مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه

اشارة

سرشناسه : بنی فضل، مرتضی، 1312 - ، شارح

عنوان و نام پديدآور : مدارک تحریر الوسیله للامام الخمینی قدس سره: کتاب الصلاه/ تالیف مرتضی بنی فضل؛ تحقیق و نشر موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی قدس سره

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1422ق. = - 1380.

شابک : 20000ریال:(ج.1)

يادداشت : عربی

یادداشت : کتابنامه

عنوان دیگر : تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

عنوان دیگر : کتاب الصلاه

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- رساله علمیه

موضوع : نماز

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله. برگزیده. شرح

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی(س)

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت30232 1380الف

رده بندی دیویی : 297/3422

شماره کتابشناسی ملی : م 81-15544

ص: 1

المجلد 1

مقدّمة التحقيق

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره و سلوكه، و هو أوثقها عُرى، و أصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العمليّ، و إصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، و ذلك على ضوء الدليلين: الاجتهاديّ و الفقاهتيّ، النابعين من الكتاب و السنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العمليّة، و نأيه عن المسائل ذات الصبغة النظريّة التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

و لئن كتب الشهيد الأوّل قدّس اللَّه نفسه الزكيّة كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» و هو سجين، فإنّ إمامنا العظيم نوّر اللَّه ضريحه قد ألّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، و لم يكن بحوزته إلّا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم لم تكن بيده المباركة إلّا هذه الكتب الثلاثة، و لكنّ نفسه العلويّة لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، و فؤاده مهبطاً للإلهام و التحديث، لامتنع وجود هذا السفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

و نظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، و ضرورة نشره على مختلف المستويات و الأصعدة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) على عاتقها نشر شروح و تعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» و من نفقتها الخاصّة.

ص: 6

و يعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، و هو شرح لمباحث الصلاة من «التحرير»، تأليف سماحة آية اللَّه الشيخ مرتضى بني فضل دام بقائه. نسأل اللَّه تعالى أن يوفّقه و إيّانا و أن يختم لنا جميعاً بالحسنى إنّه سميع الدعاء.

منهجنا في تحقيق الكتاب

اشارة

أمّا منهجنا في تحقيق الكتاب فهو كما يلي:

(1) تقويم النص و تقطيعه و تزيينه بعلامات الترقيم المناسبة و لم ندمج متن التحرير مع الشرح رغبةً في تسهيل مراجعة القراء الكرام، بل أثبتنا المتن في صدر الصفحة و ذكرنا شرحها في ذيلها. و قد اقتصرنا في عنونة المطالب على العناوين الموجودة في تحرير الوسيلة و لم نضف إليها عناوين أخرى.

(2) تخريج الآيات الكريمة و الأحاديث الشريفة، و قد اكتفينا في تخريج الأحاديث بالوسائل الحديثة لاشتمالها على الإشارة إلى المنابع الأصلية إلّا في صورة عدم تطابق الرواية المذكورة في المتن مع ما في الوسائل، حيث عزوناها إلى مصادرها الأصلية.

(3) تخريج أقوال العلماء التي نقلها المصنّف بلفظها أو ما يقاربها دون ما أشار إليها روماً للاختصار و حذراً من التطويل.

و في الختام تتقدّم المؤسسة بالشكر الجزيل و الثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب راجيةً لهم التسديد و الموفقية في خدمة ديننا الحنيف.

مؤسّسة تنظيم و نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) فرع قم المقدّسة

ص: 7

مقدّمة المؤلّف

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف خلقه أجمعين و آله الطاهرين و بعد، فيقول العبد الفقير الراجي رحمة ربّه الغني، مرتضى بني فضل ابن المرحوم المغفور له الحاجّ سيفعلي: لقد وفّقني اللَّه تعالى للبحث عن المسائل الفقهية في حضور جماعة من الفضلاء، و كان محور أبحاثي كتاب «تحرير الوسيلة» تأليف المحقّق المدقّق، جامع المعقول و المنقول، أُستاذ الأساتذة و كثير من المراجع العظام، قائد الثورة الإسلامية في إيران، الذي عجز القلم و اللسان عن ذكر أوصافه المنحصرة بشخصه بين مراجع الدين، العبد الصالح المخلص للَّه، آية اللَّه العظمى الإمام الخميني، قدّس سرّه الشريف.

و لقد جمعتُ ما وصل إليه نظري القاصر من مدارك مسائله، و اجتنبتُ التطويل محيلًا على المفصّلات، و سمّيته ب «مدارك تحرير الوسيلة» و أرجو من اللَّه تعالى أن يوفّقني لإدامة البحث و التأليف، و يجعله ذخراً ليوم فقري و فاقتي بحقّ محمّد و آله الأطهرين.

و غير خفي: أنّ كتاب «تحرير الوسيلة» أكمل و أجود ما أُلّف في بابه؛ من حيث اشتماله على جميع أبواب الفقه من الاجتهاد و التقليد و الطهارة إلى الديات،

ص: 8

مع إضافة المسائل المستحدثة التي لم تكن لها موضوعات في الأزمنة السابقة.

قال الشهيد آية اللَّه القاضي الطباطبائي (رحمه اللَّه): كنت أقترح على كبار علماء الحوزة في قم و النجف الأشرف أن يقوموا بتأليف كتاب جامع لأبواب الفقه ليكون مورداً لتحشية الأعلام و المراجع في الأزمنة الآتية، و مرجعاً لعلماء الشيعة في الاطّلاع على الفتاوى و الاحتياطات بسهولة، و أكّدت أنّ الموجود في أيدي العلماء للتحشية كتابان: «العروة الوثقى» و «وسيلة النجاة»، و كلاهما ناقص. و أجابوا (رحمهم اللَّه): بأنّ هذا الأمر المقترح من أهمّ الأُمور التي لا بدّ من الإقدام عليها، و أنّه بحاجة إلى صرف وقت طويل و ليست لنا فرصة ذلك.

قال: و مضت الأيّام حتّى لاقاني بعض أصدقائي راجعاً من زيارة مولانا أمير المؤمنين عليه آلاف التحية و السلام و كان قد جلب معه كتباً طبعت أخيراً في النجف، فكنت أُلاحظها ليلًا، عندها رأيت مجلّدين باسم «تحرير الوسيلة» و طالعتهما إلى الصبح، فوجدتهما عين ما اقترحته على زعماء الحوزة مع إضافة المسائل المستحدثة.

أقول: و قد وفّق اللَّه تعالى مؤلّفه قدّس سرّه الشريف لتأليفه في المنفي؛ أي بورسا من مدن تركيا، حيث كان محبوساً فيها و تحت المراقبة؛ لقيامه على طواغيت زمانه دفاعاً عن الإسلام.

فجزاه اللَّه أوفر الجزاء، و جعل عواقب أُمورنا خيراً، بحقّ محمّد و آله الأطيبين، آمين يا ربّ العالمين.

مرتضى بنى فضل (17) ربيع الأوّل 1422 عشّ آل محمّد قم المقدّسة

ص: 9

بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء محمّد و آله الطاهرين.

و بعد، هذه تعليقةٌ على «تحرير الوسيلة» للإمام الخميني (رحمه اللَّه) ألّفها العبد الحقير مرتضى بني فضل ابن المرحوم المغفور الحاجّ سيف علي، غفر اللَّه لهما بحقّ محمّد و آله الطاهرين.

ص: 10

ص: 11

كتاب الصلاة

ص: 12

ص: 13

كتاب الصلاة و هي التي تنهى عن الفحشاء و المنكر، و هي عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها، و إن رُدّت رُدّ ما سواها (1).

(1) الأخبار الواردة في أهمّية الصلاة متواترة معنىً، و ينبغي ذكر بعضها تيمّناً و تذكاراً:

فمنها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال

لا تتهاون بصلاتك؛ فإنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال عند موته: ليس منّي من استخفّ بصلاته، ليس منّي من شرب مسكراً، لا يرد عليّ الحوض لا و اللَّه(وسائل الشيعة 4: 23، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 6، الحديث 1.)

و منها: مرسل «الفقيه» قال: قال الصادق (عليه السّلام)

أوّل ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن قبلت قبل سائر عمله و إذا ردّت ردّ عليه سائر عمله(وسائل الشيعة 4: 34، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 10.)

و منها: ما عن أبي بصير قال: دخلت على أُمّ حميدة أُعزّيها بأبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فبكت و بكيتُ لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد لو رأيتَ أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عند الموت لرأيتَ عجباً، فتح عينيه ثمّ قال

أجمعوا كلّ من بيني و بينه قرابة

، قالت: فما

ص: 14

تركنا أحداً إلّا جمعناه، فنظر إليهم ثمّ قال

إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة(وسائل الشيعة 4: 26، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 6، الحديث 11.)

و منها: صحيح بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): ما بين المسلم و بين أن يكفر أن يترك الصلاة (إلّا ترك الصلاة) الفريضة متعمّداً، أو يتهاون بها فلا يصلّيها(وسائل الشيعة 4: 42، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 6.)

و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث عدد النوافل قال

إنّما هذا كلّه تطوّع و ليس بمفروض، إنّ تارك الفريضة كافر و إنّ تارك هذا ليس بكافر(وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 1.)

و منها: موثّق مسعدة بن صدقة قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام): ما بال الزاني لا تسمّيه كافراً و تارك الصلاة تسمّيه كافراً؟ و ما الحجّة في ذلك؟ فقال

لأنّ الزاني و ما أشبهه إنّما يفعل ذلك لمكان الشهوة؛ لأنّها تغلبه، و تارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافاً بها؛ و ذلك لأنّك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلّا و هو مستلذّ لإتيانه إيّاها قاصداً إليها، و كلّ من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذّة، فإذا نفيت اللذّة وقع الاستخفاف، و إذا وقع الاستخفاف وقع الكفر(وسائل الشيعة 4: 41، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 11، الحديث 2.)

هذه نبذة من الأخبار، و عليك بالمراجعة إلى أبواب متفرّقة من الكتب المعتبرة.

ص: 15

[فصل في مقدّمات الصلاة]

فصل في مقدّمات الصلاة و هي ستّ:

[المقدّمة الاولى: في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها]

المقدّمة الاولى: في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها

[ (مسألة 1): الصلاة واجبة و مندوبة]

(مسألة 1): الصلاة واجبة و مندوبة:

فالواجبة خمس: اليوميّة، و منها الجمعة، و كذا قضاء ولد الأكبر عن والده، و صلاة الآيات، و الطواف الواجب، و الأموات، و ما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما. و في عدّ الأخيرة في الواجب مسامحة؛ إذ الواجب هو الوفاء بالنذر و نحوه، لا عنوان الصلاة (1)


1- قد اختلفت عبارات الفقهاء في تعداد الصلوات الواجبة؛ فعدّها بعضهم و منهم المصنّف (رحمه اللَّه) خمسة، بل عدّها المصنّف (رحمه اللَّه) أربعة حيث اختار: أنّ ما التزمه المكلّف بنذر أو إجارة أو غيرهما ليس واجباً بعنوان الصلاة؛ لأنّ الواجب هو الوفاء بالنذر لا الصلاة في نفسها. و بعضهم عدّها سبعة؛ و منهم الشهيد (رحمه اللَّه) في «اللمعة» و غيرها، قال: الواجب سبع: اليومية و الجمعة و العيدان و الآيات و الطواف و الأموات و الملتزم بنذر و شبهه. و عدّها المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و العلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و «المنتهي» تسعة بجعل الجمعة قسماً مستقلا لا داخلةً في اليومية، و كذا الكسوف و الزلزلة جعلا مقابلين للآيات لا داخلين فيها. فاختلاف الفقهاء في تعدادها إنّما هو باعتبار دخول بعضها في بعض أو خروجه عنه. و كيف كان: فالواجب بأصل الشرع خمس: اليومية، و منها الجمعة، و الآيات، و الطواف الواجب، و الأموات، و قضاء الولد الأكبر عن والديه. أمّا الملتزم بالنذر و أخويه أو بالشرط في ضمن العقد اللازم أو بالإجارة و نحوها فليس واجباً بأصل الشرع؛ فمن نذر صلاة الليل مثلًا يجب عليه الوفاء بالنذر بإتيان صلاة الليل بنية الندب. فالواجب في أصل الشرع هي الصلوات المذكورة، و غيرها ليس واجباً إجماعاً. و أمّا صلاة العيدين فهي واجبة في زمان حضور الإمام المعصوم (عليه السّلام) و بسط يده و مستحبّة في زمان الغيبة. و ما في «المستمسك» من أنّ عدم تعرّض المصنّف (رحمه اللَّه) لذكر العيدين لعلّه لبنائه على دخولها في اليومية كالجمعة، بعيد جدّاً لا يحتمل إرادة دخولها في اليومية كي يحتاج إلى التوجيه و الجواب، كما ارتكبه في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 5: 6.)، فراجع. و قد أدرج العلّامة المحقّق المدقّق الشيخ هادي الطهراني (قدّس سرّه) في كتاب الصلاة كلّ الصلوات الواجبة في اليومية حتّى العيدين و الآيات إلّا صلاة الأموات، و قال: نعم صلاة الأموات نوع و ذات الركوع و السجود نوع آخر. و فيه: أنّ المتبادر في عرف المتشرّعة من اليومية هي الخمسة المعهودة: الصبح و الظهران و العشاءان. ثمّ إنّ كون الفرائض اليومية خمسة معهودة بكيفية خاصّة من الركعات إجماعي من الفريقين، بل من ضروريات الدين.

ص: 16

ص: 17

و المندوبة أكثر من أن تحصى؛ منها الرواتب اليوميّة: و هي ثمان ركعات للظهر قبله، و ثمانٍ للعصر قبله، و أربع للمغرب بعده، و ركعتان من جلوس للعشاء بعده تُعدّان بركعة، تُسمّى بالوتيرة، و يمتدّ وقتها بامتداد وقت صاحبها، و ركعتان للفجر قبل الفريضة، و وقتهما الفجر الأوّل، و يمتدّ إلى أن يبقى من طلوع الحمرة مقدار أداء الفريضة، و يجوز دسّهما في صلاة الليل قبل الفجر و لو عند نصف الليل، بل لا يبعد أن يكون وقتهما بعد مقدار إتيان صلاة الليل من انتصافها، و لكن الأحوط عدم الإتيان بهما قبل الفجر الأوّل إلّا بالدسّ في صلاة الليل (1)،


1- النوافل الرواتب اليومية أربع و ثلاثون ركعة ضعف الفرائض اليومية، و مجموع الفرائض و الرواتب اليومية إحدى و خمسون ركعة إجماعاً من أصحابنا؛ ففي صحيح فضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة؛ منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة و هو قائم، الفريضة منها سبع عشرة، و النافلة أربع و ثلاثون ركعة(وسائل الشيعة 4: 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 3.). و يدلّ على كون النوافل الرواتب اليومية أربعاً و ثلاثين ركعة الأخبار المستفيضة: منها: رواية البزنطي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): إنّ أصحابنا يختلفون في صلاة التطوّع؛ بعضهم يصلّي أربعاً و أربعين، و بعضهم يصلّي خمسين، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو حتّى أعمل بمثله؟ فقال أُصلّي واحدة و خمسين ركعة ، ثمّ قال أمسك و عقد بيده الزوال ثمانية، و أربعاً بعد الظهر، و أربعاً قبل العصر، و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين قبل العشاء الآخرة، و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام، و ثمان صلاة الليل، و الوتر ثلاثاً، و ركعتي الفجر، و الفرائض سبع عشرة، فذلك إحدى و خمسون(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 7.). و ما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) في «عيون الأخبار» عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و الصلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، و العصر أربع ركعات، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء الآخرة أربع ركعات، و الغداة ركعتان، هذه سبع عشرة ركعة. و السنّة أربع و ثلاثون ركعة؛ ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، و ثمان ركعات قبل فريضة العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان من جلوس بعد العتمة تعدّان بركعة، و ثمان ركعات في السحر، و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلم بعد الركعتين و ركعتا الفجر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.). و ما رواه في «الخصال» بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال و صلاة الفريضة: الظهر أربع ركعات، و العصر أربع ركعات، و المغرب ثلاث ركعات، و العشاء الآخرة أربع ركعات، و الفجر ركعتان؛ فجملة الصلاة المفروضة سبع عشرة ركعة. و السنّة أربع و ثلاثون ركعة، منها: أربع ركعات بعد المغرب لا تقصير فيها في السفر و الحضر، و ركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدّان بركعة و ثمان ركعات في السحر؛ و هي صلاة الليل، و الشفع ركعتان، و الوتر ركعة، و ركعتا الفجر بعد الوتر، و ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر، و الصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات(وسائل الشيعة 4: 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 25.). و أمّا ما ورد في بعض الروايات من أنّ نافلة العصر أربع ركعات و نافلة المغرب ركعتان، فمحمول على التقية؛ ففي صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ما جرت به السنّة في الصلاة؟ فقال ثمان ركعات الزوال، و ركعتان بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و ركعتان بعد المغرب، و ثلاث عشرة ركعة من آخر الليل؛ منها الوتر، و ركعتا الفجر ، قلت: فهذا جميع ما جرت به السنّة؟ قال نعم.(وسائل الشيعة 4: 59، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 14، الحديث 3.) الحديث. قال في «الوسائل»: المراد بالسنّة هنا الاستحباب المؤكّد لما تقدّم، و تكون الزيادة السابقة مستحبّة غير مؤكّدة كتأكيد هذا العدد، انتهى. و قال صاحب «المدارك»: و لا تنافي بين هذه الروايات؛ إذ لا دلالة فيما تضمّن الأقلّ على نفي استحباب الزائد، و إنّما تدلّ على أنّ ذلك العدد آكد استحباباً من غيره. و ربّما كان في قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن سنان لا تصلّ أقلّ من أربع و أربعين إشعار باستحباب الزائد(مدارك الأحكام 3: 12.)، انتهى. و ما دلّ على أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان لا يصلّي بعد العشاء شيئاً حتّى ينتصف الليل مطروح للإجماع على خلافه؛ ففي صحيح زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا صلّى العشاء آوى إلى فراشه و لم يصلّ شيئاً حتّى ينتصف الليل(وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 43، الحديث 1.) ، و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا صلّى العشاء الآخرة آوى فراشه فلا يصلّي شيئاً إلّا بعد انتصاف الليل؛ لا في شهر رمضان و لا غيره(وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 43، الحديث 4.). و في «الجواهر» بعد أن ادّعى الإجماع و استفاضة الأخبار على كون النوافل أربعاً و ثلاثين ركعة قال: و على هذا استقرّ عمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد؛ فلا يصغي حينئذٍ بعد ذلك إلى ما عارضها و إن صحّ سندها(جواهر الكلام 7: 16.)، انتهى. بقي الكلام في مقامين: أحدهما: أنّ الوتيرة هل يجوز إتيانها قائماً، أو يعتبر فيه الجلوس؟ الثاني: هل يجوز إتيان نافلة الصبح قبل الفجر أو يختص ببعده؟ و متى وقته؟ أمّا المقام الأوّل فنقول: ذهب جماعة من فقهائنا كالشهيدين و المحقّق الثاني و الأردبيلي و السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها إلى أنّه يجوز إتيان الوتيرة جالساً أو قائماً، و القيام هو الأفضل. و استدلّ له بصحيح حارث بن المغيرة النصري قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول صلاة النهار ستّ عشرة ركعة؛ ثمان إذا زالت الشمس، و ثمان بعد الظهر، و أربع ركعات بعد المغرب، يا حارث لا تدعهنّ في سفر و لا حضر، و ركعتان بعد العشاء الآخرة، كان أبي يصلّيهما و هو قاعد و أنا أُصلّيهما و أنا قائم، و كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يصلّي ثلاث عشرة ركعة من الليل(وسائل الشيعة 4: 48، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 9.). لا يخفى: أنّ هذه الرواية صحيحة من طريق الشيخ في «التهذيب» نقلها عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن علي بن النعمان عن حارث بن المغيرة، و أمّا عن طريق الكليني فقد وقع فيه علي بن حديد بن حكيم المدائني قد وثّقه ابن قولويه و القمي، و ضعّفه الشيخ (رحمه اللَّه)، و قال بضعفه السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في «معجمة»(معجم رجال الحديث 11: 302.). و كذا استدلّ له بموثّق سليمان بن خالد بن دهقان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، و ستّ ركعات بعد الظهر، و ركعتان قبل العصر، و أربع ركعات بعد المغرب، و ركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائماً أو قاعداً، و القيام أفضل، و لا تعدّهما من الخمسين.(وسائل الشيعة 4: 51، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 16.) الخبر. و قد يؤيّد هذا القول بأنّ الباقر (عليه السّلام) كان يصلّي النوافل كلّها و منها الوتيرة قاعداً؛ لكونه ثقيل البدن و كثير السنّ يشقّ عليه القيام، كما ورد في موثّق حنّان بن سدير الصيرفي عن أبيه قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أ تصلّي النوافل و أنت قاعد؟ فقال ما أُصلّيها إلّا و أنا قاعد منذ حملتُ هذا اللحم و ما بلغت هذا السنّ(وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 4، الحديث 1.). أقول: حنّان واقفي موثّق، و أبوه سدير الصيرفي ممّن دعاه أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في خلاصه من السجن، قال في «جامع الرواة» عن زيد الشحّام قال: إنّي لأطوف حول الكعبة و كفّي في كفّ أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال و دموعه تجري على خدّيه- يا شحّام ما رأيت ما صنع ربّي إليّ ، ثمّ بكى و دعا، ثمّ قال يا شحّام إنّي طلبت إلى إلهي في سدير و عبد السلام بن عبد الرحمن و كانا في السجن، فوهبهما لي و خلّى سبيلهما ، و هذا حديث معتبر يدلّ على علوّ رتبتهما(جامع الرواة 1: 350.)، انتهى. و هذا النقل يدلّ على مدح سدير، و قد شهد بوثاقته ابن قولويه و علي بن إبراهيم صاحب «التفسير». و الجواب عن هذا القول: أنّه قد قيّدت الوتيرة في عدّة من الروايات بكونها جلوساً و قعوداً، كما في صحيح فضيل بن يسار منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّ بركعة(وسائل الشيعة 4: 45، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 2.) ، و صحيح آخر لفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة و هو قائم.(وسائل الشيعة 4: 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 3.) الخبر، و رواية البزنطي المتقدّمة و ركعتين بعد العشاء من قعود تعدّان بركعة من قيام(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 7.) ، و غيرهما من روايات الباب. فالركعتان قائماً بعد العشاء الآخرة مع كون القيام أفضل غير الوتيرة. و قد ورد أنّه (عليه السّلام) كان يصلّي ركعتين بعد العشاء قائماً و ركعتين جالساً، كما في صحيح الحجّال عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: كان أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) يصلّي ركعتين بعد العشاء يقرأ فيهما بمائة آية و لا يحتسب بهما، و ركعتين و هو جالس يقرأ فيهما بقل هو اللَّه و قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 4: 253، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44، الحديث 15.). الخبر. و أمّا صحيح حارث بن المغيرة المتقدّم فالركعتان قائماً فيه غير الوتيرة بقرينة الروايات المقيّدة فيها الوتيرة بالجلوس؛ خصوصاً صحيح الحجّال قد صرّح فيه بأنّ الركعتين المقروّة فيهما مائة آية غير الركعتين جالساً، فالأظهر من الروايات المذكورة: أنّ الوتيرة مشروطة بالجلوس لا يجوز فيها القيام. و موثّق سليمان بن خالد المتقدّم لا دلالة فيها على أنّ الركعتين بعد العشاء المقروّة فيهما مائة آية بعد الحمد وتيرة، بل يمكن أن يدّعى أنّ فيها دلالة على أنّهما غير الوتيرة بقرينة قوله (عليه السّلام) و لا تعدّهما من الخمسين ، هذا كلّه مضافاً إلى أنّه لو كانت الوتيرة عبارة عن هاتين الركعتين مع أفضلية القيام فيهما لما قيّدت في عدّة من الروايات بالجلوس و القعود. و أمّا المقام الثاني: فعن بعض فقهائنا: أنّ وقت ركعتي الفجر يدخل بطلوع الفجر الأوّل و أنّهما خارجتان عن صلاة الليل، نسب هذا القول إلى السيّد المرتضى و الشيخ و المحقّق و العلّامة في بعض كتبه. و نسب إلى المشهور أنّ وقتهما بعد الفراغ عن صلاة الليل قبل الفجر. و عن العلّامة في «التذكرة»: أنّ الأقوى جواز فعلهما بعد صلاة الليل و استحباب تأخيرها إلى طلوع الفجر جمعاً بين الأدلّة(تذكرة الفقهاء 2: 319.)، انتهى. و ينبغي لنا ذكر بعض الروايات: منها: صحيح البزنطي قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن ركعتي الفجر، فقال احشوا بهما صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 1.) ، و دلالته على جواز إتيان ركعتي الفجر قبل الفجر صريحة. و بعضها يدلّ على أنّ وقتهما قبل الفجر، كصحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الركعتان اللتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 7.). و في بعضها دلالة على أنّهما من صلاة الليل، كصحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 3.) ، و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: ركعتا الفجر من صلاة الليل هي؟ قال نعم(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 4.). و في بعض الروايات دلالة على أنّ وقتها قبل الفجر و أنّ الأمر بإتيانها بعده للتقية، كما في رواية أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): متى أُصلّي ركعتي الفجر؟ قال: فقال لي بعد طلوع الفجر ، قلت له: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) أمرني أن أُصلّيها قبل طلوع الفجر، فقال يا أبا محمّد إنّ الشيعة أتوا أبي مسترشدين فأفتاهم بمرّ الحقّ، و أتوني شكّاكاً فأفتيتهم بالتقية(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 2.). و في «وسائل الشيعة»: يعني أنّ عدم جواز تقديم ركعتي الفجر إنّما حكموا به للتقية لا جواز التأخير. و في بعض الروايات دلالة على أنّ وقتهما بعد طلوع الفجر، كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّهما بعد ما يطلع الفجر(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 5.) ، و صحيح يعقوب بن سالم البزّاز قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّهما بعد الفجر، و اقرأ فيهما في الأُولى قل يا أيّها الكافرون و في الثانية قل هو اللَّه أحد(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 6.). و في بعض الروايات دلالة على جواز إتيانها قبل الفجر و عنده و بعده، كصحيح محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول صلّ ركعتي الفجر قبل الفجر و بعده و عنده(وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 52، الحديث 1.). و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ركعتي الفجر متى أُصلّيهما؟ فقال قبل الفجر و معه و بعده(وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 52، الحديث 2.) ، و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن ركعتي الفجر؟ قال صلّهما قبل الفجر و مع الفجر و بعد الفجر(وسائل الشيعة 4: 268، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 52، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لا كلام و لا خلاف في جواز إتيان ركعتي الفجر قبل الفجر مع دسّهما في صلاة الليل؛ لصحيح البزنطي المتقدّم قال (عليه السّلام) احشوا بهما صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 1.). و صحيح آخر قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): و ركعتي الفجر أُصلّيهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قال أبو جعفر (عليه السّلام): احش بهما صلاة الليل و صلّهما قبل الفجر(وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 6.). و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدّم قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعده؟ فقال قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 3.). و كذا لا كلام و لا إشكال في جواز إتيانهما بعد طلوع الفجر؛ لصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّم قال صلّهما بعد ما يطلع الفجر(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 5.). و صحيح يعقوب بن سالم البزّاز المتقدّم قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّهما بعد الفجر(وسائل الشيعة 4: 267، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 6.). و إنّما الكلام و الإشكال في جواز إتيانهما قبل الفجر من غير دسّ في صلاة الليل، فهل يجوز إتيانهما بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر مجرّداً عن صلاة الليل، أو بفصل كثير بينهما و بين صلاة الليل؟ فنقول: إنّه لا دليل على جواز إتيانهما قبل طلوع الفجر من غير دسّ في صلاة الليل، و لا يجوز التمسّك في جوازه بإطلاق مثل صحيح زرارة المتقدّم فقال قبل طلوع الفجر، فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة(وسائل الشيعة 4: 265، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 7.) ؛ لتقييده بالأخبار الدالّة على جواز تقديمهما على طلوع الفجر دسّاً في صلاة الليل، و بهذا الاعتبار تعدّان من صلاة الليل، كما هو صريح صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل ، و لا دليل آخر يدلّ على جواز إتيانهما مستقلا قبل طلوع الفجر؛ فانحصر دليل جواز تقديمهما على طلوع الفجر في صورة الدسّ في صلاة الليل؛ و حينئذٍ فيبقى دليل توقيتهما ببعد طلوع الفجر كصحيحي عبد الرحمن بن الحجّاج و يعقوب بن سالم المتقدّمين سالماً عن المعارض. و لا دليل على حمل هذين الصحيحين على التقية؛ لعدم المعارضة. نعم رواية أبي بصير المتقدّمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) تدلّ على التقية، و لكنّها ضعيفة سنداً بعلي ابن أبي حمزة البطائني. و يجوز إتيانهما قبل طلوع الفجر بقليل؛ لصحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الركعتين قبل الفجر، قال تركعهما حين تنزل (تترك) الغداة، إنّهما قبل الغداة(وسائل الشيعة 4: 266، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51، الحديث 2.). و السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) على ما في تقريرات بحثه(التنقيح في شرح العروة الوثقى، الصلاة 1: 365.) استدلّ على جواز إتيانهما قبيل الفجر بصحيحي زرارة المتقدّمين عن أبي جعفر (عليه السّلام). و فيه أوّلًا: أنّ الصحيحين إنّما يدلّان على جواز إتيانهما قبل الفجر، و أمّا القبلية بقليل فلا دلالة فيهما عليها كما لا يخفى. و ثانياً: أنّ الصحيح الأوّل صريح في جواز إتيانهما قبل طلوع الفجر دسّاً في صلاة الليل بما أنّهما منها، و هو ممّا لا إشكال فيه.

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

ص: 26

ص: 27

و إحدى عشرة ركعة نافلة الليل؛ صلاة الليل ثمان ركعات، ثمّ ركعتا الشفع، ثمّ ركعة الوتر (1)،


1- (3) الأخبار في كون صلاة الليل ثمان ركعات في حدّ الاستفاضة: منها: موثّق حنّان بن سدير الصيرفي سماعاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و ثمان صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 6.) ، و كذا رواية البزنطي عن أبي الحسن (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 7.)، و موثّق سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و ثمان ركعات من آخر الليل(وسائل الشيعة 4: 51، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 16.) ، و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) و ثمان ركعات في السحر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا ركعتا الشفع و الوتر فيدلّ على كونهما من نوافل الليل الأخبار فوق حدّ الاستفاضة؛ فقد عبّر عنهما في بعض الروايات بالوتر و أنّه ثلاث ركعات، كما في موثّق حنّان بن سدير المتقدّم و ثلاثاً الوتر ، و رواية البزنطي المتقدّمة و الوتر ثلاثاً ، و موثّق سليمان بن خالد المتقدّم ثمّ الوتر ثلاث ركعات. و عبّر في بعضها بالشفع و الوتر، كرواية الفضل بن شاذان و الشفع و الوتر ثلاث ركعات تسلّم بعد الركعتين ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 28

و هي مع الشفع أفضل صلاة الليل (1)، و ركعتا الفجر أفضل منهما (2)،


1- لصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يقوم من آخر الليل و هو يخشى أن يفجأه الصبح، يبدأ بالوتر أو يصلّي الصلاة على وجهها حتّى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال بل يبدأ بالوتر ، و قال أنا كنت فاعلًا ذلك(وسائل الشيعة 4: 257، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 2.). و صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح و يوتر و يصلّي ركعتي الفجر و يكتب له بصلاة الليل؟!(وسائل الشيعة 4: 258، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 3.). و رواية علي بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و أنا أتخوّف الفجر، قال فأوتر ، قلت: فأنظر فإذن عليّ ليلٌ، قال فصلّ صلاة الليل(وسائل الشيعة 4: 259، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 8.). و رواية يعقوب بن سالم البزّاز قلت له: أقوم قبل طلوع الفجر بقليل فأُصلّي أربع ركعات ثمّ أتخوّف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟ فقال لا، بل أوتر و أخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار(وسائل الشيعة 4: 260، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 47، الحديث 2.). و لا يخفى: أنّ الاستدلال بهذه الروايات مبني على أنّ المراد من الوتر هو الشفع و الوتر كلاهما، و قد أُطلق عليهما في بعض الروايات.
2- يمكن استفادة هذا من صحيح إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ قال لا(وسائل الشيعة 4: 259، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 6.) ، حيث إنّ نفي الوتر بعد ما يطلع الفجر لأفضلية ركعتي الفجر في ذلك الوقت. و صحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون في بيته و هو يصلّي و هو يرى أنّ عليه ليلًا، ثمّ يدخل عليه الآخر من الباب فقال: قد أصبحت، هل يصلّي الوتر أم لا، أو يعيد شيئاً من صلاته؟ قال يعيد إن صلّاها مُصبحاً(وسائل الشيعة 4: 259، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 46، الحديث 7.) ، حيث إنّه (عليه السّلام) لم يُجز له أن يصلّي الوتر؛ لأفضلية ركعتي الفجر حين أصبح الرجل. نعم قد وردت جملة من الروايات تدلّ على جواز إتيان الوتر بعد الفجر دون ركعتي الفجر، كما في صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال صلّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمّد ذلك في كلّ ليلة ، و قال أوتر أيضاً بعد فراغك منها(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 1.). و صحيح سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ربّما قمتُ و قد طلع الفجر فأُصلّي صلاة الليل و الوتر و الركعتين قبل الفجر ثمّ أُصلّي الفجر ، قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال نعم، و لا يكن منك عادة(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 3.). و صحيح آخر لعمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أوّل وقتها، و إن بدأت بصلاة الليل و الوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء، فقال ابدأ بصلاة الليل و الوتر، و لا تجعل ذلك عادة(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 5.). و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر و لم أُصلّ صلاة الليل، قال صلّ صلاة الليل و أوتر و صلّ ركعتي الفجر(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 6.). و لا يخفى: أنّ أكثر هذه الأخبار يدلّ على تقديم صلاة الليل و الوتر على ركعتي الفجر لا مطلقاً؛ و لذا نهى (عليه السّلام) عن جعل ذلك عادة. و على سبيل التسليم على تقديمهما عليهما يحكم بالتخيير بين فعل صلاة الليل و الوتر و بين ركعتي الفجر بعد طلوع الفجر؛ جمعاً بين الفريقين المذكورين من الأخبار. و عن المحقّق في «المعتبر»: أنّ اختلاف الفتوى دليل التخيير(المعتبر 2: 60.).

ص: 29

ص: 30

و يجوز الاقتصار على الشفع و الوتر، بل على الوتر خاصّة عند ضيق الوقت، و في غيره يأتي به رجاءً (1)، و وقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق (2)،


1- و يدلّ عليه رواية يعقوب البزّاز قال: قلت له: أقوم قبل طلوع الفجر بقليلٍ فأُصلّي أربع ركعات ثمّ أتخوّف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتمّ الركعات؟ فقال لا، بل أوتر و أخّر الركعات حتّى تقضيها في صدر النهار(وسائل الشيعة 4: 260، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 47، الحديث 2.) ، و حيث إنّ الوتر قد أُطلق في الروايات على الشفع و الوتر كليهما و على خصوص الوتر مقابل الشفع، فجاز إرادة كليهما أو خصوص الوتر من قوله: «أوتر» في الرواية.
2- و يدلّ عليه قبل الإجماع مرسل «الفقيه» عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره(وسائل الشيعة 4: 248، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 43، الحديث 2.). و موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّما على أحدكم إذا انتصف الليل أن يقوم فيصلّي صلاته جملة واحدة ثلاث عشر ركعة، ثمّ إن شاء جلس فدعا و إن شاء نام و إن شاء ذهب حيث يشاء(وسائل الشيعة 6: 495، كتاب الصلاة، أبواب التعقيب، الباب 35، الحديث 2.). نعم يجوز إتيان صلاة الليل قبل نصفها للمسافر و لمن له العذر. و يدلّ عليه صحيح ليث المرادي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الصيف في الليالي القصار صلاة الليل في أوّل الليل؟ فقال نعم، نِعمَ ما رأيت، و نِعمَ ما صنعت ؛ يعني في السفر، قال: و سألته عن الرجل يخاف الجنابة في السفر أو في البرد فيجعل صلاة الليل و الوتر في أوّل الليل، فقال نعم(وسائل الشيعة 4: 249، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44، الحديث 1.). و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن خشيتَ أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علّة أو أصابك بردٌ فصلّ و أوتر في أوّل الليل في السفر(وسائل الشيعة 4: 250، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب.

ص: 31

و السحر أفضل من غيره، و الثلث الأخير من الليل كلّه سحر (1)،


1- و يدلّ على أفضلية السحر من غيره قوله تعالى في توصيف العباد وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ(آل عمران( 3): 17.)، و في توصيف المتّقين وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(الذاريات( 51): 18.). و في بعض الروايات وقّتها بالسحر كما في رواية الفضل بن شاذان و ثمان ركعات في السحر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.). و قد ورد في بعض الأخبار: أنّ أفضل ساعات الليل هو الثلث الآخر، كما في صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن ساعات الوتر، قال أحبّها إليّ الفجر الأوّل. و سألته عن أفضل ساعات الليل، قال الثلث الباقي(وسائل الشيعة 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 54، الحديث 4.) ، و في بعض الروايات بعد ثلث الليل، كما في ذيل صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام). ثمّ قال لقد كان لكم في رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أُسوة حسنة ، قلت: متى كان يقوم؟ قال بعد ثلث الليل(وسائل الشيعة 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 2.). و ورد في بعض الأخبار: أنّ وقت صلاة الليل آخر الليل، كما في موثّق سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و ثمان ركعات من آخر الليل(وسائل الشيعة 4: 51، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 16.) ، و موثّق عبد اللَّه بن بكير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ما كان يحمد (يجهد) الرجل أن يقوم من آخر الليل فيصلّي صلاته ضربة واحدة ثمّ ينام و يذهب(وسائل الشيعة 4: 271، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 5.) ، و صحيح مرازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: متى أُصلّي صلاة الليل؟ قال صلّها في آخر الليل(وسائل الشيعة 4: 272، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 54، الحديث 3.).

ص: 32

و أفضله القريب من الفجر (1)،


1- و ذلك لكون القريب من الفجر آخر الليل.

ص: 33

و أفضل منه التفريق كما كان يصنعه النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) (1)،


1- و كان (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يفرّق صلاة الليل أربعاً و أربعاً و ثلاثاً. كما في صحيح معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول و ذكر صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال كان يؤتى بطهور فيخمّر عند رأسه و يوضع سواكه تحت فراشه ثمّ ينام ما شاء اللَّه، فإذا استيقظ جلس ثمّ قلّب بصره في السماء ثمّ تلا الآيات من آل عمران إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ. الآيات، ثمّ يستنّ و يتطهّر، ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءة ركوعه و سجوده على قدر ركوعه؛ يركع حتّى يقال: متى يرفع رأسه؟! و يسجد حتّى يقال: متى يرفع رأسه؟! ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللَّه. ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران، و يقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد و يصلّي الأربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللَّه. ثمّ يستيقظ و يجلس و يتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السماء ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيوتر و يصلّي الركعتين، ثمّ يخرج إلى الصلاة(وسائل الشيعة 4: 269، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 1.). و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان إذا صلّى العشاء الآخرة أمر بوضوئه و سواكه فوضع عند رأسه مخمّراً فيرقد ما شاء اللَّه، ثمّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد ثمّ يقوم فيستاك و يتوضّأ و يصلّي أربع ركعات، ثمّ يرقد؛ حتّى إذا كان في وجه الصبح قام فأوتر ثمّ صلّى الركعتين ، ثمّ قال لقد كان لكم في رسول اللَّه أُسوة حسنة ، قلت: متى يقوم؟ قال بعد ثلث الليل(وسائل الشيعة 4: 270، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 53، الحديث 2.).

ص: 34

فعدد النوافل بعد عدّ الوتيرة ركعة أربع و ثلاثون ركعة ضعف عدد الفرائض (1)، و تسقط في السفر الموجب للقصر ثمانيةُ الظهر و ثمانيةُ العصر (2)، و تثبت البواقي (3)،


1- قد تقدّم في أوائل هذه المسألة: أنّ الأخبار الدالّة على كون الرواتب اليومية أربعاً و ثلاثين ركعة ضعف الفرائض فوق حدّ الاستفاضة، فراجع.
2- و يدلّ على سقوط ثمانية الظهر و ثمانية العصر في السفر قبل الإجماع صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر، قال لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً(وسائل الشيعة 4: 81، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 1.). و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث(وسائل الشيعة 4: 82، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 3.). و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب؛ فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر.(وسائل الشيعة 4: 83، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 7.) الخبر.
3- و يدلّ على ثبوت نافلة المغرب في السفر كالحضر ذيل صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تدعهنّ في سفر و لا حضر. و صحيح الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهنّ في حضر و لا سفر(وسائل الشيعة 4: 86، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 24، الحديث 1.). و يدلّ على ثبوت صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر صحيح الحارث بن المغيرة في حديث قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة بالليل في سفر و لا حضر(وسائل الشيعة 4: 90، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 25، الحديث 1.). و موثّق زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يصلّي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر و ركعتا الفجر في السفر و الحضر(وسائل الشيعة 4: 91، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 25، الحديث 6.).

ص: 35

و الأحوط الإتيان بالوُتَيرة رجاءً (1).


1- اختلف فقهاؤنا في سقوط الوتيرة في السفر و عدمه على قولين؛ فقال جماعة كثيرة بالسقوط، و حكى غير واحد أنّه المشهور، و في «الرياض»: أنّها شهرة كادت تكون إجماعاً، و صرّح في «السرائر» بأنّه إجماعي، و عن «المنتهي» نسبته إلى علمائنا. و استدلّ عليه بإطلاق بعض النصوص، كصحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث ، حيث إنّه (عليه السّلام) نفى كلّ نافلة و منها الوتيرة بعد ركعتي العشاء في السفر. و صحيح أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب؛ فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر. الخبر. و خبر أبي يحيى الحنّاط إمامي مجهول قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر، فقال يا بنيّ لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة(وسائل الشيعة 4: 82، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 4.). و قال جماعة بعدم سقوطها، و نسب هذا القول إلى الصدوق في «الفقيه» و «العلل» و «العيون» و الشيخ في «النهاية» و أبي العبّاس في «المهذّب». و في «الجواهر»: بل عن «الخلاف»: لا تسقط عن المسافر نوافل الليل إجماعاً، بل عن «الأمالي»: من دين الإمامية أنّه لا يسقط من نوافل الليل شي ء، و قوّاه الشهيدان في «الذكرى» و «الروضة»، بل مال إليه في «الذخيرة»، و استجوده في «المدارك»(جواهر الكلام 7: 48.)، انتهى. و استدلّ عليه برواية الفضل عن الرضا (عليه السّلام) قد رواها في «الفقيه» عن عبد الواحد بن عبدوس النيسابوري العطّار عن علي بن محمّد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث قال و إنّما صارت العتمة مقصورة، و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها)؛ لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع(وسائل الشيعة 4: 95، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، الحديث 3.). و عبد الواحد في سند الرواية من مشايخ الصدوق (رحمه اللَّه) المعتبرين و هو ثقة عنده (رحمه اللَّه)، و علي بن محمّد بن قتيبة من مشايخ الكشّي قد اعتمد عليه في «رجاله» و كذا اعتمد عليه العلّامة (رحمه اللَّه) في «الخلاصة». و لا يخفى: أنّ إطلاق النصوص الدالّة على سقوط النوافل إلّا نافلة المغرب مقيّدة بالنهار فلا يشمل الوتيرة. بل قد يقال: إنّ الوتيرة ليست نافلة للعشاء، بل هي نافلة مستقلّة وقتها بعد العشاء، وضعها الشارع بدلًا عن الوتر، و بها يتدارك الوتر بالنسبة إلى من لم يدرك الوتر في وقته، أو هي لإكمال العدد كما نطقت به بعض الأخبار: ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يبيتنّ إلّا بوتر ، قال: قلت: تعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال نعم، إنّهما بركعة؛ فمن صلّاهما (ها) ثمّ حدثت به حدث مات على وتر، فإن لم يحدث به حدث الموت يصلّي الوتر في آخر الليل ، فقلت: هل صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) هاتين الركعتين؟ قال لا ، قلت: و لِمَ؟ قال لأنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يأتيه الوحي و كان يعلم أنّه هل يموت في تلك (هذه) الليلة أم لا، و غيره لا يعلم؛ فمن أجل ذلك لم يصلّهما و أمر بهما(وسائل الشيعة 4: 96، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، الحديث 8.). و صحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الفريضة و النافلة إحدى و خمسون ركعة: منها ركعتان بعد العتمة جالساً تعدّان بركعة و هو قائم، الفريضة منها سبع عشرة، و النافلة أربع و ثلاثون ركعة(وسائل الشيعة 4: 46، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 3.). إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لو ثبت الشهرة على سقوط الوتيرة في السفر فهو، و إلّا فالمسألة مشكلة جدّاً، و الأحوط إتيانها رجاءً.

ص: 36

ص: 37

ص: 38

[ (مسألة 2): الأقوى ثبوت استحباب صلاة الغفيلة]

(مسألة 2): الأقوى ثبوت استحباب صلاة الغفيلة، و ليست من الرواتب، و هي ركعتان بين صلاة المغرب و سقوط الشفق الغربي على الأقوى، يقرأ في الأُولى بعد الحمد وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية بعد الحمد وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ، فإذا فرغ رفع يديه و قال: «اللّهُمَّ إنّي أسألك بمفاتِح الغيبِ التي لا يَعلمُها إلّا أنتَ أن تُصلّيَ على مُحمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ و أن تفعلَ بي كذا و كذا»، فيدعو بما أراد، ثمّ قال: «اللّهُمَّ أنتَ وليُّ نعمتِي و القادِرُ على طلِبتي تَعلَمُ حاجتي فأسألُكَ بحقّ محمَّدٍ و آلِ محمّدٍ عليهِ و عليهِم السَّلامُ لمَّا قضيتَها لي»، و سأل اللَّه حاجته، أعطاه اللَّه عزّ و جلّ ما سأله إن شاء اللَّه (1).


1- و في «الحدائق»: و تسمّى ركعتي الغفيلة و ركعتي الغفلة و ركعتي ساعة الغفلة(الحدائق الناضرة 6: 68.) انتهى. قيل في وجه تسمية الغفيلة: إنّ المصلّين كان ديدنهم في عصر النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الفصل بين العشاءين بساعة يفعلون فيها ما يشاؤون من أُمورهم العادية من الأكل و الشرب و غيرهما، فلأجل اشتغالهم بأُمور الدنيا فيها و غفلتهم عن ذكر اللَّه سمّيت تلك الساعة ساعة الغفلة. و روى الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه» مرسلًا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تنفّلوا في ساعة الغفلة و لو بركعتين خفيفتين؛ فإنّهما تورثان دار الكرامة. قال: و في خبر آخر دار السلام ؛ و هي الجنّة، و ساعة الغفلة ما بين المغرب و العشاء الآخرة(الفقيه 1: 357/ 1564، وسائل الشيعة 8: 120، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 20، الحديث 1.) و صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بعد نقله هذه الرواية عن الشيخ في «التهذيب» بسنده عن وهب أو السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال: و روى هذه الرواية أيضاً ابن طاوس في كتاب «فلاح السائل» و زاد: قيل: يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): و ما معنى خفيفتين؟ قال تقرأ فيهما الحمد وحدها ، قيل يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): فمتى أُصلّيها؟ قال ما بين المغرب و العشاء(الحدائق الناضرة 6: 69.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الرواية المذكورة لا تدلّ على أنّ المراد من الركعتين الخفيفتين بين العشاءين خصوص صلاة الغفيلة؛ لاحتمال أن يكون المراد منهما أقلّ ما يكتفى به في نافلة المغرب؛ تأكيداً لإتيانها و لو بالاكتفاء على ركعتين خفيفتين؛ بأن يقرأ فيهما الحمد فقط من دون قراءة السورة. و يؤيّد هذا الاحتمال التعبير بكلمة «لو» الوصلية في الرواية. و توهّم أنّ الركعتين اللتين يكتفى فيهما بالحمد وحدها الواقعتين بين العشاءين هما الغفيلة دون نافلة المغرب، مدفوع بأنّ النوافل كلّها يجوز الاقتصار فيها على الحمد في السعة و الضيق. و يدلّ عليه صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 130، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 55، الحديث 1.) ، المراد من قضاء الصلاة فعلها، كما في قوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ(الجمعة( 62): 10.) لا القضاء المصطلح. و بالجملة: لا تثبت برواية الصدوق (رحمه اللَّه) مشروعية صلاة الغفيلة فضلًا عن استحبابها نعم يمكن الاستدلال عليها بما رواه الشيخ في «مصباح المتهجّد» عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى بين العشاءين ركعتين يقرأ في الأُولى الحمد و وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً. إلى قوله وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و في الثانية الحمد و قوله وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ. إلى آخر الآية، فإذا فرغ من القراءة رفع يديه و قال: اللهمّ إنّي أسألك بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلّا أنت أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تفعل بي كذا و كذا، اللهمّ أنتَ وليّ نِعمتي و القادرُ على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بحقّ محمّد و آله لما قضيتها لي، و سأل اللَّه حاجته أعطاه اللَّه ما سأل(وسائل الشيعة 8: 121، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 20، الحديث 2.)

ص: 39

ص: 40

[ (مسألة 3): يجوز إتيان النوافل الرواتب و غيرها جالساً]

(مسألة 3): يجوز إتيان النوافل الرواتب و غيرها جالساً حتّى في حال الاختيار، لكن الأولى حينئذٍ عدّ كلّ ركعتين بركعة حتّى في الوتر، فيأتي بها مرّتين كلّ مرّة ركعة (1).


1- و يدلّ على جواز إتيان الرواتب و غيرها من النوافل جالساً في حال الاختيار قبل الإجماع صحيح سهل بن اليسع أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي النافلة قاعداً و ليست به علّة في سفر أو حضر، فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 4، الحديث 2.) و خبر أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: إنّا نتحدّث نقول: من صلّى و هو جالس من غير علّة كانت صلاته ركعتين بركعة و سجدتين بسجدة، فقال ليس هو هكذا، هي تامّة لكم(وسائل الشيعة 5: 492، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 5، الحديث 2.) و وجه أولوية عدّ كلّ ركعتين جلوساً بركعة حتّى في الوتر المأتي بها مرّتين كلّ مرّة بركعة صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى نافلة و هو جالس من غير علّة، كيف تحسب صلاته؟ قال ركعتين بركعة(وسائل الشيعة 5: 494، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 5، الحديث 6.) ، و غيره من روايات الباب، فراجع.

ص: 41

[ (مسألة 4): وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع]

(مسألة 4): وقت نافلة الظهر من الزوال إلى الذراع أي سبعي الشاخص و العصر إلى الذراعين أي أربعة أسباعه فإذا وصل إلى هذا الحدّ يقدّم الفريضة (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وقت نافلة الظهر و العصر على أقوال: المشهور: أنّ وقت نافلة الظهر من حين الزوال إلى امتداد ظلّ الشاخص إلى ذراع واحد، و نافلة العصر من حين الزوال إلى امتداده إلى ذراعين، و قد يعبّر عن الذراع بقدمين و سبعي الشاخص، و عن الذراعين بأربعة أقدام و أربعة أسباع الشاخص. و قيل: إنّ وقت نافلة الظهر امتداد الظلّ من حين الزوال إلى مثل الشاخص، و وقت نافلة العصر امتداده إلى مثلي الشاخص. و نسب هذا القول إلى الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التبصرة» و المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» و الشهيدين و غيرهم. و قيل: بامتداد وقتها بامتداد وقت الإجزاء للفريضة. و نسب هذا القول إلى الحلبي في «الكافي» و قوّاه السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها. و الأقوى هو القول الأوّل. و يدلّ عليه الأخبار؛ و هي فوق حدّ الاستفاضة: منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس ، ثمّ قال إنّ حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان قامة، و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لِمَ جعل ذلك؟ قال لمكان النافلة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع؛ فإذا بلغ فيؤك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) و صحيح آخر له عنه (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 20.) و صحيح ثالث له قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قامة؛ فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لا، قال من أجل الفريضة، إذا دخل وقت الذراع و الذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 27.) و موثّق إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قال: قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة لئلّا يؤخذ من وقت هذه و يدخل في وقت هذه(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 21.) و استدلّ للقول الثاني بوجوه: الأوّل: الإجماع المحكي في «الغنية». و فيه: أنّا نقطع بانتفاء الإجماع؛ لوجود الشهرة القطعية على خلافه و أنّ وقت نافلة الظهر و العصر امتداد الظلّ إلى الذراع و الذراعين. الثاني: إطلاق الأخبار الدالّة على أنّ نافلة الظهر ثمان ركعات قبلها و نافلة العصر ثمان ركعات قبلها، و لم يقيّد بالذراع و الذراعين، كما في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، و ثمان ركعات قبل فريضة العصر(وسائل الشيعة 4: 54، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 23.) و في رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) و ثمان ركعات قبل الظهر، و ثمان ركعات بعد الظهر قبل العصر(وسائل الشيعة 4: 57، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 25.) و كذا إطلاق الأخبار الدالّة على جواز إتيان النافلة من غير تعيين وقت خاصّ لها، كصحيح الحارث بن المغيرة و عمر بن حنظلة و منصور بن حازم جميعاً: كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أ لا أُنبّئكم بأبين من هذا! إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت(وسائل الشيعة 4: 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 1.) ، لا يخفى: أنّ هذه الرواية صحيحة من طريق الحارث و منصور دون عمر. و صحيح ذريح بن محمّد المحاربي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): متى أُصلّي الظهر؟ فقال صلّ الزوال ثمانية، ثمّ صلّ الظهر، ثمّ صلّ سبحتك، طالت أو قصرت، ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و فيه أوّلًا: أنّ المطلقات المذكورة لم ترد في مقام بيان وقت النافلة بل وردت في بيان أعدادها كخبر الفضل و الأعمش، و الأخبار الدالّة على أنّ بين يدي الفريضة سبحة لا تدلّ على أزيد من بيان وقت الفريضة و أنّها من حين تحقّق الزوال و بين يديها سبحة و بعد إتيان الظهر وقت العصر و قبلها سبحتها. و ثانياً: أنّه على فرض الإطلاق لا وجه لتقييدها بالمثل و المثلين، بل المساعد للإطلاق امتداد وقتها إلى وقت الإجزاء للفريضة؛ و هو القول الثالث في تحديد وقت النافلة. و ثالثاً: أنّه على فرض الإطلاق فيها فلك تقييدها بالروايات المعتبرة المقيّدة فيها وقت نافلة الظهر و العصر بالذراع و الذراعين. الوجه الثالث: خصوص بعض الروايات قد صرّح فيه بنفي اعتبار الأقدام، كمكاتبة محمّد بن أحمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السّلام): روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين، فكتب (عليه السّلام) لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين و بين يديها سبحة؛ و هي ثمان ركعات فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة؛ و هي ثماني ركعات إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 134، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 13.) ، حيث إنّه صرّح فيها بنفي اعتبار القدم و القدمين و غيرهما. و فيه أوّلًا: أنّه نفى ظلّ مثلك أيضاً، حيث لم يذكره (عليه السّلام) في الجواب مع ذكره في السؤال. و ثانياً: أنّه من المحتمل أن يكون نفي القدم و القدمين لأجل نفي توهّم أنّ ذلك وقت لا يجوز غيره، و أنّ ذكره في بعض الأخبار على جهة الأفضلية لا التعيينية. و ثالثاً: أنّه تعارضها مكاتبة عبد اللَّه بن محمّد قال: كتبتُ إليه: جعلت فداك روى أصحابنا عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) أنّهما قالا إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، إلّا أنّ بين يديها سبحة إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت ، و روى بعض مواليك عنهما إنّ وقت الظهر على قدمين من الزوال، و وقت العصر على أربعة أقدام من الزوال، فإن صلّيت قبل ذلك لم يُجزك ، و بعضهم يقول يُجزي (يجوز) و لكن الأفضل في انتظار القدمين و الأربعة أقدام، و قد أحببتُ جعلت فداك أن أعرف موضع الفضل في الوقت، فكتب (عليه السّلام) القدمان و الأربعة أقدام صواب جميعاً(وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 30.) الوجه الرابع: صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) إنّ حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان قامة، و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) ، و الاستدلال به مبني على أنّ المراد بالقامة هو الذراع، كما ورد في بعض الأخبار كرواية علي بن حنظلة قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) القامة و القامتان الذراع و الذراعان في كتاب علي (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 14.) ، و روايتي علي بن أبي حمزة عن أبي (عليه السّلام) قال: سمعته يقول القامة هي الذراع(وسائل الشيعة 4: 145، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 15 و 16.) ، و صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر ، ثمّ قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لا، قال من أجل الفريضة، إذا دخل وقت الذراع و الذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 27.) و فيه: أنّ القامة و القامتين و إن فسّرت في بعض الروايات بالذراع و الذراعين، و لكن المدار في صحيح زرارة المتقدّم قامة الإنسان المصلّي بقرينة لفظة «من» التبعيضية في قوله فإذا مضى منه ، و بصريح قوله (عليه السّلام) فإذا بلغ فيئك ذراعاً من الزوال بدأت بالفريضة و تركت النافلة، و إذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة و تركت النافلة. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد منع كون حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ذراعاً، قال: و إطلاق لفظ القامة مراداً بها الذراع في بعض الأحوال لا يقتضي حملها عليه و مخالفة ما هو المنساق منها أينما وقعت، ثمّ حكى عن «الذكرى» أنّه قال: و من أين علم أنّ هذه القامة مفسّرة لتلك القامة؟ و الظاهر تغايرهما بدليل قوله فإذا مضى من فيئه ذراع ، و لو كان الذراع نفس القامة لم يكن للفظ «من» هنا معنىً. ثمّ قال (رحمه اللَّه) قلت: بل يأباه خبر إسماعيل الجعفي أيضاً عن أبي جعفر (عليه السّلام) المسئول فيه عن اختلاف الجدار قصراً و طولًا بعد التحديد بالذراع من فيئه و الذراعين، فقال كان جدار مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يومئذٍ قامة(وسائل الشيعة 4: 147، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 28.) ، و هو كما ترى بعيد عن حمل القامة على الذراع(جواهر الكلام 7: 175.) انتهى. الوجه الخامس: ما عن الشهيد الأوّل في «الروض» و الشهيد الثاني في «الروضة» من أنّ النبي و الأئمّة المعصومين عليهم الصلاة و السلام و غيرهم من السلف قد فعلوا نافلة العصر متّصلة بالعصر و لم يكونوا يفصلون بينهما؛ و حينئذٍ فلو كان التقدير على الذراع و الذراعين و القدمين و أربعة أقدام لا يجتمع فعل صلاة العصر في وقت فضيلتها الذي هو بعد المثل و فعل النافلة متّصلة بها، بل يقع الانفصال بينهما. و الدليل على فعلهم المزبور رواية رجاء بن أبي الضحّاك في حديث طويل قال: كان الرضا (عليه السّلام) إذا زالت الشمس جدّد وضوءه و قام فصلّى ستّ ركعات. إلى أن قال: ثمّ يؤذّن و يصلّي ركعتين، ثمّ يقيم و يصلّي الظهر. إلى أن قال: قام فصلّى ستّ ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد و قل هو اللَّه أحد و يسلّم في كلّ ركعتين، و يقنت في ثانية كلّ ركعتين قبل الركوع و بعد القراءة، ثمّ يؤذّن و يصلّي ركعتين و يقنت في الثانية، فإذا سلّم أقام و صلّى العصر.(وسائل الشيعة 4: 55، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 24.) الحديث. و فيه أوّلًا: أنّ المستند على فعلهم (عليهم السّلام) نافلة الظهر و العصر متّصلةً بهما، هو رواية رجاء بن أبي الضحّاك، و هي ضعيفة سنداً بتميم بن عبد اللَّه بن تميم القرشي، و لم نجد أباه عبد اللَّه بن تميم و رجاء بن أبي الضحّاك فيما عندنا من كتب الرجال المعتبرة، فعليك بالتتبّع. و ثانياً: أنّ الثابت بالأدلّة المعتبرة فعلهم عليهم الصلاة و السلام فريضة الظهر بعد امتداد الظلّ إلى الذراع و القدمين و فريضة العصر بعد امتداده إلى الذراعين و أربعة أقدام، و قد تقدّم في الاستدلال على القول المشهور ذكر صحاح زرارة و موثّق إسماعيل الجعفي الدالّة على أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كانت عادته فعل الظهر بالقدمين و فعل العصر بأربعة أقدام. و الوجه السادس: أنّ وقت فضيلة الظهر امتداد الظلّ من حين الزوال إلى مثل الشاخص، و وقت فضيلة العصر امتداده من حينه إلى مثليه. و الحكمة في هذا الامتداد هو فعل النافلة في ذلك الوقت. و فيه: أنّه لا ملازمة بين توسعة وقت فضيلة الظهر و العصر إلى امتداد الظلّ إلى المثل و المثلين، و بين فعل النافلة إلى المثل و المثلين؛ لوجود الدليل على توقيت نافلتهما إلى الذراع و الذراعين. و في «الجواهر» في مقام ردّ هذا الدليل: أنّه قول بغير علم و تقوّل على الشارع بغير إذن(جواهر الكلام 7: 177.) انتهى. و استدلّ للقول الثالث بوجوه، عمدتها إطلاق الأخبار الدالّة على أنّ وقت نافلة الظهر و العصر قبلهما. و فيه: أنّ الإطلاق ليس وارداً في مقام بيان وقت النافلة. و على فرض ورود المطلقات في مقام البيان لا بدّ من تقييدها بالأخبار المقيّدة بالذراع و الذراعين. و استدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهدية و الصدقة فجائز إتيانها في كلّ وقت، و في بعضها أنّه يجوز تقديمها على الزوال؛ ففي رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال اعلم أنّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت(وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 3.) و صحيح عبد الأعلى بن أعين قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن نافلة النهار، قال ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت، إنّ علي بن الحسين (عليهما السّلام) كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها، فإذا شغلها ضيعة أو سلطان قضاها، إنّما النافلة مثل الهدية متى ما اتي بها قبلت(وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 7.) و صحيح محمّد بن عذافر قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت؛ فقدّم منها ما شئت و أخّر منها ما شئت(وسائل الشيعة 4: 233، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 8.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال نوافلكم صدقاتكم؛ فقدّموها أنّى شئتم(وسائل الشيعة 4: 234، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 9.) و فيه: أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الأخبار هو أنّ وقت النوافل كلّها موسّع و لا وقت خاصّ لها، و هذا ممّا لم يلتزم به أحد من الأصحاب و معرضٌ عنه عندهم، حيث إنّ الأخبار في توقيتها بأوقات خاصّة في حدّ التواتر.

ص: 42

ص: 43

ص: 44

ص: 45

ص: 46

ص: 47

ص: 48

ص: 49

ص: 50

[ (مسألة 5): لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في يوم الجمعة]

(مسألة 5): لا إشكال في جواز تقديم نافلتي الظهر و العصر على الزوال في يوم الجمعة، بل يزاد على عددهما أربع ركعات، فتصير عشرين ركعة، و أمّا في غير يوم الجمعة فعدم الجواز لا يخلو من قوّة (1)،


1- و يدلّ على جواز زيادة أربع ركعات على نافلة النهار في يوم الجمعة صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال إنّما زيد في صلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيماً لذلك اليوم و تفرقةً بينه و بين سائر الأيّام(وسائل الشيعة 7: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 1.) ، و لا يخفى: أنّ الأفضل إتيان عشرين ركعة قبل الزوال. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن النافلة التي تصلّى يوم الجمعة وقت الفريضة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال قبل الصلاة(وسائل الشيعة 7: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 3.) و يجوز إتيان أربعة عشر ركعات قبل الجمعة و ستّ ركعات بعد الجمعة قبل العصر. و يدلّ عليه صحيح يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح (عليه السّلام) قال: سألته عن التطوّع في يوم الجمعة، قال إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صلّيت ستّ ركعات ارتفاع النهار، و ستّ ركعات قبل نصف النهار، و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة، و ستّ ركعات بعد الجمعة(وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 10.) و صحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عن التطوّع يوم الجمعة، قال ستّ ركعات في صدر النهار، و ستّ ركعات قبل الزوال، و ركعتان إذا زالت، و ستّ ركعات بعد الجمعة، فذلك عشرون ركعة سوى الفريضة(وسائل الشيعة 7: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 6.) و صحيح آخر للبزنطي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال النوافل في يوم الجمعة ستّ ركعات بكرة و ستّ ركعات ضحوة و ركعتين إذا زالت الشمس و ستّ ركعات بعد الجمعة(وسائل الشيعة 7: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 11، الحديث 19.) ، هذا كلّه في نافلة النهار في يوم الجمعة. و أمّا في غيره من الأيّام فلا يجوز تقديمها على الزوال على الأقوى؛ لدلالة الأخبار المعتبرة على توقيتها ببعد الزوال كما في صحيح عمر بن أُذينة عن عدّة أنّهم سمعوا أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس، و لا من الليل بعد ما يصلّي العشاء الآخرة حتّى ينتصف الليل(وسائل الشيعة 4: 230، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 36، الحديث 5.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كان عليّ (عليه السّلام) لا يصلّي من الليل شيئاً إذا صلّى العتمة حتّى ينتصف الليل، و لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس(وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 36، الحديث 6.) و في صحيحه الآخر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس، فإذا زال النهار قدر نصف إصبع صلّى ثماني ركعات(وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 36، الحديث 7.)

ص: 51

و مع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما فالأحوط الإتيان بهما رجاءً (1).


1- الأقوى جواز إتيانهما قبل الزوال مع العلم بعدم التمكّن من إتيانهما في وقتهما. و يدلّ عليه خبر محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يشتغل عن الزوال أ يعجّل من أوّل النهار؟ قال نعم إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها(وسائل الشيعة 4: 231، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 1.) و سند هذه الرواية و إن كان ضعيفاً بيزيد (بريد) بن ضمرة الليثي لكونه مجهولًا و لكن الرواية مشهورة بين الأصحاب، و بها يقيّد الأخبار الدالّة على تقديمها على الزوال مطلقاً، كالأخبار المتقدّمة الدالّة على أنّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما اتي بها قبلت، و رواية إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّي أشتغل، قال فاصنع كما نصنع؛ صلّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر يعني ارتفاع الضحى الأكبر و اعتدّ بها من الزوال(وسائل الشيعة 4: 232، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 4.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال ما صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الضحى قطّ ، قال: فقلت له: أ لم تخبرني أنّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال بلى إنّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر(وسائل الشيعة 4: 234، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 37، الحديث 10.)

ص: 52

و يجوز تقديم نافلة الليل على النصف للمسافر و الشابّ الذي يخاف فوتها في وقتها، بل و كلّ ذي عذر كالشيخ و خائف البرد أو الاحتلام، و ينبغي لهم نية التعجيل لا الأداء (1).


1- قد تقدّم منّا في شرح قوله (رحمه اللَّه) في المسألة الأُولى: «و وقت صلاة الليل نصفها إلى الفجر الصادق» ما يدلّ على جواز إتيان نافلة الليل على النصف للمسافر و سائر ذوي الأعذار المذكورة في النصوص التي ذكرها صاحب «وسائل الشيعة» في الباب الرابع و الأربعين من أبواب المواقيت(وسائل الشيعة 4: 249، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 44.) فراجع. و حيث إنّه قد ورد في الأخبار المعتبرة توقيت صلاة الليل و أنّه من حين انتصاف الليل فلا يجوز له نية الأداء قبل الانتصاف، بل ينوي التعجيل و فعلها قبل وقتها تعبّداً.

ص: 53

[ (مسألة 6): وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب]

(مسألة 6): وقت الظهرين من الزوال إلى المغرب، و يختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله، و العصر بآخره كذلك، و ما بينهما مشترك بينهما (1).


1- و يدلّ على كون ابتداء وقت الظهرين هو الزوال مضافاً إلى أنّه إجماعي بين المسلمين، بل من ضروريات الدين قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ(الإسراء( 17): 78.) و الدلوك هو الزوال على ما صرّح به في كتب اللغة، و به فسّر في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال اللَّه تعالى لنبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، و دلوكها زوالها(وسائل الشيعة 4: 10، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، الحديث 1.) و الروايات الدالّة على أنّ وقتهما هو الزوال في حدّ الاستفاضة: منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.) و رواية عبيد بن زرارة بل مصحّحه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً، إلّا أنّ وقت هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) و قد وقع في سند الرواية القاسم بن عروة أبو محمّد مولى أبي أيّوب الخوزي البغدادي، و لم يثبت وثوقه بل و لا مدحه إلّا برواية الفضل بن شاذان عنه على ما حكي عن «رجال» الكشّي في ترجمة الفضل بن شاذان من أنّ عروة ممّن روى عنه الفضل، و معلوم أنّ هذا المقدار لا يكفي في مدحه كما توهّم، و مع هذا فقد وصف السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» الرواية بكونها مصحّحة. و قد يقال بمدحه لرواية جماعة من ثقات أصحابنا عنه، كالحسين بن سعيد و محمّد بن خالد البرقي و العبّاس بن المعروف و الفضل بن شاذان و ابن أبي عمير و علي بن مهزيار و غيرهم. و مرسلة داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر و بقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7.) ، و غيرها من روايات الباب، هذا. و قد يظهر من بعض الروايات: أنّ وقت الظهرين بعد الزوال بقدمين و أربعة أقدام، كما في صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السّلام) أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان(وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1.) و في بعضها: بعد الزوال بذراع و ذراعين، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس ، ثمّ قال إنّ حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان قامة و كان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر، و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) و في بعضها: إلى ذهاب الظلّ قامة و قامة و نصف إلى قامتين، كما في صحيح أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر و العصر، فقال وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 9.) و في بعضها: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، كما في صحيح إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في يوم الجمعة أو في السفر؛ فإنّ وقتها حين تزول(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 11.) و في بعضها: أنّ وقتهما امتداد الظلّ من الزوال إلى المثل و المثلين، كما في موثّق زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني، فلمّا أن كان بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال إنّ زرارة سألني عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم أُخبره، فحرجت من ذلك فاقرأه منّي السلام و قل له: إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر، و إذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 13.) و لا يخفى: أنّه لمّا قام الإجماع من الفريقين على كون ابتداء وقت الظهرين هو الزوال فلا بدّ من حمل ما ينافي ظاهره ذلك على وجه يرتفع به المنافاة، كالحمل على وقت الفضيلة كما في الأخبار المتضمّنة للذراع و الذراعين و القدمين و أربعة أقدام. و حمل بعضها على ابتداء وقت الفضيلة على احتمالٍ، كرواية ابن بكير قال: دخل زرارة على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: إنّكم قلتم لنا في الظهر و العصر على ذراع و ذراعين، ثمّ قلتم: أبردوا بها في الصيف، فكيف الإبراد بها؟ و فتح ألواحه ليكتب ما يقول، فلم يجبه أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) بشي ء، فأطبق ألواحه و قال: إنّما علينا أن نسألكم و أنتم أعلم بما عليكم و خرج، و دخل أبو بصير على أبي (عليه السّلام) فقال إنّ زرارة سألني عن شي ء فلم أُجبه و قد ضقت من ذلك، فاذهب أنت رسولي إليه فقل: صلّ الظهر في الصيف إذا كان ظلّك مثلك، و العصر إذا كان مثليك و كان زرارة هكذا يصلّي في الصيف، و لم أسمع أحداً من أصحابنا يفعل ذلك غيره و غير ابن بكير(وسائل الشيعة 4: 149، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 33.) و حمل بعضها الآخر على انتهاء وقت الفضيلة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعين؟ قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة؛ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 20.) ؛ يعني ينتهي وقت الفضيلة بالبلوغ ذراعاً فلا فضيلة بعده. و بعضها ظاهر في أفضلية بعض الأوقات على بعضها، كصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أُناس و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) النصف من ذلك أحبّ إليّ(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 22.) و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد ذكر هذه الأخبار و غيرها في أكثر من صفحتين حملها على إرادة الرخصة للمتنفّل في تأخير الظهر هذا المقدار، و أنّه لا يتوهّم حرمته للنهي عن التطوّع في وقت الفريضة. و أمّا وجه أنّ انتهاء وقت الظهرين هو المغرب فمضافاً إلى الشهرة المحقّقة، بل عدم الخلاف فيه بين الإمامية هو الأخبار المستفيضة: منها: مرسلة الصدوق قال: و قال الصادق (عليه السّلام) لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغرب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و ذلك للمضطرّ و العليل و الناسي(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3.) و ذيل مصحّح عبيد بن زرارة المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبتُ إلى الرضا (عليه السّلام): ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب (عليه السّلام) كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيق.(وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.) الحديث، حيث دلّ على أنّ الغروب انتهاء وقت الظهرين. و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) أحبّ الوقت إلى اللَّه عزّ و جلّ أوّله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منهما حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 155، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 9، الحديث 12.) و رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تفوّت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 9.) و غيرها من الأخبار. و ضعف سند بعضها لا يضرّ بعد كون مضامينها مشهوراً، بل إجماعياً. و الدليل على اختصاص الظهر بأوّل الوقت مقدار أدائها بحسب حال المصلّي مضافاً إلى الشهرة المحقّقة، و الإجماع المدّعى من «المنتهي» هو مرسل داود بن فرقد المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات(وسائل الشيعة 4: 127، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 7.) و يدلّ على اختصاص العصر بآخر الوقت صحيح الحلبي في حديث قال: سألته عن رجل نسي الأُولى و العصر جميعاً ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس، فقال إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثمّ يصلّ العصر، و إن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر و لا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً، و لكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ثمّ ليصلّ الاولى بعد ذلك على أثرها(وسائل الشيعة 4: 129، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 18.) وجه الاستدلال: هو أنّ بطلان الظهر في صورة وقوعها في وقت يخاف فوت إحداهما ليس إلّا لأجل وقوعها في وقت مختصّ بالعصر، فهذا الصحيح يدلّ على أنّ آخر الوقت قبل المغرب مختصّ بالعصر. و الدليل على كون ما بين الوقتين المختصّين بالظهر و العصر مشتركاً بينهما مضافاً إلى كونه ممّا لا خلاف فيه هو مصحّح عبيد بن زرارة المتقدّم ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.)

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

ص: 59

و وقت العشاءين للمختار من المغرب إلى نصف الليل، و يختصّ المغرب بأوّله بمقدار أدائها، و العشاء بآخره كذلك بحسب حاله (1)،


1- الدليل على كون المغرب ابتداء وقت صلاته مضافاً إلى كونه ممّا لا خلاف فيه، و في «الجواهر»: أنّه من ضروريات الدين هو الأخبار المتواترة: منها: صحيح زرارة المتقدّم فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.) و رواية إسماعيل بن مهران المتقدّمة و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء(وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.) و صحيح آخر لزرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). إلى أن قال و صلّى المغرب حين تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 3.) و رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ، قال إنّ اللَّه افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها: صلاتان أوّل وقتهما من زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه، و منها: صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.) و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أتى جبرئيل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). إلى أن قال ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا انتهاء وقت العشاءين إلى نصف الليل فهو المشهور شهرة عظيمة. و نسب إلى بعض علمائنا امتداده إلى طلوع الفجر. و إلى المحقّق في «المعتبر» امتداده إلى طلوع الفجر للمضطرّ. و عن «الخلاف»: انتهاء وقت المغرب بذهاب الشفق؛ سواء فيه الحاضر و المسافر. و عن المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «النهاية»: أنّ ذهاب الشفق انتهاء وقته للحاضر، و للمسافر إلى ربع الليل. و نسب إلى بعض: أنّ ذهاب الشفق غاية المغرب للمسافر. و نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و السيّد في «المصباح» و «الإصباح»: أنّ ذهاب الشفق وقت فوتها للمختار، و يجوز تأخيرها إلى ربع الليل للمضطرّ. و الدليل على القول المشهور قوله تعالى أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ(الإسراء( 17): 78.) و قد فسّر الغسق في اللغة و الروايات بمعنى انتصاف الليل، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر و غسق الليل هو انتصافه(وسائل الشيعة 4: 10، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، الحديث 1.) و الأخبار الدالّة على القول المشهور في حدّ الاستفاضة و فوقه: منها: رواية عبيد بن زرارة المتقدّمة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.) و مصحّح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 186، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 11.) ، و دلالة المصحّح على المطلب بناءً على رواية الشيخ في «التهذيب» حيث زاد إلى نصف الليل(تهذيب الأحكام 2: 27/ 78.) ، و لم تكن هذه الزيادة في نسخة «الكافي»(الكافي 3: 281/ 12.) و مرسلة داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، و إذا يبقى مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل(وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّا لم نجد قائلًا بالخصوص بامتداد وقت صلاة المغرب للمختار حتّى يبقى بمقدار أربع ركعات إلى طلوع الفجر، و قد نسبه بعض الفقهاء المعاصر على ما في تقريراته إلى بعض علمائنا(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 160.) و كيف كان: فقد استدلّ للقول بانتهاء وقت المغرب إلى ذهاب الشفق بصحيح بكر بن محمّد الأزدي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سأله سائل عن وقت المغرب، فقال إنّ اللَّه يقول في كتابه لإبراهيم فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي، و هذا أوّل الوقت، و آخر ذلك غيبوبة الشفق. و أوّل وقت العشاء الآخرة ذهاب الحمرة، و آخر وقتها إلى غسق الليل؛ يعني نصف الليل(وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 6.) و صحيح زرارة و الفضيل قالا: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إنّ لكلّ صلاة وقتين، غير المغرب فإنّ وقتها واحد، و وقتها وجوبها، و وقت فوتها سقوط الشفق(وسائل الشيعة 4: 187، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 2.) و صحيح إسماعيل بن جابر الكوفي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت المغرب، قال ما بين غروب الشمس إلى سقوط الشفق(وسائل الشيعة 4: 190، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 14.) و استدلّ للقول بأنّ ذهاب الشفق غاية المغرب للمسافر بصحيح علي بن يقطين قال: سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق أ يؤخّرها إلى أن يغيب الشفق؟ قال لا بأس بذلك في السفر، فأمّا في الحضر فدون ذلك شيئاً(وسائل الشيعة 4: 197، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 15.) و استدلّ للقول بأنّ ذهاب الشفق غاية المغرب للحاضر بالصحاح المزبورة الدالّة على انتهاء وقت المغرب بذهاب الشفق، و أمّا المسافر فانتهاء وقته له بذهاب ربع الليل، لصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل(وسائل الشيعة 4: 194، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 2.) و استدلّ على كون ربع الليل غاية للمضطرّ بصحيح عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت المغرب، فقال إذا كان أرفق بك و أمكن لك في صلاتك و كنت في حوائجك، فلك أن تؤخّرها إلى ربع الليل فقال: قال لي هذا و هو شاهد في بلده(وسائل الشيعة 4: 195، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 8.) و صحيح آخر له قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أكون مع هؤلاء و أنصرف من عندهم عند المغرب فأمرّ بالمساجد فأُقيمت الصلاة، فإن أنا نزلتُ أُصلّي معهم لم أستمكن (أتمكّن) من الأذان و الإقامة و افتتاح الصلاة؟ فقال ائت منزلك و انزع ثيابك، و إن أردت أن تتوضّأ فتوضّأ و صلّ؛ فإنّك في وقت إلى ربع الليل(وسائل الشيعة 4: 196، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 19، الحديث 11.) و لا يخفى: أنّ الروايات الدالّة على أنّ آخر وقت العشاءين سقوط الشفق أو انتهاء الثلث أو الربع من الليل، ففيها: أوّلًا: أنّها معارض بعضها مع بعض. و ثانياً: أنّه محمول بعضها على وقت الفضيلة كفضيلة المغرب إلى سقوط الشفق و العشاء إلى ربع الليل، و ما دلّ على تأخير المغرب إلى ربع الليل محمول على نفي الكراهة في التأخير إلى ذلك الوقت بالنسبة إلى المسافر و ذي الحاجة. و بهذا يجمع بين الأخبار الدالّة على أنّ غاية وقت العشاءين سقوط الشفق أو ذهاب الثلثين أو الربع، و بين الأخبار الدالّة على امتداد وقتهما إلى نصف الليل. و الدليل على اختصاص وقت المغرب بابتداء الغروب إلى مقدار أدائها، و وقت العشاء بانتهاء الليل بمقدار إتيان أربع ركعات إلى الانتصاف، رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات، و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب و بقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف الليل(وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 4.) و يدلّ على اختصاص خصوص المغرب بأوّل الوقت صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها(وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 16.) و مصحّح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين، إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 186، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 11.) و مرسل الصدوق قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) وقت المغرب إذا غاب الشمس(وسائل الشيعة 4: 179، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 18.) و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت المغرب حين تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 182، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 28.) و يدلّ على اختصاص العشاء بمقدار أربع ركعات إلى نصف الليل صحيح بكر بن محمّد الأزدي المتقدّم و آخر وقتها إلى غسق الليل(وسائل الشيعة 4: 174، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 6.) و صحيح معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال آخر وقت العتمة نصف الليل(وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 8.)

ص: 60

ص: 61

ص: 62

ص: 63

ص: 64

ص: 65

و ما بينهما مشترك بينهما (1). و الأحوط لمن أخّرهما عن نصف الليل اضطراراً؛ لنوم أو نسيان أو حيض أو غيرها، أو عمداً الإتيان بهما إلى طلوع الفجر بقصد ما في الذمّة (2)،


1- و يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و منها صلاتان أوّل وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل، إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4.) و مصحّح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلّا أنّ هذه قبل هذه، و إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلّا أنّ هذه قبل هذه(وسائل الشيعة 4: 181، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 24.) و مرسل داود بن فرقد المتقدّم فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة حتّى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات(وسائل الشيعة 4: 184، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 4.)
2- قد عرفت: أنّ آخر وقت العشاءين هو انتصاف الليل، و هو بالنسبة إلى المختار ممّا لا إشكال فيه. و أمّا المضطرّ لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من موارد الاضطرار فالأقوى وفاقاً لجماعة من فقهائنا امتداد وقتهما إلى طلوع الفجر. و يدلّ عليه في خصوص النائم و الناسي صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة.(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 3.) الخبر. و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 4.) و قد وردت في خصوص الحائض عدّة من الروايات تدلّ على وجوب إتيانها العشاءين لو طهرت بعد انتصاف الليل و قبل الفجر، بعضها صحيح سنداً: منها: رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر(وسائل الشيعة 2: 363، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 7.) و رواية عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلّ الظهر و العصر، و إن طهرت من آخر الليل فلتصلّ المغرب و العشاء(وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 10.) و رواية داود الزجاج عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا كانت المرأة حائضاً فطهرت قبل غروب الشمس صلّت الظهر و العصر، و إن طهرت من آخر الليل صلّت المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 11.) و رواية عمر بن حنظلة عن الشيخ (عليه السّلام) قال إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب و العشاء، و إن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر و العصر(وسائل الشيعة 2: 364، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 12.) و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في حديث و إذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت الصلاة اليوم، و الليل مثل ذلك(وسائل الشيعة 2: 365، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 49، الحديث 13.) ، و المراد من قضاء الصلاة إتيانها لا القضاء المصطلح، كما في قوله تعالى فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ.(الجمعة( 62): 10.) الآية. لا يخفى: أنّه يكفي لنا صحيح منصور بن حازم المزبور في الفتوى بامتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر لخصوص الحائض. و لا يحتاج في الفتوى به إلى تعميم الناسي و النائم في صحيحي أبي بصير و ابن مسكان المتقدّمين لكلّ مضطرّ؛ حتّى يشمل الحائض و سائر المضطرّين في امتداد وقت عشاءيهم إلى طلوع الفجر، كما ارتكبه بعض فقهائنا المعاصر (رحمه اللَّه) السيّد الخوئي في تقريراته(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 187.) نعم يمكن تعميم الحكم لسائر الأعذار غير النوم و النسيان لهاتين الصحيحتين. بقي هنا أمران: الأوّل: أنّه قد ورد في بعض الروايات: أنّ من نام قبل أن يصلّي العتمة و استيقظ بعد نصف الليل فليقضِ صلاته، كما في مرفوعة ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من نام قبل أن يصلّي العتمة فلم يستيقظ حتّى يمضي نصف الليل فليقض صلاته و ليستغفر اللَّه(وسائل الشيعة 4: 185، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 17، الحديث 5.) ، و حينئذٍ فلا يمتدّ وقت العشاء إلى ما بعد نصف الليل بالنسبة إلى النائم المستيقظ قبل طلوع الفجر. و يمكن حمل القضاء فيها على معنى الإتيان لا القضاء المصطلح، بقرينة ظهور صحيحتي أبي بصير و ابن مسكان المتقدّمتين في امتداد الوقت إلى طلوع الفجر بالنسبة إلى النائم. الثاني: أنّ الأحوط استحباباً للمضطرّين إتيان العشاءين بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر بنية ما في الذمّة؛ لاحتمال عدم مقاومة الصحيحتين المزبورتين بالأخبار الكثيرة الصريحة في أنّ وقت العشاءين إلى انتصاف الليل. و قد جزم صاحب «الرياض» بعدم عمل الأصحاب بالأخبار الدالّة على امتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر. و أمّا العامد في تأخير العشاءين حتّى يبقى مقدارهما من الوقت إلى طلوع الفجر، فلا دليل على امتداد وقت عشاءيه إلى طلوع الفجر، إلّا رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يفوّت الصلاة من أراد الصلاة، لا تفوت صلاة النهار حتّى تغيب الشمس، و لا صلاة الليل حتّى يطلع الفجر، و لا صلاة الفجر حتّى تطلع الشمس(وسائل الشيعة 4: 159، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) ، حيث إنّ إطلاقها يشمل العامد في التأخير. و لكن الرواية ضعيفة سنداً؛ لجهالة علي بن يعقوب الهاشمي، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ مقتضى الجمع بين هذه الرواية على فرض الإغماض عن سندها و بين الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ امتداد الوقت إلى الفجر إنّما هو بالنسبة إلى ذوي الأعذار هو حمل هذه الرواية أيضاً على صورة العذر.

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

و لو لم يبقَ إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً، و الأحوط قضاؤهما مترتّباً بعد الوقت (1). و ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح (2).


1- إذا بقي من وقت العشاءين بمقدارهما من آخر الليل و لو بمقدار أربع ركعات يأتي بالمغرب أوّلًا ثمّ العشاء الآخرة بلا فصل، بقصد ما في الذمّة في المضطرّ و العامد عند المصنّف (رحمه اللَّه) و جماعة من فقهائنا، و الأقوى عندنا في غير العامد امتداد وقتهما إلى طلوع الفجر. و لو لم يبق من الوقت إلّا بمقدار العشاء فقط و لو ركعة واحدة فالأحوط حينئذٍ إتيان العشاء في ذلك الوقت للمضطرّ بقصد ما في الذمّة عند المصنّف، ثمّ قضاء المغرب و العشاء مرتّباً بعد الوقت. و وجه الاحتياط في إتيان العشاء في ذلك الوقت امتداد وقت العشاءين إلى طلوع الفجر، فبإدراك ركعة في الوقت قد أدرك الوقت جميعاً. و وجه الاحتياط في قضائهما مرتّباً بعد الوقت هو امتداد وقتهما إلى انتصاف الليل، و بعده تكون المغرب و العشاء قضاءين و يجب مراعاة الترتيب في قضائهما، و لا يجزي إتيان المغرب بعد العشاء.
2- لا خلاف بين المسلمين في أنّ ابتداء وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، و سيأتي البحث فيما يتحقّق به طلوع الفجر عند التعرّض بوقت فضيلة الصبح. و لا يخفى: أنّ المراد من الفجر الذي هو أوّل وقت صلاة الصبح هو الفجر الصادق المتحقّق باعتراض البياض الحادث في الأُفق المتصاعد في السماء الذي يشابه ذنب السرحان و انتشاره على الأُفق كالقبطية البيضاء، كما في صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) فقلت: متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء فثمّ يحرم الطعام على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر ، قلت: أ فلسنا في وقت إلى أن يطلع شعاع الشمس؟ قال هيهات، أين يذهب بك؟! تلك صلاة الصبيان(وسائل الشيعة 4: 209، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 1.) و مرسل «الفقيه» قال: و روى إنّ وقت الغداة إذا اعترض الفجر فأضاء حسناً، و أمّا الفجر الذي يشبه ذنب السرحان فذاك الفجر الكاذب، و الفجر الصادق هو المعترض كالقباطي(وسائل الشيعة 4: 210، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 3.) و القباطي ثياب كتّانية بيضاء. و يدلّ على كون طلوع الفجر ابتداء وقت صلاة الصبح قبل الإجماع صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت الفجر حين ينشقّ الفجر(وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 1.) ، و رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت الفجر حين يبدو حتّى يضي ء(وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 3.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي (عليه السّلام) قال لكلّ صلاة وقتان، و أوّل الوقتين أفضلهما؛ و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً، و لكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام. و وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم، و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر أو من علّة(وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 5.) و هذا الصحيح يدلّ صريحاً على التفصيل بين المختار و أنّه لا ينبغي له تأخير صلاة الصبح عن تجلّل الصبح السماء، و بين المضطرّ بأقسامه و أنّه يجوز له التأخير منه. و مقتضى الجمع بين الروايات حمل الأخبار الدالّة على أنّ انتهاء وقت صلاة الصبح تجلّل الصبح السماء و ظهور الحمرة المشرقية على وقت الفضيلة، و أنّ تأخيرها عنه عمداً مكروه؛ لقوله (عليه السّلام) في صحيح عبد اللَّه بن سنان لا ينبغي تأخير ذلك عمداً. و أمّا قوله (عليه السّلام) في الصحيح و ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلّا من عذر أو من علّة فالمستفاد منه عدم جواز جعل آخر الوقتين فقط وقتاً، دون أوّل الوقت، و هو حقّ.

ص: 70

ص: 71

و وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث مثل الشاخص، كما أنّ منتهى فضيلة العصر المِثلان، و مبدأ فضيلته إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام أي أربعة أسباع الشاخص على الأظهر؛ و إن لا يبعد أن يكون مبدؤها بعد مقدار أداء الظهر (1).


1- قد اختلف الأخبار في وقت فضيلة الظهر و العصر من حيث المبدأ و المنتهى: فمنها: ما يدلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر حين بلوغ الظلّ الحادث إلى القدمين، و وقت فضيلة العصر بلوغه إلى أربعة أقدام؛ فما دام لم يبلغ الظلّ الحادث القدمين أو أربعة أقدام لا يدخل وقت فضيلتهما، كما في صحيح الفضلاء عن الصادقين (عليهما السّلام) أنّهما قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان(وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1.) و قد يعبّر عن القدمين و أربعة أقدام بالذراع و الذراعين، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس.(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) الحديث. و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال كان حائط مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قبل أن يظلّل قامة، و كان إذا كان الفي ء ذراعاً و هو قدر مربض عنز صلّى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 142، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 7.) و صحيح إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا كان في ء الجدار ذراعاً صلّى الظهر، و إذا كان ذراعين صلّى العصر.(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 10.) الحديث. و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أ تدري لِمَ جعل الذراع و الذراعان؟ قلت: لِمَ؟ قال لمكان الفريضة؛ لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أن تبلغ ذراعاً، فإذا بلغت ذراعاً بدأت بالفريضة و تركت النافلة(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 20.) ، و غيرها من روايات الباب. و منها: ما دلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ الحادث قدماً، كما في صحيح إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر، فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في يوم الجمعة أو في السفر فإنّ وقتها حين تزول الشمس(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 11.) و موثّق سعيد الأعرج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر أ هو إذا زالت الشمس؟ فقال بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك، إلّا في السفر(وسائل الشيعة 4: 145، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 17.) و منها: ما دلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ الحادث قدماً، و وقت فضيلة العصر بلوغه قدمين، كما في موثّق ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أُناس و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام؟ فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) النصف من ذلك أحبّ إليّ(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 22.) و منها: ما دلّ على أنّ وقت فضيلة الظهر بلوغ الظلّ إلى قامة، و وقت فضيلة العصر من القامة إلى قامتين من الزوال، كما في رواية يزيد بن خليفة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلّا سبحتك، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامةً و هو آخر الوقت، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين(وسائل الشيعة 4: 133، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 6.) ، و الرواية ضعيفة سنداً؛ لأنّ يزيد بن خليفة غير موثّق في كتب الرجال. و صحيح أحمد بن عمر الحلبي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر و العصر، فقال وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 9.) و لا يخفى: أنّه لم يقل أحد بكون وقت فضيلة العصر قامةً و نصف. و يدلّ أيضاً على وقت فضيلة الظهر من الزوال إلى القامة و في العصر من القامة إلى القامتين من الزوال، صحيح البزنطي قال: سألته عن وقت صلاة الظهر و العصر، فكتب قامة للظهر و قامة للعصر(وسائل الشيعة 4: 144، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 12.) و رواية محمّد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح (عليه السّلام) و هو يقول إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال، و أوّل وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان ، قلت: في الشتاء و الصيف سواء؟ قال نعم(وسائل الشيعة 4: 148، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 29.) و موثّق معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أتى جبرئيل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بمواقيت الصلاة، فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد الظلّ قامة فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح، ثمّ أتاه من الغد حين زاد في الظلّ قامة فأمره فصلّى الظهر، ثمّ أتاه حين زاد في الظلّ قامتان فأمره فصلّى العصر، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب، ثمّ أتاه حين ذهب ثلث الليل فأمره فصلّى العشاء، ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح، ثمّ قال: ما بينهما وقت(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) و منها: ما دلّ على أنّ ما بين الزوال و صيرورة الظلّ مثل الشاخص وقت فضيلة الظهر من حيث المبدأ و المنتهى، و إلى مثلي الشاخص وقت فضيلة العصر، كما في خبر محمّد بن حكيم قال: سمعت العبد الصالح (عليه السّلام) و هو يقول إنّ أوّل وقت الظهر زوال الشمس و آخر وقتها قامة من الزوال، و أوّل وقت العصر قامة و آخر وقتها قامتان ، قلت: في الشتاء و الصيف سواء، قال نعم. و حسنة أحمد بن عمر الحلبي عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر و العصر، فقال: وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظلّ قامة، و وقت العصر قامة و نصف إلى قامتين. و موثّقة معاوية بن وهب المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام). و الاستدلال بهذه الروايات على كون وقت فضيلة الظهرين صيرورة الظلّ مثل الشاخص في الظهر و مثليه في العصر، منوط على كون المراد من القامة قامة الإنسان؛ بأن جعل الإنسان قامة نفسه شاخصاً كما تقدّم. و لا يخفى: أنّ مدلول هذه الروايات هو المشهور بين فقهائنا؛ منهم المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و الشهيدان في «الدروس» و «اللمعة» و «الحواشي» و «الروضة» و «المسالك» و المحقّق الثاني في «جامع المقاصد» و غيرهم. و استشكل عليه بعض المعاصرين السيّد الخوئي بما حاصله: أنّ الأخبار الدالّة على أنّ وقت فضيلة الظهرين القدم و القدمان أو القدمان للظهر و أربعة أقدام للعصر كثيرة جدّاً بحيث لا يبعد دعوى تواترها إجمالًا و أنّها أخبار قطعية صدوراً عنهم (عليهم السّلام)؛ فلا مناص من طرح الروايات الدالّة على كون وقت فضيلة الظهرين من الزوال إلى مثل الشاخص في الظهر و إلى مثليه في العصر؛ لكونها مخالفة للسنّة القطعية أو مرجوحة؛ لكونها موافقة للعامّة(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 216 217.) انتهى ملخّصاً. و فيه: أنّه على فرض ثبوت شهرة مضمون هذه الروايات نقول بها، و إشكاله (رحمه اللَّه) في المسألة مبتن على إشكاله في حجية الشهرة. و لا يخفى أيضاً: أنّه يمكن الجمع بين أخبار القدم و القدمين و بين أخبار القدمين و أربعة أقدام بالحمل على مراتب الفضيلة، و أنّ إتيان الظهر في وقت بلوغ الظلّ قدماً أفضل من إتيانها في وقت بلوغه قدمين، و كذلك في العصر فهي بالنسبة إلى القدمين أفضل من إتيانها في أربعة أقدام. و يدلّ عليه موثّق ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أُناس و أنا حاضر. إلى أن قال: فقال بعض القوم: إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين و العصر على أربعة أقدام، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) النصف من ذلك أحبّ إليّ(وسائل الشيعة 4: 146، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 22.) و كذلك يمكن الجمع بين أخبار القدمين و الأربعة أقدام و بين أخبار الذراع و الذراعين بأنّ القدمين و الذراع متساويان مقداراً، و كذلك أربعة أقدام و ذراعين، كما ورد في بعض الأخبار؛ ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن وقت الظهر، فقال ذراع من زوال الشمس، و وقت العصر ذراعان (ع) من وقت الظهر، فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3 و 4.) و أمّا وجه أظهرية كون مبدإ فضيلة العصر أربعة أقدام أي أربعة أقدام الشاخص إذا كان الشاخص قامة إنسان فهو صحيح الفضلاء عن الصادقين (عليهما السّلام) قالا وقت الظهر بعد الزوال قدمان، و وقت العصر بعد ذلك قدمان(وسائل الشيعة 4: 140، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إذا مضى منه ذراعان صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 141، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إذا كان ذراعين صلّى العصر(وسائل الشيعة 4: 143، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 8، الحديث 10.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا وجه عدم البعد في أن يكون مبدأ وقت فضيلة العصر بعد مقدار أداء الظهر فصحيح ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): متى أُصلّي الظهر؟ فقال صلّ الزوال ثمانية، ثمّ صلّ الظهر، ثمّ صلّ سبحتك طالت أو قصرت ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 3.) و رواية مسمع بن عبد الملك قال إذا صلّيت الظهر فقد دخل وقت العصر، إلّا أنّ بين يديها سبحة، و ذلك إليك إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت(وسائل الشيعة 4: 132، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 4.) و صحيح محمّد بن أحمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن (عليه السّلام): روي عن آبائك القدم و القدمين و الأربع و القامة و القامتين و ظلّ مثلك و الذراع و الذراعين، فكتب (عليه السّلام) لا القدم و لا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، و بين يديها سبحة؛ و هي ثمان ركعات، فإن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر و العصر سبحة؛ و هي ثمان ركعات إن شئت طوّلت و إن شئت قصّرت، ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 134، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 5، الحديث 13.) فهذه الروايات تدلّ على أنّ أفضلية التأخير إلى القدمين و أربعة أقدام بالنسبة إلى المتنفّل. و أمّا من لا يريد التنفّل فالأفضل له إتيان الظهر في أوّل الزوال و فعل العصر بعد الظهر؛ و لذا قال صاحب «المدارك» (رحمه اللَّه): و يستفاد من رواية ذريح و غيرها أنّه لا يستحبّ تأخير العصر عن الظهر إلّا بمقدار ما يصلّي النافلة. و يؤيّده الروايات المستفيضة الدالّة على أفضلية أوّل الوقت. إلى أن قال: إنّ أكثر الروايات يقتضي استحباب المبادرة بالعصر عقيب نافلتها، من غير اعتبار للإقدام و الأذرع(مدارك الأحكام 3: 45.) انتهى.

ص: 72

ص: 73

ص: 74

ص: 75

ص: 76

ص: 77

ص: 78

و وقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق، و هو الحمرة المغربيّة، و هو أوّل فضيلة العشاء إلى ثلث اللّيل (1)،


1- و يدلّ عليه فِعلُ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلاة المغرب يوماً حين سقط القرص و العتمة حين غاب الشفق، و فعله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المغرب في يوم آخر قبل ذهاب الشفق و العتمة حين ذهب ثلث الليل، كما في رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول و صلّى المغرب حتّى تغيب الشمس، فإذا غاب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت المغرب إياب الشفق فإذا آب الشفق دخل وقت العشاء، و آخر وقت العشاء ثلث الليل(وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 3.) و موثّق ذريح المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أتى جبرئيل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فأعلمه مواقيت الصلاة، فقال: صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر، و صلّ الأُولى إذا زالت الشمس، و صلّ العصر بعيدها و صلّ المغرب إذا سقط القرص، و صلّ العتمة إذا غاب الشفق، ثمّ أتاه من الغد فقال: أسفر بالفجر فأسفر، ثمّ أخّر الظهر حين كان الوقت الذي صلّى فيه العصر و صلّى العصر بعيدها، و صلّى المغرب قبل سقوط الشفق، و صلّى العتمة حين ذهب ثلث الليل، ثمّ قال: ما بين هذين الوقتين وقت(وسائل الشيعة 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 8.)

ص: 79

فلها وقتا إجزاء: قبل ذهاب الشفق، و بعد الثلث إلى النصف (1). و وقت فضيلة الصبح من أوّله إلى حدوث الحُمرة المشرقيّة، و لعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلّل و الإسفار و تنوّر الصُّبح المنصوص بها (2).


1- يعني أنّ للعشاء وقتي إجزاء: أحدهما قبل ذهاب الشفق. و مبدؤه بعد مقدار أداء المغرب في أوّل وقته. و ثانيهما: بعد ثلث الليل إلى النصف.
2- لا إشكال و لا خلاف في كون أوّل وقت فضيلة الصبح هو حين طلوع الفجر الصادق، و أنّ منتهاه حدوث الحمرة في المشرق، و وقت إجزائه من الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. و ليس للصبح وقت مختصّ و لا مشترك؛ لعدم وجود الشريك معه في الوقت المحدود. و لا يخفى: أنّ المذكور في الروايات في بيان آخر وقت فضيلة الصبح هو عنوان التجلّل و الإسفار و التنوير و الإضاءة. و لم يرد في شي ء من الروايات المعتبرة عنوان حدوث الحمرة أو ظهورها، بل المذكور فيها هي العناوين المذكورة، كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال وقت الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء، و لا ينبغي تأخير ذلك عمداً و لكنّه وقت لمن شغل أو نسي أو نام(وسائل الشيعة 4: 207، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 1.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لكلّ صلاة وقتان، و أوّل الوقتين أفضلهما، و وقت صلاة الفجر حين ينشقّ الفجر إلى أن يتجلّل الصبح السماء.(وسائل الشيعة 4: 208، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 26، الحديث 5.) الحديث. و موثّق ذريح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ أتاه من الغد فقال أسفر بالفجر فأسفر(وسائل الشيعة 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 8.) و موثّق معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ أتاه حين نوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح(وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 5.) و رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول فإذا طلع الفجر و أضاء صلّى الغداة(وسائل الشيعة 4: 156، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 3.) و في «المستمسك»: و هذه العناوين لا تخلو من إجمال في نفسها، فضلًا عن ملازمتها لحدوث الحمرة المشرقية(مستمسك العروة الوثقى 5: 64.) انتهى.

ص: 80

[ (مسألة 7): المراد باختصاص الوقت: عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح]

(مسألة 7): المراد باختصاص الوقت: عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم أداء صاحبتها بوجه صحيح، فلا مانع من إتيان غير الشريكة فيه كصلاة القضاء من ذلك اليوم أو غيره، و كذا لا مانع من إتيان الشريكة فيه؛ إذا حصل فراغ الذمّة من صاحبة الوقت، فإذا قدم العصر سهواً على الظهر، و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، يصحّ إتيان الظهر في ذلك الوقت أداءً، و كذا لو صلّى الظهر قبل الزوال بظنّ دخول الوقت، فدخل الوقت قبل تمامها، لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ منها، و لا يجب التأخير إلى مُضيّ مقدار أربع ركعات، بل لو وقع تمام العصر في وقت الظهر صحّ على الأقوى، كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر، ثمّ تبيّن عدم إتيانه؛ و أنّ تمام العصر وقع في الوقت المختصّ بالظهر، لكن لا يُترك الاحتياط فيما لم يُدرك جزءاً من الوقت المشترك (1).


1- قد تقدّم في شرح المسألة السابقة بيان أنّ لكلّ من صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء وقتاً مختصّاً بها و وقتاً مشتركاً بين الظهرين و بين العشاءين، و ذكرنا هناك أيضاً وجه الاختصاص و الاشتراك، فراجع. و المقصود هنا بيان أن ليس المراد من الوقت المختصّ بكلّ من الصلوات أنّه لا يصحّ إتيان غير صاحبة الوقت في الوقت المختصّ أصلًا؛ أيّة صلاة كانت، و لو كانت غير الشريكة بصاحبة الوقت من سائر الصلوات، كما في شهر رمضان حيث لا يصحّ فيه صوم آخر غير صوم شهر رمضان؛ أيّ صوم كان. بل المراد منه: أنّه لا يصحّ إتيان خصوص الشريكة عمداً في الوقت المختصّ بصاحبة الوقت قبل إتيان صاحبة الوقت على وجه صحيح. و أمّا إتيان غير الشريكة من سائر الصلوات كالقضاء و المنذور المطلق مثلًا في ذلك الوقت فلا مانع منه أصلًا، و كذا لا مانع من إتيان الشريكة في وقت صاحبة الوقت إذا حصل فراغ الذمّة من الصاحبة. فلو صلّى العصر قبل صلاة الظهر سهواً في أيّ جزء من أجزاء الوقت و لم يبق من آخر الوقت إلّا بمقدار أربع ركعات، فهذا الوقت و إن كان مختصّاً بالعصر إلّا أنّ صلاة ظهره في فرض المسألة محكوم بالصحّة. و كذا لو صلّى ظهره قبل الزوال بظنّ دخول الوقت فضلًا عن العلم بدخوله و دخل الوقت في أثناء الصلاة قبل تمامها و لو قبل السلام صحّ ظهره، و لا مانع من إتيان العصر بعد الفراغ من الظهر بلا فصل، و إن وقع في الوقت المختصّ بالظهر؛ لأنّه دخل وقت العصر كالظهر بالزوال؛ لما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر و العصر، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 125، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 1.) و رواية عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن وقت الظهر و العصر، فقال إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) ، و في سند الرواية القاسم بن عروة أبو محمّد مولى أبي أيّوب الخوزي البغدادي قيل: إنّه حسن رواية فضل بن شاذان عنه، و فيه: أنّه لا يثبت مدحه بمجرّد رواية الفضل عنه. و غيرهما من روايات الباب و غيره. و المفروض عدم وقوع تمام الظهر قبل الوقت، بل وقع سلامه في الوقت؛ فلا يكون الظهر الكذائي مشمولًا لحديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ؛ فلا وجه حينئذٍ لوجوب تأخير العصر عن أوّل الزوال إلى مضيّ مقدار أربع ركعات. فالأقوى صحّة العصر الواقع في الوقت المختصّ بالظهر فيما أتى بالظهر قبل الزوال باعتقاد دخول وقته مع وقوع سلامه لا أقلّ في الوقت. و أمّا إذا وقع تمام العصر في الوقت المختصّ بالظهر كما لو اعتقد إتيان الظهر فصلّى العصر في وقت الظهر ففي صحّة العصر خلاف: فقال جماعة بالبطلان لعدم صلاحية الوقت المختصّ بالظهر لغيره، و كذا إذا أتى العشاء في الوقت المختصّ بالمغرب. و فيه: أنّ الوقت المختصّ ليس المراد منه أنّه لا يصلح غير صاحبته فيه مطلقاً، بل المراد منه كما تقدّم أنّه لا يصلح إتيان الشريكة فيه عمداً؛ لاشتراط الترتيب بين صاحبة الوقت و الشريكة حال الالتفات و الذكر لا واقعاً. و قد ذكرنا أنّه يدخل وقت الظهرين كليهما بالزوال، كدخول وقت العشاءين بغيبوبة الشمس. فالأقوى: صحّة العصر الواقع في الوقت المختصّ بالظهر عن غير عمد؛ لاقتضاء حديث «لا تعاد» إيّاها مع فرض دخول وقت العصر كالظهر بالزوال، و إن كان الأحوط إعادة العصر بعد إتيان الظهر فيما لم يقع جزء من صلاة عصره في الوقت المشترك.

ص: 81

ص: 82

ص: 83

[ (مسألة 8): لو قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمداً، بطل ما قدّمه]

(مسألة 8): لو قدّم العصر على الظهر أو العشاء على المغرب عمداً، بطل ما قدّمه؛ سواء كان في الوقت المختصّ أو المشترك (1)، و لو قدّم سهواً و تذكّر بعد الفراغ، صحّ ما قدّمه، و يأتي بالأُولى بعده (2)،


1- و ذلك لوجوب مراعاة الترتيب بين الظهرين و العشاءين حال الذكر. و يدلّ عليه رواية القاسم بن عروة عن عبيد بن زرارة المتقدّم، و رواية إسماعيل بن مهران قال: كتبتُ إلى الرضا (عليه السّلام): ذكر أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر، و إذا غربت دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة، إلّا أنّ هذه قبل هذه في السفر و الحضر، و أنّ وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب كذلك الوقت، غير أنّ وقت المغرب ضيق.(وسائل الشيعة 4: 130، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 20.) الحديث، و الرواية و إن كانت ضعيفة بسهل بن زياد و لكن مضمونها ممّا قام به الإجماع القطعي.
2- و ذلك أي صحّة ما قدّمه لحديث «لا تعاد»، و لقول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيح زرارة إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) ، حيث الأمر بنية الأُولى يدلّ على صحّة ما أتى به، و لكن صيرورته ظهراً بالنية معرض عنها عند الأصحاب. و لصحيح الحلبي قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر، قال فليجعل صلاته التي صلّى الاولى ثمّ ليستأنف العصر.(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 4.) الحديث، و هذا الصحيح أيضاً يدلّ على صحّة ما أتى به بنية العصر. ثمّ إنّه هل يحتسب ما أتى بنية العصر ظهراً كما هو صريح الصحيحين المزبورين أو أنّه يحتسب عصراً كما نواه و يأتي بالظهر بعده؟ فيه خلاف بين فقهائنا؛ المشهور أنّ ما أتى به بنية العصر يحتسب عصراً و لا وجه لاحتسابه ظهراً، و كذا لا وجه لنية العدول إلى الظهر بعد العمل غير الصحيحين المذكورين، و هما معرض عنهما؛ لفتوى المشهور على احتساب ما أتاه عصراً و إتيان الظهر بعده. و من قال بعدم حجّية الشهرة أفتى بوجوب العدول عمّا أتاه إلى الأُولى و إتيان العصر ثانياً بنية العصر، و تمسّك في فتواه إلى الصحيحين المزبورين.

ص: 84

و إن تذكّر في الأثناء عدل بنيّته إلى السابقة، إلّا إذا لم يبقَ محلّ العدول، كما إذا قدّم العشاء و تذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة، و الأحوط حينئذٍ الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب ثمّ العشاء، بل بطلان العشاء لا يخلو من قوّة (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أن يتذكّر في أثناء الصلاة الثانية أنّه سهى عن الاولى و لم يأتها مع بقاء محلّ العدول، كما إذا تذكّر قبل تسليم صلاة العصر أو قبل ركوع الركعة الرابعة في العشاء، فحينئذٍ يجب العدول إلى السابقة و إتمامها ظهراً أو مغرباً ثمّ إتيان العصر و العشاء. و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى. إلى أن قال و إن كنت ذكرتها أي المغرب و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) ، حيث إنّ هذا الصحيح معمول به بالنسبة إلى العدول إلى السابقة في الأثناء، من غير فرق بين الوقت المختصّ و المشترك عندنا، و إن كان معرضاً عنه بالنسبة إلى العدول بعد الفراغ. و في بعض الروايات تفصيل بين الظهرين و العشاءين، و أنّه يجب العدول إلى الظهر فيما إذا تذكّر في أثناء العصر، و وجوب إتمام العشاء إذا تذكّر في أثنائها. و وجه التفصيل رواية الحسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي الأُولى حتّى صلّى ركعتين من العصر، قال فليجعلها الاولى و ليستأنف العصر ، قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر، قال فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعدُ المغرب ، قال: قلت له: جعلت فداك قلتَ حين نسي الظهر ثمّ ذكر و هو في العصر يجعلها الاولى ثمّ يستأنف، و قلتَ لهذا يتمّ صلاته بعد المغرب، فقال ليس هذا مثل هذا؛ إنّ العصر ليس بعدها صلاة و العشاء بعدها صلاة(وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.) أقول: الرواية ضعيفة بالحسن بن زياد الصيقل؛ لعدم توثيقه. و في «الوسائل»: هذا محمول على تضييق وقت العشاء دون العصر، انتهى. و يدلّ على هذا الحمل قوله (عليه السّلام) في الرواية ثمّ ليقض بعدُ المغرب ، حيث إنّ الأمر بقضاء المغرب دليل على كون الوقت مختصّاً للعشاء أداءً؛ فلا يجوز في ذلك الوقت العدول إلى المغرب. الثانية: أن يتذكّر في أثناء الصلاة الثانية أنّه سهى عن الاولى مع عدم بقاء محلّ العدول، كما إذا تذكّر بعد الدخول في ركوع الرابعة من العشاء؛ فإنّه لا محلّ حينئذٍ للعدول إلى المغرب. و هل يحكم بإتمام ما في يده عشاءً، ثمّ إتيان المغرب بعدها، أو يحكم ببطلانه و إتيان المغرب مترتّباً عليه إتيان العشاء؟ المشهور هو بطلان العشاء، و وجهه على ما في «تقريرات» بعض المعاصرين السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) بما حاصله: أنّ الترتيب كما هو معتبر بين أحد الواجبين بأن تقع هذا قبل هذا كذلك يعتبر في أجزاء الواجبين بأن يقع كلّ جزء منهما بعد الواجب الآخر و من حيث إنّ المفروض أنّه أتى ثلاث ركعات ممّا في يده بنية العشاء حال الغفلة عن إتيان المغرب فلا يعتبر الترتيب فيها و تقديمها على المغرب من غير ذكر لا يضرّ. و أمّا الركعة الرابعة فقد تذكّر بعد ركوعها بأنّ ما في يده عشاء، و في الحقيقة تكون الركعة الرابعة من العشاء مقدّمة على المغرب حال الذكر و الالتفات؛ فوجوب مراعاة الترتيب و تقديم المغرب حال الذكر على العشاء يقتضي بطلان العشاء الواقعة ركعتها الأخيرة و لو سلامها قبل المغرب حال الالتفات و الذكر(التنقيح في شرح العروة الوثقى 1: 292 293.) انتهى ملخّصاً. و قال السيّد الحكيم و الشاهرودي (قدّس سرّهما) في حاشيتهما على «العروة الوثقى»(مستمسك العروة الوثقى 5: 90، العروة الوثقى 1: 520، الهامش 4.) تبعاً لجماعة منهم كاشف اللثام بصحّة ما في يده و إتمامه عشاء و يأتي بالمغرب بعدها؛ و ذلك لحديث «لا تعاد» حيث إنّه لا يختصّ بما بعد العمل؛ فيشمل ما إذا كان التذكّر في أثناء العمل. فإذا تذكّر نقصان جزء أو شرط فيما تقدّمه من العمل و هو في أثنائه جرى فيه الحديث، كما إذا تذكّر في أثناء الصلاة عدم تستّره في الركعات المتقدّمة مع كونه متستّراً حال ذكره جرى فيه حديث «لا تعاد». أقول: و لو لا الشهرة في بطلان ما في يده لقلنا بصحّته لحديث «لا تعاد»، و لأنّ ما يدلّ على الترتيب ظاهر في وجوب تقديم الاولى على الثانية حال الذكر و الالتفات من ابتداء الصلاة، كما هو المستفاد من قوله (عليه السّلام) إلّا أنّ هذه قبل هذه ، و لكن الشهرة قامت على البطلان. و الأحوط إتمام ما في يده عشاءً ثمّ إتيان المغرب ثمّ العشاء.

ص: 85

ص: 86

ص: 87

[ (مسألة 9): إن بقي للحاضر مقدار خمس ركعات إلى الغروب و للمسافر ثلاث، قدّم الظهر]

(مسألة 9): إن بقي للحاضر مقدار خمس ركعات إلى الغروب و للمسافر ثلاث، قدّم الظهر و إن وقع بعض العصر في خارج الوقت (1)،


1- إذا بقي من وقت الظهرين إلى الغروب مقدار خمس ركعات للحاضر فإن قدّم صلاة الظهر لزم وقوع ثلاث ركعات منها في الوقت المختصّ بالعصر و وقوع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت، و إن قدّم صلاة العصر وقعت ركعة منها في الوقت المشترك و ثلاث ركعات منها في الوقت المختصّ بها؛ فمقتضى مراعاة الترتيب هو تقديم الظهر و إن وقع ثلاث ركعات من العصر خارج الوقت، و مقتضى اختصاص آخر الوقت بالعصر هو تقديمها على الظهر؛ و حينئذٍ يقع التزاحم بينهما؛ فالواجب تقديم الظهر، و وقوع ركعة من العصر في الوقت، كوقوعها تامّة في الوقت؛ للقاعدة المسلّمة؛ و هي أنّه «من أدرك ركعة من الوقت أدرك الوقت تماماً». و يدلّ على هذه القاعدة ما رواه الشهيد (رحمه اللَّه) في «الذكرى» عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) ، قال: و عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من أدرك ركعة من العصر قبل أن يغرب الشمس فقد أدرك العصر(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 5.) و قد وردت بعض الروايات في خصوص صلاة الغداة، و لم يقل أحد بالفصل بينها و بين سائر الصلوات؛ ففي موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ و قد جازت صلاته(وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 1.) و رواية الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة(وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 2.) ، و رواية اخرى لعمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ الصلاة و قد جازت صلاته، و إن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصلاة و لا يصلّي حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها(وسائل الشيعة 4: 217، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 3.) و ضعف سند بعض هذه الروايات منجبر بالإجماع القطعي، هذا كلّه في الحاضر. و كذا المسافر إذا بقي له مقدار ثلاث ركعات من الوقت قدّم ظهره.

ص: 88

ص: 89

و إن بقي للحاضر أربع ركعات أو أقلّ، و للمسافر ركعتان أو أقلّ، صلّى العصر (1)، و إن بقي للحاضر إلى نصف الليل خمس ركعات أو أكثر، و للمسافر أربع ركعات أو أكثر، قدّم المغرب، و إن بقي للحاضر و المسافر إليه أقلّ ممّا ذكر قدّم العشاء (2)، و يجب المبادرة إلى إتيان المغرب بعده إن بقي مقدار ركعة أو أزيد، و الظاهر كونه أداءً، و إن كان الأحوط عدم نية الأداء و القضاء (3).


1- لاختصاص الوقت بالعصر، و لا يجوز إتيان الظهر فيه مع عدم إتيان العصر قبلها صحيحاً، و مع إتيان العصر قبل الظهر صحيحاً كما لو أتاها قبلها سهواً جاز له إتيان الظهر في الوقت المختصّ للعصر.
2- و ذلك لعين ما ذكر في الظهرين للحاضر و المسافر، و لا يجوز للحاضر تقديم المغرب إذا بقي إلى نصف الليل بمقدار أربع ركعات، و إن أمكن له إتيان ركعة من العشاء في الوقت قبل انتصاف الليل بعد إتيان المغرب؛ و ذلك لاختصاص الوقت مقدار أربع ركعات إلى نصف الليل بالعشاء؛ فلا يجوز إتيان غيرها فيه. و كذلك المسافر.
3- وجه وجوب المبادرة إلى إتيان المغرب بعد العشاء فيما بقي بمقدار ركعة أو أزيد، هو كون هذا المقدار من الوقت وقتاً للمغرب أيضاً بحسب الأدلّة. و اختصاص هذا الوقت للعشاء و وجوب الترتيب المقتضي لتقديم المغرب إنّما هو فيما لم يأت العشاء قبل المغرب صحيحاً، و بعبارة اخرى: اختصاص آخر الوقت بصاحبته إنّما هو فيما لم يأت صاحبته قبلًا بوجه صحيح لا مطلقاً. و إذا فرض وجوب تقديم العشاء فيما بقي إلى نصف الليل مقدار أقلّ من خمس ركعات للحاضر و أقلّ من أربع ركعات للمسافر و قدّمها فقد أتاها بوجه صحيح، و بعد إتيانها رأى بقاء مقدار ركعة أو أزيد من الوقت وجب المبادرة إلى إتيان المغرب؛ لكون هذا المقدار وقتاً لها. و يجب نيّة الأداء و إن كان الأحوط استحباباً عدم نية القضاء و الأداء.

ص: 90

[ (مسألة 10): يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس]

(مسألة 10): يجوز العدول من اللاحقة إلى السابقة بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر أو المغرب، فتبيّن في الأثناء أنّه صلّاهما، لا يجوز له العدول إلى اللاحقة، بخلاف ما إذا دخل في الثانية بتخيّل أنّه صلّى الاولى، فتبيّن في الأثناء خلافه، فإنّه يعدل إلى الاولى إن بقي محلّ العدول (1).


1- مقتضى اشتراط الترتيب حال الالتفات و الذكر عدم صحّة العصر الواقع قبل الظهر عمداً، و لا صحّة العشاء الواقعة قبل المغرب كذلك. و لا يشترط الترتيب حال الغفلة و السهو؛ فمن صلّى العصر ثمّ التفت و تذكّر أنّه لم يصلّ الظهر يصلّي الظهر بعد العصر، و كذا في العشاءين، هذا إذا تذكّر بعد الفراغ عن العصر و العشاء أنّه لم يصلّ الظهر أو المغرب. و أمّا إذا تذكّر في أثناء إحدى الصلاتين المترتّبتين أنّه لم يصلّ الأُخرى فهل يجوز له العدول ممّا في يده إلى الأُخرى أم لا؟ ففيه صورتان جاز له العدول في إحداهما دون الأُخرى. و قبل ذكر الصورتين لا بدّ أن يعلم أنّ كلّ صلاة يمتاز عمّا سواها بالنية و قصد أمرها و إن كانت مشابهة لصلاة أُخرى، كالظهرين حيث إنّهما حقيقتان مختلفتان تمتاز إحداهما عن الأُخرى بالنية و قصد أمرها. فمقتضى اختلافهما بالحقيقة عدم جواز العدول عن إحداهما إلى الأُخرى؛ لاستلزام العدول انقلاب حقيقة المعدول عنه إلى حقيقة أُخرى. فما شرع فيه بنية الظهر و قصد أمره يتّصف بالظهرية في الواقع، و العدول عنه إلى العصر يستلزم انقلاب حقيقة الظهر إلى حقيقة العصر؛ فلا يجوز العدول إلّا فيما قام الدليل على جوازه تعبّداً. و أمّا الصورتان: فإحداهما العدول من اللاحقة إلى السابقة، و الأُخرى العدول من السابقة إلى اللاحقة، و الأوّل يجوز دون الثاني؛ سواء فيه الظهران و العشاءان. و الوجه في جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع، و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر. إلى أن قال (عليه السّلام) و إن كنت ذكرتها أي صلاة المغرب و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) ، فهذا الصحيح يدلّ صريحاً على جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة في الظهرين و العشاءين. و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاولى، قال فليجعلها الأُولى التي فاتته و يستأنف العصر و قد قضى القوم صلاتهم(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.) ، و هذا يدلّ على جواز العدول من العصر إلى الظهر، و غيرهما من روايات الباب. و لا دليل على جوازه من السابقة إلى اللاحقة، و قد تقدّم البحث في العدول عن اللاحقة بعد إتمامها إلى السابقة في شرح قوله (رحمه اللَّه): «و إن تذكّر في الأثناء عدل بنيته إلى السابقة، إلّا إذا لم يبق محلّ العدول» في ضمن المسألة الثامنة، فراجع.

ص: 91

ص: 92

[ (مسألة 11): لو كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات]

(مسألة 11): لو كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات، فشرع في الظهر مثلًا ثمّ نوى الإقامة في الأثناء، بطلت صلاته، و لا يجوز له العدول إلى اللاحقة فيقطعها و يشرع فيها، كما أنّه إذا كان في الفرض ناوياً للإقامة، فشرع في اللاحقة، ثمّ عدل عن نية الإقامة، يكون العدول إلى الأُولى مُشكلًا (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أنّه لو كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات كانت وظيفته تقديم الظهر على العصر يصلّيهما قصراً. و إذا شرع في الظهر بنية القصر و بدا له الإقامة في الأثناء فهو لا يخلو من حالين: إمّا أن يتمّ صلاته ظهراً، و إمّا أن يعدل منه إلى العصر: فالأوّل لا يجوز؛ لأنّه إذا نوى الإقامة صار الوقت بتمامه مختصّاً للعصر؛ فلا يصحّ إتيان الظهر فيه. و الثاني عدول من السابقة إلى اللاحقة، و قد تقدّم أنّه لا دليل على جوازه؛ فيبطل الظهر على أيّ حال، فيقطعه و يشرع في العصر. الثانية: أنّه إذا كان مسافراً و بقي من الوقت مقدار أربع ركعات و نوى الإقامة و شرع في العصر حسب الوظيفة لاختصاص الوقت به ثمّ عدل عن نية الإقامة و بدّلت وظيفته إلى القصر و قد بقي له مقدار أربع ركعات من الوقت ركعتان للظهر قصراً و ركعتان للعصر كذلك فهل يجوز له العدول عمّا دخل فيه عصراً إلى الظهر قصراً ثمّ إتيان العصر كذلك مراعاةً للترتيب بينهما؟ فقال جماعة بجواز العدول؛ لصحيحي زرارة و الحلبي المتقدّمين، و به قال السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين و السيّد الأصبهاني (رحمه اللَّه) في «وسيلة النجاة»، و هو المختار. و استشكل جماعة من فقهائنا و قالوا بأنّه لا يجوز العدول، بل يجب قطع ما بيده و إتيان الصلاتين قصراً بالترتيب و لو بإدراك ركعة من العصر؛ لأنّ مورد العدول في الصحيحين ما إذا كان المكلّف مأموراً في الواقع بصلاتين مترتّبتين كالظهرين مثلًا لكنّه شرع في اللاحقة لنسيان السابقة و تذكّر في الأثناء أنّه لم يأت السابقة، فيعدل نيته من اللاحقة إلى السابقة. و هذا بخلاف مفروض المسألة فإنّ المكلّف القاصد للإقامة وظيفته في الواقع صلاة واحدة و هي العصر أربع ركعات لا صلاتين مترتّبتين نسي سابقتهما و دخل في لاحقتهما حتّى يكون من موارد العدول. نعم إذا عدل عن نية الإقامة في أثناء الصلاة تبدّلت وظيفته من الإتمام إلى القصر لتبدّل عنوان المقيم إلى عنوان المسافر. و بالجملة: مورد النصّ من كان مأموراً واقعاً بتقديم السابقة على اللاحقة؛ فلا يشمل من كان مكلّفاً بتقديم اللاحقة على السابقة؛ لكونه ناوياً للإقامة ثمّ انقلب إلى موضوع آخر و صار مسافراً و وجب عليه تقديم ظهره على عصره؛ فلا بدّ من الحكم ببطلان ما بيده و وجوب الإتيان بالظهر ركعتين و العصر كذلك، هذا خلاصة ما أفاده بعض الأعلام السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في توجيه الاستشكال(التنقيح في شرح العروة الوثقى، الصلاة 1: 312.) و لك أن تقول: إنّ المسافر حال نية الإقامة وظيفته في الواقع صلاة واحدة أربعة ركعات عصراً، و إذا عدل عن نية الإقامة و هو في الصلاة تبدّلت وظيفته من صلاة واحدة أربع ركعات إلى صلاتين ركعتين ركعتين، و يصدق عليه حال العدول عن نية الإقامة أنّه مكلّف واقعاً بصلاتين مترتّبتين و هو شاغل باللاحقة، فله العدول إلى السابقة.

ص: 93

ص: 94

[ (مسألة 12): يجب على الأحوط على ذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أوّل وقتها]

(مسألة 12): يجب على الأحوط على ذوي الأعذار تأخير الصلاة عن أوّل وقتها مع رجاء زوالها في الوقت، إلّا في التيمّم، فإنّه يجوز فيه البدار إلّا مع العلم بارتفاع العذر فيه، كما مرّ في بابه (1).


1- يجوز لمن أحرز عدم ارتفاع العذر في جميع الوقت إتيان الصلاة في أيّ جزء من أجزاء الوقت المضروب لها. و وجه وجوب تأخير ذوي الأعذار غير التيمّم صلاتهم عن أوّل وقتها مع رجاء زوالها في الوقت، هو أنّ المعذور عن إتيان صلاة كاملة واجدة لجميع الأجزاء و الشرائط لفقد شرط من شرائطها أو جزء من أجزائها مكلّفٌ على إتيان صلاة عذرية في الوقت كلّه فيما أحرز عدم تمكّنه في كلّ جزء من أجزاء الوقت من إتيان الكاملة؛ فلو علم أو ظنّ أو احتمل احتمالًا عقلائياً بزوال عذره و لو في جزء من الوقت وجب تأخيره إلى ذلك الجزء؛ فلا بدّ في جواز إتيان الصلاة العذرية في أوّل الوقت أو وسطه من إحراز بقاء العذر في جميع الوقت؛ فلا يجوز له البدار و إتيانها قبل آخر الوقت ما لم يحرز عجزه عن الصلاة التامّة في تمام الوقت. و بعبارة اخرى: التكليف الاضطراري ثابت في ظرف عذر المكلّف عن التكليف الاختياري، و التكليف الاختياري يسقط عن الفعلية فيما يستمرّ العجز من أوّل الوقت إلى آخره، و لا يكفي في سقوطه و ثبوت التكليف الاضطراري وجود العذر في بعض الوقت. و أمّا التيمّم فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ و قال جماعة بجواز البدار و إن احتمل ارتفاع العذر في آخر الوقت بل أو ظنّ به؛ منهم العلّامة (رحمه اللَّه) في بعض كتبه ك «المنتهى» و «التحرير» و الشهيد في «البيان» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و صاحب «المدارك»، و قوّاه صاحب «الجواهر» و نسبه إلى الصدوق و غيره، و اختاره السيّد اليزدي (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها. و استدلّ لهذا القول بصحيح الحلبي قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل و قد أجزأه صلاته التي صلّى(وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 4.) و صحيح ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إذا لم يجد الرجل طهوراً و كان جنباً فليمسح من الأرض و ليصلّ، فإذا وجد ماءً فليغتسل و قد أجزأته صلاته التي صلّى(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 7.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): فإن أصاب الماء و قد صلّى بتيمّم و هو في وقت؟ قال تمّت صلاته و لا إعادة عليه(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 9.) و موثّق أبي بصير بعثمان بن عيسى قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل تيمّم و صلّى ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت، فقال ليس عليه إعادة الصلاة(وسائل الشيعة 3: 369، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 11.) و موثّق يعقوب بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل تيمّم و صلّى ثمّ أصاب الماء و هو في وقت، قال قد مضت صلاته و ليتطهّر(وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 14.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أجنب فتيمّم بالصعيد و صلّى ثمّ وجد الماء، قال لا يعيد، إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد؛ فقد فعل أحد الطهورين(وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 15.) و صحيح العيص قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يأتي الماء و هو جنب و قد صلّى، قال يغتسل و لا يعيد الصلاة(وسائل الشيعة 3: 370، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 16.) و قال جماعة أُخرى بوجوب تأخير الصلاة للمتيمّم إلى آخر الوقت، و نسب هذا القول إلى المشهور مطلقاً أو عند المتقدّمين، و حكي عن «الناصريات» و «الانتصار» و «شرح جمل» القاضي و «الغنية» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بصحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم و ليصلّ في آخر الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، و ليتوضّأ لما يستقبل(وسائل الشيعة 3: 366، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 3.) و مرسل جعفر بن بشير عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل، قال يتيمّم و يصلّي، فإذا أمن البرد اغتسل و أعاد الصلاة(وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 6.) و صحيح يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماءً أ يتوضّأ و يعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ و أعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 8.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول إذا لم تجد ماءً و أردت التيمّم فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض(وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 1.) و موثّق عبد اللَّه بن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل أمَّ قوماً و هو جنب و قد تيمّم و هم على طهور، قال لا بأس، فإذا تيمّم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن تفوته الأرض(وسائل الشيعة 3: 384، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 3.) و موثّقه الآخر قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أجنب فلم يجد ماءً يتيمّم و يصلّي؟ قال لا، حتّى آخر الوقت، إنّه إن فاته الماء لم تفته الأرض(وسائل الشيعة 3: 385، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 22، الحديث 4.) و يمكن الجمع بين هذه الأخبار و بين الأخبار السابقة الدالّة على جواز البدار و التيمّم و الصلاة قبل آخر الوقت، بحمل هذه الأخبار على استحباب الاغتسال أو التوضّي و إعادة الصلاة في الوقت لمن وجد الماء فيه. و يظهر من بعض الأخبار استحباب الإعادة لمن صلّى بالتيمّم و وجد الماء قبل انقضاء الوقت، كما في موثّق منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل تيمّم فصلّى ثمّ أصاب الماء، فقال أمّا أنا فكنت فاعلًا، إنّي كنت أتوضّأ و أُعيد(وسائل الشيعة 3: 368، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 10.) و في ذيل حديث محمّد بن حمران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و اعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت(وسائل الشيعة 3: 382، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 21، الحديث 3.) و في «الوسائل»: القرائن ظاهرة في هذه الأحاديث الدالّة على تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لمن وظيفته التيمّم على أنّ المفروض رجاء زوال العذر، فالأخير أي حديث محمّد بن حمران محمول على ذلك أو على الاستحباب بدلالة لفظ «ينبغي»(وسائل الشيعة 3: 385، ذيل الحديث 5.) انتهى. و فصّل جماعة من فقهائنا و قالوا بجواز التقديم مع العلم باستمرار العجز و عدمه مع عدمه، و نسب هذا القول إلى المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «النهاية» و «التذكرة» و «المختلف» و «القواعد» و الشهيد. و «جامع المقاصد» بعد اختيار هذا القول نسبه إلى أكثر المتأخّرين، و في «الروضة»: أنّه الأشهر بين المتأخّرين. و استدلّ على هذا التفصيل بصحيحي زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّمين، و موثّق عبد اللَّه بن بكير المتقدّم؛ فيكون هذا الصحيحان و الموثّق أخصّ مطلقاً ممّا دلّ على عدم وجوب الإعادة؛ فيحمل ما دلّ على عدم وجوب الإعادة بصورة العلم بعدم وجدان الماء. و كذلك يكون الصحيحان و الموثّق أخصّ مطلقاً ممّا دلّ على وجوب الإعادة مطلقاً؛ فيحمل ما دلّ على وجوب الإعادة على صورة رجاء وجدان الماء، و تفصيل الجواب عن هذا القول موكول إلى محلّه.

ص: 95

ص: 96

ص: 97

ص: 98

[ (مسألة 13): الأقوى جواز التطوّع في وقت الفريضة ما لم يتضيّق]

(مسألة 13): الأقوى جواز التطوّع في وقت الفريضة ما لم يتضيّق، و كذا لمن عليه قضاؤها (1).


1- في جواز التطوّع في وقت الفريضة و عدمه قولان: ذهب جماعة إلى الجواز؛ منهم الشهيدان في «الذكرى» و «الدروس» و «المسالك» و الكركي في «جامع المقاصد» و المحقّق الأردبيلي في «مجمع الفائدة» و صاحب «المدارك» و غيرهم، و في «الدروس»: أنّه الأشهر. و ذهب جماعة أُخرى إلى المنع؛ منهم الشيخان المفيد و الطوسي و العلّامة في بعض كتبه، و في «الذكرى»: أنّه المشهور بين متأخّري الأصحاب، و في «المعتبر»: أنّ المنع مذهب أصحابنا. و استدلّ للأوّل: بإطلاق الأمر بالنافلة قبل الفريضة، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها ثمّ اقض ما شئت(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) و استدلّ أيضاً بالنصوص الواردة في جواز قضاء النوافل في وقت الفريضة، كموثّق أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إن فاتك شي ء من تطوّع الليل و النهار فاقضه عند زوال الشمس، و بعد الظهر عند العصر، و بعد المغرب و بعد العتمة و من آخر السحر(وسائل الشيعة 4: 277، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 57، الحديث 10.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل نسي صلاة الليل و الوتر فيذكر إذا قام في صلاة الزوال، فقال يبدأ بالنوافل (بالزوال)، فإذا صلّى الظهر صلّى صلاة الليل و أوتر ما بينه و بين العصر أو متى أحبّ(وسائل الشيعة 4: 263، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 49، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته (سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام)) عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة و هو حقّ اللَّه، ثمّ ليتطوّع ما شاء، ألا هو (الأمر) موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل إلّا أن يخاف فوت الفريضة، و الفضل إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت(وسائل الشيعة 4: 226، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 1.) و صحيح عمر بن يزيد من طريق عمرو بن عثمان لا من طريق محمّد بن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن صلاة الليل و الوتر بعد طلوع الفجر، فقال صلّها بعد الفجر حتّى يكون في وقت تصلّي الغداة في آخر وقتها، و لا تعمّد ذلك في كلّ ليلة و قال أوتر أيضاً بعد فراغك منها(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 1.) و صحيح سليمان بن خالد قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ربّما قمتُ و قد طلع الفجر فأُصلّي صلاة الليل و الوتر و الركعتين قبل الفجر، ثمّ أُصلّي الفجر ، قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال نعم، و لا يكون منك عادة(وسائل الشيعة 4: 261، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 3.) و رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر فإن أنا بدأت بالفجر صلّيتها في أوّل وقتها، و إن بدأت بصلاة الليل و الوتر صلّيت الفجر في وقت هؤلاء، فقال ابدأ بصلاة الليل و الوتر، و لا تجعل ذلك عادة(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 5.) ، و في سند الرواية وقع المرزبان بن عمران و هو إمامي لم يثبت وثاقته و لا مدحه، نعم نقل هو نفسه أنّه سأل عن الرضا (عليه السّلام) كونه من شيعتهم و أنّ اسمه مكتوب عندهم (عليهم السّلام)، و نقله لا يثبت حسنه. و حسن إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقوم و قد طلع الفجر و لم أُصلّ صلاة الليل، قال صلّ صلاة الليل و أوتر و صلّ ركعتي الفجر(وسائل الشيعة 4: 262، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 48، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و في «الجواهر»: و لكثير من النصوص المتفرّقة في الأبواب و كتب الأدعية في خصوص بعض نوافل في أوقات الفرائض، مثل الصلوات الواردة بين الظهرين؛ خصوصاً يوم الجمعة، و بين المغرب و العشاء مطلقاً كالغفيلة و غيرها ممّا عرفت، أو في بعض الأزمنة كشهر رمضان، و ليالي الجمع و غيرها، كثرة يعسر استقصاؤها. و يبعد معها دعوى اختصاصها ككثير من النصوص المتقدّمة سابقاً في الرواتب(جواهر الكلام 7: 241.) انتهى. و استدلّ للقول الثاني بموثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 3.) و موثّق زياد بن أبي عتاب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها فلا تضرّك أن تترك ما قبلها من النافلة(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 4.) و صحيح نجية قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): تدركني الصلاة و يدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام) لا، و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 5.) ، نجية بالنون و الجيم و الياء المشدّدة أو المخفّفة، أو بخية بالباء و الخاء و الياء، أو نجبة بالنون و الجيم و الباء، قال الكشّي: إنّ حمدويه نقل عن محمّد بن عيسى أنّ نجبة بن الحرث شيخ صادق كوفي صديق علي بن يقطين(اختيار معرفة الرجال: 452.) و رواية أديم بن الحرّ قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة قال: و قال إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 6.) و صحيح عبد اللَّه بن محمّد أبي بكر الحضرمي عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) قال إذا دخل وقت صلاة فريضة فلا تطوّع(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 7.) و رواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب حريز بن عبد اللَّه عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا تصلّ من النافلة شيئاً في وقت الفريضة فإنّه لا تقضي نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت فريضة فابدأ بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 8.) ، و غيرها من روايات الباب. و قد يستدلّ أيضاً بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال قبل الفجر، إنّهما من صلاة الليل ثلاث عشرة ركعة صلاة الليل، أ تريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر رمضان أ كنت تطوّع إذا دخل عليك وقت الفريضة؟! فابدأ بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 264، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 50، الحديث 3.) و صحيح آخر له عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها. إلى أن قال و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 3.) و ما رواه الشهيد في «الذكرى» بسنده الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة.(وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 6.) الحديث. و الجواب عن هذا القول: أنّ أكثر الروايات المذكورة المستدلّ بها للقول الثاني و إن كان صحيحاً سنداً إلّا أنّ المنع فيها محمولة على المرجوحية و أنّ النافلة في وقت الفريضة أي وقت فضيلتها مرجوحة؛ أي أقلّ ثواباً، هذا بناءً على كون النهي عن النافلة في ذلك الوقت ذاتياً. و يمكن أن يكون النهي عنها عرضيا للإرشاد إلى أهمّية مصلحة الفريضة؛ و حينئذٍ فإن تنفّل في وقت فضيلة الفريضة فقد فاتت عنه ما هو أهمّ من مصلحة الفريضة، فلا تكون كراهة في التنفّل في وقت فضيلة الفريضة، بل هو تفويت مصلحة أهمّ من مصلحة النافلة. و لا يخفى: أنّ في جملة من الأخبار المذكورة أمراً بقضاء النافلة بعد الفريضة، و الأمر بقضائها بعدها يدلّ على أنّ للنافلة وقتاً مخصوصاً بما قبل الفريضة بحيث إذا دخل وقت الفريضة و لم تؤت النافلة قبلها تكون النافلة قضاء، فهي تدلّ على مشروعية إتيان النافلة قبل الفريضة؛ و حينئذٍ فلا مجال للقول بعدم جواز إتيان النافلة في وقت الفريضة قبلها. بل لنا أن نقول: إنّه بالزوال مثلًا يدخل وقت الظهرين، و للمكلّف أن يتنفّل بنافلة الظهر إلى المثل و بنافلة العصر إلى المثلين؛ فقد كان تنفّله في وقت الظهرين و قبل وقت فضيلتهما. و بهذا البيان يجمع بين الأخبار المتمسّك بها من القائلين بالقولين المذكورين.و أمّا وجه جواز التطوّع لمن عليه قضاء الفريضة هو إطلاق الأمر بالنافلة حتّى في وقت الفريضة؛ سواء كانت نافلة الرواتب أو غيرها، و سواء كان عليه قضاء اليومية أو لا. و يشهد له رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) ، رواه السيّد ابن طاوس في كتاب «غياث سلطان الورى».

ص: 99

ص: 100

ص: 101

ص: 102

ص: 103

ص: 104

[ (مسألة 14): لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى]

(مسألة 14): لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى، أو عوّل على أمارة معتبرة كشهادة العدلين، فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، و إن وقع بعضها فيه و لو قليلًا منها صحّت (1).


1- من صلّى اعتقاداً جازماً بدخول الوقت أو اعتماداً على أمارة معتبرة شرعاً كشهادة العدلين فبان له وقوع تمام الصلاة قبل الوقت مثلًا بطلت صلاته. و يدلّ عليه قبل الإجماع بكلي قسميه حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة، الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: فمن صلّى لغير القبلة أو في يوم غيم لغير الوقت، قال يعيد(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 3.) و صحيح آخر له قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 4.) و صحيح ثالث له عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل صلّى الغداة بليل، غرّه من ذلك القمر و نام حتّى طلعت الشمس فأخبر أنّه صلّى بليل، قال يعيد صلاته(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 5.) و صحيح الحسن بن زياد العطّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لئن أُصلّي الظهر في وقت العصر أحبّ إليّ من أن أُصلّي قبل أن تزول الشمس؛ فإنّي إذا صلّيتُ قبل أن تزول الشمس لم تحسب لي، و إذا صلّيت في وقت العصر حسبت لي(وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 8.) و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى في غير وقت فلا صلاة له(وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 7.) و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى في غير وقت فلا صلاة له(وسائل الشيعة 4: 169، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 10.) ، قد وقع في سند الرواية سلمة بن الخطّاب الراوستاني و كان ضعيفاً في حديثه، كما عن «خلاصة» العلّامة و النجاشي. و صحيح رابع لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً(وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.) و أمّا من صلّى باعتقاد دخول الوقت جازماً أو اعتماداً على الأمارة المعتبرة، و بان وقوع بعض صلاته و لو قليلًا منها حتّى السلام في الوقت صحّت صلاته. و في «الجواهر»: لم يعد على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل لا أعرف فيه خلافاً إلّا من المرتضى و تبعه بعض متأخّري المتأخّرين و الفاضل في «المختلف» في أوّل كلامه و تردّد (رحمه اللَّه) في آخره(جواهر الكلام 7: 276.) انتهى. و استدلّ عليه برواية إسماعيل بن رياح بالياء أو الباء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة فقد أجزأت عنك(وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.) ، و الرواية و إن كانت ضعيفة سنداً بإسماعيل بن رياح حيث لم يوثق و لم يرد فيه مدح لكنّها مشهورة بين الفقهاء إلّا أن يعتمد برواية ابن أبي عمير عنه؛ و لذا قال في «التعليقة»: إنّه يروي عنه ابن أبي عمير في الصحيح، و كيف كان: فسند الرواية على فرض ضعفه منجبر بالشهرة. و استدلّ أيضاً بأصالة البراءة إذا ظهر له الحال بعد الفراغ عن الصلاة. و قد يستدلّ بقاعدة الإجزاء، و لا يخفى: أنّ القاعدة تجري في صورة حصول الظنّ بدخول الوقت في مفروض المسألة، و قد أمر الشارع بوجوب العمل بالظنّ الحاصل من طريق معتبر على دخول الوقت أو بالبيّنة؛ فالمكلّف إذا ظنّ بدخول الوقت فهو مأمور بالعمل بظنّه المعتبر و يجزيه و لا إعادة عليه، خرج منه ما لو وقع تمام صلاته خارج الوقت بالدليل و هي النصوص المتقدّمة و أمّا جريان القاعدة في صورة حصول القطع بدخول الوقت مع إتيان الصلاة و وقوع بعضها في الوقت فمشكل. و في «الجواهر»: و لعلّ مقتضى القاعدة العدم؛ إذ لا أجزاء؛ ضرورة كونه من تخيّل الأمر لا أمر حقيقة(جواهر الكلام 7: 277.) انتهى. نعم يمكن أن يقال: إنّ لفظ «ترى» في رواية إسماعيل بن رياح يشمل الظنّ بدخول الوقت و القطع به كليهما، فهو في صورتي الظنّ بدخول الوقت و القطع بدخوله مأمور بالصلاة. فإذا صلّى و يرى أنّه في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و هو في الصلاة فقد أجزأ عنه و لا إعادة. و حينئذٍ فلا يختصّ الإجزاء بصورة الظنّ بدخول الوقت فقط.

ص: 105

ص: 106

ص: 107

[ (مسألة 15): لو مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها]

(مسألة 15): لو مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها، كالطهارة المائيّة أو الترابيّة و غيرها على حسب حاله، ثمّ حصل أحد الأعذار كالجنون و الحيض، وجب عليه القضاء (1)،


1- إذا تمكّن في أوّل الوقت من أداء الصلاة مع تحصيل مقدّماتها بحسب حاله و لم يأتها و عرض عليه أحد الأعذار كالجنون و الحيض و الإغماء مثلًا، وجب عليه القضاء. و هذه المسألة ممّا قام به الإجماع، و في «مستند الشيعة»: إجماعاً كما صرّح به بعض الأجلّة، و في «الجواهر»: بلا خلاف و لا إشكال(مستند الشيعة 2: 475، جواهر الكلام 7: 257.) و يدلّ عليه في خصوص الحيض حسن الفضل بن يونس عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) في حديث قال و إذا رأت المرأة الدم بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلتمسك عن الصلاة، فإذا طهرت من الدم فلتقض صلاة الظهر؛ لأنّ وقت الظهر دخل عليها و هي طاهر، و خرج عنها وقت الظهر و هي طاهر؛ فضيّعت صلاة الظهر، فوجب عليها قضاؤها(وسائل الشيعة 2: 359، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 1.) و موثّق يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: في امرأة دخل عليها وقت الصلاة و هي طاهر فأخّرت الصلاة حتّى حاضت، قال تقضي إذا طهرت(وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 4.) و مضمر عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس و لم تصلّ الظهر، هل عليها قضاء تلك الصلاة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 2: 360، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 48، الحديث 5.)

ص: 108

و إلّا لم يجب (1).


1- لو مضى من أوّل الوقت أقلّ من مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها لم يجب عليه القضاء؛ حتّى فيما وسع الوقت للصلاة دون مقدّماتها. و في «الجواهر»: على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل المجمع عليه نقلًا إن لم يكن تحصيلًا(جواهر الكلام 7: 257.) انتهى. و قد أشكل بعض فقهائنا فيه و قالوا بوجوب القضاء فيما مضى من الوقت مقدار الصلاة و إن لم يتمكّن فيه من شي ء من مقدّماتها؛ لصدق الفوت حينئذٍ مع التمكّن من تحصيل الشرائط قبل الوقت. و في حاشية السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) على «العروة الوثقى»: الأقرب كفاية مضيّ مقدار الصلاة لا غير(العروة الوثقى 2: 289، الهامش 1( ط مؤسسة النشر الإسلامي).) ثمّ إنّه لا فرق في وجوب القضاء فيما مضى من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة و تحصيل مقدّماتها و لم يأتها و عدم وجوبه فيما مضى منه أقلّ من المقدار المذكور، بين أوّل الوقت و أثنائه في المجنون و المغمى عليه مثلًا؛ بمعنى أنّه لو أفاق المجنون مثلًا في الأثناء ثمّ جنّ أو أُغمي عليه في الوقت اعتبر في وجوب القضاء عليه اتّساع زمن الإفاقة لإدراك الصلاة و الطهارة و سائر الشرائط. و لعلّ ذكر مضيّ خصوص أوّل الوقت في كلام جماعة من الفقهاء من باب المثال أو لاختصاص خصوص الحيض به.

ص: 109

نعم لو كانت المقدّمات حاصلة أوّل الوقت، كفى فيه مقدار أدائها حسب حاله و تكليفه الفعلي (1)، و إن ارتفع العذر في آخر الوقت فإن وسع الطهارة و الصلاتين وجبتا، أو الطهارة و صلاة واحدة وجبت صاحبة الوقت، و كذا الحال في إدراك ركعة مع الطهور، فإن بقي مقدار تحصيل الطهور و إدراك ركعة أتى بالثانية، و إن زاد عليها بمقدار ركعة مع تحصيل الطهور وجبتا معاً (2).


1- و ذلك لأنّ المفروض وجود الشرائط كلّها حين دخول الوقت مع مضيّ مقدار أربع ركعات منه؛ و حينئذٍ فقد توجّه إليه التكليف بالصلاة و تنجّز و لم يأتها في وقتها مع صدق الفوت المقتضي بوجوب القضاء.
2- لو بقي من الوقت بعد ارتفاع العذر بمقدار تحصيل الطهارة و ركعة واحدة صلّى الثانية فقط لفوت الاولى حال العذر و لا قضاء عليه، و قد أدرك من الثانية ركعة فيعمّها حديث من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) و لو بقي مقدار خمس ركعات وجبت الاولى و الثانية معاً: أمّا الأُولى فقد تقدّم أنّ وقت الظهر يمتدّ إلى بقاء مقدار ركعة إلى آخر الوقت و سقوط القرص، و أمّا الثانية فالمفروض إدراك ركعة منها في وقتها؛ فتندرج تحت عموم حديث: «من أدرك».

ص: 110

[ (مسألة 16): يعتبر لغير ذي العذر العلمُ بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة]

(مسألة 16): يعتبر لغير ذي العذر العلمُ بدخول الوقت حين الشروع في الصلاة، و يقوم مقامه شهادة العدلين إذا كانت شهادتهما عن حسّ كالشهادة بزيادة الظلّ بعد نقصه (1)،


1- لا خلاف و لا إشكال في بطلان الصلاة قبل الوقت؛ لحديث «لا تعاد»، و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال من صلّى في غير وقت فلا صلاة له(وسائل الشيعة 4: 168، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 7.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا اشتراط العلم بدخول الوقت فقد استدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة المعتضدة بالشهرة العظيمة بوجوب البراءة عمّا اشتغلت عليه الذمّة، و لا تحصل إلّا بالعلم بدخوله. و برواية عبد اللَّه بن عجلان قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إذا كنت شاكّاً في الزوال فصلّ ركعتين، فإذا استيقنت أنّها قد زالت بدأت بالفريضة(وسائل الشيعة 4: 279، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 1.) و رواية إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السّلام) في حديث طويل إنّ اللَّه إذا حجب عن عباده عين الشمس التي جعلها دليلًا على أوقات الصلاة فموسّع عليهم تأخير الصلوات ليتبيّن لهم الوقت بظهورها و يستيقنوا أنّها قد زالت(وسائل الشيعة 4: 279، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 2.) و رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال الفجر هو الخيط الأبيض المعترض؛ فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تتبيّنه؛ فإنّ اللَّه سبحانه لم يجعل خلقه في شبهة من هذا؛ فقال وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ(وسائل الشيعة 4: 280، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 3.) و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) في الرجل يسمع الأذان فيصلّي الفجر و لا يدري طلع أم لا، غير أنّه يظنّ لمكان الأذان أنّه طلع، قال لا يجزيه حتّى يعلم أنّه قد طلع(وسائل الشيعة 4: 280، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 4.) و مرفوعة محمّد بن عيسى عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): جعلت فداك متى وقت الصلاة؟ فأقبل يلتفت يميناً و شمالًا كأنّه يطلب شيئاً، فلمّا رأيت ذلك تناولت عوداً فقلت: هذا تطلب؟ قال نعم ، فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس، ثمّ قال إنّ الشمس إذا طلعت كان الفي ء طويلًا، ثمّ لا يزال ينقص حتّى تزول، فإذا زالت زادت، فإذا استبنت فيه الزيادة فصلّ الظهر ثمّ تمهّل قدر ذراع و صلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 162، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 11، الحديث 1.) ، و ضعف سند الروايات منجبر بالشهرة. و لا يكفي الظنّ بدخول الوقت عند المشهور شهرة عظيمة، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام جماعة؛ لأصالة الحرمة في العمل بالظنّ إلّا ما خرج بالدليل، و لرواية علي بن جعفر عن أخيه المتقدّمة. و يظهر من الشيخين (رحمهما اللَّه) الاجتزاء بالظنّ؛ قال في «المقنعة»: و لا يصلّ أحدٌ فرضاً حتّى يتيقّن الوقت و يعمل فيه على الاستظهار(المقنعة: 94.) انتهى. و قال في «النهاية»: و لا يجوز لأحدٍ أن يدخل في الصلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول الوقت، أو أن يغلب على ظنّه ذلك(النهاية: 62.) انتهى. و حمل صاحب «الجواهر» كلامهما على حال عدم التمكّن من العلم. أقول: يكفي في عدم كفاية الظنّ الشهرة العظيمة. و يجوز الاعتماد على شهادة العدلين المستندة إلى الحسّ، كالشهادة بزيادة الظلّ بعد نقصه؛ وفاقاً لظاهر أكثر الأصحاب. و الوجه فيه عموم حجّية البيّنة في الموضوعات، و هذا العموم يستفاد من تضاعيف مسائل في أبواب مختلفة نشير إلى بعضها: منها: ما ورد في النكاح من مضمرة يونس قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان فسألها: لكِ زوجٌ؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمّ إنّ رجلًا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال هي امرأته إلّا أن يقيم البيّنة(وسائل الشيعة 20: 300، كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الباب 23، الحديث 3.) و منها: ما ورد في إثبات النسب و المواريث من صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث(وسائل الشيعة 20: 97، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 43، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّما جعلت البيّنة في النكاح من أجل المواريث(وسائل الشيعة 20: 99، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 43، الحديث 6.) و منها: ما ورد في الطلاق عن محمّد بن الفضيل قال: قال أبو الحسن موسى (عليه السّلام) لأبي يوسف القاضي إنّ اللَّه أمر في كتابه بالطلاق و أكّد فيه بشاهدين و لم يرض بهما إلّا عدلين، و أمر في كتابه بالتزويج فأهمله بلا شهود؛ فأثبتّم شاهدين فيما أهمل، و أبطلتم الشاهدين فيما أكّد(وسائل الشيعة 20: 98، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح و آدابه، الباب 43، الحديث 5.) ، و قد ورد في الكتاب الكريم وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ(الطلاق( 65): 2.) و صحيح بكير بن أعين عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال إن طلّقها للعدّة أكثر من واحدة، فليس الفضل على الواحدة بطلاق، و إن طلّقها للعدّة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه بطلاق، و لا يجوز فيه شهادة النساء(وسائل الشيعة 22: 26، كتاب الطلاق، أبواب مقدّمات الطلاق، الباب 10، الحديث 2.) ، و غيره من روايات الباب، فراجع. و منها: ما ورد في رؤية الهلال من صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: لا أُجيز في الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين(وسائل الشيعة 10: 286، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 11، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب، فراجع. و قد ورد في خصوص الجبن الذي وضعت فيه الإنفحة إنّ كلّ شي ء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً(وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 2.) ، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة في مختلف أبواب الفقه؛ فيستفاد من الموارد المذكورة و غيرها مع كثرتها قاعدة كلّية؛ و هي حجّية البيّنة في الموضوعات كلّها؛ و منها دخول الوقت.

ص: 111

ص: 112

ص: 113

ص: 114

و لا يكفي الأذان و لو كان المؤذّن عدلًا عارفاً بالوقت على الأحوط (1). و أمّا ذو العذر: ففي مثل الغيم و نحوه من الأعذار العامّة يجوز له التعويل على الظنّ به،


1- اختلف فقهاؤنا في الاعتماد على أذان المؤذّن العارف في دخول الوقت؛ فقال جماعة بالاعتماد عليه؛ منهم المحقّق في «المعتبر» و أبو العبّاس في «الموجز»، قال في «المعتبر»: لو سمع الأذان من ثقة يعلم منه الاستظهار قلّده؛ لقوله (عليه السّلام): «المؤذّن مؤتمن»، و لأنّ الأذان مشروع للإعلام بالوقت؛ فلو لم يجز تقليده لما حصل الغرض به(المعتبر 2: 63.) انتهى. و عن العلّامة في «التذكرة» و الشهيد في «الذكرى» و جماعة من المتأخّرين عدم كفاية الأذان و إن كان المؤذّن عارفاً عدلًا، اختار هذا القول المصنّف و أشكل فيه بعض المحشّين ل «العروة الوثقى». و استدلّ على الكفاية بصحيح ذريح المحاربي قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) صلّ الجمعة بأذان هؤلاء؛ فإنّهم أشدّ شي ء مواظبةً على الوقت(وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 1.) و رواية عيسى بن عبد اللَّه الهاشمي عن أبيه عبد اللَّه بن محمّد عن جدّه محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي (عليه السّلام) قال المؤذّن مؤتمن، و الإمام ضامن(وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 2.)و رواية محمّد بن خالد القسري قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخاف أن نصلّي يوم الجمعة قبل أن تزول الشمس، فقال إنّما ذلك على المؤذّنين(وسائل الشيعة 5: 379، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 3.) و رواية عبد اللَّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن عبد اللَّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى الفجر في يوم غيم أو في بيت و أذّن المؤذّن، و قعد و أطال الجلوس حتّى شكّ فلم يدر هل طلع الفجر أم لا؟ فظنّ أنّ المؤذّن لا يؤذّن حتّى يطلع الفجر، قال أجزأه أذانهم(وسائل الشيعة 5: 379، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 4.) و عن بلال في حديث قال: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول المؤذّنون أُمناء المؤمنين على صلاتهم(وسائل الشيعة 5: 380، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 7.) و رواية سعيد الأعرج قال: دخلت على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و هو مغضب و عنده جماعة من أصحابنا، و هو يقول تصلّون قبل أن تزول الشمس؟! قال: و هم سكوت، قال: فقلت: أصلحك اللَّه ما نصلّي حتّى يؤذّن مؤذّن مكّة، قال فلا بأس، أما إنّه إذا أذّن فقد زالت الشمس(وسائل الشيعة 5: 380، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 9.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال و كان لرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مؤذّنان: أحدهما بلال و الآخر ابن أُمّ مكتوم، و كان ابن أُمّ مكتوم أعمى و كان يؤذّن قبل الصبح، و كان بلال يؤذّن بعد الصبح؛ فقال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إنّ ابن أُمّ مكتوم يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان بلال، فغيّرت العامّة هذا الحديث عن جهته و قالوا: إنّه قال: إنّ بلالًا يؤذّن بليل فإذا سمعتم أذانه فكلوا و اشربوا حتّى تسمعوا أذان ابن أُمّ مكتوم(وسائل الشيعة 5: 389، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 8، الحديث 2.) و استدلّ للقول الثاني برواية علي بن جعفر المتقدّمة(وسائل الشيعة 4: 280، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 58، الحديث 4.) الدالّة على عدم كفاية الأذان المفيد للظنّ بدخول الوقت حتّى يعلم أنّه قد طلع، و ادّعى في «الجواهر» اعتضادها باتّفاق الأصحاب نقلًا إن لم يكن تحصيلًا(جواهر الكلام 7: 267.) أقول: مقتضى الجمع بين الروايات الاكتفاء بالأذان المفيد للعلم. قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي»: السادس لو سمع الأذان من ثقة عارف بالوقت فإن كان متمكّناً من العلم بالوقت لم يعوّل عليه لما تقدّم، و إن لم يكن جاز التعويل على قوله(منتهى المطلب 1: 213/ السطر 20.) قال في «مفتاح الكرامة»: نعم لو فرض إفادة أذان الثقة العلم بدخول الوقت كما قد يتّفق كثيراً في أذان الثقة الضابط الذي يعلم منه الاستظهار في الوقت إذا لم يكن هناك مانع من العلم جاز التعويل عليه قطعاً، و قطع بعضٌ بأنّ الأعمى يقلّد العدل العارف، و كذا العامّي الذي لا يعرف الوقت و الممنوع من عرفانه بحبس أو غيره. ذكر ذلك في «التذكرة» و «الذكرى» و غيرهما(مفتاح الكرامة 2: 44/ السطر 15.) انتهى. و يجوز الاكتفاء بالأذان أيضاً فيما لم يتمكّن من تحصيل العلم، كالاكتفاء على صياح الديك كما في موثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم تر الشمس و لا القمر، فقال تعرف هذه الطيور التي عندكم بالعراق، يقال لها الديكة؟ قال: نعم، قال إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصلّه(وسائل الشيعة 3: 124، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 1( ط مكتبة الإسلامية).) و صحيحة أو موثّقة الحسين بن المختار القلانسي قال: قلت للصادق (عليه السّلام): إنّي مؤذّن، فإذا كان يوم غيم لم أعرف الوقت، فقال إذا صاح الديك ثلاثة أصوات ولاءً فقد زالت الشمس و دخل وقت الصلاة(وسائل الشيعة 4: 170، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح أبي عبد اللَّه الفرّاء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال له رجل من أصحابنا: ربّما اشتبه الوقت علينا في يوم الغيم، فقال تعرف هذه الطيور التي تكون عندكم بالعراق يقال لها الديكة؟ فقلت: نعم، فقال إذا ارتفعت أصواتها و تجاوبت فقد زالت الشمس أو قال فصلّه(وسائل الشيعة 4: 171، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 14، الحديث 5.) و لا يبعد الاكتفاء بخبر الثقة أيضاً عند عدم إمكان تحصيل العلم. قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي»: الخامس لو أخبره عدل بدخول الوقت فإن كان الإخبار عن علم و لم يكن للمخبَر طريق سواه بني على خبره؛ لأنّه يثمر ظنّاً فيصار إليه مع عدم طريق إلى غيره(منتهى المطلب 1: 213/ السطر 17.) انتهى. أقول: و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل صلّى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر و نام حتّى طلعت الشمس، فأُخبر أنّه صلّى بليل، قال يعيد صلاته(وسائل الشيعة 4: 167، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 13، الحديث 5.) ، وجه الدلالة: أنّه لو لم يكتف بخبر الثقة لقيّد الإمام (عليه السّلام) الحكم بإعادة الصلاة بما إذا كان قول المخبر مفيداً للعلم. ثمّ لا يخفى: أنّ اشتراط المعرفة في المؤذّن بناءً على كفاية الأذان يستفاد من بعض الروايات، كموثّقة عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال لا يستقيم الأذان و لا يجوز أن يؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان و أذّن به و لم يكن عارفاً لم يجز أذانه و لا إقامته و لا يقتدى به(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 26، الحديث 1.) و يمكن استئناسه من بعض الروايات أيضاً، كمرسلة الصدوق (رحمه اللَّه) قال: و قال الصادق (عليه السّلام) في المؤذّنين إنّهم الأُمناء(وسائل الشيعة 5: 379، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 6.) ، و رواية بلال في حديث قال: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول المؤذّنون أُمناء المؤمنين على صلاتهم و صومهم و لحومهم و دمائهم، لا يسألون اللَّه عزّ و جلّ شيئاً إلّا أعطاهم و لا يشفعون في شي ء إلّا شفعوا(وسائل الشيعة 5: 380، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 7.) و أمّا اشتراط العدالة فلا دليل يدلّ عليه، بل الظاهر من بعض الروايات عدم اشتراطها، كما في صحيح ذريح المحاربي المتقدّم(وسائل الشيعة 5: 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 3، الحديث 1.) حيث إنّ هؤلاء إشارة إلى المخالفين، و أيّ فسق أعظم من عدم الإيمان. و نسب صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) إلى المحقّق و الخراساني في «الذخيرة» أنّهما يريدان من الثقة في المؤذّن الموثوق به لا العدل الشرعي؛ لعدم نصبه للأذان في تلك الأزمان غالباً، ثمّ أمر (رحمه اللَّه) بالتأمّل(جواهر الكلام 7: 268.)

ص: 115

ص: 116

ص: 117

ص: 118

ص: 119

و أمّا ذو العذر الخاصّ كالأعمى و المحبوس، فلا يترك الاحتياط بالتأخير إلى أن يحصل له العلم بدخوله (1).


1- يجوز لذوي الأعذار بعذر عامّ كالغيم و نحوه الاعتماد على الظنّ بدخول الوقت و الشروع في الصلاة. و هذا الحكم مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً، بل عن «التنقيح» و غيره دعوى الإجماع عليه. و استدلّ عليه قبل الإجماع المدّعى و الشهرة القطعية بموثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و لا القمر و لا النجوم، قال اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك(وسائل الشيعة 4: 308، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 2.) و الاستدلال بها مبني على أنّ الاجتهاد مأمور به في الوقت و القبلة كليهما، لا في خصوص القبلة كما قيل. و صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث أنّه قال لرجل ظنّ أنّ الشمس قد غابت فأفطر ثمّ أبصر الشمس بعد ذلك، قال ليس عليه قضاء(وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 2.) و رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل صام ثمّ ظنّ أنّ الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر، ثمّ إنّ السحاب انجلى فإذن الشمس لم تغب، فقال قد تمّ صومه و لا يقضيه(وسائل الشيعة 10: 123، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 51، الحديث 3.) و في سند الرواية محمّد بن الفضيل و هو مشترك بين الضبي و هو ثقة و بين الأزدي الصيرفي و هو ضعيف يرمى إلى الغلوّ. و الاستدلال بصحيحة زرارة و رواية الكناني مبني على القول بعدم الفرق بين الصوم و الصلاة، و جواز الإفطار و الدخول في الصلاة بمجرّد الظنّ بدخول الوقت. و هذا لا ينافي التفصيل بين الصلاة و الصوم بالإعادة في الصلاة و مضيّ الصوم، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك و قد صلّيت أعدت الصلاة، و مضى صومك و تكفّ عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئاً(وسائل الشيعة 4: 178، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 16، الحديث 17.) و وجه عدم المنافاة: هو أنّ التفصيل بينهما إنّما هو بعد استكشاف الخلاف و إحراز وقوع الصلاة قبل الوقت، فهو لا ينافي جواز فعلهما مع الظنّ بدخول الوقت، كما هو ظاهر جواب المعصوم (عليه السّلام). و قد يستدلّ عليه أيضاً بالروايات الدالّة على الاعتماد على أذان العارف الثقة و صياح الديك التي هي من أضعف الأمارات، و قد تقدّم ذكر هذه الروايات فراجع، هذا. و لا يخفى: أنّ مقابل قول المشهور هو عدم الاعتماد بالظنّ فيما لم يتمكّن من تحصيل اليقين بدخول الوقت، بل يجب عليه التأخير حتّى يحصل اليقين بدخوله. و المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) بعد ذكر القول المشهور قال: خلافاً لابن الجنيد فقال على ما حكي عنه: ليس للشاكّ يوم الغيم و لا غيره أن يصلّي إلّا عند تيقّنه الوقت، و صلاته في آخر الوقت مع اليقين خيرٌ من صلاته مع الشكّ(مصباح الفقيه، الصلاة: 71/ السطر 2.) انتهى. أقول: إنّ قول ابن الجنيد مورده الشاكّ في دخول الوقت؛ فلا يجوز له الدخول في الصلاة بلا خلاف و لا إشكال. و مورد الخلاف بين المشهور و غيره في المسألة صورة الظنّ بدخول الوقت، و لعلّ مراد ابن الجنيد من الشاكّ: «ليس للشاكّ يوم الغيم.» إلى آخره، هو غير المتيقّن؛ فيشمل الظانّ بدخول الوقت.

ص: 120

ص: 121

ص: 122

[المقدّمة الثانية: في القبلة]

المقدّمة الثانية: في القبلة (1)


1- قد أهمل المصنّف (رحمه اللَّه) تبعاً للسيّد الأصبهاني (رحمه اللَّه) في «وسيلة النجاة» البحث عن ماهية القبلة و ذكر الأمارات المحصّلة للظنّ بها عند عدم إمكان العلم بها، و نحن نقتصر ببيان حقيقتها، و أنّه يظهر من جماعة من فقهائنا أنّ القبلة هي المكان الذي وقع فيه البيت شرّفه اللَّه تعالى من تخوم الأرض إلى عنان السماء للناس كافّة القريب و البعيد، لا خصوص البنية. فالقبلة هي المكان الواقع فيه البيت لا نفس البنية؛ و لذا لو أُزيلت البنية من مكانها و نقلت إلى مكان آخر وجب استقبال فضاء ذلك المكان، و لا تصحّ الصلاة إلى البنية المنتقلة إلى مكان آخر. فالقبلة هي الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، كما يدلّ عليه موثّق عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سأله رجل قال: صلّيتُ فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزي ذلك و الكعبة تحتي؟ قال نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء(وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 18، الحديث 1.) و قد وقع في سند الحديث علي بن محمّد بن الزبير القرشي، فهو في أعلى الحسن إن لم يكن ثقة، و علي بن الحسن الجرمي الطاطري و هو واقفي موثّق، و محمّد بن أبي حمزة الثمالي ثقة فاضل. و نسب إلى الشيخين و جماعة من فقهائنا القدماء و المتأخّرين: أنّ الكعبة قبلة لمن في المسجد، و المسجد قبلة لمن في الحرم، و الحرم لمن خرج عن الحرم. قال في «الشرائع»: و هي الكعبة لمن كان في المسجد، و المسجد لمن كان في الحرم، و الحرم لمن خرج عنه على الأظهر، و نسبه الشهيد في «الذكرى» إلى أكثر الأصحاب، و يظهر من «الخلاف» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بمرسل عبد اللَّه بن محمّد الحجّال عن بعض رجاله عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ اللَّه تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا(وسائل الشيعة 4: 303، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 1.) و رواية بشر بن جعفر الجعفي عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام) قال: سمعته يقول البيت قبلة لأهل المسجد، و المسجد قبلة لأهل الحرم، و الحرم قبلة للناس جميعاً(وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 2.) و مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) إنّ اللَّه تبارك و تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد، و جعل المسجد قبلة لأهل الحرم، و جعل الحرم قبلة لأهل الدنيا(وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 3.) و رواية أبي غرّة قال: قال لي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) البيت قبلة المسجد، و المسجد قبلة مكّة، و مكّة قبلة الحرم، و الحرم قبلة الدنيا(وسائل الشيعة 4: 304، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 3، الحديث 4.) و لا يخفى ما في الاستدلال بهذه الروايات من ضعف السند بالإرسال في بعضها، و جهالة الراوي في بعضها الآخر، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّها مع الغضّ عن سندها محمولة على اتّساع جهة المحاذاة و تسهيل الأمر، و أنّ النائي لو كلّف باستقبال عين الكعبة بحيث لو خرج خطّ مستقيم من بين قدميه وصل إلى عينها لصعب الأمر عليه؛ فمن باب تسهيل الأمر قد وسّع عليه بحيث إذا توجّه إلى الحرم أو المسجد فقد توجّه إلى الكعبة. و يؤيّده قول المفيد (رحمه اللَّه) في «المقنعة»: المسجد قبلة من نأى عنه؛ لأنّ التوجّه إليه توجّه إليها. إلى أن قال: و من كان نائياً عنها خارجاً عن المسجد الحرام توجّه إليها بالتوجّه إليه، كما أمر اللَّه تعالى بذلك نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) حيث هاجر إلى المدينة و كان بذلك نائياً عنها(المقنعة: 95.) انتهى. أشار (رحمه اللَّه) إلى قوله تعالى وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ(البقرة( 2): 149.) و بالجملة: كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين. و في حاشية «المدارك»: أنّ كون الكعبة قبلة من ضروريات الدين و المذهب؛ حتّى أنّ الإقرار به يلقّن به الأموات فضلًا عن الأحياء كالإقرار باللَّه تعالى(حاشية مدارك الأحكام، ضمن مدارك الأحكام: 151( ط الحجري).) انتهى. فالقبلة هي الكعبة عيناً للمتمكّن من العلم بها من غير مشقّة شديدة عادة و جهةً لغيره من البعيد و نحوه.

ص: 123

ص: 124

[ (مسألة 1): يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض]

(مسألة 1): يجب الاستقبال مع الإمكان في الفرائض؛ يوميّة كانت أو غيرها حتّى صلاة الجنائز، و في النافلة إذا أتى بها على الأرض حال الاستقرار، و أمّا حال المشي و الركوب و في السفينة فلا يعتبر فيها (1).


1- وجوب الاستقبال في مطلق الصلاة مع العلم بجهة القبلة إجماعي من المسلمين، بل من ضروريات الدين، إلّا ما استثني من الصلوات الواجبة حال الضرورة و النوافل حال الركوب و في السفينة. و أمّا حال المشي فسيجي ء الكلام فيها. و يدلّ على وجوب الاستقبال قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ*. و الأخبار الواردة في وجوب الاستقبال في الصلاة فوق حدّ التواتر، ذكر أكثرها صاحب «الوسائل» (رحمه اللَّه) في الباب الثاني من أبواب القبلة، فراجع(وسائل الشيعة 4: 297، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2.) و إطلاق بعضها يشمل كلّ صلاة؛ واجبة كانت أو نافلة، يومية أو غيرها، أداءً أو قضاءً، و توابعها من صلاة الاحتياط للشكوك و قضاء الأجزاء المنسية؛ أمّا صلاة الاحتياط فلإطلاق الصلاة عليها، و أمّا الأجزاء المنسية فلكونها جزء الصلاة؛ فقضاؤها كأدائها في وجوب الاستقبال فيها. و لا دليل على وجوب الاستقبال في سجدتي السهو، نعم هو أحوط. و يجب الاستقبال في صلاة الميّت أيضاً؛ لإطلاق الصلاة عليه في الأخبار. و لا يخفى: أنّ الاستقبال واجب مع الإمكان، فإن لم يتمكّن منه في جميع صلاته استقبل بما أمكن من صلاته و لو بتكبيرة الإحرام أو بالسلام مثلًا و لو لم يتمكّن من ذلك أجزأته الصلاة من غير قبلة، بلا خلاف في المسألة. و يدلّ عليه صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة و يصفّ رجليه فإذا دارت و استطاع أن يتوجّه إلى القبلة، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به، و إن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ يصلّي(وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة، فإذا دارت فاستطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به قال فإن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ ليصلّ(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 13.) و يدلّ على وجوب الاستقبال في الفريضة للمتمكّن منه و عدم وجوبه في النافلة كلّها في السفينة و المحمل صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الصلاة في السفر في السفينة و المحمل سواء؟ قال النافلة كلّها سواء تومئ إيماءً أينما توجّهت دابّتك و سفينتك، و الفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض إلّا من خوف، فإن خفتَ أومأتَ. و أمّا السفينة فصلّ فيها قائماً و توخّ القبلة بجهدك؛ فإنّ نوحاً (عليه السّلام) قد صلّى الفريضة فيها قائماً متوجّهاً إلى القبلة و هي مطبقة عليهم ، قال: قلت: و ما كان علمه بالقبلة، فيتوجّهها و هي مطبقة عليهم؟ قال كان جبرئيل (عليه السّلام) يقومه نحوها ، قال: قلت: فأتوجّه نحوها في كلّ تكبيرة؟ قال أمّا النافلة فلا، إنّما تكبّر على غير القبلة اللَّه أكبر ، ثمّ قال كلّ ذلك قبلة للمتنفّل، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ(وسائل الشيعة 4: 324، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 17.) و قد عقد صاحب «الوسائل» (رحمه اللَّه) باباً بعنوان باب «جواز صلاة النافلة على الراحلة و في المحمل إيماءً لعذر و غيره و لو إلى غير القبلة سفراً و حضراً»(وسائل الشيعة 4: 328، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15.) و نكتفي بنقل بعض رواياته كصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو على دابّته حيث ما توجّهت به، قال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 328، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 1.) و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا (عليه السّلام) عن صلاة النافلة على البعير و الدابّة، فقال نعم حيث كان متوجّهاً، و كذلك فعل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و رواه الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن محمّد بن سنان مثله، و زاد: قلت: على البعير و الدابّة؟ قال نعم، حيث ما كنت متوجّهاً قلت: أستقبل القبلة إذا أردتُ التكبير؟ قال لا، و لكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً، و كذلك فعل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 4: 329، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 6 و 7.) و غيرهما من روايات الباب. و ليعلم: أنّه لم يرد في الروايات جواز ترك الاستقبال في النافلة حال المشي. نعم قد ورد فيها جواز فعل النافلة حال المشي مطلقاً حتّى حال الاختيار كما في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمّ مشى(وسائل الشيعة 4: 334، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 1.) و موثّق الحسين بن المختار عن أبي (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي و هو يمشي تطوّعاً؟ قال نعم(وسائل الشيعة 4: 335، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 6.) و يدلّ على جواز ترك الاستقبال في الفريضة حال الضرورة الأخبار الواردة في الخائف عن اللصّ و السبُع، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يلقي السبُع و قد حضرت الصلاة و لا يستطيع المشي مخافة السبع، فإن قام يصلّي خاف في ركوعه و سجوده السبُع و السبُع أمامه على غير القبلة، فإن توجّه إلى القبلة خاف أن يثب عليه الأسد، كيف يصنع؟ قال: فقال يستقبل الأسد و يصلّي و يومئ برأسه إيماءً و هو قائم، و إن كان الأسد على غير القبلة(وسائل الشيعة 8: 439، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3، الحديث 2.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال الذي يخاف اللصوص و السبُع يصلّي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته ، قال: قلت: أ رأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع و لا يقدر على النزول؟ قال ليتيمّم من لبد سرجه أو معرفة (عرف) دابّته؛ فإنّ فيها غباراً، و يصلّي و يجعل السجود أخفض من الركوع و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابّته، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه(وسائل الشيعة 8: 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف و المطاردة، الباب 3، الحديث 8.)

ص: 125

ص: 126

ص: 127

ص: 128

[ (مسألة 2): يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة]

(مسألة 2): يعتبر العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة، و تقوم البيّنة مقامه على الأقوى مع استنادها إلى المبادئ الحسّيّة (1)،


1- لمّا كانت الاستقبال من شرائط الصلاة فلا بدّ من العلم بالتوجّه إلى القبلة حال الصلاة؛ لوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عمّا اشتغلت الذمّة عليه، و هل يجوز الاكتفاء بشهادة العدلين مع استنادهما على المبادئ الحسّية فيما أمكن تحصيل العلم بها؟ فيه خلاف بين فقهائنا، و أشكل الأمر على بعضهم كالسيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» قال: و في كفاية شهادة العدلين مع إمكان تحصيل العلم إشكال، و مع عدمه لا بأس بالتعويل عليها إن لم يكن اجتهاده على خلافها، و إلّا فالأحوط تكرار الصلاة(العروة الوثقى 1: 540.) و قال السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك»: وجهه أنّ دليل حجّية البيّنة و إن كان شاملًا للمقام على ما عرفت من إمكان استفادة عموم الحجّية من رواية مسعدة بن صدقة إلّا أنّ في شمولها للإخبار عن حدس تأمّلًا؛ لقرب دعوى انصرافها إلى الإخبار عن حسّ أو ظهورها فيه(مستمسك العروة الوثقى 5: 183.) أقول: إنّ حجّية البيّنة مطلقاً منوطة بما إذا كانت الشهادة مستندة إلى الأُمور الحسّية، و إنّ شرط حجّيتها الاستناد إلى الحسّ؛ فلا اعتبار لها مع الاستناد إلى الحدس و الاجتهاد؛ فالأقوى عدم وجوب تحصيل العلم بالقبلة تعييناً بحيث لا يكتفى بالبيّنة أصلًا، بل يجوز الاكتفاء بالبيّنة مع إمكان تحصيل العلم، كما هو المستفاد من موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، أو المملوك عندك و لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أُختك أو رضيعتك، و الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البيّنة(وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.)

ص: 129

و مع تعذّرهما يبذل تمام جهده و يعمل على ظنّه (1)،


1- إذا لم يتمكّن من تحصيل العلم و فقدت البيّنة القائمة مقام العلم، يجب على المكلّف بذل تمام جُهده في تحصيل الظنّ بالقبلة من أيّة آية حصل؛ حتّى الضوء الكثير آخر النهار في طرف من السماء في يوم الغيم فإنّه يفيد الظنّ بأنّه جانب المغرب و القبلة في طرف يسار الضوء، و إذا كان الضوء الكثير في أوّل النهار فإنّه يفيد الظنّ بأنّه جانب المشرق و القبلة في طرف يمينه. و كذا الرياح لمن عرف مهبّها فإنّه يستنبط من مهبّها الجوانب الأربع المشرق و المغرب و الجنوب و الشمال؛ فيستدلّ من ذلك على جانب القبلة. و يدلّ على الاعتماد على الظنّ صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة(وسائل الشيعة 4: 307، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 1.) ، و موثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة بالليل و النهار إذا لم ير الشمس و القمر و لا النجوم، قال اجتهد رأيك و تعمّد القبلة جهدك(وسائل الشيعة 4: 308، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 6، الحديث 2.)

ص: 130

و مع تعذّره و تساوي الجهات صلّى إلى أربع جهات إن وسع الوقت (1)،


1- الصلاة إلى أربع جهات مع تعذّر الظنّ بالقبلة لتحصيل اليقين بما بين المشرق و المغرب بذلك الذي هو قبلة عند الخطأ، فإذا صلّى كذلك فقد صلّى إلى ما بين المغرب و المشرق، و لا ضرر فيه إذا كان بغير تقصير. و هذا القول مشهور بين القدماء و المتأخّرين شهرة عظيمة، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه كما في «الغنية» و «التذكرة» و «المنتهي» و «المعتبر» و غيرها. و يدلّ عليه مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال: روي فيمن لا يهتدي إلى القبلة في مفازة أنّه يصلّي إلى أربعة جوانب(وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 1.) و مرسل الكليني (رحمه اللَّه) قال: و روى أيضاً إنّه أي المتحيّر يصلّي إلى أربع جوانب(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 4.) و مرسل خداش (خراش) بن إبراهيم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: جعلت فداك إنّ هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنّا و أنتم سواء في الاجتهاد، فقال ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصلّ لأربع وجوه(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 5.) و إرسال هذه الروايات منجبر بالشهرة و الإجماع المدّعى. و نسب إلى ابن أبي عقيل القول بأنّه لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلّى حيث شاء، و لا إعادة عليه إذا علم بعد ذهاب وقتها أنّه صلّى لغير القبلة، و هو الظاهر من ابن بابويه، و نفى عنه البعد العلّامة (رحمه اللَّه) في «المختلف»، و مال إليه الشهيد في «الذكرى» و المقدّس الأردبيلي و صاحب «المدارك» و «الحدائق»، و في حاشية «العروة الوثقى» للسيّد الخوئي (رحمه اللَّه): أنّه لا تبعد كفاية الصلاة إلى جهة واحدة. و استدلّ لهذا القول بصحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال يجزي المتحيّر أبداً أينما توجّه إذا لم يعلم أين وجه القبلة(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 2.) و مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن قبلة المتحيّر، فقال يصلّي حيث يشاء(وسائل الشيعة 4: 311، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّ هذا القول مع قطع النظر عن المناقشة في رواياته سنداً و دلالةً مخالف للمشهور. و نسب إلى السيّد بن طاوس في المسألة القول بوجوب الصلاة إلى الجهة المتعيّنة بالقرعة. و فيه: أنّ القرعة في كلّ أمر مشكل، و لا مشكل مع وجود الأخبار المذكورة، هذا. مضافاً إلى أنّه مخالف للإجماع المركّب، و أنّه لم يعهد من أحد من علمائنا استعمال القرعة في تعيين الحكم الشرعي. ثمّ إنّه يعتبر أن يكون التكرار على وجه يحصل معه اليقين بالاستقبال في إحداها، كأن تكون الجهات الأربع على خطّين مستقيمين وقع أحدهما على الآخر بحيث يحدث عنهما زوايا قائمة، و هو المتبادر من النصّ حيث إنّ المتبادر من أربع جهات يمين المصلّي و يساره و قدّامه و خلفه، و هو مقتضى الاحتياط؛ لعدم العلم ببراءة الذمّة بغير ذلك. و قيل بكفايتها كيفما اتّفق؛ لأنّ الغرض إصابة جهة القبلة لا عينها و هو حاصل، و هو مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى و أصل البراءة. و اشترط في «البيان» التباعد بين كلّ اثنين بحيث لا تعدّان قبلة واحدة لقلّة الانحراف.

ص: 131

ص: 132

و إلّا فبقدر ما وسع (1)،


1- لو ضاق الوقت و لم يسع للصلاة إلى أربع جهات، فهل يجب الإتيان بقدر ما وسع من الثلاث فنازلًا، أولا يجب إلّا واحدة؟ فيه وجهان بل قولان: نسب ثانيهما إلى «المقنعة» و «جمل» السيّد و «المبسوط» و «الوسيلة» و «السرائر»؛ لقولهم بأنّه إن لم يقدر على الأربع فليصلّ إلى أيّ جهة شاء، و لعلّ مرادهم صورة عدم القدرة إلّا على واحدة من الأربع؛ فلا خلاف حينئذٍ. و كيف كان: فوجه الأوّل و هو المختار أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بإتيان المقدار الممكن، و أنّ استصحاب التكليف بما أمكن فيما إذا تقدّمت الحيرة على الضيق يقتضي أداءه به، و أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و وجه الثاني: أصالة عدم وجوب الزائد على الواحدة بعد سقوط التكليف بالأربعة بضيق الوقت. و فيه: أنّه لا مجال للبراءة مع استصحاب الاشتغال.

ص: 133

و لو ثبت عدمها في بعض الجهات بعلم و نحوه، صلّى إلى المحتملات الأُخر، و يعوّل على قبلة بلد المسلمين في صلاتهم و قبورهم و محاريبهم إذا لم يعلم الخطأ (1).


1- هذه المسألة إجماعية، و ادّعى في «الجواهر»: أنّ الاعتماد على قبلة بلاد المسلمين ممّا جرت به السيرة القطعية في جميع الأعصار و الأمصار، و أنّ استمرار عملهم من أقوى العلامات المفيدة للقبلة. قال (رحمه اللَّه): و منها المحاريب المنصوبة في جوارهم التي يغلب مرورهم عليها أو في قرية صغيرة نشأت قرون منهم فيها. و لا فرق في ذلك بين أن يكون متمكّناً من مراعاة الأمارات الشرعية أو لا، بل و سواء كان متمكّناً من العلم بالجهة كما إذا كان فيها محراب معصوم أو لا. فما في «المنتهي» من أنّ البصير في الحضر يتبع قبلة أهل البلد إذا لم يتمكّن من العلم، لا يخلو من نظر(جواهر الكلام 7: 394.) انتهى.

ص: 134

[ (مسألة 3): المتحيّر الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة]

(مسألة 3): المتحيّر الذي يجب عليه الصلاة إلى أزيد من جهة واحدة لو كان عليه صلاتان، فالأحوط أن تكون الثانية إلى جهات الاولى، كما أنّ الأحوط أن يتمّ جهات الاولى ثمّ يشرع في الثانية؛ و إن كان الأقوى جواز إتيان الثانية عقيب الاولى في كلّ جهة (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أنّه هل يجوز لمن كان عليه صلاتان كالظهرين و العشاءين و كان متحيّراً في القبلة، أن تكون جهات صلاته الثانية إلى غير جهات صلاته الاولى، كأن تكون الجهات الثمان على خطوط أربعة مستقيمة و صلّى أربعة ظهره على الزوايا القائمة على خطّين مستقيمين، و أربعة عصره على الزوايا الأُخرى القائمة على خطّين مستقيمين آخرين، كما في هذا الجدول: ظ ع ع ظ ظ ع ع ظ أو لا يجوز إلّا أن تكون جهات صلاته الثانية عين جهات صلاته الاولى؟ قولان: المختار هو الأوّل، و وجهه إطلاق أربع جهات؛ حيث إنّ المفروض وقوع كلّ من الصلاتين إلى أربع جهات و وقوع كلّ منهما إلى القبلة يقيناً بناءً على أنّ قبلة المتحيّر جزءً ممّا بين المشرق و المغرب، هذا. مضافاً إلى أنّ الأصل عدم وجوب إتيان الصلاة الثانية إلى عين جهات الاولى. و وجه الثاني: العلم إجمالًا بمخالفة إحدى صلاتية للقبلة الواقعية، بل قد يعلم تفصيلًا ببطلان الثانية. و سيأتي الإشارة إليه في المسألة الثانية. و فيه: أنّه لا منشأ للعلم الإجمالي المذكور؛ إذ من المحتمل أن تكون القبلة إلى غير الجهات الثمان التي صلّى إليها، و من الواضح أنّ قبلة المتحيّر ما بين المشرق و المغرب و كلٌّ مِن صلاتية قد وقع إلى جهات أربعة يقيناً. المسألة الثانية: هل يجب للمتحيّر في القبلة فيما وجبت عليه الصلاتان المترتّبتان كالظهرين إيقاع الثانية إلى أربع جهات بعد تمام أربعة الأُولى بحيث لا يجوز له الشروع في العصر قبل الفراغ من تمام جهات الظهر، أو لا كما في الثوبين المشتبه طاهرهما بنجسهما؟ قولان، نسب الأوّل إلى ابن فهد و الشهيد الثاني و الصيمري، و الثاني إلى «نهاية الإحكام» و العلّامة الطباطبائي و صاحب «الجواهر». و في «الجواهر»: أحوطهما أوّلهما إن لم يكن أقواهما(جواهر الكلام 7: 416.) انتهى. وجه الأوّل: لزوم الجزم في النية بقدر الإمكان، و لا يحصل الجزم في نية الشروع في العصر مترتّباً على الظهر إلّا بإتمام جهات الظهر كلّها. و سقوط اعتبار الجزم في النية من جهة اشتباه القبلة لا يوجب سقوطه من حيث شرطية الترتيب، بل يعلم تفصيلًا بطلان العصر؛ إمّا لفوات الاستقبال أو لفوات الترتيب فيما كان جهات صلاة العصر إلى غير جهات صلاة الظهر.و وجه الثاني: أنّ إحراز الترتيب كما يحصل بإتيان العصر بعد الفراغ من الظهر إلى تمام جهاتها كذلك يحصل بإتيانها بعد كلّ ظهر إلى الجهة التي صلّى الظهر، و على أيّ من التقديرين يحصل الترتيب و وقوع العصر بعد الظهر. و المختار هو القول الثاني؛ لعدم الدليل على اعتبار الجزم في النية، و لا علم ببطلان الصلاة الثانية؛ لا تفصيلًا و لا إجمالًا بعد البناء على أنّ قبلة المتحيّر ما بين المشرق و المغرب.

ص: 135

ص: 136

[ (مسألة 4): من صلّى إلى جهة بطريق معتبر، ثمّ تبيّن خطؤه]

(مسألة 4): من صلّى إلى جهة بطريق معتبر، ثمّ تبيّن خطؤه، فإن كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين و الشمال، صحّت صلاته (1)،


1- هنا مسائل: الاولى: من صلّى إلى جهة باعتقاد أنّها قبلة و لو سهواً أو نسياناً، ثمّ تبيّن خطؤه و كان انحرافه عن القبلة إلى ما بين اليمين و الشمال، صحّت صلاته على المشهور. و يدلّ عليه قبل الشهرة المحقّقة و الإجماع المحكي عن العلّامة و المحقّق صحيح معاوية بن عمّار أنّه سأل الصادق (عليه السّلام) عن الرجل يقوم في الصلاة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى أنّه قد انحرف عن القبلة يميناً أو شمالًا، فقال له قد مضت صلاته، و ما بين المشرق و المغرب قبلة(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 1.) و رواية الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول من صلّى على غير القبلة و هو يرى أنّه على القبلة ثمّ عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق و المغرب(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 5.) و في «الحدائق»(الحدائق الناضرة 6: 434.) : و يعضده أيضاً صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا صلاة إلّا إلى القبلة ، قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 2.) ، انتهى. و يظهر من كثير من قدماء أصحابنا وجوب الإعادة في الوقت مطلقاً أي و لو كان منحرفاً عنها إلى ما بين اليمين و اليسار إذا صلّى إلى غير القبلة مع اعتقاده قبلة؛ ففي «المقنعة»: و من أخطأ القبلة أو سها عنها ثمّ عرف ذلك و الوقت باقٍ أعاد الصلاة، و إن عرفه بعد خروج الوقت لم يكن عليه إعادة فيما مضى. اللهمّ إلّا أن يكون قد صلّى مستدبر القبلة؛ فيجب عليه حينئذٍ إعادة الصلاة؛ كان الوقت باقياً أو متقضّياً، و على كلّ حال(المقنعة: 97.) انتهى. و في «المبسوط»: و إذا صلّى البصير إلى بعض الجهات ثمّ تبيّن أنّه صلّى إلى غير القبلة و الوقت باقٍ أعاد الصلاة(المبسوط 1: 80.) انتهى. و يظهر من «الخلاف» الإجماع على الإعادة في الوقت فإنّه بعد قوله بأنّ من اجتهد في القبلة و صلّى إلى واحدة من الجهات ثمّ بان له أنّه صلّى إلى غيرها و الوقت باقٍ أعاد الصلاة. قال: دليلنا على أنّ الوقت إذا كان باقياً عليه الإعادة، إجماع الفرقة(الخلاف 1: 303/ المسألة 51.) انتهى. و استدلّ له بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: إذا صلّيت و أنت على غير القبلة و استبان لك أنّك صلّيت و أنت على غير القبلة و أنت في وقت فأعد، و إن فاتك الوقت فلا تعد(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح يعقوب بن يقطين قال: سألت عبداً صالحاً عن رجل صلّى في يوم سحاب على غير القبلة، ثمّ طلعت الشمس و هو في وقت، أ يعيد الصلاة إذا كان قد صلّى على غير القبلة؟ و إن كان قد تحرّى القبلة بجهده أ تجزيه صلاته؟ فقال يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه(وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا صلّيت على غير القبلة فاستبان لك قبل أن تصبح أنّك صلّيت على غير القبلة فأعد صلاتك(وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة: إمّا حمل الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة على ما تجاوز انحراف المصلّي عمّا بين المشرق و المغرب، أو حمل الأخبار الدالّة على نفي الإعادة على ما علم انحرافه في خارج الوقت. و لا يخفى: أنّ الشهرة بل الإجماع المدّعى من الفاضلين على المسألة و أنّه لا تعاد الصلاة مطلقاً حتّى في الوقت فيما كان انحرافه إلى ما بين المشرق و المغرب، يقتضي الجمع الأوّل.

ص: 137

ص: 138

و إن كان في أثنائها مضى ما تقدّم منها و استقام في الباقي؛ من غير فرق بين بقاء الوقت و عدمه (1).


1- هذه هي المسألة الثانية، و هي ممّا لا خلاف فيه بل ادّعي عليها الإجماع، و في «مستند الشيعة»: بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم، و هو الحجّة فيه(مستند الشيعة 4: 213 214.) انتهى. و يدلّ عليه خبر القاسم بن الوليد قال: سألته عن رجل تبيّن له و هو في الصلاة أنّه على غير القبلة، قال يستقبلها إذا ثبت ذلك، و إن كان فرغ منها فلا يعيدها(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 3.) ، الخبر ضعيف بالقاسم بن الوليد القُرشي العُماري المجهول الحال، مضافاً إلى أنّه مضمر، و الدلالة تامّة بناءً على عود الضمير في «يستقبلها» إلى القبلة. و موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم و هو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال إن كان متوجّهاً فيما بين المشرق و المغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، و إن كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.) ثمّ إنّ عدم بقاء الوقت فيما تبيّن الخطأ في القبلة في أثناء الصلاة مفروض فيما بقي من الوقت مقدار ركعة و دخل في الصلاة و أدرك ركعة منها في الوقت، و بعد إدراك ركعة منها في الوقت علم بانحرافه عن القبلة و هو في الصلاة؛ و حينئذٍ يستقيم أي يستقبل في باقي الصلاة مع خروج وقتها.

ص: 139

و إن تجاوز انحرافه عمّا بينهما، أعاد في الوقت دون خارجه و إن بان استدباره (1)،


1- هذه هي المسألة الثالثة، و هي: أنّه بعد ما فرغ عن الصلاة علم أنّ انحرافه عن القبلة تجاوز عمّا بين اليمين و الشمال فيعيد في الوقت، و إذا علمه في خارج الوقت فلا قضاء عليه مطلقاً؛ أي حتّى فيما كان انحرافه حدّ الاستدبار. أمّا وجوب الإعادة في الوقت فقد يستدلّ عليه مضافاً إلى أنّه ممّا لا خلاف فيه بأنّه قد أخلّ الشرط للواجب و هو الاستقبال و الوقت باقٍ؛ فليعد. و أمّا عدم وجوب القضاء خارج الوقت فيما تجاوز انحرافه عن القبلة عمّا بين اليمين و الشمال و لم يبلغ حدّ الاستدبار فلصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّم فإن فاتك الوقت فلا تعد(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح يعقوب بن يقطين المتقدّم فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه(وسائل الشيعة 4: 316، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلّي لغير القبلة ثمّ يضحى فيعلم أنّه صلّى لغير القبلة، كيف يصنع؟ قال إن كان في وقت فليعد صلاته، و إن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده(وسائل الشيعة 4: 317، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 6.) و غيرها من روايات الباب. فإطلاق هذه الروايات يقتضي عدم وجوب القضاء فيما بان استدباره القبلة.

ص: 140

إلّا أن الأحوط القضاء مع الاستدبار بل مطلقاً (1).


1- أي حتّى فيما تجاوز انحرافه عمّا بين اليمين و اليسار و لم يبلغ حدّ الاستدبار.وجه الاحتياط خبر معمّر بن يحيى بن سام قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل صلّى على غير القبلة ثمّ تبيّنت القبلة و قد دخل وقت صلاة أُخرى، قال يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها(وسائل الشيعة 4: 313، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 5.) ، هذا الخبر ضعيف سنداً لوقوع علي بن محمّد القرشي في طريق الشيخ (رحمه اللَّه). و وجه الاحتياط بالقضاء خارج الوقت فيما استدبر القبلة مضافاً إلى إطلاق خبر معمّر مرسل الشيخ في «النهاية» قال: قد رويت رواية أنّه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ثمّ علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة ، و هذا هو الأحوط و عليه العمل(وسائل الشيعة 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 11، الحديث 10.) انتهى.

ص: 141

و إن انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بينهما، فإن وسع الوقت حتّى لإدراك ركعة قطع الصلاة و أعادها مستقبلًا، و إلّا استقام للباقي، و صحّت على الأقوى و لو مع الاستدبار، و الأحوط قضاؤها أيضاً (1).


1- وجه قطع الصلاة و إعادتها مستقبلًا فيما انكشف في الأثناء انحرافه عمّا بين اليمين و الشمال مع سعة الوقت حتّى لإدراك ركعة هو إخلاله بشرط الواجب مع بقاء وقته و إمكان إتيانه و لو بإدراك ركعة، هذا. مضافاً إلى أنّه قد وجبت الإعادة في الوقت بعد الفراغ عن الصلاة مع انحرافه عمّا بينهما، و كذلك في أثنائها قبل الفراغ عنها؛ لأنّ ما يفسد الكلّ يفسد الجزء، بناءً على عدم القول بالفصل في داخل الوقت بين الأثناء و بعد الفراغ. و أمّا لو لم يسع الوقت حتّى لإدراك ركعة من آخر الوقت بحيث لو استأنف كان قضاءً فهل يستقيم للباقي و يتمّ صلاته مطلقاً و لو مع الاستدبار، أو يقطع صلاته و يستأنف؟ الأقوى عند المصنّف (رحمه اللَّه) وفاقاً لجماعة من فقهائنا؛ منهم صاحب «المدارك» و «الذخيرة» و «الرياض» و صاحب «الجواهر» هو الأوّل، و نسبه صاحب «المدارك» إلى الشهيدين و قال: لا لما ذكراه من استلزام القطع القضاء المنفي لانتفاء الدلالة على بطلان اللازم، بل لأنّه دخل دخولًا مشروعاً و الامتثال يقتضي الإجزاء، و الإعادة إنّما تثبت إذا تبيّن الخطأ في الوقت على ما هو منطوق روايتي عبد الرحمن و سليمان بن خالد(مدارك الأحكام 3: 154.) انتهى. و لا يترك الاحتياط بالاستقامة للباقي و القضاء خارج الوقت مطلقاً؛ أي مع انحرافه إلى اليمين و الشمال و مع الاستدبار؛ لأنّ النصوص النافية للقضاء على فرض إطلاق بعضها الشامل لصورة التبيّن في الأثناء مقيّدة بما كان متوجّهاً إلى ما بين المشرق و المغرب؛ فلا يشمل ما كان متجاوزاً عمّا بينهما، كما في موثّقة عمّار المتقدّمة(وسائل الشيعة 4: 315، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 4.) ففيما كان متوجّهاً إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة مطلقاً أي و لو لم يسع الوقت لإدراك ركعة و على فرض معارضة إطلاق موثّقة عمّار بإطلاق النصوص الدالّة على نفي الإعادة في غير الوقت يرجع إلى أدلّة الشرطية. و ليعلم: أنّ المراد من دبر القبلة ما يشمل المشرق و المغرب، بقرينة مقابلته بما بين المشرق و المغرب. و لا بأس بنقل كلام السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» لتضمّنه وجه الاحتياط، قال: نعم يشكل حال الالتفات في الأثناء إذا كان في آخر الوقت بحيث لو استأنف كان قضاء، فهل يستقيم و يتمّ صلاته؟ كما عن «المدارك» و «الذخيرة» و «الرياض»، و اختاره في «الجواهر»، بل عن الأوّل حكايته عن الشهيدين؛ إمّا لاستفادته من النصوص النافية للقضاء المتقدّمة فيما لو تبيّن الخطأ بعد الفراغ؛ إمّا لإطلاق بعضها الشامل لصورة التبيّن في الأثناء، أو للأولوية؛ لأنّ فوات الاستقبال في بعض الصلاة أولى بنفي القضاء من فواته في جميعها؛ و إمّا لأنّ فوات الوقت أولى من مراعاة الاستقبال. أو يقطع صلاته و يستأنف؟ إمّا لمنع الإطلاق في النصوص المتقدّمة، و كذا الأولوية؛ فيكون المرجع إمّا إطلاق موثّق عمّار على تقدير تماميته، أو إطلاق أدلّة الشرطية و حديث «لا تعاد». و إمّا لتسليم الإطلاق في النصوص المتقدّمة مع البناء على معارضته بإطلاق موثّق عمّار؛ فيكون المرجع الأدلّة الأوّلية(مستمسك العروة الوثقى 5: 234.) انتهى موضع الحاجة.

ص: 142

ص: 143

ص: 144

[المقدّمة الثالثة: في الستر و الساتر]

المقدّمة الثالثة: في الستر و الساتر

[مسألة 1): يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها]

(مسألة 1): يجب مع الاختيار ستر العورة في الصلاة و توابعها، كالركعة الاحتياطيّة، و قضاء الأجزاء المنسيّة على الأقوى، و سجدتي السهو على الأحوط، و كذا في النوافل، دون صلاة الجنازة و إن كان أحوط فيها أيضاً، و لا يترك الاحتياط في الطواف (1).


1- يجب ستر العورة عن الناظر المحترم حتّى في غير حال الصلاة، و يجب سترها حال الصلاة اختياراً و لو لم يكن هناك ناظر محترم أو كان و لكن لا ينظرها و لو لظلمة مثلًا و لا يجب سترها في الخلوة إلّا في الصلاة. و اشتراط سترها حال الصلاة ممّا قام به الإجماع، و به قال أكثر العامّة، إلّا بعض الشافعية فقال بوجوبها حال الذكر. و يدلّ على اشتراطه في الصلاة قبل الإجماع صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال يصلّي إيماءً، و إن كانت امرأة جعلت يداها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما ، قال و إن كانا في ماء أو بحر لجيّ لم يسجدا عليه، و موضوع عنهما التوجّه فيه يوميان في ذلك إيماءً، رفعهما توجّه و وضعهما(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و وجه اشتراطه في قضاء الأجزاء المنسية كالسجدة الواحدة و التشهّد هو كونها أجزاءً واقعية للصلاة؛ فكما يعتبر الستر في كلّ جزء من الأجزاء أداءً و كذا يعتبر فيها قضاءً بعد الفراغ عن الصلاة. و أمّا في سجدتي السهو فلا يترك الاحتياط و مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة؛ من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها من الشرائط و سائر الموانع عن الصلاة. و وجه الاحتياط ورود الأمر بهما قبل الكلام، و المستفاد منه المنع من فعل المنافيات مطلقاً فيما بينهما و بين الصلاة، و إن كان مقتضى أصل البراءة و إطلاق أدلّته عدم اعتبار شي ء منها. و أمّا اشتراطه في النوافل فممّا لا خلاف فيه. و يدلّ عليه إطلاق الأدلّة. و أمّا صلاة الجنازة فالأقوى عدم اشتراطه فيها، كالطهارة من الحدث و الخبث؛ للأصل، و عدم كونها صلاة حقيقة. و في «مستند الشيعة»: قيل يعتبر و هو ضعيف(مستند الشيعة 4: 238.) انتهى. و أمّا اعتباره في الطواف فمحلّ خلاف بين فقهائنا؛ فنسب إلى جماعة منهم الشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «القواعد» وجوبه فيه. و استدلّ عليه برواية الصدوق بإسناده عن ابن عبّاس في حديث إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعث علياً ينادي: لا يحجّ بعد هذا العام مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان.(وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 1.) الحديث. و رواية محمّد بن الفضيل عن الرضا (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أمرني عن اللَّه أن لا يطوف بالبيت عريان و لا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام(وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 53، الحديث 2.) و غيرهما من روايات الباب. و ذهب جماعة إلى عدم الوجوب فيه؛ فعن العلّامة في «المختلف»: و للمانع أن يمنعه، و الرواية غير مستندة من طرقنا فلا حجّة فيها(مختلف الشيعة 4: 215.) و أورد عليه في «كشف اللثام»: أنّ الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا و طريق العامّة(كشف اللثام 5: 408.) و الأقوى وجوب الستر في الطواف لاعتبار بعض الأخبار المذكورة في الباب الثالث و الخمسين من أبواب الطواف، فراجع(وسائل الشيعة 13: 400، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 53.) و البحث موكول إلى محلّه.

ص: 145

ص: 146

[ (مسألة 2): لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة و هو لا يعلم]

(مسألة 2): لو بدت العورة لريح أو غفلة أو كانت منكشفة من أوّل الصلاة و هو لا يعلم فالصلاة صحيحة، لكن يبادر إلى الستر إن علم في الأثناء (1)،


1- وجه صحّة الصلاة فيما لو كانت العورة مستورة من أوّل الصلاة و بدت في الأثناء لريح أو غفلة، و فيما لو كانت منكشفة من أوّل الصلاة و هو لا يعلم، هو صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل صلّى و فرجه خارج لا علم به، هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال لا إعادة عليه و قد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 4: 404، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 27، الحديث 1.) ، و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين انكشاف جميع العورة أو بعضها، و بين انكشافها في تمام الصلاة أو بعضها حتّى فرغ منها. و لا مخالف من أحد من أصحابنا في المسألة. نعم احتمل العلّامة في «التحرير» الإعادة فيما إذا علم في الأثناء و سترها لبقية الصلاة؛ فإنّه (رحمه اللَّه) بعد ما أفتى بالصحّة قال: و لو قيل بعدم الاجتزاء بالستر كان وجهاً؛ لأنّ الستر شرط و قد فات(تحرير الأحكام 1: 32/ السطر 1.) و ضعّفه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) و قال: إنّه كالاجتهاد في مقابلة النصّ(جواهر الكلام 8: 181.) و أمّا وجوب المبادرة إلى الستر فيما لو علم في الأثناء فممّا قام به الإجماع، و أنّه من القطعيات كما في «الجواهر». و صحّة الصلاة حينئذٍ مشهورة بين الأصحاب شهرة عظيمة، و في «الجواهر»: لم أجد فيه مخالفاً صريحاً في ذلك(نفس المصدر: 179.)

ص: 147

و الأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف (1)، و كذا لو نسي سترها في الصورتين (2).


1- وجه الاحتياط فتوى بعض فقهائنا بعدم الاجتزاء لفوات الشرط، و احتمله العلّامة (رحمه اللَّه) في «التحرير».
2- أي من أوّل الصلاة أو بعد التكشّف في الأثناء. و في المسألة أقوال: الصحّة مطلقاً، نسب إلى «المدارك» و «الرياض» و «شرح الوحيد». البطلان مطلقاً، نسب إلى الشهيد و غيره، و حكي عن ظاهر «التذكرة» و «المنتهي» و «المعتبر» الإجماع عليه. و التفصيل بين النسيان ابتداءً و بينه بعد التكشّف في الأثناء بالصحّة في الثاني دون الأوّل، نسبه في «المدارك» إلى الشهيد في «الذكرى» و «البيان» و استحسنه. و التفصيل بين الوقت و خارجه بالإعادة في الأوّل دون الثاني، نسب إلى ابن الجنيد. و استدلّ على الصحّة تارة بحديث لا تعاد الصلاة إلّا عن خمس: الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 1.) و أُخرى بحديث رفع النسيان مطلقاً؛ أي سواءٌ نسيه ابتداءً أو بعد التكشّف في الأثناء، بناءً على عدم اختصاص المرفوع بالمؤاخذة. و ثالثة بصحيح علي بن جعفر المتقدّم(وسائل الشيعة 4: 404، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 27، الحديث 1.) باعتبار أنّ قوله لا يعلم به يشمل حال النسيان. و فيه: أنّ عدم العلم عبارة عن حال الغفلة؛ و لذا جعل النسيان مقابل «ما لا يعلمون» في حديث الرفع. و أمّا القول بالبطلان حال النسيان فلم يتّضح لنا دليل عليه إلّا كون الستر شرطاً على الإطلاق كالطهارة و الوقت. و التفصيلان المذكوران مثل القول بالبطلان مطلقاً في الضعف.

ص: 148

[ (مسألة 3): عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر]

(مسألة 3): عورة الرجل في الصلاة عورته في حرمة النظر و هي: الدُّبُر و القضيب و الأُنثيان (1)،


1- اختلف فقهاؤنا في عورة الرجل؛ المشهور بينهم شهرة عظيمة أنّها عبارة عن القبل و الدبر، و المراد بالقبل الذكر و الأُنثيان، و الدبر عبارة عن الحلقة التي هي المخرج، و الأليان خارجان عنه. و نسب إلى القاضي ابن البرّاج: أنّها عبارة عمّا بين السرّة و الركبة، و حكي عن أبي حنيفة أيضاً. و عن أبي الصلاح: أنّها عبارة عن السرّة إلى نصف الساق، و نسب هذا إلى مالك و الشافعي أيضاً. و قد حكي الإجماع عن «التحرير» و «التذكرة» و «جامع المقاصد» على خروج الركبة و السرّة عن العورة، و قول القاضي و أبي الصلاح متروك عند الأصحاب. و في بعض الأخبار تصريح بقول المشهور؛ ففي مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) قال العورة عورتان: القبل و الدبر، و الدبر مستور بالأليتين؛ فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة(وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 4، الحديث 2.) و في بعض الروايات صرّح بعدم كون الفخذ من العورة؛ روى الصدوق (رحمه اللَّه) عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال الفخذ ليس من العورة(وسائل الشيعة 2: 35، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 4، الحديث 4.) ، كذا رواه في «التهذيب»(تهذيب الأحكام 1: 374/ 1150.) و ما دلّ عليه بعض الأخبار من أنّ العورة ما بين السرّة و الركبة ضعيف من حيث السند أوّلًا، و محمول على التقية ثانياً؛ لموافقته للعامّة. و معرض عنه عند الأصحاب ثالثاً. و بعضها محمول على الاستحباب؛ ففي خبر الحسين بن علوان إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلى عورتها، و العورة ما بين السرّة و الركبة(وسائل الشيعة 21: 148، كتاب النكاح، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الباب 44، الحديث 7.) و خبر بشير النبّال في حديث: أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) دخل الحمّام فاتّزر بإزار و غطى ركبتيه و سرّته، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلّى ما كان خارجاً من الإزار، ثمّ قال اخرج عنّي ثمّ طلّى هو ما تحته بيده، ثمّ قال هكذا فافعل(وسائل الشيعة 2: 67، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 31، الحديث 1.) و خبر «الخصال» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث الأربعمائة قال إذا تعرّى أحدكم (الرجل) نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم(وسائل الشيعة 5: 23، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 10، الحديث 3.) و لعلّ إطلاق اسم العورة على ما بين السرّة و الركبة أو إلى نصف الساق لشدّة الرجحان في ستره حتّى في غير حال الصلاة كما تشير إليه جملة من الأخبار. بل يدلّ على استحباب ستر باقي البدن قوله تعالى خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ(الأعراف( 7): 31.) و النبوي إذا صلّى أحدكم فليلبس ثوبيه؛ فإنّ اللَّه أحقّ أن يتزيّن له(كنز العمّال 7: 331/ 19120.) و بعض الأخبار يدلّ على كراهة كشف غير العورة كالمروي عن «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر سأل أخاه عن الرجل: هل يصلح له أن يصلّي في سراويل واحد و هو يصيب ثوباً؟ قال لا يصلح(وسائل الشيعة 4: 453، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 53، الحديث 7.) ، و غيره ممّا ذكره صاحب «الجواهر» من أخبار الباب الثالث و الخمسين من أبواب لباس المصلّي و غيره.

ص: 149

ص: 150

و الأحوط ستر الشبح الذي يُرى من خلف الثوب من غير تميّز للونه (1).


1- لا إشكال في وجوب ستر العورة بحجمها أي شبحها الذي يرى من خلف الثوب لرقّته مع تميّز لونه، و أمّا بدون تميّز لونه ففيه خلاف بين فقهائنا؛ نسب إلى «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «فوائد القواعد» الوجوب؛ لقاعدة الاحتياط و تبادره من أدلّة وجوب ستر العورة، و لمرفوعة أحمد بن حمّاد إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تصلّ فيما شفّ أو وصف(وسائل الشيعة 4: 388، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 21، الحديث 4.) ، قال في «الذكرى» في بيان معنى الحديث: معنى «شفّ» لاحت منه البشرة و «وصف» حكى الحجم. و نسب إلى العلّامة و المحقّق و ابن فهد و الصيمري و الشهيد في «الذكرى» و صاحب «المدارك» و غيرهم عدم الوجوب؛ للأصل و تحقّق الستر بستر لون العورة، و لتجويز الصلاة في قميص واحد إذا كان كثيفاً أي ساتر اللون كما في صحيح محمّد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): الرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال إذا كان كثيفاً فلا بأس به، و المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان الدرع كثيفاً؛ يعني إذا كان ستيراً(وسائل الشيعة 4: 387، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 21، الحديث 1.) هذا كلّه في حجم العورة و شبحها. و أمّا شكلها الذي يُرى مع الثوب حال لفّه به فهو لا يمنع؛ لتحقّق الستر قطعاً؛ إذ قد يُرى الشكل حتّى مع لفّه بثوب أغلظ كالجلد. و من بياننا هذا قد علم: أنّ الحجم هو الشبح لا الشكل، و السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» قابل الشبح بالحجم و فسّر الحجم بالشكل؛ فقال: و الأحوط ستر الشبح الذي يُرى من خلف الثوب من غير تميّز لونه، و أمّا الحجم أي الشكل فلا يجب ستره(العروة الوثقى 1: 551.) و كيف كان: فلا يترك الاحتياط بستر الشبح بالمعنى الذي ذكرنا مع عدم تميّز لونه.

ص: 151

ص: 152

و عورة المرأة في الصلاة جميع بدنها حتّى الرأس و الشعر، ما عدا الوجه الذي يجب غسله في الوضوء، و اليدين إلى الزندين، و القدمين إلى الساقين، و يجب عليها ستر شي ء من أطراف المُستَثنيات مقدّمة (1).


1- يجب على المرأة ستر جميع بدنها حتّى الرأس و الشعر، عدا ما استثني في المتن. و قد أجمع علماؤنا على أنّ بدن المرأة كلّه عورة؛ ففي «التذكرة» و «المختلف» و «المعتبر»: عورة المرأة الحرّة جميع بدنها، إلّا الوجه بإجماع علماء الإسلام. و قد ورد في بعض الأخبار: أنّ المرأة تصلّي في ثلاثة أثواب، كما في صحيح ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب: إزار و درع و خمار، و لا يضرّها بأن تقنع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما و تقنّع بالآخر ، قلت: فإن كان درع و ملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال لا بأس إذا تقنّعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولًا(وسائل الشيعة 4: 406، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 8.) و في بعضها: أنّها تكفي بالدرع و المقنعة، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال المرأة تصلّي في الدرع و المقنعة إذا كان كثيفاً؛ يعني ستيراً(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 3.) و في بعضها: أنّها تكفي بالدرع و الملحفة، كما في رواية المعلّى بن خنيس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي في درع و ملحفة ليس عليها إزار و لا مقنعة، قال لا بأس إذا التفّت بها، و إن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولًا(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 5.) و في بعضها: أنّها تكفي ملحفة واحدة إذا التفّت بها، كما في صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) عن المرأة ليس لها إلّا ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال تلتفّ فيها و تغطّي رأسها و تصلّي، فإن خرجت رجلها و ليس تقدر على غير ذلك فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 2.) فالمستفاد من مجموع هذه الروايات و غيرها وجوب ستر جميع البدن حتّى الرأس و الشعر و لو بثوب واحد على المرأة. و يدلّ على وجوب ستر خصوص الرأس و الشعر و الأُذنين صحيح الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال صلّت فاطمة (سلام اللَّه عليها) في درع و خمارها على رأسها، ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أُذنيها(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 1.) ، و تضعيف صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) سند رواية الفضيل في غير محلّه؛ لأنّ رجال الصدوق (رحمه اللَّه) إلى الفضيل عبارة عن محمّد بن موسى بن المتوكّل و هو ثقة عن علي بن الحسين السعدآبادي ظاهر جمع من الأصحاب اعتباره، و قد وقع في طريق «كامل الزيارات» لابن قولويه عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي هو أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، ثقة عن جماعة من الرجاليين كالنجاشي و الشيخ في «الفهرست» و العلّامة في «الخلاصة» و ابن داود، و عن ابن الغضائري أنّه طعن عليه القميون و ليس الطعن فيه، و إنّما الطعن فيمن يروي عنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عمر بن أُذينة و هو ثقة عن الفضيل بن يسار، قال الصادق (عليه السّلام) في حقّه هو منّا أهل البيت. و أمّا استثناء الوجه و عدم وجوب ستره على المرأة فيدلّ عليه مضافاً إلى الأصل و الإجماع و السيرة القطعية موثّق سماعة قال: سألته عن المرأة تصلّي متنقّبة؟ قال إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، و إن أسفرت فهو أفضل(وسائل الشيعة 4: 421، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 33، الحديث 1.) ؛ (يقال أسفرت المرأة؛ أي كشفت عن وجهها). و أمّا استثناء الكفّين إلى الزندين و كذا القدمين إلى الساقين فممّا قام به الإجماع من الفريقين، و ادّعى الشهيد في «الذكرى» إجماع علماء الإسلام إلّا أحمد و داود، بل يمكن الاستدلال على استثنائهما من الروايات المذكورة في الباب الثامن و العشرين من أبواب لباس المصلّي من «الوسائل»(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28.) ممّا دلّ على جواز صلاة المرأة بالدرع و الخمار الدرع قميص المرأة تلبسه في بيتها، و الخمار ما تغطّي المرأة به رأسها بناءً على أنّ الغالب عدم ستر الكفّين و القدمين بالدرع. و لا فرق في القدمين بين ظاهرهما و باطنهما، كما صرّح به جماعة من فقهائنا. و لعلّ الاقتصار على ظاهرهما من بعضهم كالعلّامة في «القواعد» و «التحرير» و الشهيد في «البيان» و غيرهما باعتبار استتار باطنهما بالأرض حال القيام و بالثياب في غيرها. و استدلّ بعض فقهائنا كصاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) في مطاوي كلماته على استثناء الوجه و الكفّين و القدمين بالأخبار الآمرة بالقناع و المقنعة و الدرع و الخمار و نحوها، بناءً على عدم تعارف ستر الوجه بالمقنعة و الخمار، و عدم تعارف ستر الكفّين و القدمين بالدرع. قال الحائري شيخ أساتيذنا مؤسّس الحوزة العلمية بقم صانها اللَّه عن الحدثان في كتاب الصلاة: و أمّا عدم وجوب ستر ما ذكرنا من الأُمور الوجه و الكفّين و القدمين فيكفي فيه عدم دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب؛ لعدم الملازمة بين لبس الدرع و الخمار و الإزار و ستر ما ذكرنا، بل المتعارف في حال لبس الثياب المذكورة عدم ستر ما ذكرنا(الصلاة، المحقق الحائري: 44.) انتهى. و أمّا ستر شي ء من أطراف المستثنيات فليس واجباً بالأصالة، بل لأجل تحصيل اليقين بستر ما هو عورة من بدنها.

ص: 153

ص: 154

ص: 155

[ (مسألة 4): يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها]

(مسألة 4): يجب على المرأة ستر رقبتها و تحت ذقنها حتّى المقدار الذي يُرى منه عند اختمارها على الأحوط (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب ستر العنق على المرأة؛ فقال جماعة منهم صاحب «المدارك» و النراقي في «مستند الشيعة» بعدم وجوب ستر رقبتها و هي العنق و استدلّ عليه صاحب «المدارك» بصحيح الفضيل بن يسار المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام) ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها و أُذنيها(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 1.) ، و استشهد أيضاً بصحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة، قال درع و ملحفة، فتنشرها على رأسها و تجلّل بها(وسائل الشيعة 4: 407، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 9.) و لم نفهم موضع الاستشهاد منه، بل الاستشهاد به على العكس أولى؛ لأنّ التجلّل بالملحفة عبارة عن التغطّي بها و لو لا استثناء الوجه لوجب تغطّيه أيضاً. و قال المشهور بوجوب ستر العنق، و الدليل عليه الأخبار الآمرة بالخمار، بناءً على أنّ المتعارف في الخمار ستر الرأس و الشعر المنسدل. و قال صاحب «الرياض» و نعم ما قال و أمّا ستر الشعر و العنق فظنّي كونه مجمعاً عليه و إن تأمّل فيه نادر؛ لشذوذه و مخالفته لإطلاق النصوص و الفتاوى بكون بدن المرأة جملتها عورة، و قد مرّ دعوى جماعة الإجماع عليه من العلماء كافّة من غير استثناء لهما بالمرّة، و إن استثنوا غيرهما كما عرفته. و المراد من البدن ما يعمّ الشعر؛ لتصريحهم بلزوم نحو الخمار الساتر للشعر جدّاً، و لو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر لما كان لأمرهم بلزوم الخمار وجه لستر الشعر جلد الرأس جدّاً، فكأنّ فيه غنى عن الخمار الساتر قطعاً. و مع ذلك النصوص به مستفيضة كادت تبلغ التواتر، بل لعلّها متواترة بلزوم سترهما عن الأجنبي، بل في الصلاة أيضاً كما مرّ في أخبار الخمار فإنّ خمور نساء الأعراب اللواتي هنّ موردها تستّرهما قطعاً، و ليس الأمر بسترهما عن الأجنبي إلّا لكونهما من العورة المأمور بسترها في الصلاة بإجماع العلماء كافّة(رياض المسائل 3: 239.) انتهى. و أمّا وجوب ستر المقدار الذي يرى من الذقن عند اختمارها و عدم وجوبه فهو منوط بكون ذلك المقدار من الوجه و عدمه؛ فعلى الأوّل لا يجب ستره و على الثاني يجب. الظاهر: أنّ المقدار المرئي منه للرائي المقابل لها يعدّ من الذقن الذي هو عضو الوجه فلا يجب ستره.

ص: 156

ص: 157

[ (مسألة 5): الأَمَة و الصبيّة كالحرّة و البالغة]

(مسألة 5): الأَمَة و الصبيّة كالحرّة و البالغة، إلّا أنّه لا يجب عليهما ستر الرأس و الشعر و العنق (1).


1- كلّما دلّ من الأدلّة على وجوب ستر المرأة جميع بدنها سوى ما استثني من الوجه و الكفّين و القدمين، يدلّ بإطلاقه على عدم الفرق بين الحرّة و الأمة، إلّا في الرأس و الشعر و العنق فلا يجب سترها على الأمة إجماعاً بقسميه. و يدلّ على جواز كشف الرأس على الأمة صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث قال: قلت: الأمة تغطّي رأسها إذا صلّت؟ فقال ليس على الأمة قناع(وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 1.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث قال ليس على الإماء أن يتقنّعن في الصلاة(وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و يستفاد من الصحيحين المزبورين أيضاً جواز كشف الشعر و العنق لها حيث إنّ سترهما يتحقّق بالقناع و الخمار المنفيين عنها. و رواية عبد اللَّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 10.) و أمّا الصبية الغير البالغة فيجب عليها ستر جميع بدنها كالبالغة، و الوجوب شرطي لا تكليفي حتّى على القول بكون عباداتها تمرينية لا شرعية و حكمها حكم الأمة في عدم وجوب ستر رأسها و شعرها و رقبتها. و يدلّ عليه قبل الإجماع المحقّق بقسميه مصحّح يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال نعم ، قال: قلت: فالمرأة؟ قال لا، و لا يصلح للحرّة إذا حاضت إلّا الخمار، إلّا أن لا تجده(وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 4.) و رواية أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) قال إذا حاضت الجارية فلا تصلّي إلّا بخمار(وسائل الشيعة 4: 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 28، الحديث 13.) ، أبو البختري هو وهب بن وهب القرشي المدني، عامّي المذهب و كان كذّاباً. و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال على الصبي إذا احتلم الصيام، و على الجارية إذا حاضت الصيام و الخمار، إلّا أن تكون مملوكة فإنّه ليس عليها خمار، إلّا أن تحبّ أن تختمر و عليها الصيام(وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 29، الحديث 3.) و الاستدلال بهذه الروايات على جواز كشف الصبية رأسها و شعرها و عنقها منوط على إرادة البلوغ من الحيض.

ص: 158

[ (مسألة 6): لا يجب التستّر من جهة التحت]

(مسألة 6): لا يجب التستّر من جهة التحت. نعم لو وقف على طرف سطح أو شبّاك يتوقّع وجود ناظر تحته؛ بحيث تُرى عورته لو كان هناك ناظر فالأحوط بل الأقوى التستّر من جهته أيضاً و إن لم يكن ناظر فعلًا، و أمّا الشبّاك الذي لا يتوقّع وجود الناظر تحته كالشبّاك على البئر فلا يجب على الأقوى إلّا مع وجود ناظر فيه (1).


1- يجب التستّر من الجوانب الأربعة و الفوق دون التحت؛ فمن لبس قميصاً طويلًا كان بحيث لو نظر أحدٌ من التحت يرى العورة كفاه؛ للإجماع، و لتحقّق الستر به عرفاً، و عدم ثبوت أزيد منه من الأخبار، و مورد الإجماع حيث إنّه اكتفي في الأخبار بالدرع و القميص مثلًا و هما لا يستران من التحت. نعم لو وقف في طرف السطح أو على الشبّاك و كان تحتهما محلّ العبور و الوقوف بحسب المتداول وجب التستّر من التحت أيضاً و إن لم يكن ناظر فعلًا؛ لعدم تحقّق الستر حينئذٍ عرفاً. و أمّا الشبّاك التي لا يتوقّع وجود ناظر تحتها بحسب المعمول المتعارف كالتي تجعل على الآبار فلا يجب عليه التستّر من التحت لو وقف عليها و صلّى، إلّا مع وجود ناظر فيها بالفعل. فرع: هل يجب على المصلّي الستر عن نفسه بحيث لو صلّى في ثوب واسع و أزراره محلولة و يرى عورته حال الركوع بطلت صلاته، أو لا يجب إلّا الستر عن الغير؟ صرّح العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي» في ذيل الفرع الحادي عشر بعدم الوجوب، و قال: و لو كان الجيب واسعاً تظهر له عورته لو ركع لم يجب ستر ذلك عن نفسه و كانت صلاته ماضية؛ لأنّ المقصود تحريم نظر غيره إلى عورته(منتهى المطلب 1: 239/ السطر 22.) انتهى. و قال المحقّق في «المعتبر»: و لو كان جيبه واسعاً بحيث لو ركع بانت له عورته لم يجب ستر ذلك و كانت صلاته ماضية، و قد روى ذلك رجل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)(المعتبر 2: 106.) انتهى. و الرواية إشارة إلى ما رواه الشيخ في «التهذيب» عن الحسن بن علي بن فضّال عن رجل قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّ الناس يقولون: إنّ الرجل إذا صلّى و أزراره محلولة و يداه داخلة في القميص إنّما يصلّي عرياناً، قال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 394، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 23، الحديث 4.) و عن الشهيد في «الذكرى»: لو برزت العورة حين الركوع للناظرين بطلت الصلاة حينئذٍ، و لو برزت للمصلّي لا لغيره فالأقرب البطلان إذا قدّر رؤية الغير لو حاذى الموضع. و أطلق في «المعتبر» الصحّة إذا بانت له حال الركوع. و الأقرب الاكتفاء بكثافة اللحية المانعة للرؤية(ذكرى الشيعة 3: 19.) انتهى. و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه): التحقيق عندي في هذا المقام: هو أنّه لمّا قام الدليل من خارج على وجوب ستر العورة في الصلاة و المتبادر في جميع واجباتها من قيام و قعود و ركوع و سجود و نحو ذلك، فالواجب حمل هذه الأخبار على ما تجتمع به مع تلك الأدلّة، و لا معنى لاستثناء رؤية المصلّي نفسه دون غيره؛ إذ وجوب ستر العورة ليس باعتبار وجود الناظر بالفعل و إنّما هو باعتبار أنّه لو كان ثمّة ناظر لكان يراها، و إلّا لكان المصلّي في الظلام أو في بيت يغلق عليه تصحّ صلاته، و ليس كذلك إجماعاً(الحدائق الناضرة 7: 31.) انتهى موضع الحاجة. و وافق «الحدائق» السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، و هو المختار عندي. و وجهه: أنّ الظاهر من الأدلّة وجوب ستر العورة في نفسه بحيث لا تكون مرئية لغيره أو لنفسه، كان هناك ناظر أو لا، على ما أشار إليه صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه)، خرج عنه صورة عدم العلم به و النسيان للدليل، و قد تقدّم تفصيله في شرح المسألة الثانية. و لذا قال جماعة منهم السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها إنّ الأقوى وجوب الستر، و الأحوط البطلان.

ص: 159

ص: 160

ص: 161

[ (مسألة 7): الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر]

(مسألة 7): الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر؛ و لو باليد أو الطلي بالطين أو الولوج في الماء؛ حتّى أنّه يكفي الأليتان في ستر الدُّبُر. و أمّا الستر في الصلاة فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار. و أمّا الستر بالورق و الحشيش و القطن و الصوف غير المنسوجين، فالأقوى جوازه مطلقاً و إن لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأوّلين، و الأقوى لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتّى مثل الحشيش و الورق جواز إتيان صلاة فاقد الساتر؛ و إن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه و بين واجده (1).


1- فرق في الساتر بين الستر الواجب في نفسه عن الناظر المحترم و بينه حال الصلاة، حيث إنّ الساتر عن النظر هو المانع الحائل عنه بأيّ وسيلة كانت و لو باليد أو الطليّ بالطين أو الولوج في الماء أو التواري خلف الجدار أو في الحفرة و غير ذلك؛ لأنّ الغرض استتار العورة عن النظر حال تحقّقه من الغير، و قد ورد سترها باليد و الأليتين في مرسل «الكافي» قال في رواية أُخرى فأمّا الدبر فقد سترته الأليتان، و أمّا القبل فاستره بيدك(وسائل الشيعة 2: 34، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 4، الحديث 3.) و أيضاً قد ورد سترها بالنورة؛ ففي رواية عبيد اللَّه المرافقي في حديث: أنّه دخل حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يدخله فيبدأ فيطلّي عانته و ما يليها، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليله و يدعوني فاطلي سائر بدنه، فقلت له يوماً من الأيّام: إنّ الذي تكره أن أراه قد رأيته، قال كلّا إنّ النورة سترة (ستره)(وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 18، الحديث 1.) و رواية محمّد بن عمر عن بعض من حدّثه أنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول من كان يؤمن باللَّه و اليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلّا بمئزر ، قال: فدخل ذات يوم الحمّام فتنوّر، فلمّا أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت و أُمّي إنّك لتوصينا بالمئزر و لزومه و لقد ألقيته عن نفسك؟! فقال أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة؟!(وسائل الشيعة 2: 53، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 18، الحديث 2.) ، هذا كلّه في الساتر عن الناظر المحترم. و أمّا الساتر حال الصلاة فهل يكتفى فيه بغير الثوب مطلقاً؛ حتّى في حال الاختيار، أو لا يكتفى به مطلقاً؛ حتّى في حال الاضطرار؟ ففي المسألة أقوال: التخيير بين الثوب و الحشيش و الورق و الطين، و ليس شي ء منها مقيّداً بحال الاضطرار. نَسب المجلسي (رحمه اللَّه) هذا القول إلى الشيخ و ابن إدريس و العلّامة و المحقّق و الشهيد في «البيان»، و اختاره شيخ أساتيذنا الحائري (رحمه اللَّه) في كتاب «الصلاة» مع تقييده بحال الاضطرار، و قال في ذيل كلامه: ثمّ إنّه على فرض عدم الاكتفاء بالطين و نحوه حال الاختيار لا ينبغي الإشكال في الاكتفاء به حال الاضطرار؛ لقوله (عليه السّلام) في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته ، المفهوم منه أنّه لو وجد شيئاً يستر به عورته يصلّي صلاة المختار(الصلاة، المحقّق الحائري: 68.) انتهى. و نسب صاحب «الذخيرة» إلى الفقهاء المذكورين وجوب تقديم الثوب ثمّ التخيير بين الحشيش و الورق و الطين، و هو القول الثاني في المسألة. و القول الثالث: وجوب الستر بالثوب، و مع تعذّره فكلّ ما يستر العورة و لو بالحشيش و ورق الشجر، و مع تعذّره فبالطين. و ذهب إليه الشهيد (رحمه اللَّه) في «الدروس» قال: و يجوز الاستتار بكلّ ما يستر العورة و لو بالحشيش و ورق الشجر مع تعذّر الثوب، و لو تعذّر ذلك فطيّن العورة(الدروس الشرعية 1: 148.) و القول الرابع: التخيير بين الثوب و الحشيش و الورق، فإن تعذّر فبالطين. ذهب إليه الشهيد في «الذكرى» و صاحب «جامع المقاصد» و اختاره صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) حيث إنّه بعد القول بنفي دلالة صحيح علي بن جعفر على اشتراط جواز الستر بالحشيش و الورق و نحوهما بانتفاء الثوب، قال: نعم في جوازه اختياراً بالطين و الجصّ و نحوهما قولان. إلى أن قال: و قد يقوى في النظر العدم. إلى أن قال: نعم لو فرض إمكان التستّر به على وجه يساوي التستّر بالحشيش و نحوه في الانفصال و شبهه أمكن الصحّة(جواهر الكلام 8: 189.) انتهى. و القول الخامس: ما ذهب إليه الشهيد في «المسالك» قال: مفهوم الشرط أي في عبارة «الشرائع»: و إذا لم يجد ثوباً سترهما بما وجده و لو بورق الشجر توقّف الإجزاء بالورق على فقد الثوب، و هو كذلك. و في حكم الورق الحشيش الذي يمكن شدّه على العورة و لو بغيره، و لو تعذّر جميع ذلك استتر بالطين الساتر للّون و الجسم، فإن تعذّر فبالوحل الساتر للّون خاصّة، ثمّ بالماء الكدر إن تمكّن من استيفاء الأفعال فيه، و لو لم يتمكّن و وجد حفيرة يتمكّن فيها منه قدّمها عليه(مسالك الأفهام 1: 167.) إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه لا إشكال و لا خلاف في عدم كفاية مطلق ما ذكر في الستر النظري في الستر الصلاتي؛ و ذلك لأنّ ما ورد في النصوص من عناوين الثوب و الدرع و القميص و الملحفة كان من باب المثال الشامل للورق و الحشيش و نحوهما كالقطن و الصوف الغير المنسوجين، و كان اختصاصها بالذكر في النصوص لغلبتها و تعارفها في اللُّبس لا لإرادة عدم جواز الصلاة في غير سنخها حتّى لا يشمل الورق و الحشيش و نحوهما؛ و حينئذٍ فلا يكون ما ذكر في الستر عن النظر مشمولًا للنصوص. و بعبارة اخرى: الشكّ في الاكتفاء بالحشيش و الورق منشؤه الشكّ في اعتبار هيئة مخصوصة للساتر الصلاتي، لا الشكّ في جواز التستّر بمادّتهما؛ فيرجع الشكّ في الحقيقة إلى الشكّ في شرطية الهيئة اللباسية من أيّ مادّة كانت؛ فالمرجع حينئذٍ البراءة. و الشكّ في الاكتفاء بالطين و غيره ممّا يكتفى به في الستر النظري حال الصلاة حال الاختيار منشؤه الشكّ في تعيين ما عدا الطين من أنواع الساتر؛ فيرجع إلى الشكّ في تعيين ما عدا الطين من أنواع الساتر و التخيير بينهما؛ فالمرجع الاحتياط. و أمّا وجه الاحتياط في ترك الستر بالورق و الحشيش فلاحتمال أن يكون ذكر الدرع و الثوب و القميص و الملحفة و اللباس و نحوها في النصوص مثالًا لصنفها مادّةً و هيئةً أو هيئةً لا مادّةً؛ فلا يشمل الورق و الحشيش. و أمّا وجه القوّة في جواز إتيان صلاة فاقد الساتر لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه حتّى مثل الحشيش و الورق فصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.) و أمّا وجه الاحتياط بالجمع بين صلاة واجد الستر و فاقده لمن يجد ما يطلّي به، فيمكن استفادته من الصحيح المزبور حيث إنّ مفهوم قوله و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أنّه إن أصاب شيئاً يستر به عورته يصلّي صلاة الواجد، و المفروض أنّ الطليّ بالطين و الجصّ و نحوهما ساتر، و من حيث إنّه ساتر عن النظر و لا سنخية بينه و بين ما ذكر في النصوص من العناوين يصلّي صلاة الفاقد.

ص: 162

ص: 163

ص: 164

ص: 165

[ (مسألة 8): يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي أُمور]

(مسألة 8): يعتبر في الساتر بل مطلق لباس المصلّي أُمور:

[الأوّل: الطهارة إلّا فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً]

الأوّل: الطهارة إلّا فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كما تقدّم (1).


1- تقدّم البحث عن ذلك في الأمر الثالث ممّا يعفى عنه من النجاسات في الصلاة. و اشتراط الطهارة في الساتر بل في مطلق لباس المصلّي إجماعي، و الأخبار فيه متواترة. و يدلّ عليه صحيح ميسر بن عبد العزيز قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأُصلّي فيه فإذن هو يابس، قال أعد صلاتك أمّا إنّك لو كنتَ غسلتَ أنت لم يكن عليك شي ء(وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 18، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن المني يصيب الثوب، قال اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه؛ قليلًا كان أو كثيراً(وسائل الشيعة 3: 428، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 19، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ وجوب غسل الثوب إنّما هو لأجل الصلاة. و الأخبار الدالّة على وجوب الإعادة على من علم نجاسة الثوب و نسيها و صلّى فيه ثمّ ذكرها، قد ذكرت في الباب العشرين و الأربعين من أبواب النجاسات، فراجع. و صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال إن كان علم أنّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ثمّ صلّى فيه و لم يغسله فعليه أن يعيد ما صلّى(وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 43، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي (عليه السّلام) قال إن أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله، و إن صلّيت فيه فأعد صلاتك(وسائل الشيعة 3: 482، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 43، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و إن دبغ سبعين مرّة(وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 61، الحديث 1.) و يدلّ عليه أيضاً الأخبار الواردة في وجوب طرح الثوب النجس مع الإمكان و الصلاة بالإيماء و لو عارياً، كموثّق سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس له إلّا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال يتيمّم و يصلّي عرياناً قاعداً يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب و غيره من الأبواب المتفرّقة. و وجه استثناء ما لا تتمّ الصلاة فيه صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي ء، مثل القلنسوة و التكّة و الجورب(وسائل الشيعة 3: 455، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 1.) و مرسل حمّاد بن عثمان عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي في الخفّ الذي أصابه القذر، فقال إذا كان ممّا لا تتمّ فيه الصلاة فلا بأس(وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 2.) و مرسل عبد اللَّه بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّي فيه و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكّة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك(وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.) ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 166

ص: 167

[الثاني: الإباحة]

الثاني: الإباحة، فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصبيّة، فلو لم يعلم بها صحّت صلاته (1)،


1- عدم جواز الصلاة في الثوب المغصوب إجماعي في الجملة، حكاه غير واحد من علمائنا؛ فعن العلّامة في «نهاية الإحكام»: لا تصحّ الصلاة في الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية عند علمائنا أجمع(نهاية الإحكام 1: 378.) انتهى. فلو لم يعلم به صحّت صلاته؛ لحديث الرفع و حديث «لا تعاد». و لا فرق بين الساتر و غيره، و هو ظاهر إطلاق عبارات أكثر الأصحاب، و به صرّح العلّامة (رحمه اللَّه) في بعض كتبه، قال في «المنتهي»: فروع: الأوّل لا فرق بين أن يكون الثوب المغصوب ساتراً أو غير ساتر؛ بأن يكون فوق الساتر أو تحته على إشكال(منتهى المطلب 1: 229/ السطر 33.) انتهى. و في «التحرير» بعد دعوى الإجماع على بطلان الصلاة في الثوب المغصوب قال: و لا فرق بين أن يكون ساتراً أو غيره(تحرير الأحكام 1: 30/ السطر 21.) و نسب إلى الفضل بن شاذان من خواصّ أصحاب الرضا (عليه السّلام) جواز الصلاة في الثوب المغصوب كالمكان المغصوب، حيث قال في مقام الردّ على العامّة القائلين بصحّة طلاق الحائض قياساً له على صحّة العدّة مع خروج المعتدّة من بيت زوجها ما هذا لفظه: و إنّما قياس الخروج و الإخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلّى فيها فهو عاصٍ في دخوله الدار، و صلاته جائزة؛ لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة؛ لأنّه منهي عن ذلك صلّى أو لم يصلّ و كذلك لو أنّ رجلًا غصب من رجل ثوباً أو أخذه فلبسه بغير إذنه فصلّى فيه لكانت صلاته جائزةً و كان عاصياً في لبسه ذلك الثوب؛ لأنّ ذلك ليس من شرائط الصلاة لأنّه منهيّ عن ذلك صلّى أو لم يصلّ(راجع الكافي 6: 94.) انتهى. و فصّل جماعة منهم المحقّق في «المعتبر» و صاحب «المدارك» بين الساتر و غيره، قال في «المعتبر»: اعلم أنّه لم أقف على نصّ من أهل البيت (عليهم السّلام) بإبطال الصلاة، و إنّما هو شي ء ذهب إليه المشايخ الثلاثة و أتباعهم. و الأقرب: أنّه إن ستر به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة؛ لأنّ جزء الصلاة يكون منهياً عنه و تبطل الصلاة بفواته، أمّا لو لم يكن كذلك لم تبطل و كان كلبس خاتم مغصوب(المعتبر 2: 92.) و استدلّ على اشتراط الإباحة و بطلان الصلاة في المغصوب مع العلم بالغصبية بوجوه: منها: ما حكي عن السيّد المرتضى في «الناصريات» من عدم الدليل على صحّة الصلاة في المغصوب. و فيه: أنّه يكفي في صحّتها عدم الدليل على اشتراط عدم كون اللباس مغصوباً. و منها: ما حكي عن الشيخ في «الخلاف» من أنّ التصرّف في الثوب الذي لا يرضى مالكه بالتصرّف فيه قبيح محرّم، و معه لا تتمشّى نية القربة. و فيه: أنّ القربة معتبرة في خصوص الصلاة و هي متحقّقة بالفرض، و لُبس الثوب ليس من أفعال الصلاة؛ فلا تعتبر القربة في خصوص اللُّبس. و منها: أنّ اشتغال الذمّة بالصلاة يقتضي البراءة منها، و لا تحصل فيما كان لباس المصلّي مغصوباً. و فيه: أنّ اشتغال الذمّة اليقيني تعلّق بخصوص الصلاة، و قد تحقّقت، و لا يقين للاشتغال بكونها في غير المغصوب، و مقتضى الأصل انتفاؤه. و منها: أنّ نزع الثوب مأمور به؛ لحفظه لمالكه و الردّ إليه، و الأمر به يقتضي النهي عن ضدّه و لو كان خاصّاً؛ فالصلاة منهي عنها فتفسد. و فيه أوّلًا: أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه بوجه من وجوه الاقتضاء. و ثانياً: أنّ النهي غيري لا يقتضي الفساد، على ما قرّر في محلّه. و منها: رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم اللَّه فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، و لو أخذوا ما نهاهم اللَّه عنه فأنفقوه فيما أمرهم اللَّه به ما قبله منهم حتّى يأخذوه من حقّ و ينفقوه في حقّ(وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) و فيه: أنّ الرواية ظاهرة في الإنفاقات المالية الصادرة من الأشخاص في الخيرات أو المنكرات، و لا ربط لها بما نحن فيه. و العمدة في الاستدلال على اشتراط إباحة اللباس في الصلاة و بطلانها في المغصوب رواية «تحف العقول» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وصيته لكميل حيث قال يا كميل انظر في ما تصلّي و على ما تصلّي، إن لم يكن من وجهه و حلّه فلا قبول(وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) ، و الاستدلال بها مبني على استلزام عدم القبول لعدم الإجزاء المقتضي للفساد. و فيه: أنّ الاستلزام المذكور يحتاج إثباته إلى الدليل، و ضعف سند الرواية منجبر بعمل الأصحاب. و قد استدلّ النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة» بأنّ الحركات الواقعة فيه و الحاصلة له بواسطة الركوع و السجود و القيام و الجلوس من القبض و البسط و النزول و الصعود و غيرها تصرّفات في المغصوب منهي عنها، و كلّ منها أجزاء للصلاة فيفسد؛ فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها. و القول بأنّ النهي إنّما يتوجّه إلى التصرّف في المغصوب من حيث هو تصرّف فيه لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة؛ فالنهي تعلّق بأمر خارج عنها، مردود بأنّه إذا كان متلبّساً بلباس مغصوب في حال الركوع مثلًا فلا شكّ في أنّ الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرّمة؛ لكونها محرّكة للشي ء المغصوب؛ فلا يكون مأموراً بها. و اعتبار الجهتين غير نافع كما بيّن في موضعه(مستند الشيعة 4: 363 364.) انتهى.

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

و كذا مع النسيان إلّا في الغاصب نفسه، فلا يُترك الاحتياط بالإعادة (1).


1- يعني الناسي مطلقاً أي سواء كان ناسياً لأصل الغصب أو ناسياً لحكمه الشرعي أو الوضعي كالجاهل، فهو معذور؛ لحديث الرفع، و لعدم قدرة الناسي حال النسيان على التستّر بالساتر المباح، فلا نهي حينئذٍ يعارض الإجزاء الحاصل بامتثال الأمر بالصلاة متستّراً. و لا يخفى: أنّ هذا الوجه مشترك بين الغاصب نفسه و غيره؛ و لذا لم يفرّق جماعة من فقهائنا بينهما. و وجه احتياط المصنّف (رحمه اللَّه) ذهاب جماعة منهم إلى وجوب الإعادة في داخل الوقت و خارجه على خصوص الغاصب، كالعلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و المحكي عن «نهاية الإحكام» و «الإيضاح» و «روض الجنان» و غيرهم، و هو مقتضى إطلاق الفتاوى بالإعادة. و استدلّوا عليه بأنّ هذا الستر كالعري و كالتستّر بالظلمة و باليد و بالنجس، و بأنّه مفرّط بالنسيان؛ لقدرته على التكرار الموجب للتذكار فإذا أخلّ به كان مفرّطاً، و لأنّه لمّا علم بالغصب كان حكمه المنع من الصلاة و الأصل بقاء ذلك و لم يعلم زواله بالنسيان. و يرد عليهم: أنّ قياس الستر بالساتر المغصوب المنسي على العرى و التستّر بالظلمة و نحوها قياس مع الفارق، و أنّ المفرّط في النسيان كغير المفرّط من غير فرق بينهما في عدم المؤاخذة عليهما حال النسيان و رفع آثار النسيان، و أنّه لا مجال لاستصحاب حكم حال العلم في حال النسيان بعد إحراز أنّ ملاك البطلان و عدم الإجزاء هو النهي، و هو منفي في مفروض المسألة لأجل النسيان الذي هو عذر قطعاً.

ص: 172

[ (مسألة 9): لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعته أو متعلَّقاً لحقّ الغير]

(مسألة 9): لا فرق بين كون المغصوب عين المال أو منفعته أو متعلَّقاً لحقّ الغير كالمرهون، و من الغصب عيناً ما تعلّق به الخمس أو الزكاة؛ مع عدم أدائهما و لو من مال آخر (1).

[ (مسألة 10): أن صُبِغ الثوب بصبغ مغصوب]

(مسألة 10): أن صُبِغ الثوب بصبغ مغصوب، فمع عدم بقاء عين الجوهر الذي صبغ به و الباقي هو اللون فقط تصحّ الصلاة فيه على الأقوى، و أمّا لو بقي عينه فلا تصحّ على الأقوى. كما أنّ الأقوى عدم صحّتها في ثوب خيط بالمغصوب و إن لم يمكن ردّه بالفتق، فضلًا عمّا يمكن. نعم لا إشكال في الصحّة فيما إذا أُجبر الصبّاغ أو الخيّاط على عمله، و لم يُعطَ أُجرته، مع كون الصبغ و الخيط من مالك الثوب. و كذا إذا غسل الثوب بماء مغصوب أو أُزيل وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء عين منهما فيه، أو اجبر الغاسل على غسله و لم يُعطَ أُجرته (2).


1- وجه عدم الفرق: هو أنّ ملاك حرمة التصرّف في عين مال الغير موجود في المنفعة بل المنفعة مال حقيقة و الحقوق القابلة للنقل و الانتقال كحقّ الرهانة؛ لأنّ استيفاء الحقّ من العين المرهونة لا يجوز لغير المرتهن؛ حتّى للمالك الراهن. و أمّا بطلان الصلاة فيما تعلّق به الخمس أو الزكاة فلكونهما مال مستحقّيهما؛ فلا يجوز التصرّف فيهما مع عدم أدائهما من مال آخر.
2- وجه صحّة الصلاة في الثوب الذي صبغ بصبغ مغصوب مع عدم بقاء عين الصبغ، هو أنّ لون الصبغ و إن كان تابعاً للصبغ و أنّ مالك الصبغ هو مالك اللون، و لكنّه لمّا كانت مالية الصبغ و رغبة العرف و العقلاء فيه باعتبار لونه فالغاصب يضمن عين الصبغ ما دام موجودة و قابلة للانتفاع به، فإذا صبغ الغاصب ثوبه بالصبغ الغصبي فقد أتلفه، فلمالكه مطالبة قيمة الصبغ. و إذا أدّى الغاصب قيمة الصبغ فقد برئت ذمّته. و ليس لمالك الصبغ مطالبة أزيد من قيمته و إن زادت مالية الثوب بالصبغ المغصوب. و وجه عدم صحّة الصلاة مع بقاء عين الصبغ في اللباس و إن لم يكن لها قيمة، هو تحرّكه بحركات الصلاة و سكونه بسكوناتها، فهو تصرّف في ملك الغير بدون إذنه و منهي عنه. و منه يعلم وجه بطلانها في ثوب خيط بالمغصوب؛ سواء يمكن ردّه إلى مالكه بالفتق أو لا. و وجه صحّتها فيما كان الصبغ و الخيط ملكاً لمالك اللباس و لكن أجبر الصبّاغ و الخيّاط على خياطة اللباس و صبغه بخيط مالكه و صبغه، هو أنّ مالك اللباس ضامن للخيّاط و الصبّاغ اجرة عملهما، و لا وجود لشي ء من ملك الصبّاغ و الخيّاط في لباس المصلّي. و مثله غسل الثوب النجس بماء مغصوب و إزالة وسخه بصابون مغصوب مع عدم بقاء جزئه في لباسه، أو إجبار الغاسل على غسله مع عدم إعطاء أُجرته.

ص: 173

[الثالث: أن يكون مذكّى من مأكول اللحم]

الثالث: أن يكون مذكّى من مأكول اللحم، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المذكى، و لا في سائر أجزائه التي تحلّه الحياة؛ و لو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة كالسمك على الأحوط (1)،


1- هذا الشرط لا دخالة له في أنّ الميتة نجسة و النجاسة مانعة عن الصلاة؛ إذ قد تقدّم اشتراط الطهارة في لباس المصلّي، و البحث هنا يقع في أنّ التذكية في أجزاء مأكول اللحم شرط في لباس المصلّي، أو أنّ الميتة مانعة و إن كانت طاهرة كأجزاء السمك الميتة في الماء، ذهب إلى كلّ فريقٌ. و يظهر من الأخبار أيضاً؛ فبعضها ظاهر في اشتراط التذكية من الحيوان المأكول لحمه، كموثّق عبد اللَّه بن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله ، ثمّ قال يا زرارة هذا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي و قد ذكّاه الذبح، و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد؛ ذكّاه الذبح أو لم يذكّه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبا الحسن (عليه السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قال: قلت: أ و ليس الذكي ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) و رواية «تحف العقول» عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال و كلّ ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه و الصلاة فيه، و كلّ شي ء يحلّ لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه و صوفه و شعره و وبره، و إن كان الصوف و الشعر و الريش و الوبر من الميتة و غير الميتة ذكيا فلا بأس بلبس ذلك و الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 8.) و يظهر من بعض الأخبار عدم كونه من أجزاء الميتة، كصحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميّت أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال لا و لو دبغ سبعين مرّة(وسائل الشيعة 4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الميتة قال لا تصلّ في شي ء منه و لا في شسع(وسائل الشيعة 4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 1، الحديث 2.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و لا يصلّى في جلود الميتة، و لا في جلود السباع(وسائل الشيعة 4: 355، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 6، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. و إذ قد عرفت: أنّ الشرط في بعض الأخبار هو التذكية و في بعضها عدم كونه ميتة؛ فحينئذٍ إن كان التقابل بين الميتة و المذكّى تقابل العدم و الملكة كما هو الظاهر من النصوص الواردة في استعمال الجلود و في بعض شرائط التذكية فلا تنافي بين الأخبار التي ذكرناها؛ فما دلّ على بطلان الصلاة في أجزاء الميتة يراد منه أنّ بطلانها لفقد التذكية. و في «المستمسك»: نعم لو كان التقابل بينهما تقابل الضدّين أشكل الأمر في المراد من مجموع النصوص، و هل هو كون التذكية شرطاً حينئذٍ و يكون النهي عن الصلاة في الميتة عرضيا فيتصرّف في ظاهر الطائفة الأُولى، أو أنّ الموت مانع و يكون الأمر بالصلاة في المذكّى عرضيا فيتصرّف في الثانية، أو تكون التذكية شرطاً و الموت مانعاً فيؤخذ بظاهر كلّ من الطائفتين؟ فعلى الثاني يكون مقتضى الأصل الصحّة؛ لأصالة عدم الموت. و على الأوّل يكون مقتضى الأصل الفساد؛ لأصالة عدم التذكية. و كذا على الأخير، و لا يعارضها أصالة عدم الموت؛ لعدم التنافي بينهما؛ إذ لا علم إجمالي منجّز بكذب إحداهما كي ينافيانه معاً فيسقطان بالمعارضة. و لو سلّم التساقط فلا أصل يحرز التذكية التي هي الشرط الذي لا بدّ من إحرازه. و يشهد بجريان أصالة الصحّة موثّق سماعة عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الفراء و الكيمخت؟ فقال (عليه السّلام) لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة(وسائل الشيعة 3: 493، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 12.) ، و نحوه غيره. و يشهد لأصالة الفساد ما تقدّم من رواية ابن بكير، لكن لما عرفت من أنّ التقابل تقابل العدم و الملكة فلا بدّ من حمل الموثّق و نحوه على صورة وجود أمارة على التذكية من سوق و غيره كما يشير إليه بعض النصوص الآتية(مستمسك العروة الوثقى 5: 297.) انتهى كلامه رفع مقامه.

ص: 174

ص: 175

ص: 176

و تجوز فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه كالصوف و الشعر و الوَبَر و نحوها (1).


1- و يدلّ عليه صحيح يونس عنهم (عليهم السّلام) قالوا خمسة أشياء ذكية ممّا فيه منافع الخلق: الإنفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر، و لا بأس بأكل الجبن كلّه ما عمله مسلم و غيره، و إنّما كره أن يؤكل سوى الإنفحة ممّا في آنية المجوس و أهل الكتاب؛ لأنّهم لا يتوقّون الميتة و الخمر(وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.) و صحيح حريز قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لزرارة (عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه لزرارة خ) و محمّد بن مسلم اللبن و اللباء و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة فهو ذكي و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صلّ فيه(وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.) و مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السنّ و الإنفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض(وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 9.) و صحيح الحسين بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: سأله أبي عن الإنفحة تكون في بطن العناق أو الجدي و هو ميّت، قال لا بأس به ، قال: و سأله أبي و أنا حاضر عن الرجل يسقط سنّه فيأخذ سنّ إنسان ميّت فيجعله مكانه، قال لا بأس ، و قال: عظام الفيل تجعل شطرنجاً، قال لا بأس بمسّها ، و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) العظم و الشعر و الصوف و الريش كلّ ذلك نابت لا يكون ميّتاً ، قال: و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة، قال لا بأس بأكلها(وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.)

ص: 177

و أمّا غير المأكول فلا تجوز الصلاة في شي ء منه و إن ذُكّي؛ من غير فرق بين ما تحلّه الحياة منه أو غيره (1)،


1- و يدلّ عليه موثّق عبد اللَّه بن بكير قال: سأل زرارة أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الثعالب و الفنك و السنجاب و غيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد، لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله. ثمّ قال يا زرارة هذا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فاحفظ ذلك، يا زرارة فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ و قد ذكّاه الذبح. و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد؛ ذكّاه الذبح أم لم يذكّه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبا الحسن (عليه السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قال: قلت: أ و ليس الذكي ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) و رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبت إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4.) و رواية محمّد بن إسماعيل بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه؛ لأنّ أكثرها مسوخ(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.) و قد ورد في عدّة من الروايات عدم جواز الصلاة في أوبار الثعالب و الأرانب، ضعف بعضها منجبر بفتوى المشهور، و بعضها معتبر كصحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب، من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب (عليه السّلام) لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 3.) و أمّا ما ورد فيها من نفي البأس من الصلاة في جلود الثعالب الذكية فمحمول على التقية، كصحيح جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الصلاة في جلود الثعالب، فقال إذا كانت ذكية فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 357، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 9.)

ص: 178

ص: 179

بل يجب إزالة الفضلات الطاهرة منه، كالرطوبة و الشعرات الملتصقة بلباس المصلّي و بدنه (1).


1- هذه المسألة مشهورة بين فقهائنا. و يدلّ على وجوب إزالة الفضلات الطاهرة من غير مأكول اللحم، كريقه و عرقه حتّى شعرة واحدة واقعة على لباس المصلّي و بدنه قوله (عليه السّلام) في موثّق ابن بكير المتقدّم فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) ، حيث إنّ إطلاق الوبر و الشعر يشمل وبراً واحداً و شعرة واحدة. و الاستدلال به مبني على أن يراد من كلمة «في» في قوله في وبره الملابسة به في حال الصلاة؛ فتشمل الظرفية و المعية و المحمولية بقرينة قوله بوله و روثه حيث إنّ الصلاة في بوله و روثه لا يعقل بنحو الظرفية بل هو بنحو المعية، و كذلك في العرق و الرطوبة و الشعرة الواحدة الملتصقة باللباس و البدن. و يشهده مرسل عبد اللَّه بن سنان عمّن أخبره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال كلّ ما كان على الإنسان أو معه ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلّى فيه، و إن كان فيه قذر، مثل القلنسوة و التكّة و الكمرة و النعل و الخفّين و ما أشبه ذلك(وسائل الشيعة 3: 456، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 31، الحديث 5.) و يدلّ على وجوب إزالة الوبر و الشعر عن اللباس أيضاً رواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبتُ إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4.) ، وجه الاستدلال كما تقدّم في موثّق ابن بكير، و ضعف سند الرواية بعمر بن علي بن عمر بن يزيد منجبر بفتوى المشهور. و قد يعارض موثّق ابن بكير المتقدّم الدالّ على بطلان الصلاة في شي ء ممّا لا يؤكل لحمه و إن كان ذكيا بصحيح محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض، و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللَّه(وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 4.) ، فهذا الصحيح يدلّ على جواز الصلاة في وبر الأرنب المذكّى. و وجه الجمع بينهما: أنّ هذا الصحيح محمول على التقية بقرينة صحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 3.) ، هذا. مضافاً إلى أنّ صحيح محمّد بن عبد الجبّار موافق للعامّة فيترك، و لا يحتاج في الجمع بين الموثّق و الصحيح المزبورين إلى ما تكلّف به السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» من حمل الذكي في الصحيح على ما كان من محلّل الأكل بقرينة رواية علي بن أبي حمزة المتقدّمة حيث إنّ الذكي فيها قد فسّر بما إذا كان ممّا يؤكل لحمه.

ص: 180

ص: 181

نعم لو شكّ في اللباس أو فيما عليه في أنّه من المأكول أو غيره، أو من الحيوان أو غيره، صحّت الصلاة فيه (1)، بخلاف ما لو شكّ فيما تحلّه الحياة من الحيوان أنّه مذكّى أو ميتة، فإنّه لا يصلّي فيه حتّى يُحرز التذكية.


1- مفروض المسألة أن يشكّ في أنّ اللباس أو فيما على اللباس من المأكول لحمه أو غيره مع العلم بأنّه من الحيوان و أنّه ممّا لا تحلّه الحياة، كالوبر و الشعر و نحوهما. و قد اختلف فقهاؤنا في صحّة الصلاة في المشكوك المذكور: نسب الصحّة إلى جماعة؛ منهم المحقّق الأردبيلي و المحقّق الخوانساري و المحدّثان المجلسي و البحراني و النراقيان في «المعتمد» و «المستند» و غيرهم، و إليه ذهب السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و المحشّين لها. و نسب إلى المشهور عدم الصحّة، و يظهر من «الجعفرية» و «شرحها» أنّ عدم الصحّة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، و قد اشتبه الأمر على السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» و زعم أنّ صاحب «الجواهر» و كذا صاحب «المدارك» ممّن ادّعى نفي الخلاف في المسألة و قال (رحمه اللَّه): و في «الجواهر» بعد قول ماتنه في مبحث الخلل: إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه و صلّى أعاد، قال (رحمه اللَّه): بلا خلاف معتدّ به أجده، بل في «المدارك»: هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب(مستمسك العروة الوثقى 5: 327.) انتهى. و فيه: أنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) و إن صرّح بعدم وجدان الخلاف المعتدّ به لكنّه (رحمه اللَّه) قال في الجلد المشكوك كونه ممّا يؤكل لحمه، قال (رحمه اللَّه) في مبحث الخلل الواقع في الصلاة مزجاً بالمتن الثالث: إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى كأن لم يعلم كونه جلد مأكول اللحم أو لا، أو حريراً أو لا و صلّى أعاد الصلاة، بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، بل في «المدارك» هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب؛ لاستصحاب شغل الذمّة و عدم العلم بتحقّق الساتر المعتبر شرعاً، و الشكّ في الشرط شكّ في المشروط(جواهر الكلام 12: 234.) انتهى. و كذا صاحب «المدارك» (رحمه اللَّه) قال بعد عبارة «الشرائع»: الثالث إذا لم يعلم أنّه من جنس ما يصلّى فيه و صلّى أعاد، هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب. و استدلّ عليه في «المنتهي» بأنّ الصلاة مشروطة بستر العورة بما يصلّى فيه، و الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط. و يمكن المناقشة فيه بالمنع من ذلك؛ لاحتمال أن يكون الشرط ستر العورة بما لا يعلم تعلّق النهي به، و لو كان الملبوس غير ساتر كالخاتم و نحوه فأولى بالجواز(مدارك الأحكام 4: 214.) انتهى. و أمّا في مسألتنا و هي الصلاة فيما شكّ في كونه من مأكول اللحم أو غيره مع كونه ممّا لا تحلّه الحياة، كالوبر و الشعر فقد قال صاحب «المدارك» بعدم البطلان، حيث حكاه عن العلّامة و لم يردّه، و عدم الردّ دليل الرضا به، فعليك بعبارته قال: الثالثة ذكر العلّامة في «المنتهي»: أنّه لو شكّ في كون الشعر أو الصوف أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه؛ لأنّها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه، و الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط. و يمكن أن يقال: إنّ الشرط ستر العورة، و النهي إنّما تعلّق بالصلاة في غير المأكول؛ فلا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك. و يؤيّده صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ شي ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام بعينه ، و لا ريب الأحوط التنزّه عنه(مدارك الأحكام 3: 167.) انتهى. و كيف كان: فالقائلون بعدم جواز الصلاة في اللباس المشكوك كونه من مأكول اللحم مبناهم على اشتراط كون اللباس من مأكول اللحم و أنّه لا بدّ من إحراز الشرط في صحّة الصلاة و إجزائها، و مع الشكّ فيه يتعيّن الاحتياط بترك الصلاة في المشكوك كونه من مأكول اللحم؛ للعلم باشتغال الذمّة الموجب للعلم بحصول الامتثال، و لا يحصل إلّا بإحراز كونه من مأكول اللحم. و القائلون بجوازها فيه مبناهم على مانعية كونه من محرّم الأكل، و مع الشكّ فيه يكون الشكّ في مانعية اللباس المشكوك، و الأصل عدمه. ثمّ إنّ كلّا من الفريقين اعتمد في مبناه على جملة من الروايات المعتبرة بعضها: فالقائلون بشرطية كون اللباس من مأكول اللحم تمسّكوا بموثّق ابن بكير المتقدّم، حيث إنّ قوله (عليه السّلام) لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله ، و كذا قوله (عليه السّلام) فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) ، ظاهر في شرطية كونه ممّا يؤكل لحمه؛ لجواز الصلاة. و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبا الحسن (عليه السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قال: قلت: أ و ليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 2.) و رواية أبي تمامة قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السّلام): إنّ بلادنا بلاد باردة، فما تقول في لبس هذا الوبر؟ فقال البس منها ما أُكل و ضمن(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 3.) و مفهوم مرفوعة محمّد بن إسماعيل بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه؛ لأنّ أكثرها مسوخ(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.) و القائلون بمانعية كونه ممّا يحرم أكله استندوا بقوله (عليه السّلام) في موثّق ابن بكير المتقدّم إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه و كلّ شي ء منه فاسد ، وجه الاستناد: أنّ المانع قد عرف بما يلزم من وجوده العدم؛ فعدم صحّة الصلاة لأجل كون اللباس من محرّم الأكل. و كذا قوله (عليه السّلام) في ذيل الموثّق المذكور و إن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله و حرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شي ء منه فاسد ، حيث يلزم من كون اللباس ممّا حرم أكله فساد الصلاة. و استندوا أيضاً برواية إبراهيم بن محمّد الهمداني قال: كتبتُ إليه: يسقط على ثوبي الوبر و الشعر ممّا لا يؤكل لحمه من غير تقية و لا ضرورة، فكتب لا تجوز الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 4.) ، حيث إنّ عدم جواز الصلاة مترتّب على كون الساقط على الثوب وبر و شعر ما لا يؤكل لحمه. و منطوق مرفوعة محمّد بن إسماعيل المتقدّمة حيث دلّت على ترتّب عدم جواز الصلاة على كون اللباس من شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه. و تعليل عدم الصحّة بكونها مسوخاً صريح في المانعية. و يمكن الاستناد أيضاً بالروايات الواردة في النهي عن الصلاة في وبر الأرانب، كصحيح علي بن مهزيار قال: كتب إليه إبراهيم بن عقبة: عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب (عليه السّلام) لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح أحمد بن إسحاق الأبهري قال: كتبتُ إليه: جعلت فداك عندنا جوارب و تكك تعمل من وبر الأرانب، فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة و لا تقية؟ فكتب (عليه السّلام) لا تجوز الصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 356، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 7، الحديث 5.) و الاستناد في إثبات المانعية إلى رواية حمّاد بن عمرو و أنس بن محمّد عن أبيه عن جعفر بن محمّد عن آبائه (عليهم السّلام) في وصية النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لعليّ (عليه السّلام) قال يا علي لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه و لا يؤكل لحمه(وسائل الشيعة 4: 346، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 6.) ، و الروايات الواردة في الثعالب و الأرانب و السمور و الفنك و السباع(وسائل الشيعة 4: 350، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 4 و 6 و 7.) كما عن «المستمسك» في غير محلّه؛ لأنّ موردها هو الجلد و كلامنا فيما لا تحلّه الحياة. و لا يخفى: أنّ النصوص الدالّة على المانعية أقوى دلالةً من الأخبار الدالّة على الشرطية، هذا. مضافاً إلى أنّ ما ظاهره الاشتراط كموثّق ابن بكير لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّى في غيره ممّا أحلّ اللَّه أكله ، مرجعه إلى المانعية و أنّ عدم قبول تلك الصلاة لوجود المانع فيها؛ و هو وقوعها فيما لا يؤكل لحمه. ثمّ إنّه استدلّ على بطلان الصلاة فيما شكّ في كونه من مأكول اللحم كما عن «المنتهي» بأنّ الشكّ في الشرط و كان منشأ الشكّ التردّد في أنّه من مأكول اللحم أو غيره، أو أنّ الحيوان الذي هذا اللباس منه هل هو مأكول اللحم أم لا يوجب الشكّ في المشروط. و محصّل هذا الدليل: أنّ الصلاة مشروطة بعدم كون ما يصلّى فيه ممّا لا يحلّ أكله؛ فلا بدّ في مقام الامتثال من الجزم بإتيانها كذلك، و لا يكفي الاحتمال. و أورد عليه صاحب «المدارك» بأنّ الشرط ستر العورة و النهي إنّما تعلّق بالصلاة في غير المأكول، و لا يثبت إلّا مع العلم بكون الساتر كذلك. و يؤيّده صحيحة عبد اللَّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ شي ء يكون فيه حرام و حلال فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه(وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.) ، انتهى؛ يعني أنّ النهي تكليف، فيختصّ اعتباره بما إذا تنجّز الخطاب بالاجتناب عنه، و هو لا يكون إلّا مع العلم. و أُجيب عن صاحب «المدارك» بأنّه إنّما هو فيما يتضمّن النهي، و لكن قوله (عليه السّلام) في الموثّقة إنّ الصلاة في وبر كلّ شي ء حرام أكله. إلى قوله فاسد لا تقبل تلك الصلاة إخبار عن الواقع، و ليس أمراً و لا نهياً، و لا مدخلية للمعلومية، و لا يحصل البراءة اليقينية إلّا بالصلاة فيما علم أنّه ليس ممّا يؤكل. ثمّ إنّ النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة» قال: إنّ الجواب عن إيراد صاحب «المدارك» إنّما يتمّ لولا المعارض للموثّقة، و لكن يعارضها الأخبار المصرّحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين و فيما يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة، و تعارضهما بالعموم من وجه، و الأصل مع الجواز؛ فهو الأظهر(مستند الشيعة 4: 316.) و فيه: أنّ موارد وجود الأمارات الشرعية خارجة عن موضوع البحث. و الأولى في الاستدلال على جواز الصلاة في اللباس المشكوك كونه من وبر و شعر مأكول اللحم أو غيره التمسّك بقوله (عليه السّلام) الناس في سعة ما لا يعلمون(مستدرك الوسائل 18: 20، كتاب الحدود و التعزيرات، أبواب مقدّمات الحدود، الباب 12، الحديث 4.) ، و قوله (عليه السّلام) كلّ شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه(وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.) و في «المستند» للنراقي (رحمه اللَّه): و يؤيّده بل يدلّ عليه عمل الناس، بل إجماع المسلمين حيث إنّه لم يعلم كون أكثر الثياب المعمولة من الصوف و الوبر و الشعر من الفراء و ما عمل لغمد السيف و السكّين ممّا يؤكل جزماً، و مع ذلك يلبسها و يصاحبها الناس من العوام و الخواص في جميع الأمصار و الأعصار و يصلّون فيه من غير تشكيك أو إنكار، بل لولاه لزم العسر و الحرج في الأكثر. إلى أن قال: بل لنا أن نقول: إنّ قوله في الموثّقة كلّ شي ء حرام أكله يتضمّن الحكم التكليفي؛ فيقيّد بالعلم قطعاً؛ أي كلّ شي ء علمت حرمة أكله؛ إذ لا حرمة مع عدم العلم، بل نقول: إنّ ما حرم أكله ليس إلّا ما علمت حرمته؛ لحلّية ما لم يعلم حرمته، كما يأتي في بحث المطاعم(مستند الشيعة 4: 317.) انتهى.

ص: 182

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

ص: 187

ص: 188

نعم ما يؤخذ من يد المسلم أو سوق المسلمين؛ مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه، أو مع سبق يده مع احتمال أنّ المسلم الذي بيده تفحّص عن حاله؛ بشرط معاملته معه معاملة المذكى على الأحوط محكوم بالتذكية، فتجوز الصلاة فيه (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أمارية يد المسلم و سوق المسلمين على الطهارة و التذكية و الحلّية. و يدلّ عليه مضافاً إلى قيام السيرة القطعية العملية من المسلمين المتديّنين الملتزمين بالشريعة على اعتبارهما صحيح عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يُهدى إليه البختج من غير أصحابنا، فقال إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه، و إن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه(وسائل الشيعة 25: 292، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح معاوية بن عمّار عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث، و أنا أعرف أنّه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال (عليه السّلام) لا تشربه ، قلت: رجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه أنّه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه، يشرب منه؟ قال (عليه السّلام) نعم(وسائل الشيعة 25: 293، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 7، الحديث 4.) و صحيح العمركي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن رجل اشترى ثوباً من السوق للبس لا يدري لمن كان، هل تصلح الصلاة فيه؟ قال إن اشتراه من مسلم فليصلّ فيه، و إن اشترى من نصراني فلا يصلّ فيه حتّى يغسله(وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال اشتر و صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميتة بعينه(وسائل الشيعة 3: 490، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 2.) و صحيح البزنطي قال: سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية، أ يصلّي فيها؟ فقال نعم ليس عليكم المسألة؛ إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم، إنَّ الدين أوسع من ذلك(وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 3.) و رواية إسماعيل بن عيسى قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يُسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه(وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 7.) و صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخفّ لا يدري أذكي هو أم لا، ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري؟ أ يصلّي فيه؟ قال نعم، أنا أشتري الخفّ من السوق و يصنع لي و أُصلّي فيه، و ليس عليكم المسألة(وسائل الشيعة 3: 492، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ يد المسلم أمارة على التذكية مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليها، فمع سبق يد الكافر يحكم بعدم التذكية. نعم مع سبق يد الكافر يحكم على التذكية فيما احتمل أنّ المسلم الذي بيده الجلد تفحّص عن حاله و أحرز تذكيته و وضع يده عليه. و الأحوط استحباباً في الحكم بالتذكية مع هذا الاحتمال مراعاة معاملة المسلم مع الجلد المتّخذ من يد الكافر معاملة المذكّى بأن يصلّي فيه.

ص: 189

ص: 190

[ (مسألة 11): لا بأس بالشمع و العسل و الحرير الممتزج]

(مسألة 11): لا بأس بالشمع و العسل و الحرير الممتزج، و أجزاء مثل البقّ و البرغوث و الزنبور، و نحوها ممّا لا لحم لها، و كذلك الصدف (1).


1- الشمع و العسل من فضلات النحل و الحرير الممتزج و هو ريق دود القزّ و أجزاء مثل البقّ و البرغوث و الزنبور و نحوها ممّا لا لحم لها لا بأس بها في لباس المصلّي أو بدنه؛ فإنّ ما يخلّ بالصلاة وجود جزء من أجزاء ما لا يؤكل لحمه في اللباس و البدن، و الحيوانات المذكورة لا لحم لها؛ فلا تكون فضلاتها و لا أجزاؤها مانعة من صحّة الصلاة؛ فهي خارجة عن موضوع موثّق ابن بكير المتقدّم ممّا قد نهيت عن أكله. و قد ادّعي الإجماع على جواز الصلاة مع الحرير الممتزج و دم البقّ و البراغيث و القمل. و في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟ قال لا و إن كثر، فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله(وسائل الشيعة 3: 431، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 20، الحديث 7.)و أمّا الصدف فيظهر من النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة» عدم جواز الصلاة فيه؛ لكونه ممّا لا يؤكل لحمه، ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال: و سألته عن اللحم الذي يكون في أصداف البحر و الفرات أ يؤكل؟ قال (عليه السّلام) ذلك لحم الضفادع، لا يحلّ أكله(وسائل الشيعة 24: 146، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 16، الحديث 1.) ، و قال السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك»: و ما في صحيح علي بن جعفر لا يدلّ على أنّه جزء من الحيوان، بل الظاهر أنّه خارج عنه ظرف لتولّده فيه، و مجرّد انعقاد الحيوان فيه لا يستلزم جزئيته له كما هو ظاهر(مستمسك العروة الوثقى 5: 313.) انتهى. و في «المنجد»: الصدفيات حيوانات رخوة لا عظام لها تعيش في الماء، و في «القاموس»: الصدَف غشاء الدرّ، كذا في «مجمع البحرين». و لا يخفى: أنّه إن ثبت كون الصدف لحماً فالصلاة فيه لا تجوز إلّا أن يقوم إجماع أو شهرة على الجواز.

ص: 191

[ (مسألة 12): استثني ممّا لا يؤكل الخزُّ]

(مسألة 12): استثني ممّا لا يؤكل الخزُّ، و كذا السنجاب على الأقوى، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في الثاني، و ما يسمّونه الآن بالخزّ و لم يُعلم أنّه منه و اشتبه حاله، لا بأس به و إن كان الأحوط الاجتناب عنه (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في استثناء وبر الخزّ الخالص من وبر الثعالب و الأرانب و نحوهما ممّا لا يؤكل؛ فتجوز الصلاة في الخالص منه. و قد ادّعى صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) أنّ عليه الإجماع بقسميه. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن جعفر الجعفري أنّه قال: رأيت الرضا (عليه السّلام) يصلّي في جبّة خزّ(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح علي بن مهزيار قال: رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السّلام) يصلّي الفريضة و غيرها في جبّة خزّ طاروي و كساني جبّة خزّ، و ذكر أنّه لبسها على بدنه و صلّى فيها و أمرني بالصلاة فيها(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 2.) و صحيح زرارة قال: خرج أبو جعفر (عليه السّلام) يصلّي على بعض أطفالهم و عليه جبّة خزّ صفراء و مطرف خزّ أصفر(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن الصلاة في الخزّ، فقال صلّ فيه(وسائل الشيعة 4: 360، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 5.) و رواية إسماعيل بن علي عن أبيه أخي دعبل بن علي عن الرضا (عليه السّلام) في حديث أنّه خلع على دعبل قميصاً من خزّ و قال له احتفظ بهذا القميص؛ فقد صلّيتُ فيه ألف ليلة كلّ ليلة ألف ركعة، و ختمتُ فيه القرآن ألف ختمة(وسائل الشيعة 4: 99، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 30، الحديث 7.) و أمّا الخزّ المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب و نحوها فلا تجوز الصلاة فيها، و يدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من الروايات الدالّة على عدم جوازها في وبر ما لا يؤكل لحمه مرفوع أيّوب بن نوح قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الصلاة في الخزّ الخالص لا بأس به، فأمّا الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك ممّا يشبه هذا فلا تصلّ فيه(وسائل الشيعة 4: 361، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب، و ضعف سند الخبر منجبر بفتوى الأصحاب. و ما دلّ على الجواز كمضمرة بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الخزّ يغشّ بوبر الأرانب، فكتب (عليه السّلام) يجوز ذلك(وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 9، الحديث 2.) ، ضعيفٌ سنداً أوّلًا للإضمار و لجهالة داود الصرمي و بشير، و مخالفٌ لفتوى الأصحاب ثانياً، و محمول على التقية ثالثاً. هذا كلّه في وبر الخزّ. و أمّا جلده: فنسب إلى المشهور جواز الصلاة فيه. و يدلّ عليه ترك الاستفصال في صحيح الحلبي قال: سألته عن لبس الخزّ، فقال لا بأس به، إنّ علي بن الحسين (عليه السّلام) كان يلبس الكساء الخزّ في الشتاء، فإذا جاء الصيف باعه و تصدّق بثمنه، و كان يقول: إنّي لأستحيي من ربّي أن آكل ثمن ثوب قد عبدت اللَّه فيه(وسائل الشيعة 4: 366، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 13.) و صحيح معمّر بن خلّاد المتقدّم. و أوضح منهما دلالةً عليه رواية ابن أبي يعفور قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إذ دخل عليه رجل من الخزّازين، فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخزّ؟ فقال لا بأس بالصلاة فيه ، فقال له الرجل: جعلت فداك إنّه ميّت و هو علاجي و أنا أعرفه؟ فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أنا أعرف به منك ، فقال له الرجل: إنّه علاجي و ليس أحدٌ أعرف به منّي، فتبسّم أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) ثمّ قال له أ تقول إنّه دابّة تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات؟ فقال الرجل: صدقت جعلت فداك هكذا هو، فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فإنّك تقول: إنّه دابّة تمشي على أربع، و ليس هو في حدّ الحيتان، فتكون ذكاته خروجه من الماء؟ فقال له الرجل: أي و اللَّه هكذا أقول، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فإنّ اللَّه تعالى أحلّه و جعل ذكاته موته، كما أحلّ الحيتان و جعل ذكاتها موتها(وسائل الشيعة 4: 359، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 8، الحديث 4.) ، وجه الدلالة على أنّ جلد الخزّ هو موضوع المسألة: أنّ قوله (عليه السّلام) و جعل ذكاته موته ناظر إلى ما تحلّه الحياة لا إلى وبره. و أصرح من ذلك دلالة صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) رجل و أنا عنده عن جلود الخزّ، فقال ليس بها بأس ، فقال الرجل: جعلت فداك إنّها علاجي (في بلادي) و إنّما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا خرجت من الماء تعيش خارجة من الماء؟ فقال الرجل: لا، قال ليس به بأس(وسائل الشيعة 4: 362، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح سعد بن سعد الأشعري القمي عن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن جلود الخزّ، فقال هو ذا نحن نلبس ، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك، قال إذا حلّ وبره حلّ جلده(وسائل الشيعة 4: 366، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 10، الحديث 14.) ، وجه الاستدلال: أنّ لبس وبر الخزّ في الصلاة حلال نصّاً و إجماعاً، و كذا جلده بمقتضى الإطلاق. و إنّ معهودية المنع عن الصلاة في غير المأكول في الشريعة يوجب صرف السؤال عن الجلود إلى لبسها حال الصلاة؛ خصوصاً بملاحظة قوله (عليه السّلام) هو ذا، نحن نلبس فإنّه و إن كان دالّاً على جواز اللبس إلّا أنّ اتّخاذه (عليه السّلام) لباساً من جلد الخزّ بطور الاستمرار المدلول عليه بلفظ «هو ذا» يقتضي عادةً الصلاة فيه. و المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» بعد تقوية جواز الصلاة في جلد الخزّ، قال: بل قد يستفاد من خبر ابن يعفور الجواز في باقي أجزائه، و لعلّ عدم ذكر الأصحاب ذلك لعدم تعارف استعمال ما عداهما؛ فالقول به لا يخلو عن قوّة. بل ربّما يظهر من الخبر المزبور كونه ممّا يحلّ أكله، و لكنّه يشكل الاعتماد على هذا الظاهر؛ لمخالفته للمشهور بل المجمع عليه فإنّه لم ينقل الالتزام به عن أحد(مصباح الفقيه، الصلاة: 129/ السطر 25.) انتهى. و أمّا السنجاب: فالمشهور بين المتأخّرين جواز الصلاة فيه، و إليه ذهب جماعة من القدماء، و عن الشيخ (رحمه اللَّه) في «المبسوط»: أنّه ممّا لا خلاف فيه(المبسوط 1: 82.) و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سأله عن أشياء منها الفراء و السنجاب، فقال لا بأس بالصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 1.) و رواية مقاتل بن مقاتل قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في السمور و السنجاب و الثعلب، فقال لا خير في ذا كلّه ما خلا السنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم(وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 2.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللَّه و أبا الحسن (عليهما السّلام) عن لباس الفراء و الصلاة فيها، فقال لا تصلّ فيها إلّا ما كان منه ذكيا ، قلت: أ و ليس الذكيّ ممّا ذكّي بالحديد؟ قال بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه ، قلت: و ما لا يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال لا بأس بالسنجاب فإنّه دابّة لا تأكل اللحم، و ليس هو ممّا نهى عنه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)؛ إذ نهى عن كلّ ذي ناب و مخلب(وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 3.) و رواية بشير بن بشّار قال: سألته عن الصلاة في الفنك و الفراء و السنجاب و السمور و الحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أُصلّي فيه لغير تقية؟ قال: فقال صلّ في السنجاب و الحواصل الخوارزمية، و لا تصلّ في الثعالب و لا السمور(وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 4.) و صحيح أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما تقول في الفراء أيّ شي ء يصلّى فيه؟ قال أيّ الفراء؟ قلت: الفنك و السنجاب و السمور، قال فصلّ في الفنك و السنجاب، فأمّا السمور فلا تصلّ فيه(وسائل الشيعة 4: 349، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 3، الحديث 5.) ، و غيرها من الروايات. و أمّا الاحتياط في السنجاب: فلما روي عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه سئل عن فرو الثعلب و السنور و السمور و السنجاب و الفنك و القاقم(الفنك بفتحتين نوع من الثعلب الرومي.) و السمور كتنور دابّة تشبه السنّور( الهرّة).) القاقم حيوان يشبه الفأرة، إلّا أنّه أطول منه و يأكل الفأرة.) و الحواصل جمع الحوصل و هو طير كبير يتّخذ منه الفرو له حوصلة عظيمة، و الحوصلة من الطير كالمعدة للإنسان يجتمع فيه الطعام المأكول.) قال يلبس و لا يصلّى فيه(مستدرك الوسائل 3: 199، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 4، الحديث 1.) و في «الفقه الرضوي» و لا يجوز الصلاة في سنجاب و سمور و فنك، فإذا أردت الصلاة فانزع عنك، و قد أروى فيه رخصة(مستدرك الوسائل 3: 199، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 4، الحديث 2.) و لما في كتاب «العلل» لمحمّد بن علي بن إبراهيم من قوله: و العلّة في أن لا يصلّى في السنجاب و السمور و الفنك قول رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المتقدّم؛ أي قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا تصلّ في ثوب ما لا يؤكل لحمه و لا يشرب لبنه(مستدرك الوسائل 3: 197، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 5.) و لما روي عن أبي حمزة الثمالي قال: سأل أبو خالد الكابلي علي بن الحسين (عليهما السّلام) عن أكل لحم السنجاب و الفنك و الصلاة فيهما، فقال أبو خالد: إنّ السنجاب يأوي الأشجار، فقال إن كان له سبلة كسبلة السنور و الفأر فلا يؤكل لحمه و لا تجوز الصلاة فيه ، ثمّ قال أمّا أنا فلا آكله و لا احرّمه(وسائل الشيعة 24: 192، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 41، الحديث 1.) و لمعارضة ما دلّ على جواز الصلاة في السنجاب بموثّق عبد اللَّه بن بكير المتقدّم(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) الدالّ على فسادها فيما لا يؤكل لحمه. و لا يخفى: أنّ ما ذكر من الوجوه عدا الموثّق المزبور لا تقاوم الأخبار الصحاح الدالّة على الجواز المعتضدة بالشهرة. و أمّا الموثّق فيخصّص بالأخبار الدالّة على الجواز في الخزّ و السنجاب. بقي الكلام فيما يسمّونه الآن بالخزّ و لم يعلم أنّه منه و اشتبه حاله، و هل يجري عليه حكم ما علم كونه خزّاً؟ الأقوى جواز الصلاة فيه؛ لأصالة عدم النقل. و يكفي في إحراز أنّه الخزّ إخبار أهل الخبرة في كلّ زمان، و الظاهر من الأخبار الرخصة في الصلاة في وبر الخزّ و جلده المتلقّى من أيدي التجار و الخزّازين، هذا كلّه بناءً على تحقّق موته بالخروج من الماء كالحيتان. و أمّا بناءً على أنّه يرعى في البرّ و يعيش في الماء فيشكل الالتزام بالحكم فيه، و لا يترك الاحتياط فيه. و لا ينبغي ترك الاحتياط فيما يسمّون الآن بالخزّ. و حكي عن المجلسي (رحمه اللَّه) في «البحار»: أنّ في جواز الصلاة في الجلد المشهور في هذا الزمان بالخزّ إشكالًا؛ للشكّ في أنّه هل هو الخزّ المحكوم عليه بالجواز في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) أم لا؟ بل الظاهر أنّه غيره؛ لأنّه يظهر من الأخبار أنّه مثل السمك يموت بخروجه من الماء و ذكاته إخراجه منه، و المعروف بين التجار أنّ الخزّ المعروف الآن دابّة تعيش في البرّ و لا تموت بالخروج من الماء(بحار الأنوار 80: 220.) و فيه ما عرفت، و حاصله: أنّه مع الشكّ لا مانع من جريان أصالة عدم النقل و إجراء حكم المعلوم كونه خزّاً عليه.

ص: 192

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

[ (مسألة 13): لا بأس بفضلات الإنسان كشعره و ريقه و لبنه]

(مسألة 13): لا بأس بفضلات الإنسان كشعره و ريقه و لبنه؛ سواء كان للمصلّي أو لغيره، فلا بأس بالشعر الموصول بالشعر؛ سواء كان من الرجل أو المرأة (1).


1- و يدلّ على جواز الصلاة في خصوص شعر الإنسان و ظفره صحيح علي بن الريّان بن الصلت أنّه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن الرجل يأخذ من شعره و أظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه، فقال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 382، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 18، الحديث 1.) و صحيح آخر عنه قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السّلام): هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع يجوز(وسائل الشيعة 4: 382، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 18، الحديث 2.) و خبر الحسين بن علوان عن الصادق عن أبيه (عليهما السّلام) إنّ عليّاً (عليه السّلام) سئل عن البصاق يصيب الثوب، قال: لا بأس به(وسائل الشيعة 3: 427، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 6.) و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس أن تحمل المرأة صبيّها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهد(وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن المرأة تكون في صلاة الفريضة و ولدها إلى جنبها يبكي و هي قاعدة، هل يصلح لها أن تتناوله فتقعده في حجرها و تسكته و ترضعه؟ قال لا بأس(وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 2.) وجه الاستدلال بهذين الخبرين: أنّ الصبي حين المصّ يصيب ريقه بدن امّه و لباسها. و استدلال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) على المسألة بروايات وصل المرأة شعور غيرها بشعرها(جواهر الكلام 8: 70.) لا يخلو من مناقشة، قال (رحمه اللَّه): كإطلاق خبر سعد الإسكاف قال: إنّ أبا جعفر (عليه السّلام) سئل عن القرامل التي تصنعها النساء في رؤوسهنّ يصلنه بشعورهنّ، قال لا بأس به على المرأة ما تزيّنت به لزوجها(وسائل الشيعة 20: 187، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 101، الحديث 2.) و في خبر آخر عن الصادق (عليه السّلام) كره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها(وسائل الشيعة 20: 187، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 101، الحديث 1.) ، و لعلّه على ذلك يحمل ما في ثالث إذا كان صوفاً فلا بأس، و إن كان شعراً فلا خير فيه(وسائل الشيعة 17: 132، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 19، الحديث 5.) ، انتهى. وجه المناقشة: أنّ هذه الروايات واردة في أصل الوصل و أنّه يجوز للمرأة الزينة على زوجها، و لا ربط لها بجوازه في الصلاة، و لا ملازمة بين جواز الوصل للزينة و جوازه في الصلاة، كما أنّ لبس أجزاء الحيوان المذكّى الغير المأكول لحمه جائز في نفسه دون حال الصلاة. و يمكن أن يجاب عن المناقشة بأنّ إطلاق نفي البأس في الروايات المذكورة مع غلبة وقوع الصلاة في الشعر الموصول على شعره، يدلّ على المطلوب، و لو لم يدلّ عليه لا أقلّ من كونها من المؤيّدات. و قد يستدلّ على المسألة بالسيرة و الطريقة القائمة على مصّ ريق الزوجة و مباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع و غيره. بقي الكلام في اللباس المنسوج من شعر الإنسان و أنّه يجوز أن يلبس به حال الصلاة؛ خصوصاً أن يكون ساتراً؟ قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: نعم لو اتّخذ لباساً من شعر الإنسان فيه إشكال؛ سواء كان ساتراً أو غيره، بل المنع قوي؛ خصوصاً الساتر(العروة الوثقى 1: 56/ المسألة 15.) و لعلّ وجه القوّة عنده (رحمه اللَّه) ظهور موثّق ابن بكير المتقدّم في اشتراط كون ما يصلّى فيه ممّا يؤكل لحمه فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كلّ شي ء منه جائز(وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.) ، و الإنسان على فرض خروجه عمّا لا يؤكل لحمه ليس ممّا يؤكل لحمه أيضاً. و يرد عليه: أنّ الموثّق و إن كان يدلّ على جواز الصلاة في أجزاء ما يؤكل لحمه و عدم جوازها فيما لا يؤكل، و لكنّه منصرف عن الإنسان إلى سائر الحيوانات؛ فالموثّق يدلّ على أنّ لباس المصلّي إن كان من أجزاء الحيوان غير الإنسان فليكن من أجزاء مأكول اللحم فقط دون غير المأكول منه، فأجزاء الإنسان خارج عن المأكول و غير المأكول انصرافاً. و الأقوى في المسألة: جواز اتّخاذ اللباس المنسوج من شعر الإنسان ساتراً كان أو غيره و ذلك لأصالة جواز التلبّس و التستّر بكلّ شي ء إلّا ما خرج بالدليل، و لم يرد دليل بالخصوص مانع عن شعر الإنسان. و التمسّك في الجواز بإطلاق صحيح علي بن الريّان المتقدّم قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السّلام): هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الإنسان و أظفاره من قبل أن ينفضه و يلقيه عنه؟ فوقّع يجوز(وسائل الشيعة 4: 382، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 18، الحديث 2.) ، لا يخلو من إشكال؛ لأنّ مورد السؤال هو وقوع الشعر في لباس المصلّي، و أين هو من الدلالة على كون نفس اللباس من شعر الإنسان؟!

ص: 199

ص: 200

ص: 201

[الرابع: أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة]

الرابع: أن لا يكون الساتر بل مطلق اللباس من الذهب للرجال في الصلاة و لو كان حُليّا كالخاتم و نحوه، بل يحرم عليهم في غيرها أيضاً (1).


1- بطلان صلاة الرجل في اللباس المنسوج من الذهب و إن لم يكن ساتراً بل فيما لا تتمّ فيه الصلاة أيضاً ممّا لا خلاف معروف فيه، إلّا عن المحقّق في «المعتبر» في الخاتم قال: لو صلّى و في يده خاتم من ذهب ففي فساد الصلاة تردّد، أقربه أنّه لا تبطل؛ لما قلناه في الخاتم المغصوب(المعتبر 2: 92.) و ما قدّمه في المغصوب عبارة عن أنّ النهي عنه ليس عن فعل من أفعال الصلاة و لا من شرط من شروطها. و يدلّ على المسألة موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه؛ لأنّه من لباس أهل الجنّة(وسائل الشيعة 4: 413، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 4.) و رواية موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الحديد إنّه حلية أهل النار، و الذهب إنّه حلية أهل الجنّة، و جعل اللَّه الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه(وسائل الشيعة 4: 414، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 5.) ، و الرواية ضعيفة بالإرسال. و رواية جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول ليس على النساء أذان. إلى أن قال و يجوز للمرأة لُبس الديباج الحرير في غير صلاة و إحرام، و حرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد. و يجوز أن تتختّم بالذهب و تصلّي فيه، و حرم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد(وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 6.) و وجه حرمة لبس الذهب للرجال مطلقاً و في غير حال الصلاة النهي الوارد في عدّة من الروايات: منها: موثّقة روح بن عبد الرحيم الكوفي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لأمير المؤمنين (عليه السّلام): لا تختم بالذهب فإنّه زينتك في الآخرة(وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 1.) و منها: حسنة جرّاح المدائني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تجعل في يدك خاتماً من ذهب(وسائل الشيعة 4: 413، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 30، الحديث 2.) و منها: موثّق عمّار المتقدّم لا يلبس الرجل الذهب. هنا فروع: الأوّل: أنّه لا فرق في الذهب بين أن يكون خالصاً أو ممزوجاً مع صدق الذهب على الممزوج؛ فيحرم حينئذٍ لبسه و تبطل الصلاة فيه. و في «مستند الشيعة»: و هل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه؛ فلا يحرم إلّا لباس كان سداه و لحمته ذهباً، أو لا بل يحرم و لو لم يكن محضاً؟ فيه إشكال حيث إنّ ما لبسه ليس ذهباً، و ما هو ذهب لم يلبس بل لبس ما يشمل عليه. إلى أن قال: فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب(مستند الشيعة 4: 358.) الثاني: أنّه اختلف فقهاؤنا في جواز الصلاة في اللباس الملحم بالذهب و المذهّب تمويهاً أو غيره. فقال جماعة بالجواز مع الكراهة؛ قال في «الغنية»: تكره الصلاة في المذهّب و الملحم بالذهب بدليل الإجماع المشار إليه. و عن الحلبي: و تكره الصلاة في الثوب المصبوغ، و أشدّ كراهيةً الأسود ثمّ الأحمر المشبع و المذهّب و الموشّح و الملحم بالحرير و الذهب. و اختار هذا القول بحر العلوم في «منظومته». و قال جماعة منهم العلّامة و الشهيدان و المحقّق الثاني و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر» و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» و غيرهم بعدم الجواز و بطلان الصلاة فيها، و هو المختار. و في «الجواهر»: و لعلّه لإطلاق النصوص السابقة؛ خصوصاً في المنسوج الذي هو جزء لباس، بل قد يدّعى أنّ المراد من النهي في النصوص أمثال ذلك؛ لعدم تعارف لباس ساتر مثلًا منه خالص. فالمراد حينئذٍ ما تعارف اتّخاذه منه من حليّ أو نسج أو تمويه أو نحو ذلك. إلى أن قال: و من هنا جزم الأُستاد في «كشفه» بالبطلان، فقال: الشرط الثالث أن لا يكون هو أو جزؤه و لو جزئياً أو طليه ممّا يعدّ لباساً أو فيما يعدّ لباساً أو لبساً و لو مجازاً بالنسبة إلى الذهب من الذهب؛ إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب؛ إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه؛ فلبسه إمّا بالمزج أو التذهّب أو التحلّي أو التزيين بخاتم و نحوه. و إن كان لا يخلو من مناقشة في الجملة لكن لا ريب في أنّه أحوط إن لم يكن أقوى(جواهر الكلام 8: 112.) انتهى. و في «مصباح الفقيه»: لا يبعد أن يقال: إنّ المنساق إلى الذهن من تفريع حرمة لبسه على الرجال في خبر النميري على أنّ اللَّه جعله في الدنيا زينة النساء، إرادة مطلق التحلّي و التزيّن به و إن لم يتحقّق معه صدق اسم اللبس حقيقة، و لكنّه لا يخلو عن تأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 144/ السطر 23.) و كيف كان: فالمنع مطلقاً إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنّه أحوط. الثالث: يجوز حمل السيوف و الخناجر و نحوهما المحلّات بالذهب مطلقاً و في حال الصلاة؛ لعدم عدّها لباساً و لا حلية للشخص. و يدلّ عليه صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس بتحلية السيف بأس بالذهب و الفضّة(وسائل الشيعة 5: 104، كتاب الصلاة، من أبواب أحكام الملابس، الباب 64، الحديث 1.) و رواية داود بن سرحان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ليس بتحلية المصاحف و السيوف بالذهب و الفضّة بأس(وسائل الشيعة 5: 105، كتاب الصلاة، من أبواب أحكام الملابس، الباب 64، الحديث 3.)

ص: 202

ص: 203

ص: 204

[ (مسألة 14): لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب]

(مسألة 14): لا بأس بشدّ الأسنان بالذهب، بل و لا بجعله غلافاً لها أو بدلًا منها في الصلاة بل مطلقاً. نعم في مثل الثنايا ممّا كان ظاهراً و قصد به التزيين، لا يخلو من إشكال، فالأحوط الاجتناب، و كذا لا بأس بجعل قاب الساعة منه و استصحابها فيها.

ص: 205

نعم إذا كان زنجيرها منه و علّقه على رقبته أو بلباسه يُشكل الصلاة معه، بخلاف ما إذا كان غير معلّق و إن كان معه في جيبه فإنّه لا بأس به (1).


1- و يدلّ على جواز شدّ الأسنان بالذهب صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث أنّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب(وسائل الشيعة 4: 416، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 31، الحديث 1.) و رواية الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب «مكارم الأخلاق» عن الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الثنية تنفصم، أ يصلح أن تشبّك بالذهب؟ و إن سقطت يجعل مكانها ثنية شاة؟ قال نعم إن شاء فليضع مكانها ثنية شاة ليشدّها بعد أن تكون ذكية(وسائل الشيعة 4: 416، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 31، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل ينفصم سنّه أ يصلح له أن يشدّها بالذهب؟ و إن سقطت أ يصلح أن يجعل مكانها سنّ شاة؟ قال نعم إن شاء ليشدّها بعد أن تكون ذكية(وسائل الشيعة 4: 417، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 31، الحديث 3.) ، و في «الحدائق»: و لعلّ اشتراط الذكاة في السنّ في الخبرين المذكورين من جهة ما يصاحبها غالباً من اللحم عند قلعها من موضعها، و إلّا فالاشتراط مشكل(الحدائق الناضرة 7: 103.) انتهى. و أمّا جعل الذهب غلافاً للأسنان أو جعله موضعها بعد سقوطها بدلًا عنها فجائز مطلقاً و في حال الصلاة؛ لعدم صدق اللبس و عدم كونه تزييناً. نعم في الأسنان المرئية عند فتح الفم مع قصد التزيين لا يترك الاحتياط؛ لإطلاق النهي عن التزيين بالذهب. و أمّا قاب الساعة فلا بأس بكونه ذهباً و جعلها فيه و حمله في جيبه؛ لعدم صدق اللبس حينئذٍ. نعم إذا كان زنجيرها ذهباً و علّقه على عنقه أو لباسه يحرم و تبطل الصلاة فيه؛ لصدق اللبس على تعليق الزنجير على العنق، مضافاً إلى كونه تزييناً. و لا بأس به إذا لم يعلّقه على العنق أو اللباس بل جعله في جيبه أو شدّه في باطن اللباس.

ص: 206

[الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجال]

الخامس: أن لا يكون حريراً محضاً للرجال، بل لا يجوز لبسه لهم في غير الصلاة أيضاً؛ و إن كان ممّا لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كالتكّة و القلنسوة و نحوهما على الأحوط. و المراد به ما يشمل القزّ. و يجوز للنساء و لو في الصلاة، و للرجال في الضرورة و في الحرب (1).


1- قام الإجماع من الفريقين على عدم جواز لبس الحرير للرجال، و عدم جواز الصلاة فيه إجماعي عند الأصحاب، و به قال بعض العامّة من غير فرق بين الساتر و غيره، قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي»: ذهب علماؤنا أجمع إلى بطلان الصلاة في الحرير المحض. و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا(وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 1.) و مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله: هل يصلّي في قلنسوة حرير أو قلنسوة ديباج(الديباج: ثوب كان سداه و لحمته حريراً.) ؟ فكتب (عليه السّلام) لا تحل الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) و رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال لعلي (عليه السّلام): إنّي أُحبّ لك ما أُحبّ لنفسي و أُكره لك ما أُكره لنفسي؛ فلا تختم بخاتم ذهب. إلى أن قال و لا تلبس الحرير فيحرق اللَّه جلدك يوم تلقاه(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 5.) و ما دلّ على الجواز كصحيح إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في الثوب الديباج، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 10.) ، مطروح لمخالفته الإجماع على المنع، أو يحمل على التقية أو على إرادة غير الخالص أو على حال الضرورة. هذا كلّه فيما تتمّ فيه الصلاة. و أمّا ما لا تتمّ فيه الصلاة: كالتكّة و القلنسوة و نحوهما فهل يجوز لبسه و الصلاة فيه أو لا؟ فيه قولان: الأوّل: أنّه يجوز مع الكراهة، ذهب إليه الشيخ و العلّامة في «التذكرة» و المحقّق و الشهيدان و الكركي و الميسي و بحر العلوم و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر» و غيرهم. و عن كاشف الغطاء: أنّه الظاهر من المفيد في «المقنعة»، قال في «المبسوط»: و يكره الصلاة في القلنسوة و التكّة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه، و كذلك يكره إذا كان من حرير محض(المبسوط 1: 84.) و عن العلّامة في «التذكرة»: الأقوى جواز مثل التكّة و القلنسوة من الحرير المحض؛ لقول الصادق (عليه السّلام) كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكّة الإبريسم و القلنسوة و الخفّ و الزنّار يكون في السراويل و يصلّى فيه(وسائل الشيعة 4: 376، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 2.) و في رواية محمّد بن عبد الجبّار: و قد كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام): هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) ، و تحمل على الكراهة(تذكرة الفقهاء 2: 473.) انتهى. و في «الشرائع»: و فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً كالتكّة و القلنسوة تردّد، و الأظهر الكراهة(شرائع الإسلام 1: 59.) الثاني: المنع، ذهب إليه الصدوق و ابن الجنيد و ابن سعيد في «الجامع» و العلّامة في «المنتهي» و «المختلف» و الشهيد في «البيان» و المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان» و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة» و جماعة من محشّيها و منهم المصنّف (رحمه اللَّه) حيث وافق متن «العروة» و أفتى بعدم جواز كون ما لا تتمّ فيه الصلاة حريراً، و لكنّه (رحمه اللَّه) احتاط فيه هنا. و كيف كان: فقد بالغ الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه» و قال: و لا تجوز الصلاة في تكّة رأسها من إبريسم(الفقيه 1: 172، ذيل الحديث 810.) و استدلّ للقول الأوّل بالأصل، و برواية الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه. و في «الجواهر»: و المناقشة في سنده بأحمد بن هلال يدفعها أوّلًا ما قيل من أنّ ابن الغضائري لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب؛ لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث. و ثانياً: أنّ التأمّل في كلام الأصحاب هنا حتّى بعض المانعين يرشد إلى عدم الإشكال في حجّيته؛ ضرورة كونهم بين عامل به و بين متوقّف متردّد من جهته و بين مرجح لغيره عليه، و الجميع فرع الحجّية. بل في جملة القائلين به من لا يعمل إلّا بالقطعيات، كابن إدريس و غيره ممّن حكي عنه(جواهر الكلام 8: 123.) انتهى كلامه. ثمّ إنّ القائلين بالجواز حملوا ما دلّ على المنع على الكراهة جمعاً بينه و بين رواية الحلبي؛ ففي مكاتبة محمّد بن عبد الجبّار قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السّلام) لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) و في مكاتبته الأُخرى قال: كتبتُ إلى أبي محمّد (عليه السّلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير محض أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض و إن كان الوبر ذكيا حلّت الصلاة فيه إن شاء اللَّه(وسائل الشيعة 4: 377، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 14، الحديث 4.) و صاحب «الجواهر» بعد النظر بل المنع عن دعوى شهرة المنع عن الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة من الحرير قال: و إطلاق حرمة اللبس يمكن صرفه إلى غير ذلك ذلك إشارة إلى ما لا تتمّ فيه الصلاة و لو بقرينة باقي النصوص المصرّحة بالثوب و نحوه ممّا لا يشمل ما نحن فيه. بل يمكن منه دعوى إرادة الثوب و نحوه من الحرير في الصحيحين إن لم نقل إنّه المنساق منه إلى أن قال: بل قيل: إنّ الحرير المحض لغةً هو الثوب المتّخذ من الإبريسم؛ أي مع الإطلاق. إلى أن قال (رحمه اللَّه): فيكون بناءً على ذلك جواب السؤال متروكاً فيه. و لعلّ تركه لإشعار الحكم بالصحّة فيه بالبطلان في غيره، و هو منافٍ للتقية؛ إذ الصلاة صحيحة عندهم و إن حرم اللبس، من غير فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة و غيره. فعدل الإمام (عليه السّلام) إلى بيان حرمة الصلاة فيه المسلّمة عندهم، و إن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم. بل ربّما كان في التعبير بالحلّ إيماء إلى ذلك، و لعلّ السبب في التجائه (عليه السّلام) إلى ذلك زيادة على ما عرفت هو إشعار السؤال أيضاً بما ينافي التقية من مفروغية عدم الصلاة في غير التكّة و القلنسوة، و الفرض أنّها مكاتبة و شدّة التقية فيها مطلوب(جواهر الكلام 8: 124 125.) انتهى موضع الحاجة. و النصوص المصرّحة بالثوب في كلامه (رحمه اللَّه) مذكورة في «الوسائل»: منها: صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا(وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 1.) و منها: صحيح أبي الحارث قال: سألت الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال لا(وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 7.) ، أبو الحارث هو يونس بن عبد الرحمن، و قد يكنّى به كثير بن كَلثَم من أصحاب الباقر (عليه السّلام)، و محمّد بن عبد الرحمن بن المغيرة من أصحاب الصادق (عليه السّلام)، و يبعد بقاء كثير إلى زمان الرضا (عليه السّلام)، و محمّد بن عبد الرحمن قد مات سنة سبع و خمسين بعد مائة و لا يمكن روايته عن الرضا (عليه السّلام). و منها: موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: و عن الثوب يكون علمه ديباجاً، قال لا يصلّى فيه(وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 8.) و منها: صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في الثوب الديباج، فقال ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 10.) و رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الثوب يكون فيه الحرير، فقال إن كان فيه خلط فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 4.) ، و الرواية ضعيفة للإرسال. و صحيح صفوان عن يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريراً، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال(وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 6.) و استدلّ للقول الثاني بالمكاتبتين المتقدّمتين لمحمّد بن عبد الجبّار الدالّتين على المنع. و رواية الحلبي المتقدّمة الدالّة على الجواز غير صالحة للتعارض حتّى يجمع بينهما و بينها بحملهما على الكراهة؛ لأنّ أحمد بن هلال مشهور بالغلو و اللعنة و كان متّهماً في دينه، و ينبغي ذكر بعض ما ذكر في حقّه؛ فعن الصدوق في «كمال الدين» نقلًا عن شيخه شيخ القميين محمّد بن الحسن بن أحمد القمي و أنّه سمع عن شيخه سعد بن عبد اللَّه أنّه يقول: ما رأينا و لا سمعنا بمتشيّع رجع عن تشيّعه إلى النصب إلّا أحمد بن هلال، و كانوا يقولون: إنّ ما تفرّد بروايته أحمد بن هلال فلا يجوز استعماله. و عن الشيخ في «التهذيب»: و ما يختصّ بروايته لا نعمل عليه. و في «الاستبصار»: لا يلتفت إلى حديثه فيما يختصّ بنقله. و العلّامة (رحمه اللَّه) بعد نقل التوقّف عن ابن الغضائري في أحاديث أحمد بن هلال إلّا ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب «المشيخة» و محمّد بن أبي عمير في «نوادره» قال: و عندي أنّ روايته غير مقبولة. و حكي عن الشيخ (رحمه اللَّه) في «العدّة» في بحث الخبر الواحد التفصيل بين ما يرويه حال استقامته و ما رواه بعدها. و عن النجاشي: أنّه صالح الرواية يعرف منها و ينكر. و قد وقع الرجل في طريق ابن قولويه في «كامل الزيارات» في الباب الثاني و السبعين في ثواب زيارة أبي عبد اللَّه الحسين صلوات اللَّه و سلامه عليه في النصف من شعبان. و كذا وقع في أسناد علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ(يونس( 10): 101.) إلى غير ذلك ممّا قيل في حقّه. و المختار عندنا في المسألة: عدم جواز اللبس و بطلان الصلاة؛ لمكاتبتي محمّد بن عبد الجبّار المتقدّمتين. و أمّا رواية الحلبي فلا نعتمد عليها لوقوع أحمد بن هلال في طريقها، و إن اعتمد عليه كلّ من قال بجواز الصلاة، كالمحقّق في «المعتبر» قال: وجه الجواز ما رواه الحلبي، و ذكر الرواية المذكورة. و في «جامع المقاصد»: و فيما لا تتمّ فيه الصلاة قولان؛ أقربهما الكراهة لرواية الحلبي. و الوجه في ذلك عدم ثبوت صدور هذه الرواية عنه حال استقامته. و لعلّ وقوعه في طريق «كامل الزيارات» و «تفسير القمي» باعتبار روايته حال استقامته لا مطلقاً. و قياس حاله على حال جماعة من العامّة كما في «المستمسك»، و هو الظاهر من السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في «المعجم» قياسٌ مع الفارق؛ لأنّ أصحابنا قد عملوا بروايات جماعة من الفطحية و الواقفية و غيرهم من المخالفين الذين كان بناء الأصحاب على العمل برواياتهم، و لم يحضرني الآن ورود الطعن عن المعصومين (عليهم السّلام) في حقّ أحدٍ منهم كما ورد في حقّ أحمد بن هلال؛ فعن الكشّي عن أحمد بن إبراهيم أبي حامد المراغي قال: ورد على القاسم بن العلاء من أهل آذربايجان، كان وكيله (عليه السّلام) في الناحية نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، و كان ابتداء ذلك أن كتب (عليه السّلام) إلى نوّابه (قوّامه) بالعراق احذروا الصوفي المتصنّع ، قال: و كان من شأن أحمد بن هلال أنّه كان قد حجّ أربعاً و خمسين حجّة، عشرون منها على قدميه، قال: و قد كان رواة أصحابنا بالعراق لقوه و كتبوا منه فأنكروا ما ورد في مذمّته، فحملوا القاسم بن العلاء كان من أهل آذربايجان وكيل الناحية و ممّن رأى الحجّة و قد خرج التوقيع على يده في لعن أحمد بن هلال على أن يراجع في أمره، فخرج إليه قد كان أمرنا نفذ إليه في المتصنّع ابن هلال لا رحمه اللَّه بما قد علمت و لم يزل، لا غفر اللَّه له ذنبه و لا أقاله عثرته، يداخل في أمرنا بلا إذن منّا و لا رضى، يستبدّ برأيه فيتحامى من ديوننا (من ذنوبه)، لا يمضي من أمرنا إيّاه إلّا بما يهواه و يريده أراده اللَّه بذلك في نار جهنّم، فصبرنا عليه حتّى بتر اللَّه بدعوتنا عمره، و كنّا قد عرّفنا خبره قوماً من موالينا في أيّامه لا رحمه اللَّه و أمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاصّ من موالينا، و نحن نبرأ إلى اللَّه من ابن هلال، لا رحمه اللَّه و لا من لا يبرأ منه. و أعلِم الإسحاقي سلّمه اللَّه هو أحمد بن إسحاق القمي روى عن أبي جعفر الثاني و أبي الحسن (عليهما السّلام)، و كان خاصّة أبي محمّد (عليه السّلام)، و عن الشيخ: أنّه رأى صاحب الزمان (عليه السّلام) و أهل بيته ممّا أعلمناك من حال هذا الفاجر و جميع من كان سألك و يسألك عنه من أهل بلده و الخارجين و من كان يستحقّ أن يطّلع على ذلك.(اختيار معرفة الرجال: 535، معجم رجال الحديث 2: 356.) إلى آخر التوقيع. فمن كان حاله كذلك كيف يعتمد على روايته مع عدم القرينة على كون روايته صادرة حال استقامته؟! ثمّ إنّ المحرّم على الرجال هو الحرير المحض؛ فلا بأس على الممزوج. و يدلّ على التقييد بالمحض مكاتبتا محمّد بن عبد الجبّار المتقدّمتان، فكتب (عليه السّلام) لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2، و الباب 14، الحديث 4.) و صحيح البزنطي قال: سأل الحسين بن قياما أبا الحسن (عليه السّلام) عن الثوب الملحم بالقزّ و القطن و القزّ أكثر من النصف، أ يصلّى فيه؟ قال لا بأس ، قد كان لأبي الحسن (عليه السّلام) منه جبّات(وسائل الشيعة 4: 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 2.) و رواية إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الثوب يكون فيه الحرير، فقال إن كان فيه خلط فلا بأس(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 4.) ، و الرواية ضعيفة بالإرسال. و موثّق موسى بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو كتّان أو قطن، و إنّما يكره الحرير المحض للرجال و النساء(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 5.) و الرواية معرض عنها بالنسبة إلى النساء. و يجوز لبس الحرير للنساء. و يدلّ عليه رواية أبي داود يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ، قال و ما بال الخزّ؟ قلت: و سداه إبريسم، قال و ما بال الإبريسم؟ قال لا تكره أن يكون سدا الثوب إبريسم و لا زرّه و لا علمه، إنّما يكره المُصْمَت من الإبريسم للرجال و لا يكره للنساء(وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 1.) و مرسل ابن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال النساء يلبس (يلبسن) الحرير و الديباج إلّا في الإحرام(وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 3.) ، و غيرهما من روايات الباب، و ضعف سند بعض هذه الروايات منجبرة بعمل الأصحاب. و في بعض النصوص قصّر السؤال على الرجل، و ليس ذلك إلّا لأجل كون جواز اللبس للنساء أمراً مسلّماً، كما في صحيح إسماعيل بن سعد الأحوص قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال لا(وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 1.) و في «الجواهر»: يجوز لبسه للنساء من حيث كونه لبساً إجماعاً أو ضرورةً من المذهب بل الدين، بل مطلقاً في حال الصلاة و غيرها على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً(جواهر الكلام 8: 119.) انتهى. و لم يخالف أحد في جواز الصلاة في الحرير المحض للنساء، إلّا الصدوق (رحمه اللَّه) قال في «الفقيه»: قد وردت الأخبار بالنهي عن لبس الديباج و الحرير و الإبريسم المحض و الصلاة فيه للرجال، و وردت الرخصة في لبس ذلك للنساء، و لم يرد بجواز صلاتهنّ فيه؛ فالنهي عن الصلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال و النساء حتّى يخصّهنّ خبر بالإطلاق لهنّ في الصلاة فيه، كما خصّهنّ بلبسه(الفقيه 1: 171، ذيل الحديث 58.) و مال إليه المقدّس الأردبيلي (رحمه اللَّه) و الشيخ البهائي (رحمه اللَّه). و خلاف هؤلاء لا يقدح في الجواز؛ لقيام الشهرة العظيمة على خلافهم. و أمّا موثّق موسى بن بكر الواسطي عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال و النساء إلّا ما كان من حرير مخلوط(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 5.) فهو على فرض تمامية دلالته على الحرمة مطروح بالنسبة إلى النساء بالشهرة القائمة على خلافه. و يجوز للرجال لبس الحرير في الحرب و في الضرورة: أمّا في الحرب: فيدلّ عليه موثّق إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في الحرب(وسائل الشيعة 4: 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 1.) و مرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يلبس الرجل الحرير و الديباج إلّا في الحرب(وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 2.) و موثّق سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن لباس الحرير و الديباج، فقال أمّا في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل(وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 12، الحديث 3.) و أمّا في الضرورة: فيدلّ عليه مضافاً إلى حديث الرفع(وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.) الأخبار الدالّة على رفع الحرمة عن المضطرّ و المعذور الواردة في بعض موارد الاضطرار و العذر: منها موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة أربعين يوماً أو أقلّ أو أكثر، فيمتنع من الصلاة إلّا إيماءً و هو على حاله، فقال لا بأس بذلك، و ليس شي ء ممّا حرّم اللَّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه(وسائل الشيعة 5: 482، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 6.) و صحيح علي بن مهزيار أنّه سأله يعني أبا الحسن الثالث (عليه السّلام) عن هذه المسألة أي عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلوات فقال لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة، و كلّما غلب اللَّه عليه فاللَّه أولى بالعذر(وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.) و ينبغي في ذيل البحث الإشارة إلى المراد من قول المصنّف (رحمه اللَّه) في هذه المسألة: «و المراد به ما يشمل القزّ»؛ يعني أنّ الحرير و إن كان عبارة عن الإبريسم الذي يعمل من القزّ الذي يسوّى منه الإبريسم و يقال له في الفارسية: «پيله» لكنّه يراد به ما يشمل القزّ، و ليس المراد منه خصوص المعمول من القزّ.

ص: 207

ص: 208

ص: 209

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

ص: 215

ص: 216

ص: 217

[ (مسألة 15): الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير]

(مسألة 15): الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير، فلا بأس بالافتراش و الركوب عليه و التدثّر به أي التغطّي به عند النوم و لا بزرّ الثياب و أعلامها و السفائف و القياطين الموضوعة عليها، كما لا بأس بعصابة الجروح و القروح و حفيظة المسلوس،

ص: 218

بل و لا بأس بأن يرقّع الثوب به، و لا الكفّ به؛ لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير (1)،


1- المستفاد من الروايات تحريم لبس الحرير بما أنّه لبس؛ فلا يحرم سائر استعمالاته غير اللبس. و يدلّ على جواز الافتراش بالحرير و الركوب عليه مضافاً إلى أنّه المشهور بين الأصحاب صحيح علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الفراش الحرير و مثله من الديباج و المصلّى الحرير، هل يصلح للرجل النوم عليه و التكأة عليه و الصلاة؟ قال يفترشه و يقوم عليه و لا يسجد عليه(وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 15، الحديث 1.) و في «الجواهر»: و عدم ذكر التكأة في الجواب غير قادح بعد تنقيح المناط و عدم القول بالفصل(جواهر الكلام 8: 128.) و خبر مسمع بن عبد الملك البصري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه(وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 15، الحديث 2.) و أمّا التدثّر بالحرير أي التغطّي به عند النوم ففي «المدارك»: أنّ الأظهر تحريمه؛ لصدق اسم اللبس عليه(مدارك الأحكام 3: 180.) و فيه: أنّه ما الفرق بين الالتحاف و بين التدثّر به، مع أنّه (رحمه اللَّه) جعل الالتحاف به و التوسّد عليه في حكم الافتراش؟! و أمّا زرّ الثياب و أعلامها و السفائف جمع السفيفة: بطان عريض يشدّ به الرحل و القياطين الموضوعة عليها، فعدم البأس بكونها حريراً مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة. و أمّا ما دلّ على عدم جواز الصلاة في ثوب يكون أعلامه ديباجاً، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: و عن الثوب يكون علمه ديباجاً، قال لا يصلّى فيه(وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 8.) ، فمضافاً إلى أنّه معرض عنه عند الأصحاب، معارض بمعتبرة يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بالثوب أن يكون سداه و زرّه و علمه حريراً، و إنّما كره الحرير المبهم للرجال(وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 6.) ، و يوسف بن إبراهيم و إن كان مجهولًا إلّا أنّ الراوي عنه صفوان بن يحيى و هو من أصحاب الإجماع. و أمّا عصابة الجروح و القروح و حفيظة المسلوس و رقعة الثوب و الكفّ بالحرير يقال كفّ الثوب: أي خاط حاشيته فعدم البأس بها لعدم صدق لبس الحرير على استعمالها. و في «الجواهر»: أنّ المتّجه إن لم ينعقد إجماع على خلافه جواز كلّ ما لم يكن ملبوساً كالمحمول و الموضوع على اللباس و الجزء كالأعلام و الرقاع ما لم تكثر حتّى تبعث على الاسم، و الملفوف و المشدود كخرق الجبيرة و عصائب الجروح و القروح و حفيظة المسلوس و المبطون. و الموضوع في البواطن كخرقة المستحاضة و غير ذلك، فاللبنة و الكفّ بالأزيد من الأربع و غيرهما على حدٍّ سواء في الجواز، بل لو نسج ثوب طرائق أو لفق من قطع متعدّدة من حرير و غيره صحّ لبسه و الصلاة فيه(جواهر الكلام 8: 133.) انتهى.

ص: 219

ص: 220

و إن كان الأحوط في الكفّ أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً (1).

[ (مسألة 16): قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض]

(مسألة 16): قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض؛ أي الخالص الذي لم يمتزج بغيره، فلا بأس بالممتزج. و المدار على صدق مسمّى الامتزاج، الذي يخرج به عن المحوضة و لو كان الخليط بقدر العشر،


1- وجه الاحتياط في الكفّ و الرقاع بأن لا يزيدا على أربع أصابع مضمومة فتوى جماعة من أصحابنا بالمنع عن الزائد، كالمحقّق و الشهيد الثاني و الفاضل الميسي و غيرهم، و نسبه في «مجمع البرهان» إلى الشهرة. و عن شرح الشيخ نجيب الدين نسبة ذلك إلى الأصحاب. و في «المدارك» في شرح قول المصنّف: «و تجوز الصلاة في ثوب مكفوف به» قال: بأن يجعل في رؤوس الأكمام و الذيل و طول الزيق، و أُلحق به اللبنة؛ و هي الجيب. و قدّر نهاية عرض ذلك بأربع أصابع مضمومة من مستوى الخلقة. و اعلم: أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام المتأخّرين، و استدلّ عليه في «المعتبر» بما رواه العامّة عن عمر: أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى عن الحرير إلّا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع(مدارك الأحكام 3: 180.) انتهى. و في «المستدرك» عن ابن أبي جمهور في «درر اللآلي» عن العلّامة (رحمه اللَّه) قال: نهى النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن الحرير إلّا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع(مستدرك الوسائل 3: 209، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 15، الحديث 1.)

ص: 221

و يشترط في الخليط من جهة صحّة الصلاة فيه كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وَبَر ما لا يؤكل لحمه؛ و إن كان كافياً في رفع حرمة اللبس. نعم الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه، كما لا تصحّ الصلاة فيه (1).


1- قد تقدّم في ضمن البحث عن المسألة الخامسة عشرة وجه تقييد الحرير بالمحض في حرمة لبسه و عدم جواز الصلاة فيه، و أنّ التقييد بالمحض قد نصّ عليه في الأخبار المعتبرة، فراجع. و المقصود هنا: أنّ المدار في الحكم على صدق الحرير المحض عرفاً؛ فإن كان الخليط مستهلكاً بحيث كان مقداراً يسيراً يصدق مع وجوده الحرير المحض لم يجز لبسه و لا الصلاة فيه، و إن كان بمقدار يخرجه عن اسم الحرير المحض فلا بأس به، و لا يبعد كفاية العشر، بل الأقلّ منه في الإخراج عن الاسم. و يدلّ عليه صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بلباس القزّ إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتّان(وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 13، الحديث 2.) ، حيث إنّ سدى اللباس و لحمته لا يكون بمقدار عشر تمام اللباس، و مع ذلك يخرجه عن صدق اسم الحرير المحض عليه. ثمّ إنّ الخليط المخرج للحرير عن المحوضة على قسمين: قسم يجوز لبسه و لا يجوز الصلاة فيه كوبر و شعر ما لا يؤكل لحمه، و قسم لا يجوز لبسه و لا الصلاة فيه كالمفتول بالذهب. فالقسم الأوّل ينفع في جواز لبس الحرير فقط؛ لخروجه بالخلط عن كونه محضاً. و القسم الثاني لا ينفع أصلًا؛ لأنّ الحرير و إن خرج بالخلط بالذهب عن المحوضة لكنّه مخلوط بما لا يجوز لبسه، و ما لا يجوز لبسه بما أنّه لبس لا تجوز الصلاة فيه.

ص: 222

[ (مسألة 17): لبس لباس الشهرة]

(مسألة 17): لبس لباس الشهرة و إن كان حراماً على الأحوط، و كذا ما يختصّ بالنساء للرجال و بالعكس على الأحوط، لكن لا يضرّ لبسهما بالصلاة (1).


1- يحرم لباس الشهرة بأن يلبس خلاف زيّه من حيث جنس اللباس أو من حيث لونه أو سائر خصوصياته فهو حرام على الأقوى. و يدلّ عليه صحيح أبي أيّوب الخزّاز و هو إبراهيم بن عثمان أو ابن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ اللَّه يبغض شهرة اللباس(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 1.) و مرسل عبد اللَّه بن مسكان عن رجل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كفى بالمرء خزياً أن يلبس ثوباً يشهره أو يركب دابّة تشهره(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 2.) و مرسل عثمان بن عيسى عمّن ذكره عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الشهرة خيرها و شرّها في النار(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 3.) و رواية أبي سعيد عن الحسين (عليه السّلام) قال من لبس ثوباً يشهره كساه اللَّه يوم القيامة ثوباً من النار(وسائل الشيعة 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 12، الحديث 4.) و أمّا لبس ما يختصّ للرجال على النساء و بالعكس: فقد استدلّ على حرمته برواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و أبي الحسن (عليه السّلام) في الرجل يجرّ ثيابه، قال إنّي لأكره أن يتشبّه بالنساء(وسائل الشيعة 5: 25، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 13، الحديث 1.) و عن أبي عبد اللَّه عن آبائه (عليهم السّلام) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يزجر الرجل أن يتشبّه بالنساء، و ينهى المرأة أن تتشبّه بالرجال في لباسها(وسائل الشيعة 5: 25، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس، الباب 13، الحديث 2.) و رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في حديث: لعن اللَّه المحلّل و المحلّل له، و من تولّى غير مواليه، و من ادّعى نسباً لا يعرف، و المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال(وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 87، الحديث 1.) و رواية زيد بن علي عن آبائه عن عليّ (عليهم السّلام) أنّه رأى رجلًا به تأنيث في مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فقال له اخرج من مسجد رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يا من لعنه رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ، ثمّ قال عليّ (عليه السّلام) سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يقول: لعن اللَّه المتشبّهين من الرجال بالنساء و المتشبّهات من النساء بالرجال(وسائل الشيعة 17: 284، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 87، الحديث 2.) و بهذا الاسناد عن علي (عليه السّلام) قال كنت مع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جالساً في المسجد حتّى أتاه رجل به تأنيث، فسلّم عليه، فردّ عليه السلام ثمّ أكبّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلى الأرض يسترجع ثمّ قال: مثل هؤلاء في أُمّتي أنّه لم يكن مثل هؤلاء في أُمّة إلّا عذّبت قبل الساعة(وسائل الشيعة 17: 285، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 87، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ هذه الروايات على فرض تمامية سندها و دلالتها إنّما تدلّ على حرمة التشبّه لا على حرمة مجرّد لبس أحدهما لباس الآخر بما أنّه لبس؛ فلا تدلّ على بطلان صلاة أحدهما في لباس الآخر.

ص: 223

ص: 224

[ (مسألة 18): لو شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره]

(مسألة 18): لو شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه و الصلاة فيه، و كذا ما شكّ أنّه حرير أو غيره و منه ما يُسمّى بالشعري لمن لا يعرف حقيقته، و كذا لو شكّ في أنّه حرير محض أو ممتزج و إن كان الأحوط الاجتناب عنه (1).

[ (مسألة 19): لا بأس بلبس الصبيّ الحرير]

(مسألة 19): لا بأس بلبس الصبيّ الحرير، فلا يحرم على الوليّ إلباسه، و لا يبعد صحّة صلاته فيه أيضاً (2).


1- إذا شكّ في أنّ اللباس أو الخاتم ذهب أو غيره يجوز لبسه و الصلاة فيه؛ لأصالة البراءة عن وجوب الاجتناب عنه، و أصالة عدم المانع عنه في الصلاة و كذا إذا شكّ في ثوب أنّه حرير محض أو غيره جاز لبسه و الصلاة فيه؛ لأصالة البراءة و أصالة عدم المانع. إن قلت: إنّ الشكّ في أنّه حرير محض أو غيره شكّ في عروض الامتزاج و الاختلاط، و الأصل عدمه؛ ففي الحقيقة يعلم: أنّ اللباس حرير و الشكّ في عروض الامتزاج، و مقتضى الأصل عدمه. قلت: إنّ المانع هو الحرير بقيد المحوضة، و لا حالة سابقة له حتّى يستصحب، و عدم الامتزاج و إن كانت له حالة سابقة قابلة للاستصحاب بناءً على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي و لكن استصحابه لترتّب المانعية على اللباس بواسطة حكم العقل بكونه محضاً مثبت. و الوجه في الاحتياط بالاجتناب عنه احتمال كون اللباس حريراً في الواقع.
2- الصبي ليس مكلّفاً كي يحرم عليه لبس الحرير، و لا يحرم على وليه تمكينه من لبسه، بل و لا إلباسه؛ لاختصاص أدلّة التحريم بالمكلّفين؛ حتّى قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في رواية «عوالي اللآلي» عنه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مشيراً إلى الذهب و الحرير هذان محرّمان على ذكور أُمّتي(مستدرك الوسائل 3: 209، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 16، الحديث 1.) ، حيث إنّ «الذكور» و إن كان يصدق على الصبي لكن قوله محرّمان قرينة على اختصاصه بالمكلّفين. و لبس الحرير لم يثبت كونه من الأفعال التي هي مبغوضة للشارع بوجودها الخارجي كالسرقة و تنجيس المسجد و عمل الخشب صليباً و صنماً و نحوها ممّا يحرم على الولي تمكين الصبي من إيجادها؛ فيجوز على الولي إلباس الحرير للصبي و تمكينه منه؛ لأصالة البراءة السالمة عن المعارض. و ما يظهر من بعض الروايات من منع وجوده في الخارج للرجال حتّى الصبيان كما في رواية جابر: «كنّا ننزعه من الصبيان و نتركه على الجواري»(انظر جواهر الكلام 8: 122، سنن أبي داود 2: 448/ 4059.) فهو محمول على التنزّه و المبالغة في التورّع، هذا كلّه بالنسبة إلى لبس الصبي الحرير و إلباسه. و أمّا صلاته فيه بناءً على كونها شرعية فلا يبعد صحّتها؛ لانصراف إطلاق أدلّة المانعية، كقوله (عليه السّلام) لا تحلّ الصلاة في حرير محض(وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 11، الحديث 2.) إلى اللبس المحرّم، و هو مختصّ بالمكلّفين. و في «الجواهر» بعد اختيار عدم حرمة تمكين الولي الصبي من لبس الحرير، قال: لكن لا تصحّ صلاته فيه بناءً على شرعيتها؛ ضرورة كون المعتبر فيها ما يعتبر في صلاة المكلّف؛ و لذا جعلوا مورد البحث في التشريع و التمرين ما لو جاء بها جامعة للشرائط فاقدةً للموانع التي تراد من المكلّف(جواهر الكلام 8: 122.) انتهى.

ص: 225

ص: 226

[ (مسألة 20): لو لم يجد المصلّي ساتراً]

(مسألة 20): لو لم يجد المصلّي ساتراً حتّى الحشيش و الورق يصلّي عرياناً قائماً على الأقوى إن كان يأمن من ناظر محترم، و إن لم يأمن منه صلّى جالساً، و في الحالين يومئ للركوع و السجود، و يجعل إيماءه للسجود أخفض، فإن صلّى قائماً يستر قُبُله بيده، و إن صلّى جالساً يستره بفخذيه (1).


1- لو لم يجد المصلّي ساتراً حتّى الحشيش و الورق، و حتّى الطين أو الوحل أو الماء الكدر أو حفرة يلج فيها و يتستّر بها و نحو ذلك ممّا يحصل ستر العورة به على القول به و أمن من ناظر محترم يصلّي عرياناً قائماً. و إن لم يأمن منه يصلّي جالساً. و في الحالين يومئ للركوع و السجود بمقدار لا تبدو عورته. وجه وجوب الصلاة قائماً مع الإيماء للركوع و السجود صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عرياناً و حضرت الصلاة، كيف يصلّي؟ قال إن أصاب حشيشاً يستر به عورته أتمّ صلاته بالركوع و السجود، و إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ و هو قائم(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض فأجنب و ليس عليه إلّا ثوب فأجنب فيه و ليس يجد الماء، قال يتيمّم و يصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 3.) و في بعض الروايات: أنّه يصلّي قائماً بدون ذكر الإيماء، كما في صحيح عبد اللَّه بن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل عريان ليس معه ثوب، قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائماً(وسائل الشيعة 3: 486، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 46، الحديث 2.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال في حديث و إن كان معه سيف و ليس معه ثوب فليتقلّد السيف و يصلّي قائماً(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 4.) و وجه وجوب الصلاة جالساً مع الإيماء للركوع و السجود صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال يصلّي إيماءً، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما قال و إن كانا في ماء أو بحر لجيّ لم يسجدا عليه و موضوع عنهما التوجّه فيه يوميان في ذلك إيماءً، رفعهما توجّه و وضعهما(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قوم قطع عليهم الطريق و أُخذت ثيابهم فبقوا عراتاً و حضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماءً بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) و رواية وهب بن وهب أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه (عليهما السّلام) أنّه قال من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثمّ صلّوا كذلك فرادى(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّ الأخبار المذكورة بعضها دالّ على وجوب الصلاة قائماً لفاقد الساتر، و بعضها دالّ على وجوبها جالساً، و مقتضى الجمع بينها هو أنّ وجوبها قائماً لمن يأمن من ناظر محترم و جالساً لمن لا يأمن منه. و يدلّ على هذا الجمع بعض الأخبار المذكورة، كصحيح عبد اللَّه بن مسكان المتقدّم قال إذا كان حيث لا يراه أحد فليصلّ قائماً ، و بعض ما لم يذكر من الأخبار كمرسلة ابن مسكان عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة، قال يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 3.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال: و روى في الرجل يخرج عرياناً فتدركه الصلاة إنّه يصلّي عرياناً قائماً إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلّى جالساً(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 5.) هكذا قيل في وجه الجمع. و الروايات المذكورة صريحة في وجوب الصلاة قائماً لمن لا يراه أحد، و وجوبها جالساً لمن يراه أحد. و احتمل المحقّق (رحمه اللَّه) في «المعتبر» تخيير العاري بين الصلاة قائماً مومئاً و جالساً كذلك؛ لتعارض أخبارهما و عدم الشاهد على الجمع بينها بحمل الأخبار الدالّة على وجوب الصلاة قائماً على من يأمن من النظر، و حمل الدالّة على وجوبها جالساً على من لا يأمن منه؛ قائلًا بأنّ الشاهد على الجمع المذكور مرسلة الصدوق و مرسلة ابن مسكان المتقدّمتان و صحيح عبد اللَّه بن مسكان المتقدّم. أمّا المرسلتان فليستا حجّتين، و أمّا صحيح ابن مسكان فقد قيل في ترجمته: إنّه قليل الرواية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، و حكي عن يونس أنّه لم يرو عن الصادق (عليه السّلام) إلّا حديثاً واحداً في الحجّ من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ(انظر مستمسك العروة الوثقى 5: 398، المعتبر 2: 105.) و فيه: أنّ المرسلة المنجبرة بعمل المشهور حجّة، و رواية ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) على ما في رجال السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) تبلغ خمسة و ثلاثين مورداً في الكتب الأربعة، و صرّح في بعض تلك الروايات بأنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أنّه سمع أبا عبد اللَّه (عليه السّلام). و في حاشية «الوسائل»(وسائل الشيعة 3: 327، الهامش 7،( ط مكتبة الإسلامية).) : و إسناد الخبر أي صحيح عبد اللَّه بن مسكان المتقدّم إلى أبي جعفر (عليه السّلام) اشتباه؛ لأنّ ابن مسكان لا يروي عن أبي جعفر (عليه السّلام)، فالصحيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) كما تقدّم سابقاً، بل روايته عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيضاً لا يخلو عن إشكال؛ فالقويّ إرسال الخبر و اتّحاده مع ما تقدّم تحت رقم (3)، انتهى كلامه. مراده ممّا تقدّم تحت رقم (3) مرسل ابن مسكان عن بعض أصحابه المتقدّم. و في المسألة احتمالات بل أقوال أُخر: أحدها: وجوب الصلاة قائماً مطلقاً؛ لترجيح أخبارها على أخبار الصلاة جالساً. ثانيها: الصلاة جالساً مطلقاً؛ لترجيح أخبارها. ثالثها: صلاة المختار إذا كان المصلّي بحيث لا يراه أحد فيركع و يسجد بوجهه لا مومئاً، ذهب إليه ابن زهرة و ادّعى عليه الإجماع، و قوّاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه)، و استدلّ عليه بالأصل، و مرسل أيّوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها و يسجد فيها و يركع(وسائل الشيعة 4: 448، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 2.) ، و موثّق إسحاق بن عمّار المتقدّم و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) ، و بالإجماع المنقول عن ابن زهرة. و أُجيب عنه بأنّ الأصل لا مجال له مع الدليل؛ حتّى لو كان المراد به إطلاق دليل وجوب الركوع و السجود فإنّه مقيّد بالصحيح. و مرسل أيّوب بن نوح مختصّ بخصوص الحفيرة، مضافاً إلى أنّه ضعيف بالإرسال الغير المنجبر. و موثّق إسحاق بن عمّار مورده المأمومون لا المنفرد. و الإجماع معلومٌ عدم تحقّقه. و الوجه في جعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع ما ادّعاه الشهيد (رحمه اللَّه) في «الذكرى» من نسبته للأصحاب، و لعلّه لرواية أبي البختري المتقدّم يجعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 52، الحديث 1.) ، و في «الجواهر»: و لتحصيل الفرق بينهما بالمناسب الذي يمكن استفادة اعتباره مع التمكّن منه من النصوص في المريض و غيره(جواهر الكلام 8: 201.) انتهى. و النصوص إشارة إلى ما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) مرسلًا قال و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): المريض يصلّي قائماً، فإن لم يستطع صلّى جالساً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماءً و جعل وجهه إلى القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) و نحوه مرسل آخر له (رحمه اللَّه) في الباب(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 16.) و في موثّقة سماعة قال: سألته عن الصلاة في السفر. إلى أن قال و ليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلًا، و إن كان راكباً فليصلّ على دابّته و هو راكب، و لتكن صلاته إيماءً، و ليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 4: 331، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 14.) و وجه ستر قُبله بيده فيما إذا صلّى قائماً صحيح زرارة المتقدّم و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) و أمّا ستر قبله بفخذيه فلعلّه لأدلّة وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم. و وجوب سترها عنه لا يختصّ بحال الصلاة، بل يمكن أن يقال: إنّ ستر القُبل باليد حال القيام أيضاً كذلك؛ فالستر باليد و بالفخذ ستر نظري لا صلاتي. و العجب من المصنّف (رحمه اللَّه) حيث أفتى في المسألة السابعة من مسائل «الستر و الساتر» بأنّ الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر و لو باليد و أنّ الستر الصلاتي لا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار، و أفتى هنا بوجوب ستر القُبل باليد للمصلّي قائماً و بالفخذين له جالساً.

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

ص: 231

[ (مسألة 21): يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر]

(مسألة 21): يجب على الأحوط تأخير الصلاة عن أوّل الوقت إن لم يكن عنده ساتر، و احتمل وجوده في آخره، و لكن عدم الوجوب لا يخلو من قوّة (1).


1- يجب على المصلّي تحصيل الساتر مع الإمكان كغيره من الشرائط المعتبرة في الصلاة، و لو فقده في أوّل الوقت مع العلم أو الظنّ بوجدانه في آخره وجب عليه التأخير. و يجوز له البدار و إتيانها في أوّل الوقت عارياً مع العلم أو الظنّ بفقدانه إلى آخره. و هل يجوز له البدار إلى فعلها عارياً مع سعة الوقت و احتمال وجدانه في الأثناء أو آخر الوقت، أو لا يجوز؟ ذهب جماعة من فقهائنا منهم المصنّف (رحمه اللَّه) إلى أنّه يجوز البدار و إن كان الأحوط التأخير إلى آخر الوقت؛ و ذلك لإطلاق أدلّة البدلية المقتضية لجواز البدار لذوي الأعذار، و لإطلاق أدلّة صلاة العاري و أنّه إذا حضر وقت الصلاة يصلّي عارياً و لا يجب عليه الانتظار. و خبر أبي البختري الدالّ بظاهره على تأخيرها إلى آخر الوقت لا يعارض إطلاق صلاة العاري؛ لضعفها سنداً بأبي البختري العامّي أكذب البرية، و دلالةً لأنّ لفظة «لا ينبغي» ظاهرة في استحباب التأخير. و قال جماعة منهم السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بوجوب التأخير إلى آخر الوقت؛ لأنّ البدل الاضطراري يجزي عن المأمور به الواقعي الاختياري ما دام لم ينكشف الخلاف في الوقت، فالتكليف بالصلاة عارياً لفاقد الساتر تكليف عذري يتوقّف صحّته على استيعاب العذر للوقت. و المختار هو القول الأوّل، و وجهه مضافاً إلى إطلاق أدلّة صلاة العاري صحيح علي بن جعفر و موثّق إسحاق بن عمّار و مرسل ابن مسكان المتقدّمة حيث ذكرت فيها لفظة «حضرت الصلاة» «فتدركه الصلاة»، و هي ظاهرة في دخول وقت الصلاة؛ فلو كان التأخير واجباً لكان عليه سلام اللَّه عليه البيان، و مع ذلك فالاحتياط بالتأخير حسن.

ص: 232

ص: 233

[المقدّمة الرابعة: في المكان]

المقدّمة الرابعة: في المكان

[ (مسألة 1): كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلّا المغصوب عيناً أو منفعة]

(مسألة 1): كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلّا المغصوب عيناً أو منفعة، و في حكمه ما تعلّق به حقّ الغير، كالمرهون، و حقّ الميّت إذا أوصى بالثلث و لم يُخرج بعدُ، بل ما تعلّق به حقّ السبق؛ بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة مثلًا و لم يُعرض عنه على الأحوط (1).


1- لا يجوز الصلاة في مكان مغصوب عينه أو منفعته، كما إذا كان المكان في إجارة شخص فمنفعته مال للمستأجر، و لا يجوز لغيره مزاحمته و الصلاة فيه حتّى للمالك و مأذونه. و كذا لا يجوز في مكان تعلّق به حقّ الغير، كالمكان المرهون فإنّه و إن كان ملكاً للراهن إلّا أنّ الإجماع قام على حرمة تصرّف الراهن في ملكه المرهون المتعلّق به حقّ المرتهن بدون إجازة المرتهن. و لا يجوز أيضاً فيما تعلّق به حقّ الميّت، كالمال الموصى به؛ فلا يجوز التصرّف فيه أيّ تصرّف كان و منه الصلاة فيه؛ لكونه باقياً على ملك الميّت ما لم يخرج بعد، هذا إذا تعلّقت الوصية بعين الموصى به أو بها بنحو الإشاعة. و أمّا إذا تعلّقت بها بنحو الكلّي في المعيّن كإحدى قطعات الأرض المتساوية مثلًا فيجوز التصرّف فيها كلّها حتّى تبقى واحدة؛ فلا يجوز التصرّف في الإحدى الباقية منها. و أمّا ما تعلّق به حقّ السبق من الأمكنة العامّة كالمسجد و غيره ففي بطلان صلاة الغاصب فيه و عدمه وجهان بل قولان، مبنيان على أنّ المكان المذكور قد تعلّق به حقّ الغير بواسطة السبق فالمتصرّف فيه متصرّف في حقّ الغير عدواناً فتبطل صلاته. و أنّ المكان المذكور و إن كان قد تعلّق به حقّ السابق و لكن لا يختصّ به، بل فيه حقّ لكلّ من صلّى فيه؛ فالمسبوق الذي أخذ المكان من السابق إليه قهراً له حقّ التصرّف فيه أيضاً كغيره، و لكنّه آثم بمزاحمته للسابق. و في «الجواهر» قوّى عدم البطلان، و علّله بأصالة عدم تعلّق الحقّ للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه؛ سواء كان هو الدافع أو غيره و إن أثم بالدفع المزبور؛ لأولويته إذ هي أعمّ من ذلك قطعاً. و ربّما يؤيّده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة. مضافاً إلى ما دلّ على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق المزبور؛ إذ عدم جواز المزاحمة أعمّ من ذلك، فتأمّل(جواهر الكلام 8: 286.) انتهى. الأقوى: هو البطلان؛ لأنّ كونه فيه و إن كان ينطبق عليه عنوان استيفاء حقّه المشترك و لكنّه مزاحمة مبغوضة للشارع و لا يصلح للتقرّب به إلى المولى جلّ شأنه. مضافاً إلى أنّ البطلان مشهور بين الفقهاء. و يؤيّده مرسل محمّد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: نكون بمكّة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربّما خرج الرجل يتوضّأ فيجي ء آخر فيصير مكانه، فقال من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه و ليله(وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 56، الحديث 1.) و رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): سوق المسلمين كمسجدهم؛ فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل، و كان لا يأخذ على بيوت السوق كراء(وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 56، الحديث 2.) ثمّ إنّ جماعة من فقهائنا استدلّوا على اشتراط إباحة مكان المصلّي و بطلان الصلاة في المغصوب بامتناع اجتماع الأمر و النهي في شي ء واحد و إن كان ذا جهتين: فعن الشهيد في «الذكرى»: أنّ الحركات و السكنات أجزاء حقيقية من الصلاة و هي منهيّ عنها(ذكرى الشيعة 2: 77.) و في «المدارك»: أجمع العلماء كافّة على تحريم الصلاة في المكان المغصوب مع الاختيار، و أطبق علماؤنا على بطلانها أيضاً؛ لأنّ الحركات و السكنات الواقعة في المكان المغصوب منهي عنها كما هو المفروض؛ فلا تكون مأموراً بها؛ ضرورة استحالة كون الشي ء الواحد مأموراً به و منهياً عنه(مدارك الأحكام 3: 217.) انتهى. و حاصل استدلالهم على البطلان: أنّ العبادة لا بدّ فيها من قصد امتثال أمرها، و لا أمر بها مع تعلّق النهي بها و لو بجزئها؛ لاستحالة كون الشي ء المنهي عنه مأموراً به. و فيه: أنّ مجرّد استحالة اجتماع الأمر بشي ء مع النهي لا يكفي في بطلان الصلاة؛ لإمكان حصول التقرّب بملاك العبادة و محبوبيتها الذاتية و كونها ذا مصلحة، حيث إنّ بعض القائلين بامتناع الترتّب في مسألة اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه قائل بصحّة العبادة إذا زاحمها الضدّ الأهمّ؛ لبنائه على إمكان التقرّب بالملاك مع اعتقاده بعدم معقولية الأمر بالضدّين المتزاحمين. و الأولى في الاستدلال على البطلان كما أشرنا إليه فيما تعلّق به حقّ الغير أنّه لا بدّ في العبادة من نية القربة، و لا يحصل التقرّب بما هو منهي عنه و مبغوض للمولى. قال المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه»: إنّ عمدة المستند إنّما هي استحالة التعبّد بما يوجب استحقاق العقاب عليه و يتحقّق به المعصية، و حيث إنّه يعتبر في الصلاة وقوعها بنية التقرّب فلا بدّ من أن لا يتّحد شي ء من أفعالها مع ماهية الغصب، و إلّا فيفسد ذلك الجزء و يبطل لأجله الصلاة(مصباح الفقيه، الصلاة: 173/ السطر 10.) انتهى.

ص: 234

ص: 235

ص: 236

و إنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالماً بالغصبيّة و كان مختاراً؛ من غير فرق بين الفريضة و النافلة، أمّا الجاهل بها و المضطرّ و المحبوس بباطل فصلاتهم و الحالة هذه صحيحة (1)،


1- لا يخفى: أنّ بطلان الصلاة في المغصوب ليس إلّا لأجل كونها منهيّاً عنها مبغوضة للمولى جلّ شأنه و لا يتمشّى قصد القربة بها مع العلم بالغصبية و الالتفات و العمد و الاختيار، و متى لم يلتفت إلى الجهة المقبّحة و كونه غصباً للجهل به قصوراً أو لم تكن اختيارية كالمضطرّ و منه المحبوس بباطل لم تبطل صلاته؛ لعدم اتّصافها حينئذٍ إلّا بالجهات المحسّنة. و أمّا المحبوس في مكان مغصوب مع استحقاقه الحبس فتبطل صلاته؛ لأنّ الحبس و إن كان غير اختياري له إلّا أنّ ارتكابه للخلاف الموجب للحبس كان اختيارياً، و ما ينتهي بالأخرة إلى الاختيار لا ينافي الاختيار. و أمّا الجاهل المقصّر فهو كالعامد في اتّصاف فعله بالقبح و صحّة المؤاخذة عليه؛ فلا يقع عبادة. ثمّ إنّ الوجه في عدم الفرق في بطلان الصلاة في المغصوب بين الفريضة و النافلة، إطلاق كلام الأصحاب و أنّه مع العلم و الاختيار لا يتمشّى قصد القربة بالنافلة كالفريضة فيما كان الفعل مبغوضاً للمولى. و نسب إلى المحقّق (رحمه اللَّه) جواز النافلة في المغصوب معلّلًا بأنّ الكون فيها ليس جزءً منها و لا شرطاً فيها. و قال كاشف اللثام في توجيه كلام المحقّق: يعني أنّها تصحّ ماشياً مومئاً للركوع و السجود؛ فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به. و الحقّ: أنّها تصحّ أن فعلها كذلك، لا أن قام و ركع و سجد فإنّ هذه الأفعال و إن لم يتعيّن عليه فيها لكنّها أحد الأفراد الواجب فيها. و قطع في «التذكرة» و «نهاية الإحكام» بتساوي الفرائض و النوافل في البطلان، و كأنّه يريد إذا قام و ركع و سجد لا إذا مشى و أومأ و هو خارج(كشف اللثام 3: 274.) انتهى. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بما ملخّصه: أنّ النافلة ليست مجرّد النية و الخطور القلبي للصلاة، بل لا بدّ فيها من التلفّظ بالتكبير و القراءة و الركوع و السجود و التشهّد و التسليم، و بالتلفّظ و إن كان يحرّك فمه في ملك الغير، لكنّه لا يعدّ عرفاً تصرّفاً في ملك الغير، و قوّاه كاشف الغطاء في «كشفه»، فيتمّ القول بصحّة النافلة في المغصوب بمعنى فعل غير ذات الكون(جواهر الكلام 8: 287 288.)

ص: 237

و كذا الناسي لها إلّا الغاصب نفسه، فإنّ الأحوط بطلان صلاته (1)،


1- قد تقدّم في بيان اشتراط الإباحة في لباس المصلّي في شرح قول المصنّف (رحمه اللَّه): «و كذا مع النسيان، إلّا في الغاصب نفسه فلا يترك الاحتياط بالإعادة» أنّ الناسي مطلقاً معذور؛ لحديث الرفع و عدم توجّه النهي إليه حال النسيان، من غير فرق بين الغاصب نفسه و غيره. و الاحتياط للغاصب نفسه بالإعادة بعد زوال النسيان لا ينبغي تركه؛ لفتوى جماعة ببطلان صلاة ناسي الغصب، كالعلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و المحكي عن «نهاية الإحكام» و «الإيضاح» و «روض الجنان» و غيرها.

ص: 238

و صلاة المضطر كصلاة غيره بقيام و ركوع و سجود (1).

[ (مسألة 2): الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها]

(مسألة 2): الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز الصلاة فيها، و يرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي، و لا تجوز أيضاً في الأرض المشتركة إلّا بإذن جميع الشركاء (2).


1- يعني أنّ المضطرّ إلى الكون في مكان مغصوب يصلّي صلاة المختار في مكان مباح بقيام و ركوع و سجود؛ لأنّ الضرورة تبيح المحذور؛ فلا تتّصف صلاته بالقبح الناشي من ناحية النهي المفروض عدم توجّهه إليه بالاضطرار الذي هو عذر عقلًا و شرعاً.
2- بطلان الصلاة في الأرض المغصوبة المجهول مالكها لعين ما ذكر في المغصوبة المعلوم مالكها من عدم تحقّق قصد التقرّب، و رجوع أمر الأرض المجهول مالكها إلى الحاكم الشرعي لولايته على المال المجهول مالكه. و الأرض المشتركة مشاعاً كالأرض المختصّة لمالك خاصّ. فلو رضي الشركاء كلّهم بالصلاة فيها إلّا واحد منهم بطلت الصلاة فيه؛ لعين ما ذكر سابقاً من كون الفعل منهياً عنه مبغوضاً للمولى، فلا يصلح لأن يتقرّب به إليه.

ص: 239

[ (مسألة 3): لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب]

(مسألة 3): لا تبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، و في الخيمة المغصوبة، و الصهوة و الدار التي غصب بعض سؤرها إذا كان ما يصلّي فيه مباحاً؛ و إن كان الأحوط الاجتناب في الجميع (1).


1- اختلف فقهاؤنا في صحّة الصلاة تحت السقف المغصوب و في الخيمة المغصوبة و الصهوة البرج في أعلى الجبل و الدار التي غصب بعض سورها مع كون مكان المصلّي مباحاً غير مغصوب؛ فعن الشهيدين في «البيان» و «الروض» القول بالصحّة، و قوّاه صاحب «الجواهر» و أكثر المحشّين ل «العروة الوثقى». و علّله في «الجواهر» بقوله: للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة و بين كون الصلاة نفسها تصرّفاً منهياً عنه، و المتحقّق في الفرض الأوّل؛ إذ الأكوان من الحركات و السكنات في الفضاء المحلّل، و يقارنها الانتفاع حالها بالمحرّم، و هو أمر خارج عن تلك الأكوان لا أنّها أفراده؛ ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلّي في أفراده. ثمّ إنّه (رحمه اللَّه) حكى عن بعض الأعيان القول بأنّه يعتبر في المكان الإباحة بحيث لا يتوجّه إليه منع التصرّف أو الانتفاع بوجه من الوجوه في أرض أو فضاء أو فراش أو خيمة أو صهوة أو أطناب أو حبال أو أوتاد أو خفّ أو نعل أو مركوب أو سرجه أو وطأه أو رحله أو نعله أو باقي ما اتّصل به أو بعض منها مع الدخول في الاستعمال و إن قلّ، أو سقف أو جدار أو بعض منهما و لو حجر واحد. و إباحة البيت مع إحاطة جدار الدار المغصوب لا يخرجه من حكم المغصوب، بخلاف سور البلد(جواهر الكلام 8: 291.) انتهى. و حكى أيضاً القول المذكور عن علماء البحرين و أنّهم أضافوا على المذكورات جدران سور البلد. و أجاب عنهم بوضوح الفرق بين الانتفاع بالشي ء حال الصلاة و بين كون الصلاة نفسها استعمالًا و تصرّفاً في الشي ء، و أنّ الموجب لبطلان الصلاة هو الثاني. و قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: إذا كان المكان مباحاً و كان عليه سقف مغصوب فإن كان التصرّف في ذلك المكان يعدّ تصرّفاً في السقف بطلت الصلاة فيه، و إلّا فلا. فلو صلّى في قبّة سقفها أو جدرانها مغصوب و كان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار، أو كان عسراً و حرجاً كما في شدّة الحرّ أو شدّة البرد بطلت الصلاة، و إن لم يعدّ تصرّفاً فيه فلا. و ممّا ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة؛ فإنّها تبطل إذا عدّت تصرّفاً في الخيمة، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً كما هو الغالب إذ في الغالب يعدّ تصرّفاً فيها، و إلّا فلا(العروة الوثقى 1: 576، المسألة 3.) انتهى. و قال الحائري (رحمه اللَّه) مؤسّس حوزة قم بعدم البطلان تحت السقف المغصوب، و تردّد في البطلان تحت الخيمة المغصوبة فقال: و لو صلّى تحت الخيمة المغصوبة فهل يحكم بصحّة صلاته أو البطلان؟ من أنّه كمن صلّى تحت سقف مغصوب و لم يكن لبطلان صلاته موجب بعد كون الأرض التي يتصرّف فيها مباحة، و من ظهور الفرق بينهما بأنّ التصرّف في الخيمة عبارة عن التعيّش تحت فيئها بخلاف التصرّف في السقف؛ فالدليل الدالّ على حرمة التصرّف في مال الغير يدلّ على حرمة الكون تحت الخيمة المغصوبة. نعم لو كان بعض أطنابها أو أوتادها مغصوباً لا يوجب حرمة الكون تحتها، كما إذا غصب بعض جدار الدار(الصلاة، المحقّق الحائري: 83.) انتهى. و الحقّ ما اختاره صاحب «الجواهر» من أنّ الصلاة تحت الخيمة كالصلاة تحت السقف لا يطلق عليها عرفاً أنّه تصرّف في الخيمة أو السقف، بل يقال عرفاً: إنّه انتفع بهما؛ حتّى في الفرض الذي ذكره السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» من أنّه لا يمكنه الصلاة في المكان المباح بدون السقف و الخيمة؛ إذ لا يصدق عرفاً أنّه صلّى في المغصوب و إن كان السقف و الخيمة مغصوبين.

ص: 240

ص: 241

[ (مسألة 4): لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة]

(مسألة 4): لو اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة، تبطل الصلاة فيها، إلّا إذا جعل الحقّ في ذمّته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد، و كذا لا يجوز التصرّف مطلقاً في تركة الميّت، المتعلَّقة للزكاة و الخمس و حقوق الناس كالمظالم قبل أداء ما عليه. و كذا إذا كان عليه دين مستغرق للتركة، بل و غير المستغرق، إلّا مع رضا الديّان، أو كون الورثة بانين على الأداء غير متسامحين. و الأحوط الاسترضاء من وليّ الميّت أيضاً (1).


1- هنا فروع: الأوّل: أنّه إذا اشترى داراً بعين المال الذي تعلّق به الخمس أو الزكاة يكون الشراء بالنسبة إلى مقدار الخمس و الزكاة فضولياً، فإن أجازه من له ولاية على أهل الخمس و الزكاة تكون الدار مشتركة بينه و بين السادة و الفقراء، و لا يجوز لأحد الشريكين التصرّف في مال الشركة بدون إذن الشريك الآخر فتبطل صلاته، إلّا إذا جعل حقّهم في ذمّته بوجه شرعي كالمصالحة مع المجتهد. و إن لم يجزه يكون الشراء باطلًا و كانت الدار باقية على ملك مالكها الأوّل، و صحّة الصلاة فيها منوطة بإذنه. الثاني: إذا تعلّق بماله الخمس أو الزكاة أو حقوق الناس كالمظالم بنحو الإشاعة و مات لا يجوز للورثة و لا لغيرهم التصرّف في ذلك المال أيّ تصرّف كان و لو كان بإذن الورثة، فتبطل الصلاة فيه قبل أداء حقّ الغير؛ لما ذكرنا مراراً من تعلّق النهي على التصرّف في مال الغير. الثالث: إذا كان للميّت دين مستغرق للتركة كلّها أو غير مستغرق فلا يجوز للورثة و لا لغيرهم التصرّف في التركة المستغرقة؛ لكونها كلّها للديّان، و كذا في الغير المستغرقة؛ لكونها مشتركة بين الورثة و الغرماء؛ فلا يجوز تصرّف أحدهما بدون رضا الآخر. و وجه الاحتياط في الاسترضاء من ولي الميّت مع رضا الديّان على التصرّف في تركة الميّت هو وجود القول على بقاء المقدار المساوي للدين و الوصية من مال الميّت على ملك الميّت ما دام لم يؤدّ إلى مورده و زمام أمره بيد ولي الميّت؛ فكما أنّ جواز التصرّف فيه موقوف على إذن الديّان و الموصى له كذلك يحتاج إلى إذن ولي الميّت أيضاً. و نسب إلى «جامع المقاصد» الفرق بين المستغرق لتمام التركة و غير المستغرق؛ بالمنع عن التصرّف في الأوّل دون الثاني. و قد يستشهد للفرق بصحيح البزنطي أنّه سئل عن رجل يموت و يترك عيالًا و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال إن استيقن أنّ الذي عليه يحيط بجميع المال فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فينفق عليهم من وسط المال(وسائل الشيعة 19: 332، كتاب الوصايا، الباب 29، الحديث 1.) ، و مثله موثّق عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 19: 332، كتاب الوصايا، الباب 29، الحديث 2.) الرابع: أنّه لا يجوز التصرّف في مال الميّت لا للورثة و لا لغيرهم فيما لو كان بعض الورثة قصيراً أو غائباً أو نحو ذلك. و وجهه يعلم ممّا ذكرنا من أنّ المال مشترك لا يجوز التصرّف فيه لأحد من الشركاء إلّا برضا الآخرين.

ص: 242

ص: 243

[ (مسألة 5): المدار في جواز التصرّف و الصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه]

(مسألة 5): المدار في جواز التصرّف و الصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه و طيب نفسه و إن لم يأذن صريحاً؛ بأن علم ذلك بالقرائن و شاهد الحال، و ظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانيّاً لا يُعتنى باحتمال خلافه، و ذلك كالمضائف المفتوحة الأبواب و الحمّامات و الخانات و نحو ذلك (1).


1- لا يخفى: أنّ جواز التصرّف في ملك الغير و الصلاة فيه دائر مدار إحراز رضاه علماً أو ظنّاً معتبراً، كالبيّنة و خبر الثقة بناءً على اعتباره في الإخبار عن الموضوعات كالإخبار عن الأحكام و لا يشترط فيه الإذن الصريح من المالك، و إن صرّح به في بعض الأخبار كالتوقيع الشريف المفصّل الوارد عن صاحب الدار (عليه السّلام) إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري قدّس اللَّه روحه في جواب مسائله المربوط بعضها بأموالهم و الأنفال و التصرّف فيها بغير إذنهم (عليهم السّلام)، فوقّع (عليه السّلام) فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه(وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 7.) و الوجه في عدم اشتراط الإذن الصريح من المالك: هو أنّ الإذن معتبر بما أنّه طريق إلى إحراز رضا المالك و طيب نفسه؛ فالمعتبر في الحقيقة رضا المالك و طيب نفسه، و الإذن أحد الطرق إليه. و يدلّ عليه موثّق سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من كانت عنده أمانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه(وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.) بقي في المقام شي ء: و هو أنّ المضائف المفتوحة الأبواب و الحمّامات و الخانات و نحو ذلك يجوز التصرّف فيها لا لكلّ من ورد فيها و لو لغير استيفاء ما هو المقصود منها، بل لخصوص الضيوف و من يستفيد من الحمّامات و الخانات في مقابل الأُجرة، و قد يعترض على من ورد فيها و لا يستفيد منها استفادة مناسبة لها إلّا الصلاة فيها، و يقال له: إنّ هذا المكان ليس مسجداً و معدّاً لصلاتك، فيشكل حينئذٍ صلاته من غير استئذان.

ص: 244

[ (مسألة 6): يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة]

(مسألة 6): يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة، كالصحاري و المزارع و البساتين التي لم يُبنَ عليها الحيطان، بل و سائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة، كالاستطراقات العاديّة غير المضرّة، و الجلوس و النوم فيها و غير ذلك، و لا يجب التفحّص عن ملّاكها؛ من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين كالصغار و المجانين. نعم مع ظهور الكراهة و المنع عن ملّاكها و لو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها، يشكل جميع ما ذكر و أشباهها فيها إلّا في الأراضي المتّسعة جدّاً، كالصحاري التي من مرافق القرى و توابعها العرفيّة و مراتع دوابّها و مواشيها، فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة و المنع (1).


1- لا يخفى: أنّ العمدة في جواز التصرّف بتصرّفات يسيرة و منها الصلاة في الأراضي المتّسعة هي السيرة القطعية التي ادّعاها جماعة كثيرة من فقهائنا، و جزم كاشف الغطاء بعدم مراعاة إذن المالك فيما يلزم العسر و الحرج و الضرر. و ناقش فيه تلميذه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعدم اقتضاء نفي الحرج و الضرر حلّ أموال المسلمين المحرّمة في الكتاب و السنّة و فطرة العقل مجّاناً بلا عوض. و فيه: أنّ أدلّة نفي الحرج و الضرر تبيح التصرّف في مال الغير بمقدار دفع الضرر و الحرج عن المتصرّف فيما لم يوجب التصرّف فيه ضرراً و حرجاً للغير. و وجه تقييد الأراضي المتّسعة بعدم بناء الحيطان عليها هو أنّ بناء الحيطان قرينة واضحة على كون الأرض حريماً لا يجوز الدخول فيها بدون إذن مالكها، فضلًا عن التصرّفات و الصلاة فيها. و المختار عندنا في المسألة: أنّه يجوز التصرّف في الأراضي المتّسعة جدّاً بتصرّفات يسيرة غير مضرّة و الصلاة فيها فيما لم يعلم كراهة مالكها، و لا يجب التفحّص عن وجود مالكها. و أمّا مع العلم بكراهته و عدم طيب نفسه لا يجوز التصرّف فيه؛ لقوله (عليه السّلام) لا يحلّ لأحدٍ أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه ، و المفروض هو العلم بكراهته و عدم طيب نفسه من غير فرق بين كون مالك الأرض المتّسعة كاملًا أو قاصراً مع العلم بكراهة وليه.

ص: 245

[ (مسألة 7): المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه، ما استقرّ عليه المصلّي]

(مسألة 7): المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه، ما استقرّ عليه المصلّي و لو بوسائط على إشكال فيه، و ما شغله من الفضاء في قيامه و ركوعه و سجوده و نحوها، فقد يجتمعان كالصلاة في الأرض المغصوبة، و قد يفترقان كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح، و كالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة (1).


1- اختلف عبارات الفقهاء في تعريف مكان المصلّي باعتبار إباحته؛ فعن «الإيضاح»: أنّه في عرف الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي و لو بوسائط، و ما يلاقي بدنه و ثيابه، و ما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من مواضع الصلاة كما يلاقي مساجده و يحاذي بطنه و صدره. و أورد عليه في «جامع المقاصد» و «المدارك» و «الروض» و غيرها بأنّه يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب، و كذا واضع الثوب المغصوب الذي لا هواء له بين الركبتين و الجبهة؛ و لذا عدل إلى تعريفه بأنّه الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي أو يستقرّ عليه و لو بوسائط. و عرّفه الشهيد الثاني في «شرح اللمعة» بأنّ المراد به هنا ما يشغله من الحيّز أو يعتمد عليه و لو بواسطة أو وسائط. و قال المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» و نعم ما قال و هو عرفاً موضعه؛ أي محلّه الذي يستقرّ عليه حال تشاغله بأفعال الصلاة من القيام و القعود و الركوع و السجود و غيرها، و لكن المراد به في المقام ما يعمّ الفضاء الذي يشغله المصلّي. إلى أن قال: و كيف كان فلا يترتّب على شرح مفهومه عرفاً أو لغة أو اصطلاحاً فائدة مهمّة؛ لأنّ الأحكام اللاحقة له التي يقع البحث عنها في هذا المبحث بأسرها معلّقة بحسب أدلّتها على موضوعات لا تتوقّف معرفة شي ء منها على صدق مفهوم المكان(مصباح الفقيه، الصلاة: 169/ السطر 22.) انتهى. و إشكال المصنّف (رحمه اللَّه) فيما استقرّ عليه بوسائط يفرض فيما كان الفضاء مباحاً للمصلّي دون رقبة الأرض، و لم يكن استقراره على نفس الأرض؛ أي لا يكون بدنه ملاصقاً عليها، بل على سرير مثلًا و استقرّ السرير على الأرض، و كان تصرّفه في نفس السرير مباحاً، هذا. و قد تأمّل صاحب الجواهر (رحمه اللَّه) في البطلان فيما لم يكن ما استقرّ عليه المصلّي غصباً، حيث إنّه (رحمه اللَّه) بعد نسبة البطلان فيما لم يكن ما استقرّ عليه المصلّي غصباً إلى القيل، قال: و الحقّ أنّ الهواء لا يملك، نعم لصاحب الدار أولوية بالفضاء المقابل، و قال في «الشافية» تارة أُخرى: الرابع الرواشن و الأجنحة الخارجة إلى حيث يكون ما تحتها ملك غيره، و كذا الحفائر العميقة بحيث يكون ما فوقها ملك غيره مع عدم الضرر، فإن قلنا: إنّه لا يملك إلّا ما جرت به العادة و كانت هذه خارجة عنه جازت الصلاة فيها، و إن قلنا: إنّه يملك إلى عنان السماء و تخوم الأرض احتمل الصحّة في نحو الأجنحة أيضاً؛ لأنّ المغصوب إنّما هو الهواء، و هو ملاصق للمصلّي؛ فلا يقدح في الصحّة كالحائط و السقف المغصوبين(جواهر الكلام 8: 278.) انتهى.

ص: 246

ص: 247

[ (مسألة 8): الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة]

(مسألة 8): الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل و المرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة، لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع، و بالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما، لكن الأحوط ترك ذلك. و لا فرق فيه بين المحارم و غيرهم، و لا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين، بل يعمّ الحكم الزوج و الزوجة أيضاً. و ترتفع الكراهة بوجود الحائل و بالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد، و الأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه؛ و إن لا تبعد كفاية مطلقهما (1).


1- قد أفتى جماعة من فقهائنا بأنّ من شرائط المصلّي أن لا يصلّي الرجل و المرأة في مكان واحد بحيث تكون المرأة مقدّمة على الرجل أو مساوية له إلّا مع الحائل أو بفاصلة عشرة أذرع بذراع اليد. و في «الجواهر» مزجاً بالمتن: و لا يجوز أن يصلّي الرجل و إلى جانبه امرأة محاذية له و لم يحصل ما تسمعه من الحائل و نحوه، تصلّي، عند الشيخين و الحلبيين و ابني حمزة و البرّاج و الفاضل في «تلخيصه» و الحلّي، مع التقييد بالعمد على ما حكي عن البعض، أو أمامه كما نصّ عليه الشيخ و ابن حمزة و ابن زهرة و الحلبي في «الإشارة»، بل لعلّه مراد الجميع و إن لم يتعرّضوا له لمعلومية أولويته. إلى أن قال (رحمه اللَّه): و كيف كان: فقد نسب عدم الجواز إلى أكثر القدماء، بل العلماء، بل المشهور، بل في «الخلاف» و «الغنية» الإجماع عليه(جواهر الكلام 8: 302.) انتهى. و أفتى جماعة منهم بالجواز مع الكراهة، و هو المختار عندنا، و اختاره السيّد المرتضى و ابن إدريس و أكثر المتأخّرين عدا المحدّث البحراني، و نسب إلى العلّامة في «تلخيصه»؛ ففي «الشرائع»: و قيل ذلك مكروه و هو الأشبه، و في «القواعد»: و الأقرب الكراهية، و في «المدارك»: فيه قولان أظهرهما الجواز على كراهة. و القائلون بالمنع استدلّوا بروايات مستفيضة نذكر بعضها: منها: صحيح إدريس بن عبد اللَّه القمي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و بحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً، فقال إن كانت قاعدة فلا يضرّك، و إن كانت تصلّي فلا(وسائل الشيعة 5: 121، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، الحديث 1.) و منها: معتبرة عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و المرأة بحذاه عن يمينه أو عن يساره، فقال لا بأس به إذا كانت لا تصلّي(وسائل الشيعة 5: 121، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، الحديث 2.) ، و تعبير السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» عن هذه المعتبرة بخبر عبد الرحمن لعلّه لأجل ما ذكره النجاشي في معلّى بن محمّد البصري من أنّه مضطرب الحديث و المذهب، و لما قاله ابن الغضائري من أنّه يعرف حديثه و ينكر و يروي عن الضعفاء. و فيه: أنّ اضطراب الحديث لا يكون مانعاً عن وثاقته فيما يروي عن مقبول الحديث مثل حسن بن علي بن زياد الوشّاء من وجوه هذه الطائفة، و اضطراب مذهبه لم يثبت أوّلًا، و لا يمنع عن قبول روايته مع وثاقته ثانياً. فالرواية لا أقلّ حسنة لوقوع معلّى في طريق «كامل الزيارات» في الباب الخمسين في كرامة اللَّه تبارك و تعالى لزوّار الحسين بن علي (عليهما السّلام)، و لكونه من شيوخ الإجازة كما صرّح به المجلسي (رحمه اللَّه). و منها: صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصلّيان جميعاً، قال لا، و لكن يصلّي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 2.) و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل، فقال لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره(وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 2.) و منها: موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، و إن كانت عن يمينه و عن يساره جعل بينه و بينها مثل ذلك، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس و إن كانت تصيب ثوبه، و إن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة فلا بأس حيث كانت(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 1.) و منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) و الاستدلال به مبني على أنّ صلاة المرأة فاسدة تجب إعادتها، و أنّ فسادها مبني على تقدّمها على صفّ الرجال و محاذاتها للإمام. و فيه أوّلًا: أنّه من المحتمل صحّة صلاتها و استحباب إعادتها. و ثانياً: يحتمل أن يكون بطلان صلاتها لأجل اختلاف الفريضتين، و قد أفتى به والد الصدوق (رحمه اللَّه)، أو لعدم تحقّق شرط صحّة الائتمام و هو تقدّم الإمام على المأموم أو غير ذلك ممّا احتمله في «الوسائل». و القائلون بالجواز استدلّوا بجملة من الأخبار: منها صحيح جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال لا بأس أن تصلّي المرأة بحذاء الرجل و هو يصلّي؛ فإنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يصلّي و عايشة مضطجعة بين يديه و هي حائض، و كان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتّى يسجد(وسائل الشيعة 5: 122، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 4، الحديث 4.) ، و في «الجواهر»: و لا يقدح في دلالته التعليل المحتمل إرادة الاستدلال به بطريق الأولوية؛ أي إذا جازت الصلاة مع اضطجاعها بين يديه و هي حائض فبالأولى الجواز حال صلاتها محاذية له(جواهر الكلام 8: 306.) انتهى. و منها: ذيل صحيح ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أُصلّي و المرأة إلى جنبي (جانبي) و هي تصلّي، قال لا، إلّا أن تقدّم هي أو أنت، و لا بأس أن تصلّي و هي بحذاك جالسة أو قائمة(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 5.) و منها: مرسل ابن فضّال عمّن أخبره عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه، قال لا بأس(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 6.) ، و في «الجواهر»: و إرساله بعد انجباره بالعمل ممّن عرفت خصوصاً و فيهم من لا يعمل بالقطعيات كالسيّد و ابن إدريس غير قادح(جواهر الكلام 8: 305.) و منها: صحيح الفضيل المروي عن «العلل» قال إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّه يبكّ فيها الرجال و النساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن يسارك و معك و لا بأس بذلك، و إنّما يكره في سائر البلدان(وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 10.) ، و هذا الصحيح صريح في الجواز و نفي البأس بلا كراهة في مكّة و مع الكراهة في غيرها. و في «الجواهر» في مقام دفع توهّم كون الكراهة بمعنى الحرمة و تأييد إرادة المصطلح من لفظ «الكراهة» قال: يمكن الاستدلال بالنصّ فيه على رفع المنع عن ذلك في مكّة متمّماً بعدم القول بالفصل(جواهر الكلام 8: 306.) انتهى. ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المانعة و المجوّزة هو حمل المانعة على الكراهة، و ذلك واضح. ثمّ لا يخفى: أنّ الكراهة و كذا المنع و البطلان على القول به تثبت لكلّ من الرجل و المرأة مع تقارنهما في الشروع في الصلاة؛ لظهور الأخبار في المنع عن صلاة من يتحقّق به المحاذاة، و كذا بالنسبة إلى استقرار المرأة أمام الرجل و شروعهما معاً في الصلاة؛ فلو اقترنا و شرعا في الصلاة معاً فهما سواءٌ في تحقّق المحاذاة و استقرار المرأة أمام الرجل بهما معاً. و لو سبق أحدهما بالصلاة و شرع فيها ثمّ جاء الآخر و استقرّ في محاذي الأوّل أو أمامه إذا كان السابق الرجل، أو خلفه إذا كان السابق المرأة كان الآخر منهياً دون السابق؛ لاستناد المحاذاة مثلًا إليه، و صحيح علي بن جعفر المتقدّم لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) صريح في عدم فساد صلاة القوم السابقة شروعاً على صلاة المرأة، و إلى هذا القول ذهب الشهيد الثاني في «المسالك» و ابن فهد في «الموجز» و صاحب «المدارك» و كاشف اللثام و السيّد بحر العلوم في «منظومته» و المحقّق الثاني و غيرهم. و يظهر من جماعة من فقهائنا اشتراط صلاة كلّ منهما بعدم المحاذاة بالآخر و بعدم تقدّم المرأة على الرجل، فبالمحاذاة و تقدّمها عليه تبطل صلاة كلّ منهما، من غير فرق بين اقتران الصلاتين و عدمه، و استقربه الشهيد في «الدروس»، و قوّاه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) و استدلّ عليه بمعلومية قاعدة أنّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض، و بظاهر ذيل صحيحي ابني مسلم و أبي يعفور و خبر أبي بصير و ظهور باقي النصوص و إن كان فيها الجملة الحالية(جواهر الكلام 8: 318.) و فيه: أنّ الأخبار المذكورة و غيرها الشاملة على الجملة الحالية ظاهرة في المنع عن صلاة اللاحق المستندة إليه المحاذاة الموجب لتحقّق تقدّم المرأة. و لا يخفى أيضاً: أنّ المدار في بطلان صلاتهما فيما شرعا فيها معاً و بطلان صلاة خصوص اللاحق على الصلاة الصحيحة لولا المحاذاة أو تقدّم المرأة دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع إذ مع فساد صلاتهما أو أحدهما من ناحية فقد الشرط أو وجود المانع لا معنى للمنع من جهة المحاذاة أو تقدّم المرأة. بقي في المقام أُمور: الأوّل: أنّ الاحتياط الاستحبابي ترك الصلاة للمحاذي و لمن كانت المرأة أمامه؛ و ذلك لترجيح القائلين بالمنع أخباره على أخبار الجواز. الثاني: أنّه لا فرق بين المحارم و غيرهم في حكم المسألة، بل يعمّ الحكم الزوج و الزوجة أيضاً. و وجه عدم الفرق إطلاق الرجل و المرأة في الروايات، و في بعضها قد عبّر بامرأة المصلّي و بنته؛ ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و امرأته، أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الأُخرى، قال لا ينبغي ذلك، فإن كان بينهما شبر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 123، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: قلت له: المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال تصلّي بإزاء الرجل إذا كان بينها و بينه قدر ما لا يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً(وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 13.) و رواية محمّد الحلبي قال: سألته يعني أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة و ابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الأُخرى، قال لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) و السند ضعيف بأبي جميلة المفضّل بن صالح، قيل في حقّه: إنّه كذّاب يضع الحديث. و صحيح علي بن جعفر المتقدّم عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلّي و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معهم و قد كانت صلّت الظهر؟ قال لا يفسد ذلك على القوم و تعيد المرأة(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 9، الحديث 1.) الثالث: هل يختصّ المنع عن المحاذاة بالمكلّفين، أو لا بل يعمّ غير البالغين؟ نسب الشهيد (رحمه اللَّه) في «الروض» القول بالاختصاص للبالغين إلى المشهور، قال: المراد بالمرأة البالغ؛ لأنّه المتعارف، و لأنّها مؤنّث المرء، يقال: مرء و مرأة و امرأ و امرأة، و المرء هو الرجل كما نصّ عليه أهل اللغة؛ فلا يتعلّق الحكم بالصغيرة و إن قلنا: إنّ عبادتها شرعية؛ لعدم المقتضي له، و كذا القول في الصبي. و اختار هذا القول صاحب «الحدائق»، و ذهب إليه السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، و استدلّ عليه في «الحدائق» بعد أن حكى عن الصحاح أنّ الرجل هو الذكر من الإنسان بأنّ الأخبار قد اشتملت على لفظ «الرجل» فمتى صحّ إطلاقه على غير البالغ لغة صحّ ما ذكره الشهيد (رحمه اللَّه)، إلّا أنّ المستفاد من إطلاق العرف العامّ و الخاصّ أعني عرفهم (عليهم السّلام) إنّما هو البالغ خاصّة، و متى أُريد غيره عبّر بلفظ الصبي و نحوه(الحدائق الناضرة 7: 193.) و ذهب جماعة إلى عدم الفرق بين المكلّفين و غيرهم، و هو المختار. و استدلّ عليه بأنّ مقتضى الإطلاق المقامي في أدلّة مشروعية عبادات الصبي مثل قوله (عليه السّلام) مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا أبناء سبع سنين(مستدرك الوسائل 14: 288، كتاب النكاح، أبواب مقدّمات النكاح، الباب 99، الحديث 2.) ، هو اعتبار كلّ ما اعتبر في صلاة المكلّفين من الأجزاء و الشرائط و الموانع؛ فالشارع إذا أمرنا بأمر صبياننا بالصلاة و سائر العبادات و لم يذكر كيفية خاصّة في صلاتهم و سائر عباداتهم نعلم بأنّهم مأمورون بما أُمر به المكلّفون في صلاتهم و سائر عباداتهم من مراعاة جميع الشرائط و الأجزاء، و من الشرائط ترك المحاذاة و تقدّم المرأة، هذا كلّه بناءً على شرعية عبادات الصبي. و أمّا بناءً على كون عباداته تمرينية فيشكل ثبوت الإطلاق المقامي؛ لأنّ متعلّق موضوع الحكم في المسألة في لسان الأدلّة هو الرجل و المرأة، و لا يعمّان الصبي و الصبية؛ لا بالإطلاق اللفظي و لا بالإطلاق المقامي؛ لعدم تمامية مقدّمات الحكمة بالنسبة إليهما. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد حكاية نسبة اختصاص الحكم في أصل المسألة بالمكلّفين إلى المشهور عن «الروض» و ذكر وجهه بقوله: لعلّه لأنّ الموجود في النصوص لفظ الرجل و المرأة الذي لا يشمل غير المكلّفين قال: لكن قد يقال: إنّه يتّجه بالنسبة إلى صلاة كلّ من الرجل و المرأة؛ بمعنى أنّه لا يفسدهما محاذاتهما و لا تقدّم الصبية. بل و لا يفسد صلاة الصبي محاذاة الصبية أو تقدّمها كالعكس. أمّا بالنسبة إلى صلاتهما حال تقدّم المرأة على الصبي أو محاذاتها و تقدّم الصبية على الرجل و محاذاتها فقد يتّجه الفساد بناءً على الشرعية التي من المعلوم كون المراد بها المشروعة للبالغ؛ فكلّ شرط لصلاة الرجل مثلًا هو شرط في صلاة الصبي، و كلّ شرط لصلاة المرأة هو شرط لصلاة الصبية؛ فتفسد صلاة الصبي حينئذٍ بتقدّم المرأة و محاذاتها كصلاة الرجل، و صلاة الصبية بتقدّمها على الرجل و محاذاتها له كالامرأة. و لا ينافي ذلك كون الرجل و المرأة مورد النصوص؛ إذ الشرائط جميعها أو أكثرها كذلك كالحرير و غيره؛ ضرورة عدم إرادة شمول الخطابات للصبيان، بل المراد في موضوع عبادة الصبي الجامعة للشرائط عدا البلوغ، كما هو معلوم في ذلك. و لعلّه إلى هذا أومأ الشهيد بما في المحكي عن حواشيه من أنّ الصبي و الصبية يقرب حكمهما من الرجل و المرأة(جواهر الكلام 8: 329.) الرابع: يرتفع المنع حرمةً و كراهةً على القولين في المسألة بوجود الحائل و بالبعد بينهما. و الأخبار في بيان حدّ ذلك مختلفة: فبعضها صريح في كفاية الفصل بينهما بشبر، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) فإن كان بينهما شبرٌ أجزأه(وسائل الشيعة 5: 123، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها و هو وحده فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 7.) و بعضها صريح في الاكتفاء بالشبر أو الذراع، كما في رواية أبي بصير عنه (عليه السّلام) قال لا، إلّا أن يكون بينهما شبر أو ذراع(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 3.) و في رواية أُخرى لأبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا، حتّى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه(وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 4.) و بعضها صريح في قدر الخطوة أو قدر عظم الذراع، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا كان بينها و بينه ما يتخطّى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 8.) ، و المراد ب «ما يتخطّى» في الرواية قدر الخطوة، و قد ضبط في «الجواهر» و «المستمسك» ب «ما لا يتخطّى»، و هو اشتباه من ناسخهما و منشأه نقل الرواية من «وسائل الشيعة»، و قد ضبط في «من لا يحضره الفقيه» ب «ما يتخطّى»، كذا ضبطه في «الحدائق». و بعضها صريح في الفصل بأكثر من عشرة أذرع، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 1.) و بعضها صريح في الاكتفاء بعشرة أذرع، كما في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي ضحى و أمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع، قال لا بأس ليمض في صلاته(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 2.) و بعضها صريح في كفاية الحاجز بينهما، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) في المرأة تصلّي عند الرجل، قال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 2.) و بعضها صريح في كفاية الستر بينهما، كما في رواية محمّد الحلبي فإن كان بينهما ستر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) و في بعضها اكتفي بموضع رحل، كما في صحيح حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال إذا كان بينهما موضع رجل (رحل) فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 11.) و في بعضها اكتفي بكون سجودها مع ركبتيه، كما في صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال الرجل إذا أمّ المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودها مع ركبتيه(وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 9.) و في بعضها اكتفي بتقدّم الرجل بمقدار يكون سجودها مع ركوعه، كما في مرسل ابن فضّال عمّن أخبره عن جميل عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي و المرأة بحذاه أو إلى جنبيه، قال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 3.) ، و كما في مرسل ابن بكير عمّن رواه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يصلّي و المرأة تصلّي بحذاه أو إلى جانبه، فقال إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 5.) في بعضها اكتفي بمقدار تقدّم الرجل عليها بصدره، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن المرأة تصلّي عند الرجل، فقال لا تصلّي المرأة بحيال الرجل إلّا أن يكون قدّامها و لو بصدره(وسائل الشيعة 5: 127، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 6، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ تفاوت أكثر المقادير المذكورة بعضها مع بعض كالشبر و الذراع و سجودها مع ركوعه و موضع رحل و نحوها يسير جدّاً. و مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة المختلفة من حيث المقدار الفاصل بين الرجل و المرأة بمقدار فاحش كالشبر و عشرة أذرع مثلًا هو اعتبار الحائل أو عشرة أذرع في صورة تقدّم المرأة على الرجل أو المحاذاة. و أمّا اعتبار أزيد من عشرة أذرع كما في موثّق عمّار المتقدّم فممّا لم يقل به أحد من علمائنا، و اعتبار عظم الذراع أو الذراع و الشبر و نحوها فيما تقدّم الرجل عليها. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) قد استدلّ باختلاف هذه الأخبار على القول بالجواز مع الكراهة في المسألة، حيث إنّه بعد ذكر الأخبار المختلفة في تقدير البعد و التقدّم المقتضيين لرفع المنع قال: قد يقرّر دلالتها أي دلالة النصوص على المطلوب بأنّ هذا الاختلاف فيها لا يصلح له إلّا الكراهة المختلفة باختلاف هذه المراتب شدّة و ضعفاً، كما لا يخفى على الخبير الممارس؛ لما وقع منهم (عليهم السّلام) في بيان المندوبات و المكروهات من منزوحات البئر و غيرها(جواهر الكلام 8: 308.) انتهى. الخامس: الأحوط في الحائل أن يكون بحيث يمنع المشاهدة. وجه الاحتياط فتوى الشهيد الثاني و سبطه صاحب «المدارك» به، و مثّل في «المدارك» على الحائل بالحائط و الستر و هما مانعان من الرؤية؛ ففي خبر محمّد الحلبي قال لا ينبغي ذلك إلّا أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 3.) ؛ فالاحتياط المذكور حسن. و الأقوى جواز رؤية أحدهما الآخر؛ لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى ((كوى: الكَوّ و الكَوَّة و الكُوّة، جمعها كِواء و كُوى و كَوّات و كُوّات، بمعنى الخرق في الحائط، يقال: خرق خرقاً في البناء، أي فتح فيه نافذة.) ) كلّه قبلته و جانباه و امرأته تصلّي حياله يراها و لا تراه، قال لا بأس(وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط و امرأة قائمة تصلّي و هو يراها و تراه؟ قال إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 8، الحديث 4.) السادس: قد علم ممّا تقدّم في الأمر الرابع: أنّه يكفي في تأخّر المرأة عن الرجل بمقدار سجودها مع ركوعه أو صدره أو ركبتيه؛ فيكفي مطلق التأخّر، و لا يجب أن يكون موضع صلاتها حتّى مسجدها خلف الرجل. نعم الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه. و لعلّ وجه الاحتياط ما نسبه في «الجواهر» إلى ظاهر «النافع» و «فوائد الشرائع» و «حاشية الإرشاد» من تقدير تأخّر المرأة بمقدار مسقط الجسد، و أنّ المراد من التأخّر بهذا المقدار تأخّرها عنه تماماً بحيث لا يحاذي جزءٌ منها جزءً منه، و نسبه إلى صريح الشهيد الثاني و المحكي عن الميسي؛ و ذلك لموثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي و بين يديه امرأة تصلّي؟ قال لا يصلّي حتّى يجعل بينه و بينها أكثر من عشرة أذرع، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس، و إن كانت تصيب ثوبه.(وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 7، الحديث 1.) الحديث، و لصدق اليمين و الجنب و نحوهما على غير المتأخّر تماماً.

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

ص: 252

ص: 253

ص: 254

ص: 255

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ص: 259

ص: 260

[ (مسألة 9): الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم (عليه السّلام)، بل و مقدّماً عليه]

(مسألة 9): الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم (عليه السّلام)، بل و مقدّماً عليه، و لكن هو من سوء الأدب، و الأحوط الاحتراز منهما. و يرتفع الحكم بالبعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم و المحاذاة؛ و يخرج عن صدق وحدة المكان، و كذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، و الظاهر أنّه ليس منه الشُّبّاك و الصندوق الشريف و ثوبه (1).


1- هنا مسائل: الاولى: أنّه اختلف فقهاؤنا في حكم الصلاة محاذياً لقبر المعصوم (عليه السّلام)؛ فنسب إلى بعض متأخّري المتأخّرين القول بالحرمة مستنداً إلى صحيح الحميري قال: كتبت إلى الفقيه (عليه السّلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟ و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأت التوقيع و منه نسختُ و أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الأمام، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه؛ لأنّ الإمام لا يتقدّم، و يصلّي عن يمينه و شماله(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 1.) وجه الدلالة: أنّ قوله (عليه السّلام) و أمّا الصلاة فإنّها خلفه ظاهر في الحصر، و لا ينافيه ما في ذيل الحديث من قوله و يصلّي عن يمينه و شماله ؛ لاحتمال أن يكون المراد عن اليمين و الشمال غير صورة المحاذاة؛ فيكون المراد من الخلف ما يقابل التقدّم و المحاذاة. و في «احتجاج» الطبرسي عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السّلام) مثل المكاتبة المزبورة، إلّا أنّه قال و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره؛ لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه و لا يساوي(نفس المصدر، ذيل الحديث 1.) و يرد على القائلين بالحرمة أوّلًا: بأنّ الحصر ليس حقيقياً بل بالنسبة إلى التقدّم بقرينة المقابلة بالنفي و الإثبات. و ثانياً: أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام) فأمّا الصلاة فإنّها خلفه بضميمة قوله في ذيل الحديث لأنّ الإمام لا يتقدّم عليه هو اختصاص المنع بصورة التقدّم. و قال الآخرون بالجواز مع عدم الكراهة، و هو المختار. و يدلّ عليه حسن جعفر بن ناجية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال صلّ عند رأس قبر الحسين (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 14: 519، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 69، الحديث 5.) و رواية الثمالي عن الصادق (عليه السّلام) قال إذا أردت السير إلى قبر الحسين (عليه السّلام) و ساق الآداب و الزيارات. إلى أن قال ثمّ تأتي قبر الحسين (عليه السّلام) ثمّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (عليه السّلام) و صلّ عند رأسه ركعتين.(مستدرك الوسائل 10: 327، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 52، الحديث 3.) الحديث. و في خبر صفوان ثمّ قم فصلّ ركعتين عند الرأس(بحار الأنوار 98: 200.) ، و في خبره الآخر ثمّ صلّ عند الرأس ركعتي الزيارة(نفس المصدر: 260.) و موثّق ابن فضّال قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) و هو يريد أن يودّع للخروج إلى العمرة فأتى القبر من موضع رأس رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعد المغرب فسلّم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و لزق بالقبر ثمّ أتى المنبر و انصرف حتّى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلّي و ألصق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الأُسطوانة التي دون الأُسطوانة المخلقة التي عند رأس النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). الحديث(وسائل الشيعة 14: 359، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 15، الحديث 3.) و ضعف سند بعض الروايات المذكورة منجبر بفتوى الأصحاب. الثانية: في الصلاة مقدّماً على قبر المعصوم (عليه السّلام) بحيث وقع قبره خلف المصلّي؛ فنسب إلى جماعة من فقهائنا منهم الشيخ البهائي و المجلسي و الفيض الكاشاني و بعض المتأخّرين منهم القول بالمنع مع عدم الحائل المانع. و استدلّ عليه بصحيح محمّد بن عبد اللَّه الحميري المتقدّم و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الأمام، و لا يجوز أن يصلّي بين يديه؛ لأنّ الإمام لا يتقدّم. و خبر هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث طويل قال: أتاه رجل فقال له: يا بن رسول اللَّه هل يزار والدك؟ قال نعم و يصلّى عنده ، و قال يصلّى خلفه و لا يتقدّم عليه(وسائل الشيعة 5: 162، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 7.) و في سند الخبر عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي، قال النجاشي في حقّه: إنّه ضعيف ليس بشي ء، أقول: قد وقع الراوي المذكور في أسناد «كامل الزيارات»، فتضعيف النجاشي يعارض توثيق ابن قولويه؛ فلا يعتمد على رواياته. و العمدة في دليل المسألة هو صحيح الحميري، و هو على فرض تمامية دلالته على وجوب كون الصلاة خلف القبر مخالف للمشهور القائلين بالكراهة. و يدلّ على الجواز في المسألة و هو المختار عندنا الأصل، و إطلاق الأدلّة. و قوله (عليه السّلام) في صحيح الحميري المتقدّم و لا يجوز أن يصلّي بين يديه ، و إن كان ظاهراً في المنع لكنّه محمول على الكراهة. و في «الجواهر»: بل لعلّ سكوت المعظم عن ذكر ذلك مع ظهور استقصائهم في المندوبات و المكروهات كالصريح في ذلك، على أنّه لم نجد في الدلالة ما يقتضيه سوى النهي. إلى أن قال: لكن التعويل عليه في قطع ما عرفت من عدم البطلان بعد ظهور إعراض الأساطين عنه إذ هم كما ستعرف بين رادّ للخبر من أصله و بين حامل له على الكراهة ممّا لا يلائم أُصول المذهب؛ خصوصاً مع ظهور التعليل فيه في غير الواجب من الأدب إن كان المراد من الإمام فيه المعصوم (عليه السّلام)؛ إذ حرمة التقدّم عليه في المكان الذي هو غير منافٍ للاحترام الواجب في زمن الحياة غير معلومة، فضلًا عمّا بعد الموت، و فضلًا عن كونه شرطاً في صحّة الصلاة، بل معلوم عدمها(جواهر الكلام 8: 362.) انتهى موضع الحاجة. الثالثة: يرتفع المنع حرمةً و كراهةً بالبُعد المفرط على وجه لا يصدق معه التقدّم و المحاذاة و يخرج عن صدق وحدة المكان، و كذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، و به قطع الأصحاب؛ إذ معه يخرج عن مفهوم التقدّم على القبر و المساواة له عرفاً. و قد ورد في بعض الروايات مقدار البعد بعشرة أذرع، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: سألته عن الرجل يصلّي بين القبور، قال لا يجوز ذلك إلّا أن يجعل بينه و بين القبور إذا صلّى عشرة أذرع من بين يديه و عشرة أذرع من خلفه و عشرة أذرع عن يمينه و عشرة أذرع عن يساره، ثمّ يصلّي إن شاء(وسائل الشيعة 5: 159، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، الحديث 5.) الرابعة: أنّ شبابيك القبر و الصندوق الشريف الحاوي للقبر و كذلك الثوب النفيس المطروح على القبر لا تعدّ حائلًا عرفاً؛ فلا يرتفع بحيلولتها المنع. و في «الجواهر»: و عليه قد يقال بعدم البطلان في هذه الأزمنة لوجود الحائل من الصندوق و الثياب و الشبابيك و نحوها، و احتمال سريان حكم القبر إليها باعتبار معاملتها معاملته في التعظيم و غيره لا تساعده الأدلّة(جواهر الكلام 8: 363.) انتهى. فرع: الصلاة خلف قبر المعصوم بحيث كان القبر أمام المصلّي و بين يديه فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ حكي عن الصدوق و المفيد و أبي الصلاح و المحقّق في «المعتبر» و غيرهم القول بالحرمة، و استدلّ عليه بصحيح معمّر بن خلّاد عن الرضا (عليه السّلام) قال لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتّخذ القبر قبلة(وسائل الشيعة 5: 159، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، الحديث 3.) و حديث يونس بن ظبيان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى أن يصلّى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 25، الحديث 8.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال قال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجداً؛ فإنّ اللَّه عزّ و جلّ لعن اليهود حيث اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد(وسائل الشيعة 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 3.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: الصلاة بين القبور، قال بين خللها، و لا تتّخذ شيئاً منها قبلة؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نهى عن ذلك و قال: لا تتّخذوا قبري قبلة و لا مسجداً فإنّ اللَّه عزّ و جلّ لعن الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد(وسائل الشيعة 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 5.) و ذهب جماعة من فقهائنا إلى الجواز مستدلّين عليه بصحيح الحميري المتقدّم و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الإمام(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 1.) و رواية محمّد بن البصري عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث زيارة الحسين (عليه السّلام) قال من صلّى خلفه صلاة واحدة يريد بها اللَّه تعالى لقي اللَّه تعالى يوم يلقاه و عليه من النور ما يغشى له كلّ شي ء يراه.(وسائل الشيعة 5: 162، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 6.) الحديث. و رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث طويل قال: أتاه رجل فقال له: يا ابن رسول اللَّه هل يزار والدك؟ قال نعم، و يصلّى عنده ، و قال يصلّى خلفه و لا يتقدّم عليه(وسائل الشيعة 5: 162، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 7.) و رواية الحسن بن عطية عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا فرغت من السلام على الشهداء فأت قبر أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فاجعله بين يديك ثمّ صلّ ما بدا لك(وسائل الشيعة 14: 517، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 69، الحديث 1.)و رواية أبي اليسع قال: سأل رجل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا أسمع قال: إذا أتيتُ قبر الحسين أجعله قبلة إذا صلّيتُ؟ قال تنحّ هكذا ناحية(وسائل الشيعة 14: 519، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 69، الحديث 6.) قد يقال: إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة حمل المانعة على الكراهة بقرينة أفضلية الصلاة عند رأس القبر، كما في رواية أبي حمزة الثمالي عن الصادق (عليه السّلام) ثمّ تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين (عليه السّلام)، و صلّ عند رأسه ركعتين. إلى أن قال و إن شئت صلّيت خلف القبر، و عند رأسه أفضل(مستدرك الوسائل 10: 327، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 52، الحديث 3.) أقول: الأخبار الناهية عن الصلاة خلف قبورهم (عليهم السّلام) على فرض تمامية دلالتها على الحرمة مع قطع النظر عن المعارض محمولة على صورة المعاملة مع قبورهم معاملة الكعبة و جعلها قبلة، كما هو المستفاد من مرسل الصدوق و صحيح زرارة المتقدّمين؛ فالقول بعدم الكراهة حينئذٍ متّجه.

ص: 261

ص: 262

ص: 263

ص: 264

ص: 265

ص: 266

[ (مسألة 10): لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي]

(مسألة 10): لا يعتبر الطهارة في مكان المصلّي، إلّا مع تعدّي النجاسة غير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن. نعم تعتبر في خصوص مسجد الجبهة كما مرّ (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اشتراط طهارة مكان المصلّي؛ فذهب السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) إلى اعتبار طهارته. و استدلّ عليه بنهي النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن الصلاة في المجزرة و هي المواضع التي تذبح فيها الأنعام و المزبلة و الحمّامات(سنن ابن ماجة 1: 246/ 746 و 747.) و هي مواطن النجاسة. و فيه: أنّ النهي على فرض ثبوت وروده بطريق معتبر تنزيهي من جهة الاستقذار و أنّ الاستقرار في أمثال هذه الأمكنة منهيّ لمهانة من يستقرّ فلا يلزم التحريم. و حكي عن أبي الصباح اشتراط طهارة مواضع المساجد السبعة، و لم ينقل على هذا القول دليل من أحد. و القول الثالث في المسألة عدم اشتراط الطهارة في مكان المصلّي؛ فتجوز الصلاة في المكان النجس مع عدم تعدّي النجاسة الغير المعفوّ عنها إلى الثوب أو البدن، و هذا القول هو المشهور المختار. و يدلّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) سأله عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة، أ يصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال نعم(وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن البواري يبلّ قصبها بماء قذر أ يصلّى عليه؟ قال إذا يبست فلا بأس(وسائل الشيعة 3: 453، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 2.) و موثّق عمّار الساباطي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن البارية يبلّ قصبها بماء قذر، هل تجوز الصلاة عليها؟ فقال إذا جفّت فلا بأس بالصلاة عليها(وسائل الشيعة 3: 454، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 5.) نعم يشترط الطهارة في خصوص مسجد الجبهة، و الظاهر أنّه موضع وفاق من الأصحاب، و قد نقل الإجماع عليه جماعة كالعلّامة في «المنتهي» و «المختلف» و الشهيد في «الذكرى» و ابن زهرة في «الغنية». و في «الجواهر»: ربّما زادت حكايته على اثنى عشر كتاباً في المقام، و في كتاب الطهارة و في بحث ما يسجد عليه. بل في «التذكرة» منها أنّه إجماع كلّ من يحفظ عنه العلم، بل يمكن دعوى تحصيله(جواهر الكلام 8: 331.) انتهى. و عن «الذخيرة» بعد نقل الإجماع في المسألة أنّه قال: لكن لا يخفى أنّه قد مرّ في كتاب الطهارة أنّ المحقّق نقل عن الراوندي و صاحب «الوسيلة»: أنّهما ذهبا إلى أنّ الأرض و البواري و الحصر إذا أصابها البول و جفّفتها الشمس لا تطهر بذلك، و لكن يجوز السجود عليها. و استجوده المحقّق. و على هذا فدعوى الإجماع كلّية محلّ تأمّل(ذخيرة المعاد: 239/ السطر 26.) انتهى. و لا يخفى: أنّ المحكي عن بعض نسخ «المعتبر» هكذا: و قيل لا تطهر و يجوز الصلاة عليها، و به قال الراوندي منّا و صاحب «الوسيلة»، و هو جيّدٌ. و المحكي عن بعض نسخ «الذخيرة» هكذا: و ذهب صاحب «الوسيلة» إلى أنّها لا تطهر بذلك، و لكن يجوز الصلاة عليها إذا لم يلاق شيئاً منها بالرطوبة دون السجود عليها. فهذه العبارة ظاهرة في جواز الصلاة عليها مع استثناء موضع السجود، و حينئذٍ ينحصر المخالف في المسألة في الراوندي، و خلافه لا يقدح في الإجماع. و في «الجواهر»(جواهر الكلام 8: 331 332.) : يمكن استفادة اشتراط الطهارة في محلّ السجود من غير الإجماع ببعض النصوص المشتملة على اشتراط الصلاة على البارية أو السطح بتجفيف الشمس، بناءً على إرادة ما يشمل السجود عليها من الصلاة فيها؛ ضرورة كون المفهوم حينئذٍ عدم جواز السجود عليها إذا لم تجففها الشمس و إن جفّت بغيرها، بل قد يستفاد من الصحيح عن الرضا (عليه السّلام) كون الحكم مفروغاً عنه: كتب إليه يسأله عن الجصّ يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمّ يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليه إنّ الماء و النار قد طهّراه(وسائل الشيعة 3: 527، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 81، الحديث 1.) ، انتهى. و النصوص المشتملة على اشتراط الصلاة على البارية أو السطح بتجفيف الشمس مذكورة في الباب التاسع و العشرين من أبواب النجاسات(وسائل الشيعة 3: 451، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 29.)

ص: 267

ص: 268

ص: 269

كما يعتبر فيه أيضاً مع الاختيار كونه أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً، و الأفضل التربة الحسينيّة التي تخرق الحجب السبع، و تنوّر إلى الأرضين السبعة على ما في الحديث (1)،


1- الدليل على اعتبار كونه أرضاً أو نباتاً مضافاً إلى الإجماع المستفيض نقلًا و تحصيلًا من القدماء و المتأخّرين صحيح هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل أو لبس ، فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال لأنّ السجود خضوع للَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل و يلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها.(وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 1.) الحديث. و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السجود على ما أنبتت الأرض إلّا ما أُكل أو لبس(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 2.) و خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض، إلّا المأكول و القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 3.) و رواية أبي العباس البَقْباق الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلّا القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 6.) و تجوز السجدة على القرطاس. و يدلّ عليه قبل الإجماع المحكي عن «التذكرة» و «المسالك» و «كشف اللثام» و «المدارك» و غيرها صحيح صفوان الجمّال قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في المحمل يسجد على القرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح علي بن مهزيار قال: سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السّلام) عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 2.) و صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(وسائل الشيعة 5: 356، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 3.) فكراهته لأجل الكتابة في القرطاس؛ فيجوز بلا كراهة في القرطاس بلا كتابة. و أمّا أفضلية السجود على التربة الحسينية: فيدلّ عليها مضافاً إلى الإجماع بقسميه مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام) السجود على طين قبر الحسين (عليه السّلام) ينوّر إلى الأرضين السبعة، و من كانت معه سبحة من طين قبر الحسين (عليه السّلام) كتب مسبّحاً و إن لم يسبّح بها(وسائل الشيعة 5: 365، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 16، الحديث 1.) و في «مصباح» الشيخ بإسناده عن معاوية بن عمّار قال: كان لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام) خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجّادته و سجد عليه، ثمّ قال (عليه السّلام) إنّ السجود على تربة أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يخرق الحجب السبع(وسائل الشيعة 5: 366، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 16، الحديث 3.) و في «إرشاد» الديلمي قال: كان الصادق (عليه السّلام) لا يسجد إلّا على تربة الحسين (عليه السّلام) تذلّلًا للَّه و استكانة إليه(وسائل الشيعة 5: 366، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 16، الحديث 4.) ثمّ إنّ اشتراط كون مسجد الجبهة أرضاً أو نباتاً أو قرطاساً إنّما هو في حال الاختيار؛ فيجوز السجود بغيرها حال الاضطرار و التقية.

ص: 270

ص: 271

و لا يصحّ السجود على ما خرج عن اسم الأرض من المعادن، كالذهب و الفضّة و الزجاج و القير و نحو ذلك، و كذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد (1).


1- هذه المسألة ممّا قام به الإجماع منّا. و يدلّ على عدم جواز السجود على الذهب و الفضّة رواية يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تسجد على الذهب و لا على الفضة(وسائل الشيعة 5: 361، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 12، الحديث 2.) و على عدم جوازه في الزجاج خبر محمّد بن الحسين: إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السّلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج، قال: فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرتُ و قلتُ: هو ممّا أنبتت الأرض و ما كان لي أن أسأل عنه، قال: فكتب إليّ لا تصلّ على الزجاج و إن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، و لكنّه من الملح و الرمل و هما ممسوخان(وسائل الشيعة 5: 360، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 12، الحديث 1.) و يدلّ على عدم جواز السجود على القير و غيره من المعدنيات مع عدم صدق اسم الأرض عليه صحيح محمّد بن عمرو بن سعيد الزيّات عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال لا تسجد على القير و لا على القفر و لا على الصاروج(وسائل الشيعة 5: 353، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 6، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و ما دلّ على جواز السجود على القير و غيره من المعدنيات محمول على التقية أو الضرورة، كصحيح معاوية بن عمّار قال: سأل المعلّى بن خنيس أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا عنده عن السجود على القفر و على القير، فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 354، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 6، الحديث 4.) ، و غيره من روايات الباب. و في «مجمع البحرين» في بيان معنى القفر: كأنّه رديّ القير المستعمل مراراً، و في عبارة بعض الأفاضل القفر شي ء يشبه الزفت و رائحته كرائحة القير، انتهى. و في موضع آخر منه: الزفت كالقير، و قيل: هو نوع منه. و كذا لا يجوز السجود على ما خرج عن اسم النبات كالرماد؛ فلا يجوز السجود عليه؛ لخروجه عن اسم النبات بصيرورته رماداً مع عدم صدق اسم الأرض عليه. و في «كشف اللثام»: كأنّه لا خلاف في أنّه لا يسجد على النبات إذا صار رماداً.

ص: 272

ص: 273

و الأقوى جوازه على الخزف و الآجر و النورة و الجِصّ و لو بعد الطبخ (1)، و كذا الفحم (2)،


1- أمّا الخزف و الآجر فيجوز السجود عليهما؛ لصدق اسم الأرض عليهما عرفاً، و الطبخ لا يمنع من السجود ما لم يخرجا عن صدق اسم الأرض عليهما. و أمّا النورة و الجصّ فهما و إن كانا من أقسام المعادن و لكن المعدن بما أنّه معدن لم يرد في نصّ من النصوص عدم جواز السجود عليه. فجواز السجود عليها منوط على صدق اسم الأرض عليها؛ فكلّما صدق عليه مفهوم الأرض جاز السجود عليه؛ فالنورة و الجصّ ممّا يصدق عليه اسم الأرض و لو بعد الطبخ، هذا. مضافاً إلى ما ورد في خصوص الجصّ من صحيح الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الجصّ توقد عليه العذرة و عظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب (عليه السّلام) إليّ بخطّه إنّ الماء و النار قد طهّراه(وسائل الشيعة 5: 358، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 10، الحديث 1.) ، حيث إنّ جواز السجود على الجصّ حتّى بعد الطبخ كان من المسلّمات عند السائل، و كان سؤاله عن جواز السجود عليه لأجل شبهة النجاسة العارضة من إيقاد النجاسة عليه لا لأجل كونه معدناً أو لكونه خارجاً عن صدق اسم الأرض بالطبخ.
2- أي يجوز السجود عليه عند المصنّف (رحمه اللَّه). و قال في «الجواهر»: و إن كان قد يقوى الجواز فيه؛ للأصل و عدم طهارة المتنجّس بالاستحالة إليه(جواهر الكلام 8: 416.) و مراده من الأصل استصحاب جواز السجود أو استصحاب كونه ممّا يصحّ عليه السجود.و فيه: أنّ شرط الاستصحاب بقاء الموضوع، و العرف يرى الفحم مغايراً للنبات و الشجر، و ذلك واضح. و أنّ النجاسة ترتفع بالاستحالة و صيرورة طبيعة الشي ء طبيعة أُخرى بحيث يعدّان شيئان متغايران ذاتاً و صفةً، كصيرورة الخمر خلّا أو دبساً، و صيرورة الحطب رماداً. فالأقوى عدم جواز السجود على الفحم؛ لخروجه عن اسم النبات مع عدم صدق اسم الأرض عليه.

ص: 274

و كذا يجوز على طين الأرمني و حجر الرحى، و جميع أصناف المرمر، إلّا ما هو مصنوع و لم يعلم أنّ مادّته ممّا يصحّ السجود عليها (1). و يعتبر في جواز السجود على النبات أن يكون من غير المأكول و الملبوس، فلا يجوز على ما في أيدي الناس من المآكل و الملابس، كالمخبوز و المطبوخ و الحبوب المعتاد أكلها من الحنطة و الشعير و نحوهما، و الفواكه و البقول المأكولة، و الثمرة المأكولة و لو قبل وصولها إلى زمان الأكل (2).


1- أمّا طين الأرمني فيصدق عليه مفهوم الأرض، و حمرة لونه كحمرة حجر الرحى غير مانع عن صدق الأرض. و أمّا حجر المرمر بأقسامه فهو ممّا يصدق عليه الأرض؛ حتّى ما يصدق عليه أنّه معدني؛ إذ قد عرفت أنّ مجرّد كون الشي ء معدنياً غير مانع. نعم لو شكّ في بعض مصاديقه أنّه ممّا يصدق عليه الأرض لا يصحّ السجود عليه.
2- وجه اشتراط جواز السجود على النبات بكونه غير المأكول و الملبوس مضافاً إلى عدم الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى ضروريته عند متشرّعة الإمامية، فضلًا عن علمائها(جواهر الكلام 8: 418.) صحيح هشام بن حكم المتقدّم أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلّا ما أُكل أو لبس(وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ المتبادر عرفاً من المأكول المنهي عن السجود عليه ما كان في العرف و العادة صالحاً للأكل و لو بالقوّة، كالحنطة و الشعير و سائر الحبوبات التي لا يؤكل بالفعل إلّا بالعلاج و الطبخ مثلًا. و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى صدقه على المحتاج أكله إلى البقاء مدّة؛ فيشمل حينئذٍ سائر الثمار قبل أوان أكلها. و أيّده بتعليق الحكم على الثمرة في الروايات، كمرسل «تحف العقول» عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال و كلّ شي ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه و لا السجود، إلّا ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولًا، فإذا صار غزلًا فلا تجوز الصلاة عليه إلّا في حال ضرورة(وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 11.) و خبر محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا بأس بالصلاة على البوريا و الخصفة و كلّ نبات، إلّا الثمرة(وسائل الشيعة 5: 345، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 9.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أسجد على الزفت؛ يعني القير؟ فقال لا، و لا على الثوب الكرسف، و لا على الصوف، و لا على شي ء من الحيوان، و لا على طعام، و لا على شي ء من ثمار الأرض، و لا على شي ء من الرياش(وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 1.) ، و قال (رحمه اللَّه): فإنّه قد يدّعى صدقها عليه قبل الوصول إلى أوان الأكل، بل يكفي فيها تحقّق المبدأ؛ فطلع النخل و غيره الذي يؤول إلى الثمرة لا يجوز السجود عليه(جواهر الكلام 8: 418.) انتهى. فالمراد من المأكول ما في أيدي الناس من المآكل، لا ما يعتاد به فإنّه يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال؛ فربّ شي ء يكون مأكولًا عند جماعة دون جماعة أُخرى، و في زمان دون زمان آخر، أو في نقطة من الأقطار دون اخرى، و هكذا. فعدم جواز السجود يعمّ ما لم يكن معتاداً عند قوم أو في قطر أو في زمان؛ لكونه ممّا خلق للأكل و استعدّ له و إن لا يأكله عدّة و جماعة من الناس. قال العلّامة (رحمه اللَّه) في «التذكرة»: لو كان معتاداً عند قوم دون آخرين عمّ التحريم. و قال في «جامع المقاصد»: المراد بالمأكول ما صدق عليه اسم المأكول عرفاً؛ لكون الغالب أكله و لو في بعض الأقطار.

ص: 275

ص: 276

و لا بأس بالسجود على قشورها بعد انفصالها عنها، دون المتّصل بها إلّا مثل قشر التفّاح و الخيار؛ ممّا هو مأكول و لو تبعاً أو يؤكل أحياناً، أو يأكله بعض الناس (1)، و كذا قشور الحبوب ممّا هي مأكولة معها تبعاً على الأحوط.


1- لا يجوز السجود على قشور الحبوب و الأثمار المنفصلة فيما كان المتعارف أكلها معها و لو تبعاً أو أحياناً، كقشر التفاح و الخيار و نحوهما؛ فهي داخلة في المستثنى في صحيح هشام إلّا ما أُكل.

ص: 277

نعم لا بأس بقشر نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول (1)، و مع عدم مأكوليّة لبّه و لو بالعلاج لا بأس بالسجود عليه مطلقاً، كما لا بأس بغير المأكول كالحنظل و الخرنوب و نحوهما (2)، و كذلك لا بأس بالتبن و القصيل و نحوهما (3). و لا يمنع شرب التتن من جواز السجود عليه (4).


1- لا يخفى: أنّ قشور الحبوب إن كانت مأكولة عادة حتّى مع الانفصال عن الحبوب فلا يجوز السجود عليها؛ فيكون كقشر الخيار و التفاح. و أمّا القشور الغير القابلة للأكل كقشر الرمّان فلا يجوز السجود عليها حال اتّصالها؛ لصدق الثمرة حينئذٍ. نعم يجوز السجود عليها حال الانفصال. و كذا يجوز السجود على قشور نوى الأثمار إذا انفصل عن اللبّ المأكول؛ لدخولها في المستثنى منه في الصحيح. و أمّا الجوز و اللوز و نحوهما من الأثمار المأكول لبّها فيجوز السجود على قشورها منفصلةً دون متّصلة.
2- يجوز السجود على قشر النواة التي لا يؤكل لبّها و لو بالعلاج؛ حتّى مع الاتّصال باللبّ فضلًا عن الانفصال عنه، كما يجوز على نفس اللبّ الغير المأكول. و لا بأس بالسجود على الثمرة الغير المأكولة طبعاً كالحنظل و الخرنوب و نحوهما؛ لدخولها في المستثنى منه في صحيح هشام.
3- و كذلك لا بأس بالتبن و القصيل و نحوهما؛ لكونهما ممّا أنبتت الأرض مع كونهما غير مأكولين للإنسان.
4- لأنّ نفس التتن ليس ممّا يؤكل بوجه أصلًا. و كذلك يجوز السجود على ورق الشاي فإنّ نفس الورق ليس ممّا يؤكل عادة. و أمّا الترياك و القهوة فهما ممّا يؤكل عادة و لو بعنوان الدواء لبعض الأشخاص.

ص: 278

و الأحوط ترك السجود على نخالة الحنطة و الشعير، و كذا على قشر البطّيخ و نحوه (1)، و لا يبعد الجواز على قشر الأرز و الرُّمّان بعد الانفصال. و الكلام في الملبوس كالكلام في المأكول، فلا يجوز على القُطن و الكتان و لو قبل وصولهما إلى أوان الغَزل. نعم لا بأس على خشبتهما و غيرها، كالورق و الخوص و نحوهما ممّا لم يكن معدّاً لاتّخاذ الملابس المعتادة منها، فلا بأس حينئذٍ بالسجود على القبقاب و الثوب المنسوج من الخوص مثلًا، فضلًا عن البوريا و الحصير و المروحة و نحوها. و الأحوط ترك السجود على القنب (2)،


1- حكم السجود على نخالة الحنطة و الشعير و غيرهما من الحبوب دائر مدار تعارف أكلها و لو عند بعض الناس، المعروف عدم كونها من المأكولات المتعارفة و لو عند بعض الناس. نعم قد يشكل في خصوص نخالة الحنطة لترغيب الأطبّاء أكلها لتقوية المعدة. و أمّا قشر البطّيخ و نحوه فالأقوى عدم جواز السجود عليه حال اتّصاله لكونه من الثمرة، و يجوز بعد الانفصال لعدم كونه ممّا يؤكل و لو لبعض الناس.
2- لا يجوز السجود على القطن و الكتّان و لو قبل وصولهما إلى أوان الغزل على الأشهر، كما في «الشرائع»، بل المشهور شهرة عظيمة كما عن غير واحد من علمائنا، بل عن «الخلاف» و «الانتصار» و «الغنية» و «المختلف» و «الروض» و «البيان» و غيرها الإجماع عليه. و يدلّ عليه قبل الإجماع مضافاً إلى عموم «ما لبس» في صحيح هشام المتقدّم خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض، إلّا المأكول و القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 3.) و رواية أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا يسجد إلّا على الأرض أو ما أنبتت الأرض، إلّا القطن و الكتّان(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 6.) و صحيح زرارة المتقدّم و لا على الثوب الكرسف(وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 1.) ، بناءً على كون «الكرسف» عبارة عن القطن كما في «القاموس» و «مجمع البحرين». و ما دلّ على الجواز في القطن و الكتّان محمول على التقية أو الضرورة، كرواية الحسن بن علي بن كيسان الصنعائي قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) أسأله عن السجود على القطن و الكتّان من غير تقية و لا ضرورة، فكتب إليّ ذلك جائز(وسائل الشيعة 5: 348، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 7.) و رواية داود الصرمي قال: سألت أبا الحسن الثالث (عليه السّلام): هل يجوز السجود على القطن و الكتّان من غير تقية؟ فقال جائز(وسائل الشيعة 5: 348، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 6.) ، و داود الصرمي و إن وقع في طريق «كامل الزيارات» إلّا أنّ طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و ابن بطّة. و لا بأس بالسجود على ورق القطن و الكتّان و خوصهما؛ لعدم صلاحيتهما للباس المعتاد؛ فلا بأس حينئذٍ على القبقاب و هو النعل المتّخذ من الخشب و على الثوب المنسوج من الخوص مثلًا، فضلًا عن البوريا و الحصير و المروحة و نحوها؛ فيجوز السجود عليها و على اللباس المنسوج منها؛ لعدم ملبوسيته عادة. و في «الجواهر»: و لذا سجد النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام) و الصحابة و التابعون على الخمرة من الخوص(جواهر الكلام 8: 421.) انتهى (الخمرة هي السجّادة للصلاة). و لا يترك الاحتياط في القُنَّب، و في «القاموس»: أنّه نوع من الكتّان، و في «المجمع»: أنّه نبات يؤخذ لحاؤه ثمّ يفتل حبالًا. و لعلّ منشأ الاحتياط ما عن الشهيد في «الذكرى»: أنّ الظاهر القطع بالمنع؛ لأنّه معتاد اللبس في بعض البلدان.

ص: 279

ص: 280

كما أنّ الأحوط الأولى تركه على القرطاس المتّخذ من غير النبات، كالمتّخذ من الحرير و الإبريسم، و إن كان الأقوى الجواز مطلقاً (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في جواز السجود على القرطاس المتّخذ ممّا يجوز السجود عليه. و في جوازه في المتّخذ ممّا لا يجوز السجود عليه كالقطن و الكتّان و الحرير خلاف بين أصحابنا: فقال جماعة بالمنع؛ ففي «الدروس»: و لو اتّخذ القرطاس من القطن أو الكتّان أو الحرير لم يجز(الدروس الشرعية 1: 157.) و قيّد بعضهم جوازه بالمتّخذ من النبات؛ ففي «قواعد» العلّامة (رحمه اللَّه): و يجوز على القرطاس إن اتّخذ من النبات(قواعد الأحكام: 29/ السطر الأخير.) و في «كشف اللثام»: إنّما يجوز إذا اتّخذ من النبات و إن أطلق الخبر و الأصحاب؛ لما عرفت من النصّ و الإجماع على أنّه لا يجوز إلّا على الأرض أو نباتها(كشف اللثام 3: 347.) و قيّد بعض هؤلاء بما إذا كان من جنس ما يسجد عليه. و قال جماعة أُخرى بالجواز مطلقاً، كما في «الروضة» و «المدارك» و «الذخيرة»، و في «منظومة» بحر العلوم: و الإذن في القرطاس عمّ ما صنع من الحرير و النبات الممتنع و في «المفاتيح»: يجوز قولًا واحداً و إن تركّب ممّا لا يصحّ عليه(مفاتيح الشرائع 1: 144.) و في «الجواهر»: إنّ القرطاس حقيقة أُخرى و أنّه استحال بالنورة و نحوها إلى حقيقة غير المتّخذ منه و إن كان نباتاً، كما أنّه يؤيّده عدم صدق كونه من النبات عرفاً على معنى البعضية لا على إرادة الاتّخاذ منه(جواهر الكلام 8: 431.) انتهى. و لا يخفى ما فيه من دعوى الاستحالة و أنّه من قبيل صيرورة حقيقة إلى حقيقة أُخرى، كالخمر و الخل أو الخشب و الرماد. نعم قد تبدّل اسم النبات باسم القرطاس، و مجرّد تبدّل الاسم لا يكفي في الاستحالة. و كيف كان: فقد استدلّ القائلون بالجواز بصحيح صفوان الجمّال قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في المحمل يسجد على القرطاس و أكثر ذلك يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح علي بن مهزيار قال: سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه السّلام) عن القراطيس و الكواغذ المكتوبة عليها، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب يجوز(وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 2.) و صحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة(وسائل الشيعة 5: 356، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 7، الحديث 3.) بناءً على كون الكراهة بمعناها المصطلح. و قد تأمّل السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» في إطلاق صحيح صفوان بإجمال القرطاس. و في صحيح ابن مهزيار بأنّه وارد مورد السؤال عن مانعية الكتابة عن جواز السجود على ما يصحّ السجود عليه من أنواع القرطاس، لا في مقام تشريع جواز السجود على القرطاس(مستمسك العروة الوثقى 5: 504.) و فيه: أنّ لفظ القرطاس واضح الدلالة على مفهومه العرفي، و أنّ أصل جواز السجود على القرطاس كان من المسلّمات عند السائل، و كان سؤاله عن مانعية الكتابة؛ لاحتمال كونها من الأجرام الحائلة بين الجبهة و القرطاس. و لقائل أن يقول: إنّ الأخبار المذكورة و إن كانت مطلقة إلّا أنّ صحيح هشام و الإجماع يدلّان على انحصار جواز السجود في الأرض و ما أنبتته إلّا ما أُكل أو لبس؛ فحينئذٍ يكون القرطاس تابعاً للمتّخذ منه؛ إن حريراً فحريرٌ و إن نباتاً فنباتٌ. و لك أن تقول: نعم و لكن إطلاق نصوص القرطاس و الفتاوى أقوى من ظهور صحيح هشام في اشتراط كون ما أنبتته الأرض ممّا يسجد عليه؛ حتّى في المتّخذ منه كالقرطاس، و ذلك بقرينة ذكر القرطاس مستقلا عن ذكر النبات، فيكون ذكره مستقلا قرينة على إرادة الأعمّ منه. و مع ذلك كلّه فالاحتياط في ترك السجود على المتّخذ من غير النبات.

ص: 281

ص: 282

[ (مسألة 11): يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه]

(مسألة 11): يعتبر فيما يسجد عليه مع الاختيار كونه بحيث يمكن تمكين الجبهة عليه، فلا يجوز على الوَحل غير المتماسك، بل و لا على التراب الذي لا يتمكّن الجبهة عليه،

ص: 283

و مع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين و إن لصق بجبهته، لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً، و لو لم يكن عنده إلّا الطين غير المتماسك، سجد عليه بالوضع من غير اعتماد (1).


1- وجه اعتبار إمكان تمكين الجبهة على ما يسجد عليه مع الاختيار توقّف صدق حقيقة السجدة عليه، حيث إنّه لا يصدق أنّه سجد على الأرض و وضع جبهته عليها بدون التمكين المزبور؛ فلا يجوز على الوحل غير المتماسك، و كذا على الطين و التراب اللذين لا تتمكّن الجبهة عليهما؛ ففي موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال إذا غرقت الجبهة و لم تثبت على الأرض(وسائل الشيعة 5: 143، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 9.) و في الأخبار الدالّة على الإيماء للسجدة فيما لا يقدر عن السجود على الأرض أو الموضع الجافّ دلالة على ذلك، كما في موثّق عمّار الآخر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته: الرجل يصيبه المطر و هو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعاً جافّاً، قال يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماءً و هو قائم، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة، و يتشهّد و هو قائم و يسلّم(وسائل الشيعة 5: 142، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 4.) ، و غيره من روايات الباب. و أمّا الطين المتماسك فلا بأس بالسجود عليه؛ لحصول تمكّن الجبهة و الاعتماد عليه و إن لصق بجبهته. لكن تجب إزالته للسجدة الثانية لو كان حاجباً؛ إذ حينئذٍ لا يصدق وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه في السجدة الثانية. و لو لم يكن عنده إلّا الطين غير المتماسك فقد اختار المصنّف (رحمه اللَّه) و السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها جواز السجود عليه بالوضع من غير اعتماد، و لعلّه لقاعدة الميسور و عدم الدليل على الإيماء بدلًا عن وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه. و لكن موثّق عمّار المتقدّم ظاهر في وجوب الإيماء في مفروض المسألة، حيث إنّ الطين غير المتماسك ممّا تغرق الجبهة فيه.

ص: 284

[ (مسألة 12): إن كانت الأرض و الوحل بحيث لو جلس للسجود و التشهّد يتلطّخ بدنه و ثيابه]

(مسألة 12): إن كانت الأرض و الوحل بحيث لو جلس للسجود و التشهّد يتلطّخ بدنه و ثيابه، و لم يكن له مكان آخر، يصلّي قائماً مومئاً للسجود و التشهّد على الأحوط الأقوى (1).


1- و لعلّه لموثّق عمّار بن موسى المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته: الرجل يصيبه المطر و هو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين و لا يجد موضعاً جافّاً، قال يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومِ بالسجود إيماءً و هو قائم، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة، و يتشهّد و هو قائم و يسلّم ، حيث إنّ المراد من عدم القدرة على السجدة من الطين هو العرفي لأجل تلطّخ ثيابه بالطين، لا العقلي؛ أي الغير المتمكّن من السجود على الطين. و من المحتمل أن يكون المراد منه هو العقلي؛ فلو قدر عليه عقلًا و لكن يتلطّخ ثيابه سجد عليه مع عدم الضرر و الحرج. فالأقوى مع الضرر و الحرج و مع عدم القدرة عقلًا هو وجوب الإيماء للسجود و التشهّد و التسليم قائماً، و الأحوط مع عدم الضرر و الحرج و عدم القدرة العرفية لأجل تلطّخ ثيابه هو الجمع بين صلاة المختار و بين الإيماء للسجود و التشهّد و التسليم قائماً.

ص: 285

[ (مسألة 13): إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه]

(مسألة 13): إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه، أو كان و لم يتمكّن من السجود عليه لعذر من تقيّة و نحوها سجد على ثوب القُطن أو الكتّان، و مع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما، و مع فقده سجد على ظهر كفّه، و إن لم يتمكّن فعلى المعادن (1).


1- وجه جواز السجود على ثوب القطن و الكتّان فيما لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه أو عند عدم التمكّن منه لعذر من تقية و نحوها صحيح منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أ فنسجد عليه؟ قال لا، و لكن اجعل بينك و بينه شيئاً قطناً أو كتّاناً(وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 7.) ، و صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض و هو في الصلاة و لا يقدر على السجود، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتاناً؟ قال إذا كان مضطرّاً فليفعل(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 9.) و وجه جواز السجود على مطلق الثوب مع فقد ما يصحّ السجود عليه مضافاً إلى عدم الخلاف في كونه بدلًا اضطرارياً عمّا يصحّ السجود عليه خبر عيينة بيّاع القصب قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أُصلّي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال نعم ليس به بأس(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 1.) ، قد وقع عيينة في أسناد «كامل الزيارات» و عبّر عنه النجاشي بعيينة بن ميمون، و طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و القاسم بن إسماعيل. و صحيح القاسم بن الفضيل قال: قلت للرضا (عليه السّلام): جعلت فداك الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ و البرد؟ قال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 2.) و خبر أحمد بن عمر الحلّال قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ و البرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره ممّا لا يسجد عليه، فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 3.) ، الحلّال بمعنى بائع الحلّ؛ أي الشيرج، و قد وثّقه الشيخ (رحمه اللَّه) في رجاله، و لكن طريقه إليه ضعيف بمحمّد بن علي الكوفي. و صحيح آخر للقاسم بن الفضيل بن يسار قال: كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السّلام): هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ و البرد و من الشي ء يكره السجود عليه؟ فقال نعم، لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح أبي بصير أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل يصلّي في حرّ شديد فيخاف على جبهته من الأرض، قال يضع ثوبه تحت جبهته(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 8.) و وجه جواز السجود على كفّه مع تعذّر السجود على الثوب ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة و أخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال تسجد على بعض ثوبك ، فقلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه و لا ذيله، قال اسجد على ظهر كفّك فإنّها إحدى المساجد(وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 5.) و روايته الأُخرى قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل و لا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه، قال يسجد على ظهر كفّه فإنّها إحدى المساجد(وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 6.) و وجه جواز السجود على المعادن مع عدم التمكّن من السجود على ما ذكر في المتن بالترتيب، هو الأخبار المجوّزة له على الذهب و الفضّة و القير و القفر و الصاروج و الزجاج، و قد تقدّم منّا أنّ عنوان المعدن لم يذكر في نصّ من النصوص. و لا يخفى: أنّ الوجه في تقديم السجود على القطن و الكتّان على السجود على ثوبه من غير جنسهما فيما لم يمكن السجود على ما يصحّ السجود عليه، هو الجمع بين صحيح منصور بن حازم و صحيح علي بن جعفر المتقدّمين الدالّين على تعيّن السجود على القطن و الكتّان، و بين الأخبار النافية للبأس عن السجود على مطلق الثوب؛ فمقتضى الجمع بينهما هو تقييد الأخبار النافية للبأس عنه بالصحيحين. و لا يخفى أيضاً: أنّه لا دليل على تقدّم السجود على مطلق الثوب و الكفّ على المعادن المذكورة المنصوصة، إلّا الضرورة حيث إنّه لا يجوز السجود عليها إلّا في الضرورة، و لا ضرورة مع التمكّن عن السجود على الثوب و الكفّ بالترتيب.

ص: 286

ص: 287

[ (مسألة 14): لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة]

(مسألة 14): لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت، و في الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم (1).


1- لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة مع التمكّن من تحصيله في ذلك الوقت و إعادة الصلاة فيه قطعها، و لا يجوز له حينئذٍ السجود على ثوبه أو غيره ممّا لا يجوز السجود؛ لعدم مشروعيته حال الاختيار. و هذا ليس من موارد قطع الصلاة المحرّم، بل الصلاة تكون بنفسها باطلة. و لا يجوز له السجود على ثوبه أو كفّه مع التمكّن المذكور؛ لصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) المتقدّم قال إذا كان مضطرّاً فليفعل(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 9.) و لو لم يتمكّن من تحصيله في ذلك الوقت مع إمكانه في آخر الوقت بحيث لو قطعها و انتظر إلى آخر الوقت تمكّن من السجود على ما يصحّ السجود عليه فهل يجب عليه قطعها و الانتظار إلى أن يجد ما يصحّ السجود عليه، أو يحرم عليه القطع بل يجب عليه السجود على ثوبه أو كفّه بالترتيب المتقدّم؟ الذي يظهر من النصوص هو الثاني؛ ففي رواية عيينة بيّاع القصب قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أُصلّي على الحصى فأبسط ثوبي، فأسجد عليه؟ قال نعم ليس به بأس(وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل يصلّي في حرّ شديد فيخاف على جبهته من الأرض، قال يضع ثوبه تحت جبهته(وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 4، الحديث 8.) ، و غيرهما من روايات الباب، حيث إنّ شدّة الحرارة و الرمضاء إنّما تكون في وسط النهار و أوائل وقت الظهرين، و مع ذلك نفى البأس عن السجود على ثوبه و لم يأمر بالانتظار إلى آخر الوقت و السجود على ما يصحّ السجود عليه. و في ضيق الوقت يسجد على ما لا يصحّ السجود عليه بالترتيب المتقدّم، كمن فقده في ضيق الوقت قبل الشروع في الصلاة.

ص: 288

ص: 289

[ (مسألة 15): يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً]

(مسألة 15): يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً غير مضطرب، فلو صلّى اختياراً في سفينة أو على سرير أو بَيدر، فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته، و إن حصل بحيث يصدق أنّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته و إن كانت في سفينة سائرة و شبهها كالطيّارة و القطار و نحوهما، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال و نحوه. هذا كلّه مع الاختيار (1).


1- لا يخفى: أنّ اشتراط الاستقرار في مكان المصلّي لم يرد في نصّ من النصوص، نعم قد ورد الأمر بالتمكّن في الصلاة، كما في خبر سليمان بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماشٍ و لا راكب و لا مضطجع، إلّا أن يكون مريضاً، و ليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة(وسائل الشيعة 5: 404، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 13، الحديث 12.) ، و السند ضعيف بصالح بن عقبة فإنّه إمامي مجهول الحال. و العمدة في الاستدلال على اشتراطه هو الإجماع. و يمكن استفادة اشتراطه فيه من بعض الأخبار الدالّ على عدم جواز فعل الصلاة الواجبة على الدابّة مع فوت بعض ما يعتبر فيها، كالاستقبال و القيام و الطمأنينة و غيرها، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة، و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء، و يومئ في النافلة إيماءً(وسائل الشيعة 4: 325، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 1.) و رواية عبد اللَّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أ يصلّي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال لا، إلّا من ضرورة(وسائل الشيعة 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 4.) ، و الرواية ضعيفة بأحمد بن هلال المتّهم في دينه بغلوة، و سيأتي البحث في اشتراط الاستقرار مفصّلًا عند التعرّض لاعتبار الانتصاب و الاستقرار في القيام و غيره من أفعال الفريضة. فبناءً على اشتراط كون مكان المصلّي قارّاً غير مضطرب؛ فلو صلّى اختياراً في سفينة أو سرير أو بيدر بطلت صلاته فيما فات الاستقرار المعتبر، و صحّت فيما حصل الاستقرار؛ فالسفينة و الطيّارة و القطار و نحوها تجوز الصلاة فيها حال الاختيار حال سيرها مع حفظ استقرار المصلّي في جميع حالات الصلاة و حفظ سائر ما يعتبر في الصلاة من القيام و الاستقبال و غيرهما من الشرائط. و استدلّ عليه بصحيح جميل بن درّاج أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): تكون السفينة قريبة من الجدّ (الجدد) فأخرج و أُصلّي؟ قال صلّ فيها، أما ترضى بصلاة نوح (عليه السّلام)؟!(وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 3.) و حسن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الفرات و ما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة، فقال إن صلّيت فحسن، و إن خرجت فحسن(وسائل الشيعة 4: 321، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 5.) و حسن الرواية بالحكم بن مسكين المكفوف الذي روى عنه ابن أبي عمير، و الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع على قول و غيرهما من الأجلّة على القول بكفاية نقل أمثالهم في الاعتبار. و موثّق المفضل بن صالح قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في الفرات و ما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة، قال إن صلّيت فحسن، و إن خرجت فحسن(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 11.) و حسنة إبراهيم بن ميمون أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في جماعة في السفينة، فقال لا بأس(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 12.) ، و إبراهيم بن ميمون و إن لم يرد فيه مدح و لا توثيق إلّا أنّه روى عنه جماعة من الثقات مع الواسطة كابن أبي عمير و فضالة بواسطة حمّاد بن عثمان، و صفوان بواسطة ابن مسكان، و جماعة بلا واسطة كعلي بن رئاب و عيينة و عقبة بن مسلم و معاوية بن عمّار، و غيرها من روايات الباب. و ما دلّ على عدم جواز الصلاة في السفينة حال الاختيار محمول على صورة عدم إمكان مراعاة الشرائط المعتبرة حال الاختيار، كصحيح حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يسأل عن الصلاة في السفينة، فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا، فإن لم يقدروا فصلّوا قياماً، فإن لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً و تحرّوا القبلة(وسائل الشيعة 4: 323، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 14.)

ص: 290

ص: 291

و أمّا مع الاضطرار فيصلّي ماشياً و على الدابّة و في السفينة غير المستقرّة و نحوها؛ مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته، و ينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلّا في تكبيرة الإحرام اقتصر عليه، و إن لم يتمكّن منه أصلًا سقط،

ص: 292

لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب. و كذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة، فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله، و يسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه (1).


1- لا خلاف في جواز الصلاة ماشياً و على الدابّة و في السفينة غير المستقرّة و نحوها حال الاضطرار و عدم إمكان إتيان الصلاة في تلك الحال بجميع شرائطها المعتبرة فيها حال الاختيار و لو كان الاضطرار لأجل ضيق الوقت للخروج عن السفينة و نحوها أو المطر و الوحل و غيرها، و يستقبل القبلة بما أمكنه من صلاته و لو في تكبيرة الإحرام، و إلّا سقط الاستقبال. و كذا يسقط كلّما تقتضي الضرورة سقوطه من القيام و الجلوس للتشهّد و التسليم و الطمأنينة و غيرها ممّا يعتبر في الصلاة حال الاختيار. و يدلّ عليه صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة و يصفّ رجليه، فإذا دارت و استطاع أن يتوجّه إلى القبلة، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به، و إن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ يصلّي(وسائل الشيعة 4: 320، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الصلاة في السفينة، فقال يستقبل القبلة، فإذا دارت فاستطاع أن يتوجّه إلى القبلة فليفعل، و إلّا فليصلّ حيث توجّهت به ، قال فإن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ ليصلّ(وسائل الشيعة 4: 322، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 13، الحديث 13.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة، و يجزيه فاتحة الكتاب، و يضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي ء و يومئ في النافلة إيماءً(وسائل الشيعة 4: 325، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 1.) و رواية محمّد بن عذافر في حديث قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض من القيام عليها و لا السجود عليها من كثرة الثلج و الماء و المطر و الوحل، أ يجوز له أن يصلّي الفريضة في المحمل؟ قال نعم، هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائماً و إلّا قاعداً، و كلّ ما كان من ذلك فاللَّه أولى بالعذر(وسائل الشيعة 4: 325، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أ يصلّي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال لا، إلّا من ضرورة(وسائل الشيعة 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 4.) ، و هذان الخبران ضعيفان سنداً بأحمد بن هلال. و صحيح عبد اللَّه بن جعفر الحميري قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السّلام): روى جعلني اللَّه فداك مواليك عن آبائك أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّى الفريضة على راحلة في يوم مطير، و يصيبنا المطر و نحن في محاملنا و الأرض مبتلّة و المطر يؤذي، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذه الحال في محاملنا أو على دوابّنا الفريضة إن شاء اللَّه؟ فوقّع (عليه السّلام) يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة(وسائل الشيعة 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 5.) و رواية مندل بن علي قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) على راحلته الفريضة في يوم مطير(وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 8.) ، و الرواية ضعيفة سنداً بمصبح بن هلقام العجلي المجهول الحال، و مندل العتري (العنزي) قد وثّقه النجاشي، و قال البرقي: إنّه عامّي.و صحيح ابن درّاج قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الفريضة في المحمل في يوم وحل و مطر(وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 9.) و صحيح آخر للحميري عن صاحب الزمان (عليه السّلام) أنّه كتب إليه يسأله عن رجل يكون في محمله و الثلج كثير بقامة رجل فيتخوّف أن نزل الغوص فيه و ربّما يسقط الثلج و هو على تلك الحال، و لا يستوي له أن يلبد شيئاً منه لكثرته و تهافته، هل يجوز أن يصلّي في المحمل الفريضة؟ فقد فعلنا ذلك أيّاماً، فهل علينا في ذلك إعادة أم لا؟ فأجاب لا بأس به عند الضرورة و الشدّة(وسائل الشيعة 4: 327، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 14، الحديث 11.)

ص: 293

[ (مسألة 16): يستحبّ الصلاة في المساجد]

(مسألة 16): يستحبّ الصلاة في المساجد، بل يُكره عدم حضورها بغير عذر كالمطر، خصوصاً لجار المسجد؛ حتّى ورد في الخبر: «لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد». و أفضلها المسجد الحرام، ثمّ مسجد النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ مسجد الكوفة و الأقصى، ثمّ مسجد الجامع، ثمّ مسجد القبيلة، ثمّ مسجد السوق. و الأفضل للنساء الصلاة في بيوتهنّ، و الأفضل بيت المخدع. و كذا يستحبّ الصلاة في مشاهد الأئمّة (عليهم السّلام)، خصوصاً مشهد أمير المؤمنين (عليه السّلام) و حائر أبي الحسين (عليه السّلام).

ص: 294

[ (مسألة 17): يُكره تعطيل المسجد]

(مسألة 17): يُكره تعطيل المسجد، و قد ورد أنّه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى اللَّه عزّ و جلّ يوم القيامة، و الآخران عالم بين جهّال، و مصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يُقرأ فيه، و ورد «إنّ من مشى إلى مسجد من مساجد اللَّه، فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، و محي عنه عشر سيّئات، و رفع له عشر درجات».

[ (مسألة 18): من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد]

(مسألة 18): من المستحبّات الأكيدة بناء المسجد، و فيه أجر عظيم و ثواب جسيم، و قد ورد أنّه قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): «من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه اللَّه بكلّ شبر منه أو قال: بكلّ ذراع منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب و فضّة و درّ و ياقوت و زُمُرّد و زَبَرجَد و لُؤلؤ» الحديث.

ص: 295

[ (مسألة 19): عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً]

(مسألة 19): عن المشهور اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً؛ بأن يقول: «وقفتها مسجداً قربة إلى اللَّه تعالى»، لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً؛ مع قصد القربة، و صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني، فتصير مسجداً (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اعتبار إجراء صيغة الوقف في صيرورة الأرض مسجداً؛ نسب إلى المشهور اعتباره، و الشهرة غير ثابتة. و الأقوى عدم اشتراطه، بل يكفي البناء بقصد كونه مسجداً مع قصد القربة. و يدلّ عليه صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول من بنى مسجداً بنى اللَّه له بيتاً في الجنّة ، قال أبو عبيدة: فمرّ بي أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في طريق مكّة و قد سوّيت بأحجار مسجداً، فقلت له: جعلت فداك نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال نعم(وسائل الشيعة 5: 203، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح آخر عنه عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى اللَّه له بيتاً في الجنّة ، قال أبو عبيدة: و مرّ بي و أنا بين مكّة و المدينة أضع الأحجار، فقلت: هذا من ذاك؟ قال نعم(وسائل الشيعة 5: 204، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 8، الحديث 2.) و رواية أحمد بن داود المزني عن هاشم الحلّال قال: دخلتُ أنا و أبو الصباح على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)، فقال أبو الصباح: ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاجّ في طريق مكّة؟ فقال بخ بخ، تيك أفضل المساجد، من بنى مسجداً كمفحص قطاة بنى اللَّه له بيتاً في الجنّة(وسائل الشيعة 5: 205، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 8، الحديث 6.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بنى مسجده بالسميط، ثمّ إنّ المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فزيد فيه و بناه بالسعيدة، ثمّ إنّ المسلمين كثروا، فقالوا: يا رسول اللَّه لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه و بنى جداره بالأُنثى و الذكر، ثمّ اشتدّ عليهم الحرّ فقالوا: يا رسول اللَّه لو أمرت بالمسجد فظلّل، فقال: نعم، فأمر به فأُقيمت به سواري من جذوع النخل، ثمّ طرحت عليه العوارض و الخصف و الإذخر، فعاشوا فيه حتّى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكفّ عليهم، فقالوا: يا رسول اللَّه لو أمرت بالمسجد فطيّن، فقال لهم رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): لا عريش كعريش موسى (عليه السّلام)، فلم يزل كذلك حتّى قبض (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و كان جداره قبل أن يظلّل قامة، و كان إذا كان الفي ء ذراعاً، و هو قدر مربض عنز صلّى الظهر، فإذا كان ضعف ذلك صلّى العصر ، و قال: «و السميط: لبنة لبنة، و السعيدة: لبنة و نصف، و الذكر و الأُنثى: لبنتان مختلفتان»(وسائل الشيعة 5: 205، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 9، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بنى المسجد ابتداءً ثمّ زاد عليه مرّات و اكتفى في المسجدية في كلّ مرّة بالبناء، و لم يتعرّض في الرواية و كذا في الروايات السابقة لحكاية الوقفية بالصيغة، و لو كان ذلك شرطاً في تحقّق المسجدية لكان أولى بالحكاية. و عن الشهيد في «الذكرى»: إنّما تصير البقعة مسجداً بالوقف إمّا بصيغة: «وقفتُ» و شبهها، و إمّا بقوله: «جعلته مسجداً» و يأذن بالصلاة فيه، فإذا صلّى فيه واحد تمّ الوقف. و لو قبضه الحاكم أو أذن في قبضه فالأقرب أنّه كذلك؛ لأنّ له الولاية العامّة. و لو صلّى فيه الواقف فالأقرب الاكتفاء بعد العقد. و لو بناه بنية المسجد لم يصر مسجداً. نعم لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثمّ صلّوا أمكن صيرورته مسجداً؛ لأنّ معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة. و قال الشيخ في «المبسوط»: إذا بنى مسجداً خارج داره في ملكه فإن نوى به أن يكون مسجداً يصلّي فيه كلّ من أراده زال ملكه عنه، و إن لم ينو ذلك فملكه باقٍ عليه؛ سواء صلّى فيه أو لم يصلّ. و ظاهره الاكتفاء بالنية. و أولى منه إذا صلّى فيه، و ليس في كلامه دلالة على التلفّظ، و لعلّه الأقرب. و قال ابن إدريس: إن وقفه و نوى القربة و صلّى فيه الناس و دخلوه زال ملكه عنه(ذكرى الشيعة 3: 133.) انتهى كلام الشهيد (رحمه اللَّه).

ص: 296

ص: 297

ص: 298

[ (مسألة 20): تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه]

(مسألة 20): تكره الصلاة في الحمّام حتّى المسلخ منه، و في المزبلة و المجزرة و المكان المتّخذ للكنيف و لو سطحاً متّخذاً مبالًا و بيت المسكر، و في أعطان الإبل. و في مرابط الخيل و البغال و الحمير و البقر و مرابض الغنم، و الطرق إن لم تضرّ بالمارة، و إلّا حرمت، و في قُرى النمل و مجاري المياه و إن لم يتوقّع جريانها فيها فعلًا، و في الأرض السبخة، و في كلّ أرض نزل فيها عذاب، و على الثلج، و في معابد النيران، بل كلّ بيت أُعدّ لإضرام النار فيه، و على القبر و إليه و بين القبور. و ترتفع الكراهة في الأخيرين بالحائل، و ببعد عشرة أذرع. و لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمّة (عليهم السّلام) و عن يمينها و شمالها، و إن كان الأولى الصلاة عند الرأس على وجه لا يساوي الإمام (عليه السّلام). و كذا تكره و بين يديه نار مُضرَمة أو سراج أو تمثالُ ذي روح، و تزول في الأخير بالتغطية. و تكره و بين يديه مصحف أو كتاب مفتوح، أو مقابله باب مفتوح، أو حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها، و ترتفع بستره. و الكراهة في بعض تلك الموارد محلّ نظر، و الأمر سهل (1).


1- المشهور شهرة عظيمة كراهة الصلاة في الحمّام، بل ادّعى عليه الإجماع في «الغنية» و «الخلاف». و يدلّ عليه مرسل عبد اللَّه بن الفضل عمّن حدّثه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال عشرة مواضع لا يصلّى فيها: الطين و الماء و الحمّام و القبور و مسان الطريق و قرى النمل و معاطن الإبل و مجرى الماء و السبخ و الثلج(وسائل الشيعة 5: 142، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 15، الحديث 6.)وجه الاستدلال على كراهة الصلاة حتّى في مسلخ الحمّام: أنّ الحمّام مطلق شامل للمسلخ، فللحمّام داخل و هو محلّ الغَسل و خارج و هو المسلخ و أمّا بيت الحمّام المصرّح بنفي البأس عن الصلاة فيه إذا كان نظيفاً فيحتمل أن يكون غير المسلخ؛ فلا كراهة للصلاة فيه؛ لعدم صدق الحمّام عليه. و من المحتمل أن يكون المراد منه هو المسلخ، كما فسّره به الصدوق (رحمه اللَّه). و لا ينافي نفي البأس الكراهة؛ ففي صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الصلاة في بيت الحمّام، فقال إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 176، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، الحديث 1.) ؛ يعني المسلخ. و موثّق عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في بيت الحمّام، قال إذا كان موضعاً نظيفاً فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 177، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 34، الحديث 2.) و ينبغي لنا ترك التعرّض للبحث في سائر موارد كراهة الصلاة فيها، و عليك بالرجوع إلى الروايات الواردة فيها المذكورة في «وسائل الشيعة».

ص: 299

ص: 300

[المقدّمة الخامسة: في الأذان و الإقامة]

المقدّمة الخامسة: في الأذان و الإقامة

[ (مسألة 1): لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس]

(مسألة 1): لا إشكال في تأكّد استحبابهما للصلوات الخمس؛ أداءً و قضاءً، حضراً و سفراً، في الصحّة و المرض، للجامع و المنفرد، للرجال و النساء؛ حتّى قال بعض بوجوبهما (1)،


1- لا خلاف بين المسلمين في مشروعية الأذان و الإقامة في الصلوات الخمس اليومية، كما لا خلاف بينهم في عدم مشروعيتهما في غيرها من الصلوات. و اختلف فقهاؤنا في حكمهما: فالأكثر على أنّهما مستحبّان مطلقاً؛ أداءً و قضاءً، حضراً و سفراً، في الصحّة و المرض، للجامع و المنفرد، للرجال و النساء، بل هو المشهور، و نسبه في «الحدائق» إلى المشهور بين المتأخّرين. و نسب إلى الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و ابني البرّاج و حمزة القول بوجوبهما في صلاة الجماعة، و اختاره السيّد المرتضى في المسائل «الناصريات». و نسب إلى السيّد المرتضى في «الجمل» القول بوجوبهما في صلاة الجماعة على الرجال دون النساء. و نسب إليه قول ثالث؛ و هو وجوبهما على الرجال في السفر و الحضر في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة. و قول رابع و هو وجوب الإقامة خاصّة على الرجال في كلّ فريضة دون الأذان. و نسب إلى ابن الجنيد وجوبهما على الرجال جماعة و فرادى حضراً و سفراً في الفجر و المغرب و صلاة الجمعة. و نسب إلى أبي الصباح وجوبهما في الجماعة، من غير تقييد بكون الوجوب على الرجال. و نسب إلى ابن أبي عقيل أنّه من ترك الأذان و الإقامة متعمّداً بطلت صلاته، إلّا الأذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة؛ فإنّ الإقامة مجزية عنه و لا إعادة عليه في تركه. و أمّا الإقامة فإن تركها متعمّداً بطلت صلاته و عليه الإعادة. و منشأ هذه الأقوال و غيرها ما يتراءى من الاختلاف في الروايات، و ينبغي ذكر بعضها: ففي بعضها ورد الأمر بكليهما، و ظاهره وجوب كليهما مطلقاً كموثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت إلى الصلاة فريضة فأذّن و أقم، و افصل بين الأذان و الإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح(وسائل الشيعة 5: 397، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 11، الحديث 4.) و في بعضها: أنّه يجزي الإقامة في السفر؛ ففي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال يجزي في السفر إقامة بغير أذان(وسائل الشيعة 5: 384، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم و الفضيل بن يسار عن أحدهما (عليهما السّلام) قال يجزيك إقامة في السفر(وسائل الشيعة 5: 385، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 7.) و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول يقصّر الأذان في السفر، كما تقصّر الصلاة، تجزي إقامة واحدة(وسائل الشيعة 5: 385، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 9.) و في بعضها ورد إجزاء الإقامة في السفر و الحضر؛ ففي صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل هل يجزيه في السفر و الحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال نعم، لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 384، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 3.) و في بعضها دلالة على وجوب الأذان و الإقامة في الغداة و المغرب و الترخيص في سائر الصلوات بالإقامة و أفضلية الأذان؛ ففي موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تصلّي الغداة و المغرب إلّا بأذان و إقامة، و رخّص في سائر الصلوات بالإقامة، و الأذان أفضل(وسائل الشيعة 5: 384، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 5، الحديث 5.) و بعضها يدلّ على اعتبار الأذان و الإقامة في الظهر و المغرب و الإجزاء في بقية الصلوات على الإقامة؛ ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان و إقامة، و تفتتح النهار بأذان و إقامة، و يجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان(وسائل الشيعة 5: 386، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 6، الحديث 1.)

ص: 301

ص: 302

و الأقوى استحبابهما مطلقاً و إن كان في تركهما حرمان عن ثواب جزيل (1).


1- وجه استحبابهما مطلقاً هي الشهرة العظيمة. و يدلّ عليه ذيل صحيح صفوان بن مهران الجمّال عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال الأذان مثنى مثنى، و الإقامة مثنى مثنى، و لا بدّ في الفجر و المغرب من أذان و إقامة في الحضر و السفر؛ لأنّه لا يقصر فيهما في حضر و لا سفر، و تجزيك إقامة بغير أذان في الظهر و العصر و العشاء الآخرة، و الأذان و الإقامة في جميع الصلوات أفضل(وسائل الشيعة 5: 386، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 6، الحديث 2.) و يدلّ على استحبابهما أيضاً و أنّ في تركهما حرمان عن ثواب جزيل الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ من صلّى مع أذان و إقامة صلّى خلفه الملائك، و نذكر بعضها تيمّناً: عن محمّد بن الحسن في «المجالس و الأخبار» بإسناده عن أبي ذر عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في وصيته له قال يا أبا ذر إنّ ربّك ليباهي ملائكته بثلاثة نفر: رجل يصبح في أرض قفراء فيؤذّن ثمّ يقيم ثمّ يصلّي، فيقول ربّك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلّي و لا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلّون وراءه و يستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. إلى أن قال يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قيّ يعني قفراء فتوضّأ أو تيمّم ثمّ أذّن و أقام و صلّى أمر اللَّه الملائكة فصفّوا خلفه صفّاً لا يراه (يرى) طرفاه يركعون لركوعه و يسجدون بسجوده و يؤمّنون على دعائه. يا أبا ذر من أقام و لم يؤذّن لم يصلّ معه إلّا ملكاه اللذان معه(وسائل الشيعة 5: 383، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 4، الحديث 9.)

ص: 303

[ (مسألة 2): يسقط الأذان في العصر و العشاء إذا جمع بينهما و بين الظهر و المغرب]

(مسألة 2): يسقط الأذان في العصر و العشاء إذا جمع بينهما و بين الظهر و المغرب؛ من غير فرق بين موارد استحباب الجمع، مثل عصر يوم الجمعة و عصر يوم عرفة و عشاء ليلة العيد في المُزدَلِفة؛ حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة و بين غيرها. و يتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين، و بفعل النافلة الموظّفة بينهما على الأقوى، فبإتيان نافلة العصر بين الظهرين و نافلة المغرب بين العشاءين، يتحقق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان (1).


1- سقوط الأذان في العصر إذا جمع بينه و بين الظهر، و كذا في العشاء إذا جمع بينه و بين المغرب ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، بل ادّعى عليه الإجماع في «الغنية» و «السرائر» و «المنتهي». و استدلّ عليه بصحيح عبد اللَّه بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد و إقامتين(وسائل الشيعة 4: 220، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 32، الحديث 1.) و صحيح عمر بن أُذينة عن رهط منهم الفضيل و زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الظهر و العصر بأذان و إقامتين، و جمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين(وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 36، الحديث 2.) و يدلّ على سقوطه عن العصر يوم الجمعة خبر حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السّلام) قال الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة(وسائل الشيعة 7: 400، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 49، الحديث 2.) ، و ضعف سنده منجبر بعدم الخلاف من أحد من الأصحاب. و يدلّ على سقوطه عن عصر يوم عرفة مضافاً إلى الإجماع المدّعى عن جماعة صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن و يقيم للظهر، ثمّ يصلّي، ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة(وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 36، الحديث 1.) و مرسل الصدوق عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الظهر و العصر بعرفة ثمّ قال بين المغرب و العشاء بجمع(وسائل الشيعة 5: 445، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 36، الحديث 3.) و يدلّ على سقوطه عن عشاء ليلة العيد بمزدلفة صحيح ابن سنان المتقدّم و كذلك في المغرب و العشاء بمزدلفة. و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصلّ بينهما شيئاً ، و قال هكذا صلّى رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحج، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، الحديث 3.) ، المراد من الجمع هو المزدلفة، و قد صرّح به الصدوق (رحمه اللَّه) في المرسلة عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و الأئمّة (عليهم السّلام) أنّه إنّما سمّيت المزدلفة جمعاً؛ لأنّه يجمع فيها بين المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين(وسائل الشيعة 14: 15، كتاب الحج، أبواب الوقوف بالمشعر، الباب 6، الحديث 6.) لا يخفى: أنّ اختصاص سقوط الأذان عن العصر و العشاء بصورة الجمع بينهما و بين الظهر و المغرب مستفاد من صحاح عبد اللَّه بن سنان و عمر بن أُذينة و منصور بن حازم المتقدّمة؛ فيخصّص بتلك الصحاح عمومات استحباب الأذان؛ فلا يسقط مع الفصل بينهما بزمان طويل. و كذا لا يسقط مع فصل نافلة العصر بين الظهرين و فصل نافلة المغرب بين العشاءين؛ لانتفاء الجمع الموجب لسقوطه حينئذٍ. و يدلّ على انتفاء الجمع بفصل النافلة بينهما موثّق محمّد بن حكيم الخثعمي قال: سمعت أبا الحسن (عليه السّلام) يقول الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع، فإذا كان بينهما تطوّع فلا جمع(وسائل الشيعة 4: 224، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 33، الحديث 3.)

ص: 304

ص: 305

و الأقوى أنّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة و عشاء ليلة العيد بمزدلفة، عزيمة؛ بمعنى عدم مشروعيّته، فيحرم إتيانه بقصدها، و الأحوط الترك في جميع موارد الجمع (1).


1- اختلف فقهاؤنا في أنّ سقوط الأذان في موارد الجمع مطلقاً أو خصوص عصري الجمعة و عرفة و عشاء مزدلفة عزيمةٌ بمعنى عدم مشروعيته و حرمة فعله أو رخصة؛ فذهب بعضهم منهم العلّامة (رحمه اللَّه) في «المنتهي» إلى أنّه عزيمة في خصوص عصر الجمعة و عرفة و عشاء المزدلفة، قال في «المنتهي»: هل الأذان الثاني بدعة؟ أمّا في يوم الجمعة فبلى، و أمّا في الموضعين فالأظهر أنّه كذلك؛ لرواية ابن سنان. و قال صاحب «المدارك» بالعزيمة في خصوص عصر عرفة و عشاء المزدلفة، و اختاره المصنّف (رحمه اللَّه). و عن الشهيد في «الذكرى» الجزم بانتفاء التحريم في المواضع الثلاثة المذكورة، و التوقّف في كراهته فيها أوّلًا، و الحكم بنفي الكراهة ثانياً. و قال في «الدروس»: و يسقط استحباب الأذان في عصر عرفة و عشاء مزدلفة و عصر الجمعة، و ربّما قيل بكراهيته في الثلاثة؛ و خصوصاً الأخيرة، و بالغ من قال بالتحريم. و اختار في «البيان»: أنّ الأقرب أنّ الأذان في الثلاثة حرام مع اعتقاد شرعيته، و توقّف في غيرها. و كيف كان: فالقائلون بالرخصة استدلّوا بأنّ الأذان ذكر اللَّه و لا وجه لسقوطه أصلًا، بل سقوطه تخفيف. و فيه: أنّه و إن كان في نفسه ذكر اللَّه إلّا أنّه إذا انطبق عليه عنوان البدعة يحرم. فالأقوى أنّ سقوطه في خصوص عصر عرفة و عشاء المزدلفة عزيمة و فعله حرام؛ لأنّ فعله مخالفة للسنّة؛ فيكون بدعة. و قد ورد في الصحيح عن الصادقين (عليهما السّلام) ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار(وسائل الشيعة 8: 45، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 1.) و لأنّ العبادات توقيفية مبنية على التوظيف من الشارع، و لم يعلم منه الأذان للثانية في صورة الجمع، و المعلوم من الأخبار أنّه لا أذان فيها. و قد تقدّم في صحيحي عبد اللَّه بن سنان و عمر بن أُذينة عن رهط: أنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جمع بين الصلاتين بإسقاط الأذان، و أنّ إسقاطه كان سنّة كما في صحيح ابن سنان المتقدّم؛ فيكون فعله خلاف السنّة و بدعة، و الأحوط وجوباً تركه في موارد الجمع مطلقاً.

ص: 306

ص: 307

[ (مسألة 3): يسقط الأذان و الإقامة في مواضع]

(مسألة 3): يسقط الأذان و الإقامة في مواضع: منها: الداخل في الجماعة التي أذّنوا و أقاموا لها؛ و إن لم يسمعهما و لم يكن حاضراً حينهما (1).


1- و استدلّ عليه بموثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: سئل عن الرجل يؤذّن و يقيم ليصلّي وحده، فيجي ء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان و الإقامة؟ قال لا و لكن يؤذّن و يقيم(وسائل الشيعة 5: 432، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 27، الحديث 1.) ، وجه الاستدلال: أنّ سؤال السائل عن اكتفاء الداخل على أذان و إقامة الرجل الذي نوى الصلاة وحده ظاهر في أنّ اكتفاء الداخل على أذان الإمام و إقامته كان مسلّماً و مفروغاً عنه عنده. و خبر أبي مريم الأنصاري قال: صلّى بنا أبو جعفر (عليه السّلام) في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة، فلمّا انصرف قلت له: عافاك اللَّه صلّيت بنا في قميص بلا إزار و لا رداء و لا أذان و لا إقامة؟ فقال إنّ قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون على إزار و لا رداء، و إنّي مررت بجعفر و هو يؤذّن و يقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك(وسائل الشيعة 5: 437، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 30، الحديث 2.) و خبر معاوية بن شريح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جاء الرجل مبادراً و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع، و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتدّ بها، و من أدرك الإمام و هو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهّد فقد أدرك الجماعة و ليس عليه أذان و لا إقامة، و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة(وسائل الشيعة 8: 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 6.) ، و الخبران ضعيفان بصالح بن عقبة بن قيس؛ فقد قيل في حقّه: إنّه كذّاب غالٍ، و معاوية بن شريح المجهول الحال، و ضعفهما منجبر بعمل الأصحاب.

ص: 308

و منها: من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق؛ سواء قصد الإتيان إليها أم لا، و سواء صلّى جماعة إماماً أو مأموماً أم منفرداً، فلو تفرّقت، أو أعرضوا عن الصلاة و تعقيبها و إن بقوا في مكانهم، لم يسقطا عنه، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان و إقامة؛ و لو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير (1)،


1- سقوط الأذان و الإقامة ممّن دخل في مكان انعقدت فيه الجماعة و لم تتفرّق ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، و في «الجواهر»: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(جواهر الكلام 9: 41.) و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة المنجبر ضعف بعضها بعمل الأصحاب: منها موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم، أ يؤذّن و يقيم؟ قال إن كان دخل و لم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرّق الصفّ أذّن و أقام(وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 2.) و خبر زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السّلام) قال: دخل رجلان المسجد و قد صلّى الناس، فقال لهما علي (عليه السّلام) إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه و لا يؤذّن و لا يقيم(وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 3.) ، و في السند حسين بن علوان عامّي شديد المحبّة على أهل البيت، و قيل: إنّه كان مستوراً فلم يثبت توثيقه. و خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول إذا دخل رجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 4.) و معتبرة أبي علي الحرّاني قال: كنّا عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّيتُ في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن، فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع ، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة؟ قال يقومون في ناحية المسجد و لا يبدأ (يبدو) بهم إمام(وسائل الشيعة 8: 415، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 65، الحديث 2.) و في «الجواهر»: و أبو علي الحرّاني يحتمل أن يكون هو سلام بن عمرو الثقة، فيكون الخبر صحيحاً في طريقيه إن لم يكتف في صحّة الخبر بصحّة سنده إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و إلّا فلا تقدح جهالته؛ لأنّ في أحد طريقيه ابن أبي عمير و في الآخر الحسين بن سعيد عنه، و هما معاً ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهما(جواهر الكلام 9: 42.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الاكتفاء بسقوط الأذان في رواية أبي علي و في صحيح أبي بصير فقال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم، قال ليس عليه أن يعيد الأذان، فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان(وسائل الشيعة 5: 429، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 1.) لعلّه لأجل إرادة ما يشمل الإقامة؛ إذ لا قائل في موارد السقوط بسقوط الأذان فقط دون الإقامة. و أمّا الأخبار الدالّة على عدم سقوطهما حين إدراك الجماعة و قد سلّم الإمام، فهي قاصرة عن المعارضة بالأخبار المستفيضة المتقدّمة الدالّة على سقوطهما المعتضدة بنفي الخلاف بل تحصيل الإجماع؛ ففي موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث في الرجل أدرك الإمام حين سلّم، قال عليه أن يؤذّن و يقيم و يفتتح الصلاة(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 5.) و ذيل خبر معاوية بن شريح المتقدّم و من أدركه و قد سلّم فعليه الأذان و الإقامة. و في «وسائل الشيعة» بعد ذكر موثّق عمّار قال: هذا محمول على الجواز أو الاستحباب من غير تأكّد، أو على تفرّق الصفوف. و في «الجواهر»: و أولى منهما طرحهما أو حملهما خصوصاً الثاني منهما على إرادة بيان انتهاء الدخول في الجماعة بحيث تحصل له فضيلة الجماعة، فكنّى حينئذٍ بالأذان و الإقامة عن عدم مشروعية الدخول فيها و الاستغناء عن الأذان و الإقامة من حيث إدراك الصلاة جماعة، من غير تعرّض لباقي الحيثيات التي منها عدم تفرّق الجماعة حتّى ينافي ما سمعت(جواهر الكلام 9: 43.) انتهى. و لا يخفى أيضاً: أنّ سقوط الأذان و الإقامة في المسألة لا يختصّ بالجماعة بل يعمّها و المنفرد؛ لظهور النصوص السابقة و صريح بعضها، حيث اكتفي فيها بدخول الرجل، و المفرد المعرَّف و كذا المنكّر يدلّ على الفرد الواحد و لا يطلق على الجماعة. و كذا لا يختصّ الحكم في مورد البحث بالمسجد، كما صرّح به جماعة من أصحابنا؛ و ذلك لإطلاق النصوص. و ذكر المسجد في بعضها كخبر أبي علي المتقدّم و غيره محمول على الغالب من وقوع الجماعة في المسجد، كما سيأتي. بقي الكلام في اعتبار عدم التفرّق في سقوط الأذان و الإقامة عن الداخل على الجماعة، الذي يستفاد من الأخبار اعتبار عدم التفرّق في السقوط؛ ففي موثّق أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد و قد صلّى القوم أ يؤذّن و يقيم؟ قال إن كان دخل و لم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم و إقامتهم، و إن كان تفرّق الصفّ أذّن و أقام ، و هو المفهوم من الشرط في ذيل صحيح أبي بصير المتقدّم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان ، و الأخبار الدالّة على السقوط مطلقاً أي و إن تفرّق الجماعة تقيّد بهذين الخبرين الموثّق و الصحيح. و هل المدار في السقوط و عدمه على تفرّق الجميع بحيث لا يسقط مع بقاء الواحد، أو على بقاء الجميع بحيث يسقط مع مضيّ واحد، أو على الأكثر تفرّقاً فلا يسقط و بقاءً فيسقط، أو على العرف في صدق التفرّق و عدمه؟ أقوال، ذكرها في «مفتاح الكرامة»(مفتاح الكرامة 3: 267.) المنساق عرفاً من التفرّق زوال هيئة الجماعة و لو بمضيّ بعضها و بقاء بعضها الآخر، و يختلف باختلاف الموارد؛ ففيما كانت الجماعة منعقدة باثنين يصدق التفرّق بذهاب أحدهما، و فيما كانت أكثر يصدق بذهاب عدّة كثيرة، و إن بقي القليل منهم و لو أزيد من واحد و اثنين. و لا يعتبر في تحقّق التفرّق الخروج من المسجد و إن عبّر به؛ فيكفي في تحقّقه الإعراض عن الصلاة و تعقيبها، و التعبير عنه بالخروج عن المسجد باعتبار الغالب، هذا كلّه فيما كانت للجماعة السابقة أذان و إقامة. و لو لم يكن لهم أذان و إقامة؛ بأن انعقدت بلا أذان و إقامة أو اكتفوا بسماعهما أو بأذان و إقامة جماعة انعقدت قبل تلك الجماعة، فلا يسقطان حينئذٍ عن الجماعة اللاحقة؛ و ذلك لظهور النصوص المتقدّمة حيث قيّد فيها سقوط الأذان و الإقامة عن اللاحقة بأذان و إقامة السابقة. و وجه الظهور إضافة الأذان و الإقامة إلى الجماعة الأُولى صلّى بأذانهم و إقامتهم.

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

و كذا فيما إذا كانت باطلة؛ من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به أو من جهة أُخرى، و كذا مع عدم اتّحاد مكان الصلاتين عرفاً؛ بأن كانت إحداهما داخل المسجد و الأُخرى على سطحه، أو بعدت إحداهما عن الأُخرى كثيراً (1).


1- لا يسقط أذان و لا إقامة الداخل على الجماعة إذا كانت الجماعة باطلة من جهة فسق الإمام فيما علم المأمومون بفسقه أو من جهة أُخرى، و هو الظاهر من الروايات، حيث إنّ الظاهر من حال المصلّين جماعة صحّة جماعتهم، و مع فرض بطلان صلاتهم لا تنعقد الجماعة؛ فلا صلاة لهم جماعة حتّى يسقط أذانها و إقامتها الأذان و الإقامة عن الداخل عليهم. و أمّا اعتبار اتّحاد مكان الصلاتين و اشتراطه في السقوط فهو الظاهر من بعض نصوص المسألة. كما في صحيح أبي بصير المتقدّم، حيث إنّ انتهاء الرجل إلى الإمام حين يسلّم الإمام، و كذا دخوله معهم في أذانهم لا يكون إلّا مع وحدة مكانهم. و كذا في موثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه كان يقول إذا دخل الرجل المسجد و قد صلّى أهله فلا يؤذّننّ و لا يقيمنّ و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، و لا يخرج منه إلى غيره حتّى يصلّي فيه(وسائل الشيعة 5: 431، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 25، الحديث 4.) ، حيث إنّ الرجل دخل للصلاة في مسجد في حال قد صلّى أهل ذلك المسجد، فمكان الصلاتين واحد. و لا يخفى: أنّ داخل المسجد و سطحه يعدّان مكانين عرفاً، و كذا المسجد و صحنه. و أمّا إذا كان المكان وسيعاً جدّاً كالمساجد الكبار و انعقدت الجماعة في ناحية منه و دخل رجل للصلاة في ناحية أُخرى منه و بعدت إحدى الصلاتين عن الأُخرى كثيراً، فالظاهر أنّه يعدّ مكاناً واحداً، و يسقط الأذان عن الداخل و يكفيه أذان الجماعة و إقامتهم.

ص: 313

و هل يختصّ الحكم بالمسجد أو يجري في غيره أيضاً؟ محلّ إشكال، فلا يُترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد و غيره، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد (1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا كالمحقّق (رحمه اللَّه) في «المعتبر» و «النافع» و صاحبي «المدارك» و «الحدائق» إلى اختصاص الحكم بالمسجد؛ لوروده في النصوص المتقدّمة، فالخروج عن ذلك و تعميم الحكم لغير المسجد يحتاج إلى دليل؛ فيقتصر في ترك ما علم استحبابه بالأدلّة القاطعة على المتيقّن؛ و هو المسجد. و قال الشهيد الثاني في «المسالك»: و لا فرق بين كون الصلاة في مسجد و غيره، كما يقتضيه إطلاق العبارة، لكن النصّ هنا إنّما ورد في المسجد. و قال (رحمه اللَّه) في «الروضة» شرح «اللمعة»: و يظهر من فحوى الأخبار أنّ الحكمة في ذلك مراعاة جانب الإمام السابق في عدم تصوير الثانية بصورة الجماعة و مزاياها، انتهى.

ص: 314

و كذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيّتين؛ بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائيّة عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة (1)، و كذا فيما لم تشتركا في الوقت، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً و هو يريد أن يصلّي المغرب (2)،


1- أي لا يترك الاحتياط بترك الأذان و الإقامة فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيتين؛ بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائية عن النفس أو الغير تبرّعاً أو من جهة الإجارة. و في «الحدائق»: هل يختصّ الحكم بالفريضة المؤدّاة أو يعمّ ما دخل الداخل و أراد أن يصلّي قضاءً؟ إشكال ينشأ من أنّ إطلاق النصوص بصلاة الداخل شامل للأداء و القضاء، و من أنّ قرائن الحال من قصد المسجد و المسارعة إلى الدخول مع الإمام و نحو ذلك إنّما ينصرف إلى الأداء(الحدائق الناضرة 7: 389.) انتهى. و يقوى الانصراف في خصوص موثّق السكوني المتقدّم بقرينة قوله و لا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة.
2- أي لا يترك الاحتياط بالترك فيما لم تشترك صلاته مع الجماعة في الوقت، كما إذا كانت الجماعة في آخر الوقت عصراً و هو يريد أن يصلّي المغرب. و هذه المسألة كالسابقة مشكلة من جهة الإطلاق في النصوص، و من جهة انصرافها إلى الوقت المشترك. و في «المستمسك»: مضافاً إلى عدم مشروعية الأذان قبل الوقت و عدم الاجتزاء به؛ فإنّ غاية ما تفيده أدلّة السقوط في المقام أن يفرض أذان الجماعة أذاناً له، فإذا كان أذانه قبل الوقت لا يجزؤه فكيف يجزؤه أذان غيره(مستمسك العروة الوثقى 5: 568.) ؟! و فيه: أنّ القدر المسلّم عدم مشروعية أذان نفسه قبل الوقت. و أمّا أذان الغير لصلاة الجماعة في وقتها فلم يثبت عدم مشروعيته لصلاة الداخل الواقعة في وقت آخر، فأذانهم للجماعة في وقت لا يعدّ أذاناً لصلاة الداخل في وقت آخر حتّى يكون أذاناً قبل الوقت و غير مشروع، بل أذانهم مسقط لأذانه.

ص: 315

و الإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءً لا بأس به (1).


1- و ذلك لأنّ الحرمة إن كانت فهي من باب التشريع، و هو منتفٍ بإتيانهما رجاءً.

ص: 316

[المقدّمة السادسة ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها و أفعالها]

المقدّمة السادسة ينبغي للمصلّي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها و أفعالها، فإنّه لا يُحسب للعبد من صلاته إلّا ما أقبل عليه، و معناه الالتفات التامّ إليها و إلى ما يقول فيها، و التوجّه الكامل نحو حضرة المعبود جلّ جلاله، و استشعار عظمته و جلال هيبته، و تفريغ قلبه عمّا عداه، فيرى نفسه متمثّلًا بين يدي ملك الملوك عظيم العظماء، مخاطباً له مناجياً إيّاه، فإذا استشعر ذلك وقع في قلبه هيبة يهابه، ثمّ يرى نفسه مقصّراً في أداء حقّه فيخافه، ثمّ يلاحظ سعة رحمته فيرجو ثوابه، فيحصل له حالة بين الخوف و الرجاء، و هذه صفة الكاملين، و لها درجات شتّى و مراتب لا تُحصى على حسب درجات المتعبّدين، و ينبغي له الخضوع و الخشوع، و السكينة و الوقار، و الزيّ الحسن و الطيب و السواك قبل الدخول فيها و التمشيط، و ينبغي أن يصلّي صلاة مودّع، فيجدّد التوبة و الإنابة و الاستغفار، و أن يقوم بين يدي ربّه قيام العبد الذليل بين يدي مولاه، و أن يكون صادقاً في مقالة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ؛ لا يقول هذا القول و هو عابد لهواه، و مستعين بغير مولاه. و ينبغي له أيضاً أن يبذل جهده في التحذّر عن موانع القبول؛ من العُجب و الحسد و الكبر و الغيبة و حبس الزكاة و سائر الحقوق الواجبة؛ ممّا هو من موانع القبول.

ص: 317

[فصل في أفعال الصلاة]

فصل في أفعال الصلاة و هي واجبة و مسنونة. و الواجب أحد عشر: النية، و تكبيرة الإحرام، و القيام، و الركوع، و السجود، و القراءة، و الذكر، و التشهّد، و التسليم، و الترتيب، و الموالاة. و سيأتي أنّ بعض ما ذكر ركن تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهواً، لكن لا يتصوّر الزيادة في النية بناء على الداعي، و بناء على الإخطار غير قادحة، و غير الركن من الواجبات لا تبطل الصلاة بزيادته أو نقصانه سهواً دون عمد (1).


1- قد تعرّض المصنّف (رحمه اللَّه) بذكر بعض مستحبّات الصلاة في ضمن بيان واجباتها. و قد عرّف الركن بما تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهواً، و يتصوّر الزيادة في الأجزاء الركنية في الصلاة بتكرارها، هذا في غير النية. و أمّا فيها فلا يتصوّر التكرار فيها بناءً على الداعي، و هو الباعث للمكلّف على الفعل الاختياري المنبعث عن تصوّره و التصديق بفائدته سواء كان الداعي هو الأمر المتوجّه إليه من المولى أو الرجحان الذاتي للفعل أو المصلحة الموجودة فيه أو التقرّب إلى المولى فلا يتصوّر الزيادة في النية بناءً على الداعي؛ خصوصاً على القول بشرطية النية للصلاة، حيث إنّ الزيادة لا تكون إلّا في الأجزاء الخارجية. و أمّا بناءً على الإخطار بالبال فزيادته غير قادحة بلا إشكال، و حينئذٍ فمعنى ركنية النية في العبادة أنّه لو أخلّ بها و تركها عامداً أو ناسياً لم تنعقد العبادة، و في «التذكرة»: النية ركن بمعنى أنّ الصلاة تبطل مع الإخلال بها عمداً و سهواً. بقي الكلام في كون النية جزء من الصلاة أو شرطاً لصحّتها؟ ذهب إلى كلّ فريقٌ، و تردّد جماعة في كونها جزءً أو شرطاً؛ منهم النراقي في «مستند الشيعة»، و قبله الشهيد الثاني في «المسالك»، و يظهر من المصنّف (رحمه اللَّه) كونها جزءً حيث عدّها من أفعالها. و في «جامع المقاصد»: أنّ الذي يختلج في خاطري أنّ خاصّة الشرط و الجزء معاً قد اجتمعا في النية؛ فإنّ تقدّمها على جميع الأفعال حتّى التكبير الذي هو أوّل الصلاة يلحقها بالشروط، و لا يقدح في ذلك مقارنتها له أو لشي ء منه؛ لأنّها تتقدّمه و تقارنه، و هكذا يكون الشرط. و اعتبار ما يعتبر في الصلاة فيها بخلاف باقي الشروط لأنّ تحقّق ذلك يلحقها بالأجزاء؛ و حينئذٍ فلا تكون على نهج الشروط و الأجزاء، بل تكون متردّدة بين الأمرين و إن كان شبهها بالشرط أكثر(جامع المقاصد 2: 217.) انتهى. و ممّن قال بكونها جزء الشهيد في «الذكرى»، و استدلّ عليه بأنّها مقارنة للتكبير الذي هو جزء و ركن؛ فتكون جزءً؛ خصوصاً عند من أوجب بسطها عليه أو حضورها من أوّله إلى آخره، و بقوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ(البيّنة( 98): 5.) و هو مشعر باعتبار العبادة حال الإخلاص، و هو المراد بالنية. و لا نعني بالجزء إلّا ما كان منتظماً مع الشي ء بحيث يشمل الكلّ حقيقة واحدة(ذكرى الشيعة 3: 244.) و فيه: أنّ مجرّد المقارنة لا توجب الجزئية؛ إذ المراد بالجزء ما توقّف صدق اسم الكلّ عليه، و نفي اسم الصلاة عن فاقد النية عند الصحيحي لفقد الشرط كفاقد الطهارة و الستر. و أمّا اعتبار الإخلاص في العبادة على ما دلّ عليه الآية المزبورة فهو مسلّم، و لكن لا دلالة فيه على كون الإخلاص جزءً للعبادة. و القائلون بالشرطية استدلّوا بوجوه: منها: أنّ الشرط ما يتوقّف عليه تأثير المؤثّر، أو ما يتوقّف عليه صحّة الفعل، و المعنيان موجودان في النية. و منها: أنّ أوّل الصلاة التكبير، و النية مقارنة أو سابقة عليها؛ فلا تكون جزءً. و منها: أنّها لو كانت جزءً لافتقرت إلى نية أُخرى، و يتسلسل. و منها: أنّ النية تتعلّق بالصلاة؛ فلو كانت جزءً منها لتعلّق الشي ء بنفسه. و منها: أنّ قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الأعمال بالنيات(وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الصلاة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 6.) يدلّ على مغايرة العمل للنية. و بعض هذه الوجوه لا يخلو عن خدشة، و لمّا كان البحث في النية من جهة الجزئية و الشرطية قليل الفائدة لبطلان الصلاة بتركها عمداً و سهواً، جزءً كان أو شرطاً كان الإعراض عنه أولى، و القول بكونها شرطاً لا يخلو من قوّة.

ص: 318

ص: 319

ص: 320

[القول في النية]

القول في النية

[ (مسألة 1): النية: عبارة عن قصد الفعل]

(مسألة 1): النية: عبارة عن قصد الفعل، و يعتبر فيها التقرّب إلى اللَّه تعالى و امتثال أمره، و لا يجب فيها التلفّظ؛ لأنّها أمر قلبيّ، كما لا يجب فيها الإخطار؛ أي الحديث الفكري و الإحضار بالبال؛ بأن يرتّب في فكره و خزانة خياله؛ مثلًا: أُصلّي صلاة فلانيّة امتثالًا لأمره، بل يكفي الداعي: و هو الإرادة الإجماليّة المؤثّرة في صدور الفعل، المنبعثة عمّا في نفسه من الغايات؛ على وجه يخرج به عن الساهي و الغافل، و يدخل فعله في فعل الفاعل المختار، كسائر أفعاله الإراديّة و الاختياريّة، و يكون الباعث و المحرّك للعمل الامتثال و نحوه (1).


1- هنا مطالب: الأوّل: أنّ لفظ النية ليس كألفاظ الصلاة و الصوم و الحج و نحوها ممّا له حقيقة شرعية أو متشرّعية على الخلاف فيها بل هو حقيقة لغة و عرفاً و شرعاً في إرادة الشي ء و العزم عليه و القصد إليه؛ سواء كان الشي ء المنوي عبادة أو غيرها. الثاني: يعتبر في نية الصلاة و غيرها من العبادات التقرّب إلى اللَّه تعالى و امتثال أمره، و بنية التقرّب إليه تعالى تمتاز العبادة عمّا سواها من التوصّليات. الثالث: لا يعتبر في النية التلفّظ؛ للأصل، و لكونها أمراً قلبياً لا مدخلية للّفظ فيها. و يظهر من العلّامة في «التذكرة» الإجماع عليه، و عنه (رحمه اللَّه) في مبحث نية الوضوء في «التذكرة» قال: و لا اعتبار باللفظ، نعم ينبغي الجمع؛ فإنّ اللفظ أعون له على خلوص القصد. و لو تلفّظ بلسانه و لم ينو بقلبه لم يجزئه، و بالعكس يجزي(تذكرة الفقهاء 1: 140.) انتهى. و صرّح جماعة من علمائنا كالشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التحرير» و «التذكرة» بعدم استحباب التلفّظ بالنية. و في «المدارك»: لا يبعد أن يكون التلفّظ بالنية تشريعاً محرّماً. و في «البيان»: الأقرب كراهته؛ لأنّه إحداث شرع و كلام بعد الإقامة. و فيه: أنّ إحداث الشرع يلائم الحرمة لا الكراهة. و في «كشف اللثام»: و الواجب القصد، و هو حقيقة النية، لا اللفظ كما يتوهّم وجوبه بعض العامّة، بل التلفّظ بآخر أجزائها ممّا يوقع الشكّ في قطع همزة «اللَّه» من التكبير أو الوصل، فالاحتياط تركه. و في «الخلاف» أيضاً: أنّ أكثر أصحاب الشافعي استجود التلفّظ، و قال بعضهم يجب، و خطّأه أكثر أصحابه، انتهى. الرابع: اختلف فقهاؤنا في أنّ الواجب في النية هو الإخطار؛ أي إحضار صورة الفعل في الذهن تفصيلًا و بجميع مشخّصاته؟ فعن الشهيد في «الدروس»: و لمّا كان القصد مشروطاً بعلم المقصود وجب إحضار ذات الصلاة و صفاتها الواجبة من التعيين و الأداء و القضاء و الوجوب أو الندب، ثمّ القصد إلى هذا المعلوم لوجوبه قربة إلى اللَّه مقارناً لأوّل التكبير مستديماً له إلى آخر التكبير فعلًا، ثمّ إلى آخر الصلاة حكماً(الدروس الشرعية 1: 166.) انتهى. أو أنّه لا يجب الإخطار بل يكفي الداعي القلبي؛ و هو الإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس التي بها يكون الفعل اختيارياً؟ ينبغي لنا نقل جملة من كلام بعض علمائنا الأعلام لتقريب المرام في هذا المطلب: قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه): ربّما كان نوع غموض في المراد من الداعي في كلامهم، و ربّما انساق إلى الذهن منه العلّة الغائية، و كون النية عبارة عنها كما ترى، و الظاهر أنّ مرادهم به الإرادة المسمّاة بالباعث في لسان الحكماء المؤثّرة في وجود الفعل من الفاعل المختار المنبعثة عن تصوّر الغاية و الإذعان بها. إلى أن قال: و الباعث يسمّى إرادة، و هي المعبّر عنها عند الأصحاب بالداعي؛ لأنّها هي التي تدعو لوقوع الفعل و وجوده في الخارج، بل ربّما كانت العلّة التامّة فيه باعتبار أنّها جزء أخير، و المحرّك للأعضاء قدرة. إلى أن قال: إنّما المراد بيان أنّ الداعي عبارة عن تلك الإرادة المؤثّرة في وجود الفعل المنبعثة عن تصوّر غاية الفعل، و بها يكون الفعل منوياً. إلّا أنّه إذا كان عبادة اعتبر فيها كونها منبعثة عن إرادة قصد الامتثال و ما تصوّر له من الغايات و أذعن بها، و لا يتوقّف ذلك على خطور الغاية في الذهن عند الفعل، بل يكفي وجودها في الخزانة، بل لا يتوقّف على تصوّر الفعل حين الفعل بل تصوّره السابق مجزٍ، بل تعيينه السابق حيث يكون متعدّداً أيضاً كافٍ. إلى أن قال: فظهر من ذلك: أنّه لا يتوقّف في كون الفعل منوياً مقصوداً به الامتثال على أزيد من مقارنته أوّل الفعل لتلك الإرادة المنبعثة عن ما عرفت، و لا يحتاج إلى خطور غيرها، فضلًا عن الاستحضار الذي هو في الحقيقة علم بالخطور و التفات آخر للقلب إلى ما حصل فيه من تلك الإرادة، كباقي المعاني التي تحصل للإنسان من الفرح و الهمّ و الغمّ و الجوع و الشبع و نحوها؛ فإنّ حصولها شي ء و العلم بحصولها شي ء آخر، و من الواضح عدم توقّف حصولها على تصوّره و الالتفات إليه و العلم به. فحينئذٍ حصول القصد إلى الفعل غير محتاج إلى الاستحضار المزبور و الإخطار؛ إذ لا يكاد يخفى على ذي مسكة وقوع الأفعال من الفاعلين على وجه يعدّون به من المختارين غير الغافلين و الساهين، من دون تصوّر القصد المتعلّق بها و بلا التفات للنفس إلى ذلك. و العلم بوجود المكلّف به واقعاً أو شرعاً أمرٌ آخر لا مدخلية له فيما نحن فيه؛ إذ يكفي فيه حصوله و لو بعد الفراغ من الفعل، فضلًا عن حال النية(جواهر الكلام 9: 170 172.) انتهى. و صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بعد نقل قول العلّامة في «التذكرة» بوجوب اقتران النية بالتكبير بأن يأتي بكمال النية قبله ثمّ يبتدئ بالتكبير بلا فصل قال: و في البال إنّي وقفتُ منذ مدّة على كلام للعلّامة رضي اللَّه عنه الظاهر أنّه في أجوبة مسائل السيّد مهنّا بن سنان المدني في المقارنة، قال (رحمه اللَّه) حكايةً عن نفسه: إنّي أتصوّر الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها، ثمّ أقصد إليها فاقارن بها النية. و الكتاب لا يحضرني الآن لأحكي صورة عبارته، و لكن في البال أنّ حاصله ذلك. أقول: لا يخفى عليك بعد تأمّل معنى النية و معرفة حقيقتها أنّ جملة هذه الأقوال بعيدة عن جادة الاعتدال؛ فإنّها مبنية على أنّ النية عبارة عن هذا الحديث النفسي و التصوير الفكري، و هو ما يترجمه قول المصلّي مثلًا: «أُصلّي فرض الظهر أداءً لوجوبه قربةً إلى اللَّه» و المقارنة بها بأن يحضر المكلّف عند إرادة الدخول في الصلاة ذلك بباله و ينظر إليه بفكره و خياله، ثمّ يأتي بعد الفراغ من تصويره بلا فصل بالتكبير كما هو المجمع على صحّته عندهم، أو يبسط ذلك على التلفّظ بالتكبير و يمدّه بامتداده كما هو القول الآخر، أو يجعله بين الألف و الراء كما هو القول الثالث، و كلّ ذلك محض تكلّف و شطط و غفلة عن معنى النية أوقع في الغلط(الحدائق الناضرة 2: 174.) انتهى موضع الحاجة من كلام «الحدائق». و عرّفها المصنّف (رحمه اللَّه) و جماعة بأنّها عبارة عن قصد الفعل.

ص: 321

ص: 322

ص: 323

ص: 324

[ (مسألة 2): يعتبر الإخلاص في النية]

(مسألة 2): يعتبر الإخلاص في النية، فمتى ضمّ إليها ما ينافيه بطل العمل، خصوصاً الرياء، فإنّه مفسد على أيّ حال؛ سواء كان في الابتداء أو الأثناء، في الأجزاء الواجبة أو المندوبة، و كذلك في الأوصاف المتّحدة مع الفعل، ككون الصلاة في المسجد أو جماعة و نحو ذلك. و يحرم الرياء المتأخّر و إن لم يكن مبطلًا، كما لو أخبر بما فعله من طاعة رغبة في الأغراض الدنيويّة من المدح و الثناء و الجاه و المال، فقد ورد في المرائي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال: «المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر يا كافر يا غادر يا خاسر حبط عملك، و بطل أجرك، و لا خلاص لك اليوم، التمس أجرك ممّن كنت تعمل له» (1).


1- يعتبر الإخلاص في النية؛ و هو أن يكون الفعل صادراً عن قصد امتثال أمر المولى و مجرّد التقرّب إليه؛ فمتى ضمّ إليها ما ينافيه يبطل العمل؛ بأن يقصد من القيام كونه جزءً للصلاة و احتراماً للشخص الوارد عليه، و يقصد من الانحناء إلى حدّ الركوع كونه ركوعاً ركنياً جزءً للصلاة و احتراماً و تواضعاً للشخص. و يدلّ على اعتبار الإخلاص في النية مضافاً إلى الإجماع إطلاق موثّق أبان بن عثمان عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) من زاد في صلاته فعليه الإعادة(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) و الاستدلال به مبني على أمرين: أحدهما كون مطلق الزيادة العمدية مبطلًا، و يأتي البحث فيه مفصّلًا إن شاء اللَّه في القول في الخلل الواقع في الصلاة. و ثانيهما كون النية جزءً للصلاة لا شرطاً للصحّة. و يدلّ عليه أيضاً موثّق السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في حديث: و بالإخلاص يكون الخلاص(وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 2.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ حَنِيفاً مُسْلِماً، قال خالصاً مخلصاً لا يشوبه شي ء(وسائل الشيعة 1: 60، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 7.) و رواية علي بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول قال اللَّه عزّ و جلّ أنا خير شريك؛ من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلّا ما كان لي خالصاً(وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 9.) و ذيل رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و كلّ عمل تعمله للَّه فليكن نقيّاً من الدنس(وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 10.) و رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال سئل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عن تفسير قول اللَّه عزّ و جلّ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً، فقال: من صلّى مراءاة الناس فهو مشرك. إلى أن قال و لا يقبل اللَّه عمل مراءٍ(وسائل الشيعة 1: 68، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 13.) و رواية جرّاح المدائني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللَّه، إنّما يطلب تزكية النفس (الناس خ. ل) يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه ، ثمّ قال ما من عبد أسرّ خيراً فذهبت الأيّام أبداً حتّى يظهر اللَّه له خيراً، و ما من عبد يسرّ شرّاً فذهبت الأيّام حتّى يظهر اللَّه له شرّاً(وسائل الشيعة 1: 71، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 6.) و رواية أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول يجاء بالعبد يوم القيامة قد صلّى، فيقول: يا ربّ قد صلّيت ابتغاء وجهك، فيقال له: بل صلّيت ليقال: ما أحسن صلاة فلان، اذهبوا به إلى النار ، ثمّ ذكر مثل ذلك في القتال و قراءة القرآن و الصدقة(وسائل الشيعة 1: 72، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 10.) و غيرها من روايات الباب الدالّة على بطلان العمل الذي دخل فيه الرياء و كونه شركاً، كصحيح زرارة و حمران عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لو أنّ عبداً عمل عملًا يطلب به وجه اللَّه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضا أحدٍ من الناس كان مشركاً(وسائل الشيعة 1: 67، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 11.) و الضعيف من الأخبار المذكورة منجبر بالشهرة العظيمة، بل الإجماع؛ إذ لم يكن مخالف في المسألة إلّا السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) في «الانتصار»، و الأصحاب (رحمهم اللَّه) قد ضعّفوا قوله؛ ففي «الجواهر»: فما يظهر من المرتضى (رحمه اللَّه) في «الانتصار»: من عدم بطلان العبادة بالرياء بل هي مجزية مسقطة للقضاء لكن لا ثواب عليها، في غاية الضعف؛ خصوصاً لو كان يريد ما يشمل استقلال الرياء بلا ضمّ قربة معه؛ ضرورة رجوعه حينئذٍ إلى عدم اشتراط القربة في العبادة المعلوم فساده عقلًا و نقلًا، بل لعلّه ضروري. و من هنا يجب تنزيل كلامه على صورة ضمّ الرياء إلى القربة(جواهر الكلام 9: 189.) انتهى. ثمّ لا يخفى: أنّ الرياء مبطل مطلقاً؛ سواء كان في تمام العمل أو جزئه، واجباً كان الجزء أو مندوباً كالقنوت و الدعاء و الذكر إذا اتي بها بقصد الجزئية، و في الأوصاف المتّحدة مع الفعل ككون الصلاة في المسجد أو جماعة. و الوجه في ذلك النصوص المتقدّمة الدالّة على كون العمل و العبادة خالصاً غير مشوب، فيصدق على الصلاة التي تقع رياءً و لو بجزئها المندوب أنّها غير خالصة فتبطل، و كذلك الصلاة الواقعة في المسجد أو جماعة رياءً يصدق عليها أنّها عبادة غير خالصة. و أمّا الرياء المتأخّر عن العمل فهو و إن كان حراماً إلّا أنّه لا دليل على كونه مبطلًا للعمل بعد فرض صدوره خالصاً. و الأدلّة المتقدّمة تدلّ على بطلان العمل الصادر على وجه الرياء. و أمّا مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال الإبقاء على العمل أشدّ من العمل قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للَّه وحده لا شريك له فكتبت له سرّاً، ثمّ يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها فتمحى و تكتب له رياءً(وسائل الشيعة 1: 75، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 14، الحديث 2.) ، فهو ضعيف سنداً بالإرسال و بسهل بن زياد.

ص: 325

ص: 326

ص: 327

ص: 328

[ (مسألة 3): غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة؛ إن كانت مقصودة تبعاً]

(مسألة 3): غير الرياء من الضمائم المباحة أو الراجحة؛ إن كانت مقصودة تبعاً، و كان الداعي و الغرض الأصلي امتثال الأمر الصلاتي محضاً، فلا إشكال، و إن كان بالعكس بطلت بلا إشكال، و كذا إذا كان كلٌّ منهما جزءاً للداعي؛ بحيث لو لم ينضمّ كلٌّ منهما إلى الآخر لم يكن باعثاً و محرّكاً، و الأحوط بطلان العمل في جميع موارد اشتراك الداعي؛ حتّى مع تبعيّة داعي الضميمة، فضلًا عن كونهما مستقلّين (1).


1- قد يضمّ إلى نية قصد التقرّب و امتثال الأمر في العبادة قصد أمر مباح أو راجح، كما لو واقعها تحت السقف في الحرّ الشديد للتبريد، أو صلّاها حيال الشمس في البرد الشديد، أو صلّى صلاة الليل بقصد التقرّب إلى اللَّه تعالى و ضمّ إليها قصد ازدياد الرزق لتوسعة العيال مثلًا، و نحو هذه الأمثلة؛ فحينئذٍ يتصوّر صور: الاولى: أن يكون الداعي و الغرض الأصلي هو امتثال أمر المولى و كانت الضميمة المباحة أو الراجحة الحاصلة في نفس المصلّي مقصودة تبعاً. ففي هذه الصورة تصحّ العبادة بلا إشكال؛ لأنّ الفعل في الواقع مستند إلى داعي الطاعة، و لا أثر للضميمة فيه؛ لكون داعيها ضعيفاً. الثانية: أن يكون الداعي إليها و الغرض الأصلي هو الأمر النفساني بحيث كان قصد امتثال الأمر تبعياً ضعيفاً. فتبطل الصلاة في هذه الصورة؛ لاستناد الفعل في الواقع إلى الداعي النفساني و انعزال داعي الطاعة عن التأثير؛ لضعفه بحيث لو كان الشخص في السعة لا تخطر صلاة الليل في مخيّلته، فضلًا عن القيام إليها بقصد الطاعة. الثالثة: أن يكون كلّ من قصد التقرّب و الأمر النفساني دخيلًا في تحقّق العبادة؛ بأن يكون كلّ منهما ناقصاً بحيث لا يصلح كلّ منهما للتأثير في تحقّق العمل، بل المؤثّر فيه مجموعهما؛ فتبطل العبادة لأنّها لا تسمّى طاعة للمولى و لا صادرة عن قصد التقرّب. الرابعة: أن يكون كلّ منهما مستقلا في التأثير شأناً، و لمّا كان المورد غير قابل لتأثير كلّ منهما في الخارج فعلًا سقط كلّ واحدٍ منهما عن الاستقلال، و إلّا لزم عدم التمام و الاستقلال، و هو خلف كما حقّق في محلّه. و الأقوى في هذه الصورة الصحّة إذا كان تحقّقه بداعي امتثال الأمر، و المفروض كون هذا الداعي مؤثّراً تامّاً في تحقّق الفعل العبادي. و الأحوط البطلان في جميع الصور.

ص: 329

[ (مسألة 4): لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير]

(مسألة 4): لو رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير، لم تبطل الصلاة بعد ما كان أصل إتيانهما بقصد الامتثال. و كذلك لو أوقع صلاته في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة؛ بحيث يكون أصل الإتيان بداعي الامتثال، و كان الداعي على اختيار ذلك المكان أو الزمان لغرض كالبرودة و نحوها (1).


1- رفع الصوت بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لا يوجب البطلان إذا كان المقصود الأصلي من إتيانهما التقرّب و امتثال الأمر و كان القصد إلى الإعلام تبعاً، و يوجب البطلان إذا كان بالعكس. و هذه المسألة في الحقيقة مندرجة في المسألة الثالثة؛ لكون رفع الصوت في الذكر و القراءة للإعلام، و كذا إيقاع الصلاة في مكان أو زمان خاصّ لغرض من الأغراض المباحة من الضمائم التي لو قصدت بالأصالة توجب البطلان، و لا توجبه إذا كانت مقصودة بالتبع.

ص: 330

[ (مسألة 5): يجب تعيين نوع الصلاة التي يأتي بها في القصد و لو إجمالًا]

(مسألة 5): يجب تعيين نوع الصلاة التي يأتي بها في القصد و لو إجمالًا؛ بأن ينوي مثلًا ما اشتغلت به ذمّته إذا كان متّحداً، أو ما اشتغلت به ذمّته أوّلًا أو ثانياً إذا كان متعدّداً (1).


1- وجوب تعيين نوع الصلاة في القصد و لو إجمالًا هو المشهور بل المجمع عليه، كما في «التذكرة» و «المدارك». و وجهه: أنّ قصد التقرّب بامتثال أمر المولى لا يحصل و لا يتحقّق بدون تعيين المأمور به، و لو كان متّحداً؛ فيجوز الاكتفاء بالتعيين الإجمالي بأن يقصد إلى ما اشتغلت به ذمّته و ينوي أربع ركعات مشغولة بها ذمّته إمّا ظهراً أو عصراً. و يظهر من جماعة اعتبار قصد التعيين فيما أمكن وقوع الفعل على وجوه متعدّدة؛ ففي «المدارك»: أنّ الفعل إذا كان ممّا يمكن وقوعه على وجوه متعدّدة افتقر اختصاصه بأحدها إلى نية التعيين، و إلّا لكان صرفها إلى بعض دون بعض ترجيحاً من غير مرجّح(مدارك الأحكام 3: 310.) و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني (رحمه اللَّه): فالذي يعتبر في المقام إنّما هو تعيين القسم الخاصّ من الصلاة كالظهر و العصر أو نافلتهما أو الآيات أو صلاة جعفر أو الاستسقاء أو العيد أو غير ذلك و إيقاعه امتثالًا لأمره؛ فإنّ هذه الصلوات حقائق مختلفة و إن اتّحد بعضها مع بعض صورةً، كما يكشف عن ذلك اختلاف آثارها بل ظهور أدلّتها في كون كلّ منها نوعاً من الصلاة؛ فلا بدّ من تعيينه بالقصد. و لا يكفي في متّحدي الصورة الإتيان بصورتهما المشتركة و تخصيصها بإحداهما بعد الوقوع، كفعل ركعتين صالحتين لأن ينوى بهما فريضة الصبح أو نافلتها؛ إذ لا بدّ في إطاعة أمرٍ من القصد إلى إيجاد متعلّقه حين صدوره، و النية اللاحقة لا تجدي في صيرورته كذلك، كما هو واضح(مصباح الفقيه، الصلاة: 233/ السطر الأخير.)

ص: 331

[ (مسألة 6): لا يجب قصد الأداء و القضاء]

(مسألة 6): لا يجب قصد الأداء و القضاء، بعد قصد العنوان الذي يتّصف بصفتي القضاء و الأداء كالظهر و العصر مثلًا و لو على نحو الإجمال، فلو نوى الإتيان بصلاة الظهر الواجبة عليه فعلًا، و لم يشتغل ذمّته بالقضاء يكفي. نعم لو اشتغلت ذمّته بالقضاء أيضاً لا بدّ من تعيين ما يأتي به، و أنّه فرض لذلك اليوم أو غيره، و لو كان من قصده امتثال الأمر المتعلّق به فعلًا، و تخيّل أنّ الوقت باقٍ، فنوى الأداء، فبان انقضاء الوقت، صحّت و وقعت قضاءً، كما لو نوى القضاء بتخيّل خروج الوقت فبان عدم الخروج، صحّت و وقعت أداءً (1).


1- لو لم يشتغل ذمّته فعلًا إلّا بصلاة واحدة أداءً أو قضاءً كفى قصد عنوانها من غير تقييد بالأدائية أو القضائية؛ فمن لم يكن عليه إلّا الظهر الأدائي تكفيه نية عنوان الظهر المنطبق قهراً بالأداء، و لا يحتاج إلى نية خصوص الأدائية و كذلك القضائية. و على هذا: لو فرض اشتغال ذمّته واقعاً بالظهر الأدائي فقط و اعتقد بقاء الوقت فقصد إلى عنوان الظهر و اتّفق انقضاء الوقت صحّت و وقعت قضاءً، كما أنّه لو اعتقد خروج الوقت و نوى عنوان الظهر فبان عدم خروج الوقت صحّت و وقعت أداءً. و لو اشتغلت ذمّته فعلًا بكلّ من الأداء و القضاء و صلح الفعل لكلّ منهما فلا بدّ من قصد تعيين ما يأتي به أنّه أداء أو قضاء؛ فإنّ الظهر الأدائي له أمر مستقلّ و موضوعه أربع ركعات مقيّدة بكونها في وقتها المحدود، و الظهر القضائي أيضاً له أمر مستقلّ متعلّق بأربع ركعات مقيّدة بكونها في غير وقتها، و حينئذٍ فإن قصد أصل صلاة الظهر من غير تعيين و تقييد بكونها أداءً أو قضاءً فلا يكون امتثالًا لأحدهما و بطلت.

ص: 332

[ (مسألة 7): لا يجب نية القصر و الإتمام في موضع تعيّنهما]

(مسألة 7): لا يجب نية القصر و الإتمام في موضع تعيّنهما، بل و لا في أماكن التخيير، فلو شرع في صلاة الظهر مثلًا مع الترديد و البناء على أنّه بعد التشهّد الأوّل: إمّا يسلّم على الركعتين، أو يلحق بهما الأخيرتين، صحّت. بل لو عيّن أحدهما لم يلتزم به على الأظهر، و كان له العدول إلى الآخر. بل الأقوى عدم التعيّن بالتعيين، و لا يحتاج إلى العدول، بل القصر يحصل بالتسليم بعد الركعتين، كما أنّ الإتمام يحصل بضمّ الركعتين إليهما خارجاً من غير دخل القصد فيهما (1)،


1- من كانت وظيفته التمام كالمتوطّن و القاصد إقامة عشرة أيّام في السفر مثلًا فالواجب عليه نية عنوان الظهر مثلًا، و لا يجب عليه قصد التمامية؛ لانطباق صلاته بالتمام قهراً. و كذا من كانت وظيفته القصر فقط يكفيه نية ذلك العنوان، و لا يلزمه قصد كونه قصراً. و قد ادّعى صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) عدم وجود الخلاف في عدم اعتبار نية القصر و التمام مع عدم التعدّد في الذمّة و التخيير(جواهر الكلام 9: 165.) انتهى. و في «المدارك»: و قد قطع الأصحاب بأنّه لا يعتبر في النية قصد القصر أو الإتمام(مدارك الأحكام 3: 311.) انتهى. قلت: بل لو نوى الخلاف جهلًا و لكن أتى ما وجب عليه واقعاً كفى و صحّ، مثلًا لو نوى القصر في وطنه أو في السفر بعد قصد إقامة العشرة غفلة و لكنّه صلّى أربعاً صحّت، و لو نوى في السفر الذي لم يقصد فيه إقامة العشرة تماماً غفلة و لكنّه صلّى قصراً صحّت. و من كانت وظيفته التخيير بين القصر و الإتمام كما في الأماكن الأربعة فهل يجب عليه قصد تعيين أحدهما حين الشروع، أو لا يجب؟ نسب إلى المحقّق الثاني و الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «الموجز» وجوب قصد التعيين، قال في «الدروس»: و لا يشترط تعيين الأفعال مفصّلة و لا عدد الركعات، إلّا في مواضع التخيير على الأقرب(الدروس الشرعية 1: 166.) انتهى. و لعلّه لكون القصر و الإتمام حقيقتين مختلفتين؛ فلا بدّ من قصد تعيين أحدهما، كمن كان عليه قضاء قصراً و تماماً و من اشتبه عليه القصر بالتمام إذا أراد قضاه. و المشهور بين فقهائنا عدم الوجوب؛ فيجوز للمكلّف في أماكن التخيير نية الظهر مطلقاً من غير تعيين خصوص أحد فردي التخيير، بل يجوز له أن ينوي الظهر مردّداً بين كونه قصراً أو تماماً بانياً على أحدهما بعد التشهّد الأوّل؛ إمّا قصراً بالتسليم على الركعتين أو تماماً بإلحاق الركعتين الأخيرتين بالأُوليين. بل لا يتعيّن أحدهما بتعيينه في النية كما في «المدارك»؛ فلو عيّن أحدهما ابتداء لم يلتزم بما نواه و كان له العدول إلى غير ما نواه أوّلًا ما لم يتجاوز محلّ العدول، بل ليس هو من قبيل العدول؛ لأنّ مورد العدول ما يكون المنوي المأتي به غير المأمور به، فيعدل في أثناء المأتي المنوي إلى المأمور به، و سيأتي ذكر موارده عن قريب. و ما نحن فيه ليس منها، بل الحكم الأوّل باقٍ، و ليس ذلك إلّا لكون المأمور به حقيقة واحدة واقعاً؛ و هو عنوان الظهر، و له الفردان: القصر و التمام، و الاختلاف بينهما اختلاف في الخصوصيات الفردية. و في «الجواهر»: و القصرية و التمامية من الأحكام اللاحقة لها، بل هما عند التأمّل الجيّد كالقنوتية مثلًا في الصلاة و عدمها(جواهر الكلام 9: 165.) فيجوز في الأماكن الأربعة التخيير ابتداءً و في الأثناء؛ لإطلاق دليل التخيير الشامل للتخيير الابتدائي و الاستمراري، و للأصل السالم عن معارضة ما يدلّ على التزام ما عزم عليه ابتداءً.

ص: 333

ص: 334

فلو نوى القصر فشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين، يبني على الثلاث، و يعالج صلاته عن الفساد من غير لزوم نية العدول، بل لا يبعد أن يتعيّن العمل بحكم الشكّ. و لا ينبغي ترك الاحتياط بنية العدول في أشباهه ثمّ العلاج ثمّ إعادة العمل (1).


1- ثمرة المسألة: أنّه لو كان القصر و الإتمام في أماكن التخيير حقيقتين مختلفتين و كان المكلّف مخيّراً ابتداءً و نوى القصر و شكّ بعد إكمال السجدتين بين الثلاث و الاثنين بطلت صلاته؛ لعدم جواز المضيّ على الشكّ في الثنائية، و العدول إلى التمام يحتاج إلى دليل، و لو كانا فردين من حقيقة واحدة و كان مخيّراً في الأثناء كالابتداء تعيّن عليه اختيار التمام بعد الشكّ المزبور؛ تجنّباً عن إبطال الصلاة في الأثناء لحرمته. و في «الجواهر»: و لأنّه كتعذّر أحد فردي المخيّر عليه؛ فيتعيّن عليه الفرد الآخر، بل قد يقال ذلك فيما كان من نيته القصر و شكّ؛ لما عرفت من عدم التعيّن بنيته عليه بحيث يكون عدولًا منه لو اختار التمام بعد ذلك(جواهر الكلام 9: 166.) انتهى. و لا ينبغي ترك الاحتياط بالعدول إلى التمام و البناء على الثلاث و إتمام الصلاة و فعل ركعة الاحتياط ثمّ إعادة العمل قصراً أو تماماً. و ممّا ذكرنا يظهر عدم صحة قياس مَن وظيفته التخيير في الأماكن الأربعة على من كان عليه قضاء قصراً و إتماماً أو على من اشتبه عليه القصر بالتمام إذا أراد قضاه في وجوب التعيين؛ إذ فرق بينه و بينهما، حيث إنّه يجب عليه كلّ من القصر و الإتمام في الموردين؛ فلذا يجب التعيين، بخلاف من وظيفته التخيير فإنّ الواجب عليه عنوان الظهر مثلًا.

ص: 335

[ (مسألة 8): لا يجب قصد الوجوب و الندب]

(مسألة 8): لا يجب قصد الوجوب و الندب، بل يكفي قصد القربة المطلقة، و الأحوط قصدهما (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب قصد الوجوب و الندب و عدمه، و ذهب جماعة كثيرة منهم الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و السيّد أبو المكارم في «الغنية» و ابن إدريس في «السرائر» و المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في كتبه، و الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «اللمعة» و غيرها، و الشهيد الثاني في كتبه و غيرهم إلى الوجوب. و يظهر من العلّامة الإجماع على قصد الوجه. و الظاهر: أنّ مراد فقهائنا من قصد الوجه هو قصد الوجوب و الندب. قال في «مفتاح الكرامة»: و في الكتب الكلامية أنّ مذهب العدلية أنّه يشترط في استحقاق الثواب على واجب أن يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه، نقل ذلك عنهم جماعة كثيرون، و ظاهرهم أنّهم مجمعون على ذلك، و لمّا كان وجه الوجوب غير ظاهر تعيّن قصد الوجوب. و في «الروض» و «الروضة» و «الكفاية» نسبة اعتبار الوجه إلى المشهور(مفتاح الكرامة 2: 321/ السطر 16.) انتهى. و في «الروضة» شرح «اللمعة»: و يكون قصده لوجوبه إشارة إلى ما يقوله المتكلّمون من أنّه يجب فعل الواجب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما من الشكر أو اللطف أو الأمر أو المركّب منها أو من بعضها على اختلاف الآراء. و وجوب ذلك أمر مرغوب عنه؛ إذ لم يحقّقه المحقّقون، فكيف يكلّف به غيرهم(الروضة البهية 1: 591.) ؟! انتهى. و كيف كان: فقد استدلّ على اشتراط قصد الوجوب بوجوه، عمدتها: أنّ الامتثال بالمأمور به لا يتحقّق إلّا بالإتيان به على وجهه المطلوب، و هذا لا يحصل إلّا بقصد الوجوب في الواجب و بقصد الندب في المندوب، و كلّ ما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية؛ فينوي الظهر مثلًا لوجوبه لتميّزه عن إيقاعها ندباً، كمن صلّى الظهر منفرداً ثمّ أدرك الجماعة. و فيه: أنّ الامتثال يحصل بنية الظهر المطلق قربة إليه تعالى؛ واجباً كان أو مندوباً، من غير تقييده بأحدهما؛ فإنّ من يصلّي الفريضة ابتداءً و فرادى لا تكون صلاته إلّا واجبة، و من أعادها ثانياً لا تقع إلّا مندوبة. فصلاة الظهر مثلًا لا يمكن وقوعها من المكلّف في وقت واحد على وجهي الوجوب و الندب حتّى يعتبر تميّز أحدهما عن الآخر بنية وجوبه أو ندبه، و الأحوط استحباباً قصدهما؛ لفتوى جماعة كثيرة به.

ص: 336

ص: 337

[ (مسألة 9): لا يجب حين النية تصوّر الصلاة تفصيلًا]

(مسألة 9): لا يجب حين النية تصوّر الصلاة تفصيلًا، بل يكفي الإجمال (1).

[ (مسألة 10): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها]

(مسألة 10): لو نوى في أثناء الصلاة قطعها، أو الإتيان بالقاطع مع الالتفات إلى منافاته للصلاة، فإن أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت، و كذا لو أتى ببعض الأجزاء، ثمّ عاد إلى النية الأُولى و اكتفى بما أتى به. و لو عاد إلى الأُولى قبل أن يأتي بشي ء لم يبطل، كما أنّ الأقوى عدم البطلان مع الإتمام أو الإتيان ببعض الأجزاء في تلك الحال؛ لو لم يلتفت إلى منافاة ما ذُكر للصلاة. و الأحوط على جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة (2).


1- قد تقدّم البحث في هذه المسألة منّا في المطلب الرابع في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في النية»، و لا نطيل بالإعادة، فراجع.
2- هنا مسائل أربع: الأُولى: إذا دخل في الصلاة واجداً لجميع الشرائط و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع بها مع الالتفات إلى أنّ نية قطعها و كذا نية إتيان القاطع منافٍ للصلاة و مع ذلك أتمّ صلاته في تلك الحال بطلت صلاته؛ و ذلك لوجوب استمرار حكم النية إلى آخر الصلاة؛ بمعنى أن لا ينقضها بنية القطع، و هو ممّا أجمع عليه أصحابنا. و علّله في «التذكرة» بأنّ العزم على فعل المحرّم محرّم، و بأنّ نية القطع تبطل النية السابقة؛ فيكون ما بعدها من الأفعال واقعاً بغير نية؛ فلا يكون معتبراً في نظر الشارع. الثانية: إذا دخل في الصلاة و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع و أتى بعض أجزائها حال النية الثانية ثمّ عاد إلى النية الأُولى و اكتفى بما أتى به من غير أن يعيده بعد العود إلى النية الأُولى، بطلت. و يظهر وجه هذه المسألة ممّا ذكرناه في المسألة الأُولى حيث إنّ بعض الصلاة وقع بلا نية. الثالثة: إذا دخل في الصلاة و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع و عاد إلى نية الصلاة بلا فصل أي قبل أن يأتي شيئاً منها في تلك الحال بل أتى بقية العمل أيضاً بالنية الأُولى، ففي صحّة الصلاة و بطلانها خلاف بين الأصحاب؛ ذهب جماعة منهم الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» و الفيض في «المفاتيح» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و الشهيد في «البيان» و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر» إلى الصحّة. قال في «المبسوط»: و استدامة حكم النية واجبة، و استدامتها معناه أن لا ينقض نيته و لا يعزم على الخروج من الصلاة قبل إتمامها، و لا على فعل ينافي الصلاة؛ فمتى فعل العزم على ما ينافي الصلاة من حدث أو كلام أو فعل خارج عنها و لم يفعل شيئاً من ذلك فقد أثم و لم تبطل صلاته؛ لأنّه لا دليل على ذلك(المبسوط 1: 102.) و في «الخلاف» أفتى أوّلًا بعدم البطلان، ثمّ قوّى البطلان، قال: إذا دخل في صلاته ثمّ نوى أنّه خارج منها، أو نوى أنّه سيخرج منها قبل إتمامها أو شكّ هل يخرج منها أو يتمّها فإنّ صلاته لا تبطل، و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي في «الأُمّ» و نصّ عليه: أنّه تبطل صلاته، و يقتضيه مذهب مالك. دليلنا: أنّ صلاته قد انعقدت صحيحة بلا خلاف، فإبطالها يحتاج إلى دليل، و ليس في الشرع ما يدلّ عليه. و أيضاً: فقد روي نواقض الصلاة و قواطعها، و لم ينقل في جملة ذلك شي ء ممّا حكيناه. و يقوى في نفسي أيضاً: أنّها تبطل؛ لأنّ من شرط الصلاة استدامة حكم النية، و هذا ما استدامها. و أيضاً: قوله (عليه السّلام) إنّما الأعمال بالنيات(وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 7.) ، و قول الرضا (عليه السّلام) لا عمل إلّا بالنية(وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 9.) يدلّ عليه، و هذا عمل بغير نية، و لأنّه يبعد أن تكون الصلاة صحيحة إذا نوى الدخول فيها ثمّ نوى فيما بعد في حال القيام و الركوع و السجود إلى آخر التسليم أنّه يفعل هذه الأفعال لا للصلاة؛ فتكون صلاته صحيحة. فهذا المذهب أولى و أقوى و أحوط(الخلاف 1: 307/ المسألة 55.) و ذهب جماعة أُخرى إلى البطلان، نسب هذا القول إلى العلّامة في «الإرشاد» و «نهاية الإحكام» و «المختلف»، و به قال الشهيد في «الذكرى» و «الدروس»، و الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروض» و «جامع المقاصد» و غيرها. و فصّل العلّامة في «القواعد» و «التحرير» بين نية القطع و الخروج من الصلاة فقوّى البطلان، و بين ما لو نوى ما ينافي الصلاة و لم يفعل فأفتى بعدم البطلان. و كيف كان: فقد استدلّ للقول بالصحّة بما حكيناه عن «المبسوط» من أنّه لا دليل على البطلان، و بالأصل أعني استصحاب الصحّة و بالإطلاقات؛ خصوصاً مثل قوله (عليه السّلام) لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و بأنّه لا يتصوّر مانع عن الصحّة عدا فقد النية، و المفروض العود إلى النية الأُولى قبل أن يأتي شيئاً من الصلاة، و وقوع جميع أجزاء الصلاة مع النية. و استدلّ للقول بالبطلان بوجوه عديدة، نذكر بعضها: منها: أنّه يشترط في نية الصلاة مقارنتها للجزء الأوّل، و النية الثانية لا تكون مقارنة له. و أُجيب عنه بأنّ الجزء الأوّل من العمل مقارن للنية إلّا أنّها زالت ثمّ عادت، و المفروض وقوع كلّ جزء من أجزاء العبادة بنية القربة و داعي امتثال أمر المولى. و منها: أنّ نية القطع أو إتيان القاطع يوجب عدم قابلية انضمام بقية أجزاء العمل للأجزاء السابقة. و فيه: أنّه أوّل الكلام، بل المقتضي لقابلية الانضمام موجود؛ و هو العود إلى النية الأُولى. و منها: قيام الإجماع على اعتبار الاستدامة في النية، و هي منتفية بنية الخروج أو إتيان القاطع. و فيه: أنّ المراد من الاستدامة في النية صدور كلّ جزء من أجزاء العمل بداعي امتثال أمره لا بداعٍ آخر. قال في «الجواهر» مزجاً بالمتن: لا إشكال في وجوب الاستدامة، لكن بمعنى عدم خلوّ جزء من الصلاة عنها؛ فلو نوى الخروج حينئذٍ من الصلاة بعد أن حصلت النية الصحيحة منه ثمّ رفض ذلك قبل أن يقع منه شي ء من أفعال الصلاة و عاد إلى النية الأُولى لم تبطل الصلاة على الأظهر؛ وفاقاً للمحكي عن «الخلاف» و غيره، و اختاره شيخنا في «كشفه». إلى أن قال: فالاستدلال حينئذٍ على البطلان بأنّ الاستمرار على حكم النية السابقة واجب إجماعاً كما تقدّم، و مع نية الخروج يرتفع الاستمرار غير متّجه، بل ردّه في «المدارك» بأنّ وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقيقة الصلاة؛ فلا يكون فوته مقتضياً لبطلانها؛ إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النية كيف حصلت(جواهر الكلام 9: 177 179.) انتهى. و منها: اشتراط وجود النية في جميع آنات العمل، و هو الظاهر من قوله (عليه السّلام): و لا عمل إلّا بنية. و فيه: منع كون الظاهر منه ما ذكر، بل الظاهر منه تحقّق أجزاء العمل كلّها بنية القربة، و المفروض تحقّقها. الرابعة: إذا دخل في الصلاة و نوى في أثنائها قطعها أو الإتيان بالقاطع، و لم يفعل ما نواه بل أتمّها أو أتى بعض الأجزاء في تلك الحال من غير التفات إلى منافاة ما ذكر للصلاة، فالأقوى عدم البطلان؛ و ذلك لأنّه مع عدم الالتفات إلى المانعية و القاطعية لم ينو عدم الصلاة. قال في «كشف اللثام»: إذا قصد أن يفعل المنافي للصلاة فإن كان متذكّراً للمنافاة لم ينفكّ عن قصد الخروج، و إن لم يكن متذكّراً لها لم تبطل إلّا معه على إشكال(كشف اللثام 3: 410.) انتهى. و قد عرفت من «المبسوط» عدم البطلان مع العزم على ما ينافي الصلاة مع عدم فعله، هذا مع الالتفات إلى المنافاة فكيف مع عدم الالتفات؟! فلا يبطل. و الأحوط في جميع التقادير الإتمام ثمّ الإعادة؛ لفتوى جماعة بقادحية مجرّد نية الخروج و إتيان القاطع في صحّة الصلاة.

ص: 338

ص: 339

ص: 340

ص: 341

[ (مسألة 11): لو شكّ فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً]

(مسألة 11): لو شكّ فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصرا، و يدري أنّه لم يأتِ بالظهر، ينويها ظهراً في غير الوقت المختصّ بالعصر (1)،


1- سيأتي حكم الشك فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً في الوقت المختصّ بالعصر مع العلم بعدم إتيان الظهر و أنّه يرفع اليد عنه و استأنف العصر إن أدرك ركعة من الوقت. و أمّا وجه نية ما في يده ظهراً في فرض المسألة: فهو أنّ المفروض عدم إتيان الظهر قطعاً، و حينئذٍ فإن كان ما بيده ظهراً واقعاً مع الغفلة عنه ثمّ شكّ في كونه ظهراً يتعيّن للظهرية طبعاً، و إن كان في الواقع عصراً مع فرض العلم بعدم إتيان الظهر قبلًا وجب العدول إليه. و دعوى اختصاص ذلك في المعلوم أنّه العصر لا المشكوك فيه يدفعها وضوح أولوية المقام منه. فرع: لو فرغ عن الرباعية و شكّ في أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً بنى على الصحّة؛ إذ الواقع إمّا ظهر أو عصر، و كلّ منهما صحيح؛ فيبرأ حينئذٍ قطعاً برباعية مردّدة بين الظهر و العصر.

ص: 342

و كذا لو شكّ في إتيان الظهر على الأقوى (1). و أمّا في الوقت المختصّ به، فإن علم أنّه لم يأتِ بالعصر، رفع اليد عنها و استأنف العصر إن أدرك ركعة من الوقت، و قضى الظهر بعده. و إن لم يُدرك رفع اليد عنها و قضى الصلاتين. و الأحوط الذي لا يُترك إتمامها عصراً مع إدراك بعض الركعة ثمّ قضاؤهما (2).


1- و ذلك لاستصحاب عدم إتيان الظهر فينوي ما بيده ظهراً، كمن شرع في العصر و شكّ في أثنائه في إتيان الظهر فإنّه يجب عليه العدول إليه ثمّ استئناف العصر.
2- إذا شرع في الصلاة الرباعية في الوقت المختصّ بالعصر و شكّ في أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً وجب قطعها و رفع اليد عنها، و لا تصلح لنية الظهر في الأثناء لاختصاص الوقت بالعصر، و لا لنية العصر لاشتراط مقارنة النية لأوّل جزء من العمل؛ فالواجب رفع اليد عمّا بيده و استئناف العصر مع إدراك ركعة منه في الوقت و قضاء الظهر بعده. و مع عدم إدراك ركعة يرفع اليد عنه و يقضي الصلاتين، و الأحوط وجوباً إتمام ما بيده مع إدراك بعض الركعة في الوقت المختصّ بالعصر؛ و ذلك لأنّ المفروض أنّه شرع في الصلاة في الوقت المختصّ بالعصر مع تحقّق النية مقارناً للجزء الأوّل منها، و من المحتمل أنّه نواها عصراً و أنّ بعض الركعة تتمّة العصر واقعاً و يكون رفع اليد عنه محرّماً.

ص: 343

و إن لم يدرِ إتيان الظهر فلا يبعد جواز عدم الاعتناء بشكّه، لكن الأحوط قضاؤه أيضاً (1). و لو علم بإتيان الظهر قبل ذلك يرفع اليد عنها و يستأنف العصر (2). نعم لو رأى نفسه في صلاة العصر، و شكّ في أنّه من أوّل الأمر نواها أو نوى الظهر، بنى على أنّه من أوّل الأمر نواها (3).


1- مفروض المسألة: أن يدخل في الصلاة في الوقت المختصّ بالعصر و شكّ في أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً مع الشكّ في إتيان الظهر. لا يبعد أن يقال بجواز عدم الاعتناء بشكّه و البناء على كون ما بيده عصراً، و لا يلزمه قضاء الظهر؛ لقاعدة الشكّ بعد الوقت، و الأحوط استحباباً قضاء الظهر، و يأتي البحث فيه في مسائل «القول في الشكّ في الصلاة».
2- إذا شكّ فيما بيده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً و علم بإتيان الظهر قبل ذلك لا يجوز له نية العصر حين الشكّ في الأثناء؛ لما تقدّم من اشتراط مقارنة النية لأوّل جزء من العمل، بل يرفع اليد عنها و يستأنف؛ سواء كان في الوقت المختصّ بالعصر أو في الوقت المشترك.
3- يعني أنّه لا يشكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر؛ لعلمه بإتيان الظهر و أنّ ما بيده عصرٌ قطعاً، إلّا أنّه يشكّ في أنّه نوى العصر حين الشروع في الصلاة أو نوى الظهر؛ فيرجع شكّه في الحقيقة إلى الشكّ في صحّة الجزء الأوّل من الصلاة من جهة الشكّ في مقارنة نية العصر بذلك الجزء؛ فيجري قاعدة التجاوز. و من بياننا هذا يظهر دفع ما استشكل في «المستمسك» و بعض حواشي «العروة» بأنّ صدق عنوان الشكّ بعد التجاوز يتوقّف على أن يكون للمشكوك فيه محلّ موظّف له بحيث يكون تركه فيه تركاً لما ينبغي أن يفعل، و ذلك غير حاصل مع الشكّ في النية(مستمسك العروة الوثقى 6: 43.) انتهى.

ص: 344

[ (مسألة 12): يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى في مواضع]

(مسألة 12): يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى في مواضع:

منها: في الصلاتين المرتّبتين كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الاولى سهواً أو نسياناً، فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء و لم يتجاوز محلّ العدول. بخلاف ما إذا تذكّر بعد الفراغ، أو بعد تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء، فتذكّر ترك المغرب، فلا عدول، بل يصحّ اللاحقة، فيأتي بعدها بالسابقة في الفرض الأوّل أي التذكّر بعد الفراغ بل في الفرض الثاني أيضاً لا يخلو من قوّة؛ و إن كان الأحوط الإتمام ثمّ الإتيان بالمغرب و العشاء مترتّباً (1).


1- مقتضى الأصل عدم جواز العدول من صلاة إلى أُخرى، و أنّ الصلاة على ما نويت لا تنقلب إلى غيرها بالنية، و الأمر المتعلّق بإحداهما غير الأمر المتعلّق بالأُخرى، و لا بدّ في كلّ منهما من قصد امتثال أمره، و لا يسقط بإتيان إحداهما مع قصد أمرها امتثال أمر الأُخرى. و كذا في أبعاض الصلاة؛ فالبعض المنوي من صلاة المأتي به لا يكفي في سقوط الأمر الضمني القائم بالبعض المماثل من صلاة أُخرى. نعم يجوز العدول في موارد خاصّة بدليل خاصّ: منها الصلاتان المرتّبتان، كالظهرين و العشاءين إذا دخل في الثانية قبل الاولى سهواً أو نسياناً؛ فإنّه يجب أن يعدل إليها إن تذكّر في الأثناء. و يدلّ على وجوب العدول من العصر إلى الظهر صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين و قم فصلّ العصر(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاولى، قال فليجعلها الأُولى التي فاتته و يستأنف العصر، و قد قضى القوم صلاتهم(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.) و معتبرة الحسن بن زياد الصيقل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي الأُولى حتّى صلّى ركعتين من العصر، قال فليجعلها الاولى و ليستأنف العصر.(وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.) الحديث، و الحسن بن زياد الصيقل و إن كان مجهول الحال لكن رواياته عن المعصوم أو عن الموثوق به معتبرة؛ لنقل أصحاب الإجماع عنه، كيونس بن عبد الرحمن و أبان بن عثمان و حمّاد بن عثمان. و يدلّ على العدول من العشاء إلى المغرب صحيح زرارة المتقدّم و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة. و ذيل صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أُخرى، فقال إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن كان ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ معلّى بن محمّد في سند الحديث قد وثّقه ابن قولويه و الصدوق حيث وقع في طريق «كامل الزيارات» في الباب الخمسين في كرامة اللَّه تبارك و تعالى لزوّار الحسين بن علي (عليهما السّلام)، و في طريق «من لا يحضره الفقيه». و لا ينافي وثاقته قول النجاشي في حقّه: إنّه مضطرب المذهب و الحديث؛ لأنّ الاضطراب في مذهبه على فرض ثبوته لا ينافي الوثاقة، كأبناء فضّال و غيرهم من الموثّقين. و الاضطراب في الحديث أيضاً لا ينافيها؛ لأنّ الاضطراب في الحديث معناه أنّه قد يروي ما يعرف و قد يروي ما ينكر، و رواية ما ينكر لا ينافي الوثاقة. و كذا لا ينافي وثاقته قول ابن الغضائري في حقّه: إنّه يروي عن الضعفاء؛ لأنّ الاعتماد إنّما هو على الروايات التي يرويها عن الثقات لا مطلقاً. ثمّ إنّ في ذيل معتبرة الحسن بن زياد الصيقل ما يدلّ على وجوب إتمام العشاء و عدم جواز العدول منها إلى المغرب. قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّى ركعتين من العشاء ثمّ ذكر، قال فليتمّ صلاته ثمّ ليقض بعد المغرب. الحديث، و لكن هذا محمول على تضيّق وقت العشاء، مضافاً إلى أنّه معرض عنه عند الأصحاب. و لا يخفى: أنّ العدول من اللاحقة إلى السابقة إنّما هو إذا تذكّر في الأثناء و لم يتجاوز محلّ العدول. و أمّا إذا تذكّر بعد الفراغ صحّت اللاحقة و يأتي بعدها السابقة؛ و ذلك لإطلاق حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الوقت و الطهور و القبلة و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و الترتيب بينهما شرط ذكرى لا واقعي. و كذا صحّت اللاحقة إذا تذكّر في الأثناء و قد تجاوز محلّ العدول، كما إذا دخل في ركوع الركعة الرابعة من العشاء؛ فيصحّ ما بيده عشاء و لا يعيدها و يأتي بعدها المغرب؛ و ذلك لإطلاق حديث لا تعاد و شموله صورة الذكر في الأثناء. و قد أفتى السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بالبطلان فيما تذكّر في الأثناء بعد تجاوز المحلّ، و هو الظاهر من صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) في مبحث قضاء الصلوات، و لعلّه لاختصاص سقوط الترتيب في النصوص بما كان الذكر بعد الفراغ. و فيه: أنّ الاختصاص المذكور لا ينافيه شمول إطلاق حديث لا تعاد للذكر في الأثناء، و الأحوط استحباباً إتمام ما بيده عشاءً ثمّ الإتيان بالمغرب و العشاء مترتّباً عملًا لكلا القولين في المسألة. ثمّ إنّ السيّد (رحمه اللَّه) قال في «العروة الوثقى»: إنّ الأظهر في العصر المقدّم على الظهر سهواً صحّتها و احتسابها ظهراً إن كان التذكّر بعد الفراغ؛ لقوله (عليه السّلام) إنّما هي أربع مكان أربع في النص الصحيح، انتهى(العروة الوثقى 1: 520.) مراده من النصّ الصحيح هو صحيح زرارة المتقدّم قال إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثمّ صلّ العصر؛ فإنّما هي أربع مكان أربع(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) أقول: الذي يسهّل الأمر هو أنّ الصحيح المذكور معرض عنه عند الأصحاب بالنسبة إلى الذكر بعد الفراغ، كإعراضهم عن صحيح الحلبي المتّحد مضموناً مع صحيح زرارة بالنسبة إلى الذكر بعد الفراغ، قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الاولى حتّى صلّى العصر، قال فليجعل صلاته التي صلّى الاولى ثمّ ليستأنف العصر(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 4.) ؛ حتّى أنّ السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى» قال بإعراض الأصحاب عن الصحيح المزبور، مع قوله (رحمه اللَّه) بعدم حجّية الشهرة قبال الخبر الصحيح.

ص: 345

ص: 346

ص: 347

ص: 348

و كذا الحال في الصلاتين المقضّيتين المترتّبتين، كما لو فات الظهران أو العشاءان من يوم واحد، فشرع في قضائهما مقدّماً للثانية على الاولى فتذكّر. بل الأحوط لو لم يكن الأقوى أنّ الأمر كذلك في مطلق الصلوات القضائيّة (1).

و منها: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً، فإنّه يستحبّ أن يعدل إليه مع بقاء المحلّ إلّا إذا خاف فوت وقت فضيلة ما بيده، فإنّ في استحبابه تأمّلًا، بل عدمه لا يخلو من قوّة (2).


1- العمدة في دليل جواز العدول من صلاة إلى أُخرى في مطلق الصلوات القضائية خصوصاً فيما كان الترتيب معتبراً في أدائها كالظهرين و العشاءين من يوم واحد هو الإجماع. و أمّا النصوص فموردها العدول من الحاضرة إلى الحاضرة أو من الحاضرة إلى الفائتة، كما في صحيحي زرارة و عبد الرحمن بن أبي المتقدّمين؛ فلا يتمّ الاستدلال بها على جواز العدول من الفائتة إلى الفائتة إلّا بإلغاء خصوصية المورد أو بالأولوية.
2- هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه، و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم: و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها ركعتين ثمّ تسلّم ثمّ تصلّي المغرب. إلى أن قال (عليه السّلام) و إن كنت ذكرتها أي العشاء و أنت في الركعة الأُولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه المتقدّم و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ جواز العدول من الحاضرة إلى الفائتة مبني على القول بعدم وجوب الفور في قضاء الفائتة و عدم وجوب الترتيب بين الفائتة و الحاضرة، و إلّا يكون العدول واجباً. و إنّ استحباب العدول من الحاضرة إلى الفائتة منوط على استحباب تقديم الفائتة على الحاضرة و عدم فوت وقت فضيلة الحاضرة.

ص: 349

و منها: العدول من الفريضة إلى النافلة، و ذلك في موضعين:

أحدهما: في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة الجمعة، و قرأ سورة أُخرى، و بلغ النصف أو تجاوز (1).


1- هنا مسألتان: الأُولى: يجوز العدول من الفريضة إلى النافلة لمن دخل في ظهر يوم الجمعة في صلاة الظهر أو الجمعة و نسي قراءة سورة الجمعة و قرأ سورة أُخرى؛ وفاقاً للأكثر بل المشهور، و في «الجواهر»: بل لا أجد فيه خلافاً. و يدلّ عليه صحيح صباح بن صبيح قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ، قال يتمّ ركعتين ثمّ يستأنف(وسائل الشيعة 6: 159، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 72، الحديث 2.) الثانية: يجوز العدول من سورة إلى سورة أُخرى ما لم يبلغ النصف، عدا سورة التوحيد و الجحد فإنّه لا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، بل من إحداهما إلى الأُخرى بمجرّد الشروع فيهما و لو بالبسملة. نعم يجوز العدول منهما إلى سورة الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة و في الجمعة؛ فإذا نسي فيهما سورة الجمعة أو المنافقين و قرأ سورة أُخرى أيّ سورة كانت يعدل منها إليهما مطلقاً أي و لو بلغ النصف، بل و لو تجاوز النصف إلّا في التوحيد و الجحد؛ فإنّه يعدل منهما إليهما ما لم يبلغ النصف، و يأتي تفصيل الكلام في هذه المسألة في مبحث القراءة إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 350

ثانيهما: فيما إذا كان متشاغلًا بالصلاة و أُقيمت الجماعة و خاف السبق، فيجوز له العدول إلى النافلة و إتمامها ركعتين ليلحق بها (1).


1- و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة، قال فليصلّ ركعتين ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام، و ليكن الركعتان تطوّعاً(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلها تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلّي ركعة أُخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع؛ فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه(وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّه يجوز العدول من الفريضة إلى النافلة مطلقاً و إن لم يخف سبق الجماعة عليه، بل مع حصول الاطمئنان بإتمام صلاته قبل إقامة الجماعة؛ و ذلك لإطلاق الصحيح و الموثّق المزبورين.

ص: 351

[ (مسألة 13): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض]

(مسألة 13): لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض، و لا من النفل إلى النفل حتّى فيما كان كالفرائض في التوقيت و السبق و اللحوق. و كذا لا يجوز من الفائتة إلى الحاضرة، فلو دخل في فائتة ثمّ ذكر في أثنائها أنّ الحاضرة قد ضاق وقتها، قطعها و أتى بالحاضرة، و لا يجوز العدول عنها إليها (1).


1- عدم جواز العدول في الموارد المذكورة في المتن إنّما هو لأصالة المنع منه، و ليس في شي ء من النصوص إشارة إلى جوازه فيها، بل يتعيّن له قطع ما بيده و استئناف ما يقصده من الصلاة على قول قوي. و قد تقدّم أنّ الأفعال إنّما تشخّص بالنية، و المفروض أنّ ما مضى من الفعل قد وقع بنية مشخّصة للمنوي، فقلبه إلى آخر محتاج إلى دليل. و نسب إلى «المفاتيح» جواز النقل من النفل إلى الفرض مطلقاً، و إلى الشيخ جوازه للصبي البالغ في أثناء الصلاة. و أورد عليه في «الجواهر» بأنّه يمكن أن لا يكون من العدول و إن كان يجب عليه أن يجدّد نية الفرض في الباقي على قول؛ إذ معناه جعل الجميع ما مضى منه و ما بقي على ذلك الوجه(جواهر الكلام 9: 197.) انتهى.

ص: 352

و كذا لا يجوز في الحاضرتين المرتّبتين من السابقة إلى اللاحقة، بخلاف العكس، فلو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانه، فبان في الأثناء إتيانه، لم يجز له العدول إلى العصر (1)، و إذا عدل في موضع لا يجوز العدول، لا يبعد القول بصحّة المعدول عنه لو تذكّر قبل الدخول في ركن، فعليه الإتيان بما أتى بغير عنوانه بعنوانه (2).


1- قد تقدّم: أنّه يجوز العدول من الحاضرة اللاحقة إلى السابقة حاضرةً كانت السابقة أو فائتة لكونه منصوصاً، و أنّه لا يجوز العدول من الحاضرة السابقة إلى اللاحقة، كما لو دخل في الظهر بتخيّل أنّه لم يصلّها فبان في الأثناء أنّه فعلها لم يجز له العدول منها إلى العصر؛ لما ذكر من أصالة المنع منه و عدم الإشارة إلى جوازه في النصوص.
2- في المسألة قولان: الأوّل: بطلان كلتا الصلاتين المعدول عنها و المعدول إليها: أمّا بطلان المعدول عنها فلفوات نيتها بالعدول عنها، و فوات النية موجب للبطلان. و أمّا بطلان المعدول إليها فلأنّ المفروض كون العدول من موارد عدم النصّ على جوازه، فيبقى على أصالة المنع. الثاني: صحّة المعدول عنها لو تذكّر قبل الدخول في الركن؛ إذ ليس فيه إلّا فعل بعض أجزاء المعدول إليها في الأثناء سهواً، و هو غير قادح إذا وقع سهواً و لم يكن ركناً. و فيه: أنّ انتفاء النية في المعدول عنها كافٍ في بطلانها؛ فالقول الأوّل لا يخلو من قوّة.

ص: 353

[ (مسألة 14): لو دخل في ركعتين من صلاة الليل]

(مسألة 14): لو دخل في ركعتين من صلاة الليل مثلًا بقصد الركعتين الثانيتين، فتبيّن أنّه لم يصلّ الأوّلتين، صحّت و حُسبت له الأوّلتان قهراً. و ليس هذا من باب العدول و لا يحتاج إليه؛ حيث إنّ الأوّليّة و الثانويّة لا يعتبر فيها القصد، بل المدار على ما هو الواقع (1).


1- و في «العروة الوثقى»: و كذا في نوافل الظهرين، و كذا إذا تبيّن بطلان الأوّلتين. و ليس هذا من باب العدول، بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أوّلتين أو ثانيتين؛ فتحسب على ما هو الواقع، نظير ركعات الصلاة حيث إنّه لو تخيّل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلًا فبان أنّها الاولى أو العكس أو نحو ذلك لا يضرّ و يحسب على ما هو الواقع(العروة الوثقى 1: 626.) انتهى.

ص: 354

[القول في تكبيرة الإحرام]

القول في تكبيرة الإحرام و تسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً (1)، و صورتها «اللَّه أكبر»، و لا يجزي غيرها و لا مرادفها من العربيّة، و لا ترجمتها بغير العربية (2). و هي ركن تبطل الصلاة بنقصانها عمداً و سهواً، و كذا بزيادتها، فإذا كبّر للافتتاح ثمّ زاد ثانية له أيضاً بطلت الصلاة و احتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها برابعة احتاج إلى خامسة و هكذا (3).


1- تسميتها بتكبيرة الافتتاح مستفادة من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة من أبواب تكبيرة الإحرام، و يستفاد منها أنّ التكبير أوّل جزء من الصلاة و أنّ الصلاة تفتح به، و القيام و إن كان مقارناً للتكبير لكنّه على القول بكونه جزءً يكون متأخّراً عنه رتبة؛ لكونه واجباً حال التكبير.
2- و العمدة في الدليل على كون صورة تكبيرة الإحرام هي لفظة «اللَّه أكبر» و أنّ غيرها لا يجزي هو الإجماع، و أنّ الصورة المعهودة هي المتعارفة من التكبير، و هي المنقولة من صاحب الشرع و التابعين له. و في مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللَّه أكبر بسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11.)
3- الدليل على بطلان الصلاة بنقصان تكبيرة الإحرام عمداً و سهواً مضافاً إلى الإجماع المنقول المستفيض، بل المحصّل هو الأخبار المستفيضة. كصحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل ينسي تكبيرة الافتتاح، قال يعيد(وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح ذريح بن محمّد المحاربي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل ينسي أن يكبّر حتّى قرأ، قال يكبّر(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 4.) و صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أقام الصلاة فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة، قال يعيد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 3.) و صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل ينسي أن يفتتح الصلاة حتّى يركع، قال يعيد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 5.) و موثّق عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل سهى خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال يعيد الصلاة، و لا صلاة بغير افتتاح(وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.) ، و غيرها من روايات الباب. و يعارض هذه الأخبار ما ورد من الأمر بالمضيّ في الصلاة لمن نسي التكبير و دخل في الصلاة؛ ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة، فقال أ ليس كان من نيته أن يكبّر؟ قلت: نعم، قال فليمض في صلاته(وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 9.) و موثّق أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل قام في الصلاة فنسي أن يكبّر فبدأ بالقراءة، فقال إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبّر، و إن ركع فليمض في صلاته(وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 10.) و صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل نسي أن يكبّر تكبيرة الافتتاح حتّى كبّر للركوع، فقال أجزأه(وسائل الشيعة 6: 16، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 3، الحديث 2.) و في «الوسائل»: حمله الشيخ على الشكّ دون اليقين، و فيه: أنّ الحمل المذكور على فرض إمكانه في صحيح الحلبي و البزنطي لا يمكن القول به في موثّق أبي بصير، حيث إنّ الظاهر منه التذكّر و اليقين بتركه كما لا يخفى. و الأولى أن يقال: إنّ الأخبار الآمرة بالمضيّ مطروحة؛ لكونها مخالفة للإجماع و موافقة لمذهب بعض العامّة القائلين بالاكتفاء بنية التكبير و إن لم يتلفّظ به. بقي الكلام في بطلان الصلاة بزيادة التكبير بنية الافتتاح و عدمه: ظاهر كلام صاحب «المدارك» و صاحب «الحدائق» عدم البطلان مطلقاً، قال في «المدارك»: و يمكن المناقشة في هذا الحكم أعني البطلان بزيادة التكبير إن لم يكن إجماعياً؛ فإنّ أقصى ما يستفاد من الروايات بطلان الصلاة بتركه عمداً و سهواً، و هو لا يستلزم البطلان بزيادته(مدارك الأحكام 3: 322.) انتهى. و صاحب «الحدائق» بعد نقل نفي الخلاف عن الأصحاب في بطلان الصلاة بالتكبير الثاني بنية الافتتاح بعد التكبير الأوّل المنوي فيه الافتتاح قال: و هذا الحكم مبني على أنّ زيادة الركن موجبة للبطلان كنقصانه، و هو على إطلاقه مشكل. و أخبار هذه المسألة قد دلّت على البطلان بترك التكبير عمداً أو سهواً، و أمّا بطلانها بزيادة فلم نقف له على نصّ. و كون الركن تبطل الصلاة بزيادته و نقيصته عمداً و سهواً مطلقاً و إن اشتهر ظاهراً بينهم إلّا أنّه على إطلاقه مشكل؛ لتخلّف جملة من الموارد عن الدخول تحت هذه الكلّية، كما يأتي بيانه كلّه في محلّه(الحدائق الناضرة 8: 31.) انتهى. و في «المستمسك»: بل قد لا تتصوّر الزيادة عمداً فيها بناءً على المشهور من بطلان الصلاة بنية الخروج؛ فإنّ قصد الافتتاح بها أي بالتكبيرة الثانية مستلزم لنية الخروج عمّا مضى من الصلاة؛ فتبطل الصلاة في رتبة سابقة على فعلها. اللهمّ إلّا أن يبنى على عدم الاستلزام المذكور أو على أنّ المبطل نية الخروج بالمرّة لا في مثل ما نحن فيه(مستمسك العروة الوثقى 6: 54.) انتهى. و عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: أنّ بطلان الصلاة بالتكبيرة الثانية لأجل كونها منهياً عنها؛ فتكون باطلة و مبطلة. و عن الشيخ الأنصاري: أنّها تشريع و هو محرّم؛ فيكون باطلة و مبطلة. و يرد عليهما: أنّه لم يثبت كونها منهياً عنها و تشريعاً. و بالجملة: فلم يقم دليل معتنى به على بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الافتتاح، و حينئذٍ فإن قام الإجماع على البطلان بالزيادة فهو، و إلّا فلا تبطل. و الظاهر تحقّق الشهرة العظيمة على البطلان، و المختار هو البطلان.

ص: 355

ص: 356

ص: 357

و يجب في حالها القيام منتصباً، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت (1)،


1- و يدلّ على وجوب القيام حال التكبير مضافاً إلى الإجماع الأخبار المعتبرة المتضمّنة لفعل المعصوم (عليه السّلام)، حيث إنّه كبّر قائماً منتصباً؛ ففي صحيح حمّاد بن عيسى فقلت: جعلت فداك فعلّمني الصلاة، فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و هذا الحديث شامل لجملة من الأقوال و الأفعال الغير الواجبة و عدم وجوب تلك الجملة ثبت بالدليل. و يدلّ عليه أيضاً صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ، قال الصحيح يصلّي قائماً، و قعوداً: المريض يصلّي جالساً، و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً(وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 2.) و مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، قال النحر: الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره.(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 3.) الحديث. صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 1.) و ذيل موثّق عمّار بن موسى الساباطي، قال: سألت أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود فنسي حتّى قام و افتتح الصلاة و هو قائم ثمّ ذكر، قال يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يعتدّ بافتتاحه و هو قاعد(وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال له استقبل القبلة بوجهك و لا تقلب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك؛ فإنّ اللَّه عزّ و جلّ يقول لنبيه في الفريضة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ*(البقرة( 2): 150.) و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه في صلاته فلا صلاة له، و اخشع ببصرك للَّه عزّ و جلّ و لا ترفعه إلى السماء، و ليكن حذاء وجهك في موضع سجودك(وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 3.) ثمّ إنّ الأخبار المذكورة بعضها يدلّ على وجوب القيام في الصلاة و تكبيرة الإحرام جزء من الصلاة فيجب فيها، و بعضها يدلّ على وجوبه حال الانتصاب في خصوص التكبير.

ص: 358

ص: 359

بل لا بدّ من تقديمه عليها مقدّمة (1)؛


1- و في «الجواهر»: بل قد يظهر منه أي من موثّق عمّار كغيره أيضاً اعتبار سبق القيام على التكبير كما هو مقتضى المقدّمية أيضاً فلا يكفي مقارنة التكبير لأوّل مصداق القيام حينئذٍ(جواهر الكلام 9: 223.) انتهى. وجه الظهور: أنّ «الفاء» في قوله (عليه السّلام) و يقوم فيفتتح للترتيب باتّصال.

ص: 360

من غير فرق في ذلك بين المأموم الذي أدرك الإمام راكعاً و غيره، بل ينبغي التربّص في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّاً قائماً منتصباً (1). و الأحوط أنّ الاستقرار في القيام كالقيام في البطلان بتركه عمداً أو سهواً، فلو ترك الاستقرار سهواً أتى بالمنافي احتياطاً، ثمّ كبّر مستقرّاً، و أحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّاً (2).


1- و في «الجواهر»: بل مقتضى المقدّمة التربّص للمأموم في الجملة حتّى يعلم وقوع التكبير تامّاً معه، انتهى(نفس المصدر: 225.) و الأحوط بل الأقوى لزوم التربّص في الجملة بعد التكبير للمأموم الذي يدرك الإمام في الركوع؛ و ذلك لمكان «ثمّ» في صحيح سليمان بن خالد المتقدّم كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثمّ ركع.
2- قال في «المستمسك»: و في «الجواهر»: الإجماع متحقّق على اعتباره فيه(مستمسك العروة الوثقى 6: 62.) و لم نجد في «الجواهر» عين العبارة المذكورة، نعم الظاهر منه قبول الإجماع على اعتبار الاستقرار و الطمأنينة حال القيام في تكبيرة الإحرام، قال: فمن إطلاق النصوص و أكثر الفتاوى و صريح البعض يستفاد أنّه لا فرق في ذلك بين العمد و النسيان، و لا بين المنفرد و المأموم، بل لا خلاف أجده فيه كأصل الحكم الذي نقل الإجماع عليه في المحكي من «إرشاد الجعفرية» و غيره، إلّا ما يحكى عن الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» من أنّه إن كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته، و لا ريب في ضعفه(جواهر الكلام 9: 224.) انتهى. و وجه الاحتياط في الإتمام ثمّ الإعادة بتكبير مستقرّاً الجمع بين فتوى الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» بصحّة الصلاة فيما أتى ببعض التكبير منحنياً في الجماعة و فتوى غيره بالإعادة مطلقاً.

ص: 361

[ (مسألة 1): الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء]

(مسألة 1): الأحوط ترك وصلها بما قبلها من الدعاء ليحذف الهمزة من «اللَّه»، و الظاهر جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة، فيظهر إعراب راء «أكبر»، و الأحوط تركه أيضاً. كما أنّ الأحوط تفخيم اللام و الراء، و إن كان الأقوى جواز تركه (1).


1- اختلف فقهاؤنا في جواز وصل تكبيرة الإحرام بما قبلها من تهليل الإقامة و بعض الأدعية الواردة بالخصوص؛ فقال جماعة منهم الشهيد في «الذكرى» و «الروض» و صاحب «جامع المقاصد» و النراقي في «مستند الشيعة» و غيرهم بعدم جوازه و أنّ الوصل يوجب بطلان التكبيرة. و عن الشهيد في «الذكرى» و «الروض»: أنّ التكبير الوارد من صاحب الشرع إنّما كان بقطع الهمزة. و استدلّوا بأنّ المعلوم من الشرع هو أنّ المأمور به هو خصوص اللفظ المعهود بحروفها المعلومة «اللَّه أكبر» بلا زيادة و لا نقيصة، و مقتضى الوصل نقصانه بسقوط همزة الوصل في الدرج؛ فالواجب الوقوف بعد التهليل و الدعاء ثمّ الابتداء بالتكبير، و يقطع حينئذٍ بفراغ الذمّة من المأمور به؛ إذ لو أتى بصورة أُخرى غير معلومة يشكّ في البراءة بعد القطع باشتغال الذمّة. و فيه: أنّا نسلّم ما ذكروه لو ثبت بدليل معتبر أنّ المنقول من صاحب الشرع قطع الهمزة، و أنّ المتيقّن هو التلفّظ بهمزة «اللَّه»، و أنّى لهم بإثباته؟! و في «الجواهر»: قلت: الشأن في إثبات وجوب القطع في الشرع؛ إذ دعوى أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لم يأت بها إلّا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد لها، لو سلّمنا دلالة مثله و لم نقل: إنّه لا ينافي ما دلّ على عدم اعتبار غير الجريان على القانون العربي فيها و في غيرها من الأذكار الصلاتية. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ المتيقّن من فعل النبي و الصحابة و التابعين ذلك؛ فالاقتصار عليه هو المناسب للاحتياط؛ خصوصاً مع عدم معروفية المخالف بخصوصه، بل نفاه في «المفاتيح»(جواهر الكلام 9: 206.) انتهى موضع الحاجة. و قال جماعة كثيرة من فقهائنا بجواز الوصل بما قبلها. و استدلّوا عليه بأنّ همزة «اللَّه» وصلٌ و مقتضى القاعدة العربية سقوطها في الدرج، و أنّ الأصل البراءة من مانعية الوصل. و لا يترك الاحتياط بالتلفّظ بالهمزة؛ لكون الاجتزاء به من القدر المتيقّن حيث تردّد الأمر بين أن يكون الواجب هو تعيّن التلفّظ بالهمزة و عدم إسقاطها بالوصل بما قبلها، و بين أن يكون هو إتيان تكبيرة الإحرام و لو بغير الصورة المعهودة بحذف همزة «اللَّه»، و المرجع في التردّد المزبور هو الاحتياط. ثمّ لا يخفى ما في كلام صاحب «الحدائق» من التهافت؛ فقال في الأمر الثاني من فروع المسألة الثانية من مسائل «الفصل الثاني في تكبيرة الإحرام» ببطلان الصلاة بزيادة حرف أو نقصانه قال: الثاني التكبير الواجب المنقول عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أئمّة الهدى (عليهم السّلام) بصيغة «اللَّه أكبر»؛ فيتعيّن الإتيان بها؛ لأنّها عبادة مبنية على التوقيف، و هذا هو الذي ورد فيها، فلو زاد حرفاً أو نقص حرفاً أو عوّض كلمة مكان كلمة أو نحو ذلك ممّا يتضمّن الخروج عن هذه الصيغة بطلت صلاته اتّفاقاً، إلّا من ابن جنيد فإنّه نقل عنه في «الذكرى» القول بانعقادها بلفظ «اللَّه الأكبر»(الحدائق الناضرة 8: 31.) انتهى. و في الأمر الرابع قد ردّ أدلّة القائلين بعدم جواز حذف همزة «اللَّه» بالوصل بما قبلها، و طالب عن القائلين به دليلهم عليه و قال: ما ذكروه من أنّ المنقول عن صاحب الشرع قطع الهمزة لا أعرف له مستنداً و لا به رواية.(نفس المصدر: 34.) إلى آخر ما ذكره. هذا، و يمكن أن يكون مراده من الحرف في الأمر الثاني: «فلو زاد حرفاً أو نقص حرفاً»، غير همزة «اللَّه»؛ و حينئذٍ يرتفع التهافت. و أمّا وصل تكبيرة الإحرام بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة فجائز؛ لأصالة البراءة من قادحيته. و وجه الاحتياط في ترك الوصل بما بعدها ما روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من أنّه قال التكبير جزم(انظر ذكرى الشيعة 3: 261، سنن الترمذي 1: 183/ 296.)و أمّا تفخيم «اللام» من «اللَّه» و «الراء» من «أكبر» فليس شرطاً لصحّة القراءة في التكبير حتّى يجب، بل هو من محسّنات القراءة، و سيأتي البحث فيه في مبحث القراءة.

ص: 362

ص: 363

ص: 364

[ (مسألة 2): يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام]

(مسألة 2): يستحبّ زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام قبلها أو بعدها أو بالتوزيع، و الأحوط الأوّل، فيجعل الافتتاح السابعة. و الأفضل أن يأتي بالثلاث وِلاءً، ثمّ يقول: «اللّهُمَّ أنتَ المَلِكُ الحقُّ المُبينُ، لا إلهَ إلّا أنتَ سُبحانَكَ إنّي ظلمتُ نفسي، فاغفِر لي ذنبي؛ إنَّهُ لا يغفِرُ الذنُوبَ إلّا أنتَ»، ثمّ يأتي باثنتين فيقول: «لبّيكَ و سعديكَ، و الخيرُ في يديكَ، و الشَّرُّ ليسَ إليكَ، و المهدِيُّ من هديتَ، لا ملجأَ منكَ إلّا إليكَ، سبحانكَ و حنانيكَ، تباركتَ و تعاليتَ، سُبحانكَ ربَّ البيتِ»، ثمّ كبّر تكبيرتين، ثمّ يقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ،- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ،- حَنِيفاً مُسْلِماً- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ،- إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المُسلمينَ»، ثمّ يشرع في الاستعاذة و القراءة (1).


1- لا خلاف بين الأصحاب في استحباب زيادة ستّ تكبيرات على تكبيرة الإحرام، إنّما الخلاف في أنّ تكبيرة الإحرام الواجبة يجعلها الاولى، أو السابعة، أو أنّه يجوز أن يجعل أيّاً من السبعة تكبيرة الإحرام؟ ذهب إلى كلّ فريقٌ، المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة: أنّ المصلّي بالخيار في التكبيرات السبع أيّها شاء جعلها تكبيرة الافتتاح، بل يظهر من بعضهم نفي الخلاف فيه، و من بعضهم دعوى الإجماع عليه، و مقتضى أصالة البراءة أيضاً جواز تقديم الستّ عليها و تأخيره عنها و بالتوزيع. و وجه الاحتياط في تقديم الستّ على تكبيرة الإحرام هو الاحتراز عن مخالفة الإجماع المدّعى في «الغنية»، و ما حكي عن «فقه الرضا» (عليه السّلام) اعلم أنّ السابعة هي الفريضة، و هي تكبيرة الافتتاح، و بها تحريم الصلاة(الفقه المنسوب للإمام الرضا( عليه السّلام): 105.) و مرسل الصدوق (رحمه اللَّه) قال كان رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتمّ الناس صلاةً و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللَّه أكبر بسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11.) و في «الجواهر»: و لذا ربّما ظنّ أنّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لم يكن يكبّر إلّا تكبيرة واحدة لسرّه الستّ، كما أومأ إليه بعض النصوص الآتية في المسنونات(جواهر الكلام 9: 214.) انتهى. و «بعض النصوص» في عبارته (رحمه اللَّه) إشارة إلى رواية الحسن بن راشد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن تكبيرة الافتتاح، فقال سبع ، قلت: روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه كان يكبّر واحدة، فقال إنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يكبّر واحدة يجهر بها و يسرّ ستّاً(وسائل الشيعة 6: 33، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 12، الحديث 2.) و وجه أفضلية ما ذكر في المتن من التكبيرات الثلاث ولاءً إلى آخر ما ذكر في المتن صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمّ ابسطهما بسطاً ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات، ثمّ قل: اللهمّ أنت المَلِك الحقّ لا إله إلّا أنت، سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت، ثمّ تكبّر تكبيرتين، ثمّ قل: لبّيك و سعديك و الخير في يديك و الشرّ ليس إليك و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلّا إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت، ثمّ تكبّر تكبيرتين ثمّ تقول: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ- عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ- حَنِيفاً مُسْلِماً- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين، ثمّ تعوذ من الشيطان الرجيم، ثمّ اقرأ فاتحة الكتاب(وسائل الشيعة 6: 24، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 8، الحديث 1.) ثمّ إنّ بعض القائلين بكون تكبيرة الإحرام هي السابعة، استدلّوا عليه بظاهر صحيح الحلبي المتقدّم، حيث إنّ دعاء التوجّه وجّهت وجهي. إلى آخره واقع بعد التكبيرة السابعة و قبل الاستعاذة أو البسملة. و فيه: أنّه ظاهر في استحباب الدعاء بعد التكبيرات بالترتيب المذكور، و لا تعرّض فيه أصلًا لكون تكبيرة الإحرام هي الأخيرة أو غيرها. نعم حديث «فقه الرضا» (عليه السّلام) المتقدّم يدلّ بظاهره على مدّعاهم، لكن الشهرة العظيمة قائمة على خلافهم. و القائلون بكونها الاولى استدلّوا ببعض الأخبار و ادّعوا ظهوره فيه، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 8.) في الرجل ينسي أوّل تكبيرة من الافتتاح بناءً على إرادة تكبيرة الإحرام منه. و صحيح حفص عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان في الصلاة و إلى جانبه الحسين بن علي (عليه السّلام)، فكبّر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلم يُحر الحسين بالتكبير، ثمّ كبّر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلم يحر الحسين التكبير، فلم يزل رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يكبّر و يعالج الحسين (عليه السّلام) التكبير فلم يحر؛ حتّى أكمل سبع تكبيرات فأحار الحسين (عليه السّلام) التكبير في السابعة ، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فصارت سنّة(وسائل الشيعة 6: 20، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال خرج رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلى الصلاة و قد كان الحسين (عليه السّلام) أبطأ عن الكلام حتّى تخوّفوا أنّه لا يتكلّم و أن يكون به خرس، فخرج به حامله على عاتقه و صفّ الناس خلفه فأقامه على يمينه، فافتتح رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) الصلاة فكبّر الحسين (عليه السّلام)، فلمّا سمع رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تكبيره عاد فكبّر، فكبّر الحسين (عليه السّلام)؛ حتّى كبّر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) سبع تكبيرات و كبّر الحسين (عليه السّلام)، فجرت السنّة بذلك(وسائل الشيعة 6: 21، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 4.) و صدر صحيح الحلبي المتقدّم إذا افتتحت الصلاة فارفع كفّيك ثمّ أبسطهما بسطاً ثمّ كبّر ثلاث تكبيرات ، بناءً على أنّ المراد من الافتتاح تكبيرة الإحرام. و صحيح ثالث لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) وارد في صلاة الخوف الذي يخاف اللصوص و السبع يصلّي صلاة المواقفة. إلى أن قال و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابّته، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه(وسائل الشيعة 8: 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الخوف، الباب 3، الحديث 8.) و يردّ استدلالهم بأنّ هذه الأخبار على فرض تمامية دلالتها على كون تكبيرة الإحرام هي الأُولى معارضة مع الأخبار المستدلّ بها على كونها هي الأخيرة، و مخالفة للمشهور.

ص: 365

ص: 366

ص: 367

[ (مسألة 3): يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام]

(مسألة 3): يستحبّ للإمام الجهر بتكبيرة الإحرام بحيث يسمع من خلفه، و الإسرار بالستّ الباقية (1).


1- هذه المسألة مشهورة عند علمائنا، و في «المنتهي»: و لا نعرف فيه خلافاً. و يدلّ عليه صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أخفّ ما يكون من التكبير في الصلاة، قال ثلاث تكبيرات، فإن كانت قراءة قرأت بقل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون، و إن كنت إماماً فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر بها و تسرّ ستّاً(وسائل الشيعة 6: 33، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 12، الحديث 1.)

ص: 368

[ (مسألة 4): يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الأُذنين]

(مسألة 4): يستحبّ رفع اليدين عند التكبير إلى الأُذنين، أو إلى حِيال وجهه، مبتدئاً بالتكبير بابتداء الرفع و منتهياً بانتهائه. و الأولى أن لا يتجاوز الأُذنين، و أن يضمّ أصابع الكفّين، و يستقبل بباطنهما القبلة (1).


1- استحباب رفع اليدين إلى أُذنيه مشهور بين الأصحاب، و لا خلاف فيه بينهم بل بين علماء الإسلام، كما في «جامع المقاصد»، و حكي عن «انتصار» السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) القول بوجوبه في تكبيرة الإحرام و سائر التكبيرات مدّعياً عليه الإجماع، و في «الجواهر»: و لعلّه أراد به شدّة الاستحباب بقرينة نقله الإجماع عليه(جواهر الكلام 9: 229.) حيث لا قائل بالوجوب غيره. و يدلّ على المسألة صحيح صفوان الجمّال قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا كبّر في الصلاة يرفع يديه حتّى يكاد يبلغ أُذنيه(وسائل الشيعة 6: 26، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 1.) و في بعض الأخبار دلالة على رفع اليدين إلى حيال وجهه؛ ففي صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يصلّي يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح(وسائل الشيعة 6: 26، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 3.) و موثّق منصور بن حازم بل صحيحه قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) افتتح الصلاة فرفع يديه حيال وجهه، و استقبل القبلة بباطن كفّيه(وسائل الشيعة 6: 27، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 6.) و بعض الأخبار يدلّ على رفعهما إلى أسفل من الوجه قليلًا؛ ففي صحيح معاوية بن عمّار قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلًا(وسائل الشيعة 6: 26، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 2.) و في «الجواهر»: و بالجملة إن لم يرجع جميع ما في هذه النصوص إلى شي ء واحد كان المتّجه التخيير مع تفاوت مراتب الاستحباب أو بدونه عملًا بالجميع؛ لعدم المنافاة و عدم ثبوت التكليف بكيفية واحدة للرفع؛ فأعلاها الرفع إلى الأُذنين، و أسفلها النحر(جواهر الكلام 9: 232.) و أمّا الابتداء بالتكبير بابتداء الرفع و انتهائه بانتهائه فيستفاد من لفظ «إذا» و «حين» و «عند» الواقعة في بعض روايات الباب التاسع من أبواب تكبيرة الإحرام من «وسائل الشيعة»، فراجع. و أمّا أولوية عدم تجاوز رفع اليدين عن الأُذنين فيدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك، و لا تجاوز بكفّيك أُذنيك ؛ أي حيال خدّيك(وسائل الشيعة 6: 31، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 10، الحديث 2.) و غيره من روايات الباب. و أمّا ضمّ أصابع الكفّين فيدلّ عليه صحيح حمّاد المتقدّم: «فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً فأرسل يديه جميعاً على فخذيه قد ضمّ أصابعه»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و أمّا استقبال القبلة بباطنهما فيدلّ عليه صحيح منصور بن حازم المتقدّم و استقبل القبلة بباطن كفّيه.

ص: 369

ص: 370

[ (مسألة 5): إذا كبّر ثمّ شكّ و هو قائم في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع]

(مسألة 5): إذا كبّر ثمّ شكّ و هو قائم في كونه تكبيرة الإحرام أو الركوع، بنى على الأوّل (1).


1- إذا شكّ بعد التكبير و هو قائم في أنّ تكبيرة تكبيرة الإحرام أو تكبير الركوع بنى على الأوّل. و في الحقيقة يرجع شكّه إمّا إلى الشكّ في نية تكبيرة الإحرام بعد تجاوز محلّه فيبني على إتيانها، و إمّا إلى الشكّ في القراءة و هو في المحلّ فيقرأ الفاتحة. قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: إذا شكّ في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان، و إن شكّ بعد إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا بنى على العدم، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثمّ استئنافها، و إن شكّ في الصحّة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحّة(العروة الوثقى 1: 631، المسألة 16.) انتهى. أمّا وجه البناء على العدم فيما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام و كان شكّه قبل الدخول فيما بعدها، فلكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في المحلّ، و مقتضى الاستصحاب وجوب الإتيان. و أمّا وجه البناء على الإتيان فيما كان شكّه في إتيانه بعد الدخول فيما بعدها، فلقاعدة التجاوز؛ و هي قاعدة مسلّمة مستفادة من صحيح زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال يمضي(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و قال السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»: يشكل ذلك قبل الدخول في القراءة، و لا بأس بالإتيان به رجاءً(العروة الوثقى 1: 631، الهامش 9.) انتهى. و فيه: أنّ الصحيح المزبور و إن قيّد فيه الشكّ بحال القراءة لكن المعيار المضيّ عمّا شكّ فيه، كما في موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.) و أمّا البناء على العدم فيما إذا شكّ بعد إتمامها في أنّه أتى بها صحيحة أو لا، فلكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في المحلّ؛ فمقتضاه عدم الإتيان. و الأقوى عندنا جريان أصالة الصحّة في المورد، و عليها المعوّل في كلّ ما يشكّ في صحّته و فساده من العقود و الإيقاعات و العبادات. و يدلّ عليه أيضاً الموثّق المتقدّم عن أبي جعفر (عليه السّلام). و لا وجه للاحتياط بإبطالها بأحد المنافيات ثمّ استئنافها، بل يحرم إبطالها مع البناء على الصحّة.

ص: 371

ص: 372

[القول في القيام]

القول في القيام

[ (مسألة 1): القيام ركن في تكبيرة الإحرام]

(مسألة 1): القيام ركن في تكبيرة الإحرام التي تقارنها النية، و في الركوع، و هو الذي يقع الركوع عنه، و هو المعبّر عنه بالقيام المتّصل بالركوع، فمن أخلّ به في هاتين الصورتين عمداً أو سهواً بأن كبّر للافتتاح و هو جالس، أو صلّى ركعة تامّة من جلوس، أو ذكر حال الهُويّ إلى السجود تَركَ الركوع و قام منحنياً بركوعه، أو ذكر قبل الوصول إلى الركوع و قام متقوّساً و غير منتصب و لو ساهياً بطلت صلاته. و القيام في غيرهما واجب ليس بركن؛ لا تبطل الصلاة بنقصانه إلّا عن عمد، كالقيام حال القراءة، فمن سها و قرأ جالساً ثمّ ذكر و قام فصلاته صحيحة، و كذا بزيادته، كمن قام ساهياً في محلّ القعود (1).


1- حكي عن الشهيد (رحمه اللَّه) أنّه قال: إنّ القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء: فالقيام في النية شرط كالنية، و القيام في التكبير تابع له في الركنية، و القيام في القراءة واجب غير ركن، و القيام المتّصل بالركوع ركن؛ فلو ركع جالساً بطلت صلاته و إن كان ناسياً، و القيام من الركوع واجب غير ركن؛ إذ لو هوى من غير رفع و سجد ناسياً لم تبطل صلاته، و القيام في القنوت تابع له في الاستحباب، انتهى. ثمّ إنّه لا خلاف و لا إشكال في وجوب القيام في الصلاة في الجملة. و يدلّ عليه الكتاب العزيز و الأخبار: أمّا الكتاب فقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً(آل عمران( 3): 191.) و في صحيح أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في قول اللَّه عزّ و جلّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ، قال الصحيح يصلّي قائماً، و قعوداً: المريض يصلّي جالساً، و على جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلّي جالساً(وسائل الشيعة 5: 481، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 1.) و أمّا الأخبار: فمنها صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 2.) و الدليل العمدة في ركنية قيام تكبيرة الإحرام و بطلان الصلاة بالإخلال به عمداً و سهواً هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. و قد يستدلّ عليه أيضاً بموثّق عمّار عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل وجبت عليه صلاة من قعود، فنسي حتّى قام و افتتح الصلاة و هو قائم ثمّ ذكر، قال يقعد و يفتتح الصلاة و هو قاعد، و لا يعتدّ بافتتاحه الصلاة و هو قائم، و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتّى افتتح الصلاة و هو قاعد فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم، و لا يقتدي (و لا يعتدي) بافتتاحه و هو قاعد(وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 13، الحديث 1.) و أورد على هذا الاستدلال بأنّ بطلان تكبيرة الافتتاح مستند إلى ترك القيام حال التكبير نسياناً، و من المحتمل أن يكون القيام شرطاً واقعياً لتكبيرة الافتتاح يوجب فواته بطلان المشروط، كشرطية الطهارة للصلاة. و أمّا ركنية القيام المتّصل بالركوع فدليله منحصر في الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. ثمّ إنّ القيام حال القراءة في الركعتين الأُوليين و حال الذكر في الركعتين الأخيرتين واجب بلا خلاف. و في كونه جزءً للصلاة و واجباً نفسياً أو شرطاً للقراءة و الذكر وجهان: من ظهور بعض النصوص في الجزئية، كصحيح زرارة المتقدّم قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له. و كذا ظهور كلمات الأصحاب، حيث إنّهم عدّوا القيام من أجزاء الصلاة و واجباتها. و من ظهور أكثر النصوص في كونه شرطاً للقراءة و الذكر، كما في صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا قمت في الصلاة.(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) إلى آخره، و غيره من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة من أبواب أفعال الصلاة و القيام، فراجع. فبناءً على الجزئية لا يجب استئناف القراءة و الذكر من رأس فيما لو نسي القيام و قرأهما حال الجلوس؛ و ذلك لفوات محلّهما بالفراغ عنهما، و المفروض صحّة القراءة و الذكر في نفسهما. و بناءً على الشرطية تعيّن استئنافهما؛ لعدم إتيانهما على ما هما عليه من الشرط مع بقاء المحلّ.

ص: 373

ص: 374

ص: 375

[ (مسألة 2): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام و الانتصاب]

(مسألة 2): يجب مع الإمكان الاعتدال في القيام و الانتصاب بحسب حال المصلّي، فلو انحنى أو مال إلى أحد الجانبين بحيث خرج عن صدقه بطل. بل الأحوط الأولى نصب العنق؛ و إن كان الأقوى جواز إطراق الرأس (1). و لا يجوز الاستناد إلى شي ء حال القيام مع الاختيار (2).


1- و يدلّ على وجوب الاعتدال و الانتصاب في القيام بحسب حال المصلّي مرسل حريز عن رجل عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ، قال النحر: الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه و نحره ، و قال لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس، و لا تلثم و لا تحتفز و لا تقع على قدميك و لا تفترش ذراعيك(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 3.) و إقامة النحر ليست مأخوذة في مفهوم القيام قطعاً، نعم هو الأحوط الأولى؛ لما حكي عن الصدوق من الفتوى ببطلان الصلاة بإطراق الرأس. و يدلّ عليه أيضاً صحيح زرارة المتقدّم قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له. و صحيح أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له.
2- في المسألة قولان: أحدهما: وجوب الإقلال و عدم الاستناد إلى شي ء على وجه الاعتماد حال الاختيار، و هذا القول هو المشهور المختار، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه، و هو مقتضى قاعدة الاشتغال، و أنّ براءة الذمّة لا تحصل إلّا به. و يدلّ عليه قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) و صحيح حمّاد بن عيسى: فقام أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) مستقبل القبلة منتصباً(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا تمسك بخمرك و أنت تصلّي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلّا أن تكون مريضاً(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 2.) و الخمر بفتحتين ما وراءك من شجر و نحوه. و المروي عن «قرب الإسناد» عن عبد اللَّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكّئاً على عصا أو حائط، فقال لا، ما شأن أبيك و شأن هذا؟! ما بلغ أبوك هذا بعد(وسائل الشيعة 5: 487، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 20.) و مفهوم المروي عن القطب الراوندي في «دعواته» فإن لم يتمكّن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة و ليصلّ قائماً، فإن لم يتمكّن فليصلّ جالساً(مستدرك الوسائل 4: 117، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 7.) و القول الثاني: جواز الاعتماد على شي ء على كراهة، و حكي هذا القول عن أبي الصلاح، و نفى عنه البعد صاحب «المدارك»، و اختاره صاحب «الحدائق». و استدلّ عليه بصحيح الصدوق عن علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلّي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علّة؟ فقال لا بأس ، و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوّلتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علّة؟ فقال لا بأس به(وسائل الشيعة 5: 499، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 1.) و رواية سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التكأة في الصلاة على الحائط يميناً و شمالًا، فقال لا بأس(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 3.) و موثّق ابن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي متوكّئاً على عصا أو على حائط، قال لا بأس بالاتّكاء على عصا و الاتّكاء على حائط(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 4.) ثمّ إنّ القائلين بهذا القول حملوا النهي عن الاعتماد في صحيح ابن سنان المتقدّم على الكراهة. و فيه: أنّ الحمل على الكراهة جمع مقبول على فرض التكافؤ في التعارض، و الحال أنّ الأخبار الدالّة على جواز الاعتماد حال الاختيار معرض عنها عند الأصحاب و الشهرة قائمة على خلافها. مضافاً إلى ما حكي عن فخر المحقّقين من حمل الأخبار المجوّزة على التقية؛ لكون مضمونها موافقاً للعامّة.

ص: 376

ص: 377

نعم لا بأس به مع الاضطرار، فيستند إلى إنسان أو غيره (1).


1- يجب الاستناد إلى شي ء مع الاضطرار إليه، و يقدّم على القعود بلا خلاف بين الأصحاب، من غير فرق فيما يستند إليه بين الإنسان و غيره. و في «الجواهر»: لصدق القيام و الصلاة و عدم سقوط الميسور بالمعسور، و ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه، و لأنّه المستطاع من المأمور به إشارة إلى قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فإذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم، و إذا نهيتكم عنه فاجتنبوه و لأنّ اللَّه قد أحلّ كلّ شي ء قد اضطرّ إليه ممّا قد حرّمه عليه، و هو أولى بالعذر في كلّما غلب اللَّه عليه، و لظهور الصحيح السابق فيه. إلى أن قال (رحمه اللَّه): و لقول أبي الحسن (عليه السّلام) في صحيح ابن يقطين يقوم و إن حنى ظهره في صاحب السفينة الذي لم يقدر أن يقوم فيها أ يصلّي و هو جالس يومئ أو يسجد(جواهر الكلام 9: 250.) انتهى.

ص: 378

و لا يجوز القعود مستقلا مع التمكّن من القيام مستنداً (1).

[ (مسألة 3): يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين]

(مسألة 3): يعتبر في القيام عدم التفريج الفاحش بين الرجلين؛ بحيث يخرج عن صدق القيام، بل و عدم التفريج غير المتعارف و إن صدق عليه القيام على الأقوى (2).


1- و ذلك لأنّ جواز القعود مختصّ بغير المتمكّن من القيام، و المفروض أنّه متمكّن من القيام مستنداً. و يدلّ عليه صحيح ابن سنان المتقدّم، حيث إنّه يدلّ على وجوب الاستناد على المريض؛ فلم يكلّف المريض على الصلاة قاعداً، بل كلّف على الصلاة قائماً مستنداً، و هو الظاهر من المروي عن قطب الراوندي المتقدّم حيث إنّ الصلاة جالساً مفروض فيما لم يتمكّن من القيام معتمداً على حائط أو عكازة.
2- إذا كان التفريج الفاحش بين الرجلين موجباً للخروج عن صدق القيام الواجب شرعاً فقد أخلّ بالواجب و بطلت صلاته. و في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى، و دع بينهما فصلًا إصبعاً أقلّ ذلك إلى شبر أكثره، و أسدل منكبيك و أرسل يديك، و لا تشبّك أصابعك، و ليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، و ليكن نظرك إلى موضع سجودك، فإذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، و لا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس(وسائل الشيعة 5: 511، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 17، الحديث 2.) و الاستدلال بهذه الصحيحة على وجوب الاكتفاء في التفريج بمقدار الشبر كما ترى؛ لاشتمالها على المستحبّات؛ فهي ظاهرة في بيان السنن لا الأجزاء و الشرائط الواجبة. و إذا كان التفريج غير فاحش و لكن كان غير متعارف بأن كان إحدى رجليه مقدّماً على الأُخرى مثلًا بطلت صلاته؛ للإخلال على القيام المتعارف في الصلاة.

ص: 379

[ (مسألة 4): لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد]

(مسألة 4): لا يجب التسوية بين الرجلين في الاعتماد. نعم يجب الوقوف على القدمين على الأقوى؛ لا على قدم واحدة، و لا على الأصابع، و لا على أصلهما (1).


1- ليس المراد من التسوية بين الرجلين في الاعتماد تساويهما في الوقوف على كليهما قبال الوقوف على إحداهما، بل المراد منها مساواتهما في طرح الثقل عليهما، و في «المستمسك»: بأن يكون الاعتماد على كلّ منهما لا على إحداهما مع مجرّد مماسّة الأُخرى للموقف(مستمسك العروة الوثقى 9: 109.) و في المسألة قولان: ذهب الشهيد في «الذكرى» و «الروض» و السبزواري في «الذخيرة» و صاحب «جامع المقاصد» و «المدارك» و «كشف اللثام» و غيرهم إلى الوجوب. و استدلّ عليه بأُمور: منها التأسّي بصاحب الشرع. و منها أنّه المتبادر. و منها أنّه بها يحصل الاستقرار المعتبر في القيام، و ينتفي بانتفائها. و لا يخفى ضعف هذه التعليلات. و في «مفتاح الكرامة»: نعم لو رفع إحدى رجليه عن الأرض بالكلّية و اقتصر على وضع واحدة و اعتمد عليها فلا إشكال في البطلان؛ لما ذكروه. و يمكن تنزيل كلامهم أي القائلين بوجوب التسوية بين الرجلين عليه(مفتاح الكرامة 2: 305/ السطر 14.) انتهى. و القول الآخر في المسألة عدم وجوب التسوية؛ لإطلاق أدلّة اعتبار القيام المعتبر في الصلاة، و صدق القيام فيما طرح الثقل على إحدى القدمين. و هنا مسألة أُخرى: و هي أنّه هل يجب الوقوف على القدمين أو أنّه يجوز الوقوف على إحداهما أو على أصابع كلتيهما أو على أصلهما؟ في المسألة قولان: الأوّل: وجوب الوقوف على القدمين؛ فلو وقف على إحداهما أو على أصابعهما أو على أصلهما بطلت الصلاة، ذهب إليه جماعة من فقهائنا؛ منهم المصنّف (رحمه اللَّه) تبعاً للشهيد في «الذكرى» و «الدروس» و كاشف اللثام و صاحب «الحدائق» و كاشف الغطاء و صاحب «الجواهر». و استدلّ عليه بأنّ اشتغال الذمّة يقيناً لا يحصل البراءة منه إلّا بالوقوف على القدمين، و بقوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) ، و أنّه المتبادر المعهود، و أنّ الاستقرار يحصل به. و بما روي عن «قرب الإسناد» عن عبد اللَّه بن بكير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلّي و هو قائم و رفع إحدى رجليه حتّى أنزل اللَّه تعالى طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى فوضعها(وسائل الشيعة 5: 491، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 3، الحديث 4.) و لا يخفى ما في هذه الوجوه من الضعف. و القول الآخر في المسألة جواز الوقوف على إحدى القدمين أو على أصابعهما أو أصلهما مع التمكّن من الوقوف على كليهما؛ و ذلك لإطلاق نصوص اعتبار القيام، و أنّ الأصل البراءة. و الأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الاجتزاء بالوقوف على إحدى القدمين أو على أصابعهما أو أصلهما، فضلًا عن أصابع أو أصل إحداهما؛ لأنّ القيام المتعارف في الصلاة و غيرها ما حصل بالوقوف على كلا القدمين، و إطلاق القيام ينصرف إليه.

ص: 380

ص: 381

[ (مسألة 5): إن لم يقدر على القيام أصلًا]

(مسألة 5): إن لم يقدر على القيام أصلًا؛ و لو مستنداً أو منحنياً أو متفرّجاً و بالجملة لم يقدر على جميع أنواع القيام؛ حتّى الاضطراري منه بجميع أنحائه صلّى من جلوس (1).


1- إذا لم يقدر على القيام أصلًا حتّى بعضاً، و حتّى الاضطراري منه بجميع أنحائه صلّى من جلوس؛ فلو قدر على القيام منحنياً بقدر الركوع قدّم على الصلاة من جلوس. و قد ورد في بعض الروايات: أنّ من لم يقدر على القيام يصلّي جالساً، كمرسل الصدوق و الكليني (رحمهما اللَّه) قال: و قال الصادق (عليه السّلام) يصلّي المريض قائماً، فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالساً، فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً يكبّر ثمّ يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمّ سبّح، فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود، ثمّ يتشهّد و ينصرف(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 13.) و مرسله الآخر عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال المريض يصلّي قائماً، فإن لم يستطع صلّى جالساً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أُومئ إيماءً، و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) و رواية عبد السلام بن صالح الهروي عن الرضا عن آبائه (عليهم السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائماً فليصلّ جالساً، فإن لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماءً(وسائل الشيعة 5: 486، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 18.) ، و الرواية ضعيفة بعيسى بن مهران المجهول الحال. و موثّق زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن حدّ المريض الذي يفطر فيه الصيام و يدع الصلاة من قيام، فقال بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، هو أعلم بما يطيقه(وسائل الشيعة 5: 495، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 6، الحديث 2.) و صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): ما حدّ المرض الذي يصلّي صاحبه قاعداً؟ فقال إنّ الرجل ليوعك و يحرج، و لكنّه أعلم بنفسه إذا قوي فليقم(وسائل الشيعة 5: 495، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 6، الحديث 3.) و صحيح الحلبي في حديث أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة، فقال إن أمكنه القيام فليصلّ قائماً، و إلّا فليقعد ثمّ يصلّي(وسائل الشيعة 5: 504، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 1.) و رواية سليمان بن خالد قال: سألته عن الصلاة في السفينة، فقال يصلّي قائماً، فإن لم يستطع القيام فليجلس و يصلّي و هو مستقبل القبلة، فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن قدر على ذلك، فإن لم يقدر على ذلك فليثبت على مقامه و ليتحرّ القبلة بجهده ، و قال يصلّي النافلة مستقبل صدره السفينة، و هو مستقبل القبلة إذا كبّر، ثمّ لا يضرّه حيث دارت(وسائل الشيعة 5: 506، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 10.) ، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن سنان و بالإضمار. و صحيح حمّاد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول كان أهل العراق يسألون أبي عن الصلاة في السفينة، فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فافعلوا، فإن لم تقدروا فصلّوا قياماً (فإن لم تقدروا فصلّوا قعوداً) و تحرّوا القبلة(وسائل الشيعة 5: 507، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 12.) و يدلّ على تقدّم القيام و لو بانحناء ظهره على الصلاة جالساً صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلّي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد؟ قال يقوم و إن حنى ظهره(وسائل الشيعة 5: 505، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 5.)

ص: 382

ص: 383

ص: 384

و يعتبر فيه الانتصاب و الاستقلال، فلا يجوز فيه الاستناد و التمايل مع التمكّن من الاستقلال و الانتصاب، و يجوز مع الاضطرار (1).


1- يظهر من صاحب «الحدائق» اعتبار الاستقلال في القعود؛ قال في «الحدائق»: لو عجز عن القعود مستقلا فإنّه يقعد معتمداً أو منحنياً(الحدائق الناضرة 8: 75.) و يظهر من صاحب «الجواهر» اعتبار الانتصاب و الاستقلال و الاستقرار في القعود، و مع العجز ينتقل إلى أنحاء الاضطرار من الاعتماد و الانحناء و غيرهما. قال: و إذا عجز عن القعود مستقلا و معتمداً مستقرّاً و مضطرباً منحنياً و منتصباً إذ الظاهر جريان جميع ما سمعته في القيام فيه، كما يومئ إليه في الجملة المرسل الآتي، و لأنّه بدله و بعض قيام، و إن كان لا يخلو من بحث؛ لاختصاصه بالدليل دونه صلّى مضطجعاً(جواهر الكلام 9: 264.) انتهى موضع الحاجة من كلامه. و المرسل عبارة عمّا رواه في «الفقيه» قال: و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) المريض يصلّي قائماً، فإن لم يستطع صلّى جالساً، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر، فإن لم يستطع استلقى و أومئ إيماءً، و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) ، هذا. و لكن لا يخفى: أنّ المرسل المزبور لا يدلّ على أزيد من وجوب الانتقال إلى القعود لغير المتمكّن من القيام و أنّ القعود من المتمكّن منه لا ينتقل إلى الاضطجاع، و لا دلالة فيه على اعتبار الانتصاب و الاستقلال و الاستقرار فيه و تقدّمه على الانحناء و الاعتماد و الاضطراب. نعم يمكن الاستدلال على الانتصاب في القعود بصحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) في حديث و قم منتصباً؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له(وسائل الشيعة 5: 489، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 2.) وجه الاستدلال: أنّ هذين الصحيحين يدلّان على اعتبار الانتصاب في الصلاة مطلقاً؛ سواء كان في القيام أو في القعود. و كذا يمكن الاستدلال على اعتبار الاستقلال في القعود بما دلّ على اعتباره في الصلاة مطلقاً، كصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تمسك بخمرك و أنت تصلّي و لا تستند إلى جدار و أنت تصلّي إلّا أن تكون مريضاً(وسائل الشيعة 5: 500، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 10، الحديث 2.) و يمكن الاستدلال أيضاً باعتبار الاستقرار في القعود بإطلاق معاقد الإجماعات القائمة على وجوبه في أفعال الصلاة كلّها، من غير فرق فيها بين حال القيام و حال القعود.

ص: 385

و مع تعذّر الجلوس رأساً صلّى مضطجعاً على الجانب الأيمن كالمدفون، فإن تعذّر منه فعلى الأيسر عكس الأوّل، فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر (1).


1- وجوب الصلاة مضطجعاً مع تعذّرها جالساً قد ادّعى عليه الإجماع جماعة؛ منهم الفاضلان و كاشف اللثام و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و «الجواهر» و غيرهم. و يدلّ عليه قوله عزّ و جلّ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ(آل عمران( 3): 191.) و موثّق سماعة قال: سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزي عنه، و لم يكلّف اللَّه ما لا طاقة له به(وسائل الشيعة 5: 482، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 5.) و ما رواه السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) في رسالة «المحكم و المتشابه» بإسناده عن علي (عليه السّلام) في حديث قال و أمّا الرخصة التي هي الإطلاق بعد النهي، فمنه قوله تعالى حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ(البقرة( 2): 238.) فالفريضة منه أن يصلّي الرجل صلاة الفريضة على الأرض بركوع و سجود تامّ، ثمّ رخّص للخائف فقال سبحانه فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً(البقرة( 2): 239.) و مثله قوله عزّ و جلّ فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ(النساء( 4): 103.) و معنى الآية: أنّ الصحيح يصلّي قائماً، و المريض يصلّي قاعداً، و من لم يقدر أن يصلّي قاعداً صلّى مضطجعاً و يومئ بإيماء، فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة(وسائل الشيعة 5: 487، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 22.) و يدلّ على تقديم جانب الأيمن مع التمكّن منه موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال المريض إذا لم يقدر أن يصلّي قاعداً كيف قدر صلّى؛ إمّا أن يوجّه فيومئ إيماءً و قال يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده، و ينام على جانبه (جنبه) الأيمن ثمّ يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثمّ يومئ بالصلاة إيماءً(وسائل الشيعة 5: 483، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 10.) و يدلّ على تقديم الاضطجاع على الجنب الأيمن على الأيسر و الأيسر على الاستلقاء مرسل الصدوق المتقدّم(وسائل الشيعة 5: 485، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 15.) فلاحظ. و لا يخفى: أنّ بعض الأخبار يدلّ على وجوب الصلاة مستلقياً على من عجز عن الصلاة جالساً، كمرسل الصدوق و الكليني المتقدّم فإن لم يقدر أن يصلّي جالساً صلّى مستلقياً(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 13.) و رواية عبد السلام الهروي المتقدّم عن الرضا (عليه السّلام) فإن لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً(وسائل الشيعة 5: 486، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 18.) و مقتضى الجمع بين هذين الخبرين على فرض اعتبار سندهما و بين الأخبار السابقة الدالّة على تقديم الصلاة مضطجعاً على الصلاة مستلقياً، هو تقييد مورد هذين الخبرين بصورة التعذّر عن الاضطجاع، أو حملهما على التقية كما عن المجلسي في «البحار» و صاحب «الذخيرة». و نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» و «النافع» و العلّامة في «الإرشاد» و «التذكرة» التخيير بين الاضطجاع على الجانب الأيمن و الجانب الأيسر.و عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي»: أنّ العاجز عن القعود صلّى على جانبه الأيمن، و إن عجز صلّى مستلقياً، و لم يذكرا جانب الأيسر. و عن «نهاية» العلّامة: أنّ الأيمن أفضل.

ص: 386

ص: 387

ص: 388

[ (مسألة 6): لو تمكّن من القيام و لم يتمكّن من الركوع قائماً]

(مسألة 6): لو تمكّن من القيام و لم يتمكّن من الركوع قائماً، صلّى قائماً ثمّ جلس و ركع جالساً. و إن لم يتمكّن من الركوع و السجود أصلًا؛ و لا من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالساً، صلّى قائماً و أومأ للركوع و السجود. و الأحوط فيما إذا تمكّن من الجلوس أن يكون إيماؤه للسجود جالساً، بل الأحوط وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته إن أمكن (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: إذا تمكّن عن القيام و لم يتمكّن من الركوع قائماً أصلًا حتّى بالانحناء يسيراً صلّى قائماً ثمّ جلس للركوع و ركع جالساً، و سيأتي من المصنّف (رحمه اللَّه) في مباحث الركوع أنّه لا بدّ في الركوع من الانحناء المتعارف، و مع عدم التمكّن منه أتى بالممكن منه و لا ينتقل إلى الجلوس و إن تمكّن منه جالساً؛ و ذلك لقاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور». الثانية: إذا لم يتمكّن من الركوع و السجود أصلًا لا بمراتبهما الاختيارية و لا الاضطرارية من بعض مراتبهما الميسورة حتّى جالساً صلّى قائماً و أومأ للركوع و السجود. و لا خلاف بين أصحابنا في وجوب الإيماء للركوع و السجود. و يشهد له رواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلأ و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال ليؤم برأسه إيماءً، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماءً(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 11.) قد وقع في سند هذه الرواية محمّد بن خالد الطيالسي و إبراهيم بن أبي زياد الكرخي؛ أمّا الطيالسي فقد عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السّلام)، و وقع في سند «كامل الزيارات» في ثواب من زار الحسين (عليه السّلام) في يوم عاشوراء، و وقع في طريق الشيخ إليه أحمد بن محمّد بن يحيى و هو لم يوثق. و أمّا الكرخي فقد روى عنه جماعة من أصحاب الإجماع، كابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب، و للصدوق إليه طريق. الثالثة: إذا لم يتمكّن من الركوع و السجود جالساً و لكن تمكّن من الجلوس صلّى و أومأ للركوع قائماً و جلس و أومأ للسجود. و لا يخفى: أنّ وجوب الجلوس ليس للإيماء للسجود؛ لأنّ السجود الواجب و هو وضع الجبهة على الأرض إذا تعذّر تبدّلت وظيفته إلى الإيماء؛ فلا وجه حينئذٍ للجلوس للإيماء، بل وجوبه لأجل إتيان ما هو الواجب في السجود؛ و هو الجلوس بين السجدتين مطمئنّاً معتدلًا. ثمّ إنّ مسألة وجوب الإيماء بالرأس أو بالعينين، و كذا مسألة وضع ما يصحّ السجود عليه على جبهته سيأتي البحث فيهما في المسألة الثامنة من مسائل «القول في السجود».

ص: 389

[ (مسألة 7): لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع]

(مسألة 7): لو قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع، وجب أن يقوم إلى أن يعجز فيجلس، ثمّ إذا قدر على القيام قام و هكذا (1).


1- لو قدر على القيام في بعض الركعات دون بعض فلا يخلو من أنّه إمّا أن يقدر عليه في الأوّل دون الآخر أو العكس؛ فلا كلام حينئذٍ إذ يتعيّن عليه ما يقدره، و إمّا أن يقدر على أحدهما على البدل أي كان بحيث يقدر عليه إمّا في الأوّل أو في الآخر فمقتضى وجوب القيام في كلّ ركعة على البدل هو التخيير، و لكن الظاهر تقديم الأوّل بالقيام لقدرته عليه فعلًا؛ فيجب عليه للعمومات. و إذا طرأ العجز بعده يعمل بوظيفته؛ و هو الجلوس. و بعبارة اخرى: أنّ القدرة على القيام ليست شرطاً عقلياً كي يكون المكلّف مخيّراً بين القيام أوّلًا و بينه آخراً، بل هي شرط شرعي في كلّ جزء في محلّه، و المفروض وجودها في أوّل الصلاة و انتفاؤها في آخرها؛ فالواجب إتيان الركعة الأُولى مثلًا قائماً، و في أيّ جزء طرأ العجز عن القيام يأتيه جالساً. و يظهر من «نهاية الإحكام»: أنّه إذا قدر على القيام زماناً لا يسع القراءة و الركوع فالأولى القيام قارئاً ثمّ الركوع جالساً؛ لأنّه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه؛ فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزاً. و في «كشف اللثام»: يعني و يحتمل الابتداء بالجلوس ثمّ القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع حتّى يركع عن قيام(كشف اللثام 3: 399.) أقول: و يحتمل أن يكون الأولى في عبارة «نهاية الإحكام» بمعنى المتعيّن، بقرينة التعليل في العبارة: «لأنّه حال القراءة غير عاجز عمّا يجب عليه» حيث إنّ غير العاجز يجب عليه القيام.

ص: 390

ص: 391

[ (مسألة 8): يجب الاستقرار في القيام و غيره من أفعال الفريضة]

(مسألة 8): يجب الاستقرار في القيام و غيره من أفعال الفريضة كالركوع و السجود و القعود، فمن تعذّر عليه الاستقرار، و كان متمكّناً من الوقوف مضطرباً، قدّمه على القعود مستقرّاً، و كذا الركوع و الذكر و رفع الرأس، فيأتي بكلٍّ منها مضطرباً، و لا ينتقل إلى الجلوس و إن حصل به الاستقرار (1).


1- لا يخفى: أنّ أكثر فقهائنا لم يذكروا اشتراط الاستقرار في القيام، و لا عقدوا له فصلًا مستقلا. نعم ذكره العلّامة الطباطبائي في «المنظومة»: لا تصلح الصلاة في اختيار إلّا من الثابت ذي القرار و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود. إلى آخره. و العمدة في الدليل على اعتبار الاستقرار في جميع حالات الصلاة هو الإجماع.

ص: 392

[القول في القراءة و الذكر]

القول في القراءة و الذكر

[ (مسألة 1): يجب في الركعة الأُولى و الثانية من الفرائض قراءة الفاتحة و سورة كاملة عقيبها]

(مسألة 1): يجب في الركعة الأُولى و الثانية من الفرائض قراءة الفاتحة و سورة كاملة عقيبها. و له ترك السورة في بعض الأحوال، بل قد يجب مع ضيق الوقت و الخوف و نحوهما من أفراد الضرورة. و لو قدّمها على الفاتحة عمداً استأنف الصلاة، و لو قدّمها سهواً و ذكر قبل الركوع، فإن لم يكن قرأ الفاتحة بعدها أعادها بعد أن يقرأ الفاتحة، و إن قرأها بعدها أعادها دون الفاتحة (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: يجب في الركعة الأُولى و الثانية من الفرائض قراءة الفاتحة، و وجوبها إجماعي، بل من ضروريات المذهب، و الأخبار به مستفيضة بل متواترة. و استدلّ عليه من الكتاب العزيز بقوله تعالى فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ(المزّمّل( 73): 20.) بعد العلم بعدم الوجوب في غير الصلاة. و فيه: أنّه مع فرض العلم بعدم وجوب قراءة القرآن في غير الصلاة يحمل الأمر في الآية على الاستحباب. و يتمسّك في وجوبها في الصلاة على النصوص المعتبرة: منها صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ، قلت: أيّما أحبّ إليك إذا كان خائفاً أو مستعجلًا؛ يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال فاتحة الكتاب(وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. إلى أن قال فليقرأها ما دام لم يركع فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) أنّه قال أُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجوراً مضيّعاً و ليكون محفوظاً مدروساً؛ فلا يضمحلّ و لا يجهل، و إنّما بدأ بالحمد دون سائر السور لأنّه ليس شي ء من القرآن و الكلام فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد؛ و ذلك أنّ قوله عزّ و جلّ الْحَمْدُ لِلَّهِ إنّما هو أداء لما أوجب اللَّه عزّ و جلّ على خلقه من الشكر.(وسائل الشيعة 5: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) الحديث. و في «عوالي اللآلي» عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب(مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) فرع: المشهور بين أصحابنا أنّ الفاتحة ليست ركناً في الصلاة؛ فتركها نسياناً لا يوجب بطلان الصلاة، بل عن «الخلاف» الإجماع عليه، و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى تحصيله؛ لعدم معلومية المخالف، و إن نسب إلى ابن حمزة، لكن قيل: إنّه لم يكن له في «الوسيلة» ذكر، نعم عن «المبسوط» حكايته عن بعض أصحابنا، و مثله لا يقدح في تحصيل القطع الناشي من اتّفاق مَن وصل إلينا فتاويهم من الأصحاب(جواهر الكلام 9: 285.) انتهى. و يدلّ على المشهور و هو المختار صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال إنّ اللَّه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود و القراءة سنّة؛ فمن ترك القراءة متعمّداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما مثل صحيح زرارة، إلّا أنّه قال و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته و لا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 87، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 2.) و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال إن كان متعمّداً فلا صلاة له، و إن كان نسي فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 88، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 5.) و موثّق منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّي صلّيت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال قد تمّت صلاتك إذا كان (كانت) نسياناً (ناسياً)(وسائل الشيعة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأوّلتين، فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرأ، قال أتمّ الركوع و السجود؟ قلت: نعم، قال إنّي اكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها(وسائل الشيعة 6: 92، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 30، الحديث 1.) و استدلّ على القول بالركنية بصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات. و فيه: أنّ الأصحاب حملوه على صورة تعمّد ترك القراءة جمعاً بينه و بين الروايات المعتبرة الدالّة على صحّة الصلاة في صورة تركها نسياناً. المسألة الثانية: هل تجب قراءة السورة عقيب الفاتحة أم لا؟ المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً هو الوجوب، بل حكي عن بعض أصحابنا الإجماع عليه و أنّه من دين الإمامية، و هذا القول هو المختار عندنا. و ذهب جماعة إلى عدم وجوبها؛ منهم الشيخ في «النهاية» و ابن الجنيد و سلّار و الفاضلان في «المنتهي» و «المعتبر» و صاحب «المدارك» و السبزواري في «الذخيرة» و غيرهما من بعض متأخّري المتأخّرين. و استدلّ للقول بالوجوب بصحيح منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا أكثر(وسائل الشيعة 6: 43، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة، فقال لا، لكلّ ركعة سورة(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 3.) و مفهوم صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و مفهوم رواية الحسن بن زياد الصيقل قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أ يجزي عنّي أن أقول في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها إذا كنتُ مستعجلًا أو أعجلني شي ء؟ فقال لا بأس(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و مفهوم صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء الصلاة التطوّع بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 5.) ، و لا يخفى: أنّ لهذا الصحيح مفهومين: أحدهما أنّ الصحيح لا يجوز أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ثانيهما: أنّه لا يجوز للصحيح في قضاء الصلاة الفريضة أن يقرأها وحدها. و مفهوم صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون مستعجلًا يجزيه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها؟ قال لا بأس(وسائل الشيعة 6: 41، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 6.) ، و غيرها من الروايات المستدلّ بها على وجوب السورة في الكتب المفصّلة. و لقد أُورد على الاستدلال بها أوّلًا: بأنّ بعضها ظاهر في النهي عن تبعيض السورة، و بعضها يحتمل للحمل على عدم تأكّد الاستحباب في حقّ المريض و المستعجل، و بعضها يناسب الاستحباب، و بعضها ظاهر في أصل تشريع السورة في كلّ ركعة من الصلاة قبال توظيف السورتين، من غير إشعار بوجوب السورة فيه كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) المتقدّم؛ و لذا قال جماعة من الأصحاب باستحباب قراءة السورة. و ثانياً: بأنّها على فرض تمامية دلالتها على الوجوب معارضة بصحيحي علي بن رئاب و الحلبي الآتيين الدالّين على جواز الاقتصار على الفاتحة و ترك السورة، و مقتضى الجمع العرفي بينها حمل تلك الأخبار على الاستحباب، و لكن الشهرة العظيمة قائمة على الوجوب، و هو الأحوط. و استدلّ للقول بالاستحباب بصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة(وسائل الشيعة 6: 39، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوّلتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و الشيخ (رحمه اللَّه) في «التهذيب» بعد ذكر هذين الصحيحين حملهما على حال الضرورة بقرينة الأخبار الدالّة على أنّه لا يجوز الاقتصار على سورة الحمد مع الاختيار(تهذيب الأحكام 2: 71، ذيل الحديث 260.) و احتمل صاحب «الحدائق» فيهما التقية، قال: فاحتمال التقية فيهما ممّا لا ريب فيه و لا مرية تعتريه(الحدائق الناضرة 8: 116.) انتهى. المسألة الثالثة: بعد البناء على وجوب السورة بعد الحمد، هل الواجب السورة الكاملة أو يكفي بعضها؟ الظاهر من بعض الأخبار هو وجوب سورة كاملة، و هو المشهور المختار. و يدلّ عليه صحيح منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا تقرأ في المكتوبة بأقلّ من سورة و لا بأكثر(وسائل الشيعة 6: 43، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح علي بن يقطين في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن تبعيض السورة، فقال اكره و لا بأس به في النافلة(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 4.) ، و الكراهة هنا بمعنى الحرمة بقرينة نفي البأس في النافلة؛ ففي التبعيض في الفريضة بأس. و ما دلّ من الأخبار على جواز تقسيم السورة فمحمول على التقية أو على النافلة؛ ففي مرسلة أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته هل يقسّم السورة في ركعتين؟ قال نعم اقسمها كيف شئت(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 5.) و صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة، هل يجزيه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ فقال يقرأ الحمد ثمّ يقرأ ما بقي من السورة(وسائل الشيعة 6: 45، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 6.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل قرأ سورة في ركعة فغلط، أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته أو يدع تلك السورة و يتحوّل منها إلى غيرها؟ فقال كلّ ذلك لا بأس به، و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع(وسائل الشيعة 6: 45، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 7.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن السورة أ يصلّي بها الرجل في ركعتين من الفريضة؟ قال نعم، إذا كانت ستّ آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الأُولى و النصف الآخر في الركعة الثانية(وسائل الشيعة 6: 46، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 5، الحديث 2.) و رواية سليمان بن أبي عبد اللَّه قال: صلّيت خلف أبي جعفر (عليه السّلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آي من البقرة فجاء أبي فسأل، فقال يا بنيّ إنّما صنع ذا ليفقّهكم و يعلّمكم(وسائل الشيعة 6: 46، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 5، الحديث 3.) و هذه الرواية تدلّ على الحمل على التقية. و يدلّ عليه أيضاً صحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: صلّى بنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أو أبو جعفر (عليه السّلام)، فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة، فلمّا سلّم التفت إلينا فقال أما إنّي أردت أن أُعلّمكم(وسائل الشيعة 6: 46، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 5، الحديث 1.) و صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بعد نقل الأخبار الدالّة بظاهرها على جواز تبعيض السورة قال: و هذه الأخبار و إن دلّت بحسب ما يتراءى منها على ما ذكروه، إلّا أنّ باب الاحتمال فيها مفتوح؛ فإنّ إطلاق جملة منها قابل للحمل على النافلة، و ما هو صريح في الفريضة أو ظاهر فيها فحمله على التقية أقرب قريب. و بالجملة: فإنّ اتّفاق العامّة على استحباب السورة و جواز تبعيضها ممّا أوهن الاستناد إليها و أضعف الاعتماد عليها(الحدائق الناضرة 8: 118.) انتهى. المسألة الرابعة: يجوز ترك السورة في بعض الأحوال، بل قد يجب مع ضيق الوقت و الخوف و نحوهما من أفراد الضرورة، كالمرض و عدم إمكان التعلّم و عدم الاختيار. و يدلّ على جواز تركها عند الاستعجال لحاجة و الخوف عن شي ء صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و سقوطها في سائر موارد الضرورة إجماعي. و يدلّ على جواز تركها في خصوص المرض صحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدّم قال يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 5.) المسألة الخامسة: يجب الترتيب بين الحمد و السورة. و يدلّ على الترتيب بينهما موثّق سماعة المتقدّم فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح الفضل بن شاذان المتقدّم و إنّما بدأ بالحمد دون سائر السور(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، فلو بدأ بالسورة دون الحمد عمداً بطلت الصلاة على المشهور، و هو المختار، و به صرّح العلّامة و الشهيدان و المحقّق الثاني و غيرهم. و يظهر من المحقّق و صاحب «المدارك» عدم البطلان، قال في «الشرائع»: و لو قدّمها على الحمد أعادها أو غيرها بعد الحمد(شرائع الإسلام 1: 72.) و صاحب «المدارك» بعد نقل عبارة «الشرائع» قال: إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين العامد و الناسي، و هو كذلك(مدارك الأحكام 3: 351.) انتهى. قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: فلو قدّمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانياً(العروة الوثقى 1: 643.) انتهى. الظاهر: أنّه لو لم يقرأها ثانياً بطلت من جهة الزيادة العمدية، حيث إنّ السورة قبل فاتحة الكتاب ليست مأموراً بها في الصلاة؛ فيصدق عليها أنّها زيادة عمدية، و من جهة ترك السورة بعد الحمد عمداً؛ فترك الواجب عمداً مبطل. و العجب من صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) حيث قال في أوّل كلامه بوجوب الترتيب و أنّه لو أخلّ أعاد السورة بعدها أو غيرها، و لازم هذا أنّه تصحّ صلاته بقراءة السورة ثانياً بعد الحمد، و بعد نقل قول القائلين بالبطلان قال: و بالجملة فالظاهر أنّه المشهور. و قال النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة»: و التحقيق أنّه يجب بناء المسألة على مسألة القِران بين السورتين؛ فإن حرّمناه مطلقاً بطلت الصلاة و إلّا فلا(مستند الشيعة 5: 99.) و فيه: أنّ الظاهر من القِران بين السورتين اقترانهما؛ فلا يشمل ما يفصّل بينهما الحمد. و كيف كان: المشهور هو بطلان الصلاة لو قدّم السورة على الحمد، و هو العمدة في الدليل على البطلان، و في «الجواهر»: بل لم أعرف أحداً صرّح بالصحّة قبل الأردبيلي فيما حكي عن «مجمعه» و بعض أتباعه(جواهر الكلام 9: 338.) انتهى. المسألة السادسة: لو قدّم السورة على الحمد سهواً فلا تبطل الصلاة قطعاً، و حينئذٍ فإن تذكّر في الركوع أو بعده مضى فلا شي ء عليه؛ لكون الترتيب شرطاً ذكريا و لا محلّ للجبران بإعادة السورة، و إن ذكر قبل الركوع أعاد السورة أو غيرها؛ لبقاء محلّ الجبران.

ص: 393

ص: 394

ص: 395

ص: 396

ص: 397

ص: 398

ص: 399

ص: 400

ص: 401

[ (مسألة 2): يجب قراءة الحمد في النوافل كالفرائض]

(مسألة 2): يجب قراءة الحمد في النوافل كالفرائض؛ بمعنى كونها شرطاً في صحّتها. و أمّا السورة فلا تجب في شي ء منها و إن وجبت بالعارض بنذر و نحوه (1).


1- وجوب قراءة الحمد في النوافل مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل إجماعي. و يمكن استفادة وجوبها فيها من الأخبار النافية للصلاة الفاقدة لفاتحة الكتاب، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات قلت: أيّما أحبّ إليك إذا كان خائفاً أو مستعجلًا يقرء سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال (عليه السّلام) فاتحة الكتاب(وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب. إلى أن قال فليقرءها ما دام لم يركع فإنّه لا قراءة حتّى يبدأ بها في جهر أو إخفات(وسائل الشيعة 6: 38، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 2.) ، وجه الاستدلال: أنّ الصلاة مطلق شامل للنافلة أيضاً. و قد يستدلّ أيضاً بأنّ الفرائض و النوافل مشتركة في الأقوال و الهيئات إلّا فيما دلّ الدليل على التفاوت، و لم يوجد دليل على تفاوتهما في قراءة الحمد. و عن العلّامة (رحمه اللَّه) في «التحرير»: أنّه لا يتعيّن الحمد في النوافل وجوباً، بل ندباً. و كذا يستحبّ السورة بعدها فيها(تحرير الأحكام 1: 38/ السطر 30.) و في «التذكرة»: و هل تجب الفاتحة في النافلة؟ الأقوى عندي عدم الوجوب، خلافاً للشافعي(تذكرة الفقهاء 3: 130.) انتهى. و نسب القول بعدم الوجوب إلى ابن أبي عقيل أيضاً. و قد يستشهد لقول العلّامة برواية علي بن أبي حمزة البطائني قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزيه في النافلة؟ قال ثلاث تسبيحات في القراءة، و تسبيحة في الركوع، و تسبيحة في السجود(وسائل الشيعة 6: 42، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 3، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ الرواية ضعيفة بالبطائني، و القول بعدم وجوب الحمد في النافلة شاذّ لا يعبأ به. و أمّا السورة فلا تجب في شي ء من النوافل بلا خلاف نصّاً و فتوى، و ادّعى النراقي في «مستند الشيعة» الإجماع عليه. و يدلّ عليه ذيل صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و يجوز للصحيح في قضاء الصلاة التطوّع بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 40، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 2، الحديث 5.) ، بناءً على أنّ المراد من القضاء هو الفعل و الإتيان، لا معناه الاصطلاحي كما في قوله تعالى فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ(النساء( 4): 103.) أو بناءً على عدم القول بالفصل بين الأداء و القضاء في النافلة بالنسبة إلى ترك السورة. و كما يجوز ترك السورة في النافلة كذا يجوز تبعيضها فيها. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن تبعيض السورة، فقال اكره، و لا بأس به في النافلة(وسائل الشيعة 6: 44، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 4، الحديث 4.) فرع: لو نذر قراءة السورة في النافلة وجبت، و مع ذلك لو تركها كان عاصياً بحنث النذر بترك السورة، و لكن تصحّ نافلته بدون السورة.

ص: 402

ص: 403

نعم النوافل التي وردت في كيفيّتها سور خاصّة يعتبر في تحقّقها تلك السور، إلّا أن يعلم أنّ إتيانها بتلك السور شرط لكمالها، لا لأصل مشروعيّتها و صحّتها (1).


1- النوافل التي وردت في كيفيتها سور خاصّة كنوافل ليالي شهر رمضان و أوّل الشهور و غيرها من الأوقات الخاصّة يعتبر في تحقّق تلك النوافل قراءة تلك السور؛ لأنّ مشروعية صلاة في وقت خاصّ و بكيفية خاصّة لا تتحقّق إلّا إذا وقعت بتلك الكيفية؛ فلو صلّى بغير تلك الكيفية كانت صلاته نافلة مطلقة لا المطلوبة في وقت خاصّ المقيّدة بكيفية خاصّة. إلّا أن يعلم أنّ إتيانها بسور خاصّة لتحصيل كمال تلك الصلاة لا أنّ السورة الخاصّة دخيلة في مشروعيتها. و لكن ذلك لم يعلم من الدليل، بل ظاهر أدلّة تلك النوافل مشروعيتها بكيفية خاصّة و كون صحّتها مشروطة بها.

ص: 404

[ (مسألة 3): الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة]

(مسألة 3): الأقوى جواز قراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة على كراهية، بخلاف النافلة فلا كراهة فيها. و الأحوط تركها في الفريضة (1).


1- ينبغي أوّلًا نقل كلام صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) قال: لا يجوز أن يقرن بين السورتين في قراءة ركعة واحدة عند كثير من القدماء بل مشهورهم، و بعض المتأخّرين و متأخّريهم، بل عن الصدوق (رحمه اللَّه) أنّه من دين الإمامية، كما عن المرتضى في «الانتصار»: أنّه ممّا انفردت به عن مخالفيهم، بل عن بعضهم التصريح بالبطلان معه. و قيل و القائل أكثر المتأخّرين يجوز؛ للأصل أو الأُصول، و عموم قراءة القرآن، و إطلاق أوامر الصلاة و أنّها لا تعاد إلّا من أُمور مخصوصة(جواهر الكلام 9: 354.) انتهى موضع الحاجة. ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار النهي و البأس عن القرآن بين السورتين في الركعة، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة، فقال لا، لكلّ سورة ركعة(وسائل الشيعة 6: 50، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و موثّق ابن بكير عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إنّما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، و أمّا النافلة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 50، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و رواية المفضّل بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و أ لم نشرح و أ لم تر كيف و لإيلاف قريش(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) و ورد في بعضها نفي البأس عن القرآن بين السورتين، كصحيح ابن يقطين قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن القرآن بين السورتين في المكتوبة و النافلة، قال لا بأس(وسائل الشيعة 6: 52، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 9.) و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل ما دلّ على البأس و النهي على الكراهة، و حينئذٍ فلا يقال: إنّ الأخبار الناهية مشهورة بين القدماء؛ فتقدّم على الأخبار المجوّزة، فالأقوى هو الجواز مع الكراهة في الفريضة. و يدلّ على الكراهة في الفريضة ما رواه في «السرائر» نقلًا من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال لا تقرننّ بين السورتين في الفريضة في ركعة فإنّه أفضل(وسائل الشيعة 6: 52، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 11.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل قرأ سورتين في ركعة، قال إذا كانت نافلة فلا بأس، و أمّا الفريضة فلا يصلح(وسائل الشيعة 6: 53، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 13.) و أمّا القرآن بين السورتين في النافلة فيجوز بلا كراهة، و في «مستند الشيعة»: لا ريب في جواز القرآن في النوافل، و عليه اتّفقت كلمات الأفاضل، و استفاضت أخبار الأطائب(مستند الشيعة 5: 111.) و يدلّ عليه ذيل موثّق ابن بكير عن زرارة المتقدّم فأمّا النافلة فلا بأس. و رواية القروي (الهروي) عن أبان عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أقرأ سورتين في ركعة؟ قال نعم ، قلت: أ ليس يقال: أعط كلّ سورة حقّها من الركوع و السجود؟ فقال ذاك في الفريضة، فأمّا النافلة فليس به بأس(وسائل الشيعة 6: 51، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 5.) و صحيح عبد اللَّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت(وسائل الشيعة 6: 51، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 7.)

ص: 405

ص: 406

[ (مسألة 4): لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال]

(مسألة 4): لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال، فإن فعله عامداً بطلت صلاته على إشكال، و إن كان سهواً عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، و إن ذكر بعد الفراغ منها و قد فات الوقت أتمّ صلاته (1).


1- عدم جواز قراءة ما يفوت الوقت بفواته من السور الطوال ممّا لا خلاف معتدّ به فيه، كما في «الجواهر» و غيره. و في «الحدائق» نسبه إلى الأصحاب قال: قد صرّح الأصحاب بأنّه لا يجوز أن يقرأ من السور ما يفوت بفواته الوقت(الحدائق الناضرة 8: 125.) انتهى. و علّله في «المنتهي» بأنّه يلزم منه الإخلال بالصلاة أو بعضها حتّى يخرج الوقت عمداً، و ذلك غير جائز(منتهى المطلب 1: 277/ السطر 3.) و قد يستشهد عليه بحسنة عامر بن عبد اللَّه الأزدي، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول من قرأ شيئاً من (آل حم) في صلاة الفجر فاته الوقت(وسائل الشيعة 6: 111، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 44، الحديث 1.) و حسنة عبد اللَّه بن أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث لا تقرأ في الفجر شيئاً من (آل حم)(وسائل الشيعة 6: 111، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 44، الحديث 2.) وجه الاستشهاد: أنّ الظاهر كون النهي لفوات الوقت. و يحتمل في رواية عامر بن عبد اللَّه أن يكون الوقت الفائت وقت فضيلة صلاة الفجر لا وقت الإجزاء. و في حسنة الحضرمي أن يكون النهي عن قراءة (آل حم) مخصوصاً لصلاة الفجر و إن لم يوجب فوات الوقت؛ و حينئذٍ يكون الخبران مجملين. و العمدة في دليل المسألة عدم وجود الخلاف فيها. و أمّا بطلان الصلاة بقراءة السورة الطويلة فهو المشهور بين الأصحاب، و هو المختار. و في «الرياض»: و لا خلاف في هذا الحكم إلّا من بعض متأخّري المتأخّرين، بل يظهر من صاحب «الحدائق»: أنّه إجماعي، قال: قالوا: فإنّه إذا كان عامداً تبطل صلاته، و علّله في «الرياض» باستلزام ذلك تعمّد الإخلال بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعاً فتوًى و نصّاً كتاباً و سنّة؛ فيكون منهياً عنه و لو ضمناً(رياض المسائل 3: 395.) انتهى. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد الإشكال على «الرياض» بأنّه من مسألة الضدّ التي يقوى فيها عدم النهي عن الأضداد، قال: نعم يقوى البطلان في المقام لو فرض تشاغله بسورة طويلة في الفريضة حتّى خرج الوقت و لم يحصل له ركعة؛ لأنّها افتتحها أداءً و لم تحصل، و انقلابها قضاءً في الأثناء لا تساعد عليه أدلّة القضاء؛ ضرورة ظهورها في المفتتحة عليه أو التي كانت في الواقع كذلك، و إن لم يعلم المكلّف. إلى أن قال: أمّا لو كان قد أدرك ركعة و كان تشاغله بالسورة مفوّتاً لما عداها فقد يقوى الصحّة، و إن فعل محرّماً بتفويت الوقت الاختياري، كما أنّه يمكن الصحّة لو فرض تشاغله بها حتّى ضاق الوقت عن قراءة سورة فركع بدونها؛ لما سمعته من سقوطها في الضيق الذي لا يتفاوت الحال فيه بين ما يكون بسوء اختيار المكلّف و غيره(جواهر الكلام 9: 352.) انتهى. و إشكال المصنّف (رحمه اللَّه) في البطلان لعلّه لما ذكره أُستاذه الحائري (رحمه اللَّه) في كتاب «الصلاة» من أنّه لو أتى بها بقصد رجحانها الذاتي فيمكن القول بصحّة العمل؛ سواء أدرك ركعة أم لا؛ فإنّ الصلاة الواقع بعضها في الوقت و الباقي خارج الوقت راجحة. و يفهم رجحانها من دليلي الأداء و القضاء، فهذه الصلاة وقعت عبادة و إن قارنت عصيان المولى بتركه الصلاة في الوقت المضروب لها(الصلاة، المحقّق الحائري: 162.) انتهى. هذا كلّه فيما كان عامداً في قراءة السور الطوال. و أمّا إذا قرأها سهواً فإن ذكرها في أثنائها عدل إلى غيرها مع سعة الوقت، و مع ضيق الوقت يترك بقيتها حتّى يدرك الوقت و لو بمقدار ركعة. و إن ذكر بعد الفراغ من السورة و قد فات الوقت أتمّ صلاته و لا شي ء عليه. فرع: لو ظنّ سعة الوقت و شرع في سورة طويلة ثمّ تبيّن في الأثناء ضيقه وجب العدول إلى غيرها من السور القصار ليدرك الوقت و لو ركعةً. و مع عدم الوسع له يترك بقية السورة كما في صورة السهو.

ص: 407

ص: 408

ص: 409

و كذا لا يجوز قراءة إحدى السور العزائم في الفريضة (1)،


1- عدم جواز قراءة إحدى السور العزائم في الفرائض مشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعاً، بل نقل عليه الإجماع عن جماعة، كالسيّد في «الانتصار» و الشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «النهاية». و لم يوجد في المسألة مخالف إلّا ابن الجنيد، فقال: لو قرأ سورة من العزائم في النافلة سجد، و إن كان في فريضة أومأ، فإذا فرغ قرأها و سجد، و مال إليه صاحب «المدارك». و خلافهما لا يعتدّ به و لا يقدح في الإجماع. و يدلّ على المشهور مضافاً إلى الإجماع المستفيض رواية القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد. إلى أن قال و لا تقرأ في الفريضة اقرأ في التطوّع(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 2.) و ذيل خبر علي بن جعفر عن أخيه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها، أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع، و ذلك زيادة في الفريضة، و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة(وسائل الشيعة 6: 106، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 4.) ، حيث إنّ الظاهر من قوله لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة هو التحريم. و صدره و إن كان ظاهراً بقرينة السؤال في جواز قراءة العزائم في الفريضة، لكنّه يمكن حمله على صورة النسيان أو التقية كما في «الحدائق». و يمكن أن يوجّه بعدم الجواز في المكتوبة؛ لأنّه يوجب الزيادة في المكتوبة فهي مبطلة. و فيما جاز قراءته كالنافلة يوجب السجدة في أثناء الصلاة. كذا وجّهه المحقّق الهمداني، قال (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه»: سوق السؤال في هذه الرواية يقضي بكون جواز قراءة العزائم في الصلاة لدى السائل من الأُمور المسلّمة المفروغ عنها بحيث لم يكن يتوهّم المنع عن أصل القراءة في الفريضة، فسأل عن أنّه عند قراءتها سورة النجم التي يكون آية السجدة في آخرها، و ليس بعدها قراءة هل يترك سجدة العزيمة و يركع عن هذه القراءة، أم يسجد للعزيمة ثمّ يقوم فيقرأ غيرها و يركع؟ فأجاب الإمام (عليه السّلام) أوّلًا عمّا كان محطّ نظره في السؤال من بيان ما هو وظيفته عند قراءة العزيمة في الصلاة التي يجوز قراءتها فيها. ثمّ نبّه على أنّ خصوص المورد ليس ممّا يجوز فيه ذلك؛ لأنّ ذلك زيادة في الفريضة؛ فلا يعود يقرأ فيها بسجدة(مصباح الفقيه، الصلاة: 290/ السطر الأخير.) انتهى. و يظهر من بعض الأخبار جواز قراءتها: منها صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع و يسجد(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 1.) و رواية أبي البختري وهب بن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أبيه عن علي (عليهم السّلام) أنّه قال إذا كان آخر السورة السجدة أجزأك أن تركع بها(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 3.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال يسجد إذا ذكر، إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 104، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 39، الحديث 1.) و ذيل موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): و عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، فقال إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها، و إن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع التي فيها السجدة، فيرجع إلى غيرها.(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 3.) الحديث. و صحيح علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع، و ذلك زيادة في الفريضة، و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة(وسائل الشيعة 6: 106، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 4.) و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل الأخبار المجوّزة على جوازها في النافلة أو على التقية؛ إذ الجواز مذهب جمهور أهل الخلاف. و الشيخ الأنصاري (رحمه اللَّه) بعد اختياره عدم جواز قراءة سورة من العزائم، قال ما محصّله: أنّ الأخبار المخالفة محمولة على التقية؛ لإطباق العامّة على الجواز، كما عن جماعة. بل يجب حملها في أنفسها على النافلة أو على النسيان أو التقية؛ لاختصاص أخبار المنع بغير هذه؛ فالميل إلى الجواز و حمل أخبار المنع على الكراهة ضعيف(الصلاة، الشيخ الأنصاري: 131.) انتهى. ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في بطلان الصلاة بقراءة العزيمة؛ فقال جماعة ببطلانها، و هو المختار. و استدلّ له عمدةً بظاهر الأخبار الناهية عن قراءتها، و النهي مقتضٍ للفساد؛ إمّا في الصلاة و إمّا في الجزء؛ أعني السورة. و بعبارة اخرى: المتبادر من الأخبار الناهية عن قراءة العزائم في الصلاة كغيرها من النواهي المتعلّقة بكيفيات العبادة إرادة الحكم الوضعي أعني مانعية ما تعلّق به النهي أو شرطية عدمه لا محض الحكم التكليفي. و بأنّ قراءة العزيمة توجب السجود في أثناء الصلاة، و هو زيادة عمدية مبطلة للصلاة، كما صرّح بها في بعض النصوص المتقدّمة. و ادّعى في «التنقيح» الإجماع على بطلان الصلاة بالسجود عمداً. و استدلّ صاحب «الرياض» مضافاً إلى ما ذكر بأنّ مقتضى كون العبادة توقيفية لزوم الاقتصار فيها بحكم التأسّي الثابت بالأصل و النصّ على الثابت منها في الشريعة من غير زيادة و لا نقيصة. و ذهب جماعة إلى عدم بطلان الصلاة بقراءتها. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد الخدشة في أدلّة القائلين بالبطلان بما حاصله بتوضيح منّا بأنّ إبطال الصلاة بزيادة السجدة محلّ نظر. و دعوى إطلاق نصوص الزيادة من زاد في صلاته فعليه الإعادة(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) بحيث يشمل ذلك، ممنوعة أوّلًا لظهور تلك النصوص في إرادة زيادة الركعات أو الركوعات لا مطلقاً. و ثانياً لدلالة نصوص أُخر على أنّ الصلاة لا تعاد من سجدة، و إنّما تعاد من ركعة، و ظاهرها عدم الفرق بين العمد و النسيان كما في موثّق منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، قال لا يعيد صلاة من سجدة و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال لا و اللَّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة ، و قال لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و بأنّه يتمّ بناءً على عدم جواز القِران بين السورتين، و لا يتمّ بناءً على المختار من كراهة القرآن. و بأنّه لا دلالة في الخبر المعلّل أزيد من النهي عن القراءة الموجبة للسجود الذي هو زيادة في الصلاة، من غير تعرّض للإبطال و عدمه. بل مقتضى التدبّر في النصوص؛ خصوصاً خبر علي بن جعفر، و قوله (عليه السّلام) و ذلك زيادة في الفريضة حرمتها لا إبطالها. قال: فالمتّجه حينئذٍ في جميع النصوص الحرمة لا الإبطال(جواهر الكلام 9: 346 348.) انتهى كلامه. و لا يخفى: أنّه على فرض تسليم إيراد خدشته في أدلّة القائلين بالبطلان بما ذكره، نقول: إنّ دلالة النهي عن قراءة العزائم في الصلاة و دلالة النهي على فساد العبادة مسلّم، فتبطل الصلاة بها. ثمّ إنّ المحرّم هو قراءة مجموع السورة من العزائم بناءً على وجوب قراءة سورة كاملة، فتبطل الصلاة بمجرّد الشروع في السورة مع قصد إتمامها؛ لما ذكرنا من النهي المقتضي للفساد، و لأنّ العزم على قراءة المجموع بعنوان الجزئية و امتثال الأمر بقراءة سورة كاملة يحرم من حيث التشريع، و هذا دليل آخر على بطلان الصلاة.

ص: 410

ص: 411

ص: 412

ص: 413

ص: 414

فلو قرأها نسياناً إلى أن قرأ آية السجدة، أو استمعها و هو في الصلاة، فالأحوط أن يومئ إلى السجدة و هو في الصلاة، ثمّ يسجد بعد الفراغ؛ و إن كان الأقوى جوازَ الاكتفاء بالإيماء في الصلاة، و جوازَ الاكتفاء بالسورة (1).


1- لو قرأها نسياناً و ذكر قبل إتمامها يجب عليه العدول إلى غيرها؛ حتّى لو ذكرها بعد قراءة آية السجدة، بل لو ذكرها قبل إتمامها و قبل الركوع. و علّله في «الجواهر» بظهور النهي عن العزيمة في عدم كونها ممّا يتحقّق به الخطاب بالسورة؛ ضرورة كونه من المطلق و المقيّد، انتهى. و حكي عن الشهيد في «البيان» و المحقّق الثاني الجزم به. اللهمّ إلّا أن يقال بعدم الخلاف في صحّة صلاة من قرأ سورة العزيمة سهواً كما عن «الجواهر»، أو ظهور الاتّفاق على صحّتها كما في «المستمسك». بل لا يبعد الاكتفاء بها فيما لو قرأها و سجد للتلاوة سهواً؛ لعدم الزيادة العمدية. ثمّ إنّ استماع آية السجدة و إن كان يوجب وجوب السجدة عليه فوراً و لكنّه لا تبطل الصلاة بمجرّد الاستماع، بل تبطل بفعل السجدة الموجبة للزيادة. نعم يحرم الاستماع مطلقاً؛ لأنّه يوجب إبطال الصلاة لو سجد في الأثناء، و مع تركها في الأثناء و إتيانها بعد الصلاة يلزم تأخير الواجب الفوري.

ص: 415

[ (مسألة 5): البسملة جزء من كلّ سورة]

(مسألة 5): البسملة جزء من كلّ سورة فيجب قراءتها عدا سورة البراءة (1).


1- و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن السبع المثاني و القرآن العظيم أ هي الفاتحة؟ قال نعم ، قلت: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من السبع المثاني؟ قال نعم، هي أفضلهنّ(وسائل الشيعة 6: 57، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إذا قمتُ للصلاة أقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال نعم ، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 58، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 11، الحديث 5.) ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار جواز ترك البسملة في السورة، كما في صحيح عبد اللَّه و محمّد ابني علي الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال نعم إن شاء سرّاً و إن شاء جهراً ، فقالا: أ فيقرؤها مع السورة الأُخرى؟ فقال لا(وسائل الشيعة 6: 61، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 2.) و بعضها يدلّ على الاكتفاء بالبسملة في فاتحة الركعة الأُولى، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أو يقرأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم؟ قال نعم إذا استفتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح، ثمّ يكفيه ما بعد ذلك(وسائل الشيعة 6: 61، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 3.) و صحيح مسمع بن عبد الملك البصري قال: صلّيت مع أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، ثمّ قرأ السورة التي بعد الحمد، و لم يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم، ثمّ قام في الثانية فقرأ الحمد و لم يقرأ ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، ثمّ قرأ بسورة أُخرى(وسائل الشيعة 6: 62، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 4.) و بعضها يدلّ على جواز تركها بالمرّة حتّى في حمد الركعة الأُولى كصحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يكون إماماً فيستفتح بالحمد و لا يقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم، فقال لا يضرّه و لا بأس به(وسائل الشيعة 6: 62، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 12، الحديث 5.) قال في «وسائل الشيعة»: ذكر الشيخ و غيره أنّ هذه الأحاديث محمولة على التقية و القرائن في بعضها ظاهرة، أو على عدم الجهر بها في محلّ الإخفات، أو على عدم سماع الراوي لها لبعده، أو على النافلة لجواز تبعيض السورة فيها بل تركها، انتهى.

ص: 416

[ (مسألة 6): سورة الفيل و الإيلاف سورة واحدة]

(مسألة 6): سورة الفيل و الإيلاف سورة واحدة، و كذلك و الضحى و أَ لَم نشرَح، فلا تُجزي واحدة منها، بل لا بدّ من الجمع مرتّباً مع البسملة الواقعة في البين (1).


1- اختلف فقهاؤنا في كون سورة الفيل و لإيلاف سورة واحدة، و كذلك و الضحى و أ لم نشرح؛ فالمشهور بين القدماء وحدتهما فلا يجوز إفراد إحداهما عن صاحبتها الأُخرى في كلّ ركعة، و نسبها في «البحار» و «الذكرى» و «جامع المقاصد» إلى الأكثر، و يظهر من جماعة أنّها متّفق عليها عند الأصحاب، و حكي عن السيّد في «الانتصار» أنّ وجوب الجمع بين أ لم تر و لإيلاف في ركعة واحدة إجماعي، و أنّه ممّا انفردت به الإمامية، و عن «الأمالي»: أنّ من دين الإمامية الإقرار بأنّه لا يجوز التفرقة بينهما في ركعة. و المشهور بين المتأخّرين تعدّدها و عدم اتّحاد كلّ منها مع صاحبتها؛ قال صاحب «المدارك»: ما ذكره المصنّف من رواية الأصحاب: أنّ «الضحى» و «أ لم نشرح» سورة واحدة و كذا «الفيل» و «لإيلاف»، لم أقف عليه في شي ء من الأُصول و لا نقله ناقل في كتب الاستدلال، و الذي وقفتُ عليه في ذلك روايتان: روى إحداهما زيد الشحّام في الصحيح قال: صلّى بنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة، و الأُخرى رواها المفضل قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و أ لم نشرح، و سورة الفيل و لإيلاف ، و لا دلالة لهما على ما ذكروه من الاتّحاد، بل و لا على وجوب قراءتهما في الركعة: أمّا الأُولى فظاهر؛ لأنّها إنّما تضمّنت أنّه (عليه السّلام) قرأهما في الركعة، و التأسّي فيما لم يعلم وجهه مستحبّ لا واجب. و أمّا الثانية فلأنها مع ضعف سندها إنّما تضمّنت استثناء هذه السور من النهي عن الجمع بين السورتين في الركعة، و النهي هنا للكراهة على ما بيّناه فيما سبق؛ فيكون الجمع بين هذه السور مستثنى من الكراهة، و انتفاء الكراهة أعمّ من الوجوب. و الذي ينبغي القطع بكونهما سورتين لإثباتهما في المصاحف كذلك كغيرهما من السور(مدارك الأحكام 3: 377.) انتهى موضع الحاجة من كلامه. و المختار عندنا هو المشهور بين القدماء، و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع المدّعى مستفيضاً صحيح زيد الشحّام قال: صلّى بنا أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الفجر فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة(وسائل الشيعة 6: 54، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 1.) و ما رواه الشيخ الطبرسي في «مجمع البيان» قال: روى أصحابنا أنّ الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، و كذا سورة أ لم تر كيف و لإيلاف قريش(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) و رواية المفضل بن صالح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول لا تجمع بين سورة في ركعة واحدة، إلّا الضحى و أ لم نشرح و أ لم تر كيف و لإيلاف قريش(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و رواية أبي العبّاس عن أحدهما (عليهما السّلام) قال أ لم تر كيف فعل ربّك و لإيلاف قريش سورة واحدة(وسائل الشيعة 6: 55، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و ما رواه المحقّق في «الشرائع» قال: روى أصحابنا أنّ الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، و كذا الفيل و لإيلاف(شرائع الإسلام 1: 73.) و ما رواه الصدوق في «الهداية» مرسلًا عن الصادق (عليه السّلام) في حديث قال و موسّع عليك أيّ سورة في فرائضك، إلّا أربع، و هي: و الضحى و أ لم نشرح في ركعة لأنّهما جميعاً سورة واحدة، و لإيلاف و أ لم تر كيف في ركعة لأنّهما جميعاً سورة واحدة، و لا ينفرد بواحدة من هذه الأربع سور في ركعة(انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 315/ السطر 18، الهداية: 135.) ، و غيرها من الروايات. و ضعافها منجبرة بالشهرة المحقّقة بين القدماء. و في «الرياض»: و ضعف الأسانيد مجبور بالفتاوى و الإجماعات المحكية حدّ الاستفاضة. و القائلون بتعدّدها و عدم اتّحاد كلّ منها مع صاحبتها استدلّوا بصحيح آخر لزيد الشحّام قال: صلّى أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) فقرأ في الأُولى الضحى و في الثانية أ لم نشرح لك صدرك(وسائل الشيعة 6: 54، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 3.) و لزيد الشحّام صحيح ثالث قال: صلّى بنا أبو (عليه السّلام) فقرأ بنا بالضحى و أ لم نشرح(وسائل الشيعة 6: 54، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 2.) و هذا الصحيح محتمل لقراءته (عليه السّلام) بالضحى و أ لم نشرح في ركعة واحدة، و محتمل أيضاً لقراءته أُولاهما في الركعة الأُولى و الثانية في الثانية من باب التبعيض للتقية أو في النافلة. و استدلّوا أيضاً بخبر داود الرقّي ابن كثير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال: فلمّا طلع الفجر قام فأذّن و أقام و أقامني عن يمينه، و قرأ في أوّل ركعة الحمد و الضحى و في الثانية بالحمد و قل هو اللَّه أحد، ثمّ قنت ثمّ سلّم ثمّ جلس(وسائل الشيعة 6: 56، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 10، الحديث 10.) و الجواب عن استدلالهم بصحيح زيد الشحّام: أنّ الصحيح لا ينفي كون السورتين سورة واحدة كي يتحقّق المعارضة بينه و بين الأخبار الدالّة على كونهما سورة واحدة؛ لإمكان أن يكون اكتفاء الإمام (عليه السّلام) بقراءة الضحى في الركعة الأُولى و أ لم نشرح في الثانية من باب التبعيض في السورة للتقية. و في «الوسائل»: حمله الشيخ على النافلة، و لا يخفى أنّ الحمل على النافلة صحيح بناء على نسخة «التهذيب» و «الاستبصار» و بعض نسخ «الوسائل» طبع آل البيت حيث لم يذكر فيها كلمة بنا بعد قوله صلى و موهون بناء على بعض النسخ الآخر من الوسائل طبع مكتبة الإسلامية حيث إنّ المذكور فيه صلى بنا ، و وجه الوهن أنّ الصلاة كانت جماعة و لا تجوز الجماعة في النافلة.و أمّا خبر داود الرقّي فيحتمل أن يكون المراد من الضحى هي مع أ لم نشرح تسمية لهما باسم أُولاهما، كما يحتمل التبعيض للتقية. بقي الكلام في مقامين: الأوّل: وجوب الترتيب بين الضحى و أ لم نشرح؛ بأن يقرأ الضحى أوّلًا ثمّ يقرأ أ لم نشرح، فلو عكس لم يجز. و كذا بين أ لم تر كيف و لإيلاف قريش. و الثاني: في وجوب قراءة البسملة بين السورتين. أمّا المقام الأوّل: فالظاهر وجوب التقديم؛ لصحيحي زيد الشحّام المتقدّمين المتضمّنين لفعل المعصوم (عليه السّلام) و تقديم الضحى على أ لم نشرح. و أمّا المقام الثاني: فقال جماعة من فقهائنا بالوجوب، و هو المختار، لثبوتها في المصاحف المعروفة التي بأيدي المسلمين من صدر الإسلام إلى يومنا هذا، و لأنّ الشكّ في جزئيتها يكفي في لزوم الإتيان بها تحصيلًا للجزم بقراءة السورة الواجبة في الصلاة، و إلى هذا القول ذهب الأكثر. و في «مجمع البرهان»: الظاهر إجماعهم على أنّ البسملة جزء من كلّ منهما(مجمع الفائدة و البرهان 2: 244.) و في «السرائر»: تجب البسملة بينهما لإثباتها في المصاحف، و لا خلاف في عدد آياتهما؛ فإذا لم يبسمل بينهما نقصتا من عددهما؛ فلم يكن قد قرأهما جميعاً(السرائر 1: 221.) انتهى. و المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» بعد أن قال: إنّه قد يقوى في النظر ما رجّحه في المتن من عدم الافتقار إلى البسملة بين السورتين وفاقاً لغير واحد من الأصحاب، قال: و لكن مع ذلك كلّه: الأحوط بل الأقوى الافتقار إليها، كما حكي عن جماعة، بل عن «المقتصر» نسبته إلى الأكثر؛ لثبوتها في المصاحف المعروفة بين المسلمين من صدر الإسلام، و عدم التنافي بينه و بين كون المجموع سورة واحدة، بل قد يغلب على الظنّ أنّ وقوع البسملة في أثنائها عند نزولها هو الذي أوقع الناس في شبهة التعدّد(مصباح الفقيه، الصلاة: 316/ السطر 6.) انتهى. و ذهب بعض فقهائنا إلى عدم وجوب البسملة بينهما؛ منهم الشيخ في «التهذيب» و «الاستبصار» و يحيى بن سعيد في «الجامع» و المحقّق في «الشرائع» و «النافع»، و عن «البحار»: أنّ الأكثر على ترك البسملة بينهما، و يظهر من «التهذيب» الاتّفاق على تركها حيث قال: و عندنا لا يفصّل بينهما بالبسملة في الفرائض، و الشيخ في «تفسير التبيان» بعد أن روى عن الأصحاب كون الضحى و أ لم نشرح سورة واحدة، قال: و لم يفصّلوا بينهما ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، كذا في «مجمع البيان». و في «المعتبر»: الوجه أنّهما إن كانتا سورتين فلا بدّ من إعادة البسملة، و إن كانت سورة واحدة كما ذكر علم الهدى و المفيد و ابن بابويه فلا إعادة؛ للاتّفاق على أنّها ليست آيتين من سورة. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد ذكر أدلّة القول بعدم وجوب البسملة بينهما، قال: و هو لا يخلو من قوّة. و لا يخفى: أنّ القول بعدم وجوبها لا دليل عليه غير الإجماع، و هو معارض بالإجماع المدّعى على الوجوب، و يبقى دليل القول بوجوبها بلا معارض. نعم المحكي عن مصحف ابيّ بن كعب عدم الفصل بين السورتين بالبسملة، و لكنّها فاصلة بينهما في سائر المصاحف المعروفة.

ص: 417

ص: 418

ص: 419

ص: 420

ص: 421

ص: 422

[ (مسألة 7): يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة]

(مسألة 7): يجب تعيين السورة عند الشروع في البسملة على الأقوى. و لو عيّن سورة ثمّ عدل إلى غيرها تجب إعادة البسملة للمعدول إليها. و إذا عيّن سورة عند البسملة، ثمّ نسيها و لم يدرِ ما عيّن أعاد البسملة مع تعيين سورة معينة. و لو كان بانياً من أوّل الصلاة على أن يقرأ سورة معيّنة، فنسي و قرأ غيرها، أو كانت عادته قراءة سورة فقرأ غيرها، كفى و لم يجب إعادة السورة (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: هل يجب تعيين السورة الخاصّة و قصدها عند الشروع في قراءة البسملة بحيث يجب عليه تعيين البسملة للسورة الخاصّة، أو يجوز أن يكون في حال قراءة البسملة مردّداً بين سورتين أو أزيد؛ فله أن يقرأ البسملة مطلقة من دون تعيين أنّها لسورة خاصّة، بل بعد قراءة البسملة يختار ما يشاء من السور؟ فيه خلاف بين فقهائنا، المشهور بين الأصحاب على ما ادّعاه جماعة من فقهائنا وجوب التعيين، و هو المختار عندنا. قال العلّامة في «التحرير»: و يجب أن يقرأها بنية أنّها من سورة معيّنة؛ فلو قرأها من غير نية، تعيّن عليه إعادتها عند قراءة السورة(تحرير الأحكام 1: 38/ السطر 18.) و استدلّ عليه على ما ذكره النراقي في «مستند الشيعة» بوجوه: منها: أنّ البراءة اليقينية تتوقّف عليه. و منها: أنّ الواجب هو قراءة سورة كاملة، و البسملة لا تصير جزء منها في نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها؛ لبطلان التخصيص بلا مخصّص.و منها: أنّ المتبادر ممّا دلّ على قراءة السورة أن يقرأ جميع كلماتها المشتركة بقصد كونها منها. و منها: أنّ حصول الامتثال يتوقّف على قصد التعيين كتوقّفه على قصد القربة. و منها: أنّ المأمور به قراءة سورة معيّنة، و لا تتعيّن إلّا بتعيّن جميع أجزائها لها، و لا يتعيّن جميع أجزائها المشتركة في الواقع و نفس الأمر إلّا بقصد كونها منها. ثمّ أجاب (رحمه اللَّه) عن الاستدلال بالوجوه المذكورة بما لا يخلو عن الإشكال في بعضها(مستند الشيعة 5: 122.) و العمدة في الاستدلال على قول المشهور هو أنّ القرآن مشتمل على مائة و أربعة عشر سورة، و لكلّ سورة بسملة معيّنة مشخّصة ما عدا سورة البراءة. و البسملة في كلّ سورة جزء مستقلّ منها؛ فكلّ سورة مع بسملتها الخاصّة بها موجود مغاير لما عداه من السور في عالم الكتابة و التلفّظ و الذهن. فقراءة بسملة كلّ سورة هو التلفّظ بها بقصد حكاية خصوص البسملة النازلة معها؛ فالواجب قراءة بسملة خاصّة لسورة مخصوصة. فلو قرأ البسملة التي قصد بها حكاية بسملة سورة التوحيد مثلًا لا يصدق عليها قراءة جزء سورة الجحد أو غيره من السور؛ فلو بدا له بعد قراءة بسملة التوحيد أن يقرأ سورة الجحد لا يجديه ضمّ سورة الجحد في صيرورة البسملة التي قرأها بقصد جزئيتها لسورة التوحيد جزءً لسورة الجحد. و بعبارة اخرى: أنّ كلّ سورة من سور القرآن مركّب من آيات مخصوصة، و من جملة آياته البسملة الشخصية الواقعة في رأس كلّ سورة على حدة، و لا يصدق على البسملة جزء السورة المخصوصة إلّا أن يقصد حين قراءتها كونها جزءً منها. فلقصد الفاعل و لحاظه دخالة في جزئية البسملة الشخصية من سورة مخصوصة. و يتفرّع على هذا: أنّه لو قلنا بأنّ قراءة العزيمة مطلقاً حتّى بسملتها مبطلة للفريضة و قرأ البسملة بقصد العزيمة تبطل صلاته و إن بدا له بعد قراءة البسملة أن يجعلها جزءً من سورة أُخرى. و بالجملة: الواجب قراءة السورة المخصوصة بجميع آياتها حتّى بسملتها بقصد كونها جزء من تلك السورة؛ فلا يكفي قراءة البسملة المطلقة أو البسملة بقصد كونها من سورة خاصّة ثمّ ضمّ سورة أُخرى إليها؛ و ذلك لأنّ قراءة السورة الخاصّة عبارة عن التكلّم بألفاظها بقصد حكاية ذلك الكلام الشخصي، فإن أراد قراءة سورة التوحيد مثلًا فلا بدّ أن يأتي بما يحكي عن تمام تلك القطعة الشخصية من القرآن التي أوّلها البسملة الخاصّة بها، فإذا قرأ البسملة من دون تعيين بسملة سورة التوحيد فما قرأ ما يحكي عن البسملة التي هي جزء للتوحيد. و إذا قرأ بعد ذلك باقي السورة بقصد حكاية الألفاظ الشخصية المنزّلة يصدق أنّه قرأ سورة التوحيد بلا بسملتها؛ لأنّ ما قرأه لم يكن جزء التوحيد، و جزء التوحيد لم يقرأ؛ فيؤول الأمر إلى قراءة سورة ناقصة؛ فتبطل صلاته. و القول الآخر في المسألة: جواز قراءة البسملة قبل تعيين السورة، ذهب إليه جماعة من متأخّري المتأخّرين؛ منهم النراقي في «مستند الشيعة» و صاحب «الجواهر» و السيّد في «العروة الوثقى». و استدلّ عليه بالأصل و صدق الامتثال. و فيه: أنّه بعد ثبوت أنّ لكلّ سورة بسملة شخصية و أنّه يجب قراءة سورة كاملة و أنّه لا تتحقّق قراءتها إلّا بقصد بسملتها الشخصية، لا بدّ من قصد السورة المعيّنة قبل قراءة بسملتها الشخصية؛ و حينئذٍ فلا يبقى مجال لجريان البراءة. و منه يظهر ضعف الاستدلال بصدق الامتثال، بل مقتضى الأصل عدم حصول الامتثال إلّا بقصد سورة خاصّة قبل الشروع في بسملتها. الثانية: لو عيّن سورة و قرأ بسملتها ثمّ عدل إلى غير تلك السورة تجب إعادة البسملة للمعدول إليها؛ و ذلك لأنّ البسملة المقروّة قد كانت جزءً للسورة المعدول عنها، و إذا عدلت إلى غير تلك السورة لا يجوز له الاكتفاء بالبسملة المقروّة؛ لأنّها بعد كونها جزءً للسورة المعدول عنها كيف تكون جزءً للمعدول إليها؟! فلا بدّ بعد العدول إلى سورة أُخرى من قراءة بسملتها الخاصّة الشخصية، و إلّا لزم قراءة سورة غير كاملة لفقد جزئها. الثالثة: إذا عيّن سورة حين قراءة البسملة ثمّ نسي ما عيّنه من السورة أعاد البسملة لأيّ سورة أراد قراءتها. و لا يكفي بالبسملة المقروّة و إن احتمل أن تكون السورة التي أراد قراءتها عين السورة المنسية؛ و ذلك لاحتمال أن تكون السورة التي أراد قراءتها غير ما نسيه من السورة التي عيّنها و قرأ بسملتها؛ فتكون البسملة المقروّة للسورة المنسية واقعاً و تكون السورة التي أراد قراءتها بلا بسملة؛ فمقتضى قاعدة الاشتغال إعادة البسملة. الرابعة: لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو في أثناء الركعة على أن يقرأ سورة معيّنة فنسي و قرأ غيرها كفى؛ لأنّ الواجب هو قراءة السورة مع بسملتها الشخصية الخاصّة بالسورة التي أراد قراءتها، و المفروض تحقّقها و كونها مقصودة لها حال الإتيان ببسملتها. و البناء من أوّل الصلاة على قراءة سورة معيّنة مع الغفلة عنه و النسيان لا يوجب خللًا و لا نقصاً في المأمور به، بل يكون كأن لم يكن شيئاً مذكوراً. و كذا لو كان عادته قراءة سورة معيّنة فغفل عن العادة و قرأ سورة غيرها مع القصد إليها قبل الإتيان ببسملتها كفى؛ لإتيان ما هو المأمور به من قراءة سورة كاملة معيّنة قبل الشروع في بسملتها.

ص: 423

ص: 424

ص: 425

ص: 426

[ (مسألة 8): يجوز العدول اختياراً من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف]

(مسألة 8): يجوز العدول اختياراً من سورة إلى غيرها ما لم يبلغ النصف، عدا التوحيد و الجحد، فإنّه لا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، و لا من إحداهما إلى الأُخرى بمجرّد الشروع. نعم يجوز العدول منهما إلى الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة، و في الجمعة على الأقوى إذا شرع فيهما نسياناً ما لم يبلغ النصف (1).


1- جواز العدول اختياراً من سورة إلى أُخرى عدا التوحيد و الجحد مشهور بين فقهائنا كما في «الحدائق». و في «الجواهر»: أنّه ممّا لا خلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه(جواهر الكلام 10: 57.) و في «مستند الشيعة» حاكياً عن شرحي «القواعد» و «الإرشاد»: أنّه إجماعي. و يدلّ عليه صحيح عمرو بن أبي نصر قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون، فقال يرجع من كلّ سورة، إلّا من قل هو اللَّه أحد و قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 6: 99، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 35، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل قرأ في الغداة سورة قل هو اللَّه أحد، قال لا بأس، و من افتتح سورة ثمّ بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس، إلّا قل هو اللَّه أحد و لا يرجع منها إلى غيرها، و كذلك قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 6: 99، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 35، الحديث 2.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها، هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم ما لم تكن قل هو اللَّه أحد أو قل يا أيّها الكافرون(وسائل الشيعة 6: 100، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 35، الحديث 3.) و موثّق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، قال له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 2.) و رواية محمّد بن مكّي الشهيد في «الذكرى» نقلًا من كتاب البزنطي عن أبي العبّاس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أُخرى، قال يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. ثمّ إنّه يقع البحث في محلّ العدول و تحديده و أنّه قبل البلوغ إلى النصف بحيث لا يجوز إذا بلغ النصف و قرأه، أو أنّه إلى النصف بحيث تدخل الغاية في المغيّا و لا يجوز بعد التجاوز عن النصف. و عن كاشف الغطاء في «كشفه» جواز العدول بعد تجاوز النصف إلى الثلثين، و قد نسب القول بجوازه ما لم يبلغ النصف إلى ابني إدريس و الجنيد و الصدوق في «الفقيه» و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» و «الروض» و صاحب «جامع المقاصد»، و نسب القول بجوازه ما لم يتجاوز النصف إلى الشيخين و الفاضلين في «المعتبر» و «المنتهي» و غيرهم من الأصحاب، و حكي عن «ذخيرة» السبزواري و «بحار» المجلسي أنّ القول بجوازه ما لم يتجاوز النصف هو المشهور. و في «الجواهر»: الإجماع بقسميه على جوازه قبل بلوغ النصف، كما أنّ الظاهر تحقّق الإجماع أيضاً على عدم جوازه بعد تجاوز النصف(جواهر الكلام 10: 60.) انتهى. الذي يستفاد من الأخبار: أنّ جملة منها مطلقة دالّة على جواز العدول من سورة إلى أُخرى من غير تصريح فيها على محلّ العدول. و بعضها يدلّ على أنّ محلّه النصف، كما في صحيح علي بن جعفر المتقدّم: هل يصلح أن يقرأ نصفها ثمّ يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال نعم. و رواية الشهيد في «الذكرى» المتقدّمة قال يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف. و صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي و أبي الصباح الكناني و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثمّ ينسي فيأخذ في أُخرى حتّى يفرغ منها، ثمّ يذكر قبل أن يركع، قال يركع و لا يضرّه(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 4.) و بعضها يدلّ على اعتبار ما لم يبلغ النصف، كما في «الفقه الرضوي» قال: و قال العالم لا تجمع بين السورتين في الفريضة(مستدرك الوسائل 4: 163، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 6، الحديث 5.) ، و سئل عن رجل يقرأ في المكتوبة نصف السورة ثمّ ينسي فيأخذ في الأُخرى حتّى يفرغ منها، ثمّ يذكر قبل أن يركع، قال لا بأس به(مستدرك الوسائل 4: 201، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) و في «الفقه الرضوي» أيضاً و تقرأ في صلواتك كلّها يوم الجمعة و ليلة الجمعة سورة الجمعة و المنافقين و سبّح اسم ربّك الأعلى، و إن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك، فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، و إن لم تذكرها إلّا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك(الفقه المنسوب للإمام الرضا( عليه السّلام): 130، مستدرك الوسائل 4: 223، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 53، الحديث 1.) و ما رواه في «دعائم الإسلام» قال: روينا عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثمّ رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأُخرى، إلّا أن يكون بدأ بقل هو اللَّه أحد فإنّه لا يقطعها، و كذلك سورة الجمعة و سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما، و إن بدأ بقل هو اللَّه أحد فقطعها و رجع إلى سورة الجمعة أو سورة المنافقين في صلاة الجمعة(دعائم الإسلام 1: 161، مستدرك الوسائل 4: 200، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.) و بعضها يدلّ على أنّ محلّ العدول أن يقرأ ثلثي السورة، كما في موثّق عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، قال له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها(وسائل الشيعة 6: 101، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 36، الحديث 2.) و نقول في علاج الأخبار المذكورة: أنّ الأخبار الدالّة على كون محلّ العدول هو نصف السورة أكثرها معتبرة؛ فيخصّص بها الأخبار المطلقة. و لا يعارضها موثّقة عبيد بن زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّ الاعتبار في محلّ العدول على ثلثي السورة؛ لكونها معرضاً عنها عند الأصحاب. و أمّا خبر «الفقه الرضوي» و «دعائم الإسلام» الدالّ على اعتبار ما لم يبلغ النصف، ففيه: أنّه لم يثبت اعتبار كتاب «الفقه الرضوي»، و خبر «الدعائم» مرسل؛ فلا دليل معتبر على اعتبار ما لم يبلغ النصف. اللهمّ إلّا أن يقال بكونه مشهوراً، و إثباته على مدّعيه، كما ادّعاه صاحب «الجواهر» قال: أمّا النصف ففي «الذكرى» عن الأكثر اعتبار عدم بلوغه في جواز العدول. و قد يشهد التتبّع بخلافه و أنّ الأكثر على اعتبار عدم مجاوزة النصف في جواز العدول، و مقتضاه الجواز معه. و الإنصاف أنّهما معتبران مشهوران(جواهر الكلام 10: 60.) انتهى. و الأقوى عندنا هو القول بكون محلّ العدول هو النصف، و الدليل عليه مضافاً إلى الاستصحاب هو الأخبار المعتبرة المتقدّمة المقيّدة بقراءة نصف السورة. ثمّ إنّ الظاهر إرادة النصف بالنسبة إلى حروف السورة دون الآيات و الكلمات؛ لأنّ الآيات مختلفة بالطول و القصر. و كذا الكلمات؛ فبعضها لا تركيب فيها بل يكون على حرف واحد، و بعضها يكون مركّباً من حرفين، و بعضها مركّب من أزيد من حرفين ثلاثة أو أربعة أو أكثر إلى تسعة؛ فربّ آية تكون كلمة واحدة ك مُدْهامَّتانِ و أُخرى تكون مركّبة من أزيد من مائة و خمسين كلمة، كآية اثنين و ثمانين بعد مائتين من سورة البقرة. و في «الجواهر»: نعم لا يبعد اعتبار التخمين في ذلك؛ لتعذّر العلم و اليقين في هذا الحال، أو تعسّرها مع ظهور التحديد به في النصوص في تفسيره (تيسيره خ. ل) بل لا يبعد أيضاً عدم تحقّق التجاوز بمثل الحرف و الحرفين و نحوهما. و لعلّ تعبير بعض الأصحاب بالنصف و آخر بتجاوزه مبني على التسامح لا أنّه خلاف في المسألة(نفس المصدر: 63.) انتهى. هذا كلّه في غير التوحيد و الجحد من السور. و أمّا هما فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما، و لا من إحداهما إلى الأُخرى؛ فيحرم العدول عنهما إلى غيرهما، بل يجب المضيّ فيهما بمجرّد الشروع و لو بالبسملة و هو المشهور بين فقهائنا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و لا يعتدّ بخلاف المحقّق في «المعتبر» و من تبعه من بعض متأخّري المتأخّرين القائلين بالكراهة. و قول المشهور هو المختار. و يدلّ عليه إطلاق صحاح عمرو بن أبي نصر و الحلبي و علي بن جعفر المتقدّمة، نعم يجوز العدول منهما إلى سورة الجمعة و المنافقين في ظهر يوم الجمعة و في صلاة الجمعة. و يدلّ على جواز العدول منهما إليهما صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللَّه أحد، قال يرجع إلى سورة الجمعة(وسائل الشيعة 6: 152، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع، إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أُخرى، قال فليرجع إلى السورة الأُولى، إلّا أن يقرأ بقل هو اللَّه أحد ، قلت: رجل صلّى الجمعة فأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو اللَّه أحد، قال يعود إلى سورة الجمعة(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 3.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال سورة الجمعة و إذا جاءك المنافقون، و إن أخذت في غيرها و إن كان قل هو اللَّه أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليها(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 4.) و مورد هذه الأخبار و إن كان خصوص سورة التوحيد إلّا أنّ التعدّي منه إلى الجحد إمّا لعدم القول بالفصل بين التوحيد و الجحد في جواز العدول منهما إلى سورة الجمعة و المنافقين، و إمّا للأولوية المستفادة من صحيح علي بن جعفر المتقدّم، حيث إنّ الظاهر من ذكر «إن» الوصلية في قوله و إن كان قل هو اللَّه أحد هو أنّ لسورة قل هو اللَّه أحد خصوصية تقتضي إتمامها دون سائر السور، فإذا جاز العدول عنها إلى سورة الجمعة و المنافقين جاز عن غيرها بطريق أولى، و إن كان سورة الجحد. خلافاً لصاحب «الحدائق» قال: إنّ الأظهر عدم جواز العدول عن سورة الجحد مطلقاً؛ لا إلى هاتين السورتين و لا إلى غيرهما. و يؤيّده: أنّه الأوفق بالاحتياط(الحدائق الناضرة 8: 218.) انتهى. ثمّ إنّ هنا أُموراً: الأوّل: أنّه هل يعتبر في جواز العدول من التوحيد و الجحد إلى الجمعة و المنافقين أيضاً التحديد بعدم تجاوز النصف كما نسب إلى المشهور، أم لا يعتبر فيهما ذلك بل يجوز العدول عنهما إليهما مطلقاً كما صرّح به جماعة من فقهائنا؟ مقتضى فحوى إطلاق فتوى الفقهاء و إجماعاتهم المحكية على عدم جواز العدول عمّا عداهما بعد تجاوز النصف إلى سورة أُخرى الشامل للعدول إلى الجمعة و المنافقين هو الأوّل، و مقتضى إطلاقات أدلّة جواز العدول عنهما إلى الجمعة و المنافقين هو الثاني، و الثاني هو الأوجه؛ لسلامة هذه الإطلاقات عن التقييد، و لا يصلح تقييدها بالفحوى المذكورة؛ لكونها غير قطعية. الثاني: أنّ المنساق إلى الذهن من إطلاق النصوص و الفتاوى هو العدول من سورة التوحيد و الجحد إلى سورة الجمعة في الركعة الأُولى و إلى المنافقين في الركعة الثانية على حسب المعهودية في الشريعة المقدّسة في صلاة الجمعة و صلاة الظهر في يوم الجمعة. الثالث: هل يختصّ جواز العدول من التوحيد و الجحد إلى سورة الجمعة و المنافقين بخصوص صلاة الجمعة، أم يعمّ الظهر في يوم الجمعة، أم مع العصر أيضاً، أم مطلق الصلاة في يوم الجمعة حتّى الصبح؟ ذهب إلى كلّ عدا الأخير فريقٌ: ذهب إلى الأوّل جماعة؛ منهم صاحب «الحدائق» و قال: مورد الأخبار المتعلّقة بهذا المقام هو صلاة الجمعة، و ليس فيها ما ربّما يوهم خلاف ذلك إلّا قوله في الرواية السادسة إلّا أن تكون في يوم الجمعة ، و يجب حمله على صلاة الجمعة كما صرّحت به بقيّة أخبار المسألة حمل المطلق على المقيّد. إلى أن قال: فيجب الاقتصار في التخصيص على مورد النصوص و المتيقّن بالخصوص؛ و هو صلاة الجمعة خاصّة(الحدائق الناضرة 8: 221.) انتهى. و فيه: أنّ حمل المطلق على المقيّد واجب مع التعارض، و لا تنافي بينهما في المقام. و القول بعمومه لصلاة الجمعة و صلاة الظهر في يوم الجمعة هو المشهور بين فقهائنا، و هو المختار. و عن «البحار»: الظاهر اشتراك الحكم عندهم بين الظهر و الجمعة بلا خلاف في عدم الفرق بينهما، و الأخبار إنّما وردت بلفظ «الجمعة» و الظاهر أنّها تطلق على ظهر يوم الجمعة مجازاً أو هي مشتركة بين الجمعة و الظهر اشتراكاً معنوياً(بحار الأنوار 82: 18.) انتهى. و فيه: أنّ كون اللفظ موضوعاً للجامع يحتاج إثباته إلى الدليل. و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) قال: لا يبعد دعوى انصرافها إلى الجمعة، و لكن لا إلى خصوصها بل أعمّ منها و من الظهر، في مقابل صلاة الصبح و العصر. بل لا يبعد أن يدّعى أنّ الظهر هي القدر المتيقّن من موردها؛ إذ الظاهر أنّه لم يكن الحلبي و لا غيره من أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام)، بل و لا الأئمّة (عليهم السّلام) كانوا يؤمّون الناس في صلاة الجمعة كي يحسن أن يوجّه إليه الخطاب بقوله إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد. الحديث، بل الظاهر أنّ هذا هو المراد بالجمعة الواردة في سائر أخبار الباب؛ لما أشرنا إليه من عدم ابتلاء أصحاب الأئمّة (عليهم السّلام) بإمامة الجمعة التي وظيفته قراءة السورتين. إلى أن قال: مع أنّ الشائع في الأخبار و كلمات أصحابهم إنّما هو إطلاق الجمعة على صلاة الظهر من يومها أعمّ من كونها جمعةً أو ظهراً على وجه يشكل دعوى انصرافها إلى خصوص الأوّل إلّا بالقرائن. بل قد يظهر منها: أنّه لا مغايرة بينهما ذاتاً و إنّما هي باختلاف أحوال المصلّي، فإن صلّاها جماعة مع اجتماع شرائطها من الحضور و الجماعة و سبق الخطبتين و غير ذلك ممّا ذكر في محلّه يصلّيها ركعتين، و إلّا فأربعاً(مصباح الفقيه، الصلاة: 324/ السطر 16.) انتهى. و قد نسب الاختصاص بالظهر إلى الصدوق و ابن إدريس و المحقّق و العلّامة، قال في «المنتهي»: مسألة يجوز للمصلّي أن يعدل من سورة إلى أُخرى ما لم يتجاوز نصفها، إلّا سورة الكافرون و الإخلاص فإنّه لا ينتقل عنهما إلّا في صلاة الظهر يوم الجمعة(منتهى المطلب 1: 280/ السطر 20.) انتهى. كذا في «التحرير»(تحرير الأحكام 1: 39/ السطر 21.) و لا يخفى: أنّ ما ذكره المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) من تعليل كون الظهر هو القدر المتيقّن بعدم ابتلاء الأئمّة (عليهم السّلام) و أصحابهم بإمامة الجمعة لا يخلو من إشكال، وجه الإشكال: أنّه ليس المراد من المخاطب في قوله (عليه السّلام) إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللَّه أحد هو خصوص الحلبي، بل المراد منه كلّ من يصلح لإمامة الجمعة و إن كان لا يتمكّن من إقامته في أزمنة حكومة الجائرين و سلطتهم، و من المعلوم أنّ أمثال هذه العبارة صادرة من المعصومين (عليهم السّلام) في مقام بيان الحكم الكلّي من غير ملاحظة مخاطب خاصّ أو زمان خاصّ. و القول بعمومه لصلاة العصر يوم الجمعة أيضاً ذهب إليه العلّامة في «التذكرة» و الشهيد الثاني في «الروض» و صاحب «جامع المقاصد»، قال في «التذكرة»: مسألة يجوز العدول من سورة إلى أُخرى ما لم يتجاوز نصفها، إلّا في سورة الجحد و الإخلاص فإنّه لا ينتقل عنهما إلّا إلى سورة الجمعة و المنافقين في الجمعة و ظهريها(تذكرة الفقهاء 3: 150.) انتهى. و لعلّ الوجه في التعميم للعصر أيضاً تحكيم إطلاق يوم الجمعة في صحيح الحلبي المتقدّم على عموم الروايات الدالّة على تحريم العدول عن الجحد و التوحيد إلى غيرهما؛ حتّى إلى سورة الجمعة و المنافقين في كلّ صلاة؛ حتّى صلاة العصر في يوم الجمعة؛ فيشمل إطلاق صحيح الحلبي صلاة العصر في يوم الجمعة، خرج منه صلاة الصبح؛ لكونه مخالفاً للشهرة المحقّقة. و يرد عليه: أنّه يمكن دعوى انصراف الإطلاق المذكور عن العصر كالصبح؛ لما نقلناه عن «مصباح الفقيه». الرابع: هل يجوز العدول من سورة الجمعة و المنافقين إلى غيرهما اختياراً في صلاة الجمعة و الظهر في يوم الجمعة أو لا؟ فيه وجهان؛ أوجههما الأوّل؛ لإطلاق النصوص الدالّة على جواز العدول من سورة إلى أُخرى، و قد تقدّم ذكرها. و وجه الثاني: أنّه إذا كان العدول من سورة التوحيد و الجحد إلى غيرها غير جائز إلّا إلى سورة الجمعة و المنافقين في خصوص صلاة الجمعة و الظهر في يوم الجمعة، فعدم الجواز من سورة الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في الصلاتين بطريق أولى، هذا. مضافاً إلى خبر «دعائم الإسلام» المتقدّم الصريح في عدم جواز العدول منهما إلى غيرهما، و كذلك سورة الجمعة و سورة المنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما. و فيه أنّ الأولوية غير ثابتة، و خبر «الدعائم» غير قابل الاعتماد؛ لكونه مرسلًا غير منجبر. الخامس: المحكي عن المحقّق و الشهيد الثانيين اختصاص جواز العدول من التوحيد و الجحد إلى سورة الجمعة و المنافقين للناسي؛ أي من كان مريداً لقراءة سورة الجمعة و المنافقين في صلاة الجمعة أو ظهر يوم الجمعة فنسيهما و قرأ سورة التوحيد و الجحد، أو كان غير ملتفت إلى سورة الجمعة و المنافقين أصلًا، فقرأ التوحيد و الجحد غفلةً و توجّه في الأثناء فعدل منهما إليهما. و الوجه في الاختصاص هو الاقتصار على مورد النصّ في مخالفة عموم الأخبار الناهية عن العدول من سورة التوحيد و الجحد، و مورد النصّ هو الناسي كما في صحيحي ابن مسلم و الحلبي و موثّق عبيد بن زرارة المتقدّمات(وسائل الشيعة 6: 152، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 1 3.) حيث إنّ قوله: «يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللَّه أحد» قيدٌ في الكلام ظاهرٌ في حال النسيان.و فيه أوّلًا: أنّ إرادة قراءة سورة الجمعة أوّلًا ثمّ قراءة قل هو اللَّه أحد لا يختصّ بحال النسيان، بل يعمّ صورة الالتفات و العمد أيضاً، بحيث كان باقياً على إرادته و حين الشروع في القراءة انصرف عمّا أراد أوّلًا و قرأ غيره. و ثانياً: أنّه على فرض تسليم اختصاصها صورة النسيان نقول: إنّ القيد في تلك الروايات وارد مورد الغالب و العادة، و لا مدخلية له في سببية الحكم و انحصاره فيه. مع أنّ رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) المتقدّمة(وسائل الشيعة 6: 153، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 69، الحديث 4.) مطلقة تعمّ حالتي النسيان و العمد.

ص: 427

ص: 428

ص: 429

ص: 430

ص: 431

ص: 432

ص: 433

ص: 434

ص: 435

ص: 436

ص: 437

[ (مسألة 9): يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر]

(مسألة 9): يجب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر، و يجب على الرجال الجهر بها في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء، فمن عكس عامداً بطلت صلاته. و يُعذر الناسي، بل مطلق غير العامد و الجاهل بالحكم من أصله غير المتنبّه للسؤال، بل لا يعيدون ما وقع منهم من القراءة بعد ارتفاع العذر في الأثناء. أمّا العالم به في الجملة الذي جهل محلّه أو نساه، و الجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال عنه، فالأحوط لهما الاستئناف؛ و إن كان الأقوى الصحّة مع حصول نية القربة منهما (1).


1- وجوب الإخفات بالقراءة عدا البسملة في الظهر و العصر و وجوب الجهر بها على الرجال في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و لم يوجد فيه خلاف إلّا من ابن الجنيد و السيّد المرتضى في «المصباح» فقالا بعدم الوجوب، بل باستحباب الجهر و الإخفات في مواردهما. و مال إليه صاحب «المدارك»، و نفى عنه البعد السبزواري في «الكفاية»، و قوّاه المجلسي في «البحار». و لا يقدح خلافهم في الشهرة العظيمة، بل في تحصيل الإجماع؛ لمعلومية نسبهم. و قد استدلّ على وجوب الجهر في مواضعه و وجوب الإخفات في مواضعه بما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه» و «العلل» بإسناده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث أنّه ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض إنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة، فإن أراد أن يصلّي صلّى؛ لأنّه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع. و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة، فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع(وسائل الشيعة 6: 82، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) و ما رواه أيضاً في «الفقيه» و «العلل» بإسناده عن محمّد بن عمران (حمران) أنّه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) فقال: لأيّ علّة يجهر في صلاة الجمعة و صلاة المغرب و صلاة العشاء الآخرة و صلاة الغداة، و سائر الصلوات (مثل) الظهر و العصر لا يجهر فيهما؟ إلى أن قال: فقال لأنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا أسرى به إلى السماء كان أوّل صلاة فرض اللَّه عليه الظهر يوم الجمعة، فأضاف اللَّه عزّ و جلّ إليه الملائكة تصلّي خلفه و أمر نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أن يجهر بالقراءة ليتبيّن لهم فضله، ثمّ فرض عليه العصر و لم يضف إليه أحداً من الملائكة، و أمره أن يخفي القراءة؛ لأنّه لم يكن وراءه أحد، ثمّ فرض عليه المغرب و أضاف إليه الملائكة فأمره بالإجهار، و كذلك العشاء الآخرة، فلمّا كان قرب الفجر نزل ففرض اللَّه عليه الفجر فأمره بالإجهار ليبيّن للناس فضله كما بيّن للملائكة، فلهذه العلّة يجهر فيها(وسائل الشيعة 6: 83، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 2.)وجه الاستدلال: أنّه قد عبّر في الرواية الأُولى بلفظ وجب فوجب أن يجهر فيها ، و بلفظ لا يجهر بالنسبة إلى الظهرين. و عبّر في الرواية الثانية بمادّة الأمر و أمر نبيه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أن يجهر بالقراءة ، و كذا قوله و أمره أن يخفي القراءة. و فيه: أنّه مع قطع النظر عن سند الروايتين يحتمل أن يكون قوله: «وجب» بمعنى ثبت، كما في قوله البيّعان بالخيار ما لم يفترقا، و إذا افترقا وجب البيع(راجع وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 3 و 4.) ؛ أي ثبت البيع. و على فرض كون «وجب» بمعناه الاصطلاحي كمادّة «الأمر» الموضوعة للوجوب نقول: إنّ سوق الكلام يأبى عن التشريع و كون المتكلّم في مقام بيان الحكم الكلّي، و ذلك بقرينة العلّة المصرّحة بها في الروايتين ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة و ليتبيّن لهم فضله ؛ فليست العلّة في الروايتين علّة حقيقية للحكم حتّى يدور الحكم مداره، بل هي من قبيل الحكمة. و العمدة في الدليل على المسألة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) و مفهوم صحيح حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) حيث دلّ بمفهومه على وجوب الإعادة على من فعل عامداً. و قد استدلّ أيضاً بأنّ عمل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أصحابه و الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) كان دائماً على الجهر في مواضعه و الإخفات في مواضعه؛ فلو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان، و قد قال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) إن قلت: إنّ لفظ «ينبغي» الواقع في الصحيحين المذكورين يوجب وهن الدلالة على وجوب الجهر و الإخفات في موضعهما؛ فلا يدلّان على بطلان صلاة من عكس؛ أي أجهر في موضع الإخفات و أخفت في موضع الجهر، و كذا التعبير بنقص صلاته في الصحيحة الأُولى بناءً على كونه بالصاد المهملة مشعر بالكراهة. قلت: أوّلًا: أنّ لفظ «ينبغي» في السؤال مشترك بين الوجوب و الاستحباب، و قوله (عليه السّلام) في الصحيحة الأُولى و عليه الإعادة الدالّ على الوجوب قرينة على حمل ينبغي على الوجوب. و منه يعلم: أنّ نقصان الصلاة ليس بمعنى كراهتها و كونها أقلّ ثواباً، بل بمعنى بطلانها بقرينة وجوب الإعادة. و ثانياً: أنّ الظاهر من السؤال كون الرجل جاهلًا بالحكم من حيث الوجوب و الاستحباب، و التعبير بلفظ «ينبغي» كان مناسباً بحال الجاهل بالحكم في مقام السؤال. و القائلون بعدم وجوب الجهر و الإخفات في مواضعهما استدلّوا بالأصل، و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل(وسائل الشيعة 6: 85، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 6.)و يرد على الاستدلال بالأصل أوّلًا: أنّ المورد مجرى أصالة الاشتغال لا البراءة. و ثانياً: أنّ الأصل يجري فيما لم يكن دليل على الحكم، و قد عرفت دلالة صحيحي زرارة على المسألة. و أمّا صحيح علي بن جعفر فهو لا يعارض صحيحي زرارة؛ لشذوذه و إعراض الأصحاب عنه و موافقته للعامّة. بقي الكلام فيما لو تذكّر الناسي أو الجاهل في الأثناء أو بعد القراءة و قبل الركوع، فهل يجب عليه الإعادة أو لا؟ الأقوى عدم وجوب الإعادة؛ لإطلاق صحيحي زرارة و إطلاق حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمس(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و إن كان الأحوط الإعادة؛ خصوصاً إذا تذكّر في الأثناء. و وجه الاحتياط احتمال اختصاص تمامية الصلاة و عدم وجوب الإعادة بصورة الالتفات بعد الفراغ أو بعد تجاوز المحلّ؛ فيكون المرجع فيما تذكّر في الأثناء أو قبل الدخول في الركوع ما دلّ على وجوب التدارك قبل تجاوز المحلّ. و ينبغي الاحتياط أيضاً للعالم في الجملة الذي جهل محلّه أو نسيه، و كذا للجاهل بأصل الحكم المتنبّه للسؤال و لم يسأل؛ و ذلك لاحتمال اختصاص عدم الإعادة للجاهل المحض الغير المتنبّه للسؤال.

ص: 438

ص: 439

ص: 440

ص: 441

و لا جهر على النساء، بل يتخيّرنَ بينه و بين الإخفات مع عدم الأجنبي، و يجب عليهنّ الإخفات فيما يجب على الرجال، و يُعذَرنَ فيما يُعذَرون فيه (1).


1- عدم وجوب الجهر على النساء في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء إجماعي نقلًا و تحصيلًا. و يدلّ عليه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: و سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها(وسائل الشيعة 6: 95، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 31، الحديث 3.) ، و ضعف السند بعبد اللَّه بن الحسن منجبر بالإجماع على مضمونه. و ذيل الحديث و إن دلّ على وجوب الجهر عليها حال الإمامة و لكنّه لم يفت به أحد من فقهائنا. و وجه تخييرهنّ بين الجهر و الإخفات وجود الدليل على نفي وجوب الجهر مع عدم قيام الدليل على وجوب الإخفات، هذا مع عدم سماع الأجنبي صوتها. و أمّا مع وجود الأجنبي و سماعه صوتها ففي وجوب الإخفات عليها و عدمه خلاف، صرّح غير واحد من فقهائنا منهم الشهيد في «الذكرى» و صاحب «جامع المقاصد» و النراقي في «مستند الشيعة» بأنّه لو جهرت المرأة بالقراءة و سمعها الأجنبي فالأقرب الفساد. و في «البحار» و «الحدائق»: أنّ هذا القول هو المشهور. و قد يستدلّ عليه بأنّ صوتها عورة يحرم إسماعه و استماعه؛ فتكون القراءة التي يتحقّق بها الاستماع منهياً عنها؛ فيمتنع وقوعها عبادة. و أُورد عليه كما في «الجواهر» بإمكان منع حرمة الإسماع و السماع مع عدم الفتنة و التلذّذ؛ للأصل و السيرة المستمرّة و ظاهر الكتاب و السنّة و معروفية قصّة فاطمة عليها آلاف التحية و السلام و غيرها و نحو ذلك(جواهر الكلام 9: 383.) انتهى. و قد أُجيب أيضاً بمنع صيرورة القراءة من حيث هي منهياً عنها؛ ضرورة كون النهي متعلّقاً بأمر خارج عن ماهية القراءة؛ فلا يلزم الفساد. و لا يخفى ما في هذا الجواب من الوهن؛ ضرورة أنّ الجهر و الإخفات من كيفيات الصوت الذي به يتحقّق القراءة لا أمراً خارجياً مغايراً له في الوجود، و الأحوط مع سماع الأجنبي صوتها الإخفات، و إن كان الأقوى جواز الجهر بها للأصل.

ص: 442

ص: 443

[ (مسألة 10): يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين]

(مسألة 10): يستحبّ للرجال الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة، كما أنّه يستحبّ لهم الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات (1).


1- هنا مسألتان: الاولى: أنّ استحباب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة مشهور بين أصحابنا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و نسبه في «التذكرة» و «المعتبر» إلى علمائنا، و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و ادّعى في «الخلاف» الإجماع عليه صريحاً، و عن الشهيد في «الذكرى»: أنّ من شعائر الشيعة الجهر بالبسملة. و يقابل قول المشهور قول أبناء إدريس و الجنيد و البرّاج و أبي الصلاح؛ فقال الأوّل باستحباب الجهر بها في الركعتين الأوّلتين من الظهرين، و أمّا الركعتان الأخيرتان فلا يجوز الجهر فيهما. و قال الثاني باختصاص ذلك بالإمام. و قال الثالث بوجوب الجهر بها فيما يخافت فيه في الركعات كلّها. و قال أبو الصلاح بوجوب الجهر بها في أوّلتي الظهر و العصر للحمد و السورة. و اختلف العامّة في المسألة؛ فقال الشافعي باستحباب الجهر فيما يخفت فيه بالقراءة، و قال أبو حنيفة و أحمد بن حنبل بوجوب إخفاتها، و قال مالك باستحباب ترك البسملة و افتتاح القراءة ب «الحمد للَّه ربّ العالمين». و يدلّ على قول المشهور في المسألة صحيح صفوان الجمّال قال: صلّيتُ خلف أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّاماً، فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، و كان يجهر في السورتين جميعاً(وسائل الشيعة 6: 74، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 1.) و رواية حنّان بن سدير قال: صلّيتُ خلف أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أيّاماً فتعوّذ بإجهار ثمّ جهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 75، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 3.) و الرواية ضعيفة بعبد الصمد بن محمّد القمي الإمامي المجهول الحال. و مرسلة صباح بن صبيح الحذّاء عن رجل عن أبي حمزة قال: قال علي بن الحسين (عليهما السّلام) يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول: هل ذكر ربّه؟ فإن قال: نعم ذهب و إن قال: لا، ركب على كتفيه، فكان إمام القوم حتّى ينصرفوا ، قال: فقلت: جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن؟ قال بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي، إنّما هو الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 75، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 4.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و الإجهار ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة(وسائل الشيعة 6: 76، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 6.) و رواية رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا (عليه السّلام) أنّه كان يجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في جميع صلاته بالليل و النهار(وسائل الشيعة 6: 76، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 21، الحديث 7.) و ضعف سند ضعاف هذه الروايات منجبر بالشهرة. و يدلّ على قول المشهور في المسألة أيضاً الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ الجهر بالبسملة من علامات المؤمن، روى محمّد بن الحسن بسنده عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري (عليه السّلام) أنّه قال علامات المؤمن خمس: صلاة الخمسين و زيارة الأربعين و التختّم في اليمين و تعفير الجبين و الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 14: 478، كتاب الحج، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.) و استدلّ للقول بوجوب إخفات البسملة في الركعتين الأخيرتين و هو قول ابن إدريس بأنّه لا خلاف في وجوب الإخفات في الركعتين الأخيرتين؛ فمن ادّعى الجهر في بعضها و هو البسملة فعليه إقامة الدليل. و فيه: أنّ الأدلّة المتقدّمة الدالّة على استحباب الجهر بالبسملة مطلقة شاملة للأوّلتين و الأخيرتين، و بالمطلقات ترفع اليد عن قاعدة الاحتياط. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط. و استدلّ لقول ابن الجنيد بأنّ البسملة جزء الركعة؛ فالركعة الإخفاتية يجب فيها إخفات تمام أجزائها حتّى البسملة خرج منه الإمام بالنصّ و الإجماع، و بقي المنفرد. و فيه: أنّ كلّية الكبرى و وجوب الإخفات في تمام أجزاء الركعة الإخفاتية غير ثابتة، بل الثابت بالدليل استثناء البسملة منها. و استدلّ للقول بوجوب جهرها بفعل المعصومين (عليهم السّلام) و أنّهم كانوا يداومون على الجهر بالبسملة، و لو كان مسنوناً لأخلّوا به في بعض الأحيان. و فيه: أنّهم (عليهم السّلام) كانوا يداومون على المندوبات كمداومتهم على الواجبات؛ فمداومتهم على فعل لا تدلّ على الوجوب. المسألة الثانية: أنّ الجهر في القراءة في ظهر يوم الجمعة جائز على الأقوى. و يدلّ عليه صحيح عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي الجمعة أربع ركعات، أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال نعم، و القنوت في الثانية(وسائل الشيعة 6: 160، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القراءة في الجمعة إذا صلّيتُ وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال نعم ، و قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة(وسائل الشيعة 6: 160، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 3.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال لنا صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و اجهروا بالقراءة ، فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال اجهروا بها(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 6.) و رواية محمّد بن مروان الكلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصلّيها في السفر؟ فقال تصلّيها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهراً(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 7.) و وجه الاحتياط في الإخفات في قراءة الظهر يوم الجمعة صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 8.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر، فقال تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة(وسائل الشيعة 6: 162، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 9.) و بهذين الصحيحين تحمل الأخبار الظاهرة في وجوب الجهر في المسألة على جوازه. و صاحب «الوسائل» بعد أن حكى عن الشيخ حمل هذين الحديثين على التقية و الخوف قال: و يحتمل أن يكون المراد نفي تأكّد الاستحباب في الظهر و إثباته في الجمعة.

ص: 444

ص: 445

ص: 446

ص: 447

[ (مسألة 11): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه]

(مسألة 11): مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه، لا سماع من بجانبه و عدمه. و لا يجوز الإفراط في الجهر كالصياح، كما أنّه لا يجوز الإخفات بحيث لا يسمع نفسه مع عدم المانع (1).


1- قد اختلفت عبارات فقهائنا في بيان حدّ الجهر و الإخفات؛ حكي عن ابن إدريس: أنّ حدّ الإخفات أعلاه أن تسمع أُذناك القراءة، و ليس له حدّ أدنى، بل إن لم تسمع أُذناه القراءة فلا صلاة له، و إن سمع مَن عن يمينه و شماله صار جهراً، فإذا فعله عامداً بطلت صلاته. و عن الشيخ في «التبيان»: و حدّ أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع غيره، و المخافتة بأن يسمع نفسه(التبيان 6: 534.) و في «النهاية»: و إذا جهر لا يرفع صوته عالياً بل يجهر متوسّطاً، و إذا خافت فلا يخافت دون إسماعه نفسه(النهاية: 80.) و في «التذكرة»: أقلّ الجهر أن يسمع غيره القريب تحقيقاً أو تقديراً، و حدّ الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سميعاً بإجماع العلماء؛ و لأنّ ما لا يسمع لا يعدّ كلاماً و لا قراءة؛ لقول الباقر (عليه السّلام) لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه(وسائل الشيعة 6: 96، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 33، الحديث 1.) ، انتهى(تذكرة الفقهاء 3: 153.) كذا في «القواعد» و «التحرير» و «كشف اللثام» و غيرها. و في «المنتهي»: أقلّ الجهر الواجب أن يسمع غيره القريب أو يكون بحيث يسمع لو كان سامعاً، بلا خلاف بين العلماء. و الإخفات أن يسمع نفسه أو بحيث يسمع لو كان سامعاً، و هو وفاق؛ لأنّ الجهر هو الإعلان و الإظهار، و هو يتحقّق بسماع الغير القريب فيكتفى به، و الإخفات السرّ، و إنّما حدّدنا بما قلناه لأنّ ما دونه لا يسمّى كلاماً و لا قراناً، و ما زاد عليه يسمّى جهراً. و يؤيّده ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه السّلام) قال لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه. و في الصحيح عن الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام): هل يقرأ الرجل في صلاته و ثوبه على فيه، فقال لا بأس بذلك إذا أسمع أُذنيه الهمهمة(وسائل الشيعة 6: 97، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 33، الحديث 4.) و عن سماعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن قوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها، قال المخافة دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً(وسائل الشيعة 6: 96، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 33، الحديث 2.) ، انتهى موضع الحاجة(منتهى المطلب 1: 277/ السطر 14.) و صاحب «الرياض» بعد نقل الإجماع عن الشيخ و الفاضلين على تعريف الجهر و الإخفات بما ذكر: الجهر أن يسمع غيره، و الإخفات أن يسمع نفسه قال: فإن تمّ و إلّا فالأقوى ما عليه المحقّق الثاني و الشهيد الثاني و جملة ممّن تأخّر عنهما من الفضلاء من الرجوع فيهما إلى العرف؛ لأنّه المحكّم فيما لم يرد به توظيف من الشرع. و لا ريب أنّ إسماع الغير لا يسمّى فيه جهراً ما لم يتضمّن صوتاً. و محصّل تعريفهما على هذا: أنّ أقلّ الجهر أن يسمعه من قرب منه صحيحاً مع اشتماله على الصوت الموجب لتسميته جهراً عرفاً، و أكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط، و أقلّ السرّ أن يسمع نفسه صحيحاً أو تقديراً، و أكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر. و يعضد العرف ما في الصحاح: جهر بالقول: رفع الصوت به(رياض المسائل 3: 403.) انتهى. و لقد أجاد الشهيد الثاني في «المسالك» و صاحب «المدارك» و غيرهما حيث توجّهوا على ورود الإشكال على تعريف الجهر و أنّ أقلّه أن يسمع غيره، بأنّه يلزم منه تصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد كالإسماع للغير ببعض مراتب الإخفات؛ و لذا عدلوا عن تعريف القوم و أوكلوا تعريفهما إلى العرف؛ قال في «المسالك»: بعد ذكر تعريف «الشرائع»: و أقلّ الجهر أن يسمعه الصحيح القريب و لا بدّ مع ذلك من اشتمال الصوت على جهرية و إظهار ليتحقّق الفرق بينه و بين السرّ عرفاً بحيث لا يجتمعان في مادّة؛ إذ هما كما ذكره جماعة من الأصحاب حقيقتان متضادّتان و الحوالة فيها على العرف(مسالك الأفهام 1: 206.) انتهى. و صاحب «المدارك» بعد ذكر تعريف «الشرائع» قال: هذا الضابط ربّما أوهم بظاهره تصادق الجهر و الإخفات في بعض الأفراد، و هو معلوم البطلان؛ لاختصاص الجهر ببعض الصلوات و الإخفات ببعضٍ وجوباً أو استحباباً. و الحقّ: أنّ الجهر و الإخفات حقيقتان متضادّتان يمتنع تصادقهما في شي ء من الأفراد، و لا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شي ء زائد على الحوالة على العرف(مدارك الأحكام 3: 358.) انتهى. ثمّ إنّ الوجه في عدم جواز الإفراط في الجهر كالصياح هو النهي الوارد في الكتاب الكريم عن الجهر بقوله تعالى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ(الإسراء( 17): 110.) المفسَّر في موثّق سماعة المتقدّم برفع الصوت شديداً، و النهي في الآية ظاهرٌ في الإرشاد إلى المانعية عن صحّة الصلاة، و على فرض كون النهي مولوياً تكون القراءة جهراً بالمعنى المذكور محرّمة و لا تقع مقرّبة؛ فتكون باطلة.

ص: 448

ص: 449

ص: 450

[ (مسألة 12): يجب أن تكون القراءة صحيحة]

(مسألة 12): يجب أن تكون القراءة صحيحة، فلو أخلّ عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك بطلت صلاته (1).


1- و الدليل على وجوب كون القراءة صحيحة و بطلان الصلاة بالإخلال في القراءة عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّوا كما رأيتموني أُصلّي(صحيح البخاري 1: 313/ 596.) ، و قد حكى في «الجواهر» عن «فوائد الشرائع» القول بأنّه لا ريب أنّ رعاية المنقول في صفات القراءة و التسبيح و التشهّد من حركات و سكنات للإعراب و البناء و غير ذلك ممّا يقتضيه النهج العربي، كالإدغام الصغير على ما صرّح به شيخنا الشهيد في «البيان» و المدّ المتّصل واجبة. و مع الإخلال بشي ء من ذلك تبطل الصلاة. و لا نعرف في ذلك كلّه خلافاً. و يحصل ترك التشديد إمّا بحذف الحرف المدغم مثلًا أو بتحريكه أو بفكّ الإدغام(جواهر الكلام 9: 287.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الإخلال عامداً بحرف أو حركة أو تشديد أو نحو ذلك مبطل للصلاة مطلقاً و إن لم يكن مغيّراً للمعنى. قال في «الرياض»: و لا فرق فيه بين كونه مغيّراً للمعنى و عدمه على الأشهر الأقوى، بل عليه عامّة أصحابنا، عدا المرتضى في بعض رسائله فيما حكي عنه؛ فخصّ البطلان بالأوّل تبعاً لبعض العامّة العمياء، و هو شاذّ. بل عن الماتن على خلافه الإجماع و هو الحجّة، مضافاً إلى ما عرفته. مع عدم وضوح حجّة له عدا ما يستدلّ له من أنّ من قرأ الفاتحة على هذا الوجه يصدق عليه المسمّى عرفاً. و الظاهر: أنّ أمثال تلك التغييرات ممّا يقع فيه التسامح و التساهل في الإطلاقات العرفية، و المناقشة فيه واضحة(رياض المسائل 3: 380.) انتهى. و قال في «المنتهي»: و تبطل الصلاة لو أخلّ بحرف واحد من الحمد أو السورة إن قلنا بوجوبها أجمع عمداً، بلا خلاف في الحمد؛ لأنّ الإتيان بها واجب؛ لقوله (عليه السّلام) لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب(مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) ، و وجودها أجمع يتوقّف على وجود أجزائها؛ فمع الإخلال بحرف منها يقع الإخلال بها. و كذا الإعراب لو أخلّ به عامداً بطلت صلاته؛ سواءٌ أتى بحركات مضادّة لحركات الإعراب أو حرف الإعراب و سكن الحرف، و سواء اختلّ المعنى باللحن كما لو كسر كاف «إيّاك» أو ضمّ تاء «أنعمت»، أو لم يغيّر كما لو ضمّ هاء «اللَّه»، خلافاً لبعض الجمهور. لنا: أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) صلّى بالإعراب المتلقّى عنه (عليه السّلام) و قال صلّوا كما رأيتموني أُصلّي ، و لأنّه يقال: وصف القرآن بكونه عربيا؛ فما ليس بعربي فليس بقرآن(منتهى المطلب 1: 273/ السطر 12.) انتهى. و لا يخفى ما فيه من أنّ وصف القرآن بكونه عربيا لا يثبت وجوب صحّة القراءة و أنّ الصلاة باطلة فيما أخلّ بالحركة مثلًا.

ص: 451

ص: 452

و من لا يحسن الفاتحة أو السورة يجب عليه تعلّمهما (1).

[ (مسألة 13): المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها]

(مسألة 13): المدار في صحّة القراءة على أداء الحروف من مخارجها؛ على نحو يَعُدّه أهل اللسان مؤدّياً للحرف الفلاني دون حرف آخر، و مراعاة حركات البِنية و ما له دَخل في هيئة الكلمة، و الحركات و السكنات الإعرابيّة و البنائيّة على وفق ما ضبطه علماء العربيّة، و حذف همزة الوصل في الدرج


1- لا يخفى: أنّ وجوب التعلّم لمن لا يحسن قراءة الفاتحة أو السورة مع عدم ضيق الوقت إن كان نفسياً فإثباته يحتاج إلى دليل، و لا دليل عليه سوى الإجماع المحكي عن «المعتبر» قال: أمّا وجوب التعلّم فعليه اتّفاق علماء الإسلام ممّن أوجب القراءة، و لكن ذيل كلامه ظاهر في الوجوب الغيري قال: و لأنّ وجوب القراءة يستدعي وجوب التعلّم تحصيلًا للواجب(المعتبر 2: 169.) انتهى. و في «الرياض»: و يجب التعلّم لما لا يحسنه ما أمكن إجماعاً من كلّ من أوجب القراءة، كما في «المنتهي»؛ لتوقّفها عليه؛ فيجب من باب المقدّمة(رياض المسائل 3: 383.) انتهى. فوجوب التعلّم مشروط بوجوب القراءة؛ و حينئذٍ فإن كانت القراءة واجبة تخييرية بينها و بين الائتمام فلا يكون التعلّم واجباً أصلًا؛ لإمكان تحصيل الواجب و هي الصلاة الصحيحة بالائتمام، و إن كانت واجبة تعيينية تكون مشروطة بعدم المسقط لها كالائتمام، فإذا كان وجوب القراءة مشروطاً بعدم المسقط كان وجوب التعلّم أيضاً كذلك.

ص: 453

كهمزة «أل» و همزة «اهدِنَا» على الأحوط، و إثبات همزة القطع كهمزة «أَنعَمتَ». و لا يلزم مراعاة تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف، فضلًا عمّا يرجع إلى صفاتها؛ من الشّدّة و الرخوة و التفخيم و الترقيق و الاستعلاء و غير ذلك. و لا الإدغام الكبير؛ و هو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل له مع كونهما في كلمتين، مثل يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بإدراج الميم في الميم، أو مقارب له و لو في كلمة واحدة ك يَرْزُقُكُمْ و زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ بإدراج القاف في الكاف و الحاء في العين. بل الأحوط ترك مثل هذا الإدغام، خصوصاً في المقارب بل و لا يلزم مراعاة بعض أقسام الإدغام الصغير، كإدراج الساكن الأصلي فيما يقاربه، ك مِنْ رَبِّكَ* بإدراج النون في الراء. نعم الأحوط مراعاة المدّ اللازم، و هو ما كان حرف المدّ و سبباه أي الهمزة و السكون في كلمة واحدة، مثل «جاء» و «سوء» و «جي ء» و «دابّة» و «ق» و «ص». و كذا ترك الوقف على المتحرّك، و الوصل مع السكون، و إدغام التنوين و النون الساكنة في حروف «يرملون»؛ و إن كان المترجّح في النظر عدم لزوم شي ء ممّا ذكر (1).


1- وجه وجوب إخراج الحروف من مخارجها الذي هو المدار في صحّة القراءة مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا هو أنّ اختلاف الحروف إنّما هو باختلاف المخارج و صدق كلّ حرف بخصوصه عرفاً باعتبار خروجه من مخرجه الخاصّ؛ فيجب أداؤها بحيث لو سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف. فالعجم لا يميّز في التكلّم بين حروف الذال و الزاء و الضاد و الظاء في كلمات مثل «ذلّ» و «زلّ» و «ضلّ» و «ظلّ»، و كذا لا يميّزون بين الثاء و الصاد و السين في مثل «النثر» و «النصر» و «النسر» مع تغيّر معانيها بسبب اختلاف مخارجها؛ فلا بدّ في صحّة القراءة من خروج كلّ حرف من مخرجه الخاصّ بحيث لو سمعها العرب حكم بأنّه أيّها. و الوجه في وجوب مراعاة حركات و سكنات بنية كلمة أي غير ما في أواخر الكلمات كفتح حاء «الحمد» و عين «أنعمت» و سكون ميمهما و كذا الحركات و السكنات الإعرابية و البنائية على وفق ما ضبطه علماء العربية، هو الإجماع. مضافاً إلى أنّ القرآن و الفاتحة مثلًا ليسا اسماً للأجزاء المادّية أي الحروف فقط، بل للمركّب منها و من الجزء الصوري الذي هو الهيئة. و أمّا تدقيقات علماء التجويد في تعيين مخارج الحروف فلا دليل على لزوم مراعاتها، مع أنّ الأصل عدم وجوبها؛ لأنّ القدر الثابت شرعاً ليس إلّا وجوب أداء اللفظ المنزّل مع أداء حروفها من مخارجها بحيث لو سمعها العرب يحكم بكونها عربيا. و أمّا وجوب أدائها على نحو أداء العرب و لهجته و كيفيته فلا دليل عليه أصلًا. فلا يجب مراعاة أوصاف الحروف أيضاً من الشدّة و الرخوة و التفخيم و الترقيق و الاستعلاء و الإمالة و الإخفاء و الغنّة و الإطباق و المدّ المتّصل و المنفصل و الإدغام الصغير و هو إدغام حرفين متجانسين أو متناسبين أوّلهما ساكن في كلمة أو كلمتين في الآخر، مثل «هل لك» و «من ربّك» و الكبير و هو إدراج الحرف المتحرّك بعد إسكانه في حرف مماثل أو مجانس له مع كونهما في كلمتين، مثل يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ بإدراج الميم في الميم، أو مقارب له و لو في كلمة واحدة ك يَرْزُقُكُمْ* بإدراج القاف في الكاف و غيرها من اصطلاحات التجويد. و أمّا مراعاة المدّ اللازم و ترك الوقف على المتحرّك و الوصل مع السكون و إدغام التنوين و النون الساكنة في حروف «يرملون»، فلا دليل على وجوبها. مع أنّ الأصل عدم الوجوب و أنّ القراءة لا تخرج عن العربية و القرآنية فيما لو تركت مراعاتها، نعم ينبغي الاحتياط في مراعاتها. ثمّ لا بأس بذكر أقسام المدّ إجمالًا و تعريف الوقف على المتحرّك و الوصل مع السكون: فالمدّ اللازم فيما كان بعد أحد حروف المدّ و هي الواو المضموم ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها، و الألف المفتوح ما قبلها همزة، مثل «سوء» و «جي ء» و «جاء». أو كان بعد أحدها سكون لازم، مثل «الضالّين» و «دابّة» و «ق» و «ص». و لو كان بعد أحدها سكون جائز يسمّى المدّ جائزاً، مثل «العالمين» و «الرحيم» و «الدين» و «نستعين». و المدّ المتّصل هو أن يجتمع حرف المدّ و الهمزة الساكنة في كلمة واحدة. و إن كانا في كلمتين يسمّى مدّاً منفصلًا. و معنى الوقف على المتحرّك أن يتكلّم القارئ بحركة حرف من آخر الكلمة و يفصّل فصلًا ما بينه و بين كلمة بعده، مثل أن يكسر ميم «الرحيم» في الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ و يقف على الكسرة فيقرأ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. و معنى الوصل مع السكون أن يسكن آخر الكلمة و يتّصل بما بعده، مثل أن يسكن ميم «الرحيم» و يتّصل الميم الساكن ب «مالك يوم الدين».

ص: 454

ص: 455

[ (مسألة 14): الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع]

(مسألة 14): الأحوط عدم التخلّف عن إحدى القراءات السبع. كما أنّ الأحوط عدم التخلّف عمّا في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين؛ و إن كان التخلّف في بعض الكلمات مثل مَلِكِ يَوْمِ الدّينِ و كُفُواً أَحَدٌ غير مضرّ، بل لا يبعد جواز القراءة بإحدى القراءات (1).


1- القراءات السبع للقرّاء السبعة المعروفين، و هم: نافع بن أبي نعيم المدني، و عبد اللَّه بن كثير المكّي، و أبو عمرو بن العلاء البصري، و عبد اللَّه بن عامر الدمشقي، و عاصم بن أبي النجود، و حمزة بن حبيب الزيات، و علي بن حمزة النحوي، و قد زيدت عليها قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع، و يعقوب بن إسحاق الحضرمي، و خلف بن هشام البزّار؛ فكانت القراءات عشرة. ثمّ إنّه اختلف علماؤنا في أنّ الواجب القراءة بإحدى القراءات السبع بحيث لا تكفي قراءة غيرها، أو أنّه يجوز الاكتفاء بها و غيرها من القراءات؟ قد نسب إلى أكثرهم أنّ الواجب الاكتفاء بها و لا يجوز غيرها. و استدلّ له بأنّ القراءات السبع متواترة، و عليها اتّفاق المسلمين. و اليقين بفراغ الذمّة يحصل بإحداها، و غير تلك السبع من القراءات مختلف فيه فلا يحصل اليقين بالفراغ به. و استدلّ له أيضاً بصحيحة سالم أبي سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و أنا أستمع حروفاً من القرآن ليس على ما يقرأها الناس، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللَّه على حدّه و أخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السّلام).(وسائل الشيعة 6: 162، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 74، الحديث 1.) الحديث، سالم أبو سلمة هو سالم بن مكرم عبد اللَّه أبو خديجة، و يقال له أبو سلمة الكناسي، و إنّ أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) قد كنّاه بأبي سلمة، هو ثقة ثقة و له كتاب. و مرسل محمّد بن سليمان عن بعض أصحابه قال: قلت له: جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال لا، اقرؤوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم(وسائل الشيعة 6: 163، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 74، الحديث 2.) و رواية الصدوق في «الخصال» بسنده عن عيسى بن عبد اللَّه الهاشمي عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أتاني آتٍ من اللَّه فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أُمّتي، فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن (على حرف واحد، فقلت: يا ربّ وسّع على أُمّتي، فقال: إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن) على سبعة أحرف(وسائل الشيعة 6: 164، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 74، الحديث 6.) و قد حكي عن الشهيد الثاني في «المقاصد العلّية» أنّ كلّا من القراءات السبع من عند اللَّه تعالى نزّل به روح الأمين على قلب سيّد المرسلين صلّى اللَّه عليه و آله و سلم الطاهرين تخفيفاً على الأُمّة و تهويناً على أهل هذه الملّة. و يرد على الاستدلال المذكور: أنّ تواتر القراءات إن كان المراد به تواترها عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فغير ثابت، و قد أنكره جماعة من الخاصّة و العامّة. و في «الجواهر»: بل لعلّ المعلوم عندنا خلافه؛ ضرورة معروفية مذهبنا بأنّ القرآن نزّل بحرف واحد على نبي واحد، و الاختلاف فيه من الرواة، كما اعترف به غير واحد من الأساطين(جواهر الكلام 9: 294.) انتهى. و حكي عن الشيخ في «التبيان»: أنّ المعروف من مذهب الإمامية و التطلّع في أخبارهم و رواياتهم أنّ القرآن نزّل بحرف واحد على نبي واحد، غير أنّهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القرّاء و أنّ الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ(التبيان 1: 7.) و عن الطبرسي في «مجمع البيان»: أنّ الظاهر من مذهب الإمامية أنّهم أجمعوا على القراءة المتداولة بين القرّاء و كرهوا تجريد قراءة مفردة، و الشائع في أخبارهم أنّ القرآن نزّل بحرف واحد(مجمع البيان 1: 79.) و حكي عن الزمخشري: أنّ القراءة الصحيحة التي قرأ بها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إنّما هي في صفتها، و إنّما هي واحدة، و المصلّي لا تبرأ ذمّته من الصلاة إلّا إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كلّ الوجوه، ك «ملك» و «مالك»، و «صراط» و «سراط»(انظر مفتاح الكرامة 2: 392/ السطر 31.) و قال الوحيد البهبهاني (رحمه اللَّه) أُستاذ صاحب «مفتاح الكرامة» و صاحب «الجواهر» في «حاشية المدارك» رادّاً على الشهيد الثاني ما نصّه: لا يخفى أنّ القراءة عندنا نزلت بحرف واحد من عند الواحد و الاختلاف جاء من قبل الرواية. فالمراد بالتواتر ما تواتر صحّة قراءته في زمان الأئمّة (عليهم السّلام) بحيث كانوا يجوّزون ارتكابه في الصلاة و غيرها؛ لأنّهم (عليهم السّلام) كانوا راضين بقراءة القرآن على ما هو عند الناس، بل ربّما كانوا يمنعون من قراءة الحقّ و يقولون هي مخصوصة بزمان ظهور القائم عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف(نفس المصدر: 393/ السطر 4.) انتهى. و لا يخفى أنّه إن كان المراد بتواتر القراءات أنّها بحكم التواتر عملًا و أنّ المسلمين في الصدر الأوّل كانوا يقرءون بتلك القراءات، ففيه: أنّ القرّاء السبعة المعروفين متأخّرون زماناً عن زمن المسلمين الذين كانوا في الصدر الأوّل؛ فقد قيل: إنّ نافع مات في سنة تسع و ستّين و مائة من الهجرة، و ابن كثير في عشرين و مائة، و ابن العلاء في أربع أو خمس و خمسين و مائة، و ابن عامر في ثمان عشرة و مائة، و عاصم في سبع أو ثمان أو تسع و عشرين و مائة، و حمزة في ثمان أو أربع و خمسين و مائة، و الكسائي في تسع و ثمانين و مائة، و من المسلّم أنّ المسلمين كانوا يقرءون بقراءة ما قبل أن يشتهر القرّاء السبعة. و في «مفتاح الكرامة»: قد كان الناس بمكّة على رأس المائتين على قراءة ابن كثير، و بالمدينة على قراءة نافع، و بالكوفة على قراءة حمزة و عاصم، و بالبصرة على قراءة أبي عمرو و يعقوب، و بالشام على قراءة ابن عامر. و في رأس الثلاث مائة أثبت ابن مجاهد اسم الكسائي و حذف يعقوب و لم يتركوا بالكلّية ما كان عليه غير هؤلاء كيعقوب و أبي جعفر و خلف، و من هنا كانوا عشرة(مفتاح الكرامة 2: 392/ السطر 1.) انتهى. و الجواب عن الاستدلال بصحيح سالم أبي سلمة المرسل على وجوب القراءة بإحدى القراءات السبع هو أنّ الصحيح و كذا المرسل المذكورين لا يدلّان أصلًا على وجوب القراءة بخصوص إحدى القراءات السبع فقط، و كذا لا يدلّان على أنّها القدر المتيقّن في فراغ الذمّة فقط بحيث لا يكتفى بغيرها. و يمكن أن نقول بجواز العمل بإحدى القراءات السبع و بغيرها لعدم تواترها، و قد ورد في خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد، و لكن الاختلاف يجي ء من قبل الرواة(الكافي 2: 630/ 12.) و صحيح الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): إنّ الناس يقولون: إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف، فقال كذبوا أعداء اللَّه، و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد(الكافي 2: 630/ 13.) و صحيح عبد اللَّه بن فرقد و معلّى بن خنيس قالا: كنّا عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و معنا ربيعة الرأي، فذكرنا فضل القرآن، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضالّ فقال ربيعة: ضالّ؟! فقال نعم ضالّ ، ثمّ قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أمّا نحن فنقرأ على قراءة أُبيّ(الكافي 2: 634/ 27.) لا يخفى: أنّ هذه الصحيحة تدلّ على أنّ قراءة أُبيّ بن كعب أصحّ القراءات عندهم (عليهم السّلام). ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد أن أجاب بأجوبة أربعة عن استدلال القول بوجوب القراءة بإحدى القراءات السبع، قال: و بالجملة من أنكر التواتر منّا و من القوم خلق كثير، بل ربّما نسب إلى أكثر قدمائهم تجويز العمل بها و بغيرها. إلى أن قال بعد صفحتين: و من ذلك كلّه و غيره ممّا يفهم ممّا ذكر بان لك ما في دعوى الإجماع على التواتر. على أنّه لو اغضي عن جميع ذلك فلا يفيد نحو هذه الإجماعات بالنسبة إلينا إلّا الظنّ بالتواتر، و هو غير مجدٍ؛ إذ دعوى حصول القطع به من أمثال ذلك مكابرة واضحة، كدعوى كفاية الظنّ في حرمة التعدّي عنه إلى غيره ممّا هو جائز و موافق للنهج العربي و أنّه متى خالف بطلت صلاته؛ إذ لا دليل على ذلك، بل لعلّ إطلاق الأدلّة يشهد بخلافه و احتمال الاستدلال عليه بالتأسّي أو بقاعدة الشغل كما ترى. و أمّا الإجماع المدّعى على وجوب العمل بالقراءات السبع أو العشر كقراءة ابن عامر قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ(الأنعام( 6): 137.) و قراءة حمزة تَسَائلُونَ بِهِ وَ الأَرْحَامَ(النساء( 4): 1.) بالجرّ و أنّه لا يجوز التعدّي منها إلى غيرها و إن وافق النهج العربي، ففيه: أنّ أقصى ما يمكن تسليمه منه جواز العمل بها. و ربّما يقال: و إن خالفت الأفشى و الأقيس في العربية. أمّا تعيين ذلك و حرمة التعدّي عنه فمحلّ منع، بل ربّما كان إطلاق الفتاوى و خلوّ كلام الأساطين منهم عن إيجاب مثل ذلك في القراءة أقوى شاهدٍ على عدمه(جواهر الكلام 9: 295 و 297.) انتهى موضع الحاجة بطوله. و بعد الإحاطة بما ذكرناه و نقلناه عن أكابر فقهائنا لا يصغي بدعوى جماعةٍ الإجماع على تواترها. و مع ذلك كلّه: لا ينبغي ترك الاحتياط بقراءة إحدى القراءات السبع، و كذا لا ينبغي ترك الاحتياط بقراءة ما في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين؛ لتداوله بينهم زمناً بعد زمن حتّى ينتهي إلى زمان المعصومين (عليهم السّلام). و لكن يحتمل أن يكون الموجود في المصاحف في بعض الأزمنة هو «ملك» دون «مالك»؛ و حينئذٍ فلا يكون وجه للاحتياط. و الوجه في عدم إضرار قراءة «ملك» مكان «مالك» و «كفواً» مكان «كفؤا» هو أنّ ستّاً من القرّاء العشرة قرأ «ملك»؛ و هم غير عاصم و الكسائي و خلف و يعقوب، و أنّ غير الحفص قرؤوا «كفؤا» بالهمزة، بعضهم بسكون الفاء و بعضهم الآخر بضمّها.

ص: 456

ص: 457

ص: 458

ص: 459

ص: 460

ص: 461

[ (مسألة 15): يجوز قراءة مالِكِ يَوْمِ الدّينِ و مَلِكِ يَوم الدّينِ]

(مسألة 15): يجوز قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ و مَلِكِ يَوم الدّينِ، و لا يبعد أن يكون الأوّل أرجح، و كذا يجوز في الصِّراطَ أن يقرأ بالصاد و السين، و الأرجح بالصاد. و في كُفُواً أَحَدٌ وجوه أربعة: بضمّ الفاء و سكونه مع الهمزة أو الواو، و لا يبعد أن يكون الأرجح بضمّ الفاء مع الواو (1).


1- الوجه في جواز القراءة ب «مالك» و «ملك» هو ثبوت القراءة بكليهما؛ فقد قرأ عاصم و الكسائي و خلف و يعقوب «مالك» و الباقون من العشرة قرؤوا «ملك»، و لعلّ الوجه في أرجحية «مالك» عند المصنّف (رحمه اللَّه) هو أنّه المرسوم في المصاحف الموجودة في أيدينا و أيدي من تقدّمنا. و فيه أوّلًا: أنّ المحكي عن جماعة منهم شارح «الشاطبية» في كتابه «سراج القارئ» هو أنّ المرسوم في المصاحف كان «ملك» بحذف الألف. و ثانياً أنّ قرّاء «ملك» أكثر عدداً من قرّاء «مالك». و أمّا قراءة «صراط» بالصاد فهو أرجح من قراءة «سراط» بالسين؛ لقراءة أكثر القرّاء أي غير يعقوب الحضرمي بالصاد. و أمّا قراءة «كفواً» ففي «مجمع البيان»: قرأ إسماعيل عن نافع و حمزة و خلف و رويس «كفؤا» ساكنة الفاء مهموزة، و قرأ حفص «كفواً» مضمومة الفاء مفتوحة الواو، و قرأ الباقون بالهمزة و ضمّ الفاء. و لم ينقل من أحدٍ من القرّاء القراءة بالواو مع سكون الفاء؛ و لذا قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: و إن كان الأحوط ترك الأخيرة. و لعلّ الوجه في أرجحية القراءة بضمّ الفاء مع الواو عند المصنّف كونه المرسوم في المصاحف الموجودة.

ص: 462

[ (مسألة 16): من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف]

(مسألة 16): من لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف، و لا يستطيع أن يتعلّم أجزأه ذلك، و لا يجب عليه الائتمام و إن كان أحوط، و من كان قادراً على التصحيح و التعلّم و لم يتعلّم، يجب عليه على الأحوط الائتمام مع الإمكان (1).


1- من لا يقدر على التعلّم؛ إمّا لعدم انطلاق لسانه بأداء كلمة صحيحةً مع التكلّم بجميع حروفها صحيحة في لغته، و إمّا لأجل نقصان في لسانه كمن يبدّل بعض الحروف ببعض، أو ليس له مخرج بعض الحروف كالفأفأ و هو الذي يتردّد في الفاء إذا تكلّم و التمتام و هو الذي يتردّد في التاء و الألثغ و هو الذي يصير الراء غيناً أو لاماً أجزأه ما يقدره، و لا يجب عليه الائتمام. و به صرّح الشهيد في «الذكرى»، و هو الظاهر من «المنتهي» و «جامع المقاصد»، و عن «مستند» النراقي: بل لعلّه إجماعي. و استدلّ له بالحديث المشهور إنّ سين بلال عند اللَّه شين(مستدرك الوسائل 4: 278، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 23، الحديث 3.) و رواية السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجمته فترفعه الملائكة على عربيته(وسائل الشيعة 6: 221، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 30، الحديث 4.) و رواية مسعدة بن صدقة قال: سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) يقول إنّك قد ترى من المحرَّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح؛ و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهّد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلّم الفصيح(وسائل الشيعة 6: 136، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 59، الحديث 2.) و مقتضى إطلاق هذه الأخبار الاجتزاء بها؛ حتّى مع إمكان الائتمام. و ضعف سند هذه الأخبار منجبر بالإجماع المدّعى. هذا كلّه في من لا يقدر على التعلّم. و من قدر عليه يجب عليه التعلّم؛ لتوقّف القراءة الصحيحة عليه، هذا مع عدم التمكّن من الائتمام. و من تمكّن منه يمكن القول بعدم وجوب التعلّم عليه تعييناً، بل يتخيّر بينه و بين الائتمام. و قد تقدّم تفصيل هذا في شرح قوله (رحمه اللَّه): «و من لا يحسن الفاتحة أو السورة يجب عليه تعلّمهما»، فراجع.

ص: 463

[ (مسألة 17): يتخيّر فيما عدا الركعتين الأُوليين من الفريضة بين الذكر و الفاتحة]

(مسألة 17): يتخيّر فيما عدا الركعتين الأُوليين من الفريضة بين الذكر و الفاتحة، و لا يبعد أن يكون الأفضل للإمام القراءة، و للمأموم الذكر، و هما للمنفرد سواء،

ص: 464

و صورته: «سبحانَ اللَّهِ و الحمدُ للَّهِ و لا إلهَ إلّا اللَّهُ و اللَّهُ أكبر». و تجب المحافظة على العربيّة. و يجزي مرّة واحدة، و الأحوط الأفضل التكرار ثلاثاً، و الأولى إضافة الاستغفار إليها. و يجب الإخفات في الذكر و القراءة حتّى البسملة على الأحوط. و لا يجب اتّفاق الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة (1).


1- لا خلاف بين الفقهاء الإمامية في تخيير المصلّي بين قراءة الفاتحة و الذكر فيما عدا الركعتين الأُوليين من الفريضة، بل هو ممّا قام به الإجماع بقسميه مستفيضاً بل متواتراً. و إنّما وقع الخلاف بينهم في الأفضل منهما على أقوال: منها: أفضلية التسبيح مطلقاً، ذهب إليه ابن أبي عقيل و الصدوقان و ابن إدريس، و اختاره صاحب «الحدائق». و منها: أفضلية القراءة مطلقاً، ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي، و اختاره الشهيد في «اللمعة» و مال إليه صاحب «المدارك». و منها: أفضلية القراءة للإمام و التخيير بين القراءة و التسبيح لغير الإمام؛ سواء كان مأموماً أو منفرداً، و هو مختار الشيخ في «الاستبصار» و المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «القواعد» و الشهيد في «البيان» و الأردبيلي في «شرح الإرشاد». و منها: أفضلية القراءة للإمام و التسبيح للمنفرد مع عدم التعرّض لما هو أفضل للمأموم، و هو مختار الشهيد في «الدروس». و منها: أفضلية التسبيح للإمام إذا تيقّن أن ليس معه مسبوق، و أفضلية القراءة إذا تيقّن دخول مسبوق أو جوّزه، و القراءة للمأموم و التخيير للمنفرد، نسب هذا القول إلى ابن جنيد. و القول بالتخيير مطلقاً من غير تفصيلٍ و تعرّضٍ للأفضل، هو مذهب الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الجمل» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «الإرشاد» و «المختلف». و يدلّ على هذا القول صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال تسبّح و تحمد اللَّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء(وسائل الشيعة 6: 107، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 1.) و موثّق علي بن حنظلة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللَّه فهو سواءٌ ، قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال هما و اللَّه سواء؛ إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 3.) قال صاحب «الوسائل»: المراد التساوي في الإجزاء؛ لما يأتي من الترجيح للتسبيح، انتهى. و لا يخفى ما فيه حيث إنّ السائل سأل عمّا هو أفضل بعد ما سأل عمّا يصنع، فأجاب (عليه السّلام) عن سؤاله الأوّل بالتساوي في الإجزاء و عن سؤاله الثاني بالتساوي في الأفضلية؛ فيحمل الأخبار الدالّة على ترجيح التسبيح على القراءة على زيادة فضيلة التسبيح على القراءة. و يدلّ على أفضلية القراءة للإمام و الذكر للمأموم و السواء للمنفرد، صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، و إن شئت فسبّح(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 2.) و صورة الذكر: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر»، و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر و تكبّر و تركع(وسائل الشيعة 6: 109، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 5.) و العمدة في وجه وجوب المحافظة على العربية في ذكر الركعتين الأخيرتين هي السيرة القطعية من فعل المسلمين في كلّ زمن حتّى ينتهي إلى زمن المعصومين (عليهم السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و الأقوى الاكتفاء بالمرّة في الذكر وفاقاً لأكثر فقهائنا، و في «الجواهر»: أنّه قد صرّح به فيما يقرب من خمسين كتاباً(جواهر الكلام 10: 35.) و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال أن تقول: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر و تكبّر و تركع ، حيث إنّ أمره (عليه السّلام) بالتكبير الاستحبابي و الركوع بعده يدلّ على كفاية المرّة في الذكر؛ فلو كان الواجب ثلاث مرّات لم يأمر بالركوع بعد التسبيح مرّة واحدة، و لم يأمر أيضاً بالتكبير المستحبّ بعد التسبيح الواجب. نعم الأحوط الأفضل ثواباً التكرار ثلاثاً، و هو مقتضى الجمع بين الصحيح المزبور و صحيحه الآخر المروي في أوّل «السرائر» عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئاً؛ إماماً كنت أو غير إمام ، قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال إذا كنت إماماً أو وحدك فقل: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر ثلاث مرّات، ثمّ تكبّر و تركع(وسائل الشيعة 6: 123، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 51، الحديث 2.) و رواية رجاء بن أبي الضحّاك أنّه صحب الرضا (عليه السّلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأُخراوين يقول: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاث مرّات ثمّ يركع(وسائل الشيعة 6: 110، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 8.) و وجه أولوية إضافة الاستغفار إلى التسبيحات صحيح عبيد بن زرارة المتقدّم و تستغفر لذنبك. و وجه وجوب الإخفات في الذكر هو الشهرة العظيمة و الإجماع المدّعى الذي حكاه جماعة؛ ففي «الرياض»: ظاهرهم الاتّفاق عليه، و في «الحدائق»: ربّما ادّعى بعضهم الإجماع عليه. و قد استدلّ له أيضاً بأُمور لا يخلو من ضعف: منها: التسوية بين الذكر و القراءة، حيث إنّه يجب عليه الإخفات لو قرأ في ثالثة المغرب و الأخيرتين من الظهرين و العشاء، و التسوية بينهما مستفادة من موثّق ابن حنظلة المتقدّم حيث حكم (عليه السّلام) بمساواتهما فهو سواء. و فيه: أنّ التسوية بينهما إنّما هو في الإجزاء و الفضيلة كما هو المفروض في سؤالي السائل. و منها: إطلاق الأخبار الواردة في وجوب الإخفات في صلاة النهار، كمرسل ابن فضّال عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السنّة في صلاة النهار بالإخفات، و السنّة في صلاة الليل بالإجهار(وسائل الشيعة 6: 77، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 22، الحديث 2.) و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في حديث: أنّه ذكر العلّة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض إنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة؛ فوجب أن يجهر فيها ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة، فإن أراد أن يصلّي صلّى؛ لأنّه إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع. و الصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنّما هما بالنهار في أوقات مضيئة؛ فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيها إلى السماع(وسائل الشيعة 6: 82، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) ، حيث إنّ مقتضى إطلاقها الإخفات في تسبيحها كقراءتها؛ فيلحق تسبيح غيرها به؛ لعدم القول بالفصل. و فيه: أنّه على فرض الإطلاق في هذه الأخبار و شموله للتسبيح يعارضه ما دلّ على وجوب الجهر في الصلوات الليلية بضميمة عدم القول بالفصل. و في «الحدائق»: أنّ المتبادر الظاهر من الأخبار الدالّة على الإخفات إنّما هو بالنسبة إلى القراءة لا ما يشمل التسبيح، بل القراءة في الأُوليين أيضاً لا الأخيرتين. و انقسام الفريضة إلى جهرية و إخفاتية إنّما هو بالنظر إلى القراءة في الأُوليين(الحدائق الناضرة 8: 437.) انتهى. و منها: ما رواه المحقّق في «المعتبر» من أنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يجهر في هذه المواضع أي في الصبح و أُوليي المغرب و العشاء و يسرّ ما عداها(المعتبر 2: 176.) و فيه: أنّ استمرار النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و كذا الأئمّة (عليهم السّلام) لا يدلّ على الوجوب؛ لمداومتهم على المندوبات. و منها: صحيح الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه عن أبيه في حديث قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال إن قرأ فلا بأس، و إن سكت فلا بأس(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 13.) ، بناءً على أنّ المراد من «الصمت» هو الإخفات، و أنّ المراد من الركعتين هما الأخيرتان. و فيه: المنع من إرادة الإخفات من الصمت، بل المراد منه معناه الحقيقي بمعنى السكوت؛ فيكون إشارة إلى مذهب أبي حنيفة حيث ذهب إلى الصمت فيهما. و في «المستمسك»: الظاهر من الركعتين في الصحيح الأوّلتين من الإخفاتية بقرينة تخيير المأموم بين القراءة و تركها(مستمسك العروة الوثقى 6: 265.) انتهى. هذا مبني على مختاره (رحمه اللَّه) في جواز قراءة المأموم في الركعتين الأوّلتين من الإخفاتية إذا كان فيهما مع الإمام على كراهة، و يأتي البحث فيه إن شاء اللَّه. و وجه وجوب الإخفات في القراءة بدل الذكر هو الشهرة العظيمة كادت تكون إجماعاً. و في «الجواهر»: المعلوم من مذهب الإمامية بطلان الجهر بالقراءة في الأخيرتين(انظر جواهر الكلام 9: 375.) و قد يستدلّ أيضاً على وجوب الإخفات في القراءة بفعل المسلمين زمناً بعد زمن؛ حتّى ينتهي إلى زمن الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)؛ فيكشف ذلك عن أنّ الإخفات في القراءة ممّا ينبغي؛ فيدخل في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه و قد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.)و فيه: أنّ استمرارهم (عليهم السّلام) على فعل لا يدلّ على وجوبه. و أمّا الجهر في بسملة القراءة في الركعتين الأخيرتين و ثالثة المغرب فقد تقدّم البحث فيه مفصّلًا في شرح المسألة العاشرة من «القول في القراءة و الذكر»، و قد قلنا هناك: إنّه لا ينبغي ترك الاحتياط بالإخفات. و وجه عدم وجوب الاتّفاق في الركعتين الأخيرتين في الذكر أو القراءة إطلاق نصوص التخيير، كصحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال تسبّح و تحمد اللَّه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء(وسائل الشيعة 6: 107، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 1.) و موثّق علي بن حنظلة عن أبي (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللَّه فهو سواء ، قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال هما و اللَّه سواء؛ إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 3.)

ص: 465

ص: 466

ص: 467

ص: 468

ص: 469

ص: 470

[ (مسألة 18): لو قصد التسبيح مثلًا فسبق لسانه إلى القراءة]

(مسألة 18): لو قصد التسبيح مثلًا فسبق لسانه إلى القراءة من غير تحقّق القصد إليها و لو ارتكازاً فالأقوى عدم الاجتزاء بها، و مع تحقّقه فالأقوى الصحّة. و كذا الحال لو فعل ذلك غافلًا من غير قصد إلى أحدهما، فإنّه مع عدمه و لو ارتكازاً فالأقوى عدم الصحّة، و إلّا فالأقوى الصحّة (1).


1- يعتبر في عبادية العبادة و إجزائها من القصد إليها و لو إجمالًا و ارتكازاً؛ فحينئذٍ لو قصد التسبيح فسبق لسانه إلى القراءة من دون قصد إليها و لو ارتكازاً فلا يجتزي بها، و يجب عليه إمّا إعادة التسبيح أو القراءة مع قصدها.و أمّا لو تحقّق القصد إليها و لو ارتكازاً؛ بأن قصد من أوّل الأمر و قبل الشروع في أحدهما ما هو وظيفته من فعل أحدهما فالأقوى حينئذٍ الصحّة؛ لتحقّق القصد إليه ارتكازاً. و كذا لا يجتزي بالقراءة لو فعلها غفلة؛ أي من غير قصد إليها، و لا إلى التسبيح لا تفصيلًا و لا ارتكازاً، و يجتزي بكلّ واحد منهما فيما إذا أتاه غفلة مع القصد إليه و لو ارتكازاً. و بالجملة: الاجتزاء بالمأتي به منوط على تحقّق القصد إليه و لو ارتكازاً، و لا تخلّه الغفلة العارضة بعد تحقّق القصد إليه.

ص: 471

[ (مسألة 19): لو قرأ الفاتحة بتخيّل أنّه في الأُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزي بها]

(مسألة 19): لو قرأ الفاتحة بتخيّل أنّه في الأُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين يجتزي بها. و كذا لو قرأها بتخيّل أنّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الأُوليين (1).


1- لو قرأ الفاتحة باعتقاد أنّه في الأُوليين فتبيّن كونه في الأخيرتين فلا يخلو من أنّه إمّا أن يكون قاصداً لقراءة الفاتحة بخصوصها أي بحيث كان مرتكزاً في ذهنه أنّه لا يجتزي غيرها ثمّ تبيّن كونه في الأخيرتين فحينئذٍ لا يجتزي بما قرأه من الفاتحة؛ لعدم كونها مصداقاً للمأمور به الواقعي. و إمّا أن يكون قاصداً لها من غير تقييد بخصوصها، بل بما أنّها مأمور بها فيجتزي بها؛ لكون المأتي به مأموراً به في الواقع، و تخيّل كونه في الأوّلتين غير مخلّ. و كذا لو قرأها بتخيّل أنّه في الأخيرتين فتبيّن كونه في الأوّلتين؛ لما ذكرنا من انطباق المأمور به الواقعي على المأتي به. نعم لو أتى بالتسبيحات بتخيّل أنّه في الأخيرتين ثمّ تبيّن قبل الركوع كونه في إحدى الأُوليين يجب عليه قراءة الحمد. و أمّا سجدتا السهو على زيادة التسبيحات فغير واجب، و سيأتي البحث فيه في مبحث الخلل.

ص: 472

[ (مسألة 20): الأحوط أن لا يزيد على ثلاثة تسبيحات]

(مسألة 20): الأحوط أن لا يزيد على ثلاثة تسبيحات إلّا بقصد الذكر المطلق (1)

[ (مسألة 21): يستحبّ قراءة عَمَّ يتَساءلون أو هل أتى أو الغاشية أو القيامة و أشباهها في صلاة الصبح]

(مسألة 21): يستحبّ قراءة عَمَّ يتَساءلون أو هل أتى أو الغاشية أو القيامة و أشباهها في صلاة الصبح، و قراءة سبّح اسم أو و الشمس في الظهر و إذا جاءَ نصرُ اللَّهِ و ألهاكُمُ التَّكاثُر في العصر و المغرب. و الأولى اختيار قراءة «الجمعة» في الركعة الاولى من العشاءين، و «الأعلى» في الثانية منهما في ليلة الجمعة، و قراءة سورة «الجمعة» في الركعة الاولى، و «المنافقين» في الثانية في الظهر و العصر من يوم الجمعة، و كذا في صبح يوم الجمعة، أو يقرأ فيها في الأُولى «الجمعة»، و «التوحيد» في الثانية، و في المغرب في ليلة الجمعة في الأُولى «الجمعة»، و في الثانية «التوحيد». كما أنّه يستحبّ في كلّ صلاة قراءة سورة «القدر» في الاولى و «التوحيد» في الثانية (2)


1- لا يجوز أن يزيد على ثلاثة تسبيحات بقصد الجزئية و كون الزائد مأموراً به و لو مندوباً، و لو فعله تبطل صلاته؛ للزيادة العمدية، و للتشريع. نعم لا بأس بالزيادة على الثلاث بقصد الذكر المطلق.
2- و يدلّ على استحباب قراءة السور المذكورة جملة من الروايات ذكرها صاحب «الوسائل» في أبواب القراءة في الصلاة الباب الثامن و الأربعين و التاسع و الأربعين و الخمسين و السادس و الستّين و السبعين و الأحد و السبعين و غيرها، فراجع(وسائل الشيعة 6: 116 157، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 48 و 49 و 50 و 66 و 70 و 71.) و لم يعرف من أحدٍ من علمائنا المعروفين من القدماء و المتأخّرين القول بوجوب قراءة سورة خاصّة في صلاة من الصلوات، و نسب في «الشرائع» القول بوجوب قراءة سورة الجمعة و المنافقين في الظهرين يوم الجمعة إلى بعض، و لكنّه لم يعرف القائل به. و ليس لذلك القول دليل إلّا الأمر بقراءتهما فيهما، كما في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القراءة في الجمعة إذا صلّيتُ وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال نعم ، و قال اقرأ سورة الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة(وسائل الشيعة 6: 160، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 3.) أو الأمر بالإعادة على من صلّى الجمعة بغير سورة الجمعة و المنافقين، كما في صحيح عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) من صلّى الجمعة بغير الجمعة و المنافقين أعاد الصلاة في سفر أو حضر(وسائل الشيعة 6: 159، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 72، الحديث 1.) أو الأمر بالإتمام ثمّ الاستئناف، كما في صحيح صباح بن صبيح الحذّاء قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل أراد أن يصلّي الجمعة فقرأ بقل هو اللَّه أحد، قال يتمّ ركعتين ثمّ يستأنف(وسائل الشيعة 6: 159، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 72، الحديث 2.) أو نفي صلاة من صلّى بغيرهما، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ اللَّه أكرم بالجمعة المؤمنين، فسنّها رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بشارة لهم، و المنافقين توبيخاً للمنافقين، و لا ينبغي تركهما؛ فمن تركهما متعمّداً فلا صلاة له(وسائل الشيعة 6: 154، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 70، الحديث 3.)و لكن الأصحاب لم يفتوا بوجوب قراءتهما فيها؛ فيحمل الأخبار الآمرة بقراءتهما فيها على تأكّد الاستحباب، هذا. مضافاً إلى أنّ جملة من الأخبار قد صرّح فيها بجواز قراءة غيرهما فيها، كما في صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّداً، قال لا بأس بذلك(وسائل الشيعة 6: 157، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 71، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب.

ص: 473

ص: 474

[ (مسألة 22): قد عرفت أنّه يجب الاستقرار حال القراءة و الأذكار]

(مسألة 22): قد عرفت أنّه يجب الاستقرار حال القراءة و الأذكار، فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء لغرض، يجب تركهما حال الحركة، لكن لا يضرّ مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين و إن كان الترك أولى. و لو تحرّك حال القراءة قهراً فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة (1).


1- قد عرفت في شرح المسألة الثامنة من مسائل «القول في القيام»: أنّ الدليل العمدة على اعتبار الاستقرار في جميع حالات الصلاة هو الإجماع؛ فيجب الاستقرار حال القراءة و الأذكار. فلو أراد حالهما التقدّم أو التأخّر أو الانحناء من مكانه الذي استقرّ فيه لغرض من الأغراض المجوّزة للانتقال من حال إلى أُخرى يجب تركهما حال الحركة و فعلهما مستقرّاً بعد الحركة. و يدلّ عليه معتبرة السكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال في الرجل يصلّي في موضع ثمّ يريد أن يتقدّم قال يكفّ عن القراءة في مشيه حتّى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثمّ يقرأ(وسائل الشيعة 6: 98، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 34، الحديث 1.) و أمّا تحريك اليد أو أصابع الرجلين فلا ينافي الاستقرار و لا يضرّان بالقراءة.و لو تحرّك حال القراءة قهراً و بغير اختيار فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة و إن كان الأقوى الاجتزاء به.

ص: 475

[ (مسألة 23): لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة]

(مسألة 23): لو شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة، يجب إعادتها إذا لم يتجاوز، و يجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز، و لو شكّ ثانياً أو ثالثاً لا بأس بالتكرار ما لم يكن عن وسوسة، و إلّا فلا يعتني بشكّه (1).


1- وجه وجوب إعادة الآية أو الكلمة المشكوكة في صحّة قراءتهما هو استصحاب شغل الذمّة بالواجب؛ أي القراءة الصحيحة. هذا مع عدم تجاوز محلّهما و عدم الدخول فيما بعدهما، كما لو شكّ في صحّة قراءة مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قبل أن يشرع في قراءة إِيَّاكَ نَعْبُدُ، هذا بناءً على عدم جريان قاعدة الفراغ في أجزاء العمل. و ذهب بعض فقهائنا إلى جريانه فيها؛ ففي «المستمسك»: نعم لو بني على جريان قاعدة الفراغ في الأجزاء كما هو الظاهر لعموم دليلها اقتضت البناء على الصحّة و لو لم يتجاوز(مستمسك العروة الوثقى 6: 291.) انتهى. و لو شكّ في صحّتهما بعد تجاوز محلّهما و الدخول في غيرهما لا يعتني بشكّه، بل يبني على الصحّة؛ لقاعدة التجاوز. نعم يجوز الإعادة احتياطاً مع تجاوز محلّهما. و الاحتياط مطلوب على كلّ حال. و لو شكّ ثانياً أو ثالثاً أي شكّ في صحّة ما أتاه ثانياً أو ثالثاً يجب إعادته مع عدم تجاوز محلّه ما لم يكن عن وسوسة، و إلّا فلا يعتني بشكّه. و لا يخفى ما في عبارة المصنّف: «لا بأس بالتكرار» حيث إنّه يوهم جواز ترك التكرار.

ص: 476

[القول في الركوع]

القول في الركوع

[ (مسألة 1): يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليوميّة ركوع واحد]

(مسألة 1): يجب في كلّ ركعة من الفرائض اليوميّة ركوع واحد، و هو ركن تبطل الصلاة بزيادته و نقصانه عمداً و سهواً، إلّا في الجماعة للمتابعة بتفصيل يأتي في محلّه. و لا بدّ فيه من الانحناء المتعارف بحيث تصل يده إلى ركبته، و الأحوط وصول الراحة إليها، فلا يكفي مسمّى الانحناء (1).


1- الركوع لغة هو الانحناء كما في «القاموس»، و شرعاً انحناء مخصوص. و يجب الركوع في كلّ ركعة من الفرائض و كذا النوافل إجماعاً من الفريقين، و تواترت عليه الأخبار، بل وجوبه من ضروريات الدين. و القول بركنيته في كلّ ركعة هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و قال الشيخ في «المبسوط»: الركوع ركن من أركان الصلاة، مَن تركه عامداً أو ناسياً بطلت صلاته إذا كان في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة، و كذلك إن كان في الثالثة من المغرب، و إن كان في الركعتين الأخيرتين من الرباعية إن تركه متعمّداً بطلت صلاته و إن تركه ناسياً و سجد السجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة و قام فركع و تمّم صلاته(المبسوط 1: 109.) انتهى. و هذا القول لا اعتبار به لشذوذه، و نفيه في الحقيقة ركنية السجود بمعنى عدم بطلان الصلاة بزيادة السجود سهواً، و هو مخالف للإجماع. و في «الدروس» و «المدارك»: أنّه لو فسّر الركن بما تبطل الصلاة بتركه سهواً بالكلّية لم يكن منافياً لقول الشيخ؛ لأنّ الآتي بالركوع بعد السجود لم يتركه في جميع الصلاة. و في «مفتاح الكرامة»: و نقل عن أبي علي و علي بن بابويه: إنّ الصلاة تبطل بتركه سهواً في الركعة الأُولى دون الثانية و الثالثة و الرابعة(مفتاح الكرامة 2: 414/ السطر 24.) انتهى. و يدلّ على ركنيته من الأخبار صحيح رفاعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ينسي أن يركع حتّى يسجد و يقوم، قال يستقبل(وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل ينسي أن يركع، قال يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) و صحيح آخر لأبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يركع، قال عليه الإعادة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) ثمّ إنّه يجب في الركوع الانحناء المتعارف؛ أي بقدر ما تصل يداه إلى ركبتيه و يتمكّن من وضعهما عليهما. أمّا وجوب الانحناء فهو إجماعي، بل ضروري لأنّ الركوع كما عرفت-عبارة عن الانحناء لغة و شرعاً. و أمّا التحديد بالقدر المذكور فقد ادّعى عليه إجماع كافّة العلماء في «المنتهي» و «المعتبر» و «الذكرى» و غيرها، إلّا الحنفية فإنّهم قالوا بكفاية مسمّى الانحناء؛ ففي كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: الحنفية قالوا بحصول الركوع بطأطأة الرأس؛ بأن ينحني انحناءً يكون إلى حال الركوع أقرب، فلو فعل ذلك صحّت صلاته. أمّا كمال الركوع فانحناء الصلب حتّى يستوي الرأس بالعجز(الفقه على المذاهب الأربعة 1: 231.) انتهى. و لا خلاف بين أصحابنا في عدم وجوب وضع اليد على الركبة حال الركوع و الانحناء بالمقدار المتعارف. و إنّما وقع الخلاف في القدر المعتبر في وصول اليد إلى الركبة؛ و أنّه يكفي مجرّد وصول اليد إليها بوصول رؤوس الأصابع، أو لا يكفي مجرّد ذلك حتّى يصل كفّ اليد إليها؟ و قد حكي عن المجلسي في «البحار»: أنّ المشهور في الانحناء أن تصل الأصابع إلى الركبتين، و هو الواجب، و الزائد عليه مستحبّ. و في «المنتهي»: أن تبلغ يداه إلى ركبتيه، كذا في «الذكرى»، و هو ظاهر في الاكتفاء بوصول جزء من اليد و لو بوصول رؤوس الأصابع إلى الركبة. و عن «نهاية الإحكام» و «التذكرة» و «الإرشاد» و «الروض» وضع راحتيه على ركبتيه. و في «المعتبر»: إجماع أهل العلم كافّةً على وصول كفّيه إليهما. و في «جمل» السيّد (رحمه اللَّه) يملأ كفّيه من ركبتيه. و عن الشهيد في «البيان»: أنّ الأقرب وجوب الانحناء إلى أن يبلغ معه الكفّان ركبتيه، و لا يكفي بلوغ أطراف الأصابع. و عن الشهيد الثاني في «الروضة»: أنّ المعتبر وصول جزء من باطنه لا جميعه و لا رؤوس الأصابع. و في «الروض»: الراحة الكفّ. و عن الفيّومي في «السامي»: الراحة ما فوق الأصابع. و في «مفتاح الكرامة» بعد نقل عبارة جماعة من الفقهاء القائلين باعتبار وصول الكفّ إلى الركبة في الانحناء للركوع، قال: و ما صرّح به في هذه الكتب قد تطابقت على معنى واحد؛ و هو اعتبار وصول جزء من باطن الكفّ و أنّه لا يكتفى برؤوس الأصابع، كما صرّح به في «البيان» و «جامع المقاصد» و «فوائد الشرائع» و «الروض» و «الروضة»، بل في «جامع المقاصد»: لم أقف في كلام لأحد يعتدّ به على الاجتزاء ببلوغ رؤوس الأصابع في حصول الركوع، انتهى. قلت: هذا يدلّ على أنّه لم يفهم من إجماعي «المنتهي» و «الذكرى» ما لعلّه يفهم منهما من الاجتزاء بذلك. سلّمنا الظهور، لكن الإجماعات الأُخر توجب الصرف عن هذا الظاهر و توجب حمل قوله (عليه السّلام) في الخبر الذي رواه في «المعتبر» فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك(المعتبر 2: 193.) على أنّ المراد الوصول إلى مجموع عين الركبة؛ لأنّ من الأصابع الإبهام و باقي الأصابع بينها تفاوت؛ فإذا وصلت أطراف الكلّ إلى مجموع عين الركبة دخل جزء من باطن الكفّ، كما أشار إلى ذلك الأُستاذ أدام اللَّه حراسته في «حاشية المدارك»، أو يحمل على أنّ المراد بالأطراف الأطرافُ التي تلي الكفّ(مفتاح الكرامة 2: 416/ السطر 5.) انتهى موضع الحاجة من عبارة «مفتاح الكرامة». و العمدة في المسألة قولان: أحدهما: كفاية وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين في الانحناء، و عدم وجوب وصول كفّيه إليهما. و الثاني: وجوب وصولهما إليهما. و الأقوى هو الأوّل، و إن كان الثاني أحوط. و الدليل على الأوّل مضافاً إلى أصالة البراءة بالنسبة إلى الزائد عن وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين هو ذيل صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال و إذا ركعت فصفّ في ركوعك بين قدميك و تمكّن راحتيك من ركبتيك، و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة، فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، و أُحبّ إلى أن تمكّن كفّيك من ركبتيك(وسائل الشيعة 6: 334، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 28، الحديث 1.) و استدلّ للثاني بقاعدة الاشتغال، و الروايات الظاهرة أو الصريحة في وصول الكفّين إلى الركبتين، كصحيح حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ثمّ ركع و ملأ كفّيه من ركبتيه مفرّجات»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و تمكّن راحتيك من ركبتيك(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، و مثله صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) و النبوي المنقول عن «المعتبر» إذا ركعت فضع كفّيك على ركبتيك(المعتبر 2: 193.) و فيه: أنّ الشكّ في المقام في وجوب الزائد على وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين، و المرجع فيه البراءة، و أنّ الروايات المذكورة الدالّة على وصول الكفّين إلى الركبتين يشكل الاستدلال بها على الوجوب؛ لتضمّنها خصوصاً صحيح حمّاد جملة كثيرة من المستحبّات.

ص: 477

ص: 478

ص: 479

ص: 480

ص: 481

[ (مسألة 2): من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد]

(مسألة 2): من لم يتمكّن من الانحناء المزبور اعتمد، فإن لم يتمكّن و لو بالاعتماد أتى بالممكّن منه، و لا ينتقل إلى الجلوس و إن تمكّن منه جالساً. نعم لو لم يتمكّن من الانحناء أصلًا انتقل إليه، و الأحوط صلاة أُخرى بالإيماء قائماً. و إن لم يتمكّن من الركوع جالساً أجزأ الإيماء حينئذٍ، فيومئ برأسه قائماً، فإن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع، و فتحهما للرفع منه. و يتحقّق ركوع الجالس بانحنائه بحيث يساوي وجهه ركبتيه، و الأفضل الأحوط الزيادة على ذلك بحيث يحاذي مسجده (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: يجب الركوع بالمقدار المتعارف بوصول أطراف الأصابع إلى الركبة مع التمكّن منه اختياراً بغير اعتماد على شي ء، و إذا لم يتمكّن منه إلّا بالاعتماد أتى به مع الاعتماد و لا ينتقل إلى الركوع جالساً؛ لكونه متمكّناً من الركوع قائماً مستنداً، و لا خلاف فيه على الظاهر، و عن «المعتبر» دعوى الإجماع عليه. و يشمله عموم قاعدة: «الميسور لا يسقط بالمعسور»؛ لأنّ المدار في جريانها في بعض الموارد كون المأمور به شيئاً ذا مراتب بنظر العرف بحيث يعدّ المأتي به عند العرف أحد مراتبه، كما فيما نحن فيه حيث إنّ الركوع عرفاً عبارة عن الانحناء و له مراتب، و إذا لم يتمكّن من مرتبة خاصّة اعتبرها الشارع للمتمكّن منه و تمكّن من مرتبته الأُخرى، أتى بها؛ لأنّ الانحناء الغير البالغ إلى الحدّ المعتبر شرعاً مصداق حقيقي للركوع العرفي. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد الاستدلال على المسألة بنفي الخلاف فيها و بإجماع «المعتبر»، قد نفى دلالة قاعدة الميسور عليها و قال: لا عدم سقوط الميسور بالمعسور و نحوه؛ إذ هو لا يتمّ إلّا على تقدير كون الركوع مجموع الانحناء، أو أنّ الانحناء واجب في الصلاة و وصوله إلى حدّ الركوع واجب آخر، و الكلّ يمكن منعه؛ إذ الذي يقوى في النظر أنّه مقدّمة لتحصيل الركوع كهويّ السجود؛ لحصر واجبات الصلاة نصّاً و فتوى في غيرها، و لانسياق ذلك إلى الذهن لو فرض الأمر به للركوع و السجود؛ فالأصل براءة الذمّة من وجوبهما لأنفسهما في الصلاة و من وجوب القصد بهما للركوع و السجود؛ فليس هما إلّا مقدّمة خارجية(جواهر الكلام 10: 76.) انتهى. و فيه: أنّ الانحناء ليس مقدّمة للركوع، و لا يقاس على هويّ السجود؛ لأنّ حقيقة الركوع هو الانحناء لغة و شرعاً، و لكن الشرع اعتبر مرتبة خاصّة منه لمن تمكّن منها؛ فلا يكون الانحناء مقدّمة له. بخلاف الهويّ للسجود فإنّ السجود وضع الجبهة على الأرض، و الهويّ غيره. و مراده (رحمه اللَّه) من نحو عدم سقوط الميسور بالمعسور قاعدة: «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» و قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم(عوالي اللئالي 2: 235، السنن الكبرى، البيهقي 4: 326.) ، بناءً على كون «من» للتبعيض. المسألة الثانية: لو لم يتمكّن من الانحناء في الركوع أصلًا هل وظيفته الإيماء للركوع قائماً، أو يجب عليه الركوع جالساً مع التمكّن منه؟ ذهب إلى الأوّل جماعة؛ منهم الشيخ (رحمه اللَّه) في «المبسوط» و العلّامة (رحمه اللَّه) في «التذكرة» و «القواعد» و «التحرير» و «المنتهي» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و الشهيدان و صاحب «كشف اللثام» و «المدارك» و «الحدائق» و «مستند الشيعة» و «الرياض» و «الجواهر» و «مصباح الفقيه» للهمداني (رحمه اللَّه) و السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى». قال العلّامة في «التذكرة»: و لو تعذّر أومأ؛ لأنّه القدر الممكن فيقتصر عليه. و استدلّ لهذا القول برواية إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلأ و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال ليؤم برأسه إيماءً، و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءً(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 11.) ، و الكرخي ممّن روى عنه ابن أبي عمير و صفوان بن يحيى و الحسن بن محبوب، و للصدوق (رحمه اللَّه) إليه طريق. و ذهب إلى الثاني جماعة أُخرى؛ منهم السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها، و منهم المصنّف (رحمه اللَّه)، و مال إليه العلّامة الطباطبائي في «منظومته» و قال: و في انحناء من جلوس مطلقا دار مع الإيماء وجه ذو ارتقا(الدرة النجفية: 125.) و علّله في «الجواهر» بقوله: و لعلّه لأولوية إبدال القيام بالجلوس من الركوع بالإيماء(جواهر الكلام 10: 80.) انتهى. و لعلّ الوجه في تقديم الركوع جالساً على الركوع إيماءً قائماً ما ذكره السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «مستمسك العروة الوثقى» من كونه الميسور عرفاً، و أنّه أقرب إلى الصلاة التامّة من الإيماء قائماً. و ما دلّ على بدلية الإيماء عن الركوع قاصر عن شمول الفرض للقدرة على الركوع جالساً(مستمسك العروة الوثقى 6: 309.) انتهى. المسألة مشكلة جدّاً؛ من احتمال رجحان القيام الركني أعني المتّصل بالركوع فهذا يوجب الإيماء للركوع قائماً و يقدّم على الركوع جالساً، و من احتمال تقديم الركوع جالساً على الإيماء قائماً؛ لكونه ميسوراً لا يترك بالمعسور. و لا يترك الاحتياط بإتيان صلاتين: إحداهما بالركوع جالساً و الأُخرى بالإيماء للركوع قائماً. المسألة الثالثة: إن لم يتمكّن من الركوع أصلًا حتّى جالساً بأنحائه أجزأ الإيماء حينئذٍ، فيومئ برأسه قائماً إن تمكّن منه، و إن لم يتمكّن غمض عينيه للركوع و فتحهما للرفع منه، بلا خلاف في المسألة. و يدلّ عليه خبر الكرخي المتقدّم. و السيّد الحكيم (رحمه اللَّه) في «المستمسك» بعد القول بأنّه المعروف بين الأصحاب قال: بل في «المنتهي»: لو أمكنه القيام و عجز عن الركوع قائماً أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام، بل يصلّي قائماً و يومئ للركوع ثمّ يجلس و يومئ للسجود، و عليه علماؤنا(مستمسك العروة الوثقى 6: 309.) انتهى. و كأنّه (رحمه اللَّه) توهّم من كلام «المنتهي» قيام الإجماع على وجوب الإيماء للركوع قائماً على من لم يتمكّن من الركوع أصلًا، كما هو مفروض المسألة. و فيه: أنّ مورد الإجماع في كلام «المنتهي» وجوب الإيماء للركوع على العاجز من الركوع قائماً، لا أصلًا حتّى جالساً. المسألة الرابعة: في مقدار الانحناء للركوع جالساً، قال في «مفتاح الكرامة»: حكايةً عن الذكرى و كشف الالتباس و جامع المقاصد و الروض و المدارك إنّ لكيفيّته وجهين: الأوّل أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب، كالراكع قائماً بالنسبة إلى القائم المنتصب. الثاني: أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل ركوعه و أدناه؛ فإنّ أكمل ركوع القائم انحناؤه إلى أن يستوي ظهره مع مدّ عنقه؛ فتحاذي جبهته موضع سجوده. و أدناه انحناؤه إلى أن تصل كفّاه إلى ركبتيه؛ فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من الأرض؛ و لا يبلغ محاذاة موضع السجود. فإذا روعيت هذه النسبة في حال السجود كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث تحاذي جبهته مسجده، و أدناه محاذاة وجهه ما قدام ركبتيه(مفتاح الكرامة 2: 310/ السطر 3.) انتهى. و صاحب «الجواهر» بعد حكاية الوجهين في كيفية الانحناء للركوع من غير واحد من الأصحاب قال: إنّ الانحناء في الركوع لا بدّ منه، و لمّا لم يمكن تقديره ببلوغ الكفّين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعيّن الرجوع إلى أمر آخر به تتحقّق المشابهة للركوع من قيام. و فيه: أنّه متّجه لو لم يمكن له هيئة عرفية ينصرف إليها الذهن عند إطلاق الأمر به من جلوس؛ فالأولى حينئذٍ إناطته بذلك كما عن الأردبيلي(جواهر الكلام 9: 263.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الجبهة لا تحاذي موضع سجوده، لا في أكمل ركوع الجالس و لا في أكمل ركوع القائم، بل تحاذي من الأرض بما يقرب شبراً من مسجده و يبعد شبراً من ركبتيه في أكمل ركوع القائم و الجالس. و بعبارة اخرى: تحاذي جبهته من الأرض بما يقرب شبراً من مسجده في القائم و تحاذي بما بين مسجده و ركبتيه في الجالس، و هذا المقدار يتحقّق بالاختبار.

ص: 482

ص: 483

ص: 484

ص: 485

ص: 486

[ (مسألة 3): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع]

(مسألة 3): يعتبر في الانحناء أن يكون بقصد الركوع، فلو انحنى بقصد وضع شي ء على الأرض مثلًا لا يكفي في جعله ركوعاً، بل لا بدّ من القيام ثمّ الانحناء له (1).


1- لو انحنى لا بقصد الركوع كما لو هوى لسجدة العزيمة في النافلة أو لقتل موذٍ أو لقضاء حاجة و انتهى إلى حدّ الركوع فهل يكفي أن ينوي و يجعله ركوعاً، أو لا بل لا بدّ من القيام و الانتصاب ثمّ الانحناء له؟ ففي المسألة قولان، ذهب إلى كلّ جماعةٌ من فقهائنا: فعن العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: أنّه لا بدّ أن لا ينوي بالانحناء غير الركوع؛ فلو قرأ آية سجدة في النافلة فهوى ليسجد فلمّا بلغ حدّ الركوع بدا له أن يجعل ركوعاً لم يجزِ، بل يجب أن ينتصب ثمّ يركع. و وافقه الشهيد في «الدروس» و «البيان» و «الذكرى» و كاشف اللثام و صاحب «الحدائق» و النراقي في «مستند الشيعة»، و يظهر من صاحب «الرياض» الميل إليه حيث اكتفى بذكر هذا القول و دليله، و إليه ذهب السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و المحشّون لها، و هذا القول هو المختار. و لا يخفى: أنّه لا يلزم على هذا القول زيادة ركوع في الصلاة و إن زاد ركوعاً لغوياً، و لكنّه غير مضرّ إذ ليس هو زيادة في الصلاة. و قد ادّعى في «الحدائق» أنّه أي كون زيادة الركوع اللغوي غير مضرّ ممّا لا خلاف فيه. و قد يستدلّ لكونه غير مضرّ برواية زكريا الأعور قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يصلّي قائماً و إلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحطّ أبو الحسن (عليه السّلام) و هو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثمّ عاد إلى صلاته(وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 12، الحديث 1.) و بإطلاق موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهّد(وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) و استدلّ العلّامة في «التذكرة» للقول المذكور بأنّ الركوع هو الانحناء، و لم يقصده(تذكرة الفقهاء 3: 168.) يعني أنّ الأعمال بالنيات، و إنّما يتميّز الانحناء الركوعي من غيره بالنية و المفروض عدم قصد الركوع. و ذهب جماعة إلى كفايته؛ منهم العلّامة الطباطبائي في «منظومته» قال: و لو هوى لغيره ثمّ نوى صحّ كذا السجود بعد ما هوى إذ الهويّ فيهما مقدّمة خارجة لغيرها ملتزمة(الدرّة النجفية: 123.) و استجوده صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) قال: لو هوى غافلًا لا بقصد الركوع أو غيره أو بقصد غيره من قتل حيّة أو عقرب ثمّ بدا له الركوع أو السجود صحّ، و علّله بأصالة البراءة من وجوب الهويّ لنفسه و من وجوب القصد به للركوع؛ لكونه مقدّمة خارجية(جواهر الكلام 10: 77.)

ص: 487

[ (مسألة 4): من كان كالراكع خِلقةً أو لعارض]

(مسألة 4): من كان كالراكع خِلقةً أو لعارض إن تمكّن من الانتصاب و لو بالاعتماد لتحصيل القيام الواجب ليركع عنه وجب، و إن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ فلا بدّ منه في الجملة و ما هو أقرب إلى القيام. و إن لم يتمكّن أصلًا،

ص: 488

وجب أن ينحني أزيد من المقدار الحاصل إن لم يخرج بذلك عن حدّ الركوع. و إن لم يتمكّن منه بأن لم يقدر على زيادة الانحناء، أو كان انحناؤه بالغاً أقصى مراتب الركوع؛ بحيث لو زاد خرج عن حدّه نوى الركوع بانحنائه، و لا يُترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضاً، و مع عدم تمكّنه من الإيماء، يجعل غمض العينين ركوعاً و فتحهما رفعاً على الأحوط، و أحوط منه أن ينوي الركوع بالانحناء مع الإيماء و غمض العين مع الإمكان (1).


1- من كان منحنياً ظهره و كان كالراكع خلقةً أو لعارض من كبر أو مرض إن تمكّن من الانتصاب التامّ و لو بالاعتماد على شي ء وجب عليه ذلك لتحصيل القيام الواجب حال القراءة و القيام المتّصل بالركوع، و هذا ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف. و إن لم يتمكّن من الانتصاب للقراءة بل تمكّن منه للركوع فقط فيقوم و ينحني للركوع لما ذكر. و إن لم يتمكّن من الانتصاب التامّ و لكن تمكّن من الانتصاب في الجملة و ما هو أقرب إلى القيام و هو القيام الناقص وجب؛ لقاعدة الميسور. و إن لم يتمكّن من الانتصاب أصلًا و لكن تمكّن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل بحيث لا يخرج عن حدّ الركوع وجب؛ لأنّ من كان قيامه بهيئة الانحناء مع عدم بلوغه حدّ الركوع لا يصدق عليه أنّه ركع إلّا بأن يزيد انحناؤه و لو يسيراً يبلغ معه حدّ الركوع، و لا وجه لوجوب الإيماء، كما عن السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى»، و لعلّه لتوهّم أنّ ركوعه لا يحدث عن القيام. و فيه: أنّ هيئته الكذائية قيامه و انحناؤه الزائد حاصل من قيامه. و إن لم يتمكّن من الانحناء أزيد من المقدار الحاصل، أو تمكّن منه و لكن لو انحنى و فعل الأزيد لخرج عن حدّ الركوع، فهل يجب الأزيد أو لا؟ فيه قولان؛ ذهب المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «القواعد» إلى وجوبه؛ تحصيلًا للفرق بين حالتي القيام و الركوع. و ذهب الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهي» و صاحب «المسالك» و «المدارك» و «كشف اللثام» إلى عدم الوجوب و أنّ القائم على هيئة الراكع لا يجب عليه زيادة الانحناء اليسير لتحقّق حقيقة الركوع، و إنّما المنتفي هيئة القيام، و لا دليل على وجوب التفرقة عليه، و هذا القول هو المختار. و في «مستند الشيعة» بعد نقل القولين وجوب الانحناء يسيراً و عدم وجوبه في المسألة قال: و لا يخفى أنّ الركوع لو كان مطلق الهويّ و لو من انحناء لكان للقول الأوّل وجه، و لكنّه ليس كذلك بل هو الانحناء من الانتصاب؛ و على هذا فالركوع المأمور به لمثل هذا الشخص غير ممكن؛ فالتكليف به ساقط. و تحصيل الفرق خالٍ عن الدليل و إن استحبّ لفتوى «الفقيه». و لو قلنا بوجوب الإيماء بالرأس عليه لصدق عدم إمكان الركوع لم يكن بعيداً، و لو جمع بينه و بين يسير انحناء كان أحوط(مستند الشيعة 5: 197.) انتهى. و لا يترك الاحتياط بالإيماء بالرأس إليه أيضاً، و مع عدم تمكّنه منه يومئ بغمض العينين ركوعاً و فتحهما رفعاً على الأحوط؛ لاحتمال دخوله فيمن لا يمكنه الركوع الذي كان الواجب عليه الإيماء بدلًا عن الركوع، كما عن كاشف الغطاء. و أحوط منه أن ينوي الركوع بانحنائه؛ لكون انحنائه ركوعه، كما عن «التذكرة»؛ لأنّه حدّ الركوع و أن يومئ برأسه و غمض العين مع الإمكان. و أحوط من الأحوط تكرار الصلاة بالركوع جالساً أيضاً إن تمكّن منه.

ص: 489

ص: 490

[ (مسألة 5): لو نسي الركوع فهوى إلى السجود]

(مسألة 5): لو نسي الركوع فهوى إلى السجود، و تذكّر قبل وضع جبهته على الأرض، رجع إلى القيام ثمّ ركع، و لا يكفي أن يقوم منحنياً إلى حدّ الركوع، و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى، أو بعد رفع الرأس منها، فالأحوط العود إلى الركوع كما مرّ و إتمام الصلاة ثمّ إعادتها (1).


1- وجه وجوب الرجوع إلى القيام ثمّ الركوع عنه فيما لو نسي الركوع فهوى إلى السجود و تذكّر قبل وضع جبهته على الأرض و عدم كفاية القيام منحنياً إلى حدّ الركوع، هو وجوب تحصيل القيام المتّصل بالركوع؛ إمّا لكونه ركناً، و إمّا لكون الركن هو الركوع الحادث بالهويّ عن قيام. و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الأُولى أو بعد رفع الرأس منها فهل يوجب ذلك بطلان الصلاة و وجوب الإعادة أو لا؟ نسب القول بالبطلان إلى المفيد و السيّد المرتضى و سلّار و ابن إدريس و أبي الصلاح و ابن البرّاج و ابن أبي عقيل و جمهور المتأخّرين، و في «الحدائق»: أنّه المشهور. و استدلّ له بصحيح رفاعة عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم، قال يستقبل(وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل ينسى أن يركع، قال يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.) و رواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يركع، قال عليه الإعادة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) و ذهب جماعة منهم السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى» و كثير من المحشّين لها إلى عدم بطلان الصلاة و أنّه يقوم و يركع من القيام ثمّ يسجد السجدتين، و زيادة الواجب أعني السجدة الواحدة غير مبطلة، كما لو وقع سهواً. و أمّا الأخبار المذكورة فهي مقيّدة بما تذكّر بعد السجدتين، كما في صحيح صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) و هو الظاهر من صحيح رفاعة المتقدّم حيث إنّ مورد السؤال القيام بعد السجدة، و هو ظاهر في إكمال السجدتين قبل الركوع. و لا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة لما ذكر، و إعادة الصلاة لما عن «الحدائق» من فتوى المشهور بالبطلان.

ص: 491

[ (مسألة 6): لو انحنى بقصد الركوع]

(مسألة 6): لو انحنى بقصد الركوع، و لمّا وصل إلى حدّه نسي و هوى إلى السجود، فإن تذكّر قبل أن يخرج من حدّه، بقي على تلك الحال مطمئنّاً و أتى بالذكر. و إن تذكّر بعد خروجه من حدّه، فإن عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آناً ما، فالأقوى السجود بلا انتصاب و إلّا فلا يترك الاحتياط بالانتصاب ثمّ الهُوِيّ إلى السجود و إتمام الصلاة و إعادتها (1).


1- في المسألة صور: الاولى: لو انحنى بقصد الركوع فنسي في الأثناء و هوى إلى السجود و كان النسيان قبل الوصول إلى حدّ الركوع انتصب قائماً ثمّ ركع، و لا يكفي الانتصاب إلى الحدّ الذي عرض فيه النسيان ثمّ الركوع؛ و ذلك لاعتبار كون الركوع متّصلًا بالقيام و حادثاً عن قيام، و المفروض انقطاع الاتّصال بالانحناء الغير المقصود للركوع و الفاصل بين القيام و الركوع. الثانية: لو انحنى بقصد الركوع و عرض النسيان بعد الوصول إلى حدّ الركوع و تذكّر قبل أن يخرج من حدّه وجب عليه البقاء على تلك الحال مطمئنّاً و أتى بالذكر و صحّ ركوعه؛ لأنّ المفروض كون ركوعه عن قيام و أنّ النسيان عرض في حال الركوع و زال قبل أن يخرج من حدّه. و في «المستمسك»: و لا ينافي ذلك الفصل بينه و بين مسمّى الركوع الحاصل قبل طروّ النسيان. إذ لا دليل على قدح مثله، و الأصل البراءة من قادحيته(مستمسك العروة الوثقى 6: 319.) انتهى. الثالثة: إذا انحنى من القيام بقصد الركوع و عرض النسيان بعد وقوفه في حدّ الركوع آناً ما و تذكّر بعد خروجه من حدّه ففي المسألة وجوه: أحدها: وجوب العود إلى حدّ الركوع و الإتيان بالذكر مطمئنّاً. ثانيها: العود إلى القيام و استئناف الركوع عن قيام، كمن هوى من القيام إلى السجود و تذكّر قبل السجود. ثالثها: القيام بقصد الرفع عن الركوع ثمّ الهويّ إلى السجود. و الأخير هو الأقوى؛ لأنّ المفروض إتيان الركوع متّصلًا بالقيام، و لكن لا يترك الاحتياط بالعود إلى القيام و استئناف الركوع من قيام و إتمام الصلاة ثمّ إعادتها. الرابعة: إذا انحنى بقصد الركوع و نسي بعد الخروج عن حدّه فالأحوط إتمام الصلاة إمّا بالعود إلى القيام ثمّ الانحناء للركوع؛ و ذلك لاحتمال كون الفرض من باب نسيان الركوع. و في «المستمسك»: هذا الاحتمال يبتني على كون الركوع الانحناء المنتهى بين الحدّين؛ فمع فرض توالي الهويّ و عدم انتهاء الانحناء لم يتحقّق الركوع؛ فلا بدّ من تداركه بالانتصاب ثمّ الانحناء عنه إلى أن ينتهي بين الحدّين(مستمسك العروة الوثقى 6: 319.) انتهى. و إمّا بالقيام بقصد رفع الرأس من الركوع ثمّ الهويّ للسجود؛ و ذلك لاحتمال كونه من باب نسيان الذكر و الطمأنينة، و هو لا يقدح في الصحّة، و بعد إتمام الصلاة بأحد الوجهين يعيدها.

ص: 492

ص: 493

[ (مسألة 7): يجب الذكر في الركوع]

(مسألة 7): يجب الذكر في الركوع، و الأقوى الاجتزاء بمطلقه، و الأحوط كونه بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى، كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من الصغرى، و هي «سبحانَ اللَّه» أو الكبرى الواحدة، و هي «سُبحانَ ربّيَ العظيمِ و بحمدِهِ»، و الأحوط الأولى اختيار الأخيرة، و أحوط منه تكرارها ثلاثاً (1).


1- الوجه في وجوب الذكر في الركوع هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة كثيرة من فقهائنا، كالشيخ في «الخلاف» قال: التسبيح في الركوع و السجود واجب. إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة. و العلّامة في «التذكرة» قال: و يجب فيه الذكر عند علمائنا أجمع، و قريب منه عبارته في «المنتهي». و في «المدارك»: أجمع الأصحاب على وجوب الذكر في الركوع، و وافقنا من العامّة أحمد و قال: إذا تركه عمداً لا تبطل الصلاة، و قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك بعدم الوجوب.و لا يخفى: أنّ التعبير في بعض الروايات بالفريضة يدلّ على وجوب الذكر، كما في حسنة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال تقول في الركوع سبحان ربّي العظيم، و في السجود سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة و السنّة ثلاث و الفضل في سبع(وسائل الشيعة 6: 299، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 1.) و هل يجب ذكر مخصوص، أو يكفي مطلق الذكر من التسبيح أو التحميد أو التهليل أو التكبير أو غيرها ممّا يتضمّن الثناء على اللَّه تعالى؟ نسب إلى الأكثر بل المشهور بين القدماء تعيّن التسبيح، بل في «الغنية» و عن «الانتصار» و «الخلاف» و «الوسيلة» الإجماع عليه. و قال جماعة بالاجتزاء بمطلق الذكر، كما عن الشيخ في «المبسوط» و «العلّامة» في جملة من كتبه، بل عن «السرائر» نفي الخلاف عنه. و القائلون بتعيّن التسبيح اختلفوا في الاجتزاء بمطلق التسبيح و أنّه مخيّر بين الواحدة الصغيرة و الأكثر و الكبرى كما هو ظاهر «الغنية» و «الانتصار»، أو هو مخيّر بين التسبيحة الكبرى و ثلاث صغريات كما هو ظاهر ابني بابويه و الشيخ في «التهذيب»، و عن «نهاية» الشيخ إيجاب خصوص التسبيحة الكبرى، و نسب العلّامة في «التذكرة» إلى بعض علمائنا القول بوجوب ثلاث كبريات. و الأقوى تبعاً لجماعة كثيرة من فقهائنا الاجتزاء بمطلق الذكر. و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قلت له: يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود لا إله إلّا اللَّه و الحمد للَّه و اللَّه أكبر؟ فقال نعم، كلّ هذا ذكر اللَّه(وسائل الشيعة 6: 307، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 7، الحديث 1.) حيث إنّ الجواب صريح في أنّ المجزي هو ذكر اللَّه؛ أيّ ذكر كان.و مثله صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و قال: سألته يجزي عنّي أن أقول مكان التسبيح في الركوع و السجود: لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 307، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 7، الحديث 2.) و استدلّ في «المستمسك» على كفاية مطلق الذكر بحسن مسمع أبي سيّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال يجزيك من القول في الركوع و السجود ثلاث تسبيحات أو قدرهنّ مترسّلًا، و ليس له و لا كرامة أن يقول: سبّح سبّح سبّح(وسائل الشيعة 6: 302، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 5، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّه يدلّ على الاجتزاء بمطلق الذكر غير التسبيح، و لكنّه بمقدار ثلاث تسبيحات؛ فلا دلالة فيه على الاجتزاء بمطلقه و لو بتسبيحة واحدة أو مقدارها من غيرها. و الأحوط كون الذكر بمقدار الثلاث من الصغرى أو الواحدة من الكبرى. كما أنّ الأحوط مع اختيار التسبيح اختيار الثلاث من التسبيحة الصغرى؛ و هي «سبحان اللَّه». و يدلّ عليه موثّق سماعة قال: سألته عن الركوع و السجود هل نزل في القرآن؟ قال نعم، قول اللَّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا ، قلت: كيف حدّ الركوع و السجود؟ فقال أمّا ما يجزيك من الركوع فثلاث تسبيحات، تقول: سبحان اللَّه سبحان اللَّه سبحان اللَّه ثلاثاً(وسائل الشيعة 6: 303، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 5، الحديث 3.) أو اختيار التسبيحة الكبرى الواحدة. و يدلّ عليه حسن هشام بن سالم المتقدّم فقال تقول في الركوع سبحان ربّي العظيم ، و هو الدليل على أنّ الأحوط تكرار التسبيحة الكبرى ثلاثاً. و يدلّ على تكرارها ثلاثاً أيضاً خبر أبي بكر الحضرمي قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) تدري أيّ شي ء حدّ الركوع و السجود؟ فقلت: لا، قال سبّح في الركوع ثلاث مرّات سبحان ربّي العظيم و بحمده، و في السجود سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات، فمن نقص واحدة نقص ثلث صلاته، و من نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، و من لم يسبّح فلا صلاة له(وسائل الشيعة 6: 301، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 7.)

ص: 494

ص: 495

ص: 496

[ (مسألة 8): يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب]

(مسألة 8): يجب الطمأنينة حال الذكر الواجب، فإن تركها عمداً بطلت صلاته، بخلافه سهواً؛ و إن كان الأحوط الاستئناف معه أيضاً. و لو شرع في الذكر الواجب عامداً قبل الوصول إلى حدّ الركوع، أو بعده قبل الطمأنينة، أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن اسمه أو بعده، لم يجز الذكر المزبور قطعاً، و الأقوى بطلان صلاته، و الأحوط إتمامها ثمّ استئنافها، بل الأحوط ذلك في الذكر المندوب أيضاً؛ لو جاء به كذلك بقصد الخصوصيّة، و إلّا فلا إشكال. و لو لم يتمكّن من الطمأنينة لمرض أو غيره سقطت، لكن يجب عليه إكمال الذكر الواجب قبل الخروج عن مسمّى الركوع، و يجب أيضاً رفع الرأس منه حتّى ينتصب قائماً مطمئنّاً، فلو سجد قبل ذلك عامداً بطلت صلاته (1).


1- هنا مسائل: الأُولى: وجوب الطمأنينة حال ذكر الركوع إجماعي محصّلًا و منقولًا، قد ادّعاه أكثر علمائنا في المسألة؛ قال في «التذكرة»: و يجب فيه بعد الانحناء الطمأنينة، و معناها السكون بحيث تستقرّ أعضاؤه في هيئة الركوع و ينفصل هويّه عن ارتفاعه منه عند علمائنا أجمع، كذا في «المنتهي». و يدلّ عليه مضافاً إلى أنّه المنقول من فعل النبي و الأئمّة المعصومين، عليه و عليهم الصلاة و السلام المرسل المروي في «الذكرى» ثمّ اركع حتّى تطمئنّ راكعاً، ثمّ ارفع رأسك حتّى تعتدل قائماً، ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً، ثمّ ارفع حتّى تستوي قائماً(ذكرى الشيعة 3: 363.) و كذا المروي في «قرب الإسناد» فإذا ركع فليتمكّن(وسائل الشيعة 4: 35، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 14.) ، و ضعف سند الروايتين منجبر بالإجماع. و قد يستدلّ أيضاً على وجوب الطمأنينة حال الذكر في الركوع بصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: بينا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جالس في المسجد إذا دخل رجل فقام يصلّي فلم يتمّ ركوعه و لا سجوده، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني(وسائل الشيعة 6: 298، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 3، الحديث 1.) و رواية عبد اللَّه بن ميمون القدّاح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال أبصر علي بن أبي طالب (عليه السّلام) رجلًا ينقر صلاته، فقال: منذ كم صلّيت بهذه الصلاة؟ فقال له الرجل: منذ كذا و كذا، فقال: مثلك عند اللَّه مثل الغراب إذا نقر، لو متّ متّ على غير ملّة أبي القاسم محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، ثمّ قال عليّ (عليه السّلام): إنّ أسرق الناس مَن سرق من صلاته(وسائل الشيعة 4: 36، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 9، الحديث 2.) و النبوي المحكي عن «الذكرى» لا تجزي صلاة الرجل حتّى يقيم ظهره في الركوع و السجود(ذكرى الشيعة 3: 367.) و يرد على الاستدلال المزبور: أنّ عدم إتمام الركوع يحتمل أن يكون لأجل عدم الانحناء بالقدر الواجب المقرّر في الشرع، أو لأجل عدم إتمام الذكر في الركوع و السجود، أو لعدم الانتصاب بعدهما. و في «مستند الشيعة»: و أمّا التشبيه بالنقر الظاهر في عدم الإتيان بالطمأنينة فيحتمل أن يكون في السجود خاصّة، بل هو الظاهر؛ فتفيد في إثبات الطمأنينة فيه(مستند الشيعة 5: 200.) انتهى. أجاب في «المستمسك» عن الاستدلال بصحيح زرارة و رواية القدّاح بقوله: لكنّه إنّما يدلّ على وجوب الاستمرار راكعاً بمقدار الذكر و لو كان بحيث يتمايل عن أحد الجانبين إلى الآخر، في قبال الاستعجال برفع الرأس الذي به يكون ركوعه كنقر الغراب، و لا يرتبط بما نحن فيه(مستمسك العروة الوثقى 6: 303.) انتهى. هذا كلّه في الجواب عن الاستدلال بصحيح زرارة و رواية القدّاح. و أمّا الجواب عن الاستدلال بالنبوي المحكي عن «الذكرى»: فيحتمل أن يكون المراد من إقامة الظهر في الركوع اعتداله مقابل تقوّسه؛ فيكون إشارة إلى ما في صحيح حمّاد: «و ردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل؛ لاستواء ظهره»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) فلا يرتبط بالطمأنينة. و قد يستدلّ أيضاً على وجوب الطمأنينة في حال ذكر الركوع بتوقّف الذكر الواجب فيه عليها. و فيه: أنّ التوقّف ممنوع؛ لجواز الانحناء في الركوع زائداً على القدر المتعارف و الذكر في أثنائه بدون الطمأنينة؛ و ذلك لصحيح إسماعيل بن بزيع قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يركع ركوعاً أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، و كان إذا ركع جنح بيديه(وسائل الشيعة 6: 323، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 1.) المسألة الثانية: إذا كانت الطمأنينة في حال ذكر الركوع واجبةً كان تركها عمداً موجباً لبطلان الصلاة؛ للإخلال العمدي بالواجب. و اختلف فقهاؤنا في كونها ركناً؛ فنسب إلى الشيخ في «الخلاف» القول بركنيتها و دعوى الإجماع عليها. و فيه: أنّ القدر المتيقّن من معقد الإجماع بطلانها مع الترك العمدي؛ لأنّ المشهور لو لم يكن مجمعاً عليه هو عدم بطلان الصلاة بالإخلال بالطمأنينة في الركوع سهواً. نعم بناءً على كون الطمأنينة جزءً من الركوع أو شرطاً شرعاً في الركوع يكون تركها سهواً موجباً لبطلان الصلاة؛ أمّا بناءً على الجزئية فلانتفاء الركن الركوعي بانتفاء جزئه، و أمّا بناءً على الشرطية فلأنّ الركن هو الركوع الصحيح شرعاً فلا يصحّ مع ترك شرطه و لو سهواً. و لكن جزئيتها غير ثابتة؛ لأنّ حقيقة الركوع الشرعي عبارة عن الانحناء بالمقدار المقرّر فهو الواجب. و أمّا شرطيتها فلو قلنا بظهور الأخبار المتقدّمة في كونها شرطاً للركوع لا واجباً مستقلا كالذكر فيه فقضية ما في بعضها من الإطلاق شموله لحال السهو كسائر المطلقات المسوقة لبيان الحكم الوضعي؛ فيتّجه حينئذٍ الالتزام ببطلان الصلاة بترك الطمأنينة سهواً. و لكن فتوى المشهور و لو لا الإجماع بعدم البطلان مع تركها سهواً تكشف عن كونها واجباً مستقلا حال الركوع كالذكر. قد يقال ببطلان الصلاة التي تركت الطمأنينة في ركوعها سهواً بناءً على كونها شرطاً له؛ و ذلك لحديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمس: الوقت و القبلة و الطهور و الركوع و السجود(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) و فيه: أنّ الحديث ظاهر في تركه أصلًا، لا جزءً أو شرطاً مع إتيان أصله. و مع الشكّ في صحّة الصلاة التي تركت الطمأنينة في ركوعها سهواً فالمرجع البراءة. و في «المستمسك»: و كذا لو شكّ في دخولها في مفهوم الركوع عرفاً؛ إذ مع إجمال المفهوم أيضاً يرجع إلى أصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 6: 305.) و الأحوط إتمام الصلاة ثمّ استئنافها؛ لفتوى الشيخ و دعواه الإجماع على ركنية الطمأنينة. و في «الجواهر»: نعم لا محيص عن القول بالركنية بناءً على وجوب الاحتياط في العبادة و أنّ الشغل اليقيني محتاج إلى الفراغ اليقيني؛ خصوصاً لو قلنا بالوضع الشرعي في الركوع؛ إذ يكفي الشكّ في حصول مسمّاه حينئذٍ أو الصحيح منه؛ لأنّه يكون حينئذٍ كباقي ألفاظ العبادة موضوعاً للصحيح أيضاً؛ فلا يحصل اليقين بالبراءة حينئذٍ إلّا بالركوع المشتمل على الطمأنينة(جواهر الكلام 10: 85.) انتهى. ثمّ إنّ مقتضى وجوب الطمأنينة حال الذكر بطلان الصلاة فيما إذا شرع في الذكر الواجب عامداً قبل الوصول إلى حدّ الركوع، أو بعده و قبل الطمأنينة، أو أتمّه حال الرفع قبل الخروج عن مسمّى الركوع؛ بأن كان منحنياً للركوع أزيد من الحدّ المتعارف؛ و حينئذٍ يكون إتمام الذكر في حال الركوع و لكن رافعاً لا مطمئنّاً، و كذا لو أتمّه حال الرفع بعد الخروج عن مسمّى الركوع. فيبطل الصلاة في جميع هذه الصور لأجل ترك الواجب عمداً، و الواجب هو إتيان تمام الذكر في حال الركوع مطمئنّاً.و الأحوط استحباباً إتمام الصلاة ثمّ استئنافها. و وجه الاحتياط ما ذكره صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) من أنّ الظاهر إرادته أي الشيخ من الإجماع على ركنية الطمأنينة في الركوع مسمّاها لا الممتدّة بقدر ما يؤدّي واجب الذكر مع القدرة. و ربّما مال إليه الشهيد في «الذكرى» قال: و كان الشيخ يقصر الركن منها على استقرار الأعضاء و سكونها، و الحديث دالّ عليه؛ و لأنّ مسمّى الركوع لا يتحقّق يقيناً إلّا به، أمّا الزيادة التي توازي الذكر الواجب فلا إشكال في عدم ركنيتها(جواهر الكلام 10: 84.) انتهى. هذا كلّه في الطمأنينة حال الذكر الواجب. و أمّا الطمأنينة حال الذكر المستحبّ فلو جاء به بقصد الذكر المستحبّ في الركوع يعتبر فيه الطمأنينة بحيث لو تركها عمداً بطلت صلاته على الأقوى، و الأحوط إتمامها ثمّ استئنافها. و وجه البطلان هو الإجماع المدّعى في كلام العلّامة الطباطبائي و صاحب «الجواهر» على اعتبار الاستقرار في جميع أفعال الصلاة و أذكارها، بل في حال القنوت و الأذكار المستحبّة، قال العلّامة الطباطبائي في «منظومته»: و ذاك في القيام و القعود فرض و في الركوع و السجود يعمّ حال فرض تلك الأربعة الندب بالإجماع في فرض السعة و هو بمعنى الشرط في المندوب فلا ينافي عدم الوجوب(الدرّة النجفية: 95.) و أمّا إذا جاء بالذكر المستحبّ بما أنّه ذكر مطلق لا بقصد خصوصية الذكر المستحبّ في خصوص الركوع فلا إشكال في عدم بطلان الصلاة بترك الطمأنينة؛ لحسن الذكر في كلّ حال من حالات الصلاة. المسألة الثالثة: لو لم يتمكّن من الطمأنينة لعذر من مرض أو غيره سقطت عنه، كما لو كان العذر في أصل الركوع؛ و ذلك لامتناع التكليف بالمحال، فيركع بلا طمأنينة؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور. و لا ينتقل من الركوع قائماً بدون الطمأنينة إلى الركوع جالساً حتّى مع المشقّة التي لا تتحمّل إذ لا دليل على البدلية، بل تسقط الطمأنينة. و يجب ذكر الركوع بتمامه في حدّ الركوع مع القدرة؛ حتّى أنّه يجب عليه زيادة الهويّ كي يبتدئ بالذكر في أوّل حدّ الراكع و ينتهي بانتهاء الهويّ؛ فلا يسقط وجوب الذكر في حدّ الركوع مع إمكانه بتعذّر الطمأنينة. فلو أتى القادر بالذكر حال الركوع قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو أتمّه حال الرفع لم يجتزي بالذكر قطعاً. و عن «جامع المقاصد»: أنّه تبطل صلاته، خلافاً للشهيد فقد حكي عنه في «الذكرى»: أنّه لو تعذّرت الطمأنينة أجزء زيادة الهويّ و يبتدئ بالذكر عند الانتهاء إلى حدّ الراكع و ينتهي بانتهاء الهويّ. و هل يجب هذا الهويّ لتحصيل الذكر في حدّ الراكع؟ الأقرب لا؛ للأصل، فحينئذٍ يتمّ الذكر رافعاً رأسه(ذكرى الشيعة 3: 367.) و فيه: أنّ ما دلّ على وجوب الذكر أوجبه في الركوع لا حال الرفع، و سقوط شرطية الطمأنينة للعذر لا يقتضي ارتفاع شرطية كون الذكر بتمامه في حال الركوع؛ فهو واجب زائداً على وجوب الطمأنينة حال الذكر، و ميسور له فلا يسقط بالمعسور. المسألة الرابعة: يجب رفع الرأس من الركوع بعد إتمام الذكر في حال الركوع. و الدليل على وجوبه هو الإجماع المعبّر عنه في كلمات فقهائنا بعبارات مختلفة؛ ففي «المعتبر»: هو مذهب علمائنا، و في «المنتهي»: ذهب إليه علماؤنا، و في «الخلاف» و «الوسيلة» و «الغنية» و «التذكرة» و «الذكرى» و «جامع المقاصد» و «المدارك» و «المفاتيح» و «كشف اللثام» عبّروا بلفظ الإجماع. و لا يعتنى بما حكي عن العلّامة في «نهاية الإحكام» من أنّه لو ترك الاعتدال في الركوع و السجود في صلاة النفل لم تبطل؛ لأنّه ليس ركناً في الفرض، فكذا في النفل؛ لندرته و مخالفته للإجماع المدّعى في كلام نفسه في «التذكرة» و «المنتهي». و يدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع النصوص المستفيضة: منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك فإنّه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه(وسائل الشيعة 6: 321، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 16، الحديث 2.) و في رواية أُخرى عنه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتّى ترجع مفاصلك(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و صحيح حمّاد: «ثمّ استوى قائماً»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و ضعف سند بعض الروايات منجبر بالإجماع.

ص: 497

ص: 498

ص: 499

ص: 500

ص: 501

ص: 502

ص: 503

[ (مسألة 9): يستحبّ التكبير للركوع و هو قائم منتصب]

(مسألة 9): يستحبّ التكبير للركوع و هو قائم منتصب، و الأحوط عدم تركه. و يستحبّ رفع اليدين حال التكبير، و وضع الكفّين مُفرّجات الأصابع على الرُّكبتين حال الركوع، و الأحوط عدم تركه مع الإمكان. و كذا يستحبّ ردّ الرُّكبتين إلى الخلف و تسوية الظهر و مدّ العنق و التجنيح بالمِرفَقين،

ص: 504

و أن تضع المرأة يديها على فخذيها فوق الركبتين، و اختيار التسبيحة الكبرى، و تكرارها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بل أزيد، و رفع اليدين للانتصاب من الركوع، و أن يقول بعد الانتصاب: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَهُ»، و أن يكبّر للسجود و يرفع يديه له. و يكره أن يطأطئ رأسه حال الركوع، و أن يضمّ يديه إلى جنبيه، و أن يُدخل يديه بين ركبتيه (1).


1- المستحبّات و المكروهات المذكورة في هذه المسألة كلّها مشهورة عند فقهائنا، و أكثرها مجمع عليها. و قد ورد استحباب التكبير للركوع و هو قائم منتصب في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللَّه أكبر، ثمّ اركع(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه (عليه السّلام) قال إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمّ اركع و اسجد(وسائل الشيعة 6: 296، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 1.) ، و هذا الصحيح يدلّ أيضاً على استحباب رفع اليدين حال التكبير للركوع. و الأحوط عدم ترك التكبير للركوع؛ و ذلك لفتوى جماعة على وجوبه كابن أبي عقيل و سلّار الديلمي، و نسب إلى السيّد المرتضى القول بالوجوب و دعوى الإجماع عليه. و استدلّوا بظاهر الأمر الوارد به في النصوص. و يرد عليهم: أنّ الأمر محمول على الاستحباب بقرينة الشهرة العظيمة على الاستحباب. و استدلّ على استحبابه برواية أبي بصير قال: سألته عن أدنى ما يجزي في الصلاة من التكبير، قال تكبيرة واحدة(وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 5.) و فيه: أنّه يحتمل أن يكون المراد من تكبيرة واحدة تكبيرة الافتتاح. و خبر الفضل في «العلل» و «عيون الأخبار» عن الرضا (عليه السّلام) قال إنّما ترفع اليدان بالتكبير لأنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتّل و التضرّع، فأحبّ اللَّه عزّ و جلّ أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتّلًا متضرّعاً مبتهلًا، و لأنّ في رفع اليدين إحضار النية و إقبال القلب على ما قال. و زاد في «العلل» و قصد؛ لأنّ الفرض من الذكر إنّما هو الاستفتاح، و كلّ سنّة فإنّما تؤدّى على جهة الفرض، فلمّا أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحبّ أن يؤدّوا السنّة على جهة ما يؤدّى الفرض(وسائل الشيعة 6: 29، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 11.) و يدلّ على استحباب وضع الكفّين مفرّجات الأصابع على الركبتين حال الركوع صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فرّج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) و الأحوط عدم ترك وضع الكفّين على الركبتين؛ و ذلك للأمر الوارد به في بعض الأخبار، كالنبوي المرسل ضع كفّيك على ركبتيك(مسند الإمام أحمد بن حنبل 1: 287/ السطر 13.) و فيه: أنّ غير واحد من علمائنا ادّعوا الإجماع على عدم اعتبار وضع الكفّين على الركبتين في الركوع؛ فيكون الأمر في النبوي و غيره محمولًا على إرادة الانحناء المعتبر في الركوع بمقدار يمكنه ذلك. و يدلّ على ردّ الركبتين إلى الخلف و تسوية الظهر و مدّ العنق صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «و ردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره؛ حتّى لو صبّت عليه قطرة ماء أو دهن لم تزل؛ لاستواء ظهره و تردّد ركبتيه إلى خلفه و نصب عنقه»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال و أقم صلبك و مدّ عنقك(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و يدلّ على التجنيح بالمرفقين صحيح إسماعيل بن بزيع قال: رأيت أبا الحسن (عليه السّلام) يركع ركوعاً أخفض من ركوع كلّ من رأيته يركع، و كان إذا ركع جنح بيديه(وسائل الشيعة 6: 323، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 1.) و تدلّ على اختيار التسبيحة الكبرى و تكرارها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بل أزيد أحاديث يدلّ بعضها على بعض المذكورات، كرواية هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى (عليه السّلام) في حديث قال: قلت له: لأيّ علّة يقال في الركوع: «سبحان ربّي العظيم و بحمده»؟ و يقال في السجود: «سبحان ربّي الأعلى و بحمده»؟ فقال يا هشام إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا اسري به و صلّى و ذكر ما رأى من عظمة اللَّه ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه و أخذ يقول: سبحان ربّي العظيم و بحمده، فلمّا اعتدل من ركوعه قائماً نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خرّ على وجهه و هو يقول: سبحان ربّي الأعلى و بحمده، فلمّا قالها سبع مرّات سكن ذلك الرعب؛ فلذلك جرت به السنّة(وسائل الشيعة 6: 328، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 21، الحديث 2.) و حسنة هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة و السنّة ثلاث و الفضل في سبع(وسائل الشيعة 6: 299، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 1.) و موثّق حمزة بن حمران و الحسن بن زياد العطّار قالا: دخلنا على أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و عنده قوم فصلّى بهم العصر و قد كنّا صلّينا فعددنا له في ركوعه سبحان ربّي العظيم أربعاً أو ثلاثاً و ثلاثين مرّة(وسائل الشيعة 6: 304، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 6، الحديث 2.) و في «الوسائل» بعد ذكر الحديث هكذا و قال أحدهما أي حمزة و الحسن في حديثه: و بحمده في الركوع و السجود. و يدلّ على رفع اليدين للانتصاب من الركوع صحيح معاوية بن عمّار قال: رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رأسه من الركوع، و إذا سجد و إذا رفع رأسه من السجود، و إذا أراد أن يسجد الثانية(وسائل الشيعة 6: 296، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 2.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال هي العبودية(وسائل الشيعة 6: 297، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 3.) و يدلّ على تكبيرة للسجود و رفع يديه له صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) إذا أردت أن تركع و تسجد فارفع يديك و كبّر ثمّ اركع و اسجد(وسائل الشيعة 6: 296، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 2، الحديث 1.) و خبر أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) قال لمّا نزلت على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال: يا محمّد إنّها ليست نحيرة و لكنّها رفع الأيدي في الصلاة(وسائل الشيعة 6: 29، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 9، الحديث 13.) و في «مجمع البيان» و لكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، و إذا ركعت و إذا رفعت رأسك من الركوع و إذا سجدت؛ فإنّه صلاتنا و صلاة الملائكة في السماوات السبع، و إنّ لكلّ شي ء زينة و إنّ زينة الصلاة رفع الأيدي عند كلّ تكبيرة(مجمع البيان 10: 837.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و يدلّ على كراهة طأطأة الرأس أي خفضها و سترها حال الركوع بحيث لا يساوي ظهره مرفوع القاسم بن سلام عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): إنّه نهى أن يدبح الرجل في الصلاة كما يدبح الحمار(وسائل الشيعة 6: 323، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 3.) قال: و معناه أن يطأطئ الرجل رأسه في الركوع حتّى يكون أخفض من ظهره. و رواية علي بن عقبة قال: رآني أبو الحسن (عليه السّلام) بالمدينة و أنا أُصلّي و أُنكّس برأسي و أتمدّد في ركوعي، فأرسل إليّ لا تفعل(وسائل الشيعة 6: 325، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 19، الحديث 1.) و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ علياً (عليه السّلام) كان يعتدل في الركوع مستوياً؛ حتّى يقال: لو صبّ الماء على ظهره لاستمسك، و كان يكره أن يحدر رأسه و منكبيه في الركوع، و لكن يعتدل(وسائل الشيعة 6: 325، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 19، الحديث 3.)و أمّا كراهة ضمّ اليدين إلى جنبيه حال الركوع فلم يدلّ عليه دليل بالخصوص، و في «المستمسك»: و كأنّه مستفاد ممّا دلّ على استحباب التجنيح(مستمسك العروة الوثقى 6: 341.) انتهى. و أمّا إدخال يديه بين ركبتيه المعبّر عنه بالتطبيق فقد عدّه في «الذكرى» من مكروهات الركوع، و قال: لا يحرم على الأقرب، و هو قول أبي الصلاح و الفاضلين. و ظاهر «الخلاف» و ابن الجنيد التحريم؛ و حينئذٍ يمكن البطلان للنهي عن العبادة كالتكتّف و يمكن الصحّة لأنّ النهي عن وصف خارج(ذكرى الشيعة 3: 372.) انتهى. و لم يرد في الأخبار نهي عن ذلك، و الأحوط اجتنابه؛ لحكاية الشهيد الفتوى عن ظاهر «الخلاف» و ابن الجنيد على الحرمة.

ص: 505

ص: 506

ص: 507

ص: 508

ص: 509

ص: 510

[القول في السجود]

القول في السجود

[مسائل]
[ (مسألة 1): يجب في كلّ ركعة سجدتان، و هما معاً ركن]

(مسألة 1): يجب في كلّ ركعة سجدتان، و هما معاً ركن؛ تبطل الصلاة بزيادتهما معاً في الركعة الواحدة و نقصانهما كذلك عمداً أو سهواً، فلو أخلّ بواحدة زيادةً أو نقصاناً سهواً فلا بطلان. و لا بدّ فيه من الانحناء و وضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه. و هذا مدار الركنيّة و الزيادة العمديّة و السهويّة (1).


1- السجدة في اللغة لها معانٍ: منها الخضوع و الإذلال، و في اصطلاح الشرع و المتشرّعة عبارة عن وضع الجبهة على الأرض أو ما أنبتته ممّا لا يؤكل و لا يلبس بقصد التعظيم. و هي على أقسام: السجدة للصلاة و تشمل قضاء السجدة المنسية و سجدة السهو و التلاوة و الشكر و التذلّل و التعظيم. و يجب في كلّ ركعة من الصلوات فريضةً كانت أو نافلة سجدتان إجماعاً، و قيل: هو من ضروريات الدين، و الأخبار الدالّة عليه فوق حدّ التواتر. و هما معاً ركن في الصلاة إجماعاً، و تبطل بزيادتهما معاً في كلّ ركعة عمداً أو سهواً، و نقصانهما كذلك إجماعاً أيضاً. و أمّا زيادة السجدة الواحدة فإن كان عمداً فتبطل الصلاة بلا خلاف، و نقصانها عمداً موجب للبطلان بلا كلام. و في نقصانها سهواً خلاف بين الأصحاب؛ فنسب إلى جماعة البطلان؛ منهم ثقة الإسلام الكليني (رحمه اللَّه) في «الفتاوى السبع عشر»، و السيّد في «الجمل»و «الحلبيات» و ابن إدريس في «السرائر» و غيرهم، و نسب إلى «الغنية» دعوى الإجماع عليه. و استدلّ عليه بقاعدة الشغل، و إطلاق حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة.(وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) بناءً على شمولها لصورتي الزيادة و النقيصة. و في خصوص الزيادة بإطلاق صحيح أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام) قال من زاد في صلاته فعليه الإعادة(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) و فيه مضافاً إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً على الصحّة أنّه قد ورد في بعض الأخبار أنّه لا تعاد الصلاة بزيادة سجدة واحدة سهواً؛ ففي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة، قال لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل شكّ فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة، فقال لا و اللَّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة ، و قال لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و ورد في بعضها الآخر أنّه يمضي في صلاته إذا نسي سجدة واحدة؛ ففي صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها؛ فإنّها قضاء ، قال: و قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض.(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) الحديث. و موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث أنّه سئل عن رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع، قال يمضي في صلاته و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته ، قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال يقضي ما فاته إذا ذكره(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّه لا بدّ في صدق السجدة من الانحناء و وضع الجبهة على وجه يتحقّق به مسمّاه، و أنّ ركنية السجود للصلاة تدور مدار وضع الجبهة على تلك الوجه، فتحصل الزيادة و النقيصة به دون سائر المساجد؛ فلو وضع الجبهة دون سائرها تحصل الزيادة، كما أنّه لو وضع سائرها و لم يضع الجبهة يصدق تركها.

ص: 511

ص: 512

و يُعتبر فيه أُمور أُخر لا مدخلية لها في ذلك:

منها: السجود على ستّة أعضاء: الكفّين و الرُّكبتين و الإبهامين. و المعتبر باطن الكفّين، و الأحوط الاستيعاب العرفي، هذا مع الاختيار. و أمّا مع الاضطرار فيُجزي مسمّى الباطن، و لو لم يقدر إلّا على ضمّ الأصابع إلى كفّه و السجود عليها يجتزي به، و مع تعذّر ذلك كلّه يجزي الظاهر، و مع عدم إمكانه أيضاً لقطع و نحوه ينتقل إلى الأقرب من الكفّ (1).


1- يجب في السجدة وضع المساجد السبعة المعروفة على الأرض؛ و هي الجبهة و الكفّان و الركبتان و الإبهامان من الرِّجلين إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاماً. أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن ميمون القدّاح عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه و رجليه و ركبتيه و جبهته(وسائل الشيعة 6: 345، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 8.) و صحيح حمّاد: «و سجد على ثمانية أعظم: الجبهة و الكفّين و عيني الركبتين و أنامل إبهامي الرجلين و الأنف؛ فهذه السبعة فرض، و وضع الأنف على الأرض سنّة، و هو الإرغام»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و هل يعتبر وضع باطن الكفّين بحيث لا يجزي وضع ظاهرهما على الأرض؟ و قد عبّر في بعض الروايات باليدين، و اليد تشمل الظاهر و الباطن كما في صحيح زرارة المتقدّم، و كذا رواية عبد اللَّه بن ميمون المتقدّم، و عبّر في بعضها الآخر بالكفّين كما في صحيح إسماعيل بن مسلم عن الصادق (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) أنّه قال إذا سجد أحدكم فليباشر بكفّيه الأرض، لعلّ اللَّه يدفع عنه الغلّ يوم القيامة(وسائل الشيعة 6: 344، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 6.) و في «الجواهر»: يجب حمل اليد عليهما؛ سيّما مع كونه المعهود من أهل الشرع عند فعل السجود. إلى أن قال: ثمّ إنّ المنساق إلى الذهن و المتعارف في الوضع عند السجود الموافق للاحتياط هو الباطن من الكفّين، بل نسب في «الذكرى» وجوب ذلك إلى أكثر الأصحاب تأسّياً بالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أهل بيته (عليهم السّلام)، بل في المحكي عن «نهاية الإحكام» و «التذكرة»: أنّ ظاهر علمائنا وجوب تلقّي الأرض ببطون راحته(جواهر الكلام 10: 138.) انتهى. فالمعتبر باطن الكفّين؛ لما ذكر من التأسّي بالنبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أهل بيته (عليهم السّلام)، و هو المتعارف في سجدة المتشرّعة، و لأنّ المرجع أصالة التعيين عند الشكّ في التعيين و التخيير. و الأحوط لزوماً استيعاب باطن الكفّين عرفاً مع الاختيار، و لا تكفي السجدة على الأصابع فقط بدون الكفّ؛ لعدم صدق السجود على باطن الكفّ حينئذٍ. و مع الاضطرار يجزي مسمّى الباطن. و لو لم يقدر إلّا على ضمّ الأصابع إلى كفّه و السجود عليها يجتزى به، و لا ينتقل إلى السجود على الظاهر؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور. و مع تعذّر ذلك كلّه ينتقل إلى السجدة على الظاهر، و مع عدم إمكانه لقطع و نحوه ينتقل إلى الأقرب من الكفّ فالأقرب من الذراع و العضد؛ لإطلاق اليد عليه.

ص: 513

ص: 514

و أمّا الركبتان فيجب صدق مسمّى السجود على ظاهرهما و إن لم يستوعبه. و أمّا الإبهامان فالأحوط مراعاة طرفيهما (1).


1- المراد من الركبة موصل ما بين أطراف الفخذ و الساق، قال في «الجواهر»: الظاهر أنّهما أي الركبتين بالنسبة إلى الرجلين كالمرفقين لليدين؛ فينبغي حال السجود وضع عينيهما و لو بالتمدّد في الجملة في السجود، كما فعله الصادق (عليه السّلام) في تعليم حمّاد كي يعلم حصول الامتثال(جواهر الكلام 10: 139.) انتهى. قيل: و المراد من عين الركبة موضع العظم المستدير الواقع على الموصل. و فيه: أنّه مجرّد ادّعاء بلا دليل. و الظاهر: أنّ المراد من عين الركبة هو المفصل بين عظمي الفخذ و الساق، و موضع المفصل منخفض؛ و لذا عبّر عنه بالعين. و يمكن أن يستشهد عليه بما ورد في الأخبار المتقدّمة في الركوع، كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و تمكّن راحتيك من ركبتيك و تضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة(وسائل الشيعة 6: 295، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 1، الحديث 1.) ، حيث إنّ الظاهر منه: أنّ عين الركبة أسفل من موضع العظم المستدير المرتفع؛ فالواجب وضع مسمّى الركبة على الأرض. و أمّا استيعاب الركبة بطرفي عظمي الفخذ و الساق كليهما فلا دليل على وجوبه كي يتوقّف على التمدّد و رفع الفخذين، و إن كان هو الأحوط؛ فيكفي مسمّى وضع الركبتين و إن لم يستوعبهما. و تقييد مسمّى السجود بظاهرهما في كلام المصنّف (رحمه اللَّه) يوهم عدم جوازه بباطنهما، و الحال أنّ السجود بباطنهما ممّا لا يمكن عادة، و الركبة ليست كاليد حتّى يكون لها ظاهر و باطن؛ فلا حاجة في الكلام إلى التقييد المزبور؛ و لذا كان عبارات الأصحاب خالية عنه. و أمّا الإبهامان: فقد نسب القول بوجوب وضع طرفيهما أي رأسهما إلى المفيد في كتاب «أحكام النساء» و أبي المكارم في «الغنية» و الشيخ في «المبسوط» بل في سائر كتبه و أبي الصلاح في «الكافي» و ابن فهد في «الموجز»، و ادّعى في «الغنية» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بما في صحيح حمّاد من أنّه (عليه السّلام) سجد على أنامل إبهامي الرجلين(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و فيه: أنّ فعله (عليه السّلام) المحكي عنه في الصحيح و أمثاله لا يدلّ على الوجوب؛ لاشتماله على المندوبات الكثيرة. و نسب إلى جماعة؛ منهم المحقّق و الشهيد الثانيان و صاحب «المدارك» القول بعدم وجوب وضع الرؤوس و الاجتزاء بأيّ جانب منهما؛ ظاهرهما و باطنهما. و في «كشف اللثام»: الأقرب كما في «المنتهي» تساوي ظاهرهما و باطنهما. و حكي عن «خلاف» الشيخ التعبير بوضع القدمين. و لا يخفى: أنّ المذكور في الروايات كلّها عبارة الإبهامين، إلّا في رواية عبد اللَّه بن ميمون القدّاح المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 345، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 8.) فإنّ المذكور فيه الرجلان. و الظاهر كفاية ظاهر الإبهامين و باطنهما، و إن كان الأحوط وضع الطرف منهما.

ص: 515

ص: 516

و لا يجب الاستيعاب في الجبهة، بل يكفي صدق السجود على مسمّاها، و يتحقّق بمقدار رأس الأنمُلة، و الأحوط أن يكون بمقدار الدرهم، كما أنّ الأحوط كونه مجتمعاً لا متفرّقاً؛ و إن كان الأقوى عدم الفرق، فيجوز على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنمُلة (1).


1- الجبهة: ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى طولًا و بين الجبينين عرضاً. و الجبين على ما في «مجمع البحرين»: فوق الصدغ، و هو جبينان عن يمين الجبهة و شمالها، يتصاعدان من طرف الحاجبين إلى قصاص الشعر؛ فتكون الجبهة بين الجبينين. و في «الروض»: أنّ حدّها قصاص الشعر من مستوى الخلقة و الحاجب. و في «كشف الغطاء» في تعريف الجبهة: أنّها السطح المحاط من الجانبين بالجبينين، و من الأعلى بقصاص الشعر من المنبت المعتاد، و من الأسفل بطرف الأنف الأعلى و الحاجبين. و في «مصباح الفقيه» بعد ذكر كلمات جماعة من اللغويين و الفقهاء في تعريف الجبهة و الجبين قال: و هذه العبائر و إن لا يخلو بعضها عن إجمال إلّا أنّ مراد الجميع بحسب الظاهر هو مجموع العضو المستوي الواقع بين الحاجبين لا خصوص جزئه الواقع فيما بينهما إلى الناصية. إلى أن قال: و إنّ حدّها أي الجبهة قصاص الشعر و الحاجب، كما نصّ عليه في «الروض». و يدلّ عليه جملة من الأخبار الواردة في تحديد الجبهة مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن حدّ السجود، قال ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك(وسائل الشيعة 6: 355، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 2.) و عنه أيضاً في الصحيح عن أحدهما قال: قلت له: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه(وسائل الشيعة 6: 355، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 1.) و عنه أيضاً في الصحيح عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الجبهة كلّها من قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود؛ فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 5.) و هذه الروايات ظاهرها كعبارة «الروض» و «مجمع البحرين» و «كشف الغطاء»: أنّ مجموع ما بين القصاص و الحاجب جبهة، إلّا أنّ المنساق إلى الذهن من مثل هذه العبائر بواسطة معروفية الجبهة إجمالًا ليس إلّا إرادة المستوي الواقع بينهما لا طرفاه المائلان إلى الصدغ الواقعان بين منتهى الحاجبين و القصاص؛ فإنّهما بحسب الظاهر خارجان عن حدّ الجبهة، بل هما الحرفان اللذان فسّر بهما الجبينان في عبارة «القاموس» و غيره(مصباح الفقيه، الصلاة: 340/ السطر 18.) انتهى. ثمّ إنّ المستفاد من الأخبار المذكورة أمران: الأوّل: أنّ حدّ الجبهة ما بين قصاص الشعر و الحاجب، و لا ينافي هذا التحديد ما في بعض الأخبار من تحديدها بما بين القصاص إلى طرف الأنف، كرواية بريد عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الجبهة إلى الأنف، أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كلّه أفضل(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 3.) ، و السند ضعيف بموسى بن عمر بن يزيد. و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، فما أصاب الأرض منه فقد أجزأك(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 4.) وجه عدم المنافاة: أنّ المقصود بهذين الخبرين تحديدها في الطول؛ فلا ينافي كونها من حيث العرض إلى منتهى الحاجبين. الثاني: أنّه لا يجب الاستيعاب في الجبهة، بل يكفي مسمّى السجود عليها و لو بوضع شي ء منها على الأرض بحيث يصدق عرفاً اسم السجود على الجبهة على المشهور. و ادّعى بعض فقهائنا الإجماع عليه. و يدلّ عليه بعض الأخبار المذكورة، كرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 5.) و رواية بريد عن أبي جعفر (عليه السّلام) أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك. و قال ابنا جنيد و إدريس بكفاية مقدار الدرهم لمن بجبهته علّة، و هو يشعر بلزوم الاستيعاب للصحيح. و فيه: أنّه مخالف للمشهور و للروايات المذكورة النافية للاستيعاب. و نسب إلى الصدوق في «الفقيه» و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» القول باعتبار مقدار الدرهم، و نسب في «الذكرى» هذا القول إلى كثير من الأصحاب. و احتجّ عليه بصحيح زرارة المتقدّم فأيّما سقط من ذلك. إلى آخره حملًا للمطلق من الأخبار و كلمات الأصحاب على المقيّد. و فيه: أنّ الصحيح المزبور لا يحصر المجزي في مقدار الدرهم فقط، بل عطف عليه مقدار طرف الأنملة، و هو دون الدرهم بكثير قطعاً. و في «مصباح الفقيه»: فتخصيص مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة بلحاظ أنّه أقلّ ما يتّفق حصوله عادة عند وضع الجبهة على الأرض لا أنّه لو اتّفق حصوله بأقلّ من ذلك لا يجزي. اللهمّ إلّا أن يتأمّل في كفايته من حيث صدق السجود على الأرض؛ فإنّ صدقه على الأقلّ من طرف الأنملة بل على هذا المقدار أيضاً لولا التصريح به في الرواية لا يخلو عن خفاء(مصباح الفقيه، الصلاة: 341/ السطر 16.) انتهى. و وجه الاحتياط في اعتبار مقدار الدرهم ما روي عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال أقلّ ما يجزي أن تصيب الأرض من جبهتك قدر درهم(مستدرك الوسائل 4: 458، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 1.) و في «مصباح الفقيه» حكايةً عن «الفقه الرضوي» أنّه قال و يجزيك في موضع الجبهة من قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم(الفقه المنسوب للإمام الرضا( عليه السّلام): 114.) و لا يخفى ضعف هذين الخبرين سنداً؛ فلا ينهضان دليلًا إلّا للاستحباب تسامحاً في أدلّة السنن، و هو مقتضى الجمع بينهما على فرض اعتبار سندهما و بين صحيح زرارة المتقدّم الدالّ على كفاية طرف الأنملة الذي هو أقلّ من الدرهم بكثير قطعاً. و لا يخفى أيضاً أنّ العبارة المذكورة المنسوبة إلى «الفقه الرضوي» ليست موجودة فيه، و قد حكاها الصدوق (رحمه اللَّه) في موضعين من كتاب «الفقه» عن رسالة أبيه إليه. ثمّ إنّه لا يعتبر في صدق مسمّى السجود بمقدار الدرهم، بل بمقدار رأس الأنملة أن يكون مجتمعاً، و يجزي كونه متفرّقاً مع تقارب الأجزاء؛ فيجوز السجود على السبحة إذا كان ما وقع عليه الجبهة بمقدار رأس الأنملة. و يمكن أن يستشهد عليه بصحيح حمران عن أحدهما (عليهما السّلام) قال كان أبي (عليه السّلام) يصلّي على الخُمرة يجعلها على الطنفسة و يسجد عليها، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد(وسائل الشيعة 5: 347، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 2.) و رواية الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) دعا أبي بالخمرة فأبطأت عليه فأخذ كفّاً من حصى فجعله على البساط ثمّ سجد(وسائل الشيعة 5: 347، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 3.) ، فيجوز السجود على السبحة مع تقارب أجزائها. و أمّا مع تفرّقها و تباعدها فيشكل الاجتزاء بها.

ص: 517

ص: 518

ص: 519

ص: 520

ص: 521

و لا بدّ من رفع ما يمنع من مباشرتها لمحلّ السجود من وسخ أو غيره فيها أو فيه؛ حتّى لو لصق بجبهته تربة أو تراب أو حصاة و نحوها في السجدة الأُولى، تجب إزالتها للثانية على الأحوط لو لم يكن الأقوى (1).


1- الأحوط بل الأقوى اعتبار مباشرة الجبهة لما يصحّ السجود عليه و رفع ما يمنع من مباشرة الجبهة لمحلّ السجود أيّ مانع كان من وسخ أو غيره سواء كان وجود المانع في الجبهة أو في محلّ السجود؛ حتّى أنّه لو لصق بجبهته ما يسجد عليه من تربة أو تراب أو حصاة و نحوها في السجدة الأُولى تجب إزالتها للثانية؛ و ذلك لعدم صدق السجدة شرعاً؛ إذ مع وجود أحد المذكورات في جبهته لا يصدق في السجدة الثانية أنّه وضع جبهته على ما يصحّ السجود عليه، بل وضع ما على جبهته على ما يصحّ السجود عليه، و وضع ما على الجبهة و إن كان ممّا يجوز السجود عليه كالتربة على الأرض ليس سجدةً شرعاً. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يسجد و عليه العمامة لا يصيب وجهه الأرض، قال لا يجزيه ذلك حتّى تصل جبهته إلى الأرض(وسائل الشيعة 5: 362، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) أنّه قال: قلت له: الرجل يسجد و عليه قلنسوة أو عمامة، فقال إذا مسّ شي ء من جبهته الأرض فيما بين حاجبيه و قصاص شعره فقد أجزأ عنه(وسائل الشيعة 5: 363، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 14، الحديث 2.) هنا فرعان: الأوّل: إذا لصق بجبهته تراب يسير لا يعدّ في العرف حائلًا بين بشرته و ما يسجد عليه فلا بأس به؛ لتحقّق مباشرة الجبهة لمحلّ السجود. و في «المستمسك» بعد التوجيه بما ذكرنا قال: أو لأنّه لا يحجب تمام الجبهة، بل يبقى منها مقدار خالياً عنه(مستمسك العروة الوثقى 6: 365.) و فيه: أنّ وضع المقدار الخالي من الجبهة لا كلام و لا إشكال من أحدٍ في صحّته، و إنّما البحث في وضع المقدار الذي فيه تراب يسير. الثاني: لا يعتبر في غير الجبهة من سائر المساجد المباشرة للأرض إجماعاً، و الأخبار الدالّة عليه فوق حدّ الاستفاضة. و في «الجواهر»: بل ضرورة من المذهب أو الدين. و يدلّ عليه صحيح حمران عن أحدهما (عليهما السّلام). و رواية الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) المتقدّمان. و رواية اخرى عن الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي على البساط و الشعر و الطنافس، قال لا تسجد عليه، و إن قمت عليه و سجدت على الأرض فلا بأس، و إن بسطت عليه الحصير و سجدت على الحصير فلا بأس(وسائل الشيعة 5: 347، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 2، الحديث 4.) ، حيث إنّ هذه الروايات تدلّ على وجوب وضع خصوص الجبهة فقط على ما يصحّ عليه السجود. و بعضها صريح في جعل الحصى حيث يسجد و كان سائر أعضائه (عليه السّلام) على البساط و الطنفسة و الشعر.

ص: 522

و المراد بالجبهة هنا: ما بين قصاص الشعر و طرف الأنف الأعلى و الحاجبين طولًا، و ما بين الجبينين عرضاً (1).


1- قد تقدّم البحث في المراد بالجبهة مفصّلًا قبيل هذا، و لعلّ قول المصنّف (رحمه اللَّه): «المراد بالجبهة هنا» إشارة إلى أنّ الجبهة في التيمّم أعمّ من الجبهة هنا، حيث إنّها هناك تشمل الجبينين بخلافها هنا. و في «الجواهر» بعد أن أورد كلمات جماعة من اللغويين و الفقهاء الدالّة على أنّ الجبهة بين الجبينين و أنّ الجبينين خارجان عنها، قال: لكن هذه النصوص كما ترى لا صراحة فيها بإخراج الجبينين، و بالاقتصار على الخطّ المتوهّم من طرف كلّ من الحاجبين المتّصل بطرف الأنف الأعلى مصعداً إلى الناصية بحيث لا يجزي السجود على غيره. و قد اعترف بعضهم في مسألة الدمل بدلالة بعضها على ما يشمل الجبينين؛ فحينئذٍ لولا الإجماع أمكن التوسعة في محلّ السجود بدعوى شمول اسم الجبهة عرفاً لما هو أعمّ من ذلك. إلى أن قال: فالإجماع هو العمدة في التقييد المزبور(جواهر الكلام 10: 138.) انتهى.

ص: 523

[ (مسألة 2): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة]

(مسألة 2): الأحوط الاعتماد على الأعضاء السبعة، فلا يجزي مجرّد المماسّة، و لا يجب مساواتها فيه. كما لا تضرّ مشاركة غيرها معها فيه، كالذراع مع الكفّين، و سائر أصابع الرجلين مع الإبهامين (1).


1- الأحوط لو لم يكن الأقوى وجوب الاعتماد حال السجود على الأعضاء السبعة؛ بمعنى إلقاء ثقل البدن عليها لا مجرّد المماسّة متحاملًا عنها؛ فلو اعتمد على غيرها مع مجرّد مماسّتها لم يجز. و استدلّ له بعدم حصول تمام المراد من الخشوع إلّا بالاعتماد عليها، و بأنّ الطمأنينة في السجود لا تحصل إلّا بذلك. و لا يخفى ما في هذين الدليلين من الوهن؛ لعدم توقّف حصول تمام المراد من الخشوع و الطمأنينة على الاعتماد عليها. و استدلّ أيضاً بصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال: سألته عن الركوع و السجود كم يجزي فيه من التسبيح؟ فقال ثلاثة، و تجزيك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض(وسائل الشيعة 6: 300، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 3.) و رواية علي بن جعفر قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض، قال يحرّك جبهته حتّى يتمكّن فينحي الحصى عن جبهته، و لا يرفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 3.) و فيه: أنّ الصحيح و الرواية على فرض تمامية دلالتهما يدلّان على وجوب الاعتماد في خصوص الجبهة. و الأولى الاستدلال على المطلب بالأخبار المتقدّمة الواردة في السجدة على سبعة أعظم، حيث إنّ المتبادر من الأمر بالسجود على سبعة أعظم الاعتماد عليها حال السجود. و في «الحدائق»: فلو سجد على مثل الصوف و القطن وجب أن يعتمد عليه حتّى تثبت الأعضاء إن أمكن، و إلّا فلا يصلّي عليه إلّا أن يتعذّر غيره(الحدائق الناضرة 8: 279.) انتهى. و لا يجب مساواة الأعضاء السبعة في مقدار الاعتماد؛ للأصل. و علّله في «الجواهر» بعسره أو تعذّره(جواهر الكلام 10: 147.) و هل يجب استقلال الأعضاء السبعة في الاعتماد بأن لا يشاركها غيرها كبطنه و ذراعه و سائر أصابع رجليه مع الإبهامين أو لا؟ وجهان ينشئان من دعوى ظهور النصوص في كونه حال السجود واضعاً ثقله على الأعضاء السبعة، و من إمكان منع هذا الظهور و ادّعاء أنّ المتبادر منها ليس إلّا اعتبار الاعتماد على هذه السبعة، و أنّه لا بدّ منها فيه بحيث لا يبقى واحد منها في الوضع، و هذا لا ينافي بوضع غيرها و الاعتماد عليه أيضاً. فرع: لو وضع الأعضاء السبعة على الأرض منبطحاً أي منكبّاً على وجهه لم يجز و لا يجزي في غير حال الضرورة؛ سواءٌ جافى بطنه بحيث استقلّ المواضع السبعة بحمل ثقله أو لا؛ فإنّه خلاف ما هو المتعارف المعهود من السجود على سبعة أعظم، و المتبادر من الأمر بالسجود عليها ما هو المتعارف. و في «مصباح الفقيه»: و أمّا لو لصق بطنه بالأرض مع كونه على هيئة الساجد و وضع باقي المساجد على كيفيتها الواجبة فيها، فالظاهر صحّته بناءً على عدم وجوب استقلال المساجد في الاعتماد أو كانت الملاصقة أي ملاصقة البطن مجرّد المماسّة التي لا ينافيها استقلال المساجد(مصباح الفقيه، الصلاة: 343/ السطر 18.) انتهى.

ص: 524

ص: 525

و منها: وجوب الذكر على نحو ما تقدّم في الركوع، و التسبيحة الكبرى هاهنا: «سُبْحانَ ربّيَ الأَعلى و بِحَمْدِهِ» (1).

و منها: وجوب الطمأنينة حال الذكر الواجب نحو ما سمعته في الركوع (2).


1- قد تقدّم تفصيل البحث في ذكر الركوع من حيث الخلاف في الاجتزاء بمطلق الذكر و عدمه، و الاستدلال من الجانبين، و المختار هنا هو المختار هناك، فراجع.
2- وجوب الطمأنينة حال الذكر إجماعي. و يدلّ عليه المرسل المروي في «الذكرى» ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً(ذكرى الشيعة 3: 363.) ، و كذا المروي في «قرب الإسناد» عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و إذا سجد فلينفرج و ليتمكّن(وسائل الشيعة 4: 35، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 8، الحديث 14.) ، و الانفراج حال السجدة غير واجب بالإجماع، و ضعف سند الروايتين منجبر بالإجماع. و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال بينا رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) جالس في المسجد إذا دخل رجل فقام يصلّي، فلم يتمّ ركوعه و لا سجوده، فقال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا و هكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني(وسائل الشيعة 6: 298، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 3، الحديث 1.) ، حيث إنّ التشبيه بالنقر ظاهر في عدم الإتيان بالطمأنينة في السجود، و قد تقدّم في مسألة وجوب الطمأنينة في الركوع ما ينفعك في هذه المسألة، فراجع.

ص: 526

و منها: وجوب كون المساجد السبعة في محالّها حال الذكر، فلا بأس بتغيير المحلّ فيما عدا الجبهة أثناء الذكر الواجب حال عدم الاشتغال، فلو قال: «سُبحانَ اللَّه»، ثمّ رفع يده لحاجة أو غيرها و وضعها، و أتى بالبقيّة، لا يضرّ (1).


1- يجب كون المساجد السبعة في محالّها إلى تمام الذكر إجماعاً؛ فلو رفع بعضها حال الذكر بطل الذكر؛ لوقوعه على غير وجهه، و أبطل إن كان عمداً؛ للزيادة العمدية في الصلاة. و أمّا في غير حال الذكر فلا مانع من رفع ما عدا الجبهة عمداً لغرض كحكّ جسده مثلًا أو بدون الغرض. قال صاحب «الجواهر»: أمّا غيرها فلا أرى به بأساً عمداً، فضلًا عن السهو؛ لأنّه من الأفعال القليلة و لا زيادة فيه بعد أن يكون وضعها الثاني مقدّمة للمأمور به؛ ضرورة كون المراد بالزيادة ما يفعل بعنوان الجزء من الصلاة، و هو خارج عنها حتّى يكون تشريعاً محرّماً، بخلاف المقام الذي هو مأمور بوضع يده فيه؛ فلا تشمله أدلّة الزيادة قطعاً. مع أنّ استقصاء ما ورد في القيام و الجلوس و غيرهما من أفعال الصلاة يشرف الفقيه على القطع بعدم قدح أمثال هذه الأُمور؛ و منها رفع الرِّجل في حال القيام ثمّ إعادتها و الجلوس ثمّ القيام و بالعكس و غير ذلك. مضافاً إلى خصوص المروي عن «قرب الإسناد» في المقام عن عبد اللَّه بن الحسن عن جدّه علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون راكعاً أو ساجداً فيحكّه بعض جسده، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحكّه ممّا حكّه؟ قال لا بأس إذا شقّ عليه أن يحكّه، و الصبر إلى أن يفرغ أفضل(وسائل الشيعة 6: 330، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 23، الحديث 1.) فما نسمعه في هذه الأعصار عن بعض المشايخ من التوقّف في ذلك و الجزم بالبطلان في غير محلّه(جواهر الكلام 10: 164.) انتهى موضع الحاجة.

ص: 527

و منها: وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه على ما مرّ في مبحث المكان (1).

و منها: رفع الرأس من السجدة الأُولى و الجلوس مطمئنّاً معتدلًا (2).


1- قد مرّ تفصيل البحث في وجوب كون مسجد الجبهة ممّا يصحّ السجود عليه في شرح المسألة العاشرة من مسائل «المقدّمة الرابعة في المكان» فراجع.
2- وجوب رفع الرأس من السجدة الأُولى إجماعي، حكاه غير واحد من علمائنا كما في «الوسيلة» و «الغنية» و «المنتهي» و «التذكرة» و غيرها. و في «خلاف» الشيخ: رفع الرأس من السجود ركن، و الاعتدال جالساً مثل ذلك لا يتمّ الصلاة إلّا بهما. و فيه: أنّ الركنية بالمعنى المصطلح ممّا لم يقم عليه دليل. و علّله في «الجواهر» بتوقّف صدق السجدة الثانية غالباً عليه، و بأنّه المعلوم من الشرع قولًا و فعلًا(جواهر الكلام 10: 168.) و خالف أبو حنيفة في وجوب رفع الرأس من السجدة و قال: القدر الذي يجب أن يرفع ما يقع عليه اسم الرفع؛ فلو رفع رأسه بمقدار ما يدخل السيف بين وجهه و بين الأرض أجزأه. و عن بعض العامّة: أنّ الرفع لا يجب أصلًا؛ فلو سجد و لم يرفع حتّى حفر تحت جبهته حفيرة فحبط جبهته إليها أجزأه. و أمّا الجلوس مطمئنّاً معتدلًا بعد رفع الرأس من السجدة الأُولى فهو إجماعي أيضاً. و يدلّ عليه مضافاً إلى السيرة القطعية من زماننا إلى زمن المعصومين (عليهم السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و إذا سجدت فاقعد مثل ذلك، و إذا كان في الركعة الأُولى و الثانية فرفعت رأسك من السجود فاستتمّ جالساً حتّى ترجع مفاصلك(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و استدلّ أيضاً كما في «الجواهر» و غيره بصحيح حمّاد(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و حديث المعراج(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) المتضمّنين لتعليم الصادق (عليه السّلام) و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كمّية الصلاة و كيفيّتها، و من جملتها رفع الرأس من السجود و الجلوس بعده مطمئنّاً. و فيه: أنّ الصحيح و الحديث مشتملان على جملة كثيرة من المندوبات؛ فلا يتمّ الاستدلال بهما على الوجوب.

ص: 528

ص: 529

و منها: أن ينحني للسجود حتّى يساوي موضعُ جبهتِهِ موقِفَه، فلو ارتفع أحدهما على الآخر لا تصحّ، إلّا أن يكون التفاوت بينهما قدر لبنة موضوعة على سطحها الأكبر في اللبن المتعارفة، أو أربع أصابع كذلك مضمومات. و لا يعتبر التساوي في سائر المساجد لا بعضها مع بعض، و لا بالنسبة إلى الجبهة، فلا يقدح ارتفاع مكانها أو انخفاضه ما لم يخرج به السجود عن مسمّاه (1).


1- وجوب الانحناء للسجود حتّى يساوي موضع جبهته موقفه مشهور بين فقهائنا شهرة عظيمة. و نسب في كلام جماعة من فقهائنا إلى علمائنا، كما في «المعتبر» قال: لا يجوز أن يكون موضع السجود أعلى من موقف المصلّي بما يعتدّ به مع الاختيار، و عليه علماؤنا. و نسب في «جامع المقاصد» إلى جميعهم قال: لا بدّ أن يكون موضع جبهته مساوياً لموقفه أو زائداً عليه بمقدار لبنة موضوعة على أكبر سطوحها، لا أزيد عند جميع أصحابنا. و قدّر الشيخ و العلّامة حدّ الجواز بلبنة، و منعا عمّا زاد على اللبنة. و يدلّ على المسألة مضافاً إلى الشهرة و الإجماع خبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ السؤال وقع عن جواز السجود على الأرض المرتفعة، فأجاب (عليه السّلام) بنفي البأس فيما كان موضع الجبهة مرتفعاً عن الموقف بمقدار اللبنة؛ فيفهم من التحديد بمقدار اللبنة المنع عن الزائد عنه. و قد نوقش في سند الرواية باشتراك النهدي بين جماعة لم يثبت توثيق بعضهم، كمحمّد بن أحمد بن خاقان النهدي أبي جعفر القلانسي المعروف بحمدان، قال النجاشي: إنّه مضطرب، و قال ابن الغضائري: إنّه كوفي ضعيف يروي عن الضعفاء، و قال الأردبيلي في «رجاله»: و توقّف العلّامة في «الخلاصة» في روايته؛ لقول هذين الشخصين. و أجاب صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) عن المناقشة في السند بأنّ الظاهر كونه الهيثم بن أبي المسروق بقرينة رواية محمّد بن محبوب عنه، و هو ممدوح في كتب الرجال، و له كتاب يرويه عنه جملة من الأجلّاء؛ منهم محمّد بن علي و سعد و الصفّار. فحديثه إن لم يكن صحيحاً بناءً على الظنون الاجتهادية، و إلّا فهو في مرتبة من الحسن(جواهر الكلام 10: 151.) انتهى. و لا يخفى: أنّ الهيثم المذكور و إن كان معتبراً و لكن طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و ابن بطّة. نعم ضعف السند منجبر بالشهرة بل الإجماع. و نوقش أيضاً في دلالتها بقراءة «يديك» بالياءين المثنّاتين، كما في نسخة من «التهذيب» و «كشف اللثام» بدل «بدنك»؛ فحينئذٍ لا تدلّ الرواية على تساوي موضع جبهته موقفه. و أجاب صاحب «الجواهر» عن المناقشة بأنّ ظاهر استدلال الأصحاب بهذه الرواية على وجوب تساوي موضع الجبهة موقفه و فتواهم بمضمونها يشرف الفقيه على القطع بعدم النسخة المتضمّنة لقراءة «يديك»، و إن وجد في بعض النسخ فهو من النسّاخ قطعاً. و يشهد على نسخة «بدنك» سؤال عبد اللَّه بن سنان في الصحيح عن كون موضع الجبهة أرفع من مقامه، قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال لا، و ليكن مستوياً(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) و يشهدها أيضاً مرسل الكليني في السجود على الأرض المرتفعة، قال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن رجليك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 359، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 3.) ، انتهى ملخّصاً منّا(جواهر الكلام 10: 151 152.) هذا. مضافاً إلى أنّ قراءة «يديك» على فرض اعتبارها توجب حمل الرواية على تساوي موضع الجبهة موضع اليدين، و هو ممّا لم يعرف القائل به. و في «الجواهر»: مع أنّه على تقديرها أي نسخة «يديك» يمكن الاستدلال بالفحوى؛ ضرورة أولوية الموقف من اليدين بذلك قطعاً. و فيه: أنّه لا وجه على الأولوية؛ لأنّه بناءً على تلك النسخة يكون الحكم بالتساوي بين موضع الجبهة و موضع اليدين تعبّداً محضاً؛ فمن أين يحكم قطعاً بأولوية الموقف من اليدين بوجوب التساوي؟! و نوقش ثالثاً في دلالتها بأنّ البأس و إن كان ثابتاً فيما كان موضع الجبهة مرتفعاً زائداً على قدر اللبنة من موقفه، و لكن البأس أعمّ من المنع. و أجاب صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بأنّه من المعلوم إرادة المنع منه هنا. لفتوى الأصحاب؛ إذ من شكّ منهم شكّ في جواز هذا العلوّ لا الأزيد، و لأنّ عبد اللَّه نفسه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) في الصحيح عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ قال لا، و لكن ليكن مستوياً ، انتهى(نفس المصدر: 152.) و أجاب في «المستمسك» بأنّ إطلاق البأس يقتضي المنع؛ إذ هو النقص المعتدّ به، كما يظهر من ملاحظة المشتقّات مثل البائس و البأساء و البؤس و البئيس و بئس و غيرها؛ و لا سيّما بملاحظة وقوعه جواباً عن السؤال عن الجواز حسب ما هو المنسبق إلى الذهن(مستمسك العروة الوثقى 6: 353.) انتهى. و أمّا التقدير بأربع أصابع مضمومات فهو و إن لم يرد في النصوص و لكنّ الأصحاب قدّروا اللبنة الواردة فيها بذلك تقريباً. و في «الحدائق»: و قدّرها الأصحاب بأربع أصابع تقريباً. و يؤيّده اللبن الموجود الآن في أبنية بني العبّاس في سرّ من رأى؛ فإنّ الآجر الذي في أبنيتها بهذا المقدار تقريباً(الحدائق الناضرة 8: 283.) انتهى. هذا كلّه في وجوب التساوي بين موضع الجبهة و موقف المصلّي. و أمّا التساوي في سائر المساجد بالنسبة إلى موضع الجبهة أو بعضها مع بعض فمقتضى الأصل و إطلاق الأدلّة عدم وجوبه، إلّا إذا خرج بعدم التساوي بينها عن مسمّى السجود. و حكي عن الشهيد في «الذكرى» و العلّامة في «نهاية الإحكام» و بعض من تأخّر عنهما التساوي في باقي المساجد. و لعلّ مستندهم استظهاره من رواية عبد اللَّه بن سنان المتقدّم؛ نظراً إلى أنّ موضع البدن حال السجود هو جميع مواضع السجود؛ فيكون المستفاد من الرواية أن لا يكون موضع الجبهة أرفع من سائر مواضع السجود بأزيد من مقدار اللبنة. و في «الجواهر»: و على كلّ حال فأقصى ما يمكن الاستدلال به لاعتبار ذلك في باقي المساجد أنّ خبر عبد اللَّه بن سنان المتقدّم سابقاً الذي هو الأصل في التفصيل باللبنة ظاهر في اعتبار عدم علوّ الجبهة بالأزيد عن محلّ تمام البدن حال السجود، و ليس هو إلّا مواضع المساجد جميعها(جواهر الكلام 10: 156.) انتهى. و رواية إسماعيل بن مسلم الشعيري المعروف بالسكوني عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) إنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه؛ فإنّهما يسجدان كما يسجد الوجه(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 3.) ، و الرواية ضعيفة سنداً بموسى بن يسار المنقري المجهول حاله. و يمكن الجواب عن استظهارهم برواية عبد اللَّه بن سنان بأنّ غاية ما تدلّ عليه الرواية منطوقاً و مفهوماً أنّ ارتفاع موضع الجبهة عن موضع البدن إن كان بمقدار لبنة فلا بأس به، و إن كان أزيد من مقدار اللبنة ففيه بأس؛ فلا دلالة فيها بالنسبة إلى ارتفاع بعض البدن عن بعضه الآخر لا منطوقاً و لا مفهوماً. و أمّا رواية الشعيري فلا اعتبار بها سنداً؛ لما ذكرنا من جهالة المنقري.

ص: 530

ص: 531

ص: 532

ص: 533

[ (مسألة 3): المراد بالموقف]

(مسألة 3): المراد بالموقف الذي يجب عدم التفاوت بينه و بين موضع الجبهة بما تقدّم الركبتان و الإبهامان على الأحوط، فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من جبهته بأزيد ممّا تقدّم، بطلت صلاته على الأحوط و إن ساوى موضعُ رُكبتيه موضعَ جبهته (1).


1- قد اختلفت عبارات الفقهاء في المراد من الموقف الذي يجب عدم التفاوت بينه و بين موضع الجبهة بمقدار أزيد من أربع أصابع: يظهر من جماعة أنّ المراد منه موضع الرجلين؛ فعن «السرائر»: أنّه ينبغي أن يكون موضع سجوده مساوياً في العلوّ و الهبوط لموضع قيامه. و في «الوسيلة» في مباحث التروك التي يقطع الصلاة فعلها، عدّ السجود على موضع ارتفع عن موضع القيام بأكثر من حجم المخدّة. و في «مفتاح الكرامة»: أنّه لا يجوز أن يكون موضع جبهته أعلى من موضع رجليه بأزيد من لبنة. و حكي عن كاشف الغطاء: أنّ المراد من الموقف موضع القيام للصلاة؛ فلو قام للصلاة في موضع و في حال السجود صعد على دكّة مستوية فسجد عليها بطلت صلاته؛ لكون مسجد الجبهة أعلى من موضع وقوفه. و يدلّ على القول المذكور صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال لا، و ليكن مستوياً(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد، فقال إنّي أُحبّ أن أضع وجهي في موضع قدمي و كرهه(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 2.) و صحيح صفوان عن محمّد بن عبد اللَّه عن الرضا (عليه السّلام) في حديث: أنّه سأله عمّن يصلّي وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال إذا كان وحده فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 4.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن المريض أ يحلّ له أن يقوم على فراشه و يسجد على الأرض؟ قال: فقال إذا كان الفراش غليظاً قدر آجرة أو أقلّ استقام له أن يقوم عليه و يسجد على الأرض، و إن كان أكثر من ذلك فلا(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 2.)و القول الآخر: إنّ المراد من الموقف هو الموقف حين الجلوس أعني موضع الركبتين و الإبهامين و يمكن استظهار هذا القول من خبر عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.) ، حيث إنّ الظاهر من موضع البدن موضعه حين السجود أو حين الجلوس، و هو من الركبتين إلى الإبهامين. ففي «صلاة» الحائري (رحمه اللَّه): ثمّ إنّ الظاهر كون المراد من موضع البدن موضعه حين الجلوس أو حين السجود؛ فلا بأس بكون موضعه حين القيام أخفض من مسجد جبهته بأزيد من المقدار المزبور إذا انتقل عند الجلوس إلى ما يساوي موضع الجبهة أو أخفض بالمقدار المذكور؛ لما قلنا من أنّ الظاهر من الرواية تحديد الانحناء اللازم للسجود، و هو يتحقّق بملاحظة موضع الجبهة مع الموقف حين الجلوس(الصلاة، المحقّق الحائري: 247.) انتهى. و لكن الموجود في بعض النسخ «يديك» بالياءين المثنّاتين بدل «بدنك» في الرواية؛ و حينئذٍ فلا تدلّ على أنّ الموقف هو الركبتان و الإبهامان. إلّا أن يقال: إنّ نسخة «يديك» على فرض وجودها في بعض النسخ من غلط الناسخ؛ ففي «الجواهر»: بل ظاهر استدلال الأصحاب به أي بحديث ابن سنان و الفتوى بمضمونه على اختلاف طبقاتهم و نسخهم و فيهم المثبت غاية التثبّت ك «كشف اللثام» و غيره يشرف الفقيه على القطع بعدم هذه النسخة، و أنّه و إن وجد في بعض الكتب فهو من النسّاخ قطعاً(جواهر الكلام 10: 151.) انتهى. فلا يترك الاحتياط بمراعاة التساوي بين موضع الجبهة و موضع الركبتين و الإبهامين؛ فلو وضع إبهاميه على مكان أخفض أو أعلى من موضع جبهته بأزيد من أربع أصابع بطلت صلاته على الأحوط، و إن ساوى موضع ركبتيه موضع جبهته. و كذا تبطل لو وضع ركبتيه على مكان أخفض أو أعلى من موضع جبهته بأزيد ممّا ذكر، و إن ساوى موضع إبهاميه موضع جبهته.

ص: 534

ص: 535

ص: 536

[ (مسألة 4): لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر]

(مسألة 4): لو وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر، فإن كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً، فالأحوط الأولى رفعها و وضعها على المحلّ الجائز، و يجوز جرّها أيضاً، و إن كان بمقدار يصدق معه السجود عرفاً فالأحوط الجرّ إلى الأسفل، و لو لم يمكن فالأحوط الرفع و الوضع، ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها (1).


1- قد فرض صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) المسألة فيما وقعت جبهته على مكان مرتفع أزيد من المقدار المغتفر سهواً لا عمداً، قال: إنّه ظهر لك ممّا قدّمناه سابقاً جواز رفع الرأس له لو اتّفق أنّه وضعه على مرتفع بأزيد من لبنة سهواً(جواهر الكلام 10: 159.) انتهى. و الحائري (رحمه اللَّه) في «صلاته» جعل مورد النزاع في تعيّن الجرّ عليه و عدم تعيّنه، بل جواز رفع الرأس له، ما يصدق معه السجود عرفاً، و إنّ ما لا يصدق عليه السجود العرفي لا إشكال في جواز رفعه. و كيف كان: فلو وضع جبهته على مكان مرتفع غير مغتفر و كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً يجوز له أن يرفع رأسه و يسجد على موضع مساوٍ، و لا يتحقّق به زيادة السجدة المبطلة؛ لأنّ السجدة المجعولة من قبل الشارع جزءً للصلاة قد اعتبر فيها حدّ معيّن من الانحناء أعني ما كان موضع الجبهة و الموقف مساوياً فما لم يصل إلى هذا الحدّ لا تتحقّق السجدة. فما أتى به أوّلًا لا يكون مسقطاً للأمر بالسجدة؛ لعدم موافقته ما هو المأمور به؛ فإذا أتى به ثانياً موافقاً لأمره صحّ و كان ما أتى به أوّلًا زائداً غير مبطل. و ما دلّ على مبطلية الزيادة لا يتناول مثل هذه الزيادة؛ فكما جاز رفع رأسه و الوضع على موضع مساوٍ للموقف كذلك جاز له جرّ الجبهة على الموضع المأمور به أيضاً. و في «مستند الشيعة» قال بوجوب الجرّ و عدم جواز رفع الرأس، إلّا إذا كان الارتفاع كثيراً لا يصدق معه السجود لغةً؛ إذ بالرفع يزيد في سجود الصلاة. و كون السجود باطلًا لا ينفع في تجويز الرفع؛ إذ السجود واجب و الوضع على الموضع الغير المرتفع أو ما يصحّ السجود عليه واجب آخر؛ فعدم تحقّق أحدهما لا يجوّز زيادة الآخر، و لا تتحقّق زيادة السجود بالجرّ؛ لأنّ السجود هو الوضع المسبوق بالرفع فلا تلزم من الوضع على موضع بجرّة من موضع آخر زيادة سجود و إن تحقّق تجدّد وضع(مستند الشيعة 5: 274 275.) انتهى. هذا كلّه فيما كان الارتفاع بمقدار لا يصدق معه السجود عرفاً. و أمّا فيما كان بمقدار يصدق معه السجود عرفاً فالأحوط الجرّ إلى الأسفل إن أمكن، و لا يجوز الرفع و الوضع؛ لكونه موجباً للزيادة؛ لأنّ المفروض صدق السجدة عرفاً على المأتي به أوّلًا، و مع عدم إمكان الجرّ فالأحوط الرفع و الوضع؛ لعدم كون ما أتاه أوّلًا سجوداً شرعاً، ثمّ إعادة الصلاة بعد إتمامها احتياطاً؛ لاحتمال كون الوضع ثانياً زيادة مبطلة فعليه إعادة الصلاة. قال العلّامة في «المنتهي»: لو وقعت جبهته على المرتفع جاز له أن يرفع رأسه و سجد على المساوي؛ لأنّه لم يحصل بحال السجود فيجوز العود لتحصيل التكميل. و يؤيّده ما رواه الشيخ عن الحسين بن حمّاد قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع، فقال ارفع رأسك ثمّ ضعه(وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 4.) ، و لا يعارض ذلك ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، و لكن جرّها على الأرض(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 1.) و عن حسين بن حمّاد قال: قلت له: أضع وجهي للسجود فيقع وجهي على حجر أو على موضع مرتفع، أحول وجهي إلى مكان مستوٍ؟ فقال نعم جرّ وجهك على الأرض من غير أن ترفعه(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 2.) ، و عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يسجد على الحصى فلا يمكّن جبهته من الأرض، قال يحرّك جبهته حتّى يتمكّن فينحي الحصى عن جبهته و لا يرفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 353، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 3.) ؛ لأنّا نحمل هذه الأخبار على ما إذا كان المقدار المرتفع لبنة فما دون؛ فلو رفع رأسه حينئذٍ لزمه أن يزيد سجدة متعمّداً و هو غير سائغ(منتهى المطلب 1: 288/ السطر 6.) انتهى.

ص: 537

ص: 538

[ (مسألة 5): لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود]

(مسألة 5): لو وضع جبهته من غير عمد على الممنوع من السجود، عليه جرّها عنه إلى ما يجوز السجود عليه، و تصحّ صلاته، و ليس له رفعها عنه.

ص: 539

و لو لم يمكن إلّا الرفع المستلزم لزيادة السجود، فالأحوط إتمام صلاته ثمّ استئنافها من رأس؛ سواء كان الالتفات إليه قبل الذكر الواجب أو بعده. نعم لو كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود كفاه الإتمام (1).


1- الوجه في عدم جواز رفع الرأس عمّا لا يصحّ السجود عليه و الوضع ثانياً على ما يصحّ السجود عليه هو استلزامه زيادة السجدة عمداً، و هي مبطلة. و لا تلزم الزيادة من جرّ الجبهة و وضعها على ما يصحّ السجود عليه؛ لأنّ تعدّد السجدة يحصل بوضع الجبهة مرّتين مع تخلّل انفصالها عن الأرض بينهما. فالواجب حينئذٍ جرّ الجبهة إلى ما يجوز السجود عليه؛ حذراً من محذور زيادة السجدة المبطلة. و قال صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) بوجوب رفع الرأس و وضعه ثانياً على ما يصحّ السجود عليه، و نسبه إلى الأصحاب، قال: الثالثة المفهوم من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف إلّا من صاحب «المدارك» و من تبعه كالفاضل الخراساني أنّه لو وقعت جبهته حال السجود على ما لا يصحّ السجود عليه ممّا هو أزيد من لبنة ارتفاعاً أو انخفاضاً أو غيره ممّا لا يصحّ السجود عليه؛ فإنّه يرفع رأسه و يضعه على ما يصحّ السجود عليه. إلى أن قال: و بالجملة فما ذكره الأصحاب هو الأظهر؛ لأنّه متى كان السجود باطلًا بأن يكون على موضع مرتفع بأزيد من لبنة، أو كان على شي ء لا يصحّ السجود عليه فإنّه لا يعتبر به و لا يعدّ سجوداً شرعياً. فرفع الرأس منه إلى ما يصحّ السجود عليه غير ضائر و لا مانع منه شرعاً، بخلاف ما لو وقعت جبهته على ما يصحّ السجود عليه فإنّه بالرفع عنه و السجود مرّة ثانية يلزم زيادة سجدة في الصلاة و يكون موجباً لبطلانها(الحدائق الناضرة 8: 287 289.) انتهى.و اختاره السيّد الخوئي (رحمه اللَّه) في حاشيته على «العروة الوثقى» و قال بوجوب إعادة السجدة؛ حتّى فيما كان الالتفات بعد رفع الرأس. هذا كلّه مع إمكان الجرّ. و مع عدم إمكانه فمقتضى قاعدة شرطية وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه للسجدة و إن كان وجوب التدارك برفع رأسه و وضعه ثانياً على ما يصحّ السجود عليه و إن استلزم زيادة سجدة فإنّها لا تقدح إذا كانت سهواً و لكن تسقط الشرطية في صورة غير العمد، كما لو رفع رأسه و ذكر أنّه سجد على ما لا يصحّ السجود عليه، و كما لو نسي الذكر أو الطمأنينة أو وضع أحد المساجد عدا الجبهة؛ و حينئذٍ يكتفي بما أتاه من السجود على ما لا يصحّ السجود عليه. و لا يندرج ما أتاه في السجدة السهوية الغير القادحة؛ ضرورة تحقّقه و حصوله عن قصد، و مع ذلك فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة ثمّ استئنافها؛ حتّى فيما كان الالتفات بعد رفع الرأس من السجود. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) ذكر وجهين في المسألة: أحدهما سقوط اشتراط وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه و الاكتفاء بما أتاه. ثانيهما عدم سقوطه و وجوب تداركه بالوضع ثانياً. و هو (رحمه اللَّه) مع تقويته الوجه الأوّل قال بأنّ التدارك و إن استلزم زيادة السجدة سهواً ممّا لا خلاف فيه؛ فعليك بعين عبارته:. أو يتداركه و إن استلزم زيادة سجدة لكن سهواً فلا تقدح كما سمعته من ابن فهد، بل وافقه عليه هنا غيره، بل لا أجد فيه خلافاً، بل يشهد له أيضاً المروي عن كتاب «الغيبة» و «احتجاج» الطبرسي عن محمّد بن أحمد بن داود القمي قال: كتب محمّد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري إلى الناحية المقدّسة يسأل عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلّط بالسجادة و يضع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ بها؟ فوقّع (عليه السّلام) ما لم يستو جالساً فلا شي ء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة(وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 6.) و إن كان هو في النافلة و لم يجبه عن الاعتداد و عدمه، و لم يظهر وجه التقييد فيه بالاستواء جالساً و غير ذلك؟ وجهان: أقواهما الأوّل(جواهر الكلام 10: 162.) انتهى.

ص: 540

ص: 541

[ (مسألة 6): من كان بجبهته علّة كالدمل]

(مسألة 6): من كان بجبهته علّة كالدمل، فإن لم تستوعبها و أمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض و لو بحفر حفيرة و جعل الدمل فيها وجب. و إن استوعبتها، أو لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض، سجد على أحد الجبينين، و الأولى تقديم الأيمن على الأيسر، و إن تعذّر سجد على ذقنه، و إن تعذّر فالأحوط تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدّم رأسه على الأرض، و مع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته (1).


1- وجه وجوب وضع الموضع السليم من الجبهة على الأرض على من كان بجبهته علّة غير مستوعبة لتمام الجبهة، هو أنّه ممّا لا خلاف فيه بين العلماء كما في «المدارك»، و في «منظومة» الطباطبائي: أنّ عليه فتوى العلماء، و في «الجواهر»: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. و يدلّ عليه خبر مصادف قال: خرج بي دمل فكنتُ أسجد على جانب، فرأى أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) أثره فقال ما هذا؟ فقلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل، فإنّما أسجد منحرفاً، فقال لي لا تفعل ذلك، و لكن احفر حفيرة و اجعل الدمل في الحفيرة حتّى تقع جبهتك على الأرض(وسائل الشيعة 6: 359، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 12، الحديث 1.) و المحكي عن «فقه الرضا (عليه السّلام)» فإن كان في جبهتك علّة لا تقدر على السجود أو دمّل فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمل فيها. و إن كان على جبهتك علّة لا تقدر على السجود من أجلها فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذّر عليه فعلى قرنك الأيسر، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ظهر كفّك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على ذقنك، يقول اللَّه تبارك و تعالى إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً(مستدرك وسائل الشيعة 4: 459، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) هذا كلّه فيما كانت العلّة غير مستوعبة لتمام الجبهة. و إن استوعبها أو لم تستوعبها و لكن لم يمكن وضع الموضع السليم منها على الأرض سجد على أحد الجبينين من غير خلاف، بل ادّعى عليه الإجماع صريحاً أو ظاهراً في كلام جماعة من فقهائنا. و إن تعذّر على الجبينين سجد على ذقنه. و بالإجماع المذكور يقيّد ما دلّ على وجوب السجود على الذقن على من بجبهته علّة لا يقدر على السجود، كما في مرسل على بن محمّد بإسناد له قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عمّن بجبهته علّة لا يقدر على السجود عليها، قال يضع ذقنه على الأرض، إنّ اللَّه تعالى يقول يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً(وسائل الشيعة 6: 360، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 12، الحديث 2.) و لا يجب تقديم الجبين الأيمن على الأيسر و إن كان أحوط؛ لما ذكر في المحكي عن «فقه الرضا (عليه السّلام)»، و لم يفت أحد من فقهائنا بوجوب تقديم الجبين الأيمن على الأيسر إلّا الصدوقان. و إن تعذّر السجود على الذقن أيضاً فالأحوط عند المصنّف (رحمه اللَّه) تحصيل هيئة السجود بوضع بعض وجهه أو مقدم رأسه على الأرض، و مع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئة السجود، و لعلّه لاقتضاء قاعدة الميسور.و في «مصباح الفقيه» استشكل على القائلين بانتقال التكليف بالإيماء على من تعذّر السجود على الذقن، قال: صرّح غير واحد أنّه لو تعذّر السجود على الذقن أيضاً ينتقل تكليفه إلى الإيماء، بل ربّما يستشعر من كلماتهم كونه من المسلّمات. و هو لدى التمكّن من السجود على الأنف أو الحاجبين أو جزء آخر من وجهه مشكل؛ فإنّ مقتضى القاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور، و ما هو المفروض في المقام من أظهر مجاريها؛ فالأقوى أنّه لدى تعذّر هذه المراتب لا يسقط أصل السجود مع الإمكان(مصباح الفقيه، الصلاة: 356/ السطر 13.) انتهى. و لا يخفى ما فيه؛ فإنّ وضع شي ء من الوجه ليس ميسور السجدة التي هي شرعاً عبارة عن وضع الجبهة على الأرض نعم قد يستفاد من بعض الروايات أنّ موضع السجدة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف، كما في موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 4.) و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) اختار الإيماء مع تعذّر مراتب السجود على الحفيرة و الجبينين و الذقن، و قال: و كيف كان: فإن تعذّر ذلك كلّه فقد صرّح غير واحد بالاقتصار على الإيماء، و مرادهم به على الظاهر ما يشمل الانحناء الممكن، كما صرّح به العلّامة الطباطبائي. إلى أن قال: بل لا يبعد حفر الحفيرة مع فرض نقصان انحنائه بما يزيد على اللبنة لذلك أيضاً، بل إن أمكنه استقرار رأسه على حواشيها و إن لم يماسّ شي ء من جبهته أو جبينه شيئاً حافظ عليه، ثمّ يترتّب الانحناء إلى أن يصل إلى حدّ الإيماء. إلى أن قال: لكن ينبغي عدم ترك السجود على الأنف أو الحاجب مع فرض تمكّنه(جواهر الكلام 10: 208.) انتهى. و قال السيّد (رحمه اللَّه) في «العروة الوثقى»: فإن تعذّر اقتصر على الانحناء الممكن، و اختاره المحشّون لها، إلّا المصنّف (رحمه اللَّه) فإنّه قال بالاحتياط بتحصيل هيئة السجود بوضع بعض الوجه أو مقدم الرأس على الأرض، و مع تعذّره فالأحوط تحصيل ما هو الأقرب إلى هيئته.

ص: 542

ص: 543

ص: 544

[ (مسألة 7): لو ارتفعت جبهته من الأرض قهراً و عادت إليها قهراً]

(مسألة 7): لو ارتفعت جبهته من الأرض قهراً و عادت إليها قهراً، فلا يبعد أن يكون عوداً إلى السجدة الأُولى، فيحسب سجدة واحدة؛ سواء كان الارتفاع قبل القرار أو بعده، فيأتي بالذكر الواجب، و مع القدرة على الإمساك بعد الرفع يحسب هذا الوضع سجدة واحدة مطلقاً؛ سواء كان الرفع قبل القرار أو بعده (1).


1- إذا وضع جبهته على الأرض عن اختيار بقصد السجدة ثمّ ارتفعت قهراً و لم يقدر على الإمساك و حفظ رأسه و عادت إليها قهراً، فيحتمل قوياً عدم كون الوقوع الثاني الاضطراري سجدة أُخرى؛ لاعتبار القصد في صدق مفهوم السجدة، و المفروض عدم تحقّقها عن قصد، بل يحسب مجموع الوضعين سجدة واحدة عرفاً. و يجب تدارك ما وجب عليه من آداب السجود على فرض فوتها في الوضع الأوّل؛ لتمكّنه منها مع كونه في محلّها. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الارتفاع قبل قرار الجبهة في الأرض أو بعده. و يشكل بأنّ تخلّل الارتفاع بين الوضعين يوجب التعدّد، و أنّ محلّ الذكر كما هو الوضع الأوّل و قد فات بالاضطرار و عن غير اختيار، و سقط وجوبه، و الوضع الثاني غير مضرّ بالصلاة؛ لعدم كونه من الزيادة العمدية، و ليس أحد العناوين المبطلة للصلاة. و فيه: أنّ العرف يحسب الوضعين المذكورين سجدة واحدة. و يمكن أن يستشهد عليه بما روي عن محمّد بن أحمد بن داود القمي المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 354، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 8، الحديث 6.) نقله عن كتاب «الغيبة» و «احتجاج» الطبرسي، حيث إنّ الظاهر من السؤال أنّه هل يجب الاعتداد بالوضع الأوّل بحيث لا يجوز رفع رأسه إلّا للتهيّؤ للسجدة الثانية مثلًا، أو يجوز رفع رأسه لطلب الخمرة من غير زيادة سجدة مخلّة؟ و الظاهر من التوقيع جواز رفع الرأس لطلب الخمرة ما لم يستو جالساً من غير إخلال بالسجدة. هذا كلّه مع عدم القدرة على الإمساك بعد رفع الرأس. و مع القدرة عليه يحسب ما أتاه أوّلًا من وضع الجبهة على الأرض بقصد السجدة سجدة واحدة و يعتدّ به، و إن لم تستقرّ جبهته في الأرض؛ أي كان ارتفاع الرأس قبل القرار في الأرض، و يسقط وجوب الذكر لفوات محلّه اضطراراً، و يجلس للتهيّؤ للسجدة الأُخرى إن كانت الاولى، و يكتفى بها إن كانت الثانية.

ص: 545

[ (مسألة 8): من عجز عن السجود]

(مسألة 8): من عجز عن السجود، فإن أمكنه تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة، يجب محافظاً على ما عرفت وجوبه؛ من وضع المساجد في محالّها مع التمكّن و الاعتماد و الذكر و الطمأنينة و نحوها، فإذا تمكّن من الانحناء فعل بمقدار ما يتمكّن، و رفع المسجد إلى جبهته واضعاً لها عليه؛ مراعياً لما تقدّم من الواجبات، و إن لم يتمكّن من الانحناء أصلًا أومأ إليه

ص: 546

برأسه، و إن لم يتمكّن فبالعينين، و الأحوط له رفع المسجد مع ذلك إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه، و مع عدم تحقّق الميسور من السجود لا يجب وضع المساجد في محالّها و إن كان أحوط (1).


1- يجب تحصيل بعض المراتب الميسورة من السجدة على من عجز عن السجود الاختياري؛ لقاعدة الميسور. و يجب المحافظة على جميع ما يجب حال السجدة الاختيارية من وضع سائر المساجد في محالّها مع التمكّن منه و الاعتماد و الاستقرار و الذكر و الطمأنينة لأنّ المفروض تمكّنه منها في السجدة الميسورة؛ فيجب المحافظة عليها. و من عجز عن ميسور السجدة و لكن تمكّن من الانحناء بمقدار لا تصل جبهته إلى الأرض وجب عليه الانحناء بذلك المقدار و رفع المسجد إلى جبهته واضعاً لها عليه مراعياً لما تقدّم من الواجبات المذكورة حال السجدة بلا خلاف. و يدلّ على رفع المسجد إلى جبهته خبر إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء و لا يمكنه الركوع و السجود، فقال ليؤم برأسه إيماءً و إن كان له من يرفع الخمرة فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليوم برأسه نحو القبلة إيماءً(وسائل الشيعة 6: 375، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 20، الحديث 1.) و إن لم يتمكّن من الانحناء أصلًا أومأ إيماءً برأسه إجماعاً. و إن لم يتمكّن من الإيماء برأسه فبغمض العينين، كما في مرسلة المشايخ الثلاثة عن الصادق (عليه السّلام) فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمّ سبّح(وسائل الشيعة 5: 484، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 1، الحديث 13.)و وجه الاحتياط في رفع المسجد مع الإيماء بالرأس أو العينين إذا تمكّن من وضع الجبهة عليه رواية الكرخي المتقدّمة. ثمّ إنّه إذا لم يتمكّن من السجدة مطلقاً حتّى ميسورها و كانت وظيفته الإيماء فلا يجب حينئذٍ وضع المساجد في محالّها؛ لأنّ وضعها فيها من الآداب المعتبرة في السجدة لا في بدلها، نعم هو أحوط.

ص: 547

[ (مسألة 9): يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع]

(مسألة 9): يستحبّ التكبير حال الانتصاب من الركوع للأخذ في السجود و للرفع منه (1)، و السبق باليدين إلى الأرض عند الهُوِيّ إليه (2)، و استيعاب الجبهة على ما يصحّ السجود عليه (3)،


1- و يدلّ عليه صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ثمّ كبّر و هو قائم و رفع يديه حيال وجهه و سجد»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و يظهر من بعض الأخبار استحباب التكبير حال الهويّ إلى السجود منكبّاً إليه، كما في رواية معلّى بن خنيس قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول كان علي بن الحسين (عليه السّلام) إذا أهوى ساجداً انكبّ و هو يكبّر(وسائل الشيعة 6: 383، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 24، الحديث 2.) و هو مخالف للمعروف بين الأصحاب.
2- و يدلّ عليه صحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر (عليه السّلام) فإذا أردت أن تسجد فارفع يديك بالتكبير و خرّ ساجداً و ابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك تضعهما معاً(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.)
3- و يدلّ عليه موثّق بريد عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال الجبهة إلى الأنف؛ أيّ ذلك أصبت به الأرض في السجود أجزأك، و السجود عليه كلّه أفضل(وسائل الشيعة 6: 356، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 9، الحديث 3.)

ص: 548

و الإرغام بمسمّاه بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه، و الأحوط عدم تركه (1)،


1- استحباب الإرغام بالأنف على ما يصحّ السجود عليه إجماعي. و يدلّ عليه صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و وضع الأنف على الأرض سنّة؛ و هو الإرغام(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين، و ترغم بأنفك إرغاماً. أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 2.) و يظهر من بعض الأخبار وجوب الإرغام بالأنف، كما في موثّق عمّار عن جعفر عن أبيه قال قال علي (عليه السّلام): لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين(وسائل الشيعة 6: 344، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح عبد اللَّه بن المغيرة عمّن سمع أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه(وسائل الشيعة 6: 345، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 7.) ، و هو الوجه في احتياط المصنّف (رحمه اللَّه) في عدم ترك الإرغام بالأنف على مسمّى ما يصحّ السجود عليه. و لكن يجب صرف الخبرين عن ظاهرهما بالقرينة؛ و هي الإجماع على الاستحباب، و الأخبار الصريحة بكونه سنّة، و الدالّة على كون الفرض من السجود على سبعة أعظم و الإرغام بالأنف سنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كصحيح زرارة المتقدّم، و ما دلّ على نفي السجود على الأنف كخبر محمّد بن مصادف (مضارب) قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول إنّما السجود على الجبهة، و ليس على الأنف سجود(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 1.)

ص: 549

و تسوية موضع الجبهة مع الموقف، بل جميع المساجد (1)، و بسط الكفّين مضمومتي الأصابع حتّى الإبهام حذاء الأُذُنين موجّهاً بهما إلى القبلة (2)،


1- قد تقدّم في ذكر واجبات السجدة وجوب الانحناء حتّى يساوي موضع جبهته موقفه و أنّ الواجب أن لا يكون موضع الجبهة أعلى أو أخفض من مقدار اللبنة؛ فيكون الأمر بتساويهما محمولًا على الاستحباب، كصحيح ابن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن موضع جبهة الساجد أ يكون أرفع من مقامه؟ فقال لا، و ليكن مستوياً(وسائل الشيعة 6: 357، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 10، الحديث 1.) و أمّا مساواة سائر المساجد غير الجبهة مع الموقف ففي «الجواهر»: قيل: و يستحبّ أيضاً في باقي المساجد، و لعلّه لأنّه أقوم للسجود، و لاحتمال عود الضمير في قوله «و ليكن» في صحيح ابن سنان إلى مكان السجود جميعه لا خصوص المسجد، و لغير ذلك ممّا يمكن استفادته ممّا ذكرناه في الواجب الثالث(جواهر الكلام 10: 174.)
2- و يدلّ على بسط الكفّين على الأرض مضمومتي الأصابع صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «ثمّ سجد و بسط كفّيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه»(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 2.)

ص: 550

و التجافي حال السجود؛ بمعنى رفع البطن عن الأرض (1)، و التجنيح: بأن يرفع مرفقيه عن الأرض؛ مفرّجاً بين عضديه و جنبيه، مبعّداً يديه عن بدنه جاعلًا يديه كالجناحين (2)،


1- و يدلّ عليه خبر حفص الأعور عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال كان علي (عليه السّلام) إذا سجد يتخوّى كما يتخوّى البعير الضامر ؛ يعني بروكه(وسائل الشيعة 6: 341، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 3، الحديث 1.) و ما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) إذا صلّت المرأة فلتحتفز؛ أي تتضامّ إذا جلست و إذا سجدت، و لا تتخوّى كما يتخوّى الرجل(وسائل الشيعة 6: 342، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 3، الحديث 5.) ، يقال احتفز: أي استوى جالساً على ركبتيه أو على وركيه، و يقال: خوّى البعير: أي بعّد بطنه عن الأرض في بروكه، و في «القاموس»: خوّى في سجوده تخوية: أي تجافى و فرّج ما بين عضديه و جنبيه.
2- و يدلّ عليه صحيح حمّاد عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): «و كان مجنّحاً و لم يضع ذراعيه على الأرض»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و لا تفترش ذراعيك افتراش الأسد (السبع) ذراعيه و لا تضعنّ ذراعيك على ركبتيك و فخذيك، و لكن تجنح بمرفقيك(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و ما روي عن «جامع» البزنطي إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط السبُع ذراعيه، و لكن اجنح بهما؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يجنح بهما حتّى يساوي بياض إبطيه(مستدرك الوسائل 4: 452، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 3، الحديث 2.)

ص: 551

و الدعاء بالمأثور قبل الشروع في الذكر و بعد رفع الرأس من السجدة الأُولى (1)، و اختيار التسبيحة الكبرى و تكرارها، و الختم على الوتر (2)، و الدعاء في السجود أو الأخير منه بما يريد من حاجات الدنيا و الآخرة، سيّما طلب الرزق الحلال؛ بأن يقول: «يا خَيرَ المسئولينَ و يا خيرَ المُعطِينَ ارزُقني و ارزُق عيالي من فَضلِكَ فإنّك ذُو الفضلِ العظيم» (3)،


1- و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا سجدت فكبّر و قل: اللهمّ لك سجدتُ و بك آمنتُ و لك أسلمتُ و عليك توكّلت، و أنت ربّي، سجد وجهي للّذي خلقه و شقّ سمعه و بصره، الحمد للَّه ربّ العالمين، تبارك اللَّه أحسن الخالقين. ثمّ قل: سبحان ربّي الأعلى و بحمده ثلاث مرّات، فإذا رفعت رأسك فقل بين السجدتين: اللهمّ اغفر لي و ارحمني و أجرني و ارفع عنّي (و عافني) إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير تبارك اللَّه ربّ العالمين(وسائل الشيعة 6: 339، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 2، الحديث 1.)
2- و يدلّ عليه صحيح هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن التسبيح في الركوع و السجود، فقال تقول في الركوع: سبحان ربّي العظيم، و في السجود: سبحان ربّي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة و السنّة ثلاث و الفضل في سبع(وسائل الشيعة 6: 299، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 4، الحديث 1.)
3- و يدلّ على استحباب الدعاء في السجود مطلقاً صحيح عبد الرحمن بن سيّابة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أدعو و أنا ساجد؟ قال نعم، فادع للدنيا و الآخرة فإنّه ربّ الدنيا و الآخرة(وسائل الشيعة 6: 371، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن هلال قال: شكوت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): تفرّق أموالنا و ما دخل علينا، فقال عليك بالدعاء و أنت ساجد؛ فإنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللَّه و هو ساجد ، قال: قلت: فأدعو في الفريضة و أُسمّي حاجتي؟ فقال نعم، قد فعل ذلك رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فدعا على قوم بأسمائهم و أسماء آبائهم، و فعله علي (عليه السّلام) بعده(وسائل الشيعة 6: 371، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 3.) و يدلّ على استحباب الدعاء بما ذكر في المتن صحيح زيد الشحّام عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال ادع في طلب الرزق في المكتوبة و أنت ساجد: يا خير المسئولين.(وسائل الشيعة 6: 372، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 4.) إلى آخره. و في «المستمسك»: و الذي عثرتُ عليه من النصوص خالٍ عن ذكر السجود الأخير(مستمسك العروة الوثقى 6: 393.) انتهى. نعم في بعض الروايات قد ذكر دعاء مخصوص في كلّ من السجدات الأربعة، كما في صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر (عليه السّلام) يقول و هو ساجد أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا بدّلت سيّئاتي حسنات و حاسبتني حساباً يسيراً، ثمّ قال في الثانية: أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا كفيتني مئونة الدنيا و كلّ هول دون الجنّة، و قال في الثالثة: أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا غفرت لي الكثير من الذنوب و قبلت من عملي اليسير، ثمّ قال في الرابعة: أسألك بحقّ حبيبك محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لمّا أدخلتني الجنّة و جعلتني من سكّانها و لمّا نجّيتني من سفعات النار برحمتك، و صلّى اللَّه على محمّد و آله(وسائل الشيعة 6: 340، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 2، الحديث 2.)

ص: 552

ص: 553

و التورّك في الجلوس بين السجدتين و بعدهما؛ بأن يجلس على فخذه الأيسر جاعلًا ظهر القدم اليمنى على بطن اليسرى، و أن يقول بين السجدتين: «أستغفِرُ اللَّه ربّي و أتُوبُ إليه» (1)،


1- استحباب التورّك في الجلوس بين السجدتين إجماعي. و يدلّ على استحباب التورّك و الاستغفار بين السجدتين صحيح حمّاد المتقدّم «ثمّ رفع رأسه من السجود، فلمّا استوى جالساً قال: اللَّه أكبر ثمّ قعد على جانبه الأيسر و وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى و قال: أستغفر اللَّه ربّي و أتوب إليه(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و يدلّ على استحباب التورّك بعد السجدتين حال التشهّد صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئاً، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) و ما دلّ على النهي عن التورّك مطروح أو مؤوّل، كخبر أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و لا تورّك؛ فإنّ قوماً قد عذّبوا بنقض الأصابع و التورّك في الصلاة(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 9.)

ص: 554

و وضع اليدين حال الجلوس على الفخذين؛ اليمنى على اليمنى، و اليسرى على اليسرى، و الجلوس مطمئنّاً بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم، و هو المسمّى بالجلسة الاستراحة، و الأحوط لزوماً عدم تركها (1)،


1- استحباب الجلوس مطمئنّاً بعد رفع الرأس من السجدة الثانية قبل أن يقوم مشهور بين الأصحاب، و في «المنتهي»: أنّه مذهب الأصحاب إلّا السيّد المرتضى (رحمه اللَّه). و يدلّ عليه خبر الأصبغ بن نباتة قال: كان أمير المؤمنين (عليه السّلام) إذا رفع رأسه من السجود قعد حتّى يطمئنّ ثمّ يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر و عمر إذا رفعوا رؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما تنهض الإبل، فقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) إنّما يفعل ذلك أهل الجفا من الناس، إنّ هذا من توقير الصلاة(وسائل الشيعة 6: 347، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 5.) و قال السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) بوجوب جلسة الاستراحة و ادّعى الإجماع عليه. و نسب إلى السيّد أبي المكارم في «الغنية» و المفيد في «المقنعة» و سلّار في «المراسم» و ابن إدريس في «السرائر» و ابن جنيد. و يظهر من صاحب «الحدائق» اختياره. و يظهر من «كشف اللثام» الميل إليه حيث إنّه بعد نقل القول بالوجوب عن السيّد المرتضى (رحمه اللَّه) قال: و قد يعضده التأسّي و الأمر في موثّق أبي بصير عن الصادق (عليه السّلام) قال إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأُولى حين تريد أن تقوم فاستو جالساً ثمّ قم(وسائل الشيعة 6: 346، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 3.) و ما روي عن أصل زيد النرسي عن أبي الحسن (عليه السّلام) أنّه كان إذا رفع رأسه في صلاته من السجدة الأخيرة جلس جلسة ثمّ نهض للقيام(مستدرك الوسائل 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 1.) و في ذلك الأصل أيضاً قال: سمعت أبا الحسن (عليه السّلام) يقول إذا رفعت رأسك من آخر سجدتك في الصلاة قبل أن تقوم فاجلس جلسة ثمّ بادر بركبتيك إلى الأرض قبل يديك و ابسط يديك بسطاً و اتّك عليهما ثمّ قم؛ فإنّ ذلك وقار المرء المؤمن الخاشع لربّه، و لا تطيش من سجودك مبادراً إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم(مستدرك الوسائل 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 2.) و صحيح عبد الحميد بن عوّاض عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: رأيته إذا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأُولى جلس حتّى يطمئنّ ثمّ يقوم(وسائل الشيعة 6: 346، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 1.) و ما رواه الصدوق في «الخصال» عن أبي بصير و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) اجلسوا في الركعتين حتّى تسكن جوارحكم ثمّ قوموا؛ فإنّ ذلك من فعلنا(مستدرك الوسائل 4: 456، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 5، الحديث 4.) ثمّ إنّ منشأ احتياط المصنّف (رحمه اللَّه) و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى» في عدم ترك جلسة الاستراحة هو وجود القول بوجوبها مع ملاحظة دعوى الإجماع من السيّد (رحمه اللَّه) و الأخبار المذكورة الدالّة بظاهرها على الوجوب، و لكن الإجماع غير ثابت، و ادّعى جماعة الشهرة على الاستحباب، و لا يترك الاحتياط بعدم تركها.

ص: 555

و أن يقول إذا أراد النهوض إلى القيام: «بِحولِ اللَّهِ و قوّتِه أقُومُ و أقعُد» (1)،


1- الأخبار في ذلك مختلفة؛ ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قام الرجل من السجود قال: بحول اللَّه أقوم و أقعد(وسائل الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 2.) و في صحيح رفاعة بن موسى النخّاس قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول كان علي (عليه السّلام) إذا نهض من الركعتين الأوّلتين قال: بحولك و قوّتك أقوم و أقعد(وسائل الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 4.) و في صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت من السجود قلت: اللهمّ بحولك و قوّتك أقوم و أقعد و أركع و أسجد(وسائل الشيعة 6: 362، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 6.) نعم الذكر المذكور في المتن: «بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد» وارد في القيام من التشهّد إلى الركعة الثالثة، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعتين الأُوليين فتشهّدت ثمّ قمت فقل: بحول اللَّه و قوّته أقوم و أقعد(وسائل الشيعة 6: 361، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 13، الحديث 3.)

ص: 556

و أن يعتمد على يديه عند النهوض من غير عجن بهما؛ أي لا يقبضهما، بل يبسطهما على الأرض (1).


1- و يدلّ عليه رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال إذا أردت القيام من السجود فلا تعجن بيديك يعني تعتمد عليهما و هي مقبوضة، و لكن ابسطهما بسطاً و اعتمد عليهما(مستدرك الوسائل 4: 465، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 16، الحديث 2.)

ص: 557

[ (مسألة 10): تختصّ المرأة في الصلاة بآداب]

(مسألة 10): تختصّ المرأة في الصلاة بآداب: الزينة بالحليّ و الخضاب، و الإخفات في قولها، و الجمع بين قدميها حال القيام، و ضمّ ثدييها بيديها حاله، و وضع يديها على فخذيها حال الركوع، غير رادّة ركبتيها إلى ورائها، و البدأة للسجود بالقعود، و التضمّم حاله لاطئةً بالأرض فيه غير متجافية، و التربّع في جلوسها مطلقاً (1).


1- و يدلّ على اختصاص المرأة باستحباب آداب الزينة بالحليّ رواية غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السّلام) قال لا تصلّي المرأة عطلًا(وسائل الشيعة 4: 459، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 58، الحديث 1.) ، و في «منجد اللغة»: العطلاء من النساء: التي لا حليّ عليها. و قد ذكر في «مستدرك الوسائل» ما يدلّ على كراهة صلاة المرأة بغير حليّ و لا خضاب بالحنّاء: «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) إنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قال: لا تصلّينّ امرأة إلّا عليها من الحليّ، أدناه خرص فما فوقه، إلّا أن لا تجده. و روينا عن رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه كره للمرأة أن تصلّي بلا حليّ. و روينا عن علي (عليه السّلام) قال قال لي رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): مر نسائك لا يصلّين معطّلات، فإن لم يجدن فليعقدن في أعناقهنّ و لو السير، و مرهنّ فليغيّرن أكفّهنّ بالحناء و لا يدعنها لكيلا تتشبّهن بالرجال(مستدرك الوسائل 3: 229، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 40، الحديث 1.) و أمّا الإخفات في قولها، ففي «المستمسك»: لا يحضرني عاجلًا ما يدلّ عليه، و إن كان هو أنسب بالستر المطلوب منها.و يدلّ على الجمع بين قدميها حال القيام إلى آخر ما ذكره المصنّف (رحمه اللَّه) صحيح زرارة قال إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، و لا تفرّج بينهما، و تضمّ يديها إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلّا تطأطأ كثيراً فترتفع عجيزتها، فإذا جلست فعلى أليتيها، ليس كما يجلس الرجل، و إذا سقطت للسجود بدأت بالقعود و بالركبتين قبل اليدين ثمّ تسجد لاطئة بالأرض، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها و رفعت ركبتيها من الأرض، و إذا نهضت انسلّت انسلالًا لا ترفع عجيزتها أوّلًا(وسائل الشيعة 5: 462، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 4.)

ص: 558

ص: 559

[القول في سجدتي التلاوة و الشكر]

القول في سجدتي التلاوة و الشكر

[ (مسألة 1): يجب السجود عند تلاوة آيات أربع في السور الأربع]

(مسألة 1): يجب السجود عند تلاوة آيات أربع في السور الأربع: آخر «النجم» و «العلق»، و لا يستكبرون في الم تَنزِيل و تعبدون في حم فُصّلَتْ، و كذا عند استماعها دون سماعها على الأظهر، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط (1).


1- سجدات القرآن خمس عشرة: أربعة منها واجبة، و إحدى عشر مسنونة بلا خلاف. و الدليل على حصر العزائم في الأربعة المعهودة صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربّك الذي خلق و النجم و تنزيل السجدة و حم السجدة(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 7.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال العزائم: الم تنزيل و حم السجدة و النجم و اقرأ باسم ربّك، و ما عداها في جميع القرآن مسنون و ليس بمفروض(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 9.) ، و غيرهما من روايات الباب. و يدلّ على وجوب السجود عند تلاوة الآيات الأربعة مضافاً إلى الإجماع بقسميه النصوص المعتبرة، كصحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربعة: حم السجدة و تنزيل و النجم و اقرأ باسم ربّك(وسائل الشيعة 6: 239، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا قرأت السجدة فاسجد و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 3.) و يدلّ على وجوبها عند استماعها صحيح عبد اللَّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل سمع السجدة تقرأ، قال لا يسجد إلّا أن يكون منصتاً لقراءته مستمعاً لها أو يصلّي بصلاته، فأمّا أن يكون يصلّي في ناحية و أنت تصلّي في ناحية أُخرى فلا تسجد لما سمعت(وسائل الشيعة 6: 242، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 1.) و أمّا سماعها من غير استماع: فقد اختلف فيه أصحابنا؛ ذهب جماعة كثيرة إلى عدم الوجوب، كالشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» و المحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «المنتهي» و «التذكرة». و الدليل عليه مضافاً إلى الأصل صحيح عبد اللَّه بن سنان المتقدّم. و قال جماعة بالوجوب؛ منهم ابن إدريس و ادّعى عليه الإجماع، و مال إليه الشهيد في «الذكرى»، و في «الحدائق»: و عليه الأكثر من الأصحاب، و هو الأقرب. و استدلّ له برواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال إذا قرئ بشي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنباً، و إن كانت المرأة لا تصلّي. و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 2.) و مرسل علي بن جعفر قال: و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة فقال يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع، ثمّ يقوم فيتمّ صلاته، إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً(وسائل الشيعة 6: 243، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 4.)و فيه أوّلًا: أنّ رواية أبي بصير ضعيفة سنداً بعلي بن أبي حمزة سالم البطائني، و خبر علي بن جعفر مرسل غير منجبر. و ثانياً: أنّهما موافقان لمذهب العامّة حيث ذهب أبو حنيفة و ابن عمرو النخعي إلى الوجوب. و ثالثاً: يحتمل حمل السماع فيهما على الاستماع. و مع ذلك كلّه: لا ينبغي ترك الاحتياط للسامع الغير المستمع.

ص: 560

ص: 561

و السبب مجموع الآية، فلا يجب بقراءة بعضها؛ و لو لفظ السجدة منها و إن كان أحوط (1)،


1- و الدليل على كون مجموع الآية سبباً لوجوب السجدة مضافاً إلى أصالة البراءة من وجوبها بقراءة بعضها هو بعض الأخبار، كموثّق سماعة قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع ، قال و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع.(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 2.) الحديث. و موثّق آخر له قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد. إلى أن قال و لا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوّع(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 2.) وجه الاستدلال: أنّ ختم السورة لا يتحقّق إلّا بختم الآية الأخيرة؛ فالمعيار الآية التي فيها السجدة و بها تختم السورة. و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام): و ربّما قرأوا آية من العزائم فلا يسجدون فيها، فكيف يصنع؟ قال لا يسجد(وسائل الشيعة 6: 243، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 2.) و رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إنّ أبي علي بن الحسين ما ذَكَر للَّه نعمةً عليه إلّا سجد، و لا قرأ آية من كتاب اللَّه فيها سجدة إلّا سجد. إلى أن قال فسمّي السجّاد لذلك(وسائل الشيعة 6: 244، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 44، الحديث 1.) و في «الجواهر»: بل الظاهر أنّه المراد من السجدة المعلّق على قراءتها السجود في كثير من النصوص، بل لعلّه المراد من العزائم التي علّق عليها ذلك في بعض آخر(جواهر الكلام 10: 214.) انتهى. أقول: كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال يسجد ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثمّ يركع و يسجد(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 104، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 39، الحديث 1.) و وجه الاحتياط في السجود بسبب قراءة لفظ السجدة من آياتها هو فتوى جماعة بالوجوب؛ قال صاحب «الحدائق»: لا يخفى أنّ ظواهر الأخبار التي قدّمناها هو السجود عند ذكر السجدة؛ لتعليق السجود في جملة منها على سماع السجدة أو قراءتها أو استماعها، و المتبادر منها هو لفظ السجدة، و الحمل على تمام الآية يحتاج إلى تقدير في تلك العبارات؛ بأن يراد سماع آية السجدة إلى آخرها. إلّا أنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنّ محلّ السجود بعد تمام الآية. إلى أن قال (رحمه اللَّه): لا ريب في قوّة هذا القول بالنظر إلى ما ذكرناه من التقريب، إلّا أنّ الخروج عمّا ظاهرهم الاتّفاق عليه مشكل(الحدائق الناضرة 8: 334.) انتهى موضع الحاجة.

ص: 562

ص: 563

و وجوبها فوريّ لا يجوز تأخيرها، و إن أخّرها و لو عصياناً يجب إتيانها و لا تسقط (1).


1- قد ادّعي الإجماع بقسميه على وجوب الفور في سجدة التلاوة. و يدلّ عليه الأخبار الناهية عن قراءة سور العزائم في الفريضة، حيث علّل في بعضها النهي بأنّ القراءة فيها توجب السجدة، و هي زيادة عمدية مبطلة في المكتوبة، كما في صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السّلام) قال لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.) ، و لو لم تكن السجدة واجبة فورية لجاز تأخيرها و لم تلزم الزيادة العمدية. و موثّق سماعة قال من قرأ اقرأ باسم ربّك فإذا ختمها فليسجد، فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع ، قال و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الإيماء و الركوع.(وسائل الشيعة 6: 102، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 37، الحديث 2.) الحديث، حيث إنّ الأمر بالإيماء قبل الركوع دليل على فوريتها.و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن صلّيت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربّك الذي خلق أو شيئاً من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماءً، و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة(وسائل الشيعة 6: 103، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 38، الحديث 1.) ، حيث إنّه لو لم تكن السجدة واجبة فورية لم يكن وجه لإيجاب الإيماء. ثمّ إنّ هنا أمرين: الأوّل: أنّ الفورية ليست قيداً للوجوب و لا للواجب حتّى ينتفي الوجوب أو الواجب بالعصيان و تركها فوراً، بل هي مطلوبة مستقلّة لا يوجب فواتها سقوط الوجوب أو انتفاء الواجب، كالحجّ في أوّل عام الاستطاعة. و كذا لا يسقط بنسيانها؛ و ذلك لاستصحاب شغل الذمّة. و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتّى يركع و يسجد، قال يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 104، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 39، الحديث 1.) الثاني: أنّ وجوبها الفوري لا يوجب كونها قضاء بعد انقضاء زمان الفور بالعصيان أو النسيان؛ ضرورة عدم كون السجدة الواجبة فوراً من قبيل الواجب الموقّت، بل هي كصلاة الزلزلة الواجبة فوراً المأتية أداءً فيما لم يأتها فوراً، و الحجّ الواجب في أوّل عام الاستطاعة المأتي أداءً في العام الثاني و الثالث، و هكذا لو أخّرها عن أوّل عامها. و ممّا ذكرنا يظهر ضعف ما أفاده الشهيد في «الذكرى»، قال: و هل ينوي القضاء؟ ظاهره ذلك؛ لصدق حدّ القضاء عليها. و في «المعتبر»: ينوي الأداء لعدم التوقيت. و فيه منع؛ لأنّها واجبة على الفور، فوقتها وجود السبب؛ فإذا فات فقد فعلت في غير وقتها، و لا نعني بالقضاء إلّا ذلك(ذكرى الشيعة 3: 472.) انتهى كلام «الذكرى».

ص: 564

ص: 565

[ (مسألة 2): يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب و تخلّل السجود]

(مسألة 2): يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع التعاقب و تخلّل السجود قطعاً، و هو مع التعاقب بلا تخلّله لا يخلو من قوّة، و مع عدم التعاقب لا يبعد عدمه (1).


1- يتكرّر السجود بتكرّر السبب مع تعاقب السببين و تخلّل السجود بينهما قطعاً؛ لأنّ السجدة المتخلّلة بين السببين واجبة عن السبب الأوّل، و السبب الثاني موجب مستقل لسجدة اخرى غير مرتبطة بالسبب الأوّل، و هذا ممّا لا كلام و لا إشكال فيه. و كذا يتكرّر بتكرّر السبب مع تعاقب السببين بلا تخلّل السجود بينهما؛ لأصالة عدم تداخل الأسباب في المسبّبات، إلّا فيما دلّ دليل شرعي تعبّدي على التداخل و اكتفاء الشارع بفعل واحد، كما في الأغسال. و لا يتعدّى عنها إلى غيرها؛ لبطلان القياس في مذهبنا. و يدلّ على التكرّر بتكرّر السبب بلا تخلّل السجود صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يعلم السورة من العزائم فتعاد عليه مراراً في المقعد الواحد، قال (عليه السّلام) عليه أن يسجد كلّما سمعه، و على الذي يعلّمه أيضاً أن يسجد(وسائل الشيعة 6: 245، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 45، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا قرأت السجدة فاسجد و لا تكبّر حتّى ترفع رأسك(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 40، الحديث 3.) و قال صاحب «الحدائق» بتداخل الأسباب هنا كالأغسال، و تمسّك فيه بالأخبار الدالّة على أنّه إذا اجتمعت عليك حقوق أجزأك حقّ واحد، كما في صحيح زرارة قال إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة. إلى أن قال: ثمّ قال و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها(وسائل الشيعة 2: 261، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 43، الحديث 1.) و أنكر (رحمه اللَّه) دلالة صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم على التكرّر و قال: غاية ما يدلّ عليه: أنّه متى قرأ السجدة وجب عليه السجود تحقيقاً للفورية التي لا خلاف فيه. و أمّا أنّه لو قرأ مراراً متعدّدة من غير تخلّل السجود فهل الواجب عليه سجدة واحدة أو سجدات متعدّدة بعدد القراءة؟ فلا دلالة في الخبر عليه(الحدائق الناضرة 8: 340 341.) انتهى. و اختاره الفقيه النراقي في «مستند الشيعة». فرعان: الأوّل: إذا قرأها جماعة دفعة واحدة بحيث كان الاستماع دفعة واحدة فالأقوى وجوب سجدة واحدة؛ لأنّ السبب الذي هو الاستماع في الحقيقة واحد. كما أنّ الأقوى تكرّر السجدة فيما استمع عن شخص حين قراءته نفسه؛ فإنّ السبب في الحقيقة متعدّد فيتكرّر المسبّب. و العجب من المصنّف (رحمه اللَّه) حيث قال هنا بأنّه مع عدم التعاقب لا يبعد عدم تكرّر السجود، و قال في حاشيته على «العروة الوثقى»: الأقوى في الفرض الأخير هو التكرّر و مراده من الفرض الأخير تكرّر السبب في زمان واحدٍ؛ بأن قرأها شخص حين قراءته. الثاني: قراءة بعض الآية و سماع بعضها الآخر لا يوجب السجود؛ لأنّ المتبادر من الأدلّة كون كلّ من قراءة مجموع الآية و استماعه سبباً مستقلا، و لا دليل على كون المركّب منهما سبباً. و مقتضى الأصل البراءة، و الاحتياط حسن.

ص: 566

ص: 567

[ (مسألة 3): إن قرأها أو استمعها في حال السجود]

(مسألة 3): إن قرأها أو استمعها في حال السجود يجب رفع الرأس منه ثمّ الوضع، و لا يكفي البقاء بقصده، و لا الجرّ إلى مكان آخر، و كذا فيما إذا كان جبهته على الأرض لا بقصد السجدة، فسمع أو قرأ آية السجدة (1).

[ (مسألة 4): الظاهر أنّه يعتبر في وجوبها على المستمع، كون المسموع صادراً بعنوان التلاوة]

(مسألة 4): الظاهر أنّه يعتبر في وجوبها على المستمع، كون المسموع صادراً بعنوان التلاوة و قصد القرآنيّة، فلو تكلّم شخص بالآية لا بقصدها لا تجب بسماعها، و كذا لو سمعها من صبيّ غير مميّز أو نائم أو من حبس صوت، و إن كان الأحوط ذلك، خصوصاً في النائم (2).


1- وجه وجوب رفع الرأس من السجود ثمّ الوضع و عدم كفاية البقاء بقصده و لا الجرّ إلى مكان آخر فيما كان جبهته على الأرض بقصد سجدة التلاوة، و كذا فيما كان عليها لا بقصد السجدة، هو أنّ الواجب إحداث السجود عند حدوث سببه لا مجرّد كون جبهته على الأرض، كما هو الظاهر المستفاد من أدلّته.
2- لعلّ وجه اعتبار صدور المسموع بعنوان التلاوة و قصد القرآنية في وجوب السجدة هو توقّف صدق قراءة القرآن على القصد إليها، و هو الظاهر من نسبة فعل القراءة إلى الفاعل، كقوله: يقرأ إنسان السجدة. و لكن متعلّق الحكم في بعض النصوص هو استماع السجدة من أيّ إنسان كان و لو من صبي غير مميّز بل و لو سمعها من صندوق حبس الصوت كما في موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يسمع السجدة. الحديث(وسائل الشيعة 6: 243، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 43، الحديث 2.) فلا يترك الاحتياط بالسجود في جميع الموارد المذكورة في المتن.

ص: 568

[ (مسألة 5): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات]

(مسألة 5): يعتبر في السماع تمييز الحروف و الكلمات، فلا يكفي سماع الهمهمة و إن كان أحوط (1).

[ (مسألة 6): يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه النية و إباحة المكان]

(مسألة 6): يعتبر في هذا السجود بعد تحقّق مسمّاه النية و إباحة المكان (2) و الأحوط وضع المواضع السبعة، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه؛ و إن كان الأقوى عدم اللزوم. نعم الأحوط ترك السجود على المأكول و الملبوس، بل عدم الجواز لا يخلو من وجه (3)،


1- وجه اعتبار تمييز الحروف و الكلمات في السماع الموجب للسجود و عدم كفاية الهمهمة: أنّ الموجب للسجود هو سماع الآية المقروّة، و حقيقة الآية عبارة عن الحروف و الكلمات المركّبة بتركيب خاصّ، و لا تصدق على همهمتها قراءة الآية و لا على استماعها استماع الآية. و يمكن أن يقال: إنّ سامع الهمهمة لو ميّز بسهولة و بمجرّد السماع أنّها همهمة آية السجدة، فحينئذٍ لا يبعد وجوب السجود، و لا يترك الاحتياط.
2- وجه اعتبار النية في سجود التلاوة كونه عبادة و العبادة لا بدّ فيها من قصد القربة، على ما مرّ تفصيله في نية الصلاة. و وجه اعتبار إباحة المكان هنا هو الوجه في اعتبارها في الصلاة و أنّها عبادة لا يتمشّى قصد التقرّب مع وقوعها منهياً عنها و مبغوضاً للمولى؛ لكونها تصرّفاً في ملك الغير عدواناً؛ فلا بدّ من وقوعها في مكان مباح حتّى يتقرّب بها. و كذا يعتبر فيها إباحة اللباس، بناءً على اعتبارها في الصلاة.
3- أمّا اعتبار وضع غير الجبهة من مواضع السجود في سجود التلاوة، فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ نسب إلى العلّامة في «التحرير» القول بأنّ الأقرب اشتراط السجود على الأعضاء السبعة، و حكي عن الشهيد في «البيان»: أنّ الأقرب اشتراط السجود على السبعة، و عن السبزواري في «الكفاية»: أنّه لا يبعد الاشتراط، و في «مستند الشيعة» للنراقي: أنّ القول بالاشتراط قوي، و عن العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: الإشكال في وجوب ما عدا الجبهة، و عن «المدارك»: فيه نظر، و عن «جامع المقاصد»: أنّ فيه وجهين، و عن المحقّق في «المعتبر» القول بعدم اعتبار وضع غير الجبهة، و تبعه بعض من تأخّر عنه، و اختاره صاحب «الحدائق». و اختلفوا أيضاً في اعتبار وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه و اعتبار عدم علوّ المسجد عن الموقف أزيد من مقدار اللبنة في سجدة التلاوة. و القائلون بالاعتبار في الموارد الثلاثة وضع المواضع السبعة، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، و عدم علوّ المسجد عن الموقف تمسّكوا بإطلاق الأخبار و أنّها غير مقيّدة باعتبارها في خصوص سجود الصلاة. و لا بأس بذكر بعض الروايات الواردة في الموارد المذكورة؛ ففي صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة و اليدين و الركبتين و الإبهامين من الرجلين و ترغم بأنفك إرغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، و أمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)(وسائل الشيعة 6: 343، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال السجود على ما أنبتت الأرض، إلّا ما أُكل أو لُبس(وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن السجود على الأرض المرتفع، فقال إذا كان موضع جبهتك مرتفعاً عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس(وسائل الشيعة 6: 358، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 11، الحديث 1.) ؛ فالسجود في هذه الروايات و غيرها غير مقيّد بكونه في الصلاة. و القائلون بعدم الاعتبار ادّعوا انصراف السجود في أمثال الروايات المذكورة إلى النحو المتعارف المعهود في الصلاة؛ حتّى في الرواية التي يمكن دعوى استفادة مطلق السجود من عموم التعليل الواقع فيها. كما في صحيح هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخبرني عمّا يجوز السجود عليه و عمّا لا يجوز، قال السجود لا يجوز إلّا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض، إلّا ما أُكل أو لبس ، فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال لأنّ السجود خضوع للَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل و يلبس؛ لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة اللَّه عزّ و جلّ فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغترّوا بغرورها.(وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه، الباب 1، الحديث 1.) الحديث. و صاحب «الحدائق» أجاب عن هذا الحديث الصحيح بأنّ مورده أيضاً إنّما هو سجود الصلاة و ما تضمّنه من العلّة لا يخفى أنّه ليس من قبيل العلل الحقيقية التي يدور المعلول مدارها وجوداً و عدماً و يجب اطّرادها؛ فإنّ هذه العلل إنّما هي معرّفات و بيان حكمة شرعية أو مناسبة جلية للتقريب للإفهام. و بالجملة: فأصالة البراءة أقوى دليل في المقام(الحدائق الناضرة 8: 337.) انتهى. و لا يخفى: أنّ المسألة مشكلة جدّاً، و لا يترك الاحتياط في الموارد المذكورة كلّها.

ص: 569

ص: 570

ص: 571

و لا يعتبر فيه الاستقبال، و لا الطهارة من الحدث و الخبث، و لا طهارة موضع الجبهة، و لا ستر العورة (1).


1- لا دليل على اعتبار شي ء ممّا ذكر في المتن في شي ء من النصوص، و الأصل البراءة. و في «الجواهر»: للأصل و إطلاق النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات. نعم قد ورد الأمر بالاستقبال في مرسل «الدعائم» عن أبي جعفر محمّد بن علي (عليهما السّلام) أنّه قال إذا قرأت السجدة و أنت جالس فاسجد متوجّهاً إلى القبلة، و إذا قرأتها و أنت راكب فاسجد حيث توجّهت؛ فإنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) كان يصلّي على راحلته و هو متوجّه إلى المدينة بعد انصرافه من مكّة؛ يعني النافلة ، قال في ذلك قول اللَّه عزّ و جلّ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ(مستدرك الوسائل 4: 326، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 1.) ، و لكنّه مضافاً إلى إرساله لم يوجد من الأصحاب من يعمل به(جواهر الكلام 10: 228.) و أمّا الطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر فقد دلّ الدليل على نفي اشتراطها، كرواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: قال إذا قرئ بشي ء من العزائم الأربع فسمعتها فاسجد، و إن كنت على غير وضوء، و إن كنت جنباً، و إن كانت المرأة لا تصلّي. و سائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت و إن شئت لم تسجد(وسائل الشيعة 6: 240، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 2.) و صحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: من قرأ السجدة و عنده رجل على غير وضوء، قال يسجد(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 5.) و صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): يقرأ الرجل السجدة و هو على غير وضوء، قال يسجد إذا كانت من العزائم(وسائل الشيعة 6: 241، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 6.) نعم في حدث الحيض قد اختلف الأخبار، و ورد في بعضها الأمر بالسجود على الحائض، كرواية أبي بصير المتقدّمة، و موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و الحائض تسجد إذا سمعت السجدة(وسائل الشيعة 6: 103، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 38، الحديث 1.) ، و صحيح أبي عبيدة الحذّاء قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الطامث تسمع السجدة، فقال إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها(وسائل الشيعة 2: 340، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، الحديث 1.) و بعضها يدلّ على النهي عن السجدة على الحائض، كصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الحائض هل تقرأ القرآن و تسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال لا تقرأ و لا تسجد(وسائل الشيعة 2: 341، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، الحديث 4.) ، و في بعض النسخ تقرأ بدل لا تقرأ. و صحيح غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السّلام) قال لا تقضي الحائض الصلاة و لا تسجد إذا سمعت السجدة(وسائل الشيعة 2: 342، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، الحديث 5.) قال صاحب «الوسائل» قال الشيخ: أمرها بالسجود محمول على الاستحباب، و نهيها عنه محمول على جواز الترك. و قال صاحب «المنتقى»: الأمر مخصوص بالعزائم، و النهي عامّ؛ فيخصّ بغيرها. أقول: و يحتمل الإنكار أيضاً(وسائل الشيعة 2: 341، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 36، ذيل الحديث 4.) انتهى كلام صاحب «الوسائل». و الأولى حمل أخبار النهي على التقية؛ لموافقته أكثر العامّة القائلين بالمنع. و نسب إلى الشهيد في حواشيه الجزم بوجوب الستر في سجدة التلاوة، و لعلّه لتعليل النهي عن سجود العاري في الصلاة بمخافة ظهور سوأته، كما في صحيح زرارة قال؛ قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل خرج من سفينة عرياناً أو سلب ثيابه و لم يجد شيئاً يصلّي فيه، فقال يصلّي إيماءً، و إن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، و إن كان رجلًا وضع يده على سوأته، ثمّ يجلسان فيومئان إيماءً، و لا يسجدان و لا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماءً برؤوسهما ، قال و إن كانا في ماء أو بحر لجّي لم يسجدا عليه و موضوع عنهما التوجّه فيه، يوميان في ذلك إيماءً، رفعهما توجّه و وضعهما(وسائل الشيعة 4: 449، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 50، الحديث 6.) و يرد عليه: أنّ مورد النهي خصوص سجود الصلاة، و أنّ خوف ظهور السوأة يوجب وجوب الستر عن ناظر محترم في كلّ حال من الحالات؛ حتّى في غير الصلاة و في سجود التلاوة و الشكر و غيرها.

ص: 572

ص: 573

[ (مسألة 7): ليس في هذا السجود تشهّد و لا تسليم و لا تكبيرة افتتاح]

(مسألة 7): ليس في هذا السجود تشهّد و لا تسليم و لا تكبيرة افتتاح. نعم يستحب التكبير للرفع عنه، و لا يجب فيه الذكر، بل يستحبّ، و يكفي مطلقه، و الأولى أن يقول: «لا إلهَ إلّا اللَّهُ حقّا حقّا، لا إلهَ إلّا اللَّهُ إيماناً و تصديقاً، لا إلهَ إلّا اللَّه عُبودِيَّةً و رِقّاً، سَجَدتُ لَكَ يا ربّ تعبُّداً و رِقّاً، لا مُستنكِفاً و لا مُستكبراً، بل أنا عبدٌ ذليلٌ خائفٌ مستجيرٌ» (1).


1- لا خلاف بين أصحابنا في عدم مشروعية التشهّد و التسليم في سجدة التلاوة. و يدلّ عليه خبر «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال من قرأ السجدة أو سمعها سجد أيّ وقت كان ذلك؛ ممّا تجوز الصلاة فيه أو لا تجوز، عند طلوع الشمس و عند غروبها. و يسجد و إن كان على غير طهارة. و إذا سجد فلا يكبّر و لا يسلّم إذا رفع، و ليس في ذلك غير السجود، و يسبّح و يدعو في سجوده بما تيسّر من الدعاء(مستدرك الوسائل 4: 318، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 35، الحديث 2.) و لا يخفى: أنّ هذا الخبر و إن كان صريحاً في نفي خصوص التسليم دون التشهّد و لكن نفي التسليم يستلزم نفي التشهّد؛ لأنّ وجوب التشهّد بدون التسليم ممّا لم يقل به أحد من الفريقين. و حكي عن أكثر العامّة القول بوجوبهما. و أمّا التكبير قبلها فهو أيضاً ممّا لا خلاف بيننا في عدم وجوبه، بل عدم مشروعيته للنهي عنه في أخبارنا. و قال أكثر العامّة بوجوبه. نعم يستحبّ بعد رفع الرأس منها؛ للأمر به في صحيح ابن سنان أنّ أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك، و لكن تكبّر حين ترفع رأسك، و العزائم أربعة: حم السجدة و تنزيل و النجم و اقرأ باسم ربّك(وسائل الشيعة 6: 239، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 1.) و ما رواه المحقّق في «المعتبر» نقلًا عن جامع البزنطي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) فيمن يقرأ السجدة من القرآن من العزائم فلا يكبّر حين يسجد، و لكن يكبّر حين يرفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 242، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 42، الحديث 10.) و الظاهر من هذين الخبرين و إن كان هو وجوب التكبير بعد رفع الرأس من سجدة التلاوة كما نسب إلى الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و الشهيد في «الذكرى» و «البيان» و لكن مقتضى النهي عنه في بعض الأخبار كما في رواية عمّار قال: سئل أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟ قال ليس فيها تكبير إذا سجدت و لا إذا قمت، و لكن إذا سجدت قلت ما تقول في السجود(وسائل الشيعة 6: 246، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 46، الحديث 3.) ، و مرسل «دعائم الإسلام» المتقدّم و إذا سجد فلا يكبّر و لا يسلّم إذا رفع حمل الأمر فيهما على الاستحباب، كذا قيل. و لكن لا يخفى ضعف رواية عمّار بعلي بن خالد العاقولي الغير الثابت وثوقه، و توصيف الرواية بالموثّقة كما في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 6: 425.) لا وجه له، و رواية «دعائم الإسلام» ضعيفة؛ فلا تصلحان للمعارضة مع صحيح ابن سنان و رواية «المعتبر» كي يعالج التعارض بحمل الأمر على الاستحباب. و الأولى أن يقال: إنّ الوجوب معرض عنه عند الأصحاب، و الاستحباب مشهور بينهم. بقي الكلام في ذكر سجدة التلاوة و الدعاء فيها و أنّه واجب أو مندوب: فقد ورد الأمر به في بعض الأخبار، كما في صحيح أبي عبيدة الحذّاء عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قرأ أحدكم السجدة من العزائم فليقل في سجوده: سجدتُ لك تعبّداً و رقّاً لا مستكبراً عن عبادتك و لا مستنكفاً و لا مستعظماً، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير(وسائل الشيعة 6: 245، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 46، الحديث 1.) و ما روي عن الصدوق في «الفقيه» و من قرأ شيئاً من العزائم الأربع فليسجد فليقل: إلهي آمنّا بما كفروا و عرفنا منك ما أنكروا و أجبناك إلى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو(الفقيه 1: 200/ 922.) ، و غيرهما من الأخبار الواردة فيها أذكار مختلفة.و ظاهرها و إن كان هو الوجوب و لكنّه محمول على الندب؛ لأنّ وجوب الكلّ و جميع الأذكار بنحو الوجوب التعييني مقطوع عدمه، و بنحو الوجوب التخييري مضافاً إلى أنّه لم يقل به أحدٌ ينفيه سياق كلّ واحد من الأخبار الواردة في الأذكار؛ فحينئذٍ يتعيّن حمل الأمر فيها على الندب المجمع عليه عند الأصحاب. و يكفي مطلق الذكر، و يدلّ عليه خبر عمّار المتقدّم إذا سجدت قلت ما تقول في السجود و الأولى أن يقال: «لا إله إلّا اللَّه حقّا حقّا.» إلى آخر الذكر.

ص: 574

ص: 575

ص: 576

[ (مسألة 8): السجود للَّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات]

(مسألة 8): السجود للَّه تعالى في نفسه من أعظم العبادات، و قد ورد فيه: «أنّه ما عُبد اللَّه بمثله»، و «أقرب ما يكون العبد إلى اللَّه و هو ساجد»، و يستحبّ أكيداً للشكر للَّه عند تجدّد كلّ نعمة، و دفع كلّ نقمة، و عند تذكّرهما، و للتوفيق لأداء كلّ فريضة أو نافلة، بل كلّ فعل خير حتّى الصلح بين اثنين. و يجوز الاقتصار على واحدة، و الأفضل أن يأتي باثنتين؛ بمعنى الفصل بينهما بتعفير الخدّين أو الجبينين، و يكفي في هذا السجود مجرّد وضع الجبهة مع النية، و الأحوط فيه وضع المساجد السبعة، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، بل اعتبار عدم كونه ملبوساً أو مأكولًا لا يخلو من قوّة، كما تقدّم في سجود التلاوة. و يستحبّ فيه افتراش الذراعين و إلصاق الجؤجؤ و الصدر و البطن بالأرض. و لا يشترط فيه الذكر؛ و إن استُحبّ أن يقول: «شكراً للَّهِ» أو «شُكراً شُكراً» مائة مرّة، و يكفي ثلاث مرّات، بل مرّة واحدة. و أحسن ما يقال فيه ما ورد عن مولانا الكاظم (عليه السّلام): «قل و أنت ساجد: اللّهُمَّ إنّي أُشهِدُكَ، و أُشهِدُ ملائِكتَكَ و أنبياءَكَ و رُسُلكَ، و جميعَ خلقِكَ:

ص: 577

أنّكَ أنتَ اللَّه ربّي، و الإسلامَ ديني، و مُحمّداً نبيّي و عَليّاً و الحسَنَ و الحُسينَ تعدّهم إلى آخرهم أئمَّتي بهم أتوَلّى، و مِن أعدائِهم أتبرّأ.

اللّهُمَّ إنّي أَنشدُكَ دمَ المظلوم ثلاثاً اللّهمَّ إنّي أَنشدُك بإيوائِكَ على نفسِكَ لأعدائِكَ لتُهلكنَّهُم بأيدينا و أيدي المُؤمِنين.

اللهمَّ إنّي أَنشدُك بإيوائِكَ على نفسك لأوليائِك لَتُظفرَنَّهُم بعدوّك و عدوّهم، أن تُصلّي على مُحمَّدٍ و على المُستحفظينَ من آلِ محمّد ثلاثاً اللهُمَّ إنّي أسألُكَ اليُسر بعد العُسر؛ ثلاثاً. ثمّ تضع خدّك الأيمن على الأرض و تقول: يا كَهفي حينَ تُعييني المذاهِبُ، و تضيقُ عليَّ الأرضُ بِما رَحُبَت، يا بارئَ خَلقي رَحمَةً بي و قَد كُنتَ عن خلقِي غنيّاً، صلّ عَلى مُحمّدٍ و عَلى المُستَحفظينَ من آلِ محمّدٍ.

ثمّ تضع خدّك الأيسر و تقول: يا مُذِلَّ كُلّ جبَّارٍ و يا مُعِزَّ كُلّ ذَلِيلٍ قد وَ عِزَّتِكَ بَلَغَ مجهودِي ثلاثاً ثمّ تقول: يا حنّانُ يا مَنّانُ يا كاشِفَ الكُربِ العِظامِ ثمّ تعود للسجود فتقول مائة مرّة: شُكراً شُكراً، ثمّ تسأل حاجتك تُقضى إن شاء اللَّه» (1).


1- و يعجبني نقل حديث في ثواب سجدة الشكر؛ ففي صحيح مرازم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سجدة الشكر واجبة على كلّ مسلم تتمّ بها صلاتك و ترضي بها ربّك و تعجب الملائكة منك، و إنّ العبد إذا صلّى ثمّ سجد سجدة الشكر فتح الربّ تبارك و تعالى الحجاب بين العبد و بين الملائكة فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي و أتمّ عهدي ثمّ سجد لي شكراً على ما أنعمتُ به عليه، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربّنا رحمتك، ثمّ يقول الربّ تبارك و تعالى ثمّ ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا جنّتك، فيقول الربّ تعالى: ثمّ ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا كفاية مهمّه، فيقول الربّ تعالى: ثمّ ماذا؟ فلا يبقى شي ء من الخير إلّا قالته الملائكة، فيقول اللَّه تعالى: يا ملائكتي ثمّ ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربّنا لا علم لنا، فيقول اللَّه تعالى لأشكرنّه كما شكرني و أقبل إليه بفضلي و أُريه رحمتي(وسائل الشيعة 7: 6، كتاب الصلاة، أبواب سجدتي الشكر، الباب 1، الحديث 5.)

ص: 578

ص: 579

[القول في التشهّد]

القول في التشهّد

[ (مسألة 1): يجب التشهّد في الثنائيّة مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة]

(مسألة 1): يجب التشهّد في الثنائيّة مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، و في الثلاثيّة و الرباعيّة مرّتين: الاولى بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية، و الثانية بعد رفع الرأس منها في الركعة الأخيرة. و هو واجب غير ركن تبطل الصلاة بتركه عمداً لا سهواً حتّى يركع و إن وجب عليه قضاؤه، كما يأتي في الخلل (1).


1- وجوب التشهّد في كلّ ثنائية مرّة بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة في الركعة الثانية و مرّتين في الثلاثية و الرباعية بعد الركعة الثانية و الأخيرة إجماعي بقسميه. و في «الجواهر»: بل المحكي منهما متواتر و في أعلى درجات الاستفاضة كالنصوص، بل لعلّه من ضروريات مذهبنا(جواهر الكلام 10: 246.) انتهى. و من العامّة من يقول بوجوب التشهّد في الأخير فقط كعمر و ابنه و الشافعي و الحنابلة، و قال أبو حنيفة و مالك بعدم وجوب الثاني أيضاً، و عن أبي حنيفة وجوب الجلوس فيهما بقدر التشهّد. و يدلّ على وجوبه بعد الركعة الثانية و الرابعة صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله. إلى أن قال فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه، الحمد للَّه، و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله.(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما يجزي من القول في التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال أن تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له ، قلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 396، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح أبي نصر البزنطي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك التشهّد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 3.) و يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب التشهّد و أنّه سنّة في الصلاة، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته(وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال تمّت صلاته، و أمّا التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد(وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 2.) و موثّقه الآخر عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل صلّى الفريضة، فلمّا فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال أمّا صلاته فقد مضت و بقي التشهّد، و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة فليتوضّأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد(وسائل الشيعة 6: 412، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 4.) ، و غيرها من روايات الباب. و فيه أوّلًا: أنّ المخرج عن الصلاة عند الإمامية هو السلام المعبّر عنه ب «تحليلها التسليم». و ثانياً: أنّ الحدث في أثناء الصلاة في أيّ جزء كان مبطل إجماعاً. و ثالثاً: أنّ هذه الأخبار محمولة على صورة نسيان التشهّد دون التعمّد. و رابعاً: أنّها محمولة على التقية؛ لموافقته مذهب أكثر العامّة. و الدليل على كون التشهّد واجباً غير ركن، و أنّه يجب إتيانه ما لم يركع، هو صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس و تشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و موثّق سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسي أن يتشهّد، قال يسجد سجدتين يتشهّد فيهما(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.)

ص: 580

ص: 581

ص: 582

و الواجب فيه أن يقول: «أشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللَّهُ وحدَهُ لا شرِيكَ لهُ، و أشهَدُ أنَّ مُحمّداً عبدهُ و رسولُهُ، اللّهُمَّ صَلّ على مُحمّدٍ و آلِ مُحمدٍ» و يستحبّ الابتداء بقوله: «الحمدُ للَّه» أو «بِسمِ اللَّه و باللَّهِ، الحمدُ للَّهِ، و خيرُ الأسماءِ للَّهِ أو الأسماءُ الحسنى كلّها للَّه» و أن يقول بعد الصلاة على النبي و آله: «و تقبَّل شفاعتَهُ في أُمَّتهِ و ارفع درَجَتَهُ». و الأحوط عدم قصد التوظيف و الخصوصيّة به في التشهّد الثاني. و يجب فيه اللفظ الصحيح الموافق للعربية، و من عجز عنه وجب عليه تعلّمه (1).


1- وجوب الشهادتين في التشهّد مشهور بين الأصحاب، بل ممّا لا خلاف فيه بينهم، بل ادّعى عليه الإجماع في كلام كثير من فقهائنا. و يدلّ عليه خبر عبد الملك بن عمرو الأحول عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال التشهّد في الركعتين الأوّلتين: الحمد للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللّهم صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته في أُمّته و ارفع درجته(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) ، و سند الخبر و إن كان ضعيفاً بعبد الملك الغير الثابت حسنه فضلًا عن وثاقته إلّا برواية نفسه دعاء الصادق (عليه السّلام) له، و برواية ابن أبي عمير و نظائره عنه إلّا أنّ مضمون الخبر مجمع عليه، و عبّر في «مصباح الفقيه» عن هذا الخبر بالموثّق. و يدلّ عليه أيضاً خبر سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أدنى ما يجزي من التشهّد، قال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 398، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 6.) ، و سند الحديث ضعيف بيحيى بن طلحة النهدي المجهول حاله، و سورة بن كليب قد وقع في أسناد «تفسير علي بن إبراهيم». و صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات، قال مرّتين قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف ، قال: قلت: قول العبد: التحيّات للَّه و الطيّبات (و الصلوات) للَّه، قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) و يشعر به أيضاً ما رواه الصدوق في «العيون» و «العلل» بسنده عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال و إنّما جعل التشهّد بعد الركعتين لأنّه كما قدّم قبل الركوع و السجود من الأذان و الدعاء و القراءة، فكذلك أيضاً أخّر بعدها التشهّد و التحية و الدعاء(وسائل الشيعة 6: 395، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 6.) وجه الإشعار: أنّ ما يقدّم على الركوع و السجود من الأذان عبارة عن الشهادتين، فهو المعتبر المجعول في التشهّد بعد الركعتين؛ فالواجب في التشهّد الشهادتان المعروفتان كلتاهما. و يظهر من بعض الأخبار أنّ الشهادتين واجبتان في الركعة الأخيرة، و أمّا بعد الركعتين الأوّلتين فالواجب هو التشهّد الأوّل فقط، كما في صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): ما يجزي من التشهّد في الركعتين الأوّلتين؟ قال أن تقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له ، قلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 396، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 1.) و فيه أوّلًا: أنّ هذا الصحيح من الأخبار الشاذّة التي يجب ردّ علمها إلى أهله؛ فلا يصلح للمعارضة مع الأخبار المذكورة الدالّة على أنّ الواجب الشهادتان. و ثانياً: أنّه محمول على التقية. و ثالثاً: أنّه يحتمل أن يراد به كفاية نفس الشهادة مجرّدة عمّا يذكر قبلها من التحميد و التحيات و الأذكار و الأدعية التي كانت متعارفة في تلك الأعصار و نطقت بها الأخبار و الآثار، كما أنّه يراد بفقرتها الأخيرة بيان أنّه لا يعتبر في التشهّد الأخير أيضاً عدا محض الشهادة، من غير تعقيبه بالتحيات و الأذكار، كما ورد في صحيح أبي بصير بعد الشهادة بالرسالة بقوله أرسله بالحق بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّك نعم الربّ، و أنّ محمّداً نعم الرسول(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) و يشهد لهذا الاحتمال خبر البزنطي قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام): جعلت فداك التشهّد الذي في الثانية يجزي أن أقول في الرابعة؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 3.) وجه الاستشهاد أنّه لو كان التشهّد الذي في الثانية عبارة عن خصوص الشهادة بالتوحيد فقط لم يكن ذلك مجزياً في الرابعة بنصّ صحيح زرارة المتقدّم، حيث صرّح فيه بأنّ المجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين الشهادتان. و يظهر من بعض الأخبار أيضاً الاجتزاء في التشهّد ببعض المستحبّات فيه، كما في رواية بكر بن حبيب الأعمشي البجلي الكوفي، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أيّ شي ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال قل: يا حسن (بأحسن) ما علمت؛ فإنّه لو كان موقّتاً لهلك الناس(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 1.) و رواية حبيب الخثعمي عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: (يقول) إذا جلس الرجل للتشهّد فحمد اللَّه أجزأه(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 2.) و في رواية أُخرى عن بكر بن حبيب قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن التشهّد، فقال لو كان كما يقولون واجباً على الناس هلكوا، إنّما كان القوم يقولون: أيسر ما يعلمون إذا حمدت اللَّه أجزأ عنك(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 3.) و يرد على هذه الروايات أوّلًا: أنّها ضعيفة سنداً حيث إنّ بكر بن حبيب قد عدّه الشيخ من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و هو مجهول الحال، و وقع في سند رواية حبيب الخثعمي سعد بن بكر المجهول الحال. و ثانياً: أنّه ليس المراد منها نفي اعتبار الشهادتين المتعارفتين، بل الظاهر منها نفي اعتبار التحيات و الأذكار و الأدعية الطويلة التي يشقّ على العباد حفظها و إتيانها. و ثالثاً: سلّمنا أنّ المراد منها نفي اعتبار الشهادتين و لكنّها محمولة على التقية، كما حملها الشيخ عليها. و حكي عن الصدوق في «المقنع»: أنّ أدنى ما يجزي في التشهّد أن تقول: بسم اللَّه و باللَّه. و يظهر من بعض الأخبار الاكتفاء بقوله: «بسم اللَّه» فقط، كما في موثّقة عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إن نسي الرجل التشهّد في الصلاة فذكر أنّه قال: بسم اللَّه فقط فقد جازت صلاته، و إن لم يذكر شيئاً من التشهّد أعاد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 7.) و خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن رجل ترك التشهّد حتّى سلّم كيف يصنع؟ قال إن ذكر قبل أن يسلّم فليتشهّد و عليه سجدتا السهو، و إن ذكر أنّه قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه أو بسم اللَّه أجزأه في صلاته، و إن لم يتكلّم بقليل و لا كثير حتّى يسلّم أعاد الصلاة(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 8.) و يردّ قول الصدوق بأنّه مخالف للإجماع. و يرد على الخبرين: أنّهما وردا في ناسي التشهّد و أنّه لا يعيد الصلاة بمجرّد نسيان التشهّد مع تذكّره و التلفّظ ببسم اللَّه؛ فلا يدلّ على جواز الاكتفاء ببسم اللَّه لمن ترك التشهّد عمداً. و حكي في «الوسائل» عن الشيخ أنّه قال: المراد جازت صلاته و لا يعيدها و يقضي التشهّد، و إذا لم يذكر شيئاً أعاد الصلاة إذا كان تركه عمداً(وسائل الشيعة 6: 404، ذيل الحديث 7.) انتهى. و لا يخفى: أنّ إعادة الصلاة فيما نسي التشهّد حتّى سلّم ممّا لم يفت به أحدٌ من أصحابنا؛ فيجب طرح الخبرين و ردّ علمهما إلى أهله. ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في صورة الشهادتين؛ فقال جماعة منهم: إنّ صورتهما: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه»: فعن المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر»: و صورتهما «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه». و عن العلّامة في «القواعد»: و الواجب «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»، و لو أسقط الواو في الثاني أو اكتفى به أو أضاف الآل أو الرسول إلى المضمر فالوجه الإجزاء. و عن «المنتهي»: و صورة التشهّد الواجب: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه» و ما زاد عليه فهو مندوب. و في «المدارك»: المشهور بين الأصحاب انحصار الواجب من التشهّد فيما ذكره المصنّف (رحمه اللَّه)، و أنّه لا يجب ما زاد عنه و لا يجزي ما دونه. و صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بعد نقل عبارة «الشرائع» المتقدّمة قال: و الظاهر إرادة الاجتزاء بذلك لا تعيينه بحيث يقدح فيه الزيادة؛ للقطع بعدمه؛ ضرورة زيادة أكثر النصوص «وحده لا شريك له» في الأُولى «و عبده» قبل «الرسول» مع إبدال الظاهر بالمضمر في الثانية، و إجزاؤهما بهذه الصورة مجمع عليه تحصيلًا و نقلًا في «المدارك» و غيرها؛ فلا ريب في عدم إرادة تعيين الصورة المزبورة(جواهر الكلام 10: 264.) انتهى. و قال جماعة أُخرى منهم: إنّه لا يجزي الصورة المذكورة، بل يجب زيادة «وحده لا شريك له» في الشهادة الأُولى، و التعبير عن الشهادة الثانية بقوله: «أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله». و استدلّ للقول الأوّل بأنّ الأصل عدم وجوب الزائد على الشهادتين، و بإطلاق بعض الأخبار الدالّة على كفاية الشهادتين، كخبر سورة بن كليب المتقدّم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن أدنى ما يجزي من التشهّد، قال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 398، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 6.) و صحيح زرارة المتقدّم قلت: فما يجزي من تشهّد الركعتين الأخيرتين؟ فقال الشهادتان(وسائل الشيعة 6: 396، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح الفضلاء الثلاث الفضيل و زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 5.) ، و غيرها من الروايات. و استدلّ للقول الثاني بخبر عبد الملك بن عمرو الأحول عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال التشهّد في الركعتين الأوّلتين: الحمد للَّه أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و تقبّل شفاعته و ارفع درجته(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّداً عبده و رسوله. إلى أن قال (عليه السّلام) فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله.(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. لا يخفى: أنّ اشتمال هذا الحديث و غيره على جملة من المستحبّات في التشهّد لا يقدح في الاستدلال؛ لأنّ استحباب المستحبّات قد علم بالدليل الخارجي. و صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات، قال مرّتين ، قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف.(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) الخبر. و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل مطلقاتها على مقيّداتها، مع احتمال كون الزيادة من المندوبات؛ فالأحوط لو لم يكن الأقوى تعيّن الصورة الواردة في الأخبار المقيّدة. كما أنّ الأقوى أيضاً القول بوجوب تكرار «أشهد» مع «واو» العطف؛ لكونهما مذكورين في الروايات المقيّدة، هذا. مضافاً إلى أنّ صدق الشهادتين يتوقّف على تكرار لفظ «أشهد»؛ إذ مع حذف لفظ «أشهد» من الثانية و الاكتفاء بالعطف لا تتحقّق الشهادتان. بل تكون في الحقيقة شهادة واحدة على أمرين، و الحال أنّه لا بدّ في التشهّد من الشهادتين. و في «الجواهر»: بل يمكن دعوى توقّف صدق الشهادتين على المتكرّر فيهما لفظ الشهادة؛ ضرورة مراعاة اللفظ في التسمية كالتسبيح و التكبير و التهليل، و ليس العطف بمنزلة ذكر اللفظ مطلقاً؛ خصوصاً مع إمكان دعوى تعارف الشهادتين في المتكرّر فيهما اللفظ في الأذان و غيره. و لعلّ عدم الذكر في خبر أبي بصير للسهو من الرواة أو النسّاخ(جواهر الكلام 10: 266.) انتهى. قد تقدّم نقل صحيح أبي بصير و لم يذكر فيه «أشهد» في الشهادة الثانية في تشهّد الركعة الثانية. فرع: يعتبر الترتيب في الشهادتين بتقديم الشهادة بالتوحيد على الشهادة بالرسالة؛ لظاهر الأخبار، فلو عكس عمداً بطل. بقي الكلام في الصلاة على النبي و آله في التشهّد، و البحث فيه يقع في جهات: الاولى: أنّ الصلاة على النبي و آله واجبة في التشهّد بلا خلاف فيه، بل ادّعي الإجماع عليه في كلام جماعة من فقهائنا، و لم يحك الخلاف فيه إلّا عن الصدوق و والده و ابن الجنيد، حيث إنّه لم يكن في كتب الصدوق؛ خصوصاً كتابه «الفقيه» أثر من ذكر الصلاة على النبي و آله في التشهّد. نعم قد روى في «الفقيه» في باب الفطرة عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير و زرارة قالا: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة؛ يعني الفطرة، كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، إنّ اللَّه عزّ و جلّ قد بدأ بها قبل الصوم (الصلاة. خ) قال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(الفقيه 2: 119/ 515، وسائل الشيعة 6: 407، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 2.) و حكي عنه في «الأمالي»: أنّ من دين الإمامية الإقرار بأنّه يجزي في التشهّد الشهادتان و الصلاة على النبي و آله، انتهى. و لعلّ تركه ذكر الصلاة على النبي و آله في التشهّد في سائر كتبه خصوصاً «الفقيه» في مبحث التشهّد لوضوحه و أنّه كان من المسلّمات عند الإمامية. و كيف كان: فقد قال بوجوبها جماعة من العامّة؛ ففي «الخلاف» مسألة (128): الصلاة على النبي فرض في التشهّدين و ركن من أركان الصلاة، و به قال الشافعي في التشهّد الأخير، و به قال ابن مسعود و أبو مسعود البدري الأنصاري و اسمه عقبة بن عمرو بن عمر و جابر و أحمد و إسحاق، و قال مالك و الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه: إنّه غير واجب(الخلاف 1: 369/ المسألة 128.) و قال في المسألة (132): الصلاة على آل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في التشهّد واجبة، و قال أكثر أصحاب الشافعي: سنّة، و قال البويحي (التربجي) من أصحابه: هي واجبة(الخلاف 1: 373/ المسألة 132.) انتهى. الجهة الثانية: في الدليل على وجوب الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم). و يدلّ عليه من طريق العامّة ما روي عن عائشة قالت: سمعت رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) لا تقبل صلاة إلّا بطهور و بالصلاة عليّ(سنن الدارقطني 1: 355/ 4.) و عن ابن مسعود عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إذا تشهّد أحدكم في صلاة فليقل: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(السنن الكبرى، البيهقي 2: 379.) و عن جابر الجعفي عن ابن مسعود قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من صلّى صلاة و لم يصلّ فيها عليّ و على أهل بيتي لم تقبل منه(سنن الدارقطني 1: 355/ 6.) و من طريق الخاصّة ما رواه في «التهذيب» عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن أبي بصير و زرارة جميعاً عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه قال من تمام الصوم إعطاء الزكاة كما أنّ الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من تمام الصلاة، و من صام و لم يؤدّها فلا صوم له إن (إذا) تركها متعمّداً، و من صلّى و لم يصلّ على النبي و ترك ذلك متعمّداً فلا صلاة له؛ إنّ اللَّه تعالى بدأ بها (قبل الصلاة)؛ فقال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(وسائل الشيعة 6: 407، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 2.)( لم يرد الحديث في كتب الشيخ بهذا السند و إنّما ورد بهذا السند في الفقيه 2: 119/ 515).) و رواية محمّد بن هارون عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا صلّى أحدكم و لم يذكر النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في صلاته يسلك بصلاته غير سبيل الجنّة ، قال و قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللَّه ، قال و قال (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم): من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنّة(وسائل الشيعة 6: 408، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 3.) و الرواية ضعيفة بمفضل بن صالح أبي جميلة الأسدي فإنّه كذّاب يضع الحديث، و بجهالة محمّد بن هارون. و قصور سند أكثر هذه الأخبار بوقوع الضعاف في طريقها، و دلالتها من حيث عدم تعيين موضع الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أنّه التشهّد أو غيره، غير قادح بعد انجبار سندها بالإجماع المدّعى عن جماعة، و دلالتها بمعهودية أنّ موضعها في الشريعة التشهّد بعد الشهادتين و قبل التسليم. الجهة الثالثة: الدليل على وجوب الصلاة على آل النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مضافاً إلى الإجماع المصرّح في مورده بها هو عدم القول بالفصل بين النبي و آله، و معهودية الوصل بينهما في الشريعة، و عدم الفصل بينهما من شعائر الشيعة. و استدلّ له أيضاً برواية عبد الملك بن عمرو الأحول المتقدّم، حيث إنّ المذكور فيها بعد الشهادتين اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) ، و صحيح أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) حيث إنّ الصلاة على النبي و آله قد ذكر في موضعين من الحديث أي بعد الركعة الثانية و بعد الركعة الرابعة بقوله (عليه السّلام) اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) و اشتمال الروايتين على جملة من المندوبات لا ينافي الاستدلال بهما على وجوب الصلاة على النبي و آله؛ لقيام الدليل الخارجي على خصوص المندوبات، و يبقى غيرها تحت الظهور في الوجوب. و استدلّ له أيضاً بما رواه الصدوق في «العلل» بسنده عن الصبّاح المُزني و سدير الصيرفي و محمّد بن النعمان مؤمن الطاق و عمر بن أُذينة كلّهم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث طويل. إلى أن قال و ذهبت أن أقوم، فقال: يا محمّد اذكر ما أنعمت عليك و سمّ باسمي، فألهمني اللَّه أن قلتُ: بسم اللَّه و باللَّه لا إله إلّا اللَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، فقال لي: يا محمّد صلّ عليك و على أهل بيتك، فقلت: صلّى اللَّه عليّ و على أهل بيتي(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و بما روى في «العلل» أيضاً بسنده عن إسحاق بن عمّار في حديث طويل قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام). إلى أن قال ثمّ قال له: ارفع رأسك ثبّتك اللَّه و أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أنّ محمّداً رسول اللَّه، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(وسائل الشيعة 5: 468، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 11.) الجهة الرابعة: في صورة الصلاة على النبي و آله: فقال جماعة بكفاية قوله: «صلّى اللَّه عليه و آله» ففي «المقنعة» في مبحث كيفية الصلاة قال: و يتشهّد فيقول: «بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و الأسماء الحسنى كلّها للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، صلّى اللَّه عليه و آله الطاهرين» و يسلّم تجاه القبلة تسليمة واحدة، يقول: «السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته». ثمّ ذكر (رحمه اللَّه) بعد ستّ صفحات في التشهّد في الركعة الرابعة من الظهر و العصر و العشاء و في التشهّد الثاني من الثالثة في المغرب و في الثانية من الغداة: «أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله أرسله بالحقّ بشيراً و نذيراً بين يدي الساعة، أشهد أنّ ربّي نعم الربّ، و أنّ محمّداً نعم الرسول، و أنّ الجنّة حقّ و النار حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللَّه يبعث من في القبور، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»(المقنعة: 107 و 113.) انتهى. و عن العلّامة في «نهاية الإحكام» بعد حكمه بوجوب «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» عقيب الشهادتين، قال: و لو قال: «صلّى اللَّه على محمّد و آله»، أو قال: «صلّى اللَّه عليه و آله»، أو «صلّى اللَّه على رسوله و آله»، فالأقرب الإجزاء(نهاية الإحكام 1: 500.) انتهى. و في «الجواهر»: فلا ريب في أنّ الأقوى إجزاء مطلق مسمّى الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و إن كان الأحوط الاقتصار على اللفظ المخصوص(جواهر الكلام 10: 264.) انتهى. و استدلّ للقول الأوّل بإطلاق أدلّة وجوب الصلاة على النبي و آله، و بما رواه الصدوق (رحمه اللَّه) في «العلل» بسنده المتقدّم الحاكي لكيفية صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في المعراج فقال لي: يا محمّد صلّ عليك و على أهل بيتك، فقلت: صلّى اللَّه عليَّ و على أهل بيتي. و بمضمرة سماعة على ما نقل عن نسخة «الوافي» قال: سألته عن رجل كان يصلّي. إلى أن قال و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله صلّى اللَّه عليه و آله(الوافي 8: 1249/ 8173، وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) ، و لم يذكر في كثير من النسخ قوله صلّى اللَّه عليه و آله. و يحتمل أن يكون ثبوته في نسخة «الوافي» من آداب الكاتب، كما هو دأب الكاتبين من كتابة جملة «صلّى اللَّه عليه و آله» بعد كتابة كلمة «النبي» و «الرسول» و اسمه و كنيته، و كذلك كان دأبهم على كتابة جملة «عليه السلام» بعد ذكر أسماء كلّ واحد من الأئمّة المعصومين سلام اللَّه عليهم أجمعين فعلى هذا الاحتمال لا تكون جملة «صلّى اللَّه عليه و آله» من متن الحديث. و استدلّ للقول الثاني بما روي من طرق العامّة عن ابن مسعود عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال إذا تشهّد أحدكم في صلاة فليقل: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(السنن الكبرى، البيهقي 2: 379.) ، و ضعف السند يجبر بعمل الأصحاب و استدلالهم على وجوب الصلاة المذكورة به. و بما رواه عبد الملك بن عمرو الأحول(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام)(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) المتقدّمين. و لا يخفى: أنّ الأحوط بل الأقوى الاكتفاء بقوله: «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»؛ لكونه المتيقّن في الإجزاء بالصلاة على النبي و آله، و هو المطابق للسيرة المستمرّة، و لم يقل أحدٌ من فقهائنا بعدم الاجتزاء به. ثمّ إنّه ينبغي البحث في الصلاة عليه و آله في غير الصلاة في ضمن أُمور: الأوّل: هل تجب الصلاة عليه حيثما جرى ذكره للمتكلّم أو السامع، أو لا بل تستحبّ؟ نسب الفاضل الخراساني في «الذخيرة» القول بالوجوب إلى ابن بابويه و الفاضل المقداد في «كنز العرفان» و الشيخ البهائي. و عن صاحب «الكشّاف» بعد القول بأنّ الصلاة على رسول اللَّه واجبة، قال: و قد اختلفوا: فمنهم من أوجبها كلّما جرى ذكره، و منهم من قال: تجب في كلّ مجلس مرّة و إن تكرّر ذكره، و منهم من أوجبه في العمر مرّة، و الذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كلّ ذكر؛ لما ورد من الأخبار(الكشاف 3: 557.) انتهى ملخّصاً. و صاحب «المدارك»(مدارك الأحكام 3: 428.) بعد قوله: بأنّه لا ريب في رجحان الصلوات على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في جميع الأحوال، قال: بل لا يبعد وجوبها إذا ذكر؛ لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال و صلّ النبي و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان و غيره(وسائل الشيعة 5: 451، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 42، الحديث 1.) و إليه ذهب صاحب «الحدائق» فإنّه بعد ذكر الأخبار المدّعى دلالتها على الوجوب، قال: القول بالوجوب في المقام ممّا لا يعتريه غشاوة الإبهام؛ لصحّة جملة من هذه الأخبار. إلى أن قال: فالإنكار بعد ذلك مكابرة صرفة(الحدائق الناضرة 8: 463.) انتهى. و نسبه إلى المحدّث الكاشاني في «الوافي»، و المحقّق المدقّق المازندراني في شرحه على «أُصول الكافي» و شيخه المحدّث الصالح الشيخ عبد اللَّه بن صالح البحراني، و به قال صاحب «الوسائل» (رحمه اللَّه). و قال جماعة من فقهائنا باستحبابها، و هو المشهور. و عن المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي» دعوى الإجماع عليه. و القائلون بالوجوب استدلّوا بالأمر الوارد في الآية الشريفة إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً(الأحزاب( 33): 56.) و الروايات المستفيضة: منها صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: لا يجزيك من الأذان إلّا ما أسمعت نفسك أو فهمته و افصح بالألف و الهاء، و صلّ على النبي و آله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره، و كلّما اشتدّ صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر و كان أجرك في ذلك أعظم(الفقيه 1: 184/ 875.) و رواية محمّد بن هارون المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال و قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله: من ذكرتُ عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللَّه(وسائل الشيعة 6: 408، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات الذي ذكرها في «الحدائق». و القائلون بالاستحباب استدلّوا بأصالة عدم الوجوب و الشهرة و الإجماع المدّعى عن جماعة؛ منهم المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهي»، و أنّ الأخبار محمولة على تأكّد الاستحباب. قال المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»: كفى شاهداً لنفي الوجوب عدم اشتهاره بين المسلمين؛ لقضاء العادة بأنّ مثل هذا التكليف الذي يعمّ به الابتلاء لو كان ثابتاً في الشرع لصار من ضروريات الدين، مع أنّ المشهور بين الخاصّة و العامّة لو لم يكن مجمعاً عليه عندهم عدمه؛ فلا ينبغي التأمّل فيه. و إنّ الروايات الواردة في الحثّ عليها إنّما قصد بها تأكّد الاستحباب(مصباح الفقيه، الصلاة: 369/ السطر 12.) انتهى. أقول: لولا مخالفة الشهرة في المسألة لقلنا بالوجوب في المسألة. الثاني: هل يختصّ وجوب الصلاة على النبي أو استحبابه بذكر اسمه المعروف «محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)»، أو لا يختصّ به بل يجري الحكم فيما ذكر بغير الاسم المذكور من أسمائه و أوصافه و كنيته كأبي القاسم و أحمد و المختار و خير الخلق و خير البرية و النبي و الرسول و غيرها؟ ذهب إلى كلٍّ فريق، و فصّل صاحب «الحدائق» بين الاسم العلمي و ما اشتهر به من الكنى و الألقاب كالرسول و النبي و أبي القاسم فأوجبها فيها، و بين ما ليست كذلك مثل خير الخلق و خير البرية و المختار و نحو ذلك فقال: بعدم الوجوب فيها، و قال: و الظاهر أنّ الضمير من قبيل الثاني(الحدائق الناضرة 8: 464.) و أورد عليه المحقّق الهمداني (رحمه اللَّه) في «مصباح الفقيه» بأنّ الحكم دائر مدار ذكره (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بأيّ عبارة يكون، و ليس دائراً مدار اسمه العلمي و ما الحق به(مصباح الفقيه، الصلاة: 370/ السطر 6.) أقول: و ما ذكره المحقّق الهمداني هو الظاهر من روايات المسألة، و هو الأحوط. الثالث: أنّ ذكر النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) سبب للصلاة عليه و آله وجوباً أو استحباباً على القولين و مقتضى إطلاق السببية تكرار المسبّب بتكرّر السبب؛ حتّى مع عدم تخلّل الصلاة بين الذكرين. و أمّا ذكره في ضمن الصلاة عليه و آله ابتداءً فلا يوجب صلاة أُخرى بالنسبة إلى نفس الذاكر المصلّي؛ لكونه خارجاً عن منصرف الأدلّة. و أمّا بالنسبة إلى السامع فتشمله الأدلّة؛ فتجب عليه الصلاة كلّما سمعه. و كذا ذكره في الصلاة التي يأتي بها لأجل ذكره نفسه اسمه أو سماعه اسمه عن الغير لا يوجب الصلاة عليه، و إلّا يلزم التسلسل. الرابع: أنّه لا تتمّ الصلاة عليه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) إلّا بضمّ آله إليه، و الأخبار به مستفيضة من طرق العامّة و الخاصّة: فعن طريق العامّة قد روى علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي الصوفي المعروف بالخازن في تفسيره المسمّى ب «لباب التأويل في معاني التنزيل» في تفسير آية إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَ سَلِّمُوا تَسْلِيماً(الأحزاب( 33): 56.) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: أ لا أهدي لك هدية؟ إنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و سلّم) خرج علينا فقلنا: يا رسول اللَّه قد علمنا كيف نسلّم عليك، فكيف نصلّي عليك؟ قال قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللهمّ بارك على محمّد و على آل محمّد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد(انظر صحيح مسلم 1: 386/ 406.) و روى أيضاً عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و سلّم) مِن سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلّى علينا أهل البيت؛ فليقل اللهمّ صلّ على محمّد النبي الأُمّي و أزواجه أُمّهات المؤمنين و ذرّيته و أهل بيته، كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد(انظر السنن الكبرى، البيهقي 2: 151.) ، انتهى كلام الخازن. و عن ابن حجر في «الصواعق المحرقة» أنّه روي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أنّه قال لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء ، فقالوا: و ما الصلاة البتراء؟ فقال تقولون: اللهمّ صلّ على محمّد و تمسكون، بل قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد(انظر الحدائق الناضرة 8: 465، الصواعق المحرقة: 146.) و من طريق الخاصّة ما رواه الكليني بسنده الصحيح عن ابن القدّاح عبد اللَّه بن ميمون عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال سمع أبي رجلًا متعلّقاً بالبيت، و هو يقول: اللهمّ صلّ على محمّد، فقال له أبي (عليه السّلام): لا تبترها لا تظلمنا حقّنا، قل: اللهمّ صلّ على محمّد و أهل بيته(وسائل الشيعة 7: 202، كتاب الصلاة، أبواب الذكر، الباب 42، الحديث 2.) و رواية عبد اللَّه بن الحسن بن علي، عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من قال: صلّى اللَّه على محمّد و آله قال اللَّه جلّ جلاله: صلّى اللَّه عليك، فليكثر من ذلك. و من قال: صلّى اللَّه على محمّد و لم يصلّ على آله لم يجد ريح الجنّة، و ريحها يوجد من مسير خمسمائة عام(وسائل الشيعة 7: 203، كتاب الصلاة، أبواب الذكر، الباب 42، الحديث 6.) و غيرهما من روايات الباب. الخامس: إذا سمع اسم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في أثناء الصلاة و لم يصلّ عليه و آله حين سمعه و اشتغل بإتمام الصلاة فهل تبطل صلاته بناءً على القول بالوجوب، أولا تبطل بل أثم بترك الصلاة عليه و آله؟ قيل بالبطلان؛ للقاعدة المعروفة؛ و هي أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه، و فيما كان الضدّ من قبيل العبادة يفسد. و فيه: أنّ القاعدة على فرض تسليمها مسلّمة فيما كان النهي متوجّهاً إلى ذات العبادة و لو بجزئها أو شرطها كالصلاة في دار مغصوبة و التوضّي بماء مغصوب، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. السادس: يظهر من بعض الأخبار وجوب الفور في الصلاة على النبي و آله بناءً على القول بوجوبها؛ فلو أهمل الفور أثم و لا يسقط الوجوب؛ و ذلك لصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) المتقدّم صلّ على النبي كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره.

ص: 583

ص: 584

ص: 585

ص: 586

ص: 587

ص: 588

ص: 589

ص: 590

ص: 591

ص: 592

ص: 593

ص: 594

ص: 595

ص: 596

ص: 597

ص: 598

ص: 599

ص: 600

ص: 601

[ (مسألة 2): يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بأيّ كيفيّة كان]

(مسألة 2): يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بأيّ كيفيّة كان. و يُكره الإقعاء؛ و هو أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض، و يجلس على عقبيه، و الأحوط تركه. و يستحبّ فيه التورّك، كما يستحبّ ذلك بين السجدتين و بعدهما، كما تقدّم (1).


1- هنا أُمور: الأوّل: يجب الجلوس مطمئنّاً حال التشهّد بمقدار ذكره الواجب، و قد ادّعي عليه الإجماع بقسميه في كلام جماعة من فقهائنا، و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني (رحمه اللَّه): و لا يبعد أن يكون اختصاص شرعيته بحال الجلوس لدى التمكّن منه من الضروريات(مصباح الفقيه، الصلاة: 365/ السطر الأخير.) انتهى. و يدلّ عليه موثّق أبي بصير المتقدّم عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا جلست في الركعة الثانية فقل: بسم اللَّه و باللَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله. إلى أن قال فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم اللَّه و باللَّه و الحمد للَّه و خير الأسماء للَّه، أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله.(وسائل الشيعة 6: 393، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. و صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات؟ قال مرّتين ، قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف ، قال: قلت: قول العبد: التحيات للَّه و الطيّبات (و الصلوات) للَّه؟ قال هذا اللطف من الدعاء يلطف العبد ربّه(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسي فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال فليجلس ما لم يركع و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا قمت في الركعتين من ظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس و تشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و رواية علي بن حمزة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال من نسي أن يجلس في التشهّد الأوّل و قام في الثالثة فذكر أنّه لم يجلس قبل أن يركع جلس فتشهّد، فإذا سلّم سجد سجدتي السهو، و إن لم يذكر إلّا بعد أن ركع مضى في صلاته و سجد سجدتي السهو(مستدرك الوسائل 5: 13، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 6، الحديث 1.) الثاني: أنّه يكفي حال التشهّد الجلوس بأيّ كيفية كان؛ و ذلك لإطلاق الجلوس و القعود في النصوص و الفتاوى، و الأصل عدم وجوب كيفية خاصّة من كيفياته. الثالث: الإقعاء، قد اختلف فقهاؤنا في حكمه، و هو على ما عرّفه الفقهاء أن يعتمد بصدر قدميه على الأرض و يجلس على عقبيه. فذهب جماعة إلى جوازه بدون الكراهة، كما عن الشيخ في «المبسوط»، و نسب إلى السيّد المرتضى أيضاً، قال في «المبسوط»: و الأفضل أن يجلس متورّكاً، و إن جلس بين السجدتين و بعد الثانية مقعياً كان جائزاً(المبسوط 1: 113.) انتهى. و قال بعد خمس صفحات في عداد التروك المسنونة: و لا يقعي بين السجدتين، انتهى. و ذهب ابن إدريس و العلّامة في «المختلف» و «النهاية» و الشهيدان إلى شدّة كراهة الإقعاء في التشهّد. قال ابن إدريس في «السرائر»: لا بأس بالإقعاء بين السجدتين من الاولى و الثانية و الثالثة و الرابعة، و تركه أفضل و يكره أشدّ من تلك الكراهة في حال الجلوس للتشهّدين. و قد يوجد في بعض كتب أصحابنا: و لا يجوز الإقعاء في حال التشهّدين، و ذلك يدلّ على تغليظ الكراهة لا الحظر؛ لأنّ الشي ء إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز، و يعرف ذلك بالقرائن(السرائر 1: 227.) انتهى. و عن الشيخ في «النهاية» و الصدوق عدم جواز الإقعاء، قال في «النهاية»: و لا بأس أن تقعد متربّعاً أو تقعي بين السجدتين، و لا يجوز ذلك في حال التشهّد(النهاية: 72.) قال في «الفقيه»: و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين؛ لأنّ المقعي ليس بجالس، إنّما يكون بعضه قد جلس على بعض (بعضه. خ)(الفقيه 1: 206/ 930.) و اختار هذا القول صاحب «الحدائق» (رحمه اللَّه) قال: و لا يخفى أنّ ما ذكره الأصحاب من جواز الإقعاء على كراهة في جلوس الصلاة مطلقاً مع تفسيرهم الإقعاء بالجلوس على عقبين معتمداً على صدور قدميه، ظاهرٌ في صحّة الصلاة بجلوسه على هذه الكيفية. و هو مشكل؛ فإنّ صدق الجلوس شرعاً أو عرفاً على هذه الكيفية لا يخلو من بُعد؛ سيّما مع تصريح الخبر بأنّ المقعي ليس بجالس. و الظاهر: أنّ ما ذكره في «الفقيه» و صرّحت به رواية عمرو بن جميع من عدم الجواز مراد به ظاهره لا المبالغة في الكراهة، كما صرّح به ابن إدريس؛ لما عرفت من أنّ الجالس على عقبيه مع اعتماده على صدور رِجليه لا يصدق عليه أنّه جالس، كما صرّحت به الرواية. و حينئذٍ يجب حمل لفظ «لا ينبغي» في رواية «السرائر» على معنى التحريم، و هو أكثر كثير في الأخبار(الحدائق الناضرة 8: 319.) انتهى كلام «الحدائق». أقول: لا يخفى شذوذ القول بعدم جواز الإقعاء، و أخبار المنع يحمل على الكراهة، و لفظ «لا ينبغي» له ظهور قوي في الكراهة إلّا أن تقوم قرينة على الحرمة. و لا بأس بذكر بعض الأخبار الواردة في الإقعاء، كرواية محمّد بن إدريس في «مستطرفات السرائر» نقلًا من كتاب حريز بن عبد اللَّه عن زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) لا بأس بالإقعاء فيما بين السجدتين، و لا ينبغي الإقعاء في موضع التشهّد، إنّما التشهّد في الجلوس و ليس المقعي بجالس(وسائل الشيعة 6: 391، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 1، الحديث 1.) و رواية عمرو بن جميع الأزدي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) لا بأس بالإقعاء في الصلاة بين السجدتين و بين الركعة الأُولى و الثانية، و بين الركعة الثالثة و الرابعة، و إذا أجلسك الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى، و لا يجوز الإقعاء في موضع التشهّدين إلّا من علّة؛ لأنّ المقعي ليس بجالس، إنّما جلس بعضه على بعض. و الإقعاء أن يضع الرجل ألييه على عقبيه في تشهّديه. فأمّا الأكل مقعياً فلا بأس به؛ لأنّ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) قد أكل مقعياً(وسائل الشيعة 6: 349، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 6، الحديث 6.) و عمرو بن جميع مجهول الحال، لكن يونس بن عبد الرحمن و عثمان بن عيسى من أصحاب الإجماع قد رويا عنه. الرابع: يستحبّ التورّك حال الجلوس في التشهّد. و فسّر في كلام الفقهاء بأن يجلس على وركه الأيسر و يخرج رجليه جميعاً من تحته و يجعل رجله اليسرى على الأرض و ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى و يفضي بمقعدته على الأرض. و ادّعى العلّامة في «التذكرة» الإجماع على استحبابه، و حكي عن ابن جنيد في تورّك التشهّد أنّه قال: يلزق ألييه جميعاً و وركه الأيسر و ظاهر فخذه الأيسر بالأرض، و لا يجزيه غير ذلك، انتهى. و قوله شاذّ لا يعبأ به. و يدلّ على المسألة صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في حديث طويل قال و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئاً، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى و أليتاك على الأرض و أطراف (طرف) إبهامك اليمنى على الأرض(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، و الأمر محمول على الاستحباب بقرينة الإجماع المدّعى في المسألة.

ص: 602

ص: 603

ص: 604

ص: 605

ص: 606

ص: 607

[القول في التسليم]

القول في التسليم

[ (مسألة 1): التسليم واجب في الصلاة]

(مسألة 1): التسليم واجب في الصلاة، و جزء منها ظاهراً، و يتوقّف تحلّل المنافيات و الخروج عن الصلاة عليه. و له صيغتان: الاولى: «السَّلامُ علَينا و على عِبادِ اللَّه الصّالحِينَ»، و الثانية: «السَّلامُ عليكُم» بإضافة «و رحمَةُ اللَّه و بركاتُهُ» على الأحوط؛ و إن كان الأقوى استحبابه، و الثانية على تقدير الإتيان بالأُولى جزء مستحبّ، و على تقدير عدمه جزء واجب على الظاهر. و يجوز الاجتزاء بالثانية، بل بالأُولى أيضاً؛ و إن كان الأحوط عدم الاجتزاء بها. و أمّا «السَّلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ و رحمةُ اللَّهِ و بركاتُهُ»، فهي من توابع التشهّد لا يحصل بها تحلّل، و لا تبطل الصلاة بتركها عمداً و لا سهواً، لكن الأحوط المحافظة عليها، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدّماً للأُولى (1).


1- يقع البحث في هذه المسألة في أُمور: الأمر الأوّل: اختلف فقهاؤنا في وجوب التسليم و عدمه؛ فقال جماعة بكونه واجباً؛ منهم الصدوق و السيّد المرتضى و أبناء حمزة و زهرة و طاوس و العلّامة في «المنتهي» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و الشهيد في كتبه «الذكرى» و «البيان» و «الدروس» و «اللمعة» و «الألفية» و «قواعده» و الفيض الكاشاني و المحدّث البحراني في «الحدائق» و النراقيان. و في «الجواهر»: لعلّه هو الذي استقرّ عليه المذهب في عصرنا و ما راهقه، كما أنّه في المحكي عن «الروض» نسبته إلى أكثر المتأخّرين، بل عن «الأمالي» نسبته إلى دين الإمامية(جواهر الكلام 10: 278.) انتهى. و قال جماعة بكونه سنّة؛ قال المفيد في «المقنعة»: و السلام في الصلاة سنّة و ليس بفرض تفسد الصلاة بتركه(المقنعة: 139.) و قال الشيخ في «الخلاف»: الأظهر من مذهب أصحابنا أنّ التسليم في الصلاة مسنون، و ليس بركن و لا واجب. و منهم من قال: هو واجب، و قال الشافعي: لا يخرج من الصلاة إلّا بشي ء معيّن؛ و هو التسليم لا غير، و هو ركن منها. و به قال الثوري، و قال أبو حنيفة: الذي يخرج به منها غير معيّن، بل يخرج بأمر يحدثه، و هو ما ينافيها من كلام أو سلام أو حدث من ريح أو بول، و لكن السنّة أن يسلّم؛ لأنّ النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) به كان يخرج منها(الخلاف 1: 376.) و قال في «النهاية»: و التسليم سنّة و ليس بفرض، من تركه متعمّداً كان مضيّعاً فضيلته و لم تفسد صلاته، و من تركه ناسياً كانت صلاته تامّة(النهاية: 89.) و إلى هذا القول ذهب العلّامة (رحمه اللَّه) في جملة من كتبه، قال في «التذكرة»: و قال الشيخان و من تبعهما بالاستحباب، و به قال أبو حنيفة، و هو الأقوى عندي(تذكرة الفقهاء 3: 243.) انتهى. و قال في «التحرير»: الأظهر عندي أنّ التسليم غير واجب، و يستحبّ مرّة في آخر الصلاة بعد التشهّد، و به يخرج من الصلاة لا غير إن قلنا بوجوبه(تحرير الأحكام 1: 41/ السطر 26.) و قال في «القواعد»: الأقوى عندي استحباب التسليم بعد التشهّد(قواعد الأحكام 1: 35/ السطر 10.) و قال في «جامع المقاصد»: ذهب أجلّاء الأصحاب إلى الندب(جامع المقاصد 2: 326.) و نسبه في «الذكرى» إلى أكثر القدماء(ذكرى الشيعة 3: 432.) و في «المدارك» إلى أكثر المتأخّرين(مدارك الأحكام 3: 429.) و استدلّ للقول بالوجوب بجملة من الأخبار: منها: ما ورد و صرّح فيها بكون التسليم تحليلًا، كرواية القدّاح عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال قال رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم(وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها التكبير و تحليلها التسليم(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 8.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) قال إنّما جعل التسليم تحليل الصلاة و لم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً أو ضرباً آخر لأنّه لمّا كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين و التوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين و الانتقال عنها و ابتداء المخلوقين في الكلام أوّلًا بالتسليم(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 10.) و رواية المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن العلّة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال لأنّه تحليل الصلاة. إلى أن قال: قلت: فلِمَ صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال لأنّه تحيّة الملكين، و في إقامة الصلاة بحدودها و ركوعها و سجودها و تسليمها سلامة للعبد من النار، و في قبول صلاة العبد يوم القيامة قبول سائر أعماله؛ فإذا سلمت له صلاته سلمت جميع أعماله، و إن لم تسلم صلاته و ردّت عليه ردّ ما سواها من الأعمال الصالحة(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 11.) و رواية اخرى عن الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال تحليل الصلاة التسليم(وسائل الشيعة 6: 418، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 12.) و رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال و يقال في افتتاح الصلاة: تعالى عرشك، و لا يقال: تعالى جدّك، و لا يقال في التشهّد الأوّل: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين؛ لأنّ تحليل الصلاة هو التسليم، و إذا قلت هذا فقد سلّمت(وسائل الشيعة 7: 286، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 29، الحديث 2.) و رواية أبي حازم المروية عن «مناقب» ابن شهرآشوب قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السّلام): ما افتتاح الصلاة؟ قال (عليه السّلام) التكبير ، قال: ما تحريمها؟ قال التكبير ، قال: ما تحليلها؟ قال التسليم(مستدرك الوسائل 5: 21، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 1.) و سند هذه الروايات و إن كان غير معتبر بالإرسال أو ضعف الراوي و لكن مضمونها تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم المروي عن النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) مقبول عند الخاصّة و العامّة؛ فلا مجال للمناقشة في السند. قال السيّد الحكيم في «المستمسك»: و عن جماعة كثيرة من القدماء و المتأخّرين إرسال خبر تحريم الصلاة التكبير و تحليلها التسليم عن النبي. و في «المنتهي»: أنّ هذا الخبر تلقّته الأُمّة بالقبول، و نقله الخاصّ و العامّ، و مثل هذا الحديث البالغ في الشهرة قد يجبر روايته الاعتماد، انتهى. و عن «المختلف» و «جامع المقاصد»: أنّه من المشاهير. و عن «الروض»: أنّه مشهور. و بعد ذلك كلّه: لا مجال للمناقشة في سنده، كما عن «المدارك» تبعاً لشيخه (قدّس سرّهما)؛ و لا سيّما بملاحظة اعتماد الأصحاب عليه و استدلالهم به، و فيهم من لا يعمل إلّا بالقطعيات كالسيّدين (قدّس سرّهما)، انتهى كلام «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 6: 453.) و منها: الأخبار المصرّح فيها بأنّ آخر الصلاة التسليم، كموثّقة بل صحيحة علي بن أسباط عنهم (عليهم السّلام) قال فيما وعظ اللَّه به عيسى (عليه السّلام): يا عيسى أنا ربّك و ربّ آبائك. و ذكر الحديث بطوله إلى أن قال ثمّ أُوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيّد المرسلين و حبيبي، فهو أحمد. إلى أن قال يسمّي عند الطعام، و يفشي السلام، و يصلّي و الناس نيام، له كلّ يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار، و يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم(وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 2.) و موثّقة أبي بصير بل صحيحته قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف، قال فليخرج فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته؛ فإنّ آخر الصلاة التسليم(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 4.) و الظاهر من هذه الصحيحة كون السلام معتبراً في ماهية الصلاة وجوباً؛ لأنّ الأمر بالرجوع و إتمام الصلاة بالسلام و تعليله بأنّ آخر الصلاة التسليم ظاهر في وجوب التسليم. و منها: الأخبار الدالّة على أنّ الفراغ من الصلاة و الانصراف عنها يتحقّق بالتسليم، كرواية عبد اللَّه بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن معنى التسليم، فقال التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة. إلى أن قال (عليه السّلام) فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة(وسائل الشيعة 6: 418، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 13.) و موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد فرغ من صلاته(وسائل الشيعة 6: 423، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ ما ذكرت اللَّه عزّ و جلّ به و النبي فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.) و رواية أبي كهمس هيثم بن عبد اللَّه عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد، فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، انصراف هو؟ قال لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فهو الانصراف(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و منها: الأخبار الوارد فيها الأمر بالتسليم، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، فقال يسلّم مَن خلفه و يمضي في حاجته إن أحبّ(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 6.) و صحيحة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا كنت في الصفّ (صفّ) فسلّم تسليمة عن يمينك و تسليمة عن يسارك؛ لأنّ عن يسارك من يسلّم عليك. و إذا كنت إماماً فسلّم تسليمة و أنت مستقبل القبلة(وسائل الشيعة 6: 419، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 1.) و صحيحة منصور بن حازم قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) الإمام يسلّم واحدة، و من وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحدٌ يسلّم واحدة(وسائل الشيعة 6: 420، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 4.) و صحيح أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: إنّي أُصلّي بقوم فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9.) و صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال يسلّم تسليمة واحدة؛ إماماً كان أو غيره(وسائل الشيعة 6: 420، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 5.) و منها: الأخبار الواردة في باب الشكّ في عدد الركعات المتضمّنة للأمر بالتسليم بعد التشهّد، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و غيره من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة من أبواب الخلل الواقع في الصلاة. و استدلّ أيضاً على وجوب التسليم بقاعدة أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية الغير الحاصلة إلّا بالتسليم، و باستصحاب الاشتغال و حرمة المنافيات و عدم إيجاد المخرج من الصلاة إلى أن يسلّم. و فيه: أنّ المرجع في المقام على فرض عدم الدليل هو البراءة، و الاستصحابات المذكورة محكومة عليها بالنسبة إلى أصالة عدم وجوب التسليم و عدم وجوب إيجاد المخرج. و استدلّ على القول باستحباب التسليم بأنّ الوجوب زيادة تكليف و الأصل عدمه، و بالأخبار الدالّة على جواز الانصراف عن الصلاة بعد ذكر التشهّد، كما في صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): التشهّد في الصلوات؟ قال مرّتين ، قال: قلت: كيف مرّتين؟ قال إذا استويت جالساً فقل: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ تنصرف.(وسائل الشيعة 6: 397، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 4، الحديث 4.) الخبر. و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول الإمام بالتشهّد، فيأخذ الرجل البول أو يتخوّف على شي ء يفوت أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال يتشهّد هو و ينصرف و يدع الإمام(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 2.) و صحيحة الفضلاء الفضيل و زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن كان مستعجلًا في أمر يخاف أن يفوته فسلّم و انصرف أجزأه(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 5.) وجه الاستدلال بصحيحة الفضلاء: أنّه إذا كان مضيّ صلاته بالفراغ من الشهادتين كان التسليم مستحبّاً، و في «المدارك»: و المراد بالإجزاء الإجزاء في حصول الفضيلة و الكمال، كما يقتضيه أوّل الخبر(مدارك الأحكام 3: 430.) و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بأنّ هذه الصحيحة أي صحيحة الفضلاء من أقوى الأدلّة على وجوب التسليم؛ فإنّ قوله (عليه السّلام) فإن كان مستعجلًا. إلى آخره ظاهر في وجوب التسليم؛ حتّى في مقام الضرورة و الاستعجال. و تفريعه على ما سبق بمنزلة التفسير لما أراده من مضيّ صلاته؛ فإنّه كاشف عن أنّ المراد به أنّه لم يبق عليه من صلاته عدا السلام الذي يؤتى به في آخر الصلاة. فإطلاق المضيّ بلحاظ مضيّ معظمها لا مضيّ جميعها حقيقة. مع إمكان أن يقال: إنّ السلام و إن كان جزءً من الصلاة إلّا أنّه ليس في عرض سائر الأجزاء، بل هو بمنزلة التوديع و التسليم الذي يؤتى به في آخر المحاورات و المكاتبات علامة لانقضاء مطالبها؛ فيصحّ بهذه الملاحظة نفي جزئيته عن الصلاة؛ بمعنى أنّه ليس من الأجزاء المعتبرة في الصلاة من حيث هي صلاة و مناجاة مع الخالق. فمعنى قد مضت صلاته انقضت المناجاة مع الربّ؛ فعليها الانصراف بالتسليم الذي هو بمنزلة التوديع. إلى أن قال: فيظهر من ذلك: أنّ الانصراف هو التسليم، كما يشهد لذلك مضافاً إلى ذلك ظهور بعض الأخبار في معروفية إطلاق الانصراف على التسليم، كإطلاق الافتتاح على التكبير، كخبر أبي كهمس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلستُ للتشهّد، فقلت و أنا جالس: «السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» انصراف هو؟ قال لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فهو الانصراف(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و في صحيحة الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّما ذكرت اللَّه عزّ و جلّ به و النبي فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.) ، انتهى كلام «مصباح الفقيه»(مصباح الفقيه، الصلاة: 377/ السطر 15.) أقول: و من هذا الجواب يظهر الجواب عن الاستدلال على الندب بسائر الروايات الدالّة على حصول الانصراف عن الصلاة أو مضيّها و تماميتها بالتشهّد. و يمكن أن يجاب أيضاً بأنّ المراد من التشهّد ما يعمّ الصيغة الاولى من التسليم أي السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين لا خصوص الشهادتين. و سيأتي أنّ إطلاق التشهّد عليه معروف بين الفقهاء و شائع في النصوص و الفتاوى. و قد يستدلّ على استحباب التسليم أيضاً بصحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم على نبينا و آله و عليه السلام فصلّ ركعتين، و اجعله أماماً، و اقرأ في الأُولى منهما سورة التوحيد قل هو اللَّه أحد، و في الثانية قل يا أيّها الكافرون، ثمّ تشهّد و أحمد اللَّه و أثن عليه و صلّ على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و أسأله أن يتقبّل منك.(وسائل الشيعة 13: 423، كتاب الحج، أبواب الطواف، الباب 71، الحديث 3.) الحديث. وجه الاستدلال: أنّ هذا الحديث و إن كان وارداً في صلاة الطواف و ظاهره عدم وجوب التسليم فيها، و لكن الحكم يجري في غيرها بعدم القول بالفصل. و فيه: أنّ التشهّد يطلق مسامحة على مجموع التشهّد و السلام؛ واجباتهما و مستحبّاتهما، و الأذكار المستحبّة قبل الشهادتين و بعد الشهادتين. و حينئذٍ يكون الحمد و الثناء للَّه تعالى و الصلاة على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) بعد السلام. و في «المستمسك»: مع أنّ الوجه في ترك التسليم عدم كونه في مقام بيانه كالركوع و السجود و غيرهما من الواجبات(مستمسك العروة الوثقى 6: 457.) و فيه: أنّ قوله (عليه السّلام) فصلّ ركعتين بيان لكلّ واجب فيهما من التكبير و القراءة و الركوع و السجود و غيرها. و قد يستدلّ أيضاً برواية الحسن بن الجهم عن أبي الحسن (عليه السّلام) قال: سألته يعني أبا الحسن (عليه السّلام) عن رجل صلّى الظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال إن كان قال: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه، و أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فلا يعيد، و إن كان لم يتشهّد قبل أن يحدث فليعد(وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 6.) و ذيل صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال ينصرف فيتوضّأ؛ فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم، و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته(وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.) و صدر صحيحه الآخر عنه (عليه السّلام) قال: سأله عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته، و إن كان مع إمام فوجد في بطنه أذى فسلّم في نفسه و قام فقد تمّت صلاته(وسائل الشيعة 6: 424، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 2.) و موثّق غالب بن عثمان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي المكتوبة فينقضي صلاته و يتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته، و إن كان رعافاً غسله ثمّ رجع فسلّم(وسائل الشيعة 6: 425، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 6.) و صحيح الحلبي عن أبي (عليه السّلام) في حديث قال: قال إذا التفتّ في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد(وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 2.) و الجواب عن الاستدلال بهذه الروايات: أنّ بعضها ضعيف سنداً. و بعضها ظاهر في عدم وجوب الصلاة على النبي و آله؛ فلا بدّ من حمله على التقية. و بعضها شامل على ما لا يقول به أحد من الأصحاب؛ من عدم قادحية الخلل المبطل من الحدث الواقع قبل التشهّد، و أنّه بالحدث يخرج من الصلاة كما يقوله أبو حنيفة؛ فلا بدّ من حمله على التقية. و بعضها صريح في تمامية الصلاة فيما لو نام بعد التشهّد و قبل السلام، كما في موثّق غالب بن عثمان: و يتشهّد ثمّ ينام قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته ؛ فلا بدّ من تأويله بأن يراد من قوله: «يتشهّد» ما يعمّ السلام الأوّل؛ أعني «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» و يكون المراد من قوله «يسلّم» التسليم بالسلام الآخر؛ و ذلك لشيوع هذا الإطلاق في النصوص و الفتاوى، كما نبّه عليه غير واحد من فقهائنا، حيث إنّ صاحب «المدارك» بعد حكاية استدلال المحقّق في كتبه على وجوب إحدى صيغتي السلام تخييراً بعموم قوله (عليه السّلام) و تحليلها التسليم ، ضعّفه بقوله: لأنّ التعريف يعني الألف و اللام في قوله (عليه السّلام) تحليلها التسليم للعهد، و المعروف منه بين الخاصّة و العامّة: «السلام عليكم» كما يعلم من تتبّع الأحاديث حيث يذكر فيها ألفاظ السلام المستحبّة و «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» ثمّ يقال: و يسلّم(مدارك الأحكام 3: 436.) انتهى. و قال في «الذكرى»: إنّ الشيخ في جميع كتبه جعل التسليم الذي هو خبر التحليل «السلام عليكم»، و إنّ «السلام علينا» قاطع للصلاة و ليس تسليماً(ذكرى الشيعة 3: 428.) انتهى. الأمر الثاني: أنّه بناءً على وجوب التسليم هل الواجب هو التسليم الأوّل أعني «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» أو الثاني، أو أحدهما تخييراً؟ ذهب إلى كلّ فريق. و قد يقال بوجوب الجمع بينهما. و ذهب بعضهم إلى أنّ الواجب هو التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) منضمّاً إلى أحد التسليمين. و الأقوى وجوب التسليمين تخييراً. و استدلّ للقول بوجوب التسليم الأوّل برواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) و تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمّ تؤذّن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم، و كذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين مثل ما سلّمت و أنت إمام، فإذا كنت في جماعة فقل مثل ما قلت و سلم على من على يمينك و شمالك، فإن لم يكن على شمالك أحد فسلّم على الذين على يمينك و لا تدع التسليم على يمينك إن لم يكن على شمالك أحد(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 8.) و موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد فرغ من صلاته(وسائل الشيعة 6: 423، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) كلّ ما ذكرت اللَّه عزّ و جلّ به و النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فقد انصرفت(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.) و رواية أبي كهمس عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) و لكن إذا قلت: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين فهو الانصراف(وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و استدلّ على وجوب التسليم الثاني بتسليم النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) به في صلاته في المعراج فقال لي: يا محمّد سلّم، فقلت: السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و موثّق أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: إنّي أُصلّي بقوم، فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9.) و رواية عبد اللَّه بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن تسليم الإمام و هو مستقبل القبلة، قال يقول: السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 11.) و قد ذكر التسليم الثاني في بعض الأخبار، و لكن لم يظهر منها كونه تحليلًا و واجباً تعييناً، كما في رواية المفضل بن عمر في حديث قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام). إلى أن قال: قلت: فلِمَ لا يقال: السلام عليك، و الملك على اليمين واحد، و لكن يقال: السلام عليكم؟ قال ليكون قد سلّم عليه و على من على اليسار.(وسائل الشيعة 6: 422، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 15.) الحديث. و موثّقة يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن (عليه السّلام) صلّيتُ بقوم صلاة فقعدت للتشهّد ثمّ قمت و نسيت أن أُسلّم عليهم، فقالوا ما سلّمت علينا، فقال أ لم تسلّم و أنت جالس؟ قلت: بلى، قال فلا بأس عليك، و لو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك و قلت: السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 425، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 5.) و مرسلة «الفقيه» قال: قال رجل لأمير المؤمنين (عليه السّلام): ما معنى قول الإمام: السلام عليكم؟ فقال إنّ الإمام يترجم عن اللَّه عزّ و جلّ و يقول في ترجمته لأهل الجماعة: أمان لكم من عذاب اللَّه يوم القيامة(وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 9.) و القائل بوجوب التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) منضمّاً إلى أحد التسليمين استند إلى رواية أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلّم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) السلام، و تقول: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثمّ تؤذن القوم فتقول و أنت مستقبل القبلة: السلام عليكم.(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 8.) الحديث. و موثّقة أبي بكر الحضرمي قال: قلت له: إنّي أُصلّي بقوم، فقال سلّم واحدة و لا تلتفت، قل: السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته، السلام عليكم(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9.) و فيه: أنّ الإجماع قائم على خلاف هذا القول. قال في «المستمسك» في مقام الإشكال على هذا القول: و فيه: أنّه مخالف لصحيح الحلبي و خبر أبي كهمس المتقدّمين أيضاً، و كذا حديث ميسر و مرسل «الفقيه»، بل لا يبعد ذلك في خبر أبي بصير فيكون حجّة عليه لا له(مستمسك العروة الوثقى 6: 466.) انتهى. و فيه: أنّ خبر أبي بصير صريح في كون السلام على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تسليماً و أنّ التسليم منحصر فيه و في «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» بحكم أداة الحصر، هذا. و لكن الذي يسهّل الأمر أنّ الخبر معرض عنه عند الأصحاب بالنسبة إلى التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)؛ فالإجماع قائم على خلافه. و الأقوى: أنّ التسليم على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) ليس من صيغ السلام المحلّل المخرج من الصلاة، و لا يتحقّق به الانصراف عنها و انقطاعها، و هذا ممّا قام به الإجماع. و قد صرّح في خبر أبي كهمس المتقدّم بنفي الانصراف عن الصلاة به، و ضعف سنده منجبر بالإجماع. و ظهور بعض الأخبار بل صريحه في كونه تسليماً كما في خبري أبي بصير و أبي بكر الحضرمي المتقدّمين لا يعتنى به؛ لإعراض الأصحاب عنه. و لا تبطل الصلاة بتركه عمداً، فضلًا عن تركه سهواً. و الأحوط استحباباً المحافظة عليه، كما أنّ الأحوط الجمع بين الصيغتين بعدها مقدّماً للأُولى؛ عملًا بجميع النصوص و الفتاوى. و الأحوط استحباباً عدم تركه؛ لوجود القائل بوجوبه. و استدلّ للقول بوجوب التسليمين كليهما على ما حكي عن «الذكرى» بأنّ السلام الأوّل يستفاد وجوبه من الأخبار التي لم ينكرها أحد من الإمامية مع كثرتها، كصحيح الحلبي و رواية أبي كهمس المتقدّمين، و السلام الثاني وجوبه إجماعي من الأُمّة. و أورد عليه في «الذكرى» بأنّ هذا القول لم يقل أحد فيما علمته(ذكرى الشيعة 3: 432.) و ردّه صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه) بأنّه لم ينعقد إجماع على وجوب التسليم الثاني، بل هو على الخروج كظاهر النصوص؛ فالقول بوجوبهما معاً في غاية الضعف، بل النصوص و الإجماع بقسميه تشهد بخلافه(جواهر الكلام 10: 323.) انتهى. و استدلّ للقول بالتخيير بأنّ الأخبار المعتبرة المتقدّمة تدلّ على حصول الانصراف عن الصلاة و الخروج منها بصيغة «السلام علينا»؛ و ذلك لاعتبار اندراج هذه الصيغة في التسليم في قوله (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) تحليلها التسليم لا لخصوصية فيها. و لا ريب في حصول الانصراف عنها و الخروج منها بصيغة «السلام عليكم» أيضاً؛ لكونها أيضاً تحليلًا للصلاة، و ليس ذلك إلّا لكون القضية في قوله عليه الصلاة و السلام تحليلها التسليم طبيعية، و الطبيعة تصدق و تتحقّق بوجود فردها؛ أيّ فردٍ كان، و خرج الفرد الخاصّ أعني السلام على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) من الطبيعة بالإجماع و بقي الباقي. و ليعلم: أنّه لا يعقل أن يكون كلّ من صيغتي التسليم تحليلًا مستقلا و موجباً للانصراف فيما اجتمعا، و إلّا يلزم التناقض، حيث إنّ مقتضى كون «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين» تحليلًا و موجباً للانصراف عن الصلاة، هو عدم خروج المكلّف عنها ما دام لم يسلّم بهذا التسليم، و الحال أنّه يخرج منها ب «السلام عليكم»، و هكذا يقال في «السلام عليكم»، تأمّل. الأمر الثالث: أنّ المتبادر من نصوص التسليم كونه جزءً من الصلاة و مطلوباً لها لا لذاته، و هو الظاهر من أخبار التحليل تحليلها التسليم. بل بعضها صريح في أنّ التسليم آخر الصلاة، كما في صحيح علي بن أسباط المتقدّم الوارد في كيفية صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم(وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 2.) و موثّق أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) يقول في رجل صلّى الصبح فلمّا جلس في الركعتين قبل أن يتشهّد رعف، قال فليخرج فليغسل أنفه ثمّ ليرجع فليتمّ صلاته؛ فإنّ آخر الصلاة التسليم(وسائل الشيعة 6: 416، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 4.) و موثّقه الآخر عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال إذا نسي الرجل أن يسلّم فإذا ولّى وجهه عن القبلة و قال: السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين، فقد فرغ من صلاته(وسائل الشيعة 6: 423، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 1.) و ذهب جماعة إلى كون التسليم واجباً خارج الصلاة، لا أنّه جزء منها، و استندوا إلى الأخبار الدالّة على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث قبل التسليم و بعد التشهّد، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته(وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: سأله عن الرجل يصلّي ثمّ يجلس فيحدث قبل أن يسلّم، قال تمّت صلاته.(وسائل الشيعة 6: 424، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 2.) الحديث. و استندوا أيضاً بالأخبار الدالّة على وجوب السلام بعد الفراغ من الصلاة فيمن نسي التشهّد في الركعتين الأوّلتين، كما في صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين، فقال إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة؛ حتّى إذا فرغ فليسلّم (و سلم و سجد) و ليسجد سجدتي السهو(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال يتمّ صلاته ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و فيه أوّلًا: أنّ عدم بطلان الصلاة بالحدث الواقع قبل التسليم الواجب المحلّل لم يقل به أحدٌ من علمائنا؛ فيحمل الأخبار الدالّة على عدم بطلانها به على التقية. و ثانياً: أنّه قد تقدّم أنّ التشهّد يعمّ ما يشمل السلام الأوّل؛ أعني «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين»، و أنّ إطلاق السلام على خصوص السلام الأخير كان شائعاً في النصوص و الفتاوى؛ و حينئذٍ فالحدث الواقع قبل السلام الأخير و بعد التشهّد التامّ المشتمل على السلام الأوّل غير مبطل. و أمّا وجوب التسليم بالسلام المحلّل بعد إتمام الصلاة كما في صحيحي سليمان بن خالد و ابن أبي يعفور فممّا لم يقل به أحدٌ من أصحابنا. الأمر الرابع: أنّ الجمع بين صيغتي السلام بالكيفية المعهودة من ضروريات الدين؛ فحينئذٍ لو بدأ ب «السلام علينا» كان السلام الأخير مستحبّاً. و في كونه من الأجزاء المستحبّة للصلاة أو المستحبّات المستقلّة عقيب الصلاة وجهان: من ظهور بعض الأخبار في الجزئية خصوصاً إطلاق أخبار التحليل و من ظهور بعضها في كونه خارجاً من الصلاة؛ لحصول الانصراف عن الصلاة و الخروج و الفراغ منها قبله ب «السلام علينا». و لو بدأ بالسلام الثاني اقتصر عليه، و لا دليل على استحباب إيقاع الأوّل بعد الثاني أو لم يرد في أحاديثنا عكس الكيفية المعهودة. نعم المصرّح به في كتب المحقّق و العلّامة استحبابه؛ قال في «الشرائع»: و بأيّهما بدأ كان الثاني مستحبّاً، كذا في «التحرير». و في «المنتهي»: و بأيّهما بدأ كان الآخر مستحبّاً و كان الخروج بالأوّل لقوله (عليه السّلام) و تحليلها التسليم ، و ذلك يتناول كلّ واحد منهما؛ فيحصل التحليل و الخروج من الصلاة به، انتهى. الأمر الخامس: هل الواجب في السلام الاكتفاء ب «السلام علينا» أو «السلام عليكم» أو يجب إضافة «و على عباد اللَّه الصالحين» على السلام الأوّل، و إضافة «و رحمة اللَّه» أو «و رحمة اللَّه و بركاته» على السلام الثاني؟ فيه خلاف بين أصحابنا: قال العلّامة في «المنتهي»: إن سلّم بالعبارة الأُولى وجب أن يأتي بها على صورتها؛ و هو «السلام علينا و على عباد اللَّه الصالحين». إلى أن قال: لو سلّم بقوله: «السلام عليكم و رحمة اللَّه» جاز، و إن لم يقل «و بركاته» بلا خلاف. و إن يقتصر على قوله: «السلام عليكم» الأقرب عندي الجواز(منتهى المطلب 1: 296/ السطر 30.) انتهى. و قال صاحب «الجواهر» (رحمه اللَّه): لو اقتصر على «السلام علينا» أو «السلام عليكم» أجزأ؛ لصدق التسليم حينئذٍ(جواهر الكلام 10: 321.) انتهى. و نسب إلى ابن زهرة: أنّ الواجب هو مجموع «السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته»، و هو المحكي عن الشهيد في «الألفية» و «البيان»، و المحقّق الثاني في «فوائد الشرائع» و «تعليق النافع»، و الشهيد الثاني في «المسالك»، و الفاضل المقداد في «التنقيح»، و الأردبيلي في «مجمع البرهان». و عن أبي الصلاح: أنّ الواجب أن يقول: «السلام عليكم السلام عليكم». الأقوى وفاقاً للأكثر جواز الاجتزاء ب «السلام عليكم» و عدم وجوب إضافة «و رحمة اللَّه و بركاته»، و هو الظاهر من النصوص المتقدّمة، كموثّق أبي بكر الحضرمي، و روايتي عبد اللَّه بن أبي يعفور و المفضل بن عمر(وسائل الشيعة 6: 421، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 9 و 11 و 15.) و موثّق يونس بن يعقوب(وسائل الشيعة 6: 425، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 3، الحديث 5.) نعم قد وردت زيادة: «و رحمة اللَّه و بركاته» في صحيح ابن أُذينة الحاكي عن صلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في المعراج(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و في بعض الأخبار زيادة «و رحمة اللَّه» مع تكرير التسليم، كما في صحيح علي بن جعفر قال: رأيت إخوتي موسى و إسحاق و محمّداً بني جعفر (عليه السّلام) يسلّمون في الصلاة عن اليمين و الشمال: «السلام عليكم و رحمة اللَّه السلام عليكم و رحمة اللَّه»(وسائل الشيعة 6: 419، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 2، الحديث 2.) و رواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) أنّه قال فإذا قضيت التشهّد فسلّم عن يمينك و عن شمالك تقول: السلام عليكم و رحمة اللَّه السلام عليكم و رحمة اللَّه(مستدرك الوسائل 5: 24، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.) و فيه: أنّ حديث المعراج شامل لكثير من المستحبّات؛ فلا يستدلّ به على الوجوب. و صحيح علي بن جعفر يحتمل فيه أن يكون «و رحمة اللَّه» مستحبّاً كاستحباب التسليم عن اليمين و الشمال، و لم يقل أحد من علمائنا بوجوب تكرار «السلام عليكم و رحمة اللَّه». و يرد على رواية «دعائم الإسلام» مضافاً إلى ضعف سنده ما ورد على صحيح علي بن جعفر. ثمّ لا يخفى: أنّه يحتمل أن يكون قوله (عليه السّلام) السلام عليكم في النصوص المتقدّمة للإشارة إلى السلام المتعارف المعهود؛ أعني «السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته». و لعلّ هذا الاحتمال هو الوجه في وجوب الاحتياط بإضافة: «و رحمة اللَّه و بركاته»، كما عن جماعة من فقهائنا السادة المحشّين على «العروة الوثقى» كالسيّد البروجردي و الشاهرودي و الآغا جمال و الإصطهباناتي، طاب ثراهم. و لكن لا يعتنى بهذا الاحتمال مع ظهور الأخبار المذكورة الخالية عن ذكر «و رحمة اللَّه و بركاته» المعتضدة بالشهرة العظيمة على الاجتزاء ب «السلام عليكم» فقط.

ص: 608

ص: 609

ص: 610

ص: 611

ص: 612

ص: 613

ص: 614

ص: 615

ص: 616

ص: 617

ص: 618

ص: 619

ص: 620

ص: 621

ص: 622

ص: 623

ص: 624

ص: 625

ص: 626

ص: 627

ص: 628

[ (مسألة 2): يجب في التسليم بكلٍّ من الصيغتين العربيّة و الإعراب]

(مسألة 2): يجب في التسليم بكلٍّ من الصيغتين العربيّة و الإعراب، و يجب تعلّم إحداهما مع الجهل، كما أنّه يجب الجلوس حالته مطمئنّاً، و يستحبّ فيه التورّك (1).


1- الوجه في وجوب العربية و الإعراب في التسليم بكلّ من الصيغتين هو أنّ التسليم بغير العربية أو بالعربية الغير الصحيحة كلام غير مشروع في الصلاة، فهو مع العمد مبطل. و وجه وجوب تعلّم أحدهما مع الجهل هو توقّف أداء الصحيح من الصيغتين عليه. و وجه وجوب الجلوس مطمئنّاً حال التسليم هو الإجماع، قال النراقي (رحمه اللَّه) في «مستند الشيعة»: المستفاد من الأخبار لزوم مراعاة جميع الشرائط المذكورة من الاستقبال و الطهور و ترك المنافيات؛ حتّى السكوت الطويل(مستند الشيعة 5: 363.) و الوجه في استحباب التورّك حال الجلوس للتسليم هو الإجماع. و في «المستمسك»: كأنّه لتبعيته للتشهّد في ذلك(مستمسك العروة الوثقى 6: 473.) و فيه: أنّه لا دليل على التبعية في ذلك.

ص: 629

[القول في الترتيب]

القول في الترتيب (مسألة): يجب الترتيب في أفعال الصلاة، فيجب تقديم تكبيرة الإحرام على القراءة، و الفاتحة على السورة، و هي على الركوع، و هو على السجود و هكذا، فمن صلّى مقدّماً للمؤخّر و بالعكس عمداً بطلت صلاته، و كذا سهواً لو قدّم ركناً على ركن. أمّا لو قدّم ركناً على ما ليس بركن سهواً كما لو ركع قبل القراءة فلا بأس، و يمضي في صلاته. و كذا لو قدّم غير ركن على ركن سهواً كما لو قدّم التشهّد على السجدتين فلا بأس، لكن مع إمكان التدارك يعود إلى ما يحصل به الترتيب، و تصحّ صلاته. كما أنّه لا بأس بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهواً، فيعود أيضاً إلى ما يحصل به الترتيب مع الإمكان و تصحّ صلاته (1).


1- لم يصرّح أحد من فقهائنا بنفي وجوب الترتيب في أفعال الصلاة و أقوالها؛ فلا إشكال و لا خلاف من أحدٍ في وجوبه. و الدليل على وجوبه صحيح حمّاد بن عيسى الحاكي لكيفية صلاة الإمام الصادق (عليه السّلام) في مقام تعليم حمّاد(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) حيث عبّر ب «ثمّ» في كلّ مورد انتقل منه إلى مورد آخر. و كذا في صحيح عمر بن أُذينة الحاكي لصلاة النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) في المعراج(وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) فراجع و لاحظ الصحيحين. و الوجه في نفي البأس فيما لو قدّم ركناً على ما ليس بركن سهواً كما لو ركع قبل القراءة هو أنّ وجوب غير الأركان من الأفعال و الأذكار ذكرى؛ فيجب إتيانها في موضعها فيما ذكره قبل أن يدخل في الركن؛ فلو سهى عنها و دخل في الركن يمضي في صلاته و لا يقضيها إلّا فيما قام الدليل على قضائها، كالسجدة الواحدة المنسية و التشهّد المنسي كلّه أو بعضه. و كذا لا بأس لو قدّم غير ركن على الركن سهواً، كما لو قدّم التشهّد على السجدتين؛ فحينئذٍ إن أمكن تدارك التشهّد بعد السجدتين كما لو لم يدخل في ركوع الركعة الثالثة فيجلس مطمئنّاً و يتشهّد ثمّ يقوم للركعة الثالثة، و إن لم يمكن تداركه بعدهما كما لو دخل في ركوع الثالثة يمضي في صلاته و لا يقضي التشهّد؛ لكونه مأتياً قبل السجدتين. و لا بأس أيضاً بتقديم غير الأركان بعضها على بعض سهواً، كما لو قدّم السورة على فاتحة الكتاب؛ فحينئذٍ إن تذكّر قبل الدخول في الركوع يقرأ السورة بعد فاتحة الكتاب و يحصل الترتيب، و إن كان بعد الدخول في الركوع يمضي في صلاته؛ لكون الترتيب بينهما ذكريا. ثمّ إنّه قد تقدّم في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في القراءة و الذكر» وجوب مراعاة الترتيب بين فاتحة الكتاب و السورة، و أنّه لو قدّم السورة على الفاتحة عمداً استأنف الصلاة، و يأتي في مبحث الخلل بعض ما يرتبط بالمقام.

ص: 630

ص: 631

[القول في الموالاة]

القول في الموالاة

[ (مسألة 1): يجب الموالاة في أفعال الصلاة]

(مسألة 1): يجب الموالاة في أفعال الصلاة: بمعنى عدم الفصل بين أفعالها على وجه تنمحي صورتها؛ بحيث يصحّ سلب الاسم عنها، فلو ترك الموالاة بالمعنى المزبور عمداً أو سهواً بطلت صلاته. و أمّا الموالاة بمعنى المتابعة العرفيّة فواجبة أيضاً على الأحوط، فتبطل الصلاة بتركها عمداً على الأحوط، لا سهواً (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في وجوب الموالاة في أفعال الصلاة؛ بمعنى وصل أجزائها بعضها ببعض بحيث تحصل به صورة خاصّة، بها قوام مفهوم الصلاة و بها يصدق اسم الصلاة عليها في عرف المتشرّعة، و بفقد تلك الصورة بحصول الفصل بين أجزائها إلى أن ينتهي إلى انمحاء الصورة الصلاتية يصحّ سلب اسم الصلاة عنها؛ ضرورة أنّ الصلاة ذات هيئة ملحوظ فيها اتّصال أفعالها من الأقوال و الكيفيات المعهودة فيها و نظمها، و ليست هي مجرّد الأفعال كيفما اتّفقت بلا لحاظ اتّصالها و نظمها؛ فترك الموالاة بالمعنى المزبور عمداً أو سهواً يوجب بطلان الصلاة بلا خلاف فيه. و حكى العلّامة في «التذكرة» عن الشافعي في ضمن المسألة الثانية من مسائل أحكام السهو أنّه قال: أركان الصلاة خمسة عشر، و عدّ منها الموالاة بين الأفعال؛ حتّى لو فرّقها لم تصحّ(تذكرة الفقهاء 3: 305.) انتهى. و أمّا الموالاة بمعنى المتابعة العرفية بحيث لا يحصل الفصل بين أفعالها و لو بقليل مخلّ عرفاً مع عدم صحّة سلب اسم الصلاة عنه، فالأحوط عند المصنّف (رحمه اللَّه) وجوبها؛ فتبطل الصلاة بتركها عمداً. و لعلّ وجه الاحتياط: أنّ النصوص الحاكية لفعل المعصوم (عليه السّلام) في صلاته و كذا الأوامر الواردة فيها المتعلّقة بأفعال الصلاة منصرفة إلى خصوص الصلاة المراعاة فيها الموالاة العرفية. و فيه: أنّ فعل المعصوم (عليه السّلام) فيما كان مشتملًا على الواجبات و المستحبّات لا يدلّ على الوجوب، و من المحتمل أن تكون الموالاة العرفية مراعاةً من المعصوم استحباباً، و مع الشكّ في وجوبها فالمرجع البراءة. نعم الأحوط استحباباً مراعاتها.

ص: 632

[ (مسألة 2): كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض]

(مسألة 2): كما تجب الموالاة في أفعال الصلاة بعضها مع بعض، كذلك تجب في القراءة و التكبير و الذّكر و التسبيح بالنسبة إلى الآيات و الكلمات، بل و الحروف، فمن تركها عمداً في أحد المذكورات الموجب لمحو أسمائها، بطلت صلاته فيما إذا لزم من تحصيل الموالاة زيادة مبطلة، بل مطلقاً على الأحوط (1)،


1- وجه بطلان الصلاة مع ترك الموالاة في القراءة و غيرها من المذكورات في المتن، هو أنّ تركها في أحدها يوجب كون المتلفّظ به غلطاً عند المتشرّعة، و هو زيادة عمدية حيث إنّ الفصل بين كلمتي تكبيرة الإحرام بمقدار ينتهي إلى محو اسم تكبيرة الإحرام يوجب غلطية الجملة؛ فلا تكون التكبيرة الكذائية تكبيرة الصلاة في عرف المتشرّعة؛ فلا تكون محرّمة. و هكذا في غير التكبير من المذكورات في المتن مع محو أسمائها بترك الموالاة.

ص: 633

و إن كان سهواً فلا بأس، فيعيد ما تحصل به الموالاة إن لم يتجاوز المحلّ. لكن هذا إذا لم يكن فوات الموالاة المزبورة في أحد المذكورات موجباً لفوات الموالاة في الصلاة بالمعنى المزبور، و إلّا فتبطل و لو مع السهو (1).


1- ترك الموالاة سهواً في أحد المذكورات في المتن يوجب بطلان خصوص ما ترك فيه الموالاة؛ فمع بقاء المحلّ تجب إعادته، و مع تجاوز محلّه يمضي في صلاته. فيكون ترك الموالاة في أحد المذكورات كنسيانها؛ إن ذكرها مع بقاء المحلّ يعيد ما تحصل به الموالاة، و مع تجاوزه يمضي في صلاته، هذا إذا لم يكن فوات الموالاة موجباً لمحو اسم الصلاة، و إلّا بطلت الصلاة مع السهو أيضاً. بقي أمران: القنوت و التعقيب

ص: 634

[القول في القنوت]

القول في القنوت

[ (مسألة 1): يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة]

(مسألة 1): يستحبّ القنوت في الفرائض اليوميّة، و يتأكّد في الجهريّة، بل الأحوط عدم تركه فيها. و محلّه قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة، و لو نسي أتى به بعد رفع الرأس من الركوع، ثمّ هوى إلى السجود، و إن لم يذكره في هذا الحال و ذكره بعد ذلك، فلا يأتي به حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به حينئذٍ، و إن لم يذكره إلّا بعد انصرافه أتى به متى ذكره و لو طال الزمان. و لو تركه عمداً فلا يأتي به بعد محلّه. و يستحبّ أيضاً في كلّ نافلة ثنائيّة في المحلّ المزبور؛ حتّى نافلة الشفع على الأقوى، و الأولى إتيانه فيه رجاءً. و يستحبّ أكيداً في الوتر، و محلّه ما عرفت قبل الركوع بعد القراءة (1).


1- لا إشكال و لا خلاف بين المسلمين في مشروعية القنوت في الصلاة في الجملة، و المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً استحباب القنوت، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: القنوت سنّة و ليس بفرض عند علمائنا أجمع(تذكرة الفقهاء 3: 260.) و في «المعتبر»: اتّفق الأصحاب على استحباب القنوت في كلّ صلاة فرضاً كانت أو نفلًا مرّة، و هو مذهب علمائنا كافّة(المعتبر 2: 238.) و نسب إلى الصدوق (رحمه اللَّه) القول بوجوبه و أنّه قال: القنوت سنّة واجبة، من تركه عمداً أعاد؛ لقوله تعالى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ(البقرة( 2): 238.) و روى ذلك ابن أُذينة عن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: القنوت في الجمعة و العشاء و الوتر و الغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له(وسائل الشيعة 6: 265، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 2.) و حكى عنه (رحمه اللَّه) في «الهداية» في باب فريضة الصلاة أنّه قال الصادق (عليه السّلام) حين سئل عمّا فرض اللَّه تعالى من الصلاة، فقال الوقت و الطهور و التوجّه و القبلة و الركوع و السجود و الدعاء، و من ترك القراءة في صلاته متعمّداً فلا صلاة له، و من ترك القنوت متعمّداً فلا صلاة له(الهداية: 126.) و نسب هذا القول إلى ابن أبي عقيل و الحلبي أيضاً. و يمكن حمل قولهم على إرادة شدّة الاستحباب، كما حمله العلّامة (رحمه اللَّه) في «التذكرة» قال: القنوت سنّة و ليس بفرض عند علمائنا. و قد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب و القصد شدّة الاستحباب(تذكرة الفقهاء 3: 260.) انتهى. و لا يخفى: أنّ خبر ابن أُذينة قد صدر تعريضاً على العامّة الذين يرغبون عن هذه السنّة؛ فهو لا يدلّ على حرمة ترك القنوت من حيث هو، و نفي الصلاة معلّق على ترك القنوت على سبيل الرغبة و الإعراض عنه. و قد يستدلّ على وجوبه برواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون قال و القنوت سنّة واجبة في الغداة و الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 4.) و رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) في حديث شرائع الدين قال و القنوت في جميع الصلوات سنّة واجبة في الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 6.) و موثّقة ابن بكير عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال اقنت فيهنّ جميعاً ، قال: و سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذلك عن القنوت، فقال لي أمّا ما جهرت به فلا تشكّ (شكّ)(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 7.) و ذيل موثّقة عمّار عن أبي (عليه السّلام) قال إن نسي الرجل القنوت في شي ء من الصلاة حتّى يركع فقد جازت صلاته و ليس عليه شي ء، و ليس له أن يدعه متعمّداً(وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 15، الحديث 3.) و موثّقة اخرى لابن بكير عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال القنوت في كلّ الصلوات(وسائل الشيعة 6: 265، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 4.) و فيه: أنّ الأخبار المذكورة محمولة على شدّة الندب جمعاً بينها و بين الأخبار الدالّة على جواز تركها؛ فإنّ الجمع بينهما أولى من طرح الأخبار الدالّة على جواز الترك أو حملها على التقية. و يدلّ على القول باستحبابه مضافاً إلى الشهرة، بل الإجماع المدّعى في كلام جماعة الأخبار الدالّة على جواز تركه بملاحظة الجمع المذكور، كصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال قال أبو جعفر (عليه السّلام) في القنوت: إن شئت فاقنت و إن شئت فلا تقنت ، قال أبو الحسن (عليه السّلام) و إذا كانت التقية فلا تقنت و أنا أتقلّد هذا(وسائل الشيعة 6: 269، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 4، الحديث 1.) و ذيل موثّقة سماعة قال: سألته عن القنوت في الجمعة، فقال أمّا الإمام فعليه القنوت في الركعة الأُولى بعد ما يفرغ من القراءة قبل أن يركع، و في الثانية بعد ما يرفع رأسه من الركوع قبل السجود. إلى أن قال و من شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع، و إن شاء لم يقنت، و ذلك إذا صلّى وحده(وسائل الشيعة 6: 272، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 8.) و رواية عبد الملك بن عمرو قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): قنوت الجمعة في الركعة الأُولى قبل الركوع، و في الثانية بعد الركوع؟ فقال لي لا قبل و لا بعد(وسائل الشيعة 6: 272، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 9.) ، و الفصل بين الجمعة و غيرها قول بالفصل. و يمكن أن يستدلّ أيضاً بصحيح عمر بن أُذينة عن وهب عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) المتقدّم حيث إنّ نفي الصلاة المتروك فيها القنوت إنّما هو لأجل الرغبة و الإعراض عنه لا لمجرّد الترك؛ فيدلّ على جواز تركه في نفسه لا للإعراض عنه. ثمّ إنّ هنا أُموراً: الأوّل: أنّه يتأكّد استحباب القنوت في الجهرية من الصلوات. و يدلّ عليه ذيل موثّقة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال اقنت فيهنّ جميعاً ، قال: و سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) بعد ذلك عن القنوت، فقال لي أمّا ما جهرت به فلا تشكّ (شكّ)(وسائل الشيعة 6: 262، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 7.) و موثّق سماعة قال: سألته عن القنوت في أيّ صلاة هو؟ فقال كلّ شي ء يجهر فيه بالقراءة فيه قنوت(وسائل الشيعة 6: 264، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 1.) و صحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سألته عن القنوت هل يقنت في الصلوات كلّها، أم فيما يجهر فيه بالقراءة؟ قال ليس القنوت إلّا في الغداة و الجمعة و الوتر و المغرب(وسائل الشيعة 6: 265، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 2، الحديث 6.) الثاني: محلّ القنوت قبل الركوع في الركعة الثانية بعد الفراغ عن القراءة. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع(وسائل الشيعة 6: 266، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 3، الحديث 1.) و بعض روايات الباب الثالث من أبواب القنوت يدلّ على أنّ القنوت قبل الركوع و بعد القراءة من غير تقييد بالركعة الثانية، و لكن إطلاقها يقيّد بصحيح زرارة المقيّدة بالركعة الثانية. الثالث: لو نسي القنوت و هوى إلى الركوع و تذكّر قبل الوصول إلى حدّ الركوع قام و أتى به. و يدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن الرجل ينسي القنوت في الوتر أو غير الوتر، فقال ليس عليه شي ء ، و قال إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يده على الركبتين فليرجع قائماً و ليقنت ثمّ ليركع، و إن وضع يده على الركبتين فليمض في صلاته و ليس عليه شي ء(وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 15، الحديث 2.) الرابع: لو نسيه و ذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع جاز له إتيانه بعد رفع الرأس من الركوع. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم و زرارة بن أعين قالا: سألنا أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل ينسي القنوت حتّى يركع، قال يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر فلا شي ء عليه(وسائل الشيعة 6: 287، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 18، الحديث 1.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): الرجل ذكر أنّه لم يقنت حتّى ركع، قال: فقال يقنت إذا رفع رأسه(وسائل الشيعة 6: 288، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 18، الحديث 3.) الخامس: لو نسي القنوت و لم يذكره حين رفع رأسه من الركوع فلا يأتي به بعده حتّى يفرغ من صلاته فيأتي به بعد الصلاة. و يدلّ عليه صحيح أبي بصير قال: سمعته يذكر عند أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال في الرجل إذا سها في القنوت قنت بعد ما ينصرف و هو جالس(وسائل الشيعة 6: 287، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 16، الحديث 2.) السادس: لو نسيه و لم يذكره حتّى انصرف عن صلاته أتى به متى ذكره و إن طال الزمان. و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): رجل نسي القنوت فذكره و هو في بعض الطريق، فقال يستقبل القبلة ثمّ ليقله ثمّ قال إنّي لأكره للرجل أن يرغب عن سنّة رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) أو يدعها(وسائل الشيعة 6: 286، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 16، الحديث 1.) و هذان الصحيحان مجموعهما ظاهر في أولوية إتيان القنوت بعد الصلاة حال الجلوس مستقبلًا. السابع: لو تركه في محلّه عمداً فلا يأتي به قضاءً أصلًا؛ لا بعد الركوع و لا بعد الصلاة؛ لأنّ موارد القضاء في النصوص صورة النسيان؛ فلا تشمل الترك عمداً. الثامن: يستحبّ القنوت في كلّ نافلة ثنائية في محلّه أي الركعة الثانية قبل الركوع و بعد القراءة و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال القنوت في كلّ الصلوات(وسائل الشيعة 6: 261، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال القنوت في كلّ ركعتين في التطوّع و الفريضة(وسائل الشيعة 6: 261، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال: سألته عن القنوت، فقال في كلّ صلاة فريضة و نافلة(وسائل الشيعة 6: 263، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 8.) و رواية الحارث بن المغيرة قال: قال أبو عبد اللَّه (عليه السّلام) اقنت في كلّ ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع(وسائل الشيعة 6: 263، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 1، الحديث 9.) ، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الأزدي أبي جعفر الأزرق؛ فإنّه و إن وقع في أسناد «كامل الزيارات» و عدّه الشيخ المفيد (رحمه اللَّه) في «رسالته العددية» من الفقهاء و الرؤساء الأعلام الذين يؤخذ منهم الحلال و الحرام، إلّا أنّ الشيخ (رحمه اللَّه) قد ضعّفه و نسبه إلى الغلوّ؛ فلا يثبت وثاقته. التاسع: يستحبّ القنوت في الركعة الثانية من الشفع. و الدليل عليه مضافاً إلى عموم الأخبار الدالّة على أنّ القنوت في الركعة الثانية من كلّ صلاة؛ فريضة كانت أو نافلة هو خبر رجاء بن أبي الضحّاك في حديث طويل في كيفية صلاة الرضا (عليه السّلام). إلى أن قال: «يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلّ ركعة منهما الحمد مرّة و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات، و يقنت في الثانية بعد القراءة و قبل الركوع، فإذا سلّم قام و صلّى ركعة الوتر (يتوجّه فيها) يقرأ فيها الحمد مرّة و قل هو اللَّه أحد ثلاث مرّات، و قل أعوذ بربّ الفلق مرّة واحدة، و قل أعوذ بربّ الناس مرّة واحدة، و يقنت فيها قبل الركوع و بعد القراءة»(وسائل الشيعة 4: 55، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 24.) و حكي عن الشيخ البهائي (رحمه اللَّه) في حواشي «مفتاح الفلاح» أنّه قال: القنوت في الوتر إنّما هو في الثالثة، و أمّا الأُوليان المسمّيان بالشفع فلا قنوت فيهما، و استدلّ عليه بصحيح عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال القنوت في المغرب في الركعة الثانية و في العشاء و الغداة مثل ذلك، و في الوتر في الركعة الثالثة(وسائل الشيعة 6: 267، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 3، الحديث 2.) و فيه: أنّ ظاهر هذا الصحيح موهون بإعراض الأصحاب عنه و عملهم بالعمومات الدالّة على استحباب القنوت في كلّ ثنائية من النوافل، و لا حاجة إلى التمحّل فيه بتخصيص العمومات بهذا الصحيح أو حمله على التقية أو على صورة وصل الوتر بالشفع تقيةً و كون مجموعهما صلاة واحدة، و غيرها من المحامل.

ص: 635

ص: 636

ص: 637

ص: 638

ص: 639

ص: 640

ص: 641

[ (مسألة 2): لا يعتبر في القنوت قول مخصوص]

(مسألة 2): لا يعتبر في القنوت قول مخصوص، بل يكفي فيه كلّ ما تيسّر من ذكر و دعاء، بل يجزي البسملة مرّة واحدة، بل «سبحان اللَّه» خمس أو ثلاث مرّات، كما يجزي الاقتصار على الصلاة على النبي و آله، و الأحسن ما ورد عن المعصوم (عليه السّلام) من الأدعية، بل و الأدعية التي في القرآن. و يستحبّ فيه الجهر؛ سواء كانت الصلاة جهريّة أو إخفاتيّة، إماماً أو منفرداً، بل أو مأموماً إن لم يسمع الإمام صوته (1).


1- وجه عدم اشتراط الذكر المخصوص في القنوت و كفاية ما تيسّر من الذكر و الدعاء حتّى البسملة مرّة واحدة هو صحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القنوت و ما يقال فيه، قال ما قضى اللَّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقّتاً(وسائل الشيعة 6: 277، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) أنّه سأله عن القنوت فيه قول معلوم؟ فقال أثن على ربّك و صلّ على نبيّك و استغفر لذنبك(وسائل الشيعة 6: 278، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 4.) و مرفوع محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال سبعة مواطن ليس فيها دعاء موقّت: الصلاة على الجنائز و القنوت و المستجار و الصفاء و المروة و الوقوف بعرفات و ركعتا الطواف(وسائل الشيعة 6: 278، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 5.) و وجه استحباب خمس تسبيحات في القنوت رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن أدنى القنوت، فقال خمس تسبيحات(وسائل الشيعة 6: 273، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 6، الحديث 1.) و وجه استحباب ثلاث تسبيحات فيه رواية أبي بكر بن أبي سمّاك عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) في حديث قال يجزي من القنوت ثلاث تسبيحات(وسائل الشيعة 6: 274، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 6، الحديث 3.) و وجه استحباب الجهر بالقنوت حتّى في الإخفاتية صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام) القنوت كلّه جهار(وسائل الشيعة 6: 291، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 21، الحديث 1.) و رواية أبي بكر بن أبي سمّاك قال: صلّيتُ خلف أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) الفجر، فلمّا فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحواً ممّا كان يقرأ، قال اللهمّ اغفر لنا و ارحمنا و عافنا و اعفُ عنّا في الدنيا و الآخرة إنّك على كلّ شي ء قدير(وسائل الشيعة 6: 291، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 21، الحديث 2.) و الوجه في استحباب الجهر للمأموم فيما إذا لم يسمع الإمام صوته صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلّ ما يقول، و لا ينبغي من خلفه أن يسمعوا شيئاً ممّا يقول(وسائل الشيعة 8: 396، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 52، الحديث 3.)

ص: 642

ص: 643

[ (مسألة 3): لا يعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال]

(مسألة 3): لا يعتبر رفع اليدين في القنوت على إشكال، فالأحوط عدم تركه (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اعتبار رفع اليدين في القنوت و عدمه، المشهور المختار هو الثاني، و قد حكي عن «كنز العرفان» أنّه قال: القنوت هو رفع اليدين بالدعاء في الصلاة في عرف الفقهاء، و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني: الظاهر كون رفع اليدين مأخوذاً في مفهوم القنوت، انتهى. و في بعض الأخبار دلالة عليه، كرواية عمّار الساباطي قال: قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السّلام): أخاف أن أقنت و خلفي مخالفون، فقال رفعك يديك يجزي؛ يعني رفعهما كأنّك تركع(وسائل الشيعة 6: 282، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 12، الحديث 2.) و رواية علي بن محمّد بن سليمان قال: كتبتُ إلى الفقيه (عليه السّلام) أسأله عن القنوت، فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين، و قل ثلاث مرّات: بسم اللَّه الرحمن الرحيم(وسائل الشيعة 6: 282، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 12، الحديث 3.) و في «مصباح الفقيه» بعد نقل رواية عمّار قال: و كيف كان فالاجتزاء برفع اليدين في مقام التقية كاشف عن أنّه من مراتبه الميسورة التي لا تسقط بمعسوره. إلى أن قال: و الحاصل أنّه يستشعر من مثل هذه الأخبار أنّه لم يكن المقصود بالقنوت في عرف الأئمّة (عليهم السّلام) إلّا ما هو المتعارف عندنا الذي هو منافٍ للتقية و هو العمل الخاصّ المشتمل على الدعاء و رفع اليدين، لا مطلق الدعاء أو الذكر؛ و لذا لم يطلق اسمه في مورد على سائر الأذكار و الأدعية التي ليس فيها رفع اليدين. و قد أشرنا آنفاً إلى أنّ المتبادر من إطلاقه في عرف المتشرّعة أيضاً ليس إلّا ذلك، بل يصحّ عندهم سلب اسمه عن الدعاء بلا رفع اليدين. و لكن ظاهر الأصحاب حيث جعلوه من مستحبّات القنوت بل صريح غير واحد منهم عدم اعتباره في ماهية القنوت، بل هو كرفع اليدين حال التكبير من آدابه. و يشكل ذلك بأنّهم لا يطلقون اسم القنوت إلّا على الدعاء بالكيفية المعهودة المشتملة على رفع اليدين. إلى أن قال: و الذي يغلب على الظنّ: أنّ مفهوم القنوت في عرف الفقهاء أيضاً ليس إلّا هذا العمل المركّب من الدعاء و الرفع، و لكن الرفع عندهم ليس من مقوّمات مطلوبيته، فهو و إن كان فصلًا للقنوت مميّزاً له عمّا عداه من الأدعية، و لكنّه جزء مستحبّي بلحاظ مطلوبيته. بل ظاهر قولهم: «يستحبّ فيه» كنظائره ممّا وقع فيه مثل هذا التعبير ليس إلّا إرادة كونه جزءً مستحبّياً له، لا مستحبّاً خارجياً له(مصباح الفقيه، الصلاة: 391/ السطر 16.) انتهى كلامه (رحمه اللَّه). و ما ذكره (رحمه اللَّه) هو الوجه في الاحتياط في عدم ترك رفع اليدين في القنوت.

ص: 644

[ (مسألة 4): يجوز الدعاء في القنوت و في غيره بالملحون]

(مسألة 4): يجوز الدعاء في القنوت و في غيره بالملحون مادّة أو إعراباً إن لم يكن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى، و كذا الأذكار المندوبة، و الأحوط الترك مطلقاً. أمّا الأذكار الواجبة فلا يجوز فيها غير العربيّة الصحيحة (1).


1- وجه جواز الدعاء في القنوت و غيره من الأذكار المندوبة بالملحون مادّة أو إعراباً إذا لم يكن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى، هو صدق اسم الدعاء عليه مع قصد اللاحن من الملحون نفس الدعاء المخصوص لا بمعنى آخر. نعم لو كان اللحن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى بحيث لا يعدّ ذلك الدعاء عند من سمعه اتّجه البطلان. و الأحوط الترك مطلقاً و إن لم يكن فاحشاً أو مغيّراً للمعنى؛ لانصراف الدعاء في القنوت و التشهّد و غيرهما إلى الدعاء بالصحيح مادّة و هيئة. و أمّا الأذكار الواجبة كذكر الركوع و السجود فيشترط فيها العربي الصحيح، و العربي الملحون كغير العربي كلام آدمي مبطل إذا كان عمداً. فرع: اختلف فقهاؤنا في جواز الدعاء في القنوت بالفارسية و غيرها من اللغات غير العربية: قال الصدوق (رحمه اللَّه) في «الفقيه»: و ذكر شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضى اللَّه عنه) عن سعد بن عبد اللَّه أنّه كان يقول: لا يجوز الدعاء في القنوت بالفارسية، و كان محمّد بن الحسن الصفّار يقول: إنّه يجوز، و الذي أقول به: إنّه يجوز؛ لقول أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي ربّه عزّ و جلّ ، و لو لم يكن هذا الخبر لكنتُ أُجيزه بالخبر الذي روي عن الصادق (عليه السّلام) أنّه قال كلّ شي ء مطلق حتّى يرد فيه نهي ، و النهي عن الدعاء بالفارسية في الصلاة غير موجود، و الحمد للَّه(الفقيه 1: 208/ ذيل الحديث 935.) انتهى. و اختار الجواز كثير من القدماء، بل نسبه المحقّق الثاني إلى المشهور، و قال بتلخيص منّا: إنّ الأصحاب نقل عن سعد بن عبد اللَّه من فقهائنا عدم جوازه مع القدرة، و هو المتّجه؛ لأنّ كيفية العبادة متلقّاة من الشارع كالعبادة، و لم يعهد مثل ذلك، إلّا أنّ الشهرة بين الأصحاب مانعة من المصير إليه(جامع المقاصد 2: 322.) انتهى. و صاحب «الحدائق» اختار قول سعد بن عبد اللَّه. و اكتفى جماعة بنقل القولين في المسألة، كصاحب «المدارك» و «الذخيرة» و الشهيد في «الذكرى». و استدلّ على القول بالمنع مضافاً إلى ما ذكره المحقّق الثاني بأنّ المتبادر من إطلاق الدعاء و الثناء في القنوت هو العربي، و هو المتعارف المعهود من الشارع. و فيه: أنّ القنوت دعاء، و الدعاء لا اختصاص له بلغة دون لغة. و استدلّ على المشهور بصحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القنوت و ما يقال فيه، قال ما قضى اللَّه على لسانك، و لا أعلم فيه شيئاً موقّتاً(وسائل الشيعة 6: 277، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) عن القنوت في الوتر، هل فيه شي ء موقّت يتّبع و يقال؟ فقال لا، أثن على اللَّه عزّ و جلّ و صلّ على النبي (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و استغفر لذنبك العظيم ، ثمّ قال كلّ ذنب عظيم(وسائل الشيعة 6: 277، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 9، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و يشهد على الجواز الأخبار المستفيضة الدالّة على جواز مناجاة الربّ بكلّ شي ء، كصحيح علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي ربّه عزّ و جلّ؟ قال نعم(وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال أبو جعفر الثاني (عليه السّلام) لا بأس أن يتكلّم الرجل في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه عزّ و جلّ(وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 2.) و مرسله الآخر قال: قال الصادق (عليه السّلام) كلّ ما ناجيتَ به ربّك في الصلاة فليس بكلام(وسائل الشيعة 6: 289، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 19، الحديث 4.) و رواية بكر بن حبيب قال: قلت لأبي جعفر (عليه السّلام): أيّ شي ء أقول في التشهّد و القنوت؟ قال قل بأحسن ما علمت؛ فإنّه لو كان موقّتاً لهلك الناس(وسائل الشيعة 6: 399، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 5، الحديث 1.) ثمّ إنّ عموم هذه الأخبار يشمل كلّ دعاء و مناجاة بأيّ لغة كانت؛ فالجواز لا يختصّ بخصوص الفارسية. و لا يخفى: أنّه من المحتمل أن يكون المراد ممّا قضى اللَّه على لسان الداعي في القنوت و من كلّ شي ء يناجي المناجي به ربّه في الروايات المذكورة ما هو المركوز في النية من حوائجه الدنيوية و الأُخروية؛ يعني أنّه يجوز في القنوت استدعاء كلّ حاجة مشروعة من غير توقيت بشي ء خاصّ؛ فحينئذٍ لا تكون الروايات ناظرة إلى جواز القنوت بلغات مختلفة. و العمدة في الدليل على الجواز بغير العربية هي الشهرة القطعية، بل في كلام المحقّق الثاني: أنّه لا يعلم قائل بالمنع، سوى سعد بن عبد اللَّه. و الأحوط استحباباً ترك الدعاء بغير العربي و لو في غير القنوت.

ص: 645

ص: 646

ص: 647

ص: 648

[القول في التعقيب]

القول في التعقيب

[ (مسألة 1): يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة و لو نافلة]

(مسألة 1): يستحبّ التعقيب بعد الفراغ من الصلاة و لو نافلة، و في الفريضة آكد، خصوصاً في الغداة، و المراد به الاشتغال بالدعاء و الذكر و القرآن و نحو ذلك.

[ (مسألة 2): يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلًا بالفراغ من الصلاة]

(مسألة 2): يعتبر في التعقيب أن يكون متّصلًا بالفراغ من الصلاة؛ على وجه لا يشاركه الاشتغال بشي ء آخر يذهب بهيئته عند المتشرّعة كالصنعة و نحوها، و الأولى فيه الجلوس في مكانه الذي صلّى فيه، و الاستقبال و الطهارة. و لا يعتبر فيه قول مخصوص، و الأفضل ما ورد عنهم (عليهم السّلام) ممّا تضمّنته كتب الأدعية و الأخبار.

و لعلّ أفضلها تسبيح الصديقة الزهراء سلام اللَّه عليها و كيفيّته على الأحوط: أربع و ثلاثون تكبيرة، ثمّ ثلاث و ثلاثون تحميدة، ثمّ ثلاث و ثلاثون تسبيحة. و لو شكّ في عددها يبني على الأقلّ إن لم يتجاوز المحلّ، فلو سها فزاد على عدد التكبير أو غيره، رفع اليد عن الزائد، و بنى على الأربع و ثلاثين أو الثلاث و ثلاثين، و الأولى أن يبني على نقص واحدة، ثمّ يكمل العدد بها في التكبير و التحميد دون التسبيح.

و من التعقيبات: قول: «لا إلهَ إلّا اللَّه وحدَهُ وحدَهُ أنجَزَ وعدَهُ، و نصرَ عبدَهُ، و أعزَّ جندَهُ، و غلبَ الأحزابَ وحدهُ، فلَهُ المُلكُ و لهُ الحمدُ، يُحيي و يُميتُ، و هوَ على كُلّ شي ءٍ قدير».

و منها: قول: «اللّهُمَّ صَلّ على مُحمّدٍ و آل محمّدٍ، و أجرني من النارِ،

ص: 649

و ارزقني الجنَّةَ، و زوّجني منَ الحورِ العينِ».

و منها: قول: «اللّهُمَّ اهدِني من عِندكَ، و أفِض عليَّ من فَضلِكَ، و انشر عليَّ من رحمتِكَ، و أنزِل عليَّ من بركاتِكَ».

و منها: قول: «أعوذُ بوجهِكَ الكريم، و عزَّتِك التي لا تُرامُ، و قدرتِكَ الّتي لا يَمتَنِعُ منها شي ءٌ، من شرّ الدنيا و الآخرة، و من شرّ الأوجاعِ كُلّها، و لا حولَ و لا قُوَّةَ إلّا باللَّه العليّ العظيمِ».

و منها: قول: «اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ من كُلّ خيرٍ أحاطَ بهِ علمكَ، و أعوذُ بِكَ من كُلّ شرٍّ أحاطَ بهِ عِلمُكَ، اللّهُمَّ إنّي أسألُكَ عافيتَكَ في أُموري كُلّها، و أعوذُ بِكَ من خزي الدُّنيا و عذَابِ الآخرةِ».

و منها: قول: «سُبحانَ اللَّه و الحمدُ للَّهِ و لا إلهَ إلّا اللَّه و اللَّهُ أكبرُ» مائة مرّة أو ثلاثين.

و منها: قراءة آية الكرسي و الفاتحة و آية شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ. و آية قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ.

و منها: الإقرار بالنبي و الأئمّة عليهم الصلاة و السلام.

و منها: سجود الشكر، و قد مرَّ كيفيّته سابقاً.

المجلد 2

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

ص: 7

[تتمة كتاب الصلاة]

القول في مبطلات الصلاة

اشارة

و هي امور:

أحدها: الحدث الأصغر و الأكبر،

فإنّه مبطل لها أينما وقع فيها؛ و لو عند الميم من التسليم على الأقوى؛ عمداً أو سهواً أو سبقاً، عدا المسلوس و المبطون و المستحاضة على ما مرّ (1).


1- المبطل للطهارة كالبول و الغائط و الجنابة و الحيض مبطل للصلاة إجماعاً إذا وقع في أثناء الصلاة عمداً؛ و لو عند «الميم» من التسليم، و ادّعى بعض فقهائنا أنّه من ضروريات مذهبنا، و حكي عن المجلسي تقوية ما نسب إلى الصدوق رحمه الله من عدم بطلان الصلاة بالحدث عمداً بعد الجلوس من السجدة الثانية من الركعة الرابعة، و أنّه يتوضّأ و يرجع؛ و ذلك للنصوص المعتبرة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع رأسه في السجدة الأخيرة و قبل أن يتشهّد، قال: «ينصرف فيتوضّأ، فإن شاء رجع إلى المسجد، و إن شاء ففي بيته، و إن شاء حيث شاء قعد فيتشهّد ثمّ يسلّم. و إن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته» (وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 1.). و موثّق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يحدث بعد ما يرفع رأسه من السجود الأخير، فقال: «تمّت صلاته، و أمّا التشهّد سنّة في الصلاة فيتوضّأ و يجلس مكانه أو مكاناً نظيفاً فيتشهّد» (وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 2.). و رواية ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن رجل صلّى الفريضة فلمّا رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال: «أمّا صلاتهم (صلاته. ظ) فقد مضت، و أمّا التشهّد فسنّة في الصلاة فليتوضّأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد» (وسائل الشيعة 6: 411، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 3.). و موثّق آخر لعبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى الفريضة فلمّا فرغ و رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال: «أمّا صلاته فقد مضت و بقي التشهّد، و إنّما التشهّد سنّة في الصلاة فليتوضّأ و ليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهّد» (وسائل الشيعة 6: 412، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 13، الحديث 4.). قال صاحب «الوسائل»: هذه الأحاديث محمولة على نسيان التشهّد دون التعمّد، و قد تقدّم ما يدلّ على ذلك. و يمكن أن يكون المراد ما زاد عن التشهّد الواجب قاله الشيخ، و يحتمل الحمل على التقية (وسائل الشيعة 6: 411.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ الروايات المذكورة- مضافاً إلى حملها على المحامل المزبورة- معرض عنها عند الأصحاب، و مشتملة على جواز وقوع الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة في أثنائها- و هو الخروج من المسجد و التوضّي و الرجوع إليه للتشهّد- و لم يقل به أحد من علمائنا، إلّا ما حكي عن المجلسي. و يدلّ على القول المشهور من بطلان الصلاة و وجوب الإعادة بمجرّد الحدث في الأثناء موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن الرجل يكون في صلاته فيخرج منه حبّ القرع، كيف يصنع؟ قال: «إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شي ء و لم ينقض وضوؤه، و إن خرج متلطّخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، و إن كان في صلاته قطع الصلاة و أعاد الوضوء و الصلاة» (وسائل الشيعة 1: 259، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 5، الحديث 5.). و رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخفق و هو في الصلاة، فقال: «إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن أنّه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا إعادة» (وسائل الشيعة 1: 253، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 3، الحديث 6.). و صحيح أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام أنّهما كانا يقولان: «لا يقطع الصلاة إلّا أربعة: الخلاء و البول و الريح و الصوت» (وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 2.). و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيعلم أنّ ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها و لا يسمع صوتها، قال: «يعيد الوضوء و الصلاة، و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً» (وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 7.). و روايته الاخرى عن أخيه عليه السلام قال: و سألته عن رجل وجد ريحاً في بطنه فوضع يده على أنفه و خرج من المسجد حتّى أخرج الريح من بطنه ثمّ عاد إلى المسجد فصلّى و لم يتوضّأ، هل يجزيه ذلك؟ قال: «لا يجزيه حتّى يتوضّأ، و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى» (وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 8.). هذا كلّه إذا وقع الحدث في أثناء الصلاة عمداً. و أمّا إذا وقع فيه سهواً أو بغير اختيار فهو أيضاً مبطل للصلاة إجماعاً. نعم حكي عن الشيخ و السيّد المرتضى في «المصباح» القول بعدم البطلان. و فيه- مضافاً إلى أنّ كلام الشيخ في «الخلاف» مورده السبق لا السهو- أنّه رحمه الله اختار القول بالبطلان، قال في «الخلاف»: من سبقه الحدث من بول أو ريح أو غير ذلك، لأصحابنا فيه روايتان: إحداهما- و هي الأحوط- أنّه تبطل صلاته ... إلى أن قال: و الرواية الاخرى: أنّه يعيد الوضوء و يبني (الخلاف 1: 409، المسألة 157.). و قال في «المبسوط» في فصل تروك الصلاة و ما يقطعها: و هذه التروك الواجبة على ضربين: أحدهما: متى حصل عامداً كان أو ناسياً أبطل الصلاة، و هو جميع ما ينقض الوضوء؛ فإنّه إذا انتقض الوضوء انقطعت الصلاة، و قد روي أنّه إذا سبقه الحدث جاز أن يعيد الوضوء و يبني على صلاته، و الأحوط الأوّل. و القسم الآخر: متى حصل ساهياً أو ناسياً أو للتقية فإنّه لا يقطع الصلاة، و هو كلّ ما عدا نواقض الوضوء (المبسوط 1: 117.)، انتهى. و كلامه في «التهذيب» صريح في نفي الخلاف في وجوب الإعادة، قال: منعت الشريعة للمتوضّي إذا صلّى ثمّ أحدث أن يبني على ما مضى من صلاته؛ لأنّه لا خلاف بين أصحابنا أنّ مَن أحدث في الصلاة ما يقطع صلاته يجب عليه استئنافه (تهذيب الأحكام 1: 205.)، هذا مختار الشيخ رحمه الله في كتبه. و أمّا السيّد فلم يكن «مصباحه» موجوداً عندنا حتّى نلاحظه. هذا كلّه في غير المسلوس و المبطون و المستحاضة، و تفصيل الكلام فيها موكول إلى كتاب الطهارة.

ص: 8

ص: 9

ص: 10

ص: 11

ثانيها: التكفير

و هو وضع إحدى اليدين على الاخرى نحو ما يصنعه غيرنا. و هو مبطل عمداً على الأقوى، لا سهواً، و إن كان الأحوط فيه الإعادة، و لا بأس به حال التقيّة (1).


1- التكفير هو التكتّف، و هو في اللغة بمعنى الخضوع؛ ففي «المنجد»: كفّر له: خضع بأن يضع يده على صدره و يطأطئ رأسه و يتطأمن تعظيماً له (المنجد: 691.). و اختلف فقهاؤنا في تفسيره؛ فقال جماعة- منهم العلّامة و المحقّق- إنّه عبارة عن وضع اليد اليمنى على اليسرى، و قيّده في «التذكرة» و «المنتهى» بحال القراءة، قال في «التذكرة»: و هو وضع اليمين على الشمال في القراءة (تذكرة الفقهاء 3: 295.). و قال جماعة اخرى: إنّه لا فرق في التكفير بين وضع اليمين على الشمال و العكس، اختاره الشيخ و ابن إدريس و الشهيدان. و في «الجواهر»: لا فرق فيه بين الوضع فوق السرّة و تحتها، كما صرّح به غير واحدٍ، بل لا أجد فيه خلافاً؛ لإطلاق الأدلّة، كما أنّه لا فرق بين وجود الحائل و عدمه، بل و لا بين وضع الكفّ على الكفّ و الذراع و الساعد- أي العضد- و إن استشكل فيه في «التذكرة» قال: من إطلاق اسم التكفير، و من أصالة الإباحة. و لا يخفى عليك ما فيه، بل الظاهر تحقّقه بوضع الذراع على الذراع أيضاً. و في بعض النصوص السابقة تصريح ببعض ذلك، فضلًا عن إطلاق وضع اليد على الاخرى. و الظاهر: أنّ المدار على الهيئة المتعارفة في الخضوع عند مستعمليه من الفُرس و أتباعهم (جواهر الكلام 11: 22.)، انتهى. المشهور في حكم التكفير الحرمة و وجوب تركه في الصلاة، و ذهب ابن الجنيد إلى استحباب تركه، و أبو الصلاح إلى كراهة فعله، و اختاره المحقّق في «المعتبر». و استدلّ على قول المشهور- مضافاً إلى ما ذكره في «التذكرة» من الإجماع، و كونه فعلًا كثيراً فيكون منهياً عنه، و أنّه أحوط؛ لوقوع الخلاف فيه دون الإرسال، و بأنّ أفعال الصلاة توقيفية- بصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: الرجل يضع يده في الصلاة و حكى اليمنى على اليسرى، فقال: «ذلك التكفير، لا يفعل» (وسائل الشيعة 7: 265، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 1.).و مرسل حريز عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «و لا تكفّر، إنّما يصنع ذلك المجوس» (وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 3.). و مرسل الصدوق في «الخصال» عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: «لا يجمع المسلم يديه في صلاته و هو قائم بين يدي اللّٰه- عزّ و جلّ- يتشبّه بأهل الكفر؛ يعني المجوس» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 7.). و حكي عن المحقّق في «المعتبر» أنّه قال: الوجه عندي الكراهة. أمّا التحريم فيشكل؛ لأنّ الأمر بالصلاة لا يتضمّن حال الكفّين؛ فلا يتعلّق بها تحريم. لكن الكراهية من حيث هي مخالفة لما دلّت عليه الأحاديث عن أهل البيت من استحباب وضعهما على الفخذين محاذيتين للركبتين (المعتبر 2: 257.)، انتهى. و نسب هذا القول إلى الشهيد الثاني في «الروضة» و «المسالك» و المحقّق الأردبيلي في «شرحه على الإرشاد» و النراقي في «مستند الشيعة». و استدلّ عليه بالأصل، و بظهور بعض الأخبار كرواية «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «إذا كنتَ قائماً في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى و لا اليسرى على اليمنى؛ فإنّ ذلك تكفير أهل الكتاب، و لكن أرسلهما إرسالًا فإنّه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة» (دعائم الإسلام 1: 159، مستدرك الوسائل 5: 421، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 14، الحديث 2.). و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك؛ فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه، و لا تعبث فيها بيدك و لا برأسك و لا بلحيتك و لا تحدث نفسك و لا تتثاءب و لا تتمطّ و لا تكفّر فإنّما يفعل ذلك المجوس، و لا تلثم و لا تحتفز (و لا) تفرّج كما يتفرّج البعير و لا تقع على قدميك و لا تفترش ذراعيك و لا تفرقع أصابعك؛ فإنّ ذلك كلّه نقصان من الصلاة، و لا تقم إلى الصلاة متكاسلًا و لا متناعساً و لا متثاقلًا؛ فإنّها من خلال النفاق فإنّ اللّٰه سبحانه نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة و هم سكارى؛ يعني سكر النوم، و قال للمنافقين: «وَ إِذٰا قٰامُوا إِلَى الصَّلٰاةِ قٰامُوا كُسٰالىٰ يُرٰاؤُنَ النّٰاسَ وَ لٰا يَذْكُرُونَ اللّٰهَ إِلّٰا قَلِيلًا»» (الكافي 3: 299/ 1.).وجه الدلالة: أنّ قوله عليه السلام: «فإنّ ذلك كلّه نقصان في الصلاة» ظاهر في الكراهة و شامل للتكفير. ثمّ إنّ أكثر القائلين بحرمة التكفير قالوا ببطلان الصلاة، بل هو المشهور عندهم، و هو المختار. و استدلّ عليه بالإجماع المدّعى في كلام جماعة؛ منهم العلّامة في «التذكرة» قال: التكفير مبطل في الصلاة؛ لإجماع الفرقة عليه (تذكرة الفقهاء 3: 295.)، و هذا هو الدليل العمدة على البطلان. و عن الشيخ و السيّد المرتضى تعليل مبطليته بأنّه فعل كثير، و بتوقيفية العبادة أقوالها و أفعالها، و باقتضاء أصل الاشتغال و الاحتياط. و لا يخفى: أنّ الظاهر من رواية «دعائم الإسلام» و صحيح زرارة المذكورين كراهة التكفير، و هو الظاهر أيضاً من صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «و عليك بالإقبال على صلاتك ...» إلى أن قال: «و لا تكفّر فإنّما يصنع ذلك المجوس» (وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 2.) . و رواية علي بن جعفر عن أخيه: و سألته عن الرجل يكون في صلاته أ يضع إحدى يديه على الاخرى بكفّه أو ذراعه؟ قال: «لا يصلح ذلك، فإن فعل فلا يعود» (وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 5.) ، و الدلالة في الأخير أوضح بقرينة ظهور «لا يصلح» في الكراهة، و أنّه لو أبطل لأمر بالإعادة. و بالجملة: فهذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في كراهة التكفير و صالحة لصرف صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام و نحوه الظاهر في التحريم، إلّا أنّها معرض عنها عند الأصحاب. قال في «مصباح الفقيه»: فيشكل مع هذه القرائن الكثيرة المشعرة بالكراهة أو الظاهرة فيها الجمود على ظاهر النهي الوارد في صحيحة محمّد بن مسلم و غيرها من الأخبار المزبورة، إلّا أنّ رفع اليد عن هذا الظاهر المعتضد بالشهرة و الإجماعات المنقولة تعويلًا على مثل هذه الإشعارات التي أعرض عنها المشهور أشكل. فالقول بالحرمة مع أنّه أحوط لا يخلو من قوّة. و قد أشرنا آنفاً إلى أنّ المتبادر من النهي في مثل هذه الموارد- على تقدير تعلّقه بنفس الفعل كما هو الظاهر لا من حيث كونه تشريعاً- إنّما هو إرادة المنع الغيري؛ أي بيان الحكم الوضعي لا محض التكليف (مصباح الفقيه، الصلاة: 402/ السطر 8.)، انتهى. بقي الكلام في أنّ بطلان الصلاة بالتكفير هل هو مختصّ بصورة العمد إليه، أو يعمّ السهو أيضاً؟ فنقول: إن كانت الحرمة و الإبطال لأجل التشريع اختصّ الحكم بصورة العمد؛ لانتفاء التشريع حال السهو؛ لدخالة العمد و القصد في حقيقة التشريع. و إن كانت مستفادة من النصّ- كما هو الظاهر من صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم (وسائل الشيعة 7: 265، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) على ما عرفت- فيعمّ الحكم حال السهو أيضاً. الذي يظهر من جماعة من فقهائنا هو اختصاص الحكم بصورة العمد، و هو ممّا لا خلاف بينهم على ما ادّعاه جماعة منهم. و لو لا نفي الخلاف بل الإجماع على الاختصاص المزبور لأشكل إثباته. قال في «الجواهر»: ثمّ إنّ صريح المصنّف و غيره- بل لا أجد فيه خلافاً، بل ظاهر إرساله إرسال المسلّمات من جماعة من الأصحاب كونه من القطعيات- اختصاص الحكم المزبور بصورة العمد دون السهو؛ فلو كفّر ساهياً عن كونه في الصلاة لم تبطل صلاته. و لعلّ هذا من المؤيّدات لما ذكرناه سابقاً من أنّ الحرمة فيه و الإبطال للتشريع المنفي حال السهو، و إلّا فلم نقف لهم على ما يدلّ على خروج صورة السهو؛ خصوصاً على القول بإجمال العبادة و أنّها للصحيح الجامع للشرائط الفاقد للمانع. و دعوى أنّ الدليل اختصاص ما دلّ على مانعيته بصورة العمد؛ لما فيه من النهي الذي لا يتصوّر توجّهه إلى الساهي، يدفعها ما سمعته منّا غير مرّة من أنّ التحقيق عدم تقييد الحكم الوضعي بالتكليفي و إن استفيد منه؛ سواء في ذلك الشرط و المانع، و العرف أعدل شاهد به؛ فالمتّجه حينئذٍ- إن لم يكن كما ذكرنا- العموم للحالتين، إلّا أن يثبت إجماع، و دون إثباته- مع فرض قطع النظر عن القول بالحرمة التشريعية- خرط القتاد (جواهر الكلام 11: 23.)، انتهى. و ما ذكره رحمه الله من عدم الوقوف على ما يدلّ على خروج صورة السهو مع ما في «الرياض» من الوجه على عموم الحكم لصورة السهو، هو الوجه في الاحتياط بالإعادة في الصورة المذكورة. و لا بأس بالتكتّف في حال التقية؛ لأنّها تجوّز كلّ محذور، بل قد يجب فيما ترتّب عليه مصلحة أهمّ، كحفظ النفس. و لكن لو ترك التقية لا تبطل الصلاة؛ لعدم تعلّق النهي بها.

ص: 12

ص: 13

ص: 14

ص: 15

ص: 16

ص: 17

ثالثها: الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال،

بل و ما بينهما على وجه يخرج به عن الاستقبال، فإنّ تعمّد ذلك كلّه مبطل لها، بل الالتفات بكلّ البدن بما يخرج به عمّا بين المشرق و المغرب، مبطل حتّى مع السهو أو القسر و نحوهما. نعم لا يبطل الالتفات بالوجه- يميناً و شمالًا- مع بقاء البدن مستقبلًا إذا كان يسيراً، إلّا أنّه مكروه. و أمّا إذا كان فاحشاً؛ بحيث يجعل صفحة وجهه بحذاء يمين القبلة أو شمالها، فالأقوى كونه مبطلًا (1).


1- في المسألة صور: الاولى: الالتفات بكلّ البدن إلى الخلف أو اليمين أو الشمال. الثانية: الالتفات بكلّ البدن إلى ما بين اليمين و الشمال على وجه يخرج به عن الاستقبال و لم يبلغهما. الثالثة: الالتفات بالوجه يميناً أو شمالًا يسيراً بحيث لا تبلغ صفحة وجهه يمينه أو شماله مع بقاء البدن مستقبلًا. الرابعة: الالتفات بالوجه بحيث تبلغ صفحته يمينه أو شماله مع بقاء البدن مستقبلًا. الخامسة: الالتفات بالوجه إلى الخلف و لو بميل البدن قليلًا بحيث لا يخرج به عن الاستقبال ببدنه. و في «الجواهر»: أنّ الصور المتصوّرة في المقام كثيرة جدّاً، بل ربّما كانت بملاحظة بعض القيود تنتهي إلى ستّمائة أو أزيد، إلّا أنّ الذي يهمّ معرفة الحكم فيها ستّة عشر؛ و ذلك لأنّ الالتفات إمّا عن عمدٍ أو سهوٍ، و على كلّ منهما إمّا أن يقع بالكلّ أو بالوجه، و على كلّ منهما فإمّا إلى الخلف أو اليمين أو اليسار أو ما بينهما بحيث يخرج عن الاستقبال (جواهر الكلام 11: 27.)، انتهى. و قد اختلف تعابير الفقهاء في عنوان المسألة، نذكر بعضها: فقال جماعة: إنّ الالتفات إلى ما ورائه مبطل عمداً، كما في «المبسوط» و «الشرائع» و «النافع»، و في «المنتهى»: أنّ الالتفات يميناً و شمالًا لا ينقص ثواب الصلاة و لا يبطلها، و عليه جمهور الفقهاء. و الالتفات إلى ما ورائه يبطلها؛ أمّا الإبطال بالالتفات بالكلّية فلأنّ الاستقبال شرط صحّة الصلاة و مع الالتفات بالكلّية يفوت الشرط (منتهى المطلب 1: 307/ السطر 29.)، و حكي عن الفقيه أنّه قال: لا تلتفت عن يمينك و لا يسارك، فإن التفت حتّى ترى خلفك فقد وجب عليك إعادة الصلاة (الفقيه 1: 198.). و حكي عن «الأمالي»: أنّ من دين الإمامية أنّ الالتفات حتّى يرى من خلفه قاطع للصلاة. و في «المعتبر»: أنّ الالتفات يميناً و شمالًا ينقص ثواب الصلاة، و الالتفات إلى ما ورائه يبطلها؛ لأنّ الاستقبال شرط صحّة الصلاة، فالالتفات بكلّه تفويت لشرطها. ثمّ حكم بكراهة الالتفات يميناً و شمالًا بوجهه مع بقاء جسده مستقبلًا (المعتبر 2: 253.). و في «التذكرة»: الالتفات إلى ما ورائه مبطل للصلاة؛ لأنّ الاستقبال شرط و الالتفات بكلّه مفوّت لشرطها ... إلى أن قال: و يكره الالتفات بوجهه يميناً و شمالًا (تذكرة الفقهاء 3: 294.). و في «المسالك»: أنّ الالتفات بكلّه مبطل. و في رسالة صاحب «المعالم»: أنّ تعمّد الالتفات بوجهه مبطل. و في «التهذيب» و «الاستبصار» و «الغنية» و «الدروس» و «جامع المقاصد» و «الروض» و «المدارك» و «كشف اللثام»: أنّ الالتفات إلى ما ورائه مبطل عمداً و سهواً. لكن في «جامع المقاصد» قيّده بكلّ بدنه. ثمّ إنّه لا إشكال و لا خلاف في بطلان الصلاة بالالتفات عن القبلة في الجملة، بل ادّعى غير واحد من فقهائنا الإجماع عليه. و إنّما الخلاف في اعتبار كونه بتمام بدنه و إلى ما ورائه و كان بحيث يرى من خلفه مقيّداً بالتعمّد و عدمه، بل يبطل مطلقاً و لو كان ببعض بدنه و لو لم يصل إلى ورائه، بل لو لم يصل إلى يمينه أو شماله من غير تقييد بالتعمّد. و الأخبار في المسألة مختلفة، و القدر المتيقّن منها و من الفتاوى و المجمع عليه هو الالتفات بتمام البدن إلى ما ورائه عمداً بحيث يرى من خلفه. و بعض الأخبار يدلّ على كون الالتفات المطلق مبطلًا، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، قال: «لا، و لا ينقض أصابعه» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 1.). و استدلّ في «المستمسك» (مستمسك العروة الوثقى 6: 536.) بموثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 245، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) ، على كون الالتفات المطلق مبطلًا. و فيه: أنّ الموثّق صريح في صرف خصوص الوجه عن القبلة لا الالتفات المطلق. و بعضها يدلّ على عدم مبطلية الالتفات المطلق، كرواية عبد الملك قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الالتفات في الصلاة، أ يقطع الصلاة؟ فقال: «لا، و ما احبّ أن يفعل» (وسائل الشيعة 7: 245، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 5.)، و قد حمله الشيخ على من لم يلتفت إلى ما ورائه بل التفت يميناً و شمالًا. و بعضها يدلّ على قطع الالتفات الصلاة إذا كان بكلّه، كصحيح زرارة أنّه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: «الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 3.). و بعضها يدلّ على كونه قاطعاً إذا كان فاحشاً، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قال: «إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشاً، و إن كنت قد تشهّدت فلا تعد» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 2.) . و رواية «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: «الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، و ينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ بالصلاة بالأذان و الإقامة و التكبير» (وسائل الشيعة 7: 245، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 7.). و بعضها يدلّ على قطع الصلاة بالالتفات إلى خلفه في الفريضة دون النافلة؛ سواء كان ببدنه أو بوجهه على فرض إمكانه، كرواية ابن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب «الجامع» للبزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته، هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: «إذا كانت الفريضة و التفت إلى خلفه فقد قطع صلاته فيعيد ما صلّى و لا يعتدّ به، و إن كانت نافلة لا يقطع ذلك صلاته و لكن لا يعود» (وسائل الشيعة 7: 246، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 8.). و لا يخفى: أنّ الأخبار المطلقة النافية لقاطعية الالتفات الصلاة مطروحة أو مؤوّلة، و المطلقات المثبتة لها منها محمولة على مقيّداتها. و نسبة بعض المقيّدات مع بعض آخر منها عموم و خصوص مطلقاً، كصحيح الحلبي حيث إنّه مع تقييده بالفاحش أعمّ مطلقاً من صحيح زرارة الذي هو أخصّ مطلقاً؛ لتقييده بقوله: «إذا كان بكلّه»، و كذا هو أعمّ مطلقاً من صحيح علي بن جعفر و رواية «السرائر» فإنّهما أخصّان مطلقاً؛ لتقييدهما بالخلف. و حينئذٍ يتعيّن حمل صحيح الحلبي المقيّد بكون الالتفات فاحشاً على صورة الالتفات بكلّه كما هو مقتضى صحيح زرارة، و صورة الالتفات إلى الخلف كما هو مقتضى صحيح علي بن جعفر و رواية «السرائر». ثمّ إنّ النسبة بين صحيح زرارة الدالّة على أنّ الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكلّه، و بين صحيح علي بن جعفر و رواية «السرائر» الدالّين على أنّ الالتفات إلى الخلف مبطل، عموم من وجه؛ مورد اجتماعهما هو الالتفات بكلّه إلى الخلف، و مورد افتراق الأوّل هو الالتفات بكلّه لا إلى الخلف بل إلى اليمين أو اليسار أو ما بينهما، و مورد افتراق الثاني هو الالتفات إلى الخلف لا بكلّه، و لا تنافي في مورد الاجتماع الذي هو القدر المتيقّن من الأخبار و الفتاوى و المجمع عليه كما ذكرنا. و يؤخذ إطلاق كلّ من العامّين من وجه بالنسبة إلى مورد افتراقهما. و في «المستمسك»: و المتحصّل من ذلك قادحية الالتفات بالكلّ مطلقاً و لو كان إلى اليمين أو اليسار، و قادحية الالتفات إلى الخلف مطلقاً و لو كان بوجهه لا بكلّه، و عدم قدح الالتفات بالوجه إذا لم يكن بكلّه و لم يكن إلى خلفه و إن كان فاحشاً، كما هو الظاهر من صحيح ابن جعفر عليه السلام و قال ثالث منهم بالإعادة داخل الوقت دون خارجه؛ ففي «المدارك» قال: (مستمسك العروة الوثقى 6: 537.). بقي الكلام في أنّ الالتفات المبطل هل يختصّ بصورة العمد أو يعمّ السهو و النسيان، بل و الإكراه و الاضطرار أيضاً. و في «مصباح الفقيه»: لا فرق بين الالتفات سهواً أو إكراهاً أو اضطراراً؛ لأنّ البحث في الجميع من وادٍ واحدٍ (مصباح الفقيه، الصلاة: 405/ السطر 3.). قال جماعة من فقهائنا بعدم الفرق بين العمد و السهو. و قال جماعة اخرى منهم بعدم البطلان فيما لو التفت سهواً أو نسياناً أو تقية، كالشيخ و ابني حمزة و إدريس و سلّار و العلّامة و الشهيد، قال في «المبسوط»: و القسم الآخر- أي من التروك الواجبة في الصلاة- متى حصل ساهياً أو ناسياً أو للتقية فإنّه لا يقطع الصلاة، و هو كلّ ما عدا نواقض الوضوء فإنّه متى حصل متعمّداً وجب منه استئناف الصلاة (المبسوط 1: 117.). و قال في «المنتهى»: فرع- لو التفت إلى ما وراءه ناسياً لم يعد صلاته؛ لقوله عليه السلام: «رفع عن امّتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه» (منتهى المطلب 1: 308/ السطر 2.) . و حكي عن الشهيد في «البيان»: أنّ ظاهر أكثر الأصحاب عدم بطلان الصلاة بالاستدبار سهواً (البيان: 249.). و في «الدروس»: أنّ المشهور عدم البطلان بالاستدبار (الدروس الشرعية 1: 185.). أمّا لو وقع سهواً فإن كان يسيراً لا يبلغ حدّ اليمين و اليسار لم يضرّ، و إن بلغه و أتى بشي ء من الأفعال في تلك الحال أعاد في الوقت، و إلّا فلا إعادة (مدارك الأحكام 3: 462.)، انتهى. و القائلون بالإبطال مطلقاً استدلّوا بإطلاق الروايات الدالّة على قاطعية الالتفات و شرطية الاستقبال، و إطلاق حديث: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود» (وسائل الشيعة 1: 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 8.) ، و في خصوص السهو برواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سئل عن رجل دخل مع الإمام في صلاته و قد سبقه بركعة، فلمّا فرغ الإمام خرج مع الناس، ثمّ ذكر أنّه فاتته ركعة، قال: «يعيد ركعة واحدة، يجوز له ذلك إذا لم يحوّل وجهه عن القبلة، فإذا حوّل وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالًا» (وسائل الشيعة 8: 209، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 6، الحديث 2.). و القائلون بالصحّة استدلّوا بالأصل و حديث الرفع، كما حكيناه عن «منتهى» العلّامة، هذا بناءً على رفع تمام الآثار، و بطلان الصلاة الموجب لإعادتها بالاستدبار سهواً من أظهر الآثار فيرفعه الحديث. و إطلاق بعض الأخبار الوارد فيها الأمر بإتمام الصلاة فيما نقص ركعة أو أزيد سهواً، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى بالكوفة ركعتين ثمّ ذكر و هو بمكّة أو بالمدينة أو بالبصرة أو ببلدة من البلدان أنّه صلّى ركعتين، قال: «يصلّي ركعتين» (وسائل الشيعة 8: 204، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 19.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: و الرجل يذكر بعد ما قام و تكلّم و مضى في حوائجه أنّه إنّما صلّى ركعتين في الظهر و العصر و العتمة و المغرب، قال: «يبني على صلاته، فيتمّها و لو بلغ الصين، و لا يعيد الصلاة» (وسائل الشيعة 8: 204، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 20.). و صحيح عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعة من الغداة ثمّ انصرف و خرج في حوائجه ثمّ ذكر أنّه صلّى ركعة، قال: «فليتمّ (يتمّ) ما بقي» (وسائل الشيعة 8: 210، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 6، الحديث 3.). و لا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف؛ لأنّ الأصل دليل حيث لا دليل، و حديث الرفع إنّما يرفع الآثار الشرعية المجعولة بالذات لما صدر سهواً دون ما يترتّب على لوازمه العقلية أو العادية و العرفية. و بطلان الصلاة بترك شرطها- أعني الاستقبال- أثر عقلي لترك الشرط منتزع من اعتبار وجود الشرط؛ فلا يرفعه حديث الرفع. فالحديث في أمثال المقام يرفع المؤاخذة التي هي أثر لترك الشرط الشرعي. و أمّا الأخبار المذكورة فهي محمولة على التقية أو موكول علمها إلى أهله عليهم السلام. نعم الأظهر: أنّه لو التفت سهواً و لم يصل إلى حدّ اليمين أو اليسار بل كان فيما بينهما، فهو غير مبطل و إن كان بكلّ البدن. و إن تجاوز انحرافه عمّا بينهما أعاد في الوقت دون خارجه، و قد تقدّم تفصيل الكلام في المسألة الرابعة من «مسائل القبلة»، فراجع.

ص: 18

ص: 19

ص: 20

ص: 21

ص: 22

ص: 23

ص: 24

ص: 25

رابعها: تعمّد الكلام و لو بحرفين مهملين؛
اشارة

بأن استعمل اللفظ المهمل المركّب من حرفين في معنىً كنوعه و صنفه، فإنّه مبطل على الأقوى، و مع عدمه كذلك على الأحوط. و كذا الحرف الواحد المستعمل في المعنى كقوله: «ب»- مثلًا- رمزاً إلى أوّل بعض الأسماء بقصد إفهامه، بل لا يخلو إبطاله من قوّة، فالحرف المفهم مطلقاً- و إن لم يكن موضوعاً- إن كان بقصد الحكاية لا تخلو مبطليّته من قوّة، كما أنّ اللفظ الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية، و كان حرفاً واحداً، لا يبطل على الأقوى، و إن كان حرفين فصاعداً فالأحوط مبطليّته، ما لم يصل إلى حدّ محو اسم الصلاة، و إلّا فلا شبهة فيها حتّى مع السهو (1).


1- لا خلاف بين الأصحاب في كون تعمّد الكلام مبطلًا للصلاة في الجملة، بل ادّعى كثير منهم الإجماع عليه، و به قال جماعة من علماء العامّة. قال في «التذكرة»: فلو تكلّم عامداً بحرفين- و إن لم يكن مفهماً- بطلت صلاته؛ سواء كان لمصلحة الصلاة أو لا، عند علمائنا أجمع. و به قال الشافعي و سعيد بن المسيّب و النخعي و حمّاد بن أبي سليمان، و هو محكي عن عبد اللّه بن مسعود و عبد اللّٰه بن الزبير و عبد اللّٰه بن عبّاس و أنس بن مالك و الحسن البصري و عطاء و عروة بن الزبير و ابن أبي ليلى (تذكرة الفقهاء 3: 274.)، انتهى. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كموثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن تكلّمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 281، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 1.). و مرسل الصدوق قال: و روي: «إنّ من تكلّم في صلاته ناسياً كبّر تكبيرات، و من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه إعادة الصلاة و مَن أنّ في صلاته فقد تكلّم» (وسائل الشيعة 7: 281، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 2.). و صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً، و إن تكلّمت ناسياً فلا شي ء عليك» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 5.). و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصيبه الرعاف، قال: «إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف لوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 6.). و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن تكلّم فليعد صلاته» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 7.). و رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: «و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» (وسائل الشيعة 7: 282، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 8.). و ما دلّ من الأخبار على جواز التكلّم ببعض الكلمات في أثناء الصلاة، كما في رواية أبي جرير عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال: «إنّ الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح، فإذا دعته الوالدة فليقل: لبّيك» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 7.) ، ضعيف سنداً- بعلي بن إدريس- هذا أولًا. و ثانياً: أنّه مطروح أو محمول على النافلة، نعم يجوز الذكر بالتسبيح و غيره من الأذكار، كما سيأتي.و لا يخفى: أنّ أكثر الفقهاء قيّدوا الكلام المبطل بكونه مركّباً من حرفين فصاعداً؛ ففي «الروضة» شرح «اللمعة» قال: و هو- على ما اختاره المصنّف و الجماعة- ما تركّب من حرفين فصاعداً، و إن لم يكن كلاماً لغةً و لا اصطلاحاً، و في حكمه الحرف الواحد المفيد كالأمر من الأفعال المعتلّة الطرفين، مثل «ق» من الوقاية، و «ع» من الوعاية؛ لاشتماله على مقصود الكلام و إن أخطأ بحذف «هاء» السكت، و حرف المدّ؛ لاشتماله على حرفين فصاعداً (الروضة البهية 1: 561.)، انتهى. و حكي عن نجم الأئمّة: أنّ الكلام في اللغة موضوع لجنس ما يتكلّم به؛ سواء كان مهملًا أو مستعملًا، مفيداً أو غير مفيد (شرح الرضي على الكافية 1: 20.). و في «القاموس»: أنّ الكلام القول أو ما كان مكتفياً بنفسه (القاموس المحيط 4: 174.). ثمّ إنّ مقتضى الوضع اللغوي للكلام بطلان الصلاة بالتكلّم بالحرف الواحد كالحرفين فصاعداً، و لكن الإجماع على عدم بطلانها بالحرف الواحد غير المفيد هو الوجه في تقييد الفقهاء الكلام المبطل بكونه مركّباً من حرفين فصاعداً، و هذا الإجماع هو المصرّح به في «المنتهى» و «الذكرى»، و هو المحكي من «الروض» و «المقاصد العلّية»، و في «المدارك»: و قد قطع الأصحاب بعدم بطلان الصلاة بالكلام بالحرف الواحد؛ لأنّه لا يسمّى كلاماً في العرف، بل و لا في اللغة أيضاً؛ لاشتهار الكلام لغةً في المركّب من الحرفين، كما ذكره الرضي- رضوان اللّٰه عليه (مدارك الأحكام 3: 463.)- انتهى. و حكي عن نجم الأئمّة أيضاً، كما في «حاشية الروضة (شرح اللمعة): قلت: ذكر نجم الأئمّة أنّ الكلام في اللغة موضوع لجنس ما يتكلّم به؛ سواء كان كلمة على حرف ك «واو» العطف أو على أكثر من كلمة، و سواء كان مهملًا أو مستعملًا، مفيداً أو غير مفيد. ثمّ قال: و هو في عرف اللغوي- على ما ذكره بعض المحقّقين- المركّب من حرفين فصاعداً (شرح الرضي على الكافية 1: 20.)، انتهى. و في «الحدائق»: قد صرّح بعضهم بأنّ الكلام جنس لما يتكلّم به؛ سواء كان من حرف واحد أو أكثر، إلّا أنّ ظاهر كلام الأصحاب- رضوان اللّٰه عليهم- هنا تقييده بما تركّب من حرفين فصاعداً، و ظاهرهم الإجماع على أنّ الحرف الواحد غير المفهم لا يسمّى كلاماً، نقل الإجماع على ذلك جمع؛ منهم العلّامة في «التذكرة» و الشهيد في «الذكرى» (الحدائق الناضرة 9: 17.)، انتهى. أقول: و لو لا الإجماع المدّعى في كلام جماعة من الفقهاء على عدم بطلان الصلاة بالحرف الواحد المهمل غير المفهم، لأمكن دعوى بطلانها به؛ لصدق الكلام لغةً عليه بالمفهوم الذي نقلناه عن «القاموس» و نجم الأئمّة. و السيّد الخوئي رحمه الله لعدم اعتنائه بالإجماع المنقول الكذائي أفتى على الإبطال بحرف واحدٍ، قال في حاشيته على «العروة الوثقى»: بل بحرفٍ واحد أيضاً على الأظهر (مستند العروة الوثقى 4: 466.). هذا كلّه في الحرف الواحد غير المفهم. و أمّا الحرف الواحد المفهم- سواء كان إفهامه بالوضع اللغوي نحو «ق» من الوقاية، أو العرفي العامّ أو الخاصّ، بل و لو عند المتكلّم مع شخص آخر- فلا ينبغي التوقّف في إبطاله؛ لصدق الكلام اللغوي و العرفي في الجميع، و عدم كونه من معقد الإجماع على عدم الإبطال. و نسب إلى الشهيد و من تأخّر عنه التصريح بكونه كلاماً لغة و عرفاً. و في «الجواهر»: بل هو كلام عند أهل العربية، فضلًا عن اللغة و العرف (جواهر الكلام 11: 46.). و أمّا الحرف الواحد الموضوع إذا تلفّظ به لا بقصد الحكاية عن معناه الموضوع له فلا يبطل على الأقوى؛ لعدم صدق الكلام عليه و دخوله في معقد الإجماع على عدم البطلان. و أمّا المركّب من حرفين فصاعداً الموضوع لمعنى و لكن لم يقصد حكايته عنه فالأقوى عندنا مبطليته؛ لصدق الكلام عليه. هذا مع عدم وصوله إلى حدّ محو اسم الصلاة، و إلّا فلا شبهة في مبطليته- حتّى مع السهو- و ذلك واضح.

ص: 26

ص: 27

ص: 28

ص: 29

و أمّا التكلّم في غير هذه الصورة فغير مبطل مع السهو (1).


1- هذه الصورة إشارة إلى صورة محو اسم الصلاة، و التكلّم في غيرها- من صور إبطال الكلام العمدي- غير مبطل مع السهو بلا خلاف. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلّم، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته؛ تكلّم أو لم يتكلّم، و لا شي ء عليه» (وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 5.) . و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته و لا شي ء عليه» (وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 9.) ، و في «الوسائل» حكايةً عن الشيخ: المراد أنّه لا شي ء عليه من الإثم و الإعادة؛ لما يأتي من وجوب سجدتي السهو. و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين» (وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) . و موثّق عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل دعاه رجل و هو يصلّي فسها فأجابه بحاجته، كيف يصنع؟ قال: «يمضي في صلاته و يكبّر تكبيراً كثيراً» (وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 2.) . و مرسل الصدوق قال: روي «إنّ من تكلّم في صلاته ناسياً كبّر تكبيرات، و من تكلّم في صلاته متعمّداً فعليه إعادة الصلاة» (وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 3.).

ص: 30

كما أنّه لا بأس بردّ سلام التحيّة، بل هو واجب، و لو تركه و اشتغل بالقراءة و نحوها لا تبطل الصلاة، فضلًا عن السكوت بمقداره، لكن عليه إثم ترك الواجب خاصّة (1).


1- إذا سلّم على المصلّي في أثناء الصلاة يجوز له بل يجب عليه ردّ السلام، بلا خلاف في جوازه بين أصحابنا؛ لعدم مانعية الصلاة- نافلةً كانت أو فريضة- من ردّه. و في «الجواهر»: بل الإجماع بقسميه عليه (جواهر الكلام 11: 100.). و كلمات القدماء خالية عن الدلالة على الوجوب، بل ظاهرة الدلالة على مجرّد الجواز، و قال العلّامة في «التذكرة» بوجوب ردّ السلام قال: إذا سلّم عليه و هو في الصلاة وجب عليه الردّ لفظاً عند علمائنا (تذكرة الفقهاء 3: 281.). و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» حكى عن «التذكرة» نسبة الجواز إلى ظاهر الأصحاب (مستمسك العروة الوثقى 6: 554.)، و لم نجد هذه النسبة في كلام «التذكرة»، و لعلّه اشتبه «الذكرى» ب «التذكرة». و صاحب «الجواهر» نقل النسبة المذكورة عن «الذكرى» قال: و في «الذكرى»: ظاهر الأصحاب مجرّد الجواز (جواهر الكلام 11: 101.). و كيف كان: الإجماع بقسميه منعقد على وجوب ردّ سلام التحية على المصلّي، و التعبير في كلام القدماء بالجواز لبيان شرعيته في مقابل بعض العامّة العمياء كأبي حنيفة القائل بالحرمة و بطلان الصلاة به؛ و لذا قال في «المسالك»- و نعم ما قال- إنّ كلّ من قال بالجواز قال بالوجوب (مسالك الأفهام 1: 231.). و يدلّ على وجوبه الأخبار المستفيضة- لو لم تكن متواترة- كصحيح محمّد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: «السلام عليك» فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمّا انصرف قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ قال: «نعم، مثل ما قيل له» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 1.). و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة، قال: «يردّ سلام عليكم و لا يقل: و عليكم السلام؛ فإنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كان قائماً يصلّي فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار، فردّ عليه النبي صلى الله عليه و آله» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 2.).و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي»، قال: «تردّ عليه خفيّاً» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 3.). و موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السلام على المصلّي، فقال: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 4.) ، و غيرها من روايات الباب. و في هذه الأخبار دلالة بالتقرير على جواز السلام تحية على المصلّي حال الصلاة. و في قبال هذه الأخبار لا يعتنى بما دلّ على النهي عن السلام على المصلّي معلّلًا بأنّه لا يستطيع أن يردّ السلام، كما في المروي عن «الخصال» عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السلام قال: «لا تسلّموا على اليهود و لا النصارى ...» إلى أن قال: «و لا على المصلّي؛ و ذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السلام؛ لأنّ التسليم من المسلّم تطوّع و الردّ فريضة، و لا على آكل الربا، و لا على رجل جالس على غائط، و لا على الذي في الحمّام ...» (وسائل الشيعة 7: 270، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 17، الحديث 1.) الحديث. ثمّ إنّه لو ترك ردّ السلام و اشتغل بالقراءة و نحوها فهل تبطل صلاته، أو لا بل عليه إثم ترك الواجب خاصّة؟ البطلان و عدمه مبنيان على مسألة اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ؛ فمن قال به قال ببطلان الصلاة؛ ففي «المختلف»: لو اشتغل بالقراءة عقيب التسليم عليه بطلت صلاته؛ لأنّه فعل منهي عنه (مختلف الشيعة 2: 219.). و في «التحرير»: و لو ترك المصلّي ردّ السلام مع تعيينه عليه فالوجه بطلان صلاته (تحرير الأحكام 1: 269.). و ابتنى الشهيد في «الذكرى» هذه المسألة على مسألة اجتماع الأمر و النهي، قال: و بالغ بعض الأصحاب في ذلك، فقال: تبطل الصلاة لو اشتغل بالأذكار و لما يردّ السلام، و هو من مشرب اجتماع الأمر و النهي في الصلاة كما سبق. و الأصحّ عدم الإبطال بترك ردّه (ذكرى الشيعة 4: 24.). و فيه: أنّه قد ثبت في محلّه عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ، و أنّ المسألة ليست من مشرب اجتماع الأمر و النهي في شي ء من الصلاة؛ لعدم تعلّق النهي به، لو ترك ردّ السلام و سكت بمقدار ردّه ثمّ اشتغل بالقراءة و نحوها فعليه إثم ترك الواجب، و لا وجه لبطلان صلاته؛ حتّى على القول باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ، و القول بكون المسألة القبلية من مشرب اجتماع الأمر و النهي؛ لأنّ المفروض عدم إتيان المصلّي شيئاً من الصلاة في زمان وجوب ردّ السلام حتّى يكون منهياً عنه.

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

(مسألة 1): لا بأس بالذكر و الدعاء و قراءة القرآن- غير ما يوجب السجود- في جميع أحوال الصلاة.

و الأقوى إبطال مطلق مخاطبة غير اللّٰه حتّى في ضمن الدعاء؛ بأن يقول: «غفر اللّٰه لك» و قوله: «صبّحك اللّٰه بالخير» إذا قصد الدعاء، فضلًا عمّا إذا قصد التحيّة به. و كذا الابتداء بالتسليم (1).


1- قد استثني من الكلام المبطل للصلاة كلّ ما كان ذكر اللّٰه سبحانه تسبيحاً أو تحميداً أو تهليلًا أو غيرها من الأذكار، أو دعاءً و طلباً منه تعالى ما هو مباح من امور الدنيا و الآخرة في كلّ حال من أحوال الصلاة- قائماً أو قاعداً، راكعاً أو ساجداً- ما لم يخلّ بشي ء من الصلاة، كالدعاء الطويل. و ادّعى جماعة الإجماع بقسميه على الاستثناء المذكور. و يدلّ عليه الأخبار الكثيرة، كصحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال: «يومئ برأسه و يشير بيده و يسبّح، و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي فتصفق بيديها» (وسائل الشيعة 7: 254، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 2.). و موثّق عمّار بن موسى الساباطي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسمع صوتاً بالباب و هو في الصلاة فيتنحنح لتسمع جاريته أو أهله لتأتيه، فيشير إليها بيده ليعلمها من بالباب لتنظر مَن هو، فقال: «لا بأس به»، و عن الرجل و المرأة يكونان في الصلاة فيريدان شيئاً أ يجوز لهما أن يقولا: سبحان اللّٰه؟ قال: «نعم، و يؤميان إلى ما يريدان، و المرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها و هي في الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 4.). و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب فيسبّح و يرفع صوته و يسمع جاريته فتأتيه فيريها بيده أنّ على الباب إنساناً، هل يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا بأس، لا يقطع بذلك صلاته» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 6.).و رواية أبي جرير عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قال: «إنّ الرجل إذا كان في الصلاة فدعاه الوالد فليسبّح، فإذا دعته الوالدة فليقل لبّيك» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 7.). و صحيح آخر لعلي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته و إلى جانبه رجل راقد، فيريد أن يوقظه، فيسبّح و يرفع صوته لا يريد إلّا ليستيقظ الرجل، هل يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا يقطع ذلك صلاته و لا شي ء عليه» (وسائل الشيعة 7: 257، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 9.).و صحيح علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يتكلّم في صلاة الفريضة بكلّ شي ء يناجي به ربّه، قال: «نعم» (وسائل الشيعة 7: 263، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 1.).و صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّ ما ذكرت اللّٰه- عزّ و جلّ- به و النبي صلى الله عليه و آله فهو من الصلاة ...» (وسائل الشيعة 7: 263، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 2.)الحديث. و مرسل حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّ ما كلّمت اللّٰه به في صلاة الفريضة فلا بأس» (وسائل الشيعة 7: 264، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 13، الحديث 3.). و صحيح محمّد بن مسلم قال: صلّى بنا أبو بصير في طريق مكّة، فقال و هو ساجد و قد كانت ضلّت ناقته لجمّالهم: اللهمّ ردّ على فلان ناقته، قال محمّد: فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرته فقال: «و فعل؟» فقلت: نعم، قال: «و فعل؟» قلت: نعم، قال: فسكت، قلت: فاعيد الصلاة؟ قال: «لا» (وسائل الشيعة 6: 370، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 1.). و صحيح عبد الرحمن بن سيّابة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدعو و أنا ساجد؟ قال: «نعم فادع للدنيا و الآخرة؛ فإنّه ربّ الدنيا و الآخرة» (وسائل الشيعة 6: 371، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 17، الحديث 2.). و استثني أيضاً من الكلام المبطل قراءة القرآن- غير ما يوجب السجود- في جميع أحوال الصلاة. و يدلّ عليه قبل الإجماع إطلاق صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «في وصية النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام: و عليك بتلاوة القرآن على كلّ حال» (وسائل الشيعة 6: 186، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 11، الحديث 1.). و رواية عبد اللّه بن سليمان النخعي عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من قرأ القرآن قائماً في صلاته كتب اللّٰه له بكلّ حرف مائة حسنة، و من قرأ في صلاته جالساً كتب اللّٰه له بكلّ حرف خمسين حسنة، و من قرأ في غير صلاته كتب اللّٰه له بكلّ حرف عشر حسنات» (وسائل الشيعة 6: 187، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 11، الحديث 4.). و رواية عمرو بن أبي المقدام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «ما من عبد من شيعتنا يتلو القرآن في صلاته قائماً إلّا و له بكلّ حرف مائة حسنة، و لا قرأ في صلاته جالساً إلّا و له بكلّ حرف خمسون حسنة، و لا في غير صلاته إلّا و له بكلّ حرف عشر حسنات» (وسائل الشيعة 6: 189، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 11، الحديث 8.) ، و غيرها من روايات الباب. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يؤمّ القوم و أنت لا ترضى به في صلاة تجهر بالقراءة، فقال: «إذا سمعت كتاب اللّٰه يتلى فأنصت له»، فقلت: فإنّه يشهد عليّ بالشرك، فقال: «إن عصى اللّٰه فأطع اللّٰه»، فرددت عليه فأبى أن يرخّص لي، فقلت له: اصلّي إذن في بيتي ثمّ أخرج إليه، فقال: «أنت و ذاك»، قال: «إنّ علياً عليه السلام كان في صلاة الصبح، فقرأ ابن الكوا و هو خلفه: «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخٰاسِرِينَ» (الزمر (39): 65.)، فأنصت علي عليه السلام تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية، ثمّ عاد في قراءته، ثمّ أعاد ابن الكوا الآية فأنصت علي عليه السلام أيضاً ثمّ قرأ، فأعاد ابن الكوا فأنصت علي عليه السلام، ثمّ قال: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّٰهِ حَقٌّ وَ لٰا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ» (الروم (30): 60.) ثمّ أتمّ السورة ثمّ ركع ...» (وسائل الشيعة 8: 367، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 34، الحديث 2.) الحديث. و في «الوسائل»: ذكر الشيخ أنّه محمول على التقيّة، أو على ما إذا قرأ لنفسه و إن كان منصتاً. و لا يجوز قراءة آية من آيات السجدة الواجبة في أثناء الصلاة، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في مبحث وجوب قراءة السورة بعد قراءة فاتحة الكتاب و أنّ قراءة إحدى العزائم الأربع في الفريضة منهيّ عنها. و أمّا القران بين السورتين فقد تقدّم في شرح المسألة الثالثة من مسائل «القول في القراءة و الذكر» أنّه مكروه؛ جمعاً بين الأخبار، فراجع (تقدّم في الصفحة 91 من الدفتر الثاني و ما بعدها.). و لو قرأ آية من القرآن في أثناء الصلاة لا بقصد حكاية القرآن بل بقصد إفهام الغير، كما إذا وجّه الخطاب إلى شخص مسمّى بيوسف، و قال: «يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هٰذٰا» (يوسف (12): 29.) مريداً لإعراض المخاطب عن الدخول في الدار مثلًا، أو وجّه خطابه إلى شخص مسمّى بموسى و في يده شي ء و أراد أن يعلم أنّه ما هو و قال: «وَ مٰا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰا مُوسىٰ» (طه (20): 17.) و أمثال ذلك، فالظاهر أنّه لا يصدق عليه قراءة القرآن، فهو خارج عن مورد الإجماع و مبطل للصلاة. و يشترط في الدعاء في أثناء الصلاة أن يكون الداعي مخاطباً و مناجياً للّٰه تعالى و لو كان دعاؤه للغير؛ بأن يقول: اللهمّ اغفر لزيد. و أمّا لو كان مخاطباً لغير اللّٰه تعالى فلا يجوز و إن كان دعاءً له؛ بأن يقول مخاطباً لزيد: غفر اللّٰه لك أو صبّحك اللّٰه بالخير أو نحو ذلك، فهو مبطل؛ لعدم كونه من مورد الإجماع. و منه يعلم: أنّه لا يجوز الابتداء بالسلام للغير في حال الصلاة؛ لأنّ التحية ليست كلاماً معه تعالى، بل هو كلام آدمي مخاطبه الآدم.

ص: 35

ص: 36

ص: 37

ص: 38

ص: 39

(مسألة 2): يجب ردّ السلام في أثناء الصلاة؛ بتقديم السلام على الظرف

و إن قدّم المسلّم الظرف على السلام على الأقوى. و الأحوط مراعاة المماثلة في التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع و إن كان الأقوى عدم لزومها. و أمّا في غير الصلاة فيُستحبّ الردّ بالأحسن؛ بأن يقول في جواب «سلام عليكم» مثلًا «عليكم السلام و رحمة اللّٰه و بركاته» (1).


1- البحث في هذه المسألة يقع في كيفية ردّ السلام في أثناء الصلاة، قد التزم غير واحد من فقهائنا بأنّه يعتبر المماثلة؛ حتّى في الإفراد و الجمع و التعريف و التنكير. و في «المدارك»: أنّه قطع بذلك الأصحاب. و اختاره صاحب «الحدائق» و نسبه إلى المشهور، إلّا أنّه قيّد السلام الذي يجب ردّه بما إذا وقع السلام بإحدى الصيغ الأربع الواردة في الأخبار: «سلام عليكم» و «عليك» و «السلام عليكم» و «عليك». و نسب إلى السيّد في «الانتصار» و الشيخ في «الخلاف» الإجماع عليه. و استدلّ عليه بصحيح محمّد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام و هو في الصلاة، فقلت: السلام عليك، فقال: «السلام عليك»، فقلت: كيف أصبحت؟ فسكت، فلمّا انصرف، قلت: أ يردّ السلام و هو في الصلاة؟ قال: «نعم، مثل ما قيل له» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 1.) . و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي» قال: «تردّ عليه خفيّاً كما قال» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 3.). و الأقوى وجوب تقديم السلام على الظرف على المصلّي و إن قدّم المسلِّم الظرف على السلام؛ لموثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلّم عليه و هو في الصلاة؟ قال: «يردّ سلام عليكم و لا يقل: و عليكم السلام؛ فإنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله كان قائماً يصلّي، فمرّ به عمّار بن ياسر فسلّم عليه عمّار، فردّ عليه النبي صلى الله عليه و آله هكذا» (وسائل الشيعة 7: 267، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 2.). و الأحوط مراعاة المماثلة في التعريف و التنكير و الإفراد و الجمع؛ حتّى في حذف الخبر و ذكره و إلحاق «و رحمة اللّٰه و بركاته» و عدمه، و إن كان الأقوى عدم لزومه؛ لأنّ عبائر كثير من الفقهاء القائلين باعتبار المماثلة بمعزل عن اعتبار المماثلة التامّة، و أنّ الصيغ الأربع المتعارفة في السلام- يعني «سلام عليكم» و «عليك» و «السلام عليكم» و «عليك»- متماثلة، و إنّ غرضهم باعتبار المماثلة الاحتراز عن أن يقول المصلّي: «عليكم السلام» بتقديم الظرف. و وجه الاحتياط في مراعاة المماثلة التامّة هو احتمال الاقتصار على الصيغة المذكورة في الموثّق بتقديم السلام على الظرف لأجل كونها الفرد الشائع الغالب؛ فيشكل حينئذٍ رفع اليد عن إطلاق المماثلة. قد يتراءى التنافي بين صحيحي ابن مسلم و ابن حازم المتقدّمين الدالّين على اعتبار المماثلة التامّة و بين غيرها الدالّ على اعتبار وقوع الردّ في الصلاة بتقديم صيغة السلام على الظرف؛ سواء قدّم المسلّم السلام على الظرف أو بالعكس، كما في موثّق سماعة المتقدّم قال: «يردّ سلام عليكم، و لا يقل: و عليكم السلام». و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة، فقال: «إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) . و رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلّم عليه الرجل، هل يصلح له أن يردّ؟ قال: «نعم، يقول: السلام عليك فيشير إليه بإصبعه» (وسائل الشيعة 7: 269، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 7.). و يمكن رفع التنافي بحمل المثل في الصحيحين على المماثلة في خصوص صيغة «السلام»؛ فلا يجوز الردّ بغير هذه الصيغة. و يحتمل أيضاً أن يكون المقصود من قوله عليه السلام في الصحيحين: «بمثل ما قيل له» أو «كما قال» التعريض على العامّة القائلين بأنّ الواجب في ردّ السلام هو الإشارة و أنّ النطق مبطل على ما حكي عن الشافعي و أبي حنيفة. هذا كلّه في ردّ السلام في أثناء الصلاة. و أمّا في غير الصلاة فيستحبّ الردّ بالأحسن؛ إذ لا خلاف بين فقهائنا في جواز الاكتفاء بالردّ بالمثل.

ص: 40

ص: 41

(مسألة 3): لو سلّم بالملحون- بحيث لم يخرج عن صدق سلام التحيّة- يجب الجواب صحيحاً،

و إن خرج عنه لا يجوز في الصلاة ردّه (1).


1- لو سلّم بالملحون و كان اللحن بحيث لا يخرج السلام عن صدق سلام التحية عليه يجب الجواب؛ لعموم وجوب الردّ في الآية (النساء (4): 86.) و الروايات. و أمّا كون الجواب صحيحاً فغير ظاهر، و جواب السلام ليس من أفعال الصلاة حتّى يعتبر فيه الصحّة. و لو كان اللحن بحيث يخرج سلام التحية عن صدق اسمه لا يجوز في حال الصلاة ردّه إلّا بقصد القرآنية.

ص: 42

(مسألة 4): لو كان المسلّم صبيّاً مميّزاً يجب ردّه،

و الأحوط عدم قصد القرآنيّة، بل عدم جوازه قويّ (1).


1- وجه وجوب الردّ فيما لو كان المسلّم صبياً مميّزاً للتحية من غيرها، هو صدق التحية على تسليمه؛ فيشملها إطلاق التحية و التسليم في الآية و الرواية، من غير فرق بين تمرينية عباداته و شرعيتها. و في «الحدائق»: و وجهه دخوله تحت عموم الآية (الحدائق الناضرة 9: 76.). و أورد عليه الفاضل النراقي في «مستند الشيعة» بقوله: لا؛ لعموم الآية؛ لاتّحاد المرجع في «حُيِّيتُمْ» و «فَحَيُّوا»، و الثاني مخصوص بالمكلّفين و كذا الأوّل (مستند الشيعة 7: 71.)، انتهى. و فيه: أنّ المخاطبين في الصيغتين عبارة عن المكلّفين بلا إشكال، و لكن الفاعل- أي المسلِّم بالتحية- في صيغة «حُيِّيتُمْ» مطلق شامل للمميّز أيضاً. و لا يجوز أن يقصد المصلّي القرآنية أو الدعاء في ردّ السلام إلى المميّز على الأقوى؛ لما ذكرنا من صدق التحية على تسليمه؛ فالاحتياط بقصد القرآنية أو الدعاء كما في «العروة الوثقى» خلاف الاحتياط.

ص: 43

(مسألة 5): لو سلّم على جماعة كان المصلّي أحدهم، فالأحوط له عدم الردّ إن كان غيره يردّه،

و إذا كان بين جماعة فسلّم واحد عليهم، و شكّ في أنّه قصده أم لا، لا يجوز له الجواب (1).


1- لا يخفى: أنّ الظاهر من النصّ و فتاوى الأصحاب كون الردّ واجباً كفائياً فيما لو سُلّم على جماعة و ردّ واحدٌ منهم؛ فيسقط وجوب الردّ عن الكلّ بردّ واحد إذا كان ذلك الواحد داخلًا في المسلَّم عليهم؛ فلا يسقط عنهم بردّ من لم يكن داخلًا فيهم. فإذا كان الردّ واجباً كفائياً فلو سلّم على جماعة و كان المصلّي أحدهم فالأحوط بل الأقوى عدم جواز الردّ له مع ردّ واحد منهم؛ لكون الردّ واجباً كفائياً ساقطاً عن المصلّي بردّ غيره. و الدليل الدالّ على جواز ردّ سلام التحية للمصلّي منصرف إلى مورد وجوب الردّ عليه، و في غير ذلك المورد يكون سلامه ابتدائياً و كلاماً آدمياً؛ فيرجع فيه إلى عموم دليل القادحية. و منه يعلم حكم ما إذا كان المصلّي بين جماعة فسلّم واحدٌ عليهم، و شكّ المصلّي في أنّه مقصود بالسلام أو لا، فلا يجوز له الجواب؛ لأصالة البراءة من تكليف وجوب الردّ، و مع عدم إحراز تكليف وجوب الردّ يكون سلامه كلاماً آدمياً. و استجود الشهيد في «الروض» جوازه و استحبابه للمصلّي؛ لعموم الأوامر؛ إذ لا شكّ أنّه مسلَّم عليه مع دخوله في العموم؛ فيخاطب بالردّ استحباباً إن لم يكن واجباً. و زوال الوجوب بالكفاية لا يقدح في بقاء الاستحباب كما في غير الصلاة. و يرد عليه ما ذكرناه من انصراف الدليل إلى مورد وجوب الردّ عليه. ثمّ إنّه ادّعى جماعة من فقهائنا الإجماع على الوجوب الكفائي فيما لو سُلّم على جماعة؛ ففي «المدارك»: ردّ السلام واجب على الكفاية في الصلاة و غيرها إجماعاً، حكاه في «التذكرة» (مدارك الأحكام 3: 473.)، انتهى. و في «الجواهر»: ثمّ المعلوم بلا خلاف أجده- كما اعترف به في «الحدائق» نصّاً و فتوى، بل في «التذكرة» الإجماع عليه- كفائية وجوب الردّ لا عينيته، و عليه السيرة القاطعة؛ بمعنى أنّه يجزي الردّ من واحد ممّن هو داخل في السلام، لا أنّه يجزي غيره (جواهر الكلام 11: 106.)، انتهى. و توقّف صاحب «الحدائق» في المسألة و قال: و المسألة محلّ توقّف؛ لأنّ المسألة خالية من النصّ، و قياس حال الصلاة على خارجها قياس مع الفارق (الحدائق الناضرة 9: 76.)، انتهى. و يدلّ على الوجوب الكفائي قبل الإجماع موثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم من القوم واحدٌ أجزأ عنهم، و إذا ردّ واحدٌ أجزأ عنهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 2.) . و مرسل ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم، و إذا سلّم على القوم و هم جماعة أجزأهم أن يردّ واحدٌ منهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 3.). فرع: لو سُلّم على جماعة فهل يسقط الوجوب عنهم بردّ الصبي المميّز الداخل فيهم؟ وجهان بل قولان: الأظهر كفايته و سقوطه عن المكلّفين؛ و ذلك للإطلاق في الخبرين المذكورين حيث إنّ الواحد في قوله: «و إذا ردّ واحدٌ أجزأ عنهم» ، «أجزأهم أن يردّ واحدٌ منهم» مطلق يشمل الصبي المميّز، و هذا الإطلاق حاكم على ظهور الآية و الروايات في وجوبه عيناً على كلّ من سلّم عليه. و قال جماعة من فقهائنا بعدم كفاية ردّ الصبي المميّز عن المكلّفين، و لا يسقط الوجوب عنهم إلّا بردّ أحدهم. اختار هذا القول صاحب «المدارك» و صاحب «الجواهر»، و وجّهه المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بأنّ الخبرين و إن كانا مطلقين شاملين للمميّز أيضاً إلّا أنّ الإطلاق منصرف إلى البالغين، ثمّ قال: و فيه تأمّل بل منع (مصباح الفقيه، الصلاة: 423/ السطر 36.). و قال في «الجواهر»: فهل يسقط وجوب الردّ بردّ الصبي المميّز؟ الظاهر العدم و إن قلنا بشرعية عبادته؛ وفاقاً ل «المدارك» و خلافاً لغيره؛ للأصل السالم عن معارض دليل الكفائية الذي يجب فيه الاقتصار على المتيقّن- و هو قيام فعل المكلّف عن غيره- مضافاً إلى قاعدة عدم الاجتزاء بالمستحبّ عن الواجب، و إلى ظاهر الأمر بالردّ في الآية و الرواية الذي لم يمتثل أبداً؛ ضرورة ظهوره في الوجوب الذي لا يشمل الصبي، و شرعية عباداته- على القول بها- لا يقتضي اندراجه في هذه الأوامر كما هو واضح (جواهر الكلام 11: 107.)، انتهى.

ص: 44

ص: 45

ص: 46

(مسألة 6): يجب إسماع ردّ السلام في حال الصلاة و غيرها؛

بمعنى رفع الصوت به على المتعارف؛ بحيث لو لم يكن مانع عن السماع لسمعه. و إذا كان المسلّم بعيداً لا يمكن إسماعه الجواب، لا يجب جوابه على الظاهر، فلا يجوز ردّه في الصلاة، و إذا كان بعيداً بحيث يحتاج إسماعه إلى رفع الصوت يجب رفعه، إلّا إذا كان حرجيّاً، فيكتفي بالإشارة مع إمكان تنبّهه عليها على الأحوط. و إذا كان في الصلاة ففي وجوب رفعه و إسماعه تردّد، و الأحوط الجواب بالإشارة مع الإمكان. و إذا كان المسلّم أصمّ فإن أمكن أن ينبّهه على الجواب و لو بالإشارة، لا يبعد وجوبه مع الجواب على المتعارف، و إلّا يكفي الجواب كذلك من غير إشارة (1).


1- الظاهر اعتبار الإسماع تحقيقاً أو تقديراً في حال الصلاة و غيرها. و في «الجواهر»: لا أجد فيه خلافاً إلّا من المقدّس الأردبيلي، و لا ريب في ضعفه (جواهر الكلام 11: 109.)، انتهى. و المراد من الإسماع رفع الصوت به على المتعارف بحيث يسمعه المخاطب المتعارف العرفي بفاصلة متعارفة لو لم يكن مانع عن السماع. و الظاهر اعتبار الإسماع في كلّ من سلام التحية و الجواب؛ إذ لا يصدق التحية و الردّ عرفاً بدون الإسماع، و الآية منصرفة إلى التحية و الردّ الواصلين إلى المخاطب. فالعمدة في الدليل على اعتبار الإسماع هو الإجماع. و يؤيّده رواية ابن القدّاح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، و لا يقول: سلّمتُ فلم يردّوا عليّ، و لعلّه يكون قد سلّم و لم يسمعهم، فإذا ردّ أحدكم فليجهر بردّه، و لا يقول المسلّم: سلّمت فلم يردّوا عليّ»، و قال: «كان علي عليه السلام يقول: لا تَغضبوا و لا تُغضبوا، أفشوا السلام، و أطيبوا الكلام، و صلّوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنّة بسلام، ثمّ تلا عليهم قوله عزّ و جلّ: «السَّلٰامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ»» (الكافي 2: 645/ 7، وسائل الشيعة 12: 65، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 38، الحديث 1.). و خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن معنى التسليم في الصلاة، فقال: «التسليم علامة الأمن و تحليل الصلاة»، قلت: و كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: «كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه، و كانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم، و إن لم يسلّم لم يأمنوه، و إن لم يردّوا على المسلّم لم يأمنهم، و ذلك خُلق في العرب؛ فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة و تحليلًا للكلام و أمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها. و السلام اسم من أسماء اللّٰه- عزّ و جلّ- و هو واقع من المصلّي على ملكي اللّٰه الموكّلين» (وسائل الشيعة 6: 418، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 13.). و في «المستمسك» بعد نقل خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي قال: المتضمّن التعليل بكون التسليم أماناً من المسلّم؛ إذ لا يحصل الأمن إلّا بالعلم به، لكن من جهة ظهور التعليل في كونه من الآداب فهما- أي خبري الهاشمي و ابن القدّاح- قاصران عن إثبات الوجوب، فضلًا عن إثبات وجوب الإسماع؛ إذ التعليل إنّما يقتضي الإعلام و لو بالإشارة بالإصبع أو غيرها (مستمسك العروة الوثقى 6: 562.)، انتهى. ثمّ إنّ الظاهر من بعض الأخبار وجوب الإخفات في جواب سلام التحية، كصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم عليك الرجل و أنت تصلّي» قال: «تردّ عليه خفياً كما قال» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 3.) . و موثّق عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن السلام على المصلّي، فقال: «إذا سلّم عليك رجل من المسلمين و أنت في الصلاة فردّ عليه فيما بينك و بين نفسك، و لا ترفع صوتك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 4.). و يؤيّده صحيح محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يسلّم على القوم في الصلاة، فقال: «إذا سلّم عليك مسلم و أنت في الصلاة فسلّم عليه تقول: السلام عليك و أشر بإصبعك» (وسائل الشيعة 7: 268، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) . وجه التأييد: أنّ الإشارة بالإصبع لجهة الإعلام. و لقد أجاب صاحب «الجواهر» رحمه الله بما خلاصته أوّلًا: بأنّه لم أجد من الأصحاب من عمل بالصحيح و الموثّق المزبورين إلّا المصنّف في «المعتبر»، و قد حملهما على الجواز، و هو ليس عملًا بهما. و ثانياً: بأنّ الأولى حملهما على الجهر المنهي عنه في الصلاة، و هو المبالغة في رفع الصوت؛ ضرورة الاكتفاء بالإسماع تحقيقاً أو تقديراً إذا فرض المانع. و ثالثاً: بحملهما على التقية؛ لأنّ المشهور بين العامّة عدم الردّ نطقاً بل بالإشارة، و عليه يحمل صحيح ابن مسلم و رواية علي بن جعفر (جواهر الكلام 11: 109.)، انتهى ملخّصاً منّا. و لو كان المسلّم بعيداً بحيث لا يمكن إسماعه الجواب و لو برفع صوته لا يجب جوابه على الظاهر؛ لظهور ردّ السلام في وصول الجواب إلى المسلّم بسماعه و لو تقديراً. و لا يجوز في حال الصلاة ردّه إلى من لا يمكن إسماعه الجواب لبعده؛ لأنّ الواجب هو الردّ و المفروض عدم إمكانه. و لو كان المسلّم بعيداً بحيث يحتاج الإسماع إلى رفع الصوت يجب رفعه مقدّمة للإسماع، إلّا أن يكون فيه حرج فيسقط وجوب رفع الصوت و الإسماع بالحرج على الأقوى. و إن كان الأحوط الاكتفاء بالإشارة للأمر بها في موثّق عمّار و خبر علي بن جعفر عن أخيه المتقدّمين، و لأنّ المستفاد من التعليل في رواية عبد اللّه بن الفضل الهاشمي المتقدّم أنّ المطلوب إفهام المسلّم و هو يحصل بالإشارة. و لو كان في الصلاة و سلّم عليه و توقّف الإسماع على رفع الصوت أزيد من المتعارف ففي وجوبه و إسماعه تردّد من المصنّف رحمه الله، و الأقوى عدم الوجوب، و الأحوط الجواب بالمتعارف و الإشارة مع الإمكان؛ لما ذكرنا. و لو كان المسلّم أصمّ و أمكن للمصلّي أن ينبّهه على الجواب و لو بالإشارة، لا يبعد وجوب الجواب المتعارف مع التنبّه و الإعلام و لو بالإشارة؛ و ذلك لإطلاق التحية و الردّ في الآية و الروايات.

ص: 47

ص: 48

ص: 49

(مسألة 7): تجب الفوريّة العرفيّة في الجواب،

فلا يجوز تأخيره على وجه لا يصدق معه الجواب و ردّ التحية، فلو أخّره عصياناً أو نسياناً أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط، فلا يجوز في حال الصلاة و لا يجب في غيرها، و لو شكّ في بلوغ التأخير إلى ذلك الحدّ، فكذلك لا يجوز فيها و لا يجب في غيرها (1).


1- تجب الفورية العرفية في جواب سلام التحية حال الصلاة و غيرها. و المراد من الفورية العرفية- على ما في «الذخيرة» و «الكفاية» و «الحدائق»- هو التعجيل في الجواب، بحيث لا يعدّ تاركاً له عرفاً؛ فلا يضرّ إتمام كلمة أو كلام لوقوعه في أثنائهما. و الوجه في الوجوب هي الشهرة المدّعاة في كلام جماعة من فقهائنا. و في «مستند الشيعة»: المشهور بين الأصحاب: أنّ وجوب الردّ في الصلاة و غيرها فوري؛ إذ هو المتبادر من الردّ، و مقتضى «الفاء» الدالّة على التعقيب بلا مهلة في الآية «فَحَيُّوا». و الأوّل ممنوع، و كذا الثاني في «الفاء» الجزائية؛ و لذا توقّف فيه بعضهم. إلّا أنّ المعلوم من سيرة النبي و الأئمّة و أصحابهم و العلماء المسارعة إلى الجواب؛ فالظاهر أنّه إجماعي (مستند الشيعة 7: 72.)، انتهى. و إذا كان واجباً فورياً لا يجوز تأخيره على وجه لا يصدق معه الجواب و ردّ التحية؛ فلو أخّره عصياناً أو نسياناً أو لعذر إلى ذلك الحدّ سقط التكليف به رأساً؛ فلا يجوز في حال الصلاة؛ لأنّه بعد سقوط التكليف يكون كلاماً آدمياً. و لا يجب في غير حال الصلاة؛ لما ذكره في «الجواهر» قال: إذ الظاهر أنّ الردّ ليس من الواجبات التي تبقى في ذمّة المكلّف بعد تقصيره في الأداء في تلك الحال، و إن كان ذلك هو المختار في الواجبات الفورية. لكن التي يستفاد فوريتها من الأوامر- مثلًا- و لو بالقرينة، بخلاف ما نحن فيه فإنّ فوريته من كيفية ردّ التحية عرفاً؛ فهي من أوصاف المأمور به و قيوده لا الأمر؛ فعدم الوجوب حينئذٍ في ثاني الأزمنة و ثالثها لانتفاء كيفية الردّ عرفاً، و للأصل و السيرة القطعية (جواهر الكلام 11: 111.). و في «مصباح الفقيه»: فلو تركه إلى أن مضى زمان يعتدّ به فقد فات محلّه؛ فلو أجابه بعد ذلك يعدّ في العرف مستهزئاً به لا رادّاً لسلامه (مصباح الفقيه، الصلاة: 423/ السطر 26.). ثمّ إنّه لو شكّ في بلوغ التأخير إلى حدّ لا يصدق معه الجواب و ردّه فهل يجب ردّه حال الصلاة و غيرها، أو أنّه لا يجوز في حال الصلاة و لا يجب في غيرها؟ قال جماعة من فقهائنا بالوجوب؛ لاستصحاب وجوب الردّ. و فيه: أنّه لا بدّ في الاستصحاب من إحراز بقاء الموضوع، و الشكّ في بقائه كالعلم بارتفاعه مانع عن جريان الاستصحاب. و فيما نحن فيه يشكّ في كون الجواب معنوناً بعنوان التحية و الردّ فلا يجري الاستصحاب؛ فلا يجوز في الصلاة و لا يجب في غيرها.

ص: 50

ص: 51

(مسألة 8): الابتداء بالسلام مستحبّ كفائيّ، كما أنّ ردّه واجب كفائيّ،

فلو دخل جماعة على جماعة، يكفي- في الوظيفة الاستحبابيّة- تسليمُ شخص واحد من الواردين، و جوابُ شخص واحد من المورود عليهم (1).


1- استحباب الابتداء بالسلام إجماعي، بل هو من القطعيات، و الأخبار فيه في حدّ التواتر؛ ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «البادئ بالسلام أولى باللّٰه و رسوله» (وسائل الشيعة 12: 55، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 32، الحديث 1.) . و صحيح أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: «من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الاقتار، و التوسّع على قدر التوسّع، و إنصاف الناس، و ابتداؤه إيّاهم بالسلام عليهم» (وسائل الشيعة 12: 55، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 32، الحديث 2.) ، و غيرهما من الروايات في الأبواب المتفرّقة من أبواب أحكام العشرة، فراجع. و يدلّ على كون السلام الابتدائي و ردّه كفائيين- قبل الإجماع- موثّق غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سلّم من القوم واحدٌ أجزأ عنهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 2.). و مرسل ابن بكير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم، و إذا سلّم على القوم و هم جماعة أجزأهم أن يردّ واحدٌ منهم» (وسائل الشيعة 12: 75، كتاب الحج، أبواب العشرة، الباب 46، الحديث 3.).

ص: 52

(مسألة 9): لو سلّم شخص على أحد شخصين و لم يعلما أنّه أيّهما أراد، لا يجب الردّ على واحد منهما،

و لا يجب عليهما الفحص و السؤال، و إن كان الأحوط الردّ من كلّ منهما إذا كانا في غير حال الصلاة (1).


1- وجه عدم وجوب الردّ على واحد من الشخصين اللذين سلّم على أحدهما قطعاً هو جريان أصالة البراءة بالنسبة إلى كلّ منهما، كجريانها في حقّ كلّ من واجدي المني في ثوب مشترك بينهما، و هو الوجه في عدم وجوب الفحص و السؤال على واحد منهما عن المسلّم أنّه أيّهما أراد. و الأحوط استحباباً الردّ من كلّ منهما؛ لكون واحد منهما مسلَّماً عليه مع كون الشبهة محصورة. هذا إذا كانا في غير حال الصلاة. و أمّا إذا كانا في حال الصلاة فلا يجوز لهما الردّ؛ لعموم المنع من الكلام؛ لاحتمال عدم إرادة المسلّم إيّاه. و منه يعلم: أنّه لو كان أحدهما في حال الصلاة دون الآخر لا يجوز لمن كان في حالها و لا يجب على الآخر.

ص: 53

(مسألة 10): لو سلّم شخصان كلٌّ على الآخر، يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر؛
اشارة

حتّى من وقع سلامه عقيب سلام الآخر، و لو انعكس الأمر؛ بأن سلّم كلٌّ منهما بعنوان الردّ- بزعم أنّه سلّم عليه- لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر، و لو سلّم شخص على أحد بعنوان الردّ- بزعم أنّه سلّم مع أنّه لم يسلّم عليه- و تنبّه على ذلك المسلَّم عليه، لم يجب ردّه على الأقوى و إن كان أحوط، بل الاحتياط حسن في جميع الصور (1).

هنا مسائل:
الاولى: لو سلّم شخصان كلّ على الآخر يجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر؛
الثانية: لو انعكس الأمر بأن صدر السلام من كلّ منهما لا بعنوان التحية
الثالثة: لو سلّم شخص على أحدٍ بعنوان الردّ

1- سواءٌ تقارن سلامهما- بأن تكلّما به دفعة واحدة- أو تقدّم سلام أحدهما على الآخر مع قصد الآخر التحية لا الجواب؛ فحينئذٍ فقد صدر من كلّ منهما سلام التحية و وجب على كلّ منهما ردّ سلام الآخر. فمن صدر عنه السلام ثانياً و لكن بقصد التحية يجب عليه ردّ سلام من صدر عنه أوّلًا تحيةً، و من صدر عنه السلام أوّلًا يجب عليه ردّ سلام من صدر عنه السلام ثانياً و لكن تحيةً. بل بعنوان الردّ و الجواب بزعم كلّ منهما أنّه قد سلّم عليه، فحينئذٍ لا يجب على واحد منهما ردّ الآخر؛ إذ المفروض أنّه لم يصدر منهما سلام التحية في الواقع. بزعم أنّ ذلك الأحد قد سلّم عليه، و الحال أنّه لم يسلّم، فمع تنبّه ذلك الأحد على اشتباه المسلّم في زعمه لا يجب عليه الردّ على الأقوى؛ إذ لم يصدر من المسلّم سلام التحية حتّى يجب ردّه من المسلّم عليه. و الأحوط في هذه المسألة و كذا في بعض صور المسألتين السابقتين ردّه؛ لاحتمال أن يكون الردّ- غير المسبوق ب «السلام عليك» من الطرف المقابل- تحيةً عند العرف محتاجة إلى ردّها.

ص: 54

خامسها: القهقهة و لو اضطراراً.

نعم لا بأس بالسهويّة، كما لا بأس بالتبسّم و لو عمداً. و القهقهة: هي الضحك المشتمل على الصوت و الترجيع، و يلحق بها حكماً- على الأحوط- المشتمل على الصوت، و لو اشتمل عليه أو على الترجيع- أيضاً- تقديراً، كمن منع نفسه عنه، إلّا أنّه قد امتلأ جوفه ضحكاً و احمرّ وجهه و ارتعش- مثلًا- فلا يبطلها إلّا مع محو الصورة (1).


1- لا خلاف في كون القهقهة مبطلة للصلاة إذا كانت عمداً، و ادّعى جماعة الإجماع عليه، كالعلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» و المحقّق في «المعتبر» و الشهيد في «الذكرى». و لا خلاف في عدم كون التبسّم مبطلًا، بل هو أيضاً إجماعي. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «القهقهة لا تنقض الوضوء و تنقض الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) . و موثّق سماعة قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، و أمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 2.). و صحيح ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: «إنّ التبسّم في الصلاة لا ينقض الصلاة و لا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة» (وسائل الشيعة 7: 250، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 3.). و مرسل الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: «لا يقطع التبسّم الصلاة و تقطعها القهقهة، و لا تنقض الوضوء» (وسائل الشيعة 7: 251، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 7، الحديث 4.). و مرسله في «الخصال» عن أبي بصير و محمّد بن مسلم عن الصادق عن آبائه عن علي عليه و عليهم السلام: «لا يقطع الصلاة التبسّم، و تقطعها القهقهة» (الخصال: 629/ 10.). و القهقهة الاضطرارية كالاختيارية في كونها مبطلة؛ لإطلاق النصوص و معاقد الإجماعات، و به قال أكثر العامّة. قال في «التذكرة»: القهقهة تبطل الصلاة إجماعاً منّا، و عليه أكثر العلماء؛ سواء غلب عليه أم لا ... إلى أن قال: و قالت الشافعية: إن غلب عليه لم تبطل صلاته؛ لعدم الاختيار (تذكرة الفقهاء 3: 285.). و حكي عن المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان»: أنّ ظاهر الأخبار و إن كان يعمّ الاضطرار، و لكن لا يبعد التخصيص بحديث الرفع (مجمع الفائدة و البرهان 3: 68.). و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بأنّه لا يعارضها حديث الرفع و إن كان له حكومة على سائر العمومات، كما تقدّمت الإشارة إليه؛ فإنّ شمول الأخبار الواردة في القهقهة للقهري منها أوضح من إرادته بذلك الحديث، بل قد يتأمّل في اندراجه في موضوعه؛ فإنّ إرادة مثله ممّا اضطرّوا إليه أو استكرهوا عليه لا يخلو من خفاء. مضافاً إلى ما تقدّمت الإشارة إليه فيما سبق من أنّ الاستدلال به لنفي قاطعية ما وقع اضطراراً أو سهواً أو إكراهاً لا يخلو من إشكال (مصباح الفقيه، الصلاة: 409/ السطر 35.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ ظاهر الأخبار المذكورة عدم الفرق بين حالتي العمد و السهو، إلّا أنّ الإجماع قائم على عدم البطلان بالقهقهة سهواً، كما عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام» و «الذكرى» و «الروض» و «جامع المقاصد» و غيرها. قال في «التذكرة»: لو قهقه ناسياً لم تبطل صلاته إجماعاً (تذكرة الفقهاء 3: 286.). و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» قال: نعم الصحّة مقتضى حديث «لا تعاد الصلاة» ، كما يقتضيه إطلاقه الشامل للأجزاء و الشرائط و الموانع، و يقتضيه في الجملة استثناء القبلة و الطهور و الوقت (مستمسك العروة الوثقى 6: 577.). ثمّ إنّه اختلفت عبارات أهل اللغة في المراد من «القهقهة»؛ فعن «الصحاح»: أنّه الضحك المتضمّن لصدور قَهْ قَهْ، و عن «القاموس»: قهقه رجع في ضحكه أو اشتدّ ضحكه، و عن «شمس العلوم»: أنّه المبالغة في الضحك و الشدّة فيه، و عن «روض الجنان»: أنّه الترجيع مع الشدّة، و عن الزوزني و البيهقي: أنّها الضحك المشتمل على الصوت مطلقاً، و هو المراد عمّا في «الجمل» و «المقاييس» من أنّها الإعراب في الضحك. و لا إشكال في أنّ المبطل للصلاة عبارة عن القهقهة، و يقابلها التبسّم و هو غير مبطل. إنّما الإشكال في المراد من القهقهة المبطلة؛ فبناءً على تفسيرها بالترجيع في الضحك و شدّته و المبالغة فيه يلزم أن يكون الضحك المشتمل على مجرّد الصوت- من غير ترجيع و لا شدّة و لا مبالغة- غير مبطل. و بناءً على تفسيرها بالضحك المشتمل على الصوت مطلقاً يلزم البطلان به؛ لكونه قهقهة على هذا التفسير. فالمتيقّن من القهقهة المبطلة هو الضحك المشتمل على الصوت مع الشدّة و الترجيع، و المشتمل على مجرّد الصوت لا دليل على كونه مبطلًا، كما أنّه لا دليل على عدم كونه مبطلًا؛ فيرجع فيه إلى البراءة. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الضحك المشتمل على مجرّد الصوت و إن لم يصدق عليه القهقهة إلّا أنّه لاحق بها حكماً بتعميم القهقهة و شمولها للضحك المشتمل على مجرّد الصوت، و ذلك بقرينة مقابلة القهقهة بالتبسّم في الروايات؛ فالتبسّم ضحك بلا صوت، و القهقهة تقابله فتشمل الضحك مع الصوت بلا شدّة و لا ترجيع. قال الحائري رحمه الله في «صلاته»: من الممكن أن يقال: إنّ الضحك المشتمل على الصوت الخارج عن حدّ التبسّم ملحق بالقهقهة حكماً و إن كان غير داخل فيها موضوعاً. بيان ذلك: أنّ السؤال في بعض أخبار الباب عن قاطعية حقيقة الضحك و تفصيل الإمام عليه السلام في الجواب بين التبسّم و القهقهة مع وجود فرد آخر غير داخل فيهما، يقتضي أن يكون النظر إلى تحديد الضحك غير القاطع بالتبسّم- الذي ذكر أوّلًا في جواب السائل- و أمّا قاطعية القهقهة فهي من باب خروجها عن التبسّم، و إنّما خصّت بالذكر من جهة أنّ الغالب في صورة الخروج عن حدّ التبسّم الوصول إلى حدّ القهقهة. أ لا ترى أنّه عليه السلام لو اقتصر في الجواب على قوله: «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة» لكان ظاهراً في أنّ الضحك القاطع هو غير التبسّم، و ذكر القهقهة بعد ذلك لا يصرفه عن هذا الظهور (كتاب الصلاة، المحقّق الحائري: 301.)؟! انتهى.

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

سادسها: تعمّد البكاء بالصوت لفوات أمر دنيويّ،
اشارة

دون ما كان منه للسهو عن الصلاة، أو على أمر اخروي، أو طلب أمر دنيويّ من اللّٰه تعالى، خصوصاً إذا كان المطلوب راجحاً شرعاً، فإنّه غير مبطل. و أمّا غير المشتمل على الصوت فالأحوط فيه الاستئناف؛ و إن كان عدم إبطاله لا يخلو من قوّة. و من غلب عليه البكاء المبطل قهراً فالأحوط الاستئناف، بل وجوبه لا يخلو من قوّة. و في جواز البكاء على سيّد الشهداء- أرواحنا فداه- تأمّل و إشكال، فلا يُترك الاحتياط (1).

هنا امور:
الأوّل: أنّ البكاء على شي ء من امور الدنيا- من فقد ميّت أو تلف مال- مبطل للصلاة،

1- و هو مشهور بين فقهائنا، بل ممّا لا خلاف فيه، و ادّعى جماعة الإجماع عليه. و في «التذكرة»: و البكاء خوفاً من اللّٰه تعالى و خشيةً من عقابه غير مبطل للصلاة و إن نطق بحرفين فصاعداً، و إن كان لُامور الدنيا بطلت صلاته و إن لم ينطق بحرفين عند علمائنا (تذكرة الفقهاء 3: 286.)، انتهى. و يدلّ عليه مرسل الصدوق قال: و روي: «إنّ البكاء على الميّت يقطع الصلاة، و البكاء لذكر الجنّة و النار من أفضل الأعمال في الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 247، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، الحديث 2.) . و رواية النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن البكاء في الصلاة أ يقطع الصلاة؟ فقال: «إن بكى لذكر جنّة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة، و إن كان ذكر ميّتاً له فصلاته فاسدة» (وسائل الشيعة 7: 247، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، الحديث 4.). و مورد الروايتين و إن كان هو البكاء لخصوص الميّت إلّا أنّ أكثر فقهائنا عمّموه لكلّ أمر من امور الدنيا، و ضعف سند الروايتين منجبر بالشهرة و الإجماع. و توقّف جماعة في كون البكاء مبطلًا؛ منهم المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان» و السبزواري في «الكفاية» و صاحب «المدارك»، قال في «مجمع البرهان»: الخبر غير صحيح، و الإجماع خفي و المنافاة أخفى (مجمع الفائدة و البرهان 3: 73.). و فيه: أنّ الشهرة محقّقة و لو لم يثبت الإجماع، فضعف الخبر منجبر. و قال الفيض الكاشاني و الشهيد: إنّ البكاء مبطل؛ لكونه فعلًا كثيراً؛ ففي «المفاتيح»: الأولى إلحاقه بالفعل الكثير (مفاتيح الشرائع 1: 173.). و قال في «الذكرى»: الرابعة قد يكون الفعل الكثير مبطلًا و غير مبطل باعتبار القصد و عدمه، كالبكاء فإنّه إن كان لذكر الجنّة أو النار لا يبطل، و إن كان لُامور الدنيا كذكر ميّت له أبطل (ذكرى الشيعة 4: 10.). و فيه: أنّ البكاء لا يعدّ فعلًا كثيراً عرفاً. و في «الجواهر»: و لعلّه للأصل، و حديث الرفع، و ظهور الجواب في النصّ المزبور- مرسل الصدوق و رواية النعمان بن عبد السلام- في العمد، بل من النادر أو الممتنع البكاء سهواً؛ فلا حاجة حينئذٍ لتعميم البطلان للحالين (جواهر الكلام 11: 70.)، انتهى. و في «المستمسك»: و يقتضيه حديث «لا تعاد الصلاة ...» (مستمسك العروة الوثقى 6: 580.). خصوصاً إذا كان المطلوب راجحاً شرعاً- غير مبطل بلا إشكال فيه، و هو مجمع عليه كما نقلناه عن «التذكرة»، بل هو أمر مطلوب ندب إليه الشرع. و النصوص في فضله و الثواب عليه متواترة، ذكر الكليني رحمه الله جملة منها في «اصول الكافي» في باب البكاء، و نكتفي بذكر واحد منها تيمّناً: قال أبو عبد اللّه عليه السلام لأبي بصير: «إن خفت أمراً يكون أو حاجة تريدها فابدأ باللّٰه و مجّده و أثن عليه كما هو أهله، و صلّ على النبي صلى الله عليه و آله، وسل حاجتك و تباك و لو مثل رأس الذباب؛ إنّ أبي عليه السلام كان يقول: إنّ أقرب ما يكون العبد من الربّ- عزّ و جلّ- و هو ساجد باك» (الكافي 2: 483/ 10.). أو لا بل هو أعمّ من ذلك بحيث يكفي خروج الدمع من العين بلا صوت؟ فيه خلاف بين الأصحاب: قال جماعة بالاختصاص؛ منهم الشهيد الثاني في «الروض» و «الروضة» و صاحب «المدارك» و كاشف اللثام. و قال اخرى بالتعميم. و يظهر من الشهيد في «الروض» (روض الجنان 2: 890.): أنّ احتمال الاختصاص و التعميم مبني على ضبط اللغة بالمدّ و القصر في مصدر «بكى»، قال: اعلم أنّ البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرّد خروج الدمع، مع احتمال الاكتفاء به في البطلان. و وجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء لغة مقصوراً و ممدوداً و الشكّ في إرادة أيّهما من الأخبار، قال الجوهري: «البكاء» يمدّ و يقصر؛ فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها، قال الشاعر: بكت عيني و حقّ لها بكاها و لا يجدي البكاء و لا العويل و نسب إلى «صحاح اللغة» و «مجمع البحرين»: أنّ البكاء يمدّ و يقصر؛ فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، و إذا قصرت أردت الدموع و خروجها. و صاحب «الحدائق» رحمه الله حكى عن «الروض» اختصاص المبطل بالبكاء المشتمل على الصوت و نسبه إلى الشهرة، و أشكل عليه بأنّ الموجود في النصّ- الذي هو مستند هذا الحكم- إنّما هو بالفعل الشامل للأمرين دون المصدر الذي هو مظهر لكلّ من المعنيين (الحدائق الناضرة 9: 51.). ثمّ إنّ القائلين باختصاص البكاء المبطل بما يشتمل الصوت استندوا بأنّ لفظ البكاء الواقع في النصّ ممدود، و قد صرّح أهل اللغة بأنّ الممدود مشتمل على الصوت. و اورد عليه أوّلًا: بأنّه من المحتمل أن يكون لفظ البكاء في النصّ مقصوراً لا ممدوداً، و في «الجواهر»: و لا نسخ مضبوطة بحيث تقطع النزاع لكلّ منهما؛ لمعروفية تسامح النسّاخ في ذلك (جواهر الكلام 11: 75.)، انتهى. و ثانياً: أنّ لفظ البكاء في النصّ على فرض كونه ممدوداً قد وقع في السؤال لا في جواب المعصوم عليه السلام، و الواقع في الجواب هو الفعل «بكى» و هو مطلق شامل لكلّ من الممدود و المقصور. و ثالثاً: أنّه يمكن منع وجود المادّتين و منع الفرق بينهما على فرض وجودهما؛ و لذا أنكر بعض فقهائنا الفرق بين الممدود و المقصور؛ فعن «مجمع البرهان»: أنّ الظاهر صدق البكاء على مجرّد الدمع من غير اشتراط الصوت عرفاً و لغةً، و إن كان له لغةً معنى آخر أيضاً (مجمع الفائدة و البرهان 3: 73.)، انتهى. و رابعاً: أنّ الفرق بين الممدود و المقصور باشتمال الأوّل على الصوت دون الثاني إنّما هو عند أهل اللغة، و العرف لا يفرق بينهما، و العرف مقدّم على اللغة. و خامساً: أنّه مع قيام الاحتمال و إجمال النصّ يرجع إلى قاعدة الاحتياط؛ فوجب تحصيل اليقين بالبراءة، و لا يحصل إلّا بالاجتناب عمّا لا يشتمل الصوت. و اجيب عن الأوّل: بأنّه على فرض تساوي الاحتمالين في النسخ بالمدّ و القصر و تساقطهما يقتصر في المبطل بالمتيقّن مانعاً- و هو الممدود- و المقصور مشكوك المانعية، و المرجع في الشكّ في المانعية هو البراءة. و عن الثاني: بأنّ الفعل الواقع في كلام المعصوم عليه السلام في رواية النعمان بن عبد السلام المتقدّم (وسائل الشيعة 7: 247، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 5، الحديث 4.) ليس مطلقاً بل هو مجمل و محتمل لأن يكون فعلًا للممدود أو المقصور، كما أنّ المصدر الواقع في السؤال أيضاً مجمل، و يتساقط الاحتمالان؛ فيرجع في المشكوك المانعية إلى البراءة. و عن الثالث: بأنّه قد صرّح جماعة من أهل اللغة بوجود المادّتين و الفرق بينهما، كما حكي عن «الصحاح» و «مجمع البحرين» و غيرهما، و حكي عن النحويين أيضاً؛ قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو بمعنى الحزن- أي ليس معه صوت- و إذا كان معه نشيج و صياح فهو ممدود. و عن الرابع: بأنّ تقدّم العرف على اللغة مسلّم على فرض تحقّقه، و لم يثبت تحقّق عرف عامّ في عصر صدور الكلام على خلاف ما صرّح به أهل اللغة. و عن الخامس بما اجيب به عن الأوّل. فالقول بعدم بطلان الصلاة بالبكاء بدون الصوت لا يخلو من قوّة، و إن كان الاحتياط إتمام الصلاة و إعادتها. ، أو يعمّ صورة الاضطرار؟ قيل بالاختصاص؛ لدعوى انصراف النصّ إلى البكاء الاختياري و حديث رفع الاضطرار. و صرّح كثير من فقهائنا بالبطلان مع الاضطرار أيضاً، و هو المختار؛ و ذلك لإطلاق النصّ و الفتوى كما في الضحك، و انصراف الإطلاق إلى الاختياري ممنوع. و في «مصباح الفقيه»: و لا ينافيه حديث «رفع ما اضطرّوا إليه»؛ لما أشرنا إليه في نظائر المقام من أنّه لا حكومة لهذا الحديث على إطلاقات أدلّة القواطع (مصباح الفقيه، الصلاة: 413/ السطر 25.)، انتهى. - بل الشهداء عموماً- ليس كالبكاء على موت عزيز من الأعزّة للباكي حتّى يكون لأمر من امور الدنيا و مبطلًا للصلاة. قال صاحب «الجواهر»- و نعم ما قال- بل قد يمنع أيضاً كون البكاء لفقد الميّت من الامور الدنيوية مطلقاً؛ فإنّ البكاء على الحسين عليه السلام و غيره من الأئمّة عليهم السلام بل و العلماء المرضيين و نحوهم ممّن كانت العلقة بينهم و بين الباكي اخروية ليس من الدنيا في شي ء، و ما سمعته من «الميسية»: يبطلها البكاء على الميّت و إن كان لصلاحه، معرض عنه أو ينزّل على غير ذلك. و احتمال عدّ البكاء على الحسين عليه السلام- فضلًا عن غيره- من البكاء لأمر دنيوي- باعتبار أنّ ما وقع بسببه البكاء و كان هو الباعث على البكاء أمرٌ في الدنيا دون الآخرة، و ترتّب الثواب عليه و كونه عبادة لا ينافي بطلان الصلاة به، و ذكر الجنّة و النار في النصّ المزبور مثال لنعيم الآخرة و أهوالها من البرزخ و غيره- واضح الدفع، و إن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك؛ خصوصاً إذا كان البكاء على الحسين عليه السلام من حيث الرحم أو من حيث علقة السيّد و العبد و نحوهما من العلائق؛ فإنّ الأفعال تختلف بالقصد و بالجهة و الاعتبارات، كما هو واضح. و كأنّه لذا قال في «مجمع البرهان»: الظاهر أنّ البكاء لفقد الميّت لا يطلق عليه الأمر الدنيوي إلّا أن ينضمّ إليه شي ء، و يبعد كونه مطلقاً كذلك؛ فإنّه نقل عنه صلى الله عليه و آله البكاء على إبراهيم و كذلك عن الأئمّة عليهم السلام، و يبعد ارتكابهم عليهم السلام أمراً يكون محض دنيوي و لا يحصل عليه الثواب. مع أنّ الأخبار دالّة على حصول الثواب على البكاء و الألم بفقد المحبوب؛ و خصوصاً الولد. نعم لو ضمّ إليه أمر دنيوي- كما يوجد في كثير من الناس حيث يبكى لفقد مُعين له في اموره- فلا يبعد ذلك (جواهر الكلام 11: 73.)، انتهى كلام صاحب «الجواهر» رحمه الله نقلناه بطوله لتحكيم المطلوب.

ص: 59

الثاني: المشهور اختصاص البكاء المبطل بصورة العمد دون السهو.

ص: 60

الثالث: البكاء على أمر اخروي أو طلب أمر دنيوي من اللّٰه تعالى-
الرابع: هل يعتبر الصوت في البكاء المبطل للصلاة،

ص: 61

ص: 62

ص: 63

الأمر الخامس: هل يختصّ البكاء المبطل- أعني المشتمل على الصوت على المختار- بحال الاختيار
السادس: البكاء على الحسين عليه السلام و سائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام

ص: 64

ص: 65

سابعها: كلّ فعل ماحٍ لها مُذهِب لصورتها-

على وجه يصحّ سلب الاسم عنها- و إن كان قليلًا، فإنّه مبطل لها عمداً و سهواً. أمّا غير الماحي لها، فإن كان مفوّتاً للموالاة فيها- بمعنى المتابعة العرفيّة- فهو مبطل مع العمد على الأحوط دون السهو. و إن لم يكن مفوّتاً لها فعمده غير مبطل، فضلًا عن سهوه و إن كان كثيراً، كحركة الأصابع، و الإشارة باليد أو غيرها لنداء أحد، و قتل الحيّة و العقرب، و حمل الطفل و وضعه و ضمّه و إرضاعه، و نحو ذلك ممّا هو غير منافٍ للموالاة و لا ماحٍ للصورة (1).


1- هل المبطل للصلاة هو الفعل بما أنّه كثير أو بما أنّه ماح و مُذهب للصورة الصلاتية المعهودة عند المتشرّعة؟ فقد عبّر كثير من فقهائنا بأنّ المبطل هو الكثير من الفعل الخارج من الصلاة؛ ففي «المبسوط»: و العمل القليل لا يفسد الصلاة وحده ما لا يسمّى في العادة كثيراً، مثل إيماء إلى شي ء أو قتل حيّة أو عقرب أو تصفيق أو ضرب حائط تنبيهاً على حاجة و ما أشبهه (المبسوط 1: 118.). و في «التذكرة» قال: الفعل الذي ليس من أفعال الصلاة إن كان كثيراً أبطلها (تذكرة الفقهاء 3: 288.)، و قال في موضع آخر منه: الفعل الكثير إنّما يبطل مع العمد (نفس المصدر: 290.). و في «القواعد»: و الفعل الكثير عادة ممّا ليس من الصلاة (قواعد الأحكام 1: 281.). و في «المنتهى»: و يجب عليه ترك الفعل الكثير (منتهى المطلب 1: 312/ السطر 16.). و في «الشرائع» في عداد مبطلات الصلاة قال: و أن يفعل فعلًا كثيراً ليس من الصلاة (شرائع الإسلام 1: 81.). و في «الدروس»: و الفعل الكثير عادة لا القليل كقتل الحيّة (الدروس الشرعية 1: 185.)، كذا في «البيان» و «الروضة». و في «المدارك»: لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير و بطلانها به إذا وقع عمداً (مدارك الأحكام 3: 466.). و في «كشف اللثام»: و فعل الكثير عادة ممّا ليس من الصلاة فيبطلها عمداً لا سهواً (كشف اللثام 4: 172.)، و إن لم يمح صورة الصلاة. و لا يخفى: أنّه قد اعترف غير واحد من الفقهاء بعدم الوقوف على نصّ علّق فيه البطلان على الكثير. نعم قد وقع تقييد الفعل بالكثير في معاقد الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. و لعلّ التقييد بالكثير باعتبار انمحاء صورة الصلاة به؛ فالمبطل في الحقيقة هو الفعل الماحي لصورة الصلاة و إن كان قليلًا و لو كان صدوره سهواً؛ و لذا جعل صاحب «المدارك» المدار في الكثرة و عدمها محو الصورة الصلاتية و عدمه، و قال: لم أقف على رواية تدلّ بمنطوقها على بطلان الصلاة بالفعل الكثير، لكن ينبغي أن يراد به ما تنمحي به صورة الصلاة بالكلّية، كما هو ظاهر اختيار المصنّف في «المعتبر» (مدارك الأحكام 3: 466.)، انتهى. و هذا المعنى هو المستفاد من ظاهر تعليل الحكم في كلام غير واحد منهم بالخروج عن كونه مصلّياً (نفس المصدر 2: 255.)؛ ففي «المعتبر» نسب البطلان إلى العلماء، و علّله بقوله: لأنّه يخرج عن كونه مصلّياً، و في «المنتهى»: فلو فعله عامداً بطلت صلاته، و هو قول أهل العلم كافّة؛ لأنّه يخرج به عن كونه مصلّياً (منتهى المطلب 1: 310/ السطر 18.). ثمّ إنّهم اختلفوا في حدّ الكثير المبطل: فمنهم من أرجعه إلى العرف و العادة، كما في «المبسوط» و «التذكرة» و «الدروس» و غيرها، قال في «المبسوط»: و العمل القليل لا يفسد الصلاة وحده ما لا يسمّى في العادة كثيراً (المبسوط 1: 118.). و قال في «التذكرة»: و الذي عوّل عليه علماؤنا البناء على العادة؛ فما يسمّى في العادة كثيراً فهو كثير و إلّا فلا (تذكرة الفقهاء 3: 288.). و في «الدروس»: و الفعل الكثير عادة (الدروس الشرعية 1: 185.). و استدلّ له بأنّ المرجع هو العرف فيما لم يكن للشارع بيان فيه، و أنّ عادة الشرع إرجاع الناس إلى عرفهم فيما لم يكن له نصّ فيه، كما عن «التذكرة». و صاحب «الحدائق» توهّم: أنّ المراد من الرجوع إلى العرف هو الرجوع إلى العرف العامّ في الأحكام الشرعية، و أورد عليه بقوله: قد عرفت في غير مقام ممّا تقدّم ما في بناء الأحكام الشرعية على الرجوع إلى العرف من الفساد ... إلى أن قال: و أمّا قول العلّامة: و إنّ عادة الشرع ردّ الناس في ما لم ينصّ عليه إلى عرفهم، فهو ممنوع أشدّ المنع (الحدائق الناضرة 9: 41.). و يرد عليه كما في «الجواهر»: أنّه ليس المراد من الرجوع إلى العرف الرجوع إليه في الأحكام الشرعية كي يقال: إنّه بمعزل عنها و ليس هو من مدركها، بل المراد أنّه يرجع إليه في حفظ الصورة المتلقّاة من الشرع التي علّق التكليف بها؛ ففي الحقيقة إنّما يرجع إليه في متعلَّق الحكم الشرعي و موضوعه الذي هو وظيفته (جواهر الكلام 11: 46.). و منهم من قال: ما لا يحتاج إلى فعل اليدين معاً كرفع العمامة و حلّ الإزار فهو قليل، و ما يحتاج إليهما معاً كتكوير العمامة و عقد السراويل فهو كثير. و منهم من قال: القليل ما لم يسع زمانه لفعل ركعة من الصلاة، و الكثير ما يسع. و منهم من قال: القليل ما لا يظنّ الناظر إلى فاعله أنّه ليس في الصلاة، و الكثير ما يظنّ به الناظر إلى فاعله الإعراض عن الصلاة. و القول الأخير يمكن إرجاعه إلى الأوّل، و القولان الأوسطان لا دليل لهما. و لو لم يكن الفعل الواقع في أثناء الصلاة موجباً لمحو صورة الصلاة، و حينئذٍ فإن كان موجباً لفوات الموالاة فيها- بمعنى الموالاة العرفية- فهو غير مبطل على الأقوى. نعم الأحوط استحباباً الاجتناب عنه، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في الموالاة. و في «الجواهر»: التحقيق أنّ البطلان بالفعل الكثير إنّما هو لفوات الموالاة بين الأفعال به، و لعلّه المراد بمحو الصورة المذكورة في كلام غير واحد من الأصحاب (جواهر الكلام 11: 62.)، انتهى. و قال بعد ثلاث صفحات: فظهر لك حينئذٍ: أنّ البطلان بالفعل الكثير إنّما هو من حيث تفويته للموالاة؛ فلعلّ من علّله بالخروج عن كونه مصلّياً- كالفاضلين و غيرهما- أراد ذلك (جواهر الكلام 11: 65.)، انتهى. و إن لم يكن موجباً لفوات الموالاة العرفية فعمده غير مبطل- فضلًا عن سهوه- لعدم وجود الدليل على كونه مبطلًا. و قد ورد في بعض الأخبار التصريح بعدم إبطال بعض الأفعال الصادرة حال الاشتغال بالصلاة، و موارد كثيرة من الأخبار هي الأفعال القليلة، كرواية صحيحة رواها الصدوق رحمه الله عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، قال: فقال: «يومئ برأسه و يشير بيده، و المرأة إذا أرادت الحاجة تصفق» (وسائل الشيعة 7: 254، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 1.) . و بإسناده عن الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يريد الحاجة و هو في الصلاة، فقال: «يومئ برأسه و يشير بيده و يسبّح، و المرأة إذا أرادت الحاجة و هي تصلّي فتصفق بيديها» (وسائل الشيعة 7: 254، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 2.) ، و الرواية صحيحة. و بإسناده عن حنّان بن سدير أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام أ يومئ الرجل في الصلاة؟ فقال: «نعم قد أومأ النبي صلى الله عليه و آله في مسجد من مساجد الأنصار بمحجن كان معه» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 3.)، قال حنّان: و لا أعلمه إلّا مسجد بني عبد الأشهل ، و الخبر موثّق. و في ذيل موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و المرأة إذا أرادت شيئاً ضربت على فخذها و هي في الصلاة» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 4.) . و رواية أبي حبيب ناجية أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ لي رحى أطحن فيها السمسم فأقوم فاصلّي و أعلم أنّ الغلام نائم فأضرب الحائط لأوقظه، فقال: «نعم أنت في طاعة ربّك تطلب رزقك، لا بأس» (وسائل الشيعة 7: 255، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 5.). و ذيل صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته، فيستأذن إنسان على الباب فيسبّح و يرفع صوته و يسمع جاريته فتأتيه، فيريها بيده أنّ على الباب إنساناً، هل يقطع ذلك صلاته؟ و ما عليه؟ قال: «لا بأس لا يقطع بذلك صلاته» (وسائل الشيعة 7: 256، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 9، الحديث 6.) . و رواية محمّد بن بجيل قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام يصلّي، فمرّ به رجل و هو بين السجدتين فرماه أبو عبد اللّه بحصاة، فأقبل إليه الرجل (وسائل الشيعة 7: 258، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 10، الحديث 1.). و رواية عبد اللّه بن جعفر في «قرب الإسناد» عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب و غيره بالحجر، ما عليه؟ قال: «ليس عليه شي ء و لا يقطع ذلك صلاته» (وسائل الشيعة 7: 258، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 10، الحديث 2.) . و صحيح زرارة أنّه قال لأبي جعفر عليه السلام: رجل يرى العقرب و الأفعي و الحيّة و هو يصلّي، أ يقتلها؟ قال: «نعم، إن شاء فعل» (وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 1.) . و صحيح الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرى الحية و العقرب و هو يصلّي المكتوبة، قال: «يقتلهما» (وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 3.) . و موثّق عمّار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون في الصلاة فيقرأ فيرى حيّة بحياله، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال: «إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها، و إلّا فلا» (وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 4.) ، و هذا الموثّق فيه إشعار بعدم الجواز فيما كان بينه و بينها أزيد من خطوة؛ لكونه من الفعل الكثير، و حمل بعض فقهائنا النهي على الكراهة. و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يقتل البقّة و البرغوث و القُمّلة و الذباب في الصلاة، أ ينقض ذلك صلاته و وضوءه، قال: «لا» (وسائل الشيعة 7: 274، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 20، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل تؤذيه الدابّة و هو يصلّي، قال: «يلقيها إن شاء أو يدفنها في الحصى» (وسائل الشيعة 7: 275، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 20، الحديث 2.) ، و غيرهما من روايات الباب. و موثّق إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنّه قال في رجل يصلّي و يرى الصبي يحبو إلى النار، أو الشاة تدخل البيت لتفسد الشي ء، قال: «فلينصرف و ليحرز ما يتخوّف و يبني على صلاته ما لم يتكلّم» (وسائل الشيعة 7: 278، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 3.). و موثّق عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس أن تحمل المرأة صبيها و هي تصلّي و ترضعه و هي تتشهّد» (وسائل الشيعة 7: 280، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب. و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يحتك و هو في الصلاة، قال: «لا بأس» (وسائل الشيعة 7: 285، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) . و غيرها من روايات الباب. و من طرف العامّة: أنّ النبي صلى الله عليه و آله حمل أمامة بنت أبي العاص و كان يضعها إذا سجد و يرفعها إذا قام (صحيح مسلم 2: 25/ 543.). و عن الشهيد في «الذكرى» قال: روى البزنطي عن داود بن سرحان عن الصادق عليه السلام في عدّ الآي بعقد اليد، قال: «لا بأس هو أحصى للقرآن» (وسائل الشيعة 7: 287، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 30، الحديث 2.). و في صحيح عبيد اللّٰه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته أ يمسح الرجل جبهته في الصلاة إذا لصق بها تراب؟ فقال: «نعم قد كان أبو جعفر عليه السلام يمسح جبهته في الصلاة إذا لصق بها التراب» (وسائل الشيعة 6: 373، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 18، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب. و عن زكريا الأعور قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلّي قائماً و إلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم و معه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحط أبو الحسن عليه السلام و هو قائم في صلاته، فناول الرجل العصا ثمّ عاد إلى صلاته (وسائل الشيعة 5: 503، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 12، الحديث 1.).

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

ص: 71

ص: 72

ص: 73

ثامنها: الأكل و الشرب

و إن كانا قليلين على الأحوط. نعم لا بأس بابتلاع ذرّات بقيت في الفم أو بين الأسنان، و الأحوط الاجتناب عنه. و لا يترك الاحتياط بالاجتناب عن إمساك السكر و لو قليلًا في الفم- ليذوب و ينزل شيئاً فشيئاً- و إن لم يكن ماحياً للصورة و لا مفوّتاً للموالاة (1).


1- مبطلية الأكل و الشرب للصلاة في الجملة إجماعي ادّعاه الشيخ في «الخلاف». و حكي عن «المهذّب البارع» أنّ الأقوال في ذلك ثلاثة: الأوّل الإبطال بالمسمّى و هو ما يبطل الصوم، الثاني الإبطال بالكثرة فلا تبطل باللقمة الصغيرة، و الثالث الإبطال بمنافاة الخشوع فتبطل باللقمة الصغيرة، و اختار الأخير (المهذّب البارع 1: 394.). و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد أن فرّق بين الأكل المنافي للصوم و المنافي للصلاة بالإجماع المدّعى في «المنتهى» الصريح في أنّ الصلاة ليست كالصوم تبطل بمطلق المسمّى، قال: و ليس هذا قولًا منّا بأنّ القليل من الأكل و الشرب غير مبطل للصلاة؛ فيكونان حينئذٍ كسائر الأفعال التي يبطل كثيرها دون قليلها، بل المراد بيان أنّه و إن قلنا بأنّ الأكل و الشرب مطلقاً مبطلان للصلاة لحصول اسم المحو أو لثبوت المنافاة في أذهان المتشرّعة أو لإجماع الشيخ أو لغير ذلك، فليس المراد أنّه يقدح في الصلاة ما يقدح منه في الصوم؛ إذ المدار ما عرفت، و هو لا يقضي بذلك قطعاً (جواهر الكلام 11: 79.)، انتهى. الظاهر من عدّ الأكل و الشرب من المبطلات في كلام الفقهاء و جعلهما في مقابل الفعل الكثير هو القليل منهما، حيث إنّ الكثير منهما يدخل في الفعل الكثير. و في «الجواهر»: بل لعلّ المراد منه القليل خاصّة؛ للاستغناء بذكر الكثير سابقاً عن كثيرهما، فعطفهما حينئذٍ عليه من المصنّف و غيره لو لا احتمال التخصيص للاستثناء كالصريح في ذلك (جواهر الكلام 11: 77.)، انتهى. و مراده من قوله احتمال التخصيص للاستثناء، أنّ الأكل و الشرب يحتمل أن يكونا داخلين في عموم الفعل الكثير المبطل، و لا حاجة حينئذٍ لتخصيصهما بالذكر من العموم في كلام الفقهاء إلّا لاستثناء نافلة الوتر. و يرد عليه: أنّ التخصيص بالذكر إن كان لأجل الاستثناء لزم الاكتفاء بخصوص الشرب؛ لأنّه هو مورد النصّ في دعاء الوتر، و حينئذٍ فلا وجه لذكر الأكل في كلامهم. و كيف كان: فعن جماعة من فقهائنا أنّ المبطل هو الكثير من الأكل و الشرب لا مطلقاً؛ و لذا علّل في «التذكرة» البطلان بمطلق الأكل و الشرب بكونهما فعلًا كثيراً، قال: لأنّ تناول المأكول و مضغه و ابتلاعه أفعال متعدّدة، و كذا المشروب. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بإمكان دعوى أنّ الغالب في الشرب- بل و الأكل- القلّة؛ ضرورة خروج المقدّمات عن مسمّاهما. و اختار المحقّق في «المعتبر» هذا القول، و طالب الدليل ممّن قال بالمنع مطلقاً. و صاحب «المدارك» بعد نقل قول المحقّق استحسنه. و قال الشهيد في «الذكرى»: أمّا الأكل و الشرب فالظاهر أنّهما لا يبطلان بمسمّاهما بل بالكثرة. و صاحب «الحدائق» بعد ذكر كلام جماعة من القائلين بعدم بطلان الصلاة بمسمّى الأكل و الشرب قال: و بالجملة فإنّ من نازع في أصل الحكم إنّما بنى فيه على حصول الكثرة و عدمها؛ فجعل الإبطال و عدمه دائراً مدار الكثرة و عدمها، و إلّا فالأكل و الشرب من حيث هما غير مبطلين، و هو الأظهر في المسألة (الحدائق الناضرة 9: 55.). و عن بعض فقهائنا: أنّ إبطال الأكل و الشرب الصلاة لمنافاتهما الخشوع، حكي هذا القول عن «المهذّب البارع». و عن بعضهم: الاقتصار على الإيذان بالإعراض. و عن بعضهم: أنّه إن آذنا بالإعراض أو نافيا بالخشوع فيبطلان. و عن المحقّق الشيخ هادي الطهراني في «صلاته»: و أمّا الأكل و الشرب فالمبطل منهما ما ينافي هيئة الخضوع و التمحّض للحضور عند المولى على وجه التذلّل. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد نقل إجماع الشيخ في «الخلاف» على مبطلية الأكل و الشرب قال: و يؤيّده- مضافاً إلى ذلك- فحوى سياق الخبر الآتي في الرخصة في شرب الماء في الوتر المشعر بمعلومية منافاة الشرب للصلاة و محو اسم الصلاة بحصول المتعارف من كلّ منهما، لا ما تقدّم و نحوه، أو علم المتشرّعة منافاتهما للصلاة المرادة كما أوضحناه في الفعل الكثير. و لعلّ ذلك و نحوه مأخذ إجماع الشيخ؛ إذ لا ريب في حصول البطلان بمحو الاسم. و لا ريب في حصوله بهما و إن لم يكثرا كما هو الغالب فيهما؛ إذ أطفال المتشرّعة يعلمون أنّ الصلاة لا يجتمع معها الأكل و الشرب، كما هو واضح بأدنى تأمّل، فتوقّف كثير من الأصحاب في هذا الحكم- حتّى أنّ المصنّف منهم ردّ على الشيخ إجماعه و تبعه غيره، و جعلوا المدار في البطلان بهما على الكثرة تبعاً للمحكي عن «السرائر»- في غير محلّه (جواهر الكلام 11: 78.)، انتهى. بقي في المقام شي ء؛ و هو أنّ ابتلاع ذرّات من الطعام بقيت في الفم أو بين الأسنان حال الصلاة لا يبطلها، و كذا لا يبطلها فيما لو أمسك في فيه شيئاً و لو قليلًا من السكّر و نحوه ليذوب و ينزل شيئاً فشيئاً حال الصلاة؛ و ذلك لعدم صدق الأكل عليه. و هذا بخلاف ما لو تناول قليلًا من الطعام و وضعه في فيه و ابتلعه حال الصلاة فإنّه يصدق عليه الأكل حال الصلاة، و يبطلها و لو كان قليلًا؛ لمحو صورة الصلاة. و لعلّ وجه احتياط المصنّف في الموردين احتمال صدق الأكل فيهما، و هو كما ترى؛ فلا وجه للاحتياط أصلًا. قال في «المنتهى»: لو ترك في فيه شيئاً يذوب كالسكّر فذاب فابتلعه لم تفسد صلاته عندنا، و عند الجمهور تفسد؛ لأنّه يسمّى أكلًا. أمّا لو بقي بين أسنانه من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تبطل صلاته قولًا واحداً؛ لأنّه لا يمكن التحرّز عنه، و كذا لو كان في فيه لقمة و لم يبتلعها إلّا في الصلاة؛ لأنّه فعل قليل (منتهى المطلب 1: 312/ السطر 16.)، انتهى. ثمّ إنّه لا فرق في مبطلية الأكل و الشرب بين العمد و السهو فيما كانا موجبين لمحو صورة الصلاة بحيث صحّ سلب اسم الصلاة عنه. و لو كانا موجبين لتفويت الموالاة فعمدهما مبطل دون سهوهما. و في «المنتهى»: لو أكل أو شرب في الفريضة ناسياً لم تبطل صلاته عندنا قولًا واحداً (منتهى المطلب: 312/ السطر 14.).

ص: 74

ص: 75

ص: 76

ص: 77

و لا فرق في جميع ما سمعته من المبطلات بين الفريضة و النافلة، إلّا الالتفات في النافلة مع إتيانها حال المشي، و في غيرها الأحوط الإبطال (1).


1- و الوجه في عدم الفرق في المبطلات بين الفريضة و النافلة هو الإطلاقات الواردة في النصوص و معاقد الإجماعات. و أمّا استثناء الالتفات في النافلة من المبطلات فقد ورد في جملة من الروايات جواز إتيان النافلة حال الركوب على المحمل و الدابّة أينما توجّه، و في بعضها تصريح بسقوط الاستقبال في تلك الحال؛ ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي النوافل في الأمصار و هو على دابّته حيث ما توجّهت به، قال: «لا بأس» (وسائل الشيعة 4: 328، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 1.). و رواية إبراهيم الكرخي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: إنّي أقدر أن أتوجّه نحو القبلة في المحمل، فقال: «هذا لضيق، أ ما لكم في رسول اللّٰه اسوة؟!» (وسائل الشيعة 4: 329، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 2.). و صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة النافلة على البعير و الدابّة، فقال: «نعم حيث كان متوجّهاً، و كذلك فعل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله». و رواه الكليني عن محمّد بن سنان مثله، و زاد: قلت: على البعير و الدابّة؟ قال: «نعم حيث ما كنت متوجّهاً»، قلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: «لا، و لكن تكبّر حيث ما كنت متوجّهاً» (وسائل الشيعة 4: 329، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 15، الحديث 6 و 7.). و أمّا استثناء الالتفات فيها حال المشي فلم يرد نصّ بالخصوص يدلّ عليه، نعم قد ورد في بعض الروايات جواز إتيان النافلة حال المشي، كما في موثّق الحسين بن المختار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي و هو يمشي تطوّعاً؟ قال: «نعم» (وسائل الشيعة 4: 335، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 6.). و يظهر من بعض الأخبار مراعاة التوجّه إلى القبلة في النافلة مع إتيانها حال المشي، كما في صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بأن يصلّي الرجل صلاة الليل في السفر و هو يمشي، و لا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار و هو يمشي يتوجّه إلى القبلة ثمّ يمشي و يقرأ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجهه إلى القبلة و ركع و سجد ثمّ مشى» (وسائل الشيعة 4: 334، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 16، الحديث 1.). و يمكن حمل الجملة الخبرية: «يتوجّه إلى القبلة» في هذا الصحيح على الاستحباب؛ لما في «المنتهى» من نفي الخلاف في عدم اعتبار الاستقبال في النافلة حال المشي. و يمكن أن يستفاد من الروايات الواردة في جواز النافلة حال المشي عدم اعتبار الاستقبال فيها، حيث إنّ الغالب انحراف المصلّي عن القبلة يميناً و يساراً و استدباراً في أثناء الصلاة في تلك الحال، بل تمكن دعوى أنّه قلّما يتّفق الاستقبال من أوّل الصلاة إلى آخرها حال المشي؛ فحينئذٍ يكون عدم التعرّض لذكر الاستقبال حال المشي دليلًا على عدم اعتباره. و وجه الاحتياط من المصنّف رحمه الله في إبطال الالتفات النافلة في غير حال المشي هو احتمال تحقّق الشهرة على اشتراط الاستقبال في النافلة حال الاستقرار. و الأقوى عندي- وفاقاً ل «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها- الإبطال؛ للشهرة المدّعاة في «كشف اللثام»، و في «مفتاح الكرامة»: و به صرّح في جميع كتب الأصحاب إلّا ما قلّ، و لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة»، قال: قلت: و أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب كلّه» (وسائل الشيعة 4: 300، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 2، الحديث 9.).

ص: 78

ص: 79

و إلّا العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم؛ إن خشي مفاجأة الفجر، و كان الماء أمامه، و احتاج إلى خطوتين أو ثلاث، فإنّه يجوز له التخطّي و الشرب حتّى يروي؛ و إن طال زمانه لو لم يفعل غير ذلك من منافيات الصلاة، حتّى إذا أراد العود إلى مكانه رجع القهقرى لئلّا يستدبر القبلة. و الأقوى الاقتصار على خصوص شرب الماء، دون الأكل و دون شرب غيره و إن قلّ زمانه. كما أنّ الأحوط الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل. و لا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء، فيلحق بها غيرها من أحوالها و إن كان الأحوط الاقتصار عليها. و أحوط منه الاقتصار على ما إذا حدث العطش بين الاشتغال بالوتر. بل الأقوى عدم استثناء من كان عطشاناً، فدخل في الوتر ليشرب بين الدعاء قبيل الفجر (1).


1- الدليل على استثناء العطشان المتشاغل بالدعاء في الوتر العازم على صوم ذلك اليوم الخائف مفاجأة الفجر من الشرب المبطل، هو خبر سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي أبيت و اريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء و أشرب، و أكره أن أصبح و أنا عطشان و أمامي قُلّة بيني و بينها خطوتان أو ثلاثة، قال: «تسعى إليها و تشرب منها حاجتك و تعود في الدعاء» (وسائل الشيعة 7: 279، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 23، الحديث 1.). فهذا الخبر يدلّ على جواز التخطّي إلى ثلاث خطوات و الشرب بمقدار رفع العطش، و لو كان كثيراً و زمان الشرب طويلًا، بشرط أن لا يفعل غير الشرب من منافيات الصلاة؛ و منها الاستدبار. فيجب عليه بعد الشرب العود إلى مكانه قهقرى إذا أراد العود لئلّا يستدبر القبلة. و جواز الشرب كثيراً و إن طال زمانه يستفاد من قوله عليه السلام في الرواية «حاجتك». و صاحب «الجواهر» منع من كثير الشرب في النافلة- و منها الوتر- لاستلزامه الفعل الكثير و هو مبطل، قال: فيجب حينئذٍ الاقتصار على مورد الرواية و عدم التعدّي ممّا فيها إلى الرخصة في الفعل الكثير إذا توقّف الشرب عليه (جواهر الكلام 11: 81.). و الأقوى: الاقتصار على خصوص الشرب دون الأكل للاقتصار عليه في النص. و أمّا الاقتصار على شرب خصوص الماء دون المائعات الاخر فيمكن استفادته من انصراف الشرب إلى شرب الماء، و من كلمة «قُلّة» في الرواية؛ فإنّها معدّة لخصوص الماء، هذا. و لك أن تقول: إنّ الشرب كان لرفع العطش، و هو يحصل بكلّ مائع رافع للعطش. و الأحوط لو لم يكن الأقوى: الاقتصار على خصوص الوتر دون سائر النوافل؛ و ذلك لذكره بالخصوص في النصّ. و الاقتصار على الوتر المندوب لا الواجب بالنذر و نحوه؛ و ذلك للانصراف. و لا يبعد عدم الاقتصار على حال الدعاء؛ لأنّ المعيار حدوث العطش بين الاشتغال بالوتر و رفعه بالشرب قبل إتمامه؛ لأنّ في الانتظار إلى الإتمام خوف طلوع الفجر، و إن كان الأحوط الاقتصار على حال الدعاء؛ لكونه مذكوراً في كلام السائل. و منه يعلم عدم استثناء من كان عطشاناً قبل الشروع في الوتر؛ فلا يجوز له الشرب بعد الشروع في الوتر و في أثناء الدعاء. و في «الجواهر» بعد نسبة عدم الفرق بين الشرب القليل و الكثير إلى «التحرير» و «فوائد الشرائع» و المحكي عن «المهذّب» و غيره، قال: للإطلاق و ترك الاستفصال. و منه يعلم: أنّه لا فرق بين الصوم الواجب و المندوب، بل قيل: و لا بين الوتر الواجب بالنذر أو غيره و المندوب، و إن كان الأخير لا يخلو من نظر (جواهر الكلام 11: 82.)، انتهى.

ص: 80

ص: 81

تاسعها: تعمّد قول «آمين» بعد إتمام الفاتحة إلّا مع التقيّة،

فلا بأس به كالساهي (1).


1- المشهور بين القدماء و المتأخّرين من أصحابنا حرمة قول «آمين» عمداً بعد إتمام الفاتحة من غير تقية أو سهو، و بطلان الصلاة به. و نسبه جماعة منهم إلى علمائنا، بل ادّعى جماعة منهم الإجماع عليه، كما حكي عن «الغنية» و «الانتصار» و «الخلاف» و «نهاية الإحكام» و «التذكرة»، و حكاه في «المعتبر» عن المفيد رحمه الله، بل عن «الأمالي»: أنّ مِن دين الإمامية الإقرار به، و في «الجواهر»: بل يمكن تحصيل الإجماع عليه؛ إذ لم نجد فيه مخالفاً (جواهر الكلام 10: 2.). و يدلّ عليه صحيح جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها، فقل أنت: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و لا تقل: آمين» (وسائل الشيعة 6: 67، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 1.) . و صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أقول آمين إذا قال الإمام: «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضّٰالِّينَ»، قال: «هم اليهود و النصارى، و لم يجب في هذا» (وسائل الشيعة 6: 67، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 2.) . و في «الوسائل»: عدوله عن الجواب للتقية دليل على عدم الجواز لا الكراهة، و إلّا لأفتى بالرخصة. و في «المستمسك»: فإنّ ترك الجواب عن السؤال و التعرّض لأمر آخر غير مسئول عنه ظاهر في الخوف في الجواب، و لا خوف في الجواب في الرخصة؛ لأنّها مذهب العامّة (مستمسك العروة الوثقى 6: 590.). و رواية محمّد الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام أقول: إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: «لا» (وسائل الشيعة 6: 67، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 3.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «و لا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك: آمين، فإن شئت قلت: الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ» (وسائل الشيعة 6: 68، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 4.). و صحيح آخر لجميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب: آمين، قال: «ما أحسنها»، و أخفض الصوت بها (وسائل الشيعة 6: 68، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 17، الحديث 5.). و الاستدلال بهذا الصحيح مبني على كون كلمة «ما» في قوله: «ما أحسنها» نافية مع كون الفعل بصيغة المتكلّم، أو استفهامية إنكارية، و كون الجملة «و أخفض الصوت بها» كلام الراوي؛ أي قال الراوي: إنّ الإمام عليه السلام أخفض صوته حين تكلّم بقوله: «ما أحسنها». و لا يخفى: أنّه لو كانت الجملة كلام الراوي لكان الفعل فيها بصيغة الماضي المجرّد، لا المزيد فيه و من باب الإفعال. و يحتمل في الرواية- كما في «الجواهر» و غيرها- أن تكون كلمة «ما» في قوله: «ما أحسنها» للتعجّب و صيغة «اخفض» فعل أمر من المجرّد؛ و حينئذٍ يكون هذا الصحيح دليلًا على الجواز و معارضاً للأخبار الدالّة على المنع. و علاج المعارضة بحمل هذا الصحيح على التقية، كما فعله الشيخ. و الأمر بالخفض للتقية حيث حكي استحباب الخفض بها عند العامّة العمياء. و نسب إلى بعض فقهائنا القول بكراهة قول «آمين» بعد الحمد، كالكاشاني في «المفاتيح» و الأردبيلي في «مجمع البرهان». و استجوده في «المدارك» و قال: الأجود التحريم دون البطلان. و احتمله المحقّق في «المعتبر» و قال بما حاصله: و يمكن أن يقال بالكراهة جمعاً بين صحيح جميل المتقدّم الدالّ على الجواز- بناءً على احتمال كون كلمة «ما» في «ما أحسنها» للتعجّب و صيغة «اخفض» ماضياً- و بين سائر الروايات الدالّة على المنع، هذا على فرض تساوي روايتي الجواز و المنع متساويين في الصحّة، و على هذا الفرض يجوز الجمع بينهما أيضاً بحمل رواية المنع على المنفرد و المبيحة على الجماعة. و يرد عليه أوّلًا: أنّ صحيح جميل من حيث احتمال كون كلمة «ما» للتعجّب أو للنفي أو الاستفهام مجمل؛ فيسقط عن الحجّية؛ فلا يعارض الأخبار المانعة. و ثانياً: أنّ الصحيح على فرض ثبوت كون كلمة «ما» لخصوص «التعجّب» فقط مرجوح؛ لكونه مخالفاً لإجماع الإمامية، بل مخالفاً لضروريهم على ما في «الأمالي»، و موافقاً للعامّة القائلين بالجواز و الاستحباب، و لم يقل أحدٌ من علمائنا بالاستحباب؛ فتكون الأخبار المانعة راجحة و مقدّمة عليه. و حمل بعضهم أخبار المنع على المنفرد، و صحيح جميل على الجماعة. و يرد عليه: أنّ الصحيح الآخر لجميل من بين الأخبار المانعة صريح في المأموم. و قد يخدش في دلالة الروايات المانعة بأنّ النهي فيها ظاهر في نفي مشروعية قول «آمين» بعد الحمد بقرينة السؤال فيها عن الحكم الشرعي و الجواز كما يعتقده العامّة، و ليس السؤال عن مانعيته ليكون ظاهر النهي الإرشاد إليها كي يكون دليلًا على البطلان. و بالجملة: الحرمة التشريعية لا تنافي صحّة الصلاة؛ و لذا قال صاحب «المدارك» في مقام الجواب عن دلالة الروايات على البطلان: إنّما تضمّنتا النهي عن هذا اللفظ فيكون محرّماً. و لا يلزم من ذلك كونه مبطلًا للصلاة؛ لأنّ النهي إنّما يفسد العبادة إذا توجّه إليها أو إلى جزء منها أو شرط لها، و هو هنا إنّما توجّه إلى أمر خارج عن العبادة؛ فلا يقتضي فسادها (مدارك الأحكام 3: 373.). و أجاب صاحب «الجواهر» عن الخدشة المذكورة بأنّ هذه النواهي تنحلّ إلى النهي عن الصلاة أو جزئها مقارنة لهذا المنهي عنه (جواهر الكلام 10: 5.). و يمكن أن يجاب عنها بأنّه سلّمنا كون النهي في الأخبار المذكورة ظاهراً في نفي المشروعية، و لكن الإجماع المدّعى في كلام جماعة قائم على البطلان. و قال الحائري رحمه الله في «صلاته» في مقام الجواب عن الخدشة: اللهمّ إلّا أن يقال بعد تحقّق عنوان التشريع به إنّه داخل في مصداق الماحي؛ لأنّه قول محرّم، و قد مضى في بعض الأبحاث السابقة أنّه لا يبعد كون القول المحرّم إذا اتي به في أثناء الصلاة ماحياً للهيئة الصلاتية في أذهان المتشرّعة كالوثبة و السكوت الطويل، و منها يمكن القول بالإبطال في الدعاء لطلب الحرام؛ فإنّ طلب المحرّم من المولى يعدّ قبيحاً عند العقلاء؛ فلا يبعد كونه داخلًا في عنوان الماحي (الصلاة، المحقّق الحائري: 308.)، انتهى. و قد يستدلّ على البطلان أيضاً بأنّ قول «آمين» من كلام الآدميين، و عمده مبطل. و في «الخلاف»: و روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «أنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شي ء من كلام الآدميين» و قول «آمين» من كلام الآدميين (الخلاف 1: 334، المسألة 84.). و في «كشف اللثام»: و هو- أي كلام «الخلاف»- مبني على أنّه ليس دعاءً كما هو المشهور المروي عن النبي صلى الله عليه و آله، و مرفوعاً في «معاني الأخبار» عن الصادق عليه السلام، و إنّما هو كلمة يقال أو يكتب للختم، كما روي أنّها خاتم ربّ العالمين، و قيل: إنّها تختم بها براءة أهل الجنّة و براءة أهل النار و إن كان من أسماء اللّٰه تعالى، كما أرسل في «معاني الأخبار» عن الصادق عليه السلام، أو على أنّه لما نهي عنه كان من كلام الآدميين الخارج عن المشروع و إن كان دعاءً أو ذكراً، و بناه ابن شهرآشوب على أنّه ليس قرآناً و لا دعاءً أو تسبيحاً مستقلًاّ، قال: و لو ادّعوا أنّه من أسماء اللّٰه تعالى لوجدنا في أسمائه و لقلنا: «يا آمين»، و في «التحرير»: أنّه ليس قرآناً و لا دعاءً، بل اسم للدعاء و الاسم غير المسمّى، و هو مبني على أنّ أسماء الأفعال أسماء لألفاظها، و التحقيق خلافها (كشف اللثام 4: 16.)، انتهى كلام «كشف اللثام». لو سلّمنا كون «آمين» اسم فعل و معناه معنى «استجب» أو «اللهمّ استجب» لا أنّهما معنيان للفظ «آمين»، أمكن أن يقال بالبطلان أيضاً؛ لأنّ المعروف عند العرف ورود قول «آمين» بعد الدعاء، و المفروض وروده بعد قراءة القرآن؛ فلا يكون دعاءً حقيقة. و في «الجواهر»: و دعوى كونها ذكراً يمكن منعها بظهور غير ذلك منه عرفاً (جواهر الكلام 10: 7.)، انتهى. ثمّ إنّه قد قيّد في كلام كثير من فقهائنا حرمة «آمين» بكونه بعد الحمد، كما صرّح به في بعض الروايات المتقدّمة. و التحقيق أن يقال: إنّ الدليل على الحرمة و البطلان إن كان هو الأخبار فالحرمة و البطلان يقيّد بوقوعه بعد الحمد؛ و لذا أفتى جماعة بجوازه بقصد الدعاء فيما إذا وقع في سائر المواقع من الصلاة، قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: و لا بأس به في غير المقام المزبور بقصد الدعاء (العروة الوثقى 1: 720.). و إن كان الدليل عليه كونه من كلام الآدميين فلا وجه لتقييده به؛ و لذا قال العلّامة في «التحرير»: قول «آمين» حرام تبطل به الصلاة؛ سواء جهر بها أو أسرّ، في آخر الحمد أو قبلها، إماماً كان أو مأموماً، و على كلّ حال، و إجماع الإمامية عليه؛ للنقل عن أهل البيت عليهم السلام (تحرير الأحكام 1: 249.)، انتهى. و الشيخ في «الخلاف» بعد دعوى الإجماع على حرمة قول «آمين» قال: سواء كان ذلك سرّاً أو جهراً، في آخر الحمد أو قبلها، للإمام و المأموم على كلّ حال (الخلاف 1: 332، المسألة 84.)، انتهى. و يقرب من هذا كلامه في «المبسوط». و أمّا تخصيص الحرمة و البطلان بخصوص المنفرد دون الجماعة- كما في «المعتبر»- فلا وجه له إلّا الجمع بين الأخبار، و قد مرّ الكلام فيه.

ص: 82

ص: 83

ص: 84

ص: 85

ص: 86

ص: 87

عاشرها: الشكّ في عدد غير الرباعيّة من الفرائض، و الاوليين منها؛

على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى (1).

حادي عشرها: زيادة جزء أو نقصانه مطلقاً إن كان ركناً، و عمداً إن كان غيره.
اشارة

حادي عشرها: زيادة جزء أو نقصانه مطلقاً إن كان ركناً، و عمداً إن كان غيره (2).


1- سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- في مبحث «الشكّ في عدد ركعات الفريضة» تفصيل البحث في الشكوك الموجبة لبطلان الصلاة.
2- سيأتي البحث فيه في مبحث «الخلل الواقع في الصلاة».

ص: 88

(مسألة 11): يُكره في الصلاة- مضافاً إلى ما سمعته سابقاً- نفخُ موضع السجود

إن لم يحدث منه حرفان، و إلّا فالأحوط الاجتناب عنه، و التأوّه و الأنين و البصاق بالشرط المذكور و الاحتياط المتقدّم، و العَبَث و فرقعة الأصابع و التمطّي و التثاؤب الاختياري، و مدافعة البول و الغائط ما لم تصل إلى حدّ الضرر، و إلّا فيجتنب و إن كانت الصلاة صحيحة مع ذلك (1).


1- قد تقدّم من المصنّف رحمه الله في ضمن بعض المباحث المتقدّمة ذكر بعض ما يوجب كراهة الصلاة؛ كقراءة أزيد من سورة واحدة في ركعة من الفريضة و الإقعاء في التشهّد و الالتفات يميناً و شمالًا بالوجه إذا كان يسيراً مع بقاء البدن مستقبلًا. و ذكر رحمه الله في المسألة العشرين من مسائل «مكان المصلّي» جملة من أسباب الكراهة، فراجع. و الأخبار في نفخ موضع السجود مختلفة: بعضها يدلّ على المنع كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته؟ فقال: «لا» (وسائل الشيعة 6: 350، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 1.) . و رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث «المناهي» قال: «و نهى أن ينفخ في طعام أو شراب و أن ينفخ في موضع السجود» (وسائل الشيعة 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 5.). و بعضها يدلّ على الجواز، كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالنفخ في الصلاة في موضع السجود ما لم يؤذ أحداً» (وسائل الشيعة 6: 350، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 2.) . و مرسل إسحاق بن عمّار عن رجل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المكان يكون عليه الغبار أ فأنفخه إذا أردت السجود؟ فقال: «لا بأس» (وسائل الشيعة 6: 350، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 3.) . و مرسل الصدوق قال: و روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إنّما يكره ذلك خشية أن يؤذي من إلى جانبه» (وسائل الشيعة 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 4.) . و صحيح أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يصلّي فينفخ في موضع جبهته، قال: «ليس به بأس، إنّما يكره ذلك أن يؤذي من إلى جانبه» (وسائل الشيعة 6: 351، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 7، الحديث 6.). و مقتضى الجمع بين الأخبار الكراهة، و تشتدّ الكراهة مع الإيذاء إلى من بجانبه. و الروايات المجوّزة لنفخ موضع السجود و إن كانت مطلقة شاملة لما يتولّد منه حرفان، و لكنّها تقيّد بالدليل الدالّ على بطلان الصلاة بالكلام الصادق على حرفين فصاعداً. و أمّا التأوّه و الأنين: فقد أفتى جماعة بالكراهة، و لعلّه لكونهما قريبين من الكلام. و في رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنّه قال: «مَن أنّ في صلاته فقد تكلّم» (وسائل الشيعة 7: 281، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 25، الحديث 4.) ، و الرواية محمولة على الكراهة. و أمّا البصاق: فقد ورد النهي عنه المحمول على الكراهة إجماعاً؛ ففي صحيح حمّاد و أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا تبزق عن يمينك و لا (عن) يسارك و لا بين يديك» (وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1 و 9.). و أمّا العبث و فرقعة الأصابع و التمطّي و التثاءب: فقد ورد النهي عنها في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تعبث فيها بيديك و لا برأسك و لا بلحيتك، و لا تحدّث نفسك، و لا تتثاءب و لا تتمطّ» (وسائل الشيعة 5: 463، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) و أمّا مدافعة البول و الغائط: فقد ورد النهي عنها المحمول على الكراهة إجماعاً، كما في مرسل أحمد بن محمّد المرفوع إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: ثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة: العبد الآبق حتّى يرجع إلى سيّده، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و تارك الوضوء، و الجارية المدركة تصلّي بغير خمار، و إمام قوم يصلّي بهم و هم له كارهون، و الزبين، فقيل: يا رسول اللّٰه و ما الزبين؟ قال: الرجل يدافع البول و الغائط، و السكران، فهؤلاء الثمانية لا يقبل اللّٰه لهم صلاة» (وسائل الشيعة 7: 252، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 8، الحديث 6.) و غيره من روايات الباب.

ص: 89

ص: 90

(مسألة 12): لا يجوز قطع الفريضة اختياراً.

و تُقطع للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به و نحو ذلك. بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال، لكن لو عصى فلم يقطعها أَثِم و صحّت صلاته، و الأحوط عدم جواز قطع النافلة أيضاً اختياراً، و إن كان الأقوى جوازه (1).


1- حرمة قطع الفريضة اختياراً ممّا لا خلاف فيه، كما في كلام جماعة من فقهائنا، و في «كشف اللثام»: الظاهر الاتّفاق (كشف اللثام 4: 184.)، و في المحكي عن «شرح المفاتيح»: أنّه من بديهيات الدين (مصابيح الظلام 8: 498.). و استدلّ عليه بقوله تعالى: «وَ لٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ» (محمّد (47): 33.). و بنصوص التحريم و التحليل: «تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم» (وسائل الشيعة 6: 415، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 1 و 8.) الظاهرة في حرمة المنافيات للصلاة إلى حصول المحلّل؛ و هو التسليم. و بصحيح زرارة و أبي بصير قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه، قال: «يعيد»، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ، قال: «يمضي في شكّه»، ثمّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود، فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ»، قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع؛ فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم» (وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.). و بالأخبار الواردة في الرعاف المتضمّنة للأمر بالإتمام و النهي عن قطعها، كصحيح عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلّى بعض صلاته، فقال: «إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت، و ليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتّى يلتفت فليعد الصلاة» قال: «و القيئ مثل ذلك» (وسائل الشيعة 7: 238، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيبه الرعاف و هو في الصلاة، فقال: «إن قدر على ماء عنده يميناً و شمالًا أو بين يديه و هو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثمّ ليصلّ ما بقي من صلاته، و إن لم يقدر على ماء حتّى ينصرف بوجهه أو يتكلّم فقد قطع صلاته» (وسائل الشيعة 7: 239، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 6.) و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرعاف أ ينقض الوضوء؟ قال: «لو أنّ رجلًا رعف في صلاته و كان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فقال (فمال) برأسه فغسله، فليبن على صلاته و لا يقطعها» (وسائل الشيعة 7: 241، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 2، الحديث 11.). و بالأخبار الواردة عن فعل المنافي في أثناء الصلاة، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يلتفت في صلاته؟ قال: «لا، و لا ينقض أصابعه» (وسائل الشيعة 7: 244، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 3، الحديث 1.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال له: «استقبل القبلة بوجهك، و لا تقلّب بوجهك عن القبلة فتفسد صلاتك ...» (وسائل الشيعة 4: 312، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 9، الحديث 3.) الحديث. و بمفهوم صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق أو غريماً لك عليه مال أو حيّة تتخوّفها على نفسك، فاقطع الصلاة و اتبع غلامك أو غريمك و اقتل الحيّة» (وسائل الشيعة 7: 276، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 1.). و كذا مفهوم موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يكون قائماً في الصلاة الفريضة فينسي كيسه أو متاعاً يتخوّف ضيعته أو هلاكه، قال: «يقطع صلاته و يحرز متاعه ثمّ يستقبل الصلاة»، قلت: فيكون في الفريضة فتغلب عليه دابّة أو تغلب دابّته فيخاف أن تذهب أو يصيب فيها عنت، فقال: «لا بأس بأن يقطع صلاته و يتحرّز و يعود إلى صلاته» (وسائل الشيعة 7: 277، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 2.) . وجه الاستدلال بهذا الصحيح و الموثّق: أنّ جواز القطع فيهما منوط على خوف الضرر على النفس أو تلف المال، و في الحقيقة الحكم دائرٌ مدار العلّة، و ينتفي عند انتفائها. و الجواب عن الاستدلال بالآية: أنّها مجملة؛ لاحتمال أن يكون المراد الإبطال بالكفر و الارتداد، كما يشهده سياق الآية و قبلها، و أنّه لو كان المراد منها قطع جميع الأعمال في أثنائها- كما هو مقتضى دلالة الجمع المعرَّف- لزم منه التخصيص المستهجن؛ لأنّ الخارج منه أكثر من الباقي. و الجواب عن نصوص التحريم و التحليل: أنّها محمولة على التحريم و التحليل الوضعيين؛ فتشمل الفريضة و النافلة. و لو كان المراد منهما تكليفيين لزم تخصيص النصوص بالفريضة؛ لجواز قطع النافلة في أثنائها. و عن صحيح زرارة و أبي بصير: أنّه لا دلالة فيه على كون المنهي عنه خصوص قطع الواجبة. و في «الجواهر»: أنّه إنّما يدلّ على عدم إطماع الشيطان في الطاعة و الانقياد لإرادته من نقض الصلاة الذي لا يتفاوت فيه بين كونه محرّماً أو جائزاً؛ فإنّ مراده عدم إتمام المصلّي ما اشتغل فيه من الصلاة (جواهر الكلام 11: 124.)، انتهى. و عن الأخبار الواردة في الرعاف أنّها ظاهرة في الإرشاد إلى أنّه لا تنقطع الصلاة بالرعاف، و أنّ من تمكّن من غسل الرعاف إن غَسله و بنى على صلاته صحّت و لا يجب استئنافها. و في «الجواهر»: و ليس المراد منه الوجوب لحرمة القطع (جواهر الكلام 11: 125.)، انتهى. و عن الأخبار الواردة في المنع عن فعل المنافي في أثناء الصلاة، فقد أجاب عنها في «الجواهر»: بأنّ جميع النواهي عن المنافيات- كالكلام و نحوه- لا يراد منها إلّا بيان المانعية و بطلان الصلاة بها و حرمة الاجتزاء بالصلاة المشتملة على شي ء منها، لا أنّ المراد منها حرمة القطع للفريضة (نفس المصدر.)، انتهى. و عن صحيح حريز و موثّق سماعة: أنّهما قد وردا في جواز قطع الصلاة لأجل ما يترتّب عليه من المصالح الدنيوية، و الحديثان ليسا في صدد تشريع حرمة القطع في غيرها؛ فلا مفهوم لهما. ثمّ إنّه يجوز قطع الصلاة للخوف على نفسه أو نفس محترمة أو عرضه أو ماله المعتدّ به أو نحو ذلك، بل قد يجب القطع في بعض تلك الأحوال، كما إذا توقّف حفظ نفسه أو نفس محترمة أو مال يتوقّف عليه حفظ نفسه أو عرضه عليه. و يدلّ عليه صحيح حريز و موثّق سماعة المتقدّمين، هذا إذا توقّف حفظها على قطع الصلاة. و لا يجوز قطعها إذا حصل دفع ما يتخوّف منه بفعل قليل غير ماحٍ للصورة الصلاتية. و قد يستحبّ قطعها لاستدراك الأذان و الإقامة، و مثّل بعض فقهائنا لاستحباب القطع بقطعها لاستدراك الجمعة و المنافقين في الظهر و الجمعة. و فيه: أنّه ليس من قبيل قطع الصلاة، بل هو من قبيل العدول من سورة شرعها إلى سورة الجمعة و المنافقين. و قد يكره القطع، كما في إحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته. و قد يباح، كما في دفع الضرر المالي الذي لا يضرّه تلفه. و لا يبعد في الأخير أن يكون مكروهاً. و لو عصى فيما وجب له قطع الصلاة و لم يقطع و استمرّ بها صحّت؛ لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ، و لكون النهي عنه عرضياً ليس ناشئاً عن مفسدة في متعلّقه. بقي الكلام في جواز قطع النافلة اختياراً و عدمه، مقتضى إطلاق كلام جماعة من فقهائنا بل أكثرهم- كما في «الرياض»- هو عدم الجواز؛ ففي «الشرائع»: لا يجوز قطع الصلاة اختياراً (شرائع الإسلام 1: 82.). و التحقيق: أنّه إن كان الدليل على حرمة القطع هي الآية و الأخبار المذكورتين فلا تبعد دعوى إطلاقهما، و إن كان الدليل هو الإجماع فالمتّجه الاقتصار على المتيقّن. و يمكن حمل المطلقات على خصوص الصلاة الواجبة. و في «الجواهر»: كما أنّه يمكن دعوى انسياق اليومية (جواهر الكلام 11: 126.). و يشهد على هذا الحمل تقييد الصلاة بالفريضة في صحيح حريز و موثّق سماعة المتقدّمين. و صاحب «الرياض» بعد نسبة القول بالاختصاص بالفريضة إلى العلّامة و الشهيد الثاني و غيرهما قال: لمفهوم بعض الصحاح المتقدّمة؛ و خصوصاً ما مرّ من المعتبرة في بحث الالتفات عن القبلة، و هو غير بعيد؛ لاعتبار هذه الأدلّة؛ فتصلح أن تكون للإطلاقات مقيّدة، نعم يكره لشبهة الخلاف الناشئ عن الإطلاق (رياض المسائل 3: 518.)، انتهى.

ص: 91

ص: 92

ص: 93

ص: 94

ص: 95

ص: 96

ص: 97

القول في صلاة الآيات

(مسألة 1): سبب هذه الصلاة كسوف الشمس و خسوف القمر و لو بعضهما،

و الزلزلة و كلّ آية مخوّفة عند غالب الناس؛ سماويّة كانت، كالريح السوداء أو الحمراء أو الصفراء غير المعتادة، و الظلمة الشديدة و الصيحة و الهدّة، و النار التي قد تظهر في السماء، و غير ذلك، أو أرضيّة- على الأحوط فيها- كالخسف و نحوه، و لا عبرة بغير المخوّف و لا بخوف النادر من الناس.

نعم لا يعتبر الخوف في الكسوفين و الزلزلة، فيجب الصلاة فيها مطلقاً (1).


1- وجوب صلاة الآيات إجماعي، بل من الضروريات. و سببية كسوف الشمس و خسوف القمر لوجوب صلاة الآيات إجماعي. و يدلّ عليه الأخبار، و قد قام الإجماع على سببية بعضهما له، و هو مقتضى إطلاق الأخبار. و كذا قام الإجماع على سببية الزلزلة لوجوبها و إن لم يحصل بها خوف. و يدلّ عليه خبر سليمان الديلمي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزلزلة ما هي؟ فقال: «آية»، ثمّ ذكر سببها ... إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: «صلّ صلاة الكسوف»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف، الباب 2، الحديث 3.) ، و ضعفه منجبر بعمل الأصحاب. و يظهر من بعض الأخبار الفزع إلى المساجد عند الزلزلة، و هو أعمّ من الصلاة، و ليس واجباً بل هو مندوب كما في خبر محمّد بن عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «إنّ الزلازل و الكسوفين و الرياح الهائلة من علامات الساعة؛ فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكّروا قيام الساعة و أفزعوا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) و يمكن أن يقال: المراد من الفزع إلى المساجد الصلاة، و يشهده ما رواه المفيد رحمه الله في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد، و لكنّهما آيتان من آيات اللَّه؛ فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) و أمّا سببية الآيات المخوّفة السماوية، فيدلّ عليها التعليل في صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت للكسوف صلاة لأنّه من آيات اللَّه، لا يدرى أ لرحمةٍ ظهرت أم لعذابٍ، فأحبّ النبي صلى الله عليه و آله أن تفزع امّته إلى خالقها و راحمها عند ذلك ليصرف عنهم شرّها و يقيهم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس عليه السلام حين تضرّعوا إلى اللَّه عزّ و جلّ»(وسائل الشيعة 7: 483، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 1، الحديث 3.) وجه الدلالة: أنّ عموم التعليل: «لأنّه من آيات اللَّه» يشمل كلّ آية. و يستفاد من سياق الرواية كون الآية مخوّفة؛ إذ من المعلوم أنّ فزع الامّة إلى خالقها و راحمها لصَرف الشرّ عنهم و حفظهم عن المكروه لا يكون إلّا في موارد الخوف. و يمكن أن يستدلّ أيضاً بصحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح و الظلَم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح بريد بن معاوية و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ما لم تتخوّف أن يذهب وقت الفريضة، فإن تخوّفت فابدأ بالفريضة و اقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت و احتسب بما مضى»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.) و رواية المفيد في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام المتقدّمة. و ما رواه في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «يصلّى في الرجفة و الزلزلة و الريح العظيمة و الآية تحدث و ما كان مثل ذلك، كما يصلّى في صلاة الكسوف للشمس و القمر سواء»(دعائم الإسلام 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 165، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 2.) و يظهر من بعض فقهائنا استحباب صلاة الآيات في غير الكسوفين و الزلزلة من أخاويف السماء. و المحقّق في «الشرائع» بعد ذكر الكسوفين و الزلزلة، قال: و هل تجب لما عدا ذلك؛ من ريح مظلمة و غيرها من أخاويف السماء؟ قيل: نعم و هو المروي، و قيل: لا بل يستحبّ، و قيل: تجب للريح المخوّفة و الظلمة الشديدة حسب(شرائع الإسلام 1: 92.) ، انتهى. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد تقوية القول بالتعميم و نسبته إلى المشهور و نقل إجماع «الخلاف» عليه، قال: بل مقتضى كثير من الفتاوى و ما سمعته من الأدلّة عدم الفرق بين أخاويف السماء و غيرها كالخسف و نحوه(جواهر الكلام 11: 407.) و أمّا سببية الآيات الأرضية كالخسف و نحوه فيمكن استفادتها من عموم التعليل في صحيحة الفضل بن شاذان و خبر عمارة و غيرهما من الروايات المتقدّمة، حيث إنّ مدار الصلاة على حدوث آية من آيات اللَّه الموجبة للخوف و الرعب لا مطلق الآية؛ ضرورة عدم وجوب الصلاة في غير المخوّفة من الآيات. و العلّامة الطباطبائي في «منظومته» بعد التمثيل على المخوّف بعاصف من الرياح و ظلمة شديدة و صاعقة و صيحة و هدّة و نار تظهر في السماء أو اوار، قال: و نحو ذاك من أخاويف السماءكما من النصّ الصحيح علما و ما يعدّ آية في العرف منها و لو في الأرض مثل الخسف و مقتضى العموم في الروايةفرض الصلاة عند كلّ آية(الدرّة النجفية: 175.) و قال «شارح المنظومة» في تقريب ما ذكره الناظم: أنّ تعليل وجوب صلاة الكسوف بكونه من الآيات صريح أو كالصريح في أنّ المقتضى للوجوب الآيية حيثما وجدت، و العلّة المنصوصة حجّة، انتهى. و استشكل صاحب «الجواهر» رحمه الله على الناظم بقوله: لم أعرف القائل بالثاني و إن حكاه في «المفاتيح» أيضاً(جواهر الكلام 11: 407.) ، انتهى. مراده من الثاني ما يعدّ آية في العرف. ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار اشتراط الخوف في الآية الموجبة لصلاة الآيات في غير الكسوفين و الزلزلة؛ فلا عبرة بغير المخوّف من الآيات، و مقتضى الأصل عدم الوجوب. و أمّا الكسوفان و الزلزلة فهي موجبة للصلاة و إن لم يحصل منها خوف؛ و ذلك للإطلاق في النصوص و معاقد الإجماع. و المراد من الخوف خوف غالب الناس، و لا اعتبار بخوف النادر؛ لانصراف الإطلاقات إلى ما لا يشمل النادر.

ص: 98

ص: 99

ص: 100

ص: 101

(مسألة 2): الظاهر أنّ المدار في كسوف النيّرين صدق اسمه؛

و إن لم يستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض و القمر، فيكفي انكسافهما ببعض الكواكب الاخر أو بسبب آخر. نعم لو كان قليلًا جدّاً؛ بحيث لا يظهر للحواسّ المتعارفة؛ و إن أدركه بعض الحواسّ الخارقة، أو يدرك بواسطة بعض الآلات المصنوعة، فالظاهر عدم الاعتبار به و إن كان مستنداً إلى أحد سببيه المتعارفين، و كذا لا اعتبار به لو كان سريع الزوال، كمرور بعض الأحجار الجوّية عن مقابلهما؛ بحيث ينطمس نورهما عن البصر و زال بسرعة (1).


1- اختلف فقهاؤنا في أنّ الموجب للصلاة هل هو خصوص كسوف النيّرين، أو يعمّ كسف بعض الكواكب بعضاً؟ و في أنّ المراد من كسوف النيّرين كسوفهما المستند إلى سببيه المتعارفين من حيلولة الأرض و القمر أو مطلقاً؛ أي و لو كان ببعض الكواكب الاخر، أو بسبب آخر؟ قال العلّامة في «التذكرة»: هل تجب هذه الصلاة في كسف بعض الكواكب بعضاً أو في كسف أحد النيّرين بأحد الكواكب، كما قال بعضهم: إنّه شاهد الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها؟ إشكال ينشأ من عدم التنصيص و خفائه؛ إذ الحسّ لا يدلّ عليه و إنّما يستفاد من المنجّمين الذين لا يوثق بهم، و من كونه آية مخوفة فيشارك النيّرين في الحكم، و الأوّل أقوى(تذكرة الفقهاء 4: 195.) ، انتهى. و في «الجواهر»: فالمدار في الوجوب تحقّق المصداق المزبور- أي مصداق الكسوف- من غير مدخلية لسببه من حيلولة الأرض أو بعض الكواكب أو غيرها؛ لإطلاق النصوص و الفتاوى، و عدم مدخلية شي ء من ذلك في المفهوم لغةً و عرفاً و شرعاً. نعم قد يتوقّف في غير المنساق منه عرفاً كانكساف الشمس ببعض الكواكب الذي لم يظهر إلّا لبعض الناس؛ لضعف الانطماس فيه؛ فالاصول حينئذٍ بحالها. فما في «كشف اللثام» من أنّه لا إشكال في وجوب الصلاة لهما و إن كان لحيلولة بعض الكواكب، جيّد إن كان الحاصل و المتعارف ممّا يتحقّق به صدق اسم الانكساف عرفاً(جواهر الكلام 11: 401.) ، انتهى كلام «الجواهر». و المختار عندنا- وفاقاً لجماعة من فقهائنا- إناطة الحكم بكسوف خصوص النيّرين اللذين ورد بهما النصّ مطلقاً- أي و لو كان سببه غير حيلولة الأرض و القمر من بعض الكواكب أو سبب آخر- فلا اعتبار بكسوف غير النيّرين من الكواكب إلّا أن يكون آية مخوّفة. و لو كان انكساف النيّرين قليلًا جدّاً بحيث لا يظهر للحواسّ المتعارفة و إن أدركه بعض الحواسّ الخارقة أو يدرك ببعض الآلات المصنوعة، فالظاهر عدم الاعتبار به و إن كان مستنداً إلى أحد سببيه المتعارفين؛ و ذلك لإناطته في النصّ بالرؤية المحمولة على المتعارفة لمتعارف غالب الناس، كما في مرسل المفيد في «المقنعة» قال: روي عن الصادقين عليهما السلام: «إنّ اللَّه إذا أراد تخويف عباده و تجديد زجره لخلقه كسف الشمس و خسف القمر، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى اللَّه بالصلاة»(المقنعة: 208، وسائل الشيعة 7: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 1، الحديث 5.) و مرسله الآخر عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد، و لكنّهما آيتان من آيات اللَّه؛ فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) . و خبر عمارة عن أبيه عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: «إنّ الزلازل و الكسوفين و الرياح الهائلة من علامات الساعة؛ فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكّروا قيام الساعة و افزعوا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) و كذا لا اعتبار بانطماس نور النيّرين بسبب مرور بعض الأحجار الجوّية عن مقابلهما بحيث ينطمس نورهما عن البصر و زال بسرعة؛ و ذلك للشكّ في صدق اسم الكسوف، و مقتضى الأصل البراءة.

ص: 102

ص: 103

ص: 104

(مسألة 3): وقت أداء صلاة الكسوفين من حين الشروع إلى الشروع في الانجلاء،
اشارة

و لا يُترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء، و لو أخّر عنه أتى بها لا بنية الأداء و القضاء بل بنيّة القُربة المطلقة (1).


1- لا خلاف في أنّ ابتداء وقت صلاة الكسوف من حين الشروع في الكسوف، و إنّما الخلاف في انتهائه؛ فقال جماعة من المتقدّمين و أكثر المتأخّرين و متأخّريهم: إنّه حين انتهاء انجلائه. و نسب إلى جلّ السلف أنّه حين الشروع في الانجلاء، و اختاره المصنّف رحمه الله و هو منسوب إلى المشهور، بل في «التذكرة» نسبته إلى علمائنا مشعراً بدعوى الإجماع عليه. و استدلّ للقول الأوّل بأصالة البراءة من وجوب المبادرة قبل الشروع في الانجلاء، و بإطلاق بعض النصوص الدالّ على وجوب الصلاة بالكسوف و فعلها حين الكسوف، كصحيح جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت صلاة الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس و عند غروبها»(وسائل الشيعة 7: 488، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 2.) ، حيث إنّه يصدق الكسوف ما دام لم يتمّ الانجلاء. و بصحيح الرهط- و هم الفضيل و زرارة و بريد و محمّد بن مسلم- عن كليهما عليهما السلام، و منهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام ... إلى أن قال: قال: «صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها»(وسائل الشيعة 7: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 4.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «إن صلّيت صلاة الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر فتطوّل في صلاتك؛ فإنّ ذلك أفضل»(وسائل الشيعة 7: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 5.) . و صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 8، الحديث 1.) . و ما رواه في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه سئل عن الكسوف و الرجل نائم أو لم يدرِ به أو اشتغل عن الصلاة في وقته، هل عليه أن يقضيها؟ قال: «لا قضاء في ذلك، و إنّما الصلاة في وقته؛ فإذا انجلى لم تكن صلاة»(دعائم الإسلام 1: 202، مستدرك الوسائل 6: 174، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الآيات، الباب 9، الحديث 2.) و استدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله على هذا القول بصحيح محمّد بن مسلم و زرارة قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 1.) و قال رحمه الله: المراد منه- على الظاهر- بيان مشروعية الصلاة من ابتداء حصول الآية حتّى تسكن، نحو قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»(الإسراء( 17): 78.) ؛ للقطع بعدم وجوب التطويل و التكرار؛ فليس الغاية إلّا بالنسبة إلى ذلك. و لو اريد من «حتّى» فيه التعليل كان وجه الدلالة فيه: أنّه إذا كان العلّة فيه السكون فقبل حصوله تشرع الصلاة؛ لوجود علّتها، بل منه ينقدح الاستدلال بالتعليل في النصوص السابقة(جواهر الكلام 11: 410.) و اورد على الاستدلال المذكور: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل في المسألة. و أنّ صحيح جميل لا إطلاق له؛ لعدم وروده في مقام بيان آخر وقت صلاة الكسوف، و إنّما ورد في مقام بيان نفي كراهة صلاة الكسوف عند طلوع الشمس و عند غروبها، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّه على فرض الإطلاق فيه يقيّد بصحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكروا انكساف القمر و ما يلقي الناس من شدّته، قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى»(وسائل الشيعة 7: 488، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 3.) و أنّ صحيح الرهط و موثّق عمّار غاية مدلولهما جواز إطالة الصلاة إلى كمال انجلاء كسوفهما و عدم وجوب الفراغ منها قبل الشروع في الانجلاء. و أمّا جواز التأخير في الصلاة إلى حين الشروع في الانجلاء أو ما بعده إلى كمال الانجلاء و وجوب الفعل لو علم به حينئذٍ فلا يدلّان عليه. و أنّ صحيح معاوية بن عمّار و رواية «دعائم الإسلام» يحتمل أن يكون المراد من الانجلاء فيهما هو الشروع فيه تنزيلًا له منزلة الانجلاء التامّ، كما صرّح به في صحيح حمّاد المتقدّم: «إذا انجلى منه شي ء فقد انجلى». و أمّا استدلال صاحب «الجواهر» رحمه الله على القول الأوّل بصحيح محمّد بن مسلم و زرارة، فيرد عليه أوّلًا: أنّا نسلّم مشروعية الصلاة من ابتداء حصول الآية إلى انتهاء الغاية، و لكن هذا مختصّ بخصوص الآيات السماوية المخوّفة، لا مطلقاً حتّى الكسوفين. و المراد من الصحيح ظاهراً أمران: أحدهما: أنّ صلاة الآيات في أخاويف السماء واجبة و كيفيتها نحو صلاة الكسوف، ثانيهما: أنّ انتهاء وقتها سكون الآيات. و ثانياً: أنّ الكسوف بما أنّه كسوف موجب للصلاة، لا بما أنّه آية مخوّفة كي يستدلّ ببقاء الآية على بقاء وقت صلاتها. و استدلّ للقول الآخر بأنّ الأحوط في كون صلاته أداءً وقوعها إلى حين الشروع في الانجلاء، و بأنّ الغرض من الصلاة عند الكسوف ردّ النور، و هو حاصل بالأخذ في الانجلاء، و بصحيح حمّاد المتقدّم حيث إنّه كما ينقضي الوقت بإتمام الانجلاء كذا ينقضي بانجلاء شي ء من الكسوف. و أورد عليه صاحب «الجواهر»: أنّ الاحتياط المذكور معارض بمثله. و فيه: أنّ الاحتياط المعارض لا وجه له أصلًا، بل مخالف للاحتياط؛ إذ في تأخير الصلاة عن الأخذ في الانجلاء احتمال تأخيرها عمداً عن وقتها في الواقع. و أمّا كون الغرض من الصلاة ردّ النور، فيمكن أن يدّعى أنّها لردّ تمام النور لا مجرّد الأخذ في الانجلاء، كذا في «الجواهر». و يرد على الاستدلال و الجواب: أنّ كلًاّ منهما ادّعاء بلا دليل. و أجاب في «الجواهر» عن الاستدلال بصحيح حمّاد بأنّه لا صراحة، بل و لا ظهور في إرادة تنزيل انجلاء البعض منزلة الكلّ في سقوط الصلاة و عدم مشروعيتها؛ خصوصاً و الذي كان يتذاكرون فيه غير الصلاة من الشدّة، لا السقوط الذي لم يعرف في النصوص ترتّبه على الانجلاء، و أنّه من أحكامه؛ كي ينساق من إطلاق المنزلة شموله(جواهر الكلام 11: 411.) ، انتهى. و فيه: أنّ قوله عليه السلام: «فإذا انجلى منه شي ء فقد انجلى» صريح في أنّ مجرّد الشروع الانجلاء و صرف وجوده انجلاء و منزّل منزلة كمال الانجلاء في سقوط الصلاة و عدم مشروعيتها أداءً، لا مطلقاً. و تظهر ثمرة القولين في موارد: منها: نية الأداء و القضاء بناءً على وجوبهما في العبادات الموقّتة؛ فبناءً على القول الأوّل تجب نية الأداء بعد الشروع في الانجلاء و قبل تمامه، و على القول الآخر تجب نية القضاء. و منها: أنّه بناءً على القول الأوّل لا يسقط التكليف عمّن علم بالكسوف حال الأخذ في الانجلاء فيما لم يحترق تمام القرص مع التمكّن من إتيان الصلاة بركعتيها، و مع عدم إتيانها في ذلك الوقت وجب عليه القضاء. و على القول الآخر يسقط التكليف عنه أداءً و كذا قضاءً بناءً على عدم وجوب القضاء على الجاهل حتّى يخرج الوقت. و منها: أنّه بناءً على القول الأوّل يثبت التكليف بالصلاة فيما وسع الوقت من حين الكسوف إلى تمام الانجلاء و إن لم يسع إلى حين الأخذ في الانجلاء، و على القول الآخر يسقط التكليف عنه؛ لامتناع التكليف بفعل في وقت يقصر عنه. و المختار عندنا: أنّ المتيقّن من آخر وقتها أداءً هو الأخذ في الانجلاء؛ لصدق الانجلاء بمجرّد الأخذ فيه و إن لم يتمّ، و هو الأحوط. و نسبه جماعة إلى المشهور عند القدماء، و لا يترك الاحتياط بالمبادرة إليها قبل الأخذ في الانجلاء؛ لما ذكر. و لو أخّر عنه أتى بها قبل تمام الانجلاء بقصد القربة المطلقة، لا بنية الأداء لانقضاء وقته بالأخذ في الانجلاء، و لا القضاء لاحتمال أن يكون آخر وقتها تمام الانجلاء على ما هو المشهور عند المتأخّرين و متأخّريهم. الأوّل: أنّه اختلف فقهاؤنا في وجوب صلاة الآيات في الكسوف الذي لم يتّسع وقته للصلاة المقتصر فيها على أقلّ الواجب؛ فقال جماعة- منهم المحدّث البحراني- بالوجوب. ففي «الحدائق» بعد أن احتمل كون الكسوفين و سائر الآيات من قبيل السبب كالزلزلة فتكون الصلاة حينئذٍ واجبة و إن قصر الوقت، قال: و بالجملة فالظاهر هو الرجوع إلى ما يستفاد من الأخبار الواردة في المقام من هذا المكان و غيره من الأحكام. و لعلّ ظاهر الأخبار- حيث وردت بوجوب الصلاة بالكسوف على الإطلاق، من غير تقييد بقصر المدّة و طولها- مشعر بكون الكسوف سبباً للإيجاب لا وقتاً، و غيره بالطريق الأولى؛ لا سيّما مع اشتراكها معه في إطلاق أخبارها أيضاً. و من تأمّل في مضامين الأخبار التي قدّمناها لا يخفى عليه قوّة ما ذكرناه، مثل قولهما عليهما السلام في صحيحة محمّد بن مسلم و بريد: «إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات فصلّها ...»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.) الحديث، و نحوها غيرها ممّا علّق فيه وجوب الصلاة على مجرّد حصول تلك الآية، من غير تقييد فيها بقصر و لا طول(الحدائق الناضرة 10: 309.) ، انتهى. و يمكن أن يستدلّ أيضاً بفقرة من صحيح زرارة و محمّد بن مسلم الوارد في كيفية صلاة الآيات؛ و هي قوله عليه السلام: «و تطيل القنوت و الركوع على قدر القراءة و الركوع و السجود، فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد (فأعد) و ادع اللَّه حتّى ينجلي، فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) و أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: قد لا يتناول محلّ الفرض الذي حصل فيه الانجلاء أو الأخذ فيه- على القولين- قبل حصول مسمّى الركعة مع الاقتصار على أقلّ المجزي، لا مورد الخبر المزبور المشتمل على جملة من المندوبات كالقنوت و تطويله و نحوهما المنبئ عن سعة الوقت واقعاً لتمام الفعل واقعاً، فضلًا عن الركعة؛ فالمراد حينئذٍ: أنّه لو فعل ذلك معتمداً على الاستصحاب- مثلًا- فانجلى قبل الفراغ أتمّ ما بقي؛ لحصول التكليف الجامع للشرائط- التي منها سعة الوقت واقعاً لأقلّ الواجب(جواهر الكلام 11: 412.) - انتهى. و قال جماعة بعدم الوجوب، كالمحقّق في «الشرائع» و صاحب «المدارك» و صاحب «الجواهر» و غيرهم، و هذا القول هو المختار؛ لما ذكروه من القاعدة المسلّمة؛ و هي امتناع تكليف الحكيم بفعل في وقت يقصر عنه؛ ضرورة كونه من التكليف بالمحال. قال في «المدارك»: وقت الكسوف إذا لم يتّسع لأخفّ الصلاة لم تجب؛ لاستحالة التكليف بعبادة موقّتة في وقت لا يسعها، و مقتضى ذلك أنّ المكلّف لو اتّفق شروعه في الصلاة في ابتداء الوقت و تبيّن ضيقه عنها وجب القطع؛ لانكشاف عدم الوجوب(مدارك الأحكام 4: 130.) ، انتهى. و قال في «الجواهر» مزجاً بالمتن: فإن لم يتّسع الوقت للصلاة المقتصر فيها على أقلّ الواجب لم تجب، بلا خلاف أجده فيه بين من تأخّر عنه، إلّا ممّن ستسمعه- و هو صاحب «الحدائق»- للقاعدة السابقة(جواهر الكلام 11: 412.) الثاني: لو وسع وقت الكسوف بمقدار ركعة فهل تجب صلاة الآيات أو لا؟ قال جماعة بالوجوب تنزيلًا لإدراك ركعة من الوقت منزلة إدراك الوقت. قال العلّامة في «المنتهى»: الخامس- لو تضيّق وقت الكسوف حتّى لا يدرك ركعة لم يجب، و لو أدركها فالوجه الوجوب؛ لأنّ إدراك الركعة بمنزلة إدراك الصلاة(منتهى المطلب 1: 354/ السطر 12.) و قال الأكثر بعدم الوجوب، و هو المختار عندنا؛ للقاعدة السابقة. و أمّا النبوي المشهور: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) و كذا القاعدة المعروفة في الكتب الفقهية من أنّ «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» فموردهما خصوص اليومية فلا يشملان غيرها. و على سبيل التسليم و شمولهما غير اليومية فموردهما الواجب الموسّع، و هو المتبادر من عبارة «من أدرك من الوقت». فإدراك ركعة من الوقت لا يصدق إلّا مع سعة الوقت؛ فيشملان صلاة الكسوف فيما كان وقتها موسّعاً و لكن المكلّف أخّرها بسوء الاختيار أو لعذر إلى أن لم يدرك منه إلّا ركعة، و يجب إتمامها أداءً. و عليه يحمل صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتمّ ما بقي» ، بخلاف ما كان وقته بمقدار ركعة.

ص: 105

ص: 106

ص: 107

ص: 108

ص: 109

هنا فرعان:

ص: 110

ص: 111

ص: 112

و أمّا في الزلزلة و نحوها- ممّا لا تسع وقتها للصلاة غالباً كالهدّة و الصيحة- فهي من ذوات الأسباب لا الأوقات، فتجب حال الآية، فإن عصى فبعدها طول العمر، و الكلّ أداء (1).


1- اختلف فقهاؤنا في غير الزلزلة من الرياح و الأخاويف في أنّها واجبات موقّتة أو أنّها أسباب: المشهور بين القائلين بالوجوب أنّها واجبات موقّتة كالكسوفين فيمتنع تعلّق التكليف بها عند قصور وقتها عن وقت إتيان الركعتين، و إليه ذهب المحقّق في «الشرائع». و عن العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الدروس» و كثير من متأخّري المتأخّرين: أنّها من قبيل الأسباب، و نسب هذا القول إلى أكثر القدماء و أكثر المتأخّرين. و عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام» القول بالتفصيل بين ما يقصر زمانه غالباً عن مقدار الصلاة و بين ما لا يقصر غالباً؛ فجعل الأوّل من قبيل الأسباب و الثاني كالكسوفين من قبيل الواجبات الموقّتة. الظاهر من الأخبار و إن كان اختصاص وجوب الصلاة بحال وجود الآية فتكون من الواجبات الموقّتة، كما في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح و الظلم التي تكون هل يصلّى لها؟ فقال: «كلّ أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصلّ له صلاة الكسوف حتّى يسكن»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 1.) ؛ سواء اريد بقوله عليه السلام: «حتّى يسكن» التوقيت أو التعليل، حيث إنّه بناءً على إرادة التوقيت يكون صريحاً فيه، و كذا لو اريد منه التعليل؛ لأنّ انتفاء العلّة يقتضي انتفاء المعلول؛ ضرورة سقوط مطلوبية الفعل بحصول غايته التي علّل بها. و لكن يمكن أن يقال: إنّ الغاية في الصحيح «حتّى يسكن» من قبيل حكمة التشريع لصلاة الآيات في الأخاويف السماوية لا أنّها علّة غائية؛ للإجماع على ثبوت مشروعية الصلاة مع العلم بعدم السكون أو مع العلم بالسكون و لو لم يصلّ بعد. و ليست هي من قبيل القيد للمادّة؛ للإجماع على عدم وجوب الاستمرار في الصلاة بنحو الإطالة أو التكرار إلى أن يحصل السكون، و لا من قبيل القيد للهيئة؛ للإجماع على سقوط التكليف بالامتثال قبل السكون. و في «المستمسك»: و حمله على أنّه قيد للوقت المقدّر للوجوب أو الصلاة- يعني يجب عليك في وقت محدود بالسكون أن تصلّي، أو يجب عليك أن تصلّي في وقت محدودٍ بالسكون- خلاف الظاهر(مستمسك العروة الوثقى 7: 11.) ، انتهى. و بالجملة: بناءً على الاحتمالات المذكورة في قوله «حتّى يسكن» يكون الصحيح مجملًا غير قابل للتمسّك به في إثبات التوقيت في الآيات المخوّفة؛ فتكون هي من قبيل الأسباب كالزلزلة و الصيحة و الهدّة. نعم تجب المبادرة إلى الإتيان بها بمجرّد حصولها، و نسبه في «الذكرى» إلى الأصحاب(ذكرى الشيعة 4: 204.) في خصوص الزلزلة. و يمكن استفادته من بعض النصوص، كصحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام المتقدّم الصريح في الفزع إلى خالق الآيات و راحمها عند ذلك بالصلاة(وسائل الشيعة 7: 483، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 1، الحديث 3.) و رواية سليمان الديلمي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الزلزلة ما هي؟ فقال: «آية» ثمّ ذكر سببها ... إلى أن قال: قلت: فإذا كان ذلك فما أصنع؟ قال: «صلّ صلاة الكسوف»(وسائل الشيعة 7: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 3.) و في «المستمسك»: فإنّ الظاهر من قوله فيه «فما أصنع» يعني في تلك الساعة لا مدّة العمر(مستمسك العروة الوثقى 7: 11.) ، انتهى. و رواية عمارة عن أبيه عن الصادق عليهما السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) ، حيث إنّ الفزع إلى المساجد علّق على رؤية شي ء من الآيات و حين حصولها لا مدّة العمر. و صحيح بريد و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 5، الحديث 4.) ، حيث إنّه لو لا وجوب المبادرة إلى فعل صلاة الآيات لم يكن وجه لتقديمها على الفريضة مع سعة وقت الفريضة. و كذا تجب المبادرة في الكسوفين لبعض ما ذكر من النصوص، كصحيح بريد و محمّد بن مسلم. و مرسل الصدوق رحمه الله قال: قال النبي صلى الله عليه و آله: «إنّ الشمس و القمر آيتان من آيات اللَّه يجريان بتقديره و ينتهيان إلى أمره، لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد، فإن انكسف أحدهما فبادروا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 2.) و رواية المفيد رحمه الله في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إنّ الشمس و القمر لا ينكسفان لموت أحد و لا لحياة أحد و لكنّهما آيتان من آيات اللَّه، فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) و مكاتبة علي بن الفضل الواسطي قال: كتبت إلى الرضا عليه السلام: إذا انكسفت الشمس و القمر و أنا راكب لا أقدر على النزول، قال: فكتب إليّ: «صلّ على مركبك الذي أنت عليه»(وسائل الشيعة 7: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 11، الحديث 1.) ، حيث إنّه لو لم تجب المبادرة لما جازت صلاتها على الراحلة- لفوات بعض الواجبات فيها- بل أمر بإتيانها بعد التمكّن من النزول عن دابّته و ما دام العمر. ثمّ إنّه على تقدير وجوب المبادرة إلى الصلاة عند حصول الآيات لو أخّر عصى و وجب بعده إلى آخر العمر؛ و ذلك لاستصحاب الوجوب و الإجماع على عدم سقوطها بالعصيان. و أمّا كونه أداءً مهما أتى بها ما دام العمر فلكون صلاتها غير موقّتة و القضاء مترتّب على فوتها في الوقت؛ فلا وقت لها و لا قضاء.

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

(مسألة 4): يختصّ الوجوب بمن في بلد الآية، فلا تجب على غيرهم.

نعم يقوى إلحاق المتّصل بذلك المكان ممّا يعدّ معه كالمكان الواحد (1).


1- لعلّ وجه اختصاص وجوب صلاة الآيات بمن في بلد الآية هو إناطة الحكم بالرؤية في خبر عمارة المتقدّم: «فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فتذكّروا قيام الساعة و افزعوا إلى مساجدكم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 2، الحديث 4.) و مرسل المفيد في «المقنعة» عن الصادق عليه السلام: «فإذا رأيتم ذلك فبادروا إلى مساجدكم للصلاة»(وسائل الشيعة 7: 491، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 6، الحديث 3.) و وجه القوّة في إلحاق المكان المتّصل ببلد الآية هو عدّهما معاً كالمكان الواحد عرفاً.

ص: 117

(مسألة 5): تثبت الآية- و كذا وقتها و مقدار مكثها- بالعلم و شهادة العدلين،

بل و بالعدل الواحد على الأحوط، و بإخبار الرصديّ الذي يُطمأنّ بصدقه- أيضاً- على الأحوط لو لم يكن الأقوى (1).

(مسألة 6): تجب هذه الصلاة على كلّ مكلّف،

و الأقوى سقوطها عن الحائض و النُّفَساء، فلا قضاء عليهما في الموقّتة، و لا يجب أداء غيرها. هذا في الحيض و النفاس المستوعبين، و أمّا غيره ففيه تفصيل، و الاحتياط حسن (2).


1- لا خلاف و لا إشكال في ثبوت الآية و وقتها و مقدار مكثها بالعلم و شهادة العدلين. و في ثبوتها بشهادة العدل الواحد مطلقاً و لو لم يطمئنّ بصدقه إشكال، نعم تثبت بشهادته و بإخبار الرصدي مع الاطمئنان بصدقهما على الأحوط بل الأقوى؛ لحجّية شهادة أهل الخبرة و خبرٍ يطمئنّ بصدق مخبره عند العقلاء.
2- لا خلاف و لا إشكال في وجوب صلاة الآيات على كلّ مكلّف؛ من رجل أو امرأة، حرّ أو عبد، حاضر أو مسافر، سالم أو مريض، أعمى أو مبصر. فليست هذه الصلاة كالجمعة و العيدين المشروط وجوبها بالذكورة و الحرّية و الحضر و السلامة من العمى و المرض و عدم كونه شيخاً كبيراً. و يدلّ على وجوبها على النساء خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن النساء هل على من عرف منهنّ صلاة النافلة و صلاة الليل و الزوال و الكسوف ما على الرجال؟ قال: «نعم»(وسائل الشيعة 7: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 3، الحديث 1.) و الأقوى سقوطها عن الحائض و النفساء كاليومية، هذا في الموقّتة كالكسوفين، حيث إنّ الحيض و النفاس الحادثين في وقت حصول الكسوف مانعان من تعلّق التكليف في ذلك الوقت؛ فلا تكليف بالأداء أصلًا، و القضاء تابع. هذا في الحيض و النفاس المستوعبين لتمام الوقت. و أمّا غير المستوعبين ففيه تفصيل بين من أدركت مقدار الصلاة أو ركعة منها- على القولين في مسألة وجوبها فيما كان الكسوف بمقدار إدراك ركعة- في الوقت فتجب، و بين غيرها فلا تجب. و أمّا غير الموقّتة فلا تجب عليهما أداؤها؛ لوجود المانع عن توجّه التكليف إليهما حين تحقّق أسبابها. و العلّامة الطباطبائي قال بوجوبها عليهما في غير الموقّتة، قال: أمّا التي تمتدّ طول العمرفإنّها تلزم بعد الطهر(الدرّة النجفية: 181.) و علّله «شارح المنظومة» بقوله: إذ هو قضية إطلاق السببية؛ فيجب الإتيان بالمسبّب بعد رفع المانع. و ناقش فيه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: و فيه- مضافاً إلى ما عرفت سابقاً من المراد بالتوقيت طول العمر- أنّه يمكن منع التسبيب في مثلهما أيضاً بعد أن جعل الشارع الحيض و النفاس مانعاً من التكليف بالصلاة، فهما حينئذٍ كالجنون و عدم البلوغ و نحوهما في ذلك. و الفرق بينهما بقابلية الحائض للخطاب بالفعل و لو فيما بعد الحيض، بخلاف الجنون و نحوه- بل ليس الحيض و نحوه إلّا من موانع صحّة الفعل في ذلك الحال لا أصل التكليف- غير مجدٍ بعد أن استظهرنا من الأدلّة كون التسبيب على الكيفية المزبورة، فتأمّل(جواهر الكلام 11: 472.) ، انتهى. و أمّا وجه الاحتياط بقضاء صلاة الآيات بعد الطهر و الطهارة، فقد ذكره السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بقوله: لعدم العموم فيما دلّ على أنّهما لا تقضيان لهما؛ لانصرافه إلى اليومية؛ لكونها الشائعة. مضافاً إلى الإشكال في ثبوت التوقيت في هذه الصلاة الموجب للإشكال في صدق القضاء المنفي في النصوص عن الحائض(مستمسك العروة الوثقى 7: 42.) ، انتهى موضع الحاجة.

ص: 118

ص: 119

(مسألة 7): من لم يعلم بالكسوف إلى تمام الانجلاء، و لم يحترق جميع القرص، لم يجب عليه القضاء.

أمّا إذا علم به و تركها و لو نسياناً، أو احترق جميع القرص، وجب القضاء. و أمّا في سائر الآيات فمع التأخير متعمّداً أو لنسيان يجب الإتيان بها ما دام العمر، و لو لم يعلم بها حتّى مضى الزمان المتّصل بالآية، فالأحوط الإتيان بها؛ و إن لا يخلو عدم الوجوب من قوّة (1).


1- من لم يعلم بالكسوف حتّى خرج الوقت الذي هو تمام الانجلاء أو الأخذ فيه- على القولين- و لم يحترق جميع القرص ثمّ علم به لم يجب عليه القضاء. و خالف فيه جماعة منهم المفيد رحمه الله قال في «المقنعة»: إنّه إذا احترق قرص القمر كلّه و لم يكن علمت به حتّى أصبحت صلّيت صلاة الكسوف له جماعة، و إن احترق بعضه و لم تعلم بذلك حتّى أصبحت صلّيت القضاء فرادى(المقنعة: 211.) و عن علي بن بابويه أنّه قال: و إذا انكسف الشمس أو القمر و لم تعلم فعليك أن تصلّيها إذا علمت به، و إن تركتها متعمّداً حتّى تصبح فاغتسل و صلّها، و إن لم يحترق القرص كلّه فاقضها و لا تغتسل(انظر مختلف الشيعة 2: 292.) و عن أبي علي: أنّ قضاءه إذا احترق القرص كلّه ألزم منه إذا احترق بعضه(نفس المصدر.) و حكي في «المختلف» و «الذكرى» عن «المقنع» أنّه قال: و إذا انكسف الشمس و القمر و لم تعلم به فعليك أن تصلّيها إذا علمت، و إن احترق القرص كلّه فصلّها بغسل، و إن احترق بعضها فصلّها بغير غسل(المقنع: 144.) و يظهر من بعض الفقهاء وجوب القضاء على التقديرين؛ فعن «الانتصار»: ممّا انفردت به الإمامية القول بوجوب صلاة الكسوف و الخسوف، و يذهبون إلى أنّ من فاتته هذه الصلاة وجب عليه قضاؤها(الانتصار: 173.) و لا يخفى: أنّ القول بعدم وجوب القضاء مشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و لا يعتنى بخلاف من ذكر. و لو احترق بعض القرص و علم به و تركها و لو نسياناً أو احترق جميع القرص وجب القضاء. و الدليل على وجوب القضاء في الفرض المزبور، و على عدم وجوبه مع عدم احتراق جميعه و عدم علمه حين الكسوف إلى الانجلاء، هو صحيح الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: «إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، و إن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه»(وسائل الشيعة 7: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 1.) . و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 2.) . و ذيل ما رواه الكليني في رواية اخرى: «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 3.) . و خبر حريز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتّى أصبحت ثمّ بلغك فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 4.) و ما دلّ من الأخبار على نفي القضاء مطلقاً يقيّد بالأخبار المذكورة و يحمل على ما لم يحترق كلّه، كموثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «انكسفت الشمس و أنا في الحمّام، فعلمتُ بعد ما خرجت فلم أقض»(وسائل الشيعة 7: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 8.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ثمّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، و إن أعلمك أحدٌ و أنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها»(وسائل الشيعة 7: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 10.) و كذا ما دلّ من الأخبار على وجوب القضاء مطلقاً يقيّد بها و يحمل على ما احترق جميع القرص، كرواية أبي بصير قال: سألته عن صلاة الكسوف، قال: «عشر ركعات و أربع سجدات ...» إلى أن قال: «فإذا غفلها أو كان نائماً فليقضها»(وسائل الشيعة 7: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 6.) ثمّ إنّه يجب القضاء على من علم بالكسوف و تركها نسياناً. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- صدر مرسل الكليني المتقدّم: «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء». و كذا يجب على من علم به و تركها عمداً. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- مرسل حريز عمّن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل أن يصلّي فليغتسل من غد و ليقض الصلاة، و إن لم يستيقظ و لم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلّا القضاء بغير غسل»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 5.) . و ذيل موثّق عمّار المتقدّم: «و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها». هذا كلّه في الكسوفين. و أمّا في غيرهما من الآيات: فلو علم به و تركها عمداً أو نسياناً وجب الإتيان بها ما دام العمر، و هو المشهور شهرة عظيمة، بل المحكي عن «المنتهى» الإجماع عليه، و هو مقتضى الاستصحاب. و لو لم يعلم به حين وقوعه حتّى مضى الزمان المتّصل به ثمّ علم به فالمشهور عدم الوجوب، و حكي عن غير واحد عدم وجود المخالف فيه. نعم حكي عن «الذخيرة» نفي البُعد عن الوجوب، و عن الوحيد البهبهاني الجزم به، و قال الشهيد في «الروضة»: و لو قيل بالوجوب مطلقاً- أي علم به أو لم يعلم- في غير الكسوفين و فيهما مع الاستيعاب كان قوياً؛ عملًا بالنصّ في الكسوفين و بالعمومات في غيرهما. و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» علّل عدم الوجوب بقوله: و كأنّه لفحوى سقوطه في الكسوفين اللذين هما أقوى في الوجوب قطعاً. و استشكل عليه باستصحاب وجوب القضاء عن جماعة و قال: البناء على الوجوب أنسب بالقواعد، و إن صعب على النفس الركون إليه اتّكالًا على ما ذكر في الكسوفين(مستمسك العروة الوثقى 7: 29.) ، انتهى ملخّصاً. و فيه: أنّ الركن الأوّل في الاستصحاب غير محقّق؛ لعدم اليقين بوجوبه حال عدم العلم بوقوع الآية حتّى يستصحب في حال الشكّ.

ص: 120

ص: 121

ص: 122

ص: 123

ص: 124

(مسألة 8): لو أخبر جماعة غير عدول بالكسوف، و لم يحصل له العلم بصدقهم،

و بعد مُضيّ الوقت تبيّن صدقهم، فالظاهر إلحاقه بالجهل، فلا يجب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص. و كذا لو أخبر شاهدان و لم يعلم عدالتهما ثمّ ثبتت عدالتهما بعد الوقت. لكن الأحوط القضاء خصوصاً في الصورة الثانية، بل لا يُترك فيها (1).


1- لا يخفى: أنّ وجوب صلاة الكسوف منوط بالعلم بالكسوف، و قد صرّح به في بعض الأخبار: كما في صحيح الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم المتقدّم: «أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟». و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء». و رواية الكليني المتقدّمة: «إذا علم بالكسوف و نسي أن يصلّي فعليه القضاء، و إن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كلّه». و موثّق عمّار المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن لم تعلم حتّى يذهب الكسوف ثمّ علمت بعد ذلك فليس عليك صلاة الكسوف، و إن أعلمك أحد و أنت نائم فعلمت ثمّ غلبتك عينك فلم تصلّ فعليك قضاؤها». فالمناط في وجوب القضاء هو حصول العلم به و البيّنة و خبر العادل، بل خبر الثقة تقوم مقام العلم؛ فلا يجب القضاء فيما أخبر جماعة غير عدول بالكسوف مع عدم العلم بصدقهم حين الكسوف و إن تبيّن صدقهم بعد مضيّ الوقت؛ و حينئذٍ فإخبارهم لاحق بالجهل في عدم وجوب القضاء مع عدم احتراق جميع القرص. و كذا لا يجب القضاء فيما لو أخبر به شاهدان و لم يعلم عدالتهما حين الشهادة بالكسوف مع عدم حصول الوثوق به- و لو من إخبار أحدهما- ثمّ ثبت عدالتهما. و علّله في «المستمسك» بقوله: فإنّ الظاهر من دليل الحجّية اختصاصها بالبيّنة الواصلة، لا مطلق الوجود الواقعي(مستمسك العروة الوثقى 7: 44.) ، انتهى. ففي الحقيقة لم تقم حجّة شرعية على الكسوف و لم يتوجّه عليه تكليف بالأداء؛ فلا قضاء عليه. و الأحوط استحباباً القضاء في الصورتين.

ص: 125

(مسألة 9): صلاة الآيات ركعتان في كلّ واحدة منهما خمسة ركوعات،
اشارة

فيكون المجموع عشرة. و تفصيله: بأن يُحرم مع النية كما في الفريضة، ثمّ يقرأ الفاتحة و سورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه، ثمّ يقرأ الحمد و سورة، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ، و هكذا حتّى يُتمّ خمساً على هذا الترتيب، ثمّ يسجد سجدتين بعد رفع رأسه من الركوع الخامس، ثمّ يقوم و يفعل ثانياً كما فعل أوّلًا، ثمّ يتشهّد و يسلّم، و لا فرق في السورة بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة (1).


1- و يدلّ على التفصيل المذكور في المتن صحيح الرهط- و هم الفضيل و زرارة و بريد و محمّد بن مسلم- عن كليهما عليهما السلام، و منهم من رواه عن أحدهما عليهما السلام: «إنّ صلاة كسوف الشمس و القمر و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات و أربع سجدات، صلّاها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ و قد انجلى كسوفها». و رووا: «إنّ الصلاة في هذه الآيات كلّها سواء، و أشدّها و أطولها كسوف الشمس، تبدأ فتكبّر بافتتاح الصلاة، ثمّ تقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الثانية ثمّ ترفع رأسك من الركوع فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الثالثة ثمّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الرابعة ثمّ ترفع رأسك من الركوع، فتقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ تركع الخامسة، فإذا رفعت رأسك قلت: سمع اللَّه لمن حمده ثمّ تخرّ ساجداً فتسجد سجدتين، ثمّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الاولى ...»(وسائل الشيعة 7: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 1.) الحديث. و يستفاد من هذا الحديث و نحوه من الأحاديث: أنّه متى أتمّ السورة وجب قراءة الحمد قبلها، و هذا هو المشهور شهرة عظيمة. و حكي عن ابن إدريس القول باستحباب قراءة الحمد فيما أتمّ السورة جمعاً بين الأخبار الدالّة على قراءة الحمد و بين ما يظهر منه عدم وجوب قراءة الحمد، كما في رواية ابن سنان المروية في «الذكرى» عن الصادق عليه السلام قال: «انكسفت الشمس على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فصلّى ركعتين، قام في الاولى فقرأ سورة ثمّ ركع فأطال الركوع، ثمّ رفع رأسه فقرأ سورة ثمّ ركع فأطال الركوع، ثمّ رفع رأسه فقرأ سورة ثمّ ركع فأطال الركوع، ثمّ رفع رأسه فقرأ سورة ثمّ ركع، فعل ذلك خمس ركعات قبل أن يسجد ثمّ سجد سجدتين، ثمّ قام في الثانية ففعل مثل ذلك؛ فكان له عشر ركعات و أربع سجدات»(ذكرى الشيعة 4: 209.) و الجواب: أنّ هذه الرواية- مع قطع النظر عن سندها- مطروحة؛ لمخالفته الشهرة بل الإجماع. و أجاب في «الذكرى» بأنّ تلك الروايات- أي الروايات الدالّة على وجوب قراءة الحمد- أكثر و أشهر و عمل الأصحاب بمضمونها؛ فتحمل هذه الرواية على أنّ الراوي ترك ذكر الحمد للعلم به؛ لتوافق تلك الروايات الاخرى. ثمّ إنّه لا فرق في السورة المقروءة بعد الحمد بين كونها متّحدة في الجميع أو متغايرة؛ و ذلك لإطلاق السورة في النصوص. و دعوى: أنّ المستفاد من بعض الروايات تغايرها، كما في ذيل صحيح الرهط المتقدّم: «فإن قرأ خمس سور فمع كلّ سورة امّ الكتاب» ؛ فإنّ التعبير ب «خمس سور» و «كلّ سورة» منصرف إلى سور متغايرة، و هذا كما يقال: أقرأ خمس سور أو كلّ سورة من القرآن؛ فلا يقال لمن قرأ سورة الكوثر- مثلًا- خمس مرّات أنّه قرأ خمس سور، و ذلك واضح. و كذا تستفاد المغايرة من رواية «السرائر» نقلًا من جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال: «إذا ختمت سورة و بدأت باخرى فاقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 7: 497، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 13.) ، حيث إنّ توصيف السورة بالاخرى لا يكون إلّا فيما كانت غير الاولى. مدفوعة: بأنّ الظاهر أنّ المراد السورة الكاملة قبل كلّ ركوع بقرينة المقابلة بتبعيضها، و أنّه عليه السلام في صدد بيان كيفية صلاة الآيات و أنّه يجوز قبل كلّ ركوع قراءة سورة كاملة مع الحمد؛ أيّ سورة كانت، و كذا يجوز تفريق سورة كاملة للركوعات الخمسة مع الاكتفاء بحمد واحد. و يشهده صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام سئل عن صلاة الكسوف كسوف الشمس و القمر، قال: «عشر ركعات و أربع سجدات، يركع خمساً ثمّ يسجد في الخامسة، ثمّ يركع خمساً ثمّ يسجد في العاشرة. و إن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة، فإذا قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف اخرى، و لا تقل: سمع اللَّه لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلّا في الركعة التي تريد أن تسجد فيها»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 7.)

ص: 126

ص: 127

ص: 128

و يجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة من كلّ ركعة، فيقرأ بعد تكبيرة الإحرام الفاتحة، ثمّ يقرأ بعدها آية من سورة أو أقلّ أو أكثر، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ بعضاً آخر من تلك السورة؛ متّصلًا بما قرأه منها أوّلًا، ثمّ يركع، ثمّ يرفع رأسه و يقرأ بعضاً آخر منها كذلك، و هكذا إلى الركوع الخامس حتّى يُتمّ سورة ثمّ يركع الخامس ثمّ يسجد، ثمّ يقوم إلى الثانية، و يصنع كما صنع في الركعة الاولى، فيكون في كلّ ركعة الفاتحة مرّة مع سورة تامّة متفرّقة، و يجوز الإتيان في الركعة الثانية بالسورة المأتيّة في الاولى و بغيرها، و لا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة.

ص: 129

كما أنّه في صورة تفريق السورة على الركوعات، لا تشرع الفاتحة إلّا مرّة واحدة في القيام الأوّل، إلّا إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث مثلًا، فإنّه تجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة الفاتحة ثمّ سورة أو بعضها، و هكذا كلّما ركع عن تمام السورة وجبت الفاتحة في القيام منه، بخلاف ما لو ركع عن بعضها، فإنّه يقرأ من حيث قطع، و لا يُعيد الحمد كما عرفت. نعم لو ركع الركوع الخامس عن بعض السورة فسجد ثمّ قام للثانية، فالأقوى وجوب الفاتحة ثمّ القراءة من حيث قطع. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالركوع الخامس عن آخر السورة و افتتاح سورة في الثانية بعد الحمد (1).

هنا ستّ مسائل:
الاولى: أنّه يجوز تفريق سورة كاملة على الركوعات الخمسة

1- في كلّ من الركعتين بالكيفية المذكورة في المتن، و كذا يجوز تفريق سورة على بعض الركوعات اثنين أو ثلاثة أو أربعة و قراءة سورة كاملة في الخامسة. و يدلّ عليه- مضافاً إلى نفي الخلاف فيه- ذيل صحيح الرهط المتقدّم قلت: و إن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات يفرّقها (ففرّقها) بينها؟ قال: «أجزأه امّ القرآن في أوّل مرّة»(وسائل الشيعة 7: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 1.) ، حيث إنّ السائل سأل عن جواز تفريق سورة واحدة بين الركعات و لم يردعه المعصوم عليه السلام عنه. و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «إن قرأت سورة في كلّ ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) . و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن شئت قرأت سورة في كلّ ركعة، و إن شئت قرأت نصف سورة في كلّ ركعة»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 7.) و لا يجب في صورة التقسيط قراءة خصوص النصف من السورة في ركعة من الركعات- أي الركوعات- لصراحة صحيح الرهط في تقسيم سورة واحدة في الخمس؛ فالمراد بيان جواز التقسيط و عدم وجوب قراءة سورة كاملة. فلا تجب قراءة آية كاملة في واحدٍ من الركعات، بل يجوز قراءة بعض من الآية الواحدة في ركعة من الخمسة و بعضها الآخر في ركعة بعدها؛ و ذلك لإطلاق النصوص الواردة في جواز التفريق. و سيأتي في المسألة السادسة البحث في أنّه بعد أن أكمل السورة إلى الركوع الرابع هل يجوز له الركوع الخامس عن بعض السورة بحيث تجب عليه بعد القيام عن سجدتي الركعة الاولى الفاتحة ثمّ قراءة السورة من حيث قطع، أو لا بل يجب عليه أن يكون الركوع الخامس عن آخر السورة و افتتاح سورة في الركعة الثانية بعد الحمد. وجبت قراءة بعض آخر من تلك السورة متّصلًا بما قرأه منها أوّلًا، و لا يجوز الفصل بين الآيتين المتّصلتين بالثالثة مثلًا. و يدلّ عليه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام: «فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت». و ذلك لإطلاق النصوص، و قد صرّح في صحيح الرهط المتقدّم بجواز أن يصنع في الركعة الثانية مثل ما صنعه في الركعة الاولى: «ثمّ تقوم فتصنع مثل ما صنعت في الاولى». و إن زاد عليها فلا بأس. و لا يجوز الاقتصار على بعض سورة في تمام الركعة، و هو المشهور بين فقهائنا. و في «الحدائق»: ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب وجوب إتمام سورة في الخمس؛ لصيرورتها بمنزلة ركعة فتجب الحمد و سورة(الحدائق الناضرة 10: 333.) ، انتهى. و ما في «كشف اللثام» من النظر في وجوب إتمام السورة في كلّ ركعة الناشي من النظر في وجوب سورة في ركعة كلّ صلاة واجبة، مخالف للمشهور لا يعتنى به. ثمّ إنّه لا بأس بالزيادة على سورة واحدة في كلّ ركعة في صورة توزيع السورة؛ بأن يوزّع السورة على ركوعين أو ثلاثة مثلًا، و يوزّع سورة اخرى على بقية الركوعات مع قراءة الحمد قبل الشروع في السورة الزائدة، كما سيأتي في المسألة السادسة. و في «الجواهر»: و حينئذٍ يجوز له أن يقرأ في الخمس سورة و بعض اخرى مثلًا(جواهر الكلام 11: 442.) ، انتهى. من الركعة في صورة تفريق السورة على الركوعات؛ لصحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت و لا تقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) . و صحيح الحلبي المتقدّم: «و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف اخرى»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 7.) و صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام: «و إن قرأت سورة في الركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتّى تختم السورة»(وسائل الشيعة 7: 497، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 13.) نعم إذا أكمل السورة في القيام الثاني أو الثالث- مثلًا- وجب عليه في القيام اللاحق بعد الركوع قراءة الفاتحة ثمّ الشروع في السورة، مخيّراً في السورة بين إتمامها و تقسيطها؛ فإن ركع عن تمام السورة وجبت قراءة الحمد في القيام من هذا الركوع؛ لصحيح البزنطي: «إذا ختمت سورة و بدأت باخرى فاقرأ فاتحة الكتاب»، و إن ركع عن بعضها فلا تشرع الفاتحة بل يقرأ من حيث قطع، و الوجه فيه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم: «فإن نقصت من السور شيئاً فاقرأ من حيث نقصت، و لا تقرأ فاتحة الكتاب»، و صحيح البزنطي: «و إن قرأت سورة في الركعتين أو ثلاث فلا تقرأ بفاتحة الكتاب حتّى تختم السورة»، هذا كلّه فيما لو ركع عن بعض السورة في الركوعات قبل الخامس. و أمّا الركوع الخامس فيجوز أن يركعه عن بعض السورة، و إذا قام للركعة الثانية فالأقوى وجوب الفاتحة ثمّ قراءة السورة من حيث قطع. و الوجه فيه إطلاق صحيح الحلبي: «و إن قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلّا في أوّل ركعة حتّى تستأنف اخرى». و قال الشهيد في «الألفية»: يتمّها- أي السورة- في الخامس و العاشر(رسائل الشهيد الأوّل: 178.) و لعلّه لانصراف الإطلاق في صحيح الحلبي إلى غير الخامس و العاشر، و هو الوجه في احتياط جماعة من فقهائنا بإتمام السورة في الخامس. و في «الجواهر» بعد نقل كلام «الألفية» قال: لكن عن «المقاصد العلية»: أنّ في بعض نسخها بعد قوله: «يتمّها»، «إن لم يكن أتمّ سورة»، و هو قيد حسن(جواهر الكلام 11: 442.) ، انتهى. و العلّامة رحمه الله في «التذكرة» بعد أن أفتى بوجوب قراءة الفاتحة في الركعة الثانية مع جواز قراءة سورة كاملة و بعض اخرى في الركعة الاولى، احتمل أن يقرأ في القيام إلى الركعة الثانية من حيث قطع من غير أن يقرأ الحمد ثمّ استدركه بوجوب قراءته، قال: الأقرب جواز أن يقرأ في الخمس سورة و بعض اخرى، فإذا قام إلى الثانية ابتدأ بالحمد وجوباً؛ لأنّه قيام عن سجود فوجب فيه الفاتحة، ثمّ يبتدئ بسورة من أوّلها، ثمّ إمّا أن يكملها أو يقرأ بعضها. و يحتمل أن يقرأ من الموضع الذي انتهى إليه أوّلًا من غير أن يقرأ الحمد، لكن يجب أن يقرأ الحمد في الركعة الثانية بحيث لا يجوز له الاكتفاء بالحمد مرّة في الركعتين معاً(تذكرة الفقهاء 4: 171.) ، انتهى.

ص: 130

الثانية: يجوز قراءة آية واحدة أو أكثر في كلّ من الركعات الخمسة في كلّ من الركعتين؛

ص: 131

الثالثة: إذا قرأ آية من سورة و ركع و رفع رأسه من الركوع
الرابعة: يجوز أن يقرأ في الركعة الثانية بالسورة المقروءة في الركعة الاولى و غيرها؛
الخامسة: يجب إتمام سورة كاملة في كلّ ركعة من ركعتي صلاة الآيات،

ص: 132

السادسة: لا تجوز قراءة الحمد إلّا مرّة واحدة في القيام الأوّل

ص: 133

ص: 134

(مسألة 10): يعتبر في صلاة الآيات ما يعتبر في الفرائض اليومية؛

من الشرائط و غيرها و جميع ما عرفته و تعرفه؛ من واجب و ندب في القيام و القعود و الركوع و السجود، و أحكام السهو و الشكّ في الزيادة و النقيصة بالنسبة إلى الركعات و غيرها. فلو شكّ في عدد ركعتيها بطلت، كما في كلّ فريضة ثنائيّة، فإنّها منها و إن اشتملت ركعتها على خمسة ركوعات، و لو نقص ركوعاً منها أو زاده عمداً أو سهواً بطلت لأنّها أركان، و كذا القيام المتّصل بها، و لو شكّ في ركوعها يأتي به ما دام في المحلّ، و يمضي إن خرج عنه، و لا تبطل إلّا إذا بان بعد ذلك النقصانُ أو الزيادة أو رجع شكّه فيه إلى الشكّ في الركعات، كما إذا لم يعلم أنّه الخامس، فيكون آخر الركعة الاولى، أو السادس فيكون أوّل الركعة الثانية (1).


1- و الوجه في اعتبار كلّ ما يعتبر في الفرائض اليومية من الشرائط و غيرها في صلاة الآيات على ما أشار إليه في «الجواهر»، هو اندراجها في اسم الصلاة ضرورةً؛ فيعتبر فيها- حينئذٍ- ما يعتبر فيها من الأجزاء و الشرائط و الأذكار الواجبة و المندوبة في القيام و القعود و الركوع و السجود. و يجري فيها أيضاً أحكام السهو و الشكّ في الزيادة و النقيصة في الأجزاء الركنية- حتّى الركوعات- و غير الركنية؛ فتبطل بزيادة ركوع و نقصه عمداً و سهواً، و كذا القيام المتّصل بالركوع في كلّ من الركوعات العشرة. و الشكّ في عدد ركعتيها مبطل، كما في كلّ فريضة ثنائية كالجمعة. كما في موثّقة سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة، فقال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 8.) حيث إنّ العلّة تعمّ كلّ فريضة ثنائية. و لا ينافي كونها ركعتين اشتمال كلّ ركعة منها على خمس ركوعات. و الشكّ في عدد الركوعات حكمها حكم أجزاء اليومية في أنّه يأتي بها إن لم يتجاوز المحلّ؛ لقاعدة الاشتغال و استصحاب عدم فعل المشكوك. و إن تجاوز محلّ المشكوك بنى على الإتيان؛ لقاعدة التجاوز، إلّا إذا تبيّن بعد تجاوز المحلّ نقصانه أو زيادته فإنّه مبطل قطعاً. و كذا تبطل لو رجع الشكّ في الركوع إلى الشكّ في الركعتين؛ بأن أتى الركوع و شكّ في أنّه الخامس فيكون آخر الركعة الاولى و يسجد ثمّ يقوم للركعة الثانية، أو أنّه السادس فيكون أوّل الركعة الثانية.

ص: 135

(مسألة 11): يستحبّ فيها الجهر بالقراءة

ليلًا أو نهاراً حتّى صلاة كسوف الشمس، و التكبير عند كلّ هُويٍّ للركوع و كلّ رفع منه، إلّا في الرفع من الخامس و العاشر، فإنّه يقول: «سمع اللَّه لمن حمده» ثمّ يسجد. و يستحبّ فيها التطويل خصوصاً في كسوف الشمس،

ص: 136

و قراءة السور الطوال ك «يس» و «الروم» و «الكهف» و نحوها، و إكمال السورة في كلّ قيام، و الجلوس في المصلّى مشتغلًا بالدعاء و الذكر إلى تمام الانجلاء، أو إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل تمام الانجلاء. و يستحبّ فيها في كلّ قيام ثانٍ بعد القراءة قنوت، فيكون في مجموع الركعتين خمسة قنوتات، و يجوز الاجتزاء بقنوتين: أحدهما قبل الركوع الخامس، لكن يأتي به رجاءً، و الثاني قبل العاشر، و يجوز الاقتصار على الأخير منها (1).


1- و يدلّ على استحباب الجهر بالقراءة في صلاة الآيات كلّها- حتّى الكسوف الواقع في النهار- صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و تجهر بالقراءة»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) ، و الجملة الخبرية الواردة مورد الإنشاء و إن كانت ظاهرة في الوجوب و لكن الإجماع قائم على عدم الوجوب، كما عن «الخلاف» و «المنتهى»؛ فتحمل الجملة على الندب. و عن الشافعي و المالك و أبي حنيفة أنّهم قالوا بالإسرار في خسوف الشمس، و استندوا برواية سمرة بن جندب قال: بينما أنا و غلام من الأنصار نرمي غرضين لنا حتّى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الافق اسودّت حتّى آضت كأنّها تنُّومةٌ، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد فو الله ليُحدثنّ شأن هذه الشمس لرسول اللَّه- صلّى اللَّه عليه (و آله) و سلّم- في امّته حدثاً، قال: فدفعنا، فإذاً هو بارزٌ، فاستقدم فصلّى، فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قطّ لا نسمع له صوتاً، قال: ثمّ ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قطّ لا نسمع له صوتاً، ثمّ سجد بنا كأطول ما سجد بنا في صلاة قطّ لا نسمع له صوتاً ...(سنن أبي داود 1: 379/ 1184.) الحديث. و استدلّ على الإسرار أيضاً بأنّها صلاة نهار فلم يجهر فيها كالظهر. و يظهر من العلّامة في «التذكرة» الميل إلى هذا القول، قال: و هذا القول عندي لا بأس به؛ لقول الباقر عليه السلام في حديث صحيح: «و لا تجهر بالقراءة»(تذكرة الفقهاء 4: 176.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ العبارة المضبوطة في نسخ «الكافي»(الكافي 3: 463/ 2.) و «التهذيب»(تهذيب الأحكام 3: 156/ 335.) في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم ما ذكرناه: «و تجهر بالقراءة» ، بسقوط كلمة «لا»؛ فالقول باستحباب الإسرار في الكسوف مخالف للإجماع؛ ففي «منظومة» العلّامة الطباطبائي: و القول بالكسوف بالإسراريضعف بالإجماع و الأخبار(الدرّة النجفية: 181.) و يستحبّ في صلاة الآيات أيضاً التكبير لكلّ ركوع و لكلّ رفع منه، إلّا في الرفع من الخامس و العاشر فإنّه يقول: «سمع اللَّه لمن حمده». و يدلّ عليه قوله عليه السلام في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و تركع بتكبيرة، و ترفع رأسك بتكبيرة، إلّا في الخامسة التي تسجد فيها، و تقول: سمع اللَّه لمن حمده». و الصحيح المذكور يدلّ أيضاً على استحباب تطويل صلاة الآيات؛ خصوصاً في كسوف الشمس: «و صلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر». و يدلّ عليه أيضاً رواية عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «إن صلّيت صلاة الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر فتطوّل في صلاتك فإنّ ذلك أفضل»(وسائل الشيعة 7: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 4، الحديث 5.) و يستحبّ أيضاً قراءة السور الطوال. و يدلّ عليه خبر أبي بصير قال: سألته عن صلاة الكسوف، فقال: «عشر ركعات و أربع سجدات؛ يقرأ في كلّ ركعة مثل يس و النور ...»(وسائل الشيعة 7: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 2.) الخبر. و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم قال: «و كان يستحبّ أن يقرأ فيها بالكهف و الحجر». و رواية المفيد رحمه الله في «المقنعة» قال: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه صلّى بالكوفة صلاة الكسوف فقرأ فيها بالكهف و الأنبياء، و ردّدها خمس مرّات، و أطال في ركوعها حتّى سال العرق على أقدام من كان معه، و غشي على كثير منهم(المقنعة: 209، وسائل الشيعة 7: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 9، الحديث 3.) و يستحبّ أيضاً إكمال السورة في كلّ قيام. و هذا يستفاد من صحيح الرهط حيث إنّ المذكور في كيفيتها خصوص قراءة الحمد و السورة الكاملة في كلّ من الركوعات الخمسة في كلّ من الركعتين، و إنّ جواز تقسيط السورة من باب الإجزاء عن الكيفية المزبورة. و يستحبّ أيضاً الجلوس في المصلّى مشتغلًا بالدعاء و الذكر إلى تمام الانجلاء فيما لو أتمّ الصلاة قبل الانجلاء. و يدلّ عليه صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «فإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد (فأعد) و ادع اللَّه حتّى ينجلي». و أمّا استحباب إعادة الصلاة إذا فرغ منها قبل الانجلاء فيدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «صلاة الكسوف إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد»(وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 8، الحديث 1.) و يدلّ على استحباب القنوت فيها خمس مرّات صحيح الرهط المتقدّم: «و القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع إذا فرغت من القراءة، ثمّ تقنت في الرابعة مثل ذلك، ثمّ في السادسة، ثمّ في الثامنة، ثمّ في العاشرة»(وسائل الشيعة 7: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 1.) و مرسل عمر بن اذينة أنّه روى: «إنّ القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع، ثمّ في الرابعة، ثمّ في السادسة، ثمّ في الثامنة، ثمّ في العاشرة»(وسائل الشيعة 7: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 8.) و أمّا جواز الاجتزاء بقنوتين: أحدهما قبل الركوع الخامس و الآخر قبل العاشر، فيمكن استفادته من صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و تقنت في كلّ ركعتين قبل الركوع». و يحتمل أن يكون المراد من الركعتين في الصحيح الركوعين، و يؤيّده صحيح الرهط و مرسل ابن اذينة المتقدّمان. و وجه جواز الاقتصار على القنوت قبل الركوع العاشر فقط بعض الروايات الواردة في استحباب القنوت في الركعة الثانية من كلّ فريضة أو نافلة قبل الركوع إلّا الجمعة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «القنوت في كلّ صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع»(وسائل الشيعة 6: 266، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 3، الحديث 1.)

ص: 137

ص: 138

ص: 139

ص: 140

(مسألة 12): يُستحبّ فيها الجماعة،

و يتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة كما في اليوميّة، دون غيرها من الأفعال و الأقوال. و الأحوط للمأموم الدخول في الجماعة قبل الركوع الأوّل- أو فيه- من الركعة الاولى أو الثانية حتّى ينتظم صلاته (1).


1- استحباب الجماعة في صلاة الآيات كاليومية ممّا لا إشكال فيه من أحد، بل هو المشهور بين الفقهاء، و ادّعى جماعة منهم الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح الرهط المتقدّم: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صلّى بأصحابه صلاة الكسوف». و روايات الباب التاسع من أبواب صلاة الكسوف و الآيات(وسائل الشيعة 7: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 9.) تدلّ عليه أيضاً. و لا فرق في استحبابها جماعة بين القضاء و الأداء، و بين احتراق تمام القرص أو بعضه. نعم الاستحباب في احتراق تمام القرص آكد، كما في رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس و القمر فانكسف كلّها فإنّه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام يصلّي بهم، و أيّهما كسف بعضه فإنّه يجزي الرجل يصلّي وحده»(وسائل الشيعة 7: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 12، الحديث 2.) . فلا وجه لتفصيل الصدوقين بين احتراق تمام القرص و بعضه، بالجماعة في الأوّل و الفرادى في الثاني، و كذا لا وجه لتفصيل المفيد رحمه الله بينهما في القضاء. و يتحمّل الإمام عن المأموم القراءة خاصّة- كما في اليومية- دون غيرها من الأفعال و الأقوال، و هذا ممّا لا خلاف فيه من أحد. و يدلّ عليه إطلاق خبر الحسين بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 1.) . و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) و علّله في «المستمسك» بقوله: للإطلاق المقامي لنصوص المقام؛ فإنّ بيانها لمشروعية الجماعة فيها- مع إهمالها لكيفيتها- يقتضي الاتّكال على بيانها في اليومية؛ فإذا كان الإمام هناك يتحمّل القراءة فكذا هنا(مستمسك العروة الوثقى 7: 34.) ، انتهى. ثمّ إنّ المأموم إذا أدرك الإمام في الركعة الاولى قبل الركوع الأوّل أو في أثنائه ينوي الائتمام، و كذا إذا أدركه في الركعة الثانية فينوي الائتمام قبل الركوع أو في أثنائه؛ و يتمّ حينئذٍ ركعة مع الإمام و ينفرد بعد السلام أو قبله، و يأتي الركعة الثانية كما في اليومية. و أمّا إذا أدرك الإمام في غير الأوّل من ركوعات الركعة الاولى، فقال جماعة بوجوب الصبر إلى الركعة الثانية حتّى يدرك الإمام قبل الركوع الأوّل من الركعة الثانية أو في أثنائه و المنع من الدخول بعد الركوع الأوّل، و نسبه في «الجواهر» إلى المشهور، و علّله بأصالة عدم تحمّل الإمام عن المأموم؛ فيقتصر منه على المتيقّن(جواهر الكلام 11: 446.) و علّل جماعة المنع بلزوم اختلال النظم في صلاة المأموم، حيث إنّه إذا أدرك الإمام في غير الركوع الأوّل و اقتداه إلى أن سجد الإمام بعد الركوع الخامس، و حينئذٍ إن تابع الإمام في السجدة لزمه ترك بعض الركوعات مع عدم تحمّل الإمام ما فات عن المأموم من بعض الركوعات، و إن أتى الركوع الخامس ثمّ السجدتين غير السجدتين المأتيتين مع الإمام لزم زيادة السجدتين و الاختلال في نظم الجماعة بالانفراد، و إن لم يتبع الإمام في السجدة بل أتمّ الركوعات ثمّ سجد منفرداً لزم أيضاً اختلال نظم الجماعة، هذا. و لا يخفى: أنّ مقتضى الإطلاق المقامي في نصوص انعقاد الجماعة في صلاة الآيات مع عدم التعرّض فيها لكيفية خاصّة، هو جواز الاقتداء قبل أيّ ركوع من الركوعات الخمسة في أيّ ركعة من الركعتين و ثبوت ما ثبت في اليومية. قال في «التذكرة»: لو أدرك المأموم الإمام راكعاً في الأوّل فقد أدركه الركعة، و لو أدركه في الركوع الثاني أو الثالث فالوجه أنّه فاتته تلك الركعة. و به قال الشافعي؛ لأنّ الركوع ركن فيها، و لا يتحمّل الإمام شيئاً سوى القراءة لا فعل الركوع؛ فحينئذٍ ينبغي المتابعة حتّى يقوم في الثانية؛ فيستأنف الصلاة معه، فإذا قضى صلاته أتمّ هو الثانية. و يجوز الصبر حتّى يبتدئ بالثانية. و تحتمل المتابعة بنية صحيحة، فإذا سجد الإمام لم يسجد هو، بل ينتظر الإمام إلى أن يقوم، فإذا ركع الإمام أوّل الثانية ركع معه عن ركعات الاولى، فإذا انتهى الخامس بالنسبة إليه سجد ثمّ لحق الإمام و يتمّ الركعات قبل سجود الثانية. و الوجه: الأوّل(تذكرة الفقهاء 4: 185.) ، انتهى. و قال صاحب «الجواهر»: و الظاهر جواز نية الائتمام بالبعض فيها من أوّل الأمر؛ بأن يعزم على مفارقة الإمام في الأثناء، أو كان عالماً بعروض ما يمنع من الاقتداء به قبل الفراغ؛ إذ الجماعة كما أنّها مستحبّة في الكلّ مستحبّة في البعض؛ و لذا كان الأقوى جواز الانفراد اختياراً. فحينئذٍ جاز له الائتمام بما بقي من الركوعات ثمّ ينفرد عنه عند إرادة السجود، كما صرّح به في «جامع المقاصد»(جواهر الكلام 11: 446.) ، انتهى موضع الحاجة.

ص: 141

ص: 142

ص: 143

ص: 144

ص: 145

القول في الخلل الواقع في الصلاة

(مسألة 1): من أخلّ بالطهارة من الحدث بطلت صلاته مع العمد و السهو و العلم و الجهل،
اشارة

بخلاف الطهارة من الخبث، كما مرّ تفصيل الحال فيها و في غيرها من الشرائط كالوقت و الاستقبال و الستر و غيرها (1).

و من أخلّ بشي ء من واجبات صلاته عمداً- و لو حركة من قراءتها و أذكارها الواجبة- بطلت.


1- بطلان الصلاة بالاخلال بالطهارة من الحدث عمداً أو سهواً مع العلم أو الجهل من الضروريات. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»، ثمّ قال عليه السلام: «القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و التكبير سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة»(وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.) و أمّا الطهارة من الخبث في اللباس و البدن فهي شرط حال العمد و العلم؛ فلا تبطل بالإخلال بها سهواً أو جهلًا بالحكم أو الموضوع إلى الفراغ من الصلاة. و الوجه في عدم البطلان بالإخلال بها سهواً هو حديث «لا تعاد» و قد مرّ تفصيل البحث في ذلك في بيان بعض الشرائط، كالوقت و الاستقبال و الستر و غيرها، فراجع.

ص: 146

و كذا إن زاد فيها جزءاً متعمّداً قولًا أو فعلًا من غير فرق بين الركن و غيره، بل و لا بين كونه موافقاً لأجزائها أو مخالفاً و إن كان الحكم في المخالف- بل و في غير الجزء الركني- لا يخلو من تأمّل و إشكال (1).

و يعتبر في تحقّق الزيادة- في غير الأركان- الإتيان بالشي ء بعنوان أنّه من الصلاة أو أجزائها، فليس منها الإتيان بالقراءة و الذكر و الدعاء في أثنائها إذا لم يأتِ بها بعنوان أنّها منها، فلا بأس بها ما لم يحصل بها المحو للصورة.


1- بطلان الصلاة بالإخلال عمداً بشي ء من واجباته- و لو حركة من قراءتها و أذكارها الواجبة- إجماعي. و تبطل الصلاة إن زاد فيها جزءاً متعمّداً؛ قولًا أو فعلًا، ركناً أو غيره، موافقاً لأجزائها أو مخالفاً لها. و يدلّ على بطلانها بالزيادة مطلقاً- مضافاً إلى كونها تشريعاً محرّماً- صحيح زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً» ، كذا في نسخة «التهذيب»(تهذيب الأحكام 2: 194/ 763.) و في «الكافي» في باب السهو في الركوع قد نقل المتن المذكور عن زرارة، و زاد فيه كلمة «ركعة»(الكافي 3: 348/ 3.) و صاحب «الوسائل» نقل الحديث المذكور بزيادة كلمة «ركعة» عن زرارة و بكير ابني أعين(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.) و يدلّ عليه أيضاً صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) و عموم التعليل في صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»(وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.) و التعليل في خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: «و التقصير في ثمانية فراسخ، و هو بَريدان، و إذا قصّرت أفطرت، و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته؛ لأنّه قد زاد في فرض اللَّه عزّ و جلّ»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 8.) ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله تأمّل و أشكل في البطلان في زيادة المخالف و غير الجزء الركني. و لعلّ وجه الإشكال في البطلان بزيادة المخالف ما ذكره في «مستند الشيعة» قال: و يشترط أن يكون المزيد من أجزائها؛ لأنّه معنى ذلك المركّب: فإنّه لا يقال لمن امر ببناء معيّن على نحو معيّن- كوضع خمس لبنات و تطيينه إلى ذراعين أنّه زاد في البناء، إلّا إذا زاد في اللبنة أو الجصّ و نحوهما، و لا يقال إنّه زاد فيه لو قرأ حين البناء شعراً، أو فعل فعلًا آخر؛ فيلزم أن يكون المزيد من أجزاء الصلاة لو زاد. هذا. ثمّ إنّ ما يزاد فيه شي ء: إمّا يعرف ما منه و ما ليس منه عرفاً، فالمناط ما كان منه عارفاً- كالبناء- فلو أدخل فيه خشباً يكون قد زاد فيه. أمّا ما يتوقّف معرفة ما منه و ليس منه على التوقيف الشرعي، فلا بدّ في معرفة كون الزائد من الصلاة أو ليس منها من الرجوع إلى الشرع، و هي إنّما تتحقّق بالتطبيق على الأجزاء المعلومة أنّها من الصلاة قطعاً، فزيادة مثلها تكون زيادة في الصلاة، و ما ليس منها لا يكون زيادة فيها. فلو حرّك يده في الصلاة- مثلًا- لم يكن زيادة في الصلاة، انتهى(مستند الشيعة 7: 82.) و أمّا وجه الإشكال في زيادة غير الجزء الركني، فلما يستظهر من عبارة «الشرائع»(شرائع الإسلام 1: 87.) و نحوه: «و كذا لو زاد في صلاته ركعة أو ركوعاً أو سجدتين أعاد سهواً و عمداً» من اختصاص البطلان بزيادة الركن. و في «مصباح الفقيه»: و أمّا بطلان الصلاة بزيادة ما عداهما- الركوع و السجدتين- من أجزاء الصلاة عمداً، فهو المشهور بين المتأخّرين، بل ربّما يستظهر من كلماتهم كونه من المسلّمات، عكس ما يشعر به عبارة المصنّف و غيره، حيث اقتصروا على ذكر زيادة الركوع و السجدتين عمداً و سهواً، و لم يتعرّضوا لحكم زيادة ما عدا الأركان عمداً؛ لا هاهنا، و لا في مبحث القواطع؛ فإنّه مشعر بعدم كونها لديهم من حيث هي من المبطلات، و إلّا لصرّحوا به أو بوجود الخلاف فيه(مصباح الفقيه، الصلاة: 538/ السطر 26.) انتهى.

ص: 147

ص: 148

ص: 149

كما لا بأس بتخلّل الأفعال المباحة الخارجيّة كحكّ الجسد و نحوه لو لم يكن مفوّتاً للموالاة أو ماحياً للصورة، كما مرّ سابقاً (1). و أمّا الزيادة السهوية: فمن زاد ركعة، أو ركناً من ركوع، أو سجدتين من ركعة، أو تكبيرة الإحرام- سهواً- بطلت صلاته على إشكال في الأخير. و أمّا زيادة القيام الركني فلا تتحقّق إلّا مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام. و أمّا النيّة فبناءً على أنّها الداعي لا تتصوّر زيادتها، و على القول بالإخطار لا تضرّ. و زيادة غير الأركان سهواً لا تبطل و إن أوجبت سجدتي السهو على الأحوط، كما سيأتي (2).

هنا مسائل:
الاولى: أنّ بطلان الصلاة بزيادة الركعة سهواً ممّا لا خلاف فيه.

1- زيادة غير الأركان من أجزاء الصلاة مبطلة فيما لو أتى بها بعنوان أنّها منها و من أجزائها؛ بأن يكرّر إحدى آيات الفاتحة- مثلًا- بقصد أنّ المكرّر أيضاً جزء من الصلاة. و أمّا إذا أتى بها بقصد قراءة القرآن و كذا الذكر و الدعاء في أثنائها، فلا بأس بها ما لم يحصل بها المحو للصلاة. و قد تقدّم في البحث عن المسألة الاولى من مسائل «القول في مبطلات الصلاة» ذكر روايات تدلّ على أفضلية قراءة القرآن في أثناء الصلاة، فراجع. و لا بأس أيضاً بتخلّل الأفعال المباحة الخارجة من الصلاة، كحكّ الجسد و نحوه لو لم يكن مفوّتاً للموالاة أو ماحياً للصورة، كما مرّ سابقاً في ضمن البحث عن سابع مبطلات الصلاة، فراجع.
2- و الدليل عليه- مضافاً إلى الروايات المتقدّمة الدالّة على البطلان بمطلق الزيادة- هو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه قد زاد في الصلاة المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، و استقبل الصلاة استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 1.). و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.). و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ، فلم يدر أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللَّه، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.). و موثّق زيد الشحّام قال: سألته عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات؟ قال: «إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستّاً فليعد»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 3.). و يظهر من جماعة من فقهائنا صحّة صلاة من جلس بمقدار التشهّد بعد سجدتي الركعة الرابعة، ثمّ قام ساهياً عن التسليم و صلّى ركعة خامسة كما حكي عن ابن الجنيد، و الشيخ في «التهذيب»، و المحقّق في «المعتبر»، و العلّامة في «التحرير» و «المختلف» و «المنتهى» و موضع من «القواعد»، و نسب إلى جماعة من المتأخّرين.و استندوا في ذلك بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى خمساً؟ فقال: «إن كان قد جلس في الرابعة قدر التشهّد فقد تمّت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 4.). و رواية محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل استيقن بعد ما صلّى الظهر أنّه صلّى خمساً؟ قال: «و كيف استيقن؟» قلت: علم، قال: «إن كان علم أنّه كان جلس في الرابعة فصلاة الظهر تامّة، فليقم فليضف إلى الركعة الخامسة ركعة و سجدتين، فتكونان ركعتين نافلة و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 5.). قد وقع في سند الرواية محمّد بن عبد اللّه بن هلال، و هو مع كونه مجهول الحال قد وقع في سند «كامل الزيارات» في الباب الخامس من زيارة حمزة عمّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و الشهداء. و موثّق جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في رجل صلّى خمساً: «أنّه إن كان جلس في الرابعة بقدر التشهّد فعبادته جائزة»(وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 6.). و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى الظهر خمساً؟ قال: «إن كان لا يدري جلس في الرابعة، أم لم يجلس، فليجعل أربع ركعات منها الظهر، و يجلس و يتشهّد، ثمّ يصلّي و هو جالس ركعتين و أربع سجدات، و يضيفها إلى الخامسة فتكون نافلة»(وسائل الشيعة 8: 233، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 7.).و يرد عليهم: أنّ الأخبار المزبورة و إن كان أكثرها صحيحاً سنداً و تامّاً دلالةً، و لكنّها معارضة بالأخبار السابقة الدالّة على بطلان صلاة من زاد عليها ركعة، الراجحة بالشهرة بين القدماء و بمخالفة العامّة، حيث حكى التفصيل بين الجلوس بعد سجدتي الرابعة و عدمه عن سفيان الثوري و أبي حنيفة القائلين بالصحّة في الأوّل دون الثاني. و استقرب السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» في رواية محمّد بن مسلم و صحيحه المتقدّمين، حمل الجلوس في الرابعة على الجلوس مع التشهّد و التسليم، و قال: بل لعلّ ذلك متعيّن فيهما؛ لأنّه لا يمكن الأخذ بإطلاق الجلوس و لو آناً ما؛ فإمّا أن يحمل على الجلوس المعهود في الصلاة- و هو المشتمل على التشهّد و التسليم- أو يحمل على الجلوس بقدر التشهّد، كما يراه الجماعة المتقدّمة. لكن حمل المطلق على المعهود الذهني أولى من تقييده عرفاً عند الدوران بينهما. و عليه يسهل حمل الأوّلين- أي صحيح زرارة و صحيح جميل المتقدّمين- على الجلوس مع التشهّد، فيكون المراد من «قدر التشهّد» التشهّد الفعلي الخارجي الصادر من المكلّف مع التسليم، لتكون الركعة الزائدة بعد الفراغ من الصلاة(مستمسك العروة الوثقى 7: 392.)، انتهى. و يدلّ عليه- قبل الإجماع المدّعى في «تعليق الإرشاد» و «مجمع البرهان» و «المدارك»- صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ، فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللَّه لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و الاستدلال بهذين الحديثين مبني على كون المراد من الركعة فيهما هو الركوع، بقرينة المقابلة بالسجدة، و إن كان مطلق الركعة محمولًا على ما يشمل الركوع و السجدتين، كما في رواية محمّد بن مسلم و صحيحه المتقدّمين، و غيرهما من الروايات الواردة في الشكّ في الركعات مثلًا. و يدلّ عليه صحيح زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»(الكافي 3: 354/ 2.) . و مورده- بحسب الظاهر- هو السهو، و لا يتناول زيادة غير الأركان؛ للإجماع على عدم البطلان بزيادته سهواً. من بطلان التكبيرة الافتتاحية الثانية و كونها مبطلة للُاولى. و محلّ الكلام إنّما هو فيما لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح به حقيقة، لا مجرّد الإتيان بصورته. و قد تقدّم في ضمن البحث عن «القول في تكبيرة الإحرام» نقل كلام جماعة ممّن أشكل في بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الافتتاح؛ منهم صاحب «المدارك» و صاحب «الحدائق»، و قد قلنا: إنّ المشهور المختار هو البطلان. و في «مصباح الفقيه»: و يمكن الاستدلال له بأنّ التكبيرة الثانية هي في حدّ ذاتها لا يصحّ وقوعها افتتاحاً لصلاته، لا لحرمتها من حيث التشريع فيمتنع وقوعها عبادة- كي يتوجّه عليه بعض ما عرفت- بل لأنّ صحّتها موقوفة على وقوعها امتثالًا لأمرها، و لا أمر بها حين فعلها؛ لأنّ أمرها سقط بفعل الاولى؛ فيمتنع وقوع الثانية أيضاً صحيحة ما دامت الاولى باقية بصفة الصحّة؛ إذ لا امتثال عقيب الامتثال. فالثانية تقع باطلة جزماً؛ سواءٌ صدرت عمداً أو غفلة عن الاولى، و هي تبطل سابقتها أيضاً؛ فإنّها لا تقع بقصد الافتتاح إلّا بعد رفع اليد عن الاولى و العزم على استئناف الصلاة. و هذا العزم و إن لم نقل بكونه من حيث هو موجباً لبطلان الأجزاء السابقة- و إلّا لاتّجه صحّة الثانية- كما سنشير إليه، و لكن اقترانه بما يقتضيه هذا العزم من استئناف الصلاة مانع عن بقاء الهيئة الاتّصالية المعتبرة في الصلاة بين التكبيرة الاولى و بين ما بعدها بنظر العرف- إلى أن قال:- بخلاف ما لو كان ما تلبّس به صادراً لا مع هذا العزم؛ فإنّه قد لا يؤثر في رفع الهيئة الاتّصالية، كما لا يخفى على المتأمّل. إلى أن قال: فما ذكره المشهور- من بطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الإحرام- إن لم يكن أقوى، فلا ريب في أنّه أحوط، و لكن قضية الاحتياط- خصوصاً لو وقعت الثانية غفلة عن الاولى- إنّما هو إتمام الفريضة ثمّ الإعادة(مصباح الفقيه، الصلاة: 250/ السطر 5.)، انتهى. لأنّ القيام من حيث هو من واجبات الصلاة و من جملة أفعالها، و الركن منه هو المقارن لتكبيرة الإحرام و ما يكون متّصلًا بالركوع، لا مطلقاً. و قد تقدّم البحث فيه في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في القيام». و لا يخفى: أنّه لا أثر لزيادة القيام الركني في بطلان الصلاة؛ لأنّه ما لم تتحقّق زيادة تكبيرة الإحرام أو الركوع لا يتحقّق القيام الركني، فبزيادة أحدهما تبطل الصلاة. فبطلان الصلاة في الحقيقة مترتّب على زيادة أحدهما، لا على زيادة القيام الركني. و أنكر بعض فقهائنا ركنية القيام؛ حتّى القيام المتّصل بالركوع. قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»: ينبغي الجزم بعدم بطلان الصلاة بزيادة القيام أصلًا- حتّى المتّصل منه بالركوع- ما لم يستلزم الإخلال من جهة اخرى، كفوات الموالاة بين الأجزاء، أو حصول الفعل الكثير الماحي للصورة، أو زيادة الركوع و نحوه. و كفاك شاهداً لذلك وجوب تدارك القراءة و السجدة المنسيتين ما لم يركع؛ فإنّه يجب عليه ذلك، و إن هوى إلى الركوع و لم يبلغ حدّه. مع أنّه لم يدع في الفرض شيئاً من القيام المعتبر في الركعة إلّا و قد أتى به، و عند تدارك السجدة المنسية تتحقّق زيادة جميعه- حتّى القيام المتصل بالركوع- فإنّ عدم اتّصافه بالاتّصال بالركوع نشأ من رجوعه قبل إلحاق الركوع به، لا من تركه للقيام. و دعوى: أنّ الركن هو القيام المتّصل بالركوع، فلا يعقل زيادته بلا ركوع، فرجوعه قبل الركوع في مثل الفرض مانع عن حصول صفة الاتّصال بالركوع- التي هي من مقوّمات ركنيته- مدفوعة بأنّه لا دليل على اعتبار هذا الوصف قيداً في القيام الواجب في الصلاة كي يعقل أن يكون دخيلًا في ركنيته، بل الواجب نصّاً و فتوى هو القيام الواقع قبل الركوع حال القراءة و التكبير. و اتّصاله بالركوع ليس شرطاً في صحّة القيام؛ إذ لا دليل عليه، بل هو شرط في صحّة الركوع حيث اعتبر فيه كونه عن قيام، فليتأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 255/ السطر 20.)، انتهى. و لكن لا بمعناه المصطلح- و هو ما كان زيادته و نقصه عمداً و سهواً موجباً للبطلان- فإنّ زيادة النيّة إمّا غير معقولة، بناءً على كونها عبارة عن الداعي إلى الفعل؛ خصوصاً على القول بكونها شرطاً، حيث إنّ الزيادة لا تكون إلّا في الأجزاء الخارجية. و إمّا غير قادحة، بناءً على كونها عبارة عن الإخطار و القصد إلى الفعل بإحضار صورته في الذهن تفصيلًا و بجميع مشخّصاته. لعموم الحديث: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...» للزيادة و النقيصة سهواً. نعم هي توجب سجدتي السهو، بناءً على وجوبها في كلّ زيادة و نقيصة. و يدلّ عليه مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن سفيان بن السمط عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.) . و الخبر مرسل و مشتمل سنده على مجهول الحال- و هو سفيان.

ص: 150

ص: 151

ص: 152

الثانية: أنّه تبطل الصلاة بزيادة الركوع سهواً.

ص: 153

الثالثة: تبطل الصلاة بزيادة السجدتين من ركعة سهواً.
الرابعة: تبطل الصلاة بزيادة تكبيرة الافتتاح على المشهور

ص: 154

ص: 155

الخامسة: أنّ زيادة القيام الركني لا تتحقّق إلّا مع زيادة الركوع أو تكبيرة الإحرام،

ص: 156

السادسة: أنّ النيّة ركن في الصلاة،
السابعة: زيادة غير الأركان سهواً لا تبطل الصلاة؛

ص: 157

(مسألة 2): من نقص شيئاً من واجبات صلاته سهواً و لم يذكره إلّا بعد تجاوز محلّه،

فإن كان ركناً بطلت صلاته، و إلّا صحّت و عليه سجود السهو على تفصيل يأتي في محلّه. و قضاء الجزء المنسيّ بعد الفراغ منها؛ إن كان المنسيّ التشهّد أو إحدى السجدتين، و لا يقضي من الأجزاء المنسيّة غيرهما، و لو ذكره في محلّه تداركه- و إن كان رُكناً- و أعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده (1).


1- من أخلّ بشي ء من واجبات صلاته سهواً و لم يذكره إلّا بعد تجاوز محلّه، فإن كان ركناً بطلت صلاته إجماعاً، و إن كان غير ركن صحّت صلاته إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...»(وسائل الشيعة 5: 470، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.) و وجبت عليه سجدتا السهو في بعض الواجبات، على تفصيل يأتي في محلّه. و وجب عليه أيضاً قضاء الجزء المنسي بعد الفراغ من الصلاة إن كان المنسي هو التشهّد أو إحدى السجدتين. و وجوب قضاء التشهّد المنسي قد ادّعي عليه الإجماع في كلمات جماعة من فقهائنا، كالشيخ في «الخلاف» و أبي المكارم في «الغنية» و الشهيد الثاني في «المقاصد العلّية». و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف؟ فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه»، و قال: «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) و قد يستدلّ أيضاً بصحيح حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر بعد ذلك؟ فقال: «يقضي ذلك بعينه»، فقلت: أ يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و رواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و يرد على الاستدلال بصحيح حكم: أنّ ظاهره وجوب قضاء كلّ منسي، و هو مخالف للإجماع. و أورد في «المستمسك» على الاستدلال بخبر علي بن أبي حمزة بقوله: فإنّ مقتضى الجمع بينه و بين النصوص المذكورة، حمل التشهّد فيه على تشهّد السجدتين، كما قد يقتضيه عطفه على السجدتين المناسب لكونه من توابع السجدتين، لا من توابع الصلاة؛ و لا سيّما مع بناء القائلين بقضائه على فعله قبل السجدتين(مستمسك العروة الوثقى 7: 413.) ، انتهى موضع الحاجة. و ذهب بعض فقهائنا المعاصرين- آية اللَّه الحجّة الكوه كمري في حاشيته على «العروة الوثقى»- تبعاً للشيخ المفيد رحمه الله في رسالته و الصدوق في «المقنع» و «الفقيه» إلى أنّ التشهّد بعد السجدتين مجزٍ عن التشهّد المنسي. و قد استدلّ له بالأصل و موثّق سماعة عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد؟ قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و خبر الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع، فيذكر و هو راكع؟ قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد ثمّ يقوم فيتمّ»، قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟! قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و يؤيّده أيضاً خلوّ الأخبار الواردة في مقام البيان عن الأمر بقضاء التشهّد، مع الاقتصار فيها على الأمر بالسجدتين فقط، كما في صحيح فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما؟ قال: «فليجلس ما لم يركع و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمض في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع فاجلس فتشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامض في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و في «الفقه الرضوي»: «و إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة فأرسل نفسك و تشهّد ما لم تركع. فإن ذكرت بعد ما ركعت فامض في صلاتك، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو فتشهّد فيهما و تأتي ما قد فاتك»(فقه الرضا عليه السلام: 118.) و يرد على الاستدلال المزبور: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل. و أمّا الأخبار المذكورة: فغاية ما تدلّ عليه هو عدم وجوب قضاء التشهّد المنسي مع تجاوز محلّه، و تعارضها الأخبار الدالّة على وجوب قضائه. و الشهرة العظيمة المسلّمة قائمة على وجوب القضاء، و أنّ محلّه قبل سجدتي السهو و أمّا وجوب قضاء السجدة الواحدة المنسية فهو المشهور بين فقهائنا، بل ادّعي عليه الإجماع من جماعة، و ادّعي الإجماع أيضاً على عدم بطلان الصلاة بالإخلال بالسجدة الواحدة سهواً. و يدلّ عليه صحيح حكم بن حكيم المتقدّم فقال: «يقضي ذلك بعينه»، فقلت: أ يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ثمّ ذكرت، فاقض الذي فاتك سهواً»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 7.) و صحيح إسماعيل بن جابر الجعفي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثمّ يسجدها؛ فإنّها قضاء»، قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- أنّه سأله عن رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام و ركع؟ قال: «يمضي في صلاته و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته»، قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و رواية أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها و هو قائم؟ قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يذكر أنّ عليه السجدة يريد أن يقضيها و هو راكع في بعض صلاته، كيف يصنع؟ قال: «يمضي في صلاته، فإذا فرغ سجدها»(وسائل الشيعة 6: 367، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 8.) و حكي عن العماني و الكليني القول ببطلان الصلاة المنسية فيها سجدة واحدة. و لعلّ الوجه فيه رواية معلّى بن خنيس قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء»(وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 5.) و لا يخفى ضعف هذا القول؛ لمخالفته المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و الرواية ضعيفة سنداً، و معارضة بالروايات الدالّة على عدم البطلان بنسيان السجدة الواحدة. و يمكن حملها على صورة نسيان السجدة بالمرّة و معاً؛ لكون السجدة للجنس. و في «الجواهر»: فلا مانع من حمله على الاستحباب أو غيره(جواهر الكلام 12: 293.) ، انتهى. و نسب إلى المفيد و الشيخ القول بوجوب إعادة الصلاة إذا كان ترك السجدة الواحدة سهواً من الركعتين الأوّلتين. و الوجه فيه صحيح البزنطي قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يصلّي ركعتين، ثمّ ذكر في الثانية و هو راكع أنّه ترك السجدة في الاولى؟ قال: كان أبو الحسن عليه السلام يقول: «إذا ترك السجدة في الركعة الاولى فلم يدرِ واحدة أو ثنتين استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان، و إذا كان في الثالثة و الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع أعدت السجود»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 3.) و في «الجواهر»: بل يؤيّده ما دلّ على اشتراط سلامة الصلاة بسلامة الأوّلتين، و قوله عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...»(جواهر الكلام 12: 294.) و هذا القول أيضاً ضعيف؛ لعدم مقاومة صحيح البزنطي الأخبار المتقدّمة الدالّة على المضيّ في الصلاة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الإجماع المدّعى على صحّة الصلاة. ثمّ إنّه لا يقضي من الأجزاء المنسية غير التشهّد و السجدة الواحدة إجماعاً. هذا كلّه فيما ذكر المنسي بعد تجاوز محلّه. و أمّا فيما ذكره في محلّه، فوجب تداركه و إن كان ركناً، و أعاد ما فعله ممّا هو مترتّب عليه بعده؛ لاشتغال الذمّة، و لا تحصل البراءة إلّا بالامتثال بإتيانه في محلّه ثمّ إعادة ما فعله؛ لوجوب مراعاة الترتيب. فرع: لا تجب سجدتا السهو فيما لو نسي التشهّد أو السجدة الواحدة و ذكر قبل فوات المحلّ و تداركه. و الوجه فيه- مضافاً إلى الأصل- رواية محمّد بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة، فينسى التشهّد؟ قال: «يرجع فيتشهّد»، قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 4.) و خبر أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم؟ قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و لا يعارض هذا الخبر خبر معلّى بن خنيس المتقدّم الدالّ على وجوب سجدتي السهو على من ذكر السجدة قبل ركوعه و سجدها؛ لما ذكره في «الجواهر» من قوله: و يمكن كون المراد سجود السهو؛ لما وقع من زيادة القيام و نحوه لما تسمعه- إن شاء اللَّه- في الخاتمة من وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة(جواهر الكلام 12: 290.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: لإمكان حمله على الاستحباب، كما يؤيّد ذلك أمره بإعادة الصلاة لو ذكرها بعد الركوع، مع أنّها لا تجب جزماً نصّاً و فتوى(مصباح الفقيه، الصلاة: 549/ السطر الأخير.) ، انتهى.

ص: 158

ص: 159

ص: 160

ص: 161

ص: 162

ص: 163

ص: 164

و المراد بتجاوز المحلّ الدخول في رُكن آخر بعده، أو كون محلّ إتيان المنسي فعلًا خاصّاً و قد جاوز محلّ ذلك الفعل، كالذكر في الركوع و السجود إذا نسيه، و تذكّر بعد رفع الرأس منهما (1): فمن نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية، أو نسي السجدتين حتّى دخل في الركوع من الركعة اللاحقة، بطلت صلاته. بخلاف ما لو نسي الركوع و تذكّر قبل أن يدخل في السجدة الاولى، أو نسي السجدتين و تذكّر قبل الركوع، رجع و أتى بالمنسيّ، و أعاد ما فعله سابقاً ممّا هو مترتّب عليه.


1- لا يخفى اختلاف موارد التجاوز عن المحلّ: ففي بعضها يعتبر الدخول في الركن، كما لو نسي ركناً و دخل في ركن آخر؛ فمن نسي السجدتين- مثلًا- و دخل في التشهّد، أو تشهّد ثمّ قام للركعة اللاحقة، فما دام لم يدخل في ركوعها يصدق أنّه في المحلّ و لم يتجاوز عنه، و إذا دخل في الركوع فقد تجاوز عن محلّ السجدتين. و يعتبر الدخول في الركن أيضاً في تجاوز المحلّ فيما لو نسي القراءة- في الركعتين الأوّلتين- أو الذكر- في الركعتين الأخيرتين- أو السجدة الواحدة، أو التشهّد؛ فما دام لم يدخل في الركوع لم يتجاوز محلّها. و في بعضها يصدق التجاوز بمجرّد الفراغ عن الفعل المشروطة فيه كيفية خاصّة، كالجهر في موضع الإخفات، و بالعكس في القراءة. فمن أخفت سهواً في قراءة الجهرية أو جهر في الإخفاتية في تمام القراءة أو بعضها، فبمجرّد تمامية القراءة أو أبعاضها تجاوز محلّها، و إن لم يدخل بعد في جزء آخر، فلا يجب تداركهما، و إن ذكره قبل الركوع، بل و إن ذكره في الأثناء. بل لو قرأ كلمة إخفاتاً في موضع الجهر- مثلًا- و ذكر قبل الشروع في كلمة بعدها فقد جاوز محلّه. و الوجه في ذلك اختصاص وجوبهما بحال العمد و الالتفات على ما يظهر من دليله، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي ء عليه، و قد تمّت صلاته»(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 26، الحديث 1.) و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في المسألة السادسة من مسائل «القول في القراءة و الذكر»، و قلنا إنّ الأقوى عدم وجوب الإعادة فيما لو تذكّر في الأثناء أو بعد القراءة و قبل الركوع؛ لإطلاق الصحيح المزبور. و إنّ الأحوط الإعادة؛ خصوصاً إذا تذكّر في الأثناء؛ لاحتمال اختصاص عدم وجوب الإعادة بصورة الالتفات بعد الفراغ عن القراءة. و المصنّف رحمه الله يذكر موارد كثيرة لتجاوز المحلّ في المسألة، فراجع.

ص: 165

ص: 166

و لو نسي الركوع و تذكّر بعد الدخول في السجدة الاولى، فالأحوط أن يرجع و يأتي بالمنسي و ما هو مترتّب عليه، و يعيد الصلاة بعد إتمامها (1).


1- الوجه في بطلان الصلاة فيما لو نسي الركوع حتّى دخل في السجدة الثانية هو صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل ينسى أن يركع حتّى يسجد و يقوم؟ قال: «يستقبل»(وسائل الشيعة 6: 312، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 1.) . وجه الدلالة: أنّ قوله «يسجد و يقوم» ظاهر في وقوع السجدتين. و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع استأنف الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) . وجه الدلالة: أنّ المراد من الركعة في قوله «ترك ركعة» هو الركوع، لا الركعة المصطلحة، بقرينة قوله «و قد سجد سجدتين». و قد استدلّ أيضاً- كما في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 7: 396- 398.) - بموثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل ينسى أن يركع؟ قال: «يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.) و خبر أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل نسي أن يركع؟ قال: «عليه الإعادة»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ الموثّقة و خبر أبي بصير ساكتان عن الدلالة على المسألة، و أنّ الالتفات كان بعد الدخول في السجدة الثانية، و عليك بالتأمّل. هذا كلّه فيما تذكّر بالركوع بعد الدخول في السجدة الثانية. و أمّا لو ذكره بعد الدخول في السجدة الاولى، فقد أفتى جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها- بصحّة الصلاة، و احتاطوا بإتيان الركوع و إتمام الصلاة ثمّ الإعادة. و قال المشهور بالبطلان. و ممّن قال بالبطلان صاحب «الجواهر» رحمه الله تبعاً للمحقّق رحمه الله، و استدلّ له بالروايات المذكورة- صحيحي رفاعة و أبي بصير، و موثّقة إسحاق بن عمّار، و رواية أبي بصير- و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة لم يعتدّ بها، و استقبل صلاته استقبالًا إذا كان قد استيقن يقيناً»(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 1.) ، إلى أن يقال رحمه الله: و ما في البعض- أي بعض الروايات المذكورة- من الضعف على تقدير وجوده- كخبر أبي بصير باعتبار وقوع محمّد بن سنان في سنده- منجبر بالشهرة المحصّلة و المنقولة، بل في المنقول عن «الغنية» الإجماع عليه، بل قد يستدلّ بما عن «النجيبية» أيضاً: «أنّ من سها عن ركن من الأركان الخمسة أعاد إجماعاً». و بما في «السرائر» من الإجماع على أنّ الركوع ركن، متى أخلّ به ساهياً أو عامداً حتّى فات وقته و أخذ في حالة اخرى بطلت صلاته. إلى أن أجاب رحمه الله عن دعوى: أنّها- أي الروايات المستدلّ بها على البطلان- ليست دالّة على الإخلال بمجرّد الدخول في السجود، على أنّه على تقدير سجوده سجدة واحدة لا يحصل بالتدارك إلّا زيادة سجدة واحدة، و هي غير قادحة، و لم يقم إجماع على عدم جواز التلافي بمجرّد الدخول في ركن آخر. بقوله: إذ- مع أنّه لا قائل بالفصل في المقام- يكفي في ذلك إطلاق جملة من المعتبرة المتقدّمة، مع إطلاق إجماع «الغنية» أيضاً، بل قد يقال: و إجماع «النجيبية» و «السرائر» المتقدّمين، بل هو مقتضى القاعدة أيضاً، و عدم البطلان بزيادة السجدة مع عدم ترك الركوع لا يلزم منه صحّة ما نحن فيه، و القياس لا نقول به، فحينئذٍ لا يشمله قول أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل استيقن أنّه زاد سجدة، «لا يعيد الصلاة من سجدة» ؛ لأنّ الظاهر أنّ المراد منه زيادة سجدة خاصّة، لا ما إذا كانت الزيادة مع نسيان الركوع، بل هو من التخريج الذي لا نقول به(جواهر الكلام 12: 243.) ، انتهى موضع الحاجة ملخّصاً، ذكرناه بطوله لجودته في إثبات البطلان. و في «الرياض»: و حيث لا قائل بالفرق بينه- أي بين السهو عن الركوع إلى أن يسجد سجدتين- و بين السهو عنه إلى أن يسجد الواحدة، عمّ- أي المصنّف- الحكم لهما، مع اعتضاده بالقاعدة من أنّه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه؛ فيبقى تحت العهدة، و لا يتيقّن الخروج عنها إلّا باستئناف الصلاة من أوّلها(رياض المسائل 4: 205.)، انتهى. و لا يخفى: أنّه لم يعلم لنا وجه دلالة صحيحة زرارة و بكير ابني أعين على بطلان الصلاة بمجرّد الدخول في السجدة، ثانية كانت أو اولى. و استدلّ للقول بالصحّة: بأنّ غاية ما يدلّ على البطلان بالدخول في السجدة الاولى هو الإطلاق في خبر أبي بصير المتقدّم: «نسي أن يركع»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.) ، حيث إنّه شامل لصورة تذكّر الركوع المنسي بعد الدخول في السجدة الاولى. و لكن الإطلاق- مضافاً إلى أنّه ضعيف؛ لظهور قوله: «نسي أن يركع» في استمرار النسيان إلى تمامية محلّ العمل البعدي بالدخول في السجدة الثانية- مقيّد بصحيحي رفاعة و أبي بصير، المقيّدين بتذكّر الركوع بعد السجدتين، على ما قرّرناه في وجه دلالتهما. و القائلون بالصحّة أجابوا عن القاعدة التي تمسّك بها القائلون بالبطلان- من أنّه لم يأت بالمأمور به على وجهه؛ فيبقى تحت العهدة، و لا يتيقّن الخروج عنها إلّا باستئناف الصلاة من أوّلها- بأنّ الامتثال يتحقّق بالإتيان بالركوع ثمّ السجود؛ فلا يتعيّن الاستئناف للخروج عن العهدة. و حينئذٍ: فمقتضى القاعدة صحّة الصلاة؛ لعدم قدح زيادة السجدة الواحدة سهواً. و الأقوى في المسألة هو بطلان الصلاة؛ للشهرة المحقّقة، و الإجماع المحكي عن جماعة. و صحيحا رفاعة و أبي بصير لا يقيّدان إطلاق خبر أبي بصير المنجبر ضعفه- على فرضه- بالشهرة. مع عدم وجود القول بالفصل بين السجدة الواحدة و السجدتين. و ذكر السجدتين في صحيح أبي بصير: «و قد سجد سجدتين» من قبيل و من نسي القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب فيهما، و ذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع، تدارك ما نسيه، و أعاد ما هو مترتّب عليه (8). التنصيص على أحد الأفراد، لا من باب اختصاص الحكم بخصوصه. و الأحوط أن يرجع و يأتي بالمنسي و ما هو مترتّب عليه، و يعيد الصلاة بعد إتمامها. بقي الكلام فيما لو نسي السجدتين و لم يتذكّر إلّا بعد الدخول في الركوع من الركعة التالية، فتبطل الصلاة؛ لأنّه لو لم يتدارك السجدتين لزم ترك الركن، و هو مبطل عمداً و سهواً، و لو تدارك لزمه زيادة الركن؛ لوجوب إعادة ما فعله، و من جملته ركوع الركعة اللاحقة، فمع نسيان السجدتين يمتنع أن يكون الركوع المتأخّر عنهما رتبةً السابق عليهما نسياناً جزءاً من الصلاة فيكون باطلًا قطعاً، فإذا أعاد الركوع في الركعة اللاحقة لزمت زيادة الركن. و حكي عن الشيخ أنّ السجدتين المنسيتين إن كانتا من الركعتين الأخيرتين حذف الركوع اللاحق و بني على الركوع السابق. و فيه: أنّه مجرّد دعوى يحتاج إثباته إلى دليل. (8)- وجوب تدارك المنسي من القراءة أو الذكر أو بعضهما أو الترتيب بين الحمد و السورة فيما ذكرها قبل أن يصل إلى حدّ الركوع إجماعي. و تدلّ على وجوب تدارك القراءة المنسية قبل فوات محلّها جملة من الأخبار: كرواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي امّ القرآن؟ قال: «إن كان لم يركع فليعد امّ القرآن»(وسائل الشيعة 6: 88، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب؟ قال: «فليقل: أستعيذ باللَّه من الشيطان الرجيم إنّ اللَّه هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ*، ثمّ ليقرأها ما دام لم يركع؛ فإنّه لا صلاة له حتّى يقرأ بها في جهر أو إخفات؛ فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 6: 89، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 2.) و مفهوم موثّق منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي صلّيت المكتوبة، فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها؟ فقال: «أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟» قلت: بلى، قال: «قد تمّت صلاتك إذا كان (كانت) نسياناً (ناسياً)»(وسائل الشيعة 6: 90، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 2.) . و أمّا ما دلّ على عدم وجوب مراعاة الترتيب بين الحمد و السورة فلم يعمل به أحد من الأصحاب، كخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل افتتح الصلاة، فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب، ثمّ ذكر بعد ما فرغ من السورة؟ قال: «يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»(وسائل الشيعة 6: 89، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 28، الحديث 4.) . و ذكره صاحب «الوسائل» على ما ذكر بعد الفراغ.

ص: 167

ص: 168

ص: 169

ص: 170

ص: 171

و من نسي القيام أو الطمأنينة في القراءة أو الذكر، و ذكر قبل الركوع، فالأحوط إعادتهما بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة (1).


1- قد تقدّم في مبحث القيام: أنّه لا خلاف في وجوب القيام في الصلاة حال القراءة و الذكر. و في كونه جزءاً للصلاة أو شرطاً للقراءة و الذكر وجهان: من ظهور بعض النصوص- كصحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام في حديث: «و قم منتصباً، فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2، الحديث 1.) - و كلمات الأصحاب في الجزئية. و من ظهور أكثر النصوص في الشرطية، كما في صحيح حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصباً»(وسائل الشيعة 5: 459، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا قمت في الصلاة ...»(وسائل الشيعة 5: 461، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 3.) ، و غيرهما من الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة من أبواب أفعال الصلاة و القيام. فبناءً على كون القيام جزءاً من الصلاة لا يجب استئناف القراءة و الذكر فيما لو نسي القيام و قرأهما حال الجلوس؛ لفوات محلّه بالفراغ عن القراءة و الذكر. و بناءً على كونه شرطاً تعيّن استئنافهما؛ لعدم إتيانهما على ما هما عليه من الشرط مع بقاء المحلّ إلى أن يركع. و لا يخفى: أنّ النصوص الدالّة على الجزئية أظهر، و هي الظاهرة من كلمات الأصحاب؛ فلا يجب استئنافهما. و لكن الأحوط استحباباً الاستئناف بقصد القربة المطلقة، لا الجزئية؛ لاحتمال كونها شرطاً. و لو كان المنسي الطمأنينة حال القيام في القراءة أو الذكر فلا يجب استئنافهما؛ لاحتمال كون الطمأنينة واجبة حال القيام لا شرطاً فيه، و إن كان الاحتياط في إعادتهما.

ص: 172

ص: 173

نعم لو نسي الجهر أو الإخفات في القراءة، فالظاهر عدم وجوب تلافيهما، و إن كان الأحوط التدارك، سيّما إذا تذكّر في الأثناء، فإنّه لا ينبغي له ترك الاحتياط بالإتيان بقصد القُربة المطلقة (1). و من نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة فيه، و ذكر قبل الدخول في السجود، انتصب مطمئنّاً، لكن بقصد الاحتياط و الرجاء في نسيان الطمأنينة، و مضى في صلاته (2).


1- قد مرّ في بيان اختلاف موارد التجاوز عن المحلّ الإشارة إلى وجه عدم وجوب تلافي الجهر في موضع الإخفات و بالعكس بمجرّد الفراغ عن القراءة و الذكر، و لو عن أبعاضهما- و هو صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 6: 86، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) ، فراجع- و قلنا: إنّ الأحوط الإعادة بقصد القربة المطلقة؛ لاحتمال كونه قيداً في القراءة؛ خصوصاً إذا تذكّر في الأثناء؛ لاحتمال اختصاص عدم وجوب الإعادة بصورة الالتفات بعد الفراغ.
2- من نسي الانتصاب من الركوع و ذكره قبل الدخول في السجود، يعود إلى الانتصاب حتّى يكون سجوده من الانتصاب بعد الركوع؛ و ذلك لكونه واجباً مع عدم فوات محلّه. و من نسي الطمأنينة في الانتصاب بعد الركوع و ذكرها قبل الدخول في السجود، احتمل فوات محلّها؛ لاحتمال كونها واجبة في حال الانتصاب، فلا يعود إلى الانتصاب مطمئنّاً، و يحتمل كونها شرطاً للانتصاب. و لا يترك الاحتياط بالعود إلى الانتصاب مطمئنّاً برجاء المطلوبية. و يظهر من المحقّق في «الشرائع»(شرائع الإسلام 1: 105.) : أنّه لو نسي الطمأنينة حال رفع الرأس من الركوع و ذكره بعد السجود فلا يعود، و أمّا لو ذكره قبل السجود قام مطمئنّاً. و علّله في «الجواهر» بقوله: «لأنّه ممكن، فيجب للاستصحاب». ثمّ ناقش فيه بقوله: «و لكن قد يناقش باستلزام زيادة قيام لو كان المنسي الطمأنينة خاصّة. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّها شرط فيه، فلا يكون الأوّل صحيحاً. و لكن لا يخلو من نظر؛ لاحتمال كونها واجباً حاله، و الفرض أنّه قد فات»(جواهر الكلام 12: 276.)، انتهى.

ص: 174

و من نسي الذكر في السجود أو الطمأنينة فيه أو وضع أحد المساجد حاله، و ذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود، أتى بالذكر، لكن في غير نسيان الذكر يأتي به بقصد القربة المطلقة لا الجزئيّة (1). و لو ذكر بعد رفع الرأس فقد جاز محلّ التدارك فيمضي في صلاته.


1- من نسي الذكر في السجود و ذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود أتى بالذكر بلا خلاف؛ لبقاء محلّه. و من نسي الطمأنينة حال الذكر في السجود و ذكرها قبل أن يخرج عن مسمّى السجود، أتى بالذكر مطمئنّاً، بقصد القربة المطلقة من الذكر لتدارك الطمأنينة، لا بقصد الجزئية؛ لاحتمال كفاية الذكر أوّلًا في غير حال الطمأنينة مع تجاوز محلّه. و من نسي وضع أحد المساجد حال الذكر مطمئنّاً و ذكر قبل أن يخرج عن مسمّى السجود أتى بالذكر مطمئنّاً بقصد القربة المطلقة، لا الجزئية مع وضع ما هو المنسي من المساجد؛ لكونه من الواجب في الواجب، فوجب تداركه. هذا كلّه فيما ذكر المنسي- ذكراً كان، أو طمأنينة، أو وضع أحد المساجد- في السجود قبل رفع الرأس منه. و لو ذكره بعد الخروج عن مسمّاه فقد جاز محلّ التدارك، فيمضي في صلاته إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن رجل نسي تسبيحه في ركوعه و سجوده؟ قال: «لا بأس بذلك»(وسائل الشيعة 6: 320، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 15، الحديث 2.)

ص: 175

و من نسي الانتصاب من السجود الأوّل أو الطمأنينة فيه، و ذكر قبل الدخول في مسمّى السجود الثاني، انتصب مطمئنّاً و مضى فيها، لكن في نسيان الطمأنينة يأتي رجاءً و احتياطاً. و لو ذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فقد جاز محلّ التدارك فيمضي فيها (1). و من نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو بعضه، و ذكر قبل الوصول إلى حدّ الركوع أو قبل التسليم- إن كان المنسيّ السجدة الأخيرة أو التشهّد الأخير- يتدارك المنسي و يعيد ما هو مترتّب عليه (2).


1- و يعلم وجه هذه المسألة ممّا ذكرناه فيمن نسي الانتصاب من الركوع أو الطمأنينة في الانتصاب و ذكر قبل الدخول في السجود و بعد الدخول فيه.
2- قد مرّ الكلام فيمن نسي السجدة أو التشهّد مع تجاوز محلّهما، و أنّه يمضي في صلاته مع قضائهما و سجدتي السهو. و أمّا من نسي السجدة الواحدة من ركعة و ذكرها قبل ركوع الركعة اللاحقة، تدارك السجدة المنسية و يعيد ما هو مترتّب عليها. و الوجه في وجوب التدارك- مضافاً إلى الإجماع، و أصالة بقاء التكليف بالمنسي- هو صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد، ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم، ثمّ يسجد، فإنّها قضاء»، قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) و رواية أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم؟ قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و الوجه في إعادة ما هو مترتّب عليها هو وجوب وضع كلّ واجب في موضعه ما دام لم يتجاوز محلّه، فجزئية كلّ واجب في الحقيقة مقيّدة بكونه واقعاً موقعه و في محلّه. و من نسي السجدة الأخيرة من الركعة الأخيرة و ذكرها قبل التسليم، وجب عليه تداركها لبقاء محلّها، و يعيد ما هو مترتّب عليه لما ذكر. و من نسي التشهّد أو بعضه في الركعة الثانية و ذكر قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة يتداركه، و يعيد ما هو مترتّب عليه. و من نسيه أو بعضه في الركعة الأخيرة و ذكره قبل التسليم، يتداركه و يعيد ما هو مترتّب عليه.

ص: 176

ص: 177

و لو نسي سجدة واحدة أو التشهّد من الركعة الأخيرة و ذكر بعد التسليم، فإن كان بعد فعل ما يبطل الصلاة عمداً و سهواً كالحدث، فقد جاز محلّ التدارك، و إنّما عليه قضاء المنسي و سجدتا السهو. و إن كان قبل ذلك، فالأحوط في صورة نسيان السجدة الإتيان بها من دون تعيين للأداء و القضاء، ثمّ بالتشهّد و التسليم احتياطاً، ثمّ سجدتي السهو احتياطاً، و في صورة نسيان التشهّد الإتيان به كذلك، ثمّ بالتسليم و سجدتي السهو احتياطاً؛ و إن كان الأقوى فوت محلّ التدارك فيهما بعد التسليم مطلقاً، و عليه قضاء المنسيّ و سجدتا السهو (1). و من نسي التسليم و ذكره قبل حصول ما يبطل الصلاة عمداً و سهواً تداركه، فإن لم يتداركه بطلت صلاته، و كذا لو لم يتدارك ما ذكره في المحلّ على ما تقدّم.


1- لو نسي سجدة واحدة أو التشهّد من الركعة الأخيرة و ذكر بعد التسليم و بعد فعل ما يبطل الصلاة- كالحدث و الاستدبار- فقد جاز محلّ التدارك. و حينئذٍ يمتنع وضع المنسي في موضعه و فعله في محلّه و إعادة ما هو مترتّب عليه. و يجب عليه قضاء المنسي مع حفظ جميع شرائط الصلاة عند قضائه، ثمّ الإتيان بسجدتي السهو. و لو ذكر المنسي بعد التسليم و قبل فعل ما يبطل الصلاة، فالأقوى فوت محلّ التدارك بالتسليم الحاصل به الخروج عن الصلاة و الانصراف، فحينئذٍ يجب عليه قضاء المنسي و سجدتا السهو، و كان التسليم الواقع في الركعة الأخيرة واقعاً في محلّه، و ليس من قبيل التسليم الواقع في غير محلّه، كالتسليم في الركعة الاولى من الثنائية، و في الركعة الثانية من الثلاثية و الرباعية، و في الثالثة من الرباعية؛ فإنّ التسليم في هذه الموارد واقع في غير محلّه. و يدلّ عليه صحيح العيص قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع؟ قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 8.) و موثّق عمّار في حديث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات، و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث؟ قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) و الأحوط في صورة نسيان السجدة الأخيرة و ذكرها بعد التسليم و قبل فعل المنافي، الإتيان بها بقصد ما في الذمّة- أي من غير تعيين الأداء أو القضاء- ثمّ يأتي بالتشهّد و التسليم، ثمّ يسجد سجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة؛ أي من غير قصد تعيين أنّ سجدتي السهو لخصوص نسيان السجدة أو لزيادة السلام. و في صورة نسيان التشهّد الإتيان به بقصد ما في الذمّة، ثمّ التسليم، ثمّ سجدتي السهو بقصد ما في الذمّة؛ أي إمّا للتشهّد المنسي، بناءً على كون التسليم في محلّه، و إمّا لزيادة التسليم، بناءً على وقوعه في غير محلّه. و الحاصل: أنّه بعد إتيان المنسي- سواء كان السجدة الأخيرة أو التشهّد-يسجد سجدتي السهو بقصد ما في الذمّة؛ لأنّ السبب إمّا نسيان السجدة الأخيرة أو التشهّد حتّى تجاوز المحلّ، و إمّا زيادة السلام و وقوعه في غير محلّه. و في بعض حواشي «العروة» فرق بين نسيان السجدة الأخيرة و نسيان التشهّد؛ بأنّه يأتي سجدتي السهو مرّتين في نسيان السجدة، مرّة بقصد ما في الذمّة، و مرّة اخرى لاحتمال وقوع التسليم في غير محلّه. و في نسيان التشهّد يسجد سجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة. و فيه: أنّ إتيان سجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة مجزٍ على أيّ حال؛ لأنّ السبب- كما ذكرنا- إمّا نسيان السجدة الواحدة، أو التشهّد، أو زيادة السلام، فلا وجه على إتيانهما مرّتين في نسيان السجدة الواحدة.

ص: 178

ص: 179

(مسألة 3): من نسي الركعة الأخيرة- مثلًا- فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام و أتى بها،

و لو ذكرها بعده قبل فعل ما يبطل سهواً قام و أتمّ أيضاً، و لو ذكرها بعده استأنف الصلاة من رأس؛ من غير فرق بين الرباعية و غيرها، و كذا لو نسي أكثر من ركعة، و كذا يستأنف لو زاد ركعة قبل التسليم بعد التشهّد أو قبله (1).


1- من نسي الركعة الأخيرة- مثلًا- فذكرها بعد التشهّد قبل التسليم قام و أتى بها؛ لبقاء محلّها. و حكم التشهّد الواقع قبل التسليم: أنّه إن وقع في غير محلّه- بأن تشهّد بعد الركعة الاولى في الثنائية، أو تشهّد بعد الثالثة في الرباعية- أوجب سجدتي السهو، بناءً على وجوبه في كلّ زيادة سهوية. و قوله: «مثلًا» للإدراج في المسألة من قام بعد سجدتي الركعة الاولى إلى الركعة الثالثة باعتقاده و أتى بالتسبيحات و الركوع و السجدتين و تشهّد، ثمّ ذكر أنّه نسي الركعة الثانية، فيجعل ما بيده ركعة ثانية و قام للركعة الثالثة و يتمّ صلاته. و من نسي الركعة الأخيرة و ذكرها بعد التسليم و قبل فعل ما يبطل الصلاة سهواً قام و أتمّ أيضاً؛ لبقاء المحلّ، و يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة السلام في غير محلّه. و يدلّ عليه موثّق عمّار المتقدّم. و لو ذكرها بعد التسليم و بعد فعل ما يبطل الصلاة استأنف الصلاة من رأس، من غير فرق بين الرباعية و غيرها. و من نسي أكثر من ركعة واحدة فحكمه حكم من نسي ركعة واحدة فيما ذكر. و من زاد على صلاته ركعة قبل التسليم بطلت صلاته؛ سواء كانت الزيادة بعد التشهّد أو قبله. و من زاد ركعة بعد التسليم فلا أثر له في صلاته.

ص: 180

(مسألة 4): لو علم إجمالًا- قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به،

و قبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه- إمّا بفوات سجدتين من الركعة السابقة، أو القراءة من هذه الركعة، يكتفي بالإتيان بالقراءة على الأقوى. و كذا لو حصل له ذلك بعد الشروع في تكبير القنوت، أو بعد الشروع فيه أو بعده، فيكتفي بالقراءة على الأقوى، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة (1).


1- لو علم إجمالًا أنّ الفائت أحد الأمرين: إمّا السجدتان من الركعة السابقة، و إمّا القراءة من هذه الركعة، و كان حصول العلم قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به، أو قبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدم إتيان تكبير الركوع، فالأقوى الاكتفاء بالإتيان بالقراءة من غير لزوم الإعادة. و الوجه فيه: أنّ الشكّ في إتيان القراءة شكّ في المحلّ، فيجب إتيانها، و الشكّ في فوات السجدتين شكّ بعد تجاوز المحلّ، فالعلم الإجمالي في الحقيقة ينحلّ إلى العلم التفصيلي بتجاوز المحلّ بالنسبة إلى الشكّ في فوات السجدتين بعد أن دخل في قيام الركعة الثانية، و عدم تجاوزه بالنسبة إلى الشكّ في فوات القراءة، فيعمل بمقتضى العلم التفصيلي و يكتفى بالإتيان بالقراءة. و كذا يكتفى بالإتيان بالقراءة فيما لو حصل له العلم الإجمالي المذكور بعد الشروع في تكبير القنوت، أو بعد الشروع في القنوت، أو بعد الفراغ عنه و قبل الركوع، لا لأنّ الشكّ في السجدتين بعد الدخول في القنوت شكّ فيهما بعد تجاوز المحلّ؛ لأنّ القنوت ليس جزءاً من الصلاة، بل لأجل أنّ الشكّ في السجدتين بعد الدخول في قيام الركعة الثانية شكّ بعد تجاوز المحلّ يقيناً، فلا يعتنى به، و الشكّ في القراءة قبل ركوع الركعة الثانية شكّ في المحلّ يقيناً، فيعتنى به و يؤتى بالقراءة، فينحلّ العلم الإجمالي المذكور إلى العلم التفصيلي، هذا. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة؛ لاحتمال نقيصة السجدتين في الواقع. لا يخفى: أنّ تقييد المصنّف رحمه الله حصول العلم الإجمالي بفوات السجدتين من الركعة السابقة أو القراءة من هذه الركعة، بقوله: «قبل أن يتلبّس بتكبير الركوع على فرض الإتيان به، و قبل الهويّ إلى الركوع على فرض عدمه» لا وجه له؛ إذ لا أثر للتلبّس بتكبير الركوع على فرض إتيانه، و لا للهويّ إلى الركوع قبل أن يركع-سواءٌ كبّر للركوع أو لا- في انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي المذكور؛ لبقاء محلّ القراءة- على أيّ حال- ما لم يركع، كما لا أثر للدخول في القنوت و الفراغ عنه. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- في المسألة السادسة عشرة من المسائل المتفرّقة في ختام فصل الشكوك- لو علم قبل أن يدخل في الركوع، أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة، أو ترك القراءة، وجب عليه العود لتداركهما و الإتمام، ثمّ الإعادة. و يحتمل الاكتفاء بالإتيان بالقراءة و الإتمام من غير لزوم الإعادة إذا كان ذلك بعد الإتيان بالقنوت، بدعوى: أنّ وجوب القراءة عليه معلومٌ؛ لأنّه إمّا تركها أو ترك السجدتين، فعلى التقديرين يجب الإتيان بها و يكون الشكّ بالنسبة إلى السجدتين بعد الدخول في الغير الذي هو القنوت(العروة الوثقى 2: 70.) ، انتهى موضع الحاجة. حكمه رحمه الله بوجوب تدارك السجدتين و القراءة لأجل تعارض قاعدة التجاوز فيهما، و تساقطهما، و الرجوع إلى أصالة عدم الإتيان، و قاعدة الاشتغال في كلّ من طرفي العلم الإجمالي، و مقتضى الأصلين تدارك الطرفين معاً، فإذا تداركهما لزم أحد الأمرين: إمّا زيادة السجدتين الموجبة لإعادة الصلاة. و إمّا زيادة القراءة الموجبة لسجدتي السهو؛ و لذا يحكم بالإعادة. و فيه: أنّ قاعدة التجاوز لا تجري بالنسبة إلى القراءة؛ لكون الشكّ فيها شكّاً في المحلّ ما لم يدخل في الركوع.

ص: 181

ص: 182

ص: 183

(مسألة 5): لو علم بعد الفراغ أنّه ترك سجدتين و لم يدرِ أنّهما من ركعة أو ركعتين،
اشارة

فالأحوط أن يأتي بقضاء سجدتين، ثمّ بسجدتي السهو مرّتين، ثمّ أعاد الصلاة. و كذا لو كان في الأثناء لكن بعد الدخول في الركوع. و أمّا لو كان قبل الدخول فيه فله صور لا يسع المجال بذكرها (1).

هنا مسائل ثلاث:
الاولى: أن يحصل العلم بعد الفراغ عن الصلاة بترك سجدتين،

1- مع الشكّ في أنّه من ركعة أو ركعتين. و هذا يتصوّر في كلّ من الصلوات الخمس، و يكون أطراف العلم الإجمالي ثلاثة؛ لاحتمال أن يكون الفائت السجدتين كلتيهما من الركعة السابقة، أو كلتيهما من الركعة اللاحقة، أو إحداهما من السابقة و الاخرى من اللاحقة. و الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله أن يأتي بقضاء السجدتين؛ لاحتمال أن يكون الفائت سجدة واحدة من كلّ من الركعتين، فيقضيهما، ثمّ يسجد سجدتي السهو مرّتين، ثمّ يعيد الصلاة؛ لاحتمال أن يكون الفائت السجدتان، إمّا من الركعة السابقة أو اللاحقة، من غير فرق بين فعل المنافي بعد التسليم، و بين عدمه. و الأقوى: أنّ حصول العلم إن كان قبل فعل المنافي يكون الشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية شكّاً في المحلّ، فيأتي بالمشكوك، و بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى شكّاً بعد تجاوز المحلّ و لا يعتنى به، و يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة التسليم في غير محلّه. و إن كان بعد فعل المنافي فمقتضى قاعدة الفراغ صحّة الصلاة، و مقتضى العلم الإجمالي بترك السجدتين قضاءهما مع سجدتي السهو مرّتين.مع الشكّ المزبور في المسألة الاولى. و هذا يتصوّر في الثلاثية و الرباعية، دون الثنائية. فالأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله إتمام الصلاة؛ لاحتمال أن يكون الفائت السجدة الواحدة من كلّ من الركعتين، ثمّ قضاء السجدتين، و سجود السهو مرّتين، ثمّ إعادة الصلاة؛ لبطلانها قطعاً على احتمال فوتهما من ركعة واحدة؛ سابقة كانت أو لاحقة. و الأقوى: الاكتفاء بقضاء السجدتين و سجود السهو مرّتين؛ و ذلك لاشتغال الذمّة يقيناً على السجدة الثانية من كلّ من الركعتين؛ لعدم سقوط أمره يقيناً. و منشأ اليقين إمّا بطلان الصلاة على فرض فوت السجدتين من ركعة واحدة، و إمّا كون الفائت خصوص الثانية من كلّ من الركعتين؛ فلا يسقط أمرها على أيّ حالٍ. و أمّا السجدة الاولى من كلّ من الركعتين فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز فيها. و في «المستمسك»: إذ لا علم بكذب إحداهما- أي إحدى السجدتين الثانيتين من الركعتين- لاحتمال فوت الثانية فقط من كلّ من الركعتين، و لازم ذلك إتمام الصلاة و قضاء السجدتين(مستمسك العروة الوثقى 7: 616.)، انتهى. أو من كلّ واحدة منهما واحدة- و كان حصول العلم قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، فله صور نذكر بعضها: منها: أن يحصل العلم المذكور حال الجلوس للتشهّد قبل أن يتشهّد، فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى بمجرّد القيام للركعة الثانية، فضلًا عن حال الجلوس للتشهّد فيها. و الشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية شكّ في المحلّ، فيتداركهما و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. نعم، الأحوط استحباباً إعادة الصلاة؛ لاحتمال أن يكون الفائت في الواقع السجدتين من الركعة الاولى. و أحوط منه تدارك السجدتين و إتمام الصلاة، ثمّ قضاء سجدة واحدة؛ لاحتمال كون الفائت سجدة واحدة من كلّ من الركعتين، و سجود السهو مرّة، ثمّ إعادة الصلاة. و منها: أن يحصل العلم المذكور في حال التشهّد، فلا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة الثانية من الركعة الثانية؛ لاشتغال الذمّة بها يقيناً، و عدم سقوط أمرها؛ إمّا لأجل بطلان الصلاة على فرض كون الفائت السجدتين كلتيهما من الركعة الاولى، أو عدم امتثال أمرها على فرض كون الفائت سجدة واحدة من كلّ من الركعتين أو سجدتين من الركعة الثانية. و تجري القاعدة بالنسبة إلى السجدة الاولى من الركعة الاولى بلا معارض. و كذا تجري بالنسبة إلى السجدة الثانية من الركعة الاولى. و السجدة الاولى من الركعة الثانية يجب الرجوع فيها إلى قاعدة الشكّ في المحلّ، فيلزم تدارك سجدتي الثانية- الاولى منها لقاعدة الشكّ في المحلّ، و الثانية منها لما ذكر من اشتغال الذمّة بها يقيناً- و الإتمام. نعم، الاحتياط المذكور في الصورة السابقة حسن هنا أيضاً.

ص: 184

الثانية: أن يحصل العلم بترك سجدتين بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة،
الثالثة: لو علم بترك السجدتين- إمّا من الركعة الاولى، أو من الثانية،

ص: 185

ص: 186

(مسألة 6): لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد،

و لا يدري أنّه ترك السجدة- أيضاً- أم لا، فلا يبعد جواز الاكتفاء بالتشهّد، و الأحوط إعادة الصلاة مع ذلك (1).


1- وجه عدم الاعتناء بالشكّ في ترك السجدة هو كون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً فيها بعد الدخول في الغير- الذي هو القيام إلى الثالثة- لأنّ الغير أعمّ من أن يكون واقعاً في محلّه، أو يكون لغواً زائداً و واقعاً في غير محلّه، كما في المسألة. فلا يعتنى بالشكّ المزبور و يكتفى بالتشهّد فقط. و مع ذلك فالأحوط عند المصنّف رحمه الله و من وافقه إعادة الصلاة؛ لاحتمال نقصان السجدة واقعاً. و فيه: أنّ الظاهر من الغير في أخبار قاعدة التجاوز، ما يكون من الصلاة واقعاً في محلّه لو فرض عدم فوات المشكوك، كما لو شكّ في إتيان التشهّد مع الدخول في قيام الثالثة، فإنّ هذا القيام واقع في محلّه و يكتفى به على فرض عدم فوات التشهّد واقعاً، فبقاعدة التجاوز يحكم بإتيان التشهّد تعبّداً؛ فيكون قيام الثالثة واقعاً في محلّه. و ما نحن فيه ليس كذلك؛ لأنّ المفروض ترك التشهّد يقيناً، فيكون القيام للثالثة لغواً و زائداً قطعاً، و يجب عليه الجلوس. فإذا جلس وجب عليه إتيان السجدة؛ لكون شكّه فيها من قبيل الشكّ قبل تجاوز المحلّ، و لا تجب عليه إعادة الصلاة؛ لعدم حصول العلم بزيادة السجدة. نعم، الاحتياط بإعادة الصلاة بعد إتمامها حسن لأجل احتمال زيادة السجدة في الواقع.

ص: 187

القول في الشكّ

و هو إمّا في أصل الصلاة، و إمّا في أجزائها، و إمّا في ركعاتها:
(مسألة 1): من شكّ في الصلاة فلم يدرِ أنّه صلّى أم لا،

و هو إمّا في أصل الصلاة، و إمّا في أجزائها، و إمّا في ركعاتها (1):

(مسألة 1): من شكّ في الصلاة فلم يدرِ أنّه صلّى أم لا،

فإن كان بعد مُضيّ الوقت لم يلتفت و بنى على الإتيان بها، و إن كان قبله أتى بها، و الظنّ بالإتيان و عدمه هنا بحكم الشكّ (2).


1- و زاد في «العروة الوثقى»: الشكّ في شرائطها(العروة الوثقى 2: 12.)
2- الوجه في البناء على إتيان الصلاة و عدم الالتفات على الشكّ في إتيانها بعد مضيّ الوقت هو صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في حديث، قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها، صلّيتها. و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و هذا الصحيح هو الوجه أيضاً في وجوب الاعتناء بالشكّ و لزوم الإتيان بها إذا كان شكّه في الوقت. و لا يخفى أنّ مقتضى الأصل في الشكّ بعد مضيّ الوقت- مع قطع النظر عن النص المزبور- هو سقوط التكليف الثابت في الوقت بعد خروج الوقت؛ حيث إنّ التكليف بالقضاء منوط بثبوت الفوت و هو مشكوك فيه، فيرجع في نفي التكليف بالقضاء إلى أصالة البراءة. و استصحاب عدم إتيان المشكوك في وقته لإثبات الفوت الموجب للقضاء مثبت. هذا بالنسبة إلى الشكّ بعد مضي الوقت، و أمّا الشكّ في الوقت فمقتضى قاعدة الاشتغال وجوب الإتيان بالفعل بل استصحاب عدم إتيان الفعل يقتضي وجوب إتيانه، و حينئذٍ يرتفع الشكّ واقعاً تعبّداً، و مع ارتفاع الشكّ لا يبقى مورد لجريان قاعدة الاشتغال لكونها محكوماً عليها للاستصحاب. ثمّ إنّه لا اعتبار بالظنّ بالإتيان و عدمه هنا، فلو ظنّ في الوقت بإتيان الصلاة أتى بها، كما أنّه لو ظنّ بعدم إتيانها بعد مضيّ الوقت لم يعتن به و بنى على الإتيان بها؛ و ذلك لأنّ المراد من الشكّ في النصّ المزبور هو خلاف اليقين الشامل للظنّ أيضاً، و ليس المراد منه خصوص الشكّ المصطلح، و هو تساوي الطرفين.

ص: 188

(مسألة 2): لو علم أنّه صلّى العصر، و لم يدرِ أنّه صلّى الظهر أيضاً أم لا،

فالأحوط- بل الأقوى- وجوب الإتيان بها؛ حتّى فيما لو لم يبقَ من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر (1).


1- لو علم أنّه صلّى العصر و شكّ في داخل الوقت في أنّه صلّى الظهر أيضاً أم لا، ففي وجوب إتيان الظهر و عدمه وجهان؛ الأحوط لو لم يكن الأقوى هو الأوّل. وجه الوجوب صحيح زرارة و الفضيل المتقدّم: «.. . أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... صلّيتها». بل الأقوى وجوب الإتيان بالظهر؛ حتّى فيما لو لم يبق من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر؛ لأنّ آخر الوقت بمقدار أربع ركعات، بل بمقدار ركعة واحدة، و إن كان مختصّاً بصلاة العصر- بحيث لا يصحّ إتيان الظهر في ذلك الوقت عمداً- و لكن اختصاص ذلك الوقت بالعصر إنّما هو فيما اشتغلت ذمّته بها و لم يصلّها. و أمّا فيما علم بإتيانها صحيحة و تيقّن بفراغ الذمّة منها- كما هو مفروض المسألة- فلا يجوز له إخلاء ذلك الوقت عن صلاة الظهر. و قد تقدّم- في ضمن البحث عن المسألة السابعة من مسائل المقدّمة الاولى «في أعداد الفرائض و مواقيت اليومية و نوافلها»- ما ينفعك هنا، فراجع. و وجه عدم الوجوب صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضي الحائل و الشكّ جميعاً، فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت، إلّا أن يستيقن؛ لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 2.) و في «المستمسك»: و لا مجال لمعارضته بمثل مصحّح الفضيل و زرارة المتقدّم- الدالّ على وجوب الفعل مع الشكّ في الوقت- و إن كان بينهما عموم من وجه؛ لأنّ ظاهر الثاني كون الحكم لحيثية الشكّ في الوقت، و ظاهر الأوّل كون الحكم لحيثية الشكّ بعد فعل الحائل، و هما لا يتنافيان؛ لأنّ الأوّل من قبيل اللامقتضي، و الثاني من قبيل المقتضي(مستمسك العروة الوثقى 7: 424.) أقول: و مورد اجتماعهما هو الشكّ في الوقت في إتيان الظهر بعد أن يصلّي العصر، و مورد افتراق الأوّل- أي صحيح زرارة- هو الشكّ في الظهر خارج الوقت بعد أن يصلّي العصر، و مورد افتراق الثاني- أي مصحّح زرارة و الفضيل- هو الشكّ في الوقت في إتيان الظهر قبل أن يصلّي العصر. و قد يوجّه عدم وجوب إتيان الظهر أيضاً بقاعدة التجاوز المثبتة لوجود المشكوك المتجاوز عنه تعبّداً، و إن كان الشكّ بعد الفراغ من العصر. و مثله ما لو شكّ في التسليم و قد فرغ من التعقيب.

ص: 189

ص: 190

نعم لو لم يبقَ إلّا هذا المقدار، و علم بعدم الإتيان بالعصر، و كان شاكّاً في الإتيان بالظهر، أتى بالعصر و لم يلتفت إلى الشكّ. و أمّا لو شكّ في إتيان العصر في الفرض فيأتي به، و الأحوط قضاء الظهر. و كذا الحال فيما مرّ بالنسبة إلى العشاءين (1).


1- إذا لم يبق من الوقت إلّا مقدار الاختصاص بالعصر و تيقّن في ذلك الوقت بعدم إتيان العصر، وجب عليه إتيانه. و إن كان شاكّاً في ذلك الوقت في إتيان الظهر لم يلتفت إلى شكّه؛ لكون الشكّ بالنسبة إليه شكّاً بعد الوقت. و لو شكّ في وقت اختصاص العصر في إتيان الظهر و العصر معاً كان شكّه بالنسبة إلى الظهر شكّاً بعد الوقت؛ فلا يعتنى به، و بالنسبة إلى العصر شكّاً في الوقت أتى به. و وجه الاحتياط في قضاء الظهر هو اشتراك صلاة الظهر و العصر في جميع الوقت- من أوّل الزوال إلى استتار القرص- إلّا أنّ هذه قبل هذه؛ فيكون الشكّ في ذلك الوقت شكّاً في الوقت بالنسبة إلى الظهر أيضاً. ثمّ إنّ العشاءين كالظهرين في تمام الأحكام المذكورة في المسألة الثانية من المتن؛ لوحدة الملاك. فرع إذا شكّ في فعل الصلاة و قد بقي من الوقت مقدار ركعة، فهل ينزل منزلة تمام الوقت، أو لا؟ وجهان مبنيان على أنّ المراد من الوقت في قوله عليه السلام: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة» هل هو الأعمّ من الوقت الحقيقي- أي كان الوقت مقدار تمام الصلاة- و التنزيلي- أي كان مقدار ركعة منها- حيث إنّ إدراك ركعة من الصلاة في الوقت بمنزلة إدراك تمام الصلاة فيه؛ للأخبار المعتبرة؛ منها النبوي المشهور: «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(ذكرى الشيعة 2: 352.) وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) . أو خصوص الوقت الحقيقي؛ لانصراف الوقت في قوله عليه السلام: «شككت في وقت فريضة» إليه؟ فعلى الأوّل يعتنى بالشكّ، دون الثاني. و لا يخفى: أنّ الوجه الأوّل أظهر، و هو الأقوى، فيحمل النصّ: «وقت فريضة» عليه. و على فرض تساوي الاحتمالين يكون النصّ مجملًا غير قابل للاستدلال به، فيرجع إلى استصحاب شغل الذمّة في الوقت التنزيلي، و مقتضاه الاعتناء بالشكّ في ذلك الوقت. هذا كلّه فيما إذا بقي من الوقت مقدار ركعة. و أمّا لو بقي منه أقلّ من ذلك فالأقوى كونه بمنزلة الخروج؛ لعدم صدق وقت الفريضة عليه، لا حقيقة و لا تنزيلًا، بل يصدق عليه خروج الوقت بقسميه؛ فلو شكّ في ذلك الوقت في إتيان الصلاة لا يعتنى به. و في «المستمسك»: اللهمّ إلّا أن يكون المراد منه الشكّ بعد خروج تمام الوقت، لكنّه غير ظاهر(مستمسك العروة الوثقى 7: 427.)

ص: 191

ص: 192

(مسألة 3): إن شكّ في بقاء الوقت و عدمه يلحقه حكم البقاء.

(مسألة 3): إن شكّ في بقاء الوقت و عدمه يلحقه حكم البقاء (1).

(مسألة 4): لو شكّ في أثناء صلاة العصر في أنّه صلّى الظهر أم لا،

فإن كان في وقت الاختصاص بالعصر بنى على الإتيان بالظهر، و إن كان في وقت المشترك بنى على عدم الإتيان بها، فيعدل إليها (2).


1- الوجه في الحكم المذكور هو استصحاب بقاء الوقت.
2- وجه البناء على الإتيان بالظهر فيما لو شكّ و كان حدوث شكّه في أثناء صلاة العصر الواقعة في الوقت المختصّ بها، هو كون شكّه شكّاً بعد خروج الوقت. و أمّا فيما إذا كان شكّه في أثناء العصر الواقعة في الوقت المشترك فيبني على عدم إتيان الظهر؛ فيشمله قوله عليه السلام في صحيح الفضيل و زرارة المتقدّم: «أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... صلّيتها» ، هذا. مضافاً إلى أنّ مقتضى استصحاب شغل الذمّة بالظهر هو البناء على عدم الإتيان بها، فكان بمنزلة من تذكّر في أثناء العصر أنّه لم يفعل الظهر، فوجب عليه العدول من العصر إلى الظهر.

ص: 193

(مسألة 5): لو علم أنّه صلّى إحدى الصلاتين من الظهر أو العصر، و لم يدرِ المعيّن منهما،

فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر يأتي به، و الأحوط قضاء الظهر، و إن كان في الوقت المشترك أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة (1).


1- لو علم أنّه صلّى إحدى الظهرين و لم يدر المعيّن منهما، فإن كان في الوقت المختصّ بالعصر ففي الحقيقة يحصل له شكّان: أحدهما بالنسبة إلى خصوص الظهر، فهو شكّ بعد الوقت فلا يعتني به، و الآخر بالنسبة إلى خصوص العصر، و هو شكّ في وقتها فيعتني به و يأتي بها. و وجه الاحتياط في قضاء الظهر: احتمال أن تكون المأتي بها المردّدة بين الظهر و العصر هي العصر واقعاً، و بإتيانها في الوقت المختصّ بها تكرّر هي، و تفوت الظهر في الوقت فيقضيها. و لا يخفى: أنّ الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر- في أنّ المأتي بها هل هي الظهر، أم هي العصر- يصلح أن يكون شكّاً في الوقت بالنسبة إلى الظهر، بناءً على الاحتمال المذكور- و أنّ المأتي بها المردّدة هي العصر واقعاً- كما أنّه يصلح أن يكون شكّاً بعد الوقت، بناءً على احتمال عدم إتيان العصر واقعاً. و بالجملة: يحتمل كون الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر شكّاً في الوقت بالنسبة إلى الظهر، كما يحتمل كونه شكّاً بعد الوقت بالنسبة إليها. و الاحتمالان متساويان؛ فيرجع إلى قاعدة الاشتغال، و مقتضاها وجوب إتيان أربع ركعات مردّدة بين الظهر و العصر. و في «المستمسك»: نعم يمكن إثبات الاختصاص بالعصر بأصالة عدم فعلها. و لا يعارض بأصالة عدم فعل الظهر؛ لأنّه لا ينفي ذلك- أعني الاختصاص بالعصر- بل إذا ثبت اختصاص الوقت بالعصر كانت قاعدة الشكّ بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر حاكمة على أصالة عدم الإتيان بها؛ فيمتنع التعارض بينهما(مستمسك العروة الوثقى 7: 429.) ، انتهى. هذا كلّه إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر. و لو كان في الوقت المشترك أو في خارج الوقت، أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة، و به يحصل فراغ الذمّة، و لم تشتغل ذمّته بأزيد من ذلك.

ص: 194

و لو علم أنّه صلّى إحدى العشاءين، ففي الوقت المختصّ بالعشاء يأتي به و يقضي المغرب احتياطاً، و في الوقت المشترك يأتي بهما (1).

(مسألة 6): إنّما لا يعتني بالشكّ في الصلاة بعد الوقت،

و يبني على إتيانها فيما إذا كان حدوثه بعده. فإذا شكّ فيها في أثناء الوقت، و نسي الإتيان بها حتّى خرج الوقت، وجب قضاؤها (2).


1- الكلام في هذه المسألة، هو الكلام في المسألة السابقة حرفاً بحرف، إلّا أنّه في الوقت المختصّ بالعشاء يأتي بها و يقضي المغرب احتياطاً، و في الوقت المشترك أو في خارج الوقت يأتي بالعشاءين؛ لأنّ الفراغ اليقيني لا يحصل إلّا بذلك، بخلاف المسألة السابقة فقد يكفي فيها إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة؛ لكون الصلاتين متّحدتين في الركعات.
2- المراد من الشكّ بعد الوقت- الذي لا يعتنى به، بل يبنى على إتيان الصلاة- هو الشكّ الحادث بعد الوقت واقعاً. و على هذا: فلو شكّ في أثناء الوقت و كانت وظيفته الإتيان بالصلاة، و نسي و لم يأت بها في الوقت و تذكّر بعد الوقت، فهو و إن كان شاكّاً في خارج الوقت في إتيان الصلاة في وقتها؛ لكنّه يعتني بشكّه؛ لكون شكّه حادثاً في أثناء الوقت، و يجب عليه قضاؤها لاستصحاب شغل الذمّة.

ص: 195

(مسألة 7): لو شكّ في الإتيان و اعتقد أنّه خارج الوقت،

ثمّ تبيّن بعده أنّ شكّه كان في أثنائه، قضاها. بخلاف العكس؛ بأن اعتقد حال الشكّ أنّه في الوقت، فترك الإتيان بها عمداً أو سهواً، ثمّ تبيّن أنّه كان خارج الوقت، فليس عليه القضاء (1).

(مسألة 8): حكم كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة و عدمه حكم غيره،

فيجري فيه التفصيل بين كونه في الوقت و خارجه. و أمّا الوَسواسيّ فالظاهر أنّه لا يعتني بالشكّ و إن كان في الوقت (2).


1- يجب القضاء فيما لو شكّ في الإتيان و اعتقد أنّه خارج الوقت و لم يعتنِ بشكّه، ثمّ تبيّن أنّ شكّه كان في أثناء الوقت؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال، حيث إنّ الاعتبار بزمان حدوث الشكّ، و هو أثناء الوقت في الواقع، و لا اعتبار بما اعتقده مع كشف خلافه.
2- سيأتي تعريف كثير الشكّ في المسألة الاولى من مسائل «القول في الشكوك التي لا اعتبار بها». و يجري في كثير الشكّ في الإتيان بالصلاة و عدمه التفصيل بين كونه في الوقت و خارجه. فالشاكّ بالشكّ المتعارف لا يعتني بشكّه إذا كان في خارج الوقت، و كذا كثير الشكّ. و أمّا في أثناء الوقت فلا فرق بين كثير الشكّ و الشاكّ المتعارف في اعتناء كلّ منهما بشكّه في إتيان الصلاة و عدمه ما دام لم يبلغ شكّه حدّ الوسواس. و هذا القول هو المشهور بين فقهائنا. و يدلّ عليه إطلاق دليل وجوب الاعتناء بالشكّ في وقت الفريضة، خرج منه كثير الشكّ الذي كان متعلّق شكّه أجزاء الصلاة- ركعة كانت أو غيرها- كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة، فيشكّ في الركوع فلا يدري أركع أم لا؟ و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟ فقال: «لا يسجد و لا يركع، و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً ...»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) الحديث، فمورد هذا الموثّق هو كثير الشكّ في الأجزاء- كالركوع و السجود- فلا يشمل كثير الشكّ في نفس الصلاة؛ فيبقى هو تحت عموم صحيح الفضيل و زرارة المتقدّم: «أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها ... صلّيتها»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و ذهب النراقي رحمه الله في «المستند»- تبعاً لبعض مشايخه- إلى عدم التفات كثير الشكّ إلى شكّه في أصل صلاته و المضيّ فيها. قال: لو شكّ كثير الشكّ في أصل فعل الصلاة لا يلتفت إليه و يبني على الفعل، كما صرّح به بعض مشايخنا المحقّقين. و تدلّ عليه العلّة المتقدّمة(مستند الشيعة 7: 200.) ، انتهى. مراده من العلّة المتقدّمة، ما ورد في بعض الروايات من عدم تعويد الشيطان، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك؛ فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح زرارة و أبي بصير جميعاً قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: «يعيد»، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال: «يمضي في شكّه»، ثمّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ»، قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.) و أجاب عنه في «المستمسك»: بأنّه يتوقّف على إحراز كون كثرة الشكّ هنا من الشيطان، و هو غير ظاهر مطلقاً. و كونه من الشيطان إذا كان يؤدّي إلى نقض الصلاة، لا يلزم كونه كذلك في غيره(مستمسك العروة الوثقى 7: 431.) ، انتهى. ثمّ إنّ التفات كثير الشكّ في أصل صلاته إلى شكّه في الوقت إنّما هو فيما لم يبلغ حدّ الوسواس، فإذا بلغ ذلك الحدّ فالظاهر أنّه لا يلتفت إلى شكّه، بل يبني على الإتيان؛ للإجماع على حرمة العمل عليه.

ص: 196

ص: 197

ص: 198

القول في الشكّ في شي ء من أفعال الصلاة
(مسألة 1): من شكّ في شي ء من أفعال الصلاة: فإن كان قبل الدخول في غيره
اشارة

ممّا هو مترتّب عليه وجب الإتيان به، كما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام قبل أن يدخل في القراءة حتّى الاستعاذة، أو في الحمد قبل الدخول في السورة، أو فيها قبل الأخذ في الركوع، أو فيه قبل الهويّ إلى السجود، أو فيه قبل القيام أو الدخول في التشهّد (1).


1- وجه إتيان ما شكّ فيه من أفعال الصلاة إذا كان قبل الدخول في غيره كالأمثلة المذكورة في المتن- مضافاً إلى استصحاب عدم إتيان المشكوك و اشتغال الذمّة به- هو صحيح عمران بن علي الحلبي قال: قلت: الرجل يشكّ و هو قائم، فلا يدري أركع أم لا؟ قال: «فليركع»(وسائل الشيعة 6: 315، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ و هو قائم، فلا يدري أركع أم لم يركع؟ قال: «يركع و يسجد»(وسائل الشيعة 6: 316، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، الحديث 2.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل رفع رأسه عن السجود، فشكّ قبل أن يستوي جالساً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»، قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»(وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 6.) و قد يستدلّ أيضاً بمفهوم الشرط في بعض النصوص، كذيل صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض، كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه»(وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 4.) و يظهر من بعض الأخبار وجوب إتيان المشكوك مطلقاً، كما في صحيح أبي بصير و الحلبي جميعاً في الرجل لا يدري أركع أم لم يركع؟ قال: «يركع»(وسائل الشيعة 6: 316، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 12، الحديث 4.) و صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل سها، فلم يدرِ سجدة سجد أم ثنتين؟ قال: «يسجد اخرى، و ليس عليه بعد انقضاء الصلاة سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 368، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 1.) و صحيح زيد الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل شُبّه عليه، فلم يدرِ واحدة سجد أو ثنتين؟ قال: «فليسجد اخرى»(وسائل الشيعة 6: 368، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 2.) . و غيره من بعض روايات الباب الخامس عشر من أبواب السجود من «الوسائل». هذه الروايات و إن كانت مطلقة، لكنّها تحمل على ما لم يدخل في الغير، بقرينة الصحاح المتقدّمة المقيّدة بعدم الدخول في الغير. و يظهر من بعض الأخبار أيضاً المضيّ في الصلاة و عدم الاعتناء بالشكّ فيما لو شكّ في الركوع و هو قائم، كما في صحيح الفضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أستتمّ قائماً، فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: «بلى قد ركعت، فامض في صلاتك، فإنّما ذلك من الشيطان»(وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 3.) و أجاب عنه الشيخ في «التهذيب» و قال: فليس بمنافٍ لما ذكرناه؛ لأنّه إنّما أراد عليه السلام إذا استتمّ قائماً من الركعة الرابعة؛ فلا يدري أركع في الثالثة أم لا، فحينئذٍ يجب عليه المضيّ في صلاته؛ لأنّه صار من القسم الثاني الذي قدّمناه، و هو أنّه إذا شكّ في الركوع و قد دخل في حالة اخرى يمضي في صلاته(تهذيب الأحكام 2: 151/ ذيل الحديث 592.) ، انتهى. و أجاب صاحب «الوسائل» رحمه الله بقوله: و يمكن الحمل على كثير السهو بقرينة آخره، انتهى. أقول: آخره قرينة على حمله على صورة الوسواس.

ص: 199

ص: 200

ص: 201

و إن كان بعد الدخول في غيره ممّا هو مترتّب عليه- و إن كان مندوباً- لم يلتفت و بنى على الإتيان به؛ من غير فرق بين الأوّلتين و الأخيرتين، فلا يلتفت إلى الشكّ في الفاتحة و هو آخذ في السورة، و لا فيها و هو في القنوت، و لا في الركوع أو الانتصاب منه و هو في الهويّ للسجود، و لا في السجود و هو قائم أو في التشهّد، و لا فيه و هو قائم، بل و هو آخذ في القيام على الأقوى. نعم لو شكّ في السجود في حال الأخذ في القيام يجب التدارك (1).


1- وجه عدم الالتفات إلى الشكّ و البناء على الإتيان فيما كان بعد الدخول في الغير، هو صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة و قد ركع؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع و قد سجد؟ قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة، إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيح إسماعيل بن جابر المتقدّم، فراجع. و صحيح حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أشكّ و أنا ساجد، فلا أدري ركعت أم لا؟ قال: «امض»(وسائل الشيعة 6: 317، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع؟ قال: «يمضي في صلاته»(وسائل الشيعة 6: 318، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 5.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل أهوى إلى السجود، فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال: «قد ركع»(وسائل الشيعة 6: 318، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 13، الحديث 6.) هل هو خصوص الجزء الواجب من أجزاء الصلاة، أو أعمّ منه و من الأجزاء المستحبّة، كما لو شكّ في التكبير و قد دخل في الاستعاذة، أو شكّ في القراءة و قد دخل في القنوت. الأقوى هو الثاني؛ و ذلك لإطلاق لفظ «الغير» في النصوص. و حكي عن «الذكرى» و «إرشاد الجعفرية» و «الروض» و «الروضة»: أنّه يعتني بالشكّ و يلزم التدارك فيما كان الغير من المندوبات. و فيه: أنّ تقييد المطلق يحتاج إلى دليل، و هو مفقود. بين الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين، و هذا هو المشهور بين الأصحاب، و هو الأقوى. و الدليل عليه إطلاق نصوص المسألة، و خصوص صحيح زرارة المتقدّم: «رجل شكّ في التكبير و قد قرأ»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) ، و هو صريح في الركعة الاولى. و ذهب جماعة من القدماء- كالشيخين و ابن حمزة و العلّامة- إلى الاختصاص بالركعتين الأخيرتين. و أمّا في الركعتين الأوّلتين فيعتني بشكّه. و استدلّوا بأخبار كثيرة ذكرها الشيخ في «التهذيب» في الباب العاشر- باب أحكام السهو في الصلاة و ما يجب منه إعادة الصلاة- و هو رحمه الله عنون كلام الشيخ المفيد رحمه الله بهذه العبارة: «و كلّ سهو يلحق الإنسان في الركعتين الأوّلتين من فرائضه فعليه إعادة الصلاة»(تهذيب الأحكام 2: 176، الباب 10.) و نحن نذكر بعض تلك الأخبار: منها: صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه تعالى على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم، يعني سهواً، فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و منها: موثّق سماعة قال: قال عليه السلام: «إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين من الظهر و العصر، فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 191، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 17.) ، و غيرهما من روايات الباب. و منها: رواية «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمائة قال: «لا يكون السهو في خمس: في الوتر، و الجمعة، و الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة مكتوبة، و في الصبح، و في المغرب»(وسائل الشيعة 8: 197، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 14.)و اجيب: بأنّ هذه الروايات و إن كانت صريحة في وجوب الالتفات إلى الشكّ في الركعتين الأوّلتين، و لكنّها محمولة على ما إذا كان الشكّ في عدد الركعات. و هذا ممّا لا ينكر من أحدٍ، و ليس محلّ البحث. و موضوع البحث هو الشكّ في إتيان جزء من أجزاء الصلاة مع الدخول في غيره؛ فإنّه لا يلتفت إلى الشكّ فيه و يمضي في الصلاة، و إن كان ذلك الجزء من الأجزاء في الركعتين الأوّلتين؛ حتّى تكبيرة الإحرام، كما هو صريح صحيح زرارة المتقدّم: «رجل شكّ في التكبير و قد قرأ». المترتّب على المشكوك فيه، أو الأعمّ منه و ممّا هو مقدّمة للجزء، كالهويّ للسجود و النهوض للقيام و الأخذ فيه؟ نسب الثاني إلى المشهور، و هو الأقوى؛ لإطلاق لفظ «الغير» في النصوص. فلو شكّ في الركوع حال الهويّ للسجود فلا يلتفت إليه و يمضي في صلاته. و كذا لو شكّ في التشهّد حال النهوض إلى القيام فلا يعتني به. نعم، لو شكّ في السجود حال النهوض إلى قيام الركعة اللاحقة وجب التدارك؛ و ذلك للنصّ الخاصّ؛ و هو صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل رفع رأسه عن السجود، فشكّ قبل أن يستوي جالساً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»، قلت: فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائماً، فلم يدر أسجد أم لم يسجد؟ قال: «يسجد»(وسائل الشيعة 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 6.) و لا يلحق به- أي بالشكّ في السجود- الشكّ في التشهّد حال النهوض إلى القيام، و الفارق النصّ. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: نعم لو شكّ في السجود- و هو آخذ في القيام- وجب عليه العود. و في إلحاق التشهّد به في ذلك وجه، إلّا أنّ الأقوى خلافه. فلو شكّ فيه بعد الأخذ في القيام لم يلتفت. و الفارق النصّ الدالّ على العود في السجود؛ فيقتصر على مورده و يعمل بالقاعدة في غيره(العروة الوثقى 2: 15.) ، انتهى. و وجه إلحاق التشهّد بالسجود هو أنّ المراد من «الغير» في النصوص ما كان من أفعال الصلاة، و النهوض ليس منها، بل هو مقدّمة للقيام، و في الحقيقة لم يتحقّق التجاوز إلى الغير. كما أنّ الهويّ إلى السجود أيضاً ليس منها، بل هو مقدّمة للسجود، و لذا أفتى جماعة من محشّي «العروة الوثقى» بأنّه لو شكّ في الركوع حال الهويّ إلى السجود، أو في السجود أو التشهّد حال النهوض إلى القيام، رجع. و حينئذٍ: يكون خروج المقدّمات عن الغير من باب التخصّص. و فيه: أنّ «الغير» في النصوص مطلق يشمل المقدّمات أيضاً، إلّا أنّه خرج خصوص الشكّ في السجود حال النهوض إلى القيام بالنصّ؛ فتكون القاعدة مخصّصة بالدليل، و يبقى الباقي تحت القاعدة. أو الأعمّ منه و من المستحبّ؟ الأقوى هو الثاني؛ فلو شكّ في الأذان و الإقامة بعد الدخول في التكبيرة، و في الاستعاذة بعد الدخول في القراءة، و في قوله: «بسم اللَّه و باللَّه» بعد الدخول في التشهّد، و هكذا، فلا يعتني به. و الدليل عليه هو إطلاق لفظ «الشي ء» في النصوص، كما في صحيح زرارة المتقدّم «إذا خرجت من شي ء» و غيره، هذا. مضافاً إلى أنّ الصحيح صريح في عدم الالتفات إلى الشكّ في الأذان و الإقامة بعد الدخول في تكبيرة الإحرام.

ص: 202

بقي الكلام هنا في امور:
الأوّل: أنّ المراد من الغير في قاعدة التجاوز
الثاني: لا فرق في عدم الالتفات إلى الشكّ فيما دخل في الغير

ص: 203

ص: 204

الثالث: المراد من «الغير» في قاعدة التجاوز هل هو خصوص الجزء

ص: 205

الرابع: هل المراد من المشكوك فيه في قاعدة التجاوز هو خصوص الواجب،

ص: 206

(مسألة 2): الأقوى في البناء على الإتيان- و عدم الاعتناء بالشكّ- بعد الدخول في الغير،

عدمُ الفرق بين أن يكون الغير من الأجزاء المستقلّة- كالأمثلة المتقدّمة- و بين غيرها، كما إذا شكّ في الإتيان بأوّل السورة و هو في آخرها، أو أوّل الآية و هو في آخرها، بل أوّل الكلمة و هو في آخرها؛ و إن كان الأحوط الإتيان بالمشكوك فيه بقصد القُربة المطلقة (1).


1- المراد من «الشي ء» المتجاوز عنه و «الغير» المتجاوز إليه- في صحيحي زرارة و إسماعيل بن جابر المتقدّمين: «إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره» ، و «كلّ شي ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره» - هل هو خصوص الأجزاء المستقلّة، أو الأعمّ منها و من غير المستقلّة؟ فيه خلاف. و المراد من الأجزاء المستقلّة، هو الأجزاء المفردة بالتبويب، كالتكبير، و القراءة، و الركوع، و السجود، و التشهّد- مثلًا- كما مثّل بها في النصوص. و المراد من غير المستقلّة أبعاض الأجزاء، كالحمد و السورة بالنسبة إلى القراءة، و الآيات بعضها بالنسبة إلى بعض، و كذا الجملات و الكلمات و حروفها. و يتفرّع عليه: أنّه بناءً على الاختصاص بخصوص الأجزاء المستقلّة يلزم الالتفات إلى الشكّ فيما لو شكّ في قراءة الحمد بعد أن دخل في السورة- مثلًا- لعدم كون إحداهما غيراً بالنسبة إلى الاخرى، و كذا لو شكّ في آية بعد الدخول في آية اخرى، فضلًا عمّا لو شكّ في جملة بعد الدخول في جملة اخرى، أو في كلمة بعد كلمة اخرى، أو حرف بعد حرف آخر. و بناءً على كون «الشي ء» و «الغير» أعمّ يلزم عدم الالتفات إلى الشكّ و وجوب المضيّ في الصلاة. مقتضى إطلاق لفظ «الشي ء» و «الغير» الواقعين في الصحيحين، شمولهما لأبعاض الأجزاء؛ حتّى أبعاض الأبعاض. و الاكتفاء في النصوص بالأبعاض المستقلّة إنّما هو من باب المثال. و مقتضى الاحتياط هو الإتيان بالمشكوك فيه بقصد القربة المطلقة في الأجزاء الغير المستقلّة. و لا يترك الاحتياط فيما شكّ في إتيان كلمة بعد الدخول في كلمة اخرى، فضلًا عمّا لو شكّ في حرف بعد الدخول في حرف آخر؛ فيلتفت إلى الشكّ؛ و ذلك للشكّ في صدق الخروج عن شي ء و الدخول في غيره.

ص: 207

(مسألة 3): لو شكّ في صحّة ما وقع و فساده- لا في أصل الوقوع- لم يلتفت و إن كان في المحلّ؛

و إن كان الاحتياط في هذه الصورة بإعادة القراءة و الذكر بنيّة القُربة، و في الرُّكن بإتمام الصلاة ثمّ الإعادة مطلوباً (1).


1- وجه عدم الالتفات إلى شكّه فيما دخل في غيره- مع كون الشكّ في صحّة المأتي به لا في أصل وقوعه- هو شمول قاعدة التجاوز لموارد الشكّ في صحّة الموجود، باعتبار رجوعه إلى الشكّ في وجود الصحيح مع التجاوز عن محلّه. و إن أبيت عن جريان قاعدة التجاوز إلّا فيما شكّ في أصل وجود الشي ء فقط، فنقول: الوجه في عدم الالتفات إلى شكّه في المسألة، و كذا فيما لم يدخل في غيره، هو جريان قاعدة الفراغ فيه؛ لأنّ موضوعها الشكّ في صحّة الموجود، فيشملهما موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.) ؛ سواءٌ دخل في غيره أم لا. و لا إشكال في حسن الاحتياط بالتدارك و إعادة ما شكّ في صحّته فيما لم يكن ركناً، كالقراءة في الركعتين الأوّلتين، و الذكر في الركعتين الأخيرتين، و غيرهما كالتشهّد. و الاحتياط فيما كان مشكوك الصحّة من الأركان بإتمام الصلاة و إعادتها. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قال بصحّة ما وقع. و استدلّ بأصالة الصحّة في كلّ ما يقع من المسلم(جواهر الكلام 12: 325.) ثمّ إنّ السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» استثنى تكبيرة الإحرام من موارد التدارك، و ألحقها بالأفعال في الإتمام و الإعادة و قال: و إن كان الأحوط الإتمام و الاستئناف إن كان من الأفعال، و التدارك إن كان من القراءة أو الأذكار، ما عدا تكبيرة الإحرام(العروة الوثقى 2: 6.) و الظاهر: أنّه لا وجه للإلحاق إلّا كون التكبيرة من الأركان، كالركوع، و السجود. و فيه: أنّه يمكن تدارك التكبيرة بنية الذكر و قصد القربة المطلقة. و التكبير بقصد الذكر أمره دائر بين تكبيرة الإحرام على فرض فساد تكبيره أوّلًا، و بين الذكر المطلق الذي هو حسن في كلّ حال على فرض صحّته؛ فلا حاجة في الاحتياط بالنسبة إلى التكبيرة إلى الإتمام و الإعادة.

ص: 208

ص: 209

(مسألة 4): لو شكّ في التسليم لم يلتفت إن كان قد دخل فيما هو مترتّب على الفراغ من التعقيب و نحوه،

أو في بعض المنافيات أو نحو ذلك ممّا لا يفعله المصلّي إلّا بعد الفراغ (1)،


1- لو شكّ في التسليم و كان قبل الدخول فيما يفعل بعد الفراغ عن الصلاة، فلا إشكال و لا خلاف في الالتفات إلى شكّه و وجوب التسليم عليه؛ لكونه من قبيل الشكّ في المحلّ، فيعتني به؛ لاستصحاب عدم إتيان المشكوك، و قاعدة الاشتغال. و لو كان الشكّ فيه بعد الدخول فيما هو مترتّب على الفراغ من الصلاة- كالتعقيب و قراءة القرآن و بعض منافيات الصلاة و لو كان صلاة اخرى- لم يلتفت إلى شكّه؛ و ذلك لقاعدة التجاوز، حيث إنّه لا يشترط فيها كون المتجاوز عنه و المتجاوز إليه- المعبّر عنهما في النصوص ب «الشي ء» و «الغير»- مركّباً، بل يشمل ما لم يكن المتجاوز إليه- الغير- من أجزاء ما قبله. و بعبارة واضحة: لا يشترط في قاعدة التجاوز كون الغير من ضمائم ما قبله، بل تجري و لو كان الغير المدخول فيه فعلًا من الأفعال و مستقلًاّ في نفسه، و لكن كان مترتّباً على التسليم، كالأمثلة المذكورة في المتن. و نظيره الشكّ في الأذان أو جزئه الأخير بعد أن دخل في الإقامة، و الشكّ في الجزء الأخير من الإقامة بعد أن كبّر. و بالجملة: أنّ التسليم قد اعتبر له محلّ خاصّ؛ و هو قبل تحقّق ما ينافيه، و قد شكّ في إتيانه بعد أن دخل في الغير؛ سواء كان ذلك الغير تعقيباً أو قراءة قرآن أو صلاة اخرى أو فعلًا من المنافيات. و من هذا البيان يظهر ما فيما أفاده السيّد الخوئي رحمه الله القائل بوجوب الاعتناء بالشكّ في التسليم بعد الدخول في التعقيب؛ لعدم جريان قاعدة التجاوز. و علّله بقوله: إذ ليس للتسليم محلّ خاصّ بالإضافة إلى التعقيب؛ لعدم كونه مشروطاً بالسبق و التقدّم ليصدق التجاوز، و إنّما التعقيب ملحوظ فيه التأخّر، و قد عرفت: أنّ العبرة بالأوّل دون الثاني. إلى أن قال رحمه الله: و يزيدك وضوحاً: أنّها لو كانت جارية في المقام كان اللازم جريانها لو شكّ حال التعقيب في أصل الصلاة؛ لوحدة المناط؛ إذ التعقيب كما أنّه مترتّب على التسليم، مترتّب على الصلاة أيضاً(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 145- 146.) ، انتهى موضع الحاجة. و فيه أوّلًا: أنّ محلّ التسليم إنّما هو قبل الدخول في التعقيب، و التعقيب مترتّب عليه. و في «المستمسك» علّل جريان قاعدة التجاوز في التسليم بعد الدخول في التعقيب بقوله: إذ التعقيب لمّا كان مرتّباً على التسليم، كان الشكّ في التسليم بعد الدخول فيه موضوعاً لقاعدة التجاوز(مستمسك العروة الوثقى 7: 444.) ، انتهى. و ثانياً: أنّ قياس ما نحن فيه على الشكّ في أصل الصلاة حال التعقيب مع الفارق، حيث إنّ المانع من جريان قاعدة التجاوز في المقيس عليه موجود- و هو كون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في الوقت- و لذا لو دخل في صلاة العصر و شكّ في الظهر و كان في الوقت المشترك لا تجري قاعدة التجاوز، بل عدل إلى الظهر.

ص: 210

ص: 211

كما أنّ المأموم لو شكّ في التكبير مع اشتغاله بفعل مترتّب عليه- و لو كان بمثل الإنصات المستحبّ في الجماعة و نحو ذلك- لم يلتفت (1).

(مسألة 5): ما شكّ في إتيانه في المحلّ فأتى به، ثمّ ذكر أنّه فعله، لا يُبطل الصلاةَ

إلّا أن يكون رُكناً. كما أنّه لو لم يفعله مع التجاوز عنه فبان عدم إتيانه، لم يبطل ما لم يكن ركناً و لم يمكن تداركه؛ بأن كان داخلًا في ركن آخر، و إلّا تداركه مطلقاً (2).


1- الوجه في عدم التفات المأموم إلى شكّه في التكبير مع اشتغاله بما يترتّب عليه من المستحبّات للمأموم حال قراءة الإمام بعد انعقاد الجماعة- كالذكر و الإنصات- هو جريان قاعدة التجاوز. و في «الجواهر»: و لو كان المكلّف على هيئة المصلّي، كما لو كان منصتاً أو مشغولًا بتسبيح حال قراءة الإمام و شكّ في التكبير- مثلًا- فيمكن القول بعدم الالتفات؛ لأنّ هذه الأحوال غيرٌ بالنسبة للتكبير، و كذلك في المنفرد. نعم لو كان في حال ليس مترتّباً بعد التكبير يلتفت(جواهر الكلام 12: 322.)، انتهى.
2- لو شكّ في إتيان جزء من أجزاء الصلاة و لم يتجاوز محلّه كانت وظيفته الإتيان به، و بعد ما أتى به تيقّن أنّه قد فعله، فكان المأتي به ثانياً- حسب الوظيفة- زائداً. و حينئذٍ: فإن كان ركناً- كالركوع و السجدتين- كانت الصلاة باطلة؛ لزيادة الركن، و إن لم يكن ركناً فلا تبطل الصلاة بتلك الزيادة؛ لأنّ الزيادة وقعت حسب الوظيفة، و مبطلية الزيادة السهوية مختصّة بالركن. نعم تجب عليه سجدتا السهو للزيادة، بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة. و لا فرق في زيادة غير الركن بين السجدة الواحدة و غيرها من واجبات الصلاة؛ فلو شكّ في سجدة واحدة و لم يتجاوز محلّها أتى بها، و إذا ذكر أنّه قد فعلها مضى في صلاته؛ لعدم كونها وحدها ركناً. و يدلّ عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صلّى، فذكر أنّه زاد سجدة؟ قال: «لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.) و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ، فلم يدرِ أسجد ثنتين أم واحدة، فسجد اخرى ثمّ استيقن أنّه قد زاد سجدة؟ فقال: «لا و اللَّه، لا تفسد الصلاة بزيادة سجدة»، و قال: «لا يعيد صلاته من سجدة، و يعيدها من ركعة»(وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 3.) و لو شكّ في إتيان جزء من أجزاء الصلاة و قد تجاوز محلّه و لم يلتفت إلى شكّه حسب الوظيفة و لم يفعله، ثمّ تبيّن عدم إتيانه، فحينئذٍ: فإن كان محلّ تداركه باقياً تداركه مطلقاً- ركناً كان أو غيره- و إن فات محلّ تداركه بالدخول في الركن فإن كان ركناً بطلت الصلاة؛ لنقصان الركن سهواً، و إن كان غير ركن صحّت. و النقيصة السهوية في غير الركن غير مبطلة. نعم هي توجب سجدتي السهو بناءً على وجوبهما في كلّ نقيصة سهوية.

ص: 212

ص: 213

(مسألة 6): لو شكّ و هو في فعل أنّه هل شكّ في بعض الأفعال المتقدّمة عليه سابقاً أم لا

؟ لا يعتني به، و كذلك لو شكّ في أنّه هل سها كذلك أم لا؟ نعم لو شكّ في السهو و عدمه و هو في محلّ تدارك المشكوك فيه يأتي به (1).


1- لو شكّ بعد تجاوز محلّ فعل في عروض الشكّ له سابقاً في ذلك الفعل- كأن يشكّ حال قراءة السورة في أنّه هل شكّ سابقاً في قراءة الحمد أم لا- لا يعتني به؛ لرجوع شكّه الفعلي في الحقيقة إلى الشكّ في القراءة مع تجاوز محلّه، و حدوث الشكّ سابقاً مشكوك فعلًا، و الأصل عدمه. و لو شكّ فعلًا- و في حال الاشتغال بفعل- في أنّه هل سها سابقاً في بعض الأفعال المتقدّمة أم لا؟ كما إذا شكّ حال القيام في أنّه هل سها عن السجدة أم لا؟ لا يعتني بشكّه؛ لكونه في الحقيقة شكّاً بعد الدخول في الغير، و حدوث السهو سابقاً مشكوك فعلًا، و الأصل عدمه. و لو شكّ في السهو و عدمه و هو في محلّ تدارك المشكوك فيه، يأتي به؛ لأنّه في الحقيقة شكّ في الفعل الذي شكّ في السهو فيه، فيأتي به مع عدم الدخول في الغير. و نظيره ما لو شكّ في الشكّ في إتيان فعل و عدمه، و هو في محلّ التدارك فيأتي به؛ لما ذكر في الشكّ في السهو.

ص: 214

القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة
(مسألة 1): لا حكم للشكّ المزبور بمجرّد حصوله إن زال بعد ذلك،
اشارة

و أمّا لو استقرّ فهو مفسد للثنائيّة و الثلاثيّة و الاوليين من الرباعيّة، و غير مفسد- بل له علاج- في صور منها بعد إحراز الاوليين منها، الحاصل برفع الرأس من السجدة الأخيرة، و أمّا مع إكمال الذكر الواجب فيها، فالأحوط البناء و العمل بالشكّ ثمّ الإعادة؛ و إن كان الأقوى لزوم الإعادة و مفسديّته (1).


1- لا يخفى: أنّ الشكّ لا يترتّب عليه أثر و لا حكم له بمجرّد حصوله؛ فلا تبطل الصلاة بصرف تحقّقه و وجوده، و ليس حاله كحال الحدث في كونه مبطلًا بحيث لا يجدي زواله بعد تحقّقه، بل إن زال بعد ذلك مضى في صلاته قبل فعل المنافي في موارد جواز المضي. و بالجملة: المعيار في الشكّ الذي له أثر و حكم، هو الشكّ المستمرّ. و في «الجواهر»: بل قد يدّعى أنّ مثل العبارة المتقدّمة- إذا شككت في الفجر فأعد- ظاهرة في استمرار الشكّ، لا إذا زال(جواهر الكلام 12: 305/ السطر الأخير.) ، انتهى. و لا يخفى أيضاً: أنّ ظاهر بعض الأخبار و إن كان بطلان الصلاة بمجرّد حصول الشكّ، كما في رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا شككت في المغرب فأعد، و إذا شككت في الفجر فأعد»(وسائل الشيعة 8: 193، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 1.) ، و صحيح العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال: «يعيد»، قلت: المغرب؟ قال: «نعم، و الوتر و الجمعة»، من غير أن أسأله(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 7.) و لكن الظاهر من أخبار اخر اعتبار تحصيل اليقين بالفجر و المغرب، و كذا الركعتين الاوليين من الرباعية؛ لوجوب حفظهما عن الزيادة و النقصان، و عدم جواز المضي فيها على الشكّ. و لا بأس بذكر بعضها: كصحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و صحيحه الآخر عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في المغرب؟ قال: «يعيد حتّى يحفظ، إنّها ليست مثل الشفع»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و موثّق الفضيل قال: سألته عن السهو؟ فقال: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 9.) فهذه الأخبار الدالّة على اعتبار اليقين بالفجر و المغرب تكون حاكماً على تلك الأخبار الدالّة بظاهرها على بطلان الصلاة و وجوب إعادتها بمجرّد الشكّ فيها، فيكون المراد: أنّه لا بدّ في صحّتهما من حفظهما و التيقّن بهما، و مع عدم حفظهما بالاستمرار على الشكّ أعاد. و الوجه في كون الشكّ مفسداً في الثنائية و الثلاثية- مضافاً إلى ما ذكرناه من الروايات- هو موثّق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ فقال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 8.) ثمّ إنّه لا فرق في مبطلية الشكّ في الثنائية بين الفجر و الجمعة و العيدين و صلاة السفر و الآيات. و حكي الإجماع عليه عن جماعة. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر». و إطلاق صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: قلت له: رجل لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يعيد»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 6.) و عموم التعليل في ذيل موثّق سماعة المتقدّم: «لأنّها ركعتان» ، فيستفاد منه: أنّ الشكّ في كلّ صلاة ذات ركعتين موجب للإعادة. و حكي عن جماعة من الأصحاب في صلاة الآيات: أنّه إن تعلّق الشكّ بعددها- أي أنّه في الركعة الاولى أو الثانية أو أزيد- بطلت، و إن تعلّق بركوعاتها فإن كان لم يتجاوز المحلّ أتى بالمشكوك فيه، و إن تجاوز المحلّ لم يلتفت إلى شكّه، إلّا إذا تعلّق شكّه في الركوع بما يرجع إلى الشكّ في الركعات، كما إذا شكّ في أنّه في الركوع الخامس أو السادس، فإن كان في الخامس كان في الركعة الاولى، و إن كان في السادس كان في الثانية. فيرجع شكّه- حينئذٍ- إلى الشكّ في أنّه في الركعة الاولى أو في الركعة الثانية؛ فتبطل صلاته. و نسب إلى الصدوق رحمه الله القول بعدم بطلان المغرب بالشكّ فيه. و استدلّ له بموثّق عمّار الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال: «يتشهّد و ينصرف، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعاً، و إن كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة»، قلت: فصلّى المغرب، فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: «يتشهّد و ينصرف، ثمّ يقوم فيصلّي ركعة، فإن كان صلّى ثلاثاً كانت هذه تطوّعاً، و إن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة، و هذا و اللَّه ممّا لا يقضى أبداً»(وسائل الشيعة 8: 196، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 12.) و هذا الموثّق يدلّ على عدم بطلان الفجر بالشكّ أيضاً. و استدلّ أيضاً بما روي في «المقنع»: إذا شككت في المغرب و لم تدر واحدة صلّيت أم اثنتين فسلّم، ثمّ قم فصلّ ركعة(المقنع: 101.) و فيه أوّلًا: أنّ الصدوق رحمه الله ليس مخالفاً لقاطبة الأصحاب في مبطلية الشكّ في المغرب؛ لأنّه أفتى أوّلًا بالبطلان و وجوب الإعادة، حيث قال قبل نسبة عدم البطلان إلى الرواية: «و إذا شككت في الفجر فأعد، و إذا شككت في المغرب فأعد». و ثانياً: أنّه رحمه الله نسب في كتابه «الأمالي» القول بوجوب الإعادة في الشكّ في المغرب إلى دين الإمامية. و ثالثاً: أنّ القول بعدم البطلان شاذّ مخالف للشهرة العظيمة، كالخبرين المزبورين. و الوجه في كون الشكّ في الاوليين من الرباعية مفسداً، الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، نذكر بعضها: كصحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم- يعني سهواً- فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و مرسل يونس عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 8.) و رواية عبد اللّه بن سليمان العامري عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لمّا عرج برسول اللَّه صلى الله عليه و آله نزل بالصلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين، فلمّا ولد الحسن و الحسين عليهما السلام زاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبع ركعات ...» إلى أن قال: «و إنّما يجب السهو فيما زاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فمن شكّ في أصل الفرض الركعتين الأوّلتين استقبل صلاته»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و رواية الحسن بن علي الوشّاء قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام: «الإعادة في الركعتين الأوّلتين و السهو في الركعتين الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 10.) و صحيح الفضل بن عبد الملك قال: قال لي: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 13.) و موثّق عنبسة بن مصعب قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا شككت في الركعتين الأوّلتين فأعد»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 14.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتّى تثبتهما»(وسائل الشيعة 8: 191، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 15.) و موثّق سماعة قال: قال: «إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين من الظهر و العصر فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين، فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 191، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 17.) و الشكّ في غير الاوليين من الرباعية غير مبطل للصلاة، بل له علاج في صور منها بعد إحراز الاوليين منها و اليقين بسلامتهما. و الوجه في علاج الشكّ المزبور بعض ما ذكرناه من الأخبار، كما في ذيل صحيح زرارة المتقدّم: «و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم». ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا فيما يحصل به إكمال الركعتين الاوليين من الرباعية و إحرازهما على أقوال: الأوّل: أنّه يحصل برفع الرأس من السجدة الثانية من الركعة الثانية. و نسب هذا القول إلى المشهور. و استدلّ له بأنّ المتبادر من الركعة عبارة عن مجموع الأفعال؛ من القيام و القراءة و الذكر و الركوع و السجدتين إلى رفع الرأس من السجدة الثانية، و أنّ الأصل بقاء الركعة ما لم يرفع رأسه من السجدة الثانية؛ فلا يخرج من الركعة بمجرّد تحقّق السجدة الثانية أو بإتمام ذكرها قبل رفع رأسه منها. فلو شكّ بعد إتمام الذكر و قبل رفع رأسه منها فحكمه الإبطال؛ استصحاباً لحكم الشكّ قبل الذكر، و حكم الشكّ حال الذكر. و استدلّ له في «الجواهر» بقوله: و لعموم الأمر بإعادة الصلاة بالشكّ بين الثنتين و الثلاث، و الثنتين و الأربع، بل بمطلق الشكّ المتعلّق بالثنتين، كما يستفاد من حصر الصحّة في بعض المعتبرة في الشكّ بين الثلاث و الأربع، خرج عنه الشكّ بعد الرفع؛ فيبقى غيره(جواهر الكلام 12: 338.) ، انتهى. الثاني: أنّه يحصل بإكمال الذكر الواجب في السجدة الأخيرة، و إن لم يرفع رأسه منها. و قوّاه الشيخ الأنصاري رحمه الله في صلاته، و قال بما خلاصته: و في تحقّقه بإكمال الذكر الواجب فيها وجه قوي؛ و هو صدق تحقّق الركعتين و تيقّنهما، الذي هو مناط الصحّة(أحكام الخلل في الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 9: 299.) ، انتهى. و فيه: أنّ الصحّة منوطة بإكمال الركعتين؛ فما دام لم يرفع رأسه من السجدة الثانية لا يصدق أنّه أكمل الركعتين. و في «الجواهر»: و خروجه- أي رفع الرأس- عن السجود لا ينافي توقّف إكماله عليه، كما عرفت؛ فإنّه فعل واحد مستمرّ لا ينتهي إلّا به(جواهر الكلام 12: 340.) ، انتهى. الثالث: تحقّقه بالدخول في الركوع. و استدلّ له بإطلاق الركعة على الركوع، كما في صحيح حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر؟ فقال: «يقضي ذلك بعينه»، فقلت: أ يعيد الصلاة؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و استدلّ أيضاً بما ورد في صلاة الآيات من إطلاق الركعات على الركوعات، كما في صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الكسوف كم هي ركعة؟ و كيف نصلّيها؟ فقال: «هي عشر ركعات و أربع سجدات ...»(وسائل الشيعة 7: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 7، الحديث 6.) ، الحديث. و بأنّ معظم أجزاء الركعة يحصل بالركوع، فيجتزئ به تنزيلًا للأكثر منزلة الجميع. و يرد على الاستدلالات المذكورة: أنّ إطلاق الركعة على الركوع مسامحة، و المتبادر من الركعة في عرف المتشرّعة مجموع الأفعال من أوّلها إلى رفع الرأس من السجدة الثانية، بل لها حقيقة شرعية في المجموع المذكور. الرابع: تحقّقه بوضع الجبهة على الأرض في السجدة الثانية، و إن لم يتشاغل بالذكر؛ لكمال الركعة بمسمّى هذه السجدة، حيث إنّ الذكر ليس من مقوّمات السجدة، بل هو من واجباتها. و فيه: أنّ المعيار تمامية الركعتين، و لا تتحقّق إلّا بتحقّق تمامية السجدة الثانية من الركعة الثانية. و تمامية السجدة إنّما هي برفع رأسه منها؛ فما دام شاغلًا بها و لم يرفع رأسه منها لا يصدق عليه أنّه أكمل السجدة، أو أنّه أكمل الركعتين، بل يقال: إنّه شاغل بها. ثمّ إنّ المختار من الأقوال المذكورة، هو القول الأوّل المشهور. و يترتّب عليه: أنّه لو شكّ بعد إكمال الذكر في السجدة الثانية من الركعة الثانية و قبل رفع رأسه منها، كان شكّه مبطلًا للصلاة، و لزمت الإعادة، و إن كان الأحوط البناء على الأكثر و العمل بالشكّ ثمّ إعادة الصلاة.

ص: 215

ص: 216

ص: 217

ص: 218

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

الصورة الاولى: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين،

فيبني على الثلاث و يأتي بالرابعة و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، و الأحوط الأولى الجمع بينهما مع تقديم الركعة من قيام، ثمّ استئناف الصلاة (1).


1- الشكّ بين الاثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين مبطل للصلاة، بلا إشكال، و قد عرفت اعتبار حفظ الركعتين الأوّلتين و التيقّن بهما. و أمّا الشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين، فقد وقع الخلاف فيه بين فقهائنا على أقوال: الأوّل: البناء على الثلاث و إتيان الرابعة و إتمام الصلاة، ثمّ إتيان صلاة الاحتياط ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس. و هذا القول مشهور بين أصحابنا. و استدلّ له- مضافاً إلى الشهرة العظيمة، بل الإجماع المدّعى في كلام جماعة، بل عن «الأمالي»: أنّه من دين الإمامية- بموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و موثّقه الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن في هذه عليك شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و موثّقه الثالث عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر»، قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) و صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: قلت له: رجل لم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ فقال: «إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الاخرى و لا شي ء عليه و يسلّم»(وسائل الشيعة 8: 214، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 1.) . قال صاحب «الوسائل»: قوله: «مضى في الثالثة» يعني: يبني على الثلاث و يتمّ الصلاة. و قوله: «ثمّ صلّى الاخرى» يعني: ركعة الاحتياط بعد الفراغ، بقرينة لفظ «ثمّ»، انتهى. الثاني: ما حكي عن الصدوق رحمه الله من تجويز البناء على الأقلّ في فرض المسألة. و استدلّ له بصحيح العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صلّى ركعتين و شكّ في الثالثة؟ قال: «يبني على اليقين، فإذا فرغ تشهّد و قام قائماً فصلّى ركعة بفاتحة القرآن»(وسائل الشيعة 8: 215، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 2.) و الاستدلال بهذا الصحيح لهذا القول مبني على كون المراد من اليقين هو القدر المتيقّن، و هو الأقلّ. و يرد عليه أوّلًا: أنّ القول المذكور شاذّ لا يعتنى به في مقابل القول المشهور؛ فالصحيح المذكور- على فرض تمامية دلالته- معرض عنه عند الأصحاب. و ثانياً: أنّ المراد من اليقين هو اليقين على صحّة الصلاة و فراغ الذمّة، و هو لا يحصل إلّا بالبناء على الأكثر؛ ففي «الجواهر»: قد عرفت أنّ اليقين بصحّة الصلاة يحصل بالبناء على الأكثر، بل لا يحصل بالأقلّ؛ لما فيه من احتمال زيادة الركعة المبطلة للصلاة سهواً و عمداً، بخلاف الأوّل؛ إذ ليس فيه سوى كون التسليم في غير محلّه، الذي هو غير قادح؛ لجريانه مجرى السهو(جواهر الكلام 12: 334.) ، انتهى. الثالث: ما نسب إلى الصدوق رحمه الله في كتاب «المقنع» من القول بالإبطال متى عرض الشكّ المزبور، حيث قال: و سئل الصادق عليه السلام عمّن لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: «يعيد الصلاة»، قيل: و أين ما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الفقيه لا يعيد الصلاة»؟ قال: «إنّما ذلك في الثلاث و الأربع»(المقنع: 101.)، انتهى. قد نقل الشيخ رحمه الله في «التهذيب» هذا الحديث بسند صحيح عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام(تهذيب الأحكام 2: 193/ 760.) و في «الوسائل»: حمله الشيخ على الشكّ في المغرب، و الأقرب حمله على الشكّ قبل إكمال السجدتين، فتبطل لعدم سلامة الأوّلتين؛ لأنّه قد صار شكّاً في الواحدة و الثنتين(وسائل الشيعة 8: 215، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 3.) الرابع: ما نسب إلى السيّد في «الناصريات» من لزوم البناء على الأقلّ. و لعلّ وجهه خبر محمّد بن سهل عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل لا يدري أثلاثاً صلّى أم اثنتين؟ قال: «يبني على النقصان و يأخذ بالجزم و يتشهّد بعد انصرافه تشهّداً خفيفاً، كذلك في أوّل الصلاة و آخرها»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 6.) و فيه: أنّ الرواية- مضافاً إلى ضعف سندها بمحمّد بن سهل بن اليسع الأشعري الغير الثابت وثاقته- محمولة على التقية؛ لموافقتها العامّة. الخامس: ما نسب إلى والد الصدوق رحمه الله من التخيير بين البناء على الأقلّ و البناء على الأكثر. و لعلّ وجهه الجمع بين أخبار البناء على الأقلّ و أخبار البناء على الأكثر. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: و هو- بعد تسليم أنّ مثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، بل ينتقل إليه من اللفظ، و الغضّ عن دلالة الثانية، بل هي خالية عن الأمر بالتشهّد في كلّ ركعة، بل فيها الأمر بالسجود الخالي منه كلامه- فرع التكافؤ المفقود من وجوه(جواهر الكلام 12: 335.) ، انتهى. و هذان القولان نظير سابقيهما في الضعف و الشذوذ و مخالفة الشهرة. ثمّ إنّه بعد البناء على الثلاث في مفروض المسألة يأتي بالرابعة و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس مخيّراً بينهما. و التخيير بينهما مشهور عند الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل حكي الإجماع عليه في «الخلاف» و «الغنية» و «الاستبصار». و يدلّ عليه مرسل جميل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: فيمن لا يدري أثلاثاً صلّى أم أربعاً، و وهمه في ذلك سواء؟ قال: فقال: «إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار؛ إن شاء صلّى ركعة و هو قائم، و إن شاء صلّى ركعتين و أربع سجدات و هو جالس»(وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 2.) ، الحديث. و ضعف الخبر منجبر بالشهرة. و عن محمّد بن مسلم أنّه روى: «إن ذهب وهمك إلى الثالثة فصلّ ركعة و اسجد سجدتي السهو بغير قراءة، و إن اعتدل وهمك فأنت بالخيار؛ إن شئت صلّيت ركعة من قيام، و إلّا ركعتين من جلوس، فإن ذهب وهمك مرّة إلى ثلاث و مرّة إلى أربع فتشهّد و سلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت قاعد، تقرأ فيهما بامّ القرآن»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 9.) و التخيير بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً و إن كان مورده الشكّ بين الثلاث و الأربع، و لكنّه لا قائل بالفصل بينه و بين ما نحن فيه من الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، كما حكاه في «الجواهر» عن «الرياض»(جواهر الكلام 12: 336.) و نسب إلى ابن أبي عقيل و الجعفي- هو الشيخ أبو الفضل محمّد بن أحمد المعروف في كتب الرجال بالصابوني، و بأبي الفضل الصابوني، و بين الفقهاء مشهور بالجعفي و صاحب الفاخر، و روى عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين و ابن قولويه و من في طبقته بلا واسطة- تعيّن الركعتين من جلوس في كلا الموردين. و استدلّ له بصحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس البقباق جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً» إلى أن قال: «و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع»، و في الاثنتين و في الأربع بتلك المنزلة، و من سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: «يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثمّ قرأ فسجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه الثنتين نهض فصلّى ركعتين و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ مقتضى الأخبار الدالّة على التخيير في صلاة الاحتياط بين الركعتين جالساً، و بين ركعة قائماً في الصورتين المذكورتين من الشكّ- أي الشكّ بين الثنتين و الثلاث، و بين الثلاث و الأربع- و كذا مقتضى فتوى المشهور على طبق تلك الأخبار، هو حمل الأخبار الدالّة على تعيّن ركعة قائماً أو ركعتين من جلوس على أحد فردي الواجب التخييري. بقي الكلام في وجه الاحتياط في صلاة الاحتياط بالجمع بين ركعة من قيام و ركعتين جالساً مع تقديم ركعة من قيام ثمّ استئناف الصلاة: أمّا الجمع بينهما، فهو مبني على العمل بكلّ من القولين المخالفين للمشهور. و أمّا تقديم ركعة من قيام، فلكونها تتمّة للصلاة، على تقدير كونها ناقصة في الواقع. و في «المستمسك»: و أمّا الاحتياط بتقديم الركعة- حينئذٍ- فوجهه الفرار عن لزوم الفصل بين الصلاة و صلاة الاحتياط، التي هي أوفق بظاهر النصوص(مستمسك العروة الوثقى 7: 458.) ، انتهى. و أمّا وجه استئناف الصلاة، فلفتوى الصدوق في «المقنع» بالبطلان؛ استناداً إلى صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثاً؟ قال: «يعيد»(وسائل الشيعة 8: 215، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 9، الحديث 2.) ، حيث إنّ عادته رحمه الله في الكتاب المذكور الإفتاء بمتون الأخبار، كسليقته في كتابه «الفقيه».

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

ص: 230

الثانية: الشكّ بين الثلاث و الأربع في أيّ موضع كان،

فيبني على الأربع، و حكمه كالسابق حتّى في الاحتياط، إلّا في تقديم الركعة من قيام (1).


1- وجه البناء على الأربع في الشكّ المزبور في أيّ موضع كان؛ أي سواء كان قبل إكمال السجدتين و لو في القراءة، أو بعد إكمالهما- مضافا إلى الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه- طائفتان من الأخبار: الاولى: العمومات الدالّة على البناء على الأكثر الشاملة لما نحن فيه، كما في موثّقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين، متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و موثّقة اخرى لعمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و موثّقة ثالثة لعمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر»، قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) الثانية: خصوص الأخبار الواردة فيما نحن فيه، كصحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً» إلى أن قال: «و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 216، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إذا كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس يقصر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب. ثمّ إنّه بعد البناء على الأربع في الشكّ المذكور يتمّ صلاته و يأتي بصلاة الاحتياط مخيّراً فيها بين ركعة من قيام و ركعتين جالساً، و الأحوط الأولى الجمع بينهما مع تقديم الركعتين من جلوس، ثمّ استئناف الصلاة. و وجه الاحتياط بالجمع بينهما و استئناف الصلاة ما ذكرناه في الصورة الاولى. و وجه الاحتياط في تقديم الركعتين من جلوس على ركعة من قيام في هذه الصورة على عكس الاحتياط في الصورة الاولى، هو كثرة النصوص الواردة في الركعتين من جلوس الموجبة لأقوائية احتمال تعيّنهما من احتمال ركعة من قيام. ثمّ إنّه قد نسب إلى ابن الجنيد و الصدوق رحمهما الله القول بالتخيير بين البناء على الأكثر و البناء على الأقلّ في الشكّ بين الثلاث و الأربع. و لعلّ مستند هذا القول هو الجمع بين الأخبار المذكورة الدالّة على البناء على الأكثر، و بين صحيح محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع، و في الاثنتين و الأربع بتلك المنزلة»، و من سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: «يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد ثمّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه الثنتين نهض فصلّى ركعتين و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) ، حيث إنّ صدر هذا الصحيح ظاهر في البناء على الأقلّ و إتمام الصلاة و الاحتياط بركعتين جالساً. و فيه: أنّ الجمع بين الأخبار المتعارضة فرع تكافؤها، و التكافؤ مفقود؛ لشذوذ الصحيح المزبور، و اشتهار الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر.

ص: 231

ص: 232

ص: 233

الثالثة: الشكّ بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين،

فيبني على الأربع و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام (1).


1- الشكّ المزبور إن كان قبل إكمال السجدتين فمبطل بلا إشكال؛ لاشتراط إحراز الاوليين في اعتبار الشكّ في الرباعية. و إن كان بعد الإكمال فالمشهور هو البناء على الأربع و إتمام الصلاة، ثمّ صلاة الاحتياط بركعتين من قيام. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الشهرة العظيمة، بل الإجماع المدّعى في كلام جماعة، بل حكي عن «أمالي» الصدوق: أنّه من دين الإمامية- عموم الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر عند الشكّ. و خصوص صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً، و لم يذهب وهمك إلى شي ء فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات، تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً؟ قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام في حديث قال: قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين، و قد أحرز الثنتين؟ قال: «يركع ركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهّد، و لا شي ء عليه ...»(وسائل الشيعة 8: 220، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 3.) الحديث. و غيرها من روايات الباب. و في المسألة قولان آخران: أحدهما: قول الصدوق رحمه الله بالبطلان، قال في «المقنع»: فإن لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً فأعد الصلاة. و روي: «سلّم ثمّ قم فصلّ ركعتين و لا تتكلّم، و تقرأ فيهما بامّ الكتاب، فإن كنت صلّيت أربع ركعات كانتا هاتان نافلة، و إن كنت صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع ركعات، و إن تكلّمت فاسجد سجدتي السهو»(المقنع: 102.) ، انتهى. و الوجه في قوله بالبطلان، صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعاً؟ قال: «يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 221، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 7.) و يرد عليه: أنّ قوله شاذّ لا يعبأ به، و الصحيح المزبور معرض عنه عند الأصحاب؛ فالمتعيّن طرحه أو توجيهه. قال صاحب «الوسائل» بعد نقل الحديث: حمله الشيخ على المغرب و الغداة، و يمكن حمله على الشكّ قبل إكمال السجدتين. و في «الجواهر»: فالمتّجه طرح الصحيح المزبور، أو حمله على غير الرباعية، أو وقوع الشكّ قبل إحراز الركعتين، أو غير ذلك(جواهر الكلام 12: 347.) ، انتهى. ثانيهما: ما حكي عن الشهيد في «الذكرى» و العلّامة في «النهاية» من التخيير بين البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و ركعتي الاحتياط قائماً، و بين الإعادة. و مستند هذا القول هو الجمع بين الأخبار المذكورة المصرّحة بالبناء على الأكثر، و بين الصحيح المزبور الدالّ على الإعادة. و يرد عليه- مضافاً إلى ما ورد على سابقه من الشذوذ- أنّ الجمع بين المتعارضين فرع التكافؤ المفقود. و المحقّق الهمداني رحمه الله- بعد حكاية القول بالتخيير عن الشهيد و العلّامة- قال: و هو في محلّه لو لم نقل بحرمة قطع الصلاة؛ فالمانع عن الالتزام بجواز الاستئناف هو دليل حرمة القطع، لا الأخبار الآمرة بالبناء على الأكثر، و من الواضح: أنّ دليل حرمة الإبطال لا يصلح معارضاً للنصّ الخاصّ المصرّح بالإعادة. فتلخّص ممّا ذكر: أنّ قضية الجمع بين الأخبار هو الالتزام بما احتمله العلّامة و الشهيد من جواز الإعادة و كون البناء على الأكثر من باب الرخصة. و لكن يشكل الاعتماد على الصحيح المزبور بعد شذوذه و إعراض الأصحاب في ظاهر كلماتهم عنه، مع ما فيه من الإضمار؛ فما هو ظاهر المشهور من كون البناء على الأكثر عزيمة لا رخصة، إن لم يكن أقوى، فلا ريب في أنّه أحوط(مصباح الفقيه، الصلاة: 566/ السطر 33.) ، انتهى. و يرد عليه: أنّ إضمار أمثال محمّد بن مسلم غير مخلّ بالرواية؛ لأنّهم لا يسألون الأحكام و حلّ مشكلاتهم عن غير المعصوم عليه السلام.

ص: 234

ص: 235

ص: 236

الرابعة: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين،

فيبني على الأربع و يتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و الأحوط- بل الأقوى- تقديم الركعتين من قيام (1).


1- الشكّ المزبور مبطل فيما كان قبل إكمال السجدتين. و أمّا فيما كان بعد إكمالهما- في أيّ موضع كان- فيبني على الأربع و يتمّ صلاته ثمّ يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، و هذا مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة. و ادّعى السيّدان في «الانتصار»(الانتصار: 156.) و «الغنية»(غنية النزوع 1: 112.) الإجماع عليه. و يدلّ عليه عموم الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر. و خصوص صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال: «يصلّي ركعة (ركعتين) من قيام، ثمّ يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 1.) و الاستدلال به مبني على نسخة «الوافي» و بعض نسخ «الفقيه» المضبوطة بلفظ «ركعتين». و في بعض نسخ «الفقيه» و كذا نسخة «الوسائل» «ركعة» بدل «الركعتين»، و على هذه النسخة يشكل الاستدلال بالصحيح المزبور على المطلوب. و الصحيح نسخة «الركعتين»؛ لأنّ الصدوق رحمه الله في «الفقيه» بعد ذكر الصحيح المزبور و رواية علي بن أبي حمزة عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشكّ فلا يدري أ واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً تلتبس عليه صلاته؟ فقال: «كلّ ذا» فقلت: نعم، قال: «فليمض في صلاته، و ليتعوّذ باللَّه من الشيطان الرجيم؛ فإنّه يوشك أن يذهب عنه»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 4.) و رواية سهل بن يسع في ذلك عن الرضا عليه السلام أنّه قال: «يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم و يتشهّد تشهّداً خفيفاً» ، قال: و قد روي: «أنّه يصلّي ركعة من قيام و ركعتين و هو جالس (من جلوس . خ)»، و ليست هذه الأخبار بمختلفة. و صاحب السهو بالخيار بأيّ خبر منها أخذ فهو مصيب(الفقيه 1: 230/ 1023 و 1024.) ، انتهى كلام الصدوق رحمه الله. و لا يخفى: أنّ المرسلة من هذه الروايات المذكورة في ذيل عبارة الصدوق غير قابلة للاعتماد؛ لإرسالها و عدم انجبارها و لقيام الشهرة على خلافها. و رواية سهل بن اليسع و إن كانت صحيحة، و لكنّها لموافقتها للعامّة محمولة على التقية. و رواية علي بن أبي حمزة لا يعتمد عليها لضعفه، حيث إنّه واقفي كذّاب متّهم، مضافاً إلى أنّ موردها كثير الشكّ؛ لصراحة ذيلها- و ليتعوّذ باللَّه من الشيطان- في ذلك، و لعدم جواز المضيّ لغير كثير الشكّ، مع كون أحد أطراف الشكّ واحدة؛ أي الركعة الاولى. و حينئذٍ: يتعيّن العمل بصحيح ابن الحجّاج بنسخة «ركعتين» بقرينة مقابلته بالمرسلة المتضمّنة لركعة من قيام. و يدلّ على حكم الشكّ في الصورة الرابعة أيضاً مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.) ثمّ إنّ الأحوط بل الأقوى تقديم ركعتي الاحتياط قائماً على الركعتين جالساً؛ و ذلك لاشتمال الصحيح و المرسل المزبورين على كلمة «ثمّ» و هي تدلّ على الترتيب؛ فلا يجوز العكس.

ص: 237

ص: 238

ص: 239

الخامسة: الشكّ بين الأربع و الخمس،

و له صورتان: إحداهما: بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، فيبني على الأربع و يتشهّد و يسلّم، ثمّ يسجد سجدتي السهو. ثانيتهما: حال القيام، و هذه مندرجة تحت الشكّ بين الثلاث و الأربع حال القيام؛ و لم يدرِ أنّه ثلاثاً صلّى أو أربعاً، فيبني على الأربع، و يجب عليه هدم القيام و التشهّد و التسليم و صلاة ركعتين جالساً أو ركعة قائماً. و كذا الحال في جميع صور الهدم، فإنّه لا يوجب انقلاب الشكّ، بل هو مقدّمة للتسليم بعد صدق الشكّ بين الركعات حال القيام (1).


1- الشكّ بين الأربع و الخمس له صورتان: الاولى: الشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع و يتمّ صلاته ثمّ يسجد سجدتي السهو. و هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، كادت تكون إجماعاً. و عن الشهيد الثاني في «المقاصد العليّة» الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 1.) و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و حكي عن الصدوق القول بوجوب ركعتين جالساً احتياطاً بعد التسليم. قال في «المقنع»: و إن لم لم تدر أربعاً صلّيت أم خمساً أو زدت أو نقصت فتشهّد و سلّم و صلّ ركعتين و أربع سجدات و أنت جالس بعد تسليمك(المقنع: 103.) و لا يخفى شذوذ هذا القول، و لعلّ وجهه مضمرة زيد الشحّام قال: سألته عن رجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات؟ قال: «إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستّاً فليعد، و إن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبّر و هو جالس، ثمّ ليركع ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته ثمّ يتشهّد ...»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 5.) ، الحديث. و فيه- مضافاً إلى ضعف سنده بالإضمار و وقوع أبي جميلة المفضّل بن صالح في السند، و هو و إن وقع في أسناد «كامل الزيارات» و لكنّه معارض بما حكي عن النجاشي من أنّ ضعف المفضّل بن صالح كان من المتسالم عليه عند الأصحاب- أنّه من المحتمل أن يكون الحديث ناظراً إلى صورة الشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، و أنّ شكّه مؤلّف من الشكّ بين الثلاث و الأربع، و الشكّ بين الأربع و الخمس، و حكمها البناء على الأربع و إتمام الصلاة و إتيان ركعتين جالساً احتياطاً بعد التسليم لتدارك النقص المحتمل، ثمّ الاحتياط بإعادة الصلاة؛ لاحتمال زيادة الركعة. و صاحب «الوسائل» بعد نقل الحديث قال: المفروض في آخر الحديث أنّه شكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس، فيبني على الأربع ثمّ يصلّي ركعتين جالساً، انتهى. و حكي عن الشيخ القول بالبطلان في المسألة، و هو أيضاً شاذّ، و لم يعلم لقوله وجه. الصورة الثانية: الشكّ بين الأربع و الخمس حال القيام؛ سواء كان قبل الذكر أو بعده، قبل الهويّ إلى الركوع أو بعده و لمّا يصل إلى حدّه، فيهدم القيام و يجلس و يرجع شكّه إلى ما بين الثلاث و الأربع، فيتمّ صلاته، ثمّ يحتاط بركعتين من جلوس أو ركعة من قيام. فهذه الصورة مندرجة تحت الشكّ بين الثلاث و الأربع حال القيام و لم يدر أنّه ثلاثاً صلّى أو أربعاً. و بعبارة اخرى: هذه الصورة تشملها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس تقرأ فيهما بامّ الكتاب ...»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.)، الحديث. وجه شمولها لها: أنّه و إن كان شاكّاً في أنّ الركعة التي بيده هل هي الرابعة أم الخامسة، إلّا أنّه بالأخرة يشكّ في أنّه دخل في الرابعة أم في الخامسة، و هو عين الشكّ في أنّه هل صلّى ثلاثاً أم أربعاً؛ لأنّه على فرض الدخول في الرابعة فقد صلّى ثلاثاً، و على فرض الدخول في الخامسة فقد صلّى أربعاً، فهو ممّن لا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً، فيندرج في مورد الصحيحة المزبورة حقيقةً، و يكون قيامه زائداً، و يلزم عليه هدمه، فتجب عليه صلاة الاحتياط- ركعتان من جلوس أو ركعة من قيام- ثمّ يسجد سجدتي السهو لزيادة القيام. ثمّ إنّه قد ناقش جماعة من فقهائنا في حكم الصورة الثانية- و هو هدم القيام و العمل بوظيفة الشاكّ بين الثلاث و الأربع- و قالوا: إنّه لا دليل على الهدم و قلب الشكّ، بل لا بدّ من تشخيص حكم الموضوع حال حدوث الشكّ. و بالجملة: لا اطمئنان للنفس بكون الحكم الشرعي فيما لا نصّ فيه ما ذكر، بل فيما لا نصّ فيه من الشكوك يحكم ببطلان الصلاة بمجرّد الشكّ، مع كون الأصل في الشكّ الفساد؛ إمّا لقاعدة الاشتغال، أو لصحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء فأعد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) ، حيث دلّت بإطلاقها على بطلان كلّ صلاة بكلّ شكّ من الشكوك المتعلّقة بالركعات، خرج ما خرج بالنصوص الخاصّة، و بقي الباقي تحت الإطلاق. و الجواب عن المناقشة المذكورة قد علم ممّا ذكرناه من اندراج الصورة المذكورة- صورة الشكّ بين الأربع و الخمس حال القيام- في الشكّ بين الثلاث و الأربع؛ حتّى حال القيام و قبل هدمه؛ إذ يصدق عليه أنّه لا يدري ثلاثاً صلّى أم أربعاً. و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» قد اختار ابتناء حكم الصورة المذكورة على اندراجها في موضوع مسألة الشكّ بين الثلاث و الأربع، و علّله بقوله: لأنّه حال كونه شاكّاً في أنّ ما بيده رابعة أو خامسة يصدق عليه أنّه لا يدري أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً؛ فعليه أن يتشهّد و يسلّم و يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس؛ لعموم ما دلّ عليه. و تخصيصه بخصوص الشكّ الحادث قبل التلبّس بالخامسة يحتاج إلى دليل. و دعوى انصراف الأدلّة إليه بخصوصه قابلة للمنع. مع إمكان أن يقال بأنّه يكفي دليلًا لجواز الهدم العمل بما يرجع إليه شكّه بعد الهدم، خبر حمزة بن حمران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ما أعاد الصلاة فقيه قطّ حتّى يحتال لها و يدبّرها حتّى لا يعيدها»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 29، الحديث 1.) ؛ إذ المتبادر منه إرادة المعالجة بإرجاعها إلى موضوع لا يجب معه الإعادة، كما في المقام(مصباح الفقيه، الصلاة: 569/ السطر 8.) ، انتهى. و الشيخ الأنصاري رحمه الله في «كتاب الصلاة»(الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 9: 303.) منع من ابتناء المسألة- الشكّ بين الأربع و الخمس حال القيام- على انقلاب الشكّ فيها إلى الشكّ بين الثلاث و الأربع، و قال بدخولها في عمومات البناء على الأكثر. و مقتضى تلك العمومات البناء على أنّها خامسة، و حيث لم يدخل في ركوعها فعليه أن يرفع اليد عنها و يتمّ صلاته على الأربع. و لكنّه حيث يحتمل مع هذا البناء نقصاً في صلاته وجب عليه أن يأتي بعد التسليم صلاة الاحتياط ركعة قائماً، أو ركعتين جالساً. و أجاب عنه في «مصباح الفقيه»: بأنّ المقصود من الشكّ في تلك الأخبار- أي أخبار البناء على الأكثر- بحسب الظاهر هو الشكّ في عدد الركعات المعتبرة في الصلاة، لا في زيادة شي ء عليها، فالشكّ بين الأربع و الخمس خارج عن موردها، كما يفصح عن ذلك ما فيها من تفريع الإتيان بما يظنّ نقصه على بنائه على الأكثر(مصباح الفقيه، الصلاة: 569/ السطر 6.)، انتهى.

ص: 240

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

السادسة: الشكّ بين الثلاث و الخمس حال القيام،

و هو مندرج في الشك بين الاثنتين و الأربع، فيجلس و يتمّ الصلاة و يعمل عمل الشكّ (1).


1- الواجب على الشاكّ بين الثلاث و الخمس حال القيام هدم القيام و الجلوس، فيرجع شكّه إلى الشاكّ ما بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين، و يعمل عمل ذلك الشكّ، فيتشهّد و يسلّم ثمّ يصلّي ركعتين قائماً احتياطاً. فيندرج الشكّ بين الثلاث و الخمس- حينئذٍ- في موضوع صحاح الحلبي و ابن أبي يعفور و زرارة المتقدّمة(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1 و 2 و 3.) و يصدق على شاكّه أنّه لا يدري اثنتين صلّى أم أربعاً.

ص: 245

السابعة: الشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام،

و هو راجع إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيجلس و يتمّ صلاته و يعمل عمله (1).

الثامنة: الشكّ بين الخمس و الستّ حال القيام،

و هو راجع إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، فيجلس و يتمّ و يسجد سجدتي السهو مرّتين: مرّة وجوباً للشكّ المزبور، و مرّة احتياطاً لزيادة القيام، و إن كان عدم وجوبها لزيادته لا يخلو من قوّة (2).


1- الشكّ بين الثلاث و الأربع و الخمس حال القيام يرجع إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع بعد إكمال السجدتين، فيجلس و يتمّ صلاته و يعمل عمله؛ أي يحتاط بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس، مع تقديم الركعتين من قيام. ففي الحقيقة يندرج الشكّ المزبور في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي إبراهيم عليه السلام: قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ فقال: «يصلّي ركعتين من قيام، ثمّ يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين و هو جالس»(الفقيه 1: 230/ 1021، وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 1.) و مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل صلّى، فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً؟ قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.)
2- الشكّ بين الخمس و الستّ حال القيام حكمه وجوب هدم القيام، و يرجع شكّه إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، و يبني على الأربع و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو مرّة وجوباً للشكّ بين الأربع و الخمس، كما تقدّم في الصورة الاولى من صورتي الخامسة، فراجع. و مرّة لزيادة القيام، و سيأتي البحث مفصّلًا عن وجوب سجدتي السهو لزيادة القيام و عدمه في المسألة الاولى من مسائل «القول في سجود السهو». و في «العروة الوثقى»: و يسجد سجدتي السهو مرّتين إن لم يشتغل بالقراءة أو التسبيحات، و إلّا فثلاث مرّات، و إن قال: «بحول اللَّه» فأربع مرّات: مرّة للشكّ بين الأربع و الخمس، و ثلاث مرّات لكلّ من الزيادات؛ من قوله: «بحول اللَّه» و القيام و القراءة أو التسبيحات(العروة الوثقى 2: 20.) ، انتهى. هذا منه رحمه الله مبني على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة وقعت في غير محلّها؛ حتّى المستحبّات.

ص: 246

و الأحوط في الصور الأربع المتأخّرة استئناف الصلاة مع ذلك (1).


1- ذلك إشارة إلى الوظائف المقرّرة في تلك الصور؛ من وجوب سجدتي السهو في بعضها، و ركعتين جالساً، أو ركعة قائماً في بعضها الآخر، و ركعتين قائماً مع ركعتين جالساً في الصورة الثالثة منها و هي الصورة السابعة من الكلّ. و وجه الاحتياط في استئناف الصلاة فيها، احتمال كونها ناقصة عن أربع ركعات في الواقع- كما في الثلاثة الاول من الصور الأربعة الأخيرة- أو زائدة عليها- كما في الرابعة منها- مع عدم كونها كلّها بصورتها من موارد الشكوك المنصوصة. و في «المستمسك» علّل إعادة الصلاة بقوله: لاحتمال عدم دخولها في الشكوك المنصوصة، فيكون الحكم فيها البطلان؛ لأصالة البطلان في الشكوك، أو لأنّ الهدم و التسليم جاريان على خلاف مقتضى أصالة عدم الزيادة- كما في الثلاثة الاول من الأربعة الأخيرة- إذ مقتضاها المضي و عدم الاعتناء باحتمال الزيادة على المتيقّن(مستمسك العروة الوثقى 7: 468.)، انتهى.

ص: 247

(مسألة 2): لو شكّ بين الثلاث و الأربع، أو بين الثلاث و الخمس، أو بين الثلاث و الأربع و الخمس- في حال القيام-

و علم أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة التي قام منها، بطلت صلاته؛ لأنّه راجع إلى الشكّ بين الاثنتين و الزائدة قبل إكمال السجدتين (1).

(مسألة 3): في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين لو شكّ في الإكمال و عدمه،

فإن كان في المحلّ- أي حال الجلوس قبل القيام أو التشهّد- بطلت صلاته، و إن كان بعد التجاوز عنه ففيه إشكال؛ لا يترك الاحتياط بالبناء و العمل بالشكّ و الإعادة (2).


1- و علّل البطلان في «العروة الوثقى» بقوله: لأنّه يجب عليه هدم القيام لتدارك السجدة المنسية، فيرجع شكّه إلى ما قبل الإكمال(العروة الوثقى 2: 22.) و لا يخفى: أنّه تبطل الصلاة حال القيام حين حصول العلم بترك السجدة من الركعة السابقة قبل أن يهدم القيام؛ لصيرورة الشكّ في الموارد المذكورة في المتن من قبيل الشكّ قبل إكمال السجدتين حال القيام، فلا معنى لوجوب هدم القيام لتدارك السجدة المنسية مع الشكّ المزبور.
2- وجه بطلان الصلاة فيما لو كان شكّه في إكمال السجدتين شكّاً في المحلّ- بأن كان محلّه حال الجلوس قبل القيام، أو قبل الشروع في التشهّد- هو عدم إحراز إكمال السجدتين، و إحرازه شرط في اعتبار الشكّ و البناء على صحّة الصلاة، بل مقتضى استصحاب عدم إتيان السجدة و قاعدة الاشتغال بها و مفهوم قاعدة التجاوز هو عدم إكمال السجدتين تعبّداً، فتبطل صلاته فيما كان الشكّ في إكمال السجدتين شكّاً في المحلّ. و أمّا فيما كان الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ- بأن شكّ فيه بعد الدخول في التشهّد، أو بعد الدخول في القيام- فمقتضى قاعدة التجاوز هو الحكم بإتيان السجدة تعبّداً، فيكون شكّه- في الشكوك المعتبر فيها إكمال السجدتين- شكّاً بعد إحراز إكمال السجدتين تعبّداً من ناحية العمل بقاعدة التجاوز، و يبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و يعمل عمل الشكّ بالنسبة إلى كلّ صورة من الصور المتقدّمة. فلا وجه لإشكال المصنّف رحمه الله في المسألة بعد جريان قاعدة التجاوز و الحكم بإتيان السجدة شرعاً، و لا وجه لتقييد إحراز إكمال السجدتين بصورة العلم الوجداني به. كما لا وجه للاحتياط بالإعادة و إن كان حسناً لمجرّد إدراك الواقع المحتمل فواته. قال في «العروة الوثقى»: و لا فرق بين مقارنة حدوث الشكّين أو تقدّم أحدهما على الآخر، و الأحوط الإتمام و الإعادة، خصوصاً مع المقارنة أو تقدّم الشكّ في الركعة(العروة الوثقى 2: 22.)، انتهى. وجه عدم الفرق بين الصور الثلاث- مقارنة حدوث الشكّين، تقدّم الشكّ في الركعة على الشكّ في إكمال السجدتين، و العكس- اشتراكها فيما هو مناط اعتبار الشكّ؛ و هو إحراز إكمال السجدتين- و لو تعبّداً- من ناحية قاعدة التجاوز. و لا أثر لتقدّم أحد الشكّين على الآخر؛ لأنّ المفروض بقاء أحدهما حين حدوث الآخر، فيحرز الإكمال بقاعدة التجاوز، و يكون الشكّ في الركعة بعد إحراز إكمال السجدتين، فلا تبطل الصلاة. نعم، الأحوط مع ذلك إتمام الصلاة و العمل بالشكّ و الإعادة لمجرّد إدراك الواقع المحتمل فواته. و وجه خصوصية الصورتين- صورة مقارنة الشكّين و صورة تقدّم الشكّ في الركعة- في الاحتياط بالإعادة، أنّه لم يحرز إكمال السجدتين حين حدوث الشكّ في الركعة؛ لأنّ إحراز الإكمال يتحقّق بالتعبّد من ناحية حكم الشارع بجريان قاعدة التجاوز، فما دام لم يحدث الشكّ في الإكمال لم يتحقّق التعبّد المذكور، فلم يحرز الإكمال حين حدوث الشكّ في الركعة؛ فيحكم بالبطلان. و بعبارة أوضح: إحراز الإكمال منوط بجريان قاعدة التجاوز، و هو منوط بحدوث الشكّ في الإكمال، فما دام لم يتحقّق الشكّ في الإكمال لا تجري القاعدة المزبورة، فلا يحرز الإكمال على فرض تأخّر الشكّ فيه عن الشكّ في الركعة أو مقارنته له. و هذا بخلاف ما لو تقدّم الشكّ في الإكمال؛ فإنّه بمجرّد الشكّ فيه تجري القاعدة و يحرز الإكمال تعبّداً حين حدوث الشكّ في الركعة. و بالجملة: قاعدة التجاوز جارية في كلّ من الصور الثلاث المذكورة، فالشكّ في الركعة يبنى عليه مطلقاً؛ حتّى مع تأخّر الشكّ في الإكمال و مقارنتهما؛ إذ المعيار بقاء الشكّ لا مجرّد حدوثه، و المفروض بقاء الشكّ في الركعة إلى زمان حدوث الشكّ في الإكمال، و إن كان متقدّماً حدوثاً. نعم الاحتياط بالإعادة حسن في كلّ منها لمجرّد إدراك الواقع المحتمل فواته. و فصّل بعض فقهائنا- السيّد المدقّق آية اللَّه الحجّة الكوه كمري رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»- بين الدخول في التشهّد و الدخول في القيام، و قال: عدم البطلان في صورة الشكّ بين الاثنتين و الثلاث مع الدخول في التشهّد لا يخلو عن إشكال؛ فلا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة، انتهى. و وجه تفصيله: أنّه إذا شكّ بين الاثنتين و الثلاث مع الدخول في القيام و شكّ حال القيام في إكمال السجدتين، كان شكّه في الإكمال بعد تجاوز محلّ السجدة و الدخول في الغير المأمور به المترتّب على السجدة، فيبني على الثلاث و يتمّ صلاته و يعمل عمل الشكّ؛ لإحراز إكمال السجدتين تعبّداً ببركة قاعدة التجاوز. و هذا بخلاف ما إذا شكّ في إكمال السجدتين مع الدخول في التشهّد. فمع البناء على الثلاث تلزم زيادة التشهّد؛ إذ لا تشهّد في الثالثة البنائية كالأصلية؛ فلا تجري القاعدة حينئذٍ؛ لعدم تجاوز محلّ السجدة، حيث لم يدخل في الغير المأمور به المترتّب على السجدة؛ إذ المفروض زيادة التشهّد بالبناء على الأكثر؛ فتبطل الصلاة حينئذٍ. و فيه: أنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث حال التشهّد قد تجاوز عن محلّ سجدتي الركعة الثانية بالدخول في التشهّد؛ لأنّ ما بيده من الركعة إمّا ركعة ثانية في الواقع و نفس الأمر، و إمّا ثالثة كذلك؛ فإن كانت ثانية فالتشهّد واقع موقعه و مترتّب على السجدتين، و إن كانت ثالثة فالتشهّد و إن كان زائداً و لكن قد تجاوز عن محلّ سجدتي الركعة الثانية و دخل في قيام الثالثة و ما بعد القيام من الأجزاء إلى أن بلغ التشهّد الزائد، فهو حال التشهّد قد تجاوز عن محلّ السجدة، و دخل في الغير المترتّب عليها في الواقع؛ أي دخل إمّا في تشهّد الثانية، و إمّا في التشهّد الزائد بعد قيام الثالثة و ما بعده من الأجزاء؛ فلا إشكال في جريان قاعدة التجاوز و صحّة الصلاة.

ص: 248

ص: 249

ص: 250

ص: 251

(مسألة 4): الشكّ في الركعات- ما عدا الصور المزبورة- موجب للبطلان

و إن كان الطرف الأقلّ الأربع و كان بعد إكمال السجدتين، أو كان الشكّ بين الأربع و الأقلّ و الأكثر بعد إكمالهما، كالشكّ بين الثلاث و الأربع و الستّ (1).


1- الوجه في بطلان الصلاة في الشكّ في الركعات فيما عدا الصور المذكورة الثمانية، بل التسعة؛ لكون الخامسة صورتين في الحقيقة- مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل في الشكّ الفساد- هو عدم كون ما عداها من الموارد المنصوصة المصرّح فيها بعلاج الشكّ، و لا من الموارد المرجوعة إلى الموارد المنصوصة. مثلًا: الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين معتبر، و الشكّ بينهما قبل إكمالهما مبطل؛ لخروجه عن مورد النصّ، و إن كان الطرف الأقلّ- الذي صحّ البناء عليه- موجوداً فيه- و هو الأربع- و كذا يبطل فيما كان فيه الطرف الأقلّ و الأكثر- اللذان يصحّ البناء عليهما و إتمام الصلاة- موجوداً، كالشكّ بين الثلاث و الأربع و الستّ، فلا يجوز البناء على الثلاث اعتماداً على أصالة عدم الزائد، و لا البناء على الأربع عملًا بعمل الشكّ بين الثلاث و الأربع، و ليس ذلك إلّا لكونه خارجاً عن موارد النصّ. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد القول ببطلان الصلاة بالشكّ في الركعات فيما عدا الصور التسعة، قال: لكن الأحوط فيما إذا كان الطرف الأقلّ صحيحاً و الأكثر باطلًا- كالثلاث و الخمس، و الأربع و الستّ، و نحو ذلك- البناء على الأقلّ و الإتمام، ثمّ الإعادة. و في مثل الشكّ بين الثلاث و الأربع و الستّ يجوز البناء على الأكثر الصحيح- و هو الأربع- و الإتمام، و عمل الشكّ بين الثلاث و الأربع، ثمّ الإعادة، أو البناء على الأقلّ- و هو الثلاث- ثمّ الإتمام، ثمّ الإعادة(العروة الوثقى 2: 20.) ، انتهى.

ص: 252

(مسألة 5): لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث و عمل عمل الشكّ،

و بعد الفراغ عن صلاة الاحتياط، شكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده، يبني على الصحّة، و لا يعتني بشكّه. و أمّا لو شكّ في ذلك في أثناء الصلاة أو بعدها، و قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها، فالأحوط البناء و عمل الشكّ، ثمّ إعادة الصلاة (1).


1- الوجه في البناء على الصحّة و عدم الاعتناء بالشكّ في شكّه السابق فيما كان بعد الفراغ عن صلاة الاحتياط، هو جريان قاعدة الفراغ، حيث إنّ شكّه في الحقيقة شكّ في صحّة صلاته و بطلانها بعد أن فرغ عن الصلاة و ما اشتغلت ذمّته به من صلاة الاحتياط، التي هي تمام الصلاة على فرض نقصها في الواقع. و كذا تجري القاعدة إذا كان شكّه المذكور- الشكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- بعد الفراغ من الصلاة، فضلًا عن أن يكون في أثناء صلاة الاحتياط. و الأحوط عند المصنّف البناء و عمل الشكّ ثمّ إعادة الصلاة. و لعلّه للإشكال في جريان قاعدة الفراغ قبل تمام صلاة الاحتياط، أو للإشكال في شمول دليل الشكّ بعد الفراغ، الفراغ البنائي. و اورد على الاستدلال بقاعدة الفراغ: بأنّ موردها الشكّ في صحّة الفعل المأتي به مع العلم بتعلّق الأمر به؛ فلا تجري مع الشكّ في توجّه الأمر إليه، حيث لم يحرز وجود الأمر من الشارع و تعلّقه بالصلاة المأتي بها؛ لاحتمال عروض الشكّ في الركعات قبل إكمال السجدتين. و هذا نظير الشكّ في صحّة الصلاة و عدمها بعد الفراغ منها من أجل الشكّ في كونها إلى القبلة و عدمه، أو في دخول الوقت و عدمه؛ ففي هذه الموارد لم يحرز وجود الأمر بالصلاة، و لذا احتاط بعض فقهائنا بالإعادة. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» قال بالبناء على الصحّة و عدم الاعتناء بالشكّ المزبور- الشكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- سواء حدث بعد الفراغ من الصلاة، أو حدث في أثناء الصلاة بعد أن دخل في فعل آخر- كالتشهّد- أو في ركعة اخرى(العروة الوثقى 2: 24.) و قد يوجّه البناء على الصحّة باستصحاب عدم عروض الشكّ المذكور قبل إكمال السجدتين، فمقتضى الاستصحاب انتفاء ما يوجب البطلان، فيبني على الصحّة؛ سواء حدث الشكّ في الشكّ المذكور في أثناء الصلاة، أو بعد الفراغ منها. و يرد عليه: أنّ استصحاب عدم عروض الشكّ المذكور قبل إكمال السجدتين؛ لإحراز حدوث الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مثبت. و يمكن أن يقال في دفع الإيراد: إنّه يكفي في البناء على الصحّة- في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و كذا سائر الشكوك المعتبرة المنصوصة- أمران: حدوث الشكّ في الركعات، و عدم كونه قبل إكمال السجدتين. أمّا الأمر الأوّل فالمفروض تحقّقه في أثناء الصلاة يقيناً، و أمّا الثاني فلأنّ مقتضى الاستصحاب هو عدم حدوث الشكّ قبل إكمال السجدتين، فليس مقتضاه حدوث الشكّ فيها بعد إكمال السجدتين حتّى يورد عليه أنّه مثبت.

ص: 253

ص: 254

(مسألة 6): لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة أنّ شكّه كان موجباً لركعة أو ركعتين،

فالأحوط الإتيان بهما ثمّ إعادة الصلاة (1). و كذا لو لم يدرِ أنّه أيّ شكّ من الشكوك الصحيحة، فإنّه يعيدها بعد العمل بموجب الجميع؛ و يحصل ذلك بالإتيان بركعتين من قيام و ركعتين من جلوس و سجود السهو (2).


1- مفروض المسألة تحقّق الشكّ المعتبر في أثناء الصلاة يقيناً، و حينئذٍ لو شكّ بعد الفراغ من الصلاة في أنّ شكّه الواقع في أثنائها كان موجباً لركعة- كالصورة الاولى و الثانية، و ثانية الصورة الخامسة من الصور الثمانية المعتبر فيها الشكّ- أو ركعتين- كالثالثة و السادسة منها- فمقتضى العلم الإجمالي المنجّز للتكليف هو العمل بكلتا الوظيفتين؛ أي ركعة قائماً و ركعتين كذلك، و هما متباينان كالقصر و الإتمام، ثمّ إعادة الصلاة احتياطاً بعد إتيان صلاتي الاحتياط. و وجه الاحتياط بالإعادة هو احتمال أن يكون الواجب ما فعله ثانياً من صلاة الاحتياط، و يكون ما فعله أوّلًا فصلًا بين الفريضة و صلاة الاحتياط، بناءً على كون مثل هذا الفصل قادحاً. و هذا الاحتمال جارٍ في كلّ من صلاتي الاحتياط.
2- مفروض المسألة تحقّق الشكّ المعتبر في الأثناء يقيناً؛ مع العلم بكونه أحد الشكوك الصحيحة، و لكن لم يدرِ أنّه أيّ شكّ منها، فمقتضى العلم الإجمالي الإتيان بموجب الجميع؛ و هو ركعتان قائماً و ركعتان من جلوس، و سجود السهو، و مقتضى الاحتياط إعادة الصلاة؛ لما ذكرناه. و زاد بعض المحشّين «للعروة الوثقى» ركعة من قيام على موجب الجميع، و لعلّه للاحتياط في الصورة الاولى و الثانية من الشكوك الصحيحة؛ فإنّ مقتضاه الجمع بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً.

ص: 255

و كذا لو لم ينحصر المحتملات في الشكوك الصحيحة، بل احتمل بعض الوجوه الباطلة، فإنّ الأحوط العمل بموجب الشكوك الصحيحة ثمّ الإعادة (1).


1- وجه الاحتياط هو كون كلّ واحد من الشكوك الصحيحة و بعض الوجوه الباطلة طرفاً للعلم الإجمالي مع انحصار أطراف الشبهة؛ فمقتضى العلم الإجمالي بالنسبة إلى كلّ من الشكوك الصحيحة العمل بموجبه؛ فيأتي بموجب الجميع، و بالنسبة إلى بعض الوجوه الباطلة إعادة الصلاة. و قد يقال بلزوم رعاية احتمالات الصحّة و انتفاء احتمالات البطلان بقاعدة الفراغ. و قد يقال بانحلال العلم الإجمالي بعد الفراغ من الصلاة إلى العلم التفصيلي بوجوب الإعادة؛ لقاعدة الاشتغال. و إلى الشكّ البدوي في وجوب صلاة الاحتياط مطلقاً و سجود السهو، و الأصل عدمه؛ فتجب الإعادة فقط. و السيّد الخوئي رحمه الله قال بالانحلال بنحو آخر؛ و هو الاكتفاء بالإعادة فقط عملًا بقاعدة الاشتغال، و جواز رفع اليد عن صلاة الاحتياط رأساً أو بالإبطال في الأثناء، و صلاة الاحتياط غير نافعة على مسلكه فيها من كونها جزءاً متمّماً على تقدير كون الفريضة ناقصة في الواقع. و وجه كونها غير نافعة في مفروض المسألة- إتيان موجب جميع الوجوه الصحيحة- هو احتمال وجود الفصل القادح بين صلاة الاحتياط و بين الصلاة الأصلية بما فعله أوّلًا(مستند العروة الوثقى، كتاب الصلاة 6: 232.) و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» قال باستئناف الصلاة فيما احتمل بعض الوجوه الباطلة مع بعض الوجوه الصحيحة. و علّله: بأنّه لم يدر كم صلّى؟ قال: و إن لم ينحصر في الصحيح، بل احتمل بعض الوجوه الباطلة، استأنف الصلاة؛ لأنّه لم يدرِ كم صلّى(العروة الوثقى 2: 24.)؟ و اورد عليه: بأنّ تعليله عليل، حيث إنّ مورد العلّة هو الشكّ في أثناء الصلاة، فلا يشمل الشكّ بعد الفراغ عنها.

ص: 256

(مسألة 7): لو عرض له أحد الشكوك و لم يعلم الوظيفة،

فإن لم يسع الوقتُ أو لم يتمكّن من التعلّم في الوقت، تعيّن عليه العمل بالراجح من المحتملات لو كان، أو أحدها لو لم يكن، و يُتمّ صلاته و يُعيدها احتياطاً مع سعة الوقت (1).


1- لو عرض له أحد الشكوك و لم يعلم الوظيفة من جهة الجهل بالمسألة أو نسيانها، و لم يسع الوقت لتعلّم وظيفته، يحرم عليه قطع الصلاة. و حينئذٍ: فإن كان أحد المحتملات راجحاً تعيّن عليه العمل؛ و ذلك لحكم العقل بالعمل على ما هو أقرب إلى الواقع من بين المحتملات عند تعذّر العمل بالواقع و ما هو وظيفته جزماً أو احتياطاً، على ما هو المقرّر من حجّية الظنّ المطلق عند انسداد باب العلم. و إن لم يكن راجح في البين يتخيّر عقلًا في العمل بأيّها شاء و يتمّ صلاته، و يعيدها احتياطاً مع سعة الوقت؛ لتحصيل البراءة اليقينية عمّا اشتغلت به ذمّته يقيناً؛ إذ لا يرضى العقل بالإطاعة المحتملة مع إمكان تحصيل اليقين بالبراءة.

ص: 257

و لو تبيّن بعد ذلك أنّ عمل الشكّ مخالف للواقع، يستأنف الصلاة لو لم يأتِ بها في الوقت (1). و إن اتّسع الوقت و تمكّن من التعلّم فيه، يقطع و يتعلّم و إن جاز له إتمام العمل على طبق بعض المحتملات ثمّ التعلّم، فإن كان موافقاً اكتفى به، و إلّا أعاد، و إن كان الأحوط الإعادة حتّى مع الموافقة (2).


1- و ذلك لأنّ حكم العقل بالعمل على الراجح أو التخيير بين المحتملات منوط بعدم كشف الخلاف، و بعد كشف الخلاف يستأنفها أداءً أو قضاءً لو لم يأت بها في الوقت، و لو احتياطاً.
2- إن اتّسع وقت الفريضة و تمكّن من التعلّم في الوقت يقطع صلاته، و يتعلّم بحيث لا تنمحي صورة الصلاة، و يبني على وظيفته المقرّرة، و يتمّ صلاته و يعمل عمل الشكّ على حسب ما تعلّمه. و يجوز له إتمام الصلاة على طبق بعض المحتملات، ثمّ التعلّم؛ فإن كان عمله موافقاً لفتوى مجتهده اكتفى به؛ لكون المأتي به موافقاً لما اشتغلت به ذمّته، و إلّا أعاد؛ لعدم الدليل على كون ما أتاه وظيفته المقرّرة عليه شرعاً. و الأحوط الإعادة، حتّى مع الموافقة. و علّله في «المستمسك» بقوله: لاحتمال عدم إجزاء الإطاعة الاحتمالية مع إمكان تحصيل الإطاعة الجزمية(مستمسك العروة الوثقى 7: 484.) ، انتهى.

ص: 258

(مسألة 8): لو انقلب شكّه بعد الفراغ إلى شكّ آخر،

كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع، و بعد الصلاة انقلب إلى الثلاث و الأربع، أو شكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فانقلب إلى الثلاث و الأربع، فلا يبعد لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل و أشباهه، و لزوم عمل الشكّ الثاني في أشباه الفرع الثاني؛ أي الثلاثيّ الأطراف الذي خرج أحد الأطراف عن الطرفيّة. هذا إذا لم ينقلب إلى ما يعلم معه بالنقيصة كالمثالين المذكورين (1).


1- لو انقلب شكّه الواقع في أثناء الصلاة إلى شكّ آخر حدث بعد الفراغ من الصلاة- كما إذا شكّ في الأثناء بين الاثنتين و الأربع فانقلب بعد الفراغ إلى الثلاث و الأربع، أو شكّ في الأثناء بين الاثنتين و الثلاث و الأربع فانقلب بعد الفراغ إلى الثلاث و الأربع- فقال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: الأقوى عدم وجوب شي ء عليه؛ لأنّ الشكّ الأوّل قد زال، و الشكّ الثاني بعد الصلاة فلا يلتفت إليه؛ سواء كان ذلك قبل الشروع في صلاة الاحتياط، أو في أثنائها، أو بعد الفراغ منها(العروة الوثقى 2: 26.) و المصنّف رحمه الله يقول: بأنّه لا يبعد البناء على الأكثر و لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل- و هو الشكّ بين الاثنتين و الأربع في الأثناء فانقلب بعد الفراغ إلى الثلاث و الأربع- و أشباهه، و لزوم عمل الشكّ الثاني في أشباه الفرع الثاني- و هو الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع في الأثناء فانقلب إلى الثلاث و الأربع بعد الفراغ- أي الثلاثي الأطراف الذي خرج أحد الأطراف عن الطرفية بالشكّ بعد الفراغ. و لعلّ الوجه في لزوم ركعة متّصلة في الفرع الأوّل و أشباهه ما ذكره في ذيل المسألة الخامسة من مسائل «القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة» قال رحمه الله: و أمّا لو شكّ في ذلك- أي في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- في أثناء الصلاة أو بعدها و قبل الإتيان بصلاة الاحتياط أو في أثنائها، فالأحوط البناء و عمل الشكّ ثمّ إعادة الصلاة، انتهى. و بالجملة: جريان قاعدة الفراغ قبل الفراغ عن صلاة الاحتياط في أمثال المورد مشكل عنده رحمه الله. و الوجه في لزوم عمل الشكّ الثاني المنقلب إليه في أشباه الفرع الثاني، هو عدم زوال الشكّ السابق الحادث في أثناء الصلاة بالمرّة، بل الزائل منه أحد أطرافه الثلاثة- الاثنتين- و بقي الشكّ بين طرفيه الآخرين- الثلاث و الأربع- بحاله، و هذا الباقي هو عين الشكّ بعد الفراغ، و لا يغايره أصلًا، بل هو في الحقيقة ليس شكّاً جديداً حادثاً بعد الفراغ. و قد عبّر جماعة من فقهائنا عن الشكّ ذي الأطراف الثلاثة بالشكّ المركّب؛ لرجوعه إلى التركيب من شكّين؛ ففي «مستند العروة الوثقى»: و نعني بالمركّب كون طرف الشكّ أكثر من اثنين الراجع إلى تركيبه من شكّين(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 248.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الشكّ الذي له أطراف ثلاثة مركّب من شكوك ثلاثة. مثلًا: الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع ينحلّ إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و بين الاثنتين و الأربع، و بين الثلاث و الأربع. و بانتفاء كلّ واحدٍ من الأطراف يزول شكّان منها و يبقى واحد. هذا كلّه فيما إذا لم ينقلب الشكّ في الأثناء إلى ما يعلم معه بالنقيصة، كالمثالين المذكورين في المتن، حيث إنّ أحد طرفي الشكّ المنقلب إليه في المثالين هو الأربع، فمع احتمال الأربع لا يعلم بالنقيصة، و ذلك واضح.

ص: 259

ص: 260

و أمّا إذا انقلب إلى ذلك، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع، ثمّ انقلب بعد السلام إلى الاثنتين و الثلاث، فلا شكّ في أنّ اللازم أن يعمل عمل الشكّ المنقلب إليه؛ لتبيُّن كونه في الصلاة، و أنّ السلام وقع في غير محلّه، فيضيف إلى عمل الشكّ الثاني سجدتي السهو للسلام في غير محلّه (1).

(مسألة 9): إن شكّ بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث،

ثمّ شكّ بين الثلاث البنائي و الأربع، فالظاهر انقلاب شكّه إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، فيعمل عمله (2).


1- إذا انقلب شكّه إلى ما يعلم معه بالنقيصة- كما إذا شكّ في الأثناء بين الاثنتين و الأربع، و بنى على الأربع و سلّم و انقلب شكّه بعد السلام إلى الاثنتين و الثلاث- فعلى هذا الشكّ الفعلي المنقلب إليه يحصل العلم بالنقيصة، و إنّ الركعة الرابعة لم يأتها قطعاً؛ لعدم كونها طرف الشكّ الفعلي. و حينئذٍ: فاللازم العمل بالشكّ المنقلب إليه بالبناء على الثلاث و إتيان الركعة الرابعة و صلاة الاحتياط ركعة قائماً أو ركعتين جالساً. و وجه العمل بالشكّ المنقلب إليه تبيّن أنّه لم يفرغ من صلاته، و أنّ السلام قد وقع بعد الركعة الثالثة و في غير محلّه فيضيف إلى عمل الشكّ الفعلي سجدتي السهو للسلام في غير محلّه.
2- و السيّد رحمه الله بعد طرح المسألة في «العروة الوثقى» قال: فهل يجري عليه حكم الشكّين، أو حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع؟ وجهان، أقواهما الثاني(العروة الوثقى 2: 28.) ، انتهى. فعلى القول بجريان حكم الشكّين وجبت عليه صلاة الاحتياط مرّتين؛ مرّةً ركعة قائماً أو ركعتين جالساً للشكّ الأوّل، و مرّةً اخرى كذلك للشكّ الثاني. و على القول بجريان حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع وجبت عليه ركعتان قائماً و ركعتان جالساً. وجه الأوّل- جريان حكم كلّ من الشكّين- وجود المقتضي له؛ فكلّ من الشكّين يقتضي حكمه؛ فيجري حكم كلّ من الشكّين. و وجه الثاني- جريان حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- كون كلّ واحد من الثلاثة طرفاً للشكّ، بل كان الشكّ السابق الواقع بين الاثنتين و الثلاث باقياً بحاله، إلّا أنّه زاد عليه طرف ثالث- و هو الرابع- و صار شكّه ذا أطراف ثلاثة؛ فيجري حكمه. ذهب جماعة من فقهائنا- و منهم المصنّف رحمه الله- إلى الثاني. و استدلّوا له بأنّ الظاهر من أدلّة أحكام الشكوك كون موضوعها الشكّ في الركعات الواقعية، لا ما يعمّ البنائية. و أوردوا على وجه القول الأوّل: بأنّه ليس بالفعل و في الزمان اللاحق شكّان مستقلّان يتعلّق كلّ منهما بطرفين، حتّى يجري حكم كلّ منهما، و هذا القول أقرب إلى الصواب. و الأحوط بعد عمل الشكّ إعادة الصلاة. و استشكل الحائري رحمه الله في «صلاته» على الأوّل بما حاصله بتوضيح منّا: أنّ مفاد أدلّة البناء على الأكثر تتميم الصلاة مع إحراز الطرف الآخر بالقطع أو بطريق يقتضي تحقّقه، و الحال أنّ الثالثة ليست محرزة في الشكّ الثاني؛ لاحتمال كونها ثانية في الواقع، حيث إنّ المفروض كونها بنائية. نعم في الشكّ الأوّل قد احرزت الثانية. و بالجملة: لا يجوز البناء على الأكثر في الشكّ الثاني؛ لعدم إحراز الثالثة بطور الجزم؛ لأنّ المفروض كونها بنائية. و استشكل على الثاني أيضاً بما خلاصته: أنّ الركعة البنائية مردّدة بين كونها ثانية أو ثالثة، فلا يحتمل كونها رابعة في حال حدوث الشكّ الثاني. و بالجملة: لا ريب في أنّ البناء على الأكثر إنّما يكون في مورد يكون الأقلّ مقطوعاً به، و في المثال ليس الأقلّ مقطوعاً به، بل حكم بالبناء عليه، فالشكّ المفروض ليس من الشكوك التي حكم بالبناء عليه في النصوص، فالأحوط في المثال إعادة الصلاة بعد العمل بمقتضى الشكّين(كتاب الصلاة، المحقّق الحائري: 376.) ، انتهى. و لا يترك الاحتياط بإعادة الصلاة بعد العمل بمقتضى كلّ من القولين في المسألة؛ لما اشير إليه في كلامه رحمه الله من أنّ البناء على الأكثر إنّما يكون في مورد يكون الأقلّ مقطوعاً به، و الأقلّ- الثالثة- في المثال ليس مقطوعاً به، بل حكم بالبناء عليه، و يحتمل أن تكون ثانية. و بالجملة: يحتمل أن يكون الشكّ المفروض في المسألة غير داخل في المنصوص؛ فتكون الصلاة باطلة؛ فتجب الإعادة.

ص: 261

ص: 262

ص: 263

(مسألة 10): لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الثلاث،

فلمّا أتى بالرابعة تيقّن أنّه حين الشكّ لم يأتِ بالثلاثة، لكن يشكّ أنّه في ذلك الحين أتى بركعة أو ركعتين، يرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي إلى الاثنتين و الثلاث، فيعمل عمله (1).


1- صورة المسألة: أنّه لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث، فبنى على الثلاث و أتى بالرابعة، و بعد إتيان الرابعة تيقّن أنّه حين الشكّ لم يأتِ بالثالثة، و لكن يشكّ فعلًا في أنّه في ذلك الحين- أي حين الشكّ بين الاثنتين و الثلاث- أتى بركعة أو ركعتين. و بعبارة اخرى: كان متعلّق شكّه في الزمان اللاحق و فعلًا الواحدة و الاثنتين قبل إتيان الركعة البنائية، فيرجع شكّه بالنسبة إلى حاله الفعلي، إلى الاثنتين و الثلاث، فيبني على الثلاث و يأتي بركعة رابعة و يتمّ صلاته، و يأتي بصلاة الاحتياط ركعة قائماً أو ركعتين جالساً. فهو في الزمان السابق كان شاكّاً بين الاثنتين و الثلاث، و في الزمان الفعلي و إن كان شاكّاً في أنّه حين الشكّ الأوّل هل أتى بركعة أو ركعتين؟ إلّا أنّه فعلًا و حين حدوث الشكّ قد أتى بركعة اخرى، فهو في الزمان الفعلي قد أحرز الركعتين، و لم يكن شاكّاً في الركعة الثانية؛ لا في زمان الشكّ الأوّل؛ لأنّ المفروض كون شكّه في ذلك الزمان بين الاثنتين و الثلاث، و لا في الزمان الثاني؛ لأنّ المفروض حدوثه بعد إتيان ركعة اخرى، هذا. و لكن لا يخفى: أنّه و إن كان آتياً بركعة اخرى حين حدوث الشكّ الثاني، إلّا أنّه يشكّ وجداناً في أنّه أتى سابقاً بركعة أو ركعتين. و بالجملة: متعلّق شكّه الركعة و الركعتان، و مقتضاه البطلان؛ فالأحوط- وفاقاً لبعض المحشّين «للعروة الوثقى» و «وسيلة النجاة»- إعادة الصلاة بعد عمل الشكّ بين الاثنتين و الثلاث.

ص: 264

(مسألة 11): من كان عاجزاً عن القيام و عرض له أحد الشكوك الصحيحة،

فالظاهر أنّ صلاته الاحتياطيّة القياميّة بالتعيين تصير جلوسيّة، و الجلوسيّة بالتعيين تبقى على حالها، و تتعيّن الجلوسيّة التي هي إحدى طرفي التخيير (1)،


1- من كان عاجزاً عن القيام و عرض له أحد الشكوك الصحيحة، ففي حكمه أقوال: الأوّل: أنّ وظيفته عين وظيفة القادر على القيام؛ فيتخيّر- في موضع التخيير بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً- بين ركعة جالساً بدلًا عن الركعة قائماً، و ركعتين جالساً بما أنّه أحد فردي الواجب التخييري. الثاني: تعيّن اختيار الركعتين جالساً، فلا تجوز له ركعة جالساً بدلًا عن الركعة قائماً. الثالث: تعيّن إتيان ما يحتمل نقصه من الصلاة، ففي بعض الشكوك يحتمل نقص ركعة واحدة- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع- فتتعيّن ركعة جالساً. و في بعضها يحتمل نقص ركعتين منها- كما في الشكّ بين الاثنتين و الأربع- فتتعيّن ركعتان جالساً، و في بعضها الآخر يحتمل نقص كلّ من ركعتين جالساً و ركعة كذلك- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- فتتعيّن ركعتان جالساً و ركعة كذلك، و هذا القول هو الأوجه. وجه القول الأوّل: أنّ أدلّة تخيير المكلّف بين الركعة و الركعتين لها إطلاق شامل للمتمكّن من القيام و العاجز عنه، و كذا أدلّة بدلية الجلوس عن القيام لها إطلاق شامل للركعة و الركعتين، و مقتضى الجمع بين الإطلاقين هو التخيير بين ركعة جالساً بدلًا عن الركعة قائماً للعجز، و ركعتين جالساً بما أنّه أحد فردي الواجب التخييري. و وجه الثاني: أنّ أدلّة التخيير بين الركعة و الركعتين و إن كان لها إطلاق يشمل العاجز عن القيام، إلّا أنّ إطلاق بدلية الجلوس عن القيام ممنوع؛ لأنّ الواجب التخييري يتعيّن في أحد فرديه بتعذّر فرد آخر؛ فبتعذّر الركعة قائماً يتعيّن التكليف في الركعتين جالساً. و حينئذٍ: فلا مجال للرجوع إلى إطلاق أدلّة بدلية الجلوس؛ لاختصاصها بصورة تعيّن الصلاة قائماً، و لا يشمل صورة التخيير اختياراً بينه و بين الجلوس. و وجه الثالث: المنع من إطلاق أدلّة التخيير بين الركعة و الركعتين و شمولها للمقام؛ لاختصاصها بالمتمكّن من أداء الصلاة قائماً، فمن يتمكّن من القيام يتخيّر في صلاته الاحتياطية بين ركعة من قيام و ركعتين جالساً. فالركعة من قيام و الركعتان من جلوس بالنسبة إليه متساويان في تدارك النقص المحتمل في الفريضة. فأدلّة التخيير بين الركعة قائماً و الركعتين جالساً لا تشمل غير المتمكّن من القيام؛ لانصرافها عنه. و حينئذٍ فغير المتمكّن من القيام يدور أمره بين بطلان صلاته، من جهة أنّ مطلق الشكّ في الصلاة موجب للبطلان، خرجت منه الصور المخصوصة بالنصوص- و هي مختصّة بالمتمكّن من القيام- و بين صحّتها و علاج الشكّ بالبناء على الأكثر، و عمل الشكّ بتتميم ما يحتمل نقصه، مع مراعاة المطابقة بين ما يحتمل نقصه و بين صلاته الاحتياطية في الكيفية. فإن كان ما يحتمل نقصه ركعة- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، أو بين الثلاث و الأربع- يجبره بركعة، و إن كان ركعتين- كما في الشكّ بين الاثنتين و الأربع- يجبره بركعتين، و إن كان كلّ من ركعتين و ركعة- كما في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع- يجبره بركعتين و ركعة. و يمكن الاستدلال لصحّة صلاته مع علاج الشكّ، بتتميم ما يحتمل نقصه بموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) . و نظيره موثّق آخر لعمّار عنه عليه السلام. وجه الاستدلال: أنّ إطلاقه يشمل العاجز عن القيام؛ فلا يختصّ بمن كانت وظيفته الصلاة قائماً. نعم قد يظهر من بعض الأخبار اختصاص تتميم ما يحتمل نقصه بمن كانت وظيفته الصلاة قائماً، كما في موثّق ثالث لعمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة؟ فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابن على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) ، هذا. مضافاً إلى أنّه يمكن تقييد إطلاق موثّقي عمّار بالموثّق الثالث المزبور، و بالأخبار الدالّة على الاختصاص بالصلاة قائماً؛ و لذا يحتاط بإعادة الصلاة في جميع صور الشكّ بعد عمل الشكّ.

ص: 265

ص: 266

ص: 267

ففي الشكّ بين الاثنتين و الثلاث أو بين الثلاث و الأربع، تتعيّن عليه الركعتان من جلوس (1)، و في الشكّ بين الاثنتين و الأربع يأتي بالركعتين جالساً بدلًا عنهما قائماً (2)، و في الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع يأتي بالركعتين جالساً بدلًا عنهما قائماً ثمّ الركعتين جالساً لكونهما وظيفته؛ مقدّماً للركعتين بدلًا على ما هما وظيفته (3). و الأحوط الأولى في الجميع إعادة الصلاة بعد العمل المذكور (4).


1- هذا مثال لتعيّن الجلوسية التي هي إحدى طرفي التخيير.
2- هذا مثال لصيرورة صلاته الاحتياطية القيامية بالتعيين جلوسيةً.
3- قد لفّق في هذا المثال ما بين الجلوسية البدلية و الجلوسية التعيينية الوظيفية، و قد تقدّم وجه تقديم الركعتين بدلًا على الركعتين وظيفةً في ذيل البحث عن الصورة الرابعة من صور الشكوك الصحيحة، فراجع.
4- قد علم وجه الاحتياط من مطاوي ما ذكرناه في البحث عن وجه القول الثالث في المسألة. فرع لو صلّى جالساً اضطراراً و عرض له أحد الشكوك الصحيحة، ثمّ تمكّن من القيام حال صلاة الاحتياط، فيعمل كما كان يعمل في الصلاة قائماً؛ لكونه فعلًا ممّن يتمكّن من القيام؛ فتجري في حقّه أدلّة التخيير بين ركعة قائماً و ركعتين جالساً. و في «المستمسك»: لا مجال لأدلّة بدلية الجلوس كي تجي ء الوجوه المتقدّمة(مستمسك العروة الوثقى 7: 491.)

ص: 268

(مسألة 12): لا يجوز في الشكوك الصحيحة قطع الصلاة و استئنافها،

بل يجب العمل على طبق وظيفة الشاكّ. نعم لو أبطلها يجب عليه الاستئناف، و صحّت صلاته و إن أثم للإبطال (1).


1- وجه عدم جواز قطع الصلاة في الشكوك الصحيحة- مضافاً إلى الأمر الوارد في الأخبار بالبناء على الأكثر و إتمام الصلاة- ما دلّ على حرمة قطعها في سائر الموارد. فلو أبطلها بفعل المنافي كان آثماً؛ لتركه الوظيفة من البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و عمل الشكّ، و وجب عليه استئناف الصلاة؛ لاشتغال ذمّته بها، و صحّت صلاته؛ لكونها مأموراً بها، مع عدم تعلّق النهي بها أصلًا. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- بعد القول بعدم جواز قطع الصلاة في الشكوك الصحيحة و استئنافها- قال: كما لا يجوز ترك صلاة الاحتياط- بعد إتمام الصلاة- و الاكتفاء بالاستئناف، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان. نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة، و إن كان آثماً في الإبطال. و لو استأنف بعد التمام- قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط- لم يكف و إن أتى بالمنافي أيضاً، و حينئذٍ: فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط أيضاً و لو بعد حين(العروة الوثقى 2: 29.) ، انتهى. الوجه في عدم جواز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة، كونها مأموراً بها. و الوجه في بطلان الصلاة الاولى فيما لو استأنف الصلاة قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء، ظاهر حيث إنّه كان موظّفاً بإتمام صلاته الأصلية. ففي الحقيقة قد أخلّ في صلاته الأصلية بزيادة عمدية في أثنائها، و الزيادة العمدية في الأثناء- و لو كانت صلاة أو أجزاءها- مبطلة. و الوجه في بطلان الصلاة المستأنفة، كونها منهياً عنها لأجل كونها قطعاً للصلاة الأصلية، فلا تصلح أن تكون مأموراً بها، فتبطل، هذا. مضافاً إلى أنّ المصلّي ما دام مصلّياً و في أثناء الصلاة- ما لم يأت بالمنافي كما هو المفروض- لا يتمشّى منه قصد القربة إلى صلاة مستأنفة. نعم لو أبطل الصلاة الاولى في الأثناء بفعل المنافي كان آثماً بإبطالها- بناءً على حرمته، كما هو المختار- و صحّت المستأنفة؛ لعدم توجّه النهي إليها أصلًا مع كونها مأموراً بها، و اشتغال الذمّة بأصل الصلاة يقيناً المقتضي للبراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا باستئنافها. و لو استأنف الصلاة بعد تمام الاولى البنائية، و قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط فله صورتان: الاولى: أن يستأنفها قبل إتيان المنافي، ففي هذه الصورة لا تكفي المستأنفة؛ إذ لا أمر لها مع وجود الأمر بصلاة الاحتياط حين فرغ من الصلاة الأصلية. الثانية: أن يستأنفها بعد إتيان المنافي، فقال السيّد رحمه الله بعدم كفاية المستأنفة أيضاً، بل تجب صلاة الاحتياط بعد الفراغ عن المستأنفة المتخلّلة بين الأصلية و صلاة الاحتياط. و تخلّل المنافي غير قادح عنده؛ و ذلك لكون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة موظّفة بعد سقوط أمر الصلاة الأصلية بإتمامها امتثالًا. و الأقوى- وفاقاً لأكثر محشّي «العروة الوثقى»- عدم وجوب صلاة الاحتياط، و كفاية الصلاة المستأنفة، بل وجوبها؛ تحصيلًا لليقين بالبراءة و عدم سقوط أمرها بتخلّل المنافي بينها و بين صلاة الاحتياط. و الأحوط الأولى إتيان صلاة الاحتياط بعد فعل المنافي، ثمّ استئناف أصل الصلاة؛ حذراً عن الشبهات.

ص: 269

ص: 270

(مسألة 13): في الشكوك الباطلة إذا غفل عن شكّه و أتمّ صلاته، ثمّ تبيّن له موافقتها للواقع،

ففي الصحّة و عدمها وجهان، أوجههما الصحّة في غير الشكّ في الاوليين، فإنّ الأحوط فيه الإعادة (1).


1- وجه الصحّة: أنّ الصلاة المأتي بها موافقة للمأمور بها في الواقع، و لم يعلم من أدلّة الشكوك انقلاب التكليف بالمأمور به الواقعي إلى الوظائف المقرّرة للشاكّ، بل المعلوم منها كون الوظائف المقرّرة مجعولة لتحصيل العلم بالفراغ في مرحلة الامتثال؛ و لذا لو غفل عن شكّه في الشكوك الصحيحة و أتمّ صلاته ثمّ انكشفت تماميتها، صحّت صلاته. و ليعلم: أنّ المبطل في الشكوك الباطلة ليس صرف حدوث الشكّ، فليس الشكّ كالحدث حتّى يكون مبطلًا بمجرّد حدوثه، بل المبطل هو المضيّ على الشكّ بعد حدوثه. و لا يصدق المضيّ عليه إلّا بالتوجّه و الالتفات إليه، فمع الغفلة عن الشكّ لا يصدق المضيّ عليه. و حينئذٍ فلا موجب للبطلان إلّا قاعدة الاشتغال، و هي غير جارية بعد حصول القطع بموافقة المأتي به للمأمور به؛ فلا يبقى شكّ حتّى تجري قاعدة الاشتغال. و وجه البطلان: أنّه حين الغفلة و إن لم يكن متوجّهاً و ملتفتاً إلى شكّه، و لكن الشكّ لم يرتفع في الواقع، بل هو موجود واقعاً و وجداناً، بحيث لو التفت إليه لوجده باقياً بحاله. ففي الواقع قد مضى على شكّه الواقعي، و إن لم يلتفت إليه، و هو كافٍ في البطلان، هذا. و الذي يظهر من الأخبار اعتبار الحفظ و اليقين و الدراية في ركعات الثنائية و الثلاثية و الاوليين من الرباعية، كما في صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ ...»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و صحيحه الآخر عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في المغرب؟ قال: «يعيد حتّى يحفظ، إنّها ليست مثل الشفع»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و موثّق سماعة قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ قال: «إذا لم تدر واحدة صلّيت أم ثنتين فأعد الصلاة من أوّلها، و الجمعة أيضاً إذا سها فيها الإمام فعليه أن يعيد الصلاة؛ لأنّها ركعتان، و المغرب إذا سها فيها فلم يدر كم ركعة صلّى فعليه أن يعيد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 8.) و مضمر الفضيل قال: سألته عن السهو؟ فقال: «في صلاة المغرب إذا لم تحفظ ما بين الثلاث إلى الأربع فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 9.) و صحيح زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم- يعني سهواً- فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الاوليين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح الفضل بن عبد الملك أبي العبّاس البقباق قال: قال لي: «إذا لم تحفظ الركعتين الأوّلتين فأعد صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 13.) فالمستفاد من هذه الأخبار: أنّه لا يكفي في صحّة الصلاة- مع الشكّ في الثنائية أو الثلاثية أو الأوّلتين من الرباعية- مجرّد مطابقتها للواقع، بل لا بدّ فيها من حفظ ركعاتها، فتبطل صلاة الغافل عن شكّه المبطل و إن كانت مطابقة للواقع؛ لعدم دراية الركعات و حفظها و اليقين بها. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ حفظ الركعات و اليقين بها فيها ليس من قبيل ما له دخل في صحّة الصلاة، بل اعتباره فيها من أجل أنّ الشكّ فيها ليس كالشكوك المعتبرة حتّى يعالجه بما هو وظيفته كالبناء على الأكثر في موارده و المضيّ في الصلاة، فلم يمكن المضيّ فيها إلّا أن يحفظها، فإذا غفل و أتمّ و تيقّن مطابقة صلاته بالمأمور به الواقعي وقعت صحيحة؛ فلا وجه للبطلان. و مع هذا كله: لا يترك الاحتياط بالإعادة مطلقاً، خصوصاً فيما كان الشكّ في الثنائية أو الثلاثية أو الأوّلتين من الرباعية.

ص: 271

ص: 272

ص: 273

(مسألة 14): لو كان المسافر في أحد مواطن التخيير فنوى القصر،

و شكّ في الركعات، فلا يبعد تعيّن العمل بحكم الشكّ و لزوم العلاج؛ من غير حاجة إلى نيّة العدول، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالعمل بالشكّ بعد نيّة العدول و إعادة الصلاة (1).


1- لو كان المسافر في أحد مواضع التخيير فنوى القصر و شكّ بعد إكمال السجدتين بين الاثنتين و الثلاث- مثلًا- ففي المسألة أقوال: الأوّل: الحكم بالبطلان. الثاني: أنّه يتعيّن عليه العدول من القصر إلى التمام و البناء على الأكثر و العمل بحكم الشكّ. الثالث: تعيّن البناء على الأكثر و العمل بحكم الشكّ، من غير حاجة إلى نية العدول إلى التمام. و هذا القول هو المختار. الرابع: التخيير بين العدول إلى التمام و العمل بحكم الشكّ و بين الإعادة. وجه القول الأوّل: أنّ صلاته ثنائية، و الشكّ في الثنائية مبطل. إن قلت: يحرم إبطال العمل و يجب إتمامه بقدر الإمكان، فيجب عليه العدول من القصر إلى التمام، و يعود شكّه إلى الشكّ في الرباعية و يبني على الأكثر و يعمل عمل الشكّ، فتصحّ صلاته. قلنا: أدلّة جواز العدول قاصرة الشمول لمثل المقام؛ فإنّ موردها العدول من صلاة إلى اخرى بحيث كانت المعدول عنها صحيحة مع قطع النظر عن العدول، كما في العدول عن الحاضرة إلى الفائتة، و عن القصر إلى التمام، و بالعكس ما دام محلّ العدول باقياً. و هذا بخلاف المقام؛ فإنّ الصلاة المنوية قصراً تبطل بالشكّ مع قطع النظر عن العدول. فحكم المقام حكم مَن شكّ في صلاة الصبح بعد إكمال السجدتين بين الثنتين و الثلاث، أو بين الثنتين و الأربع، و حين الشكّ قد ذكر فوات العشاء، فإنّه لا يجوز له العدول من صلاة الصبح- المحكومة بالبطلان بالشكّ- إلى العشاء الفائتة لتصحيح الصلاة المعدول عنها. و كذا من شكّ بعد إكمال السجدتين في صلاة المغرب بين الاثنتين و الثلاث و ذكر فوات عصره، فلا يجوز له العدول. و بالجملة: العدول من صلاة إلى اخرى يجوز فيما لو كانت المعدول عنها صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن العدول. و يرد على هذا القول- مضافاً إلى حرمة إبطال الصلاة و وجوب إتمامها صحيحاً بقدر الإمكان- أنّ أدلّة بطلان الثنائية بالشكّ ناظرة إلى المجعولة ركعتين من جانب الشارع، كالصبح و الجمعة و غيرهما، و صلاة المسافر في مواضع التخيير ليست ممّا جعله الشارع ركعتين. و وجه القول الثاني: أنّه يحرم إبطال العمل و يجب إتمامه بقدر الإمكان، و لا يحصل إلّا بالبناء على الأكثر و عمل الشكّ بعد العدول من نية القصر إلى نية التمام. و هذا الوجه وجيه، و لكنّه لا حاجة إلى نية العدول؛ لما سيأتي في وجه القول الثالث. و وجه الثالث: ما ذكر للقول الثاني، إلّا أنّه لا يجب عليه العدول في النية؛ لأنّ القصر و التمام في مواضع التخيير فردان للواجب التخييري- أعني عنوان الظهر مثلًا- فلا تجب نية خصوص القصر، و لا التمام. و كلّ من الخصوصيتين غير مأخوذ في متعلّق الأمر، فيجوز في مقام امتثال الأمر قصد عنوان الظهر، فكلّما وجد من العمل من التكبير إلى التشهّد يصلح أن يكون مصداقاً للثنائية و الرباعية. و قصد المصلّي الخصوصية لا يوجب التعيين في شي ء حتّى يحتاج البناء على الأكثر إلى العدول في النية؛ فلا يتعيّن القصر بالنية. فيجوز له- حين عرض الشكّ- البناء على الأكثر و عمل الشكّ، فتصحّ صلاته، من غير حاجة إلى نية العدول من القصر إلى التمام. و وجه القول الرابع: أنّ التخيير بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة استمراري- كما سيأتي البحث فيه في صلاة المسافر- و مقتضاه جواز البناء على الأكثر و إتمامها رباعية مع العمل بحكم الشكّ، أو الإعادة بناءً على إتمامها على ما نواه من القصر، فيتخيّر حين عروض الشكّ بين البناء على الأكثر و عمل الشكّ، و بين الإعادة. و فيه: أنّ حرمة قطع الصلاة مرجّحة لجانب البناء على الأكثر. و الأحوط نية العدول من القصر إلى التمام و البناء على الأكثر و عمل الشكّ، ثمّ إعادة الصلاة.

ص: 274

ص: 275

(مسألة 15): لو شكّ و هو جالس- بعد السجدتين- بين الاثنتين و الثلاث،

و علم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة، فالأقوى وجوب المُضِيّ بعد البناء على الثلاث و قضاء التشهّد بعد الصلاة (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أنّ من شكّ- في حال الجلوس و بعد السجدتين- بين الاثنتين و الثلاث و علم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة، فالواجب عليه البناء على الأكثر؛ لإطلاق النصوص الشامل للمقام. و إنّما الكلام في التشهّد المعلوم عدم إتيانه، فهل يجب إتيانه فعلًا، أم يجب المضيّ في صلاته و قضاؤه بعد صلاة الاحتياط؟ فيه وجهان: قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: لا يبعد عدم الوجوب، بل وجوب قضائه بعد الفراغ: إمّا لأنّه مقتضى البناء على الثلاث، و إمّا لأنّه لا يعلم بقاء محلّ التشهّد، من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية و كونه فيها مشكوك، بل محكوم بالعدم(العروة الوثقى 2: 65.) ، انتهى. يعني: أنّ الركعة التي بيده إن كانت ثانية في الواقع وجب التشهّد فعلًا؛ لعدم التجاوز عن محلّه، و إن كانت ثالثة كذلك وجب المضيّ في الصلاة؛ لتجاوز محلّه. و إذا فرض شكّه حال الجلوس و بعد السجدتين بين الاثنتين و الثلاث كان الواجب عليه البناء على الثلاث. و مقتضى البناء على الثلاث- كما هو مقتضى إطلاق دليله الشامل للمقام- المعاملة مع الركعة الثالثة البنائية، معاملة الثالثة الواقعية من جميع الجهات، حتّى من جهة تجاوز محلّ التشهّد، فكما أنّه لو كانت ما بيده ركعة ثالثة واقعاً وجب عليه المضيّ في الصلاة و قضاء التشهّد بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، كذلك الركعة الثالثة البنائية، هذا. مضافاً إلى أنّ وجوب التشهّد عليه فعلًا منوط على إحراز بقاء محلّه- و هو كونه في الركعة الثانية- و هو مشكوك البقاء، بل محكوم بالعدم تعبّداً للبناء على الأكثر. قد يقال: إنّ أدلّة البناء على الأكثر ناظرة إلى جهة العدد فقط؛ أي إلى كون ما بيده طرف الأكثر تعبّداً، لا من جميع الجهات؛ حتّى من جهة تجاوز محلّ التشهّد. فبالنسبة إلى التشهّد يرجع إلى استصحاب عدم الإتيان به أو قاعدة الاشتغال و وجب فعله؛ و لذا احتاط بعض المحشّين «للعروة الوثقى» بإتيان التشهّد فعلًا و قضائه بعد الصلاة. و فيه أوّلًا: أنّ إطلاق أدلّة البناء على الأكثر يقتضي المعاملة مع الركعة البنائية معاملة الركعة الواقعية من جميع الجهات، لا من جهة العدد فقط. و مع هذا الإطلاق لا مجال لجريان استصحاب عدم إتيان التشهّد، و لا قاعدة الاشتغال. و ثانياً: أنّه يلزم من إتيان التشهّد بطلان الصلاة؛ إمّا لأجل زيادة التشهّد عمداً على تقدير كون ما بيده من الركعة ثالثة واقعاً، و إمّا لأجل نقصان ركعة من صلاته؟ على تقدير كونها ثانية واقعاً. و ثالثاً: أنّه يلزم الالتزام بوجوب التشهّد على من شكّ بين الاثنتين و الثلاث و علم أنّه على تقدير كون صلاته ثلاث ركعات قد تشهّد، و على تقدير كونها ثنتين لم يتشهّد، و الظاهر عدم التزام أحد به.

ص: 276

ص: 277

و كذا لو شكّ و هو قائم بين الثلاث و الأربع؛ مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد، فيبني على الأربع و يمضي و يقضي التشهّد بعدها (1).


1- إن شكّ بين الثلاث و الأربع في حال القيام مع العلم بعدم إتيان التشهّد، فمقتضى إطلاق البناء على الأكثر هو البناء على الأربع و المضيّ في الصلاة و عمل الشكّ و قضاء التشهّد بعد صلاة الاحتياط. فكما أنّه لو كان في الرابعة الواقعية و علم بعدم إتيان التشهّد في محلّه لوجب المضيّ في صلاته و قضاء التشهّد بعد الصلاة، كذلك فيما كان في الرابعة البنائية. كلّ ذلك ببركة إطلاق أدلّة البناء على الأكثر. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» علّل حكم المضيّ في الصلاة و قضاء التشهّد بعد السلام بقوله: لأنّ الشكّ بعد تجاوز المحلّ(العروة الوثقى 2: 66.) و أورد عليه غير واحد من المحشّين بأنّه لا مجرى لقاعدة التجاوز بعد فرض العلم بترك التشهّد؛ فلا محلّ لتدارك التشهّد بعد الحكم بالبناء على الأكثر. و قد يقال في هذا الفرض بلزوم هدم القيام و إتيان التشهّد؛ لعدم تجاوز محلّه مع العلم بعدم إتيانه و قضائه بعد الصلاة في هذا الفرض أيضاً. و لكنّه إذا هدم القيام و جلس للتشهّد يرجع شكّه إلى الاثنتين و الثلاث. و يرد عليه: ما اورد على الفرض الأوّل؛ من أنّه قد تجاوز محلّ التشهّد بالبناء على الأكثر، فلا مورد لإتيان التشهّد.

ص: 278

ص: 279

القول في الشكوك التي لا اعتبار بها
و هي في مواضع:
منها: الشكّ بعد تجاوز المحلّ، و قد مرّ.

منها: الشكّ بعد تجاوز المحلّ، و قد مرّ (1).

و منها: الشكّ بعد الوقت، و قد مرّ أيضاً.

و منها: الشكّ بعد الوقت، و قد مرّ أيضاً (2).


1- قد مرّ تفصيل البحث فيه في ضمن المسألة الاولى من مسائل «القول في الشكّ في شي ء من أفعال الصلاة»، فراجع.
2- قد مرّ البحث فيه في ضمن المسألة الاولى من مسائل «القول في الشكّ»، فراجع. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» عمّم الشكّ بعد الوقت و قال: سواء كان في الشروط أو الأفعال أو الركعات أو في أصل الإتيان(العروة الوثقى 2: 51.) ، انتهى. و ينبغي ذكر فروع هنا تفصيلًا، و إن سبقت الإشارة إلى بعضها إجمالًا في البحث عن المسألة الاولى و الثانية من مسائل «القول في الشكّ»: الأوّل: أنّه لا فرق في الشكّ في الوقت و في الشكّ بعد مضيّ الوقت، بين أن يكون في صلاة واحدة أو في صلاتين؛ و ذلك لإطلاق الفريضة في صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة ...»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) الثاني: لو علم أنّه صلّى الظهر و شكّ في أنّه صلّى العصر أم لا؟ وجب الاعتناء بالشكّ و إتيان العصر فيما كان الشكّ في الوقت، و لا يعتني به فيما كان الشكّ بعد خروج الوقت، و كذلك المغرب و العشاء؛ و ذلك لإطلاق صحيح زرارة و الفضيل. الثالث: لو علم بإتيان العصر و شكّ في إتيان الظهر قبله، فإن كان الشكّ بعد خروج الوقت فلا يعتني به، و إن كان في الوقت فله صورتان: الاولى: أن يفرض الشكّ في الوقت المشترك. و الثانية: أن يفرض في الوقت المختصّ بالعصر. أمّا الصورة الاولى: فيجب فيها الإتيان بالظهر؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال، بل استصحاب عدم الإتيان بها. و لا يحتاج إلى إعادة العصر؛ لكون الترتيب ذكرياً. و لا يشترط في صحّة الظهر تقدّمه على العصر، و لا في صحّة العصر تأخّره عن الظهر إلّا حال الذكر. و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» احتمل جواز البناء على إتيان الظهر في هذه الصورة، قال: فيحتمل جواز البناء على أنّه صلّاها(العروة الوثقى 2: 12.) ، انتهى. و السيّد الحكيم رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى» قال: له وجه وجيه، و إن كان الأحوط خلافه، انتهى. و استدلّ له بوجهين: الأوّل: ما رواه ابن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب حريز بن عبد اللّه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا جاء يقين بعد حائل قضاه و مضى على اليقين و يقضي الحائل و الشكّ جميعاً؛ فإن شكّ في الظهر فيما بينه و بين أن يصلّي العصر قضاها، و إن دخله الشكّ بعد أن يصلّي العصر فقد مضت، إلّا أن يستيقن؛ لأنّ العصر حائل فيما بينه و بين الظهر، فلا يدع الحائل لما كان من الشكّ إلّا بيقين»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 2.) الثاني: قاعدة التجاوز، بناءً على جريانها في الأعمال المستقلّة أيضاً، التي اعتبر لها محلّ معيّن في الشرع؛ و لذا تمسّك بها فيما لو شكّ في الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو شكّ فيهما بعد الدخول في الصلاة(مستمسك العروة الوثقى 7: 424.) و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر؟ قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة و قد ركع؟ قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع و قد سجد؟ قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و اورد على الأوّل: أنّ الرواية في حكم المرسلة لا يعتمد عليها؛ لجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز. و على الثاني: أنّا سلّمنا جريان قاعدة التجاوز في الأعمال المستقلّة - كجريانها في الأجزاء- و لكنّها إنّما تجري فيما كان للمشكوك محلّ معيّن يشكّ في التجاوز عن ذلك المحلّ، كما إذا شكّ في إتيان الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو شكّ في إتيان الإقامة بعد الدخول في الصلاة، حيث إنّ محلّ الأذان قبل الإقامة، و محلّ الإقامة قبل الصلاة. فإذا شكّ في إتيان الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو شكّ في إتيان الإقامة بعد الدخول في الصلاة، تجري القاعدة، كجريانها في الشكّ في إتيان جزء من الصلاة بعد الدخول في جزء آخر منها؛ أيّ جزء كان منها. و أمّا إذا لم يكن للمشكوك محلّ معيّن فلا تجري فيه القاعدة، كما في الواجبين المترتّبين، كالظهرين و العشاءين، حيث إنّه لا محلّ معيّن؛ لا للظهر و لا للمغرب. و المحلّ المعيّن إنّما هو للعصر و العشاء؛ فمحلّ العصر بعد الظهر، و محلّ العشاء بعد المغرب. و ليس محلّ الظهر قبل العصر، و لا محلّ المغرب قبل العشاء، يعني: أنّه لا يعتبر في صحّة الظهر و المغرب كونهما قبل العصر و العشاء، بل المعتبر في صحّة العصر كونه بعد الظهر، و في صحّة العشاء كونها بعد المغرب؛ و لذا لو صلّى العصر بانياً على ترك الظهر عصياناً لا يصحّ عصره، عكس ما لو صلّى الظهر بانياً على ترك عصره عمداً؛ فإنّه يصحّ ظهره بلا إشكال. فلو تاب يجب إتيان العصر بعد فعل الظهر، بخلاف العكس؛ إذ يجب عليه فعل العصر فقط. و ليس ذلك إلّا لاشتراط البعدية في صحّة العصر، و عدم اشتراط القبلية في صحّة الظهر. و توهّم: أنّ للظهر أيضاً محلّاً معيّناً- و هو كونه قبل العصر، كما يدلّ عليه خبر عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر و العصر؟ فقال: «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعاً، إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس»(وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.) - مدفوع بأنّ المراد من قوله عليه السلام: «إلّا أنّ هذه قبل هذه» وجوب كون العصر بعد الظهر، فالعبارة ناظرة إلى بعدية العصر. و أمّا الصورة الثانية- و هي الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر في إتيان الظهر مع العلم بإتيان العصر قبل الوقت المختصّ به- فقد قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: بل و كذلك لو لم يبق إلّا مقدار الاختصاص بالعصر و علم أنّه أتى بها، و شكّ في أنّه أتى بالظهر أيضاً أم لا، فإنّ الأحوط الإتيان بها، و إن كان احتمال البناء على الإتيان بها و إجراء حكم الشكّ بعد مضيّ الوقت هنا أقوى من السابق(العروة الوثقى 2: 12.) ، انتهى. مراده من «السابق» حدوث الشكّ في إتيان الظهر في الوقت المشترك. و وجه الأقوائية هنا من السابق، قوّة احتمال كون الوقت المختصّ بالعصر خارجاً بالنسبة إلى الظهر، فيكون الشكّ فيه بمثابة الشكّ في خارج الوقت؛ فلا يعتنى به، هذا. و لكن الأقوى في فرض المسألة هو الاعتناء بالشكّ و وجوب إتيان الظهر في الوقت المختصّ بالعصر بنية الأداء؛ و ذلك لما ذكرناه في مباحث «أوقات الصلوات اليومية» من أنّ المستفاد من النصوص صلاحية تمام الوقت- من زوال الشمس إلى المغرب مثلًا- لكلّ من الصلاتين، غير أنّ مقتضى وجوب الترتيب بينهما حال الذكر تقديم الظهر على العصر، و أنّ المراد من اختصاص الوقت عدم صحّة الشريكة فيه مع عدم إتيان صاحبتها بوجه صحيح. و لا مانع من إتيان الشريكة فيه إذا حصل فراغ الذمّة من صاحبة الوقت. فإذا أتى بالعصر في الوقت المشترك اعتقاداً بإتيان الظهر قبله، ثمّ عرض له الشكّ في الوقت المختصّ بالعصر في أنّه هل أتى بالظهر أيضاً أم لا؟ فلا مانع من إتيان الظهر المشكوك فيه في ذلك الوقت، بل يجب؛ لقاعدة الاشتغال؛ فإنّه من الشكّ في الوقت لا خارجه كي لا يعتني به، بل للاستصحاب. الرابع: لو شكّ في الوقت المختصّ بالعصر في إتيان الظهر، فإمّا أن يعلم بعدم إتيان العصر، و إمّا أن يشكّ في إتيانه و عدمه. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: لو بقي من الوقت مقدار الاختصاص بالعصر و علم بعدم الإتيان بها، أو شكّ فيه، و كان شاكّاً في الإتيان بالظهر، وجب الإتيان بالعصر، و يجري حكم الشكّ بعد الوقت بالنسبة إلى الظهر. لكن الأحوط قضاء الظهر أيضاً(العروة الوثقى 2: 12.) ، انتهى. لو شكّ في الوقت المختصّ بالعصر في إتيان الظهر قبله فلا إشكال في وجوب إتيان العصر في ذلك الوقت مع العلم بعدم إتيانه قبل هذا الوقت؛ و ذلك لاشتغال الذمّة به يقيناً. و اختصاص الوقت به يقتضي عدم جواز المزاحمة بالظهر على فرض العلم بعدم الإتيان بالظهر، فضلًا عن الشكّ في إتيانه. فالشكّ في الظهر في الوقت المختصّ بالعصر مع العلم بعدم إتيان العصر شكّ بعد مضيّ الوقت، فلا يعتنى به؛ إذ مع فرض العلم بعدم الإتيان بالعصر و اختصاص الوقت به لا تجوز المزاحمة؛ فلا يجوز إتيان الظهر في ذلك الوقت للمزاحمة، و لا يجب قضاؤه خارج الوقت؛ لعدم ثبوت فوته. و إن أبيت عن كون الشكّ في الظهر من قبيل الشكّ بعد مضيّ الوقت لأجل كون تمام الوقت وقتاً للصلاتين كلتيهما- كإبائك عن جريان قاعدة التجاوز؛ لعدم المحلّ المعيّن للظهر على ما تقدّم سابقاً- فلا مجال لوجوب الظهر؛ لا أداءً لمزاحمته العصر، و لا قضاءً لأنّ وجوب القضاء فرع ثبوت الفوت في الوقت، و لم يثبت؛ للشكّ فيه، و استصحاب عدم الإتيان لترتّب وجوب القضاء عليه مثبت، و مقتضى الأصل البراءة من وجوب القضاء. هذا كلّه مع العلم بعدم إتيان العصر. و مع الشكّ في إتيانه قبل الوقت المختصّ به يجب الاعتناء بالشكّ و إتيانه فيه؛ للاشتغال، بل الاستصحاب. و مقتضى الاحتياط قضاء الظهر؛ لاحتمال إتيان العصر قبل الوقت المختصّ به، فتكون الوظيفة- حينئذٍ- إتيان الظهر في الوقت المختصّ بالعصر، و قد ترك، فلا يترك الاحتياط بقضاء الظهر في صورة الشكّ في إتيان العصر.

ص: 280

ص: 281

ص: 282

ص: 283

ص: 284

ص: 285

و منها: الشكّ بعد الفراغ من الصلاة؛

سواء تعلّق بشروطها أو أجزائها أو ركعاتها؛ بشرط أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة، فلو شكّ في الرباعيّة أنّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس، و في الثلاثيّة أنّه صلّى الثلاث أو الأربع أو الخمس، و في الثنائيّة أنّه صلّى اثنتين أو أزيد أو أقلّ، بنى على الصحيح في الكلّ (1)،


1- يقع البحث هنا في امور: الأوّل: أنّ الوجه في عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ من الصلاة صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته؟ قال: فقال: «لا يعيد، و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 1.) و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 2.) و صحيح ثالث له عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا شكّ الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً، و كان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ، لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 3.) الثاني: أنّه لا يعتنى بالشكّ بعد الفراغ من الصلاة مطلقاً- أي سواء تعلّق بشروطها أو أجزائها أو ركعاتها- و ذلك للعموم في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم: «كلّما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد». الثالث: يشترط في عدم الاعتناء بالشكّ المزبور أن يكون أحد طرفي الشكّ الصحّة؛ سواء في ذلك الرباعية و الثلاثية و الثنائية. فلو شكّ في الرباعية في أنّه صلّى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، و في الثلاثية في أنّه صلّى اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً، أو صلّى ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، و في الثنائية في أنّه صلّى اثنتين أو أزيد أو أقلّ، بنى على الصحيح في الكلّ.

ص: 286

ص: 287

بخلاف ما إذا شكّ في الرباعيّة بين الثلاث و الخمس، و في الثلاثيّة بين الاثنتين و الأربع، فإنّ صلاته باطلة في نظائرهما (1).


1- لو شكّ في الرباعية- بعد الفراغ- بين الثلاث و الخمس، أو بين الاثنتين و الخمس، و في الثلاثية بين الاثنتين و الأربع، و في الثنائية بين الواحدة و الثلاثة، بطلت صلاته في الكلّ؛ إمّا بنقص ركعة أو بزيادتها. كذا علّل السيّد رحمه الله البطلان في «العروة الوثقى» و قال: و أمّا لو شكّ بين الاثنتين و الخمس، و الثلاث و الخمس بطلت؛ لأنّها إمّا ناقصة ركعة أو زائدة(العروة الوثقى 2: 51.) و علّل السيّد الخوئي رحمه الله(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 3.) البطلان في فرض الشكّ- بعد الإيراد على تعليل المتن، بقوله: لا لأجل النقص أو الزيادة، ليقال بإمكان تتميم النقص بركعة و دفع الزيادة المحتملة بالأصل- بقوله: بل لأجل نفس الشكّ بين الثلاث و الخمس غير المنصوص على صحّته، فيشمله إطلاق قوله عليه السلام في صحيحة صفوان: «إذا كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء، فأعد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) ، انتهى. و يرد عليه: أنّ كلّ واحد من الشكوك المذكورة- التي أحد طرفي الشكّ فيها الصحّة- غير منصوص على صحّته، فيلزم اندراجها في إطلاق صحيحة صفوان، و هو كما ترى. و الأولى أن يقال: إنّ الشكوك التي كان أحد طرفي الشكّ فيها الصحّة داخلة في الصحيح الثالث المتقدّم لمحمّد بن مسلم: «و كان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ لم يعد الصلاة، و كان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك»(وسائل الشيعة 8: 246، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 27، الحديث 3.) ؛ فيلزم على المصلّي أن يبني يقينه بالإتمام حين انصرف، و أنّه قد أتمّ الصلاة أربعاً في الرباعية، و ثلاثاً في الثلاثية، و اثنتين في الثنائية. و لا يعتني بالشكّ ما لم يحصل له العلم بعدم الإتمام أربعاً في الرباعية، و ثلاثاً في الثلاثية، و اثنتين في الثنائية؛ إمّا بنقص ركعة أو زيادتها. فلا حاجة في الحكم بالبطلان فيما لم يكن أحد طرفي الشكّ الصحّة إلى إدراجه في إطلاق صحيحة صفوان. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: و لو شكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين و الثلاث بنى على الثلاث، و لا يسقط عنه صلاة الاحتياط؛ لأنّه بعد في الأثناء، حيث إنّ السلام وقع في غير محلّه. فلا يتوهّم: أنّه يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط؛ لأنّه مقتضى عدم الاعتبار بالشكّ بعد السلام(العروة الوثقى 2: 51.) ، انتهى. هذا الكلام منه رحمه الله دفع لتوهّم أن يقال: إنّ الشكّ بعد السلام في الرباعية بين الاثنتين و الثلاث مبطل للصلاة؛ لعدم كون أحد طرفي الشكّ الصحّة، أو يقال: إنّه يبني على الثلاث عملًا بوظيفة الشكّ، و يأتي بالركعة الرابعة متّصلة؛ للعلم الحاصل بعد السلام بعدم فعلها، من غير حاجة إلى صلاة الاحتياط؛ لاقتضاء عدم الالتفات إلى الشكّ بعد السلام عدمها. و حاصل الدفع: أنّ الشكّ المزبور شكّ في أثناء الصلاة؛ للجزم- بعد هذا الشكّ- بزيادة السلام و وقوعه في غير محلّه، و في الحقيقة لم يحصل الفراغ من الصلاة. و حكمه البناء على الثلاث و إتيان الركعة الرابعة متّصلة، ثمّ إتيان صلاة الاحتياط ركعة قائماً و سجود السهو لزيادة السلام. فالشكّ المزبور ليس مبطلًا، و لا ممّا لا يلتفت إليه، بل هو في الحقيقة شكّ في الأثناء.

ص: 288

ص: 289

و منها: شكُّ كثير الشكّ؛
اشارة

سواء كان في الركعات أو الأفعال أو الشرائط، فيبني على وقوع ما شكّ فيه و إن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدمه (1).


1- عدم اعتبار شكّ كثير الشكّ ممّا لا خلاف فيه. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك، فإنّه يوشك أن يدعك، إنّما هو من الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 1.) . هذا الصحيح له إطلاق يشمل الشكّ في الركعات و الأفعال و الشرائط. و منها: صحيح زرارة و أبي بصير جميعاً قالا: قلنا له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى، و لا ما بقي عليه؟ قال: «يعيد»، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال: «يمضي في شكّه»، ثمّ قال: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد، فليمض أحدكم في الوهم، و لا يكثرن نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ»، قال زرارة: ثمّ قال: «إنّما يريد الخبيث أن يطاع، فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.) . و مورد هذا الصحيح هو الشكّ في الركعات. و منها: صحيح ابن سنان عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 3.) ، و مورد هذا الصحيح أيضاً مطلق شامل للركعات و الأفعال و الشروط. و منها: موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يكثر عليه الوهم في الصلاة فيشكّ في الركوع، فلا يدري أركع أم لا؟ و يشكّ في السجود فلا يدري أسجد أم لا؟ فقال: «لا يسجد و لا يركع و يمضي في صلاته حتّى يستيقن يقيناً ...»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 5.) ، الحديث. و مورد هذا الموثّق هو الشكّ في الأفعال. و منها: مرسل الصدوق قال: قال الرضا عليه السلام: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك و لا تعد»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 6.) . و مورد هذا المرسل أيضاً مطلق. و المراد بالمضيّ في الصلاة و المتبادر من الأمر به في هذه الروايات، هو البناء على الصحّة و عدم الالتفات إلى الشكّ. و لا فرق في ذلك بين أن يكون في الثنائية أو الثلاثية أو الرباعية، و لا بين أن يكون شكّه من الشكوك المعتبرة، أو من الشكوك التي حكمها بطلان الصلاة، أو ممّا يوجب سجود السهو. فيبني على وقوع ما شكّ فيه و إن كان في محلّه، إلّا إذا كان مفسداً فيبني على عدم وقوعه. فلو شكّ بين الثلاث و الأربع يبني على الأربع. و لو شكّ بين الأربع و الخمس يبني على الأربع أيضاً. و لو شكّ في الثلاثية بين الاثنتين و الثلاث أو بين الثلاث و الأربع، بنى على الثلاث. و كذا لو شكّ في الثنائية بين الواحدة و الاثنتين، أو بين الاثنتين و الثلاث، بنى على الاثنتين. و لو شكّ في أنّه ركع أم لا بنى على أنّه ركع. و لو شكّ بين أنّه ركع ركوعين أم واحداً بنى على عدم الزيادة. و لا يخفى: إن شكّ كثير الشكّ بين الأربع و الخمس له صور ثلاث: الاولى: أن يشكّ بينهما بعد إكمال السجدتين. الثانية: أن يكون الشكّ قبل الإكمال، كما في حال الركوع، أو بين الركوع و السجود، أو حال السجدة الاولى أو الثانية أو بينهما. الثالثة: أن يكون في حال القيام. ففي الصورة الاولى: يتشهّد و يسلّم و ينصرف و ليس عليه سجود السهو اللازم للشاكّ العادي. و في الصورة الثانية: يبني على أنّ الركعة التي بيده رابعته، فيكمّلها بالسجود و يتشهّد و يسلّم و لا شي ء عليه. و في الصورة الثالثة: أيضاً يبني على أنّ الركعة التي بيده هي الرابعة، و بعد ذكر التسبيحات الأربعة حال القيام يركع و يسجد و يتشهّد و يسلّم. و رفعت عنه وظيفة الشاكّ العادي بين الأربع و الخمس حال القيام من الجلوس بعد هدم القيام و التشهّد و التسليم، ثمّ صلاة الاحتياط و سجود السهو. و قال السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»: إنّ البناء على الأربع متّجه في الصورة الاولى و الثانية، بخلاف الصورة الثالثة؛ إذ لازم البناء المزبور فيها تتميم الركعة التي بيده و الإتيان بالركوع و السجدتين، و هذا كما ترى كلفة محمولة على كثير الشكّ، نشأت من الاعتناء بالشكّ، فلا يناسب المضيّ في الصلاة و عدم الاعتناء المأمور بهما. بل المناسب أن يرفع عنه ما هو الموضوع في حق الشاكّ العادي في هذه الصورة، فإنّ وظيفته في هذه الصورة بعد هدم القيام و عود الشكّ إلى ما بين الثلاث و الأربع و الإتيان بركعة الاحتياط، ثمّ سجود السهو للقيام الزائد و لكلّ ما تلفّظ به من تسبيح و نحوه، بناءً على وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة. فهذه الأحكام مرفوعة عن كثير الشكّ، فيبني بعد الهدم على الأربع، من غير حاجة إلى ركعة الاحتياط، و لا إلى سجدة السهو. فإن أراد السيّد اليزدي رحمه الله من البناء على الأربع ما يعمّ الصورة الأخيرة، ففيه ما عرفت و لا يمكن المساعدة عليه بوجه. و إن أراد خصوص الاوليين دون الأخيرة- التي هي في الحقيقة من الشكّ بين الثلاث و الأربع؛ لرجوعه إلى الشكّ في أنّه هل أكمل الثلاث و قد قام إلى الرابعة، أم الأربع، و هذا قيام زائد نحو الخامسة- فنعم الوفاق؛ فإنّه لدى التحليل من البناء على الأربع في الشكّ بين الثلاث و الأربع، لا في الشكّ بين الأربع و الخمس، كما لا يخفى(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 9.) ، انتهى. و فيه: أنّ تتميم الركعة التي بيده و الإتيان بالركوع و السجدتين ليس كلفة زائدة محمولة على كثير الشكّ، بل هو لازم البناء على الصحّة، و أنّ قيامه المشغول به قيام للرابعة. فكثير الشكّ في حال القيام بين الأربع و الخمس، كالملتفت إلى أنّ ما بيده ركعته الرابعة في وجوب ذكر التسبيحات الأربع ثمّ الركوع و السجود، إلى أن يسلّم و ينصرف. و قد التزم رحمه الله في الصورة الثانية- و هي أن يكون الشكّ بين الأربع و الخمس قبل إكمال السجدتين، كما في حال الركوع- بالبناء على الأربع، فإذا بنى على أنّه في ركوع الركعة الرابعة لزم عليه إتيان السجدتين إلى أن يسلّم، و لا شي ء عليه. و بالجملة: فلا فرق بين الصورة الثانية و الثالثة في تتميم الركعة التي بيده؛ سواء حدث شكّه حال القيام قبل الركوع، أو بعد الركوع و قبل السجدتين. ثمّ إنّه قد يتراءى التهافت في الصحيح المتقدّم عن زرارة و أبي بصير، حيث إنّه عليه السلام قد أجاب عن سؤال السائل عن كثرة الشكّ تارةً بالإعادة، و اخرى بالمضيّ في الشكّ و عدم نقض الصلاة. و أجاب عنه صاحب «الحدائق» بقوله: الظاهر أنّ المراد بالكثرة هنا كثرة أطراف الشكّ و محتملاته، و إن كان شكّاً واحداً، كأن يشكّ لا يدري واحدة صلّى أم اثنتين أم ثلاثاً أم أربعاً، و من ثمّ أمره بالإعادة. و ليس المراد به كثرة أفراد الشكّ الذي هو محلّ البحث؛ فإنّه لا إعادة معه اتفاقاً نصّاً و فتوى، إلّا ما سيظهر لك- إن شاء اللَّه تعالى- في المقام من بعض الأعلام. ثمّ إنّه لمّا راجعه السائل و قال: «إنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ» أمره بما هو الحكم في كثير الشكّ من المضيّ في شكّه و عدم الالتفات؛ فإنّه بكثرة ذلك عليه قد دخل تحت كثير الشكّ، فوجب عليه ما ذكرناه من حكمه(الحدائق الناضرة 9: 289.) ، انتهى. و السيّد الخوئي رحمه الله لم ينكر ظهور الصحيح فيما ذكره صاحب «الحدائق»، و لكنّه حمله على ما هو أظهر منه عنده، و قال بما ملخّصه: إنّ الأظهر أن يراد في الأوّل: «الرجل يشكّ كثيراً في صلاته» من يكثر عدد شكّه بالإضافة إلى أفراد العاديين، و إن لم يبلغ مرتبة كثير الشكّ. و في الثاني «يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ» من يكثر عدد شكّه بحيث كلّما أعاد شكّ و يصدق عليه كثير الشكّ اصطلاحاً. فالمراد بالكثرة في أحد السؤالين غير ما هو المراد بها في السؤال الآخر. إلى أن قال: بل يمكن أن يقال بخروج الصحيح عمّا نحن فيه؛ إذ مورده دائم الشكّ؛ لقوله: «كلّما أعاد شكّ»، و هو غير كثير الشكّ بالمعنى الاصطلاحي. و حكمه عدم الاعتناء بالشكّ بحكم العقل، من غير حاجة إلى التماس دليل شرعي(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 5- 7.) ، انتهى. و نسب إلى المحقّق الأردبيلي رحمه الله القول بتخيير كثير الشكّ بين المضيّ في الصلاة و عدم الالتفات إلى الشكّ و بين العمل بالشكّ بالبناء على الأكثر في الشكوك المعتبرة المنصوصة. و نقض الصلاة و الإعادة في الشكوك الباطلة. و سجود السهو فيما يوجبه مستنداً إلى أنّه عليه السلام أمر أوّلًا بالإعادة، ثمّ لمّا بالغ السائل في الكثرة، أمره بعدم الالتفات إليه. و أجاب عنه في «الحدائق» بما استظهره من الصحيح من حمل الكثرة في صدر الخبر على كثرة أطراف الشكّ و محتملاته، كما هو مورد سؤال السائل «لا يدري كم صلّى، و لا ما بقي عليه»، و حملها في ذيل الخبر على كثرة أفراد الشكّ. فمورد الشكّين مختلف و يختلف حكمهما، فحكم الأوّل الإعادة، و حكم الثاني وجوب المضيّ و عدم الالتفات إلى الشكّ(الحدائق الناضرة 9: 290.) ، انتهى بتلخيص منّا.

ص: 290

ص: 291

ص: 292

ص: 293

ص: 294

ص: 295

و لو كان كثير الشكّ في شي ء خاصّ أو صلاة خاصّة يختصّ الحكم به، فلو شكّ في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشكّ (1).


1- من كان كثير الشكّ في فعل خاصّ من أفعال الصلاة أو في صلاة خاصّة، فهل يختصّ الحكم به فقط بحيث لو شكّ في غيره لا يعدّ كثير الشكّ، بل بالنسبة إلى ذلك الغير يكون من العاديين و يعمل عمل الشكّ، أو يعدّ كثير الشكّ بالنسبة إلى الغير أيضاً؟ فيه خلاف بين أصحابنا: ذهب جماعة- منهم صاحبي «المدارك» و «الرياض» و «مستند الشيعة»- إلى الثاني. قال في «المدارك»: و لو تعلّقت الكثرة بفعل بعينه بنى على فعله، و لو شكّ في غيره فالظاهر البناء على فعله أيضاً؛ لصدق الكثرة، كما نبّه عليه في «الذكرى»(مدارك الأحكام 4: 272.) ، انتهى. و في «الرياض»: و لو كثر شكّه في فعل بعينه فهل يعدّ كثير الشكّ مطلقاً فيبني في غيره على فعله أيضاً، أم يقتصر على ذلك؟ وجهان، أجودهما الأوّل وفاقاً لجمع؛ للإطلاق المؤيّد بالتعليل الوارد في النصوص بأنّ ذلك من الشيطان، و هو عامّ(رياض المسائل 4: 250.) ، انتهى. و في «مستند الشيعة»: لو كثر شكّه أو سهوه في فعل بعينه يعمل بعمل ذي الكثرة في غيره أيضاً؛ لصدق الكثرة، و إطلاق الأدلّة، و جريان العلّة. نعم يشترط أن يكون الفعلان جزأي عبادة واحدة، كالوضوء أو الصلاة. أمّا مع تغاير نوع العبادة فلا. فكثير الشكّ في الصلاة لا يرفع اليد عن حكم الشكّ في الوضوء، و بالعكس؛ لعدم دليل على هذا التعميم؛ فإنّ الأخبار منحصرة في الصلاة. نعم يستفاد التعميم من التعليل، و دلالة عمومه على مثل ذلك غير معلومة. و لو سلّمت فمفهوم الشرط فيه مرسلة «الفقيه» المتقدّمة: «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض في صلاتك و لا تعد» ، يخصّص، و يثبت الحكم في غير موردها بالإجماع المركّب(مستند الشيعة 7: 195.) ، انتهى. و ذهب الآخرون إلى الأوّل، و هو المختار؛ لأنّ المتبادر من إطلاقات الأدلّة ترتّب الحكم و المضيّ على خصوص ما كثر فيه الشكّ؛ سيّما بملاحظة التعليلات الواردة في بعضها الظاهرة في أنّ كثرة الشكّ من الشيطان. و العجب من استدلال القائلين بالإطلاق بتلك التعليلات على مختارهم! فكيف يحكم على من كثر شكّه في خصوص صلاة الصبح فقط- مثلًا- و اتّفق له الشكّ في صلاة الظهر، أنّه كثير الشكّ بالنسبة إلى شكّه الاتّفاقي؟! و يلزم عليهم أن يلتزموا بعدم التفات من هو كثير الشكّ في شكّ لا حكم له- كالشكّ بعد الفراغ مثلًا- إلى شكّه الاتّفاقي الحاصل في أثناء الصلاة، و هو كما ترى. و على القول المختار يعمل بالشكّ الاتّفاقي الحاصل لكثير الشكّ مطلقاً؛ أي سواء كان شكّه من الشكوك المعتبرة، أو الشكوك الباطلة، أو الشكوك التي لا يلتفت إليها.

ص: 296

ص: 297

(مسألة 1): المرجع في كثرة الشكّ إلى العرف،

و لا يبعد تحقّقه فيما إذا لم تخلُ منه ثلاث صلوات متوالية (1).


1- قال المحقّق في «الشرائع»: و يرجع في الكثرة إلى ما يسمّى في العادة كثيراً. و قيل: أن يسهو ثلاثاً في فريضة. و قيل: أن يسهو مرّة في ثلاث فرائض، و الأوّل أظهر(شرائع الإسلام 1: 108.) ، انتهى. و قد حكي عن ابن حمزة القول بأنّ حدّ كثير الشكّ أن يسهو ثلاث مرّات متوالية. و هو بظاهره أعمّ من أن يسهو في فريضة واحدة أو فرائض متوالية. و عن ابن إدريس القول بأنّ حدّه أن يسهو في شي ء واحد أو فريضة واحدة ثلاث مرّات، أو في أكثر الخمس؛ أي الثلاث منها. و الوجه في الرجوع إلى العرف و العادة في تحقّق مسمّى الكثرة هو أنّه المحكّم فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، و لا تعيين من اللغة. نعم، قد ورد في بعض الروايات تحديده بالثلاث، كما في صحيح محمّد بن أبي حمزة أنّ الصادق عليه السلام قال: «إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو»(وسائل الشيعة 8: 229، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 7.) و في «الجواهر»: قد قيل: إنّ أظهر ما يراد منه أن لا يسلّم من سهوه ثلاث صلوات متتالية، و هو غير منافٍ للعرف، بل لعلّه بيان له و ليس حصراً. لكن فيه: أنّ مجرّد تحقّق السهو في ثلاث لا يتحقّق به الكثرة مع اختلاف المحلّ، فلعلّ الأولى إرادة السهو في كلّ شي ء من جزء أو غيره ثلاث مرّات؛ أي بأن يسهو في الركوع- مثلًا- ثلاث مرّات، و لو في ضمن ثلاث صلوات، مع احتمال الاقتصار على الفريضة الواحدة، لكن الأقوى خلافه(جواهر الكلام 12: 422.) ، انتهى. و النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»- بعد اختيار أنّ المرجع في معرفة الكثرة العرف، و أنّه المحكّم فيما لم يرد به بيان من الشرع و لا تعيين من اللغة- قال: و أمّا صحيحة ابن أبي حمزة: «و إذا كان الرجل ممّن يسهو في كلّ ثلاث فهو ممّن كثر عليه السهو» ، فليست فيها مخالفة للعرف؛ إذ كلّ من لا يسلّم كل ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفاً قطعاً(مستند الشيعة 7: 194.) ، انتهى. و اورد على الصحيح المزبور بأنّه مجمل؛ لاحتمال أن يكون المراد من الثلاث، الصلوات، أو الفرائض، أو الركعات، أو الأفعال مطلقاً. و أجاب عنه النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» بما ملخّصه: أنّ الحديث ظاهر، و المراد به أنّ كلّ من لا يسلّم كلّ ثلاث صلوات متتالية منه من سهو فهو كثير السهو عرفاً قطعاً. ثمّ قال: و المراد بعدم خلوّ كلّ ثلاث كونه كذلك أيضاً عرفاً؛ أي يقال في العرف: إنّه يسهو في كلّ ثلاث، لا كلّ ثلاث من أيّام تكليفه أو حياته، أو من شهر أو سنة أو غير ذلك ممّا يتصوّر؛ فلا إجمال فيه من هذه الجهة أيضاً. فهو ممّا يبيّن أحد المصاديق العرفية، و له مصداقات اخر أيضاً. و الظاهر صدقه على من يسهو في كلّ من صلوات خمس من يوم، أو أكثرها من يومين أو أكثر، و على من يسهو خمساً أو أكثر في صلاة واحدة، بل لا يبعد صدقه بالسهو ثلاثاً في صلاة واحدة أو في ثلاث صلوات متتالية فرائض أو نوافل(مستند الشيعة 7: 194.) ، انتهى. ثمّ إنّه على تقدير تخصيص الكثرة بالثلاث، فهل الحكم و عدم الاعتناء بالشكّ يتعلّق بالشكّ الثالث أو الرابع؟ فيه خلاف. فقال جماعة بتعلّقه بالرابع؛ ففي «مستند الشيعة»: فيعمل في الرابعة بعمل كثير السهو دون الثالثة؛ إذ الظاهر عدم صدق الكثرة إلّا بالسهو الرابع(مستند الشيعة 7: 195.) ، انتهى. و استدلّ القائلون بتعلّقه بالرابع بأنّ الثلاث سبب لتحقّق حكم الكثرة، و السبب مقدّم على المسبّب؛ فلا يجري حكم المسبّب على السبب. و أورد عليه في «الحدائق» بأنّ تقدّم السبب ذاتي، و لا تنافيه المعية الزمانية. مع أنّ التقدّم الزماني لا يخلّ هنا بالمقصود(الحدائق الناضرة 9: 301.) ، انتهى. و يظهر من المحقّق الأردبيلي رحمه الله تعلّق الحكم بالشكّ الثالث، قال: و يمكن أن يكون معنى رواية محمّد بن أبي عمير عن محمّد بن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام: أنّ السهو في كلّ واحدة واحدة من أجزاء الثلاث بحيث يتحقّق في جميعه موجب لصدق الكثرة، و أنّه لا خصوصية له بثلاث دون ثلاث، بل في كلّ ثلاث تحقّق، تحقّق كثرة السهو، فتزول بواحدة أو اثنتين أيضاً، فيتحقّق حكمها في المرتبة الثالثة، فيكون التحقّق و زوال حكم الشكّ معاً(مجمع الفائدة و البرهان 3: 144.) ، انتهى كلامه. و نسب إلى الشهيد في «الذكرى» حصول الكثرة بالثانية؛ لصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(وسائل الشيعة 8: 243، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) و أجاب عنه صاحب «الحدائق» بقوله: قد قدّمنا أنّ الأظهر في معنى هذه العبارة: «و لا على الإعادة إعادة» هو أنّه لو صدر منه شكّ أو سهو موجب لإعادة الصلاة، ثمّ حصل في الصلاة المعادة ما يوجب الإعادة أيضاً، فإنّه لا يعيد و لا يلتفت إليه، بل يتمّ صلاته. و لا منافاة بينه و بين التحديد الواقع في صحيحة محمّد بن أبي عمير؛ إذ لا يلزم أن يكون عدم الإعادة في الصلاة المعادة، إنّما هو لحصول الكثرة، بل هما حكمان شرعيان بينهما عموم و خصوص من وجه؛ إذ السهو الموجب للكثرة لا ينحصر فيما كان سبباً للإعادة. و السهو في المعادة لا يستلزم كثرة السهو، و إن اجتمع الحكمان في بعض الموارد، و لا تنافي بينهما(الحدائق الناضرة 9: 301.) ، انتهى. و أنكر النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» دلالة صحيح حفص على التحديد بالاثنين.

ص: 298

ص: 299

ص: 300

ص: 301

و يعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض؛ من خوف أو غضب أو همّ و نحو ذلك ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ (1).

(مسألة 2): لو شكّ في أنّه حصل له حالة كثرة الشكّ أم لابنى على عدمها،

و لو شكّ كثير الشكّ في زوال تلك الحالة بنى على بقائها؛ لو كان الشكّ من جهة الامور الخارجيّة لا الشبهة المفهوميّة، و إلّا فيعمل عمل الشكّ (2).


1- و ذلك لانصراف النصوص الدالّة على عدم اعتناء كثير الشكّ بشكّه إلى الشكّ المستند إلى الشيطان. فكثرة الشكّ الناشئة من الجهات الخارجية العارضة لغالب الناس- كالخوف و الغضب و غيرهما ممّا يوجب اغتشاش الحواسّ- ليست من الشيطان، فالواجب فيها الاعتناء بالشكّ.
2- مقتضى الاستصحاب البناء على بقاء ما كان كما كان من عدم حصول حالة الكثرة فيما كان الشكّ في حدوثها، و من بقائها فيما كان الشكّ في زوالها. و لا يخفى: أنّ الاستصحاب يجري فيما علم بالحالة السابقة و شكّ في بقائها، و كان الشكّ من جهة الامور الخارجية أي كانت الشبهة موضوعية. و لا يجري فيما كانت الشبهة مفهومية، كأن يشكّ في مفهوم الكثرة و أنّها تتحقّق بالثلاث أو الأربع. فلا مجال للاستصحاب فيما كان الشكّ في مفهوم الكثرة؛ إذ مع الشكّ في المفهوم لم يكن في السابق حدّ متيقّن حتّى يستصحب. فالوظيفة فيما كان المفهوم مشتبهاً مجملًا مردّداً بين الأقلّ و الأكثر هو الأخذ بالمتيقّن- و هو الأربع في المقام- و الرجوع فيما عداه إلى إطلاقات أدلّة الشكوك السالمة عمّا يصلح للتقييد.

ص: 302

(مسألة 3): لا يجوز لكثير الشكّ الاعتناء بشكّه،

فلو شكّ في الركوع و هو في المحلّ لا يجوز أن يركع، و لو ركع بطلت صلاته. و الأحوط ترك القراءة و الذكر و لو بقصد القُربة لمراعاة الواقع رجاءً، بل عدم الجواز لا يخلو من قوّة (1).


1- نسب إلى المشهور القول بعدم جواز اعتناء كثير الشكّ بشكّه، و أنّ وظيفته المقرّرة له من جانب الشارع المضيّ في صلاته، بحيث لو اعتنى بشكّه و أتى بالمشكوك بطلت صلاته؛ للزوم الزيادة العمدية فيما كانت الزيادة- حتّى الصورية منها- قادحة كما في الشكّ في الركوع و السجود، فإنّ مقتضى وظيفته الظاهرية تركهما، فإتيانهما مبطل. و كذا تبطل فيما كانت الزيادة بقصد الجزئية، كما في الشكّ في القراءة و الذكر، فإنّه لا بأس بإتيانهما بقصد القربة المطلقة لمراعاة الواقع رجاءً ما لم يبلغ حدّ الوسواس المنهي عنه، و إن كان الأحوط تركهما. و نسب إلى الشهيد في «الذكرى» احتمال التخيير بين عدم الاعتناء بالشكّ و المضيّ في الصلاة، و بين العمل بالشكّ. و حكي عن الأردبيلي رحمه الله القول بتخيير كثير الشكّ، و أنّه يجوز له الاعتناء بشكّه و العمل به، كما يجوز له ترك الاعتناء به. و استدلّ للقول بالتخيير بصحيح زرارة و أبي بصير(وسائل الشيعة 8: 228، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 16، الحديث 2.) ، حيث سئل عليه السلام عن كثير الشكّ مرّتين، و أجاب عليه السلام تارة بالإعادة، و اخرى بالمضيّ في الصلاة، و مقتضى الجمع بينهما حمل الأمر على التخيير. و أجاب عنه في «الحدائق» بما ملخّصه: أنّ مورد السؤالين مختلف؛ فمورد السؤال الأوّل كثرة أطراف الشكّ مع كون نفس الشكّ واحداً: «لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه»، فأجاب عليه السلام بالإعادة. و مورد السؤال الثاني كثرة نفس الشكّ: «كلّما أعاد شكّ» فأجاب بالمضيّ فيها. فمع اختلاف مورد السؤالين في الصحيح المزبور لا وجه لحمل الأمر على التخيير(الحدائق الناضرة 9: 290.) و أجاب عنه السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى» بما ملخّصه أوّلًا: أنّ مورد السؤالين مختلف، حيث إنّ كثرة الشكّ في السؤال الأوّل محمول على مرتبة لم تبلغ حدّاً موجباً لعدم الاعتناء به، و في السؤال الثاني محمول على المرتبة البالغة ذلك الحدّ. و ثانياً: أنّ تعليل عدم الاعتناء بالشكّ بعدم تطميع الشيطان إنّما يناسب الإلزام و وجوب المضيّ و عدم الاعتناء بالشكّ، دون الجواز و التخيير(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 25.) و قد يستدلّ أيضاً للقول بالتخيير بأنّ الأمر بالمضيّ في النصوص الواردة في كثير الشكّ غير ظاهر في الوجوب؛ لوروده مورد توهّم الحظر، حيث يتوهّم حرمة المضيّ على الشكّ؛ لقاعدة الاشتغال و اقتضاء أدلّة الشكوك وجوب العمل بها. و حينئذٍ فلا يدلّ الأمر على وجوب المضيّ و ترك الاعتناء بالشكّ لزوماً، بل غايته الدلالة على الجواز و الرخصة أو مطلق رفع الحظر. و يرد عليه: أنّ الأمر الوارد في مورد توهّم الحظر و إن لم يكن ظاهراً في الوجوب في حدّ نفسه، لكنّه إذا اقترن عليه قرينة موجبة للوجوب يحمل عليه، و قد علّل الأمر بالمضيّ في الأخبار الواردة في كثير الشكّ بأنّه من الشيطان، فالتعليل بأنّه من الشيطان إنّما يناسب الإلزام بعدم الاعتناء بالشكّ، و يمنع حمل الأمر بالمضيّ على الرخصة. ثمّ إنّ هنا فروعاً ذكرها السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»، و المصنّف رحمه الله تركها تبعاً للسيّد الأصفهاني رحمه الله في «وسيلة النجاة»، و لا بأس بذكرها بترتيب مسائلها التي رتّبها السيّد رحمه الله و الإشارة إلى ملاكاتها: قال: «مسألة 3- إذا لم يلتفت إلى شكّه و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه و أنّ مع الشكّ في الفعل الذي بنى على وقوعه لم يكن واقعاً، أو أنّ ما بنى على عدم وقوعه كان واقعاً، يعمل بمقتضى ما ظهر، فإن كان تاركاً لركن بطلت صلاته، و إن كان تاركاً لغير ركن مع فوت محلّ تداركه وجب عليه القضاء فيما فيه القضاء، و سجدتا السهو فيما فيه ذلك. و إن بنى على عدم الزيادة فبان أنّه زاد يعمل بمقتضاه من البطلان أو غيره من سجود السهو»(العروة الوثقى 2: 52.) يعني: أنّ كثير الشكّ إذا شكّ و لم يعتن بشكّه و بنى على جانب الصحّة و مضى في صلاته، و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه، يعمل بمقتضى ما ظهر، فإن شكّ في ترك شي ء و بنى على إتيانه، ثمّ بان الخلاف و أنّه لم يأتِ به، و حينئذٍ: فإن كان محلّ التدارك باقياً أتى به، و إن لم يكن باقياً بطلت صلاته إن كان ركناً، و إن كان غير ركن قضاه إن كان ممّا يقضى- كالسجدة الواحدة و التشهّد- و أتى بسجدتي السهو، و إن لم يكن ممّا فيه القضاء- كالقراءة و الذكر- فلا شي ء عليه. و إن شكّ في زيادة شي ء و بنى على عدم الزيادة ثمّ بان الخلاف، فإن كان من قبيل الركن بطلت صلاته، و إن كان غير ركن وجبت عليه سجدتا السهو، بناءً على وجوبها لكلّ زيادة و نقيصة، و إلّا فلا شي ء عليه. ففي جميع ذلك يعمل بمقتضى ما ظهر له من خلاف ما بنى عليه. و الوجه في البناء على خلاف ما بنى عليه، هو أنّ الظاهر من أدلّة كثير الشكّ كون الحكم بعدم اعتنائه بشكّه حكماً ظاهرياً، و هو يجزي ما دام لم ينكشف خلافه، فإذا انكشفت مخالفته للواقع وجب ترتيب أثر فوات الواقع فقد تجب الإعادة، و قد يجب تدارك الفائت، و قد يجب قضاؤه مع سجدتي السهو، و قد لا يجب عليه شي ء ... إلى غير ذلك من أحكام الخلل. قال رحمه الله: «مسألة 5- إذا شكّ في أنّ كثرة شكّه مختصّ بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقاً، اقتصر على ذلك المورد»(العروة الوثقى 2: 53.) فرض المسألة: أنّ كثير الشكّ مع قطعه بكونه كثير الشكّ في شي ء- كالركوع مثلًا- قد يشكّ في أنّ كثرة شكّه هل هي مختصّة بذلك المورد المعيّن فقط، أو لا تختصّ به، بل هي حاصلة في غيره أيضاً؟ فحكمه الاقتصار على ذلك المورد المتيقّن، و في غيره يجري استصحاب عدم الكثرة، و يعمل فيه عمل الشكّ. قال رحمه الله: «مسألة 6- لا يجب على كثير الشكّ و غيره ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو نحو ذلك، و إن كان أحوط فيمن كثر شكّه»(العروة الوثقى 2: 53.) لا خلاف في أنّه لا يجب على كثير الشكّ ضبط صلاته بنصب قيّم أو بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو التخفيف في صلاته، كلّ ذلك للسدّ من حدوث الشكّ. و في «الجواهر»: حتّى لو علم أنّه يعرض له ذلك في صلاة يريد أن يشرع بها لم يجب ذلك(جواهر الكلام 12: 421.) ، انتهى. وجه عدم الوجوب أصالة البراءة، و إطلاق النصوص الواردة في كثرة الشكّ. نعم، قد ورد في بعض الأخبار الأمر بإحصاء الصلاة و حفظها بالحصى، و في بعضها نفي البأس عن حفظها و عدّها بالخاتم، و في بعضها أمر بإدراج الصلاة؛ أي تخفيفها. كما في رواية حبيب الخثعمي قال: شكوت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام كثرة السهو في الصلاة، فقال: «أحصِ صلاتك بالحصى»، أو قال: «احفظها بالحصى»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 28، الحديث 1.) و رواية الصدوق عن حبيب بن المعلّى أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال له: إنّي رجل كثير السهو، فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي احوّله من مكان إلى مكان؟ فقال: «لا بأس به»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 28، الحديث 2.) و صحيح عبد اللّه بن المغيرة عنه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به»(وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 28، الحديث 3.) و موثّق الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، قلت: فإنّه يكثر عليّ، فقال: «أدرج صلاتك إدراجاً»، قلت: و أيّ شي ء الإدراج؟ قال: «ثلاث تسبيحات في الركوع و السجود»(وسائل الشيعة 8: 236، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 22، الحديث 3.) لكن الأمر في هذه الأخبار محمول على الاستحباب؛ للقرينة الواردة في بعضها من نفي البأس، و التعبير بكلمة «ينبغي» في رواية عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو»(وسائل الشيعة 8: 236، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 22، الحديث 2.) ثمّ إنّ السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى» قد عبّر عن رواية الخثعمي المتقدّمة بالمعتبرة(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 28.) ، و قال في «معجم رجال الحديث»: فالرجل- حبيب الخثعمي- ثقة؛ لشهادة النجاشي له بلا معارض. و طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و بابن بطّة(معجم رجال الحديث 5: 204.) ، انتهى. و لعلّ تعبيره رحمه الله عن الرواية بالمعتبرة باعتبار رواية الشيخ إيّاها في «التهذيب» بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل السرّاج عن حبيب الخثعمي(تهذيب الأحكام 2: 348/ 1444.) ، و أنّ طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح. و سائر رجال السند بعد الحسين بن سعيد كلّهم معتبر؛ و هم محمّد بن إسماعيل بن بزيع- كان من صالحي الطائفة الإمامية و ثقاتهم و كثير العمل- و أبو إسماعيل السرّاج- هو عبد اللّه بن عثمان بن عمرو الفزاري، قد وثّقه النجاشي و العلّامة في «الخلاصة»- و حبيب الخثعمي المدائني؛ و هو على ما في «رجال النجاشي» و «خلاصة» العلّامة ثقة ثقة، قد روى عن أبي عبد اللّه و أبي الحسن و الرضا عليهم السلام. و يرد عليه: أنّ تعبيره عن رواية الخثعمي بالمعتبرة لا يساعده كلامه في ترجمته من أنّ طريق الشيخ إليه ضعيف.

ص: 303

ص: 304

ص: 305

ص: 306

ص: 307

ص: 308

و منها: شكّ كلّ من الإمام و المأموم في الركعات مع حفظ الآخر،
اشارة

فيرجع الشاكّ منهما إلى الآخر. و جريان الحكم في الشكّ في الأفعال أيضاً لا يخلو من وجه (1).


1- إذا شكّ كلّ من الإمام و المأموم في الركعات لم يلتفت إلى شكّه، بل عوّل كلّ منهما على صلاة الآخر إذا حفظ عليه؛ فيرجع الشاكّ منهما إلى الآخر بلا خلاف فيه. و في «المدارك» نسبه إلى قطع الأصحاب(مدارك الأحكام 4: 269.) و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) و أورد الكليني رحمه الله تمام الحديث في «فروع الكافي»: «و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(الكافي 3: 359/ 7.) و مرسل يونس عن رجل أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (بإيقان) منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة؛ فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم»(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) و قد ورد في بعض الأخبار عدم اعتناء خصوص المأموم بشكّه، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و سألته عن رجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة، فلم يقل شيئاً و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهّد حتّى يسلّم؟ فقال: جازت صلاته، و ليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو؛ لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 5.) ثمّ إنّه اختلف علماؤنا في أنّه هل يختصّ هذا الحكم- رجوع كلّ من الإمام و المأموم في شكّه إلى الآخر- بعدد الركعات، أم يعمّ الأفعال أيضاً؟ فنسب إلى جماعةٍ القول بالتعميم؛ ففي «مفتاح الكرامة» و في «فوائد الشرائع» و «الميسيّة» و «الروض» و «الذخيرة» و «الكفاية» و «المدارك»: أنّه لا فرق بين الأفعال و الركعات، و في الأخير نسبته إلى الأصحاب. و إليه ذهب صاحب «الحدائق» قال: و لا خلاف في رجوع كلّ من الإمام و المأموم عند عروض الشكّ إلى الآخر مع حفظه له في الجملة؛ سواء كان الشكّ في الركعات أو الأفعال(الحدائق الناضرة 9: 269.) ، انتهى. و اختاره النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»، قال: و مقتضى عموم الأخبار رجوع الشاكّ منهما إلى المتيقّن مطلقاً؛ سواء كان الشكّ في الركعات أو الأفعال(مستند الشيعة 7: 214.) ، انتهى. و صرّح المصنّف رحمه الله بجريان الحكم في الشكّ في الأفعال أيضاً و أنّه لا يخلو من وجه. و ذهب جماعة اخرى إلى اختصاص الحكم بالشكّ في الركعات دون الأفعال. و صاحب «الجواهر» رحمه الله تأمّل في التعميم و قال- بعد نسبة عدم الفرق في الحكم بين الأفعال و الركعات إلى صاحب «المدارك» و بعض من تأخّر عنه-: و هو لا يخلو من تأمّل؛ للشكّ في شمول الأدلّة له(جواهر الكلام 12: 411.) ، انتهى. و المختار: هو القول بالاختصاص بالركعات. و استدلّ للقول بالتعميم بإطلاق صحيح حفص بن البختري المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) ، حيث إنّه شامل لما إذا كان الشكّ في الركعات أو الأفعال، و خبر أبي الهذيل- سيف بن عبد الرحمن المجهول الحال- عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يتّكل على عدد صاحبه في الطواف، أ يجزيه عنها و عن الصبي؟ فقال: «نعم، أ لا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه فهو مثله»(وسائل الشيعة 8: 242، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 9.) و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بعد نفي المنع عن التمسّك بإطلاق صحيح حفص للقول بالتعميم، قال: لو لا دعوى أنّ امتناع الأخذ بإطلاقه الأحوالي و الأفرادي يناسب أن يكون وارداً في مقام إثبات الحكم في الجملة لا مطلقاً، فيمتنع التمسّك به في المقام(مستمسك العروة الوثقى 7: 573.) ، انتهى. و قال العلّامة رحمه الله في «المنتهى»- في مقام الجواب عن الاستدلال بالتعميم بالأخبار- و الجواب عن الأوّل- أي الخبر الأوّل؛ و هو صحيح حفص- أنّه محمول على السهو في العدد و الشكّ فيه؛ لأنّ الإمام كافيه في ذلك، لا في أفعال الصلاة، كالنية و تكبيرة الإحرام و غيرهما(منتهى المطلب 1: 413/ السطر 2.) ، انتهى. و يعجبني نقل كلام المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» في المقام؛ فإنّه متضمّن للاستدلال على القول المختار و الجواب عن استدلال القائلين بالتعميم، حيث إنّه استجود تأمّل صاحب «الجواهر» رحمه الله في شمول حكم شكّ الإمام و المأموم للأفعال، و قال في وجهه: فإنّ عمدة الدليل عليه هو الإجماع و الأخبار المزبورة: أمّا الإجماع فلم يتحقّق بالنسبة إلى محلّ الكلام. و أمّا الأخبار فهي أيضاً لا تخلو من قصور: أمّا رواية البختري فهي في حدّ ذاتها متشابهة، و غاية ما يمكن استفادته منها ببعض القرائن الداخلية و الخارجية إنّما هو إرادة الشكّ في الركعات، كما عرفته في المسألة السابقة. و أمّا ما عداها- و هي مرسلة يونس و صحيحة علي بن جعفر- فموردهما الشكّ في الركعات. و الجواب الوارد في المرسلة و إن كان مطلقاً- فالعبرة بإطلاقه لا بخصوصية المورد- و لكن ذكره في عداد الأمثلة التي لم يرد منها إلّا الشكّ في عدد الركعات يصرفه عن الظهور في العموم(مصباح الفقيه، الصلاة: 579/ السطر 30.)، انتهى.

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

و لا يرجع الظانّ إلى المتيقّن، بل يعمل على طبق ظنّه، و يرجع الشاكّ إلى الظانّ على الأقوى (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في رجوع كلّ من الإمام و المأموم في شكّه إلى الآخر المتيقّن، و هو القدر المتيقّن من النصوص الواردة في شكّ الإمام و المأموم. و إنّما الإشكال و الخلاف في مقامين: أحدهما: رجوع الشاكّ منهما إلى الآخر الظانّ. ثانيهما: رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن. يظهر من الشهيد الثاني جواز الرجوع في كلا المقامين، قال في «المسالك»: ثمّ إن كان الحافظ عالماً رجع إليه الآخر، و إن كان ظانّاً بخلافه. و إن كان الحافظ بانياً على ظنّ رجع الآخر إليه مع الشكّ خاصّة(مسالك الأفهام 1: 298.) ، انتهى. و إليه ذهب صاحب «المدارك» و قال: و كما يرجع الشاكّ من الإمام و المأموم إلى المتيقّن، كذا يرجع الظانّ إلى المتيقّن و الشاكّ إلى الظانّ(مدارك الأحكام 4: 270.) ، انتهى. و قد أشكل الأمر في كلّ من المقامين على جماعة من فقهائنا، كصاحبي «الحدائق» و «الرياض» و «الجواهر» و غيرهم. ففي «الحدائق»: بعد نقل قول صاحب «المدارك» قال: ما ذكروه من رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن و الشاكّ إلى الظانّ، و إن كان ظاهر الأصحاب في هذا الباب، إلّا أنّه لا يخلو من الإشكال عند التأمّل بعين الحقّ و الصواب، و ذلك فإنّ غاية ما يستفاد من الدليل هو رجوع الشاكّ منهما إلى المتيقّن، و أمّا رجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن ففيه ما ذكره بعض أفاضل متأخّري المتأخّرين من عدم ثبوت الدليل عليه، مع أنّه متعبّد بظنّه. و كون اليقين أقوى من الظنّ غير نافع هنا؛ لأنّ قوّة اليقين الموجبة للترجيح مختصّة بمن حصل له اليقين لا غيره. نعم إن حصل له ظنّ أقوى بسبب يقين الغير كان عليه العمل بمقتضاه، إلّا أنّه خارج عن محلّ المسألة(الحدائق الناضرة 9: 270.)، انتهى. و في «الرياض» قال: و المتبادر من الحفظ و عدم السهو المشترط هو الحفظ بعنوان القطع، كما يدلّ عليه لفظ «الإيقان» في بعض النسخ- نسخة «الكافي» و «التهذيب»- فالحكم برجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ مشكل، و كذا الظانّ إلى المتيقّن(رياض المسائل 4: 255.) ، انتهى. و في «الجواهر»: أمّا إذا كان ظانّاً فيشكل اعتماده على غيره، مع أنّه موهوم عنده ... إلى أن قال: و ممّا تقدّم لك سابقاً يظهر لك الإشكال في رجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ إذا لم يحصل له ظنّ(جواهر الكلام 12: 405- 406.) ، انتهى. و قال في موضع آخر: و الحاصل أنّ الصور في المقام ثلاثة ... إلى أن قال: الثالثة رجوع الشاكّ إلى الظانّ، و قد عرفت الإشكال فيه أيضاً، و إن كان قد يقوى رجوعه، إلّا أنّ الاحتياط لا ينبغي تركه(جواهر الكلام 12: 407.) ، انتهى. و فصّل النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» بين رجوع الشاكّ إلى الظانّ، و رجوع الظانّ إلى المتيقّن، و قال: و هل يرجع الشاكّ إلى الظانّ أو الظانّ إلى المتيقّن، أم لا؟ الظاهر في الأوّل: لا، و في الثاني: نعم(مستند الشيعة 7: 214.) ، انتهى. و هذا التفصيل اختاره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها؛ ففي «العروة الوثقى»: الظانّ منهما أيضاً يرجع إلى المتيقّن، و الشاكّ لا يرجع إلى الظانّ إذا لم يحصل له الظنّ(العروة الوثقى 2: 53.) ، انتهى. و ذهب شيخ أساتيذنا الحائري رحمه الله في «صلاته» إلى عكس قول النراقي رحمه الله و قال: و هل يرجع الظانّ إلى القاطع، أم لا؟ الظاهر الثاني؛ لظهور الأخبار في أنّ موردها من كان وظيفته الرجوع إلى قواعد الشكّ لو لا هذا الحكم، فلاحظ. و هل يرجع الشاكّ إلى الظانّ، أم لا؟ قيل: بالثاني؛ لأنّ مفاد الأخبار الإرجاع إلى الحافظ، و الحفظ التامّ يساوق العلم. و فيه: أنّ دليل حجّية الظنّ يجعل الظانّ كالحافظ(الصلاة، للمحقّق الحائري: 418.) ، انتهى. و هذا التفصيل- الذي ذهب إليه الحائري رحمه الله- مختار المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين «للعروة الوثقى». و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»: جوّز رجوع الشاكّ إلى الظانّ و أشكل في تعويل الظانّ إلى المتيقّن، و قال: فالأظهر رجوع الشاكّ إلى الحافظ مطلقاً؛ سواء حصل له الظنّ أم لا. و أمّا الظانّ بالخلاف فيشكل إلغاء ظنّه و التعويل على حفظ الآخر(مصباح الفقيه، الصلاة: 578/ السطر 25.) ، انتهى. و استدلّ لرجوع الظانّ منهما إلى المتيقّن بوجوه: الأوّل: إطلاق صحيح حفص بن البختري المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) ، حيث إنّ المراد من السهو فيه ليس خصوص الشكّ، بل هو الأعمّ منه و من الظنّ. و يدلّ على كون السهو أعمّ و شاملًا للظنّ صحيح محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع، و في الاثنتين و (في) الأربع بتلك المنزلة»، و من سها فلم يدر ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: «يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم ثمّ قرأ فاتحة الكتاب و ركع و سجد، ثمّ قرأ و سجد سجدتين و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض فصلّى ركعتين و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) ، حيث إنّ أكثرية الوهم إلى الأربع أو الثنتين عبارة عن ظنّهما. الثاني: أنّ المراد من الوهم في بعض روايات المسألة يشمل الظنّ أيضاً، كما في رواية محمّد بن سهل بن اليسع الأشعري عن الرضا عليه السلام قال: «الإمام يحمل أوهام من خلفه، إلّا تكبيرة الافتتاح»(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 2.) ، حيث إنّ الوهم يطلق على الظنّ شرعاً، بل لغةً، كما في «مصباح المنير» و «لسان العرب». و مورد الرواية و إن كان رجوع المأموم إلى الإمام في أوهامه- فلا يدلّ على رجوع الإمام على المأموم فيها- و لكن الحكم يثبت في الإمام بالإجماع المركّب؛ لعدم القول بالتفصيل. الثالث: أنّ المستفاد من مرسلة يونس المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) : إنّه ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق، و إن كان الإمام مائلًا مع أحدهما، و المراد من ميل الإمام مع أحدهما كونه ظانّاً، و ذلك بقرينة مقابلته بمعتدل الوهم. و الجواب عن الوجه الأوّل: أنّ إطلاق «السهو» على الظنّ أو على معنى أعمّ من الشكّ و الظنّ غير معهود في الاستعمالات. و قد استعمل «السهو» في اللغة بمعنى النسيان و الغفلة و عدم الالتفات؛ ففي «القاموس»: سها في الأمر سهواً و سُهُوّاً: نسيه و غفل عنه و ذهب قلبه إلى غيره(القاموس المحيط 4: 346.) ، انتهى. و السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى» أنكر شمول السهو لغةً للشكّ، فضلًا عن الظنّ، و قال بإطلاقه على الشكّ كثيراً في لسان الأخبار بضرب من العناية باعتبار الجهل بالواقع(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 40.) ، انتهى. و أمّا «السهو» في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم فلم يستعمل في الظنّ، بل هو مستعمل في معناه اللغوي- الغفلة و عدم الالتفات- فمعنى قوله: «و من سها» أي: من غفل و لم يلتفت و لم يدرِ كم صلّى؟ فهو إمّا معتدل شكّه، أو يكثر وهمه إلى أحد الطرفين، فأين هذا من استعمال لفظ السهو في الظنّ؟! و عن الوجه الثاني: أنّ الوهم في اللغة عبارة عن خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردّد- كما في «القاموس»- و استعماله في الظنّ بعناية يحتاج إلى القرينة. والوهم في رواية محمّد بن سهل لم يستعمل في الظنّ. و قال السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»: إنّ المنسبق إلى الذهن من هذه الرواية- خصوصاً بقرينة استثناء تكبيرة الإحرام- إرادة المنسيات من الأوهام، و يكون حاصل المعنى- حينئذٍ- ضمان الإمام لكلّ خلل يستطرق صلاة المأموم نسياناً بعد تحقّق الائتمام منه بالدخول في تكبيرة الافتتاح(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 43.) ، انتهى. و عن الوجه الثالث: أنّ السائل سأل عن صورة اختلاف المأمومين و اعتقاد بعضهم بأنّهم صلّوا ثلاثاً و بعضهم الآخر بأنّهم صلّوا أربعاً، و كان الإمام مائلًا بأحدهما، و الصادق عليه السلام تعرّض في الجواب لبيان أحكام كلّية؛ من جملتها: أنّه لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه باتّفاق منهم»، فهو عليه السلام لم يتعرّض لجواب سؤال السائل عن صورة اختلاف المأمومين مع ظنّ الإمام بأحد الطرفين، بل جوابه عليه السلام عن صورة اختلاف المأمومين مطلق شامل لصورة كون الإمام مائلًا مع أحدهما، و صورة كونه معتدل الوهم، كلتيهما، حيث قال عليه السلام: «فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم». و في «مستند العروة الوثقى»: و لعلّ المراد العمل بمقتضى الشكّ من الإعادة إن كان من الشكوك الباطلة، و الأخذ بالجزم بالبناء على الأكثر إن كان من الصحيحة(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 42.) ، انتهى. و استدلّ لرجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ بإطلاق صحيح حفص المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) وجه الاستدلال: أنّ كلّاً من الإمام و المأموم يرجع في شكّه إلى الآخر فيما لا يكون الآخر شاكّاً؛ لانصراف الصحيح عن صورة مشاركتهما في الشكّ. ففي صورة المشاركة في الشكّ لا يرجع أحدهما إلى الآخر؛ لقبح الترجيح بلا مرجّح. فالشاكّ منهما يرجع إلى غير الشاكّ؛ سواء كان غير الشاكّ متيقّناً أو ظانّاً، هذا. مضافاً إلى أنّ المفروض حجّية ظنّ الظانّ؛ فظنّه حجّة شرعية و بمنزلة العلم في الكشف عن الواقع. و بهذا الاعتبار يكون حافظاً تعبّداً و جاز للشاكّ الرجوع إليه. و المختار- تبعاً لجماعة- عدم جواز رجوع الظانّ إلى المتيقّن، و جواز رجوع الشاكّ إلى الظانّ. أمّا الأوّل: فلأنّ اللازم على الظانّ العمل بظنّه؛ لأنّ المفروض حجّية ظنّه و وجوب الاعتماد عليه- كما في أعداد الركعات- فلا يجوز له الاعتماد على الآخر المتيقّن؛ لعدم حجّية يقينه عليه. مع أنّ قطع المتيقّن موهون عند الظانّ. و أمّا الثاني: فلما ذكر في الأوّل من أنّ المفروض حجّية ظنّ الظانّ، فظنّه حجّة شرعية و بمنزلة العلم في الكشف عن الواقع، بل أدلّة حجّية الظنّ توجب كون الظانّ ممّن يدري لا ممّن لا يدري، و بهذا الاعتبار يكون حافظاً تعبّداً و جاز للشاكّ الرجوع إليه.

ص: 313

ص: 314

ص: 315

ص: 316

ص: 317

ص: 318

ص: 319

و لو كان الإمام شاكّاً و المأمومون مختلفين في الاعتقاد لم يرجع إليهم. نعم لو كان بعضهم شاكّاً و بعضهم متيقّناً يرجع إلى المتيقّن منهم، بل يرجع الشاكّ منهم بعد ذلك إلى الإمام لو حصل له الظنّ، و مع عدم حصوله فالأقوى عدم رجوعه إليه و يعمل عمل شكّه (1).


1- لو كان الإمام شاكّاً و المأمومون متّفقين متيقّنين، رجع الإمام إليهم بلا إشكال. و كذا رجع الإمام الشاكّ إلى المأمومين المتّفقين الظانّين، بناءً على جواز رجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ. و لو اختلف المأمومون- بأن كان بعضهم شاكّاً و بعضهم متيقّناً- رجع الإمام الشاكّ إلى المتيقّن منهم بلا إشكال. و حينئذٍ: إن حصل للإمام ظنّ بما بنى عليه رجع المأموم الشاكّ إلى الإمام الظانّ، و إن لم يحصل للإمام ظنّ به فلا يرجع المأموم الشاكّ إليه، بل يعمل عمل شكّه. و لو كان الإمام شاكّاً و بعض المأمومين ظانّاً و بعضهم الآخر متيقّناً، رجع الإمام إلى المتيقّن، و يعمل الظانّ بظنّه. و لو كان الإمام شاكّاً و بعض المأمومين ظانّاً و بعضهم الآخر شاكّاً، رجع الإمام إلى الظانّ، و المأموم الشاكّ يعمل عمل شكّه إن لم يحصل للإمام ظنّ، و إلّا رجع إلى الإمام. و قد ذكر صاحب «الحدائق» رحمه الله في المقام خمس عشرة صورة(الحدائق الناضرة 9: 272.) ، فراجع.

ص: 320

(مسألة 4): لو عرض الشكّ لكلّ من الإمام و المأموم، فإن اتّحد شكّهما عمل كلٌّ منهما عمل ذلك الشكّ،
اشارة

كما أنّه لو اختلف و لم يكن بين الشكّين رابطة- كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس- ينفرد المأموم، و يعمل كلٌّ عمل شكّه (1).


1- لو عرض الشكّ لكلّ من الإمام و المأموم و اتّحدا في نوع الشكّ- كأن شكّ كلّ منهما بين الثلاث و الأربع مثلًا- عمل كلّ منهما عمل ذلك الشكّ، و لا مورد لرجوع أحدهما على الآخر. و لو عرض الشكّ لكلّ منهما، و اختلف نوع شكّهما، و لم تكن بين الشكّين رابطة- أي لم يشتركا في شي ء من طرفي الشكّ؛ لكونهما متباينين بحيث يتيقّن كلّ منهما بخطإ الآخر في طرفي شكّه، كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الأربع و الخمس- فلا مورد أيضاً لرجوع أحدهما إلى الآخر، بل ينفرد المأموم، و يعمل كلّ منهما بوظيفته في شكّه؛ من صلاة الاحتياط على الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث، و سجدتي السهو على الشاكّ بين الأربع و الخمس.

ص: 321

و أمّا لو كان بينهما رابطة و قدر مشترك- كما لو شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الثلاث و الأربع- ففي مثله يبنيان على القدر المشترك، كالثلاث في المثال؛ لأنّ ذلك قضيّة رجوع الشاكّ منهما إلى الحافظ؛ حيث إنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث معتقد بعدم الأربع و شاكّ في الثلاث، و الشاكّ بين الثلاث و الأربع معتقد بوجود الثلاث و شاكّ في الأربع، فالأوّل يرجع إلى الثاني في تحقّق الثلاث، و الثاني يرجع إلى الأوّل في نفي الأربع، فينتج بناءهما على الثلاث (1)،


1- لو كان بين شكّي الإمام و المأموم رابطة و قدر مشترك انحلّ شكّ كلّ منهما- بملاحظة شكّ الآخر و بالنسبة إليه- إلى الشكّ من جهة، و إلى الحفظ و الجزم من جهة اخرى، كما في مثال المتن، حيث إنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث شاكّ في الثلاث و جازم بنفي الأربعة، و الشاكّ بين الثلاث و الأربع شاكّ في الأربع و جازم بوجود الثلاث؛ فكل منهما يرفع اليد عن مورد شكّه و يرجع إلى جزم الآخر و حفظه. فالشاكّ بين الاثنتين و الثلاث يبني على الثلاث الذي جزم به الآخر، كما أنّ الشاكّ بين الثلاث و الأربع يبني على نفي الأربعة الذي جزم به الآخر. فرجوع كلّ منهما إلى ما جزم به الآخر ينتج في المثال بناءهما معاً على الثلاث و إتمام الصلاة. و نظير مثال المتن ما لو شكّ أحدهما بين الثلاث و الأربع، و الآخر بين الأربع و الخمس، فهما مشتركان في الشكّ في الأربع، و الأوّل منهما جازم بنفي الخمس، و الآخر جازم بوجود الأربع؛ فيرجع كلّ منهما بما جزم به الآخر؛ فينتج ذلك بناءهما معاً على الأربع. و الوجه في بناء كلّ منهما إلى ما جزم به الآخر في المثالين، و بنائهما على مورد الاشتراك بينهما، هو إطلاق صحيح حفص المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 240، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 3.) ، حيث إنّ كلّاً منهما حافظ واقعاً في مورد شكّ الآخر، فيرجع كلّ منهما في جهة شكّه إلى جهة حفظ الآخر. و اورد عليه: أنّ الصحيح منصرف إلى ما إذا كان الآخر حافظاً مطلقاً؛ فلا يشمل ما لو كان حفظه من جهة و سهوه من جهة اخرى، كما في كلّ مورد من موارد وجود القدر المشترك بين شكّي الإمام و المأموم. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد استظهار جريان حكم الرابطة في الفرائض التي تبطل بنفس الشكّ، كالمغرب فإنّه إذا شكّ الإمام بين كونها ثانية أو ثالثة، و المأموم شكّ بين كونها ثالثة أو رابعة، لم يلتفت كلّ منهما إلى شكّه؛ لمكان يقين الآخر، و بنيا على الثالثة، و كذلك في الصبح لو شكّ أحدهما بين كونه واحدة أو ثانية و الآخر بين كونها ثانية أو ثالثة. قال: لكن لا يخفى أنّ ذلك كلّه محلّ للنظر و التأمّل؛ لما فيه من تخصيص أدلّة الشكّ إبطالًا و حكماً بتخريج غير ظاهر من النصوص و الفتاوى، بل الظاهر من قولهم عليهم السلام: «إذا لم يسه الإمام» و «إذا حفظ عليه من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) ، حفظ عدد الصلاة غير غافل عنها، لا أنّه حافظ قدراً مشتركاً و إن كان ساهياً بالنسبة إلى شي ء آخر. بل بناء الإمام على الثالثة في المثال لم يكن ليقين منه، و لا ليقين من المأموم، فكونها ثالثة غير محفوظ منهما، و كذلك غيره، فكيف يسوغ له البناء عليها مع عدم الاحتياط؟! و يجتزي على تخصيص تلك الأدلّة المحكمة بها، لا أقل من الشكّ(جواهر الكلام 12: 409.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه. و ملخّصه: أنّ أدلّة رجوع الشاكّ من الإمام و المأموم إلى الحافظ منهما منصرف إلى ما إذا كان الآخر حافظاً مطلقاً؛ فلا تشمل ما كان حافظاً بالنسبة إلى شي ء و ساهياً بالنسبة إلى شي ء آخر، كما في المثالين. و أجاب عنه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بقوله: و دعوى انصراف أدلّة المقام عن مثل ذلك ممنوعة؛ و لا سيّما بملاحظة الارتكاز العرفي، فيكون المقام نظير ما لو كان الإمام شاكّاً في الأفعال و حافظاً للركعات، و المأموم بالعكس؛ فإنّه لا ينبغي التأمّل في رجوع كلّ منهما إلى الآخر، بناءً على رجوع الشاكّ في الأفعال إلى الآخر(مستمسك العروة الوثقى 7: 578.)، انتهى.

ص: 322

ص: 323

ص: 324

و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة.

نعم يُكتفى- في تحقّق الاحتياط في الأوّل- البناء على الثلاث و الإتيان بصلاة الاحتياط إذا عرض الشكّ بعد السجدتين (1).


1- لعلّ وجه الاحتياط ما ذكرناه من انصراف أدلّة رجوع الشاكّ من الإمام و المأموم إلى الآخر عن الحافظ بالنسبة، و مع الرجوع فعليه الإعادة. و لا يخفى: أنّ الاحتياط بالإعادة مطلقاً لكلّ من الطرفين في المثالين لا وجه له: أمّا في المثال الأوّل- كما إذا شكّ أحدهما بين الاثنتين و الثلاث، و الآخر بين الثلاث و الأربع- فلأنّ الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث وظيفته البناء على الثلاث و ضمّ ركعة رابعة و إتمام الصلاة. و لا شي ء عليه بناءً على صحّة رجوعه إلى الآخر؛ لإطلاق صحيح حفص المتقدّم. و أمّا بناءً على عدم صحّة رجوعه إليه- للانصراف المزبور- فوظيفته هو البناء على الثلاث أيضاً و ضمّ ركعة رابعة و إتمام الصلاة ثمّ إتيان صلاة الاحتياط. فمقتضى الاحتياط للشاكّ بين الاثنتين و الثلاث إتيان ركعة الاحتياط، لا إعادة الصلاة. هذا فيما إذا عرض له الشكّ بعد إكمال السجدتين. و أمّا إذا عرض قبل اكمالهما فالاحتياط بالإعادة. نعم مقتضى الاحتياط للشاكّ بين الثلاث و الأربع إعادة الصلاة؛ لأنّه بناءً على عدم صحّة رجوعه إلى الآخر كان وظيفته البناء على الأربع و إتمام الصلاة ثمّ إتيان صلاة الاحتياط. فبناؤه على الثلاث يوجب ضمّ ركعة رابعة متّصلة محتملة لأن تكون خامسة في الواقع و موجبة للبطلان، فمقتضى الاحتياط له الإعادة. و أمّا في المثال الثاني- كما إذا شكّ أحدهما بين الثلاث و الأربع، و الآخر بين الأربع و الخمس- فلأنّ الشاكّ بين الثلاث و الأربع وظيفته البناء على الأربع و إتمام الصلاة؛ سواءٌ صحّ رجوعه إلى الآخر أم لم يصحّ. و لكنّه بناءً على صحّة الرجوع لا شي ء عليه بعد إتمام الصلاة، و بناءً على عدم صحّة الرجوع يأتي بصلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة. فالاحتياط له يكون بصلاة الاحتياط، لا الإعادة. و كذلك الشاكّ بين الأربع و الخمس، حيث إنّ وظيفته البناء على الأربع و إتمام الصلاة، و لا شي ء عليه بناءً على صحّة رجوعه إلى الآخر. و بناءً على عدم صحّة رجوعه إليه كان وظيفته البناء على الأربع أيضاً، و لكنّه يسجد سجدتي السهو بعد الصلاة، و حينئذٍ: فالاحتياط له بناءً على صحّة الرجوع يكون بسجدتي السهو لا الإعادة؛ فلا وجه للاحتياط بالإعادة لهما. و اعتقد بعضهم أنّ ما بيده ركعة ثالثة، و بعضهم الآخر أنّه ركعة رابعة، لم يرجع إليهم ما لم يحصل له الظنّ من الرجوع إلى أحد الطرفين، و مع حصول الظنّ يعمل بظنّه، لا لأجل الرجوع إلى قولهم، بل لكون ظنّه حجّة. و وجه عدم رجوعه إلى قولهم- مضافاً إلى أنّ جواز الرجوع مقيّد بما إذا اتّفق المأمومون، كما في مرسل يونس المتقدّم قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق»(الفقيه 1: 231/ 1028، وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) ، بناءً على نسخة «الفقيه»، و أنّ وظيفة الإمام و المأموم في صورة اختلاف المأمومين الاحتياط و الأخذ بالجزم، كما في ذيل المرسل: «فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة و الأخذ بالجزم» - هو أنّه إن رجع إلى قولهم: فإمّا أن يرجع إلى كلا الفريقين المختلفين، أو إلى أحدهما المعيّن، أو غير المعيّن، و الرجوع إلى كلّ منهما يستلزم نفي الآخر؛ فيلزم من الرجوع إلى كليهما التعبّد بالمتناقضين، و هو ممتنع. و الرجوع إلى المعيّن منهما ترجيح بلا مرجّح، و غير المعيّن لا وجود له في الخارج. من غير فرق بين كونه رجلًا او امرأة، عادلًا أو فاسقاً، واحداً أو متعدّداً؛ و ذلك لإطلاق صحيح حفص المتقدّم. و في «مستند الشيعة»: بل و كذا لو كان صبياً مميّزاً؛ لإطلاق قوله: «من خلفه»(مستند الشيعة 7: 216.) و في «الجواهر»: و ظاهر إطلاق النصّ و الفتوى عدم الفرق بين كون المأموم متّحداً أو متعدّداً، ذكراً أو انثى، عدلًا أو فاسقاً. بل عن «الدرّة» نسبة الأخير إلى الأصحاب، بل قد يقال بشموله للصبي المميّز، بناءً على شرعية عبادته، على إشكال؛ لكونه من الأفراد الخفية، و عدم قبول خبره، مع إمكان منع الخفاء، على أنّ الرواية مشتملة على العموم اللغوي، و عدم الاعتماد على خبره في غير ذلك لا يقضي بعدمه هنا، كما في الفاسق. و الفرق بين الفاسق و الصبي بالتكليف و عدمه، و بأنّ الفاسق مصدّق بالنسبة إلى فعله، فهو في الحقيقة مخبر عن فعله، و الإمام يعتمد على فعله لا على إخباره عن فعل الإمام، يدفعه: أنّ العمدة في المقام النصّ الذي قد عرفت شموله، كإطلاق الفتاوى الجابرة له. فما عن بعض المتأخّرين- من عدم الجواز في الصبي، إلّا إذا أفاد ظنّاً؛ فحينئذٍ يعتمد على ظنّه، و ربّما نقل عن بعضهم، بل عن آخر عدم التعويل عليه و إن أفاد ظنّاً- ضعيف جدّاً؛ خصوصاً الأخير. و أضعف منه ما عن ثالث من الإشكال إذا كان المأموم امرأة(جواهر الكلام 12: 404.) ، انتهى. مراده من العموم اللغوي كلمة «من» الموصولة.

ص: 325

هنا فرعان:
الأوّل: إذا شكّ الإمام بين الثلاث و الأربع- مثلًا- و اختلف المأمومون،

ص: 326

الثاني: يجوز للإمام الرجوع في شكّه إلى المأموم مطلقاً،

ص: 327

و منها: الشكّ في ركعات النافلة؛

سواء كانت ركعة كالوتر أو ركعتين، فيتخيّر بين البناء على الأقلّ أو الأكثر، و الأوّل أفضل، و إن كان الأكثر مفسداً يبني على الأقلّ (1).


1- البحث هنا يقع في امور: الأوّل: أنّه لا خلاف بين فقهائنا في تخيير الشاكّ في ركعات النافلة بين البناء على الأكثر و البناء على الأقلّ. و عن المحقّق في «المعتبر» دعوى الإجماع عليه. و نسب إلى «الأمالي»: أنّه عدّ من دين الإمامية أن لا سهو في النافلة، فمن سها فيها بنى على ما شاء. و في «الرياض»: إجماعاً على الظاهر المصرّح به في جملة من العبائر مستفيضاً. و عن العلّامة في «المنتهى»: استحباب البناء على الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن. و عن «التذكرة»: لا حكم للسهو في النافلة، فلو شكّ في عددها بنى على الأقلّ استحباباً، و إن بنى على الأكثر جاز. و لا يجبر سهو بركعة. و في «الشرائع»: من شكّ في عدد النافلة بنى على الأكثر، و إن بنى على الأقلّ كان أفضل. و عن «المعتبر»: الإجماع عليه صريحاً؛ عملًا بالمتيقّن، و أخذاً بالأشقّ، و للمرسلة المروية عن «الكافي»: «أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقلّ»(الكافي 3: 359/ 9، وسائل الشيعة 8: 230، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 18، الحديث 2.) الثاني: لا فرق في حكم الشكّ في ركعات النافلة بين كونها ذات ركعة- كالوتر- و بين كونها ذات ركعتين و أزيد. فلو شكّ في الوتر بين كونها ركعة و ركعتين بنى على الركعة، و لا تبطل إجماعاً. حكاه العلّامة الطباطبائي في «المصابيح». نعم قد ورد في بعض الأخبار الأمر بإعادة الوتر، كما في صحيح العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشكّ في الفجر؟ قال: «يعيد»، قلت: المغرب؟ قال: «نعم، و الوتر و الجمعة» من غير أن أسأله(وسائل الشيعة 8: 195، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 7.) و في «الخصال» بإسناده عن علي عليه السلام- في حديث الأربعمائة- قال: «لا يكون السهو في خمس: في الوتر، و الجمعة، و الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة مكتوبة، و في الصبح، و في المغرب»(وسائل الشيعة 8: 197، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 14.) و في معتبرة العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل صلّى الفجر، فلا يدري صلّى ركعة أو ركعتين؟ قال: «يعيد»، فقال له بعض أصحابنا و أنا حاضر: و المغرب؟ فقال: «و المغرب»، فقلت له أنا: و الوتر؟ قال: «نعم، و الوتر و الجمعة»(وسائل الشيعة 8: 197، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 15.) . قد وقع في طريق الحديث محمّد بن خالد الطيالسي الواقع في طريق «كامل الزيارات» كما في الباب الواحد و السبعين في ثواب من زار الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، الحديث الثامن. و أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: و ينبغي حملها على الوجوب بالعارض، أو على إعادتها بالشكّ بين الاثنتين و الثلاث في الثلاثة المفصولة؛ فإنّه- حينئذٍ- شكّ في وقوع المفردة، فتعاد كما يعاد غيرها من النوافل بالشكّ في الوقوع ... إلى أن قال: نعم لا فرق في الحكم المزبور بين النوافل كلّها؛ ثنائيها كما هو المعظم منها، و ثلاثيها كالوتر- على القول بأنّها ثلاث ركعات يجوز فيها الوصل- و رباعيها كما في صلاة الأعرابي، بل و صلاة جعفر عليه السلام على ما ارسل عن بعض القول به فيهما، بل عن الشيخ: أنّه روي في «المصباح» في صلاة ليلة الجمعة، صلاة أربع ركعات لا يفرق بينها و إحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة، و إن كان في ذلك منع ليس ذا محلّه ... إلى أن قال: فيندرج هنا في النافلة، حيث كان المراد بها ما قابل الفريضة بالنسبة للتخيير المذكور صلاة العيد، مع اختلال شرائط الوجوب ... إلى أن قال: بل في «المصابيح» التصريح باندراج المعادة ندباً بإدراك الجماعة، أو احتمال الخلل، أو وجود المخالف، أو غيرها من الأسباب المخصوصة المقتضية لاستحباب الإعادة في مواردها المنصوصة؛ يومية كانت أو غيرها. كالكسوف المعادة قبل الانجلاء في حكم النافلة أيضاً، بل قال فيها- في «المصابيح»- «و كذلك الصلوات المتبرّع بها عن الأموات و الواقعة بالمعاطاة من غير لزوم»، و لعلّه لإطلاق النصّ و الفتوى؛ فإنّها في جميع ذلك نافلة و ليست بفريضة ... إلى أن قال: لكن لا يخفى عليك أنّ ذلك جميعه محلّ للنظر و التأمّل؛ خصوصاً اليومية منها، و خصوصاً التبرّعية و الاحتياطية منها؛ و للشكّ في تناول الإطلاق لها(جواهر الكلام 12: 426.) ، انتهى. الثالث: يجوز البناء على الأكثر في الشكّ في ركعات النافلة ما لم يستلزم فسادها، كما لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث، فبيني على الأقلّ؛ لأنّ البناء على الأكثر يستلزم فسادها. و في «الرياض»: و هل المراد بالبناء على الأكثر البناء عليه مطلقاً- حتّى لو استلزم فساد النافلة- كما يقتضيه إطلاق العبارة- أي عبارة المتن «و لو سها في النافلة تخيّر في البناء»- و غيرها، أو إذا لم يستلزم فسادها، و إلّا فالبناء على الأقلّ يكون متعيّناً؟ وجهان: أحوطهما الثاني إن لم ندّع ظهوره من إطلاق النصّ و الفتاوى، و إلّا فهو أظهرهما؛ سيّما على القول بحرمة إفساد النافلة اختياراً(رياض المسائل 4: 260.)، انتهى.

ص: 328

ص: 329

ص: 330

ص: 331

و أمّا الشكّ في أفعال النافلة، فهو كالشكّ في أفعال الفريضة يأتي بها في المحلّ، و لا يعتني به بعد التجاوز، و لا يجب قضاء السجدة المنسيّة و لا التشهّد المنسي، و لا يجب سجود السهو فيها لموجباته (1).


1- يقع البحث هنا في امور: الأوّل: اختلف فقهاؤنا في أنّ الشكّ في أفعال النافلة هل هو كالشكّ في ركعاتها في عدم الالتفات إليه، أو هو كالشكّ في أفعال الفريضة، فيلتفت إليه ما لم يتجاوز المحلّ، و لا يعتنى به بعد تجاوز المحلّ؟ نسب إلى جماعة- منهم الأردبيلي و صاحب «الرياض»- القول بعدم الالتفات إلى الشكّ في الأفعال كالشكّ في الركعات: ففي «مجمع البرهان»: الظاهر نفي جميع أحكام السهو المتقدّمة في الفريضة، كأنّها رخصة في سقوط الأحكام عن النافلة؛ و يرتّب الثواب المطلوب عليها مع ذلك، فلا تبطل بالشكّ إذا كان ركعة أو ركعتين أو أكثر و إن كان في الأوّليتين، و عدم الالتفات في الشكّ مع تجاوز المحلّ و بدونه و عدم سجود السهو(مجمع الفائدة و البرهان 3: 195.)، انتهى. و في «الرياض»- بعد اختيار تخيير الشاكّ في النافلة بين البناء على الأقلّ، و البناء على الأكثر، و الاستدلال له بصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في النافلة؟ فقال: «ليس عليك شي ء» ، قال: و عمومه، أي السهو فيهما؛ أي في الصحيح و غيره، سيّما الأوّل، يشمل الشكّ في الأفعال أيضاً مطلقاً؛ أركاناً كانت أو غيرها، كان الشكّ قبل تجاوز محلّها أو بعده(رياض المسائل 4: 259.)، انتهى. و احتمله السبزواري رحمه الله في «الذخيرة» و قال: يحتمل أن يكون قوله عليه السلام: «ليس عليك سهو» رفع أحكام السهو بالكلّية(ذخيرة المعاد: 379/ السطر 20.) ، انتهى. المضبوط في نسخة «وسائل الشيعة» «شي ء»، بدل «سهو». و ذهب جماعة إلى أنّ الشكّ في أفعال النافلة كالشكّ في أفعال الفريضة، فيأتى بها في المحلّ، و لا يعتنى به بعد التجاوز عن المحلّ: ففي «المدارك»: لا فرق في مسائل السهو و الشكّ بين الفريضة و النافلة، إلّا في الشكّ بين الأعداد؛ فإنّ الثنائية من الفريضة تبطل بذلك، بخلاف النافلة، و في لزوم سجود السهو؛ فإنّ النافلة لا سجود فيها؛ بفعل ما يوجبه في الفريضة(مدارك الأحكام 4: 274.) ، انتهى. المختار: مساواة النافلة، الفريضة في الشكّ في الأفعال، فيتدارك مع بقاء المحلّ؛ لأصالة عدم الإتيان، و لمفهوم ذيل صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و قال صاحب «الجواهر» في وجهه: تحكيماً للقاعدة المستفادة من الأخبار فيه، المؤيّدة في الجملة بالاعتبار، المحكمة غاية الإحكام، الظاهرة في عدم الفرق فيه بين النافلة و الفريضة، بل و غيرهما من العبادات و غيرها، إلّا ما خرج بالدليل- كالوضوء- على نفي السهو في الصحيح المتقدّم و نحوه لو قلنا بشموله لنحو المقام(جواهر الكلام 12: 428- 429.) ، انتهى. و حاصله: أنّ صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم و إن كان ظاهره نفي السهو في النافلة مطلقاً- حتّى في الأفعال- و لكن قاعدة التجاوز المستفادة من الأخبار حاكمة عليه. الثاني: لو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد في النافلة، لا يجب قضاؤهما؛ لعدم الدليل عليه. و سيأتي البحث تفصيلًا في «القول في الأجزاء المنسية»: أنّ الأدلّة الدالّة على وجوب قضاء التشهّد و السجدة المنسيّين مختصّة بالفريضة. و في «الجواهر»: ينبغي الجزم بنفي مشروعية قضاء ما يقضى في الفريضة فيها من السجدة و التشهّد المنسيّين، بل يتداركهما مع الإمكان، و لا يلتفت مع عدمه(جواهر الكلام 12: 430.) ، انتهى. الثالث: لا يجب سجود السهو لموجباته في النوافل؛ و ذلك لاختصاص دليل وجوبه بالفريضة في جميع الواجبات: أمّا في الكلام السهوي: فإنّ دليل وجوبه فيه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم؟ فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) ؛ حيث إنّ مورده الجماعة، و لا جماعة في النافلة. و أمّا في السلام في غير موقعه، فالدليل على وجوبه موثّق عمّار في حديث قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث؟ قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) وجه الاستدلال على أنّ مورده الفريضة، كونها رباعية. و أمّا في الشكّ بين الأربع و الخمس بعد رفع الرأس من السجدة الثانية، فكون مورده الفريضة الرباعية ممّا لا ريب فيه، فلا يشمل النافلة. و أمّا التشهّد المنسي الموجب لسجود السهو: فهو التشهّد الأوّل الذي لا يكون إلّا في الفريضة الثلاثية أو الرباعية.

ص: 332

ص: 333

ص: 334

(مسألة 5): النوافل التي لها كيفيّة خاصّة أو سورة مخصوصة- كصلاة ليلة الدفن و الغفيلة-

إذا نسي فيها تلك الكيفيّة، فإن أمكن الرجوع و التدارك يتدارك، و إن لم يمكن أعادها. نعم لو نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر، قضاه متى تذكّر في حالة اخرى من حالات الصلاة، و لو تذكّر بعد الصلاة يأتي به رجاءً (1).


1- يقع البحث هنا في أمرين: الأوّل: أنّ النوافل التي لها كيفية خاصّة أو سورة مخصوصة أو دعاء مخصوص- كصلاة ليلة الدفن و الغفيلة و صلاة ليلة عيد الفطر- إذا اشتغل بها و نسي فيها تلك الكيفية، فإن أمكن الرجوع و التدارك، يتدارك و إن استلزم زيادة الركن، كما لو تذكّر بعد الدخول في الركوع نسيان شي ء من المذكورات؛ لما عرفت من دلالة بعض الأخبار على جواز تدارك المنسي بعد الخروج عن المحلّ. و إن لم يمكن التدارك- كما لو تذكّر بعد الفراغ من النافلة، أو بعد إتمام الركعة بحيث لو رجع و تدارك المنسي و أتى بالركوع و السجود بعد التدارك لزم زيادة ركعة تامّة- أعادها. و علّل الإعادة في «العروة الوثقى» بقوله: لأنّ الصلاة و إن صحّت، إلّا أنّها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة. و قد أورد عليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بما حاصله و توضيحه: أنّ الجمع بين الإعادة و صحّة الصلاة مشكل، إلّا أن يكون ناوياً لأصل الصلاة مع نية الكيفية الخاصّة بنحو تعدّد المطلوب، فحينئذٍ تصحّ الصلاة باعتبار أصل نية الصلاة النفلية المطلقة، و تعاد باعتبار عدم تحقّق الكيفية الخاصّة التي لها دخل في تحقّق عنوان الغفيلة مثلًا(مستمسك العروة الوثقى 7: 588.) ، انتهى. و قد يقال بإمكان الجمع بين الصحّة و الإعادة على فرض وحدة المطلوب أيضاً، حيث إنّ القصد الارتكازي إلى طبيعي الصلاة موجود في ضمن القصد إلى فردها الخاصّ بإحدى الخصوصيات و الكيفيات المذكورة الداعية إلى إيجاد الطبيعي، بحيث لو لا الخصوصية المقصودة لم يتمشّ القصد إلى ايجاد أصل الطبيعي، فيحكم بصحّة الصلاة المأتي بها؛ لانطباق طبيعيها عليها، و إعادتها لعدم كونها الفرد الخاصّ بخصوصيته المعهودة. الثاني: لو نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر عليه السلام قضاه متى تذكّر في حالة اخرى من حالات الصلاة. و يدلّ عليه ما رواه الطبرسي رحمه الله في كتاب «الاحتجاج» قال: ممّا ورد من صاحب الزمان عليه السلام إلى محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري في جواب مسائله، حيث سأله عن صلاة جعفر إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود، و ذكره في حالة اخرى قد صار فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكره، أم يتجاوز في صلاته؟ التوقيع: «إذا سها في حالة من ذلك ثمّ ذكره في حالة اخرى قضى ما فاته في الحالة التي ذكره»(وسائل الشيعة 8: 61، كتاب الصلاة، أبواب صلاة جعفر، الباب 9، الحديث 1.) و لو نسي بعض التسبيحات أو كلّها و تذكّر بعد الصلاة، يأتي به رجاءً لا بنية القضاء؛ إذ لا دليل عليه سوى ما يتوهّم من دلالة رواية أبان بن عثمان، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «من كان مستعجلًا يصلّي صلاة جعفر مجرّدة، ثمّ يقضي التسبيح و هو ذاهب في حوائجه»(وسائل الشيعة 8: 60، كتاب الصلاة، أبواب صلاة جعفر، الباب 8، الحديث 1.) و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت مستعجلًا فصلّ صلاة جعفر مجرّدة، ثمّ اقض التسبيح»(وسائل الشيعة 8: 60، كتاب الصلاة، أبواب صلاة جعفر، الباب 8، الحديث 2.) وجه الاستدلال: أنّه يجوز ترك التسبيحات كلّها أو بعضها حال الاختيار؛ للاستعجال الذي هو عذر، و النسيان أولى بالعذر. و فيه: أنّ الروايتين- على فرض تمامية دلالتهما- ضعيفتان سنداً؛ الاولى منهما بمحسن بن أحمد القيسي الذي لم يثبت وثوقه، و الثاني بعلي بن أبي حمزة.

ص: 335

ص: 336

ص: 337

القول في حكم الظنّ في أفعال الصلاة و ركعاتها
(مسألة 1): الظنّ في عدد الركعات مطلقاً- حتّى فيما تعلّق بالركعتين الأوّلتين من الرباعيّة أو بالثنائيّة و الثلاثيّة- كاليقين،

فضلًا عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعيّة، فيجب العمل بمقتضاه و لو كان مسبوقاً بالشكّ (1).


1- الظنّ في عدد الركعات بحكم اليقين؛ سواء تعلّق بالركعتين الاوليين من الرباعية، أو بالثنائية و الثلاثية، أو بالأخيرتين من الرباعية؛ و ذلك لحجّية الظنّ في باب الركعات، و هو ظنّ خاصّ و بحكم اليقين. و يدلّ عليه إطلاق مفهوم صحيح صفوان، عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شي ء، فأعد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 1.) ، حيث إنّ المراد من «الوهم» في المقام هو خصوص الظنّ، و إطلاق منطوق الصحيح يدلّ على وجوب إعادة الصلاة فيما إذا لم يدرِ كم صلّى، و لم يحصل له الظنّ بشي ء من ركعاتها، و كان شاكّاً، فيجب على الشاكّ الإعادة مطلقاً، خرج منه موارد الشكوك الصحيحة المنصوصة، و مفهومه أنّه إذا حصل الظنّ بشي ء من الركعات- في أيّ صلاة كان- وجب البناء و العمل بمقتضاه و إن كان مسبوقاً بالشكّ، فلو شكّ بين الثلاث و الأربع مثلا، و بنى على الأربع حسب الوظيفة، ثمّ ظنّ بالثلاث، بني على الثلاث و يضمّ الرابعة، و يتمّ الصلاة، و لا شي ء عليه. و بالجملة: مفهوم الصحيح له إطلاق يدلّ على العمل بالظنّ المتعلّق بشي ء من الركعات في أيّ صلاة كان. و قد صرّح في بعض النصوص المعتبرة باعتبار الظنّ في خصوص الركعتين الأخيرتين، و ذلك في موردين: الأوّل: فيما إذا كان الشكّ بين الثلاث و الأربع، كما في صحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ ثلاثاً صلّيت أو أربعاً و وقع رأيك على الثلاث، فابن على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع، فابن على الأربع، فسلّم و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 211، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ هذا الصحيح متضمّن لحكم حالتين للمصلّي؛ الاولى: أن يحصل له الظنّ بأحد الطرفين، فيبني عليه، و يسلّم و ينصرف، و لا شي ء عليه. الثانية: أن يحصل له الوهم؛ أي الشكّ المتساوي الطرفان، فيبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و يأتي بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً. و الثاني: فيما إذا كان الشكّ بين الاثنتين و الأربع، كما في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً، و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ المفهوم من صدره أنّه إذا ذهب وهمك إلى شي ء من الطرفين، فابنِ عليه، و تشهّد و سلّم، و لا شي ء عليك. و لا يخفى: أنّ قول المصنّف رحمه الله: «الظنّ في عدد الركعات مطلقاً ... كاليقين، فضلًا عمّا تعلّق بالأخيرتين من الرباعية» دفع لتوهّم اختصاص حجّية الظنّ بما تعلّق بالركعتين الأخيرتين دون الاوليين، كما حكي عن ابن إدريس، و اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله نظراً إلى اعتبار اليقين و الحفظ في الاوليين، كما في صحيح زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم» يعني سهواً «فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ، و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري أ واحدة صلّى أم ثنتين، قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 7.) و توضيح الدفع: أنّ اليقين و الحفظ و إن كان معتبراً في الركعتين الاوليين من الرباعية، و في الثنائية، و الثلاثية، و لكنّه ليس على نحو الوصفية؛ أي ليس موضوع الحكم هو اليقين بوصف اليقينيّة و بما هو يقين حتّى لا يقوم الظنّ مقامه، بل بما أنّه حجّة و طريق إلى الواقع، و حينئذٍ يقوم الظنّ مقامه؛ لكونه حجّة شرعية و طريقاً إلى الواقع. نعم الأحوط العمل بالظنّ، ثمّ إعادة الصلاة. ثمّ إنّه يظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار الظنّ في الركعات؛ و أنّه يجري عليه حكم الشكّ، كما في رواية الكليني، عن محمّد بن مسلم قال: «إنّما السهو بين الثلاث و الأربع و في الاثنتين و في الأربع بتلك المنزلة، و من سها فلم يدرِ ثلاثاً صلّى أم أربعاً و اعتدل شكّه، قال: يقوم فيتمّ، ثمّ يجلس فيتشهّد و يسلّم، و يصلّي ركعتين و أربع سجدات و هو جالس، فإن كان أكثر وهمه إلى الأربع تشهّد و سلّم، ثمّ قرأ فاتحة الكتاب، و ركع و سجد، ثمّ قرأ و سجد سجدتين، و تشهّد و سلّم، و إن كان أكثر وهمه إلى الثنتين نهض و صلّى ركعتين، و تشهّد و سلّم»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 4.) وجه الدلالة: أنّ ذيله صريح في أنّ من شكّ بين الثلاث و الأربع و أكثر وهمه إلى الأربع- أي غلب وهمه و ظنّ بالأربع- وجب عليه البناء على الأربع و إتمام الصلاة، و إتيان ركعتي الاحتياط جالساً. و اورد عليه أوّلًا: بأنّ صدر الحديث مشتمل على حكم مخالف للإجماع و النصوص المعتبرة؛ حيث إنّه يدلّ على أنّ من شكّ بين الثلاث و الأربع يبني على الثلاث، و يقوم و يأتي بالركعة الرابعة و يتمّ صلاته، ثمّ يأتي بركعتي الاحتياط جالساً، فالحكم بالبناء على الأقلّ مخالف لما عليه الأصحاب. و لما تظافرت به الأخبار من البناء على الأكثر في الشكوك الصحيحة. و ثانياً: أنّ الحكم بصلاة الاحتياط لا يناسب البناء على الأقلّ؛ لأنّ الحكمة في صلاة الاحتياط- على ما صرّح به في الأخبار- جبران النقص المحتمل في الواقع بالبناء على الأكثر، كما في خبر عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة، فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و كما في رواية الصدوق رحمه الله في «المقنع» عن أبي بصير: أنّه روى فيمن لم يدرِ ثلاثاً صلّى أم أربعاً: «إن كان ذهب وهمك إلى الرابعة فصلّ ركعتين و أربع سجدات جالساً، فإن كنت صلّيت ثلاثاً كانتا هاتان تمام صلاتك، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة لك»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 8.) و كذيل صحيح الحلبي المتقدّم: «فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 8.) و ثالثاً: أنّ دلالته على إلحاق الظنّ بالشكّ في الحكم و إن كانت تامّة، و لكنّه لم يثبت كونه كلام المعصوم عليه السلام إذ من المحتمل قوياً أن يكون كلام ابن مسلم و فتواه. و من الأخبار الدالّة على عدم اعتبار الظنّ في الركعات و إلحاقه بالشكّ، موثّق أبي بصير قال: سألته عن رجل صلّى فلم يدرِ أ في الثالثة هو أم في الرابعة؟ قال: «فما ذهب وهمه إليه، إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء، سلّم بينه و بين نفسه، ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 7.) وجه الدلالة: أنّه حكم عليه بوظيفة الشاكّ بين الثلاث و الأربع؛ و هو البناء على الأربع و إتمام الصلاة، و إتيان ركعتي الاحتياط، مع أنّه رأى- أي غلب وهمه و ظنّ- أنّه في الثالثة. و فيه: أنّ هذا الموثّق لا يقاوم الأخبار الكثيرة المعتبرة المتقدّم ذكرها الدالّة على اعتبار الظنّ في عدد الركعات، كاليقين به و على فرض المقاومة كان الترجيح مع تلك الأخبار؛ لكونها موافقة للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً حيث لا خلاف بين الأصحاب في حجّية الظنّ في عدد الركعات، عدا ما ينسب إلى الصدوق رحمه الله من إلحاقه بالشكّ و قوله- على فرض صحّة النسبة إليه- شاذّ لا يعبأ به. و قد أجاب صاحب «الحدائق» رحمه الله عن الاستدلال بالموثّق بقوله: «و يمكن تأويله بحمل جوابه عليه السلام على التفصيل بين ما ذهب إليه وهمه، فيبني عليه، و بين ما لم يكن كذلك، فيعمل فيه بموجب الشكّ في المسألة. و قوله: «إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء» بمعنى مساواته لما رآه في الثالثة، فيحمل على الشكّ الموجب لتساوي الطرفين»(الحدائق الناضرة 9: 230.) ، انتهى. و قد يستدلّ أيضاً على عدم اعتبار الظنّ في عدد الركعات و إلحاقه بالشكّ بمرسل الصدوق في «المقنع» المتقدّم. و يرد عليه:- مضافاً إلى ضعف سنده بالإرسال- أنّه مخالف لما عليه الأصحاب من عدم وجوب صلاة الاحتياط مع الظنّ بالرابعة، إلّا أن يحمل على الاستحباب.

ص: 338

ص: 339

ص: 340

ص: 341

ص: 342

ص: 343

فلو شكّ أوّلًا ثمّ ظنّ بعد ذلك فيما كان شاكّاً فيه كان العمل على الأخير. و كذا لو انقلب ظنّه إلى الشكّ أو شكّه إلى شكّ آخر عمل بالأخير، فلو شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع، فلمّا رفع رأسه من السجود- مثلًا- انقلب شكّه إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، عمل عمل الشكّ الثاني و هكذا.

و الأحوطُ فيما تعلّق الظنّ بغير الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة، العملُ على الظنّ ثمّ الإعادة (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أنّه إذا حدثت للمصلّي حالتان وجب عليه العمل بالثانية؛ سواء كانتا من نوع واحد، كاليقينين، و الظنّين، و الشكّين، أو مختلفتين، فمن تيقّن أنّ ما في يده هي الثالثة مثلًا ثمّ تيقّن أنّها الرابعة، بنى على الرابعة. و من ظنّ أنّها الثالثة ثمّ ظنّ كونها رابعة بنى على الرابعة، و من شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع و بنى على الأربع، و بعد رفع رأسه من السجدة الثانية انقلب شكّه إلى الشكّ بين الأربع و الخمس، عمل عمل الشكّ الثاني، أي يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، و الحال أنّ وظيفته في الشكّ السابق كانت إتيان صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة. و من تيقّن أنّ ما بيده ركعة ثالثة مثلًا، و كان عليه ضمّ الرابعة، و قبل إتيان الرابعة ظنّ بأنّها رابعة، يجب عليه إتمام الصلاة، و من تيقّن أو ظنّ أنّ ما بيده ثالثة مثلًا، كان له البناء عليها، ثمّ لو شكّ في أنّها ثالثة أو رابعة بنى على الرابعة، و أتى بصلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة. ففي هذه الموارد كلّها و غيرها تزول الحالة الاولى، و تنقلب إلى الحالة الثانية المماثلة لها فيما إذا كانتا من نوع واحد، أو المضادّة لها فيما إذا كانتا مختلفتين، و يعمل عمل الثانية حتّى فيما لو انقلب شكّه الصحيح إلى الشكّ الفاسد أو بالعكس؛ و ذلك لكون المدار على مرحلة البقاء و الحالة التي يتمّ عليها الصلاة. و يمكن أن يستشهد عليه ببعض الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر، كموثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال له: «يا عمّار، أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى ما شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و كخبر آخر لعمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة، فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و كموثّقة اخرى له قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر» قال: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) وجه الاستشهاد بالأخبار المذكورة: أنّ إتمام ما ظنّ نقصه بعد الفراغ من الصلاة، ظاهر في أنّ الاعتبار إنّما هو بالحالة الثانية التي يتمّ الصلاة عليها، لا على الحالة الاولى الزائلة. ثمّ إنّ وجه الاحتياط في العمل بالظنّ مع إعادة الصلاة فيما تعلّق الظنّ بالركعتين الاوليين من الرباعية أو بالثنائية و الثلاثية، هو اعتبار اليقين و الحفظ في لسان الأخبار، فيحتمل اعتبارهما وصفاً.

ص: 344

ص: 345

و أمّا الظنّ في الأفعال ففي اعتباره إشكال، فلا يترك الاحتياط فيما لو خالف الظنّ مع وظيفة الشكّ- كما إذا ظنّ بالإتيان و هو في المحلّ- بإتيان مثل القراءة بنيّة القُربة المطلقة و إتيان مثل الركوع ثمّ الإعادة، و كذا إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك. و مع تجاوز محلّه أيضاً يُتمّ الصلاة، و يعيدها في مثل الركوع (1).


1- اختلف فقهاؤنا في أنّ الظنّ المتعلّق بأفعال الصلاة هل هو كاليقين بها في كونه حجّة، أو هو لاحق بالشكّ؟ المشهور شهرة عظيمة إلحاقه باليقين، و نسب إلى المحقّق الثاني نفي الخلاف فيه، و ذهب جماعة من المتأخّرين إلى إلحاقه بالشكّ. و أشكل الأمر على جماعة منهم المصنف رحمه الله و السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جمع من المحشّين لها، فقالوا بلزوم مراعاة الاحتياط فيما لو خالف الظنّ وظيفة الشكّ. و تظهر ثمرة القولين فيما إذا ظنّ بالإتيان و هو في المحلّ، فبناءً على القول بكون الظنّ حجّة كاليقين يمضي في صلاته، و بناءً على كونه كالشكّ يرجع و يتدارك. و يتحقّق الاحتياط في غير الأركان- مثل القراءة- بأن يأتي بها بنيّة القربة المطلقة، لا بقصد خصوص الجزئية، و في الأركان- كالركوع- بإتيانه و إعادة الصلاة. و كذا فيما إذا ظنّ بعدم الإتيان بعد المحلّ مع بقاء محلّ التدارك؛ أي ما لم يدخل في الركن، فبناءً على كون الظنّ حجّة كاليقين يجب التدارك؛ ركناً كان أو غير ركن، و بناءً على كونه كالشكّ لا يعتنى بشكّه؛ لقاعدة التجاوز. و يتحقّق الاحتياط في الظنّ في إتيان مثل الركوع، بالمضيّ في صلاته و إعادتها بعد الإتمام. بقي الكلام في وجه حجّية الظنّ في أفعال الصلاة و إلحاقه باليقين، و هو امور: منها: أنّه المشهور شهرة عظيمة، بل عن المحقّق الثاني دعوى نفي الخلاف فيه. و منها: الخبران النبويّان: «إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب؛ فليبنِ عليه»(انظر ذكرى الشيعة 4: 54، السنن الكبرى، البيهقي 2: 330، صحيح مسلم 2: 43/ 90.) و: «إذا شكّ أحدكم فليتحرّ الصواب»(صحيح مسلم 2: 43/ 89، سنن أبي داود 1: 333/ 1020، سنن ابن ماجة 1: 383/ 1212.) . و قد ادّعي ضعفهما بالشهرة المدعاة و نفي الخلاف المحكي عن المحقّق الثاني. و منها: فحوى ما دلّ على حجّية الظنّ في الركعات؛ حيث إنّ الظنّ في الركعة- مع كونها ذات كثرة، و مركّبةً من الأقوال و الهيئات- إذا كان حجّة، ففي جزءٍ منها بطريق أولى، فإنّ الكلّ أعظم بمراتب من الجزء. و اورد على الوجوه المزبورة: بأنّ الشهرة عند القدماء غير ثابتة؛ لعدم طرح المسألة في كلامهم، و الشهرة عند المتأخّرين ليست بمثابتها عند القدماء، و أنّ نفي الخلاف بمجرّده لا يكون حجّة ما لم يرجع إلى فتوى كلّ الفقهاء؛ أي الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام و حينئذٍ يبقى النبويان بلا انجبار. و أمّا الأولوية فهي ممنوعة؛ لكونها مجرّد استحسان لا يصلح للاستناد إليه في الحكم الشرعي. و قد استدلّ أيضاً بامور اخر أشار إليها مع أجوبتها السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»(مستمسك العروة الوثقى 7: 590.) ثمّ إنّ وجه الإشكال في إلحاق الظنّ في أفعال الصلاة باليقين، هو أنّ المستفاد من الأخبار هو الاعتناء بالشكّ و إتيان المشكوك به فيما إذا كان الشكّ في المحلّ، و عدم الاعتناء به و المضي في الصلاة فيما إذا كان بعد تجاوز المحلّ، و أنّ المراد من «الشكّ» خلاف اليقين، فيشمل الظنّ أيضاً. و بعبارة اخرى: إذا شكّ في شي ء من أفعال الصلاة و كان في المحلّ، يجب الإتيان به ما لم يستيقن بإتيانه و لو كان ظانّاً به، و مع تجاوز المحلّ لا يجب إتيانه ما لم يستيقن بعدم إتيانه و لو كان ظانّاً بعدم الإتيان. فمن تلك الأخبار: صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام: في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته، فقال: «إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، و لكن كيف يستيقن؟!»(وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 2.) حيث إنّ قوله: «و لكن كيف يستيقن؟!» المتضمّن لكلمة الاستدراك و الاستفهام في مقام التعجّب، قرينة على إرادة اليقين بما هو يقين و بوصف اليقينية، فلا يشمل الظنّ، بل الظنّ يندرج فيما لم يستيقن. و منها: مفهوم صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أيقن الرجل أنّه ترك ركعة من الصلاة و قد سجد سجدتين و ترك الركوع، استأنف الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 3.) . و المراد من «الركعة» هو الركوع بقرينة قوله: «و قد سجد سجدتين و ترك الركوع». وجه الاستدلال: أنّه يدلّ بمنطوقه على أنّ من أيقن بعد إتيان السجدتين أنّه ترك الركوع، استأنف الصلاة، و مفهومه أنّ غير المتيقن مطلقاً و لو كان ظانّاً بتركه، لا يستأنفها ما لم يستيقن بترك الركوع. و منها: مفهوم رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل شكّ فلم يدرِ سجدة سجد أم سجدتين، قال: «يسجد حتّى يستيقن أنّهما سجدتان»(وسائل الشيعة 6: 368، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 3.) و دلالتها كدلالة سابقتها، و لكنّها ضعيفة بمحمّد بن سنان.

ص: 346

ص: 347

ص: 348

ص: 349

(مسألة 2): لو تردّد في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ-

كما قد يتّفق- ففيه إشكال لا يُترك الاحتياط بالعلاج؛ أمّا في الركعات فيعمل على طبق أحدهما و يعيد الصلاة، و الأحوط العمل على طبق الشكّ ثمّ الإعادة، و أمّا في الأفعال فمثل ما مرّ (1).


1- لو حصلت للمصلّي حالة و لم يعلم أنّها ظنّ أو شكّ و تردّد فيها، فهل يبني على أنّها ظنّ و يعمل به، أو يعمل بوظيفة الشكّ؟ ففي «العروة الوثقى»: «أنّه كان ذلك شكّاً»(العروة الوثقى 2: 23.) ؛ أي يعمل عمل الشكّ مطلقاً، أي سواء كان في الشكوك الباطلة أو الصحيحة: أمّا في الشكوك الباطلة- كما لو حصل الترديد بين الاولى و الثنتين، أو بين الثنتين و الثلاث قبل إكمال السجدتين، أو بين الرابعة و الخامسة في حال الركوع، أو بعد الركوع و قبل السجدتين، و لم يعلم أنّ حاله ظنّ أو شكّ- فلأنّ المستفاد من النصوص الواردة فيها، كون متعلّق وجوب الإعادة «من شكّ» أو «لا يدري حتّى يحفظ و يكون على يقين» ، كما في صحيح زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان الذي فرض اللَّه تعالى على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ وهم» يعني سهواً «فزاد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتّى يحفظ و يكون على يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم»(وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.) و كما في صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي و لا يدري واحدة صلّى أم ثنتين؟ قال: «يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة و في المغرب و في الصلاة في السفر»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 2.) و كصحيح آخر لمحمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن السهو في المغرب، قال: «يعيد حتّى يحفظ؛ إنّها ليست مثل الشفع»(وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.) و ليعلم أنّه ليس المراد من «الشكّ» و «الوهم» خصوص المتساوي طرفاه، بل المراد منه خلاف اليقين الشامل لحال التردّد بين الظنّ و الشكّ. و بالجملة: المستفاد من الأخبار المذكورة و نحوها، أنّ صحّة الصلاة منوطة باليقين و الحفظ لعدد الركعات من الثنائية و الثلاثية، و الاوليين من الرباعية، و قد ثبت أنّ الظنّ بعدد الركعات- حتّى في الثنائية، و الثلاثية، و الاوليين من الرباعية، فضلًا عن الأخيرتين من الرباعية- قائم مقام الحفظ و اليقين، و حالة التردّد بين الظنّ و الشكّ، لاحقة بحالة الشكّ في الحكم ببطلان الصلاة في موارد الشكوك الباطلة و البناء على الأكثر في موارد الشكوك الصحيحة، إلّا في الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين، فيبني على الأربع، و يسجد سجدتي السهو. و أمّا في الشكوك الصحيحة، فالروايات الدالّة على وجوب البناء على الأكثر مختلفة، فإنّ وجوب البناء على الأكثر في بعضها مشروط بعنوان وجودي؛ أعني اعتدال الوهم و تساوي طرفي الشكّ، كما في صحيح الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع، سلّم و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس؛ يقصّر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و في بعضها مشروط بعنوان عدمي؛ أعني عدم ذهاب الوهم إلى أحد طرفي الشكّ، كما في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة، و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم، ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و كما في صحيح آخر للحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً، و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و في بعضها مشروط بكلّ من الأمرين، كما في صحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ ثلاثاً صلّيت أو أربعاً و وقع رأيك على الثلاث، فابنِ على الثلاث، و إن وقع رأيك على الأربع فابنِ على الأربع، فسلّم و انصرف، و إن اعتدل وهمك فانصرف و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 211، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) حيث إنّ منطوق صدره يدلّ على وجوب البناء على ما وقع عليه الرأي؛ فإن كان ثلاثاً يبني على الثلاث، و إن كان أربعاً يبني على الأربع، فما وقع عليه الرأي خارج عن عموم وجوب البناء على الأكثر فيما إذا كان الشكّ بين الأقلّ و الأكثر، و مفهومه- أي إذا لم يقع رأيك على الثلاث أو على الأربع- أمر عدمي يندرج تحت ذلك العموم، فصدر الصحيح متضمّن للعنوان العدمي، و ذيله مقيّد بالعنوان الوجودي؛ و هو اعتدال الوهم. و بعبارة واضحة: إنّ وجوب البناء على الأكثر بالنسبة إلى مفهوم صدر الصحيح المزبور، مقيّد بعنوان عدمي؛ أعني عدم وقوع الرأي على الثلاث أو على الأربع، و بالنسبة إلى ذيله مقيّد بعنوان وجودي؛ أعني اعتدال الوهم، فالمستفاد من مجموع الأخبار المذكورة، هو أنّ وجوب البناء على الأكثر مقيّد بأحد العنوانين الوجودي و العدمي المذكورين، و هما متلازمان في الخارج. و تظهر الثمرة بينهما في أنّه مع الشكّ في الاعتدال- عند التردّد في أنّ الحالة الحاصلة ظنّ أو شكّ- يستصحب عدمه، فلا يبني حينئذٍ على الأكثر، و مع الشكّ في وقوع الوهم على شي ء من الطرفين- الأقلّ أو الأكثر- يستصحب عدمه و يبني على الأكثر. و لا يخفى: أنّ البناء على الأكثر يترتّب على العنوان العدمي، و العنوان الوجودي معرّف له و طريق إليه، فالمصلّي إن ذهب وهمه إلى شي ء من الركعات فقد أحرز الواقع بقيام الطريق- و هو الظنّ- إليه، فيبني عليه، و إن لم يذهب وهمه إلى شي ء منها يبني على الأكثر. و في «مستند العروة الوثقى»: فالاعتبار بقيام الحجّة و عدمه، و لازم ذلك أن يكون الحكم بالبناء على الأكثر لدى اعتدال الوهم؛ من أجل انتفاء الحجّة و فقد الطريق على أحد طرفي الترديد؛ لا لخصوصيته للاعتدال في حدّ نفسه. و بعبارة اخرى: الجاهل بعدد الركعات إمّا أن تقوم عنده حجّة عليها، أو لا، فالأوّل يعمل على طبق الحجّة، و الثاني إنّما يبني على الأكثر لكونه فاقداً للحجّة و غير محرز للواقع، فأيّ أثر لاعتدال الوهم بعدئذٍ؟! و عليه فمع الشكّ في قيام الحجّة و حصول الظنّ يبني على أصالة العدم»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 233.) ، انتهى. و بالجملة: من لم يذهب وهمه إلى شي ء من الركعات يبني على الأكثر مطلقاً؛ أي سواء اعتدل وهمه، أو تردّد بين الشكّ و الظنّ، فالمتردّد بين الشكّ و الظنّ يعمل عمل الشكّ؛ لعدم قيام الحجّة عنده على شي ء من الركعات. و هذا القول اختاره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و بعض المحشّين لها. و أشكل عليه المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين(العروة الوثقى 2: 23.) و وجه الإشكال ما أشار إليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»: «من أنّ كلًا من الشكّ و الظنّ على خلاف الأصل، فلا يمكن إثبات أحدهما بعينه بالأصل، بل الواجب الرجوع إلى قواعد العلم الإجمالي»(مستمسك العروة الوثقى 7: 478.) ، انتهى. ثمّ إنّ التردّد بين الشكّ و الظنّ إن كان في الركعات، فالأحوط أن يعمل على طبق أحدهما مخيّراً بينهما مع إعادة الصلاة، و أحوط منه العمل بالشكّ، ثمّ إعادة الصلاة، و إن كان في الأفعال فالأحوط ما ذكره المصنّف رحمه الله في ذيل المسألة الاولى: من أنّه إن كان في المحلّ و كان الفعل مثل القراءة، فالاحتياط في إتيانه بقصد القربة المطلقة، و إن كان مثل الركوع فالاحتياط في إتيانه، ثمّ الإعادة، و إن كان بعد تجاوز المحلّ يتمّ الصلاة، و يعيدها في مثل الركوع.

ص: 350

ص: 351

ص: 352

ص: 353

ص: 354

نعم لو كان مسبوقاً بالظنّ أو الشكّ و شكّ في انقلابه، فلا يبعد البناء على الحالة السابقة (1).


1- لو تردّد فعلًا في أنّ الحاصل له ظنّ أو شكّ و قد حصل له سابقاً- أي قبل حالة التردّد- الظنّ أو الشكّ و شكّ في انقلابه، فلا يبعد جريان الاستصحاب و البناء في حالة التردّد على الحالة السابقة؛ إن كانت ظنّاً فظنّ، و إن كانت شكّاً فشكّ.

ص: 355

القول في ركعات الاحتياط
(مسألة 1): ركعات الاحتياط واجبة،
اشارة

فلا يجوز تركها و إعادة الصلاة من الأصل، و تجب المبادرة إليها بعد الفراغ من الصلاة، كما أنّه لا يجوز الفصل بينها و بين الصلاة بالمنافي، فإن فعل ذلك فالأحوط الإتيان بها و إعادة الصلاة، و لو أتى بالمنافي قبل صلاة الاحتياط، ثمّ تبيّن له تماميّة صلاته، لا تجب إعادتها (1).

هاهنا مسائل:
المسألة الاولى: لا إشكال و لا خلاف في وجوب صلاة الاحتياط.

1- و يدلّ عليه الأمر الوارد بها في الأخبار الكثيرة المتواترة، و قد تقدّم ذكر بعضها بمناسبة مسائل الشكّ، و نذكر هنا جملة منها: ففي صحيح عبد الرحمن بن سيّابة و أبي العبّاس جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و إن اعتدل وهمك فانصرف، و صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 211، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 7، الحديث 1.) و في موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و في خبر له عنه عليه السلام: «فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و في موثّق آخر له عنه عليه السلام: «فإذا انصرفت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 4.) و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و في صحيح الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن استوى وهمه في الثلاث و الأربع سلّم، و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب و هو جالس؛ يقصّر في التشهّد»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و في موثّق أبي بصير- بناءً على توجيه صاحب «الحدائق» بأنّه ناظر إلى صورة الشكّ المتساوي طرفاه- قال: سألته عن رجل صلّى، فلم يدرِ أ في الثالثة هو أم في الرابعة، قال: «فما ذهب وهمه إليه؛ إن رأى أنّه في الثالثة و في قلبه من الرابعة شي ء سلّم بينه و بين نفسه، ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 7.) و في صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و مثلها غيرها من الروايات المذكورة في الباب العاشر و الحادي عشر و غيرهما من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من «الوسائل». ثمّ إنّه إذا كانت صلاة الاحتياط واجبة حرم تركها، و حرمت إعادة الصلاة الأصلية: أمّا حرمة تركها فلكونه تركاً للمأمور بها. و أمّا حرمة إعادة الصلاة الأصلية، فلعدم كونها مأموراً بها. و في «العروة الوثقى»: «لا يجوز ترك صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة و الاكتفاء بالاستئناف، بل لو استأنف قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء بطلت الصلاتان. نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء صحّت الصلاة المستأنفة و إن كان آثماً في الإبطال»(العروة الوثقى 2: 29.) ، انتهى. أقول: إذا كان الواجب على الشاكّ- بالشكوك الصحيحة- البناء على الأكثر و إتمام الصلاة و إتيان صلاة الاحتياط، حرم عليه رفع اليد عن صلاة الاحتياط و استئناف الصلاة قبل الإتيان بالمنافي في الأثناء، و بطلت كلتا الصلاتين. أمّا الأصلية، فللزيادة العمدية في أثنائها بالصلاة المستأنفة؛ على فرض إتمام الأصلية بعد سلام المستأنفة بلا فصل. و قد علّل السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بطلان الأصلية بفوات الموالاة بين أجزائها؛ بناءً على اعتبارها فيها بنحو ينافيها فعل الصلاة المذكورة(مستمسك العروة الوثقى 7: 491.) ، انتهى. و أمّا المستأنفة، فلكونها علّة لقطع الصلاة المحرّم، فتكون محرّمة باطلة. نعم لو أتى بالمنافي في الأثناء- أي بعد الصلاة الأصلية و قبل صلاة الاحتياط- صحّت المستأنفة و إن كان آثماً في فعل المنافي، و وجه الصحّة عدم توجّه النهي إليها؛ لعدم كونها موجبة لبطلان الصلاة، بل هي مأمور بها، و النهي متوجّه إلى فعل المنافي الموجب لبطلان الصلاة الأصلية. بعد الفراغ من الصلاة الأصلية. و يدلّ عليه الأخبار، كموثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و نحوه الخبر و الموثّق الآخر لعمّار(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3 و 4.) ، و نحوه أيضاً غيره من الأخبار الواردة في الباب العاشر و الحادي عشر من أبواب الخلل الواقع في الصلاة من «الوسائل». وجه الاستدلال ما أشار إليه صاحب «الجواهر» رحمه الله في مقام إثبات بطلان الصلاة الأصلية بالفصل بينها و بين صلاة الاحتياط بالمنافي؛ و أنّ صلاة الاحتياط واجب موقّت و فوري، حيث قال: «بل ينبغي القطع بلزوم وجوب الفور ...» إلى أن قال: «بل قد يستفاد من بعض أدلّة الفورية- زيادة على وجوبها- صفة شرطيتها أيضاً؛ إذ هي ليس دليلها منحصراً بالإجماع، بل الأخبار كادت تكون صريحة في ذلك، خصوصاً المشتمل منها على «الفاء» المقتضية للتعقيب بلا مهلة، بل و على لفظ «إذا» الظاهر في أنّ وقت فعلها عند الفراغ، و غير ذلك. و لا ريب في ظهورها باشتراط صحّتها بالتعقيب المزبور؛ إذ بدونه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه. على أنّه لو سلّم عدم ظهورها بذلك، فلا إشكال في كون المستفاد منها خصوص هذا الفرد دون غيره، فيكفي في فساده عدم الدليل على صحّته؛ حتّى إطلاقات الأوامر بعد فرض إرادة الفورية منها و انسياق التعقيب من مساقها ...» إلى أن قال: «بل قد يؤيّد ذلك كلّه بعدم عدّ الاحتياط فريضة على حدة غير اليومية، و العيدين، و الآية، و الملتزم بالنذر، و ما ذاك إلّا للتعريض المزبور»(جواهر الكلام 12: 380- 382.)، انتهى. حدثاً كان أو غيره- و اقتصار جماعة على الحدث لإرادة المثال منه؛ لاشتراك الجميع من حيث الدليل- أو لا؟ فقال جماعة بعدم الجواز؛ و أنّ الصلاة تبطل و يسقط الاحتياط، و ربما نسب هذا القول إلى الأكثر، بل إلى المشهور، و هو المختار. و قال آخرون بعدم بطلان الصلاة، و إليه ذهب ابن إدريس، و العلّامة في «الإرشاد» و الشهيدان، و نسب هذا القول إلى متأخّري المتأخّرين، و قوّاه الشيخ الأنصاري في كتاب «الصلاة». استدلّ للقول بعدم الجواز: بأنّ صلاة الاحتياط معرّضة لأن تكون تماماً؛ أي جزءاً من الصلاة الأصلية و متمّماً لها على تقدير النقص، كما يفصح عن ذلك موثّق عمّار المتقدّم: «فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) ، و غيره من الأخبار. فمقتضى كون صلاة الاحتياط تتمّة للصلاة الأصلية، حصول الحدث و سائر المنافيات في الأثناء. و قد يستشهد له أيضاً: بأنّه قد امر بسجدتي السهو فيما لو تكلّم بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط، كما في صحيح ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و اورد عليه: أنّه لا شاهد على إرادة التكلّم بين الصلاتين، و يحتمل أن يكون المراد به التكلّم حين عروض الشكّ في أثناء الصلاة، و يحتمل أن يكون المراد به التكلّم سهواً في أثناء صلاة الاحتياط؛ و أنّها بحكم الصلاة الأصلية في كون التكلّم في أثنائها موجباً لسجود السهو. و هذا الاحتمال أوفق بظاهر الصحيح، و لكنّ الالتزام به مشكل؛ لقوله عليه السلام: «لا سهو في سهو»(وسائل الشيعة 8: 243، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 2 و 3.) ، إلّا أن يحمل على الاستحباب. و قد استدلّ صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد اختيار القول بعدم الجواز، و بطلان الصلاة الأصلية، و سقوط صلاة الاحتياط- بوجوه: منها: أنّها معرّضة لأن تكون تماماً، و الحدث مثلًا يمنع من ذلك. و منها: قوله «و لإشعار وجوب المبادرة- المجمع عليه، كما عرفت- بمراعاة حكم الجزئية؛ ضرورة أنّها لو كانت صلاة منفردة ما روعي فيها حكم ذلك، لم يكن لوجوب المبادرة وجه؛ إذ احتمال التعبّدية المحضة للإجماع بعيد، أو باطل، بل في المحكي عن «المصابيح»: أنّه لم يدّع أحد الإجماع على تحريم فعل المنافي بينهما تعبّداً من غير مدخلية البطلان أصلًا؛ لأنّ الفقهاء- غير ابن إدريس- حكموا بالمنع؛ لكون الاحتياط معرضة لتماميته، كما هو صريح أدلّتهم و فتاويهم في غاية الوضوح، فلذا نسب الخلاف إلى ابن إدريس، نعم وافقه العلّامة في خصوص «الإرشاد»، انتهى. بل ينبغي القطع بلزوم وجوب الفور للمختار؛ بناءً على مساواة الواجب فوراً للموقّت في فواته بفوات وقته، كما هو أحد الوجهين فيه إن لم يكن أقواهما»(جواهر الكلام 12: 380.) ، انتهى. و استدلّ للقول بعدم بطلان الصلاة الأصلية بالأصل، و إطلاق الأخبار غير المقيّدة بلزوم الفورية و التوقيت بكون صلاة الاحتياط عقيب الصلاة الأصلية بلا فصل، و استدلّ أيضاً بظهور الأدلّة في كونها صلاة منفردة، و بالأمر بإتمام الصلاة الأصلية- على فرض نقصها في الواقع- بصلاة الاحتياط في موثّق عمّار المتقدّم، كناية عن فعل المتمّم بصلاة مبتدئة يجب فيها الافتتاح، و تتعيّن الفاتحة، و يجوز الجلوس فيها، فهي ليست بجزء حقيقي لتلك الصلاة؛ بحيث يصدق معه وقوع الحدث في الأثناء، بل هي بدل من النقص بحكم الشارع تعبّداً، و كونها بدلًا لا يوجب مساواتها للمبدل في كلّ حكم. و من هنا حكي عن فخر المحقّقين اختيار قول ثالث في المسألة حكى عن والده أنّه ذكره له مذاكرة؛ و هو التمامية من وجه و الانفراد من وجه آخر جمعاً بين الأدلّة. و أورد عليه في «الجواهر»: «بأنّه لا محصّل له؛ إذ البحث هنا في أنّ ما نحن فيه من أيّ وجه؛ على أنّ كونه تماماً من وجه يقتضي مراعاة الجزئية مهما تيسّر، فالتفصيل حينئذٍ بذلك لا وجه له»(جواهر الكلام 12: 383.) ، انتهى. و قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»- بعد نقل القولين في المسألة و ذكر استدلالهما-: «إنّ الشارع لم يعتبر الاتصال في هذا الجزء، بل أوجب الإتيان به بعد الانصراف عن صلاة الأصل بتحريم مستأنف، فيكون افتتاحها لصلاة الاحتياط بمنزلة الرجوع إلى تلك الصلاة التي وقع النقص بعد خروجه منها، فالزمان المتخلّل بين التسليم و التحريم لا يعدّ من أكوان الصلاة، فالحدث الواقع فيه يقع في خارج الصلاة، لا في أثنائها ...». إلى أن قال: «و المسألة محلّ إشكال و إن كان القول بالجواز لا يخلو من قوّة. و لكن الأحوط- إن لم يكن أقوى- ترك إيجاد المنافي عمداً، و على تقدير حصوله قهراً أو سهواً فالجمع بين فعل الاحتياط و إعادة الصلاة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 572/ السطر 35.) ، انتهى. ثمّ إنّ الأحوط فيما لو أتى بالمنافي بين الصلاة الأصلية و الاحتياط عمداً أو سهواً، الإتيان بصلاة الاحتياط، ثمّ إعادة الصلاة؛ عملًا بكلا القولين في المسألة. المسألة الرابعة: من كانت وظيفته صلاة الاحتياط فأتى بالمنافي عمداً قبل الشروع فيها، ثمّ علم بكون صلاته تامّة، لا تجب إعادتها؛ لأنّ المفروض صحّة صلاته واقعاً. و لا مقتضي لإتيان صلاة الاحتياط؛ لأنّه على فرض الحاجة إليها لجبران النقص المحتمل، و المفروض انكشاف تمامية الأصلية. نعم هو متجرّ بالنسبة إلى فعل المنافي و ترك صلاة الاحتياط الفورية.

ص: 356

ص: 357

ص: 358

المسألة الثانية: لا خلاف و لا إشكال في وجوب المبادرة إلى صلاة الاحتياط

ص: 359

المسألة الثالثة: هل يجوز الفصل بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط بالمنافي؛

ص: 360

ص: 361

ص: 362

ص: 363

(مسألة 2): لا بدّ في صلاة الاحتياط من النيّة و تكبيرة الإحرام و قراءة الفاتحة

- و الأحوط الإسرار بها و بالبسملة أيضاً- و الركوع و السجود و التشهّد و التسليم. و لا قنوت فيها و إن كانت ركعتين، كما أنّه لا سورة فيها (1).


1- تجب في صلاة الاحتياط النيّة و تكبيرة الافتتاح بلا خلاف، بل عن جماعة دعوى الإجماع عليه، فلا يكتفى بنيّة الصلاة الأصلية و تكبيرتها: أمّا وجوب النيّة بمعنى قصد العمل؛ فلأنّ امتياز الأعمال بعضها عن بعض إنّما هو بالقصد إليها. و أمّا وجوبها بمعنى قصد التقرّب؛ فلأنّ عبادية العبادة لا تكون إلّا به. و أمّا وجوب تكبيرة الافتتاح، فهو المشهور المتسالم عليه عند الأصحاب، بل ممّا لا خلاف فيه، عدا ما حكي عن القطب الراوندي من وجود المخالف فيه من الأصحاب، و لكنّه لم يعرف بشخصه. قال صاحب «الحدائق» رحمه الله- بعد نسبة وجوب تكبيرة الإحرام إلى ظاهر الأصحاب-: «بل كاد أن يكون اتفاقاً بينهم، إلّا أنّ بعض متأخّري أصحابنا نقل عن القطب الراوندي في «شرح النهاية الطوسية» أنّه قال: من أصحابنا من قال: إنّه لو شكّ بين الاثنتين و الأربع أو غيرهما من تلك الأربعة، فإذا سلّم قام ليضيف ما شكّ فيه إلى ما يتحقّق، قام بلا تكبيرة الإحرام، و لا تجديد نيّة، و يكتفي في ذلك بعلمه و إرادته، و يقول: لا تصحّ نيّة متردّدة بين الفريضة و النافلة على الاستئناف، و إنّ صلاة واحدة تكفيها نيّة واحدة، و ليس في كلامهم ما يدلّ على خلافه، و قيل: ينبغي أن ينوي أنّه يؤدّي ركعات الاحتياط قربة إلى اللَّه، و يكبّر ثمّ يصلّي، انتهى. و هذا القول و إن لم يشتهر نقله من الأصحاب، إلّا أنّ إطلاق الأخبار المتقدّمة في الأمر بالاحتياط يعضده؛ فإنّ أقصى ما تضمّنته تلك الأخبار، أنّه يقوم و يركع ركعة أو ركعتين من قيام أو جلوس، و ليس فيها- على تعدّدها و كثرتها- تعرّض لذكر تكبيرة الإحرام، كما لا يخفى على من راجعها، مع اشتمالها على قراءة الفاتحة و التشهّد و التسليم، و المقام فيها مقام البيان؛ لأنّها مسوقة لتعليم المكلّفين، فلو كان ذلك واجباً لذكر في بعض، كما ذكر غيره ممّا أشرنا إليه. و الذي وقفت عليه من عبائر جملة من المتقدّمين و جلّ المتأخّرين خالٍ عن ذكر التكبير أيضاً. نعم، روى الشيخ في «التهذيب» عن زيد الشحّام قال: سألته عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات، قال: «إن استيقن أنّه صلّى خمساً أو ستّاً فليعد، و إن كان لا يدري أزاد أم نقص فليكبر و هو جالس، ثمّ ليركع ركعتين، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب في آخر صلاته، ثمّ يتشهّد»(تهذيب الأحكام 2: 352/ 1461، وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 5.) فإنّ ظاهره أنّ هاتين الركعتين إنّما هما للاحتياط؛ و إن كان الاحتياط هنا غير مشهور في كلام الأصحاب، إلّا أنّ ظاهر الصدوق في «المقنع» القول بذلك، و قد تقدّم الكلام في ذلك في المسألة العاشرة، و حينئذٍ: فيمكن أن تخصّص تلك الأخبار بهذا الخبر. و كيف كان: فالاحتياط يقتضي الوقوف على القول المشهور»(الحدائق الناضرة 9: 302- 303.) ، انتهى كلام صاحب «الحدائق». و يمكن استفادة وجوب تكبيرة الافتتاح من الأخبار؛ حيث ورد الأمر بصلاة الاحتياط فيها، و من الواضح أنّ الصلاة أوّلها التكبير، و آخرها التسليم، و قد ورد فيها التشهّد و التسليم، و سيجي ء البحث فيه. و قد يتوهّم عدم وجوب تكبيرة الإحرام؛ لعدم تعرّض الأخبار لها. مضافاً إلى أنّ صلاة الاحتياط في معرض الجزئية للصلاة الأصلية، و التكبير ينافيه؛ لاستلزامه زيادة الركن. و يرد عليه: أنّ الأخبار و إن لم يصرّح فيها بوجوب التكبيرة، و لكن قد ورد فيها الأمر بصلاة الاحتياط، و من الواضح أنّ أوّل الصلاة التكبير، و كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً للصلاة الأصلية، لا ينافي وجود تكبيرة الافتتاح؛ لاستفادتها من الأخبار و أنّها تعبّد من الشارع. و قد أجاب السيّد الخوئي رحمه الله عن التوهّم المزبور بقوله: «و يردّه أنّ الأخبار و إن كانت خالية عن ذكر التكبير صريحاً، إلّا أنّ ذلك يستفاد منها بوضوح؛ لأجل الترديد فيها بين التتميم على تقدير، و النفل على التقدير الآخر، فلا بدّ من الإتيان بها على وجه تصلح لوقوعها نافلة. و من المعلوم أنّ هذه الصلاحية موقوفة على اشتمالها على تكبيرة الافتتاح؛ إذ لا صلاة من دون افتتاح، فإنّ أوّلها التكبير، كما أنّ آخرها التسليم؛ من غير فرق بين الفريضة و النافلة»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 274.) ، انتهى. و فيه: أنّ الترديد في صلاة الاحتياط بين كونها متمّمة للأصلية على تقدير النقص و بين كونها نافلة على تقدير التمامية، كما يقتضي إتيانها على وجه تصلح لوقوعها نافلة- بأن تشتمل حتماً على تكبيرة الافتتاح؛ إذ لا صلاة إلّا بالتكبيرة- كذلك يقتضي إتيانها على وجه تصلح لأن تكون جزءاً، و لا تصلح للجزئية و المتمّمية مع التكبيرة، و لذا حكي عن القطب الراوندي نسبة انتفاء التكبيرة فيها إلى بعض الأصحاب. اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ صلاة الاحتياط بما أنّها صلاة و أوّلها التكبير و آخرها التسليم- مع جميع ما يعتبر فيها من الأجزاء و الشرائط، إلّا القيام في بعض أقسامها- متمّم، كما نسب إلى الشهيد و من تأخّر عنه أنّه يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الصلاة- عدا القيام في البعض- من الطهارة و الستر و الاستقبال و غيرها، بل و التشهّد و التسليم. و في «الجواهر»: «و لا ينافيه تكبيرة الافتتاح و إن كان هو ركناً تفسد زيادته، لكنّه اغتفره الشارع هنا، كما اغتفره في غير المقام ...» إلى أن قال: «على أنّه قد يمنع إفساد زيادته هنا لو صادف النقص؛ من حيث القصد به إلى افتتاح صلاة جديدة، فلا يكون زيادة ركن في تلك الصلاة، كما أشرنا سابقاً إلى نظيره، كما أنّه قد يقال: إنّ المراد كونها صلاة جعلها الشارع معرضاً لكلّ منهما، و لا تكون صلاة إلّا بالافتتاح بالتكبير»(جواهر الكلام 12: 371.) ، انتهى. و أمّا وجوب قراءة الفاتحة، فيدلّ عليه الأخبار الكثيرة المتواترة، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: «تقرأ فيهما بامّ الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح الحسين بن أبي العلاء: «و صلّى ركعتين و أربع سجدات بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 6.) و موثّق أبي بصير: «ثمّ صلّى ركعتين يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 218، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 7.) . و غيرها من أخبار الباب، و أكثر أخبار الباب الحادي عشر من أبواب الخلل في الصلاة من «الوسائل». و الظاهر من الأخبار تعيّن الفاتحة، فلا يكفي التسبيح، و هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع. و في «الجواهر»: «هو المشهور نقلًا و تحصيلًا شهرةً كادت تكون إجماعاً؛ لما قد عرفت من التعريض المزبور القاضي بمراعاة الصحيح على كلا التقديرين، و ليس هو إلّا بالفاتحة؛ ضرورة توقّف صحّتها- لو كانت نافلة واقعاً- عليها، إذ «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» و للأمر بها في النصوص السابقة المشعرة بما قلنا أيضاً. مضافاً إلى ظهور الأدلّة- إن لم يكن صراحتها- في أنّها صلاة منفردة و إن كانت معرضة لما سمعت، و لا صلاة إلّا بها»(جواهر الكلام 12: 372.) ، انتهى. و استدلّ النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» للقول بتعيّن الفاتحة- مضافاً إلى أنّها صلاة منفردة، كما يظهر من الأخبار، و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» - بأصالة الاشتغال؛ «فإنّ وجوب أحد الأمرين من الفاتحة و التسبيح ثابت قطعاً، فلا يحصل البراءة اليقينية إلّا بالإتيان بما يوجب البراءة يقيناً، و هو الفاتحة»(مستند الشيعة 7: 251.) ، انتهى. و نسب إلى ابن إدريس القول بالتخيير بين الفاتحة و التسبيح، و استدلّ ابن إدريس على التخيير- على ما حكي عنه- بأنّ الاحتياط قائم مقام الركعتين الأخيرتين، فيثبت فيه ما ثبت في مبدله. و في «الشرائع»- حكايةً عن القائلين بالتخيير-: «لأنّها قائمة مقام ثالثة أو رابعة، فيثبت فيها التخيير. كما يثبت في المبدل»(شرائع الإسلام 1: 108.) و يرد عليهم أوّلًا: أنّ التخيير مخالف لظاهر الأخبار المصرّح فيها بخصوص قراءة فاتحة الكتاب. و ثانياً: أنّ التخيير- على فرض ثبوته- يكون بين قراءة الفاتحة و تركها، لا بينها و بين التسبيح. و ثالثاً: أنّه مخالف لاحتمال كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة،و «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب». و أمّا وجوب الإخفات بالفاتحة، فهو المستفاد من قوله عليه السلام في موثّق عمّار: «فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت»(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.) و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني رحمه الله: «أنّه لا بدّ من الإتيان بصلاة الاحتياط على وجه يصلح وقوعها تتمّة للنقص؛ بأن يراعى فيها الشرائط المعتبرة في الأخيرتين من الفريضة؛ من الاستقبال، و الاستقرار، و الإخفات بالقراءة و نحوها، عدا ما ثبت الرخصة في مخالفته، مثل الإتيان بركعتين من جلوس بدلًا من الركعة من قيام»(مصباح الفقيه، الصلاة: 572/ السطر 20.) ، انتهى. و أمّا الإخفات بالبسملة، فقد تقدّم في ضمن البحث عن المسألة السابعة عشرة من مسائل «القول في القراءة و الذكر» أنّ الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله الإخفات بالبسملة في القراءة في الركعتين الأخيرتين، و أنّ الاحتياط استحبابي عندنا، فراجع. و يجب في صلاة الاحتياط الركوع و السجود و التشهّد و السلام إجماعاً، و للأخبار المستفيضة، بل المتواترة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات؛ يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) . و لا قنوت في صلاة الاحتياط حتّى فيما إذا كانت ركعتين قائماً، فضلًا عن كونها جالساً أو ركعة قائماً؛ لأنّ مشروعيته إنّما هو في الثانية من الاوليين في الفريضة، و النافلة، و في الوتر، و لا يجوز في غيرها بقصد الورود، نعم لا بأس به بعنوان الدعاء. و في «العروة الوثقى»: «و ليس فيها أذان و لا إقامة»(العروة الوثقى 2: 32.) ؛ لأنّهما إنّما شرّعتا في خصوص الفرائض اليومية، فهما في غيرها بدعة حتّى في صلاة الاحتياط؛ سواء كانت جزءاً، أو صلاة مستقلّة، أو نافلة. و أمّا السورة فلا تشرّع في صلاة الاحتياط؛ لعدم ورودها في شي ء من الأخبار، بل المستفاد من الأمر الوارد فيها بإتمام ما ظنّ نقصه، إتيانها على نحو ما نقص على تقدير النقص في الواقع؛ من غير فرق بين كون صلاة الاحتياط جزءاً من الصلاة الأصلية، و بين كونها صلاة مستقلّة.

ص: 364

ص: 365

ص: 366

ص: 367

ص: 368

ص: 369

ص: 370

(مسألة 3): لو نسي رُكناً من ركعات الاحتياط أو زاده فيها بطلت،

فلا يترك الاحتياط باستئناف الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة (1).


1- الوجه فيه هو الوجه في بطلان سائر الصلوات الواجبة- بنقص ركن من أركانها أو زيادته عمداً أو سهواً- من المطلقات، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود ...»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) ، الحديث. و خصوص الأخبار الواردة في تكبيرة الافتتاح و الركوع و السجود. و في «المستمسك»: «لعدم الفرق بينها و بين الصلاة في ذلك؛ لاطّراد أدلّة البطلان فيهما بنحو واحد. نعم من محتملات قوله عليه السلام: «لا سهو في سهو» عدم البطلان بزيادة الركن هنا سهواً. لكن في «مفتاح الكرامة» لعلّه لم يخالف في البطلان أحد»(مستمسك العروة الوثقى 7: 515.) و وجه الاحتياط باستئناف صلاة الاحتياط، هو العمل بالقول بكون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة، فإذا بطلت بزيادة الركن أو نقصه فالواجب إعادتها، كسائر الصلوات الواجبة. كما أنّ وجه الاحتياط في استئناف أصل الصلاة، هو العمل بالقول بكونها جزءاً متمّماً للصلاة الأصلية.

ص: 371

(مسألة 4): لو بان الاستغناء عن صلاة الاحتياط قبل الشروع فيها لا يجب الإتيان بها،

و إن كان بعد الفراغ منها وقعت نافلة، و إن كان في الأثناء أتمّها كذلك. و الأحوط إضافة ركعة ثانية لو كانت ركعة من قيام (1).


1- وجه عدم وجوب صلاة الاحتياط فيما لو تبيّن تمامية الصلاة قبل الشروع فيها، هو أنّ تشريع صلاة الاحتياط لأجل إتمام ما ظنّ نقصه، فإذا فرض انكشاف الواقع و أنّ الصلاة وقعت تامّة، فلا مورد لوجوبها، بل لا مشروعية في إتيانها. و لو تبيّن تمامية الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، تحسب صلاة الاحتياط نافلة، كما هو المستفاد من صريح الروايات، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و في صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و في مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.) و لو تبيّن في أثناء صلاة الاحتياط تمامية صلاته جاز له قطعها، كما يجوز له إتمامها نافلة فيما إذا كانت ذات ركعتين. و إن كانت ركعة واحدة من قيام جاز له ضمّ ركعة اخرى إليها حتّى تقع نافلة؛ لأنّ النافلة إنّما تقع ركعتين ركعتين إلّا ما ثبت بالدليل، كالوتر، فليس له الإتمام على الركعة الواحدة نافلة.

ص: 372

ص: 373

و لو تبيّن نقص الصلاة بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، فإن كان النقص بمقدار ما فعله من الاحتياط- كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و أتى بركعة قائماً، فتبيّن كونها ثلاثاً- تمّت صلاته، و الأحوط الاستئناف. لكن ذلك فيما إذا كان ما فعله أحد طرفي الشكّ من النقص، كالمثال المذكور. و أمّا مجرّد موافقة ما فعله للنقص في المقدار ففي جبره إشكال، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، و بنى على الأربع و أتى بركعة قائماً عوض ركعتي الاحتياط اشتباهاً، فتبيّن أنّ النقص بركعة، فالأحوط في مثله الإعادة (1).


1- اذا تبيّن بعد الفراغ من صلاة الاحتياط نقص صلاته، فهذا على أقسام ثلاثة: الأوّل: أن يكون النقص بمقدار ما فعله من صلاة الاحتياط. الثاني: أن يكون أزيد منه. الثالث: أن يكون أقلّ منه. أمّا الأوّل فهو على نوعين: الأوّل: أن يكون ما فعله من صلاة الاحتياط أحد طرفي الشكّ من النقص؛ أي كان ما فعله من صلاة الاحتياط ما هو وظيفته منها؛ أعني طرف النقص من طرفي الشكّ، كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و أتى بصلاة الاحتياط ركعة قائماً، ثمّ انكشف كون صلاته ثلاث ركعات، فإنّه حينئذٍ يكون كلّ من الناقص من صلاته الأصلية و ما أتى به من صلاة الاحتياط و ما هو وظيفته المقرّرة في الشكّ المزبور من صلاة الاحتياط، ركعةً واحدةً، فعليه تمّت صلاته. و يدلّ عليه خبر عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و الأحوط استحباباً استئناف الصلاة. و لعلّه لأجل جبر صلاة الاحتياط النقص المحتمل. و ما دام لم ينكشف النقص واقعاً، فإذا انكشف الواقع أعادها. و يظهر من بعض فقهائنا- كصاحب «الموجز»- وجوب الإعادة فيما إذا كانت صلاة الاحتياط مخالفةً للنقص، كما لو صلّى ركعتين من جلوس فيما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، حيث إنّ النقص المحتمل في صلاته الأصلية ركعة قائماً، و صلاة الاحتياط ركعتان جالساً. الثاني: أن يكون ما فعله من صلاة الاحتياط موافقاً للنقص بحسب الواقع، و مخالفاً لأحد طرفي الشكّ من النقص، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، و بنى على الأربع، و أتى بصلاة الاحتياط ركعة قائماً اشتباهاً، و تبيّن أنّ النقص كان ركعة واحدة، فقد وافق ما أتى به من صلاة الاحتياط النقص الواقعي، و لكن خالف النقص الذي هو أحد طرفي شكّه؛ أعني الركعتين، و حينئذٍ يشكل جبر ما أتى به النقص الذي احتمله، فالأحوط وجوباً إعادة الصلاة.

ص: 374

و لو كان النقص أزيد منه- كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، فبنى على الأربع، و صلّى صلاة الاحتياط، فتبيّن كونها ركعتين- تجب عليه الإعادة بعد الإتيان بركعة أو ركعتين متّصلة (1).


1- هذا هو القسم الثاني من الأقسام الثلاثة؛ و هو أن يكون نقص الصلاة أزيد من صلاة الاحتياط، كما لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و صلّى صلاة الاحتياط ركعة قائماً، و تبيّن أنّ صلاته كانت ركعتين، و كان الناقص أزيد من صلاة الاحتياط بركعة، و الظاهر عدم كفاية صلاة الاحتياط و الحال هذه، بل تجب عليه إعادة الصلاة بعد أن يضمّ إلى ركعة الاحتياط ركعة اخرى، و يكون السلام بين ركعتي الاحتياط زائداً نسياناً، أو بعد أن يأتي بركعتين متصلة، و حينئذٍ تكون الركعة الواحدة المأتية قبلهما من صلاة الاحتياط، زائدة غير مخلّة. و وجه ضمّ ركعة اخرى إلى ركعة الاحتياط أو إتيان ركعتين متصلة، هو عموم أدلّة تدارك النقص بصلاة الاحتياط، للتدارك بهذه الكيفية أيضاً. و وجه إعادة الصلاة، ظهور أدلّة التدارك في الاختصاص بالتدارك بما هو المقرّر في صريح الأخبار و مرتكز في عرف المتشرّعة بكيفية خاصّة في كلّ من الشكوك المعتبرة الواجبة فيها صلاة الاحتياط.

ص: 375

و كذا لو كان أقلّ منه، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع، فبنى على الأربع، و أتى بركعتين من قيام، ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات، فيأتي بركعة متّصلة ثمّ يعيد الصلاة (1).


1- هذا هو القسم الثالث؛ و هو أن يكون النقص أقلّ من مقدار صلاة الاحتياط، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، فبنى على الأربع، و أتى بركعتين من قيام، ثمّ تبيّن كون صلاته ثلاث ركعات فيأتي بركعة متصلة؛ لما ذكر من عموم أدلّة تدارك النقص، ثمّ يعيد الصلاة؛ للظهور المذكور في القسم الثاني.

ص: 376

و لو تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط، فالأقوى الاكتفاء بما جعله الشارع جبراً؛ و لو كان مخالفاً في الكمّ و الكيف لما نقص من صلاته، فضلًا عمّا كان موافقاً له، فمن شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و شرع في الركعتين جالساً، فتبيّن كون صلاته ثلاث ركعات، أتمّهما و اكتفى بهما، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط مطلقاً بالإعادة، خصوصاً في صورة المخالفة. و أمّا في غير صورة ما جعله جبراً- كما لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و اشتغل بصلاة ركعتين جالساً، فتبيّن كونها ثنتين- فالأحوط قطعها و جبر الصلاة بركعتين موصولتين ثمّ إعادتها (1).


1- إذا تبيّن نقصان الصلاة في أثناء صلاة الاحتياط، ففيه صور أربع: الاولى: أن يكون ما بيده من صلاة الاحتياط، موافقاً للناقص من صلاته كمّاً و كيفاً، كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعة قائماً، و تبيّن في أثناء صلاة الاحتياط أنّ صلاته كانت ثلاث ركعات، فكلّ من الناقص من صلاته و صلاة الاحتياط، ركعة واحدة قائماً. الثانية: أن يكون ما بيده مخالفاً للناقص كمّاً و كيفاً، كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ثلاث ركعات، فالناقص كان ركعة قائماً، و صلاة الاحتياط ركعتان جالساً، فهما متخالفان كمّاً و كيفاً. الثالثة: أن يكونا متوافقين في الكيف، و متخالفين في الكمّ، كما إذا شكّ بين الثنتين و الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بركعتين قائماً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ثلاث ركعات، فالناقص من صلاته ركعة قائماً، و صلاة الاحتياط ركعتان كذلك، فهما متوافقان في الكيف، و متخالفان في الكمّ. و كما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بركعة الاحتياط قائماً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ركعتين، فالناقص ركعتان، و صلاة الاحتياط ركعة، و هما متوافقان كيفاً، و متخالفان كمّاً. الرابعة: عكس الثالثة، كما لو شكّ بين الثنتين و الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً؛ بناءً على جواز تقديمهما على الركعتين قائماً، و تبيّن في الأثناء كون صلاته ركعتين، فالناقص من صلاته و ما اشتغل به من صلاة الاحتياط، كلاهما ركعتان، و لكنّهما متخالفتان في الكيف. و كما لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و اشتغل بصلاة الاحتياط ركعتين جالساً، و تبيّن كون صلاته ركعتين، فكلّ من صلاة الاحتياط و الناقص من صلاته، ركعتان مختلفتان في الكيف. و الأقوى في الصور المذكورة كلّها، الاكتفاء بما جعله الشارع جبراً و لو كان مخالفاً في الكمّ و الكيف لما نقص من صلاته، فضلًا عمّا كان موافقاً له فيهما؛ و ذلك لأنّ المستفاد من الأخبار أنّ صلاة الاحتياط إنّما شرعت لجبر النقص؛ على فرض تحقّق النقصان في الواقع، كما في خبر عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) ، فمن شكّ بين الثلاث و الأربع، و بنى على الأربع، و شرع في الركعتين جالساً، فتبيّن في أثناء صلاة الاحتياط كون صلاته ثلاث ركعات، أتمّ الركعتين جالساً، و اكتفى بهما؛ لأنّ الشارع جعل ركعتي الاحتياط جالساً، جابراً للناقص من صلاته الأصلية؛ و هي الركعة قائماً. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة الصلاة مطلقاً- أي حتّى فيما كان الناقص موافقاً لصلاة الاحتياط كمّاً و كيفاً- لما تقدّم سابقاً من احتمال اختصاص أدلّة التدارك بصورة استمرار الشكّ؛ و عدم انكشاف النقص واقعاً، و خصوصاً في صورة المخالفة كمّاً، أو كيفاً، أو فيهما معاً؛ عملًا بما حكيناه سابقاً عن «الموجز» من البطلان مع المخالفة. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد ذكر الصور الأربع المذكورة: «فيحتمل إلغاء صلاة الاحتياط في جميع الصور و الرجوع إلى حكم تذكّر نقص الركعة، و يحتمل الاكتفاء بإتمام صلاة الاحتياط في جميعها، و يحتمل وجوب إعادة الصلاة في الجميع، و يحتمل التفصيل بين الصور المذكورة، و المسألة محلّ إشكال، فالأحوط الجمع بين المذكورات بإتمام ما نقص، ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط، ثمّ إعادة الصلاة. نعم إذا تذكّر النقص بين صلاتي الاحتياط في صورة تعدّدها- مع فرض كون ما أتى به موافقاً لما نقص في الكمّ و الكيف- لا يبعد الاكتفاء به، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الثلاث و الأربع، و بعد الإتيان بركعتين قائماً تبيّن كون صلاته ركعتين»(العروة الوثقى 2: 35.) ، انتهى. و مراده من التفصيل بين الصور المذكورة، هو التفصيل بين موافقة صلاة الاحتياط للناقص من صلاته في الكمّ و الكيف، فيكتفى بصلاة الاحتياط، و بين مخالفتهما، فلا يكتفى بها. و لا بأس بذكر وجوه الاحتمالات المذكورة في عبارة «العروة»: أمّا وجه الاحتمال الأوّل و عدم كفاية صلاة الاحتياط في جميع الصور، فهو قصور أدلّة الاكتفاء بها عن صورة التذكّر في الأثناء، و اختصاصها بصورة بقاء الشكّ إلى ما بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، و المتعيّن حينئذٍ الرجوع إلى حكم تذكّر نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط، و حكمه إتمام ما نقص من صلاته، و سجدتا السهو؛ للسلام في غير محلّه إذا لم يأتِ بالمنافي، و إلّا فاللازم إعادة الصلاة. و وجه الثاني: عموم أدلّة وجوب البناء على الأكثر و كفاية صلاة الاحتياط بعد زوال الشكّ أيضاً. و وجه الثالث: الإشكال في وجه الأوّل و الثاني و عدم الدليل على ثبوتهما، فتتعيّن إعادة الصلاة مطلقاً و في جميع الصور. و وجه الرابع: أنّه مع موافقة صلاة الاحتياط مع الناقص من صلاته كمّاً و كيفاً، لا مانع من صحّة صلاته إلّا زيادة تكبيرة الافتتاح، و هي غير قادحة بعد أن صدرت بإذن من الشارع حتّى بناءً على القول بجزئية صلاة الاحتياط، و أمّا مع المخالفة فالاكتفاء بصلاة الاحتياط يحتاج إلى دليل مفقود. ثمّ إنّ لصاحب «الجواهر» رحمه الله كلاماً طويلًا في بيان أحكام موارد تبيّن النقص في أثناء صلاة الاحتياط، لا بأس بنقله بتلخيص منّا، قال: «لو تذكّر النقص في أثنائه فإن كان هو المطابق كمّاً و كيفاً- كما لو ذكر نقصان الاثنتين في الشكّ بينهما و الثلاث و الأربع مثلًا في أثناء ركعتي الاحتياط من قيام، أو ذكر نقصان الواحدة في الشكّ بين الثلاث و الأربع في أثناء الركعة الاحتياطية من قيام-فالأقوى عدم الالتفات، و يتمّ احتياطه، و تصحّ صلاته، وفاقاً لجماعة إن لم يكن المشهور؛ استصحاباً لصحّة الصلاة المجبورة، و لصحّة الصلاة الاحتياطية المؤيّد بكون الصلاة على ما افتتحت عليه، بل للأمر المقتضي للإجزاء. مضافاً إلى إطلاق الأدلّة، و التعريض المذكور، بل قد يستأنس له بخبر عمّار السابق، و بما عرفت من الصحّة مع الذكر بعده، بل لا مانع يتخيّل سوى زيادة التكبير الذي قد عرفت اغتفار الشارع له هنا، بل قد سمعت احتمال أنّها ليست من الزيادة المبطلة؛ للقصد بها افتتاح صلاة اخرى ...». إلى أن قال: «و كذا يقوى في النظر الصحّة لو تذكّر النقص في أثناء احتياطه المخالف بالكيف دون الكمّ، كما لو ذكر الثلاث في أثناء ركعتي الجلوس؛ لإقامة الشارع إيّاهما مقام ركعة من قيام، فيجري حينئذٍ ما سمعته، و احتمال البطلان لاختلال النظم هنا، مزاحمة للشارع فيما يرجع أمره إليه». ثمّ نقل القول بالتفصيل في المخالف بالكم: «و هو أنّه إن لم يتجاوز القدر المطابق- بأن لم يكن قد شرع في الركعة الثانية- تشهّد و سلّم و اجتزأ بها، و إن تجاوز و كان قبل الركوع هدم، و كان كالسابق، و إلّا بطل احتياطه، و وجب عليه حكم تذكّر النقص». ثمّ قال: «إنّ الذي يقوى في النظر القاصر بطلان الاحتياط مطلقاً؛ تجاوز أو لم يتجاوز، و الرجوع إلى حكم تذكّر النقص: أمّا الأوّل: فلفرض ظهور النقص الذي لم يجعل الشارع هذا الاحتياط معرضاً لجبره؛ إذ عرضه للنافلة، أو جبر نقص الاثنتين خاصّة. و أمّا الثاني: فلعدم قدح مثل هذا الفصل و إن كان بأركان كثيرة. لكنّ الاحتياط هنا- باستئناف الصلاة- ممّا لا ينبغي تركه ...». إلى أن قال: «و من ذلك كلّه يتضح لك فساد الحكم بالصحّة و الاجتزاء لو فرض ذكر الثلاث بعد إتمام الركعتين؛ إذ الفرض ظهور كون ما امتثل به ليس ممّا عرضه الشارع جبراً لما ظهر، بل جعل له كيفية اخرى غير هذه الكيفية ...». إلى أن قال: و ممّا ذكرنا يتضح لك أولوية الفساد أيضاً و الرجوع إلى حكم تذكّر النقص لو ذكر الاثنتين في أثناء الركعتين من جلوس بناءً على جواز تقديمهما على ركعتي القيام؛ ضرورة ظهور عدم صلاحية ذلك لجبر ما ظهر فواته، إذ الشارع عرضه لجبر الواحدة الفائتة خاصّة»(جواهر الكلام 12: 373- 377.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رحمه الله ملخصاً.

ص: 377

ص: 378

ص: 379

ص: 380

ص: 381

و إذا تبيّن النقص قبل الدخول في صلاة الاحتياط، كان له حكم من نقص من الركعات من غير عمد؛ من التدارك الذي قد عرفته، فلا تكفي صلاة الاحتياط، بل اللازم- حينئذٍ- إتمام ما نقص و سجدتا السهو للسلام في غير محلّه (1).


1- وجه عدم كفاية صلاة الاحتياط فيما إذا تبيّن نقص الصلاة قبل الشروع في صلاة الاحتياط، هو أنّ صلاة الاحتياط إنّما شرعت لجبر النقص المحتمل مع بقاء الشكّ إلى الفراغ من صلاة الاحتياط، فلا تشمل أدلّة الاكتفاء بصلاة الاحتياط صورة العلم بالنقص، فمع انكشاف الواقع يتعيّن حكم تذكّر النقص بعد التسليم؛ من التدارك بإتمام ما نقص ما لم يأتِ بالمنافي؛ فإنّ التسليم الصادر يكون بحكم السهو، و واقعاً في غير محلّه، فلا يكون مفرّغاً، بل يسجد سجدتي السهو، و مع فعل المنافي تلزمه إعادة الصلاة.

ص: 382

(مسألة 5): لو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط، فإن كان بعد الوقت لا يلتفت إليه.

و إن كان في الوقت، فإن لم يدخل في فعل آخر، و لم يأتِ بالمنافي، و لم يحصل الفصل الطويل، بنى على عدم الإتيان. و مع أحد الامور الثلاثة فللبناء على الإتيان بها وجه، و لكن الأحوط الإتيان بها ثمّ إعادة الصلاة (1).


1- إذا علم بوجوب صلاة الاحتياط و شكّ في إتيانها، فإمّا أن يكون شكّه بعد خروج الوقت، أو في الوقت: فان كان بعد الوقت فلا يعتني بشكّه؛ لعموم أدلّة عدم الاعتناء بالشكّ بعد الوقت، فصلاة الاحتياط- كسائر الفرائض الموقّتة- محكومة بعدم الالتفات إلى الشكّ في إتيانها. و لا يخفى: أنّ عدم الالتفات إلى الشكّ في إتيان صلاة الاحتياط، يختصّ بما إذا كانت واجبة في وقت الفريضة، و شكّ بعد خروج وقت الفريضة في إتيانها في ذلك الوقت. و أمّا لو كانت واجبة في خارج وقت الفريضة- كما فيمن صلّى فريضته في آخر الوقت، و شكّ بين الثلاث و الأربع مثلًا، و بنى على الأربع، و خرج الوقت عند التسليم، فكان وقت صلاة الاحتياط خارج وقت الفريضة- فحينئذٍ فلو شكّ في إتيان صلاة الاحتياط وجب إتيانها؛ لعدم جريان قاعدة الشكّ بعد الوقت. و إن كان شكّه في الوقت فهو على قسمين: الأوّل: أن يكون عروض شكّه في حالة شبيهة بهيئة المصلّي؛ أي و لم يدخل بعدُ في فعل آخر، و لم يأتِ بالمنافي، و منه الفصل الطويل بين تسليمه و بين عروض الشكّ في إتيان صلاة الاحتياط، فحينئذٍ يلتفت إلى شكّه، و يبني على عدم الإتيان، و يأتي بها؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال، أو استصحاب عدم الإتيان بها؛ بناءً على جريان الاستصحاب في موارد جريان قاعدة الاشتغال. الثاني: أن يكون عروض شكّه في حالة الاشتغال بفعل آخر غير منافٍ للصلاة، كالتعقيب مثلًا، أو بعد ارتكاب المنافي للصلاة، كالاستدبار مثلًا، أو بعد فصل طويل بين تسليم الصلاة و بين عروض الشكّ، و حينئذٍ فلعدم الالتفات إلى شكّه و البناء على الإتيان بها وجه؛ و هو جريان قاعدتي التجاوز و الفراغ. و يشكل جريان قاعدة التجاوز في المقام فيما إذا كان المدخول به من قبيل المنافي؛ إذ يعتبر في جريان قاعدة التجاوز أن يكون المدخول به ممّا يترتّب على المشكوك، و المنافي- و منه الفصل الطويل- ليس ممّا يترتّب عليه. نعم لا مانع من جريانها فيما كان المدخول به من قبيل التعقيب و الذكر. و كذا يشكل جريان قاعدة الفراغ أيضاً بناءً على اختصاص مجراها بالفراغ الحقيقي؛ فإنّ الفراغ في المقام ليس حقيقياً، لعدم إحراز المضيّ حقيقة؛ لأنّ الشكّ في أصل وجود صلاة الاحتياط و تحقّقها، لا في تمامية الموجود. نعم، بناءً على جريانها في موارد الفراغ البنائي، تجري في المقام بناءً على كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً للصلاة البنائية، و يكون الشكّ في تمامية الموجود. و لا يترك الاحتياط في المسألة بإتيان صلاة الاحتياط؛ بناءً على عدم جريان القاعدتين، ثمّ إعادة الصلاة؛ لاحتمال بطلانها بالامور المشتغل بها.

ص: 383

ص: 384

(مسألة 6): لو شكّ في فعل من أفعالها أتى به لو كان في المحلّ،

و بنى على الإتيان لو تجاوز كما في أصل الصلاة.

و لو شكّ في ركعاتها فالأقوى وجوب البناء على الأكثر، إلّا أن يكون مبطلًا فيبني على الأقلّ، لكن الأحوط مع ذلك إعادتها ثمّ إعادة أصل الصلاة (1).


1- الوجه في الاعتناء بالشكّ في فعل من أفعال صلاة الاحتياط فيما إذا كان الشكّ في المحلّ، هو عموم قاعدة الشكّ في المحلّ؛ من غير فرق بين القول بكون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً من الصلاة الأصلية، أو صلاةً مستقلّة. كما أنّ الوجه في عدم الاعتناء بالشكّ فيه و البناء على الإتيان به فيما إذا كان الشكّ بعد تجاوز المحلّ، هو عموم قاعدة التجاوز. و كذا تجري قاعدة الفراغ فيما لو شكّ في التسليم بعد الدخول في الغير المترتّب عليه، كالذكر و التعقيب مثلًا. و أمّا الشكّ في ركعاتها فهل يبني على الأكثر إلّا أن يكون مبطلًا، فيبني على الأقلّ، أو يبني على الأقلّ مطلقاً؛ أي و لو كان جانب الأكثر صحيحاً؟ وجهان: المشهور هو الأوّل، و هو المختار، و استدلّ له بالأخبار النافية للسهو في السهو، كما فيما رواه الصدوق رحمه الله بإسناده عن إبراهيم بن هاشم في نوادره: أنّه سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن إمام يصلّي بأربع نفر أو بخمس، فيسبّح اثنان على أنّهم صلّوا ثلاثاً، و يسبّح ثلاثة على أنّهم صلّوا أربعاً، يقول هؤلاء: قوموا، و يقول هؤلاء: اقعدوا، و الإمام مائل مع أحدهما، أو معتدل الوهم، فما يجب عليهم؟ قال: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتّفاق (بإيقان) منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو، و ليس في المغرب سهو، و لا في الفجر سهو، و لا في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو، و لا سهو في نافلة، فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة، و الأخذ بالجزم»(وسائل الشيعة 8: 241، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 24، الحديث 8.) و كصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «ليس على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»(وسائل الشيعة 8: 243، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 25، الحديث 1.) و كمرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «لا سهو في سهو»(وسائل الشيعة 8: 245، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 25، الحديث 2.) وجه الاستدلال بهذه الأخبار: أنّ المراد من «السهو» فيها هو الشكّ في خصوص الركعات؛ بقرينة وحدة السياق في رواية الصدوق، حيث إنّ نفي السهو عن الإمام مع حفظ المأموم و بالعكس و في المغرب و الفجر و الركعتين الأوّلتين من الرباعية، إنّما هو بالنسبة إلى الشكّ في الركعات، و في السهو في غير الركعات من أفعال الصلاة، يأتي بها إن لم يتجاوز محلّها في غير الأركان، و في الأركان ما لم يدخل في ركن آخر بلا إشكال. و المراد من نفي السهو في ركعات الاحتياط عدم الالتفات به، و هو ملازم للبناء على الفعل المشكوك فيه؛ أي الأكثر، كما صرّح به جماعة من فقهائنا، ففي «المنتهى»: «و معنى قول الفقهاء: «و لا سهو في السهو» أي لا حكم للسهو في الاحتياط الذي يوجبه السهو، كمن شكّ بين الاثنتين و الأربع، فإنّه يصلّي ركعتين احتياطاً، فلو سها فيهما و لم يدرِ صلّى واحدة أو ثنتين، لم يلتفت إلى ذلك. و قيل: معناه أنّ من سها فلم يدرِ هل سها أم لا؟ لا يعتدّ به، و لا يجب عليه شي ء، و الأوّل أقرب»(منتهى المطلب 1: 411/ السطر 21.) و في «الحدائق»: «و الظاهر أنّ مراده»- أي العلّامة- «بعدم الالتفات إلى ذلك، البناء على الفعل المشكوك فيه، كما هو ظاهر المحقّق في «المعتبر» فإنّه يحذو في «المنتهى» حذوه في الأكثر، حيث قال في «المعتبر»: و لا حكم للسهو في السهو؛ لأنّه لو تداركه أمكن أن يسهو ثانياً، فلا يتخلّص من ورطة السهو؛ و لأنّ ذلك حرج، فيسقط اعتباره، و لأنّه شرع لإزالة حكم السهو، فلا يكون سبباً لزيادته»(الحدائق الناضرة 9: 259.) ، انتهى. و للسيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» حول جملة «لا سهو في السهو» كلام جامع، حيث إنّه تعرّض لإطلاق كلمة «السهو» على السهو بالمعنى المقابل للشكّ، و على الشكّ، و على ما يعمهما، فتكون محتملات كلّ من السهو الأوّل و الثاني ثلاثة، فتكون محتملات الجملة- بلحاظ ضرب محتملات الأوّل في محتملات الثاني- تسعة. ثمّ ذكر: «أنّه لا ريب في كون المراد من «السهو» الأوّل موجبه. أمّا «السهو» الثاني فيحتمل أن يكون المراد نفسه، و يحتمل أن يكون المراد موجبه، فتكون محتملات الجملة ثمانية عشر». ثمّ قال: «فيكون المتحصّل من الروايات- بعد ضمّ بعضها إلى بعض- هو عدم الاعتناء بالشكّ في موجب الشكّ. و إطلاقه و إن كان يقتضي عدم الاعتناء بالشكّ في الوجود، و الشكّ في الأجزاء و الشرائط، و الشكّ في عدد الركعات، إلّا أنّ الذي يستفاد من النصوص الكثيرة الواردة في عدد الركعات، أنّ للسهو معنى آخر غير المعنى العرفي و اللغوي؛ و هو خصوص الشكّ في الركعات. و كأنّ الوجه فيه مزيد الاهتمام بتلك الأحكام، و كثرة التعرّض لها في لسان المتشرّعة، فصار كأنّه معنى عرفي شرعي، فلاحظ من النصوص ما ورد في الشكوك المبطلة، و الشكوك الصحيحة، و ما ورد في كثرة الشكّ، و ما ورد في ضبط عدد الركعات بالحصى و غيرها، و غير ذلك ممّا هو كثير جدّاً، فإنّ من البعيد جدّاً أن يكون المراد به المعنى العرفي الذي هو الغفلة و عزوب الشي ء عن الذهن. لا أقلّ من احتمال ذلك الموجب لإجمال المراد و وجوب الاقتصار على المتيقّن، فيتعيّن الرجوع في الشكّ في الاوليين إلى قواعد اخر، كما عرفت في المسألة الحادية عشرة و الثالثة عشرة. ثمّ إنّ عدم الاعتناء بالشكّ في عدد ركعات الاحتياط، ملازم للبناء على الأكثر؛ لأنّ البناء على الأقلّ اعتناء بالشكّ»(مستمسك العروة الوثقى 7: 517.) ، انتهى. هذا كلّه فيما إذا لم يكن البناء على الأكثر مبطلًا، و إلّا كان اللازم البناء على الأقلّ. و مقابل القول المشهور ما نسب إلى الأردبيلي رحمه الله من المناقشة في قول المشهور، و القول بالبناء على الأقلّ و وجوب الإتيان بالمشكوك فيه فيما كان الشكّ قبل تجاوز المحلّ. و استدلّ له بأصالة بقاء شغل الذمّة، و عموم ما ورد في الرجوع لتدارك المشكوك فيه قبل تجاوز المحلّ. و فيه: أنّ هذا القول و إن كان لا يخلو من وجه بالنسبة إلى الشكّ في الأفعال في صلاة الاحتياط، و لكنّه لم يقل به أحدٌ من الأصحاب في الشكّ في الركعات، و لذا نسب إلى المجلسي أنّ القول بالبناء على الأقلّ لا يخلو من قوّة، و لكن لم يوجد القائل به من الأصحاب. و المختار هو قول المشهور؛ و أنّه لا ينبغي ترك الاحتياط بالبناء على الأكثر و إتمام صلاة الاحتياط، ثمّ إعادتها و إعادة أصل الصلاة.

ص: 385

ص: 386

ص: 387

ص: 388

(مسألة 7): لو نسيها و دخل في صلاة اخرى- من نافلة أو فريضة- قطعها و أتى بها،

خصوصاً إذا كانت الثانية مترتّبة على الاولى، و الأحوط مع ذلك إعادة أصل الصلاة. هذا إذا كان ذلك غير مخلٍّ بالفوريّة، و إلّا فلا يبعد وجوب العدول إلى أصل الصلاة إن كانت مترتّبة، و الأحوط إعادتها بعد ذلك أيضاً، و مع عدم الترتّب يرفع اليد عنها و يعيد أصل الصلاة، و الأحوط الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ الإعادة (1).


1- الوجه في قطع الصلاة الاخرى و إتيان صلاة الاحتياط، هو إمكان تتميم الصلاة الأصلية بصلاة الاحتياط من غير محذور؛ حيث إنّ ما صدر منه سهواً، غير قادح في صحّة صلاة الاحتياط و لو قلنا بعدم جواز الفصل بالمنافي بين الصلاة الأصلية و صلاة الاحتياط؛ لأنّ التلبّس بصلاة اخرى ليس من المنافي، كما فيمن نسي ركعة من صلاته و دخل في صلاة اخرى و لو كانت مترتّبة، حيث يجب عليه قطع تلك الصلاة، و ضمّ ركعة منسية إلى صلاته، و سجدتا السهو؛ للسلام في غير محلّه. و وجه الخصوصية فيما إذا كانت الثانية مترتّبة، توقّف صحّتها على الفراغ من الاولى صحيحة. و الوجه في الاحتياط في إعادة أصل الصلاة، احتمال كون الفصل المتخلّل قادحاً. و الوجه في وجوب العدول إلى أصل الصلاة فيما إذا كان الفصل بين صلاة الاحتياط و أصل الصلاة موجباً للإخلال بالفورية و كانت الثانية مترتّبة على الاولى، هو أنّه مع الإخلال بفورية صلاة الاحتياط، لا يمكن تتميم الصلاة الأصلية بها، و يكون المقام من صغريات ما لو دخل في الصلاة المترتّبة، و تذكّر في أثنائها بطلان الصلاة السابقة، فإنّه يجب العدول إلى السابقة، و حينئذٍ فلا وجه لقطع الصلاة المترتّبة. و وجه الاحتياط في إعادة أصل الصلاة بعد إتمامها بالعدول إليها من الصلاة المترتّبة، هو مخالفة العدول للأصل، و وجوب الاقتصار فيه على موارد ثبتت بالدليل، و المقام ليس منها. و لا وجه لرفع اليد عن الصلاة الثانية فيما لو كان الفصل بين صلاة الاحتياط و أصل الصلاة، مخلّاً بالفورية مع عدم كون الصلاة الثانية مترتّبة، و كذا لا وجه للاحتياط في الإتيان بصلاة الاحتياط ثمّ إعادة الصلاة في فرض المسألة إلّا الاستحباب. ثمّ إنّ لجماعة من فقهائنا كلاماً نافعاً في هذا المقام، فقد قال الشهيد في «الذكرى»: «لو صلّى قبل الاحتياط غيره بطل؛ فرضاً كان أو نفلًا، ترتّب على الصلاة السابقة أو لا؛ لأنّ الفورية تقتضي النهي عن ضدّه، و هو عبادة، هذا إذا كان متعمّداً. و لو فعل ذلك سهواً و كانت نافلة بطلت، و كذا إذا كانت فريضة لا يمكن العدول فيها إمّا لاختلاف نوعها، كالكسوف، و إمّا لتجاوز محلّ العدول. و يحتمل الصحّة بناءً على أنّ الإتيان بالمنافي قبله لا يبطل الصلاة. و إن أمكن العدول احتمل قويّاً صحّته، كما يعدل إلى جميع الصلوات»(ذكرى الشيعة 4: 83.) ، انتهى. و في «الجواهر»: «لو صلّى عمداً قبلهما»؛ أي قبل السجدة و التشهّد المنسيين، أو «قبل صلاة الاحتياط بناءً على المختار فيها» مختاره في صلاة الاحتياط كونها واجباً فورياً موقّتاً «بطل و أبطل؛ للنهي عن الفصل بالمنافي، بل و سهواً؛ إذ هي كالصلاة الواقعة في أثناء الصلاة سهواً في بطلان كلّ منهما بزيادة الركن و نحوه؛ بناءً على كون ذلك منه، و إلّا فحيث يقع منه فعل كثير، و بالوقوع في وقت و حال لا يصلح لها، بل لا خطاب بها فيه. بل و كذا يتّجه البطلان مع العمد بناءً على الثاني من عدم الفساد بتخلّل المنافي؛ و إن حرم إن قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضدّ. أمّا مع السهو فلا حتّى إذا ذكرها في الأثناء، و كان ممّا يحرم إبطالها. نعم قد يحتمل العدول إلى الاحتياط مع إمكانه، و فيه بعد؛ لقصور الدليل عن تناوله»(جواهر الكلام 12: 387.) و في «مصباح الفقيه»: «فإن لم يتدارك الاحتياط و مضى في صلاته، فإن كانت مرتّبة على الاولى بطلت؛ لعدم إحراز شرطها، و هو فراغ الذمّة من سابقتها، و إلّا بني على مسألة الضدّ، و المختار فيها الصحّة. بل قد يشكل الحكم بالبطلان في المترتّبتين أيضاً؛ نظراً إلى أنّ الترتّب شرط لدى التذكّر، فمتى شرع في اللاحقة بزعم الفراغ من سابقتها و لم يتفطّن إلّا بعد الفراغ أو بعد تجاوز محلّ العدول، لم تبطل اللاحقة، و فيما نحن فيه بعد أن بنينا على عدم جواز العدول، فهو بحكم ما لو لم يتذكّر إلّا بعد تجاوز محلّه، بل قد يشكل جواز رفع اليد عنها لتدارك الاحتياط؛ لما فيه من قطع الفريضة اختياراً. و لا يعارضه أنّ الإخلال بالاحتياط أيضاً إخلال بالسابقة التي هي متقدّمة عليها في الرتبة؛ لأنّ مانعية هذه الصلاة عن فعل الاحتياط الذي يتدارك به النقص الذي يحتمله في السابقة، غير معلومة. و أشكل من ذلك ما لو كانت الثانية فريضة غير مترتّبة على السابقة، كالخسوفين، بل قد يقوى هاهنا وجوب المضي فيها و تدارك الاحتياط بعدها؛ و إن كان الأقوى خلافه؛ فإنّ ما دلّ على حرمة قطع الصلاة، لا يتناول ما إذا اشتغلت ذمّته بواجب مضيّق، كما عرفته في محلّه، و الاحتياط واجب مضيّق؛ إذ لا خلاف على الظاهر في وجوبه فوراً، كما لعلّه هو المنساق من أدلّته، فلا يعارضه حرمة قطع الصلاة، فوجوب رفع اليد عن الثانية و تدارك الاحتياط- خصوصاً في المترتّبتين- إن لم يكن أقوى فهو أحوط»(مصباح الفقيه، الصلاة: 575/ السطر 5.)، انتهى.

ص: 389

ص: 390

ص: 391

ص: 392

القول في الأجزاء المنسيّة
(مسألة 1): لا يقضي من الأجزاء المنسيّة في الصلاة، غيرَ السجود و التشهّد على الأحوط في الثاني،
اشارة

فينوي أنّهما قضاء المنسيّ مقارناً للنيّة لأوّلهما (1)؛

المقام الأوّل: في حكم نسيان السجدة

1- يقع البحث هنا في مقامين: لو نسي السجدة الواحدة و تذكّر قبل تجاوز المحلّ- أي ما لم يدخل في الركوع- تداركها، و لو تذكّر بعد تجاوز المحلّ قضاها بعد التسليم؛ لصحيح إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر و هو قائم أنّه لم يسجد، قال: «فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم، ثمّ يسجدها؛ فإنّها قضاء» قال: و قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمضِ، و إن شكّ في السجود بعد ما قام فليمضِ»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 1.) و لموثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: أنّه سأله عن رجل نسي سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و خبر أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و هذا الخبر رواه الصدوق رحمه الله في «الفقيه»(الفقيه 1: 228/ 1008.) بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السلام. و صحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يذكر أنّ عليه السجدة؛ يريد أن يقضيها و هو راكع في بعض صلاته، كيف يصنع؟ قال: «يمضي في صلاته، فإذا فرغ سجدها»(وسائل الشيعة 6: 367، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 8.) ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في أنّ الواجب هل هو قضاء السجدة المنسيّة من غير الأخيرة، كالأُولى في الثنائية، و الاوليين من الثلاثية، و مع الثالثة في الرباعية، أو مطلقاً حتّى من الأخيرة، أو من الأخيرتين فقط؟ ذهب جماعة إلى أنّ المستفاد من الأخبار المذكورة، اختصاصها بغير الأخيرة؛ لأنّ السجدة المنسية من الركعة الأخيرة لو ذكرها قبل التسليم تداركها، و يأتي بما يترتّب عليها من التشهّد و السلام، و لا شي ء عليه، و لو ذكرها بعد التسليم و قبل فعل المنافي تداركها أيضاً، و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو؛ للسلام في غير محلّه، لا للسجدة المنسية، ففي الحقيقة لم تكن السجدة المنسية المأتي بها بعد التسليم و قبل فعل المنافي مقضية، بل مأتيّاً بها بما أنّها جزء من الصلاة يتدارك في محلّه. و في «الجواهر»: «نعم قد يقال هنا- إن لم يكن إجماع- بوجوب التلافي، لا القضاء؛ لبقاء المحلّ، و وقوع التسليم منه لا يخرجه عن الصلاة، بل هو من قبيل من سلّم ساهياً في غير محلّه. بل قد يقال بوجوب التلافي ما دام باقياً على هيئة المصلّي و لم يطل الفصل و لم يحصل ما يفسد الصلاة و إن كان الفائت السجدتين؛ لتوقّف الخروج عن المحلّ على الشروع في ركن آخر، و لم يحصل، كما يرشد إلى ذلك كلّه حكم ناسي الركعة»(جواهر الكلام 12: 287.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ ما ذكره رحمه الله- من كون السجدة المنسيّة من الركعة الأخيرة المأتي بها بعد السلام تلافياً، لا قضاءً- مبني على عدم كون التسليم مفرّغاً، و أمّا بناءً على كونه مفرّغاً فتكون السجدة المأتي بها بعده قضاءً، و تجب سجدتا السهو لأجلها، لا للتسليم؛ لكونه في محلّه. و ذهب جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»(العروة الوثقى 2: 39.) و جماعة من محشّيها- إلى وجوب قضاء السجدة المنسيّة مطلقاً حتّى من الأخيرة أيضاً فيما إذا ذكرها بعد السلام، و هو الظاهر من إطلاق عبارة المصنّف رحمه الله و هو المختار. قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»- بعد نقل أخبار المسألة-: «إطلاق هذه الأخبار يقتضي عدم الفرق بين أن تكون السجدة من الركعتين الأوّلتين، أو الأخيرتين»(مصباح الفقيه، الصلاة: 550/ السطر 22.) ، انتهى. و يمكن الاستدلال لهذا القول بإطلاق صحيح حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر بعد ذلك، فقال: «يقضي ذلك بعينه» فقلت: أ يعيد الصلاة؟ فقال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة- ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً- ثمّ ذكرت فاصنع الذي فاتك سهواً»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ إطلاق «السجدة» في الصحيحين يشمل السجدة من الركعة الأخيرة أيضاً. و لا يخفى: أنّ الصحيح الأوّل و إن كان غير معمول به بالنسبة إلى عموم «الشي ء منها» و كذا الصحيح الثاني بالنسبة إلى قضاء الركوع و التكبير، إلّا أنّه لا يمنع من الاعتماد عليهما بالنسبة إلى إطلاق «السجدة». و في «الجواهر»: «و شمولها لكثير ممّا لا يقول به الأصحاب، لا يخرجها عن الحجّية فيما بقي، بل قيل: إنّه لا يقدح و إن كان الخارج أكثر من الداخل؛ لأنّ منع ذلك مختصّ بالعموم اللغوي، دون الإطلاقي، بل الاتفاق واقع على جواز التقييد فيه إلى الواحد»(جواهر الكلام 12: 287.)، انتهى. و قد ذهب السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» إلى إمكان استفادة حكم السجدة الواحدة من الركعة الأخيرة من النصوص المتقدّمة بإلغاء خصوصية موردها(مستمسك العروة الوثقى 7: 522.) و حكي عن الشيخ في «التهذيب»: أنّه إن كان الإخلال بالسجدة من الركعتين الاوليين أعاد الصلاة و استدلّ له بما رواه في الصحيح عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يصلّي ركعتين، ثمّ ذكر في الثانية و هو راكع أنّه ترك سجدة في الاولى، قال: «كان أبو الحسن عليه السلام يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الاولى فلم تدرِ واحدة أو ثنتين، استقبلت الصلاة حتّى يصحّ لك ثنتان، و إذا كنت في الثالثة أو الرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون قد حفظت الركوع، أعدت السجود»(تهذيب الأحكام 2: 154/ 604.) و فيه: أنّه- على فرض تمامية دلالة هذا الصحيح على المدعى- قاصر عن معارضة الأخبار المستفيضة المتقدّمة الدالّة على وجوب قضاء السجدة المنسيّة من غير فرق بين الاوليين و الأخيرتين. و في «الحدائق»: «أنّ هذا الخبر» أي الصحيح الذي استدلّ به الشيخ رحمه الله «لا يخلو من الإجمال، بل الإشكال الموجب لضعف الاستناد إليه في الاستدلال؛ و ذلك أنّ قوله عليه السلام في الخبر المذكور: «و لم تدرِ واحدة أو ثنتين» محتمل لأن يكون المراد الركعة أو الركعتين؛ أي شككت مع ترك السجدة بين الركعة و الركعتين، و على هذا فلا إشكال فيما ذكره عليه السلام من الحكم بالاستقبال، إلّا أنّه لا ينطبق حينئذٍ الجواب المذكور على ما ذكره من السؤال. و يحتمل أن يكون المراد السجدة و السجدتين، و المعنى أنّه ترك سجدة، و شكّ في أنّه هل سجد شيئاً أم لا؟ و على هذا يدلّ على مراد الشيخ في الجملة؛ إذ الشكّ بعد تجاوز المحلّ لا عبرة به، فيكون البطلان إنّما هو لترك السجدة. و يحتمل أن يكون الواو في قوله: «و لم تدرِ واحدة أو ثنتين» بمعنى «أو» و أنّ الأصل إنّما هو «أو» و يكون قد سقطت الهمزة من قلم النسّاخ، و على هذا فيحتمل الوجه الأوّل؛ أعني الحمل على الركعة و الركعتين، و الثاني؛ أي السجدة و السجدتين، فعلى الوجهين يدلّ على ما ذهب إليه الشيخ في السجود. و على الثاني يدلّ على ما قدّمنا نقله عن الشيخين من إبطال مطلق الشكّ في الأوّلتين. و حينئذٍ فمع هذا الإجمال و تعدّد الاحتمال، يشكل العمل به في مقابلة تلك الأخبار الصحيحة الصريحة الدلالة في عدم الفرق بين الأوّلتين و الأخيرتين»(الحدائق الناضرة 9: 147.) ، انتهى. و نسب إلى ابن أبي عقيل و المفيد رحمهما الله وجوب إعادة الصلاة بترك السجدة مطلقاً من الأوّلتين و الأخيرتين، و استدلّ له برواية المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا الحسن الماضي عليه السلام في الرجل ينسى السجدة من صلاته، قال: «إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها، و بنى على صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد انصرافه، و إن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة، و نسيان السجدة في الأوّلتين و الأخيرتين سواء»(وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 5.) و فيه:- مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال، و عدم معارضتها للأخبار المتقدّمة- أنّها محمولة على من ترك السجدتين معاً، كما عن الشيخ في «التهذيب» و قد حملها المحقّق الهمداني رحمه الله على الاستحباب. و الكلام فيه يقع في موضعين: الموضع الأوّل: في وجوب قضائه و عدمه، و المشهور المختار وجوب القضاء، و عن «الخلاف» الإجماع عليه و نسب إلى الشيخ المفيد رحمه الله في «المسائل العزية» و الصدوقين الاجتزاء بالتشهّد الذي في سجدتي السهو عن القضاء. و استدلّ للمشهور بصحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه» و قال: «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) و في «الوسائل»: «المراد بالسنّة ما علم وجوبه من جهة السنّة لا من القرآن، لما تقدّم و يأتي، و يحتمل التقيّة». و رواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع، فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و استدلّ للقول بالاجتزاء بالتشهّد الذي في سجدتي السهو عن القضاء بالأخبار الدالّة على وجوب سجدتي السهو في نسيان التشهّد من غير تعرّض لقضائه و عدمه. كما في صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة حتّى إذا فرغ فليسلّم (و سلّم و سجد) و ليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و موثّق سُماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و حسن الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر، ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع و يذكر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد، ثمّ يقوم فيتمّ» قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟» قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و قد اختار صاحب «الحدائق» رحمه الله القول بالاجتزاء بالتشهّد الذي في سجدتي السهو، و قال: «و التحقيق و الصواب- و إن لم يهتدِ إليه أحد من متأخّري الأصحاب- أنّ اولئك الجماعة إنّما عوّلوا في هذا المقام على كتاب «الفقه الرضوي» حيث قال عليه السلام: «و إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية فذكرت في الثالثة، فأرسل نفسك و تشهّد ما لم تركع، فإن ذكرت بعد ما ركعت فامضِ في صلاتك، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو و تشهّدت فيهما ما قد فاتك» انتهى. و بهذه العبارة عبّر الصدوق في «الفقيه» فقال: و إن نسيت التشهّد في الركعة الثانية و ذكرته في الثالثة، فأرسل نفسك و تشهّد ما لم تركع، فإن ذكرت بعد ما ركعت فامضِ في صلاتك، فإذا سلّمت سجدت سجدتي السهو و تشهّدت فيهما التشهّد الذي قد فاتك. و هذا القول هو الظاهر عندي؛ لظاهر خبر الكتاب المعتضد بتلك الأخبار الصحيحة الصريحة، فإنّها- على كثرتها- إنّما تضمّنت مجرّد سجود السهو، مع أنّها واردة في مقام البيان، فلو كان قضاء التشهّد واجباً لذكر و لو في بعضها»(الحدائق الناضرة 9: 153.) ، انتهى كلام صاحب الحدائق. و لا يخفى: أنّ الاستدلال المذكور و كلام صاحب «الحدائق» و إن كان متيناً، و لكنّه خلاف المشهور. و في «مصباح الفقيه»: «الإنصاف أنّ القول بالاجتزاء عن القضاء بتشهّد السجدتين، لا يخلو من قوّة من حيث المستند، إلّا أنّ الالتزام به- مع شذوذه- لا يخلو من إشكال، فما ذهب المشهور من وجوب قضائه مستقلّاً إن لم يكن أقوى، فلا ريب في أنّه أحوط»(مصباح الفقيه، الصلاة: 552/ السطر 7.) ، انتهى. الموضع الثاني: اختلف فقهاؤنا في أنّ وجوب قضاء التشهّد المنسي، هل يختصّ بالتشهّد الأوّل، أو يعمّ الثاني أيضاً؟ ذهب جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»(العروة الوثقى 2: 39.) و جماعة من المحشّين- إلى التعميم، و هو المختار، و استدلّوا له- مضافاً إلى الشهرة- بإطلاق صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم: «في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف» ... إلى آخره(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) و في «الجواهر»: «أمّا التشهّد فالظاهر أنّ نسيانه في الآخر مقتضٍ لقضائه لا لتداركه باعتبار كون التسليم محلّه بعد تمام الركعة الرابعة، فهو في حال النسيان في محلّه، فيقتضي الخروج، فيتعيّن القضاء»(جواهر الكلام 12: 290.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: «صرّح بعض بعدم الفرق بين التشهّد الأوّل و الأخير، بل ربما استظهر من كلماتهم عدم القائل بالفرق بينهما»(مصباح الفقيه، الصلاة: 551/ السطر 19.) و ذهب جماعة اخرى إلى اختصاص وجوب القضاء بالتشهّد الأوّل؛ و أنّ التشهّد الأخير المنسي يؤتى به بعد التسليم قبل فعل المنافي بعنوان التلافي لا القضاء، و يسلّم بعد التشهّد، و يسجد سجدتي السهو؛ للسلام في غير محلّه. و استدلّ له بصحاح سليمان بن خالد و ابن أبي يعفور و الحلبي المتقدّمة. وجه الاستدلال بها: أنّ ذكر التشهّد بعد الدخول في الركوع، لا يعقل إلّا في صورة نسيان التشهّد الأوّل. و فيه: أنّ الصحاح المذكورة و إن كانت ناظرة إلى التشهّد الأوّل، و لكنّه لا دلالة فيها على وجوب قضائه أصلًا، بل غاية ما تدلّ عليه وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهّد الأوّل بعد تسليم الصلاة. نعم، في بعضها دلالة على وجوب التشهّد بعد سجدتي السهو فيما إذا نسي التشهّد مطلقاً؛ من غير تقييد بالأوّل أو الأخير، كما في موثّق أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و في بعضها دلالة على وجوبه فيما إذا نسي خصوص التشهّد الأوّل، كما في حسن الحسن الصيقل قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكر بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و لكن لا دلالة فيه على كون التشهّد الواقع بعد سجدتي السهو قضاءً عن التشهّد المنسي. ثمّ إنّ مقتضى كون المنسي- سجدة كان أو تشهّداً- عبادة، هو لزوم النيّة و مقارنتها للجزء الأوّل منه.

ص: 393

ص: 394

ص: 395

ص: 396

ص: 397

ص: 398

المقام الثاني: في حكم نسيان التشهّد

ص: 399

ص: 400

ص: 401

ص: 402

ص: 403

محافظاً على ما كان واجباً فيهما حال الصلاة، فإنّهما كالصلاة في الشرائط و الموانع، بل لا يجوز الفصل بينهما و بين الصلاة بالمنافي على الأحوط، فلو فصل به يأتي بهما مع الشرائط، و الأحوط إعادة الصلاة، خصوصاً في الترك العمدي، و إن كان الأقوى عدم وجوبها (1).


1- تجب في قضاء السجدة و التشهّد المنسيين، المحافظة على جميع ما يشترط في سجود الصلاة و تشهّدها؛ من الطهارة، و الاستقبال، و ستر العورة، و نحوها. و كذا الذكر و الشهادتان، و الصلاة على محمّد و آل محمّد صلى الله عليه و آله؛ لأنّهما كالصلاة في الشرائط و الموانع، خصوصاً على القول بكونهما جزءاً من الصلاة. و في جواز الفصل بينهما و بين الصلاة بالمنافي وجهان، بل قولان، أحوطهما وجوباً عدم الجواز، و الأحوط استحباباً إعادة الصلاة، خصوصاً في الترك العمدي. و لصاحب «الجواهر» رحمه الله في المسألة كلام جيّد طويل يعجبني نقله؛ لتضمّنه وجه القولين، حيث إنّه ذكر القولين في بطلان الصلاة بفعل ما يبطل الصلاة قبل صلاة الاحتياط و عدمه و قوّى القول بالبطلان مستدلّاً عليه و مؤيّداً له بوجوه عديدة، و ضعّف القول بعدم البطلان، ثمّ قال: «و الأجزاء المنسية كالركعات الاحتياطية في بادئ النظر بالنسبة إلى بطلان الصلاة بتخلّل الحدث و نحوه، بل ربما قيل: إنّها أولى بذلك؛ للقطع بجزئيتها، كما هو ظاهر الأخبار إن لم يكن صريحها؛ حيث إنّ السجود عدّ في الأخبار جزءاً من الصلاة، و عبّر فيها عن التشهّد المقضي بأنّه التشهّد الذي فات، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا نسيت شيئاً من الصلاة- ركوعاً أو سجوداً أو تكبيراً ...» و رواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «... ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 1 و 2.) . و لذا وجب الإتيان بها فوراً، كما عن «الذكرى» الإجماع عليه، بل هو المنساق من الأدلّة. و منه يظهر بطلان التمسّك بإطلاق الأمر بالقضاء على الصحّة؛ و إن تخلّل الحدث. كما أنّه يظهر ممّا قدّمنا سابقاً، إمكان جريان الاستدلال بأكثر ما سمعته هناك على ما هنا؛ حتّى ما ذكرناه من كون الفورية المزبورة ليست هي إلّا موالاة لحوق الأجزاء بعضها ببعض، لا فورية تعبّدية نحو سجدتي السهو التي لا ربط لهما بالصلاة؛ بحيث لو تركهما عمداً لم تبطل صلاته و إن أثم ...». إلى أن قال: «نعم، قد يقال بإشعار موثّق عمّار عن الصادق عليه السلام بخلاف ذلك كلّه، سأله عن الرجل نسي سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك، قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 8: 245، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 4.) إذ هو ظاهر في أنّه إن لم يذكرها إلّا بعد حين، قضاها وقت الذكر، و تمّت صلاته و إن انمحت صورة الصلاة، كصحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: في الرجل يفرغ من صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال: «إن كان قريباً رجع إلى مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه» و قال: «إنّما التشهّد سنّة في الصلاة»(وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.) بل في صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام ما يستفاد منه عدم بطلان الصلاة بترك قضاء التشهّد المنسي عمداً؛ معلّلًا له بأنّه «سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة» قال: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود»، ثمّ قال: «القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 91، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 29، الحديث 5.) إلى أن قال: «و بالجملة قد يقال بعدم بطلان الصلاة لو كان قد ذكر المنسي بعد أن تخلّل المنافي، بل قد يشعر به إطلاق ما دلّ على عدم بطلان الصلاة بنسيانهما؛ ضرورة كون الفرض من أفراده، بل قد ينتقل منه إلى عدم البطلان مطلقاً، كما هو خيرة «اللمعة» و «البيان» و «الدروس» و «الروضة» و «الموجز» و «المدارك» و عن «العزية» لظهوره حينئذٍ في عدم بقاء حكم الجزئية لها(الظاهر« لهما» بدل« لها».) ، كظهور عدم بطلان الصلاة بتخلّل باقي أركانها بينهما في ذلك أيضاً. اللهمّ إلّا أن يفرّق بالدليل الذي- مع التأمّل فيه- يقتضي أنّ هذه الأجزاء لها تدارك للمتذكّر قبل أن يدخل في ركن و بعده بعد السلام؛ من غير فرق في جزئيته للصلاة في الحالين. و بذلك و غيره ممّا تقدّم سابقاً بان: أنّ له حكم الجزئية حقيقة، بل هو في الصلاة ما لم يأتِ به بعد السلام الذي هو آخر الصلاة في غير الفرض، أمّا فيه فآخرها الجزء المنسي، و لذا يكون سجود السهو بعده، لا قبله. و المراد بعدم البطلان بنسيانه من حيث كونه نسياناً، لا من جهة تخلّل الحدث في أثناء الصلاة و نحوه، فتأمّل جيّداً؛ فإنّ المسألة لا تخلو من إشكال، و إن كان الاحتياط طريق السلامة»(جواهر الكلام 12: 383- 387.) ، انتهى كلامه ملخّصاً.

ص: 404

ص: 405

ص: 406

و الأقوى عدم وجوب قضاء أبعاض التشهّد حتّى الصلاة على النبيّ و آله (1).


1- يقع الكلام هنا في مقامين: الأوّل: في وجوب قضاء أبعاض التشهّد المنسيّة؛ و هي الشهادة بالتوحيد، و الشهادة بالرسالة. و الثاني: في وجوب قضاء الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام و قد وقع الخلاف في كلا المقامين: أمّا المقام الأوّل: فذهب جماعة- منهم صاحب «الرياض» و النراقي في «مستند الشيعة» و صاحب «الجواهر»- إلى الوجوب، و استدلّ له بإطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، كصحيحي حكم بن حكيم(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.) و عبد اللَّه بن سنان(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 1.) و في «الجواهر»: «و أبعاض التشهّد تقضى، كالصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله كما نصّ عليه بعضهم، بل حكي عن ظاهر «البيان» و «الموجز الحاوي» و «كشف الالتباس» أو صريحه و صريح «الجعفرية» و شرحها و تعليق الإرشاد، لعموم خبر حكم السابق(جواهر الكلام 12: 292.)، انتهى.و يمكن الاستدلال له أيضاً ببعض الوجوه المستدلّ بها على وجوب قضاء الصلاة على النبي و آله المنسية، و سيأتي ذكرها مع الجواب عنها. و يرد على الاستدلال بإطلاق الأخبار: أنّ التشهّد عبارة عن مجموع الشهادتين، و لا يطلق على أبعاضه، و قد تقدّم أنّ عموم صحيح حكم بن حكيم «الشي ء منها» غير معمول به. و ذهب جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى»- إلى عدم الوجوب، و هو المختار و إن كان الأحوط قضاؤه، و الدليل عليه هو الأصل. و العجب من النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» حيث أوجب قضاء أبعاض التشهّد، و استدلّ له بإطلاق صحيحي حكم و ابن سنان، و مع ذلك ضعّف قول من فرّق بين إحدى الشهادتين و بين أبعاضها، و حكم بقضاء إحدى الشهادتين؛ لصدق الشهادة عليه. و إليك عين عبارته، قال: «تقضى أبعاض التشهّد أيضاً؛ لإطلاق الصحيحين. و من المتأخّرين من فرّق بين إحدى الشهادتين و بين أبعاضها؛ فحكم بالقضاء في الأوّل، إذ تصدق عليه الشهادة، دون الأخير؛ للأصل، و ضعفهما ظاهر»(مستند الشيعة 7: 122.) ، انتهى. و أمّا المقام الثاني: فقد نسب إلى الشيخ و جماعة من الأصحاب وجوب قضاء الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام و نسبه في «الحدائق» إلى المشهور، و صرّح في «الخلاف» بكونه إجماعياً، قال: «من ترك التشهّد و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله ناسياً قضى ذلك بعد التسليم، و سجد سجدتي السهو، و قال الشافعي: يجب عليه قضاء الصلاة. دليلنا إجماع الفرقة»(الخلاف 1: 371، المسألة 129.) و استدلّ له بوجوه: منها: أنّها مأمور بها، و لم يأتِ بها، فتبقى في عهدة التكليف إلى أن يخرج منه بفعلها. و منها: أنّ التشهّد يقضى بالنصّ، فكذا أبعاضه؛ تسوية بين الكلّ و الجزء. و منها: أنّ مقتضى الأصل بطلان الصلاة بنسيان كلّ من أبعاض التشهّد؛ لقاعدة انتفاء الكلّ بانتفاء جزئه، و لكن ثبت بالإجماع صحّتها مع القضاء، فالصلاة الخالية عنها و عن قضائها لم يعلم كونها مبرئة للذمّة، فمقتضى الأصل حينئذٍ وجوب القضاء بقاعدة الاشتغال و تبعية القضاء للأداء. و منها: أنّ المفهوم عرفاً من الأمر بقضاء التشهّد- بملاحظة أنّ أبعاضه عبادة مستقلّة- مطلوبية أبعاضه أيضاً كمطلوبية جملته، فهو من قبيل تعدّد المطلوب، فلا تفوت مطلوبيتها بفوات محلّها. و منها: عموم صحيح حكم بن حكيم المتقدّم؛ حيث إنّ «الشي ء منها» يشمل أبعاض التشهّد. و يرد على الوجه الأوّل: أنّ عهدة التكليف بالصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله كانت في المكان الخاصّ من الصلاة، و المفروض أنّه قد خرج منها، و القضاء فرض مستأنف يتوقّف على الدليل، و المفروض انتفاؤه. و على الثاني: أنّه على فرض تسليم جزئية الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله من التشهّد، نمنع ترتّب جميع أحكام الكلّ على الجزء؛ حيث إنّ الصلاة الفائتة تقضى، و لا تقضى أجزاؤها الفائتة إلّا ما خرج بالدليل. و على الثالث: أنّ قاعدة انتفاء الكلّ بانتفاء الجزء لا كلّية لها في الصلاة؛ لدلالة صحيح زرارة: «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة ...»(وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) على عدم بطلان الصلاة بنسيان أبعاض التشهّد و غيرها من سائر أبعاض الصلاة؛ حتّى نفس التشهّد ما عدا الأركان، فلا يجب قضاء الأجزاء المنسية إلّا ما ثبت بالدليل، و لا دليل على وجوب قضاء خصوص أجزاء التشهّد. فلا مورد لاشتغال الذمّة، بل مقتضى الأصل براءة الذمّة من وجوب قضائها، و هو العمدة دليلًا على عدم الوجوب، و أمّا تبعية القضاء للأداء فلم تثبت، بل القضاء فرض جديد قد أمر به في موارد خاصّة، و أبعاض التشهّد ليست منها. و على الرابع: أنّ مطلوبية أبعاض التشهّد- كمطلوبية نفس التشهّد و سائر أجزاء الصلاة- مسلّمة، و لكن لها محلّ خاصّ؛ بحيث تفوت مطلوبيتها بفوات محلّها، إلّا ما خرج بالدليل، و لم يقم دليل على عدم فوات أبعاض التشهّد بفوات محلّها. و على الخامس: أنّه قد تقدّم أنّ عموم صحيح حكم، غير معمول به. و الأحوط قضاء الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله للشهرة المظنون تحقّقها المدعاة في كلام صاحب «الحدائق». و قال ابن إدريس بعدم مشروعية قضاء الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام و مال إليه صاحب «الحدائق» مع نسبته الوجوب إلى المشهور، حيث قال: «و الظاهر في هذه المسألة هو قول ابن إدريس؛ لما عرفت من كلام السيّد السند قدس سره(قال السيّد السند في« المدارك»: إنّ الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم إنّما تجب في التشهّد، و قد فات، و القضاء فرض جديد مستأنف، فيتوقّف على الدليل، و هو منتفٍ.) فإنّ دعوى إثبات الأحكام الشرعية بهذه التعليلات العليلة(إشارة إلى الوجوه الخمسة التي ذكرناها.) ، مجرّد مجازفة في أحكامه سبحانه. نعم يمكن الاستدلال على القول المشهور بإطلاق صحيحتي عبد اللّه بن سنان و حكم بن حكيم و رواية الحلبي، إلّا أنّك قد عرفت أنّه لا قائل بذلك من الأصحاب سوى ما نقله في «الذكرى» عن ظاهر ابن طاوس في «البشرى»(الحدائق الناضرة 9: 145.) ، انتهى كلام صاحب «الحدائق». فرع: لو نسي الصلاة على الآل عليهم السلام لا يجب قضاؤها؛ لعدم الدليل عليه. و على القول بوجوب قضائها فهل يجب إعادة ما يتمّ به ممّا قبله أو لا؟ فيه قولان. قال في «الجواهر»: «و لو نسي الصلاة على الآل عليهم السلام فقط، فهل يجب على تقدير القضاء إعادة ما يتمّ به ممّا قبله و إن لم يكن نسيه، كما في «الذخيرة» أو لا يجب، كما هو الأقوى، كما هو مقتضى خبر حكم، و لأنّ قضاءه من حيث كونه جزء صلاة، لا أنّه خطاب تراد دلالته. و لعلّه أشار إلى ذلك في «الذكرى» بقوله: و وجوب قضاء الصلاة وحدها، مشعر بعدم اشتراط الموالاة في هذه الأذكار عند النسيان»(جواهر الكلام 12: 292.)

ص: 407

ص: 408

ص: 409

ص: 410

ص: 411

(مسألة 2): لو تكرّر نسيان السجدة و التشهّد يتكرّر قضاؤهما بعدد المنسيّ،

و لا يشترط التعيين و لا ملاحظة الترتيب. نعم لو نسي السجدة و التشهّد معاً، فالأحوط تقديم قضاء السابق منهما في الفوت، و لو لم يعلم السابق احتاط بالتكرار، فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً (1).


1- المنسي قد يكون متعدّداً، و المتعدّد تارة: يكون من سنخ واحد، كسجدتين من ركعتين، و تشهّدين، و اخرى: يكون من سنخين، كسجدة واحدة و تشهّد، و على كلا الفرضين يجب تكرار القضاء بعدد المنسي؛ بحيث لو كان المنسي كلًا من التشهّدين و سجدة واحدة من كلّ ركعة من الرباعية مثلًا، وجب قضاء التشهّدين و أربع سجدات. فإذا كان المنسي المتعدّد من سنخ واحد، لم يجب في القضاء التعيين، و لا ملاحظة الترتيب: أمّا عدم وجوب التعيين؛ فلأنّ وجوبه فرع ثبوت التعيّن، و لا تعيّن في خصوصيات أفراد النوع الواحد، كما في قضاء صيام أيّام من شهر رمضان، و كما فيما إذا وجبت صلاة الآيات أكثر من واحدة مع اختلاف أسبابها، و مفروض المسألة من هذا القبيل، حيث إنّ السجدات المقضية مثلًا واجبات متحدة حقيقة. و أمّا عدم وجوب ملاحظة الترتيب بينها؛ فلأنّ الترتيب بين أجزاء الصلاة و إن كان معتبراً، و لكنّه مختصّ بما إذا وقعت في محلّها على الكيفية المعتبرة في الصلاة، و لا دليل على اعتباره في خارج الصلاة، و الأصل البراءة. و أمّا إذا كان المنسي من سنخين- كالسجدة و التشهّد- فالأحوط عند المصنّف رحمه الله تقديم السابق منهما في الفوات على اللاحق مع العلم بسبق أحدهما على الآخر. و لو لم يعلم السابق منهما فالأحوط عنده التكرار، فيأتي بما قدّمه مؤخّراً أيضاً. وجه الاحتياط احتمال اعتبار الترتيب في قضاء الأجزاء الفائتة، كالمأتية في محلّها، و لعلّ منشأ هذا الاحتمال هو وجود الترتيب بين الأمرين المتوجّهين إلى قضاء المنسيين؛ حيث إنّ الأمر بقضاء المنسي الأوّل حادث قبل حدوث الأمر بقضاء المنسي الثاني. و فيه: أنّ اعتبار الترتيب بين الأجزاء في المحلّ من المسلّمات، و لكنّه لا يستلزم اعتباره في خارجه، و مجرّد الترتيب بين الأمرين المتوجّهين بالمنسيين- بسبق أحدهما على الآخر حدوثاً- لا يستلزم الترتيب بينهما في مقام الامتثال، و مع جريان أصالة البراءة في المسألة لا مورد للاحتياط المذكور، كما أنّه لا مورد للاحتياط بالتكرار فيما إذا لم يعلم بالسابق من المنسيين، نعم الاحتياط حسن على كلّ حال. فرعان: الأوّل: لو علم نسيان أحد الجزءين إمّا التشهّد أو السجدة الواحدة و لم يعلم المعيّن منهما، وجب عليه قضاء كليهما؛ للعلم الإجمالي الموجب لاشتغال الذمّة المقتضي للبراءة اليقينية. الثاني: لو علم نسيان أحد الأجزاء إمّا غير السجدة و التشهّد من الأجزاء الغير الموجبة للقضاء أو أحدهما الموجبة له، لم يجب عليه شي ء؛ لانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بعدم وجوب القضاء بالنسبة إلى غير السجدة و التشهّد من الأجزاء، و الشكّ البدوي بالنسبة إليهما.

ص: 412

ص: 413

(مسألة 3): لا يجب التسليم في التشهّد القضائي، كما لا يجب التشهّد و التسليم في السجدة القضائية.

نعم لو كان المنسيّ التشهّد الأخير، فالأحوط إتيانه بقصد القُربة المطلقة- من غير نيّة الأداء و القضاء- مع الإتيان بالسلام بعده، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو (1).


1- لا وجه لوجوب التسليم في التشهّد القضائي، و كذا لا وجه لوجوب التشهّد و التسليم في السجدة القضائية، و مقتضى أصالة البراءة عدم الوجوب. نعم، لو كان المنسي التشهّد الأخير، فالأحوط الإتيان به بعد التسليم بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء و القضاء، مع إتيان التسليم بعده، كما أنّ الأحوط إتيان سجدتي السهو بعد التسليم. وجه الاحتياط في إتيان التشهّد الأخير المنسي بقصد القربة المطلقة من غير نيّة الأداء و القضاء، هو وجود قولين في وجوب نيّة قضاء التشهّد المنسي؛ و أنّه هل يختصّ بالتشهّد الأوّل، كما ذهب إليه جماعة، أو يعمّ التشهّد الأخير أيضاً، كما ذهب إليه جماعة كثيرة، منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها؟ فعلى القول الأوّل: يأتي به بنيّة الأداء؛ لعدم تجاوز محلّه، ثمّ يسلّم، ثمّ يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة التسليم في غير محلّه، و على القول الثاني تجب نيّة القضاء؛ لخروجه عن الصلاة بالتسليم، و مقتضى الاحتياط هو الجمع بين القولين بإتيان التشهّد المنسي بقصد القربة المطلقة من غير نيّة خصوص الأداء أو القضاء، ثمّ التسليم بعد التشهّد، ثمّ إتيان سجدتي السهو؛ لاحتمال كون التسليم في غير محلّه. و لو كان المنسيّ السجدة من الركعة الأخيرة، فالأحوط إتيانها كذلك مع الإتيان

ص: 414

بالتشهّد و التسليم و سجدتي السهو؛ و إن كان الأقوى كونها قضاءً و وقوع التشهّد و التسليم في محلّهما، و لا يجب إعادتهما (1).

(مسألة 4): لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما،

ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ، فالأحوط وجوب القضاء؛ و إن كان الأقوى عدمه (2).


1- وجه الاحتياط في إتيان السجدة المنسية من الركعة الأخيرة بقصد القربة المطلقة، هو وجود قولين في وجوب قضاء تلك السجدة و عدمه، حيث قال جماعة بأنّ الواجب قضاء السجدة المنسية من غير الركعة الأخيرة. و أمّا في المنسيّة من الركعة الأخيرة مع ذكرها بعد التسليم، فالواجب إتيانها بقصد التلافي و التدارك في المحلّ، ثمّ التشهّد و التسليم و سجدتا السهو: للسلام في غير محلّه، و قال جماعة اخرى بعدم الفرق بين الركعة الأخيرة و غيرها، فيؤتى بها قضاء، و مقتضى الاحتياط هو الجمع بين القولين بإتيان السجدة المنسية بعد التسليم بنيّة القربة المطلقة، ثمّ التشهّد و التسليم و سجدتي السهو. نعم، الأقوى إتيانها بنيّة القضاء؛ لما ذكرناه سابقاً من الاستدلال- للقول بوجوب قضاء السجدة المنسية من الركعة الأخيرة- بإطلاق صحيحي حكم بن حكيم و عبد اللَّه بن سنان، و حينئذٍ فلا تجب إعادة التشهّد و التسليم بعد قضاء السجدة المنسية؛ لوقوعهما في محلّهما، و تجب سجدتا السهو بعد قضاء السجدة المنسية.
2- لو اعتقد نسيان السجدة أو التشهّد مع فوات محلّ تداركهما، ثمّ بعد الفراغ من الصلاة انقلب اعتقاده إلى الشكّ في أنّه هل نسي السجدة أو التشهّد أو لا؟ فالأقوى عدم وجوب القضاء؛ لأنّ الموجب للقضاء هو اعتقاد النسيان، و قد زال بعروض الشكّ في حدوثه، و مجرّد حدوثه قبل انقلاب اعتقاد النسيان إلى الشكّ، غير مؤثّر في وجوب القضاء، بل القضاء مترتّب على بقائه، و المفروض زواله، و لذا لو حدث و زال أو شكّ في زواله في أثناء الصلاة، لم يجب القضاء بعد الفراغ من الصلاة، فمع الشكّ بعد الفراغ من الصلاة في حدوث النسيان، لا وجه لوجوب القضاء، بل مقتضى جريان قاعدة التجاوز هو عدم وجوب القضاء. و لا تجري هنا قاعدة الفراغ؛ لكون موردها الشكّ في الصحّة و الفساد، و المفروض عدم احتمال فساد الصلاة أصلًا. و وجه الاحتياط في القضاء احتمال الفوات في الواقع؛ حيث إنّ الشكّ لا ينافيه.

ص: 415

(مسألة 5): لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الأقل.

(مسألة 5): لو شكّ في أنّ الفائت سجدة واحدة أو سجدتان من ركعتين بنى على الأقل (1).


1- لأنّه قد علم في مفروض المسألة بفوات سجدة واحدة من ركعة، و هو المتيقّن، و شكّ في فوات سجدة اخرى من ركعة اخرى، و حينئذٍ يأخذ بالمتيقّن، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى المشكوك؛ من غير فرق بين حدوث العلم و الشكّ المزبورين في أثناء الصلاة، أو بعد الفراغ منها، فمن دخل في ركوع الركعة الثالثة، و علم بفوات سجدة واحدة من الركعة الثانية، و شكّ في فوات سجدة من الركعة الاولى أو العكس- أي علم بفواتها من الركعة الاولى، و شكّ في فواتها من الثانية بعد أن دخل في ركوع الثالثة- أخذ بالمتيقّن؛ و هو قضاء سجدة واحدة، و ما زاد عليه من قضاء المشكوك، منفي بقاعدة التجاوز، و ذلك واضح.

ص: 416

(مسألة 6): لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد، و تذكّر بعد الدخول في صلاة اخرى، قطعها إن كانت نافلة،

و أمّا إن كانت فريضة ففي قطعها إشكال، خصوصاً إذا كان المنسيّ التشهّد (1).


1- لو نسي قضاء السجدة أو التشهّد و تذكّر بعد الدخول في صلاة اخرى و كانت نافلة، جاز قطعها؛ لجواز قطع النافلة عمداً و في حال الاختيار، فضلًا عن قطعها لحاجة؛ و هي المبادرة إلى قضاء المنسي، و جاز له إتيان المنسي في أثناء النافلة، ثمّ إتمامها؛ إذ لا مانع من الزيادة العمدية في النافلة، كما أنّه لو قرأ آية السجدة أو أصغى إليها في أثنائها عمداً، سجد في تلك الحال. و أمّا لو تذكّر بعد الدخول في الفريضة ففي جواز قطعها و عدمه وجهان: وجه الجواز- بل قال جماعة بوجوب القطع، خصوصاً فيما إذا كانت الفريضة مترتّبة على السابقة- أنّه لا أمر بالفريضة مع الأمر بالمبادرة إلى قضاء الجزء المنسي، كما هو الظاهر من موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: أنّه سأله عن رجل نسي سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: فإن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 6: 364، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 2.) و في «مستند العروة الوثقى»: «نعم، بناءً على وجوب المبادرة إليها- كما اختاره في المتن، و هو الظاهر من قوله عليه السلام في موثّق عمّار: «يقضي ما فاته إذا ذكره» - تعيّن القطع و الإتيان بها، ثمّ استئناف الصلاة. و دليل حرمة القطع لا يشمل صورة المزاحمة مع واجب فوري»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 334.)، انتهى. و وجه عدم الجواز، هو شمول دليل حرمة قطع الفريضة لمفروض المسألة، و هو نظير ما لو اشتغل بالفريضة و اتفقت الزلزلة في أثنائها، حيث إنّه لا يجوز قطع الفريضة مع سعة وقتها؛ لأجل فورية صلاة الآيات للزلزلة. و أمّا وجه الخصوصية في إشكال قطع الفريضة فيما إذا كان المنسي التشهّد، فلما ذهب إليه جماعة من فقهائنا من عدم وجوب قضاء التشهّد المنسي، و الاجتزاء عنه بالتشهّد الذي في سجدتي السهو، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في المقام الثاني من شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في الأجزاء المنسية».

ص: 417

(مسألة 7): لو كان عليه قضاء أحدهما في صلاة الظهر و ضاق وقت العصر،

فإن لم يدرك منها لو أتى به حتّى ركعة، قدّم العصر و قضى الجزء بعدها، و إن أدرك منها ركعة فلا يبعد وجوب تقديم العصر أيضاً (1).


1- من كان عليه قضاء السجدة أو التشهّد المنسيين في صلاة الظهر مثلًا، و كان الوقت وسيعاً- بحث لو أتى بقضاء المنسي لم يخلّ بوقت العصر- وجب عليه قضاؤه، ثمّ إتيان العصر. و أمّا لو ضاق وقت العصر بحيث لو أتى بقضاء المنسي لم يبقَ وقت للعصر حتّى بمقدار ركعة، قدّم العصر قطعاً، و قضى الجزء المنسي بعدها؛ و ذلك لأهمّية العصر، أو لاختصاص الوقت بها و عدم جواز مزاحمة الغير معها حتّى أنّه لو تذكّر في ذلك الوقت عدم إتيان أصل الظهر، وجب تقديم العصر أيضاً بلا إشكال. و لو ضاق وقت العصر إلى أن يبقى مقدار ركعة بعد قضاء المنسي، فهل يقدّم العصر أيضاً، أو يجب تقديم قضاء المنسي؟ وجهان، بل قولان: ذهب جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و بعض المحشّين ل «العروة الوثقى»- إلى وجوب تقديم العصر، و هو المختار؛ و ذلك لأنّ الواجب إيقاع تمام أجزائها في الوقت ما دام لم يضطرّ إلى إيقاع بعضها خارج الوقت، مع عدم ثبوت كون المنسي جزءاً للصلاة، و لا شرطاً لصحّتها. و قد حكينا عن صاحب «الحدائق» رحمه الله- في حكم نسيان التشهّد في ضمن شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في الأجزاء المنسية»- القول بعدم وجوب قضاء التشهّد المنسي، و الاجتزاء بالتشهّد بعد سجدتي السهو. و بالجملة: الناسي للسجدة أو التشهّد قد فرغ من صلاته، و قد أمره الشارع بالمضي فيها و الانصراف بالتسليم، و لم يبقَ له من الوقت الاختياري إلّا مقدار أداء العصر، و لا يجوز له التأخير عمداً إلى أن يبقى له الوقت الاضطراري؛ و هو مقدار ركعة. و ذهب جماعة اخرى- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر المحشّين- إلى وجوب تقديم قضاء الجزء المنسي؛ رعاية للترتيب، خصوصاً بناءً على كون المقضي متمّماً للصلاة. و في صلاة استاذ الأساتذة الحائري رحمه الله: «فإن بنينا على أنّ المقضي متمّم للصلاة الاولى يقدّم، و إن بنينا على استقلاله، فإن قلنا بالفورية من جهة الإجماع يمكن أن يقال: إنّ المتيقّن منه غير هذه الصورة، فيأتي بالعصر في الوقت الاختياري، ثمّ يأتي بالجزء الفائت، و إن قلنا بالفورية من جهة ظهور الأدلّة، فمقتضى القاعدة الإتيان بالجزء الفائت أوّلًا، ثمّ إدراك العصر ركعة من الوقت؛ لأنّ إيجاب قضاء الجزء فوراً محقّق للاضطرار، فيدخل من جهته في موضوع قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الوقت ...» إلى آخره. و للتأمّل في جميع ما ذكرنا مجال واسع؛ لأنّك قد عرفت آنفاً عدم كون السجدة المنسية و التشهّد المنسي جزءاً للصلاة، و لا شرطاً لصحّتها، فالناسي للسجدة أو التشهّد قد فرغ من صلاته، و لم يبقَ له إلّا مقدار أداء اللاحقة في الوقت الاختياري، و المفروض عدم جواز التأخير عمداً إلى الوقت الاضطراري. نعم، لو كان مكلّفاً بواجب مضيّق يوجب مراعاته تأخّر زمان الصلاة اللاحقة إلى الوقت الاضطراري، يضطرّ إلى التأخير إلى إدراك الوقت الاضطراري، كمن لم يبقَ له إلّا خمس ركعات، و لم يصلّ الظهرين، و فيما نحن فيه لو كانت الفورية المستفادة من الأدلّة على نحو يفوت الواجب مع عدم مراعاتها، لصحّ أن يقال: إنّ المكلّف يضطرّ إلى إتيان ذلك الواجب و تأخير صلاته إلى الوقت الاضطراري، و المفروض أنّه ليس كذلك؛ فإنّ قضاء السجدة و التشهّد لو ترك سهواً لم يفت الواجب، بل يجب عليه إتيانه متى تذكّر، فحينئذٍ لو لوحظ مراعاة الوقت الاختياري المجعول للعمل، تحقّق موضوع الاضطرار إلى ترك القضاء المنسي في أوّل الوقت، و لو لوحظ مراعاة فورية القضاء، تحقّق الاضطرار إلى تأخير الصلاة اللاحقة إلى الوقت الاضطراري، و أيّ ترجيح للثاني؟! بل يمكن القول بأولوية مراعاة الصلاة في الوقت الاختياري»(الصلاة، المحقّق الحائري: 407.) ، انتهى.

ص: 418

ص: 419

و لو كان عليه صلاة الاحتياط للظهر و ضاق وقت العصر، فإن أدرك منها ركعة

ص: 420

قدّم صلاة الاحتياط، و إلّا قدّم العصر، و يحتاط بإتيان صلاة الاحتياط بعدها و إعادة الظهر (1).


1- لو كانت عليه صلاة الاحتياط للظهر، و ضاق وقت العصر، فإن أدرك منها ركعة بعد صلاة الاحتياط قدّم صلاة الاحتياط قطعاً لكونه واجباً موقّتاً فورياً، كما هو المستفاد من الأخبار(وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8.) قد حكينا عن صاحب «الجواهر» رحمه الله في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في ركعات الاحتياط»: «أنّ الأخبار كادت تكون صريحة في ذلك، خصوصاً المشتمل منها على «الفاء» المقتضية للتعقيب بلا مهلة، بل و على لفظ «إذا» الظاهر في أنّ وقت فعلها عند الفراغ، و غير ذلك. و لا ريب في ظهورها باشتراط صحّتها بالتعقيب المزبور؛ إذ بدونه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه»(جواهر الكلام 12: 381.) ، انتهى موضع الحاجة، فبعد صلاة الاحتياط يأتي بالعصر، و المفروض بقاء وقتها بمقدار ركعة. و لو ضاق وقت العصر بحيث لو أتى بصلاة الاحتياط لم يبقَ وقت للعصر أصلًا حتّى بمقدار ركعة، لا يجوز له حينئذٍ إتيان صلاة الاحتياط؛ لكونه مفوّتاً للوقت الاضطراري للعصر، بل يجب عليه تقديم العصر؛ لأهمّية مراعاة الوقت، و بعد إتيان العصر يأتي بصلاة الاحتياط للظهر، ثمّ يعيد الظهر احتياطاً. وجه الاحتياط بإتيان صلاة الاحتياط، احتمال كونها صلاة مستقلّة، كما هو أحد القولين فيها، لا جزءاً متمّماً للصلاة الأصلية على تقدير نقصها واقعاً. و وجه الاحتياط بإعادة الظهر، احتمال كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً، كما هو القول الآخر في صلاة الاحتياط، و على هذا الاحتمال لا تكفي صلاة الاحتياط الغير الصالحة للانضمام إلى الصلاة الأصلية؛ لتخلّل العصر بينهما، ففي الحقيقة لم يحرز براءة الذمّة من الاشتغال بالظهر؛ للفصل بينها و بين ركعة الاحتياط بالعصر، فتجب إعادتها.

ص: 421

ص: 422

القول في سجود السهو
(مسألة 1): يجب سجود السهو للكلام ساهياً و لو لظنّ الخروج.

(مسألة 1): يجب سجود السهو للكلام ساهياً و لو لظنّ الخروج (1).


1- يجب سجود السهو للكلام ساهياً في أثناء الصلاة- و لو لظنّ الخروج- إذا كان غير قرآن، أو ذكر، أو دعاء، و هو المشهور بين فقهائنا شهرة عظيمة، و في «الجواهر»: «على المشهور بين الأصحاب قديماً و حديثاً نقلًا و تحصيلًا»(جواهر الكلام 12: 431.) ، بل حكي عن جماعة دعوى اتفاق أصحابنا عليه، و في «المنتهى»: «و لو تكلّم سهواً لم تبطل، و يسجد للسهو، و عليه علماؤنا أجمع، خلافاً لأبي حنيفة»(منتهى المطلب 1: 417/ السطر 5.) و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة؛ يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) وجه الدلالة: أنّ الموجب لسجود السهو، هو الكلام في أثناء الصلاة بقوله: «أقيموا صفوفكم». و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات؛ يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و موثّق عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً، فقال: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و قد ناقش المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد نقل موثّق عمّار: «بأنّه يحتمل قوياً أن يكون المراد بالتكلّم في هذا الخبر، الأذكار التي هي من أفعال الصلاة التي من شأنها الإتيان بها بعد القيام أو القعود، فتنهض الرواية حينئذٍ شاهدة للقول بثبوتهما لكلّ زيادة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 589/ السطر 28.) ، فليتأمّل. و لعلّ التأمّل في كلامه رحمه الله للإشارة إلى أنّ «التكلّم» و «الكلام» لم يعهد إطلاقهما على القراءة و التسبيح و الأذكار في شي ء من الأخبار؛ و إن كانت هي من مصاديق الكلام حقيقةً. و قد يستدلّ أيضاً على وجوب سجدتي السهو للكلام ساهياً بجملة من الروايات: منها: صحيح سعيد الأعرج قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ثمّ سلّم في ركعتين، فسأله من خلفه: يا رسول اللَّه، حدث في الصلاة شي ء؟ فقال: و ما ذلك؟ قال: إنّما صلّيت ركعتين، فقال: أ كذلك يا ذا اليدين؟ و كان يدعى: ذو الشمالين، فقال: نعم، فبنى على صلاته، فأتمّ الصلاة أربعاً ...» إلى أن قال: «و سجد سجدتين؛ لمكان الكلام»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 16.) و يرد عليه أوّلًا: أنّ أمثال هذه الرواية غير قابلة للاعتماد عليها؛ لمخالفتها لُاصول مذهبنا، حيث نسب فيها السهو إلى النبي صلى الله عليه و آله، فلا بدّ من ضربها على الجدار، أو حملها على التقيّة، كما أشار إليه الشيخ رحمه الله في «التهذيب»(تهذيب الأحكام 2: 351، ذيل الحديث 1454.) و ثانياً: أنّها معارضة بصحيح زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام: هل سجد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سجدتي السهو قطّ؟ قال: «لا، و لا يسجدهما فقيه»(وسائل الشيعة 8: 202، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 13.) و في «الوسائل»: «قال الشيخ: الذي افتي به ما تضمّنه هذا الخبر، فأمّا الأخبار التي قدّمناها- من أنّه سها و سجد- فهي موافقة للعامّة، و إنّما ذكرناها لأنّ ما تضمّنه من الأحكام معمول بها»(وسائل الشيعة 8: 202، ذيل الحديث 13.) و ثالثاً: أنّه- مع الغضّ عمّا ذكر- من المحتمل أن يكون سجوده للسهو للسلام في غير محلّه، لا للكلام السهوي؛ حيث إنّ الروايات المتضمّنة لسجود النبي صلى الله عليه و آله للسهو، مهملة لم يتعرّض فيها أنّه كان للكلام السهوي أو للسلام السهوي. نعم صحيح الأعرج صريح في كون سجوده صلى الله عليه و آله للكلام سهواً. و نسب إلى بعض فقهائنا- كالصدوق، و والده، و السبزواري في «الذخيرة»- القول بعدم وجوب سجدتي السهو للكلام ساهياً، و استدلّ له بالأخبار المعتبرة سنداً، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يسهو في الركعتين و يتكلّم، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته تكلّم أو لم يتكلّم، و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 5.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل صلّى ركعتين من المكتوبة، فسلّم و هو يرى أنّه قد أتمّ الصلاة و تكلّم، ثمّ ذكر أنّه لم يصلّ غير ركعتين، فقال: «يتمّ ما بقي من صلاته، و لا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 9.) و صحيح الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أكون في الصلاة، فأجد غمزاً في بطني، أو أذىً، أو ضرباناً، فقال: «انصرف ثمّ توضّأ و ابنِ على ما مضى من صلاتك؛ ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّداً، و إن تكلّمت ناسياً فلا شي ء عليك، فهو بمنزلة من تكلّم في الصلاة ناسياً» قلت: و إن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال: «نعم، و إن قلّب وجهه عن القبلة»(وسائل الشيعة 7: 235، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 9.) و اجيب عن الاستدلال بالصحاح المذكورة بحملها على نفي الإعادة أو الإثم؛ جمعاً بينها و بين الأخبار المتقدّمة المصرّحة بسجود السهو. هذا مضافاً إلى أنّ صحيح الفضيل، مشتمل على مضامين مخالفة للإجماع.

ص: 423

ص: 424

ص: 425

ص: 426

و نسيان السجدة الواحدة إن فات محلّ تداركها (1)،


1- وجوب سجدتي السهو لنسيان السجدة الواحدة مع فوات محلّ تداركها- بأن دخل في الركوع و ذكر فواتها من الركعة السابقة- مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، و عن العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» دعوى الإجماع عليه، و نسب إلى ابن أبي عقيل و ابني بابويه و الشيخ المفيد في «المسائل الغرية» الخلاف في ذلك. و استدلّ للقول بالوجوب بصحيح جعفر بن بشير، قال: سئل أحدهم عن رجل ذكر أنّه لم يسجد في الركعتين الأوّلتين إلّا سجدة و هو في التشهّد الأوّل، قال: «فليسجدها ثمّ لينهض، و إذا ذكره و هو في التشهّد الثاني قبل أن يسلّم فليسجدها ثمّ يسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 6: 367، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 7.) و فيه: أنّ هذا الصحيح غير قابل للاعتماد عليه؛ لشموله على حكم مخالف للإجماع؛ حيث حكم فيها بوجوب إتيان السجدتين المنسيتين من الركعتين الأوّلتين حين ذكر في حال التشهّد الثاني قبل أن يسلّم، و هذا الحكم مخالف للإجماع و صريح الروايات الدالّة على وجوب قضاء السجدة المنسية- فيما إذا فات محلّ تداركها- بعد الفراغ من الصلاة. و قد يستدلّ أيضاً بالأخبار المستدلّ بها على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة، و سيأتي ذكرها و البحث في مقدار دلالتها. و قال جماعة من فقهائنا بعدم وجوب سجدتي السهو في نسيان السجدة، و إليه ذهب صاحب «الحدائق» رحمه الله قال: «و بالجملة فالظاهر عندي من الأخبار، هو القول الثاني و إن كان الاحتياط في العمل بالقول المشهور»(الحدائق الناضرة 9: 151.) ، انتهى. و هذا القول غير مشهور. و استدلّ لهذا القول- مضافاً إلى أصالة البراءة- بجملة من الروايات التي صحاحها معرض عنها، كصحيح أبي بصير قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) و رواية محمّد بن منصور- المجهول الحال- قال: سألته عن الذي ينسى السجدة الثانية من الركعة الثانية، أو شكّ فيها، فقال: «إذا خفت أن لا تكون وضعت وجهك إلّا مرّة واحدة، فإذا سلّمت سجدت سجدة واحدة، و تضع وجهك مرّة واحدة، و ليس عليك سهو»(وسائل الشيعة 6: 366، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 6.) و موثّق عمّار- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل ينسى الركوع، أو ينسى سجدة، هل عليه سجدتا السهو؟ قال: «لا، قد أتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 238، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 5.)

ص: 427

ص: 428

و السلام في غير محلّه (1)،


1- وجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه مشهور بين الأصحاب، حكاه في «الحدائق» و «الجواهر» و حكي عن غيرهما أيضاً، و قد صرّح في كلام جماعة من فقهائنا بكونه إجماعياً، و في «المنتهى»: «و قد اتفق علماؤنا على إيجاب سجدتي السهو فيمن سها عن السجدة، و ذلك بعد الركوع، و من تكلّم ناسياً، و من سلّم في غير موضعه»(منتهى المطلب 1: 417/ السطر 30.) ، انتهى. و استدلّ لهذا القول بصحيح العيص، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 8.) و موثّق عمّار- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) و في «فقه الرضا عليه السلام»: و كنت يوماً عند العالم عليه السلام و رجل سأله عن رجل سها فسلّم في ركعتين من المكتوبة ثمّ ذكر أنّه لم يتمّ صلاته، قال: «فليتمّها، و ليسجد سجدتي السهو»(مستدرك الوسائل 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 1.) وجه الاستدلال: أنّ سهو الرجل كان في التسليم على الركعتين، حيث ذكر أنّه لم يتمّ صلاته، فكان التسليم في غير محلّه، و وجبت سجدتا السهو لأجله. و قد أورد المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» على الاستدلال بالأخبار المذكورة على وجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه: «بأنّه لا شاهد فيها على إرادته لخصوص التسليم، فلعلّه لأجل حصول القعود في موضع القيام، أو لأجل زيادة التشهّد، أو لأجل زيادة السلام من حيث كونها زيادة سهوية، لا لخصوصية السلام ...». إلى أن قال: «فالإنصاف قصور الأخبار المزبورة عن إفادة المدّعى، و لذا مال بعض المتأخّرين- وفاقاً لما عن صريح الكليني رحمه الله و الصدوقين، و ظاهر غيرهم، كالعمّاني، و السيّد، و الديلمي، و ابني حمزة و زهرة- إلى القول بعدم الوجوب، كما ربّما يؤيّده أيضاً صحيحتا زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّمتان المصرّحتان بأنّه «لا شي ء عليه». و لكنّك عرفت: أنّ الاعتماد على ظاهر هذين الخبرين- بعد إعراض المشهور عنهما، و إمكان حملهما على نفي الإعادة- لا يخلو من إشكال، كما أنّ مخالفة المشهور في مسألة السلام أيضاً كذلك؛ لإمكان أن يدعى أنّه يستفاد من مجموع الأخبار الواردة في الكلام و غيره و لو بمعونة الشهرة، أنّ مطلق الكلام الخارجي الذي يكون عمده قاطعاً للصلاة، سهوه موجب للسجدتين، و قد عرفت في محلّه أنّ السلام في غير محلّه مندرج في ذلك»(مصباح الفقيه، الصلاة: 590/ السطر 30.) ، انتهى. و استدلّ أيضاً لوجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه: بأنّه ليس سلاماً للصلاة، بل هو من قبيل كلام الآدميين، و كلام الآدميين تجب فيه سجدتا السهو، ففي «المختلف»: «و تجب به» أي بالتسليم في غير محلّه «سجدتا السهو؛ لأنّه في غير موضعه كلام غير مشروع صدر نسياناً من المصلّي، فيدخل تحت مطلق الكلام»(مختلف الشيعة 2: 419.) ، انتهى. و استدلّ له أيضاً: بأنّ السلام في غير محلّه زيادة في الصلاة، و كلّ زيادة و نقيصة في الصلاة موجبة لسجدتي السهو. و اورد عليه: بأنّ الكبرى غير ثابتة، و سيأتي البحث فيه. ثمّ إنّه قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «و المدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين، و أمّا السلام عليك أيّها النبي ... إلى آخره، فلا يوجب شيئاً من حيث إنّه سلام، نعم يوجبه من حيث إنّه زيادة سهوية، كما أنّ بعض إحدى الصيغتين كذلك، و إن كان يمكن دعوى إيجاب لفظ السلام للصدق، بل قيل: إنّ حرفين منه موجب، لكنّه مشكل إلّا من حيث الزيادة»(العروة الوثقى 2: 45.) ، انتهى. و وجه كون المدار على إحدى الصيغتين الأخيرتين، هو أنّ المستفاد من النصوص هو السلام الذي يحصل به الفراغ من الصلاة، كما صرّح به في صحيح العيص المتقدّم «حتّى فرغ منها» فلا يشمل «السلام عليك أيّها النبي ...» إلى آخره من حيث إنّه سلام؛ إذ لا يحصل به الفراغ من الصلاة. و في كونه موجباً لسجدتي السهو من حيث كونه زيادة سهوية أو لا، بحث سيأتي إن شاء اللَّه. و من هنا يعلم: أنّ زيادة أبعاض إحدى الصيغتين سهواً- حتّى لفظ السلام من حيث إنّه سلام- لا يوجب سجدتي السهو؛ لأنّ الموجب لهما هو السلام المخرج، و لفظ «السلام» مجرّداً ليس مخرجاً. نعم يوجبه من حيث صدق الكلام السهوي عليه، بل الكلام السهوي يصدق على حرفين من السلام. و في حاشية السيّد الخوئي رحمه الله على «العروة الوثقى»: «لا يبعد ذلك؛ لأنّه كلام بغير ذكر و دعاء و قرآن»(العروة الوثقى 2: 45، الهامش 13.)

ص: 429

ص: 430

ص: 431

و نسيان التشهّد مع فوت محلّ تداركه على الأحوط فيهما (1)،


1- وجوب سجدتي السهو لنسيان التشهّد هو المشهور بين الأصحاب، و عن «الخلاف» و «الغنية» دعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوّلتين، فقال: «إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، و إن لم يذكر حتّى يركع فليتمّ الصلاة؛ حتّى إذا فرغ فليسلّم (و سلّم و سجد) و ليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 3.) و صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و موثّق سماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و ذيل حسن الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر، ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع و يذكر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد، ثمّ يقوم فيتمّ» قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما»؟ قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: «فليجلس ما لم يركع و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمضِ في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين من الظهر أو غيرها فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد، و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و لعلّ الوجه في عدم إفتاء المصنّف رحمه الله بوجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه و نسيان التشهّد، هو ذهاب جماعة من القدماء إلى عدم الوجوب لهما، و عدم ثبوت شهرة قطعية على الوجوب فيهما عنده رحمه الله.

ص: 432

ص: 433

و الشكّ بين الأربع و الخمس (1).


1- وجوب سجدتي السهو للشكّ بين الأربع و الخمس مشهور بين الأصحاب، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و يظهر من جماعة من فقهائنا عدم وجوب سجدتي السهو في الشكّ بين الأربع و الخمس، و هو ضعيف؛ لقيام الشهرة و الأخبار المعتبرة على خلافه، و في «الجواهر»: «فما عساه يظهر من حصر بعضهم موجبات السجود في غيره أو كالحصر من عدم الوجوب فيما نحن فيه، ضعيف جدّاً»(جواهر الكلام 12: 434.) ، انتهى. و صرّح الشيخ المفيد رحمه الله في «المسائل الغرية» بحصر موجبات السجود في مواضع غير الشكّ بين الأربع و الخمس، فقال: «لو نسي التشهّد الأوّل و ذكره بعد الركوع مضى في صلاته، فإذا سلّم من الرابعة سجد سجدتي السهو. و كذلك إن تكلّم ناسياً في صلاته فليسجد بعد التسليم سجدتي السهو. و إن لم يدرِ أزاد سجدة أو نقص سجدة أو زاد ركوعاً أو نقص ركوعاً و لم يتيقّن ذلك و كان الشكّ له فيه حاصلًا بعد تقضّي وقته و هو في الصلاة، سجد سجدتي السهو» قال: «و ليس لسجدتي السهو موضع في الشكّ في الصلاة إلّا في هذه الثلاثة المواضع، و الباقي بين مطّرح، أو متدارك بالجبران، أو فيه إعادة»(انظر مختلف الشيعة 2: 416.) ، انتهى. و صرّح الشيخ في «الخلاف» بحصرها في أربعة مواضع: «أحدها: إذا تكلّم في الصلاة ناسياً، و الثاني: إذا سلّم في غير موضع التسليم ناسياً، و الثالث: إذا نسي سجدة واحدة و لا يذكر حتّى يركع في الركعة التي بعدها، و الرابع: إذا نسي التشهّد الأوّل و لا يذكر حتّى يركع في الثالثة، فإنّ هذه المواضع يجب عليه المضي في الصلاة، ثمّ سجدتا السهو بعد التسليم، و قد مضى ما يدلّ عليه. و أمّا ما عدا ذلك فهو كلّ سهو يلحق الإنسان، و لا يجب عليه سجدتا السهو؛ فعلًا كان أو قولًا، زيادة كانت أو نقصاناً، متحقّقة كانت أو متوهّمة»(الخلاف 1: 459.)، انتهى.

ص: 434

ص: 435

و الأحوط إتيانه لكلّ زيادة و نقيصة في الصلاة لم يذكرها في محلّها؛ و إن كان الأقوى عدم وجوبه لغير ما ذكر (1)،


1- ذهب بعض فقهائنا إلى وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة مع فوات محلّ تداركها، فقد قال العلّامة رحمه الله في «المختلف»: «من شكّ فلا يدري زاد أو نقص تجب عليه السجدتان؛ لأنّهما مع الزيادة تجبان، و كذا مع النقصان، فتجبان مع الشكّ بينهما؛ لعدم الانفكاك منهما»(مختلف الشيعة 2: 421.) ، انتهى. و قال في «التحرير»: «قال ابن بابويه: يجب لكلّ نقيصة أو زيادة سهواً؛ عملًا برواية الحلبي الصحيحة عن الصادق عليه السلام و هو الأقوى عندي»(تحرير الأحكام 1: 50/ السطر 18.) ، انتهى. و قد اختار هذا القول الشهيد في «الذكرى». و قال في «الدروس» بعد أن حكى عن الشيخ نسبة وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة إلى بعض الأصحاب: و لم نظفر بقائله و لا بمأخذه إلّا رواية الحلبي السالفة، و هي ما عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و ليست صريحة في ذلك، لاحتمالها الشكّ في زيادة الركعات و نقصانها، أو الشكّ في زيادة فعل أو نقصانه، و ذلك غير المدّعى. إلّا أن يقال بأولوية المدعى على المنصوص»(الدروس الشرعية 1: 207.) ، انتهى. و في «الجواهر» شارحاً لمتن «الشرائع»: «و قيل- و القائل بعض أصحابنا، كما في «الخلاف»- تجب سجدتا السهو في كلّ زيادة في الصلاة و نقيصة منها إذا لم يكن مبطلًا، إلّا أنّا لم نعرف قائله صريحاً قبل المصنّف»(جواهر الكلام 12: 434.) ، انتهى. و قال المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد نقل كلام «الدروس»: «فكأنّه أراد بعدم الظفر بقائله من القدماء الذين تعرّض الشيخ لنقل أقوالهم، و إلّا فهو بنفسه على ما حكي عنه، نقله في كتاب «الذكرى»- الذي صنّفه قبل «الدروس»- عن الفاضل و اختاره، كما أنّه هو مختاره أيضاً في «اللمعة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 591/ السطر 8.) ، انتهى. و كيف كان: فقد استدلّ للقول بالوجوب بمرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان»(وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.) و اورد عليه: بأنّ سنده ضعيف بالإرسال، و جهالة سفيان بن السمط. و اجيب: بأنّ الإرسال غير مضرّ بعد كون المرسل مثل ابن أبي عمير الذي قيل في حقّه: «إنّه لا يرسل إلّا عمّن يثق به» و «إنّ مراسيله كمسانيده». و أمّا جهالة سفيان، فهي مرتفعة برواية ابن أبي عمير عنه بلا واسطة في كتاب «الزي و التجمّل و المروءة» من «فروع الكافي» في باب غسل الرأس، فعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تقليم الأظفار، و الأخذ من الشارب، و غسل الرأس بالخطمي، ينفي الفقر، و يزيد في الرزق»(الكافي 6: 504/ 1، وسائل الشيعة 2: 60، كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمّام، الباب 25، الحديث 1.) ، حيث إنّ روايته عنه توثيق؛ لأنّه لا يروي إلّا عن ثقة. هذا مضافاً إلى أنّ ابن أبي عمير من أصحاب الإجماع، و المشهور جواز العمل بما يصحّ عنهم و عدم النظر فيمن بعدهم. و قد ادّعى الكشّي الاتفاق على تصحيح ما يصحّ عن أصحاب الإجماع، فلا يخلّ في السند الإرسال، و لا جهالة من رووا عنه بلا واسطة، أو مع الواسطة. و نوقش في الجواب أوّلًا: بأنّ ابن أبي عمير قد روى عن جماعة ضعّفهم الشيخ و النجاشي و غيرهما، كالحسين بن أحمد المنقري، و علي بن أبي حمزة سالم البطائني، و علي بن حديد المدائني الأزدي الساباطي، و يونس بن ظبيان، حيث إنّ الشيخ في رجاله عدّ الحسين بن أحمد من أصحاب الباقر و الكاظم عليهما السلام و ضعّفه. و قال في الكلام على الواقفة: «فروى الثقات: أنّ أوّل من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني، و زياد بن مروان القندي، و عثمان بن عيسى الرواسي؛ طمعوا في الدنيا، و مالوا إلى حطامها، و استمالوا قوماً، فبذلوا لهم شيئاً ممّا اختانوه من الأموال» ثمّ ذكر رواية الكليني بإسناده إلى أن بلغ إلى يونس بن عبد الرحمن، قال: «مات أبو إبراهيم عليه السلام و ليس من قوّامه أحد إلّا و عنده المال الكثير، و كان ذلك سبب وقفهم و جحدهم موته طمعاً في الأموال، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار، و عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار»(الغيبة، الطوسي: 63.) و قال في «الاستبصار»- بعد نقل خبر مرسل عن علي بن حديد ظاهر الدلالة على عدم وجوب النزح فيما إذا وقعت الفأرة في البئر-: «فأوّل ما في هذا الخبر أنّه مرسل، و راويه ضعيف؛ و هو علي بن حديد، و هذا يضعّف الاحتجاج بخبره»(الاستبصار 1: 40.) و قال أيضاً في باب النهي عن بيع الذهب بالفضّة نسية: «و أمّا خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا بأس أن يبيع الرجل الدينار نسيّة بمائة و أقلّ و أكثر» فالطريق إليه علي بن حديد، و هو ضعيف جدّاً»(الاستبصار 3: 95.) و أمّا يونس بن ظبيان فقد عدّه الشيخ رحمه الله في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام و وصفه بالكوفي، و لم يوثّقه(رجال الطوسي: 323/ 46.) ، و قال النجاشي في حقّه: «إنّه ضعيف جدّاً لا يلتفت إلى ما رواه، كلّ كتبه تخليط»(رجال النجاشي: 448/ 1210.) و عن الكشّي في حديث عن يونس بن عبد الرحمن قال: سمعت رجلًا من الطيّارة يحدّث أبا الحسن الرضا عليه السلام عن يونس بن ظبيان أنّه قال: كنت في بعض الليالي و أنا في الطواف، فإذا نداء من فوق رأسي: يا يونس، إنّي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي، وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي، فرفعت رأسي فإذا «ج»، فغضب أبو الحسن عليه السلام غضباً لم يملك نفسه، ثمّ قال للرجل: «اخرج عنّي، لعنك اللَّه، و لعن من حدّثك، و لعن يونس بن ظبيان ألف لعنة، يتبعها ألف لعنة، كلّ لعنة منها تبلغك قعر جهنّم، أشهد ما ناداه إلّا شيطان، أما أنّ يونس مع أبي الخطّاب في أشدّ العذاب مقرونان، و أصحابهما إلى ذلك الشيطان مع فرعون و آل فرعون في أشدّ العذاب ...»(اختيار معرفة الرجال: 363/ 673.) إلى آخر الحديث. و بالجملة: فإذا ثبتت رواية ابن أبي عمير عن جماعة قد علم ضعفهم بالوجدان، فلا يعتمد على رواياته عن المجهول الحال، و لا على مراسيله؛ لاحتمال كون المروي عنه من الضعاف. اللهمّ إلّا أن يقال أنّ روايته عن المجهول و كذا ارساله الخبر توثيق منه للمروي عنه فيعتمد عليها إلّا ما علم ضعف راويه. و ثانياً: أنّ كون ابن أبي عمير و أمثاله من أصحاب الإجماع، لا يثبت تصحيح الرواية من حيث صدورها عن المعصوم عليه السلام فليس المراد من تصحيح ما يصحّ عنهم، تصحيح الرواية إلى المعصوم عليه السلام حتّى يكون توثيقاً لكلّ من وقع في السند؛ لعدم ثبوت كون التصحيح المزبور معقداً لإجماع العصابة، بل المراد منه تصديق ابن أبي عمير و أمثاله فيما يخبرون، و لا يتأمّل في تصديقهم في الأخبار عن الراوي الذي ينقلون عنه؛ لعظم شأنهم و جلالتهم و معلومية عدالتهم، و هذا هو المراد من معقد إجماع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عنهم. و بعبارة أوضح: معقد إجماع الأصحاب هو تصحيح روايتهم عن الراوي، لا عن المعصوم عليه السلام و هذا المقدار لا يدلّ على تصحيح الرواية نفسها بتوثيق من وقع في السند. ثمّ إنّه لو اغمض عن المناقشة المذكورة، و سلّم كون مرسلات ابن أبي عمير كمسنداته و مسندات غيره، و سلّم أيضاً أنّ معقد إجماع الأصحاب تصحيح نفس الرواية و صدورها عن المعصوم عليه السلام فنقول: إنّ هذه المرسلة كانت معرضاً عنها عند الأصحاب إلى زمان العلّامة و الشهيد، و لم يفتِ أحد منهم على طبقها، فهي مهجورة غير معمول بها، و لذا لم يتمسّك الشهيد بها في «الدروس» في مقام الاستدلال على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة، بل تمسّك بصحيحة الحلبي على احتمال. و استدلّ على الوجوب أيضاً بصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة، فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و الاستدلال بها يتمّ بناءً على جعل قوله: «أم نقصت أم زدت» عطفاً على فعل الشرط؛ و هو قوله: «لم تدرِ» لا على معموله و هو قوله: «أربعاً» و يكون التقدير حينئذٍ هكذا: إذا نقصت أم زدت فتشهّد و سلّم و اسجد سجدتين. و كذا يتمّ الاستدلال بناءً على عطف جملة «نقصت» و «زدت» على المعمول، و يكون التقدير حينئذٍ هكذا: إذا لم تدرِ نقصت أم لا أو لم تدرِ زدت أم لا فاسجد سجدتين، و في الحقيقة يكون وجوب السجدتين في صورة الشكّ في الزيادة و عدمها و الشكّ في النقيصة و عدمها، فإذا وجب سجود السهو في صورة الشكّ في الزيادة أو النقيصة، وجب في صورة العلم بطريق أولى. و يرد على الاستدلال ما أورده الشهيد في «الدروس»: من أنّ الصحيحة ليست صريحة في ذلك؛ لاحتمالها الشكّ في زيادة الركعات و نقصانها، و هذا الاحتمال مبني على كون العطف تفسيرياً؛ يعني إذا لم تدرِ أنّه هل زدت- بأن صلّيت خمساً- أم نقصت عنه؛ بأن صلّيت أربعاً، و حينئذٍ تكون الصحيحة مجملة ساقطة عن قابلية الاستدلال بها. هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من الصحيح- كصحيح الفضيل الآتي- إناطة الحكم بنفس الشكّ في الزيادة و النقيصة، كما في الشكّ بين الأربع و الخمس، لا بذات الوصفين كي يدّعى أنّ القطع بتحقّقهما سهواً، أولى بالسببية لسجود السهو من احتمال تحقّقهما، فلا يقاس أحدهما بالآخر، فضلًا عن أن يكون أولى. و استدلّ أيضاً بصحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح الفضيل بن يسار: أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، فقال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدرِ أزاد في صلاته أم نقص منهما»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 6.) و موثّق عمّار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال: «إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبّح فقرأت، فعليك سجدتا السهو، و ليس في شي ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو ...»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) الحديث. و مورد هذا الموثّق و إن كان خصوص زيادة القيام موضع القعود و العكس، و زيادة التسبيح موضع القراءة و العكس، و لكنّه- بضميمة عدم القول بالفصل- يتمّ الاستدلال به على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة من الأفعال و الأقوال. و وجه الاستدلال بهذه الأخبار، ما ذكرناه في الاستدلال بصحيح الحلبي من أولوية المتيقّن من المشكوك. و يرد على الاستدلال بصحيح زرارة و الفضيل، ما أورده الشهيد في «الدروس» على الاستدلال بصحيح الحلبي: من أنّه من المحتمل أن يكون المراد الشكّ في زيادة الركعات و نقصانها. و أمّا موثّق عمّار، فهو و إن كان ظاهراً في وجوب سجدتي السهو في موارد الزيادة فعليةً كانت أو قولية، و لكنّه معارض بما وقع فيه- بعد هذا السؤال و الجواب- من قوله: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً، فقال: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء» و مقتضى الجمع هو حمل قوله: «فعليك سجدتا السهو» على الاستحباب. كذا قيل. ثمّ إنّ الأخبار المذكورة المستدلّ بها على وجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة- على فرض تمامية دلالتها- كلّها معارضة بالأخبار الدالّة على عدم الوجوب: منها: ذيل موثّق عمّار المتقدّم: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء» . كما ذكرناه. و منها: صحيح أبي بصير الوارد في نسيان السجدة، قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) حيث يلزم من تدارك السجدة زيادة القيام في موضع القعود سهواً. و منها: صحيح الحلبي الوارد في نسيان التشهّد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين- من ظهر أو غيرها- فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد، و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) حيث يلزم من تدارك التشهّد زيادة القيام سهواً في موضع القعود. و منها: رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة، فينسى التشهّد، قال: «يرجع فيتشهّد» قلت: أ يسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 4.) و السند ضعيف بمحمّد بن سنان. و منها: قول الصادق عليه السلام في موثّق عمّار المتقدّم: «و ليس في شي ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و منها: صحيح الفضيل بن يسار المتقدّم: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 6.) حيث إنّ إتمام الصلاة و تداركها بعد التذكّر و حفظ السهو، يستلزم كون القيام زائداً سهواً. ثمّ إنّ مقتضى الجمع بين الأخبار المتعارضة في مسألتنا، حمل الأخبار المثبتة على الاستحباب، كذا ذكره في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 368.) و لا يخفى ما فيه؛ لأنّه لا تعارض بين الأخبار المثبتة و النافية كي يجمع بينهما بحمل المثبتة على الاستحباب، و ذلك لأنّ الأخبار النافية لوجوب سجدتي السهو، موردها السهو فيما يتدارك به، و بتداركه تتمّ صلاته، كما لو نسي السجدة الواحدة أو التشهّد أو القراءة أو غيرها، و تذكّرها قبل فوات محلّ التدارك و تداركها، فليس عليه سجدتا السهو، فهي ساكتة عن حكم ما يستلزمه التدارك من زيادة القيام مثلًا، حيث إنّ الإمام عليه السلام لم يكن بصدد بيانه، كما أشار إليه صاحب «الحدائق» رحمه الله(الحدائق الناضرة 9: 327.) و الأقوى عندي عدم الوجوب، و هو المشهور عند القدماء، و لا ينبغي ترك الاحتياط. ثمّ إنّ هنا فرعين: الفرع الأوّل: أنّ جماعة من فقهائنا قالوا بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة في الصلاة؛ و لو كانت من الأجزاء المستحبّة، فقد قال الشيخ في «المبسوط»: «و قد بيّنا أنّ سجدتي السهو لا يجبان إلّا في خمس مواضع، و في أصحابنا من قال: تجبان في كلّ زيادة و نقصان، فعلى هذا تجبان في كلّ زيادة على أفعال الصلاة أو هيئاتها؛ فرضاً كان أو نفلًا، و كذلك في كلّ نقصان؛ فعلًا كان أو هيئة، نفلًا كان أو فرضاً؛ إلّا أنّ الأوّل أظهر في الروايات و المذهب(المبسوط 1: 124.) و نسب إلى العلّامة رحمه الله تخصيصه بالواجبات، و اختاره صاحب «الجواهر» رحمه الله و قال: «ثمّ إنّ الظاهر استثناء المندوبات- كالقنوت و نحوه- ممّا عرفت، فلا تجب سجود السهو بنسيانه بعد العزم على فعله، كما نصّ عليه الفاضل و الشهيدان، بل قد سمعت ما حكاه في «غاية المرام» اقتصاراً فيما خالف الأصل على المنساق المتيقّن من النقص»(جواهر الكلام 12: 440.)، انتهى. و عن ابن الجنيد وجوبهما في خصوص ترك القنوت سهواً. و عن أبي الصلاح: «أنّ من جملة موجباتهما لحن القراءة سهواً». و الوجه في تعميم الزيادة للأجزاء المستحبّة و وجوب سجدتي السهو لها، هو شمول الإطلاق في مرسلة ابن ابي عمير المتقدّمة لها. و هذا مبني على القول بكون المستحبّات أجزاء حقيقية من ماهية الصلاة، و هو أوّل الكلام، بل الظاهر من الأخبار كونها اموراً مستحبّة واقعة في الصلاة، فالصلاة ظرف لتحقّقها، فلا يصدق على المستحبّ الواقع في غير محلّه من الصلاة عنوان الزيادة في الصلاة، و في «المستمسك»: «فإذا جاء بها في غير محلّها- على النحو الموظّف في المحلّ- لم تكن منه زيادة، و لا توجب البطلان لو كانت عن عمد أو جهل بالحكم»(مستمسك العروة الوثقى 7: 546.) ، انتهى. الفرع الثاني: اختلف فقهاؤنا في وجوب سجدتي السهو للشكّ في الزيادة أو النقيصة في الصلاة، فنسب إلى جماعة القول بالوجوب؛ فممّن نسب إليه هذا القول الصدوق رحمه الله في «الفقيه» حيث إنّه اكتفى في مقام الفتوى- كما هو دأبه في كتاب «الفقيه»- على نقل صحيح الفضيل بن يسار، حيث سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو فقال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، و إنّما السهو على من لم يدرِ أزاد في صلاته أم نقص منها»(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 6، الفقيه 1: 230/ 1018.) و صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة؛ فتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و إنّما تصحّ نسبة هذا القول إلى الصدوق رحمه الله بناءً على كون المراد الزيادة و النقصان في أجزاء الصلاة، دون ركعاتها. و نسب هذا القول أيضاً إلى العلّامة رحمه الله في «المختلف» قال: «من شكّ فلا يدري زاد أو نقص تجب عليه السجدتان؛ لأنّهما مع الزيادة تجبان، و كذا مع النقصان فتجبان مع الشكّ بينهما؛ لعدم الانفكاك منهما»(مختلف الشيعة 2: 421.) و فيه: أنّ كلامه ظاهر في وجوب سجدتي السهو في صورة العلم الإجمالي بالزيادة أو النقيصة لا صورة الشكّ في الزيادة و عدمها، أو الشكّ في النقصان و عدمه، كما هو مورد البحث. و استدلّ لهذا القول بصحيح زرارة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و بصحيحي الفضيل و الحلبي المتقدّمين. و بموثّق سماعة قال: قال: «من حفظ سهوه فأتمّه فليس عليه سجدتا السهو، إنّما السهو على من لم يدرِ أزاد أم نقص منها»(وسائل الشيعة 8: 239، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 8.) وجه الاستدلال بهذه الأخبار: أنّ مفادها- عند القائلين بالوجوب- أنّه تجب سجدتا السهو على من شكّ في أنّه زاد في صلاته أم لا، أو شكّ في أنّه نقص فيها أم لا. و يرد عليه أوّلًا: أنّ هذه الأخبار لا تصلح للاستدلال بها؛ لاحتمال أن تكون الزيادة و النقيصة بالنسبة إلى ركعات الصلاة، كما يحتمل أن تكونا بالنسبة إلى أجزائها، فتكون مجملة ساقطة عن الاعتبار. و ثانياً: أنّ الأخبار المذكورة موردها صورة العلم الإجمالي المتعلّق بأحد أمرين: إمّا الزيادة، أو النقيصة، فهو يعلم بتحقّق أحدهما، و لكنّه شاكّ و مردّد في خصوصية أحدهما، فليس موردها الشكّ البدوي المتعلّق بالزيادة أو عدمها، أو المتعلّق بالنقيصة و عدمها، و حينئذٍ تكون الأخبار المذكورة ظاهرة في وجوب سجدتي السهو في صورة العلم الإجمالي بتحقّق أحد أمرين: إمّا الزيادة، أو النقيصة. و هذا القول هو الظاهر من عبارة العلّامة رحمه الله في «المختلف»، و احتمله السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» و قال: «نعم احتمال وجوبهما مع العلم الإجمالي- كما هو ظاهر النصوص المذكورة- غير بعيد»(مستمسك العروة الوثقى 7: 548.) و قوّاه السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 373.)

ص: 436

ص: 437

ص: 438

ص: 439

ص: 440

ص: 441

ص: 442

ص: 443

ص: 444

ص: 445

ص: 446

ص: 447

ص: 448

ص: 449

بل عدم وجوبه في القيام موضع القعود و بالعكس لا يخلو من قُوّة، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط (1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا- منهم الصدوق، و المرتضى، و سلّار، و أبو الصلاح، و أبناء البرّاج و حمزة و إدريس، و العلّامة- إلى وجوب سجدتي السهو للقيام في موضع القعود و بالعكس، و نذكر كلمات بعضهم: قال في «الفقيه»: «و لا تجب سجدتا السهو إلّا على من قعد في حال قيامه، أو قام في حال قعوده، أو ترك التشهّد، أو لم يدرِ زاد أو نقص»(الفقيه 1: 225.) و قال العلّامة في «المختلف»: «السابع من قام في حال قعود، أو قعد في حال قيام فتلافاه، وجب عليه السجدتان؛ لأنّه زاد في صلاته، و كلّ من زاد في صلاته سجد السجدتين؛ أمّا الصغرى فظاهرة، و أمّا الكبرى فلأنّ الشكّ في الزيادة يقتضي وجوب السجدتين؛ لما تقدّم، فاليقين لها أولى»(مختلف الشيعة 2: 422.) و استدلّ له- مضافاً إلى الشهرة المدعاة في كلام بعض فقهائنا و الإجماع المحكي في «الغنية» و «الرياض» و غيرهما- بصحيح معاوية بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يسهو فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: «يسجد سجدتين بعد التسليم، و هما المرغمتان؛ ترغمان الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن السهو، ما تجب فيه سجدتا السهو؟ قال: «إذا أردت أن تقعد فقمت، أو أردت أن تقوم فقعدت، أو أردت أن تقرأ فسبّحت، أو أردت أن تسبّح فقرأت، فعليك سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و فيه أوّلًا: أنّ الإجماع غير ثابت؛ لذهاب كثير من فقهائنا إلى عدم الوجوب، و قد ذكر صاحب «مفتاح الكرامة» جماعة منهم، كالعماني، و الإسكافي، و الشيخ، و المفيد، و الكليني، و علي بن بابويه، و ابني سعيد، و جماعة من متأخّري المتأخّرين، كصاحب «المجمع» و «الذخيرة» و «الرياض». و ثانياً: أنّ الأخبار المثبتة، تعارضها الأخبار الكثيرة المتظافرة الظاهرة في عدم الوجوب: منها: ذيل موثّق عمّار: و عن الرجل إذا أراد أن يقعد فقام، ثمّ ذكر من قبل أن يقدّم شيئاً أو يحدث شيئاً، فقال: «ليس عليه سجدتا السهو حتّى يتكلّم بشي ء»(نفس المصدر.) ، حيث يدلّ على نفي سجدتي السهو للقيام موضع القعود. و منها: صحيح الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: في الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، ثمّ ينسى فيقوم قبل أن يجلس بينهما، قال: «فليجلس ما لم يركع، و قد تمّت صلاته، و إن لم يذكر حتّى ركع فليمضِ في صلاته، فإذا سلّم سجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 6: 405، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 1.) و نحوه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين- من ظهر أو غيرها- فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) وجه دلالة الصحيحين: أنّه قد فصّل فيهما بين التذكّر قبل الركوع، و التذكّر بعد الركوع، فحكم بوجوب سجدتي السهو في الثاني فقط، فلو كان واجباً فيما إذا تذكّر قبل الركوع أيضاً- مع تحقّق القيام موضع القعود فيه سهواً- لكان التفصيل بينهما لغواً. و منها: رواية اخرى للحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسهو في الصلاة؛ فينسى التشهّد، قال: «يرجع فيتشهّد»؛ قلت: ليسجد سجدتي السهو؟ فقال: «لا، ليس في هذا سجدتا السهو»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 4.) وجه الدلالة: أنّها صريحة في نفي سجود السهو، و إطلاقها يشمل ما لو نسي التشهّد الأوّل و قام و تذكّر قبل الركوع، فلو كان القيام موضع القعود سهواً موجباً لسجدتي السهو، لكان عليه عليه السلام البيان. و منها: صحيح أبي بصير- بطريق «الفقيه» إلّا أنّه ضعيف بطريق الشيخ في «التهذيب» لوقوع محمّد بن سنان في سنده- قال: سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال: «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ على صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو»(وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.) وجه الدلالة: أنّه قد قام قبل أن يسجد السجدة الأخيرة، فحكم عليه السلام بنفي سجدتي السهو. و قد يقال: مقتضى الجمع بين الأخبار المثبتة و النافية، حمل المثبتة على الاستحباب، كما في «مستند العروة الوثقى» قال: «فيكون الحكم» أي وجوب سجدتي السهو «مبنيّاً على الاحتياط؛ حذراً عن مخالفة المشهور»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 361.) و فيه: أنّ هذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في نفي سجود السهو فيما إذا تذكّر حال القيام و قبل الركوع، نسيان السجدة الواحدة أو التشهّد، لكنّه من المحتمل أن يكون مورد نفي سجود السهو، هو نسيان السجدة أو التشهّد مع التذكّر قبل الركوع، لا القيام موضع القعود. و بعبارة اخرى: إنّ نسيان السجدة الواحدة أو التشهّد له صورتان: إحداهما: تذكّره قبل الركوع، و الاخرى: تذكّره بعد الركوع، و الموجب لسجدتي السهو هو نسيانه و تذكّره بعد الركوع، دون نسيانه و تذكّره قبل الركوع، و حينئذٍ فلا دلالة للأخبار النافية لنفي سجدتي السهو، على القيام موضع القعود حتّى تكون معارضة للأخبار المثبتة؛ كي يجمع بينهما بحمل المثبتة على الاستحباب. و أمّا القعود موضع القيام، فالظاهر من موثّق عمّار المتقدّم: «أو أردت أن تقوم فقعدت»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) ، و إن كان وجوب سجدتي السهو، و لكنّه معارض بذيله: «و ليس في شي ء ممّا يتمّ به الصلاة سهو» و حينئذٍ يكون الموثّق مجملًا غير صالح للاستدلال به، أو محمولًا على الاستحباب. نعم، صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 1.) ، ظاهر في وجوب سجدتي السهو للقعود موضع القيام سهواً و بالعكس، فالأحوط- لو لم يكن الأقوى- وجوب سجدتي السهو في كلا الموضعين؛ حذراً من احتمال مخالفة تحقّق الشهرة على الوجوب.

ص: 450

ص: 451

ص: 452

ص: 453

و للكلام سجدتا سهو و إن طال إن عُدّ كلاماً واحداً. نعم إن تعدّد- كما لو تذكّر في الأثناء ثمّ سها بعده فتكلّم- تعدّد السجود (1).


1- اختلف فقهاؤنا في تعدّد سجود السهو بتعدّد سببه و عدمه على أقوال: الأوّل: أنّه يتعدّد بتعدّده سواء اتحد الجنس أو اختلف، مثال اتحاد الجنس ما لو تكلّم ساهياً فتذكّر، ثمّ سها ثانياً و تكلّم أيضاً، و اختلاف الجنس كما لو تكلّم ساهياً و سلّم في غير محلّه سهواً. و قد ذهب إلى هذا القول العلّامة رحمه الله في بعض كتبه، و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» و غيرهما. قال في «التذكرة»: «إذا تعدّد السهو في الصلاة الواحدة، تعدّد جبرانه سواء اختلف أو تجانس؛ لأنّ كلّ واحد سبب تامّ في وجوب السجدتين» فكذا حالة الاجتماع؛ لأنّ الاجتماع لا يخرج الحقيقة عن حقيقتها، و لما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه و آله: «لكلّ سهو سجدتان»(تذكرة الفقهاء 3: 365.)، انتهى. و قال في «التحرير»: «لا يتداخل سجود السهو لو تعدّد السبب؛ اتّفق أو اختلف»(تحرير الأحكام 1: 50/ السطر 24.) و قال في «المختلف»: «الأقرب عدم التداخل مطلقاً»(مختلف الشيعة 2: 423.) و قال الشهيد في «الذكرى»: «و الأقرب عدم التداخل؛ لقيام السبب، و اشتغال الذمّة، و لما روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «لكلّ سهو سجدتان»(ذكرى الشيعة 4: 90.) الثاني: أنّه لا يتعدّد سجود السهو بتعدّد الموجب مطلقاً، و تتداخل الأسباب- متحدةً كانت أو مختلفة- في المسبّب الواحد، و هو مختار الشيخ و جمع من المتأخّرين، منهم السبزواري في «الذخيرة» و صاحب «الحدائق»، ففي «المبسوط»: من سها سهوين أو أكثر منهما ممّا يوجب سجدتي السهو، فليس عليه أكثر من سجدتي السهو؛ لأنّ زيادته نحتاج إلى دلالة، و إن قلنا: إنّ كلّ ما كان منه فيه سجدتا السهو إذا اجتمع مع غيره لا يتداخل و وجب سجدتا السهو لكلّ واحدة من هذه- لعموم الأخبار- كان أحوط»(المبسوط 1: 123.) الثالث: التفصيل بين الأسباب المتحدة جنساً و المختلفة، ذهب إليه ابن إدريس، حيث قال في «السرائر»: «إن تجانس اكتفي بالسجدتين؛ لعدم الدليل، و لقولهم عليهم السلام: «من تكلّم في صلاته ساهياً تجب عليه سجدتا السهو» و لم يقولوا: دفعة واحدة، أو دفعات، فأمّا إذا اختلف الجنس فالأولى عندي- بل الواجب-الإتيان عن كلّ جنس بسجدتي السهو؛ لعدم الدليل على تداخل الأسباب، بل الواجب إعطاء كلّ جنس ما تناوله اللفظ؛ لأنّه قد تكلّم و قام في حال قعود. و قالوا عليهم السلام: «من تكلّم يجب عليه سجدتا السهو» و «من قام في حال قعود يجب عليه سجدتا السهو» و هذا قد فعل الفعلين، فيجب عليه امتثال الأمر، و لا دليل على التداخل؛ لأنّ الفرضين لا يتداخلان بلا خلاف من محقّق»(السرائر 1: 258.) ، انتهى. و القول الأوّل هو المختار، و وجهه أنّ إطلاق دليل السبب يقتضي كونه مؤثّراً في وجود سببه؛ سواءٌ وجد سبب آخر أو لا، و سواء اتحد الجنس أو اختلف، فإذا تعدّد السبب تعدّد المسبّب بتعداد سببه، فمقتضى الإطلاق عدم تداخل الأسباب إلّا ما خرج بالدليل. و استدلّ صاحب «الجواهر» على عدم التداخل في أسباب السجود مطلقاً بالأصل، و توقّف البراءة اليقينية عليه، و لأنّ كلّ واحد- أي منفرداً عن غيره- سبب تامّ، فكذا مع الاجتماع؛ لأنّه لا يخرج الحقيقة عن مقتضاها، فالتداخل يستلزم خرق الإجماع، أو تخلّف المعلول عن علّته التامّة لغير مانع، أو تعدّد العلل التامّة مع تشخّص المعلول، أو الترجيح بلا مرجّح، أو عدم تساوي المتساويات في اللوازم، و الكلّ محال»(جواهر الكلام 12: 444.) ، انتهى. و المراد من الأصل إطلاق دليل السبب، كما ذكرنا. و به صرّح صاحب «مستند العروة الوثقى» و قال: «مقتضى القاعدة تكرار السجود بتكرار الموجب؛ سواء كان من نوع واحد، كما لو تكلّم ساهياً في الركعة الاولى، ثمّ تكلّم ساهياً أيضاً في الركعة الثانية، أو من نوعين، كما لو سلّم سهواً في غير محلّه، و شكّ أيضاً بين الأربع و الخمس؛ و ذلك لأصالة عدم التداخل المستفادة من إطلاق دليل السبب»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 374.) ، انتهى. و للعلّامة رحمه الله في «المختلف» في مقام الاستدلال على عدم التداخل في الأسباب مطلقاً، كلام جامع لا بأس بنقله، قال: «لنا أنّ التداخل ملزوم لأحد محالات ثلاثة: و هو إمّا خرق الإجماع، أو تخلّف المعلول عن علّته التامّة لغير مانع، أو تعدّد العلل المستقلّة على المعلول الواحد الشخصي، و كلّ واحد منها محال، فالملزوم محال. بيان الملازمة: أنّ السهو الأوّل إمّا أن لا يوجب السجدتين، أو يوجبهما، فإن كان الأوّل لزم خرق الإجماع، و إن كان الثاني فالثاني»- أي السهو الثاني- إمّا أن لا يوجب شيئاً، و هو خرق الإجماع، و قول بالترجيح من غير مرجّح؛ لتساوي الأوّل و الثاني فرضاً، و المتساويان يتشاركان في الأحكام و اللوازم، و قول بمخالفة الاستصحاب. و قد ثبت كونه دليلًا؛ لإفادته الظنّ، و هو واجب العمل به في الشرعيات، فإنّ الثاني قبل وجود الأوّل قد كان سبباً، فيستصحب الحكم بعد وجود الثاني، و قول بكون الأوصاف العرضية- أعني كون الثاني بعد الأوّل- مزيلًا للصفات اللازمة للماهية من الإيجاب، و كلّ ذلك محال، و إمّا أن يوجب، فإن كان هو ما أوجبه الأوّل لزم استناد المعلول الشخصي إلى علّتين مستقلّتين بالتأثير، و هو محال فيبقى أن يكون الثاني غير الأوّل، و هو المطلوب»(مختلف الشيعة 2: 423.)، انتهى. و استدلّ للقول بالتداخل بامور: الأوّل: الخبر الدالّ على أنّه إذا اجتمع عليك حقوق اللَّه أجزأك عنها حقّ واحد، كما في صحيح زرارة قال: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة، و الحجامة، و عرفة، و النحر، و الحلق، و الذبح، و الزيارة، فإذا اجتمعت عليك حقوق (اللَّه) أجزأها عنك غسل واحد» قال: ثمّ قال: «و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها، و إحرامها، و جمعتها، و غسلها من حيضها وعيدها»(وسائل الشيعة 2: 261، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 43، الحديث 1.) الثاني: أنّ وجوب الزائد على سجدتي السهو يحتاج إلى دليل، و هو مفقود. الثالث: أنّ العلل الشرعية ليست من قبيل العلل العقلية الحقيقية؛ حتّى يدور الحكم مدارها وجوداً و عدماً، بل هي معرّفات، فقد يثبت الحكم الشرعي مع فقد العلّة أيضاً، كما في لزوم عدّة الطلاق على المطلّقة مع الجزم باستبراء رحمها من الولد؛ لمفارقة زوجها لها أزيد من مدّة العدّة، أو عدم دخوله بها في تلك المدّة مثلًا، ففي صحيح محمّد بن سليمان- بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين أبي طاهر الزراري، ثقة عين- عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك، كيف صارت عدّة المطلّقة ثلاث حيض، أو ثلاثة أشهر، و صارت عدّة المتوفّى عنها زوجها أربعة أشهر و عشراً؟ فقال: «أمّا عدّة المطلّقة ثلاثة قروء فلاستبراء الرحم من الولد ...»(وسائل الشيعة 22: 235، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 30، الحديث 2.) الحديث. و كما في استحباب غسل الجمعة لرفع الرائحة الكريهة عن البدن، فعن الصدوق رحمه الله في «الفقيه»: و قال الصادق عليه السلام في علّة غسل يوم الجمعة: «إنّ الأنصار كانت تعمل في نواضحها و أموالها، فإذا كان يوم الجمعة حضروا المسجد فتأذّى الناس بأرواح آباطهم و أجسادهم، فأمرهم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالغسل، فجرت بذلك السنّة»(وسائل الشيعة 3: 315، كتاب الطهارة، أبواب الأغسال المندوبة، الباب 6، الحديث 15.) الرابع: أنّ الأمر بالسجود في كلّ واحد من موارده، مطلق غير مقيّد بكونه مغايراً للآخر، مثلًا الأمر بالسجود للكلام سهواً لم يقيّد بكونه مغايراً للسجود للسلام في غير محلّه مثلًا، فيحصل الامتثال بفرد واحد من المأمور به. الخامس: موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة، و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) وجه الاستدلال كما في «الحدائق»: «أنّه جلس في موضع قيام، و هو أحد موجبات سجود السهو، كما تقدّم و دلّت عليه جملة من الأخبار، و تشهّد و هو أحد الموجبات؛ بناءً على القول بالزيادة و النقصان، و سلّم و هو كذلك، فهذه موجبات ثلاثة للسجود، مع أنّه عليه السلام لم يأمره إلّا بسجود واحد»(الحدائق الناضرة 9: 343.) ، انتهى. و الجواب عنها يعلم ممّا ذكرنا في مطاوي الاستدلال على القول الأوّل المختار: من أنّ مقتضى الأصل عدم التداخل في الأسباب، و هذا الأصل هو الدليل على وجوب الزائد على سجدتي السهو، إلّا ما خرج بالدليل، كالأغسال، و ثبوت الحكم مع زوال العلّة كما في المثالين المذكورين- لزوم عدّة الطلاق مع الجزم ببراءة الرحم من الولد، و استحباب غسل الجمعة مع نظافة البدن- يكشف عن أنّ علّة الحكم ليست علّة حقيقية، بل هي حكمة في تشريع الحكم، و علّل المندوبات و كذا المكروهات، من هذا القبيل غالباً. و أمّا موثّق عمّار، فالظاهر أنّ وجوب سجدتي السهو للسلام في غير محلّه، كما هو مورد السؤال.

ص: 454

ص: 455

ص: 456

ص: 457

ص: 458

ص: 459

(مسألة 2): التسليم الزائد لو وقع مرّة واحدة- و لو بجميع صيغه- سجد له سجدتي السهو مرّة واحدة،

و إن تعدّد سجد له متعدّداً. و الأحوط تعدّده لكلّ تسليم. و كذا الحال في التسبيحات الأربع (1).


1- المعيار في وجوب سجدتي السهو مرّة واحدة أو مرّات للسلام في غير محلّه- و لو كان بجميع صيغه- وحدة السهو و تعدّده، و لا عبرة بتعدّد متعلّق السهو و كثرته مع وحدة نفس السهو، فلو سلّم بجميع صيغ السلام و كان ناشئاً من سهو واحد، كفت سجدتا السهو مرّة واحدة. و هو الظاهر من النصوص، كصحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي ركعة من صلاته حتّى فرغ منها، ثمّ ذكر أنّه لم يركع، قال: «يقوم فيركع و يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 8.) و كموثّق عمّار- في حديث- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى ثلاث ركعات و هو يظنّ أنّها أربع، فلمّا سلّم ذكر أنّها ثلاث، قال: «يبني على صلاته متى ما ذكر، و يصلّي ركعة، و يتشهّد و يسلّم، و يسجد سجدتي السهو، و قد جازت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 203، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 14.) حيث إنّ موردها صورة الفراغ من الصلاة بالتسليم، و هو قد يكون بجميع صيغه الثلاث، و قد يكون باثنتين، و قد يكون بواحدة، و يكون أحياناً مع التشهّد أيضاً. نعم التسليم على النبي صلى الله عليه و آله لا يوجب سجدتي السهو من حيث كونه سلاماً؛ لعدم حصول الفراغ من الصلاة به، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه سابقاً. و المعيار المذكور جارٍ في التسبيحات الأربع أيضاً بناء على القول بوجوب سجدتي السهو لكلّ زيادة و نقيصة؛ حيث إنّ نقصانها عن ثلاث مرّات مرّاتها سهواً، موجب لسجدتي السهو مرّة واحدة، كما أنّ زيادتها كذلك موجب للمرّة. و وجه الاحتياط في تعدّد سجدتي السهو فيما لو سلّم بأزيد من صيغة واحدة و كذا في زيادة التسبيحات الأربع و نقصانها، هو احتمال كون المعيار في تعدّد سجدتي السهو، تعدّد متعلّق السهو، و لذا قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بتعدّد سجدتي السهو بزيادة امور في الصلاة، مع كونها ناشئة من سهو واحد، قال: «مسألة 3- إذا سها عن سجدة واحدة من الركعة الاولى مثلًا، و قام و قرأ الحمد و السورة، و قنت و كبّر للركوع، فتذكّر قبل أن يدخل في الركوع، وجب العود للتدارك، و عليه سجود السهو ستّ مرّات: مرّة لقوله: «بحول اللَّه» و مرّة للقيام، و مرّة للحمد، و مرّة للسورة، و مرّة للقنوت، و مرّة لتكبير الركوع، و هكذا يتكرّر خمس مرّات لو ترك التشهّد و قام و أتى بالتسبيحات و الاستغفار بعدها، و كبّر للركوع فتذكّر»(العروة الوثقى 2: 48.)

ص: 460

ص: 461

(مسألة 3): لو كان عليه سجود سهو و قضاء أجزاء منسيّة و ركعات احتياطيّة،

أخّر السجود عنهما، و الأحوط تقديم الركعات الاحتياطيّة على قضاء الأجزاء، بل وجوبه لا يخلو من رُجحان (1).


1- لو كان عليه سجود السهو و قضاء أجزاء منسية و ركعة الاحتياط، فالأقوى وجوب تقديم ركعة الاحتياط على سجود السهو و قضاء الأجزاء المنسية، ثمّ تقديم الأجزاء المنسية على سجود السهو. و الوجه في تقديم ركعة الاحتياط على الأجزاء المنسية، ظهور الأخبار في أنّ محلّ قضاء الأجزاء المنسيّة هو خارج الصلاة و بعد الفراغ منها. و من المعلوم أنّه قبل إتيان ركعة الاحتياط لم تستكمل الصلاة، و لم يحصل الفراغ منها واقعاً؛ لاحتمال كونها ناقصة في الواقع، و تماميتها تتحقّق بانضمام ركعة الاحتياط إلى صلاة الاحتياط بلا فصل. و قد عبّر عن صلاة الاحتياط بتمام الصلاة في بعض الروايات. كما في موثّق عمّار بن موسى الساباطي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن شي ء من السهو في الصلاة، فقال: «أ لا اعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شي ء؟» قلت: بلى، قال: «إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شي ء، و إن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا لم تدرِ اثنتين صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء، فتشهّد و سلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أربع سجدات؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، ثمّ تشهّد و تسلّم، فإن كنت إنّما صلّيت ركعتين كانتا هاتان تمام الأربع، و إن كنت صلّيت أربعاً كانتا هاتان نافلة»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 1.) و صحيح ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلّى أم أربعاً، قال: «يتشهّد و يسلّم، ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين و أربع سجدات، يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب، ثمّ يتشهّد و يسلّم، فإن كان صلّى أربعاً كانت هاتان نافلة، و إن كان صلّى ركعتين كانت هاتان تمام الأربعة، و إن تكلّم فليسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 219، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 2.) و مرسل ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: في رجل صلّى فلم يدرِ اثنتين صلّى، أم ثلاثاً، أم أربعاً، قال: «يقوم فيصلّي ركعتين من قيام و يسلّم، ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس و يسلّم، فإن كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة، و إلّا تمّت الأربع»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 4.) و ممّا ذكرنا يعلم وجه تقديم ركعة الاحتياط على سجود السهو؛ حيث إنّه صرّح في بعض الأخبار بكون محلّ سجود السهو بعد تمامية الصلاة، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يتكلّم ناسياً في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسجد سجدتين»(وسائل الشيعة 8: 206، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 4، الحديث 1.) و في بعض الأخبار أنّ محلّه بعد التسليم، كما في ذيل صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: سجدتا السهو قبل التسليم هما، أم بعد؟ قال: «بعد»(وسائل الشيعة 8: 207، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 1.) و موثّق عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «سجدتا السهو بعد التسليم و قبل الكلام»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 3.) وجه الدلالة: أنّه ما لم يأتِ بصلاة الاحتياط لم يتمّ صلاته، فلا يؤتى بسجود السهو قبل إتمام صلاته بانضمام صلاة الاحتياط إليها. و هذا بناءً على كون صلاة الاحتياط جزءاً من الصلاة الأصلية و متمّمةً لها على تقدير النقص، كما هو المختار. و بعبارة اخرى: الشاكّ بين الأقلّ و الأكثر و إن كان موظّفاً بالبناء على الأكثر و إتمام صلاته بالتسليم، و لكنّه مع ذلك لم يحرز له الخروج عن الصلاة إلّا بركعة الاحتياط الواجب فيها التشهّد و التسليم، فكان المخرج عن الصلاة في الحقيقة هو تسليم ركعة الاحتياط، و التسليم في الركعة البنائية كان واجباً تعبّداً لا مخرجاً، و لذا كان الحدث الواقع بعد تسليم الصلاة الأصلية و قبل الشروع بصلاة الاحتياط، من قبيل الحدث الواقع في أثناء الصلاة، و به تبطل الصلاة، و تسقط صلاة الاحتياط. و قد تقدّم تفصيل البحث في كون صلاة الاحتياط جزءاً متمّماً أو صلاة منفردة في ضمن البحث عن المسألة الاولى من مسائل «القول في ركعات الاحتياط». و أمّا وجه تقديم الأجزاء المنسية على سجود السهو؛ فلأنّ محلّ سجود السهو بعد الفراغ من الصلاة و تماميّتها، و لا تتحقّق تماميّتها إلّا بتمامية جميع أجزائها التي منها قضاء الجزء المنسي، فما دام لم يؤتَ بقضاء الجزء المنسي، لم تتحقّق تمامية الصلاة حتّى يؤتى بسجود السهو.

ص: 462

ص: 463

ص: 464

(مسألة 4): تجب المبادرة في سجود السهو بعد الصلاة،

و يعصي بالتأخير و إن صحّت صلاته، و لم يسقط وجوبه بذلك و لا فوريّته فيسجد مبادراً، كما أنّه لو نسيه- مثلًا- يسجد حين الذكر فوراً، فلو أخّر عصى (1).


1- وجوب المبادرة إلى سجود السهو بعد الصلاة هو المشهور بين الأصحاب، كما ادعاه صاحب «الحدائق» و غيره، و في «الذخيرة» و «الكفاية» نسبته إلى الأصحاب، و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و لا يخفى: أنّه ليس المراد من المبادرة الفورية العقلية؛ بمعنى عدم الفصل - حتّى آناً ما- بين التسليم و بين سجود السهو؛ إذ لا دليل عليه أصلًا، بل المراد منها الفورية العرفية، كما في «الجواهر» و «مصباح الفقيه» و غيرهما، ففي «الجواهر»: «نعم لا يقدح فيها التأخّر في الجملة ممّا لا ينافي الفورية عرفاً، و لا التأخّر لتحصيل شرائطها من الطهارة و الستر و نحوهما؛ إذ الاشتغال بمقدّماته اشتغال به، فلا تنافي الفورية»(جواهر الكلام 12: 456.) ، انتهى. و استدلّ لوجوب الفور: بأنّ الأمر للفور. و اجيب عنه: بأنّ الأمر لا يدلّ على أزيد من طلب طبيعة الفعل، و لا دلالة فيه على الفور أصلًا. و استدلّ أيضاً بالأخبار، و هي على طوائف، حيث إنّ بعضها صريح أو ظاهر في أنّ محلّ سجدتي السهو بعد التسليم، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: قلت له: سجدتا السهو قبل التسليم هما أم بعد؟ قال: «بعد»(وسائل الشيعة 8: 207، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 1.) و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 207، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 2.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- قال: «إن كنت لا تدري ثلاثاً صلّيت أم أربعاً و لم يذهب وهمك إلى شي ء فسلّم، ثمّ صلّ ركعتين و أنت جالس؛ تقرأ فيهما بامّ الكتاب، و إن ذهب وهمك إلى الثلاث فقم فصلّ الركعة الرابعة، و لا تسجد سجدتي السهو، فإن ذهب وهمك إلى الأربع فتشهّد و سلّم، ثمّ اسجد سجدتي السهو»(وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 5.) و صحيح سهل بن اليسع، عن الرضا عليه السلام في ذلك أنّه قال: «يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، و يتشهّد تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 2.) و موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث-: عن الرجل ينسى سجدة، فذكرها بعد ما قام و ركع، قال: «يمضي في صلاته، و لا يسجد حتّى يسلّم، فإذا سلّم سجد مثل ما فاته» قلت: و إن لم يذكر إلّا بعد ذلك؟ قال: «يقضي ما فاته إذا ذكره»(وسائل الشيعة 8: 245، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 4.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: سألته عن الرجل يسهو؛ فيقوم في حال قعود، أو يقعد في حال قيام، قال: «يسجد سجدتين بعد التسليم، و هما المرغمتان؛ ترغمان الشيطان»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 1.) و بعضها صريح في أنّ محلّهما بعد التسليم و هو جالس، كما في صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم ركعتين فقم و اركع ركعتين، ثمّ سلّم و اسجد سجدتين و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 221، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 8.) و موثّق بكير بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل شكّ فلم يدرِ أربعاً صلّى أم اثنين و هو قاعد، قال: «يركع ركعتين و أربع سجدات و يسلّم، ثمّ يسجد سجدتين و هو جالس»(وسائل الشيعة 8: 221، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 11، الحديث 9.) و بعضها صريح في كونهما حال الجلوس، كصحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: إذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدرِ زاد أم نقص، فليسجد سجدتين و هو جالس، و سمّاهما رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: المرغمتين»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ خمساً صلّيت أم أربعاً فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و بعضها صريح في أنّ محلّهما بعد التسليم و قبل الكلام، كما في موثّق عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «سجدتا السهو بعد التسليم و قبل الكلام»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 3.) و التعبير عن الرواية بصحيحة القدّاح- كما في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 381.) - اشتباه؛ لوقوع الحسن بن علي بن فضّال في سندها. و كصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا قمت في الركعتين- من ظهر أو غيرها- فلم تتشهّد فيهما فذكرت ذلك في الركعة الثالثة قبل أن تركع، فاجلس و تشهّد، و قم فأتمّ صلاتك، و إن أنت لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك حتّى تفرغ، فإذا فرغت فاسجد سجدتي السهو بعد التسليم قبل أن تتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 406، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 9، الحديث 3.) و بعضها صريح في أنّ محلّهما بعد إتمام الصلاة و هو جالس قبل أن يتكلّم، كما في صحيح ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي الركعتين من المكتوبة، فلا يجلس فيهما حتّى يركع، فقال: «يتمّ صلاته، ثمّ يسلّم و يسجد سجدتي السهو و هو جالس قبل أن يتكلّم»(وسائل الشيعة 6: 402، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ الأخبار المذكورة و إن لم تكن صريحة الدلالة على اعتبار الفورية في سجدتي السهو، و لكنّ المتفاهم من مجموعها- خصوصاً صحيح ابن أبي يعفور- هو أنّ محلّهما بعد التسليم و قبل أن يشتغل بالفعل المنافي، أو يتحوّل من مكانه، و هو مساوق للفورية العرفية. و ذكر خصوص الكلام في بعض الروايات، باعتبار أنّه أحد الأفراد المحقّقة غالباً بعد الصلاة بلا فصل. و في «الحدائق»: «المتبادر من كونه بعد السلام و قبل الكلام- كما اشتمل عليه بعض الأخبار، مع حمل البعدية على البعدية القريبة، كما هو المتبادر من الإطلاق- هو الفورية به»(الحدائق الناضرة 9: 344.) و نوقش في الاستدلال بالروايات المذكورة على الفورية: بأنّها معارضة بذيل موثّق عمّار: و عن الرجل يسهو في صلاته فلا يذكر حتّى يصلّي الفجر، كيف يصنع؟ قال: «لا يسجد سجدتي السهو حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) ؛ حيث يدلّ على تأخير سجدتي السهو إلى أن يذهب شعاع الشمس بعد طلوعها. و اجيب عن المناقشة كما في «الحدائق»: «بأنّ الظاهر أنّه لا قائل به من الأصحاب»(الحدائق الناضرة 9: 339.) ، و بأنّ مورده وقوع السهو في صلاته السابقة، كالمغرب أو العشاء، و نسيان سجود السهو و عدم تذكّره حتّى يصلّي الفجر، فهو أجنبي عمّا نحن فيه. و في «مصباح الفقيه»: «لو لا إعراض الأصحاب عن الموثّقة، لاتّجه العمل بها في خصوص موردها بعد حملها على الكراهة، كما يؤيّد ذلك الأخبار المستفيضة الناهية عن الصلاة في هذا الوقت؛ لما فيها من التشبّه بعبدة الشمس، حيث يسجدون لها في هذا الوقت، كما في بعض تلك الأخبار الإشارة إلى هذه العلّة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 597/ السطر 19.) ثمّ إنّه لو أخّر سجدتي السهو عن زمان الفور عامداً عصى، و هل يسقط وجوبه أو تجب المبادرة فوراً ففوراً؟ المختار هو الثاني، و هو المشهور. و لو نسيه أتى به إذا تذكّر؛ لموثق عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: و عن الرجل إذا سها في الصلاة؛ فينسى أن يسجد سجدتي السهو، قال: «يسجد متى ذكر»(وسائل الشيعة 8: 250، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 32، الحديث 2.) و لو تركه أصلًا كان آثماً، و لم تبطل صلاته، و هو المشهور شهرة عظيمة؛ و ذلك لظهور الأمر الوارد بسجدتي السهو في الوجوب النفسي، لا الغيري المستفاد منه الشرطية للصلاة. و يؤيّده: أنّ المصلّي قد فرغ من الصلاة بالتسليم، فلو كان لسجدتي السهو دخل في صحّة الصلاة لم يفرغ منها، بل حكم ببطلان الصلاة، كما في بعض الأجزاء المنسية و ركعة الاحتياط. و يؤيّده أيضاً: أنّ السجدتين قد سمّيتا ب «المرغمتين» فوجوبهما لمحض إرغام الشيطان، لا لدخالتهما في نفس الصلاة. و نسب إلى جماعة- منهم الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» و الوحيد البهبهاني في «شرح المفاتيح»- القول بأنّ وجوبهما شرطي، فهما شرط متأخّر لصحّة الصلاة. و أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: «و لا ريب في ضعفه؛ للأصل بناءً على التحقيق من جريانه في العبادة، و ظهور الأدلّة في تمامية الصلاة أجزاءً و شرائط، و عدم توقّف صحّتها بعد على شي ء آخر و إن وجب السجدتان إرغاماً لأنف الشيطان، و إطلاق ما دلّ على صحّة الصلاة مع الكلام نسياناً، أو القيام في محلّ القعود، أو غير ذلك من موجبات السجود؛ سجد أو لم يسجد ...»(جواهر الكلام 12: 457.) إلى آخره. و نسب إلى ابن الجنيد: «أنّه إن كان السهو للزيادة، كان محلّ سجدتي السهو بعد التسليم، و إن كان للنقصان كان قبل التسليم» و قد استدلّ له بصحيح سعد بن سعد الأشعري، قال: قال الرضا عليه السلام في سجدتي السهو: «إذا نقصت قبل التسليم، و إذا زدت فبعده»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 4.) و صحيح صفوان بن مهران الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو، فقال: «إذا نقصت فقبل التسليم، و إذا زدت فبعده»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 6.) و هذا القول كسابقه مخالف للمشهور، و قد حمل الصدوق و الشيخ رحمهما الله هذين الصحيحين على التقيّة. و عليها يحمل ما دلّ على أنّ محلّهما قبل التسليم مطلقاً، كما في رواية ضعيفة عن أبي الجارود زياد بن المنذر، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: متى أسجد سجدتي السهو؟ قال: «قبل التسليم؛ فإنّك إذا سلّمت فقد ذهبت حرمة صلاتك»(وسائل الشيعة 8: 208، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 5، الحديث 5.)

ص: 465

ص: 466

ص: 467

ص: 468

ص: 469

ص: 470

ص: 471

(مسألة 5): تجب في السجود المزبور النيّة مقارناً لأوّل مسمّاه،

(مسألة 5): تجب في السجود المزبور النيّة مقارناً لأوّل مسمّاه (1)،


1- وجوب النيّة في سجود السهو مشهور بين الأصحاب، و في «الجواهر»: «بل لا أجد فيه خلافاً، كما اعترف به في «الرياض»(جواهر الكلام 12: 442.) ، انتهى. و عدم تعرّض كثير من فقهائنا لوجوب النيّة، ليس لعدم وجوبها عندهم. بل لكونه من الواضحات التي لا تحتاج إلى ذكرها؛ فإنّ من المسلّمات عندهم أنّ سجود السهو عبادة، و العبادة لا بدّ فيها من النيّة و قصد التقرّب و التعبّد، لا مجرّد حصول صورة الفعل في الخارج كيفما اتفقت و لو رياءً، كما في الواجبات التوصّلية. هذا مضافاً إلى أنّ السجود للَّه تعالى عبارة عن وضع الجبهة على الأرض، و له أقسام متباينة، مثل السجود الصلاتي الأدائي، و القضائي، و سجود الشكر، و سجود التلاوة، و سجود السهو. فإذا كان له أقسام و اريد تمييز بعضها من بعض، فلا بدّ في امتثال أمر كلّ منها من القصد إليه و نيّته بالخصوص، كما في سائر العبادات المتحّدة صورة، و المشتركة في الخصوصيات الخارجية، كالظهرين مثلًا. ثمّ إنّه تجب مقارنة النيّة لأوّل مسمّى السجود؛ لأنّ مقتضى كونه عبادة عبادية جميع أجزائه. و لا تجب النيّة من حين الهوي؛ لعدم كون الهوي جزءاً من السجود، بل يكفي قصد امتثال أمره حين وضع جبهته على الأرض. و لا يخفى ما في تعبير المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» من المسامحة، حيث عبّر بكلمة «بعد» و قال: «و هل يجب قصد السجود من حين الهوي، أم يكفي قصد امتثال أمره بعد وضع جبهته على الأرض؟»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 14.) ، فإنّ هذا التعبير يستلزم كون أوّل جزء منه بلا نيّة.

ص: 472

ص: 473

و لا يجب فيه تعيين السبب و لو مع التعدّد (1)،


1- لا يجب في سجود السهو نيّة تعيين سببه؛ و أنّه للكلام سهواً مثلًا، سواء كان السبب واحداً أو متعدّداً، و سواء كان المتعدّد من نوع واحد أو نوعين، فإذا كان السبب واحداً، فالواجب عليه قصد سجود السهو من غير تقييد بكونه من سبب كذا؛ لأنّ الواجب هو طبيعة سجود السهو، و إذا كان السبب متعدّداً وجب عليه إيجاد طبيعة سجود السهو بمقدار تعدد السبب، و لا دليل على تقييد تعيينه بسببه في كلّ واحدٍ. و إلى ما ذكرنا أشار صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: «لإطلاق الأدلّة، و صدق الامتثال»(جواهر الكلام 12: 443.) نعم، الكلّي إذا كان له أفراد متفاوتة الحقيقة، و اعتبرت في كلّ واحد منها خصوصية يمتاز بها عن غيره، لزم في مقام امتثال أمر كلّ منها، اعتبار التعيين و قصد الخصوصية للتمييز عمّا عداه، كما في الظهرين مثلًا، حيث إنّ الأربع ركعات الإخفاتية يدور أمرها بين عناوين الظهرية و العصرية، و الأدائية و القضائية، فلا بدّ فيها من قصد تعيين الخصوصية؛ ليمتاز كلّ واحد منها عمّا عداها بتلك الخصوصية المنويّة. و ذهب العلّامة في «النهاية» و الشهيد في «الذكرى» و المحقّق الكركي و ولده الشيخ عبد العالي في تعليقهما على «الإرشاد» إلى وجوب تعيين السبب، و لعلّه لتوقّف صدق الامتثال على ملاحظة ذلك، كما في «الجواهر». و فيه: أنّ الواجب هو طبيعة سجود السهو بمقتضى إطلاق أدلّته، و يحصل الامتثال بقصده مطلقاً بدون قصد تعيينه بسببه. ثمّ إنّه لو نوى سجود السهو و عيّن سبباً خاصّاً كالكلام مثلًا، و انكشف مخالفته للواقع، و كان سببه في الواقع السلام في غير محلّه، ففي «الجواهر»: «الأقوى في النظر عدم الفرق بينهما، و أنّ التعيين في الواقع كافٍ و إن لغي في نيّة الخلاف سهواً؛ إذ الكلام مثلًا مسبّب للسجدتين، لا أنّه قيد للمأمور به. نعم قد يقدح في ذلك العمد، لانحلاله إلى عدم النيّة حينئذٍ و عدم الإتيان بالمأمور به»(جواهر الكلام 12: 443.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: «لو عيّن سبباً فسجد بداعي امتثال أمره، فانكشف مخالفته للواقع، فقد يقوى في النظر البطلان؛ حيث إنّ الأمر الذي دعاه إلى فعله لم يكن له تحقّق، و ما كان محقّقاً لم ينوِ امتثاله»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 3.) انتهى.

ص: 474

كما لا يجب الترتيب فيه بترتيب أسبابه على الأقوى (1)،


1- إذا تحقّق سببان وجب عليه سجدتا السهو مرّتين، و يكفي في كلّ مرّة قصد امتثال أمره مطلقاً من غير تقييد المرّة الاولى بالسبب الأوّل، و الثانية بالسبب الثاني، بل يجوز له أن يسجد أوّلًا للسهو الصادر ثانياً، و يسجد ثانياً للسهو الصادر أوّلًا؛ و ذلك لما ذكرناه في وجه عدم وجوب قصد تعيين السبب؛ من أنّ الواجب عليه قصد إيجاد طبيعة سجود السهو، فنقول هنا: إنّ الواجب قصد إيجادها مرّتين، و لا دليل على تقييده بكون المرّة الاولى للسبب الأوّل، و الثانية للثاني. و نسب إلى المحقّق الكركي وجوب الترتيب بين سجودات السهو للأجزاء المنسية، و في «الجواهر»: «و لعلّه لأنّ الذمّة قد اشتغلت بإيقاع سجود السهو بعد الصلاة فوراً بمجرّد صدور السبب الأوّل، و الثاني لمّا صدر على ذمّة مشغولة بذلك فتشتغل الذمّة حينئذٍ بإيقاعه بعد تفريغها من الأوّل»(جواهر الكلام 12: 445.)، انتهى.

ص: 475

و لا يجب فيه التكبير و إن كان أحوط (1).


1- لا يجب التكبير قبل سجدتي السهو؛ و ذلك للأصل، و إطلاق الأخبار؛ حيث إنّها- مع كثرتها- لم يصرّح في واحدٍ منها بالتكبير، بل صرّح في بعضها بنفي التكبير، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام، كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين»(وسائل الشيعة 8: 235، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 3.) و نسب إلى الشيخ القول بوجوب التكبير، قال في «المبسوط»: «فإذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح بالتكبير، و سجد عقيبه ...» إلى آخره(المبسوط 1: 125.) و في «الحدائق»: «المشهور في كلام الأصحاب استحباب التكبير فيهما»(الحدائق الناضرة 9: 331.) و لا يخفى: أنّه لا دليل معتبر على الوجوب، و لا على الاستحباب، بل الموثّق المذكور على نفي كلّ من الوجوب و الاستحباب أدلّ، نعم هو ظاهر الدلالة على الاختصاص بالإمام عند وضع رأسه و رفع رأسه؛ لإعلام من خلفه، لا للسجود، و أين هذا من استحبابه للمنفرد أو المأموم؟! و في «مصباح الفقيه»: «فالأولى الاستدلال له» أي للاستحباب «بفتوى المشهور من باب المسامحة؛ بناءً على اندراج مثلها في موضوع أدلّة التسامح، كما ليس بالبعيد. و لا ينافيه ما في الخبر المزبور من نفي التكبير؛ لجواز حمله على إرادة نفي الوجوب، فلا ينافيه الاستحباب»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 21.)، انتهى. و وجه الاحتياط في سجود السهو بالافتتاح بالتكبير، فتوى الشيخ رحمه الله في «المبسوط» بوجوبه، فلا بأس بإتيانه احتياطاً و رجاءً، لا بقصد امتثال الأمر.

ص: 476

و الأحوط مراعاة جميع ما يجب في سجود الصلاة، خصوصاً وضع المساجد السبعة، و إن كان عدم وجوب شي ء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه، لا يخلو من قوّة. نعم لا يُترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس و المأكول (1).


1- قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «الأحوط مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة فيه؛ من الطهارة من الحدث و الخبث، و الستر، و الاستقبال، و غيرها من الشرائط و الموانع التي للصلاة، كالكلام، و الضحك في الأثناء و غيرهما، فضلًا عمّا يجب في خصوص السجود؛ من الطمأنينة، و وضع سائر المساجد، و وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه، و الانتصاب مطمئنّاً بينهما؛ و إن كان في وجوب ما عدا ما يتوقّف عليه اسم السجود و تعدّده نظر»(العروة الوثقى 2: 49.) ، انتهى. و في المسألة أقوال نذكر بعضها: ذهب جماعة من فقهائنا إلى وجوب مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة من الشرائط و الموانع؛ منهم الشهيدان، و المحقّق الكركي في «حاشيته على الألفية» و صاحب «المعالم» في رسالته. و ذهب بعضهم إلى وجوب خصوص وضع المساجد السبعة، و الجلوس مطمئنّاً بينهما، كالعلّامة رحمه الله في «القواعد». و ذهب بعض آخر منهم إلى عدم وجوب شي ء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه؛ و إن كان الأحوط عندهم مراعاته، لفتوى جماعة بالوجوب. و هذا القول هو المختار. و استدلّ للقول بوجوب مراعاة جميع ما يعتبر في سجود الصلاة: بأنّ المتبادر من أمر المصلّي بسجدتي السهو لتدارك سهوه، إرادة الإتيان بهما على حسب ما هو المعهود المتعارف في سجود الصلاة، فالظاهر إرادة السجود الصلاتي. و أورد عليه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: «لكنّ الإنصاف أنّ للتوقّف أو المنع فيما زاد على ما يتحقّق به مسمّى السجود عرفاً أو شرعاً- لعدم ظهور أو انصراف معتدّ به في شي ء من الأدلّة، فيبقى الإطلاق سليماً- مجالًا»(جواهر الكلام 12: 449.) انتهى. و استدلّ له أيضاً بقاعدة الاشتغال؛ حيث اشتغلت الذمّة به يقيناً، و لا يحصل اليقين بالبراءة إلّا بالفرد الجامع لجميع الشرائط المعهودة للسجود الصلاتي. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بقوله: «إنّ المرجع لدى الشكّ في الشرطية و الجزئية، هو قاعدة البراءة، لا الاشتغال، خصوصاً في مثل المقام الذي يمكن التمسّك لنفي اعتبار ما شكّ في اعتباره، بإطلاق أدلّة السجود»(مصباح الفقيه، الصلاة: 594/ السطر 32.) ، انتهى. و استدلّ للقول بعدم وجوب شي ء ممّا لا يتوقّف صدق مسمّى السجود عليه، بإطلاق الأخبار الآمرة بسجود السهو، و مع الشكّ في الوجوب تجري البراءة؛ و إن كان الأحوط مراعاة جميع ذلك، لما ذكرناه من فتوى جماعة بالوجوب، و الاحتياط لا ينبغي تركه. و وجه عدم جواز ترك الاحتياط في ترك السجود على الملبوس و المأكول عند المصنّف رحمه الله لعلّه لاحتمال اعتبار صدق الأرض في المسجد؛ لقوله صلى الله عليه و آله: «جعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً»(وسائل الشيعة 3: 350، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 7، الحديث 2.)

ص: 477

ص: 478

و الأحوط فيه الذكر المخصوص، فيقول في كلّ من السجدتين: «بِسمِ اللَّهِ و باللَّهِ، و صَلّى اللَّه على محمّدٍ و آلِ مُحمّدٍ» أو يقول: «بسمِ اللَّه و باللَّهِ، اللّهُمَّ صلِّ على محمّدٍ و آل محمّدٍ» أو يقول: «بسمِ اللَّهِ و باللَّهِ، السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ و رحمةُ اللَّهِ و بركاتُه». و الأحوط اختيار الأخير، لكن عدم وجوب الذكر- سيّما المخصوص منه- لا يخلو من قوّة (1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا إلى وجوب الذكر في سجدتي السهو، منهم الصدوق، و المفيد في «المقنعة»، و السيّد المرتضى، و الشيخ، و يظهر من العلّامة في «التذكرة» الميل إليه، و نسبه في «الذكرى» و «الحدائق» إلى المشهور. و ذهب المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و العلّامة في «المنتهى» و «المختلف» و ابن فهد في «المهذّب البارع» و الأردبيلي في «مجمع البرهان»- حيث قال باستحبابه- إلى عدم الوجوب، و قوّاه السبزواري في «الكفاية» و «الذخيرة» و تردّد المحقّق في «الشرائع». و القائلون بالوجوب بين قائل بوجوب الذكر المطلق، كالشيخ في «المبسوط» و العلّامة في «التحرير» و قائل بوجوب الذكر المعيّن، و قد نسبه في «الرياض» إلى الأكثر. و القائلون بوجوب الذكر المعيّن اختلفوا على فرق: منهم: من اقتصر على ذكر «بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» كما في «جمل» الشيخ و «المراسم» و «الغنية». و منهم: من اقتصر على ذكر «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و آله» في السجدة الاولى، و «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» في الثانية، كما حكي عن المحقّق الثاني في «حاشية النافع». و منهم: من قال بجواز الاجتزاء بذكر «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد» أو «بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» أو «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته» أو بإضافة الواو قبل «السلام» كما في «الرياض»، حيث إنّه بعد ذكر هذه الصور الأربع قال: «و الكلّ حسن»(رياض المسائل 4: 269.) و منهم: من قال بجواز الاجتزاء بالصور الخمس؛ و هي الصور الأربع المذكورة بإضافة ذكر «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و على آل محمّد» كما في «الروضة» شرح «اللمعة» حيث إنّه بعد ذكر الصور الخمس قال: «و الجميع مروي مجزئ»(الروضة البهية 1: 706.) و ينبغي نقل الرواية المتضمّنة للذكر المعيّن في سجدتي السهو؛ و هي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام(وسائل الشيعة 8: 234، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 1.) التي رواها المشايخ الثلاثة باختلاف المتن في كتب الحديث؛ فقد رواها في «الكافي» بهذا النحو: قال: «تقول في سجدتي السهو: بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»، قال: و سمعته مرّة اخرى يقول: «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»(الكافي 3: 356/ 5.) و رواها الصدوق في «الفقيه» هكذا: أنّه قال: يقول في سجدتي السهو: «بسم اللَّه و باللَّه، اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد» قال: و سمعته مرّة اخرى يقول: «بسم اللَّه و باللَّه، السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»(وسائل الشيعة 8: 334، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 1.) و في نسخة اخرى من «الفقيه»: «و صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد» بدل قوله: «اللهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد»(الفقيه 1: 226/ 997.) و رواها الشيخ في «التهذيب» هكذا: قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في سجدتي السهو: «بسم اللَّه و باللَّه، و صلّى اللَّه على محمّد و على آل محمّد» و قال: و سمعته مرّة اخرى يقول فيهما: «بسم اللَّه و باللَّه، و السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»(تهذيب الأحكام 2: 196/ 773.) ثمّ إنّه استدلّ للقول بوجوب الذكر المطلق: بأنّ الأمر بسجود السهو منصرف إلى ما هو المتبادر؛ أعني سجود الصلاة الذي لا يتعيّن فيه ذكر خاصّ عند جماعة من فقهائنا، بل يكفي فيه الذكر مطلقاً، و صحيح الحلبي- المتقدّم نقله- و إن كان مشتملًا على الذكر الخاصّ، لكنّه قاصر الدلالة على الوجوب؛ لاضطرابه متناً باختلاف نسخ «الفقيه» و «الكافي» و «التهذيب». و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بقوله: «و أمّا ادّعاء أنّ المتبادر من الأمر بالسجود هو السجود المشتمل على الذكر- كما في سجود الصلاة- فممّا لا شاهد عليه»(مصباح الفقيه، الصلاة: 596/ السطر 28.) ، انتهى. و استدلّ لوجوب الذكر المعيّن بلفظ مخصوص، بصحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم. و اجيب بموثّق عمّار: عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: سألته عن سجدتي السهو هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام، كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين»(وسائل الشيعة 8: 235، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 3.) ، حيث إنّه ظاهر في نفي وجوب الذكر؛ أيّ ذكر كان، و أنّه غير مشروع. و نوقش في الجواب أوّلًا: بأنّ الموثّق محمول على التقيّة؛ لموافقته العامّة، حيث إنّهم- على ما قيل- قائلون بعدم وجوب الذكر. و ثانياً: بأنّ الترجيح مع الصحيحة؛ حيث إنّها من الروايات المشهورة، فقد رواها المشايخ الثلاثة في كتبهم، و عمل بها الأصحاب المتقدّمون منهم و المتأخّرون. و في «مستند العروة الوثقى»: «و في روايات عمّار كلام، حيث إنّه- على ما قيل- كثير الخطأ و الاشتباه، فتطرح و يردّ علمها إلى أهله، فيتعيّن العمل بالصحيحة»(المستند في شرح العروة الوثقى 18: 390.) ، انتهى. و لعلّ قوله رحمه الله: «على ما قيل» إشارة إلى ما ذكره العلّامة العلياري في رجاله «بهجة الآمال في شرح زبدة المقال» حكاية عن جدّه أنّه قال: «و الذي يظهر من أخبار عمّار أنّه كأنّه ينقل بالمعنى مجتهداً في معناه، و كلّ ما وقع في خبره فمن فهمه الناقص»(بهجة الآمال في شرح زبدة المقال 5: 566.) ثمّ إنّ بعض القائلين بوجوب الذكر الخاصّ، قال بالتخيير بين الوجوه الخمسة المذكورة الحاصلة من اختلاف نسخ الكتب في صحيح الحلبي؛ بناءً على أنّ اختلاف النسخ في نقل الرواية، بمنزلة أخبار مختلفة صادرة من المعصوم عليه السلام. و في «الجواهر»: «الأقوى» على القول بوجوب الذكر «التخيير بين الجميع؛ بناءً على أنّ اختلاف النسخ كاختلاف الأخبار»(جواهر الكلام 12: 455.) و أجاب عنه في «مصباح الفقيه» بقوله: «و فيه ما لا يخفى بعد وضوح كونها رواية واحدة، و قد وقع الاختلاف في نقلها؛ فإنّ من الواضح أنّ وقوع الاختلاف في نقل الرواية، لا يوجب تعميم موضوع الحكم الذي تضمّنته، فمقتضى قاعدة الشغل إمّا اختيار الصورة الثانية؛ أي المشتملة على التسليم؛ لاتفاق رواة الصحيح عليها، إلّا بزيادة الواو التي ينبغي الجزم إمّا بزيادتها، أو كونها عاطفة على القول، فكأنّه قال: سمعته مرّة اخرى ذكر البسملة مع التسليم، لا الصلاة، و إمّا الجمع بين صورتي الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله، اللهمّ إلّا أن يرجّح رواية «الكافي» بالأوثقية، كما ليس ببعيد»(مصباح الفقيه، الصلاة: 597/ السطر 3.) ، انتهى. و استدلّ للقول بعدم وجوب الذكر في سجدتي السهو بالإطلاقات؛ حيث إنّ الأخبار الواردة في سجدتي السهو- مع كثرتها- خالية عن التعرّض للذكر، فلو كان واجباً لتعرّض له؛ لكونها صادرة في مقام البيان، و بموثّق عمّار المتقدّم، حيث صرّح فيه بانحصار الوظيفة في السجدتين من غير تكبير و تسبيح، و الموثّق المذكور و إن كان صريحاً في نفي خصوص التسبيح من بين الأذكار، و لكن يمكن استفادة نفي وجوب الذكر المطلق من قوله: «فقط» فيكون المستفاد منه أنّ الواجب في سجدتي السهو هو خصوص السجدتين بما أنّهما سجدتان، فلا يجب فيهما التسبيح، و لا غيره من الأذكار، و لا شي ء آخر. و أمّا صحيح الحلبي المتقدّم الظاهر في اعتبار الذكر الخاصّ، فقد أجاب عنه في «الجواهر» بقوله: «و لكن لا يخفى على الفقيه الممارس، قصور مثل هذه الدلالة- مع هذا الاضطراب- عن إثبات الوجوب، فضلًا عن أن يعارض تلك الإطلاقات و الموثّق المعتضد بالأصل و غيره، مع صراحة دلالته أو ظهوره ظهوراً قريباً إلى الصراحة. و دعوى الانجبار بالشهرة، يدفعها أنّه لا صراحة في كلماتهم بالوجوب على وجه تتحقّق به شهرة معتدّ بها، فلا بأس بالعمل بها على وجه الاستحباب»(جواهر الكلام 12: 454.) و التحقيق في المسألة: أنّ الأخبار الكثيرة الواردة في سجدتي السهو و إن كانت مطلقة غير مقيّدة باعتبار الذكر فيهما، و لكن تلك المطلقات- على فرض انعقاد الإطلاق فيها؛ أي كونها في مقام البيان و التعرّض لكيفية سجود السهو- مقيّدة بصحيحة الحلبي المتقدّمة الظاهرة في وجوب الذكر الخاصّ، و لا يعارضها موثّق عمّار المتقدّم الظاهر في عدم وجوب الذكر؛ لما ذكرنا من أنّ الترجيح مع الصحيحة، لكونها مخالفة للعامّة، و مشهورة بين القدماء و المتأخّرين. هذا مضافاً إلى أنّ وجوب الذكر مشهور بين الأصحاب، كما ادعاه الشهيد و صاحب «الحدائق» و غيرهما. و الأحوط الاقتصار على ذكر صيغة التسليم بدون الواو «السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللَّه و بركاته»: أمّا الاكتفاء بصيغة التسليم، فلاتفاق كلّ من نسخ «الفقيه» و «الكافي» و «التهذيب» عليه، بخلاف صيغة الصلاة، فإنّها مختلف فيها في النسخ، فرواها في «الكافي» بصورة «اللهمّ صلّ ...» و في «الفقيه» و «التهذيب» بصورة «و صلّى اللَّه على محمّد و آل محمّد» و لا مورد للتخيير بين صورتي الصلاة؛ لعدم تعدّد الرواية، بل لا بدّ إمّا من الجمع بين صورتي الصلاة، و إمّا تركهما و اختيار صيغة التسليم. و أمّا كونه بدون الواو، فلأنّ الواو مضبوط في نسخة «التهذيب» فقط، و نسخة «الكافي» و «الفقيه» خالية منه. و الترجيح مع نسختهما؛ لما ذكره في «الحدائق»: «من أنّ تطرّق السهو إلى زيادة هذه الواو في رواية الشيخ غير بعيد؛ لما علم من عدم محافظته على ضبط الأخبار، فالأحوط أن لا يؤتى بها»(الحدائق الناضرة 9: 334.)، انتهى.

ص: 479

ص: 480

ص: 481

ص: 482

ص: 483

ص: 484

ص: 485

و يجب بعد السجدة الأخيرة التشهّد و التسليم، و الواجبُ من التشهّدِ المتعارَفُ منه في الصلاة، و من التسليم «السلام عليكم» (1).


1- يقع البحث هنا في امور: الأوّل: في وجوب التشهّد و التسليم بعد السجدتين و عدمه: المشهور بين الأصحاب وجوبهما، و هو المختار، و صرّح جماعة بكونه إجماعياً. و تدلّ على وجوب التشهّد بعدهما الأخبار المستفيضة: منها: موثّق سماعة عن أبي بصير، قال: سألته عن الرجل ينسى أن يتشهّد، قال: «يسجد سجدتين يتشهّد فيهما»(وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 6.) و منها: رواية الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يصلّي الركعتين من الوتر، ثمّ يقوم فينسى التشهّد حتّى يركع، فيذكر و هو راكع، قال: «يجلس من ركوعه يتشهّد، ثمّ يقوم فيتمّ» قال: قلت: أ ليس قلت في الفريضة: «إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته، ثمّ سجد سجدتي السهو، بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما»؟ قال: «ليس النافلة مثل الفريضة»(وسائل الشيعة 6: 404، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 8، الحديث 1.) و منها: رواية سهل بن اليسع، عن الرضا عليه السلام في ذلك أنّه قال: «يبني على يقينه، و يسجد سجدتي السهو بعد التسليم، و يتشهّد تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 223، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 13، الحديث 2.) و منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ أربعاً صلّيت أم خمساً أم نقصت أم زدت، فتشهّد و سلّم، و اسجد سجدتين بغير ركوع و لا قراءة؛ يتشهّد فيهما تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 4.) و منها: صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل لا يدري كم صلّى واحدة أم (أو) اثنتين أو ثلاثاً، قال: «يبني على الجزم، و يسجد سجدتي السهو، و يتشهّد تشهّداً خفيفاً»(وسائل الشيعة 8: 227، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15، الحديث 6.) و يدلّ على وجوب التسليم بعدهما بعض الأخبار: منها: صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت لا تدري أربعاً صلّيت أم خمساً، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 1.) و منها: صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرِ خمساً صلّيت أم أربعاً، فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك و أنت جالس، ثمّ سلّم بعدهما»(وسائل الشيعة 8: 224، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 14، الحديث 3.) و ذهب بعض فقهائنا إلى عدم وجوب التشهّد و التسليم بعد سجدتي السهو، و استدلّ له بالأصل، و الأخبار الواردة في مقام البيان مع خلوّها عن التقييد بالتشهّد و التسليم، بل قد صرّح في بعضها بأنّ التشهّد المأتي بعد سجدتي السهو هو التشهّد المنسي، كما في رواية علي بن أبي حمزة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا قمت في الركعتين الأوّلتين و لم تتشهّد فذكرت قبل أن تركع، فاقعد فتشهّد، و إن لم تذكر حتّى تركع فامضِ في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثمّ تشهّد التشهّد الذي فاتك»(وسائل الشيعة 8: 244، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 26، الحديث 2.) و في بعضها تصريح بعدم اعتبار شي ء غير السجدتين؛ و أنّهما عبارة عن السجدتين فقط، و أنّه لا تشهّد فيهما بعد السجدتين، كما في موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن سجدتي السهو، هل فيهما تكبير أو تسبيح؟ فقال: «لا، إنّما هما سجدتان فقط، فإن كان الذي سها هو الإمام، كبّر إذا سجد و إذا رفع رأسه؛ ليعلم من خلفه أنّه قد سها، و ليس عليه أن يسبّح فيهما، و لا فيهما تشهّد بعد السجدتين»(وسائل الشيعة 8: 235، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 20، الحديث 3.) و قال العلّامة رحمه الله في «المختلف» بالاستحباب جمعاً بين الأخبار المقيّدة و الموثّق، و قوّاه السبزواري في «الذخيرة» و أيّده صاحب «المدارك» بقوله: «و يؤيّده انتفاء الأمر بالتسليم في الرواية الاولى؛ و هي صحيحة الحلبي، و التشهّد في الثانية؛ و هي صحيحة ابن سنان، مع ورودهما في مقام البيان»(مدارك الأحكام 4: 283.) و يرد على الاستدلال المزبور: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل على المسألة، فمع وجود الروايات المعتبرة في المسألة لا مجال لجريان الأصل. و الأخبار المطلقة يجب تقييدها بالأخبار المقيّدة باعتبار التشهّد و التسليم. و موثّق عمّار الظاهر في عدم وجوب شي ء في سجدتي السهو، لا يقاوم الأخبار المقيّدة؛ لاشتهارها و مخالفتها العامّة. و أمّا الجمع بين الأخبار المقيّدة و الموثّق بحملها على الاستحباب- كما فعله العلّامة في «المختلف»- فقد أجاب عنه المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بقوله: «و ارتكاب التأويل في الجميع- بإخراج كلّ منها عن ظاهره من غير شاهد خارجي- خلاف ما يقتضيه قاعدة التراجيح؛ إذ لو بني على ارتكاب مثل هذا الجمع في الأخبار المتناقضة صورة، قلّما يوجد للأخبار العلاجية الآمرة بالرجوع إلى المرجّحات عند تعارض الأخبار مورد، فالأظهر في مثل المقام إعمال قاعدة التراجيح لا الجمع، و من الواضح عدم صلاحية الموثّقة- التي قد ترمى بالشذوذ- لمعارضة المعتبرة المستفيضة المشهورة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 595/ السطر 21.)، انتهى. الثاني: في بيان المراد بالتشهّد الخفيف: قد قيّد التشهّد في بعض الأخبار ب «الخفيف» و المراد به التشهّد المتعارف الواجب في الصلاة الخالي من الأذكار المستحبّة؛ و هو الشهادتان، و الصلاة على النبيّ و آله، و ليس المراد به مجرّد الشهادتين خالياً عن الصلاة على النبيّ و آله؛ لأنّ الصلاة على النبيّ و آله و إن لم تندرج في مفهوم لفظ «الشهادة» لغةً و في العرف العامّ، و لكنّها مندرجة فيها بحسب ارتكاز عرف المتشرّعة، و لذا عدّت من أجزاء التشهّد، كالشهادتين، و ادعى المحقّق في «المعتبر» الإجماع على وجوبها، و قال: «الواجب السجدتان، و الشهادتان، و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و التسليم، و على ذلك علماؤنا أجمع»(المعتبر 2: 400.) ، انتهى. الثالث: في بيان المراد من التسليم بعد سجدتي السهو: إنّ المراد به هو التسليم الذي يخرج به عن الصلاة، بل الظاهر خصوص «السلام عليكم» لانصراف إطلاق الأمر بالتسليم إلى المخرج منه. و لكن حكي عن أبي الصلاح أنّه قال: «و ينصرف عنهما بالتسليم على محمّد و آله» و لعلّه لإطلاق التسليم عليه، كإطلاقه على الصيغتين الأخيرتين. و فيه ما عرفت من انصراف الإطلاق إلى المخرج من التسليم.

ص: 486

ص: 487

ص: 488

ص: 489

ص: 490

(مسألة 6): لو شكّ في تحقّق موجبه بنى على عدمه،
اشارة

و لو شكّ في إتيانه بعد العلم بوجوبه وجب الإتيان به، و لو علم بالموجب و تردّد بين الأقلّ و الأكثر بنى على الأقلّ.

و لو شكّ في فعل من أفعاله فإن كان في المحلّ أتى به، و إن تجاوز لا يعتني به.

و إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدة بنى على الأقلّ، إلّا إذا كان شكّه بعد الدخول في التشهّد. و لو علم بأنّه زاد سجدة أو علم أنّه نقص واحدة أعاد (1).

هنا مسائل ستّ:
الاولى: لو شكّ في تحقّق موجب سجود السهو-
الثانية: لو شكّ في إتيان سجود السهو بعد العلم بوجوبه-
الثالثة: لو علم بالموجب و تردّد بين الأقلّ و الأكثر،
الرابعة: لو شكّ في فعل من أفعاله،

1- أيّ موجب كان- بني على عدمه؛ و ذلك لاستصحاب عدم تحقّقه، فلا يجب عليه سجود السهو. للعلم بتحقّق موجبه- وجب الإتيان به؛ و ذلك لاقتضاء الاشتغال اليقيني بالسجود، اليقين بالبراءة، و لا يحصل إلّا بإتيانه، فيجب الإتيان به، أو لاستصحاب عدم إتيانه المقتضي لوجوب اتيانه. بني على الأقلّ؛ و ذلك لأنّ الأقلّ متيقّن، و حدوث الزائد عليه مشكوك، و مع الشكّ في تحقّق الزائد يجري استصحاب عدم تحقّقه. فإن كان في المحلّ أتى به، و إن تجاوز فلا يعتنى؛ و ذلك لقاعدة الشكّ في المحلّ المقتضية لوجوب الإتيان بالمشكوك ببركة قاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان المشكوك، و لقاعدة التجاوز. و أتى بالاخرى؛ و ذلك لقاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان المشكوك. نعم لو شكّ في ذلك بعد الدخول في التشهّد لا يعتني به، لقاعدة التجاوز. و في «العروة الوثقى»: «و كذا إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو ثلاث سجدات»(العروة الوثقى 2: 50.) أي لا يعتني بهذا الشكّ؛ لأنّ وجود السجدتين متيقّن و ما زاد عليهما مشكوك، فينفى بأصالة عدم الزيادة. و الوجه فيه انتفاء الترتيب- اللازم مراعاته بمقتضى دلالة «الفاء» في قوله «فتشهّد» - بين التشهّد و السجدة الثانية بالفصل بينهما بالسجدة الزائدة. و لو علم بنقص واحدة تداركها ما لم تفت الموالاة العرفية، و مع فواتها يعيد السجدتين.

ص: 491

الخامسة: إذا شكّ في أنّه سجد سجدتين أو واحدة بنى على الأقلّ،
السادسة: لو علم أنّه زاد سجدة على السجدتين أعادهما،

ص: 492

ص: 493

ختام فيه مسائل متفرّقة
(مسألة 1): لو شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر،
اشارة

فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده (1)،

الصورة الاولى: أن يشكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً مع العلم بإتيان الظهر،

1- في هذه المسألة صور كثيرة ربّما تبلغ ستّاً و ثلاثين، و المصنّف رحمه الله قد تعرّض لتفصيل جملة منها هنا و في تأليفه المسمّى ب «الرسائل العشرة»(الرسائل العشرة، الإمام الخميني قدس سره: 99.) و حكمها البطلان، و الوجه فيه أنّ المفروض إتيان الظهر صحيحةً قبلًا، و سقط أمرها بالامتثال قطعاً، فما بيده لا يصلح لكونه ظهراً بالعدول إليها، و لا يصلح لكونه عصراً أيضاً؛ لعدم إحراز نيّتها. و قد استثنى المحقّق الحائري رحمه الله- بعد القول ببطلان ما بيده في الصورة المزبورة- ما يعلم من ظاهر حاله الدخول في الصلاة بقصد إتيان ما في الذمّة، فقال: «فإن كان قد صلّى الظهر بطل ما بيده؛ لأنّه لا يعلم أنّه في الصلاة الثانية بعنوان أنّها عصر أو ظهر إلّا أن يعلم من حاله أنّه حال دخوله في الصلاة كان عازماً لأداء ما في الذمّة، فيصحّ ما بيده مطلقاً و إن قصده ظهراً في نفس الأمر؛ لأنّه من قبيل الخطأ في التطبيق»(الصلاة، المحقّق الحائري: 421.) ، انتهى. و اورد عليه بعدم الدليل على اعتبار ظاهر الحال في غير الموارد الخاصّة التي قام الدليل فيها على اعتبار الظنّ(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 107.) و قد يتمسّك في تصحيح ما بيده عصراً بقاعدة التجاوز، بتقريب أن يقال: إنّه يشكّ فعلًا و في أثناء الصلاة في نيّة الخلاف حين الشروع فيها، فيبني على الدخول فيها بنيّة صحيحة- و هي نيّة العصر- بمقتضى قاعدة التجاوز، فيصحّ ما بيده عصراً. و أورد عليه في «المستمسك» بقوله: «و لا مجال لإحرازها» أي النيّة «بقاعدة التجاوز؛ لأنّ صدق التجاوز يتوقّف على إحراز العنوان، و هو موقوف على النيّة»(مستمسك العروة الوثقى 7: 596.)، انتهى.

ص: 494

و إن كان لم يُصلِّها، أو شكّ في أنّه صلّاها أو لا، فإن كان لم يُصلِّ العصر، و كان في الوقت المشترك، عدل به إلى الظهر (1).

الصورة الثانية: أن يشكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً، و يعلم بعدم إتيان الظهر،

1- أو يشكّ في أنّه صلّى الظهر أو لا، و علم بعدم إتيان العصر أيضاً، و كان في الوقت المشترك، فحينئذٍ يصحّ ما بيده بالعدول إلى الظهر. و وجه الصحّة ما أشار إليه المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته من: «أنّه لو كان ظهراً من أوّل الأمر فهو، و لو كان عصراً يجب العدول إلى الظهر»(الصلاة، المحقّق الحائري: 421.) و لا يخفى: أنّ هذه الصورة ليست من موارد العدول الحقيقي؛ لأنّه يكون فيما إذا احرز عنوان المعدول عنه، كما إذا دخل في العصر مثلًا جزماً، و توجّه في أثنائها إلى عدم إتيان الظهر، فيعدل عمّا بيده- و هو عنوان العصر جزماً- إلى الظهر، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ ما بيده يحتمل كونه عصراً، كما يحتمل كونه ظهراً، فلم يحرز كونه عصراً جزماً كي يعدل عنها حقيقةً إلى الظهر، فالعدول فيه تقديري؛ بمعنى جعل ما بيده ظهراً و إتيان بقية أجزائه بعنوان الظهر؛ للعلم بأنّه لو كان ظهراً من أوّل الأمر لوجب عليه إتيان البقيّة بما أنّها أجزاء الظهر، و لو كان عصراً وجب عليه العدول.

ص: 495

و كذا إن كان في الوقت المختصّ بالعصر؛ لو كان الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر و إدراك ركعة من العصر (1)،

الصورة الثالثة: و هي عين الصورة الثانية، و لكنّه كان في الوقت المختصّ بالعصر،

1- و كان الوقت وسيعاً؛ بحيث يمكن إتيان بقيّة ما بيده ظهراً مع إدراك ركعة من العصر في الوقت، حيث إنّه لو اتفق في هذا الفرض إحراز كون ما بيده عصراً جزماً و توجّه في الأثناء إلى إتيان الظهر، وجب عليه العدول إلى الظهر قطعاً مع إدراك ركعة من العصر في الوقت. و كذلك الحال فيما إذا شكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً، فيعدل عنه إلى الظهر عدولًا تقديرياً، و يأتي ببقيّة الأجزاء بعنوان أنّها من الظهر، و بعد إتمامها يأتي بالعصر.

ص: 496

و مع عدم السعة فإن كان الوقت واسعاً لإدراك ركعة من العصر، ترك ما بيده و صلّى العصر و يقضي الظهر (1)، و إلّا فالأحوط إتمامه عصراً و قضاء الظهر و العصر خارج الوقت؛ و إن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه. و في المسألة صور كثيرة ربما تبلغ ستّاً و ثلاثين (2).

الصورة الرابعة: أن يشكّ في كون ما بيده ظهراً أو عصراً، و يعلم بعدم إتيان الظهر،
الصورة الخامسة: و هي الصورة الرابعة بعينها، و لكنّ الوقت لم يكن واسعاً لإدراك ركعة من الوقت،

1- أو يشكّ في إتيانها و عدمه. مع العلم بعدم إتيان العصر أيضاً، و كان في الوقت المختصّ بالعصر، و لكن لم يكن الوقت واسعاً لإتيان بقيّة الظهر و إدراك ركعة من العصر، بل بقي من الوقت بمقدار إدراك ركعة من العصر فقط، فحينئذٍ يجب ترك ما بيده و الشروع في العصر؛ لاختصاص الوقت بها، و لا يجوز الدخول في غيرها في الوقت المختصّ بها، و يقضي الظهر بعدها.
2- بل كان بمقدار أقلّ من إدراك ركعة، فالأحوط إتمام ما بيده عصراً؛ لأنّ المفروض بقاء الوقت بمقدار أقلّ من ركعة، و هو مختصّ بالعصر، فيلزم إتمامه عصراً، ثمّ قضاء الظهر و العصر خارج الوقت؛ أمّا قضاء الظهر فلعدم صلاحية جعل ما بيده ظهراً أداءً، و المفروض عدم إتيانها قبلًا، فوجب قضاؤها، و أمّا قضاء العصر فلعدم كفاية إدراك أقلّ من ركعة من الوقت في الاجتزاء بما بيده عصراً أداءً؛ لأنّ المستفاد من مثل قوله عليه السلام: «من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(وسائل الشيعة 4: 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30، الحديث 4.) ، هو الاجتزاء أداءً فيما أدرك ركعة من الوقت، لا مطلقاً، فيجب قضاؤها. و لعلّه هو الوجه في جواز رفع اليد عمّا بيده؛ حيث إنّ الوقت المزبور لا يصلح لجعل ما بيده ظهراً أداءً؛ لاختصاصه بالعصر، و لا عصراً كذلك؛ لعدم إحراز نيّتها، و عدم إمكان إدراك ركعة منه في الوقت.

ص: 497

و ممّا ذكر ظهر حال ما إذا شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء. نعم موضع جواز العدول هاهنا فيما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة (1).

(مسألة 2): لو علم بعد الصلاة أنّه ترك سجدتين من ركعتين-

سواء كانتا من الأوّلتين أو الأخيرتين- صحّت، و عليه قضاؤهما و سجدتا السهو مرّتين، و كذا إن لم يدرِ أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بأنّهما من ركعتين، و كذا إن علم في أثنائها بعد فوت محلّ التدارك (2).


1- هذا الفرض متحد ملاكاً مع المسألة السابقة في جميع صورها المذكورة، لكن موضع جواز العدول هاهنا ما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة، و مع الدخول في ركوعها يبطل ما بيده في صورة العلم بعدم إتيان المغرب، و كذا في صورة الشكّ.
2- لو علم بترك سجدتين من ركعة واحدة مع فوات محلّ التدارك، بطلت الصلاة؛ لنقص الركن. و لو علم بتركهما من ركعتين فتارةً: يحصل العلم به بعد الصلاة، و اخرى: يحصل في أثنائها قبل الفراغ منها، و قد حكم المصنّف و السيّد رحمهما الله هنا و في «العروة الوثقى»(العروة الوثقى 2: 59- 60.) بصحّة الصلاة و وجوب قضاء السجدتين و سجدتي السهو مرّتين مطلقاً؛ أي سواءٌ علم بكونهما من الركعتين الأوّلتين، أو الأخيرتين، أو لم يدرِ أنّهما من أيّ الركعات بعد العلم بكونهما من ركعتين. و هذا القول هو المختار؛ و ذلك لإطلاق الأخبار الدالّة على وجوب قضاء السجدة المنسيّة، و وجوب تكرّر سجدتي السهو بتكرّر نسيان السجدة الواحدة أو غيرها من الأسباب الموجبة لسجود السهو. و قد يفصّل(راجع المستند في شرح العروة الوثقى 19: 113.) بين ما إذا حصل العلم بعد الفراغ من الصلاة بترك السجدتين، و بين ما إذا حصل في أثنائها و قبل الفراغ منها، فيقع الكلام في موضعين: الموضع الأوّل: و فيه صور ثلاث: الاولى: العلم بترك سجدتين سهواً من غير الأخيرة. الثانية: العلم بترك إحداهما من الأخيرة، و الاخرى من غيرها. الثالثة: الشكّ في كون إحداهما من الأخيرة. أمّا الصورة الاولى: فيجب فيها قضاء السجدتين المنسيتين و سجود السهو مرّتين. و أمّا الصورة الثانية: ففيها فرضان: الأوّل: أن يكون حصول العلم بترك السجدتين بعد التسليم و قبل تحقّق المنافي للصلاة، فيتدارك السجدة المنسية من الركعة الأخيرة؛ لعدم فوات محلّها، و يسجد سجدتي السهو؛ لزيادة السلام الواقع في غير محلّه سهواً، و يقضي السجدة المنسية من غير الأخيرة، و يسجد سجدتي السهو لنسيانها. الثاني: أن يحصل العلم بعد تحقّق المنافي للصلاة، كالحدث، و الاستدبار، و الفصل الطويل، فيخرج من صلاته بالتسليم، و يكون حال السجدة المنسيّة من الأخيرة- كالمنسية من غيرها- في وجوب قضائها؛ لعدم إمكان تداركها بتحقّق المنافي، و وجوب سجدتي السهو لها. و أمّا الصورة الثالثة: ففيها أيضاً فرضان: الأوّل: أن يحصل الشكّ في كون إحدى السجدتين المنسيتين من الركعة الأخيرة بعد ارتكاب المنافي للصلاة، فحكمها وجوب قضاء السجدتين و سجدتي السهو مرّتين؛ لخروجه من صلاته بالتسليم، و فوات محلّ تدارك سجدة الركعة الأخيرة على فرض العلم بكونها منها، فضلًا عن الشكّ فيه. الثاني: أن يحصل الشكّ المزبور قبل ارتكاب المنافي للصلاة، و حينئذٍ يحصل له العلم التفصيلي بترك إحدى السجدتين من إحدى الركعات السابقة على الأخيرة، و العلم الإجمالي بترك السجدة الاخرى إمّا من الركعة الأخيرة، أو من إحدى الركعات السابقة. و بعبارة اخرى: إحدى السجدتين المنسيتين معلوم كونها من غير الأخيرة، و الاخرى مردّدة بين كونها من إحدى الركعات السابقة أيضاً، و بين كونها من الأخيرة؛ بحيث لو كانت من الأخيرة فقد وجب إتيانها بعد السلام تداركاً، و لو كانت من غير الأخيرة يؤتى بها قضاءً، فأمرها دائر بين التدارك و القضاء، فيأتي بها بقصد ما في الذمّة من غير تعيين أنّه بعنوان التدارك أو بعنوان القضاء، و يتشهّد و يسلّم بعد السجدة احتياطاً، و يسجد سجدتي السهو مرّةً للسجدة المعلوم تركها نسياناً من غير الأخيرة، و اخرى إمّا لزيادة السلام بناءً على التدارك، و إمّا لنسيان السجدة الاخرى بناءً على كونها من غير الأخيرة أيضاً. الموضع الثاني: و هو ما إذا حصل العلم في أثناء الصلاة بترك سجدتين، و فيه صور: الاولى: أن يعلم بكون إحدى السجدتين المنسيتين من الركعة التي هي بيده، فيرجع و يتداركها، و بعد الفراغ من الصلاة يقضي المنسية من الركعة السابقة، و يسجد سجدتي السهو مرّة. الثانية: أن يعلم بتركهما من الركعتين السابقتين، و يكون التذكّر بعد الدخول في الركن ممّا بيده، كمن دخل في ركوع الرابعة مثلًا و تذكّر ترك سجدتين من ركعتين سابقتين على الرابعة، فيمضي في صلاته، و بعد الفراغ منها يقضي السجدتين، و يسجد سجدتي السهو مرّتين. الثالثة: أن يعلم بترك إحدى السجدتين من إحدى الركعات السابقة، و يشكّ في أنّ السجدة الاخرى ممّا بيده، أو من ركعة اخرى من الركعات السابقة، و يكون شكّه قبل أن يدخل في الجزء المترتّب على السجدة الأخيرة، كالتشهّد، و القيام، فحينئذٍ يرجع و يتدارك سجدة الركعة التي هي بيده؛ عملًا بقاعدة الشكّ في المحلّ مع عدم فوات محلّ التدارك، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركعة الاخرى التي هي طرف شكّه، و بعد الفراغ من الصلاة يقضي السجدة المعلوم فواتها من إحدى الركعات السابقة، و يسجد سجدتي السهو لها. و لو كان شكّه المزبور بعد الدخول فيما يترتّب على السجدة الأخيرة، فلا تجري قاعدة التجاوز في شي ء من الطرفين؛ لسقوطها بالتعارض، بل المرجع حينئذٍ هو قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الركعة التي هي بيده، فيرجع و يتدارك سجدتها؛ لبقاء محلّها، و المرجع هو البراءة بالنسبة إلى الركعة الاخرى التي هي الطرف الآخر للشكّ؛ لفوات محلّ تداركها على فرض فوات السجدة منها، فينحلّ العلم الإجمالي بجريان قاعدة الاشتغال بالنسبة إلى الركعة التي هي بيده، فيرجع و يأتي بسجدتها، و بجريان قاعدة البراءة بالنسبة إلى الركعة التي هي طرف شكّه، و ليس عليه شي ء بعد الفراغ من الصلاة إلّا قضاء السجدة المعلوم تفصيلًا فواتها من إحدى الركعات السابقة و سجدتا السهو مرّة. و لا يخفى: أنّ الرجوع إلى أصالة الاشتغال و البراءة في المسألة، مبنيٌّ على عدم جريان استصحاب عدم إتيان السجدة في كلّ من طرفي الشكّ لمخالفته للمعلوم بالإجمال؛ حيث إنّ المعلوم إجمالًا ترك السجدة الواحدة- غير السجدة المعلوم فواتها تفصيلًا من إحدى الركعات السابقة- إمّا ممّا بيده، أو من إحدى الركعات السابقة، و أمّا بناءً على جريانه في أمثال المقام ممّا لم تكن المخالفة للعلم الإجمالي مخالفة عملية، فالواجب عليه ثلاث سجدات؛ واحدة حين التذكّر تداركاً، و ثنتان بعد الفراغ من الصلاة قضاءً؛ إحداهما: عمّا علم فواته تفصيلًا، و الاخرى: عمّا فات بمقتضى الاستصحاب. و لا يمكن هنا إتيان السجدة المردّدة بين كونها من الأخيرة أو من ركعة اخرى من الركعات السابقة بقصد ما في الذمّة- كما كان ممكناً فيما تقدّم؛ أي فيما كانت إحدى السجدتين المنسيتين مردّدة بين كونها من الركعة الأخيرة، أو من ركعة اخرى من الركعات السابقة، و كان محلّ التذكّر فيه بعد الفراغ من الصلاة، و قبل فعل المنافي- للفرق بينهما؛ حيث إنّ السجدة المأتية هناك محلّها بعد الفراغ من الصلاة، و قبل فعل المنافي، فتصلح لكونها تداركاً، كصلاحيتها لكونها قضاءً، فلا مانع من قصد ما في الذمّة هناك، بخلاف ما نحن فيه؛ لأنّ السجدة المأتية فيه محلّها أثناء الصلاة، فهي لا تصلح إلّا لإتيانها تداركاً فقط، و لا تصلح لكونها قضاء؛ لكون محلّ القضاء بعد الفراغ من الصلاة.

ص: 498

ص: 499

ص: 500

ص: 501

ص: 502

(مسألة 3): لو كان في الركعة الرابعة- مثلًا- و شكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين و الثلاث،

كان قبل إكمال السجدتين أو بعده، فالأحوط الجمع بين البناء و عمل الشكّ و إعادة الصلاة، و كذلك إذا شكّ بعد الصلاة (1).

(مسألة 4): لو شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر، أو أنّه أتمّها

و هذه أوّل العصر، فإن كان في الوقت المشترك جعلها آخر الظهر،


1- قد تعرّض المصنّف رحمه الله لهذه المسألة سابقاً في ضمن المسألة الخامسة من مسائل «القول في الشكّ في عدد ركعات الفريضة» و أفتى هناك بالبناء على الصحّة و عدم الاعتناء بشكّه فيما إذا حدث شكّه الثاني- أي الشكّ في أنّ شكّه السابق كان قبل إكمال السجدتين أو بعده- بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، و حكم بالاحتياط بالبناء على الأكثر و عمل الشكّ ثمّ إعادة الصلاة؛ فيما إذا كان شكّه الثاني في أثناء الصلاة، أو بعدها و قبل إتيان صلاة الاحتياط، أو في أثنائها(تحرير الوسيلة 1: 192.) و الوجه فيه: أنّ قاعدة الفراغ تجري قطعاً و بلا إشكال فيما إذا حدث الشكّ الثاني بعد الفراغ من صلاة الاحتياط، و كذا تجري بعد الفراغ من أصل الصلاة؛ سواءٌ حدث الشكّ الثاني قبل الشروع في صلاة الاحتياط، أو في أثنائها، أو بعد الفراغ منها. و هذا مبنيّ على كون صلاة الاحتياط صلاة مستقلّة، لا متمّمةً للصلاة الأصلية، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه هناك.

ص: 503

و إن كان في الوقت المختصّ بالعصر، فالأقوى هو البناءُ على إتيان الظهر و رفعُ اليد عمّا بيده؛ و إتيانُ العصر إن وسع الوقت لإدراك ركعة منه، و مع عدم السعة له فالأحوط إتمامه عصراً و قضاؤه خارج الوقت؛ و إن كان جواز رفع اليد عنه لا يخلو من وجه (1).


1- الوجه في جعل الركعة التي هي بيده آخر الظهر فيما إذا كان شكّه في الوقت المشترك، هو قاعدة الاشتغال؛ حيث يشكّ في فراغ ذمّته من الظهر. بل مقتضى استصحاب عدم تمام الظهر أو كونه في الظهر، هو وجوب إتمام ما بيده ظهراً. و وجه قوّة البناء على إتيان الظهر فيما إذا كان شكّه في الوقت المختصّ بالعصر، كون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً بعد الوقت، فلا يعتنى به. و وجه رفع اليد عمّا بيده و عدم جواز جعله عصراً، هو عدم إحراز النيّة؛ لكونه مشكوك الدخول فيها. و وجه وجوب إتيان العصر مع سعة الوقت لإدراك ركعة منها فيه، هو اشتغال ذمّته بها يقيناً المقتضي للبراءة اليقينية. و وجه الاحتياط في إتمام ما بيده عصراً مع عدم سعة الوقت لإدراك ركعة منه فيه، هو احتمال كونه أوّل العصر واقعاً، و مع ذلك يجب قضاؤه خارج الوقت؛ لعدم إحراز النيّة، لكونه مشكوك الدخول فيها، و هو الوجه في جواز رفع اليد عنه رأساً.

ص: 504

(مسألة 5): لو شكّ في العشاء بين الثلاث و الأربع،

و تذكّر أنّه لم يأتِ بالمغرب، بطلت صلاته، و إن كان الأحوط إتمامها عشاءً و الإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب (1).


1- وجه البطلان عدم صلاحية ما بيده لكونه عشاءً بالبناء على الأكثر و إتمامه و ضمّ ركعة الاحتياط إليه؛ و ذلك لفوات الترتيب المعتبر بين المغرب و العشاء، و المفروض تذكّره في الأثناء أنّه لم يأتِ بالمغرب. و لا يصلح أيضاً لكونه مغرباً بالعدول عمّا بيده إليها؛ لاستلزامه وقوع الشكّ في ركعات المغرب، و هو مبطل. و وجه الاحتياط بإتمامها عشاءً و الإتيان بركعة الاحتياط، ما أشار إليه بعض المحشّين «للعروة الوثقى» من أنّ الظاهر من اعتبار الترتيب بين الواجبين المترتّبين، هو اعتبار ترتيب المجموع على المجموع، لا الترتيب في جميع الأجزاء اللاحقة بحيث وقعت بأجمعها بعد السابقة، و حينئذٍ فيسقط الترتيب، و يتمّ ما بيده عشاءً ببركة حديث «لا تعاد ...»(الفقيه 1: 181/ 857 و 225/ 991، تهذيب الأحكام 2: 152/ 597، وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 5.) و يأتي بصلاة الاحتياط، ثمّ يأتي بالمغرب. و وجه الاحتياط بإعادة العشاء بعد الإتيان بالمغرب، احتمال اشتراط الترتيب بالنسبة إلى كلّ جزء؛ بحيث وقع جميع أجزاء اللاحقة بعد السابقة، و المفروض عدم وقوع بقية الأجزاء بعد السابقة، بل تقع البقيّة قبل السابقة عامداً(العروة الوثقى 2: 61، الهامش 3.)

ص: 505

(مسألة 6): لو تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة،

فالأقوى رفع اليد عن العصر و إتمام الظهر ثمّ الإتيان بالعصر، بل لإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر وجه. و الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمام الظهر، و أحوط منه إعادتهما. هذا في الوقت المشترك، و في المختصّ تفصيل (1).


1- وجه رفع اليد عن العصر بقطعها فيما إذا تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك ركعة من الظهر، هو اعتبار الترتيب و تأخّر العصر عن جميع أجزاء الظهر، فما دام لم يأتِ بالركعة الأخيرة من الظهر و لم يفرغ عنها، لا تصحّ العصر. و وجه إتمام الظهر بضمّ الركعة بعد رفع اليد عن العصر، هو أنّ ما أتى به بعنوان العصر ليس زيادة مبطلة؛ لأنّ الزيادة إنّما تبطل فيما إذا كانت مأتية بعنوان الجزئية من الصلاة، فلا تبطل الظهر بوقوع مقدار من العصر في أثنائها سهواً، و لمّا سلّم في الظهر على النقص وجب التدارك بمقدار النقص. و وجه إتمام العصر التي شرع فيها و توجّه في أثنائها إلى ترك ركعة من الظهر، ما ذكرناه في ضمن البحث عن المسألة السابقة: من أنّ المعتبر ترتيب المجموع على المجموع، لا الترتيب في جميع أجزاء اللاحقة؛ بحيث تقع اللاحقة بجميع أجزائها بعد السابقة، و حينئذٍ يتمّ عصره، ثمّ يأتي بالظهر بعد عصره. و وجه الاحتياط بإتمام العصر ثمّ إتيان الظهر ثمّ إعادة العصر بعد إتيان الظهر، هو العمل بكلا الوجهين في اعتبار الترتيب. و أمّا كون إعادة الصلاتين أحوط من الأحوط فيما إذا رفع اليد عن العصر و أتمّ الظهر بضمّ ركعة إليها ثمّ أتى بالعصر، فلاحتمال عدم جواز الاجتزاء بما أتى به بالكيفية المزبورة؛ حيث إنّ مقتضى اعتبار ترتيب المجموع على المجموع، إتمام عصره، فإذا رفع اليد عنها و أتمّ ظهره بضمّ ركعة إليها، تكون ظهره باطلة، و بطلان الظهر يستلزم بطلان العصر؛ لفوات الترتيب، فبطلانهما يقتضي إعادتهما. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد اختيار القول بقطع صلاة العصر و إتمام الظهر ثمّ إعادة الصلاتين: «و يحتمل العدول إلى الظهر بجعل ما بيده رابعة لها؛ إذا لم يدخل في ركوع الثانية»(العروة الوثقى 2: 62- 63.) و قال السيّد الخوئي رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»: «إنّ العدول هو الظاهر، بل لو دخل في ركوع الركعة الثانية فبما أنّ الظهر المأتي بها لا يمكن تصحيحها، يعدل بما في يده إليها فيتمّها، ثمّ يأتي بالعصر بعدها، و لا حاجة إلى إعادة الصلاتين في كلا الفرضين»(نفس المصدر: 63/ الهامش 1.) و لا يخفى: أنّ احتمال العدول ضعيف؛ لأنّ العدول خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلّا بدليل معتبر، و لا دليل معتبر عليه. نعم قد ورد به خبر شاذّ ضعيف؛ و هو مرسل الطبرسي في «الاحتجاج»، عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان عليه السلام: أنّه كتب إليه يسأله عن رجل صلّى الظهر و دخل في صلاة العصر، فلمّا صلّى من صلاة العصر ركعتين، استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟ فأجاب: «إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة، أعاد الصلاتين، و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر، و صلّى العصر بعد ذلك»(وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 12، الحديث 1.) هذه كلّه في الوقت المشترك. و أمّا في الوقت المختصّ بالعصر- بأن تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك من الظهر ركعة- ففيه تفصيل؛ و هو أنّه إن بقي من الوقت مقدار إدراك ركعة من العصر بعد إتمام الظهر بضمّ ركعتها إليها، رفع اليد عن العصر، و أتمّ الظهر، و بعد إتمامها يأتي بالعصر، و إلّا أتمّ ما بيده عصراً، و بعد إتمامها قضى الظهر.

ص: 506

ص: 507

(مسألة 7): لو صلّى صلاتين ثمّ علم نقصان ركعة- مثلًا- من إحداهما من غير تعيين،

فإن كان مع الإتيان بالمنافي بعد كلّ منهما، فإن اختلفا في العدد أعادهما، و إلّا أتى بواحدة بقصد ما في الذمّة (1).


1- وجه وجوب إعادة كلتا الصلاتين المختلفتين في عدد الركعات فيما إذا فرغ منهما و علم بنقصان ركعة مثلًا من إحداهما من غير تعيين مع إتيان المنافي بعد كلّ من الصلاتين، هو وجود العلم الإجمالي ببطلان إحداهما، مع عدم وجود المصحّح لهما في البين؛ لتعارض قاعدة الفراغ من الطرفين، فمقتضى الاشتغال اليقيني بتكليف إحداهما البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بإعادتهما معاً. و أمّا الصلاتان المتحدتان في العدد كالظهرين، فاللازم الإتيان بواحدة بقصد ما في الذمّة، فإن كان ما في ذمّته ظهراً فيحسب ظهراً، و إن كان عصراً فعصراً، و لا يجب إعادة العصر مراعاةً للترتيب الواقعي؛ لسقوط الترتيب ببركة حديث «لا تعاد ...». و لا يخفى: أنّ الاكتفاء بواحدة بقصد ما في الذمّة، مبنيّ على ما تقدّم في مبحث مواقيت اليومية؛ من أنّ المشهور أنّه لا وجه للعدول من العصر إلى الظهر بعد الفراغ من الصلاة فيما إذا أتى بالعصر و فرغ منها قبل الظهر سهواً، بل ما أتى به عصراً عصره واقعاً، و يأتي بعدها بالظهر؛ و ذلك لسقوط الترتيب. و أمّا على القول الغير المشهور- أي جواز العدول من العصر بعد الفراغ منها إلى الظهر، ثمّ إتيان العصر بعد ذلك- فلا يكفي إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة، بل يجب عليه إتيانها بنيّة العصر رعايةً للترتيب؛ حيث إنّ الناقص من الصلاتين إن كان هو العصر فقد أتى بها ثانيةً تماماً، و إن كان هو الظهر فقد جعل ما أتى به تماماً ظهراً بالعدول إليها بعد عمل الصلاتين، و أتى بالعصر بعد ذلك، و حصل الترتيب بهذه الكيفية.

ص: 508

و إن كان قبل المنافي في الثانية مع الإتيان بالمنافي بعد الاولى، ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان ثمّ أعاد الاولى (1). و مع عدم الإتيان به بعدهما لا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإعادة. هذا في الوقت المشترك.


1- إذا علم بنقصان ركعة مثلًا من إحدى الصلاتين، و كان قبل ارتكاب المنافي عقيب الثانية، ضمّ إلى الثانية ما يحتمل النقصان، ثمّ أعاد الاولى؛ و ذلك للعلم الإجمالي بنقص إحداهما، حيث إنّ الناقص لو كان هي الصلاة الثانية، وجب إتمامها بضمّ ما تتمّ به، ثمّ إعادة الاولى؛ لعدم قابليتها لضمّ الركعة إليها- على القول بجواز الإقحام- لإتيان المنافي بعدها المانع من ضمّ الركعة إليها، مع تنجّز العلم الإجمالي بالنسبة إليها المقتضي للإعادة.

ص: 509

و أمّا في المختصّ بالعصر فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية، و عدم وجوب إعادة الاولى (1).


1- إذا علم بعد الصلاتين بنقصان ركعة مثلًا من إحداهما مع عدم إتيان المنافي بعدهما، فلا يبعد جواز الاكتفاء بركعة متصلة بقصد ما في الذمّة. فإن كان الناقص العصر تكون الركعة المتصلة بها متمّمة لها، و إن كان الظهر تكون متمّمة لها. و هذا مبنيّ على جواز إقحام الصلاة في الصلاة؛ و أنّه لا يوجب البطلان. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بإعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة؛ للعلم الإجمالي بصحّة إحدى الصلاتين في الواقع، مع كونهما متجانستين. و في «المستمسك»: «فيجب عليه ذلك فراراً من لزوم الإبطال المحتمل»(مستمسك العروة الوثقى 7: 606.) و أمّا بناءً على عدم جواز الإقحام في الصلاة، فالواجب في فرض المسألة ضمّ ركعة متصلة إلى الثانية و إعادة الاولى، و حينئذٍ تكون الثانية صحيحةً؛ إمّا لكونها أربع ركعات في الواقع، و إمّا لضمّ ركعة متصلة إليها قبل فعل المنافي بعد التسليم على فرض كونها ناقصة في الواقع، و الاولى باطلةً لفعل الثانية. هذا كلّه في الوقت المشترك. و أمّا في الوقت المختصّ بالعصر، فالظاهر جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد الثانية، و عدم وجوب إعادة الاولى، و لعلّه لكون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً بعد الوقت.

ص: 510

(مسألة 8): لو شكّ بين الثلاث و الاثنتين أو غيره من الشكوك الصحيحة،

ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط، يتمّها بقصد ما في الذمّة، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط، و لا تجب عليه إعادة الصلاة. هذا إذا كانت صلاة الاحتياط المحتملة ركعة واحدة. و أمّا إذا كانت ركعتين- كالشكّ بين الاثنتين و الأربع- فالأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (1).


1- لو شكّ بين الثلاث و الاثنتين- مثلًا- و بنى على الثلاث و مضى في صلاته، ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته أو صلاة الاحتياط، يتمّها بقصد ما في الذمّة؛ و ذلك لصلاحية ما بيده لأن تكون الركعة الأخيرة، كصلاحيتها لكونها ركعة الاحتياط، فإن كان قد أتمّ صلاته الأصلية في الواقع و فرغ من عهدتها، كان ما بيده ركعة الاحتياط، و إن لم يتمّها كان ما بيده آخر صلاته، و قد أتى بها بقصد ما في الذمّة، و فرغ من عهدتها يقيناً، و مقتضى اشتغال الذمّة بصلاة الاحتياط هو الفراغ منها، و لا يحصل إلّا بإتيانها بعد الفراغ عمّا بيده، و لا تجب عليه إعادة الصلاة؛ إذ لا وجه للإعادة. و لا يخفى: أنّ ما ذكرنا من إتمام ما بيده بقصد ما في الذمّة ثمّ إتيان صلاة الاحتياط، إنّما يتمّ فيما إذا كانت صلاة الاحتياط ركعتين أيضاً، كما إذا شكّ بين الاثنتين و الأربع و بنى على الأربع، ثمّ شكّ في أنّ ما بيده آخر صلاته الأصلية، أو الثانية من ركعتي الاحتياط، فيتمّها بقصد ما في الذمّة؛ لما ذكر من صلاحيتها لكونها آخر صلاته الأصلية، كصلاحيتها لكونها الركعة الثانية من صلاة الاحتياط، ثمّ يأتي بصلاة الاحتياط ركعتين. و لكنّ المصنّف رحمه الله قد احتاط بإعادة الصلاة بعد إتيان صلاة الاحتياط، و لم نفهم وجهه. و قد ذهب السيّد الخوئي رحمه الله في «مستند العروة الوثقى»- بعد اختيار قول السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و هو جعل ما بيده آخر الصلاة(العروة الوثقى 2: 64.) - إلى عدم وجوب إعادة الصلاة مطلقاً؛ أي سواء كانت صلاة الاحتياط ركعة واحدة، أو ركعتين، حيث قال: «و نحوها» أي الصورة الاولى التي يكون ما عليه من صلاة الاحتياط ركعة واحدة «الصورة الثانية»؛ و هي ما إذا كانت صلاة الاحتياط ذات ركعتين، كما لو شكّ بين الاثنتين و الأربع، و شكّ في أنّ ما بيده هل هي الركعة الأخيرة من الصلاة الأصلية، أم الركعة الثانية من صلاة الاحتياط، فإنّه يجري فيه ما مرّ حرفاً بحرف؛ إذ لا يلزم من البناء على الأوّل زيادة شي ء أصلًا»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 140.)، انتهى.

ص: 511

(مسألة 9): لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب،

أو أنّه سلّم على الثلاث و هذه اولى العشاء، فإن كان بعد الركوع بطلت، و وجبت عليه إعادة المغرب، و إن كان قبله يجعلها من المغرب و يجلس و يتشهّد و يسلّم، و لا شي ء عليه (1).


1- وجه بطلان الصلاة فيما لو شكّ في أنّ ما بيده رابعة المغرب، أو أنّه سلّم على الثلاث، و هذه أولى العشاء، و كان شكّه بعد الدخول في الركوع؛ هو عدم إمكان تصحيحها أصلًا، لا بعنوان المغرب؛ لأنّ المفروض دخوله في الركوع، فلا يمكن المضي فيها؛ إذ لا رابعة للمغرب، و لا يمكن هدم القيام و الجلوس و التشهّد و التسليم؛ لفوات محلّ التدارك، و لا بعنوان العشاء؛ لعدم إحراز نيّتها حين الدخول فيها، و لفقد الترتيب المعتبر فيها؛ حيث لم يأتِ بالمغرب قبلها. و وجه وجوب إعادة المغرب هو اشتغال الذمّة بالتشهّد و التسليم، أو استصحاب عدم إتيانهما المقتضيان لوجوب إتيانهما، و لا يمكن تداركهما مع الدخول في الركوع، فتبطل قهراً، و تجب إعادتها. و الوجه في جعل ما بيده من المغرب فيما إذا كان شكّه المذكور قبل الدخول في الركوع، هو اشتغال الذمّة يقيناً بالمغرب و استصحاب عدم الفراغ منها، المقتضيان لإتمامها مغرباً بهدم القيام و الجلوس للتشهّد و السلام. و لا يجب عليه سجود السهو لأجل القيام و غيره من الزيادات- على فرض صدورها- لعدم العلم بحصول زيادتها في المغرب؛ إذ من المحتمل أنّه فرغ من المغرب بلا زيادة عليها، و أنّ ما بيده اولى العشاء، و اشتغال الذمّة بالمغرب و كذا استصحاب عدم الفراغ منها و إن كانا يستلزمان الزيادة المزبورة، لكنّهما مثبتان بالنسبة إلى وجوب سجدتي السهو لها.

ص: 512

(مسألة 10): لو شكّ و هو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين و الثلاث،

و علم بعدم إتيان التشهّد في هذه الصلاة، يبني على الثلاث و يقضي التشهّد بعد الفراغ (1).


1- وجه البناء على الثلاث فيما إذا شكّ حال الجلوس بعد السجدتين بين الاثنتين و الثلاث و علم بعدم إتيان التشهّد بعد السجدتين، هو إطلاق أدلّة البناء على الثلاث الشامل لفرض المسألة. و وجه وجوب قضاء التشهّد المعلوم عدم الإتيان به، هو أنّه قد فات محلّ تداركه تعبّداً بالبناء على الثلاث؛ حيث إنّ الركعة البنائية يعامل معها معاملة الركعة الواقعية من جميع الجهات، فكما أنّه لو كان في الركعة الثالثة واقعاً و علم بعد سجدتيها بعدم إتيان التشهّد في محلّه، يجب عليه قضاؤه بعد الصلاة؛ لفوات محلّ تداركه وجداناً، فكذا في الثالثة البنائية؛ لفوات محلّ تداركه تعبّداً. و في «العروة الوثقى»: «لا إشكال في أنّه يجب عليه أن يبني على الثلاث، لكن هل عليه أن يتشهّد أم لا؟ وجهان، لا يبعد عدم الوجوب، بل وجوب قضائه بعد الفراغ؛ إمّا لأنّه مقتضى البناء على الثلاث، و إمّا لأنّه لا يعلم بقاء محلّ التشهّد من حيث إنّ محلّه الركعة الثانية، و كونه فيها مشكوك، بل محكوم بالعدم»(العروة الوثقى 2: 65- 66.)، انتهى. و لعلّ وجه وجوب التدارك ما أشار إليه استاذ الأساتذة المحقّق الحائري رحمه الله في كتاب «الصلاة»: «فهل يستفاد من أنّ أدلّة وجوب البناء على الأكثر، مضي وقت التدارك فيجب عليه القضاء بعد الصلاة مثلًا، أم ليست متعرّضة إلّا لجهة عدد الركعات، و لا يثبت بها مضي محلّ التدارك للتشهّد، و يترتّب على الثاني وجوب الإتيان بالتشهّد في الصلاة و قضاؤه بعدها؛ للعلم الإجمالي بأحد الأمرين، و لكنّ الظاهر الأوّل»(الصلاة، المحقّق الحائري: 422- 423.)، انتهى. و مراده من الثاني تعرّض الأدلّة لجهة عدد الركعات فقط، و مراده من الأوّل تعرّضها لمضيّ محلّ التدارك للتشهّد مضافاً إلى جهة عدد الركعات.

ص: 513

ص: 514

و كذا لو شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد (1).


1- لو شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع مع علمه بعدم إتيان التشهّد في محلّه، بنى على الأربع، و مقتضى إطلاق الأدلّة الدالّة على البناء على الأكثر، المعاملة مع الرابعة البنائية معاملة الرابعة الواقعية في جميع الجهات، فيحكم حال القيام بتجاوز محلّ تدارك التشهّد، فيجب قضاؤه بعد الصلاة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «و أمّا لو شكّ و هو قائم بين الثلاث و الأربع مع علمه بعدم الإتيان بالتشهّد في الثانية، فحكمه المضي و القضاء بعد السلام؛ لأنّ الشكّ بعد تجاوز محلّه»(العروة الوثقى 2: 66.) و أورد عليه في «المستمسك» بأنّه: «إن كان المراد أنّ الشكّ في التشهّد شكّ بعد التجاوز، فلا يلتفت إليه لقاعدة التجاوز، فالتشهّد ليس مشكوكاً، و إنّما هو معلوم الانتفاء»(مستمسك العروة الوثقى 7: 609.)، انتهى. و أجاب عنه في «مستند العروة الوثقى» بقوله: «و يندفع بأنّ مراده قدس سره إجراء القاعدة بالإضافة إلى الركعة التي قام عنها بخصوصها؛ و أنّه هل أتى بوظيفته المقرّرة فيها أم لا؟ فإنّها إن كانت الثانية فقد أخلّ، و إلّا لم يخلّ، و لا منافاة بين هذا الشكّ و بين العلم بعدم الإتيان بالتشهّد في هذه الصلاة»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 147.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ للمصلّي حال القيام شكّين: شكّ بين الثلاث و الأربع، و شكّ في بقاء محلّ التشهّد و عدمه، و حكم الشارع بالبناء على الأربع تعبّد منه بعدم الاعتناء بالشكّ الثاني؛ لتجاوز محلّه تعبّداً، لما ذكرنا من المعاملة مع الركعة البنائية معاملة الركعة الواقعية من جميع الجهات، فكما أنّه لو كان في الركعة الرابعة و علم بعدم الإتيان بالتشهّد مضى في صلاته، و قضاه بعد الفراغ، فكذا الحال فيما إذا شكّ حال القيام بين الثلاث و الأربع و علم بعدم الإتيان بالتشهّد، فإنّه حال القيام كان شاكّاً في بقاء محلّ إتيان التشهّد، و بالبناء على الأكثر قد تجاوز محلّ إتيانه تعبّداً، و وجب قضاؤه.

ص: 515

(مسألة 11): لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة، فالظاهر بطلان صلاته.

(مسألة 11): لو شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة، فالظاهر بطلان صلاته (1).


1- إذا شكّ في حال القيام بين الثلاث و الأربع، و علم إجمالًا بأنّه إن كان في الركعة الثالثة كان قيامه بعد الركوع، و إن كان في الرابعة كان قبل الركوع، فعلى الأوّل يجب عليه بعد السجدتين القيام إلى الرابعة، و على الثاني يجب عليه الركوع و إتمام صلاته. و مقتضى العلم الإجمالي بطلان صلاته؛ لأنّ طريق صحّتها منحصر في قاعدة البناء على الأكثر، و إتمام الصلاة، و جبر النقص المحتمل بركعة الاحتياط، و هي لا تجري في مفروض المسألة؛ لأنّه إذا بنى على الأربع و أتى بالركوع- بمقتضى قاعدة الشكّ في المحلّ- و مضى في صلاته و أتمّ، يحصل له العلم ببطلان صلاته هذه: إمّا من أجل عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط؛ بناءً على كون ما بيده رابعة في الواقع، كما هو أحد طرفي العلم الإجمالي بأنّه بعد الركوع من الثالثة، أو قبل الركوع من الرابعة، و الحال أنّ لصلاة الاحتياط دخالة في صحّة الصلاة الأصلية بعد البناء على الأكثر و إتمام الصلاة؛ حيث إنّ مقتضى القاعدة المستفادة من الأخبار(وسائل الشيعة 8: 225، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 15.) ، بطلان صلاة من شكّ في عدد الركعات و لم يغلب على ظنّه شي ء، إلّا في موارد منصوصة تتوقّف صحّة الصلاة فيها- بعد البناء على الأكثر و إتمام الصلاة- على ضمّ صلاة الاحتياط إليها، و المفروض في المسألة عدم الحاجة إليها. و إمّا من أجل زيادة الركوع بناءً على كون ما بيده ثالثة في الواقع، كما هو الطرف الآخر من العلم الإجمالي المذكور، فبعد فرض كون قيامه بعد الركوع من الثالثة يكون الركوع زائداً. و بالجملة: بطلان الصلاة بالبناء على الأكثر و إتيان الركوع و المضي في الصلاة و إتمامها، إمّا لأجل عدم الحاجة إلى صلاة الاحتياط التي لها دخالة في صحّة الصلاة الأصلية؛ بناءً على كون قيامه قبل الركوع من الرابعة، و إمّا لأجل زيادة الركوع بناءً على كون قيامه بعد الركوع من الثالثة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها: «إذا شكّ في أنّه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة، بنى على الثاني؛ لأنّه شاكّ بين الثلاث و الأربع، و يجب عليه الركوع؛ لأنّه شاكّ فيه مع بقاء محلّه. و أيضاً هو مقتضى البناء على الأربع في هذه الصورة»(العروة الوثقى 2: 66.)، انتهى. و يرد عليه ما ذكرنا من العلم بالبطلان اللازم إمّا من لغوية صلاة الاحتياط، أو من زيادة الركوع.

ص: 516

ص: 517

و لو انعكس؛ بأن كان شاكّاً في أنّه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة، فيبني على الأربع و يأتي بالركوع ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ، لكن الأحوط إعادة الصلاة أيضاً (1).


1- إذا شكّ حال القيام بين الثلاث و الأربع، و علم إجمالًا أنّه إن كان في الركعة الثالثة كان قيامه قبل الركوع، و إن كان في الرابعة كان بعد الركوع، فقد أفتى المصنّف رحمه الله بأنّه يبني على الأربع، و يأتي بالركوع، ثمّ يأتي بوظيفة الشاكّ، لكنّ الأحوط إعادة الصلاة أيضاً. و لعلّ مدرك فتواه ما أشار إليه استاذه المحقّق الحائري رحمه الله في كتاب «الصلاة»: «من أنّ مقتضى ما ذكرنا من عدم تعرّض أدلّة البناء لإيجاد الجزء و عدمه، وجوب إتيانه أيضاً؛ لأنّه شكّ في الشي ء قبل تجاوز المحلّ»(الصلاة، المحقّق الحائري: 423.)، انتهى. و فيه: أنّ البناء على الأكثر و العمل بوظيفة الشاكّ، يصحّح الصلاة المحتمل نقصها فيما لم يعرض الصلاة البطلان من جهة اخرى، كما التزم رحمه الله به في أصل الفرض و قال بالبطلان، إمّا لأجل عدم الحاجة إلى ركعة الاحتياط و لغويتها مع دخالتها في صحّة الصلاة، و إمّا لأجل زيادة الركوع على ما ذكرناه تفصيلًا. و يلزم في العكس أيضاً العلم ببطلان الصلاة؛ حيث إنّ صلاة الاحتياط إنّما تجبر النقص- على تقدير كون صلاته ثلاث ركعات في الواقع- بشرط كونها صحيحة على تقدير كونها أربع ركعات في الواقع، و المفروض بطلانها على هذا التقدير؛ لزيادة الركوع. و في «مستند العروة الوثقى»: «و بعبارة اخرى: يعلم حينئذٍ» أي حين البناء على الأكثر و إتمام الصلاة «أنّه عند التشهّد و التسليم لا أمر بهما جزماً؛ إمّا لوقوعهما في الثالثة، أو لكون الصلاة باطلة في نفسها؛ فإنّ التقدير الأوّل إنّما يكون مورداً للجبر فيما إذا احتمل وقوع التسليم على الرابعة الصحيحة غير المتحقّق فيما نحن فيه؛ للجزم بالبطلان لو كانت رابعة»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 157.) و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- بعد احتمال وجوب البناء على الأربع بعد الركوع في عكس فرض المسألة-: «لكن لا يبعد بطلان صلاته؛ لأنّه شاكّ في الركوع من هذه الركعة، و محلّه باقٍ، فيجب عليه أن يركع، و معه يعلم إجمالًا أنّه إمّا زاد ركوعاً، أو نقص ركعة، فلا يمكن إتمام الصلاة مع البناء على الأربع و الإتيان بالركوع مع هذا العلم الإجمالي»(العروة الوثقى 2: 67.) و أجاب عنه السيّد الخوئي رحمه الله: «بأنّ نقصان الركعة متى كان طرفاً للعلم الإجمالي، فلا أثر له بعد تداركها بركعة الاحتياط و كونها جابرة للنقص حتّى واقعاً و جزءاً متمّماً واقعياً لدى الحاجة إليها، و لا بدّ في تنجيز العلم الإجمالي من فرض أثر مترتّب على الواقع على كلّ تقدير، و هو منفيّ في المقام؛ إذ لا أثر في البين عدا احتمال زيادة الركوع المدفوعة بالأصل من غير معارض»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 155.)

ص: 518

ص: 519

(مسألة 12): لو كان قائماً و هو في الركعة الثانية من الصلاة،

و يعلم أنّه أتى فيها بركوعين، و لا يدري أنّه أتى بهما في الاولى، أو أتى فيها بواحد و أتى بالآخر في هذه الركعة، فالظاهر بطلان صلاته (1).


1- وجه البطلان- مضافاً إلى أنّ قاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان الركوع، يقتضيان وجوب إتيانه، و معه تلزم زيادته قطعاً، فتبطل الصلاة- ما ذكره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» من أنّه شاكّ في ركوع هذه الركعة، و محلّه باقٍ، فيجب عليه أن يركع. مع أنّه إذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته، و لا يجوز له أن لا يركع مع بقاء محلّه، فلا يمكنه تصحيح الصلاة»(العروة الوثقى 2: 67- 68.) و اورد عليه: «بأنّ قاعدة الشكّ في المحلّ لا تجري بالنسبة إلى الركوع؛ للعلم بسقوط أمر الركوع إمّا بالامتثال و إتيانه في محلّه، أو ببطلان الصلاة بإتيان الركوعين في ركعة واحدة. و كذا لا تجري قاعدة الاشتغال و استصحاب عدم إتيان الركوع؛ لأنّ موضوعهما الشكّ في حصول الامتثال و بقاء الأمر بالركوع، و مع العلم بسقوط أمر الركوع- إمّا بالامتثال، و إمّا ببطلان الصلاة بزيادة الركوع- لا يحتمل بقاء الأمر به، فينتفي موضوعهما». و قد يستدلّ على بطلان الصلاة أيضاً بقاعدة الاشتغال في أصل الصلاة، حيث يشكّ في براءة الذمّة من الصلاة المأمور بها مع الشكّ في وقوع ركوع كلّ ركعة في محلّه، و مع عدم التمكّن من تداركه في المحلّ- لاستلزامه زيادة الركن- فالاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية، و لا تحصل إلّا بإعادة الصلاة. و قال جماعة من فقهائنا في حواشيهم على «العروة الوثقى»: «بأن يأتي بالسجدتين بلا ركوع، و يتمّ صلاته، ثمّ يعيدها». و لعلّ الوجه فيه دوران الصلاة بين الصحّة على تقدير وقوع كلّ من الركوعين في محلّه، فيجب إتمامها، و هذا مبنيّ على حرمة قطع الصلاة، و بين البطلان على تقدير وقوعهما في الركعة الاولى، فيجب إعادتها. و فيه: أنّ حرمة قطع الصلاة لو سلّمت، فإنّما تسلّم فيما إذا كانت الصلاة في نفسها صالحة لإتمامها- بجميع أجزائها و شرائطها- صحيحةً و سقوط أمرها بالامتثال، و حينئذٍ فلا يجوز قطعها، و ما نحن فيه ليس كذلك؛ إذ مع احتمال وقوع الركوعين في ركعة واحدة لا يمكن إتمامها صحيحةً حتّى يحرم قطعها. و قد أشكل السيّد الخوئي رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى» على السيّد رحمه الله بقوله: «كيف يكون باقياً مع العلم بعدم الأمر بالركوع إمّا للإتيان به، و إمّا لبطلان الصلاة؟!» ثمّ قال: «و عليه فلا يبعد الحكم بصحّة الصلاة؛ لجريان قاعدة الفراغ في الركوع الثاني الذي شكّ في صحّته و فساده من جهة الشكّ في ترتّبه على السجدتين في الركعة الاولى و عدمه»(العروة الوثقى 2: 68/ الهامش 1.) ، انتهى. و هذا منه رحمه الله مبني على مختاره في جريان قاعدة الفراغ عند الشكّ في صحّة الموجود و فساده و لو كان جزءاً من أجزاء المركّب، كفاية مجرّد الفراغ عمّا يشكّ في صحّته و فساده من غير اعتبار الدخول في الجزء المترتّب عليه، بخلاف قاعدة التجاوز، حيث يعتبر فيها الشكّ في أصل الوجود بعد الدخول في الجزء المترتّب عليه، و المصلّي عالم بوجود الركوع الثاني و الفراغ منه. و لكنّه يشكّ في صحّته و فساده، و مقتضى قاعدة الفراغ الجارية في نفس الركوع، البناء على وقوعه صحيحاً، و لا يقع صحيحاً إلّا إذا وقع في الركعة الثانية. و ليس هذا من اللوازم العقلية لإجراء القاعدة حتّى تكون من الاصول المثبتة، لأنّ التعبّد بوقوع الركوع في محلّه، مفاد القاعدة و مؤدّاها بلا واسطة. هذا خلاصة ما أفاده مقرّره رحمهما الله في «مستند العروة الوثقى»(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 162- 165.)

ص: 520

ص: 521

(مسألة 13): لو علم بعد الفراغ من الصلاة أنّه ترك سجدتين، و لم يدرِ أنّهما من ركعة واحدة،

أو من ركعتين، فالأحوط قضاء السجدة مرّتين، و كذا سجود السهو مرّتين، ثمّ إعادة الصلاة. و كذا إذا كان في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّي، و أمّا مع بقائه فالأقوى الإتيان بهما، و لا شي ء عليه (1).


1- العلم الإجمالي بترك سجدتين من ركعتين، يتصوّر على وجوه كثيرة نذكر بعضها: منها: أن يعلم بعد الفراغ من الصلاة بتركهما، و لكن لم يدرِ أنّهما من ركعتين، أو من ركعة سابقة، أو من ركعة لاحقة، فبناءً على كون التسليم مخرجاً عن الصلاة و مانعاً عن تدارك الفائت- كالدخول في الركن- يلزم الاحتياط عند المصنّف رحمه الله بإتمام الصلاة، و قضاء السجدتين، و سجود السهو مرّتين؛ لاحتمال كون المتروك السجدة الواحدة في كلّ من الركعتين، ثمّ إعادة الصلاة؛ لاحتمال تركهما من إحدى الركعتين. و لا يخفى: أنّه لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة السابقة؛ لتعارضها بجريانها في الركعة اللاحقة، و تساقطهما. نعم تجري القاعدة بالنسبة إلى السجدة الاولى من كلّ من الركعتين من غير تعارض بينهما؛ لعدم التكاذب، لاحتمال ترك السجدة الثانية فقط من كلّ من الركعتين، و حينئذٍ فلا يبعد صحّة الصلاة؛ لانحلال العلم الإجمالي تعبّداً، و يجزي قضاء السجدتين و سجود السهو مرّتين من غير حاجة إلى الإعادة؛ و إن كانت الإعادة أحوط، لاحتمال تركهما من إحدى الركعتين في الواقع. هذا كلّه بناءً على مخرجية التسليم. و بناءً على القول بعدم كون التسليم مخرجاً، فمع عدم وجود المنافي بعد التسليم فالواجب إتيان السجدتين؛ لكون الشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الأخيرة شكّاً في المحلّ، و بالنسبة إلى سجدتي الركعة السابقة تجري قاعدة التجاوز بلا معارض. و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما من ركعتين، و يحصل العلم به في الأثناء مع عدم بقاء المحلّ الشكّي، و لم يدرِ أنّهما من ركعتين، أو من الاولى، أو من الثانية، فحكم هذه الصورة حكم السابقة. و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما، و يكون في الأثناء، مع بقاء المحلّ الشكّي، كما لو جلس في الثانية مثلًا، و شكّ قبل الدخول في التشهّد، في أنّه ترك سجدتين من ركعتين، أو من الاولى، أو من الثانية، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بالشكّ بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى، و الحكم بتحقّقهما فيها، و لا تجري القاعدة بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية؛ لكون الشكّ فيها شكّاً في المحلّ، فيأتي بهما، و لا شي ء عليه. و في «المستمسك»: «بل يمتنع جريانها في الثانية منهما» أي من سجدتي الركعة الثانية «للعلم بعدم سقوط أمرها؛ إمّا للبطلان على تقدير تركهما من الاولى، أو لعدم الإتيان بها على تقدير المحتملين الآخرين؛ إذ مع العلم المذكور يمتنع التعبّد بالوجود، بل المرجع في اولى سجدتي الثانية قاعدة الشكّ في المحلّ الموجبة للتدارك، و مقتضى العلم بعدم سقوط أمر الاخرى هو ذلك أيضاً، فيتداركهما معاً في المحلّ، و يتمّ صلاته، و يكتفي بها»(مستمسك العروة الوثقى 7: 614.) و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما إمّا من الركعة الاولى، أو من الثانية، و لا يحتمل تركهما من الركعتين، و يكون شكّه في المحلّ، كما لو جلس في الثانية، و شكّ في فواتهما معاً من الاولى، أو من الثانية، فحكمه أن يأتي بسجدتي الركعة الثانية؛ لكون الشكّ بالنسبة إليهما شكّاً في المحلّ، حيث جلس و لم يدخل بعد في التشهّد، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى بلا معارض، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. و قد علّل السيّد الحكيم رحمه الله تدارك سجدتي الثانية: «بأنّه يعلم بعدم امتثال أمر سجدتي الثانية؛ إمّا للبطلان، أو لعدم الإتيان، فلا يمكن جريان الاصول المفرّغة فيهما. مضافاً إلى قصورها ذاتاً؛ لكون الشكّ في المحلّ، لا بعد التجاوز، و لا بعد الفراغ، و عليه فتجري في سجدتي الاولى بلا معارض»(نفس المصدر: 617.) و منها: أن يعلم إجمالًا بتركهما إمّا من الاولى، أو من الثانية، و يكون شكّه بعد تجاوز المحلّ، كما لو دخل في التشهّد في الثانية، أو قام في الثالثة، و حصل له العلم المذكور، و الحكم فيه كما في الرابعة، فيأتي بسجدتي الركعة الثانية، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه؛ حيث إنّه لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدتي الركعة الثانية، للعلم بعدم امتثال أمرهما؛ إمّا لبطلان الصلاة بتركهما من الركعة الاولى، أو لعدم إتيانهما في الركعة الثانية، و تجري بالنسبة إلى سجدتي الركعة الاولى بلا معارض.

ص: 522

ص: 523

ص: 524

(مسألة 14): لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية- مثلًا- أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع،

فالظاهر صحّة صلاته. و كذا لو حصل الشكّ بعد الفراغ من صلاته. و لو شكّ في الفرضين في أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة، تجب عليه الإعادة بعد الاحتياط بإتمام الصلاة و قضاء السجدة و سجدتي السهو (1).


1- قد تعرّض المصنّف رحمه الله هنا لمسائل ثلاث: الاولى: لو علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلًا أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع، فالظاهر صحّة صلاته؛ لجريان قاعدة التجاوز في الركوع، و لا تجري بالنسبة إلى القراءة؛ لعدم معارضتها بجريانها في الركوع، حيث إنّه لا أثر لنقص القراءة- الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي- في البطلان، و حينئذٍ فالمرجع في القراءة أصالة عدم الإتيان، و أثرها وجوب سجود السهو بناءً على القول بوجوبه لكلّ زيادة و نقيصة، فينحلّ العلم الإجمالي بجريان قاعدة التجاوز في الركوع و أصالة عدم الإتيان في القراءة، و يحكم بصحّة الصلاة و وجوب سجود السهو على القول به. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بوجوب إعادة الصلاة، و لكن الأحوط استحباباً إتمام الصلاة، و سجود السهو، ثمّ إعادة الصلاة(العروة الوثقى 2: 69- 70.) و لعلّ وجه وجوب الإعادة، هو سقوط قاعدة التجاوز في القراءة و الركوع بالمعارضة، و الرجوع إلى استصحاب عدم الإتيان بالركوع المقتضي للإعادة. و لا يعارضه استصحاب عدم إتيان القراءة لإثبات وجوب سجود السهو؛ لأنّ هذا الأثر يترتّب عليه فيما لو كانت الصلاة محكومةً بالصحّة، و المفروض بطلانها؛ لاستصحاب عدم الإتيان بالركوع. و فيه: أنّ الرجوع إلى هذا الاستصحاب لإثبات وجوب الإعادة، فرع جريان قاعدة التجاوز في كلّ من الركوع و القراءة و تساقطهما، و قد ذكرنا أنّها لا تجري بالنسبة إلى القراءة. الثانية: لو علم بعد الفراغ من صلاته أنّه إمّا ترك القراءة أو الركوع، فالحكم كما في المسألة الاولى؛ لتساويهما في عدم جواز الرجوع لتدارك الركوع- الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي- بعد فرض الدخول في السجدة الثانية. الثالثة: لو شكّ بعد ما دخل في السجدة الثانية أو بعد الفراغ من الصلاة؛ في أنّه ترك سجدة من الركعة السابقة، أو الركوع من هذه الركعة، فقد حكم المصنّف رحمه الله هنا بوجوب الإعادة عليه بعد الاحتياط بإتمام الصلاة و قضاء السجدة و سجدتي السهو. و لعلّه لتعارض قاعدة التجاوز في الطرفين، و حينئذٍ فيرجع إلى مقتضى العلم الإجمالي؛ و هو الاحتياط بإتمام الصلاة، و قضاء السجدة، و سجدتي السهو، ثمّ إعادة الصلاة. و لا يخفى: أنّه لا فرق بين هذا الفرض؛ و هو كون أحد طرفي العلم الإجمالي ترك إحدى السجدتين، و بين الفرض السابق- و هو كون أحدهما ترك القراءة- في جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الركوع، و عدم جريانها بالنسبة إلى الطرف الآخر من العلم الإجمالي، و المرجع في كلّ من الفرضين أصالة عدم الإتيان، فيجب سجود السهو على الفرض الأوّل؛ بناءً على وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة، و قضاء السجدة و سجود السهو على الفرض الثاني.

ص: 525

ص: 526

(مسألة 15): لو علم قبل أن يدخل في الركوع أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة،

فمع بقاء المحلّ الشكّي فالأقوى الاكتفاء بإتيان القراءة. و كذا في كلّ علم إجماليّ مشابه لذلك، و مع التجاوز عن المحلّ لزوم العود لتداركهما مع بقاء محلّ التدارك (1).


1- لو قام من الركعة الاولى، و علم حال القيام قبل أن يدخل في الركوع؛ أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة الاولى، أو ترك القراءة من الركعة التي هي بيده، فحينئذٍ إن كان شكّه في المحلّ فالأقوى إتيان القراءة؛ لكون الشكّ فيها شكّاً في المحلّ، و يكتفى بها. و لا يعتني بالشكّ في السجدتين؛ لأنّ الشكّ فيهما بعد تجاوز المحلّ. و كذا الحال في كلّ علم إجمالي مشابه لذلك. و إن كان شكّه بعد تجاوز المحلّ- كما لو دخل في السورة، و شكّ في أنّ المتروك هو الحمد، أو السجدتان، أو دخل في القنوت، و شكّ في أنّ المتروك هو القراءة، أو السجدتان- فالأقوى لزوم العود و تدارك كلّ من السجدتين و القراءة؛ لتنجّز العلم الإجمالي، و عدم جريان قاعدة التجاوز في شي ء من الطرفين؛ لتعارضهما. و في صلاة الحائري رحمه الله: «و يحتمل وجوب العود إلى القراءة فقط؛ فإنّ وجوبها معلوم على كلّ تقدير، لأنّه إن ترك السجدتين فالقراءة وقعت في غير محلّها، و إن ترك القراءة فيجب إتيانها، فوجوب القراءة ثابت على أيّ حال، فيكون الشكّ بالنسبة إلى ترك السجدتين بدويّاً»(الصلاة، المحقّق الحائري: 425- 426.) ، انتهى. هذا كلّه مع بقاء محلّ التدارك. و مع فواته- كما دخل في الركوع، و علم أنّه إمّا ترك سجدتين من الركعة الاولى، أو قراءة الركعة الثانية التي هي بيده- فمقتضى العلم الإجمالي إتمام الصلاة؛ لاحتمال كون المتروك هو القراءة، و سجود السهو؛ بناءً على وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة، ثمّ إعادة الصلاة؛ لاحتمال ترك السجدتين مع عدم إمكان تداركهما.

ص: 527

(مسألة 16): لو علم بعد القيام إلى الثالثة أنّه ترك التشهّد و شكّ في أنّه ترك السجدة أيضاً أم لا

فالأقوى الاكتفاء بإتيان التشهّد (1).


1- الوجه في الاكتفاء بإتيان التشهّد و عدم وجوب السجدة في مفروض المسألة؛ هو أنّه حال القيام قد علم بترك التشهّد، فوجب تداركه، و السجدة المشكوكة قد تجاوز محلّها، فلا يجب تداركها. و لا يرد عليه: أنّه بعد هدم القيام و الجلوس للتشهّد، يكون شكّه بالنسبة إلى السجدة شكّاً في المحلّ، فيجب إتيانها؛ و ذلك لوضوح حدوث الشكّ في إتيان السجدة حال القيام قبل حالة الجلوس، و المعيار في الشكّ زمان حدوثه. و المعتبر عند المصنّف رحمه الله في قاعدة التجاوز، هو التجاوز عن محلّ المشكوك و إن لم يدخل في الغير المترتّب عليه(الاستصحاب، الإمام الخميني قدس سره: 329.) ، و القائلون باعتبار الدخول في الغير المترتّب على المشكوك فيه في قاعدة التجاوز، لا يكتفون في مفروض المسألة بإتيان التشهّد فقط، بل يلتزمون بإتيان السجدة و التشهّد معاً و إتمام الصلاة من غير حاجة إلى الإعادة، فالتزامهم بإتيان السجدة لأجل كون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً في المحلّ؛ إذ لم يدخل بعد في الغير المترتّب على المشكوك فيه؛ لأنّه مع العلم بترك التشهّد يكون القيام ملغًى، لا مترتّباً عليه، و في الحقيقة يكون شكّه في ترك السجدة بعد القيام الزائد الملغى- مع العلم بترك التشهّد- شكّاً في المحلّ من حين حدوثه، و قبل أن يهدم القيام. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» بعد احتمال كفاية الإتيان بالتشهّد في مفروض المسألة-: «و الأحوط الإعادة بعد الإتمام؛ سواء أتى بهما، او بالتشهّد فقط»(العروة الوثقى 2: 72.)، انتهى. و هذا الاحتياط الذي ذكره رحمه الله مبني على المبنيين في قاعدة التجاوز؛ من اعتبار الدخول في الغير المترتّب عليه، و عدم اعتباره، حيث إنّه تحتمل الزيادة العمدية إذا أتى بكلّ من السجدة و التشهّد؛ بناءً على عدم اعتبار الدخول في الغير المترتّب على المشكوك فيه في القاعدة، كما أنّه تحتمل النقيصة العمدية إذا اكتفى بالتشهّد فقط؛ بناءً على اعتبار الدخول في الغير المترتّب عليه، و حينئذٍ فيلزم الاحتياط جمعاً بين المبنيين المذكورين في قاعدة التجاوز.

ص: 528

ص: 529

(مسألة 17): لو علم إجمالًا أنّه أتى بأحد الأمرين- من السجدة و التشهّد- من غير تعيين،

و شكّ في الآخر، فإن كان بعد الدخول في القيام لم يعتنِ بشكّه، و إن كان في المحلّ الشكّي فالظاهر جواز الاكتفاء بالتشهّد، و لا شي ء عليه (1).


1- وجه عدم الاعتناء بالشكّ فيما لو علم بعد الدخول في القيام بإتيان أحد الأمرين- من السجدة و التشهّد- من غير تعيين و شكّ في إتيان الآخر منهما، هو جريان قاعدة التجاوز في كلّ من السجدة و التشهّد بلا تعارض، بل تجري القاعدة حتّى مع الشكّ حال القيام في إتيان كلّ من السجدة و التشهّد. و هذا ممّا لا كلام و لا إشكال فيه. و إنّما الإشكال فيما لو كان شكّه قبل تجاوز المحلّ، كما لو شكّ حال الجلوس في إتيان أحدهما مع العلم بإتيان الآخر، و حينئذٍ فالواجب هو الإتيان بالتشهّد؛ لكون الشكّ بالنسبة إليه شكّاً قبل تجاوز المحلّ، و أمّا السجدة فالظاهر عدم وجوبها؛ لأنّ المأتي به في الواقع إن كان هو السجدة، فقد سقط أمرها بالامتثال. و إن كان التشهّد فيكون الشكّ في السجدة شكّاً بعد تجاوز المحلّ، فلا يعتنى به. و بالجملة: لا يجب إتيان السجدة إمّا للإتيان بها واقعاً، أو للإتيان بها تعبّداً ببركة قاعدة التجاوز، فيكتفي بالتشهّد، و لا شي ء عليه. قد يقال- كما عن السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها-: إنّه لا يجب عليه إتيان السجدة أيضاً لأنّه شاكّ في كلّ منهما مع بقاء المحلّ، و لا يجب الإعادة بعد الإتمام و إن كان أحوط(العروة الوثقى 2: 72- 73.) و فيه: أنّ الإتيان بهما معاً يوجب العلم بالزيادة العمدية الموجبة للبطلان؛ لأنّ المفروض العلم بإتيان أحدهما في الواقع، فإتيانه ثانياً- في ضمن إتيانهما معاً- زيادة عمدية.

ص: 530

(مسألة 18): لو علم أنّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة أو التشهّد من هذه الركعة،

فإن كان جالساً أتى بالتشهّد و أتمّ الصلاة، و لا شي ء عليه.

و إن نهض إلى القيام- أو بعد الدخول فيه- فشكّ، فالأقوى وجوب العود لتدارك التشهّد و الإتمام و قضاء السجدة و سجود السهو، و كذا الحال في نظائر المسألة، كما إذا علم أنّه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة أو من هذه الركعة (1).


1- الوجه في إتيان التشهّد و الاكتفاء به و إتمام الصلاة- من غير حاجة إلى إتيان السجدة قضاءً بعد الفراغ من الصلاة- فيما إذا علم أنّه ترك إمّا السجدة من الركعة السابقة، أو التشهّد من هذه الركعة التي هي بيده مع كونه جالساً، هو كون الشكّ بالنسبة إلى التشهّد شكّاً في المحلّ، و بالنسبة إلى السجدة شكّاً بعد تجاوز المحلّ، فحينئذٍ ينحلّ العلم الإجمالي. و الوجه في وجوب العود لتدارك التشهّد و إتمام الصلاة و قضاء السجدة و سجود السهو؛ فيما إذا نهض إلى القيام أو دخل فيه، و علم بترك السجدة من الركعة السابقة، أو التشهّد من هذه الركعة، هو استصحاب عدم إتيان كلّ من السجدة و التشهّد بعد تساقط قاعدة التجاوز من الطرفين بالتعارض، فيلزم العود لتدارك التشهّد، و قضاء السجدة بعد الفراغ من الصلاة، و سجود السهو مرّتين؛ مرّة لنسيان السجدة، و اخرى لزيادة القيام على فرض الدخول فيه و القول بالوجوب فيها. هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى العلم الإجمالي، هو العود إلى التشهّد و قضاء السجدة بعد الفراغ من الصلاة و سجدتا السهو لنسيانها؛ لأنّه يعلم إجمالًا بوجوب أحد الأمرين، و لا حاجة إلى إعادة الصلاة. و هذا الوجه يجري في نظائر المسألة أيضاً حرفاً بحرف، كما إذا علم أنّه ترك سجدة إمّا من الركعة السابقة، أو من هذه الركعة، فإن كان الشكّ قبل الدخول في التشهّد يأتي بسجدة هذه الركعة، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه، و إن كان بعد الدخول في التشهّد يأتي بسجدة هذه الركعة، و يتمّ صلاته، و يقضي سجدة الركعة السابقة، و يأتي بسجود السهو. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «و إن كان حال النهوض إلى القيام أو بعد الدخول فيه، مضى و أتمّ الصلاة، و أتى بقضاء كلّ منهما مع سجدتي السهو، و الأحوط إعادة الصلاة أيضاً»(العروة الوثقى 2: 73.) و لعلّ وجه المضيّ في الصلاة و إتمامها، جريان قاعدة التجاوز في كلّ من سجدة الركعة السابقة و تشهّد هذه الركعة. و العلم الإجمالي في المقام ليس منجّزاً حتّى يجب العود لتدارك التشهّد؛ لعدم فعلية المعلوم بالإجمال بالنسبة إلى كلّ من طرفيه، لأنّ المتروك إن كان هو التشهّد فهو مأمور به فعلًا، و أمّا إن كان هو السجدة فهي غير مأمورٍ بقضائها فعلًا؛ لحدوث الأمر بقضائها بعد الفراغ من الصلاة. و اورد عليه(المستند في شرح العروة الوثقى 19: 197- 198.) أوّلًا: أنّه لا يشترط في تنجيز العلم الإجمالي فعلية طرفيه كليهما، بل لو كان الحكم في أحد الطرفين فعلياً في الحال، و في الطرف الآخر فعلياً في الاستقبال، كان كافياً في التنجيز. و ثانياً: أنّه قد امر فعلًا و حين حدوث العلم الإجمالي، بقضاء السجدة بعد الفراغ من الصلاة، فيجب عليه في الحال قضاء السجدة بعد الفراغ، كالواجب التعليقي، و حينئذٍ فقاعدة التجاوز تجري في الطرفين، و تسقط بالتعارض، فيرجع إلى استصحاب عدم إتيان السجدة و التشهّد كليهما، و يعود و يتدارك التشهّد، و يقضي السجدة بعد الفراغ من الصلاة، و يسجد سجدتي السهو مرّتين، كما ذكرنا.

ص: 531

ص: 532

(مسألة 19): لو تذكّر و هو في السجدة أو بعدها من الركعة الثانية

- مثلًا- أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الاولى و ترك- أيضاً- ركوع هذه الركعة، جعل السجدة أو السجدتين للركعة الاولى، و قام و قرأ و قنت و أتمّ صلاته، و لا شي ء عليه. و كذا الحال في نظير المسألة بالنسبة إلى سائر الركعات (1).


1- إذا كان في السجدة الاولى أو الثانية أو بعدهما من الركعة الثانية مثلًا، و تذكّر أنّه ترك سجدة أو سجدتين من الركعة الاولى نسياناً، و ترك ركوع الركعة الثانية أيضاً كذلك، جعل السجدة أو السجدتين- المأتي بها بعنوان سجدة الركعة الثانية- للركعة الاولى، و في الحقيقة قد بقي محلّ التدارك لسجدة الركعة الاولى؛ حيث لم يدخل في ركوع الركعة الثانية، فكان قيامه و قراءته و قنوته زوائد لا تخلّ بالصلاة. نعم هي توجب سجود السهو بناءً على القول بوجوبه لكلّ زيادة و نقيصة. لو كان المنسي من الركعة الاولى سجدة واحدة و أتى بسجدتين في الركعة الثانية، جعل إحداهما للركعة الاولى، و تكون الاخرى زائدة، و بعد أن جعل السجدة- المأتي بها بعنوان الركعة الثانية- للركعة الاولى يقوم إلى الركعة الثانية، و يتمّ صلاته.

ص: 533

(مسألة 20): لو صلّى الظهرين، و قبل أن يسلّم للعصر علم إجمالًا أنّه إمّا ترك ركعة من الظهر،

و التي بيده رابعة العصر، أو أنّ ظهره تامّة و هذه الركعة ثالثة العصر، يبني على أنّ الظهر تامّة، و بالنسبة إلى العصر يبني على الأكثر و يتمّ و يأتي بصلاة الاحتياط، و يحتمل جواز الاكتفاء بركعة متّصلة بقصد ما في الذمّة. و كذلك الحال في المغرب و العشاء (1).


1- وجه البناء على تمامية الظهر في مفروض المسألة، جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليها، و بالنسبة إلى العصر تجري قاعدة البناء على الأكثر، و إتيان صلاة الاحتياط لكونه شاكّاً بين الثلاث و الأربع قبل أن يفرغ من الصلاة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- بعد أن ذكر أنّ مقتضى قاعدة الفراغ تمامية الظهر، و مقتضى قاعدة البناء على الأكثر الحكم بكون ما بيده رابعة العصر و إتيان صلاة الاحتياط بعد إتمامها-: «إلّا أنّه لا يمكن إعمال القاعدتين معاً؛ لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة، و إن كان ما بيده رابعة فلا تكون الظهر تامّة، فيجب إعادة الصلاتين؛ لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين. نعم الأحوط الإتيان بركعة اخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين؛ لاحتمال كون قاعدة الفراغ من الأمارات»(العروة الوثقى 2: 77- 78.)، انتهى. يعني أنّه يلزم من إعمال القاعدتين مخالفة قطعية؛ للجزم بكون إحدى الصلاتين ثلاث ركعات، و حينئذٍ فإن كانت الظهر في الواقع تامّةً، لم تكن العصر مورداً لقاعدة البناء على الأكثر؛ إذ يلزم إتيان ركعة متصلة لا مفصولة، و إن كانت العصر تامّة لم تكن الظهر مورداً لقاعدة الفراغ، فتتعارض القاعدتان، و حيث لا ترجيح لإحداهما على الاخرى فتتساقطان، و حينئذٍ تجب إعادة الصلاتين. و فيه: أنّ نقصان الظهر تدفعه قاعدة الفراغ، حيث تجعلها تامّة تعبّداً، و النقص المحتمل في العصر يتدارك بصلاة الاحتياط ببركة قاعدة البناء على الأكثر. و أمّا احتمال الاكتفاء بركعة متصلة بما في يده بقصد ما في الذمّة، فقد أشار المصنّف رحمه الله إلى وجهه في حاشيته على «العروة الوثقى» بقوله: «للعلم بنقصان ركعة إمّا من الظهر، أو من العصر، فيأتي بركعة متصلة لجبر الناقص بعد ما قوّينا من عدم إبطال إقحام صلاة في صلاة نسياناً، و كون الترتيب للماهيّتين، لا لأجزائهما»(العروة الوثقى 2: 77/ الهامش 3.)، انتهى. و قال المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته: «و يمكن أن يقال: إنّ دليل وجوب البناء على الأكثر لا يشمل مثل المقام، فتبقى قاعدة الشكّ بعد الفراغ بالنسبة إلى السابقة، سليمةً عن المعارض؛ فإنّه لو بنى في الفرض على الأربع و يتشهّد و يسلّم، يقطع بعدم صحّة ذلك التشهّد و التسليم؛ فإنّهما إمّا واقعان في الركعة الثالثة، أو واقعان على خلاف الترتيب المعتبر في الثانية، و مقتضى ذلك الحكم بصحّة السابقة؛ للشكّ بعد الفراغ، و بطلان الثانية؛ لعدم العلاج»(الصلاة، المحقّق الحائري: 430- 431.)، انتهى. و هذا القول مبني على اعتبار الترتيب في جميع أجزاء الواجبين المترتّبين.

ص: 534

ص: 535

(مسألة 21): لو صلّى الظهرين ثماني ركعات و العشاءين سبع ركعات،

لكن لم يدرِ أنّه صلّاها صحيحة، أو نقص من إحدى الصلاتين ركعة و زاد في قرينتها، صحّت و لا شي ء عليه (1).

(مسألة 22): لو شكّ- مع العلم بأنّه صلّى الظهرين ثماني ركعات- قبل السلام من العصر؛

في أنّه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر، أو صلّاها خمساً فالتي بيده ثالثة العصر، يبني على صحّة صلاة ظهره، و بالنسبة إلى العصر يبني على الأربع و يعمل عمل الشكّ. و كذا الحال في العشاءين إذا شكّ- مع العلم بإتيان سبع ركعات- قبل السلام من العشاء في أنّه سلّم في المغرب على الثلاث أو على الأربع (2).


1- هذه المسألة ممّا لا إشكال فيها، فتجري قاعدة الفراغ في كلّ من الصلاتين بلا مانع.
2- وجه البناء على صحّة صلاة الظهر في مفروض المسألة، جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليها؛ لكون الشكّ فيها شكّاً بعد السلام، فلا يعتنى به، و الشكّ بالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث و الأربع، فيبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و يأتي بركعة الاحتياط. و لو شكّ في مفروض المسألة في أنّه صلّى الظهر ثلاث ركعات و التي بيده خامسة العصر، فبالنسبة إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ، و بالنسبة إلى العصر يكون شكّه شكّاً بين الأربع و الخمس، فيبني على الأربع؛ إذا كان بعد إكمال السجدتين، فيتشهّد و يسلّم و يسجد سجدتي السهو. و كذا الحال في العشاءين إذا علم قبل السلام بإتيان سبع ركعات، و شكّ في أنّه سلّم من المغرب على ثلاث، فالتي بيده رابعة العشاء، أو سلّم على الأربع، فالتي بيده ثالثة العشاء، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى المغرب، و شكّه بالنسبة إلى العشاء شكّ بين الثلاث و الأربع، فيبني على الأربع، و بعد إتمام الصلاة يأتي بركعة الاحتياط. و لو شكّ في أنّه سلّم في المغرب على الاثنتين و التي بيده خامسة العشاء، يكون شكّه بالنسبة إلى المغرب شكّاً بعد السلام، فلا يعتني به، و بالنسبة إلى العشاء شكّاً بين الأربع و الخمس، فيبني على الأربع، و يتمّ صلاته، و يسجد سجدتي السهو لأجل الشكّ بين الأربع و الخمس بعد إكمال السجدتين.

ص: 536

(مسألة 23): لو علم أنّه صلّى الظهرين تسع ركعات، و لم يدرِ أنّه زاد ركعة في الظهر أو في العصر،

فإن كان بعد السلام من العصر، وجب عليه إتيان صلاة أربع ركعات بقصد ما في الذمّة. و إن كان قبل السلام، فإن كان قبل إكمال السجدتين، فالظاهر الحكم ببطلان الثانية و صحّة الاولى، و إن كان بعده عدل إلى الظهر و أتمّ الصلاة و لا شي ء عليه (1).


1- وجه وجوب إتيان أربع ركعات بقصد ما في الذمّة- فيما لو صلّى الظهرين تسع ركعات، و كان بعد السلام، و لم يدرِ أنّه زاد ركعة في الظهر أو العصر- العلم الإجمالي بفساد إحدى الصلاتين و صحّة الاخرى. و المفروض تساقط قاعدة الفراغ في الصلاتين بالتعارض، فإذا كانت الفاسدة واحدة مردّدة بين الصلاتين المتجانستين، كانت الذمّة مشغولة بها، فيأتي بها بنيّة ما في الذمّة. و لو كان علمه المفروض في المسألة قبل السلام و قبل إكمال السجدتين، فالظاهر الحكم ببطلان الثانية و صحّة الاولى؛ أمّا بطلان الثانية فللقطع به، إمّا لزيادة الركعة على تقدير كونها خمس ركعات في الواقع، أو لفقد الترتيب على تقدير كون صلاة الظهر خمساً في الواقع، و أمّا صحّة الاولى فلكون الشكّ بالنسبة إليها شكّاً بعد الفراغ، فتجري فيها قاعدة الفراغ بلا معارض. و لو كان شكّه قبل السلام و بعد إكمال السجدتين، فحكمه و إن كان البناء على الأربع و إتمام الصلاة و سجود السهو، إلّا أنّ هذا الحكم لا يجري في العصر؛ للقطع ببطلانها؛ إمّا لزيادة الركعة، أو لفقد الترتيب. و حينئذٍ فيعدل عمّا بيده إلى الظهر، و يتمّ الصلاة ظهراً، و لا شي ء عليه بالنسبة إلى الظهر، و يحصل له اليقين بإتيان ظهر صحيحة مردّدة بين الاولى على تقدير الزيادة في الثانية، و بين الثانية على تقدير الزيادة في الاولى، فتتعيّن عليه إعادة العصر فقط.

ص: 537

(مسألة 24): لو علم أنّه صلّى العشاءين ثماني ركعات، و لا يدري أنّه زاد الركعة في المغرب أو العشاء،

وجبت إعادتهما مطلقاً إلّا فيما كان الشكّ قبل إكمال السجدتين، فإنّ الظاهر الحكم ببطلان الثانية و صحّة الاولى (1).


1- وجه وجوب إعادة الصلاتين فيما إذا كان الشكّ بعد الفراغ من العشاء، تساقط قاعدة الفراغ بالتعارض من الطرفين، و الجزم بفساد إحدى الصلاتين المختلفتين في عدد الركعات، و مقتضى العلم الإجمالي إعادتهما. و يجوز له العدول عمّا بيده إلى المغرب ما دام لم يدخل في ركوع الركعة التي هي بيده، فيهدم القيام و يجلس، و يتمّ صلاته، و يقطع بحصول مغرب صحيحة؛ إمّا بما أتى به أوّلًا على فرض كون الزيادة فيما بيده، و إمّا بالعدول على فرض كون الزيادة فيما أتى به أوّلًا، و حينئذٍ فيعيد العشاء فقط. و أمّا بعد الدخول في الركوع- سواءٌ كان قبل إكمال السجدتين، أو بعده- فلا تصلح ما بيده للصحّة؛ للقطع بفساده، إمّا للزيادة، و إمّا لفقد الترتيب على فرض فساد المغرب بالزيادة، و حينئذٍ فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى المغرب، فيعيد العشاء.

ص: 538

(مسألة 25): لو صلّى صلاة ثمّ اعتقد عدم الإتيان بها و شرع فيها،

و تذكّر قبل السلام أنّه كان آتياً بها، لكن علم بزيادة ركعة- إمّا في الاولى أو الثانية- له أن يكتفي بالاولى و يرفع اليد عن الثانية (1).


1- وجه الاكتفاء بالاولى و رفع اليد عن الثانية في مفروض المسألة، جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الاولى بلا معارض، فإذا صحّت الاولى تعبّداً ببركة القاعدة تكون الصلاة الثانية لغواً. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «له أن يتمّ الثانية و يكتفي بها؛ لحصول العلم بالإتيان بها إمّا أوّلًا، أو ثانياً، و لا يضرّه كونه شاكّاً في الثانية بين الثلاث و الأربع- مع أنّ الشكّ في ركعات المغرب موجب للبطلان- لما عرفت سابقاً من أنّ ذلك إذا لم يكن هناك طرف آخر يحصل معه اليقين بالإتيان صحيحاً»(العروة الوثقى 2: 83.)، انتهى. يعني أنّ الشكّ ليس في ركعات المغرب حتّى يكون مبطلًا، و إنّما الشكّ في أنّ المغرب هل هي الاولى أو الثانية مع الجزم بصحّة إحداهما.

ص: 539

(مسألة 26): لو شكّ في التشهّد و هو في المحلّ الشكّي- الذي يجب الإتيان به- ثمّ غفل و قام،

ليس شكّه بعد تجاوز المحلّ، فيجب عليه الجلوس للتشهّد. و لو كان المشكوك فيه الركوع ثمّ دخل في السجود، يرجع و يركع و يُتمّ الصلاة و يُعيدها احتياطاً، و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته. و لو كان المشكوك فيه غير ركن، و تذكّر بعد الدخول في الركن، صحّت و أتى بسجدتي السهو إن كان ممّا يوجب ذلك (1).


1- لو جلس بعد إكمال السجدتين و شكّ حال الجلوس في إتيان التشهّد، كانت وظيفته الإتيان. و لو غفل عن إتيانه و قام فالظاهر عدم جريان حكم الشكّ بعد المحلّ عليه؛ لأنّ هذا الشكّ لم يحدث حال القيام، بل قد حدث في المحلّ، و هو باقٍ بحاله و لم يزل بالغفلة، و هو كمن نسي التشهّد و قام و تذكّر حال القيام نسيان التشهّد، فيجب عليه الجلوس للتشهّد. و لو شكّ في الركوع حال القيام وجب عليه الركوع، فلو غفل عن إتيان الركوع و دخل في السجود، وجب عليه الرجوع و تدارك الركوع؛ لحدوث الشكّ في الركوع حال القيام قبل الهوي إلى السجود، و لعلّ وجه الاحتياط بإعادة الصلاة احتمال زيادة الركوع. و لو تذكّر بعد الدخول في السجدة الثانية بطلت صلاته؛ لعدم إمكان الرجوع لتدارك الركوع بعد الدخول في الركن. و لو كان المشكوك فيه غير ركن، و تذكّر بعد الدخول في الركن، و كان ممّا يوجب سجدتي السهو، كما لو شكّ في السجدة الأخيرة قبل الدخول في التشهّد، و غفل عن إتيان السجدة، أو شكّ في التشهّد حال الجلوس، و غفل عن إتيانه و قام حتّى دخل في الركوع، ثمّ تذكّر عدم إتيان السجدة أو التشهّد، فحينئذٍ تصحّ صلاته، و يأتي بسجدة السهو. و لو لم يكن ممّا يوجب سجدتي السهو فلا شي ء عليه، كمن شكّ في الحمد قبل أن يشرع في السورة، حيث تجب عليه قراءة الحمد، أو شكّ في القراءة قبل أن يركع، فإنّه تجب عليه القراءة، فلو غفل و لم يقرأ حتّى دخل في الركوع يمضي في صلاته و يتمّها، و لا شي ء عليه.

ص: 540

(مسألة 27): لو علم نسيان شي ء قبل فوات محلّ المنسيّ، و وجب عليه التدارك،

فنسي حتّى دخل في ركن بعده، ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّاً، يحكم بالصحّة إن كان ذلك الشي ء رُكناً، و بعدم وجوب القضاء و سجدتي السهو فيما يوجب ذلك. هذا إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّي، و أمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال و إن لا يخلو من قرب (1).


1- لو نسي شيئاً من الصلاة- ركناً كان أو غير ركن- و التفت إلى نسيانه قبل فوات محلّ المنسيّ، وجب عليه التدارك، فلو نسي التدارك حتّى دخل في ركن بعده، ثمّ انقلب علمه بالنسيان شكّاً، فهل تجري قاعدة التجاوز و البناء على الإتيان و الحكم بصحّة الصلاة إن كان المشكوك ركناً، و عدم وجوب القضاء و سجدتي السهو فيما كان سجدة واحدة أو تشهّداً، و عدم وجوب شي ء عليه فيما لو كان غير ذلك، أو لا تجري القاعدة، بل يلزم عليه اتباع وظيفته التي كانت قبل انقلاب علمه بالنسيان شكّاً؛ أي وجوب إعادة الصلاة؛ لبطلانها فيما إذا كان ما كلّف بتداركه ركناً، لعدم إمكان التدارك بعد الدخول في ركن آخر، و وجوب إتمام الصلاة و قضاء المنسي و سجدتي السهو فيما إذا كان سجدة واحدة أو تشهّداً، و وجوب سجدتي السهو فقط فيما إذا كان غير ذلك؛ بناءً على وجوبهما لكلّ زيادة و نقيصة؟ وجهان: وجه جريان قاعدة التجاوز حدوث الشكّ بعد تجاوز المحلّ، فيشمله عموم دليل قاعدة التجاوز. و مجرّد حصول العلم بالنسيان سابقاً الموجب لترتيب الآثار المذكورة- من بطلان الصلاة، و وجوب القضاء، و سجدتي السهو- غير مجدٍ؛ لزواله و انقلابه بالشكّ. و وجه عدم جريانها سبق العلم بالنسيان، و آنذاك كان مكلّفاً بالتدارك، فتبطل الصلاة فيما كان ما كلّف بتداركه ركناً؛ لعدم إمكانه بعد الدخول في ركن آخر، و يجب القضاء و سجدتا السهو فيما كان سجدة واحدة أو تشهّداً، أو لم يجب شي ء، كما في غيرها. و الظاهر هو جريان القاعدة؛ لأنّ العلم بالنسيان قد زال حقيقة و انقلب إلى الشكّ بعد أن دخل في الركن، فيعامل معاملة الشكّ بعد تجاوز المحلّ، فلا يعتني به، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه، هذا كلّه فيما إذا عرض العلم بالنسيان بعد المحلّ الشكّي. و أمّا إذا كان في محلّه فهو محلّ إشكال، و وجه الإشكال ما أشار إليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بقوله: «أمّا إذا كان قد حصل العلم بعدم فعل الجزء و هو في محلّه، فنسي حتّى دخل في الجزء الذي بعده، فتبدّل علمه بالشكّ، ففي عموم القاعدة له منع؛ لانصراف دليلها عن ذلك»(مستمسك العروة الوثقى 7: 650- 651.)، انتهى. و في بعض الحواشي «للعروة»: «و أمّا لو علم بالنسيان قبل ذلك- كما لو علم بنسيان التشهّد أو السجدة في حال الجلوس مثلًا، و غفل عن الإتيان حتّى دخل في ركن آخر- ثمّ شكّ فيشكل إجراء قاعدة الشكّ بعد المحلّ؛ لعدم كونه حين العمل أذكر»(العروة الوثقى 3: 368/ الهامش 2( ط- مؤسسة النشر الإسلامي).)

ص: 541

ص: 542

(مسألة 28): لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي- عمداً أو سهواً- نقصان الصلاة،

و شكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيبني على الأكثر و يأتي بركعة، و يأتي بصلاة الاحتياط و يسجد سجدتي السهو لزيادة السلام احتياطاً. و كذا لو تيقّن نقصان ركعة، و بعد الشروع فيها شكّ في ركعة اخرى. و على هذا إذا كان ذلك في صلاة المغرب يحكم ببطلانها (1).


1- لو تيقّن بعد السلام و بعد فعل المنافي- و لو سهواً- نقصان صلاته و لو ركعةً، بطلت و يعيدها؛ سواء علم تفصيلًا بمقدار الناقص، أو شكّ فيه بين ركعة و ركعتين. و لو تيقّن بعد السلام و قبل فعل المنافي- عمداً أو سهواً- نقصانها، و شكّ في أنّ الناقص ركعة أو ركعتان، فهل يكتفي بالركعة الواحدة موصولة؛ للقطع بزيادة السلام، و تجري قاعدة الشكّ بعد الفراغ بالنسبة إلى الركعة المشكوكة، أو يتعامل مع هذه الصلاة معاملة الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيبني على الثلاث، و يأتي بركعة اخرى موصولة، و بعد الفراغ يأتي بصلاة الاحتياط، و يسجد سجدتي السهو لزيادة السلام؟ في المسألة وجهان: و الوجهان جاريان فيما إذا تيقّن بعد السلام و قبل إتيان المنافي، بنقصان ركعة واحدة، فيجب عليه إتيانها موصولة، ثمّ شكّ بعد الشروع فيها في ركعة اخرى، ففي الرباعية يرجع شكّه أيضاً إلى الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و وظيفته البناء على الأكثر و الإتيان بالركعة الرابعة التي هي بيده و شرع فيها موصولةً، و إتمام الصلاة، و إتيان ركعة الاحتياط، و سجدتي السهو لزيادة السلام. وجه الأوّل: أنّ الركعة الواحدة متيقّن تركها، فيجب إتيانها موصولةً، و لا يعتنى بالشكّ في الركعة الاخرى؛ لكونه شكّاً بعد السلام. و وجه الثاني: أنّ نقصان ركعة جزماً، يقتضي كون السلام زائداً و واقعاً في غير محلّه، و حينئذٍ يكون الشكّ في الزائدة على الركعة الواحدة، شكّاً في الأثناء بين الاثنتين على فرض كون الناقص ركعتين في الواقع، و بين الثلاث على فرض كونه ركعةً؛ فمقتضى القاعدة البناء على الثلاث و الإتيان بركعة موصولة، و إتمام الصلاة، ثمّ الإتيان بركعة الاحتياط و سجدتي السهو؛ للسلام في غير محلّه. و المختار هو الوجه الثاني، و الوجه الأوّل ضعيف غايته، بل لا تجري قاعدة الشكّ بعد السلام؛ لأنّ موردها ما إذا كان فارغاً من الصلاة بالسلام الواقع في محلّه، و المفروض في المسألة زيادة السلام بالجزم بنقص ركعة واحدة، فهو إذن في أثناء الصلاة، و لم يفرغ منها بعدُ. و تظهر ثمرة الوجهين المزبورين فيما إذا حصل هذا الشكّ في صلاة المغرب، فبناءً على جريان قاعدة التجاوز يحكم بالصحّة، و بناءً على كونه من قبيل الشكّ في الركعات تبطل الصلاة؛ لوقوع الشكّ فيها قبل الفراغ، و هو موجب للبطلان في المغرب.

ص: 543

ص: 544

(مسألة 29): لو تيقّن بعد السلام قبل إتيان المنافي نقصان ركعة،

مّ شكّ في أنّه أتى بها أم لا، يجب عليه الإتيان بركعة متّصلة. و لو كان ذلك الشكّ قبل السلام فالظاهر جريان حكم الشكّ من البناء على الأكثر في الرباعيّة، و الحكم بالبطلان في غيرها (1).


1- إذا سلّم و تيقّن قبل فعل المنافي بنقصان ركعة، ثمّ شكّ في إتيانها، فهل يجب عليه إتيانها موصولة، أو يجري عليه حكم الشكّ في عدد الركعات، فيبني على الأربع، و يتمّ صلاته، و يأتي بركعة الاحتياط؟ وجهان: وجه الأوّل هو استصحاب عدم الإتيان بها و قاعدة الاشتغال المقتضية للبراءة اليقينية. و وجه الثاني عموم دليل قاعدة البناء على الأكثر و شموله للمسألة. و المختار هو الأوّل؛ لما ذكرنا من الاستصحاب و قاعدة الاشتغال، فيجزي الإتيان بركعة متصلة، و يحصل القطع ببراءة الذمّة، و يأمن من الزيادة و النقيصة؛ لأنّه على تقدير الإتيان بالركعة المقطوع تركها و المشكوك إتيانها واقعاً، يكون ما أتى به ثانياً لغواً؛ لوقوعها بعد تمامية الركعة الواجبة بتسليمها، لا زيادةً في الصلاة، و على تقدير عدم الإتيان بها واقعاً يكون ما أتى به متصلًا تمام الصلاة. هذا كلّه فيما إذا كان الشكّ في الإتيان بعد السلام. و أمّا لو كان قبل السلام، فالظاهر جريان حكم الشكّ؛ أي البناء على الأكثر في الرباعية، لكونه من مصاديقه، حيث إنّه يشكّ بين الثلاث و الأربع، مع فرض الشكّ في إتيان الركعة و عدمه، مع القطع بعدم التسليم، فيبني على الأربع، و يأتي بصلاة الاحتياط ركعة، و لكن يحكم بالبطلان في المغرب و الصبح. و في المسألة احتمال ثالث قد دفعه السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» حيث قال: «و أمّا احتمال جريان حكم الشكّ بعد السلام عليه فلا وجه له؛ لأنّ الشكّ بعد السلام لا يعتنى به إذا تعلّق بما في الصلاة و بما قبل السلام، و هذا متعلّق بما وجب بعد السلام»(العروة الوثقى 2: 85- 86.)، انتهى.

ص: 545

(مسألة 30): لو علم أنّ ما بيده رابعة، لكن لا يدري أنّها رابعة واقعيّة أو رابعة بنائيّة،

و أنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين و الثلاث، فبنى على الثلاث فتكون هذه رابعة، يجب عليه صلاة الاحتياط (1).


1- في المسألة قولان: قول بوجوب صلاة الاحتياط. و قول بعدم وجوب شي ء عليه بعد إتمام الصلاة. و المختار هو الأوّل، و وجهه أنّه شاكّ فعلًا و في الواقع في أنّ ما بيده ثالثة، أو رابعة، و شكّه هذا لا ينافي علمه بكونه رابعة؛ إذ من المحتمل أن يكون ما بيده ثالثة واقعية و رابعة بنائية، حيث إنّ الشكّ بين الاثنتين و الثلاث كان أحد طرفي شكّه؛ لأنّه لا يدري أنّه شكّ سابقاً بين الاثنتين و الثلاث و بنى على الثلاث، أو لم يشكّ، فإذا شكّ فعلًا في أنّ ما بيده ثالثة أو رابعة فيبني على الأربع، و يصلّي صلاة الاحتياط بعد إتمام الصلاة، و يقطع ببراءة ذمّته. و في صلاة الحائري رحمه الله: «فالأولى أن يقال بلزوم إتمام ما بيده و الإتيان بوظيفة الشاكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيقطع حينئذٍ بفراغ ذمّته؛ فإنّه إمّا أتى بأربع ركعات واقعاً، أو كان شاكّاً بين الاثنتين و الثلاث و أتى بوظيفة الشكّ المفروض»(الصلاة، المحقّق الحائري: 435.) ، انتهى. و وجه الثاني: أنّ المفروض علمه فعلًا بكون ما بيده رابعة، و يشكّ فعلًا في حدوث الشكّ بين الاثنتين و الثلاث سابقاً، و مقتضى الاستصحاب عدم حدوث الشكّ سابقاً، و حينئذٍ فيجب عليه إتمام صلاته من غير وجوب شي ء عليه. و اورد على هذا الوجه- كما في «المستمسك»- أوّلًا: «بأنّ استصحاب عدم حدوث الشكّ سابقاً- لإثبات كون ما بيده رابعة واقعية- مثبت. و ثانياً: بأنّ «المدار على الحال الفعلي، و لا أثر للحال السابق، فإذا كان فعلًا شاكّاً بين الثلاث و الأربع، جرى عليه حكمه؛ سواءٌ كان شاكّاً سابقاً، أم لم يكن»

ص: 546

(مسألة 31): لو تيقّن- بعد القيام إلى الركعة التالية- أنّه ترك سجدة أو سجدتين أو تشهّداً،
اشارة

ثمّ شكّ في أنّه هل رجع و تدارك ثمّ قام، أو هذا هو القيام الأوّل؟ فالظاهر وجوب العود و التدارك. و لو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ ثمّ أتى بها نسياناً، فالظاهر بطلان صلاته.

و لو شكّ فيما يوجب زيادته سجدتي السهو- بعد تجاوز محلّه- ثمّ أتى به نسياناً، فالأحوط وجوب سجدتي السهو عليه (1).

هنا مسائل ثلاث:
اشارة

1- (مستمسك العروة الوثقى 7: 653- 654.) و شكّ في تلك الحال في أنّه رجع و تدارك ثمّ قام؛ حتّى يكون قيامه هذا قياماً ثانياً، و كان قيامه الأوّل زائداً، أو لم يرجع و لم يتدارك بعدُ، و قيامه هذا هو القيام الأوّل الزائد، فهل يجب عليه الرجوع و التدارك و سجدتا السهو للقيام موضع القعود؛ بناءً على القول بوجوبه، أو تجري قاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ؟ الظاهر وجوب العود و التدارك؛ و ذلك لاستصحاب عدم إتيان ما تركه يقيناً نسياناً. و استدلّ لجريان قاعدة التجاوز: بأنّه يكفي في جريانها مجرّد الدخول فيما يحتمل كونه من الغير الذي هو مترتّب على المشكوك فيه، فالقيام في مفروض المسألة، يحتمل أن يكون هو القيام المترتّب على الجزء المنسي من السجدة و التشهّد بعد الرجوع و التدارك، و العلم بزيادة قيام في الواقع لا يمنع عن جريان القاعدة؛ لما ذكر من كفاية مجرّد الدخول فيما يحتمل كونه مترتّباً على المشكوك فيه. و أجاب عنه المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته بقوله: «و احتمال جريان قاعدة الشكّ بعد تجاوز المحلّ فاسد؛ فإنّه بالنسبة إلى المحلّ الأوّلي الذي جعل له الشارع معلوم العدم، و بالنسبة إلى المحلّ الثانوي بملاحظة النسيان لم يتجاوز عنه»(الصلاة، المحقّق الحائري: 435.) و قد أجاب القائلون بلزوم الدخول في الغير عن الاستدلال المزبور: بأنّه لا بدّ في جريان القاعدة من إحراز الدخول في الغير المترتّب على المشكوك فيه، و لم يحرز بعدُ في المسألة؛ لأنّ القيام الأوّل زائدٌ باطل قطعاً، و لا يتحقّق التجاوز بالدخول فيه، و لم يحرز الدخول في القيام الثاني؛ لكونه مشكوك الوجود، لاحتمال كونه القيامَ الأوّل الزائد المحكوم بهدمه للرجوع و التدارك. فهل تبطل صلاته، أو لا؟ كمن شكّ في السجدتين بعد القيام إلى الركعة التالية، فالواجب عليه- حسب الوظيفة المقرّرة- عدم الاعتناء بالشكّ و البناء على الإتيان، فلو أتى بهما نسياناً هل يكون من قبيل زيادة الركن؟ الظاهر بطلان الصلاة. و في صلاة المحقّق الحائري رحمه الله: «لو شكّ في الركوع و قد تجاوز عن محلّه، فمقتضى القاعدة البناء على وجوده في محلّه، و المضيّ على صلاته بإتيان باقي الأجزاء و القيود المعتبرة فيها، و ممّا اعتبر فيها- عدا الركوع- عدم ركوع آخر و لو سهواً، و حيث تحقّق ركوع آخر نسياناً سوى الركوع المشكوك فيه الذي حكم بتحقّقه شرعاً، فلازمه بطلان الصلاة في الظاهر»(الصلاة، المحقّق الحائري: 436.)، انتهى. و يحتمل عدم البطلان؛ لأصالة عدم الزيادة من جهة عدم العلم بها في الواقع، و قاعدة التجاوز لا تثبت زيادة الركن المأتي به نسياناً كي تكون الصلاة باطلة، و الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة. كما لو شكّ حال القيام في السلام بعد التشهّد الأوّل- فلا يعتني بشكّه، و لا شي ء عليه. و لو غفل عن شكّه و نسيه و أتى به سهواً وجب عليه سجدتا السهو؛ لصدق زيادة السلام في غير محلّه.

ص: 547

الاولى: إذا تيقّن حال القيام أنّه ترك سجدة أو سجدتين، أو التشهّد،

ص: 548

الثانية: لو شكّ في ركن بعد تجاوز المحلّ، ثمّ أتى به نسياناً،
الثالثة: لو شكّ فيما يوجب زيادته سجدتي السهو بعد تجاوز محلّه-

ص: 549

(مسألة 32): لو كان في التشهّد فذكر أنّه نسي الركوع، و مع ذلك شكّ في السجدتين أيضاً،

فالظاهر لزوم العود إلى التدارك ثمّ الإتيان بالسجدتين؛ من غير فرق بين سبق تذكّر النسيان و بين سبق الشكّ في السجدتين، و الأحوط إعادة الصلاة أيضاً (1).


1- في المسألة احتمالات ثلاث: الأوّل: بطلان الصلاة. الثاني: لزوم العود و تدارك الركوع، ثمّ الإتيان بالسجدتين. و هذا هو الأوجه. الثالث: التفصيل بين سبق تذكّر النسيان، فيحكم بالصحّة، و بين سبق الشكّ في السجدتين، فيحكم بالبطلان. و لا يترك الاحتياط بالعود و تدارك الركوع و الإتيان بالسجدتين و إتمام الصلاة، ثمّ إعادتها؛ لاحتمال بطلان الصلاة بزيادة السجدتين في الواقع. وجه الأوّل: أنّ الشكّ في السجدتين قد تجاوز محلّه؛ لدخوله في التشهّد، و مقتضى الشكّ بعد تجاوز المحلّ البناء على إتيان السجدتين تعبّداً، و حينئذٍ يتعذّر العود إلى تدارك الركوع المنسي، حيث فات محلّه بالدخول في الركن. و وجه الثاني: أنّ قاعدة التجاوز لا تجري في مفروض المسألة مطلقاً؛ سواءٌ سبق تذكّر النسيان، أو سبق الشكّ في السجدتين؛ لأنّ التشهّد الواقع قبل إتيان الركوع لغو زائد، و لم يقع بعد في محلّه، و من المعلوم أنّ قاعدة التجاوز إنّما شرّعت لعدم الاعتناء بالشكّ و البناء على إتيان المشكوك تعبّداً بما هو موظّف و مأمور به، و السجدتان في المسألة ليستا مأموراً بهما؛ لوقوعهما- على فرض جريان قاعدة التجاوز- قبل الركوع. و قد علّل السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» صحّة الصلاة بقوله: «إمّا لعدم شمول قاعدة التجاوز في مورد يلزم من إجرائها بطلان الصلاة، و إمّا لعدم إحراز الدخول في ركن آخر، و مجرّد الحكم بالمضي لا يثبت الإتيان»(العروة الوثقى 2: 87- 88.) و وجه الثالث: أنّ سبق تذكّر نسيان الركوع حال التشهّد، يوجب الرجوع و تدارك الركوع، و تتعيّن عليه هذه الوظيفة قبل أن يحدث الشكّ في السجدتين في تلك الحال، و لا أثر للشكّ في السجدتين بعد ذلك، و تصحّ صلاته، بخلاف ما إذا سبق الشكّ في السجدتين؛ إذ بمجرّد حدوث هذا الشكّ يحكم بإتيان السجدتين تعبّداً، فيكون في حكم من تذكّر نسيان الركوع بعد السجدتين، فتبطل صلاته.

ص: 550

(مسألة 33): لو شكّ بين الثلاث و الأربع- مثلًا- و علم أنّه على فرض الثلاث ترك رُكناً،

أو عمل ما يوجب بطلان صلاته، فالظاهر بطلان صلاته، و كذا لو علم ذلك على فرض الأربع. و لو علم أنّه على فرض الثلاث أو أربع أتى بما يوجب سجدتي السهو، أو ترك ما يوجب القضاء، فلا شي ء عليه (1).


1- وجه بطلان الصلاة فيما إذا شكّ بين الثلاث و الأربع مثلًا، و علم أنّه على فرض الثلاث ترك ركناً، أو عمل ما يوجب بطلان الصلاة؛ هو العلم الإجمالي بوجود مبطل مردّد بين ترك الركن، أو فعل ما يوجب بطلان صلاته. و لا يمكن تصحيح الصلاة و إتمامها بالبناء على الأكثر؛ لأنّ شمول أدلّة البناء على الأكثر للمقام، موقوف على احتمال صحّة الصلاة في حدّ نفسها، فمع العلم الإجمالي بالبطلان لا يحتمل الصحّة. و هذا الوجه يجري بعينه فيما لو علم بترك الركن أو فعل ما يوجب بطلان الصلاة على فرض كونها أربع. و لو شكّ بين الثلاث و الأربع، و علم أنّه على فرض الثلاث أو الأربع أتى بما يوجب سجدتي السهو، او ترك ما يوجب القضاء، فيبني على الأكثر، و يتمّ صلاته، و لا شي ء عليه؛ لأنّه بعد البناء على الأكثر- حسب الوظيفة- تكون ما بيده رابعةً تعبّداً، و حينئذٍ تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الثلاث لنفي وجوب القضاء و سجود السهو. و مجرّد البناء على الأكثر لا يثبت إتيان ما يوجب سجدتي السهو أو ترك ما يوجب القضاء؛ حتّى يجب عليه القضاء و سجدتا السهو.

ص: 551

(مسألة 34): لو علم- بعد القيام أو الدخول في التشهّد- نسيانَ إحدى السجدتين و شكّ في الاخرى،

فالأقرب العود إلى تدارك المنسي، و يجري بالنسبة إلى المشكوك فيه قاعدة التجاوز. و كذا الحال في أشباه ذلك (1).


1- إذا تذكّر بعد القيام أو الدخول في التشهّد أنّه ترك إحدى السجدتين نسياناً، و شكّ في الاخرى أنّه أتى بها أو تركها، ففي المسألة قولان: الأوّل: الاكتفاء بإتيان السجدة المنسية فقط دون المشكوكة. الثاني: وجوب الإتيان بهما معاً. وجه الأوّل جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة المشكوك فيها. و وجه الثاني- كما عن السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها- أنّه إذا رجع إلى تدارك السجدة المنسية يعود محلّ الشكّ أيضاً، و يكون الشكّ بالنسبة إلى السجدة المشكوك فيها شكّاً في المحلّ، فيجب إتيانها أيضاً»(العروة الوثقى 2: 90- 91.) و اورد عليه: «بأنّ الشكّ قد حدث حال القيام أو حال التشهّد وجداناً، و الشي ء لا ينقلب عمّا هو عليه، فالشكّ الحادث بعد القيام مثلًا لا يتّصف بكونه حادثاً قبل القيام». و لأجل هذا الإيراد قال جماعة في توجيه وجوب إتيان السجدة المشكوك فيها: «إنّ الشكّ فيها شكّ في المحلّ، و لم يتجاوز بعد؛ و ذلك لأجل لغوية القيام أو التشهّد الزائدين، لوقوعهما في غير محلّهما». و قد يتمسّك في وجوب إتيان السجدة المشكوكة- بعد نفي جريان قاعدة التجاوز- بالاستصحاب و قاعدة الاشتغال». قال المحقّق الحائري رحمه الله في صلاته: «إنّ المشكوك في أمثال ما ذكر و إن تجاوز محلّه، و لكنّ المنساق من الأدلّة ما إذا أمكن احتساب ما هو فيه من الصلاة، و أمّا إذا وجب رفع اليد عنه- لتحقّقه في غير محلّه- فليس مشمولًا للأدلّة، فيجب العود إلى المشكوك بمقتضى الأصل، و الأحوط إعادة الصلاة أيضاً»(الصلاة، المحقّق الحائري: 299.) ، انتهى. و لعلّ وجه الاحتياط بإعادة الصلاة احتمال الزيادة العمدية.

ص: 552

ص: 553

(مسألة 35): لو دخل في السجود من الركعة الثانية، فشكّ في ركوع هذه الركعة و في السجدتين من الاولى،

يبني على إتيانهما. و على هذا لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين مع الشكّ في ركوع التي بيده و في السجدتين من السابقة، يكون من الشكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد الإكمال، فيعمل عمل الشكّ و صحّت صلاته. نعم لو علم بتركهما مع الشكّ المذكور بطلت صلاته (1).


1- لو دخل في السجود من الركعة الثانية، فشكّ في ركوع هذه الركعة و في السجدتين من الركعة الاولى، فهل يبني على إتيان كلّ من الركوع و السجدتين و لا يعتني بالشكّ فيها، أو يحكم ببطلان الصلاة؟ وجهان: و الأوجه هو الأوّل، و هو المختار؛ و ذلك لجريان قاعدة التجاوز في كلّ من سجدتي الركعة الاولى و ركوع الركعة الثانية بلا مانع في البين، حيث إنّ شكّه في سجدتي الركعة الاولى وقع بعد الدخول في قيام الركعة الثانية، فقد تمّت ركعتها الاولى بتحقّق جميع أجزائها إلى سجدتيها وجداناً، و تحقّقت سجدتاها تعبّداً بجريان قاعدة التجاوز بعد الدخول في قيام الركعة الثانية، و كذلك الشكّ في ركوع الركعة الثانية قد وقع بعد الدخول في سجودها، فتجري قاعدة التجاوز، و يبني على إتيانه. و قد يتوهّم بطلان الصلاة في فرض المسألة؛ لاستلزام الشكّ المزبور- أي الشكّ في إتيان الركوع من الركعة التي بيده و السجدتين من الركعة الاولى- الشكّ في أنّ ما بيده هي الركعة الاولى أو الثانية؛ لأنّه على تقدير عدم إتيان السجدتين من الركعة الاولى و الركوع من الركعة التي هي بيده، تحسب الركعتان ركعةً واحدةً زائداً فيها القيام و القراءة، فيؤول شكّه في فرض المسألة إلى الشكّ بين الواحدة و الاثنتين، فتبطل صلاته. و يدفع التوهّم المزبور: بأنّه لا مجال للشكّ في كون ما بيده الركعة الاولى أو الثانية؛ بعد جريان قاعدة التجاوز في كلّ من سجدتي الركعة السابقة و ركوع الركعة التي هي بيده. و في صلاة المحقّق الحائري رحمه الله: «لكنّه مدفوع بأنّ الشكّ و إن كان بين الواحدة و الاثنتين، إلّا أنّه مسبّب عن الشكّ في الجزء؛ أعني السجدتين من الركعة السابقة، و الركوع من هذه الركعة، و قد دلّ الدليل على عدم الاعتناء، فتتمّ الركعتان شرعاً»(الصلاة، المحقّق الحائري: 437.) ، انتهى. ثمّ إنّه يتفرّع على جريان قاعدة التجاوز في سجدتي الركعة السابقة و ركوع هذه الركعة، أنّه لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث بعد إكمال السجدتين، يبني على الثلاث، و لا يعتني بالشكّ في ركوع الركعة التي بيده و سجدتي الركعة السابقة؛ لتجاوز محلّ الركوع بالدخول في السجدة من الركعة التي بيده، و تجاوز محلّ سجدتي الركعة السابقة بالدخول في قيام الركعة اللاحقة، و ببركة جريان قاعدة التجاوز لا يؤول شكّه بين الاثنتين و الثلاث إلى الاولى و الثانية، بل يبقى شكّه على حاله، و بعد البناء على الثلاث يأتي بالركعة الرابعة، و يتمّ صلاته، ثمّ يأتي بركعة الاحتياط. نعم، لو علم بترك السجدتين من الركعة السابقة و الركوع من الركعة التي هي بيده مع الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، يرجع شكّه إلى الشكّ بين الواحدة و الاثنتين؛ لعلمه حينئذٍ باحتساب ركعتيه بركعة.

ص: 554

ص: 555

(مسألة 36): لا يجري حكم كثير الشكّ في أطراف العلم الإجمالي،

فلو علم ترك أحد الشيئين إجمالًا، يجب عليه مراعاته و إن كان شاكّاً بالنسبة إلى كلّ منهما (1).

(مسألة 37): لو علم أنّه إمّا ترك سجدة من الاولى أو زاد سجدة في الثانية، فلا يجب عليه شي ء،
اشارة

و لو علم أنّه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً، وجب على الأحوط الإتيان بقضائهما و سجدتي السهو مرّة (2).

هنا مسألتان:
الاولى: لو علم أنّه إمّا ترك سجدة واحدة من الاولى أو زاد سجدة في الثانية،

1- و مثّل له السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: «بما لو علم حال القيام أنّه إمّا ترك التشهّد، أو السجدة، أو علم إجمالًا أنّه إمّا ترك الركوع، أو القراءة ... و هكذا، أو علم بعد الدخول في الركوع أنّه إمّا ترك سجدة واحدة، أو تشهّداً، فيعمل في كلّ هذه الفروض حكم العلم الإجمالي المتعلّق به، كما في غير كثير الشكّ»(العروة الوثقى 2: 92.)، انتهى. لا خلاف و لا إشكال في تنجيز العلم الإجمالي كالتفصيلي؛ ما دام موجوداً و لم ينحلّ بعد، فالواجب في موارده هو العمل بالعلم، لا العمل بوظيفة الشاكّ، فيكون كثير الشكّ- كغيره- موظّفاً بالعمل بالعلم الإجمالي، فيتدارك ما يمكن تداركه، و يقضي ما يجب قضاؤه، و يسجد سجدتي السهو فيما يجب سجود السهو له.
2- فلا يجب عليه شي ء عند المصنّف، و أمّا سجود السهو- لاحتمال زيادة السجدة في الثانية- فالأقوى عنده رحمه الله عدم وجوبه لكلّ زيادة و نقيصة؛ و إن كان الأحوط وجوبه عندنا، و قد تقدّم تفصيل البحث فيه في شرح المسألة الاولى من مسائل «القول في سجود السهو»، فراجع. فإذا لم يجب سجود السهو بالنسبة إلى احتمال زيادة السجدة في الثانية، فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى احتمال ترك سجدة من الاولى، فيبني على إتيانها تعبّداً، فلا يجب عليه شي ء عنده رحمه الله. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» في مفروض المسألة: «وجب عليه قضاء السجدة، و الإتيان بسجدتي السهو مرّة واحدة بقصد ما في الذمّة؛ من كونهما للنقيصة أو الزيادة»(العروة الوثقى 2: 94.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه بناءً على وجوب سجود السهو لكلّ زيادة و نقيصة و لو احتياطاً، يعلم بوجوبه تفصيلًا إمّا للزيادة، أو للنقيصة، و حينئذٍ فتبقى قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدة الركعة الاولى سليمة عن المعارض، فلا يجب عليه القضاء. و قال المحقّق الحائري رحمه الله في مفروض المسألة: «فمقتضى العلم الإجمالي وجوب سجدة السهو؛ لأنّه معلوم تفصيلًا، و البراءة عن قضاء السجدة، و لكن مقتضى الأصل العملي وجوب قضاء السجدة و سجدتي السهو لها عملًا بالاستصحاب في كلا الشكّين، أو عملًا بالاستصحاب في خصوص ترك السجدة، و أمّا زيادتها فيكفي في عدم ترتّب الأثر لها عدم إحرازها»(الصلاة، المحقّق الحائري: 438.)، انتهى. فمع فوات محلّ التدارك يجب قضاء كليهما و سجود السهو مرّة؛ أمّا وجوب قضائهما فللعلم الإجمالي المنجّز للتكليف بعد سقوط قاعدة التجاوز في كلّ من السجدة و التشهّد، و أمّا سجود السهو مرّة؛ فلأنّ المنسيّ في الواقع أحدهما، فينوي ما في الذمّة. و مع عدم فوات محلّ التدارك، فإن كان في حال الجلوس وجب الإتيان بالتشهّد، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة، و إن كان حال القيام وجب هدم القيام و تدارك التشهّد؛ لوجوبه على كلّ حال، إمّا لعدم إتيانه، و إمّا لوقوعه في غير محلّه، و تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجدة بلا معارض.

ص: 556

الثانية: لو علم أنّه إمّا ترك سجدة أو تشهّداً،

ص: 557

(مسألة 38): لو كان مشغولًا بالتشهّد أو بعد الفراغ منه، و شكّ في أنّه صلّى ركعتين و أنّ التشهّد في محلّه،

أو ثلاث ركعات و أنّه في غير محلّه، يجري عليه حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث، و ليس عليه سجدتا السهو و إن كان الأحوط الإتيان بهما (1).


1- لا إشكال في جريان حكم الشكّ بين الاثنتين و الثلاث في مفروض المسألة، فيجب البناء على الثلاث، و إتمام الصلاة، و ركعة الاحتياط؛ لكونه من موارد البناء على الأكثر، فيشمله إطلاق أدلّته. و إنّما الإشكال في وجوب سجدتي السهو لزيادة التشهّد كلّاً فيما إذا فرغ منه، أو بعضاً فيما إذا كان مشغولًا به، و في عدم وجوبهما: وجه الوجوب: أنّه يلزم من البناء على الثلاث زيادة التشهّد في الركعة الثالثة، و ذلك واضح. و وجه عدم الوجوب: أنّ أدلّة لزوم البناء على الأكثر، لا تثبت وقوع التشهّد في غير محلّه واقعاً، و قد تقدّم أنّ غاية دلالة تلك الأدلّة، البناء على كون ما بيده هو الأكثر تعبّداً، و لا دلالة فيها على إثبات اللوازم العقلية و العادية أصلًا. هذا مضافاً إلى أصالة البراءة من وجوب سجود السهو. نعم، الأحوط الإتيان به؛ لاحتمال زيادة التشهّد في الواقع.

ص: 558

(مسألة 39): لو صلّى من كان تكليفه الصلاة إلى أربع جهات، ثمّ بعد السلام من الأخيرة علم ببطلان واحدة منها،

بنى على صحّة صلاته، و لا شي ء عليه (1).

(مسألة 40): لو قصد الإقامة و صلّى صلاة تامّة، ثمّ رجع عن قصده و صلّى صلاة قصراً- غفلة أو جهلًا-

ثمّ علم ببطلان إحداهما، يبني على صحّة صلاته التامّة، و تكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية (2).


1- لعلّ وجه البناء على صحّة صلاته- مع أنّ مقتضى العلم الإجمالي وجوب إعادة الصلاة إلى أربع جهات- هو جواز الاكتفاء بالصلاة الواقعة إلى حدّ ما بين المشرق و المغرب، كما ورد في بعض الأخبار، ففي صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا صلاة إلّا إلى القبلة» قال: قلت: أين حدّ القبلة؟ قال: «ما بين المشرق و المغرب قبلة كلّه»(وسائل الشيعة 4: 314، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 10، الحديث 2.) ، و نحوه غيره من روايات الباب، ففي مفروض المسألة قد وقعت إحدى الصلوات الثلاث الصحيحة- الواجدة لجميع الأجزاء و الشرائط- إلى ذلك الحدّ يقيناً، و حينئذٍ فلا حاجة إلى الإعادة أصلًا.
2- وجه البناء على صحّة صلاته التامّة، جريان قاعدة الفراغ فيها بلا معارض؛ لعدم جريانها في الصلاة التي صلّاها قصراً غفلة أو جهلًا؛ لعدم احتمال الصحّة فيها، للعلم التفصيلي ببطلانها، لما سيأتي في المسألة الثالثة من مسائل «فصل في أحكام صلاة المسافر» من أنّه لو قصّر من كانت وظيفته التمام بطلت صلاته مطلقاً؛ حتّى المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام، و هو المشهور شهرة عظيمة، بل ادّعي عليه الإجماع، كما في كلام صاحب «الجواهر» رحمه الله(جواهر الكلام 14: 346.) ، فإذا كانت صلاته التامّة صحيحة ببركة قاعدة الفراغ، يكون تكليفه التمام بالنسبة إلى الصلوات الآتية بلا كلام. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين لها في المسألة الخامسة من مسائل «فصل في أحكام صلاة المسافر»: «إذا قصّر من وظيفته التمام بطلت صلاته في جميع الموارد، إلّا في المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام»(العروة الوثقى 2: 162.) و لعلّ مستندهم صحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلًا فليس عليه إعادة»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 3.) فالجاهل بالحكم إذا قصّر صحّت صلاته عندهم، و على مبناهم لو قصد الإقامة و صلّى صلاة تامّة، ثمّ رجع عن قصده و صلّى صلاةً قصراً غفلةً أو جهلًا، ثمّ علم ببطلان إحداهما، فالواجب عليه إعادة صلاته قصراً؛ لعدم إحراز إتيان صلاة تامّة صحيحة حال قصد الإقامة، و المفروض رجوعه عن قصده، و تكليفه القصر أيضاً بالنسبة إلى الصلوات الآتية.

ص: 559

ص: 560

المجلد 3

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ص: 6

[تتمة] كتاب الصلاة

اشارة

* صلاة القضاء

* صلاة الاستئجار

* صلاة الجمعة

* صلاة العيدين

* صلاة المسافر

* صلاة الجماعة

ص: 7

القول في صلاة القضاء

اشارة

يجب قضاء الصلوات اليومية التي فاتت في أوقاتها- عدا الجمعة- عمداً كان أو سهواً أو جهلًا أو لأجل النوم المستوعب للوقت و غير ذلك (1).


1- وجه وجوب قضاء الصلوات الفائتة- مضافاً إلى الأخبار- أنّه ممّا لا خلاف فيه بين الفريقين: أمّا الجمعة فلا قضاء فيها بفوات وقتها؛ للإجماع، و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 26، الحديث 3.) و كذا لا قضاء في العيدين، و هو المشهور عند أصحابنا. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 3.) و ما دلّ على تأخير صلاة العيد إلى الغد فيما ثبت العيد بعد الزوال، محمول على الاستحباب، كما في صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.) و يدلّ على قضاء الفوائت اليومية النبوي المشهور: «من فاتته الفريضة فليقضها إذا ذكرها؛ فذلك وقتها»(انظر رياض المسائل 4: 271، مستند الشيعة 7: 267.) ، و قد ورد مضمون هذا النبوي في صحيح زرارة: «يقضي ما فاته كما فاته»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) و من طريقنا صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و رواية ابن مسلم عنه عليه السلام قال: قلت له: رجل مرض فترك النافلة، فقال عليه السلام: «يا محمّد ليست بفريضة، إن قضاها فهو خير يفعله، و إن لم يفعل فلا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 4: 79، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 20، الحديث 1.) دلّ بمفهومه أنّه إن كانت فريضة و تركها فعليه شي ء. و يدلّ على وجوب قضائها فيما فاتته عن نسيان أو نوم أو بغير طهور صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) ، و غيرها من روايات الباب الوارد أكثرها في نسيان الفريضة. و لا دخالة لخصوص النسيان و النوم و نحوهما في وجوب القضاء، بل الموجب للقضاء مجرّد ترك الصلاة في وقتها. و لا فرق في النوم بين المستوعب لتمام الوقت أو آخره و بين المتعارف و غيره. و يظهر من بعض فقهائنا- كالشهيدين في «الذكرى» و «المسالك» و الفاضل الميسي- الفرق بين النوم العادي و غيره، قالوا: لو كان النوم على خلاف العادة فالظاهر التحاقه بالإغماء. و علّله في «الجواهر» باحتياج القضاء بفرض جديد، و ليس هو هنا إلّا الإجماع؛ إذ أخبار الفوات غير صادقة على من لم يكلّف بالأداء، و المعلوم منه الثاني- أي المتعارف- فيبقى الأوّل على الأصل. و أجاب رحمه الله أوّلًا بأنّ معقد الإجماع هو النوم الأعمّ من المتعارف و غيره. و ثانياً بأنّ القضاء مترتّب على الفوات الصادق مع النوم الغير المتعارف أيضاً. و أمّا النوم الغالب فقد يقال: إنّه ممّا غلب اللَّه، و اللَّه تعالى أولى بالعذر، كما في الإغماء في وقت الصلاة؛ فلا قضاء فيه(جواهر الكلام 13: 12.) و فيه: أنّ غلبة النوم ليست ممّا غلب اللَّه، بل هو ممّا أعدّه المكلّف على نفسه بحيث لم ينم في الوقت المقرّر مثلًا و أخّره باختياره حتّى غلب عليه.

ص: 8

ص: 9

ص: 10

و كذا المأتي بها فاسداً لفقد شرط أو جزء يوجب تركه البطلان (1). و لا يجب قضاء ما تركه الصبي في زمان صباه (2). و المجنون في حال جنونه (3).

و المغمى عليه إذا لم يكن إغماؤه بفعله، و إلّا فيقضي على الأحوط (4).


1- هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه. و يدلّ عليه صحيح زرارة المتقدّم، و عموم أدلّة قضاء الفائتة، و لو لفوت شرطها كالطهارة و القبلة، أو جزئه الذي هو من الأركان و لو نسياناً. و يقتضيه أيضاً استصحاب اشتغال الذمّة بالواجب.
2- لأنّ التكليف بالقضاء فرع التكليف بالأداء، و المفروض أنّ الصبي في زمان صباه غير مكلّف. و هذه المسألة إجماعية، بل من ضروريات ديننا.
3- و كان جنونه بآفة سماوية و مستوعباً لجميع الوقت. و أمّا إذا كان جنونه بفعله فعليه القضاء. و يظهر من الشهيدين: أنّ وجوب القضاء عليه إجماعي، و لعلّه لصدق الفوت عليه. و كذا يجب عليه القضاء إذا مضى عليه من أوّل الوقت مقدار أداء الصلاة بجميع أجزائها و شرائطها و لم يصلّ و عرض له الجنون؛ فإنّ الجنون حينئذٍ لا يكون تمام السبب للفوت، بل هو مع اختيار تركها في أوّل الوقت.
4- و يدلّ على عدم وجوب القضاء على المغمى عليه صحيح الحلبي أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المريض هل يقضي الصلوات إذا اغمي عليه؟ فقال: «لا، إلّا الصلاة التي أفاق فيها»(وسائل الشيعة 8: 258، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 1.) و صحيح أيّوب بن نوح أنّه كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله عن المغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصلوات أو لا؟ فكتب: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 2.) و صحيح علي بن مهزيار أنّه سأله- يعني أبا الحسن الثالث عليه السلام- عن هذه المسألة، فقال: «لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة، و كلّ ما غلب اللَّه عليه فاللَّه أولى بالعذر»(وسائل الشيعة 8: 259، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 3.) و خبر موسى بن بكر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك، كم يقضي من صلاته؟ قال: «أ لا اخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء؟ كلّ ما غلب اللَّه عليه من أمر فاللَّه أعذر لعبده»(وسائل الشيعة 8: 260، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 8.) و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول في المغمى عليه قال: «ما غلب اللَّه عليه فاللَّه أولى بالعذر»(وسائل الشيعة 8: 261، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 13.) و صحيح آخر لابن مهزيار قال: سألته عن المغمى عليه يوماً أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا؟ فكتب عليه السلام: «لا يقضي الصوم و لا الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 262، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 18.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يغمى عليه الأيّام، قال: «لا يعيد شيئاً من صلاته»(وسائل الشيعة 8: 263، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 3، الحديث 23.) ، و غيرها من روايات الباب. و في جملة من الأخبار دلالة على قضاء ما فاته حال الإغماء مطلقاً، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كلّ ما تركته من صلاتك لمرض اغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت»(وسائل الشيعة 8: 264، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يغمى عليه ثمّ يفيق، قال: «يقضي ما فاته، يؤذّن في الاولى و يقيم في البقية»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 2.) و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المغمى عليه، قال: «يقضي كلّ ما فاته»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 3.) و صحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المغمى عليه شهراً، ما يقضي من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها؛ إنّ أمر الصلاة شديد»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 4.) و صحيح حفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المغمى عليه يقضي ما فاته»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 8.) و مضمر إسماعيل بن جابر قال: سقطتُ عن بعيري فانقلبتُ على امّ رأسي، فمكثت سبع عشرة ليلة مغمىً علي، فسألته عن ذلك، فقال: «اقض مع كلّ صلاةٍ صلاةً»(وسائل الشيعة 8: 267، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 15.) و بعضها يدلّ على قضاء ثلاثة أيّام، كموثّق سماعة قال: سألته عن المريض يغمى عليه، قال: «إذا جاز عليه ثلاثة أيّام فليس عليه قضاء، و إذا اغمي عليه ثلاثة أيّام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ»(وسائل الشيعة 8: 265، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 5.) و صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 7.) ، و صحيح أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل اغمي عليه شهراً أ يقضي شيئاً من صلاته؟ قال: «يقضي منها ثلاثة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 11.) و بعضها يدلّ على قضاء يوم واحد، كصحيح ثالث لحفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يقضي صلاة يوم»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 9.) و بعضها يدلّ على قضاء الصلاة التي أفاق فيها، كصحيح رابع لحفص عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يقضي الصلاة التي أفاق فيها»(وسائل الشيعة 8: 266، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، الحديث 10.) و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل ما يدلّ على القضاء على الاستحباب على اختلاف مراتب الفضل؛ قال السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»: و ظاهر محكي «المقنع» العمل بها- أي بالأخبار الدالّة على قضاء المغمى عليه- انتهى. و لا يخفى: أنّ الصدوق رحمه الله حمل في «الفقيه» تلك الأخبار على الاستحباب، حيث إنّه بعد الفتوى على عدم قضاء الصلاة و الصوم على المغمى عليه مطلقاً قال: فأمّا الأخبار التي رويت في المغمى عليه أنّه يقضي جميع ما فاته، و ما روي أنّه يقضي صلاة شهر، و ما روي أنّه يقضي ثلاثة أيّام، فهي صحيحة و لكنّها على الاستحباب لا على الإيجاب(الفقيه 1: 237، ذيل الحديث 1042.) نعم في «المقنع» بعد الفتوى بوجوب قضاء جميع ما فات عن المغمى عليه قال: و روي: «ليس على المغمى عليه أن يقضي إلّا صلاة اليوم الذي أفاق فيه، و الليلة التي أفاق فيها»، و روي أنّه: «يقضي الصوم ثلاثة أيّام»، و روي أنّه: «يقضي الصلاة التي أفاق فيها في وقتها»(المقنع: 122- 123.) ، انتهى. و ليعلم: أنّ عدم القضاء على المغمى عليه إنّما هو إذا لم يكن إغماؤه بفعله بل بآفة سماوية. و أمّا إذا كان بفعله فقد اختلف فيه فقهاؤنا؛ يظهر من «السرائر» القول بوجوب القضاء حيث قيّد عدم الوجوب بما إذا لم يكن هو السبب في دخوله عليه بمعصية يرتكبها، و به قال الشهيد في «الذكرى» و نسبه إلى الأصحاب، و هو مشعر بكون المسألة إجماعية، و تبعه بعض من تأخّر عنه، و لعلّه لعموم التعليل في الأخبار بقولهم عليهم السلام: «كلّما غلب اللَّه عليه فهو أولى بالعذر». و المشهور عند فقهائنا سقوط القضاء عنه؛ عملًا بإطلاق النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم القضاء. و أمّا العلّة في قولهم عليهم السلام: «فاللَّه أولى بالعذر» فلم يثبت كونه من قبيل العلل الصريحة الظاهرة في الانحصار الموجبة للتقييد، إذ من المحتمل أن يكون المراد منه أنّ كلّ من يعذر في الأداء لا يجب عليه القضاء؛ فحينئذٍ لا تنحصر العلّة في نفي خصوص القضاء؛ فلا توجب تقييد إطلاق النصوص المطلقة.

ص: 11

ص: 12

ص: 13

ص: 14

و الكافر الأصلي في حال كفره دون المرتدّ؛ فإنّه يجب عليه قضاء ما فاته في حال ارتداده بعد توبته، و تصحّ منه و إن كان عن فطرة على الأصحّ (1).


1- سقوط القضاء عن الكافر الأصلي فيما فات عنه حال كفره الأصلي إجماعي، كما عن «المنتهى» و غيره. بل عدّه بعض فقهائنا من ضروريات ديننا. و يدلّ عليه النبوي المشهور: «الإسلام يجبّ ما كان قبله»(تفسير القمي 2: 27، كنز العمّال 1: 66/ 243 و 75/ 297.) ، و قد تمسّك به في كتب الخاصّة و العامّة في موارد متعدّدة، كإسلام المغيرة، و شفاعة امّ سلمة لأخيها عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم في قبول إسلامه، و شفاعة عثمان لأخيه عنده صلى الله عليه و آله و سلم و غيرها. و أمّا المرتدّ فيجب عليه قضاء ما فات عنه حال ارتداده إجماعاً؛ فيقضي بعد عوده إلى الإسلام، و تصحّ منه و إن كان عن فطرة على الأصحّ؛ و ذلك لإطلاق معقد الإجماع و عموم ما دلّ على وجوب القضاء، خرج عنه الكافر الأصلي؛ فيجب على المرتدّ القضاء و إن وجب قتله؛ فيقضي ما دام لم يقتل. و ذهب جماعة إلى عدم صحّة القضاء عن الفطري؛ لصحيح ابن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرتدّ، فقال: «من رغب عن الإسلام و كفر بما انزل على محمّد صلى الله عليه و آله و سلم بعد إسلامه فلا توبة له، و قد وجب قتله و بانت منه امرأته و يقسّم ما ترك على ولده»(وسائل الشيعة 28: 323، كتاب الحدود، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 2.) ؛ فعدم صحّة القضاء عنه إنّما هو لعدم قبول توبته. و فيه: أنّه من المحتمل أنّ عدم قبول توبته إنّما هو لأجل وجوب قتله، لا مطلقاً و من حيث تمام الآثار حتّى صحّة عباداته؛ و لذا وقع خصوص وجوب قتله في مقابل قبول توبته، كما في قوله عليه السلام: «هل يستتاب، أو يقتل و لا يستتاب؟»(وسائل الشيعة 28: 325، كتاب الحدود، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 6.)

ص: 15

ص: 16

و الحائض و النفساء مع استيعاب الوقت (1).

(مسألة 1): يجب على المخالف بعد استبصاره قضاء ما فات منه أو أتى على وجه يخالف مذهبه،
اشارة

بخلاف ما أتى به على وفق مذهبه فإنّه لا يجب عليه قضاؤها و إن كانت فاسدة بحسب مذهبنا. نعم إذا استبصر في الوقت يجب عليه الأداء؛ فلو تركها أو أتى بها فاسداً بحسب المذهب الحقّ يجب عليه القضاء (2).


1- هذه المسألة إجماعية، بل قد ادّعي أنّه من ضروريات مذهب الشيعة، و تدلّ عليه الأخبار، و لعلّها تبلغ حدّ التواتر.
2- المشهور وجوب القضاء على المخالف بعد استبصاره بالنسبة إلى ما فات منه حال خلافه أو أتاه في تلك الحال على وجه يخالف مذهبه، و لا يجب عليه بعد الاستبصار قضاء ما أتى به على وفق مذهبه صحيحاً. و نسبه في «الروض» إلى الأصحاب، و هو مشعر بدعوى الإجماع عليه. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية، ثمّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كلّ صلاة صلّاها أو صوم أو زكاة أو حجّ، أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك، غير الزكاة لا بدّ أن يؤدّيها؛ لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنّما موضعها أهل الولاية»(وسائل الشيعة 9: 216، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 3، الحديث 2.) و منها: صحيح معاوية بن بريد العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل و هو في بعض هذه الأصناف من أهل القبلة متديّن، ثمّ منّ اللَّه عليه فعرف هذا الأمر، يقضي حجّة الإسلام؟ فقال: «يقضي أحبّ إليّ»، و قال: «كلّ عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته ثمّ منّ اللَّه تعالى عليه و عرف الولاية فإنّه يوجر عليه، إلّا الزكاة فإنّه يعيدها؛ لأنّه وضعها في غير موضعها؛ لأنّها لأهل الولاية، و أمّا الصلاة و الحجّ و الصيام فليس عليه قضاء»(وسائل الشيعة 1: 125، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 31، الحديث 1.) و يظهر من بعض الأخبار سقوط القضاء عن المخالف مطلقاً- حتّى فيما أتاه غير صحيح على وفق مذهبه حال خلافه- كخبر عمّار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبد اللّه عليه السلام و أنا جالس: إنّي منذ عرفت هذا الأمر اصلّي في كلّ يوم صلاتين، أقضي ما فاتني قبل معرفتي؟ قال: «لا تفعل؛ فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة»(وسائل الشيعة 1: 127، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 31، الحديث 4.) . لكنّه- مضافاً إلى ضعف سنده- محتمل لأن يكون فائتاً باعتقاد سليمان، و أنّ ما أتاه بحكم ما لم يأته أصلًا، أو محمول على إرادة ما تركت من شرائطها و أفعالها، لا تركها أصلًا و بالكلّية على ما يقتضيه حال سليمان بن خالد و جلالته- حتّى قبل الاستبصار- كما احتمله الشهيد رحمه الله. ، ففيه خلاف بين فقهائنا: ذهب جماعة- منهم الشهيد في «الذكرى» و «الروض»- إلى سقوط القضاء. و علّله في «الجواهر» بأولويته من الفعل على مذهبه، و بإطلاق الأدلّة، و بأنّه لم يفقد إلّا الإيمان، و لعلّه كافٍ في صحّة الفعل و إن تأخّر في الوجود عنه، و لما عرفته في الحجّ (جواهر الكلام 13: 10.) و آخرون إلى عدم السقوط؛ لكون ما أتى به فاسداً في مذهبه و اعتقاده و لم يحصل به التقرّب؛ فيجب القضاء، و هذا هو المختار. فهل يجب عليه إعادة الفعل في حال الاستبصار أو لا؟ فيه خلاف بين علمائنا: فقال جماعة- منهم المحقّق و الشهيد الثانيان و الخراساني- بوجوب الإعادة؛ لأنّه في الوقت من أهل الولاية و مكلّف بالصلاة على المذهب الحقّ و لم يأته بعد. و الأدلّة الدالّة على إجزاء ما أتاه سابقاً و عدم وجوب الإتيان ثانياً إنّما هو بالنسبة إلى القضاء. و قال بعضهم بعدم الوجوب؛ لعموم قوله عليه السلام في صحيح الفضلاء المتقدّم: «ليس عليه إعادة شي ء من ذلك» ، حيث إنّ ذلك إشارة إلى امور مذكورة في الصحيح؛ منها كلّ صلاة صلّاها و لو بقي وقتها. و كذا قوله عليه السلام في صحيح معاوية بن بريد العجلي المتقدّم: «و كلّ عمل عمله في حال نصبه و ضلالته» . و القول بعدم وجوب الإعادة لا يخلو من قوّة؛ لظهور الصحيحين المزبورين فيه. فهل يجب عليه بعد الاستبصار ثانياً قضاء ما فعله حال خلافه موافقاً لمذهبه؟ فيه خلاف. و في «الجواهر»: و هل يجري الحكم في المخالف و نحوه إذا استبصر ثمّ رجع؛ فيجب عليه القضاء و إن لم يخلّ به على مذهبه؛ اقتصاراً فيما خالف القاعدة على المتيقّن، و المعلوم منه الحال الأوّل كالكافر، أو لا يجب؛ للإطلاق أو العموم مع ترك الاستفصال؟ الأقوى الأوّل، و إن لم أعثر على مصرّح من الأصحاب به(جواهر الكلام 13: 14.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الاقتصار على المتيقّن إنّما هو فيما لم يكن دليل لفظي في البين، و الحال أنّ لنا دليلًا لفظياً في المسألة؛ و هو إطلاق حال النصب و الضلالة و عموم «كلّ عمل عمله» ؛ فالمختار عدم وجوب القضاء.

ص: 17

بقي هنا فروع:
الأوّل: لو أتى حال خلافه عملًا على خلاف مذهبه و لكن كان موافقاً للمذهب الحقّ ثمّ استبصر

ص: 18

الثاني: إذا استبصر في الوقت و قد أتى الفعل في أوّله على وفق مذهبه
الثالث: لو استبصر ثمّ خالف و أتى عمله على وفق مذهبه ثمّ استبصر ثانياً،

ص: 19

(مسألة 2): لو بلغ الصبي أو أفاق المجنون أو المغمى عليه في الوقت وجب عليهم الأداء

و إن لم يدركوا إلّا مقدار ركعة مع الطهارة و لو كانت ترابية، و مع الترك يجب عليهم القضاء، و كذلك الحائض و النفساء إذا زال عذرهما. كما أنّه لو طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم من السفر و الحضر و الوضوء و التيمّم و لم يأتوا بالصلاة وجب عليهم القضاء (1).


1- يجب الأداء على الصبي البالغ آخر الوقت، و كذا من أفاق عن الجنون و الإغماء فيه و الحائض و النفساء الزائل عنهما العذر فيه، و إن لم يدركوا إلّا مقدار ركعة مع الطهارة و لو كانت ترابية؛ فهم في آخر الوقت مخاطبون لقوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ»(الإسراء( 17): 78.) ؛ فيشملهم عموم الآية، و كذلك يشملهم عموم قوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت»(لم نعثر عليه فيما بأيدينا من الكتب الروائية و لكن وردت في بعض الكتب الفقهية الاستدلالية.) راجع مدارك الأحكام 3: 93.) و توهّم عدم شموله لهم لظهوره فيما كان للوقت سعة ثمّ تضيّق و لم يبق إلّا بمقدار ركعة، مدفوع بأنّه لا منشأ للظهور المذكور، بل العموم المذكور محكّم. و مع الترك يجب عليهم القضاء؛ لصدق الفوت الموجب للقضاء. و كذلك يجب القضاء عليهم فيما إذا طرأ الجنون أو الإغماء أو الحيض أو النفاس بعد مضيّ مقدار صلاة المختار من أوّل الوقت بحسب حالهم من السفر و الحضر و الوضوء أو التيمّم و لم يأتوا بالصلاة؛ و ذلك لتوجّه خطاب «أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ» إليهم و تركهم لها في الوقت الأوّل مع التمكّن من فعلها؛ فيصدق الفوت الاختياري الموجب للقضاء.

ص: 20

(مسألة 3): فاقد الطهورين يجب عليه القضاء،

و يسقط عنه الأداء على الأقوى، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالأداء أيضاً (1).


1- وجوب القضاء على فاقد الطهورين ممّا لم يعرف فيه مخالف من الأصحاب. و يدلّ عليه عموم أدلّة وجوب القضاء و الاستصحاب، و سقوط الأداء عنه لأجل انتفاء الشرط الموجب لانتفاء المشروط، و قد ورد أنّه: «لا صلاة إلّا بطهور»(وسائل الشيعة 1: 315، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 9، الحديث 1.) ، و لسانه جعل الشرطية حالتي الاختيار و الاضطرار. إن قلت: إنّ مقتضى حديث: «الصلاة لا تسقط بحال»(راجع وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.) وجوب الأداء، كما حكاه السيّد المرتضى عن جدّه؛ فيكون هذا الحديث حاكماً على قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» ، و مقتضى الحكومة اختصاص شرطية الطهارة بحال الاختيار. قلنا: إنّه مسلّم لو ثبتت حجّية حديث: «الصلاة لا تسقط بحال» ، و لكنّه مرسل غير منجبر؛ فإطلاق دليل الشرطية محكّم.

ص: 21

(مسألة 4): يجب قضاء غير اليومية من الفرائض-

سوى العيدين و بعض صور صلاة الآيات- حتّى المنذورة في وقت معيّن على الأحوط فيها (1).


1- وجه وجوب غير اليومية من الفرائض سوى العيدين و بعض صور صلاة الآيات- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة- إطلاق قوله عليه السلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(عوالي اللآلي 2: 54/ 143.) . و ما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أنّه قال: «من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها»(مستدرك الوسائل 6: 430، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 12.) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) . و دعوى انصراف الصلاة إلى اليومية دعوى بلا دليل. و أمّا صلاة العيدين فلا يجب قضاؤها؛ لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 3.) و في بعض الأخبار نفي الصلاة قبل العيدين و بعدهما؛ ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة، و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلّا الزوال»(وسائل الشيعة 7: 419، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 2.) و أمّا تأخير صلاة عيد الفطر إلى الغد فيما ثبت هلال شوّال بعد الزوال فليس هو بعنوان قضاء ما فات عنه في يوم العيد، بل الواجب هو إتيانه في غد العيد و كان الغد ظرفاً و وقتاً لإتيان الصلاة فيما ثبت الهلال بعد زوال يوم العيد؛ ففي صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.) و أمّا صلاة الآيات: فالزلزلة تجب فوراً، و إن أخلّ بالفورية لعذر أو غيره يفعلها بنية الأداء في أيّ وقت أتاها. و كذا سائر الآيات الواقعة دفعة، كالصيحة السماوية. و أمّا الخسوفان فيجب قضاؤهما على من تركهما مع العلم به و إن لم يحترق كلّ القرص، و كذلك يجب قضاؤهما على من لم يعلم به مع احتراق تمام القرص. و يدلّ على الحكمين صحيح الفضيل بن يسار و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: أ يقضي صلاة الكسوف من إذا أصبح فعلم، و إذا أمسى فعلم؟ قال: «إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، و إن كان إنّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه»(الفقيه 1: 346/ 1532، وسائل الشيعة 7: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح زرارة و محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا انكسفت الشمس كلّها و احترقت و لم تعلم ثمّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و إن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 2.) و صحيح حريز قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا انكسف القمر و لم تعلم به حتّى أصبحت ثمّ بلغك فإن كان احترق كلّه فعليك القضاء، و إن لم يكن احترق كلّه فلا قضاء عليك»(وسائل الشيعة 7: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الكسوف و الآيات، الباب 10، الحديث 4.) و عن المفيد رحمه الله في «المقنعة»: إذا احترق القرص كلّه و لم يكن علمت به حتّى أصبحت صلّيت صلاة الكسوف جماعة، و إن احترق بعضه و لم تعلم به حتّى أصبحت صلّيت القضاء فرادى. و عن الصدوق رحمه الله في «المقنع» و والده: أنّه إذا انكسفت الشمس أو القمر و لم تعلم فعليك أن تصلّيها إذا علمت به، و إن تركتها متعمّداً حتّى تصبح فاغتسل و صلّها، و إن لم يحترق كلّه فاقضها و لا تغتسل. و عن الشهيد في «الذكرى»- بعد نقل القول بالقضاء عنهم و إن لم يحترق كلّه- قال: و لعلّه لرواية لم نقف عليها. و أمّا المنذورة- أي النوافل المنذورة في وقت معيّن- فالظاهر اندراجها في أدلّة وجوب قضاء الفائتة. و من المحتمل أن تكون تلك الأدلّة منصرفة إلى ما كان فريضته بعنوانها الأوّلي لا بالعنوان الثانوي و بواسطة النذر مثلًا؛ فلا يترك الاحتياط بقضائها. و أمّا النوافل الغير المنذورة فيستحبّ قضاء الموقّتة منها- أي الرواتب منها- لظهور اختصاص بعض النصوص بها و عدم الدليل على مشروعية قضاء ما عداها. و قد ورد في بعض الروايات «أنّ العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الربّ ملائكته منه، فيقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه»(وسائل الشيعة 4: 75، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 1.) و قال الصدوق: و قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّ اللَّه ليباهي ملائكته بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار؛ فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه اشهدكم أنّي قد غفرت له»(وسائل الشيعة 4: 77، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 3.) و غيرهما من روايات الباب.

ص: 22

ص: 23

ص: 24

(مسألة 5): يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار أو سفر أو حضر،
اشارة

و يصلّي في السفر ما فات في الحضر تماماً، كما أنّه يصلّي في الحضر ما فات في السفر قصراً. و لو كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس، فالعبرة بحال الفوت على الأصحّ؛ فيقضي قصراً في الأوّل و تماماً في الثاني، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع. و إذا فاتته فيما يجب عليه الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام يحتاط في القضاء أيضاً (1).

هنا مسائل:
الاولى: يجوز قضاء الفرائض في كلّ وقت من ليل أو نهار؛

1- فيقضي الفائتة النهارية في الليل و الفائتة الليلية في النهار. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس، قال: «يصلّيها حين يذكرها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلّاها حين استيقظ، و لكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 5.) و أمّا موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس و هو في سفر، كيف يصنع؟ أ يجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا تقضي صلاة نافلة و لا فريضة بالنهار، و لا تجوز له و لا تثبت له، و لكن يؤخّرها فيقضيها بالليل»(وسائل الشيعة 8: 258، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 6.) الدالّ بظاهره على وجوب قضاء ما فات من الليل في الليل، فهو شاذّ مخالف للمشهور و محمول على التقية. كما أنّه يقضي ما فات في السفر قصراً في الحضر، و هو ممّا اتّفق عليه الأصحاب. و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر، فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سألته عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر، هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: «نعم يقضيها بالليل على الأرض، فأمّا على الظهر فلا، و يصلّي كما يصلّي في الحضر»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 2.) و موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا نسي الرجل صلاة أو صلّاها بغير طهور و هو مقيم أو مسافر فذكرها، فليقض الذي وجب عليه، لا يزيد على ذلك و لا ينقص منه، من نسي أربعاً فليقض أربعاً حين يذكرها؛ مسافراً كان أو مقيماً، و إن نسي ركعتين صلّى ركعتين إذا ذكر؛ مسافراً كان أو مقيماً»(وسائل الشيعة 8: 269، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 4.) ، هذا. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع؛ لموثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر فأخّر الصلاة حتّى قدم، فهو يريد يصلّيها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر؛ لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 3.) في المسألة أقوال: الأوّل: أنّه مكلّف بقضاء ما كان واجباً في آخر الوقت؛ لأنّ الواجب الموسّع مخيّر فيه المكلّف في أجزاء وقته، و يجوز له تركه اختياراً في أوّل الوقت برخصة الشارع له في التأخير إلى آخر الوقت، ويتعيّن في آخر الوقت؛ فالفائت في آخر الوقت إن كان تماماً فالقضاء تماماً، و إن قصراً فقصرٌ. الثاني: أنّه مكلّف بقضاء حال الوجوب؛ لأنّ الفائت هو ما خوطب به في أوّل زمان التكليف. و يدلّ عليه موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّم: «لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، و كان ينبغي أن يصلّي عند ذلك». الثالث: الجمع في القضاء بين التمام و القصر؛ جمعاً بين وظيفتي أوّل الوقت و آخره. الأقوى هو القول الأوّل، و الجمع بينهما أحوط. الرابعة: إذا فاتته الصلاة في السفر الذي كانت وظيفته فيه الاحتياط بالجمع بين القصر و التمام فالقضاء كذلك؛ لكون فرضه الجمع بينهما، و هو الفائت عنه؛ للعلم الإجمالي المنجّز للتكليف. فالعلم الإجمالي حاصل في القضاء على نحو حصوله في الأداء بلا تفاوت.

ص: 25

الثانية: يجوز قضاء ما فات في الحضر تماماً في السفر،

ص: 26

الثالثة: لو كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً أو بالعكس و فاتت فريضته،

ص: 27

(مسألة 6): لو فاتت الصلاة في أماكن التخيير فالظاهر التخيير في القضاء أيضاً

إذا قضاها في تلك الأماكن، و تعيّن القصر على الأحوط لو قضاها في غيرها (1).


1- إذا فاتت إحدى الرباعية في أماكن التخيير و أراد قضاءها في تلك الأماكن فالظاهر من أدلّته التخيير في القضاء أيضاً. و قوّاه صاحب «الجواهر» رحمه الله حيث إنّ الفائتة هي المخيّرة فيها بين القصر و الإتمام مع دخالة خصوصية المكان في الصلاة فيها، و المفروض قضاؤها في خصوص تلك الأماكن. و لو قضاها في غيرها فالظاهر وجوب القصر عليه؛ لأنّ التمام لأجل خصوصية الأماكن، و أنّ الأصل في الصلاة في السفر هو القصر، و التمام بدل عنه لمصلحة لوحظت في خصوص الأماكن، لا مطلقاً كما في الأبدال الاضطرارية. و يمكن استفادته من صحيح ابن مهزيار قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك عليهم السلام في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين؛ فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة، و منها أن يأمر بقصر الصلاة؛ بأن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا؛ فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير إذا كنتُ لا أنوي مقام عشرة أيّام، فصرتُ إلى التقصير، و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك. فكتب إليّ بخطّه: «قد علمت يرحمك اللَّه فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما؛ فأنا أُحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما من الصلاة»، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهةً: إنّي كتبتُ إليك بكذا و أجبتني بكذا، فقال: «نعم»، فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة ...»(وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 4.) الحديث، حيث إنّ وجوب القضاء منوط على فوت الواجب الأصلي- و هو القصر على المسافر- لا البدلي- و هو التمام في خصوص الأماكن- و المفروض قضاؤها في غيرها، هذا كلّه على فرض عدم الإجمال في الدليل. و على فرض إجماله يتعيّن القصر؛ لأصالة التعيين في دوران الأمر بين التعيين و التخيير.

ص: 28

ص: 29

(مسألة 7): يستحبّ قضاء النوافل الرواتب،

و يكره أكيداً تركه إذا شغله عنها جمع الدنيا. و من عجز عن قضائها استحبّ له التصدّق بقدر طوله، و أدنى ذلك التصدّق عن كلّ ركعتين بمدٍّ، و إن لم يتمكّن فعن كلّ أربع ركعات بمدّ، و إن لم يتمكّن فمدٌّ لصلاة الليل و مدٌّ لصلاة النهار (1).


1- هذه المسألة إجماعية. و يدلّ عليه صحيح ابن سنان قال: قلت له: أخبرني عن رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدري ما هو من كثرتها، كيف يصنع؟ قال: «فليصلّ حتّى لا يدري كم صلّى من كثرتها؛ فيكون قد قضى بقدر علمه (ما علمه) من ذلك»، ثمّ قال: قلت له: فإنّه لا يقدر على القضاء، فقال: «إن كان شغله في طلب معيشة لا بدّ منها أو حاجة لأخ مؤمن فلا شي ء عليه، و إن كان شغله لجمع الدنيا و التشاغل بها عن الصلاة فعليه القضاء، و إلّا لقي اللَّه و هو مستخفّ متهاون مضيّع لحرمة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»، قلت: فإنّه لا يقدر على القضاء فهل يجزي أن يتصدّق؟ فسكت ملياً ثمّ قال: «لكم فليتصدّق بصدقة»، قلت: فما يتصدّق؟ قال: «بقدر طوله، و أدنى ذلك مدّ لكلّ مسكين مكان كلّ صلاة»، قلت: و كم الصلاة التي يجب فيها مدٌّ لكلّ مسكين؟ قال: «لكلّ ركعتين من صلاة الليل مدّ، و لكلّ ركعتين من صلاة النهار مدٌّ»، فقلت: لا يقدره، قال: «مدّ لكلّ أربع ركعات من صلاة النهار و أربع ركعات من صلاة الليل»، قلت: لا يقدر، قال: «فمدٌّ إذاً لصلاة الليل و مدٌّ لصلاة النهار، و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل و الصلاة أفضل»(وسائل الشيعة 4: 75، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 2.)

ص: 30

(مسألة 8): إذا تعدّدت الفوائت فمع العلم بكيفية الفوت و التقديم و التأخير فالأحوط تقديم قضاء السابق

في الفوات على اللاحق. و أمّا ما كان الترتيب في أدائها معتبراً شرعاً كالظهرين و العشاءين من يوم واحدٍ فيجب في قضائها الترتيب على الأقوى. و أمّا مع الجهل بالترتيب فالأحوط ذلك، و إن كان عدمه لا يخلو من قوّة، بل عدم وجوب الترتيب مطلقاً إلّا ما كان الترتيب في أدائها معتبراً لا يخلو من قوّة (1).


1- هنا مسائل ثلاث: الاولى: إذا تعدّدت الفوائت فمع العلم بكيفية الفوت و التقديم و التأخير ففي وجوب الترتيب و تقديم قضاء السابق في الفوات على اللاحق قولان؛ حكى الشهيد في «الذكرى» عن بعض الأصحاب القول بالاستحباب. و نسب إلى المشهور بين أصحابنا وجوب الترتيب. و حكي عن المحقّق و العلّامة في «المعتبر» و «المنتهى» الإجماع عليه. قال في «الشرائع»: و يجب قضاء الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة، و تترتّب السابقة على اللاحقة، كالظهر على العصر، و العصر على المغرب، و المغرب على العشاء؛ سواء كان ذلك ليوم حاضر أو صلوات يوم فائت. و قال في «المعتبر»: إنّ الأصحاب متّفقون على وجوب ترتيبها بحسب الفوائت، انتهى. و لا يخفى: أنّ القول بالاستحباب لم نقف له على دليل. نعم في «الذكرى»: أنّ قائله حمل الأخبار و كلام الأصحاب على الاستحباب. و استدلّ للقول بالوجوب بالنبوي المنجبر بالإجماعات المحكية عن الشيخ في «الخلاف» و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» و المحقّق في «المعتبر» و غيرهم: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(عوالي اللآلي 2: 54/ 143.) . وجه الاستدلال: أنّ قوله: «كما فاتته» يعمّ كلّ فريضة فائتة و كيفيتها من التقدّم و التأخّر. و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى الصلوات و هو جنب اليوم و اليومين و الثلاثة ثمّ ذكر بعد ذلك، قال: «يتطهّر و يؤذّن و يقيم في اولاهنّ ثمّ يصلّي و يقيم بعد ذلك في كلّ صلاة، فيصلّي بغير أذان حتّى يقضي صلاته»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 3.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا نسيت الصلاة أو صلّيتها بغير وضوء و كان عليك قضاء صلوات فابدأ باولاهنّ، فأذّن لها و أقم ثمّ صلّها، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 4.) الحديث. و يرد على الأوّل: أوّلًا: أنّه ضعيف سنداً؛ لعدم وجوده في اصولنا المعتمدة. و دعوى انجباره بالإجماعات المحكية تدفع بدعوى الإجماع عن «الروض» و «المهذّب البارع» و «شرح الإرشاد» للفخر على عدم الوجوب، حيث إنّ دعوى الإجماع على الترتيب معارض بدعوى الإجماع على عدم الترتيب في الكتب المذكورة. و ثانياً: أنّ الظاهر منه إرادة كيفية الفائتة الثابتة لها وقت أدائها من القصر و الإتمام، لا ما يشمل التقديم و التأخير في خصوص الفوات. و ذلك بقرينة الأخبار الواردة في أنّ العبرة في القضاء بزمان الفوت لا الأداء، كما في صحيح زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: «يقضي ما فاته كما فاته؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها، و إن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) و يرد على الصحيحين ما أورده في «الجواهر» من احتمال عدم إرادة الوجوب من الأمر بالبدأة فيه بالأوّل؛ لجريانه مجرى الغالب في فعل من يريد القضاء، و سوقه لإرادة بيان الاجتزاء بالأذان لأوّلهنّ عنه لكلّ واحدة واحدة، و باحتمال إرادة أوّلهنّ قضاءً لا فواتاً؛ بمعنى أنّ المراد ابدأ بأذان لأوّلهنّ قضاءً في عزمك و إرادتك(جواهر الكلام 13: 22.) ، انتهى. و العمدة في الاستدلال على وجوب الترتيب في المسألة صحيح الوشّاء عن رجل عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت: تفوت الرجل الاولى و العصر و المغرب و يذكر بعد العشاء، قال: «يبدأ بصلاة الوقت الذي هو فيه؛ فإنّه لا يأمن الموت؛ فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل ثمّ يقضي ما فاته الأوّل فالأوّل»(وسائل الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 6.) . كما أنّ صحيح زرارة المتقدّم له ظهور في المدّعى. فالاستدلال على وجوب الترتيب في المسألة بصحيحي الوشّاء و زرارة يتمّ لو لا قيام الشهرة على الخلاف. و في «المستمسك»: يجوز قضاء اليومية المتأخّرة فواتاً قبل قضاء غيرها السابق فواتاً على المشهور، بل لم يعرف القول بخلافه إلّا من بعض مشايخ الوزير العلقمي رحمه الله. و ليس له دليل ظاهر عدا النبوي المشهور: «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها، فذلك وقتها» ، و في دلالته منع، و الأصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 7: 72.) ، انتهى. و المختار في المسألة عدم وجوب الترتيب؛ للشهرة المحقّقة في المسألة، و إن كان الأحوط مراعاة الترتيب. هذا كلّه فيما علم بكيفية الفوت و التقدّم و التأخّر. و أمّا مع الجهل به ففي المسألة قولان: الأوّل: وجوب الترتيب. ذهب إليه جماعة، و قوّاه صاحب «الجواهر»، و ذهب إليه السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين. و الثاني: عدم وجوبه. نسبه في «الرياض» إلى الأكثر، و إليه ذهب العلّامة في «القواعد» و «التحرير» و ولده في «شرح التحرير» و الشهيدان و المحقّق الثاني و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و غيرهم. و لا يخفى: أنّ الترتيب في صورة الجهل يحصل بالتكرار ما لم يكن مستلزماً للمشقّة التي لا تتحمّل من جهة كثرتها. و في «المدارك»: و على هذا فيجب على من فاتته الظهر و العصر من يومين و جهل السابق أن يصلّي ظهراً بين عصرين أو عصراً بين ظهرين ليحصل الترتيب بينهما على تقدير سبق كلّ منهما، و لو جامعهما مغرب من ثالث صلّى الثلاث قبل المغرب و بعدها، و لو كان معها عشاء فعل السبع قبلها و بعدها، و لو انضمّ إليها صبح فعل الخمس عشرة قبلها و بعدها(مدارك الأحكام 4: 297.)، انتهى. و استدلّ للقول الأوّل- كما في «الجواهر» و غيره- بأنّه أحوط في البراءة عمّا اشتغلت الذمّة به من الصلاة، و بإطلاق الأدلّة من معاقد بعض الإجماعات و الأخبار التي لا مدخلية للعلم و الجهل فيما يستفاد منها؛ خصوصاً الحكم الوضعي، كما في غيره من التكاليف. و استدلّ للقول الثاني بالأصل، و استلزام التكليف بالمحال من جهة عدم إمكان الجزم بالنية، أو الحرج في كثير من موارده. و فيه: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل؛ فلا يصار إليه مع وجود الإطلاق في الأخبار، و أنّه لا دليل على اعتبار الجزم في النية، و أنّ التكرار واجب ما دام لم يستلزم الحرج، و الحرج في بعض الموارد لا يوجب سقوط التكليف بالتكرار مطلقاً و بالمرّة حتّى فيما لم يكن حرج في البين. و في المسألة قول بوجوب الترتيب مع الظنّ به. ذهب إلى هذا القول الشهيد في «البيان» و «الذكرى»، و نسب إليه في «الدروس» و «الموجز» و «كشف الالتباس» وجوبه مع الوهم أيضاً. بقي الكلام فيما كان الترتيب معتبراً شرعاً في أدائها- كالظهرين و العشاءين- فيجب في قضائهما أيضاً على الأقوى، و هو المشهور عند فقهائنا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل ادّعي عليه الإجماع في كلام جماعة كالمحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «التذكرة» و غيرهما. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال: «و إن كانت المغرب و العشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة، ابدأ بالمغرب ثمّ العشاء»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 4.) ، و نحوهما غيرهما من روايات الباب.

ص: 31

ص: 32

ص: 33

ص: 34

ص: 35

(مسألة 9): لو علم أنّ عليه إحدى الصلوات الخمس من غير تعيين يكفيه صبح و مغرب و أربع ركعات

بقصد ما في الذمّة، مردّدةً بين الظهر و العصر و العشاء (1).


1- هذه المسألة مشهورة بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل ادّعى عليها الإجماع في «الخلاف» و «السرائر» و «المختلف». و يدلّ عليها مرسل علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من نسي من صلاة يومه واحدة و لم يدر أيّ صلاة هي صلّى ركعتين و ثلاثاً و أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 275، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11، الحديث 1.) و مرفوع الحسين بن سعيد قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي من الصلوات لا يدري أيّتها هي، قال: «يصلّي ثلاثة و أربعة و ركعتين؛ فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعاً، و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11، الحديث 2.) و خالف ابنا زهرة و حمزة في المسألة و قالا بوجوب قضاء خمس صلوات، و لعلّه لضعف الخبرين بالإرسال و الرفع و وجوب تعيين العمل تفصيلًا. و فيه: أنّ ضعفهما منجبر بالشهرة العظيمة، و لا دليل على وجوب التعيين التفصيلي مطلقاً. و في «المستمسك»: بل التردّد في العنوان مع الجزم بالوجه أولى بالصحّة من الجزم بالعنوان مع التردّد في الوجه؛ و لذا بنى المشهور على اعتبار الجزم بالنية و لم يبنوا على اعتبار الجزم بالعنوان(مستمسك العروة الوثقى 7: 78.) ، انتهى. و ما نحن فيه ليس من قبيل التردّد في النية المخلّ و الموجب لبطلان العبادة، بل هو في الحقيقة تردّد في الشي ء في نفسه، و إنّ الواجب في الحقيقة هو الأمر المردّد بين امور.

ص: 36

مخيّراً فيها بين الجهر و الإخفات (1). و إذا كان مسافراً يكفيه مغرب و ركعتان مردّدتان بين الأربع (2).


1- مقتضى إطلاق أدلّة وجوب الجهر و الإخفات وجوب التكرار بفعل رباعية جهرية و رباعية اخرى إخفاتية مردّدة بين الظهر و العصر، لكن المرسل و المرفوع المذكورين المنجبرين بالشهرة يقيّدان الإطلاق المزبور.
2- هذه المسألة مشهورة عند أصحابنا شهرة عظيمة. و ادّعى الشهيد في «الروض» الإجماع عليها. و ذكر الأربع ركعات في الخبرين؛ لكون المورد خصوص الحاضر، و المورد لا يخصّص؛ فيعمّ الحكم للمسافر. و في «الحدائق»: و أنت خبير بأنّ ظاهر خبر «المحاسن» و قوله عليه السلام فيه: «فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء كان قد صلّى أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11، الحديث 2.) هو الإشارة إلى أنّ الغرض من التشريك و العلّة فيه هو حصول الفريضة الفائتة في ضمن هذه الكيفية، و لا تفاوت فيه بين اشتراك هذا العدد بين ثلاث فرائض أو أربع، و ورود الثلاث في الخبرين المذكورين إنّما هو باعتبار صلاة الحضر التي هي الغالبة المتكرّرة؛ فذكر هذا التفصيل فيها بالثلاث و الأربع و الثنتين إنّما خرج مخرج التمثيل(الحدائق الناضرة 11: 20.) ، انتهى. و خالف في المسألة ابن إدريس فأوجب على المسافر خمس صلوات؛ اقتصاراً فيما خالف الأصل و القاعدة على مورد النصّ.

ص: 37

و إن لم يعلم أنّه كان حاضراً أو مسافراً يأتي بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الأربع، و أربع ركعات مردّدة بين الثلاث (1).


1- و وجهه: أنّه إن كان مسافراً فوظيفته المغرب و الركعتان المردّدتان بين أربع صلوات؛ فينوي ما في الذمّة، و إن كان حاضراً فوظيفته الصبح و المغرب و أربع ركعات مردّدة بين الثلاث؛ فمع عدم العلم بكونه حاضراً أو مسافراً يجمع بين الوظيفتين بإتيان مغرب و ركعتين مردّدتين بين الأربع، و أربع ركعات مردّدة بين الثلاث، و به تحصل البراءة اليقينية.

ص: 38

و إن علم أنّ عليه اثنتين من الخمس من يوم أتى بصبح ثمّ أربع ركعات مردّدة بين الظهر و العصر ثمّ مغرب ثمّ أربع مردّدة بين العصر و العشاء. و له أن يأتي بصبح ثمّ بأربع مردّدة بين الظهر و العصر و العشاء ثمّ مغرب ثمّ أربع مردّدة بين العصر و العشاء (1). و إذا علم أنّهما فاتتا في السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و له أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح و الظهر و العصر و مغرب و ركعتين مردّدتين بين الظهرين و العشاء (2).


1- وجه إتيان المغرب احتمال كونها إحدى الاثنتين الفائتتين. و وجه إتيان أربع ركعات بعد المغرب مردّدة بين العصر و العشاء مع كون العشاء منوية مردّدة بينها و بين الظهرين قبل أن يأتي المغرب، هو أنّه من المحتمل أن تكون الفائتة الاخرى هي العشاء المترتّبة على المغرب. و لم نفهم وجهاً لذكر العشاء في قول المصنّف رحمه الله: «ثمّ بأربع مردّدة بين الظهر و العصر و العشاء»؛ لأنّ إتيان الأربع المردّدة بين العصر و العشاء بعد المغرب يغني عن إتيان العشاء في ضمن الأربع قبل المغرب.
2- لا وجه أيضاً لملاحظة العشاء في إتيان ركعتين قبل المغرب؛ لكونها ملحوظة في الركعتين المأتيتين بعد المغرب المردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و أمّا الاولى- أعني الصبح- فقد لوحظت في الركعتين قبل المغرب؛ فلا حاجة إلى لحاظها في الركعتين بعد المغرب؛ فالركعتان المأتيان قبل المغرب مردّدتان بين الصبح و الظهرين.

ص: 39

و إن لم يعلم أنّ الفوت في الحضر أو السفر أتى بركعتين مردّدتين بين الأربع، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و أربع مردّدة بين الظهرين و العشاء، و أربع مردّدة بين العصر و العشاء (1). و إن علم أنّ عليه ثلاثاً من الخمس يأتي بالخمس إن كان في الحضر، و إن كان في السفر يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح و الظهرين، و ركعتين مردّدتين بين الظهرين و العشاء، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين العصر و العشاء، و تتصوّر طرق اخر للتخلّص. و الميزان هو العلم بإتيان جميع المحتملات (2).


1- إذا علم بفوات اثنتين من خمس من يوم واحد و لم يعلم أنّه كان في الحضر أو السفر، عمل بوظيفة المسافر و الحاضر كليهما، كما ذكره المصنّف رحمه الله. و له أن يأتي بركعتين مردّدتين بين الصبح و الظهرين، و بمغرب و ركعتين مردّدتين بين الثلاث ما عدا الاولى، و أربع مردّدة بين الظهرين و العشاء. و يرد على المصنّف رحمه الله أيضاً: أنّه لا وجه لملاحظة العشاء في الركعتين الاوليين، بل يأتيهما مردّدتين بين الصبح و الظهرين كما مرّ.
2- إذا علم أنّ عليه ثلاثاً من الخمس من يوم واحد يأتي بالخمس مع مراعاة الترتيب بين الظهرين و العشاءين، و لا يكفي إتيان ركعتين و مغرب و أربع ركعات مردّدة بين الظهرين و العشاء؛ لاحتمال أن تكون الفائتات الثلاثة هي الظهرين و العشاء. و لا يخفى: أنّه إذا كان في السفر يكفي إتيان ما ذكره المصنّف رحمه الله؛ إلّا أنّه لا حاجة لملاحظة العشاء في الركعتين قبل المغرب، بل يأتيهما مردّدتين بين الظهرين.

ص: 40

(مسألة 10): إذا علم بفوات صلاة معيّنة كالصبح- مثلًا- مرّات،

و لم يعلم عددها، يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم على الأقوى، لكن الأحوط التكرار حتّى يغلب على ظنّه الفراغ، و أحوط و أحسن منه التكرار حتّى حصل العلم بالفراغ؛ خصوصاً مع سبق العلم بالمقدار و حصول النسيان بعده. و كذلك الحال فيما إذا فاتت منه صلوات أيّام لا يعلم عددها (1).


1- إذا علم بفوات صلاة معيّنة مرّات و لم يعلم عددها، أو فاتت عنه صلوات أيّام لا يعلم عددها، فهل يجب قضاؤها حتّى يحصل العلم بإتيان الفائت، أو يجب قضاؤها حتّى يغلب على ظنّه الوفاء به، أو يجوز الاكتفاء بالقدر المعلوم؟ ذهب إلى كلٍّ فريق: ظاهر عبارة «الشرائع» الاكتفاء بالظنّ في قضاء صلاة معيّنة لا يعلم عددها، و وجوب تحصيل العلم في قضاء صلوات أيّام لا يعلم عددها؛ قال في «الشرائع»: إذا فاتته صلاة معيّنة و لم يعلم كم مرّة، كرّر من تلك الصلاة حتّى يغلب عنده الوفاء، و لو فاتته صلوات لا يعلم كمّيتها و لا عينها صلّى أيّاماً متوالية حتّى يعلم أنّ الواجب دخل في الجملة، انتهى. و في «المدارك»: قد يسأل عن الوجه في اشتراط العلم هنا و الاكتفاء فيما قبله بغلبة الظنّ. و لا يمكن الجواب عنه إلّا بحمل العلم هنا على ما يتناول الظنّ، انتهى. و في «الجواهر» بعد نسبة الجزم بإرادة الظنّ من العلم إلى صاحب «المدارك»، قال: أو يريد من غلبة الظنّ في الأوّلتين العلم الذي هو في أيدي الناس في جميع امورهم الذي لا يقدح فيه بعض الاحتمالات التي تقدح في العلم المصطلح عليه عند أرباب المعقول. بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب عليه، كما يومئ إليه في الجملة توافق التعبير هنا عنه بغلبة الظنّ، لا الظنّ خاصّة(جواهر الكلام 13: 125.) ، انتهى. و عن العلّامة في «التذكرة» قال: لو فاتته صلوات معلومة العين غير معلومة العدد صلّى من تلك الصلوات إلى أن يغلب في ظنّه الوفاء؛ لاشتغال الذمّة بالفائت؛ فلا يحصل البراءة قطعاً إلّا بذلك. و لو كانت واحدة و لم يعلم العدد صلّى تلك الصلاة مكرّراً حتّى يظنّ الوفاء. ثمّ احتمل في المسألة احتمالين: أحدهما: تحصيل العلم لعدم البراءة إلّا باليقين، و الثاني: الأخذ بالقدر المعلوم؛ لأنّ الظاهر أنّ المسلم لا يفوت الصلاة. و نسب كلا الوجهين إلى الشافعية(تذكرة الفقهاء 2: 361.) ، انتهى ملخّصاً. الأقوى في المسألة الاكتفاء بالقدر المعلوم، اختاره المحقّق الأردبيلي رحمه الله، و استوجهه صاحب «المدارك» و «الذخيرة»، و هو المشهور بين متأخّري المتأخّرين؛ و ذلك لأنّ العلم الإجمالي بفوائت كثيرة ينحلّ إلى علم تفصيلي بوجوب الأقلّ المتيقّن، و الشكّ البدوي المتعلّق بما زاد عليه؛ فالأصل البراءة و عدم تعلّق التكليف به. إن قلت: الأمر الأدائي متى شكّ فيه فقد شكّ في سقوط التكليف الذي علم بتنجّزه عليه حال كونه أداءً، و مقتضى الأصل بقاء التكليف و عدم سقوطه حتّى يحصل اليقين، و لا يحصل إلّا بإتيان ما زاد. قلت: إنّ قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت حاكمة على مثل هذه الاصول. إن قلت: إنّ العقل يحكم بوجوب الاحتياط في أطراف الشبهة المحصورة الوجوبية. قلت: نعم، و لكنّه مخصوص بما كانت الأطراف متباينة؛ فلا يعمّ ما تردّد فيه الأطراف بين الأقلّ و الأكثر؛ لانحلال العلم الإجمالي فيه إلى العلم التفصيلي بالأقلّ- الذي هو القدر المتيقّن- و شكّ بدوي بالنسبة إلى ما زاد؛ فيكون المورد من موارد البراءة. و قد يستدلّ لوجوب القضاء حتّى يغلب على ظنّه الوفاء بصحيح عبد اللّه بن سنان الوارد في قضاء النوافل، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّ العبد يقوم فيقضي النافلة فيعجب الربّ ملائكته منه، فيقول: ملائكتي عبدي يقضي ما لم أفترضه عليه»(وسائل الشيعة 4: 75، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 18، الحديث 1.) . وجه الاستدلال: أنّ الاهتمام في النافلة بمراعاة الاحتياط يوجب ذلك في الفريضة بطريق أولى. و مثله في الاستدلال رواية مرازم قال: سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: أصلحك اللَّه إنّ عليّ نوافل كثيرة فكيف أصنع؟ فقال: «اقضها»، فقال له: إنّها أكثر من ذلك، قال: «اقضها»، قلت (قال): لا احصيها، قال: «توخّ ...»(وسائل الشيعة 4: 78، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 19، الحديث 1.) الحديث. و التوخّي كما عن «الجوهري» هو التحرّي، و هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظنّ. و رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل نسي ما عليه من النافلة و هو يريد أن يقضي، كيف يقضي؟ قال: «يقضي حتّى يرى أنّه قد زاد على ما يرى عليه و أتمّ»(وسائل الشيعة 4: 79، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 19، الحديث 3.) و الجواب عنه: أنّ الأولوية ممنوعة؛ لأنّ المندوبات مبنية على التوسعة و الترخيص، و في الواجبات كلفة و إلزام، و الأمر بالاحتياط في المندوب للإرشاد إلى ما هو أصلح بحاله من غير إلزام، فكيف يقاس عليه ما فيه كلفة و إلزام؟! و قد يستدلّ لعدم وجوب تحصيل اليقين بإتيان الأكثر بالإجماع، و بقاعدة نفي الحرج و أنّ الإلزام بإتيان الأكثر حتّى يحصل القطع بالفراغ حرجي. و فيه: أنّ الإجماع غير ثابت مع اشتهار الخلاف؛ خصوصاً بين المتأخّرين، و الحرج منفي في غالب الموارد؛ ضرورة غلبة معرفة عدد يقطع بدخول الواجب فيه و يتمكّن من فعله من غير عسر و لو في الأزمنة المتداولة؛ لكثرة دورانه بين الأعداد الحاصرة- كالعشرة و العشرين مثلًا- بل قد يمنع تحقّق العسر و الحرج في إتيان الأكثر، و في موارد تحقّقه يقتصر على ما يندفع به الحرج. و قد يستدلّ للقول بتحصيل اليقين بالبراءة بقاعدة توقّف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية المقتضية وجوب القضاء إلى أن يحصل العلم بالفراغ. و في «الجواهر»: بل ينبغي القطع به فيما كان عالماً بقدر الفوائت ثمّ نسيه؛ فدار بين أفراد متعدّدة؛ إذ لا ريب حينئذٍ في بقاء الخطاب واقعاً بذلك المنسي، و لو من جهة الاستصحاب الذي لا يقطعه عروض النسيان بعد إمكان امتثاله بإتيان عدد يعلم دخوله فيه(جواهر الكلام 13: 127.)، انتهى. و يرد عليه: أنّ العلم الإجمالي ينحلّ إلى علم تفصيلي بالأقلّ- الذي هو القدر المتيقّن- و شكّ بدوي بالنسبة إلى ما زاد؛ فيجري فيه البراءة، هذا. مضافاً إلى كون ما زاد مندرجاً تحت قاعدة الشكّ بعد الوقت المستفادة من صحيح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها، أو في وقت فوتها أنّك لم تصلّها صلّيتها، و إن شككت بعد ما خرج وقت الفوت و قد دخل حائل فلا إعادة عليك من شكّ حتّى تستيقن، فإن استيقنت فعليك أن تصلّيها في أيّ حالة كنت»(وسائل الشيعة 4: 282، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 60، الحديث 1.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله فرّق بين الشكّ في نفس الفوات ابتداءً و بين الشكّ في وجوب الزائد على المتيقّن- كما فيما نحن فيه- و قال بجريان قاعدة الشكّ بعد الوقت في الأوّل دون الثاني. و فيه: أنّ الصحيحة مطلقة شاملة لما نحن فيه. و لا يخفى حسن الاحتياط بإتيان ما زاد.

ص: 41

ص: 42

ص: 43

ص: 44

(مسألة 11): لا يجب الفور في القضاء،
اشارة

بل هو موسّع ما دام العمر لو لم ينجرّ إلى المسامحة في أداء التكليف و التهاون به (1).


1- هذا القول هو المشهور المختار. و في «الجواهر»: و لم يجب فعلها فوراً متى ذكرها، و لم يجب العدول من الحاضرة لو ذكرها في الأثناء إليها، و لم يحرم التشاغل بسائر ما ينافي فعلها من مندوبات أو واجبات موسّعة أو مباحات أو غير ذلك، كما هو المشهور بين المتأخّرين نقلًا و تحصيلًا. بل في «الذخيرة»: أنّه مشهور بين المتقدّمين أيضاً ... إلى أن قال رحمه الله، و هو كذلك، يشهد له التتبّع لكلمات الأصحاب وجادة و حكاية في الرسائل الموضوعة في هذا الباب(جواهر الكلام 13: 33.)، انتهى. و ذكر رحمه الله أسماء جماعة كثيرة من فقهائنا القائلين بعدم وجوب فعل الفائتة فوراً متى ذكرها، فعليك بالمراجعة. أقول: ما ذكره حقّ متين، و العمدة في الاستدلال أصالة البراءة عن وجوب الفورية. و حكي عن جماعة من الأصحاب- منهم السيّد و الحلّي و الحلبي و ظاهر المفيد و الديلمي- القول بوجوب قضاء الفائتة فوراً و عدم جواز التأخير. و حكي عن بعضهم عدم جواز ارتكاب فعل من الأفعال- كالأكل و الشرب و النوم و التكسّب- إلّا بمقدار الضرورة. و عن بعضهم التصريح ببطلان صلاة الفريضة في أوّل الوقت ممّن عليه الفائتة. و يظهر من ابن حمزة في «الوسيلة» القول بالمضايقة في الفائتة نسياناً دون الفائتة عمداً، و قال بوجوب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة نسياناً. فإنّه مع المبادرة يأمن من العقوبة، و لا يأمن منها مع التأخير. و أيضاً لا يحصل له اليقين بالبراءة عن عهدة الحاضرة إلّا بقضاء الفائتة قبله؛ إذ مع عدم إتيان الفائتة يشكّ في صحّة الحاضرة. و فيه: أنّ الاحتياط غير لازم المراعاة في الشبهة الوجوبية؛ لأنّ الشكّ في تحصيل الأمن من العقوبة ناشٍ من الشكّ في وجوب الفورية و المبادرة إلى الفائتة، و مقتضى الأصل عدمه اتّفاقاً. و أمّا الشكّ في صحّة الحاضرة قبل قضاء الفائتة فهو في الحقيقة يرجع إلى الشكّ في الشرطية، و المرجع فيه البراءة؛ خصوصاً إذا كان منشأ الشكّ في الشرطية هو الشكّ في الفورية لا وجوبه تعبّداً. «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»(طه( 20): 14.) ، بناءً على ما نسب إلى كثير من المفسّرين، قال في «الذكرى»: قال كثير من المفسّرين: إنّه في الفائتة؛ لقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «من نام من صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها؛ إنّ اللَّه تعالى يقول: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»»(ذكرى الشيعة 2: 413.)، انتهى. و في رواية عبيد بن زرارة عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»، و إن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها و اقض الاخرى»(وسائل الشيعة 4: 287، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 2.) و فيه: أنّ الآية بنفسها لا دلالة فيها على وجوب خصوص قضاء الفائتة، فضلًا عن وجوب الفور، و الخطاب فيها كان متوجّهاً إلى موسى- عليه الصلاة و السلام- و يمتنع أن يفوته الصلاة نسياناً. و قد قيل في تفسيرها وجوه أوفق بمداليل ألفاظها من إرادة خصوص قضاء الفائتة؛ ففي «مجمع البيان»: «أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»؛ أي لأن تذكرني فيها بالتسبيح و التعظيم؛ لأنّ الصلاة لا تكون إلّا بذكر اللَّه. و قيل: لأن أذكرك بالمدح و الثناء. و قيل: إنّ معناه صلّ لي، و لا تصلّ لغيري كما يفعله المشركون. و قيل معناه: أقم الصلاة متى ذكرت، إنّ عليك صلاة؛ كنتَ في وقتها أو لم تكن(مجمع البيان 7: 10.)، انتهى. و أمّا الأخبار الواردة في تفسير الآية- مثل رواية زرارة المتقدّمة- فغاية ما تدلّ عليه وجوب البدء بالتي فاتتك قبل أن تصلّي الحاضرة في وقتها، لا على وجوب الفور؛ فالمقصود إيجاب إيجادها بعد التذكّر لا إيجاب المبادرة إلى فعلها في أوّل آنات الذكر. و في «مصباح الفقيه» للمحقّق الهمداني رحمه الله: يحتمل قويّاً أن يكون المراد بقوله: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اخرى» هي اولي الظهرين و العشاءين ... إلى أن قال: و ربّما يومئ إليه تتمّة الرواية؛ و هي قوله عليه السلام: «و إن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها و اقض الاخرى». و ربّما يؤيّده رواية العيص بن القاسم المروية عن كتاب الحسين بن سعيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: «إن كانت صلاة الاولى فليبدأ بها، و إن كانت صلاة العصر فليصلّ العشاء، ثمّ يصلّي العصر»(مستدرك الوسائل 6: 428، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 6.) . فعلى هذا لا دلالة فيها لا على الفورية و لا على الترتيب فيما هو محلّ الكلام(مصباح الفقيه، الصلاة: 605/ السطر 14.)، انتهى. منها: الأخبار الواردة الآمرة بالقضاء عند ذكرها، كما في النبوي: «من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها» ، و ادّعى في «السرائر» أنّ النبوي من المجمع عليه بين الامّة. و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أدّيتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميّت، هذه يصلّيهنّ الرجل في الساعات كلّها»(وسائل الشيعة 4: 240، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها، قال: «فليصلّ حين يذكر»(وسائل الشيعة 4: 240، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «خمس صلوات لا تترك على حال: إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم، و صلاة الكسوف، و إذا نسيت فصلّ إذا ذكرت، و صلاة الجنازة»(وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 4.) و خبر نعمان الرازي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاته شي ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس و عند غروبها، قال: «فليصلّ حين ذكره»(وسائل الشيعة 4: 244، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 16.) ، قال الشيخ: إنّ نعمان الرازي من أصحاب الصادق عليه السلام، الظاهر منه أنّه إمامي، و لكنّه مجهول الحال. و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها ...»(وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 1.) الحديث. و صحيح ثالث لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها، فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة و لم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت، و هذه أحقّ بوقتها فليصلّها، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى، و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(وسائل الشيعة 8: 256، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 2، الحديث 3.) و صحيح رابع له عنه عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار»(وسائل الشيعة 8: 253، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 1.) و موثّق سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس، قال: «يصلّيها حين يذكرها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس، ثمّ صلّاها حين استيقظ، و لكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(وسائل الشيعة 8: 254، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 5.) و فيه: أنّ توقيت القضاء بحين الذكر أو الاستيقاظ جارٍ مجرى التعبير بعدم سقوطه و وجوب الإتيان به بعد زوال العذر الموجب للفوت؛ فلا ينسبق من مثل هذا التعبير إرادة الفورية. و كلّها منفية في الشريعة السهلة. و فيه: أنّ القائلين بوجوب الفور لا يقولون به مطلقاً، بل يقتصرون على الفورية العرفية الغير المنافية لأدلّة نفي العسر و الحرج و التكليف بما لا يطاق؛ لحكومة تلك الأدلّة على عموم أدلّة سائر التكاليف و إطلاقها. مع اشتغال ذمّتهم على الفوائت، و كذا يشتغلون بمشاغل الدنيا كالأكل و الشرب و النوم و الاكتساب في تلك الأوقات مع اعتقادهم بعدم كونها معصية، مع أنّ المشهور عند الاصوليين اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه. و فيه: أنّ السيرة ليست حجّة مطلقاً، و لا يعتمد على السيرة المحتمل فيها كون منشأها المساهلة في الدين و قلّة المبالاة، كما هو الحال في أكثر السيرات الدائرة بينهم. و في «مصباح الفقيه»: و أمّا ما قيل من أنّ المشهور عندهم أنّ الأمر بالشي ء نهي عن ضدّه، ففيه ما لا يخفى، فإنّ هذا إن كان مشهوراً فهو بين الاصوليّين و إلّا فعامّة الناس لا يعرفونه، بل و كذلك أغلب الفقهاء؛ إذ لا يعهد عنهم الالتزام بما يعهد على هذه المسألة الاصولية في سائر أبواب الفقه، بل حكي عن فقيه عصره و وحيد دهره صاحب «كشف الغطاء» التصريح بأنّ مسألة الضدّ شبهة في مقابلة الضرورة، و هو في محلّه(مصباح الفقيه، الصلاة: 606/ السطر 26.)، انتهى. التي هي كلفة زائدة ممّا يقتضيه التكليف بأصل الفعل، فينفيه أدلّة البراءة. أقول: هذا الدليل متين، كما نقلناه عن صاحب «الجواهر» رحمه الله. منها: ما ورد في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة، قد ذكرنا بعضها في مسألة وجوب الترتيب و عدمه في الفوائت، فراجع، و نذكر هنا بعضها؛ ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل نسي المغرب حتّى دخل وقت العشاء الآخرة، قال: «يصلّي العشاء ثمّ المغرب»(وسائل الشيعة 8: 255، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، الحديث 7.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل تفوته المغرب حتّى تحضر العتمة، فقال: «إن أحضرت العتمة و ذكر أنّ عليه صلاة المغرب فإن أحبّ أن يبدأ بالمغرب بدأ، و إن أحبّ بدأ بالعتمة ثمّ صلّى المغرب بعد»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 5.) . و الاستدلال بها مبني على الملازمة بين جواز تقديم الحاضرة على الفائتة و بين المواسعة. و فيه: أنّ الكلّية ممنوعة، و لا ملازمة بين القولين. و قد نسب إلى صاحب «هدية المؤمنين» القول بجواز تقديم الحاضرة على الفائتة مع القول بالمضايقة. و منها: ما ورد في نوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم؛ ففي صحيح عبد اللّه بن سنان قال: سمعته يقول: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد فغلبته عيناه، فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس، ثمّ استيقظ فعاد نادية ساعة و ركع ركعتين، ثمّ صلّى الصبح و قال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللَّه، قال: و كره المقام، و قال: نمتم بوادي الشيطان»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 1.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين، إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمّ اقض ما شئت»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة». قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلمّا كان في القابل لقيتُ أبا جعفر عليه السلام فحدّثني: «أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال و ناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللَّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، و قال: يا بلال أذّن، فأذّن فصلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ركعتي الفجر، و أمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، و قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»». قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه، فقالوا: نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم، فقال: «يا زرارة ألا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً، و أنّ ذلك كان قضاءً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 6.) ، و نحوهما غيرهما من الروايات. و هذه الأخبار علمها عند أهله. و ناقش فيها جماعة من علمائنا و قالوا بوجوب طرحها؛ لمنافاتها العصمة، كالأخبار المتضمّنة للسهو منه- عليه الصلاة و السلام- أو من أحد الأئمّة المعصومين عليهم السلام. و اجيب عنهم بظهور الفرق عند الأصحاب بينه و بين السهو، و لم يعمل أحد منهم بأخبار السهو، عدا ما يحكى عن الصدوق و شيخه ابن الوليد و الكليني و أبي علي الطبرسي في تفسير قوله تعالى: «وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ»(الأنعام( 6): 68.) و في «الجواهر»: و إن كان ربّما يظهر من الأخير- الطبرسي- أنّ الإمامية جوّزوا السهو و النسيان على الأنبياء في غير ما يؤدّونه عن اللَّه تعالى مطلقاً ما لم يؤدّ ذلك إلى الإخلال بالعقل، كما جوّزوا عليهم النوم و الإغماء الذين هما من قبيل السهو. بخلاف أخبار الأوّل كما عن الشهيد في «الذكرى» الاعتراف به حيث قال: لم أقف على رادّ لهذا الخبر من حيث توهّم القدح في العصمة، بل عن صاحب رسالة «نفي السهو»- و هو المفيد أو المرتضى- التصريح بالفرق بين السهو و النوم؛ فلا يجوز الأوّل و يجوز الثاني. بل ربّما يظهر منه: أنّ ذلك كذلك بين الإمامية، كما عن والد البهائي رحمه الله في بعض المسائل المنسوبة إليه: أنّ الأصحاب تلقّوا أخبار نوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن الصلاة بالقبول، إلى غير ذلك ممّا يشهد لقبولها عندهم، كرواية الكليني و الصدوق و الشيخ و صاحب «الدعائم» و غيرهم لها؛ حتّى أنّه عقد في «الوافي» باباً لما ورد أنّه لا عار في الرقود عن الفريضة مورداً فيه جملة من الأخبار المشتملة على ذلك؛ معلّلة بأنّه فَعَل اللَّه بنبيّه صلى الله عليه و آله و سلم ذلك رحمةً للعباد، و لئلّا يعير بعضهم بعضاً. لكن و مع ذلك كلّه فالإنصاف: أنّه لا يجتري على نسبته إليهم عليهم السلام؛ لما دلّ من الآيات و الأخبار، كما نقل على طهارة النبي و عترته- عليهم الصلاة و السلام- من جميع الأرجاس و الذنوب و تنزّههم عن القبائح و العيوب، و عصمتهم من العثار و الخطل في القول و العمل، و بلوغهم إلى أقصى مراتب الكمال، و أفضليتهم ممّن عداهم في جميع الأحوال و الأعمال(جواهر الكلام 13: 72.) ، انتهى موضع الحاجة، فراجع تتمّة كلامه رحمه الله. و قد استدلّ أيضاً لعدم وجوب الفور في قضاء الفائتة بصحيح زرارة الطويل المستدلّ به على وجوب الترتيب في قضاء الفوائت؛ ففي بعض فقراته قال: «فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب و العشاء، ابدأ بأوّلهما؛ لأنّهما جميعاً قضاء، أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلّا بعد شعاع الشمس»، قال: قلت: و لِمَ ذاك؟ قال: «لأنّك لست تخاف فوتها»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «يصلّيها إن شاء بعد المغرب، و إن شاء بعد العشاء»(وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 6.) و صحيح الحلبي قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء؛ إن شاء بعد المغرب، و إن شاء بعد العشاء»(وسائل الشيعة 4: 241، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 39، الحديث 7.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: سألته عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر، هل يقضيها و هو مسافر؟ قال: «نعم يقضيها بالليل على الأرض، فأمّا على الظَّهر فلا، و يصلّي كما يصلّي في الحضر»(وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 2.) . و موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 2.) و خبر علي بن موسى بن طاوس في كتاب «غياث سلطان الورى» عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: «يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) و حسنة الحسين بن أبي العلاء الخفّاف عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار، كلّ ذلك سواء»(وسائل الشيعة 4: 277، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 57، الحديث 12.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نام رجل و لم يصلّ صلاة المغرب و العشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلّ الفجر ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس، فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى الصلاتين فليصلّ المغرب و يدع العشاء الآخرة حتّى تطلع الشمس و يذهب شعاعها، ثمّ ليصلّها»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 3.) و صحيح ابن مسكان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إن نام رجل أو نسي أن يصلّي المغرب و العشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصلّهما، و إن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة، و إن استيقظ بعد الفجر فليصلّ الصبح ثمّ المغرب ثمّ العشاء الآخرة قبل طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 4: 288، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 4.) و منها: ما ورد في جواز تقديم النوافل على الفوائت، كصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 2.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين، إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمّ اقض ما شئت ...»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) الحديث.

ص: 45

و القائلون بالمضايقة استدلّوا بامور:
الأوّل: أصالة الاحتياط؛

ص: 46

الثاني: قوله تعالى: [أَقِمِ الصّلَاةَ لِذِكْرِي]

ص: 47

ص: 48

الثالث: أخبار كثيرة:

ص: 49

ص: 50

و استدلّ لعدم وجوب الفور في القضاء بوجوه:
الأوّل: لزوم العسر و الحرج و التكليف بما لا يطاق عادةً في بعض الأحيان،
الثاني: قيام سيرة المسلمين على إتيان الصلوات الحاضرة في أوّل أوقاتها

ص: 51

الثالث: أصالة البراءة عن وجوب الفورية
الرابع: الأخبار:

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

(مسألة 12): الأحوط لذوي الأعذار تأخير القضاء إلى زمان رفع العذر،

إلّا إذا علم ببقائه إلى آخر العمر أو خاف من مفاجأة الموت لظهور أماراته. نعم لو كان معذوراً عن الطهارة المائية فللمبادرة إلى القضاء مع الترابية وجه- حتّى مع رجاء زوال العذر- لا يخلو من إشكال، فالأحوط تأخيره إلى الوجدان (1).


1- لا بأس بنقل كلام المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» لتنقيح هذه المسألة و بيان وجهها، قال: ثمّ لا يخفى عليك أنّ العبرة في هيئات الصلاة التي يجب رعايتها في القضاء هي الهيئات الأصلية المعتبرة في الصلاة من حيث هي لدى القدرة عليها؛ من الطهارة و القيام و الاستقبال و الاستقرار و نحوها، دون الثانوية التي سوّغته الضرورة، كالصلاة مع التيمّم أو جالساً أو ماشياً و نحوها؛ لأنّ من ترك صلاة في وقتها فقد فاتته طبيعة تلك الصلاة بجميع أجزائها و شرائطها المعتبرة فيها من حيث هي؛ فعليه تداركها كذلك؛ سواء كان في الوقت متمكّناً من الإتيان بها كذلك أو عاجزاً، إلّا عن الإتيان ببعض مراتبها الناقصة الممضاة شرعاً لدى الضرورة؛ إذ الضرورة لا توجب إلّا عدم سقوط الميسور بالمعسور، و كون صلاته الناقصة ما دام كونه عاجزاً مجزية في حقّه. و لكن ذلك فيما لو أتى بالناقصة في وقتها، و أمّا لو تركها فقد فاتته طبيعة الصلاة المفروضة عليه، التي حكمها وجوب الإتيان بها عن قيام- مثلًا- لدى القدرة و جالساً مع العجز فعليه قضاؤها على ما شرّعت. و الحاصل: أنّ الهيئات التي تجب رعايتها في القضاء إنّما الهيئات الأصلية المعتبرة في الصلاة، دون الهيئات العارضية التي سوّغتها الضرورة. فالمريض الذي لا يقدر إلّا على الصلاة مستلقياً مومئاً لو فاتته يجب عليه بعد أن برئ من مرضه أن يقضيها صلاة المختار. و هل له أن يقضي في حال المرض و العجز عن الصلاة الاختيارية ما فاتته في حال صحّته و تمكّنه من الصلاة الاختيارية؟ أمّا مع استمرار العجز و عدم رجاء زواله فلا شبهة فيه؛ إذ الصلاة لا تسقط بحال؛ فمتى تنجّز التكليف بشي ء منها- أدائيةً كانت أم قضائية- من الفرائض الخمس أو من غيرها لا يسقط ميسورها بمعسورها. و ليس قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «فليقضها كما فاتته» إلّا كغيره من الأدلّة الدالّة على اعتبار سائر الشرائط و الأجزاء في ماهية الصلاة المقيّدة بحال القدرة بقاعدة الميسور و نحوها، كما لا يخفى. و أمّا مع رجاء زوال العذر فهو مندرج في موضوع مسألة اولي الأعذار التي وقع الكلام فيها في أنّه هل يجوز لهم البدار أم يجب الانتظار؟ و أنّه على تقدير الجواز هل تكون صحّة عملهم مراعاة بعدم ارتفاع العذر في تمام الوقت- و هو طول العمر- بالنسبة إلى القضاء، أم يكفي الضرورة حال الفعل؟ و قد تقدّم تحقيقها في بعض المباحث المناسبة له من التيمّم و الوضوء الاضطراري من كتاب «الطهارة»(مصباح الفقيه، الصلاة: 618/ السطر 22.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.

ص: 58

ص: 59

(مسألة 13): لا يجب تقديم الفائتة على الحاضرة؛

فيجوز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء، و إن كان الأحوط تقديمها عليها؛ خصوصاً في فائتة ذلك اليوم، بل إذا شرع في الحاضرة قبلها استحبّ له العدول منها إليها إن لم يتجاوز محلّ العدول، بل لا ينبغي ترك الاحتياط المتقدّم و ترك العدول إلى الفائتة (1).


1- وجه جواز الاشتغال بالحاضرة لمن عليه القضاء و عدم وجوب تقديم الفائتة على الحاضرة- مضافاً إلى أصالة البراءة عند الشكّ في شرطية وجوب تقديم الفائتة لصحّة الحاضرة- هو الأخبار، و قد ذكرناها مفصّلًا عند الاستدلال على القول بعدم وجوب الفور في قضاء الفوائت، فراجع. و الأحوط استحباباً تقديم الفائتة على الحاضرة؛ جمعاً بين الأخبار الآمرة به و بين الأخبار الدالّة على عدم وجوب الفور في القضاء. و وجه الخصوصية في فائتة ذلك اليوم التعرّض له في صحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى غربت الشمس و قد كان صلّى العصر، فقال: «كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي عليه السلام يقول: إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، و إلّا صلّى المغرب، ثمّ صلّاها»(وسائل الشيعة 4: 289، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 62، الحديث 7.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و إن كنت قد ذكرت أنّك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب و لم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.) و وجه استحباب العدول عن الحاضرة إلى الفائتة فيما لم يتجاوز محلّ العدول هو بعض الأخبار، كصحيح زرارة الطويل المتقدّم: «و إن ذكرت أنّك لم تصلّ الاولى و أنت في صلاة العصر و قد صلّيت منها ركعتين فانوها الاولى ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين، و قم فصلّ العصر ...» إلى أن قال عليه السلام: «و إن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر، ثمّ قم فأتمّها ركعتين، ثمّ تسلّم، ثمّ تصلّي المغرب ...» إلى أن قال عليه السلام: «و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة ...» إلى أن قال عليه السلام: «و إن كنت ذكرتها و أنت في الركعة الاولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء، ثمّ قم فصلّ الغداة»(وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.)

ص: 60

(مسألة 14): يجوز لمن عليه القضاء الإتيان بالنوافل على الأقوى،
اشارة

كما يجوز الإتيان بها أيضاً بعد دخول الوقت قبل إتيان الفريضة (1).

هنا مسألتان
اشارة
فالاولى منهما: أنّه يجوز الإتيان بالنوافل أداءً و قضاءً لمن عليه القضاء.

1- تقدّمت الإشارة إليهما في ضمن البحث عن عدم وجوب الفور في قضاء الفوائت: و يدلّ عليه موثّق أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل نام عن الغداة حتّى طلعت الشمس، فقال: «يصلّي ركعتين، ثمّ يصلّي الغداة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 2.) و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لكلّ صلاة مكتوبة لها نافلة ركعتين، إلّا العصر فإنّه يقدّم نافلتها فيصيران قبلها، و هي الركعتان اللتان تمّت بهما الثماني بعد الظهر، فإذا أردت أن تقضي شيئاً من الصلاة مكتوبة أو غيرها فلا تصلّ شيئاً حتّى تبدأ فتصلّي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة لها، ثمّ اقض ما شئت ...»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 5.) الحديث. و رواية علي بن موسى بن طاوس في كتاب «غياث سلطان الورى» عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه، فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: «يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) و ما دلّ من الأخبار على المنع من التطوّع لمن عليه القضاء محمول على الكراهة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها، قال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها ...» إلى أن قال: «و لا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 3.) و صحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتّى تبزغ الشمس، أ يصلّي حين يستيقظ أو ينتظر حتّى تنبسط الشمس؟ فقال: «يصلّي حين يستيقظ»، قلت: يوتر أو يصلّي الركعتين؟ قال: «بل يبدأ بالفريضة»(وسائل الشيعة 4: 284، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 4.) و من قال بجواز نوم النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قضاء صلاته استدلّ بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم رقد، فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتّى آذاه حرّ الشمس، ثمّ استيقظ فعاد نادية ساعة و ركع ركعتين، ثمّ صلّى الصبح و قال: يا بلال ما لك؟ فقال بلال: أرقدني الذي أرقدك يا رسول اللَّه، قال: و كره المقام و قال: نُمتم بوادي الشيطان»(وسائل الشيعة 4: 283، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة». قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عتيبة و أصحابه، فقبلوا ذلك منّي، فلمّا كان في القابل لقيتُ أبا جعفر عليه السلام فحدّثني: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم عرس في بعض أسفاره و قال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا، فنام بلال و ناموا حتّى طلعت الشمس، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول اللَّه أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: قوموا فحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة، و قال: يا بلال أذّن، فأذّن، فصلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ركعتي الفجر، و أمر أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح، و قال: من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»». قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم و أصحابه فقالوا: نقضت حديثك الأوّل، فقدمت على أبي جعفر عليه السلام فأخبرته بما قال القوم، فقال: «يا زرارة أ لا أخبرتهم أنّه قد فات الوقتان جميعاً، و أنّ ذلك كان قضاء من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 4: 285، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 6.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد ذكر الحديث قال: و المناقشة فيه بأنّ الواجب طرحها- لمنافاتها العصمة، كالأخبار المتضمّنة للسهو منه أو من أحد الأئمّة عليهم السلام- يدفعها ظهور الفرق عند الأصحاب بينه و بين السهو ... إلى آخر ما ذكره(جواهر الكلام 13: 71.) ، و قد نقلنا شطراً من كلامه رحمه الله قبل صفحات، فراجع. و يدلّ عليه موثّق سماعة قال: سألته (سألت أبا عبد اللّه) عن الرجل يأتي المسجد و قد صلّى أهله، أ يبتدئ بالمكتوبة أو يتطوّع؟ فقال: «إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوّع قبل الفريضة، و إن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة، و هو حقّ اللَّه، ثمّ ليتطوّع ما شاء، إلا هو (الأمر) موسّع أن يصلّي الإنسان في أوّل دخول وقت الفريضة النوافل، إلّا أن يخاف فوت الفضل. إذا صلّى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أوّل الوقت للفريضة، و ليس بمحظور عليه أن يصلّي النوافل من أوّل الوقت إلى قريب من آخر الوقت»(وسائل الشيعة 4: 226، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت: اصلّي في وقت فريضة نافلة؟ قال: «نعم في أوّل الوقت إذا كنت مع إمام تقتدي به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة»(وسائل الشيعة 4: 226، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 2.) و ما دلّ على المنع عن التنفّل في وقت الفريضة محمول على الكراهة؛ مراعاةً لوقت فضيلة الحاضرة، أو على ضيق الوقت، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوّع بين الأذان و الإقامة كما يصنع الناس؟ فقلت: إنّا إذا أردنا أن نتطوّع كان تطوّعنا في غير وقت فريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوّع»(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 3.) و رواية نجية قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: تدركني الصلاة و يدخل وقتها فأبدأ بالنافلة؟ قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: «لا، و لكن ابدأ بالمكتوبة و اقض النافلة»(وسائل الشيعة 4: 227، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 5.) و رواية أديم بن الحرّ قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا يتنفّل الرجل إذا دخل وقت فريضة»، قال: و قال: «إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها»(وسائل الشيعة 4: 228، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 35، الحديث 6.) ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 61

ص: 62

ص: 63

المسألة الثانية: أنّه يجوز الإتيان بالنافلة بعد دخول وقت الحاضرة و قبل إتيانها.

ص: 64

(مسألة 15): يجوز الإتيان بالقضاء جماعة؛

سواء كان الإمام قاضياً أو مؤدّياً، بل يستحبّ ذلك. و لا يجب اتّحاد صلاة الإمام و المأموم (1).


1- هذه المسألة ممّا لم يعرف فيه مخالف. و يدلّ على جواز إتيان القضاء جماعة- مضافاً إلى إطلاق أدلّة الجماعة و عمومها- خبر إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تقام الصلاة و قد صلّيتُ؟ فقال: «صلّ و اجعلها لما فات»(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 55، الحديث 1.) و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العتمة وحده، فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) ، و قد وقع في سند الحديث معلّى بن محمّد البصري، و هو واقع في سند «كامل الزيارات»، و عن النجاشي: أنّه مضطرب الحديث و المذهب. و كيف كان: قد ينجبر الخبران بعدم المخالف في المسألة.

ص: 65

(مسألة 16): يجب على الولي- و هو الولد الأكبر- قضاء ما فات عن والده من الصلوات لعذر؛

من نوم و نسيان و نحوهما. و لا تلحق الوالدة بالوالد و إن كان أحوط. و الأقوى عدم الفرق بين الترك عمداً و غيره، نعم لا يبعد عدم إلحاق ما تركه طغياناً على المولى، و إن كان الأحوط إلحاقه، بل لا يترك هذا الاحتياط (1).


1- لا يجب على غير الولي قضاء ما علم فواته من الميّت من الصلوات، بلا خلاف و لا إشكال. و أمّا وجوبه على الولي ففيه أقوال: الأوّل: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من الصلوات مطلقاً- و لو كان لغير عذر- نسب هذا القول إلى الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و العمّاني و القاضي و ابن حمزة و العلّامة في أكثر كتبه. الثاني: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه لعذر- كالمرض و السفر- لا ما تركه الميّت عمداً مع قدرته عليه. ذهب إليه المحقّق رحمه الله في بعض كتبه و السيّد عميد الدين، و في «التذكرة» نفى البأس عنه. الثالث: أنّه يجب عليه قضاء ما فات عنه في مرض موته فقط. ذهب إليه الحلّي و يحيى بن سعيد و الشهيد في «اللمعة». الرابع: وجوب القضاء عليه فيما فات عنه في المرض مطلقاً؛ مخيّراً بينه و بين التصدّق لكلّ ركعتين بمدّ، فإن لم يقدر فلكلّ أربع ركعات بمدّ، فإن لم يقدر فمدٌّ لصلاة النهار و مدٌّ لصلاة الليل، مع أفضلية القضاء. نسب هذا القول إلى الإسكافي و السيّد. الخامس: وجوب القضاء عليه فيما فات عنه لمرض أو غيره، مع التخيير بينه و بين التصدّق على النحو المذكور، و نسب هذا القول إلى ابن زهرة. السادس: عدم وجوب القضاء على الولي مطلقاً. و ذهب النراقي في «مستند الشيعة» إلى القول الثالث، و قال: إنّ الأقوى هو اختصاص الوجوب على الولي بقضاء ما فات في مرض الموت، و الأحوط قضاؤه ما فات في المرض مطلقاً. و لا يخفى: أنّ القول بعدم الوجوب على الولي مطلقاً و إن كان يساعده الأصل إلّا أنّ الإجماع و النصوص المتضافرة على خلافه، و القائل به غير معروف؛ ففي رواية ابن سنان المحكية عن كتاب «غياث سلطان الورى» لابن طاوس عن الصادق عليه السلام قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 18.) و صحيح حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال عليه السلام: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»، قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ فقال عليه السلام: «لا، إلّا الرجال»(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.) ثمّ إنّه اختلف في الولي الواجب عليه قضاء ما فات عن الميّت؛ فعن الأكثر: أنّه الولد الأكبر، و عن ابن إدريس و سبطه نجيب الدين يحيى بن سعيد و الشهيد في «اللمعة»: أنّه الولد الأكبر من الذكران. و يدلّ على الاختصاص بالأكبر صحيح الصفّار مكاتبةً إلى العسكري عليه السلام: رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيّام و له وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعاً خمسة أيّام أحد الوليين و خمسة أيّام الآخر؟ فوقّع عليه السلام: «يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيّام ولاءً إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 3.) و يدلّ على الاختصاص بالذكران صحيح حفص المتقدّم. و قال جماعة- منهم المفيد و الصدوقان و الإسكافي و ابن زهرة و القاضي- بإطلاق الولي، من غير تخصيص بالولد. و اختاره صاحب «الحدائق» و قال: إنّ تخصيص الولي بالولد خالٍ عن المستند(الحدائق الناضرة 11: 55.) و الشهيد في «الذكرى» بعد أن نقل عن الأكثر اختصاص الولي بالولد الأكبر من الذكران، قال: و كأنّهم جعلوه بإزاء حبوته؛ لأنّهم قرنوا بينها و بينه، و الأخبار خالية عن التخصيص، كما أطلقه ابن الجنيد و ابن زهرة. و لم نجد في أخبار الحبوة ذكر الصلاة. نعم ذكرها المصنّفون، و لا بأس به اقتصاراً على المتيقّن، و إن كان القول بعموم «كلّ ولي ذكر» أولى حسبما تضمّنته الروايات(ذكرى الشيعة 2: 448.) ، انتهى. و فيه: أنّ المستفاد من صحيحي حفص و الصفّار هو الاختصاص بالأكبر من الذكران. و اختلفوا أيضاً في الميّت المقضى عنه، و أنّه خصوص الوالد أو يعمّ الوالدة. و منشأ الاختلاف هو الأخبار؛ لأنّ المذكور في بعضها لفظ «الميّت» الشامل للرجل و المرأة، و في بعضها خصوص «الرجل». الأحوط بل الأقوى أنّ المقضي عنه أعمّ من الرجل و المرأة. و اختاره الشيخ في «النهاية» و القاضي و المحقّق و العلّامة في «التذكرة» و «المختلف» و الشهيد في «الذكرى» و «الدروس». و المذكور في أكثر الأخبار هو القضاء عن الميّت، و الظاهر حمل ذكر الرجل في بعض الأخبار على مجرّد التمثيل، كما في الروايات: «رجل شكّ». و يؤيّده: أنّ التخصيص بالرجل في الروايات إنّما وقع في السؤال. و على فرض وروده في كلام المعصوم عليه السلام لا يقتضي تقييد المطلق الوارد في الروايات، و هو كقوله: «الرجل يشكّ في الصلاة». و في «مستند الشيعة»: و لأنّ المرأة مثل الرجل في التكليفات الشرعية، و لأنّ عناية اللَّه سبحانه بالنسبة إليهما على السواء(مستند الشيعة 7: 338.) ، انتهى. بقي الكلام في المقضي و أنّه عبارة عن كلّ ما فات عن الميّت من الصلوات مطلقاً؛ لعذر كان أم لا لعذر، في مرض الموت أو غيره. قد نسب إلى جماعة من أصحابنا وجوب قضاء ما فات عن الميّت لعذر كالمرض و السفر، لا ما تركه الميّت عمداً مع قدرته عليه، و هو المنقول عن الشيخين و العُمّاني و القاضي و ابن حمزة و العلّامة في أكثر كتبه و المحقّق في بعض رسائله و السيّد عميد الدين و الشهيدين. و استدلّ له بانصراف نصوص القضاء إليه. و المشهور- و هو المختار- وجوب قضاء ما فات عنه مطلقاً؛ لإطلاق الأخبار؛ ففي صحيح حفص المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام، قال: «يقضي عنه أولى الناس بميراثه»(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.) ، و تقييده بالعذر يحتاج إلى دليل مقيّد. نعم في رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 18.) ، حيث يظهر منها قضاء خصوص ما فات عنه في مرض الموت. و لكن في «الحدائق» قال: و لا ينافي ذلك- أي إطلاق الأخبار- الخبر الرابع و العشرون- أي خبر عبد اللّه بن سنان- إذ لا دلالة فيه على نفي ما عدا ما ذكر فيه، بل غايته أن يكون بالنسبة إلى ذلك مطلقاً، و إطلاقه محمول على ما دلّ عليه الخبران المذكوران من جميع ما فات الميّت(الحدائق الناضرة 11: 55.)، انتهى. ثمّ إنّه لا يبعد دعوى الإطلاق و شمول الروايات لما تركه الميّت طغياناً على المولى. و يمكن أن يدّعى انصراف الأخبار إلى خصوص الفائتة من الصلوات؛ فلا يشمل ما تركه عمداً. و لا يترك الاحتياط بإلحاق ما تركه عمداً بما فاته لعذر. و لا يخفى: أنّ السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» عدّ المرض و السفر من موارد العذر، و هما ليسا من موارد العذر في الصلاة. نعم هما عذران في الصوم كالحيض.

ص: 66

ص: 67

ص: 68

ص: 69

ص: 70

و الظاهر وجوب قضاء ما أتى به فاسداً من جهة إخلاله بما اعتبر فيه (1). و إنّما يجب عليه قضاء ما فات عن الميّت من صلاة نفسه، دون ما وجب عليه بالإجارة أو من جهة كونه ولياً (2). و لا يجب على البنات (3). و لا على غير الولد الأكبر من الذكور (4).


1- فيشمله قوله عليه السلام في صحيح حفص المتقدّم: «في الرجل يموت و عليه صلاة».
2- و ذلك للأصل و الاقتصار على المجمع عليه، و في «مستند الشيعة»: و لو كان المستند الروايات لقوى القول بالتحمّل؛ لإطلاقها. و انصرافه إلى الشائع إنّما يسلّم إذا بلغ الشيوع حدّاً يوجب التبادر، و هو في المقام ممنوع(مستند الشيعة 7: 337.)، انتهى. و فيه: أنّه إنكار لما هو المتفاهم عرفاً من قوله: مات و عليه صلاة أو صوم أو عليه دين.
3- لما تقدّم في صحيح حفص من قوله عليه السلام: «لا، إلّا الرجال».
4- للإجماع، و لما تقدّم في صحيح صفّار من وجوب القضاء على أكبر ولييه، مع فرض كون الولي القاضي عن الميّت من الذكران. و في «المستمسك» بعد الاستدلال بصحيح الصفّار قال: لكن ظاهره وجوب الموالاة في الصوم و عدم جواز فعله من غير الأكبر، و كلاهما لا يلتزم به أحد(مستمسك العروة الوثقى 7: 142.) ، انتهى. و فيه: أنّ غاية ما يدلّ عليه الصحيح المذكور عدم وجوب القضاء على غير الولد الأكبر من الذكور، لا عدم جواز فعله منه، و كأنّ السائل توهّم وجوبه على كلا الوليين، فأجاب عليه السلام بأنّه لا يجب على كليهما بل على أكبرهما.

ص: 71

و لا على سائر الأقارب؛ حتّى الذكور، كالأب و الأخ و العمّ و الخال، و إن كان هو أحوط في ذكورهم (1).


1- هذه المسألة مشهورة بين المتأخّرين من الإمامية، و مقتضى صحيح حفص و الصفّار وجوب القضاء على أكبر الأولاد الذكور فقط دون غيره من الأقارب. نعم الأحوط استحباباً هو القضاء على الذكور من سائر الأقارب؛ لما ورد في الروايات من أنّه يقضي عنه أولى الناس به، كما في رواية ابن أبي عمير عن بعض رجاله عن الصادق عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم، قال: «يقضيه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 6.) . و رواية عبد اللّه بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: «الصلاة التي دخل وقتها قبل أن يموت الميّت يقضي عنه أولى الناس به»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 18.) و في بعضها: أنّه يقضي عنه أولى الناس بميراثه، كما في صحيح حفص المتقدّم(وسائل الشيعة 10: 330، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 5.) و في بعضها: فليقض عنه من شاء من أهله، كما في مرسل «الفقيه» قال: قد روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله»(وسائل الشيعة 10: 329، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 1.) و في بعضها: يقضيه أفضل أهل بيته، كما في رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه، قال: «يقضيه أفضل أهل بيته»(وسائل الشيعة 10: 332، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 23، الحديث 11.) و في «العروة الوثقى»: و إن كان الأحوط مع فقد الولد الأكبر قضاء المذكورين على ترتيب الطبقات، و أحوط منه قضاء الأكبر فالأكبر من الذكور، ثمّ الإناث في كلّ طبقة؛ حتّى الزوجين و المعتق و ضامن الجريرة(العروة الوثقى 1: 756.)، انتهى.

ص: 72

و إذا مات الولد الأكبر بعد والده لا يجب على من دونه في السنّ من إخوته (1).


1- و ذلك لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «يقضيه أكبر ولييه» هو الأكبر حال موت المولّى عليه.

ص: 73

و لا يعتبر في الولي أن يكون بالغاً عاقلًا عند الموت؛ فيجب على الصبي إذا بلغ، و على المجنون إذا عقل (1).


1- في المسألة قولان: أحدهما: عدم الوجوب. اختاره الشهيد في «الذكرى»، قال: الأقرب اشتراط كمال الولي حال الوفاة؛ لرفع القلم عن الصبي و المجنون. و استشكل عليه النراقي في «مستند الشيعة» بأنّه لو تمّ لزم عدم وجوبه على الغافل عند الموت و النائم و الجاهل بالموت، لمشاركتهما مع غير الكامل في عدم التكليف حال الوفاة. و لو جاز التعلّق بعد رفع المانع لجاز في غير البالغ أيضاً؛ فيلحقه الأمر عند البلوغ(مستند الشيعة 7: 336.) ، انتهى. و اختار هو رحمه الله عدم الوجوب، و استدلّ بأنّ الدليل على الوجوب هو الإجماع المنفي في موضع النزاع. الثاني: وجوبه عليه بعد التكليف. و هو المختار؛ و ذلك لوجوب الرجوع إلى العامّ فيما نحن فيه و نظائره من دوران الأمر بين الرجوع إلى استصحاب حكم الخاصّ و الرجوع إلى العامّ؛ فيقال فيما نحن فيه: إنّه كان صغيراً أو مجنوناً حال موت المولّى عليه، و لم يكن تكليف عليه في تلك الحال، و إذا بلغ أو أفاق فيشكّ في الوجوب عليه، فهل يستصحب عدم الوجوب أو يرجع إلى عموم قوله: «يقضي عنه أكبر ولييه»؛ فمقتضى الرجوع إلى العموم في الدوران المذكور هو الوجوب. و استدلّ بعض الفقهاء على الوجوب عليه بأنّ الحبوة ثابتة لغير البالغ، و هو يستلزم ثبوت القضاء. و فيه: أنّ الملازمة بين ثبوت الحبوة و وجوب القضاء غير ثابتة شرعاً. و قد أشكل الأمر على صاحب «الحدائق» رحمه الله قال: لو اتّفق عدم بلوغه وقت الوفاة، و فيه إشكال؛ لعدم النصّ الواضح في البين، و قيام الاحتمال من الجانبين(الحدائق الناضرة 11: 57.)

ص: 74

كما أنّه لا يعتبر كونه وارثاً؛ فيجب على الممنوع منه بسبب القتل أو الكفر أو نحوهما (1). و لو تساوى الولدان في السنّ يقسّط القضاء عليهما، و لو كان كسرٌ يجب عليهما كفايةً (2).


1- لا يخفى: أنّ التقييد بأولى الناس بميراثه- كما في صحيح حفص المتقدّم- يمنع من تعلّق الوجوب على الممنوع من الإرث، فالمتعيّن تعلّق الوجوب على الأولى بميراثه.
2- المراد من الكسر ما لا يكون قابلًا للقسمة، كصلاة واحدة وصوم يوم واحد. و في المسألة أقوال ثلاثة: الأوّل: وجوب التقسيط عليهما، و هو المشهور بين فقهائنا. الثاني: عدم الوجوب على أحدهما، و هو المحكي عن ابن إدريس؛ لانتفاء الأكبر، الذي هو متعلّق التكليف. الثالث: الوجوب لكلّ واحد منهما على الكفاية، و هو المنسوب إلى القاضي. و استدلّ على التقسيط بأنّه لمّا لم يكن دليل على ثبوت التكليف لكلّ واحد منهما على نحو الوجوب العيني، و أنّ الأصل عدم وجوب الزائد على كلّ واحد منهما عن مقدار حصّته، فالمتعيّن هو التقسيط قهراً. و يمكن أن يقال: إنّ الواجب على الولي هو تفريغ ذمّة الميّت، و إذا كان الولي متعدّداً كان متعلّق التكليف هو كلّ منهما بعينه، و لكن لمّا كان فعل أحدهما كافياً في إبراء ذمّة الميّت انقلب الوجوب العيني لكلّ واحد منهما إلى الوجوب الكفائي، كما أنّه إذا فرغت ذمّته بأداء المتبرّع من أهله أو غيره سقط عن الولي. و بالغ الفاضل النراقي في «مستند الشيعة» و قال بعدم السقوط عن الولي بفعل الغير و إن سقط عن الميّت بفعل غيره تبرّعاً. و في «العروة الوثقى»: و لو كان صوماً من قضاء شهر رمضان لا يجوز لهما الإفطار بعد الزوال، و الأحوط الكفّارة على كلّ منهما مع الإفطار بعده بناءً على وجوبها في القضاء عن الغير أيضاً، كما في قضاء نفسه(العروة الوثقى 1: 758.) ، انتهى. أقول: أمّا الإفطار بعد الزوال فيجوز لأحدهما مع الاطمئنان بإتمام الآخر، و إلّا فلا يجوز. و أمّا الكفّارة- بناءً على وجوبها في القضاء عن الغير- ففيها احتمالات: وجوبها على كلّ منهما مستقلّاً، و وجوب كفّارة واحدة عليهما بالمناصفة، و وجوب واحدة عليهما كفاية، و سقوطها عنهما معاً، و التفصيل بين إفطارهما دفعة فيجب على كلّ منهما و على التعاقب فيجب على المتأخّر منهما. و المختار وجوب كفّارة واحدة عليهما كفايةً فيما أفطرا مقارناً، و على خصوص المتأخّر؛ خصوصاً مع اطّلاعه على إفطار الآخر قبله.

ص: 75

ص: 76

و لا يجب على الولي المباشرة، بل يجوز له أن يستأجر (1).

و الأجير ينوي النيابة عن الميّت لا عن الولي. و إن باشر الولي أو غيره الإتيان يراعي تكليف نفسه- باجتهاد أو تقليد- في أحكام الشكّ و السهو،


1- وجه جواز الاستئجار للولي هو جواز إبراء ذمّة الميّت تبرّعاً من كلّ متبرّع غير الولي؛ فالواجب على الولي إبراء ذمّة الميّت، مخيّراً فيه بين المباشرة بنفسه و استئجار الغير. و نسب إلى الحلّي و جماعة عدم جواز الاستئجار، و اختاره الشهيد و صاحب «الحدائق»، قال الشهيد في «الذكرى»: الأقرب أنّه ليس له الاستئجار لمخاطبته بها، و الصلاة لا تقبل التحمّل عن الحيّ. و فيه: أنّ المستأجر ينوي النيابة عن الميّت لا عن الحيّ. و منه يظهر ما فيما أفاده في «المدارك»، و إن كان استجوده صاحب «الحدائق»، قال في «الحدائق»: و أمّا ما علّل به إمكان الجواز- من حصول ذلك في الصوم، و كون الفرض فعلها عن الميّت- ففيه ما ذكره السيّد السند قدس سره في «المدارك»، و أنّ وجه السقوط حصول المقتضي- و هو براءة الذمّة- حيث قال: و يتوجّه عليه: أنّ الوجوب تعلّق بالولي، و سقوطه بفعل غيره يحتاج إلى دليل، و من ثمّ ذهب ابن إدريس و العلّامة في «المنتهى» إلى عدم الاجتزاء بفعل المتبرّع و إن وقع بإذن من تعلّق به الوجوب؛ لأصالة عدم سقوط الفرض عن المكلّف بفعل غيره، و قوّته ظاهرة، انتهى. و هو جيّد(الحدائق الناضرة 11: 62.)، انتهى كلام «الحدائق».

ص: 77

بل في أجزاء الصلاة و شرائطها دون تكليف الميّت، كما أنّه يراعي تكليف نفسه في أصل وجوب القضاء إذا اختلف مقتضى تقليده أو اجتهاده مع الميّت (1).


1- وجه نية الأجير النيابة عن الميّت دون الولي كون الصلاة في الحقيقة و أوّلًا و بالذات فائتة عن الميّت؛ فلا بدّ من النيابة عمّن فاتت عنه. و وجه مراعاة تكليف نفسه اجتهاداً أو تقليداً في أحكام الشكّ و السهو دون تكليف الميّت، هو أنّ الصلاة الفائتة و إن كانت صلاة المنوب عنه الميّت و لكن الشاكّ و الساهي هو المباشر؛ فيعمل بوظيفته، و لا يجب عليه إعادة الصلاة. و أمّا أجزاء الصلاة و شرائطها فيمكن أن يقال بوجوب مراعاة مقتضى تقليد الميّت أو اجتهاده لنسبة الفائتة إليه، و هو الظاهر من الأخبار، كقول الصادق عليه السلام في الرجل يكون عليه صلاة أو صوم(وسائل الشيعة 8: 277، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 5.) ، و قوله عليه السلام في الرجل يموت و عليه صلاة أو صوم(وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 6.) ، و قوله عليه السلام: «يقضى عن الميّت الحجّ و الصوم و العتق و فعاله الحسن»(وسائل الشيعة 8: 281، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 19.) ، حيث إنّ المقضي عبارة عمّا في ذمّة الميّت، و إنّ «الفعال» مضاف إلى «الميّت». و يجب أيضاً مراعاة مقتضى نظر الميّت بالنسبة إلى أصل وجوب القضاء، إلّا أن يحصل للولي القطع بخطإ نظر الميّت؛ إذ لا يمكن نية القضاء من الولي مع القطع المذكور؛ فيراعى حينئذٍ تكليف نفس الولي. تمّت صلاة القضاء، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.

ص: 78

ص: 79

القول في صلاة الاستئجار

اشارة

يجوز الاستئجار للنيابة عن الأموات في قضاء الصلوات كسائر العبادات، كما تجوز النيابة عنهم تبرّعاً، و يقصد النائب بفعله- أجيراً كان أو متبرّعاً- النيابة و البدلية عن فعل المنوب عنه، و تفرغ ذمّته، و يتقرّب به و يثاب عليه، و يعتبر فيه قصد تقرّب المنوب عنه لا تقرّب نفسه، و لا يحصل له بذلك تقرّب إلّا أن يقصد في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه الإحسان إليه لِلَّه تعالى؛ فيحصل له القرب أيضاً كالمتبرّع لو كان قصده ذلك. و أمّا وصول الثواب إلى الأجير- كما يظهر من بعض الأخبار- فهو لمحض التفضّل. و يجب تعيين الميّت المنوب عنه في نيته و لو بالإجمال، كصاحب المال و نحوه (1).


1- جواز الاستئجار للنيابة عن الأموات في قضاء العبادات- صلاةً كانت أو غيرها- مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و في «الحدائق»- حكاية عن «الذكرى»- أنّ كلّما جازت الصلاة عن الميّت جاز الاستئجار عنه، و هذه المقدّمة داخلة في عموم الاستئجار على الأعمال المباحة التي يمكن أن تقع للمستأجر. و لا يخالف فيها أحد من الإمامية، بل و لا من غيرهم؛ لأنّ المخالف من العامّة إنّما منع لزعمه أنّه لا يمكن وقوعها للمستأجر عنه(الحدائق الناضرة 11: 45.) انتهى موضع الحاجة. و في هامش «الحدائق» نقلًا عن «بدائع الصنائع»: أنّ العبادات البدنية المحضة- كالصلاة و الصوم- لا تقبل النيابة عن الحيّ و الميّت؛ لقوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، و لا يصلّي أحدٌ عن أحدٍ»(نفس المصدر، الهامش.) ، انتهى موضع الحاجة. و يدلّ على جواز النيابة عن الأموات تبرّعاً رواية محمّد بن مروان الكلبي قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما؛ فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيده اللَّه- عزّ و جلّ- ببرّه وصلته خيراً كثيراً»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 1.) و رواية علي بن جعفر في كتاب مسائله عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: «سألت أبي جعفر بن محمّد عليه السلام عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي أو يصوم عن بعض موتاه؟ قال: نعم، فليصلّ على ما أحبّ و يجعل تلك للميّت، فهو للميّت إذا جعل ذلك له»(وسائل الشيعة 8: 277، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 2.) ، و كذا غيرهما من روايات الباب. و يظهر من السيّد في «الانتصار» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «المختلف»: أنّ عبادات الميّت الفائتة لا تقبل النيابة، و أنّ معنى قضاء الولي عن الميّت أنّه يقضي عن نفسه ما فات عن الميّت لا عن الميّت. و نسبة الفائتة المقضية إلى الميّت باعتبار أنّه السبب لتوجّه التكليف بالقضاء إلى الولي. و استدلّوا بقوله تعالى: «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى»(النجم( 53): 39.) ، و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إذا مات المؤمن انقطع عمله، إلّا من ثلاث ...»(بحار الأنوار 2: 22/ 65.) إلى آخره. و يدلّ على كون فعل النائب بدلًا عن فعل المنوب عنه ذيل رواية محمّد بن مروان الكلبي المتقدّم: «فيكون الذي صنع لهما»، و ذيل رواية علي بن جعفر: «و يجعل تلك للميّت» . و الروايات المذكورة في الباب الثاني عشر من أبواب قضاء الصلوات من «وسائل الشيعة»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12.) تدلّ أيضاً على فراغ ذمّة الميّت عمّا اشتغلت و وصول الثواب إليه. و الوجه في اعتبار قصد تقرّب المنوب عنه في فعل النائب دون تقرّب نفسه، هو كون الفعل الصادر من النائب فعل المنوب عنه بالنيابة التي هي عبارة عن تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه، و المفروض كون فعل المنوب عنه عبادة يتقرّب بها إلى اللَّه تعالى؛ فالتقرّب تقرّب المنوب عنه؛ فلا بدّ من قصده. و لا وجه لحصول القرب للنائب، كما أنّه لا وجه لحصول الثواب له، بل ثواب الفعل أيضاً كان للمنوب عنه. نعم لو قصد الأجير النائب في تحصيل هذا التقرّب للمنوب عنه بنيابته الإحسان إليه لِلَّه تعالى يحصل له القرب و الثواب أيضاً، كما أنّ المتبرّع لو قصد بتبرّعه الإحسان إلى المتبرّع له يحصل له الثواب لذلك. و ما ورد في بعض الأخبار من وصول الأجر و الثواب للأجير فليس عائداً إليه من نفس العبادة الاستئجارية، بل هو تفضّل من اللَّه تعالى. نعم قد ورد في بعض الروايات وصول ثواب من نفس العبادة للعامل، كما في رواية الحسن بن محبوب في كتاب «المشيخة» عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «يدخل على الميّت في قبره الصلاة و الصوم و الحجّ و الصدقة و البرّ و الدعاء»، قال: «و يكتب أجره للّذي يفعله و للميّت»(وسائل الشيعة 8: 279، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 10.) ، و غيرها من روايات الباب. ثمّ إنّه يجب على النائب تعيين المنوب عنه في نيته و لو بالإجمال، كصاحب المال و نحوه؛ و ذلك لكون مورد الإجارة من الامور القصدية، و مع عدم تعيينه و لو بالإجمال لا يسقط ذمّة من عليه الفعل.

ص: 80

ص: 81

ص: 82

(مسألة 1): يجب على من عليه واجب من الصلاة و الصيام الإيصاء باستئجاره،

إلّا من له ولي يجب عليه القضاء عنه و يطمئنّ بإتيانه (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب الإيصاء على من عليه واجب من الصلاة و الصيام و الحجّ و سائر الواجبات المالية، كالزكاة و الخمس و المظالم و الكفّارات باستئجاره، هذا بالنسبة إلى من لم يكن له ولي يجب عليه القضاء عنه في عباداته. و كذا اختلفوا في وجوب الإعلام على الولي على من كان له الولي: فقد أفتى جماعة- منهم النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»- بعدم الوجوب؛ للأصل، و عدم الدليل على الوجوب. و اورد عليه: بأنّه من عليه الفائتة يجب عليه تحصيل البراءة عمّا اشتغلت ذمّته به، و لا يحصل إلّا بالإيصاء أو الإعلام؛ فيجبان لوجوب مقدّمة الواجب. و اجيب عنه: بأنّ مقتضى اشتغال ذمّته بالفائتة قضاؤها مع التمكّن منه، و لم يثبت الاشتغال بأزيد منه حتّى تجب مقدّمته. نعم يكون آثماً معاقباً على الفائتة مع التمكّن من قضائها و عدم إتيانها. و اورد عليه أيضاً: بأنّ دفع مضرّة العصيان و الإثم واجب، و لا يحصل إلّا بالإيصاء أو الإعلام. و اجيب عنه: بأنّ دافع مضرّة العصيان و الإثم هو التوبة و إتيان الفائتة بنفسه مع التمكّن منه، و فعل الغير لا يصلح لدفع المضرّة عنه. نعم وصول الثواب من فعل الغير إليه ثابت بالأخبار، و هو لا يستلزم وجوب تحصيله بالإيصاء و الإعلام. و استدلّ على وجوب الإيصاء و الإعلام من باب وجوب المقدّمة، حيث إنّ الثابت شرعاً صلاحية سقوط ذمّة الميّت بفعل النائب؛ فملاك التكليف في فعل النائب ثابت؛ و حينئذٍ يجب على المكلّف بالقضاء تحصيل ما يسقط به ذمّته و التسبّب إليه بقدر المُكنة، و لا يحصل إلّا بالإيصاء أو الإعلام. قال في «المستمسك»- و نعم ما قال- فإذا كان الأمر بفعله بعد موته دخيلًا في تحقّق الفعل المذكور يجب عليه، بل لعلّه يجب عليه أكثر من الأمر ممّا له دخل في حصوله من النائب، و انقطاع التكليف بالموت لا يمنع من وجوب الوصية و الأمر بفعل ما في الذمّة الصادرين حال الحياة، كما أنّ عدم العلم بترتّب الفعل على الأمر لا يمنع من وجوبه عقلًا في ظرف احتمال ترتّبه؛ إذ الشكّ في القدرة كافٍ في وجوب الاحتياط. و لا فرق في ذلك بين أن يكون الفوات بعذر و بغيره؛ لاطّراد المقتضي لوجوب الأمر من باب المقدّمة في المقامين. كما لا فرق أيضاً بين الواجبات المالية و غيرها؛ لذلك(مستمسك العروة الوثقى 7: 115.)، انتهى.

ص: 83

ص: 84

و يجب على الوصي- لو أوصى- إخراجها من الثلث، و مع إجازة الورثة من الأصل. و هذا بخلاف الحجّ و الواجبات المالية- كالزكاة و الخمس و المظالم و الكفّارات و نحوها- فإنّها تخرج من أصل المال؛ أوصى بها أو لم يوص، إلّا إذا أوصى بأن تخرج من الثلث فتخرج منه، فإن لم يفِ بها يخرج الزائد من الأصل (1).


1- اختلف فقهاؤنا في وجوب إخراج اجرة الصوم و الصلاة من الواجبات البدنية على الوصي من أصل التركة أو من الثلث؛ فمن قال بأنّ الواجبات البدنية دينٌ قال بالأوّل، و من قال بعدم كونها ديناً قال بالثاني. و المختار هو الثاني، و الدليل عليه: أنّ الديون الخارجة من أصل المال هي الديون المالية، لا كلّ ما اشتغلت عليه الذمّة حتّى العبادات البدنية. و استدلّ للقول الأوّل بأنّه قد صرّح في الأخبار بكونها ديناً، كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: رجل عليه دين من صلاة قام يقضيه فخاف أن يدركه الصبح و لم يصلّ صلاة ليلته تلك، قال: «يؤخّر القضاء و يصلّي صلاة ليلته تلك»(وسائل الشيعة 4: 286، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 61، الحديث 9.) و رواية حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في إخباره عن لقمان: «و إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشي ء، صلّها و استرح منها فإنّها دينٌ»(وسائل الشيعة 8: 282، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 25.) و رواية ابن بابويه في «معاني الأخبار» بإسناده إلى محمّد بن الحنفية في حديث الأذان قال: «لمّا اسري بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم ...» إلى أن قال: «ثمّ قال: حيّ على الصلاة، قال اللَّه- جلّ جلاله- فرضتُها على عبادي و جعلتُها لي ديناً»(مستدرك الوسائل 4: 70، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 37، الحديث 2.) و قد ورد في بعض الأخبار أنّ دين اللَّه أحقّ أن يقضى، كما في قضية الخثعمية عن ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنّه جاءته امرأة من خثعم، فقالت: يا رسول اللَّه إنّ فريضة اللَّه على عباده في الحجّ أدركت أبي شيخاً زمِناً لا يستطيع أن يحجّ، إن حججتُ عنه أ ينفعه ذلك؟ فقال لها: «أ رأيت لو كان على أبيك دين فتقضيه أ كان ينفعه ذلك؟» قالت: نعم، قال: «فدين اللَّه أحقّ بالقضاء»(مستدرك الوسائل 8: 26، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 18، الحديث 3.) و في «سنن النسائي» عن ابن عبّاس قال: قال رجل: يا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إنّ أبي مات و لم يحجّ، أ فأحجّ عنه؟ قال: «أ رأيت لو كان على أبيك دين أ كنت قاضيه؟» قال: نعم، قال: «فدين اللَّه أحقّ»(سنن النسائي 5: 118.) و يرد على الاستدلال المذكور: أنّه- على فرض كون الصلاة و الصوم ديناً حقيقة- لا دليل على وجوب إخراج كلّ دين من أصل التركة؛ لأنّ المستفاد من الأدلّة إخراج الديون المالية منه لا مطلقاً. فالديون المالية كلّها تخرج من الأصل؛ أوصى بها أو لم يوص. و الحجّ و إن كان مشوباً من الجهة المالية و العبادة البدنية لكنّه غلبت فيه الجهة المالية؛ فيخرج من الأصل، فهو مجمع عليه نصّاً و فتوى. نعم إذا أوصى بإخراج الديون المالية و الحجّ من الثلث فتخرج منه لا من الأصل، و إن وفى الثلث بها فبها، و إلّا يخرج الزائد على الثلث من الأصل.

ص: 85

ص: 86

و إن أوصى بأن يقضى عنه الصلاة و الصوم و لم يكن له تركة لا يجب على الوصي المباشرة أو الاستئجار من ماله (1). و الأحوط للولد- ذكراً كان أو انثى- المباشرة لو أوصى إليه بها لو لم تكن حرجاً عليه (2). نعم يجب على وليه قضاء ما فات منه؛ إمّا بالمباشرة أو الاستئجار من ماله و إن لم يوص به، كما مرّ (3).


1- لا دليل على وجوب المباشرة على الوصي و لا الاستئجار من ماله فيما كان الموصى به من قبيل العبادات البدنية- كالصلاة و الصوم- و لم يكن للموصي تركة، و الأصل براءة ذمّة الوصي.
2- و لعلّ ذلك لعموم أدلّة وجوب إطاعة الولد للوالد، و لكن القدر المسلّم هو حرمة العقوق على الوالدين، و لم يثبت كون ترك مطلق ما أمر به الوالدان أو فعل مطلق ما نهيا عنه عقوقاً ما لم تنطبق عليه الإيذاء في العرف، لا في خصوص نظرهما؛ إذ ربّما يكون لهما توقّع منه لا مورد له؛ فلا تكون مخالفته عقوقاً مسلّماً.
3- لا يجب على الولي خصوص المباشرة على ما فات عن الميّت، بل يجوز له الاستئجار أيضاً؛ لأنّ الصلاة و الصوم دين يصحّ أن يقضيه كلّ أحد؛ فالواجب على الولي إبراء ذمّة الميّت إمّا بالمباشرة أو بالاستئجار. و لو تبرّع بالقضاء عن الميّت متبرّع سقط التكليف عن الولي.

ص: 87

(مسألة 2): لو آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به

فإن شرط عليه المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه، و تشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من تركته، و إن لم يشترط المباشرة وجب الاستئجار من تركته إن كانت له تركة، و إلّا فلا يجب على الورثة كسائر ديونه مع فقد التركة (1).

(مسألة 3): يشترط في الأجير أن يكون عارفاً بأجزاء الصلاة و شرائطها و منافياتها

و أحكام الخلل و غيرها عن اجتهاد أو تقليد صحيح. نعم لا يبعد جواز استئجار تارك الاجتهاد و التقليد إذا كان عارفاً بكيفية الاحتياط و كان محتاطاً في عمله (2).


1- إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ أو غيرها من الأعمال فمات الأجير قبل الإتيان، فإن كان مورد الإجارة خصوص عمل الأجير بما أنّه فعله الخارجي تبطل الإجارة قطعاً؛ لانتفاء الموضوع بموته و تشتغل ذمّة الأجير الميّت بمال الإجارة إن كان قد قبضه و يرجع المستأجر إلى ورثة الأجير و يخرج من تركته، و إن كان موردها قضاء ما فات عن الميّت و اشترط في ضمن عقد الإجارة إتيانه بنفسه و تعذّر الشرط بموته فللمستأجر خيار الفسخ بتعذّر الشرط و الرجوع بمال الإجارة عيناً أو مثلًا أو قيمةً، و إن لم يشترط المباشرة وجب على الورثة الاستئجار من تركته إن كانت له تركة، و مع فقدها لا يجب الاستئجار للورثة، كما أنّه لا يجب عليهم أداء سائر ديونه من أموالهم الشخصية، نعم يجوز الاستئجار من الزكاة من سهم الغارمين و تفريغ ذمّة الميّت.
2- وجه اشتراط كون الأجير عارفاً بالأجزاء الواجبة للصلاة و شرائطها و منافياتها و أحكام الخلل و المبطلات و غيرها عن اجتهاد أو تقليد صحيح، هو توقّف الإتيان بالعمل الصحيح المبرئ لذمّته و المسقط لذمّة الميّت على المعرفة بها. و فحوى ما ورد في حجّ المرأة عن الرجل إذا كانت فقيهة مسلمة، كما في رواية مصادف عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة تحجّ عن الرجل الصرورة، فقال: «إن كانت قد حجّت و كانت مسلمة فقيهة، فربّ امرأة أفقه من رجل»(وسائل الشيعة 11: 177، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ، الباب 8، الحديث 4.) و لو كان الأجير غير مجتهد و لا مقلّد و لكن كان عارفاً بموارد الاحتياط يجوز استئجاره مع كونه محتاطاً في عمله؛ لحصول البراءة بالعمل بطريق الاحتياط.

ص: 88

(مسألة 4): لا يشترط عدالة الأجير،

بل يكفي كونه أميناً بحيث يطمأنّ بإتيانه على الوجه الصحيح. و هل يعتبر فيه البلوغ؛ فلا يصحّ استئجار الصبي المميّز و نيابته، و إن علم إتيانه على الوجه الصحيح؟ لا يبعد عدمه و إن كان الأحوط اعتباره (1).


1- لا دليل على اعتبار عدالة الأجير؛ فلو استأجر غير العادل و كان صلاته صحيحة اجتهاداً أو تقليداً و حصل الاطمئنان بفعله صحّت الإجارة و تسقط ذمّة الميّت بفعله، كما يجوز الوصية باستئجار شخص معيّن غير عادل. نعم يعتبر وثوق الأجير بالنسبة إلى إخباره عن إتيان العمل الاستئجاري و كيفيته المعتبرة في إسقاط الذمّة؛ فإذا أخبر الأجير الموثوق به بإتيان الفعل اكتفي بإخباره. و لو شكّ في كونه صحيحاً أو فاسداً كفى جريان أصالة الصحّة في البناء على صحّته. و أمّا اعتبار البلوغ في الأجير فقد وقع الإشكال فيه، و منشأ الإشكال ليس هو شرعية عبادات الصبي أو تمرينيتها كي يقال: إنّه يعتبر بناءً على تمرينيتها و لا يعتبر بناءً على شرعيتها، بل منشأ الإشكال ثبوت عموم أدلّة تشريع النيابة للصبي و عدمه؛ فمن قال بثبوت عموم أدلّة النيابة قال بعدم اعتبار البلوغ و إن كانت عباداته تمرينية، و من قال بعدم ثبوته قال باعتبار البلوغ و إن كانت عباداته شرعية، و لا يترك الاحتياط بترك استئجار غير البالغ. و قال النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»: و هل يجوز استئجار المميّز من الصبيان بإذن وليه؟ مقتضى الأصل ذلك، و لا يمنع عنه تمرينية عبادة نفسه؛ لأنّ الصلاة نيابة ليست عبادة للنائب حقيقة. و أمّا رواية عمّار عن الرجل يكون عليه صلاة أو صوم هل يجوز له أن يقضيه رجل غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا رجل عارف»، و لا شكّ أنّ الصبي ليس برجل؛ فهي منساقة لبيان أمر آخر؛ و هو اشتراط المعرفة، مع أنّها عن إفادة الحرمة قاصرة، إلّا أن يجعل السؤال عن الجواز قرينة على إرادة عدمه في الجواب(مستند الشيعة 7: 344.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه لم يذكر لفظ «رجل» في الرواية في نسخة «الوسائل» الموجودة عندنا؛ لا في السؤال و لا في الجواب، بل المذكور فيها هكذا: هل يجوز له أن يقضيه غير عارف؟ قال: «لا يقضيه إلّا مسلم عارف»(وسائل الشيعة 8: 277، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 5.) نعم، المذكور في الطبع الجديد من «الوسائل»- ثلاثين مجلداً- هكذا: «لا يقضيه إلّا رجل مسلم عارف».

ص: 89

ص: 90

(مسألة 5): لا يجوز استئجار ذوي الأعذار،

كالعاجز عن القيام مع وجود غيره، بل لو تجدّد له العجز ينتظر زمان رفعه. و إن ضاق الوقت انفسخت الإجارة، بل الأحوط عدم جواز استئجار ذي الجبيرة و من كان تكليفه التيمّم (1).


1- وجه عدم جواز استئجار ذوي الأعذار كالعاجز عن القيام مع التمكّن من استئجار غيره المتمكّن من الفعل الاختياري، هو عدم ثبوت الشمول في أدلّة البدلية في الأبدال الاضطرارية. و في «الجواهر»- بعد أن تأمّل في صحّة عمل المستأجر فيما لو عرضه عذر- قال: لاحتمال اختصاص المعذور بالعذرية؛ فلا تتعدّى منه إلى غيره، لا أقلّ من الشكّ، و شغل الذمّة مستصحب، و إن كان قد يقال: بأنّ أدلّة التبرّع شاملة لسائر المكلّفين، الذين منهم ذووا الأعذار. إلّا أنّ الإنصاف عدم استفادة ذلك منها على وجه معتبر؛ لعدم سوقها لبيان مثله، كما لا يخفى على من لاحظها. و عليه فلا يصحّ حينئذٍ استئجار الزمن و نحوه من ذوي الأعذار للقضاء عن الغير ابتداءً؛ لعدم صحّة تبرّعه، و كذا ما عرض منها بعد الإجارة؛ ضرورة عدم صلاحيتها لتسويغ غير السائغ قبلها، بل أقصاها الإلزام بالسائغ قبلها. فتنفسخ حينئذٍ مع اشتراط المباشرة- مثلًا- و عدم رجاء زوال العذر أو طول مدّته، و يلزم باستئجار غيره إن لم يكن كذلك(جواهر الكلام 13: 119.)، انتهى موضع الحاجة.

ص: 91

(مسألة 6): لو حصل للأجير سهو أو شكّ يعمل بحكمه على طبق اجتهاده أو تقليده

و إن خالف الميّت، كما أنّه يجب عليه أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليفه و اعتقاده- من اجتهاد أو تقليد- لو استؤجر على الإتيان بالعمل الصحيح، و إن عيّن له كيفية خاصّة يرى بطلانه بحسبها فالأحوط له عدم إجارة نفسه له (1).


1- وجه عمل الأجير على وظيفة نفسه في أحكام الشكّ و السهو- و إن خالف وظيفة الميّت- هو أنّ الصلاة و إن كانت فائتة الميّت و لكن الساهي و الشاكّ هو الأجير؛ فيعمل بوظيفة نفسه. و قد ذكرنا في نيابة الولي عن الميّت أنّ الولي يجب عليه مراعاة مقتضى تقليد الميّت أو اجتهاده في أجزاء الصلاة و شرائطها. و أمّا في نيابة الأجير فاللازم عليه مراعاة مورد الإجارة؛ فإن كان موردها مقتضى تكليف الميّت المنوب عنه يجب على الأجير مراعاته، و إن كان موردها مقتضى تكليف نفس الأجير النائب يجب عليه مراعاة تكليف نفسه، هذا إذا كان مورد الإجارة مقيّداً بمقتضى تكليف أحدهما المعيّن. و أمّا إذا اطلق فالواجب مراعاة مقتضى تكليف الميّت المنوب عنه؛ لكون العمل عمل المنوب عنه. فلو كان مذهب الميّت- اجتهاداً أو تقليداً- وجوب التسبيحات الأربع ثلاثاً أو جلسة الاستراحة و كان مذهب الأجير عدم وجوبها، يجب على الأجير المراعاة و إتيانها. و لو كان مورد الإجارة تفريغ ذمّة الميّت يجب مراعاة تكليف الميّت أيضاً؛ لأنّ ما في ذمّة الميّت عبارة عمّا فات عنه حال حياته من الصلاة مع الأجزاء و الشرائط التي ثبتت جزئيتها و شرطيتها عنده اجتهاداً أو تقليداً، إلّا أن يكون الأجير قاطعاً وجداناً ببطلان مذهب الميّت في المسألة واقعاً؛ فيعمل حينئذٍ على طبق مذهبه، و إن كان الأحوط عدم إجارة نفسه لها.

ص: 92

(مسألة 7): يجوز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر.

و في الجهر و الإخفات و التستّر و شرائط اللباس يراعى حال النائب لا المنوب عنه؛ فالرجل يجهر في الجهرية و لا يستر ستر المرأة و إن كان نائباً عنها، و المرأة مخيّرة في الجهر و الإخفات فيها و يجب عليها الستر بالكيفية التي لها و إن كانت نائبة عن الرجل (1).


1- جواز استئجار كلّ من الرجل و المرأة للآخر ممّا لا خلاف فيه من أحد من علمائنا. و يدلّ عليه- مضافاً إلى إطلاق أدلّة النيابة- خصوص بعض الأخبار، كرواية محمّد بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين و ميّتين يصلّي عنهما و يتصدّق عنهما و يحجّ عنهما و يصوم عنهما؛ فيكون الذي صنع لهما و له مثل ذلك، فيزيد اللَّه- عزّ و جلّ- ببرّه وصلته خيراً كثيراً»(وسائل الشيعة 8: 276، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 1.) و مضمرة علي بن أبي حمزة في أصله قال: سألته عن الرجل يحجّ و يعتمر و يصلّي و يصوم و يتصدّق عن والديه و ذوي قرابته، قال: «لا بأس به يوجر فيما يصنع، و له أجر آخر بصلة قرابته»، قلت: إن كان لا يرى ما أرى و هو ناصب؟ قال: «يخفّف عنه بعض ما هو فيه»(وسائل الشيعة 8: 278، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 8.) و رواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّ امّي هلكت و لم أتصدّق بصدقة منذ هلكت إلّا عنها، فيلحق ذلك بها؟ قال: «نعم»، قلت: و الصلاة؟ قال: «نعم»، قلت: و الحجّ؟ قال: «نعم»، ثمّ سألت أبا الحسن عليه السلام بعد ذلك عن الصوم، فقال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 280، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 12، الحديث 17.) و ما رواه المفيد في «المقنعة» عن الفضل بن العبّاس قال: أتت امرأة من خثعم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فقالت: إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابّته؟ فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «فحجّي عن أبيكِ»(وسائل الشيعة 11: 64، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 24، الحديث 4.) و وجه مراعاة حال النائب دون المنوب عنه في الجهر و الإخفات و التستّر و شرائط اللباس هو ظهور اعتبار تلك الخصوصيات في خصوص المصلّي. و في «المستمسك»: و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين حالتي الأصالة و النيابة(مستمسك العروة الوثقى 7: 130.)

ص: 93

(مسألة 8): قد عرفت سابقاً أنّ عدم وجوب الترتيب مطلقاً في القضاء

- خصوصاً فيما إذا جهل بكيفية الفوت- لا يخلو من قوّة؛ فيجوز استئجار جماعة عن واحد في قضاء صلواته، و لا يجب تعيين الوقت لهم. و يجوز لهم الإتيان في وقت واحدٍ؛ سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله (1).


1- قد تقدّم في البحث عن المسألة الثامنة من مسائل «القول في صلاة القضاء» وجه عدم وجوب مراعاة الترتيب في الصلوات الفائتة غير ما اعتبر الترتيب في أدائها، كالظهرين و العشاءين، و قلنا: إنّ العمدة في الاستدلال على الوجوب صحيح زرارة و الوشاء، و لكن الشهرة قائمة على عدم الوجوب. و نقول في المسألة: إنّه لمّا كانت النيابة عبارة عن تنزيل النائب نفسه منزلة المنوب عنه فلا جرم كان فعل النائب الأجير؛ تداركاً للقضاء الواجب على الميّت؛ فكما أنّ الميّت لو كان مؤدّياً حال حياته ما فات عنه لم يجب عليه مراعاة الترتيب، فكذلك نائبه. و يتفرّع على هذه المسألة: أنّه إذا استوجر جماعة لفوائت الميّت فبناءً على وجوب الترتيب يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم، و يجب على كلّ واحد منهم إتيان ما استوجر عليه في الوقت الذي عيّن له. و لا يجوز لواحد منهم الإتيان في الوقت الذي عيّن للآخر. فالواجب على كلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية مثل الظهر و أن يتمّ اليوم و الليلة في دوره، و أنّه إن لم يتمّ اليوم و الليلة بل مضى وقته و هو في الأثناء أن لا يحسب ما أتاه، و إلّا لاختلّ الترتيب، مثلًا إذا صلّى الظهر و العصر و انقضى وقته أو ترك البقية مع بقاء الوقت ففي اليوم الآخر يبدأ بالظهر و لا يحسب ما أتى به من الصلاتين. و لا يخفى: أنّ قول المصنّف رحمه الله «سيّما مع العلم بجهل الميّت أو الجهل بحاله» مبني على التفصيل بين صورة العلم بالترتيب و بين الجهل به؛ فإنّ بعض فقهائنا قال بوجوب الترتيب في صورة العلم به فقط.

ص: 94

ص: 95

(مسألة 9): لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من المستأجر.

نعم لو تقبّل العمل من دون أن يؤاجر نفسه له يجوز أن يستأجر غيره له، لكن حينئذٍ لا يجوز أن يستأجره بأقلّ من الاجرة المجعولة له على الأحوط، إلّا إذا أتى ببعض العمل و إن قلّ (1).


1- إذا كان مورد الإجارة مباشرة نفس الأجير للعمل فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره للعمل بلا إذن من الموجر؛ فيجوز مع إذنه، و يكون إذنه له معاوضة بين الموجر و الأجير الثاني؛ فينتقل ما في ذمّة الأجير الأوّل إلى ذمّة الأجير الثاني، و يملكه الموجر بذلك الإذن. و أمّا إذا كان مورد الإجارة تحصيل العمل للموجر؛ سواء كان بمباشرة نفس الأجير أو بتسبيب منه و استئجار الغير؛ فيجوز للأجير استئجار الغير. و لكن حينئذٍ لا يجوز للأجير أن يستأجر غيره بأقلّ من الاجرة المجعولة لنفسه، إلّا أن يكون آتياً ببعض العمل و لو قليلًا. و هذه المسألة مشهورة بين فقهائنا. و يدلّ عليه صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنّه سئل عن الرجل يتقبّل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر، فيربح فيه، قال: «لا، إلّا أن يكون قد عمل فيه شيئاً»(وسائل الشيعة 19: 132، كتاب الإجارة، الباب 23، الحديث 1.)، و نحوه صحيحه الآخر عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبّل العمل فلا يعمل فيه، و يدفعه إلى آخر يربح فيه، قال: «لا»(وسائل الشيعة 19: 133، كتاب الإجارة، الباب 23، الحديث 4.)، و هذا الصحيح خالٍ عن الاستثناء المذكور في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام. و في «المستمسك»: و ليس لها معارض، سوى ما حكي عن الحلّي و الفاضل من روايتهما رواية أبي حمزة بدل قوله عليه السلام: «لا» «لا بأس»، لكن الظاهر أنّه سهو، كما في «مفتاح الكرامة»(مستمسك العروة الوثقى 7: 133.)

ص: 96

(مسألة 10): لو عيّن للأجير وقتاً و مدّة و لم يأت بالعمل أو تمامه في تلك المدّة

ليس له أن يأتي به بعدها إلّا بإذن من المستأجر، و لو أتى به فهو كالمتبرّع لا يستحقّ اجرة. نعم لو كان القرار على الإتيان في الوقت المعيّن بعنوان الاشتراط يستحقّ الاجرة المسمّاة لو تخلّف، و للمستأجر خيار الفسخ؛ لتخلّف الشرط، فإن فسخ يرجع إلى الأجير بالاجرة المسمّاة، و هو يستحقّ اجرة المثل للعمل (1).


1- لو عيّن للأجير وقتاً و مدّةً فإن لم يأت بالعمل أصلًا أو تمامه في تلك المدّة تبطل الإجارة أصلًا أو بالنسبة إلى المقدار الباقي من العمل، و ليس له أن يأتي به بعد تلك المدّة، و لا يستحقّ اجرة من ناحية تلك الإجارة. و لو أتى به فهو كالمتبرّع. نعم لو أذن المستأجر له بإتيانه بعد تلك المدّة يستحقّ الاجرة المسمّاة؛ فيكون الإذن منه إجارة جديدة إن عيّن للعمل وقتاً و مدّة، و إلّا فجعلٌ، هذا كلّه فيما كان القرار على الإتيان في المدّة المضروبة بطور التقييد في الإجارة. و أمّا إذا كان القرار المذكور بعنوان الاشتراط فيستحقّ الأجير الاجرة المسمّاة لو تخلّف، و للمستأجر خيار الفسخ لتخلّف الشرط؛ فمع الفسخ يرجع إلى الأجير بالاجرة المسمّاة، و الأجير يستحقّ اجرة المثل للعمل؛ لاحترام عمله مع عدم قصده التبرّع.

ص: 97

(مسألة 11): لو تبيّن بعد العمل بطلان الإجارة استحقّ الأجير اجرة المثل بعمله،

و كذا إذا فسخت الإجارة من جهة الغبن أو غيره (1).

(مسألة 12): لو لم يعيّن كيفية العمل- من حيث الإتيان بالمستحبّات-

و لم يكن انصراف يجب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة، كالقنوت و تكبيرة الركوع و نحو ذلك (2).


1- وجه استحقاق الأجير الاجرة في المسألة شمول القاعدة المعروفة: «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» لها بالإجماع، حيث إنّ العامل لم يقصد بعمله التبرّع. و لا يستحقّ اجرة المسمّى؛ لبطلان الإجارة. و احترام عمله مع إذن من المستأجر يقتضي استحقاق اجرة المثل.
2- وجه وجوب الإتيان بالمستحبّات المتعارفة هو انصراف إطلاق عقد الإجارة إلى العمل المتعارف، و الصلاة المتعارفة لمتعارف المؤمنين عبارة عن الصلاة مع الإقامة في كلّ من الصلوات اليومية، و الأذان في بعضها، و التسبيحات الأربعة ثلاث مرّات، و كلّ واحد من التسليمات الثلاث، و التكبيرات المستحبّة بعد الركوع و السجود؛ فيجب على الأجير إتيان كلّ ما يتعارف إتيانه في الصلاة لمتعارف المصلّين، و إن لم تشترط صريحاً في الإجارة. تمّت مباحث صلاة الاستئجار. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.

ص: 98

ص: 99

البحث في صلاة الجمعة

[القول في وجوبها]
(مسألة 1): تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيّراً بينها و بين صلاة الظهر،

(مسألة 1): تجب صلاة الجمعة في هذه الأعصار مخيّراً بينها و بين صلاة الظهر (1)،


1- لا إشكال و لا خلاف بين الفريقين في وجوب صلاة الجمعة في الجملة. بل قد ادّعى جماعة كثيرة من الفريقين الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: و أجمع المسلمون كافّةً على وجوب الجمعة(تذكرة الفقهاء 4: 8.) ، و في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة»: و قد اتّفقت الامّة على فرضيتها(الفقه على المذاهب الأربعة 1: 375.) بل هو من ضروريات الدين، كما ادّعاه جماعة. و في «الجواهر»: بل لعلّ وجوبها من الضروريات، بل ادّعاه بعضهم، و لا بأس به(جواهر الكلام 11: 152.)، انتهى. و لا خلاف بين أصحابنا في وجوبها التعييني في زمن حضور المعصوم عليه السلام و نائبه الخاصّ على كلّ مكلّف مع وجود الشرائط الآتية. و أمّا في زمن الغيبة- كهذه الأعصار- ففيه خلاف و أقوال: الأوّل: أنّها واجبة تعييناً، و إليه ذهب جماعة كثيرة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين، كالشيخ المفيد في «المقنعة»، و الشيخ في «التهذيب»- حيث اكتفى بنقل القول بوجوبه التعييني عن المفيد، و الاستدلال له بجملة من الأخبار، من غير تعرّض للإيراد عليه- و الحلبي، و الشيخ أبو الفتح الكراجكي و الكليني في «الكافي»، و الصدوق في «الفقيه» و «المقنع»، و الشهيدين في رسالتهما الموضوعة في صلاة الجماعة، و صاحب «الحدائق»، و صاحب «المدارك»، و غيرهم. الثاني: أنّها واجبة تخييراً، مع كون الإمام فقيهاً جامعاً لشرائط الإفتاء. و إليه ذهب جماعة من المتأخّرين و كثير من متأخّريهم. الثالث: أنّها واجبة تخييراً، و لا يشترط في إمامها إلّا شروط إمام الجماعة. الرابع: أنّها حرام، ذهب إليه السلّار في «المراسم» و ابن إدريس في «السرائر». و في «مفتاح الكرامة»: و قد يلوح من «جمل» علم الهدى و الشيخ و «الوسيلة» و كذا «الغنية» المنع، كما يأتي نقل كلامهم. و هو المحكي عن الطبرسي و الفاضل التوني. الخامس: التوقّف، و هو الظاهر من العلّامة رحمه الله في جهاد «التذكرة» حيث اقتصر على نسبة الجواز إلى جماعة و المنع إلى آخرين، من غير اختيار شي ء منهما. و لا بأس بالإشارة إجمالًا إلى أدلّة الأقوال:% و استدلّ للقول الأوّل بالآية الشريفة: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(الجمعة( 62): 9.) وجه الاستدلال: أنّ المراد ب «الذكر» المأمور بالسعي إليه في الآية الشريفة، صلاة الجمعة أو خطبتها أو هما معاً باتّفاق المفسّرين، و الأمر للوجوب، و إطلاق الأمر يقتضي كون الوجوب عينياً و تعيينياً، على ما حقّق في الاصول. و الأخبار الدالّة على وجوبها فوق حدّ التواتر(راجع وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1.) و في «الحدائق»- حاكياً عن رسالة مبسوطة في تحقيق هذه المسألة للفقيه المحدّث محمّد تقي المجلسي والد صاحب «البحار»-: فالذي يدلّ على الوجوب بصريحه من الصحاح و الحسان و الموثّقات و غيرها، أربعون حديثاً ... إلى أن قال: و أكثرها أيضاً يدلّ على الوجوب العيني(الحدائق الناضرة 9: 390.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ الأخبار الدالّة على وجوبها العيني كثيرة: منها: مرسل الصدوق قال: و خطب أمير المؤمنين عليه السلام في الجمعة، فقال: «الحمد للَّه الولي الحميد ...» إلى أن قال: «و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن، إلّا على الصبي و المريض و المجنون و الشيخ ...»(وسائل الشيعة 7: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 6.) الحديث. و منها: صحيح أبي بصير و محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه- عزّ و جلّ- فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 14.) و منها: صحيح منصور عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «الجمعة واجبة على كلّ أحد، لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 300، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 16.) و منها: مرسل المحقّق قال: و قال عليه السلام: «الجمعة واجبة على كلّ مسلم في جماعة»(وسائل الشيعة 7: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 23.) و منها: ما رواه الشهيد الثاني في «رسالة الجمعة» قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم، إلّا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»(وسائل الشيعة 7: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 24.) و منها: صحيح آخر لمنصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يجمّع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم. و الجمعة واجبة على كلّ أحد»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 7.) و استدلّ للقول الثاني: بأنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو الوجوب التخييري؛ حيث إنّ وجوب صلاة الجمعة بحسب أصل وضعه في الشرع مشروط بأن يقيمها النبي أو خلفاؤه المعصومون عليهم السلام و في زمان عدم حضورهم أو كونهم غير مبسوطي اليد يجب على المكلّفين في ظهر يوم الجمعة صلاة أربع ركعات. و مع ذلك لو اجتمعوا للجمعة بالعدد المعتبر تصحّ لهم الجمعة، مع بقاء مشروعية الظهر. و في «صلاة» آية اللَّه الحائري رحمه الله: و الأخبار التي قدّمناها بين ما يدلّ على أنّ الجمعة لا تصلح أو لا تصحّ إلّا بواسطة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم أو خلفائه، و بين ما يدلّ على أنّه مع عدم حضورهم أو بسط يدهم يصلّون الظهر أربع ركعات، و إن شاءوا أن يجتمعوا للجمعة بالعدد المعتبر فلهم أن يصلّوا الجمعة(الصلاة، المحقّق الحائري: 665.) ، انتهى. و أمّا اشتراط كون إمامها فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى، فقد ادّعى جماعة كثيرة من القائلين بالوجوب التخييري الإجماع عليه؛ ففي «جامع المقاصد»: لا نعلم خلافاً بين أصحابنا في أنّ اشتراط الجمعة بالإمام أو نائبه لا يختلف فيه الحال بظهور الإمام أو غيبته، و عبارات الأصحاب ناطقة بذلك ... إلى أن قال: فلا يشرع فعل الجمعة في الغيبة بدون حضور الفقيه الجامع للشرائط(جامع المقاصد 2: 379.) و للقول الثالث: بما ذكر في الاستدلال للقول الثاني بالنسبة إلى الوجوب التخييري. و يستدلّ لعدم اشتراط كون الإمام فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى بإطلاق بعض الأخبار، كصحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) و نحوه غيره من الروايات، مع عدم وجود دليل على التقييد بكون إمام الجمعة فقيهاً جامعاً لشرائط الإفتاء.% و استدلّ للقول الرابع بوجوه ضعيفة: الأوّل: أنّ شرط انعقاد الجمعة هو وجود المعصوم عليه السلام أو من نصبه لها، و الشرط في حال الغيبة منتفٍ، و انتفاء الشرط يوجب انتفاء المشروط. الثاني: الأخبار الدالّة على أنّ صلاة الجمعة و إمامتها من مختصّات الإمام عليه السلام، و لا تصحّ إلّا به أو نائبه الخاصّ، و نذكر بعضها: منها: رواية «دعائم الإسلام» عن علي عليه السلام أنّه قال: «لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة إلّا للإمام أو من يقيمه الإمام»(دعائم الإسلام 1: 182، مستدرك الوسائل 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 4.) و منها: المروي عن كتاب «الأشعثيات» مرسلًا: «أنّ الجمعة و الحكومة لإمام المسلمين»(الأشعثيات: 43( مع تفاوت)، انظر جواهر الكلام 11: 158.) و منها: ما روي عنهم عليهم السلام من: «أنّه لنا الخمس، و لنا الأنفال، و لنا الجمعة، و لنا صفو المال»(انظر جواهر الكلام 11: 158.) و منها: النبوي: «أربع إلى الولاة: الفي ء و الحدود و الجمعة و الصدقات»(نصب الراية 3: 326/ 16، انظر جواهر الكلام 11: 158.) الثالث: دعاء الإمام السجّاد عليه السلام في «الصحيفة» في دعائه في الأضحى و الجمعة: «اللهمّ إنّ هذا يوم مبارك، و المسلمون فيه مجتمعون في أقطار أرضك، يشهد السائل منهم و الطالب و الراغب و الراهب، و أنت الناظر في حوائجهم ...» إلى أن قال: «اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها و أنت أعلم به، غير متّهم على خلقك و لا إرادتك، حتّى صار صفوتك و خلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين، يرون حكمك مبدّلًا، و كتابك منبوذاً، و فرائضك محرّفة عن جهات إشراعك، و سنن نبيّك متروكة، اللهمّ العن أعداءهم من الأوّلين و الآخرين و من رضي بفعالهم و أشياعهم و أتباعهم»(الصحيفة السجّادية: 281، الدعاء 48.) و الأقوى عندنا هو القول الثالث. و قد علم وجهه ممّا ذكرناه في الاستدلال على القول بالوجوب التخييري، و على القول بعدم اشتراط كون إمام الجمعة فقيهاً جامعاً لشرائط الفتوى، فراجع.

ص: 100

ص: 101

ص: 102

ص: 103

ص: 104

ص: 105

و الجمعة أفضل و الظهر أحوط، و أحوط من ذلك الجمع بينهما، فمن صلّى الجمعة سقطت عنه صلاة الظهر على الأقوى، لكن الأحوط الإتيان بالظهر بعدها و هي ركعتان كالصبح (1).


1- الجمعة أفضل فردي الواجب التخييري. و هو الظاهر من صحيح زرارة، قال: حثّنا أبو عبد اللّه عليه السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنّه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدو عليك؟ فقال: «لا، إنّما عنيت عندكم»(وسائل الشيعة 7: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 1.) و موثّق عبد الملك عن أبي جعفر عليه السلام قال: «مثلك يهلك و لم يصلّ فريضة فرضها اللَّه»، قال: قلت: كيف أصنع؟ قال: «صلّوا جماعة؛ يعني صلاة الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 2.) وجه الظهور: ترغيب المعصوم عليه السلام مثل زرارة و عبد الملك على فعل الجمعة. و الوجه في كون الظهر أحوط، فتوى جماعة بحرمة الجمعة، و هو مقتضى قاعدة الاشتغال؛ فإنّ كلّ أحد في زمن الغيبة مكلّف بأحد الأمرين: إمّا الجمعة، أو الظهر قطعاً، و بعد انتفاء الوجوب العيني للجمعة في زمن الغيبة يكون الظهر مبرئاً للذمّة قطعاً، بخلاف الجمعة؛ لأنّها إمّا جائزة أو محرّمة، فلا تحصل البراءة اليقينية إلّا بالظهر. و فيه: أنّه كيف تحصل البراءة اليقينية بالظهر مع قول أصحابنا الأخباريين بالوجوب التعييني للجمعة في زمن الغيبة و حرمة الظهر، و تخطئتهم، بل سبّهم و طعنهم أصحابنا الاصوليين القائلين بالوجوب التخييري، فضلًا عن القائلين بالحرمة؟! و الوجه في كون الجمع بين الظهر و الجمعة أحوط من الأحوط، هو العمل بفتوى كلا الفريقين و إتيان ما هو الواجب في الواقع، و بالجمع بينهما يحصل اليقين بالبراءة. و أمّا وجه كون الجمعة ركعتين كالصبح، فسيأتي في الفرع الخامس من الفروع التي يعنونها المصنّف قدس سره في ذيل مباحث صلاة الجمعة.

ص: 106

ص: 107

(مسألة 2): من ائتمّ بإمام في الجمعة جاز الاقتداء به في العصر،

لكن لو أراد الاحتياط أعاد الظهرين بعد الائتمام، إلّا إذا احتاط الإمام- بعد صلاة الجمعة قبل العصر- بأداء الظهر، و كذا المأموم، فيجوز الاقتداء به في العصر و يحصل به الاحتياط (1).

(مسألة 3): يجوز الاقتداء في الظهر الاحتياطي،

فإذا صلّوا الجمعة جاز لهم صلاة الظهر جماعة احتياطاً، و لو ائتمّ بمن يصلّيها احتياطاً من لم يصلّ الجمعة، لا يجوز له الاكتفاء بها، بل تجب عليه إعادة الظهر (2).


1- من ائتمّ بإمام في الجمعة فقد سقط التكليف عن كلّ من الإمام و المأموم بالنسبة إلى الجمعة، بناءً على كلّ من القولين- أي القول بالوجوب التعييني، و القول بالوجوب التخييري- و لم يبق في ذمّتهما إلّا صلاة العصر. فحينئذٍ: يجوز للمأموم أن يقتدي بالإمام في العصر. و لكن لو أراد المأموم العمل بالاحتياط أعاد الظهرين بعد إتمام العصر جماعةً؛ و ذلك لما ذكر في وجه كون الظهر أحوط من فتوى جماعة بحرمة الجمعة. فعلى تلك الفتوى تكون الجمعة باطلة، و بطلانها يوجب بطلان العصر المترتّبة صحّتها على وقوع الجمعة صحيحة قبلها حال العمد. نعم، لو احتاط الإمام و المأموم كلاهما بإتيان الظهر بعد صلاة الجمعة جاز للمأموم الاقتداء به في العصر، و به يحصل الاحتياط؛ لترتّب العصر على الفريضة المأتية قبلها- إمّا الجمعة أو الظهر- من غير حاجة للمأموم في احتياطه إلى أداء الظهرين بعد إتمام العصر جماعةً.
2- إذا صلّوا الجمعة جازت لهم صلاة الظهر جماعةً احتياطاً، على القول بالوجوب التخييري في زمن الغيبة؛ لكون الظهر إحدى فردي الواجب التخييري مع تطابق نية الإمام و المأموم. و أمّا من لم يصلّ الجمعة فإذا أراد أن يصلّي الظهر فلا يجوز له أن يقتدي بمن يصلّي الظهر احتياطاً بعد أداء الجمعة؛ و ذلك لعدم إحراز المأموم مشروعية صلاة الإمام الاحتياطية. و سيأتي البحث في مشروعية الجماعة في صلاة الاحتياط في المسألة الاولى من مسائل «فصل في صلاة الجماعة».

ص: 108

ص: 109

القول في شرائط صلاة الجمعة
[الشرائط]
اشارة

و هي امور:

الأوّل: العدد،

و أقلّه خمسة نفر أحدهم الإمام، فلا تجب و لا تنعقد بأقلّ منها. و قيل: أقلّه سبعة نفر، و الأشبه ما ذكرناه، فلو اجتمع سبعة نفر و ما فوق تكون الجمعة آكد في الفضل (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في اشتراط العدد في وجوب الجمعة، بل قام الإجماع بقسميه عليه. و الأخبار في اعتباره في الجملة في حدّ الاستفاضة، بل متواترة. و كذا لا خلاف في عدم اعتبار أزيد من سبعة، أحدهم الإمام. و إنّما الخلاف في المقدار المعتبر من العدد؛ فقيل: خمسة و الإمام أحدهم، و قيل: سبعة نفر. و القول بالخمسة هو قول الشيخ المفيد و المرتضى و أبناء الجنيد و أبي عقيل و إدريس و المحقّق و العلّامة و غيرهم، و هو الأشهر كما في «الجواهر»، و في «جامع المقاصد»(جامع المقاصد 2: 383.) و عن غيره: أنّه المشهور. و نسب القول بالسبعة إلى الشيخ و الصدوق و بني حمزة و زهرة و البرّاج و الشهيد في «الذكرى» و صاحب «المدارك» و صاحب «الحدائق» و العلّامة الطباطبائي في «منظومته» و غيرهم. و منشأ اختلافهم اختلاف الأخبار؛ فمنها ما يدلّ على انعقاد الجمعة بالخمسة، و منها ما يدلّ على اعتبار السبعة: فممّا يدلّ على اعتبار الخمسة صحيح زرارة، قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة»(وسائل الشيعة 7: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 2.) و مفهوم صحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تكون جماعة بأقلّ من خمسة»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 5.) و صحيح الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 6.) و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا، فإن كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم، و الجمعة واجبة على كلّ أحد»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 7.) و موثّق ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 8.) و مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا، عن محمّد بن حكيم و غيره، عن محمّد بن مسلم، عن محمّد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الجمعة قال: «إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمّعوا»(وسائل الشيعة 7: 306، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 11.) و ما يدلّ على اعتبار السبعة من الأخبار على قسمين: قسم يدلّ على عدم الاكتفاء بأقلّ منها، كصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين (المؤمنين)، و لا تجب على أقلّ منهم: الإمام، و قاضيه، و المدّعي حقّاً، و المدّعى عليه، و الشاهدان، و الذي يضرب الحدود بين يدي الإمام»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 9.) و صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة ...» إلى أن قال: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 10.) و قسم آخر يدلّ على الاكتفاء بأحد الأمرين: الخمسة أو السبعة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «في صلاة العيدين إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمّعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 3.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) الأقوى هو القول باعتبار الخمسة؛ للأخبار المذكورة، و حمل أخبار السبعة على الفضيلة المؤكّدة، و هو مقتضى الجمع بين الأخبار. و في «صلاة» الحائري رحمه الله: فالأولى، بل المتعيّن حملها- أي أخبار الخمسة و أخبار السبعة- على مرتبتي الفضل؛ بمعنى أنّ عقد الجمعة بكلّ من العددين يصحّ و يكون طرفاً للتخيير بين الجمعة و الظهر، و لكن عقدها بسبعة نفر فما زاد أفضل من عقدها بخمسة(الصلاة، المحقّق الحائري: 668.) ، انتهى. و جمع صاحب «الحدائق» و النراقي في «مستند الشيعة» بين أخبار الخمسة و أخبار السبعة بحمل الاولى على الوجوب التخييري، و الثانية على الوجوب التعييني. و فيه: أنّ هذا الحمل لا يصحّ على مذهب القائلين بالوجوب التخييري في زمن قصور يد المعصوم عليه السلام، مع ورود أخبار السبعة أيضاً في زمن قصور أيديهم. ثمّ إنّ العامّة اختلفوا في العدد؛ فعن الشافعي: أنّها لا تنعقد بأقلّ من أربعين رجلًا، و عن أحمد: أنّها لا تنعقد بأقلّ من خمسين، و عن أبي حنيفة: أنّها تنعقد بأربعة أحدهم الإمام، و قيل غير ذلك من الأقوال، و استندوا في أقوالهم على وجوه واهية.

ص: 110

ص: 111

ص: 112

الثاني: الخطبتان،

و هما واجبتان كأصل الصلاة، و لا تنعقد الجمعة بدونهما (1).


1- لا إشكال و لا خلاف في وجوب الخطبتين، كأصل الصلاة. و الخطبتان واجبتان شرطاً؛ لصحّة الجمعة، بخلاف العدد فإنّه شرط لأصل وجوب الجمعة، و وجوبهما ممّا أجمع به الأصحاب، و به قال أكثر العامّة. و قال مالك و أحمد في رواية بالاجتزاء بخطبة واحدة. و يدلّ على وجوبهما- مضافاً إلى الإجماع بكلا قسميه- ما رواه المحقّق في «المعتبر» نقلًا عن «جامع البزنطي» عن داود بن الحصين، عن أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا جمعة إلّا بخطبة، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 9.) و رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة و جعلت في العيدين بعد الصلاة لأنّ الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مراراً و في السنة كثيراً، و إذا كثر ذلك على الناس ملّوا و تركوا و لم يقيموا عليه و تفرّقوا عنه؛ فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة و لا يتفرّقوا و لا يذهبوا. و أمّا العيدين فإنّما هو في السنة مرّتين، و هو أعظم من الجمعة، و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب، فإن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم، و ليس هو كثيراً فيملّوا و يستخفّوا به»(وسائل الشيعة 7: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 4.) . و لا يخفى: أنّ هذه الرواية تدلّ على وجوب أصل الخطبة، و لا تعرّض فيها لتعدادها. و ذيل صحيح معاوية بن وهب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أوّل من خطب و هو جالس معاوية، و استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه، و كان يخطب خطبة و هو جالس، و خطبة و هو قائم يجلس بينهما»، ثمّ قال: «الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 2.) و في «مستند الشيعة»: فإنّ إيجاب القعود بين الخطبتين يستلزم إيجابها من باب المقدّمة(مستند الشيعة 6: 65.) ، انتهى. و يؤيّده الأخبار الواردة في أحكام استماع الخطبتين، و الكلام في أثنائهما، و كيفية الخطبتين و ما يعتبر فيهما. و بعضها لا يخلو من الإشعار بوجوبهما: كصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و نحوهما غيرهما من روايات الباب. و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في خطبة يوم الجمعة، و ذكر خطبة مشتملة على حمد اللَّه و الثناء عليه و الوصية بتقوى اللَّه و الوعظ ... إلى أن قال: «و اقرأ سورة من القرآن، و ادع ربّك، و صلّ على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و ادع للمؤمنين و المؤمنات، ثمّ تجلس قدر ما يمكن هنيئة ثمّ تقوم و تقول ...» و ذكر الخطبة الثانية؛ و هي مشتملة على حمد اللَّه و الثناء عليه، و الوصية بتقوى اللَّه، و الصلاة على محمّد و آله، و الأمر بتسمية الأئمّة عليهم السلام إلى آخرهم، و الدعاء بتعجيل الفرج ... إلى أن قال: «و يكون آخر كلامه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ...»(النحل( 16): 90.) الآية»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب - يعني إمام الجمعة- و هو قائم، يحمد اللَّه و يثني عليه، ثمّ يوصي بتقوى اللَّه، ثمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة (قصيرة) ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللَّه و يثني عليه و يصلّي على محمّد صلى الله عليه و آله و سلم و على أئمّة المسلمين، و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذّن فصلّى بالناس ركعتين يقرأ في الاولى بسورة الجمعة و في الثانية بسورة المنافقين»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و صحيح ثالث لمحمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(الإخلاص( 112): 1.) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 3.) و غيرها من روايات الباب.

ص: 113

ص: 114

ص: 115

ص: 116

الثالث: الجماعة،

فلا تصحّ الجمعة فرادى (1).


1- اشتراط الجماعة في صحّة صلاة الجمعة إجماعي بين فِرق المسلمين، و لم يخالف أحدٌ منهم فيه. و يدلّ عليه صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما فرض اللَّه- عزّ و جلّ- على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واحدة فرضها اللَّه- عزّ و جلّ- في جماعة؛ و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «صلاة الجمعة فريضة، و الاجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علّة ثلاث جُمَع فقد ترك ثلاث فرائض، و لا يدع ثلاث فرائض من غير علّة إلّا منافق»(وسائل الشيعة 7: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 8.) و صحيح أبي بصير و محمّد بن مسلم جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة: المريض و المملوك و المسافر و المرأة و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 14.) وجه الاستدلال به: أنّ وجوب حضورهم للصلاة الواجبة كناية عن إقامتها جماعةً. و استدلّ صاحب «الحدائق» لوجوب الجماعة بصحيح عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة، و يتوكّأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدةً بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة، و يقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 5.) و فيه: أنّ هذا الصحيح مشتمل على ذكر بعض المستحبّات، فمع قطع النظر عن الإجماع و الصحاح المذكورة الدالّة على وجوب الجماعة فيها، يشكل التمسّك به في إثبات وجوبها.

ص: 117

الرابع: أن لا يكون هناك جمعة اخرى و بينهما دون ثلاثة أميال،

فإذا كان بينهما ثلاثة أميال صحّتا جميعاً. و الميزان هو البعد بين الجمعتين، لا البلدين اللذين ينعقد فيهما الجُمعة، فجازت إقامة جُمُعات في بلاد كبيرة تكون طولها فراسخ (1).


1- يشترط في صحّة الجمعة أن لا يكون هناك جمعة اخرى و بينهما دون ثلاثة أميال- أي أقلّ من فرسخ- و هو إجماعي عند أصحابنا. و حكي عن ابن فهد جوازها في أقلّ منها، و لم يحك ما يدلّ عليه، و خلافه غير قادح في الإجماع. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «يكون بين الجماعتين ثلاثة أميال- يعني لا تكون جمعة إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال- و ليس تكون جمعة إلّا بخطبة»، قال: «فإذا كان بين الجماعتين في الجمعة ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمع هؤلاء و يجمع هؤلاء»(وسائل الشيعة 7: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 1.) و ذيل موثّقه عنه عليه السلام قال: «تجب الجمعة على من كان منها على فرسخين، و معنى ذلك: إذا كان إمام عادل». و قال: «إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال فلا بأس أن يجمّع هؤلاء و يجمّع هؤلاء، و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 2.) و قال النراقي في «مستند الشيعة»: دلّتا بالمفهوم على ثبوت البأس- الذي هو العذاب- بتجميع الطائفتين إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال، مضافاً إلى نفيهما أقلّ هذه المسافة بين الجماعتين؛ بأن يبقى النفي على ظاهره و حملت الجمعة أو الجماعة على الصحيحة، أو يحمل على النهي تجوّزاً(مستند الشيعة 6: 100.) ، انتهى. ثمّ إنّ الميزان في هذا الشرط هو البعد بين الجمعتين، لا البلدين اللذين تنعقد فيهما الجمعة، و هو الظاهر المصرّح به في الصحيح و الموثّق المزبورين. فعلى هذا جازت إقامة الجمعتين- بل جمعات- في بلاد كبيرة يكون الفصل بين جُمعاتها بثلاثة أميال. و عن الشافعي و مالك: أنّه لا تقام الجمعة في المصر الواحد إلّا في موضع واحد و إن تباعدت أقطاره. و عن أحمد: أنّه إذا كبر البلد جاز أن تقام فيه جمعتان و أكثر مع الحاجة، و لا يجوز مع عدمها. و لم ينقل عن أبي حنيفة ما هو الميزان.

ص: 118

ص: 119

[أحكام الشروط]
(مسألة 1): لو اجتمع خمسة نفر للجمعة، فتفرّقوا في أثناء الخطبة أو بعدها قبل الصلاة،

و لم يعودوا، و لم يكن هناك عدد بقدر النصاب، تعيّن على كلّ صلاة الظهر (1).

(مسألة 2): لو تفرّقوا في أثناء الخطبة ثمّ عادوا،

فإن كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب، فالظاهر عدم وجوب إعادتها و لو طالت المدّة، كما أنّه كذلك لو تفرّقوا بعدها فعادوا. و إن كان قبل تحقّق الواجب منها، فإن كان التفرّق للانصراف عن الجمعة فالأحوط استئنافها مطلقاً، و إن كان لعذر كمطر- مثلًا- فإن طالت المدّة بمقدار أضرّ بالوحدة العرفية، فالظاهر وجوب الاستئناف، و إلّا بَنَوا عليها و صحّت (2).


1- وجه سقوط وجوب الجمعة و تعيّن صلاة الظهر على المتفرّقين و كذا على الباقين إذا كانوا أقلّ من خمسة نفر، هو انتفاء شرطه؛ أعني الجماعة.
2- هنا مسألتان: الاولى: أنّه لو تفرّقوا في أثناء الخطبة و لم يبق العدد المعتبر من الجماعة، ثمّ عادوا و تحقّق العدد المعتبر، و كان تفرّقهم بعد تحقّق مسمّى الواجب من الخطبة- أي بعض من مجموع التحميد للَّه تعالى، و الصلاة على النبي و آله عليهم الصلاة و السلام، و الإيصاء بتقوى اللَّه، و قراءة سورة خفيفة- فالظاهر عدم وجوب إعادتها و لو طالت مدّة العود؛ و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب الخطبة، حيث إنّها غير مقيّدة باستدامة اجتماع العدد المعتبر من أوّل الخطبة إلى آخرها. و مقتضى الأصل عدم اشتراط الموالاة. و الإطلاق و الأصل المذكوران، مقتضاهما عدم وجوب إعادة الخطبة أيضاً فيما لو تفرّقوا بعد الخطبة فعادوا قبل الشروع في صلاة الجمعة. الثانية: لو تفرّقوا في أثناء الخطبة قبل تحقّق مسمّى الواجب منها، و كان تفرّقهم للانصراف عن الجمعة، ثمّ عادوا، فالأحوط- بل الأقوى- وجوب استئناف الخطبة مطلقاً- أي سواءٌ قصرت المدّة أو طالت- لعدم حصول الامتثال. و أمّا لو كان تفرّقهم لعذر- كمطر مثلًا- فإن طالت المدّة بمقدار مضرّ بوحدة الخطبة عرفاً، فالظاهر وجوب الاستئناف؛ لأنّ المقدار المقروّ قبل التفرّق مع طول مدّة العود و عدم تحقّق مسمّى الواجب صار بحكم العدم، و لا يصلح للبناء عليه و إدامتها؛ فوجب الاستئناف. و أمّا إذا قصرت مدّة العود- بحيث لا تضرّ عرفاً بوحدة الخطبة- بنوا عليها و صحّت.

ص: 120

(مسألة 3): لو انصرف بعضهم قبل الإتيان بمسمّى الواجب،

و رجع من غير فصل طويل، فإن سكت الإمام في غيبته اشتغل بها من حيث سكت، و إن أدامها و لم يسمعها الغائب أعادها من حيث غاب و لم يدركها (1)،


1- الوجه في اشتغال الإمام بالخطبة من حيث سكت فيما رجع بعضهم المنصرف من غير فصل طويل، هو بقاء الوحدة العرفية للخطبة مع إدراكه تمام الخطبة الموجب لإدراك نصاب الجمعة- أعني خمسة نفر- الخطبةَ، هذا فيما سكت الإمام في الفاصلة القليلة بين انصراف بعضهم و بين رجوعه. و أمّا لو لم يسكت الإمام و أدام الخطبة، و لم يسمعها الغائب في تلك الفاصلة، أعادها من حيث غاب و لم يدركها؛ و ذلك لاشتراط العدد في الواجب من الخطبة كالصلاة، و قد انتفى هذا الشرط بانصراف بعضهم و عدم سماعه حين تحقّق مسمّى الواجب من الخطبة بإدامة الإمام إيّاها. قال العلّامة في «التذكرة»: و لو انفضّوا في أثناء الخطبة أعادها بعد عودهم إن لم يسمعوا الواجب منها، و إن سمعوا الواجب منها أجزأ(تذكرة الفقهاء 4: 41.)، انتهى. و عن الشهيد في «الذكرى»: لو انفضّوا في أثناء الخطبة سقطت، فلو عادوا أعادها من رأس إن كانوا لم يسمعوا أركانها، و لو سمعوا بنى- سواء طال الفصل، أو لا- لحصول مسمّى الخطبة، و لم يثبت اشتراط الموالاة، إلّا أن نقول: هي كالصلاة، فيعيدها(ذكرى الشيعة 4: 110.)، انتهى.

ص: 121

و إن لم يرجع إلّا بعد فصل طويل- يضرّ بوحدة الخطبة عرفاً- أعادها (1)، و إن لم يرجع و جاء آخر تجب استئنافها مطلقاً (2).

(مسألة 4): لو زاد العدد على نصاب الجمعة، لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب.

(مسألة 4): لو زاد العدد على نصاب الجمعة، لا يضرّ مفارقة بعضهم مطلقاً بعد بقاء مقدار النصاب (3).


1- و ذلك لما ذكرناه في شرح المسألة الثانية من أنّ المقروّ قبل انصراف بعضهم مع طول مدّة العود صار بحيث لا يصلح لاتّصال بقية الخطبة إليه، فتجب إعادتها.
2- أي سواء كان مجي ء الآخر قبل الإتيان بمسمّى الواجب من الخطبة، أو بعده؛ فتجب استئنافها؛ لتجدد النصاب بعد هدمه بانصراف بعضهم و عدم رجوعه.
3- و وجهه واضح، حيث إنّ شرط الوجوب- و هو وجود النصاب- موجود في مفروض المسألة، و مفارقة بعضهم مع بقاء النصاب بالباقين ليست مانعة؛ سواءٌ عاد بعد مفارقته، أو لم يعد.

ص: 122

(مسألة 5): إن دخل الإمام في الصلاة، و انفضّ الباقون قبل تكبيرهم و لم يبقَ إلّا الإمام،

فالظاهر عدم انعقاد الجمعة (1)،


1- أي الظاهر من قول أبي جعفر عليه السلام: «و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) ، هو عدم انعقاد الجمعة فيما لو تفرّق الباقون قبل تكبيرهم؛ لانتفاء شرط وجوب الجمعة في الابتداء، فضلًا عن الاستدامة. و في «الجواهر»: فالتحقيق: أنّ الجمعة للإمام تستقرّ بدخول العدد معه كما هو واضح، و افتتاحه لها على ذلك بتخيّل لحوق الشرط لا يصيّرها كذلك، و إن فات(جواهر الكلام 11: 206.)، انتهى. و في «مفتاح الكرامة»: يؤيّده قوله عليه السلام: «فرضها اللَّه في جماعة» ، و قوله عليه السلام: «لا جمعة لأقلّ من خمسة» . فانعقادها مشروط بالعدد، و انعقادها للإمام من دون العدد متزلزل، إنّما يستقرّ بالجميع(مفتاح الكرامة 3: 103/ السطر 24.)، انتهى. و نسب إلى الشيخ في «الخلاف» و المحقّق في «المعتبر» صحّة صلاة الإمام جمعةً، و استوجهه في «المدارك»، و استظهره في «كشف اللثام». و فيه: أنّ الظاهر من النصوص خلافه، كما ذكرناه.

ص: 123

و هل له العدول إلى الظهر، أو يجوز إتمامها ظهراً من غير نية العدول، بل تكون ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة فيتمّها أربع ركعات؟ فيه إشكال، و الأحوط نيّة العدول و إتمامها ثمّ الإتيان بالظهر، و أحوط منه إتمامها جمعة ثمّ الإتيان بالظهر و إن كان الأقرب بطلانها، فيجوز رفع اليد عنها و الإتيان بالظهر (1).


1- وجه العدول إلى الظهر هو: أنّ صلاة الإمام انعقدت صحيحة حين كبّر، و لا تجوز له إدامتها جمعةً بعد الالتفات إلى انتفاء شرطها بتفرّق الباقين؛ فجاز له العدول كما في سائر موارده، كالعدول عن اللاحقة إلى السابقة. و وجه إتمامها ظهراً من غير نية العدول، بل كونها ظهراً بعد عدم انعقاد الجمعة هو: أنّه لمّا انعقدت صلاة الإمام صحيحة ابتداءً حين شروعها، و لم تصلح أن تكون جمعة استدامةً- لانتفاء شرطها- صارت ظهراً بالطبع، فيتمّها أربع ركعات. و فيه: أنّ انعقادها صحيحة حين شروعها أوّل الكلام، بل تنعقد باطلة، و لا تصلح جمعة لانتفاء شرطها، و لا ظهراً لعدم كونها منوية؛ لا ابتداءً و لا ثانياً بالعدول إليها. فالأحوط عند المصنّف رحمه الله العدول إليها و إتمامها ظهراً ثمّ الإتيان بالظهر. أحوط منه إتمامها جمعةً، ثمّ الإتيان بالظهر. و لا وجه لهذا الاحتياط بعد عدم صلاحية كونها جمعةً و لا ظهراً ابتداءً، فالأقرب بطلانها و إتيان الظهر.

ص: 124

(مسألة 6): إن دخل العدد- أي أربعة نفر مع الإمام- في صلاة الجمعة و لو بالتكبير، وجب الإتمام

و لو لم يبقَ إلّا واحد على قول معروف، و الأشبه بطلانها؛ سواء بقي الإمام و انفضّ الباقون أو بعضهم، أو انفضّ الإمام و بقي الباقون أو بعضهم، و سواء صلّوا ركعة أو أقلّ. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام جمعة ثمّ الإتيان بالظهر. نعم لا يبعد الصحّة جُمعة إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانية، بل بعد ركوعها، و الاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها لا ينبغي تركه (1).


1- قد ادّعى جماعة من فقهائنا نفي الخلاف في وجوب إتمام صلاة الجمعة على من دخل في الجمعة- و لو بالتكبير- مع وجود الشرائط، و لو انفضّ كلّهم و لم يبق إلّا هو؛ سواء كان الباقي مأموماً أو إماماً، و سواء صلّوا ركعة أو أقلّ. و علّلوا وجوب الإتمام: بأنّ العدد معتبر في الابتداء، دون الاستدامة عند الأصحاب. قال صاحب «المدارك» في شرح عبارة «الشرائع»: «و إن دخلوا في الصلاة- و لو بالتكبير- وجب الإتمام، و لو لم يبق إلّا واحد»(شرائع الإسلام 1: 85.) ، قال: «المراد بقاء واحدٍ من العدد؛ سواء كان الإمام أو غيره من المأمومين، و هذا الحكم- أعني وجوب الإتمام مع تلبّس العدد المعتبر بالصلاة و لو بالتكبير- مذهب الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفاً؛ للنهي عن قطع العمل، و لأنّ اشتراط استدامة العمل منفي بالأصل، و لا يلزم من اشتراطه ابتداءً اشتراطه استدامة كالجماعة»(مدارك الأحكام 4: 29.)، انتهى. و أورد عليه الوحيد البهبهاني في «حاشية المدارك»: بأنّ الظاهر من الأخبار اشتراط استدامة العدد، و عدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة، بل هو في الصلاة التي هي اسم للمجموع، فإن كان إجماع، و إلّا أشكل الحكم(حاشية مدارك الأحكام، ضمن مدارك الأحكام: 189، ذيل قوله: اشتراط استدامته،( ط- حجري).) ، انتهى. و صاحب «الجواهر»- بعد أن قال: إنّ تحصيل الإجماع في المقام في غاية الصعوبة- قال: نعم يمكن دعوى ظهور نصوص العدد- و لو بمعونة هذه الشهرة العظيمة- في اعتبار ذلك في عقد الجمعة، بل لا ينكر قابليتها لإرادة ذلك؛ فتحمل- حينئذٍ- عليه. و يبقى استصحاب حكم الجمعة للمتلبّس بحاله، مؤيّداً بالنهي عن إبطال العمل. لكن ظاهر الأصحاب في المقام- بل صريح الشيخ و جماعة- ذلك و إن بقي الإمام وحده. بل صرّح آخرون به فيما لو بقي مأموم وحده. و قد يشكل بأنّ عدم اعتبار العدد في الاستدامة لا يقضي بعدم اعتبار الجماعة فيها أيضاً. فالمتّجه: وجوب اعتبارها مع الإمكان، و لو باستخلاف إمام جديد منهم- إذا كان المنفضّ الإمام- و البطلان مع عدمه. إلّا بناءً على أنّ فوات الجماعة اضطراراً غير قادح، و أنّ المسبوق و نحوه ممّا هو مستفاد من الأدلّة لا خصوصية له، و فيه بحث. و حينئذٍ يمكن حمل المتن و ما شابهه على إرادة بقاء واحد مع الإمام لتحصيل مسمّى الجماعة ... إلى أن قال رحمه الله: و لعلّ كلمات الأصحاب في المقام مساقة لعدم اعتبار استمرار العدد، و هو مسألة اخرى غير الجماعة، فتأمّل جيّداً. إلّا أنّه يسهّل الخطب قوّة عدم اعتبار الجماعة فيها عندنا مع الاضطرار أيضاً(جواهر الكلام 11: 205- 206.)، انتهى. و العلّامة رحمه الله في «التذكرة» قال: لا يشترط بقاء العدد مدّة الصلاة؛ فلو انعقدت بهم ثمّ انفضّوا أو ماتوا إلّا الإمام بعد الإحرام، لم تبطل الجمعة، بل يتمّها جمعةً ركعتين. ثمّ حكى رحمه الله عن الشافعي و مالك قولًا بأنّه إن انفضّوا بعد ما صلّوا ركعة بسجدتيها أتمّها جمعةً؛ لقوله عليه السلام: «من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها اخرى» ، و قال: و لا بأس بهذا القول عندي(تذكرة الفقهاء 4: 39- 40.)، انتهى. إذا عرفت الأقوال المزبورة مع مبانيها: فالأشبه بطلان الجمعة و إتيان الظهر؛ لما يظهر من بعض الأخبار من صيرورة الركعتين جمعة مع الإمام، كما في موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان؛ فمن صلّى وحده فهي أربع ركعات»(وسائل الشيعة 7: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 2.) ، و لما ذكره الوحيد البهبهاني رحمه الله من عدم اختصاص العدد بابتداء الصلاة، بل هو في الصلاة التي هي اسم للمجموع(حاشية مدارك الأحكام، ضمن مدارك الأحكام: 189( ط- حجري).) و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بإتمامها جمعة ثمّ إتيان الظهر. و لا يبعد عند المصنّف رحمه الله الصحّة جمعة إذا انفضّ بعض في أخيرة الركعة الثانية- كالتشهّد أو السجدة الثانية مثلًا- بل بعد ركوعها؛ و ذلك لصدق إتيان ركعتي صلاة الجمعة مع الإمام. و الاحتياط بإتيان الظهر مع ذلك بعدها.

ص: 125

ص: 126

ص: 127

(مسألة 7): يجب في كلّ من الخطبتين التحميد،

و يعقّبه بالثناء عليه تعالى على الأحوط. و الأحوط أن يكون التحميد بلفظ الجلالة، و إن كان الأقوى جوازه بكلّ ما يُعدّ حمداً له تعالى (1)،


1- اختلف فقهاؤنا فيما يجب في الخطبتين: فعن الشيخ في «المبسوط» و ابن حمزة في «الوسيلة» و ابن إدريس: أنّ أقلّ ما تكون الخطبة أربعة أصناف: حمد اللَّه تعالى، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من القرآن(المبسوط 1: 147، الوسيلة: 103/ السطر 18، السرائر 1: 295.) و عن الشيخ في «الاقتصاد»: أقلّ ما يخطب به أربعة أشياء: الحمد، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين(الاقتصاد: 267.) و عنه في «النهاية»: أنّه ينبغي أن يخطب الخطبتين، و يفصل بينهما بجلسة، و يقرأ سورة خفيفة، و يحمد اللَّه تعالى في خطبته، و يصلّي على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و يدعو لأئمّة المسلمين عليهم السلام، و يعظ و يزجر و ينذر و يخوّف(النهاية: 105.) و عن أبي الصلاح: أنّ الخطبة مقصورة على حمد اللَّه تعالى، و الثناء عليه بما هو أهله، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم، و وعظ و زجر، و لم يتعرّض لوجوب قراءة القرآن سورةً أو آية(الكافي في الفقه: 151.) و عن السيّد المرتضى في «المصباح»: يحمد اللَّه و يمجّده و يثني عليه، و يشهد لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم بالرسالة، و يوشح الخطبة بالقرآن، ثمّ يفتتح الثانية بالحمد و الاستغفار، و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و الدعاء لأئمّة المسلمين عليهم السلام. ثمّ إنّه لا خلاف بين الأصحاب في وجوب التحميد في كلّ من الخطبتين، بل ادّعي عليه الإجماع عن جماعة. و الأحوط وجوباً- لو لم يكن الأقوى- أن يكون التحميد بلفظ الجلالة؛ للتأسّي بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام، و لكونه مبرئاً للذمّة قطعاً، و لصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: «في خطبة يوم الجمعة و ذكر خطبة مشتملة على حمد اللَّه»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) ، و موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب- يعني إمام الجمعة- و هو قائم، يحمد اللَّه»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) ، و كذا في الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام قد ذكرت الخطبة بلفظ: «الحمد للَّه». و في «مصباح الفقيه»: «مع إمكان دعوى أنّه هو الذي ينصرف إليه لفظ التحميد»(مصباح الفقيه، الصلاة: 445/ السطر 33.) و في الاكتفاء ب «الحمد للرحمن» أو «لربّ العالمين» وجهان، الأوجه العدم؛ لما ذكرنا في وجه الاحتياط في التحميد بلفظ الجلالة. و في «التذكرة»: «فهل يجزيه لو قال: «الحمد للرحمن» أو «لربّ العالمين»؟ إشكال، ينشأ من التنصيص على لفظة «اللَّه»، و من المساواة في الاختصاص به تعالى»(تذكرة الفقهاء 4: 64.) و أمّا الثناء عليه تعالى- مضافاً إلى التحميد له تعالى- فلا يبعد اعتباره؛ لصحيح محمّد بن مسلم، و موثّق سماعة المتقدّمين، و خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام قد نقلهما صاحب «الجواهر» رحمه الله بطولهما، فهي مشتملة على الثناء كالتحميد. و قد ادّعى جماعة الإجماع عليه، كالشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و غيرهما. و لكن يحتمل أن يكون الثناء عليه تعالى عطف تفسير للحمد له تعالى، كما عن ظاهر «الخلاف» و صريح «كشف اللثام»؛ و لذا قال المصنّف رحمه الله- كغيره- بالاحتياط الوجوبي. و استبعد صاحب «الجواهر» هذا الاحتمال.

ص: 128

ص: 129

و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم على الأحوط في الخطبة الاولى، و على الأقوى في الثانية (1)،


1- لا خلاف في وجوب الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم في الخطبة في الجملة. و نسب إلى الأكثر وجوبها في كلّ من الخطبتين؛ ففي «مصباح الفقيه»: «و حكي عن الأكثر: أنّهم اعتبروا أيضاً في كلّ من الخطبتين الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله و سلم»(مصباح الفقيه، الصلاة: 445/ السطر 34.) و يظهر من جماعة الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: «و تجب فيهما الصلاة على النبي و آله عليهم السلام عندنا»(تذكرة الفقهاء 4: 65.) و حكي عن جماعة- كالمحقّق في «النافع» و «المعتبر»، و السيّد، و ابن إدريس في موضع من «السرائر»- عدم وجوبها في الخطبة الاولى؛ لعدم ذكرها فيها في موثّق سماعة المتقدّم. و يمكن تقييده بصحيح محمّد بن مسلم، و خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام، و الإجماع المصرّح فيها بذكرها فيها. فالأحوط- لو لم يكن الأقوى- وجوب ذكرها في الاولى، و تجب في الثانية، بلا خلاف و لا إشكال.

ص: 130

و الإيصاء بتقوى اللَّه تعالى في الاولى على الأقوى، و في الثانية على الأحوط (1)،


1- قد ادّعى جماعة من فقهائنا- كالشيخ في «الخلاف» و ابن زهرة في «الغنية» و غيرهما- الإجماع على وجوب الإيصاء بتقوى اللَّه، و الوعظ في كلّ من الخطبتين. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّم: «و الوصية بتقوى اللَّه و الوعظ»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و بالإجماع و الصحيح المزبورين يقيّد كلّ ما ظاهره عدم الوعظ في الخطبة الثانية، كموثّق سماعة المتقدّم، و إحدى خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام، قد نقلهما صاحب «الجواهر» رحمه الله(جواهر الكلام 11: 220- 226.) ، إحداهما عن «روضة الكافي»(الكافي 8: 173/ 194.) ، و اخراهما عن «الفقيه»(الفقيه 1: 275/ 1262.) و يظهر من صاحب «الجواهر» رحمه الله: أنّ إحدى خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام كموثّق سماعة المتقدّم في عدم ذكر الوعظ في الخطبة الثانية، و هي المنقولة عن «روضة الكافي»، و اخراهما كالإجماع و الصحيح مقيّدة بالوعظ في الخطبة الثانية، و هي المنقولة عن «الفقيه»، حيث إنّه عليه السلام وعظ في ذيل تلك الخطبة بعد ذكر الآية: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»(النحل( 16): 90.) ، بقوله: «اذكروا اللَّه يذكركم؛ فإنّه ذاكر لمن ذكره، و اسألوا اللَّه من رحمته؛ فإنّه لا يخيب عليه داعٍ دعاه».

ص: 131

و قراءة سورة صغيرة في الاولى على الأقوى، و في الثانية على الأحوط (1)،


1- نسب إلى المشهور بين أصحابنا وجوب قراءة سورة خفيفة في كلّ من الخطبتين: ففي «المبسوط»: «يجب في كلّ خطبة حمد اللَّه و الثناء عليه، و الصلاة على النبي و آله عليهم السلام، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة من القرآن»(المبسوط 1: 147/ السطر 8.) و في «التذكرة»: و يجب أن يقرأ في كلّ منهما سورة خفيفة من القرآن، قاله الشيخ؛ لقول الصادق عليه السلام: «ثمّ يقرأ سورة قصيرة من القرآن» ، و لأنّهما بدل، فتجب فيهما القراءة كالمبدل(تذكرة الفقهاء 4: 66.) ، انتهى. و لكن الظاهر من صحيح ابن مسلم و موثّق سماعة المتقدّمين، و كذا من خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام وجوبها في الاولى فقط، و به صرّح جماعة من فقهائنا؛ فعن الشيخ في «الاقتصاد»: «أقلّ ما يخطب به أربعة أشياء، الحمد، و الصلاة على النبي و آله، و الوعظ، و قراءة سورة خفيفة بين الخطبتين»(الاقتصاد: 267.) و نسب إلى جماعة اخرى قراءة شي ء من القرآن. و إلى ثالثة قراءة آية تامّة الفائدة. و لعلّهم استندوا إلى ما ورد في ذيل الخطبة الثانية لأمير المؤمنين عليه السلام المروية عن «الفقيه»، حيث إنّه عليه السلام قرأ في آخر الخطبة الثانية آية: «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ»(البقرة( 2): 201.) و الأقوى وجوب قراءة سورة كاملة خفيفة في الخطبة الاولى؛ لما ذكرنا من ظاهر صحيح ابن مسلم و موثّق سماعة و خطبتي أمير المؤمنين عليه السلام. و الأحوط وجوباً قراءتها أيضاً في الخطبة الثانية، و عدم الاجتزاء بالآية التامّة أو شي ء من القرآن؛ لعدم حصول اليقين بالبراءة بهما.

ص: 132

و الأحوط الأولى في الثانية الصلاة على أئمّة المسلمين عليهم السلام، بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات. و الأولى اختيار بعض الخطب المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، أو المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام (1).


1- يظهر من السيّد في «المصباح» و موضع من «السرائر» وجوب الشهادة لرسالة محمّد صلى الله عليه و آله و سلم، و الاستغفار، و الدعاء لأئمّة المسلمين عليهم السلام، مضافاً إلى الحمد و الصلاة على النبي و آله في الخطبة الثانية. و قال المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و صاحب «الرياض» بوجوب الاستغفار للمؤمنين في الخطبة الثانية. و في موضع آخر من «السرائر» قال: «قام الإمام- متوكّئاً على ما في يده- فابتدأ بالخطبة الاولى معلناً بالتحميد للَّه تعالى، و التمجيد و الثناء «بآلائه»، و شاهداً لمحمّد صلى الله عليه و آله و سلم بالرسالة، و حسن الإبلاغ و الإنذار، و يوشح خطبته بالقرآن و مواعظه و آدابه، ثمّ يجلس جلسةً خفيفة، ثمّ يقوم فيفتتح الخطبة الثانية بالحمد للَّه و الاستغفار و الصلاة على النبي و على آله صلى الله عليه و آله و سلم و يثني عليهم بما هم أهله، و يدعو لأئمّة المسلمين، و يسأل اللَّه تعالى أن يعلي كلمة المؤمنين، و يسأل اللَّه تعالى لنفسه و للمؤمنين حوائج الدنيا و الآخرة، و يكون آخر كلامه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»»(السرائر 1: 295.) ، انتهى كلام «السرائر». و لا يخفى: أنّ صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم مشتمل على الدعاء للمؤمنين و المؤمنات في الخطبة الاولى، و الصلاة على الأئمّة المعصومين عليهم السلام في الخطبة الثانية. و كلتا الخطبتين عن أمير المؤمنين عليه السلام مشتملة على الشهادتين. و موثّقة سماعة المتقدّمة مشتملة على الصلاة على أئمّة المسلمين عليهم السلام و الاستغفار للمؤمنين و المؤمنات في الخطبة الثانية. و خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المنقولة عن «روضة الكافي»(الكافي 8: 173/ 194.) ، قد اشتملت اولاها على الشهادتين و ثانيتها على الاستغفار و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات. و خطبته الاخرى المنقولة عن «الفقيه»(الفقيه 1: 275/ 1262.) الاولى منها و كذا الثانية كلتاهما مشتملة على الشهادتين، و الاولى منها مشتملة على الاستغفار و الثانية منها مشتملة على طلب النصر من اللَّه تعالى لجيوش المسلمين و الاستغفار و الدعاء للمؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات. و كيف كان: المشهور بين أصحابنا عدم وجوب شي ء من المذكورات. نعم كلّها الأحوط الأولى.

ص: 133

ص: 134

(مسألة 8): الأحوط إتيان الحمد و الصلاة في الخطبة بالعربي؛

و إن كان الخطيب و المستمع غير عربي، و أمّا الوعظ و الإيصاء بتقوى اللَّه تعالى فالأقوى جوازه بغيره، بل الأحوط أن يكون الوعظ و نحوه- من ذكر مصالح المسلمين- بلغة المستمعين، و إن كانوا مختلطين يجمع بين اللغات. نعم لو كان العدد أكثر من النصاب جاز الاكتفاء بلغة النصاب، لكن الأحوط أن يعظهم بلغتهم (1).


1- نسب إلى المشهور اعتبار العربية في الخطبتين، و نسبه في «المدارك» إلى أكثر الأصحاب، و علّله بالتأسّي و استحسنه. و في «التذكرة»: «لا تصحّ الخطبة إلّا بالعربية؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم داوم على ذلك، و قال: «صلّوا كما رأيتموني اصلّي» . و يحتمل غيرها لمن يفهم لو لم يفهم العربية على الأقوى؛ إذ القصد الوعظ و التخويف، و إنّما يحصل لو فهموا كلامه»(تذكرة الفقهاء 4: 68.) ، انتهى. و فرّق صاحب «الجواهر» في الخطبة بين الحمد و الصلاة، و بين الوعظ؛ قال: فيجوز بغيرها اختياراً مع فهم العدد، بخلافهما؛ لظهور الأدلّة في إرادة اللفظ فيهما و المعنى فيه، و إن كان الواقع منه عليه السلام العربية فيه أيضاً، لكن لعلّه؛ لأنّه عليه السلام عربي يتكلّم بلسانه، لا لوجوبه. و على الاشتراط لو لم يفهم العدد العربية و لا أمكن تعلّمها، فالأقوى- كما عن الفاضل و الشهيدين و الكركي- الاجتزاء بالعجمية؛ لأنّ مقصود الخطبة لا يتمّ بدون فهم معانيها(جواهر الكلام 11: 216- 217.) ، انتهى. و احتمل في «المدارك»(مدارك الأحكام 4: 35.) سقوط الجمعة فيما لم يفهموا العربية، و لا أمكن التعلّم؛ لعدم ثبوت مشروعيتها على هذا الوجه. و استقربه صاحب «الحدائق»، و قال في ذيل كلامه: «الأحوط الخطبة بالعربية و ترجمة بعض الموارد التي يتوقّف عليها المقصود من الخطبة»(الحدائق الناضرة 10: 95.) ، انتهى. الأقوى عندنا جواز غير العربية و مراعاة لغة المستمعين في الوعظ و الإيصاء بتقوى اللَّه و ذكر مصالح المسلمين؛ لما ذكره صاحب «الجواهر» و غيره من أنّ مقصود الخطبة لا يتمّ بدون فهم معانيها. و لعلّ وجه احتياط المصنّف رحمه الله في إتيان الحمد و الصلاة في الخطبة بالعربي- و إن كان الخطيب و المستمع غير عربي- هو أنّ المتبادر من الأمر الوارد في الروايات بأن «يحمد اللَّه و يصلّي على النبي و آله» هو أن يقول: «الحمد للَّه» و «صلّى اللَّه على محمّد و آله»؛ فلا يترك هذا الاحتياط. ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله قال بجواز الاكتفاء بلغة النصاب فيما كان العدد أكثر من النصاب. و فيه: أنّه لا يتمّ مطلقاً- حتّى فيما لو كان العدد كثيراً و أضعاف النصاب- فإنّ مقتضى مقصود الخطبة مراعاة لغة الأكثرية. نعم الأحوط مراعاة لغة جميعهم.

ص: 135

ص: 136

(مسألة 9): ينبغي للإمام الخطيب أن يذكر- في ضمن خطبته- ما هو من مصالح المسلمين في دينهم و دنياهم،

و يخبرهم بما جرى في بلاد المسلمين و غيرها؛ من الأحوال التي لهم فيها المضرّة أو المنفعة، و ما يحتاج المسلمون إليه في المعاش و المعاد، و الامور السياسية و الاقتصادية ممّا هي دخيلة في استقلالهم و كيانهم، و كيفية معاملتهم مع سائر الملل، و التحذير عن تدخّل الدول الظالمة المستعمرة في امورهم- سيّما السياسية و الاقتصادية- المنجرّ إلى استعمارهم و استثمارهم. و بالجملة: الجُمعة و خطبتاها من المواقف العظيمة للمسلمين، كسائر المواقف العظيمة، مثل الحجّ و المواقف التي فيه و العيدين و غيرها، و مع الأسف أغفل المسلمون عن الوظائف المهمّة السياسية فيها و في غيرها من المواقف السياسية الإسلامية، فالإسلام دين السياسة بشئونها؛ يظهر لمن له أدنى تدبّر في أحكامه الحكومية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فمن توهّم أنّ الدين منفكّ عن السياسة، فهو جاهل لم يعرف الإسلام و لا السياسة (1).


1- و يشير إلى ما ذكره المصنّف رحمه الله ما رواه الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عامّ، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (و) من الأهوال التي لهم فيها المضرّة و المنفعة. و لا يكون الصابر في الصلاة منفصلًا، و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة، و إنّما جعلت خطبتين ليكون واحدة للثناء على اللَّه و التمجيد و التقديس للَّه- عزّ و جلّ- و الاخرى للحوائج و الأعذار و الأنذار و الدعاء، و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد»(وسائل الشيعة 7: 344، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 6.) و في «الوسائل»: و قوله عليه السلام: «و ليس بفاعل غيره ممّن يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة» غير موجود في «عيون الأخبار»، و هو إشارة إلى تلك الأشياء التي يحتاج الإمام إلى ذكرها في الخطبة(وسائل الشيعة 7: 344، ذيل الحديث 6.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ ما ذكره المصنّف رحمه الله في هذه المسألة مبتنٍ على مبناه في مسألة ولاية الفقيه، و أنّ دائرتها وسيعة، و وظائف الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة عين وظائف النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الولي المعصوم المبسوط اليد عليه السلام، في إدارة شئون الإسلام و جوامع المسلمين. و لقد وفّقه اللَّه تعالى لتأسيس الحكومة الإسلامية في إيران و إدارة شئونها بقدر الإمكان، مع مخالفة جماعة من بني نوعه، و لا أقلّ من سكوتهم المرموزة أو الناشئة من عدم تشخيص مصالح الإسلام و المسلمين، و المرافعة و فصل الخصومة بينهم و بينه يوم الجزاء بقضاء أحكم الحاكمين. اللهمّ اجعل عواقب امورنا خيراً، بحقّ محمّد و آله صلّى اللَّه عليهم أجمعين.

ص: 137

ص: 138

(مسألة 10): يجوز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس

بحيث إذا فرغ منهما زالت، و الأحوط إيقاعهما عند الزوال (1).


1- اختلف الفقهاء في جواز إيقاع الخطبتين قبل زوال الشمس؛ فقال جماعة- منهم الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» و «الخلاف» و ابن برّاج و ابن حمزة و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و السبزواري في «الذخيرة» و «الكفاية» و الشهيدان و كثير من المتأخّرين- بالجواز، و به قال مالك و أحمد من العامّة. و قال ابن حمزة بوجوبه؛ قال: تجب ثلاثة أشياء: صعود المنبر قبل الزوال بمقدار ما إذا خطب زالت الشمس، و أن يخطب قبل الزوال، و يصلّي بعده ركعتين(الوسيلة: 104.) و ذهب جماعة اخرى- منهم السيّد المرتضى و ابن زهرة و ابن إدريس و الحلبي و العمّاني و العلّامة في «التذكرة» و غيرهم- إلى كون وقتها من زوال الشمس. و نسب هذا القول إلى المعظم كما في «الذكرى»، و إلى الأشهر كما في «التذكرة»، و إلى المشهور كما عن «الروض»، و عن الوحيد البهبهاني في «حاشية المدارك»: أنّه الموافق لطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار، و ظاهر «الغنية» الإجماع عليه، و به قال الشافعي. و استدلّ للقول الأوّل بصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشمس فأنزل فصلّ، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 4.) و اورد عليه: بأنّه يحتمل أنّه صلى الله عليه و آله و سلم كان مشغولًا بغير الواجبات من الخطبة قبل الزوال، و كان متلبّساً بواجباتها من حين الزوال، و كان شروعه في الصلاة حين تزول الشمس قدر شراك. و في «المختلف»: «بالمنع من دلالته على صورة النزاع؛ لاحتمال أن يكون المراد ب «الظلّ الأوّل» هو الفي ء الزائد على ظلّ المقياس، فإذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظلّ الأوّل- و هو أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، و هو الظلّ الأوّل- نزل فصلّى بالناس، و يصدق عليه أنّ الشمس قد زالت حينئذٍ؛ لأنّها قد زالت عن الظلّ الأوّل»(مختلف الشيعة 2: 231.) و فيه أوّلًا: أنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر وقوع تمام الخطبة في الظلّ الأوّل- الذي اريد منه الفي ء الحاصل بعد الزوال بغير فصل- و أنّ جبرئيل عليه السلام كان يخبره بزوال الشمس عند انتهاء الظلّ الأوّل و أخذه في الرجوع. و ثانياً: أنّ ما ذكره- من أنّه إذا انتهى في الزيادة إلى محاذاة الظلّ الأوّل؛ و هو أن يصير ظلّ كلّ شي ء مثله، نزل فصلّى- مستلزم لإيقاع الصلاة بعد خروج الوقت. و قال النراقي في «مستند الشيعة»،- و نعم ما قال-: «و تأويل الصلاة في الروايات بها و ما في حكمها- أعني الخطبة- لكونها بدلًا من الركعتين، خلاف الأصل و الظاهر، كتأويل الخطبة في الصحيحة بالتأهّب لها كما عن «التذكرة»، أو تأويل الظلّ الأوّل بأوّل الفي ء، كما عن «المنتهى»، أو بما قبل المثل من الفي ء، و الزوال بالزوال عن المثل كما عن «المختلف»، أو حملها على أنّه إذا أراد تطويل الخطبة كان يشرع فيها قبل الزوال، و لم ينوها خطبة الصلاة؛ حتّى إذا زالت الشمس كان يأتي بالواجب منها للصلاة، ثمّ ينزل فيصلّي»(مستند الشيعة 6: 71.) ، انتهى. و استدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على توقيت صلاة الجمعة بالزوال المستلزم لجواز تقديم الخطبتين على الزوال، كصحيح فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ من الأشياء أشياء موسّعة و أشياء مضيّقة، فالصلاة ممّا وسّع فيه؛ تقدّم مرّة و تؤخّر اخرى، و الجمعة ممّا ضيّق فيها؛ فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح زرارة قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ من الامور اموراً مضيّقة و اموراً موسّعة، و إنّ الوقت وقتان، و الصلاة ممّا فيه السعة؛ فربّما عجّل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ربّما أخّر، إلّا صلاة الجمعة؛ فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقتٌ واحدٌ حين تزول، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 11.) و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت الظهر يوم الجمعة حين تزول الشمس»(وسائل الشيعة 7: 317، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 8.) و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا زالت الشمس يوم الجمعة فابدأ بالمكتوبة»(وسائل الشيعة 7: 319، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 15.) و غيرها من روايات الباب. و اورد عليه: بأنّ الروايات المذكورة و إن كانت صريحة في توقيت صلاة الجمعة بزوال الشمس، و لكن يحتمل أن يكون المراد بالصلاة هنا ما يعمّ الخطبتين؛ لما ورد في بعض الأخبار من أنّهما صلاة ما دام الإمام يخطب، و أنّهما جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، كما في مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و فيه: أنّه خلاف الظاهر؛ ضرورة كون المراد من الصلاة في الروايات المذكورة نفس الركعتين، و إطلاق الصلاة على الخطبتين في المرسل المزبور مجاز، كإطلاقها على ما يعمّ الإقامة. و استدلّ للقول الثاني بقوله تعالى: «إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ»(الجمعة( 62): 9.) حيث أوجب السعي بعد النداء للصلاة، و النداء عبارة عن الأذان؛ فلا يجب السعي قبله. بل ادّعى صاحب «الحدائق» اتّفاق الأصحاب و الأخبار على أنّه لا يجوز الأذان قبل الوقت المحدود شرعاً، إلّا في صلاة الصبح خاصّة(الحدائق الناضرة 10: 108.) ، انتهى. و استدلّ أيضاً بصحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال عليه السلام: «بأذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة، و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 7.) و رواية عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّن»(وسائل الشيعة 7: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 28، الحديث 2.) و استدلّ العلّامة رحمه الله في «المختلف»- بعد الاستدلال بالآية و الصحيح المذكورين- بقوله: «و لأنّه يستحبّ صلاة ركعتين من نافلة الجمعة عند الزوال، و إنّما يكون ذلك إذا وقعت الخطبة بعد الزوال. أمّا المقدّمة الاولى: فلما رواه الحسين بن سعيد في الصحيح، عن يعقوب بن يقطين، عن العبد الصالح عليه السلام قال: «و ركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 11، الحديث 10.) و أمّا المقدّمة الثانية: فلأنّ الجمعة عقيب الخطبة، فلو وقعت الخطبة قبل الزوال لتعقّبتها صلاة الجمعة، فلا يستحبّ الركعتان من النوافل، و لأنّهما بدل من الركعتين، و لا يجوز إيقاع المبدل قبل الزوال، فكذا البدل تحقيقاً؛ للبدلية المقتضية للمساواة»(مختلف الشيعة 2: 230.) ، انتهى. هذا كلّه، مضافاً إلى استقرار سيرة المسلمين في الأعصار و الأمصار على شروع الخطبة عند الزوال، و قاعدة الشغل و الاحتياط و توقيفية العبادة. و نوقش في جميع ما استدلّ به للقول الثاني: أمّا في الآية: فلأنّ الاستدلال بها منوط بكون المراد من «النداء» هو الأذان، و أنّ الأذان في ظهر يوم الجمعة لصلاة الجمعة لا يشرع قبل الزوال، و أنّ المراد من «الذكر» هو خصوص الخطبة، و شي ء منها غير ثابت، كذا قيل. و لكن احتمال كون المراد من «النداء» نداءً مخصوصاً غير الأذان بعيد؛ إذ لم يعهد في زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام النداء إلى صلاة الجمعة قبل الزوال بغير الأذان. و يمكن أن يقال: إنّ مفاد الآية وجوب السعي إلى الجمعة بعد الزوال، فهو لا ينافي جوازه قبله؛ فالآية إنّما تنهض دليلًا لإبطال القول بوجوب السعي إلى الخطبة قبل الزوال- كما حكي عن ابن حمزة- لا لإبطال القول بالجواز. و أمّا صحيح محمّد بن مسلم فلا يصلح لإثبات الوجوب، لاشتماله على بعض المستحبّات في الخطبة. و في «مصباح الفقيه»: «و أمّا رواية محمّد بن مسلم، فبمنع ظهورها في الوجوب؛ لكونها جملة خبرية»(مصباح الفقيه، الصلاة: 446/ السطر 35.) و فيه: أنّ الجملة الخبرية الواردة مورد الإنشاء آكد دلالةً على الوجوب من صيغة الأمر عليه، على ما قرّر في الاصول. و في «صلاة» الحائري رحمه الله: «و أمّا الرواية فالاستدلال بها مبني على أنّ المراد من الأذان المذكور في قوله عليه السلام: «يخرج الإمام بعد الأذان، فيصعد المنبر» هو الأذان للصلاة، و أنّه لا يشرّع قبل الزوال. و أمّا لو كان المراد منه مجرّد التنبيه و الإعلام لجلب الناس إلى استماع الخطبة، أو قلنا بأنّ أذان الصلاة لا مانع من إيقاعه قبل الزوال- و لو في خصوص يوم الجمعة- فلا تكون دليلًا على لزوم إيقاع الخطبة بعد الزوال»(الصلاة، المحقّق الحائري: 669.) و فيه: أنّ احتمال كون المراد من الأذان أذان الإعلام- لمجرّد تنبيه الناس و جلبهم إلى استماع الخطبة- خلاف الظاهر، و لم يعهد في الأعصار و الأمصار، و لم ينقل عنهم عليهم السلام الأذان للإعلام قبل الزوال في يوم الجمعة؛ فالظاهر كون الأذان أذان الصلاة. و أمّا ما استدلّ به في «المختلف» فيرد على دليله الأوّل: أنّ استحباب الركعتين عند الزوال- على فرض تسليم الاتّفاق على عدم جواز إتيانهما بين الخطبتين و صلاة الجمعة- يمكن تقييده بما إذا لم يخطب قبل الزوال، أو أنّه اختار تركهما بتقديم الخطبتين؛ فلا ينافي استحبابهما بتأخير الخطبتين إلى الزوال. و على دليله الثاني: أنّ البدلية إن اقتضت عدم جواز تقديمهما على الزوال اقتضت عدم تقديمهما على ركعتي الجمعة أيضاً؛ لأنّهما بدل عن الركعتين الأخيرتين، فتقديمهما على الصلاة كاشف عن أنّ المراد من بدلية الخطبتين من الركعتين الأخيرتين ليس البدلية في جميع الشرائط المعتبرة في الصلاة. و في «مصباح الفقيه»: «و إنّما اريد بها في الروايات الدالّة عليها بيان الحكم و المناسبات المقتضية للتخفيف و قصر الجمعة على الاوليين»(مصباح الفقيه، الصلاة: 446/ السطر الأخير.) ، انتهى. كلامه رحمه الله إشارة إلى ما ورد في رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين، و إذا كان بغير إمام ركعتين و ركعتين؛ لأنّ الناس يتخطّون إلى الجمعة من بُعدٍ، فأحبّ اللَّه- عزّ و جلّ- أن يخفّف عنهم؛ لموضع التعب الذي صاروا إليه، و لأنّ الإمام يحبسهم للخطبة و هم منتظرون للصلاة، و من انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام، و لأنّ الصلاة مع الإمام أتمّ و أكمل بعلمه و فقهه و فضله و عدله، و لأنّ الجمعة عيد و صلاة العيد ركعتان، و لم تقصر لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 3.) و أمّا استقرار سيرة المسلمين في الأعصار و الأمصار على مواظبة الشروع في الخطبة عند الزوال، فيرد عليه: أنّ السيرة تصلح دليلًا على نفي وجوب تقديمها على الزوال أو استحبابه، و لا تصلح دليلًا على وجوبها عند الزوال. و أمّا الاحتياط فلا يجري في المقام- الذي هو مجرى البراءة- لكون الشكّ في شرطية تحقّق الزوال في وجوب الخطبة. و أمّا توقيفية العبادة فهي لا تنافي جريان البراءة في المقام. و لا يخفى: أنّ أدلّة القول بجواز تقديم الخطبتين على الزوال و إن كانت متقنة، إلّا أنّ فيه خوف مخالفة الشهرة المدّعاة في كلام الشهيد في «الروض»؛ فالأحوط وجوباً تأخيرهما إلى الزوال.

ص: 139

ص: 140

ص: 141

ص: 142

ص: 143

ص: 144

ص: 145

ص: 146

(مسألة 11): يجب أن تكون الخطبتان قبل صلاة الجمعة،

فلو بدأ بالصلاة تبطل، و تجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت، و الظاهر عدم وجوب إعادتهما إذا كان الإتيان جهلًا أو سهواً، فيأتي بالصلاة بعدهما. و لو قيل بعدم وجوب إعادة الصلاة- أيضاً- إذا كان التقديم عن غير عمد و علم، لكان له وجه (1).


1- المشهور- شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً- وجوب تقديم الخطبتين على صلاة الجمعة؛ لكون تقديمهما شرطاً لصحّتها، و لم يعرف الخلاف إلّا عن الصدوق في «الفقيه» و «المقنع» و «الهداية» و «العيون» و «العلل»، حيث اعتبر وجوب تأخّرهما عن صلاة الجمعة. و استدلّ له بكونهما بدلًا عن الركعتين الأخيرتين، و بما رواه مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أوّل من قدّم الخطبة على الصلاة يوم الجمعة عثمان؛ لأنّه كان إذا صلّى لم يقف الناس على خطبته و تفرّقوا و قالوا: ما نصنع بمواعظه، و هو لا يتّعظ بها و قد أحدث ما أحدث، فلمّا رأى ذلك قدّم الخطبتين على الصلاة»(وسائل الشيعة 7: 332، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 3.) و هذا القول ضعيف شاذّ، و دليله عليل بالإرسال و معارضته بالأخبار المستفيضة الدالّة على وجوب تقديمهما عليها. و في «الوسائل»- بعد نقل المرسل عن الصدوق- قال: «هذا غريب لم يروه إلّا الصدوق. و لا يبعد أن يكون لفظ «الجمعة» غلطاً من الراوي أو من الناسخ، و أصله يوم العيد؛ لما يأتي في محلّه، و يحتمل أن يكون العيد الذي قدّم فيه الخطبة على الصلاة كان يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 333/ ذيل الحديث 3.) و تدلّ على القول المشهور الأخبار المستفيضة: منها: صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشمس فأنزل فصلّ»(وسائل الشيعة 7: 332، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 1.) و منها: رواية أبي مريم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن خطبة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: «قبل الصلاة، ثمّ يصلّي»(وسائل الشيعة 7: 332، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 2.) و منها: صحيح الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أوّل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة؛ لأنّ الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مراراً و في السنة كثيراً، و إذا كثر ذلك على الناس ملّوا و تركوا و لم يقيموا عليه و تفرّقوا عنه؛ فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة و لا يتفرّقوا و لا يذهبوا. و أمّا العيدين فإنّما هو في السنة مرّتين، و هو أعظم من الجمعة، و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب، فإن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم، و ليس هو كثيراً فيملّوا و يستخفّوا به»(وسائل الشيعة 7: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 15، الحديث 4.) و منها: موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب- يعني إمام الجمعة- و هو قائم يحمد اللَّه و يثني عليه، ثمّ يوصي بتقوى اللَّه، ثمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة (قصيرة) ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللَّه و يثني عليه و يصلّي على محمّد صلى الله عليه و آله و سلم و على أئمّة المسلمين، و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات، فإذا فرغ من هذا أقام المؤذّن فصلّى بالناس ركعتين، يقرأ في الاولى بسورة الجمعة و في الثانية بسورة المنافقين»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و منها: صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(الإخلاص( 112): 1.) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 3.) و يدلّ عليه أيضاً بعض الأخبار الواردة في حكم الكلام في أثناء الخطبة: منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و منها: صحيحه الآخر، عنه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن يقام الصلاة، و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 3.) ثمّ إنّه إذا وجب تقديم الخطبتين فلو بدأ بالصلاة عمداً تبطل؛ لانتفاء شرط صحّتها، و تجب الصلاة بعدهما لو بقي الوقت. و علّل النراقي في «مستند الشيعة» بطلان الصلاة الواقعة قبل الخطبة بقوله: «لأنّ وجوب الإعادة- و لو في الجملة- يدلّ على عدم كون ما أتى به موافقاً للمأمور به، و لأنّ الأمر بالخطبة قبل الصلاة نهي عن ضدّه- الذي هو الصلاة قبل الخطبة- و النهي يوجب الفساد»(مستند الشيعة 6: 70.) و إذا بطلت الصلاة فلا يكتفي بالخطبتين لو أتاهما بعدها للصلاة؛ لوقوعهما من العامد بنحو التشريع. نعم لو قصد امتثال الأمر الواقعي حين الشروع بهما بعد الصلاة الباطلة اكتفى بهما و صلّى بعدهما، كما أنّه يجوز الاكتفاء بهما إذا كان إتيانهما بعد الصلاة جهلًا أو نسياناً. و في صحّة الصلاة و بطلانها مع الاكتفاء بهما وجهان: وجه الصحّة: عموم حديث «لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة»(راجع وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.) ، حيث إنّ مقتضاه صحّة الصلاة الفاقدة لما اعتبر فيها شرطاً أو جزءاً، نسياناً أو جهلًا- فيما كان عذراً- إلّا أن يكون المفقود أحد الخمسة المذكورة في الحديث، من غير فرق بين صلاة الجمعة و غيرها من الصلوات. فلو قدّم الصلاة على الخطبتين نسياناً أو سهواً صحّت الصلاة، و كذا لو جلس الخطيب حال الخطبة، أو وقعت الجمعتان و بينهما دون ثلاثة أميال. و وجه البطلان: أنّ الظاهر من الأخبار كون تقدّم الخطبة شرطاً واقعياً لصحّة الجمعة، كالطهارة و القبلة و الوقت. و هذا الوجه قوي. و حديث «لا تعاد» لا يشمل صلاة الجمعة؛ لأنّ وقتها من الزوال بمقدار ما يتّسع للأذان و الخطبتين و الإقامة و الصلاة- على قول في المسألة- و ينقضي هذا الوقت المحدود بالعمل الفاقد للقيد المعتبر فيه.

ص: 147

ص: 148

ص: 149

ص: 150

(مسألة 12): يجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة،
اشارة

و يجب وحدة الخطيب و الإمام، فلو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره، و أمهم الذي خطبهم، و لو لم يكن غير العاجز فالظاهر الانتقال إلى الظهر. نعم لو كانت الجمعة واجبة تعييناً خطبهم العاجز عن القيام جالساً، و الأحوط الإتيان بالظهر بعد الجمعة، و يجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة (1).

هنا مسائل:
الاولى: أنّه يجب كون الخطيب قائماً وقت إيراد الخطبة.

1- و يدلّ عليه صحيح معاوية بن وهب، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إنّ أوّل من خطب و هو جالس معاوية، و استأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه، و كان يخطب خطبة و هو جالس و خطبة و هو قائم، يجلس بينهما»، ثمّ قال عليه السلام: «الخطبة و هو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسةً لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح أبي بصير أنّه سأل عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال عليه السلام: «يخطب قائماً، إنّ اللَّه يقول: «وَ تَرَكُوكَ قائِماً»»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 3.) و موثّق سماعة في حديث قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «يخطب- يعني إمام الجمعة- و هو قائم»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و يمكن أن يستدلّ أيضاً بالأخبار الدالّة على وجوب الجلوس بين الخطبتين، كصحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال عليه السلام: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام: «ثمّ يجلس، ثمّ يقوم»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و في موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث: «ثمّ يجلس، ثمّ يقوم»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة، فقال: «أذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، ثمّ يقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 3.) وجه الاستدلال: أنّ الجلوس بين الخطبتين لا يكون و لا يتصوّر إلّا بعد تحقّق القيام فيما قبل الجلوس و فيما بعده؛ أي كان الجلوس بعد القيام في الخطبة الاولى، و القيام إلى الخطبة الثانية بعد الجلوس عن قيام الخطبة الاولى. و صاحب «الجواهر»- بعد الاستدلال بصحيح أبي بصير على وجوب القيام في الخطبتين- قال: «بل قد يستفاد منه- حينئذٍ- هنا صحّة الاستدلال على الوجوب بالتأسّي، و من المعلوم: أنّ فعله عليه السلام و فعل أمير المؤمنين عليه السلام و الحسن و الصحابة القيام فيهما(جواهر الكلام 11: 230.)، انتهى. لما ورد في أخبار متظافرة- بل متواترة- من نسبة الخطبة إلى الإمام. كما في موثّق سماعة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال عليه السلام: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر؛ يعني إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 3.) و صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 4.) و صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و غيرها من الروايات الواردة في أبواب متفرّقة. و في رواية الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: «إنّ الإمام يحبسهم للخطبة»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 3.) . و في بعضها: «إنّ الإمام هو الذي يصعد المنبر فيخطب، ثمّ ينزل فيصلّي» ، كما في صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم. و يظهر من العلّامة في «النهاية»(نهاية الإحكام 2: 18.) جواز التعدّد؛ بأن يكون الإمام غير الخطيب؛ لانفصال كلّ من الصلاة و الخطبة عن الاخرى، و لأنّ الخطبتين بمكان الركعتين، و يجوز الاقتداء بإمامين في صلاة واحدة. و قوّاه في «جامع المقاصد»(جامع المقاصد 2: 408.) و يظهر منه في «المنتهى»: أنّ عدم جواز التعدّد أقرب، إلّا لضرورة، قال: «الذي يظهر من عبارات الأصحاب: أنّ المتولّي للخطبة هو الإمام، فلا يجوز أن يخطب واحد و يصلّي آخر. و لم أقف فيه على نصّ صريح لهم، لكن الأقرب ذلك إلّا لضرورة»(منتهى المطلب 1: 324/ السطر 29( ط- حجري).) ، انتهى. كذا في «الذكرى». و قد يقال: إنّ الأخبار المذكورة جارية مجرى الغالب؛ من اتّحاد الخطيب و الإمام، فلا دلالة لها على شرطية الاتّحاد. و مقتضى الأصل عدم الشرطية و عدم وجوب الإمامة على من باشر الخطبة، و عدم وجوب الخطبة على من يؤمّ. و فيه: أنّ حمل الأخبار على ما ذكر خلاف ظاهرها، و الاصول المذكورة لا مجرى لها مع الظهور المذكور. و في «مستند الشيعة»: الحقّ هو الثاني- أي القول بعدم وجوب الاتّحاد- لما ذكر- من الأصل- و عدم دلالة شي ء ممّا مرّ على الوجوب؛ حتّى موثّقة سماعة؛ لجواز أن يراد بالإمام فيها مطلق من يتبع، و لو في أمر و نهي(مستند الشيعة 6: 76.) ، انتهى. و فيه: أنّ الأصل غير جارٍ مع ظهور الأخبار في الاتّحاد. و حمل الإمام و من يؤمّهم على مطلق من يتبع خلاف الظاهر. و أمهم من خطبهم؛ و ذلك لعدم وجوب الخطبة على شخص خاصّ بحيث لا يكون جائزاً لغيره، بل وجوبها كفائي. و مع انحصار إيراد الخطبة في العاجز عن القيام و عدم إمكانه للغير، فهل يسقط وجوب القيام و يخطب جالساً و يفصل بين الخطبتين بسكتة عند جماعة أو بضجعة- كما احتمله في «التذكرة»(تذكرة الفقهاء 4: 72.) - أو ينتقل التكليف إلى الظهر؟ نسب إلى المشهور القول بسقوط وجوب القيام و الخطبة جالساً. و مستندهم في ذلك أمران: الأوّل قاعدة الميسور، الثاني انصراف ما دلّ على وجوب القيام في الخطبة إلى صورة التمكّن منه؛ فيبقى إطلاق ما دلّ على وجوب الخطبة سليماً عن المقيّد. و صاحب «الجواهر» بعد تقوية هذا القول قال: لظهور ما دلّ على الشرطية في حال الاختيار؛ فيبقى الإطلاق- حينئذٍ- سالماً(جواهر الكلام 11: 230.) ، انتهى. و اورد على الاستناد بقاعدة الميسور: بأنّ موردها المركّبات التي يعجز المكلّف عن إتيان بعض أجزائها أو شرائطها، و دار الأمر بين سقوط أصل التكليف أو إتيان الميسور من المركّب؛ فمقتضى القاعدة- حينئذٍ- إتيان الميسور. و ما نحن فيه ليس كذلك؛ إذ مع عدم التمكّن من القيام- الذي هو شرط واقعي- يتعيّن عليه الظهر لا الجمعة الفاقدة للشرط. و يرد على الاستناد بالانصراف: أنّ الأخبار المذكورة واردة في بيان كيفية الخطبة و ما يعتبر فيها شرطاً أو جزءاً؛ فبانتفاء شرطها يسقط التكليف بها، و هذا هو الوجه في سقوط التكليف بالجمعة و تبديله بالظهر؛ فلا مجال لدعوى الانصراف. و الحقّ: أنّه بناءً على القول بالوجوب التخييري لا مجال للتمسّك بقاعدة الميسور؛ لدوران الأمر بين تعيّن الظهر عليه و بين التخيير بينها و بين الجمعة الفاقدة لقيام خطبتها. فمقتضى القاعدة تعيّن الظهر عليه. و على القول بالوجوب التعييني ينتقل التكليف إلى الظهر؛ لعدم القدرة على الجمعة، حيث إنّ المستفاد من الأخبار اشتراط القيام في الخطبة على الإطلاق. و لا مجال أيضاً لجريان قاعدة الميسور و وجوب الجمعة مع الخطبة جالساً، كما يقوله المصنّف رحمه الله. و لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر بعد إتيان الجمعة الفاقدة لقيام خطبتها. و هو المشهور بين فقهائنا؛ شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كصحيح عمر بن يزيد: «و ليقعد قعدةً بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم: «ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 7.) و صحيح معاوية بن وهب: «يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 16، الحديث 1.) و صحيح آخر لمحمّد بن مسلم: «ثمّ يجلس قدر ما يمكن هنيئة»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 1.) و موثّق سماعة: «ثمّ يجلس»(وسائل الشيعة 7: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و احتمل المحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهى» استحباب الجلوس؛ لأنّ فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم كما يحتمل أن يكون تكليفاً، يحتمل أن يكون للاستراحة. و فيه أوّلًا: أنّ الجلوس لو كان للاستراحة لكان اتّفاقياً لا دائمياً. و ثانياً: أنّ الدليل ليس منحصراً في فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم، بل الدليل هو الأمر الوارد به في الأخبار المذكورة. و أمّا مقدار الجلوس بينهما فقد قدّر في بعض الأخبار المذكورة بالقليل، و في بعضها بفصل ما بين الخطبتين، و في بعضها بقدر ما يمكن هنيئة- مصغّر من «الهنو» بمعنى الوقت؛ أي ساعة يسيرة- و في بعضها بقدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، و في بعضها بالخفيفة. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد أن حكى عن «الروض»: أنّه لو أطالها بما لا يخلّ بالوحدة لم يضرّ- قال: و هو لا يخلو من قوّة(جواهر الكلام 11: 234.)

ص: 151

ص: 152

الثانية: يجب وحدة الخطيب و الإمام؛

ص: 153

ص: 154

الثالثة: لو عجز الخطيب عن القيام خطب غيره القادر على القيام مع الإمكان،

ص: 155

الرابعة: يجب الجلوس بين الخطبتين،

ص: 156

ص: 157

(مسألة 13): الأحوط- لو لم يكن الأقوى- وجوب رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد،

بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها، بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ و الإيصاء، و ينبغي أن يرفع صوته بحيث يسمع الحُضّار، بل هو أحوط، أو يخطب بواسطة السمّاعات إذا كان الجماعة كثيرة؛ لإبلاغ الوعظ و الترغيب و الترهيب و المسائل المهتمّ بها (1).


1- يجب رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد، بل الظاهر عدم جواز الإخفات بها؛ و ذلك لظهور قوله عليه السلام «خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) أو «خطب الإمام الناس»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 4.) فيه. بل لا إشكال في عدم جواز إخفات الوعظ و الإيصاء؛ لأنّ المقصود من الخطبة- خصوصاً الوعظ و الإيصاء- هو فهم المخاطبين و اتّعاظهم، و هو لا يحصل إلّا بالإسماع؛ فلا يكفي أن يخطب إخفاتاً؛ لمنافاته الغرض منها. و علّل صاحب «الجواهر» رحمه الله وجوب رفع الصوت بقوله: لأنّه المتيقن في براءة الذمّة من الشغل اليقيني، بعد الشكّ في تناول الإطلاقات لغيره؛ لمعهودية الاستماع في سائر الأعصار و الأمصار، فضلًا عن خصوص النبي و آله- صلوات اللَّه عليهم أجمعين- و قد روي أنّه صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا خطب يرفع صوته، كأنّه منذر جيش، بل يمكن منع صدق الخطبة بدونه(جواهر الكلام 11: 240.)، انتهى. و ينبغي أن يرفع صوته- و لو بواسطة السمّاعات- بحيث يسمع الحضّار إذا كانت الجماعة كثيرة لإبلاغ الوعظ و الترغيب و الترهيب و المسائل المهتمّ بها، كما اشير إليه في خبر «العلل» و «العيون» عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: «فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم، و ترغيبهم في الطاعة، و ترهيبهم من المعصية، و توقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم و دنياهم، و يخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق (و) من الأهوال التي لهم فيها المضرّة و المنفعة ...» إلى أن قال: «و لما يريد أن يعلّمهم من أمره و نهيه ما فيه الصلاح و الفساد»(وسائل الشيعة 7: 344، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 6.) و قد تردّد جماعة من فقهائنا- كالمحقّق في «الشرائع» و السبزواري في «الذخيرة» و الفاضل الهندي في «كشف اللثام»- في وجوب رفع الصوت. و في «مستند الشيعة» بعد نقل التردّد من «الشرائع» قال: و هو في موقعه، بل مقتضى الأصل عدمه(مستند الشيعة 6: 80.) و قال العلّامة في «التذكرة»: و لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ، و لكن كانوا أو بعضهم صمّاً، فالأقرب الإجزاء. و لا يجهد نفسه في رفع الصوت؛ لما فيه من المشقّة، و لا تسقط الجمعة و لا الخطبة و إن كانوا كلّهم صمّاً(تذكرة الفقهاء 4: 74.) ، انتهى. و في «المدارك» احتمل سقوط الجمعة إذا كان المانع حاصلًا للعدد المعتبر؛ لعدم ثبوت التعبّد بالصلاة على هذا الوجه(مدارك الأحكام 4: 41.)

ص: 158

ص: 159

(مسألة 14): الأحوط- بل الأوجه- وجوب الإصغاء إلى الخطبة،
اشارة

بل الأحوط الإنصات و ترك الكلام بينها، و إن كان الأقوى كراهته. نعم لو كان التكلّم موجباً لترك الاستماع و فوات فائدة الخطبة لزم تركه. و الأحوط الأولى استقبال المستمعين الإمام حال الخطبة، و عدم الالتفات زائداً على مقدار الجواز في الصلاة، و طهارة الإمام حال الخطبة عن الحدث و الخبث، و كذا المستمعين. و الأحوط الأولى للإمام أن لا يتكلّم بين الخطبة بما لا يرجع إلى الخطابة، و لا بأس بالتكلّم بعد الخطبتين إلى الدخول في الصلاة (1).

هنا مسائل:
الاولى: اختلف فقهاؤنا في وجوب الإصغاء-

1- أي التوجّه لاستماع الكلام- إلى الخطبة و عدمه: نسب إلى الأكثر وجوبه، بل في «الذكرى» و «الحدائق» و غيرهما: أنّه المشهور. و ذهب جماعة إلى عدم الوجوب. و عن الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر» و «النافع» و العلّامة في «المنتهى» و ابن زهرة في «الغنية» و الأردبيلي في «مجمع البرهان» و غيرهم: أنّه مستحبّ. و تردّد فيه بعضهم- كالمحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «التحرير» و «الإرشاد» و ولده في «الإيضاح» و الشهيد في «غاية المراد»- لضعف أدلّة الوجوب عندهم. و استدلّ للوجوب بوجوه ضعيفة: منها: أنّ المقصود من الخطبة- خصوصاً الوعظ و الإيصاء بتقوى اللَّه- لا يحصل إلّا بالإصغاء. و منها: قوله تعالى: «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا»(الأعراف( 7): 204.) و في «مجمع البيان»: قيل: إنّه- أي الوقت المأمور بالإنصات للقرآن و الاستماع له- في الخطبة، امروا بالإنصات و الاستماع إلى الإمام يوم الجمعة، و قيل: إنّه في الخطبة و الصلاة جميعاً(مجمع البيان 4: 791.) و منها: خبر «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام: «يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم و يصغون إليه»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 5.) و منها: قوله عليه السلام في بعض الروايات المتقدّمة: «يخطب لهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 6.) ، و كذا قوله: «فهي صلاة»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 4.) . وجه دلالتهما كما في «كشف اللثام»: أنّ الحاضرين للخطبة كالمقتدِين في الصلاة؛ فيجب الاستماع للآية(كشف اللثام 4: 260.) و منها: أنّ الإصغاء يجب مقدّمةً للسماع الواجب. و منها: أنّ بين تحريم الكلام و وجوب الإصغاء تلازماً، كما نسب في «مفتاح الكرامة» إلى ظاهر «السرائر» و «الإيضاح» و صريح «التذكرة» و «نهاية الأحكام» و «المختلف» و «غاية المراد» و «التنقيح» و «حاشية الإرشاد» و «الروض». و منها: غير ذلك من الوجوه الضعيفة. و يرد على الوجه الأوّل: أنّ فائدة الخطبة لا تنحصر في الإصغاء؛ إذ قد تحصل بمجرّد السماع. و على الوجه الثاني: أوّلًا: أنّه حكي عن الشيخ في «تفسير التبيان»: أنّ فيه أقوالًا: الأوّل: إنّها في صلاة الإمام، فعلى المقتدى به الإنصات. و الثاني: إنّها في الصلاة؛ فإنّهم كانوا يتكلّمون فيها، فنسخ. و الثالث: إنّها في خطبة الإمام. و الرابع: إنّها في الصلاة و الخطبة. و أقوى الأقوال الأوّل؛ لأنّه لا حال يجب فيها الإنصات لقراءة القرآن إلّا حال قراءة الإمام في الصلاة؛ فإنّ على المأموم الإنصات لذلك و الاستماع له، فأمّا خارج الصلاة فلا خلاف أنّه لا يجب الإنصات و الاستماع. و عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه في حال الصلاة و غيرها، و ذلك على وجه الاستحباب(مجمع البيان 4: 791، التبيان في تفسير القرآن 5: 67- 68.) ، انتهى. و ثانياً: أنّ وجوب الإصغاء على المأموم لقراءة الإمام في الصلاة لم يثبت، و مقتضى الأصل عدمه. و على الوجه الثالث: أنّ خبر «الدعائم» مرسل غير منجبر؛ لعدم ثبوت الشهرة على الوجوب. و على الوجه الرابع: ما اورد ثانياً على الوجه الثاني. و على الوجه الخامس: أنّ مورد النزاع هو الوجوب النفسي لا المقدّمي. و على الوجه السادس: أنّه مجرّد دعوى يحتاج مدّعيها إلى الإثبات. هذا مضافاً إلى أنّ حرمة الكلام في أثناء الخطبة أوّل الكلام، كما سنشير إليه. و استدلّ للقول بعدم الوجوب بالأصل، و بإطلاقات أدلّة وجوب الخطبة؛ إذ لا مدخلية للإصغاء في صدق الخطبة، و المقصود من الخطبة- و هو فهم مطالبها- يحصل بالسماع دون الإصغاء. و في «الجواهر»: «و نمنع وجوب الإنصات في حال الخطبة بالسيرة التي هي فوق الإجماع»(جواهر الكلام 11: 289.) و فيه: أنّ السيرة يتمسّك بها فيما لو احرز تحقّقها من المتديّنين العارفين بوظائفهم الشرعية. و استدلّ أيضاً بصحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) وجه الدلالة ظهور لفظ «لا ينبغي» في الكراهة، فيجوز الكلام و إن كان مكروهاً، فهو مستلزم لعدم وجوب الإصغاء؛ إذ لا يتحقّق الإصغاء مع التكلّم غالباً. يقال: أنصت له أي: سكت مستمعاً لحديثه- و ترك الكلام على المخاطبين للخطبة. و الخلاف إنّما هو في الإثم و عدمه- كما في «النهاية»(نهاية الإحكام 2: 39.) - للإجماع على أنّ الكلام في أثناء الخطبة ليس مبطلًا للجمعة. و صرّح جماعة بحرمة الكلام على الخطيب، كالمستمعين، و يأتي الإشارة إليه. و استدلّ للقول بالوجوب- مضافاً إلى الشهرة المدّعاة في كلام جماعة كما في «الذكرى» و «كشف الالتباس»، بل الإجماع المدّعى في «الخلاف»- بالأخبار الدالّة على أنّ الخطبة صلاة، و أنّ الخطبتين بدل عن الركعتين؛ فيجب الإنصات و ترك الكلام في الخطبتين كما في الركعتين. و استدلّ أيضاً بمرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و مفهوم صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن يقام الصلاة، و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 3.) و رواية «دعائم الإسلام» عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام، عنه، عن آبائه عليهم السلام: «إذا قام الإمام يخطب فقد وجب على الناس الصمت»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 2.) و في «الدعائم» أيضاً عن جعفر بن محمّد عليهما السلام: «لا كلام حتّى يفرغ الإمام من الخطبة، فإذا فرغ منها فتكلّم ما بينك و بين افتتاح الصلاة إن شئت»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 4.) و رواية الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: «نهى رسول اللَّه عن الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، فمن فعل ذلك فقد لغا و من لغا فلا جمعة له»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 4.) و في المرسل: «من تكلّم يوم الجمعة و الإمام يخطب فهو كالحمار يَحْمِلُ أَسْفاراً»(مستدرك الوسائل 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 12، الحديث 6.) و ما رواه في «قرب الإسناد» عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام: «أنّ علياً عليه السلام كان يكره الكلام يوم الجمعة و الإمام يخطب، و في الفطر و الأضحى و الاستسقاء»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 5.) و بالإسناد المذكور عن علي عليه السلام: «أنّه كان يكره ردّ السلام و الإمام يخطب»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 6.) و الاستدلال بهذين الخبرين الأخيرين مبني على إرادة الحرمة من الكراهة. و استدلّ أيضاً بالتلازم بين وجوب الإصغاء و بين حرمة الكلام، و أنّ من قال بالوجوب هناك قال بالتحريم هنا، و من قال بالاستحباب هناك، قال بالكراهة هنا. و الجواب: أنّ أكثر الوجوه المزبورة ضعيف السند و ظاهر الدلالة في الكراهة. نعم، مفهوم صحيح محمّد بن مسلم ثبوت البأس في التكلّم قبل فراغ الإمام عن الخطبة، و كذلك النهي في رواية الحسين بن زيد ظاهر في الحرمة. و لكنّهما محمولان على الكراهة، بقرينة صحيح آخر لمحمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) ، حيث إنّ لفظ «لا ينبغي» أقوى ظهوراً في الكراهة. و أمّا ما روي عن جامع البزنطي من وجوب الصمت على الناس فقد أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بقوله: بل قد يضعّف ما عن البزنطي و «الدعائم» من وجوب الصمت باستلزامه زيادة الخطبة على الصلاة؛ ضرورة جواز الذكر و القرآن و نحوهما فيها، بخلافها؛ فيجب فيها الصمت. بل التزام حرمة ذلك و إن لم يكن مفوّتاً للاستماع أو لاستماع المقصود من الخطبة من الغرائب(جواهر الكلام 11: 295- 296.) ، انتهى. و يرد على صدر كلامه: أنّ محلّ البحث في هذه المسألة هو الكلام الآدمي؛ فلا يشمل الذكر و قراءة القرآن. أقول: لو لا مخالفة الشهرة المدّعاة في «الذكرى» و «كشف الالتباس» على حرمة الكلام، لقلنا بالجواز. فالأحوط ترك الكلام للمستمعين؛ لاحتمال تحقّق الشهرة في الواقع. و يدلّ عليه موثّق السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: كلّ واعظ قبلة؛ يعني إذا خطب الإمام الناس يوم الجمعة ينبغي للناس أن يستقبلوه»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 1.) و صحيح علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن القعود في العيدين و الجمعة و الإمام يخطب كيف يصنع، يستقبل الإمام أو يستقبل القبلة؟ قال: «يستقبل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 2.) و مرسل الصدوق قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «كلّ واعظ قبلة، و كلّ موعوظ قبلة للواعظ؛ يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء في الخطبة، يستقبلهم الإمام و يستقبلونه حتّى يفرغ من خطبته»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 3.) و الجملة الخبرية: «يستقبل الإمام، يستقبلهم الإمام و يستقبلونه» في بعض هذه الأخبار و إن كانت ظاهرة في الوجوب، إلّا أنّها محمولة على الاستحباب، بقرينة لفظ «ينبغي» في الموثّق المزبور. و هل يحرم غير الكلام ممّا يحرم في الصلاة، كالالتفات زائداً على المقدار الجائز في الصلاة؟ نسب إلى السيّد المرتضى رحمه الله في «المصباح»: أنّه يحرم في الخطبة من الأفعال ما لا يجوز مثله في الصلاة، و استدلّ له بمرسل الصدوق المتقدّم: «و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) المشهور- شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً- عدم الحرمة. و في «الجواهر»- بعد نقل القول بالحرمة عن «مصباح» المرتضى- قال: «لكن ظاهر الأصحاب خلافه»(جواهر الكلام 11: 295.) على الخطيب و المخاطبين: فذهب جماعة- منهم الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و العلّامة في «المنتهى» و الشهيدان في «الذكرى» و «الدروس» و «البيان» و «الروضة» و «المسالك» و غيرهم- إلى الوجوب. و جماعة اخرى- منهم ابن إدريس و الفاضل الآبي في «كشف الرموز» و العلّامة في «المختلف» و «التبصرة» و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و غيرهم- إلى عدم الوجوب. و لم يتعرّض جماعة من فقهائنا للبحث عن الطهارة حال الخطبة؛ لا نفياً و لا إثباتاً. و الظاهر من تركهم البحث عنها: أنّها ليست واجبة، و لا شرطاً عندهم. و قد صرّح جماعة من فقهائنا بوجوب الطهارة من دون تنصيص على الشرطية. و صرّح جماعة اخرى منهم بأنّ الطهارة، من الحدث و الخبث شرط في الخطبتين، كما في «التذكرة» و «غاية المراد». و في «نهاية الإحكام»: «شرط بعض علمائنا طهارة الحدث و البدن و الثوب و المكان من الخبث»(نهاية الإحكام 2: 36.) و قال المحقّق في «المعتبر»: «لا ريب أنّ الطهارة من الحدث الأكبر شرط لجواز دخول المسجد، فلا بدّ من اعتباره، لا لأنّه شرط في الخطبة»(المعتبر 2: 285.) و في «مفتاح الكرامة» بعد نقل كلام «المعتبر» قال: «و قضية كلامه: أنّها ليست شرطاً؛ لا من الخبث، و لا من أكبر الأحداث، و لا من أصغرها، و إن خطب في المسجد»(مفتاح الكرامة 3: 119/ السطر 25.)، انتهى. نسب إلى جماعة- منهم ابن حمزة في «الوسيلة» و الراوندي في «فقه القرآن» و المفيد و الشهيد في «الذكرى» و الفاضل الميسي و المحقّق و الشهيد الثانيان و صاحب «الحدائق» و غيرهم- حرمته عليه. و عمدة ما استدلّ به على الحرمة الأخبار الدالّة على أنّ الخطبتين بمكان الركعتين، و أنّ الخطبة صلاة، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث، قال: «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 4.) و مرسل الصدوق قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «لا كلام و الإمام يخطب، و لا التفات إلّا كما يحلّ في الصلاة، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، جعلتا مكان الركعتين الأخيرتين، فهما صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 2.) و فيه: أنّه قد مرّ غير مرّة أنّ الخطبتين و إن كانتا بدلًا عن الركعتين، و لكن ليس مقتضى البدلية إجراء تمام أحكام المبدل على البدل. و ذهب جماعة كثيرة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين إلى جواز الكلام للإمام في أثناء الخطبة مع الكراهة، و هو المختار. و قيّده في «الجواهر» بقوله: إذا لم يكن مفوّتاً لهيئتها و سالباً لصدق المراد شرعاً منها، و إلّا حرم الاجتزاء بها و وجب استئناف غيرها. و كأنّ وجه الكراهة:- مضافاً إلى انفصام نظام الخطبة الموجب للوهن في الإبلاغ و الإنذار و الحمد و الثناء- ضيق الوقت و انتظار المأمومين الذين يسأمون و لا يخلون غالباً عن حاجات ربّما تفوت لطول المكث(جواهر الكلام 11: 329.) ، انتهى. و استدلّ له في «التذكرة» بالأصل، و بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كلّم قتلة ابن أبي الحقيق في الخطبة، و بأنّ المستمع إنّما حرم عليه الكلام لئلّا يشغله عن الاستماع(تذكرة الفقهاء 4: 78.) ، انتهى. فرعان: الأوّل: يجوز للمستمعين، و كذا للإمام، الكلام بين الخطبتين؛ للأصل و عدم المانع؛ لأنّ المانع- على فرض وجوده- إنّما هو في حال الخطبة، فلا يشمل زمان الجلوس بين الخطبتين. و في «الجواهر»: «أمّا حال الجلوس بين الخطبتين، فالأقوى عدم الحرمة أيضاً»(جواهر الكلام 11: 296.) ، انتهى. الثاني: لا بأس بالتكلّم للسامعين و الإمام بعد الفراغ عن الخطبتين و قبل الشروع في الصلاة. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرغ الإمام من خطبته، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين تكلّم ما بينه و بين أن يقام للصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 330، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 1.) و صحيحه الآخر، عنه عليه السلام قال: «لا بأس أن يتكلّم الرجل إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن يقام الصلاة، و إن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه»(وسائل الشيعة 7: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 14، الحديث 3.)

ص: 160

ص: 161

ص: 162

المسألة الثانية: اختلف فقهاؤنا في وجوب الإنصات-

ص: 163

ص: 164

ص: 165

المسألة الثالثة: يستحبّ استقبال الخطيب الناسَ، و استقبال الناس إيّاه.

ص: 166

ص: 167

المسألة الرابعة: اختلف فقهاؤنا في وجوب الطهارة حال الخطبة و عدمها

ص: 168

المسألة الخامسة: اختلف فقهاؤنا في حرمة الكلام في أثناء الخطبة على الإمام؛

ص: 169

ص: 170

و ينبغي أن يكون الخطيب بليغاً مراعياً لمقتضيات الأحوال بالعبارات الفصيحة الخالية عن التعقيد، عارفاً بما جرى على المسلمين في الأقطار، سيّما قطره، عالماً بمصالح الإسلام و المسلمين، شجاعاً لا يلومه في اللَّه لومة لائم، صريحاً في إظهار الحقّ و إبطال الباطل حسب المقتضيات و الظروف، مراعياً لما يوجب تأثير كلامه في النفوس؛ من مواظبة أوقات الصلوات، و التلبّس بزيّ الصالحين و الأولياء، و أن يكون أعماله موافقاً لمواعظه و ترهيبه و ترغيبه، و أن يجتنب عمّا يوجب وهنه و وهن كلامه؛ حتّى كثرة الكلام و المزاح و ما لا يَعني. كلّ ذلك إخلاصاً للَّه تعالى و إعراضاً عن حُبّ الدنيا و الرئاسة- فإنّه رأس كلّ خطيئة- ليكون لكلامه تأثير في النفوس (1).


1- الوجه فيما ذكره- من أوّله إلى آخره ممّا ينبغي مراعاته للخطيب- هو ما أشار إليه في ذيل كلامه من تأثير كلام الخطيب في النفوس. و إلى بعض ما ذكره صرّح جماعة من فقهائنا؛ منهم العلّامة في «التذكرة»، قال: «يستحبّ أن يكون الخطيب بليغاً ليأتي بالألفاظ الناصّة على التخويف و الإنذار، مواظباً على الصلوات ليكون وعظه أبلغ في القلب، حافظاً لمواقيت الفرائض»(تذكرة الفقهاء 4: 83.) و صاحب «الجواهر» بعد حكاية كلام «نهاية الإحكام»: «بحيث لا يكون مؤلّفة من الكلمات المبتذلة؛ لأنّها لا تؤثّر في القلوب، و لا من الكلمات الغريبة الوحشية؛ لعدم انتفاع أكثر الناس بها، بل تكون قريبة من الأفهام ناصّة على التخويف و الإنذار»، قال مزجاً بالمتن: و أن يكون مواظباً على الصلوات في أوّل أوقاتها، و على الائتمار بما امر به و الانزجار عمّا نهي عنه، ليكون له وقع في النفوس، فتكون موعظته أوقع في القلوب(جواهر الكلام 11: 329.)، انتهى.

ص: 171

و يستحبّ له أن يتعمّم في الشتاء و الصيف، و يتردّى ببرد يمني أو عدني، و يتزيّن، و يلبس أنظف ثيابه متطيّباً، على وقار و سكينة، و أن يسلّم إذا صعد المنبر، و استقبل الناس بوجهه، و يستقبلونه بوجوههم، و أن يعتمد على شي ء من قوس أو عصا أو سيف، و أن يجلس على المنبر أمام الخطبة حتّى يفرغ المؤذّنون (1).


1- هذه المستحبّات كلّها إجماعي و منصوص، نذكر نصوصها بترتيب ذكرها في المتن: ففي موثّق سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس أن يلبس عمامة في الشتاء و الصيف، و يتردّى ببرد يمنية أو عدني»(وسائل الشيعة 7: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 24، الحديث 1.) و صحيح هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «ليتزيّن أحدكم يوم الجمعة يغتسل و يتطيّب و يسرّح لحيته و يلبس أنظف ثيابه و ليتهيّأ للجمعة، و ليكن عليه في ذلك اليوم السكينة و الوقار، و ليحسن عبادة ربّه، و ليفعل الخير ما استطاع؛ فإنّ اللَّه يطّلع إلى الأرض ليضاعف الحسنات»(وسائل الشيعة 7: 395، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 47، الحديث 2.) و مرفوع عمرو بن جميع، رفعه عن علي عليه السلام قال: «من السنّة إذا صعد الإمام المنبر أن يسلّم إذا استقبل الناس»(وسائل الشيعة 7: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 28، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «كلّ واعظ قِبلةٌ، و كلّ موعوظ قبلة للواعظ؛ يعني في الجمعة و العيدين و صلاة الاستسقاء في الخطبة يستقبلهم الإمام و يستقبلونه حتّى يفرغ من خطبته»(وسائل الشيعة 7: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 53، الحديث 3.) و صحيح عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة، و ليلبس البرد و العمامة، و يتوكّأ على قوس أو عصا، و ليقعد قعدةً بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة، و يقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 5.) و صحيح عبد اللّه بن ميمون، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام، قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتّى يفرغ المؤذّنون»(وسائل الشيعة 7: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 28، الحديث 2.)

ص: 172

ص: 173

(مسألة 15): قد مرّ اعتبار الفاصلة بين الجمعتين بثلاثة أميال،

فإن اقيمت جمعتان دون الحدّ المعتبر، فإن اقترنتا بطلتا جميعاً، و إن سبقت إحداهما و لو بتكبيرة الإحرام بطلت المتأخّرة؛ سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة أم لا، و صحّت المتقدّمة؛ سواء علم المصلّون بلحوق جمعة أم لا.

و الميزان في الصحّة: تقدّم الصلاة لا الخطبة، فلو تقدّم إحدى الجمعتين في الخطبة و الاخرى في الصلاة، بطلت المتأخّرة في الشروع في الصلاة (1).


1- قد مرّ في البحث عن «القول في شرائط صلاة الجمعة»: أنّ الشرط الرابع أن لا يكون هناك جمعة اخرى و بينهما دون ثلاثة أميال، و ذكرنا هناك دليل المسألة مفصّلًا. فلو كانت هناك جمعة اخرى و كان بينهما دون ثلاثة أميال، فإن اقترنتا- أي اقيمتا مقترنتين- بطلتا جميعاً، بلا خلاف معتدّ به؛ و ذلك لانتفاء شرط صحّتهما حين انعقادهما، و عدم المقتضي لصحّة إحداهما، فتبطلان جميعاً، من غير فرق بين علم كلّ فريق بالآخر و عدمه، كما هو مقتضى إطلاق الفتاوى و الإجماعات. مع أنّ الأحكام الوضعية ليست كالأحكام التكليفية في التقييد بالعلم و الالتفات، هذا. مضافاً إلى أنّ النهي الوارد في صحيح محمّد بن مسلم: «لا تكون جمعة إلّا فيما بينه و بين ثلاثة أميال»(وسائل الشيعة 7: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 1.)، و موثّقة: «و لا يكون بين الجماعتين أقلّ من ثلاثة أميال»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 7، الحديث 2.) لبيان الشرطية، بل هو نفي في الحقيقة. فعلى هذا: لو اقترنت الجمعتان في أقلّ من الحدّ المعتبر بطلتا- و إن وقعتا نسياناً أو من غير التفات- كما هو مقتضى الشرطية. و لا سبيل إلى الحكم بصحّتهما، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر. و نسب إلى بعض متأخّري المتأخّرين صحّة الصلاتين كلتيهما مع عدم علم كلّ فريق بالآخر؛ و ذلك لاستحالة تكليف الغافل على الإعادة، و عدم ثبوت اعتبار الفصل بينهما بثلاثة أميال في صورة عدم علم كلّ فريق بالآخر. و فيه: أنّ الفرق بين العالم و غيره ثابت في الأحكام التكليفية دون الوضعية. هذا كلّه فيما لو اقترنت الجمعتان. و أمّا فيما لم تقترنا- بأن سبقت إحداهما على الاخرى- تصحّ السابقة و تبطل المتأخّرة؛ و ذلك لأنّ السابقة انعقدت صحيحةً فتستصحب صحّتها، بخلاف المتأخّرة فإنّها فاقدة لشرط صحّتها حين انعقادها؛ سواء كان المصلّون عالمين بسبق جمعة على صلاتهم، أم لا. و في «الجواهر»: «بل لا فرق فيه بين علم المصلّين عند عقدها أنّ اللاحقة ستوقع و عدمه، أو أنّ جمعة تعقد هناك إمّا لاحقة أو غيرها و عدمه، و لا بين علم مصلّي اللاحقة أنّ جمعة سبقتها أو تعقد هناك و عدمه، و لا بين تعذّر الاجتماع و التباعد عليهما أو على أحدهما علم به الآخرون أو لا و عدمه»(جواهر الكلام 11: 248.) ، انتهى. ثمّ إنّ المعيار في الاقتران و السبق هو الشروع في الصلاة- و لو بتكبيرة الإحرام- لا الشروع في الخطبة؛ و ذلك لانصراف الجمعة في الأخبار إلى خصوص الصلاة. و قد مرّ مراراً أنّ التعبير في الروايات عن الخطبة بالصلاة تجوّز.

ص: 174

ص: 175

(مسألة 16): الأحوط عند إرادة إقامة جمعة في محلٍّ، إحرازُ أن لا جمعة هناك-

دون الحدّ المقرّر- مقارنة لها أو منعقدة قبلها؛ و إن كان الأشبه جواز الانعقاد و صحّة الجمعة؛ ما لم يُحرز انعقاد جمعة اخرى مقارنة لها أو مقدّمة عليها، بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اخرى و شكّ في مقارنتها أو سبقها (1).


1- وجه الاحتياط في إحراز انتفاء الجمعة الاخرى عند إرادة إقامة جمعة في محلّ هو: أنّه مع عدم الإحراز يحتمل سبق الجمعة الاخرى على جمعتهم أو مقارنتها إيّاها، و معه لا يحصل العلم بامتثال التكليف، بل لا يحصل الجزم بالنية؛ لكون صلاته في معرض البطلان. و الأشبه جواز الانعقاد و صحّة الجمعة ما لم يحرز انعقاد جمعة اخرى مقارنة لها أو مقدّمة عليها؛ لأنّ المانع هو حصول العلم أو الظنّ المعتبر على انعقاد جمعة اخرى، دون الحدّ المعتبر مقارنة لها أو مقدّمة عليها، و المفروض عدم حصول المانع المزبور؛ فيكفي في صحّة الجمعة عدم العلم و الظنّ المعتبر بكونها مقارنة للجمعة الاخرى أو مقدّمة عليها. بل الظاهر جواز الانعقاد لو علم بانعقاد اخرى و شكّ في مقارنتها أو سبقها؛ و ذلك لعدم إحراز المانع- أعني مقارنة الاخرى أو تقدّمها- علماً أو ظنّاً معتبراً.

ص: 176

(مسألة 17): لو علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اخرى،

و احتمل كلّ من الجماعتين السبق و اللحوق، فالظاهر عدم وجوب الإعادة عليهما- لا جمعةً و لا ظهراً- و إن كان الوجوب أحوط. و يجب على الجماعة- التي لم يحضروا الجُمعتين- إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة، إحرازُ بطلان الجُمعتين المتقدّمتين، و مع احتمال صحّة إحداهما لا يجوز إقامة جُمعة اخرى (1).


1- وجه عدم وجوب الإعادة عليهما- لا جمعة و لا ظهراً- فيما علموا بعد الفراغ من الصلاة بعقد جمعة اخرى- مع احتمال كلّ من الجماعتين أنّه السابق و أنّ الآخر هو اللاحق- هو الاستصحاب، و أنّ كلًاّ من الجماعتين قد دخلوا في الجمعة الواجدة لشرائط الصحّة، من غير إحراز المانع إلى أن فرغوا منها. و العلم بعد الفراغ منها بمجرّد عقد جمعة اخرى من غير إحراز مقارنتها بصلاتهم أو سبقها عليها، غير مانع. نعم، الأحوط الإعادة عليهما جمعة مع بقاء وقتها، و إلّا فظهراً؛ لاحتمال تحقّق المقارنة أو اللحوق في الواقع. و أمّا الجماعة التي لم يحضروا الجمعتين إذا أرادوا إقامة جمعة ثالثة وجب عليهم إحراز بطلان الجمعتين المتقدّمتين؛ إذ مع صحّة إحداهما- و لو احتمالًا- لا يجوز إقامة جمعة اخرى إجماعاً.

ص: 177

القول فيمن تجب عليه
(مسألة 1): يشترط في وجوبها امور:

التكليف، و الذكورة، و الحرّية، و الحضر، و السلامة من العمى و المرض، و أن لا يكون شيخاً كبيراً، و أن لا يكون بينه و بين محلّ إقامة الجُمعة أزيد من فرسخين، فهؤلاء لا يجب عليهم السعي إلى الجمعة لو قلنا بالوجوب التعييني، و لا تجب عليهم و لو كان الحضور لهم غير حرجي و لا مشقّة فيه (1).


1- لا خلاف في اشتراط وجوب صلاة الجمعة بالامور المذكورة في المتن، بل قد ادّعي في كلام جماعة الإجماع عليه، و حكي في «الجواهر» عن «المنتهى» و غيره الإجماع على اشتراط البلوغ، بل لعلّه من ضروريات المذهب أو الدين، كالعقل. و لا بأس بنقل كلام «المنتهى» في كلّ من المذكورات، قال: «إنّما تجب الجمعة على الذكور، فلا يتعلّق الوجوب بالمرأة، و هو قول كلّ من يحفظ عنه العلم. و الحرّية شرط، و هو مذهب علمائنا أجمع. و الحضر شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المسافر، ذهب إليه علماؤنا أجمع. و لا تجب الجمعة على الأعمى، ذهب إليه علماؤنا. و لا تجب على المريض، و هو مذهب علمائنا أجمع. و لا تجب على من بَعُد عن الجمعة بأزيد من فرسخين، ذهب إليه علماؤنا أجمع. و لا تجب على الشيخ الكبير، و هو مذهب علمائنا(منتهى المطلب 1: 321/ السطر 25.) ، انتهى كلام «المنتهى» ملخّصاً. و قيّد جماعة من فقهائنا «الشيخ الكبير» بالعاجز عن الحضور، أو بالذي لا حراك له، أو بالمزمن، أو بالبالغ حدّ العجز أو المشقّة الشديدة بواسطة الكبر. و في «الجواهر»: و لم أعرف الوجه في التقييد بذلك في خصوص هذا العذر، مع أنّ النصوص اطلقت، كغيره من الأعذار(جواهر الكلام 11: 264.)، انتهى. و يدلّ على اشتراط الامور المذكورة- مضافاً إلى الإجماع- صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما فرض اللَّه- عزّ و جلّ- على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واحدة فرضها اللَّه- عزّ و جلّ- في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.) و خطبة أمير المؤمنين عليه السلام في الجمعة، فقال: «الحمد للَّه الولي الحميد ...» إلى أن قال: «و الجمعة واجبة على كلّ مؤمن، إلّا على الصبي و المريض و المجنون و الشيخ الكبير و الأعمى و المسافر و المرأة و العبد المملوك و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 6.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد ذكر بعض الأخبار الدالّة على استثناء خمسة أو أربعة من كلّ مسلم وجبت عليه الجمعة، كخبر منصور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «الجمعة واجبة على كلّ أحد، لا يعذر الناس فيها إلّا خمسة: المرأة و المملوك و المسافر و المريض و الصبي»(وسائل الشيعة 7: 300، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 16.) ، و ما رواه الشهيد الثاني في «رسالة الجمعة» قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «الجمعة حقّ واجب على كلّ مسلم، إلّا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض»(وسائل الشيعة 7: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 24.) ، قال: إلى غير ذلك من النصوص التي لا ضرر في النقيصة فيها و الزيادة في المستثنى بعد تحكيم منطوق بعضها على مفهوم الآخر، أو تكلّف تداخل بعضها في بعض، على أنّه لا خلاف في أكثرها أو جميعها(جواهر الكلام 11: 258.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه رحمه الله نقل الخبر عن منصور بن يعقوب، و الظاهر أنّه اشتباه؛ إذ ليس منه أثر في كتب الرجال، و أنّه منصور بن حازم. ثمّ إنّ الفاقدين لشرائط وجوب الجمعة لا يجب عليهم السعي إليها لو قلنا بالوجوب التعييني في زمن الغيبة، فضلًا عن القول بالوجوب التخييري. و لا تجب عليهم و لو كان الحضور لهم غير حرجي و لا مشقّة فيه.

ص: 178

ص: 179

(مسألة 2): كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه، صحّت منهم و أجزأت عن الظهر،

(مسألة 2): كلّ هؤلاء إذا اتّفق منهم الحضور أو تكلّفوه، صحّت منهم و أجزأت عن الظهر (1)،


1- الفاقدون لشرائط وجوب الجمعة إذا اتّفق منهم الحضور لها حال كونها منعقدة بالواجدين للشرائط صحيحةً، أو تكلّفوا الحضور لها، أجزأتهم عن الظهر بلا خلاف. و في «المدارك»: «أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب»(مدارك الأحكام 4: 53.) و ذلك لأنّ الظاهر من أخبار السقوط و صريح الفتاوى و الإجماعات سقوط السعي إليها من ذوي الأعذار، لا الجمعة نفسها؛ فجاز لهم فعلها و تركها و إتيان الظهر. و في بعض الأخبار تصريح بالرخصة في ترك الجمعة لهم ما لم يحضروا، فلمّا حضروا وجبت الجمعة و تجزي عنهم. ففي رواية حفص بن غياث قال: سمعت بعض مواليهم سأل ابن أبي ليلى عن الجمعة، هل تجب على العبد و المرأة و المسافر؟ قال: لا. قال: فإن حضر واحد منهم الجمعة مع الإمام فصلّاها هل تجزيه تلك الصلاة عن ظهر يومه؟ قال: نعم. قال: و كيف يجزي ما لم يفرضه اللَّه عليه عمّا فرض اللَّه عليه ... إلى أن قال: فما كان عند أبي ليلى فيها جواب، و طلب إليه أن يفسّرها له، فأبى. ثمّ سألته أنا ففسّرها لي، فقال: الجواب عن ذلك: أنّ اللَّه- عزّ و جلّ- فرض على جميع المؤمنين و المؤمنات، و رخّص المرأة و العبد و المسافر أن لا يأتوها، فلمّا حضروا سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأوّل؛ فمن أجل ذلك أجزأ عنهم. فقلت عمّن هذا؟ قال: عن مولانا أبي عبد اللّه عليه السلام(وسائل الشيعة 7: 337، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 18، الحديث 1.)

ص: 180

و كذا كلّ من رُخّص له في تركها لمانع؛ من مطر، أو برد شديد، أو فقد رجل، و نحوها ممّا يكون الحضور معه حرجاً عليه. نعم لا تصحّ من المجنون، و صحّت صلاة الصبي. و أمّا إكمال العدد به فلا يجوز، و كذا لا تنعقد بالصبيان فقط (1).


1- يجوز ترك الجمعة لكلّ ما يوجب سقوط التكليف، من ضرر أو مشقّة لا تتحمّل عادةً، أو معارضة واجب أهمّ. ففي «المبسوط»: «من تجب عليه الجمعة يجوز له أن يتركها لعذر في نفسه أو أهله أو قرابته أو أخيه في الدين، مثل أن يكون مريضاً يهتمّ بمراعاته، أو ميّتاً يقوم على دفنه و تجهيزه، أو ما يقوم مقامه»(المبسوط 1: 146.) و في «المنتهى»: «و يسقط مع كلّ عذر يتعذّر معه الفعل؛ لأنّ فيه مشقّة، فكان الوجوب ساقطاً. فلو مرض له قريب و خاف موته جاز له الاعتناء به و ترك الجمعة، و لو لم يكن قريباً و كان معيناً به جاز له ترك الجمعة إذا لم يقم غيره مقامه، و لو كان عليه دين يخاف معه من الحضور و هو غير متمكّن سقطت عنه، و لو تمكّن لم يكن عذراً، و لو كان عليه حدّ قذف أو شرب أو غيرها لم يجز له الاستتار عن الإمام لأجله و ترك الجمعة»(منتهى المطلب 1: 324/ السطر 2.) و في «نهاية الإحكام»: «يجوز له تركها إذا اشتغل بجهاز ميّت أو مريض أو حبس بباطل أو حقّ عجز عنه أو خاف على نفسه أو ماله أو بعض إخوانه لو حضر ظالماً أو لصّاً أو مطراً أو وحلًا شديداً أو حرّاً أو برداً شديدين أو ضرباً أو شتماً»(انظر جواهر الكلام 11: 263، نهاية الإحكام 2: 42- 43.)، انتهى. و قد ورد في بعض الروايات تركها في المطر، كما في صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «لا بأس أن تدع الجمعة في المطر»(وسائل الشيعة 7: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 23، الحديث 1.) و صاحب «الحدائق» بعد حكاية إلحاق الوحل و الحرّ و البرد الشديدين بالمطر إذا خاف الضرر معها عن العلّامة، قال: «و لا بأس به؛ تفصّياً من لزوم الحرج المنفي بالآية و الرواية. و أمّا ما لم يخف معه الضرر فيشكل إلحاقه بالمطر؛ لعدم صدقه عليهما»(الحدائق الناضرة 10: 151.)، انتهى. ثمّ إنّ الجمعة لا تصحّ من المجنون؛ لعدم تحقّق القصد منه. و أمّا الصبي فتصحّ منه فيما إذا انعقدت بالواجدين لشرائط انعقادها، فلا تنعقد فيما كان الصبي مكمّلًا للعدد، فضلًا عمّا كان تمام العدد صبياناً و لم يكن نصاب غيرهم.

ص: 181

ص: 182

(مسألة 3): يجوز للمسافر حضور الجمعة،

و تنعقد منه و تجزيه عن الظهر، لكن لو أراد المسافرون إقامتها- من غير تبعية للحاضرين- لا تنعقد منهم، و تجب عليهم صلاة الظهر، و لو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامتها، و لا يجوز أن يكون المسافر مكمّلًا للعدد (1).


1- الوجه في جواز حضور الجمعة للمسافر و انعقادها منه و إجزائها عن الظهر، هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا. و يدلّ عليه الخبر الدالّ على أفضلية الجمعة للمسافر، عن سماعة، عن جعفر بن محمّد الصادق، عن أبيه عليهما السلام أنّه قال: «أيّما مسافر صلّى الجمعة رغبةً فيها و حبّاً لها أعطاه اللَّه- عزّ و جّل- أجر مائة جمعة للمقيم»(وسائل الشيعة 7: 339، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 19، الحديث 2.) . و ضعف سند الرواية منجبر بالإجماع. فمتى جازت أجزأت. و صاحب «الجواهر»- بعد نقل هذه الرواية في مقام دفع توهّم كون الجمعة مندوبة من المسافر- قال: «و قد حكي الإجماع على عدم وقوع الجمعة مندوبة، بل متى جازت أجزأت و كانت أحد الفردين، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه»(جواهر الكلام 11: 268.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ ذوي الأعذار- منهم المسافر- لا تسقط منهم الجمعة، بل الساقط منهم هو وجوب السعي و الحضور، و أنّهم إذا حضروا صحّت منهم و أجزأت عن الظهر، كما تقدّم. و لكن الظاهر من بعض الأخبار سقوط الجمعة نفسها عن المسافر: منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه و الفضيل بن يسار جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ليس في السفر جمعة و لا فطر و لا أضحى»(وسائل الشيعة 7: 338، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 19، الحديث 1.) و منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال لنا: «صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و أجهروا بالقراءة»، فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر، فقال: «أجهروا بها»(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 6.) و منها: صحيح جميل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر؟ فقال: «يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 8.) و منها: صحيح آخر لمحمّد بن مسلم، قال: سألته عن صلاة الجمعة في السفر؟ فقال عليه السلام: «تصنعون كما تصنعون في الظهر، و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، و إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(وسائل الشيعة 6: 162، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 9.) و حمل الشيخ رحمه الله ترك الإمام الجهر بالقراءة على التقية و الخوف. و صاحب «الجواهر» رحمه الله أجاب عن الروايات المذكورة بقوله: «لكن يمكن إرادة الرخصة من الأمر الوارد في مقام توهّم الحظر و نفي التعيين من الصحيح الأوّل، و إرادة عقد جمعة للمسافرين بناءً على عدم جوازه- كما ستسمع- لا دخولهم تبعاً، و الحمل على التقية بقرينة النهي عن الجهر، و غير ذلك»(جواهر الكلام 11: 270.)، انتهى. ثمّ إنّه اختلف فقهاؤنا في انعقاد الجمعة بالمسافرين و عدمه: ذهب جماعة إلى عدم انعقادها بهم، و هذا القول هو المختار لما سننقله عن صاحب «الجواهر». ففي «المبسوط»: «و من لا تجب عليه و لا تنعقد به فهو الصبي و المجنون و العبد و المسافر و المرأة، فهؤلاء لا تجب عليهم و لا تنعقد بهم»(المبسوط 1: 143.) و في «المختلف» بعد نقل القول بالمنع عن الشيخ في «المبسوط» و «الوسيلة»، قال: «و هو الأقرب»(مختلف الشيعة 2: 246.) و في «كشف اللثام» بعد نقل القول بالمنع عن «المبسوط» و «الوسيلة» و «الإصباح» و «المختلف» ذكر دليلهم بقوله: «لأنّ الاعتداد بالعبد يوجب التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، و هو قبيح. و لا فارق من الأصحاب بينه و بين المسافر، مع أنّها لو انعقدت بالمسافر تعيّن عليه؛ لأنّ العدد إن اجتمعوا مسافرين انعقدت بهم، و إذا انعقدت وجبت»(كشف اللثام 4: 280.)، انتهى. و ذهب جماعة إلى انعقادها بهم؛ منهم ابن إدريس في «السرائر»، و الشيخ في «الخلاف»، و ابن زهرة في «الغنية»، و المحقّق في «المعتبر» و «الشرائع»، و العلّامة في «التذكرة» و «المنتهى» و «الإرشاد»، و النراقي في «مستند الشيعة». و اختاره «كاشف اللثام» حيث إنّه- بعد اختيار القول بوجوبها للفاقدين للشروط العشرة مع حضورهم- قال: «و لمّا وجبت عليهم انعقدت بهم، كما في «الغنية» و «السرائر» و «الشرائع»؛ لعموم الأدلّة، إلّا غير المكلّف للصغر أو الجنون و المرأة و العبد- على رأي- فلا تجب عليهم عيناً و لا تنعقد بهم. أمّا الانعقاد بمن عداهم، فكأنّه لا خلاف فيه، إلّا الهمّ الذي لا حراك به»(كشف اللثام 4: 277.)، انتهى. و صاحب «الجواهر» بعد حكاية القول بانعقادها بالمسافر و العبد عن «الخلاف» و «السرائر» و «المعتبر» و «المنتهى» و «الإرشاد» و «التلخيص» و غيرها، و تقوية هذا القول، خصوصاً بناءً على أنّ الساقط عنهم السعي إليها لا الجمعة، فيشملهم- حينئذٍ- نصوص الانعقاد بالسبعة و نحوهم، بل مقتضاها- حينئذٍ- تعيّن العقد عليهم، قال: «إلّا أنّه يقوى في النظر تخييرهم في ذلك؛ للأصل، و ظهور خبر حفص في حضور الجمعة المنعقدة بغيرهم، و ظهور نصّ السبعة- مثلًا- في إرادته من حيث العدد، لا أيّ عدد كان. بل قد ينقدح من ذلك الإشكال في أصل العقد بهم؛ لعدم دليل صالح عليه، و الوجوب حال الحضور أعمّ من العقد»(جواهر الكلام 11: 275.)، انتهى. بقي هنا أمران: الأوّل: أنّ المسافرين لو قصدوا الإقامة جازت لهم إقامة الجمعة، و كذا لو كانوا كثير السفر أو العاصين بسفرهم أو المقيمين ثلاثين يوماً متردّدين؛ و ذلك لأنّ المانع من إقامتها هو السفر الموجب للقصر. و أمّا المسافرون في الأماكن الأربعة فلا تتعيّن عليهم الجمعة؛ لكونهم مخيّرين بين القصر و الإتمام، فجازت لهم إقامتها و تركها. الثاني: أنّه لا يجوز أن يكون المسافر الواجب عليه التقصير أن يكون مكمّلًا للعدد؛ لكونه فاقداً لشرط انعقادها؛ و هو الحضر و ما في حكمه.

ص: 183

ص: 184

ص: 185

ص: 186

(مسألة 4): يجوز للمرأة الدخول في صلاة الجمعة، و تصحّ منها،

و تُجزيها عن الظهر إن كان عدد الجمعة- أي خمسة نفر- رجالًا، و أمّا إقامتها للنساء، أو كونها من جملة الخمسة، فلا تجوز، و لا تنعقد إلّا بالرجال (1).


1- إذا انعقدت الجمعة بخمسة نفر من الرجال جاز للمرأة الدخول فيها و صحّت منها و أجزأت عن الظهر. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة- بعض الروايات: ففي صحيح أبي همام- هو إسماعيل بن همام عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ميمون البصري، ثقة- عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إذا صلّت المرأة في المسجد مع الإمام يوم الجمعة الجمعة ركعتين فقد نقصت صلاتها، و إن صلّت في المسجد أربعاً نقصت صلاتها، لتصلّ في بيتها أربعاً أفضل»(وسائل الشيعة 7: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 22، الحديث 1.) وجه الدلالة: أنّ المراد من نقص جمعتها نقص فضيلتها بالنسبة إلى صلاتها في بيتها أربعاً، فجمعتها مجزية و لكنّها ناقصة فضيلةً. و رواية حفص بن غياث المتقدّمة: «و رخّص للمرأة و العبد و المسافر أن لا يأتوها، فلمّا حضروا سقطت الرخصة و لزمهم الفرض الأوّل، فمن أجل ذلك أجزأ عنهم»(وسائل الشيعة 7: 337، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 18، الحديث 1.) و قال جماعة من فقهائنا بالوجوب على المرأة لو حضرت كالشيخين في «المقنعة» و «النهاية» و ابن إدريس في «السرائر». و أمّا إقامتها لها و كونها من جملة الخمسة فلا تجوز. و لا تنعقد إلّا بالرجال إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: «لا تكون الخطبة و الجمعة و صلاة ركعتين على أقلّ من خمسة رهط: الإمام و أربعة»(وسائل الشيعة 7: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 2.) و صحيح آخر لزرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: على من تجب الجمعة؟ قال: «تجب على سبعة نفر من المسلمين، و لا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين، أحدهم الإمام، فإذا اجتمع سبعة و لم يخافوا أمّهم بعضهم و خطبهم»(وسائل الشيعة 7: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 4.) و صحيح ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تكون جمعة ما لم يكن القوم خمسة»(وسائل الشيعة 7: 305، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 2، الحديث 8.) وجه الاستدلال بهذه الصحاح: أنّ «الرهط»- على ما في الصحاح- عبارة عن ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة. و أنّ «القوم» عبارة عن الرجال دون النساء. و «النفر»- بالتحريك- عدّة رجال من ثلاثة إلى عشرة. و صاحب «الجواهر» نسب الإجماع على عدم انعقادها بالمرأة إلى «التذكرة» و غيرها، ثمّ قال: «بل يمكن تحصيله. مع اختصاص الرهط و النفر و القوم- بل و الخمسة و السبعة- لتذكير المميّز في نصوص العقد بغيرها»(جواهر الكلام 11: 277.)، انتهى.

ص: 187

ص: 188

(مسألة 5): تجب الجمعة على أهل القُرى و السواد،

كما تجب على أهل المدن و الأمصار مع استكمال الشرائط، و كذا تجب على ساكني الخيم و البوادي إذا كانوا قاطنين فيها (1).


1- وجه وجوب الجمعة على أهل السواد- أي القرى- مع استكمال الشرائط امور: الأوّل: الشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً، بل الإجماع بقسميه عليه. الثاني: العمومات الدالّة على وجوب الجمعة على الناس، أو على كلّ مؤمن، أو على كلّ مسلم، أو على كلّ أحد. و عمومها يشمل أهل السواد، كأهل المدن و الأمصار. الثالث: خبر الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا كان قوم (القوم) في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمسة نفر، و إنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 306، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 3، الحديث 2.) و صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن اناس في قرية هل يصلّون الجمعة جماعة؟ قال: «نعم (و) يصلّون أربعاً إذا لم يكن من يخطب»(وسائل الشيعة 7: 306، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 3، الحديث 1.) . هذا الصحيح يدلّ صدره بالمنطوق و ذيله بالمفهوم على المطلوب. و في بعض الأخبار دلالة على عدم وجوب الجمعة لأهل القرى، كما في خبر طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «لا جمعة إلّا في مصر تقام فيه الحدود»(وسائل الشيعة 7: 307، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 3، الحديث 4.) . و خبر حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: «ليس على أهل القرى جمعة، و لا خروج في العيدين». و لكنّهما ضعيفان سنداً، و موافقان لمذهب أبي حنيفة. و كذا تجب الجمعة على ساكني الخيم و البوادي إذا كانوا متوطّنين فيها؛ للعمومات المذكورة السالمة عن ورود المخصّص لها، سوى ما وضعها عن التسعة المعهودة.

ص: 189

(مسألة 6): تصحّ الجمعة من الخُنثى المُشكل، و لا يصحّ جعله إماماً أو مكمّلًا للعدد،

فلو لم يكمل إلّا به لا تنعقد الجمعة، و تجب الظهر (1).


1- قد وقع الخلاف بين فقهائنا في وجوب الجمعة على الخنثى. الظاهر من بعض النصوص وجوبها عليه، حيث إنّه اكتفي فيه باستثناء جماعة منهم خصوص المرأة ممّن تجب عليه الجمعة، كما في صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّما فرض اللَّه- عزّ و جلّ- على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً و ثلاثين صلاة؛ منها صلاة واحدة فرضها اللَّه- عزّ و جلّ- في جماعة، و هي الجمعة، و وضعها عن تسعة: عن الصغير و الكبير و المجنون و المسافر و العبد و المرأة و المريض و الأعمى و من كان على رأس فرسخين»(وسائل الشيعة 7: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و من الواضح: أنّ الخنثى لا يصدق عليه أنّه امرأة؛ فيدخل في المستثنى منه. و إلى هذا القول ذهب الشهيد الثاني في «الروض» و النراقي في «مستند الشيعة». و هو المتّجه عند صاحب «الجواهر»(جواهر الكلام 11: 258.) ، قال: «نعم قد يقال بأنّ الظاهر من النصوص سقوطها عن المرأة، و لعلّه المراد من الفتاوى و معاقد الإجماعات. قال في «التذكرة»: الذكورة شرط، فلا تجب على المرأة إجماعاً. و لعلّه مراد غيره أيضاً. فيتّجه حينئذٍ وجوبها على الخنثى المشكل- سواء قلنا بالواسطة في الواقع، أو لا- للعموم الذي يدخل فيه المشتبه صدق الخاصّ عليه، بناءً على عدم كونه مقسماً للعامّ، و أنّه لم يؤخذ في مفهومه عدم الخاصّ كي يكون مجملًا بالنسبة إلى الفرض؛ فيتمسّك فيه بأصالة البراءة، انتهى كلام صاحب «الجواهر». و ذهب جماعة إلى عدم وجوبها على الخنثى؛ لاحتمال كونها امرأة، و الأصل براءة الذمّة و عدم التكليف حتّى يثبت بالدليل. و اورد عليهم: بأنّ مقتضى الدليل المذكور عدم وجوب الظهر عليه أيضاً؛ لاحتمال كونه رجلًا. و اجيب عن هذا الإيراد: بأنّ الظهر هو الأصل؛ لأنّ الجمعة مشروطة بالذكورة و غيرها من الشروط، و الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، و الظهر واجب على المكلّفين إلّا من اجتمع فيه شرائط الجمعة. و لأنّ الواجب أوّلًا كان الظهر، ثمّ تغيّر إلى الجمعة بالنسبة إلى من اجتمع شروطها. و أشكل الأمر على صاحب «الحدائق» و جماعة. و التحقيق: أنّ الظاهر من الصحاح المتقدّمة و إن كان وجوب الجمعة على الخنثى من حيث إنّ متعلّق الحكم فيها عبارة عن الناس أو كلّ مسلم أو كلّ أحد، و هذه العناوين صادقة على الخنثى بلا إشكال. لكنّ المراد من هذه العناوين خصوص الرجال، بقرينة ذكر ألفاظ في بيان متعلّق الحكم دالّة على الرجال، كلفظ «رهط» و «نفر» و «قوم»، و قد نقلنا سابقاً عن صحاح اللغة في معانيها: إنّها عبارة عن الرجال. و قد يقال بالفرق بين كون الذكورية شرطاً، و بين جعل المرأة مستثناة ممّن وجبت عليه الجمعة؛ فإنّ مقتضى شرطية الذكورية الرجوع إلى البراءة لدى الشكّ في تحقّقها، و مقتضى جعل المرأة مستثناة الاقتصار في رفع اليد عن الحكم الثابت بالعموم على الأفراد التي علم كونها انثى. فالخنثى حيث لم يعلم كونه انثى يدخل تحت العموم. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بعدم جواز التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقية، و أنّ المرجع هي الاصول العملية، و قضية الأصل فيه الاحتياط بالجمع بين الجمعة و الظهر، لو قيل بعدم صحّة الجمعة من المرأة، و لو قيل بصحّتها و إجزائها عن الظهر لها لو تكلّفت الحضور فمقتضى الأصل البراءة(مصباح الفقيه، الصلاة: 452/ السطر 3.) و فيه: أنّ عدم جواز التمسّك بالعمومات مسلّم في الشبهات المصداقية للعامّ، لا في مثل ما نحن فيه- من كون المشتبه من قبيل الشبهة المصداقية للخاصّ، بناءً على جعل المرأة مستثناة ممّن وجبت عليه الجمعة- و لذلك تمسّك به صاحب «الجواهر»، كما نقلناه عنه.

ص: 190

ص: 191

ص: 192

القول في وقتها
(مسألة 1): يدخل وقتها بزوال الشمس،
اشارة

فإذا زالت فقد وجبت، فإذا فرغ الإمام من الخطبتين عند الزوال فشرع فيها صحّت. و أمّا آخر وقتها بحيث تفوت بمُضيّه ففيه خلاف و إشكال، و الأحوط عدم التأخير عن الأوائل العرفية من الزوال، و إذا اخّرت عن ذلك فالأحوط اختيار الظهر؛ و إن لا يبعد امتداده إلى قدمين من في ء المتعارف من الناس (1).


1- لا خلاف و لا إشكال في أنّ أوّل وقت صلاة الجمعة زوال الشمس، بل ادّعى جماعة من فقهائنا الإجماع عليه. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة: منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه و فضيل بن يسار جميعاً، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ من الأشياء أشياء موسّعة و أشياء مضيّقة؛ فالصلاة ممّا وسّع فيه؛ تقدّم مرّة و تؤخّر اخرى، و الجمعة ممّا ضيّق فيها، فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، و وقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 1.) و رواية مسمع أبي سيّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن وقت الظهر في يوم الجمعة في السفر؟ فقال: «عند زوال الشمس، و ذلك وقتها يوم الجمعة في غير السفر»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 2.) و صحيح زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ من الامور اموراً مضيّقة و اموراً موسّعة، و إنّ الوقت وقتان، و الصلاة ممّا فيه السّعة؛ فربّما عجّل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ربّما أخّر، إلّا صلاة الجمعة؛ فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقت واحد حين تزول، و وقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيّام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 3.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 11.) و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يصلّي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك، و يخطب في الظلّ الأوّل، فيقول جبرئيل: يا محمّد قد زالت الشمس فأنزل فصلّ، و إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين؛ فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 4.) و غيرها من روايات الباب. و إنّما الإشكال و الخلاف في آخر وقتها: نسب إلى الأكثر: أنّ وقتها يخرج إذا صار ظلّ كلّ شي ء مثله، و حكي عن غير واحد دعوى الشهرة عليه، بل عن «المنتهى» دعوى الإجماع عليه. و حكي عن ابن زهرة و أبي الصلاح: أنّ وقتها من الزوال بمقدار ما يتّسع للأذان و الخطبتين و صلاة الجمعة؛ ففي «الغنية» على ما حكي عنه: «و إذا فاتت الجمعة- بأن يمضي عن الزوال مقدار الأذان و الخطبة و صلاة الجمعة- لم يجز قضاؤها، و وجب أن تؤدّى ظهراً، كلّ ذلك بدليل الإجماع»(غنية النزوع 2: 91.) و عن ابن إدريس و الشهيد في «الدروس» و «البيان»: أنّه يمتدّ وقتها بامتداد وقت الظهر. و اختار هذا القول المحقّق الحائري رحمه الله في «صلاته»، و قال: و لعلّ هذا هو الأظهر؛ للأدلّة الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان، إلّا أنّ هذه قبل هذه ... إلى أن قال في ذيل كلامه: المستفاد من الأخبار: أنّ الصلاة في يوم الجمعة لمّا لم يكن قبلها نافلة ضيّق وقتها الذي ينبغي فعلها فيه- سواء أتى بها ركعتين مع الإمام مع وجود الشرائط، أم أتى أربع ركعات- بخلاف الظهر في سائر الأيام؛ فإنّه وسّع في وقتها التفصيلي؛ لمكان النافلة. كما يدلّ على هذا المضمون الأخبار المذكورة في بحث المواقيت، فلا دلالة فيها على تحديد الوقت بحيث تفوت الصلاة بفوته، فلا مانع من الأخذ بعموم الأخبار الواردة في باب الأوقات الدالّة على أنّه إذا زالت الشمس دخل الوقتان، ثمّ إنّه موسّع إلى أن تغرب الشمس، و تخصيصها بغير صلاة الجمعة ممّا لا أرى له وجهاً(الصلاة، المحقّق الحائري: 677- 679.) ، انتهى. و عن العلّامة في «التذكرة»: «آخر وقت الجمعة هو آخر وقت الظهر عند الأكثر، إلّا أنّ عندنا آخر وقت الظهر للإجزاء الغروب، و آخر وقت الفضيلة إذا صار ظلّ كلّ مثله. و المراد منه هذا الأخير، فلا تجوز الجمعة بعده»(تذكرة الفقهاء 4: 9.) ، انتهى. و استدلّ له بأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يصلّي دائماً بعد الزوال بلا فصل، فلو جاز التأخير ممّا حدّدناه لأخّرها في بعض الأوقات. و عن الجعفي- هو الشيخ أبو الفضل محمّد بن إبراهيم الجعفي الكوفي، المعروف في كتب الرجال بالصابوني و ابن المغافري، و بين الفقهاء بالجعفي و صاحب «الفاخر»، روى عنه الشيخ و النجاشي بواسطتين، و ابن قولويه و جماعة ممّن في طبقته بلا واسطة، و له كتب كثيرة؛ منها «الفاخر» المختصر من كتابه «تحبير الأحكام»- أنّ وقتها ساعة من النهار، أي ساعة من الزوال(انظر ذكرى الشيعة 4: 132.) و حكي عن المجلسيّين: أنّ وقتها من الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث قدمين(انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 430/ السطر 15.) و اختاره صاحب «الحدائق». و نفى عنه البعد المصنّف رحمه الله، و هو المختار. و استدلّ لقول الأكثر بالشهرة و الإجماع في كلام جماعة، و بما حكيناه عن العلّامة من أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يصلّي في ذلك الوقت. و يرد عليه: أنّ الشهرة- فضلًا عن الإجماع- غير ثابتة، و لم يثبت فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم الصلاة محدودة بذلك الحدّ، بحيث لم يكن الفعل زائداً عليه و لا ناقصاً عنه، و الثابت بالدليل فعله و شروعه الصلاة في أوائل الزوال، من غير إشارة إلى آخر وقتها أصلًا. و استدلّ للقول الثاني بالأخبار المستفيضة الدالّة بظاهرها على أنّ صلاة الجمعة من الواجبات المضيّقة: منها: صحيح ربعي بن عبد اللّه و فضيل بن يسار جميعاً، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم: «و الجمعة ممّا ضيّق فيها؛ فإنّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول»(وسائل الشيعة 7: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 1.) و صحيح زرارة المتقدّم: «فإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق، إنّما لها وقتٌ واحدٌ حين تزول»(وسائل الشيعة 7: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 3.) و رواية محمّد بن أبي عمر (عمير)، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: «نزل بها جبرئيل مضيّقة إذا زالت الشمس فصلّها» قال: قلت: إذا زالت الشمس صلّيت ركعتين ثمّ صلّيتها، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أمّا أنا فإذا زالت الشمس لم أبدأ بشي ء قبل المكتوبة»(وسائل الشيعة 7: 319، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 16.) و خبر عبد الأعلى بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إنّ من الأشياء أشياء مضيّقة ليس تجري إلّا على وجه واحد؛ منها وقت الجمعة، ليس لوقتها إلّا وقت واحد حين تزول الشمس»(وسائل الشيعة 7: 320، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 21.) و اجيب: بأنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الأخبار: أنّ صلاة الجمعة لمّا لم يكن قبلها نافلة ضيّق وقتها الذي ينبغي فعلها فيه. و لا دلالة فيها على تحديد وقتها بحيث تفوت الصلاة بفوته. و أيضاً: هذا التضييق لا يختصّ بخصوص صلاة الجمعة، بل هو يعمّ صلاة الظهر في يوم الجمعة لمن كان فرضه أربع ركعات؛ لعدم وجود شروط الجمعة فيه. و استدلّ للقول بامتداد وقتها بامتداد وقت الظهر بما حكاه النراقي في «مستند الشيعة»(انظر مستند الشيعة 4: 127.) عن القائلين بهذا القول؛ من أنّ صلاة الجمعة بدل عن الظهر؛ فكما أنّ صلاة الظهر يمتدّ وقتها إلى الوقت المختصّ بالعصر- بل إلى الغروب بالنسبة إلى من قدّم العصر لا عمداً- فكذا الجمعة. و فيه: أنّه لم يعهد في زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام و في سائر الأزمنة إلى زماننا هذا، إتيان صلاة الجمعة في أواخر الوقت، كصلاة الظهر في سائر الأيّام. و في «مصباح الفقيه»- بعد حكاية القول بامتداد وقتها بامتداد الظهر عن الشهيد و بعض من تأخّر عنه- قال: «و هو لا يخلو من وجه، و لكن يبعّده عدم معهوديته في الشريعة، فلو جاز فعلها في آخر الوقت لاتّفق حصوله أو التصريح بجوازه من النبي و أوصيائه عليه و عليهم السلام، و لو عند قدومهم من الأسفار أو حدوث بعض الأعذار أو الأمراض المانعة للإمام عن حضوره في أوّل الوقت، و لو اتّفق لنقل؛ فهذا يكشف عن عدم مشروعية التأخير»(مصباح الفقيه، الصلاة: 431/ السطر 27.) ، انتهى. و استدلّ لاختصاص الوقت بساعة من النهار ببعض الأخبار: كمرسل الصدوق قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة، فحافظ عليها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا يسأل اللَّه عبدٌ فيها خيراً إلّا أعطاه»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 13.) و صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أوّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا يسأل اللَّه- عزّ و جلّ- فيها عبد خيراً إلّا أعطاه اللَّه»(وسائل الشيعة 7: 320، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 19.) و المراد من «ساعة» الزمان اليسير الذي يحافظ فيه على الصلاة، و هو أوائل الوقت التي عبّر عنها المصنّف رحمه الله بالأوائل العرفية من الزوال، لا الساعة النجومية (ستّون دقيقة). و أمّا تحديد وقتها من الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث قدمين، فللأخبار الدالّة على أنّ وقت صلاة العصر في يوم الجمعة هو وقت صلاة الظهر في سائر الأيّام: منها: صحيح عبد اللّه بن مسكان (ابن سنان)، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت صلاة الجمعة عند الزوال، و وقت العصر يوم الجمعة وقت صلاة الظهر في غير يوم الجمعة، و يستحبّ التكبير بها»(وسائل الشيعة 7: 317، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 5.) و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «وقت الجمعة زوال الشمس، و وقت صلاة الظهر في السفر زوال الشمس، و وقت العصر يوم الجمعة في الحضر نحو من وقت الظهر في غير يوم الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 11.) و مرسل الصدوق، قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: «وقت صلاة الجمعة يوم الجمعة ساعة تزول الشمس، و وقتها في السفر و الحضر واحد، و هو من المضيّق، و صلاة العصر يوم الجمعة في وقت الاولى في سائر الأيّام»(وسائل الشيعة 7: 318، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 8، الحديث 12.) وجه الدلالة في هذه الأخبار هو: أنّ وقت الظهر في سائر الأيّام حين بلوغ الظلّ الحادث قدمين، و قبل ذلك الوقت- أي من حين الزوال إلى القدمين- وقت نافلة الظهر في سائر الأيّام؛ فإذا سقطت النافلة يوم الجمعة من حين الزوال إلى القدمين- مع كون وقت العصر يوم الجمعة حين بلوغ الظلّ الحادث قدمين- كان وقت صلاة الجمعة من الزوال إلى أن يبلغ الظلّ الحادث قدمين. و ببلوغ الظلّ قدمين يفوت وقت الجمعة و تجب الظهر. و صاحب «الحدائق» بعد ذكر أخبار المسألة- و أنّه تجب المبادرة إلى الجمعة في الزوال- قال: «و إنّ وقتها مضيّق بهذا الوقت؛ يعني يجب الشروع فيها بعد تحقّق الزوال بالإتيان بالأذان، ثمّ الخطبتين، ثمّ الركعتين حتّى يفرغ، لا فيه، كغيرها من الصلوات التي تقبل التأخير عن الأوّل. و هي صريحة في بطلان قولي الأكثر و ابن إدريس؛ فإنّ وقت صلاة العصر في ذلك اليوم هو وقت الظهر في سائر الأيّام؛ يعني بالنسبة إلى التطوّع. و قد تكاثرت الأخبار، و عليه بنيت هذه الأخبار بأنّ وقت الظهر في سائر الأيّام بعد القدمين، و أنّ اختزال القدمين من أوّل الظهر لمكان النافلة، كما تقدّم تحقيق ذلك في مبحث الأوقات. و أنت إذا ضممت هذه الأخبار بعضها إلى بعض، ظهر لك أنّ وقت الجمعة من أوّل الزوال إلى مضيّ قدمين، و متى خرج هذا المقدار خرج وقتها و وجب الإتيان بها ظهراً. و من هنا ثبت التضييق فيها و عدم الامتداد. و لا ينافي ذلك خبر الساعة؛ فإنّها تطلق عرفاً على الزمان القليل، و هو المراد هنا، لا الساعة النجومية أو الساعات التي ينقسم إليها النهار»(الحدائق الناضرة 10: 138.) ، انتهى كلامه، نقلناه بطوله لجودته.

ص: 193

ص: 194

ص: 195

ص: 196

ص: 197

ص: 198

ص: 199

ص: 200

(مسألة 2): لا يجوز إطالة الخطبة بمقدار يفوت وقت الجمعة إذا كان الوجوب تعيينيّاً،

فلو فعل أَثِم و وجبت صلاة الظهر، كما تجب الظهر في الفرض على التخيير أيضاً، و ليس للجمعة قضاء بفوت وقتها (1).


1- وجه عدم جواز إطالة الخطبة بمقدار يوجب فوت وقت الجمعة- بناءً على الوجوب التعييني- هو كون الإطالة موجبة لفوات الواجب في وقته عمداً، و هو حرام. و أمّا بناءً على الوجوب التخييري فلا إثم عليه، فما دام لم يدخل في الصلاة جازت له إطالة الخطبة حتّى يخرج الوقت، بل له قطع الخطبة و رفع اليد عنها و فعل الظهر. و الوجه في عدم وجوب القضاء للجمعة بفوات وقتها هو الإجماع بقسميه، و يظهر من «المدارك»: أنّه إجماعي الفريقين(انظر مدارك الأحكام 4: 14.) و قد يستدلّ ببعض الأخبار أيضاً: منها: صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة؟ قال: «يصلّي ركعتين؛ فإن فاتته الصلاة و لم يدركها فليصلّ أربعاً»، و قال: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، و إن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 3.) و صحيح عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة اخرى و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 5.) و غيرهما من روايات الباب. و فيه: أنّ هذه الروايات ليست مربوطة بمسألتنا، بل هي في صدد بيان مسألة اخرى، و هي: أنّه من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة، و من لم يدرك منها ركعة فليصلّ الظهر أربع ركعات، و ليس لهم إقامة جمعة ثانية بعد الجمعة الاولى.

ص: 201

(مسألة 3): لو دخلوا في الجمعة فخرج وقتها،

فإن أدركوا منها ركعة في الوقت صحّت، و إلّا بطلت على الأشبه، و الأحوط الإتمام جُمعة ثمّ الإتيان بالظهر. و لو تعمّدوا إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة، فإن قلنا بوجوبها تعييناً أثموا و صحّت صلاتهم، و إن قلنا بالتخيير- كما هو الأقوى- فالأحوط اختيار الظهر. بل لا يترك الاحتياط بإتيان الظهر في الفرض الأوّل أيضاً مع القول بالتخيير (1).


1- صحّة الجمعة فيما دخلوا فيها و خرج وقتها بعد إدراك ركعة في الوقت مشهورة بين فقهائنا شهرةً عظيمة كادت تكون إجماعاً. و يدلّ عليه العمومات الواردة في بحث الوقت، المصرّحة بأنّ من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت. و خصوص صحيح الفضل بن عبد الملك البقباق، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 2.) و صحيحه الآخر قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 6.) فالجمعة كسائر الواجبات اليومية في ذلك الحكم، و لا فرق فيه بين الإمام و المأموم. و ذهب جماعة من فقهائنا- منهم الشيخ و المحقّق و العلّامة في «القواعد»- إلى أنّه إذا دخلوا في الجمعة في الوقت- و لو بالتلبّس بالتكبير- فخرج وقتها صحّت. و علّلوه بأنّها استجمعت الشرائط و انعقدت صحيحة، فيجب إتمامها؛ للنهي عن إبطال العمل، كما إذا انفضّت الجماعة في الأثناء. ففي «التذكرة»: بقاء الوقت ليس شرطاً، فلو انعقدت الجمعة و تلبّس بالصلاة- و لو بالتكبير- فخرج الوقت قبل إكمالها، أتمّها جمعةً؛ إماماً كان أو مأموماً- و به قال مالك و أحمد- لأنّه دخل فيها في وقتها، فوجب إتمامها كسائر الصلوات، و لأنّ الوجوب يتحقّق باستكمال الشرائط، فلا يسقط مع التلبّس بفوات البعض كالجماعة. و قال الشافعي: تفوت الجمعة؛ حتّى لو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة، لكنّه يتمّها ظهراً؛ لأنّ ما كان شرطاً في ابتداء الجمعة كان شرطاً في جميعها، كسائر الشرائط. و ينتقض بالجماعة. و قال أبو حنيفة: لا يبنى عليها، و يستأنف الظهر؛ لأنّهما صلاتان مختلفتان، فلا تبنى إحداهما على الاخرى. و يرد على الشافعي لا علينا. و قال بعض الجمهور: إن أدرك ركعة في الوقت أدرك الجمعة، و إلّا فلا، و لا بأس به(تذكرة الفقهاء 4: 10- 11.) ، انتهى كلام «التذكرة». و اورد عليه: بأنّه لم يثبت تكليف بالجمعة مع قصور الوقت عن أدائها، فلا يحرم إبطال عمل غير مأمور به، خرج عنه من أدرك ركعة من الوقت. و نسب إلى بعض فقهائنا- كما حكاه في «الذكرى»- البطلان مطلقاً؛ حتّى فيما أدرك ركعة من الوقت. و فيه: أنّه مخالف للشهرة، و العمومات، و خصوص صحيحي البقباق المتقدّمتين، حيث إنّها دالّة على الصحّة فيما أدرك ركعة منها في الوقت. و وجه الاحتياط الاستحبابي في إتيان الظهر بعد إتمام الجمعة، فتوى بعض فقهائنا ببطلان الجمعة و وجوب الظهر. و لو تعمّدوا في التأخير إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة فعلى القول بالوجوب التعييني كانوا آثمين و صحّت صلاتهم. وجه كونهم آثمين: هو التأخير العمدي الموجب لفوت الوقت بالنسبة إلى ركعة من الصلاة. و وجه صحّة صلاتهم: ما ذكرناه من عمومات «من أدرك ركعة فقد أدرك الصلاة»(انظر وسائل الشيعة 4: 217- 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.) ، و خصوص صحيحي الفضل بن عبد الملك، حيث تشتمل على المتعمّد في التأخير أيضاً، هذا بناءً على القول بالوجوب التعييني. و أمّا على القول بالوجوب التخييري ففي الاكتفاء بالجمعة إشكال، ينشأ من أنّه مع إمكان إدراك تمام الوقت و وقوع تمام الفعل فيه بإتيان الظهر لا يجوز إتيان الجمعة مع إخلاء بعضها عن الوقت عمداً. فلا يترك الاحتياط باختيار الظهر في فرض المسألة- و هي صورة تعمّد التأخير إلى بقاء الوقت بمقدار ركعة- على القول بالوجوب التخييري. بل لا يترك الاحتياط على القول بالوجوب التخييري بإتيان الظهر أيضاً بعد الجمعة في الفرض الأوّل- أي فيما دخلوا في الجمعة و أدركوا ركعة منها من غير تعمّد في التأخير- أيضاً. و لعلّ وجه الاحتياط هو أنّ جواز الدخول في الجمعة- بناءً على القول بالوجوب التخييري- مبني على إحراز إدراك تمام الواجب في الوقت- و لو بالاستصحاب- قبل الدخول فيها، و إلّا فلا تكون الجمعة إحدى فردي الواجب التخييري. فمع إمكان إتيان أحد فردي الواجب التخييري بجميع أجزائه في الوقت- كالظهر- لا يجوز إتيان فرده الآخر مع وقوع بعض أجزائه خارج الوقت، كالجمعة في مفروض المسألة.

ص: 202

ص: 203

ص: 204

ص: 205

(مسألة 4): لو تيقّن أنّ الوقت يتّسع لأقلّ الواجب من الخطبتين و ركعتين خفيفتين،
اشارة

تخيّر بين الجمعة و الظهر، و لو تيقّن بعدم الاتّساع لذلك تعيّن الظهر، و لو شكّ في بقاء الوقت صحّت، و لو انكشف بعدُ عدم الاتّساع حتّى لركعة يأتي بالظهر، و لو علم مقدار الوقت و شكّ في اتّساعه لها يجوز الدخول فيها، فإن اتّسع صحّت، و إلّا يأتي بالظهر، و الأحوط اختيار الظهر، بل لا يترك في الفرع السابق مع الاتّساع لركعة (1).

هنا مسائل:
الاولى: لو تيقّن باتّساع الوقت لأقلّ الواجب من الخطبتين و ركعتين خفيفتين
الثانية: لو شكّ في بقاء الوقت وجبت الجمعة؛

1- - بل ركعة واحدة خفيفة على المشهور- فبناءً على القول بالوجوب التعييني وجبت الجمعة، بلا خلاف و لا إشكال. و الأحوط فعل الظهر بعد الجمعة فيما تيقّن باتّساعه للخطبتين الخفيفتين و ركعة خفيفة. و على القول بالوجوب التخييري يتخيّر بين الجمعة و الظهر. و مع اليقين بعدم الاتّساع لأقلّ الواجب من الخطبتين و ركعتين تعيّن الظهر على القول بالوجوب التخييري أيضاً. لأصالة بقاء الوقت و استصحاب وجوب الجمعة. و استشكل صاحب «المدارك» على جريان الاستصحاب: «بأنّ الواجب الموقّت يعتبر وقوعه في الوقت، فمع الشكّ فيه لا يحصل اليقين بالبراءة. و الاستصحاب هنا إنّما يفيد ظنّ البقاء، و هو غير كافٍ في ذلك»(مدارك الأحكام 4: 16.) و اورد عليه: أنّه لا مورد لإشكاله بعد البناء على كون الاستصحاب حجّة شرعية. و بنى على بقائه و أتى بالجمعة، و انكشف بعد إتيانها عدم اتّساع الوقت- حتّى لركعةٍ- فلا تجزي؛ لوقوعها خارج الوقت، و يأتي بالظهر لزوماً. فلا يجري الاستصحاب؛ لعدم اليقين سابقاً بالاتّساع حتّى يستصحب، بل هو مشكوك حين اليقين بمقدار الوقت، و مع ذلك يجوز الدخول فيها مع احتمال السعة؛ لعدم المانع من دخوله فيها؛ لأنّ المانع هو اليقين أو الظنّ المعتبر بعدم السعة، و المفروض عدم حصولهما. فإذا دخل فيها مع الاحتمال المزبور و اتّسع لها صحّت، و إلّا يأتي بالظهر. و صاحب «الجواهر»- بعد تقوية القول بجواز الدخول في الجمعة مع احتمال السعة- علّله بقوله: «لإطلاق الأدلّة، و استصحاب بقاء الخطاب الذي لا يقطعه إلّا العلم بالقصور. و السعة- لو سلّم أنّها شرط- فهي شرط للصحّة واقعاً، لا العلم بها سابقاً على العمل، فيدخل- حينئذٍ- في العمل، فإن طابق امتثل، و إن قصر انتقل إلى الظهر- مثلًا- و إن شكّ فالأقوى عدم الامتثال»(جواهر الكلام 11: 144.) ، انتهى. و الأحوط استحباباً اختيار الظهر في مفروض المسألة؛ أي فيما علم مقدار الوقت، و شكّ في اتّساعه مع وقوع الفعل- و لو ركعة- في الوقت. و لعلّ وجهه فتوى جماعة بوجوب وقوع تمام الجمعة في الوقت، كما مرّ. ثمّ إنّه لا وجه لوجوب الاحتياط من المصنّف رحمه الله في الفرع السابق- أي فيما لو شكّ في بقاء الوقت و دخل في الجمعة مع إدراك ركعة منها في الوقت- إذ مع قيام الحجّة الشرعية- أعني الاستصحاب- على بقاء الوقت لا مانع شرعاً من الدخول في الجمعة، بل وجب، بناءً على القول بالوجوب التعييني. نعم، الأحوط استحباباً إتيان الظهر بعد فعل الجمعة؛ لما ذكره صاحب «المدارك» من عدم حصول اليقين بالبراءة إلّا بوقوع تمام الواجب في وقته(مدارك الأحكام 4: 16.)

ص: 206

الثالثة: لو شكّ في بقاء الوقت،
الرابعة: لو علم مقدار الوقت و شكّ في اتّساعه للجمعة

ص: 207

(مسألة 5): لو صلّى الإمام بالعدد المعتبر في اتّساع الوقت، و لم يحضر المأموم-
اشارة

من غير العدد- الخطبةَ و أوّلَ الصلاة، و لكنّه أدرك مع الإمام ركعة، صلّى جُمعة ركعة مع الإمام، و أضاف ركعة اخرى منفرداً، و صحّت صلاته.

و آخِرُ إدراكِ الركعة إدراكُ الإمام في الركوع، فلو ركع و الإمام لم ينهض إلى القيام صحّت صلاته، و الأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات. و لو كبّر و ركع، ثمّ شكّ في أنّ الإمام كان راكعاً و أدرك ركوعه أولا، لم تقع صلاته جُمعة، و هل تبطل، أو تصحّ و يجب الإتمام ظهراً؟ فيه إشكال، و الأحوط إتمامها ظهراً ثمّ إعادتها (1).

هنا مسائل:
الاولى: لو انعقدت الجمعة بشروطها، و لم يحضر مَن سوى العدد المعتبر

1- الخطبةَ و أوّلَ الصلاة، و لكنّه أدرك مع الإمام ركعةً، صلّى جمعةً ركعة مع الإمام و أضاف ركعة اخرى منفرداً و صحّت صلاته، بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه فيما أدرك الإمام قبل تكبيره للركوع، و فيما أدرك ركوع الإمام خلاف سيجي ء في المسألة الثانية. و الدليل على إدراك الجمعة بإدراك ركعة هو الأخبار: منها: صحيح الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، فإن فاتته فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 2.) و صحيح أبي بصير و الفضل بن عبد الملك جميعاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة، و إن فاتته فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 4.) و صحيح عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة اخرى و اجهر فيها، فإن أدركته و هو يتشهّد فصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 5.) و صحيح ثالث للفضل بن عبد الملك، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 6.) و صحيح آخر لعبد الرحمن العرزمي، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «من أدرك الإمام يوم الجمعة و هو يتشهّد فليصلّ أربعاً، و من أدرك ركعة فليضف إليها اخرى يجهر فيها»(وسائل الشيعة 7: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 8.) و يظهر من بعض الأخبار اعتبار إدراك الخطبتين في صحّة الجمعة؛ فلا يجزي إدراك ركعتي الصلاة، فضلًا عن إدراك ركعة منها. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الجمعة لا تكون إلّا لمن أدرك الخطبتين»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 7.) و مقتضى الجمع بينه و بين الصحاح المتقدّمة حمله على الفضيلة. قال الشيخ في «التهذيب» بعد ذكر الصحيح المزبور: «المعنى في هذا الخبر: أنّه لا تكون جمعة فاضلة كاملة إلّا لمن أدرك الخطبتين»(تهذيب الأحكام 3: 243، ذيل الحديث 658.) ، انتهى. و يمكن حمل الصحيح على التقية؛ لموافقته مذهب جماعة من العامّة. بل لا بدّ من إدراكه قبل الركوع؛ بأن دخل في الصلاة حين تكبير الإمام للركوع؟ فيه خلاف بين أصحابنا: المشهور- شهرةً عظيمة- إجزاء إدراك الإمام في الركوع في إدراك الركعة و صحّة الجمعة. و يدلّ عليه عموم فقرتين من الروايات: الاولى: الأخبار الدالّة على استحباب إطالة الإمام ركوعه مثلي ركوعه إذا أحسّ بمن يريد الاقتداء به. كرواية الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أؤمّ قوماً، فأركع فيدخل الناس و أنا راكع، فكم أنتظر؟ فقال: «ما أعجب ما تسأل عنه يا جابر! انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا و إلّا فارفع رأسك»(وسائل الشيعة 8: 394، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 1.) و مرسل مروك بن عبيد، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إنّي إمام مسجد الحيّ، فأركع بهم و أسمع خفقان نعالهم و أنا راكع؟ فقال: «اصبر ركوعك، فإن انقطعوا (انقطع) و إلّا فانتصب قائماً»(وسائل الشيعة 8: 395، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 2.) . و ضعف سند الروايتين منجبر. الثانية: الأخبار الدالّة على أنّ من أدرك الإمام راكعاً فقد أدرك الركعة: منها: صحيح سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 1.) و صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن يركع فقد فاتتك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 2.) و رواية زيد الشحّام أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل انتهى في الإمام و هو راكع؟ قال: «إذا كبّر و أقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 3.) و سند الرواية ضعيف بمفضل بن صالح أبي جميلة؛ فإنّه و إن وقع في سند «كامل الزيارات» إلّا أنّه قد ضعّفه النجاشي. و رواية معاوية بن ميسرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا جاء الرجل مبادراً و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة و الركوع»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 4.) و لا يخفى: أنّ الروايات المذكورة بفقرتيها إذا انضمّت إلى الصحاح المتقدّمة- الدالّة على أنّ من أدرك ركعة فقد أدرك الجمعة- تفيد أنّ المراد من إدراك ركعة من الجمعة هو إدراك الإمام في الركعة الأخيرة، و لو في ركوعه. و صاحب «الجواهر»- بعد ذكر الروايات المذكورة- قال: «فهي- حينئذٍ- منضمّة إلى ما تقدّم ممّا دلّ على إدراك الجمعة بإدراك الركوع كافية في إثبات المطلوب»(جواهر الكلام 11: 148.) ، انتهى. و نسب إلى المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «النهاية» و «التهذيب» و «الاستبصار» و القاضي ابن البرّاج، اعتبار إدراك تكبير الركوع في إدراك الركعة. و لعلّ مستند هذا القول عموم بعض الأخبار الناهية عن الدخول في الركعة ما لم يدرك تكبير الركوع: منها: صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: قال لي: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام الركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 2.) و صحيحه الثالث عنه عليه السلام قال: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 3.) و صحيحه الرابع عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 4.) و فيه أوّلًا: أنّ نسبة القول باعتبار إدراك تكبير الركوع في إدراك الركعة إلى المفيد رحمه الله غير ثابتة، و «مقنعته» عن المنسوب إليه خالية، و أنّ الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» وافق قول المشهور. و حكي عن «مجمع البرهان»(انظر مجمع الفائدة و البرهان 2: 368، تهذيب الأحكام 3: 48، ذيل الحديث 166.) : أنّ الشيخ في مسألة استحباب تطويل الإمام في الركوع للحوق المأموم قد عدل عن ذلك إلى القول المشهور. ثانياً: أنّ التكبير ليس من واجبات الركوع، فلا يكون لفواته أثر في فوات الاقتداء، كذا قيل. و يرد عليه: أنّ القائلين بهذا القول لا يريدون اعتبار إدراك تكبير ركوع الإمام بما أنّه تكبير، بل مرادهم اعتبار إدراك الإمام قبل هويّه إلى الركوع؛ سواء كبّر أم لا. و بعبارة اخرى: المعتبر إدراك الإمام في محلّ تكبيرة الركوع- أي حالة قبل الهويّ إلى الركوع- لا حال التكبير له. و ثالثاً: أنّ مقتضى الجمع بين الأخبار هو حمل الأخبار الناهية عن الدخول في الركعة ما لم يدرك تكبير الركوع على نفي الفضيلة- فيما أدرك الإمام في الركوع- لا الإجزاء؛ فالأفضل لمن لم يدرك تكبيرة الإمام للركوع الإتيان بالظهر أربع ركعات. و لا يخفى: أنّ نفي الفضيلة فيما أدرك الإمام في الركوع يلائم القول بالوجوب التخييري. و أمّا بناءً على القول بالوجوب التعييني يتعيّن له الدخول في الجمعة بإدراك الإمام في الركوع، إلّا أن يحمل على صورة إمكان إدراكه حال التكبير قبل الركوع. و رابعاً: سلّمنا دلالة تلك الأخبار على نفي الصحّة و الإجزاء، و لكنّها مخالفة للشهرة القائمة على إجزاء إدراك الإمام في الركوع في إدراك الركعة. ثمّ إنّ العلّامة رحمه الله في «التذكرة» اعتبر في إدراك الركعة مع الإمام ذكر المأموم بقدر الواجب؛ قال في أحكام صلاة الجماعة: «إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع- و هو أن يكون رفع و لم يجاوز حدّ الركوع الجائز؛ و هو بلوغ يديه إلى ركبتيه- فأدركه المأموم في ذلك، و ذكر بقدر الواجب، أجزأه، و إن أدرك دون ذلك لم يجزئه»(تذكرة الفقهاء 4: 325.) ، انتهى. و فيه: أنّ الذكر ليس داخلًا في حقيقة الركوع، بل هو من واجباته، فيكفي في إدراك الركعة إدراك الإمام في ركوعه- و لو لحظةً- مع عدم إمهاله للمأموم في ذكره، فيصدق- حينئذٍ- أنّ المأموم أدرك الإمام في ركوعه. و فرّق السيّد العاملي في «المدارك» و السبزواري في «الذخيرة» بين صلاة الجمعة و غيرها؛ بأنّ إدراك الركعة في الجمعة لا يكون إلّا بإدراك الإمام قبل أن يركع، بخلاف غيرها. و ذلك لصحيح الحلبي المتقدّم: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة، و إن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 3.) و فيه: أنّه يمكن أن يكون المراد من قوله: «قبل أن يركع» قبل الفراغ من الركوع برفع رأسه منه، كما يمكن أن يكون المراد من قوله: «بعد ما ركع» بعد فراغه من الركوع و رفع رأسه منه. و ذلك لأنّ إدراك الركعة المجزي في إدراك الجمعة لا يتحقّق إلّا بإحراز كون الإمام في حال الركوع و لم يرفع رأسه حين وصول المأموم حدّ الركوع. و بعبارة اخرى: صحّة الجمعة مشروطة بإدراك الإمام في ركوعه، و هو مشكوك، و الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، و قاعدة الشغل اليقيني بالجمعة تقتضي البراءة اليقينية منها، و لا تحصل البراءة مع الشكّ المزبور. إن قلت: يكفي في إثبات الشرط المزبور استصحاب بقاء الإمام في حال الركوع إلى زمان تحقّق الركوع من المأموم. قلنا- مضافاً إلى أنّ الاستصحاب المذكور يثبت لحوق المأموم بالإمام في ركوعه، و هو لازم عقلي للمستصحب، يترتّب عليه وجوب الجمعة و صحّتها، و لا نقول بحجّية الأصل المثبت- هو معارض باستصحاب عدم ركوع المأموم إلى زمان رفع رأس الإمام من ركوعه، و استصحاب عدم حدوث وصف اللحوق بالإمام في الركوع. و هذان الاستصحابان أيضاً مثبتان فوات الجمعة المترتّب عليه وجوب الظهر. و بالجملة: فلا يجوز البناء على كون صلاته جمعة حال شكّه في إدراك ركوع الإمام، و حينئذٍ فهل تبطل صلاته و تجب عليه الظهر فيستأنفها ظهراً، أو تصحّ و يجب عليه الإتمام ظهراً؟ فيه إشكال. وجه البطلان ما ذكرناه من انتفاء شرط الصحّة. و وجه الصحّة و الإتمام ظهراً: انعقاد تكبيرة الإحرام صحيحاً؛ لأنّ المفروض تحقّقها حال كون الإمام في الركوع؛ فلا مانع من نية الظهر حين الشكّ في إدراك الإمام في الركوع، مع حرمة قطع الصلاة في أثنائها. فالأحوط إتمامها ظهراً ثمّ إعادتها. و يعلم وجهه ممّا ذكرنا من وجه البطلان و الصحّة. و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد ذكر هذا الاحتياط قال: «و إن كان الأقوى عدم وجوب إتمامها؛ لأنّ النهي عن إبطالها إنّما ينجّز في حقّه لو علم بصحّتها، و هي مشكوكة. فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن التكليف بإتمام هذا العمل الذي لا يعلم بكونه صلاة صحيحة، كما في نظائره من الشبهات الموضوعية. و أمّا الاكتفاء بمجرّد رفع اليد عنه و فعل الظهر من غير إحداث المنافي، لا يخلو من إشكال؛ لأنّ تكليفه في الواقع- على تقدير كونه مدركاً للركوع- هو الجمعة لا الظهر؛ فما لم يقطع ببطلانه لا يحرز التكليف بالظهر حتّى يجزم بموافقة المأتي به للمأمور به؛ إذ لا أمر بالظهر على تقدير صحّة فعله. و مجرّد رفع اليد عنه لا يؤثّر في بطلانه كي يتنجّز به التكليف بالظهر»(مصباح الفقيه، الصلاة: 435/ السطر 12.) ، انتهى. و يرد على ذيل كلامه: أنّ مجرّد رفع اليد عنه كافٍ في بطلانه، بناءً على اشتراط الاستدامة في النية، و لذا يقال ببطلان الصلاة و كذا الصوم، بمجرّد نية القطع- الذي هو عبارة عن رفع اليد عن الفعل- في الأثناء. هذا كلّه فيما لو شكّ في إدراك الإمام في الركوع قبل الفراغ من الركوع. و أمّا لو شكّ فيه بعد الفراغ من ركوعه و رفع رأسه منه لم يلتفت إلى شكّه؛ لقاعدة التجاوز.

ص: 208

ص: 209

الثانية: هل يكفي في إدراك الركعة إدراك الإمام في الركوع، أو لا،

ص: 210

ص: 211

ص: 212

ص: 213

ص: 214

المسألة الثالثة: لو كبّر و ركع، ثمّ شكّ قبل فراغه من الركوع في إدراك الإمام في ركوعه، لم تقع صلاته جمعةً.

ص: 215

ص: 216

فروع
الأوّل: شرائط الجماعة في غير الجُمعة معتبرة في الجمعة أيضاً؛

من عدم الحائل، و عدم عُلُوّ موقف الإمام، و عدم التباعد و غيرها، و كذا شرائط الإمام في الجمعة هي الشرائط في إمام الجماعة؛ من العقل و الإيمان و طهارة المولد و العدالة. نعم لا يصحّ في الجمعة إمامة الصبيان و لا النساء؛ و إن قلنا بجوازها لمثلهما في غيرها (1).

الثاني: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة محرمة،

و هو الأذان الذي يأتي المخالفون به بعد الأذان الموظّف، و قد يطلق عليه الأذان الثالث، و لعلّه باعتبار كونه ثالث الأذان و الإقامة، أو ثالث الأذان للإعلام و الأذان للصلاة، أو ثالث باعتبار أذان الصبح و الظهر، و الظاهر أنّه غير الأذان للعصر (2).


1- سيأتي البحث تفصيلًا في الشرائط المذكورة في المتن في مبحث شرائط الجماعة و إمامها من مباحث «صلاة الجماعة»، فانتظر. و عدم صحّة إمامة الصبيان و النساء في الجمعة إجماعي، بل من ضروريات الدين.
2- اختلف فقهاؤنا في حكم الأذان الثاني يوم الجمعة: فقال جماعة بالحرمة، و هو المشهور المختار. و استدلّ له: بأنّه غير مشروع؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم لم يفعله و لم يأمر بفعله؛ فكان بدعة، كالأذان للنافلة. و يدلّ على كونه بدعة خبر حفص بن غياث، عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السلام، قال: «الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة»(وسائل الشيعة 7: 400، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 49، الحديث 1.) . و ضعف السند بحفص منجبر. و يدلّ على كون البدعة محرّمة ذيل صحيح الفضلاء- زرارة و محمّد بن مسلم و الفضيل- عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام: «ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار»(وسائل الشيعة 8: 45، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 1.) ، و مرفوع الفضل بن شاذان عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قال: «كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار»(وسائل الشيعة 16: 272، كتاب الأمر و النهي، أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، الباب 40، الحديث 10.) و قال جماعة- منهم الشيخ في «المبسوط» و المحقّق في «المعتبر»- بالكراهة. و استدلّوا له: بأنّ البدعة أعمّ من الحرام: قال في «الذكرى»: «الحقّ أنّ لفظ «البدعة» غير صريح في التحريم؛ فإنّ المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه و آله و سلم ثمّ تجدّد بعده، و هو ينقسم إلى محرّم و مكروه»(ذكرى الشيعة 4: 144.)، انتهى. و استدلّوا أيضاً: بأنّ الأذان ذكر و دعاء إلى المعروف، و تكريرهما- كنفسهما- حسن. و فيه: أنّ الحسن لا يلائم الكراهة. و المحقّق في «المعتبر»- بعد حكاية القول بالحرمة، و الاستدلال له بخبر حفص بن غياث المتقدّم- قال: لكن حفص المذكور ضعيف، و تكرار الأذان غير محرّم؛ لأنّه ذكر يتضمّن التعظيم للربّ، لكن من حيث لم يفعله النبي صلى الله عليه و آله و سلم و لم يأمر به، كان أحقّ بوصف الكراهية»(المعتبر 2: 296.) ، انتهى. و يرد عليهم: أنّ المراد بالبدعة في اصطلاح الأئمّة المعصومين عليهم السلام عبارة عن المحرّم، بل الحرام الشديد عقوبةً- و يدلّ عليه صحيح الفضلاء المتقدّم- فلا تشمل المكروه، و أنّ الأذان المنهيّ عنه لأجل كونه بدعة لا يكون ذكراً مشروعاً. و نظيره الصلوات النوافل؛ فإنّها و إن كانت عبادة و لكنّها إذا انعقدت جماعة كانت بدعة محرّمة. ثمّ إنّ تسمية هذا الأذان بالثاني باعتبار ثانويتها بالنسبة إلى الأذان الأوّل الموظّف شرعاً في الظهر، فالواقع أوّلًا هو المأمور به و المحكوم بالصحّة، و يكون الثاني بدعة محرّماً. و قد يطلق عليه الأذان الثالث، إمّا باعتبار وقوعه في المرتبة الثالثة بعد الإقامة؛ فالأوّل هو الأذان الموظّف في الظهر، و الثاني هو الإقامة، و الثالث هو الأذان البدعي المحرّم. و إمّا باعتبار تقدّم الأذانين عليه- أي الأذان للإعلام و الأذان الموظّف للصلاة- فيكون الأذان البدعي ثالثاً و بعدهما. و إمّا باعتبار أذان الصبح و الظهر. و الظاهر: أنّ الأذان البدعي المحرّم- سواء كان ثانياً أو ثالثاً- غير الأذان للعصر؛ لأنّ الأذان يوم الجمعة لصلاة العصر مشروع بلا خلاف.

ص: 217

ص: 218

ص: 219

الثالث: لا يحرم البيع و لا غيره من المعاملات يوم الجمعة بعد الأذان في أعصارنا؛

ممّا لا تجب الجُمعة فيها تعييناً (1).


1- لا إشكال و لا خلاف بين علماء الإسلام في حرمة البيع يوم الجمعة بعد الأذان، بناءً على القول بالوجوب التعييني؛ للأمر بتركه في الآية الشريفة: «وَ ذَرُوا الْبَيْعَ»(الجمعة( 62): 9.) و كذا يحرم غيره من المعاملات- من العقود و الإيقاعات- لمشاركتها البيع في العلّة المومأ إليها في الآية الشريفة: «ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ». و ذكر خصوص البيع من باب المثال. و في «الحدائق»: «و إنّما خصّ البيع بالذكر لأنّ فعله كان أكثرياً؛ لأنّهم كانوا يهبطون إلى المدينة من سائر القرى لأجل البيع و الشراء»(الحدائق الناضرة 10: 174.) و صاحب «الجواهر» عمّم إلى غير البيع من العقود و سائر المنافيات، و قال: «لا فرق بين البيع و غيره من العقود و سائر المنافيات»(جواهر الكلام 11: 307.) و الأشهر، بل المشهور: أنّه لو باع أثم و كان البيع صحيحاً؛ لأنّ الأمر بترك البيع إنّما هو من جهة كونه مفوّتاً للواجب و مضادّاً له، و هو لا يدلّ على الفساد. و قد تقرّر في الاصول: أنّ النهي عن المعاملة لا يقتضي فسادها، إلّا إذا كان متعلّقاً بها لنفسها أو أحد أركانها أو وصفها اللازم، كالبيع الربوي و بيع الخمر- مثلًا- و بيع الملامسة و المنابذة- مثلًا- هذا كلّه بناءً على القول بالوجوب التعييني. و أمّا على القول بالوجوب التخييري فلا يحرم البيع في ذلك الوقت؛ لعدم كونه مفوّتاً للواجب بحيث لا يجبر أصلًا.

ص: 220

الرابع: لو لم يتمكّن المأموم- لزحام و نحوه- من السجود

مع الإمام في الركعة الاولى التي أدرك ركوعها معه، فإن أمكنه السجود و اللحاق به قبل الركوع أو فيه فعل و صحّت جمعته، و إن لم يمكنه ذلك لم يتابعه في الركوع، بل اقتصر على متابعته في السجدتين، و نوى بهما للُاولى، فيكمل له ركعة مع الإمام، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه، و قد تمّت صلاته. و إن نوى بهما الثانية، قيل: يحذفهما و يسجد للُاولى، و يأتي بالركعة الثانية، و صحّت صلاته. و هو مرويّ، و قيل: تبطل الصلاة. و يحتمل جعلهما للُاولى إذا كانت نيّته للثانية لغفلة أو جهل، و أتى بالركعة الثانية كالفرض الأوّل، و المسألة لا تخلو من إشكال، فالأحوط الإتمام بحذفهما و السجدة للُاولى و الإتيان بالظهر. و كذا لو نوى بهما التبعية للإمام (1).


1- لو أدرك المأموم الإمام في الركعة الاولى- و لو في ركوعه- و لكن لم يتمكّن من السجود معه- لزحام و نحوه- فإن أمكنه السجود بعد قيام الإمام و اللحوق به في الركعة الثانية قبل ركوعها أو فيه، سجد و لحق به و صحّت جمعته بلا خلاف. و ادّعى جماعة الإجماع عليه نقلًا و تحصيلًا. و فوات المتابعة لا يقدح؛ لكونه عن عذر. و إن لم يمكنه السجود حتّى ركع الإمام للركعة الثانية لم يتابعه في ركوعه، بل اقتصر على متابعته في السجدتين من دون ركوع، إجماعاً. فلو تابعه في ركوعه بطلت صلاته؛ للزيادة العمدية. فإذا تابعه في السجدتين نوى بهما للركعة الاولى و تكمل له ركعة تامّة مع الإمام، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه و صحّت صلاته جمعةً بلا خلاف بين الأصحاب، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه. و لو نوى بهما للثانية فقال جماعة- منهم السيّد المرتضى في «المصباح» و الشيخ في «المبسوط» و «الخلاف» و يحيى بن سعيد في «جامع الشرائع» و غيرهم- إنّه لا تبطل صلاته بنية السجدتين للركعة الثانية قبل إتيان سجدتي الركعة الاولى؛ لجواز حذفهما و إلغائهما عن الجزئية للصلاة. فإذا ألغاهما جاز له أن يسجد للُاولى و تكمل له ركعة تامّة، ثمّ يأتي بركعة ثانية لنفسه و صحّت صلاته جمعةً. و يدلّ عليه ذيل رواية حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: في رجل أدرك الجمعة و قد ازدحم الناس، و كبّر مع الإمام و ركع و لم يقدر على السجود، و قام الإمام و الناس في الركعة الثانية، و قام هذا معهم، فركع الإمام و لم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام و قدر على السجود، كيف يصنع؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أمّا الركعة الاولى فهي إلى عند الركوع تامّة، فلمّا لم يسجد لها حتّى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له، فلمّا سجد في الثانية فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الاولى فقد تمّت له الاولى، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة ثمّ يسجد فيها ثمّ يتشهّد و يسلّم، و إن كان لم ينو السجدتين للركعة الاولى لم تجز عنه الاولى و لا الثانية، و عليه أن يسجد سجدتين و ينوي بهما للركعة الاولى، و عليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها»(وسائل الشيعة 7: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 17، الحديث 2.) و يرد عليهم- مضافاً إلى ضعف سند الرواية بحفص، و عدم انجباره- أنّ السجدة للركعة الاولى بعد إلغاء السجدتين توجب زيادة الركن. و قال جماعة اخرى- منهم الشيخ في «النهاية» و القاضي في «المهذّب» و المحقّق في غير «الشرائع» من كتبه و العلّامة في «القواعد»، على ما حكي عنهم- إنّه تبطل صلاته. و علّله في «الجواهر» بقوله: «لأنّه إن اكتفى بهما للُاولى و أتى بالركعة الثانية تامّة خالف نيته، و إنّما الأعمال بالنيات. و إن ألغاهما و أتى بسجدتين غيرهما للُاولى و أتى بركعة اخرى تامّة، زاد في الصلاة ركناً. و إن اكتفى بهما و لم يأت بعدهما إلّا بالتشهّد و التسليم، نقص من الركعة الاولى السجدتين، و من الثانية ما قبلهما»(جواهر الكلام 11: 313.) ، انتهى. و احتمل المصنّف رحمه الله في فرض المسألة- أي فيما نوى بهما للركعة الثانية- جعلهما للركعة الاولى إذا كانت نيته للثانية لغفلة أو جهل، و هما عذر؛ فتكمل به ركعته الاولى و يأتي بالركعة الثانية كالفرض الأوّل- أي كما لو نوى بهما للُاولى- و المسألة لا تخلو من إشكال. و الأحوط لزوماً عند المصنّف رحمه الله إتمام الصلاة بحذف السجدتين المأتيتين بنية كونهما للركعة الثانية، و إتيان السجدتين للركعة الاولى، و إتمام الصلاة جمعةً ثمّ الإتيان بالظهر. و المختار عندنا: البطلان في هذه الصورة؛ لزيادة الركن. نعم، لا يترك الاحتياط المزبور فيما لو أتى السجدتين لا بقصد الركعة الاولى و لا الثانية، بل لمجرّد التبعية للإمام، و الزيادة حينئذٍ غير مبطلة.

ص: 221

ص: 222

ص: 223

الخامس: صلاة الجمعة ركعتان، و كيفيّتها كصلاة الصبح،

و يُستحبّ فيها الجهر بالقراءة، و قراءة «الجمعة» في الاولى، و «المنافقين» في الثانية.

و فيها قنوتان: أحدهما قبل ركوع الركعة الاولى، و ثانيهما بعد ركوع الثانية.

و قد مرّ بعض الأحكام الراجعة إليها في مباحث القراءة و غيرها. ثمّ إنّ أحكامها- في الشرائط و الموانع و القواطع و الخلل و الشكّ و السهو و غيرها- ما تقدّمت في كتاب الطهارة و الصلاة (1).


1- الأخبار الدالّة على كون صلاة الجمعة ركعتين مستفيضة بل متواترة: منها: موثّق سماعة قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة يوم الجمعة؟ فقال: «أمّا مع الإمام فركعتان، و أمّا من يصلّي وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر؛ يعني إذا كان إمام يخطب، فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات و إن صلّوا جماعة»(وسائل الشيعة 7: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 5، الحديث 3.) و موثّق آخر لسماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان، فمن صلّى وحده فهي أربع ركعات»(وسائل الشيعة 7: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 2.) و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إنّما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين، فهي صلاة حتّى ينزل الإمام»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 4.) و غيرها من روايات الباب السادس و غيره من بعض أبواب صلاة الجمعة. و الدليل على الجهر بالقراءة صحيح زرارة: «و القراءة فيها جهار»(وسائل الشيعة 7: 296، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 1، الحديث 2.) ، و صحيح عمر بن يزيد: «و يجهر بالقراءة»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 5.) ثمّ إنّ الظاهر من بعض الأخبار و كلمات جماعة من الأصحاب وجوب الجهر بالقراءة في صلاة الجمعة، كما في الصحيحين المذكورين، حيث إنّ الجملة الخبرية واردة في مقام إنشاء الحكم، و دلالتها على الوجوب آكد من دلالة صيغة الأمر عليه، كما قرّر في الاصول. و في بعضها ورد الأمر بالجهر فيها، كصحيح عبد الرحمن العرزمي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة اخرى و اجهر فيها»(وسائل الشيعة 7: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 26، الحديث 5.) . و أتى بالجملة الخبرية أيضاً في صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر؟ فقال: «يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر، و لا يجهر الإمام بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة»(وسائل الشيعة 6: 161، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 73، الحديث 8.) و عن الصدوق في «الفقيه»: الأصل أنّه إنّما يجهر فيها إذا كانت خطبة(الفقيه 1: 269/ ذيل الحديث 1231.) و في «جامع الشرائع» ليحيى بن سعيد: «و يجهر الإمام بالجمعة»(الجامع للشرائع: 97.) و في «النهاية» و «المبسوط»: إذا صلّى الإمام بالناس ركعتين جهر فيهما»(النهاية: 106، المبسوط 1: 151.) و بالجملة: الظاهر من الأخبار المذكورة و كلمات جماعة من الأصحاب و إن كان هو وجوب الجهر في قراءة الجمعة، و لكنّها محمولة على الاستحباب؛ للإجماعات المنقولة المستفيضة القائمة عليه، هذا. مضافاً إلى صراحة بعض الأخبار في التخيير بين الجهر و الإخفات، كصحيح علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة، هل عليه أن لا يجهر؟ قال: «إن شاء جهر، و إن شاء لم يفعل»(وسائل الشيعة 6: 85، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 25، الحديث 6.) و صاحب «المدارك» استدلّ بهذا الصحيح على رفع وجوب الجهر. و أورد عليه صاحب «الجواهر» بقوله: لكن فيه- بعد إرادة معنى «اللام» من قوله: «عليه»- أنّه لا مصداق له حينئذٍ إلّا الجمعة من اليومية المنساقة من لفظ «الفرائض»، و مثل هذا التخصيص فيه ما فيه(جواهر الكلام 11: 134.) ، انتهى. و يحتمل أن يكون الأمر بالجهر في بعض الأخبار المذكورة لدفع توهّم وجوب الإخفات في قراءة الجمعة، حيث إنّها لمّا كانت عوض الظهر توهّم وجوب الإخفات فيها كالظهر. و الدليل على جواز قراءة سورة الجمعة في الركعة الاولى و المنافقين في الركعة الثانية: صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة؟ فقال: «بأذان و إقامة، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب، و لا يصلّي الناس ما دام الإمام على المنبر، ثمّ يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»(الإخلاص( 112): 1.) ، ثمّ يقوم فيفتتح خطبة، ثمّ ينزل فيصلّي بالناس، فيقرأ بهم في الركعة الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين»(وسائل الشيعة 7: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 6، الحديث 7.) و صحيح سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: النافلة يوم الجمعة؟ قال: «ستّ ركعات قبل زوال الشمس، و ركعتان عند زوالها، و القراءة في الاولى بالجمعة و في الثانية بالمنافقين، و بعد الفريضة ثماني ركعات»(وسائل الشيعة 7: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 11، الحديث 9.) و ذيل موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «يقرأ في الاولى بسورة الجمعة، و في الثانية بسورة المنافقين»(وسائل الشيعة 7: 343، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة و آدابها، الباب 25، الحديث 2.) و استحباب قراءة السورتين بالكيفية المزبورة مشهور بين أصحابنا، و عن «انتصار» السيّد دعوى الإجماع عليه. و نسب إلى بعض الأخباريين وجوب السورتين المذكورتين في الجمعة. و استدلّ له بأخبار امر فيها بقراءتهما فيها. و هي محمولة على الاستحباب، بقرينة الشهرة القائمة على الاستحباب، مضافاً إلى صراحة أخبار اخر في عدم الوجوب. و تفصيل البحث فيه موكول إلى مبحث القراءة في الصلاة. و الدليل على جواز القنوتين في صلاة الجمعة- أحدهما قبل ركوع الركعة الاولى، و ثانيهما بعد رفع الرأس من ركوع الركعة الثانية- هو صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: قال: «على الإمام فيها- أي في الجمعة- قنوتان: قنوت في الركعة الاولى قبل الركوع، و في الركعة الثانية بعد الركوع. و من صلّاها وحده فعليه قنوت واحد في الركعة الاولى قبل الركوع»(وسائل الشيعة 6: 271، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 4.) و ذيل صحيح أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «كلّ قنوت قبل الركوع، إلّا في الجمعة؛ فإنّ الركعة الاولى القنوت فيها قبل الركوع، و الأخيرة بعد الركوع»(وسائل الشيعة 6: 273، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 5، الحديث 12.) و استحباب القنوت في كلّ صلاة- و منها الجمعة- مشهور بين الأصحاب، بل عن «المعتبر» و «المنتهى» الإجماع عليه. و حكي عن ابن عقيل و الصدوق القول بوجوبه. و استدلّوا له بأخبار ظاهرة في الوجوب، و لكنّها محمولة على الاستحباب؛ لصراحة بعض الأخبار الصحيحة الصريحة في جواز تركه في غير حال التقية. و تفصيل البحث موكول إلى مبحث القنوت من أفعال الصلاة. ثمّ إنّه لا فرق بين صلاة الجمعة و غيرها من الصلوات الواجبة من حيث الشرائط و الموانع و القواطع و الخلل و الشكّ و السهو و غيرها. و قد تقدّمت مباحثها تفصيلًا في ضمن المسائل المربوطة بها. تمّت مباحث صلاة الجمعة في صبيحة يوم الجمعة الثاني و العشرين من رجب سنة 1421 ه. ق.

ص: 224

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

ص: 229

القول في صلاة العيدين: الفطر و الأضحى

اشارة

و هي واجبة مع حضور الإمام عليه السلام و بسط يده و اجتماع سائر الشرائط، و مستحبّة في زمان الغيبة، و الأحوط إتيانها فُرادى في ذلك العصر، و لا بأس بإتيانها جماعة رجاءً، لا بقصد الورود (1).


1- يقع البحث هنا في امور: الأمر الأوّل: لا خلاف بين أصحابنا في كون وجوب صلاة العيدين عينيّاً مع حضور الإمام عليه السلام بالشرائط المعتبرة في الجمعة في الجملة، و ادّعى جماعة الإجماع بكلا قسميه عليه. ففي «الخلاف»: العدد شرط في وجوب صلاة العيد، و كذلك جميع شرائط الجمعة ... إلى أن قال: دليلنا إجماع الفرقة، و أيضاً إذا ثبت أنّها فرض، وجب اعتبار العدد فيها؛ لأنّ كلّ من قال بذلك يعتبر العدد، و ليس في الامّة من فرّق بينهما(الخلاف 1: 664، المسألة 437.) ، انتهى. و في «المعتبر»: صلاة العيدين فريضة على الأعيان مع شرائط الجمعة، و هو مذهب علمائنا أجمع. و فيه أيضاً: و يشترط في وجوبها شروط الجمعة؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم صلّاها مع شرائط الجمعة، فيقف الوجوب على صورة فعله، و لأنّ كلّ من قال بوجوبها على الأعيان اشترط ذلك(المعتبر 2: 308.) ، انتهى. و يدلّ على وجوبها الأخبار المستفيضة، منها: صحيح جميل بن درّاج عن الصادق عليه السلام أنّه قال: «صلاة العيدين فريضة، و صلاة الكسوف فريضة»(وسائل الشيعة 7: 419، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 1.) ، و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «صلاة العيدين مع الإمام سنّة، و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة ذلك اليوم إلّا الزوال»(وسائل الشيعة 7: 419، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 2.) . و قد فسّر الشيخ في التهذيب السنّة بما علم وجوبه من السنّة. و رواية أبي اسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال- في حديث-: «صلاة العيدين فريضة، و صلاة الكسوف فريضة»(وسائل الشيعة 7: 420، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 1، الحديث 4.) و استدلّ جماعة من الأصحاب على الوجوب بالآية الشريفة «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ»(الكوثر( 108): 2.) و نسب في «المعتبر» و «المدارك» و «الذكرى» إلى أكثر المفسّرين أنّ المراد بالصلاة، صلاة العيد، و ظاهر الأمر الوجوب. و أجاب عنه في «الحدائق» بقوله: «لم أقف في الأخبار على تفسير الآية بهذا المعنى، و إنّما الذي ورد فيها التفسير بمطلق الصلاة(الحدائق الناضرة 10: 200.)، انتهى. الأمر الثاني: يعتبر الإمام و الجماعة في وجوب صلاة العيدين. و يدلّ على اشتراط الإمام صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلّا مع إمام عادل»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 1.) ، و صحيح معمّر بن يحيى العجلي و زرارة، جميعاً قالا: قال أبو جعفر عليه السلام: «لا صلاة يوم الفطر و الأضحى إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 2.) ، و صحيح آخر لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «من لم يصلّ مع الإمام في جماعة يوم العيد فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 3.) ، و صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى؟ فقال: «ليس صلاة إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 4.) ، و صحيح ثالث لزرارة عن أحدهما عليهما السلام، قال: «إنّما صلاة العيدين على المقيم، و لا صلاة إلّا بإمام»(وسائل الشيعة 7: 422، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 7.) ، و صحيح رابع لزرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «ليس يوم الفطر و الأضحى أذان و لا إقامة» ... إلى أن قال: «و من لم يصلّ مع إمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه»(وسائل الشيعة 7: 423، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 10.) و يدلّ على اشتراط الجماعة صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في صلاة العيدين: «إذا كان القوم خمسة أو سبعة فإنّهم يجمعون الصلاة كما يصنعون يوم الجمعة»، و قال: «تقنت في الركعة الثانية»، قال: قلت: يجوز بغير عمامة؟ قال: «نعم، و العمامة أحبّ إليّ»(وسائل الشيعة 7: 482، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 39، الحديث 1.) الأمر الثالث: يظهر من جماعة من فقهائنا اعتبار وجود الإمام المعصوم عليه السلام في الوجوب العيني لا مطلق الإمام، و استدلّ له بموثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قلت له: متى يذبح؟ قال: «إذا انصرف الإمام»، قلت: فإذا كنت في أرض (قرية) ليس فيها إمام فاصلّي بهم جماعة؟ فقال: «إذا استقلّت الشمس» و قال: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 422، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 6.) . وجه الاستدلال: أنّ السائل فرض عدم وجود الإمام المعصوم عليه السلام في القرية، و مع ذلك سأل عن الصلاة جماعة بإمام غير المعصوم عليه السلام، إذ من المعلوم عدم انعقاد الجماعة بدون الإمام مطلقاً، و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام: أ لا تخلّف رجلًا يصلّي في العيدين فقال: لا اخالف السنّة»(وسائل الشيعة 7: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 9.) . وجه الاستدلال أنّ السنّة جرت على إمامة الإمام المعصوم عليه السلام. و يظهر من صاحب «الجواهر» رحمه الله: اختيار اعتبار الإمام المعصوم عليه السلام في الوجوب العيني؛ حيث إنّه بعد الاستشهاد عليه بالموثّق المذكور «فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام» ، قال: على أنّك عرفت في الجمعة ما يظهر منه أنّ المراد بالإمام في أمثال هذه المقامات المعصوم عليه السلام أو نائبه فلاحظ و تأمّل. كما أنّك عرفت ما يقضي باشتراطه في الجمعة و العيد من دعاء الصحيفة السجّادية: «اللّهم إنّ هذا المقام مقام لخلفائك و أصفيائك و مواضع امنائك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها» إلى أن قال: بل لا يخفى ظهور الصحيح: «قال الناس لأمير المؤمنين عليه السلام: لو أمرت من يصلّي بضعفاء الناس يوم العيد في المسجد، قال عليه السلام: أكره أن أستنّ سنّة لم يستنّها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم» في أنّ صلاة العيد بنصب الإمام و إذنه و إلّا لما استأذنوه ... إلى أن قال: و قد تلخّص من ذلك كلّه اعتبار ما عدا الخطبتين في العيد كالجمعة من السلطان أو نائبه و العدد و الجماعة(جواهر الكلام 11: 334.) ، انتهى. الأمر الرابع: نسب إلى أكثر الأصحاب استحباب صلاة العيدين في زمان الغيبة مطلقاً، أي: سواء انعقدت جماعة أو فرادى. و عن ابن إدريس استحبابها جماعة. و عن المفيد في «المقنعة» و الشيخ في «المبسوط» و «التهذيب» و «الخلاف» و علم الهدى في «الناصريّات» و «جمل العلم و العمل» و الحلبي في «الكافي» و صاحبي «المدارك» و «الحدائق» استحبابها فرادى. و عن الصدوق أنّه لا يشرع في زمن الغيبة، قال في «المقنع»: و لا تصلّيان إلّا مع إمام في جماعة(المقنع: 149.) ، و عن ابن أبي عقيل سقوط استحبابها وحده، و المختار هو القول الأوّل. و استدلّ على استحبابها جماعة موثّق سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «لا بأس أن تصلّي وحدك و لا صلاة إلّا مع إمام»(وسائل الشيعة 7: 422، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 6.) و فيه: أنّه قد تقدّم في الأمر الثالث أنّ المراد من الإمام هو المعصوم عليه السلام- على ما فرضه السائل- و حينئذٍ فلا دلالة في الموثّق على الاستحباب. و مرسل عبد اللّه بن المغيرة، عن بعض أصحابنا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن صلاة الفطر و الأضحى؟ فقال: «صلّهما ركعتين في جماعة و غير جماعة و كبّر سبعاً و خمساً»(وسائل الشيعة 7: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 5، الحديث 1.) و يدل على استحبابها فرادى المرسل المزبور و صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من لم يشهد جماعة الناس في العيدين فليغتسل و ليتطيّب بما وجد و ليصلّ في بيته وحده كما يصلّي في جماعة»(وسائل الشيعة 7: 424، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 3، الحديث 1.) و وجه الاحتياط في إتيانها فرادى في عصر الغيبة الأخبار المستفيضة المصرّحة باعتبار الإمام في انعقادها جماعة، و الإمام ظاهر في الإمام الأصل، و لا أقلّ محتمل له، و قد تقدّم ذكر الأخبار في الأمر الثاني فراجع. و قد ادّعى السبزواري رحمه الله في «الذخيرة» أنّ المشهور بين الأصحاب استحباب هذه الصلاة منفرداً مع تعذّر الجماعة. و عن صاحب «الرياض»: أنّ الاحتياط في فعلها فرادى في زمان الغيبة. و الشيخ المفيد رحمه الله في «المقنعة» بعد اشتراط حضور الإمام في وجوب صلاة العيدين كالجمعة قال: و سنّة على الانفراد عند عدم حضور الإمام(المقنعة: 194.) ، انتهى. و قال صاحب «الحدائق»: و بالجملة فالظاهر هو انحصار الاستحباب في الانفراد كما هو مفاد الأخبار المتقدّمة مع كونه خلاف جميع العامّة(الحدائق الناضرة 10: 220.)، انتهى.

ص: 230

ص: 231

ص: 232

ص: 233

ص: 234

و وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال (1)،


1- كون وقتها من طلوع الشمس إلى الزوال مشهور عند فقهائنا، بل حكي عن «الذخيرة» و «نهاية الإحكام» و «التذكرة» و غيرها اتّفاقهم على مبدإ التوقيت و منتهاه. و حكي عن بعض فقهائنا- كالشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الاقتصاد» و الحلبي في «الكافي» و أبي المكارم في «الغنية» و ابن حمزة في «الوسيلة» و ابن إدريس في «السرائر»- أنّ أوّل وقتها انبساط الشمس و ارتفاعها، قال في «المبسوط»: و وقت صلاة العيد إذا طلعت الشمس و ارتفعت و انبسطت ... إلى أن قال: و الوقت باقٍ إلى زوال الشمس، فإذا زالت فقد فاتت(المبسوط 1: 169.) ، انتهى. و لعلّ توقيت أوّلها بانبساط الشمس للسيرة المستمرّة على فعلها و الشروع فيها في ذلك الوقت كما يستفاد من الأخبار: منها: صحيح أبي بصير المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخرج بعد طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 7: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 18، الحديث 1.) و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تخرج من بيتك إلّا بعد طلوع الشمس»(وسائل الشيعة 7: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 18، الحديث 2.) ؛ حيث إنّه إذا كان وقت الخروج بعد طلوع الشمس يتأخّر وقت فعل الصلاة عنه إلى انبساطها طبعاً. و منها: الخبر المنقول مستفيضاً عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن ياسر خادم الرضا عليه السلام، و الريّان بن الصلت الوارد في كيفية خروج الرضا عليه السلام لصلاة العيد ... إلى أن قال: «و اجتمع القوّاد و الجند على باب أبي الحسن عليه السلام فلمّا طلعت الشمس قام عليه السلام فاغتسل و تعمّم ...»(وسائل الشيعة 7: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 19، الحديث 1.) ، إلى آخر الحديث. و منها: صحيح آخر لزرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «ليس يوم الفطر و لا يوم الأضحى أذان و لا إقامة أذانهما طلوع الشمس، إذا طلعت خرجوا و ليس قبلهما و لا بعدهما صلاة»(وسائل الشيعة 7: 429، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 5.) . و من المعلوم أنّ الأذان إعلام بدخول الوقت لا للصلاة، و سيأتي أنّه ليس في صلاة العيدين أذان و لا إقامة.

ص: 235

ص: 236

و لا قضاء لها لو فاتت (1).


1- و يدل عليه صحيحا زرارة المتقدّمان، و هما الحديث الأوّل و العاشر من الباب الثاني من أبواب صلاة العيد من الوسائل(وسائل الشيعة 7: 421، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 2، الحديث 1 و 10.) ، فراجع. و أمّا رواية أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: «من فاتته صلاة العيد فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 7: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 5، الحديث 2.) ، فهي ضعيفة سنداً بأبي البختري وهب بن وهب- كان قاضياً عامياً كذّاباً له أحاديث عن الصادق عليه السلام كلّها لا يوثّق بها- و شاذّة لم يعمل بها أحد من علمائنا، و موافقة لجماعة من العامّة؛ حيث ذهبوا إلى إتيانها أربع ركعات، مع اختلافهم في أنّها تقضي بسلام واحد أو بسلامين، و محرّفة بتحريف «الجمعة» بالعيد. نعم قد ورد الأمر بتأخير خصوص صلاة عيد الفطر إلى الغد فيما لو ثبت الهلال للحاكم بعد زوال يوم الفطر كما في صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا شهد عند الإمام شاهدان أنّهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بالإفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم و أخّر الصلاة إلى الغد فصلّى بهم»(وسائل الشيعة 7: 432، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 9، الحديث 1.) و فيه: أنّه لا دلالة فيه على امتداد الوقت و لا على كونها قضاءً، فيحمل الأمر على الاستحباب.

ص: 237

و هي ركعتان في كلّ منهما يقرأ «الحمد» و سورة، و الأفضل أن يقرأ في الاولى سورة «الشمس» و في الثانية سورة «الغاشية»، أو في الاولى سورة «الأعلى» و في الثانية سورة «الشمس» (1)،


1- و يدلّ على كونها ركعتين صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلاة العيد ركعتان بلا أذان و لا إقامة، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء»(وسائل الشيعة 7: 429، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 7.) . و الموثّق المضمر لسماعة، قال: سألته عن الصلاة في يوم الفطر فقال: «ركعتان بلا أذان و لا إقامة»(وسائل الشيعة 7: 430، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 8.) . و مضمر معاوية بن عمّار، قال: سألته عن صلاة العيدين، فقال: «ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، و ليس فيهما أذان و لا إقامة تكبّر فيهما اثنتي عشرة تكبيرة، تبدأ فتكبّر و تفتتح الصلاة، ثمّ تقرأ فاتحة الكتاب، ثمّ تقرأ وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها، ثمّ تكبّر خمس تكبيرات ثمّ تكبّر و تركع فيكون تركع بالسابعة و تسجد سجدتين، ثمّ يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، ثمّ تكبّر أربع تكبيرات و تسجد سجدتين، و تتشهّد و تسلّم»، قال: «و كذلك صنع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 7: 434، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 2.) ، الحديث. و مرسل عبد اللّه بن المغيرة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم: «صلّهما ركعتين»(وسائل الشيعة 7: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 5، الحديث 1.) و نسب إلى بعض فقهائنا أنّها أربع ركعات لمن لحق خطبتي الإمام لرواية أبي البختري المتقدّمة، و تقدّم الجواب عن الاستدلال بها، فراجع. ثمّ إنّه تكفي في الركعتين قراءة أيّ سورة شاء بعد الحمد، و الأفضل أن يقرأ في الاولى سورة الشمس و في الثانية سورة الغاشية، أو يقرأ في الاولى الأعلى و في الثانية و الشمس و ضحاها. و يدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار المتقدّم، و صحيح جميل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التكبير في العيدين، قال: «سبع و خمس»، و قال: «صلاة العيدين فريضة»، قال: و سألته ما يقرأ فيهما؟ قال: «وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها و هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ و أشباههما»(وسائل الشيعة 7: 435، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 4.) ، و خبر إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام في صلاة العيدين، قال: «يكبّر واحدة يفتتح بها الصلاة ثمّ يقرأ امّ الكتاب و سورة ثمّ يكبّر خمساً يقنت بينهنّ، ثمّ يكبّر واحدة و يركع بها ثمّ يقوم فيقرأ امّ الكتاب و سورة، يقرأ في الاولى سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى و في الثانية وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها، ثمّ يكبّر أربعاً و يقنت بينهنّ ثمّ يركع بالخامسة»(وسائل الشيعة 7: 436، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 10.)

ص: 238

و بعد السورة في الاولى خمس تكبيرات و خمسة قنوتات؛ بعد كلّ تكبيرة قنوت و في الثانية أربع تكبيرات و أربعة قنوتات؛ بعد كلّ تكبيرة قنوت (1)،


1- قام الإجماع على كون التكبيرات و القنوتات خمساً في الركعة الاولى و أربعاً في الركعة الثانية، كما قام على كون القنوتات بعد التكبيرات. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة المذكورة في الباب العاشر من أبواب صلاة العيدين من كتاب الوسائل(وسائل الشيعة 7: 433، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10.) ، فراجع.

ص: 239

و يجزي في القنوت كلّ ذكر و دعاء كسائر الصلوات، و لو أتى بما هو المعروف رجاء الثواب لا بأس به و كان حسناً، و هو: «اللّهمَّ أهلَ الكِبرياءِ و العَظَمة، و أهلَ الجودِ و الجبَروتِ، و أهلَ العَفو و الرحمة و أهلَ التقوى و المغفِرة، أسألُكَ بحقِّ هذا اليوم الّذي جعَلتَهُ للمُسلمينَ عيداً، و لمُحمّدٍ صلّى اللَّه عليه و آلهِ ذُخراً و شرَفاً و كرامَةً و مزِيداً، أن تُصلِّي على مُحمّدٍ و آلِ مُحمَّد، و أن تُدخلَني في كُلِّ خيرٍ أدخَلتَ فيهِ مُحمّداً و آلَ محمّدٍ، و أن تُخرجني مِن كُلِّ سوءٍ أخرجتَ منهُ محمّداً و آلَ محمَّدٍ صلواتُكَ عليهِ و عليهِم، اللّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خيرَ ما سألَكَ بهِ عبادُك الصالحونَ، و أعوذُ بِكَ ممَّا استعاذَ منهُ عِبادُك المُخلَصُون» (1).


1- الدليل على إجزاء كلّ دعاء و ذكر في قنوتات صلاة العيدين هو إطلاق صحيح يعقوب بن يقطين، قال: سألت العبد الصالح عليه السلام عن التكبير في العيدين، قبل القراءة أو بعدها؟ و كم عدد التكبير في الاولى و في الثانية و الدعاء بينهما؟ و هل فيهما قنوت أم لا؟ فقال: «تكبير العيدين للصلاة قبل الخطبة، يكبّر تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثمّ يقرأ و يكبّر خمساً، و يدعو بينهما (بينها)، ثمّ يكبّر اخرى و يركع بها، فذلك سبع تكبيرات بالتي (بالذي) افتتح بها، ثمّ يكبّر في الثانية خمساً، يقوم فيقرأ ثمّ يكبّر أربعاً و يدعو بينهنّ، ثمّ يركع بالتكبيرة الخامسة»(وسائل الشيعة 7: 435، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 10، الحديث 8.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الكلام الذي يتكلّم به في ما بين التكبيرتين في العيدين، قال: «ما شئت من الكلام الحسن»(وسائل الشيعة 7: 467، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 26، الحديث 1.) و قد ورد في بعض الأخبار الدعاء المعروف المرسوم المذكور في المتن: «اللّهمَّ أهلَ الكِبرياءِ و العَظَمة ...» إلى آخره بأدنى تفاوت، و لكن السند ضعيف، و لا بأس بإتيانه رجاء الثواب.

ص: 240

و لو صلّى جماعة رجاءً يأتي بخطبتين بعدها رجاءً أيضاً، و يجوز تركهما في زمان الغيبة (1).


1- ينبغي البحث في الجملة عن الخطبة في صلاة العيدين، يظهر من الشيخ و ابن إدريس وجوب الخطبة فيها، قال في «المبسوط»: و شرائطها شرائط الجمعة، سواء في العدد و الخطبة و غير ذلك(المبسوط 1: 169.) و عن العلّامة في «المنتهى»: أنّ الخطبتين واجبتان كوجوبهما في الجمعة، و هما بعد الصلاة، و لا نعرف خلافاً بين المسلمين في أنّ الخطبتين بعد الصلاة، إلّا من بني اميّة، روي أنّ عثمان و ابن الزبير و مروان بن الحكم خطبوا قبل الصلاة(منتهى المطلب 1: 345/ السطر 19.) و قال في الفرع الثالث: لا يجب حضور الخطبة و لا استماعها بغير خلاف، روى عبد اللّه بن ثابت قال: شهدت مع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم العيد فلمّا مضى الصلاة قال: «إنّا نخطب فمن أحبّ أن يجلس للخطبة فليجلس و من أحبّ أن يذهب فليذهب» ، لكنّه مستحبّ لما فيه من الاتّعاظ و حضور مجالس الذكر(منتهى المطلب 1: 345/ السطر 33.) ، انتهى. و ادّعى النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» الإجماع على استحباب الخطبة و حكاه عن معتبر المحقّق(مستند الشيعة 6: 198.) ، قال في «المعتبر»: أنّ الخطبتين مستحبّتان فيهما بعد الصلاة، و تقديمهما أو إحداهما بدعة و لا يجب حضورهما و لا استماعهما، أمّا استحبابهما فعليه الإجماع(المعتبر 2: 324.) ، انتهى. و عن الشهيد في «الذكرى»: أنّ المشهور بين الأصحاب استحباب الخطبتين في صلاة العيدين(ذكرى الشيعة 4: 173.) و صاحب «المدارك» في شرح قول المصنّف «و هي واجبة مع وجود الإمام»، ذكر أنّ العلّامة جزم في جملة من كتبه بعدم اعتبار هذا الشرط هنا، ثمّ قال: و هو كذلك تمسّكاً بالأصل و التفاتاً إلى كونهما متأخّرتين عن الصلاة، و لا يجب استماعهما إجماعاً، فلا تكونان شرطاً فيها(مدارك الأحكام 4: 96.) ، و في موضع آخر من «المدارك» بعد أن حكى عن العلّامة في جملة من كتبه القول بالوجوب و احتجاجه عليه في «التذكرة» بورود الأمر بهما قال: و المسألة محلّ تردّد، و كيف كان فيجب القطع بسقوطهما حال الانفراد للأصل السالم من العارض(نفس المصدر 4: 121.) ، انتهى. و قال صاحب «الحدائق»: الأظهر عندي هو القول بالوجوب، و يدلّ عليه قول الرضا عليه السلام في كتاب الفقه الذي قد ظهر لك في غير موضع ممّا قدّمنا و سيجي ء أمثاله اعتماد الصدوقين سيّما الأوّل عليه و إفتاؤهما بعبائر الكتاب كما كشفنا عنه النقاب في غير باب من الأبواب، حيث قال عليه السلام: «فإنّ صلاة العيدين مع الإمام فريضة و لا تكون إلّا بإمام و خطبة» ، و ممّا يعضد ذلك و يؤيّده بأوضح تأييد ما رواه الصدوق في كتاب «العلل» و «العيون» من علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة، و جعلت في العيدين بعد الصلاة؛ لأنّ الجمعة أمر دائم و تكون في الشهر مراراً و في السنة كثيراً، فإذا كثر على الناس ملّوا و تركوه و تفرّقوا عنه؛ و العيد إنّما هو في السنة مرّتان و الزحام فيه أكثر و الناس فيه أرغب، و إن تفرّق بعض الناس بقي عامّتهم» ، و التقريب فيه أنّه لو كان ما يدّعونه من الاستحباب حقّاً لكان هو الأولى بأن يذكر علّة للفرق في الخبر بأن يقال: إنّما اخّرت لأنّ استماعها غير واجب؛ حيث إنّها مستحبّة، فمن شاء جلس لاستماعها و من شاء انصرف، و ظاهر الخبر إنّما هو وجوبها في الصلاتين و إن اختلفتا بالتقدّم و التأخّر(الحدائق الناضرة 10: 212.) ، انتهى. و مال صاحب «الجواهر» إلى القول بالوجوب و أطال الكلام فيه إلى أربع صفحات؛ حيث إنّه- بعد نقل قول جماعة من الأعلام بوجوب الخطبتين و ذكر الأخبار الدالّة على الوجوب، و بعد ردّ قول «كشف اللثام»: لم أظفر بالأمر في خبر و لكن رأيت فيما قد ينسب إلى الرضا عليه السلام: «لا تكون إلّا بإمام و خطبة» بقوله: و فيه: أنّ ظهور الأمر في النصوص المزبورة و لو بعد الانجبار بما سمعت كافٍ- حكى عن «الدروس» و «الذكرى» الشهرة على الاستحباب و عن «المعتبر» الإجماع عليه، و وجّهه بقوله: إلّا أنّه يمكن إرادة شرعيّتهما- أي الخطبتين- و الرجحان من معقد الإجماع لا الاستحباب بالمعنى الأخص، ثمّ ردّ احتجاج القائلين بنفي الوجوب المستدلّين بعدم وجوب الاستماع بقوله: و عدم وجوب الاستماع لا ينافي الوجوب، كما هو مذهب البعض في الجمعة، على أنّه يمكن منعه كالحضور بالنسبة إلى البعض، نعم عدم الوجوب مسلّم بالنسبة إلى الجميع، أمّا البعض فلا، فيكون الوجوب حينئذٍ كفائياً و إن كان شرطياً، و أجاب أيضاً عن القائلين بنفي الوجوب- المستدلين بخبر عبد اللّه بن السائب، قال: حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يوم عيد فلمّا قضى صلاته قال: «من أحبّ أن يسمع الخطبة فليسمع و من أحبّ أن ينصرف فلينصرف»(وسائل الشيعة 7: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 30، الحديث 2.) - بقوله: و قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم غير ثابت من طرقنا المعتبرة(جواهر الكلام 11: 337- 340.) ، انتهى ملخصاً. ثمّ إنّ وجوب الخطبة مبني على القول بوجوب صلاة العيد في زمان الحضور و الغيبة، و على القول باستحباب الصلاة جماعة في زمن الغيبة يأتي بالخطبة رجاءً، و على القول بجواز إتيان الصلاة فرادى في هذه الأزمنة لا معنى لوجوب الخطبة، بل يكون بلا فائدة. قال في الجواهر: كما أنّ عدم وجوبهما مسلّم لو صلّيت فرادى؛ لعدم تعقّل الخطبة حينئذٍ، بل يمكن أن يكون كالفرادى لو صلّيت جماعة بواحد و نحوه، بل و بالعدد في مثل هذا الزمان أو غيره ممّا لا تكون واجبة فيه؛ فإنّ احتمال وجوب الخطبتين حينئذٍ شرطاً بعيد، فينحصر البحث حينئذٍ في وجوبهما حال وجوب الصلاة، و قد عرفت قوّة القول به(جواهر الكلام 11: 340.) ، انتهى.

ص: 241

ص: 242

ص: 243

ص: 244

و يستحبّ فيها الجهر للإمام و المنفرد، و رفع اليدين حال التكبيرات، و الإصحار بها إلّا في مكّة، و يُكره أن يصلّي تحت السقف (1).


1- وجه استحباب الجهر بالقراءة فيها للإمام و المنفرد صحيح عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يعتمّ في العيدين شاتياً كان أو قائظاً»(وسائل الشيعة 7: 441، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 11، الحديث 3.) و يدلّ على استحباب رفع اليدين مع كلّ تكبيرة خبر يونس، قال: سألته عن تكبير العيدين أ يرفع يده مع كلّ تكبيرة أم يجزيه أن يرفع في أوّل التكبير، فقال: «يرفع مع كلّ تكبيرة»(وسائل الشيعة 7: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 30، الحديث 1.) و يدلّ على الإصحار بها صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا ينبغي أن تصلّي صلاة العيدين في مسجد مسقّف و لا في بيت، إنّما تصلّي في الصحراء أو في مكان بارز»(وسائل الشيعة 7: 449، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 2.) ، و هذا الصحيح يدلّ على كراهة صلاة العيد تحت السقف. و قد ورد في الأخبار المستفيضة: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان يخرج في يوم العيد حتّى يبرز لآفاق السماء، ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام: «أنّه كان إذا خرج يوم الفطر و الأضحى أبى ان يؤتى بطنفسة يصلّي عليها، و يقول: هذا يوم كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يخرج فيه حتّى يبرز لآفاق السماء ثمّ يضع جبهته على الأرض»(وسائل الشيعة 7: 449، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 1.) و يدلّ على عدم إبراز أهل مكّة و الإصحار بالعيدين صحيح حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام: قال: «السنّة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلّا أهل مكّة؛ فإنّهم يصلّون في المسجد الحرام»(وسائل الشيعة 7: 449، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 17، الحديث 3.)

ص: 245

(مسألة 1): لا يتحمّل الإمام فيها ما عدا القراءة كسائر الجماعات

(1).

(مسألة 2): لو شكّ في التكبيرات أو القنوتات و هو في المحلّ بنى على الأقلّ

(2).


1- و ذلك للإطلاق في أدلة ضمان الإمام لقراءة المأموم في القراءة فقط دون غيرها من الأقوال و الأذكار في أيّ صلاة شرّعت فيها الجماعة؛ كما في موثّقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، أنّه سأله رجل، عن القراءة خلف الإمام؟ فقال: «لا إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب الصلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب.
2- و يدلّ عليه- مضافاً إلى قاعدة الاشتغال بل استصحاب عدم الإتيان- عموم مفهوم صحيح زرارة، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل شكّ في الأذان و قد دخل في الإقامة، قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في الأذان و الإقامة و قد كبّر، قال: «يمضي»، قلت: رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال: «يمضي»، قلت: شكّ في القراءة و قد ركع، قال: «يمضي»، قلت: شكّ في الركوع و قد سجد، قال: «يمضي على صلاته»، ثمّ قال: «يا زرارة إذا خرجت من شي ء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ء»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.) و كذا عموم مفهوم صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو»(وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.)

ص: 246

(مسألة 3): لو أتى بموجب سجود السهو فيها فالأحوط الإتيان رجاءً؛

و إن كان عدم وجوبه في صورة استحبابها لا يخلو من قوّة. و كذا الحال في قضاء التشهّد و السجدة المنسيّين (1).


1- لو أتى بما يوجب سجدتي السهو- كالكلام سهواً و السلام في غير محلّه و غيرهما ممّا يوجب سجود السهو- في صلاة العيدين فبناءً على وجوبها يأتي به بلا إشكال، و أمّا في صورة استحبابها- كما في زمن الغيبة- ففيه وجهان، و عدم الوجوب لا يخلو من قوّة. و للمحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» عبارة يظهر منها عدم جريان أحكام الشك و السهو في صلاة العيدين بناءً على استحبابها؛ حيث خصّها بالواجب، قال: الظاهر مساواة هذه الصلاة لغيرها من الواجبات الثنائية في أحكام الشكّ و السهو، فتبطل بالشكّ في عدد ركعاتها، و في الشكّ في أجزائها و عدد تكبيراتها و قنوتاتها يبني على الأقل ما لم يتجاوز محلّه، و إلّا يمضي في صلاته، و تبطل بالإخلال بشي ء من أركانها عمداً أو سهواً، و لا تبطل بالإخلال بما عداها سهواً، بل عليه تدارك الفائت مع بقاء محلّه، و المضيّ في صلاته بعد دخوله في ركوع أو سجود(مصباح الفقيه، الصلاة: 471/ السطر 23.) ، انتهى.

ص: 247

(مسألة 4): ليس في هذه الصلاة أذان و لا إقامة.

نعم يُستحبّ أن يقول المؤذّن: «الصلاة» ثلاثاً (1).


1- و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت صلاة العيدين، هل فيهما أذان و إقامة؟ قال: «ليس فيهما أذان و لا إقامة، و لكن ينادي: «الصلاة» ثلاث مرّات»(وسائل الشيعة 7: 428، كتاب الصلاة، أبواب صلاة العيد، الباب 7، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله ذكر جملة من الصلوات المندوبة تبعاً للسيّد الأصبهاني في «وسيلة النجاة» و زاد عليه صلاة الاستسقاء، و لا مهمّ لنا في البحث عنها، و قد تمّ مباحث صلاة العيدين، و يتلوها البحث في صلاة المسافر. و الحمد للَّه و له الشكر، و صلى اللَّه على محمّد و آله أجمعين و لعنة اللَّه على أعدائهم أعداء اللَّه.

ص: 248

ص: 249

فصل في صلاة المسافر

اشارة

يجب القصر على المسافر في الصلوات الرباعية مع اجتماع الشروط الآتية، و أمّا الصبح و المغرب فلا قصر فيهما (1).


1- لا خلاف بين المسلمين في جواز القصر في السفر في الصلوات الرباعية مع اجتماع الشرائط الآتية. و في «التذكرة»: حتّى أنّه لو جحد جاحدٌ جواز القصر في السفر كفر(تذكرة الفقهاء 4: 349.) و لا قصر في الصبح و المغرب إجماعاً من الفريقين. و أمّا وجوب القصر ففيه خلاف بيننا و بين العامّة، و قد أجمع علماؤنا كافّة على وجوبه، بل هو من الضروريّات عندنا، و به قال مالك و أبو حنيفة و أصحابه. و حكي عن أبي حنيفة أنّه قال: إن زاد على ركعتين فإن كان تشهّد في الثانية صحّت صلاته، و ما زاد على الثنتين يكون نافلة، إلّا أن يأتمّ بمقيم فيصلّي أربعاً؛ فيكون الكلّ فريضة اسقط بها الفرض. و قال الشافعي بالخيار بين التقصير و الإتمام، و لكن التقصير أفضل. و قال المزني أيضاً بالخيار، و لكن قال: إنّ الإتمام أفضل، و هذا مذهب عثمان و عبد اللَّه بن مسعود و سعد بن أبي وقّاص و عائشة من الصحابة. ثمّ إنّ القصر في الصلوات الرباعية بحذف الركعتين الأخيرتين، و لا يجوز النقصان عن ذلك إجماعاً. و حكى مسلم في صحيحه عن عبد اللّه بن عبّاس أنّه قال في سفر الأمن يقصّر إلى الركعتين، و في سفر الخوف يقصّر إلى ركعة. و يدلّ على وجوب القصر في الرباعيات- مضافاً إلى الإجماع- أخبار كثيرة: منها: صحيح زرارة و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي؟ و كم هي؟ فقال: «إنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول: «وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ»(النساء( 4): 101.) ؛ فصار التقصير في السفر واجباً كوجوب التمام في الحضر»، قالا: قلنا له: قال اللَّه عزّ و جلّ: «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ» و لم يقل: افعلوا، فكيف أوجب ذلك؟ فقال: «قد قال اللَّه عزّ و جلّ- في الصفا و المروة: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما»(البقرة( 2): 158.) ، أ لا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض؛ لأنّ اللَّه- عزّ و جلّ- ذكره في كتابه و صنعه نبيه، و كذلك التقصير في السفر شي ء صنعه النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ذكر اللَّه في كتابه»(وسائل الشيعة 8: 517، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 22، الحديث 2.) . و منها: صحيح آخر لهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: رجل صلّى في السفر أربعاً، أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قد قُرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قُرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.) . و منها: صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: صلّيتُ الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: «أعد»(وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 6.) ، و غيرها من الروايات الواردة في صلاة المسافر. هنا فروع: الأوّل: إذا دخل وقت الظهر و مضى منه بمقدار الطهارة و الصلاة أربع ركعات و لم يصلّ و خرج إلى السفر، فهل يجب عليه الصلاة تماماً في السفر أو قصراً؟ قال العلّامة في «التذكرة»(تذكرة الفقهاء 4: 352.) : الأقرب عندي وجوب الإتمام، و نسبه إلى القول القديم للشافعي و أحمد. و استدلّ له بقول الصادق عليه السلام لبشير النبّال و قد خرج معه حتّى أتيا الشجرة: «يا نبّال»، قلت: لبّيك، قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك؛ و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»(وسائل الشيعة 8: 515، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 10.) . رواه في «الكافي» و «التهذيب» و «الاستبصار»، و بأنّ الأربعة وجبت عليه و استقرّت في ذمّته؛ لما بيّنا من أنّ الفعل واجب في جميع أجزاء الوقت؛ و لهذا لو أدركت هذا الوقت ثمّ حاضت لم يسقط عنها الفرض، و كذا المغمى عليه. و حكي عن الشيخ جواز القصر و استحباب الإتمام. و استدلّ لجواز القصر بقوله تعالى: «وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ»(النساء( 4): 101.) ، و لاستحباب الإتمام بالجمع بين قول الصادق عليه السلام لبشير النبّال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك» الدالّ على وجوب الإتمام، و بين قوله عليه السلام- و قد سأله إسماعيل بن جابر- قلت: يدخل وقت الصلاة و أنا في أهلي اريد السفر، فلا اصلّي حتّى أخرج، قال: «صلّ و قصّر، فإن لم تفعل فقد و اللَّه خالفت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.) ، رواه في «الفقيه» و «التهذيب» و «الاستبصار»، حيث حمل رحمه الله رواية بشير النبّال على الاستحباب و رواية إسماعيل بن جابر على إجزاء القصر. أقول: لا وجه لحمل رواية البشير على الاستحباب، و هو ليس بأولى من حمل الأمر في رواية إسماعيل عليه؛ و لذا جمع العلّامة رحمه الله بين الروايتين بحمل رواية إسماعيل الدالّة على وجوب القصر على ما لو دخل الوقت و خرج إلى السفر قبل مضيّه بمقدار الصلاة و الطهارة. و التحقيق في المسألة: أنّ الصلاة بالنسبة إلى أجزاء وقته واجب تخييري؛ ففي أيّ جزء منه اتي المأمور به أجزأ و سقط التكليف؛ تماماً كان أو قصراً. الثاني: لو كان مسافراً و لم يصلّ قصراً ثمّ حضر و الوقت باقٍ أتمّ، و هو قول الشافعي. و يدلّ عليه قول الصادق عليه السلام لإسماعيل بن جابر و قد سأله: يدخل عليَّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا اصلّي حتّى أدخل أهلي: «صلّ و أتمّ»(نفس المصدر.) ، هذا. مضافاً إلى أنّه حاضر، و لا سبب للقصر؛ فوظيفته الإتمام. الثالث: لو كان مسافراً و لم يصلّ حتّى بقي من الوقت بمقدار ركعة أو ركعتين فعن الشيخ في «الخلاف»: أنّ فيه خلافاً بين أصحابنا؛ فمن قال: إنّ الصلاة تكون أداءً بإدراك ركعة في الوقت أوجب القصر، و هو المشهور المختار، بل ادّعى في «الخلاف» إجماع الامّة. و من قال: إنّ بعضها أداء و بعضها قضاء قال بعدم جواز التقصير؛ لأنّه غير مؤدٍّ لجميع الصلاة في الوقت. الرابع: لو كان مسافراً و لم يصلّ حتّى بقي من الوقت أقلّ من ركعة واحدة لا يجوز له الصلاة أداءً؛ لفوات الوقت؛ فوجب عليه القضاء قصراً. الخامس: لو خرج إلى السفر و قد بقي من الوقت بمقدار أقلّ من ركعة وجب عليه القضاء تماماً إجماعاً؛ لفواتها في الحضر.

ص: 250

ص: 251

ص: 252

ص: 253

و يشترط في التقصير للمسافر امور:
أحدها: المسافة،
اشارة

و هي ثمانية فراسخ امتدادية ذهاباً أو إياباً أو ملفّقة؛ بشرط عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة (1)؛


1- اشتراط المسافة المحدودة بحدّ معلوم ممّا لا خلاف فيه بيننا و بين العامّة، و خالف فيه داود الظاهري فإنّه قال: المسافر يقصّر بمجرّد الضرب في الأرض، فاكتفى بحصول مسمّى السفر؛ قليلًا كان أو كثيراً. و أمّا تحديد المسافة بكونها ثمانية فراسخ امتدادية لا أقلّ و لا أكثر، فيدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- النصوص المستفيضة، كرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنّه سمعه يقول: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقلّ من ذلك و لا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل، فوجب التقصير في مسيرة يوم. و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة؛ لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم؛ فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في غيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما»(وسائل الشيعة 8: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 1.) . و منها: صحيح عبد اللّه بن يحيى الكاهلي أنّه سمع الصادق عليه السلام يقول في التقصير في الصلاة: «بريد في بريد أربعة و عشرون ميلًا»، ثمّ قال: «كان أبي يقول: إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء و الدابّة الناجية، و إنّما وضع على سير القطار»(وسائل الشيعة 8: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 3.) . و منها: رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون: «و التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد، و إذا قصّرت أفطرت»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 6.) . و منها: موثّقة سماعة قال: سألته عن المسافر في كم يقصّر الصلاة؟ فقال: «في مسيرة يوم، و ذلك بريدان، و هما ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 8.) . و منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: قلت له: كم أدنى ما يقصّر فيه الصلاة؟ قال: «جرت السنّة ببياض يوم»، فقلت له: إنّ بياض يوم يختلف؛ يسير الرجل خمسة عشر فرسخاً في يوم، و يسير الآخر أربعة فراسخ و خمسة فراسخ في يوم، قال: فقال: «إنّه ليس إلى ذلك ينظر، أما رأيت سير هذه الأثقال (الأميال) بين مكّة و المدينة؟!» ثمّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلًا يكون ثمانية فراسخ(وسائل الشيعة 8: 455، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 15.) و قد نقل الشيخ رحمه الله في «الخلاف» أقوالًا عن علماء العامّة في تحديد المسافة؛ فقال: و قال الشافعي: مرحلتان ستّة عشر فرسخاً ثمانية و أربعون ميلًا، نصّ عليه في البويطي. و منهم من قال: ستّة و أربعون ميلًا. و منهم من قال: زيادة على الأربعين، ذكره في القديم. و قال أصحابه: إنّ كلّ ميلين اثنا عشر ألف قدم، و بمذهبه قال ابن عمر و ابن عبّاس و مالك و الليث بن سعد و أحمد و إسحاق. و قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري: السفر الذي يقصّر فيه ثلاث مراحل أربعة و عشرون فرسخاً اثنان و سبعون ميلًا، و روي ذلك عن ابن مسعود- ابن عبّاس خ. ل- و قال داود: أحكام السفر يتعلّق بالسفر الطويل و القصير(الخلاف 1: 568، المسألة 320.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الروايات تحديد المسافة بمسيرة يوم و ليلة، كما في صحيح زكريا بن آدم أنّه سأل أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التقصير في كم يقصّر الرجل إذا كان في ضياع أهل بيته و أمره جائز فيها يسير في الضياع يومين و ليلتين و ثلاثة أيّام و لياليهنّ؟ فكتب: «التقصير في مسيرة يوم و ليلة»(وسائل الشيعة 8: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 5.) . و في بعضها الآخر بمسيرة يومين، كما في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس للمسافر أن يتمّ الصلاة في سفره مسيرة يومين»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 9.) ، و الحكم بالإتمام محمول على التقية. و في ثالث بمسير ثلاثة برد، كما في صحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يريد السفر في كم يقصّر؟ فقال: «في ثلاثة برد»(وسائل الشيعة 8: 454، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 10.) . و الجواب أوّلًا: أنّ الروايات المذكورة و إن كان بعضها صحيحاً سنداً و لكن التحديدات المذكورة فيها معرض عنها عند الأصحاب. و ثانياً: أنّها محمولة على التقية؛ لموافقتها للعامّة. ثمّ إنّه قد عبّر عن المسافة في بعض الروايات بمسير يوم، كما في صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يخرج في سفره و هو في مسيرة يوم، قال: «يجب عليه التقصير في مسيرة يوم و إن كان يدور في عمله»(وسائل الشيعة 8: 455، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 16.) . و في بعضها الآخر ببياض يوم، كما في صحيحة أبي بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: في كم يقصّر الرجل؟ قال: «في بياض يوم أو بريدين»(وسائل الشيعة 8: 454، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 11.) . و قد يقع الاختلاف في مسير اليوم بحسب الأمكنة و الأزمنة و السائرين و دوابّ السير و السعي فيه و عدمه، و ربّما حصل اختلاف في تقديره فيما لو وقع السير في الليل أو الملفّق منه و من النهار؛ إذ لم يعلم أنّ التقدير بمقدار يوم تلك الليلة أو يوم آخر. فحينئذٍ نقول: إنّ المتبادر من بياض اليوم- الذي وقع التعبير به في بعض الأخبار- إرادة يوم الصوم من أوّل طلوع الفجر، و لكن المراد السير الواقع فيه بحسب الظاهر هو ما تعارف فيه عند سير القوافل لا استيعاب السير من أوّل طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة؛ بمعنى اعتبار الاعتدال و حدّ الوسط في الوقت و السير و المكان و السائر؛ و لذا عبّر في بعض الروايات ببريدين و ثمانية فراسخ، حيث إنّ المتعارف في مسير اليوم هو بريدان و ثمانية فراسخ. و قد اشير في بعض الروايات إلى هذا المتعارف، كما في صحيحة الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام المتقدّمة قال: «لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل و الأثقال»(وسائل الشيعة 8: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 1.) . و صحيحة عبد اللّه بن يحيى الكاهلي المتقدّمة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان أبي يقول: «إنّ التقصير لم يوضع على البغلة السفواء و الدابّة الناجية، و إنّما وضع على سير القطار»(وسائل الشيعة 8: 452، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 3.) و صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في جواب سؤال السائل عن اختلاف السير في بياض اليوم، قال عليه السلام: «إنّه ليس إلى ذلك ينظر، أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكّة و المدينة؟!»، ثمّ أومأ بيده أربعة و عشرين ميلًا يكون ثمانية فراسخ(وسائل الشيعة 8: 455، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 15.) إذا عرفت هذا كلّه فاعلم: أنّه لا خلاف بين الإمامية في وجوب القصر فيما كان الذهاب أو الإياب ثمانية فراسخ امتدادية. و أمّا إذا كان الذهاب و الإياب ملفّقاً ثمانية فراسخ، فعن الأكثر بل المشهور وجوب القصر، و عن الشيخ في «الاستبصار» و «التهذيب» التخيير بين القصر و الإتمام، و لكن التخيير ليس فتواه؛ لتصريحه في غير موضع من «المبسوط» و «النهاية» بوجوب القصر. و نسب الميل إلى التخيير إلى الشهيد في «الذكرى» و «الروض» و صاحب «المدارك». و يدلّ على وجوب القصر صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «التقصير في بريد، و البريد أربع فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريدٌ ذاهباً و بريد جائياً»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 2.) . و حسن سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً ...»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 4.) الحديث. و موثّق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التقصير، قال: «في بريد»، قلت: بريد؟ قال: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه»(وسائل الشيعة 8: 459، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 9.) . و صحيح آخر لزرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير، فقال: «بريد ذاهب و بريد جائي»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 14.) . و في الحديث الخامس عشر قال: «و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتى ذباباً قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 15.) . و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «إنّما وجبت الجمعة على من يكون على (رأس) فرسخين لا أكثر من ذلك لأنّ ما تقصّر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً و بريد جائياً، و البريد أربعة فراسخ؛ فوجبت الجمعة على من هو نصف البريد الذي يجب فيه التقصير؛ و ذلك لأنّه يجي ء فرسخين و يذهب فرسخين، و ذلك أربعة فراسخ، و هو نصف طريق المسافر»(وسائل الشيعة 8: 462، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 18.) . و رواية «تحف العقول» عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «و التقصير في أربعة فراسخ بريدٌ ذاهباً و بريدٌ جائياً اثنى عشر ميلًا، و إذا قصّرت أفطرت»(وسائل الشيعة 8: 462، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 19.) . و قد ورد في الروايات المعتبرة وجوب القصر على أهل مكّة في خروجهم إلى عرفات و منى: فمنها: صحيح معاوية بن عمّار أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّ أهل مكّة يتمّون الصلاة بعرفات، فقال: «ويلهم أو ويحهم و أيّ سفر أشدّ منه؟! لا، لا تتمّ»(وسائل الشيعة 8: 463، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 1.) . و منها: موثّق معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: في كم اقصّر الصلاة؟ فقال: «في بريد، أ لا ترى أنّ أهل مكّة إذا خرجوا إلى عرفة كان عليهم التقصير؟!»(وسائل الشيعة 8: 464، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 5.) . و منها: صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «حجّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأقام بمنى ثلاثاً يصلّي ركعتين، ثمّ صنع ذلك أبو بكر و صنع ذلك عمر، ثمّ صنع ذلك عثمان ستّ سنين، ثمّ أكملها عثمان أربعاً فصلّى الظهر أربعاً ثمّ تمارض ليشدّ (ليسدّ) بذلك بدعته، فقال للمؤذّن: اذهب إلى علي عليه السلام فقل له: فليصلّ بالناس العصر، فأتى المؤذّن علياً عليه السلام فقال له: إنّ أمير المؤمنين عثمان يأمرك أن تصلّي بالناس العصر، فقال: إذن لا اصلّي إلّا ركعتين كما صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فرجع (فذهب) المؤذّن فأخبر عثمان بما قال علي عليه السلام، فقال: اذهب إليه و قل له: إنّك لست من هذا في شي ء، اذهب فصلّ كما تُؤمر، فقال عليه السلام: لا و اللَّه لا أفعل، فخرج عثمان فصلّى بهم أربعاً. فلمّا كان في خلافة معاوية و اجتمع الناس عليه و قتل أمير المؤمنين عليه السلام حجّ معاوية فصلّى بالناس بمنى ركعتين الظهر ثمّ سلّم، فنظر بنو اميّة بعضهم إلى بعض و ثقيف و من كان من شيعة عثمان، ثمّ قالوا: قد قضى على صاحبكم و خالف و أشمت به عدوّه، فقاموا فدخلوا عليه فقالوا: أ تدري ما صنعت؟ ما زدت على أن قضيت على صاحبنا و أشمتّ به عدوّه و رغبت عن صنيعه و سنّته، فقال: ويلكم أما تعلمون أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى في هذا المكان ركعتين و أبو بكر و عمر و صلّى صاحبكم ستّ سنين كذلك، فتأمروني أن أدع سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم و ما صنع أبو بكر و عمر و عثمان قبل أن يحدث؟! فقالوا: لا و اللَّه ما نرضى عنك إلّا بذلك، قال: فأقبلوا فإنّي متّبعكم (مشفعكم) و راجع إلى سنّة صاحبكم، فصلّى العصر أربعاً. فلم يزل الخلفاء و الامراء على ذلك إلى اليوم»(وسائل الشيعة 8: 465، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 9.) . و بهذه الأخبار يجمع بين ما دلّ على تحديد المسافة بالبريدين كالطائفة المشار إليها سابقاً، و بين ما دلّ على تحديدها بالبريد كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 1.) ، و صحيح زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «يقصّر الرجل الصلاة في مسيرة اثنى عشر ميلًا»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 3.) ، و صحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير، فقال: «في أربعة فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 5.) . و يوضح ذلك الحمل ما في صحيح زرارة المتقدّم قال: «و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم إذا أتى ذباباً قصّر، و ذباب على بريد، و إنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 15.) . و المروي في «الكافي» عن محمّد بن أسلم (مسلم) عن إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر، فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم التقصير ... إلى أن قال عليه السلام: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما أقاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و روى الصدوق نحوه في «العلل» و زاد: قال: ثمّ قال: «هل تدري كيف صار هكذا؟» قلت: لا، قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير ...»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) الخبر، و هو ضعيف بمحمّد بن أسلم. و الحاصل: أنّ صحيح زرارة و رواية إسحاق بن عمّار يفسّران الروايات الدالّة على كون المسافة ثمانية فراسخ بأنّها أعمّ من كونها ذهاباً أو إياباً أو ملفّقاً، و يقيّدان ما دلّ على أنّ المسافة أربعة فراسخ بكونها منضمّة إليها أربعة جائياً. و لا يخفى: أنّه اختلف فقهاؤنا في المسافة الملفّقة؛ فقال جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»- إنّ الأقوى وجوب التقصير مطلقاً؛ أي سواء كان كلّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ، أو كان الذهاب زائداً على الأربعة و الإياب ناقصاً عنه، أو بالعكس و لو كان الذهاب فرسخاً و الإياب سبعة فراسخ مثلًا. و قال جماعة اخرى- منهم السيّد الحكيم و السيّد الخوئي- إنّه يعتبر كون كلٍّ من الذهاب و الإياب أربعة فراسخ. و هذا القول هو المختار عندنا. و قال ثالث- منهم المصنّف رحمه الله- باعتبار كون الذهاب أربعة فراسخ أو أزيد فلا يخلّ كون الإياب أقلّ من أربعة فراسخ في وجوب القصر فيما كان المجموع ثمانية فراسخ. و استدلّ للقول الأوّل أوّلًا: بأنّ المسافة في لسان الروايات محدودة بثمانية فراسخ و لو كانت ملفّقة، و أنّ التعبير عن التلفيق فيها و إن كان بعبارات تدلّ على كون الذهاب بريداً و الإياب أيضاً بريداً و لكنّه باعتبار أنّه مسير يوم؛ فالمعيار هو مسير اليوم مطلقاً و لو كان ملفّقاً مطلقاً؛ أي و لو كان إيابه أكثر من ذهابه. و يمكن استفادة ذلك من موثّقة ابن مسلم المتقدّمة قال عليه السلام: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه»(وسائل الشيعة 8: 459، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 9.) . و من التعليل في صحيحة زرارة المتقدّمة قال: «و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ... لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 15.) ، حيث إنّ الرجوع و إن كان بريداً كالذهاب لكن التعليل بكون سفره بريدين ثمانية فراسخ يشمل ما كان الذهاب أقلّ، و كذا التعليل في رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و ثانياً: بأنّ التعبير في بعض الروايات بالبريد ذاهباً و البريد جائياً إنّما هو باعتبار الغالب الغير الصالح لتقييد مطلقات التعليلات المذكورة. و الجواب عن الأوّل: أنّ شغل يومه و كذا كون السفر بريدين و إن كان مطلقاً شاملًا لمطلق ثمانية فراسخ و إن كان الذهاب فيه أقلّ من الإياب، لكنّه يجب تقييده بنصوص البريد المقيّدة بالبريد ذاهباً و البريد جائياً؛ فلا وجه لتقديم التعليلات المذكورة على النصوص المقيّد فيها كون كلّ من الذهاب و الإياب بريداً. و استشكل في «المستمسك» على التمسّك بإطلاق التعليلات بأنّه يلزم الاكتفاء بمجرّد شغل اليوم و لو بالتردّد بميل ذاهباً و آيباً أربعاً و عشرين مرّة، و هو ممّا لا يمكن الالتزام به(مستمسك العروة الوثقى 8: 10.) ، انتهى. كذا في رسالة بحر العلوم «مبلغ النظر في حكم قاصد الأربعة من مسائل السفر»، قال: فلا رخصة في التعليل كالميل و الميلين و إن بلغ بكثرة التردّد مبلغ السفر، انتهى. و عن الثاني: أنّ تقييد مطلقات التعليلات بأخبار البريد ذاهباً و البريد جائياً أولى من حملها على الغالب. و استدلّ للقول الثاني بصريح الروايات و تقييدها الملفّق بكون كلّ من الذهاب و الإياب بريداً، و هو الأقوى عندنا. و استدلّ للقول الثالث بظهور أخبار البريد في كفاية كون الذهاب بريداً في وجوب التقصير، و ضمّ الإياب إنّما هو لتتميم الثمانية لا لكونه ملحوظاً بالأصالة كالذهاب. و فيه: أنّ الأخبار الصريحة بكون الذهاب بريداً و الإياب بريداً تدلّ على أنّ المعتبر عدم نقص كلّ من الذهاب و الإياب عن البريد.

ص: 254

ص: 255

ص: 256

ص: 257

ص: 258

ص: 259

ص: 260

ص: 261

ص: 262

ص: 263

ص: 264

سواء اتّصل إيابه بذهابه و لم يقطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء، أو قطعه بذلك؛ لا على وجه تحصل به الإقامة القاطعة للسفر و لا غيرها من القواطع، فيُقصِّر و يُفطر، إلّا أنّ الأحوط- احتياطاً شديداً- في الصورة الأخيرة التمام مع ذلك و قضاء الصوم (1).


1- لا خلاف بين أصحابنا في أنّ القاصد لثمانية فراسخ ذهاباً أو إياباً يقصّر مطلقاً- و إن بات قبل الوصول إلى الثمانية- ما دام لم يتحقّق أحد قواطع السفر. و أمّا في الثمانية الملفّقة ففيها خلاف بينهم؛ قال بحر العلوم في الرسالة: ففي وجوب القصر فيها مطلقاً تعييناً أو تخييراً، أو لمريد الرجوع مطلقاً على التعيين مع تعيين الإتمام لغيره، أو التخيير بينه و بين القصر، أو لمريد الرجوع ليومه على التخيير فيتعيّن الإتمام لغيره، أو التعيين فيتمّ غيره، أو يتخيّر، أو المنع من القصر مطلقاً، خلافٌ. منشؤه اختلاف الأخبار عن الأئمّة الأطهار- صلوات اللَّه عليهم آناء الليل و أطراف النهار- انتهى. و في المسألة أقوال: أحدها: عدم اعتبار كون الذهاب و الإياب في يوم واحد أو في ليلة واحدة أو في الملفّق منهما؛ فلا يعتبر اتّصال إيابه بذهابه في مقدار مسير اليوم و عدم قطعه بمبيت ليلة فصاعداً في الأثناء، بل إذا كان من قصده الذهاب و الإياب و لو بعد تسعة أيّام يجب عليه التقصير. و هذا القول هو المشهور المختار. و في «الجواهر»: فمن كان من قصده السير بريدين أو مقدار بياض يوم قصّر و إن قطع ذلك في أيّام، فالثمانية الملفّقة كالممتدّة في إيجاب القصر. نسب هذا القول إلى العمّاني و الشيخ و القاضي و الفيض الكاشاني و المحدّث البحراني، و هو المشهور بين متأخّري المتأخّرين. و حكي عن العمّاني أنّه قال: «كلّ سفر كان مسافة بريدين- و هو ثمانية فراسخ- أو بريدٌ ذاهباً و بريدٌ جائياً- و هو أربعة فراسخ- في يوم واحد أو ما دون عشرة أيّام، فعلى من سافره عند آل الرسول صلى الله عليه و آله و سلم أن يصلّي صلاة المسافر ركعتين، بل ظاهره أو صريحه- الضمير يعود إلى العمّاني- دعوى الإجماع على ذلك، و هو الحجّة له بعد إطلاق النصوص التي كاد يكون بعضها صريحاً في عدم اعتبار الرجوع ليومه في التقصير»(جواهر الكلام 14: 213.) ، انتهى بتلخيص و توضيح منّا. و يدلّ على هذا القول إطلاق نصوص التلفيق، و ما دلّ على وجوب التقصير على أهل مكّة عند خروجهم إلى عرفات و منى مع عدم رجوعهم في يومه أو ليلته، حيث إنّ بعضها ظاهر و بعضها الآخر صريح في إرادة الخروج إلى عرفة للحجّ الذي لا يجوز معه الرجوع ليومه. ثانيها: تعيّن التمام لغير مريد الرجوع ليومه، و وجوب القصر لمن يريد الرجوع ليومه. و نسب هذا القول إلى السيّد المرتضى رحمه الله و ابن إدريس و العلّامة و المحقّق. و استدلّ له بموثّق ابن مسلم المتقدّم قال: «إنّه ذهب بريداً و رجع بريداً فقد شغل يومه»(وسائل الشيعة 8: 459، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 9.) . و بموثّق سماعة قال: سألته عن المسافر ... إلى أن قال: «و من سافر فقصّر الصلاة و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا مشيّعاً لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 4.) . و في رسالة بحر العلوم حكايةً عن صاحب «الوافي» في بيان معنى الحديث قال: كان المراد يكون القرية مسيرة يوم يكون مجموع ذهابه إليها و عوده منها إلى أهله ثمانية فراسخ، و إنّما لا يقصّر و لا يفطر لأنّه انقطع سفره في أثناء المسافة ببلوغه إلى قريته ... إلى أن قال: و إذا تحقّقت ذلك تبيّن لك دلالة الحديث على اشتراط الرجوع لليوم؛ فإنّه لم يكتف في صيرورة هذا المسير سفراً بمجرّد الرجوع، بل اعتبر فيه البيتوتة إلى الأهل؛ فهي في معنى الرجوع لليوم؛ فيكون شرطاً في التلفيق، و هو المطلوب، انتهى. و بما روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام خرج من الكوفة إلى النخيلة، فصلّى بالناس الظهر ركعتين ثمّ رجع من يومه(بحار الأنوار 86: 15.) ، حيث إنّ نقل رجوعه عليه السلام من يومه أمارة دخله في وجوب القصر. و الجواب عن موثّق ابن مسلم: أنّه في صدد بيان مقدار المسافة و أنّه بريد ذاهباً و بريد إياباً، فهو بمقدار شغل يومه. فالموثّقة بالنسبة إلى اشتراط الرجوع ليومه ساكتة. و عن موثّق سماعة: أنّ السفر و إن كان ثمانية فراسخ إلى القرية- و لو بالذهاب إليها و الإياب عنها- إلّا أنّ القرية كانت وطنه و كان أهله فيها. و ما روي من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ... إلى آخره مرسل غير منجبر. ثالثها: التخيير بين القصر و الإتمام لمن لم يرد الرجوع من يومه. و استدلّ له بما روي في «الفقه الرضوي» قال فيه: «و إن سافرت إلى موضع مقدار أربع فراسخ و لم ترد الرجوع من يومك فأنت بالخيار؛ فإن شئت أتممت و إن شئت قصّرت»(مستدرك الوسائل 6: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 2.) . و فيه: أنّه لم يثبت كون الكتاب للرضا عليه السلام، و في المسألة أقوال اخر فليطلب من مظانّها.

ص: 265

ص: 266

ص: 267

(مسألة 1): الفرسخ ثلاثة أميال، و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد،

الذي طوله عرض أربعة و عشرين إصبعاً، و كلّ إصبع عرض سبع شعيرات، و كلّ شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون، فإن نقصت عن ذلك و لو يسيراً بقي على التمام (1).


1- المقدار المذكور في المتن للميل هو المشهور المعروف بين اللغويين و العرف و الفقهاء. و في «المدارك»: أنّه ممّا قطع به الأصحاب. و في «القاموس»: أنّ الميل قدر مدّ البصر، أو منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حدّ، أو مائة ألف إصبع إلّا أربعة آلاف إصبع أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثنى عشر ألفاً بذراع المحدّثين؟ انتهى. و في «الشرائع»: و الميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد الذي طوله أربع و عشرون إصبعاً؛ تعويلًا على المشهور بين الناس أو مدّ البصر من الأرض(جواهر الكلام 14: 198.) و في «الجواهر»: و لعلّهما بناءً على أنّ المراد ما يتميّز به الفارس من الراجل للبصر المتوسّط في الأرض المستوية أو المتوسّطة من مدّ البصر متقاربان؛ و لذا كان ظاهر المتن التخيير في الاعتبار بكلّ منهما(شرائع الإسلام 1: 122.) و في «المهذّب»: للميل تقديران: مشهوري: و هو أربعة آلاف ذراع باليد، و في بعض الروايات ثلاثة آلاف و خمسمائة، و هي متروكة- إلى أن قال- و وضعي: و هو قدر مدّ البصر في الأرض المستوية لمستوي البصر(المهذب البارع 1: 481.)، انتهى. و الرواية المتروكة إشارة إلى ذيل ما رواه في «الفقيه» مرسلًا عن الصادق عليه السلام قال: و قال الصادق عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لمّا نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم: في كم ذلك؟ فقال: في بريد، فقال: و كم البريد؟ قال: ما بين ظلّ عير إلى في ء وعير، فذرعته بنو اميّة ثمّ جزّءوه على اثنى عشر ميلًا، فكان كلّ ميل ألفاً و خمسمائة ذراع، و هو أربعة فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 461، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 16.) . و في «الجواهر»: ينبغي القطع بسهو ما في «الفقيه» من رواية الخبر المزبور: «ألف و خمسمائة ذراع» بدل «ثلاثة آلاف و خمسمائة ذراع» ؛ لمخالفته لما عليه العلماء من الفقهاء و أهل اللغة، بل و لما يشاهد بالوجدان، كما قيل بين الجبلين المسمّيين بعير و وعير(جواهر الكلام 14: 201.)، انتهى. و لا يخفى: أنّ الاختلاف في مقدار البريد ناشٍ من الاختلاف في مقدار الذراع، و يشهد له ما في «مصباح المنير» لأحمد بن محمّد بن الفيومي قال: الميل- بالكسر- في كلام العرب مقدار مدّ البصر من الأرض، قاله الأزهري. و الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع، و عند المحدّثين أربعة آلاف ذراع. و الخلاف لفظي فإنّهم اتّفقوا على أنّ مقداره ستّ و تسعون ألف إصبع، و الإصبع سبع شعيرات- و في نسخة «المصباح» ستّ- بطن كلّ واحدة إلى ظهر الاخرى، و لكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان و ثلاثون إصبعاً، و المحدّثون يقولون: أربع و عشرون إصبعاً؛ فإذا قسّم الميل على رأي القدماء كلّ ذراع اثنين و ثلاثين كان المتحصّل ثلاثة آلاف ذراع، و إن قسّم على رأي المحدّثين أربعاً و عشرين كان المتحصّل أربعة آلاف ذراع، و الفرسخ عند الكلّ ثلاثة أميال(المصباح المنير: 588.)

ص: 268

ص: 269

(مسألة 2): لو كان الذهاب خمسة فراسخ و الإياب ثلاثة وجب القصر، بخلاف العكس

(1)، و لو تردّد في أقلّ من أربعة فراسخ ذاهباً و جائياً مرّات- حتّى بلغ المجموع ثمانية و أكثر- لم يقصّر و إن كان خارجاً عن حدّ الترخّص، فلا بدّ في التلفيق أن يكون المجموعُ من ذهاب واحد و إياب واحد ثمانيةً (2).


1- وجوب القصر في مفروض المسألة مبني على مختار المصنّف رحمه الله. و أمّا على ما اخترناه فالواجب الإتمام، و قد تقدّم تفصيل الكلام في شرح قوله: «أو ملفّقة بشرط عدم كون الذهاب أقلّ من أربعة»، فراجع.
2- هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه بين أصحابنا. و الظاهر من أخبار التلفيق وحدة الذهاب و الإياب، كما في صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت ، لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريد ذاهباً و بريد جائياً»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 2.) . و صحيح زيد الشحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «يقصّر الرجل الصلاة في مسيرة اثنى عشر ميلًا»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 3.) . و رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام ... ثمّ قال: «هل تدري كيف صار هكذا؟» قلت: لا، قال: «لأنّ التقصير في بريدين، و لا يكون التقصير في أقلّ من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن كانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلّا إتمام الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) الخبر؛ فلا يصدق على من قصد فرسخاً واحداً و تردّد أربع مرّات أنّه سافر ثمانية فراسخ.

ص: 270

(مسألة 3): لو كان للبلد طريقان و الأبعد منهما مسافة دون الأقرب،

فإن سلك الأبعد قصّر (1)


1- هذه المسألة ممّا ادّعي عليه الإجماع، و نسب إلى القاضي الخلاف فيها. و استدلّ له بوجوه مردودة: منها: الشكّ في شمول أدلّة وجوب التقصير عند قصد المسافة لهذا المورد. و فيه: أنّ المقصد إذا قطع من الطريق الأبعد يصدق عليه المسافة الشرعية عرفاً. و منها: أنّه إذا أمكن السير و الوصول إلى المقصد من الطريق الأقرب كان السير من الأبعد و قطع الزائد لا لداعٍ من قبيل السفر اللهوي. و فيه: أنّ السفر اللهوي منصرف إلى غير هذا المورد؛ فلا يشمله، بل قد يكون اختيار الأبعد لأغراض عقلائية، كالفرار من الصوم لاحتمال المرض، و تحرّك عضلات البدن لتحصيل الصحّة و السلامة، و غير ذلك.

ص: 271

و إن سلك الأقرب أتمّ (1)، و إن ذهب من الأقرب و كان أقلّ من أربعة فراسخ بقي على التمام؛ و إن رجع من الأبعد و كان المجموع مسافةً (2).

(مسألة 4): مبدأ حساب المسافة سور البلد،

و فيما لا سور له آخر البيوت. هذا في غير البلدان الكبار الخارقة، و أمّا فيها فهو آخر المحلّة إذا كان منفصل المحالّ؛ بحيث تكون المحلّات كالقُرى المتقاربة، و إلّا ففيه إشكال كالمتّصل المحالّ (3)،


1- لعدم كون سفره مسافة شرعية.
2- و كذا يبقى على التمام فيما إذا ذهب من الأبعد و كان أزيد من أربعة فراسخ و رجع من الأقرب و كان أقلّ من أربعة، و إن كان المجموع مسافة على ما اخترناه سابقاً في المسافة الملفّقة، خلافاً للمصنّف رحمه الله، و قد مرّ تفصيل الأقوال في المسافة الملفّقة. فرع: إذا كان مقصده أقلّ من أربعة فراسخ، و لكن كان إيابه من طريق كان مسافة شرعية ثمانية فراسخ، يجب عليه الإتمام في الذهاب و القصر في الإياب.
3- اختلف أصحابنا في مبدأ المسافة و أنّه مبتدئ البيت و المنزل، أو مبدأ السير، أو آخر خطّة البلد المعبّر عنها بالسور. فعن جماعة: أنّه آخر خطّة البلد في البلاد الصغيرة و المتوسّطة، و آخر محلّته في الكبيرة. و لا يخفى: أنّه لم يرد في خبر عنوان ظاهر في مبدأ المسافة، و ما ورد في الأخبار عبارة عن لفظ البريد و البريدين و مسيرة يوم و بياض يوم و ثمانية فراسخ و أربعة و عشرين ميلًا، و هذه الألفاظ بالنسبة إلى بيان مبدأ المسافة مجملة. نعم في بعض الروايات قد علّق التقصير على السير، كما في ذيل صحيحة أبي ولّاد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء، فسرت يومي ذلك، اقصّر الصلاة ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر اصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام، و كيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير؛ لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك»، قال: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك؛ لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت؛ فوجب عليك قضاء ما قصّرت. و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) . و ذيل رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما قاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و في رواية «العلل»: «فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، و إن كانوا ساروا أقلّ من ذلك لم يكن لهم إلّا إتمام الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) الخبر، فمبدأ المسافة هو ابتداء السير؛ و حينئذٍ يحمل سائر الألفاظ الوارد في الروايات على سير اليوم. و في «الكفاية»: أنّه لا يبعد أن يكون مبدأ التقدير مبدأ سيره بقصد السفر(كفاية الأحكام: 33.) و هذا القول اختاره الفاضل النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»، و قال: فهو المعتبر لا غير؛ سيّما فيما إذا كان المسافر من أهل البوادي و الخيام(مستند الشيعة 8: 209.) ، انتهى. و في بعض الروايات ذكر الخروج من المنزل، كما في حسنة أو صحيحة سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريدان أو بريد ذاهباً و جائياً، و البريد ستّة أميال، و هو فرسخان، و التقصير في أربعة فراسخ؛ فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلًا، و ذلك أربعة فراسخ، ثمّ بلغ فرسخين و نيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمّ رجع عن نيته أعاد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 4.) . و في «الوسائل»: و تفسير البريد بستّة أميال و بفرسخين شاذّ مخالف للنصوص الكثيرة ... إلى آخر ما ذكره. و مرسلة «المقنع» قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل أتى يتسوّق سوقاً بها و هي من منزله على أربع (سبع) فراسخ، فإن هو أتاها على الدابّة أتاها في بعض يوم، و إن ركب السفن لم يأتها في يوم، قال: «يتمّ الراكب الذي يرجع من يومه صوماً، و يقصّر صاحب السفن»(وسائل الشيعة 8: 467، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 13.) . و مرسلة إبراهيم بن هاشم عن رجل عن صفوان قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلًا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟ قال: «لا يقصّر و لا يفطر؛ لأنّه خرج من منزله، و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه. و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك»(وسائل الشيعة 8: 468، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 1.) . و موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخرج في حاجة، فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ، و يأتي قرية فينزل بها، ثمّ يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك، ثمّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 3.) . و مرسلة عبد اللّه بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج من منزله يريد منزلًا له آخر أو ضيعة له اخرى، قال: «إن كان بينه و بين منزله أو ضيعته التي يؤمّ بريدان قصّر، و إن كان دون ذلك أتمّ»(وسائل الشيعة 8: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 3.) إذا عرفت هذا فاعلم: أنّ القاصد للمسافة في البلاد الصغيرة و المتوسّطة لا يصدق عليه المسافر ما دام لم يخرج من البلد؛ فلذا يعتبر أن يكون مبدأ المسافة فيها سور البلد، و فيما لا سور له آخر البيوت، و في البلاد الكبيرة جدّاً- كطهران في إيران- آخر محلّته إذا كان منفصل المحالّ كالقرى المتقاربة. و أمّا إذا كان متّصل المحالّ فإن صدق على الخارج من محلّته إلى محلّة اخرى أنّه مسافر عرفاً كان المبدأ آخر محلّته، و إلّا فسور البلد أو آخر البيوت.

ص: 272

ص: 273

ص: 274

ص: 275

فالأحوط الجمع فيها فيما إذا لم يبلغ المسافة من آخر البلد و كان بمقدارها إذا لوحظ منزله؛ و إن كان القول بأنّ مبدأ الحساب في مثلها من منزله ليس ببعيد (1).


1- و يمكن الاستئناس عليه من مرسلة إبراهيم بن هاشم عن رجل عن صفوان عن الرضا عليه السلام في حديث أنّه سُئل عن رجل خرج من بغداد فبلغ النهروان، و هي أربعة فراسخ من بغداد، قال: «لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك»(وسائل الشيعة 8: 458، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 8.) . وجه الاستئناس: أنّ السائل و إن كان سأل عن الخروج من بغداد و لا يصدق الخروج منه إلّا بالخروج عن انتهائه، و لكن المعصوم عليه السلام أجاب بالخروج من المنزل. فالأحوط في البلاد الكبيرة الجمع فيما لم يبلغ المسافة من آخر البلد و كان بمقدارها من منزله، و كذا فيما كان بمقدارها من آخر محلّته في متّصل المحالّ. و لا بأس بنقل عبارة بعض الأعاظم في المسألة: قال العلّامة رحمه الله في «التذكرة»: لو كانت قريتان متقاربتان، فأراد أن يسافر من أحدهما على طريقة الاخرى فإن اتّصل البناء اشترط مفارقة الاخرى؛ لأنّهما صارتا كالقرية الواحدة، و إن كان بينهما فصل قصّر قبل مفارقة الاخرى إن خفيت جدران قريته و أذانها، و هو ظاهر مذهب الشافعي(تذكرة الفقهاء 4: 381.) ، انتهى. و قال الشيخ الأنصاري رحمه الله في «كتاب الصلاة» في بيان مبدأ المسافة: مبدؤها من آخر بلده على ما صرّح به غير واحد، و يمكن استفادته من تضاعيف الأخبار. و قيل من منزله، و قيل من حدّ الترخّص. و في موثّقة عمّار: «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ» ، و لو كانت له بيت واحد في برية فمبدؤها من بيته، و لو كان في قرية فمن قريته(الصلاة، الشيخ الأنصاري: 388/ السطر 21.) ، انتهى. و لقد أجاد السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» حيث قال: فالأولى أن يقال: إنّ ظاهر الأدلّة اعتبار صدق السفر في تمام المسافة؛ فيكون مبدأ المسافة أوّل حركة يصدق عليها السفر، و لأجل ذلك حصل الاختلاف؛ فإنّ من كان في البيداء يصدق السفر على أوّل خطوة يخطوها، و من كان في القرية أو البلد لا يصدق عليه أنّه مسافر إلّا بالخروج عنهما، و من كان في البلاد الكبيرة جدّاً يصدق عليه المسافر إذا بعد عن أهله و وصل إلى موضع لا يحسب أنّه من أهله، و المسألة محتاج إلى التأمّل(مستمسك العروة الوثقى 8: 26.) ، انتهى.

ص: 276

ص: 277

(مسألة 5): لو كان قاصداً للذهاب إلى بلد، و كان شاكّاً في كونه مسافة أو معتقداً للعدم،

ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافة يقصّر و إن لم يكن الباقي مسافة (1).


1- موضوع وجوب القصر هو قصد سفر كان مسافة في الواقع؛ سواءٌ علم به قبل الذهاب أو كان ظانّاً به أو كان شاكّاً فيه ثمّ بان أنّه ثمانية فراسخ، أو كان معتقداً و قاطعاً بأنّه أقلّ من المسافة ثمّ بان في أثناء السير كونه مسافة و إن لم يكن الباقي بعد التبيّن مسافة، ففي هذه الصور كلّها يقصّر؛ لأنّه كان قاصداً لمسافة واقعية، و لا دليل على اشتراط علمه أوّلًا بأنّ مقصوده مسافة و الأصل عدمه. و في «مستند الشيعة»: مع أنّ في مرسلة ابن بكير: «إذا كان بينك و بين ما تؤمّ بريدان تقصّر»(وسائل الشيعة 8: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 3( مع تفاوت يسير).) ، و هو صادق في المورد(مستند الشيعة 8: 212.)، انتهى. و احتمل الشهيد في «الروض» اشتراط سبق العلم بالمسافة، و هذا الاحتمال ضعيف؛ لمخالفته إطلاق أدلّة وجوب القصر في المسافة. و في «المستمسك»: و دعوى أنّ ظاهر أدلّة اعتبار القصد لزوم قصد الثمانية فراسخ الموقوف على العلم بها ممنوعة، بل الظاهر منها قصد السفر في مسافة هي في الواقع ثمانية(مستمسك العروة الوثقى 8: 21.)، انتهى. و هذه الدعوى صدرت من صاحب «الحدائق» رحمه الله حيث إنّه بعد نقل كلام صاحب «المدارك» القائل بوجوب التقصير على من سافر مع الجهل ببلوغ المسافة ثمّ ظهر أنّ المقصد مسافة، قال: فهو عندي محلّ إشكال، و إن كان قد تقدّمه في ذلك الشهيد في «الذكرى»؛ لأنّ من جملة الشروط- كما سيأتي إن شاء اللَّه تعالى- قصد المسافة، و هو السفر الشرعي، و هذا في حال خروجه و الحال هذه لم يحصل له هذا القصد؛ و لهذا إن فرضه التمام و قد صلّى تماماً بناءً على ذلك فهو حاضر غير مسافر، و قصد السفر بعد ظهور كون المقصد مسافة مع نقصان الباقي عن المسافة غير مجدٍ و لا مسوّغ للقصر؛ لعدم المسافة في الباقي، و البناء على ما مضى مع عدم نية قصد المسافة فيه مشكل، كما عرفت. و ما نحن فيه في الحقيقة مثل طالب الآبق و الحاجة الذي سار مسافة أو أقلّ من غير قصد المسافة ثمّ ظهر له أنّ حاجته في مكان يقصر عن المسافة الشرعية؛ فإنّه لا ريب و لا إشكال في أنّه يتمّ في سفره المذكور بعد خروجه و بعد ظهور كون حاجته في محلّ كذا من ما يقصر عن المسافة. و لا يضمّ ما تقدّم إلى هذه المسافة الباقية، و يجب عليه التقصير حينئذٍ، بل الواجب عليه هو التمام(الحدائق الناضرة 11: 308.) ، انتهى. و قياسه رحمه الله ما نحن فيه على طالب الآبق و الحاجة قياس مع الفارق؛ لأنّ المسافر فيما نحن فيه قاصد للمسافة، و طالب الآبق و الحاجة لم يقصد المسافة، كما صرّح به. فرع: لو شكّ في بلوغ المسافة- أيّ شكّ في كون سفره مسافة- و لا شي ء يرجع إليه من بيّنة و نحوها أتمّ؛ لأصالة عدم تحقّق موجب القصر. و لو صلّى قصراً أعاد و لو انكشف بعداً كونه مسافة.

ص: 278

ص: 279

(مسألة 6): تثبت المسافة بالعلم و بالبيّنة

(1)،


1- يجب القصر بالعلم بالمسافة؛ سواء حصل العلم بالاختبار أو بالشياع أو بالقرائن. و قال غير واحد من الأصحاب بثبوتها بالاطمئنان و الوثوق الجاري مجرى اليقين الخالص عن شائبة الاحتمال. و هل يكتفى في ثبوت المسافة بالبيّنة؟ فيه قولان: الأوّل: جواز الاكتفاء بها، و به قال أكثر فقهائنا، و في «الجواهر»: بلا خلاف معتدّ به أجده فيه، كما لا يخفى على المتتبّع لكلمات الأصحاب في المقام و غيره(جواهر الكلام 14: 204.) و استدلّ عليه بعموم قوله عليه السلام: «إذا شهد عندك المسلمون فصدّقهم»(وسائل الشيعة 19: 82، كتاب الوديعة، الباب 6، الحديث 1.) ، و لعدم اشتراط قبولها بالتداعي عند الحاكم، حيث إنّ العدالة و الفسق و الاجتهاد و الأعلمية و الفقر و الغناء و غيرها من الموضوعات الخارجية تثبت بشهادة العدلين. و هذا القول هو الأقوى عندنا. و القول الآخر: عدم جواز الاكتفاء بالبيّنة في ثبوت المسافة. و لعلّ ذلك لتوهّم اختصاص حجّية البيّنة بالتداعي بين يدي الحاكم. ذهب إليه النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة»، و قال: و لا دليل على اعتبار العدل أو العدلين في خصوص المورد أو كلّياً(مستند الشيعة 8: 212.) و فيه: أنّه لا دليل على اختصاص حجّيتها بالتداعي فقط؛ للإجماع على حجّيتها في غيره ممّا ذكرنا و غيره من الموضوعات الخارجية. و توقّف في «الذخيرة» في كفاية البيّنة في ثبوت المسافة، و هو في غير محلّه. بقي الكلام في تعارض البيّنتين: قال جماعة من فقهائنا بتقديم بيّنة الإثبات؛ منهم العلّامة و المحقّق و الشهيد في «الذكرى»، قال في «التذكرة»: لو تعارضت البيّنتان وجب القصر؛ عملًا ببيّنة الإثبات(تذكرة الفقهاء 4: 372.) و استدلّ له بأنّ إقامة البيّنة وظيفة المثبت للمسافة، و لأنّ شهادة النفي غير مسموعة، كتقديم شهادة بيّنة الجرح في الراوي، و لأنّ بيّنة النفي إذا كان مستندها الأصل تسقط عن الاعتبار بسقوط الأصل و بطلانه؛ لأنّ الأصل محكوم على البيّنة، و دليلٌ حيث لا دليل في البين. و لا يخفى: أنّ الاستدلال المزبور مسلّم فيما إذا كان مورد بيّنة النفي، نفي ما أثبتته بيّنة الإثبات فقط؛ بأن تشهد بيّنة الإثبات بأنّ السفر ثمانية فراسخ، و تشهد بيّنة النفي بأنّه ليست ثمانية فراسخ. و أمّا إذا كانت بيّنة النفي متضمّنة للإثبات، كما لو قال أحد البيّنتين: إنّه ثمانية فراسخ، و قال الآخر: لا بل سبعة- مثلًا- و لم يكن ترجيح في البين لإحدى البيّنتين على الاخرى، فقيل بالتخيير بينهما؛ لأنّهما دليلان تعارضا، و قيل بالاحتياط و الجمع بين القصر و الإتمام، و هو حسن. و الأقوى وجوب التمام؛ للأصل، كما في الشاكّ في المسافة، و سيأتي توضيحه.

ص: 280

ص: 281

و لو شهد العدل الواحد فالأحوط الجمع (1)، فلو شكّ في بلوغها أو ظنّ به بقي على التمام (2)،


1- قال الشهيد في «الذكرى»: لا يكفي إخبار الواحد، و يحتمل الاكتفاء به إذا كان عدلًا؛ جعلًا لذلك من باب الرواية لا من باب الشهادة(ذكرى الشيعة 4: 312.) ، انتهى. أقول: قول العدل الواحد في المسألة إن كان خبراً يجب قبوله و يترتّب عليه الأثر، و إن كان شهادة فلا يقبل؛ فلا يترك الاحتياط بالجمع. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قوّى احتمال قبوله. و استدلّ له بإطلاق أدلّة حجّية الخبر الواحد، و قبوله في الأعظم من ذلك، و عدم كون ما نحن فيه من باب الشهادة(جواهر الكلام 14: 205.)
2- أمّا وجوب التمام فيما إذا شكّ في بلوغ المسافة فلأصالة عدم تحقّق الموجب للقصر؛ فيرجع إلى عموم ما دلّ على وجوب التمام على كلّ مكلّف. و الخارج من هذا العموم و الأصل هو المسافر الثابت كون سفره ثمانية فراسخ وجداناً أو تعبّداً الواجد لسائر شرائط وجوب القصر، و غيره مندرج تحت العموم المذكور. و توهّم: أنّ مقتضى الأصل المزبور عدم وجوب القصر، و أمّا وجوب التمام فهو مبني على كون سفره ناقصاً من ثمانية فراسخ، و هذا ممّا لا يمكن إحرازه؛ لأنّه من قبيل تعيين الحادث بالأصل؛ فمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف هو الجمع بين القصر و الإتمام؛ تحصيلًا للبراءة اليقينية عمّا اشتغلت ذمّته عليه يقيناً. فأصالة عدم حدوث ما يوجب القصر لا يجدي في إحراز أنّ المسافة أقلّ من الثمانية كي يترتّب عليه وجوب التمام؛ لكونه من الاصول المثبتة. مدفوع: بأنّ وجوب التمام هو مقتضى عموم الدليل المثبت للتمام على المكلّفين الغير القاصدين سفراً واجداً لشرائط وجوب القصر؛ فمتى شكّ في تحقّق السفر المزبور يبني على عدمه بحكم الأصل. فلا يتوقّف تنجّز التكليف بالتمام على إحراز كون سفره ناقصاً عن المسافة كي يقال: إنّ الأصل بالنسبة إليه مثبت. و الحاصل: أنّ تنجّز التكليف بالتمام ليس مشروطاً بكون سفره ناقصاً من ثمانية فراسخ، بل عدم حدوث السفر الموجب للقصر موافق للأصل و كافٍ في تنجّز التكليف، و معه لا يبقى لعلمه الإجمالي أثرٌ في إيجاب الاحتياط؛ لأنّه مع جريان الأصل المزبور لا يلزم مخالفة قطعية للحكم المعلوم بالإجمال. و توهّم: أنّ إثبات حكم العامّ في السفر المشكوك كونه مسافة- الذي هو من الشبهات الموضوعية- من باب التمسّك بالعامّ في الشبهات المصداقية، مدفوع بأنّه ليس من ذلك الباب، بل من قبيل إحراز موضوع العامّ بالأصل. و أمّا وجوب التمام فيما إذا حصل الظنّ ببلوغ المسافة فلعدم الدليل على حجّية الظنّ، و الأصل حرمة العمل به. و في «مستند الشيعة»: و هل يقوم الظنّ ببلوغ المسافة مقام العلم؟ ظاهر الدليل لا، و لو كان حاصلًا من شهادة العدل بل العدلين؛ لأنّ الأصل حرمة العمل بالظنّ و عدم حجّيته إلّا ما قام عليه دليلٌ(مستند الشيعة 8: 212.) ، انتهى. و احتمل في «الروض» الاكتفاء بالظنّ، و لعلّه لحجّية الظنّ المطلق عند تعذّر العلم و تعسّر قيام البيّنة.

ص: 282

ص: 283

و لا يجب الاختبار المستلزم للحرج. نعم يجب الفحص بسؤال و نحوه عنها على الأحوط (1).


1- لا دليل على وجوب الاختبار و تحصيل العلم بالمسافة، نعم هو أحوط. و على القول بوجوبه يجب لو لم يكن موجباً للعسر. و أمّا وجوب الفحص ففيه وجهان: وجه الوجوب: أنّ وجوب القصر معلّق على كون السفر مسافة في الواقع، و مع الشكّ تجب رعاية تحصيل الواقع إمّا بالجمع بين القصر و الإتمام، و إمّا بالفحص عنها بسؤال و نحوه، و الأوّل منتفٍ إجماعاً؛ فيتعيّن الثاني. و وجه عدم الوجوب- و هو المختار- أنّ الفحص في موارد جريان الاصول إنّما يجب في الشبهات الحكمية دون الشبهات الموضوعية- حتّى الوجوبية منها- كما في المقام. و اختار جماعة من فقهائنا وجوب الفحص- كالمحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه»- لكون العلم الإجمالي مانعاً من الرجوع إلى الاصول قبل الفحص، كالشبهات الحكمية(مصباح الفقيه، الصلاة: 725/ السطر 20.) ، انتهى. و ربّما فصّل بعضهم بين تعسّر الفحص و عدمه؛ فأوجب في الثاني دون الأوّل. و وجه عدم الوجوب في صورة التعسّر هو أدلّة نفي العسر. و وجه الوجوب في صورة عدم التعسّر هو تعليق الحكم بالقصر على المسافة النفس الأمرية؛ فيجب الفحص لتحصيل الواقع عند الشكّ. و لا يبعد عدم الوجوب؛ لحكم العرف بتعلّق الخطاب الوجوبي في أمثال المقام من الشبهات الموضوعية الوجوبية على الموضوع الذي يمكن العلم به بسهولة، لا المعلوم الحاصل بالفعل بصعوبة.

ص: 284

و لو شكّ العامّي في مقدار المسافة شرعاً و لم يتمكّن من التقليد، وجب عليه الاحتياط بالجمع (1).

(مسألة 7): لو اعتقد كونه مسافة فقصّر ثمّ ظهر عدمها وجبت الإعادة

(2)، و لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة، وجبت الإعادة في الوقت على الأقوى، و في خارجه على الأحوط (3).


1- شكّ العامّي في مقدار المسافة تارةً يكون بنحو الشبهة الموضوعية، و اخرى بنحو الشبهة الحكمية و أنّ المسافة أيّ مقدار شرعاً: فعلى الأوّل لا فرق بينه و بين المجتهد في الرجوع إلى أصالة التمام اجتهاداً أو تقليداً، و لا يشترط الفحص. و على الثاني يجب عليه الرجوع إلى المجتهد و تقليده، و على المجتهد الرجوع إلى الأدلّة، هذا إذا تمكّن العامّي من تقليده. و مع عدم تمكّنه يجب عليه الاحتياط عقلًا بالجمع؛ لقاعدة الاشتغال، و ليس وظيفته الرجوع إلى الاصول بعد الفحص عن الدليل؛ لكونه من وظائف المجتهد.
2- لعدم الدليل على كفاية الأمر التخيّلي.
3- أمّا وجوب الإعادة في الوقت فيما لو اعتقد عدم كونه مسافة فأتمّ ثمّ ظهر كونه مسافة، فلما مرّ من عدم الدليل على كفاية الأمر التخيّلي. و أمّا في خارج الوقت فكذلك، كما أفتى به السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى». و نسب إلى «المدارك» و «الروض» الإجزاء مطلقاً في الوقت و خارجه؛ لقاعدة الإجزاء. و لا يخفى ما فيه من عدم الدليل على الإجزاء بموافقة الأمر الظاهري، فضلًا عن الأمر التخيّلي مع كشف الخلاف.

ص: 285

(مسألة 8): الذهاب في المسافة المستديرة هو السير إلى النقطة المقابلة لمبدإ السير،

فإذا أراد السير مستديراً يقصّر و لو كان شغله قبل البلوغ إلى النقطة المقابلة؛ بشرط كون السير إليها أربعة فراسخ، و الأحوط الجمع إذا كان شغله قبلها (1).


1- لا بأس في توضيح هذه المسألة من نقل كلام صاحب «مفتاح الكرامة» قال: هل يشترط في الفراسخ الثمانية أن تكون ذهابية في غير الأربعة الملفّقة- على القول بأنّها ثمانية- أم لا فيقصّر في رجوعه فيما إذا ذهب فرسخين- مثلًا- و رجع ثمانية؟ و هل يشترط أن تكون امتدادية، أم لا؛ فلو تجاوز محلّ الترخّص ناوياً أن يسافر مستديراً حول بلده لحاجة عرضت له بحيث لا يصل في استدارته إلى محلّ الترخّص قصّر؟ قلت: أمّا الحكم الأوّل فليس له عنوان في كلام الأصحاب، لكنّهم صرّحوا به في مواضع: منها: مسألة البلد ذي الطريقين فإنّهم قالوا: لو رجع قاصد الأقرب بالأبعد قصّر في رجوعه لا غير، صرّح بذلك في «نهاية الإحكام» و «التذكرة» و «الذكرى» و «البيان» و «الموجز الحاوي» و «كشف الالتباس» و «إرشاد الجعفرية» و «المدارك» و «الذخيرة» و «الحدائق». و منها: مسألة الهائم- بمعنى المتحيّر- و طالب الآبق و مستقبل المسافر و العبد مع السيّد و الزوجة مع الزوج و الولد مع الوالد؛ فإنّهم قالوا: كلّ هؤلاء يقصّرون في العود إذا بلغ السفر مسافة، و في «المعتبر» و «التذكرة»: أنّه فتوى العلماء، و في «المنتهى»: عليه عامّة أهل العلم، و نقل جماعةٌ الإجماع عليه، و آخرون نفوا الخلاف فيه؛ فالحكم ممّا لا ريب به. و في «مصابيح الظلام» للُاستاذ- قدّس اللَّه سبحانه سرّه- عبارة توهم خلاف ذلك، قال: أمّا السفر فلا شكّ أنّه لغةً و عرفاً أن يطوي المسافة بعنوان امتداد ذهابي يذهب و يغيب عن الوطن؛ فلا بدّ من قيدين: أحدهما الإبعاد عن الوطن؛ فلو كان المسافر يمشي و يدور في البلد أو يدور حوله لا يكون مسافراً. و الثاني أن يكون الامتداد الذهابي بعنوان طيّ مسافة معتدّ بها؛ فلو كان يبعد عن الوطن قليلًا و يرجع لا يسمّى مسافراً، انتهى. و لكنّه قال في موضع آخر منه- بعد خمس ورقات- إنّه لو نقص من المسافة شي ء قليل لا تتحقّق مسافة القصر، إلّا أن يكون الإياب فقط قدر ثمانية أو ما زاد؛ فيكون الإياب فقط سفر القصر. فكلامه الأوّل ليس على ما يتوهّم منه قطعاً. و أمّا الحكم الثاني: فظاهر كلامه السابق قدس سره في الكتاب المذكور اعتبار الامتداد. و في «كشف الالتباس»: أنّ الشرط كون المقصود ثمانية فراسخ؛ سواء كان الطريق مستقيماً أو مستديراً؛ لأنّ الاستقامة و الاستدارة لا مدخل لهما في تحديد المسافة؛ لإطلاق الفتاوى و الروايات التحديد بالزرع أو مسير اليوم، من دون ذكر استقامة و استدارة؛ فلو اعتبر أحدهما لوجب ذكره، و إلّا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. ثمّ إنّه بنى على ذلك وجوب التقصير في زيارة مساجد البحرين، ثمّ استنهض قول المصنّف في «النهاية» و «التذكرة»: لو أراد السفر إلى بلد ثمّ إلى آخر بعده قصّر إن بلغ المجموع مسافة. قلت: قد صرّح بذلك الشهيد الثاني في «نفائح الأفكار»، و ظاهره أنّه لا كلام فيه. و في كلام الأصحاب ما هو أصرح ممّا استنهضه مولانا الصيمري؛ و ذلك أنّ الشيخ في «المبسوط» و جميع من تأخّر ممّن تعرّض لمسألة البلد ذي الطريقين قالوا: لو سلك الأبعد قصّر و إن كان ميلًا للرخصة، و نقل جماعة عليه الإجماع و نسبوا المخالفة إلى القاضي حيث قال: إنّه لا يقصّر؛ لأنّه كاللاهي، و نسبوه إلى الشذوذ. و من المعلوم: أنّ ذلك لا يخلو عن الاستدارة؛ و لا سيّما إذا كان الأقلّ نصف فرسخ و الآخر مسافة؛ فإنّه يكون هناك استدارة فاحشة. على أنّه لا قائل بالفصل بين أفراد الاستدارة(مفتاح الكرامة 3: 498/ السطر 5.) ، انتهى موضع الحاجة. و قال السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»: المسافة المستديرة تارةً تفرض مستديرة على البلد، و اخرى في جانب منها بحيث يلاصق البلد نقطة منها؛ فتكون مع البلد شبه الدائرتين المتلاصقتين. أمّا الثانية فلا ينبغي التأمّل في كونها موضوعاً للقصر؛ لإطلاق النصوص و الفتاوى و صدق السفر معها. و يشهد به ما ذكروه في البلد الذي له طريقان. و أمّا الاولى فدعوى انصراف النصوص عنها، بل الفتوى قريبة جدّاً، بل الظاهر عدم صدق السفر ذاهباً و آيباً بريدين في بعض صورها؛ فالبناء على التمام معها عملًا بأصالة التمام في محلّه، و الظاهر أنّها مورد كلام الوحيد رحمه الله فلاحظ(مستمسك العروة الوثقى 8: 23.) ، انتهى.

ص: 286

ص: 287

ص: 288

ثانيها: قصد قطع المسافة من حين الخروج،
اشارة

فلو قصد ما دونها، و بعد الوصول إلى المقصد قصد مقداراً آخر دونها و هكذا، يتمّ في الذهاب و إن كان المجموع مسافة و أكثر (1).


1- و تدلّ على اشتراط قصد قطع المسافة- قبل الإجماع بقسميه- مرسلة إبراهيم بن هشام عن رجل عن صفوان قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلًا على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتّى بلغ النهروان و هي أربعة فراسخ من بغداد، أ يفطر إذا أراد الرجوع و يقصّر؟ قال: «لا يقصّر و لا يفطر؛ لأنّه خرج من منزله، و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنّما خرج يريد أن يلحق صاحبه في بعض الطريق، فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه. و لو أنّه خرج من منزله يريد النهروان ذاهباً و جائياً لكان عليه أن ينوي من الليل سفراً و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له بعد أن أصبح في السفر قصّر و لم يفطر يومه ذلك»(وسائل الشيعة 8: 468، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 1.) أقول: لا يقدح إرسال هذه الرواية؛ لانجباره بالإجماع. و موثّقة عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج في حاجة له و هو لا يريد السفر فيمضي في ذلك، فتمادى به المضيّ حتّى تمضي به ثمانية فراسخ، كيف يصنع في صلاته؟ قال: «يقصّر و لا يتمّ الصلاة حتّى يرجع إلى منزله»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 2.) . و موثّقة اخرى لعمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ، و يأتي قرية فينزل فيها ثمّ يخرج منها، فيسير خمسة فراسخ اخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك، ثمّ ينزل في ذلك الموضع، قال: «لا يكون مسافراً حتّى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 3.) و في «الجواهر» بعد ذكر هذه الموثّقة قال: إذ الظاهر منه- كما عن الشيخ في «التهذيبين»- إرادة من خرج من بيته من غير نية السفر، فتمادى به المسير إلى أن صار مسافراً من غير نية، و إنّما الاعتبار بقصد المسافة لا بقطعها، و المراد إتمام الصلاة في الذهاب(جواهر الكلام 14: 231.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ الموثّق الأوّل لعمّار و إن كان يشعر بالإتمام في الذهاب أيضاً- كالرجوع- و لكن المراد أنّه يقصّر في الرجوع إلى منزله فقط بقرينة رواية صفوان و الموثّق الثاني لعمّار.

ص: 289

ص: 290

نعم لو شرع في العود يقصّر إذا كملت المسافة، و كان من قصده قطعها (1)،


1- كما أنّه يعتبر قصد المسافة في الذهاب كذلك يعتبر في الإياب؛ لإطلاق أدلّة وجوب التقصير في المسافة؛ ففي صحيحة فضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام أنّه سمعه يقول: «إنّما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر؛ لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل و الأثقال؛ فوجب التقصير في مسيرة يوم. و لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة؛ و ذلك لأنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم؛ فلو لم يجب في هذا اليوم فما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما»(وسائل الشيعة 8: 451، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 1.) ، و نحوها غيرها من روايات الباب، فراجع. و يدلّ على وجوب قصد المسافة في خصوص الإياب الموثّق الأوّل لعمّار المتقدّم قال: «يقصّر، و لا يتمّ الصلاة حتّى يرجع إلى منزله» ، و في «الوسائل»: المراد أنّه يقصّر في الرجوع(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 2.) فرع: يجب التقصير على من قصد ما دون المسافة و بعد الوصول إليه قصد مقداراً آخر يكون مع ضمّ العود مسافة؛ فإنّه يقصّر من حين الشروع في سيره الثاني بشرط أن يكون كلّ من الذهاب و الإياب في السير الثاني أربع فراسخ فزائداً مع قصد العود.

ص: 291

و كذا لو لم يكن له مقصد معيّن، و لا يدري أيّ مقدار يقطع، كما لو طلب دابّة شاردة- مثلًا- و لم يدرِ إلى أين مسيره، لا يقصّر في ذهابه و إن قطع المسافة فأكثر (1). نعم يقصّر في العود بالشرط المتقدّم (2). و لو عيّن في الأثناء مقصداً يبلغ المسافة و لو بالتلفيق مع الشرط المتقدّم فيه يقصّر (3). و لو خرج إلى ما دون الأربعة و ينتظر رفقة إن تيسّروا سافر معهم، و إلّا فلا، أو كان سفره منوطاً بحصول أمر، و لم يطمئنّ بتيسّر الرفقة أو حصول ذلك الأمر، يجب عليه التمام (4).


1- ففي المثال الذي ذكره المصنّف رحمه الله و نحوه- كطلب الغريم و الآبق- يجب الإتمام؛ لعدم قصد المسافة ابتداءً.
2- أي بشرط كون عوده ثمانية فراسخ مع قصدها في الشروع إلى العود.
3- يعني أنّ من لم يكن له مقصد معيّن في ابتداء سيره، و يسير و لا يدري أنّه أيّ مقدار يقطع، ثمّ عيّن في الأثناء مقصداً يبلغ المسافة و لو بالتلفيق، يقصّر مع الشرط المتقدّم فيه؛ و هو كون الذهاب أربعة فراسخ فزائداً، و إن كان إيابه ناقصاً عن الأربعة، و لكن المجموع مسافة، هذا بناءً على ما اختاره المصنّف رحمه الله. و أمّا بناءً على ما اخترناه فيشترط في وجوب القصر كون كلّ من الذهاب و الإياب أربعة.
4- و يدلّ عليه رواية إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر، فلمّا انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة، فلمّا صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلّا به، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم و هم لا يستقيم لهم السفر إلّا بمجيئه إليهم، فأقاموا على ذلك أيّاماً لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، بل ينبغي لهم أن يتمّوا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما أقاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.)

ص: 292

(مسألة 9): المدار قصد قطع المسافة

-و إن حصل ذلك منه في أيّام- مع عدم تخلّل أحد قواطع السفر؛ ما لم يخرج بذلك عن صدق اسم السفر عرفاً، كما لو قطع في كلّ يوم مقداراً يسيراً جدّاً للتنزّه و نحوه؛ لا من جهة صعوبة السير، فإنّه يتمّ حينئذٍ، و الأحوط الجمع (1).


1- لا يشترط في قصد قطع المسافة الموجبة للقصر اتّصال السير؛ فيجوز قطعها في أيّام و إن كان ذلك اختياراً لا لضرورة- من عدوّ أو برد أو انتظار رفيق أو نحو ذلك- و هذه المسألة ممّا لا خلاف فيه من أصحابنا. و تشهد بها مكاتبة عمرو بن سعيد قال: كتب إليه جعفر بن محمّد (أحمد) يسأله عن السفر في كم التقصير؟ فكتب عليه السلام بخطّه و أنا أعرفه: «قد كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا سافر أو خرج في سفر قصّر في فرسخ»، ثمّ أعاد إليه المسألة من قابل، فكتب إليه: «في عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 471، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 2.) . نعم يشترط فيه عدم تخلّل أحد قواطع السفر. و لا يخفى: أنّ من يقطع المسافة في أيّام يقصّر مع صدق اسم المسافر عليه و صدق السفر على سيره عرفاً؛ لظهور النصوص في اعتبار السفر، كما في صحيحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: «الرجل يريد السفر (فيخرج) متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.) . و صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الرجل يريد السفر، في كم يقصّر؟ فقال: «في ثلاثة برد»(وسائل الشيعة 8: 454، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 10.) ، و لا يخفى: أنّ تحديد المسافة بثلاثة برد في هذه الصحيحة محمول على التقية. ففي «التهذيب»: فهذا خبر موافق للعامّة و لسنا نعمل به. و قد صرّح في بعض الروايات بعنوان المسافر، كما في صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام؛ أدنى ما يقصّر فيه المسافر الصلاة؟ قال: «بريدٌ ذاهباً و بريد جائياً»(وسائل الشيعة 8: 456، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 2.) . و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس للمسافر أن يتمّ الصلاة في سفره مسيرة يومين»(وسائل الشيعة 8: 453، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 1، الحديث 9.) . و ذيل صحيحة أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام فقال: «إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير؛ لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) . و من المحتمل في الروايات أن يكون المراد من السفر هو السفر الموجب للقصر؛ و هو ثمانية فراسخ يريدها المسافر و إن كان في ضمن أيّام عديدة، و هو من أفراد السفر، لكنّه غير متعارف؛ فيشمله إطلاق السفر. فالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام حسنٌ.

ص: 293

ص: 294

(مسألة 10): لا يعتبر في قصد المسافة أن يكون مستقلًاّ، بل يكفي و لو من جهة التبعية

- سواء كان لوجوب الطاعة كالزوجة، أو قهراً كالأسير، أو اختياراً كالخادم (1)-


1- يشترط قصد المسافة للتابع كالمتبوع في وجوب القصر عليه؛ فلا يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع. و الوجه في عدم اشتراط الاستقلال في قصد المسافة إطلاق النصوص و الفتاوى. و في «الجواهر»: و ما في «الدروس» و غيرها من أنّه يكفي قصد المتبوع عن قصد التابع يراد منه كفاية ذلك بعد بناء التابع على التبعية و إناطة مقصد بمقصد متبوعه و معرفته به؛ فإنّه حينئذٍ يتحقّق قصده المسافة بذلك، لا أنّه يكفي و إن لم يكن التابع قاصداً له، كما لو عزم على مفارقة متبوعه؛ لعدم الدليل بالخصوص، بل ظاهر الأدلّة خلافه؛ حتّى لو كان التابع ممّن يجب عليه إطاعة المتبوع، كالعبد و الزوجة فإنّهما لو كان من نيتهما الإباق و النشوز قبل بلوغ المسافة لم يترخّصا(جواهر الكلام 14: 237.) ، انتهى. و عن العلّامة رحمه الله في «النهاية»: أنّهما- العبد و الزوجة- متى احتملا العتق و الطلاق قبل بلوغ المسافة و عزما على الرجوع بحصولهما أتمّا، انتهى.

ص: 295

بشرط العلم بكون قصد المتبوع مسافة، و إلّا بقي على التمام (1)، و الأحوط الاستخبار و إن كان الأقوى عدم وجوبه (2). و لا يجب على المتبوع الإخبار و إن فرض وجوب الاستخبار على التابع (3).


1- يشترط في تحقّق قصد المسافة من التابع علمه بقصد المتبوع إيّاها؛ فلو جهل التابع قصد المتبوع أو احتمل عدم قصده إيّاها لم يتحقّق منه قصدها؛ فيكون كمن لم يكن له مقصد معيّن في سفره، و يتمّ و إن قطع مسافات.
2- قال في «العروة الوثقى»: و يجب الاستخبار مع الإمكان. و لعلّ حكمه بالوجوب في المسألة لبنائه على وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية. و المختار عندنا عدم وجوب الاستخبار. و استشكل السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك على العروة الوثقى» بما حاصله: أنّ ما نحن فيه ليس من صغريات وجوب الفحص في الشبهات الحكمية و الموضوعية ليبنى فيه على قاعدة وجوب الفحص؛ لأنّ الوجوب هناك إرشادي لا يترتّب على مخالفته عقاب، و إنّما العقاب على مخالفة الواقع؛ و لذا يأمن من العقاب بفعل الواقع المحتمل، كالجمع بين القصر و الإتمام في موارد الاحتياط، و الوجوب هنا نفسي؛ إذ مع عدم الاستخبار يعلم بوجوب التمام و عدم وجوب القصر؛ لعدم تحقّق القصد المعتبر فيه. فلا مجال للاحتياط بالجمع، و إنّما الاحتياط بفعل الاختبار؛ لاحتمال وجوبه تعبّداً، و الأصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 8: 30.) ، انتهى ملخّصاً.
3- و ذلك لأصالة البراءة.

ص: 296

(مسألة 11): لو اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة،

أو شكّ في ذلك و علم في الأثناء أنّه كان قاصداً لها، فإن كان الباقي مسافة يجب عليه القصر، و إلّا فالظاهر وجوب التمام عليه (1).


1- إذا اعتقد التابع أنّ متبوعه لم يقصد المسافة أو شكّ في ذلك، فما دام لم يزل اعتقاده أو شكّه فيه فليتمّ. فإذا زال اعتقاده أو شكّه في الأثناء و علم أنّه كان قاصداً لها، فإن كان الباقي مسافة فلا كلام في وجوب القصر عليه، و إن لم يكن مسافة فالظاهر وجوب التمام عليه؛ لأنّه ما دام لم يزل اعتقاده أو شكّه لم يقصد المسافة، و في زمان العلم بكون المتبوع قاصداً لها لم يكن المقصد مسافة؛ فلا وجه لوجوب القصر عليه. و ليس هو كمن قصد بلداً معيّناً و اعتقد عدم كونه مسافة و بان في الأثناء أنّه مسافة. نعم لو كان المقصد معلوماً عند التابع و شكّ في كونه مسافة أو اعتقد عدمها و بان في الأثناء كونه مسافة، وجب عليه القصر. و في «العروة الوثقى»: الظاهر وجوب القصر عليه و إن لم يكن الباقي مسافة؛ لأنّه إذا قصد ما قصده متبوعه فقد قصد المسافة واقعاً، فهو كما لو قصد بلداً معيّناً و اعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الأثناء أنّه مسافة. و مع ذلك فالأحوط الجمع(العروة الوثقى 2: 118.) و فيه: أنّ من شرائط وجوب القصر قصد المسافة، و التابع في فرض المسألة لم يقصدها، و ليس مقصده مسافة بعد العلم في الأثناء بكون مقصد متبوعه مسافة؛ فالواجب عليه التمام. هنا فروع: الأوّل: إذا علم التابع بمفارقة المتبوع قبل تحقّق المسافة في سيره- و لو ملفّقة- بقي على التمام؛ لعدم كون سفره مسافة. و علّله في «المستمسك» بانتفاء القصد المعتبر في القصر. و فيه: أنّ العلم بعدم المسافة كافٍ في البقاء على التمام، و التعليل بما ذكره ينفع فيما كان سفره مسافة و لكن لم يقصدها. و كذلك بقي على التمام لو ظنّ مفارقته و كان ظنّه حجّة. و في صورة «الشكّ» يقصّر، و كذلك يقصّر فيما لو ظنّ عدم المفارقة. الثاني: أنّه إذا علم التابع بتحقّق ما يوجب رفع التبعية في الأثناء قبل الوصول إلى المسافة- كالعتق و الطلاق- و كان عازماً على المفارقة حين تحقّقه فليتمّ، و إذا علم بعدم تحقّقه في الأثناء أو شكّ فيه وجب عليه القصر. الثالث: إذا اكره على السفر و كان مسافة فلا إشكال في وجوب القصر عليه؛ لتحقّق القصد منه إلى السير باختياره، و إن كان الداعي إليه رفع الضرر المتوعّد عليه. و أمّا إذا كان مجبوراً عليه- كمن القي في السفينة أو حُمل على الدابة- بحيث لم يصدر عنه الفعل الاختياري و لم يكن له حركة سيرية أصلًا، ففي وجوب القصر عليه إشكال. و الفاضل النراقي رحمه الله في «المستند» بعد الإشكال في وجوب القصر بأنّه لم يصدر منه عمل حتّى يكون قاصداً، و أنّ كثيراً من أخبار وجوب التقصير لا يشمله؛ لاحتمال إرادة القصد في مثل قوله عليه السلام: «التقصير في بريدين» ، و مثل ذلك لا يقصد و لا يسير، أجاب عن الإشكال بأنّ الظاهر الإجماع على وجوب القصر عليه، ثمّ قال: و يمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى: «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»(البقرة( 2): 185.) فإنّ ذلك كائن في السفر و إن لم يكن مقصوداً له(مستند الشيعة 8: 222.) و لا يخفى ما فيه أوّلًا: أنّ صدق المسافر عليه مشكل. و ثانياً: أنّه على فرض صدق المسافر عليه لا يصدق عليه أنّه قاصد للسفر؛ فبناءً على اشتراط قصد المسافة يشكل الحكم بوجوب القصر عليه. و في حاشية السيّد الشاهرودي رحمه الله على «العروة الوثقى»: الأقوى وجوب القصر عليه؛ لأنّ المدار هو العلم ببلوغ المسافة و لو لم يكن فعلًا مباشرياً و لا مسبّباً توليدياً له(العروة الوثقى 2: 119، الهامش 4.) ، انتهى. و لعلّ وجهه ما رواه في «العلل» عن محمّد بن أسلم (مسلم) نحو ما رواه عن إسحاق بن عمّار، و زاد ... إلى أن قال: «بلى إنّما قصّروا في ذلك الموضع لأنّهم لم يشكّوا في مسيرهم و أنّ السير يجدّ بهم، فلمّا جاءت العلّة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) ، حيث إنّه يدلّ على أنّ تمام موضوع التقصير هو العلم بكون السفر ثمانية فراسخ. و ضعف هذا الخبر منجبر بكون مضمونه مشهوراً.

ص: 297

ص: 298

ثالثها: استمرار القصد،
اشارة

فلو عدل عنه قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردّد أتمّ (1)،


1- من شرائط وجوب القصر استمرار قصد المسافة؛ بمعنى أن لا يرجع عن قصد المسافة، و لا يتردّد فيه قبل بلوغ المسافة؛ فلو رجع قبل بلوغ أربعة فراسخ أو تردّد لا يقصّر، بلا خلاف فيه كما قيل. و قيل: إنّه إجماعي. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: «التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهباً و جائياً، و البريد ستّة أميال، و هو فرسخان، و التقصير في أربعة فراسخ؛ فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثنى عشر ميلًا و ذلك أربعة فراسخ، ثمّ بلغ فرسخين و نيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصّر، و إن رجع عمّا نوى عند بلوغ فرسخين و أراد المقام فعليه التمام، و إن كان قصّر ثمّ رجع عن نيته أعاد الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 457، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 2، الحديث 4.) ، هذا الصحيح صريح في أنّ من عدل عن قصد ثمانية فراسخ أتمّ. و رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم؛ أقاموا أم انصرفوا، و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة (ما أقاموا، فإذا انصرفوا) قاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . هذه الرواية تدلّ على أنّ من تردّد و لم يدر أنّه يمضي في سفره أو ينصرف فليتمّ الصلاة. و ضعف السند منجبر بالشهرة، بل الإجماع المدّعى عن بعض. و صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك؛ لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت؛ فوجب عليك قضاء ما قصّرت، و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) . هذه الصحيحة تدلّ على أنّ من خرج بقصد المسافة ثمّ بدا له الرجوع و لم يسر بريداً فعليه أن يتمّ الصلاة حال الرجوع إلى أن يصير إلى المنزل. و ظهورها في اشتراط صحّة التقصير ببلوغ المسافر المسافة التي قصدها بنحو الشرط المتأخّر بحيث لو لم يبلغها لم يصحّ ما صلّاه قصراً و يجب إعادتها أو قضاؤها غير معمول به؛ لكونه مخالفاً للمشهور.

ص: 299

ص: 300

و مضى ما صلّاه قصراً، و لا إعادة عليه في الوقت و لا خارجه (1)، و إن كان العدول أو التردّد بعد بلوغ الأربعة بقي على التقصير؛ و إن لم يرجع ليومه إذا كان عازماً على العود قبل عشرة أيّام (2).


1- و يدلّ عليه صحيح زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلّوا، و انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد»(وسائل الشيعة 8: 521، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 23، الحديث 1.) . نعم صحيح أبي ولّاد يدلّ على وجوب قضاء ما صلّاه قصراً تماماً فيما لم يسر بريداً: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام» ، لكنّه مخالف للمشهور.
2- و يدلّ عليه رواية إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: «إن كانوا قد بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) . و في رواية «العلل» قال عليه السلام: «فإذا كانوا قد ساروا بريداً و أرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) . و أمّا اشتراط البقاء على التقصير بالعزم على العود قبل عشرة أيّام فلكون العزم على الإقامة عشرة أيّام من قواطع السفر الموجب للقصر، كما سيأتي.

ص: 301

(مسألة 12): يكفي في استمرار القصد بقاء قصد النوع و إن عدل عن الشخص،

كما لو قصد السفر إلى مكان خاصّ و كان مسافة، فعدل في أثناء الطريق إلى آخر يبلغ ما مضى مع ما بقي إليه مسافة، فإنّه يقصّر- حينئذٍ- على الأصحّ (1)،


1- لا يشترط في استمرار القصد استمرار ما قصده أوّلًا من المسافة، بل يكفي في استمراره بقاء قصد النوع و إن عدل عن شخص ما قصده أوّلًا؛ فمن قصد في الابتداء مقصداً خاصّاً و شرع في طيّه ثمّ عدل في أثناء الطريق و قصد مقصداً آخر، كان ما مضى مع ما بقي إلى مقصده الثاني مسافةً، يقصّر؛ فيشمله أدلّة اعتبار القصد و أدلّة اعتبار استمرار القصد. و الخارج من تلك الأدلّة عبارة عمّن لم يقصد المسافة أصلًا، و من عدل عن قصد المسافة إلى أقلّ منها. فمن قصد في ابتداء سيره المسافة ثمّ عدل عن مقصده الخاصّ إلى مقصد آخر و قطع بريدين يشمله أدلّة وجوب القصر، و يكون كمن قصد ابتداءً المسافة الامتدادية ذهاباً و إذا بلغ أربعة فراسخ بدا له الرجوع؛ فإنّه يقصّر حتّى يرجع إلى منزله. و ممّا ذكرناه يظهر ضعف ما احتمله الشهيد رحمه الله في «الروض» من عدم الترخّص؛ لأجل أنّ أدلّة اعتبار القصد ظاهرة في كون جميع ما يقطعه من المسافة بقصد واحد، و لأنّ ما قصده أوّلًا رجع عنه في الأثناء، و ما قصده ثانياً لم يكن مسافة؛ فما قصد لم يقع و ما وقع لم يكن مسافة.

ص: 302

كما أنّه يقصّر لو كان من أوّل الأمر قاصداً للنوع دون الشخص؛ بأن يشرع في السفر قاصداً للذهاب إلى أحد الأمكنة التي كلّها مسافة، و لم يعيّن أحدها، بل أوكل التعيين إلى وقت الوصول إلى الحدّ المشترك بينها (1).


1- لا فرق في قصد المسافة بين أن يكون مقصده مسافة خاصّة، أو أحد الأمكنة التي كلّها مسافة من غير تعيين أحدها ابتداءً. و على أيّ حال فلا بدّ من قصد المسافة ابتداءً حتماً كي لا يكون ممّن لا يدري أيّ مقدار يقطع؛ فيشمله إطلاق أدلّة وجوب القصر. و في «المستمسك»: و دعوى انصراف ما دلّ على الترخّص بمجرّد الخروج من المنزل مريداً للسفر ثمانية فراسخ إلى المسافة الشخصية، ساقطة جدّاً؛ لأنّ المراد من المسافة خطّ السير، و تعيينه متعذّرٌ غالباً. نعم، لا بأس بدعوى الانصراف إلى صورة تعيين المقصد، إلّا أنّه بدوي لا يعوّل عليه في رفع اليد عن الإطلاق(مستمسك العروة الوثقى 8: 38.) ، انتهى.

ص: 303

(مسألة 13): لو تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ، ثمّ عاد إلى الجزم،
اشارة

فإن لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد، بقي على القصر و إن لم يكن ما بقي مسافة و لو ملفّقة. و إن قطع شيئاً منه حاله فإن كان ما بقي مسافة بقي على القصر أيضاً، و إن لم يكن مسافة فلا إشكال في وجوب التمام؛ إذا لم يكن ما بقي بضمّ ما قطع- قبل حصول التردّد- مسافة. و أمّا إذا كان المجموع بإسقاط ما تخلّل في البين مسافة فالأحوط الجمع؛ و إن لا يبعد العود إلى القصر، خصوصاً إذا كان القطع يسيراً (1).

هنا مسائل خمس:
الاولى: لو تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ و لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد،
الثانية: عين ما ذكر في الاولى، و لكن لم يكن الباقي مسافة،

1- ثمّ عاد إلى الجزم، و كان ما بقي من الطريق مسافة- و لو ملفّقة- فليتمّ حال التردّد و لو كان إياباً و يقصّر فيما بقي؛ لكونه مسافة مقصودة. ففيها خلاف؛ فعن جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و جماعة من محشّي «العروة الوثقى»، تبعاً لصاحب «الجواهر» و غيره ممّن تقدّم عليه- وجوب القصر. قال في «الجواهر»: و اكتفي ببلوغ ما قطعه و ما بقي مسافة لتناول الأدلّة حينئذٍ له(جواهر الكلام 14: 236.) ، انتهى؛ يعني أنّ أدلّة وجوب القصر يشمله؛ لأنّه ممّن خرج من منزله بقصد المسافة، و الخارج عنه حال وجود التردّد و بعد زواله بالعود إلى الجزم يتعيّن الرجوع إلى أدلّة الترخّص. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: لكنّه مشكل؛ فلا يترك الاحتياط بالجمع؛ يعني أنّ لكلّ من البقاء على القصر و الإتمام وجهاً: أمّا وجه البقاء على القصر فعموم الأدلّة الدالّة على الترخّص، و شمولها لمن توسّط حال التردّد بين حالتي الجزم و القصد إلى السفر ثمانية فراسخ. و أمّا وجه الإتمام فهو استصحاب حكم الخاصّ، حيث إنّ حال التردّد في أقلّ من أربعة فراسخ خارج من العموم المزبور؛ فوجب التمام في تلك الحال؛ فيستصحب هذا الحكم في الزمان الثاني بعد زوال حال التردّد. و لا يخفى: أنّه لا مجال لاستصحاب حال التردّد؛ لأنّ الظاهر من أدلّة التقصير و الإتمام ثبوت الحكم في كلّ زمان بالنسبة إلى نفسه؛ فمن كان في زمان قاصداً للمسافة فليقصّر؛ فيشمل من كان فيما بعد زوال التردّد جازماً كما قبل حال التردّد. و في رواية إسحاق بن عمّار دلالة على ذلك، قال عليه السلام: «و إن كانوا ساروا أقلّ من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة أقاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصّروا»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 10.) و كان ما بقي منه مسافة، فلا إشكال في وجوب التمام حال التردّد و التقصير فيما بقي. قبل التردّد مع ما بقي منه بعد التردّد مسافة، فلا إشكال أيضاً في وجوب التمام. و لكن كان ما قطع قبل التردّد مع ما بقي بعد العود إلى الجزم مسافة، فالأحوط الجمع بين القصر و الإتمام، و إن لا يبعد العود إلى القصر؛ خصوصاً إذا كان القطع حال التردّد يسيراً. و الفرق بين صورة قطع شي ء من الطريق حال التردّد مع عدم كون الباقي مسافة و لكن كان ما قطع قبل التردّد مع ما بقي بعد العود إلى الجزم مسافة، و بين صورة عدم قطعه، بالاحتياط بالجمع بين القصر و الإتمام في الصورة الاولى و وجوب التقصير في الصورة الثانية، هو أنّ قطع شي ء من الطريق حال التردّد يوجب قطع اتّصال المسافة، و الظاهر من الأدلّة كون المسافة ثمانية متّصلة، بخلاف صورة عدم قطعه فإنّ اتّصال المسافة محفوظ، هذا. و وجه عدم البعد في العود إلى القصر إطلاق أدلّة وجوب التقصير للمسافر القاصد للمسافة، و الإطلاق المذكور مؤيّدٌ برواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة قال عليه السلام: «فإذا مضوا فليقصّروا» . و صاحب «الجواهر» رحمه الله قوّى وجوب القصر، و قال: و يحتمل- و لعلّه الأقوى- الاكتفاء ببلوغ ما قطعه حال الجزم و ما بقي مسافة، و إسقاط ما تخلّل بينهما ممّا قطعه حال التردّد(جواهر الكلام 14: 237.) ، انتهى.

ص: 304

الثالثة: لو تردّد في الأثناء و قطع شيئاً من الطريق حال التردّد
الرابعة: لو تردّد في الأثناء و قطع شيئاً من الطريق حال التردّد و لم يكن ما قطع من الطريق
الخامسة: لو تردّد في الأثناء و قطع شيئاً من الطريق حال التردّد و لم يكن الباقي مسافة

ص: 305

رابعها: أن لا ينوي قطع السفر؛
اشارة

بإقامة عشرة أيّام فصاعداً في أثناء المسافة، أو بالمرور على وطنه كذلك، كما لو عزم على قطع أربعة فراسخ قاصداً للإقامة في أثنائها أو على رأسها، أو كان له وطن كذلك و قد قصد المرور عليه؛ فإنّه يُتمّ حينئذٍ (1)،


1- شرط وجوب التقصير عدم قصد قطع المسافة بنية الإقامة عشراً في أثناء المسافة، أو بالمرور على وطنه كذلك؛ فلو قصد ذلك من أوّل الأمر أو بدا له ذلك في الأثناء أتمّ في موضع الإقامة و قبله، و كذا بعده إذا لم يبلغ المسافة. و في «مصباح الفقيه»: و هذا الشرط قد يراعى في أصل مشروعية التقصير، و قد يلاحظ بالنسبة إلى استمراره على القصر. و كان المراد بذكره هاهنا هو الأوّل، بشهادة السياق، فالمراد به- حينئذٍ- هو أن لا ينوي القطع بإقامته في أثناء المسافة المعتبرة في التقصير ... إلى أن قال رحمه الله: و في عدّ الإقامة قاطعة للسفر إيماءٌ إلى أنّ عوده إلى التقصير بعد الإقامة يحتاج إلى استئناف مسافة جديدة، و أنّه لا يضمّ ما قبلها إلى ما بعدها، و لا ما بعدها إلى ما قبلها؛ فلو عزم على مسافة و في طريقه ملك له قد استوطنه فيما مضى من الزمان ستّة أشهر فصاعداً- بناءً على تحقّق الوطنية به، كما هو المشهور- أتمّ في طريقه و في ملكه، و كذا لو نوى الإقامة في بعض المسافة فإنّه يتمّ في طريقه و في محلّ الإقامة(مصباح الفقيه، الصلاة: 734/ السطر 28.) ، انتهى. و الدليل على اشتراط وجوب القصر في سفر المسافة بعدم قصد إقامة عشرة أيّام في أثناء المسافة أو المرور على وطنه كذلك- مضافاً إلى الإجماع المستفيض، و أصالة التمام- هو الأخبار المستفيضة، بل المتواترة. أمّا الأخبار الدالّة على وجوب الإتمام على من يقصد إقامة عشرة أيّام فصاعداً: فمنها؛ صحيح علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه صوم؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة»، قال: و سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر، يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) . و صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.) . و صحيح أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 5.) . و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 6.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) . و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن المسافر «إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة»، فقال له محمّد بن مسلم: بلغني أنّك قلت خمساً، فقال: «قد قلتُ ذلك»، قال أبو أيّوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقلّ من خمسة أيّام، قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) . لا يخفى: أنّ حكم الخمسة في ذيل الحديث محمول على التقية؛ لموافقته لكثير من العامّة. و صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 13.) . و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: «إن حدثت نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ، و إن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج و لا يدري فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن مضى شهر فليتمّ، و لا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة و المدينة، و إن أقام بمكّة و المدينة خمساً فليتمّ»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 16.) ، و لا يخفى أنّ الأمر بالإتمام في مكّة و المدينة بإقامة خمسة للاستحباب. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا تمّ الشهر فأتمّ الصلاة»، قال: قلت: إن دخلتُ بلداً أوّل يوم من شهر رمضان و لستُ اريد أن اقيم عشراً؟ قال: «قصّر و أفطر»، قلت: فإن مكثتُ كذلك أقول: غداً أو بعد غدٍ فأفطر الشهر كلّه و اقصّر؟ قال: «نعم (هما) واحد إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و غيرها من روايات الباب. و أمّا الأخبار الدالّة على وجوب الإتمام لمن يمرّ على وطنه: فمنها: موثّق عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة له بها دار و منزل فيمرّ بالكوفة، و إنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين، قال: «يقيم في جانب المصر و يقصّر»، قلت: فإن دخل أهله؟ قال: «عليه التمام»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 2.) . و موثّق عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) . و صحيح سعد بن خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) ، و غيرها من روايات الباب. و لا يخفى: أنّ الأخبار المذكورة تدلّ على وجوب التمام في خصوص محلّ الإقامة عشراً و وطنه الممرور به، و أمّا قبلهما و بعدهما فلا؛ و لذا استشكل في «مستند الشيعة» فيهما؛ ثمّ قال: و لذا استدلّ لهما بعضهم بالإجماعات المنقولة، و بأنّ ما دلّ على القصر في المسافة يدلّ عليه إذا كانت المسافة سفراً واحداً، و هي هنا تُسار في سفرين، و باستصحاب وجوب التمام الثابت في البلد الأوّل- أي قبل أحد الموضعين- و في أحد الموضعين في الثاني- أي بعد أحد الموضعين- مدّعياً أنّه ليس في إطلاق ما دلّ على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها؛ لاختصاصه بحكم التبادر بغيرها. ثمّ ضعّف الاستدلال المزبور بعدم حجّية الإجماع المنقول، و منع تعدّد السفر عرفاً؛ فإنّه لا وجه لكون المسافة المتخلّلة في أثنائها إقامة تسعة أيّام و نصف سفراً واحداً، و إقامة عشرة أيّام سفرين عرفاً. و كذا لا يفرّق العرف بين ما إذا مرّ بمنزله الذي يوطّنه- سيّما إذا مرّ راكباً؛ سيّما عن حواليه- و بين ما إذا لم يمرّ، و عدم إمكان منع شمول أكثر أخبار التقصير لمثل ذلك ... إلى أن حكي عن «الذخيرة»: أنّ هذا الحكم لم يعرف فيه خلاف، لكن إقامة حجّة واضحة عليه لا يخلو عن إشكال، و قال: و هو كذلك. ثمّ استدلّ للإتمام في بقية المسافة التي هي بعد المنزل بعموم التعليل في قوله: «لأنّه خرج من منزله لا يريد السفر ثمانية فراسخ» في رواية صفوان قال عليه السلام: «لا يقصّر و لا يفطر؛ لأنّه خرج من منزله و ليس يريد السفر ثمانية فراسخ»(وسائل الشيعة 8: 468، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 4، الحديث 1.) . و للإتمام فيما قبل محلّ الإقامة عشرة أيّام بعموم نحو صحيح الخزّاز: «إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) ، خرج عنه ما خرج، فيبقى الباقي؛ و منه المورد. و استدلّ رحمه الله للإتمام فيما قبل المنزل الممرور به و فيما بعد محلّ الإقامة عشرة أيّام، بالإجماع المركّب(مستند الشيعة 8: 224.) ، انتهى كلامه ملخّصاً و توضيحاً منّا، نقلناه بطوله لعدم خلوّه عن الفائدة. و الإنصاف: أنّ المسألة و وجوب التمام قبل محلّ إقامة عشرة أيّام و وطنه الممرور به في أثناء المسافة و ما بعدهما إجماعية. إذا عرفت هذا فليعلم: أنّ للعامّة خلافاً في مقدار الإقامة القاطعة للسفر: قال الشافعي: إذا نوى مقام أربعة أيّام غير يوم دخوله و يوم خروجه وجب عليه الإتمام؛ لأنّ يوم الدخول في الحطّ و يوم الخروج في الترحال، و هما من أشغال السفر، و ثلاثة أيّام حدّ القلّة يقصّر فيها. و استدلّ له بقول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً» ، فدلّ عنده على أنّ الثلاث في حكم السفر، و ما زاد في حكم الإقامة. و قال أبو حنيفة: إن نوى مقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يدخل فيه و اليوم الذي يخرج فيه بطل حكم سفره. و استدلّ له بأنّ ابن عبّاس و ابن عمر قالا: إذا قدمت بلدة و أنت مسافر و في نفسك أن تقيم بها خمس عشرة ليلة فأكمل الصلاة، و لم يعرف لهما مخالف. و حكي عن ابن عبّاس أنّه إن نوى مقام تسعة عشر يوماً وجب الإتمام، و إن كان أقلّ لم يجب. و روى البخاري عن ابن عبّاس أنّه أقام بموضع تسع عشرة أيّام يقصّر الصلاة، و قال: نحن إذا أقمنا تسع عشرة ليلة قصّرنا الصلاة، و إن زدنا على ذلك أتممنا. و عن أحمد: إن نوى مقام مدّة يفعل فيها أكثر من عشرين صلاة أتمّ. و حكي عن أنس بن مالك أنّه بنيسابور سنتين فكان يقصّر فيهما. و عن عائشة إذا وضعت الزاد و المزود فأتمّ ... إلى غير ذلك من الأقوال السخيفة الواهية.

ص: 306

ص: 307

ص: 308

ص: 309

ص: 310

ص: 311

ص: 312

و كذا لو كان متردّداً في نية الإقامة، أو المرور على المنزل المزبور؛ على وجه يُنافي قصد قطع المسافة (1)، و منه ما إذا احتمل عروض عارض منافٍ لإدامة السير، أو عروض مقتضٍ لنية الإقامة في الأثناء، أو المرور على الوطن؛ بشرط أن يكون ذلك ممّا يعتني به العقلاء. و أمّا مع احتمال غير معتنى به- كاحتمال حدوث مرض أو غيره؛ ممّا يكون مخالفاً للأصل العقلائي- فإنّه يقصّر (2).

(مسألة 14): لو كان حين الشروع قاصداً للإقامة، أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية،

أو كان متردّداً ثمّ عدل و بنى على عدم الأمرين، فإن كان ما بقي بعد العدول مسافة- و لو ملفّقة- قصّر، و إلّا فلا (3).


1- و ذلك لأنّه مع التردّد في نية الإقامة أو المرور على المنزل المزبور لا يتمشّى قصد قطع المسافة؛ فينتفي- حينئذٍ- شرط وجوب القصر.
2- يعني أنّه من قبيل المتردّد في قطع المسافة؛ فمن يحتمل باحتمال عقلائي عروض عارض منافٍ لإدامة السير و قطع تمام المسافة أو عروض مقتضٍ لنية الإقامة في الأثناء أو المرور على الوطن كذلك، فهو من قبيل المتردّد و يتمّ. و أمّا إذا احتمل عروض عارض و كان الاحتمال ممّا لا يعتني به العقلاء فهو لا ينافي قصد المسافة؛ فيقصّر حينئذٍ.
3- فرض المسألة أن يكون عدوله عن قصد الإقامة أو المرور على الوطن و بناؤه على عدم الأمرين بعد الشروع في السفر و قطع مقدار من المسافة، و إلّا فلا معنى لفرض ما بقي بعد العدول مسافة، كما هو واضح.

ص: 313

(مسألة 15): لو لم يكن من نيّته الإقامة، و قطع مقداراً من المسافة، ثمّ بدا له قبل بلوغ الثمانية،

ثمّ عدل عمّا بدا له و عزم على عدم الإقامة، فإن كان ما بقي بعد العدول عمّا بدا له مسافةً قصّر بلا إشكال (1). و كذا إن لم يكن كذلك، و لم يقطع بين العزمين شيئاً من المسافة، و كان المجموع مسافة (2). و أمّا لو قطع شيئاً بينهما، فهل يضمّ ما مضى قبل العدول إلى ما بقي- بإسقاط ما تخلّل في البين- إذا كان المجموع مسافة، أم لا؟ فالأحوط الجمع و إن لا يبعد العود إلى التقصير، خصوصاً إذا كان القطع يسيراً، كما مرّ نظيره (3).


1- لو قصد المسافة و لم يكن من نيته في أوّل السفر الإقامة أو المرور على الوطن و قطع مقداراً من المسافة ثمّ بدا له و نوى الإقامة أو المرور على الوطن قبل بلوغ الثمانية، فقد قطع السفر؛ فلو صلّى حينئذٍ أتمّ. ثمّ لو عدل عن نية الإقامة أو المرور على الوطن يكون كمن لم ينوهما ابتداءً؛ فإن كان ما بقي من الطريق مسافة قصّر بلا إشكال، و إلّا أتمّ.
2- فرض المسألة أن يقصد المسافة ابتداءً و قطع مقداراً منها، ثمّ توقّف عن قطع الطريق و قصد في حال التوقّف الإقامة أو المرور على الوطن في الأثناء، ثمّ عدل عن قصده هذا و قصد عدمهما في تلك الحال، و حينئذٍ فإن كان مجموع ما قطعه قبل القصدين و ما بقي بعدهما مسافةً قصّر بلا إشكال، و كان كالمتردّد في أثناء المسافة و لم يقطع شيئاً من الطريق حال التردّد ثمّ عاد إلى الجزم، فإنّه يقصّر.
3- قد مرّ في شرح ذيل المسألة الثالثة عشرة- المربوطة بمن تردّد في الأثناء قبل بلوغ أربعة فراسخ- أنّه إذا كان مجموع ما قطع و ما بقي مسافة مع إسقاط ما تخلّل في البين فالأحوط الجمع بين القصر و الإتمام. و اختار صاحب «الجواهر» رحمه الله فيها وجوب القصر. و مسألتنا هذه متّحدة مع تلك المسألة مناطاً، و المختار هو الاحتياط فيهما.

ص: 314

خامسها: أن يكون السفر سائغاً،
اشارة

فلو كان معصية لم يقصّر؛ سواء كان بنفسه معصية كالفرار من الزحف و نحوه، أو غايته كالسفر لقطع الطريق و نيل المظالم من السلطان و نحو ذلك (1).


1- اشتراط إباحة السفر في الترخيص و وجوب القصر إجماعي، قال في «التذكرة»: يشترط في جواز القصر إباحة السفر بإجماع علمائنا(تذكرة الفقهاء 4: 395.) سواء كان السفر واجباً كسفر حجّة الإسلام، أو مندوباً كسفر زيارة النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام، أو مباحاً كسفر التجارة، أو مكروهاً كالسفر في بعض الأيّام و للتجارة المكروهة. فلو كان السفر معصية لم يقصّر؛ سواء كان السفر بنفسه معصية، أو كان غايته أمراً محرّماً: أمّا الأوّل فكالفرار عن الزحف، و إباق العبد، و سفر الزوجة بدون إذن الزوج في غير الواجب، و سفر الولد مع نهي الوالدين كذلك، و السفر المضرّ ببدنه، و السفر المنذور تركه مع رجحان تركه. و أمّا الثاني فكالسفر لقتل النفس المحترمة بغير حقّ أو للسرقة و الزنا، أو إعانة الظالم، أو نيل المظالم من السلطان و نحوها. و يدلّ على الأوّل مفهوم مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حقّ»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 1.) . و موثّق سماعة قال: سألته عن المسافر ... إلى أن قال: «و من سافر فقصّر الصلاة و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا مشيّعاً لسلطان الجائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 4.) ، حيث إنّ تشييع السلطان الجائر حرامٌ في نفسه. و رواية أبي سعيد الخراساني قال: دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فسألاه عن التقصير، فقال لأحدهما: «وجب عليك التقصير؛ لأنّك قصدتني»، و قال للآخر: «وجب عليك التمام؛ لأنّك قصدت السلطان»(وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 6.) ، و الرواية في غاية الضعف سنداً بأحمد بن هلال العَبَرْتائي. و يدلّ على الثاني صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللَّه عزّ و جلّ: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»(البقرة( 2): 173.) *، قال: «الباغي: الصيد، و العادي: السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي عليهما حرام، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 2.) . و صحيح عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا سفره إلى صيد أو في معصية اللَّه أو رسول لمن يعصي اللَّه أو في طلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 3.) . و رواية إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة ...» إلى أن قال: «و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدُّنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 5.) . و موثّق سماعة المتقدّمة: قال عليه السلام: «أو خرج إلى الصيد» . و موثّق زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عمّن يخرج عن أهله بالصقورة و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة، هل يقصّر من صلاته أم لا يقصّر؟ قال: «إنّما خرج في لهو، لا يقصّر»(وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 1.) . و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد، أ يقصّر أو يتمّ؟ قال: «يتمّ؛ لأنّه ليس بمسير حقّ»(وسائل الشيعة 8: 479، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 4.) ، و غيرها من روايات الباب. و في «الجواهر»: و بالجملة فالمراد تحريم السفر لغايته، كالسفر لقطع الطريق أو لنيل المظالم من السلطان و نحو ذلك ممّا هو مصرّح به في النصوص، بل لا تعرّض فيها- على الظاهر- لغيره، فالمناقشة حينئذٍ في ذلك بأنّ مقدّمة المحرّم غير محرّمة؛ فلا يعدّ السفر الذي غايته المعصية حينئذٍ محرّماً ضعيفة جدّاً، بل هي اجتهاد في مقابل النصّ، بل النصوص(جواهر الكلام 14: 258.) ، انتهى.

ص: 315

ص: 316

ص: 317

نعم ليس منه ما وقع المحرّم في أثنائه- مثل الغيبة و نحوها- ممّا ليس غاية لسفره، فيبقى على القصر (1)، بل ليس منه ما لو ركب دابّة مغصوبة على الأقوى (2).


1- ضرورة عدم تأدية مثل الغيبة و نحوها إلى حرمة السفر نفسه؛ لأنّ المدار على إطلاق كون السفر سفر معصية أو لغاية محرّمة، لا على مطلق حصول المعصية حال السفر.
2- و ذلك لأنّ التصرّف في الدابّة المغصوبة بالركوب عليها من مقدّمات قطع المسافة و تباعد راكبها من أهله و وطنه الذي هو مفهوم السفر؛ فحرمة التصرّف فيها غير مؤثّرة في حرمة سفره. و كذلك لو استصحب مال الغير أو لبس ثوباً مغصوباً أو جعل لدابّته نعلًا مغصوباً و سافر بها، فإنّ شيئاً من المذكورات لا يؤثّر في اتّصاف السفر من حيث هو بكونه سفر معصية؛ أو غايته معصية. نعم لو سافر و قطع المسافة في أرض مغصوبة كان نفس السفر حراماً في نفسه و يتمّ. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» في المسألة الثامنة و العشرين: إنّ الأقوى القصر فيما ركب دابّة غصبية أو كان المشي في أرض مغصوبة(العروة الوثقى 2: 123.) و وافقه المحشّون. و علّله في «المستمسك» بأنّ النصوص الدالّة على الإتمام مختصّة بما لو كان السفر بما أنّه طيّ للمسافة حراماً؛ فلا تشمل صورة ما لو كان التحريم بلحاظ كونه تصرّفاً في مال الغير(مستمسك العروة الوثقى 8: 49.) و فيه: أنّ تعليله مسلّم في الركوب على الدابّة الغصبية و لبس الثوب المغصوب حال طيّ الطريق و نحوهما، و أمّا المشي في أرض مغصوبة فهو قطع للمسافة و حرام في نفسه. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد اختيار أنّ المدار على كون السفر سفر معصية لا على مطلق حصول المعصية حال السفر، و أنّ شرب الخمر و فعل الزنا و نحوهما حال السفر لا تقدح في الترخّص؛ ضرورة عدم تأديته إلى حرمة السفر نفسه- قال: أمّا لو فرض كونه كذلك- أي مؤدّياً إلى حرمة السفر نفسه- كركوب دابّة مغصوبة، بل مطلق التصرّف بمغصوب بنفس السفر- حتّى نعل الدابّة أو رحلها- و بالجملة: ما يؤدّي إلى حرمة نفس قطع المسافة قدح فيه، لا ما لم يؤدّ إلى ذلك و إن كان هو محرّماً في نفسه(جواهر الكلام 14: 260.) ، انتهى. و يرد عليه ما عرفت من أنّ حرمة المذكورات لا يوجب اتّصاف السفر من حيث هو بكونه سفر معصية.

ص: 318

و كذا ما كان ضدّاً لواجب و قد تركه و سافر، كما إذا كان مديوناً و سافر؛ مع مطالبة الدُّيّان و إمكان الأداء في الحضر دون السفر (1).


1- أي يجب التقصير فيما إذا كان السفر مستلزماً لترك واجب حتّى عند من يقول باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه الخاصّ؛ لأنّ الحرمة نشأت من مزاحمة السفر للواجب لا من حيث كونه سفراً، و النصوص الدالّة على وجوب التمام في السفر الحرام منصرف إلى غير هذا الفرض. و في «مصباح الفقيه»: و لذا- أي للانصراف المزبور- لا نجد من أنفسنا الجزم بالتزام جميع القائلين بالضدّ بوجوب الإتمام في الأسفار المباحة التي يترتّب عليها الإخلال بواجب، كأداء دين أو نفقة واجبة عليه أو قراءة واجبة، إلى غير ذلك من الواجبات التي قلّما يتخلّف شي ء من الأسفار عن لزوم الإخلال بشي ء منها ... إلى أن قال رحمه الله: فالأقوى خروج هذا القسم عن مورد الحكم بالإتمام، و لو على القول بمقدّمية ترك الضدّ لفعل ضدّه. نعم لو قصد بسفره الفرار من ذلك التكليف اندرج في موضوع هذا الحكم، حيث إنّ الفرار من التكليف بذاته أمر قبيح لدى العقل و العقلاء(مصباح الفقيه، الصلاة: 741/ السطر 27.) ، انتهى.

ص: 319

نعم لا يترك الاحتياط بالجمع فيما إذا كان السفر لأجل التوصّل إلى ترك واجب؛ و إن كان تعيّن الإتمام فيه لا يخلو من قوّة (1).


1- و لقد أفتى السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بوجوب الإتمام فيما إذا كان السفر و قطع المسافة لأجل التوصّل إلى ترك الواجب، و قالوا بالاحتياط الاستحبابي في الجمع بين القصر و الإتمام(العروة الوثقى 2: 122.) أقول: و لمّا كان ترك الواجب حراماً و قصد من السفر و قطع المسافة التوصّل إلى الحرام، كان غاية السفر محرّمة؛ فحينئذٍ يتمّ.

ص: 320

(مسألة 16): التابع للجائر يقصّر إن كان مجبوراً في سفره،

أو كان قصده دفع مظلمة و نحوه من الأغراض الصحيحة. و أمّا إن كان من قصده إعانته في جوره، أو كان متابعته له معاضدة له في جهة ظلمه، أو تقوية لشوكته مع كون تقويتها محرّمة، وجب عليه التمام (1).

(مسألة 17): لو كانت غاية السفر طاعةً، و يتبعها داعي المعصية

- بحيث ينسب السفر إلى الطاعة- يقصّر (2). و أمّا في غير ذلك؛ ممّا كانت الغاية معصية يتبعها داعي الطاعة، أو كان الداعيان مشتركين- بحيث لو لا اجتماعهما لم يسافر- أو مستقلين، فيتمّ. لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع في غير الصورة الاولى؛ أي تبعية داعي الطاعة، فإنّه يتمّ بلا إشكال (3).


1- المجبور و المكرَه عن قبل الجائر على السفر يقصّر؛ لإباحة سفره، و كذا من لا يكون مجبوراً و لا مكرَهاً عليه بل يتبع الجائر في السفر لدفع مظلمة و نحوها من الأغراض الصحيحة المترتّبة على تبعيته في السفر. و من كان تبعيته فيه إعانة له في ظلمه أو تقوية لشوكته- مع كون تقويتها محرّمة- فيتمّ؛ لترتّب الغاية المحرّمة على سفره.
2- و ذلك لعدم صدق سفر المعصية عليه، و لا تترتّب عليه غاية محرّمة.
3- لا كلام و لا إشكال في وجوب الإتمام فيما كانت الغاية معصية يتبعها داعي الطاعة؛ لكون سفره في معصية. و أمّا فيما كان الداعيان مشتركين بحيث لا يتحقّق السفر بدون اجتماعهما، أو كانا مستقلّين بحيث يكفي داعي المعصية مستقلّاً في تحقّق السفر، فيتمّ؛ لصدق السفر في المعصية و إن كان في الطاعة أيضاً. و لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع؛ لاحتمال أنّ المراد من سفر المعصية في النصوص كون المعصية علّة مستقلّة للسفر حال كونها وحدها؛ فالنصوص لا تشمل صورة اشتراك الداعيين و استقلالهما مع تحقّقهما معاً. و في المسألة وجه للتفصيل بين كون الداعيين مشتركين، و بين كون داعي المعصية تابعاً؛ فيتمّ في الأوّل و يقصّر في الثاني، بدعوى أنّ الظاهر من النصوص هو أنّ المراد من سفر المعصية ما كانت للمعصية دخالة في السفر بحيث لو لم يكن معصية في البين لم يتحقّق السفر، و هو وجه وجيه.

ص: 321

(مسألة 18): لو كان ابتداء سفره طاعة، ثمّ قصد المعصية به في الأثناء،

فمع تلبّسه بالسير مع قصدها انقطع ترخّصه و إن كان قد قطع مسافات، و لا تجب إعادة ما صلّاه قصراً (1)، و مع عدم تلبّسه به فالأوجه عدم انقطاعه، و الأحوط الجمع ما لم يتلبّس به (2).


1- أي لا فرق في سفر المعصية الموجبة للإتمام بين الابتداء و الاستدامة؛ فلو كان ابتداء سفره طاعة ثمّ قصد به المعصية في الأثناء فمع قطع مقدار من المسافة مع قصد المعصية انقطع ترخّصه و يتمّ؛ لصدق سفر المعصية عليه حينئذٍ، و يجزي ما صلّاه قصراً حال قصد الطاعة، و لا تجب إعادته؛ لكونه واجداً لشرائط القصر حال الصلاة و عاملًا بوظيفته.
2- لا وجه لهذا الاحتياط؛ لأنّ الموجب للإتمام هو السفر في معصية، و المفروض عدم قطع الطريق حال قصد المعصية، و قصد المعصية حال مكثه و عدم الضرب في الأرض لا يؤثّر في بقاء الترخّص قبل قصد المعصية.

ص: 322

ثمّ لو عاد إلى قصد الطاعة بعد ضربه في الأرض، فإن كان الباقي مسافة- و لو مُلفّقة- بأن كان الذهاب إلى المقصد أربعة أو أزيد، يجب عليه القصر أيضاً (1).

و كذا لو لم يكن الباقي مسافة، لكن مجموع ما مضى مع ما بقي- بعد طرح ما تخلّل في البين من المصاحب للمعصية- بقدر المسافة، لكن في هذه الصورة الأحوط الأولى ضمّ التمام أيضاً (2). و لو لم يكن المجموع مسافة إلّا بضمّ ما تخلّل من المصاحب للمعصية، فوجوب التمام لا يخلو من قوّة. و الأحوط الجمع (3). و إن كان ابتداء سفره معصية ثمّ عدل إلى الطاعة، يقصّر إن كان الباقي مسافة و لو ملفّقة، و إلّا فالأحوط الجمع و إن كان البقاء على التمام لا يخلو من قوّة (4).


1- قد مرّ في البحث عن المسافة الملفّقة أنّ المستفاد من النصوص و المعتبر هو كون كلّ من الذهاب و الإياب أربعة.
2- قد تقدّم في ذيل المسألة الثالثة عشرة من مسائل هذا الفصل: أنّه لا يبعد العود إلى القصر فيما إذا كان مجموع ما قطع قبل حصول التردّد مع ما بقي بإسقاط ما تخلّل في البين مسافةً؛ و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب القصر. و كذلك فيما نحن فيه حيث إنّه قطع مجموع المسافة بقصد الطاعة بعد إسقاط المتخلّل في البين.
3- وجه وجوب التمام اعتبار عدم قصد المعصية في مجموع المسافة، و مع قصد المعصية- و لو في جزء منها- يتمّ. و وجه الاحتياط بالجمع: أنّه من المحتمل أن يكون الموجب للتمام تحقّق قصد المعصية في جميع المسافة.
4- فلو صلّى في ابتداء سفره أتمّ، و بعد العدول إلى الطاعة مع كون الباقي مسافة و لو ملفّقة يقصّر. و إن لم يكن الباقي مسافة يتمّ على الأقوى، و إن كان الأحوط الجمع.

ص: 323

(مسألة 19): لو كان ابتداء سفره معصية فنوى الصوم، ثمّ عدل إلى الطاعة،

فإن كان قبل الزوال وجب الإفطار إن كان الباقي مسافة و لو ملفّقة، و إلّا صحّ صومه (1). و إن كان بعده لا يبعد الصحّة، لكن الأحوط الإتمام ثمّ القضاء (2). و لو كان ابتداؤه طاعة ثمّ عدل إلى المعصية في الأثناء، فإن كان بعد تناول المفطر أو بعد الزوال لم يصحّ منه الصوم (3)،


1- لا إشكال في أنّ مجرّد قصد المعصية في ابتداء السفر و قطع الطريق معه لا يوجب بطلان الصوم. و وجه وجوب الإفطار كونه مسافراً قاصداً للمسافة قبل الزوال في طاعة. و يشترط شروعه في السفر، و لا يفطر بمجرّد العدول إلى الطاعة قبل الشروع فيه، هذا إذا كان الباقي مسافة، و إن لم يكن مسافة صحّ صومه و وجب الإتمام؛ لكون بقية سفره حالة الطاعة أقلّ من المسافة.
2- أي إن كان عدوله إلى الطاعة بعد الزوال فلا يبعد صحّة صومه؛ لأنّه إلى الزوال كان مسافراً بقصد المعصية، و وظيفته بقاؤه على صومه؛ لأنّ المعيار في الإفطار و صومه إلى الزوال. و يحتمل أن يكون الإباحة قيداً للحكم و وجوب الترخّص لا للموضوع- الذي هو السفر الموجب للترخّص- فالمسافر حال قصد المعصية يصوم و إن كان قبل الزوال، و يفطر حال قصد الطاعة و إن كان بعد الزوال. و الأحوط الإتمام ثمّ القضاء.
3- بطلان الصوم فيما تناول المفطر قبل الزوال حال كون سفره طاعة ممّا لا كلام فيه. و لو كان سفره طاعة إلى الزوال و عدل إلى المعصية بعده فقد بطل صومه بمجرّد كونه في سفر الطاعة إلى تحقّق الزوال. و لا أثر للعدول إلى المعصية بعد الزوال و إن لم يتناول المفطر، و يكون كمن سافر قبل الزوال و لم يفطر شيئاً و رجع بعد الزوال؛ فيبطل صومه.

ص: 324

و إن كان قبلهما فصحّته محلّ تأمّل، فلا يترك الاحتياط بالصوم و القضاء (1).

(مسألة 20): الراجع من سفر المعصية: إن كان بعد التوبة، أو بعد عروض ما يخرج العود عن جزئية سفر المعصية

- كما لو كان محرّكه للرجوع غاية اخرى مستقلّة، لا الرجوع إلى وطنه- يقصّر (2)،


1- من كان ابتداء سفره طاعة و عدل إلى المعصية قبل الزوال و لم يفطر شيئاً كان كمن سافر أوّل النهار و حضر قبل الزوال فإنّه ينوي و يصحّ صومه، و الأحوط القضاء أيضاً.
2- لا إشكال في وجوب القصر على الراجع من سفر المعصية مع كون رجوعه مسافة و كان تائباً حين الشروع في الرجوع، أو كان رجوعه بقصد الطاعة لا بقصد العود إلى الوطن، فإنّ رجوعه حينئذٍ يكون سفراً مستقلّاً لا في إدامة سفره الأوّل الذهابي. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قال بوجوب القصر في العود مطلقاً، من غير تقييد بالتوبة أو بعروض ما يخرج العود عن جزئية سفر المعصية، قال: لا إشكال في الترخّص بعوده إلى محلّه عن سفر المعصية، إلّا أن يكون قصد به المعصية أيضاً(جواهر الكلام 14: 261.)

ص: 325

و إلّا فلا يبعد وجوب التمام عليه، و الأحوط الجمع (1).

(مسألة 21): يلحق بسفر المعصية السفر للصيد لهواً،

كما يستعمله أبناء الدنيا (2).


1- لعلّ وجه عدم البعد في وجوب التمام كون العود جزءاً من سفر المعصية. و فيه: أنّ الذهاب و الإياب و إن كان كلّ واحد منهما في سفر واحد إلّا أنّه يختلف عنوانهما؛ فإنّ الذهاب سفر في المعصية و الإياب سفر في الطاعة. و لا يترك الاحتياط بالجمع.
2- يظهر من المحقّق في «الشرائع»: أنّ السفر للصيد سفر معصية، قال: و لو كان معصية لم يقصّر، كاتّباع الجائر و صيد اللهو. و في «الجواهر»: و لعلّه لأنّ الصيد من الملاهي، كما هو صريح خبر زرارة عن الباقر عليه السلام سألته عمّن يخرج بأهله بالصقور و البزاة و الكلاب يتنزّه الليلة و الليلتين و الثلاثة، هل يقصّر في صلاته أم لا يقصّر؟ قال: «إنّما خرج في لهو لا يقصّر»، قلت: الرجل يشيّع أخاه اليوم و اليومين في شهر رمضان؟ قال: «يفطر و يقصّر؛ فإنّ ذلك حقّ عليه»(وسائل الشيعة 8: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 1.) ؛ فيندرج فيما دلّ- حينئذٍ- على حرمتها. و لقول الصادق عليه السلام في خبر ابن بكير: «إنّ الصيد مسير باطل، لا تقصّر الصلاة فيه»(وسائل الشيعة 8: 480، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 7.) . و في خبر عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أيضاً: «يتمّ؛ لأنّه ليس بمسير حقّ»(وسائل الشيعة 8: 479، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 4.) و مرسل ابن أبي عمير عنه عليه السلام أيضاً قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة، يقصّر أو يتمّ؟ فقال: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر، و إن خرج لطلب الفضول فلا، و لا كرامة»(وسائل الشيعة 8: 480، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 5.) . و لا يخفى: أنّ هذا الخبر المرسل رواه عمران بن محمّد بن عمران القمّي. و خبر حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللَّه تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»*، قال: «الباغي: باغي الصيد، و العادي: السارق، و ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصّرا في الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 2.) ، إلى غير ذلك ممّا يدلّ عليه من النصوص المعتضدة بالفتاوى التي لا أجد خلافاً فيها في ذلك(جواهر الكلام 14: 262.) ، انتهى. و يدلّ على وجوب التمام في سفر الصيد اللهوي قبل الإجماع- مضافاً إلى الأخبار التي نقلناها عن صاحب «الجواهر» رحمه الله- صحيح عمّار بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر، إلّا أن يكون رجلًا سفره إلى صيد أو في معصية اللَّه أو رسول لمن يعصي اللَّه أو في طلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين»(وسائل الشيعة 8: 476، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 3.) . و موثّق سماعة قال: سألته عن المسافر ... إلى أن قال: «و من سافر قصّر الصلاة و أفطر إلّا أن يكون رجلًا مشيّعاً لسلطان جائر أو خرج إلى صيد أو إلى قرية له تكون مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصّر و لا يفطر»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 4.) . و خبر إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة ...» إلى أن قال: «و الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 477، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8، الحديث 5.) . و موثّق عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج إلى الصيد، أ يقصّر أو يتمّ؟ قال: «يتمّ؛ لأنّه ليس بمسير حقّ»(وسائل الشيعة 8: 479، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 9، الحديث 4.)

ص: 326

ص: 327

و أمّا إن كان للقوت يقصّر (1). و كذا إذا كان للتجارة بالنسبة إلى الإفطار، و أمّا بالنسبة إلى الصلاة ففيه إشكال، و الأحوط الجمع (2).


1- هذه المسألة إجماعية، و الدليل على وجوب القصر في المسألة- مضافاً إلى إطلاق أدلّة وجوب القصر للمسافر السالم عن المعارض؛ لظهور أدلّة وجوب التمام للسفر في الصيد في خصوص سفر الصيد للّهو- هو مرسل عمران بن محمّد بن عمران القمّي- الذي عبّر عنه صاحب «الجواهر» بمرسل ابن أبي عمير، و قد تقدّم نقله عنه رحمه الله-: «إن خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصّر».
2- إذا كان الصيد للتجارة فلا إشكال و لا خلاف بين علمائنا في وجوب الإفطار. و أمّا وجوب القصر في الصلاة ففيه خلاف بينهم: المعروف المشهور بين المتأخّرين هو وجوب القصر في الصلاة كالصوم. و المشهور عند القدماء- منهم بنو إدريس و حمزة و البرّاج و بابويه و الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي- هو وجوب التمام. و أشكلت المسألة على جماعة- منهم المصنّف رحمه الله- و قالوا بالاحتياط الوجوبي في الصلاة بالجمع بين القصر و الإتمام. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين بالاحتياط الاستحبابي بالجمع في الصلاة و الصوم كليهما. و استدلّ للقول الأوّل بإطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر الذي سفره سائغ، و بقاعدة تلازم وجوب القصر و الإفطار المستفادة من صحيح عمّار بن مروان المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «من سافر قصّر و أفطر ...» الحديث، و نحوه غيره من الأحاديث. و هذه القاعدة ثبوتاً و نفياً تستفاد من موثّقة سماعة المتقدِّمة: «و من سافر فقصّر الصلاة و أفطر» . و يستفاد من بعض الروايات التلازم من الطرفين، كما في ذيل صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) . و حكى على هذه القاعدة الإجماع عن السيّد المرتضى، و بالغ في ثبوتها العلّامة رحمه الله في «المختلف». و استدلّ للقول الثاني بالشهرة بين القدماء. و في «الجواهر»: لعلّه لا خلاف فيه بينهم(جواهر الكلام 14: 265.) و في «السرائر»: أنّ أصحابنا أجمعوا على ذلك فتياً و روايةً. و في «المبسوط» نسبه إلى رواية أصحابنا. و حكى في «المستدرك» في كتاب الصلاة عن «فقه الرضا» أنّه يقصّر الصوم دون الصلاة(مستدرك الوسائل 6: 533، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 2.) ، و لكنّه حكى عن «الفقه» المزبور في كتاب الصوم أنّه قال: و إن كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة و الصيام، و روي أنّ عليه الإفطار في الصوم(مستدرك الوسائل 7: 378، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 4، الحديث 1.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله(جواهر الكلام 14: 265.) قوّى هذا القول و بالغ في الاستدلال عليه بالإجماع المنقول عن «السرائر» المعتضد بما روي عن «الفقه الرضوي» و «المبسوط» و «السرائر»، و حمل ما حكي عن «فقه الرضا» في باب الصوم- و لو كان بعيداً- على إرادة من كان ذلك دأبه و أدرجه في كثير السفر؛ مستشهداً على الحمل المزبور بما حكاه المقدّس البغدادي عن أصل زيد النرسي في حديث طويل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و إن كان ممّن يطلبه للتجارة و ليس له حرفة إلّا من طلب الصيد فإنّ سعيه حقّ و عليه التمام في الصلاة و الصيام؛ لأنّ ذلك تجارته، فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في الأسواق في طلب التجارة، أو كالمكاري و الملّاح ...»(مستدرك الوسائل 6: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 1.) ، الحديث طويل ذكر صدره في «المستدرك» في الباب السابع من أبواب صلاة المسافر الحديث الأوّل، و وسطه في الباب الواحد و الثمانين من أبواب ما يكتسب به الحديث الثاني، و ذيله في الباب التاسع و السبعين منها الحديث الرابع. و لا يخفى: أنّ الشهرة بين القدماء على التفصيل بين الصوم و الصلاة بالإفطار و الإتمام إن ثبت تحقّقها فهو، و إلّا فالإطلاق المقتضي عدم الفرق بينهما محكّم، و قاعدة التلازم ممّا ادّعى الإجماع عليه من السيّد المرتضى رحمه الله؛ فلا يصغى إلى ما عن صاحب «الجواهر» رحمه الله من أنّه من المحتمل خروج هذه المسألة من القاعدة عند السيّد رحمه الله. فالأقوى هو القول الأوّل، و إن كان الاحتياط بالجمع. و الظاهر من عبارة «العروة الوثقى» هو الاحتياط بالجمع في كلّ من الصوم و الصلاة، و لكن الإجماع قام على الإفطار في الصوم.

ص: 328

ص: 329

ص: 330

و لا يلحق به السفر بقصد مجرّد التنزّه، فلا يوجب ذلك التمام (1).

سادسها: أن لا يكون من الذين بيوتهم معهم،

كبعض أهل البوادي الذين يدورون في البراري، و ينزلون في محلّ الماء و العشب و الكلأ، و لم يتّخذوا مقرّاً معيّناً، و من هذا القبيل الملّاحون و أصحاب السفن الذين كانت منازلهم فيها معهم، فيجب على أمثال هؤلاء التمام في سيرهم المخصوص (2).


1- لا يخفى: أنّ سفر الصيد للتنزّه جائزٌ يقصّر فيه؛ لكون التنزّه في نفسه مباحاً؛ للأصل و السيرة القطعية.
2- لا خلاف بين أصحابنا في وجوب التمام على الذين بيوتهم معهم، كأهل البوادي الذين لا مسكن لهم معيّناً، بل يدورون في البراري و ينزلون في الأمكنة المناسبة لهم من محلّ الماء و الكلاء، بل ادّعى عليه الإجماع في «الانتصار» و «السرائر» و «الغنية» و «الأمالي» و «المهذّب البارع». و لا خلاف فيه إلّا من العمّاني حيث أطلق وجوب القصر على كلّ مسافر، و على خلافه انعقد الإجماع. ثمّ إنّ جماعة من فقهائنا أرجع هذا الشرط و ما بعده إلى شرط واحد، و اختلفت عباراتهم في بيانه: فعبّر بعضهم بأن لا يكون سفره أكثر من حضره، كالمفيد و المحقّق في «الشرائع» و «المعتبر» و العلّامة في «القواعد» و «التذكرة» و «التحرير» و «نهاية الإحكام»، و نسبه في «الذكرى» إلى المعظم، و في «المسالك» إلى الأكثر، و في «جامع المقاصد» و «المدارك»: أنّه المشتهر على ألسنة الفقهاء. و بعضهم بأن لا يكون كثير السفر؛ قال في «الروض»: تسمية هذا النوع كثير السفر و زائد السفر حقيقة شرعية. و ثالث بأن لا يكون السفر عملًا له، كالعلّامة في بعض كتبه و الشهيد الأوّل و جماعة من المتأخّرين. و رابع بأن لا يكون ممّن يلزمه الإتمام في السفر، كما في «المنتهى» و «البيان». و خامس بأن لا يكون سفره في حكم حضره، كما في «الوسيلة». و سادس- كما عن «الهداية»، و استحسنه استاذ صاحب «مفتاح الكرامة» و المقدّس الأردبيلي- اقتصر على ذكر العناوين الواردة في النصوص من المكاري و الجمّال و الملّاح و الراعي و الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته، و البدوي الذي يتطلّب مواضع القطر و منابت الشجر، و الاشتقان و هو البريد أو أمين البيدر، و الكريّ و هو الساعي. قال في «الوافي»: الكريّ كغنيّ: الكثير المشي، و كأنّه اريد به الذي يكري نفسه للمشي. و أمّا الاشتقان فقيل: هو أمين البيادر، و قال في «الفقيه»: هو البريد. و في «الحدائق» ما فسّر به الكريّ من أنّه الكثير المشي لم نجده في شي ء من كتب اللغة المشهورة. و نقل عن ابن الأنباري في كتاب «الأضداد»: إنّه يكون بمعنى المكاري، و يكون بمعنى المكتري. أقول: الأولى ذكر هذا الشرط و الشرط الآتي مستقلّاً؛ لاختلافهما مفهوماً، و لتضمّن النصوص كلّاً منهما بالخصوص، كما يأتي الإشارة إليه. و كيف كان: و يدلّ على الشرط المذكور- مضافاً إلى عدم صدق المسافر على من كان بيته معه من المذكورين في المتن- صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) . و موثّق إسحاق بن عمّار قال: سألته عن الملّاحين و الأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: «لا، بيوتهم معهم»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 5.) . و مرسل سليمان بن جعفر الجعفري عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الأعراب لا يقصّرون؛ و ذلك أنّ منازلهم معهم»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 6.) ، هذه الرواية تدلّ بعموم التعليل أنّ كلّ من كان منزله معه يتمّ، و مثله مرسله الآخر عنه عليه السلام قال: «كلّ من سافر فعليه التقصير و الإفطار، غير الملّاح فإنّه في بيت و هو يتردّد حيث يشاء (شاء)»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 11.) و رواية عبد اللّه بن المغيرة عن إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 9.)

ص: 331

ص: 332

ص: 333

نعم لو سافروا لمقصد آخر- من حجّ أو زيارة و نحوهما- قصّروا كغيرهم (1).


1- لصدق المسافر عليهم حينئذٍ، بشرط أن لا يكون بيوتهم معهم، كما هو المستفاد من التعليل في النصوص. و لو كان بيوتهم معهم فالأحوط الجمع. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد أن أفتى بأنّه لو قصد بعضهم قطع مسافة لزيارة أو نحوها ممّا لا يندرج في الحال الأوّل يترخّص، و قوّى الترخّص فيمن يمضي منهم لاختيار المنزل لقومه من جهة النبت و نحوه؛ لإطلاق أدلّة الترخّص بعد أن احتمل عدم ترخّصه؛ لاحتمال عدم عدّ مثل ذلك بالنسبة إليه سفراً و اندراجه في البدوي الذي وظيفته التمام. قال: كما أنّ ظاهر التعليل للإتمام في المكاري و نحوه بأنّه عملهم و وصفه و الجمّال بالاختلاف- إشارة إلى صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) - الترخّص لو أنشئوا سفراً للحجّ و نحوه ممّا لا يدخل في المكاراة و نحوها من أعمالهم؛ اقتصاراً في تقييد الأدلّة أيضاً على المتيقّن، لا أنّه يشترط في إتمامهم كراؤهم للغير؛ فلو حملوا أمتعتهم و عيالهم من بلاد إلى بلاد كان اختلافهم فيما بينهما ترخّصوا، بل المراد إنشاؤهم سفراً لا يعدّ أنّه من عملهم الذي كانوا يختلفون فيه، كما لو قصد مكاري العراق حجّ البيت الحرام أو زيارة مشهد الرضا عليه السلام، و كان إيكاله إلى العرف أولى من التعرّض لتنقيحه(جواهر الكلام 14: 271.) ، انتهى ملخّصاً.

ص: 334

و لو سار أحدهم لاختيار منزل مخصوص أو لطلب محلّ الماء و العشب- مثلًا- و كان يبلغ مسافة، ففي وجوب القصر أو التمام عليه إشكال، فلا يُترك الاحتياط بالجمع (1).

سابعها: أن لا يتّخذ السفر عملًا له،
اشارة

كالمكاري و الساعي و أصحاب السيّارات و نحوهم، و منهم أصحاب السفن و الملّاح إذا كان منزلهم خارج السفينة و اتّخذوا الملاحة صنعة، و أمّا إذا كان منزلهم معهم فهم من الصنف السابق؛ فإنّ هؤلاء يتمّون الصلاة في سفرهم، الذي هو عمل لهم و إن استعملوه لأنفسهم لا لغيرهم، كحمل المكاري- مثلًا- متاعه و أهله من مكان إلى مكان آخر (2).


1- لو سار أحدهم لشي ء من المذكورات في المتن و كان بيته معه، وجب التمام عليه، و إلّا قصّر مع بلوغ المسافة؛ لأنّ وظيفتهم في الإتمام و القصر دائرة مدار وجود العلّة المنصوصة بها في النصوص المتقدّمة، كما لا يخفى.
2- و الدليل على اشتراط وجوب القصر بعدم اتّخاذ السفر عملًا، صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكريّ، و الراعي، و الاشتقان؛ لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 2.) . و مرسل ابن أبي عمير رفعه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة يتمّون في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكريّ، و الاشتقان و هو البريد، و الراعي، و الملّاح؛ لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 12.) . ثمّ إنّ المستفاد من صحيح زرارة و مرسل ابن أبي عمير أنّ من كان شغله السفر- كالعناوين المذكورة في المتن- يتمّ؛ فلا يشمل من لم يكن السفر عمله بل كان عمله في السفر كثيراً، كمن كان له شغل يعمله في السفر مستمرّاً أو كثيراً بحيث يذهب من وطنه إلى محلّ شغله و يرجع إلى وطنه كلّ يوم، و لكن يقال في العرف لمن كان شغله في السفر غالباً: إنّ فعله و عمله السفر؛ فقوله عليه السلام: «لأنّه عملهم» يشمل من كان شغله في السفر عرفاً. و لذا عمّم الحكم جماعة من الفقهاء لكثير السفر حيث حملوا التعليل الوارد في النصّ: «لأنّه عملهم» على الارتكاز العرفي و أنّ كثير السفر يطلق عليه في العرف أنّ عمله السفر. و في «المستمسك»: و مقتضى حمل التعليل المذكور على الارتكاز العرفي عموم الحكم لمن كان بانياً على الاستمرار على السفر للتعليم أو للتعلّم أو لغير ذلك من الغايات المحلّلة. فالعمّال الذين يسافرون كلّ يوم من وطنهم إلى خارج المسافة للعمل ثمّ الرجوع إلى وطنهم ليلًا يتمّون صلاتهم و يصومون شهر رمضان، و إن لم يصدق أنّ عملهم السفر، بل عملهم البناء أو الحفر أو نحو ذلك، كلّ ذلك حملًا للتعليل على مقتضى الارتكاز العرفي؛ و هو الاستمرار على السفر لأيّ غاية كانت. مضافاً إلى ما ورد في التاجر الذي يدور في تجارته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و الجابي الذي يدور في جبايته؛ فإنّ هؤلاء شغلهم الجباية و الإمارة و التجارة، التي تكون في السفر، و ليس السفر نفسه شغلهم. و لا فرق بينهم و بين العمّال المذكورين في أنّ السفر مقدّمة لما هو عملهم(مستمسك العروة الوثقى 8: 70.)، انتهى.

ص: 335

ص: 336

نعم يقصّرون في السفر الذي ليس عملًا لهم، كما لو فارق الملّاح- مثلًا- سفينته، و سافر للزيارة أو غيرها (1).


1- و ذلك لأنّه و إن كان مسافراً و لكنّه ليس سفره عملًا له. و السفر الذي يتمّون فيه لا بدّ أن يكون من عملهم، و هو القدر المتيقّن من أدلّة وجوب التمام على المسافرين الذين كان السفر عملهم. و يمكن استفادته من صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكاري و الجمّال»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 4.) ، و نحوه صحيح آخر لابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «ليس على الملّاحين في سفينتهم تقصير، و لا على المكارين، و لا على الجمّالين»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 8.) . و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أصحاب السفن يتمّون في سفنهم»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 7.) . وجه الدلالة: أنّ مفهوم هذه الروايات وجوب التقصير على الملّاحين في سفرهم الذي لم يكونوا في سفينتهم.

ص: 337

و المدار صدق اتخاذ السفر عملًا و شغلًا له. و يتحقّق ذلك بالعزم عليه مع الاشتغال بالسفر مقداراً معتدّاً به، و لا يحتاج في الصدق تكرّر السفر مرّتين أو مرّات (1). نعم لا يبعد وجوب القصر في السفر الأوّل مع صدق العناوين أيضاً، و إن كان الأحوط الجمع فيه و في السفر الثاني، ويتعيّن التمام في الثالث (2).


1- يعني أنّ وجوب التمام على المكاري و الجمّال و غيرهما ممّا ذكر في النصوص دائر مدار صدق اتّخاذ السفر عملًا و شغلًا لهم عرفاً. و يتحقّق ذلك بالعزم عليه مع الاشتغال مقداراً معتدّاً به؛ فلا يكفي مجرّد العزم عليه بدون الاشتغال المعتدّ به في الصدق العرفي. و كذا لا يعتبر تكرّر السفر مرّتين أو مرّات؛ للصدق العرفي بالمرّة الاولى فيما كان مقداراً معتدّاً به.
2- لا يخفى: أنّه يمكن استفادة الاحتياج إلى تكرّر السفر لا أقلّ مرّتين فيمن صدق عليه أحد العناوين المذكورة في الروايات- كالمكاري و نحوه- من صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) . و رواية السندي بن الربيع قال: في المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام «يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 10.) ، حيث قيّد الحكم في المكاري و الجمّال بالاختلاف. قيل: إنّ المراد من الاختلاف تكرّر الذهاب و الإياب بلا فترة. و فيه: أنّ الاختلاف يصدق بكونه ملكة حاصلة بمجرّد التلبّس بالسفر و الصدق العرفي. و قال صاحب «الرياض» باشتراط تكرّر السفر و كثرته في وجوب الإتمام، من غير فرق بين المكاري و الملّاح و نحوهما ممّا ورد في النصوص من التاجر و الأمير، و بين غيرهم ممّن يكون السفر عمله؛ فلو صدق وصف أحد هؤلاء و لم يتحقّق الكثرة المزبورة لزم التقصير. و لعلّ من اعتبر ثلاث مرّات في وجوب التمام على المذكورين قال بتحقّق عملية السفر أو كثرته بها. و فيه: أنّ المعيار هو الصدق العرفي فيمن عمله السفر و فيمن يصدق عليه أحد العناوين المذكورة في النصوص. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد أن حكى عن بعض متأخّري أصحابنا: أنّ الحكم في بعض الأخبار ليس معلّقاً على الكثرة، بل على مثل المكاري و الجمّال و من اتّخذ السفر عمله، فوجب أن يراعى صدق هذا الاسم عرفاً- قال: لا وجه لاعتبار تثليث السفر بعد صدق العملية، كما هو ظاهر ذيل كلامه- أي كلام بعض متأخّري أصحابنا- بل صريحه ضرورة ظهور الأدلّة، إن لم يكن صراحتها في أنّ مدار الإتمام ذلك، كما أنّها ظاهرة أو صريحة في أنّه متى تحقّق صدق اسم واحد من المكاري و الملّاح و نحوهما عرفاً صدق عليه أنّه عمله السفر قطعاً. بل يمكن منع اعتبار التثليث المزبور في تحقّق أصل العملية أو المكارية عرفاً، بل ينبغي القطع بعدم اعتبار الرجوع إلى بلاده في ذلك؛ إذ لو بقي مدّة طويلة يعمل في المكاراة ذهاباً و إياباً إلى غير بلاده صدق عليه الوصفان المزبوران قطعاً. بل قد يقال بعدم اعتبار الرجوع في ذلك أيضاً، كما لو كارى إلى مقصد بعيد. بل استظهر المقدّس البغدادي تحقّق وصف المكاري و نحوه بأوّل سفره إذا تبع الدوابّ و سعى معها سعي المكارين، و هو لا يخلو من وجه(جواهر الكلام 14: 277.) ، انتهى.

ص: 338

ص: 339

(مسألة 22): من كان شغله المكاراة في الصيف دون الشتاء أو بالعكس،

فالظاهر أنّه يجب عليه التمام في حال شغله و إن كان الأحوط الجمع (1). و أمّا مثل «الحملدارية» الذين يتشاغلون بالسفر في خصوص أشهر الحجّ، فالظاهر وجوب القصر عليهم (2).


1- و ذلك لإطلاق الأدلّة المتضمّنة لكون السفر عملًا، أو لصدق أحد العناوين المذكورة في النصوص كالمكاري و الجمّال و الملّاح و نحوها الشاملة لمن كان شغله السفر أو مكارياً و جمّالًا و نحوهما في تمام السنة أو بعضها. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد أن قال بعدم الفرق في وجوب الإتمام على من كان عمله السفر بين المكاري و الجمّال و الكريّ و صاحب السفينة، و بين غيرهم كالتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق بحيث صار ذلك عملًا له و حرفةً يستعملها في تمام السنة- قال: أمّا إذا كان يستعمل ذلك في الصيف دون الشتاء أو بالعكس ففي إتمامه و قصره وجهان ينشئان من إطلاق الدليل و صدق العملية له في هذا الحال مع اختلافه ذهاباً أو إياباً متكرّراً، و من أنّ المتيقّن الأوّل؛ فيبقى غيره على أدلّة القصر، و الأحوط له الجمع(جواهر الكلام 14: 274.) ، انتهى. و يرد عليه: أنّه مع وجود الإطلاق لا مجال لأخذ القدر المتيقّن. و الاحتياط بالجمع حسنٌ.
2- الظاهر وجوب القصر على مثل الحملدارية الذين يشتغلون بالسفر في خصوص أشهر الحجّ و إن اتّخذوا ذلك حرفةً و وسيلة المعيشة؛ و ذلك لعدم صيرورة السفر عملًا لهم، و لا ينطبق عليهم أحد العناوين المذكورة في النصوص من المكاري و الجمّال و نحوهما، و هم ممّن يقيمون في أوطانهم بعد أن رجعوا من الحجّ أشهراً؛ فلا مخرج لهم حينئذٍ عن إطلاق ما دلّ على إيجاب قصد المسافة القصر. و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 484، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 1.) ، حيث إنّ المراد من الاختلاف تكرّر الذهاب و الإياب بلا فترة عند جماعة. و التلبّس بالسفر مع الصدق العرفي بكون السفر شغله. و خبر محمّد بن جزك قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام: إنّ لي جمالًا ولي قوّام عليها، و لستُ أخرج فيها إلّا في طريق مكّة لرغبتي في الحجّ أو في الندرة إلى بعض المواضع، فما يجب عليَّ إذا أنا خرجتُ معهم أن أعمل؟ أ يجب عليّ التقصير في الصلاة و الصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه السلام: «إذا كنت لا تلزمها و لا تخرج معها في كلّ سفر إلّا إلى مكّة فعليك تقصير و إفطار»(وسائل الشيعة 8: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 12، الحديث 4.)

ص: 340

(مسألة 23): يعتبر في استمرار من عمله السفر على التمام، أن لا يُقيم في بلده أو غير بلده عشرة أيّام

و لو غير منوية، و إلّا انقطع حكم عملية السفر و عاد إلى القصر (1)،


1- و يدلّ على اعتبار عدم إقامة عشرة أيّام في بلده أو غير بلده في الاستمرار على التمام بالنسبة إلى من عمله السفر و من كان من العناوين المذكورة في النصوص، كالمكاري و نحوه- مضافاً إلى الشهرة المحقّقة و نفي الخلاف، كما عن «المعتبر»، و الاتّفاق المدّعى عن «المدارك»- صحيح هشام بن الحكم المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري و الجمّال الذي يختلف و ليس له مقام يتمّ الصلاة و يصوم شهر رمضان» ، وجه الدلالة: أنّ المتبادر من المقام- المصدر الميمي- عند الإطلاق في النصّ و الفتوى هو إقامة عشرة أيّام؛ للإجماع على عدم التقصير في الإقامة فيما دون العشرة. و مرسل يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم و يتمّ، قال: «أيّما مكارٍ أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقلّ من مقام عشرة أيّام وجب عليه الصيام و التمام أبداً، و إن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير و الإفطار»(وسائل الشيعة 8: 488، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 12، الحديث 1.) . و ضعف السند بإسماعيل بن مرّار المجهول منجبر بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً. و تضعيف السند بالإرسال- كما في «المستمسك»- كما ترى؛ لأنّ الراوي عن بعض الرجال هو يونس، و هو من أصحاب الإجماع. و خبر عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «المكاري إذا لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار و أتمّ صلاة الليل، و عليه صيام شهر رمضان. فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر و ينصرف إلى منزله و يكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر قصّر في سفره و أفطر»(وسائل الشيعة 8: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 12، الحديث 5. و هذا الخبر صحيح من طريق الصدوق، و إن كان ضعيفاً من طريق الشيخ؛ لوقوع إسماعيل بن مرّار المجهول في طريقه. و مضمونه و إن كان غير معمول به بالنسبة إلى التقصير في الصلاة النهارية على من يستقرّ في منزله خمسة أيّام أو أقلّ، و كذلك غير معمول به بالنسبة إلى اشتراط القصر و الإفطار بإقامة العشرة في البلد الذي يذهب إليه و في منزله بحيث كانت الإقامة اللاحقة شرطاً متأخّراً لوجوب القصر في السفر بعد الإقامة السابقة، و لعلّ المراد من الإقامة في المكانين الإقامة عشراً ذهاباً و إياباً أي سواء كانت إقامة العشرة في السفر أو في منزله وجب التقصير و الإفطار. و كيف كان: فمتروكية ظهور الخبر في الموردين المذكورين لا يقدح في حجّيته بالنسبة إلى ما نحن فيه؛ و هو التقصير بالإقامة عشرة أيّام مطلقاً في منزله أو في أيّ مكان اتّفق في ضمن سفره.

ص: 341

ص: 342

لكن في السفرة الاولى خاصّة دون الثانية، فضلًا عن الثالثة (1).


1- و ذلك للاكتفاء فيما دلّ على القصر على القدر المتيقّن- و هو السفرة الاولى- و يبقى ما عدا السفرة الاولى مندرجاً في إطلاق ما دلّ على وجوب التمام على من كان عمله السفر، أو كان أحد العناوين المذكورة في النصوص. و حكي عن الشهيدين و المحقّق الثاني و غيرهم العود إلى التمام في الثالثة؛ لزعمهم إخراج الإقامة عشرة أيّام المسافر الكذائي عن اسم من عمله السفر أو عن العناوين المعهودة؛ فلا يعود- حينئذٍ- إلى اسمه و عنوانه إلّا بما أثبته له من الدفعات الثلاث. و فيه أوّلًا: أنّه يكفي في بقاء الاسم و العنوان الصدق العرفي. و ثانياً: أنّ مجرّد الإقامة عشراً لا يخرج المذكورين من عناوينهم، كما هو واضح.

ص: 343

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط- بالجمع- في السفرة الاولى لمن أقام في غير بلده عشرة من دون نية الإقامة، بل الأحوط الجمع في السفرة الثانية و الثالثة- أيضاً- له مطلقاً و لمن أقام في بلده بنية أو بلا نية (1).


1- القاطع للتمام فيمن عمله السفر و في المكاري و الجمّال و نحوهما من العناوين المذكورة في النصوص، هو إقامة عشرة أيّام مطلقاً؛ في بلده أو غيره، مع النية أو بلا نية. و نصّ الشيخ و من تبعه بأنّ القاطع للتمام هو إقامة العشرة في بلده. و ألحق المحقّق في «النافع» و العلّامة في «القواعد» و من تأخّر عنهما بإقامة العشرة في بلده إقامتها في غير بلده مع النية؛ فلو نواها في غير بلده ثمّ سافر قصّر في السفرة الاولى. و مقتضى الاكتفاء في الإلحاق بخصوص نية الإقامة في غير بلده هو الإتمام بالنسبة إلى مقيم العشرة في غير بلده بلا نية؛ فالمقيم عشرة في غير بلده بلا نية لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع؛ فيقصّر لكونه مشمولًا لإطلاق الأدلّة الدالّة على وجوب القصر لمن أقام عشرة أيّام، و يتمّ لعدم إلحاقه بالمقيم في بلده. و وجه الاحتياط بالجمع في السفرة الثانية و الثالثة أيضاً على المقيم في غير بلده مطلقاً- مع النية أو بلا نية- هو أنّ مقتضى إطلاق الروايات المتقدّمة و إن كان هو القصر- حتّى في السفر الثالث، فضلًا عن الثاني، بناءً على ما ذكره صاحب «الرياض» من تكرّر السفر و كثرته حتّى يصدق عليه أنّه ممّن عمله السفر، أو يصدق عليه أحد العناوين المذكورة- و لكن الإجماع المحكي على إلحاق الإقامة في غير البلد على الإقامة في البلد لم يثبت؛ لإهمال جمع كثير من فقهائنا لذكر الإقامة في غير بلده، بل لا يعرف من تعرّض له إلى زمان المحقّق في «النافع». و مع هذا الاحتمال لا يبقى وثوق بنقل الإجماع على نحو يعتمد عليه. و وجه الاحتياط بالجمع في السفر الثاني و الثالث على المقيم في بلده بنية أو بلا نية، هو أنّ الإتمام فيهما للصدق العرفي، و أنّه ممّن عمله السفر أو ممّن يصدق عليه أحد العناوين المذكورة في النصوص. و أمّا القصر له فلخروجه عن اسم من عمله السفر و عن صدق أحد العناوين بالإقامة عشراً؛ فلا بدّ من التكرار في السفر و كثرته ثلاث مرّات حتّى يصدق عليه الاسم و العنوان، كابتداء سفره على ما ذكره صاحب «الرياض».

ص: 344

(مسألة 24): لو لم يكن شغله السفر، لكن عرض له عارض فسافر أسفاراً عديدة يقصّر،

كما لو كان له شغل في بلد؛ و قد احتاج إلى التردّد إليه مرّات عديدة، بل و كذا فيما إذا كان منزله إلى الحائر الحسيني- مثلًا- مسافة و نذر، أو بنى على أن يزوره كلّ ليلة جمعة، و كذا فيما إذا كان منزله إلى بلد كان شغله فيه مسافة، و يأتي منه إليه كلّ يوم، فإنّ الظاهر أنّ عليه القصر في السفر و البلد الذي ليس وطنه (1).


1- لو سافر أسفاراً عديدة لعارض عرض له و لكن لم يكن السفر عمله- كمن كان له طعام أو شي ء آخر في بعض مزارعه أو بعض القرى و أراد أن يجلبه إلى البلد و سافر أسفاراً عديدة- يقصّر و يفطر؛ لعدم كونه ممّن عمله السفر، و كذا إذا سافر في كلّ ليلة جمعة- مثلًا- للزيارة و كان سفره مسافة. و أمّا فيما إذا كان سفره إلى بلد مسافة، و كان شغله في ذلك البلد، و كان يأتي كلّ يوم من منزله إلى بلد شغله، و لم يكن ذلك البلد وطنه الآخر، فيجب عليه التقصير عند المصنّف رحمه الله، و قد عرفت سابقاً أنّ من كان شغله في محلّ و كان يسافر إليه كثيراً يصدق عليه أنّ فعله و عمله السفر عرفاً؛ فيتمّ إلحاقاً له بمن عمله السفر.

ص: 345

(مسألة 25): ممّن شغله السفر الراعي الذي كان الرعي عمله؛

سواء كان له مكان مخصوص أو لا، و التاجر الذي يدور في تجارته، و منه السائح الذي لم يتّخذ وطناً، و كان شغله السياحة، و يمكن إدراجه في العنوان السادس.

و كيف كان يجب عليهم التمام (1).


1- الراعي الذي كان الرعي عمله مع كون مقصده مسافة يتمّ؛ سواء كان له مكان مخصوص أو لا؛ و ذلك لكونه مشمولًا لقوله عليه السلام في صحيح زرارة: «لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 2.) ، مضافاً إلى ذكره بالخصوص في هذا الصحيح. و موثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «سبعة لا يقصّرون الصلاة: الجابي الذي يدور في جبايته، و الأمير الذي يدور في إمارته، و التاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، و الراعي، و البدوي الذي يطلب مواضع القطر و منبت الشجر، و الرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، و المحارب الذي يقطع السبيل»(وسائل الشيعة 8: 486، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 9.) . و مرفوع ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة يتمّون في سفر كانوا أو حضر: المكاري، و الكريّ، و الاشتقان و هو البريد، و الراعي، و الملّاح؛ لأنّه عملهم»(وسائل الشيعة 8: 487، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 11، الحديث 12.) و لا يخفى: أنّ خصوص التاجر الذي يدور في تجارته أيضاً مذكور في موثّق السكوني المتقدّم. و أمّا السائح فإن كان يعدّ في العرف أنّ السياحة شغل له- و إن لم تكن وسيلة معاشه- و كان له منزل خاصّ يدخل فيمن عمله السفر. و إن لم تعدّ السياحة شغلًا له في العرف و لم يكن له منزل يدخل في العنوان السادس المذكور في المتن؛ و هم الذين لم يتّخذوا مقرّاً معيّناً و كانت منازلهم معهم، و يتمّ على كلا التقديرين. و في «المستمسك»: و كأنّه- أي الإتمام للسائح- لأنّ السفر يختصّ بمن كان له حضر، و السائح لا حضر له و لا سفر كي يثبت له حكم المسافر، أو لأنّه نظير الأعراب الذين بيوتهم معهم؛ و لا سيّما إذا كان قد اتّخذ بيتاً معه، لا أنّه يتّخذ له في كلّ منزل بيتاً(مستمسك العروة الوثقى 8: 86.)

ص: 346

ثامنها: وصوله إلى محلّ الترخّص،
اشارة

فلا يقصّر قبله. و المراد به: المكان الذي يخفى عليه فيه الأذان، أو يتوارى عنه فيه الجدران و أشكالها لا أشباحها.

و لا يُترك الاحتياط في مراعاة حصولهما معاً. و يعتبر أن يكون الخفاء و التواري المذكوران لأجل البعد لا عوارض اخر (1).


1- اختلف فقهاؤنا في اشتراط وجوب القصر بالوصول إلى حدّ الترخّص؛ قد نسب إلى علي بن بابويه والد الصدوق رحمه الله أنّه لا يعتبر الوصول إليه في وجوب القصر، بل يجب التقصير بمجرّد الخروج من المنزل. و كذا يجب التقصير في العود من السفر حتّى يدخل منزله. و القائلون بالاشتراط اختلفوا في حدّه على أقوال: منها: أنّه هو المكان الذي يتوارى عنه فيه جدران بيوت البلد. اختاره الصدوق رحمه الله في «المقنع». و منها: أنّه المكان الذي يخفى عليه فيه الأذان. اختاره المفيد و سلّار و الحلّي. و منها: أنّه يعتبر أحد الأمرين من تواري الجدران و خفاء الأذان. و هذا القول هو الأشهر، بل المشهور بين القدماء، بل مطلقاً على ما ادّعاه بعضهم. و في «الحدائق»: و هو المشهور بين الأصحاب؛ سيّما المتقدّمين(الحدائق الناضرة 11: 405.) ، و هو المختار عندنا. و منها: ما نسب إلى كثير من المتأخّرين، بل إلى أكثرهم؛ تبعاً للسيّد و الشيخ في «الخلاف» اعتبار خفائهما معاً. و حكي عن الشهيد الثاني أنّ هذا القول هو المشهور بين المتأخّرين، و هو الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله. و منها: ما في «العروة الوثقى» من كفاية تحقّق أحدهما مع عدم العلم بعدم تحقّق الآخر، و أمّا مع العلم بعدم تحقّقه فالأحوط اجتماعهما. و استدلّ لما ذهب إليه والد الصدوق بما رواه الصدوق رحمه الله مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 5.) ، و هذا المرسل يدلّ على وجوب القصر في العود عن السفر حتّى يدخل منزله. و يدلّ عليه أيضاً صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 1.) و صحيح إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون مسافراً ثمّ يدخل و يقدم و يدخل بيوت الكوفة، أ يتمّ الصلاة أم يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله؟ قال: «بل يكون مقصّراً حتّى يدخل أهله»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 3.) . و صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يزال المسافر مقصّراً حتّى يدخل بيته»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 4.) . و صحيح علي بن رئاب أنّه سمع بعض الواردين يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة، و له بالكوفة دار و عيال، فيخرج فيمرّ بالكوفة يريد مكّة ليتجهّز منها، و ليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين، قال: «يقيم في جانب الكوفة و يقصّر حتّى يفرغ من جهازه، و إن هو دخل منزله فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 6.) . و صاحب «الوسائل» بعد نقل هذه الروايات قال: جمع الشيخ بين هذه الأحاديث و أحاديث الباب السابق- الدالّة على اعتبار حدّ الترخّص في وجوب القصر- بأنّ المراد بدخول الأهل الوصول إلى محلّ رؤية الجدران و سماع الأذان، و هو جيّد؛ لوضوح الدلالة هناك و عدم التصريح هنا بما ينافيها؛ فهذا ظاهر و ذلك نصّ صريح ... إلى أن قال: و يمكن الحمل على التقية؛ لموافقتها للعامّة(وسائل الشيعة 8: 475، ذيل الحديث 6.) و استدلّ لقول الصدوق رحمه الله- و هو اشتراط تواري البيوت و الجدران- بصحيح محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يريد السفر (فيخرج) متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.) . و لا يخفى: أنّ هذا الصحيح و إن كان صريحاً في تواري المسافر من البيوت و غيبوبته عنها- التي هي من مقوّمات مفهوم المسافرة عنها، لا تواري البيوت منه، و فرق بين هذين المعنيين حيث إنّ تواري المسافر من البيوت يتحقّق ببُعده منها بمقدار غابت جثّته و لم يره أهلها، بخلاف تواري البيوت من المسافر فإنّها تُرى من مسافة فرسخ بل فرسخين، و لا يُرى المسافر من ربع هذا المقدار مثلًا- و لكن المراد به اختفاء تفاصيل أشكال البيوت و الجدران لا أشباحها. و استدلّ على اشتراط خفاء الأذان بصحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن التقصير، قال: «إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتمّ، و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر، و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»(وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.) . و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) ، و مفهومه إذا لم يسمع الأذان فلا يتمّ. و ذيل رواية محمّد بن أسلم (مسلم) قلت: أ ليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟ قال: «بلى، إنّما قصّروا في ذلك الموضع»(وسائل الشيعة 8: 466، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 3، الحديث 11.) و استدلّ على القول المشهور بين القدماء بل مطلقاً من الاكتفاء بأحد الأمرين بأنّ الجملتين الشرطيتين: «إذا توارى من البيوت يقصّر» ، «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» و إن كان لهما مفهوم و يعارض مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر، إلّا أنّه يقيّد مفهوم إحداهما بمنطوق الآخر. مثلًا مفهوم قوله: «إذا توارى من البيوت يقصّر» عبارة عن أنّه لا يقصّر إذا لم يتوار البيوت؛ سواء خفي الأذان أو لا. و هذا المفهوم المطلق يعارضه منطوق الشرطية الاخرى؛ و هي قوله: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» تعارضَ المطلق و المقيّد. فيقيّد مفهوم إحداهما بمنطوق الاخرى. أو يرفع اليد عن المفهوم في الشرطيتين. أو يرفع اليد عن خصوصية الشرط في كلّ من الشرطيتين بجعل الموضوع لوجوب القصر هو الجامع بينهما- و هو حدّ الترخّص- أو بالتخيير بينهما، أو يتخيّر بينهما عند تعارض الدليلين.

ص: 347

ص: 348

ص: 349

ص: 350

(مسألة 26): كما أنّه يعتبر في التقصير الوصول إلى محلّ الترخّص إذا سافر من بلده،

فهل يعتبر في السفر من محلّ الإقامة و من محلّ التردّد ثلاثين يوماً أو لا؟ فيه تأمّل، فلا يُترك مراعاة الاحتياط فيهما (1).


1- قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: إنّ الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالوطن؛ فيجري في محلّ الإقامة أيضاً، بل في المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً. و هذا القول هو المختار عندي. و الدليل عليه إطلاق قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم المتقدّم: الرجل يريد السفر فيخرج، متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت» ، و قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان المتقدّم: «إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر» ، و قوله عليه السلام في صحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر» . و وجه تأمّل المصنّف رحمه الله في المسألة احتمال ظهور قوله في صحيح ابن سنان: «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» في خصوص الوطن، كظهور قوله عليه السلام في صحيح ابن مسلم: «الرجل يريد السفر» في السفر بعد الحضر. و لا يخفى ما فيه من أنّ القدوم من السفر و كذا إرادة السفر لا ظهور لهما في خصوص من سافر من بلده، بل يشمل من سافر من محلّ إقامته و محلّ بقائه ثلاثين يوماً متردّداً، هذا. و لا ينبغي ترك الاحتياط لهما إمّا بالجمع ما دام لم يبلغا حدّ الترخّص، أو بالتأخير إلى أن يبلغا حدّ الترخّص.

ص: 351

(مسألة 27): كما أنّه من شروط القصر في ابتداء السفر الوصول إلى حدّ الترخّص،

كذلك عند العود ينقطع حكم السفر بالوصول إليه، فيجب عليه التمام (1)،


1- كما أنّه يعتبر في وجوب القصر الوصول إلى حدّ الترخّص في ابتداء السفر، كذلك يعتبر عند العود عن السفر؛ فيقصّر في العود إلى حدّ الترخّص و يتمّ بعده و لو لم يدخل منزله. و هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً. و يدلّ عليه الأخبار المتقدّمة الدالّة على اعتبار حدّ الترخّص بتواري البيوت و خفاء الأذان، حيث إنّ وجوب الإتمام فيما بين المنزل و حدّ الترخّص؛ فلو صلّى في أيّ نقطة من هذه المحدودة أتمّ، من غير خصوصية للذهاب من المنزل. فقوله عليه السلام في صحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) سواء فيه محلّ سماع الأذان للذاهب و الآئب، و ذيل صحيح ابن سنان المتقدّم: «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك»(وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.) واضح الدلالة على أنّ المسافر في العود من سفره يتمّ في الموضع الذي يسمع فيه الأذان، و يقصّر في الموضع الذي لا يسمع فيه الأذان. و يظهر من بعض الأخبار: أنّ المسافر يقصّر في العود عن السفر حتّى يدخل منزله، كصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إنّ أهل مكّة إذا زاروا البيت و دخلوا منازلهم أتمّوا، و إذا لم يدخلوا منازلهم قصّروا»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 1.) . و موثّق عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة، له بها دار و منزل، فيمرّ بالكوفة و إنّما هو مجتاز لا يريد المقام إلّا بقدر ما يتجهّز يوماً أو يومين، قال: «يقيم في جانب المصر و يقصّر»، قلت: فإن دخل أهله؟ قال: «عليه التمام»(وسائل الشيعة 8: 474، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 2.) . و صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا يزال المسافر مقصّراً حتّى يدخل بيته»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 4.) . و مرسل الصدوق رحمه الله قال: روي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا خرجت من منزلك فقصّر إلى أن تعود إليه»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 5.) و صحيح علي بن رئاب أنّه سمع بعض الواردين يسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون بالبصرة و هو من أهل الكوفة و له بالكوفة دار و عيال، فيخرج فيمرّ بالكوفة يريد مكّة ليتجهّز منها، و ليس من رأيه أن يقيم أكثر من يوم أو يومين، قال: «يقيم في جانب الكوفة و يقصّر حتّى يفرغ من جهازه، و إن هو دخل منزله فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 7، الحديث 6.) . و هذه الروايات و إن كان صحاحها في حدّ الاستفاضة، و أفتى على طبقها علي بن بابويه، و نسب إلى السيّد المرتضى و ابن جنيد موافقتهما لابن بابويه، و اختاره صاحب «الحدائق» رحمه الله و قال: الأظهر عندي بالنسبة إلى الذهاب ما تقدّم من التخيير؛ عملًا بالروايتين المتقدّمتين، و جمعاً بينهما بذلك. و أمّا في الإياب فهو ما ذهب إليه الشيخ علي بن بابويه و من تبعه(الحدائق الناضرة 11: 412.) ، انتهى. و أفتى جماعة- منهم صاحب «المدارك»- بالتخيير بين القصر و الإتمام؛ للتخيير بين الروايتين المتقدّمتين. و لكنّه قد تقدّم سابقاً: أنّ الأخبار المذكورة محمولة على التقية.

ص: 352

ص: 353

و الأحوط مراعاة رفع الأمارتين (1)،


1- اختلف أصحابنا القائلون باعتبار حدّ الترخّص في وجوب القصر في الإياب عن السفر في أنّه هل يكتفى فيه بخفاء خصوص الأذان، أو لا بدّ من خفاء الأذان و تواري البيوت معاً؟ و لا قائل بالاكتفاء بخصوص تواري البيوت دون خفاء الأذان. قال المحقّق رحمه الله في «الشرائع»: و كذا في عوده يقصّر حتّى يبلغ سماع الأذان من مصره. و صاحب «المدارك» بعد نقل عبارة المحقّق قال: ما اختاره المصنّف قدس سره في حكم العود أظهر الأقوال في المسألة؛ لقوله عليه السلام في رواية ابن سنان المتقدّمة: «و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» و إنّما لم يكتف المصنّف رحمه الله هنا بأحد الأمرين- كما اعتبره في الذهاب- لانتفاء الدليل هنا على اعتبار رؤية الجدران(مدارك الأحكام 4: 458.) و قال صاحب «الجواهر» و نعم ما قال، بناءً على المختار- من اعتبار حدّ الترخّص في الإياب كالذهاب-: ينبغي اعتبارهما معاً حينئذٍ؛ ضرورة أنّه إذا كان أحدهما كافياً في وجوب القصر عند الذهاب فلا يرتفع ذلك إلّا برفع الموجب، و لا يتحقّق إلّا برفعهما(جواهر الكلام 14: 300.) و تبعه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» و قال: ثمّ إنّ مقتضى ما هو ظاهر المشهور من الاكتفاء بأحد الأمرين في الذهاب و أنّ أحدهما كافٍ في وجوب القصر؛ فلا بدّ من رفعهما معاً في الإياب؛ إذ لا يرتفع القصر إلّا برفع موجبه؛ فإذاً موجبه أحدهما فلا يرتفع إلّا بارتفاعهما معاً(مستمسك العروة الوثقى 8: 94.) ، انتهى. ثمّ إنّ القائلين بالاكتفاء بخصوص خفاء الأذان في وجوب القصر للآئب استدلّوا عليه بصحيح ابن سنان المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 472، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 3.) ، حيث اكتفي فيه بخصوص الأذان. و يمكن أن يستدلّ عليه أيضاً بصحيح حمّاد بن عثمان المتقدّم: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) . و أجاب عنهم صاحب «الجواهر» بأنّ الدليل غير منحصر به- كما سمعت- مع احتمال إرادة المصنّف المثال من ذكر الأذان، كما يومئ إليه قوله «و كذا»- قال في «الشرائع»: و لا يجوز له الترخّص قبل ذلك و إن نوى السفر ليلًا، و كذا في عوده يقصّر حتّى يبلغ سماع الأذان في مصره- و لعلّه لذا قال في «الرياض» ردّاً على «المدارك»: إنّ الظاهر عدم القائل بالفرق- كما قيل- و إن كان ربّما يتوهّم من الفاضلين في «الشرائع» و «التحرير»، أو أنّه متلازمان عنده؛ فمتى تحقّق أحدهما تحقّق الآخر، كما سمعته منّا سابقاً، بل لعلّ ذلك هو مقتضى كلّ من اكتفى بأحدهما في المقامين. أو أنّ نظرهم إلى غير مادّة الاجتماع، بل المراد المكان الذي لم يوجد فيه إلّا أحدهما، أو غير ذلك(جواهر الكلام 14: 300.) ، انتهى.

ص: 354

ص: 355

و الأحوط الأولى تأخير الصلاة إلى الدخول في منزله، و الجمع بين القصر و التمام إن صلّى بعد الوصول إلى الحدّ (1).


1- وجه الاحتياط احتمال اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالذهاب دون العود. و قد عرفت أنّ الأقوى عدم الاختصاص به، و الاحتياط المذكور في المتن حسنٌ.

ص: 356

و أمّا بالنسبة إلى المحلّ الذي عزم على الإقامة فيه، فهل يعتبر فيه حدّ الترخّص فينقطع حكم السفر بالوصول إليه أو لا؟ فيه إشكال، فلا يترك الاحتياط إمّا بتأخير الصلاة إليه أو الجمع (1).


1- قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» (مسألة 65): الأقوى عدم اختصاص اعتبار حدّ الترخّص بالوطن؛ فيجري في محلّ الإقامة أيضاً، بل و في المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوماً متردّداً. و كما لا فرق في الوطن بين ابتداء السفر و العود عنه في اعتبار حدّ الترخّص، كذلك في محلّ الإقامة؛ فلو وصل في سفره إلى حدّ الترخّص من مكان عزم على الإقامة فيه ينقطع حكم السفر و يجب عليه أن يتمّ، و إن كان الأحوط التأخير إلى الوصول إلى المنزل، كما في الوطن. و قال السيّد الخوئي رحمه الله في حاشيته على «العروة» اعتبار حدّ الترخّص في محلّ الإقامة- و لا سيّما في العود إليه- محلّ إشكال بل منع، و الأولى رعاية الاحتياط فيه، انتهى. الوجه في اعتبار حدّ الترخّص في محلّ الإقامة هو إطلاق بعض أدلّة اعتباره، حيث إنّ قوله: «إذا سمع الأذان أتمّ المسافر»(وسائل الشيعة 8: 473، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 7.) مطلق شامل للمسافر الخارج من بلده و العائد إليه، و للواصل إلى حدّ الترخّص من محلّ عزم الإقامة فيه و الخارج عنه بتنزيل المقيم عشرة أيّام منزلة المتوطّن. و وجه عدم اعتباره بالنسبة إلى المسافر الواصل إلى حدّ ترخّص محلّ عزم الإقامة فيه عدم شمول أدلّة اعتبار حدّ الترخّص له لتقييد بعضها بالخارج عن بلده و العائد إليه؛ فلا تشمل الواصل إليه العازم للإقامة. و فصّل الشهيد الثاني و من تبعه في المقيم عشرة أيّام بين الداخل و الخارج، و اعتبروا الحدّ في الثاني دون الأوّل.

ص: 357

(مسألة 28): المدار في عين الرائي و اذُن السامع و صوت المؤذّن و الهواء هو المتوسّط المعتدل

(1).

(مسألة 29): الأقوى أنّ الميزان في خفاء الأذان: هو خفاؤه بحيث لا يتميّز بين كونه أذاناً أو غيره،

و ينبغي الاحتياط فيما إذا تميّز كونه أذاناً، لكن لا يتميّز بين فصوله، و فيما إذا لم يصل إلى حدّ خفاء الصوت رأساً (2).


1- المراد من الهواء الذي هو دخيل في الرؤية و السماع هو الخالي عن الغبار و الريح و سائر الموانع عن الرؤية أو السماع. و لا يخفى: أنّ المدار في عين الراعي و اذن السامع و صوت المؤذّن هو المتوسّط المعتدل؛ لأجل أنّه المعتاد؛ فينصرف إليه كلام المتكلّم الذي هو في مقام البيان من بين الأفراد المتفاوتة بالزيادة و النقصان.
2- اختلف فقهاؤنا في أنّ الميزان في خفاء الأذان خفاؤه بما أنّه أذان بحيث لو سمع الصوت و احتمل كونه أذاناً أو قراءة قرآن أو شعر- مثلًا- بصوت أعلى في حدّ صوت الأذان و لم يتميّز بالأخرة كونه أذاناً أو غيره، فيقصّر حينئذٍ؛ فالموجب للقصر عدم تميّز كونه أذاناً و لو بخفاء فصوله- أي عدم تميّزها- أو أنّ الميزان خفاؤه بما أنّه صوت بحيث كان الموجب للقصر خفاء صوت الأذان بما أنّه صوت لا بما أنّه أذان؛ فلو سمع الصوت و لم يتميّز كونه أذاناً- لعدم تميّز فصوله- أتمّ؟ الظاهر هو الثاني، و لا يخلو عن قوّة. قال النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» بالأوّل: و كذا المراد خفاء الأذان من حيث إنّه أذان و عدم تميّز فصول الأذان(مستند الشيعة 8: 297.) ، انتهى. و قال جماعة بالثاني؛ فعن صاحب «الرياض» أنّه قال: و لا يشترط في الأذان تميّز فصوله. و في «الجواهر»: بل قد يقال باعتبار مثله في الأذان على معنى اعتبار خفائه تمييز فصوله دون نفس الصوت، لنحو ما سمعته أيضاً من عدم صدقه على نفس الصوت أو عدم انصراف إطلاقه إليه. لكن المقدّس البغدادي و غيره اعتبر الصوت نفسه، و هو لا يخلو من وجه، بل قوّة؛ إذ الظاهر إرادة التمثيل من الأذان لكلّ صوت رفيع يشبهه، و إنّما خصّ به لأنّه في العادة أرفع الأصوات؛ حتّى تعارف في العرف الكناية به عن رفع الأصوات، و لأنّه على هذا التقدير تقرب العلامتان من الاتّحاد. نعم قد يقال: إنّ المعتبر سماع الصوت على أنّه أذان و إن لم يميّز بين فصوله. و لعلّه المراد ممّا حكي عن «إرشاد الجعفرية» و «الميسية» و «المقاصد» و «الروض» و غيرها؛ من أنّ المعتبر سماع صوت الأذان و إن لم يميّز بين فصوله، مع احتمال كون العبرة بعد السماع مطلقاً حتّى في المردّد بين كونه أذاناً أو غيره؛ لأصالة التمام، و لأنّ الظاهر إرادة البُعد عن البلد بحيث لا يسمع لها صوت أصلًا، و كنّي عن ذلك بالأذان لاقتضائه خفاء غيره بالأولى(جواهر الكلام 14: 295.) ، انتهى. و في «مصباح الفقيه»: و هل يعتبر في سماع الأذان أن يسمع فصوله بحيث يميّزها عن سائر الأصوات، أم يكفي مجرّد سماع صوته؟ وجهان، أوجههما الثاني؛ إذ الظاهر إرادة التمثيل من الأذان لكلّ صوت رفيع يشبهه. فالمدار في التقصير على وصوله إلى موضع لا يسمع فيه الأصوات المرتفعة في البلد التي أرفعها بمقتضى العادة أذان مصرهم؛ فتخصيص الأذان بالذكر على الظاهر لذلك، لا لإرادته بالخصوص كي يتّجه الالتزام باعتبار سماعه على وجه يتميّز عن غيره(مصباح الفقيه، الصلاة: 751/ السطر 7.) و في «المستمسك» مقتضى الجمود على عبارة النصّ خفاؤه بما هو أذان، بحيث لا يتميّز أنّه أذان أو غيره. نعم يحتمل قريباً أن يكون المراد خفاء صوت الأذان بما هو صوت عالٍ بمرتبة خاصّة من العلو؛ فيكون عنوان الأذان ملحوظاً طريقاً إلى نفس الصوت، و إنّما خصّه بالذكر من بين الأصوات لمعهوديته خارجاً، و ليس لغيره مثل هذه المعهودية. و لو بنى على اعتبار تميّز الفصول كان اللازم اعتبار تميّز الحروف؛ لعدم الفرق(مستمسك العروة الوثقى 8: 96.) ، انتهى. و في حاشية السيّد الحكيم رحمه الله على «العروة»: اعتبار خفاء مطلق الصوت لا يخلو من قوّة. هنا فروع: الأوّل: الظاهر اعتبار كون الأذان على مرتفع كالمنارة و نحوها في البلاد المعتاد فيها فلا يجزي السطح و نحوه فيها، و يعتبر أن لا تكون المنارة و نحوها خارق المعتاد في الارتفاع و الانخفاض. الثاني: الظاهر اعتبار كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر، حيث إنّ بُعده عن البلد بالمقدار المعلوم سبب لخفاء الأذان؛ فلا يكون ذلك إلّا بفرض كون الأذان في آخر البلد من ناحيته، هذا في البلاد الصغيرة و المتوسّطة. و أمّا في البلاد الكبيرة المتّسعة- كالكوفة التي قيل: إنّ بيوتها كانت ممتدّة إلى أربعة فراسخ و نحوها- فيعتبر فيها أذان آخر محلّته إذا كان منفصل المحالّ، كالقرى المتقاربة. و أمّا إذا كان متّصل المحالّ فإن صدق على الخارج من محلّته إلى محلّة اخرى من البلد الكبير أنّه مسافر عرفاً كان الاعتبار بأذان آخر محلّته، و إلّا فأذان آخر البلد. و قال السيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من محشّيها: الظاهر عدم اعتبار كون الأذان في آخر البلد في ناحية المسافر في البلاد الصغيرة و المتوسّطة، بل المدار أذانها و إن كان في وسط البلد على مأذنة مرتفعة. نعم في البلاد الكبيرة يعتبر كونه في أواخر البلد من ناحية المسافر. و فيه أوّلًا: أنّ مقتضى إطلاق تقدير البعد المفروض بين المسافر و البلد بخفاء الأذان هو اعتبار كون الأذان في آخر البلد مطلقاً، إلّا في البلاد الكبيرة. و ثانياً: أنّه لو كان الاعتبار بأذان مأذنة مرتفعة- و إن كان في وسط البلد- للزم الاختلاف كثيراً؛ ففي بعض البلاد المتوسّطة يخفى أذانها قبل الخروج منه، أو بعد الخروج قليلًا بحيث يقرب من البلد و يرى بيوته بأشكالها و تصاويرها، و الالتزام به مشكل جدّاً. الثالث: قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» (مسألة 59): إذا كان البلد في مكان مرتفع بحيث يرى من بعيد يقدّر كونه في الموضع المستوي، كما أنّه إذا كان في موضع منخفض يخفى بيسير من السير أو كان هناك حائل يمنع عن رؤيته كذلك يقدّر في الموضع المستوي، و كذا إذا كانت البيوت على خلاف المعتاد من حيث العلوّ أو الانخفاض فإنّها تردّ إليه. لكن الأحوط خفاؤها مطلقاً، و كذا إذا كانت على مكان مرتفع فإنّ الأحوط خفاؤها مطلقاً(العروة الوثقى 2: 136، المسألة 59.) ، انتهى. و صاحب «الجواهر» رحمه الله علّل تقدير البلد الواقع في مكان مرتفع أو منخفض كونه في الموضع المستوي بقوله: تنزيلًا للإطلاق على الغالب؛ يعني أنّ الظاهر من إطلاق الدليل بحسب الغالب كون التواري لأجل البعد و الفاصلة المتعارفة المعتادة الحاصلة غالباً بين انتهاء البلد و الموضع الذي يتوارى البيوت عن رؤية المسافر. فالتواري المحقّق بفصل قليل من البلد من جهة انخفاضه لا يوجب القصر، و كذا عدم التواري في الفاصلة المتعارفة المعتادة من جهة ارتفاع البلد لا يوجب التمام، بل يعتبر في البلد المنخفض و المرتفع التقدير بالمكان المستوي(جواهر الكلام 14: 295.) و صاحب «المدارك» رحمه الله احتمل الاكتفاء بمجرّد التواري في البلد المنخفض. و حكي عن صاحب «الذخيرة» الاكتفاء بحصول الحائل بين المسافر و البلد و إن كان الفصل قليلًا جدّاً و لا يضرّ رؤيتها بعد ذلك. و لعلّ وجههما إطلاق قوله عليه السلام في جواب قول السائل: متى يقصّر؟ قال: «إذا توارى من البيوت»(وسائل الشيعة 8: 470، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 6، الحديث 1.) . و فيه: أنّ المعتبر التواري لأجل البعد و الفصل المتعارف بين المسافر و البلد كما في الأذان، لا من جهة اخرى؛ فالإطلاق ينصرف إلى المتعارف المعتاد، و يقدّر غيره بتقديره.

ص: 358

ص: 359

ص: 360

ص: 361

ص: 362

(مسألة 30): لو لم يكن هناك بيوت و لا جدران يعتبر التقدير،

بل الأحوط ذلك في مثل بيوت الأعراب و نحوهم ممّن لا جدران لبيوتهم (1).

(مسألة 31): لو شكّ في البلوغ إلى حدّ الترخّص بنى على عدمه،

فيبقى على التمام في الذهاب، و على القصر في الإياب، إلّا إذا استلزم منه محذور، كمخالفة العلم الإجمالي أو التفصيلي ببطلان صلاته، كمن صلّى الظهر تماماً في الذهاب في المكان المذكور، و أراد إتيان العصر في الإياب فيه قصراً (2).


1- قال صاحب «الجواهر»: و في اعتبار خصوص الجدران في البيوت نظر، بل قد يقوى عدمه، كما عن الأردبيلي رحمه الله التصريح به. فالبدوي و غيره ممّن لا جدران لهم يعتبرون خفاء بيوتهم؛ لإطلاق النصّ مع غلبة ذلك في الزمن السابق. و احتمال تقدير الجدار لهم- كما يحكى عن ظاهر «المقاصد»- بعيد، كاحتمال اختصاص إمارتهم بالأذان دون البيوت(جواهر الكلام 14: 297.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ خفاء الجدران لم يرد في نصّ من النصوص، كما نبّه عليه بعض فقهائنا، و لعلّ من عبّر به أراد منه تواري جدران البيوت.
2- مقتضى استصحاب عدم البلوغ إلى حدّ الترخّص في الذهاب هو البقاء على التمام، كما أنّ مقتضاه في الإياب البقاء على القصر؛ فتصحّ صلاته تماماً في الذهاب و قصراً في الإياب فيما إذا لم يستلزم مخالفة العلم الإجمالي أو التفصيلي ببطلان أحدهما. فلو صلّى قصراً في الإياب في خصوص المكان الذي صلّى فيه تماماً في الذهاب لبطلت إحدى الصلاتين؛ لتعارض الاستصحابين، حيث إنّ النقطة الخاصّة من المكان إذا لم تكن حدّ الترخّص تعبّداً بمقتضى الاستصحاب في الذهاب تكون الصلاة فيها قصراً في الإياب باطلًا. و كذلك في الإياب إذا لم تكن تلك النقطة حدّ الترخّص تعبّداً بمقتضى الاستصحاب تكون الصلاة فيها تماماً في الذهاب باطلًا. فلا بدّ في صحّة الصلاتين معاً إمّا من إتيان الصلاة في الإياب قبل الوصول إلى النقطة التي صلّاها في الذهاب. و إمّا من قضاء ما صلّاه تماماً في الذهاب قصراً في الإياب ثمّ إتيان الصلاة الاخرى في الإياب تماماً و قصراً. و لو لم يقض قصراً ما صلّاه تماماً في الذهاب و لم يعد ما صلّاه تماماً في الإياب قضى ما صلّاه تماماً قصراً، و ما صلّاه قصراً تماماً؛ و ذلك للعلم الإجمالي ببطلان إحدى الصلاتين. فرع: إذا اعتقد الوصول إلى حدّ الترخّص في الذهاب فصلّى قصراً ثمّ بان أنّه لم يصل إليه بطل ما صلّاه قصراً؛ فحينئذٍ لو لم يتجاوز عن ذلك المكان إلى خروج وقت تلك الصلاة يجب عليه إعادتها تماماً أو قضاؤها كذلك. و لو تجاوز عنه و وصل إلى حدّ الترخّص وجب عليه القصر أداءً أو قضاءً. و كذا في العود إذا اعتقد الوصول إلى حدّ الترخّص و صلّى تماماً ثمّ انكشف خلاف اعتقاده بطل ما صلّاه تماماً و وجب عليه القصر إن لم يتجاوز عن ذلك المكان حتّى خرج الوقت. و إذا تجاوز عنه و دخل في حدّ الترخّص وجب عليه التمام أداءً أو قضاءً. و لو اعتقد عدم الوصول في الذهاب فأتمّ ثمّ بان وصوله إليه قصّر. و إذا اعتقد عدم الوصول في الإياب فقصّر ثمّ بان وصوله إليه أتمّ.

ص: 363

ص: 364

(مسألة 32): لو كان في السفينة و نحوها، فشرع في الصلاة قبل حدّ الترخّص بنية التمام

، ثمّ وصل إليه في الأثناء، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، أتمّها قصراً، و صحّت صلاته إن كان معتقداً لإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص (1)،


1- لا إشكال في عدم جواز الشروع في الصلاة تماماً فيما إذا لم يكن معتقداً بإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص؛ لعدم تمشّي نية الإتمام مع هذا الاعتقاد. و أمّا إذا اعتقد أنّه يتمّ أربعاً قبل الوصول إلى حدّ الترخّص فأحرم بنية التمام ثمّ وصل إليه قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، عدل عن نية التمام إلى القصر؛ فيجلس و يسلّم و صحّت صلاته؛ لتبدّل عنوان الحاضر إلى عنوان المسافر المتواري عنه البيوت و المخفي عنه الأذان، و يكون القيام زائداً واقعاً في غير محلّه. قال الشيخ في «المبسوط»: إذا أحرم في السفينة بصلاة مقيم ثمّ سارت السفينة لم يلزمه التقصير؛ لأنّ من شرط التقصير أن يتوارى عنه جدران مصره أو يخفى عليه أذان مصره(المبسوط 1: 140.) و قال العلّامة في «التذكرة»: و لو أحرم في السفينة قبل أن تسير و هي في الحضر ثمّ سارت حتّى خفي الأذان و الجدران، لم يجز له القصر؛ لأنّه دخل في الصلاة على التمام(تذكرة الفقهاء 4: 382.) ، انتهى.

ص: 365

و إلّا فإن وصل إليه قبل الدخول في الركعة الثالثة أتمّها قصراً و صحّت، و مع الدخول فيها فمحلّ إشكال، فالأحوط إتمامها قصراً ثمّ إعادتها تماماً، أو تماماً ثمّ الإعادة قصراً (1). كما أنّه لو وصل إليه بعد الدخول في الركوع فمحلّ إشكال، فلا يُترك الاحتياط بإتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً (2).


1- أي و لم يكن معتقداً لإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص، بل احتمل حين الشروع فيها إتمامها أربعاً، و احتمل أيضاً عدمه؛ فحينئذٍ إن وصل إلى حدّ الترخّص قبل أن يقوم إلى الركعة الثالثة فهو في هذه الحال قد تبدّل عنوانه من الحاضر إلى المسافر الداخل في حدّ الترخّص و وجب عليه إتمامها قصراً و صحّت صلاته، و إن وصل إليه بعد أن قام إلى الركعة الثالثة فمحلّ إشكال؛ لاحتمال بطلان صلاته. فالأحوط أحد الأمرين: إمّا إتمام ما بيده قصراً؛ لكونه مسافراً واصلًا حدّ الترخّص، و المفروض عدم دخوله في ركوع الركعة الثالثة ثمّ إعادتها تماماً؛ لاحتمال بطلان صلاته المنوية تماماً مع عدم اعتقاده بإتمامها قبل الوصول إلى حدّ الترخّص و صيرورته مسافراً بعد الدخول في الركعة الثالثة. و إمّا إتمام ما بيده تماماً؛ لأنّ «الصلاة على ما فتحت»، ثمّ الإعادة قصراً.
2- وجه الإشكال في إتمامها أربعاً و الاكتفاء بها: أنّ من لا يعتقد إتمام الصلاة أربعاً قبل الوصول إلى حدّ الترخّص قد انقلب عن عنوان الحاضر إلى عنوان المسافر بعد أن دخل في ركوع الركعة الثالثة، و كون الصلاة على ما افتتحت لم يثبت بنحو يشمل المقام. فلا يترك الاحتياط بإتمامها أربعاً ثمّ إعادتها قصراً.

ص: 366

و لو كان في حال العود، و شرع في الصلاة بنية القصر قبل الوصول إلى الحدّ، ثمّ وصل إليه في الأثناء، أتمّها تماماً و صحّت (1).


1- وجه إتمامها تماماً و صحّتها تبدّل عنوان المسافر و صيرورته حاضراً. فالأحوط إتمامها قصراً؛ لكون «الصلاة على ما افتتحت»، ثمّ إعادتها تماماً.

ص: 367

القول في قواطع السفر
اشارة

و هي امور:

أحدها: الوطن،
اشارة

فينقطع السفر بالمرور عليه، و يحتاج في القصر بعده إلى قصد مسافة جديدة؛ سواء كان وطنه الأصلي و مسقط رأسه أو المستجدّ (1)


1- انقطاع السفر بالمرور على الوطن ممّا لا خلاف فيه، و النصوص به مستفيضة، و القول بانقطاعه بالدخول في خصوص المنزل قد سبق البحث فيه مفصّلًا، و أنّه نادر مخالف للشهرة التي كادت أن تكون إجماعاً. و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يسافر من أرض إلى أرض، و إنّما ينزل قراه و ضيعته، قال: «إذا نزلت قراك و أرضك فأتمّ الصلاة، و إذا كنت في غير أرضك فقصّر»(وسائل الشيعة 8: 492، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 2.) . و موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) . و مفهوم صحيح علي بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: الرجل يتّخذ المنزل فيمرّ به، أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: «كلّ منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل، و ليس لك أن تتمّ فيه»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 6.) . و مفهوم صحيحه الآخر قال: سألت أبا الحسن الأوّل عن رجل يمرّ ببعض الأمصار و له بالمصر دار، و ليس المصر وطنه، أ يتمّ صلاته أم يقصّر؟ قال: «يقصّر، و الصيام مثل ذلك إذا مرّ بها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 7.) . و صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) . و صحيح عمران بن محمّد الأشعري قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إنّ لي ضيعة على خمسة عشر ميلًا خمسة فراسخ، فربّما خرجت إليها فاقيم فيها ثلاثة أيّام أو خمسة أيّام أو سبعة أيّام، فأتمّ الصلاة أم اقصّر؟ فقال: «قصّر في الطريق و أتمّ في الضيعة»(وسائل الشيعة 8: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 14.) ، و غيرها من روايات الباب. فالمستفاد من مجموع الروايات: أنّ السفر ينقطع بالمرور على الوطن. و يحتاج في القصر بعد المرور على الوطن إلى قصد المسافة، و يقصّر بعد الوصول إلى حدّ ترخّص وطنه الممرور به.

ص: 368

و هو المكان الذي اتخذه مسكناً و مقرّاً له دائماً (1)،


1- اختلف العلماء في تعريف الوطن- أي الموضع الذي فيه الإتمام و الصيام- على أقوال، و قد أنهاها الفاضل النراقي رحمه الله في مستند الشيعة(مستند الشيعة 8: 227- 229.) إلى ثمانية، نذكرها ملخّصاً: الأوّل: أنّه ماله فيه ملك مطلقاً؛ أي سواء كان الملك منزله أو غيره كالبستان و المزرعة، و سواء استوطن فيه ستّة أشهر أو لا. نسب هذا القول إلى ظاهر الإسكافي. الثاني: أنّه ماله فيه ملك مطلقاً مع استيطان ستّة أشهر مطلقاً؛ أي سواء كانت من سنة واحدة أو من سنين متعدّدة. و نسب هذا التعريف إلى «المبسوط». قال في «الشرائع»: و الوطن الذي يتمّ فيه هو كلّ موضع له فيه ملك قد استوطنه ستّة أشهر. و في «المدارك»: إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في الملك بين المنزل و غيره. و بهذا التعميم جزم العلّامة و من تأخّر عنه؛ حتّى صرّحوا بالاكتفاء في ذلك بالشجرة الواحدة. و استدلّوا عليه بما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) ، و هذه الرواية ضعيفة السند باشتماله على جماعة من الفطحية، انتهى(مدارك الأحكام 4: 443.) و أمّا أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال الواقع في السند فقد وثّقه الشيخ رحمه الله في «الفهرست» و النجاشي و المحقّق رحمه الله في غير موضع من «المعتبر» و غيرهم من الرجاليين. الثالث: أنّه ما يكون له فيه منزل مملوك مع استيطانه ستّة أشهر مطلقاً. اختاره في «النافع» و «الروضة». الرابع: أنّه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه ستّة أشهر في السنة. و هو قول الصدوق رحمه الله في «من لا يحضره الفقيه». الخامس: أنّه ما يكون له منزل، مع استيطانه فعلًا. و هو ظاهر الشيخ رحمه الله في «النهاية» و القاضي ابن البرّاج في «الكامل». السادس: ما يكون له فيه وطن فعلًا. و هو مذهب أبي الصلاح الحلبي. و الظاهر اتّحاده مع سابقه؛ لعدم انفكاك الوطن عن المنزل. السابع: ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه عرفاً. اختاره السبزواري في «الذخيرة» و «الكفاية». الثامن: ما يكون له فيه ملك أقام فيه ستّة أشهر؛ بأن يكون وطناً له عرفاً. اختاره بعض المتأخّرين. و محصّل الأقوال: أنّ بناء الأقوال الأربعة الاولى على الوطن الشرعي و إن اختلفوا فيما تحقّق به، و بناء الخامس و السادس يحتمل أن يكون على الشرعي و على العرفي، و بناء السابع على العرفي، و بناء الثامن على كلّ منهما. و الذي يظهر من بعض الأخبار- بل صريحه- اعتبار المنزل و المسكن في صدق الوطن، كصحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها»(وسائل الشيعة 8: 495، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) . و صحيح حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يسافر، فيمرّ بالمنزل له في الطريق، يتمّ الصلاة أم يقصّر؟ قال: «يقصّر، إنّما هو المنزل الذي توطّنه»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 8.) ، هذه الرواية قد رواها الشيخ رحمه الله في «الاستبصار» بسنده عن حمّاد بن عثمان، و رواه في «التهذيب» عن الحلبي. و صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) . فالمستفاد من أمثال هذه الروايات: أنّ الوطن هو المكان الذي اتّخذه مسكناً و منزلًا له، و أمّا قصد اتّخاذه وطناً دائماً فلا دليل عليه. و لعلّ مراد من قيّده به عدم قصد التوقيت؛ فإنّه مضرّ و منافٍ للاستيطان.

ص: 369

ص: 370

ص: 371

و لا يعتبر فيه حصول ملك و لا إقامة ستّة أشهر (1).


1- قال صاحب «الجواهر» رحمه الله: «و المراد بالوطن الذي يتمّ فيه- و إن عزم على السفر قبل تخلّل العشرة- هو كلّ موضع يتّخذه الإنسان مقرّاً و محلّاً له على الدوام إلى الموت، لا أنّه قصد استيطانه مدّة و إن طالت مستمرّاً على ذلك غير عادل عنه ... إلى أن قال: أو كلّ موضع يكون له فيه ملك قد استوطنه فيما مضى من الزمان ستّة أشهر فصاعداً، كما هو المشهور نقلًا و تحصيلًا، بل لا خلاف فيه إلّا من نادر، بل في «الروض»: و عن «التذكرة» الإجماع عليه، و هو الحجّة. مضافاً إلى استفادته أيضاً من مجموع النصوص، كالمستفيضة الدالّة على التمام إذا مرّ بقرية أو ضيعة، بعد تقييدها بغيرها من النصوص التي اعتبرت في الإتمام كون الضيعة و القرية وطناً له، و إلّا قصّر ما لم ينو مقام عشرة أيّام المعتضدة بفتوى الأصحاب، عدا ابن الجنيد فيما حكي عنه من العمل بإطلاق عدم اعتبار الستّة و غيرها ... إلى أن قال: فمن مجموع هذه النصوص يستفاد الإتمام بحصول الشرطين المزبورين- الملك، و الإقامة ستّة أشهر بقصد الوطن- أمّا الملك فمن اللام في الصحيح المزبور- صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام: «أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر» - و غيره. و الإضافات في غيرها المنساق منها الملكية إلى الذهن. و أمّا الاستيطان ستّة أشهر فمن الصحيح أيضاً، كاستفادة أصل الاستيطان بدون التقييد من النصوص السابقة و غيرها ...». إلى أن قال رحمه الله: ربّما اشكل ذلك كلّه بعدم اقتضاء اللام و الإضافة التمليك؛ خصوصاً الثانية التي يكفي فيها أدنى ملابسة، بل و الأولى لغلبة مجيئها للاختصاص. ثمّ استشكل على الاستدلال بصحيح ابن بزيع على اعتبار إقامة ستّة أشهر؛ بأنّ ظاهر الصحيح اعتبار فعلية الاستيطان و تجدّده في كلّ سنة بقرينة المضارع: «يقيم فيه ستّة أشهر» الموضوع للتجدّد و الحدوث. و على الاستدلال بالموثّق على اشتراط الملك بأنّه مع احتمال التقية فيه لا دلالة له على اشتراط الملك ... إلى أن قال رحمه الله: و من هنا جزم في «الرياض» بعدم اعتبار الملك، و أنّه يكفي الاستيطان في المنزل خاصّة و إن لم يكن ملكاً، انتهى كلام صاحب الجواهر رحمه الله ملخّصاً. ثمّ أجاب رحمه الله عمّا أفاده صاحب «الرياض» مفصّلًا، فراجع(جواهر الكلام 14: 245- 254.) و لا يخفى: أنّ المستفاد من مجموع الروايات هو أنّ الوطن القاطع للسفر هو المكان الذي اتّخذه مسكناً و منزلًا له، و أمّا اشتراط كون المنزل و المسكن ملكاً فلا دلالة له فيها. و أمّا الإقامة ستّة أشهر فقد صرّح بها في صحيح إسماعيل بن بزيع المتقدّم فقلت: ما الاستيطان؟ قال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) ، و مقتضاه اشتراط الإقامة ستّة أشهر في الوطن، إلّا أن تقوم الشهرة على عدم الاشتراط. و لا ينبغي ترك الاحتياط بالإقامة ستّة أشهر.

ص: 372

ص: 373

نعم يعتبر في المستجدّ الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفاً أنّه وطنه و مسكنه، بل قد يصدق الوطن بواسطة طول الإقامة؛ إذا أقام في بلد بلا نية للإقامة دائماً و لا نية تركها (1).


1- لا وجه للتقييد بالمستجدّ في اعتبار الإقامة فيه بمقدار يصدق عرفاً أنّه وطنه و مسكنه؛ و لذا أرجع الضمير إلى مطلق الوطن في «العروة الوثقى»؛ فقال: نعم يعتبر فيه الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه. و لا يخفى: أنّ اعتبار الإقامة بمقدار يصدق به الوطن عرفاً إنّما هو في مقابل قول من يكتفي في صدق الوطن بمجرّد النية من غير إقامة مدّة. و في «الجواهر»: نعم يعتبر فيه الإقامة فيه في الجملة عرفاً، و لا يكتفى بالنية مع احتماله، بل اكتفى بها شيخنا في «بغية الطالب»، و لا يخلو من قوّة(جواهر الكلام 14: 245.) ، انتهى. و لا يخفى أيضاً: أنّ في صدق الوطن العرفي بطول الإقامة في محلّ مع عدم نية الإقامة كلاماً يأتي في آخر هذا المبحث فانتظر.

ص: 374

(مسألة 1): لو أعرض عن وطنه الأصلي أو المستجدّ و توطّن في غيره،

فإن لم يكن له فيه ملك، أو كان و لم يكن قابلًا للسُّكنى، أو كان و لم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن الأبدي، يزول عنه حكم الوطنية (1). و أمّا إذا كان له ملك و قد سكن فيه ستّة أشهر، بعد اتّخاذه وطناً دائماً، أو كونه وطناً أصليّاً، فالمشهور على أنّه بحكم الوطن الفعلي، و يسمّونه بالوطن الشرعي، فيوجبون عليه التمام بالمرور عليه ما دام ملكه باقياً فيه، بل قال بعضهم:

بوجوب التمام إذا كان له فيه ملك غير قابل للسكنى و لو نخلة و نحوها، بل فيما إذا سكن ستّة أشهر و لو لم يكن بقصد التوطّن دائماً، بل بقصد التجارة مثلًا.


1- و ذلك لأنّ المكان الذي لم يكن له فيه ملك، أو كان و لكن لم يكن قابلًا للسكنى، أو كان قابلًا لها و لكن لم يسكن فيه ستّة أشهر بقصد التوطّن، و إن كان يصدق عليه الوطن العرفي بقصد التوطّن فيه و الإقامة فيه مدّة يصدق عرفاً أنّه وطنه ما دام لم يعرض عنه، و لكن العرف يحكم بخروجه عن كونه وطناً بمجرّد الإعراض؛ فالمرور عليه لا يوجب قطع حكم السفر، بل يقصّر و يفطر كلّما مرّ عليه.

ص: 375

و الأقوى خلاف ذلك كلّه، فلا يجري حكم الوطن فيما ذكر كلّه. و يزول حكم الوطن مطلقاً بالإعراض؛ و إن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن و غيره فيها، خصوصاً الصورة الاولى (1).


1- الوطن العرفي عند المشهور هو المكان الذي اتّخذه مسكناً و مقرّاً له دائماً مع الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه. و الوطن الشرعي ما اتّخذه مقرّاً له دائماً مع وجود ملك له فيه و قد سكن فيه ستّة أشهر. و لعلّ وجه المشهور في إجراء حكم الوطن العرفي على الوطن الشرعي المعرض عنه صحيح إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: «أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستّة أشهر، فإذا كان كذلك يتمّ فيها متى دخلها»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) . و صحيح سعد بن أبي خلف قال: سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الدار تكون للرجل بمصر و الضيعة فيمرّ بها، قال: «إن كان ممّا قد سكنه أتمّ فيه الصلاة، و إن كان ممّا لم يسكنه فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 9.) . و فيه: أنّ في جملة من الروايات المعتبرة قد قيّد الإتمام فيها بالاستيطان، كما في صحاح علي بن يقطين و غيرها من روايات الباب الرابع عشر من أبواب صلاة المسافر من «الوسائل»؛ فيقيّد بها الصحيحان المزبوران و أنّ الإتمام مع التوطّن و الاستيطان الفعلي، و هذا يصدق مع بقاء القصد إلى كونه وطناً. و أمّا مع الإعراض فلا يجري حكم الوطن في الصور المذكورة في المتن كلّها، و إن كان الأحوط الجمع بين إجراء حكم الوطن و غيره؛ خصوصاً في الصورة الاولى؛ و هي ما كان له ملك و قد سكن فيه ستّة أشهر، و قد كان اتّخذه وطناً دائماً أو كونه وطناً أصلياً ثمّ أعرض عنه. و أمّا تقييد المشهور وجوب التمام في الوطن المعرض عنه ببقاء ملكه فيه فيدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يخرج في سفر، فيمرّ بقرية له أو دار فينزل فيها، قال: «يتمّ الصلاة و لو لم يكن له إلّا نخلة واحدة، و لا يقصّر، و ليصم إذا حضره الصوم و هو فيها»(وسائل الشيعة 8: 493، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 5.) ، و قد تقدّم البحث في دلالة اللام و الإضافة على الملك، فراجع.

ص: 376

(مسألة 2): يمكن أن يكون للإنسان وطنان فعليّان في زمان واحد؛

بأن جعل بلدين مسكناً له دائماً، فيقيم في كلّ منهما ستّة أشهر- مثلًا- في كلّ سنة.

و أمّا الزائد عليهما فمحلّ إشكال لا بدّ من مراعاة الاحتياط (1).


1- لا كلام و لا إشكال في تحقّق الوطنين الفعليين للإنسان. إنّما الكلام في الزائد عليهما فنقول: إنّ الوطن العرفي يتحقّق مع الاستيطان و الإقامة فيه بمقدار يصدق عليه عرفاً أنّه وطنه و مسكنه، كما عرّفه المصنّف رحمه الله و غيره. و الظاهر أنّ الصدق العرفي يختلف باختلاف الأشخاص و الخصوصيات؛ فحينئذٍ فلا مانع من جعل أزيد من بلدين وطناً بعد الصدق العرفي و يسكن في كلّ منها أشهراً من السنة؛ قلّت أو كثرت. قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: بل يمكن الثلاثة أيضاً، بل لا يبعد الأزيد أيضاً.

ص: 377

(مسألة 3): الظاهر أنّ التابع- لذي لا استقلال له في الإرادة و التعيّش- تابع لمتبوعه

في الوطن، فيعدّ وطنه وطنه؛ سواء كان صغيراً- كما هو الغالب- أو كبيراً شرعاً، كما قد يتّفق للولد الذكر و كثيراً ما للُانثى، خصوصاً في أوائل البلوغ، و الميزان هو التبعية و عدم الاستقلال، فربما يكون الصغير المميّز مستقلًاّ في الإرادة و التعيّش، كما ربما لا يستقلّ الكبير الشرعي.

و لا يختصّ ذلك بالآباء و الأولاد، بل المناط هو التبعية و إن كانت لسائر القرابات أو للأجنبي أيضاً. هذا كلّه في الوطن المستجدّ (1). و أمّا الأصلي ففي تحقّقه لا يحتاج إلى الإرادة، و ليس اتّخاذيّاً إراديّاً (2)،


1- الظاهر من العبارات الواردة في الروايات، كقوله عليه السلام: «إنّما هو المنزل الذي توطّنه» ، و قوله: «يستوطنه» و «يقيم فيه ستّة أشهر» و نحوها هو الاستقلال في اتّخاذ الوطن و الإقامة فيه مدّة. فالتابع في الإرادة و التعيّش و الإقامة مدّةً، لا يتمشّى منه الاستيطان؛ لأنّ زمام أمره بيد المتبوع ما دام تابعاً؛ سواء في ذلك الصغير المميّز و الكبير الشرعي و الأقارب و الأجنبي. فالمعيار في الاستيطان هو الاستقلال في الإرادة و التعيّش؛ فمن لا استقلال له لا أثر لاستيطانه، بل وطنه هو وطن المتبوع.
2- حيث إنّ مسقط رأس الولد حين التكليف يعدّ وطنه عرفاً ما دام لم يعرض عنه. و يمكن أن يقال: إنّه قاصد إجمالًا كون وطن أبويه وطنه بحيث لو سئل عنه: هل لك وطن؟ أجاب: نعم هو وطني و وطن أبويّ.

ص: 378

لكن في الإعراض- الذي يحصل بالإعراض العملي- يأتي الكلام المتقدّم فيه (1).

(مسألة 4): لو تردّد في المهاجرة عن الوطن الأصلي، فالظاهر بقاؤه على الوطنية

ما لم يتحقّق الخروج و الإعراض عنه، و أمّا في الوطن المستجدّ فلا إشكال في زواله؛ إن كان ذلك قبل أن يبقى فيه مقداراً يتوقّف عليه صدق الوطن عرفاً، و إن كان بعد ذلك فالأحوط الجمع بين أحكام الوطن و غيره؛ و إن كان الأقوى بقاؤه على الوطنية أيضاً (2).


1- التابع ما دام تابعاً وطنه وطن المتبوع، و بالإعراض العملي ترتفع التبعية حقيقةً و يزول حكم الوطن.
2- الوطن الأصلي و كذلك المستجدّ- الذي يصدق عرفاً أنّه وطن- باقيان على الوطنية ما لم يتحقّق الخروج و الإعراض عنهما؛ فإذا قصد الإعراض عنهما و خرج يقصّر. فما دام لم يتحقّق الإعراض يتمّ و لو كان متردّداً في المهاجرة و البقاء؛ و ذلك لأنّ الظاهر من الأدلّة هو أنّ وجوب القصر وظيفة المسافر الواجد لشرائط التقصير، و المتردّد ما دام متردّداً و لم يتحقّق منه الإعراض يصدق عليه أنّه حاضر و مستقرّ في وطنه؛ أصلياً كان أو مستجدّاً، و وظيفته الإتمام. و أمّا المستجدّ المتردّد فيه قبل أن يقيم في ذلك المكان مدّة يصدق معها عرفاً أنّه وطنه كانت وظيفته القصر من ابتداء الإقامة ما دام مستقرّاً فيه، إلّا أن يقصد إقامة العشرة أو يبقى فيه ثلاثين يوماً متردّداً. و لا يخفى ما في عبارة المصنّف رحمه الله: «فلا إشكال في زواله» من المسامحة؛ لأنّ زوال الوطنية فرع ثبوتها، و لم تثبت لأنّ المفروض عدم صدق الوطن عرفاً قبل أن يبقى فيه مقداراً يتوقّف عليه صدق الوطن عرفاً، و لعلّ تعبيره به باعتبار قصده التوطّن قبل عروض حال التردّد. إذا عرفت هذا فاعلم: أنّه قد وعدنا سابقاً أن نبحث عن أنّه هل يصدق الوطن بطول الإقامة في محلّ بلا قصد التوطّن دائماً إلى أن يموت، أو لا؟ قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» (مسألة 7): ظاهر كلمات العلماء- رضوان اللَّه تعالى عليهم- اعتبار قصد التوطّن أبداً في صدق الوطن العرفي؛ فلا يكفي العزم على السكنى إلى مدّة مديدة- كثلاثين سنة أو أزيد- لكنّه مشكل؛ فلا يبعد الصدق العرفي بمثل ذلك. و الأحوط في مثله إجراء الحكمين بمراعاة الاحتياط، انتهى. أقول: صدق الوطن العرفي على مكان لم يستوطنه المقيم فيه بعد، بل عزم على السكنى فيه مدّة طويلة- كثلاثين سنة- و إن كان مشكلًا جدّاً، و لكنّه لا يعدّ عند العرف مسافراً؛ فوجوب التقصير متعلّقه المسافر. و إطلاق المسافر على المقيم في محلّ مدّة مزبورة- مثلًا- ممّا لا يساعده العرف. قال في «المستمسك»: فالمسافر الذي يقصّر مقابل الحاضر الذي يتمّ، و الحضور يكون بالإقامة في الوطن الدائم و يكون بالوطن الموقّت؛ فإنّ المقيم فيه حاضر عرفاً. و يشهد بذلك: أنّ كثيراً من الأعراب الذين يسكنون هذه البيوت لهم أوطان مستقرّة يسكنونها في بعض السنة و يخرجون منها في أيّام الربيع لسوم مواشيهم؛ و على هذا يكون المقرّ بمنزلة وطنهم في وجوب الإتمام(مستمسك العروة الوثقى 8: 115.)، انتهى. و لا يخفى ما في كلامه رحمه الله من التعبير بالوطن الموقّت عن المحلّ المزبور، و الأولى ما ذكره رحمه الله في ذيل كلامه: «بمنزلة الوطن». و نِعم ما قال رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»: نعم هو بحكم الوطن، و تجري عليه أحكامه.

ص: 379

ص: 380

الثاني من قواطع السفر: العزم على إقامة عشرة أيّام متواليات،
اشارة

أو العلم ببقائه كذلك و إن كان لا عن اختياره (1).


1- المراد من اشتراط التوالي في إقامة عشرة أيّام أن لا يخرج بينها من محلّ الإقامة إلى حدّ يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك المحلّ، و سيأتي البحث فيه مفصّلًا في المسألة السابعة. نية الإقامة عشرة أيّام في غير بلده قاطع للسفر إجماعاً- محصّلًا و منقولًا إن لم يكن من ضروريات المذهب. و يدلّ عليه الأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة: منها: صحيح إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام ...»(وسائل الشيعة 8: 494، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 14، الحديث 11.) الحديث. و صحيح العمركي عن علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه صوم؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة»، قال: و سألته عن الرجل يكون عليه أيّام من شهر رمضان و هو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.) ، و في سند الرواية موسى بن عمر بن يزيد، و هو إمامي مجهول. و صحيح أبي ولّاد الحنّاط عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 5.) . و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من أتى ضيعته ثمّ لم يرد المقام عشرة أيّام قصّر، و إن أراد المقام عشرة أيّام أتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 6.) . و صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقصّر في ضيعته، فقال: «لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيّام، إلّا أن يكون له فيها منزل يستوطنه»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 8.) . و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن المسافر: «إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة»، فقال له محمّد بن مسلم: بلغني أنّك قلت خمساً، فقال: «قد قلت ذلك»، قال أبو أيّوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقلّ من خمسة أيّام، قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) . و في «الوسائل» حكم الخمسة محمول على التقية؛ لموافقته العامّة. و صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 13.) . و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: «إن حدّثته نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ، و إن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج و لا يدري فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن مضى شهر فليتمّ، و لا يتمّ في أقلّ من عشرة إلّا بمكّة و المدينة، و إن أقام بمكّة و المدينة خمساً فليتمّ»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 16.) . و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا أتمّ الشهر فأتمّ الصلاة»، قال: قلت: إن دخلت بلداً أوّل يوم من شهر رمضان و لست اريد أن اقيم عشراً؟ قال: «قصّر و أفطر»، قلت: فإن مكثتُ كذلك أقول: غداً أو بعد غدٍ فأفطر الشهر كلّه و اقصّر؟ قال: «نعم هذا (هما) واحد؛ إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و غيرها من روايات الباب. فرع: لا يكفي الظنّ بالبقاء عشرة أيّام في إتمام الصلاة- و إن كان ظنّاً قوياً لعدم الدليل على حجّيته؛ فيجب القصر عليه؛ لكونه مسافراً واجداً لشرائط التقصير.

ص: 381

ص: 382

ص: 383

(مسألة 5): الليالي المتوسّطة داخلة في العشرة،

دون الليلة الاولى و الأخيرة، فيكفي عشرة أيّام و تسع ليالٍ (1)، و يكفي تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر على الأقوى، كما إذا نوى المقام عند الزوال من اليوم الأوّل إلى الزوال من اليوم الحادي عشر (2).


1- معنى دخول الليالي المتوسّطة في العشرة أنّه لو خرج بين العشرة في إحدى الليالي المتوسّطة من محلّ الإقامة إلى حدّ يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام لأخلّ بالإقامة. و وجه دخولها فيها ظهور أدلّة تحديد موضوعات الأحكام بالزمان في الاستمرار. و أمّا الليلة الاولى و الأخيرة فهما خارجتان؛ لصدق اليوم عرفاً بدونهما؛ فيكفي عشرة أيّام و تسع ليالٍ فيما فرض حصول الإقامة من ابتداء اليوم الأوّل إلى انتهاء اليوم العاشر. نعم لو نوى الإقامة من أوّل الليل وجب إتمام صلاة تلك الليلة؛ لصيرورتها زائدة على العشرة المنوية، و كذلك الليلة الأخيرة.
2- المراد من اليوم هو اليوم الكامل- و لو ملفّقاً- فلا يجزي الناقص و لو يسيراً؛ لعدم صدق اليوم حقيقة على الناقص. و في «الجواهر»: فما يقال من احتساب يوم الدخول و الخروج كيف كان- حتّى لو كان الأوّل قبل المغرب بساعة أو ساعتين و الثاني بعد طلوع الفجر كذلك، أو إذا كان الذاهب من الأوّل يسيراً و الباقي من الثاني كذلك- ضعيف جدّاً، و التسامح العرفي في الإطلاق لا تحمل عليه الخطابات الشرعية؛ ضرورة عدم صيرورته حقيقة عرفية؛ إذ بعض اليوم لا يسمّى يوماً قطعاً(جواهر الكلام 14: 311.)، انتهى. و أمّا كفاية تلفيق اليوم المنكسر من يوم آخر فللصدق العرفي، و أنّ المراد من اليوم عرفاً هي الساعات النهارية المعهودة، لا خصوص الوقت الواقع بين الطلوع و الغروب، و هو المراد من ثلاثة أيّام في أقلّ الحيض. قال الشهيد رحمه الله في «الذكرى»: الأقرب أنّه لا يشترط عشرة أيّام غير يوم الدخول و الخروج؛ لصدق العدد حينئذٍ(ذكرى الشيعة 4: 304.) ، و هذا القول هو المشهور. و خالف في ذلك صاحب «المدارك» و قال: و إنّما يجب الإتمام بنية إقامة عشرة أيّام تامّة؛ فلو نقصت- و لو قليلًا- بقي على التقصير. و في الاجتزاء باليوم الملفّق من يومي الدخول و الخروج وجهان، أظهرهما العدم؛ لأنّ نصف اليومين لا يسمّى يوماً؛ فلا تتحقّق إقامة العشرة التامّة بذلك. و قد اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيّام الاعتكاف و أيّام العدّة، و الحكم في الجميع واحد(مدارك الأحكام 4: 460.) ، انتهى. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله بأنّ ظاهر تعليله الأوّل يقضي بعدم التلفيق ممّا مضى؛ بمعنى عدم احتساب الناقص من يومي الدخول و الخروج يومين كاملين، و لا كلام لنا فيه كما عرفت. إنّما الكلام في احتساب النصفين- مثلًا بيوم على معنى تلفيق الأوّل من الثاني، و هكذا حتّى ينتهي فتكسر حينئذٍ الأيّام العشرة. و عدم الاجتزاء بمثله في الاعتكاف و العدّة لو كان فمن مانع خارجي من إجماع أو غيره(جواهر الكلام 14: 313.)، انتهى.

ص: 384

ص: 385

و مبدأ اليوم طلوع الفجر الثاني على الأقوى، فلو دخل حين طلوع الشمس، كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر، لا غروب الشمس من العاشر (1).

(مسألة 6): يشترط وحدة محلّ الإقامة،

فلو قصد الإقامة في أمكنة متعدّدة عشرة أيّام لم ينقطع حكم السفر، كما إذا عزم على الإقامة عشرة أيّام في النجف و الكوفة معاً. نعم لا يضرّ بوحدة المحلّ فصل مثل الشطّ و نحوه، بعد كون المجموع بلداً واحداً كجانبي بغداد و إسلامبول، فلو قصد الإقامة في مجموع الجانبين يكفي في انقطاع حكم السفر (2).


1- اختلف فقهاؤنا في اليوم: فالأكثر على أنّه يوم الصوم، و ابتداؤه طلوع الفجر الثاني. و قال بعضهم: إنّه يوم الأجير، و أوّله طلوع الشمس. فعلى الأوّل: لو دخل حين طلوع الشمس و عزم الإقامة كان انتهاء العشرة طلوع الشمس من الحادي عشر؛ لأنّ اليوم الأوّل كان ناقصاً بمقدار طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس؛ فلا بدّ من تكميل هذا المقدار من اليوم الحادي عشر. و على القول الثاني تنتهي إقامة عشرة أيّام بغروب الشمس من العاشر. و يظهر من النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» القول الثاني، قال: لو دخل أوّل طلوع الشمس من يوم و خرج أوّل غروبها من العاشر كفى(مستند الشيعة 8: 257.)، انتهى.
2- اشتراط وحدة محلّ الإقامة في قاطعية إقامة العشرة حكم السفر ممّا لا خلاف فيه، و هو الظاهر من النصوص المذكورة فيها البلدة و القرية و الضيعة و المكان و الأرض، كما في صحاح إسماعيل بن بزيع و علي بن جعفر و عبد اللَّه بن سنان و زرارة و محمّد بن مسلم، و رواية منصور بن حازم و موسى بن حمزة بن بزيع و سويد بن غفلة و غيرها المذكورات في الباب الخامس عشر من أبواب صلاة المسافر من «وسائل الشيعة»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15.) ، حيث إنّ المتبادر من إقامة الأيّام في المكان و البلدة و الضيعة و نحوها الإقامة المستمرّة، و استمرارها لا يكون إلّا بوحدة محلّها عرفاً. فلا يقال لمن أقام عشراً في بلدين- مثلًا- إنّه أقام عشرة أيّام في بلد. و لا يخفى: أنّ وحدة محلّ الإقامة و تعدّده موكول إلى العرف؛ فالقرى المنفصل بعضها عن بعض تعدّ عرفاً متعدّدة، و الإقامة عشرة أيّام فيها لا تعدّ إقامة واحدة مستمرّة في محلّ واحد. و الإقامة في بلد أزيد مساحةً من تلك القرى تعدّ إقامة واحدة في محلّ واحد.

ص: 386

(مسألة 7): لا يعتبر في نية الإقامة قصد عدم الخروج عن خطّة سور البلد،

بل لو قصد حال نيّتها الخروج إلى بعض بساتينها و مزارعها، جرى عليه حكم المقيم، بل لو كان من نيّته الخروج عن حدّ الترخّص، بل إلى ما دون الأربعة، أيضاً لا يضرّ إذا كان من قصده الرجوع قريباً؛ بأن كان مكثه مقدار ساعة أو ساعتين- مثلًا- بحيث لا يخرج به عن صدق إقامة عشرة أيّام في ذلك البلد عرفاً، و أمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال، خصوصاً إذا كان من قصده المبيت (1).


1- هل يشترط في نية الإقامة أن يكون في محلّ الإقامة بحيث لا يخرج إلى محلّ الترخّص؛ فيجوز له التردّد في حدود البلد و أطرافها- كبعض بساتينه و مزارعه- ما لم يصل إلى حدّ الترخّص، أو يكفي عدم السفر إلى المسافة الشرعية، أو يرجع فيه إلى العرف؟ ذهب إلى كلٍّ فريق: قال صاحب «المدارك»: الأظهر اشتراط عدم الخروج بين العشرة إلى محلّ الترخّص؛ لأنّه المتبادر من النصّ، ثمّ نسب إلى الشهيدين القطع به ... إلى أن قال رحمه الله: ينبغي الرجوع في صدق الإقامة إلى العرف؛ فلا يقدح فيها الخروج إلى بعض البساتين أو المزارع المتّصلة بالبلد مع صدق الإقامة فيها عرفاً(مدارك الأحكام 4: 460.) ، انتهى كلامه ملخّصاً. و اختاره صاحب «الحدائق»، و نسبه إلى المشهور، و قال المشهور في كلام الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- اشتراط التوالي في هذه العشرة؛ بمعنى أنّه لا يخرج من ذلك المحلّ إلى محلّ الترخّص. و أمّا الخروج إلى ما دون ذلك فالظاهر أنّه لا خلاف و لا إشكال في جوازه(الحدائق الناضرة 11: 343.) ، انتهى. و نسب إلى فخر الدين في بعض حواشيه على «القواعد» عدم البأس في خروج المقيم إلى ما دون المسافة؛ سواء كان ذلك في نيته ابتداءً أو عرض له في الأثناء. و وافقه الكاشاني في «الوافي» و كاشف الغطاء في «مصابيحه». و حكي عن العلّامة رحمه الله في أجوبة المسائل السنانية المشهورة: أنّه سئل عمّن نوى المقام في الحلّة، ثمّ زار الحسين عليه السلام في عرفة، ثمّ عاد إلى الحلّة يريد التوجّه إلى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، هل يقصّر في الحلّة أم يتمّ؟ فأجاب بما نصّه: «جعل الشارع الإتمام على من نوى المقام في بلاد الغربة عشرة أيّام، فقد جعل حكم ذلك البلد حكم بلده؛ فالمقيم عشرة أيّام في الحلّة يجب عليه الإتمام، فإذا خرج إلى مشهد الحسين عليه السلام فقد خرج إلى ما دون المسافة؛ فلا يجوز له القصر، فإذا نوى العود إليه كان كما نوى العود إلى بلده من دون مسافة القصر، فإذا عزم على السفر إلى مشهد أمير المؤمنين عليه السلام وجب عليه القصر بالشروع فيه»(جواهر الكلام 14: 305- 306.) ، انتهى ما حكي عنه. و لكن لا دلالة في كلام العلّامة على أنّ المقيم كان من ابتداء نيته الخروج إلى ما دون المسافة، بل ظاهر قوله: «فإذا خرج إلى مشهد الحسين عليه السلام فقد خرج إلى ما دون المسافة» هو الخروج في الأثناء اتّفاقاً. و المحقّق الأردبيلي رحمه الله بعد طرح محلّ الخلاف بقوله: و هل يشترط في نية الإقامة في بلد أن يكون بحيث لا يخرج إلى محلّ الترخّص، أو يكفي عدم السفر إلى مسافة، أو يحال إلى العرف؟ قال: الظاهر من الأخبار هو الإطلاق من غير قيد، و لو كان مثل ذلك شرطاً لكان الأولى بيانه في الأخبار، و إلّا يلزم التأخير و الإغراء بالجهل؛ فيمكن تنزيله على العرف؛ بمعنى أنّه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في البلد؛ بمعنى أنّ هذا موضعه و مكانه و محلّه مثل أهله. فلا يضرّه السير في الجملة إلى البساتين و التردّد في البلد و حواليه ما لم يصل إلى موضع بعيد بحيث يقال: إنّه ليس من المقيمين في البلد. و كذا لو تردّد كثيراً أو دائماً في المواضع البعيدة في الجملة. و لا يبعد عدم ضرر الخروج إلى محلّ الترخّص أحياناً لغرض من الأغراض مع كون المسكن و المنزل في موضع معيّن؛ لصدق إقامة العشرة عرفاً المذكورة في الروايات(مجمع الفائدة و البرهان 3: 408- 409.)، انتهى. و المختار عندنا: أنّ نية الخروج ساعة أو ساعتين إلى ما دون المسافة لا تضرّ قصد إقامة العشرة و لا تنافيه عرفاً. و أمّا الزائد على ذلك ففيه إشكال؛ خصوصاً إذا كان من قصده ابتداءً المبيت؛ فمن حيث إنّ المقيم في حكم أهل البلد يجوز له المكث أزيد من ساعتين و المبيت كأهل البلد، و من حيث إنّه بالأخرة مسافر قصد الإقامة لا يصدق عليه عرفاً أنّه مقيم عشرة أيّام في محلّ واحد. و لا يترك الاحتياط بالجمع.

ص: 387

ص: 388

ص: 389

(مسألة 8): لا يكفي القصد الإجمالي في تحقّق الإقامة

، فالتابع للغير- كالزوجة و الرفيق- إن كان قاصداً للمقام بمقدار ما قصده المتبوع، لا يكفي و إن كان المتبوع قاصداً لإقامة العشرة؛ إذا لم يدرِ من أوّل الأمر مقدار قصده، فإذا تبيّن له بعد أيّام أنّه كان قاصداً للعشرة يبقى على القصر، إلّا إذا نوى بعد ذلك بقاء عشرة أيّام (1)،


1- التابع للغير إذا كان قاصداً للمسافة الشرعية وجب عليه التقصير كمتبوعه، و إذا قصد المتبوع إقامة عشرة أيّام و تبيّن له قصد المتبوع عزم الإقامة و يتمّ كمتبوعه. و إذا علم أنّ متبوعه عزم إقامة أيّام في محلّ و لكن لم يعلم مقداره و أنّه عشرة أيّام أو أقلّ، و نوى الإقامة مقدار إقامة المتبوع، فالواجب عليه القصر. فإذا انكشف للتابع مقدار إقامة المتبوع و أنّه عشرة أيّام فهل يجب على التابع القصر في بقية الأيّام، أو الإتمام فيه؟ خلاف بين فقهائنا: فقال جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و بعض المحشّين- إنّه لا يبعد كفاية القصد الإجمالي في تحقّق الإقامة و وجوب الإتمام بعد الاطّلاع؛ لكونه قاصداً في الواقع إقامة عشرة أيّام. و قال بعضهم- و منهم المصنّف رحمه الله- بعدم كفايته؛ لاعتبار العلم التفصيلي بإقامة عشرة أيّام، و هو المختار عندنا. و يدلّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيّام في المكان، عليه الصوم؟ قال: «لا، حتّى يجمع على مقام عشرة أيّام، و إذا أجمع على مقام عشرة أيّام صام و أتمّ الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) الحديث. و خصوص رواية أبي بصير قال: «إذا قدمت أرضاً و أنت تريد أن تقيم بها عشرة أيّام فصم و أتمّ ...»(وسائل الشيعة 8: 498، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 3.) الحديث. و رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأجمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 499، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 4.) . و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة ...»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) الحديث. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم ...»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) الحديث، و غيرها من روايات الباب. و وجه الخصوصية فيها اقتران نية إقامة العشرة بالدخول على البلد؛ بأن كان المسافر حين قدم و دخل البلد كان بحيث إذا سئل عنه: ما مدّة إقامتك في البلد؟ أجاب بأنّها عشرة أيّام، و فيما نحن فيه ليس كذلك؛ فلو سئل عن التابع: إلى متى تقيم في هذا المحلّ، عشرة أو أقلّ؟ أجاب بأنّه لا أدري؛ فالواجب عليه القصر من حين قدم، و كذا بعد ما انكشف له أنّ متبوعه قصد إقامة العشرة.

ص: 390

ص: 391

بل لو كان قاصداً للمقام إلى آخر الشهر أو إلى يوم العيد- مثلًا- و كان في الواقع عشرة أيّام و لم يكن عالماً به حين القصد، لا يبعد عدم كفايته و وجوب القصر عليه، و لكن لا يُترك الاحتياط ما أمكن (1).

(مسألة 9): لو عزم على الإقامة ثمّ عدل عن قصده،

فإن صلّى مع العزم المذكور رباعية بتمام، بقي على التمام ما دام في ذلك المكان؛ و لو كان من قصده الارتحال بعد ساعة أو ساعتين (2)،


1- وجه عدم كفايته- مع كون المقام مدّة مضبوطة؛ أي من حين القدوم إلى آخر الشهر، و منطبقةً في الواقع على عشرة أيّام- هو احتمال اعتبار العلم التفصيلي بإقامة خصوص عشرة أيّام، و من المعلوم أنّه لو سئل عن التابع: هل تقيم عشرة أيّام؟ أجاب بأنّه لا أدري. و يحتمل الاكتفاء به لجزمه بإقامة مدّة هي عشرة أيّام في الواقع، و إن لم يعلم به تفصيلًا، و ليس مردّداً في مدّة إقامته. و لا يترك الاحتياط بالجمع في بقية الأيّام و قضاء ما صلّاه قصراً تماماً.
2- هذه المسألة إجماعية، حكاه جماعة. و يدلّ على البقاء على التمام فيما لو صلّى أربعاً تماماً صحيحاً ثمّ عدل عن قصده صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت نويتُ حين دخلت المدينة أن اقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعد أن لا اقيم بها، فما ترى لي أتمّ أم اقصّر؟ قال: «إن كنت دخلت المدينة و حين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار؛ إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) . و في «المستمسك» بعد الاستدلال بصحيحة أبي ولّاد استدلّ بإطلاق نصوص الإقامة لتعليق التمام فيها على مجرّد نية الإقامة و لو حدوثاً، و لا مقيّد لها بصورة البقاء. و فيه: أنّه يقيّد إطلاقها بما لم يعدل عن قصده قبل إتمام الرباعية؛ فخرج عن الإطلاق من عدل عن قصده و لم يتمّ أربعاً. و أمّا رواية حمزة بن عبد اللّه الجعفري قال: لمّا أن نفرت من منى نويت المقام بمكّة فأتممت الصلاة حتّى جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدّاً من المصير إلى المنزل، و لم أدر أتمّ أم اقصّر، و أبو الحسن عليه السلام يومئذٍ بمكّة، فأتيته فقصصت عليه القصّة، قال: «ارجع إلى التقصير»(وسائل الشيعة 8: 509، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 2.) فهي و إن كانت تدلّ على الرجوع إلى القصر في المسألة، لكنّها ضعيفة سنداً لا تعارض صحيح أبي ولّاد.

ص: 392

ص: 393

و إن لم يصلّ أو صلّى صلاة ليس فيها تقصير- كالصبح- يرجع بعد العدول إلى القصر (1)، و لو صلّى رباعية تماماً مع الغفلة عن عزمه على الإقامة، أو صلّاها تماماً لشرف البقعة بعد الغفلة عن نية الإقامة، فلا يُترك الاحتياط بالجمع؛ و إن كان تعيُّنُ القصر فيهما لا يخلو من وجه (2).


1- لأنّ البقاء على التمام في النصّ مشروط بإتيان صلاة فريضة بتمام، و المفروض في الصورتين أنّه لم يصلّ فريضة بتمام. و أضاف السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» صورة ثالثة بقوله: أو شرع في الرباعية لكن لم يتمّها و إن دخل في ركوع الركعة الثالثة(العروة الوثقى 2: 148، مسألة 15.) و في «الجواهر»: بل المدار- في البقاء على التمام- على خصوص إكمال الفريضة تماماً؛ حتّى أنّه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثمّ عدل عن الإقامة(جواهر الكلام 14: 322.) ، انتهى.
2- الصلاة رباعية تماماً مع الغفلة عن عزمه الإقامة تتصوّر بأن نوى الإقامة ثمّ نسيها و شرع في الصلاة بنية القصر و أتمّها أربعاً نسياناً. فإذا صلّاها تماماً مع الغفلة عن عزمه الإقامة، أو نوى الإقامة ثمّ نسي أنّه نواها و صلّى تماماً لشرف البقعة، و بعد الفراغ عن الصلاة ذكر نية الإقامة في الصورتين ثمّ عدل عنها و أراد الخروج، فقال جماعة من فقهائنا- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جمع من المحشّين- الظاهر كفاية الصلاة تماماً في البقاء على التمام؛ و ذلك لإطلاق صحيح أبي ولّاد المتقدّم. و لذا أفتى في «مجمع البرهان» بأنّ الظاهر صحّة هذه الصلاة و عدم الإعادة. و لكن يمكن أن يقال: إنّ البقاء على التمام في الصحيح مستند على كون تمامية الصلاة مبتنيةً على نية الإقامة، كما يشعر به قوله عليه السلام في ذيل الصحيح: «و إن شئت فانو المقام عشراً فأتمّ» ، و لا يترك الاحتياط بالجمع بعد العدول.

ص: 394

(مسألة 10): لو فاتته الصلاة على وجه يجب عليه قضاؤها

، فقضاها تماماً، ثمّ عدل عن نية الإقامة، بقي على حكم التمام على إشكال، و الأحوط الجمع. و أمّا إن عدل عنها قبل قضائها فالظاهر العود إلى القصر (1).


1- لو نوى الإقامة ثمّ فاتته الصلاة على وجه لا يجب قضاؤها- بأن كان في تمام الوقت مغمى عليه أو مجنوناً أو حائضاً- ثمّ عدل عن نية الإقامة فلا إشكال و لا خلاف في الرجوع إلى القصر؛ لعدم تأثير نية الإقامة حينئذٍ. و لو فاتته على وجه يجب قضاؤها عليه- كالتارك عمداً أو نسياناً- فحينئذٍ لو عدل عن نية الإقامة قبل قضائها تماماً فالظاهر العود إلى القصر؛ لابتناء البقاء على التمام في صحيح أبي ولّاد على إتيان الصلاة تماماً، و المفروض عدم إتيان القضاء. و لا يكفي في البقاء على التمام استقرار الفائت تماماً في الذمّة. و حكى صاحب «الجواهر» عن غير واحد من الأصحاب وجوب التمام عليه بمجرّد استقرار تمام الفائت في الذمّة(جواهر الكلام 14: 324.)

ص: 395

(مسألة 11): لو عزم على الإقامة فنوى الصوم، ثمّ عدل بعد الزوال قبل إتيان الصلاة تماماً،

رجع إلى القصر في صلاته، لكن صحّ صومه، فهو كمن صام ثمّ سافر بعد الزوال (1).


1- قال صاحب «الجواهر»: إنّما الكلام في إرادة الكناية بالصلاة تماماً فيه- أي في صحيح أبي ولّاد المتقدّم- عن مطلق الشروع في عمل مشروط صحّته بالإقامة من صلاة نافلة أو الدخول في صوم و نحوهما، أو أنّه كناية عن ذلك لكن إذا أتمّ (تمّ خ. ل) أو وصل فيه إلى حدّ لا يجوز له إبطاله لو كان مقيماً كالصوم بعد الزوال، أو ليس كناية عن شي ء من ذلك بل المدار على خصوص إكمال الفريضة تماماً؛ حتّى أنّه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثمّ عدل عن الإقامة؟ وجوه بل أقوال، أقواها- وفاقاً ل «المدارك» و «الرياض» و غيرهما- الأخير إن لم يثبت إجماع على خلافه، و الظاهر أنّه كذلك(جواهر الكلام 14: 322.) ، انتهى. الأقوال في إلحاق الصوم بالصلاة تماماً في البقاء على التمام أربعة: الأوّل: عدم إلحاقه بها مطلقاً، و هو المختار عندنا. ذهب إليه الأردبيلي و السبزواري في «الكفاية» و «الذخيرة» و صاحب «المدارك» و «الحدائق» و «الرياض» و غيرهم. الثاني: إلحاقه بها بمجرّد الشروع في الصوم و إن عدل عن نية الإقامة قبل الزوال. ذهب إليه جماعة من فقهائنا؛ منهم العلّامة رحمه الله في «القواعد» و «التذكرة» و «التحرير» و «نهاية الإحكام» و ولده و الشهيد الثاني في «المسالك». و استدلّ له بأنّ مجرّد نية الإقامة كافٍ في صحّة الصوم. الثالث: إلحاقه بها إذا عدل بعد الزوال. ذهب إليه في «جامع المقاصد». و استدلّ له بما دلّ من العمومات على وجوب مضيّ الصوم إذا سافر بعد الزوال؛ فإذا صحّ فلا بدّ أن لا يبطل إقامته. الرابع: الإلحاق بشرط أن يكون العدول بعد إتمام الصوم. ذهب إليه جماعة. و استدلّ له بأنّ المراد من الفريضة تماماً هو الواجب التامّ مطلقاً و إن كان صوماً. و الجواب عن هذه الأقوال: أنّه قد اكتفي في البقاء على التمام في الصحيح المتقدّم على الصلاة تماماً فقط، قال عليه السلام: «إن كنت دخلت المدينة و صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) ، و الخروج عن مورده إلى غيره يحتاج إلى دليل. إن قلت: إنّ التلازم بين الصوم و الإتمام المستفاد من تلازم القصر و الإتمام في بعض الروايات: «إذا أفطرت قصّرت، و إذا قصّرت أفطرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) يقتضي الإلحاق. قلت: إنّ التلازم إنّما هو في التقصير و الإفطار، من غير تعرّض فيها للصوم و الإتمام.

ص: 396

ص: 397

(مسألة 12): لا فرق في العدول عن قصد الإقامة، بين أن يعزم على عدمها

، أو يتردّد فيها؛ في أنّه لو كان بعد الصلاة تماماً بقي على التمام، و لو كان قبله رجع إلى القصر (1).

(مسألة 13): إذا تمّت العشرة لا يحتاج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة،

فما دام لم يُنشئ سفراً جديداً يبقى على التمام (2).


1- وجه عدم الفرق: أنّ الإتمام مشروط بأحد الأمرين: البقاء على نية الإقامة، و إتيان الصلاة الفريضة تماماً ثمّ العدول عن نية الإقامة. فينتفي الإتمام بانتفاء البقاء على نية الإقامة مع عدم إتيان الصلاة تماماً حال النية، و انتفاء البقاء على نية الإقامة كما يصدق بالعزم على عدم الإقامة كذلك يصدق بالتردّد فيها؛ لأنّ المتردّد في الإقامة غير ناوٍ لها. فرع: لو عزم ناوي الإقامة على أنّه إن حدث حادث أو عرض عارض يسافر حتماً فلا يضرّ عزمه المذكور نية إقامته، و لا ينافيها حتّى فيما لو علّق نية الإقامة بالعزم المزبور مع الاطمئنان بعدم حدوث الحادث و عروض العارض، و مع الاطمئنان بحدوثه يضرّ.
2- أمّا عدم احتياج البقاء على التمام إلى قصد إقامة جديدة بعد إتمام العشرة فلكفاية نية إقامة العشرة في الإتمام مطلقاً- حتّى بعد العشرة- بل لو نوى الإقامة و لم يصلّ و لو لغير عذر و تمّت العشرة بنى على التمام و إن لم يكن من نيته إقامة جديدة. كلّ ذلك لإطلاق أدلّة ترتّب الإتمام على نية إقامة عشرة أيّام. فالناوي للإقامة وظيفته الإتمام ما دام في ذلك المكان، و ما دام لم يعدل عن نيته، أو عدل عن نيته بعد إتيان الصلاة تماماً؛ و ذلك للإطلاق المذكور.

ص: 398

(مسألة 14): لو قصد الإقامة و استقرّ حكم التمام بإتيان صلاة واحدة بتمام،

ثمّ خرج إلى ما دون المسافة، و كان من نيّته العود إلى مكان الإقامة؛ من حيث إنّه مكان إقامته- بأن كان رحله باقياً فيه- و لم يعرض عنه، فإن كان من نيّته مقام عشرة أيّام فيه بعد العود إليه، فلا إشكال في بقائه على التمام (1).

و إن لم يكن من نيّته ذلك سواء كان متردّداً، أو ناوياً للعدم فالأقوى أيضاً البقاء على التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة؛ ما لم يُنشئ سفراً جديداً، خصوصاً إذا كان المقصد في طريق بلده (2)،


1- الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة أنّ موضوع المسألة السابقة من نوى الخروج من محلّ الإقامة إلى ما دون المسافة حين نية الإقامة، و أنّه هل يشترط في تحقّق الإقامة أن ينوي عدم الخروج بحيث لو كان من نيته الخروج إلى ما دون المسافة لأخلّ بالإقامة، أو لا؟ و موضوع هذه المسألة أنّه بعد تحقّق الإقامة و العزم عليها لو بدا له الخروج إلى ما دون المسافة فهل يبقى على التمام أو لا؟ و في هذه المسألة صور أشار إليها المصنّف رحمه الله: الصورة الاولى: أن يقصد الإقامة و صلّى صلاة واحدة بتمام ثمّ خرج إلى ما دون المسافة، و كان من نيته العود إلى مكان الإقامة من حيث إنّه مكان إقامته- لا من حيث إنّه أحد منازله؛ فإنّ له حكماً آخر- فحينئذٍ لو كان من نيته مقام عشرة أيّام بعد العود و الاستقرار مع بقاء رحله فيه و عدم الإعراض عنه فلا إشكال في البقاء على التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة؛ لأنّه لم ينشئ سفراً موجباً لقطع حكم الإقامة. مضافاً إلى استصحاب حكم التمام حتّى يثبت المزيل.
2- هذه هي الصورة الثانية. و وجه البقاء على التمام في الذهاب و المقصد و الإياب و محلّ الإقامة مع عدم نية إقامة جديدة بعد العود إلى محلّ الإقامة، بل مع التردّد- حتّى مع نية عدم الإقامة بعد العود- هو أنّه بعد ما صلّى تماماً يبني على التمام ما دام لم ينشئ سفراً جديداً موجباً لوجوب التقصير، و لا تنتقض إقامته بمجرّد الخروج إلى ما دون المسافة. و لعلّ وجه الخصوصية فيما إذا كان المقصد في طريق بلده عدم صدق السفر على الذهاب من محلّ الإقامة إلى بلده.

ص: 399

و الأحوط الجمع خصوصاً في الإياب و محلّ الإقامة، و بالأخصّ فيما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده (1). نعم لو كان مُنشئاً للسفر من حين الخروج عن محلّ الإقامة، و كان ناوياً للعود إليه؛ من حيث إنّه أحد منازله في سفره الجديد، كان حكمه وجوب القصر في العود و محلّ الإقامة،


1- وجه الاحتياط و التقصير إطلاق الخروج في صحيحة أبي ولّاد المتقدّمة: «فليس لك أن تقصّر حتّى يخرج منها»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) ، و لفتوى جماعة بوجوب التقصير في الإياب و محلّ الإقامة دون الذهاب و المقصد؛ و ذلك لصدق السفر و أنّه مسافر من حين الخروج من محلّ الإقامة بلحاظ قصد الإياب. و وجه الأخصّية فيما إذا كان محلّ الإقامة في طريق بلده: أنّه إذا ذهب من محلّ الإقامة إلى مقصد واقع في طول محلّ إقامته فقد يصدق عليه أنّه سفر سفراً آخر من محلّ الإقامة إلى مقصد آخر أبعد من وطنه بالنسبة إلى محلّ الإقامة. و كيف كان فالاحتياط المزبور حسنٌ.

ص: 400

و أمّا في الذهاب و المقصد فمحلّ إشكال؛ لا يُترك الاحتياط بالجمع؛ و إن لا يبعد وجوب التمام فيهما (1). هذا كلّه فيما إذا لم يكن من نيّته الخروج- في أثناء العشرة- إلى ما دون المسافة من أوّل الأمر، و إلّا فقد مرّ: أنّه إن كان من قصده العود قريباً جدّاً يكون حكمه التمام، و إلّا ففيه إشكال (2). و لو خرج إلى ما دون المسافة، و كان متردّداً في العود إلى محلّ الإقامة و عدمه أو ذاهلًا عنه، فالاحتياط بالجمع بين القصر و التمام لا ينبغي تركه؛ و إن كان الأقوى البقاء على التمام ما لم يُنشئ سفراً جديداً (3).


1- هذه هي الصورة الثالثة، و وجه وجوب القصر في العود و محلّ الإقامة فيما إذا أنشأ سفراً إلى ما دون المسافة، مع كونه ناوياً للعود إلى محلّ الإقامة، لا بما أنّه محلّ إقامته و رحله فيه بل بالإعراض عن كونه محلّ الإقامة و العزم على كونه أحد المنازل في سفره الجديد، هو انقطاع الاستمرار المعتبر في محلّ الإقامة بالنسبة إلى الإتمام. و أمّا في الذهاب و المقصد فمحلّ إشكال فمن حيث إنّه صلّى صلاة واحدة تماماً و لم يقصد المسافة في سفره الجديد فعليه التمام فيهما، و من حيث إنّه أعرض عن كونه محلّ الإقامة. فلا يكفيه إتيان صلاة واحدة تماماً؛ لأنّ كفايته ما دام لم يخرج منه، أو خرج مع العود إليه بما أنّه محلّ إقامته؛ فلا يترك الاحتياط في الذهاب و المقصد بالجمع.
2- هذه هي الصورة الرابعة، و قد مرّ البحث في هذا مفصّلًا عند البحث في المسألة السابعة، فراجع.
3- هذه هي الصورة الخامسة، و التردّد في العود إلى محلّ الإقامة و عدمه يكون مع احتمال أن يقيم في المقصد، أو يعود إلى محلّ الإقامة و الإقامة فيه ثانياً، أو يعود من المقصد و يذهب إلى أهله؛ و حينئذٍ فيتمّ في الذهاب و المقصد على كلّ حال؛ لعدم كون السفر إليه مسافة. و أمّا في الإياب فإن كان قاصداً الإياب إلى محلّ الإقامة فيتمّ أيضاً، و التردّد غير مخلّ في الإقامة كما ذكرنا سابقاً. و إن كان قاصداً الإياب إلى أهله و المفروض كونه مسافة يقصّر في محلّ الإقامة إلى أن يصل إلى حدّ ترخّص أهله. و أمّا الذهول عن العود إلى محلّ الإقامة فقد يكون لأجل ذهنية كون سفره إلى المقصد، من دون توجّه إلى غيره من الإقامة فيه أو العود إلى محلّ الإقامة أو إلى أهله؛ فحينئذٍ يتمّ في الذهاب و المقصد؛ لعدم كون السفر إليه مسافة. و قد يكون للإقامة في المقصد أو للعود من المقصد إلى أهله فإن كان للإقامة في المقصد يتمّ في الذهاب و المقصد، و إن كان للعود من المقصد إلى أهله يقصّر في الذهاب و المقصد و في الإياب إلى أن يصل إلى حدّ ترخّص أهله. و الاحتياط بالجمع حسنٌ في جميع صور التردّد في العود إلى محلّ الإقامة و عدمه و الذهول عن العود؛ لما ذكر سابقاً من فتوى جماعة على وجوب القصر بمجرّد الخروج عن محلّ الإقامة.

ص: 401

(مسألة 15): لو بدا للمقيم السفر، ثمّ بدا له العود إلى محلّ الإقامة و البقاء عشرة أيّام،

فإن كان ذلك بعد بلوغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب و المقصد و العود، و إن كان قبله، قصّر حال الخروج بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود، و لا يجب عليه قضاء ما صلّى قصراً (1).


1- لو بدا للمقيم السفر الموجب للقصر و بدا له العود إلى محلّ الإقامة و البقاء عشرة أيّام و قد بلغ أربعة فراسخ قصّر في الذهاب بعد حدّ الترخّص، و في المقصد و العود إلى محلّ الإقامة؛ لكونه مسافراً واجداً لشرائط وجوب التقصير، كما إذا خرج المسافر من وطنه إلى مسافة. و إذا بلغ محلّ الإقامة و قصد البقاء عشرة أيّام أتمّ. و لو بدا له العود قبل بلوغ أربعة فراسخ يقصّر بعد التجاوز عن حدّ الترخّص إلى حال العزم على العود؛ لكونه مسافراً قاصداً للمسافة و وظيفته التقصير. و لا يجب عليه قضاء ما صلّاه قصراً تماماً؛ لصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده، فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين، فصلّوا و انصرف بعضهم فلم يقض له الخروج، ما يصنع بالصلاة التي كان صلّاها ركعتين؟ قال: «تمّت صلاته و لا يعيد»(وسائل الشيعة 8: 521، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 23، الحديث 1.) . و لقد أشكل بعض المحشّين على «العروة الوثقى» في المسألة و قال بالاحتياط، و لعلّه لصحيح أبي ولّاد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنتُ خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن هبيرة، و هو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخاً في الماء، فسرت يومي ذلك اقصّر الصلاة، ثمّ بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر اصلّي في رجوعي بتقصير أم بتمام، و كيف كان ينبغي أن أصنع؟ فقال: «إن كنتَ سرت في يومك الذي خرجت فيه بريداً فكان عليك حين رجعت أن تصلّي بالتقصير؛ لأنّك كنت مسافراً إلى أن تصير إلى منزلك» قال: «و إن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريداً فإنّ عليك أن تقضي كلّ صلاة صلّيتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، من قبل أن تؤمّ من مكانك ذلك؛ لأنّك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتّى رجعت؛ فوجب عليك قضاء ما قصّرت، و عليك إذا رجعت أن تتمّ الصلاة حتّى تصير إلى منزلك»(وسائل الشيعة 8: 469، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 5، الحديث 1.) و قد تقدّم البحث في المسألة في شرح الشرط الثالث من شروط التقصير للمسافر في شرح قول المصنّف رحمه الله «ثالثها استمرار القصد»، فراجع.

ص: 402

ص: 403

و أمّا حال العزم فالأحوط الجمع و إن كان البقاء على القصر أقرب (1). و كذا إذا بدا له العود بدون إقامة جديدة بقي على القصر حتّى في محلّ الإقامة (2).


1- لعلّ وجه أقربية البقاء على القصر حال العزم و في العود إلى أن يصل إلى حدّ ترخّص محلّ عزم الإقامة فيه، هو عدم إلحاق محلّ العزم و الإياب بالإقامة السابقة، و الأصل البقاء على القصر ما دام لم يبلغ حدّ ترخّص محلّ الإقامة الجديدة، و ليس هو كالخارج من وطنه الذي قصد المسافة ثمّ بدا له العود و عدل عن قصده قبل أن يبلغ أربعة فراسخ. و فيه: أنّ الموجب للقصر هو قصد المسافة مع استمراره على القصد؛ فمع العدول عن قصده لا مجوّز له للقصر، فهو كمن خرج عن وطنه قاصداً للمسافة و الإقامة فيها، و بعد أن تجاوز حدّ الترخّص عدل عن قصده قبل أن يبلغ أربعة فراسخ، فهو في محلّ العدول عن القصد و العود إلى أهله يتمّ.
2- المقيم بعد أن صلّى تماماً إذا قصد المسافة فقد أخلّ باستمرار قصده الإقامة. و إذا بدا له العود إلى محلّ الإقامة السابقة قبل أن يبلغ أربعة فراسخ من غير عزم على الإقامة الجديدة فيه يقصّر في الذهاب، و في العود، و في محلّ الإقامة السابقة؛ لصيرورة محلّ الإقامة السابقة أحد المنازل. و لا يخفى: أنّه إذا بدا له العود فهو تارة يضرب في الأرض و يسير حيث يشاء و لو إلى محلّ إقامته السابقة بما أنّه أحد منازله مع كون سفره مسافة فلا إشكال في وجوب القصر عليه، و اخرى يسير إلى أهله و كان سيره و سفره من محلّ الإقامة السابقة فلا إشكال أيضاً في وجوب القصر عليه مع كونه مسافة، و مع عدم كونه مسافة لا مجوّز له للقصر؛ فهو كمن سافر بلا قصد المسافة.

ص: 404

(مسألة 16): لو دخل في الصلاة بنية القصر ثمّ بدا له الإقامة في أثنائها أتمّها

(1)،


1- و يدلّ عليه- قبل الإجماع المحكي عن «التذكرة» و «الذخيرة» و غيرهما- إطلاق أدلّة وجوب التمام على من قصد الإقامة و لو في أثناء الصلاة. و خصوص صحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام سأله عن الرجل يخرج في السفر ثمّ يبدو له في الإقامة و هو في الصلاة، قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة»(وسائل الشيعة 8: 511، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 20، الحديث 1.) . و خبر محمّد بن سهل عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يخرج في سفر تبدو له الإقامة و هو في صلاته، أ يتمّ أم يقصّر؟ قال: «يتمّ إذا بدت له الإقامة»(وسائل الشيعة 8: 511، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 20، الحديث 2.) ، و الرواية ضعيفة بمحمّد بن سهل بن اليسع الإمامي المجهول حاله.

ص: 405

و لو نوى الإقامة و دخل فيها بنية التمام ثمّ عدل عنها في الأثناء، فإن كان قبل الدخول في ركوع الثالثة أتمّها قصراً، و إن كان بعده قبل الفراغ عن الصلاة، فالأقوى بطلان صلاته و الرجوع إلى القصر (1)؛


1- لو نوى إقامة عشرة أيّام و دخل في الصلاة بنية التمام ثمّ عدل عن نية الإقامة في أثناء الصلاة قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّها قصراً؛ لأنّه أخلّ بشرط الإتمام، حيث إنّ الإتمام على المسافر مشروط بقصد إقامة عشرة أيّام، و المفروض عدوله عن قصده في أثناء الصلاة. و لا يكفي في الإتمام تماماً الدخول فيها بنية التمام، نعم ذهب إليه الشيخ في «المبسوط». و وجه عدم كفاية مجرّد الدخول فيها بنية التمام صحيح أبي ولّاد المتقدّم: «و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار؛ إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) ، حيث إنّ الظاهر منه عدم الاكتفاء بها بمجرّد الدخول فيها، بل المعيار في الإتمام إتمام الرباعية مع البقاء على قصد الإقامة إلى آخر الصلاة. و إن عدل عن نية الإقامة بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة- و لو قبل السلام- بطلت صلاته؛ إذ لا محلّ للعود إلى القصر بعد الدخول في ركوع الثالثة، و لا مقتضي لإتمامها تماماً؛ لعدوله عن قصد الإقامة.

ص: 406

و إن كان الأحوط إتمامها تماماً ثمّ إعادتها قصراً و الجمع بينهما ما لم يسافر (1).

الثالث من القواطع: البقاء ثلاثين يوماً في مكان متردّداً،
اشارة

و يُلحق بالتردّد ما إذا عزم على الخروج غداً أو بعده و لم يخرج، و هكذا إلى أن يمضي ثلاثون يوماً، بل يلحق به- أيضاً- إذا عزم على الإقامة تسعة أيّام- مثلًا- ثمّ بعدها عزم على إقامة تسعة اخرى و هكذا، فيقصّر إلى ثلاثين يوماً، ثمّ يتمّ (2)


1- أمّا إتمامها تماماً فلفتوى الشيخ في «المبسوط» به، قال: فإن كان نوى المقام عشراً و دخل في الصلاة بنية التمام ثمّ عنّ له الخروج، لم يجز له القصر إلى أن يخرج مسافراً(المبسوط 1: 139.) ، انتهى. و مثله عبارة «الشرائع»، و لكنّه تردّد فيه، قال: و لو نوى الإقامة عشراً و دخل في الصلاة فعنّ له السفر لم يرجع إلى التقصير، و فيه تردّد(شرائع الإسلام 1: 126.) ، انتهى. و لعلّ الوجه في فتوى الشيخ بالإتمام تماماً هو أنّ «الصلاة على ما افتتحت» عليه. و أمّا إعادتها قصراً فلما ذكر من صحيح أبي ولّاد. و ممّا ذكرنا يعلم وجه الاحتياط بالجمع بينهما ما لم يسافر.
2- و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أ رأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون مقصّراً؟ و متى ينبغي أن يتمّ؟ فقال: «إذا دخلت أرضاً فأيقنت أنّ لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غد فقصّر ما بينك و بين أن يمضي شهر، فإذا تمّ لك شهر فأتمّ الصلاة، و إن أردت أن تخرج من ساعتك»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) . و صحيح أبي أيّوب قال: سأل محمّد بن مسلم أبا عبد اللّه عليه السلام- و أنا أسمع- عن المسافر: «إن حدّث نفسه بإقامة عشرة أيّام فليتمّ الصلاة، فإن لم يدر ما يقيم يوماً أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ، و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة ...»(وسائل الشيعة 8: 501، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 12.) الخبر. و صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فعليه إتمام الصلاة، و إن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 13.) . و صحيح محمّد بن مسلم قال: سألته عن المسافر يقدم الأرض، فقال: «إن حدّثته نفسه أن يقيم عشراً فليتمّ، و إن قال: اليوم أخرج أو غداً أخرج و لا يدري فليقصّر ما بينه و بين شهر، فإن مضى شهر فليتمّ ...»(وسائل الشيعة 8: 502، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 16.) الخبر. و صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا دخلت بلداً و أنت تريد المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة حين تقدم، و إن أردت المقام دون العشرة فقصّر، و إن أقمت تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ و لم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا تمّ الشهر فأتمّ الصلاة»، قال: قلت: إن دخلتُ بلداً أوّل يوم من شهر رمضان و لستُ اريد أن اقيم عشراً؟ قال: «قصّر و أفطر»، قلت: فإن مكثتُ كذلك أقول: غداً أو بعد غدٍ فأفطر الشهر كلّه و اقصّر؟ قال: نعم هذا (هما) واحد، إذا قصّرت أفطرت، و إذا أفطرت قصّرت»(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و غيرها من روايات الباب.

ص: 407

ص: 408

و إن لم يبقَ إلّا مقدار صلاة واحدة (1).

(مسألة 17): الظاهر إلحاق الشهر الهلالي بثلاثين يوماً إن كان تردّده من أوّل الشهر

(2).


1- و يدلّ عليه قول أبي عبد اللّه عليه السلام في صحيح أبي أيّوب المتقدّم: «و إن كان أقام يوماً أو صلاة واحدة» ، و إطلاق الصلاة في صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام: «فأتمّ الصلاة و إن أردت أن تخرج من ساعتك»
2- اختلف فقهاؤنا في إلحاق الشهر الهلالي الناقص- تسع و عشرين يوماً- بثلاثين يوماً إن كان تردّده من أوّل الشهر و عدمه. نسب إلى المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان» الاكتفاء بالشهر الهلالي؛ أي ما بين الهلالين و إن كان ناقصاً. و استدلّ له بأنّ لفظ «الشهر» حقيقة فيما بين الهلالين، و هو مشترك معنوي بين التامّ و الناقص. و صحيح أبي أيّوب المتقدّم المصرّح فيه بثلاثين يوماً: «فليعدّ ثلاثين يوماً ثمّ ليتمّ» لا يصلح لصرف الشهر عن الجامع إلى فرده الغالب- و هو غير الناقص المردّد من أوّل الشهر- لأنّ تعليق الحكم على الشهر يقتضي الإجزاء بكلّ من فرديه؛ فلا يجب حمل الإطلاق على الفرد الغالب و إبطال دلالته على ما عداه؛ لأنّ من شرط حمل المطلق على المقيّد تحقّق التعارض الموجب لذلك. و يؤيّده ما في صحيح ابن وهب المتقدّم من ارتباط الصلاة بالصيام، و أنّ شهر صيام كما يكون ثلاثين يوماً كذلك يكون تسعاً و عشرين يوماً. و عن العلّامة في «التذكرة» اعتبار خصوص الثلاثين لا الشهر الهلالي؛ لأنّ لفظ «الشهر» كالمجمل و لفظ «الثلاثين» كالمبيّن. و إليه مال صاحب «المدارك» و قال: لا بأس به. ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» بعد أن قال: إنّ ما عن «مجمع البرهان» من الاكتفاء بما بين الهلالين- و إن كان ناقصاً- لو اتّفق وقوع التردّد في أوّل الشهر و تعيّن الثلاثين لو كان التردّد في غيره، لا يخلو من قوّة، قال: و إن كان الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه؛ و هو تعيّن الثلاثين مطلقاً؛ لأصالة القصر و إطلاق أدلّته. و لفظ «الشهر» و إن كان حقيقة في القدر المشترك بينهما إلّا أنّه يجب صرف إطلاق الأمر بالتقصير فيما بينه و بينه إلى الغالب من وقوع التردّد في غير الأوّل(جواهر الكلام 14: 319.) ، انتهى. و الأحوط وجوباً في المسألة هو الجمع بين القصر و الإتمام في اليوم الثلاثين بعد الشهر الناقص ثمّ الإتمام و لو صلاة واحدة.

ص: 409

(مسألة 18): يشترط اتّحاد مكان التردّد كمحلّ الإقامة، فمع التعدّد لا ينقطع حكم السفر

(1).


1- اعتبار اتّحاد مكان التردّد هو الظاهر من صحيح زرارة المتقدّم: «و إن لم تدر ما مقامك بها تقول: غداً أخرج أو بعد غدٍ»(وسائل الشيعة 8: 500، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 9.) ، حيث إنّ ضمير «بها» يعود إلى الأرض التي دخلت بها، و كذا صحيح معاوية بن وهب المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 503، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 17.) ، و رواية سويد بن غفلة عن علي عليه السلام المتقدّمة(وسائل الشيعة 8: 504، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 20.)

ص: 410

(مسألة 19): حكمُ المتردّد المستقرّ عليه التمام بعد ثلاثين يوماً؛ إذا خرج عن مكان التردّد

إلى ما دون المسافة، و كان من نيّته العود إلى ذلك المكان، حكمُ العازم على الإقامة، و قد مرّ حكمه (1).

(مسألة 20): لو تردّد في مكان تسعة و عشرين- مثلًا

- أو أقلّ، ثمّ سافر إلى مكان آخر و بقي متردّداً فيه كذلك، بقي على القصر ما دام كذلك إلّا إذا نوى الإقامة بمكان أو بقي متردّداً ثلاثين يوماً (2).


1- يعني أنّه بعد الإقامة ثلاثين يوماً متردّداً استقرّ عليه التمام كالمقيم عشرة أيّام؛ فكما أنّ المقيم عشرة أيّام قد اختلف فيه أنّه هل يجوز له الخروج إلى ما دون المسافة مع نية العود إلى ذلك المكان بما أنّه مكان إقامته، و إتمام صلاته ذهاباً و في المقصد و الإياب و محلّ الإقامة، أو لا يجوز إلّا إلى مزارعه و بساتينه، أو موكول إلى العرف؟ على أقوال، كذلك المتردّد ثلاثين يوماً المستقرّ عليه التمام اختلف فيه أيضاً. و المختار هنا هو المختار هناك، و لا نطيل الكلام بالإعادة، فراجع.
2- و وجه البقاء على القصر في مفروض المسألة هو أنّ المسافر القاصد للمسافة وظيفته القصر، إلّا في موارد معلومة، كالمرور على الوطن، و العزم على إقامة عشرة أيّام، و الإقامة ثلاثين يوماً متردّداً في محلّ واحد، و فرض المسألة ليس من تلك الموارد؛ فيبقى على القصر.

ص: 411

القول في أحكام المسافر
اشارة

قد عرفت: أنّه تسقط عن المسافر بعد تحقّق الشرائط ركعتان من الظهرين و العشاء، كما أنّه تسقط عنه نوافل الظهرين، و يبقى سائر النوافل، و الأحوط الإتيان بالوتيرة رجاءً (1).


1- و يدلّ على سقوط الركعتين من الظهرين و العشاء صحيح حذيفة بن منصور عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام(وسائل الشيعة 4: 81، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 2.) و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء إلّا المغرب ثلاث»(وسائل الشيعة 4: 82، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب. و يدلّ على سقوط نوافل الظهرين صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الصلاة تطوّعاً في السفر، قال: «لا تصلّ قبل الركعتين و لا بعدهما شيئاً نهاراً»(وسائل الشيعة 4: 81، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 1.) . و يدلّ على سقوط الركعتين من الظهرين و العشاء و سقوط نوافلها و عدم سقوط نوافل المغرب و صلاة الليل صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الصلاة في السفر ركعتان، ليس قبلهما و لا بعدهما شي ء، إلّا المغرب فإنّ بعدها أربع ركعات لا تدعهنّ في سفر و لا حضر، و ليس عليك قضاء صلاة النهار، و صلّ صلاة الليل و اقضه»(وسائل الشيعة 4: 83، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 7.) . و ما روى رجاء بن أبي الضحّاك عن الرضا عليه السلام أنّه كان في السفر يصلّي فرائضه ركعتين ركعتين، إلّا المغرب فإنّه كان يصلّيها ثلاثاً، و لا يدع نافلتها و لا يدع صلاة الليل و الشفع و الوتر و ركعتي الفجر في سفر و لا حضر، و كان لا يصلّي من نوافل النهار في السفر شيئاً(وسائل الشيعة 4: 83، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 21، الحديث 8.) و في سند الحديث وقع جماعة من المهملين. و لا يخفى: أنّ الأقوى- وفاقاً للسيّد في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين- سقوط نافلة العشاء؛ لما يدلّ عليه صحيح أبي بصير المتقدّم من حصر ثبوت النوافل في نوافل المغرب و صلاة الليل، و قد عدّت ركعتا الفجر و ركعة الوتر و ركعتا نافلة الصبح من صلاة الليل في بعض الروايات المعتبرة. و عن الشيخ في «النهاية» جواز فعل الوتيرة في السفر؛ لرواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في حديث قال: «و إنّما صارت العتمة مقصورة، و ليس تترك ركعتاها (ركعتيها)؛ لأنّ الركعتين ليستا من الخمسين، و إنّما هي زيادة في الخمسين تطوّعاً ليتمّ بهما بدل كلّ ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع»(وسائل الشيعة 4: 95، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 29، الحديث 3.) . و لعلّ القائلين بالاحتياط في إتيان الوتيرة رجاءً- و منهم المصنّف رحمه الله- نظرهم إلى الجمع بين هذه الرواية و الأخبار الدالّة على سقوط نافلة كلّ رباعية سقطت ركعتاها في السفر.

ص: 412

ص: 413

(مسألة 1): لو صلّى المسافر بعد تحقّق شرائط القصر تماماً،

فإن كان عالماً بالحكم و الموضوع بطلت صلاته و أعادها في الوقت و خارجه (1)،


1- هذه المسألة إجماعية، حكاه كثير من علمائنا. و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع و إطلاق ما دلّ على وجوب القصر على المسافر بعد تحقّق الشرائط- صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: رجل صلّى في السفر أربعاً، أ يعيد أم لا؟ قال: «إن كان قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.) . و صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في سفر، قال: «أعد»(وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 6.) . و رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين» قال: «و التقصير في ثمانية فراسخ؛ و هو بريدان، و إذا قصّرت أفطرت، و من لم يقصّر في السفر لم تجز صلاته»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 8.) . فهذه الروايات تدلّ على وجوب إعادة ما صلّاه المسافر تماماً قصراً؛ أداءً في الوقت و قضاءً في خارجه. نعم صحيح العيص بن القاسم يدلّ على الإعادة في الوقت دون خارجه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة، قال: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا»(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) ، و لكن مقتضى الجمع هو حمل هذا الصحيح على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه على العالم الناسي.

ص: 414

و إن كان جاهلًا بأصل الحكم- و أنّ حكم المسافر التقصير- لم يجب عليه الإعادة، فضلًا عن القضاء (1)، و إن كان عالماً بأصل الحكم و جاهلًا ببعض الخصوصيّات، مثل جهله بأنّ السفر إلى أربعة فراسخ مع قصد الرجوع يوجب القصر، أو أنّ من شغله السفر إذا أقام ببلده عشرة أيّام، يجب عليه القصر في السفر الأوّل، و نحو ذلك، فأتمّ، وجبت عليه الإعادة في الوقت و القضاء في خارجه (2).


1- وجه عدم وجوب الإعادة و القضاء على الجاهل صحيح زرارة و محمّد بن مسلم المتقدّم: «و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه».
2- و ذلك لإطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر بعد تحقّق الشرائط، و إطلاق خصوص صحيح الحلبي و رواية الأعمش المتقدّمين، بل إطلاق صحيح العيص المتقدّم بالنسبة إلى الوقت دون خارجه. و قد يتوهّم: أنّ صحيح زرارة و محمّد بن مسلم يدلّ على عدم وجوب الإعادة على العالم بأصل الحكم الجاهل ببعض الخصوصيات المذكورة في المتن؛ لدخوله في من لم يعلمها فلا إعادة عليه. و أنّ الجهل مطلقاً عذرٌ. و عمل الجاهل مطلقاً و لو كان جهله ببعض الخصوصيات المذكورة في المتن و نحوها مجزٍ. و أنّ الصوم و الصلاة مشتركان في الحكم؛ أي البطلان مع العمد على الإتمام في السفر و الصحّة مع الجهل، بدعوى القطع بالمساواة بينهما بتنقيح المناط أو عدم القول بالفصل. و يدلّ على صحّة صوم المسافر الجاهل صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صام في السفر، فقال: «إن كان بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 3.) . و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، و قد أجزأ عنه الصوم»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 2.) ، و غيرهما من الروايات المعتبرة. و هذا التوهّم مدفوع بأنّ المراد من البلوغ و عدم البلوغ في الرواية بلوغ الحكم إليه و عدمه، و المفروض كونه عالماً بالحكم، و معذورية الجاهل مطلقاً غير ثابت. و دعوى القطع بالمساواة بين الصوم و الصلاة غير ثابتة، و إثباتها على مدّعيها؛ فالأحوط في الصلاة- لو لم يكن الأقوى- هو الاقتصار في الحكم بالمعذورية على الجهل بأصل الحكم، و هو القدر المتيقّن في الحكم المخالف للأصل. و سيجي ء أنّ الجاهل ببعض الخصوصيات و الجاهل بالموضوع لو صام في السفر يقضيه.

ص: 415

ص: 416

و كذا إذا كان عالماً بالحكم جاهلًا بالموضوع، كما إذا تخيّل عدم كون مقصده مسافة فأتمّ مع كونه مسافة (1).


1- و ذلك لكون العالم بالحكم الجاهل بالموضوع من أفراد من قرئت عليه آية التقصير و فسّرت له. و في «مصباح الفقيه»: نعم قد يتّجه الالتزام في جاهل الموضوع الذي هو مكلّف شرعاً بالإتمام ما دام جهله، كما لو قصد بلداً لا يعلم ببلوغه حدّ المسافة فأتمّ بمقتضى تكليفه المتنجّز في حقّه بالفعل ثمّ انكشف كونه مسافة؛ فإنّه أولى بالمعذورية من جاهل الحكم قطعاً. مضافاً إلى ما قد يقال: يكون الأمر الشرعي المتوجّه إليه حال الفعل مقتضياً للإجزاء. و لكن يتوجّه على دعوى الأولوية عدم الجزم بإناطة الحكم بمحض المعذورية كي يتّجه دعوى الأولوية، كيف مع أنّ الناسي أولى بالمعذورية من الجاهل المقصّر قطعاً، و ليس له هذا الحكم؟! كما ستعرف. و أمّا الأمر المتوجّه إليه حال الفعل فهو أمر ظاهري ناشٍ من استصحاب وجوب الإتمام و نحوه؛ فيشكل كونه مجزياً عن الواقع لدى انكشاف خلافه كما تقرّر في محلّه؛ و لذا أوجب بعضٌ الإعادة عليه في الوقت. و لكن نفاه في خارجه، بناءً منه على أنّه لا يتحقّق معه صدق اسم الفوات المعلّق عليه وجوب القضاء. و لكنّك قد عرفت في محلّه: أنّ المراد بالفوت الموجب للقضاء هو ترك الصلاة الواجبة عليه في الواقع في وقتها؛ فالتفصيل ضعيف. و لكن لمانع أن يمنع كون تكليفه بالإتمام عند جهله بمقدار المسافة تكليفاً ظاهرياً، بدعوى أنّه لا يكاد ينسبق إلى الذهن من مثل قوله التقصير في بريدين أو مسيرة يوم إلّا إرادة إيجابه لدى إحراز كون المقصد بالغاً هذا الحدّ لا مطلقاً، فليتأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 762/ السطر 10.)، انتهى.

ص: 417

و أمّا إذا كان ناسياً لسفره فأتمّ، فإن تذكّر في الوقت وجبت عليه الإعادة، و إن تذكّر في خارجه لا يجب عليه القضاء (1).


1- الناسي للسفر إذا أتمّ ثمّ تذكّر في الوقت وجبت عليه الإعادة قصراً، و إن لم يعد حتّى خرج الوقت قضاها قصراً؛ لعموم أدلّة وجوب قضاء ما فات. و إن تذكّر خارج الوقت لا يجب عليه القضاء. هذه المسألة مشهورة، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه. و حكي عن الصدوق و والده و العمّاني و الشيخ في «المبسوط» القول بوجوب الإعادة مطلقاً- أي أداءً في الوقت و قضاءً في خارجه- و استدلّ له بالعمومات المستفيضة الدالّة ببطلان الصلاة بالزيادة، كما في صحيح أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.) ، و بإطلاق صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: صلّيت الظهر أربع ركعات و أنا في السفر، قال: «أعد»(وسائل الشيعة 8: 507، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 4.) و فيه: أنّه يجب تخصيص العموم و تقييد الإطلاق بصحيح العيص بن القاسم(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) و رواية أبي بصير المتقدّمين الدالّين على وجوب الإعادة في الوقت دون خارجه، و الناسي هو القدر المتيقّن من رواية أبي بصير. و استدلّ للمشهور برواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل ينسى فيصلّي في السفر أربع ركعات، قال: «إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، و إن لم يذكر حتّى مضى ذلك اليوم فلا إعادة عليه»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 2.) ، و سند الرواية ضعيف بسويد القلانسي المهمل، و اليوم و إن كان مختصّاً بالنهار- و حينئذٍ يختصّ الحكم المذكور بالظهرين دون العشاء- و لكنّه كناية عن عدم خروج وقت الفريضة؛ فيشمل العشاء أيضاً. و يشهده أيضاً ذكر خصوص الوقت في صحيح العيص بن القاسم قال: «إن كان في وقت فليعد، و إن كان الوقت قد مضى فلا»(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) ، حيث إنّ القدر المتيقّن من مورده هو الناسي؛ فيكون هذا الصحيح قرينة على أنّ المراد من «ذلك اليوم» في رواية أبي بصير عدم خروج الوقت. و على فرض اختصاص الحكم المذكور في الرواية بالظهرين، يثبت الحكم في العشاء بعدم القول بالفصل. ثمّ إنّ السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر المحشّين لها عمّموا حكم النسيان لناسي الحكم، و قالوا بوجوب الإعادة عليه في الوقت دون خارجه. و المصنّف رحمه الله تبعاً للمحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» خصّصه بخصوص ناسي الموضوع. قال في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ المنساق من الناسي في النصّ و الفتوى هو ناسي الموضوع، و أمّا ناسي الحكم فهل هو ملحق بجاهله؟ فيه تردّد، و الأحوط إن لم يكن الأقوى الإعادة في الوقت و خارجه؛ اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على موضع اليقين(مصباح الفقيه، الصلاة: 762/ السطر 32.) ، انتهى. و المختار عندي ما ذهب إليه السيّد رحمه الله؛ لإطلاق رواية أبي بصير، و ضعف الرواية منجبر بالشهرة.

ص: 418

ص: 419

(مسألة 2): يُلحق الصوم بالصلاة فيما ذكر على الأقوى،

فيبطل مع العلم و العمد، و يصحّ مع الجهل بأصل الحكم، دون خصوصيّاته و دون الجهل بالموضوع. نعم لا يلحق بها في النسيان، فمعه يجب عليه القضاء (1).


1- وجه بطلان صوم المسافر مع العلم و العمد- مضافاً إلى الإجماع القطعي- ما دلّ على بطلان الصوم في السفر، و مفهوم بعض النصوص الآتية، و منطوق بعضها الآخر. و وجه صحّته مع الجهل بأصل الحكم صحيح عبد الرحمن البصري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال عليه السلام: «إن كان لم يبلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 2.) . و صحيح الحلبي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل صام في السفر، فقال عليه السلام: «إن كان بلغه أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن ذلك فعليه القضاء، و إن لم يكن بلغه فلا شي ء عليه»(وسائل الشيعة 10: 179، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 3.) . و صحيح العيص بن القاسم: «من صام في السفر بجهالة لم يقضه»(وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 5.) . و في صحيح ليث: «و إن صامه بجهالة لم يقضه»(وسائل الشيعة 10: 180، كتاب الصوم، أبواب من يصحّ منه الصوم، الباب 2، الحديث 6.) . و أمّا الجهل بخصوصيات الحكم و بالموضوع فلا يصحّ معه الصوم كالصلاة؛ اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقّن؛ و هو الجهل بأصل الحكم. و لا دليل على إلحاق الناسي في الصوم على الناسي في الصلاة، إلّا دعوى المساواة بين الصوم و الصلاة، و إثباتها على مدّعيها.

ص: 420

(مسألة 3): لو قصّر من كانت وظيفته التمام بطلت صلاته مطلقاً؛

حتّى المقيم المقصّر للجهل بأنّ حكمه التمام (1).


1- لو قصّر من كانت وظيفته التمام لإقامة العشرة و نحوها من موجبات التمام بطلت صلاته، بلا خلاف و لا إشكال في العالم بالحكم. و أمّا الجاهل بالحكم فالمشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً هو البطلان. و يظهر من «الجواهر» الإجماع عليه، قال: بل ربّما كان ظاهر جميع الأصحاب أيضاً، حيث اقتصروا في بيان المعذورية على الاولى(جواهر الكلام 14: 346.) ، انتهى. مراده من الاولى عكس هذه المسألة؛ أي التمام لمن كانت وظيفته القصر. و خالف في المسألة ابن سعيد في كتاب «الجامع» و قال بالصحّة. و نفى عنه البعد في «مجمع البرهان»، و اختاره السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين. و العمدة في الاستدلال لهذا القول صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: «إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة، فإن تركه رجل جاهلًا فليس عليه إعادة»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 3.) . و فيه: أنّ الصحيح معرض عنه عند الأصحاب.

ص: 421

(مسألة 4): لو تذكّر الناسي للسفر في أثناء الصلاة،

فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، أتمّ الصلاة قصراً و اجتزأ بها، و إن تذكّر بعد ذلك بطلت، و وجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت و لو بإدراك ركعة منه (1).


1- إذا نوى أربع ركعات ظهراً أو عصراً أو عشاءً في السفر الموجب للقصر لنسيان السفر أو حكمه ثمّ تذكّر في أثناء الصلاة، فإن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة أتمّ الصلاة قصراً و اجتزأ بها. و لا يضرّ كونه ناوياً للتمام قبل الشروع في الصلاة. و علّله في «العروة الوثقى» بأنّه من باب الداعي و الاشتباه في المصداق لا التقييد؛ فيكفي قصد الصلاة و القربة بها. و في «المستمسك» في شرح ما ذكره في «العروة» بتلخيص منّا: أنّ القصر و التمام حقيقة واحدة عنوانها الظهر- مثلًا- يختلف مصداقها باختلاف خصوصيتي السفر و الحضر، و أنّ المفروض من اللَّه تعالى هو الركعتان الاوليان، و السفر اقتضى سقوط الأخيرتين اللتين سنّهما النبي صلى الله عليه و آله و سلم. فالحاضر و المسافر كلاهما يقصدان التقرّب في الركعتين الاوليين و يأتيانهما امتثالًا لأمرهما، و الحاضر يقصد امتثال أمرهما في ضمن امتثال الأمر بأربع ركعات، و المسافر يقصد امتثال أمرهما مستقلّاً بلا ضمّ امتثال الأمر الآخر إليه. و هذا المقدار من الاختلاف بينهما اختلاف في الخصوصية، و هو لا يوجب فرقاً بينهما في أصل التقرّب المعتبر في العبادة بالنسبة إلى الركعتين الاوليين. نعم لو كانت الخصوصية معتبرة في المأمور به على نحو التقييد لا على نحو الداعي كان فواتها موجباً لفوات التقرّب الموجب للبطلان(مستمسك العروة الوثقى 8: 168.) ، انتهى ملخّصاً. و إن تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة بطلت صلاته و وجبت عليه الإعادة مع سعة الوقت و لو بمقدار ركعة منه، و وجه البطلان تحقّق الزيادة المبطلة؛ فاذا بطلت وجبت عليه الإعادة قصراً مع سعة الوقت و لو بمقدار إدراك ركعة منه. و أمّا مع ضيق الوقت و عدم إدراك ركعة منه يجب عليه الإتمام تماماً؛ لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «و إن كان الوقت قد مضى فلا»(وسائل الشيعة 8: 505، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 1.) صورة عدم التمكّن من إتيان الفعل في الوقت- و لو بمقدار ركعة منه- فمن بقي له من الوقت أقلّ من مقدار ركعة واحدة يصدق عليه أنّه قد مضى وقت صلاته؛ فلو شرع في الصلاة في ذلك الوقت يجب عليه نية القضاء. و يحتمل أن يكون المراد من قوله عليه السلام: «و إن كان الوقت قد مضى فلا» أنّه بعد أن فرغ من الصلاة و مضى الوقت تذكّر أنّه صلّى تماماً؛ فلا يعيد، كما هو الظاهر من قوله: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى و هو مسافر فأتمّ الصلاة»، و كذا قوله: «فيصلّي في السفر أربع ركعات»(وسائل الشيعة 8: 506، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 17، الحديث 2.) ؛ و حينئذٍ فيشكل شموله لمن ذكره قبل الفراغ من الصلاة. و الأحوط إتمامها تماماً ثمّ قضاؤها قصراً.

ص: 422

ص: 423

(مسألة 5): لو دخل الوقت و هو حاضر متمكّن من فعل الصلاة،
اشارة

ثمّ سافر قبل أن يصلّي حتّى تجاوز محلّ الترخّص و الوقت باقٍ قصّر، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتمام أيضاً، و لو دخل الوقت و هو مسافر فحضر قبل أن يصلّي و الوقت باقٍ أتمّ، و الأحوط القصر أيضاً (1).

هنا مسألتان:
الاولى: لو دخل وقت الفريضة و هو حاضر و مضى من الوقت مقدار تمكّن فيه من فعل الصلاة أربع ركعات

1- بجميع أجزائها و شرائطها و لم يصلّ ثمّ سافر و تجاوز محلّ الترخّص مع بقاء الوقت، فهل يجب عليه التقصير أو التمام؟ فيه أقوال: الأوّل: أنّه يقصّر. و به قال الشيخ المفيد و السيّد المرتضى و الشيخ في «المبسوط» و «التهذيب» و كثير من المتأخّرين، و في «الرياض» و حكي عن «السرائر» الإجماع عليه. و يدلّ عليه- مضافاً إلى إطلاق أدلّة وجوب القصر على المسافر الواجد لشرائط التقصير- صحيح محمّد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، فقال: «إذا خرجت فصلّ ركعتين»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 1.) . و الاستدلال به مبني على إمكان إتيان الظهر من حين الخروج- و هو الزوال- إلى زمان وجوب القصر، و هو حين الوصول إلى حدّ الترخّص. و ذيل صحيح إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا اصلّي حتّى أدخل أهلي، فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة»، قلت: فدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في أهلي اريد السفر، فلا اصلّي حتّى أخرج، فقال: «فصلّ و قصّر، فإن لم تفعل فقد خالفت و اللَّه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.) . و رواية الحسن بن علي الوشّاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: «إذا زالت الشمس و أنت في المصر و أنت تريد السفر فأتمّ، فإذا (خرج) خرجت بعد الزوال قصّر العصر»(وسائل الشيعة 8: 516، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 12.) ، و الاستدلال به مبني على إرادة الإتمام منه لو صلّى في المصر. و في «فقه الرضا»: «فإن خرجت من منزلك و قد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر و لم تصلّ حتّى خرجت فعليك التقصير، و إن دخل عليك وقت الصلاة في السفر و لم تصلّ حتّى تدخل أهلك فعليك التمام»(مستدرك الوسائل 6: 541، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 15، الحديث 1.) . و حمل هذه الأخبار على صورة عدم التمكّن من الصلاة تماماً من حين الزوال إلى زمان الوصول إلى حدّ الترخّص- كما احتمله الشهيدان- خلاف ظاهر إطلاقها. مع أنّ الغالب سعة الوقت للصلاة تماماً في أهله من حين الزوال حتّى يخرج من حدّ الترخّص. نعم قد يعارض الأخبار المذكورة ذيل صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفره و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 5.) . و خبر بشير النبّال قال: خرجتُ مع أبي عبد اللّه عليه السلام حتّى أتينا الشجرة، فقال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: «يا نبّال»، قلت: لبّيك، قال: «إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري و غيرك؛ و ذلك أنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج»(وسائل الشيعة 8: 515، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 10.) . و ذيل صحيح آخر لمحمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يدخل مكّة من سفره و قد دخل وقت الصلاة، قال: «يصلّي ركعتين، و إن خرج إلى سفر و قد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً»(وسائل الشيعة 8: 516، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 11.) . و ذيل صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام أنّه قال: «يصلّي أربع ركعات في سفره»، و قال: «إذا دخل على الرجل وقت صلاة و هو مقيم ثمّ سافر صلّى تلك الصلاة التي دخل وقتها عليه و هو مقيم أربع ركعات في سفره»(وسائل الشيعة 8: 516، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 14.) و الموثّق عن الصادق عليه السلام قال: سئل إذا زالت الشمس و هو في منزله ثمّ يخرج في سفره، قال: «يبدأ بالزوال فيصلّيها ثمّ يصلّي الاولى بتقصير ركعتين؛ لأنّه خرج من منزله قبل أن تحضره الاولى». و سئل: فإن خرج بعد ما حضرت الاولى؟ قال: «يصلّي أربع ركعات يصلّي بعد النوافل ثمّ ركعات؛ لأنّه خرج من منزله بعد ما حضرت الاولى، فإذا حضرت العصر صلّى العصر بتقصير- و هي ركعتان- لأنّه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر»(وسائل الشيعة 4: 85، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 23، الحديث 1.) . و نقول في العلاج بين الأخبار المتعارضة المذكورة: إنّ الأخبار الدالّة على وجوب القصر موافقة للمشهور و الإطلاقات الدالّة على وجوب القصر للمسافر. و يمكن حمل ذيل صحيحي ابن مسلم على صورة إرادة الصلاة أربعاً في البلد حين أراد الخروج إلى السفر أو قبل التجاوز عن محلّ الترخّص؛ إذ يصدق عليه- حينئذٍ أنّه خرج إلى سفره. و القول الثاني في المسألة وجوب التمام. نسب هذا القول إلى الصدوق في «المقنع» و ابن أبي عقيل و العلّامة في «المختلف» و «الإرشاد» و الشهيد في «الدروس»، و نسبه في «الروض» إلى المشهور بين المتأخّرين. و هذا القول مبني على اعتبار وقت الوجوب- و هو أوّل الوقت- و قد كان المكلّف حاضراً واجباً عليه التمام؛ فيجب أيضاً بعد أن صار مسافراً. و العمدة في الاستدلال على هذا القول هي الأخبار المذكورة. و يعلم جوابه ممّا ذكرناه من أنّها مخالفة للمشهور. و القول الثالث هو التخيير بين القصر و التمام. نسب إلى الشيخ في «الخلاف»؛ للأمر بالتخيير في الخبرين المتعارضين. و فيه: أنّ التخيير إنّما هو فيما لم يكن مرجّح لأحدهما على الآخر، و الحال أنّ الشهرة مرجّحة للأخبار الدالّة على وجوب القصر. و القول الرابع هو التمام مع سعة الوقت و القصر مع ضيقه. نسب هذا القول إلى الشيخ في «النهاية» و الصدوق في «الفقيه». و استدلّ له بأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار المذكورة. و بموثّق إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة، فقال: «إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ، و إن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر»(وسائل الشيعة 8: 514، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 6.) . و فيه: أنّه لا وجه للجمع المذكور بعد اعتضاد الأخبار الدالّة على وجوب التقصير بالشهرة. و أمّا الموثّق فقد احتمل في «الوسائل» أن يكون المراد بالإتمام الصلاة في المنزل و بالقصر الصلاة في السفر. ففيه أيضاً أقوال أربعة: المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً وجوب الإتمام. و يدلّ عليه صحيح إسماعيل بن جابر المتقدّم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: يدخل عليّ وقت الصلاة و أنا في السفر، فلا اصلّي حتّى أدخل على أهلي، فقال: «صلّ و أتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 512، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 2.) . و صحيح العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثمّ يدخل بيته قبل أن يصلّيها، قال: «يصلّيها أربعاً»، و قال: «لا يزال يقصّر حتّى يدخل بيته»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 4.) . و القول بوجوب القصر متعيّناً غير معروف، كما اعترف به غير واحد. و في «السرائر»: أنّه لم يذهب إلى ذلك أحد، و لم يقل به فقيه، و لا مصنّف ذكره في كتابه؛ لا منّا و لا من مخالفينا(السرائر 1: 333.) ، انتهى. نعم قد يدلّ عليه بعض الأخبار، كما في صدر صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدخل من سفره و قد دخل وقت الصلاة و هو في الطريق، فقال: «يصلّي ركعتين»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 5.) ، و لكن هذا الصحيح و نحوه معرض عنه عند الأصحاب، كما عرفت. و القولان الآخران في المسألة يظهر حالهما دليلًا و جواباً ممّا قدّمناه في المسألة الاولى. و الأحوط في المسألتين القصر و الإتمام؛ عملًا بكلا القسمين من الأخبار.

ص: 424

ص: 425

ص: 426

ص: 427

المسألة الثانية: لو دخل الوقت و هو مسافر و لم يصلّ حتّى حضر و الوقت باقٍ،

ص: 428

ص: 429

(مسألة 6): لو فاتت منه الصلاة في الحضر، يجب عليه قضاؤها تماماً و لو في السفر.

كما أنّه لو فاتت منه في السفر، يجب قضاؤها قصراً و لو في الحضر (1).

(مسألة 7): إن فاتت منه الصلاة، و كان في أوّل الوقت حاضراً و في آخره مسافراً

أو بالعكس، فالأقوى مراعاة حال الفوت في القضاء و هو آخر الوقت، فيقضي في الأوّل قصراً و في الثاني تماماً، لكن لا ينبغي له ترك الاحتياط بالجمع (2).


1- و ذلك للأمر بقضاء ما فات عنه كما فات، و المسافر يقصّر صلاته الواجبة عليه حال السفر مع كونه واجداً لشرائط التقصير، كما هو المستفاد من أدلّة وجوب التقصير. و لا دليل على كون السفر مانعاً عن قضاء ما فات منه في الحضر تماماً، و الأصل جوازه.
2- هذه المسألة مبتنية على أنّ الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة- و هو آخر الوقت- أو بحال الخطاب بها و وجوبها- و هو أوّل الوقت- المشهور بين القدماء و المتأخّرين أنّ الاعتبار بحال الفوت. و يدلّ عليه عمومات أدلّة القضاء، كقوله عليه السلام: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(عوالي اللآلي 2: 54/ 143، و راجع وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.) ، و من الواضح أنّ الصلاة في أوّل الوقت و إن كانت واجبة إلّا أنّه لو لم يصلّها في أوّل الوقت لا يصدق أنّه فاتت صلاته. فالقضاء مترتّب على الفوت الصادق بعدم إتيانها في آخر الوقت. و إن شئت قلت: لو أدّاها في أوّل الوقت فقد سقط التكليف مطلقاً، و لو لم يؤدّها فيه فقد سقط تكليف أوّل الوقت و ينتقل إلى بدله في ثاني الأوقات، و هكذا إلى أن يبقى من الوقت بمقدار أدائها- و هو آخر الوقت الذي يستقرّ عليه التكليف قصراً أو تماماً- فإن أدّاه فقد سقط التكليف، و إن فاته وجب قضاؤه كما فاته؛ إن قصراً فقصّر و إن تماماً فتمام. و قال أبناء الجنيد و إدريس و بابويه و المفيد و السيّد المرتضى و الشيخ في «المبسوط»: إنّ الاعتبار في القضاء بحال الوجوب. و يدلّ عليه خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة و هو في السفر، فأخّر الصلاة حتّى قدم و هو يريد يصلّيها إذا قدم أهله، فنسي حين قدم إلى أهله أن يصلّيها حتّى ذهب وقتها، قال: «يصلّيها ركعتين صلاة المسافر؛ لأنّ الوقت دخل و هو مسافر، كان ينبغي له أن يصلّي عند ذلك»(وسائل الشيعة 8: 513، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 21، الحديث 3.) . و فيه: أنّ الخبر ضعيف سنداً أوّلًا، و معرض عنه عند الأصحاب ثانياً. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع؛ عملًا بالشهرة و خبر زرارة. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: الأقوى أنّه مخيّر بين القضاء قصراً أو تماماً؛ لأنّه فاتت منه الصلاة في مجموع الوقت، و المفروض أنّه مكلّف في بعضه بالقصر و في بعضه بالتمام. و اختاره بعض المحشّين لها. و علّله في «مستمسك العروة» بأنّه يدور الأمر بين عدم وجوب قضاء أحدهما، و وجوب قضاء كلّ منهما، و وجوب قضاء أحدهما بخصوصه تعييناً، و وجوب قضاء أحدهما تخييراً. لكن الأوّل مخالف لدليل وجوب القضاء، و الثاني يتوقّف على وجود مصلحتين عرضيتين فيهما و هو منتفٍ، و الثالث ترجيح بلا مرجّح؛ لأنّ خصوصية كلّ من القصر للمسافر و التمام للحاضر على نحو واحد في اعتبارها في المصلحة؛ فيتعيّن الأخير. ثمّ اختار رحمه الله وجوب قضاء ما فات في آخر الوقت. و علّله بأنّ الفوت الذي هو موضوع القضاء إنّما يصدق على ما وجب في آخر الوقت. و أمّا ما وجب أوّلًا ففي حال الفوت ليس بفرض، و في حال كونه فرضاً ليس بفائت(مستمسك العروة الوثقى 8: 178.) ، انتهى ملخّصاً.

ص: 430

ص: 431

(مسألة 8): يتخيّر المسافر مع عدم قصد الإقامة بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة:

و هي المسجد الحرام، و مسجد النبي صلى الله عليه و آله و سلم و مسجد الكوفة، و الحائر الحسيني على مشرّفه السلام، و الإتمام أفضل (1).


1- يتخيّر المسافر بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة بدون قصد الإقامة. و أفضلية الإتمام هو المشهور، و عن «السرائر» و «الخلاف» و «التذكرة» و «الذكرى» و غيرها الإجماع عليه. و صاحب «الوسائل» بعد حمل ما ينافي التخيير من الأخبار على التقية، قال: على أنّ القول بالتخيير و ترجيح الإتمام مذهب جميع الإمامية أو أكثرهم، و خلافه شاذّ نادر(وسائل الشيعة 8: 534، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، ذيل الحديث 34.) ، انتهى موضع الحاجة. و ذهب الشافعي و بعض العامّة أيضاً إلى التخيير، و قال أكثرهم- منهم أبو حنيفة- إلى وجوب القصر. و نسب إلى السيّد المرتضى و ابن الجنيد وجوب الإتمام؛ لبعض الأخبار الآتي نقلها. و نسب إلى الصدوق رحمه الله وجوب التقصير فيها إلّا مع نية المقام عشرة أيّام، و قال: إنّه يستحبّ نية الإقامة في الأماكن الأربعة؛ لشرفها. و ذهب إليه بحر العلوم تبعاً للمحكي عن الفاضل البهبهاني، و نسبه إلى المشهور بين المتقدّمين. و لعلّ مأخذ النسبة إلى الشهرة ما حكي عن ابن قولويه في «كامل الزيارات» عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه قال: سألت أيّوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكّة و المدينة و الكوفة و قبر الحسين عليه السلام، و الذي روي فيها، فقال: أنا اقصّر و كان صفوان يقصّر و ابن أبي عمير و جميع أصحابنا يقصّرون(مستدرك الوسائل 6: 545، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 3.) و صحيح علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام و التقصير للصلاة في الحرمين؛ فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة، و منها أن يأمر بقصر الصلاة؛ بأن يتمّ الصلاة و لو صلاة واحدة، و منها أن يقصّر ما لم ينو عشرة أيّام، و لم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا؛ فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير إذا كنتُ لا أنوي مقام عشرة أيّام، فصرتُ إلى التقصير و قد ضقت بذلك حتّى أعرف رأيك، فكتب إليّ عليه السلام بخطّه: «قد علمت يرحمك اللَّه فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا احبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر و تكثر فيهما من الصلاة»، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهةً: إنّي كتبت إليك بكذا و أجبتني بكذا، فقال: «نعم»، فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة»(وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 4.) ، فهذا الصحيح صريح في أنّ التقصير كان مشهوراً بين فقهاء الأصحاب من القدماء. و ينبغي ذكر الأخبار الدالّ بعضها على وجوب التمام و بعضها على وجوب القصر، و مقتضى الجمع بينهما هو التخيير: أمّا الأخبار الدالّة على وجوب التمام: فمنها: صحيح حمّاد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «من مخزون علم اللَّه الإتمام في أربعة مواطن: حرم اللَّه، و حرم رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، و حرم أمير المؤمنين عليه السلام، و حرم الحسين بن علي عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 524، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 1.) . و منها: صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التمام بمكّة و المدينة، فقال: «أتمّ و إن لم تصلّ فيهما إلّا صلاة واحدة»(وسائل الشيعة 8: 525، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 5.) ، و غيرهما من روايات الباب. و أمّا الأخبار الدالّة على وجوب التقصير: فمنها: صحيح أبي ولّاد الحنّاط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن اقيم بها عشرة أيّام و أتمّ الصلاة، ثمّ بدا لي بعد أن لا أُقيم بها، فما ترى لي أتمّ أو اقصّر؟ قال: «إن كنت دخلت المدينة و حين صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتّى تخرج منها، و إن كنت حين دخلتها على نيتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار؛ إن شئت فانو المقام عشراً و أتمّ، و إن لم تنو المقام عشراً فقصّر ما بينك و بين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 508، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 18، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت الرضا عليه السلام عن الصلاة بمكّة و المدينة تقصير أو تمام؟ فقال: «قصّر ما لم تعزم على مقام عشرة أيّام»(وسائل الشيعة 8: 533، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 32.) . و صحيح علي بن حديد قال: سألت الرضا عليه السلام فقلت: إنّ أصحابنا اختلفوا في الحرمين؛ فبعضهم يقصّر و بعضهم يتمّ، و أنا ممّن يتمّ على رواية قد رواها أصحابنا في التمام، و ذكرت عبد اللّه بن جندب أنّه كان يتمّ، فقال: «رحم اللَّه ابن جندب»، ثمّ قال لي: «لا يكون الإتمام إلّا أن تجمع على إقامة عشرة أيّام، و صلّ النوافل ما شئت» ، قال ابن حديد: و كان محبّتي أن تأمرني بالإتمام(وسائل الشيعة 8: 533، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 33.) و صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن التقصير في الحرمين و التمام، فقال: «لا تتمّ حتّى تجمع على مقام عشرة أيّام»، فقلت: إنّ أصحابنا رووا عنك أنّك أمرتهم بالتمام، فقال: «إنّ أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلّون و يأخذون نعالهم و يخرجون و الناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلاة، فأمرتهم بالتمام»(وسائل الشيعة 8: 534، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 34.) ثمّ إنّ بعض الأخبار يدلّ صريحاً على التخيير بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة، كصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام في الصلاة بمكّة، قال: «من شاء أتمّ و من شاء قصّر»(وسائل الشيعة 8: 526، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 10.) . و صحيحه الآخر قال: سألت أبا إبراهيم عن التقصير بمكّة، فقال: «أتمّ، و ليس بواجب، إلّا أنّي احبّ لك ما احبّ لنفسي»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 19.) . و رواية صالح بن عبد اللّه الخثعمي قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن الصلاة في المسجدين اقصّر أم أتمّ؟ فكتب عليه السلام إليّ: «أيّ ذلك فعلت فلا بأس»، قال: فسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عنها مشافهةً، فأجابني بمثل ما أجابني أبوه، إلّا أنّه قال في الصلاة: «قصّر»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 28.) . و بعضها يدلّ على التخيير بينها و أفضلية الإتمام، كموثّق الحسين بن المختار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قلت له: إنّا إذا دخلنا مكّة و المدينة نتمّ أو نقصّر؟ قال: «إن قصّرت فذلك، و إن أتممت فهو خيرٌ تزداد»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 16.) . و رواية إبراهيم بن شيبة قال: كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام أسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين، فكتب إليّ: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم يحبّ إكثار الصلاة في الحرمين، فأكثر فيهما و أتمّ»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 18.)

ص: 432

ص: 433

ص: 434

ص: 435

ص: 436

و في إلحاق بلدي مكّة و المدينة بمسجديهما تأمّل، فلا يُترك الاحتياط باختيار القصر (1).


1- القدر المتيقّن في التخيير الاكتفاء بالمساجد الثلاثة و الحائر، و لكن لا يبعد كون المدار على البلد في خصوص مكّة و المدينة؛ لكونهما مذكورين في بعض الروايات. كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج و موثّق الحسين بن المختار المتقدّمين، و غيرهما من روايات الباب؛ خصوصاً مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكّة و المدينة و مسجد الكوفة و الحائر»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 29.) ، وجه الخصوصية ذكر مسجد الكوفة و الحائر قبال مكّة و المدينة. و قد فسّر الحرمان بمكّة و المدينة في صحيح ابن مهزيار المتقدّم فقلت: أيّ شي ء تعني بالحرمين؟ فقال: «مكّة و المدينة» . و يحتمل أن يكون المراد من مكّة و المدينة حرميهما- أي مسجديهما- بقرينة الروايات المذكور فيها الحرم، كما في موثّق حمّاد بن عيسى المتقدّم: «حرم اللَّه، و حرم رسوله صلى الله عليه و آله و سلم، و حرم أمير المؤمنين عليه السلام، و حرم الحسين عليه السلام» . و لا ينبغي ترك الاحتياط بالقصر خارج المسجدين، و لا يترك الاحتياط في خارج مسجد الكوفة و الحائر.

ص: 437

و لا يلحق بها سائر المساجد و المشاهد (1). و لا فرق في تلك المساجد بين السطوح و الصحن و المواضع المنخفضة، كبيت الطشت في مسجد الكوفة (2)، و الأقوى دخول تمام الروضة الشريفة في الحائر، فيمتدّ من طرف الرأس إلى الشُّبّاك المتّصل بالرّواق، و من طرف الرِّجل إلى الباب المتّصل بالرّواق، و من الخلف إلى حدّ المسجد، و دخول المسجد و الرّواق الشريف فيه أيضاً لا يخلو من قُوّة، لكن الاحتياط بالقصر لا ينبغي تركه (3).


1- أي سائر مساجد مكّة و المدينة و الكوفة و سائر المشاهد المشرّفة غير الحائر. و وجه عدم الإلحاق عدم الدليل عليه.
2- و ذلك لكون المذكورات من المساجد.
3- قد اختلف الأخبار في الصلاة في كربلاء الحسين عليه السلام: فقد ذكر في بعضها الحرم، كصحيح حمّاد المتقدّم: «و حرم الحسين بن علي عليهما السلام»(وسائل الشيعة 8: 524، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 1.) ، و خبر خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و حرم الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 528، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 14.) ، و مرسلة حذيفة بن منصور عمّن سمع أبا عبد اللّه عليه السلام: «و حرم الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 530، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 23.) ، و رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و حرم الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 531، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 25.) . و ذكر في بعضها الحائر، كمرسل الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: «و حائر الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 531، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 26.) ، و مرسل حمّاد بن عيسى: «و الحائر»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 29.) . و ذكر في بعضها عند قبر الحسين عليه السلام، كخبر أبي شبل قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أزور قبر الحسين؟ قال: «نعم زر الطيّب، و أتمّ الصلاة عنده»، قلت: بعض أصحابنا يرى التقصير، قال: «إنّما يفعل ذلك الضعفة»(وسائل الشيعة 8: 527، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 12.) ، و خبر زياد القندي قال: قال أبو الحسن عليه السلام: «يا زياد احبّ لك ما احبّ لنفسي و أكره لك ما أكره لنفسي؛ أتمّ الصلاة في الحرمين و بالكوفة و عند قبر الحسين عليه السلام»(وسائل الشيعة 8: 527، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 13.) ، و خبر عمرو بن مرزوق قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة في الحرمين و عند قبر الحسين عليه السلام، قال: «أتمّ الصلاة فيهنّ»(وسائل الشيعة 8: 532، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 30.) . و لا يخفى: أنّه قد ورد في بعض الأخبار أنّ حرم الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربع جوانبه؛ ففي مرفوع منصور بن العبّاس رفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حرم الحسين عليه السلام خمس فراسخ من أربع جوانبه»(وسائل الشيعة 14: 510، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 1.) . و في مرسل الصدوق رحمه الله قال: «حريم الحسين عليه السلام خمسة فراسخ من أربع جوانب القبر»(وسائل الشيعة 14: 513، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 8.) . و في بعضها أنّه فرسخ من أربع جوانبه، كمرسل محمّد بن إسماعيل البصري عمّن رواه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر»(وسائل الشيعة 14: 510، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 2.) و هذان الخبران ضعيفان سنداً غير منجبرين؛ فحينئذٍ يكون المراد من الحرم مجملًا. و أمّا الحائر فعن «إرشاد» المفيد: أنّ الحائر محيط بهم عليهم السلام، إلّا العبّاس عليه السلام فإنّه قتل على المسناة. و عن «السرائر»: أنّه ما دار سور المشهد و المسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه؛ لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأنّ الحائر في لسان العرب الموضع المطمئنّ الذي يحار الماء عليه(السرائر 1: 342.) و حكى في «البحار» عن بعض: أنّه مجموع الصحن المقدّس. و بعضهم: أنّه القبّة السامية. و بعضهم: أنّه الروضة المقدّسة و ما أحاط بها من العمارات المقدّسة من الرواق و المقتل و الخزانة و غيرها ... إلى أن قال: و الأظهر عندي أنّه مجموع الصحن القديم، لا ما تجدّد منه في الدولة الصفوية(بحار الأنوار 86: 89.) ، انتهى كلام «البحار». و حدّد بعضهم الحرم بخمسة و عشرين ذراعاً من جوانب أربعة، و اعتمد فيه بصحيح إسحاق بن عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إنّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معروفة، من عرفها و استجار بها اجير»، قلت: فصف لي موضعها، قال: «امسح من موضع قبره اليوم خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رجليه، و خمسة و عشرين ذراعاً من ناحية رأسه، و موضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنّة، و منه معراج تعرج فيه بأعمال زوّاره إلى السماء، و ما من ملك في السماء و لا في الأرض إلّا و هم يسألون اللَّه أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين عليه السلام، ففوج ينزل و فوج يعرج»(وسائل الشيعة 14: 511، كتاب الحجّ، أبواب المزار و ما يناسبه، الباب 67، الحديث 4.) لا إشكال و لا خلاف في التخيير فيما يقرب من الضريح المقدّس؛ و هو المتيقّن من الحرم و الحائر و عند القبر. و يصدق الحرم عرفاً بالمقادير المذكورة في المتن. و مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بالتقصير في الزائد عن المتيقّن، و اللَّه سبحانه أعلم.

ص: 438

ص: 439

ص: 440

(مسألة 9): التخيير في هذه الأماكن الشريفة استمراريّ،

فيجوز لمن شرع في الصلاة بنية القصر، العدولُ إلى التمام و بالعكس ما لم يتجاوز محلّ العدول، بل لا بأس بأن ينوي الصلاة؛ من غير تعيين للقصر و الإتمام من أوّل الأمر، فيختار أحدهما بعده (1).

(مسألة 10): لا يلحق الصوم بالصلاة في التخيير المزبور،

فلا يصحّ له الصوم فيها ما لم ينوِ الإقامة أو لم يبقَ ثلاثين متردّداً (2).


1- لا دليل على خصوص التخيير الابتدائي فقط؛ فإطلاق الأخبار المتقدّمة الدالّة على التخيير يقتضي استمراره. و يجوز له نية الصلاة ابتداءً من غير تعيين القصر أو الإتمام، بل بقصد التقرّب؛ فيجوز له بعد التشهّد التسليم بركعتين أو القيام إلى الركعة الثالثة و الرابعة. و في «العروة الوثقى»: بل لو نوى القصر فأتمّ غفلةً أو بالعكس فالظاهر الصحّة؛ لكونه من قبيل الاشتباه في التطبيق، و قد تقدّم أنّه غير مضرّ، انتهى.
2- يعني أنّه لا تلازم بين الصلاة و الصوم بالكلّية، و إن ورد في بعض الأخبار أنّهما سواء في ذلك؛ فيتخيّر في الصلاة بين القصر و الإتمام في الأماكن الأربعة؛ فمع إتمام الصلاة فيها لا يصحّ صومه ما لم ينو الإقامة أو البقاء ثلاثين يوماً متردّداً. و يدلّ عليه التفصيل بين إتمام الصلاة و الصيام في موثّق عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن إتمام الصلاة و الصيام في الحرمين، فقال: «أتمّها و لو صلاة واحدة»(وسائل الشيعة 8: 529، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 25، الحديث 17.)

ص: 441

(مسألة 11): يُستحبّ أن يقول عقيب كلّ صلاة مقصورة ثلاثين مرّة: «سُبحان اللَّهِ و الحمدُ للَّهِ وَ لا إلهَ إلّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أكبر»

(1).


1- ففي رواية سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه العسكري عليه السلام: «يجب على المسافر أن يقول دبر كلّ صلاة يقصّر فيها: سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر ثلاثين مرّة لتمام الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 523، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 24، الحديث 1.) . و في رواية الصدوق عن الرضا عليه السلام أنّه صحبه في سفر، فكان يقول في دبر (بعد) كلّ صلاة يقصّرها: «سبحان اللَّه و الحمد للَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر» ثلاثين مرّة، و يقول: «هذا تمام الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 523، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 24، الحديث 2.) . و حيث لم تثبت فتوى أحدٍ من فقهائنا بوجوب التسبيحات بعد صلاة القصر اتّجه حمل قوله: «يجب» في رواية المروزي على مطلق الثبوت. قد تمّ مبحث صلاة المسافر في صبيحة اليوم العاشر من شهر الصيام، السنة 1417 ه. ق. و للَّه الحمد و له الشكر.

ص: 442

ص: 443

فصل في صلاة الجماعة

و هي من المستحبّات الأكيدة في جميع الفرائض؛ خصوصاً اليومية،
اشارة

و يتأكّد في الصبح و العشاءين، و لها ثواب عظيم. و ليست واجبة بالأصل- لا شرعاً و لا شرطاً- إلّا في الجمعة مع الشرائط المذكورة في محلّها. و لا تشرع في شي ء من النوافل الأصلية و إن وجبت بالعارض بنذر و نحوه (1).


1- هنا مسائل: الاولى: أنّ صلاة الجماعة من المستحبّات الأكيدة في الفرائض كلّها؛ خصوصاً اليومية. و أكثر العامّة قالوا بوجوب الجماعة و حرمة تركها، و أصحابنا أجمعوا على عدم وجوبها. و يدلّ عليه في الفرائض كلّها صحيح زرارة و الفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلاة فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنّها سنّة من تركها رغبةً عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 8: 285، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 2.) و يدلّ عليه في خصوص اليومية رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من صلّى الخمس في جماعة فظنّوا به خيراً»(وسائل الشيعة 8: 286، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 4.) و يدلّ على تأكّده في الصبح و العشاءين رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من صلّى المغرب و العشاء الآخرة و صلاة الغداة في المسجد في جماعة فكأنّما أحيا الليل كلّه»(وسائل الشيعة 8: 295، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 3، الحديث 3.) ، و غيرها من روايات الباب الواردة في الصبح و العشاء. و يدلّ على ترتّب الثواب العظيم عليها الأخبار المتواترة، لا بأس بذكر بعضها تيمّناً: كرواية الصدوق عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: و من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، و يرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات و هو على ذلك وكّل اللَّه به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره و يبشِّرونه و يؤنّسونه في وحدته و يستغفرون له حتّى يبعث»(وسائل الشيعة 8: 287، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 7.) و في كتاب «المجالس» عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: «جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، فسأله أعلمهم عن مسائل، فأجابه ...» إلى أن قال: «أمّا الجماعة فإنّ صفوف امّتي كصفوف الملائكة، و الركعة في الجماعة أربع و عشرون ركعة، كلّ ركعة أحبّ إلى اللَّه- عزّ و جلّ- من عبادة أربعين سنة. فأمّا يوم الجمعة فيجمع اللَّه فيه الأوّلين و الآخرين للحساب، فما من مؤمن مشى إلى الجماعة إلّا خفّف اللَّه عليه أهوال يوم القيامة ثمّ يأمر به إلى الجنّة»(وسائل الشيعة 8: 287، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 10.) الثانية: أنّ الظاهر من بعض الأخبار وجوب الجماعة و حرمة تركها بدون العذر، كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 8: 291، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 2، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلّا مريض أو مشغول»(وسائل الشيعة 8: 291، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 2، الحديث 3.) ، و قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم لقوم: لتحضرنّ المسجد أو لأحرقنّ عليكم منازلكم»(وسائل الشيعة 8: 291، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 2، الحديث 4.) إلى غير ذلك من روايات إحراق بيوت تاركي الجماعة. و هي تدلّ بظاهرها على وجوب الجماعة، و لكن يصرف ظاهرها و تحمل على تأكّد الاستحباب بالإجماع. و صحيح زرارة و الفضيل المتقدّم الصريح في كون الجماعة سنّة و نفي كونها فريضة. نعم هي واجبة في الجمعة مع الشرائط المذكورة في محلّها. الثالثة: أنّ الجماعة ليست مشروعة في شي ء من النوافل الأصلية إجماعاً. و يدلّ عليه خبر الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين» قال: «و لا يصلّى التطوّع في جماعة؛ لأنّ ذلك بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار»(وسائل الشيعة 8: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 5.) . و صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «لا يجوز أن يصلّى تطوّع في جماعة؛ لأنّ ذلك بدعة، و كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة في النار»(وسائل الشيعة 8: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 6.) و قد ورد في بعض الأخبار المنع عن الجماعة في خصوص نوافل شهر رمضان، كصحيح زرارة و محمّد بن مسلم و الفضيل أنّهم سألوا أبا جعفر الباقر عليه السلام و أبا عبد اللّه الصادق عليه السلام عن الصلاة في شهر رمضان نافلة بالليل في جماعة، فقالا: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا صلّى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله ثمّ يخرج من آخر الليل إلى المسجد فيقوم فيصلّي، فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي، فاصطفّ الناس خلفه، فهرب منهم إلى بيته و تركهم، ففعلوا ذلك ثلاثة ليالٍ، فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة، و صلاة الضحى بدعة؛ فلا تجمعوا ليلًا في شهر رمضان لصلاة الليل، و لا تصلّوا صلاة الضحى؛ فإنّ تلك معصية، ألا و إنّ كلّ بدعة ضلالة، و كلّ ضلالة سبيلها إلى النار. ثمّ هو نزل و هو يقول: قليل في سنّة خير من كثير في بدعة»(وسائل الشيعة 8: 45، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 1.) و صحيح سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه و أثنى عليه، ثمّ صلّى على النبي صلى الله عليه و آله و سلم، ثمّ قال: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى و طول الأمل ...» إلى أن قال: «قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم متعمّدين لخلافه فاتقين (ناقضين) لعهده، مغيّرين لسنّته، و لو حملت الناس على تركها فتفرق عنّي جندي حتّى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي ...» إلى أن قال: «و اللَّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلّا في فريضة، و أعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر، نهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً، و قد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ...»(وسائل الشيعة 8: 46، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 4.) الحديث. و رواية محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلًا من كتاب أبي القاسم جعفر ابن قولويه عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام قالا: «لمّا كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة أتاه الناس فقالوا له: اجعل لنا إماماً يؤمّنا في رمضان، فقال لهم: لا، و نهاهم أن يجتمعوا فيه، فلمّا أمسوا جعلوا يقولون ابكوا رمضان وا رمضاناه، و أتى الحارث الأعور في اناس فقال: يا أمير المؤمنين ضجّ الناس و كرهوا قولك، قال: فقال عند ذلك: دعوهم و ما يريدون ليصلّ بهم من شاءوا، ثمّ قال: «وَ مَنْ ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً»»(وسائل الشيعة 8: 47، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 5.) و رواية الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن الرضا عليه السلام في حديث قال: «و لا يجوز التراويح في جماعة»(وسائل الشيعة 8: 47، كتاب الصلاة، أبواب نافلة شهر رمضان، الباب 10، الحديث 6.) الرابعة: أنّ الصلوات النوافل كلّها تكون واجبة بالعرض بسبب النذر و شبهه، و مع ذلك لا يجوز فعلها جماعة؛ لأنّها و إن كان واجباً إتيانها بالنذر و شبهه و لكن المصلّي الناذر ينوي الندب لا الوجوب؛ لأنّ الواجب هو الوفاء بالنذر و هو يحصل بفعل المندوب المنذور؛ فلو ترك النافلة المنذورة و لم يفعلها يعاقب على حنث النذر لو لم يتب و وجبت عليه الكفّارة، و لا يعاقب بعقوبة ترك الصلاة الواجبة.

ص: 444

ص: 445

ص: 446

ص: 447

ص: 448

عدا صلاة الاستسقاء (1). و قد مرّ: أنّ الأحوط في صلاة العيدين الإتيان بها فرادى، و لا بأس بالجماعة رجاءً (2).


1- صلاة الاستسقاء و إن كانت مندوبة و لكن الجماعة مشروعة فيها بالنصّ و الإجماع. و يدلّ عليه صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن صلاة الاستسقاء، فقال: «مثل صلاة العيدين يقرأ فيها و يكبّر فيها كما يقرأ و يكبّر فيها، يخرج الإمام و يبرز إلى مكان نظيف في سكينة و وقار و خشوع و مسكنة، و يبرز معه الناس، فيحمد اللَّه و يمجّده و يثني عليه و يجتهد في الدعاء و يكثر من التسبيح و التهليل و التكبير و يصلّي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء و مسألة و اجتهاد، فإذا سلّم الإمام قلّب ثوبه و جعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر و الذي على الأيسر على الأيمن؛ فإنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم كذلك صنع»(وسائل الشيعة 8: 5، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الاستسقاء، الباب 1، الحديث 1.) و غيرها من روايات الباب.
2- قد تقدّم من المصنّف رحمه الله أنّ وجوب صلاة العيدين مختصّ بزمان حضور الإمام عليه السلام و بسط يده و اجتماع سائر الشرائط المذكورة في محلّها، و أنّها مستحبّة في زمان الغيبة، و الأحوط إتيانها رجاءً لا بقصد الورود.

ص: 449

(مسألة 1): لا يشترط في صحّة الجماعة اتّحاد صلاة الإمام و المأموم نوعاً أو كيفيةً؛

فيأتمّ مصلّي اليومية- أيّ صلاة كانت- بمصلّيها كذلك و إن اختلفتا في القصر و الإتمام أو الأداء و القضاء، و كذا مصلّي الآية بمصلّيها و إن اختلفت الآيتان (1).


1- لا خلاف في عدم اشتراط اتّحاد صلاة الإمام و المأموم من حيث النوع و الكيفية في صحّة الجماعة، و ادّعى الفاضلان الإجماع عليه؛ فيجوز الاقتداء في كلّ من الصلوات اليومية بمصلّيها في أيّ صلاة كانت؛ سواء كانتا أداءين أو قضاءين أو مختلفين. و يدلّ عليه صحيح حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل إمام قوم فصلّى العصر و هي لهم الظهر، قال: «أجزأت عنه و أجزأت عنهم»(وسائل الشيعة 8: 398، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 53، الحديث 1.) و موثّق أبي بصير قال: سألته عن رجل صلّى مع قوم و هو يرى أنّها الاولى و كانت العصر، قال: «فليجعلها الاولى و ليصلّ العصر»(وسائل الشيعة 8: 399، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 53، الحديث 4.) و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر و الأخيرتين العصر»(وسائل الشيعة 8: 329، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 1.) و خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه البصري قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اخرى، فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب أتمّها بركعة؛ فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أمّ قوماً في العصر فذكر- و هو يصلّي بهم- أنّه لم يكن صلّى الاولى، قال: «فليجعلها الاولى التي فاتته و يستأنف العصر، و قد قضى القوم صلاتهم»(وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل دخل مع قوم و لم يكن صلّى هو الظهر و القوم يصلّون العصر، يصلّي معهم؟ قال: «يجعل صلاته التي صلّى معهم الظهر، و يصلّي هو بعد العصر»(وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 6.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: تقام الصلاة و قد صلّيتُ؟ فقال: «صلّ و اجعلها لما فات»(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 55، الحديث 1.) و الدليل على عدم اشتراط اتّحاد صلاة الإمام و المأموم في صلاة الآيات هو الإجماع. و نسب إلى الصدوق عدم جواز اقتداء العصر بمن يصلّي الظهر، إلّا أن يتوهّمها العصر. و استدلّ له بصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلّي معه و هي تحسب أنّها العصر، هل يفسد ذلك على القوم؟ و ما حال المرأة في صلاتها معها و قد كانت صلّت الظهر؟ قال: «لا يفسد ذلك على القوم، و تعيد المرأة صلاتها»(وسائل الشيعة 8: 399، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 53، الحديث 2.) و في «المستمسك»: و هي- أي الصحيحة- كما ترى على خلاف مدّعاه؛ للأمر فيها بالإعادة في صورة توهّم العصر، و قد أفتى هو فيها بالصحّة(مستمسك العروة الوثقى 7: 175.)، انتهى. و في «الوسائل»: يمكن أن يكون المانع هنا محاذاتها للرجال و تكون الإعادة مستحبّة؛ لما مرّ في مكان المصلّي، أو ظنّها أنّها العصر فتكون نوت الصلاة التي نواها الإمام. على أنّ الحديث موافق للتقية، بل لأشهر مذاهب العامّة(وسائل الشيعة 8: 399، ذيل الحديث 2.)، انتهى.

ص: 450

ص: 451

نعم لا يجوز اقتداء مصلّي اليومية بمصلّي العيدين و الآيات و الأموات، بل و صلاة الاحتياط و الطواف و بالعكس. و كذا لا يجوز الاقتداء في كلّ من الخمس بعضها ببعض، بل مشروعية الجماعة في صلاة الطواف و كذا صلاة الاحتياط محلّ إشكال (1).


1- وجه عدم جواز اقتداء مصلّي اليومية بمصلّي العيدين و الآيات و الأموات و كذا عكسه، هو الإجماع القطعي. و في «المستمسك»: هو من بديهيات المذهب أو الدين، انتهى. و أمّا اقتداء اليومية بصلاة الطواف و بالعكس فقد أفتى جماعة بجوازه؛ ففي «العروة الوثقى» قال: (مسألة 4) يجوز الاقتداء في اليومية- أيّاً منها كانت أداءً أو قضاءً- بصلاة الطواف، كما يجوز العكس، انتهى. و لعلّ الوجه فيه إطلاق الأدلّة، كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الصلاة في جماعة تفضل على كلّ صلاة الفرد (الفذّ) بأربعة و عشرين درجة تكون خمسة و عشرين صلاة»(وسائل الشيعة 8: 285، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 1.) و صحيح زرارة و الفضيل قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال: «الصلاة فريضة، و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها، و لكنّها سنّة مَن تركها رغبةً عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له»(وسائل الشيعة 8: 285، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 2.) و صحيح زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما يروي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس و عشرين صلاة؟ فقال: «صدقوا»(وسائل الشيعة 8: 286، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 1، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. أو إطلاق معقد الإجماع على عدم اعتبار تساوي صلاتي الإمام و المأموم مع عدم تنصيصهم على عدم الجواز. و يرد عليه: أنّ المطلقات ليست في صدد بيان تمام المراد من الصلاة، بل هي لبيان فضيلة الجماعة؛ فلا يصحّ الاستدلال بها لإثبات أصل المشروعية في موارد الشكّ، و أنّ الأصل عدم مشروعية الجماعة فيها إلّا ما خرج بالدليل المعتبر، كاليومية و العيدين و الآيات و الأموات و الاستسقاء من النوافل؛ فلا تجوز الجماعة في الموارد المذكورة في المتن؛ ضرورة اشتغال الذمّة بيقين الذي يطلب فيه البراءة اليقينية، و ليس هو إلّا في الانفراد. و في «الحدائق»: و الأظهر في الاستدلال على منع ذلك بأنّ العبادة مبنية على التوقيف من صاحب الشريعة- كيفيةً و كمّيةً، و صحّةً و بطلاناً، و فرادى و جماعةً، و نحو ذلك- و لم يثبت عنهم عليهم السلام- فتوى و لا فعلًا- صحّة الاقتداء في موضع البحث؛ فيجب الحكم بالمنع حتّى يقوم الدليل عليه(الحدائق الناضرة 11: 148.)، انتهى.

ص: 452

ص: 453

(مسألة 2): أقلّ عدد تنعقد به الجماعة في غير الجمعة و العيدين اثنان أحدهما الإمام؛

سواء كان المأموم رجلًا أو امرأة، بل أو صبياً على الأقوى (1).


1- انعقاد الجماعة باثنين ممّا قام به الإجماع. و في «مصباح الفقيه»: بل كاد يكون من ضروريات الدين. و يدلّ عليه صحيح زرارة في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجلان يكونان جماعة؟ فقال: «نعم، و يقوم الرجل عن يمين الإمام»(وسائل الشيعة 8: 296، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 1.) . و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الرجلين يصلّيان جماعة؟ قال: «نعم، و يجعله عن يمينه»(وسائل الشيعة 8: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 3.) . و في «عيون أخبار الرضا عليه السلام» عن آبائه عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «الاثنان فما فوقهما جماعة»(وسائل الشيعة 8: 297، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 6.) و تدلّ على انعقاده باثنين أحدهما امرأة رواية الحسن الصيقل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته كم أقلّ ما تكون الجماعة؟ قال: «رجل و امرأة»(وسائل الشيعة 8: 298، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 7.) و تدلّ على انعقاده باثنين أحدهما مميّز رواية أبي البختري عن جعفر عليه السلام: «إنّ علياً عليه السلام قال: الصبي عن يمين الرجل في الصلاة إذا ضبط الصفّ جماعة، و المريض القاعد عن يمين المصلّي (الصبي) جماعة»(وسائل الشيعة 8: 298، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 4، الحديث 8.)

ص: 454

(مسألة 3): لا يعتبر في انعقاد الجماعة في غير الجمعة و العيدين و بعض فروع المعادة-

بناءً على المشروعية- نية الإمام الجماعة و الإمامة، و إن توقّف حصول الثواب في حقّه عليها. و أمّا المأموم فلا بدّ له من نية الاقتداء؛ فلو لم ينوه لم تنعقد و إن تابع الإمام في الأفعال و الأقوال (1).


1- عدم اشتراط نية الإمام الجماعة و الإمامة في غير الجمعة و العيدين و بعض فروع المعادة ممّا لا خلاف فيه من أحد من علمائنا، بل حكي عن جماعة الإجماع عليه؛ ففي «التذكرة»: لو صلّى بنية الانفراد مع علمه بأنّ من خلفه يأتمّ به صحّ عند علمائنا، انتهى. نعم يشترط نية الإمام الجماعة و الإمامة في الجمعة و العيدين؛ لأنّ الجماعة مقوّمة لها؛ فيلزم من انتفائها انتفاء الصلاة. و لا يشترط نية الجماعة تفصيلًا، بل تكفي نيتها إجمالًا في ضمن نية أصل نوع الصلاة التي اخذ فيها الجماعة؛ فلا تبطل، فيستغنى بنية الجمعة التي اخذت في حقيقتها الجماعة عن نية الجماعة تفصيلًا؛ فلا تبطل الجماعة و لا الصلاة بترك نيتها تفصيلًا. و كذا يشترط نية الجماعة للإمام في بعض فروع الصلاة المعادة- بناءً على المشروعية- كما فيما لو كانت صحّة الصلاة موقوفة على الجماعة، كالفريضة المعادة لإدراك الجماعة. فلو لم ينو الإمام- حينئذٍ- الجماعة و الإمامة بطلت الصلاة؛ لعدم إمكان صيرورة المعادة فرادى ابتداءً. و يدلّ عليه مرسل الصدوق قال: و قال رجل للصادق عليه السلام: اصلّي في أهلي ثمّ أخرج إلى المسجد فيقدّمونني، فقال: «تقدّم لا عليك و صلّ بهم»(وسائل الشيعة 8: 401، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54، الحديث 3.) و صحيح محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام: إنّي أحضر المساجد مع جيرتي و غيرهم، فيأمرونني بالصلاة بهم و قد صلّيت قبل أن أتاهم، و ربّما صلّى خلفي من يقتدي بصلاتي و المستضعف و الجاهل، فاكره أن أتقدّم و قد صلّيت لحال من يصلّي بصلاتي ممّن سمّيت ذلك فمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه و أعمل به إن شاء اللَّه، فكتب عليه السلام: «صلّ بهم»(وسائل الشيعة 8: 401، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54، الحديث 4.) و صحيح يعقوب بن يقطين قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك تحضر صلاة الظهر، فلا نقدر أن ننزل في الوقت حتّى ينزلوا فننزل معهم فنصلّي، ثمّ يقومون فيسرعون فنقوم فنصلّي (و نصلّي) العصر و نريهم كأنا نركع، ثمّ ينزلون للعصر فيقدّمونا فنصلّي بهم، فقال: «صلّ بهم لا صلّى اللَّه عليهم»(وسائل الشيعة 8: 402، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 54، الحديث 6.) وجه الاستدلال بهذه الروايات: أنّ المعصوم عليه السلام أمر السائل بالصلاة بهم جماعة حيث إنّه قد صلّى فريضته فرادى من قبل، فهو مأمور بالصلاة بهم لا بها مطلقاً؛ فلا بدّ من نية الجماعة حينئذٍ. و بالجملة: لا يشترط نيتها في غير العيدين و الجمعة و المعادة المذكورة. نعم حصول الثواب في حقّ الإمام يتوقّف على نية الجماعة و الإمامة؛ لأنّ استحقاق الثواب مترتّب على الإطاعة المتوقّفة على النية؛ فترتّب الثواب على الجماعة و الإمامة يتوقّف على قصدهما. هذا كلّه بالنسبة إلى الإمام. و أمّا المأموم فلا بدّ في انعقاد صلاته جماعة من نية الائتمام؛ فلو لم ينو الائتمام تكون صلاته فرادى و إن تابع الإمام في الأقوال و الأفعال؛ لأنّ عنوان الاقتداء- الذي هو مناط ترتّب الآثار من سقوط القراءة و نحوه- لا يتحقّق إلّا بنية الائتمام. فقصد الائتمام شرط في انعقاد الصلاة جماعة، و به يتحقّق إمامة الإمام و مأمومية المأموم. و ليس هو شرطاً في صحّة الصلاة من حيث هي؛ فلو تابع الإمام لا بقصد الائتمام بل لحفظ عدد الركعات و الأفعال عن السهو- مثلًا- فلا إشكال في صحّة صلاته ما لم يؤدّ ذلك إلى الإخلال بشي ء من واجباتها أو الإتيان بشي ء من منافياتها من زيادة ركوع أو سجود، بحيث لو كان مقتدياً لم تكن تلك الزيادة مخلّة للتبعية. فمجرّد قرن فعله بفعل غيره لا يكون قادحاً في الصلاة، بل لو صلّى بنية الانفراد خلف الإمام جاز لغيره أن يأتمّ به، فيلحقه وصف الإمامة، و يرجع كلّ منهما إلى الآخر في شكّه بلا إشكال و لا خلاف. ثمّ إنّ الدليل على وجوب نية الائتمام على المأموم هو الإجماع المستفيض، و بالائتمام يتحقّق الجماعة و إمامية الإمام و مأمومية المأموم. و وجوبها يظهر من بعض الأخبار الواردة في أبواب متفرّقة من أبواب صلاة الجماعة من «وسائل الشيعة»؛ ففي رواية علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مواليك قد اختلفوا فاصلّي خلفهم جميعاً، فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.) و في «عيون الأخبار» عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 11.) و في «الخصال» عن الأعمش عن جعفر بن محمّد عليه السلام في حديث شرائع الدين قال: «و الصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات، و فضل الجماعة على الفرد بأربع و عشرين، و لا صلاة خلف الفاجر، و لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 6.) . و رواية اخرى عن أبي علي بن راشد عن أبي جعفر عليه السلام قال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 8.) . و رواية يزيد بن حمّاد عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: اصلّي خلف من لا أعرف؟ فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 319، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 12، الحديث 1.) و الاستظهار من هذه الروايات على المطلب من موضع الاقتداء و الخلف، حيث إنّ الاقتداء خلف من تثق بدينه لا يتحقّق إلّا بالقصد.

ص: 455

ص: 456

ص: 457

و يجب وحدة الإمام؛ فلو نوى الاقتداء بالاثنين لم تنعقد و لو كانا متقارنين (1).


1- و الوجه في وجوب وحدة الإمام و عدم انعقاد الجماعة بالاقتداء بالاثنين هو الإجماع.

ص: 458

و كذا يجب تعيين الإمام بالاسم أو الوصف أو الإشارة الذهنية أو الخارجية، كأن ينوي الاقتداء بهذا الحاضر و لو لم يعرفه بوجه؛ مع علمه بكونه عادلًا صالحاً للاقتداء. فلو نوى الاقتداء بأحد هذين لم تنعقد و إن كان من قصده تعيين أحدهما بعد ذلك (1).


1- وجوب تعيين الإمام بمعيّن من الاسم أو الوصف أو الإشارة مجمع عليه عند الأصحاب. فلو لم يعيّنه بل نوى الاقتداء بأحد هذين لم تنعقد الجماعة، و تكون صلاته فرادى صحيحة لو لم يخلّ بترك جزء من واجباتها، كالقراءة مثلًا. و الأصل عدم ترتّب أحكام الجماعة على الاقتداء بأحد هذين عند الشكّ في تناول الإطلاقات أو القطع بالعدم؛ لعدم المعهودية في عرف المتشرّعة، بل معهودية الخلاف. ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله قال: بل يحتمل أنّه كذلك- أي لا تنعقد صلاته- حتّى لو عيّن أحدهما بما يعيّنه في الواقع من الاسم أو الصفة لكن لم يعرف مصداقهما؛ بأن قصد الصلاة خلف زيد أو العالم منهما، و كان لا يعرف أنّ هذا أو هذا زيد أو العالم؛ إذ الترديد في المصداق كالترديد في المفهوم يشكّ في شمول الأدلّة له، و إطلاق الأصحاب الاجتزاء بالتعيين بالاسم أو بالصفة منزّل على مفيد التشخيص عند المعيّن لا في الواقع، كما هو المتبادر من اشتراط التعيين في الفتاوى(جواهر الكلام 13: 233.)، انتهى. و أورد عليه في «المستمسك» بأنّ لازمه بطلان ائتمام الصفوف المتأخّرة و غيرهم ممّن لا يرى الإمام؛ إذ لا تعيّن للإمام عندهم إلّا بنحو الإجمال ... إلى أن قال: فلا بدّ أن يكون مرادهم ما يعمّ الإجمالي(مستمسك العروة الوثقى 7: 181.) ، انتهى. و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» بعد اختياره عدم انعقاد الجماعة مع عدم تعيين الإمام اختار كفاية الائتمام بأحدهما المعيّن في الواقع و إن كان مردّداً عنده، فقال: نعم يمكن أن يتعلّق بواحد معيّن مردّد عنده بين شخصين أو أكثر، كما لو صلّوا جميعاً بين يديه و توافقوا في الأفعال، و كان أحدهم زيد الذي يعتقد بعدالته، فنوى الاقتداء به و أحرز متابعته بفعله في ضمن فعل الجميع. أو وقف بين جماعتين يعلم إجمالًا بأنّ إحداهما تقتدي بزيد و الاخرى بعمرو، فنوى الائتمام بزيد حال اشتغال الإمامين بالقراءة، و هو يعلم بأنّه لدى افتراق أحدهما عن الآخر يميّز مقتداه بصوت مؤذّنه- مثلًا- و يتمكّن من متابعته في أفعاله ... إلى غير ذلك من الفروض التي يتمكّن فيها من الائتمام بأحدهما المعيّن في الواقع المردّد عنده. ففي مثل هذه الموارد لا مانع عن الالتزام بالصحّة؛ لحصول الاقتداء بمعيّن في الواقع. و تردّده عنده بين شخصين أو أكثر مع علمه إجمالًا بوجوده بين يديه و كونه مقتدياً بأفعاله، غير قادح في ذلك؛ إذ لا دليل على اعتبار تمييز شخص الإمام عمّا عداه مفصّلًا، بل الأصل قاضٍ بعدمه. و لم يظهر من حكم الأصحاب بوجوب القصد إلى إمام معيّن إرادة ما ينافيه، بل كثيراً ما لدى كثرة الجماعة يشتبه شخص الإمام على من بعد عنه و يتردّد بين متعدّد أو بينه و بين شبح آخر يراه من بعيد. فغاية ما يلزم في فرض وقوفه بين الجماعتين مثلًا: أنّه لا يعلم بمكان إمامه الذي هو زيد و أنّ اتّصاله به هل هو من جانبه الأيمن أو الأيسر، فليتأمّل(مصباح الفقيه، الصلاة: 656/ السطر 24.) ، انتهى. و الحقّ ما ذكره المحقّق الهمداني رحمه الله؛ لتعيّن الإمام بأنّه زيد حيث عيّنه من بينهما و اقتدى له؛ فالإمام متعيّن بتعيينه، و المُخلّ هو الائتمام بأحدهما لا على التعيين.

ص: 459

ص: 460

(مسألة 4): لو شكّ في أنّه نوى الاقتداء أم لا بنى على العدم،

و إن علم أنّه قام بنية الدخول في الجماعة، بل و إن كان على هيئة الائتمام. نعم لو كان مشتغلًا بشي ء من أفعال المؤتمّين- و لو مثل الإنصات المستحبّ في الجماعة- بنى عليه (1).


1- لو شكّ في نية الجماعة بعد ذكر تكبير الإحرام بنى على العدم؛ لأصل العدم- أي استصحاب عدم نية الاقتداء- و إن علم أنّه قام قبل الشروع في الصلاة و تكبيرة الإحرام بنية الإمام، حيث إنّ العلم بالقيام بنية الجماعة قبل الشروع في الصلاة لا ينفع مع الشكّ في حدوث النية حين التكبير، و استصحاب العلم المزبور إلى زمان الشروع في الصلاة مثبت بالنسبة إلى نية الائتمام حين الشروع فيها. و في «الذكرى»: أنّه يمكن بناؤه على ما قام إليه، فإن لم يعلم شيئاً بنى على الانفراد؛ لأصالة عدم نية الائتمام، انتهى. و كذا يبني على العدم و إن كان على هيئة الائتمام؛ لأنّ كونه على تلك الهيئة ليس من الظواهر العرفية المعتمد عليها في رفع الشكّ. نعم لو كان مشتغلًا بشي ء هو ظاهر في الائتمام- كالإنصات و الذكر في الجماعة مثلًا حال قراءة الإمام- فالأقوى عدم الالتفات بالشكّ، و لحوق أحكام الجماعة؛ لحجّية ظاهر الأحوال كظاهر الأقوال في المقاصد، و لقاعدة تجاوز المحلّ. و استشكل على جريانها في «المستمسك» بقوله: إنّ القاعدة إنّما تجري مع الشكّ في وجود ما له دخل في المعنون في ظرف الفراغ عن إحراز العنوان، و الشكّ في النية شكّ في أصل العنوان؛ فلا يرجع في نفيه إلى القاعدة(مستمسك العروة الوثقى 7: 182.) و فيه: أنّ مورد جريان قاعدة التجاوز الشكّ في إتيان شي ء بعد التجاوز عن محلّ إتيانه. فمحلّ نية الجماعة حين الشروع في الصلاة بالتكبير، و قد تجاوز عنه يقيناً حيث إنّ المفروض أنّه كبّر و تجاوز عنه، و الآن- أي حين الشكّ- مشتغل بشي ء من مستحبّات الجماعة- و هو الإنصات و الذكر مثلًا- فلا مانع من جريان القاعدة.

ص: 461

(مسألة 5): لو نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو،

فإن لم يكن عمرو عادلًا بطلت جماعته و صلاته إن زاد ركناً بتوهّم الاقتداء، و إلّا فصحّتها لا تخلو عن قوّة. و الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة. و إن كان عادلًا فالأقوى صحّة صلاته و جماعته؛ سواء كان من قصده الاقتداء بزيد و تخيّل أنّ الحاضر هو زيد، أو من قصده الاقتداء بهذا الحاضر و لكن تخيّل أنّه زيد. و الأحوط الإتمام و الإعادة في الصورة الاولى إن خالفت صلاة المنفرد (1).


1- وجه بطلان الجماعة فيما لو نوى الاقتداء بشخص على أنّه زيد فبان أنّه عمرو و هو غير عادل، هو عدم انعقاد الجماعة؛ لأنّ المفروض عدم وجود إمام عادل- و هو زيد- و فسق إمام موجود- و هو عمرو- و كلاهما موجب لعدم انعقاد الجماعة. و أمّا بطلان الصلاة في الفرض المذكور فهو المشهور بين فقهائنا، بل و لم يعرف خلاف من أحد منهم. و وجّهه في «المستمسك» بكون صلاة الجماعة و صلاة الفرادى حقيقتين متباينتين؛ فلا يكون قصد الصلاة جماعة قصداً لصلاة الفرادى- و لو بنحو تعدّد المطلوب- فإذا بطلت الجماعة- لما سبق- بطلت الصلاة فرادى؛ لعدم القصد(مستمسك العروة الوثقى 7: 183.) و صاحب «الجواهر» رحمه الله اختار بطلان الصلاة و قال: و لو نوى الاقتداء بزيد فظهر أنّه عمرو بطلت و إن كان أهلًا للإمامة أيضاً- كما في «التذكرة» و «الذكرى» و «الروض»، و عن «نهاية الإحكام» و «الروضة» و «إرشاد الجعفرية»- من غير فرق بين ظهور ذلك له بعد الفراغ أو في الأثناء؛ إذ نية الانفراد هنا كعدمها؛ لعدم وقوع ما نواه و عدم نية ما وقع منه. و فائدة التعيين التوصّل به إلى الواقع، لا أنّه يكفي و إن خالف الواقع. نعم لو كان قد شكّ فيه في الأثناء اتّجه له نية الانفراد و صحّت صلاته ما لم يظهر له أنّه خلاف ما عيّنه(جواهر الكلام 13: 234.) ، انتهى موضع الحاجة. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بما ملخّصه أوّلًا: أنّ ما نحن فيه لا محالة يؤول بما لو اقتدى بهذا الحاضر معتقداً أنّه زيد فبان أنّه عمرو، حيث اعترفوا بصحّة الاقتداء فيه؛ لكون مقتداه متعيّناً لديه بالإشارة. و اعتقاد كونه زيداً لا يخرجه عن كونه بعينه مقصوداً بالاقتداء؛ و ذلك لأجل أنّ الائتمام علاقة خارجية لا يعقل تعلّقه بمفهوم زيد، بل بالشخص الخارجي الذي اعتقده زيداً؛ و هو هذا الحاضر. فاعتقاد صدق عنوان زيد على هذا الحاضر سبب لقصد الائتمام بهذا الشخص الحاضر بعينه لا غير. غاية الأمر: أنّه قد يكون الداعي إلى الائتمام بزيد حضوره بحيث لو كان غيره الواجد لشرائط الائتمام حاضراً أيضاً لكان يأتمّ به. و قد يكون الداعي إليه اعتقاد كونه زيداً، بحيث كان هذا الاعتقاد علّة لاختيار الائتمام بهذا الشخص الحاضر؛ فالمنوي ليس إلّا الائتمام بهذا الحاضر، و لكن منشؤه الخطأ في كونه مصداقاً لمفهوم زيد. و ثانياً: سلّمنا عدم مدخلية قصد الحضور فيما تعلّق به قصد الاقتداء، و لكن نقول: إنّ اعتقاد كون هذا الشخص زيداً ينحلّ إلى قصد الائتمام بزيد أوّلًا و بالذات و قصد الاقتداء بهذا الشخص ثانياً و بالعرض و التبع، و مثل هذا القصد التبعي كافٍ في صحّة الاقتداء؛ إذ لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك. و ثالثاً: سلّمنا ذلك كلّه، و لكن مقتضى الدليل المزبور فساد القدوة لا بطلان أصل الصلاة. فالوجه إجراء أحكام المنفرد عليه؛ لأنّ الجماعة و الفرادى ليستا ماهيتين مختلفتين بالنوع حتّى يتوقّف تمييز كلّ منهما عن الاخرى بالقصد، بل الجماعة كيفية خاصّة اعتبرها الشارع موجبة لتأكّد مطلوبية الصلاة الواجبة عليه؛ فلو أخلّ بها فاتته الجماعة دون أصل الصلاة، إلّا أن يخلّ بشي ء من واجباتها ... إلى أن قال: فتلخّص ممّا ذكر: أنّ الأقوى في المقام إن لم يكن إجماع على خلافه هو الصحّة. و أولى منه في ذلك ما لو نوى الاقتداء بهذا الحاضر على أنّه زيد فبان عمرو؛ لعدم تجرّد الاقتداء بالشخص عن القصد إليه(مصباح الفقيه، الصلاة: 656- 657.) ، انتهى كلامه رفع مقامه. ثمّ إنّه إذا نوى الاقتداء بهذا الحاضر بتخيّل أنّه زيد فبان عمرو فقال جماعة بابتناء المسألة على ترجيح الإشارة على الاسم أو العكس في مقام المعارضة؛ فمن رجّح الإشارة قال بصحّة الصلاة، و من رجّح الاسم أبطلها. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد ذكر الوجهين قال: أحوطهما بل أقربهما البطلان ... إلى أن قال: بل ينبغي الجزم به لو كان عمرو عنده غير عادل ... إلى أن قال: إنّما البحث لو ظهر أنّه عمرو العدل عنده، و قد سمعت أنّ الأقوى البطلان فيه أيضاً إن كان أراد مصداق الحاضر الذي باعتقاده أنّه زيد؛ فإنّه حينئذٍ لم تزد الإشارة في نظره على الاسم، بل هو المقصود منها(جواهر الكلام 13: 235.) ، انتهى. و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بعد النظر في بناء المسألة على ترجيح الإشارة على الاسم أو عكسه، و تعليل نظره بأنّ الظاهر أنّ تلك المسألة من القواعد اللفظية التي يرجع إليها في مقام تشخيص ما قصده اللافظ أوّلًا و بالذات موضوعاً لحكمه، و تقويته ترجيح الإشارة على الاسم في تلك المسألة بأنّ القصد أوّلًا و بالذات يتعلّق بذات ما تصوّره المتكلّم موضوعاً لحكمه قبل أن يصدر منه إشارة أو لفظ و الإشارة تقع عليها، و هذا بخلاف الأسماء و الصفات فإنّها مفاهيم تصدق عليها باعتقاده، فيأتي بذكرها معرّفاً لبيان المقصود، فإذا تخلّف اعتقاده عن الواقع لا يتخلّف تلك الذات عن كونها مقصودة بالموضوعية فإنّه لا يرى لموضوع حكمه مصداقاً وراء ما أشار إليه حتّى يتعلّق به قصده. قال: و كيف كان فترجيح الإشارة أو الاسم إنّما يحسن لدى الشكّ في المقصود. و أمّا مع العلم به- كما في مفروض كلامنا- فلا وجه له. نعم قد يتّجه هاهنا الترجيح بأقوائية القصد و أصالته؛ بأن يقال: إن كان القصد أوّلًا و بالذات متعلّقاً بمسمّى الاسم ثمّ بهذا الحاضر باعتبار كونه مصداقاً له فالوجه البطلان، و إن كان بعكسه فالصحّة، و إن تساويا فوجهان؛ أوجههما الصحّة؛ إذ العبرة بقصد الاقتداء بهذا الحاضر و هو حاصل، لا بعدم قصد الائتمام بشخص غائب حتّى يكون قصده مقتضياً للبطلان كما قد يتوهّم(مصباح الفقيه، الصلاة: 657- 658.) ، انتهى.

ص: 462

ص: 463

ص: 464

ص: 465

(مسألة 6): لا يجوز للمنفرد العدول إلى الائتمام في الأثناء على الأحوط

(1).

(مسألة 7): الظاهر جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد- و لو اختياراً-

في جميع أحوال الصلاة، و إن كان من نيته ذلك في أوّل الصلاة، لكن الأحوط عدم العدول إلّا لضرورة و لو دنيوية؛ خصوصاً في الصورة الثانية (2).


1- و ذلك لعدم ثبوت مشروعية العدول إلى الائتمام في أثناء الصلاة و عدم تحقّق الجماعة المحفوظة في جوامع المسلمين خلفاً عن سلف و يداً بيد و زمناً بعد زمن إلى زمان المعصومين عليهم السلام و النبي صلى الله عليه و آله و سلم بذلك، فهو غير جائز على الأقوى.
2- العمدة في وجه جواز العدول من الائتمام إلى الانفراد و لو اختياراً في جميع أحوال الصلاة، هي الشهرة العظيمة. و في «الرياض»: بلا خلاف أجده. و في «المدارك» و «الذخيرة»: أنّه مقطوع به بين الأصحاب. و يظهر من «الخلاف» و «المنتهى» و «التذكرة» نسبته إلى علمائنا. و حكي عن «النهاية» و «إرشاد الجعفرية» الإجماع عليه. خلافاً للشيخ رحمه الله في «المبسوط» قال: من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته، و إن فارق لعذر و تمم صلاته صحّت صلاته و لا يجب عليه إعادتها(المبسوط 1: 157.) و يظهر من بعض فقهائنا الاقتصار على موارد الضرورة. و استدلّ لقول المشهور- مضافاً إلى الشهرة- بامور نذكر بعضها: منها: الأصل. و فيه: أنّ مقتضاه عدم مشروعية قصد الانفراد في الصلاة المنعقدة جماعة؛ و ذلك لتوقيفية العبادات. و منها: استصحاب جواز الفرادى. و فيه: أنّ المتيقّن سابقاً ليس هو المشكوك لاحقاً؛ لأنّ المتيقّن هو جواز الدخول في الصلاة فرادى قبل الشروع فيها، و المشكوك فعلًا هو جواز الانفراد و العدول من الجماعة إلى الفرادى. و منها: إطلاق الأخبار الدالّة على جواز التسليم قبل الإمام: ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطول الإمام بالتشهّد فيأخذ الرجل البول، أو يتخوّف على شي ء يفوت، أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: «يتشهّد هو و ينصرف و يدع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 2.) و صحيح عبيد اللَّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، قال: «يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ»(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 3.) و صحيح أبي المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلّي خلف إمام فسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(وسائل الشيعة 8: 414، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 4.) و صحيح آخر لأبي المعزا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يكون خلف الإمام فيسهو فيسلّم قبل أن يسلّم الإمام، قال: «لا بأس»(وسائل الشيعة 8: 414، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 5.) وجه الاستدلال: أنّ المتابعة في التسليم لو كانت واجبة لوجب عليه تكرار السلام مع الإمام كالأفعال؛ فيستفاد من هذه الأخبار عدم وجوب المتابعة في باقي الأقوال؛ ضرورة مساواتها له. و في «الروض»: أنّه لا قائل بالفرق بينه و بينها. ففيها أوّلًا: أنّها مقيّدة بخصوص التسليم، إلّا أن يقال بعدم القول بالفصل بينه و بين غيره من الأقوال و الأفعال. و ثانياً: أنّ بعضها مقيّد بصورة السهو، و بعضها مقيّد بموارد الاضطرار، كما في صحيح علي بن جعفر المتقدّم. و منها: الأخبار الواردة في جواز المفارقة عن الجماعة، كما في موارد اقتداء المسافر بالحاضر في الظهرين و العشاءين- مثلًا- في الركعة الاولى أو الثانية للإمام؛ فإنّه يتمّ صلاته و ينصرف و الإمام مشتغل بصلاته و في أثنائها. ففي صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا صلّى المسافر خلف قوم حضور فليتمّ صلاته ركعتين و يسلّم، و إن صلّى معهم الظهر فليجعل الأوّلتين الظهر و الأخيرتين العصر»(وسائل الشيعة 8: 329، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 1.) و صحيح حمّاد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسافر يصلّي خلف المقيم، قال: «يصلّي ركعتين و يمضي حيث شاء»(وسائل الشيعة 8: 329، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 2.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إمام مقيم أمّ قوماً مسافرين، كيف يصلّي المسافرون؟ قال: «ركعتين ثمّ يسلّمون و يقعدون، و يقوم الإمام فيتمّ صلاته، فإذا سلّم و انصرف انصرفوا»(وسائل الشيعة 8: 331، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 18، الحديث 9.) و فيه: أنّ إتمام المسافر صلاته في أثناء صلاة الإمام ليس انفراداً، و لا يصدق أنّه قصد الانفراد عن الجماعة. و العمدة في وجه جواز العدول هي الشهرة التي كادت تكون إجماعاً. و إن كان الأحوط في مسألتنا الاقتصار في الانفراد في أيّ حال من حالات الصلاة على الضرورة؛ خصوصاً فيما كان من نيته ذلك في أوّل الصلاة.

ص: 466

ص: 467

ص: 468

ص: 469

(مسألة 8): لو نوى الانفراد بعد قراءة الإمام قبل الركوع لا تجب عليه القراءة،

بل لو كان في أثناء القراءة تكفيه بعد نية الانفراد قراءة ما بقي منها، و إن كان الأحوط استئنافها بقصد القربة و الرجاء؛ خصوصاً في الصورة الثانية (1).


1- وجه عدم وجوب القراءة على المأموم فيما إذا نوى الانفراد بعد قراءة الإمام و قبل الركوع، هو ضمان الإمام عنه؛ فتجزي قراءة الإمام عنه ما دامت التبعية متحقّقة. و على هذا التقدير تكفي قراءة الإمام عنه في كلّ جزء من أجزاء الحمد و السورة إلى تحقّق نية الانفراد؛ فلو نوى الانفراد في أيّ جزء من أجزاء الحمد و السورة قرأ من موضع القطع و المفارقة. و أوجب جماعة الابتداء من أوّل الحمد، و لعلّه لأجل أنّ عدم وجوب القراءة على المأموم لكونه مأموماً؛ فإذا انفرد قبل الركوع فقد خرج عن كونه مأموماً؛ فوجب عليه أن يقرأ لنفسه. و قد استوجه الشهيد في «الذكرى» الاستئناف للمأموم مطلقاً- أي سواء انفرد بعد قراءة الإمام، أو في أثنائها- بأنّه في محلّ القراءة، و قد نوى الانفراد. و فيه: أنّ الظاهر من أدلّة الضمان و الإجزاء هو الضمان في القراءة و لو في بعضها، كما في موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام: أنّه سأله رجل، عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) . و غيره من روايات الباب الواحد و الثلاثين من أبواب صلاة الجماعة. و الأحوط استحباباً استئناف القراءة؛ خصوصاً في الصورة الثانية.

ص: 470

(مسألة 9): لو نوى الانفراد في الأثناء لا يجوز له العود إلى الائتمام على الأحوط

(1).

(مسألة 10): لو أدرك الإمام في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه و لو بعد الذكر،

أو أدركه قبله و لم يدخل في الصلاة إلى أن ركع، جاز له الدخول معه، و تحسب له ركعة. و هو منتهى ما يدرك به الركعة في ابتداء الجماعة. فإدراك الركعة في ابتداء الجماعة يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه. و أمّا في الركعات الاخر فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام؛ بأن ركع بعد رفع رأسه منه، لكن بشرط أن يدرك بعض الركعة قبل الركوع، و إلّا ففيه إشكال (2).


1- الأقوى عدم جواز العود إلى الائتمام بعد نية الانفراد في الأثناء؛ لما ذكر غير مرّة من توقيفية العبادات و عدم مشروعية الائتمام إلّا في موارد ثبت فيها الائتمام بدليل معتبر، و يبقى الباقي تحت أصل عدم المشروعية.
2- لا يشترط في انعقاد الجماعة إدراك الإمام من ابتداء الصلاة أو قبل الركوع، بل تنعقد بإدراكه في الركوع قبل أن يرفع رأسه منه و لو بعد الذكر. فلو حضر من ابتداء الصلاة و لكن لم يدخل فيها و أبطأ إلى أن ركع الإمام و أتمّ ذكر الركوع ثمّ دخل في الصلاة قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الجماعة. و هذه المسألة مشهورة بين فقهائنا شهرة عظيمة. و في «الجواهر»: بل لا أجد فيه خلافاً بين المتأخّرين(جواهر الكلام 13: 146.) و نسب إلى الشيخ دعوى الإجماع عليه في «الخلاف». و تدلّ عليه الأخبار المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة. و ادّعى في «السرائر» تواترها؛ ففي صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه، ثمّ ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه: «فقد أدرك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا أدركت الإمام و قد ركع فكبّرت و ركعت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة، و إن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 382، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 2.) و رواية زيد الشحّام أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل انتهى في الإمام و هو راكع، قال: «إذا كبّر و أقام صلبه ثمّ ركع فقد أدرك»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 3.) و رواية معاوية بن ميسرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا جاء الرجل مبادراً و الإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة؛ لدخوله في الصلاة و الركوع»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 4.) و حديث محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع»(وسائل الشيعة 8: 384، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 6.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «إذا دخلت المسجد و الإمام راكع فظننت أنّك إن مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبّر و اركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فألحق بالصفّ، فإذا جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فألحق بالصفّ»(وسائل الشيعة 8: 385، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 46، الحديث 3.) ، و غيرها من الروايات. و قد يستدلّ على المسألة أيضاً برواية جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّي أؤمّ قوماً فأركع، فيدخل الناس و أنا راكع، فكم أنتظر؟ فقال: «ما أعجب ما تسأل عنه، يا جابر انتظر مثلي ركوعك، فإن انقطعوا و إلّا فارفع رأسك»(وسائل الشيعة 8: 394، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 1.) ، و الرواية ضعيفة بعمرو بن شمر بن يزيد الجعفي الكوفي، و قد ضعّفه النجاشي و ابنا الغضائري و داود. و مرسل مروك بن عبيد عن بعض أصحابه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له إنّي إمام مسجد الحيّ، فأركع بهم فأسمع خفقان نعالهم و أنا راكع، فقال: «اصبر ركوعك و مثل ركوعك، فإن انقطعوا (انقطع) و إلّا فانتصب قائماً»(وسائل الشيعة 8: 395، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 50، الحديث 2.) و صرّح الشيخ رحمه الله في «النهاية» بأنّ من لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك التكبيرة، فإن لم يلحقها فقد فاتته. و نسب إلى القاضي و غيره أيضاً. و استدلّ له بصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت الصلاة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عنه عليه السلام قال: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 3.) و صحيحه الثالث عن الصادق عليه السلام قال: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 4.) و صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة، قال: «يصلّي ركعتين، فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصلّ أربعاً»، و قال: «إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة. و إن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع»(وسائل الشيعة 7: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 26، الحديث 3.) و يظهر من بعض الأخبار اشتراط إدراك الإمام قبل تكبيرة الركوع، كما في صحيح رابع لابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 2.) و الجواب عمّا ذكره الشيخ في «النهاية»: أنّه يمكن حمل روايات ابن مسلم على فضيلة الدخول في الجماعة قبل ركوع الإمام و كراهة الدخول فيها حال ركوعه، و حمل صحيح الحلبي على إدراك الإمام بعد رفع رأسه عن ركوعه، هذا أوّلًا. و ثانياً: أنّ الترجيح بالأخبار الدالّة على انعقاد الجماعة بإدراك الإمام في الركوع؛ لكونها أشهر. ثمّ إنّ صاحب «الجواهر» رحمه الله قد زعم أنّ الشيخ رحمه الله في «النهاية» قال باشتراط إدراك المأموم الإمام في حال الركوع باستماعه تكبيرة الإمام للركوع، قال: و ربّما كان ظاهر الشيخ في «النهاية» أنّه يكتفى في إدراك الركعة بمجرّد سماع المأموم تكبيرة الركوع، و إن لم يكن هو حال سماعها خارج الصلاة؛ فيكون نزاعه - حينئذٍ- مع المشهور باشتراط الإدراك حال ركوع الإمام بسماع التكبيرة و عدمها؛ فالمشهور لا يشترطونه فيكتفون بمجرّد الاجتماع معه في الركوع و إن لم يكن قد سمع، و هو يشترط الإدراك في هذا الحال بسماع المأموم تكبيرة الركوع، لا أنّ نزاعه في أصل الإدراك بإدراك الإمام راكعاً(جواهر الكلام 13: 148.) ، انتهى. و فيه: أنّ عبارة الشيخ: و من لحق تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة، فإن لم يلحقها فقد فاتته، فإن سمع تكبيرة الركوع و بينه و بين الصفّ مسافة جاز له أن يركع و يمشي في ركوعه حتّى يلحق بالصفّ أو يتمّ ركوعه، فإذا رفع الإمام رأسه من الركوع سجد، فإذا نهض إلى الثانية لحق بالصفّ(النهاية: 115.) ، انتهى. شاملة لمسألتين، صرّح الشيخ في اولاهما بأنّ من لم يلحق تكبير الإمام للركوع فقد فاتته الركعة، و المشهور لا يقول به، بل يقول بإدراك المأموم ركوع الإمام و الاكتفاء به. هنا فرعان: الأوّل: الأقوى- وفاقاً لجماعة؛ منهم صاحب «الجواهر» رحمه الله- عدم الاكتفاء بدرك الإمام في الركوع حال رفع رأسه منه، مع عدم خروجه عن حدّ الركوع الشرعي بأن أدركه حال كون راحتي كفّيه أو أنامل يديه على ركبتيه مع رفع رأسه قليلًا؛ و ذلك لإطلاق رفع الرأس قبل ركوع المأموم؛ فبرفع رأس الإمام يصدق فوات الركعة، كما في صحيحي سليمان بن خالد و الحلبي المتقدّمين. و قال جماعة من فقهائنا بالاكتفاء بذلك أيضاً. قال في «التذكرة»: إذا اجتمع مع الإمام في الركوع أدرك الركعة، فإن رفع الإمام رأسه مع ركوع المأموم فإن اجتمعا في قدر الإجزاء من الركوع- و هو أن يكون رفع و لم يجاوز حدّ الركوع الجائز؛ و هو بلوغ يديه إلى ركبتيه- فأدركه المأموم في ذلك و ذكر بقدر الواجب أجزأه. و إن أدرك دون ذلك لم يجزه(تذكرة الفقهاء 4: 325.) ، انتهى. و لعلّ وجه الاكتفاء به عدم كفاية رفع الرأس قليلًا من دون رفع الكفّين أو أنامل اليدين من الركبتين في الرفع من الركوع. و بعبارة اخرى: رفع الرأس كناية عن الانقلاب عن حالة الركوع. الثاني: لا فرق في إدراك المأموم ركوع الإمام بين إدراكه إيّاه ذكراً و بينه فارغاً عن الذكر؛ و ذلك لإطلاق النصوص المتقدّمة و الفتاوى. خلافاً للمحكي عن «التذكرة» و «نهاية الإحكام»، حيث اشترطا إدراك المأموم ركوع الإمام حال كونه ذكراً قبل رفع رأسه. و لعلّ وجهه الخبر المروي عن الحميري في «احتجاج» الطبرسي عن صاحب الزمان عليه السلام أنّه كتب إليه يسأله عن الرجل يلحق الإمام و هو راكع فيركع معه و يحتسب بتلك الركعة، فإنّ بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتدّ بتلك الركعة، فأجاب عليه السلام: «إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتدّ بتلك الركعة و إن لم يسمع تكبيرة الركوع»(وسائل الشيعة 8: 383، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 45، الحديث 5.) و فيه: أنّه ضعيف السند، و على فرض قوّته معرض عنه عند الأصحاب. ثمّ إنّ إدراك الإمام في الركوع شرط في الركعة الاولى، و أمّا في الركعات الاخر فيكفي فيها أن يدرك بعض الركعة قبل الركوع و إن لم يلحقه في ركوعه؛ بأن أطال المأموم القنوت في الركعة الثانية أو ذكر التسبيحات الأربعة في الركعة الثالثة أو الرابعة حتّى ركع الإمام و رفع رأسه من ركوعه ثمّ ركع المأموم، بل ركع بعد الدخول في السجود أيضاً؛ فلا يضرّ عدم إدراك الركوع مع الإمام مع إدراكه بعض الركعة في بقاء الائتمام و صحّة جماعته. و الدليل على الاكتفاء استصحاب الائتمام المتحقّق. و أمّا مع عدم إدراكه بعض الركعة قبل ركوع ففيه إشكال. و لعلّ وجه الإشكال ما ذكره في «المستمسك»: أمّا في إدراك الركعة الثانية فالذي يلوح من كلماتهم في صلاة الجمعة- فيما لو زوحم المأموم عن السجود مع الإمام في الركعة الاولى حتّى رفع الإمام رأسه من ركوع الثانية- المفروغية عن عدم الفرق بين الركعة الاولى و الثانية، و أنّه لو أدركه بعد رفع رأسه من ركوع الثانية فقد فاتت تلك الركعة. و لم يحتمل أحدٌ جواز أن يقوم و يركع بدون قراءة و يلحقه في السجود. و ظاهر «جامع المقاصد» و «كشف اللثام» و «مفتاح الكرامة» و غيرها الاتّفاق عليه، فلاحظ كلماتهم فيما لو زوحم المأموم في الجمعة عن السجود في الركعة الاولى. و لعلّه الذي تقتضيه أصالة عدم إدراك الركعة، بل لعلّه يستفاد من النصوص المتقدّم إليها الإشارة بإلغاء خصوصية موردها(مستمسك العروة الوثقى 7: 202.)، انتهى.

ص: 471

ص: 472

ص: 473

ص: 474

ص: 475

ص: 476

ص: 477

(مسألة 11): الظاهر أنّه إذا دخل في الجماعة في أوّل الركعة أو في أثناء القراءة

و اتّفق تأخّره عن الإمام في الركوع و ما لحق به فيه صحّت صلاته و جماعته، و تحسب له ركعة. و ما ذكرناه في المسألة السابقة مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة (1).


1- وجه صحّة الصلاة و الجماعة فيما دخل في الجماعة في أوّل الركعة أو في أثناء القراءة و اتّفق تأخّره عن الإمام في الركوع الشهرة العظيمة المحقّقة. و حكي عليه الإجماع من «التذكرة» و «المدارك» و غيرهما. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السلام في رجل صلّى في جماعة يوم الجمعة، فلمّا ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو اسطوانة فلم يقدر على أن يركع، ثمّ يقوم في الصفّ و لا يسجد حتّى رفع القوم رءوسهم، أ يركع ثمّ يسجد و يلحق بالصفّ و قد قام القوم أم كيف يصنع؟ قال: «يركع و يسجد لا بأس بذلك»(وسائل الشيعة 7: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 17، الحديث 1.) و صحيحه الآخر قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام- أن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم جمعة و إمّا في غير ذلك من الأيّام، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط و إمّا إلى اسطوانة، فلا يقدر على أن يركع و لا يسجد حتّى رفع الناس رءوسهم، فهل يجوز له أن يركع و يسجد وحده ثمّ يستوي مع الناس في الصفّ؟ فقال: «نعم لا بأس بذلك»(وسائل الشيعة 7: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجمعة، الباب 17، الحديث 3.) و في «المستمسك»: و موردهما و إن كان هو الضرورة إلّا أنّ ظهورهما في تحقّق الانعقاد قبل طروّ الضرورة كأنّه لا مجال لدفعه(مستمسك العروة الوثقى 7: 203.) ، انتهى. فإذا تحقّق الانعقاد قبل الضرورة فيستصحب بقاؤه بعد رفع الضرورة، و إليه يشير الصحيحان المذكوران. و لا ينافي هذا ما ذكره المصنّف رحمه الله في المسألة السابقة من أنّ إدراك الركعة في الركعة الاولى يتوقّف على إدراك ركوع الإمام قبل الشروع في رفع رأسه؛ لأنّه مختصّ بما إذا دخل في الجماعة في حال ركوع الإمام أو قبله بعد تمام القراءة، لا فيما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو أثنائها. و صرّح بعض فقهائنا بالتعميم و أنّه لا بدّ في إدراك الركعة من إدراك الإمام في ركوعه؛ حتّى فيما إذا دخل فيها من أوّل الركعة أو في أثناء القراءة.

ص: 478

(مسألة 12): لو ركع بتخيّل أنّه يدرك الإمام راكعاً و لم يدركه،

أو شكّ في إدراكه و عدمه فلا تبعد صحّة صلاته فرادى، و الأحوط الإتمام و الإعادة (1).


1- لو نوى الائتمام و ركع بتخيّل أنّه يدرك الإمام راكعاً و لم يدركه في الركوع بل أدركه بعد رفع رأسه منه، أو شكّ في إدراكه فيه و عدمه، فقال جماعة- منهم السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و جماعة من المحشّين- ببطلان الصلاة؛ و ذلك لأنّه لمّا لم تنعقد الجماعة- لاشتراطها بإدراك الإمام في الركوع و المفروض عدم إدراكه فيه- فلا بدّ من نية الانفراد و قراءة الحمد و السورة و الركوع؛ و حينئذٍ تلزم زيادة الركن الموجبة للبطلان، و لم يثبت كون المورد من موارد اغتفار الزيادة. و لا يبعد أن يقال فيما ركع و لم يدركه في الركوع: إنّ ركوع المأموم وقع في محلّه، و زيادته بقصد المتابعة مغتفرة؛ فتكون صلاة صحيحة لحديث لا تعاد، و فرادى لعدم إدراك الإمام في الركوع. و لا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة جماعةً و الإعادة؛ لاحتمال عدم كون المورد من موارد اغتفار الزيادة. و أمّا فيما ركع و شكّ في إدراك الإمام حال ركوعه و عدمه فإن كان شكّه بعد الفراغ من الركوع فلا يلتفت إلى شكّه، و إن كان قبله بنى على عدم الإدراك، و هو المشهور. و عن «المنتهى» دعوى الإجماع عليه؛ و ذلك للأصل- أي استصحاب عدم إدراك الإمام في ركوعه- و قاعدة الاشتغال، و أمّا استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى حين ركوع المأموم أو استصحاب عدم رفع رأسه إلى هذا الحين فمقتضاهما و إن كان إدراك الإمام راكعاً، و لكنّه من اللوازم العقلية للمستصحب. و في «الجواهر»: الأقوى عدم حصول الجماعة مع الشكّ في أنّه أدرك أو لا(جواهر الكلام 13: 150.) و في «المستمسك» فيما لو شكّ في إدراكه و عدمه قال: أمّا من حيث صحّة الائتمام و الحكم بإدراك الركعة ظاهراً فهو أنّ ظاهر النصوص المتقدّمة- في إدراك الركعة بإدراك الإمام راكعاً- أنّ الشرط اقتران ركوع المأموم و ركوع الإمام؛ و حينئذٍ فالاقتران المذكور إن كان من الاعتباريات المحضة التي ليس لها خارجية أصلًا بل هو منتزع من ركوع المأموم في زمان ركوع الإمام أمكن إثباته باستصحاب ركوع الإمام إلى زمان ركوع المأموم، فيترتّب عليه أثره؛ و هو إدراك الركعة(مستمسك العروة الوثقى 7: 205.)، انتهى. و قال صاحب «الجواهر» رحمه الله بتلخيص منّا: إنّ استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى حين ركوع المأموم يثمر جواز دخول المأموم في الجماعة و نيتها؛ ضرورة وضوح الفرق بين إثبات حصول الإدراك و تحقّقه بالاستصحاب، و بين إثبات بقاء الإمام على حال الركوع إلى أن يدركه المأموم؛ إذ الثاني كاستصحاب عدالة الإمام و عقله و غيرهما من سائر شرائط الأفعال المستمرّة المتأخّرة التي لا يعلم المكلّف حصولها في الآن الثاني، بل يكتفي في إحرازها حتّى ينوي القربة باستصحاب بقائها في الزمان المتجدّد(جواهر الكلام 13: 149.) ، انتهى. و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بأنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ كون الإمام راكعاً حال ركوعه ليس كالعدالة و الإيمان من الشرائط المعتبرة في صحّة صلاته من حيث هو حتّى يمكن إحرازه بالأصل، بل من حيث كونه سبباً لحصول اللحوق بالإمام و إدراكه راكعاً، الذي هو مناط إدراك الركعة. فالعبرة في صحّة الصلاة بتحقّق هذا المفهوم، الذي هو أمر إضافي يتوقّف حصوله في الخارج على تحقّق المنتسبين، و إلّا فمقتضى الأصل عدمه؛ لأنّه بنفسه حادث مسبوق بالعدم، هذا. مع أنّ استصحاب بقاء الإمام راكعاً في حدّ ذاته محلّ مناقشة؛ لأنّ بقاءه راكعاً تابع لاختياره و إرادته؛ فالشكّ فيه ليس ناشئاً من الشكّ في حصول رافعه مع قيام ما يقتضيه، بل في مقدار اقتضاء المقتضي، و الاستصحاب فيه ليس بحجّة(مصباح الفقيه، الصلاة: 627/ السطر 27.)، انتهى.

ص: 479

ص: 480

ص: 481

(مسألة 13): لا بأس بالدخول في الجماعة بقصد الركوع مع الإمام رجاءً؛

مع عدم الاطمئنان بإدراكه على الأقوى؛ فإن أدركه صحّت صلاته، و إلّا بطلت لو ركع. كما لا بأس بأن يكبّر للإحرام بقصد أنّه إن أدركه لحق، و إلّا انفرد قبل الركوع أو انتظر الركعة الثانية بالشرط الآتي في المسألة اللاحقة (1).


1- لو شكّ من أوّل الصلاة في أنّه هل يدرك الإمام في الركوع أو لا؟ فهل يجوز أن يكبّر بنية الائتمام و يهوي للركوع أو لا؟ قال جماعة من فقهائنا بالجواز؛ تعويلًا على استصحاب بقاء الإمام راكعاً إلى أن يركع، فإذا كبّر و هوى للركوع فإن أدركه صحّت صلاته و إلّا بطلت لو ركع؛ لزيادة الركن و عدم الدليل على اغتفارها. و قال السيّد الحكيم رحمه الله في حاشيته على «العروة الوثقى»: الظاهر صحّة الصلاة فرادى. و قال في «المستمسك»: المستفاد من النصوص الواردة في إدراك الركوع و المعلوم من السيرة جواز الركوع بمجرّد احتمال إدراك الإمام راكعاً احتمالًا معتدّاً به، فضلًا عن الظنّ به. و عليه فلو ركع كذلك و لم يدركه راكعاً صحّت صلاته، و لا يضرّه فوات القراءة(مستمسك العروة الوثقى 7: 206.) ، انتهى. و قال جماعة بعدم الجواز إلّا لمن يعتقد أو يطمئنّ و يثق من قرائن الأحوال بإدراكه راكعاً، و لا يجزي في تحقّق هذا، الاستصحاب و التعبّد ببقاء الإمام إلى أن يلحقه. و اجيب عن ذلك بأنّ الاستصحاب طريق شرعي، فهو بحكم الشارع بمنزلة من تيقّن بقاءه راكعاً حتّى يلحقه في الركوع؛ فلا يبقى معه الشكّ المانع عن الائتمام. و اورد على هذا الجواب: أنّ الاستصحاب بالنسبة إلى إدراكه الركوع مثبتٌ. و لا يبعد جواز الدخول فيها رجاءً، فإن لحق صحّ و إلّا بطلت لو ركع. و إن لم يلحق و لم يركع بعد ينفرد أو ينتظر إلى أن يقوم الإمام إلى الركعة الاخرى؛ لما سنذكره في المسألة اللاحقة. كما لا يبعد جواز التكبير للإحرام بقصد أنّه إن أدركه لحقه، و إلّا انفرد قبل الركوع أو انتظر الركعة الاخرى بالشرط الآتي في المسألة اللاحقة.

ص: 482

(مسألة 14): لو نوى الائتمام و كبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع لزمه الانفراد أو انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاخرى؛

فيجعلها الاولى له بشرط أن لا يكون الإمام بطيئاً في صلاته بحيث يخرج به عن صدق القدوة، و إلّا فلا يجوز الانتظار (1).


1- لو نوى الائتمام و كبّر فرفع الإمام رأسه قبل أن يركع حرم إبطال الصلاة، بل لزمه الانفراد أو انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاخرى. أمّا الانفراد فلأنّه لم تنعقد الجماعة و لا تصلح الصلاة بانعقادها جماعة. و في «المستمسك»: و لا دليل على قدح مجرّد نية الائتمام بلا انعقاد له، و الأصل البراءة(مستمسك العروة الوثقى 7: 207.) و أمّا انتظار الإمام قائماً إلى الركعة الاخرى فقد أفتى به جماعة كثيرة من فقهائنا؛ منهم الشيخ في «المبسوط» و الشهيدان في «البيان» و «الروض» و «المسالك» و «الروضة». قال في «المبسوط»: من أدرك الإمام و قد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة و سجد معه السجدتين و لا يعتدّ بهما، و إن وقف حتّى يقوم إلى الثانية كان له ذلك(المبسوط 1: 159.)، انتهى. و يدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن رجل أدرك الإمام و هو جالس بعد الركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و لا يقعد مع الإمام حتّى يقوم»(وسائل الشيعة 8: 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 4.) و يمكن أن يستظهر البقاء على القدوة إلى الركعة الاخرى من بعض الأخبار، كرواية معلّى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سبقك الإمام بركعة و قد رفع رأسه فاسجد معه و لا تعتدّ بها»(وسائل الشيعة 8: 392، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 2.) و رواية معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «و من أدرك الإمام و هو ساجد كبّر و سجد معه و لم يعتدّ بها»(وسائل الشيعة 8: 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 6.) ، و الظاهر أنّ التكبير المأمور به هو تكبير الافتتاح، و السجدة لا تفسده و إلّا يكون الأمر به لغواً. فالجماعة و التبعية للإمام في بقية الركعات تتحقّق بالتكبير، و لا يعتبر في تحقّقها تبعية الإمام في السجود الذي ليس جزءاً من صلاته و لا يعتدّ به. إن قلت: إذا لم تكن السجدة ممّا له دخل في تحقّق الجماعة فلما ذا أمر بها؟ قلنا: السجود المأمور به مع الإمام إنّما هو لمجرّد المتابعة و إدراك فضل الجماعة، كالمتابعة في سجدة الركعة الأخيرة، كما في رواية معاوية بن شريح: «و من أدرك الإمام و هو ساجد ...» ، و المتابعة في التشهّد الأخير كما في الرواية: «و من أدركه و قد رفع رأسه من السجدة الأخيرة و هو في التشهّد فقد أدرك الجماعة». و أمّا اشتراط الانتظار بأن لا يكون الإمام بطيئاً في صلاته، فلعدم صدق القدوة في عرف المتشرّعة مع بطء الإمام أكثر من المقدار المتعارف.

ص: 483

ص: 484

(مسألة 15): لو أدرك الإمام في السجدة الاولى أو الثانية من الركعة الأخيرة

و أراد إدراك فضل الجماعة نوى و كبّر و سجد معه السجدة أو السجدتين و تشهّد، ثمّ يقوم بعد تسليم الإمام. و لا يترك الاحتياط بأن يتمّ الصلاة و يعيدها، و إن كان الاكتفاء بالنية و التكبير و إلقاء ما زاد تبعاً للإمام و صحّة صلاته لا يخلو من وجه. و الأولى عدم الدخول في هذه الجماعة (1).


1- جواز نية الائتمام و التكبير للإحرام و السجدة مع الإمام و التشهّد ثمّ القيام بعد تسليم الإمام مشهور بين الأصحاب، و حكي عن بعضهم نفي الخلاف فيه. و يدلّ عليه صحيح محمّد بن مسلم قال: قلت له: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال: «إذا أدرك الإمام و هو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 392، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 1.) و يحتمل أن يكون المراد من إدراك الإمام في السجدة مجرّد متابعته لإدراك فضيلة الجماعة، و يكون تكبيره بنية المتابعة رجاءً لدرك ثواب الجماعة و يتبع الإمام إلى سلامه، و إذا سلّم الإمام قام المأموم و استأنف الصلاة بتكبير مستأنف للافتتاح، و على هذا الاحتمال يكون مرجع ضمير التأنيث في رواية معاوية بن شريح المتقدّمة: «و لم يعتدّ بها» هو الصلاة؛ أي و لا يجعل ما أتاه جزءاً من الصلاة المفروضة. و لذا توقّف العلّامة في «المختلف» في هذا الحكم من أصله؛ للنهي عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها، كما في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 2.) . و في صحيحة اخرى له عنه عليه السلام قال: «لا تعتدّ بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 3.) . و في ثالثة له قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل معهم في تلك الركعة»(وسائل الشيعة 8: 381، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 4.) و يرد على العلّامة: أنّ المراد بالنهي في هذه الروايات- على فرض تسليم العمل بها- هو الدخول على سبيل الاعتداد بالركعة لا على سبيل إدراك فضيلة الجماعة؛ فلذا عبّر في بعضها ب «لا تعتدّ بالركعة ...» بدل النهي عن الدخول فيها. و حمل صاحب «المدارك» النهي في هذه الأخبار على الكراهة. و يحتمل أيضاً أن يكون المراد من إدراك الإمام في السجدة الدخول معه في الصلاة بأن ينوي الائتمام و يكبّر للافتتاح و يسجد سجدة واحدة أو سجدتين تبعاً للإمام. و على هذا الاحتمال يرجع ضمير التأنيث في الرواية إلى السجدة. و في نسخة من «الوسائل» كانت موجودة عند صاحب «الجواهر» تثنية الضمير في الرواية: «و لم يعتدّ بهما» ؛ فيتعيّن إرجاعه إلى السجدتين، كما أنّ الظاهر إرجاعه إلى الركعة في خبر المعلّى المتقدّم. و لا تكون زيادة السجدة المأتية للتبعية مبطلة للصلاة؛ لأنّ مقتضى مشروعية المتابعة في السجدة- كسائر الزيادات المشروعة في الجماعة- صيرورة الزائد جزءاً تبعياً للصلاة زائداً على أجزائها الأصلية؛ فيخرج حينئذٍ عن موضوع أدلّة الزيادة المبطلة؛ فتكون الأخبار الدالّة على عدم الاعتداد بالسجدة واردة على أدلّة مبطلية زيادتها. و وجه أولوية عدم الدخول في هذه الجماعة هو النهي عن الدخول فيها عند فوات تكبيرها، كما في صحاح محمّد بن مسلم المتقدّمة.

ص: 485

ص: 486

و لو أدركه في التشهّد الأخير يجوز له الدخول معه؛ بأن ينوي و يكبّر ثمّ يجلس معه و يتشهّد، فإذا سلّم الإمام يقوم فيصلّي و يكتفي بتلك النية و ذلك التكبير، و يحصل له بذلك فضل الجماعة و إن لم يدرك ركعة (1).


1- لم ينقل الخلاف من أحدٍ من علمائنا في هذه المسألة، بل حكي عن «المهذّب البارع» و «مفتاح الكرامة» دعوى الإجماع عليه. و لا مقتضي لبطلان الصلاة الموجب للإعادة، بخلاف ما أدرك الإمام في السجدة في الركعة الأخيرة؛ فإنّ المقتضي للبطلان فيه- و هو الزيادة- موجود؛ و لذا لم يخالف هنا من خالف هناك و قال فيه باستئناف التكبير. و يدلّ عليه موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يدرك الإمام و هو قاعد يتشهّد، و ليس خلفه إلّا رجل واحد عن يمينه، قال: «لا يتقدّم الإمام و لا يتأخّر الرجل، و لكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلّم الإمام قام الرجل فأتمّ صلاته»(وسائل الشيعة 8: 392، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 49، الحديث 3.)

ص: 487

القول في شرائط الجماعة
و هي- مضافاً إلى ما مرّ- امور:
الأوّل: أن لا يكون بين المأموم و الإمام أو بين بعض المأمومين مع بعض آخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام حائل

يمنع المشاهدة. هذا إذا كان المأموم رجلًا. و أمّا المرأة: فإن اقتدت بالرجل فلا بأس بالحائل بينها و بينه و لا بينها و بين الرجال المأمومين. و أمّا بينها و بين النساء ممّن تكون واسطة في اتّصالها، و كذا بينها و بين الإمام إذا كان امرأة- على فرض المشروعية- فمحلّ إشكال (1).


1- اشتراط عدم وجود الحائل بين الإمام و المأموم أو بين بعض المأمومين مع بعض آخر ممّن يكون واسطة في اتّصاله بالإمام هو الإجماع المصرّح به في كلام جماعة من فقهائنا المتقدّمين و المتأخّرين. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس لهم تلك بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة، إلّا من كان من حيال الباب» قال: و قال: «هذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من الناس، و إنّما أحدثها الجبّارون، ليست لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة»، قال: و قال أبو جعفر عليه السلام: «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض، لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى، يكون قدر ذلك مسقط جسد الإنسان»(الكافي 3: 385/ 4، وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 1 و 2، و الباب 59، الحديث 1.) و المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» قد زاد في ذيل الحديث: «إذا سجد»(مصباح الفقيه، الصلاة: 628/ السطر 28.) قد نقله الصدوق رحمه الله في «الفقيه». و أمّا موثّق الحسن بن الجهم قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يصلّي بالقوم في مكان ضيّق و يكون بينهم و بينه سترٌ، أ يجوز أن يصلّي بهم؟ قال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 408، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 3.) ، الدالّ على جواز حيلولة الستر بين الإمام و المأموم. ففيه أوّلًا: أنّه معرض عنه عند الأصحاب. و ثانياً: أنّه محمول على التقية؛ لموافقته مذهب العامّة. و ثالثاً: أنّه مضطرب المتن حيث إنّه حكي عن بعض نسخ «الوافي» بالشين المعجمة و الباء الموحّدة بدل «الستر» بالسين المهملة و التاء المنقوطة، و لعلّ «الشبر» هو الأنسب بفرض كون المكان ضيّقاً؛ فيحتمل أن يكون بالسين و التاء تصحيفاً. و لا يخفى وجه دلالة الصحيح المزبور على اشتراط عدم وجود الحائل بين بعض المأمومين مع بعض آخر أيضاً، حيث إنّ المراد بقوله: «فإن كان بينهم سترة أو جدار» هو المنع عن الائتمام مع الحائل؛ سواءٌ كان الحائل واقعاً بين الصفّين، أو بين أهل صفّ واحد، أو بين الإمام و مأموميه من خلفه أو أحد جانبيه، هذا. مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل هو الاشتراط المزبور في الجماعة؛ لتوقيفية العبادات. هذا كلّه إذا كان المأموم رجلًا. و أمّا المرأة فإن اقتدت بالرجل فلا بأس بالحائل بينها و بين الإمام، و لا بينها و بين الرجال المأمومين. و الوجه فيه الشهرة المحقّقة، بل لا خلاف فيه من أحد من علمائنا، إلّا الحلّي فساوى بينها و بين الرجال في الحكم، بناءً على مبناه في الخبر الواحد من عدم الحجّية. و يدلّ على المشهور موثّق عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يصلّي بالقوم و خلفه دارٌ و فيها نساء، هل يجوز لهنّ أن يصلّين خلفه؟ قال: «نعم، إن كان الإمام أسفل منهنّ»، قلت: فإن بينهنّ و بينه حائطاً أو طريقاً؟ فقال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 409، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 60، الحديث 1.) و إن اقتدت بالمرأة- بناءً على مشروعية إمامتها- فمحلّ إشكال عند المصنّف، و الأقوى أنّها كالرجال؛ فيشترط عدم الحائل بينهما. و وجهه- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام بعض فقهائنا- هو الأصل المقتضي لعدم المشروعية مع الحائل، و إطلاق صحيح زرارة المتقدّم. و يمكن استفادة عموم الحكم للمرأة بواسطة القرينة المقامية و الاشتراك في التكليف، و إن كان الخطاب اللفظي متوجّهاً إلى الرجل، كما في قوله عليه السلام: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.) ، و قوله عليه السلام: «إذا شككت بين الأقلّ و الأكثر فابن على الأكثر»(وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.) . و لعلّ وجه إشكال المصنّف رحمه الله هو منع العموم في الصحيحة للنساء حيث إنّ موردها ما إذا كان المأمومين رجالًا بقرينة قوله عليه السلام: «فإن كان بينهم سترة أو جدار».

ص: 488

ص: 489

ص: 490

الثاني: أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين إلّا يسيراً،

و الأحوط الاقتصار على المقدار الذي لا يرى العرف أنّه أرفع منهم و لو مسامحةً. و لا بأس بعلوّ المأموم عن الإمام و لو بكثير، لكن كثرة متعارفة كسطح الدكّان و البيت، لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر على الأحوط (1).


1- اشتراط عدم كون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين إلّا يسيراً هو المشهور شهرة عظيمة، و نسبه في «التذكرة» و غيرها إلى علمائنا، و عن «الخلاف» كراهة كون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين، و عن «الشرائع» و النافع التردّد في اشتراطه و عدمه. و يدلّ على المشهور المختار صدر موثّق عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلّي بقوم و هم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلّي فيه، فقال: «إن كان الإمام على شبه الدكّان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، فإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ إذا كان الارتفاع ببطن مسيل، فإن كان أرضاً مبسوطة أو كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في الموضع المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدرة، قال: «لا (فلا) بأس»، قال: و سئل: فإن قام الإمام أسفل من موضع من يصلّي خلفه؟ قال: «لا بأس»، قال: «و إن كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك دكّاناً أو غيره و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير»(وسائل الشيعة 8: 411، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 63، الحديث 1.) و يدلّ على قول المشهور أيضاً صدر صحيح صفوان عن محمّد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الإمام يصلّي في موضع و الذي خلفه يصلّون في موضع أسفل منه، أو يصلّي في موضع و الذين خلفه في موضع أرفع منه، فقال: «يكون مكانهم مستوياً»(وسائل الشيعة 8: 412، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 63، الحديث 3.) . و محمّد بن عبد اللّه في السند و إن كان مجهولًا لكن الراوي عنه هو صفوان، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه. و الحديث بالنسبة إلى ذيله الدالّ على عدم علوّ موضع المأموم عن موضع الإمام معرض عنه عند الأصحاب، و هو لا يخلّ حجّيته بالنسبة إلى صدره المعمول به. ثمّ إنّ الحكم المذكور مختصّ بما إذا كان العلوّ دفعياً لا انحدارياً؛ ففي «العروة الوثقى»: الثاني أن لا يكون موقف الإمام أعلى من موقف المأمومين علوّاً معتدّاً به دفعياً كالأبنية و نحوها، لا انحدارياً على الأصحّ(العروة الوثقى 1: 777.) ، انتهى. و الدليل على الجواز في العلوّ الانحداري- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة؛ ففي «الرياض»: و يجوز الائتمام بالأعلى لو كانا على أرض منحدرة بلا خلاف فيه(رياض المسائل 4: 301.) ، انتهى- ما ذكر في ذيل الموثّق المزبور من قوله عليه السلام: «فإن كان أرضاً مبسوطة و كان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في المرتفع و قام من خلفه أسفل منه و الأرض مبسوطة إلّا أنّهم في موضع منحدر، فلا بأس». و لا يخفى: أنّ القضية الشرطية في الذيل المزبور و تقييد نفي البأس عن ارتفاع موقف الإمام بكون الأرض مبسوطة منحدرة، إنّما هو لإخراج ما إذا كان الانحدار شبيهاً بالتسنيم كالجبل؛ فلا يجوز- حينئذٍ- ارتفاع موقف الإمام فيه؛ لمفهوم القضية الشرطية، و لما ذكر مراراً من توقيفية العبادات. و لا يخفى أيضاً: أنّ تحديد العلوّ اليسير الدفعي الغير المعتدّ به في موقف الإمام بمثل شبر و ما دون ذلك، ممّا لا يستفاد من الموثّقة المزبورة؛ لاختلاف النسخ في بعض فقراتها؛ ففي المحكي عن «الكافي» و بعض نسخ «التهذيب»: «إذا كان الارتفاع ببطن مسيل»، و في بعض آخر من نسخ «التهذيب»: «بقطع المسيل» أو «يقطع مسيلًا» ، و في نسخة ثالثة منها: «بقدر شبر» ، كذا في «التذكرة»، و في رابعة: «بقدر يسير» ، و في «الفقيه»: «يقطع سبيلًا» ، و في «الذكرى»: «بقدر إصبع إلى شبر». فمع هذه الاختلافات في النسخ لا يستدلّ بهذه الفقرة في الموثّق على حدّ محدود للعلوّ اليسير؛ فلا يجوز التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل. و في «صلاة» الحائري رحمه الله: و كذا الفقرة السابقة عليها؛ و هي قوله عليه السلام: «و إن كان أرفع منه بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ» لا يظهر منها هل هي شرطية مستقلّة محذوف، أو ساقط جزائها، أو أنّ كلمة «إن» وصلية حتّى يكون المراد: إنّ العلوّ الدفعي للإمام مانع لصحّة الجماعة، و إن كان بقدر إصبع أو أكثر أو أقلّ؟ و بالجملة: العلوّ اليسير الواقعي لا يعلم حاله من الرواية؛ فالقدر المتيقّن من العلوّ المانع الذي يفهم من الموثّق هو العلوّ الذي تكون مثل الدكّان و أمثاله. و كذا يفهم من ذيلها عدم البأس في العلوّ على وجه الانحدار مع كون الأرض مبسوطة، و المرجع في الباقي هو الأصل، و قد عرفت أنّ المرجع هو عموم «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(الصلاة، المحقّق الحائري: 479.)، انتهى. و لا بأس بعلوّ المأموم على الإمام و لو بكثير كثرة متعارفة، كسطح الدكّان و البيت لا كالأبنية العالية المتداولة في هذا العصر على الأحوط وجوباً. و يدلّ على جواز علوّ المأموم بكثير ذيل موثّق عمّار المتقدّم: «و إن كان الرجل فوق بيت أو غير ذلك دكّاناً أو غيره، و كان الإمام يصلّي على الأرض أسفل منه، جاز للرجل أن يصلّي خلفه و يقتدي بصلاته و إن كان أرفع منه بشي ء كثير». و وجه الاحتياط في تقييد العلوّ الكثير بكثرة متعارفة هو التمثيل في الرواية بالبيت و الدكّان.

ص: 491

ص: 492

ص: 493

الثالث: أن لا يتباعد المأموم عن الإمام أو عن الصفّ المتقدّم عليه بما يكون كثيراً في العادة.

و الأحوط أن لا يكون بين مسجد المأموم و موقف الإمام- أو بين مسجد اللاحق و موقف السابق- أزيد من مقدار الخطوة المتعارفة، و أحوط منه أن يكون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل (1).


1- اشتراط عدم تباعد المأموم عن الإمام أو من الصفّ المتقدّم عليه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما لا خلاف بينهم في نفي البأس بالبعد مع الاتّصال. و على الاشتراط المزبور جرت السيرة المتشرّعة. ثمّ إنّهم اختلفوا في تحديد البعد المانع؛ فنسب إلى الحلبي و ابن زهرة و كثير من المتأخّرين تحديده بما لا يتخطّى. و عن السيّد في «المصباح» أنّه قال: ينبغي أن يكون بين كلّ صفّين قدر مسقط الإنسان إذا سجد أو مربض عنز، فإن تجاوز ذلك إلى القدر الذي لا يتخطّى لم يجز(انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 634/ السطر 12.)، انتهى. و في «الخلاف» في (مسألة 302): و إن كان على بعد لم تصحّ صلاته و إن علم بصلاة الإمام، و به قال جميع الفقهاء، إلّا عطاء فإنّه قال: إن كان عالماً بصلاته صحّت صلاته و إن كان على بعد من المسجد(الخلاف 1: 556.)، انتهى. و نسب إلى الشيخ في «المبسوط»- كما في «المدارك»- جواز البعد بثلاثمائة ذراع(مدارك الأحكام 4: 322.) و اعترضه غير واحد بأنّه في «المبسوط» نسب الحدّ المذكور إلى القوم، لا أنّه اختاره. و ينبغي ذكر كلامه: قال في «المبسوط»: و متى بعد بينهما لم تصحّ صلاته، و إن علم بصلاة الإمام. و حدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً، و حدّ قوم ذلك بثلاثمائة ذراع، و قالوا: على هذا إن وقف و بينه و بين الإمام ثلاثمائة ذراع ثمّ وقف الآخر و بينه و بين هذا المأموم ثلاثمائة ذراع و ثمّ على هذا الحساب و التقدير بالغاً ما بلغوا صحّت صلاتهم؛ قالوا: و كذلك إذا اتّصلت الصفوف في المسجد ثمّ اتّصلت بالأسواق و الدروب و الدور بعد أن يشاهد بعضهم بعضاً و يرى الأوّلون الإمام صحّت صلاة الكلّ، و هذا قريب على مذهبنا أيضاً(المبسوط 1: 156.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ صدر كلام «المبسوط» صريح في أنّ حدّ البعد ما جرت العادة بتسميته بعداً، و البعد بثلاثمائة ذراع حدّ البعد عند القوم لا عند الشيخ، و قوله: «هذا قريب على مذهبنا» إشارة إلى صحّة صلاة الصفوف الواقعة في خارج المسجد متّصلة بصفوف المسجد مع مشاهدة بعضهم بعضاً و رؤية الأوّلين الإمام. ثمّ إنّ المستفاد من فقرات من صحيح زرارة- المتقدّم سابقاً- عن أبي جعفر عليه السلام أنّ الواجب أن لا يكون بين مسجد المأموم و موقف الإمام أو بين مسجد اللاحق و موقف السابق أزيد من مقدار الخطوة المتعارفة. و تلك الفقرات- بناءً على نقل «الكافي»- عبارة عن قوله عليه السلام: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، و أيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة الإمام و بينهم و بين الصفّ الذي يتقدّمهم ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة، و أيّما امرأة صلّت خلف إمام و بينها و بينه ما لا يتخطّى فليس تلك بصلاة»(وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 2.) و دلالة الفقرات المذكورة بظاهرها على اشتراط عدم البعد المذكور بين المأموم و الإمام أو بينه و بين الصفّ المتقدّم مبنية على كون الموصول في قوله: «ما لا يتخطّى» ؛ بمعنى البعد الذي لا يتخطّى؛ بأن يكون أزيد ممّا بين القدمين. و على حمل النفي في قوله عليه السلام: «ليس ذلك الإمام لهم بإمام» على نفي الصحّة، و كذا في قوله عليه السلام: «فليس تلك لهم بصلاة» ، و كذا قوله عليه السلام: «لا يكون بين الصفّين ما لا يتخطّى»، هذا. و قد تعارض دلالة ما ذكر بأنّ النفي في أقواله عليه السلام المذكورة محمول على نفي الكمال، بقرينة قوله عليه السلام: «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة بعضها إلى بعض»، حيث إنّ كلمة «ينبغي» لها ظهور قوي عرفاً في الاستحباب، و إنّ الفضل في وصل الصفوف بعضها إلى بعض بمقدار جسد الإنسان إذا سجد؛ فلا فضيلة في أزيد منه، و هو منشأ الاحتياط في كون مسجد اللاحق وراء موقف السابق بلا فصل. و في «مصباح الفقيه»: و الذي يقتضيه الإنصاف: أنّ كلمة «ينبغي» و إن كان لها ظهور قوي عرفاً في الاستحباب بحيث لم نستبعد ادّعاء كونه أقوى من ظهور النفي في نفي الصحّة، و لكن هذا فيما إذا تعلّق الحكم بخصوص ما وقع في حيّز النفي، و إلّا فهي في حدّ ذاتها كلمة جامعة يحسن التعبير بها عند بيان أحكام متعدّدة مختلفة بالوجوب و الاستحباب؛ فليس لها بالنسبة إلى كلّ واحدٍ من القضايا المتتابعة الواقعة في حيّزها- خصوصاً بالنسبة إلى ما عدا اولاهما- ظهور يعتدّ به في نفي الوجوب، فضلًا عن صلاحيتها لصرف النفي عن ظاهره؛ خصوصاً مع اعتضاده بإرادة نفي الصحّة من الفقرة الواردة في الحائل. و لكن إرادة الوجوب من تحديد البعد فيما بين الصفّين بما لا يتخطّى في حدّ ذاته بعيد، بل ينبغي القطع بعدمه إن اريد ذلك بالنسبة إلى موقف الصفّين، كما هو قضية إطلاق النصّ؛ خصوصاً بملاحظة ما وقع في ذيله من قوله عليه السلام: «يكون ذلك قدر مسقط جسد الإنسان إذا سجد» ؛ إذ الظاهر كونه بياناً لما لا يتخطّى؛ فإنّ مقتضاه اعتبار شدّة التواصل بين الصفوف بحيث يتّصل رأس المتأخّر عند سجوده بعقب المتقدّم، و هذا ممّا لا يمكن الالتزام بوجوبه و إن التزم به صاحب «الحدائق» و طعن على الأصحاب بمخالفتهم للنصّ من غير معارض؛ لوضوح مخالفته للسيرة الجارية بين المسلمين من عدم التزامهم بهذا النحو من التواصل في صفوف الجماعة. فكأنّه إلى هذا نظر المصنّف رحمه الله في محكي «المعتبر» حيث أجاب عن الصحيحة بأنّ اشتراط ذلك مستبعد؛ فنحمل على الأفضل ... إلى أن قال: فتلخّص ممّا ذكر: أنّ الأظهر حمل الحدّ الوارد في الصحيحة على الاستحباب. و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط برعايته بالنسبة إلى مسجد المتأخّر و موقف المتقدّم؛ إذ الظاهر أنّ المقصود بما لا يتخطّى ما لا يمكن قطعه بالخطوة؛ فلا يبعد أن يدّعى أنّ هذا المقدار من الفصل يعدّ بعيداً في العادة. و ليس للصحيحة المزبورة في فقراتها الثلاث الدالّة بظاهرها على البطلان ظهور يعتدّ به في خلافه- أي إرادة ما بين القدمين- فلا يبعد حملها عليه إبقاءً للنفي على ظاهره من البطلان. نعم إرادته من قوله: «لا يكون بين الصفّين بما لا يتخطّى» الواقع في حيّز كلمة «ينبغي» بعيدة في الغاية؛ فإنّه بقرينة ما بعده كالنصّ في إرادة ما بين موقف الصفّين(مصباح الفقيه، الصلاة: 635/ السطر 12.) ، انتهى موضع الحاجة.

ص: 494

ص: 495

ص: 496

ص: 497

الرابع: أن لا يتقدّم المأموم على الإمام في الموقف،

و الأحوط تأخّره عنه و لو يسيراً. و لا يضرّ تقدّم المأموم في ركوعه و سجوده- لطول قامته- بعد عدم تقدّمه في الموقف، و إن كان الأحوط مراعاته في جميع الأحوال؛ خصوصاً حال الجلوس بالنسبة إلى ركبتيه (1).


1- اشتراط عدم تقدّم المأموم على الإمام ممّا لا خلاف فيه، و ادّعى غير واحد الإجماع عليه، و عليه جرت سيرة المتشرّعة في زمن بعد زمن إلى أن ينتهي إلى زمان المعصومين و النبي- صلّى اللَّه عليه و عليهم- مضافاً إلى أنّ الجماعة توقيفية متلقّاة من الشارع بكيفية خاصّة، فلا يجوز انعقادها كيفما اتّفقت. و علّله في «المدارك» بأنّ المأموم مع التقدّم يحتاج إلى استعلام حال الإمام بالالتفات إلى ما ورائه، و ذلك مبطل. و فيه: أنّ استعلام حال الإمام لا يلازم الالتفات إلى ما ورائه مطلقاً؛ لأنّ المأموم بالتقدّم يميناً أو يساراً يشرف على حالات الإمام. نعم قد يتوقّف عليه فيما كان مسجد الإمام خلف موقف المأموم، و لا يمكن للمأموم استعلام حال الإمام إلّا بالالتفات إلى ما ورائه. و قد يستدلّ على الاشتراط المزبور بصحيح محمّد بن عبد اللّه الحميري قال: كتبت إلى الفقيه عليه السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمّة، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ و هل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر و يجعل القبر قبلة و يقوم عند رأسه و رجليه؟ و هل يجوز أن يتقدّم القبر و يصلّي و يجعله خلفه أم لا؟ فأجاب و قرأتُ التوقيع و منه نسختُ: «و أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة و لا فريضة و لا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. و أمّا الصلاة فإنّها خلفه و يجعله الإمام. و لا يجوز أن يصلّي بين يديه؛ لأنّ الإمام لا يُتقدَّم، و يصلّي عن يمينه و شماله»(وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 26، الحديث 1.) و لعلّ تقريب الاستدلال: أنّ الإمام في التعليل: «لأنّ الإمام لا يُتقدّم» عامٌّ يشمل إمام الجماعة. و فيه: أنّ المراد من الإمام في الرواية خصوص المعصوم عليه السلام، و في الرواية إشعار بأنّ المعصوم عليه السلام لا يُتقدّم عليه؛ حيّاً كان أو ميّتاً و في القبر. و في «الحدائق»: و التقريب فيها: أنّه عليه السلام جعل القبر الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام المذكورة؛ فكما لا يجوز التقدّم على الإمام في الجماعة لا يجوز التقدّم في الصلاة على القبر الشريف، و كما يجوز التأخّر و المساواة هناك فإنّهما يجوزان هنا(الحدائق الناضرة 11: 114.) ، انتهى. و قد سبقه في ذلك الشيخ البهائي في كتاب «الحبل المتين». و في «الاحتجاج» روى مثل هذا الحديث، إلّا أنّه قال: و لا يجوز أن يصلّي بين يديه و لا عن يمينه و لا عن يساره؛ لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه و لا يساوى(الاحتجاج 2: 583.) و في «الوسائل»: الظاهر تعدّد الرواية و المروي عنه، و الاولى محمولة على الجواز و الثانية على الكراهة(وسائل الشيعة 5: 161، ذيل الحديث 1.) و أورد عليه في «مصباح الفقيه» بأنّه لا وثوق بإرادة هذا المعنى من الرواية(مصباح الفقيه، الصلاة: 653/ السطر الأخير.) ، انتهى. ثمّ إنّ فقهاءنا اختلفوا في أنّه هل يشترط تأخّر المأموم عن الإمام، أو لا يشترط فيجوز تساويهما؟ ذهب جماعة- منهم ابن إدريس- إلى اشتراطه و عدم جواز التساوي، و نسب إلى المشهور جواز المساواة، بل عن «التذكرة» دعوى الإجماع عليه. و استدلّ القائلون بالاشتراط بأنّ الثابت المعلوم من فعل النبي و الأئمّة المعصومين- عليهم الصلاة و السلام- و الصحابة و التابعين و جميع المسلمين هو تأخّر المأموم عن الإمام. و بما ورد في «الاحتجاج» من تعليل عدم جواز الصلاة عن يمين القبر الشريف و يساره بأنّ الإمام لا يساوى. و صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»(وسائل الشيعة 8: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين، قال: «يتقدّمهما و لا يقوم بينهما»، و عن الرجلين يصلّيان جماعة؟ قال: «نعم، يجعله عن يمينه»(وسائل الشيعة 8: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 7.) . و هذان الصحيحان صريحان في وجوب تقدّم الإمام فيما كان المأموم أكثر من واحد. و ما دلّ على تقديم أحد المأمومين فيما لو مات الإمام في الأثناء أو حدث له مانع عن إتمام الصلاة، أو ذكر أنّه لم يكن على طهارة: ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سئل عن رجل أمّ قوماً فصلّى بهم ركعة ثمّ مات، قال: «يقدّمون رجلًا آخر و يعتدون بالركعة و يطرحون الميّت خلفهم و يغتسل من مسّه»(وسائل الشيعة 8: 380، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 43، الحديث 1.) و رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: سألته عن رجل أمّ قوماً فأصابه رعاف بعد ما صلّى ركعة أو ركعتين، فقدّم رجلًا ممّن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: «يتمّ بهم الصلاة ثمّ يقدّم رجلًا فيسلّم لهم و يقوم هو فيتمّ بقية صلاته»(وسائل الشيعة 8: 378، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 5.) . و طلحة في السند لم يثبت الاعتماد عليه، نعم قال الشيخ في «الفهرست»: كتابه معتمد. و صحيح جميل بن درّاج عن الصادق عليه السلام في رجل أمّ قوماً على غير وضوء فانصرف و قدّم رجلًا و لم يدر المقدّم ما صلّى الإمام قبله، قال: «يذكره من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 377، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 2.) و صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المسجد و هم في الصلاة و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر؛ فيعتلّ الإمام فيأخذ بيده و يكون أدنى القوم إليه فيقدّمه فقال: «يتمّ صلاة القوم ثمّ يجلس، حتّى إذا فرغوا من التشهّد أومأ إليهم بيده عن اليمين و الشمال، و كان الذي أومأ إليهم بيده التسليم و انقضاء صلاتهم، و أتمّ هو ما كان فاته أو بقي عليه»(وسائل الشيعة 8: 377، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 3.) و صحيح زرارة قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن إمام أمّ قوماً، فذكر أنّه لم يكن على وضوء، فانصرف و أخذ بيد رجل و أدخله فقدّمه، و لم يعلم الذي قدّم ما صلّى القوم، فقال: «يصلّي بهم، فإن أخطأ سبّح القوم به و بنى على صلاة الذي كان قبله»(وسائل الشيعة 8: 378، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 40، الحديث 4.) و صحيح علي بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الإمام أحدث فانصرف و لم يقدّم أحداً، ما حال القوم؟ قال: «لا صلاة لهم إلّا بإمام، فليقدّم بعضهم فليتمّ بهم ما بقي منها، و قد تمّت صلاتهم»(وسائل الشيعة 8: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 72، الحديث 1.) و مرسل الصدوق قال: و قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ما كان من إمام تقدّم في الصلاة و هو جنب ناسياً أو أحدث حدثاً أو رعف رعافاً أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثمّ لينصرف و ليأخذ بيد رجل فليصلّ مكانه ثمّ ليتوضّأ و ليتمّ ما سبقه من الصلاة، و إن كان جنباً فليغتسل فليصلّ الصلاة كلّها»(وسائل الشيعة 8: 426، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 72، الحديث 2.) و صحيحه الآخر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد، كيف يصنع؟ قال: «يقدّم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف، و قد تمّت صلاته»(وسائل الشيعة 8: 427، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 72، الحديث 3.) وجه الاستدلال بهذه الروايات: أنّه لو لم يجب تأخّر المأموم عن الإمام لم يكن على الإمام أن يأخذ يد أحد المأمومين و يقدّمه عليهم، بل كان له أن يأمر بائتمامهم على واحد منهم مع وقوفهم في موقفهم. و ما دلّ على جواز إمامة العاري العراة جالسين مقدّماً إمامهم على مأموميهم: ففي صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوساً و هو جالس»(وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قوم قطع عليهم الطريق و اخذت ثيابهم فبقوا عراةً و حضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: «يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه، فيومئ إيماءً بالركوع و السجود و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم»(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) و اجيب عن الاستدلال بالوجوه المذكورة بأنّ تأخّر المأموم عن الإمام و عدم تساويهما في الموقف و إن كان ثابتاً من فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام و الصحابة و التابعين، لكنّه لا يدلّ على الاشتراط و الالتزام بعدم جواز المساواة على حدّ التزامهم بعدم جواز تقدّم المأموم على الإمام؛ فلا يحصل الوثوق بكون الحكم متلقّى من المعصوم عليه السلام؛ خصوصاً مع ذهاب معظم الأصحاب على خلافه. و مع الشكّ في الشرطية المرجع هو البراءة دون الاحتياط. و أمّا رواية «الاحتجاج» فهي- على فرض صحّة سندها و تمامية دلالتها على الاشتراط- معارضة بصحيح الحميري المتقدّم الدالّ على جواز المساواة، و هو أوثق من رواية «الاحتجاج». و أمّا صحيحا محمّد بن مسلم فمحمولان على الاستحباب. و في «الجواهر»: بمعنى استحباب قيام المأموم إن كان متعدّداً خلف الإمام، فغير المستحبّ حينئذٍ أن يكونوا في أحد جنبيه أو فيهما بمعنى استحباب كون المأموم الواحد إلى جهة يمين الإمام، و إن جاز كونه على جهة يساره أو خلفه؛ لأنّ المراد مساواتهم و مساواته في الموقف(جواهر الكلام 13: 227.) ، انتهى. و لقد بالغ صاحب «الحدائق» في تأييد ما عليه ابن إدريس من التفصيل و القول بوجوب قيام المأموم إذا كان واحداً عن يمين الإمام، و إذا كان أكثر من واحد وقفوا خلف الإمام. و قال بعد ذكر الأخبار: و هي كما ترى متطابقة الدلالة متعاضدة المقالة، على أنّ الحكم في الاثنين هو قيام المأموم عن يمين الإمام، و الحكم في الأكثر التأخّر، و قد عرفت أنّ العبادات مبنية على التوقيف عن صاحب الشريعة، و هذا هو الذي ورد به الشرع عنهم عليهم السلام في كيفية الائتمام في هذه الصورة؛ سيّما مع اشتمالها على الأوامر التي هي حقيقة في الوجوب ... إلى أن قال: و الخروج عنه من غير دليل و لا نصّ خروج عن المشروع ... إلى أن قال بعد صفحة: و بالجملة فالقول المذكور في غاية القوّة؛ لما عرفت، و لا أعرف لهم وجهاً في ردّ هذه الأخبار إلّا قصور النظر عن تتبّعها و الاطّلاع عليها و الجمود على ظواهر المشهورات المزخرفة بالإجماعات(الحدائق الناضرة 11: 92.) ، انتهى. ثمّ إنّه ممّا ذكرنا في صحيح ابن مسلم من حمل الأصحاب إيّاه على الاستحباب يظهر الجواب عن الروايات المدّعى دلالتها على تقديم أحد المأمومين فيما مات الإمام أو حدث له مانع عن إتمام صلاته، فهي محمولة على الاستحباب، كالأخبار الدالّة على تقدّم ركبتي الإمام في جماعة العراة. و القائلون بجواز تساوي الإمام و المأموم في الموقف- كالمحقّق في «الشرائع» و العلّامة في «القواعد» و «المنتهى» و «التذكرة» و الشهيدين في «الذكرى» و «البيان» و «الدروس» و «الروض» و «المسالك»، و صاحب «المدارك» و «الرياض» و غيرهم- استدلّوا بالأصل، و بإطلاقات الجماعة، و بالشهرة التي ادّعاها جماعة من فقهائنا، كالشهيدين في «الروض» و «المسالك». و في «الرياض»: أنّه ممّا لا خلاف فيه، إلّا من الحلّي. و ادّعى العلّامة في «التذكرة» الإجماع عليه. و استدلّوا أيضاً بذيل رواية الحميري المتقدّم: «و يصلّي عن يمينه و شماله». و بما دلّ على الإذن بقيام المأموم حذاء الإمام مع ضيق الصفّ، كما في صحيح سعيد الأعرج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصفّ مقاماً، أ يقوم وحده حتّى يفرغ من صلاته؟ قال: «نعم، يقوم بحذاء الإمام»(وسائل الشيعة 8: 406، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 57، الحديث 3.) و ما دلّ على قيام المرأة وسط الصفّ لو أمّت النساء، كما في صحيح هشام بن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ و لكن تقوم وسطهنّ»(وسائل الشيعة 8: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 1.) و ما دلّ على جواز الجماعة لقوم دخلوا المسجد قبل تفرّق الجماعة الاولى من غير أن يبدو لهم إمام، كما في رواية أبي علي الحرّاني قال: كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلّيتُ في المسجد الفجر فانصرف بعضنا و جلس بعض في التسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذّن، فمنعناه و دفعناه عن ذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: «أحسنت، ادفعه عن ذلك و امنعه أشدّ المنع»، فقلت: فإن دخلوا فأرادوا أن يصلّوا فيه جماعة، قال: «يقومون في ناحية المسجد و لا يبدو بهم إمام»(وسائل الشيعة 8: 415، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 65، الحديث 2.) و أبو علي الحرّاني في السند لم يقف الرجاليون على اسمه و لا حاله، نعم روى عنه ابن أبي عمير. و ما دلّ على حكم أمير المؤمنين عليه السلام بصحّة المختلفين في دعوى كلّ منهما الإمام، كما في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام عن أبيه قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين اختلفا، فقال أحدهما: كنت إمامك، و قال الآخر: أنا كنت إمامك، فقال: صلاتهما تامّة». قلت: فإن قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك، قال: «صلاتهما فاسدة و ليستأنفا»(وسائل الشيعة 8: 352، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 29، الحديث 1.) و ما دلّ على أنّ الرجلين صفّ و فيما زاد على الاثنين تقدّم الإمام، كما في صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «الرجلان يؤمّ أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه»(وسائل الشيعة 8: 341، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 1.) و صحيحه الآخر عن أبي جعفر عليه السلام أنّه سئل عن الرجل يؤمّ الرجلين، قال: «يتقدّمهما و لا يقوم بينهما»، و عن الرجلين يصلّيان جماعة، قال: «نعم، يجعله عن يمينه»(وسائل الشيعة 8: 342، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 7.) و رواية «قرب الإسناد» عن أبي البختري عن جعفر بن محمّد عن أبيه عن علي عليه السلام قال: قال: «رجلان صفّ، فإذا كانوا ثلاثة تقدّم الإمام»(وسائل الشيعة 8: 344، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 23، الحديث 13.) و يمكن المناقشة فيما عدا الشهرة من الوجوه المذكورة؛ فمن شاء فليرجع إلى «الجواهر» و «مصباح الفقيه». و مقتضى الجمع بين الأخبار حمل الأخبار الدالّة بظاهرها على جواز التساوي و عن يمين الإمام فيما كان المأموم رجلًا واحداً على الاستحباب، كما يحمل عليه الأخبار الدالّة على قيام المأموم خلف الإمام فيما كان المأموم امرأة أو رجلين أو أزيد. فالمشهور المختار: أنّه لو وقف المأموم الواحد خلف الإمام أو شماله و المتعدّد عن يمينه و شماله جاز. و ادّعى العلّامة في «المنتهى» الإجماع عليه، و لعلّه كذلك؛ إذ لا خلاف فيه إلّا من الحلّي. و لكن الأحوط عدم التقدّم بشي ء من الأعضاء في شي ء من الأحوال، بل الأحوط عدم التساوي مطلقاً. و الأحوط وجوباً عند المصنّف رحمه الله تأخّر المأموم عن الإمام و لو يسيراً، و لعلّه لكونه متيقّناً من صحّة الجماعة، و لكثرة الأخبار المتفرّقة الدالّة على وجوب تقدّم الإمام بالنسبة إلى الأخبار الدالّة على جواز التساوي، و هذا هو الوجه في الاحتياط و مراعاة تأخّر المأموم عن الإمام في جميع الأحوال. و في «المستمسك»: بل لعلّه المتعيّن، كما يقتضيه إطلاق المنع من التقدّم. و من لم يتقدّم بعقبه و تقدّم برأسه في الركوع و السجود- لطول قامته- فهو متقدّم في الجملة، و الأصل كافٍ في المنع عنه(مستمسك العروة الوثقى 7: 235.) ، انتهى. و لا يضرّ عند المصنّف رحمه الله تقدّم المأموم في ركوعه و سجوده لطول قامته بعد عدم تقدّمه في الموقف؛ لأنّ الممنوع عنده هو تقدّم المأموم على الإمام في الموقف و لو يسيراً. و لا يخفى: أنّ المدار في التقدّم و التأخّر و كذا التساوي على الصدق العرفي، لا على المداقّة العقلية. و في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ المدار في التقدّم و المساواة العرف، كما صرّح به غير واحد من المتأخّرين؛ إذ لم يتحقّق فيهما حقيقة شرعية و لا تحديد شرعي. فكأنّ ما وقع للأصحاب من تقديرهما في حال القيام، أو هو مع الركوع بالأعقاب، أو بها و الأصابع معاً، أو بالمناكب خاصّة و بأصابع الرجل في حال السجود و بمقاديم الركبتين و الأعجاز في حال التشهّد و الجلوس و بالجنب في حال الاضطجاع، لإرادة ضبط مفهومها عرفاً، و إلّا فليس في نصوص المقام تعرّض لشي ء من ذلك، عدا أنّه ورد في كيفية صلاة العراة أنّ الإمام يتقدّمهم بركبتيه. و لا يبعد أن يدّعى أنّ المقصود بذلك أدنى ما يجزي ممّا يتحقّق معه إطلاق اسم التقدّم في العرف(مصباح الفقيه، الصلاة: 655/ السطر 28.) ، انتهى. ثمّ إنّ وجه الخصوصية لمراعاة الاحتياط في تأخّر المأموم عن الإمام حال الجلوس هو صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوساً و هو جالسٌ»(وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 1.)

ص: 498

ص: 499

ص: 500

ص: 501

ص: 502

ص: 503

ص: 504

ص: 505

ص: 506

ص: 507

ص: 508

[مسائل الشرائط]
(مسألة 1): ليس من الحائل الظلمة و الغبار المانعان من المشاهدة،

و كذا نحو النهر و الطريق إن لم يكن فيه بعد ممنوع في الجماعة، بل الظاهر عدم كون الشبّاك أيضاً منه، إلّا مع ضيق الثقب بحيث يصدق عليه السترة و الجدار، و أمّا الزجاج الحاكي عن ورائه فعدم كونه منه لا يخلو من قرب، و الأحوط الاجتناب (1).


1- الظلمة و الغبار ليسا من الحائل المانع في الجماعة؛ ففي «الجواهر» ليست الظلمة من الحائل قطعاً(جواهر الكلام 13: 158.) ، و في «المستمسك»: لعلّه من الضروريات(مستمسك العروة الوثقى 7: 237.) ، و في «مصباح الفقيه»: المدار في صحّة الائتمام ليس على المشاهدة من حيث هي، و إلّا لم يصحّ مع الظلمة و العمى، بل و لا على أن لا يكون هناك جسم خارجي مانع عن مشاهدة المأموم الإمام؛ إذ لو كان بحيال وجهه فقط جسم كذلك لا يكون ذلك مانعاً عن الائتمام، بل على أن لا يكون بين جسديهما حائل يحجب ما ورائه من جدار و نحوه. فلو صلّى المأموم بحيال باب- مثلًا- و الإمام بحذائه، و لكن منعهما أطراف الباب عن المشاهدة و لو في جميع أحوال الصلاة لأطولية قامتهما عن مقدار مسافة الباب لم يقدح ذلك في صحّة صلاته بعد أن لا يصدق عرفاً أنّ بينهما سترة أو جدار على الإطلاق(مصباح الفقيه، الصلاة: 629/ السطر 32.) ، انتهى. و أمّا حيلولة النهر و الطريق بين الإمام و المأموم فعن «المنتهى» نسبة الجواز إلى الأكثر، و عن «الذخيرة» نسبته إلى المشهور. و نسب إلى الحلبي و ابن زهرة المنع من حيلولة النهر بين الإمام و المأموم، و لعلّه لما هو الغالب من استلزامه الفصل بما لا يتخطّى؛ فيشمله إطلاق صحيح زرارة المتقدّم(وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 2.) ، هذا بناءً على مانعية الفصل بمقدار ما لا يتخطّى من الاقتداء. و أمّا بناءً على ما ذكره الشهيد من كون الصحيحة محمولة على الاستحباب فلا بأس بهذا الفصل. و نسب إلى أبي حنيفة المنع من حيلولة النهر و الطريق قياساً على الجسم الحائل. و فيه: أنّه- مضافاً إلى بطلان القياس- قياس مع الفارق. هذا كلّه من حيث النهرية و الطريقية. و أمّا بالنسبة إلى حيثية اخرى فيمكن أن يكونا مانعين من الائتمام؛ فقد أشار إليه المصنّف رحمه الله بقوله: إن لم يكن فيه بعد ممنوع في الجماعة. و في «الجواهر»: فمع فرض تحقّق المنع من جهة اخرى كعدم التخطّي- إن قلنا باعتباره- أو حصول التباعد السالب لاسم الجماعة أو غير ذلك لا إشكال في القدح(جواهر الكلام 13: 158.) ، انتهى. و أمّا الشبّاك فالمشهور شهرة عظيمة أنّه لا يعدّ من الحائل المانع من الاقتداء. و في «المستمسك»: بل لم يعرف الخلاف فيه إلّا من الشيخ و ابن زهرة و الحلبي(مستمسك العروة الوثقى 7: 237.) ، انتهى. نعم لو كان ثقب الشبّاك ضيّقة بحيث يصدق عليه معها السترة و الجدار عرفاً يخلّ بالجماعة و تبطل الصلاة. و أمّا الزجاج فعن كاشف الغطاء جوازه و عدم كونه مانعاً من الاقتداء، و لعلّه لظهور صحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام في اعتبار المشاهدة و عدم الحائل(وسائل الشيعة 8: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 1.) و اختاره جماعة؛ منهم المحقّق و صاحب «الحدائق». قال في «الحدائق»: من الشرائط أيضاً عند الأصحاب- رضوان اللَّه عليهم- المشاهدة؛ بمعنى أن لا يكون ثمة بين الإمام و المأموم أو بين المأمومين بعض مع بعض حائل يمنع المشاهدة. قال في «المدارك»: هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، و الأصل فيه ما رواه الشيخ في الحسن و الصدوق في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام(الحدائق الناضرة 11: 95.) ، انتهى موضع الحاجة من كلام صاحب «الحدائق». و إليه ذهب صاحب «الجواهر» قال: و كذا لا يندرج في الحائل الزجاج و نحوه ممّا يشاهد من خلفه(جواهر الكلام 13: 158.) ، انتهى. و الأحوط عندنا- لو لم يكن الأقوى- عدم الجواز؛ لصدق الجدار عليه، حيث إنّ الجدار هو الحائط، و هو قد يكون من الآجر و الحجر، و قد يكون من الخشب، و قد يكون من الزجاج و غيره من الموادّ، كما هو المتعارف في زماننا، و إن كان الغالب هو الأوّل.

ص: 509

ص: 510

ص: 511

(مسألة 2): لا بأس بالحائل القصير الذي لا يمنع المشاهدة في أحوال الصلاة،

و إن كان مانعاً منها حال السجود- كمقدار شبر و أزيد- لو لم يكن مانعاً حال الجلوس، و إلّا ففيه إشكال لا يترك فيه الاحتياط (1).


1- هذه المسألة ممّا لا خلاف و لا إشكال فيه، بل و في كلام جماعة أنّه لا بأس بما لا يمنع المشاهدة حال الجلوس أيضاً؛ ففي «التذكرة»: لو كان الحائل قصيراً يمنع حالة الجلوس خاصّة من المشاهدة فالأقرب الجواز(تذكرة الفقهاء 4: 258.) و في «الحدائق»: فلو لم يمنع المشاهدة- كالحائل القصير المانع حالة الجلوس خاصّة و الشبّاك المانع من الاستطراق دون المشاهدة- فلا بأس بالصلاة و الحال هذه(الحدائق الناضرة 11: 96.) و في «الرياض»: و احترز بقوله: «يمنع المشاهدة» عمّا لا يمنع عنها و لو حال القيام خاصّة، كالحائل القصير و الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة؛ فإنّه تصحّ صلاة من خلفها مقتدياً بمن فيها كما هو المشهور(رياض المسائل 4: 298.) و في «الجواهر»: أمّا إذا كان الحائل قصيراً لا يمنع المشاهدة فلا خلاف بل و لا إشكال في عدم قادحيته. نعم قد يتوقّف فيما لو منعها حال الجلوس- مثلًا- دون القيام لقصره، كما عن «المصابيح»؛ لصدق السترة و الجدار، و توقيفية الجماعة. مع أنّ الذي صرّح به الفاضل و الشهيدان و الكركي و ولده و أبو العبّاس و المقداد و الخراساني و عن غيرهم عدم قدحه أيضاً، بل لا أجد فيه خلافاً و لا إشكالًا ممّن عدا من عرفت بينهم، و لعلّه كذلك؛ لعدم الشكّ في شمول إطلاق الجماعة له، و عدم إرادة ما يشمله من السترة و الجدار(جواهر الكلام 13: 155.) ، انتهى. و لا يترك الاحتياط فيما لو كان مانعاً حال الجلوس؛ للشكّ في مشروعية الجماعة حينئذٍ؛ و لذا توقّف فيه في «المصابيح»؛ لصدق السترة و الجدار و توقيفية الجماعة، كما حكاه عنه صاحب «الجواهر» رحمه الله.

ص: 512

(مسألة 3): لا يقدح حيلولة المأمومين المتقدّمين-

و إن لم يدخلوا في الصلاة- إذا كانوا متهيّئين مشرفين على العمل، كما لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثرهم للإمام إن كان ذلك من جهة استطالة الصفّ، و كذا عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الثاني للصفّ الأوّل من جهة أطوليته من الأوّل (1).


1- عدم قدح حيلولة المأمومين المتقدّمين إجماعي، بل من الضروريات. و هل يشترط في صحّة اقتداء الصفّ اللاحق دخول الصفّ السابق في الجماعة، أم لا بل يكفي مجرّد كون الصفّ السابق مستعدّين للصلاة و إن لم يكونوا داخلين فيها بعد؟ الأقوى هو الثاني؛ للسيرة القطعية التي ادّعاها جماعة من فقهائنا. و يدلّ عليه ما رواه الصدوق في «المجالس» عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سوّوا الفروج، و إذا قال إمامكم: اللَّه أكبر فقولوا: اللَّه أكبر، و إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهمّ ربّنا و لك الحمد»(وسائل الشيعة 8: 423، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 70، الحديث 6.) وجه الدلالة هو الاجتزاء بتكبير المأموم عقيب تكبير الإمام من دون انتظار السابق. و لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الأوّل أو أكثرهم للإمام من جهة استطالة الصفّ. و كذا لا يقدح عدم مشاهدة بعض أهل الصفّ الثاني للصفّ الأوّل من جهة أطولية الصفّ؛ و ذلك لأنّ المستفاد من النصّ و الفتوى قادحية الحائل الخارجي كالجدار و السترة. و في «المستمسك»: أنّ عدم كونه قادحاً من القطعيات(مستمسك العروة الوثقى 7: 238.)

ص: 513

(مسألة 4): لو وصلت الصفوف إلى باب المسجد- مثلًا-

و وقف صفّ أو صفوف في خارج المسجد؛ بحيث وقف واحد منهم- مثلًا- بحيال الباب و الباقون في جانبيه،

ص: 514

فالأحوط بطلان صلاة من على جانبيه من الصفّ الأوّل ممّن كان بينهم و بين الإمام أو الصفّ المتقدّم حائل، بل البطلان لا يخلو من قوّة. و كذا الحال في المحراب الداخل، نعم تصحّ صلاة الصفوف المتأخّرة أجمع (1).


1- الأحوط لو لم يكن الأقوى بطلان صلاة من وقف خارج المسجد في أحد جانبي مَن بحيال الباب، و كذا من وقف على يمين المحراب الداخل في جدار و نحوه أو يساره. و في «المستمسك»: فإنّه المتيقّن من الصحيح المتقدّم و من معاقد الإجماعات على قدح الحائل(مستمسك العروة الوثقى 7: 239.) و في «الشرائع»: إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ماضية دون صلاة من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه، و تجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصفّ الأوّل؛ لأنّهم يشاهدون من يشاهده(شرائع الإسلام 1: 116.) ، انتهى. و يدلّ عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: «إن صلّى قوم بينهم و بين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة، إلّا من كان حيال الباب» قال: و قال: «هذه المقاصير إنّما أحدثها الجبّارون، و ليس لمن صلّى خلفها مقتدياً بصلاة من فيها صلاة»(وسائل الشيعة 8: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 1.) . وجه الدلالة: أنّ الظاهر من قصر صحّة الصلاة في صلاة من بحيال الباب فقط هو بطلان صلاة من بجانبيه. و ذهب جماعة إلى أنّه يكفي مشاهدة من يشاهد الإمام و لو بوسائط؛ سواء كان في صفّه أو صفّ المتقدّم عليه. و في «مصباح الفقيه»: لعلّ هذا القول هو المشهور بينهم، بل لم يثبت القول بخلافه ممّن عدا المحقّق البهبهاني؛ فإنّ كلمات من عرفت ممّن يظهر منه ذلك قد يدّعي كونها مؤوّلة؛ لقرائن داخلية أو خارجية بحمل الصفّ الأوّل في العبائر المزبورة على القطعتين المنعقدتين في جناحي المحراب محاذياً له، بناءً على أنّهما مع الإمام المتوسّط بينهم صفٌّ واحد، كما صنعه في «الرياض» و غيره؛ مستشهدين لذلك بكون الجانب حقيقةً في المحاذي للمنكب دون المتأخّر عنه الواقف في سمت جانبيه. و جعل في «الرياض» المراد بمن يشاهد الإمام من الصفّ الأوّل في عبارة «القواعد»، هو من دخل في المحراب مع الإمام، معترفاً بأنّه فرض نادر، مدّعياً أنّه لا يبعد تعرّض الفقيه للفروض النادرة. و في «المسالك» حمل من يقابله في عبارة الكتاب على الصفّ الواقع خلف المحراب(مصباح الفقيه، الصلاة: 630/ السطر 7.) ، انتهى كلام «مصباح الفقيه». هذا كلّه بالنسبة إلى صلاة الواقفين في جانبي من بحيال الباب. و أمّا الصفوف المتأخّرة الواقفين خلف من يقابل المحراب أو الصفّ المتقدّم فتجوز صلاتهم؛ لأنّهم يشاهدون من يشاهد الإمام.

ص: 515

(مسألة 5): لو تجدّد الحائل أو البعد في الأثناء

فالأقوى كونه كالابتداء؛ فتبطل الجماعة و يصير منفرداً (1).


1- و ذلك لإطلاق النصّ و الفتوى، حيث إنّ الظاهر كون عدم الحيلولة و كذا عدم البعد شرطاً في صحّة الائتمام من حيث هو؛ فما دام مأموماً يجب أن لا يكون بينه و بين الإمام حائل و بعد؛ فهما شرطان ابتداءً و استدامةً. فالمشار إليها ب «تلك» في صحيحي زرارة المتقدّمين: «فليس تلك لهم بصلاة»(وسائل الشيعة 8: 407، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 59، الحديث 1، و الباب 62، الحديث 2.) الواردين في شرطية عدم الحائل و البعد هي الصلاة التي أخلّ بشرطها، و الشرطية ظاهرة في الإطلاق، و كونها قضية طبيعية مقتضاها صدق الجزاء عند حصول مسمّى الشرط. فالقوم يقتدون بإمامهم من أوّل صلاتهم إلى آخرها، و يصلّون بصلاته ما دام لم ينفردوا؛ فإذا وجد حائل بينهما في شي ء من هذه المدّة أو حصل الفصل بما لا يتخطّى كذلك صدق حال حصوله أنّهم يصلّون بصلاة هذا الإمام، و الحال أنّ بينه و بينهم الحائل أو الفصل. فمقتضى إطلاق النصّ: أنّ الإمام في هذين الحالين ليس لهم بإمام و ليست تلك لهم بصلاة. و قال الشيخ الأنصاري رحمه الله بعدم دلالة الصحيحين على اعتبار عدم الحائل و الفصل استمراراً؛ لأنّ قوله عليه السلام: «فليس تلك لهم بصلاة» إشارة إلى الصلاة التي صلّيت مع الحائل و البعد بتمامها، و الحكم ببطلان الصلاة التي صلّيت تمامها مع الحائل أو البعد لا يستلزم الحكم ببطلان أبعاضها إذا وقعت كذلك، أو ببطلان الكلّ إذا وقع البعض كذلك(كتاب الصلاة، ضمن مجموعة تراث الشيخ الأعظم 7: 340.) و فيه: ما عرفت من أنّ الشرطية ظاهرة في الإطلاق، و مقتضاها صدق الجزاء عند حصول الشرط؛ أي نفي صلاتية الصلاة الفاقدة للشرط.

ص: 516

ص: 517

(مسألة 6): لا بأس بالحائل غير المستقرّ،

كمرور إنسان أو حيوان، نعم لو اتّصلت المارّة لا يجوز و إن كانوا غير مستقرّين (1).

(مسألة 7): لو تمّت صلاة أهل الصفّ المتقدّم يشكل بقاء اقتداء المتأخّر

و إن عادوا إلى الجماعة بلا فصل؛ فلا يترك الاحتياط بالعدول إلى الانفراد (2).


1- و ذلك لأنّ المانع المنصوص هو الجدار و السترة، و هما مستقرّان؛ فالنصّ منصرف عن الحائل الغير المستقرّ كمرور إنسان أو حيوان. نعم لو اتّصلت المارّة لا يجوز الائتمام و إن كانوا غير مستقرّين؛ و ذلك لأنّ اتّصالهم يجعلهم كالجدار و السترة في الحيلولة العرفية.
2- إذا تمّت صلاة أهل الصفّ المتقدّم حصل الفصل المخلّ بين الإمام و الصفّ المتأخّر، و تحقّق الانفراد القهري، و وجب عليه وظيفة المنفرد إن لم يتدارك شرط عدم الفصل بما لا يتخطّى بلحوقه بالصفّ المتّصل بالإمام من دون تراخٍ، هذا بناءً على اشتراط عدم الفصل بما لا يتخطّى و إخلال أزيد من الخطوة. و علّل في «العروة الوثقى» الإشكال بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر بكون الصفّ المتقدّم حينئذٍ حائلين غير مصلّين، قال: إذا تمّت صلاة الصفّ المتقدّم و كانوا جالسين في مكانهم اشكل بالنسبة إلى الصفّ المتأخّر؛ لكونهم حينئذٍ حائلين غير مصلّين(العروة الوثقى 1: 781، المسألة 15.) و فيه: أنّ منشأ الإشكال تحقّق الفصل بينهما بما لا يتخطّى، لا وجود الحائل بينهما في الأثناء. هذا كلّه بناءً على عدم عود الصفّ المتقدّم إلى الجماعة بعد إتمام صلاتهم بلا فصل، و أمّا إذا عادوا إلى الجماعة بلا فصل فيشكل بقاء قدوة الصفّ المتأخّر، بل ظاهر صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «إن صلّى قوم و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام»(وسائل الشيعة 8: 410، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 62، الحديث 2.) ، بطلان القدوة بالبُعد المخلّ مطلقاً و لو بمجرّد تحقّقه اتّفاقاً، إلّا أن يدّعى بانصرافها عن مفروض المسألة، و أنّ البعد الحاصل بطور الاتّفاق غير مانع؛ فلا يترك الاحتياط بالعدول إلى الانفراد لو لم يلحق بالإمام أو بالصفّ المتقدّم عليه. و في «مصباح الفقيه»: لو عرض البُعد في الأثناء بانتهاء صلاة الصفوف المتخلّلة- مثلًا- فهل يتدارك هذا الشرط بلحوقه بالصفّ المتّصل بالإمام من دون تراخٍ أو بعود من انتهت صلاته إلى الجماعة بنية صلاة اخرى بلا فصل يعتدّ به، أم تبطل القدوة بمجرّد حصول الفصل؟ و على تقدير البطلان فهل له أن يلحق بالصفّ و يجدّد نية الائتمام؟ وجوه لا يخلو أوّلها من قوّة؛ فإنّ كونه من أهل الجماعة و توجّهه إليهم لدى عروض البعد مع بقاء عزمه على الائتمام و اللحوق بالصفّ موجب لحفظ علاقة الارتباط و عدم كونه لدى العرف أجنبياً عن الجماعة، بل معدوداً في عدادهم. كما يؤيّده الروايات الواردة فيمن دخل المسجد فرأى الإمام راكعاً و خاف فوات الركعة بلحوقه بالصفّ، بناءً على كونها منافية لاشتراط عدم التباعد بالتقريب المزبور(مصباح الفقيه، الصلاة: 636/ السطر الأخير.) ، انتهى.

ص: 518

ص: 519

(مسألة 8): إن علم ببطلان صلاة أهل الصفّ المتقدّم تبطل جماعة المتأخّر

لو حصل الفصل أو الحيلولة، نعم مع الجهل بحالهم تحمل على الصحّة. و إن كانت صلاتهم صحيحة بحسب تقليدهم و باطلة بحسب تقليد أهل الصفّ المتأخّر يشكل دخوله فيها مع الفصل أو الحيلولة (1).


1- وجه بطلان جماعة المتأخّر فيما علم ببطلان صلاة أهل الصفّ المتقدّم هو حصول الفصل و الحيلولة بينهما، بناءً على بطلان الجماعة بهما، و مع الجهل بحال أهل الصفّ المتقدّم و أنّ صلاتهم باطلة، أولا تحمل على الصحّة؛ لأصالة الصحّة في عملهم. و أمّا فيما كانت صلاة الصفّ المتقدّم صحيحة باجتهادهم أو تقليدهم، و باطلة بحسب اجتهاد أهل الصفّ المتأخّر أو تقليدهم. ففي جواز دخول الصفّ المتأخّر في الجماعة مع فصل الصفّ المتقدّم و حيلولته إشكالٌ. و منشأ الإشكال عدم إحراز الصحّة في صلاة الصفّ المتقدّم بالنسبة إلى المتأخّر المعتقد ببطلان فعل المتقدّم. و في «المستمسك»: بل و كذا لو قيل بالإجزاء؛ للشكّ الموجب للرجوع إلى أصالة عدم المشروعية(مستمسك العروة الوثقى 7: 247.) ، انتهى. و سيأتي تفصيل البحث في مسألة اختلاف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً؛ و هي المسألة السادسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة».

ص: 520

(مسألة 9): يجوز لأهل الصفّ المتأخّر الإحرام قبل المتقدّم إذا كانوا قائمين متهيّئين للإحرام تهيّؤاً مشرفاً على العمل

(1).


1- وجه الجواز هو السيرة القطعية المدّعاة في كلام جماعة من فقهائنا. و يظهر من «المسالك» و «المدارك» أنّه ينبغي أن لا يحرم البعيد قبل أن يحرم من قبله ممّن يزول معه التباعد. و أورد عليهما في «الجواهر»: بعدم عدّ مثله من التباعد في العادة، و بأنّه ليس في النصوص و الفتاوى ما يشهد له، إنّما الذي فيها وجوب افتتاح المأمومين بعد افتتاح الإمام خاصّة- قلّوا أو كثروا، استطالت صفوفهم أو قصرت- من غير مدخلية للمأمومين في ذلك بعضهم من بعض، كما هو لازم قولهما: عدا من كان متّصلًا بالإمام من الشخص و الشخصين. مع ما فيه من التضييق و التشديد لإدراك الجماعة؛ خصوصاً بالنسبة إلى بعض المأمومين الذين يتوقّفون في النية، بل فيه من الإفضاء إلى عدم حضور القلب و التوجّه ما لا يخفى. على أنّه غالباً يتعذّر أو يتعسّر على المتأخّر العلم بحصول تكبيرة الافتتاح من بين التكبيرات من المتقدّم؛ خصوصاً لو كان مجيئه للجماعة بعد اصطفاف الصفوف و تهيّؤهم للصلاة و شروعهم في تصوّرها و نيتها. بل قد يفضي مراعاة ذلك إلى عدم إدراك أوّل ركعة في الجماعات المعظمة، إلّا للقليل منها، بل و للركعة الثانية أيضاً، بل ربّما تفوت الفريضة تماماً؛ خصوصاً الثنائية أو الثلاثية، و خصوصاً مع إرادة الإسراع فيها لسفر أو نحوه من الأعذار. إلى غير ذلك ممّا يمكن دعوى القطع بخلافه من السيرة المستمرّة في سائر الأعصار و الأمصار و عظم الجماعات، كجماعة النبي و أمير المؤمنين- عليهما الصلاة و السلام- و غلبة تخلّل الصفوف من لا يوثّق بصحّة صلواتهم. و من أنّه لو كان كذلك لاشتهر روايةً و فتوى و عملًا- اشتهار الشمس في رابعة النهار- لتوفّر الدواعي و كثرة الاستعمال(جواهر الكلام 13: 179.) ، انتهى كلام صاحب «الجواهر» رحمه الله.

ص: 521

ص: 522

القول في أحكام الجماعة
اشارة

الأقوى وجوب ترك المأموم القراءة في الركعتين الاوليين من الإخفاتية، و كذا في الاوليين من الجهرية لو سمع صوت الإمام و لو همهمته، و إن لم يسمع حتّى الهمهمة جاز- بل استحبّ- له القراءة (1).


1- يظهر من بعض الأخبار حرمة قراءة المأموم في الركعتين الاوليين من الإخفاتية: ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «إذا صلّيت خلف إمام تأتمّ به فلا تقرأ خلفه؛ سمعت قراءته أم لم تسمع، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة و لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 1.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: «أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) و صحيح ابن سنان- يعني عبد اللّه- عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ، و كان الرجل مأموناً على القرآن؛ فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين»، و قال: «يجزيك التسبيح في الأخيرتين»، قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 9.) و إطلاق صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إن كنتَ خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأوّلتين، و أنصت لقراءته، و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين؛ فإنّ اللَّه- عزّ و جلّ- يقول للمؤمنين: «وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ»؛ يعني في الفريضة خلف الإمام «فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» فالأخيرتان تبعاً للأوّلتين»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و كذا إطلاق صحيح زرارة و محمّد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر عليه السلام: «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ خلف إمام يأتمّ به فمات بعث على غير الفطرة»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 4.) و إطلاق موثّق يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف من أرتضي به، أقرأ خلفه؟ قال: «من رضيت به فلا تقرأ خلفه»(وسائل الشيعة 8: 359، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 14.) فالظاهر من الأخبار المذكورة حرمة قراءة المأموم في الركعتين الأوّلتين من الإخفاتية، و المطلقات منها مقيّدة بالإخفاتية؛ للأخبار الدالّة على الجواز في الجهرية لو لم يسمع قراءة الإمام. و يظهر من بعض أخبار اخر جواز القراءة في الاوليين من الإخفاتية، كما في صحيح علي بن يقطين في حديث قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال: «إن قرأت فلا بأس، و إن سكتّ فلا بأس»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 13.) ، و المراد من الصمت في الرواية هو الإخفات، كما عن جماعة من الأصحاب. و خبر إبراهيم بن علي المرافقي و عمرو بن الربيع البصري عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه سأل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «إذا كنت خلف الإمام تولّاه و تثق به فإنّه يجزيك قراءته، و إن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت؛ قال اللَّه تعالى: «وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»»(وسائل الشيعة 8: 359، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 15.) و مقتضى الجمع بين الأخبار هو حمل النهي في خصوص الإخفاتية على الكراهة، و حمل المطلقات على الجهرية مع سماع صوت الإمام و لو همهمته. فالقول بالجواز مع الكراهة في المسألة هو المختار المشهور كما في «الروضة»، و في «الجواهر»: و هو كذلك(جواهر الكلام 13: 181.) و يشهد على الكراهة صحيح سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أ يقرأ الرجل في الاولى و العصر خلف الإمام و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟ فقال: «لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 8.) و في «الحدائق» بعد نقل هذا الحديث قال: قوله «و هو لا يعلم أنّه يقرأ» : ليس المراد به الشكّ في قراءة الإمام و عدمها؛ لأنّ فيه طعناً على الإمام بالإخلال بالواجب؛ فلا يجوز الاقتداء به حينئذٍ، و إنّما المراد بهذا الكلام الكناية عن عدم سماع قراءته؛ فكأنّه قال: و هو لا يسمع أنّه يقرأ، و كأنّه ظنّ أنّه إنّما يترك القراءة فيما إذا جهر الإمام؛ لوجوب الإنصات، و أمّا مع الإخفات و عدم السماع يجوز القراءة(الحدائق الناضرة 11: 129.)، انتهى. و المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه»- بعد ما استبعد ما ذكره صاحب «الحدائق» و اختار أولوية إبقاء السؤال على ظاهره- قال: و يحتمل بعيداً أن يكون الضمير في قوله: «و هو لا يعلم» راجعاً إلى الإمام؛ فكأنّ السائل كان يعلم بأنّ المأموم وظيفته في الجهرية الإنصات و أنّه ليس ينبغي له أن يسمع ما يقوله الإمام فسأل عن أنّه هل للمأموم في الإخفاتية- التي ليست وظيفته فيها الإنصات و لا الإمام يسمع قراءته- أن يقرأ(مصباح الفقيه، الصلاة: 638/ السطر 15.) ، انتهى. و قال جماعة من فقهائنا- منهم الصدوق في «المقنع» و ابن زهرة في «الغنية» و العلّامة في «التحرير» و صاحب «المدارك» و جماعة من متأخّري المتأخّرين، و تبعهم المصنّف رحمه الله- بالحرمة في المسألة. و لعلّ الوجه فيه ظهور النهي في الأخبار المتقدّمة في الحرمة، مع ضعف ما دلّ على الجواز، كرواية المرافقي و البصري المتقدّمة. و الخدشة في دلالة صحيح علي بن يقطين المتقدّم بحمل الصمت في قوله: «يصمت فيه الإمام» على معناه الحقيقي؛ بأن كبّر للإحرام ثمّ سكت عن القراءة بتخيّل أنّه مأموم مثلًا، و حمل قوله: «لا ينبغي» في صحيح سليمان بن خالد على الحرمة بقرينة ظهور النهي في الأخبار في الحرمة. و فيه: أنّ ضعف رواية المرافقي و البصري منجبر بالشهرة. و في ذيل صحيح علي بن يقطين قرينة على إرادة الإخفات من الصمت؛ و هي قوله: «إن قرأت فلا بأس و إن سكتّ فلا بأس»، حيث إنّ قراءة المأموم و سكوته مفروض في صورة إخفات الإمام قراءته لا في سكوته، هذا كلّه في الاوليين من الإخفاتية. و أمّا الاوليان من الجهرية فيسقط عن المأموم القراءة إجماعاً، و يجب عليه ترك القراءة لو سمع صوت الإمام عند كثير من القدماء و المتأخّرين و عند بعض من لا يقول به في المسألة السابقة- أعني الاوليين من الإخفاتية- و هو المختار؛ و ذلك لوجود المعارضة هناك دون ما نحن فيه. و يدلّ على وجوب الترك فيما سمع قراءة الإمام الأخبار المعتبرة المستفيضة، كصحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و ذيل صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن قتيبة بن محمّد الأعشى عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 7.) ، و نحوه في الدلالة خبر زرارة عنه عليه السلام: «أنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 2.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألت عن الرجل يكون خلف الإمام يجهر بالقراءة و هو يقتدي به، هل له أن يقرأ من خلفه؟ قال: «لا، و لكن يقتدي به»(وسائل الشيعة 8: 359، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 16.) و قال جماعة بالكراهة، و عن «الدروس» و ظاهر «الروضة» نسبتها إلى الشهرة. و استدلّوا عليه بتعليل النهي عن القراءة في الأخبار بالإنصات، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «فلا تقرأنّ شيئاً في الأوّلتين، و أنصت لقراءته»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج: «و أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت فأنصت»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) و صحيح آخر لزرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت و سبّح في نفسك»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 6.) و لا يخفى: أنّ الإنصات مندوب بإجماع فقهائنا، و لم يوجد مخالف في كونه مندوباً إلّا ابن حمزة؛ فتعليل النهي عن القراءة بالإنصات المندوب قرينة على إرادة عدم الحرمة من النهي عن القراءة. و أجاب عنه صاحب «الجواهر» بقوله: و فيه- مع خلوّ أكثر الأخبار عن التعليل به، و قوّة احتمال إرادة الحكمة منه لا التعليل الحقيقي أو ما يجري مجراه، و عدم ظهور إرادة التعليل من الأخيرين، بل أقصاهما الأمر به لنفسه، و إن استدلّ عليه في أوّلهما بالآية، و احتمال إرادة تعليل النهي الأوّل عن القراءة بالآية مع أنّه مبني على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضدّ بعيدٌ جدّاً، بل و كذا لا ظهور في الصحيح الأوّل بتعليل النهي عن القراءة بالإنصات، بل أقصاه بيان وجه الأمر بالجهر بالقراءة، و هو غير ما نحن فيه- أنّه يمكن منع دعوى الإجماع في المقام. و انعقاده على الندب في غير المقام بعد أن كان مورد الآية الفريضة كما في الصحيح لا يقتضي الاستحباب هنا. و نسبة ندبيته في «التنقيح» إلى من عدا ابن حمزة يمنعها التتبّع. و بالجملة: فالخروج عن تلك النواهي في تلك المعتبرة المستفيضة بمثل ذلك كما ترى(جواهر الكلام 13: 190.) ، انتهى كلام «الجواهر». هذا كلّه فيما لو سمع قراءة الإمام في الاوليين من الجهرية، و أمّا لو سمع همهمته فقد اختلف فيه أصحابنا؛ فقال جماعة بإلحاقها بالسماع حرمةً و كراهةً. و استدلّ عليه بخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام عنه عليه السلام: «أنّه إن سمع الهمهمة فلا يقرأ»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 2.) . و ذيل صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن قتيبة المتقدّم: «و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 7.) و يظهر من «مبسوط» الشيخ الفرق بين سماع القراءة و سماع الهمهمة؛ فينصت في الأوّل و يتخيّر بين القراءة و تركها في الثاني. و لعلّ وجه التخيير هو الإجزاء المصرّح به في موثّق سماعة في حديث قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 10.) ، هذا بناءً على أنّ الإجزاء بمعنى جواز الاكتفاء بالسماع. و هل يستحبّ التسبيح و الدعاء فيما لو سمع صوته- حتّى قراءته- أو لا؟ فيه وجهان: من ورود الأمر به في بعض الأخبار، كصحيح زرارة المتقدّم عن أحدهما عليهما السلام: «و سبّح في نفسك»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 6.) ، و صحيح أبي المعزا حميد بن المثنى قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام، فسأله حفص الكلبي، فقال: أكون خلف الإمام و هو يجهر بالقراءة فأدعو و أتعوّذ؟ قال: «نعم، فادع»(وسائل الشيعة 8: 361، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 2.) و من منافاة التسبيح و الدعاء للإنصات المأمور به في الأخبار. و الوجه الأوّل لا يخلو من قوّة؛ لما تقدّم من دعوى الإجماع على عدم وجوب الإنصات. و في «الجواهر»: بناءً على عدم منافاته- أي التسبيح و الدعاء- للإنصات؛ خصوصاً لو فسّر التسبيح في النفس بما يقرب إلى التصوّر(جواهر الكلام 13: 192.) و أمّا فيما لم يسمع حتّى همهمته فلا خلاف بين الأصحاب في جواز القراءة في الجملة، و لم يحك الخلاف فيه إلّا عن الحلّي، و خلافه غير ثابت، و على حاكيه الإثبات. نعم ذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب القراءة، كالشيخ في «المبسوط» و «النهاية» و المحقّق في «النافع» و علم الهدى و الحلبي و ابن حمزة؛ اقتصاراً على المتيقّن ممّا خرج من أصالة حرمة القراءة على المأموم في الجهرية، و عملًا بالأمر بالقراءة في بعض الأخبار، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّم: «و إن لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) و ذهب جماعة اخرى منهم إلى استحباب القراءة فيما لم يسمع؛ و هم العلّامة في «المختلف» و «التذكرة» و «المنتهى» و «التحرير» و الشهيد في «البيان» و «اللمعة» و كثير من المتأخّرين و متأخّريهم؛ جمعاً بين الأخبار بحمل الأمر الوارد فيها على الاستحباب بقرينة بعضها الدالّ على جواز فعلها و تركها، كما في صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن الرجل يصلّي خلف إمام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: «لا بأس إن صمت و إن قرأ»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 11.)

ص: 523

ص: 524

ص: 525

ص: 526

ص: 527

ص: 528

ص: 529

ص: 530

و الأحوط في الأخيرتين من الجهرية تركه القراءة لو سمع قراءته و أتى بالتسبيح. و أمّا في الإخفاتية فهو كالمنفرد فيهما يجب عليه القراءة أو التسبيح مخيّراً بينهما؛ سمع قراءة الإمام أو لم يسمع (1).


1- اختلف أصحابنا في وظيفة المأموم في الأخيرتين من الجهرية و الإخفاتية على أقوال: الأوّل: أنّ الإمام يتحمّل عن المأموم في الركعتين الأخيرتين كالأُوليين في الجهرية و الإخفاتية، و أنّ سقوط القراءة و التسبيح فيهما عن المأموم عزيمة. نسب هذا القول إلى ابن إدريس. الثاني: أنّهما ساقطان عنه رخصةً و على سبيل الجواز لا الوجوب؛ يعني أنّه يجوز له أن يقرأ أو يسبّح و يجوز له تركهما، لا أنّه يجب عليه تركهما. ذهب إليه بعض متأخّري المتأخّرين. الثالث: حرمة خصوص القراءة و سقوطها مطلقاً؛ جهريةً كانت الصلاة أو إخفاتية، مع لزوم التسبيح عليه متعيّناً. الرابع: أنّ المأموم موظّف بوظيفة المنفرد من التخيير بين القراءة و التسبيح. و هذا القول هو المختار. و يظهر وجهه من الجواب عن استدلال القول الثالث. و استدلّ على القول الأوّل بما رواه ابن إدريس مرسلًا أنّه: «لا قراءة على المأموم في الأخيرتين و لا تسبيح»(وسائل الشيعة 8: 362، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 10.) قال في أوائل «السرائر»: روي أنّه: «لا قراءة على المأموم في جميع الركعات و الصلوات ...» إلى أن قال: و قد روي أنّه: «لا قراءة على المأموم في الأخيرتين و لا تسبيح»، و روي أنّه: «يقرأ فيهما أو يسبّح» و الأوّل أظهر(السرائر 1: 284.) ، انتهى. و فيه أوّلًا: أنّ ما رواه ابن إدريس مرسل غير منجبر و الشهرة على خلافه. و ثانياً: أنّه معارض بمرسله الآخر الدالّ على تخيير المأموم بين القراءة و التسبيح، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر. و استدلّ أيضاً بالأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام مطلقاً، أو في خصوص الأخيرتين، كما في صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) . و رواية ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كان مأموناً على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأخيرتين»(مستدرك الوسائل 6: 478، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 6.) ، و غيرهما من بعض روايات الباب. و بالأخبار الدالّة على أنّ الإمام يضمن قراءة المأموم. و فيه أوّلًا: أنّ المطلقات من الروايات منصرفة إلى القراءة في الاوليين اللتين يتعيّن فيهما القراءة للإمام؛ فالإمام يتحمّل فيهما قراءة المأموم؛ فلا تشمل الأخيرتين. و ثانياً: أنّ غاية ما يدلّ عليه صحيح زرارة و رواية ابن سنان هو أنّ المأموم منهي عن خصوص القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، لا مطلقاً حتّى التسبيح. و منه يظهر الجواب عن الاستدلال بالأخبار الدالّة على ضمان الإمام، حيث صرّح في بعضها أنّ الإمام لا يضمن شيئاً ممّا عدا القراءة، كما في موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) و القول الثاني لا دليل ظاهر عليه. و استدلّ للقول الثالث بعموم الروايات الناهية عن القراءة خلف الإمام، و خصوص صحيح زرارة المتقدّم: «و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين». و صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، قال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح»(وسائل الشيعة 8: 361، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 5.) و رواية جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة، فقال: «بفاتحة الكتاب، و لا يقرأ الذين خلفه، و يقرأ الرجل فيهما إذا صلّى وحده بفاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 6: 108، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42، الحديث 4.) فهذه الروايات و نحوها تدلّ على سقوط القراءة في الركعتين الأخيرتين و نفيها بالنسبة إلى المأموم. و أمّا تعيّن التسبيح فيهما عليه فباعتبار القاعدة المسلّمة؛ و هي أنّ تعذّر بعض أطراف الواجب التخييري- كالعتق و الصوم مثلًا في خصال الكفّارة- أو تعلّق النهي ببعضها- كما في مورد الروايات المذكورة- يوجب تعيّن بعضها الآخر. و اجيب عن الاستدلال المذكور بأنّ عموم الروايات الناهية عن القراءة خلف الإمام منصرف إلى الاوليين، و أنّ النهي فيها محمول على الكراهة. و أمّا صحيح زرارة فموردها بحسب الظاهر خصوص الجهرية، و المدّعى أعمّ منها. و أمّا صحيح معاوية بن عمّار ففيه أنّ قراءة الحمد في الركعتين الأخيرتين ليست واجبة على الإمام، بل هي أفضل له، و أفضلية القراءة على الإمام قرينة على صرفه عن ظاهره- من تعيّن التسبيح للمأموم- إلى أنّه أفضل له؛ و ذلك لوحدة السياق؛ فلا يدلّ على تعيّن التسبيح للمأموم لزوماً. و على سبيل التسليم لا بدّ من صرفه عن ظاهره و حمله على أفضلية التسبيح بالنسبة إلى الصلاة الإخفاتية، و هو مقتضى الجمع بين هذا الصحيح و صحيح عبد اللّه بن سنان المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و يجزيك التسبيح في الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 9.) ، حيث إنّ قوله: «يجزيك التسبيح» ظاهر في جواز القراءة له و عدم تعيّن التسبيح عليه. و وجه الاحتياط في ترك المأموم القراءة فيما لو سمع قراءة الإمام في الأخيرتين من الجهرية صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين»(وسائل الشيعة 8: 355، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 3.) و الوجه في تخيير المأموم بين القراءة و التسبيح في الأخيرتين من الإخفاتية هو الجمع بين الأخبار: بعضها يدلّ على أنّ المأموم يقرأ في الأخيرتين، كرواية سالم بن مكرم أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين، و على الذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللَّه و الحمد لِلَّه و لا إله إلّا اللَّه و اللَّه أكبر، و هم قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب، و على الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين (الأوّلتين خ. ل)»(وسائل الشيعة 8: 362، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 6.) و بعضها يدلّ على إجزاء التسبيح فيهما، كما في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتّى يفرغ و كان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين»، و قال: «يجزيك التسبيح في الأخيرتين»، قلت: أيّ شي ء تقول أنت؟ قال: «أقرأ فاتحة الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 9.) و بعضها يدلّ على تعيين التسبيح، كما في صحيح معاوية بن عمّار قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، قال: «الإمام يقرأ فاتحة الكتاب، و من خلفه يسبّح»(وسائل الشيعة 8: 361، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 5.) و يشهد على التخيير ما رواه ابن إدريس مرسلًا قال: و روي أنّه: «يقرأ فيهما أو يسبّح»(وسائل الشيعة 8: 362، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 11.) ثمّ إنّ هنا فروعاً: الأوّل: أنّه لو سمع بعض قراءة الإمام أو همهمته في الجهرية دون بعضها فهل تجوز عليه القراءة و لو فيما سمع، أو لا يجوز عليه حتّى فيما لم يسمع، أو فيه تفصيل؛ فيجوز فيما لم يسمع، دون ما سمع؟ فيه وجوه، لا يخلو الأخير من القوّة؛ لكون الجواز و عدمه دائراً مدار السماع و عدمه، سيأتي التعرّض من المصنّف رحمه الله لهذا الفرع في المسألة الثانية. الثاني: لو جهر الإمام في الصلوات التي يختار فيها بين الجهر و الإخفات- كالآيات و العيدين- و سمع المأموم قراءته و لو همهمته، فلا يجوز له القراءة، و لو لم يسمع يجوز له القراءة، و مع إخفات الإمام فيها لا يجوز له القراءة، كذا في «الجواهر»، قال: كما أنّه يقوى هذا أيضاً في باقي الصلوات التي لا يجب فيها جهر و لا إخفات، كصلوات الآيات و العيدين و نحوهما؛ فينصت حيث يسمع و يقرأ حيث لا يسمع، نحو ما سمعته من الوجوب و الحرمة و الكراهة(جواهر الكلام 13: 195.) ، انتهى. و لعلّ الوجه فيه إطلاق بعض الأخبار المتقدّمة، كموثّق سماعة في حديث قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 10.) و يحتمل قوياً اختصاص الحكم بالجهر و الإخفات في الصلوات اليومية؛ لما هو الظاهر من بعض الروايات المذكورة من تقييد الصلاة بجهر القراءة فيها و إخفاتها، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام أقرأ خلفه؟ فقال: «أمّا الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإنّ ذلك جعل إليه فلا تقرأ خلفه، و أمّا الصلاة التي يجهر فيها فإنّما امر بالجهر لينصت من خلفه؛ فإن سمعت فأنصت و إن لم تسمع فاقرأ»(وسائل الشيعة 8: 356، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 5.) الثالث: لو سمع قراءة الإمام بعض المأمومين دون بعض- و لو للقوّة و الضعف في السامعة- لا يجوز للسامع القراءة دون غيره.

ص: 531

ص: 532

ص: 533

ص: 534

ص: 535

ص: 536

(مسألة 1): لا فرق بين كون عدم السماع للبعد أو لكثرة الأصوات أو للصمم أو لغير ذلك

(1).

(مسألة 2): لو سمع بعض قراءة الإمام دون بعض فالأحوط ترك القراءة مطلقاً

(2).


1- و في «مصباح الفقيه»: مقتضى إطلاق النصّ و الفتوى- بل صريح بعض- عدم الفرق في عدم السماع بين كونه لبعد المأموم و غيره من الموانع، كصمم فيه أو مزاحمة أصوات تزاحم صوت الإمام و نحوهما(مصباح الفقيه، الصلاة: 642/ السطر 4.)، انتهى.
2- قد تقدّم في الفرع الأوّل من فروع «القول في أحكام الجماعة»: أنّ التفصيل بين ما سمعه من القراءة و ما لم يسمعه بالجواز في الثاني دون الأوّل لا يخلو عن قوّة؛ لكون الجواز و عدمه دائراً مدار السماع و عدمه، و هو الظاهر من الشرطية في روايات المسألة، و أنّ السماع سبب للإنصات مطلقاً، و عدمه سبب لجواز القراءة كذلك. و في المسألة وجه لجواز القراءة فيما سمعه أيضاً؛ و هي دعوى انصراف الأخبار الناهية عن القراءة مع السماع إلى سماع الكلّ؛ فينتفي المنع مع انتفاء سماع الكلّ. و فيها وجه أيضاً لترك القراءة- حتّى فيما لم يسمع- و هي دعوى انصراف استثناء صلاة الجهر- المحكومة بجواز القراءة للمأموم فيها- عن النهي عن القراءة خلف الإمام إلى صورة عدم السماع رأساً؛ و لذا احتاط المصنّف رحمه الله و جماعة من فقهائنا- كالسيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» و أكثر محشّيها- بالترك مطلقاً. و لا يخفى: أنّه لا يصغى بالدعويين المذكورتين مع الظهور المزبور.

ص: 537

(مسألة 3): لو شكّ في السماع و عدمه أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره، فالأحوط ترك القراءة،

و إن كان الأقوى جوازها (1).

(مسألة 4): لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام،

و إن كان الأحوط ذلك، و كذا لا تجب عليه المبادرة إلى القيام حال قراءته في الركعة الثانية، فيجوز أن يطيل سجوده و يقوم بعد أن قرأ الإمام بعض القراءة لو لم ينجرّ إلى التأخّر الفاحش (2).


1- وجه الاحتياط احتمال تحقّق سماع قراءة الإمام الموجب لترك القراءة على المأموم. و وجه القوّة في جوازها جريان أصالة عدم حدوث المانع، حيث إنّ تحقّق سماع قراءة خصوص الإمام مشكوك و إن كان تحقّق القراءة المهملة معلوماً، و هو لا يمنع من جريان الأصل المزبور؛ فما دام لم يحرز المانع و لو تعبّداً تجوز له القراءة.
2- لا دليل على وجوب الطمأنينة على المأموم حال قراءة الإمام، و الدليل الدالّ على وجوبها يدلّ على اعتبارها بالنسبة إلى قراءة نفس المصلّي. نعم لو قرأ المأموم فيما لم يسمع قراءة الإمام يجب عليه مراعاتها بناءً على القول بوجوب القراءة عليه حينئذٍ. و الأحوط استحباباً مراعاة الطمأنينة حال قراءة الإمام؛ تنزيلًا لقراءة الإمام منزلة قراءة نفسه. و كذا لا تجب عليه المبادرة إلى القيام مع الإمام أو حال قراءة الإمام في الركعة الثانية من غير تأخير؛ فيجوز له أن يطيل سجوده و يقوم بعد أن شرع الإمام و قرأ بعض الحمد؛ و ذلك لأنّ القيام واجب في حال القراءة حتّى في «باء» «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* من الحمد، و المفروض سقوط الحمد عن المأموم و عدم وجوبه عليه؛ فيجوز له تأخير القيام بطول السجود حال قراءة الإمام بعض الحمد. نعم بناءً على وجوب متابعة المأموم الإمام في الأفعال لا يجوز له أن يتأخّر تأخّراً فاحشاً موجباً لذهاب هيئة الجماعة، فإن تأخّر فاحشاً بطلت جماعته. و سيأتي البحث فيه مفصّلًا في المسألة التاسعة من «أحكام الجماعة».

ص: 538

(مسألة 5): لا يتحمّل الإمام عن المأموم شيئاً غير القراءة في الاوليين
اشارة

إذا ائتمّ به فيهما، و أمّا في الأخيرتين فهو كالمنفرد و إن قرأ الإمام فيهما الحمد و سمع المأموم؛ مع التحفّظ على الاحتياط المتقدّم في صدر الباب. و لو لم يدرك الاوليين وجب عليه القراءة فيهما؛ لأنّهما اوّلتا صلاته، و إن لم يمهله الإمام لإتمامها اقتصر على الحمد و ترك السورة و لحق به في الركوع، و إن لم يمهله لإتمامه أيضاً فالأقوى جواز إتمام القراءة و اللحوق بالسجود، و لعلّه أحوط أيضاً، و إن كان قصد الانفراد جائزاً (1).

هنا مسائل:
الاولى: أنّ الإمام لا يتحمّل عن المأموم شيئاً غير القراءة في الاوليين

1- إذا ائتمّ به فيها. و يدلّ عليه خبر الحسين بن كثير عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين هم من خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 1.) و موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام، فقال: «لا، إنّ الإمام ضامن للقراءة، و ليس يضمن الإمام صلاة الذين خلفه، إنّما يضمن القراءة»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 3.) و ما دلّ من الأخبار على عدم ضمان الإمام شيئاً من صلاة المأموم محمول على عدم ضمان خصوص القراءة؛ لتقييدها بموثّق سماعة؛ ففي صحيح أبي بصير عن الصادق عليه السلام أنّه قال له: أ يضمن الإمام الصلاة؟ فقال: «لا ليس بضامن»(وسائل الشيعة 8: 353، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 2.) . و رواية زرارة قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن الإمام يضمن صلاة القوم؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 354، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 30، الحديث 4.) فهو مخيّر بين قراءة الحمد و التسبيح؛ فله أن يسبّح و إن سمع قراءة الإمام فيهما؛ و ذلك لما ذكرناه في الجواب عن الاستدلال للقول الثالث من الأقوال الأربعة في وظيفة المأموم في الأخيرتين من الجهرية و الإخفاتية من أنّه مقتضى الجمع بين الأخبار، فراجع. لأنّهما أوّلتا صلاته. و يدلّ عليه صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام و هي له الاولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: «يتجافى و لا يتمكّن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام و هي له الثانية فليلبث قليلًا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهّد ثمّ يلحق بالإمام»، قال: و سألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال: «اقرأ فيهما فإنّهما لك الأوّلتان، و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 2.) و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته و هي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلّا ركعة واحدة قرأت فيها و في التي تليها، و إن سبقك بركعة جلست في الثانية لك و الثالثة له حتّى تعتدل الصفوف قياماً ...»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 3.) الحديث. و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه؛ جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة، فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته امّ الكتاب، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعتين لا يقرأ فيهما؛ لأنّ الصلاة إنّما يقرأ فيها (في) بالأوّلتين في كلّ ركعة بامّ الكتاب و سورة، و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنّما هو تسبيح و تهليل و دعاء ليس فيهما قراءة. و إن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلّم الإمام قام فقرأ بامّ الكتاب و سورة ثمّ قعد فتشهّد، ثمّ قام فصلّى ركعتين ليس فيهما قراءة»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 4.) و قال جماعة من فقهائنا- منهم ابن إدريس في «السرائر» و العلّامة في «المنتهى» و «التذكرة» و «المختلف» و بعض متأخّري المتأخّرين، كالمحقّق الأردبيلي و صاحب «المدارك»- باستحباب القراءة للمأموم فيما أدرك الإمام في الركعتين الأخيرتين؛ و ذلك لوجهين: الأوّل: أنّه مقتضى الجمع بين الصحاح المذكورة الآمرة بالقراءة على المأموم، و بين الأخبار الدالّة على أنّ الإمام يضمن قراءة المأموم. الثاني: وجود القرينة في بعض الأخبار المذكورة على الحمل على الاستحباب، كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، حيث ورد فيه الأمر بالتجافي و عدم التمكّن من القعود حين يتشهّد الإمام. و في «الجواهر»: بل قد يؤيّد ذلك كلّه استمرار السيرة في الأعصار و الأمصار على الدخول في الجماعة، من غير سؤال عن أنّ الإمام في الأوّلتين أو الأخيرتين كي يقرأ و لا يقرأ، معتضدة بخلوّ الفتاوى و النصوص؛ و سيّما أخبار الباب و أخبار التقدّم إلى الصفّ و التأخّر عنه و أخبار الحثّ على الدخول في الجماعة و غيرها عن التعرّض لوجوب هذا السؤال. بل في الصحيح أنّه إذا لم يدر المستناب المسبوق كم صلّى الإمام ذكره من خلفه، إلّا أن يحمل على النسيان و نحوه ممّا لا ينافي ذلك، كاستمرار السيرة على الدخول في الجماعة من غير اختبار حاله من تمكّن قراءة الحمد و عدمه. مع أنّه إذا لم يعلم أو علم العدم لا يجوز له الدخول(جواهر الكلام 14: 43.) ، انتهى. و يرد على الوجه الأوّل: أنّ الظاهر من ضمان الإمام قراءة المأموم فيما كان المأموم دخل في الجماعة في الركعة الاولى أو الثانية اللتين يقرأ الإمام فيهما. و على الوجه الثاني: أنّ اشتمال الخبر على المندوب أو المكروه لا يوجب حمل جميع ما ورد من الأوامر على الاستحباب و النواهي على الكراهة. و صاحب «الجواهر» رحمه الله بعد أن وجّه القول بالحمل على الاستحباب بوجوه عديدة أجاب عنها بقوله: لكن الجميع- كما ترى- قاصر عن معارضة تلك الأخبار الكثيرة جدّاً ... إلى آخر ما ذكره، فراجعه(جواهر الكلام 14: 45.) و لحق به في الركوع؛ لوجوب متابعة المأموم الإمام، و لصحيح زرارة المتقدّم عن أبي جعفر عليه السلام: «فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته امّ الكتاب» ، و به يقيّد إطلاق الأمر الوارد بقراءة السورة. هنا فرع ذكره النراقي رحمه الله في «مستند الشيعة» قال: لو أدرك بعض السورة فليس عليه قراءته، إلّا أنّ موثّقة الساباطي- عن الرجل يدرك الإمام و هو يصلّي أربع ركعات و قد صلّى الإمام ركعتين، قال: «يفتتح الصلاة و يدخل معه و يقرأ خلفه في الركعتين، يقرأ في الأوّل الحمد و ما أدرك من سورة الجمعة و يركع مع الإمام، و في الثانية الحمد و ما أدرك من سورة المنافقين و يركع مع الإمام» - تدلّ على استحباب قراءة البعض أيضاً، و هو كذلك؛ لذلك. و لا ينافيه الصحيحة- أي صحيحة زرارة المتقدّمة: «فإن لم يدرك السورة تامّة أجزأته امّ الكتاب» - لأنّ الإجزاء لا يفيد أزيد من الرخصة، لو اريد الوجوب لحصلت المنافاة(مستند الشيعة 8: 149.)، انتهى. أو لا بل تجب عليه قراءة الحمد كملًا؟ قال جماعة من فقهائنا- منهم صاحب «الجواهر» رحمه الله- بوجوب المتابعة و ترك قراءة الحمد. و في «الجواهر»: قد عرفت أنّ الأقوى في النظر ترجيح مراعاة المتابعة في الركن على القراءة؛ لما سمعت، و لأنّها الجزء الأعظم في الجماعة؛ و لذا اغتفر لها زيادة الركن و نحوه، و لا يرد التخلّف للتشهّد- الذي هو أهون من القراءة، بل لا كلام في جواز المفارقة للعذر، و لا ريب في أنّ تأدية الواجب منه كالتشهّد- للفرق بينهما أوّلًا بالنصّ، ثانياً بأنّه ليس في التخلّف للتشهّد فوات ركن، على أنّه محتاج لزمان قليل، بل لعلّه لا يعدّ من المفارقة في مثل هذا التأخّر(جواهر الكلام 14: 49.) ، انتهى. و استدلّ بعضهم بوجوب المتابعة و ترك قراءة الحمد بالأمر بقضائه بعد الصلاة فيما لم يمهله الإمام. كما في صحيح معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هو أوّل صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال عليه السلام: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 5.) و بمفهوم الشرط في خبري «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «إذا سبق الإمام أحدكم بشي ء من الصلاة فليجعل ما يدركه مع الإمام أوّل صلاته، و ليقرأ فيما بينه و بين نفسه إن أمهله الإمام»(مستدرك الوسائل 6: 489، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 38، الحديث 1.) و عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إذا أدركت الإمام و قد صلّى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أوّل صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب و سورة إن أمهلك الإمام أو ما أدركت إن تقرأ فاجعلها أوّل صلاتك»(مستدرك الوسائل 6: 490، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 38، الحديث 4.) و يرد على الاستدلال بالصحيح أوّلًا: أنّه لا يدلّ على وجوب ترك الحمد و الالتحاق بالإمام. و ثانياً: أنّ قضاء الحمد في آخر الصلاة مذهب العامّة. و على الاستدلال بمفهوم خبري «دعائم الإسلام»: أنّهما ضعيفان سنداً مع عدم جبره. و قال جماعة: إنّه تجب عليه قراءة الحمد؛ لصحيح زرارة المتقدّم: «أجزأته امّ الكتاب»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 4.) ، و قوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.) ثمّ إنّ الوجه في قوّة جواز إتمام القراءة و اللحوق بالسجود و كونه أحوط، و في جواز قصد الانفراد، بل وجوبه احتياطاً، ما ذكره السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»، قال: و هو- أي إتمام القراءة- الذي تقتضيه أدلّة وجوبها، و لا مجال لمعارضتها بدليل وجوب المتابعة- سواء كان مفاده شرطيتها في بقاء الائتمام في الصلاة، أم وجوبها النفسي، أم شرطيتها في صحّة الصلاة- لأنّ المتابعة بأيّ نحو اعتبرت إنّما تعتبر في الصلاة الصحيحة. فأدلّة الجزئية للصلاة و الشرطية مقدّمة على دليلها؛ فلا يكون دليل وجوب المتابعة مزاحماً لدليل وجوب القراءة، و لا وجوب غيرها من الأجزاء و الشرائط بوجه. و هكذا الحال في الموانع. إلّا أن يقوم دليل بالخصوص على سقوط الجزئية أو الشرطية أو المانعية؛ فيجب حينئذٍ إعمال دليل وجوب المتابعة. و لذا قوّى في «الجواهر» و غيرها وجوب المتابعة في المقام و ترك الفاتحة؛ لصحيح معاوية: عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام و هي أوّل صلاة الرجل، فلا يمهله حتّى يقرأ، فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال عليه السلام: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 5.) إلى أن قال: و منه يظهر الإشكال في كون الإتمام أحوط بناءً على ما اختاره من وجوب المتابعة؛ إذ أنّه يلزم من الإتمام ترك المتابعة الواجبة. نعم هو أحوط بلحاظ صحّة الصلاة لا غير. نعم قصد الانفراد أحوط من حيث الوضع و التكليف معاً بناءً على جوازه، كما جزم به سابقاً. ثمّ إنّه لو بني على التزاحم بين وجوب القراءة و وجوب المتابعة وجب إعمال قواعد التزاحم بينهما من التخيير أو الترجيح. و يمكن أن يقال- حينئذٍ- بوجوب قصد الانفراد في نظر العقل؛ فراراً عن الابتلاء بالتزاحم بينهما و الوقوع في خلاف غرض الشارع؛ لعدم الفرق في القبح عند العقل بينه و بين تفويت الغرض بالمعصية(مستمسك العروة الوثقى 7: 284.) ، انتهى كلام «المستمسك». و لا يترك الاحتياط بقصد الانفراد.

ص: 539

الثانية: المأموم في الركعتين الأخيرتين كالمنفرد؛
الثالثة: من لم يدرك الإمام في الركعتين الاوليين و أدركه في إحدى الأخيرتين وجب عليه القراءة فيهما؛

ص: 540

ص: 541

ص: 542

الرابعة: لو لم يمهل الإمام لقراءة السورة اقتصر على الحمد و ترك السورة
الخامسة: لو لم يمهل الإمام لقراءة الحمد أو بعضها فهل تجب على المأموم المتابعة بترك قراءة الحمد،

ص: 543

ص: 544

ص: 545

(مسألة 6): لو أدرك الإمام في الركعة الثانية تحمّل عنه القراءة فيها،

و يتابع الإمام في القنوت و التشهّد، و الأحوط التجافي فيه، ثمّ بعد القيام إلى الثانية تجب عليه القراءة فيها؛ لكونها ثالثة الإمام؛ سواء قرأ الإمام فيها الحمد أو التسبيح (1).


1- و الدليل على تحمّل الإمام قراءة المأموم فيما أدركه في الركعة الثانية صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه المتقدّم قال: «إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته و هي ثنتان لك»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 3.) و الدليل على تبعية الإمام في القنوت و التشهّد اللذين كانا مستحبّين للمأموم في ركعته الثانية، مع كون الإمام في الركعة الاولى، هو موثّق عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يدخل الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام، فقنت الإمام، أيقنت معه؟ قال عليه السلام: «نعم، و يجزيه من القنوت لنفسه»(وسائل الشيعة 6: 287، كتاب الصلاة، أبواب القنوت، الباب 17، الحديث 1.) و موثّق الحسين بن المختار و داود بن الحصين قال: سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام، فأدرك الثنتين فهي الاولى له و الثانية للقوم، يتشهّد فيها؟ قال: «نعم»، قلت: و الثانية أيضاً؟ قال: «نعم»، قلت: كلّهنّ؟ قال: «نعم، و إنّما هي بركة»(وسائل الشيعة 8: 416، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 66، الحديث 1.) و رواية إسحاق بن يزيد بن إسماعيل الطائي قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: جعلت فداك يسبقني الإمام بالركعة فتكون لي واحدة و له ثنتان، أ فأتشهّد كلّما قعدتُ؟ قال: «نعم، فإنّما التشهّد بركة»(وسائل الشيعة 8: 416، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 66، الحديث 2.) ، و سند الرواية ضعيف بسهل بن زياد. و أمّا التجافي حال تشهّد الإمام فقال جماعة من فقهائنا- منهم الصدوق و ابن إدريس و ابنا زهرة و حمزة و الحلبي- بوجوبه، و قوّاه في «الرياض» و «الجواهر»، قال في «الجواهر»: إنّ وجوبه لا يخلو من قوّة، من غير فرق فيه بين تشهّد الإمام أو تسليمه(جواهر الكلام 14: 50.) ، انتهى. و استدلّوا له بصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الإمام و هي له الاولى، كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال: «يتجافى و لا يتمكّن من القعود، فإذا كانت الثالثة للإمام فليلبث قليلًا بقدر ما يتشهّد ثمّ ليلحق بالإمام»(وسائل الشيعة 8: 418، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 67، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «من أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه يتجافى و أقعى إقعاءً و لم يجلس متمكّناً»(وسائل الشيعة 8: 418، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 67، الحديث 2.) و قال أكثر فقهائنا باستحبابه؛ و ذلك لإطلاق الجلوس في عبائرهم، و حملًا للأمر الوارد بالتجافي على الندب. و لم يقيّدوا القعود المذكور في رواية إسحاق بن يزيد المتقدّم: «أ فأتشهّد كلّما قعدت؟»؛ به لكونه الفرد الخفي الآبي عن حمل المطلق عليه. و اختلف فقهاؤنا في استحباب التشهّد للمأموم حال التجافي؛ فقال جماعة- منهم العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الذكرى» و «البيان» و صاحب «الرياض»- باستحبابه. و استدلّوا له بموثّقة الحسين بن المختار و داود بن الحصين و رواية إسحاق بن يزيد المتقدّمتين. و قال السيّد أبو المكارم بن زهرة في «الغنية» و الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» و الحلبي و ابن حمزة و العلّامة في «التحرير» بأنّه يسبّح من غير تشهّد. و في «الجواهر»: و لم نعرف لهم شاهداً على ذلك و إن كان هو أحوط. أقول: لم أعرف وجهاً للاحتياط، إلّا كونه ذكراً حسناً في كلّ حال من الصلاة. و يدلّ على وجوب القراءة على المأموم في الثانية له بعد القيام إليها صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه المتقدّم: «قرأت في الثالثة من صلاته و هي ثنتان لك»(وسائل الشيعة 8: 387، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 3.) ، و إن كان الإمام قرأ الحمد؛ لأنّ حمده في الثالثة لا يسقط قراءة المأموم في ثانيته؛ لأنّه يضمن و يتحمّل في الاوليين، كما مرّ.

ص: 546

ص: 547

ص: 548

(مسألة 7): إذا قرأ المأموم خلف الإمام وجوباً-

كما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين- أو استحباباً- كما في الاوليين من الجهرية- إذا لم يسمع صوت الإمام، يجب عليه الإخفات و إن كانت الصلاة جهرية (1).


1- و الدليل على وجوب إخفات القراءة على المأموم فيما وجبت عليه القراءة- كما فيما إذا كان مسبوقاً بركعة أو ركعتين- هو صحيح زرارة المتقدّم: «إن أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة»(وسائل الشيعة 8: 388، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 47، الحديث 4.) ، هذا بناءً على كون المراد من القراءة في النفس الإخفاء بها، كما شاع التعبير به عنها في الأخبار، لا القراءة القلبية؛ لعدم وجوبها إجماعاً. و أمّا وجوب الإخفات في القراءة المستحبّة- كما في الاوليين من الجهرية مع عدم سماع المأموم صوت الإمام؛ حتّى همهمته- فيدلّ عليه صحيح قتيبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا كنت خلف إمام ترتضي به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، و إن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ»(وسائل الشيعة 8: 357، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 7.) و موثّق سماعة في حديث قال: سألته عن الرجل يؤمّ الناس فيسمعون صوته و لا يفقهون ما يقول، فقال: «إذا سمع صوته فهو يجزيه، و إذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه»(وسائل الشيعة 8: 358، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 31، الحديث 10.) و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»- بعد الاستظهار من أدلّة مشروعية القراءة أو استحبابها اتّحاد قراءة المأموم مع قراءة المنفرد في جميع الخصوصيات الراجعة إلى المادّة و الهيئة؛ حتّى الجهر و الإخفات- قال: ربّما يستفاد وجوب الإخفات ممّا يأتي في المسبوق- أي من صحيح زرارة: «قرأ في كلّ ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بامّ الكتاب و سورة» - بدعوى كون المفهوم منه أنّ ذلك من أحكام الجماعة مطلقاً بلا خصوصية لمورده، و هو غير بعيد(مستمسك العروة الوثقى 7: 289.) ، انتهى. و فيه: أنّه مع وجود الدليل على وجوب الإخفات في المسألة- كصحيح قتيبة و موثّق سماعة- لا حاجة إلى الاستدلال بما يأتي في المسبوق كي يحتاج إلى إلغاء خصوصية مورده. و النراقي رحمه الله قال في «مستند الشيعة» بالتخيير بين الجهر و الإخفات. و علّله بقوله: إذ لا يجري أدلّة الجهر في جميع مواضعه- التي منها هنا- إلّا بالإجماع المركّب، و تحقّقه هنا غير معلوم(مستند الشيعة 8: 150.) ، انتهى. و فيه: أنّه مع وجود الدليل على وجوب الإخفات- كصحيح قتيبة و موثّق سماعة- لا وجه للقول بالتخيير.

ص: 549

ص: 550

(مسألة 8): لو أدرك الإمام في الأخيرتين فدخل في الصلاة معه قبل ركوعه، وجبت عليه القراءة

و إن لم يمهله ترك السورة، و لو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة، فالأحوط عدم الدخول إلّا بعد ركوعه، فيحرم و يركع معه، و ليس عليه القراءة حينئذٍ (1).

(مسألة 9): تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال؛

بمعنى أن لا يتقدّم فيها عليه و لا يتأخّر عنه تأخّراً فاحشاً (2).


1- قد مرّ تفصيل البحث في وجوب قراءة الحمد و السورة على المأموم فيما لو أدرك الإمام في الأخيرتين مع الإمهال. و إن لم يمهله ترك السورة و اكتفى بالحمد، فراجعه. و لو علم أنّه لو دخل معه لم يمهله لإتمام الفاتحة فالأحوط عدم الإحرام إلّا حين ركوعه، أو بعد ركوعه و قبل رفع رأسه. و منشأ الاحتياط: أنّه مع الدخول معه قبل الركوع يلزم ترك المتابعة على تقدير إتمام القراءة أو ترك الفاتحة في أثنائها على تقدير المتابعة؛ فللاحتراز عن التركين المذكورين يحرم و يركع معه، هذا. و لكن بناءً على جواز قصد الانفراد يجوز له مع العلم المذكور أن يحرم قبل الركوع ائتماماً، و يقرأ و يقصد الفرادى حين ركع الإمام؛ و حينئذٍ يكون الاحتياط المذكور استحبابياً.
2- وجه وجوب متابعة الإمام على المأموم في الأفعال و عدم تقدّمه عليه فيها و لا تأخّره عنه تأخّراً فاحشاً، هو الإجماع بقسميه المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا، كالمحقّق في «المعتبر» و العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الذكرى» و صاحب «المدارك» و غيرهم. و يدلّ عليه النبويان المحكيان(راجع مستند الشيعة 8: 94، الصلاة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 7: 376.) عن «مجالس» الصدوق المنجبران برواية الأصحاب في كتبهم، بل و عملهم به؛ و هما قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّما جعل الإمام إماماً ليؤتمّ به؛ فإذا كبّر فكبّروا و إذا ركع فاركعوا و إذا سجد فاسجدوا» ، و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «أما يخشى الذي يرفع رأسه و الإمام ساجداً أن يحوّل اللَّه رأسه رأس حمار؟!». و تشعر بوجوب المتابعة في الأفعال الأخبار الآمرة بعود المأموم لو رفع رأسه قبل الإمام من الركوع و السجدة و إن حصل مع ذلك زيادة ركن، كصحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد بركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 3.) و صحيح الفضيل بن يسار أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ثمّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد»(وسائل الشيعة 8: 390، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 1.) و موثّق ابن فضّال قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به، فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام، أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ صلاته، و لا تفسد صلاته بما صنع»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 4.) و يشعر به أيضاً الأخبار الآمرة باشتغال المأموم بالذكر و التسبيح و التمجيد إذا فرغ قبل الإمام انتظاراً لركوع الإمام حتّى يركع معه، كموثّق زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: «ابق آية و مجّد اللَّه و أثن عليه، فإذا فرغ فاقرأ الآية و اركع»(وسائل الشيعة 8: 370، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 35، الحديث 1.) و مرسل إسحاق بن عمّار عمّن سأل أبا عبد اللّه عليه السلام قال: اصلّي خلف من لا أقتدي به، فإذا فرغت من قراءتي و لم يفرغ هو، قال: «فسبّح حتّى يفرغ»(وسائل الشيعة 8: 370، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 35، الحديث 2.) و موثّق عمر بن أبي شعبة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: «فأتمّ السورة و مجّد اللَّه و أثن عليه حتّى يفرغ»(وسائل الشيعة 8: 370، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 35، الحديث 3.)

ص: 551

ص: 552

و أمّا في الأقوال فالأقوى عدم وجوبها عدا تكبيرة الإحرام؛ فإنّ الواجب فيها عدم التقدّم و التقارن، و الأحوط عدم الشروع فيها قبل تمامية تكبيرة الإحرام؛ من غير فرق فيما ذكر بين المسموع من الأقوال و غيره؛ و إن كانت أحوط في المسموع و في خصوص التسليم (1).


1- لا خلاف في وجوب متابعة الإمام على المأموم في تكبيرة الإحرام، و ادّعى في «الروض» و «الحدائق» و «الرياض» الإجماع عليه. و لا يصدق الاقتداء مع فرض سبق المأموم على الإمام بتكبيرة الإحرام، و لا يبعد إلحاق المقارنة بالسبق بها في الفساد اقتصاراً في العبادة التوقيفية على المتيقّن. فالأحوط لو لم يكن الأقوى عدم الشروع فيها قبل تمامية تكبيرة الإحرام للإمام؛ لما ذكر في النبوي المتقدّم: «فإذا كبّر فكبّروا» ، حيث رتّب تكبير المأمومين بتكبير الإمام بالفاء. و لما رواه في «المجالس» عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم و أقيموها و سوّوا الفرج، و إذا قال إمامكم: اللَّه أكبر فقولوا: اللَّه أكبر، و إذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا: اللهمّ ربّنا و لك الحمد»(وسائل الشيعة 8: 423، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 70، الحديث 6.) و ما ورد في بعض الأخبار من أنّه لا يكبّر إلّا مع الإمام، كما في الصحيح عن «قرب الإسناد» عن موسى بن جعفر عليهما السلام في الرجل يصلّي، أله أن يكبّر قبل الإمام؟ قال: «لا يكبّر إلّا مع الإمام»(وسائل الشيعة 3: 101، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 16، الحديث 1.) ، محمول على نفي تقدّمه عليه في التكبير، أو محمول على التقية؛ لقول أبي حنيفة بجواز المقارنة. و أمّا في غير تكبيرة الإحرام من الأقوال فالأقوى عدم وجوب المتابعة؛ للأصل و إطلاقات الجماعة، خرج منها الأفعال و بقي الأقوال، من غير فرق بين الواجب منها و المندوب، و المسموع منها من الإمام و غيره؛ و ذلك للإطلاق. و إن كان الأحوط المتابعة في المسموع؛ لشبهة خلاف من قال بوجوبها فيه، و هو الأحوط في خصوص التسليم؛ لما ذكره في «الجواهر» من قوله: مراعاةً لعدم خروج المأموم عن الصلاة قبل خروج الإمام كما يومئ إليه ما عن جماعة من تقييد جواز تسليمه بالعذر أو بقصد الانفراد(جواهر الكلام 13: 209.)، انتهى. و لكن المستفاد من بعض الروايات المعتبرة جواز تسليم المأموم قبل الإمام مطلقاً، كما في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهّد، قال: «يسلّم من خلفه و يمضي لحاجته إن أحبّ»(وسائل الشيعة 8: 413، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 3.) و صحيح أبي المعزا عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يصلّي خلف إمام فسلّم قبل الإمام، قال: «ليس بذلك بأس»(وسائل الشيعة 8: 414، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 64، الحديث 4.)

ص: 553

ص: 554

و لو ترك المتابعة فيما وجبت فيه عصى، و لكن صحّت صلاته و جماعته أيضاً، إلّا فيما إذا ركع حال اشتغال الإمام بالقراءة في الاوليين منه و من المأموم؛ فإنّ صحّة صلاته- فضلًا عن جماعته- مشكلة، بل ممنوعة. كما أنّه لو تقدّم أو تأخّر فاحشاً على وجه ذهبت هيئة الجماعة، بطلت جماعته فيما صحّت صلاته (1).


1- المشهور بين أصحابنا: أنّ وجوب المتابعة فيما وجبت فيه تعبّدي، و ليست من شرائط صحّة الصلاة، و لا من شرائط الجماعة. فترك المتابعة موجب للعصيان، و لا يوجب بطلان الصلاة و لا بطلان الجماعة و ارتفاع أحكامها. و في «المدارك» نسبه إلى الأصحاب، و هو الظاهر من العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام» و المحقّق الأردبيلي في «مجمع البرهان». و في «الجواهر»- بعد تأييده الإجماع بقوله: لعلّه كذلك؛ لاتّفاق ما وصل إلينا من فتاوى أساطين الأصحاب، من غير خلاف أجده فيه بينهم- وجّه قول الصدوق: إنّ من المأمومين من لا صلاة له؛ و هو الذي يسبق الإمام في ركوعه و سجوده و رفعه، و قول الشيخ في «المبسوط»: و من فارق الإمام بغير عذر بطلت صلاته، بما خلاصته: أنّ الظاهر من قول الصدوق: «لا صلاة له» نفي فضيلة الجماعة رأساً، بقرينة ذيل قوله: «و منهم من له صلاة واحدة؛ و هو المقارن له في ذلك، و منهم من له أربع و عشرون ركعة؛ و هو الذي يتبع الإمام في كلّ شي ء»، و أنّ الظاهر من قول «المبسوط» المفارقة الانفرادية بغير عذر لا ما نحن فيه(جواهر الكلام 13: 210.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّه لا تبطل صلاة المأموم و جماعته بترك المتابعة فيما وجبت فيه، إلّا فيما إذا ركع حال اشتغال الإمام بالقراءة في الاوليين منه و من المأموم؛ فإنّ صحّة صلاته- فضلًا عن جماعته- ممنوعة. و وجه المنع: أنّ القراءة ساقطة عن المأموم بضمان الإمام قراءته لا مطلقاً؛ فهو ترك قراءة نفسه و بدلها. و أمّا بطلان الجماعة فيما تقدّم أو تأخّر فاحشاً موجباً لذهاب هيئة الجماعة، فلمنافاة التفاوت الفاحش بينهما للائتمام عرفاً.

ص: 555

(مسألة 10): لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم تكبيره كان منفرداً،

فإن أراد الجماعة عدل إلى النافلة و أتمّها ركعتين (1).


1- لو أحرم قبل الإمام سهواً أو بزعم تكبيره و توجّه أنّ الإمام لم يحرم لا يجوز له قطع الصلاة، و لا الانتظار حتّى يحرم الإمام؛ و ذلك لامتناع حصول القدوة للمصلّي من قبل أن يتلبّس الإمام بالصلاة؛ و حينئذٍ فإن أراد اللحوق بالجماعة عدل إلى النافلة و أتمّها ركعتين، و يجوز البناء على قطع النافلة بعد العدول إليها و اللحوق بالجماعة، و سيأتي تفصيل البحث فيه في ضمن المسألة الخامسة عشر.

ص: 556

(مسألة 11): لو رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو لزعم رفع رأسه، وجب عليه العود و المتابعة،

و لا يضرّ زيادة الركن حينئذٍ.

و إن لم يعد أثم و صحّت صلاته إن كان آتياً بذكرهما و سائر واجباتهما، و إلّا فالأحوط البطلان، و أحوط منه الإتمام ثمّ الإعادة (1).


1- وجوب العود على المأموم و المتابعة للإمام فيما رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام سهواً أو نسياناً أو لزعم رفع رأسه مشهور بين الأصحاب. و تدلّ عليه الأخبار المستفيضة، كصحيح الفضيل بن يسار أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل صلّى مع إمام يأتمّ به ثمّ رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: «فليسجد»(وسائل الشيعة 8: 390، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 1.) و رواية محمّد بن سهل الأشعري عن أبيه عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عمّن يركع مع إمام يقتدي به ثمّ رفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد ركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 390، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 2.) و صحيح علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به ثمّ يرفع رأسه قبل الإمام، قال: «يعيد بركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 3.) و موثّق ابن فضّال عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: أسجد مع الإمام فأرفع رأسي قبله، اعيد؟ قال: «أعد و اسجد»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 5.) و بعض الأخبار يدلّ على عدم جواز العود إلى الركوع لمن رفع رأسه قبل الإمام، كما في موثّق غياث بن إبراهيم، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أ يعود فيركع إذا أبطأ الإمام و يرفع رأسه معه؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 6.) و قد حمل الشيخ رحمه الله هذا الموثّق على من تعمّد رفع رأسه قبل الإمام؛ جمعاً بينه و بين الأخبار المستفيضة الدالّة على الجواز المحمولة على من رفع رأسه قبل الإمام سهواً أو نسياناً، و أورد على هذا الجمع بأنّه ارتكاب على التأويل في كلا المتعارضين بلا شاهد. و الحقّ أن يقال: إنّ الشهرة أو الإجماع على الرجوع و العود في السهو دون العمد مرجّح للأخبار المستفيضة؛ فيسقط الموثّق عن الحجّية. و قال جماعة: إنّ مقتضى الجمع العرفي هو حمل الأخبار المستفيضة على الاستحباب، و موثّق غياث على مجرّد نفي الوجوب و الإذن في الترك الغير المنافي لاستحباب العود، و هو جمع مقبول؛ و لذا اختار العلّامة رحمه الله في «التذكرة» و «نهاية الإحكام» استحباب العود، و مال إليه صاحب «المدارك». و السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» بعد نفي البأس عن هذا الجمع المقبول عرفاً، قال: فإذا ظهر لنا إمكان الجمع العرفي بينهما بالحمل على الفضيلة و الرخصة كان هو المتعيّن(مستمسك العروة الوثقى 7: 270.) و فيه: أنّ الالتزام بهذا الجمع من حيث مخالفته للمشهور مشكل، و الشهرة مسقطة لموثّق غياث عن الحجّية. ثمّ إنّه لا يضرّ زيادة الركن بالعود إلى الركوع أو السجدتين عمداً فيما رفع رأسه قبل الإمام سهواً؛ لأنّها مغتفرة في الجماعة بالنصوص المستفيضة المتقدّمة. و إذا وجب العود فإن خالف و لم يعد فهل تبطل صلاته، أو أنّه أثم و صحّت صلاته؟ وجهان بل قولان: وجه البطلان: أنّ الظاهر من الأمر بالعود هو الوجوب الشرطي، و أنّ الصلاة المأمور بها جماعة اعتبر في ماهيتها وجوب العود إلى الركوع و السجدة شرطاً على من رفع رأسه سهواً أو نسياناً، و هذا لا ينافي كون أصل المتابعة من حيث هي مع قطع النظر عن خصوص المورد واجباً تعبّدياً. و وجه كونه آثماً مع صحّة صلاته و جماعته هو: أنّه واجب تعبّدي و تركه عمداً إثم. و ليس وجوبه شرطاً للصلاة و لا للجماعة عند المشهور المختار؛ فلا يكون تركه قادحاً في صحّة الجماعة، فضلًا عن الصلاة. هذا فيما لو كان آتياً بالذكر و سائر واجبات الركوع و السجدة. و إلّا فالأحوط بطلان الصلاة؛ لبقاء المحلّ على إتيان الذكر بالعود إلى الركوع تبعاً للإمام، و أحوط منه الإتمام؛ لاحتمال الاكتفاء بالركوع المأتي ثمّ الإعادة؛ لما ذكر من احتمال بطلان الصلاة مع بقاء المحلّ على تدارك الذكر.

ص: 557

ص: 558

ص: 559

و لو رفع رأسه قبله عامداً أثم و صحّت صلاته لو كان ذلك بعد الذكر و سائر الواجبات، و إلّا بطلت صلاته إن كان الترك عمداً. و مع الرفع عمداً لا يجوز له المتابعة، فإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية، و إن تابع سهواً فكذلك لو زاد ركناً (1).


1- وجه الإثم و صحّة صلاته فيما رفع رأسه عمداً مع إتيان الذكر و سائر واجبات الركوع و السجدة، هو ترك الواجب التعبّدي الغير المشروط صحّة الصلاة به، فتركه إثم و صلاته صحيحة. فلو ترك الذكر أو سائر واجباتهما بطلت صلاته، لا للرفع قبل الإمام، بل لإخلاله بالذكر الواجب عمداً، و مع الإخلال به أو بسائر واجباتهما سهواً لا تبطل صلاته بلا ريب. و لو رفع رأسه عمداً مع إتيان الذكر و قلنا بصحّة صلاته مع كونه آثماً، فلا يجوز له المتابعة؛ فإن تابع عمداً بطلت صلاته للزيادة العمدية، و هذه الزيادة ليست مغتفرة. و كذا تبطل فيما تابع سهواً لو زاد ركناً كالركوع و السجدتين؛ و ذلك لشمول أدلّة قادحية زيادة الركن. و أمّا في السجدة الواحدة فلا؛ لعدم قدح زيادتها سهواً. فرع: إذا رفع رأسه قبل الإمام سهواً مع نسيان الذكر فلا ريب في عدم بطلان الصلاة؛ و حينئذٍ لو عاد إلى الركوع- مثلًا- تحصيلًا للمتابعة ففي وجوب الذكر عليه- لرجوعه إلى محلّه بتنزيل الركوعين منزلة الركوع الواحد- و عدم وجوبه- لخروجه عن محلّه و حصول ركوع الصلاة الذي كان يجب فيه الذكر لو ذكر؛ و لذا لا يجوز له أن يرجع لتدارك الذكر لو لحقه الإمام؛ فالرجوع ثانياً تكليف مستقلّ للركوع الآخر غير الأوّل الذي وجب فيه الذكر، و هذا التكليف مستفاد من أدلّة وجوب التبعية- وجهان: أوّلهما أحوط و لا يخلو من قوّة؛ لأنّ المتبادر من الأمر بالعود هو العود إلى ما كان من الركوع و السجدة، و الأمر به لإلغاء ما حدث في الأثناء من رفع الرأس سهواً.

ص: 560

(مسألة 12): لو رفع رأسه من الركوع قبل الإمام سهواً،

ثمّ عاد إليه للمتابعة، فرفع الإمام رأسه قبل وصوله إلى حدّ الركوع، لا يبعد بطلان صلاته، و الأحوط الإتمام ثمّ الإعادة (1).

(مسألة 13): لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة،

فتخيّل أنّها الاولى، فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية، ففي احتسابها ثانية إشكال لا يترك الاحتياط بالإتمام و الإعادة (2).


1- وجه البطلان في المسألة: أنّه قد زاد ركناً من غير أن تكون الزيادة للمتابعة. و ليست هذه الزيادة مغتفرة؛ لأنّ المغتفر هو الركوع المأتي به المتحقّق به المتابعة بدرك المأموم الإمام في الركوع معه، و هو الظاهر من صحيح علي بن يقطين المتقدّم و غيره قال: «يعيد بركوعه معه»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 3.) و يمكن أن يقال: إنّ الركوع المأتي به لم يقصد به كونه جزءاً مستقلّاً، بل المقصود به مجرّد المتابعة لا غير؛ فالأحوط حينئذٍ الإتمام ثمّ الإعادة.
2- لو رفع رأسه من السجدة الاولى فرأى الإمام في السجدة و تخيّل أنّها الاولى للإمام فعاد إليها بقصد المتابعة فبان أنّها كانت ثانية للإمام، ففي احتسابها ثانية للمأموم إشكال. وجه احتسابها ثانية: أنّ المفروض اتّفاق تحقّق ما أتى به ثانياً مع الثانية من الإمام كالأُولى منهما؛ فمتابعة المأموم للإمام حاصلة في الواقع في كلّ من السجدتين، إلّا أنّ المأموم اشتبه في التطبيق، و هو غير مضرّ بامتثال الأمر بالمتابعة في الواقع. و وجه عدم الاحتساب: أنّ المأتي به ثانياً من المأموم ليس بقصد الجزئية حتّى يحتسب سجدة ثانية له؛ فلا يترك الاحتياط بإتمام الصلاة بعد إتيان سجدة المتابعة ثمّ الإعادة.

ص: 561

و لو تخيّل أنّها الثانية فسجد اخرى بقصدها فبان أنّها الاولى، حسبت ثانية، فله قصد الانفراد و الإتمام، و لا يبعد جواز المتابعة في السجدة الثانية و جواز الاستمرار إلى اللحوق بالإمام، و الأوّل أحوط، كما أنّه مع المتابعة إعادة الصلاة أحوط (1).


1- لو رفع رأسه عن السجدة الاولى و تخيّل أنّ الإمام في السجدة الثانية فسجد اخرى بقصد الثانية تبعاً للإمام، حسبت ثانية؛ لكونها مأتيّاً بها بقصد الثانية، إلّا أنّه اشتبه في تخيّل أنّ الإمام في السجدة الثانية فقد أتى المأموم كلتا سجدتيه بقصد الجزئية من الصلاة، و الإمام أتى الاولى منهما؛ و حينئذٍ فللمأموم قصد الانفراد و الإتمام. و لا يبعد أن تحسب السجدة الثانية من المأموم متابعة، إلّا أنّه اشتبه في أنّ الإمام في الثانية؛ فيجوز له أن يسجد مع السجدة الثانية للإمام و يتبعه، و يكون للمأموم ثلاث سجدات، كما أنّه يجوز له الاستمرار في سجدته الثانية إلى أن يلحقه الإمام. و الأوّل- أي قصد الانفراد و الإتمام- أحوط، كما أنّه مع المتابعة في السجدة الثانية للإمام إعادة الصلاة أحوط.

ص: 562

(مسألة 14): لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً لا يجوز له المتابعة،

و إن كان سهواً فوجوبها- بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود- لا يخلو من وجه، و إن لا يخلو من إشكال، و الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة (1).

(مسألة 15): لو كان مشتغلًا بالنافلة، فاقيمت الجماعة و خاف عدم إدراكها، استحبّ قطعها

(2).


1- وجه عدم جواز المتابعة فيما لو ركع أو سجد قبل الإمام عمداً هو لزوم الزيادة العمدية، و هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة. و لو ركع أو سجد قبل الإمام سهواً فوجوب المتابعة بالعود إلى القيام أو الجلوس ثمّ الركوع أو السجود لا يخلو من وجه. و وجهه موثّق ابن فضّال قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام في الرجل كان خلف إمام يأتمّ به، فيركع قبل أن يركع الإمام و هو يظنّ أنّ الإمام قد ركع، فلمّا رآه لم يركع رفع رأسه ثمّ أعاد الركوع مع الإمام، أ يفسد ذلك عليه صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب عليه السلام: «تتمّ صلاته، و لا تفسد صلاته بما صنع»(وسائل الشيعة 8: 391، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 48، الحديث 4.) ، هذا بناءً على إلغاء خصوصية الظنّ و شموله لمطلق المعذور، و التعدّي عن مورده- و هو الركوع- إلى السجود بالأولوية و عدم القول بالفصل. و وجه الإشكال: أنّ غاية ما يدلّ عليه الموثّق المزبور هو عدم فساد الصلاة برفع رأسه عن الركوع و العود إليه مع الإمام، و لا تعرّض فيه لوجوب المتابعة؛ فله أن يستمرّ الركوع أو السجود حتّى يلحقه الإمام، و هو الوجه في الاحتياط بالإعادة.
2- استحباب قطع النافلة لإدراك الجماعة إجماعي في الجملة. و يدلّ عليه صحيح عمر بن يزيد سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرواية التي يروون: أنّه لا يتطوّع في وقت فريضة، ما حدّ هذا الوقت؟ قال عليه السلام: «إذا أخذ المقيم في الإقامة»، فقال له: إنّ الناس يختلفون في الإقامة، فقال له عليه السلام: «المقيم الذي يصلّي معه»(وسائل الشيعة 5: 452، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 44، الحديث 1.) . و رواية «الفقه الرضوي»: «و إن كنت في صلاة نافلة و اقيمت الصلاة فاقطعها و صلّ الفريضة مع الإمام»(مستدرك الوسائل 6: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) ثمّ إنّ عبارة الفقهاء في بيان هذه المسألة- من حيث تقييد قطع النافلة بخوف فوت الجماعة- و في وقت الفوت مختلفة؛ ففي «الخلاف»: إذا ابتدأ الإنسان بصلاة النافلة ثمّ أحرم الإمام بالفرض فإن علم أنّه لا يفوت الفرض تمّم نافلته و إن علم أنّه تفوته الجماعة قطعها. و في «فقه الرضا»: أنّه يقطعها إذا اقيمت الصلاة من دون تقييد خوف الفوت، و هو المنقول عن والد الصدوق رحمه الله، و استحسنه في «المسالك». و في «الشرائع»: إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها و استأنف إن خشي الفوت. و في «الإرشاد» و «الروض»: أنّه يقطعها إذا دخل الإمام في الصلاة. و في «المدارك»: أنّ المراد فوات ركعة. و في «الذخيرة»: لا فرق بين فوات كلّ الصلاة و فوات الركعة. و عن المحقّق الثاني: أنّ المراد فوات القراءة. و في «المسالك»: يحتمل أن يراد من عبارة «الشرائع» فوات الائتمام بأجمعه؛ فلو أدرك آخر الصلاة لم يستحبّ القطع و أن يراد فوات الركعة الاولى. و في «مجمع البرهان»: أنّ المراد بالدخول الدخول في الصلاة بتكبيرة الإحرام؛ إذ مجرّد الدخول إلى مكان الصلاة لا يوجب ذلك، و يبعد فهم معنى آخر مثل الدخول في مندوباته مثل «قد قامت الصلاة». الظاهر من الإقامة في صحيح عمر بن يزيد إقامة الصلاة بالدخول فيها بتكبيرة الإحرام.

ص: 563

ص: 564

و لو كان مشتغلًا بالفريضة منفرداً استحبّ العدول إلى النافلة و إتمامها ركعتين إن لم يتجاوز محلّ العدول، كما لو دخل في ركوع الركعة الثالثة (1).


1- استحباب العدول من الفريضة إلى النافلة و إتمامها ركعتين لإدراك الجماعة مشهور بين الأصحاب، و نسبه في «التذكرة» و «المدارك» إلى علمائنا، و في «الذخيرة»: أنّه مقطوع به بين الأصحاب. و يدلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو قائم يصلّي إذ أذّن المؤذّن و أقام الصلاة، قال: «فليصلّ ركعتين ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام، و ليكن الركعتان تطوّعاً»(وسائل الشيعة 8: 404، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال: «إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلهما تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو و يصلّي ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع؛ فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) و ما روي في «الفقه الرضوي»: «و إن كنت في فريضتك و اقيمت الصلاة فلا تقطعها و اجعلها نافلة، و سلّم في الركعتين ثمّ صلّ مع الإمام. و إن كان ممّن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك و لا تجعلها نافلة و لكن اخط إلى الصفّ و صلّ معه، و إذا صلّيت أربع ركعات و قام الإمام إلى رابعته فقم معه و تشهّد من قيام و سلّم عن قيام»(مستدرك الوسائل 6: 496، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 44، الحديث 1.) و يستفاد من هذه الأخبار أنّه يجوز للمصلّي قطع الفريضة بالعدول إلى النافلة و إن أمكنه إتمام الفريضة و إدراك الجماعة بالإعادة استحباباً. و عن «مجمع البرهان»: أنّه يتمّ فريضته ثمّ يعيدها جماعة استحباباً. و فيه: أنّ إتمام الفريضة ثمّ إعادتها جماعة ليس محلّاً للكلام. و في «الجواهر» بعد تضعيف ما عن «مجمع البرهان» علّله بقوله: ضرورة كون المدار في المقام تحصيل فضيلة تلك الصلاة جماعة، لا إدراك الجماعة كيف كان(جواهر الكلام 14: 39.) ، انتهى. و لا يخفى: أنّ قطع الفريضة لإدراك الجماعة منحصر في هذا الطريق؛ فليس للمصلّي قطعها بغير هذا الطريق و إن خاف الفوت. خلافاً للشهيد في «البيان» و «الدروس» و «الذكرى» حيث ذهب إلى أنّ الفريضة كالنافلة، و أنّه إن يمكنه النقل إلى النفل نقل و إن خاف الفوت قطعها. و هذا القول محكي عن القاضي و موضعين من «المبسوط»، و استحسنه في «المدارك» و «الذخيرة» و «الحدائق»، و مال إليه السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك»، و علّلوا جوازه بأنّه استدراك لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان، و بأنّها بعد العدول صارت نافلة، و حكمها ذلك. و فيه أوّلًا: أنّ التعليل الأوّل مستلزم للقياس، و قطعها للأذان و كذا الإقامة له محلّ مخصوص؛ و هو ما لم يركع على المشهور؛ لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن و تقيم ثمّ ذكرت قبل أن تركع، فانصرف و أذّن و أقم و استفتح الصلاة. و إن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك»(وسائل الشيعة 5: 434، كتاب الصلاة، أبواب الأذان و الإقامة، الباب 29، الحديث 3.) و ثانياً: أنّ جواز قطعها بعد العدول إلى النافلة لا يستلزم الجواز مطلقاً، بل يستفاد من انحصار الطريق في ذلك في الأخبار أنّه لا يجوز غيره. و لا يخفى أيضاً: أنّ الظاهر من النصوص المذكورة في المسألة جواز النقل من الفريضة إلى النافلة و إتمامها ركعتين قبل انعقاد الجماعة؛ و ذلك للإطلاق فيها، حيث إنّ قوله عليه السلام: «ثمّ ليستأنف الصلاة مع الإمام»، و كذا قوله عليه السلام: «و ليدخل مع الإمام في صلاته» مطلق شامل للدخول معه من أوّل الصلاة. و الظاهر منها أيضاً: أنّ محلّ العدول قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة، و هذا في غير الثنائية. و في «الجواهر»: و قضية الاحتياط و الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقّن عدم التعدّي منه إلى غيره؛ حتّى لو كان في قيام الثالثة قبل أن يركع؛ ضرورة أصالة عدم جواز العدول؛ فيستمرّ حينئذٍ إلى إتمام فرضه(جواهر الكلام 14: 40.) ثمّ إنّه لو علم بعدم إدراك الجماعة بعد النقل إلى النافلة و إتمامها ركعتين لم يجز له النقل إليها. و لو عدل إلى النافلة فبان له أنّه لا يدرك الجماعة فهل يتمّها نافلة، أو يرجع عن نية النافلة إلى النية السابقة؟ وجهان بل قولان، اختار أوّلهما الشهيد الثاني في «الروض»، و حكي الثاني عن «مجمع البرهان». وجه الأوّل: أنّه ليس من موارد جواز العدول، و عدم الدليل عليه دليل على عدم مشروعيته. و وجه الثاني: أنّ نية النقل إلى النفل في أثناء الفريضة لمّا لم تقع في محلّها تكون كالعدم و غير منافية للفرض. و في «الجواهر»: بل هي في الحقيقة كالعزم على إرادة التسليم على الركعتين؛ أي في الثلاثية و الرباعية(نفس المصدر: 39.)

ص: 565

ص: 566

ص: 567

ص: 568

القول في شرائط إمام الجماعة
اشارة

و يشترط فيه امور: الإيمان (1).


1- اشتراط الإيمان بالمعنى الأخصّ- الذي به يكون الإنسان إمامياً- ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب، بل هو مجمع عليه بكلا قسميه، و المنقول منه مستفيض بل متواتر. و المراد بالإيمان المذكور هو الاعتراف بإمامة أئمّتنا الاثني عشر عليهم السلام؛ فلا تصحّ الائتمام خلف المخالف، و لا من وقف على أحد أولادهم، كالزيدية و الإسماعيلية و الفطحية و الواقفية و غيرهم؛ إذ إنكار بعضهم كإنكار الجميع. و في «الجواهر»: و لا ريب في تحقّق الكفر الموجب للخلود في جهنّم، و فيه أيضاً: بل قد يندرج في ذلك أيضاً أهل العقائد الفاسدة من الغلوّ و التجسيم و التجبير و التكذيب بقدر اللَّه، بناءً على تحقّق الكفر بها(جواهر الكلام 13: 274.) ، انتهى. و الدليل على اشتراط الإيمان صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الصلاة خلف المخالفين، فقال: «ما هم عندي إلّا بمنزلة الجدر»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 1.) و رواية علي بن سعد البصري قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إنّي نازل في قوم بني عدي و مؤذّنهم و إمامهم و جميع أهل المسجد عثمانية يبرءون منكم و من شيعتكم، و أنا نازل فيهم، فما ترى في الصلاة خلف الإمام؟ فقال عليه السلام: «صلّ خلفه و احتسب بما تسمع، و لو قدمت البصرة لقد سألك الفضيل بن يسار و أخبرته بما أفتيتك، فتأخذ بقول الفضيل و تدع قولي»، قال عليّ: فقدمتُ البصرة فأخبرتُ فضيلًا بما قال، فقال: هو أعلم بما قال، و لكنّي قد سمعته و سمعت أباه يقولان: «لا تعتدّ بالصلاة خلف الناصبي، و اقرأ لنفسك كأنّك وحدك»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 4.) و مكاتبة محمّد بن أبي عبد اللّه البرقي أنّه قال: كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: أ يجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك و جدّك؟ فأجاب: «لا تصلّ وراءه»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 5.) و مرسل خلف بن حمّاد بن ياسر عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصداً»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 6.) و رواية إسماعيل بن مسلم أنّه سأل الصادق عليه السلام خلف رجل يكذب بقدر اللَّه- عزّ و جلّ- قال: «ليعد كلّ صلاة صلّاها خلفه»(وسائل الشيعة 8: 311، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 8.) و مكاتبة علي بن مهزيار قال: كتبتُ إلى محمّد بن علي الرضا عليه السلام: اصلّي خلف من يقول بالجسم و من يقول بقول يونس، فكتب عليه السلام: «لا تصلّوا خلفهم، و لا تعطوهم من الزكاة، و أبرءوا منهم برئ اللَّه منهم»(وسائل الشيعة 8: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 10.) و رواية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون- لعنه اللَّه- قال: «لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 312، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 11.) ، و غيرها من روايات الباب. و يدلّ عليه أيضاً: الأخبار الدالّة على عدم جواز الصلاة خلف الفاسق، حيث إنّه لا فسق أعظم من عدم الإيمان، و هي تدلّ أيضاً على عدم جواز الصلاة خلف من ينسب إلى اللَّه تعالى ما لا يناسب شأنه؛ لكونه من أكبر الكبائر.

ص: 569

ص: 570

و طهارة المولد (1).


1- و يدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال:» و عدّ منهم «المجنون و ولد الزنا»(وسائل الشيعة 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 1.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلّين أحدكم خلف المجنون و ولد الزنا ...»(وسائل الشيعة 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 2.) الحديث. و لا يخفى: أنّه قد اختلف تعابير الفقهاء في هذا الشرط: فمنهم من عبّر بطهارة المولد كما في «القواعد» و «الشرائع» و «المختصر النافع» و «المدارك» و «مستند الشيعة». و قد فسّره جماعة كثيرة من فقهائنا بأن لا يعلم كونه ولد زنا؛ ففي «مفتاح الكرامة»: و معنى طهارة المولد- كما نصّ عليه كثير منهم- أن لا يعلم كونه ولد زنا، انتهى. و منهم من عبّر بأن لا يكون ولد زنا، و هو المعبّر به في النصوص. و مقتضى التعبير الأوّل عدم جواز الائتمام في صورة الشكّ؛ لأصالة عدم طهارة المولد، بخلاف التعبير الثاني؛ لأصالة عدم كونه عن زنا، بناءً على جريان الأصل في العدم الأزلي، هذا. و لكن لا فرق بين التعبيرين عند المتشرّعة، حيث كان مرادهم من طهارة المولد أن لا يعلم كونه عن زنا؛ فيجب الحكم به عند الشكّ؛ لأصالة طهارة المولد و كونه عن نكاح صحيح شرعاً و عرفاً. و في «مصباح الفقيه»: ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد بطهارة المولد- التي اعتبروها في الإمام- هو أن لا يعرف كونه من سفاح؛ فإنّ من لم يعرف كونه كذلك محكوم شرعاً و عرفاً بكونه طاهر المولد؛ لأصالة الصحّة و السلامة في نسبه فإنّه أصل معوّل عليه شرعاً و عرفاً في هذا الباب. مع إمكان أن يدّعى: أنّ المنساق من النهي عن إمامة ابن زنا أو الائتمام به إنّما هو إرادة أفراده المعلومة؛ نظراً إلى ما أشرنا إليه من عدم جريان أحكام ابن الزنا شرعاً و عرفاً إلّا من علم كونه كذلك؛ فلا ينسبق إلى الذهن من النهي إلّا إرادته(مصباح الفقيه، الصلاة: 676/ السطر 10.) ، انتهى. و في «مفتاح الكرامة»: و معنى طهارة المولد- كما نصّ عليه كثير منهم- أن لا يعلم كونه ولد زنا، قالوا: و لا منع فيمن تناله الألسن، و لا ولد الشبهة، و لا من جهل أبوه(مفتاح الكرامة 3: 95/ السطر 4.)

ص: 571

ص: 572

و العقل (1) و البلوغ إذا كان المأموم بالغاً، بل إمامة غير البالغ و لو لمثله محلّ إشكال، بل عدم جوازه لا يخلو من قرب (2).


1- اشتراط العقل في إمام الجماعة إجماعي في الجملة، حكاه جماعة كثيرة من فقهائنا. و يدلّ عليه صحيحا أبي بصير و زرارة تقدّما في اشتراط طهارة المولد. ثمّ إنّ فقهاءنا اختلفوا في جواز الائتمام بالمجنون حال إفاقته، نسب في «مستند الشيعة» الجواز مع الكراهة إلى المشهور؛ و منهم المحقّق و العلّامة في بعض كتبه و الشهيدان و صاحب «جامع المقاصد» و «المدارك» و السبزواري و الفاضل الهندي. و استدلّ للجواز بالأصل و العمومات. و القائلون بالكراهة علّلوها بإمكان عروض الجنون حال الصلاة و عدم أمنه عن الاحتلام حال الجنون. و روي أنّ المجنون يمني حال جنونه؛ و لذا قيل باستحباب الغسل له حال الإفاقة، بأنّه ناقص عن المرتبة الجليلة للإمامة. و ذهب جماعة إلى عدم جوازه؛ منهم الشيخ، و ادّعى الإجماع عليه في «الخلاف»، قال: الإجماع على أنّ المجنون لا يؤمّ على كلّ حال، و قال العلّامة في «التذكرة» و «نهاية الإحكام»: إنّ من يعتوره الجنون لا يكون إماماً و لو في وقت إفاقته. و الحقّ: أنّه في حال الإفاقة عاقل؛ فمع اجتماع سائر الشرائط يجوز الائتمام به، و لا يصدق عليه في تلك الحال أنّه مجنون، و الإجماع المدّعى من «الخلاف» غير ثابت، و الشهرة في المسألة متّبعة.
2- اشتراط البلوغ في إمام الجماعة مشهور بين الأصحاب، و عن «المنتهى»: أنّه ممّا لا خلاف بينهم. و يدلّ عليه خبر إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه: «إنّ علياً عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم، و لا يؤمّ حتّى يحتلم، فإن أمّ جازت صلاته و فسدت صلاة من خلفه»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 7.) ، و في سند الرواية غياث بن كلّوب، قال النجاشي و الشيخ: إنّ له كتاباً. و قد أهمله العلّامة في «الخلاصة»، و ضعّفه في الحاوي. و عن الشيخ في «العدّة»: أنّ غياث هذا من العامّة، إلّا أنّ الطائفة عملت بأخباره. و استدلّ أيضاً بفحوى ما دلّ على اعتبار العدالة، حيث إنّ كون الفاسق مكلّفاً، و علمه بأنّه يعاقب على ما يرتكبه من الحرام حاجز عن الارتكاب، و مع ذلك لا تجوز إمامته و لا يأتمّ به؛ فالصبي المطمئنّ من عدم العقوبة عليه أولى بالمنع. و في «الجواهر»: و لفحوى اعتبار العدالة المتوقّف تحقّقها على التكليف، مؤيّداً ذلك كلّه بعدم جواز الائتمام به في النافلة؛ خصوصاً للمفترض، و بعدم ائتمانه بسبب عدم تكليفه على إحراز ما يعتبر في صحّة الصلاة، بل ينبغي القطع به بناءً على التمرينية(جواهر الكلام 13: 325.) ، انتهى. ثمّ إنّ الشيخ في «الخلاف» و «المبسوط» جوّز إمامة المراهق المميّز العاقل، و ادّعى عليه الإجماع. قال في «الخلاف»: دليلنا إجماع الفرقة؛ فإنّهم لا يختلفون في أنّ من هذا صفته تلزمه الصلاة. و قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «مروهم بالصلاة لسبع» يدلّ على أنّ صلاتهم شرعية(الخلاف 1: 553/ المسألة 295.) ، انتهى. و فيه: أنّ الإجماع غير ثابت، و أنّ شرعية عباداته لا تستلزم صحّة الائتمام به، هذا. مع قوله في «النهاية» بعدم جواز إمامته، و لعلّه في الجمعة؛ و لذا احتمل في «كشف اللثام» و «المدارك» و «مصابيح الظلام»: أنّ الشيخ ممّن يفرق بين الجمعة و غيرها. و نسب الجواز إلى السيّد في «مصباحه». و استدلّ على القول بالجواز برواية غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحُلُم أن يؤمّ القوم، و أن يؤذّن»(وسائل الشيعة 8: 321، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 3.) . و موثّق سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «يجوز صدقة الغلام و عتقه، و يؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 5.) . و رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: «لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم، و أن يؤمّ»(وسائل الشيعة 8: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 8.) و فيه: أنّ روايتي غياث و طلحة ضعيفتان سنداً. و موثّق سماعة معرض عنه عند الأصحاب. و نسب إلى الشهيد في «الدروس»: أنّه جوّز إمامة الصبي لمثله مطلقاً، و لغيره في النافلة، و استقربه جماعة ممّن تأخّر عنه. و لعلّ وجهه انصراف النهي عن إمامته إلى إمامته للبالغين؛ فيكون إمامته لغير البالغين كسائر عباداته شرعية على القول بشرعيتها. و جمع بعضهم بين القول بالجواز و القول بعدمه؛ بحمل الأوّل على المميّز، و الثاني على غير المميّز. و في «مصابيح الظلام» حمل أخبار الجواز على إمامته في النوافل. فالقول بجواز إمامته لغير البالغين بناءً على شرعية عباداتها مشكل. نعم لا بأس به على القول بتمرينيتها.

ص: 573

ص: 574

ص: 575

و الذكورة إذا كان المأموم ذكراً، بل مطلقاً على الأحوط (1).


1- اشتراط الذكورة في إمام الجماعة إجماعي في الجملة، كما ادّعاه في «الخلاف» و «المنتهى» و «التذكرة» و «الروض» و غيرها. و علّل في «الجواهر» عدم جواز إمامة المرأة للرجال بأصالة عدم سقوط القراءة(جواهر الكلام 13: 336.) و يدلّ عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم من أنّه: «لا تؤمّ امرأةٌ رجلًا»(السنن الكبرى، البيهقي 3: 90.) ، و ما روي عنه صلى الله عليه و آله و سلم أيضاً أنّه قال: «أخّروهنّ من حيث أخّرهنّ اللَّه»(مستدرك الوسائل 3: 333، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 5، الحديث 1.) ، و ما روي في «دعائم الإسلام» مرسلًا عن علي عليه السلام قال: «لا تؤمّ المرأةُ الرجالَ، و لا تؤمّ الخنثى الرجال، و لا الأخرس المتكلّمين، و لا المسافر المقيمين»(دعائم الإسلام 1: 151.) ، و ضعف سندها منجبر بالإجماع. و قد يستدلّ عليه أيضاً بالأخبار الناهية عن صلاة الرجل و بحذائه أو بين يديه امرأة تصلّي، بناءً على القول بحرمة المحاذاة و التقدّم. و أمّا بناءً على القول بالكراهة فيشكل الاستدلال بها على الاشتراط. و يستدلّ أيضاً بأنّ المرأة مأمورة بالحياء و الاستتار، و الإمامة للرجال يقتضي الظهور و الاشتهار. و فيه: أنّ إمامتها لا تستلزم خلاف الستر و الحياء. و في «مصباح الفقيه»: لا بأس بذكر مثل هذه الوجوه في مقام التأييد كما صنعه الأصحاب ... إلى أن قال مع قصور إطلاقات أدلّة الجماعة عن إثبات جواز إمامتها حتّى للنساء، فضلًا عن الرجال(مصباح الفقيه، الصلاة: 679/ السطر 25.) ، انتهى. هذا كلّه في إمامتها للرجال. و أمّا إمامتها للنساء: فالمشهور شهرة عظيمة جوازها مطلقاً. و في «المدارك»: فهو قول معظم الأصحاب. و في «التذكرة»: أنّه قول علمائنا أجمع. و قد ادّعى الإجماع جمع كثير من فقهائنا. و يدلّ عليه موثّق سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال: «لا بأس به»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 11.) و موثّق ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام- في حديث- المرأة تؤمّ النساء؟ قال: «نعم تقوم وسطاً بينهنّ و لا تتقدّمهنّ»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 10.) و رواية حسن بن زياد الصيقل قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السلام كيف تصلّي النساء على الجنائز ... إلى أن قال: ففي صلاة مكتوبة، أ يؤمّ بعضهنّ بعضاً؟ قال: «نعم»(وسائل الشيعة 8: 334، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 2.) و في النبوي المروي المستدلّ به على المطلوب في كتب أصحابنا: أنّه صلى الله عليه و آله و سلم أمر امّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها و جعل لها مؤذّناً(كنز العمّال 8: 306، انظر جواهر الكلام 13: 337.) و يدلّ عليه أيضاً من حيث الإشعار الأخبار الواردة في جواز جهر القراءة للمرأة، كما في خبر علي بن جعفر المروي عن كتاب «قرب الإسناد» عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة؟ قال: «قدر ما تسمع»، و سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة و النافلة؟ قال: «لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها»(قرب الإسناد: 223/ 866 و 867، وسائل الشيعة 6: 95، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 31، الحديث 3.) و صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المرأة تؤمّ النساء، ما حدّ رفع صوتها بالقراءة و التكبير؟ فقال: «قدر ما تسمع»(وسائل الشيعة 8: 335، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 7.) و في «مصباح الفقيه»: و المنساق منها إرادتها في الفريضة التي يعمّ بها الابتلاء، دون صلاة الاستسقاء و نحوها من النوافل التي يجوز الاجتماع فيها، التي قد لا يتّفق ابتلاء النساء بها(مصباح الفقيه، الصلاة: 679/ السطر 36.) ، انتهى. و ذهب جماعة من فقهائنا إلى التفصيل و منع إمامة المرأة للنساء في الفريضة، و جوازها في النافلة؛ منهم أبو علي و علم الهدى و الجعفي، و في «المختلف»: أنّه لا بأس به، و مال إليه صاحب «المدارك»، و اختاره كاشف الغطاء، و استظهره من الكليني و الصدوق. و يدلّ عليه صحيح هشام بن سالم أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة هل تؤمّ النساء؟ قال: «تؤمّهنّ في النافلة، فأمّا في المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ و لكن تقوم وسطهنّ»(وسائل الشيعة 8: 333، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 1.) و صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «تؤمّ المرأة النساء في الصلاة و تقوم وسطاً بينهنّ و يقمن عن يمينها و شمالها، تؤمّهنّ في النافلة و لا تؤمّهنّ في المكتوبة»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 9.) و صحيح سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المرأة تؤمّ النساء؟ فقال: «إذا كنّ جميعاً أمّتهنّ في النافلة، فأمّا المكتوبة فلا، و لا تتقدّمهنّ و لكن تقوم وسطاً منهنّ»(وسائل الشيعة 8: 336، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، الحديث 12.) و استدلّ أيضاً على منع إمامتها لها في الفريضة بأنّ الإمامة كالجماعة توقيفية، و مقتضى الأصل عند الشكّ عدم تحقّقها، و عدم سقوط القراءة عن المأمومة، و عدم البراءة من الشغل اليقيني. و يؤيّد المنع: أنّه لم يعهد في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمّة المعصومين عليهم السلام إمامة المرأة على جماعة النساء، مع وجود أشخاص ذات حسب و نسب بينهنّ. و في «الجواهر»: بل معهودية خلافه؛ لتعارف خروج النساء- مع مطلوبية الحياء و الستر منهنّ و القرار في البيوت- إلى جماعة الرجال و الائتمام بهم. و لو كان ذلك مشروعاً لكان أولى لهنّ من الخروج قطعاً. و لوقع يوماً في عصر النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو الأئمّة- عليهم الصلاة و السلام- خصوصاً مع فاطمة سيّدة نساء العالمين عليها السلام و باقي نسائهم و بناتهم، و لشاع و ذاع حتّى خرق الأسماع؛ ضرورة توفّر الدواعي إلى الجماعة و كثرة تكرّر الصلاة و عموم البلوى بها(جواهر الكلام 13: 339.) ، انتهى. و الجواب أمّا عن الأخبار المذكورة: فهي و إن كانت معتبرةً سنداً، و لكنّها معرض عنها عند الأصحاب، و الشهرة قائمة على خلافها. و في «المنتهى»: أنّه لم يعمل بها أحد من علمائنا، و أنّها نادرة. و حكيت ندرتها عن «المعتبر»، هذا. مضافاً إلى كونها موافقة لجماعة من العامّة القائلين بجواز إمامتها لهنّ في مطلق النافلة و عدم جوازها في المكتوبة، بل المنع مطلقاً مذهب أكثرهم و إن اختلفوا فيه كراهةً و تحريماً؛ فتكون الأخبار المجوّزة مشهورة بين أصحابنا، و بالترجيح أولى. و لا بدّ من طرح ما خالفها أو حملها على التقية أو على عدم تأكّد الاستحباب، كما في «الذكرى». و لا تحمل على الكراهة؛ لثبوت الاستحباب عند المشهور، كما في «المنتهى». و قال صاحب «الوسائل»: ما تضمّن المنع من إمامة المرأة فالمراد به الكراهة، بدلالة التصريح في باقي الأحاديث. و نقل عن «منتهى» العلّامة: إنّه يحتمل أن يكون ذلك راجعاً إلى من لم تعرف فرائض الصلاة و واجباتها منهنّ؛ فلا تؤمّ غيرها في الواجب، قال: و خصّصهنّ بالذكر لأغلبية الوصف فيهنّ(وسائل الشيعة 8: 337، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 20، ذيل الحديث 13.) ، انتهى. و قد جمع صاحب «الحدائق» رحمه الله بين الأخبار المذكورة بجعل النافلة و المكتوبة صفتين للجماعة، لا للصلاة- أي الجماعة المستحبّة و الجماعة الواجبة- و حمل الأخبار المجوّزة على الجماعة المستحبّة كالجماعة في الصلوات اليومية، و الأخبار المانعة على الجماعة الواجبة كالجماعة في صلاة الجمعة و العيدين(الحدائق الناضرة 11: 189.) و فيه: أنّ المعهود عند المتشرّعة من لفظ النافلة و المكتوبة هو كونهما و صفين للصلاة، و حملهما على ما ذكره خلاف المعهود. و أمّا الجواب عن الاستدلال على المنع بالاصول: فهو أنّ الاصول دليلٌ حيث لا دليل على المسألة. و أمّا عدم معهودية إمامة المرأة للنساء فهو لا ينافي ثبوت الحكم لها بالنصوص؛ فالأحكام تثبت للموضوعات بالدليل و إن لم يتحقّق الموضوع في الخارج.

ص: 576

ص: 577

ص: 578

ص: 579

ص: 580

و العدالة؛ فلا تجوز الصلاة خلف الفاسق (1).


1- اشتراط العدالة في إمام الجماعة ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب. و ادّعى جماعة كثيرة منهم الإجماع عليه. و في «مصباح الفقيه»: و أرسلوه إرسال المسلّمات على وجه كاد تعدّ من ضروريات الفقه. و الأخبار الدالّة على اشتراط العدالة في إمام الجماعة و عدم جواز الاقتداء بالفاسق متضافرة، و ضعف سند بعضها منجبر: منها: موثّق سماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة، قال: «إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرى و ينصرف و يجعلها تطوّعاً و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو، و يصلّي ركعة اخرى و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه على ما استطاع؛ فإنّ التقية واسعة، و ليس شي ء من التقية إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللَّه»(وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.) و منها: رواية علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مواليك قد اختلفوا فاصلّي خلفهم جميعاً، فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.) و في «مصباح الفقيه»: إذ المتبادر منه إرادة من تطمئنّ بتديّنه و صلاحه، و هو معنى العدالة كما ستعرف، و لكن عن «الكافي» نقلها بإسقاط قوله: «و أمانته» ، و على هذا أيضاً لا يبعد دعوى دلالتها على المدّعى؛ إذ الظاهر أنّ المراد بالوثوق بدينه هو الاطمئنان بالتزامه و تديّنه بما دان به و عدم التعدّي عن الحدود الشرعية التي دان بها باتّباع هواه، لا الوثوق بكونه إمامياً(مصباح الفقيه، الصلاة: 667/ السطر 17.) ، انتهى. و منها: ما روي في «الفقه الرضوي» مرسلًا عن العالم عليه السلام قال: «و لا تصلّ خلف أحد إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق به و بدينه و ورعه، و آخر من تتّقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شنيعته، فصلّ خلفه على سبيل التقية و المداراة، و أذّن لنفسك و أقم و اقرأ فيها؛ فإنّه غير مؤتمن به»(مستدرك الوسائل 6: 481، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 29، الحديث 1.) و منها: ما روي في «مستطرفات السرائر» من كتاب أبي عبد اللّه السيّاري صاحب موسى و الرضا عليهما السلام قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدّم بعضهم فيصلّي بهم جماعة، فقال: «إن كان الذي يؤمّ بهم ليس بينه و بين اللَّه طلبة فليفعل»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 12.) و منها: رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين» قال: «و الصلاة تستحبّ في أوّل الأوقات، و فضل الجماعة على الفرد بأربع و عشرين، و لا صلاة خلف الفاجر، و لا يقتدى إلّا بأهل الولاية»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 6.) و منها: رواية سعد بن إسماعيل بن عيسى عن أبيه، قال: قلت للرضا عليه السلام: رجل يقارف الذنوب و هو عارف بهذا الأمر، اصلّي خلفه؟ قال: «لا»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 10.) و منها: رواية أبي القاسم بن قولويه عن الأصبغ قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: «ستّة لا يؤمّون الناس- منهم- شارب النبيذ و الخمر»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 11.) و غيرها من الروايات التي ذكر المحقّق الهمداني جملة منها في «مصباح الفقيه»، و قال بعد ذكرها: ثمّ إنّ المحصّل من مجموع الأخبار: أنّه يشترط في الإمام أن لا يكون فاسقاً فاجراً، بل ممّن يوثّق بدينه و أمانته كما في خبر علي بن راشد، أو به و بدينه و ورعه كما في المرسل المنقول عن «الفقه الرضوي»، و كونه كذلك مساوق لمفهوم العدالة، و لم يرد في شي ء من الأخبار المزبورة التصريح بلفظ «العدالة»، عدا مضمرة سماعة و معاقد الإجماعات المحكية. و كيف كان: فهي معتبرة في جواز الائتمام بلا شبهة(مصباح الفقيه، الصلاة: 668/ السطر 8.)، انتهى.

ص: 581

ص: 582

ص: 583

و لا مجهول الحال (1).


1- و في «الجواهر»:- بعد اشتراط العدالة في إمام الجماعة- قال: فلا يجوز الائتمام بالفاسق ... إلى أن قال: بل و لا المجهول حاله أيضاً، بناءً على عدم الاكتفاء في العدالة بعدم ظهور الفسق، كما ستعرف إن شاء اللَّه تعالى؛ لوجوب إحراز الشرط في الحكم بصحّة المشروط؛ إذ عرفت أنّ الإجماع محكي و محصّل على كونها شرطاً، لا على أنّ الفسق مانع(جواهر الكلام 13: 276.) ، انتهى. و يدلّ على عدم جواز الصلاة خلف مجهول الحال خبر خلف بن حمّاد الأسدي عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا تصلّ خلف الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجهول، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصداً»(وسائل الشيعة 8: 310، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 6.) و ما رواه الصدوق رحمه الله في «الفقيه» مرسلًا عن الصادق عليه السلام قال: «ثلاثة لا يصلّى خلفهم: المجهول، و الغالي و إن كان يقول بقولك، و المجاهر بالفسق و إن كان مقتصداً»(وسائل الشيعة 8: 314، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 4.) و ضعف سند الخبرين منجبر.

ص: 584

و هي حالة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن ارتكاب الكبائر، بل و الصغائر على الأقوى، فضلًا عن الإصرار عليها الذي عدّ من الكبائر، و عن ارتكاب أعمال دالّة عرفاً على عدم مبالاة فاعلها بالدين. و الأحوط اعتبار الاجتناب عن منافيات المروّة، و إن كان الأقوى عدم اعتباره (1).


1- العدالة في اللغة بمعنى الاستواء و الاستقامة و أن يكون الإنسان متعادل الأحوال و متساوياً فيها. و اختلف عبارات الأصحاب و غيرهم في معناها شرعاً. و صاحب «الجواهر» رحمه الله- بعد حكاية المعنى اللغوي للعدالة عن «المبسوط» و «السرائر» بقوله: أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساوياً، و عن «المدارك» و غيرها: أنّه الاستواء و الاستقامة- قال بما خلاصته: الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها، كما يظهر من الأخبار، و ممّن نسب تعريفها الآتي إلى الشرع، بل لو لم نقل بالحقيقة الشرعية فالمجاز الشرعي لا شكّ في ثبوته، و أنّها في الشرع من متّحد المعنى على الظاهر، لا فرق فيها بالنسبة إلى كلّ ما اعتبرت فيه من شهادة و طلاق و غيرهما(جواهر الكلام 13: 280.) ، انتهى ملخّصاً. و في «مفتاح الكرامة»(مفتاح الكرامة 3: 80/ السطر 16.) : فكلام الأصحاب في المعتبر منه في إمام الجماعة، و الشاهد في الطلاق و غيره، و في الراوي، و مستحقّ الزكاة- على القول باعتبارها فيه- مختلف على الظاهر؛ و لذا اختلفت أفهام متأخّري المتأخّرين في مرادهم، إلّا أنّ الظاهر- كما نصّ جماعة- أنّ العدالة المعتبرة في إمام الجماعة و الشاهد واحدة ... إلى أن قال بما خلاصته: إنّه قد تحصّل: أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة؛ اثنان منها للمتقدّمين، و واحدٌ للمتأخّرين: الأوّل: أنّها ظاهر الإسلام؛ أي الإيمان مع عدم ظهور الفسق. و إليه ذهب المفيد و الشيخ في «الخلاف» و «النهاية» و «الاستبصار» و «المبسوط» و الشهيد الثاني في «المسالك». الثاني: أنّها حسن الظاهر. نسب هذا القول إلى من عدا المذكورين من القدماء، و اختاره جماعة من المتأخّرين. و المراد بالظاهر خلاف الباطن، الذي لا يعلم به إلّا اللَّه، و بحسنه كونه جارياً على مقتضى الشرع بعد الاختبار و الاطّلاع على أحواله. الثالث: أنّها ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى مانعة عن ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و قيل: عن منافيات المروّة أيضاً. و استدلّ للقول الأوّل بامور: الأوّل: الأصل، و قرّره في «الجواهر» بقوله: بأصالة الصحّة في أفعال المسلمين و أقوالهم المستلزمة للحكم بأنّه لم يقع منه ما يوجب الفسق؛ فيكون عدلًا لعدم الواسطة بينهما(جواهر الكلام 13: 281.) الثاني: الإجماع المنسوب إلى الشيخ في «الخلاف». الثالث: الأخبار: منها: مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البيّنة إذا اقيمت على الحقّ أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، و المناكح، و الذبائح، و الشهادات، و الأنساب؛ فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه»(وسائل الشيعة 27: 392، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 3.) و منها: ما رواه الصدوق رحمه الله في «الفقيه» بسند صحيح عن عبد اللّه بن المغيرة قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيين، قال: «كلّ من ولد على الفطرة و عرّف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»(وسائل الشيعة 27: 393، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 5.) و منها: ما رواه الصدوق رحمه الله أيضاً عن علقمة بن محمّد الحضرمي قال: قال الصادق عليه السلام و قد قلت له: يا ابن رسول اللَّه أخبرني عمّن تقبل شهادته و من لا تقبل، فقال: «يا علقمة كلّ من كان على فطرة الإسلام جازت شهادته» قال: فقلت له: تقبل شهادة مقترف بالذنوب؟ فقال: «يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلّا شهادة الأنبياء و الأوصياء عليهم السلام؛ لأنّهم المعصومون دون سائر الخلق؛ فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة، و إن كان في نفسه مذنباً، و من اغتابه بما فيه فهو خارج من ولاية اللَّه داخل في ولاية الشيطان»(وسائل الشيعة 27: 395، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 13.) و منها: صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل آخران، فقال: «إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور اجيزت شهادتهم جميعاً و اقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا و علموا. و على الوالي أن يجيز شهادتهم، إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق»(وسائل الشيعة 27: 397، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 18.) ، و غيرها من الأخبار التي ذكرها صاحب «الجواهر» و غيره. و اجيب عن الأوّل أوّلًا: أنّ الأصل دليل حيث لا دليل على المسألة؛ فمع وجود النصّ فيها لا يرجع إليه. و ثانياً: أنّ غاية ما يستفاد من الأصل المذكور هو حمل فعل المسلم و قوله المحتملين في نفسهما للصحّة و الفساد على الصحّة و الحسن ما لم يكونا نصّين أو ظاهرين في الفساد، و ليس مقتضاه عدم وقوع ما يقتضي الفسق منه. و مجرّد حمل فعل المسلم و قوله على الصحّة لا يكفي في قبول الشهادة و الإشهاد على الطلاق و غيرهما ممّا يشترط فيه العدالة. و عن الثاني: أنّ الإجماع غير ثابت مع وجود المخالفين في تعريف العدالة بغير ما ذكر، مع عدم اكتفاء جماعة من القدماء في التعديل بظاهر الإسلام. و عن الثالث: فقد أجاب في «الجواهر» بما محصّله بتلخيص منّا: أنّها- مضافاً إلى ضعف سند كثير منها غير صريحة في المقصود، بل بعضها دالّ على ضدّه- محمولة على إرادة كونه معروفاً بأنّه لم يعرف بشهادة زور، كحمل رواية «المجالس» على إرادة من لم تره بعينك بعد الفحص عن حاله، لا و لو لأنّه مجهول الحال غريب لم تره مدّة عمرك؛ ضرورة احتمال كون مثله معروفاً مشهوراً بالفسق و شهادة الزور في بلاده أو عند من خالطه. و حاصل كلامه رحمه الله: أنّ المستفاد من تلك الأخبار و كلام جماعة أنّه ليس المراد من العدالة ظهور الإسلام مع عدم ظهور الفسق، بل المراد منها ظهور عدم الفسق- أي حسن الظاهر- و أيّده بتأييدات ... إلى أن قال رحمه الله: و كذلك ما عن الكاتب- الظاهر أنّه ابن الجنيد- إذا كان الشاهد حرّاً بالغاً مؤمناً بصيراً معروف النسب مرضياً غير مشهور بكذب في شهادته، و لا بارتكاب كبيرة، و لا مقام على صغيرة، حسن التيقّظ، عالماً بمعنى الأقوال، عارفاً بأحكام الشهادة، غير معروف بحيف على معامل، و لا تهاون بواجب من علم أو عمل، و لا معروف بمباشرة أهل الباطل و الدخول في جملتهم، و لا بالحرص على الدنيا، و لا بساقط المروّة، بريئاً من أهواء أهل البدع التي توجب على المؤمن البراءة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبولة شهادتهم. فإنّ التأمّل في كلامه هذا يقضي بحسن الظاهر. و أمّا المفيد فقد صرّح في «المقنعة»- على ما نقل عنه- أنّ العدل من كان معروفاً بالدين و الورع عن محارم اللَّه. و هو ظاهر في حسن الظاهر(جواهر الكلام 13: 285- 287.) ، انتهى كلام صاحب «الجواهر» ملخّصاً. و استدلّ للقول الثاني بالإجماع المنسوب إلى الوحيد البهبهاني رحمه الله في حاشيته على «معالم الاصول» في كلّ مقام اشترطت فيه العدالة. و بالأخبار المستفيضة: منها: بعض الأخبار المتقدّمة المستدلّ بها على القول الأوّل، حيث حكينا عن صاحب «الجواهر» رحمه الله القول بأنّها صريحة الدلالة على حسن الظاهر، كمرسل يونس بن عبد الرحمن المتقدّم: «فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه»(وسائل الشيعة 27: 392، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 3.) ، و نحوه غيره من الأخبار. و منها: رواية علاء بن سيابة عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّ أبا جعفر عليه السلام قال: «لا تقبل شهادة سابق الحاجّ؛ لأنّه قتل راحلته، و أفنى زاده، و أتعب نفسه، و استخفّ بصلاته»، قلت: فالمكاري و الجمّال و الملّاح؟ فقال: «و ما بأس بهم، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(وسائل الشيعة 27: 381، كتاب الشهادات، الباب 34، الحديث 1.) و منها: صحيح عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: «أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار؛ من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك. و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه؛ حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلك، و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته في الناس، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ بحضور جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علّة؛ فإذا كان كذلك لازماً لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه؛ فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين؛ و ذلك أنّ الصلاة ستر و كفّارة للذنوب. و ليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلّي إذا كان لا يحضر مصلّاه و يتعاهد جماعة المسلمين، و إنّما جعل الجماعة و الاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلّي ممّن لا يصلّي، و من يحفظ مواقيت الصلاة ممّن يضيّع. و لو لا ذلك لم يمكن أحدٌ أن يشهد على آخر بصلاح؛ لأنّ من لا يصلّي لا صلاح له بين المسلمين؛ فإنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم همّ بأن يحرق قوماً في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين، و قد كان فيهم من يصلّي في بيته؛ فلم يقبل منه ذلك. و كيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من اللَّه- عزّ و جلّ- و من رسوله صلى الله عليه و آله و سلم فيه الحرق في جوف بيته بالنار؟! و قد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلّي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(وسائل الشيعة 27: 395، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 10.) و منها: ما روي عن تفسير العسكري عليه السلام في تفسير قوله تعالى: «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ»(البقرة( 2): 282.) ، قال عليه السلام: «يعني ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تيقّظه فيما يشهد به و تحصيله و تميّزه؛ فما كلّ صالح مميّز و لا محصّل، و لا كلّ محصّل مميّز صالح، و إنّ من عباد اللَّه لمن هو أهل لصلاحه و عفّته لو شهد لم يقبل شهادته؛ لقلّة تميّزه؛ فإذا كان صالحاً عفيفاً مميّزاً محصّلًا مجانباً للمعصية و الهوى و الميل و التحامل فذلك الرجل الفاضل فيه فتمسّكوا و بهداه فاقتدوا، و إن انقطع عنكم المطر فاستمطروا به، و إن امتنع نبات فاستخرجوا به النبات، و إن تعذّر عليكم الرزق فاستدروا به الرزق؛ فإنّ ذلك ممّن لا يخيّب طلبه، و لا تردّ مسألته»(التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري: 672.) و منها: موثّق سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال: «من عامل الناس فلم يظلمهم و حدّثهم فلم يكذّبهم و واعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدله، و وجبت اخوّته»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 9.) و استدلّ للقول الثالث بما نقله في «الجواهر» ملخّصاً منّا، من أنّ العدالة في اللغة بمعنى الاستقامة و عدم الميل إلى جانب أصلًا. و المراد من الاستقامة هو الاستقامة الواقعية؛ فحيث صارت العدالة شرطاً فلا بدّ من ثبوتها واقعاً و العلم بها؛ لأنّ الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط، و العلم بثبوتها واقعاً لا يحصل إلّا بالمعاشرة و المراودة بحيث يحصل من ملاحظة حاله الوثوق و الاطمئنان باستقامته و عدم ميله عن الحقّ و الطريق المستقيم، و هو معنى الملكة و الهيئة الراسخة. و يمكن حمل الأخبار على إرادة تتبّع الآثار المطلعة على الملكة؛ سيّما صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة؛ فإنّ هذه الأشياء المذكورة فيها غالباً توصل إلى اطمئنان النفس بالملكة. و أجاب رحمه الله عنه بما ملخّصه: أوّلًا: أنّه بناءً على اعتبار العلم بثبوت الملكة واقعاً لا يمكن الحكم بعدالة شخص أبداً، إلّا في مثل المقدّس الأردبيلي و السيّد هاشم، بل و لا فيهما؛ فإنّه أيّ نفس تطمئنّ بأنّهما كان يعسر عليهما كلّ معصية ظاهرة و باطنة. و دعوى أنّه بمجرّد الخلطة على جملة من أحواله يحصل الجزم و الاطمئنان بأنّ له ملكة يعسر عليه مخالفة سائر المعاصي ظاهرها و باطنها، مقطوع بفسادها. و ثانياً: أنّ مراعاة الأخبار تقضي أنّ العدالة أمرها سهل، كما ينبئ عنه الحثّ على الجماعة سفراً و حضراً، و قولهم: «إذا مات الإمام أو أحدث قدم شخص آخر ممّن خلفه». على أنّ أمر العدالة محتاج إليه في كثير من الأشياء، كالطلاق و الديون و الوصايا و سائر المعاملات، و هي على هذا الفرض- أي اعتبار العلم بثبوت الملكة واقعاً- في غاية الندرة، بل لا يخلو من العسر و الحرج قطعاً. بل يظهر من بعض الروايات عدم اعتبار العلم بثبوتها واقعاً؛ لقوله عليه السلام فيها: «ساتراً لعيوبه، و أن يكون معروفاً بالستر و العفاف، و إذا سئل عنه قيل: لا نعلم منه إلّا خيراً»(جواهر الكلام 13: 294- 296.) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه ملخّصاً منّا. مراده رحمه الله من بعض الروايات- الظاهر في عدم اعتبار العلم بثبوت العدالة واقعاً- صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم، فراجع. و المختار عندنا- تبعاً لكثير من فقهائنا- أنّ العدالة كيفية نفسانية تحصل بالمبالاة الدائمة و المواظبة على فعل الواجبات و ترك المحرّمات، بحيث كان الفعل و الترك المزبوران سبباً و طريقاً إلى العدالة و مظهراً- بالفتح- لها. و يظهر هذا من بعض الأخبار، كموثّق سماعة المتقدّم عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ظهر عدله»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 9.) ، و رواية عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي عن أبيه عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروّته، و ظهرت عدالته، و وجبت اخوّته، و حرمت غيبته»(وسائل الشيعة 27: 396، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 15.) و هذا المعنى هو المستفاد من صحيحة ابن أبي يعفور المتقدّمة عند التأمّل، حيث سأل عنه عليه السلام عن أسباب معرفة العدالة بِمَ تعرف العدالة؟ و أجاب عليه السلام بما يرجع إلى فعل الواجبات و ترك المحرّمات، فقال: «أن تعرفوه بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج ...» إلى آخره. بقي الكلام في مقامين: الأوّل: أنّه هل يعتبر في مفهوم العدالة الاجتناب عن منافيات المروّة، أو لا؟ و سيأتي بيان المراد من منافيات المروّة في المقام الثاني؛ فقد حكي عن الشيخ الأنصاري رحمه الله نسبة اعتباره إلى المشهور بين من تأخّر عن العلّامة، حيث عرّفوا العدالة بأنّها هيئة راسخة تبعثه على ملازمة التقوى و المروّة. و الحقّ: أنّه إن ثبتت الشهرة- خصوصاً بين القدماء- على اعتباره فهو، و إلّا فالقول باعتبارها لا دليل معتبر عليه. و استدلّ لاعتباره بامور نشير إلى بعضها: منها: الشهرة المدّعاة في كلام جماعة. و منها: أنّ معنى العدالة لغةً و عرفاً الاستواء و الاستقامة في جادّة الشرع؛ فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بمباشرة الأفعال المنكرة عرفاً فلا يعدّ في العرف من أهل الاستقامة. و منها: إطلاق قوله تعالى: «وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ»(الطلاق( 65): 2.) و منها: ما رواه أبو عبد اللّه الأشعري عن بعض أصحابه مرفوعاً إلى هشام عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «يا هشام لا دين لمن لا مروّة له، و لا مروّة لمن لا عقل له»(الكافي 1: 19/ 12.) و منها: موثّق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّم: «و كملت مروّته»(وسائل الشيعة 8: 315، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 9.) و منها: بعض جملات صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام، كقوله: «و الدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه»، حيث إنّ ارتكاب المنافيات العرفية عيب في العرف؛ فعموم جميع العيوب يشمل المنافيات العرفية. و كذا قوله عليه السلام: «و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) ، بناءً على أنّ منافيات المروّة غالباً من شهوات الجوارح. و أجاب المحقّق الهمداني رحمه الله في «مصباح الفقيه» بما خلاصته: أنّ الاستواء و الاستقامة في جادّة الشرع، و كذا إطلاق العدل في الآية، و الستر و العفاف في الروايات منصرف إلى عدم التجاهر بالفسوق و العصيان. و المنسبق إلى الذهن من كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان عبارة عن المحرّمات الصادرة من تلك الجوارح. و إن أبيت عن ذلك كلّه فنقول: قوله عليه السلام في رواية علقمة: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة»(وسائل الشيعة 27: 395، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 13.) ، حاكم على جميع ذلك، و شاهد على أنّ المراد بالستر و العفاف المأخوذ في تعريف العدالة ليس إلّا عدم تظاهره بالفسوق و العصيان(مصباح الفقيه، الصلاة: 673/ السطر الأخير.) ، انتهى. و أمّا قوله عليه السلام خطاباً لهشام: «لا دين لمن لا مروّة له، و لا مروّة لمن لا عقل له» فقد أجاب عنه في «الجواهر» بأنّها ليست بالمعنى الذي ذكروه، بل هو كقول أمير المؤمنين عليه السلام جواب سؤال جويرية عن الشرف و العقل و المروّة: «و أمّا المروّة فإصلاح المعيشة»(جواهر الكلام 13: 303.) و روي عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «ستّة من المروّة؛ ثلاثة منها في الحضر، و ثلاثة منها في السفر؛ فأمّا التي في الحضر: فتلاوة القرآن و عمارة المسجد و اتّخاذ الإخوان، و أمّا التي في السفر: فبذل الزاد و حسن الخلق و المزاح في غير معاصي اللَّه»(وسائل الشيعة 11: 436، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 49، الحديث 14.) و عن الصادق عليه السلام: «المروّة- و اللَّه- أن يضع الرجل خوانه بفناء داره، و المروّة مروّتان: مروّة في الحضر و مروّة في السفر؛ فأمّا التي في الحضر فتلاوة القرآن، و لزوم المساجد، و المشي بين الإخوان في الحوائج، و النعمة ترى على الخادم تسرّ الصديق و تكبت العدوّ، و أمّا في السفر فكثرة الزاد و طيبه و بذله، و كتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك، و كثرة المزاح في غير ما يسخط اللَّه»(وسائل الشيعة 11: 432، كتاب الحجّ، أبواب آداب السفر، الباب 49، الحديث 1.) ، إلى غير ذلك(جواهر الكلام 13: 303.) ، انتهى. و بالجملة: ارتكاب منافيات المروّة لا تخلّ بالعدالة، إلّا أن ينطبق عليه بعض العناوين المحرّمة، كالتوهين و الهتك و الإذلال و إن كان على نفسه؛ إذ يجب على الإنسان حفظ احترام نفسه. نعم يعتبر في العدالة بمعنى الملكة كونها مانعة عن ارتكاب أعمال دالّة عرفاً على عدم مبالاة فاعلها بالدين؛ لكون الارتكاب المذكور حاكياً عن عدم استقامته في جادّة الدين. و في «الجواهر»: نعم لا يبعد قدح بعض الأشياء التي تقضي بنقصان عقل فاعلها، كما إذا لبس الفقيه- مثلًا- لباس أقبح الجند من غير داعٍ إلى ذلك، بل قد يقال: إنّها محرّمة حينئذٍ بالعارض؛ للأمر بحفظ العرض(جواهر الكلام 13: 302.) ، انتهى. المقام الثاني: في بيان المراد من الكبائر و الصغائر و الإصرار عليها و منافيات المروّة؛ فقد حكي عن الشيخ في «المبسوط» و عن المتأخّرين: أنّ المعصية نوعان: كبيرة و صغيرة، و ليس كلّ معصية كبيرة. و نسب إلى المفيد و القاضي و الحلبي و الطبرسي و غيرهم: أنّ كلّ معصية كبيرة، و كلّها مخالفة لأوامر اللَّه تعالى. و لكن الكبيرة ذات مراتب بعضها أكبر من بعضها الآخر، و إطلاق الصغر و الكبر إضافي بالنسبة إلى ما فوق أو إلى ما تحت. و قد مثّلوا بقُبلة الأجنبية حيث إنّها صغيرة بالنسبة إلى الزنا و كبيرة بالنسبة إلى النظر إليها. و على هذا القول تزول العدالة بالمعصية و لو كانت صغيرة بالنسبة. و كيف كان: فقد اختلفت عبارات الأصحاب في تعريف الكبيرة؛ فعن «مجمع البرهان» و غيره: أنّها ما توعّد اللَّه تعالى عليه بالنار، و عن شريف العلماء في «مناسك الحجّ»: أنّها ما أوجب اللَّه تعالى عليه النار. و هذا القول هو المشهور. و يدلّ عليه جملة من النصوص: منها: ذيل صحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمّداً، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب اللَّه عليه النار»(وسائل الشيعة 15: 322، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 6.) و منها: صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الكبائر التي قال اللَّه عزّ و جلّ: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ» قال: «التي أوجب اللَّه عليه النار»(وسائل الشيعة 15: 326، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 21.) و منها: بعض جملات صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم: «و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللَّه عليها النار»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) و عن السبزواري: أنّ المعروف بين أصحابنا أنّها ما توعّد اللَّه تعالى عليه العقاب في الكتاب العزيز. و نسبه في «الذخيرة» إلى المشهور. و قيل: إنّها كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّاً و صرّح فيه بالوعيد. و قيل: إنّها كلّ معصية توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب و السنّة. و قيل: هي كلّ معصية تؤذن بقلّة اعتناء فاعلها بالدين. و قيل: كلّما علمت حرمته بدليل قاطع. و قال بعض المعتزلة: إن أردت الفرق بين الصغيرة و الكبيرة فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها؛ فإن نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصغائر، و إلّا فمن الكبائر. و قال السيّد في «العروة الوثقى»: المعصية الكبيرة هي كلّ معصية ورد النصّ بكونها كبيرة، كجملة من المعاصي المذكورة في محلّها، أو ورد التوعيد بالنار عليه في الكتاب أو السنّة صريحاً أو ضمناً، أو ورد في الكتاب أو السنّة كونه أعظم من إحدى الكبائر المنصوصة أو الموعود عليها بالنار، أو كان عظيماً في أنفس أهل الشرع. و في عبارة المصنّف رحمه الله: «أو شدّد عليها تشديداً عظيماً»، كما ورد في بعض النصوص: أنّ الغيبة أشدّ من الزنا، و الكذب شرّ من الشراب، و في الكتاب العزيز: «الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ»(البقرة( 2): 191.) ، و في آية اخرى: «الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ»(البقرة( 2): 217.) و في عبارته أيضاً: «أو حكم العقل بأنّها كبيرة»، مثل حبس المحصنة للزنا فإنّه أشدّ من القذف بحكم العقل، و مثل إعلام الكفّار بما يوجب غلبتهم على المسلمين، فإنّه أشدّ من الفرار من الزحف بحكمه. و اختلفت عباراتهم في عدد الكبائر أيضاً: فعن الشهيد في «الدروس»: و عدّت سبعاً، و هي إلى السبعين أقرب. و عنه في «الروض»: أنّها عدّت سبعاً، و إلى السبعمائة أقرب. و حكي عن العلّامة الطباطبائي بحر العلوم أنّه عمّم الوعيد بالنار إلى الصريح و الضمني، و أنّه حصر الوارد في الكتاب في أربع و ثلاثين: منها: أربع عشرة ممّا صرّح فيها بخصوصها بالوعيد بالنار؛ و هي الكفر باللَّه العظيم، الإضلال عن سبيل اللَّه، الكذب على اللَّه تعالى، و الافتراء عليه، قتل النفس التي حرّم اللَّه قتلها، الظلم، الركون إلى الظالمين، الكبر، المنع عن الزكاة، التخلّف عن الجهاد، الفرار من الزحف، أكل الربا، أكل مال اليتيم ظلماً، الإسراف. و منها: أربع عشرة ممّا وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار؛ و هي كتمان ما أنزل اللَّه، و الإعراض عن ذكر اللَّه عزّ و جلّ، الإلحاد في بيت اللَّه عزّ اسمه، المنع من مساجد اللَّه، أذية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم، الاستهزاء بالمؤمنين، نقض العهد، و نقض اليمين، قطع الرحم، المحاربة و قطع السبيل، الغناء، الزنا، إشاعة الفاحشة، و قذف المحصنات. و منها: ستّة يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النار عليها ضمناً؛ و هي الحكم بغير ما أنزل اللَّه تعالى، اليأس من روح اللَّه، ترك الحجّ، عقوق الوالدين، الفتنة، و السحر. و صاحب «الجواهر» رحمه الله قد ذكر الآيات الواردة في القرآن الكريم في خصوص كلّ من الكبائر المزبورة، ثمّ أورد على العلّامة الطباطبائي بما ملخّصه: أوّلًا: أنّه يلزم- بناءً على الحصر في أربع و ثلاثين- أن يكون ما عداها صغائر و غير قادح في العدالة ما لم يكن فيه إصرارٌ، كاللواط، و شرب الخمر، و ترك الصوم يوماً من شهر رمضان، و شهادة الزور، و نحوها، و هو واضح الفساد. و ثانياً: أنّه قد صرّح في بعض الأخبار بجملة من الكبائر و ليست مذكورة فيما حصره(جواهر الكلام 13: 316.) ، انتهى. و قد ذكر أكثر الكبائر في ضمن أحاديث الباب الستّ و الأربعين من أبواب جهاد النفس و ما يناسبه من «الوسائل»، فراجع(وسائل الشيعة 15: 318، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46.) ثمّ إنّ الصغيرة- بناءً على كونها في مقابل الكبيرة- في نفسها لا تقدح في العدالة، و القادح فيها هو الإصرار عليها، و المراد من الإصرار عليها المداومة و الإقامة عليها، و الإصرار عليها من الكبائر. و يدلّ على كون الإصرار عليها كبيرة- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة- الأخبار: منها: رواية الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: لا تحقروا شيئاً من الشرّ و إن صغر في أعينكم، و لا تستكثروا شيئاً من الخير و إن كثر في أعينكم؛ فإنّه لا كبير مع الاستغفار و لا صغير مع الإصرار»(وسائل الشيعة 15: 312، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 43، الحديث 8.) و منها: ذيل حسنة الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: «الإيمان هو أداء الأمانة و اجتناب جميع الكبائر، و هو معرفة بالقلب، و إقرار باللسان، و عمل بالأركان ...» إلى أن قال: «و اجتناب الكبائر؛ و هي قتل النفس التي حرّم اللَّه تعالى، و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلماً، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، و الميسر- و هو القمار- و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، و الزنا، و اللواط، و اليأس من روح اللَّه، و الأمن من مكر اللَّه، و القنوط من رحمة اللَّه، و معونة الظالمين، و الركون إليهم، و اليمين الغموس، و حبس الحقوق من غير عسر، و الكذب، و الكبر، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الاستخفاف بالحجّ، و المحاربة لأولياء اللَّه، و الاشتغال بالملاهي، و الإصرار على الذنوب»(وسائل الشيعة 15: 329، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 33.) ، نقلناها بطولها لاشتمالها على بعض الكبائر غير المذكورة سابقاً. و منها: ذيل رواية الأعمش عن جعفر بن محمّد عليهما السلام في حديث «شرائع الدين»: «و الإصرار على صغائر الذنوب»(وسائل الشيعة 15: 331، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 46، الحديث 36.) و منها: ذيل رواية محمّد بن أبي عمير عن موسى بن جعفر عليهما السلام ... إلى أن قال: «قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: لا كبير مع الاستغفار، و لا صغير مع الإصرار»(وسائل الشيعة 15: 335، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 47، الحديث 11.) ثمّ إنّه هل يعتبر في الإصرار على الصغيرة أن يكون الإكثار من نوعٍ واحد، أو لا؟ الظاهر أنّ الإكثار من أنواع مختلفة من الصغائر لا يعدّ إصراراً بالنسبة إلى كلّ واحد منها قطعاً، نعم بالنسبة إلى الجميع يصدق الإصرار و الإدامة على الصغيرة؛ فقد صرّح غير واحد بعدم الفرق بين المداومة على النوع الواحد من الصغيرة و الإكثار منه و بين غيره في صدق الإصرار على الصغيرة؛ لأنّ المراد بها الجنس؛ فمن كرّرت منه الصغيرتان لا من نوع واحد يصدق عليه عرفاً أنّه أصرّ على الصغيرة، و هذا واضح. بقي الكلام في المراد من منافيات المروّة: فهي عبارة عن كلّ فعل تنفّر النفوس عنها و إن لم يكن منهياً عنه في نفسه، و يختلف ذلك باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة. و مثّل له في «الجواهر»: بمثل الأكل في الطرقات و لبس الثياب المصبّغات للنساء(جواهر الكلام 13: 280.) ثمّ إنّ المصنّف رحمه الله بعد ذكر جملة من الكبائر قال: «و أمّا الإشراك باللَّه تعالى و إنكار ما أنزله و محاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر، لكن في عدّها من التي يعتبر اجتنابها في العدالة مسامحة». وجه المسامحة: أنّ هذه المذكورات و نظائرها تزيل أصل الإسلام و الإيمان؛ فلا يصدق عليها أنّها منافية للعدالة حقيقةً؛ إذ التنافي لها يكون مع بقاء الإسلام و الإيمان، و ذلك واضح.

ص: 585

و أمّا الكبائر فهي كلّ معصية ورد التوعيد عليها بالنار أو بالعقاب أو شدّد عليها تشديداً عظيماً، أو دلّ دليل على كونها أكبر من بعض الكبائر أو مثله، أو حكم العقل بأنّها كبيرة، أو كان في ارتكاز المتشرّعة كذلك، أو ورد النصّ بكونها كبيرة. و هي كثيرة: منها اليأس من رَوح اللَّه، و الأمن من مكره، و الكذب عليه أو على رسوله و أوصيائه عليهم السلام، و قتل النفس التي حرّمها اللَّه إلّا بالحقّ، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلماً، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و قطيعة الرحم، و السحر، و الزنا، و اللواط، و السرقة، و اليمين الغموس، و كتمان الشهادة، و شهادة الزور، و نقض العهد، و الحيف في الوصيّة، و شرب الخمر، و أكل الربا، و أكل السحت، و القمار، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما اهِلَّ لغير اللَّه من غير ضرورة، و البخس في المكيال و الميزان، و التعرُّب بعد الهجرة، و معونة الظالمين، و الركون إليهم، و حبس الحقوق من غير عذر، و الكذب، و الكبر، و الإسراف، و التبذير، و الخيانة، و الغيبة، و النميمة، و الاشتغال بالملاهي، و الاستخفاف بالحجّ، و ترك الصلاة، و منع الزكاة، و الإصرار على الصغائر من الذنوب.

و أمّا الإشراك باللَّه تعالى و إنكار ما أنزله و محاربة أوليائه فهي من أكبر الكبائر، لكن في عدّها من التي يعتبر اجتنابها في العدالة مسامحة.

ص: 586

ص: 587

ص: 588

ص: 589

ص: 590

ص: 591

ص: 592

ص: 593

ص: 594

ص: 595

ص: 596

ص: 597

ص: 598

ص: 599

ص: 600

ص: 601

ص: 602

ص: 603

(مسألة 1): الإصرار الموجب لدخول الصغيرة في الكبائر هي المداومة و الملازمة على المعصية من دون تخلّل التوبة.

و لا يبعد أن يكون من الإصرار العزم على العود إلى المعصية بعد ارتكابها و إن لم يعد إليها؛ خصوصاً إذا كان عزمه على العود حال ارتكاب المعصية الاولى. نعم الظاهر عدم تحقّقه بمجرّد عدم التوبة بعد المعصية من دون العزم على العود إليها (1).


1- و لعلّ الوجه في كون العزم على العود إلى المعصية بعد ارتكابها مع عدم العود إلى نفس المعصية إصراراً هو الصدق عرفاً، بل لغةً؛ إذ يصدق على من ارتكب معصية غير كبيرة مع العزم على الإدامة أنّه مصرٌّ عليها؛ ففي «الصحاح» و «القاموس»: أنّ الإصرار الإقامة و الملازمة و المداومة على الشي ء. و حكي عن «مجمع البرهان»: أنّ الإصرار يحصل بالمرّة الواحدة مع العزم على العود و بتكرّر فعل الصغيرة غالباً، و نسبه إلى المشهور. و في «الجواهر»: الظاهر أنّه ليس منه فاعل الصغيرة مع العزم على عدم العود، بل و لا ما لا يخطر بباله عودٌ و عدمه. نعم إذا كان عازماً على العود لا يبعد أن يكون منه عرفاً، بل لغة(جواهر الكلام 13: 322.)، انتهى. و لصاحب «مفتاح الكرامة» هنا كلام في توجيه كون العزم على الصغيرة- بعد فعلها- إصراراً، لا بأس بنقله: قال: و يمكن أن يقال: إنّه لمّا عصى و لم يتب فهو مخاطب بالتوبة، و لمّا لم يتب في الحال فقد عصى؛ فهو في كلّ آنٍ مخاطب بالتوبة، و لمّا لم يتب فقد أقام و استمرّ على عدم التوبة التي هي معصية، و ينزّل ما جاء في الخبر على إرادة العزم؛ فإنّ الفاعل للشي ء العازم على المعاودة عليه مقيم، بل لا معنى للإقامة على الذنب إلّا ذلك؛ إذ ليس المراد الملازمة الفعلية(مفتاح الكرامة 3: 88/ السطر 4.)، انتهى.

ص: 604

(مسألة 2): الأقوى جواز تصدّي الإمامة لمن يعرف من نفسه عدم العدالة مع اعتقاد المأمومين عدالته،

و إن كان الأحوط الترك. و هي جماعة صحيحة يترتّب عليها أحكامها (1).


1- هل يعتبر في جواز الإمامة كون الإمام عادلًا واقعاً- بحيث لا يجوز له الإمامة ما لم يحرز من نفسه العدالة، فضلًا عمّا لو احرز له فسق نفسه- أم لا يعتبر بل يكفي ثبوتها عند المأموم؟ ذهب إلى كلٍّ فريقٌ، الأقوى الجواز؛ للأصل، و عدم الدليل على اعتبار عدالة الإمام واقعاً و شرطيتها في أصل الجماعة. و الأخبار الناهية عن الصلاة إلّا خلف من يوثّق بدينه و أمانته و ورعه(وسائل الشيعة 8: 313، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11.) لا تدلّ على شرطية الوثوق المذكور في أصل الجماعة من حيث هي- أي بحيث يتحقّق في الإمام واقعاً- و تكون حينئذٍ شرطاً واقعياً لصحّة الائتمام، بل غاية مدلولها اعتبار الوثوق بها في صحّة الائتمام؛ فمتى تحقّق الوثوق بها عند المأموم فقد حصل الشرط و إن لم يكن عدلًا في الواقع؛ و لذا تصحّ الصلاة و لو انكشف خلافه على المشهور. و لو سلّمنا ظهور تلك الأخبار في الشرطية الواقعية لوجب صرفها عن ظهورها و حملها على الشرطية في اعتقاد المأموم؛ جمعاً بينها و بين ما دلّ على صحّة صلاة المأموم فيما لو تبيّن بعد الصلاة فسق الإمام أو كفره، كما في مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوم قد خرجوا من خراسان أو بعض الجبال، و كان يؤمّهم رجلٌ، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال: «لا يعيدون»(وسائل الشيعة 8: 374، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 1.) و القائلون بعدم جواز تصدّي الإمامة لمن يعرف من نفسه عدم العدالة مع اعتقاد المأمومين عدالته استدلّوا بمفهوم رواية أبي عبد اللّه السيّاري صاحب موسى و الرضا عليهما السلام قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة، فيقدّم بعضهم فيصلّي بهم جماعة، فقال: «إن كان الذي يؤمّ بهم ليس بينه و بين اللَّه طلبة فليفعل»(وسائل الشيعة 8: 316، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 11، الحديث 12.) . فمفهومها أنّ من كان بينه و بين اللَّه طلبة و إثم فلا يفعل؛ فلا يجوز له الإمامة. و لقد بالغ صاحب «الحدائق» رحمه الله في تقوية هذا القول، و أطال الكلام فيه حتّى تمسّك في الاستدلال له برواية السيّاري المزبورة، و قال: إنّها من أظهر الأدلّة(الحدائق الناضرة 10: 69.) ، و لم يلاحظ ضعفها. و الجواب عن الاستدلال المذكور: أنّ الرواية ضعيفة سنداً بأبي عبد اللّه السيّاري- و هو أحمد بن محمّد بن سيّار- و قد ضعّفه جماعة، قال النجاشي في حقّه: ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفوّ الرواية، كثير المراسيل، كذا قال الشيخ في «الفهرست». و قال ابن الغضائري: إنّه ضعيف متهالك غالٍ محرّف. و أجاب صاحب «الجواهر» رحمه الله عن الرواية بأنّه يحتمل إرادة عدم معرفة من ائتمّ به ذلك منه أو الفرد الكامل(جواهر الكلام 13: 277.) و فيه: أنّ حملها على إرادة عدم معرفة من ائتمّ به ذلك منه بعيدٌ غاية البعد. نعم لا يبعد حملها على إرادة الفرد الكامل، كما يومئ إليه جواب أبي جعفر عليه السلام عن سؤال السيّاري ثانياً، قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ القوم من مواليك يجتمعون، فتحضر الصلاة فيؤذّن بعضهم و يتقدّم أحدهم فيصلّي بهم، فقال: «إن كانت قلوبهم كلّها واحدة فلا بأس»، قال: و من لهم بمعرفة ذلك؟ قال: «فدعوا الإمامة لأهلها»(وسائل الشيعة 8: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 4.) و يؤمي إليه أيضاً ما رواه في «الفقيه» عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إمام القوم وافدهم؛ فقدّموا أفضلكم»(الفقيه 1: 247/ 1100، وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 2.) قال في «روضة المتّقين» في شرح الخبر: وافدهم أي رسولهم و المتكلّم عنهم؛ و لهذا ورد القرآن بلفظ الجماعة ملفوظاً في «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» و مثله، و مقدّراً في «الْحَمْدُ لِلَّهِ» و نحوه؛ و لهذا لا يقرأ خلفه كما سيجي ء؛ فقدّموا أفضلكم من جهة العلم و التقوى و الزهد و أنواع القرب ليصير صلاتكم ببركة صلاته مقبولة(روضة المتّقين 2: 490.) ، انتهى. و ما رواه أيضاً في «الفقيه» عنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «إن سرّكم أن تزكّوا صلاتكم؛ فقدّموا خياركم»(الفقيه 1: 247/ 1101، وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 3.) بقي الكلام في ثمرة القولين في المسألة؛ فعلى القول بالجواز تكون الجماعة صحيحة و تترتّب عليها أحكامها، كرجوع الإمام في شكّه- مثلًا- إلى حفظ المأموم و البناء على صحّة صلاته فيما إذا كانت الجماعة شرطاً للصحّة، كالجمعة و المعادة. و على القول بعدم الجواز لا تنعقد الجماعة، و لا تترتّب أحكامها بالنسبة إليه.

ص: 605

ص: 606

ص: 607

(مسألة 3): تثبت العدالة بالبيّنة و الشياع الموجب للاطمئنان، بل يكفي الوثوق و الاطمئنان من أيّ وجه حصل؛

و لو من جهة اقتداء جماعة من أهل البصيرة و الصلاح. كما أنّه يكفي حسن الظاهر الكاشف ظنّاً عن العدالة، بل الأقوى كفاية حسن الظاهر و لو لم يحصل منه الظنّ، و إن كان الأحوط اعتباره (1).


1- ثبوت العدالة بالبيّنة القائمة عليها ممّا لا إشكال فيه؛ لكونها حجّة شرعية. و كذا لا إشكال في ثبوتها بالشياع بين المتديّنين المتشرّعين حيث إنّه موجب للاطمئنان بالعدالة، بل يكفي الوثوق و الاطمئنان بها من أيّ وجه و طريق حصل، و لو من جهة اقتداء جماعة من أهل البصيرة و الصلاح؛ و ذلك لإطلاق رواية أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ مواليك قد اختلفوا فاصلّي خلفهم جميعاً، فقال: «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه»(وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.) و وجه القوّة في ثبوت العدالة بكفاية حسن الظاهر و لو لم يحصل منه الظنّ هو إطلاق ذيل مرسل يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن البيّنة إذا اقيمت على الحقّ، أ يحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة؟ فقال: «خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات، و المناكح، و الذبائح، و الشهادات، و الأنساب؛ فإذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأموناً جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه»(وسائل الشيعة 27: 392، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 3.) و يمكن استفادته أيضاً من بعض فقرات صحيح ابن أبي يعفور المتقدّم، حيث إنّه اكتفى في معرفة عدالة الرجل بكونه معروفاً بالستر و العفاف و بالتعاهد للصلوات إذا واظب عليهنّ و حفظ مواقيتهنّ؛ «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا: ما رأينا منه إلّا خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلّاه؛ فإنّ ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين»(وسائل الشيعة 27: 391، كتاب الشهادات، الباب 41، الحديث 1.) و من الواضح: أنّ مساق هذه الفقرة من الصحيح المزبور المعاملة مع الشخص الذي يحضر الجماعة في الأوقات الخمسة معاملة العادل، لا أنّه إرشاد إلى ما يفيد الظنّ الفعلي بالعدالة، هذا. و لكن التأمّل الدقيق في الصحيح و أنّ العناية فيه بخصوص المواظبة على الصلوات الخمس كلّها، و حفظ مواقيتها، و الحضور في الجماعة، و عدم التخلّف عنها إلّا من علّة، و كذا كونه ساتراً لجميع عيوبه، و معروفيته في قبيلته و محلّته بالخير، يورث الظنّ القوي بالعدالة.

ص: 608

ص: 609

(مسألة 4): لا يجوز إمامة القاعد للقائم، و لا المضطجع للقاعد،
اشارة

و لا من لا يحسن القراءة- بعدم تأدية الحروف من مخرجه أو إبداله بغيره حتّى اللحن في الإعراب و إن كان لعدم استطاعته- لمن يحسنها، و كذا الأخرس للناطق و إن كان ممّن لا يحسنها. و في جواز إمامة من لا يحسن القراءة- في غير المحلّ الذي يتحمّلها الإمام عن المأموم، كالركعتين الأخيرتين- لمن يحسنها إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).

هذه المسألة تتضمّن مسائل:
الاولى: لا تجوز إمامة القاعد للقائم؛

1- للإجماع المدّعى في كلام جماعة. و لأصالة عدم المشروعية. و لما روي عن الفريقين، و رواه في «الفقيه» عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى بأصحابه جالساً، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(وسائل الشيعة 8: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 1.) ، و استدلّ أيضاً بموثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عن أبيه عليهما السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يؤمّ المقيّد المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحّاء، و لا صاحب التيمّم المتوضّئين»(وسائل الشيعة 8: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 22، الحديث 1.) ، و غيره من روايات الباب. و ضعف سند بعضها منجبر بعمل الأصحاب. و نسب إلى ابن حمزة في «الوسيلة» و «الواسطة»: القول بالكراهة، و إليه ذهب صاحب «الوسائل» حيث عقد الباب بعنوان «باب كراهة إمامة المقيّد المطلقين، و صاحب الفلج الأصحّاء». و لعلّ الوجه فيه إطلاق أدلّة انعقاد الجماعة مع ضعف رواية السكوني. و فيه أوّلًا: أنّ السكوني عامّي موثّق. و ثانياً: أنّه على فرض ضعفه منجبر بعمل الأصحاب. و في «الحدائق»(الحدائق الناضرة 11: 193.) بما لخّصه في «الجواهر»: و من غفلات صاحب «الوسائل»: أنّه تفرّد بالقول بالكراهة مع إجماع الأصحاب على التحريم و صراحة الخبر فيه بلا معارض(جواهر الكلام 13: 328.) و ذهب جماعة من العامّة- كأبي حنيفة و الشافعي و الثوري و أبي ثور و مالك- إلى الجواز من غير كراهة، و اعتمدوا بفعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم. و قال جماعة اخرى منهم- كالأوزاعي و أحمد و غيرهما- بجواز إمامة القاعد مع جلوس المأمومين خلفه قادرين على القيام؛ لرواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به؛ فلا تختلفوا عليه»(مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 314.) و في رواية اخرى عنه صلى الله عليه و آله و سلم: «و إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً أجمعون»(نفس المصدر.) هذا كلّه في إمامة القاعد للقائم. و أمّا إمامة القاعد للقاعد العاجز عن القيام فتجوز إجماعاً، كما ادّعاه في «التذكرة»(تذكرة الفقهاء 4: 289.) لأصالة عدم المشروعية، حيث إنّ المأموم وظيفته الصلاة قاعداً؛ فمع الائتمام بالمضطجع فإن تابعه مضطجعاً لزم العمل على خلاف وظيفته، و إن لم يتبعه بل عمل بوظيفته قاعداً لزم الإخلال بالمتابعة. إمّا لعدم إخراج الحرف عن مخرجه، أو لعدم إبداله بآخر، أو حذفه، أو نحو ذلك؛ حتّى اللحن في الإعراب- لمن يحسنها على المشهور، بل ادّعى جماعة الإجماع عليه. و استدلّ له بأصالة عدم المشروعية، و بأنّ قراءة الإمام غير الصحيحة لا تجزي عن قراءة المأموم. و الاجتزاء بقراءة الإمام في الجماعة و سقوطها عن المأموم بضمان الإمام إيّاها إنّما هو فيما كانت قراءة الإمام صحيحة لا مطلقاً. و القول بوجوب قراءة المأموم بالمقدار الذي لا يحسنه الإمام ممّا لم يعهد من الشرع، و لم يقل به أحدٌ. ثمّ إنّه لا فرق فيمن لا يحسن القراءة بين أن لا يحسنها اختياراً، و بين أن لا يحسنها لعدم استطاعته على القراءة الصحيحة؛ فلا تجوز إمامة الملحن للمتقن مطلقاً؛ لأنّ الإمام يتحمّل ما هو وظيفة المأموم- لو صلّى منفرداً- من القراءة الصحيحة المأمور بها، و غير المستطيع على القراءة الصحيحة و إن كان معذوراً في قراءة نفسه و لكنّه لا يتحمّل وظيفة الغير. و قال الشيخ في «المبسوط» بكراهة إمامة من يلحن في قراءته؛ سواء كان في الحمد أو غيرها، أحال المعنى أو لم يحل، إذا لم يحسن إصلاح لسانه(المبسوط 1: 153.) و نسب إلى «السرائر» القول بالجواز فيما إذا لم يغيّر المعنى. و إن كان ممّن لا يحسنها؛ و ذلك لأنّ الأخرس لا قراءة له، و وظيفته الإشارة إلى القراءة. و الإمام بقراءته يتحمّل قراءة المأموم، و لا دليل على إجزاء إشارة الإمام عن قراءة المأموم، و مقتضى الأصل عدم المشروعية. و في جواز إمامة الأخرس لمثله إشكال، ينشأ من أنّ المجزي للمأموم قراءة الإمام؛ فلا قراءة له حتّى يجزي عن المأموم فلا تجوز، و من أنّ المأموم لا قراءة له حتّى يخلّ الائتمام على الأخرس. و الأحوط الترك؛ خصوصاً مع وجود غيره. - كالأذكار الواجبة و المستحبّة و التشهّد و السلام- لمن يحسنها، أم لا؟ إشكال عند المصنّف رحمه الله ينشأ من عدم جواز إمامة الناقص للكامل فلا تجوز، و من عدم تحمّل الإمام غير القراءة في الركعتين الأوّلتين فتجوز، مع فرض صحّة صلاة الإمام واقعاً في مفروض المسألة. و الأقوى- وفاقاً لجماعة كثيرة من فقهائنا- الجواز؛ لحصول التبعية فيما يتحمّله الإمام مع كونه محسناً فيه. و لا متابعة و لا تحمّل في غير القراءة، بل يجب فعله على نفس المأموم، و عدم جواز إمامة الناقص للكامل و إن كان مسلّماً، و لكنّه بالنسبة إلى ما يتحمّله الإمام لا مطلقاً. و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الأقوى جواز الاقتداء بمن لا يحسن القراءة عن غير استطاعة في الركعة الثالثة و الرابعة؛ لأنّ الإمام لا يتحمّل فيهما شيئاً، بل القراءة فيهما على عهدة المأموم، و إن قرأ الإمام فيهما الحمد. فكلّ من الإمام و المأموم يعمل بوظيفته من غير متابعة في القراءة فيهما، و لا وجه لاحتياط المصنّف رحمه الله.

ص: 610

ص: 611

الثانية: لا تجوز إمامة المضطجع للقاعد؛
الثالثة: لا تجوز إمامة من لا يحسن القراءة-

ص: 612

الرابعة: لا تجوز إمامة الأخرس للناطق
الخامسة: هل تجوز إمامة من لا يستطيع أن يحسن ما لا يتحمّله الإمام

ص: 613

(مسألة 5): جواز الاقتداء بذوي الأعذار مشكلٌ،

لا يترك الاحتياط بتركه؛ و إن كان إمامته لمثله أو لمن هو متأخّر عنه رتبةً- كالقاعد للمضطجع- لا يخلو من وجه. نعم لا بأس بإمامة القاعد لمثله و المتيمّم وذي الجبيرة لغيرهما (1).


1- قد علم من مطاوي ما ذكرناه في ضمن البحث عن المسألة الرابعة من المتن عدم جواز اقتداء الكامل بالناقص، كاقتداء القائم بالقاعد و القاعد بالمضطجع. و ادّعى صاحب «الجواهر» رحمه الله إمكان دعوى استفادة اعتبار عدم نقصان صلاة الإمام نفسها عن صلاة المأموم من استقراء الأدلّة(جواهر الكلام 13: 327.)، انتهى. و الحاصل: أنّه لا يجوز الاقتداء بذوي الأعذار. نعم يجوز إمامته لمثله أو من هو متأخّر عنه رتبةً، كالقاعد للمضطجع. و يدلّ عليه صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّوا جماعة و هم عراة، قال: «يتقدّمهم الإمام بركبتيه و يصلّي بهم جلوساً و هو جالسٌ»(وسائل الشيعة 4: 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 1.) و موثّق إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: قوم قطع عليهم الطريق و اخذت ثيابهم فبقوا عراةً و حضرت الصلاة، كيف يصنعون؟ فقال: «يتقدّمهم إمامهم فيجلس و يجلسون خلفه فيومئ إيماءً بالركوع و السجود، و هم يركعون و يسجدون خلفه على وجوههم»(وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 51، الحديث 2.) و النبوي المروي عن الفريقين المتقدّم الدالّ على النهي عن إمامة الجالس: «لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(وسائل الشيعة 8: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 1.) ، محمولٌ على ما إذا كان المأموم قائماً. و صاحب «الجواهر» رحمه الله ادّعى عدم الخلاف في جواز ائتمام كلّ مساوٍ بمساويه نقصاً أو كمالًا، و الناقص بالكامل(جواهر الكلام 13: 330.) و كذا يجوز إمامة المتيمّم للمتوضّي، وذي الجبيرة لغيره. و يدلّ على جواز إمامة المتيمّم للمتوضّي- مضافاً إلى الشهرة المدّعاة في كلام جماعة- صحيح جميل بن درّاج قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: إمام قوم أصابته جنابة في السفر و ليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، أ يتوضّأ بعضهم و يصلّي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمّم الجنب و يصلّي بهم؛ فإنّ اللَّه جعل التراب طهوراً»(وسائل الشيعة 8: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 1.) و موثّق عبد اللّه بن بكير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أجنب ثمّ تيمّم فأمّنا و نحن طهور، فقال: «لا بأس به»(وسائل الشيعة 8: 327، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 2.) و غيرهما من روايات الباب. و ما دلّ على عدم الجواز محمول على الكراهة؛ جمعاً بين الأخبار، كموثّق السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: «لا يؤمّ صاحب التيمّم المتوضّئين، و لا يؤمّ صاحب الفالج الأصحّاء»(وسائل الشيعة 8: 328، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 5.) و موثّق عباد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: «لا يصلّي المتيمّم بقوم متوضّئين»(وسائل الشيعة 8: 328، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 17، الحديث 6.) ، و غيرهما من روايات الباب. و الدليل على جواز إمامة ذي الجبيرة لغيره الشهرة المدّعاة في كلام جماعة. و يظهر من السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» الاستدلال على جواز إمامة ذي الجبيرة لغيره بذيل صحيح جميل المتقدّم: «فإنّ اللَّه جعل التراب طهوراً»(مستمسك العروة الوثقى 7: 326.) ، و لعلّه رحمه الله يريد عموم التعليل؛ أي كما أنّ التراب جعل طهوراً للمعذور عن الطهارة المائية كذلك جعل طهارة ذي الجبيرة طهوراً له. و زاد السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى» «مستصحب النجاسة من جهة العذر لغيره»، بل الظاهر جواز إمامة المسلوس و المبطون لغيرهما، فضلًا عن مثلهما، و كذا إمامة المستحاضة للطاهرة(العروة الوثقى 1: 798، المسألة 2.) و في «التذكرة»: يجوز للطاهر أن يأتمّ بالمستحاضة؛ لأنّها متطهّرة؛ فأشبهت المتيمّم. و يصحّ ائتمام الصحيح بصاحب السلس؛ لأنّه متطهّر، و الحدث الموجود غير مانع كالمتيمّم، و يجوز ائتمام الطاهر بمن على بدنه أو ثوبه نجاسة؛ لأنّه كالمتيمّم(تذكرة الفقهاء 4: 303.)، انتهى.

ص: 614

ص: 615

ص: 616

(مسألة 6): لو اختلف الإمام مع المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً صحّ الاقتداء به-

و إن لم يتّحدا في العمل- فيما إذا رأى المأموم صحّة صلاته مع خطائه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده، كما إذا اعتقد المأموم وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثاً، و رأى الإمام أنّ الواجب واحدة منها و عمل به. و لا يصحّ الاقتداء مع اعتقاده- اجتهاداً أو تقليداً- بطلان صلاته (1).


1- لو اختلف الإمام و المأموم في المسائل المتعلّقة بالصلاة اجتهاداً أو تقليداً صحّ الاقتداء به فيما اتّحدا في العمل بلا إشكال؛ سواء قال الإمام بوجوبه و المأموم باستحبابه أو بالعكس، و بالأخرة قد أتى الإمام ما هو المعتبر عند المأموم اجتهاداً أو تقليداً، فلا اختلاف بينهما في مقام العمل، و إن كان بينهما اختلاف في الرأي، و هو غير قادح في الائتمام. و إنّما الكلام فيما لم يتّحدا في العمل، كما إذا رأى المأموم اجتهاداً أو تقليداً وجوب التسبيحات الأربعة ثلاثاً و رأى الإمام وجوبها مرّة واحدة و اكتفى في مقام العمل بالمرّة؛ و حينئذٍ فإمّا أن يرى المأموم اجتهاداً أو تقليداً صحّة صلاة الإمام مع خطأه في الاجتهاد أو خطأ مجتهده، أو يرى بطلان صلاته جزماً و وجداناً. فبناءً على صحّة صلاة الإمام في اعتقاد المأموم يصحّ الاقتداء به؛ لأنّ كلّاً من الإمام و المأموم استند إلى الدليل الشرعي الظنّي الاجتهادي في العمل بوظيفته، و لكلّ منهما حجّة شرعية بالنسبة إلى ما وصل إليه نظره أو نظر مجتهده من الحكم الشرعي الظاهري، و ليس لأحدهما الحكم ببطلان صلاة الآخر. فصلاة كليهما صحيحة على الفرض، و يجوز اقتداء أحدهما بالآخر. و بالجملة: المأموم المعتقد بوجوب التسبيحات الأربعة ثلاث مرّات يجوز له أن يقتدي بإمام يعتقد بوجوبها مرّة واحدة و يكتفي بها؛ لكون صلاته صحيحة عند المأموم. و بناءً على بطلان صلاة الإمام في اعتقاد المأموم علماً وجدانياً لا يصحّ الاقتداء؛ إذ مع انكشاف الواقع و بطلان صلاة الإمام واقعاً لدى المأموم كيف يصحّ له الاقتداء بالصلاة المقطوع فسادها؟! فلو اقتدى بطلت صلاته. و لا يخفى: أنّ جواز الاقتداء فيما لم يتّحدا في العمل مع كون نظر المأموم و رأيه صحّة صلاة الإمام مبني على القول بالسببية و الموضوعية في أدلّة حجّية ما وصل إليه نظر المجتهد بالطرق الاجتهادية؛ فحينئذٍ يرى المأموم عمل الإمام موافقاً للحكم الواقعي الفعلي المتوجّه إليه. و أمّا على القول بالطريقية و العذرية في أدلّة الحجّية فلا يجوز له الاقتداء؛ لأنّ معنى حجّية ما وصل إليه نظر المجتهد حينئذٍ إلغاء احتمال الخلاف؛ فحينئذٍ يجب على المأموم ترتيب آثار الفساد على صلاة الإمام، فكيف يصحّ له الائتمام؟! و بالجملة: فبناءً على الطريقية في أدلّة الحجّية لا فرق بين حصول العلم للمأموم بوجوب شي ء في الصلاة و بين قيام الدليل العلمي عليه عنده في عدم جواز الاقتداء على من لا يعتقد بوجوبه مع فرض كونه تاركاً له، بخلاف القول بالسببية و الموضوعية فيها فإنّه فرق بينهما؛ فلا يجوز الائتمام لدى حصول العلم للمأموم بوجوب شي ء، و يجوز فيما قام الدليل العلمي عليه عنده.

ص: 617

كما يشكل ذلك فيما إذا اختلفا في القراءة (1).


1- إذا اختلف الإمام و المأموم فيما يتعلّق بالقراءة في مورد تحمّل الإمام عن المأموم و ضمانه له و كان قراءة الإمام صحيحة عنده و باطلة عند المأموم من جهة ترك الإدغام اللازم أو المدّ اللازم أو نحو ذلك، فمشكل ائتمامه به عند المصنّف رحمه الله. ينشأ من أنّ الإمام ضامن لقراءة المأموم على فرض كون قراءته لا مطلقاً، و المفروض بطلان قراءته لدى المأموم، فكيف يخرج الضامن عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون له؟! فلا يجوز الائتمام. و من أنّ القراءة ساقطة عن المأموم بضمان الإمام عليها؛ فهي في عهدة الإمام بحيث يجب على الإمام الخروج عنها، حسب وظيفة نفسه و لا شي ء على المأموم؛ فيصحّ الائتمام. و فيه: أنّ المسقط عن المأموم و المبرء ذمّته في الجماعة عبارة عن القراءة الصحيحة للإمام لدى المأموم؛ فذمّة المأموم مشغولة بها ما دام لم يؤدّ الإمام القراءة الصحيحة، فبمجرّد ضمان الإمام إيّاها لا تسقط ذمّة المأموم. و قال السيّد رحمه الله في «العروة الوثقى»: نعم يمكن أن يقال بالصحّة إذا تداركها المأموم بنفسه كأن قرأ موضع غلط الإمام صحيحاً(العروة الوثقى 1: 794، المسألة 31.) و فيه: أنّ إثبات صحّة الجماعة و مشروعيتها بالقراءة التلفيقية بعضها من الإمام و بعضها من المأموم يحتاج إلى دليل مفقود، و مقتضى الأصل عدم مشروعية الجماعة الكذائية.

ص: 618

و لو رأى المأموم صحّة صلاته- كما لو لم ير الإمام وجوب السورة و تركها، و رأى المأموم وجوبها- فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء (1).


1- و الوجه في الاحتياط بترك الاقتداء هو احتمال عدم خروج الإمام عن عهدة الضمان بحسب معتقد المضمون له، على ما ذكرناه مفصّلًا في صورة اختلافهما فيما تعلّق بالقراءة.

ص: 619

نعم إذا لم يعلم اختلافهما في الرأي يجوز الائتمام، و لا يجب الفحص و السؤال.

و أمّا مع العلم باختلافهما في الرأي و الشكّ في تخالفهما في العمل فالأقوى عدم جواز الاقتداء فيما يرجع إلى المسائل التي لا يجوز معها الاقتداء مع وضوح الحال، و يشكل فيما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال (1).

(مسألة 7): لو دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت و اعتقد المأموم عدمه أو شكّ فيه،

لا يجوز له الائتمام في تلك الصلاة. نعم لو علم بالدخول في أثناء صلاة الإمام، جاز له الائتمام عند دخوله إذا دخل الإمام على وجه يحكم بصحّة صلاته (2).


1- إذا لم يعلم اختلاف الإمام و المأموم في الرأي يجوز الائتمام؛ لإحراز صحّة صلاة الإمام- و لو بإجراء أصالة الصحّة فيها- و لا يجب الفحص و السؤال؛ لأصالة البراءة عن وجوب الفحص بعد ثبوت جواز الائتمام. و إذا علم اختلافهما في الرأي و شكّ في تخالفهما في العمل، فالأقوى عدم جواز الاقتداء فيما يرجع إلى المسائل التي لا يجوز معها الاقتداء مع وضوح الحال، كما فيما يعتقد المأموم اجتهاداً أو تقليداً بطلان صلاة الإمام. و لعلّ الوجه فيه اشتغال ذمّة المأموم يقيناً حتّى يحصل له اليقين بالبراءة بتحمّل الإمام ما هو وظيفة المأموم. و يشكل فيما يرجع إلى المسائل المحكومة بالإشكال، كما فيما إذا اختلفا في القراءة، و فيما رأى المأموم وجوب السورة و رأى الإمام عدم وجوبها و تركها.
2- هذه المسألة مبتنية على التفصيل المذكور في المسألة الرابعة عشرة من مسائل «أوقات الصلوات اليومية» من المتن- لو تيقّن بدخول الوقت فصلّى أو عوّل على أمارة معتبرة كشهادة العدلين، فإن وقع تمام الصلاة قبل الوقت بطلت، و إن وقع بعضها فيه و لو قليلًا منها صحّت- و قد ذكرنا هناك: أنّ من صلّى باعتقاد دخول الوقت جازماً أو اعتماداً على الأمارة المعتبرة فبان له وقوع بعض صلاته و لو قليلًا في الوقت صحّت صلاته؛ لرواية إسماعيل بن رباح عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا صلّيت و أنت ترى أنّك في وقت و لم يدخل الوقت فدخل الوقت و أنت في الصلاة، فقد أجزأت عنك»(وسائل الشيعة 4: 206، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 25، الحديث 1.) ، و سند الرواية على فرض ضعفه منجبر بعمل الأصحاب. و نقول هاهنا: لو دخل الإمام في الصلاة معتقداً دخول الوقت و اعتقد المأموم عدمه، لا يجوز له الائتمام؛ لبطلان صلاة الإمام في اعتقاد المأموم؛ لوقوعه قبل الوقت؛ فكيف يصحّ له الائتمام بصلاة باطلة؟! و كذا لا يجوز له الائتمام فيما لو شكّ في دخول الوقت؛ لاستصحاب عدم دخول الوقت. نعم لو دخل الإمام في الصلاة قبل الوقت على وجه يحكم بصحّة صلاته- بأن تيقّن بدخول الوقت أو عوّل على أمارة معتبرة و دخل في الصلاة- و علم المأموم أو قام عنده أمارة معتبرة بدخول الوقت، جاز له الائتمام؛ لأنّ المفروض- كما ذكرنا- صحّة صلاة الإمام. و أمّا لو دخل الإمام في الصلاة قبل الوقت على وجه لا يحكم بصحّة صلاته فلا يجوز الائتمام و إن علم المأموم بدخول الوقت في أثناء الصلاة. ففي «العروة الوثقى»: نعم لو دخل الإمام نسياناً من غير مراعاة للوقت أو عمل بظنّ غير معتبر لا يجوز الائتمام به و إن علم المأموم بالدخول في الأثناء؛ لبطلان صلاة الإمام- حينئذٍ- واقعاً، و لا ينفعه دخول الوقت في الأثناء في هذه الصورة؛ لأنّه مختصّ بما إذا كان عالماً أو ظانّاً بالظنّ المعتبر(العروة الوثقى 1: 797، المسألة 38.) ، انتهى.

ص: 620

ص: 621

(مسألة 8): لو تشاحّ الأئمّة فالأحوط الأولى ترك الاقتداء بهم جميعاً.

نعم إذا تشاحّوا في تقديم الغير و كلّ يقول: تقدّم يا فلان، يرجّح من قدّمه المأمومون، و مع الاختلاف أو عدم تقديمهم يقدّم الفقيه الجامع للشرائط، و إن لم يكن أو تعدّد يقدّم الأجود قراءةً، ثمّ الأفقه في أحكام الصلاة، ثمّ الأسنّ (1).


1- لو تشاحّ الأئمّة لغرض دنيوي- العياذ باللَّه- سقطوا عن العدالة و رجع تشاحّهم إلى التكالب على الرئاسة الدنيوية، إلّا أن يدّعي كلّ واحد منهم أنّه المتّصف بالأولوية الموجبة للتقدّم أو أنّه للرغبة في تحصيل ثواب الإمامة، فالأحوط الأولى حينئذٍ ترك الاقتداء بهم جميعاً؛ لأنّ منزلة الإمامة على الجماعة أجلّ من أن يكون مورد المنازعة و التشاحّ- و لو لتحصيل الثواب لنفسه- و ليس هذا من قبيل الاستباق إلى الخيرات المطلوب في الشرع، بل هو من قبيل منع الغير عن تحصيل الثواب في الحقيقة، و هو لا يناسب شأن إمام الجماعة. و في «مصباح الفقيه»: فالأولى ترك الائتمام بجميعهم؛ إذ قلّما يبقى معه الوثوق بخلوص إمامتهم عن قصد الرئاسة(مصباح الفقيه، الصلاة: 612/ السطر 17.)، انتهى. و لو تشاحّوا في تقديم الغير و كلّ يقول: تقدّم يا فلان، يرجّح من قدّمه المأمومون، و مع الاختلاف أو عدم تقدّم أحدهم الخاصّ يقدّم الفقيه الجامع لشرائط الإمامة، كما ذهب إليه العلّامة في «المختلف» و صاحب «المدارك» و السبزواري في «الذخيرة» و صاحب «الحدائق»، و اختاره المصنّف رحمه الله. و استدلّ له في «المختلف»(مختلف الشيعة 2: 493.) بأنّ الأفقه أشرف و أعلم بأركان الصلاة و إمكان تدارك السهو و مراتبه و كيفية الصلاة؛ فيكون أولى بالتقديم؛ قال اللَّه تبارك و تعالى: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ»(الزمر( 39): 9.) ، انتهى. و نحوه قوله تعالى: «أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى»(يونس( 10): 35.) و استدلّ جماعة بحكم العقل بقبح تقديم المفضول على الفاضل، كما هو مفروغ عنه بين الإمامية. و استدلّ أيضاً بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: الصلاة خلف العبد؟ فقال: «لا بأس به إذا كان فقيهاً و لم يكن هناك أفقه منه»(وسائل الشيعة 8: 325، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 16، الحديث 1.) و موثّق سماعة قال: سألته عن المملوك يؤمّ الناس؟ فقال: «لا، إلّا أن يكون هو أفقههم و أعلمهم»(وسائل الشيعة 8: 326، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 16، الحديث 3.) و رواية عبد الرحمن العرزمي عن أبيه، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من أمّ قوماً و فيهم من هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى السفال إلى يوم القيامة»(وسائل الشيعة 8: 346، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 1.) و ما رواه في «الفقيه» قال: و قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم: «إمام القوم وافدهم؛ فقدّموا أفضلكم»(وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 2.) و موثّق مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمّد عليهما السلام عن آبائه عليهم السلام أنّ النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «أئمّتكم وافدكم إلى اللَّه؛ فانظروا من توفدون في دينكم و صلاتكم»(وسائل الشيعة 8: 347، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 4.) و بما رواه الشهيد في «الذكرى» عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «من صلّى خلف عالم فكأنّما صلّى خلف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم»(وسائل الشيعة 8: 348، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 26، الحديث 5.) ، و غيرها من الروايات الدالّة على فضل العلماء، و أنّهم الحجج على الناس، و أنّهم كأنبياء بني إسرائيل. و ذهب جماعة بتقديم الأقرأ على الأفقه. و صاحب «الحدائق» نسب هذا القول إلى المشهور بين الأصحاب(الحدائق الناضرة 11: 204.) و استدلّ له بما رواه الكليني عن أبي عبيدة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر الصلاة، فيقول بعض لبعض: تقدّم يا فلان، فقال: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم قال: يتقدّم القوم أقرأهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنّاً، فإن كانوا في السنّ سواء فليؤمّهم أعلمهم بالسنّة و أفقههم في الدين. و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله، و لا صاحب سلطان في سلطانه»(وسائل الشيعة 8: 351، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 28، الحديث 1.) و بما رواه في «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد عليهما السلام قال: «يؤمّ القوم أقدمهم هجرةً، فإن استووا فأقرأهم، و إن استووا فأفقههم، و إن استووا فأكبرهم سنّاً، و صاحب المسجد أحقّ بمسجده»(مستدرك الوسائل 6: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 2.) و بما رواه في «فقه الرضا»: «إنّ أولى الناس بالتقدّم في الجماعة أقرأهم للقرآن، و إن كانوا في القرآن سواء فأفقههم، و إن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرةً، و إن كانوا في الهجرة سواء فأسنّهم، فإن كانوا في السنّ سواء فأصبحهم وجهاً، و صاحب المسجد أولى بمسجده»(مستدرك الوسائل 6: 475، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 4.) ثمّ إنّ صاحب «الحدائق» بعد ذكر أخبار القولين المذكورين في المسألة حمل الأخبار الدالّة على تقديم الأقرأ على التقية، و قال: و الذي يقرب عندي أنّ هذه الأخبار الدالّة على تقديم الأقرأ إنّما خرجت مخرج التقية؛ فإنّه قول جمهور العامّة، و به تكاثرت أخبارهم(الحدائق الناضرة 11: 207.) ، انتهى. و يمكن حملها- كما في «الجواهر»- على أنّ المراد بالأقرإ فيها هو العالم بالأحكام مع القراءة أيضاً؛ لأنّها في زمن الصحابة كانت مستلزمة للفقه؛ إذ حكي عن ابن مسعود: أنّا كنّا لا نتجاوز عشر آيات حتّى نعرف أمرها و نهيها و أحكامها و المراد منها(جواهر الكلام 13: 360.) ، انتهى موضع الحاجة. ثمّ إنّه يستفاد من خبر أبي عبيدة المتقدّم تقديم الأسنّ ثمّ الأفقه في الدين، عكس ما ذكره المصنّف رحمه الله. و ترتيب المصنّف يستفاد من روايتي «فقه الرضا عليه السلام» و «دعائم الإسلام» المتقدّمين، و ما روي عن «كنز العمّال» عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: «يؤمّ القوم أقرأهم لكتاب اللَّه، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنّاً»(كنز العمّال 8: 265/ 22849.)

ص: 622

ص: 623

ص: 624

ص: 625

و الإمام الراتب في المسجد أولى بالإمامة من غيره و إن كان أفضل، لكن الأولى له تقديم الأفضل (1)، و صاحب المنزل أولى من غيره المأذون في الصلاة، و الأولى له تقديم الأفضل (2).


1- و يدلّ على أولوية الإمام الراتب في المسجد على غيره- مضافاً إلى الإجماع المدّعى في كلام جماعة من فقهائنا- رواية «دعائم الإسلام» المتقدّمة: «و صاحب المسجد أحقّ بمسجده» ، و كذا رواية «فقه الرضوي» المتقدّمة: «و صاحب المسجد أولى بمسجده» ؛ فالإمام الراتب أولى من غيره مطلقاً- أي و إن كان غيره أفضل منه- و هو مقتضى إطلاق الأحقّية و الأولوية في الروايتين. و لكنّ الأولى للإمام الراتب تقديم الأفضل؛ لأولويته، كما يستفاد من رواية العرزمي و موثّق مسعدة بن صدقة و غيرهما، و هو لا ينافي أولوية صاحب المسجد؛ فصاحب المسجد أولى فيما لم يكن أفضل منه.
2- وجه أولوية صاحب المنزل من غيره المأذون في الصلاة خبر أبي عبيدة المتقدّم: «و لا يتقدّمنّ أحدكم الرجل في منزله»(وسائل الشيعة 8: 351، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 28، الحديث 1.) و وجه أولوية تقديم صاحب المنزل الأفضل ما ذكرناه في وجه تقديم الإمام الراتب الأفضل.

ص: 626

و الهاشمي أولى من غيره المساوي له في الصفات (1). و الترجيحات المذكورة إنّما هي من باب الأفضلية و الاستحباب، لا على وجه اللزوم و الإيجاب حتّى في أولوية الإمام الراتب، فلا يحرم مزاحمة الغير له و إن كان مفضولًا من جميع الجهات، لكن مزاحمته قبيحة، بل مخالفة للمروّة و إن كان المزاحم أفضل منه من جميع الجهات (2).


1- و الوجه فيه ما رواه العامّة من قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «قدّموا قريشاً، و لا تقدموهم»(كنز العمّال 12: 22/ 33789.)
2- و العلّامة رحمه الله في «التذكرة» بعد ذكر الترجيحات قال: فإن استووا في ذلك كلّه فالأقرب القرعة، و به قال أحمد؛ لأنّ سعد بن أبي وقّاص أقرع بينهم في الأذان؛ فالإمامة أولى، و لأنّهم تساووا في الاستحقاق و تعذّر الجمع فاقرع بينهم. فلو قدّم المفضول جاز، و لا نعلم فيه خلافاً(تذكرة الفقهاء 4: 311.) ، انتهى. نعم حكي عن العمّاني و ظاهر «المبسوط» و صريح «المراسم» القول بإيجاب تقديم الأقرأ على الأفقه، و لا دليل معتبر لهم على الإيجاب، مع عدم الخلاف في استحباب المراتب المذكورة في الروايات التي ذكرناها. و حملها على الاستحباب من باب التسامح في أدلّة السنن. فإذا كان الترجيح في المراتب المذكورة من باب الأفضلية فلا يحرم تقدّم المفضول من جميع الجهات على الأفضل كذلك ما لم يبلغ حدّ المزاحمة؛ فإذا بلغ ذلك الحدّ يعدّ منافياً للمروّة. و على القول باعتبار الاجتناب عن منافيات المروّة في العدالة لا يصلح المزاحم للإمامة. و قد قلنا في البحث عن العدالة: إنّ ارتكاب منافيات المروّة لا يخلّ بالعدالة ما لم ينطبق عليه بعض العناوين المحرّمة، كالتوهين و الإذلال و الهتك.

ص: 627

(مسألة 9): الأحوط للأجذم و الأبرص و المحدود بعد توبته ترك الإمامة و ترك الاقتداء بهم

(1).


1- ذهب جماعة من فقهائنا إلى جواز إمامة الأجذم و الأبرص مع كراهة، و هذا القول مشهور بين المتأخّرين، و في «الرياض»: بل عامّة المتأخّرين إلّا النادر منهم، و حكي عن السيّد في «الانتصار» الإجماع عليه. و الشيخ رحمه الله حمل أخبار الجواز على صورة الضرورة بأن لا يوجد غيرهما، أو أن يكونا إمامين لأمثالهما. و دليل المشهور على الجواز رواية عبد اللّه بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المجذوم و الأبرص يؤمّان المسلمين؟ قال: «نعم»، قلت: هل يبتلي اللَّه بهما المؤمن؟ قال: «نعم، و هل كتب اللَّه البلاء إلّا على المؤمن»(وسائل الشيعة 8: 323، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 1.) و صحيح حسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن المجذوم و الأبرص منّا أ يؤمّان المسلمين؟ قال: «نعم»، و هل يبتلي اللَّه بهذا (إلّا) المؤمن؟ قال: «نعم، و هل كتب اللَّه البلاء إلّا على المؤمنين»(وسائل الشيعة 8: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 4.) و الدليل على الكراهة النهي الوارد في بعض الأخبار، المحمول على الكراهة جمعاً بينه و بين دليل الجواز. فمن الأخبار الوارد فيها النهي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: «لا يصلّي بالناس من في وجهه آثار»(وسائل الشيعة 8: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 2.) . و قد وقع في سند الرواية عبد الرحمن بن حمّاد، و هو و إن وقع في طريق «كامل الزيارات» و لكن طريق الشيخ إليه ضعيف بأبي المفضل و ابن بطّة. و رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «خمسة لا يؤمّون الناس و لا يصلّون بهم صلاة فريضة في جماعة: الأبرص، و المجذوم، و ولد الزنا، و الأعرابي حتّى يهاجر، و المحدود»(وسائل الشيعة 8: 324، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 3.) و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «خمسة لا يؤمّون الناس على كلّ حال: المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و ولد الزنا، و الأعرابي»(وسائل الشيعة 8: 325، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 5.) و صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام- في حديث- قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يصلّين أحدكم خلف المجذوم، و الأبرص، و المجنون، و المحدود، و ولد الزنا، و الأعرابي لا يؤمّ المهاجرين»(وسائل الشيعة 8: 325، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 15، الحديث 6.) و نسب إلى جماعة من القدماء- كالشيخ و السيّد المرتضى و أتباعهما- المنع عن إمامتهما. و الشيخ حمل أخبار الجواز على صورة الضرورة؛ بأن لا يوجد غيرهما، أو أن يكونا إمامين لأمثالهما. و يحتمل قوياً أن يكون المنع مشهوراً بين القدماء؛ و لذا قال جماعة- منهم المصنّف رحمه الله و جماعة من المحشّين ل «العروة الوثقى»- بوجوب الاحتياط بترك إمامتهما. و في «الرياض»: فالمسألة محلّ إشكال، إلّا أنّ المصير إلى المنع أحوط للعبادة(رياض المسائل 4: 349.) ، انتهى. و أمّا إمامة المحدود بالحدّ الشرعي قبل التوبة فهو فاسق لا يجوز الاقتداء به. و أمّا بعد التوبة فقد ورد في بعض الأخبار المنع منه، كرواية الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «ستّة لا ينبغي أن يؤمّوا الناس: ولد الزنا، و المرتدّ، و الأعرابي بعد الهجرة، و شارب الخمر، و المحدود، و الأغلف»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 6.) ، و قد وقع في سند الرواية أبو جميلة المفضّل بن صالح و سعد بن طريف الحنظلي، و قد ضعّفهما جماعة، و أبو جميلة و إن وقع في طريق «كامل الزيارات»- في حديث قول جبرئيل لمحمد صلى الله عليه و آله و سلم: «إنّ الحسين عليه السلام تقتله امّتك من بعدك»(كامل الزيارات: 128/ 2.) - و لكن قال النجاشي: إنّ ضعف المفضّل بن صالح كان من المتسالم عليه عند الأصحاب. و نحوها في الدلالة رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة و صحيح زرارة المتقدّم. و مقتضى الإطلاق في هذه الروايات المانعة عن إمامة المحدود و إن كان عدم الفرق فيه بين قبل التوبة و بين بعدها، لكن القائلين بالجواز حملوها على الكراهة فيما بعد التوبة؛ جمعاً بينها و بين الأخبار الدالّة على جواز الائتمام خلف كلّ من يوثّق بدينه. و لا يخفى: أنّ مقتضى قوّة احتمال تحقّق الشهرة بين القدماء على المنع عن إمامة المحدود هو وجوب الاحتياط، بل الاحتياط هنا آكد من الاحتياط في ترك إمامة الأجذم و الأبرص؛ إذ لم يرد هنا خبر دالّ على الجواز أصلًا و لو كان ضعيفاً، بخلاف الأجذم و الأبرص، و قد عرفت صراحة دلالة بعض الأخبار على جواز إمامتهما، هذا. مضافاً إلى أنّ المنع عن إمامة المحدود ليس لأجل كونه فاسقاً- حتّى يقيّد إطلاقات المنع بالأخبار الدالّة على جواز الصلاة خلف كلّ من يوثّق بدينه، و يختصّ مورد المنع بالمحدود قبل التوبة، و يحمل المحدود بعد التوبة على الكراهة- بل بما أنّه محدود موضوع للحكم، كالأجذم و الأبرص و ولد الزنا و الأغلف؛ و لذا قال العلّامة في «التذكرة»: تكره إمامة المحدود بعد توبته؛ لأنّ فسقه و إن زال بالتوبة إلّا أنّ نقص منزلته و سقوط محلّه من القلوب لم يزل؛ فكره لذلك و إن لم يكن محرّماً(تذكرة الفقهاء 4: 299.) ، انتهى.

ص: 628

ص: 629

ص: 630

و يكره إمامة الأغلف المعذور من ترك الختان (1).


1- الأغلف الغير المعذور من الختان لا تجوز إمامته، و لا يجوز الاقتداء به؛ لفسقه بالتقصير في ترك الختان. و عن الشهيد الثاني في «المسالك» و «الروض» القول ببطلان صلاته، و لا دليل عليه. و أمّا المعذور من ترك الختان فقد نسب إلى المشهور بين المتأخّرين القول بجواز إمامته، و في «الرياض»: وفاقاً لعامّة متأخّري أصحابنا(رياض المسائل 4: 351.) و استدلّ له بمعتبرة عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: «الأغلف لا يؤمّ القوم و إن كان أقرأهم؛ لأنّه ضيّع من السنّة أعظمها، و لا تقبل لها شهادة، و لا يصلّي عليه، إلّا أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه»(وسائل الشيعة 8: 320، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 13، الحديث 1.) و ذهب جماعة إلى المنع، و نسبه في «التذكرة» إلى الأصحاب و قال: قال أصحابنا: الأغلف لا يصحّ أن يكون إماماً(تذكرة الفقهاء 4: 299.) و في «مستند الشيعة»: فالقول بالحرمة- كما عن بعض القدماء- قوي(مستند الشيعة 8: 46.) و استدلّ للمنع برواية الأصبغ بن نباتة المتقدّم: «ستّة لا يؤمّون الناس ...» إلى أن قال: «و الأغلف»(وسائل الشيعة 8: 322، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 14، الحديث 6.) . و رواية عبد اللّه طلحة النهدي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «لا يؤمّ الناس المحدود و ولد الزنا و الأغلف»(مستدرك الوسائل 6: 464، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 12، الحديث 1.) و لا يخفى: أنّ أخبار المنع من إمامة الأغلف ضعيفة سنداً. و لا يصغى إلى ما في «مستند الشيعة» من اعتبار بعض روايات المنع(مستند الشيعة 8: 46.) ، و لم يذكر ما هو المعتبر منها حتّى نلاحظ سنده. و كلام السيّد الحكيم رحمه الله في «المستمسك» يوهم اعتبار سند رواية الأصبغ المتقدّمة، حيث إنّه- بعد ذكر الخبرين عن الأصبغ و طلحة و حملهما على الكراهة- علّل الحمل بقوله: لقصور الأوّل دلالةً، و الثاني سنداً(مستمسك العروة الوثقى 7: 350.) وجه الإيهام: إسناد القصور السندي إلى الثاني فقط؛ فتوصيف الأوّل بقصور الدلالة يوهم تمامية السند، و قد عرفت ضعفه بأبي جميلة و سعد بن طريف. و كيف كان: فرواية عمرو بن خالد الواسطي عن زيد بن علي الدالّة على الجواز معتبرة؛ لأنّ رجال السند عبارة عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبي الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد. أمّا محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي فهو ثقة في الحديث. و في «رجال» الأردبيلي- حكايةً عن «خلاصة» العلّامة و النجاشي-: كان ثقة في الحديث، إلّا أنّ أصحابنا قالوا: إنّه كان يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل و لا يبالي عمّن أخذ، و ما عليه في نفسه طعن في شي ء(جامع الرواة 2: 64.) و من الواضح: أنّ روايته عن الضعفاء لا تخلّ برواياته عن الأقوياء. و أمّا أبو جعفر فهو منبّه بن عبد اللّه التميمي، قد وثّقه النجاشي بقوله: و هو صحيح الحديث، و كذا العلّامة في «الخلاصة»، و توصيف الحديث بالصحيح ظاهر في وثاقة ناقله. و أمّا الحسين بن علوان الكلبي فقد وثّقه النجاشي. و عن الكشّي: أنّه من رجال العامّة، و لكنّه شديد الحبّ، و قيل: إنّ الكلبي كان مستوراً و لم يكن مخالفاً، و هو من أصحاب الصادق عليه السلام، و قد وقع في طريق «تفسير» القمي. و أمّا عمرو بن خالد الواسطي فهو ثقة قد وقع في طريق «كامل الزيارات» في فضل الصلاة في مسجد الكوفة. ثمّ إنّ الروايات الدالّة على المنع عن إمامة الأغلف- على فرض تماميتها سنداً و دلالةً- تحمل على الكراهة؛ لمعتبرة الواسطي الدالّة على الجواز.

ص: 631

ص: 632

ص: 633

و من يكره المأمومون إمامته (1).


1- كراهة إمامة من يكره المأمومون إمامته مشهور بين الفقهاء، و هو الظاهر من بعض الروايات: ففي النبوي المروي عن الصدوق رحمه الله قال: قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: «ثمانية لا يقبل اللَّه لهم صلاة: العبد الآبق حتّى يرجع إلى مولاه، و الناشز عن زوجها و هو عليها ساخط، و مانع الزكاة، و إمام قوم يصلّي بهم و هم له كارهون، و تارك الوضوء، و المرأة المدركة تصلّي بغير خمار، و الزبين؛ و هو الذي يدافع البول و الغائط، و السكران»(وسائل الشيعة 8: 348، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 1.) و مفهوم رواية الحسين بن زيد عن الصادق عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام قال: «و نهى أن يؤمّ الرجل قوماً إلّا بإذنهم، و قال: من أمّ قوماً بإذنهم و هم به راضون فاقتصد بهم في حضوره و أحسن صلاته بقيامه و قراءته و ركوعه و سجوده و قعوده، فله مثل أجر القوم، و لا ينقص عن اجورهم شي ء»(وسائل الشيعة 8: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 2.) و رواية عبد الملك بن عمير عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «أربعة لا تقبل لهم صلاة: الإمام الجائر، و الرجل يؤمّ القوم و هم له كارهون، و العبد الآبق من مولاه من غير ضرورة، و المرأة تخرج من بيت زوجها بغير إذنه»(وسائل الشيعة 8: 349، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 3.) و رواية عبد اللّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «ثلاثة لا يقبل اللَّه لهم صلاة: عبد آبق من مواليه حتّى يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم، و رجل أمّ قوماً و هم له كارهون، و امرأة باتت و زوجها عليها ساخط»(وسائل الشيعة 8: 350، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 27، الحديث 6.) و فصّل العلّامة رحمه الله في «التذكرة» و قال: الأقرب أنّه إن كان ذا دين فكرهه القوم لذلك لم تكره إمامته، و الإثم على من كرهه، و إلّا كرهت(تذكرة الفقهاء 4: 305.) ، انتهى. و قد حسّنه النراقي في «مستند الشيعة» و قال: لأنّ المتبادر الظاهر من الأخبار الثاني، فتختصّ الكراهة بمن لم يكن للمأمومين فيه مزيد اعتقاد و يرجّحون غيره عليه و يريدون الائتمام بغيره، و هو- مع ذلك- يحملهم على الائتمام به و يمنعهم من غيره(مستند الشيعة 8: 47.) ، انتهى.

ص: 634

و المتيمّم للمتطهّر (1)، بل الأولى عدم إمامة كلّ ناقص لكامل (2).


1- قد ذكرنا في ذيل شرح المسألة الخامسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة» وجه كراهة إمامة المتيمّم للمتطهّر تفصيلًا، و لا نطيل الكلام بالإعادة، فراجع.
2- و العمدة في دليل عدم إمامة كلّ ناقص لكامل هو الإجماع المدّعى في كلام جماعة. و قد يستدلّ بجملة من الأخبار: منها: موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يؤمّ المقيّدُ المطلقين، و لا صاحب الفلج الأصحّاء، و لا صاحب التيمّم المتوضّئين»(وسائل الشيعة 8: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 22، الحديث 1.) . و الاستدلال بهذه الموثّقة مبني على استفادة الكبرى الكلّية من الموارد المذكورة فيها من باب المثال، خرج منها إمامة المتيمّم للمتوضّي فإنّها مكروهة؛ لدلالة بعض الأخبار الصحيحة- كصحيح جميل المتقدّم في شرح المسألة الخامسة- على الجواز. و منها: رواية الشعبي- هو عامر بن شرحبيل- قال: قال علي عليه السلام في حديث: «لا يؤمّ المقيّد المطلقين»(وسائل الشيعة 8: 340، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 22، الحديث 3.) و منها: مرسل الصدوق قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم صلّى بأصحابه جالساً، فلمّا فرغ قال: لا يؤمّنّ أحدكم بعدي جالساً»(وسائل الشيعة 8: 345، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 25، الحديث 1.) و سند بعضها ضعيف، و لكن منجبرٌ بعمل الأصحاب. و قد تقدّم في شرح المسألة الرابعة و الخامسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة» ما يرتبط بالمقام، فراجع.

ص: 635

(مسألة 10): لو علم المأموم بطلان صلاة الإمام- من جهة كونه محدثاً أو تاركاً لركن و نحوه-

لا يجوز له الاقتداء به؛ و إن اعتقد الإمام صحّتها جهلًا أو سهواً (1).


1- قد علم وجه هذه المسألة ممّا تقدّم في شرح المسألة السادسة من مسائل «القول في شرائط إمام الجماعة» من أنّه بناءً على بطلان صلاة الإمام في اعتقاد المأموم- علماً وجدانياً- لا يصحّ الاقتداء؛ إذ مع انكشاف الواقع و بطلان صلاة الإمام واقعاً لدى المأموم كيف يصحّ له الاقتداء بالصلاة المقطوع فسادها؟! فلو اقتدى بطلت صلاته. و اعتقاد الإمام صحّة صلاة نفسه جهلًا أو سهواً ينفعه في كونه معذوراً ما لم ينكشف الخلاف، و لا ينفع المأموم شيئاً أصلًا.

ص: 636

(مسألة 11): لو رأى المأموم في ثوب الإمام نجاسة غير معفوّ عنها،

فإن علم أنّه قد نسيها لا يجوز الاقتداء به، و إن علم أنّه جاهل بها يجوز الاقتداء به، و إن لم يدر أنّه جاهل أو ناسٍ ففي جوازه تأمّل و إشكال، فلا يترك الاحتياط (1).


1- لو رأى المأموم في ثوب الإمام أو بدنه نجاسة غير معفوّ عنها فله حالات ثلاث: الاولى: أن يعلم أنّ الإمام كان متوجّهاً إلى النجاسة قبل الصلاة و قد نسيها و دخل في الصلاة، فالمأموم يقطع ببطلان صلاة الإمام واقعاً؛ فلا يجوز له الاقتداء، و الإمام معذور ما دام لم يلتفت و لم يتذكّر بعد؛ فلو تذكّر بعد الصلاة تجب عليه الإعادة و القضاء. الثانية: أن يعلم أنّ الإمام جاهل بالنجاسة و لم يتوجّه إليها قبل الصلاة. فصلاة الإمام محكومة بالصحّة الواقعية عند المأموم؛ لأنّ النجاسة مانعة ذكراً لا واقعاً؛ و لذا لا تجب على الإمام الإعادة أو القضاء فيما توجّه إليها بعد الصلاة؛ لحديث لا تعاد، فيجوز للمأموم الاقتداء به. الثالثة: أن لا يعلم أنّ الإمام ناسٍ أو جاهل؛ ففي جواز الاقتداء و عدمه تأمّل و إشكال، و لا يترك الاحتياط عند المصنّف رحمه الله؛ لاحتمال بطلان صلاة الإمام واقعاً. قيل: و لا يبعد جواز الاقتداء؛ و ذلك لاستصحاب عدم علم الإمام بالنجاسة؛ فيترتّب عليه صحّة صلاة الإمام؛ فإذا صحّت صلاته بالاستصحاب جاز للمأموم الاقتداء به(مستمسك العروة الوثقى 7: 306، مستند العروة الوثقى، الصلاة 5: 357.) و فيه: أنّ عدم علم الإمام بالنجاسة ليس متيقّناً سابقاً حتّى يستصحب؛ لاحتمال حصول العلم للإمام حين عروض النجاسة ثمّ نسيانه. فاحتمال علم الإمام بالنجاسة حين عروضها و احتمال عدمه متساويان، و لا يترك الاحتياط بترك الاقتداء. لو علم المأموم في أثناء الجماعة أنّ الإمام كان متوجّهاً إلى النجاسة قبل الصلاة و نسيها و دخل في الصلاة، فلا يجوز له الإدامة، بل وجب عليه قصد الانفراد، و وجب عليه القراءة مع بقاء محلّها؛ لما ذكر من القطع ببطلان صلاة الإمام. و كذا يجب قصد الفرادى و القراءة مع بقاء محلّها فيما لو تبيّن له بطلان صلاة الإمام بجهة من الجهات؛ لكونه على غير طهور أو لتركه ركناً مثلًا.

ص: 637

(مسألة 12): لو تبيّن بعد الصلاة كون الإمام فاسقاً أو محدثاً صحّ ما صلّى معه جماعة،
اشارة

و يغتفر فيه ما يغتفر في الجماعة (1).

فرع:

1- وجه صحّة صلاة المأموم فيما تبيّن له فسق الإمام بعد الصلاة- مضافاً إلى الشهرة القطعية التي كادت تكون إجماعاً- الأخبار الدالّة صريحاً على نفي الإعادة على المأموم: منها: مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال و كان يؤمّهم رجل، فلمّا صاروا إلى الكوفة علموا أنّه يهودي، قال: «لا يعيدون»(وسائل الشيعة 8: 374، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 1.) و منها: ما رواه الصدوق عن محمّد بن أبي عمير و عن زياد بن مروان القندي في كتابه، أنّ الصادق عليه السلام قال في رجل صلّى بقوم حتّى خرجوا من خراسان حتّى قدموا مكّة، فإذاً هو يهودي أو نصراني، قال: «ليس عليهم إعادة»(وسائل الشيعة 8: 374، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 2.) . وجه الاستدلال: أنّه إذا لم تجب الإعادة فيما تبيّن بعد الصلاة كون الإمام يهودياً أو نصرانياً؛ ففيما تبيّن كونه فاسقاً بطريق أولى. و ما دلّ على الإعادة محمول على الاستحباب، كموثّق إسماعيل بن مسلم السكوني أنّه سأل الصادق عليه السلام عن الصلاة خلف رجل يكذّب بقدر اللَّه، قال: «ليعد كلّ صلاة صلّاها خلفه»(وسائل الشيعة 8: 375، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 37، الحديث 3.) . و في «الوسائل»: هذا الحديث ظاهر في أنّ المأموم كان عالماً باعتقاد الإمام، و ليس فيه إشعار بأنّه كان جاهلًا به و إنّما علم بعد. و وجه صحّة صلاة المأموم فيما تبيّن بعد الصلاة كون الإمام محدثاً- مضافاً إلى الشهرة القطعية- الأخبار الكثيرة الصريحة في نفي وجوب الإعادة على المأموم: منها: صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: «من صلّى بقوم و هو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، و ليس عليهم أن يعيدوا، و ليس عليه أن يعلمهم، و لو كان ذلك عليه لهلك»، قال: قلت: كيف كان يصنع بمن قد خرج إلى خراسان؟ و كيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال: «هذا عنه موضوع»(وسائل الشيعة 8: 371، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 1.) و منها: صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن رجل صلّى بقوم ركعتين ثمّ أخبرهم أنّه ليس على وضوء، قال: «يتمّ القوم صلاتهم؛ فإنّه ليس على الإمام ضمان»(وسائل الشيعة 8: 371، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 2.) و منها: صحيح محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أمّ قوماً و هو على غير طهور، فأعلمهم بعد ما صلّوا، فقال: «يعيد هو، و لا يعيدون»(وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 3.) و منها: صحيح آخر عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يؤمّ القوم و هو على غير طهر، فلا يعلم حتّى تنقضي صلاته، قال: «يعيد، و لا يعيد من صلّى خلفه و إن أعلمهم أنّه كان على غير طهر»(وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 4.) و منها: صحيح آخر عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قوم صلّى بهم إمامهم و هو غير طاهر، أ تجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: «لا إعادة عليهم، تمّت صلاتهم، و عليه الإعادة، و ليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع»(وسائل الشيعة 8: 372، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 5.) ، و غيرها من روايات الباب. و ذهب بعض فقهائنا كابن جنيد و السيّد المرتضى- على ما حكي عنهما- إلى وجوب الإعادة على المأموم. و استدلّ لهذا القول بالأخبار: منها: رواية «دعائم الإسلام» عن علي عليه السلام، قال: صلّى عمر بالناس صلاة الفجر، فلمّا قضى الصلاة أقبل عليهم فقال: أيّها الناس إنّ عمر صلّى بكم الغداة و هو جنب، فقال له الناس: فما ذا ترى؟ فقال: عليّ الإعادة و لا إعادة عليكم، فقال له علي عليه السلام: «بل عليك الإعادة و عليهم؛ إنّ القوم بإمامهم يركعون و يسجدون؛ فإذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة المأمومين»(مستدرك الوسائل 6: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 2.) و منها: رواية موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جدّه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «من صلّى بالناس و هو جنب أعاد و أعاد الناس»(مستدرك الوسائل 6: 485، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 32، الحديث 3.) و منها: رواية العرزمي عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «صلّى علي عليه السلام بالناس على غير طهر و كانت الظهر، ثمّ دخل، فخرج مناديه: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام صلّى على غير طهر فاعيدوا و ليبلغ الشاهد الغائب»(وسائل الشيعة 8: 373، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 36، الحديث 9.) و فيه: أنّ هذه الأخبار ضعيفة سنداً لا تصلح للاعتماد عليها؛ خصوصاً خبر العرزمي، قال الشيخ: هذا خبر شاذّ مخالف للأحاديث كلّها، و هو ينافي العصمة(تهذيب الأحكام 3: 40، ذيل الحديث 140.) ، انتهى؛ فهي معرض عنها عند الأصحاب، و يمكن حملها على التقية. تمّت مباحث صلاة الجماعة بعون اللَّه، و له الحمد و الشكر، و أستعينه في تأليف سائر المباحث.

ص: 638

ص: 639

ص: 640

ص: 641

فهرس المحتويات

القول في صلاة القضاء 7

القول في صلاة الاستئجار 79

البحث في صلاة الجمعة 99

القول في شرائط صلاة الجمعة 109

القول فيمن تجب عليه 177

القول في وقتها 192

فروع 216

القول في صلاة العيدين: الفطر و الأضحى 229

فصل في صلاة المسافر 249

القول في قواطع السفر 367

القول في أحكام المسافر 411

فصل في صلاة الجماعة 443

القول في شرائط الجماعة 487

القول في أحكام الجماعة 522

القول في شرائط إمام الجماعة 568

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.