم ينله القتل والجرح، أوحى الله تعالى إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن اخرج في وقتك هنا لطلب قریش، ولا تُخرج معك من اصحابك إلاّ كلَّ من كانت به جراحة، فأعلمهم بذلك، فخرجوا معه على ما كان بهم من الجراح حتّى نزلوا منزلاً يقال له: حمراء الأسد، وكانت قریش قد

ص: 133


1- أبو لبابة الانصاري هو بشير بن عبد المنذر، من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهد بدراً و العقبة الاخيرة
2- التوبة 9: 102
3- الممتحنة 60: 1
4- آل عمران 3: 173

جدَّت السير فرقاً(1)، فلما بلغهم خروج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في طلبهم خافوا، فاستقبلهم رجل من أشجع يقال له: نعیم بن مسعود - يريد المدينة - فقال له أبو سفيان صخر بن حرب: يا نعيم هل لك أن أضمن لك عشر قلائص(2) وتجعل طريقك على حمراء الأسد فتخبر محمّداً أنّه قد جاء مدد کثیر من حلفائنا من العرب: كنانة وعشيرتهم والأحابيش، وتهوّٙل عليهم ما استطعت، فلعلّهم يرجعون عنّا.

فأجابه إلى ذلك وقصد حمراء الأسد فأخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك، وأنَّ قريشاً يصبحون بجمعهم الّذي لا قوام لكم به، فاقبلوا نصيحتي وارجعوا، فقال أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حسبنا الله ونعم الوكيل، إعلم أنّا لا نبالي بهم، فأنزل الله سبحانه على رسوله «الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ٭ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»(3) وإنّما كان القائل لهم نعیم بن مسعود فسمّاه الله تعالى باسم جميع النّاس، وهكذا كلّ ما جاء تنزيله بلفظ العموم ومعناه الخصوص

ص: 134


1- الفَرِق: الشديد الفزع، وفَرِق الرجل فَرَقاً: فزع (أقرب الموارد)
2- قلائص: جمع القلوص: وهي من الابل الشابة أو الباقية على السَّير، والناقة الطويلة القوائم، خاصٌّ بالإناث (أقرب الموارد)
3- آل عمران 3: 172 و 173

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ومثله قوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).

وأمّا ما لفظه خصوص ومعناه عموم فقوله (عزّوجلّ):«مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(2) فنزل لفظ الآية خصوصاً في بني إسرائيل وهو جار على جميع الخلق عامّاً لكلّ العباد، من بني إسرائيل وغيرهم من الاُمم، ومثل هذا كثير في كتاب الله.

وقوله سبحانه: «الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ»(3) نزلت هذه الآية في نساءكنَّ بمكّة معروفات بالزنا منهنَّ سارة وحنتمة ورباب حرَّم الله تعالی نكاحهنَّ، فالآية جارية في كلّٙ من كان من النساء مثلهنَّ .

ومثله قوله سبحانه: «وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا»(4) ومعناه جميع الملائكة.

وأمّا ما لفظه ماض ومعناه مستقبل، فمنه ذكره (عزّوجلّ) أخبار القيامة والبعث والنّشور والحساب، فلفظ الخبر ما قد كان، ومعناه أنّه

ص: 135


1- المائدة 5: 55
2- المائدة 5: 32
3- النور 24: 3
4- الفجر 89: 22

سيكون، قوله: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ» إلى قوله: «وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا»(1) فلفظه ماض ومعناه مستقبل، ومثله قوله سبحانه:

«وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا»(2) وأمثال هذا كثير في كتاب الله تعالی.

وأمّا ما نزل بلفظ العمُوم ولا يراد به غيره، فقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»(3) وقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى»(4) وقوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ»(5) وقوله: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وقوله:«كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً»(6) أي على مذهب واحد، وذلك كان من قبل نوح (عليه السّلام) ولمّا بعثه الله اختلفوا ثمَّ بعث النّبيّين مبشرين ومنذرين.

وأمّا ما حُرّٙف من كتاب الله فقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أَئمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ المُنكَرِ، فحرّٙفت إلى «خَيْرِ أُمَّةٍ»(7)

ص: 136


1- الزمر 39: 68 - 73
2- الانبياء 21: 47
3- الحج 22: 1
4- الحجرات 49: 13
5- النساء 4: 1
6- البقرة 2: 213
7- آل عمران 3: 110

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ومنهم الزُّناة واللاّطة والسّرّاق وقطّاع الطّريق والظلمة وشرّاب الخمر والمضيّعون لفرائض الله تعالى، والعادلُون عن حدوده، أفترى الله تعالی مدح من هذه صفته؟.

ومنه قوله (عزّوجلّ) في سورة النّحل: أَنْ تَكُونَ أُئمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُئمَّةٍ، فجعلوها «اُمّة» وقوله في سورة يوسف:ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ، أي يمطرون فحرَّفوه وقالوا:

«يَعْصِرُونَ»(1)، وظنّوا بذلك الخمر، قال الله تعالى: «وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا»(2) وقوله تعالى : فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَت الانس أن لو كانت الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين، فحرَّفوها بأن قالوا: «فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»(3).

وقوله تعالى في سورة هود (عليه السّلام) : أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ - يعني رسول الله - وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ - وصيّه - إماماً ورحمة ومن قبله کتاب موسی اولئك يؤمنون به، فحرَّفوا وقالوا: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً»(4) فقدَّموا حرفاً على حرف، فذهب معنى الآية.

ص: 137


1- يوسف 12: 49
2- النبأ 78: 14
3- سبأ 34: 14
4- هود 11: 17

وقال سبحانه في سورة آل عمران: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ لآل محمّد، فحذفوا آل محمد.

وقوله تعالى : وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، ومعنی وسطاً بين الرّسول وبين الناس فحرَّفوها وجعلوها «اُمةً»، ومثله في سورة عمَّ يتسائلون:

وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاببّا، فحرّفوها وقالوا: «تُراباً» وذلك أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يكثر من مخاطبتي بأبي تراب، ومثل هذا كثير.

وأمّا الآية الّتي نصفها منسوخ ونصفها متروك بحاله لم ينسخ، وما جاء من الرّخصة بعد العزيمة قوله تعالى: «وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ»(1) وذلك أنَّ المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنّصارى ويُنكحونهم، حتّى نزلت هذه الآية نهياً أن ينكح المسلم من المشرك أو يُنكحونه.

ثمَّ قال تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية فقال:«وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»(2) فأطلق

ص: 138


1- البقرة 2: 221
2- المائدة 5: 5

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن (عزّوجلّ) مناكحتهنَّ بعد أن كان نهی، وتركَ قوله: «وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا» على حاله لم ينسخه.

فأمّا الرّخصة الّتي هي الاطلاق بعد النّهي فإنَّ الله تعالی فرض الوضوء على عباده بالماء الطّاهر، وكذا الغسل من الجنابة، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا»(1) فالفريضة من الله (عزّوجلّ) الغسل بالماء عند وجوده لا يجوز غيره، والرّخصة فيه - إذا لم يجد الماء - التيمّم بالتّراب من الصّعيد الطيّب.

ومثله قوله (عزّوجلّ): «حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»(2) فالفرض أن يصلّي الرّجل الصَّلاة الفريضة على الأرض بركوع وسجود تامّ ثمّ رخّص للخائف فقال سبحانه: «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا»(3) ومثله قوله (عزّوجلّ): «فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ»(4) ومعنى الآية أنَّ الصحيح يصلّي قائماً والمريض يصلّي قاعداً ومن لم يقدر أن يصلّي قاعداً

ص: 139


1- المائدة 5: 6
2- البقرة 2: 238
3- البقرة 2: 239
4- النساء 4: 103

صلّی مضطجعاً ويؤمي نائماً، فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة.

ومثله قوله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» إلى قوله تعالى: «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»(1) ثمَّ رخّص للمريض والمسافر بقوله سبحانه: «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»(2) «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»(3) فانتقلت فريضة العزيمة الدائمة للرَّجل الصّحيح لموضع القدرة وزالت الضرورة تفضّلاً على العباد.

وأمّا الرّخصة الّتي ظاهرها خلاف باطنها(4) فانَّ الله تعالی نهی المؤمن أن يتّخذ الكافر وليّاً، ثمَّ منَّ علیه باطلاق الرّخصة له - عند التقيّة - في الظاهر أن يصوم بصيامه ويفطر بافطاره ويصلّي بصلاته،

ص: 140


1- البقرة 2: 185
2- البقرة 2: 186
3- البقرة 2: 185
4- في الأصل والطبعة القديمة منه: «وأمّا الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار» الى آخره والصحيح ما في المتن كما ستعرف ولما في تفسير القمي ج 1 ص 15 هكذا: «وأمّا الرّخصة التي صاحبها فيها بالخيار إن شاء أخذ وإن شاء ترك فإنَّ الله (جلَّ وعز) رخَّص أن يعاقب الرجل الرجل على فعله به، فقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} الشوری 42: 40 . فهذا بالخيار إن شاء عاقب وإن شاء عفي، وأمّا الرّخصة التي ظاهرها خلاف باطنها يعمل بظاهرها، ولا يدان بباطنها، فإنَّ الله (تبارك وتعالی) نهى أن يتّخذ المؤمن الكافر ولياً...» إلى آخر كلامه الذي يشابه ذلك «هامش بحار الانوار»

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ويعمل بعمله، ويُظهر له استعماله ذلك موسّعاً عليه فيه، وعليه أن يدين الله تعالى في الباطن بخلاف ما يُظهر لمن يخافه من المخالفين المستولين على الاُمّة قال الله تعالى: «لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ»(1) فهذه رخصة تفضّل الله بها على المؤمنين رحمةً لهم ليستعملوها عند التقيّة في الظاهر، وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنَّ الله يحبُّ أن يؤخذ برخصه كما يحبُّ أن يؤخذ بعزائمه.

وأما الرّخصة الّتي صاحبها فيها بالخيار، فانَّ الله تعالی رخّص أن يعاقب العبد على ظلمه، فقال الله تعالى: «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ»(2) وهذا هو فيه بالخيار إن شاء عفي وإن شاء عاقب.

والمنقطع المعطوف في التنزيل هو أنَّ الآية من كتاب الله (عزّوجلّ) كانت تجيئ بشئ ما، ثمَّ تجيئ منقطعة المعنى بعد ذلك، وتجيئ بمعنی غیره، ثمَّ تعطف بالخطاب على الأوَّل مثل قوله تعالى:

«وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» ثمَّ انقطعت وصيّة لقمان لابنه فقال: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ» إلى قوله: «إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ

ص: 141


1- آل عمران 3: 28
2- الشوری 42: 40

تَعْمَلُونَ» ثمَّ عطف بالخطاب على وصيّة لقمان لابنه فقال: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ»(1).

ومثل قوله (عزّوجلّ) : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(2) ثمَّ قال تعالى في موضع آخر عطفاً على هذا المعنى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(3) كلاماً معطوفاً على اُولي الأمر منکم.

وقوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»(4) ثمَّ قال تعالى في الأمر بالجهاد: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»(5) الآية.

ومثله قوله (عزّوجلّ) في سورة المائدة «وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ» ثمَّ قطع الكلام بمعنى ليس يشبه هذا الخطاب فقال تعالى: «الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا» ثمَّ عطف على

ص: 142


1- لقمان 31: 13 - 16
2- النساء 4: 59
3- التوبة 9: 119
4- البقرة 2: 43 و 110
5- البقرة 2: 216

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن المعنى الأوَّل والتحريم الأوَّل فقال سبحانه: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1).

وكقوله (عزَّوجلَّ): «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ» ثمَّ اعترض تعالي بكلام آخر فقال: «قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ» ثمَّ عطف على الكلام الأوَّل فقال (عزّوجلّ):

«الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»(2).

وكقوله في سورة العنكبوت: «وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٭ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا» إلى قوله تعالى: «وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ»ثمَّ استأنف القول بكلام غيره فقال سبحانه: «أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ٭ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٭ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ٭ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ٭ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» ثمَّ عطف القول على الكلام الأوَّل في وصف إبراهيم

ص: 143


1- المائدة 5: 3
2- الانعام 6: 11 و 12

فقال تعالى: «فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ»(1) ثمَّ جاء تعالی بتمام قصّة إبراهيم (عليه السّلام) في آخر الآيات.

ومثله قوله (عزَّوجلَّ): «وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا» ثمَّ قطع الكلام فقال: «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا» ثمَّ عطف على القول الأوَّل فقال - تمامه في معنى ذكر الأنبياء وذكر داود - «أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا»(2).

ومثله قوله (عزّ وجلّ): «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» ثم استأنف الكلام فقال: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» ثمَّ رجع وعطف تمام القول الأوَّل فقال: «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا»(3) إلى آخر السوّرة، وهذا وأشباهه كثير في القرآن.

وأمّسا ما جاء في أصل التنزيل حرف مکان حرف فهو قوله

ص: 144


1- العنكبوت 29: 16 - 24
2- الأسراء 17: 55 - 57
3- البقرة 2: 285 و 286

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن (عزّوجلّ): «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ»(1) معناه ولا الذين ظلموا منهم، وقوله تعالى «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً»(2) معناه ولا خطأ وكقوله: «يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ٭ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ»(3) وإنّما معناه: ولا من ظلم ثمَّ بدَّل حسناً بعد سوء.

وقوله تعالى: «لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ»(4) وإنّما معناه إلى أن تقطّع قلوبهم ومثله كثير في كتاب الله (عزّوجلّ).

[وأمّا ما هو متّفق اللفظ مختلف المعنى قوله](5) : «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا»(6) وإنّما عنى أهل القرية وأهل العير، وقوله تعالى: «وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا»(7) وإنّما عنى أهل القرى و قوله: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ»(8) يعني أهلها.

ص: 145


1- البقرة 2: 150
2- النساء 4: 92
3- النمل 27 : 10 و 11
4- التوبة 9: 110
5- زيادة أضفناها من تفسير القمي «هامش البحار»
6- يوسف 12: 82
7- الكهف 18: 59
8- هود 11: 102

وأمّا احتجاجه تعالى على الملحدين في دينه وكتابه ورسله فانَّ الملحدين أقرُّوا بالموت ولم يقرُّوا بالخالق، فأقرُّوا بأنّهم لم يكونوا ثمَّ كانوا، قال الله تعالى: »ق ٭ وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ٭ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ ٭ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ»(1) وكقوله (عزّ وجلّ): «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ٭ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ»(2) ومثله قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ٭ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ»(3).

فردَّ الله تعالى عليهم ما يدلّهم على صفة ابتداء خلقهم وأوَّل نشئهم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا» فاقام سبحانه على الملحدين الدَّليل عليهم من أنفسهم ثمَّ قال مخبراً لهم: «وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ٭ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ٭ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا

ص: 146


1- ق 50: 1 - 3
2- یس 36: 78 و 79
3- الحج 22: 3 و 4

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ»(1).

وقال سبحانه: «وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ»(2) فهذا مثال إقامة الله (عزّوجلّ) لهم الحجّة في إثبات البعث والنشور بعد الموت.

وقال إيضاً في الردّ عليهم: «فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ٭ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ٭ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ»(3).

ومثله قوله (عزّوجلّ): «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٭ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ٭ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ٭ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٭ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ»(4).

ص: 147


1- الحج 22: 5 - 7
2- فاطر 35: 9
3- الروم 30: 17 - 19
4- الروم 30: 21 - 25

واحتجّ سبحانه عليهم وأوضح الحجّة وأبان الدّليل، وأثبت البرهان عليهم من أنفسهم، ومن الافاق ومن السّماوات والأرض، بمشاهدة العيان، ودلائل البرهان، وأوضح البيان، في تنزيل القرآن، كلُّ ذلك دليل على الصّانع القديم المدبّر الحكيم، الخالق العليم، الجبّار العظيم، سبحان الله ربّٙ العالمين.

وأمّا الرّدُّ على عبدة الأصنام والأوثان فقوله تعالى حكاية عن قول إبراهيم في الاحتجاج على أبيه «يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا»(1) وقوله حين كسر الأصنام فقالوا له من کسرها «مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ» إلى قوله: «فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ» ولمّا جاء قالوا له: «أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ٭ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ٭ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ٭ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ»(2) قال: «قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ٭ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ»(3) فلمّا انقطعت حجّتهم «قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ» إلى آخر القصص، فقال الله تعالى:

«قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(4).

ص: 148


1- مریم 19: 42
2- الأنبياء 21: 59 - 65
3- الصافات 37: 95 و 96
4- الانبياء 21: 68 و 69

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ومثل ذلك قول الله (عزّوجلّ) لقريش على لسان نبيّه (صلّى الله عليه وآله): «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٭ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا»(1) «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(2).

وقوله سبحانه: «قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا»(3) ومثل ذلك كثير.

وأمّا الرَّدُّ على الثنوية من الكتاب فقوله (عزّوجلّ): «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ»(4) فأخبر الله تعالى أن لو كان معه آلهة لانفرد كلُّ إله منهم بخلقه ولأبطل كلٌّ منهم فعل الآخر وحاول منازعته، فأبطل تعالى إثبات إلهين خلاّقين بالممانعة وغيرها.

ولو كان ذلك لثبت الاختلاف، وطلب كلُّ إله أن يعلوا على صاحبه، فإذا شاء أحدهم أن يخلق إنساناً وشاء الآخر أن يخلق بهيمة اختلفا وتباينا في حال واحد واضطرّهما ذلك إلى التضادّ والاختلاف والفساد، وكلُّ ذلك معدوم، وإذا بطلت هذه الحال كذلك ثبت

ص: 149


1- الأعراف 7: 194 و 195
2- الفرقان 25: 44
3- الاسراء 17: 56
4- المؤمنون 23: 91

الوحدانيّة بكون التدبير واحداً، والخلق متّفق غير متفاوت والنّظام مستقیم.

وأبان سبحانه لأهل هذه المقالة ومن قاربهم أنَّ الخلق لا يصلحون إلاّ بصانع واحد، فقال: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا» ثمَّ نزَّه نفسه فقال: «فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ»(1) والدّليل على أنَّ الصانع واحد: حكمة التدبير وبيان التقدير.

وأمّا الرَّدُّ على الزنادقة فقوله تعالى: «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ»(2) فأعلمنا تعالى أنَّ الّذي ذهب إليه الزّنادقة من قولهم إنَّ العالم يتولّد بدوران الفلك، ووقوع النطفة في الأرحام، لأنَّ عندهم أنَّ النّطفة إذا وقعت تلقّاها الأشكال التي تشاكلها فيتولّد حينئذ بدوران القدرة(3) والاشكال الّتي تتلقّاها مرور اللّيل والنّهار، والأغذية والأشربة والطبيعة، فتتربّي وتنتقل وتكبر، فعكس تعالى قولهم بقوله:

«وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ» معناه أنَّ من طال عمره وكبر سنّه رجع إلى مثل ما كان عليه في حال صغره وطفوليّته، فيستولي عليه عند ذلك النقصان في جميع آلاته، ويضعف في جميع حالاته، ولو كان الأمر كما زعموا - من أنّه ليس للعباد خالق مختار - لوجب أن يكون تلك النسمة أو ذلك الانسان زائداً أبداً ما دامت الاشكال - الّتي ادَّعوا أنَّ بها

ص: 150


1- الأنبياء 21: 22
2- يس 36: 68
3- في نسخة: الفلك

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن كان قوام ابتدائها - قائمة، والفلك ثابت، والغداء ممكن، ومرور اللّيل والنهار متّصل.

ولمّا صحَّ في العقول معنى قوله تعالى: «وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ» وقوله سبحانه: «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا»(1) علم أنَّ هذا من تدبير الخالق المختار وحكمته و وحدانيته وابتداعه للخلق، فتثبت وحدانيّته جلّت عظمته. وهذا احتجاج لا يمكن الزنادقة دفعه بحال، ولا يجدون حجّة في إنكاره.

ومثله قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ٭ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ٭ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»(2) فردَّ سبحانه عليهم احتجاجهم بقوله: «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» إلى آخر السورة.

وأمّا الرَّدُّ على الدَّهريَّة - الَّذين يزعمون أنَّ الدَّهر لم يزل أبداً على حال واحدة، وأنّه ما من خالق، ولا مدبّر، ولا صانع، ولا بعث، ولا نشور - قال تعالى حكاية لقولهم: «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ»(3) «وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ٭ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ

ص: 151


1- النحل 16: 70
2- پس 36: 77 - 79
3- الجاثية 45: 24

حَدِیداً ٭ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ»(1) ومثل هذا في القرآن كثير.

وذلك ردّ على من كان في حياة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول هذه المقالة ممّن أظهر له الايمان وأبطن الكفر والشرك، وبقوا بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكانوا سبب هلاك الأمّة فردَّ الله تعالى بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ» إلى قوله سبحانه: «لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا»(2) ثمَّ ضرب للبعث والنشور مثلاً فقال تعالى: «... تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى»(3) وما جرى ذلك في القرآن.

وقوله سبحانه في سورة ق ردّاً على من قال: «أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ»(4) «قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ» إلى قوله سبحانه: «وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ»(5) وهذا وأشباهه ردٌّ على الدَّهريّة والملحدة ممّن أنكر البعث والنشور.

وأمّا ما جاء في القرآن على لفظ الخبر ومعناه الحكاية فمن ذلك

ص: 152


1- الأسراء 17 : 49 - 51
2- الحج 22: 5
3- فصلت 41: 39
4- ق 50: 3
5- ق 50: 4 - 11

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن قوله (عزّوجلّ): «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا» وقد كانوا ظنّوا أنّهم لبثوا يوماً أو بعض يوم، ثم قال الله تعالى: «قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(1) الآية، فخرجت ألفاظ هذه الحكاية على لفظ ليس معناه معنى الخبر وإنّما هو حكاية لما قالوه، والدَّليل على ذلك أنّه حكاية: قوله: «سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» إلى آخر الآية(2)، وقوله (عزّوجلّ) عند ذكر عدَّتهم: «مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ» مثل حكايته عنهم في ذكر المدّة «وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ٭ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا» فهذا معطوف على قوله: «سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ» فهذه الآية من المنقطع المعطوف، وهي على لفظ الخبر ومعناه حكاية.

ومثله قوله (عزوجل): «كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ»(3) وإنّما خرج هذا على لفظ الخبر وهو حكاية عن قوم من اليهود ادَّعوا ذلك، فردَّ الله تعالى عليهم «قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» أي انظروا في التوراة هل تجدون فيها تصديق ما ادَّعيتموه.

ومثله في سورة الزّمر قوله تعالى: «مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى

ص: 153


1- الكهف 18: 25 و 26
2- الكهف 18 : 22
3- آل عمران 3: 93، وبعده: «مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ» الآية

اللهِ زُلْفَی»(1) فلفظ هذا خبر ومعناه حكاية، ومثله كثير .

وأمّا الرَّدُّ على النّصارى فانَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) احتجَّ على نصاری نجران لمّا قدموا عليه ليناظروه، فقالوا: يا محمّد ما تقول في المسيح؟ قال: هو عبد الله يأكل ويشرب.

قال: فمن أبوه؟ فأوحى الله إليه: يا محمّد سلهم عن آدم هل هو إلاّ بشر مخلوق يأكل ويشرب؟ وأنزل الله عليه: «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2) فسألهم عن آدم فقالوا: نعم.

قال: فأخبروني من أبوه؟ فلم يجيبوه بشيء، ولزمتهم الحجّة فلم يقرُّوا بل لزموا السكوت، فأنزل الله تعالى عليه: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3).

فلمّا دعاهم إلى المباهلة قال علماؤهم: لو باهلَنَا بأصحابه باهلناه، ولم يكن عندنا صادقاً في قوله، فأمّا أن يباهلنا(4) بأهل بيته خاصّة فلا نباهله .... وأعطوه الرّضا وشرط عليهم الجزية والسّلاح

ص: 154


1- الزمر 39: 3
2- آل عمران 3: 59
3- آل عمران 3: 61
4- هكذا في بحار الأنوار، والظاهر انّ الصحيح: فأما إن باهَلَنا

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن حقناً لدمائهم، وانصرفوا.

وأمّا السّبب الّذي به بقاء الخلق فقد بيّن الله (عزّوجلّ) في كتابه أنَّ بقاء الخلق من أربع وجوه: الطعام، والشّراب، واللباس، والكنّ(1)، والمناکح للتناسل، مع الحاجة في ذلك كلّه إلى الأمر والنهي، فأما الأغذية فمن أصناف النبات والأنعام المحلّل أكلها، قال الله تعالى في النبات: «أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ٭ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا ٭ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ٭ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ٭ وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا ٭ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ٭ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ٭ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ»(2) وقال تعالى: «أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٭ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»(3) وقال سبحانه: «وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ٭ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ٭ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ»(4) وهذا وشبهه ممّا يخرجه الله تعالى من الأرض سبباً لبقاء الخلق.

وأمّا الانعام فقوله تعالى: «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٭ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ»(5) الآية وقوله سبحانه: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ»(6).

ص: 155


1- الکِنّ: وقاء كل شيء وستره والبيت (أقرب الموارد)
2- عبس 80: 25 - 32
3- الواقعة 56: 63 و 64
4- الرحمن 55: 10 - 12
5- النحل 16: 5 و 6
6- الزمر 39: 3

وأمّا اللباس والأكنان قوله تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ»(1) وقال تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ»(2) والخير هو البقاء والحياة.

وأمّا المناکح فقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ»(3) وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»(4) وقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(5) وقال (عزّوجلّ): «وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(6) الآية، وقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً

ص: 156


1- النحل 16: 81
2- الاعراف 7: 26
3- الحجرات 49: 13
4- البقرة 2: 21
5- النساء 4: 1
6- النور 24: 32

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»(1) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى في معنى النكاح وسبب التناسل.

والأمر والنّهي وجه واحد: لا يكون معنی من معاني الأمر إلاّ ويكون بعد ذلك نهياً، ولا يكون وجه من وجوه النهي إلاّ و مقرون به الأمر قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ»(2) إلى آخر الآية فأخبر سبحانه أنَّ العباد لا يحيون إلاّ بالأمر والنّهي كقوله تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»(3) ومثله قوله تعالى: «... ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ»(4) فالخير هو سبب البقاء والحياة.

وفي هذا أوضح دليل على أنّه لابدَّ للاُمّة من إمام يقوم بأمرهم، فيأمرهم وينهاهم، ويقيم فيهم الحدود ويجاهد العدو ويُقسّم الغنائم، ويفرض الفرائض، ويعرّٙفهم أبواب ما فيه صلاحهم، ويحذّٙرهم ما فيه مضارُّهم، إذ كان الأمر والنهي أحد أسباب بقاء الخلق، وإلاّ سقطت الرغبة والرهبة ولم يُرتدع، ولَفسَد التدبير وكان ذلك سبباً لهلاك العباد في أمر البقاء والحياة في الطعام والشراب والمساكن والملابس والمناکح من النساء، والحلال والحرام، والأمر والنهي، إذ كان سبحانه

ص: 157


1- الروم 30: 21
2- الانفال 8: 24
3- البقرة 2: 179
4- الحج 22: 77

لم يخلقهم بحيث يستغنون عن جميع ذلك، ووجدنا أوَّل المخلوقين - وهو آدم (عليه السّلام) – لم يتمَّ له البقاء والحياة إلاّ بالأمر والنهي قال الله (عزّوجلّ): «يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ»(1) فدلَّهما على ما فيه نفعهما وبقاؤهما ونهاهما عن سبب مضرّتهما، ثمّ جرى الأمر والنَّهي في ذريّٙتهما إلى يوم القيامة، ولهذا اضطرّ الخلق إلى أنّه لابدّ لهم من إمام منصوص عليه من الله (عزّوجلّ) يأتي بالمعجزات، ثم يأمر النّاس وينهاهم.

وإنّ الله سبحانه خلق الخلق على ضربين: ناطق عاقل فاعل مختار، وضرب مستبهم(2) فكلّف النّاطق العاقل المختار، وقال سبحانه:

«خَلَقَ الإِنسَانَ ٭ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»(3) وقال سبحانه: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ٭ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ٭ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٭ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٭ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»(4) ثمَّ كلّف، ووضع التكليف عن المستبهم لعدم العقل والتمييز.

وأمّا وضع الأسماء، فانّه (تبارك وتعالی) اختار لنفسه الأسماء

ص: 158


1- البقرة 3: 35
2- استبهم عليه: ارتج عليه فلم يقدر على الكلام. والبهيمة: كل حيوان لا عقل له، وكل ما لانطق له وذلك لما في صوته من الابهام (أقرب الموارد)
3- الرحمن 55: 2 و 3
4- العلق 96: 1 - 5

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن الحسنی فسمّى نفسه: «الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ»(1) وغير ذلك، وكلُّ اسم يسمّى به فلعلّة ما، ولمّا تسمّى بالملك أراد تصحیح معنى الاسم لمقتضى الحكمةً، فخلق الخلق وأمرهم ونهاهم ليتحقّق حقيقة الاسم ومعنى الملك، والملك له وجوه أربعة: القدرة، والهيبة، والسّطوة، والأمر والنّهي، فأمّا القدرة فقوله تعالى: «إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(2) فهذه القدرة التامة التي لا يحتاج صاحبها إلى مباشرة الأشياء، بل يخترعها كما يشاء سبحانه ولا يحتاج إلى التروّٙي في خلق الشيء بل إذا أراده صار على ما يريده من تمام الحكمة، واستقام التدبير له بكلمة واحدة، وقدرة قاهرة بان بها من خلقه.

ثم جعل الأمر والنهي تمام دعائم الملك ونهايته وذلك أن الأمر والنهي يقتضيان الثواب والعقاب والهيبة، والرجاء والخوف، وبهما بقاء الخلق، وبهما يصحُّ لهم المدح والذم، ويُعرف المطيع من العاصي، ولو لم يكن الأمر والنهي لم يكن للملك بهاء ولا نظام، ولبطل الثواب والعقاب. وكذلك جميع التأويل فيما اختاره سبحانه لنفسه من الأسماء.

وقد اعتُرض على ذلك بأن قيل: قد رأينا أصنافاً من الحيوان - لا يحصي عددها - يبقى ويعيش بغير أمر ولا نهي، ولا ثواب لها ولا

ص: 159


1- الحشر 59: 23
2- النحل 16: 40

عقاب عليها، وإذا جاز أن يستقیم بقاء الحيوان المستبهم، ولا آمر له ولا ناهي، بطل قولكم: إنه لابدَّ للناطقين من آمر وناهٍ، وإلا لم يبقوا.

والرُّد عليهم هو أنَّ الله تعالى لمّا خلق الحيوان على ضربين:

مستبهم وناطق، أطلق للنوع المستبهم أمرين، جعل قوامه وبقاءه بهما، وهو إدراك الغذاء ونيله وعرفانهم بالنافع والضار بالشم والتنسيم(1) ، وإنما أنبت عليهم من الوبر والصوف والشعر والريش ليكنَّهم(2) من البرد والحرّ، ومنعهم أمرين: النّطق والفهم، وسخّرهم للحيوان الناطق العاقل وغير العاقل أن يتصرفوا فيهم، وعليهم، كما يختارون، ويأمرون فيهم وينهون.

ولم يجعل في الناطقين معرفة الضار من الغذاء، والنافع بالشم والتنسيم حتى أنَّ أفهم الناس وأعقلهم لو جمعت الناس له ضروب الحشایش من النافع والضار والغذا والسمّ لم يميّز ذلك بعقله وفكره، بل من جهة موقف، فقد احتاج العاقل الفطن البصير إلى مؤدّٙب موقف يوقفه على منافعه، ويعلمه ما يضرُّه، ولما كانت بنية الناس وما خلقهم الله بهذه الصفة لابدَّ أن يكون عندهم علم كثير من الأغذية التي تقوم بها أبدانهم - لأنّها سبب حياتهم - وكان البهائم في ذلك أهدى منهم، ثبت ما أوردناه من الأمر والنهي اللذين يتبعهما الثواب والعقاب.

قال المعترض: وقد وجدنا بعض البهائم يأكل ما یکون هلاكه

ص: 160


1- التنسُّم: طلب النسيم واستنشاقه (لسان العرب)
2- كنَّ الشيء: ستره في كنّه و غطّاه وأخفاه وصانه من الشمس (أقرب الموارد)

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فيه من السّمام القاتلة، فلو كان هذا كما ذكرتم من أنها تعرف الضار من النافع بالشم والتنسُّم لما أصابهم ذلك.

قيل: هذا الذي ذكرتم لا يكون على العموم، وإنما يكون في الواحد بعد الواحد لعلة مّا لأنه ربما اضطرَّه الجوع الشديد إلى أكل ما يكون فيه هلاکه، أو لإختلاط جميع أنواع الحشایش بعضها ببعض كما أنا قد نجد الرجل العاقل قد يقف على ما يضرُّه من الأطعمة، ثم يأكله إمّا لجوع غالب أو لعلّة يحدث أو سکر یزیل عقله، أو آفة من الآفات، فيأكل ما يعلم أنه يسقمه ويضرُّه، وربما كان تلف نفسه فيه، وإذا كان هذا موجوداً في الإنسان الفطن العاقل، فأحرى أن يجوّز مثله في البهائم.

ووجه آخر وهو أن الله سبحانه إذا أراد قضاء أجله خلّی بینه وبين الحال التي بمثلها يتمُّ عليه ذلك، ومثل هذا يعرض دون العادة العامّة، ولأنّا قد نرى الفراخ من الدجاج - وما يجري مجراها من أجناس الطير - يخرج من البيضة فتلقى له السُّموم من الحبوب القاتلة - مثل حب البنج والسناء - فيحتذر عنه وإذا أُلقي عليه غذاؤها بادرت إليه فأكلته ولم يتوقف عنه، فبطل الإعتراض.

ولمّا ثبت لنا أن قوام الأُمة بالأمر والنّهي الوارد عن الله (عزّوجلّ) صحَّ لنا أنه لابدَّ للناس من رسول من عند الله، فيه صفات يتميّز بها من جميع الخلق، منها: العصمة من سائر الذنوب، وإظهار المعجزات، وبيان الدلالات لنفي الشبهات، طاهر مطهّر متّصل بملكوت الله سبحانه غير منفصل، لأنّه لا يؤدّي عن الله (عزّوجلّ) إلى خلقه إلاّ من

ص: 161

كانت هذه صفته، فصحَّ موضع المأمومين الذين لا عصمة لهم إلاّ إمام عادل معصوم، يقيم حدود الله تعالى وأوامره فيهم، ويجاهد بهم، ويقسّم غنائمهم، ولا يستقيم أن يقيم الحدود مَن في جنبه حدّ الله تعالى، لأنَّ الخبيث لا يطهّر بالخبيث، وإنّما يطهَّر الخبيث بالطاهر الذي يدل على ما يقرّٙب من الله تعالى، وإنّما يحيون به الحياة الدنيا في حال معايشهم، مما يكون عاقبته إلى حياة الأبد في الدار الآخرة، ولابدَّ ممّن هذه صفته في عصر بعد عصر، وأوان بعد أوان وأمة بعد أمّة، جارياً ذلك في الخلق ماداموا و دام فرض التكليف عليهم، لا يستقيم لهم الأمر ولا يدوم لهم الحياة إلا بذلك.

ولو كان الإمام بصفة المأمومين، لاحتاج إلى ما احتاجوا إليه، فيكون حينئذ إماماً(1) وليس في عدل الله تعالى وحكمه أن يحتجَّ على خلقه بمن هذه صفته، وإنّما امام الإمام الوحي الآمر له والناهي، فكل هذه الصفات المتفرّٙقة في الأنبياء فإنّ الله سبحانه جمعها في نبيّنا ووجب لذلك - بعد مضيّٙه (صلّى الله عليه و آله) - أن يكون في وصيّه ثمَّ الأوصياء.

اللهم إلاّ أن يدَّعي مدَّع أنَّ الإمامة مستغنية عمّن هذه صفته ، فيكونون بهذه الدَّعوى مبطلين، بما تقدَّم من الأدّلة وثبت أنه لابدّ من إمام عارف بجميع ما جاء محمد النبي (صلّى الله عليه وآله) من كتاب الله تعالى بإقامة المقدَّم ذكرها يجيب عنها وعن جميع المشكلات، 1- الصحيح: فيكون حينئذٍ إماماً ومأموماً كما يأتي في بحث حدود الإمام.

ص: 162


1- الصحيح: فيكون حينئذٍ إماماً ومأموماً كما يأتي في بحث حدود الإمام

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وينفي عن الأُمّة مواقع الشبهات، لا يزلُّ في حكمه، عارف بدقيق الأشياء وجليلها، يكون فيه ثمان خصال يتميّز بها عن المأمومين: أربع منها في نعت نفسه ونسبه، أربع صفات ذاته وحالاته.

فأمّا التي في نعت نفسه فإنه ينبغي أن يكون معروف البيت، معروف النسب، منصوصاً عليه من النبي (صلّى الله عليه وآله) بأمر من الله سبحانه، بمثله يبطل دعوى من يدَّعي منزلته بغير نصّ من الله سبحانه ورسوله، حتى إذا قدم الطالب من البلد القريب والبعيد أشارت إليه الأمة بالكمال والبيان.

وأمّا اللواتي في صفات ذاته فإنّه يجب أن يكون أزهد الناس، وأعلم الناس، وأشجع الناس، وأكرم الناس، وما يتبع ذلك، لعلل تقتضيه.

لأنّه إذا لم يكن زاهداً في الدُّنيا وزخرفها، دخل في المحظورات من المعاصي فاضطرَّه ذلك أن يكتم على نفسه، فمُخوّٙن الله تعالى في عباده يحتاج إلى من يطهّره بإقامة الحدّٙ عليه، فهو حينئذ إمام مأموم، وأمّا إذا لم يكن عالماً بجميع ما فرضه الله تعالى - في كتابه وغیره - قلب الفرائض فأحلَّ ما حرَّم الله، فضلَّ وأضلَّ، وإذا لم يكن أشجع الناس سقط فرض إمامته لأنّه في الحرب فئة(1) للمسلمين فلو فرَّ لدخل فيمن قال الله تعالى: «وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ 1- الفئة: الطائفة التي تقيم وراء الجيش فان كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليهم (لسان العرب).

ص: 163


1- الفئة: الطائفة التي تقيم وراء الجيش فان كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليهم (لسان العرب)

مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ»(1) وإذا لم يكن أكرم الناس نفساً دعاه البخل والشح إلى أن يمدَّ يده فيأخذ فيئ المسلمين، لأنّه خازنهم وأمينهم على جميع أموالهم من الغنائم والخراج والجزية والفيئ.

فلهذه العلل يتميَّز من سائر الأُمّة، ولم يكن الله ليأمر بطاعة من لا يعرف أوامره ونواهيه، ولا أن يولّي عليهم الجاهل الذي لا علم له، ولا ليجعل الناقصَ حجّة على الفاضل ولو كان ذلك لجاز لأهَل العلل والأسقام أن يأخذوا الأدوية ممّن ليس بعارف منافع الأجساد ومضارَّها، فتتلف أنفسهم، ولو أنَّ رجلاً أراد أن يشتري ما يصلح به من متاع وغيره، لكان من حزم الرأي ان يستعين بالتاجر البصير بالتجارة، فيكون ذلك أحوط عليه.

وإذا كان جميع ذلك لا يصلح في هذه الأشياء الدُّنياوية(2) فأحرى أن يقصد الإمام العادل في الأسباب كلها التي يتوصل بها إلى أُمور الآخرة، فتميّز بين الإمام العادل والجاهل.

وروى عمر بن الخطّاب أنّه اختصم إليه رجلان فحكم لأحدهما على الآخر فقال المحكوم له: بالله لقد حكمت بالحق، فعلاه عمر بدرَّته وقال له: ثكلتك أُمّك! والله ما يدري عمر أصاب أم أخطأ، وإنما رأيٌ رأيته، هذا مع ما تقدَّمه من قول أبي بكر: (ولّيتكم ولست

ص: 164


1- الأنفال 8: 16
2- هكذا في المصدر. والصحيح: الاشياء الدنيوية

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن بخیر کم، وإنّ لي شیطاناً يعتريني، فإذا ملت(1) فقوّٙموني فإذا غضبت فاجتنبوني لا أمثل في أشعاركم وأبشار کم)، فاحتج التابعون لهما الأنفسهم بأن قالوا: لنا أُسوة بالسلف الماضي، لمّا عجزوا من تأدية حقائق الأحكام، فلهذه العلة وقع الإختلاف، وزال الإيتلاف، المخالفتهم الله تعالی.

قال الله سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(2) ثم جعل للصادقين علامات يُعرفون بها، فقال تعالى:

«التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ»(3) إلى آخره ووصفهم أيضاً فقال سبحانه «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ»(4) إلى آخر الآية، في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز.

ولا يصحُّ أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحافظ على حدود الله سبحانه إلا العارف بالأمر والنهي، دون الجاهل بهما.

فأمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق واسبابها فقد أعلمَنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه: وجه الإشارة، ووجه العمارة، ووجه الإجارة، ووجه التجارة ووجه الصدقات.

ص: 165


1- مال الحاكم في حكمه: جار وظلم (أقرب الموارد)
2- التوبة 9: 119
3- التوبة 9: 112
4- التوبة 9: 111

وأمّا وجه الإشارة فقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ»(1) الآية، فجعل الله لهم خُمس الغنائم، والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص، ثمَّ جزَّء هذه الخمس على ستة أجزاء فيأخذ الإمام عنها سهم الله تعالی وسهم الرسول وسهم ذي القربى (عليهم السّلام) ثم يقسّم الثلاثة سهام الباقية بين يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم.

ثم إنَّ للقائم بأُمور المسلمين - بعد ذلك - الأنفال التي كانت الرسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال الله تعالى: يسأَلونك الأنفال قلِ الأنفال لِلَّهِ والرسول. فحرّفوها وقالوا: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ»(2) وإنما سألوه الأنفال كلّها ليأخذوها لأنفسهم، فأجابهم الله تعالى بما تقدَّم ذكره، والدليل على ذلك قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» أي الزموا طاعة الله أن لا تطلبوا ما لا تستحقّونه، فما كان لله تعالى ولرسوله فهو للإمام.

وله نصيب آخر من الفيء والفيء يقسَّم قسمين: فمنه ما هو خاصّ للإمام وهو قول الله (عزّوجلّ) في سورة الحشر: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى

ص: 166


1- الانفال 8: 41
2- الانفال 8: 1

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(1) وهي البلاد التي لا يوجف عليه المسلمون بخیل ولا ركاب(2).

والضرب الآخر ما رجع إليهم ممّا غصبوا عليه في الأصل قال الله تعالى: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(3) فكانت الدنيا بأسرها لآدم (عليه السلام) إذ كان خليفة الله في أَرضه، ثمّ هي للمصطفَين الذين اصطفاهم وعصمهم فكانوا هم الخلفاء في الأرض، فلما غصبهم الظلمة على الحق - الذي جعله الله ورسوله لهم - وحصل ذلك في أيدي الكفّار صار في أيديهم على سبيل الغصب حتى بعث الله تعالی رسوله محمداً (صلّی الله عليه وآله) فرجع له ولأوصيائه، فما كانوا غُصبوا عليه، أخذوه منهم بالسيف، فصار ذلك مما أفاء الله به، أي مما أرجعه الله إليهم.

والدليل على أن الفيء هو الراجع قوله تعالى: «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(4) أي رجعوا من الإيلاء إلى المناكحة، وقوله (عزّوجلّ): «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي

ص: 167


1- الحشر 59: 7
2- الوجيف: ضرب من سير الابل والخيل، والايجاف: سرعة السير (لسان العرب). والمعنى انها فُتحت بالسّٙلم والصلح لا بالحرب والهجوم والعمليّات العسكرية
3- البقرة 2: 30
4- البقرة 2: 226

تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ»(1) أي ترجع ويقال لوقت الصَّلاة: فإذا فاء الفيء - أي رجع الفيء - فصلُّوا.

وأمّا وجه العمارة فقوله: «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا»(2) فأعلمنا سبحانه أنّه قد أمرهم بالعمارة ليكون ذلك سبباً المعايشهم بما يخرج من الأرض من الحبّ والثمرات، وما شاكل ذلك مما جعله الله تعالى معايش للخلق.

وأمّا وجه التجارة فقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ»(3) إلى آخر الآية، فعرَّفهم سبحانه كيف يشترون المتاع في السفر والحضر، وكيف يتّجرون، إذ كان ذلك من أسباب المعايش.

وأمَّا وجه الإجارة فقوله (عزّوجلّ) : «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ»(4) فأخبرنا سبحانه أنّ الإجارة أحد معايش الخلق، إذ خالف بحكمته بين هممهم وإرادتهم، وسائر حالاتهم، وجعل ذلك قواماً لمعايش الخلق، وهو الرجل يستأجر الرجل في صنعته وأعماله وأحكامه وتصرُّفاته

ص: 168


1- الحجرات 49: 9
2- هود 11: 61
3- البقرة 2: 282
4- الزخرف 43: 32

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وأملاكه، ولو كان الرجل منّا مضطراً إلى أن يكون بنّاءً لنفسه أو نجّاراً أو صانعاً في شيء من جميع أنواع الصنایع لنفسه ويتولّى جميع ما يحتاج إليه من إصلاح الثياب - ممّا يحتاج إليه الملك، فمن دونه - ما استقامت أحوال العالم بذلك، ولا اتّسعوا له ولعجزوا عنه، ولكنّه (تبارك وتعالی) أتقن تدبيره، وأبان آثار حكمته لمخالفته بین هممهم وكلُّ يطلب ما ينصرف إليه همّته ممّا يقوم به بعضهم لبعض، وليستعين بعضهم ببعض في أبواب المعايش التي بها صلاح أحوالهم.

وأمّا وجه الصّدقات، فإنّما هي لاقوام ليس لهم في الإمارة نصیب، ولا في العمارة حظُّ ولا في التجارة مال، ولا في الإجارة معرفة وقدرة، ففرض الله تعالى في أموال الإغنياء ما تقوتهم ويقوم بأودهم، وبيّن سبحانه ذلك في كتابه، وكان سبب ذلك أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا فتح عليه من بلاد العرب ما فتح، وافت إليه الصدقات(1) منهم، فقسَّمها في اصحابه ممن فرض الله لهم، فسخط أهل الجدة(2) من المهاجرين والأنصار، وأحبّوا أن يقسّٙمها فيهم، فلمزوه فيما بينهم وعابوه بذلك، فأنزل الله (عزّوجلّ) : «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ٭ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ

ص: 169


1- وافت اليه الصدقات: أي وصلت اليه
2- الجدّ: الغني (مجمع البحرين)

فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ»(1).

ثمَّ بيّن سبحانه لمن هذه الصّدقات فقال: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(2) إلى آخر الآية، فأعلمنا سبحانه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يضع شيئاً من الفرائض إلاّ في مواضعها بأمر الله تعالى (عزّوجلّ)، ومقتضى الصَّلاح في الكثرة والقلّة.

وأمّا الإيمان والكفر والشرك وزيادته ونقصانه فالإيمان بالله تعالى هو أعلى الأعمال درجة، وأشرفها منزلة، وأسماها حظاً.

فقيل له (عليه السلام): الإيمان قول وعمل أم قول بلا عمل؟ فقال: الإيمان تصديق بالجَنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان، وهو عمل كلّه، ومنه التامّ، ومنه الكامل تمامه، ومنه الناقص البيّن نقصانه، ومنه الزائد البيّن زيادته.

إنَّ الله تعالی ما فرض الإيمان على جارحة من جوارح الإنسان إلاّ وقد وكّلت بغير ما وكّلت به الأُخرى، فمنها قلبه الذي يعقل به ویفقه ويفهم ويحلُّ ويعقد ويريد، وهو أمير البدن وإمام الجسد الذي لاتورد الجوارح ولا تصدر إلاّ عن رأيه وأمره ونهيه، ومنها لسانه الذي ينطق به، ومنها أُذناه اللّتان يسمع بهما، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما، ومنها يداه اللتان يبطش بهما، ومنها رجلاه اللتان يسعى بهما، ومنها

ص: 170


1- التوبة 9: 58 و 59
2- التوبة 9: 60

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فرجه الذي الباه من قبله، ومنها رأسه الذي فيه وجهه.

وليس جارحة من جوارحه إلاّ وهي مخصوصة بفريضة، فرض على القلب غير ما فرض على السمع، وفرض على السمع غير ما فرض على البصر، وفرض على البصر غير ما فرض على اليدين، وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين، وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج، وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، وفرض على الوجه غير ما فرض على اللسان.

فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان، فالإقرار والمعرفة والعقد عليه والرضا بما فرضه عليه، والتسليم لأمره، والذّكر والتفكر والإنقياد إلى كل ما جاء عن الله (عزّوجلّ) في كتابه مع حصول المعجز.

فيجب عليه إعتقاده وأن يظهر مثل ما أبطن إلا للضرورة كقوله سبحانه «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(1) وقوله تعالى: «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ»(2) وقال سبحانه: «الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ»(3) وقوله تعالى: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(4).

وقوله سبحانه: «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا

ص: 171


1- النحل 16: 106
2- البقرة 2: 225
3- المائدة 5: 41
4- الرعد 13: 28

خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا»(1) وقوله تعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(2) وقال (عزّوجلّ): «فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(3) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى وهو رأس الايمان.

وأمّا ما فرضه الله على اللّسان فقوله (عزّوجلّ) في معنى التفسير لما عقد به القلب وأقرَّ به أو جحده فقوله تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ»(4) الآية وقوله سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»(5) وقوله سبحانه: «وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ»(6) فأمر سبحانه بقول الحقّٙ ونهی عن قول الباطل.

وأمّا ما فرضه على الاُذنين: فالاستماع لذكر الله والانصات إلى ما يتلى من كتابه، و ترك الاصغاء إلى ما يسخطه، فقال سبحانه: «وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»(7) وقال تعالى: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا

ص: 172


1- آل عمران 3: 191
2- محمد (صلی الله عليه وآله) 47: 24
3- الحج 22 : 46
4- البقرة 2: 136
5- البقرة 2: 83
6- النساء 4: 171
7- الاعراف 7: 204

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» الآية.

ثمَّ استثنی برحمته لموضع النسيان فقال: «وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» قال (عزّوجلّ): «فَبَشِّرْ عِبَادِ ٭ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ» وقال تعالى: «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ» وفي كتاب الله تعالى ما معناه معنی ما فرض الله سبحانه على السّمع والايمان.

وأمّا ما فرضه على العينين فمنه النظر إلى آيات الله تعالى، وغضّ البصر عن محارم الله، قال الله تعالى: «أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ٭ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ ٭ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ٭ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ» وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ» وقال سبحانه: «انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ» وقال: «فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ

ص: 173

فَعَلَيْهَا»(1).

وهذه الآية جامعة لإبصار العيُون، وإبصار القلوب، قال الله تعالی :

«فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(2) ومنه قوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ»(3) معناه: لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن، أو يمكّنه من النظر إلى فرجه، ثمَّ قال سبحانه: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ»(4) أي ممّن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفرج، والنّظر سبب إيقاع الفعل من الزنّا وغیره.

ثم نظم تعالی ما فرض على السّمع والبصر والفرج في آية واحدة فقال: «وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ»(5) يعني بالجلود - هاهنا - الفروج، وقال تعالى: «وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(6) فهذا ما فرض الله تعالى على العينين من تأمّل الآيات، والغضّ عن تأمّل المنكرات وهو من الايمان .

ص: 174


1- الانعام 6: 104
2- الحج 22: 46
3- النور 24: 30
4- النور 24: 31
5- فصلت 41: 22
6- الاسراء 17: 36

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وأمّا ما فرض سبحانه على اليدين فالطَّهور وهو قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»(1) وفرض على اليدين الإنفاق في سبيل الله تعالی فقال: «أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ»(2).

وفرض تعالى على اليدين الجهاد لأنّه من عملها وعلاجها، فقال:

«فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ»(3) وذلك كلّه من الايمان.

وأمّا ما فرضه الله على الرّٙجلين فالسّعي بهما فيما يرضيه، واجتناب السّعي فيما يسخطه، وذلك قوله سبحانه: «فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ»(4) وقوله سبحانه: «وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا»(5) وقوله: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ»(6) وفرض الله عليهما القيام في الصّلاة، فقال: «وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»(7).

ثمَّ أخبر أنَّ الرّٙجلين من الجوارح الّتي تشهد يوم القيامة حين

ص: 175


1- المائدة 5: 6
2- البقرة 2: 267
3- محمد (صلّى الله عليه و آله) 47: 4
4- الجمعة 62: 9
5- لقمان 31: 18
6- لقمان 31: 19
7- البقرة 2: 238

تُستنطق بقوله: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1) وهذا مما فرض الله تعالى على الرّجلين في كتابه وهو من الايمان.

وأمّا ما افترضه على الرأس فهو أن يمسح من مقدَّمه بالماء في وقت الطّهور للصّلاة بقوله: «وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ»(2) وهو من الايمان، وفرض على الوجه الغَسل بالماء عند الطهور، وقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ»(3) وفرض عليه السّجود، وعلى اليدين والرّكبتين والرجلين الركوع وهو من الايمان.

وقال فيما فرض على هذه الجوارح من الطّهور والصلاة وسمّاه في كتابه إيماناً حين تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فقال المسلمون: یا رسول الله ذهبت صلاتنا إلى بيت المقدس وطهورنا ضياعاً؟ فأنزل الله تعالى: «وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ»(4) فسمّى الصّلاة والطهور إيماناً.

ص: 176


1- يس 36: 65
2- المائدة 5: 6
3- المائدة 5: 6
4- البقرة 2: 143

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من لقي الله كامل الايمان كان من أهل الجنّة، ومن كان مضيّعاً لشيء ممّا فرضه الله تعالى في هذه الجوارح وتعدَّی ما أمره الله وارتكب ما نهاه عنه، لقي الله تعالی ناقص الایمان» قال الله (عزّوجلّ): «وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ»(1) وقال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(2) وقال سبحانه: «إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى»(3) وقال «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ»(4) وقال: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ»(5) الآية.

فلو كان الايمان كلّه واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان، لم یکن الأحد فضل على أحد، ولتساوى الناس، فبتمام الايمان وكماله دخل المؤمنون الجنّة، ونالوا الدّرجات فيها، وبذهابه ونقصانه دخل الاخرون النار.

وكذلك السّبق إلى الايمان قال الله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ

ص: 177


1- التوبة 9: 124
2- الانفال 8: 2
3- الكهف 18: 13
4- محمد (صلّی الله عليه وآله) 47: 17
5- الفتح 48: 4

أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1) وقال سبحانه «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ»(2) وثلّث بالتابعين، وقال (عزّوجلّ): «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»(3) وقال:

«وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا»(4) وقال:

«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا»(5) وقال: «هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ»(6) وقال سبحانه: «وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ»(7) وقال: «الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ»(8)وقال تعالى: «لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى»(9) وقال:

«وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ٭ دَرَجَاتٍ مِنْهُ

ص: 178


1- الواقعة 56: 10 و 11
2- التوبة 9: 100
3- البقرة 2: 253
4- الاسراء 17: 55
5- الاسراء 17: 21
6- آل عمران 3: 163
7- هود 11: 3
8- التوبة 9: 20
9- الحديد 57: 10

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً»(1) وقال: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ»(2).

فهذه درجات الايمان ومنازلها عند الله سبحانه، ولن يؤمن بالله إلاّ من آمن برسوله وحججه في أرضه قال الله تعالى: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»(3) وما كان الله (عزّوجلّ) ليجعل لجوارح الانسان إماماً في جسده ينفي عنها الشكوك ويثبّت لها اليقين، وهو القلب، ويهمل ذلك في الحجج، وهو قوله تعالى: «فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ»(4) وقال: «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ»(5) وقال تعالى: «أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ»(6) وقال سبحانه: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا»(7) الآیة.

ثمَّ فرض على الاُمَّة طاعة ولاة أمره، القُوّام لدينه، كما فرض عليهم طاعة رسول الله (صلّى الله عليه و آله) فقال: «أَطِيعُوا اللهَ

ص: 179


1- النساء 4: 95 و 96
2- التوبة 9: 120
3- النساء 4: 80
4- الانعام 6: 149
5- النساء 4: 165
6- المائدة 5: 19
7- السجدة 33: 24

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1) ثمَّ بيّن محلَّ ولاة أمره من أهل العلم بتأویل کتابه، فقال (عزّوجلّ): «وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(2) وعَجْز كلّٙ أحد من النّاس عن معرفة تأويل كتابه غيرهم، لأنّهم هم الراسخون في العلم المأمونون على تأويل التنزيل، قال الله تعالى: «وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(3) إلى آخر الآية وقال سبحانه: «بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»(4).

وطلب العلم أفضل من العبادة قال الله (عزّوجلّ): «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(5) «لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»(6) وبالعلم استحقّوا عند الله اسم الصدق، وسمّاهم به صادقین، وفرض طاعتهم على جميع العباد بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(7) فجعلهم أولياءه، وجعل ولايتهم ولايته، وحزبهم حزبه فقال: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ

ص: 180


1- النساء 4: 59
2- النساء 4: 83
3- آل عمران 3: 7
4- العنكبوت 29 : 49
5- فاطر 35: 28
6- التحريم 66: 6
7- التوبة 9: 119

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن هُمُ الْغَالِبُونَ»(1) وقال: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2).

واعلموا رحمكم الله أنّما هلكت هذه الاُمّة وارتدَّت على أعقابها بعد نبيّها (صلّى الله عليه وآله) بركوبها طريق من خلا(3) من الاُمم الماضية، والقرون السّالفة الّذين آثروا عبادة الأوثان على طاعة أولياء الله (عزّوجلّ)، وتقديمهم من يجهل على من يعلم، فعنّفها الله تعالى بقوله: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(4).

وقال في الّذين استولوا على تراث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بغير حقّ من بعد وفاته: «أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(5).

فلو جاز للاُمّة الايتمام بمن لا يعلم، أو بمن يجهل، لم يقل إبراهيم (عليه السّلام) لأبيه: «لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا»(6) فالناس أتباع من اتّبعوه من أئمّة الحقّ وأئمّة الباطل، قال الله (عزّوجلّ) : «يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ

ص: 181


1- المائدة 5: 56
2- المائدة 5: 55
3- خلا الشيء: مضى (أقرب الموارد)
4- الزمر 39: 9
5- یونس 10: 35
6- مریم 19: 42

فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(1) فمن ائتمَّ بالصّادقين حُشر معهم، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): المرء مع من أحبَّ، قال إبراهيم (عليه السّلام): «فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي»(2).

وأصل الإيمان العلم، وقد جعل الله تعالى له أهلاً ندب الى طاعتهم ومسألتهم فقال : «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3) وقال جلّت عظمته: «وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا»(4) والبيوت في هذا الموضع اللاّتي عظّم الله بناءها بقوله: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»(5) ثمَّ بيّن معناها لكي لا يظنّ أهل الجاهليّة أنّها بيوت مبنيّة، فقال تعالى: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ»(6) فمن طلب العلم في هذه الجهة أدركه، قال رسول الله (صلّی الله عليه وآله): «أنا مدينة العلم - وفي موضع - : أنا مدينة الحكمة وعلىٌ بابها، فمن اراد الحكمة فليأتها من بابها» وكلُّ هذا منصوص في کتابه تعالى إلاّ أنَّ له أهلاً يعلمون تأويله.

فمن عدل عنهم إلى الّذين ينتحلون ما ليس لهم، ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله - وهو تأويله بلا برهان ولا دليل

ص: 182


1- الأسراء 17: 71
2- ابراهيم 14: 36
3- النحل 16: 43
4- البقرة 2: 189
5- النور 24: 36
6- النور 24: 37

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن ولا هدى - هلك وأهلك وخسرت صفقته وضلَّ سعيه «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ»(1) وإنّما هو حقٌّ و باطل، وإيمان وكفر، وعلم وجهل، وسعادة وشقوة، وجنّة ونار، لن يجتمع الحقُّ والباطل في قلب امرء، قال الله تعالى: «مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ»(2).

وإنّما هلك الناس حين ساووا بين أئمّة الهُدى، وبين أئمّة الكفر، وقالوا: إنَّ الطاعة مفروضة لكلّٙ من قام مقام النّبيّ برّاً كان أو فاجراً، فاُتوا من قبل ذلك(3).

قال الله سبحانه: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٭ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(4) وقال الله تعالى: «هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ»(5) وقال فيمن سمّوهم من أئمّة الكفر بأسماء أئمّة الهدى ممّن غصب أهل الحقّ ما جعله الله لهم، وفيمن أعان أئمّة الضّلال على ظلمهم: «إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ»(6).

فأخبرهم الله سبحانه بعظيم افترائهم على جملة أهل الإيمان

ص: 183


1- البقرة 2: 166
2- الاحزاب 33: 4
3- أي كان هلاكهم لهذا السبب وهذا القول
4- القلم 68: 35 و 39
5- الرعد 13: 16
6- النجم 53: 23

بقوله تعالى: «إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ»(1) وقوله تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ»(2) وبقوله سبحانه: «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(3) وقوله تعالی :

«أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ» «كَمَنْ هُوَ أَعْمَى»(4).

فبيَّن الله (عزّوجلّ) بين الحقّ والباطل في كثير من آيات القرآن، ولم يجعل للعباد عذراً في مخالفة أمره بعد البينات والبرهان، ولم يتركهم في لبس من أمرهم، ولقد ركب القوم من الظلم والكفر في إختلافهم بعد نبيّهم وتفريقهم الاُمّة، وتشتيت أمر المسلمين وإعتدائهم على أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد أن تبيّن لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية بالمخالفة، فاتبعوا أهواءهم، وتركوا ما أمرهم الله به ورسوله، قال تعالى: «وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ»(5).

ثم أبان فضل المؤمنين فقال سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

ص: 184


1- النحل 16: 105
2- القصص 28: 50
3- السجدة 32: 18
4- بداية الآية في سورة محمد (صلّی الله عليه وآله) 47: 14ونصّها «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ» وذيلها في سورة الرعد 13: 19، ونصّها «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»
5- البينة 98: 4

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(1) ثم وصف ما أعدَّه من كرامته تعالی لهم، وما أعدَّه لمن أشرك به، وخالف أمره وعصى وليّه، من النقمة والعذاب، ففرَّق بين صفات المهتدين وصفات المعتدين، فجعل ذلك مسطوراً في كثير من آيات كتابه، ولهذه العلّة قال الله تعالى: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(2).

فترى من هو الإمام الذي يستحقّ هذه الصفة من الله (عزّوجلّ) المفروض على الأُمّة طاعته ؟!! من لم يشرك بالله تعالی طرفة عين، ولم يعصه في دقيقة ولا جليلة قطّ؟ أم من انفد عمره وأكثر أيامه في عبادة الأوثان، ثمَّ أظهر الإيمان وأبطن النّفاق؟!! وهل من صفة الحكيم أن يطهّر الخبيث بالخبيث، ويقيم الحدود على الأُمّة من في جنبه الحدود الكثيرة ؟!! وهو سبحانه يقول:

«أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ»(3).

أولم يأمر الله (عزّوجلّ) نبيّه (صلّى الله عليه وآله) بتبليغ ما عهده إليه في وصيّه، وإظهار إمامته وولايته: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ

ص: 185


1- البينة 98: 7
2- سورة محمد (صلّی الله علیه و آله) 47: 24
3- البقرة 2: 44

النَّاسِ»(1) فبلّغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما قد سمع.

واعلم أنّ الشياطين اجتمعوا إلى إبليس فقالوا له: ألم تكن أخبرتنا أنَّ محمداً إذا مضی نکثت أُمّته عهده ونقضت سنّته، وأنَّ الكتاب الذي جاء به يشهد بذلك هو قوله: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ»(2) فكيف يتمُّ هذا وقد نصب لاُمّته علماً، وأقام لهم إماماً؟ فقال لهم إبليس: لا تجزعوا من هذا، فانَّ اُمّته ينقضون عهده، ويغدرون بوصیّه من بعده، ويظلمون أهل بيته، ويهملون ذلك لغلبة حبّٙ الدُّنيا على قلوبهم، وتمكّن الحميّة والضغائن في نفوسهم، واستكبارهم وعزّهم، فأنزل الله تعالى : «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(3).

وأمّا الكفر المذكور في كتاب الله تعالی فخمسة وجوه: منها كفر الجحود، ومنها كفر فقط، والجحود ينقسم على وجهين، ومنها كفر التَرك لما أمر الله تعالى به، ومنها كفر البراءة، ومنها كفر النعيم.

فأمّا كفر الجحود فأحد الوجهين منه جحود الوحدانية، وهو قول من يقول: لا ربَّ ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا نشور، وهؤلاء صنف من الزّنادقة وصنف من الدّهرية الذين يقولون: وما يهلكنا إلا

ص: 186


1- المائدة 5: 67
2- آل عمران 3: 144
3- سبأ 34: 20

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن الدَّهْرُ»(1) وذلك رأي وضعوه لأنفسهم، استحسنوه بغير حجة، فقال الله تعالى: «إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ»(2) وقال: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»(3) أي لا يؤمنون بتوحيد الله.

والوجه الآخر من الجحود هو الجحود مع المعرفة بحقيقته، قال تعالى: «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا»(4) وقال سبحانه:

«وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ»(5) أي جحدوه بعد أن عرفوه.

وأمّا الوجه الثالث من الكفر فهو كفر التَّرك لما أمرهم الله به، وهو من المعاصي قال الله سبحانه: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ» إلى قوله: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ»(6) فكانوا كفّاراً التركهم ما أمر الله تعالى به، فنسبهم إلى الإيمان بإقرارهم بألسنتهم على الظاهر دون الباطن، فلم ينفعهم ذلك لقوله تعالى: «فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»(7) إلى آخر الآية.

ص: 187


1- الجاثية 45: 24
2- البقرة 2: 78
3- البقرة 2: 6
4- النمل 27: 14
5- البقرة 2: 89
6- البقرة 2: 84 و 85
7- البقرة 2: 85

وأمّا الوجه الرابع من الكفر، فهو ما حكاه تعالى من قول إبراهيم (عليه السلام) : «كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ»(1) فقوله: «كَفَرْنَا بِكُمْ» أي تبرَّأنا منكم، وقال سبحانه في قصّة إبليس وتبرّئه من أوليائه من الانس يوم القيامة: «إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ»(2) أي تبرّأت منكم، وقوله تعالى: «إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا»(3) الآية.

وأمّا الوجه الخامس من الكفر وهو كفر النعم، قال الله تعالی عن قول سليمان (عليه السّلام): «هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ»(4) وقوله (عزّوجلّ): «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»(5) وقال تعالى: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ»(6).

فأمّا ما جاء من ذكر الشرك في كتاب الله تعالی فمن أربعة أوجه قوله تعالى: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ

ص: 188


1- الممتحنة 6: 4
2- ابراهیم 16: 22
3- العنکبوت 29: 25
4- النمل 27: 40
5- ابراهیم 14: 7
6- البقرة 2: 152

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ»(1) فهذا شرك القول والوصف.

وأمّا الوجه الثاني من الشّرك فهو شرك الأعمال قال الله تعالى:

«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ»(2) وقوله سبحانه: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ»(3) على أنّهم لم يصوموا لهم ولم يصلّوا، ولكنّهم أمروهم ونهوهم فأطاعوهم، وقد حرَّموا عليهم حلالاً وأحلّوا لهم حراماً، فعبدوهم من حيث لا يعلمون، فهذا شرك الأعمال والطّاعات.

وأمَّا الوجه الثالث من الشّرك: شرك الزنا(4) قال الله تعالی :

«وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ»(5) فمن أطاع ناطقاً فقد عبده، فان كان الناطق ينطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وإن كان ينطق عن غير الله تعالى فقد عبد غير الله.

وأمَّا الوجه الرابع من الشّرك فهو شرك الرّياء قال الله تعالی :

«فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»(6) فهؤلاء صاموا وصلّوا واستعملوا أنفسهم بأعمال أهل الخير إلاّ

ص: 189


1- المائدة 5: 72
2- يوسف 12: 106
3- التوبة 9: 31
4- هكذا في النسخ والصحيح: فهو شرك الزنا
5- الاسراء 17: 64
6- الكهف 18: 110

أنّهم يريدون به رئاء النّاس فأشركوا لمّا أتوه من الرّياء، فهذه جملة وجوه الشّرك في كتاب الله تعالی.

وأمَّا ما ذكر من الظّلم في كتابه فوجوه شتّى فمنها: ما حكاه الله تعالى عن قول لقمان لابنه: «يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»(1) ومن الظلم مظالم الناس فيما بينهم من معاملات الدُّنيا، وهي شتّى قال الله تعالى: «وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ»(2) الآية.

فأمّا الردُّ على من أنكر زيادة الكفر فمن ذلك قوله الله (عزّوجلّ) في كتابه: «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ»(3) وقوله تعالى: «وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ»(4) وقوله: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا» الآية(5) وغير ذلك في كتاب الله.

وأمّا ما فرضه سبحانه من الفرائض في كتابه فدعائم الاسلام وهي خمس دعائم، وعلى هذه الفرائض الخمسة بني الاسلام، فجعل

ص: 190


1- لقمان 31: 13
2- الانعام 6: 93
3- التوبة 9: 37
4- التوبة 9: 125
5- النساء 4: 137

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن سبحانه لكلّٙ فريضة من هذه الفرائض أربعة حدود، لايسع أحداً جهلها: أوّلها الصّلاة، ثمَّ الزّكاة، ثمَّ الصّيام، ثمَّ الحجُّ، ثمَّ الولاية وهي خاتمتها والحافظة لجميع الفرائض والسنن.

فحدود الصلاة أربعة: معرفة الوقت، والتوجّه إلى القبلة، والركوع والسجود - وهذه عوامٌ في جميع الناس، العالم والجاهل - وما يتَّصل بها من جميع أفعال الصلاة والأذان والإقامة وغير ذلك، ولمّا علم الله سبحانه أنَّ العباد لا يستطيعون أن يؤدّوا هذه الحدود كلها على حقائقها جعل فيها فرائض، وهي الأربعة المذكورة، وجعل ما فيها من هذه الأربعة - من القراءة والدعاء والتسبيح والتكبير والأذان والإقامة وما شاكل ذلك - سنة واجبة، من أحبّها يعمل بها إعمالاً فهذا ذكر حدود الصَّلاة.

وأمَّا حدود الزّكاة فأربعة: أوّلها: معرفة الوقت الذي يجب فيه الزكاة، والثاني: القسمة، والثالث: الموضع الذي توضع فيه الزكاة، والرابع : القدر، فأما معرفة العدد والقسمة فإنّه يجب على الإنسان أن يعلم كم يجب من الزكاة في الأموال التي فرضها الله تعالى من الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب، فيجب أن يعرف كم يخرج من العدد والقسمة(1) ويتبعهما الكيل والوزن

ص: 191


1- في نسخة ابن قولویه: «معرفة العدد والقيمة» كما مر في ج68 ص 387 - 391 وقال المؤلّف العلاّمة المجلسي (طاب ثراه) في بيانه: وكأنّ ذكر القيمة لأنه قد يجوز أداء القيمة بدل العين وذكر المساحة لأنّه قد يضمن العامل حصة الفقراء بعد الخرص قبل الحصاد، فيحتاج الى المساحة. «هامش المصدر»

والمساحة، فما كان من العدد فهو من باب الإبل والبقر والغنم، وأمّا المساحة فمن باب الأرضين والمياه، وما كان من المكيل فمن باب الحبوب التي هي أقوات الناس في كل بلد، وأمّا الوزن فمن الذهب والفضة وسائر ما يوزن من أبواب مبلغ التجارات مما لا يدخل في العدد ولا الكيل، فإذا عرف الإنسان ما يجب عليه في هذه الأَشياء، وعرف الوضع وتوضّع فيه كان مؤدّياً للزّكاة على ما فرض الله تعالی.

وأمّا حدود الصّيام فأربعة حدود: أوّلها: إجتناب الأكل والشرب، والثاني: إجتناب النكاح، والثالث: إجتناب القيء متعمّداً، والرابع:

إجتناب الإغتماس في الماء، وما يتصل بها وما يجري مجراها من السنن كلها.

وأمّا حدود الحج فأربعة وهي الإحرام والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والوقوف في الموقفين، وما يتبعهما ويتصل بها، فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة والإعادة.

وأمَّا حدود الوضوء للصّلاة فغسل اليدين والوجه والمسح على الرأس وعلى الرجلين وما يتعلق ويتصل بها سنّة واجبة على من عرفها، وقدر على فعلها.

وأمَّا حدود الإمام المستحقّ للإمامة فمنها: أن يعلم الإمام المتولّی عليه أنّه معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزلُّ في الفتيا ولا يُخطئ في الجواب ولا يسهو ولا يُنسى، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا.

والثاني: أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه، وضروب

ص: 192

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن أحكامه وأمره ونهيه، وجميع ما يحتاج إليه الناس، فيحتاج الناس إليه ويستغني عنهم.

والثالث: يجب أن يكون أشجع الناس لأنّه فئة(1) المؤمنين التي يرجعون إليها، إن انهزم من الزّحف انهزم الناس بإنهزامه.

والرابع: يجب أن يكون أسخي الناس وإن بخل أهل الأرض كلّهم، لأنّه إن استولى الشحُّ عليه شحَّ على ما في يديه من أموال المسلمين.

والخامس: العصمة من جميع الذنوب، وبذلك يتميَّز من المأمومين الذين هم غیر معصومین، لأنه لو لم يكن معصوماً لم يؤمن عليه أن يدخل فيما يدخل فيه الناس من موبقات الذنوب المهلكات والشّهوات واللذات، ولو دخل في هذه الأشياء لاحتاج إلى من يقيم عليه الحدود، فيكون حينئذٍ إماماً مأموماً، ولا يجوز أن يكون الإمام بهذه الصفة.

وأمّا وجوب كونه أعلم الناس فإنّه لو لم يكن عالماً لم يؤمن أن يُقلّب الأحكام والحدود، ويختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها بخلافها(2) أمّا وجوب کونه أشجع الناس فيما قدَّمناه، لأنّه لا يصحُّ

ص: 193


1- الفئة: الطائفة التي تقيم وراء الجيش فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليهم (لسان العرب)
2- الضمير يعود الى «القضايا المشكلة» والمعنى: فلا يكون قادراً على الاجابة بما يجعل القضايا المشكلة سهلةً وبسيطة، ويرفع عنها الغموض والاشكال

أن ينهزم فيبوء بغضب من الله تعالى وهذه لا يصحُّ أن يكون صفة الإمام.

وأمّا وجوب كونه أسخى الناس فيما قدَّمناه وذلك لا يليق بالإمام(1).

وقد جعل الله تعالى لهذه الأربعة فرائض دليلين أبان لنا بهما المشكلات وهما الشمس والقمر: أي النبيّ ووصيّه بلا فصل.

وأمّا الزجر في كتاب الله (عزّوجلّ) فهو ما نهى الله سبحانه ووعد العقاب لمن خالفه مثل قوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا»(2) وقوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(3) وقوله سبحانه: «لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً»(4) وقوله تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»(5) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالی.

وأمّا ترغيب العباد في كتاب الله تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا»(6) وقوله: «وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا

ص: 194


1- أقول: قوله (عليه السّلام) «وذلك لايليق بالامام» أي لايناسبه أن يكون شحيحاً بخيلاً
2- الاسراء 17: 32
3- الانعام 6: 152، الأسراء 17: 34
4- آل عمران 3: 130
5- الاسراء 17: 33، الأنعام 6: 151
6- الاسراء 17: 79

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1) وقوله: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٭ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(2) وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ٭ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ»(3) الآية وقوله: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا»(4) وأمثال ذلك كثير في كتاب الله تعالى.

أمّا الترهيب في كتاب الله فقوله سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ» إلى قوله: «وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(5) وقوله (عزّوجلّ): «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»(6) وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا»(7) إلى آخر الآية وقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»(8) الآية.

أمّا الجدال ومعانيه في كتاب الله تعالى: «وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 195


1- غافر 40: 40
2- الزلزلة 99: 7 و 8
3- الصف 61: 10 و 11
4- النساء 4: 31
5- الحج 22: 1 و 2
6- البقرة 2: 281
7- لقمان 31: 33
8- غافر 40: 60

لَكَارِهُونَ ٭ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ»(1) ولمّا خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى بدر كان خروجه في طلب العدوّ، وقال لأصحابه: إنَّ الله (عزّوجلّ) قد وعدني أن أظفر بالعير أو بقریش، فخرجوا معه على هذا فلمّا أقبلت العير وأمره الله بقتال قريش أخبر أصحابه فقال: إنَّ قريشاً قد أقبلت وقد وعدني الله سبحانه إحدى الطائفتين أنّها لكم وأمرني بقتال قریش.

قال: فجزعوا من ذلك وقالوا: يا رسول الله فانّا لم نخرج على اُهبة الحرب قال: وأكثر قوم منهم الكلام والجدال، فأنزل الله تعالى:

«وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ» إلى قوله: «وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ»(2) وكقوله سبحانه: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ»(3) وقوله سبحانه: «وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»(4) ومثل هذا [كثير في كتاب الله تعالی.

وأمّا] الاحتجاج على الملحدين وأصناف المشرکین مثل قوله حكاية عن قول إبراهيم (عليه السّلام): «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ

ص: 196


1- الانفال 8: 5 و 6
2- الانفال 8: 7
3- المجادلة 58: 1
4- النحل 16: 125

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ»(1) إلى آخر الآية، وقوله سبحانه عن الأنبياء في مجادلتهم لقومهم في سورة الأعراف وغيرها، وقوله تعالى حكاية عن قوم نوح (عليه السلام): «يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»(2) ومثل هذا كثير موجود في مجادلة الاُمم للأنبياء.

وأمّا ما في كتاب الله تعالى من القصص عن الاُمم فانّه ينقسم على ثلاثة أقسام فمنه ما مضى، ومنه ما كان في عصره، ومنه ما أخبر الله تعالی به أنّه يكون بعده.

فأمّا ما مضى فما حكاه الله تعالی فقال: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ»(3) ومنه قول موسی لشعيب: «فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(4) ومنه ما أنزل الله من ذکر شرائع الأنبياء وقصصهم وقصص اُممهم، حكايةً عن آدم إلى نبيّنا (صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين).

وأمّا الذي كان في عصر النبي (صلّى الله عليه وآله) فمنه ما أنزل الله تعالى في مغازيه وأصحابه و توبيخهم ومدح من مدح منهم، وذمّٙ

ص: 197


1- البقرة 2: 258
2- هود 11: 32
3- يوسف 12: 3
4- القصص 28: 25

من ذمَّ منهم، وما كان من خير وشر، وقصة كل فريق منهم، مثل ما قصَّ من قصة غزاة بدر، وأُحد، وخيبر، وحنين، وغيرها من المواطن والحروب، ومباهلة النصارى، ومحاربة اليهود، وغيره، مما لو شرح الطال به الكتاب.

وأمّا قصص ما يكون بعده فهو كل ما حدث بعده ممّا أخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) به ومالم يخبر، والقيامة وأشراطها، وما يكون من الثواب والعقاب، وأشباه ذلك.

وأمّا ما في كتاب الله تعالى من ضرب الأمثال فمثل قوله تعالى:

«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ»(1) إلى آخر الآية، وقوله تعالی: «مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»(2) الآية وكقوله: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ»(3) إلى آخر الآية، وإنّما ضرب الله سبحانه هذه الأمثال للنّاس في كتابه ليعتبروا بها، ويستبدلوا بها ما أراده منهم من الطاعة وهو كثير في كتابه تعالی.

وأمّا ما في كتابه تعالى في معنى التنزيل والتأويل فمنه ما تأويله في تنزيله، ومنه ما تأويله قبل تنزيله، ومنه ما تأويله مع تنزيله، ومنه ما تأويله بعد تنزيله.

ص: 198


1- إبراهيم 14: 24
2- آل عمران 3: 117
3- النور 24: 35

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فأمَّا الذي تأويله في تنزيله فهو كل آية محكمة نزلت في تحريم شيء من الأُمور المتعارفة التي كانت في أيام العرب، تأويلها في تنزيلها فليس يحتاج فيها إلى تفسير أكثر من تأويلها وذلك قوله تعالی في التحريم: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ»(1) الآية.

وقوله: «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ»(2) الآية .

وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا» إلى قوله: «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»(3) وقوله تعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» إلى قوله: «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(4) ومثل ذلك في القرآن كثير ممّا حرَّم الله سبحانه، لا يحتاج المستمع إلى مسألة عنه.

وقوله (عزّوجلّ) في معنى التحليل: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ»(5) وقوله سبحانه: «وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا»(6) وقوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا

ص: 199


1- النساء 4: 23
2- النحل 16: 115
3- البقرة 2: 275 - 278
4- الانعام 6: 151 و 152
5- المائدة 5: 96
6- المائدة 5: 2

عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ»(1) الآية.

وقوله تعالى: «وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ»(2) وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»(3).

وقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ»(4).

وقوله (تبارك وتعالى): «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ»(5) ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالی.

وأمّا الّذي تأويله قبل تنزيله فمثل قوله تعالى في الاُمور الّتي حدثت في عصر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مما لم يكن الله أنزل فيها حكماً مشروحاً، ولم يكن عند النبي (صلّى الله عليه وآله) فيها شيء، ولا عرف ما وجب فيها مثل ذلك من اليهود من بني قريظة والنّضير، وذلك أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمّا هاجر إلى المدينة كان بها ثلاث بطون من اليهود من بني هارون منهم بنو قريظة، وبنو النّضير، وبنو القينقاع فلمّا دخلت الأوس والخزرج في الاسلام، جاءت اليهود إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقالوا: يا محمّد قد

ص: 200


1- المائدة 5: 4
2- المائدة 5: 5
3- المائدة 5: 1
4- البقرة 2: 187
5- المائدة 5: 87

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن أحببنا أن نهادنك إلى أن نرى ما يصير اليه أمرك، فأجابهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تكرُّماً وكتب لهم كتاباً أنه قد هادنهم، وأقرَّهم على دينهم لا يُتعَرَّض لهم وأصحابِهِم بأذيّة، وضمَّنوهم عن نفوسهم أنّهم لا يکیدونه بوجه من الوجوه، ولا لأحد من أصحابه.

وكانت الأوس حلفاء بني قريظة، والخزرج حلفاء بني النضير، وبنو النضير أكثر عدداً من بني القريظة وأكثر أموالاً، وكانت عدَّتهم ألف مقاتل، وكان عدد بني قريظة مائة مقاتل، وكان إذا وقع بينهم قتل لم يرض بنو النضير أن يكون قتيلٌ بقتيل، بل يقولون: نحن أشرف وأكثر وأقوى وأعز.

ثمَّ اتّفقوا بعد ذلك أن يكتبوا بينهم کتاباً شرطوا فيه: أيّما رجل من بني النضير قتل رجلاً من بني قريظة دفع نصف الدّية، وحمم وجهه . ومعنى حمم وجهه سخم وجهه بالسواد - ومعناه حمم بالفحم ويقعد على حمار ويحوّل وجهه إلى ذنب الحمار، ونودي عليه في الحيّ، وأيّما رجل من بني قريظة قتل رجلاً من بني النضير كان عليه الدية الكاملة، وقتل القاتل مع رفع الدية.

فلمّا هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة، ودخل الأوس والخزرج في دين الإسلام، وثب رجل من بني قريظة على رجل من بني النضير، فبعث بنو النضير إلى بني قريظة ابعثوا لنا بقاتل صاحبنا النقتله، وابعثوا إلينا بالدية، فامتنعوا من ذلك وقالوا: ليس هذا حكم الله في التوراة، وإنّما هذا حكم ابتدعتموه وليس لكم علينا إلا الدية أو القتل، فإن رضيتم بذلك وإلا بيننا وبينكم محمد نتحاكم إليه جميعاً.

ص: 201

قال: فبعث بنو النضير إلى عبدالله بن أُبيّ بن سلول وكان رأس المنافقين فقالوا: قد علمت ما بيننا من الحلف والموادعة، وقد كنّا لكم یا معاشر الأنصار من الخزرج أنصاراً على من آذاكم وقد امتنعت علينا بنو قریظة بما شرطناه عليهم، ودعوناه إلى حكم محمد وقد رضينا به، فأسأله أن لا ينقض شرطنا.

فقال لهم عبدالله بن أُبيّ بن سلول: ابعثوا إليَّ رجلاً منكم ليحضر کلامی و کلام محمد فإن علمتم أنّه يحكم لكم ويقرُّكم على ما كنتم عليه، فارضوا به، وإن لم يفعل فلا ترضوه لحكمه.

وجاء عبد الله بن أُبيّ بن سلول إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه رجل من اليهود فقال: يا رسول الله إنَّ هؤلاء اليهود لهم العدد والعدَّة والمنعة، وقد كانوا كُتب بينهم کتابُ شرط اتفقوا عليه فيما بينهم، ورضوا جميعاً به، وهم صائرون إليك فلا تنتقض عليهم شرطهم، فاغتمَّ من كلامه ولم يجبه ودخل (صلّی الله عليه وآله) منزله.

فأنزل الله عليه: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ»(1) يعني تعالی عبدالله بن اُبيّ بن سلول ثمَّ قال سبحانه: «وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ»(2) يعني به الرَّجل اليهودي الَّذي وافی مع عبدالله بن اُبيّ بن سلول ليسمع ما يقول رسول الله (صلّى الله عليه

ص: 202


1- المائدة 5: 41
2- المائدة 5: 41

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وآله) من الجواب لعبد الله، وقال: «لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ»(1) إلى قوله تعالى: «فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا»(2).

وجعل سبحانه الأمر إلى رسوله إن شاء أن يحكم حَكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، ثمَّ قال تعالى: «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٭ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ٭ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ٭ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٭ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ»(3).

ص: 203


1- المائدة 5: 41
2- المائدة 5: 42
3- المائدة 5: 42 - 46

[ومثل ذلك الظهار] في كتاب الله تعالى فانَّ العرب كانت إذا ظاهر رجل منهم امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد، فلمّا هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان بالمدينة رجل من الأنصار يقال له: أوس بن الصّامت - وكان أوَّل رجل ظاهر في الاسلام و كان كبير السّنّ به ضعف فجرى بينه وبين أهله كلام - وكانت امرأته تسمّى خولة بنت ثعلبة الأنصاريّ فقال لها أوس: أنت عليَّ كظهر اُمّي، ثمَّ إنّه ندم على ما كان منه، وقال: ويحكِ إنّا كنّا في الجاهليّة نحرّٙم علينا الأزواج في مثل هذا من قبل الاسلام، فلو أتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تسأله عن ذلك.

فجاءت خولة بنت ثعلبة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله زوجي ظاهَر منّي وهو أبو أولادي وابن عمّي، قد كان هذا الظهار في الجاهليّة يحرّٙم الزوجات على الأزواج أبداً.

فقال لها: ما أظنُّك إلا أن حرمت عليه إلى آخر الأبد، فجزعتْ جزعاً شديداً وبكت ثم قامت فرفعت يدها إلى السماء وقالت: إلى الله أشكو فراق زوجي، فرحمها اهل البيت، وبكوا لبكائها، فأنزل الله على نبيّه: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ» إلى قوله: «وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ٭ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ

ص: 204

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن مِسْكِينًا»(1).

فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قولي لأوس بن الصامت زوجك يعتق نسمة.

فقالت: يا رسول الله وأنّی له نسمة ؟!! لا والله ماله خادم غيري.

قال: فيصوم شهرين متتابعين.

قالت: إنه شيخ كبير لا يقدر على الصيام.

قال: فمريه أن يتصدَّق على ستين مسكيناً.

قالت: وأنّى له الصدقة فوالله ما بين لابتيها أحوج منا.

قال: فقولي فليمض إلى اُمّٙ المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر، فليتصدَّق على ستين مسكيناً.

قال: فعادت إلى أوس، فقال لها: ماوراك؟ قالت: خير وأنت ذميم، إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يأمرك أن تمضي إلى اُمّٙ المنذر فتأخذ منها وسق تمر فلتصدّٙق به على ستين مسكيناً.

ومثل ذلك في اللعان: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لما رجع من غزاة تبوك قام إليه عويمر بن الحارث العجلاني فقال:

یارسول الله إنَّ أمرأتي زنت بشريك بن السّمخاط، فأعرض عنه، فأعاد عليه القول فأعرض عنه، فأعاد ثالثة فقام (صلّی الله عليه وآله) ودخل، فنزل اللعان فخرج إليه فقال: إئتني بأهلك فقد أنزل الله فيكما قرآناً،

ص: 205


1- المجادلة 58: 1 - 4

فمضى وأتى بأهله وأتي معها قومها و كانت في شرف من الأنصار.

فوافوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يصلّي العصر، فلمّا فرغ أقبل عليهما وقال لهما: تقدَّما إلى المنبر فلاعنا، فتقدّم عویمر إلى المنبر فتلا عليهما رسول الله (صلّی الله عليه وآله) آية اللعان: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ»(1)...(2) فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): والعني نفسك بالخامسة فشهدت، وقالت في الخامسة: «أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ

ص: 206


1- النور 24: 6
2- هناك قد سقط نحو أسطر، نورده من تفسير القمي: ج 2 ص 98 تتميماً للمراد: قال - عويمر - فكيف أصنع؟ فقال: تقدم وقل: أشهد بالله أني إذاً لمن الصادقين فيما رميتها به. قال: فتقدّم وقالها. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أعدها، فأعادها. ثمَّ قال: أعدها حتى فعل ذلك أربع مرّات. فقال له في الخامسة: عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به فقال: «وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ» فيما رماها به. ثمَّ قال رسول الله : إنَّ اللعنة لموجبة ان كنت كاذباً، ثمَّ قال له: تنحّ، فتنحّى عنه. ثمَّ قال لزوجته: تشهدين كما شهد وإلاّ أقمت عليك حدَّ الله. فنظرت في وجوه قومها فقالت: لا أُسوّٙد هذه الوجوه في هذه العشية، فتقدّمت الى المنبر وقالت: أشهد بالله أنَّ عويمر بن ساعدة من الكاذبين فيما رماني به. فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أعيديها، فأعادتها حتى أربع مرّات... إلى آخره

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن مِنَ الصَّادِقِينَ» فيما رماني به.

فقال لهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اذهبا ولن يحلّ لك، ولن تحلّي له أبداً.

فقال عويمر: یا رسول الله فالذي أعطيتها؟ فقال له: إن كنت صادقاً فهو لها بما استحللته من فرجها، وإن كنت كاذباً فهو أبعد لك منه، وفرّق بينهما.

ومثله أنّ قوماً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ترهّبوا وحرّموا أنفسهم من طيّبات الدنيا، وحلفوا على ذلك أنهم لا يرجعون إلى ماكانوا عليه أبداً، ولا يدخلون فيه بعد وقتهم ذلك، منهم عثمان بن مظعون، وسلمان، و تمام عشرة من المهاجرين والأنصار، فأمّا عثمان بن مظعون فحرّم على نفسه النساء، والآخر حرّم الإفطار بالنهار إلى غير ذلك من مشاق التكليف.

فجاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى بيت أم سلمة فقالت لها: لم عطّلت نفسك من الطيب والصبغ والخضاب وغيره؟ فقالت: لأنّ عثمان بن مظعون زوجي ماقربني مذ كذا وكذا.

قالت أم سلمة: ولِمَ ذا؟ قالت: لأنّه قد حرّم على نفسه النساء وترهّب.

فاخبرت أُمُّ سلمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك وخرج إلى أَصحابه وقال: أترغبون عن النساء؟ إنّي آتي النساء، وأُفطر بالنهار، وأنام الليل، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي، وأنزل الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا

ص: 207

يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ٭ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ»(1).

فقالوا: يا رسول الله إنّا قد حلفنا على ذلك، فأنزل الله (عزّوجلّ):

«لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ» - إلى قوله - «ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ»(2).

ومثله أنَّ قوماً من الأنصار كانوا يعرفون ببني أُبيرق وكانوا منافقين قد أظهروا الإسلام وأسرُّوا النفاق، وهم ثلاثة إخوة يقال لهم:

بشر ومبشّر وبشير وكان بشر يكّنى أبا طعمة، وكان رجلاً حثيثاً(3) شاعراً قال: فنقبوا على رجل من الأنصار يقال له: رفاعة بن زید بن عامر - وكان عمّ قتادة بن النعمان الأنصاري وكان قتادة ممّن شهد بدراً - فأخذوا طعاماً كان قد أعدَّه لعياله وسيفاً ودرعاً.

فقال رفاعة لابن أخيه قتادة: إنّ بني أُبيرق قد فعلوا بي كذا، فلمّا بلغ بني أُبيرق ذلك جاؤا إليهما وقالوا لهما: إنّ هذا من عمل لبيد بن سهل، وكان لبيد بن سهل رجلاً صالحاً شجاعاً بطلاً إلاّ أنّه فقير لا مال له، فبلغ لبيداً قولهم فأخذ سيفه وخرج إليهم فقال لهم: يا بني أُبيرق أترموني بالسرقة، وأنتم أولی به مني، والله لتبيّننّ ذلك أو لأُمكننّ

ص: 208


1- المائدة 5: 87 و 88
2- المائدة 5: 89
3- رجل حثيث: حادٌ سريعٌ في أمره، كأنَّ نفسه تحثُّه، وولَّی حثيثاً: أي مسرعاً حريصاً. (لسان العرب)

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن سيفي منكم، فلم يزالوا يلاطفونه حتى رجع عنهم وقالوا له: أنت بريء من هذا.

فجاء قتادة بن النعمان إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال له: بأبي أنت وأُمي إنّ أَهل بيت منّا نقبوا على عمّي وأخذوا له كذا وكذا، وهم أهل بيت سوء وذكرهم بقبيح، فبلغ ذلك بني أُبيرق فمشوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعهم رجل من بني عمّهم يقال له: أشتر بن عروة وكان رجلاً فصيحاً خطيباً فقال: يا رسول الله إنّ قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت منّا لهم حسب ونسب وصلاح، فرماهم بالسّرق وذكرهم بالقبيح وقال فيهم غير الواجب.

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن كان ما قلتَه حقّاً فبئس ماصنع.

فاغتمَّ قتادة من ذلك ورجع إلى عمّه فقال: يا ليتني متُّ ولم أكن كلَّمت رسول الله (صلّى الله عليه و آله) في هذا، فأنزل الله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ٭ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ٭ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا» إلى قوله: « وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا»(1).

ومثله أنَّ قريشاً كانوا إذا حجّوا وقفوا بالمزدلفة، ولم يقفوا بعرفات وكان تلبيتهم إذا أحرموا في الجاهلية: «لبيك اللهم لبيك لبيك

ص: 209


1- النساء : 105 - 113

لاشريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك» فجاءهم إبليس في صورة شیخ وقال لهم: ليس هذا تلبية أسلافكم.

قالوا: كيف كانت تلبية أسلافنا؟ فقال: کانت: اللهم لبيك لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك، والملك لك لا شريك لك إلا شریكاً هو لك.

فنفرت قریش من قوله، فقال: لا تنفروا من قولي وعلى رسلكم حتى آتي آخر كلامي.

فقالوا له: قل.

فقال: إلا شريك لك هو لك، تملكه وماملك.

الا ترون أنه تملك الشريك والشريك لايملكه؟! فرضیت قریش بذلك فلمّا بعث الله سبحانه رسوله (صلّى الله عليه وآله) نهاهم عن ذلك، وقال: إنَّ هذا شريك.

فقالوا: ليس بشريك لأنّه لا يملكه وماملك، فأنزل الله سبحانه:

«ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ» إلى آخر الآية، فأعلمهم أنّهم لا يرضون بهذا فكيف ينسبون إلى الله؟! ومثله حديث تميم الداري مع ابن مندي وابن أبي مارية وما كان من خبرهم في السفر، وكانا رجلين نصرانيين وتميم الداري رجل من رؤوس المسلمين خرجوا في سفر لهم، وكان مع تميم الداري خرج

ص: 210

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن له فيه متاع وآنية منقوشة بالذهب و قلادة من ذهب أخرج معه ليبيعه في بعض أسواق العرب، فلمّا فصلوا عن المدينة اعتلَّ تميم علّة شديدة فلمّا حضرته الوفاة، دفع جميع ما كان معه إلى ابن مندي وابن أبي مارية وأمرهما أن يوصلاه إلى أهله وذرّٙيته.

فلمّا قدما إلى المدينة أخذا المتاع والآنية والقلادة، فسألوهما:

هل مرض صاحبنا مرضاً طويلاً أنفق نفقة واسعة؟ قالا: ما مرض إلا أياماً قلائل.

قالوا: فهل سُرقت منه شيء من متاعه في سفره هذا؟ قالا: لا، لم يُسرق منه شيء.

قالوا: فهل اتّجر معكما في سفره تجارة خسر فيها؟ قالا: لم يتّجر في شيء.

قالوا: فإنا افتقدنا أفضل شيء كان معه آنية منقوشة بالذهب، وقلادة من ذهب.

فقالا: أما الذي دفعه إلينا فقد أدَّيناه إليكم، فقدَّموهما إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فأوجب عليهما اليمين، فحلفا وخلّی سبيلهما.

ثم إن تلك الآنية والقلادة ظهرت عليهما، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله فأخبروه، فأنزل الله (عزّوجلّ): «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ» فأطلق سبحانه شهادة أهل الكتاب على الوصيّة فقط إذا كان ذلك في

ص: 211

السَّفر، ولم يجدوا أحداً من المسلمين عند حضور الموت.

ثمَّ قال تعالى: «تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ» يعني صلاة العصر «فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ»(1) أنهما أحقّ بذلك يعني - تعالى - يحلفان بالله أنّهما أحق بهذه الدعوى منهما، فإنهما كذبا فيما حلفا و «لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ» فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أولياءهم أن يحلفوا بالله على ما ادّعوه، فحلفوا، فلمّا حلفوا أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الآنية والقلادة من ابن مندي وابن أبي مارية وردَّهما إلى أولياء تمیم.

ثمَّ قال الله (عزّوجلّ): «ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا»(2).

ومنه الحديث في أمر عائشة، وما رماها به عبدالله بن أُبيّ بن سلول وحسان بن ثابت و مسطح بن أثاثة فأنزل الله تعالى: «إنَّ الَّذِينَ

ص: 212


1- المائدة 5: 106. وقد سقط من هنا ما يلي: «إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ» فهذه الشهادة الاولى التي حلفهما رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثم قال (عزّوجلّ): «فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا» أي حلفا على كذب «فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا» يعني من أولياء المدعى «مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ» الاولين «فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ» أنّهما أحقّ بذلك... الى آخره
2- المائدة 5: 108

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن «جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ»(1) الآية.

فكلُّ ما كان من هذا وشبهه في كتاب الله تعالى فهو تأويله قبل تنزيله، ومثله في القرآن كثير في مواضع شتّی.

وأمّا ما تأويله بعد تنزيله فهي الأُمور التي أخبر الله (عزّوجلّ) رسوله (صلّى الله عليه وآله) أنها ستكون بعده، مثل ما أخبره به من أمور القاسطين والمارقين والخوارج، وقتل عمار جرى ذلك المجری، وأخبار الساعة والرجعة وصفات القيامة، مثل قوله تعالى: «هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ»(2) وقوله سبحانه: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(3) وقوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ٭ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(4) وقوله (عزّوجلّ) «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ

ص: 213


1- النور 24: 11
2- الاعراف 7: 53
3- الانبياء 21: 105
4- القصص 28: 5 و 6

وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»(1) إلى آخر الآية، وقوله: «الم ٭ غُلِبَتِ الرُّومُ ٭ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ٭ فِي بِضْعِ سِنِينَ»(2) فنزلت هذه ولم يكن غُلبت، وغُلبت بعد ذلك.

ومثله: «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ»(3) فهذه الآيات وأشباههما نزلت قبل تأويلها، وكلُّ ذلك تأويله بعد تنزيله. .

[وأمّا ما تأويله مع تنزيله فمثل](4) قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(5) فيحتاج من سمع هذا التنزيل عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يعرف هؤلاء الصّادقين الّذين اُمروا بالكينونيّة معهم، ويجب على الرَّسول أن يدلَّ عليهم، ويجب على الاُمّة حينئذ امتثال الأمر، ومثله قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(6) فلم يستغن الناس في هذا المعنى بالتنزيل دون التّفسير - كما استغنوا بالآيات المتقدّمة الّتي ذكرت في آیات ما تأويله في تنزيله اللاتي ذكرناها في الآيات المتقدّمة - [إلاّ] حين بيّن لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنَّ الولاة الأمر الّذي

ص: 214


1- النور 24: 55
2- الروم 30: 1 - 4
3- الاسراء 17: 4
4- زيادة أضفناها طبقاً لما مر في ص199 السطر الاول
5- التوبة 9: 119
6- النساء 4: 59

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فرض الله طاعتهم من عترته المنصوص عليهم.

ومثله قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»(1) فلم يستغن الناس عن بيان ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحدود الصّلاة كيف يصلّونها وعددها وركوعها وسجودها ومواقيتها وما يتّصل بها، وكذلك الزكاة والصوم وفرائض الحجّ وسائر الفرائض، إنّما أنزلها الله وأمر بها في كتابه مجملة غير مشروحة للناس في معنی التنزيل.

وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو المفسّر لها والمعلّٙم للأُمّة كيف يؤدّونها، وبهذه الطريقة وجب عليه (صلّى الله عليه وآله) تعريف الامّة الصادقين عن الله (عزّوجلّ) : «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(2).

ومثله قوله سبحانه في سورة التوبة: «وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ»(3) ومثله قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ»(4) ومثله قوله (عزّوجلّ): «وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى

ص: 215


1- البقرة 2: 43، و آیات اخر
2- الاسراء 17: 60
3- التوبة 9: 61
4- التوبة 9: 49

النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ»(1) ومثل قوله (عزّوجلّ): «لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ»(2).

فوجب على الأُمَّة أن يعرفوا هؤلاء المنزَّل فيهم هذه الآيات من هم؟ ومن غضب الله عليهم؟ ليعرفوا بأسمائهم حتى يتبرَّؤا منهم ولا يتولّوهم، قال الله تعالى: «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ»(3) ومثل ذلك كثير في كتاب الله تعالى من الأمر بطاعة الأصفياء ونعتهم، والتبرّٙي ممن خالفهم، وقد خرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مما وجب عليه ولم يمض من الدنيا حتی بیّن للأُمّة حال الاولياء من اُولي الامر، ونصَّ عليهم وأخذ البيعة على الاُمّة بالسمع لهم والطاعة، وأبان لهم أيضاً أسماء من نهاهم عن ولايتهم، فما أقلَّ من أطاع في ذلك وما أكثر من عصى فيه، ومال إلى الدُّنيا وزخرفها، فالويل لهم.

وأمّا ما أنزل الله تعالى في كتابه ممّا تأويله حكاية في نفس تنزيله وشرح معناه، فمن ذلك قصة أهل الكهف، وذلك أنّ قريشاً بعثوا ثلاثة نفر: نضربن حارث بن كلدة، وعقبة بن أبي معيط، وعاص ابن وائل إلى يثرب وإلى نجران ليتعلّموا من اليهود والنصاری مسائل

ص: 216


1- التوبة 9: 101
2- الممتحنة 60: 13
3- القصص 28: 41

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن يلقونها على رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فقال لهم علماء اليهود والنصاری: سلوه عن مسائل فإن أجابكم عنها فهو النبي المنتظر الذي أخبرت به التوراة، ثم تسألوه عن مسألة أخرى فإن أدَّعى علمها فهو كاذب، لأنّه لا يعلم علمها غير الله.

فقالوا: وما هذه الثلاث مسائل؟ قالوا: سلوه عن فتية كانوا في الزّمن الأول غابوا ثمّ ناموا، کم مقدار ما ناموا إلى أن انتبهوا؟ وكم كان عددهم؟ ولمّا انتبهوا ما الذي صنعوا وصنعه قومهم؟ وكم لهم من حيث انتبهوا إلى يومنا هذا؟ وما كانت قصّتهم؟ وسلوه عن موسى بن عمران كيف كان حاله مع العالِم حين اتّبعه وفارقه؟ وسلوه عن طائف طاف الشرق والغرب من مطلع الشمس إلى مغربها من كان؟ وكيف كان حاله؟ ثمَّ كتبوا لهم شرح حال الثلاث مسائل على ما عندهم في التوراة.

قالوا لهم: فما المسألة الأخرى؟ قالوا: سلوه عن قيام الساعة.

فقدم الثلاثة نفر بالمسائل إلى قريش وهم قاطعون أن لا علم لديه منها، فمشت قريش إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو في الحِجر وعنده عمّه أبو طالب، فقالوا: يا أبا طالب إنّ إبن اخيك محمداً خالف قومه، وسفّه أحلامهم، وعاب آلهتهم، وسبّها وأفسد الشباب من رجالهم، وفرّق جماعتهم، وزعم أنَّ أخبار السَّماء تأتيه، وقد جئنا

ص: 217

بمسائل فإن أخبرنا بها علمنا أنّه صادق، وإن لم يخبرنا بها علمنا أنّه کاذب.

فقال لهم أبو طالب: دونكم فسلوه عمّا بدا لكم تجدوه مليّاً.

فقالوا: يا محمد أخبرنا عن فئة كانوا في الزمان الأول ثم غابوا ثم ناموا وانتبهوا كم عددهم؟ وكم ناموا؟ وما كان خبر هم مع قومهم؟ وأخبرنا عن موسى بن عمران والعالم الذي اتّبعه کيف كانت قصّته معه؟ وأخبرنا عن طائف طاف الشرقَ والغرب من مطلع الشمس إلى مغربها؟ وكيف كان خبره؟ فقال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّي لا أخبركم بشيء إلاّ من عند ربّي وإنّما أنتظر الوحي، يجيء ثمّ أخبركم بهذا غداً، ولم يستثن إن شاء الله، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوماً حتى شك جماعة من أصحابه، واغتمَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وفرحت قریش بذلك، وأكثر المشركون القول، فلمّا كان بعد أربعين صباحاً نزل عليه بسورة الكهف وفيها قصص ثلاث مسائل، والمسألة الأخرى، فتلاها عليهم.

فلمّا سمعوا بهرهم ما سمعوه وقالوا: قد بیَّنت فأحسنت إلاّ أنّ المسألة المفردة ما فهمنا الجواب عنها، فأنزل الله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ

ص: 218

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(1).

ومثل قصّة عبدالله بن أُبيّ بن سلول وذلك أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لما خرج في غزاة تبوك نزل في منصرفه منزلاً قليل الماء، وكان عبدالله بن أبيّ بن سلول رجلاً شريفاً مطاعاً في قومه، وكان يضرب قبّته وسط العسكر فيجتمع إليه قومه من الخزرج، ومن كان على مثل رأيه من المنافقين.

فاجتمع الناس على بئر كانت في ذلك المنزل قليلة الماء، وكان في العسكر رجل من المهاجرين يقال له: جهجهان بن وبر، فأدلى دلوه وأدلي معه رجل يقال له: سنان بن عبد الله من الأنصار فتعلّق دلوه بدلو جهجهان، فتواثبا وأخذ جهجهان شيئاً فضرب به رأس ابن سنان فشجّه شجّة موضحة، وصاح جهجهان إلى قريش والمهاجرين.

فسمع عبدالله بن أبيّ بن سلول نداء المهاجرين فقال: ما هذا؟ قالوا: جهجهان ينتدب المهاجرين وقريشاً على الخزرج والأوس.

فقال: أوقد فعلوها؟ قالوا: نعم.

قال: أما والله لقد كنت کارهاً لهذا المسير، ثم أقبل على قومه فقال لهم : قد قلت: لا تنفقوا عليهم حتى ينفضّوا ويخرجوا عنكم، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذلّ.

ص: 219


1- الأعراف 7: 187

ولمّا سمع زيد بن أرقم ذلك جاء إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وكان ابن أرقم أصغرهم سنّاً فيمن كان في مجلس عبدالله بن أُبيّ بن سلول، فقال زيد: یا رسول الله قد علمت حال عبدالله بن أُبيّ ابن سلول فينا وشرفه ولا يمنعني ذلك أن أُخبرك بما سمعتُ. ثم أخبره بالخبر فأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالمسير فقال أصحابه: والله ما هذا وقت مسير، وإنّ ذلك لأمرٍ حدث، ولمّا بلغ الأنصار ما قاله زید ابن أرقم لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) لحق به سعد بن عبادة وقال:

یا رسول الله إنَّ زيد بن أرقم كذب على عبدالله بن أُبيّ بن سلول، وإن كان عبد الله قال شيئاً من هذا فلا تلمه فإنّا كنّا نظمنا له الجزع اليماني تاجاً له لنتوّٙجه فيكون ملكاً علينا، فلمّا وافیتَ - یا رسول الله - رأى أنّك غلبته على أمر قد كان استتبَّ له.

ثمّ أقبل سعد على زيد فقال: یا زید عمدتَ إلى شريفنا فكذبت عليه ؟! فلمّا نزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) المنزل الثانی مشی قوم عبدالله بن أُبيّ بن سلول إليه فقالوا له: امض إلى رسول الله (صلّی الله عليه وآله) حتى يستغفر لك، فلوَّی عبدالله بن أُبي بن سلول عنقه واستهزأ، فلم يزالوا به حتى صار معهم إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فحلف لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه لم يقل من ذلك شيئاً، وأنَّ زيد بن أرقم كذب عليه.

فأنزل الله تعالى: «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ٭ اتَّخَذُوا

ص: 220

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن «اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» إلى قوله:

«سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ»(1) إلى آخر السّورة وهذا أبواب التنزيل والتأويل.

وأمّا الردّ على من أنكر خلق الجنة والنار فقال الله تعالى «عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ٭ عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى»(2) وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً من ياقوت أحمر، يُرى داخله من خارجه، وخارجه من داخله من نوره فقلت: يا جبرائيل لمن هذا القصر؟ فقال: لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجّد بالليل والناس نيام.

فقلت: يا رسول الله وفي اُمّتك من يطيق هذا؟ فقال لي: ادن مني، فدنوت، فقال: ما تدري ما إطابة الكلام؟ فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: هو: «سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر».

أتدري ما إدامة الصيام؟ فقال: الله أعلم ورسوله.

فقال: من صام شهر رمضان ولم يُفطر منه يوماً.

أتدري ما إطعام الطعام؟

ص: 221


1- المنافقون 63: 1 - 6
2- النجم 53: 14 و 15

فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: من طلب لعياله ما يكفُّ به وجوههم.

أتدري ما التهجُّد بالليل والناس نيام؟ فقلت: الله ورسوله أعلم.

فقال: من لا ينام حتى يصلّي العشاء الآخرة، ويريد بالناس - ها هنا - اليهود والنصارى لأنّهم ينامون بين الصلاتین.

وقال (صلّى الله عليه وآله): لمّا أُسري بي إلى السماء دخلت الجنة فرأيت فيها قيعان، ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وربما أمسكوا؟ فقلت لهم: ما بالكم قد أمسكتم؟ فقالوا: حتى تجيئنا النفقة.

فقلت: وما نفقتكم؟ قالوا: قول المؤمن: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قال بنينا، وإذا سكت أمسكنا.

وقال (صلّى الله عليه وآله): لمّا أُسري بي إلى سبع سماواته، وأخذ جبرئيل بيدي وأدخلني الجنة، وأجلسني على درنوك من درانيك الجنة(1) وناولني سفرجلة فانفلقت نصفين، وخرجت حوراء منها، فقامت بين يدي، وقالت: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا رسول الله.

ص: 222


1- الدُرنوك: ستر له خمل. ويقال : ضرب من البسط يشبه به فروة البعير (مجمع البحرين)

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فقلت: وعليك السلام من أنت؟ فقالت: أنا الراضية المرضية، خلقني الجبّار من ثلاثة أنواع، أعلائي من الكافور، ووسطي من العنبر، وأسفلي من المسك، عُجنت بماء الحيوان، قال لي ربّي : كوني فكنت(1)، وهذا ومثله دليل على خلق الجنة، والعكس من ذلك الكلام في النار.

وأمّا من أنكر البداء فقد قال الله في كتابه: «فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ»(2) وذلك أنّ الله سبحانه أراد أن يهلك الأرض في ذلك الوقت، ثم تداركهم برحمته فبدا له(3) في هلاكهم وأنزل على رسوله: «وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(4).

ومثله قوله تعالى: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» ثم بدا له «وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(5) وكقوله: «إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا» ثمَّ بدا له تعالى، فقال: «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ

ص: 223


1- في تفسير القمی: فكنت لاخيك ووصيّٙك على بن ابي طالب
2- الذاريات 51: 54
3- بدا له في الامر: نشأ له فيه رأي (أقرب الموارد)
4- الذاریات 51: 55
5- الانفال 8: 33 و 34

بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»(1) وهكذا يجري الأمر في النّاسخ والمنسوخ وهو يدلُّ على تصحيح البداء وقوله: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2) فهل يمحو إلاّ ما كان، وهل يثبت إلاّ ما لم يكن ؟! ومثل هذا كثير في كتاب الله (عزّوجلّ).

وأمّا الردُّ على من أنكر الثواب والعقاب في الدُّنيا، وبعد الموت قبل القيامة فيقول الله تعالى: «يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ٭ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ٭ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ» الآية «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ»(3) يعني السموات والأرض قبل القيامة، فاذا كانت القيامة بدّٙلت السّماوات والأرض.

ومثل قوله تعالى: «وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ»(4) وهو أمر بين أمرين، وهو الثّواب والعقاب بين الدُّنيا والآخرة.

ومثل قوله تعالى: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ»(5) والغدوُّ والعشيّ لايكونان في القيامة الّتي هي دار الخلود،

ص: 224


1- الانفال 8: 65 و 66
2- الرعد 13: 39
3- هود 11: 105 - 108
4- المؤمنون 23: 100
5- غافر 40: 46

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وإنّما يكونان في الدُّنيا.

وقال الله تعالى في أهل الجنّة: «وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا»(1) والبُكرة والعشيّ إنّما يكونان من اللّيل والنّهار في جنّة الحياة قبل يوم القيامة قال الله تعالى: «لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا»(2).

ومثله قوله سبحانه: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ٭ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون»(3).

وأمّا الردّ على من أنكر المعراج فقوله تعالى: «وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ٭ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ٭ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ٭ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى» إلى قوله: «عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى»(4) فسدرة المنتهى في السماء السّابعة ثمَّ قال سبحانه: «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»(5) وإنّما أمر رسوله أن يسأل الرسل في السماء، ومثله قوله تعالى: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ»(6) يعني الأنبياء (عليهم

ص: 225


1- مریم 19: 62
2- الانسان 76: 13
3- آل عمران 3: 169 و 170
4- النجم 53: 7 - 15
5- الزخرف 43: 45
6- یونس 10: 94

السّلام) هذا كلّه ليلة المعراج.

وأمّا الرّدُّ على المجبّرة وهم الّذين زعموا أنَّ الأفعال إنّما هي منسوبة إلى العباد، مجازاً لا حقيقة، وإنّما حقیقتها لله لا للعباد، وتأوَّلوا في ذلك آيات من كتاب الله تعالى لم يعرفوا معناها كما في قوله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا»(1) فردَّ عليهم أهل الحقّ فقالوا لهم:

إنَّ في قولكم ذلك بطلان الثواب والعقاب، إذا نسبتم أفعالكم إلى الله تعالى عمّا يصفون، وكيف يعاقب مخلوقاً على غير فعل منه؟!! قال الله تعالى: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ»(2) لا يجوز أن يكون إلاّ على الحقيقة لفعلها، وقوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٭ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(3) وقوله سبحانه: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»(4) وقوله: «وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(5) وقوله تعالى: «فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ» إلى قوله تعالی :

«وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»(6).

ومثل هذا كثير في كتاب الله تعالى وفيه بطلان ما ادَّعوه ونسبوه

ص: 226


1- الانعام 6: 107 وعدَّ في تفسير القمي «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» «فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا»
2- البقرة 2: 286
3- الزلزلة 99: 7 و 8
4- المدثر 74: 38
5- النحل 16: 93
6- العنکبوت 29:40

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن إلى الله تعالى أن يأمر خلقه بما لا يقدرون، أو ينهاهم عمّا ليس فيهم صنع ولا اكتساب.

وخالفهم فرقة اُخرى في قولهم فقالوا: إنَّ الأفعال نحن نخلقها عند فعلنا لها، وليس فيها صنع ولا اكتساب ولا مشيّة ولا إرادة ، ويكون ما يشاء إبليس ولا يكون ما لا يشاء، فضادُّوا المجبّرة في قولهم وادَّعوا أنّهم خلاّقون مع الله، واحتجّوا بقوله: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ» فقالوا: قوله: «فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»(1) يُثبت خلاّقين غيره، فجهلوا هذه اللّفظة، ولم يعرفوا معنى الخلق، وعلی کم وجه هو.

فسُئل (عليه السّلام) عن ذلك وقيل له: هل فوَّض الله تعالى إلى العباد ما يفعلون؟! فقال: الله أعزُّ وأجلُّ من ذلك.

قيل: فهل يجبرهم على ما يفعلون؟ قال: الله سبحانه أعدل من أن يجبرهم على فعل ثمَّ يعذّٙبهم عليه.

قيل: أَبين الهاتين المنزلتين منزلة ثالثة؟ فقال: نعم، كما بين السَّماء والأرض.

فقيل: ما هي؟ قال: سرٌّ من أسرار الله.

ص: 227


1- المؤمنون 23: 14

وأمّا الردّ على من أنكر الرّجعة فقول الله (عزّوجلّ) : «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ»(1) أي إلى الدُّنيا، وأمّا معنى حشر الآخرة فقوله (عزّوجلّ): «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا»(2) وقوله سبحانه: «وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ»(3) في الرجعة، فأمّا في القيامة فانّهم يرجعون.

ومثل قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ»(4) وهذا لا يكون إلاّ في الرّجعة، ومثله ما خاطب الله تعالی به الأئمّة ووعدهم من النّصر والانتقام من أعدائهم فقال سبحانه:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(5) وهذا إنّما يكون إذا رجعوا إلى الدُّنيا، ومثله قوله تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(6) وقوله سبحانه: «إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى

ص: 228


1- النمل 27 : 83 يوزعون: أي يدفعون، وقيل: يحبس أولهم على آخرهم (مجمع البيان)
2- الكهف 18: 47
3- الانبياء 21: 95
4- آل عمران 3: 81
5- النور 24: 55
6- القصص 28: 5

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن مَعَادٍ»(1) أي رجعة الدُّنيا.

ومثله قوله: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ»(2) ثمَّ ماتوا.

وقوله (عزّوجلّ): «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا»(3) فردَّهم الله تعالى بعد الموت إلى الدُّنيا وشربوا ونکحوا، ومثله خبر العزير.

وأمّا من أنكر فضل رسول الله (صلّى الله علیه و آله) فالدليل على بطلان قوله: قول الله (عزّوجلّ): «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»(4) فأول من سبق من الرسل إلى (بَلَی) محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأنّ روحه أقرب الأرواح إلى ملكوت الله تعالى، والدليل على ذلك قول جبرئیل (عليه السلام) لما أسري برسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى السَّماء السَّابعة قال: يا محمد تقدّم فإنّك قد وطئت موطئاً لم يطأ قبلك ملك مقرّب، ولا نبيٌّ مرسل، فلولا أنّ روحه كانت من ذلك المكان لم يقدر أن يتجاوزه، وذلك أنّه إذا أمر الله تعالى فأول ما يصل أمره إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لقربه إلى ملكوته، ثم سائر

ص: 229


1- القصص 28: 85
2- البقرة 2: 243
3- الاعراف 7: 155
4- الاعراف 7: 172

الأنبياء على طبقاتهم.

ويزيد ذلك بياناً قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ»(1) فأفضل الأنبياء:

الخمسة، وأفضل الخمسة محمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم أجمعين) قال الله تعالى: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ٭ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ٭ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ»(2).

والدَّليل على أنّه أفضل الأنبياء أنَّ الله سبحانه أخذ ميثاقه على سائر الأنبياء فقال سبحانه: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ»(3) فهذا بيان فضل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على سائر المرسلين والنبيّين، ونطق به الكتاب.

ولمّا أسري برسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى السماء الرابعة، ودخل إلى البيت المعمور، جمع الله (عزّوجلّ) له من النبيّٙين من آدم فهلمّ حتى صلّى بهم، قال الله تعالى : «وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ»(4) وفي هذا مُقنع لمن تأمّله.

ص: 230


1- الاحزاب 33: 7
2- التكوير 81: 19 - 21
3- آل عمران 3: 81
4- الزخرف 43: 45

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وأمّا عصمة الأنبياء والمرسلين والأوصياء (عليهم السلام) فقد قيل في ذلك أقاويل تختلف:

قال بعض الناس: هو مانع من الله تعالى يمنعهم عن المعاصي فيما فرض الله عليهم من التبليغ عنه إلى خلقه، وهو فعل الله دونهم.

وقال آخرون: العصمة من فعلهم لأنّهم يُحمدون عليها.

وقال آخرون: يجوز على الأنبياء والمرسلين والأوصياء مايجوز على غيرهم من الذّنوب كلّها.

والأول باطل، لقوله: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا»(1) وقوله تعالى: «وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ»(2) أي امتنع، لأنّ العصم هو المنع، وقد غلط من أجرى الرسل والأنبياء مجرى العباد، يقع منهم الأفعال الذّميمة من أربعة وجوه: من الحسد والحرص والشهوة والغضب، فجميع تصرفات الناس التي هي من قبل الأجساد لا يحدث إلا من أحد هذه الوجوه الأربعة.

والأنبياء والرسل والأوصياء (عليهم السلام) لايقع منهم فعل من جهة الحسد لأنَّ الحاسد إنّما يحسد من هو فوقه، وليس فوق الأنبياء والرسل والأوصياء أحد منزله أعلا من منازلهم فيحسدوه عليها، ولا يجوز أن يقع منهم فعل من جهة الحرص في الدُّنيا على شيء من أحوالها لأنّ الحرص مقرون به الأمل، وحال الأمل منقطعة عنهم، لأنّهم

ص: 231


1- آل عمران 3: 103
2- يوسف 12: 32

يعرفون مواضعهم من كرامة الله (عزّوجلّ).

وأمّا الشهوة فجعلها الله تعالى فيهم لما أراده من بقائهم في الدُّنيا، وانقطاع الخلائق لهم، وفاقتهم إليهم، فلولا موضع الشهوة لما أكلوا، فبطل قوّة أجسامهم عن تكليفاتهم، ويبطل حال النكاح فلايكون لهم نسل ولاولد، وما جرى مجرى ذلك، فالشهوة مركّبة فيهم لذلك، وهم معصومون مما يعرض لغيرهم من قبيح الشهوات.

ويكون الإصطبار وترك الغضب فيهم، فهم لا يغضبون إلاّ في طاعة الله تعالى قال الله سبحانه: «قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً»(1) فالفصل يقع بين الأنبياء والرسل والأوصياء من جهة الغضب، ولا يكون غضبهم إلا الله تعالى وفي الله سبحانه، فهذا معنی عصمة الله تعالى الأنبياء والرسل والاوصیاء، فهم (صلوات الله عليهم) يجتمعون مع العباد في الشهوة والغضب على الأسماء ويباینونهم في المعنى.

وأمّا الردّ على المشبّهة فقول الله (عزّوجلّ): «وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى»(2) فإذا انتهى إلى الله فأمسكوا وتكلّموا فيما دون ذلك من العرش فما دونه(3).

ص: 232


1- التوبة 9: 123
2- النجم 53: 43
3- وقد ذكر القمي في تفسيره ج 2 ص 338 هذا الحديث بهذه الصورة: قال: اذا انتهى الكلام الى الله فأمسكوا وتكلّموا فيما دون العرش، ولا تكلّموا فيما فوق العرش، فان

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن وارجعوا إلى الكلام في مخاطبة النبي (صلّى الله عليه وآله) والمراد غيره فمن ذلك قول الله (عزّوجلّ): «وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا»(1) والمخاطبة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمراد بالخطاب الأمة، ومنه قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»(2) «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ»(3) والمخاطبة له، والمراد بالخطاب أمّته.

أمّا مانزل في كتاب الله تعالى مما هو مخاطبة لقوم والمراد به قوم آخرون فقول الله (عزّوجلّ) : «وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا»(4) والمعنی والخطاب مصروف إلى اُمّة محمد (صلّى الله عليه وآله) وأصل التنزيل البني إسرائيل.

وأمّا الإحتجاج على من أنكر الحدوث مع ما تقدّم، فهو أنّا لما رأينا هذا العالَم المتحرّك متناهية أزمانه وأعيانه وحركاته وأكوانه، وجميع ما فيه، ووجدنا ما غاب عنّا من ذلك يلحقه النهاية، ووجد[نا]

ص: 233


1- الأسراء 17: 39
2- الطلاق 65: 1
3- الاحزاب 33: 1
4- الاسراء 17:4

العقل يتعلّق بما لا نهاية، ولولا ذلك لم يجد العقل دليلاً يفرّق ما بينهما، ولم يكن لنا بدٌّ من ثبات مالا نهاية له معلوماً معقولاً أبديّاً سرمدياً ليس بمعلوم أنّه مقصور القوى، ولا مقدور ولا متجزئ ولا منقسم، فوجب عند ذلك أن يكون ما لايتناهی مثل ما يتناهی.

وإذ قد ثبت لنا ذلك، فقد ثبت في عقولنا أنَّ ما لا يتناهی هو القديم الازلي وإذا ثبت شيء محدث، فقد استغنى القديم الباري للأشياء عن المحدث الذي أنشأه وبرأه وأحدثه، وصحَّ عندنا بالحجّة العقلية أنّه المحدث للأشياء وأنّه لا خالق إلا هو، فتبارك الله المحدث لكل محدث، الصانع لكلّ مصنوع المبتدع للأشياء من غير شيء.

وإذا صحَّ أنّي لا أقدر أن أُحدث مثلي استحال أن يحدثني مثلي، فتعالى المحدث للأشياء عمّا يقول الملحدون علوّاً كبيراً.

ولمّا لم يكن إلى إثبات صانع العالم طريق إلا بالعقل لأنه لا يحسُّ فيدركه العيان أو شيء من الحواس، فلو كان غير واحد بل اثنين أو أكثر لأوجب العقل عدَّة صنّاع كما أوجب إثبات الصانع الواحد، ولو كان صانع اثنين لم يجر تدبیرهما على نظام، ولم ينسق أحوالهما على إحكام ولا تمام، لأنّه معقول من الإثنين الإختلاف في دواعيهما وأفعالهما.

ولا يجوز أن يقال إنهما متَّفقان ولا يختلفان، لأنَّ كل من جاز عليه الإتفاق جاء عليه الإختلاف، ألا ترى أن المتّفقين لا يخلو أن يقدر كل [منهما على ذلك أو لا يقدر كلُّ منهما على] ذلك فإن قدرا كانا جميعاً عاجزين، وإن لم يقدرا كانا جاهلين، والعاجز والجاهل لا

ص: 234

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن يكون إلهاً ولا قديماً.

وأمّا الردّ على من قال بالرأي والقياس والإستحسان والإجتهاد، ومن يقول أن الإختلاف رحمة، فاعلم أنّا لما رأينا من قال بالرأي والقياس قد استعمل شبهات الأحكام لما عجزوا عن عرفان إصابة الحكم، وقالوا: ما من حادثة إلاّ ولله فيها حكم ولا يخلو الحكم من وجهين إمّا أن يكون نصّاً أو دليلاً وإذ رأينا الحادثة قد عدم نصّها فزعنا - أي رجعنا - إلى الإستدلال عليها بأشباهها ونظائرها، لأنّا متی لم نفزع إلى ذلك أخلناها من أن يكون لها حكم، ولا يجوز أن يبطل حكم الله في حادثة من الحوادث، لأنّه سبحانه يقول: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(1) ولما رأينا الحكم لا يخلو والحدث لا ينفكُّ من الحكم التمسناه من النظائر لكي لا تخلو الحادثة من الحكم بالنصّ أو بالإستدلال وهذا جائز عندنا.

قالوا: وقد رأينا الله تعالى قاس في كتابه بالتشبيه والتمثيل، فقال:

«خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ٭ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ»(2) فشبّه الشيء بأقرب الأشياء به شبهاً.

قالوا: وقد رأينا النبي استعمل الرأي والقياس بقوله للمرأة الخثعمية حين سألت عن حجّها عن أبيها؟ فقال: أرأيت لو كان على أبيك دَين لكنت تقضينه عنه؟ فقد

ص: 235


1- الانعام 6: 38
2- الرحمن 55: 14 و 15

أفتاها بشيء لم تسأل عنه.

وقوله لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن : أرأيت يا معاذ إن نزلت بك حادثة لم تجد لها في كتاب الله (عزّوجلّ) أثراً ولا في السُّنة ما أنت صانع؟ قال: أستعمل رأيي فيها.

فقال: الحمد لله الذي وفّق رسوله إلى ما يرضيه.

قالوا: وقد استعمل الرأي والقياس كثير من الصحابة ونحن على آثارهم مقتدون، ولهم احتجاج كثير في مثل هذا.

فقد كذبوا على الله تعالى في قولهم إنّه احتاج إلى القياس، وكذبوا على رسوله (صلّى الله علیه و آله) قالوا عنه مالم يقل من الجواب المستحيل.

فنقول لهم رداً عليهم: إنّ أصول احكام العبادات وما يحدث في الأمة من النوازل والحوادث، لما كانت موجودة عن السمع والنطق والنصّ المختصّ في كتاب ففروعها مثلها و إنّما أردنا بالأُصول في جميع العبادات والمفترضات، التي نصَّ الله (عزّوجلّ) عليها وأخبرنا عن وجوبها، وعن النبي (صلّى الله عليه وآله) وعن وصيّة المنصوص عليه بعده في البيان من أوقاتها وكيفيّتها وأقدارها في مقاديرها عن الله (عزّوجلّ)، مثل فرض الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وحدّ الزنا وحدّ السرقة وأشباهها مما نزل في الكتاب مجملاً بلا تفسير فكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو المفسّر والمعبّر عن جمل الفرائض فعرّفنا أن فرض صلاة الظهر أربع، ووقتها بعد زوال الشمس، يفصل

ص: 236

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن مقدار ما يقرأ الإنسان ثلاثين آية، وهذا الفرق بين صلاة الزوال وبین صلاة الظهر، ووقت العصر آخر وقت الظهر إلى وقت مهبط الشمس، وأنَّ المغرب ثلاث ركعات، ووقتها حين الغروب إلى إدبار الشفق والحمرة، وأن وقت صلاة العشاء الآخرة وهي أربع ركعات وأوسع الأوقات، أول وقتها حين إشتباك النجوم، وغيبوبة الشفق وإنبساط الظلام، وآخر وقتها ثلث الليل وروي نصفه، والصبح ركعتان ووقتها طلوع الفجر إلى إسفار الصبح.

وأن الزكاة تجب في مال دون مال، ومقدار دون مقدار، ووقت دون أوقات، وكذلك جميع الفرائض التي أوجبها الله سبحانه على عباده بمبلغ الطاقات، وكنه الإستطاعات.

فلولا ما ورد النصُّ به من تنزيل كتاب الله تعالى، وما أبان رسوله وفسّره لنا، وأبانه الأثر وصحيح الخبر لقوم آخرين، لم يكن لأحد من الناس المأمورين بأداء الفرائض أن يوجب ذلك بعقله، وإقامة معاني فروضه وبيان مراد الله تعالى في جميع ما قدَّمنا ذكره على حقيقة شروطه، ولا تصحُّ إقامة فروضه بالقياس والرأي، ولا أن يهتدي العقول على إنفرادها، ولو انفرد لا يوجب فرض صلاة الظهر أربعاً دون خمس أو ثلاث، ولا يفصل أيضاً بين قبل الزوال وبعده، ولا تقدُّم السجود على الرّكوع والركوع على السّجود، أو حدّ زنا المحصن والبكر، ولا بين العقارات والمال النّقد في وجوب الزكاة، ولو خلّينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض لم يصحّ فعل ذلك كله بالعقل على مجرَّده، ولم يفصل بين القياس وما فصّلت الشريعة والنصوص إذ

ص: 237

كانت الشريعة محجوبة عن السمع والنطق الذي ليس لنا أن نتجاوز حدودها، ولو جاز ذلك وصحَّ لاستغنينا عن إرسال الرسل إلينا بالأمر والنهي منه تعالى، ولما كانت الأصول لا تجب على ما هي من بيان فرضها إلا بالسمع والنطق، فكذلك الفروع والحوادث التي تنوب وتطرق منه تعالى لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النص بالسمع والنطق.

وأمّا إحتجاجهم وإعتلالهم بأن القياس هو التشبيه والتمثيل وأن الحكم جائز به، وردّ الحوادث أيضاً إليه، فذلك محال بيّن ومقال شنيع الأنّا نجد شيئاً قد وفّق الله تعالى بين أحكامها وإن كانت متفرّقة، ونجد أشياء وقد فرّق الله بين أحكامها وإن كانت مجتمعة، فدّلنا ذلك من فعل الله تعالى على أن إشتباه الشّيئين غير موجب لإشتباه الحكمين، كما إدّعاه مستحلّوا القياس والرّأي.

وذلك أنّهم لمّا عجزوا عن إقامة الأحكام على ما أنزل في كتاب الله تعالى، وعدلوا عن أخذها من أهلها ممن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده، ممن لا يزلّ ولا يخطئ ولا ينسى - الّذين أنزل الله كتابه عليهم، وأمر الأُمّة بردّٙ ما اشتبه عليهم من الأحكام إليهم - وطلبوا الرياسة رغبة في حطام الدُّنيا، وركبوا طرائق أسلافهم، ممن ادَّعی منزلة أولياء الله لزمهم العجز، فادَّعوا انّ الرأي والقياس واجب فبان لذوي العقول عجزهم، وإلحادهم في دين الله تعالى، وذلك أنّ العقل على مجرّده وإنفراده لايوجب ولا يفصل بين أخذ شيء بغصب ونهب وبين أخذه بسرقة وإن كانا مشتبهين، والواحد منهما يوجب القطع

ص: 238

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن والآخر لا يوجبه.

ويدلّ أيضاً على فساد ما احتجّوا به من ردّٙ الشيء في الحكم إلى إعتبار نظائره أنّا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء، وأحدهما يوجب الرجم والآخر يوجب الجلد، فعلمنا أنّ الأحكام مأخذها من السّمع والنطق على حسب مايرد به التوقيف دون إعتبار النظائر والأعيان، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم، ولو كان الحكم في الدين بالقياس، لكان باطن القدمين أولى بالمسح من ظاهرهما.

قال الله تعالى حكاية عن إبليس في قوله بالقياس: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1) فذمّه الله لما لم يدر ما بينهما، وقد ذمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) القياس، يرث ذلك بعضهم عن بعض، ويرويه عنهم أولياؤهم.

وأمّا الردّ على من قال بالإجتهاد: فإنّهم يزعمون أنّ كل مجتهد مصیب على أنّهم لا يقولون مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحقّ عند الله (عزّوجلّ) لأنّهم في حال إجتهادهم ينتقلون من إجتهاد إلى إجتهاد، واحتجاجهم أنّ الحكم به قاطع، قول باطل منقطع منتقض، فأيّ دليل أدلُّ من هذا على ضعف إعتقاد من قال بالإجتهاد والرأي إذ كان حالهم تؤول إلى ما وصفناه.

وزعموا أيضاً أنّه محال أن يجتهدوا فيذهب الحقّ من جماعتهم وقولهم بذلك فاسد، لأنّهم إن اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم،

ص: 239


1- الاعراف 7: 12، سورة ص 38: 76

وأعجب من هذا أنّهم يقولون مع قولهم بالإجتهاد والرأي: إنَّ الله تعالى بهذا المذهب لم يكلّفهم إلا بما يطيقونه وكلام النبي (صلّى الله عليه وآله).

واحتجّوا بقول الله تعالى: «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»(1) وهو بزعمهم وجه الإجتهاد، وغلطوا في هذا التأويل غلطاً بيّناً.

قالوا: ومن قول الرسول: ما قاله لمعاذ بن جبل، وادعوا أنّه أجاز ذلك والصحيح أنّ الله سبحانه لم يكلف العباد إجتهاداً لأنّه قد نصب لهم أدّلة، وأقام لهم أعلاماً، وأثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرَّهم إلى ما لا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام، ولم يتركهم سدي، ومهما عجزوا عنه ردّوه إلى الرسل والائمة (صلوات الله عليهم) وهو يقول: «مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ»(2) ويقول: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»(3) ويقول سبحانه: فيه تبيان كل شيء(4).

ومن الدليل على فساد قولهم في الإجتهاد والرأي والقياس أنّه لن يخلوا الشيء أن يكون تمثيلاً على أصل أو يستخرج البحث عنه،

ص: 240


1- البقرة 2: 144
2- الانعام 6: 38
3- المائدة 5: 3
4- النحل 16: 89، ونصّها: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ»

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن فإن كان بحث عنه فإنّه لا يجوز في عدل الله تعالى تكليف العباد ذلك، وإن كان تمثيلاً على أصل، فلن يخلو الأصل أن یکون حرم المصلحة الخلق، أو لمعنى في نفسه خاص، فإن كان حرّم لمعنى في نفسه خاص فقد كان قبل ذلك حلالاً ثم حرم بعد ذلك المعنى فيه، بل لو كان العلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل، ولما فسد هذا الوجه من دعواهم، علمنا أنّه لمعنى أنّ الله تعالى إنّما حرم الأشياء المصلحة الخلق، لا للعلّة التي فيها، ونحن إنّما ننفي القول بالإجتهاد، لأنّ الحقّ عندنا مما قدَّمنا ذكره من الأُصول التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا، كالكتاب والسنة والإمام الحجّة، ولن يخلو الخلق عندنا من أحد هذه الأربعة وجوه التي ذكرناها وما خالفها الباطل.

وأمّا إعتلالهم بما اعتلّوا به من شطر المسجد الحرام والبيت فمستحيل بيّن الخطأ، لأنّ معنی (شطره) نحوه، فبطل الإجتهاد فيه، وزعموا أنّ على الذي لم يهتد إلى الأدلّة والأعلام المنصوصة للقبلة أن يستعمل رأيه حتى يصيب بغاية إجتهاده، ولم يقولوا حتى يصيب نحو توجّهه إليه.

وقد قال الله (عزّوجلّ): «وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»(1) يعني تعالی علی نصب من العلامات والأدلة، وهي التي نصّ على حكمها بذكر العلامات والنجوم في ظاهر الآية، ثم قال تعالى:

ص: 241


1- البقرة 2: 144

«وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ»(1) ولم يقل وإنّ الذين اضطروا إلى الإجتهاد.

فدلّ على أنّ الله تعالى أوجب عليهم إستعمال الدّليل في التوجه، وعند الإشتباه عليهم، لإصابة الحق، فمعنی شطره نحوه يعني تعالی نحو علاماته المنصوصة عليه، ومعنی شطره نحوه إن كان مرئياً، وبالدلائل والأعلام إن كان محجوباً فلو علمت القبلة الواجب إستقبالها والتَّولّي والتّوجه إليها ولم يكن الدليل عليها موجوداً حتى استوى الجهات كلها، له حينئذ أن يصلّي بحال إجتهاد، وحيث أحبَّ واختار، حتى يكون على يقين من بيان الأدلّة المنصوبة والعلامات المبثوثة، فإن مال عن هذا الموضع ما ذكرناه حتى يجعل الشرق غرباً والغرب شرقاً زال معنى إجتهاده، وفسد إعتقاده.

وقد جاء عن النبي (صلّى الله عليه وآله) خبر منصوص مجمع عليه أنّ الأدلة المنصوبة على بيت الله الحرام لا يذهب بكلّيتها بحادثة من الحوادث منّاً من الله (عزّوجلّ) على عباده في إقامة ما افترضه عليهم.

وزعمت طائفة ممن يقول بالإجتهاد أنّه إذا أشكل عليه من جهة حتى يستوي عنده الجهات كلّها، تحرَّى واتبع إجتهاده حيث بلغ به، فإنَّ ذلك جائز بزعمهم وإن كان لم يصب وجه حقيقة القبلة، وزعموا أيضاً أنّه إذا كان على هذا السبيل مائة رجل لم يجز لأحد منهم أن

ص: 242


1- البقرة 2: 144

الحديث العَلويّ الشامل حول القرآن يتبع إجتهاد الآخر، فهم بهذه الأقوال ينقضون أصل إعتقادهم.

وزعموا أنّ الضرير والمكفوف له أن يقتدي بأحد هؤلاء المجتهدين، فله أن ينتقل عن قول الأول منهم إلى قول الآخر، فجعلوا مع إجتهادهم كمن لم يجتهد، فلم يؤل بهم الإجتهاد، إلاّ إلى حال الضّلال، والإنتقال من حال إلى حال، فأيُّ دين أبدع وأيُّ قول أشنع من هذه المقالة، أو أبين عجزاً ممن يظن أنّه من أهل الإسلام وهو على مثل هذا الحال، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى وإتباع الهوى، وإياه نستعين على ما يُقرّب منه، إنّه سميع مجيب(1).

قال العلامة المجلسي (طاب ثراه): وجدت رسالة قديمة مفتتحها هكذا: حدثنا جعفر بن محمد بن قولويه القمي (رحمه الله) قال:

حدثني سعد الأشعري القمي أبوالقاسم (رحمه الله) وهو مصنفه:

الحمد لله ذي النعماء والآلاء، والمجد والعزّٙ والكبرياء، وصلّى الله على محمد سيد الأنبياء، وعلى آله البررة الأتقياء، روی مشايخنا عن أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنین (صلوات الله علیه): أُنزل القرآن على سبعة أحرف كلّها شاف كاف:

أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل(2).

2- بحار الأنوار: ج 93 ص 1 - 97.

ص: 243


1- طبعت هذه الرسالة بعنوان المحكم والمتشابه منسوبةً إلى السيد المرتضى (رحمه الله)
2- بحار الأنوار: ج 93 ص 1 - 97

باب (44) القرآن مُنزَّه عن التحريف

أمالي الصدوق - التوحید: حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدّب قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد ابن إسماعيل البرمكي (قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن داهر قال:

حدثنا الفضل بن إسماعيل الكوفي)(1) قال: حدثنا علي بن سالم، عن أبيه قال: سألت الصادق (عليه السلام) فقلت له: يابن رسول الله ما تقول في القرآن؟ فقال : هو كلام الله، وقول الله، وكتاب الله، ووحي الله، وتنزيله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد(2).

باب (45) القرآن مخلوق

الخرائج والجرائح: قال أبو هاشم: إنّي قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمد في القرآن أهو مخلوق أو غير مخلوق والقرآن

ص: 244


1- ما بين القوسين لم يوجد في كتاب التوحيد
2- أمالي الصدوق: ص 438 ح 1 - التوحيد: ص 224 ح 3. منهما بحار الأنوار: ج 92 ص 117

القرآن مخلوق سوى الله.

فأقبل عليَّ فقال: أما بلغك ما روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، لمّا نزلت قل هو الله أحد خلق لها أربعة آلاف جناح، فما كانت تمرّ بملأ من الملائكة إلا خشعوا لها، وقالوا: هذه نسبة الربّ (تبارك وتعالی)(1).

التوحيد: أخرج شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) في جامعة، وحدَّثنا به، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، قال: حدثني عبدالرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الرحيم القصير قال: كتبت على يدي عبدالملك بن أعين إلى أبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك إختلف الناس في أشياء قد كتبتُ بها إليك، فإنْ رأيت - جعلني الله فداك - أن تشرح لي جميع ما كتبت به إليك، اختلف الناس - جعلت فداك - بالعراق في المعرفة والجحود، فأخبرني - جعلت فداك - أهما مخلوقان؟ واختلفوا في القرآن، فزعم قوم: أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق وقال آخرون: كلام الله مخلوق.

وعن الإستطاعة أقبل الفعل أو مع الفعل؟ فإنَّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه.

وعن الله (تبارك وتعالی) هل يوصف بالصورة أو بالتخطيط؟

ص: 245


1- الخرائج والجرائح: ج 2 ص 686 ح 6. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 350

فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تكتب إليَّ بالمذهب الصحيح من التوحيد.

وعن الحركات أهي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ وعن الإيمان ماهو؟ فكتب (عليه السلام) على يدي عبدالملك بن أعين: سألت عن المعرفة ماهي، فاعلم - رحمك الله - أنَّ المعرفة من صُنع الله (عزّوجلّ) في القلب مخلوقة، والجحود صُنع الله في القلب مخلوق، وليس للعباد فيهما من صُنع ولهم فيهما الإختيار من الإكتساب، فبشهوتهم الإيمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنین عارفین، وبشهوتهم الكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرین جاحدين ضُلاّلاً، وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله، فبالأختیار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم.

وسألت - رحمك الله - عن القرآن واختلاف الناس قبلكم، فإنَّ القرآن كلام الله مُحْدَث غیر مخلوق وغير أزليّ مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، كان الله (عزّوجلّ) ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول، كان (عزّوجلّ) ولا متكلّم ولا مريد ولا متحرّٙك ولا فاعل - جلّ وعزّ ربّنا - فجميع هذه الصفات مُحْدثة عند حدوث الفعل منه - جلَّ وعزّ ربنا - والقرآن كلام الله غير مخلوق، فيه خبر من كان قبلكم، وخبر ما يكون بعدكم، أُنزل من عند الله على محمد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

وسألتَ - رحمك الله - عن الإستطاعة للفعل، فإنَّ الله (عزّوجلّ)

ص: 246

القرآن مخلوق خلق العبد وجعل له الآلة والصحّة وهي القوّة التي يكون العبد بها متحرّٙكاً مستطيعاً للفعل، ولا متحرّٙك إلاَّ وهو يريد الفعل، وهي صفة مضافة إلى الشهوة التي هي خلق الله (عزّوجلّ) مركّبة في الإنسان، فإذا تحرَّكت الشّهوة في الانسان اشتهى الشيء فأراده، فمن ثَمَّ قيل للإنسان مریدٌ، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الإستطاعة والحركة، فمن ثَمَّ قيل للعبد: مستطيع متحرك، فإذا كان الإنسان ساكناً غير مريد للفعل وكان معه الآلة وهي القوّة والصحّة اللّتان بهما تكون حركات الإنسان وفعله كان سكونه لعلّة سكون الشهوة فقيل: ساکن فوُصف بالسكون، فإذا اشتهي الإنسان وتحرَّكت شهوته التي ركّبت فيه اشتهى الفعل وتحرَّكت بالقوة المركّبة فيه واستعمل الآلة التي بها يفعل الفعل فيكون الفعل منه عندما تحرَّك واكتسبه فقيل: فاعل ومتحرّك، ومكتسب ومستطيع، أو لا ترى أنَّ جميع ذلك صفات يوصف بها الإنسان.

وسألتَ - رحمك الله - عن التوحيد وماذهب إليه من قبلك، فتعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السَّميع البصير، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله (تبارك و تعالی) بخلقه، المفترون على الله (عزّوجلّ)، فأَعلم رحمك الله أنَّ المذهب الصحيح في التوحيد مانزل به القرآن من صفات الله (عزّوجلّ) فانفِ عن الله البطلان والتشبيه فلا نفي ولا تشبيه وهو الله الثابت الموجود، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون، ولا تعد القرآن فتضلُّ بعد البيان.

وسألتَ - رحمك الله - عن الإيمان، فالإيمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالأركان، فالأيمان بعضه من بعض، وقد یکون

ص: 247

العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتى يكون مسلماً، فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي، أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله (عزّوجلّ) عنها كان خارجاً من الإيمان، وساقطاً عنه اسم الإيمان، وثابتاً عليه اسم الإسلام، فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان، ولم يخرجه إلى الكفر والجحود والإستحلال، وإذا قال للحلال: هذا حرام، وللحرام: هذا حلال، ودان بذلك فعندها يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلى الكفر، وكان بمنزلة رجل دخل الحرم، ثمَّ دخل الكعبة فأحدث في الكعبة حدثاً فأخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.

قال مصنف هذا الكتاب: كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن، ومعنى مافيه أنّه غير مخلوق أي غير مكذوب، ولا يعني به أنّه غير محدث لأنّه قال: محدث غیر مخلوق وغير أزليّ مع الله تعالى ذكره(1).

باب (46) القرآن والشَّفاعة

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد ابن محمد وسهل بن زیاد جميعاً، عن ابن محبوب، عن مالك بن

ص: 248


1- التوحيد: ص226 ح 7. منه بحار الأنوار: ج 57 ص 84

القرآن والشَّفاعة عطية، عن يونس بن عمار قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إنّ الدواوين(1) يوم القيامة ثلاثة: ديوان فيه النّٙعم، وديوان فيه الحسنات، و دیوان فيه السيّٙئات، فيقابل بین دیوان النّٙعم وديوان الحسنات فتستغرق النّٙعم عامَّة الحسنات ويبقى ديوان السيّئات فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدَّم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول: يا ربّٙ أنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يُتِعبُ نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي وتَفيض عيناهُ إذا تهجَّد فأرضه كما أرضاني.

قال: فيقول العزيز الجبّار: عبدي ابسُط يمينَك فيملأها من رضوان الله العزيز الجبّار ويملأ شماله من رحمة الله، ثُمَّ يقال: هذه الجنَّة مباحة لك فاقرأ واصعد فإذا قرأ آيةً صعد درجةً.(2) الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زیاد جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): تعلّموا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة صاحبُه في صورة شابٍّ جمیل شاحب اللَّون(3) فيقول له القرآن: أنا الذي كنتَ أسهرت ليلك وأظمأتَ هواجرك(4) وأجففتَ ريقك وأسلتَ دمعتك أؤول معك حيثما

ص: 249


1- الديوان: صحائف الاعمال (مجمع البحرین)
2- الكافي: ج 2 ص 602 ح 12
3- شحب لونه وجسمه: تغيَّر من هزال، أو عمل، أو جوع، أو سفر (لسان العرب)
4- الهاجرة: نصف النّهار، وشدّة الحرّ، وجمعه هواجر (أقرب الموارد)

أُلت(1) وكلُّ تاجر من وراء تجارته وأنا اليوم لك من وراء تجارة كل تاجر وسيأتيك كرامة [من] الله (عزّوجلّ) فأبشر، فيؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويُعطَى الامان بيمينه(2) والخلد في الجنان بيساره ویُکسی حُلَّتين ثمَّ يقال له: اقرأ وارقه فكلَّما قرأ آيةً صعد درجة ويکسى أبواه حلَّتين إن كانا مؤمنين ثمَّ يقال لهما: هذا لما علّمتماه القرآن(3).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زیاد جميعاً، عن محمد بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن منهال القصاب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط(4) القرآن بلحمه ودمه وجعله الله (عزّوجلّ) مع السَّفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيزاً(5) عنه يوم القيامة، يقول: يا ربّٙ إنَّ

ص: 250


1- التأويل: المرجع والمصير مأخوذ من آل يؤول إلى كذا أي صار إليه (لسان العرب)
2- وهو كناية عن تمليكهما إيّاه لأنَّ القبض باليدين يحصل بعد التمليك ولعلَّ إعطاء الأمان باليمين اعطاءه الأمان من النار أولاً فإنَّ الإنسان يقبض بيمينه أولاً فان امتلأت يمينه ثمَّ يقبض بيساره ثم دخول الجنَّة ويحتمل أن يكون المراد من اليمين اليُمن فيعطى الأمان من النار بما في هذا الأمان من اليمن ثمَّ يبشّر بالخلد في الجنَّة بيسر وسهولة دونما تعب. والله العالم
3- الكافي: ج 2 ص 603 ح3
4- لعلَّ المراد أن يكون دؤوبا في القراءة ومتأملاً في القرآن حين قراءته فعند ذلك يؤثّر القرآن في ظاهره وباطنه يعني يُغيّر سلو که واعماله وينوّر قلبه ويقوي ايمانه
5- مانعا عنه يمنعه عن اهوال يوم القيامة

بعض الشيعة يتعلّمون القرآن في البرزخ كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلّٙغ به أكرم عطاياك(1).

قال: فيكسوه الله العزيز الجبّار حلّتين من حلل الجنَّة ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثمَّ يقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: یا ربّٙ قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا.

فيُعطى الأمن بیمینه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة فيقال له: أقرأ واصعد درجة، ثمَّ يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك؟ فيقول: نعم(2).

قال: ومن قرأ كثيراً وتعاهده بمشقة من شدّٙة حفظه أعطاه الله (عزّوجلّ) اجر هذا مرَّتين(3).

ثواب الأعمال: حدثني محمد بن موسی بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب مثله(4).

باب (47) بعض الشيعة يتعلّمون القرآن في البرزخ

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله)، عن محمد بن يحيى العطّار،

ص: 251


1- في ثواب الأعمال: کریم عطاياك
2- في ثواب الاعمال: بلغنا به وأرضيناك فيه؟ فيقول: اللهم نعم
3- الكافي: ج 2 ص 603 ح 4
4- ثواب الاعمال: ص 126

عن محمد بن أحمد، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن رجل، عن حفص بن غیاث قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول الرجل: أتحبُّ البقاء في الدُّنيا؟ قال: نعم.

قال: ولِمَ؟ قال: لقراءة قل هو الله أحد، فسكت عنه، ثمَّ قال [لي] بعد ساعة:

یا حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا، ولم يحسن القرآن عُلّم فی قبره ليرفع الله فيه به درجته، فإنَّ درجات الجنَّة على قدر عدد آیات القرآن فيقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق(1).

باب (48) استحباب تلاوة القرآن

أمالي الصدوق: حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمّه محمد ابن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر ابن محمد (عليهما السلام) أنّه قال: عليكم بمكارم الأخلاق فإنَّ الله (عزّوجلّ) يحبّها، وإيّاكم ومذامَّ الأفعال فإنَّ الله (عزّوجلّ) يبغضها، وعلیکم بتلاوة القرآن فإنَّ درجات الجنَّة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: إقرأ وارق، فكلّما قرأ آية رقي

ص: 252


1- ثواب الاعمال: ص 157 ح 10. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 188

استحباب تلاوة القرآن درجة، وعليكم بحسن الخلق فإنّه يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وعليكم بحسن الجوار فإنَّ الله أمر بذلك، وعليكم بالسّٙواك فإنّها مطهّرة وسنّة حسنة، وعليكم بفرائض الله فأدّوها، وعليكم بمحارم الله فاجتنبوها(1).

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن سليمان بن رشيد، عن أبيه، عن معاوية بن عمّار قال: قال [لي] أبو عبدالله (عليه السلام): من قرأ القرآن فهو غني ولا فقر بعده وإلاّ ما به غنی(2).

ثواب الأعمال: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثني علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن راشد مثله(3).

الجعفريات: باسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من كان القرآن دربته(4) والمسجد بیته، بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة، ودرجة دون الدرجة الوسطى(5).

ص: 253


1- أمالي الصدوق: ص 294 ح 10. منه بحار الأنوار: ج 76 ص 126
2- الكافي: ج 2 ص 605 ح 8
3- ثواب الاعمال: ص 128
4- دَرِبَ بالشيء: اعتاده (أقرب الموارد)
5- الجعفريات: ص 31. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 261

أمالي الصدوق: حدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة الكوفي قال: حدثنا جدي الحسن بن علي، عن جده عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من كان القرآن حدیثه، والمسجد بیته بنى الله له بيتاً في الجنة(1).

باب (49) ثلاثة يُذهِبن بالبلغم

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: ثلاث يذهبن بالبلغم، قراءة القرآن، واللبان(2)، والعسل(3).

طب الائمة (عليهم السلام): محمد بن السراج قال: حدثنا فضالة ابن إسماعيل، عن أبي عبدالله الصادق، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) مثله(4).

ص: 254


1- أمالي الصدوق: ص 405 ح 16. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 197
2- اللُبان: الكندر، وهو نوع من العلك (لسان العرب)
3- الجعفريات: ص 241. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 261
4- طب الائمة: ص 66

القرآن وقضاء الحوائج

باب (50) القرآن وقضاء الحوائج

مکارم الأخلاق: قال الصادق (عليه السلام): من قرأ مائة آية من أيّ آي القرآن شاء ثمَّ قال سبع مرات: یا الله، فلو دعا على الصخور فلقها(1).

دعوات الراوندي: عن زرارة قال: قال الصادق (عليه السلام):

تأخذ المصحف في ثلاث ليال من شهر رمضان، فتنشره وتضعه بین يديك، وتقول: (اللهم إنّي أسألك بكتابك المنزل ومافيه وفيه اسمك الأكبر، وأسماؤك الحسنى، وما يخاف ویرجی، أن تجعلني من عتقائك من النار) وتدعو بما بدا لك من حاجة(2).

باب (51) القرآن والشفاء من الأمراض

الكافي: علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: شکا رجل إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وجعاً في صدره فقال (صلّى الله عليه وآله): استشف

ص: 255


1- مکارم الاخلاق: ص 363. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 176
2- دعوات الراوندي: ص 206 ح 560. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 113

بالقرآن فإنَّ الله (عزّوجلّ) يقول: «وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ»(1) (2).

عدّة الداعي: قال الصادق جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السلام) يرفعه إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) انّه شكا إليه رجل وجعاً ... وذكر مثله(3).

تفسير العياشي: عن السكوني، عن أبي عبدالله ، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: ... وذكر مثله(4).

طب الأئمة (عليهم السلام): الضراري قال: حدثني موسی بن عمر بن يزيد، قال: حدثنا أبي عمر بن يزيد الصيقل، عن الصادق (علیه السلام) قال: شکا رجل إليه - من أوليائه - القولنج(5) فقال له: تكتب أم القرآن، وسورة الإخلاص، والمعوذتين، ثمَّ تكتب أسفل من ذلك:

«أعوذ بوجه الله العظيم، وبعزّته التي لا ترام، وبقدرته التي لا يمتنع منها شيء، من شرّ هذا الوجع، ومن شرّ ما فيه» ثمَّ تشربه على الرّٙيق بماء المطر، تبرأ بإذن الله تعالی(6).

ص: 256


1- يونس 10: 57
2- الكافي: ج 2 ص 600 ح 7
3- عدّة الداعي: ص 274
4- تفسير العياشي: ج 2 ص 279 ح 1962 الطبعة الحديثة
5- القولنج: مرض معوي مؤلم يصعب معه خروج الثفل والريح وسببه التهاب القولون، معرّب (اقرب الموارد)
6- طب الائمة: ص 38. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 307

القرآن والشفاء من الأمراض دعائم الإسلام: قال جعفر بن محمد (عليهما السلام): إذا أردت أن تعوذ، فضم كفيك واقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد، ثلاث مرّات، ثمَّ اجعلهما على المكان الذي تجد، ثمَّ ضُمَّهما واقرأ بفاتحة الكتاب، وقل أعوذ برب الفلق ثلاث مرّات، ثمَّ ضعهما على [المكان] الذي تجد الثانية، ثمَّ ضمَّهما واقرأ [فيهما] بفاتحة الكتاب، وقل أعوذ بربّٙ الناس ثلاثاً، ثمَّ ضعهما على الوجع(1).

طب الائمة (عليهم السلام): محمد بن یزید بن سليم الكوفي قال: حدثنا النّضر بن سوید، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رقية العقرب، والحية، والنشرة، ورقية المجنون، والمسحور الذي يعذّب؟ قال: يابن سنان لا بأس بالرّقية والعوذة والنشرة إذا كانت من القرآن ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه الله وهل شيء ابلغ في هذه الأشياء من القرآن، أليس الله (جل جلاله) يقول: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»(2) أليس يقول (تعالی ذكره وجلَّ ثناؤه): «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(3) سلونا نعلمكم ونوقفكم على قوارع القرآن(4)

ص: 257


1- دعائم الاسلام: ج 2 ص 141 ذیل حدیث 491. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 317
2- الاسراء 17: 82
3- الحشر 59: 21
4- قوارع القرآن: الآيات التي يقرأها الإنسان إذا فزع من الجنّ والإنس نحو آية الكرسي لأنّها تقرع الشّيطان وتهلکه (مجمع البحرین)

لکلّ داء(1).

طب الائمة (عليهم السلام): عمر بن عبدالله بن عمر التميمي، قال: حدثني حمّاد بن عيسى، عن شعيب العقرقوفي، عن الحلبي قال:

سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقلت: يابن رسول الله هل نعلّق شيئاً من القرآن والرقي على صبياننا ونسائنا؟ فقال: نعم إذا كان في أديم تلبسه الحائض وإذا لم يكن في أديم لم تلبسه المرأة(2).

طب الائمة (عليهم السلام): شعیب بن زريق قال: حدثنا فضالة والقاسم جميعاً، عن أبان بن عثمان، عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله وهو ابن سالم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المريض هل يعلّق عليه شيء من القرآن أو التعويذ؟ قال: لا بأس(3).

قلت: ربما أصابتنا الجنابة؟ قال: إنَّ المؤمن ليس ينجس، ولكن المرأة لا تلبسه إذا لم تكن في أديم وأما الرجل والصبي فلا بأس.

طب الأئمّة (عليهم السلام): علان بن محمد قال: حدثنا صفوان ابن يحيى، عن منصور بن حازم، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي

ص: 258


1- طب الائمة : ص 48. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 877
2- طب الأئمة: ص 49. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 878
3- طبّ الأئمة: ص 49. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 879

القرآن وأداء الدَّين عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالتعويذ(1) أن يكون على الصبي والمرأة(2).

طب الائمة (عليهم السلام): إسحاق بن يوسف قال: حدثنا فضالة، عن أبان بن عثمان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) في الرجل يكون به العلَّة فيكتب له القرآن فيعلّق عليه أو يكتب له، فيغسله ويشربه؟ فقال: لا بأس به كلّه(3).

باب (52) القرآن وأداء الدَّين

أمالي الطوسي: أبو محمد الفحّام قال: حدثني أبو الحسن محمد ابن أحمد الهاشمي المنصوري قال: حدثنا أبو السري سهل بن يعقوب ابن إسحاق قال: حدثنا الحسن بن عبدالله بن مطهّر، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه قال: جاء رجل إلى سيدنا الصادق (عليه السلام) فقال له: يا سيدي أشكو إليك ديناً ركبني، وسلطاناً غشمني، وأريد أن تعلّمني دعاء أغنم بها غنيمة أقضي بها ديني، وأكفي بها ظلم سلطاني؟

ص: 259


1- التعويذ: الرّقية يرقى بها الانسان من فزع أو جنون لأنّه يعاذ بها، والمعوذتان: سورة الفلق وتاليتها لأنّ مبدأ كلّ واحدة منهما قل أعوذ (لسان العرب)
2- طب الائمة: ص 49. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 878
3- طب الائمة: ص 49. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 878

فقال: إذا جنّك الليل فصلّٙ رکعتین واقرأ في الركعة الأولى منهما الحمد وآية الكرسي، وفي الركعة الثانية الحمد وآخر الحشر: «لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ»(1) إلى خاتمة السورة، ثمَّ خذ المصحف فدعه على رأسك وقل: [اللهم] بهذا القرآن وبحقّ من أرسلته، وبحقّٙ كلّ مؤمن مدحته فيه، وبحقّك عليهم فلا أحد أعرف بحقّك منك، بك يا الله عشر مرّات، ثمَّ تقول: يا محمد عشر مرات، ياعلي عشر مرات، یا فاطمة عشر مرات، یا حسن عشر مرات، یا حسین عشر مرات، یا علي بن الحسين عشر مرات، یا محمد بن علي عشر مرات، یا جعفر ابن محمد عشر مرات، یا موسی بن جعفر عشر مرات، يا علي بن موسی عشر مرات، یا محمد بن علي عشراً، يا علي بن محمد عشراً، یاحسن بن علي عشراً، يا أيُّها الحجّة عشراً. ثمَّ تسأل الله تعالی حاجتك.

قال: فمضى الرّجل وعاد إليه بعد مدَّة قد قضى دينه، وصلح له سلطانه وعظم يساره(2).

ص: 260


1- الحشر 59: 21
2- أمالي الطوسي: ص 292 ح 567. منه بحار الانوار: ج 92 ص 112 واليسار: الغني (أقرب الموارد)

ثواب إكرام القرآن

باب (53) ثواب إكرام القرآن

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن إسحاق بن غالب قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إذا جمع الله (عزّوجلّ) الأوَّلين والآخرين إذا هُم بشخص قد أقبل لم يُرَ قط أحسن صورة منه، فإذا نظر إليه المؤمنون - وهو القرآن - قالوا: هذا منّا، هذا أحسن شيء رأينا، فإذا انتهى إليهم جازهم، ثمَّ ينظر إليه الشُّهداء حتى إذا انتهى إلى آخرهم جازهم، فيقولون: هذا القرآن، فيجوزهم كلّهم حتى إذا انتهى إلى المرسلين فيقولون: هذا القرآن فيجوزهم، حتى ينتهي إلى الملائكة فيقولون: هذا القرآن فيجوزهم [ثمَّ ينتهي] حتّى يقف على يمين العرش فيقول الجبّار: وعزّتي وجلالي وإرتفاع مكاني لأُكرمنَّ اليوم من أكرمك ولأهيننَّ من أهانك(1).

باب (54) فضل حامل القرآن وحافظه

الكافي: علي، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): حَمَلة

ص: 261


1- الكافي: ج 2 ص 602 ح 14

القرآن عرفاء أهل الجنة(1) ، والمجتهدون قوّاد أهل الجنَّة، والرُّسل سادة أهل الجنَّة(2).

نوادر الراوندي: بإسناده عن موسی بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ... وذكر مثله وفيه:

المجاهدون في الله قوّاد أهل الجنَّة(3).

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن أبي الحسین الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنَّ أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميّين ما خلا النبيّٙين والمرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم، فإنَّ لهم من الله العزيز الجبّار لمكاناً [علياً](4).

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني أحمد بن إدريس قال: حدثني محمد بن أحمد قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن هاشم، عن الحسن بن أبي الحسن الفارسي، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه

ص: 262


1- العريف: هو القيّم بامور القبيلة والجماعة من الناس يلي امورهم ويتعرف الغير منه أحوالهم وهو دون الرئيس. وسئل عن ابن عباس عن معنى أهل القرآن عرفاء أهل الجنة؟ فقال: «رؤساء أهل الجنة» (مجمع البحرین)
2- الكافي: ج 2 ص 606 ح 11
3- نوادر الراوندي: ص 20
4- الكافي: ج 2 ص 603 ح 1

علامات حَملة القرآن (عليهما السلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): أهل القرآن...

وذكر مثله(1).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زیاد، جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة(2) الكرام البررة(3).

أمالي الصدوق: حدّثنا الحسين بن أحمد قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب مثله(4).

ثواب الأعمال: بهذا الإسناد مثله(5).

باب (55) علامات حَملة القرآن

الكافي: أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي بن عبدالله، وحمید بن زیاد، عن الخشّاب جميعاً، عن الحسن بن علي بن يوسف،

ص: 263


1- ثواب الأعمال: ص 125
2- السَفَرة: الملائكة الذين يسفّرون بين الله وأنبيائه، يقال: سفرت بین القوم: إذا مشيت بينهم بالصلح، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله وتأديبه کالسفير الذي يصلح بين القوم. والبررة: المطهّرون من الذّنوب (مجمع البحرین)
3- الكافي: ج 2 ص 603 ح 2
4- امالي الصدوق: ص 57 ح 6
5- ثواب الأعمال: ص 127

عن معاذ بن ثابت، عن عمرو بن جمیع، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنَّ أحقَّ النَّاس بالتَّخشُع في السرّ والعلانية لحامل القرآن، وإنَّ أحقَّ الناس في السرّ والعلانية بالصَّلاة والصَّوم لحامل القرآن، ثمَّ نادى بأعلى صوته:

یا حامل القرآن تواضع به يرفعك الله ولا تعزّز به فيذلك الله، یا حامل القرآن تزیَّن به لله يزيّنك الله [به] ولا تزيّن به للناس فیشینك الله به، من ختم القرآن فكأنّما أُدرجت النبوَّة بين جنبيه ولكنّه لا يوحي إليه، ومن جمع القرآن فنولُه(1) لا يجهل مع من يجهل عليه، ولا يغضب فيمن يغضب عليه، ولا يحدُّ فيمن يحدُّ، ولكنّه يعفو ويصفح ويغفر، ويحلُمُ لتعظيم القرآن، وَمَن أوتي القرآن فظنَّ أنَّ أحداً من الناس أُوتي أفضل ممّا أُوتي فقد عظَّم ما حقّر الله وحقَّر ماعظَّم الله(2).

فلاح السائل: روي أنَّ مولانا جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه، فلمّا أفاق سُئل ما الذي أوجب ما انتهت حالك إليه؟ فقال ما معناه: ما زلت أكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال كأنّني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها(3).

ص: 264


1- النول: الأجر والحظ، يقال: نولك أن تفعل كذا و كذا: أي حقك وينبغي لك (مجمع البحرين)
2- الكافي: ج 2 ص 604 ح 5
3- فلاح السائل: ص 107. منه بحار الأنوار: ج 47 ص 58

الناس بالنسبة الى القرآن أربعة

باب (56) الناس بالنسبة الى القرآن أربعة

الكافي: أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي بن عبدالله، عن عُبیس بن هشام قال: حدّثنا صالح القمّاط، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النَّاس أربعة.

فقلت: جُعلت فداك وماهم؟ فقال: رجلٌ أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن، ورجل أُوتي القرآن ولم يؤت الإيمان، ورجل أوتي القرآن وأوتي الإيمان، ورجل لم يؤت القرآن ولا الإيمان.

قال: قلت: جُعلت فداك فسّٙر لي حالهم؟ فقال: أمَّا الذي أُوتي الإيمان ولم يؤت القرآن فمثله كمثل التَّمرة طعمها حلوٌ ولا ريح لها؟ وأمّا الذي أُوتي القرآن ولم يؤت الإيمان فمثله كمثل الآس(1) ريحها طيب وطعمها مُرٌّ.

وأمَّا من أُوتي القرآن والإيمان فمثله كمثل الأتُرجة ريحُها طيّب وطعمُها طيّب.

وأما الذي لم يؤت الإيمان ولا القرآن فمثله كمثل الحنظلة(2)

ص: 265


1- الآس: شجر يعرف عند بعض العامّة بالريحان (أقرب الموارد)
2- الحنظل: نبت يمتد على الأرض كالبطيخ واسم ثمره الهبيد وهو كثمر البطيخ غير انّه

طعمها مرٌّ ولا ريح لها(1).

باب (57) قُرّاء القرآن ثلاثة

الخصال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: القرّاء ثلاثة:

قارئ قرأ القرآن ليستدرَّ به الملوك، ويستطیل به على الناس، فذاك من أهل النار.

وقارئ قرأ القرآن فحفظ حروفه، وضیّع حدوده فذاك من أهل النار.

وقارئ قرأ القرآن فاستتر به تحت برنسه(2)، فهو يعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه، ويقيم فرایضه، ويحلُّ حلاله، ويحرّٙم حرامه، فهذا ممن ينقذه الله من مضلاّت الفتن، وهو من أهل الجنَّة، ويشفّع فيمن شاء(3).

ص: 266


1- الكافي: ج 2 ص 604 ح 6
2- البُرنُس: كلّ ثوب رأسه منه ملتزق به، درّاعة كان أو ممطراً أو جُبة، وقلنسوة طويلة، كان النسّاك يلبسونها في صدر الإسلام (لسان العرب)
3- الخصال: ص 142 ح 165. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 179

قُرّاء القرآن ثلاثة أمالي الصدوق: حدثنا جعفر بن علي الكوفي قال: حدثني جدّي الحسن بن علي، عن جدّه عبدالله بن المغيرة، عن إسماعيل بن أبي زياد الشعيري، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): صنفان من أُمتي إذا صلحا صلحت أُمّتي وإذا فسدا فسدت أمتي: الأُمراء، والقرّاء(1).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبّار جميعاً، عن ابن فضّال، عن أبي إسحاق ثعلبة بن میمون، عن يعقوب الأحمر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) - في حديث - قال: إنَّ من الناس من يقرأ القرآن ليقال: فلان قارئ، ومنهم من يقرأ القرآن ليطلب به الدُّنيا ولاخير في ذلك، ومنهم من يقرأ القرآن لينتفع به في صلاته وليله ونهاره(2).

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن الحسين بن سعيد جميعاً، عن النّضر بن سوید، عن يحيى الحلبي، عن عبدالله بن مسكان، عن يعقوب الأحمر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) - في حديث - قال: عليكم بالقرآن فتعلّموه فإنَّ من الناس من يتعلّم القرآن ليقال: فلان قارئ، ومنهم من يتعلّمه فيطلب به الصّوت فيقال: فلان حسن الصوت وليس في ذلك خير، ومنهم من يتعلّمه فيقوم به في ليله ونهاره لا يبالي من علم ذلك ومن

ص: 267


1- أمالي الصدوق: ص 299 ح 10
2- الكافي: ج 2 ص 607 ح 1

لم يعلمه(1).

ثواب الأعمال: حدثني حمزة بن محمد العلوي قال: أخبرني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: من قرأ القرآن ليأكل به الناس جاء يوم القيامة ووجهه عظم لا لحم فيه(2).

باب (58) لزوم الأخذ بأحكام القرآن

وما جاء به النبي وأهل بيته (عليهم السّلام) تفسير العياشي: عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تقولوا لكل آية هذه رجل وهذه رجل، إنَّ من القرآن حلالاً، ومنه حراماً، وفيه نبأ من قبلكم، وخبر مَن بعدكم، وحكم ما بينكم، فهكذا هو، كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مفوّض فيه إن شاء فعل الشيء وإن شاء تذكّر، حتّى إذا فرضت فرائضه، وخُمّست أخماسه، حقٌّ على الناس أن يأخذوا به، لأنَّ الله قال: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(3) (4).

ص: 268


1- الكافي: ج 2 ص 608 ح 6
2- ثواب الاعمال: ص 329. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 181
3- الحشر 59: 7
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 97 ح 73 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 111

ثواب تعلّم القرآن وتعليمه

باب (59) ثواب تعلّم القرآن وتعليمه

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد، عن سليم الفرّاء، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلّم القرآن أو يكون في تعليمه(1) (2).

عدّة الداعي: قال الصادق (عليه السلام): ينبغي ... وذكر مثله(3).

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن الصباح بن سیابة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من شُدّٙد(4) عليه في القرآن كان له أجران، ومن يُسّٙر عليه كان مع الأوَّلين(5).

ثواب الأعمال: حدثني أحمد بن محمد (رضي الله عنه) قال:

حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسين، عن الحسین بن

ص: 269


1- في عدة الداعي: أو يكون في تعلّمه
2- الكافي: ج 2 ص 607 ح 3
3- عدة الداعي: ص 269
4- أقول: أي كان صعباً عليه تعلّم القرآن وتعليمه وقراءته وحفظه، ومن يسر عليه الأَمر كان مع الاوّلين السابقين الى الايمان. وفيه تشجيع على حفظ القرآن حتى لمن يَصعب عليه الحفظ
5- الكافي: ج 2 ص 606 ح 2

سعید، عن محمد بن أبي عمير مثله إلا أن فيه: كان مع الأبرار(1).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وسهل بن زیاد جميعاً، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنَّ الذي يعالج(2) القرآن ويحفظه بمشقَّةٍ منه وقلّة حفظ له أجران(3) (4).

ثواب الأعمال: حدثني علي بن الحسين المكتّب قال: حدّثني محمد بن عبدالله، عن أبيه عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن جمیل بن صالح، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: .... وذكر مثله(5).

باب (60) استحباب تعلّم القرآن بعربیَّة

معاني الأخبار: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفّار قال: حدثنا أحمد ابن أبي عبدالله، عن أبيه، عن عمرو بن جمیع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه

ص: 270


1- ثواب الأعمال: ص 125
2- المعالجة: المزاولة (أقرب الموارد)
3- له أجر لحفظه وأجر لتحمله المشقّة أكثر من المتعارف في الحفظ، والله العالم
4- الكافي: ج 2 ص 606 ح 1
5- ثواب الأعمال: ص 127

استحباب تعلّم القرآن بعربيَّته وآله): تعلّموا القرآن بعربيّته وإيّاكم والنبر فيه، يعني الهمز .

وقال الصادق (عليه السلام): الهمز زيادة في القرآن إلاّ الهمز الأصلي مثل قوله (عزّوجلّ): «أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(1) ومثل قوله (عزّوجلّ): «لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ»(2) ومثل قوله (عزّوجلّ): «وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا»(3) (4).

أقول: اذا كانت الهمزة في القرآن فهي تعتبر أصلية لانّه تنزيل جبرائیل وقراءة الرسول الأعظم (صلّی الله عليه وآله) وكانت قریش الاتهمز في كلامها لثقلها، وهكذا كان النبي (صلّى الله عليه وآله) - الذي نزل القرآن بلسانه ولغته - لايهمز في كلامه، وعلينا أن نقرأ الآية المهموزة كما هي في القرآن وكما نزلت.

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): إنَّ الرجل الأعجميّ من أُمَّتي ليقرأ القرآن بعجميَّةٍ فترفعه الملائكة على عربيّة(5).

الجعفريات: باسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): .... وذكر مثله(6).

ص: 271


1- النمل 27: 25
2- النحل 16: 5
3- البقرة 2: 72
4- معاني الأخبار: ص 344. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 211
5- الكافي: ج 2 ص 619 ح 1
6- الجعفريات: ص 227

باب (61) كراهة نسيان القرآن بعد حفظه

الكافي: حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، وعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن محسن بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إنَّ الرجل إذا كان يعلم السورة ثم نسيها أو ترکها ودخل الجنة أشرفت عليه من فوق في أحسن صورة فتقول: تعرفني؟ فيقول: لا.

فتقول: أنا سورة كذا وكذا لم تعمل بي وتركتني أما والله لو عملت بي لبلغت بك هذه الدّرجة وأشارت بيدها إلى فوقها(1).

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغرا، عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): من نسی سورة من القرآن مُثّلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعةٍ في الجنة، فإذا رآها قال: ما أنتِ؟ ما أحسنكِ؟! ليتكِ لي.

فتقول: أما تعرفني؟ أنا سورة كذا وكذا، ولو لم تنسني رفعتك إلى هذا(2).

المحاسن: البرقي، عن محمد بن علي، عن ابن فضّال، عن أبي

ص: 272


1- الكافي: ج 2 ص 608 ح 4
2- الكافي: ج 2 ص 607 ح 2

کراهة نسيان القرآن بعد حفظه المعزاء، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من نسي ... وذكر مثله وفيه: لرفعتك الى هذا المكان(1).

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن أبي المغراء، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) نحوه(2).

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ علىَّ ديناً كثيراً وقد دخلني ما كان(3) القرآن يتفلّتُ منّی(4).

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): القرآن القرآن، إنَّ الآية من القرآن والسورة لتجييءُ يوم القيامة حتّى تصعد ألف درجة - يعني في الجنة - فتقول: لو حفظتني لبلغت بك هاهنا(5).

بحار الأنوار: کتاب الإمامة والتبصرة - عن سهل بن أحمد، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن موسى بن إسماعيل بن موسی بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى

ص: 273


1- المحاسن: ج 1 ص 180 ح 285 الطبعة الحديثة
2- ثواب الأعمال: ص 283
3- في الوافي ج 9 ص 1714: ما کاد
4- استفلت الشيء من يده: استلبه (أقرب الموارد) والمعنى ان التوفيق لقراءة القرآن قد سُلب مني لاشتغال ذهني وفكري بالدَّين
5- الكافي: ج 2 ص 608 ح 3

الله عليه وآله): عرضت عليَّ الذنوب، فلم أُصب أعظم من رجل حُمّل القرآن ثمَّ تركه(1).

الكافي: أبو علي الأشعري، عن الحسن بن علي بن عبدالله، عن العباس بن عامر، عن الحجاج الخشّاب، عن أبي كهمس الهيثم بن عبيد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قرأ القرآن ثم نسیه - فرددت عليه ثلاثاً - أعليه فيه حرج؟ قال: لا(2).

عدّة الداعي: روى الهيثم بن عبيد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) ... وذكر نحوه وفيه: ثم نسيه، ثم يتذكر(3).

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن سعيد بن عبدالله الأعرج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقرأ القرآن ثم ينساه ثم يقرأه ثم ينساه أعليه فيه حرج؟ فقال: لا(4).

من لا يحضره الفقیه: روي عن شعیب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه

ص: 274


1- بحار الأنوار: ج 92 ص 189 ح 14
2- الكافي: ج 2 ص 608 ح 5
3- عدة الداعی: ص 273
4- الكافي: ج 2 ص 633 ح 24

كراهة نسيان القرآن بعد حفظه وآله) - في حديث المناهي - قال: ألا ومن تعلّم القرآن ثم نسيه لقی الله يوم القيامة مغلولاً يسلّط الله (عزّوجلّ) عليه بكل آية منه حيّة تكون قرينته إلى النار إلا أن يغفر [الله] له(1).

أقول: لعلّ المقصود من النسيان في هذا الحديث وأمثاله هو ترك العمل به وتضييع أحكامه.

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وأبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار جميعاً، عن ابن فضّال، عن أبي إسحاق ثعلبة بن میمون، عن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جُعلت فداك إنّي كنت قرأت القرآن ففلّت منّي فادع الله (عزّوجلّ) أن يعلّمنيه؟ قال: فكأنَّه فزع لذلك فقال: علَّمك الله هو وإيّانا جميعاً، قال:

ونحن نحو من عشرة، ثمّ قال: السورة تكون مع الرجل قد قرأها، ثم تركها فتأتيه يوم القيامة في أحسن صورة وتسلّم عليه فيقول: من أنتِ؟ فتقول: أنا سورة كذا وكذا فلو أنّك تمسَّكت بي وأخذت بي لأنزلتك هذه الدرجة فعليكم بالقرآن.

ثمَّ قال: إنّ من الناس من يقرأ القرآن ليقال: فلان قارئ، ومنهم من يقرأ القرآن ليطلب به الدُّنيا ولا خير في ذلك، ومنهم من يقرأ

ص: 275


1- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 12 ح 4968

القرآن لينتفع به في صلاته وليله ونهاره(1).

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعاً، عن النّضر بن سوید، عن يحيى الحلبي، عن عبدالله بن مسكان، عن يعقوب الأحمر قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): جُعلت فداك إنه أصابتني هموم وأشياء لم يبق شيء من الخير إلا وقد تفلّت مني منه طائفة، حتى القرآن لقد تفلّت منى طائفة منه.

قال: ففزع عند ذلك حين ذكرت القرآن ثم قال: إنَّ الرجل لينسی السورة من القرآن فتأتيه يوم القيامة حتى تشرف عليه من درجةٍ من بعض الدَّرجات فتقول: السلام عليك.

فيقول: وعليكِ السلام من أنتِ؟ فتقول: أنا سورة كذا وكذا ضيَّعتني وتركتني أَما لو تمسّكت بي بلغت بك هذه الدَّرجة، ثمَّ أشار بإصبعه.

ثمَّ قال: عليكم بالقرآن فتعلَّموه فإنَّ من الناس من يتعلّم القرآن ليقال: فلان قارئ، ومنهم من يتعلُّمه فيطلب به الصَّوت فيقال: فلان حسن الصوت، وليس في ذلك خير، ومنهم من يتعلَّمه فيقوم به في ليله ونهاره لا يبالي من علم ذلك ومن لم يعلمه(2).

عدّة الداعي: روى عبدالله بن مسكان، عن يعقوب الأحمر قال:

ص: 276


1- الكافي: ج 2 ص 607 ح 1
2- الكافي: ج 2 ص 608 ح 6

جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك قد أصابني هموم...

وذكر مثله(1).

باب (62) جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن

الكافي: علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن شریف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرّة قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): هؤلاء(2) يقولون: إنّ كسب المُعلّٙم سحت.

فقال: كذبوا أعداء الله، إنّما أرادوا أن لا يعلّموا القرآن ولو أنَّ المعلّم أعطاه رجل(3) ديّة ولده لكان للمعلّم مباحاً(4).

التهذيب - الإستبصار: أحمد بن أبي عبدالله، عن شريف بن سابق مثله(5).

من لا يحضره الفقيه: روي عن الفضل بن أبي قرّة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: إنَّ هؤلاء ... وذكر مثله(6).

ص: 277


1- عدة الداعي: ص 272
2- الظاهر ان المراد من قوله: «هؤلاء» هم العامّة
3- في الفقيه: أن لا يعلّموا أولادهم القرآن لو أنَّ رجلاً أعطى المعلّم
4- الكافي: ج 5 ص 121 ح 2
5- التهذيب : ج 6 ص 364 ح 1046 - الإستبصار: ج 3 ص 65 ح 3
6- من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 163 ح 3597

باب (63) كراهة السفر بالقرآن الى أرض العدو

دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله(1) المشركون(2).

باب (64) القراءة في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر القلب

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله بن جبلة، عن معاوية بن وهب، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: جُعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر قلبي، فأقرأه على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف؟ قال: فقال لي: بل أقرأهُ وانظر في المصحف فهو أفضل، أما علمت أن النَّظر في المصحف عبادة؟(3).

عدّة الداعي: عن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه

ص: 278


1- في مستدرك الوسائل : أن يصيبه
2- دعائم الإسلام: ج 1 ص 348. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 326
3- الكافي: ج 2 ص 613 ح 5

آثار القراءة في المصحف السلام): ... وذكر قريباً منه(1).

باب (65) آثار القراءة في المصحف

الكافي: علي بن محمد، عن ابن جمهور، عن محمد بن عمر بن مسعدة، عن الحسن بن راشد، عن جدّه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قراءة القرآن في المصحف تُخفّٙف العذاب عن الوالدين ولو كانا کافرین(2).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن يعقوب بن یزید، رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من قرأ القرآن في المصحف مُتّع ببصره وخُفّف عن والديه وإن كانا كافرين(3).

عدّة الداعي: عن الصادق (عليه السلام) نحوه(4).

ثواب الأعمال: حدثني محمد بن الحسن (رضي الله عنه) قال:

حدثني محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن رجل من العوام رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من قرأ في المصحف نظراً مُتّع ببصره وخُفّف عن

ص: 279


1- عدة الداعي: ص 272
2- الكافي: ج 2 ص 613 ح 4
3- الكافي: ج 2 ص 613 ح 1
4- عدة الداعي: ص 272

والديه، وإن كانا كافرين(1).

أعلام الدين: عن أبي عبدالله (عليه السلام) يرفعه إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: ليس شيء على الشيطان أشدّ من القراءة في المصحف نظراً، والمصحف في البيت يطرد الشّيطان(2).

عدّة الداعي: عن الصادق (عليه السلام) مثله(3).

دعوات الراوندي: قال أبو عبدالله (عليه السلام): من قرأ في المصحف نظراً مُتّع ببصره وخفّف على والديه، وليس شيء أشدّ على الشيطان من القراءة في المصحف نظراً(4).

باب (66) ثواب تلاوة آيات من القرآن

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من قرأ مائة آية يصلّي بها في ليلة كتب الله (عزّوجلّ) له بها قنوت ليلة، ومن قرأ مائتي آية في غير صلاة لم يحاجّه(5) القرآن يوم القيامة.

ومن قرأ خمسمائة آيةٍ في يوم وليلة في صلاة النهار والليل كتب

ص: 280


1- ثواب الأعمال: ص 128. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 202
2- علام الدين : ص 368. منه بحار الانوار: ج 92 ص 201
3- عدة الداعي: ص 272. منه بحار الانوار: ج 92 ص 196
4- دعوات الراوندي: ص 197 ح 539. منه بحار الانوار: ج 92 ص 204
5- حاجّه: خاصمه فخصمه (أقرب الموارد)

ثواب تلاوة سورة من القرآن قبل النوم الله (عزّوجلّ) له في اللوح المحفوظ قنطاراً من الحسنات، والقنطار ألف ومائتا أوقيّةٍ، والأُوقية أعظمُ من جبل أُحدٍ(1).

معاني الأخبار - ثواب الأعمال: حدثنا محمد بن علي ماجیلویه (رضي الله عنه)، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد ابن عيسى، عن الحسن بن علي، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من قرأ مائة آية يصلّي بها في ليلة كتب الله له بها قنوت ليلة.

ومن قرأ مائتي آية في ليلة في غير صلاة الليل(2) كتب الله له في اللوح قنطاراً من حسنات، والقنطار: ألف ومائتا أُوقية، والأُوقية أعظم من جبل أُحد(3).

باب (67) ثواب تلاوة سورة من القرآن قبل النوم

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وسهل بن زیاد وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن محبوب، عن جمیل بن صالح، عن الفضيل بن يسار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ما

ص: 281


1- الكافي: ج 2 ص 621 ح 9
2- في ثواب الاعمال: من غير صلاة الليل
3- معاني الأخبار: ص 147 ح 1 - ثواب الأعمال: ص 126. منهما بحار الأنوار: ج 92 ص 199

يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لاينام حتى يقرأ سورة من القرآن فتُكتب له مكان كُلّ آية يقرؤها عشر حسنات ويُمحى عنه عشر سيئات؟!(1).

ثواب الأعمال: حدثنا علي بن الحسين المكتب قال: حدثني محمد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب مثله(2).

باب (68) ثواب التلاوة والاستماع والتعلّم

عدّة الداعي: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من استمع حرفاً من كتاب الله من غير قراءة كتب الله له حسنة، ومحا عنه سيئة، ورفع له درجة(3) الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبّار، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن علي بن حديد، عن منصور، عن محمد بن بشیر ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: وقد روي هذا الحديث عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من استمع حرفاً من كتاب الله (عزّوجلّ) من غير قراءة كتب الله له حسنة ومحا عنه

ص: 282


1- الكافي: ج 2 ص 611 ح 2
2- ثواب الأعمال: ص 127
3- عدّة الداعي: ص 270. منه بحار الأَنوار: ج 92 ص 201

ثواب التلاوة والاستماع والتعلّم سيئة ورفع له درجة.

ومن قرأ نظراً(1) من غير صوت كتب الله له بكل حرف حسنة ومحا عنه سيئة ورفع له درجة.

ومن تعلم منه حرفاً ظاهراً كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات قال: لا أقول بكل آية ولكن بكل حرف: باء أو تاء أو شبههما.

قال: ومن قرأ حرفاً [ظاهراً] وهو جالس في صلاته كتب الله له به خمسين حسنة ومحا عنه خمسين سيئة ورفع له خمسين درجة.

ومن قرأ حرفاً وهو قائم في صلاته كتب الله له بكل حرف مائة حسنة ومحا عنه مائة سيئة ورفع له مائة درجة.

ومن ختمه كانت له دعوة مستجابة مؤخَّرة أو معجَّلة.

قال: قلت: جُعلت فداك ختمه كلّه؟ قال: ختمه كلّه(2).

الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار و محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن علي بن حديد، عن منصور، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعت أبي (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ختم القرآن إلى حيث تعلم(3).

ص: 283


1- أي نظر الى القرآن بعينه من غير قراءة أو كان نظره تدبراً و تفكراً فيه
2- الكافي: ج 2 ص 612 ح 6
3- الكافي: ج 2 ص 613 ح 7

باب (69) استحباب تلاوة خمسين آية كلَّ يوم

الكافي: علي، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: القرآن عهد الله إلى خلقه فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية(1).

باب (70) آداب القراءة

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عبدالله بن فرقد والمعلّی بن خنیس قالا: كنّا عند أبي عبدالله (عليه السلام) ومعنا ربيعة الرّأي فذكر فضل القرآن فقال أبو عبدالله (عليه السلام): إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضالّ.

فقال ربيعة: ضالّ؟! فقال: نعم ضالّ، ثمّ قال أبو عبدالله (عليه السلام): أمّا نحن فنقرأ على قراءة اُبيّ(2).

تفسير العياشي: عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في

ص: 284


1- الكافي: ج 2 ص 609 ح 1
2- الكافي: ج 2 ص 634 ح 27

آداب القراءة قول الله: «فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(1) قلت: كيف أقول؟ قال: تقول: أستعيذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقال:

إنَّ الرَّجيم أخبث الشياطين.

قال: قلت له: لِمَ يُسمّى الرَّجيم؟ قال: لأنه یُرجم.

قلت: فانفلت(2) منها بشيء؟ قال: لا.

قلت: فكيف سُمّي الرَّجيم ولم يُرجَم بعد؟ قال : يكون في العلم أنّه رجيم(3).

أقول: معنى الحديث أنّ عاقبته تكون الرجم فهو في علم الله رجيم.

تفسير العياشي: عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:

سألته عن التعوّذ من الشيطان، عند كلّٙ سورةٍ نفتحها؟ قال: نعم، فتعوَّذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم وذكر أنَّ الرَّجيم أخبث الشَّياطين.

فقلت: لِمَ سُمّي الرَّجیم؟

ص: 285


1- النحل 16: 98
2- انفلت الرجل : نجا وتخلّص (اقرب الموارد)
3- تفسير العياشي: ج 3 ص 23 ح 2426 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 215

قال: لأنّه يُرجم.

فقلت: هل ينقلب شيئاً إذا رجِم؟ قال: لا، ولكن يكون في العلم أنَّه رجيم(1).

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني محمد بن عیسی بن يقطين، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: حدثني أبي، عن جدي، عن آبائه (عليهم السلام) أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال - في حديث الأربعمائة - :

ولا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر(2).

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): ينبغي لمن يقرأ القرآن إذا مرَّ بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل [الله] عند ذلك خير ما يرجو ويسأله(3) العافية من النار ومن العذاب(4).

التهذيب : أحمد بن محمد، عن عثمان بن عیسی مثله(5).

مجمع البيان: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا مررت بآية

ص: 286


1- تفسير العياشي: ج 3 ص 23 ح 2427 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 215
2- الخصال: ص 627 ح 10
3- في التهذيب: ويسأل
4- الكافي: ج 3 ص 301 ح 1
5- التهذيب: ج 2 ص 286 ح 1147

آداب القراءة فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوّذ بالله من النار(1).

مجمع البيان: روي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى:

«الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ»(2) قال: حق تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنة والنار، يسأل في الأولى ويستعيذ من الاُخرى(3).

أمالي الصدوق: حدثني محمد بن أحمد بن الوليد قال: حدثني محمد بن الحسن الصفّار قال: حدّثنا علي بن الحسان الواسطي، عن عمّه عبدالرحمن بن كثير الهاشمي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) - في حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) يصف فيه المتقين - قال: أمَّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلاً يحزنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم ویستترون (يستنيرون) به ويهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم ووجع على كلوم جراحهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرّت منها جلودهم ووجلت منها قلوبهم فظنّوا أن صهيل(4) جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم، وإذا مرّوا بآية

ص: 287


1- مجمع البيان: ج 5 ص 378
2- البقرة 2: 121
3- مجمع البيان: ج 1 ص 198. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 863
4- أصل الصهيل: صوت الفرس مثل النهيق، ثم استعير لغيرها (مجمع البحرین)

فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلّعت أنفسهم إليها شوقاً وظنّوا أنّها نصب أعينهم(1).

من لا يحضره الفقيه: روي عن شعیب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) (في حديث المناهي) قال (صلّى الله عليه وآله) : من قرأ القرآن ثمَّ شرب عليه حراماً أو آثر عليه حبّ الدُّنيا وزينتها، استوجب عليه سخط الله إلاّ أن يتوب(2).

دعوات الراوندي: قال الصادق (عليه السلام): أغلقوا أبواب المعصية بالإستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية(3).

باب (71) سبعة لايقرأون القرآن

الخصال: حدثنا حمزة بن محمد بن أحمد العلوي (رضي الله عنه) قال: أخبرني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال علي (صلوات الله علیه): سبعة لا يقرأون القرآن :

ص: 288


1- أمالي الصدوق: ص 458 ح 2
2- من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 12 ح 4968
3- دعوات الراوندي: ص 52 ح 130. منه بحار الانوار: ج 92 ص 216

الدعاء عند قراءة القرآن الراكع، والساجد، وفي الكنيف، وفي الحمام، والجنب، والنفساء، والحائض(1).

أقول: النهي محمول على الكراهة، جمعاً بين الأحاديث الناهية والمجوّزة.

باب (72) الدعاء عند قراءة القرآن

الكافي: قال: كان أبو عبدالله (عليه السلام) يدعو عند قراءة كتاب الله (عزّوجلّ): (اللهم ربّنا لك الحمد أَنت المتوحّٙدُ بالقدرة والسُّلطان المتين، ولك الحمد أنت المتعالي بالعزّ والكبرياء وفوق السَّماوات والعرش العظيم، ربَّنا ولك الحمد أنت المكتفي بعلمك والمحتاجُ إليك كُلُّ ذي علم، ربَّنا ولك الحمد يا مُنزِلَ الآيات والذّكر العظيم ربَّنا فلك الحمد بما علّمتنا من الحكمة والقرآن العظيم المبين.

اللهُمَّ أنت علّمتناه قبل رغبتنا في تعلُّمه واختصصتنا به قبل رغبتنا بنفعه.

اللهُمَّ فإذا كان ذلك منّاً منك وفضلاً وجُوداً ولطفاً بنا ورحمةً لنا وإمتناناً علينا من غير حولنا ولا حِيلَتِنا ولا قوَّتنا، اللهُمَّ فحبّٙب إلينا حُسن تلاوته وحفظَ آیاته وإيماناً بمتشابهه وعملاً بمحكمه وسبباً في تأويله وهدىً في تدبيره وبصيرةً بنوره.

ص: 289


1- الخصال: ص 357 ح 42. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 212

اللهمَّ وكما أنزلته شفاءً لأوليائك، وشَقاءً على أعداءك، وعَمىً على أهل معصيتك، ونوراً لأهل طاعَتِكَ، اللهُمّ فاجعله لنا حِصْناً من عذابك، وحرزاً من غضبك، وحاجزاً عن معصيتك، وعصمة من سخطك، ودليلاً على طاعتك، ونوراً يوم نلقاك، نستضيءُ به في خلقك، ونجوز به [على] صراطك، ونهتدي به إلى جنَّتك.

اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من الشَّقوة في حمله، والعمى عن عمله، والجور عن حُكمه، والعُلُوَّ عن قصده، والتَّقصير دون حقّه.

اللهُمَّ احمل عنّا ثقلَهُ، وأوجب لنا أجره، وأوزعنا شكره، واجعلنا نراعيه ونحفَظُه.

اللهم اجعلنا نتّبع حلاله، ونجتنبُ حرامه، ونقيم حدوده، ونؤدّي فرائضه اللهم ارزقنا حلاوةً في تلاوته، ونشاطاً في قيامه، ووجلاً في ترتيله، وقوّةً في إستعماله في آناء الليل [وأطراف] النهار.

اللهم وأشفنا من النوم باليسير(1) ، وأيقظنا في ساعة الليل من رُقاد الرّاقدين، ونبّهنا عند الأحايين التي يستجاب فيها الدّعاء من سنة الوسانين.

اللهم اجعل لقلوبنا ذكاء عند عجائبه التي لا تنقضي، ولذاذةً عند تردیده، وعِبرةً عند ترجيعه، ونفعاً بیّناً عند استفهامه.

ص: 290


1- أقول: قوله (عليه السّلام): «وأشفنا من النوم...» أي إجعل نومنا قليلاً بقدر الضرورة واللزوم حتى نستطيع أن نعبدك أكثر فأكثر. والله العالم

الدعاء عند قراءة القرآن اللهم إنّا نعوذ بك من تخلّفه في قلوبنا، وتوسّده عند رقادنا، ونبذه وراء ظهورنا، ونعوذ بك من قساوة قلوبنا لما به وعظتُنا.

اللهم انفعنا بما صرّفت فيه من الآيات، وذكّرنا بما ضربت فيه من المُثلات، وكفّر عنّا بتأويله السَّيّئات، وضاعف لنا به جزاءً في الحسنات، وارفعنا به ثواباً في الدَّرجات، ولقّنا به البُشري بعد الممات.

اللهم اجعله لنا زاداً تقوّينا به في الموقف [وفي الوقوف] بين يديك، وطريقاً واضحاً نسلك به إليك، وعلماً نافعاً نشكر به نعمائك، وتخشُّعاً صادقاً نسبّح به أسماءك، فإنّك اتَّخذت به علينا حُجَّة قطعت به عُذرنا، واصطنعت به عندنا نعمة قَصُر عنها شُكرُنا.

اللهمّ اجعله لنا وليّاً يثبّتنا من الزَّلل، ودليلاً يَهدينا لصالح العمل، وعوناً هادياً یُقوّمُنا من الميل، وعوناً يُقوّينا من الملل، حتى يبلغ بنا أفضل الأمل.

اللهمّ اجعله لنا شافعاً یوم اللّقاء، وسلاحاً يوم الإرتقاء، وحَجيجاً يوم القضاء، ونوراً يوم الظُّلماء، يوم لا أرض ولا سماء، يوم يُجزى كُلُّ ساعٍ بما سعی.

اللهم اجعله لنا ريّا يوم الظمأ وفوزاً يوم الجزاء من نارٍ حاميةٍ، قليلة البُقيا على من بِها اصطلی، وبِحرّٙها تلظّى.

اللهم اجعله لنا برهاناً على رؤوس الملأ يوم يُجمعُ فيه أهل الأرض وأهل السماء.

اللهم ارزقنا منازل الشُّهداء، وعيش السُّعداء، ومرافقة الأنبياء،

ص: 291

إنَّك سميع الدعاء)(1).

بحار الأنوار: مصباح الأنوار - الدعاء عند أخذ المصحف: كان أبو عبدالله (عليه السلام) إذا قرأ القرآن قال قبل أن يقرأ حين يأخذ المصحف: (اللهم إنّي أشهد أنّ هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله (صلّى الله عليه وآله) وكلامك الناطق على لسان نبيّك، جعلته هادياً يأمنك إلى خلقك، وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك، اللهم إنّي نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة، وقراءتي فيه فكراً، وفكري فيه إعتباراً، واجعلني ممن اتّعظ ببيان مواعظك فيه، واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي على سمعي، ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبّر فيها، بل اجعلني اتدبّر آياته وأحكامه، آخذاً بشرایع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة ولا قراءتي هذراً إنك أنت الرؤوف الرحيم).

في الدعاء عند الفراغ من قراءة القرآن: (اللهم إنّي قد قرأت ما قضيت من كتابك الذي أنزلت فيه على نبيك الصادق (صلّی الله عليه وآله)، فلك الحمد ربّنا، اللهم اجعلني ممن يحلُّ حلاله، ويحرّٙم حرامه، ويؤمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي اُنساً في قبري، واُنساً في حشري، وأجعلني ممن ترقّيه بكلّٙ آية قرأها درجة في أعلا عليين آمين رب العالمين)(2).

ص: 292


1- الكافي: ج 2 ص 573 ح 1
2- بحار الأنوار: ج 92 ص 207

الدعاء عند قراءة القرآن الإختصاص: روي عن أبي عبدالله (عليه السلام): أنّه إذا قرأ القرآن قال: (اللهم إنّي قد قرأت ما قضيت لي من كتابك الذي أنزلته على نبيّك الصادق، فلك الحمد ربنا، اللهم اجعلني ممن احلّ حلاله، وحرّم حرامه، وآمن بمحكمه ومتشابهه، واجعله لي اُنساً في قبري، واُنساً في حشري، وأُنساً في نشري، واجعلني ممن ترقّيه بكل آية قرأتها لي درجة في أعلى عليين، آمين ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله وسلم، بسم الله اللهم إنّي أشهد أنّ هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلواتك عليه وآله، وكلامك الناطق على لسان رسولك، فيه حكمك وشرایع دينك، أنزلته على نبيك، وجعلته عهداً منك إلى خلقك، وحبلاً متّصلاً فيما بينك وبين عبادك، اللهم إنّي نشرت عهدك وكتابك، اللهم فاجعل نظري فيه عبادة، وقرائتي فيه فكراً، وفكري إعتباراً، واجعلني ممن اتّعظ ببيان مواعظك فيه، واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي كتابك على قلبي، ولا على سمعي ولا تجعل على بصري غشاوة ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبّر فيها، بل اجعلني أتدبّر آياته وأحكامه آخذاً بشرايع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلة، ولا قراءتي منه هذراً، إنّك أنت الرؤوف الرحيم) روي هذا الخبر عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه كان إذا أخذ المصحف ونشره قال هذا(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عمّن

ص: 293


1- الاختصاص: ص 141. منه بحار الانوار: ج 92 ص 207

ذكره، عن عبدالله بن سنان، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تقول: (اللهم إنّي أسألك ولم يسأل العباد مثلَكَ، أسألُكَ بحق محمد نبيّك ورسولك وإبراهيم خليلك وصفيّك و موسی کلیمك ونجيّك وعیسی کلمتك وروحك وأسألك بصُحُف إبراهيم وتَوراة موسی وزبور داود وإنجيل عيسی وقرآن محمد (صلَّى الله عليه وآله) وبكلّ وحي أوحَيته وقضاءٍ أمضيتَه وحَقٍّ قضيته وغنيّ أغنيته وضالّٙ هديته وسائلٍ أعطيتَهُ، وأسألك باسمك الذي وضعته على الليل فاظلم وباسمك الذي وضعته على النهار فاستنار وباسمك الذي وضعته على الأرض فاستقرّت ودعمت به السماوات فاستقلَّت ووضعته على الجبال فرست(1) وباسمك الذي بثثت به الأرزاق، واسألك باسمك الذي تُحيي به الموتى، وأسألك بمعاقد العزّٙ من عَرشِكَ ومنتهى الرحمة من كتابك اسألك أن تُصلّي على محمد وآل محمد وأن ترزقني حفظ القرآن وأصناف العلم وأن تُثبّتها في قلبي وسمعي و بصري وأن تُخالط بها لحمي ودمي وعظامي ومخّي، و تستعمل بها ليلي ونهاري برحمتك وقدرتك فإنّه لا حول ولا قوَّة إلاّ بك يا حي يا قيوم) قال: وفي حديث آخر زيادة: (وأسألك بأسمك الذي دعاك به عبادك الذين استجبت لهم وأنبياؤك فغفرت لهم ورحمتَهُم وأسألك بكل اسم أنزلته في كتبك وباسمك الذي استقرَّ به عرشُك وباسمك الواحد الأحد الفرد الوتر المتعال الّذي يملأ الأركان كلّها، الطّاهر الطُّهر

ص: 294


1- رسا الشيء: ثبت ورسخ (أقرب الموارد)

الدعاء عند قراءة القرآن المبارك المقدّس الحيّ القيُّوم نُور السماوات والأرض الرحمن الرحيم الكبير المتعال وكتابِكَ المنزل بالحق وكلماتك التامات ونُورك التام وبعظمتك وأركانك).

وقال في حديث آخر: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من أراد أن يُوعِيَهُ الله (عزّوجلّ) القرآن والعلم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف بعسل ماذيٍّ(1) ثمَّ يغسلُهُ بماء المطر قبل أن يَمُسَ الأرض ويشربُهُ ثلاثة أيَّامٍ على الريق فإنّه يحفظ ذلك إن شاء الله(2) .

إقبال الأعمال: بإسنادنا إلى يونس بن عبدالرحمن، عن علي بن میمون الصائغ أبي الأكراد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه كان من دعائه إذا أخذ مصحف القرآن والجامع قبل أن يقرأ القرآن وقبل أن ينشره يقول حين يأخذه بيمينه: (بسم الله اللهم إنّي أشهد أنّ هذا کتابُکَ المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله (صلّى الله عليه وآله) وكتابك الناطق على لسان رسولك، وفيه حكمك وشرایع دينك، أنزلته على نبيك، وجعلته عَهْداً منك إلى خلقك، وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك.

اللهم إنّي نشرت عهدك وكتابك، اللهمَّ فاجعل نظري فيه عبادةً، و قراءتي تفكّراً وفكري إعتباراً واجعلني ممن إتعظ ببيان مواعظك فيه، واجتنب معاصيك، ولا تطبع عند قراءتي كتابك على قلبي ولا

ص: 295


1- الماذي: العسل الابيض (مجمع البحرین)
2- الكافي: ج 2 ص 576 ح 1

على سمعي، ولا تجعل على بصري غشاوة، ولا تجعل قراءتي قراءة لا تدبّر فيها، بل اجعلني أتدبَّر آياته وأحكامه آخذاً بشرايع دينك، ولا تجعل نظري فيه غفلةً، ولا قراءتي هذرمةً(1) إنّك أنت الرؤوف الرحيم).

فيقول عند الفراغ من قراءة بعض القرآن العظيم: (اللهم إنّي قرأتُ ما قضيتَ لي من كتابك، الذي أنزلته على نبيك محمد صلواتك عليه ورحمتك فلك الحمد ربّنا، ولك الشُّكر والمنّة على ما قدّرت ووفقت، اللهم اجعلني ممن يحلّ حلالك، ويُحرّٙم حرامك، ويجتنب معاصيك، ويؤمن بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه، واجعله لي شفاء ورحمة، وحرزاً وذُخراً، اللهمّ اجعله لي أُنساً في قبري، وأُنساً في حشري، وأُنساً في نشري، واجعل لي بركة بكلّٙ آية قرأتها، وارفع لي بكل حرف دَرَستُهُ درجة في اعلى عليين، آمین یا رب العالمين.

اللهم صلّٙ على محمد نبيّٙك وصفيّٙك و نجيّٙك ودليلك، والداعي إلى سبيلك، وعلى أمير المؤمنين وليّٙك وخليفتك من بعد رسولك، وعلى أوصيائهما المستحفَظين دينك المستودَعين حقَّك، والمسترعين خلقك، وعليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبرکاته)(2) .

ص: 296


1- الهَذْرمة: السرعة في القراءة (مجمع البحرین)
2- اقبال الاعمال: ج 1 ص 231 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 207

الدعاء لعدم نسيان القرآن

باب (73) الدعاء لعدم نسيان القرآن

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن حمّاد بن عیسی، رفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أُعلمك دعاء لا تنسى القرآن :

(اللهم ارحمني بترك معاصيك أبداً ما أبقيتني، وارحمني من تكلف(1) مالا يعنيني، وارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عني، وألزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، وارزقني(2) أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عنّي، اللّهم نوّر بكتابك بصري، واشرح به صدري، وفرّح به قلبي، وأطلق به لساني، واستعمل به بدني، وقوّٙني على ذلك وأعِني عليه، إنّه لا مُعين عليه إلاّ أنت، لا إله إلاّ أنت).

قال: ورواه بعض أصحابنا، عن وليد بن صبيح، عن حفص الأعور، عن أبي عبدالله (عليه السلام)(3).

قرب الإسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال:

حدثني جعفر، عن آبائه (عليهم السلام): إن هذا من دعاء النبي (صلّی الله عليه وآله) : (اللهم ارحمني بترك معاصيك ابداً ما أبقيتني، وارزقني

ص: 297


1- التكلفة: المشقَّة (أقرب الموارد)
2- في قرب الاسناد: واجعلني
3- الكافي: ج 2 ص 577 ح 2

حسن النظر ... وذكر مثله إلى قوله: وقوّني على ذلك وزاد: فإنّه لا حول ولا قوَّة إلا بك)(1)

باب (74) مدّة ختم القرآن

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن الحسین بن المختار، عن محمد بن عبدالله قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) اقرأُ القرآن في ليلة؟ قال: لا يُعجبني أن تقرأه في أقل من شهر(2) .

إقبال الأعمال: روي عن وهب بن حفص، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل في كم يقرأ القرآن؟ قال: في ستّ فصاعداً.

قلت: في شهر رمضان؟ قال: في ثلاث فصاعداً.

ورويت عن جعفر بن قولویه بإسناده إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يعجبني أن يقرأ القرآن في أقل من الشهر(3).

الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن علي بن

ص: 298


1- قرب الاسناد: ص 5 ح 16 الطبعة الحديثة
2- الكافي: ج 2 ص 617 ح 1
3- إقبال الاعمال: ج 1 ص 232 الطبعة الحديثة. منه بحار الانوار: ج 98 ص6

فضل ختم القرآن النعمان، عن يعقوب بن شعيب، عن حسين بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: في كم أقرأ القرآن؟ فقال: أقرأه أخماساً، اقرأ أسباعاً، أما إنّ عندي مصحفاً مجزىً أربعة عشر جزءاً(1) .

باب (75) فضل ختم القرآن

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال: حدثني الحسين بن یزید النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قيل: يا رسول الله أيّ الرجال خیر؟ قال: الحالّ المرتحل قيل: یارسول الله وما الحالّ المرتحل؟ قال: الفاتح الخاتم الذي يفتح القرآن ويختمه، فله عند الله دعوة مستجابة(2) .

وسائل الشيعة: ورواه الرضي في (المجازات النبويّة) مثله إلى قوله: الفاتح الخاتم(3) .

ص: 299


1- الكافي: ج 2 ص 617 ح 3
2- ثواب الاعمال: ص 127. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 205
3- وسائل الشيعة: ج 4 ص 842 ح 9

دعوات الراوندي: قال: الزهري(1) قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أي الأعمال أفضل؟ قال: الحالّ المرتحل.

قلت: وما هو؟ قال: فَتحَ القرآن وخَتَمه، كلَّما حلَّ بأوله ارتحل في آخره(2) .

باب (76) فضل التدبُّر في القرآن

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن واصل ابن سليمان، عن عبدالله بن سليمان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزّوجلّ) : «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»(3)؟ قال: قال أمير المؤمنين (صلوات الله علیه): بیّنه تبیاناً ولا تَهُذّهُ(4) هذّ الشّٙعر ولا تنثُره نثر الرَّمل، ولكن افزعوا قلوبكم القاسية ولايكن هَمُّ أحدكُمُ آخر السُّورة(5) .

ص: 300


1- في بحار الانوار: روى الرمادي
2- دعوات الراوندي : ص 32 ح 69. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 205
3- المزمل 73: 4
4- الهذّ: سرعة القطع، ثم استعير لسرعة القراءة، والمعنى لا تسرعوا بقراءة القرآن كما تسرعون في قراءة الشّٙعر، ولا تفرقوا بعضه عن بعض وتنثروه کنثر الرمل، ولكن بيّنوه ورتّلوه ترتیلا كما أمر به في قوله تعالى «ورتّل القرآن ترتیلا». (مجمع البحرین).
5- الكافي: ج 2 ص 614 ح 1

فضل التدبُّر في القرآن نوادر الراوندي: بإسناده عن موسی بن جعفر قال: قال جعفر الصادق، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) قال: سُئل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن قوله تعالی «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»؟ قال: بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر البقل(1) ، ولا تهذّه هذّ الشِّعر، قفوا عند عجائبه، وحرّكوا به القلوب، ولا يكون همُّ أحدكم آخر السورة(2) .

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سُئل عن قول الله (عزّوجلّ): «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا»؟ فقال: (صلّی الله عليه وآله) تثبّته تثبیتاً ولا تنثره ... وذكر مثله(3) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابه، عن علي بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فقال له أبو بصير: جُعلت فداك أقرأُ القرآن في شهر رمضان في ليلة؟ فقال: لا.

قال: ففي ليلتين؟ قال: لا.

قال: ففي ثلاث؟

ص: 301


1- في الجعفريات: الرمل
2- نوادر الراوندي: ص 30
3- الجعفريات: ص 180. منهما مستدرك الوسائل: ج 4 ص 242

قال: ها(1) - وأشار بيده - ثمَّ قال: يا أبا محمد إنَّ لرمضان حقاً وحرمة لا يشبهه شيء من الشهور، وكان أصحاب محمد (صلّی الله عليه وآله) يقرأ أحدهُمُ القرآن في شهر أو أقل، إنَّ القرآن لا يُقرأُ هَذْرَمَة(2) ، ولكن يُرتّل ترتيلاً، فإذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فقف عندها وسل الله (عزّوجلّ) الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فقف عندها وتعوّذ بالله من النار(3) .

الكافي : محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة، قال: سأل أبو بصير أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال له: جعلت فداك أقرأُ القرآن في ليلة؟ فقال: لا.

فقال: في ليلتين؟ فقال: لا، حتى بلغ ست ليال فأشار بيده فقال: ها، ثم قال أبو عبدالله (عليه السلام): يا أبا محمد إنّ من كان قبلكم من أصحاب محمد (صلّی الله عليه وآله) كان يقرأ القرآن في شهر أو أقل، إنّ القرآن لا يقرأ هذرمة ولكن يُرتّل ترتيلاً، إذا مررت بآية فيها ذكر النار وقفت عندها وتعوذت بالله من النار.

به بها على ما يساق اليه من

ص: 302


1- قال ابن الأثير في النهاية: (- ها - کلمة تنبيه للمخاطَب یُنبَّه بها علی ما یُساق الیه من الكلام). والظاهر أنّه بمعني نعم لمن يسأل عن شيء
2- الهذرمة: السرعة في القراءة (مجمع البحرین)
3- الكافي: ج 2 ص 617 ح 2

فضل التدبُّر في القرآن فقال أبو بصير : اقرأ القرآن في رمضان في ليلة؟ فقال: لا.

فقال: في ليلتين؟ فقال: لا.

فقال: في ثلاث؟ فقال: ها - وأومأ بيده - نعم شهر رمضان لا يشبهه شيء من الشهور له حق وحرمة، أكثر من الصلاة ما استطعت(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن أبي سعيد القمّاط، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا أُخبركم بالفقيه حقّ الفقيه؟ من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لاخير في عبادة ليس فيها تفكّر.

وفي رواية أخرى: ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، الا لا خير في عبادة لا فقه فيها، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه(2) .

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه

ص: 303


1- الكافي: ج 2 ص 618 ح 5
2- الكافي: ج 1 ص 36 ح 3

علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) انّه قال: ألا أخبركم بالفقيه كل الفقيه؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: مَن لم يُقِنط الناس عن رحمة الله، ومن لم يؤمنهم مكر الله، ومن لم يرخّٙص لهم في معاصي الله، ومن لم يدع القرآن رغبةً إلى غيره، لأنّه لا خير في علم لا تفهّم فيه، ولا عبادة لا تفقه فيها، ولا قراءة لا تدبّر فيها، فإنّه إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من السماء: (أيها الناس إنّ أقربكم من الله تعالی مجلساً أشدّكم له خوفاً، وإنّ أحبَّكم إلى الله أحسنكم عملاً، وإنّ أعظمكم عنده نصيباً أعظمكم فيما عنده رغبة) ثم يقول (عزّوجلّ): (لا أجمع عليكم اليوم خزي الدنيا وخزي الآخرة) فيأمر لهم بكراسي فيجلسون عليها وأقبل عليهم الجبار بوجهه وهو راضٍ عنهم وقد أحسن ثوابهم(1) .

الجعفريات: بهذا الإسناد عنه (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إذا قرأ القرآن المنافق، لا يخطئ ألفاً ولا واواً ولامیماً، يلقف القرآن بلسانه، كما تلقف البقرة الكلأ بلسانها(2) .

تفسير العياشي: عن أبان بن عثمان، عن محمد قال: قال أبو جعفر(3) (عليه السلام): إقرأ.

ص: 304


1- الجعفريات: ص 238. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 241
2- الجعفريات: ص 173. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 242
3- في مستدرك الوسائل: أبو عبدالله (عليه السّلام)

استحباب ترتيل القرآن بالصوت الحسن قلت: من أيّ شيءٍ أقرأ؟ قال: إقرأ من السورة السابعة.

قال: فجعلت التمسها.

فقال: إقرأ سورة يونس.

فقرأت حتى انتهيت إلى «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ»(1) ثم قال : حسبك، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّي لأَعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن(2) .

تفسير العياشي: عن منصور، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله تعالى: «يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ»(3)؟ فقال: الوقوف عند ذكر الجنّة والنار(4) .

باب (77) استحباب ترتيل القرآن بالصوت الحسن

مجمع البيان: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في

ص: 305


1- یونس 10: 26
2- تفسير العياشي: ج 2 ص 273 ح 1936 الطبعة الحديثة. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 238
3- البقرة 2: 121
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 152 ح 88 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 214

قوله تعالى: «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا» قال: هو أن تتمكّث فيه وتحسّن به صوتك(1) .

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبدالله بن القاسم، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): لكلّ شيء حلية وحلية القرآن(2) الصوت الحسن(3) .

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبدالله ابن القاسم، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لم يُعط أُمَّتي أقلّ من ثلاث:

الجمال والصوت الحسن والحفظ(4) .

عيون أخبار الرضا (عليه السلام): حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن الحسين بن يوسف بن زريق البغدادي قال: حدثني علي بن محمد ابن عيينة مولى الرشید قال: حدثني دارم بن قبيصة بن نهشل بن مجمع النهشلي الصغاني قال: حدثنا علي بن موسی الرضا(علیه السلام)، عن أبيه، عن جدّه، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

ص: 306


1- مجمع البيان: ج 5 ص 378
2- الحلي: اسم لكلّٙ ما يتزين به (مجمع البحرین)
3- الكافي: ج 2 ص 615 ح 9
4- الكافي: ج 2 ص 615 ح 7

استحباب ترتيل القرآن بالصوت الحسن حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً، وقرأ: والله يزيد في الخلق ما يشاء(1) .

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن يونس، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): إنَّ من أجمل الجمال الشَّعر الحَسَن ونغمة الصوت الحَسَن(2) (3).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد، عن موسى بن عمر الصيقل، عن محمد بن عيسى، عن السكوني، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ما بعث الله (عزّوجلّ) نبياً إلاّ حسن الصوت(4) .

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبدالله بن القاسم، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ الله (عزّوجلّ) أوحي إلى موسی بن عمران (عليه السلام): إذا وقفت بين يديَّ فقف موقف الذليل الفقير، وإذا قرأت التوراة فأسمعنيها بصوت حزين(5) .

ص: 307


1- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 69 ح 322. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 193
2- النغمة: حسن الصّوت في القراءة (أقرب الموارد). وفي نسخة الوافي هكذا: «إنَّ من أجمل الجمال الشَّعر الحسن للمرء ونعم النّغمة الصّوت الحسن»
3- الكافي: ج 2 ص 615 ح8
4- الكافي: ج 2 ص 616 ح 10
5- الكافي: ج 2 ص 615 ح 6

دعوات الراوندي: قال الصادق (عليه السلام): إنَّ الله (تبارك وتعالی) أوحي... وذكر مثله بزيادة: وكان موسی (علیه السلام) إذا قرأ كانت قراءته حزناً وكأنّما يخاطب إنساناً(1) .

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ القرآن نزل بالحزن فاقرؤوه بالحزن(2) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحجّال، عن علي بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كان علي ابن الحسين (صلوات الله عليه) أحسن الناس صوتاً بالقرآن، كان السّقاؤون يمرّون فيقفون ببابه يسمعون قراءته، وكان أبو جعفر (عليه السلام) أحسن الناس صوتاً(3) .

السرائر: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام):

الرجل لايرى أنه صنع شيئاً في الدعاء وفي القراءة حتى يرفع صوته؟ فقال: لابأس إن علي بن الحسين (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان يرفع صوته حتى يسمعه أهل الدار، وإنَّ أبا جعفر (عليه السلام) كان أحسن النَّاس صوتاً بالقرآن وكان إذا قام من

ص: 308


1- دعوات الراوندي: ص 23 ح 30
2- الكافي: ج 2 ص 614 ح 2
3- الكافي: ج 2 ص 616 ح 11

استحباب الاحسان الى العبد اذا أحسن القرآن الليل وقرأ رفع صوته، فيمرّ به مارّ الطَّريق من السَّقائين وغيرهم، فيقومون فيستمعون إلى قرائته(1) .

باب (78) استحباب الاحسان الى العبد اذا أحسن القرآن

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): العبد المملوك إذا أحسن القرآن، فعلى سيّده أن يرفق به ويحسن صحبته(2) .

باب (79) النهي عن قراءة القرآن بألحان أهل الفسوق

الكافي: علي بن محمد، عن إبراهيم الأحمر، عن عبدالله بن حمّاد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإيّاكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر فإنه سيجييء من بعدي أقوام يُرجّٙعون القرآن ترجيع الغناء والنَّوح والرُّهبانيَّة، لا يجوز تراقيهم(3)

ص: 309


1- السرائر: ج 3 ص 604
2- الجعفريات: ص 173. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 388
3- في حديث الخوارج «يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم» التّراقي: جمع ترقوة، وهي

قلوبهم مقلوبة وقلوب من يُعجِبُهُ شأنهم(1) .

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليم الفراء، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أعرب القرآن فإنه عربی(2) .

أقول: قال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه): (قوله (عليه السلام):

«اعرب القرآن» قيل: المراد اقرأوها بألحان العرب، أي بيّنوا فيه محسنات القراءة من التفخيم والترقيق والادغام وغير ذلك...)(3) .

عيون أخبار الرضا (عليه السلام): بأسانیده الثلاثة(4) عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إنّي أخاف عليكم إستخفافاً بالدّٙين، وبيع الحكم، وقطيعة الرحم، وأن تتَّخذوا القرآن مزامير تُقدّمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدّٙين(5) .

ص: 310


1- الكافي: ج 2 ص 614 ح 3
2- الكافي: ج 2 ص 615 ح 5
3- مرآة العقول: ج 12 ص 501
4- المذكورة في العيون: ج 2 ص 24 ح 4
5- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 42 ح 140

برکات قراءة القرآن في البيوت

باب (80) برکات قراءة القرآن في البيوت

الكافي: محمد، عن أحمد، وعدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد جميعاً، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): البيت الذي يُقرأ فيه القرآن ويُذكر الله (عزّوجلّ) فيه تكثُرُ بركته، وتحضُرُه الملائكة، وتهجره الشَّياطين، ويُضييء لأهل السَّماء كما تُضييءُ الكواكب لأهل الأرض، وإنَّ البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن ولا يُذكر الله (عزّوجلّ) فيه تقلُّ بركتُهُ، وتهجره الملائكةُ، وتحضرهُ الشَّياطينُ(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القدّاح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (في حدیث) قال: كان (أبي) يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا، ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر، والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله (عزّوجلّ) فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشّياطين، ويضييء لأهل السماء كما يضييء الكوكب الدّري لأهل الأرض، والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين(2) .

ص: 311


1- الكافي: ج 2 ص 610 ح 3
2- الكافي: ج 2 ص 499 ح 1

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، والحسين بن سعيد جميعاً، عن النّضر بن سوید، عن یحیی بن عمران الحلبي، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنَّ البيت إذا كان فيه [المرْءُ] المسلم يتلو القرآن يتراءاه أهل السّماء كما يتراءى أهل الدنيا الكوكب الدُّريَّ في السماء(1) .

عدّة الداعي: عن الصادق (عليه السّلام) مثله وفيه: في السماء الدنيا(2) .

إختيار معرفة الرجال: حدّثني جعفر بن محمد، قال: حدّثني علي ابن الحسن بن علي بن فضّال قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي نجران قال: حدثني أبوهارون قال: كنت ساكناً دار الحسن بن الحسين، فلمّا علم انقطاعي إلى أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) أخرجني من داره.

قال: فمرّ بي أبو عبدالله (عليه السلام) فقال لي: يا أبا هارون بلغني أنّ هذا أخرجك من داره؟ قال: قلت: نعم جعلت فداك.

قال: بلغني أنّك كنت تكثر فيها تلاوة كتاب الله (تعالى) والدار إذا تلي فيها كتاب الله (تعالی) كان لها نور ساطع في السماء تعرف من

ص: 312


1- الكافي: ج 2 ص 610 ح 2
2- عدة الداعی: ص 269

ثلاثة يشكون الى الله (عزّوجلّ) بين الدُّور(1) .

باب (81) ثلاثة يشكون الى الله (عزّوجلّ)

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ثلاثة يشكون إلى الله (عزّوجلّ): مسجد خراب لا يُصلّي فيه أهله، وعالم بين جُهّال، و مُصحف مُعلَّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه(2) .

الخصال: محمد بن موسی بن المتوكل (رضي الله عنه) قال:

حدثنا محمد بن يحيى العطّار، عن [محمد بن] أحمد، عن موسی بن عمر [وسعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله] عن ابن فضّال مثله(3) .

باب (82) القرآن يطرد الشياطين من البيت

قرب الإسناد: الحسن، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): أنه كان يستحب أن يعلّق المصحف في البيت

ص: 313


1- اختيار معرفة الرجال: ج 2 ص 486 ح 395
2- الكافي: ج 2 ص 613 ح 3
3- الخصال: ص 142 ح 163

يتّقی به من الشياطين قال: ويستحب أن لايترك من القراءة فيه(1) .

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني علي بن الحسین السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن علي بن الحسین الضرير(2) ، عن حمّاد بن عيسى، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: إني ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد الله به الشيطان(3) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحسين بن الحسن الضرير، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد الله (عزّوجلّ) به الشّياطين(4) .

باب (83) فضل إستماع القرآن

تفسير العياشي: عن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها، وإذا قريء عندك القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع(5) .

أقول: يجب الإنصات للمأموم إذا قرأ الامام القرآن في الصلوات

ص: 314


1- قرب الأسناد: ص 87 ح 287 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 195
2- في بحار الأنوار: علي بن الحسين الصوفي
3- ثواب الأعمال: ص 129. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 195
4- الكافي: ج 2 ص 613 ح 2
5- تفسير العياشي: ج 2 ص 179 ح 1675 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 221

فضل إستماع القرآن الجهرية من الحمد والسورة وجوباً شرعياً، وأمّا الوجوب في غيرها فيُحمل على الاستحباب المؤكد، جمعاً بين الأدّلة المختلفة.

بحار الأنوار: السرائر - جامع البزنطي نقلاً من خط بعض الأفاضل عن جمیل، عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقرأ القرآن يجب على من يسمعه الإنصات له والإستماع له؟ قال: نعم، إذا قُريء القرآن عندك فقد وجب عليك الإستماع والإنصات(1) .

مجمع البيان: عن عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يقرأ القرآن أيجب على من سمعه الإنصات له والإستماع؟ قال: نعم إذا قريء عندك القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع(2) وفيه: روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وغيرها(3) .

تفسير العياشي: عن أبي كهمس(4) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قرأ ابن الكوّاء خلف أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَئِنْ أَشْرَكْتَ

ص: 315


1- بحار الأنوار: ج 92 ص 222 ح 7
2- مجمع البيان: ج 2 ص 515. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 861 ح 4
3- مجمع البيان: ج 2 ص 515. منه وسائل الشيعة: ج 4 ص 861 ح 2
4- في بحار الأنوار: عن أبي بصير

لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(1) فأنصت له أمير المؤمنين (عليه السلام)(2) .

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهم السلام): إنّ علياً (عليه السلام) كان يؤم الناس في مسجد الكوفة، فقرأ ابن الكوا: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، فلمّا قرأ سكت علي (عليه السلام)، فلمّا أتم ابن الكوا الآية وسکت، قرأ علي (عليه السلام)، ثم عاد ابن الكوا، وسكت علي (عليه السلام) ثلاث مرات، ثمّ قرأ علي (عليه السلام) في الثالثة: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ»(3) (4).

أمالي الصدوق: حدثنا محمد بن علي ما جيلويه، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن محمد بن عيسى العبيدي، عن أبي زكريا المؤمن، عن سلیمان بن خالد، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أتی شباباً من الأنصار فقال: إني أريد أن أقرأ عليكم فمن بکی فله الجنة فقرأ آخر الزمر: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى

ص: 316


1- الزمر 39: 65
2- تفسير العياشي: ج 2 ص 179 ح 1676 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 222
3- الروم 30: 60
4- الجعفريات: ص 52. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 276

الإستخارة بالقرآن جَهَنَّمَ زُمَرًا»(1) إلى آخر السورة، فبكى القوم جميعاً إلا شاباً فقال: يا رسول الله، قد تباکیت فما قطرت عيني .

قال: إني معيد عليكم فمن تباکی فله الجنة.

قال: فأعاد عليهم فبكى القوم وتباکی الفتی فدخلوا الجنة جميعاً(2) .

ثواب الأعمال: حدثني محمد بن الحسن (رضي الله عنه) قال:

حدثني محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن المؤمّل المستهل، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثله(3) .

الجعفريات: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قارئ القرآن والمستمع، في الأجر سواء(4) .

باب (84) الإستخارة بالقرآن

التهذيب: محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن بن

ص: 317


1- الزمر 39: 71
2- أمالي الصدوق: ص 437 ح 10
3- ثواب الاعمال: ص 192. منهما وسائل الشيعة: ج 4 ص 865
4- الجعفريات: ص 31. منه مستدرك الوسائل: ج 4 ص 261

علي بن فضّال، عن أبيه، عن الحسن بن الجهم، عن أبي علي، عن اليسع القمي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): أريد الشيء فأستخير الله فيه فلا يوفّق فيه الرأي أفعله أو أدعه؟ فقال: أنظر إذا قمت إلى الصلاة فإنَّ الشيطان أبعد ما يكون من الانسان إذا قام إلى الصلاة فانظر إلى شيء يقع في قلبك فخذ به وافتح المصحف فانظر إلى أوّل ما ترى فيه فخذ به إن شاء الله تعالی(1) .

بحار الأنوار: روی لي بعض الثقات عن الشيخ الفاضل الشيخ جعفر البحريني (رحمه الله) أنّه رأى في بعض مؤلفات اصحابنا الإمامية أنه روي مرسلاً عن الصادق (عليه السلام) قال: ما لأحدكم إذا ضاق بالأمور ذرعاً أن لا يتناول المصحف بيده عازماً على أمر يقتضيه من عند الله ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثلاثاً والاخلاص ثلاثاً وآية الكرسي ثلاثاً «وعنده مفاتح الغيب» ثلاثاً والقدر ثلاثاً والجحد ثلاثاً والمعوَّذتين ثلاثاً ثلاثاً ويتوجّه بالقرآن قائلاً: «اللهم إنّي أتوجّه إليك بالقرآن العظيم، من فاتحته إلى خاتمته، وفيه اسمك الأكبر، وكلماتك التامات، ياسامع كل صوت، ويا جامع كل فوت، ویا بارئ النفوس بعد الموت، یا من لا تغشاه الظلمات، ولا تشتبه عليه الأصوات، أسألك أن تخير لي بما أشكل عليّ به، فإنّك عالم بكلّ معلوم غیر معلّم بحقّٙ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد الباقر وجعفر الصادق وموسى الكاظم وعليّ الرضا و محمد الجواد وعلي الهادي

ص: 318


1- التهذيب: ج 3 ص 310 ح 960

الإستخارة بالقرآن والحسن العسكري والخلف الحجة من آل محمد(عليه وعليهم السلام)» ثم تفتح المصحف وتعدّ الجلالات التي في الصفحة ثم تنظر آخر سطر، تجده کالوحي فيما تريد إن شاء الله تعالی(1) .

بحار الأنوار: وجدت في بعض مؤلفات أصحابنا أنّه قال: ممّا نقل من خط الشيخ يوسف بن الحسين القطيفي (رحمه الله) ما هذا صورته: نقلت من خط الشيخ العلامة جمال الدين الحسن بن المطهّر (طاب ثراه): روي عن الصادق (علیه السلام) قال: إذا أردت الإستخارة من الكتاب العزيز فقل بعد البسملة: «إن كان في قضائك وقدرك أن تمنَّ على شيعة آل محمد بفرج وليّٙك وحجَّتك على خلقك، فأخرج إلينا آية من كتابك نستدلّ بها على ذلك» ثم تفتح المصحف وتعدّ ست ورقات ومن السابعة ستة أسطر وتنظر مافيه(2) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زیاد، عن محمد بن عيسى، عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لاتتفأل بالقرآن(3) .

أقول: هناك فرق بين التفأُل والاستخارة، والنهي عن التفأل باعتبار أنه يريد الكشف عن المستقبل ومايرتبط به بواسطة القرآن فلايستطيع فهم الامور الخفيَّة، فيقع في الخطأ وربما تنحرف عقيدته

ص: 319


1- بحار الأنوار: ج 91 ص 244
2- بحار الأنوار: ج 91 ص 245
3- الكافي: ج 2 ص 629 ح 7

عن القرآن ان لم يتحقّق ما فهمه.

ولعلّه يكون بمعنى التطيّر، فاذا خرجت فيها الجنة فرح بسماعها واستبشر واذا كانت آية عذاب تشاءم منها. والله العالم.

ص: 320

سورة الفاتحة

باب (1) فضلها والاستشفاء بها

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية ابن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لو قُرأت الحمد على میّت سبعين مرّة ثم رُدَّت فيه الروح ما كان ذلك عجباً(1) .

مکارم الأخلاق: روي عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: ...

وذكر مثله(2) .

تفسير العياشي: عن سلمة بن محرز قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من لم تُبْرئه الحمد لم يُبْرِئه شيء(3) .

مجمع البيان: عن سلمة بن محرز، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: من لم يبرئه ... وذكر مثله(4) .

جامع الاخبار: عن سلمة بن محرز، عن جعفر بن محمد

ص: 321


1- الكافي: ج 2 ص 623 ح 16
2- مكارم الأخلاق: ص 363
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 101 ح 83 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار : ج 92 ص 237
4- مجمع البيان: ج 1 ص 18

الصادق (عليه السلام) قال: ... وذكر مثله(1) .

دعوات الراوندي: قال الصادق (عليه السلام): قراءة الحمد شفاء من كل داء إلاّ السام(2) .

أمالي الطوسي: أخبرنا أبو محمد الفحّام قال: حدثني المنصوري قال: حدثني عمّ أبي قال: حدثني الإمام علي بن محمد قال: حدثني ابي محمد بن علي قال: حدثني أبي علي بن موسى قال: حدثني أبي موسی بن جعفر (عليهم السلام) قال: قال الصادق (عليه السلام): من تالته علّة فليقرأ في جيبه(3) الحمد - سبع مرّات - فان ذهبت العلّة وإلا فليقرأ(ها) سبعين مرّة وأنا الضامن له العافية(4) .

دعوات الراوندي: قال الصادق (عليه السلام): ... وذكر مثله(5) .

طب الأئمة (عليهم السلام): محمد بن جعفر البرسي قال: حدثنا محمد بن يحيى الأرمني قال: حدثنا محمد بن سنان قال: حدّثنا يونس ابن ظبيان، عن المفضّل بن عمر، عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنّه دخل عليه رجل من مواليه وقد وُعك(6) وقال له: مالي أراك متغيّر اللون؟

ص: 322


1- جامع الأخبار: ص 43
2- دعوات الراوندي: ص 189 ح 524. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 261
3- الجيب: الصدر (أقرب الموارد)
4- أمالي الطوسي: ص 284 ح 553. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 225
5- دعوات الراوندي: ص 189 ح 525. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 231
6- الوَعَك: الحمّى (مجمع البحرین)

فضل سورة الفاتحة والاستشفاء بها فقال : جعلت فداك، وعكت وعكاً شديداً منذ شهر، ثمَّ لم تنقلع الحمّى عنّي، وقد عالجت نفسي بكل ما وصفه إليَّ المترفّعون، فلم أنتفع بشيء من ذلك.

فقال له الصادق (عليه السلام): حُلّ أزرار قميصك، وأدخل رأسك في قميصك، وأذّٙن وأقم، وأقرأ سورة الحمد سبع مرّات.

قال: ففعلت ذلك فكأنَّما نشطت(1) من عقال(2) .

أقول: لعلّ المقصود من «المترفعين» هم المتطببون الذين يصفون الدواء للمرضى.

طب الائمة (عليهم السلام): أحمد بن ابي زياد(3) قال: حدثنا فضالة بن أيوب، عن إسماعيل بن زياد(4) ، عن أبي عبدالله الصادق (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا كسل، أو اصابته عين، أو صداع، بسط يديه فقرأ فاتحة الكتاب والمعوّذتين ثمّ يمسح بها وجهه، فيذهب عنه ما كان يجد(5) .

تفسير العياشي: عن محمد بن سنان، عن أبي الحسن موسی بن جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال لأبي حنيفة: ما سورة أوَّلها

ص: 323


1- أنشط من عقال أي حلَّ (أقرب الموارد). والمعنى: انّ صحتي عادت اليّ
2- طب الائمة: ص 52. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 235
3- في بحار الأنوار: أحمد بن زياد وهو الصحيح
4- في بحار الأنوار: اسماعيل بن أبي زياد وهو الصحيح لأنَّ فضالة بن أيوب يروي عن اسماعيل بن أبي زياد ولا يروي عن اسماعیل بن زیاد
5- طب الائمة: ص 39. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 234

تحميد، وأوسطها إخلاص وآخرها دعاء؟ فبقي متحيّراً ثم قال:

لاأدري.

فقال أبو عبدالله (عليه السلام): السورة التي أوّلها تحمید، وأوسطها إخلاص، وآخرها دعاء سورة الحمد(1) .

التهذيب : محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن محمد ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن السبع المثاني والقرآن العظيم [أ] هي الفاتحة؟ قال: نعم.

قلت: «بسم الله الرحمن الرحيم» من السبع؟ قال: نعم هي أفضلهن(2) .

مجمع البيان: روی جمیل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا كنت خلف إمام ففرغ من قراءة الفاتحة فقل أنت من خلفه: الحمد لله ربّ العالمين.

وروی فضل بن يسار، عنه (عليه السلام) قال: إذا قرأت الفاتحة ففرغت من قراءتها فقل: الحمد لله ربّ العالمين(3) .

ص: 324


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 99 ح 75 الطبعة الحديثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 235
2- التهذيب : ج 2 ص 289 ح 1157
3- مجمع البيان: ج 1 ص 31

معنی السبع المثاني

باب (2) معنى السبع المثاني

تفسير العياشي: عن يونس بن عبدالرحمن، عمّن رفعه قال:

سألت أبا عبدالله (عليه السلام) «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»؟(1) قال: هي سورة الحمد وهي سبع آيات، منها (بسم الله الرحمن الرحيم) وإنّما سُمّيت المثاني لأنّها تثنّي في الركعتين(2) .

تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم، عن احدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن قوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي»؟ قال: فاتحة الكتاب يُثنّى فيها القول(3) .

باب (3) أهميَّة بعض الآيات القرآنية

الكافي: حمید بن زیاد، عن الحسين بن محمد، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لمَّا أمر الله (عزّوجلّ) هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض تعلَّقن

ص: 325


1- الحجر 15: 87
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 99 ح 76 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 235
3- تفسير العياشي: ج 2 ص 437 ح 2347 الطبعة الحديثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 235

بالعرش وقلن: أي رب الی این تُهبطُنا إلى أهل الخطايا والذنوب؟ فأوحى الله (عزّوجلّ) إليهن: أن إهبطن فوعزتي وجلالي لا يتلوکُنّ أحد من آل محمد وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه من المكتوبة في كل يوم إلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة، أقضي له في كل نظرة سبعين حاجة، وقبلته على ما فيه من المعاصي، وهي اُمُّ الكتاب و «شهد الله أنّه لا إله إلا هو والملائكة وأُولوا العلم» وآية الكرسي وآية الملك(1) .

أقول: قال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه): (قوله (عليه السلام):

«تعلّقن بالعرش» هذا إمّا كناية عن تقدّسهن وبُعدهن عن دنس الخطايا، أو المراد تعلّق الملائكة الموكَّلين بهنّ أو أرواح الحروف كما أثبتها جماعة، والحقّ انّ تلك الامور من اسرار علومهم وغوامض حِكَمهم ونحن مكلّفون بالتصديق بها اجمالاً، وعدم التفتيش عن تفصيلها. وقوله: «بعيني المكنونة» أي الالطاف الخاصَّة)(2) .

عدّة الداعي: روی جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: لمّا أراد الله (عزّوجلّ) أن يُنزِل فاتحة الكتاب وآية الكرسي، وشهد الله، وقل اللهمّ مالك الملك - إلى قوله - بغير حساب، تعلّقن بالعرش ليس بينهنِّ وبين الله حجاب، فقلن : يارب تهبطنا إلى دار الذنوب، وإلى من يعصيك، ونحن

ص: 326


1- الكافي: ج 2 ص 620 ح 2
2- مرآة العقول: ج 12 ص 507

أهميَّة بعض الآيات القرآنية متعلّقات بالطهور والقدس.

فقال سبحانه: وعزّتي وجلالي مامن عبد قرأكنّ في دُبر كلّٙ صلاة إلاّ أسكنته حظيرة القدس، على ما كان فيه، وإلاّ نظرت إليه بعيني المكنونة في كلّ يوم سبعين نظرة، وإلاّ قضيت له في كلّ يوم سبعين حاجة أدناها المغفرة، وإلاّ أعذتُه من كلّٙ عدوّ، ونصرته عليه، ولا يمنعه [من] دخول الجنة إلاّ الموت(1) .

مجمع البيان: روی جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) نحوه(2) .

جامع الأخبار: قال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآيتين من آل عمران (شهد الله أنه لا إله إلا هو)، وقل «اللهم مالك الملك» إلى آخرها معلّقات، ما بينهن وبين الله تعالی حجاب، فقلن : یا رب تهبطنا إلى أرضك وإلى من يعصيك؟ فقال الله تعالى: لا يقرأكنّ أحد من عبادي دُبر كلّٙ صلاة إلاّ جعلت الجنة مثواه، [على ما كان فيه] ولأسكنته حظيرة القدس، ولأنظُر [نَّ] اليه في كلّ يوم سبعين نظرة(3) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن

ص: 327


1- عدّة الداعي: ص 278. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 261
2- مجمع البيان: ج 1 ص 426
3- جامع الأخبار: ص 45. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 269

علي بن عقبة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ إبليس أنَّ أنيناً(1) لمّا بعث الله نبيَّه (صلّى الله عليه وآله) على حين فترة من الرسل، و حين أنزلت أُمُّ الكتاب(2) (3).

تفسير العياشي: عن عبدالملك بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنَّ إبليس رنَّ(4) أربع رنّات: أوّلهنَّ يوم لُعِن، وحين هبط إلى الأرض، وحين بُعث محمد (صلی الله عليه وآله) على فترة من الرُّسل، وحين أُنزلت أُمُّ الكتاب «الحمد لله ربّٙ العالمين».

ونخر(5) نخرتين: حين أكل آدم (عليه السلام) من الشجرة، وحين أُهبط آدم إلى الأرض، قال: ولُعن من فعل ذلك(6) .

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن علي بن عقبة، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) نحوه(7) .

تفسير العياشي: عن يونس بن عبدالرحمن، عمّن ذكره رفعه

ص: 328


1- في بحار الأنوار: رنَّ رنیناً
2- في بحار الأنوار: اُمُّ القرآن
3- تفسير القمي: ج 1 ص 29. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 230
4- رنَّ الرجل رنيناً: صاح ورفع صوته بالبكاء (أقرب الموارد)
5- نخر الانسان: مدّ الصّوت والنَفس في خياشيمه (أقرب الموارد)
6- تفسير العياشي: ج 1 ص 101ح 81 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 237
7- الخصال: ص 263 ح 141

أهميَّة بعض الآيات القرآنية قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»(1)؟ قال: إنَّ ظاهرها الحمد، وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم (عليه السلام)(2) .

أقول: بناءً على التأويل يُحمل على الامام القائم المهدي (عليه السّلام) فانّ الله يُظهر دينه بواسطته على الدّٙين كلّٙه ولو كره المشركون.

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني محمد بن يحيی العطّار، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن حسان، عن إسماعیل بن مهران قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): اسم الله الأعظم مقطّع في أُمَّ الكتاب(3) .

تفسير العياشي: بأسانيد عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني مثله(4) .

تفسير العياشي: عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال: إذا كانت لك حاجة، فاقرأ المثاني وسورة أُخرى وصلّ رَكعتين، وادع الله.

ص: 329


1- الحجر 15: 87
2- تفسير العياشي: ج 2 ص 438 ح 2350 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص236
3- ثواب الأعمال: ص 130
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 99 ح 74 الطبعة الحديثة. منهما بحار الأنوار: ج 92 ص 234

قلت: أصلحك الله، وما المثاني؟ فقال: فاتحة الكتاب : «بسم الله الرحمن الرحيم ٭ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(1) .

باب (4) البسملة جزء من سورة الفاتحة

الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ «بسم الله الرحمن الرحیم» في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم.

قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ «بسم الله الرحمن الرحیم» مع السورة؟ قال: نعم(2) .

التوحيد: في ضمن حديث عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال:

ولربما ترك بعض شیعتنا في إفتتاح أمره «بسم الله الرحمن الرحیم» فيمتحنه الله بمكروه لينبّهه على شكر الله (تبارك وتعالى) والثناء عليه، ويمحق عنه وصمة تقصيره(3) عند ترکه قول: «بسم الله الرحمن

ص: 330


1- تفسير العياشي: ج 2 ص 437 ح 2348 و ج 1 ص 101 ح 84 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 236
2- الكافي: ج 3 ص 312 ح 1
3- محقه محقاً: نقصه وأذهب منه البركة (مجمع البحرین). والمعنى انه يُذهب وصمة تقصيره بواسطة مايريه من المكروه. والله العالم

آداب كتابة البسملة الرحیم»(1) .

تفسير العياشي: عن خالد بن المختار قال: سمعت جعفر بن محمد (عليهما السّلام) يقول: مالهم - قاتلهم الله - عمدوا الى أعظم آية في كتاب الله، فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها وهي «بسم الله الرحمن الرحیم»(2) .

باب (5) آداب كتابة البسملة

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي، عن الحسن بن علي، عن يوسف بن هارون مولى آل جعدة قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من أجود كتابك ولا تمدّ الباء حتى ترفع السين(3) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن الحسن بن السري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم لفلان ولا بأس أن تكتب على ظهر الكتاب لفلان(4).

ص: 331


1- التوحيد: ص 231
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 103 ح 89 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 238
3- الكافي: ج 2 ص 672 ح 2
4- الكافي: ج 2 ص 672 ح 3

باب (6) أهميّة البسملة وفوائد قراءتها

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إدريس الحارثي، عن محمد بن سنان، عن مفضّل بن عمر قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): يا مفضّل إحتجز من الناس كلّهم ب- «بسم الله الرحمن الرحیم» وب- «قل هو الله أحد»، أقرأها عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك ومن فوقك ومن تحتك، فإذا دخلت على سلطان جائر فأقرأها حين تنظر إليه ثلاث مرات، واعقد بيدك اليسرى ثم لا تفارقها حتى تخرج من عنده(1) .

مهج الدعوات: بإسنادنا إلى محمد بن الحسن الصفّار من كتاب (فضل الدعاء) بإسناده إلى معاوية بن عمّار، عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: بسم الله الرحمن الرحيم اسم الله الأكبر. أو قال: الأعظم(2) .

التهذيب : محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن حمّاد بن زيد، عن عبدالله بن يحيى الكاهلي، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، عن أبيه قال: «بسم الله الرحمن الرحیم» أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى بياضها(3) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد

ص: 332


1- الكافي: ج 2 ص 624 ح 20
2- مهج الدعوات: ص 316
3- التهذيب: ج 2 ص 289 ح 1159

البسملة جزء من كلّٙ سورة العزيز، عن جميل بن درّاج قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): لاتدع بسم الله الرحمن الرحيم وإن كان بعده شعر(1) .

باب (7) البسملة جزء من كلّٙ سورة

علل الشرائع : قال الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي: حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قالا: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا محمد بن عیسی بن عبيد، عن محمد بن أبي عمير ومحمد بن سنان، عن الصباح السدي وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان مؤمن الطاق وعمر ابن اذينة، عن أبي عبدالله (عليه السلام).

وحدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبدالله قالا: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب. ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى، عن عبدالله بن جبلة، عن الصباح المزني، وسدير الصيرفي ومحمد بن النعمان الأحول، وعمر بن اذينة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (في حديث) - بعد أن حکی عن النبي (صلّى الله عليه وآله) ما رأي إذ عرج به وعلّة الأذان والافتتاح - : فلمّا فرغ من التكبير والافتتاح قال الله (عزّوجلّ):

الآن وصلت إلىَّ فسمّ باسمي!

ص: 333


1- الكافي: ج 2 ص 672 ح 1

فقال: «بسم الله الرحمن الرحيم» فمن اجل ذلك جعل «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول كل سورة، ثم قال له: أحمدني.

فقال: «الحمد لله رب العالمين». وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في نفسه: شکراً.

فقال الله: يا محمد، قطعت حمدي فسمّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل في (الحمد) «الرحمن الرحیم» مرّتين، فلمّا بلغ «ولا الضَّالين»، قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): «الحمد لله رب العالمین»، شکراً.

فقال الله العزيز الجبّار: قطعت ذكري فسمّ باسمي.

فقال: «بسم الله الرحمن الرحیم» فمن أجل ذلك جعل «بسم الله الرحمن الرحیم» بعد الحمد في استقبال السورة الأخرى(1) .

باب (8) تفسير البسملة

تفسير القمي: حدثني أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسی بن جعفر (عليه السلام) قال: حدثنا ابو الحسن علي ابن إبراهيم قال: حدثني أبي (رحمه الله)، عن محمد بن أبي عمير،

ص: 334


1- علل الشرایع: ص 312 ح 1

تفسير البسملة عن حمّاد بن عيسى، عن حريث(1) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:

وحدثني أبي، عن حنان وعبدالله بن میمون القدّاح وأبان بن عثمان، عن عبدالله بن شريك العامري، عن مفضّل بن عمر وأبي بصير، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) تفسیر «بسم الله الرحمن الرحیم» قال: وحدثني أبي، عن عمرو بن إبراهيم الراشدي وصالح بن سعيد ويحيى بن أبي عمير بن عمران الحلبي، وإسماعيل بن فرّار(2) وابي طالب عبدالله بن الصلت، عن علي بن يحيى، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن تفسير «بسم الله الرحمن الرحیم»؟ فقال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم ملك الله، والله إله كل شيء، والرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصة(3) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان قال:

سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن تفسير «بسم الله الرحمن الرحیم»؟ قال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم مجد الله.

ص: 335


1- في بحار الأنوار: عن حريز
2- في بحار الأنوار: مرّار. وهو الصحيح
3- تفسير القمي: ج 1 ص 27. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 228

وروى بعضهم: الميم ملك الله، والله إله كل شيء، الرحمن بجميع خلقه، والرحيم بالمؤمنين خاصة(1) .

التوحيد - معاني الأخبار: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد ابن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام)(2) عن «بسم الله الرحمن الرحیم»؟ فقال : الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم مجد الله، وروی بعضهم(3) : ملك الله، و«الله» إله كلّ شيء، الرحمن بجميع خلقه(4)، والرحيم بالمؤمنين خاصة(5) .

المحاسن: البرقي، عن القاسم بن یحیی مثله(6) .

تفسير العياشي: عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) نحوه(7) .

التوحيد - معاني الأخبار: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن

ص: 336


1- الكافي: ج 1 ص 114 ح 1
2- في معاني الأخبار: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته
3- في المحاسن: وقال بعضهم
4- في معاني الأخبار: لجميع العالم
5- التوحيد: ص 230 ح 2 - معاني الأخبار: ص 3 ح 1
6- المحاسن: ج 1 ص 372 ح 813 الطبعة الحديثة
7- تفسير العياشي: ج 1 ص 104 ح 91 - 93 الطبعة الحديثة. منها بحار الأنوار: ج 92 ص 231

الجهر بالبسملة الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن العباس بن معروف، عن صفوان بن یحیی، عمّن حدّثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سُئل عن «بسم الله الرحمن الرحيم»؟ فقال: الباء بهاء الله، والسين سناء الله، والميم مُلك الله.

قال: قلت: الله؟ قال: الألف: آلاء الله على خلقه من النعيم بولايتنا، واللاّم إلزام الله خلقه ولايتنا.

قلت: فالهاء؟ قال: هوان لمن خالف محمداً وآل محمد (صلوات الله عليهم).

[قال:] قلت: الرحمن؟ قال: بجميع العالم.

قلت: الرحیم؟ قال: بالمؤمنين خاصة(1) .

باب (9) الجهر بالبسملة

تفسير القمي: عن ابن أُذينة قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام):

«بسم الله الرحمن الرحيم» أحقُّ ما أَجهر به، وهي الآية التي قال الله (عزّوجلّ): «وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ

ص: 337


1- التوحيد: ص 230 ح 3 - معاني الأخبار: ص 3 ح 2. منهما بحار الأنوار: ج 92 ص 231

نُفُورًا»(1) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن صفوان الجمّال قال: صلّيت خلف أبي عبدالله (عليه السلام) أيّاماً فكان إذا كانت صلاة لا يُجهر فيها جَهَر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكان يجهر في السورتين جميعاً(2) .

باب (10) أَثَر تلاوة البسملة في الصلاة

تفسير العياشي: قال الحسن بن خرزاد: وروي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أمَّ الرجل القوم، جاء شیطان إلى الشيطان الذي هو قرين الإمام، فيقول: هل ذكر الله؟ يعني هل قرأ «بسم الله الرحمن الرحيم»؟ فإن قال: نعم، هرَب منه، وإن قال: لا، رَكِب عُنُق الإمام، ودلّی رجليه في صدره، فلم يزل الشيطان إمام القوم حتی يفرغوا من صلاتهم(3) .

ص: 338


1- تفسير القمي: ج1 ص28، والآية في سورة الاسراء 17: 46. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 229
2- الكافي: ج 3 ص 315 ح 20
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 100 ح 80 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 236

البسملة في كلّ الكتب السماويَّة

باب (11) البسملة في كلّ الكتب السماويَّة

المحاسن: البرقي، عن بعض أصحابنا، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن هارون بن الخطّاب التميمي، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ما نزل كتاب من السماء إلاّ وأوّله: «بسم الله الرحمن الرحيم»(1) .

تفسير العياشي: عن صفوان الجمّال قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): ما أنزل الله من السماء كتاباً إلاّ وفاتحته: «بسم الله الرحمن الرحيم» وإنّما كان يُعرف إنقضاء السورة بنزول: «بسم الله الرحمن الرحيم» إبتداءً للأُخرى(2) .

باب (12) تحقق الشكر بقول: الحمد لله

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد (بن محمد بن عیسی)، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمّال، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال لي: ما أنعم الله على عبد بنعمة صغرت أو كبرت فقال:

الحمد لله إلاّ أدّى شكرها(3) .

ص: 339


1- المحاسن: ج 1 ص 111 ح 103 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 234
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 100 ح 78 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 236
3- الكافي: ج 2 ص 96 ح 14

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن بن عطية، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّي سألت الله (عزّوجلّ) أن يرزقني مالاً فرزقني، وإنّي سألت الله أن يرزقني ولداً فرزقني ولداً، وسألته أن يرزقني داراً فرزقني وقد خفت أن يكون ذلك إستدراجاً(1) .

فقال: أما - والله - مع الحمد فلا(2) .

الكافي: الحسين بن محمد، عن معلّی بن محمد، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان قال: خرج أبو عبدالله (عليه السلام) من المسجد وقد ضاعت دابّته فقال: لئن ردّها الله عليَّ لأشكرنَّ الله حقَّ شكره.

قال: فما لبث أن أتي بها، فقال: الحمد لله.

فقال له قائل: جُعلت فداك أليس قلت: لأشكرنَّ الله حقَّ شكره؟ فقال أبو عبدالله (عليه السلام): ألم تسمعني قلت: الحمد لله(3) ؟! الخصال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار (رضي الله عنه) قال: حدّثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن يونس بن عبدالرحمن، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبدالله، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه

ص: 340


1- استدراج الله العبد: انه كلما جدّد خطيئة جدّد له نعمة وأنساه الاستغفار فيأخذه قليلاً قليلاً ولايباغته - يعني يفاجئه من «البغتة» وهي الفجأة - (مجمع البحرین)
2- الكافي: ج 2 ص 97 ح 17
3- الكافي: ج 2 ص 97 ح 18

تحقق الشكر بقول: الحمد لله وآله): أربع من كنّ فيه كان في نور الله الأعظم (الى أن قال:) ومن اذا أصاب خيراً قال: الحمد لله ربّ العالمين(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا، عن محمد بن هشام، عن ميسر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: شكر النعمة إجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرجل:

الحمد لله ربّ العالمين(2) .

الكافي: علي بن ابراهيم، عن أبيه وحميد بن زياد، عن الحسن ابن محمد جميعاً، عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن يعقوب بن شعيب قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول (في حديث) وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذا اصبح قال: الحمد لله ربّ العالمين كثيراً على كلٌ حال - ثلاثمائة وستين مرّة - وإذا أمسى قال مثل ذلك(3) .

الكافي: عدّة من اصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس، عن سعيد بن جناح قال: حدثني أبو مسعود، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من قال أربع مرّات إذا أصبح: الحمد لله ربّ العالمين، فقد أدّى شكر يومه، ومن قالها إذا أمسى فقد أدّى شكر ليلته(4) .

ص: 341


1- الخصال: ص 222 ح 49
2- الكافي: ج 2 ص 95 ح 10
3- الكافي: ج 2 ص 503 ح 4
4- الكافي: ج 2 ص 503 ح 5

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني الحسين بن عبدالصمد، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان قال: حدثنا العبّاد بن عبدالخالق، عمّن حدّثه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنَّ لله (عزّوجلّ) اثني عشر ألف عالَم ، كلُّ عالَم منهم أكبر من سبع سماوات وسبع أرضين، ما ترى عالَم منهم أن لله (عزّوجلّ) عالَماً غيرهم، وأنا الحجّة عليهم(1) .

باب (13) تفسير سورة الفاتحة

تفسير القمي: قال: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن النضر بن سوید، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» قال: الشكر لله، وفي قوله: «رَبِّ الْعَالَمِينَ» قال:

خالق الخلق «الرَّحْمَنِ» بجميع خلقه «الرَّحِيمِ» بالمؤمنين خاصة «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قال: يوم الحساب، والدليل على ذلك قوله:

«وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ»(2) يعني يوم الحساب «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» مخاطبة الله (عزّوجلّ) «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» مثله «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» قال: الطريق ومعرفة الإمام(3) .

ص: 342


1- الخصال: ص 639 ح 14
2- الصافات 37: 20
3- تفسير القمي: ج 1 ص 28. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 235

تفسير سورة الفاتحة مجمع البيان: روي عن الصادق (عليه السلام) انّه قال:

«الرَّحْمَنِ» اسم خاصّ بصفة عامّة، و «الرَّحِيمِ» اسم عام بصفة خاصّة.(1) تفسير القمي: قال: حدثني أبي، عن حمّاد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: «الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» قال: هو أمير المؤمنین (صلوات الله عليه) ومعرفته، والدليل على أنّه أمير المؤمنين قوله: «وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ»(2) وهو أمير المؤمنین (صلوات الله عليه) في اُمّ الكتاب(3) .

عيون أخبار الرضا (عليه السلام): حدثنا محمد بن القاسم الأستر آبادي المفسّر (رضي الله عنه) قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زیاد وعلي بن محمد بن سیار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام) قال: جاء رجل إلى الرضا (عليه السلام) فقال له: يابن رسول الله أخبرني عن قول الله (عزّوجلّ) : «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ما تفسيره؟ فقال: لقد حدَّثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدین عن أبيه (عليهم السلام) أَن رجلاً جاء إلى أمير المؤمنين فقال: أخبرني عن

ص: 343


1- مجمع البيان: ج 1 ص 21
2- الزخرف 43: 4
3- تفسير القمي: ج 1 ص 28. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 229

قول الله (عزّوجلّ): «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» ما تفسيره؟ فقال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ» هو أنْ عرّف عباده بعض نِعَمِه عليهم جُملاً إذ لايقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنّها أكثر من أن تُحصى أو تُعرف.

فقال لهم: قولوا: «الحمد لله» على ما أنعم به علينا «ربّ العالمين» وهم الجماعات من كلّٙ مخلوق من الجمادات والحيوانات.

فأمّا الحيوانات فهو يقلّبها في قُدرته، ويَغْذوها من رزقه، ويحوطها بكنفه، ويدبّر كلاً منها بمصلحته.

وأمَّا الجمادات فهو يمسكها بقدرته، [و] يمسك المتَّصل منها أن يتهافت، ويُمسك المتهافت منها أن يتلاصق، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، ويُمسك الأرض أن تنخسف إلاّ بأمره، إنّه بعباده لرؤوف رحيم... الى آخر الحديث(1) .

تفسير العياشي: عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» يعني أمير المؤمنين (عليه السلام)(2) .

تفسير العياشي: قال محمد بن علي الحلبي: سمعته ما لا أُحصي وأنا أُصلّي خلفه يقرأ: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»(3) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبدالله

ص: 344


1- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 282 ح 30. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 242
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 106ح 98 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 240
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 106 ح 99 الطبعة الحديثة

تفسير سورة الفاتحة (عليه السلام) أنّه قرأ: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٭ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ».

قال: المغضوب عليهم: النُصّاب، والضّالين: اليهود والنصاری(1) .

تفسير القمي: عن حمّاد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اُذينة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ».

قال: المغضوب عليهم: النُصّاب، والضّالين: الشُکّاك والذين لا يعرفون الإمام(2) .

معاني الأخبار: حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا عبدالرحمن بن محمد الحسيني قال: أخبرنا أبو جعفر أحمد بن عیسی ابن أبي مريم العجلي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن عبدالله بن زیاد العرزمي قال: حدثنا علي بن حاتم المنقري، عن المفضّل بن عمر قال:

سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصراط؟ فقال : هو الطريق إلى معرفة الله (عزّوجلّ) وهما صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأمّا الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدى بُهداه، مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلَّت قَدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم(3) .

ص: 345


1- تفسير القمي: ج 1 ص 29. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 236
2- تفسير القمي: ج 1 ص 29. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 237
3- معاني الأخبار: ص 32 ح 1. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 246

معاني الأخبار: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي بن الصلت، عن عبدالله بن الصلت، عن يونس بن عبدالرحمن، عمّن ذكره، عن عبيدالله بن الحلبي(1) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» أمير المؤمنين علي (عليه السلام)(2) .

معاني الأخبار: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال:

حدثنا فرات بن إبراهيم الكوفي قال: حدثني محمد بن الحسن بن إبراهيم قال: حدثنا ألوان(3) بن محمد قال: حدثنا حنان بن سدير، عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: قول الله (عزّوجلّ) في الحمد: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» يعني محمداً وذرّيته (صلوات الله عليهم)(4) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن جعفر (حفص ط) بن غياث قال: وَصَف أبو عبد الله (عليه السلام) الصراط فقال: الف سنة صعود وألف سنة هبوط وألف سنة حدال(5) (6).

ص: 346


1- في تفسير البرهان: عبيدالله الحلبي
2- معاني الأخبار: ص 32 ح 2. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 246
3- في تفسير البرهان: علوان، وهو الصحيح
4- معاني الأخبار: ص 36 ح 7. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 247
5- الأحدل: المائل. وقيل: الذي يمشي في شقّ (لسان العرب). وفي (القاموس) حُدال - بالضم - الأملس، ولعلّ المعنى المناسب هنا أنَّ الصّراط يكون - في الألف الثالثة - سهلاً لا إرتفاع فيه ولا إنخفاض، بعد الصعود والهبوط. والله العالم
6- تفسير القمي: ج 1 ص 29

تفسير سورة الفاتحة تفسير القمي: حدثني أبي، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الصراط؟ فقال : هو أدقُّ من الشعر وأحدُّ من السيف فمنهم من يمرُّ عليه مثل البرق، ومنهم من يمرُّ عليه مثل عَدْو الفرس، ومنهم من يمرُّ عليه ماشياً، ومنهم من يمرُّ عليه حبواً(1) ، ومنهم من يمرُّ عليه متعلقاً فتأخذ النار منه شيئاً وتترك منه شيئاً(2) .

تفسير العياشي: عن محمد بن علي الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه كان يقرأ: «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ»(3) .

تفسير العياشي: عن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقرأ ما لا أُحصي: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(4) .

تفسير العياشي: عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله : «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ»؟ قال: هم اليهود والنصاری(5) .

تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ

ص: 347


1- حبا الرجل: مشي على يديه وبطنه. وحبا الصبي: زحف (أقرب الموارد)
2- تفسير القمي: ج 1 ص 29
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 104 ح 94 الطبعة الحديثة. منه بحار الانوار: ج 92 ص 239
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 104 ح 95 الطبعة الحديثة
5- تفسير العياشي: ج 1 ص 106 ح 100. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 240

الْعَظِيمَ»؟(1) .

فقال: فاتحة الكتاب يثنّى فيها القول.

قال: وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنَّ الله منّ عليَّ بفاتحة الكتاب من کنز الجنة، فيها «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم» الآية التي يقول فيها: «وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا»(2) «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» دعوى أهل الجنة، حين شكروا لله حسن الثواب، و «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قال جبرئیل: ما قالها مسلم قطٌّ إلا صدَّقه الله وأهل سماواته «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» إخلاص العبادة «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» أفضل ماطلب به العباد حوائجهم «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» صراط الأنبياء، وهم الذين أنعم الله عليهم «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» اليهود (وغير الضَّالين) النَّصاری(3) .

باب (14) مِن آثار قراءة سورة الفاتحة

عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - أمالي الصدوق: حدثنا محمد ابن القاسم المفسّر الأسترآبادي (رضي الله عنه) قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سیّار، عن أبويهما، عن الحسن بن

ص: 348


1- الحجر 15: 87
2- الاسراء 17: 46
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 103 ح 90 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 238

مِن آثار قراءة سورة الفاتحة علي ، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسین ابن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): قال الله (عزّوجلّ): قسَّمتُ فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل.

إذا قال العبد: «بسم الله الرحمن الرحيم» قال الله (جلّ جلاله):

بَدأ عبدي باسمي، وحقٌّ عليَّ أن أتمم له أُموره و أُبارك له في أحواله، فإذا قال: و«الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» قال الله (جلَّ جلاله): حَمَدني عبدي وعلم أنّ النعم التي له من عندي وأنّ البلايا التي دفعت عنه فبطولي أشهدكم أنّي أضيف له إلى نعم الدُّنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» قال الله (جلّ جلاله): شهد لي عبدي إنّي الرَّحمن الرَّحيم، أُشهدكم لأوفّرنّ من رحمتي حظّه، ولأُجزلنَّ(1) من عطائي نصيبه، فإذا قال:

«مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» قال الله (جلّ جلاله): اُشهدكم كما اعترف أنّي أنا مالك يوم الدين لأسهلنَّ يوم الحساب حسابه ولأتجاوزن عن سيّئاته، فإذا قال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» قال الله (عزّوجلّ): صدق عبدي إياي يعبد أُشهدكم لأثيبّنه على عبادته ثواباً يغبطه كل من خالفه في عبادته لي،

ص: 349


1- أجزل من العطاء: إذا أكثره (أقرب الموارد)

فإذا قال: «وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» قال الله (عزّوجلّ): بي استعان عبدي والتجأ إليَّ أُشهدكم لأعيننَّه على أمره ولأغيثنَّه في شدائده ولآخذن بيده يوم نوائبه، فإذا قال: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ» إلى آخر السورة قال الله (عزّوجلّ): هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، فقد استجبتُ لعبدي وأعطيته ما أمل وآمنته ممّا منه وَجل(1) .

قال: وقيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): يا أمير المؤمنين أخبرنا عن (بسم الله الرحمن الرحيم) أهي من فاتحة الكتاب؟ فقال: نعم كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقرأها ويعدّها آية منها ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني(2) .

عيون أخبار الرضا عليه السلام): حدثنا محمد بن القاسم المفسّر المعروف بأبي الحسن الجرجاني (رضي الله عنه) قال: حدثنا يوسف ابن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سیّار، عن أبويهما، عن الحسن ابن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أخيه الحسن بن علي (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ «بسم الله الرحمن الرحيم» آية من فاتحة الكتاب وهي سبع آيات تمامها «بسم الله الرحمن الرحيم»

ص: 350


1- وَجِل وجلاً: أي خاف (مجمع البحرین)
2- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 300 ح 59 - أمالي الصدوق: ص 147 ح 1

الأئمة الطاهرون هم الأدلاّء على الله سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يقول: انّ الله (عزَّوجلَّ) قال لي: يا محمد «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» فافرد الإمتنان عليّ بفاتحة الكتاب وجعلها بازاء القرآن العظيم وانّ فاتحة الكتاب اشرف ما في كنوز العرش وانّ الله (عزّوجلّ) خصّ محمداً (صلّی الله عليه وآله وسلم) وشرّفه بها ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ما خلا سلیمان (علیه السلام) فإنّه أعطاه منها «بسم الله الرحمن الرحيم»(1) .

باب (15) الأئمة الطاهرون هم الأدلاّء على الله

تفسير البرهان: (ربيع الأبرار) للزمخشري قال: قال رجل لجعفر ابن محمد (عليه السلام): ما الدليل على الله ولا تذكر لي العالم والعرض والجوهر؟ فقال له: هل ركبت البحر؟ قال: نعم.

قال: فهل عصفتْ بكم الريح حتى خفتم الغرق؟ قال: نعم.

قال: فهل تتبَّعتْ نفسك أن ثَمَّ من يُنجيك؟ قال: نعم.

ص: 351


1- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 301 ح 60

قال: فإنَّ ذاك هو الله سبحانه وتعالى، قال الله: «... ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ»و «ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ»(1).

تفسير العياشي: عن الحسن بن خُرَّزاد قال: كتبت إلى الصادق (عليه السلام) اسأل عن معنى الله؟ فقال: استولى على مادقَّ وجلَّ(2) .

تفسير العياشي: عن الحسن بن محمد الجمّال، عن بعض أصحابنا قال: بعث عبدالملك بن مروان إلى عامل المدينة أن وجّه إليَّ محمد بن علي بن الحسين ولا تُهيّجه ولا تروّعه واقض حوائجه، وقد كان ورد على عبد الملك رجل من القَدَرية(3) فحضر جميع من كان بالشام فأعياهم جميعاً، فقال: مالهذا إلاّ محمد بن علي، فكتب إلى صاحب المدينة أن يحمل محمد بن علي (عليه السّلام) اليه، فأتاه صاحب المدينة بكتابه فقال له أبو جعفر (عليه السلام): إنّي شيخ كبير لا أقوى على الخروج وهذا جعفر إبني يقوم مقامي فوَجّهه إليه، فلمّا قَدم على الأموي إزدرأه(4) لصغَره، وكره أن يجمع بينه وبين القَدَريّ مخافة أن يغلبه، و تسامع الناس بالشام بقدوم جعفر لمخاصمة القَدَري.

ص: 352


1- تفسير البرهان: ج 1 ص 46 ح 12 الطبعة الحديثة، والآيتان في سورة الاسراء 17: 67، وسورة النحل 16: 53
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 103 ح 88. منه بحار الأنوار: ج 92 ص 238
3- القدرية: قوم يجحدون القَدَر يقولون: ان كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله تعالی. (أقرب الموارد)
4- ازدرأه: احتقره واستخف به. (أقرب الموارد)

الأئمة الطاهرون هم الأدلاّء على الله فلمّا كان من الغد إجتمع الناس لخصومتهما، فقال الأموي لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّه قد أعيانا أمر هذا القدري، وإنّما كتبت إليك لأجمع بينك وبينه، [فإنّه] لم يدع عندنا أحداً إلاّ خَصَمه(1) .

فقال: إنَّ الله يكفيناه.

قال: فلمّا اجتمعوا، قال القدري لأبي عبد الله (عليه السلام): سل عمّا شئت.

فقال له: إقرأ سورة الحمد.

قال: فقرأها، وقال الأموي - وأنا معه - : ما في سورة الحمد علينا «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(2) .

[قال:] فجعل القدري يقرأ سورة الحمد حتى بلغ قول الله (تبارك وتعالی): «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».

فقال له جعفر (عليه السلام): قف، من تستعين؟ وما حاجتك إلى المعونة، إنّ الأمر إليك؟! فبُهت الذي كفر، والله لا يهدي القوم الظالمين(3) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي هارون المكفوف قال: سأل رجل أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا حاضر: كم يُقرأ في الزوال؟

ص: 353


1- خصمه خصماً: غلبه في الخصومة (أقرب الموارد)
2- البقرة 2: 156
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 105 ح 97 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 249

فقال: ثمانين آية.

فخرج الرجل، فقال - الامام -: يا أبا هارون هل رأيت شيخاً أعجب من هذا الذي سألني عن شيء فأخبرته ولم يسألني عن تفسيره؟! هذا الذي يزعم أهل العراق أنّه عاقلهم ؟! يا أبا هارون إنَّ الحمد سبع آيات، وقل هو الله أحد ثلاث آیات، فهذه عشر آيات، والزوال ثمان ركعات فهذه ثمانون آية(1) .

ص: 354


1- الكافي: ج 3 ص 314 ح 14

سورة البقرة

باب (1) فضل قراءتها

ثواب الأعمال: حدثني محمد بن الحسن (رضي الله عنه) قال:

حدّثني أحمد بن ادریس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن حسان، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي، عن أبيه، عن الحسین ابن أبي العلاء، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من قرأ البقرة وآل عمران، جاءتا يوم القيامة تُظلاّنه على رأسه مثل الغمامتين أو مثل الغيابتين(1) .

تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ... وذكر مثله(2) .

ص: 355


1- ثواب الأعمال: ص 130 ح 1 والغيابة: كل شيء أظلَّ الانسان فوق رأسه کالسحابة ونحوها (النهاية)
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 107 ح 103 الطبعة الحديثة

تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: من قرأ سورة البقرة ... وذكر مثله(1) .

* * * * * بسم الله الرحمن الرحيم «الم ٭ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٭ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٭ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ٭ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

باب (2) معنى الحروف المقطّعة في السورة

معاني الأخبار: أخبرنا أبو الحسن محمد بن هارون الزنجاني فيما كتب إليَّ على يدي علي بن أحمد البغدادي الورّاق قال: حدثنا معاذ ابن المثنّى العنبري قال: حدثنا عبد الله بن أسماء قال: حدثنا جويرية، عن سفيان بن سعيد الثوري قال: قلت لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): يابن رسول الله ما معنى قول الله (عزّوجلّ): «الم»؟ (الى أن قال:) أمّا في «الم» في

ص: 356


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 291 ح 640 الطبعة الحديثة

معنى الحروف المقطّعة في السورة أوّل البقرة، فمعناه أنا الله الملك(1) .

مجمع البيان: في قوله تعالى: «الم» روی أبو اسحاق الثعلبي في (تفسيره) مسنداً إلى علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) قال: سُئل جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) عن قوله: «الم»؟ فقال: في الألف ست صفات من صفات الله تعالى (الابتداء) فإنّ الله ابتدأ جميع الخلق والألف إبتداء الحروف و(الاستواء) فهو عادل غیر جائر والالف مستوٍ في ذاته و(الانفراد) فالله فرد والألف فرد و(اتصال الخَلق بالله) والله لا يتَّصل بالخَلق وكلّهم محتاجون الى الله والله غني عنهم، وكذلك الألف لايتَّصل بالحروف والحروف متَّصلة به، وهو منقطع من غيره، والله (عزّوجلّ) باين بجميع صفاته من خلقه، ومعناه من الالفة فكما انَّ الله (عزّوجلّ) سبب اُلفة الخَلق فكذلك الالف عليه تألَّفت الحروف وهو سبب إلفتها(2) .

أقول: قوله (عليه السّلام): «وكذلك الالف لايتّصل بالحروف...» أي في الابتداء مثل احمد واكرم واعظم.. «والحروف متّصلة به» مثل باقر وكامل وناصر وغيرها.

معاني الأخبار: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس بن عبدالرحمن، عن سعدان، عن أبي بصير، عن

ص: 357


1- معاني الاخبار: ص 22 ح 1. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 258
2- مجمع البيان: ج 1 ص 32

أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «الم» هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المقطّع في القرآن الذي يُؤلّفه النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام، فإذا دعا به أُجيب.

«ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» قال: بيان لشيعتنا «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» قال:

ممّا علمناهم يُنبّٙؤون ومما علّمناهم من القرآن يتلون(1) .

باب (3) المتقون والايمان بالغيب

اكمال الدين : حدثنا علي بن أحمد بن محمد الدقاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا موسی بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى بن أبي القاسم قال: سألت الصادق (عليه السّلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «الم ٭ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٭ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»؟ فقال : المتقون: شيعة عليّ (عليه السّلام) والغيب: فهو الحجّة الغائب(2) .

إكمال الدين : حدثنا علي بن أحمد بن موسی (رحمه الله) قال:

ص: 358


1- معاني الأخبار: ص 23 ح 2. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 256
2- اكمال الدين: ص 340 ح 20

المتقون والايمان بالغيب حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا موسی بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة، عن يحيى ابن أبي القاسم قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) عن قول الله ... وذكر مثله(1) .

تفسير العياشي: عن سعدان بن مسلم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: «الم ٭ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ» قال: كتاب علي لا ريب فيه «هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» قال: المتّقون:

شیعتنا «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» وممّا علّمناهم يَبُثون(2) .

اكمال الدين: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطّار قال: حدثنا أحمد بن محمد ابن عيسى، عن عمر بن عبدالعزيز، عن غير واحد من أصحابنا، عن داود بن كثير الرّقي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ».

قال: من أقرَّ بقيام القائم (عليه السّلام) انّه حقّ(3) .

تفسير القمي: قال أبو الحسن علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن يحيى بن أبي عمران، عن يونس، عن سعدان بن مسلم، عن أبي

ص: 359


1- اكمال الدين: ص 17. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 257
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 108 ح 105 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 256
3- اكمال الدين: ص 340 ح 19 و ص 17. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 256

بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: الكتاب: علي (عليه السّلام) لا شك فيه «هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» قال: بيان لشيعتنا.

قوله: «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» قال: ممّا علمناهم ينبئون وممّا علمناهم من القرآن يتلون.

وقال: «الم» هو حرف من حروف اسم الله الأعظم المتقطع(1) في القرآن الذي خوطب به النبي (صلّى الله عليه وآله) والإمام، فإذا دعا به أجيب ... الى آخر الحديث(2) .

مجمع البيان: في قوله تعالى: «وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» روی محمد بن مسلم، عن الصادق (عليه السّلام) انّ معناه وممّا علمناهم يَبثُّون(3) .

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا الحسين بن إبراهيم بن تاتانة والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب، وأحمد بن زیاد بن جعفر الهمداني، وعليّ بن عبدالله الورّاق (رضي الله عنهم) قالوا: حدثنا عليّ بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ياسر الخادم قال:

حدثنا عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر ابن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهم

ص: 360


1- في تفسير البرهان: المقطّع
2- تفسير القمي: ج 1 ص 30. منه تفسير البرهان : ج 1 ص 255
3- مجمع البيان: ج 1 ص 39

علّة تسمية المؤمن مؤمناً السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا عليٌ إنّي سألت ربّي (عزّ وجلّ) فيك خمس خصال فأعطاني (إلى أن قال:) وأمّا الثالثة فسألت ربّي (عزّوجلّ) أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الاكبر علیه مکتوب: «المفلحون هم الفائزون بالجنّة» فأعطاني(1) .

الخصال: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن أحمد، عن عليّ بن محمد القاشاني، عمّن ذكره، عن عبدالله بن القاسم الجعفري، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: القيامة عرس المتقين(2) .

باب (4) علّة تسمية المؤمن مؤمناً

علل الشرایع: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن سنان، عن عليّ بن فضّال، عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنّما سُمّٙي المؤمن مؤمناً لأنّه يؤمن على الله فيجيز أمانه(3) .

المحاسن: البرقي، عن يعقوب بن يزيد، عن مروك بن عبيد، عن سنان بن طريف، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) أنّه قال: لِمَ سُمّي

ص: 361


1- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 278 ح 16
2- الخصال: ص 13 ح 46
3- علل الشرائع: ص 523 ح 1. منه بحار الأنوار: ج 67 ص 60

المؤمن مؤمناً؟ فقلت: لا أدري إلاّ أنّه أراه يؤمن بما جاء من عند الله.

فقال: صدقت، وليس لذلك سُمّي المؤمن مؤمناً.

فقلت: لِمَ سمّي المؤمن مؤمناً؟ قال: إنّه يؤمن على الله يوم القيامة فيجيز أمانه(1) .

باب (5) معنى الايمان

الكافي: علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن سلام الجعفي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام) عن الايمان؟ فقال: الايمان أن يُطاع الله فلايُعصى(2) .

الكافي : عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن برید قال: حدثنا أبو عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أيّها العالم أخبرني أيّ الأعمال أفضل عند الله؟ قال: ما لا يقبل الله شيئاً الاّ به.

قلت: وماهو؟ قال: الإيمان بالله الّذي لا إله إلاّ هو، أعلى الأعمال درجة واشرفها منزلة واسناها حظّاً

ص: 362


1- المحاسن: ج 2 ص 54 ح 1159 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 67 ص 60
2- الكافي: ج 2 ص 33 ح 3

معنى الايمان قال: قلت: ألا تخبرني عن الإيمان أقولٌ هو وعمل، أم قولٌ بلا عمل؟ فقال: الايمان عمل كلّه، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّن في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجّته، يشهد له به الكتاب، ويدعوه إليه... الى آخر الحديث(1) .

الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبّار، عن صفوان أو غيره، عن العلاء، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سألته عن الايمان؟ فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله والإقرار بما جاء من عند الله وما استقرّ في القلوب من التصديق بذلك.

قال: قلت: الشّهادة ليست عملاً؟ قال: بلی.

قلت: العمل من الايمان؟ قال: نعم الإيمان لا يكون إلاّ بعمل، والعمل منه ولا يثبت الإيمان إلاّ بعمل(2) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الإيمان؟

ص: 363


1- الكافي: ج 2 ص 33 ح 1
2- الكافي: ج 2 ص 38 ح 3

فقال : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله .

قال: قلت: أليس هذا عمل؟(1) .

قال: بلی.

قلت: فالعمل من الإيمان؟ قال: لا يثبت له الإيمان إلاّ بالعمل والعمل منه(2) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عیسی، وأحمد بن محمد بن خالد، وعليّ بن ابراهيم، عن أبيه، وسهل بن زیاد جميعاً، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطيّة، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في الله، وتبغض في الله، وتعطي في الله، وتمنع في الله(3) .

الكافي: محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن الأشعث بن محمد، عن محمد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول - وسأله رجلٌ عن قول المرجئة في الكفر والإيمان، وقال: إنّهم يحتجّون علينا ويقولون: كما أنّ الكافر عندنا هو الكافر عند الله فكذلك نجد المؤمن إذا أقرّ بإيمانه أنّه عند الله مؤمن.

فقال : سبحان الله وكيف يستوي هذان والكفر إقرارٌ من العبد فلا يكلّف بعد إقراره ببيّنة، والإيمان دعوى لا يجوز إلاّ ببيّنة، وبيّنته عمله

ص: 364


1- هكذا في الكافي ولعلّ الصَّحيح: «أليس هذا عملاً»
2- الكافي: ج 2 ص 38 ح 6
3- الكافي: ج 2 ص 125 ح 2

الايمان ظاهراً وباطناً ونيّته، فإذا اتّفقا فالعبد عند الله مؤمن، والكفر موجود بكلّ جهة من هذه الجهات الثلاث من نيّة أو قول أو عمل، والأحكام تجري على القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند الله كافر، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله(1) .

باب (6) الايمان ظاهراً وباطناً

بصائر الدرجات: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن آدم بن اسحاق، عن هشام، عن الهيثم التميميّ قال: قال أبو عبد الله (عليه السلاّم): يا هيثم التميميّ إنّ قوماً آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن فلم ينفعهم شيء، وجاء قوم من بعدهم فآمنوا بالباطن وكفروا بالظاهر فلم ينفعهم ذلك شيئاً، ولا ايمان بظاهر إلاّ بباطن ولا بباطن إلاّ بظاهر(2) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: استقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حارثة بن مالك ابن النعمان الأنصاري فقال له: كيف أنت يا حارثة بن مالك؟ فقال: يا رسول الله مؤمن حقاً.

ص: 365


1- الكافي: ج 2 ص 39 ح 8
2- بصائر الدرجات: ص556 ح 5

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لكلّ شيء حقيقة فما حقيقة قولك؟ فقال: يا رسول الله عزفت(1) نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي واظمأت هواجري،(2) وكأنّي أنظر(3) الى عرش ربّي وقد وضع للحساب، وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون(4) في الجنّة، وكأنّي أسمع عواء(5) أهل النار في النّار.

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): عبدٌ نوّر الله قلبه، أبصرت فاثبت.

فقال: يا رسول الله اُدع الله لي ان يرزقني الشّهادة معك.

فقال: اللهم ارزق حارثة الشهادة، فلم يلبث إلاّ أيّاماً حتی بعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سريّة(6) فبعثه فيها، فقاتل فقتل تسعة -

ص: 366


1- عزفت النَّفس عن الشّيء: زهدت فيه وانصرفت عنه أو ملّته (أقرب الموارد)
2- الهاجرة: نصف النّهار عند اشتداد الحرّ أو من عند الزَّوال الى العصر لأنَّ الناس يسكنون في بيوتهم كأنّهم قد تهاجروا من شدّة الحرّ، وأظمأت هواجري أي في هواجري (مجمع البحرین)
3- أي شدّة اليقين بأحوال الآخرة صيّرني إلى حالة المشاهدة (مرآة العقول)
4- تزاور القوم: زار بعضهم بعضاً (اقرب الموارد)
5- عواء أهل النّار: يعني صياحهم. والعواء: صوت السّٙباع وهو بالكلب والذئب أخص (مجمع البحرین)
6- السّرية: قطعة من الجيش يقال: خير السرايا أربعمائة رجل (أقرب الموارد)

الايمان ظاهراً وباطناً أو ثمانية - ثمّ قُتل(1) .

نوادر الراوندي: باسناده عن موسی بن جعفر، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لحارث بن مالك (رضی الله عنه): كيف أصبحت؟ فقال: أصبحت والله يا رسول الله من المؤمنين.

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لكلّ مؤمن حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال: أسهرت ليلي وانفقت مالي وعزفت عن الدنيا، وكأنّي أنظر إلى عرش ربّي (جلّ جلاله) وقد أبرز للحساب، وكأنّي انظر إلى أهل الجنّة في الجنّة ليتزاورون، وكأنّي أنظر الى أهل النّار في النّار يتعاوون.

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): هذا عبد قد نوّر الله قلبه أبصرت فألزم.

فقال: يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فدعا له واستشهد يوم الثامن(2) .

أقول: لعل المراد انّ استشهاده كان بعد مضي ثمانية أيّام من دعاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ص: 367


1- الكافي: ج 2 ص 54 ح 3
2- نوادر الراوندي: ص 20. منه بحار الأنوار: ج 22 ص 146 ح 139

باب (7) أهميّة الصلاة وثوابها

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن یزید بن خليفة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء الى اعنان الأرض، وحفّت به الملائكة، وناداه ملك لو يعلم هذا المصلّي مافي الصلاة ما انفتل(1) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن عبدالله بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الصلاة میزان، مَن وفّي استوفي(2) .

أقول: قال الفيض الكاشاني: (الأظهر أن يكون المراد أنّها معیار لتقرب العبد الى الله سبحانه ومنزلته لديه واستحقاقه الأجر والثواب منه (جلَّ وعز) فمن وفي بشرائطها وآدابها وحافظ عليها كما ينبغي استوفی بذلك تمام الأجر والثواب وكمال التقرب إليه سبحانه، ومن نقص نقص من ذلك بقدر ما نقص، أو المراد أنّها معيار لقبول سائر العبادات فمن وفي بها كما ينبغي قُبل سائر عباداته واستوفى أجر الجميع)(3) .

ص: 368


1- الكافي: ج 3 ص 265 ح 4
2- الكافي: ج 3 ص 266 ح 13
3- الوافي: ج 7 ص 31

أهميّة اليقين

باب (8) أهميّة اليقين

الكافي: الحسين بن محمد، عن معلّی بن محمد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن المثنّى بن الوليد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ليس شيء إلاّ وله حد.

قال: قلت: جعلت فداك فما حدّ التوكّل؟ قال: اليقين.

قلت: فما حدّ اليقين؟ قال: ألاّ تخاف مع الله شيئاً(1) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: إنّ العمل الدائم القليل على اليقين افضل عندالله من العمل الكثير على غير يقين(2) .

الكافي: الحسين بن محمد، عن معلّی (بن محمد)، عن الحسن ابن عليّ الوشّاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي ولاّد الحنّاط وعبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من

ص: 369


1- الكافي: ج 2 ص 57 ح 1
2- الكافي: ج 2 ص 57 ح 3

صحّة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله، ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فإنّ الرزّق لا يسوقه حرص حریص، ولا يردّه کراهية كاره، ولو أنّ أحدكم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت لادرکه رزقه كما يدركه الموت، ثمّ قال: إنّ الله بعدله وقسطه جعل الرَّوح والرَّاحة في اليقين والرّضا، وجعل الهمّ والحزن في الشّك والسّخط(1) .

الكافي: أبو عليّ الأشعري، عن محمد بن سالم، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): يا أخا جعف إنّ الإيمان أفضل من الإسلام، وإنَّ اليقين أفضل من الايمان، وما من شيء أعزّ من اليقين(2) .

* * * * * قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٭ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».

باب (9) وجوه الكفر وأقسامه

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن

ص: 370


1- الكافي: ج 2 ص 57 ح 2
2- الكافي: ج 2 ص 51 ح 1

وجوه الكفر وأقسامه القاسم بن يزيد، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله (عزّوجلّ)؟ قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه: فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البراءة، وكفر النعم.

فأمّا كفر الجحود، فهو الجّحود بالرّبوبيّة، وهو قول من يقول: لا ربّ، ولا جنّة، ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم:

الدّهريّة، وهم الّذين يقولون: «وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ» وهو دین وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبّت منهم، ولا تحقیق لشيء مما يقولون قال الله (عزّوجلّ): «إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ»(1) أن ذلك كما يقولون وقال: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» ... الى آخر الحديث(2) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن بكر بن صالح، عن أبي عمرو الزبيريّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الكفر في كتاب الله على خمسة وجوہ: فمنه كفر بجحود وهو على وجهين: جحود بعلم وجحود بغير علم، فأمّا الّذين جحدوا بغير علم فهم الّذين حكاه الله عنهم في قوله : «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» وقوله: «إنَّ الَّذِينَ

ص: 371


1- الجاثية 45: 24
2- الكافي: ج 2 ص 389 ح 1

كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ».. الى آخر الحديث(1) .

شرح الأخبار: جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) انّه قال في قول الله (عزّوجلّ): «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» قال: الذين كفروا بولاية عليّ (عليه السّلام) وأوصياء رسول الله (صلوات الله عليهم أجمعين)(2) .

باب (10) القلب بين الكفر والايمان

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جعفر ابن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير وغيره قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إنّ القلب ليكون السّاعة من اللّيل والنّهار ما فيه كفر ولا إيمان كالثّوب الخَلِق. قال: ثمّ قال لي: أما تجد ذلك من نفسك؟ قال:

ثمّ تكون النّكتة من الله في القلب بما شاء من كفر وإيمان.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن أبي عمير مثله(3) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن

ص: 372


1- تفسير القمي: ج 1 ص 32
2- شرح الأخبار: ج 1 ص 240 ح 255
3- الكافي: ج 2 ص 420 ح 1

العلم عند أهل البيت (عليهم السّلام) أبي المغرا، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: إنّ القلب يكون في الساعة من الليل والنّهار ليس فيه إيمان ولا کفر، اما تجد ذلك، ثم تكون بعد ذلك نكتة من الله في قلب عبده بما شاء، إن شاء بإيمان وإن شاء بكفر(1) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد ابن حمران، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال:

إن الله (عزّوجلّ) إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة بيضاء، وفتح مسامع قلبه، ووكّل به ملكاً يسدّده، وإذا أراد بعبد سوأً نكت في قلبه نكتة سوداء، وسدّ مسامع قلبه، ووكّل به شیطاناً يُضلّه(2) .

* * * * * قوله تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ».

باب (11) العلم عند أهل البيت (عليهم السّلام)

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سوید، عن يحيى الحلبي، عن معلّی بن عثمان،

ص: 373


1- الكافي: ج 2 ص 421 ح 6
2- الكافي: ج 2 ص 214 ح 7

عن أبي بصير (عن أبي عبدالله (عليه السّلام))(1) قال: قال لي: ان الحكم بن عُتيبة ممّن قال الله: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ» فليُشرّق الحكم وليغرّب، أما والله لا يُصيب العلم إلاَّ من أهل بيتٍ نزل عليهم جبرئیل (عليه السلام)(2) .

بصائر الدرجات: حدثني أبو جعفر أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد مثله(3) .

باب (12) الناجي من الناس

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن المفضّل الجعفي قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): إنّ الحسرة والندامة والويل كلّه لمن لم ينتفع بما أبصره، ولم يدر ما الامر الّذي هو عليه مقيم، أنفعٌ له أم ضرٌّ.

قلت له: فَبِمَ يعرف النّاجي من هؤلاء جعلت فداك؟ قال: من كان فعله لقوله موافقاً، فأثبت له الشهادة بالنّجاة، ومن لم يكن فعله لقوله موافقاً فإنّما ذلك مستودَعٌ(4) .

ص: 374


1- مابين القوسين من بصائر الدرجات
2- الكافي: ج 1 ص 399 ح 4
3- بصائر الدرجات: ص 29 ح 2
4- الكافي: ج 2 ص 419 ح 1

الذين يُخادعون الله * * * * * قوله تعالى: «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ»

باب (13) الذين يُخادعون الله

معاني الأخبار: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد(رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفَّار، عن هارون ابن مسلم، عن مسعدة بن زیاد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) [قال: إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)] سُئل: فيما النجاة غداً؟ فقال: إنّما النّجاة في ألاّ تُخادعوا الله فيخدعكم، فإنّه من يُخادع الله يخدعه، ويخلع منه(1) الايمان، ونفسه يخدع لو يشعر.

فقيل له: فكيف يخادع الله؟ فقال:(2) يعمل بما أمره(3) الله (عزّوجلّ) [به] ثم يريد به غيره، فاتقوا الرّياء(4) فإنّه شِرك بالله (عزّوجلّ) إنّ المرائي يُدعى يوم القيامة

ص: 375


1- في تفسير البرهان: يخلع الله منه
2- في أمالي الصدوق: قال
3- في تفسير البرهان: أمر
4- في أمالي الصدوق: فاتّقوا الله واجتنبوا الرّياء

بأربعة أسماء: یا کافر، یا فاجر، يا غادر، یا خاسر، حبط عملك، وبطل أجرك، ولا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له(1) .

أمالي الصدوق: حدثنا أحمد بن هارون الفامي قال: حدثنا محمد ابن عبدالله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زیاد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) انَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سُئل ... وذكر مثله(2) .

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني عبدالله بن جعفر، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زیاد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السّلام) انّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ... وذكر نحوه(3) .

* * * * * قوله تعالى: «فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ».

باب (14) مرض القلب

أمالي الصدوق: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن

ص: 376


1- معاني الأخبار: ص 340 ح 1. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 276
2- أمالي الصدوق: ص 466 ح 22
3- ثواب الأعمال: ص 303 ح 1

مَن هم السُفهاء؟ الحسين بن موسی بن بابويه القمّي قال: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميريّ، عن محمد بن الحسين ابن أبي الخطّاب، عن عليّ بن أسباط، عن علي بن أبي حمزة، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عليّ بن اسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال: كان فيما وعظ الله (تبارك و تعالی) به عیسی بن مریم (عليه السّلام) أن قال له: يا عيسى أنا ربّك وربّ آبائك (إلى أن قال: ) یا عیسى أُحكم في عبادي بنصحي، وقم فيهم بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاءً لما في الصّدور من مرض الشيطان(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ».

باب (15) مَن هم السُفهاء؟

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رسالته إلى أصحاب الرأي والقياس: امّا بعد فإنّه من دعا غيره الى دينه بالارتياء(2) والمقائیس لم ينصف ولم يصب حظّه (إلى أن

ص: 377


1- أمالي الصدوق: ص 416 ح 1
2- الرأي: ما ارتاه الانسان واعتقده، تقول رأيي كذا أي: اعتقادي (أقرب الموارد)

قال: ) ولكنّ النّاس لمّا سفّهوا الحقّ، وغمطوا النّعمة(1) ، واستغنوا بجهلهم وتدابيرهم عن علم الله، واكتفوا بذلك دون رسله والقوّام بأمره، وقالوا: لا شيء إلاّ ما أدركته عقولنا، وعرفته ألبابنا، فولاّهم الله ما توّلوا وأهملهم وخذلهم، حتى صاروا عبدة أنفسهم حيث لا يعلمون ... الى آخر الحديث(2) .

الكافي: أبو عليّ الاشعري، عن محمد بن عبدالجبّار ، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب بن الحرّ، عن عبد الأعلى، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: الكبر أن تغمص النّاس، وتسفه الحقّ(3) (4).

معاني الأخبار: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدثنا عليّ بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن ابن فضّال بهذا الإسناد نحوه(5) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عبدالأعلى بن أعين قال:

قال أبو عبدالله (عليه السّلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ أعظم الكِبر غمص الخلق وسفه الحقّ.

ص: 378


1- غمط النعمة: بطرها وحقرها (أقرب الموارد)
2- المحاسن: ج 1 ص 331 ح 674 الطبعة الحديثة
3- غمص الناس: أي احتقرهم ولم يرهم شيئاً. وسفه الحقّ: أي جهله، وقيل : الاستخفاف بالحقّ أن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة (لسان العرب)
4- الكافي: ج 2 ص 310 ح 8
5- معاني الأخبار: ص 242 ح 4

مَن هم السُفهاء؟ قال: قلت: وما غمص الخلق وسفه الحقّ.

قال: يجهل الحقّ ويطعن على أهله، فمن فعل ذلك فقد نازع الله (عزِّوجلّ) رداءه(1) .

معاني الأخبار: أبي (رحمه الله) قال: حدّثنا سعد بن عبدالله قال:

حدثنا أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف، عن عبد الأعلى بن أعين قال: قال أبو عبدالله، عن آبائه (عليهم السّلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ اعظم الكبر .... وذكر نحوه(2) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن غير واحد، عن علي بن أسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، عن عبدالأعلى، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قلت له: ما الكبر؟ فقال: أعظم الكبر أن تسفه الحقّ وتغمص النّاس.

قلت: وما سفه الحق؟ قال: يجهل الحقّ ويطعن على أهله(3) .

معاني الأخبار: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رضي الله عنه) عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن ابن بقّاح، عن سيف بن عميرة، عن عبد الملك، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من دخل مكة مبرّأً عن الكبر غفر ذنبه.

ص: 379


1- الكافي: ج 2 ص 310 ح 9
2- معاني الأخبار: ص 242 ح 5
3- الكافي: ج 2 ص 311 ح 12

قلت: وما الكبر؟ قال: غمص الخلق وسفه الحقّ.

قلت: وكيف ذاك؟ قال: يجهل الحق ويطعن على أهله(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن شریف بن سابق، عن الفضل بن أبي غرّة، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: انّ السّفه(2) خلق لئيم، يستطيل(3) على من [هو] دونه ويخضع لمن [هو] فوقه(4) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن أبي المغرا، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا تسفهوا فإنّ أئمّتكم ليسوا بسفهاء.

وقال أبو عبدالله (عليه السلام): من كافأ السفيه بالسفه فقد رضي بما أتى إليه حيث احتذى مثاله(5) (6).

ص: 380


1- معاني الأخبار: ص 242 ح 6
2- السفه: خفة الحلم، وأصله الخفة والحركة، وقيل: الجهل (لسان العرب)
3- الاستطالة: الاستحقار، والتفضّل ورفع النفس، يقال: استطال عليه: اذا علاه وترفّع عليه (لسان العرب)
4- الكافي: ج 2 ص 322 ح 1
5- احتذى زیدٌ مثال عمرو: اقتدى به، وحذا حذو عمرو: فعل فعله (أقرب الموارد)
6- الكافي: ج 2 ص 322 ح 2

المستهزؤون بالدّٙين قوله تعالى: «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ٭ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ».

باب (16) المستهزؤون بالدّٙين

الخصال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار (رضي الله عنه) قال: حدثني أبي، عن محمد بن أحمد قال: حدثني أبو عبدالله الرازي، عن الحسن بن عليّ بن أبي عثمان، عن أحمد بن عمر الحلال، عن يحيى بن عمران الحلبي قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: لايطمعنّ ذو الكبر في الثناء الحسن (إلى أن قال:) ولا المستهزء بالناس في صدق المودّة(1) .

* * * * * قوله تعالى: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ».

باب (17) مَثَل المنافق

الكافي: أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عليّ الكوفي، عن

ص: 381


1- الخصال: ص 434 ح20

عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): مثل المنافق مثل جذع النّخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الّذي أراد فحوَّله في موضع آخر فلم يستقم له، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنّار(1) .

* * * * * قوله تعالى: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ».

باب (18) التحذير ممّا كره الله تعالی

الكافي: علي، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن حفص المؤذّن، عن أبي عبدالله (عليه السلام) وعن ابن بزیع، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (کتب في رسالته الى أصحابه): فاتّقوا الله، وكفّوا ألسنتكم إلاّ من خير، وإيّاكم أن تذلقوا ألسنتكم(2) بقول الزور والبهتان والاثم والعدوان، فانّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره الله ممّا نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربّكم من أن

ص: 382


1- الكافي: ج 2 ص 396 ح 5
2- ذلق اللسان ذلقاً: ذرب، والذَرَب: فساد اللسان. ولسان ذلق: طِلق ذوحِدَّة (أقرب الموارد). والمعنى: لا تفسدوا ألسنتكم بالمعاصي من قول الزّور والبهتان...

التحذير ممّا كره الله تعالی تذلقوا السنتکم به، فانّ ذلق اللّسان فيما يكره الله وفيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند الله، ومقت من الله وصمّ وعمي وبكم يورثه الله إيّاه يوم القيامة فيصيروا كما قال الله: «صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» (يعني لا ينطقون) ولا يؤذن لهم فيعتذرون(1) .

الكافي: حمید بن زیاد، عن الحسن بن محمد الكندي، عن أحمد بن عدیس، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصبّاح قال: سمعت كلاماً يروى عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وعن عليّ ( عليه السّلام) وعن ابن مسعود فعرضته على أبي عبدالله (عليه السّلام) فقال: هذا قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الشّقيّ من شقي في بطن أمّه، والسعيد من وعظ بغيره (الى ان قال: ) وأعمى العمى عمى القلب، وشرّ النّدامة ندامة يوم القيامة(2) .

أمالي الصدوق: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القميّ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن ابراهيم، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الصباح الكناني، عن الصادق (عليه السلام) - في حديث - عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال:... وشرّ العمى عمى القلب، وشرّ الندامة ندامة يوم القيامة(3) .

ص: 383


1- الكافي: ج 8 ص 406
2- الكافي: ج 8 ص 81 ح 39
3- أمالي الصدوق: ص 395 ح 1

* * * * * قوله تعالى: «أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ».

باب (19) الرعد والبرق

من لا يحضره الفقيه: سأل أبو بصير أبا عبدالله (عليه السّلام) عن الرّعد، أيّ شيء يقول؟ قال: إنّه بمنزلة الرّجل يكون في الإبل فيزجرها هاي هاي کھيئة ذلك.

قال: قلت: جعلت فداك فما حال البرق؟ فقال: تلك مخاريق الملائكة تضرب السحاب فيسوقه إلى الموضع الذي قضى الله (عزّوجلّ) فيه المطر.

وقال (عليه السّلام): الرَّعد صوت الملك والبرق سوطه(1) .

أقول: هذه الأحاديث تبيّن أموراً واقعية نحن نجهلها ولايُمكننا إستيعابها كما ينبغي، وعلينا قبولها إجمالاً.

* * * * *

ص: 384


1- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 525 ح 1496 و 1497

صفات الله سبحانه قوله تعالى: «يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

باب (20) صفات الله سبحانه

التوحید: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد الطيالسي الخزِّاز الكوفي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: لم يزل الله (جلّ وعزّ) ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسّمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور.

قال: قلت: فلم يزل الله متكلّماً؟ قال: انّ الكلام صفة مُحدَثة ليست بازليّة، كان الله (عزّوجلّ) ولا متكلّم(1) .

التوحید: حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رحمه الله)، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن علي بن

ص: 385


1- التوحيد: ص 139 ح 1

إسماعيل وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم قال: سألته - يعني أبا عبدالله (عليه السّلام) - هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله (عزّوجلّ)؟ قال: لا، بل كان في علمه قبل أن ينشئ السماوات والأرض(1) .

التوحيد: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن منصور الصيقل، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنّ الله عِلمٌ لا جهل فيه، حياة لاموت فيه، نور لا ظلمة فيه(2) .

التوحید: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدّثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن محمد بن أبي اسحاق الخفّاف قال: حدّثني عدّة من أصحابنا: أن عبد الله الدّيصاني أتى هشام ابن الحكم فقال له: ألك ربّ؟ فقال: بلی.

قال: قادر؟ قال: نعم قادر قاهر.

قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلّها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدّنيا؟

ص: 386


1- التوحيد: ص 135 ح 6
2- التوحید: ص 137 ح 11

صفات الله سبحانه فقال هشام: النَظِرة(1) .

فقال له: قد أنظرتك حولاً ثم خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبدالله (عليه السلام) فاستأذن عليه فأذن له فقال: يابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلاّ على الله وعليك.

فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): عمّاذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يا هشام كم حواسّك؟ قال: خمس.

فقال: أيّها أصغر؟ فقال: الناظر.

فقال: وكم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو اقلّ منها.

فقال: يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى؟ فقال: أري سماءً وأرضاً ودوراً وقصوراً وتراباً و جبالاً وأنهاراً.

فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): انّ الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة... الى آخر الحديث(2) .

التوحید: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار (رحمه الله)

ص: 387


1- أي: أمهِلني حتى آتيك بالجواب
2- التوحيد: ص 122 ح 1

قال: حدثني سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن يعقوب ابن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ إبليس قال لعیسی بن مریم: أيقدر ربّك على أن يدخل الأرض بيضة لا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟ فقال عيسی (علیه السلام): ويلك، إنّ الله لا يوصف بعجز، ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة(1)؟ التوحید: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله )عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبي أيوب المدني، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن اُذينة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قيل لأمير المؤمنين (عليه السلام): هل يقدر ربك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغر الدنيا أو يكبر البيضة؟ قال: إن الله (تبارك وتعالى) لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون(2) .

التوحید: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور (رحمه الله) قال:

حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمّه عبد الله بن عامر، عن ابن ابي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل الى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أيقدر الله أن يدخل الأرض في بيضة ولا يصغر الأرض ولا يكبر البيضة؟

ص: 388


1- التوحيد: ص 127 ح 5
2- التوحيد: ص 130 ح 9

استحباب التفرّغ للعبادة فقال: ويلك، إنّ الله لا يوصف بالعجز ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة.(1) * * * * * قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

باب (21) استحباب التفرّغ للعبادة

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أفضل العبادة إدمان التفكّر في الله وفي قدرته(2) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: في التّوراة مكتوب: يابن آدم تفرّغ لعبادتي أملأ قلبك غنىً ولا أكِلُك إلى طلبك، وعليّ أن أسدّ فاقتك وأملأ قلبك خوفاً منّي، وإن لا تفرّغ أملأ قلبك شغلاً بالدنيا، ثمّ لا أسدّ فاقتك وأكِلُك إلى طلبك(3) .

ص: 389


1- التوحید: ص 130 ح 10
2- الكافي: ج 2 ص 55 ح 3
3- الكافي: ج 2 ص 83 ح 1

الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): قال الله (تبارك وتعالى): يا عبادي الصّديقين تنعّموا بعبادتي في الدّنيا، فإنّكم تتنعّمون بها في الآخرة(1) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عمرو بن جمیع، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أفضل النّاس من عشق العبادة فعانقها وأحبّها بقلبه، وباشرها بجسده، وتفرّغ لها فهو لا يبالي على ما أصبح من الدّنيا على عسر أم على يسر(2) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن شاذان بن الخليل قال: وكتبت من كتابه بإسناد له يرفعه إلى عیسی بن عبدالله قال: قال عیسی بن عبدالله لأبي عبد الله (عليه السّلام): جعلت فداك ما العبادة؟ قال: حسن النيّة بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها، اما إنّك یا عیسى لا تكون مؤمناً حتى تعرف النّاسخ من المنسوخ.

قال: قلت: جعلت فداك وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟ قال: فقال: أليس تكون مع الامام موطّناً نفسك على حسن النيّة في طاعته، فيمضي ذلك الامام ويأتي إمام آخر فتوطّن نفسك على حسن النيّة في طاعته؟

ص: 390


1- الكافي: ج 2 ص 83 ح 2
2- الكافي: ج 2 ص 83 ح 3

أقسام العبادة قال: قلت: نعم.

قال: هذا معرفة النّاسخ من المنسوخ(1) .

باب (22) أقسام العبادة

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن جمیل، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: [إنّ] العُبّاد ثلاثة: قوم عبدوا الله (عزّوجلّ) خوفاً فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله (تبارك وتعالی) طلب الثواب فتلك عبادة الأُجراء، وقوم عبدوا الله (عزّوجلّ) حبّاً له، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة(2) .

معاني الأخبار: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا علي بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن اسماعیل بن مسلم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): العبادة سبعون جزءاً، وأفضلها جزءاً طلب الحلال(3) .

الخصال: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن أيّوب بن نوح، عن

ص: 391


1- الكافي: ج 2 ص 83 ح 4
2- الكافي: ج 2 ص 84 ح 5
3- معاني الأخبار: ص 349 ح 1

الربيع بن محمد المسلي، عن الربيع الشامي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما عُبد الله بشيء أفضل من الصمت والمشي الى بيته(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عليّ بن أسباط، عن محمد بن إسحاق بن الحسين، عن عمرو، عن حسن بن أبان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن حدّ العبادة التي إذا فعلها كان مؤدّیاً؟ فقال: حسن النيّة بالطّاعة(2) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله):

اعمل بفرائض الله تكن أتقى النّاس(3) .

* * * * * قوله تعالى: «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ».

باب (23) الأرض نعمة الله على الانسان

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) - التوحید: حدثنا محمد بن

ص: 392


1- الخصال: ص 35 ح 8
2- الكافي: ج 2 ص 85 ح 4
3- الكافي: ج 2 ص 82 ح 4

الأرض نعمة الله على الانسان القاسم المفسّر (رضي الله عنه) قال: حدثني يوسف بن محمد بن زیاد وعلي بن محمد بن سیّار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن موسی الرضا، عن ابيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) في قول الله (عزّوجلّ): «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً».

قال: جعلها ملایمة لطبايعكم، موافقة لأجسادكم، ولم يجعلها شديدة الحماء(1) والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتُجمّدکم، ولا شديدة طيب الريح فتصدّع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم(2) ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دُوركم وأبنيتكم وقبور موتاكم، ولكنّه (عزّوجلّ) جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون، وتتماسك عليها أبدانكم وبنیانكم، وجعل فيها ما تنقاد به لدورکم وقبوركم وكثير من منافعكم، فلذلك جعل الأرض فراشاً لكم.

ثمّ قال (عزّوجلّ) «وَالسَّمَاءَ بِنَاءً» سقفاً من فوقكم محفوظاً يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم.

ثمَّ قال (عزّوجلّ): «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً» يعني المطر ينزله من

ص: 393


1- أحمى الشَّمس: اشتدّ حرّها (أقرب الموارد)
2- أعطبه: أهلکه (أقرب الموارد)

أعلى ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم(1) ثمَّ فرقه رذاذاً ووابلاً وهطلاً(2) لتنشفه أرضوكم، ولم يجعل ذلك المطر نازلاً عليكم قطعةً واحدةً، فيُفسد أرضيكم واشجارکم وزروعكم وثماركم.

ثمَّ قال (عزّوجلّ): «فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ» يعني ممّا يُخرجه من الأرض رزقاً لكم، «فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا» أي: أشباهاً وأمثالاً من الأصنام التي لا تعقِل ولا تسمع ولا تُبصر ولا تقدر على شيء «وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أنّها لا تقدر على شيءٍ من هذه النّعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربّكم (تبارك وتعالى)(3) .

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم المفسّر (رضي الله عنه) قال: حدثنا يوسف بن محمد بن زیاد وعلي بن محمد بن سیّار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي، عن أبيه علي بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي (عليهم السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى

ص: 394


1- الوهد: الأرض المنخفضة (أقرب الموارد)
2- الرذاذ: المطر الضعيف. والوابل: المطر الشديد الضخم القطر. والهطل: المطر الضعيف الدائم (أقرب الموارد)
3- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 137 ح 36 - التوحيد: ص 403 ح 11

المطر رحمة السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».

قال: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً لتعتبروا ولتتوصّلوا به إلى رضوانه، وتَتَوقُوا به من عذاب نیرانه «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ» اخذ في خلقها وإتقانها «فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ولعلمه بكلّٙ شيء - علم المصالح - فخلق لكم كلّ ما في الأرض لمصالحكم يا بني آدم(1) .

باب (24) المطر رحمة

علل الشرایع: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: كان علي (عليه السلام) يقوم في المطر أول مطر يمطر حتى يبتل رأسه ولحيته وثيابه. فيقال له: يا أمير المؤمنين الكنّ الكنّ.

قال: انّ هذا ماء قريب العهد بالعرش، ثم انشأ يحدّٙث فقال: ان تحت العرش بحراً فيه ماء ينبت به أرزاق الحيوان، وإذا أراد الله أن ينبت ما يشاء لهم رحمة منه أوحى الله تعالى فمطر منه ما شاء من سماء إلى سماء حتى يصير الى سماء الدنيا فيلقيه السحاب، والسحاب بمنزلة الغربال، ثم يوحي الله (عزّوجل) الى السحاب اطحنيه واذيبيه

ص: 395


1- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 12 ح 29. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 312

ذوبان الملح في الماء، ثم انطلقي به إلى موضع كذا وكذا عباب أو غير عباب فتقطر عليهم على النحو الذي يأمرها به، فليس من قطرة تقطر إلاّ ومعها ملك يضعها موضعها، ولم ينزل من السماء قطرة من مطر إلاّ بقدر معدود، ووزن معلوم إلاّ ما كان يوم الطوفان على عهد نوح فإنّه نزل منها منهمرٍ بلا عدد ولا وزن.(1).

* * * * * قوله تعالى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ».

باب (25) الحجارة وقود النار

الاحتجاج: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) - في حديث - : ولقد مررنا مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بجبل وإذ الدُّموع تخرج من بعضه.

فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله): ما يبكيك يا جبل؟ فقال: يا رسول الله كان المسيح مرّ بي وهو يخوّف الناس من نار وقودها الناس والحجارة وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة.

ص: 396


1- علل الشرایع: ص 463 ح8

الأزواج المطهَّرة في الجنة قال له: لا تخف، تلك الحجارة الكبريت، فقرّ الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله (صلّى الله عليه وآله)(1) .

أقول: هذه الأمور تظهر وتنكشف لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولأولياء الله، وعلينا أن نردّ علمها الى أهلها وهم المعصومون (عليهم السّلام).

* * * * * قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

باب (26) الأزواج المطهَّرة في الجنة

من لا يحضره الفقيه: سُئل الصادق (عليه السّلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ»؟ قال: الأزواج المطهرة اللاّئي لم يحضن ولا يحدثن(2) .

تفسير العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في

ص: 397


1- الاحتجاج: ص 220
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 89 ح 195

قول الله (عزّوجلّ): «فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ».

قال: لا يَحضن ولا يُحدِثنَ(1) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عليّ بن الحكم، عن داود العجليّ مولى أبي المغرا قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: ثلاث أُعطين سمع الخلائق: الجنّة والنّار والحور العين، فإذا صلّى العبد وقال: اللهمّ أعتقني من النّار وادخلني الجنّة وزوّجني من الحور العين قالت النّار: یا ربّ إنّ عبدك قد سألك أن تعتقه منّي فأعتقه، وقالت الجنّة: ياربّ إنّ عبدك قد سألك إيّاي فأسكنه [فيّ] وقالت الحور العين: یا ربّ إنّ عبدك قد خطبنا إليك فزوّجه منّا، فإن هو انصرف من صلاته ولم يسأل الله شيئاً من هذه قلن الحور العين: إنّ هذا العبد فينا لزاهد، وقالت الجنّة: إنّ هذا العبد فيّ لزاهد، وقالت النار: إن هذا العبد فيّ لجاهل(2) .

کتاب الزهد: القاسم، عن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا كان المؤمن يحاسَب، تنتظره أزواجه على عتبات (أعتاب) الأبواب كما ينتظرن أزواجهنّ في الدنيا من الغيبة (عند العتبة) قال: فيجيء الرّسول فيبشّرهنّ فيقول: قد والله انقلب فلان من الحساب (الحسنات).

قال: فيقلن: بالله؟

ص: 398


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 294 ح 651 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 2 ص 371
2- الكافي: ج 3 ص 344 ح 22

عجیب خلقة البعوضة فيقول: قد والله لقد رأيته انقلب من الحساب.

قال: فاذا جاءهنّ قلن مرحباً وأهلاً، ما أهلُك الّذين كنتَ عندهم في الدنيا بأحقّ بك منّا(1) .

أقول: سنذكر الاحاديث التي تذكر الخلود في الجنّة في تفسير سورة الإسراء 17: 84.

* * * * * قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٭ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ».

باب (27) عجیب خلقة البعوضة

تفسير القمي: قال الصادق (عليه السلام): إنَّ هذا القول من الله (عزّوجلّ) ردّ على من زعم أنّ الله (تبارك وتعالى) يُضلّ العباد ثمَّ يُعذّبهم على ضلالتهم فقال الله (عزّوجلّ): «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»(2) .

ص: 399


1- كتاب الزهد: ص 91 ح 244. منه بحار الأنوار: ج 8 ص 197
2- تفسير القمي: ج 1 ص 34. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 310

تفسير القمي: حدثني أبي، عن النّضر بن سوید، عن القاسم بن سليمان، عن المعلّی بن خنیس، عن أبي عبدالله (عليه السلام): انّ هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين (عليه السلام) فالبعوضة أمير المؤمنین (عليه السّلام) وما فوقها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والدليل على ذلك قوله: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ» يعني أمير المؤمنين كما أخذ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الميثاق عليهم له «وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا» فردَّ الله عليهم فقال: «وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٭ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ» في علي «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» يعني من صلة أمير المؤمنين والأئمّة (عليهم السّلام) «وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ»(1) .

أقول: تفسير الآية واضح فانّ الله لايأبى أن يضرب مَثلاً بمخلوقاته رغم صغرها، لما فيها من دقَّة الصُّنع، وقد روي أن البعوضة تشبه الفيل في خلقها باضافة جناحين تطير بهما، كما أن الله تعالى يمثّل بما هو أكبر من البعوضة، وأمّا التأويل بأمير المؤمنين (عليه السّلام) ورسول الله (صلّى الله علیه و آله) فهو باعتبار ما جهله الناس من حقوقهما وعظيم منزلتهما، أمّا المؤمنون بهما فيعلمون ذلك. والله العالم.

مجمع البيان: في قوله تعالى: «مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا» روي عن

ص: 400


1- تفسير القمي: ج 1 ص 34، والآيتان في سورة البقرة 2: 26 و 27. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 305

النهي عن قطيعة الرَّحم الصادق (عليه السّلام) انّه قال: إنّما ضَرَب الله المَثل بالبعوضة، لأنّ البعوضة على صغر حجمها، خلق الله فيها جميع ما خلق في الفيل مع كبره وزيادة عضوين آخرين، فأراد الله تعالى أن يُنبّه بذلك المؤمنين على لطيف خلقه، وعجیب صنعه(1) .

باب (28) النهي عن قطيعة الرَّحم

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمّار قال: قال: بلغني عن أبي عبدالله (عليه السّلام) أنّ رجلاً أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله أهل بيتي أبوا إلاّ توثّباً عليّ، وقطيعة لي وشتيمة، فأرفضهم؟(2) .

قال: إذاً يرفضكم الله جميعاً.

قال: فكيف أصنع؟ قال: تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمّن ظلمك، فإنّك إذا فعلت ذلك كان لك من الله عليهم ظهيرٌ(3) .

شرح الأخبار: عن أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليه السّلام) انّه

ص: 401


1- مجمع البيان: ج 1 ص 67. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 310
2- توثب على أخيه في أرضه: استولى عليها ظلماً. وشتمه شتماً: سبَّه، والاسم الشتيمة
3- الكافي: ج 2 ص 150 ح 2

قال في قول الله تعالى: «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ» قال: قطعوا ولايتنا وتركوا القول بها، ونهوا عنها واتبعوا ولاية الطواغيت واستمسكوا بها وصدّوا الناس عنّا ومنعوهم من اتباعنا فذلك سعيهم بالفساد في الأرض(1) .

* * * * * قوله تعالى: «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ».

باب (29) قدرة الله على الخَلق والإحياء

التوحيد: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدّثنا محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسحاق بن الحارث، عن أبي بصير قال: أخرج أبو عبدالله (عليه السّلام) حُقّاً(2) فاخرج منه ورقة فاذا فيها: «سبحان الواحد الّذي لا إله غيره، القديم المُبدئ الّذي لا بديء له، الدائم الّذي لانفاد له، الحيّ الّذي لا يموت، الخالق ما يُرى وما لا يُرى، العالم كلّ شيء بغير تعليم، ذاك الله الذي لا شريك له»(3) .

ص: 402


1- شرح الأخبار: ج 1 ص 244 ح 266
2- الحُقَّة: وعاء من خشب وقد تسوَّى من العاج، وحُقُّ الطيب: وعاؤه (أقرب الموارد)
3- التوحيد: ص46 ح 8

النهي عن تشبيه الله بالخلق التوحيد: أبي (رحمه الله) قال: حدثنا أحمد بن ادریس، عن محمد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن بشر، عن محمد ابن جمهور العميّ، عن محمد بن الفضيل بن يسار، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال في الربوبيّة العظمی والالهيّة الكبرى: لا يكون الشيء لا من شيء إلاّ الله، ولا ينقل الشيء من جوهريّته إلى جوهر آخر إلاّ الله، ولا ينقل الشيء من الوجود إلى العدم إلاّ الله(1) .

باب (30) النهي عن تشبيه الله بالخلق

التوحيد: حدثنا أحمد بن هارون الفامي (رضي الله عنه) قال:

حدثنا محمد بن عبدالله بن جعفر بن جامع الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من شبّه الله بخلقه فهو مشرك، ومن أنكر قدرته فهو كافر(2) .

باب (31) خُلقنا للبقاء

علل الشرایع: حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا عبدالله بن

ص: 403


1- التوحيد: ص 68 ح 22
2- التوحيد: ص 76 ح 31

جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زیاد قال: قال رجل لجعفر بن محمد: يا أبا عبد الله إنّا خُلقنا للعَجَب؟ قال: وما ذاك؟ الله أنت.

قال: خُلقنا للفناء.

فقال: مه يابن أخ، خُلقنا للبقاء وكيف تَفنى جنّة لاتبيد، ونار لا تخمد؟! ولكن قل: إنّما نتحرّك(1) من دار الی دار(2) .

* * * * * قوله تعالى: «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».

باب (32) اسئلة متنوّعة حول المخلوقات

عيون أخبار الرّضا (عليه السلام): حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي بن عبد الله البصري قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبدالله بن أحمد بن جبلة الواعظ قال: حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن موسی الرضا(عليه السلام) قال: حدثنا أبي موسى بن جعفر قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد قال: حدثنا أبي محمد بن علي قال: حدثنا أبي علي ابن الحسين قال: حدثنا أبي الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: كان

ص: 404


1- في بحار الانوار: انّما نتحوّل
2- علل الشرایع: ص 11 ح 5. منه بحار الانوار: ج 5 ص 313

اسئلة متنوّعة حول المخلوقات علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالكوفة في الجامع إذ قام إليه رجل من أهل الشام فقال: يا أمير المؤمنين اني أسألك عن أشياء؟ فقال: سل تفقهاً، ولا تسأل تعنتاً.

فأحدق الناس بأبصارهم فقال: أخبرني عن أول ما خلق الله تعالی؟ فقال (عليه السلام): خلق النور.

قال: فممَّ خُلقت السماوات؟ قال (عليه السلام): من بخار الماء.

قال: فممَّ خُلقت الأرض؟ قال (عليه السلام): من زَبَد الماء قال: فممَّ خُلقت الجبال؟ قال: من الأمواج.

قال: فلمَ سُمّيت مكّة اُمَّ القرى؟ قال (عليه السلام): لأن الأرض دُحيت من تحتها.

وسأله عن السماء الدنيا ممّا هي؟ قال (عليه السلام): من موج مكفوف.

وسأله عن طول الشمس والقمر وعرضها؟ قال: تسع مائة فرسخ في تسعمائة فرسخ.

وسأله كم طول الكوكب وعرضه؟ قال: اثنا عشر فرسخاً في مثلها.

وسأله عن ألوان السماوات السبع وأسمائها؟

ص: 405

فقال له: اسم سماء الدنيا رفيع، وهي من ماء ودخان، واسم السماء الثانية فيدوم وهي على لون النحاس، والسماء الثالثة اسمها:

الماروم وهي على لون الشبه، والسماء الرابعة اسمها ارفلون وهي على لون الفضة، والسماء الخامسة اسمها هيعون وهي على لون الذهب، والسماء السادسة اسمها عروس وهي ياقوتة خضراء، والسماء السابعة اسمها عجماء وهي درة بيضاء... الى آخر الحديث(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ».

باب (33) خَلْق النبي آدم

تفسير القمي: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو ابن [أبي] مقدام عن ثابت الحذّاء، عن جابر بن یزید الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال: انّ الله (تبارك وتعالی) أراد أن يخلق خلقاً بيده، وذلك بعدما مضى من الجنّ والنسناس في الأرض

ص: 406


1- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 240 ح 1

خَلْق النبي آدم سبعة آلاف سنة، وكان من شأنه خلق آدم كَشَط(1) عن أطباق السماوات قال للملائكة: انظروا إلى أهل الأرض مِن خَلقي من الجن والنسناس، فلمّا رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفْك الدّماء والفساد في الأرض بغير الحقّ، عَظُم ذلك عليهم وغضبوا و تأسَّفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم، قالوا: ربّنا إنّك أنت العزيز القادر، الجبار القاهر، العظيم الشأن، وهذا خَلقك الضعيف الذليل يتقلّبون في قبضتك، ويعيشون برزقك، ويتمتَّعون بعافيتك، وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام، لا تأسف عليهم ولا تغضب، ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى، وقد عظُم ذلك علينا و أكبرناه فيك.

قال: فلمّا سمع ذلك من الملائكة قال: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» يكون حجّة لي في الأرض على خلقي.

فقالت الملائكة: سبحانك تجعل فيها من يفسد فيها كما أفسد بنوا الجان، ويسفكون الدّماء كما سفك بنوا الجان، ويتحاسدون ويتباغضون فاجعل ذلك الخليفة منّا فإنّا لا نتحاسد ولا نتباغض ولا نسفك الدّماء ونسبح بحمدك ونقدس لك.

قال (عزّوجلّ): «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» إنّي أُريد أن اخلق خلقاً بيدي، وأجعل من ذريته أنبياء و مرسلین، وعباداً صالحين، [و] أئمّة مهتدين، وأجعلهم خلفاء على خلقي في أرضي، ينهونهم عن معصيتي، وينذرونهم من عذابي، ويهدونهم إلى طاعتي، ويسلكون بهم

ص: 407


1- الكشاط: الانكشاف، كشط الغطاء عن الشيء: كشفه (أقرب الموارد)

طريق سبيلي، وأجعلهم لي حجَّة عليهم، واُبید(1) النسناس من أرضي، وأُطهّٙرها منهم، وأنقل مَردة الجن العصاة من بريَّتي وخلقي وخيرتي واسكنهم في الهواء في اقطار الأرض فلا يجاورون نسل خلقي، واجعل بين الجن وبين خَلقي حجاباً فلا يرى نسلُ خلقي الجنّ، ولا يجالسونهم، ولا يخالطونهم، فمن عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم واسكنتهم مساكن العصاة أوردتُهم مواردهم ولا اُبالي.

قال: فقالت الملائكة: يا ربّنا افعل ما شئت «لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ»(2) .

قال: فباعدهم الله من العرش مسيرة خمسمائة عام.

قال: فلاذوا بالعرش وأشاروا بالأصابع، فنظر الرّب (عزّوجلّ) إليهم، ونزلت الرّحمة فوضع لهم البيت المعمور فقال: طوفوا به ودَعوا العرش فإنّه لي رضي، فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون أبداً، فوضع الله البيت المعمور توبة لأهل السماء، ووضع الكعبة توبة لأهل الأرض، فقال الله (تبارك وتعالى):

«إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ٭ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ»(3) .

ص: 408


1- في تفسير البرهان: حُجّة وعليهم عُذراً ونذراً وأُبين
2- البقرة 2: 32
3- الحجر 15: 28 و 29 والصلصال: الطين اليابس الذي لم يطبخ. والحمأ: هو الطين الاسود المتغير، والمسنون: المصوَّر، وقيل: المصبوب المفرَّغ (مجمع البحرين)

خَلْق النبي آدم قال: وكان ذلك من الله تعالى في آدم قبل أن يخلقه واحتجاجاً منه عليهم (قال: ) فاغترف ربنا (عزّوجلّ) غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات، وكلتا يديه يمين، فصلصلها في كفه حتى جمدت فقال لها:

منك أخلق النبيين والمرسلين، وعبادي الصالحين، والأئمّة المهتدين، والدُّعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أُبالي، ولا أسأل عمّا افعل وهم يُسألون، ثمَّ اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الاُجاج، فصلصلها في كفّه فجمدت ثم قال لها: منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة واخوان الشياطين والدُّعاة إلى النّار الى يوم القيامة وأشياعهم ولا اُبالي، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يسألون.

قال: وشرطه في ذلك البداء، ولم يشترط في أصحاب اليمين [البداء] ثم اخلط المائين جميعاً في كفّٙه فصلصلهما، ثمَّ كفَّهما(1) قدام عرشه وهما سلالة(2) من طين، ثمَّ أمر الله الملائكة الأربعة: الشمال والجنوب والصَّبا والدّبور(3) أن يجولوا على هذه السلالة من الطين فأمرؤها وأنشؤها، ثمَّ أنزوها و جزوها وفصلوها، واجروا فيها الطبایع الأربعة: الريح والدم والمرّة والبلغم، فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والجنوب والصبا والدبور [فابدؤها وانشؤها، ثمَّ ابرؤها

ص: 409


1- في تفسير البرهان: كفاهما
2- السُلالة: ما استُلَّ من الشيء والخلاصة
3- الصَّبا: ريح تهبّ من مطلع الشمس، وقيل: التي تجيء من ظهرك اذا استقبلت القبلة، والدّبور عکسها (مجمع البحرین)

وجزّوها وفصلوها](1) واجروا فيها الطبايع الأربعة: الريح في الطبایع الأربعة من البدن من ناحية الشمال، والبلغم في الطبايع الأربعة من ناحية الصبا، والمرة في الطبايع الأربعة من ناحية الدبور، والدم في الطبايع الأربعة من ناحية الجنوب.

قال: فاستقلّت النسمة، وكمل البدن، فلزمه من ناحية الريح حبُّ النساء وطول الأمل والحرص، ولزمه من ناحية البلغم حبُّ الطعام والشراب والبرّ والحلم والرّفق، ولزمه من ناحية المُرّة الحُّب والغضب والسفه والشيطنة والتجبّر والتمرُّد والعَجلة، ولزمه من ناحية الدّم حبّ الفساد واللَّذات وركوب المحارم والشهوات.

قال أبو جعفر: وَجدنا هذا في كتاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) فخلق الله آدم فبقى أربعين سنة مصوَّراً، فكان يمرّ به إبليس اللعين فيقول: لأمرٍ ما خُلقتَ.؟!! فقال العالِم (عليه السّلام): فقال إبليس: لئن أمرني الله بالسجود لهذا لأعصيَّنه.

قال: ثم نفخ فيه، فلمّا بلغت الروح الى دماغه عطس عطسة جلس منها.

فقال: الحمد لله.

فقال الله تعالى: يرحمك الله.

قال الصادق (عليه السّلام): فسبقت له من الله الرّحمة.

ص: 410


1- ما بين المعقوفتين في نسخة البرهان

خَلْق النبي آدم ثم قال الله (تبارك و تعالی) للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا له فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد، فأبى أن يسجد فقال الله (عزّوجلّ): «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1) .

قال الصادق (عليه السّلام): فأوَّل مَن قاس ابليس واستكبر، والاستكبار هو اوّل معصية عُصي الله بها.

قال: فقال ابليس: یا ربّ اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملَك مقرّب ولا نبيُّ مرسل.

قال الله (تبارك تعالی): لا حاجة لي إلى عبادتك إنّما اُريد أن أُعبد من حيث أريد لا من حيث تُرید، فأبى أن يسجد.

فقال الله (تبارك و تعالی): «فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ٭ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ»(2) .

فقال ابليس: یا ربّ كيف وأنت العدل الذي لا تجور فثواب عملي بطل؟ قال: لا، ولكن إسأل من أمر الدُّنيا ما شئت ثواباً لعملك فاعطيك، فأوّل ما سأل: البقاء إلى يوم الدين.

فقال الله: قد أعطيتك.

قال: سلّطني على ولد آدم.

ص: 411


1- الاعراف 7: 12
2- الحجر 15: 34 و 35

قال: قد سلّطتك.

قال: أجْرني فيهم مَجرى الدّم في العروق.

قال: قد أجريتك.

قال: ولا يولد لهم ولد إلاّ وُلد لي اثنان؟ قال: وأراهم ولا يروني واتصوَّر لهم في كلّ صورة شئت.

فقال: قد أعطيتك.

قال: يا ربّ زدني.

قال: قد جعلت لك [ولذريتك] في صدورهم أوطاناً.

قال: ربّ حسبي.

فقال إبليس عند ذلك: «قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٭ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»(1) «ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»(2) (3).

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن أبي عبّاد عمران بن عطيّة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: بينا أبي (عليه السلام) وأنا في الطّواف إذ أقبل رجل شرجب من الرّجال.

فقلت: وما الشّرجب أصلحك الله؟

ص: 412


1- سورة ص 38 : 82 و 83
2- الاعراف 7: 17
3- تفسير القمي: ج1 ص36. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 323

خَلْق النبي آدم قال: الطويل.

فقال: السلام عليك [-م] وأدخل رأسه بيني وبين أبي.

قال: فالتفت اليه أبي وأنا فرددنا عليه السّلام.

ثمّ قال: أسألك رحمك الله.

فقال له أبي: نقضي طوافنا. ثم تسألني، فلمّا قضی أبي الطّواف دخلنا الحجر فصلّينا الرّكعتين، ثمّ التفت فقال: أَين الرّجل يا بنيّ فاذا هو وراءه قد صلّى، فقال: ممّن الرّجل؟ قال: من أهل الشّام.

فقال: ومن أيّ أهل الشام؟ فقال: ممّن يسكن بيت المقدس.

فقال: قرأت الكتابين؟ قال: نعم.

قال: سل عمّا بدا لك.

فقال: أسألك عن بدء هذا البيت؟ وعن قوله: «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»(1) وعن قوله: «وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ ٭ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(2) فقال: يا أخا أهل الشام اسمع حديثنا ولا تكذّب علينا فانّه من كذّب علينا في شيء فقد كذّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

ص: 413


1- القلم 68: 1
2- المعارج 70: 24 و 25

ومن كذّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقد كذّب على الله، ومن كذّب على الله عذّبه الله (عزّوجلّ).

أمّا بدء هذا البيت فإنّ الله (تبارك وتعالى) قال للملائكة: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فردّت الملائكة على الله (عزّوجلّ) فقالت:

«أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» فأعرض عنها فرأت أنّ ذلك من سخطه فلاذت بعرشه فأمر الله ملكاً من الملائكة أن يجعل له بيتاً في السماء السادسة يسمى الضراح(1) بازاء عرشه فصيّره لأهل السماء يطوف به سبعون ألف ملك في كلّ يوم لا يعودون ويستغفرون، فلمّا أن هبط آدم إلى السماء الدّنيا أمره بمرمّة هذا البيت وهو بإزاء ذلك فصيّره لآدم وذرّيته كما صيّر ذلك لأهل السماء.

قال: صدقتَ يابن رسول الله(2) .

علل الشرایع: أخبرنا عليّ بن حبشي بن قوني (رحمه الله) فيما كتب إليّ قال: حدثنا جمیل بن زیاد قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن يحيى بن أبي العلاء الرازي أنّ رجلاً دخل على أبي عبدالله (عليه السّلام) فقال (في حديث) : أخبرني عن هذا البيت كيف صار فريضة على الخلق أن يأتوه؟

ص: 414


1- الضُراح: بيت في السَّماء مقابل الكعبة في الأرض، وفي الحديث: «الضُّراح بيت في السَّماء حيال الكعبة» وهو البيت المعمور من المضارحة، وهي المقابلة والمضارعة. (لسان العرب)
2- الكافي: ج 4 ص 187 ح 1

خَلْق النبي آدم قال: فالتفت ابو عبد الله (عليه السّلام) إليه وقال: ما سألني عن مسألتك أحد قطّ قبلك، إنّ الله (عزّوجلّ) لمّا قال: «لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» ضجّت الملائكة من ذلك وقالوا: يا ربّ إن كنتَ لابدَّ جاعلاً في الأرض خليفة فاجعله منّا، ممّن يعمل في خلقك بطاعتك، فردّ عليهم: إنّي أعلم ما لا تعلمون، فظنّت الملائكة أنّ ذلك سَخط من الله تعالى عليهم فلاذوا بالعرش يطوفون به، فأمر الله تعالى لهم ببيت من مرمر سقفه ياقوتة حمراء واساطينه الزّبرجد يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك... الى آخر الحديث(1) .

علل الشرایع: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن حديد، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما أنّه سئل عن ابتداء الطواف؟ فقال: انّ الله (تبارك وتعالی) لمّا أراد خلق آدم (عليه السّلام) قال للملائكة: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً».

فقال ملكان من الملائكة: اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ فوقعت الحجب فيما بينهما وبين الله (عزّوجلّ) وكان (تبارك وتعالی) نوره ظاهراً للملائكة فلمّا وقعت الحجب بينه وبينهما علما انّه قد سخط قولهما فقالا للملائكة: ما حيلتنا وما وجه توبتنا؟

ص: 415


1- علل الشرایع: ص 402 ح 2

فقالوا: ما نعرف لكما من التوبة الاّ ان تلوذا بالعرش.

قال: فلاذا بالعرش حتى انزل الله تعالى توبتهما ورفعت الحجب فيما بينه وبينهما وأحبّ الله (تبارك وتعالى) ان يعبد بتلك العبادة فخلق الله البيت في الأرض وجعل على العباد الطواف حوله، وخلق البيت المعمور في السماء، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة(1) .

أقول: قوله (عليه السّلام): «نوره ظاهراً...» أي نور جلاله وعظمته وبهاءه.

الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، وابن محبوب جميعاً، عن المفضّل بن صالح، عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: كنت مع أبي في الحِجر فبينما هو قائم يصلّي إذ أتاه رجل فجلس إليه فلمّا انصرف سلّم عليه ثمَّ قال: إنّي أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها الاّ أنت ورجل آخر.

قال: ما هي؟ قال: أخبرني أيّ شيء كان سبب الطواف بهذا البيت؟ فقال: إنّ الله (عزّوجلّ) لمّا أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم (عليه السّلام) ردّوا عليه فقالوا: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ»

ص: 416


1- علل الشرایع: ص 402 ح 3

خَلْق النبي آدم قال (تبارك وتعالی): «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» فغضب عليهم، ثمّ سألوه التوبة، فأمرهم أن يطوفوا بالضراح وهو البيت المعمور، ومكثوا يطوفون به سبع سنين [و] يستغفرون الله (عزّوجلّ) ممّا قالوا، ثمّ تاب عليهم من بعد ذلك ورضي عنهم فهذا كان أصل الطواف، ثمّ جعل الله البيت الحرام حذوا الضراح توبة لمن أذنب من بني آدم وطهوراً لهم.

فقال: صدقت(1) .

تفسير العياشي: عن محمد بن مروان، عن جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال: إنّي لأطوف بالبيت مع أبي (عليه السّلام) إذ أقبل رجلٌ طُوَال(2) جُعشُمٌ(3) مُتعمّمٌ بعمامةٍ، فقال: السلام عليك يابن رسول الله.

قال: فردَّ عليه أبي.

فقال: أشياء أردت أن أسألك عنها، ما بقي أحد يعلمها إلاّ رجل أو رجلان.

قال: فلمّا قضی أبي الطواف دخل الحِجر فصلّى ركعتين، ثم قال:

هاهنا - يا جعفر - ، ثم أقبل على الرجل فقال له أبي: كأنّك غريب؟ فقال: أجل، فأخبرني عن هذا الطواف كيف كان ولِمَ كان؟

ص: 417


1- الكافي: ج 4 ص 188 ح 2
2- طُوال : الطويل (لسان العرب)
3- الجعشم: المنتفخ الجنبين الغليظهما. وقيل: القصير الغليظ مع شدّة (لسان العرب)

قال: إنَّ الله لمّا قال للملائكة: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا» الى آخر الآية، كان ذلك من يعصي منهم، فاحتجب عنهم سبع سنين، فلاذوا بالعرش يلوذون، يقولون:

«لبيك ذا المعارج لبيك» حتى تاب عليهم، فلمّا أصاب آدم الذنب طاف بالبيت حتى قَبِل الله منه.

قال: فقال: صدقت، فعَجِب أبي من قوله: صدقت.

قال: فأخبرني عن «ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ»(1) ؟ قال: نون نهر في الجنة أشَدّ بياضاً من اللبن.

قال: فأمر الله القلم فجری بما هو كائن وما يكون، فهو بين يديه موضوع ما شاء منه زاد فيه، وما شاء نقص منه، وما شاء كان، وما لا يشأ لا يكون.

قال: صدقت، فعَجِب أبي من قوله: صدقت.

قال: فأخبرني عن قوله: «فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ»(2) ما هذا الحق المعلوم؟ قال: هو الشيء يُخْرِجه الرجل من ماله ليس من الزكاة، فيكون للنائبة(3) والصِلَة.

ص: 418


1- القلم 68: 1
2- المعارج 70: 24
3- النائبة: ما ينوب الإنسان أي تنزل به من المهمات والحوادث، ومنه حديث الجهاد: «ويأخذ - يعني الامام - الباقي ليكون ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما

خَلْق النبي آدم قال: صدقت.

قال: فعجِب أبي من قوله: صدقت.

قال: ثمّ قام الرجل، فقال أبي: عليّ بالرجل.

قال: فطلبته فلم أجِده(1) .

تفسير العياشي: عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كنت مع أبي في الحجر، فبينا هو قائم يصلّي إذ أتاه رجل فجلس إليه، فلمّا انصرف سلّم عليه، ثم قال: إنّي أسألك عن ثلاثة أشياء لا يعلمها إلاّ أنت ورجل آخر.

قال: ماهي؟ قال: أخبرني أيّ شيء كان سبب الطواف بهذا البيت؟ فقال: إنّ الله (تبارك وتعالی) لمّا أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم، ردّت الملائكة فقالت: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» فغضب عليهم، ثم سألوه التوبة فأمرهم أن يطوفوا بالضُراح - وهو البيت المعمور - فمكثوا به يطوفون به سبع سنين، يستغفرون الله ممّا قالوا، ثم تاب عليهم من بعد ذلك ورضي عنهم، فكان هذا أصل الطواف، ثم جعل الله البيت الحرام حذاء الضُّراح، توبةً لمن أذنب من بني آدم

ص: 419


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 113 ح 109 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 316

وطَهُوراً لهم.

فقال: صدقت.

ثمَّ ذكر المسألتين نحو الحديث الأول، ثم قام الرجل(1) ، فقلت:

مَن هذا الرجل يا أبه؟ فقال: يابنيّ هذا الخضر (عليه السّلام)(2) .

شرح الأخبار: روي عن جعفر بن محمد بن علي أنّه قال:

حججت مع أبي محمد بن علي، فبينا هو يصلّي من الليل في الحجر في ليالي العشر، وأنا خلفه إذ جاء رجل أبيض الرأس واللحية جليل العظام بعيد ما بين المنكبين عريض الصدر عليه ثوبان غليظان أبيضان في هيئة المُحرِم، فجلس الى جانبه فكأنه ظنّ أنّه يريد حاجة فخفف الصَّلاة، فلمّا سلّم أقبل اليه بوجهه، فقال له الرجل: يا أبا جعفر أخبرني عن بدء خلق هذا البيت كيف كان؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ممن أنت؟ فقال له الرجل: من أهل الشام.

فقال له (عليه السلام): إن أحاديثنا إذا اسقطت إلى الشام جاءتنا صحاحاً، وإذا اسقطت إلى العراق جاءتنا وقد زيد فيها ونقص (یعني أن شيعتهم بالعراق كثيراً يأخذ ذلك بعضهم من بعض، فيقع من ذلك الزيادة والنقصان بين النقلة، وهم بالشام قليل، فإذا سقط الحديث إلى

ص: 420


1- في تفسير البرهان: ثمّ قال الرجل: صدقت
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 114 ح 110 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 317

خَلْق النبي آدم من يسقط إليه بقي على حاله).

قال: ثم اقبل عليه فقال: بدء خلق هذا البيت، إنّ الله تعالى لما قال للملائكة: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» فردّوا عليه بقولهم: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» وقالوا بأنفسهم: نحن الحافّون بعرشه والمسبّحون بحمده، فيستخلف غيرنا، ونحن أقرب إليه.

قال الله (عزّوجلّ): «إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» «وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» فعلموا أنّهم قد وقعوا في الخطيئة، فعاذوا بالعرش، فطافوا سبعة أشواط ليسترضوا ربّهم (عزّوجلّ) فرضي عنهم.

وقال لهم: اهبطوا إلى الأرض فابنوا لي بيتاً يلوذ به من أذنب من عبادي، ويطوف حوله كما طفتم أنتم حول عرشي، فأرضي عنهم كما رضيت عنكم.

فبنوا هذا البيت، فهذا يا عبد الله بدء هذا البيت.

قال له الرجل: صدقت يا أبا جعفر، فما بدء هذا الحجر؟ قال (عليه السلام): إنّ الله (عزّوجلّ) لما أخذ میثاق بني آدم أجرى نهراً أحلى من العسل وألين من الزبد، ثم أمر القلم [فاستمدّ] من ذلك النهر وكتب اقرارهم، وما هو كائن الى يوم القيامة ثم ألقم الكتاب هذا الحجر، فهذا الاستلام الذي ترى إنّما هو بيعة على إقرارهم.

قال جعفر بن محمد (عليه السلام): وكان أبي إذا استلم الركن

ص: 421

قال: اللهم أمانتي أدّيتها ومیثاقي تعاهدته ليشهد لي عندك بالوفاء.

فقال له الرجل: صدقت يا أبا جعفر ثم قام، فلمّا ولى [قال لي] أبي: أردده عليَّ. فخرجت وراءه وأنا وراءه الى أن حال الزحام بيني وبينه حتى الى الصفا، فعدت إلى الصفا فلم أره.

فذهبت الى المروة فلم أره، فجئت الى أبي، فأخبرته. قال [أبي]:

إنّي أراه الخضر (عليه السلام).(1) تفسير العياشي: عن عیسی بن حمزة قال: قال رجل لأبي عبدالله (عليه السّلام): جعلت فداك إنَّ الناس يزعُمُون أنّ الدنيا عُمرها سبعة آلاف سنة؟ فقالً: ليس كما يقولون، إنّ الله خلق لها خمسين ألف عام فتركها قاعاً قفراءَ خاويةً عشرة آلاف عام.

ثم بدا لله بَداء، فخلق فيها خلقاً ليس من الجن ولا من الملائكة ولا من الانس، وقدّر لهم عشرة آلاف عام، فلمّا قَرُبت آجالهم أفسدوا فيها، فدمَّر الله عليهم تدميراً، ثم تركها قاعاً قفراء خاويةً عشرة آلاف عام.

ثم خلق فيها الجن، وقدّر لهم عشرة آلاف عام، فلمّا قربت آجالهم أفسدوا فيها، وسفكوا الدماء، وهو قول الملائكة: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» كما سفكت بنو الجان، فأهلكهم الله.

ثمَّ بدا لله فخلق آدم، وقرّر(2) له عشرة آلاف عام، وقد مضى من

ص: 422


1- شرح الأخبار: ج 3 ص 278 ح 1188
2- في تفسير البرهان: وقدَّر

خَلْق النبي آدم ذلك سبعة آلاف عامٍ ومائتان، وأنتم في آخر الزمان(1) .

تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: انّ آدم كان له في السماء خليل من الملائكة، فلمّا هبط آدم من السماء الى الأرض استوحش المَلَك، وشكا الى الله (تعالی)، وسأله أن يأذن له فيهبط عليه، فأذن له فهبط عليه، فوجده قاعداً في قفرة من الأرض، فلمّا رآه آدم وضع يده على رأسه وصاح صيحة.

قال أبو عبدالله (عليه السّلام): يروون أنَّه أسمع عامّة الخلق.

فقال له الملك: يا آدم، ما أراك إلاّ قد عَصَيت ربّك، وحملت على نفسك ما لا تُطيق، أتدري ما قال الله لنا فيك فرددنا عليه؟ قال: لا.

قال: قال: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» قلنا: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» فهو خَلقَك ان تكون في الأرض، يستقيم ان تكون في السماء؟ فقال أبو عبدالله (عليه السّلام): والله عزّى بها آدم ثلاثاً(2) .

تفسير العياشي: قال (أبو علي الحسن بن محبوب): قال هشام بن سالم: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): و ما علم الملائكة بقولهم:

«أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ» لولا أنَّهم قد كانوا رأوا من يُفسد فيها ويسفك الدماء(3) .

ص: 423


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 116 ح 112 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 318
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 118 ح 114 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 319
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 113 ح 108 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 316

مجمع البيان: روي عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: انّ الملائكة سألت الله ان يجعل الخليفة منهم وقالوا: نحن نقدّٙسك ونطيعك ولا نعصيك كغيرنا.

قال: فلمّا أجيبوا بما ذكر في القرآن علموا انّهم تجاوزوا مالهم فلاذوا بالعرش استغفاراً، فأمر الله تعالی آدم بعد هبوطه ان يبني له في الأرض بيتاً يلوذ به المخطئون كما لاذ بالعرش المقرّبون، فقال الله تعالى للملائكة: إنّي أعرَف بالمصلحة منكم، وهو معنى قوله: «أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(1) .

علل الشرایع: حدثنا علي بن حاتم قال: حدثني أبو القاسم حمید ابن زیاد قال: حدثنا عبد الله بن احمد، عن علي بن الحسين الطاطري، عن محمد بن زیاد، عن ابي خديجة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) يقول: مرَّ بأبي رجل (الى أن قال: ) ثمّ قال: حدّٙثني عن الملائكة حين ردّوا على الربّ حيث غضب عليهم كيف رضي عنهم.

فقال: إنَّ الملائكة طافوا بالعرش سبعة آلاف سنة(2) يدعونه ويستغفرونه ويسألونه ان يرضى عنهم فرضي عنهم بعد سبع سنين ...

ص: 424


1- مجمع البيان: ج 1 ص 75
2- في بحار الأنوار: سبع سنين، وهو الصحيح بقرينة قوله: «فرضي عنهم بعد سبع سنين». ويمكن الجمع بين ما ورد في هذا الخبر من کون قبول توبتهم بعد سبع سنين، وما ورد في خبر آخر من قبول توبتهم بعد سبعة آلاف سنة بحمل خبر السبع على أصل القبول وحمل الخبر الآخر على كمال القبول. والله العالِم

الأسماء التي تعلَّمها آدم الى آخر الحديث(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٭ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ٭ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ».

باب (34) الأسماء التي تعلَّمها آدم

إكمال الدين: حدثنا محمد بن موسی بن المتوكّل (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمّد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمد بن اسماعيل البرمكي [عن جعفر بن عبدالله الكوفي](2) ، عن الحسن(3) بن سعيد، عن محمد بن زياد، عن أيمن بن محرز، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام): أنّ الله (تبارك وتعالی) علّم آدم (عليه السّلام) اسماء حجج الله كلّها، ثم عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة

ص: 425


1- علل الشرایع: ص 407 ح 2. منه بحار الانوار: ج 11 ص 170
2- ما بين المعقوفتين ليس في تفسير البرهان
3- في تفسير البرهان: عن الحسین

«فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» بانّكم أحقُّ بالخلافة في الأرض - لتسبیحکم و تقدیسكم - من آدم (عليه السّلام) «قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» قال الله (تبارك وتعالى): «يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ» وقفوا على عظیم منزلتهم عند الله (تعالى ذكره) فعلموا أنّهم أحقّ بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه، وحججه على بريّته، ثم غيّبهم عن أبصارهم، واستعبدهم بولايتهم ومحبتهم، وقال لهم: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ».

حدثنا بذلك أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسين(1) بن على السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام)(2) .

بصائر الدرجات: حدثنا أبو القاسم (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن يحيى العطّار قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفّار قال:

حدثنا محمد بن عيسى، عن النّضر بن سويد، عن الحسين بن موسی، عن الحسين بن زیاد، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: اهدي إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دانجوج فيه حبّ مختلط، فجعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يلقي إلى علي

ص: 426


1- في تفسير البرهان: الحسن
2- اكمال الدين: ص 13. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 314

الأسماء التي تعلَّمها آدم (عليه السّلام) حبّة وحبّة ويسأله: أيّ شيء هذا؟ وجعل عليّ (عليه السّلام) يخبره.

فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما إنّ جبرئيل أخبرني أنّ الله علّمك اسم كلّ شيء كما علّم آدم الأسماء كلّها(1) .

تفسير العياشي: عن داود بن سرحان العطّار قال: كنت عند أبي عبدالله (عليه السّلام) فدعا بالخوان(2) فتغدينا، ثم جاؤا بالطشت والدست سنانه(3) فقلت: جعلت فداك قوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» الطشت والدست سنانه منه؟ فقال: والفجاج(4) والأودية وأهوى بيده كذا وكذا(5) .

تفسير العياشي: عن الفضل بن عباس(6) ، عن ابي عبدالله (عليه السّلام) قال: سألته عن قول الله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» ماهي؟ قال: أسماء الأودية والنبات والشجر والجبال من الأرض(7) .

ص: 427


1- بصائر الدرجات: ص 438 ح 1. منه بحار الأنوار: ج 40 ص 185
2- الخِوان: الذي يؤكل عليه (مجمع البحرین)
3- هكذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح «ثم جاؤوا بالطشت والدست شویه» وهكذا فيما يأتي، وعليه تكون الكلمة فارسية أي جاؤوا بالطشت والاناء الذي تُغسل فيه الايدي أو يغسل به وهو الابريق
4- الفجاج جمع الفجّ: الطريق الواسع الواضح بين الجبلين (أقرب الموارد)
5- تفسير العياشي: ج 1 ص 119 ح 117 الطبعة الحديثة. منه بحار الأنوار: ج 11 ص 147
6- هكذا في المصدر. والصحيح: عن الفضل أبي العباس وهو الفضل بن عبد الملك البقباق
7- تفسير العياشي: ج 1 ص 118 ح 116 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 320

تفسير العياشي: عن أبي العباس، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) سألته عن قول الله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» ماذا علّمه؟ قال: الأرضين والجبال والشعاب والأودية - ثمَّ نظر إلى بساط تحته فقال - : وهذا البساط ممّا علّمه(1) .

تفسير العياشي: عن حريز، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: لمّا أن خلق الله آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له، فقالت الملائكة في أنفسها: ما كنّا نظن أنّ الله خلق خلقاً أكرم عليه منّا، فنحن جيرانه ونحن أقرب خلقه إليه.

فقال الله: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ» فيما أبدوا من أمر بني الجانّ، وكتموا ما في أنفسهم، فلاذَت الملائكة الذين قالوا ما قالوا بالعرش(2) .

علل الشرایع: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن محمد الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنّما سُمّي آدم آدم لأنَّه خُلق من أديم الأرض(3) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال:

ص: 428


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 118 ح 115 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 320
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 119 ح 118 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 321
3- علل الشرایع: ص 14 ح 1

الأسماء التي تعلَّمها آدم إنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: إنَّ الله مثّل لي أُمّتي في الطّٙين وعلّمني أسماءهم كما علّم آدم الأسماء كلّها... الى آخر الحديث(1) .

تفسیر فرات الكوفي: فرات قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن صالح الهمداني قال: حدثنا الحسن بن علي بن زکریا بن صالح بن عاصم بن زفر البصري قال: حدثنا زکریا بن يحيى التستري قال: حدثنا أحمد بن قتيبة الهمداني، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ الله (تبارك وتعالی) كان ولا شيء فخلق خمسةً من نور جلاله، ولكلّٙ واحد منهم إسماً من أسمائه المنزلة فهو الحميد وسمّي محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو الأعلى وسمّى أمير المؤمنين علياً، وله الأسماء الحسنی فاشتق منها حسناً وحسيناً، وهو فاطر فاشتق لفاطمة من اسمائه اسماً، فلمّا خلقهم جعلهم في الميثاق فإنّهم عن يمين العرش، وخلق الملائكة من نور فلمّا أن نظروا إليهم عظّموا أمرهم وشأنهم ولقنوا التسبيح فذلك قوله: «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ ٭ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ»(2) فلمّا خلق الله تعالی آدم (صلوات الله وسلامه عليه) نظر إليهم عن يمين العرش فقال: يا ربّ من هؤلاء؟ قال: يا آدم هؤلاء صفوتي وخاصتي خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم إسماً من أسمائی.

قال: يا رب فبحقّٙك عليهم علّمني أسماءهم.

ص: 429


1- الكافي: ج 1 ص 443 ح 15
2- الصافات 37: 165 و 166

قال: يا آدم فهم عندك أمانة، سرٌّ من سرّي، لا يطَّلع عليه غيرك إلاّ باذني.

قال: نعم يا رب.

قال: يا آدم أعطني على ذلك العهد، فأخذ عليه العهد ثم علَّمه أسماءهم ثم عرضهم على الملائكة ولم يكن علّمهم بأسمائهم فقال أنتوني «فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٭ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ٭ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ» علمت الملائكة أنه مستودَع وأنه مفضّل بالعلم، وأُمروا بالسجود إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلاً له وعبادة لله إذ كان ذلك بحق له، وأبی ابلیس الفاسق عن أمر ربّه فقال: «مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ»(1) .

قال: فقد فضّلته عليك حيث أمر بالفضل للخمسة الذين لم أجعل لك عليهم سلطاناً ولا من شيعتهم، فذلك إستثناء اللعين.

قال: «إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ»(2) وهم الشيعة(3) .

* * * * *

ص: 430


1- الأعراف 7: 12
2- الاسراء 17: 65
3- تفسير فرات الكوفي: ص 56 ح 15

إبليس كان من الجن لا من الملائكة قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ».

باب (35) إبليس كان من الجن لا من الملائكة

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:

إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنَّ ابلیس منهم وكان في علم الله أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة والغضب فقال: «خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(1) .

کتاب الزهد: فضالة بن أيّوب، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) (أنّه قال في حديث ): الغضب مفتاح كلّٙ شرّ.

وقال: إنّ إبليس كان مع الملائكة، وكانت الملائكة تحسب أنّه منهم، وكان في عِلم الله أنّه ليس منهم، فلمّا اُمر بالسُّجود لآدم حَمي وغضب، فأخرج الله ما كان في نفسه بالحميّة والغضب(2) .

مجمع البيان: روى الشيخ أبو جعفر بن بابویه (رحمه الله) في کتاب (النبوّة) بإسناده عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سألته عن إبليس أكان من الملائكة، أو كان

ص: 431


1- الكافي: ج 2 ص 308 ح 6. والآية في سورة الأعراف 7: 12
2- کتاب الزهد: ص 26 ح 61. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 329

يلي شيئاً من أمر السماء؟ فقال: لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء وكان من الجنّ، وكان مع الملائكة، وكانت الملائكة ترى أنّه منها، وكان الله سبحانه يعلم أنّه ليس منها، فلمّا أمر بالسّجود لآدم کان منه الّذي كان(1) .

تفسير العياشي: عن جميل بن درّاج، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) نحوه(2) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل قال: كان الطيّار يقول لي: إبليس ليس من الملائكة، وإنّما أُمرت الملائكة بالسجود لآدم (عليه السّلام) فقال إبليس: لا أسجد، فما لإبليس يعصي حين لم يسجد، وليس هو من الملائكة؟ قال: فدخلت أنا وهو على أبي عبدالله (عليه السّلام) قال:

فأحسن والله في المسألة، فقال: جعلت فداك أرأيت ما ندب الله (عزّوجلّ) إليه المؤمنين من قوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» أَدخَلَ في ذلك المنافقون معهم؟ قال: نعم والضلال وكلّ من أقرّ بالدّعوة الظاهرة، وكان إبليس ممّن أقرّ بالدّعوة الظاهرة معهم(3) .

ص: 432


1- مجمع البيان: ج 1 ص 82
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 120 ح 120 الطبعة الحديثة. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 332
3- الكافي: ج 2 ص 412 ح 1

إبليس كان من الجن لا من الملائكة الكافي: أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبّار، عن علي این حديد، عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ابليس أكان من الملائكة أم كان يلي شيئاً من أمر السماء؟ فقال: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء ولا كرامة، فأتيت الطيار(1) فأخبرته بما سمعت فأنكره وقال: وكيف لا يكون من الملائكة؟ والله (عزّوجلّ) يقول: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ» فدخل عليه الطيار فسأله وأنا عنده فقال له:

جعلت فداك رأيت قوله (عزوجل) : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» في غير مکان من مخاطبة المؤمنين أيدخل في هذا المنافقون؟ قال: نعم يدخل في هذا المنافقون والضلال وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة(2) تفسير العياشي: عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام) عن إبليس .... وذكر نحوه(3) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جمیل، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سُئل عمّا ندب الله الخلق إليه، أدَخَل فيه الضلالة؟(4).

ص: 433


1- وهو حمزة بن محمد الطيار، كوفي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) (معجم رجال الحدیث ج 6 ص 278)
2- الكافي: ج 8 ص 274 ح 413
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 119 ح 119 الطبعة الحديثة
4- في تفسير البرهان: الضُلال

قال: نعم، والكافرون دخلوا فيه، لأنّ الله (تبارك وتعالى) أمر الملائكة بالسجود لآدم، فدخل في أمره الملائكة وابليس، فإنَّ إبليس كان مع الملائكة في السماء يَعبُد الله، وكانت الملائكة تظنُّ أنّه منهم، ولم يكن منهم، فلمّا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم (عليه السّلام) اخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد، فعلم الملائكة عند ذلك انّ ابلیس لم يكن مثلهم(1) .

فقيل له (عليه السّلام): فكيف وقع الأمر على ابلیس، وانّما امر الله الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال: كان ابليس منهم بالولاء، ولم يكن من جنس الملائكة، وذلك أنَّ الله خَلق خلقاً قبل آدم، وكان ابليس منهم حاكماً في الأرض فعتوا وافسدوا وسفكوا الدماء، فبعث الله الملائكة فقتلوهم، وأسروا ابلیس ورفعوه الى السماء، وكان مع الملائكة يَعبُد الله الى أن خلق الله (تبارك وتعالی) آدم (عليه السّلام)(2) .

باب (36) أفضليَّة النبيُّ على آدم

الاحتجاج: روي عن موسی بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: إنَّ يهودياً

ص: 434


1- في تفسير البرهان: منهم
2- تفسير القمي: ج 1 ص 35. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 323

أفضليَّة النبيُّ على آدم من يهودالشام وأحبارهم قال لعلي (عليه السلام) - في حديث طويل - :

هذا آدم (عليه السلام) أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئاً من هذا؟ فقال له على (عليه السلام): لقد كان كذلك، أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم له لم يكن سجود طاعة وأنهم عبدوا آدم من دون الله (عزّوجلّ) ولكن اعترافاً بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) اُعطي ما هو أفضل من هذا، إنَّ الله (عزّوجلّ) صلّى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبُّد المؤمنين بالصلاة عليه، فهذه زيادة يا يهودي... الى آخر الحديث(1) .

علل الشرایع: حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطّار النيسابوري (رحمه الله) قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة قال: حدثنا الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لمّا اُسري برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) و حضرت الصلاة اذَّن جبرئيل وأقام الصلاة، فقال: يا محمد تقدّم.

فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): تقدّم یا جبرئیل.

فقال له: إنّا لا نتقدّم على الآدميّٙين منذ أُمرنا بالسجود لآدم.(2)

ص: 435


1- الاحتجاج: ص 211
2- علل الشرایع: ص 8 ح 4

باب (37) أَمْر الله سبحانه ومشيئته

الكافي: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن واصل ابن سليمان، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال:

سمعته يقول: أمر الله ولم يشأ(1) ، وشاء ولم يأمر، أمر ابلیس ان يسجد لآدم وشاء أن لا يسجد [ولو شاء لسجد](2) ، ونهی آدم عن أكل الشجرة وشاء أن يأكل منها ولو لم يشأ لم يأكل(3) .

باب (38) جزاء ابليس على عبادته

تفسير القمي: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جمیل، عن زرارة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: لمّا أعطى الله (تبارك وتعالی) ابلیس ما أعطاه من القوّة قال آدم: یا ربّ سلّطته على وُلدي، وأجريته [فيهم] مجرى الدّم في العروق، وأعطيته ما أعطيته فمالي ولوُلدي؟ فقال: لك ولوُلدك السيئة بواحدةٍ، والحسنة بعشرة أمثالها.

ص: 436


1- معنى قوله (عليه السّلام): «امر الله ولم يشأ» أي أمر تشريعاً ولم يشأ تكويناً، فلو شاء الله شيئاً يقل له كن فيكون، أمّا الأمر المولوي التشريعي فيمكن عدم تحقّقه، كالطاعة من العبد وكذلك في النهي
2- مابين المعقوفتين ليس في تفسير البرهان
3- الكافي: ج 1 ص 150 ح 3

أفضليَّة محمّد وآل محمّد على آدم قال: ربّٙ زدني.

قال: التوبة مبسوطة الى حين يبلُغ النفس الحلقوم.

فقال: يا ربّٙ زدني.

قال: أغفر ولا أبالي.

قال: حسبي.

قال: قلت له: جعلت فداك بماذا استوجب إبليس من الله ان أعطاه ما اعطاه؟ فقال: بشيء كان منه شَكَره الله عليه.

قلت: وما كان منه جعلت فداك؟ قال: ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ٭ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ».

باب (39) أفضليَّة محمّد وآل محمّد على آدم

معاني الأخبار: حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي (رضي

ص: 437


1- تفسير القمي: ج 1 ص 42. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 328

الله عنه) قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطّان قال:

حدثنا أبو محمد بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثنا تمیم بن بهلول [عن أبيه]، عن محمد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): إنَّ الله (تبارك وتعالی) خلق الارواح قبل الأجساد بألفي عام، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمّة بعدهم (عليهم السّلام)، فعرضها على السماوات والأرض والجبال، فغشيها نورهم، فقال الله (تبارك وتعالی) للسموات والأرض والجبال: «هؤلاء أحبّائي وأوليائي وحُججي على خَلقي وأئمّ بريّتي، ما خلقتُ خلقاً هو أحبُّ إليّ منهم، ولمن تولاّهم خَلقتُ جنّتي، ولمن خالفهم وعاداهم خلقتُ ناري، فمَن ادّعى منزلتهم منّي ومَحلّهم من عظمتي عذّبته عذاباً لا اُعذّبه أحداً من العالمين، وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري، ومن أقرَّ بولايتهم ولم يدّع منزلتهم منّي ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جنّاتي، وكان لهم فيها ما يشاؤون عندي، وأبحتهم کرامتي، وأحللتهم جواري، وشفّعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي، فولايتهم أمانة عند خَلقي، فأيّكم يحملها بأثقالها، ويدّعيها لنفسه دون خيرتي؟؟» فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها واشفقن من ادّعاء منزلتها، وتمنّي محلّها من عظمة ربّها، فلمّا اسکن الله (عزّوجلّ) آدم وزوجته الجنّة، قال لهما: «وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ» يعني شجرة الحنطة «فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ» فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين

ص: 438

أفضليَّة محمّد وآل محمّد على آدم والأئمّة بعدهم (صلوات الله عليهم) فوجداها أشرف منازل أهل الجنَّة فقالا: یا ربّنا، لمن هذه المنزلة؟ فقال الله (جلّ جلاله): ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي، فرفعا رؤوسهما فوجدا اسم(1) محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والائمة بعدهم (صلوات الله عليهم) مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبّار (جلَّ جلاله).

فقالا: یا ربّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، وما أحبّهم إليك، وما اشرفهم لديك ؟!! فقال الله (جلّ جلاله): لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي، واُمنائي على سرّي، إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد، وتتمنّيا منزلتهم عندي، ومحلّهم من كرامتي، فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني، فتكونا من الظالمين.

قالا: ربّنا ومَن الظّالمون؟ قال: المدّعون لمنزلتهم بغير حقّ.

قالا: ربّنا فارنا منازل ظالميهم في نارك حتي نراها كما رأينا منزلتهم في جنّتك.

فأمر الله (تبارك وتعالى) النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان(2) النّكال والعذاب، وقال (عزّوجلّ): مكان الظالمين لهم المدَّعين(3)

ص: 439


1- في تفسير البرهان: اسماء
2- في تفسير البرهان: أنواع
3- في تفسير البرهان: المنزلين

لمنزلتهم في اسفل درك منها، كلَّما أرادوا أن يخرجوا منها اُعيدوا فيها، وكلّما نضجت جلودهم بُدّلوا سواها ليذوقوا العذاب، یا آدم ويا حواء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد، فاُهبطكما عن جواري، واُحلّ بكما هواني «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ٭ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ٭ فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ»(1) وحملهما على تمنّي منزلتهم، فنظرا إليهم بعين الحسد، فَخُذِلا حتى أكلا من شجرة الحنطة، فعاد مكان ما أكلا شعيراً فأصل الحنطة كلّها ممّا لم يأكلاه، وأصل الشعير كلّه ممّا عاد مكان ما أكلاه، فلمّا أكلا من الشجرة طار الحليُّ والحلل عن أجسادهما، وبقيا عریانین وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما: ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إنَّ الشيطان لكما عدوٌّ مبين.

فقالا: ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونّن من الخاسرين.

قال: اهبطا من جواري، فلا يجاورني في جنّتي من يعصيني، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش، فلمّا أراد الله (عزّوجلّ) أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما: إنّكما أنّما ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فُضّل عليكما، فجزاؤكما ماقد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله (عزّوجلّ) إلى أرضه، فسلا ربّكما

ص: 440


1- الأعراف 7: 20 - 22

حوار بين آدم وموسى بحقّ الأسماء الّتي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما.

فقالا: اللهمَّ إنّا نسألك بحقّ الأكرمين عليك: محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والائمّة (عليهم السّلام) إلاّ تُبتَ علينا ورحمتنا، فتاب الله عليهما إنّه هو التوّاب الرّحيم، فلم يزل أنبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة، ويُخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من اُممهم فيأبون حملها، ويشفقون من أدّعائها، وحملها الانسان الذي قد عرف، فأصل كلّ ظلم منه الى يوم القيامة، وذلك قول الله (عزّوجلّ): «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»(1) .

باب (40) حوار بين آدم وموسی

تفسير القمی: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسکان، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنَّ موسى (عليه السّلام) سأل ربّه ان يجمع بينه وبين آدم (عليه السلام) فجمع فقال له موسی: یا ابة ألم يخلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته وأمرك أن لا تأكُل من الشجرة فَلِمَ عصيته؟

ص: 441


1- معاني الأخبار: ص 108 ح 1، والآية في سورة الأحزاب 33: 72. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 341

فقال: يا موسی بِكَم وجدت خطيئتي - قبل خلقي - في التوراة؟ قال: بثلاثين ألف سنة [قبل أن خلق آدم](1) .

قال: فهو ذلك.

قال الصادق (عليه السّلام): فحجّ آدمُ موسی (عليهما السلام)(2) (3).

أقول: هذا اشارة الى علم الله سبحانه بما سوف يصدر من آدم في المستقبل، ولا تنافي بينه وبين كون الانسان مخيّراً في أفعاله وتصرُّفاته، فعلمُه سبحانه شيء، وعمل آدم شيء آخر.

وقال العلاّمة المجلسي (طاب ثراه): (وجدان الخطيئة قبل الخلق إمّا في عالم الأرواح بأن يكون روح موسى (عليه السلام) اطّلع على ذلك في اللَّوح، أو المراد انّه وَجد في التوراة أنّ تقدير خطيئة آدم (عليه السلام) كان قبل خلقه بثلاثين ألف سنة)(4) .

باب (41) جنّة آدم

الكافي: على بن ابراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الحسين بن میسّر قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام) عن

ص: 442


1- ما بين المعقوفتين ليس في تفسير البرهان
2- حجَّ زيدٌ عمرواً: غلبه بالحجّة (أقرب الموارد)
3- تفسير القمي: ج 1 ص 44. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 338
4- بحار الانوار: ج 11 ص 163

الكلمات التي تلقّاها آدم جنة آدم (عليه السلام)؟ فقال: جنة من جنان الدنيا، تطلع فيها الشمس والقمر، ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً(1) .

علل الشرایع: حدثنا محمد بن الحسن (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن ابراهيم بن هاشم، عن عثمان، عن الحسن بن بشّار، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: سألته عن جنّة آدم ... وذكر نحوه(2) .

* * * * * قوله تعالى: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

باب (42) الكلمات التي تلقّاها آدم

الكافي: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابراهیم صاحب الشعير، عن كثير بن كلثمة، عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله (عزّوجلّ): «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ».

قال: «لا إله إلا أنت سبحانك اللهمّ وبحمدك عملت سوءاً

ص: 443


1- الكافي: ج 3 ص 247 ح 2
2- علل الشرایع: ص 600 ح 55. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 336

وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلاّ أنت سبحانك اللهمّ وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت خير الرّاحمين، لا إله إلاّ أنت سُبحانك اللهمَّ وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فتُب عليّ إنَّك أنت التوّاب الرّحيم».

وفي رواية اُخرى في قوله (عزّوجلّ):«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ».

قال: سأله بحقّ محمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (صلّی الله عليهم)(1) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ آدم (عليه السّلام) بقي على الصفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة وعلى خروجه من الجنة من جوار الله (عزّوجلّ)، فنزل عليه جبرئیل (عليه السّلام) فقال:

یا آدم مالك تبكي؟ فقال: يا جبرئیل مالي لا أبكي وقد أخرجني الله من الجنّة ومن جِواره، واهبطني إلى الدنيا.

فقال: يا آدم تب إليه.

قال: وكيف أتوب؟ فأنزل الله عليه قبّة من نور فيه موضع البيت فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم، فأمر الله (عزّوجلّ) جبرئیل (عليه السلام) ان

ص: 444


1- الكافي: ج 8 ص 304 ح 472

الكلمات التي تلقّاها آدم يضع عليه الاعلام، قال: قم يا آدم فخرج به يوم التروية، وأمره أن يغتسل ويُحرِم، وأُخرج من الجنّة أوّل يوم من ذي القعدة، فلمّا كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئیل (عليه السّلام) الى منى فبات بها، فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات، وقد كان علّمه حين أخرجه من مكة الاحرام وعلّمه التلبية، فلمّا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وأمره أن يغتسل، فلمّا صلّى العصر أوقفه بعرفات، وعلّمه الكلمات التي تلقّاها من ربّه، وهي:

«سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلاّ أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك أنت الغفور الرحيم، سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلاَّ أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك خير الغافرین، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلاّ أنت، عملت سوءاً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي إنّك أنت التّواب الرحيم».

فبقي الى ان غابت الشمس رافعاً يديه إلى السّماء يتضرّع ويبكي إلى الله فلمّا غابت الشمس ردّه إلى المشعر فبات بها فلمّا أصبح قام على المشعر الحرام فدعا الله تعالی بکلمات و تاب إليه ثم أفضى(1) الى منى، وأمره جبرئیل ان يحلِق الشعر الذي عليه فحلقه ثم ردّه إلى مكة فأتی به عند الجمرة الاُولى فعرض له إبليس عندها فقال: يا آدم این ترید؟ فأمره جبرئيل أن يرميه بسبع حصيات فرمی وان يُكبّر مع كل

ص: 445


1- في تفسير البرهان: أفاض. أفضى به الى كذا: أي بلغ وانتهى به اليه (أقرب الموارد)

حصاة تكبيرة ففعل، ثمّ ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية، فأمره ان يرميه بسبع حصيات فرمی وكبّر مع كل حصاة تكبيرة، ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة، فأمره أن يرميه بسبع حصيات عند كلّ حصاة تكبيرة، فذهب إبليس (لعنه الله) وقال له جبرئیل: إنّك لن تراه بعد هذا اليوم أبداً، فانطلق به إلى البيت الحرام، وأمره أن يطوف به سبع مرّات ففعل.

فقال له: إنّ الله قد قَبِلَ تَوبتك، وحلّت لك زوجتك.

قال: فلمّا قضی آدم حَجّه لقيته الملائكة بالأبطح فقالوا: يا آدم بَرّ حجّك، أما إنّا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفي عام(1) .

تفسير البرهان: عن الصادق (عليه السّلام) في قوله تعالی:

«فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ» أنّ الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه:

اللهم بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تُبتَ عليّ فتاب الله عليه(2) .

تفسير العياشي: عن عبد الرحمن بن کثیر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ الله (تبارك وتعالی) عرض على آدم في الميثاق ذرّيته، فمرّ به النبي (صلّى الله علیه و آله) وهو متّكئ على عليّ (عليه السّلام)، وفاطمة (صلوات الله علیها) تتلوهما، والحسن والحسين (عليهما السّلام) يتلوان فاطمة (عليها السلام)، فقال الله: يا آدم، إيّاك أن تنظر

ص: 446


1- تفسير القمي: ج 1 ص 44. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 354
2- تفسير البرهان: ج 1 ص 363 ح 17

الكلمات التي تلقّاها آدم إليهم بحسد، أُهبطك من جواري.

فلمّا أسكنه الله الجنَّة مثّل له النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) فنظر إليهم بحسدٍ، ثمَّ عُرضت عليه الولاية فأنكرها فَرمتهُ الجنَّة بأوراقها، فلمّا تاب إلى الله من حسده وأقرّ بالولاية ودعا بحقّٙ الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) غفَر الله له، وذلك قوله: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ» الآية(1) معاني الأخبار: حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدّقّاق (رضي الله عنه) قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي قال:

حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري قال: حدثنا محمد بن الحسين بن زید الزيّات قال: حدثنا محمد بن زياد الأزدي، عن المفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) قال:

سألته عن قول الله (عزّوجلّ) «وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ»(2) ما هذه الكلمات؟ قال: هي الكلمات الَّتي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه، وهو أنّه قال: يا ربّ أسألك بحقّ محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تبت عليّ فتاب (الله) عليه انّه هو التّواب الرحيم... الى آخر الحديث(3) .

ص: 447


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 130 ح 131 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 357
2- البقرة 2: 124
3- معاني الأخبار: ص 126 ح 1

شرح الأخبار: صفوان الجمّال قال: دخلت على أبي عبدالله جعفر بن محمد (عليه السلام) وهو يقرأ هذه الآية: «فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» ثم التفت اليَّ.

فقال: يا صفوان إنّ الله تعالى ألهمَ آدم (عليه السلام) أن يرمي بطرفه نحو العرش، فإذا هو بخمسة أشباح من نور يسبّحون الله ويقدّسونه فقال آدم: یا ربّ من هؤلاء؟ قال: يا آدم صفوتي من خلقي لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النّار، خلقت الجنّة لهم ولمن والاهم، والنار لمن عاداهم لو أن عبداً من عبادي أتى بذنوب كالجبال الرواسي ثم توسل إليَّ بحقّ هؤلاء لعفوت له.

فلمّا أن وقع آدم في الخطيئة قال: يا ربّ بحق هؤلاء الأشباح اغفر لي، فأوحى الله (عزّوجلّ) إليه: إنّك توسلت اليّ بصفوتي وقد عفوت لك(1) .

قال آدم: یا ربّ بالمغفرة التي غفرت إلا أخبرتني من هم.

فأوحى الله إليه: يا آدم هؤلاء خمسة من ولدك، لعظیم حقّهم عندي اشتقت لهم خمسة أسماء من أسمائی، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا العلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن

ص: 448


1- أقول: هكذا في المصدر ولعلّ الصحيح «وقد غفرت لك» أو «وقد عفوت عنك» أو «عفوتك» والله العالم

توسُّل الأنبياء بمحمّد وآل محمّد وهذا الحسن، وأنا الإحسان فهذا الحسين(1) .

باب (43) توسُّل الأنبياء بمحمّد وآل محمّد

أمالي الصدوق: حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال: حدثني عمّي محمد بن القاسم، عن أحمد بن هلال، عن الفضل بن دکین، عن معمّر بن راشد قال: سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السّلام) يقول:

أتي يهودي النبي (صلّى الله عليه وآله) فقام بين يديه يحدّ النظر إليه.

فقال: يا يهودي ما حاجتك؟ قال: أنت أفضل أم موسی بن عمران النبيّ الذي كلّمه الله، وأنزل عليه التوراة، والعصا، وفلق له البحر، وأظلّه بالغمام؟ فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله): انّه يُكره للعبد أن يزکّي نفسه، ولكنّي أقول: إنَّ آدم لمّا أصاب الخطيئة كانت توبته أن قال:

«اللهم إنّي أسألك بحقّٙ محمد وآل محمد لِمَا غفرت لي» فغفرها الله له، وإنّ نوحاً لما ركب في السفينة وخاف الغرق، قال: «اللهم إنّي أسالك بحقّ محمد وآل محمد لِمَا أنجيتني من الغرق» فنجّاه الله عنه.

وإنّ إبراهيم (عليه السلام) لما اُلقي في النّار قال: «اللهم إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد لما أنجيتني منها» فجعلها الله عليه برداً وسلاماً، وإن موسى (عليه السّلام) لمّا ألقى عصاه وأوجس في نفسه

ص: 449


1- شرح الأخبار: ج 3 ص 6 ح 923

خيفة قال: «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمد وآل محمد لما أمنتني»(1) فقال الله (جلّ جلاله): «لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى»(2) .

یا یهودي إنَّ موسى لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئاً، ولا نفعته النبوة.

یا یهودي ومن ذرّيتي المهدي إذا خرج نزل عیسی بن مریم النصرته فقدّمه وصلّى خلفه(3) .

* * * * * قوله تعالى: «قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ».

باب (44) الهداية من الله

أمالي الصدوق: حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القميّ قال: حدثنا أبي قال: حدّثنا علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل بن بزیع، عن صالح بن عقبة، عن علقمة بن

ص: 450


1- في تفسير البرهان: نجيتني
2- طه 20: 68
3- أمالي الصدوق: ص 181 ح 4. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 361

اصول الكفر ثلاثة محمد الحضرمي، عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السّلام)، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال الله (جلّ جلاله): عبادي كلكم ضالّ إلاّ من هديته، وكلّكم فقير إلاّ من أغنيته، وكلّكم مذنب إلاّ من عصمته(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

باب (45) اصول الكفر ثلاثة

الكافي: الحسين بن محمد، عن أحمد بن اسحاق، عن بكر بن محمد، عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): اصول الكفر ثلاثة: الحرص، والاستكبار، والحسد، فأمّا الحرص فإنّ آدم حين نهي عن الشجرة حمله الحرص على أن أكل منها، وأمّا الاستكبار فإبليس حيث اُمر بالسجود لآدم فأبى، وأمّا الحسد فابنا آدم حيث قتل احدهما صاحبه(2) .

الكافي: علي بن ابراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن

ص: 451


1- أمالي الصدوق: ص 90 ح 10
2- الكافي: ج 2 ص 289 ح 1

صدقة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السّلام) وسُئل عن الكفر والشرك أيُّهما أقدم؟ فقال: الكفر أقدم، وذلك انّ إبليس أول من كفر، و كان كفره غير شرك، لانّه لم يدعُ الى عبادة غير الله، وإنّما دعا الى ذلك بعد فأشرك(1) .

تفسير العياشي: عن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله (عليه السّلام): انَّ أول كُفْرٍ كُفِرَ بالله - حيث خَلق الله آدم - كُفْرُ ابلیس، حيث ردّ على الله أمره، وأوّل الحسد حيث حسد ابن آدم أخاه، وأوّل الحرص حِرْص آدم، نُهي عن الشجرة فأكل منها، فأخرجه حرصه من الجنَّة(2) .

باب (46) الكذب على الله ورسوله من الكبائر

الكافي: الحسين بن محمد، عن معلّی بن محمد، وعلي بن محمد، عن صالح بن أبي حمّاد جميعاً، عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: الكذب على الله وعلى رسوله (صلّى الله عليه وآله) من الكبائر(3) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن

ص: 452


1- الكافي: ج 2 ص 386 ح 8
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 120 ح 121 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص333
3- الكافي: ج 2 ص 339 ح 5

معنی «اسرائیل» منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ الكذب ليُفطّر الصائم.

قلت: وأیُّنا لا يكون ذلك منه؟ قال: ليس حيث تذهب إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة (صلوات الله عليه وعليهم)(1) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ذكر الحائك لأبي عبدالله (عليه السّلام) أنّه ملعون.

فقال: إنّما ذاك الّذي يحوك الكذب على الله وعلى رسوله (صلّی الله علیه و آله)(2) .

* * * * * قوله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ».

باب (47) معنی «اسرائیل»

علل الشرائع: حدثنا أحمد بن الحسين(3) القطان قال: حدثنا

ص: 453


1- الكافي: ج 2 ص 340 ح 9
2- الكافي: ج 2 ص 340 ح 10
3- في تفسير البرهان: الحسن

الحسن بن علي السكري(1) . قال: حدثنا محمد بن زکريا الجوهري قال:

حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: كان يعقوب وعيص توأمین، فولد عيص ثم ولد يعقوب، فسُمّي يعقوب لأنَّه خرج بعقب أخيه عيص، ويعقوب هو إسرائيل، ومعنى إسرائيل: عبدالله، لانَّ (إسرا) هو عبد، و (إيل) هو الله (عزّوجلّ)(2) .

تفسير العياشي: عن هارون بن محمد الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام) عن قول الله (عزّوجلّ) : «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»؟ قال: هم نحن خاصَّة(3) .

تفسير العياشي: عن محمد بن علي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قوله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»؟ قال: هي خاصَّة بآل محمّد (عليهم السّلام)(4) .

باب (48) كيفيَّة الشكر على النعمة

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عثمان

ص: 454


1- في تفسير البرهان: العسكري
2- علل الشرایع: ص 43 ح 1. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 365
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 134 ح 147 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 379
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 134 ح 148 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 380

الوفاء بعهد الله بن عيسى، عن يونس بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إذا ذكر احدكم نعمة الله (عزّوجلّ) فليضع خدّه على التراب شكراً لله، فإن كان راكباً فلينزل فليضع خدّه على التّراب، وان لم يكن يقدر على النزول للشهرة فليضع خدّه على قربوسه، وان لم يقدر فليضع خدّه على كفّه، ثم ليحمد الله على ما أنعم الله عليه(1) .

باب (49) الوفاء بعهد الله

الكافي: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي».

قال: بولاية أمير المؤمنين (عليه السّلام) : «أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» أوف لكم الجنَّة(2) .

تفسیر فرات الكوفي: قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال:

حدثني محمد بن الحسين - يعني الصائغ - عن موسى بن القاسم، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) نحوه(3) .

الاختصاص: محمد بن علي، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن

ص: 455


1- الكافي: ج 2 ص 98 ح 25
2- الكافي: ج 1 ص 431 ح 89
3- تفسیر فرات الكوفي: ص 58 ح 18

أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم قال: قلت للصادق (عليه السلام): يابن رسول الله ما بال المؤمن إذا دعا ربّما استجيب له وربّما لم يستجب له وقد قال الله (عزّوجلّ):

«وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(1)؟ فقال (عليه السلام): إنَّ العبد إذا دعا الله (تبارك وتعالی) بنيّة صادقة وقلب مخلص استجيب له بعد وفائه بعهد الله (عزّوجلّ) وإذا دعا الله (عزّوجلّ) لغير نيّة وإخلاص لم يستجب له، أليس الله تعالى يقول: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» فمن وفي أوفي له.(2) تفسير العياشي: عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام) عن قول الله (عزوجل): «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»؟ قال: أوفوا بولاية عليّ (عليه السّلام) فرضاً من الله أُوف لكم الجنّة(3) .

تفسیر فرات الكوفي: فرات قال: حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال: حدثنا محمد يعني ابن الحسين الصائغ - قال: حدثنا محمد بن عمران الوشّاء، عن موسى بن القاسم، عن عثمان بن عیسی، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قول الله

ص: 456


1- غافر 40: 60
2- الاختصاص: ص 242
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 131 ح 134 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 367

الوفاء بعهد الله تعالی: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» قال: أوفوا بولاية على فَرْضٌ من الله أُوف لكم بالجنّة(1) .

تفسير القمي: حدثني أبي، عن محمد بن أبي عمير، عن جمیل، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال له رجل: جعلت فداك إنَّ الله يقول:

«ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» وإنّا ندعو فلا يُستجاب لنا؟! قال: لأنَّكم لا تفون الله بعهده وإنَّ الله يقول: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ» والله لو وفیتم لله لوفي الله لكم(2) .

الكافي: أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن عبدالله بن محمد، عن الخشّاب قال: حدثنا بعض أصحابنا، عن خيثمة قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السّلام): يا خيثمة نحن شجرة النّبوّة وبيت النبوّة وبيت الرّحمة ومفاتیح الحكمة ومعدن العلم وموضع الرّسالة ومختلف الملائكة وموضع سرّ الله ونحن وديعة الله في عباده ونحن حرم الله الأكبر ونحن ذمّة الله ونحن عهد الله، فمن وفي بعهدنا فقد وفي بعهد الله ومن خفرها فقد خفر ذمّة الله وعهده(3) (4).

* * * * *

ص: 457


1- تفسیر فرات الكوفي: ص 58 ح 19
2- تفسير القمي: ج 1 ص 46. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 365
3- خفره خفراً: نقض عهده وغدر به، يقال: خُفِرَت ذمة فلان: إذا لم يوف بها ولم تتم. (أقرب الموارد)
4- الكافي: ج 1 ص 221 ح 3

قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ».

باب (50) زكاة الفطرة

تفسير العياشي: عن اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ»؟ قال: هي الفطرة التي افترض الله على المؤمنين(1) .

تفسير العياشي: عن سالم بن مكرِم الجمّال، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: اعط الفطرة قبل الصلاة، وهو قول الله: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» والذي يأخُذ الفِطرة عليه أن يؤدّٙي عن نفسه وعن عياله، وإن لم يُعْطِها حتى ينصرف من صلاته فلا تُعَدّ فِطرة(2) .

أقول: وقت فضيلة إعطاء الفطرة الواجبة هو الصباح الباكر وفي أول النهار وقبل أن يُصلّي صلاة العيد، فاذا أخّرها قلّ ثوابه.

وقوله (عليه السّلام): «فلا تُعدّ فطرة» أي لا تُعدّ كاملة بثوابها.

تفسير العياشي: عن هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: نزلت الزّكاة وليس للنّاس الأموال، وإنّما كانت الفطرة(3) .

ص: 458


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 131 ح 136 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 370
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 132 ح 140 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 371
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 132 ح 139 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 371

لزوم العمل بالبرّ والاحسان * * * * * قوله تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ».

باب (51) لزوم العمل بالبرّ والاحسان

تفسير العياشي: عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: قوله تعالى: «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ». قال: فوضع يده على حلقه، قال: كالذابح نفسه(1) .

باب (52) معنى العقل

الكافي: أحمد بن ادریس، عن محمد بن عبد الجبّار، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: ما العقل؟ قال: ما عُبد به الرحمن واكتُسب به الجِنان.

قال: قلت: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك النكراء تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل(2) .

ص: 459


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 133 ح 141 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 375
2- الكافي: ج 1 ص 11 ح 3

تفسیر نور الثقلين: في تفسير علي بن ابراهيم وقال الصادق (عليه السّلام): موضع العقل الدّماغ ألا ترى الرّجل إذا كان قليل العقل قيل له: ما أخفّ دماغك(1) .

باب (53) أشد الناس حسرة وعذاباً يوم القيامة

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يوسف البزّاز، عن معلّی بن خنیس، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) [أنّه] قال: إنّ [من] أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمّ عمل بغيره(2) .

الكافي: محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن قتيبة الأعشى، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) أنّه قال: إنّ [من] أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة من وصف عدلاً وعمل بغيره(3) .

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنّ من أعظم النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم خالفه إلى

ص: 460


1- تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 76 ح 179
2- الكافي: ج 2 ص 299 ح 1
3- الكافي: ج 2 ص 300 ح 2

الاستعانة بالصبر والصلاة غيره(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ٭ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ».

باب (54) الاستعانة بالصبر والصلاة

الكافي: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سليمان، عمّن ذکره، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) في قول الله (عزّوجلّ):

«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ» قال: الصبر الصيام.

وقال: اذا نزلت بالرجل النازلة [و] الشديدة(2) فليَصُم فإنَّ الله (عزّوجلّ) يقول: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ» يعني الصيام(3) .

من لا يحضره الفقيه: قال الصادق (عليه السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» قال: يعني بالصبر الصوم.

وقال (عليه السّلام): اذا نزلت.... وذكر مثله(4) .

تفسير العياشي: عن عبدالله بن طلحة، عن أبي عبدالله (عليه

ص: 461


1- الكافي: ج 2 ص 300 ح 3
2- في الفقيه: أو الشدّة
3- الكافي: ج 4 ص 63 ح 7
4- من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 76 ح 1776 و 1777

السلام): [في قوله تعالى:] «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ».

قال: الصبر هو الصوم(1) .

تفسير العياشي: عن مسمع قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): يا مسمع ما يمنع احدکم اذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضأ، ثم يدخُل مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما؟ أما سمعت الله يقول:

«وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ»؟(2) .

الكافي: محمد بن اسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حمّاد ابن عيسى، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: كان علي (عليه السّلام) اذا هاله شيء فَزِع الى الصلاة، ثم تلا هذه الآية «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ»(3) .

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال:

سمعته يقول: اصبروا على طاعة الله وتصبّروا عن معصية الله، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت(4) .

ص: 462


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 133 ح 144 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 378
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 133 ح 143 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 377
3- الكافي: ج 3 ص 480 ح 1
4- الكافي: ج 2 ص 459 ح 21

لزوم الاستعداد للموت

باب (55) لزوم الاستعداد للموت

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن حمزة بن حمران، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: لم يخلق الله (عزّوجلّ) يقيناً لا شكّ فيه أشبه بشكّ لا يقين فيه وهو الموت(1) .

أمالي الصدوق: حدثنا جعفر بن علي الكوفي، قال: حدثني الحسن بن عليّ بن عبدالله بن المغيرة، عن جدّه عبدالله (بن المغيرة)، عن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال عليّ (عليه السّلام): ما أنزل الموت حقّ منزلته من عدّ غداً من أجله(2) .

قرب الاسناد: محمد بن عيسى، عن عبد الله بن میمون القدّاح، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: قال النبي (صلّى الله عليه وآله): استحيوا من الله حقَّ الحياء.

قالوا: وما نفعل یا رسول الله؟ قال: فإن کنتم فاعلين فلايبيتنّ أحدكم إلاّ وأَجلُه بين عينيه، وليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر القبر والبِلي، ومن

ص: 463


1- الخصال: ص 14 ح 48
2- أمالي الصدوق: ص 96 ح 4

أراد الآخرة فليدَعْ زينة الحياة الدنيا(1) .

عيون أخبار الرضا (عليه السلام): حدثنا محمد بن القاسم المفسّر (رضي الله عنه) قال: حدثنا أحمد بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه عليّ بن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن أبيه الرّضا عليّ بن موسى، عن موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين بن عليّ قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): كم من غافل ينسج ثوباً ليلبسه وإنّما هو كفنه، ويبني بيتاً ليسكنه وإنّما هو موضع قبره(2) .

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): بهذا الاسناد قال: قيل لامیر المؤمنين (عليه السّلام): ما الاستعداد للموت؟ قال: أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثمّ لا يبالي ان وقع على الموت أو الموت وقع عليه، والله لا يبالي ابن أبي طالب ان وقع على الموت أو الموت وقع عليه(3) .

* * * * *

ص: 464


1- قرب الاسناد: ص 23 ح 79 الطبعة الحديثة. منه بحار الانوار: ج 6 ص 131
2- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 297 ح 54
3- عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 297 ح 55

الشكر يوجب الزيادة قوله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ».

باب (56) الشكر يوجب الزيادة

الكافي: أبو عليّ الأشعري، عن محمد بن عبدالجبّار، عن صفوان، عن اسحاق بن عمّار، عن رجلين من أصحابنا، سمعاه عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ما أنعم الله على عبد من نعمة فعرفها بقلبه، وحمد الله ظاهراً بلسانه فتمّ كلامه، حتى يؤمر له بالمزيد(1) .

الكافي: أبو عليّ الأشعريّ، عن عيسى بن أيوب، عن عليّ بن مهزیار، عن القاسم بن محمد، عن إسماعيل بن أبي الحسن، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها(2) .

* * * * *

ص: 465


1- الكافي: ج 2 ص 95 ح 9
2- الكافي: ج 2 ص 96 ح 15

قوله تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ».

باب (57) مَثَلُ الناس يوم القيامة

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، وعليُّ بن محمد جميعاً، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: مثل النّاس يوم القيامة إذا قاموا لربّ العالمين مثل السّهم في القرب(1) ليس له من الأرض إلاّ موضع قدمه کالسهم في الكنانة لا يقدر ان يزول هاهنا ولا هاهنا(2) .

باب (58) يُسأل الانسان يوم القيامة عن أربع

الخصال: حدثنا محمد بن أحمد بن عليّ الأسدي قال: حدّثتنا رقيّة بنت اسحاق بن موسی بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسین بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) قالت: حدثني أبي اسحاق بن

ص: 466


1- قوله (عليه السلام): «في القرب» أي في قرب كلّ منهم بالآخر، وفي بعض النسخ «في القرن» قال في (النّهاية) : القَرَن: جعبة من جلود تُشقّ، ويجعل فيها النشّاب، ومنه الحديث «النّاس يوم القيامة كالنّبل في القرن» أي مجتمعون مثلها (مرآة العقول)
2- الكافي: ج 8 ص 143 ح 110

المشرك يدخل النار بلا حساب موسی بن جعفر قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا تزول قَدَما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، و [عن] شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت(1) .

باب (59) المشرك يدخل النار بلا حساب

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): بأسانیده الثلاثة(2) عن الصادق، عن آبائه (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إنّ الله (عزّوجلّ) يحاسب كلّ خلق إلاّ من أشرك بالله فإنّه لا يحاسب يوم القيامة ويؤمر به إلى النار(3) .

باب (60) الناصبي لا تشمله الشفاعة

ثواب الأعمال: أبي (رحمه الله) قال: حدثني سعد بن عبدالله،

ص: 467


1- الخصال: ص 253 ح 125
2- المذكورة في عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 24
3- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 34 ح 66

عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن النّضر، عن يحيى الحلبي، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن علي الصائغ قال:

قال أبو عبدالله (عليه السّلام): إنّ المؤمن ليشفع لحميمه إلاّ أن يكون ناصباً، ولو أنّ ناصباً شفع له كلّ نبيّ مرسل وملك مقرّب ما شُفّعوا(1) .

باب (61) الرسول الأعظم يشفع للعاصين

أمالي الصدوق - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا أبي (رحمه الله) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا ابراهيم بن هاشم [عن أبيه]، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل.

قال الحسين بن خالد: فقلت للرضا (عليه السّلام): یابن رسول الله فما معنى قول الله (عزّوجلّ): «وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى»؟(2)

ص: 468


1- ثواب الأعمال: ص 251 ح 21
2- الأنبياء 21: 28

ثلاثة يشفعون يوم القيامة قال: لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه(1) .

باب (62) ثلاثة يشفعون يوم القيامة

الخصال: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السّلام) قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): ثلاثة يشفعون الى الله (عزّوجلّ) فيشفَّعون: الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء(2) .

* * * * * قوله تعالى: «وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ».

باب (63) معنی العدل

تفسیر العياشي: عن يعقوب الأحمر، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: العدل: الفريضة(3) .

ص: 469


1- أمالي الصدوق: ص 16 ح 4 - عيون أخبار الرضا: ج 1 ص 136 ح 35
2- الخصال: ص 156 ح 197
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 153 ح 190 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 532

تفسير العياشي: عن ابراهيم بن الفضيل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: العدل في قول أبي جعفر (عليه السّلام): الفِداء(1) .

تفسير العياشي: أسباط الزّطي قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السّلام): قول الله: لا يقبل الله منه صرفاً ولاعدلاً.

قال: الصّرف: النافلة، والعدل: الفريضة(2) .

* * * * * قوله تعالى: «وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ».

باب (64) فرعون يأمر بذبح صبيان بني إسرائيل

الخصال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عمرو بن علي بن عبدالله البصري قال: حدثنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن أحمد بن جبلة الواعظ قال: حدثنا أبو القاسم عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي قال:

حدثنا أبي قال: حدثنا علي بن موسى الرضا قال: حدثنا موسی بن جعفر قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا محمد بن علي قال:

حدّثنا علي بن الحسين قال: حدثنا الحسين بن علي (عليهم السلام)

ص: 470


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 153 ح 191 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 532
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 153 ح 192 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 532

فرعون يأمر بذبح صبيان بني إسرائيل قال: قام رجل الى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الجامع بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن يوم الأربعاء؟ والتطيّر منه وثقله؟ وأيّ أربعاء هو؟ فقال (عليه السلام): آخر أربعاء في الشهر (الى أن قال: ) ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان... الى آخر الحديث(1) .

غيبة الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضّل محمد بن عبدالله ابن محمد بن عبدالله بن المطّلب (رحمه الله) قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن بحر بن سهل الشيباني الرهني قال: أخبرنا علي بن الحارث، عن سعد بن المنصور الجواشني قال: قال أحمد بن عليّ البديلي قال:

أخبرني أبي، عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضّل بن عمر و داود بن كثير الرقي وأبو بصير وأبان بن تغلب على مولانا الصادق (عليه السّلام) (الى ان قال: ) قال (عليه السّلام): أمّا مولد موسی (علیه السّلام) فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه على يده، أمر باحضار الكهنة فدلّوا على نسبه وأنّه يكون من بني اسرائيل، فلم يزل يأمر أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني اسرائيل حتّى قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول الى قتل موسی (عليه السّلام) لحفظ الله تعالى إياه ... الى آخر الحديث(2) .

إكمال الدين: حدثنا محمد بن عليّ بن حاتم النوفلي المعروف

ص: 471


1- الخصال: ص 388 ح 78
2- غيبة الطوسي: ص 106

بالكرماني قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشّاء البغدادي قال: حدثنا احمد بن طاهر [القمي] قال: حدثنا محمد بن بحر بن سهل الشيباني بهذا الاسناد نحوه(1) .

باب (65) نجاة بني إسرائيل على يد النبي موسى

اكمال الدين: حدثنا أبي و محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنهما) قالا: حدثنا سعد بن عبدالله، وعبدالله بن جعفر الحميري، ومحمد بن يحيى العطّار، وأحمد بن ادریس جميعاً قالوا:

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى، عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمد الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إنَّ يوسف بن يعقوب (صلوات الله عليهما) حين حضرته الوفاة جمع آل يعقوب وهم ثمانون رجلاً، فقال: إنَّ هؤلاء القبط سيظهرون عليكم، ويسومونكم سوء العذاب، وإنّما ينجّيكم الله من أيديهم برجل من ولد لاوي بن يعقوب اسمه موسی بن عمران، غلام طُوال، جعد آدم، فجعل الرّجل من بني اسرائيل يسمّي ابنه عمران، ويسمي عمران إبنه موسى... الى آخر الحديث(2) .

قصص الأنبياء: أخبرنا الشيخ علي بن عبد الصمد، عن أبيه،

ص: 472


1- إكمال الدّين: ص 352
2- اكمال الدين: ص 147 ح 13

نزول المنّ على بني إسرائيل حدثنا السيّد أبو البركات الخوزي، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن بابویه، عن أبيه، حدثنا سعد بن عبدالله، حدثنا أحمد بن محمد بن عیسی، حدثنا أحمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمد الحلبي، عن أبي عبد الله (صلوات الله عليه) قال: إنّ يوسف بن يعقوب (صلوات الله عليهما) .... وذكر نحوه(1) .

* * * * * قوله تعالى: «وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».

باب (66) نزول المنّ على بني إسرائيل

المحاسن: البرقي، عن محمد بن علي، عن محمد بن الفضيل، عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم(2) ، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال:

قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): الكمأة مِن المنّ(3) ، والمنّ مِن الجنَّة، وماؤها شفاء للعين(4) .

ص: 473


1- قصص الأنبياء: ص 148 ح 160
2- في تفسير البرهان: مسلم
3- أي هي ممّا منَّ الله به على عباده. وقيل: شبَّهها بالمنّ، وهو العسل الحلو، الذي ينزل من السَّماء عفواً بلا علاج. وكذلك الكمأة لا مؤونة فيها ببذر ولا سقي (النهاية)
4- المحاسن: ج 2 ص 335 ح 2150 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 398

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي قال: حدثنا علي بن محمد بن عيينة(1) قال: حدثنا دارم بن قبيصة قال: حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن ابي طالب (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الكمأة(2) من المنّ الذي أنزله الله على بني إسرائيل، وهي شفاء للعين، والعجوة(3) التي في البَرني من الجنة، وهي شفاء من السم(4) .

الاحتجاج: روي عن موسی بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: انّ يهودياً من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث طویل - :

فإنَّ موسی بن عمران (عليه السلام) اُعطي المنّ والسلوى فهل اُعطي لمحمّد نظير هذا؟ فقال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلّی الله عليه وآله وسلم) اُعطي ما هو أفضل من هذا، إنّ الله (عزّوجلّ) أحلّ له الغنائم ولأُمتّه ولم تحلّ الغنائم لأحد غيره قبله، فهذا أفضل من

ص: 474


1- في تفسير البرهان: عنبسة
2- الكمأ: نبات يقال له: شحم الأرض، والعرب تسميه جدري الأرض، قيل: هو أصل مستدير لا ساق له ولا عرق لونه إلى الغبرة يوجد في الربيع تحت الأرض وهو عدیم الطعم وأنواعه كثيرة يؤكل نيّاً و مطبوخاً
3- العجوة: ضرب من أجود التمر بالمدينة، ونخلتها تسمّى لينة (أقرب الموارد)
4- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 75 ح 349. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 398

النهي عن النوم بین الطلوعین المنّ والسلوى، ثم زاده أنْ جَعل النيَّة له ولاُمته بلا عمل عملاً صالحاً ولم يجعل لأحد من الاُمم ذلك قبله، فاذا همَّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، فان عملها كتبت له عشرة.

قال له اليهودي: انّ موسى (عليه السلام) قد ظُلّٙل عليه الغمام؟ قال له علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، وقد فعل ذلك بموسى في التيه واُعطي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) أفضل من هذا، انّ الغمامة كانت تظلّه من يوم وُلد الى يوم قُبض، في حَضَره وأسفاره، فهذا أفضل ممّا اُعطي موسى... الى آخر الحديث(1) .

باب (67) النهي عن النوم بين الطلوعین

التهذيب: قال [الصادق] (عليه السّلام): نومة الغداء مشومة، تطرد الرزق، وتُصفّر اللون وتقبّحه وتغيّره، وهو نوم كلّ مشوم(2) إنّ الله تعالی يُقسّم الأرزاق ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، وإيّاكم(3) وتلك النومة، وكان المنّ والسّلوى ينزل على بني اسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه، وكان(4) إذا

ص: 475


1- الاحتجاج: ص 219
2- في الفقيه: مشؤوم
3- في الفقيه: فایاکم
4- في الفقيه: فكان

انتبه فلا يرى نصيبه إحتاج إلى السؤال والطلب(1) .

من لا يحضره الفقيه: قال الصادق (عليه السلام): نومة الغداة مشومة ... وذكر مثله إلى قوله: وتلك النومة(2) .

من لا يحضره الفقيه: قال [الصادق] (عليه السّلام): نوم الغداة شؤم، يحرم الرزق، ويصفر اللّون، وكان المنّ... وذكر مثله(3) .

مجمع البيان: قال الصادق (عليه السلام): كان ينزل المنّ على بني اسرائيل من بعد الفجر الى طلوع الشمس، فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه، فلذلك يكره النوم في هذا الوقت الى بعد طلوع الشمس(4) .

باب (68) ظلموا أنفسهم بترك الولاية

شرح الاخبار: عن محمد بن سلام، عن أبي عبدالله (صلوات الله عليه) أنّه قال في قول الله تعالى: «وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» قال: يقول لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم): وما ظلمونا بترك ولاية أهل بيتك ولكن كانوا أنفسهم يظلمون(5) .

ص: 476


1- التهذيب: ج 2 ص 139 ح 540
2- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 502 ح 1441
3- من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 503 ح 1449
4- مجمع البيان: ج 1 ص 117
5- شرح الأخبار: ج 1 ص 244 ح 268

الامام علي باب حِطّة * * * * * قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ».

باب (69) الامام علي باب حِطّة

تفسير العياشي: عن صفوان الجمّال، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال الله لقوم موسى : «وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ ..... «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ» الآية(1) .

عيون أخبار الرضا (عليه السلام): محمد بن عليّ ما جيلويه، واحمد بن عليّ بن ابراهيم بن هاشم، وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رضي الله عنهم) قالوا: حدثنا عليّ بن ابراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن الرّضا عليّ بن موسى، عن أبيه موسی بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) قال: قال رسول الله (صلّی الله عليه وآله): لكلّ أمّة صدّيق وفاروق، وصدّيق هذه الأمّة وفاروقها

ص: 477


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 135 ح 154 الطبعة الحديثة. والآية الأخيرة في سورة البقرة 2: 59. منه تفسير البرهان: ج 1 ص407

عليّ بن أبي طالب، وإنّه سفينة نجاتها، وباب حطّتها... الى آخر الحديث(1) .

الخصال: حدثنا أحمد بن الحسن القطّان ومحمد بن أحمد السناني وعليّ بن موسى الدّقاق والحسين بن ابراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب وعليّ بن عبدالله الورّاق (رضي الله عنهم) قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريّا القطّان قال: حدثنا بكر بن عبدالله ابن حبيب قال: حدثنا تمیم بن بهلول قال: حدثنا سليمان بن حکیم، عن ثور بن يزيد، عن مكحول قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) (في حديث له يذكر فيه بعض مناقبه): وأمّا العشرون فانّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لي:

«مَثَلُكَ في اُمّتي مثل باب حطّة في بني اسرائيل، فمن دخل في ولايتك فقد دخل الباب كما أمره الله (عزّوجلّ)»(2) .

أقول: ذهب كثير من المفسّرين الى أنّ الأمر الإلهي صدر الى بني اسرائيل بأن يدخلوا الباب خاضعين وهم يقولون: حِطَّة، حِطَّة، أي عفواً عفواً، حُطَّ ذنوبنا، واغفر لنا.

وقال بعض المفسّرين: إنّ المطلوب هو التلفّظ بما يوجب حطّ الذنوب كالاستغفار والتوبة، وليس المطلوب هو لفظ: «حِطّة».

أيها القارئ الكريم: بعدهذا الشرح الوجيز اتضح لنا معنى قول

ص: 478


1- عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 13 ح 30
2- الخصال: ص 574 ح 1

الامام علي باب حِطّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): «علي باب حِطَّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً» وقوله: «مَثَلُك في اُمّتي مثل باب حِطَّة....» الى آخر الحديث.

فولاية الامام علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) هي الايمان وهي الوسيلة الى غفران الذنوب وحطّ السيئات، والتمرّد على الولاية تمرّد على الايمان و تحمّل للسيئات، وابتعاد عن عفو الله وغفرانه.

نسأل الله تعالى الثبات على الولاية.

التوحید: حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رحمه الله) قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سوید، عن ابن سنان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطبته: أنا الهادي، وأنا المهتدي، (الى ان قال: ) وأنا باب حطّة من عرفني وعرف حقّي فقد عرف ربّه، لأنّي وصيّ نبيّه في أرضه، وحجّته على خلقه، لا ينكر هذا الاّ راد على الله ورسوله(1) .

* * * * *

ص: 479


1- التوحيد: ص 164 ح 2

قوله تعالى: «وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ».

باب (70) الامام المهدي ومواريث الأنبياء

الخرائج والجرائح: عن أبي سعيد الخراساني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة، نادى منادٍ:

«ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً» ويحمل معه حجر موسی بن عمران (عليه السلام) الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً فلا ينزل منزلاً إلاّ نصبه، فانبعثت منه العيون، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان ظمآناً روي، فيكون زادهم حتى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع، ومن كان عطشاناً روي(1) .

الإحتجاج: روي عن موسی بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: إنَّ يهودياً من يهود الشام وأحبارهم قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث طويل - :

فإنّ موسى (عليه السلام) قد اُعطى الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عيناً.

ص: 480


1- الخرائج والجرائح: ج 2 ص 690 ح 1. منه بحار الأنوار: ج 52 ص 335

الامام المهدي ومواريث الأنبياء قال علي (عليه السلام): لقد كان كذلك، ومحمد (صلّی الله عليه وآله وسلم) لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة، قد اُعطي ماهو أفضل من ذلك، وذلك: أنّ أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل، فذكروا له (صلّى الله عليه وآله)، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء فصدرنا وصدرت(1) الخيل رواء، وملأنا كل مزادة وسقاء.

ولقد كنّا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة(2) ، فأخرج (عليه السلام) سهماً من كنانته، فناوله البراء بن عازب، وقال له: اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسها فيها، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عيناً من تحت السهم، ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنکرین لنبوّته، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة(3) فنصب يده فيها فغاضت الماء وارتفع حتی توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم، وسقوا دوابهم وحملوا ما أرادوا(4) .

أقول: سيأتي ما يرتبط بالآية من الأحاديث في تفسير سورة الاعراف 7: 160.

* * * * *

ص: 481


1- صدرت عن الموضع: رجعت (مجمع البحرین)
2- القليب: البئر (أقرب الموارد)
3- الميضاة: الموضع يتوضَّأ فيه ومنه (أقرب الموارد)
4- الاحتجاج: ص 218

قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ».

باب (71) إذاعة الأسرار تؤدّي الى قتل الأنبياء

الكافي: علي بن ابراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن سنان، عن اسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) وتلا هذه الآية: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» قال: والله ما قتلوهم بأيديهم، ولا ضربوهم بأسيافهم(1) ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها فأخذوا عليها فقتلوا، فصار قتلاً واعتداءاً ومعصيةً(2) .

تفسير العياشي: عن اسحاق بن عمّار، عن أبي عبدالله (عليه

ص: 482


1- في تفسير العياشي والمحاسن: فقال: والله ما ضربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم
2- الكافي: ج 2 ص 371 ح 6

إذاعة الأسرار تؤدّي الى قتل الأنبياء السلام) أنّه تلا ... وذكر مثله(1) .

المحاسن: البرقي، عن ابن سنان، عن اسحاق بن عمّار قال: تلا أبو عبدالله (عليه السلام) هذه الآية .... وذكر مثله(2) .

مشكاة الأنوار: عنه (عليه السلام) قال: في قوله (عزّوجلّ):

«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ» فقال لهم: أما والله ما حاربوهم بأيديهم ولا قتلوهم بأسيافهم! ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها عليهم فأخذوا وقتلوا، فصار قتلاً واعتداءً ومعصية.(3) الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس بن يعقوب، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتلنا قتل عمد(4) (5) الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حسين بن عثمان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: من أذاع علينا شيئاً من أمرنا فهو كمن قتلنا عمداً ولم يقتلنا خطاءً(6) .

ص: 483


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 135 ح 155 الطبعة الحديثة
2- المحاسن: ج 1 ص 399 ح 895 الطبعة الحديثة
3- مشكاة الأنوار: ص 608 ح 1679 الطبعة الحديثة
4- لعلّ المعنى أنّه مثل قتل العمد في الوزر لانّه يُسبب إيذاء الظالمين لنا
5- الكافي: ج 2 ص 370 ح 4
6- الكافي: ج 2 ص 371 ح 9

* * * * * قوله تعالى: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ».

باب (72) «خُذوا ما آتيناكم بقوَّة»

المحاسن: البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي المغراء، عن اسحاق بن عمّار ويونس قالا: سألنا أبا عبدالله (عليه السّلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ» أقوَّة [في] الأبدان، أو قوّة في القلب(1) ؟ قال: فيهما جميعاً(2) .

تفسير العياشي: عن اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا عبدالله (عليه السّلام).... وذكر مثله(3) .

مشكاة الأنوار: عن اسحاق بن عمّار ويونس قالا: سألنا أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله .... وذكر مثله.(4) تفسير العياشي: عن محمد بن أبي حمزة، عن بعض أصحابنا،

ص: 484


1- في تفسير العياشي: ام قوَّة في القلوب
2- المحاسن: ج 1 ص 407 ح 923 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 409
3- تفسير العياشي: ج 1 ص 136 ح 156 الطبعة الحديثة
4- مشكاة الأنوار: ص 292 ح 769 الطبعة الحديثة

أصحاب السَّبت عن أبي عبدالله (عليه السّلام) عن قول الله (عزّوجلّ): «خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ».

قال: السجود، ووضع اليدين على الرُّكبتين في الصَّلاة وأنت راكع(1) .

مجمع البيان: في قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ» قيل معناه:

اذكروا ما في تركه من العقوبة، وهو المروي عن أبي عبدالله (عليه السلام).(2)

* * * * * قوله تعالى: «وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ».

باب (73) أصحاب السَّبت

الخصال: حدثنا محمد بن عليّ ماجيلويه (رضي الله عنه) قال:

حدثنا محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن أحمد بن يحيى قال:

حدثنا محمد بن الحسين، عن علي بن اسباط، عن علي بن جعفر، عن مغيرة، عن ابي عبدالله، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السّلام) قال:

ص: 485


1- تفسير العياشي: ج 1 ص 136 ح 158 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 410
2- مجمع البيان: ج 1 ص 128

المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفاً منهم القردة (الى ان قال: ) فإمّا القردة فكانوا قوماً من بني إسرائيل كانوا ينزلون على شاطئ البحر اعتدوا في السبت فصادوا الحيتان فمسخهم الله قردة... الى آخر الحديث(1) .

الخصال: حدثنا أبو الحسن عليّ بن أحمد الاسواري المذكّر قال:

حدثنا مكي بن احمد بن سعدويه البرذعي قال: حدثنا ابو محمد زکریا ابن يحيى بن عبيد العطّار قال: حدثنا القلانسي قال: حدثنا عبد العزيز ابن عبدالله الاويسي قال: حدثنا عليّ بن جعفر، عن معتب مولی جعفر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) قال: سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن المسوخ؟ فقال: هم ثلاثة عشر (إلى أن قال: ) وامّا القردة فقوم اعتدوا في السبت... الى آخر الحديث(2) .

علل الشرایع: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبدالله بن محمد الحجّال، عن عليّ بن عقبة، عن رجل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: انّ اليهود أُمروا بالإمساك يوم الجمعة، فتركوا يوم الجمعة

ص: 486


1- الخصال: ص 493 ح 1
2- الخصال: ص 494 ح 2

الاعتبار بعذاب الاُمم السابقة وأمسكوا يوم السبت، فحرّم عليهم الصيد يوم السبت(1) .

* * * * * قوله تعالى: «فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ».

باب (74) الاعتبار بعذاب الاُمم السابقة

تفسير العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) في قوله: «فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» قال: لما معها، ينظر إليها من أهل القرى، ولما خلفها قال:

ونحن، ولنا فيها موعظة(2) .

مجمع البيان: عن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنّهما قالا:

«لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا» أي لما معها ... وذكر مثله(3) .

* * * * *

ص: 487


1- علل الشرایع: ص 69 ح 1
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 136 ح 160 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 410
3- مجمع البيان: ج 1 ص 130

قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٭ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ ٭ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ٭ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ٭ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ٭ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ٭ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».

باب (75) قصة بقرة بني إسرائيل

تفسير القمي: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجالهم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنَّ رجلاً من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فانعمتْ لها(1) ، وخطبها ابن عمّ لذلك الرّجل، وكان فاسقاً ردياً، فلم يتنعَّموا له، فحسَد ابن عمّه الذي انعموا له، فقعد له فقتله غيلة، ثمَّ حمله إلى موسى (عليه السّلام) فقال: يا نبي الله هذا ابن عمّي قد قُتل.

ص: 488


1- أنْعَمَ له: قال له: نَعَمْ (أقرب الموارد)

قصة بقرة بني إسرائيل قال موسى: من قتله؟ قال: لا أدري، وكان القتل في بني إسرائيل عظيماً جداً، فعظُم ذلك على موسى، فاجتمع إليه بنو إسرائيل فقالوا: ما ترى يا نبي الله؟ وكان في بني اسرائيل رجل له بقرة، وكان له ابن بار، وكان عند ابنه سلعة، فجاء قوم يطلبون سلعته، وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه، وكان نائماً وكره ابنه ان ينبّهه ويُنغّض عليه نومه(1) فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته، فلمّا انتبه ابوه قال له: يا بنيّ ماذا صنعت في سلعتك؟ قال: هي قائمة لم أبعها، لأنَّ المفتاح كان تحت رأسك، فكرهت ان أُنبّهك واُنغّض عليك نومك.

قال له أبوه: قد جعلت هذه البقرة لك، عوضاً عمّا فاتك من ربح سلعتك، وشكر الله لابنه [ما فعل بأبيه] وأمر بني اسرائيل ان يذبحوا تلك البقرة بعينها، فلمّا اجتمعوا الى موسى، وبكوا وضجّوا قال لهم موسی : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً» فتعجّبوا فقالوا: «أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا» نأتيك بقتيل، فتقول: اذبحوا بقرة؟! فقال لهم موسى: «أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ» فعلموا انَّهم قد أخطأوا فقالوا: «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ» والفارض: التي قد ضربها الفحل، ولم تحمل،

ص: 489


1- نغضَ الشيء: تحرَّك واضطرب (أقرب الموارد) وفي تفسير البرهان: يُنغّص. نُغّٙص تنغيصاً: لم تتم هناءته. ونغَّص علينا: أي قطع علينا ما كنّا نحبُّ الاستكثار منه (أقرب الموارد)

والبكر: التي لم يضربها الفحل. «قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا» أي شديدة الصفرة «تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ٭ قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ٭ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ» أي لم تذلل «وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ» أي لا تسقي الزرع «مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا» أي لانقط فيها الاّ الصُّفرة «قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ» هي بقرة فلان، فذهبوا ليشتروها فقال: لا أبيعها إلاّ بملء جلدها ذهباً، فرجعوا الى موسى فاخبروه.

فقال لهم موسی: لابدَّ لكم من ذبحها بعينها بملء جلدها ذهباً فذبحوها، ثمَّ قالوا: ما تأمرنا یا نبي الله؟ فأوحى الله تعالى اليه: قُل لهم: «اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا» وقولوا: من قتلك؟ فاخذوا الذَنَب فضربوه به وقالوا: من قتلك يا فلان؟ فقال: فلان بن فلان ابن عمّي - الذي جاء به - وهو قوله :

«فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(1) .

مجمع البيان: قيل: إنّما قتله ليتزوّج بنته وقد خطبها فلم ينعم له وخطبها غيره من خيار بني اسرائيل فانعم له فحسده ابن عمّه الذي لم ينعم له فقتله ثم حمله الى موسى فقال: يا نبي الله هذا ابن عمّي قد قُتل.

ص: 490


1- تفسير القمي: ج 1 ص 49. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 427

فائدة لبس النعل الأصفر فقال موسى: من قتله؟ قال: لا أدري، وكان القتل في بني اسرائيل عظيماً فعظم ذلك على موسى (عليه السلام) وهذا هو المروي عن الصَّادق (عليه السلام).(1)

باب (76) فائدة لبس النعل الأصفر

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن محمد ابن علي، عن أبي البختري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: من لبس نعلاً صفراء كان في سرور حتى يُبِلِها(2) (3) .

تفسير العياشي: عن الفضل بن شاذان، عن بعض أصحابنا، رفعه الى أبي عبدالله (عليه السّلام) أنَّه قال: من لبس نَعلاً صفراء لم يزل مسروراً حتى يُبليها، كما قال الله: «صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ».

وقال: من لَبِس نعلاً صفراء لم يُبلها حتى يستفيد علماً أو مالاً(4) .

ص: 491


1- مجمع البيان: ج 1 ص 135
2- بَلِيَ الثوب: خَلَق ورثَّ (أقرب الموارد)
3- الكافي: ج 6 ص 466 ح 5
4- تفسير العياشي: ج 1 ص 138 ح 163 و 164 الطبعة الحديثة. منه تفسیر البرهان: ج 1 ص 429

باب (77) النهي عن أكل لحم البقرة المنحورة

تفسير العياشي: عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السّلام): إنَّ أهل مكة يذبحون البقرة في اللبب(1) ، فما ترى في أكل لحومها؟ قال: فسكت هُنيئة، ثمَّ قال: قال الله: «فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ» لا تأكل الاّ ما ذُبح من مذبحه(2) .

* * * * * قوله تعالى: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».

باب (78) عوامل قسْوة القلب

الكافي: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عمرو بن

ص: 492


1- اللبَّة: وسط الصَّدر والمنحر (لسان العرب). والمعنى أَنّهم ينحرون البقر كما ينحرون الأبل، فكان المنع عن أكل لحم ما نُحر سوى الأبل
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 138 ح 165 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 429

عوامل قسْوة القلب عثمان، عن عليّ بن عيسى رفعه قال: فيما ناجی الله (عزّوجلّ) به موسى (عليه السلام): يا موسى لا تطوّل في الدُّنيا أَمَلَك فيقسو قلبك، والقاسي القلب منّي بعيد(1) .

الكافي: عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن محمد بن حفص، عن اسماعيل بن دبیس، عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: إذا خلق الله العبد في أصل الخلقة كافراً لم يمت حتى يحبّب الله إليه الشرّ فيقرب منه فابتلاه بالكبر والجبريّة فقسا قلبه، وساء خلقه، وغلظ وجهه، وظهر فحشه، وقلّ حياؤه، وكشف الله ستره، وركب المحارم، فلم ينزع عنها، ثم ركب معاصي الله وأبغض طاعته، ووثب على النّاس، لا يشبع من الخصومات، فاسألوا الله العافية واطلبوها منه(2) .

أقول: قوله (عليه السّلام): «اذا خلق الله العبد...» من باب المجاز أو المآل، فإنّه تعالى حينما يخلق عبداً فهو سبحانه يعلم أنّه سيكفر - باختياره - فكأنَّه خَلقه كافراً بالمآل والنهاية.

وقوله (عليه السّلام): «حتى يحّٙبب الله اليه الشر..» إنّما هو من باب الاختبار لا بمعنی سلب القدرة منه. ويحتمل أن يكون بمعنی سلْب التوفيق منه لسوء أعماله، فكأنَّ الله حبَّب اليه الشر. كما في قوله تعالى: «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ» فالقدرة على الخير والشر موجودة.

وقوله (عليه السّلام): «فيقرب منه» أي من ارتكاب المعاصي.

ص: 493


1- الكافي: ج 2 ص 329 ح 1
2- الكافي: ج 2 ص 330 ح 2

والله العالم.

الكافي: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السّلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام):

لمّتان: لمّة من الشيطان ولمّة من المَلَك، فلمّة المَلَك: الرّقة والفهم، ولمّة الشيطان السهو والقسوة(1) .

الخصال: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطّار (رضي الله عنه) قال: حدثني أبي، عن الحسين بن اسحاق التاجر، عن علي بن مهزیار، عن فضالة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبدالله، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: أوحى الله الى موسى (عليه السّلام): لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كلّ حال، فانّ كثرة المال تُنسي الذنوب، وترك ذكري يُقسِي القلوب(2) .

الخصال: بإسناده عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب (عليهم السّلام)، عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) انّه قال في وصيّته له: يا عليّ ثلاثة یُقسِين القلب: استماع اللّهو، وطلب الصيد، واتیان باب السلطان(3) .

* * * * *

ص: 494


1- الكافي: ج 2 ص 330 ح 3
2- الخصال: ص 39 ح 23
3- الخصال: ص 126 ح 122

النهي عن تحريف الحقائق والآيات قوله تعالى: «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ».

باب (79) النهي عن تحريف الحقائق والآيات

شرح الأخبار: عن عمر بن أذينة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (صلوات الله علیهما) انّه قال في قول الله (عزّوجلّ): «أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ» قال: يقول: أفتطمعون أن يقرّوا لكم بالولاية، وهم يحرّفون الكلم عن مواضعه(1) .

تفسير العياشي: عن محمد بن سالم، عن أبي بصير قال: قال جعفر بن محمد (عليه السلام): خرج عبدالله بن عمرو بن العاص من عند عثمان، فلقي أمير المؤمنین (صلوات الله عليه) فقال له: يا علي بيّتنا الليلة في أمر، نرجوا أن يثبّت الله هذه الأُمّة.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): لن يخفى علىَّ ما بیَّتُم فيه، حرّفتم و غیرّتم وبدَّلتم تسعمائة حرف: ثلاثمائة حرَّفتم، وثلاثمائة غیّرتم، وثلاثمائة بدّلتم «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ

ص: 495


1- شرح الأخبار: ج 1 ص 235 ح 235

أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ»(1) (2) .

* * * * * قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ».

باب (80) الفرق بين عوامّ المسلمين وعوامّ اليهود

الإحتجاج: روي أنّ رجلاً قال للصّادق (عليه السلام): فإذا كان هؤلاء القوم من اليهود لا يعرفون الكتاب إلاّ بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمَّهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوامّ اليهود إلا كعوامنا يُقلّدون علماءهم؟ فقال (عليه السلام): بین عوامنا وعلمائنا وعوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة وتسوية من جهة، أمّا من حيث استووا فإنّ الله قد ذمّ عوامنا بتقليدهم علماءهم كما ذمّ عوامهم، وأمّا من حيث افترقوا فلا.

قال: بيّن لي يابن رسول الله! قال (عليه السلام): إنّ عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، وبأكل الحرام والرشاء، وبتغيير الأحكام عن واجبها

ص: 496


1- البقرة 2: 79
2- تفسير العياشي: ج 1 ص 139 ح 166 الطبعة الحديثة. منه تفسير البرهان: ج 1 ص 449

الفرق بين عوامّ المسلمين وعوامّ اليهود بالشفاعات والعنايات والمصانعات، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، وأنّهم اذا تعصَّبوا أزالوا حقوق من تعصَّبوا عليه، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصَّبوا له من أموال غيرهم، وظلموهم من أجلهم وعرفوهم يقارفون المحرّمات، واضطرّوا بمعارف قلوبهم إلى أنَّ مَن فَعل ما يفعلونه فهو فاسق لا يجوز أن يصدّق على الله ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله، فلذلك ذمَّهم لمّا قلَّدوا من قد عرفوه ومن قد علموا أنّه لا يجوز قبول خبره ولا تصديقه في حكايته، ولا العمل بما يؤدّٙيه إليهم عمّن لم يشاهدوه ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفي، وأشهر من أن لا تظهر لهم.

وكذلك عوام اُمَّتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، والعصبيَّة الشديدة والتكالب على حطام الدُّنيا وحرامها، وإهلاك من يتعصَّبون عليه وإن كان لاصلاح أمره مستحقّاً، وبالترفرف بالبِرّٙ والإحسان على من تعصَّبوا له وإن كان للاذلال والإهانة مستحقاً، فمن قلَّد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمّهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم، فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه، وذلك لا يكون إلاّ بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم، فإنّه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة العامّة فلا تقبلوا منّا عنه شيئاً، ولا كرامة(1) .

* * * * *

ص: 497


1- الإحتجاج: ص457. منه بحار الأنوار: ج 2 ص 86

قوله تعالى: «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».

باب (81) جزاء من أحاطت به خطيئته

الكافي: محمد بن يحيى، عن حمدان بن سليمان، عن عبدالله ابن محمد اليماني، عن منيع بن الحجّاج، عن يونس، عن صباح المزني، عن أبي حمزة، عن احدهما (عليهما السّلام) في قول الله (عزّوجلّ): «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ».

قال: إذا جحد إمامة أمير المؤمنين (عليه السّلام) «فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ».(1) * * * * * قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»

باب (82) السبب في خلود أهل الجنة والنار

الكافي: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن

ص: 498


1- الكافي: ج 1 ص 429 ح 82

السبب في خلود أهل الجنة والنار المنقري، عن أحمد بن يونس، عن أبي هاشم قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): إنّما خُلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خُلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً وانّما خُلّد أهل الجنة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً، فبالنيات خُلّد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالى: «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ»(1) قال: على نيَّته(2) .

* * * * *

ص: 499


1- الاسراء 17: 84
2- الكافي: ج 2 ص 85 ح

كلمة الختام

أَيَّها القارئ الكريم:

لقد وصلنا - والحمد لله - الى نهاية الجزء الرابع والأربعين من موسوعة الإمام الصادق (عليه السلام) وقد ذكرنا فيه ماوصل بأيدينا من الأحاديث المرويّة عنه (عليه السّلام) حول القرآن الكريم وعظمته وفضله وتفسيره وتأويله وظاهره وباطنه وناسخه ومنسوخه و آیات أحكامه والآيات النازلة في شأن أهل البيت وفضائلهم (عليهم السلام).

وسوف نلتقي بك - ان شاء الله - في الجزء الخامس والأربعين ونواصل فيه ذكر الأحاديث المرويَّة حول تفسير الآيات القرآنية.

نسأل الله تعالى التوفيق والتسديد إنّه وليُّ ذلك وهو المستعان، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرین.

محمّد کاظم القزويني

قم المقدَّسة - إيران

ص: 500

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.