بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -
عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.
تفاصيل المنشور: اصفهان: مهر قائم، 1401.
مواصفات المظهر: 3 ج.
شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2
حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.
لسان: العربية.
ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).
ملحوظة: فهرس.
موضوع : المعاملات (فقه)
موضوع : خیار العیب
موضوع : فقه جعفري -- قرن 14
ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ4 1387
تصنيف ديوي: 297/372
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1245417
ص: 1
ص: 2
صورة
ص: 3
ص: 4
ص: 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبيّنا نبي الرحمة محمّد رسول الله وعلى أهل بيته الأئمة الأطهار لاسيّما على الحجة الثاني عشر صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، واللعنة الدائمة الأبدية السرمدية على أعدائهم ومخالفيهم ومنكري فضائلهم وحقوقهم.
أمّا بعد؛ فهذا الجزء الثاني عشر من كتاب الآراء الفقهية المشتمل على دروسي حول خيار العيب، قد ابتدأت بها يوم الأحد العاشر من جمادي الأخرى 1442 (05/11/1399ش) وقد فرغت منها يوم الثلاثاء التاسع من جمادي الأولى 1443 (23/09/1400ش) في مدرسة الصدر بالحوزة العلمية في مدينة اصفهان صانها الله من الحدثان، وأصوات مجلس الدرس موجودة على سايتي على النت ALNajafi.ir ومن أراد فليراجع إليها. وأخذت كلّها من بحوث الفقيه المدقّق آيةالله العظمى السيّد محمّد الروحاني(1) (قدس سره) ومرجع الطائفة آيةالله العظمى السيّد أبوالقاسم الخوئي(2) (قدس سره) وأستاذنا المحقّق آيةالله العظمى الشيخ حسين الوحيد الخراساني(3) (دام ظله) مع تصحيحات، تحقيقات، إضافات وحذف ولهم الفضل.
والحمدلله أوّلاً وآخراً
ذكرى يوم ولادة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء(علیها السلام)
20 جمادي الأخرى 1444
اصفهان - هادي النجفي
ص: 6
ذكر الشيخ(1) (قدس سره) أن اطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنياً على سلامة العين من العيب وإنما ترك اشتراطه طريحاً اعتماداً على أصالة السلامة، وإلا لم يصح العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة وهي صحتها التي هي من أهم ما يتعلق به الاغراض.
ويدل على ذلك وقوع الاتفاق على لزوم ذكر الصفات التي يختلف باختلافها الثمن في بيع العين الغائبة ولم يصرحوا بلزوم ذكر وصف الصحة، فليس ذلك إلّا إعتماداً على أصالة السلامة المثبت للصحة. نظير الاعتماد على إخبار البائع بالوزن ونحو ذلك.
وأيّد ما ذكره بكلام للعلّامة(2) (رحمة الله) ، ثمّ ذكر دعوى أن بناء العقد على السلامة من جهة انصراف المطلق إلى الفرد الصحيح، وأورد عليها بوجوه:
الأوّل: منع الانصراف ولذا لا يلتزم به في الأيمان والنذور.
الثاني: عدم تصور الاطلاق والسعة فيما إذا كان المبيع شخصياً وجزئياً حقيقياً، كما فيما نحن فيه، فلا معنى للانصراف إلى الفرد الصحيح.
ص: 7
الثالث: أن مقتضاه عدم وقوع العقد رأساً على المعيب، فلا معنى للخيار حينئذٍ.
وهذه الإيرادات لا ترد على ما التزم من أن مقتضى الاطلاق بناء العقد على السلامة من جهة الاعتماد على الأصل في ثبوت الصحة فلا حاجة الى ذكرها، [اما] من جهة الانصراف الى الفرد الصحيح [ترد]، فلاحظ.
ثم ذكر بعد ذلك، أنه لو إشترط الصحة في متن العقد يفيد التأكيد لأنه تصريح بما ينزل عليه الاطلاق. فلا يحصل بواسطة هذا الإشتراط خيار آخر غير خيار العيب.
وأيّد ذلك برواية يونس(1) في رجل إشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال (علیه السلام) : «يرد عليه فضل القيمة».
فان إقتصاره في الحكم على أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد دال على كون الخيار خيار العيب. ولو كان هناك خيار تخلف الشرط لم يسقط الرد بالتصرف.
هذا خلاصة ما أفاده (قدس سره) في مقدمة البحث. وقد عرفت أنه بيّن جهات ثلاث:
الأولى: إقتضاء الاطلاق بناء العقد على السلامة إستناداً إلى أصالة السلامة.
الثانية: عدم إستناد ذلك الى إنصراف المطلق الى الفرد الصحيح.
الثالثة: عدم تعدد الخيار باشتراط الصحة في متن العقد.
وترد حول ما أفاده (قدس سره) تساؤلات:
1- منها: أنه ما المقصود من بيان هذا المطلب بجهاته، هل هو تحديد موضوع خيار العيب أو شيء آخر؟ وهذا السؤال لم أعثر على من أثاره وتصدى لحلّه، بل كل من الاعلام تعرض الى حل جهة من جهات كلام الشيخ (قدس سره) واغفلوا هذه الجهة.
2- ومنها: أن أصالة السلامة لا تزيد على العلم بالسلامة وهو لا يلازم بناء
ص: 8
العقد عليها، إذ قد يعلم المشتري بسلامة العين ولا يبني العقد عليها، بل يشتريها غير مهتم بذلك.
3- ومنها: أنه يلتزم بأن ذكر الوصف لا يستلزم بطلان البيع عند التخلف بل غاية ما يقتضى ثبوت الخيار. ولا يخفى أن انصراف المطلق الى الفرد الصحيح لا يزيد على التصريح بالوصف، فكيف التزم (قدس سره) بأن تخلف وصف الصحة يستلزم بطلان المعاملة على تقدير دعوى الانصراف؟
4- ومنها: أن خيار العيب إذا لم يكن بملاك الاشتراط، فلماذا لا يستلزم الاشتراط خياراً آخر غير خيار العيب وما المانع من اجتماع الخيارين لسببين؟
وتحقيق الكلام فيما أفاده الشيخ (قدس سره) بنحو تنحل جميع هذه المشاكل: بأن المفروض في كلام الشيخ (قدس سره) وقوع العقد مبنياً على السلامة وصحة المبيع، ووقوع العقد مبنياً على شيء لا يرجع الى التقييد به أو الاشتراط، فان التقييد يرجع لا الى تقييد المبيع وأخذ الشيء في المبيع، وأما بناء العقد على شيء فهو يرجع الى إيقاع العقد بلحاظ وجود الشيء فهو نظير دواعي العقد، فالعقد بمجموعه وبجهاته يقع مبنياً على ثبوت الشيء، كما يقال كان يجيئني مبنياً على اعتقاد مجيء زيد من مكة، أو اشتريت هذا الأكل مبنياً على اعتقاد مجيء الضيف.
فمراد الشيخ (قدس سره) أن العقد يقع مبنياً على السلامة فليست السلامة مأخوذة قيداً في المبيع أو شرطاً في المبيع، بل بلحاظ المفروغية عن سلامة المبيع يوقع الشخص العقد ويحقّقه، وتخلفها لا يرجع الى تخلف الشرط أو الوصف بل الى تخلف الداعي.
فإذا ثبت الخيار عند ظهور العيب، فهو لا يثبت على مقتضى القاعدة بلحاظ تخلف الشرط لعدم الشرط بل يثبت بدليل خاص، نظير ما تقدم في خيار الرؤية من أن
ص: 9
مورد الخيار الذي تتكفله الرواية(1) ما لا يكون الخيار فيه على طبق القاعدة.
ومن هنا ينحل السؤال الأول ويظهر أن نظر الشيخ (قدس سره) في تحقيق هذا الأمر هو بیان موضوع خيار العيب وتحديد مورده.
أما أنه كيف يقع العقد مبنياً على السلامة؟ فقد ذكر الشيخ (قدس سره) أنه لاجل الاعتماد على أصالة السلامة، لأن الأصل في الأشياء هو السلامة والصحة فهو يقوم مقام إخبار البائع أو الرؤية السابقة.
وإستشهد على هذا المعنى أنه لولا ذلك لما صح العقد لأجل الجهل بالوصف الذي يختلف الأغراض باختلافه. وهم قد اتفقوا على لزوم ذكر الأوصاف التي يختلف الثمن باختلافها للزوم الغرر بترك ذكرها، ولم يذكروا لزوم اشتراط الصحة مع أنها مِنْ أهم الأوصاف المتعلقة للغرض [ممّا] يكشف عن اعتمادهم على أصالة السلامة.
ومن هنا يظهر الوجه في اقتضاء اطلاق العقد بناؤه على السلامة، فإنه بعد المفروغية عن أن المتعارف عند العقلاء هو ملاحظة السليم والصحيح، دون الاعم من السليم والفاسد، يكون مقتضى الاطلاق بملاحظة الأمارة العرفية أعني أصالة السلامة وعدم ذكر ما ينافيه، كالتبري من العيوب مثلاً، هو إرادة السليم إعتماداً على هذا الكاشف النوعي العرفي. وبهذا ينحل السؤال الثاني.
ويظهر أن بناء العقد على السلامة ليس لأجل أصالة السلامة فقط كي يقال أن الأصل لا يزيد على العلم بالسلامة، بل لأجل الأصل بملاحظة نظر العقلاء نوعاً وأنهم يريدون السليم مع عدم نصب قرينة على الأعم.
فمراد الشيخ (قدس سره) هو كفاية الاطلاق في بناء العقد على السلامة بلا حاجة الى
ص: 10
ذكر الوصف.
ولا يخفى أن ما ذكرناه في بيان مراد الشيخ (قدس سره) من بناء العقد على السلامة بلحاظ الأصل يختلف عن الالتزام بذلك بلحاظ إنصراف المطلق الى الفرد الصحيح، لان مرجع دعوى الانصراف الى تقيّد متعلق المعاملة بالصحة، وهذا لايريد الشيخ أن يقوله بل يريد أن يلتزم بأن العقد يقع مبنياً على وصف الصحة وقد عرفت أنه لا يرجع الى تقييد المبيع، فهو يريد من الاطلاق اطلاق العقد - كما عبّر - لا اطلاق المبيع.
وأما عدم تعدد الخيار بذكر وصف الصحة بعنوان الاشتراط، فالوجه فيه: أن رجوع الاشتراط الى خيار الشرط ليثبت الخيار عند التخلف إنما هو بملاحظة الارتكاز العرفي والسيرة العقلائية في باب المعاملات.
فإذا ثبت أن الارتكاز العرفي في وصف الصحة ليس على ذلك بل على بناء العقد عليه من دون أخذه شرطاً في المبيع بنحو يثبت الخيار عند تخلفه.
لم ينفع اشتراط وصف الصحة في إثبات خيار تخلف الشرط، لأن الارتكاز فيه على غير ذلك، فيحمل الاشتراط على بناء العقد عليه كما هو المرتكز عرفاً، ولذلك يكون تأكيداً لمقتضى الاطلاق وتصريحاً به. وبذلك ينحل السؤال الرابع.
وأما رواية يونس، فهي قد استشكل في دلالتها من وجوه عديدة...
كعدم ثبوت كون عدم العذرية عيباً.
وعدم ثبوت تحقّق التصرف قبل ظهور العيب.
وعدم ثبوت عدم سقوط خيار تخلف الشرط بالتصرف.
وإحتمال(1) أن تكون هذه الرواية كبعض النصوص المقتصر فيها على أحد طرفي التخيير من الرد أو الأرش، فلا ظهور فيها في سقوط الرد.
ص: 11
ولعله لأجل بعض ذلك جعلها الشيخ (قدس سره) مؤيداً لا دليلاً، فالتفت.
وأما السؤال الثالث وهو سؤال الفرق بين صورة انصراف المطلق الى المقيد وصورة التصريح بالتقييد، حيث التزم في الأولى ببطلان المعاملة عند تخلف الوصف وفي الثانية حكم بثبوت الخيار.
فالجواب عنه: أن مقتضى الانصراف الى المقيد هو وقوع المعاملة على الحصة الخاصة أعني الذات لكن لا مطلقاً بل الذات الخاصة، لأن الانصراف مرجعه الى ارادة الحصة الخاصة من المطلق، فالذي تقع عليه المعاملة هو نفس الذات بلا أخذ عنوان الوصف في المعاملة، بل الملحوظ جهة التقيّد بالوصف ليس إلّا، ومقتضى ذلك بطلان العقد عند التخلف، لتخلف الذات الخاصة التي وقعت عليها المعاملة.
وهذا بخلاف صورة ذكر الوصف، فان لدينا دالين أحدهما يدل على الذات والآخر يدل على الوصف، فيمكن أن يلتزم بأن الدال الآخر يرجع الى تقييد الالتزام البيعي بالوصف لا التمليك والتملك وإن كان الظهور الأولى هو رجوعه الى نفس مضمون المعاملة لكن الارتكاز العرفي ينافيه كما تقدم بيانه. ولا يتأتى هذا البيان في الانصراف كما عرفت، فانتبه.
وبهذا البيان لكلام الشيخ (قدس سره) بجهاته ينكشف عنه الغموض ويتضح فيه نظره.
يبقى شيء واحد وهو ما أفاده من أن السلامة مقتضى الأصل.
وتحقيق ذلك: أن ثبوت السلامة...
تارة: بلحاظ جريان الإستصحاب في كثير من الموارد المسبوقة بالسلامة.
وأخرى: بلحاظ الغالب في الأشياء هو السلامة.
وثالثة: بلحاظ أن تعريض العاقلُ السلعةَ للبيع مع بناء المعاملات على السلامة يرجح كونها سليمة غير معيبة.
ومن مجموع هذه الوجوه يحصل الاطمئنان بالسلامة غالباً، فيصح البيع مبنياً
ص: 12
عليه لارتفاع الجهل بعد حصول الاطمئنان الذي هو حجة لدى العقلاء والشرع، فتدبر.
وإذا ظهر لك ما أوضحناه فيقع الكلام في مسائل:
ص: 13
وقد ذهب الشيخ(1) (قدس سره) الى إستلزامه تسلط المشتري على الرد وأخذ الأرش بلا خلاف، وذكر أن ثبوت الرد تدل عليه الأخبار المستفيضة.
وأما الأرش، فليس في الأخبار ما يدل على التخيير بينه وبين الرد(2)، بل ما دل من الأخبار على ثبوته إنما دل عليه في صورة التصرف المانع من الرد، وهو كما يحتمل أن يكون من جهة تعين أحد طرفي التخيير بتعذر الآخر يمكن ان يكون مجعولاً في طول الرد وعند امتناعه لأجل تدارك الضرر الوارد على المشتري.
ثم إنه أشار [الشيخ الأعظم] الى إمكان دعوى إستفادة هذا الحكم - أعني التخيير بين الرد والأرش - من وجوه ثلاثة [ثمّ إنّ هاهنا وجهان آخران نتعرض إليهما تحت عنوان الرابع والخامس]:
الوجه الأول: ماورد في الفقه الرضوي(3) من أنه: فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري، فالخيار إليه إن شاء رَدَّ وإن شاء أخذه ورُدّ عليه بالقيمة أرش
ص: 14
العيب...
ولكن ظاهره - كما عن الحدائق(1) - هو التخيير بين الرد والأخذ بتمام الثمن والأخذ بالأرش فأطراف التخيير ثلاثة. واحتمل الشيخ(2) زيادة الهمزة في لفظة: «أو» فتكون الواو عاطفة، فتدل على التخيير بين طرفين الذي هو المطلوب.
ودعوى: أن جواز الأخذ بتمام الثمن ثابت بلا إشكال فكون أطراف التخيير ثلاثة لا ينافي المجمع عليه كي يحتاج إلى ايقاع احتمال زيادة الهمزة.
تندفع: بأن الأمر وإن كان كذلك، لكن رواية الفقه الرضوي ضعيفة السند فيحتاج في إنجبارها الى عمل الأصحاب بها، وإذا فرض كون نص الرواية مشتملاً على «أو»، لا الواو، لا يثبت كون فتوى الأصحاب مستندة إليها، لإختلاف نص الرواية عن نص الفتوى، وإن كان حكم الرواية متفقاً مع فتوى المشهور، فالتفت.
وكيف كان، فلا يمكن الاعتماد في الحكم بالتخيير بين الرد والأرش على هذه الرواية، لعدم ثبوت كون الفقه الرضوي من باب الرواية، كي يقع البحث بعد ذلك في صغرى وكبرى إنجبارها بعمل المشهور، فتدبر.
الوجه الثاني: إستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار، ولم يبين الشيخ (قدس سره) وجهه بل حكم بأنه «صعب جداً»(3)
وقد تصدى غيره الى بيان كيفية إستنباط ذلك من الأخبار ومناقشته.
وقد قيل في ذلك وجوهاً عديدة ذكرها المحقّق الاصفهاني(4) (رحمة الله) أربعة:
الأول: ما ذكره السيّد الطباطبائي (رحمة الله) في حاشيته(5) من أن التخيير بين الرد
ص: 15
والأرش هو مقتضى النصوص الدالة على ثبوت الرد، لأنها بإطلاقها تدل على ثبوت رد البيع أعم من رده بتمام الثمن أو ردّه في الجملة في بعض الثمن، لأن ردّ بعض الثمن مخالف لمقتضى البيع فهو ردّ له.
ويرد(1) عليه أن هذا إنما يتم على أحد تقديرين:
أحدهما: الالتزام بأن الأوصاف تقابل بالثمن بحيث يكون جزء منه بإزاء الوصف، فإذا تخلف كان للمشتري أن يأخذ من الثمن ما قابل المتخلَّف.
ولكن قد أشرنا سابقاً الى عدم صحة هذا الالتزام، وأن الوصف لا يقابل بالثمن وإن أوجب زيادة الثمن المبذول بإزاء العين مضافاً الى أن مقتضاه الرجوع بجزء من الثمن المبذول بازاء العين، والحكم بالأرش المفروض لا يرجع الى ذلك بل هو بذل التفاوت وإن كان من غير عين الثمن.
والآخر: الالتزام بأن مقتضى البيع عدم الأرش بحيث يكون ثبوت الأرش منافياً لمقتضاه، فيكون أخذه رداً للبيع بهذا اللحاظ.
ولكن هذا الالتزام غير صحيح، إذ البيع من جهة الأرش لا إقتضاء، وليس مقتضياً لعدمه، إذ الأرش يثبت بملاحظة بعض الجهات، كتدارك الخسارة ونحوها، وهذا أجنبي عن مقتضى البيع من إستحقاق تمام الثمن، فالتفت.
الثاني: أن الملاك في ثبوت الأرش هو تدارك الفائت، ومن الواضح أن هذا الملاك موجود في كلتا الحالتين أعني حالة إمكان الرد وحالة عدم إمكانه.
وما يتوهم كونه موجباً لإختصاصه بحالة عدم إمكان الرد هو رعاية حال البائع عند إمكان الرد، فيكون مانعاً من تأثير المقتضي في مقتضاه.
وهذا لا يصلح للمانعية، إذ لو ثبت أنه مانع لزم أن يتقيد أخذ الأرش بما إذا لم
ص: 16
يرض البائع بالرد، مع أنه ثابت بقول مطلق.(1) فيظهر منه أنه(2) غير مانع فيثبت الأرش في كلتا الحالتين عملاً بالمقتضي.
وناقشه المحقّق الاصفهاني (رحمة الله) (3): بأنه لا دليل على انحصار ما يتوهم كونه مانعاً من التعميم في رعاية حال البائع كي يثبت التعميم بمنع مانعيته، بل يمكن أن تكون هناك جهة أخرى مانعة من التعميم ولا دليل على أن التدارك تمام العلة كي يدور الحكم مداره، بل ظاهر الدليل خلافه وأنَّ تمامية العلّة تدور مدار عدم إمكان الرد.
وبالجملة، هذا الوجه مما لا دليل عليه بحيث يستلزم صَرْفُ الأدلة عن ظواهرها.
الثالث: أن تقييد ثبوت الأرش بعدم إمكان الرد وارد مورد الغالب لغلبة التصرف في المعيب المانع من الرد، وقد ثبت أن القيد الوارد مورد الغالب لا ظهور له في التقييد.
وفيه: ما أفاده المحقّق الاصفهاني(4) (رحمة الله) من أن عدم ظهور القيد الوارد مورد الغالب في التقييد لا ينفع في إثبات التعميم لحالتي إمكان الرد وعدمه، إذ غايته نفي المقتضي للتخصيص. ويتوقف التعميم على ثبوت مقتضيه من اطلاق ونحوه، وهو غير ثابت فيما نحن فيه.
وبالجملة، إنما ينفع ورود القيد مورد الغالب في عدم التقييد لو كان هناك إطلاق يدل على ثبوت الحكم في الصورتين، كي يدفع مانعه المتوهم وهو الدليل المقيد بذلك، فلاحظ.
ص: 17
الرابع: أن سقوط الرد بالتصرف وثبوت الأرش به إنما هو لأجل دلالته على الرضا بالعقد ولا موضوعية للتصرف بما هو تصرف.
وهذه الجهة موجودة في مطلق موارد المطالبة بالأرش ولو لم يكن تصرف، لأنها دالة على الالتزام بالعقد المانع من الرد فلا حاجة الى التصرف.
وناقشه المحقّق الاصفهاني(1) (رحمة الله) بأن سقوط الرد بالتصرف وإن كان بملاك دلالته على الرضا، لكن لم يثبت أن موضوعيته لثبوت الأرش بهذا الملاك أيضاً كي يقال بأنه متحقّق بمجرد المطالبة بالأرش قبل التصرف.
ونضيف إليه وجهاً آخر: وهو أن الرضا المنكشف بالتصرف غير الرضا المنكشف بالمطالبة بالأرش، فإن الرضا المنكشف بالتصرف فعلي بخلاف المنكشف بمجرد المطالبة بالأرش فإنه تقديري، بمعنى أنه يرضى بالعقد على تقدير إعطائه الأرش وإلا فهو يردّه، فهو نظير ما لو قال: «أعطني الأرش وإلا رددت عليك العين» فلاحظ تعرف، فتأمل.(2)
وبالجملة، فهذه الوجوه غير ناهضة لاثبات التخيير، ولذلك ذكر الشيخ (قدس سره) أنه «تكلف»(3) و «صعب جداً»(4)
الوجه الثالث: الالتزام بالتخيير بين الرد والأرش بحسب القاعدة ومع قطع النظر عن الأخبار، بدعوى أن التخيير هو مقتضى القاعدة، ببيان أن الصحة وإن كانت
ص: 18
وصفاً لكنها تقابل بالمال، كالجزء، فيكون بعض الثمن بازائها، فيكون تخلفها موجباً لاستحقاق بعض الثمن.
كما أنه يوجب جواز الرد لأجل تبعض الصفقة، فيكون الرد على طبق القاعدة أيضاً، أو لأجل الأخبار والاجماع، فيثبت المذهب المشهور بضميمة القاعدة الى الدليل الخاص.
وذكر الشيخ (قدس سره) أن هذه الدعوى أصعب من سابقتها، وناقشها بأمرين:
الأمر الأول: أن الوصف لا يكون كالجزء بحيث يقابل بالمال ويكون له قسط من الثمن، بل هو مما يوجب زيادة ثمن الموصوف فيختلف الثمن بإختلافه. وقد تقدمت الإشارة الى ذلك ويدل على ذلك وجوه:
أحدها: الارتكاز العرفي، فقد عرفت رجوع التوصيف الى تقييد الالتزام البيعي بالوصف بحيث يكون تخلفه موجباً للخيار كالشرط، ولا يكون راجعاً الى جزء المبيع، وهكذا البناء الشرعي فانه موافق للارتكاز العرفي.
وهذا الوجه أشار إليه الشيخ (قدس سره) بقوله: «وفيه منع المنزلة عرفاً ولا شرعاً».
ومن الغريب أن المحقّق الاصفهاني(1) (رحمة الله) نسبه الى استاذه صاحب الكفاية(2) (رحمة الله) ونسب الوجه الثاني الى الشيخ (قدس سره) .
ثانيها: ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أن مقتضى التقسيط هو الرجوع ببعض الثمن لبطلان البيع به، مع أن الثابت في باب الأرش ليس إلا جواز المطالبة بالتفاوت، ولا يستحق المطالبة بعين ما قابله من الثمن.
وثالثها: ما ذكره صاحب الجواهر(3) (رحمة الله) من ان الأرش ثابت بعنوان الحق ولذا
ص: 19
كان قابلاً للإسقاط فيسقط به ولا يقبل الرجوع بعد ذلك، مع أن مقتضى التقسيط عدم ثبوت الحق اذ العين لا تقبل الاسقاط، فلابدّ أن ترجع عدم المطالبة به الى هبته وهي قابلة للرجوع بها.
وبالجملة، الوجهان الأخيران يرجعان الى بيان أن الملتزم به في باب الأرش يختلف بآثاره عن آثار الالتزام بالتقسيط فيكشف عن عدم التقسيط.
الأمر الثاني: منع ثبوت التقسيط في المقيس عليه أعني الجزء إذا أخذ بنحو الشرطية، فإن الجزء إذا أخذ وجوده في المبيع الشخصي بنحو الشرطية وبلسان الشرط إثباتاً لا يكون جزء من الثمن مبذولاً بازائه، كما بيع الأرض على أنها جريبان معينة. وما نحن فيه من هذا القبيل.
وقد أورد(1) على الشيخ (قدس سره) بان المدار ليس على كيفية أخذ الجزء والوصف في المبيع، بل المدار على نفس الجزئية، فيكون الجزء مقابلاً بالمال وببعض الثمن ولو أخذ وجوده بنحو الشرطية، فاذا تخلف بطل البيع في بعض الثمن، كما ان الوصف لا يقابل بالمال ولو أخذ في المبيع على وجه الجزئية، اذ المدار على العرف وهو يحكم بذلك. ومنه يظهر انه في بيع الأرض على أنها جريبان معينة اذا خرجت أقل يبطل البيع بما يقابل الناقص.
أقول: ان ماذكر [في الايراد] من كون الجزء بعض المبيع بأي لسان أخذ انما يتم في بيع الكلي، لتقوم المبيع بالجزء بل بالوصف ولذا يبطل مع تخلفه.
وأما في بيع الشخصي، فليس الامر كذلك بقول مطلق، اذ هناك من المبيعان الشخصية:
[1] يتعلق بها العقد مع قطع النظر عن مقدارها من عدد أو وزن أو مساحة،
ص: 20
كبيع صندوق البرتقال بما له من عدد، أو بيع الصبرة من الحنطة بما لها من وزن، أو بيع هذه الدار بما لها من المساحة، فان البناء العرفي في مثل هذه المعاملات على عدم ملاحظة خصوصيات المقدار.
وعليه، فلا يمتنع اعتبار المقدار الخاص بنحو الشرطية بان يكون المبذول بازائه المال هو ذات هذا الموجود الشخصي ولكن بشرط ان يكون بالمقدار الخاص من العدد، نظير اشتراط فعل خارجي عن نفس المبيع.
[2] بل في المبيعات الشخصية التي يكون المتعارف فيها ملاحظة المقدار الخاص فيها، كالسجّاد بحيث تباع القطعة منه على حساب ان قيمة المتر الواحد كذا، قد يتعلق الغرض الشخصي بها مع الغاء جهة المقدار الخاص، كما اذا رأى قطعة من السجّاد تلائم ارض غرفته فإشتراها بلا ملاحظة مقدار مساحتها. ففي مثل هذا لو اشترط ان تكون بالمقدار الخاص لا يمتنع ان يكون المبذول بازائه المال هو ذات القطعة ويكون المقدار الخاص مأخوذاً بنحو الشرطية نظير سائر الشروط.
واذا ظهر لك ذلك تعرف تمامية كلام الشيخ (قدس سره) ، فانه اذا فرض تصور خروج الجزء عن حيز المبيع بحسب الغرض المتعارف أو الشخصي، بحيث لا يبذل المال بازائه، كان طريق تشخيص ذلك مقام الاثبات، فاذا أخذ الجزء بلسان الشرطية كان ظاهراً في خروجه عن حيز المبيع فلايكون مقابلاً بالمال. فالتفت ولا تغفل.
[الوجه الرابع]: ثم إنه قد يستدل(1) على التخيير بين الأرش والردّ بقاعدة نفي الضرر، لان اللزوم بلا أرش ضرري.
وفيه: أولاً: انه بعد جعل حق الردّ شرعاً يرتفع الضرر لارتفاع اللزوم، فلا حكم ضرري، كما انه لا موضوع ضرري كي يرتفع حكمه.
ص: 21
وثانياً: ما عرفت من ان نفي الضرر لا يثبت الحق وانما ينفي اللزوم لا غير، فهو يثبت الجواز الحكمي لا الحقي.
وثالثاً: ان اللزوم قد لا يكون ضررياً كما اذا كان قد اشترى المعيب بأقل من ثمنه السوقي، فلا يكون اللزوم موجباً للضرر في هذه الحال.
ورابعاً: بأنّ حديث نفي الضرر انما يتكفل نفي الحكم الضرري أو نفي الحكم عن الموضوع الضرري، ومثل هذا لاربط له باثبات الأرش، بل غاية ما يتكفل نفي اللزوم. نعم لو اريد نفي الضرر غير المتدارك الراجع إلى اثبات التدارك كان لما ذكر وجه، لكن تحقّق في محله فساد هذا الاحتمال.
[الوجه الخامس]: ثم ان السيد الطباطبائي(1) (رحمة الله) تعرض إلى بيان استفادة التخيير بانه مقتضى الجمع بين الاخبار. وما ذكره لا يخلو عن مناقشة ولذا لم يرتضه(2) (رحمة الله) فراجعه تعرف.
والمتحصل: ان الوجوه المذكورة لإثبات التخيير بين الأرش والردّ لا ينهض جميعها لإثبات ذلك، فالعمدة حينئذٍ هو الاجماع فان تم فهو والا فلا دليل على التخيير. وبملاحظة الوجوه المتقدمه لا يحصل لنا الجزم بان هذا الاجماع تعبدي، بل من المحتمل استناد المجمعين إلى بعض هذه الوجوه، ولم يطلعوا على نص خاص دال على المطلوب خفي علينا أو سمعوا من المعصوم (علیه السلام) ذلك. فلاحظ.(3)
ص: 22
ولكن يمكن ان يستدل للتخيير:
[الوجه السادس]: ولكن يمكن أن يقال بالأرش، ولو مع تمكّن ردّ العين وكون الشخص مخيّراً بين الردّ والأرش مطلقاً بالبيان الّذي يقتضي الذوق الفقاهتي، وإن لم يكن أمراً برهانيّاً وهو أن يقال بأنّ الشارع حيث يرى أنّ الناس بحسب النوع مائلون بردّ المعاملة مع الإمكان، ثمّ الأرش مع عدم الإمكان، بين ما هو متعارف بينهم، لا أن يكون في حكمه أيضاً الترتيب بين الخيار والأرش، بل لا يكون إلّا في مقام بيان الخيار والأرش لا في مقام بيان الترتيب بينهما.
غاية الأمر ما ورد في بعض الروايات ما ظاهره الترتيب، هو بحسب ما يعمل الناس نوعاً، لا أن يكون الميزان عند الشارع هو الترتيب.
والشاهد على عدم الترتيب هو الرواية الواردة الحاكمة فيها بالأرش مطلقاً.
وظاهره التخيير مطلقاً بين الأرش والردّ حتي مع التمكّن من الرد.(1)
[الوجه السابع]: والذي ينبغي أن يقال: هو أنّه هل يختصّ ثبوت حقّ الأرش بما اذا كان التصرّف المسقط قبل ظهور العيب أو كان بعد ظهور العيب ولكن كان عن غير اختيار، فإذا فرضنا أنّه علم بالعيب قبل التصرّف ثمّ تصرّف في العين بالتصرّف المسقط للردّ اختياراً يسقط الردّ والأرش معاً وليس له حقّ الردّ ولا حقّ أخذ الأرش، أو لا يختصّ ثبوت حقّ الأرش بذلك بل يعمّ هذه الصورة أيضاً؟
من الواضح أنّه لا يمكن الالتزام بالأوّل ولا يلتزم به أحد، فالحقّ هو الثاني، ولازم ذلك هو ثبوت حقّ الأرش قبل التصرّف أيضاً، إذ يعلم قطعاً - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - أنّه لا يكون للتصرّف الاختياري دخلٌ في ثبوت حقّ الأرش. مثلاً لو ظهر العيب في المبيع قبل حصول التصرّف وتحقّقه وأراد المشتري أن يأخذ الأرش
ص: 23
فيقول له البائع ما اُسلّم لك الأرش وليس لك حقّ ذلك وإذا أردت ذلك لابدّ لك من أن تتصرّف في المبيع ثمّ تطالبني بالأرش إذ ثبوت حقّ المطالبة لك مشروط بأن تتصرّف فيه ولو اختياراً، فإنّه يعدّ هذا الكلام من البائع لغواً عند أهل العرف والعقلاء.
وبالجملة، لو لم يكن الأرش ثابتاً فيما اذا ظهر العيب وتصرّف بعده تصرّفاً اختياريّاً لكان للقول بعدم التخيير بين الردّ والأرش من أوّل الأمر وجهٌ، ولكن لا يلتزمون بذلك بل يلتزمون بثبوته، ومع ذلك لا وجه للقول بالاختصاص، إذ لازمه أن يكون ثبوت حقّ الأرش مشروطاً بفعله الاختياري، وهو مناف لمناسبة الحكم والموضوع.
ولا يخفى أنّ ثبوت الأرش في فرض تحقّق التصرّف الاختياري بعد ظهور العيب هو مقتضى إطلاق بعض أدلّة الأرش، وأظهرها في ذلك هو الرواية المرويّة عن عليّ أميرالمؤمنين(1) (علیه السلام) ، وبعد ثبوته فالتخيير ثابت لا محالة بالبيان الذي قدّمناه.(2)
مضافاً إلى «أنّ قيام الشهرة المحقّقة من زمن الصدوق والمفيد(3) قدس سرهما إلى الأعصار المتأخّرة، وكون المتون الفقهيّة مشحونة بالفتوىٰ بالتخيير(4)، مع كون الحكم مخالفاً للقواعد والأخبار المتظافرة، يوجب رفض القاعدة، وترك الأخذ بظاهر الأخبار؛ فإنّ الشهرة في مثل ذلك معتبرة، والأخذ بها بيّن رشده، وليس علىٰ حجّية
ص: 24
خبر الواحد دليل إلّا بناء العقلاء(1)، كما يظهر بالرجوع إلى الباب الذي ذكرت فيه الأخبار الموهمة لذلك(2)، ولا بناء لهم على العمل بأخبار نقلها الناقلون، وخالفوها عملاً، وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه»(3)
والحاصل الحكم بالتخيير متعين عندي والله العالم.
ويقع الكلام بعد ذلك في جهتين:
الجهة الاولى: في أن ظهور العيب هل هو كاشف عن الخيار أو مثبت له، وبتعبير آخر أنّ سبب الخيار نفس العيب بوجوده الواقعي أو ظهوره؟(4) ومنشأ الشبهة هو تعليق الحكم في الاخبار على ظهور العيب ووجدانه وتبيّنه وتعارف التعبير في لسان الفقهاء بثبوت الخيار عند ظهور العيب.
وتحقيق الكلام: ان ثبوت الخيار ان كان من جهة قاعدة نفي الضرر أو الشرط الضمني، فلا اشكال في كونه ثابتاً بنفس العيب لا منوطاً بظهوره.
وان كان من جهة الأخبار، فقد عرفت تضمنها تعليق الحكم على وجدان العيب وتبيّنه.
ولكن ثبت في محله وتكرر بيانه مراراً أنّ هذه العناوين بنظر العرف ملحوظة بنحو الطريقية إلى متعلقاتها، فالحكم منوط بنفس المتعلق، نظير تبين العجز في باب الصوم، بل نفس السائل حين يسأل عن ثبوت الخيار عند ظهور العيب يلحظ الظهور طريقاً لنفس العيب.
وعليه، فيكون الخيار منوطاً بنفس العيب ويكون الظهور كاشفاً. هذا مجمل
ص: 25
تحقيق الكلام في هذه الجهة.
وقد قرَّب الشيخ(1) (قدس سره) اناطة الخيار بنفس العيب بوجوه:
الاول: التسالم نصاً(2) وفتوى(3) على جواز التبري من العيوب وإسقاط خيار العيب في متن العقد بضميمة أنّ الخيار لا يمكن إسقاطه قبل تحقّق مقتضيه. فيكشف عن أنّ العيب هو سبب الخيار لاظهوره.
وفيه: انه يكفي في صحة الإسقاط تحقّق المقتضي ولو لم يحصل الشرط، واذا فرض دخالة ظهور العيب في ثبوت الخيار فلا ينافي ذلك جواز اسقاطه في متن العقد، لأنّ العقد مقتضٍ وظهور العيب شرط.
الثاني: أنّه لا معنى لثبوت الأرش بظهور العيب بل هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة.
وفيه: ان هذا وان تم لكن لا يقتضي ان يكون تمام العلة هو وجود العيب بل لعل وجوده بمنزلة المقتضي ووجدانه بمنزلة الشرط، فلا يثبت الحق إلّا عند ظهور العيب.
الثالث: إنّ ظاهر بعض اخبار المسألة كون السبب نفس العيب. وناقشه الشيخ(4) (قدس سره) بانها لا تدل على العلّيّة التامة فلعلَّ الظهور شرط.
ونوقش(5): بانه اذا كان ظاهر الاخبار ذلك، فلا مجال لإحتمال شرطية ظهور
ص: 26
العيب، لاندفاعها بظاهر النص.
ثم إنه (قدس سره) بعد ذلك ذكر(1): ان التحقيق ما تقدم في خيار الغبن من وجوب الرجوع في كل حكم إلى دليله. ومع عدم الدليل يرجع إلى القواعد. وقد تقدم البحث معه في ذلك في محله، فراجع.
وكيف كان، فقد عرفت تحقيق الكلام في هذه الجهة فلا نعيد.
الجهة الثانية: في عموم خيار العيب للثمن أو اختصاصه بالمثمن.
وذكر الشيخ(2) (قدس سره) ان الظاهر ان العموم مما لا خلاف فيه.
والتحقيق: انه ان قلنا بان الخيار من جهة نفي الضرر أو الشرط الضمني، فالالتزام بالعموم متعين.
وان قلنا به من جهة النص، فمورد النصوص هو المثمن ولا عموم لها يشمل الثمن. ووروده مورد الغالب لا ينفع الا في عدم ثبوت التقييد به لو كان هناك اطلاق يقتضي الشمول، والمفروض انه غير ثابت.
وبالجملة، الاشكال فيما نحن فيه من جهة قصور المقتضي اثباتاً لا من جهة المانع اثباتاً كى يقال انه وارد مورد الغالب.
إذن، فالعمدة هو الاجماع لو تمّ، والا فلا وجه للالتزام بالتعميم وان كان قريباً للنفس بل مما تطمئن به النفس(3) ولكن لا وجه(4) صناعي يدل عليه. فتدبر.
ص: 27
في ما يسقط به الردّ خاصة دون الأرش، وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) انه أمور:
الأمر الأول: التصريح بالتزام العقد واسقاط الردّ واختيار الأرش. وقد أقرّه على ذلك المحشون.
ولكن الذي يبدو لنا انه غير تام وانه لا معنى لسقوط الردّ خاصة دون الأرش، بل إما يسقطان معاً أو يثبتان معاً.
بيان ذلك: انه قد عرفت في أول مباحث الخيار أن حقيقة الخيار قد اختلف في تقومها بأمر عدمي خاصة أو تقومها بأمر عدمي وأمر وجودي، فهل هو حق فسخ العقد وحلّه خاصة - كما قرّبه الشيخ(2) (قدس سره) - أو انه حق فسخ العقد وحق ابرامه.
فعلى التقدير الاول يكون الثابت في مورد خيار العيب أحد أمرين من فسخ العقد واختيار الأرش.
وعلى التقدير الثاني يكون الثابت أحد أمور ثلاثة من فسخ العقد وابرامه واختيار الأرش.
ص: 28
وعليه، فنقول: انه بناء على ثبوت الأرش في عرض ثبوت الرد، وان الثابت من أول الأمر التخيير بينهما...
ان التزم بأنّ الثابت في مورد خيار العيب هو أمور ثلاثة باعتبار تقوم الخيار بحق الفسخ وحق الابرام، فعند الالتزام بالعقد يسقط الخيار لانه اعمال للخيار فلا يثبت له الأرش بعد ذلك لسقوط الحق باعماله في احد اطرافه.
وان التزم بأنّ الخيار عبارة عن حق الفسخ خاصة، فيكون الحق في مورد العيب متقوماً بأحد أمرين من الردّ والأرش، فقد تقدم ان الردّ قابل للاسقاط - باعتبار ان لكل ذي حق اسقاط حقه - ، لكنه هاهنا لا يقبل الاسقاط وحده لان الحق الثابت حق واحد يتردد طرفه بين أمرين، فنفي تعلقه بالرد وتعيين طرفه بالأرش يحتاج إلى دليل خاص. ومجرد مادل على ان لكل ذي حق اسقاط حقه لايجدي، اذ المفروض عدم اسقاط الحق فيما نحن فيه، بل نفي تعلقه بأحد طرفيه وتعيينه بالطرف الآخر. فلا دليل على سقوط الرد بالاسقاط خاصة فيما نحن فيه.
واما بناء على ان حق الأرش يثبت بعد امتناع الردّ وفي طوله، فالرد وان كان يسقط بالاسقاط لكن لا يثبت الأرش، اذ دليل ثبوت الأرش على تقدير امتناع الردّ انما يدل عليه اذا لم يكن امتناع الردّ بسبب المشتري نفسه واختياره، وأما اذا كان امتناعه باختياره واسقاطه، فدليل الأرش قاصر عن اثبات الأرش في تلك الحال. فلاحظ وتدبر.
وقد أشار المحقّق الايرواني(1) (رحمة الله) إلى بعض هذا الايراد، وكنا نتخيل انه لم يلتفت إليه أحد. وكيف كان فما أفاده الشيخ (قدس سره) من غير تام.
ولكنه يمكن ان يدافع عن الشيخ بأنّ الاشكال «مردود نقضاً وحلّا ً.
ص: 29
أما النقض، فبالواجب التخييري؛ فإن الوجوب فيه واحد، ومتعلّقه متعدّد، ولا إشكال في حال تعذّر أحد طرفي المتعلَّق لا يسقط الطرف الآخر، فلو تعذر في خصال الكفارة عتق الرقبة وإطعام ستين مسكيناً لم يسقط وجوب صيام شهرين متتابعين، ولا فرق بين ما نحن فيه وما في الواجب التخييري، إلّا أن ذلك حكم تكليفي بالتخيير، وهذا حكم وضعي بالتخيير.
وأما الحل، فنحو تعلّق الحق بمتعلّقه هو نحو تعلّق الوجوب بمتعلَّقه، وبيان ذلك:
إن الحق والحكم أمران اعتباريان من طرف الشارع، والاختلاف بين الحق والحكم في الوضع والتكليف.
وبعبارة أخرى: إن الوجوب حكم تكليفي، والحق حكم وضعي، وسواء أقلنا بمقالة المشهور، من أن حقيقة الحق هي السلطنة، أم بمقالة غيرهم، من أن الحق أمر اعتباري.
فعلى كلا التقديرين يشترك الحكم والحق في أصل الاعتبار المبرز، فقهراً يكون نحو التخيير في الحق هو نحو التخيير في متعلّق التكليف... .
والحاصل: أن خاصية الحق التخييري أن يقبل إسقاط السلطنة، أو الحق في أحد الأطراف من دون أن يلزم سقوط الحق من أصله.
ويؤكد ذلك الارتكاز العقلائي؛ فإن أحدهم لو اشترط أن يكون المتاع بالقيمة السوقية، وإلّا كان مخيّراً بين الفسخ وأخذ ما به التفاوت بين المالية الواقعية وبين ما سلّمه، فإن هذا الشرط شرعي، وتشمله أدلة الشروط؛ إذ لم يكن محلّلاً للحرام، ولا محرّماً للحلال، ولا مخالفاً للكتاب والسنة، فإذا حصل الشرط ثبت له حق التخيير بين الفسخ وبين أخذ ما به التفاوت، لو رضي بالعقد، وأسقط حقه في الفسخ، وأخذ ما به التفاوت، فلا إشكال في كونه مقبولاً عند العقلاء.
ص: 30
فالحق التخييري في المقام من قبيل هذا الشرط، فيمكن لصاحبه أن يرفع اليد عن أحد الطرفين، ويبقي الطرف الآخر، فإشكال المحقّق الإيرواني (رحمة الله) مندفع بالنظر إلى كيفية جعل الحق؛ فإن الحق التخييري على وزان الوجوب التخييري، وبالنظر العقلائي أيضاً، فما أفاده الشيخ (رحمة الله) في الأمر الأوّل تام، لا اشكال فيه»(1)
ثم ان الشيخ(2) (قدس سره) تعرض بعد ذلك لبيان أمرين:
أحدهما: انه لو اطلق الالتزام بالعقد - بحيث لم يصرّح بالتخصيص به - فالظاهر عدم سقوط الأرش.
والبحث في هذه الجهة بحث اثباتي يرجع إلى تشخيص ما هو الظاهر من قوله: مثلاً: «التزمت بالعقد» فهل ظاهر في الالتزام به والتنازل عمّا له من الشئون والتبعات والآثار فيظهر في اسقاطه الأرش أيضاً، أم انه ظاهر في خصوص عدم الردّ والالتزام بالعقد أما اسقاط الأرش فهو مسكوت عنه.
والذي استظهره الشيخ (قدس سره) هو الثاني مع احتمال الاول.
والحق مع الشيخ (قدس سره) اذ لا ظهور لقوله: «التزمت» في اكثر من البناء على عدم ردّ العقد، أما غير ذلك من الشئون فلا تعرض فيه لها.
وهذا الذي استظهرناه من عبارة الشيخ (قدس سره) من كون جهة البحث اثباتية، وافقنا فيه السيّد الطباطبائي(3) (رحمة الله) ولكن الذي يظهر من المحقّق الاصفهاني(4) (رحمة الله) جعل البحث ثبوتياً حيث قرّب ظهور الالتزام بالعقد باسقاط الأرش بان الرضا بالبيع بعد العلم بالعيب بعد العقد كالرضا به قبل العقد، فكما أنّ الثاني دافع لحقِّ الردّ والأرش
ص: 31
كذلك الأول رافع لهما.
وما أفاده (رحمة الله) من فرض الكلام ثبوتياً غير متين...
أما أولاً: فلعدم وجه للالحاق بالرضا قبل العقد.
[وأما ثانياً: الرضا والتصرف بعد العقد وبعد العلم بالعيب لا يوجب سقوط الرد والأرش معاً بل يوجب سقوط الرد فقط عندنا.]
وأما [ثالثاً]: فلان الكلام بنفسه يتأتى على تقدير «التصريح بالالتزام بالعقد خاصة»(1)، فلماذا لم يحرر هذا البحث فيه؟ فالصحيح كون المنظور مقام الاثبات وما يستفاد من الكلام كما عرفت.
ثانيهما: انه لو اسقط الخيار - بان قال أسقطتُ خيار العيب - فلا يبعد سقوطه الأرش لا خصوص الرد [أي يسقط الأرش والرد معاً].
وقد بنى المحشون سقوط الأرش وعدمه على كون خيار العيب يتقوم بالأمرين من الردّ والارش، أو أنّ حق الأرش طرف لحق الخيار، باعتبار ان الخيار هو حق الردّ لاغير، والأرش غرامة وتدارك للنقص الثابت فعلى الاول يسقط الأرش [والرد] بإسقاط الخيار وعلى الثاني يسقط الردّ خاصة.
أقول: لابدّ من ملاحظة حقيقة خيار العيب بنظر العرف والمتشرعة وما يقصدونه من هذا التعبير، اذ لم يرد التعبير بلفظ الخيار في نصوص خيار العيب، كما انه ليس الكلام فيما هو مصطلح الفقهاء في لفظ الخيار بل فيما هو المراد العرفي له لان البحث في تشخيص معنى اللفظ العرفي، فاذا كان لفظ الخيار - في باب العيب - يطلق عند المتشرعة على مجموع حق الردّ والأرش كان اسقاطه اسقاطاً لحق الأرش [والرد] ولو كان لفظ الخيار بحقيقته اللغوية أو الاصطلاحية موضوع لخصوص حق الرد.
ص: 32
والظاهر هو ذلك، فان خيار العيب يراد به عرفاً مجموع الحق الثابت بطرفيه فاذا أسقطه كان ظاهراً في اسقاط ما له من الحق المتعلق بالرد والأرش. فما أفاده الشيخ (قدس سره) قريب وليس ببعيد كما ذكر[ه الشيخ] (قدس سره) .
ويظهر ممّا مرّ عدم تمامية هذه المقالة: «ليس لخيار العيب حقيقة شرعية، ولا متشرعية، ولم يحصل فيه نقل عن مفهوم عرفي، بل للخيار في جميع الموارد حقيقة واحدة، وهي حق فسخ العقد وإبرامه، وخيار العيب أحد مصاديق هذا الكلي، وإنما امتاز عن سائر الخيارات بأن جعل الشارع - مضافاً إلى الخيار - حق أخذ الأرش، فإذا أسقط الخيار انصرف إلى السلطنة على حلّ العقد وإبرامه، وأما الأرش فيبقى»(1)
لما مرّ من وجود معنى عرفي للخيار على مجموع الحق الثابت بطرفيه من الرد والأرش فيتم مقالة الشيخ الأعظم (قدس سره) . والله العالم.
الأمر الثاني: - من مسقطات الردّ خاصة - التصرف في المعيب، ونسب [الشيخ](2) إلى السرائر(3) [والتذكرة(4) والمسالك(5)] دعوى الاجماع على أنّ التصرف يسقط الردّ بغير خلاف منهم. وعمدة الدليل على مسقطيته للرد - في الجملة - روايتان:
إحداهما: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام) : «أيما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار ولم يتبرّأ إليه ولم يبين له فاحدث فيه بعد ماقبضه شيئاً ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء فانه يمضى عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب
ص: 33
من ثمن ذلك لو لم يكن به»(1)
والأخرى: مرسلة جميل عن أحدهما علیهما السلام «في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً، فقال: ان كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن، وان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»(2)
ولا يخفى أنّ الاحتمالات بل الاقوال في مسقطية التصرف مختلفة بين الاطلاق والتقييد، كما أشار إلى ذلك الشيخ(3) (قدس سره) . فلاحظ.
فلابدّ في معرفة الحق من ملاحظة المستفاد من هذين النصّين أولاً، ثم النظر في سائر الجهات.
فنقول: قد يقال: ان ظاهر الصحيحة كون احداث المشتري الشيء في المبيع موجباً لسقوط الردّ. واحداث الحدث أعم مما يستلزم التغيير وما لا يستلزمه.
كما ان ظاهر المرسلة كون التغيّر موجباً لسقوط الردّ سواء كان بفعل المشتري أو أجنبي أو لا عن اختيار. فيكون بينهما عموم من وجه لتصادقهما في احداث الحدث المغيّر للعين، وتفارق الصحيحةُ المرسلةَ في احداث المشتري ما لا يستلزم التغيير. كما تفارق المرسلةُ الصحيحةَ في التغيّر الحاصل بفعل أجنبي أو آفة سماويّة مثلاً.
ولا يخفى ان تعميم احداث الشيء للحدث المستلزم للتغيير وغير المستلزم للتغيير الذي هو السبب في تشكيل نسبة العموم من وجه بين الروايتين يبتني على دعوى كون المراد من احداث الشيء في الصحيح عين المراد من احداث الحدث في صحيحة ابن رئاب(4) الواردة في خيار الحيوان، لتفسير الحدث فيها بما يعم ما لا يستلزم
ص: 34
التغيير من النظر إلى ما يحرم النظر إليه لولا الشراء. وإلا فالظهور العرفي لقوله هاهنا «فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً»(1) لا عموم فيه لصورة عدم التغيير بل هو ظاهر في التصرف الموجب للتغيير.
ولا يخفى أن صحيحة ابن رئاب لا تصلح للتصرف في ظهور الصحيح هنا بحيث يحمل عليها لوجوه:
الأول: انها ليست واردة في مقام بيان الموضوع له لفظ «الحدث»، بل في مقام بیان تحديد موضوع الحكم بسقوط خيار الحيوان، فقوله فيها «وما الحدث» ليس راجعاً إلى السؤال عن مفهوم الحدث والمراد به، بل هو راجع إلى السؤال عما هو موضوع الحكم سعة وضيقاً [تعبداً في خيار الحيوان فقط].
وعليه، فلا يكون قرينة على ان الحدث في سائر الموارد يراد به ما يعم النظر واللمس.
الثاني: انه لو سلم ان السؤال عن بيان المراد من لفظ «الحدث»، فمن الواضح انه ليس السؤال عن المفهوم العرفي للحدث، أو عن المفهوم الشرعي لإحتمال ان يكون له حقيقة شرعية، بل السؤال عن المراد الاستعمالي من اللفظ، فالمسئول عنه هو المستعمل فيه لفظ «الحدث».
ومن الواضح انه اذا فرض كون المستعمل فيه هو الأعم في تلك الرواية مجازاً فلا يلازم استعماله فيه في هذه الرواية مع عدم القرينة عليه.
الثالث: انه لا يمكن تطبيق ذلك المعنى هاهنا، لان المفعول في هذا النص(2) ليس هو لفظ الحدث كما في ذلك النص، بل هو لفظ الشيء، وهو مما لا وجه لحمله على
ص: 35
معنى الحدث، وانما الذي يراد استفادته من المقارنة بين النصّين هو بيان ان المراد من قوله في هذا النص «أحدث» هو ما يرادف احداث الحدث في ذلك النص، لان الفعل بمادته يدل على المبدأ، فالحدث المأخوذ مادة لأحدث، هو نفس الحدث المذكورة في رواية ابن رئاب.
ومن الواضح ان التعبير لا يستقيم - جداً - على هذا البيان، إذ مقتضاه كون المراد مِنْ «أحدث» أوجد حدثاً، فيصير التعبير هكذا «اذا أوجد حدثاً فيها شيئاً...» وهو تعبير ركيك لا محصل له.
فالحق ان المراد من «أحدث» هو الاحداث من الحدوث لا الحدث، فيكون المراد «اذا أوجد فيها بعد العدم شيئاً...» لان تضمنها معنى الحدث يستلزم ركاكة التعبير بأي معنى أريد من الحدث. فانتبه.
والمتحصل: ان صحيحة ابن رئاب لا تصلح قرينة على تشخيص المراد من هذه الصحيحة، وقد عرفت ان ظاهرها هو أخذ ايجاد الشيء المستلزم للتغيير في موضوع سقوط الرد، فلا تدل على أزيد من كون التصرف المستلزم للتغيير موجباً لسقوط الرد، لا نفس التصرف كيفما كان، ولا التغيّر ولو لم يكن عن تصرف منه.
وأما المرسلة، فهي ظاهرة في كون المدار على تغيّر العين وعدم تغيّرها. سواء كان بتصرف أم لم يكن، فهي تبين عموم الموضوع لسقوط الردّ لمطلق موارد التغيّر ولو لم يكن بتصرف المشتري، ولا تنافي بينهما بحسب المدلول اذ هما حكمان ايجابيان ثابتان بنحو الاستغراق فلا يحمل المطلق على المقيد.
لكن الاشكال في سند المرسلة، ولم يثبت عمل المشهور بها صغروياً - مع قطع النظر عن الاشكال في جابرية العمل - لإختلاف كلمات الأصحاب قدس سرهم في المسألة وذهاب المشهور إلى مسقطية التصرف بعنوانه لا التغيّر بعنوانه - كما يستفاد
ص: 36
ذلك من تصريح الشيخ(1) (قدس سره) فلاحظ كلماته - .
ثمّ إنه لو سلم كون الصحيحة دالة على اناطة الحكم بمطلق التصرف ولو لم يكن مغيّراً بقرينية صحيحة ابن رئاب، فتكن النسبة بينها وبين المرسلة العموم من وجه.
وقد ذكر في طريق الجمع بينهما وجوه:
ذكرها المحقّق الاصفهاني(2) (رحمة الله) في حاشيته...
أحدها: ان المراد بالصحيحة ما هو ظاهر المرسلة وهو كون المدار على التصرف المغيّر، فهي في مقام بيان ما يختص بخيار العيب لا في مقام بيان المسقط العام في هذا الخيار وغيره.
الثاني: دعوى ان المراد بالمرسلة هو كون المدار على التصرف كظاهر الصحيحة لا كون المدار على التغيّر، وما ذكر من التصرفات المغيّرة فيها من القطع والخياطة والصبغ انما ذكر لأجل انه الفرد العادي من التصرفات الواردة على الثوب فلم يلحظ فيها جهة التغيير بل لوحظ فيه أصل التصرف.
الثالث: ما ذكره صاحب الكفاية(3) (رحمة الله) في حاشيته: من ان المنظور في الصحيحة هو كون التصرف مسقطاً لخيار العيب كما يسقط غيره لأجل انه نوعاً التزام بالبيع، فهو اعمال للخيار. والمنظور في المرسلة هو كون التغيّر مسقطاً لخصوص خيار العيب ومانعاً عن اعمال الخيار، فلا تنافي بينهما، بل الصحيحة تتكفل بيان المسقط العمومي والمرسلة تتكفل بيان المسقط الخاص بخيار العيب، فكل منهما ناظر إلى بيان جهة، وليس نظرهما متحداً.
ص: 37
ولا يخفى عليك أن الوجه الأوّل لا يعد جمعاً بين النصين على تقدير الالتزام بكون النسبة بينهما عموم من وجه، إذ هو يتكفل بيان عدم عموم الصحة لمطلق التصرف وفرض نسبتها(1) إلى المرسلة نسبة الخاص إلى العام.
فيدور الأمر بين الوجهين الآخرين والأقرب منهما هو الأخير إذ الثاني ينافي ظهور قوله: «إن كان الثوب قائماً بعينه» لظهوره جداً في تقييد الردّ بعدم التغير، فلو تمكّنا من التصرف في ظهور قوله: «فإن قطع»، بما تقدم فلا يمكننا التصرف في ظهور القول المزبور. ومن الواضح أن قوله (علیه السلام) : «فإن قطع» بيان لعدم القيام بعينه فيراد به بيان جهة التغير، فانتبه.
ولا يخفى عليك أنه إنما تصل النوبة إلى التصدي للجمع بعد البناء على إعتبار المرسلة. هذا ولكن عرفت عدم وصول النوبة إلى التعارض، وإن مدلول الصحيحة خاص في حد نفسه.
والذي ننتهي إليه فعلاً بحسب هذين النصين: إن ما يوجب سقوط الرد في هذا الخيار إما مطلق التغير بناء على إعتبار المرسلة أو خصوص التصرف المغيّر بناء على عدم إعتبارها والاقتصار على الصحيحة.
التصرف الكاشف النوعي [عن الرضا(2) بالعقد] هل يسقط الخيار؟
إن التصرّف الكاشف نوعاً عن الرضا بالعقد، والالتزام به، هل هو مسقط للخيار أو لا؟
لإثبات دعوى مسقطيته للخيار طريقان:
ص: 38
الطريق الأوّل: إن الأفعال كالألفاظ، فكما أن الألفاظ إذا كانت كاشفة نوعاً عن مدلولها، فهي تدلّ على الإرادة الجدية للكلام في مورده، فكذلك الأفعال، وتوضيح ذلك:
إن الألفاظ قوالب للمعاني عرفاً، فإذا جاءت مطلقة جرى في موردها أصلان: أصل في الإرادة الاستعمالية، والآخر في الإرادة الجدية، فإذا قال: (جئني بماء)، فهو بحسب أصالة الحقيقة يريد المعنى الحقيقي للماء، الذي هو المائع المتعارف، فالأصل الجاري في الإرادة الاستعمالية يدلّ على أن المراد من لفظ الماء في مقام الاستعمال هو معناه الحقيقي.
والأصل الآخر يجري ليدلّ على أن المعنى الحقيقي هو المراد الجدي للمتكلم، بمعنى أن ما قاله أراده، ولم يكن هازلاً، ولم يرد الامتحان، فالمطلوب الجدّي له هو المعنى الحقيقي.
ومستند الأصل الأول هو الوضع، بأي معنى فسّر.
ومستند الأصل الثاني هي سيرة العقلاء؛ فإنهم يحملون كلام المتكلم عند الإطلاق على إرادة معناه الحقيقي بالإرادة الجدية، فلا يقبلون اعتذار من يعتذر: بأني كنت هازلاً في كلامي أو أردت الامتحان، أو أي معنى آخر غير المراد الجدي.
هذا، بالنسبة إلى الألفاظ، فهل يجري هذا الأصل في الأفعال؟
إن جرى ثبت قول الشيخ(1) والمحقّق صاحب الكفاية(2) قدس سرهما، من أن التصرف الكاشف نوعاً عن الالتزام بالعقد مسقط للخيار، فيحمل عند الإطلاق على المراد الجدّي، وإن لم يثبت ذلك من جهة الأصل العقلائي فقولهما دعوى بلا دليل.
ص: 39
ولا يخفى أن الأمور الإنشائية، كما تُنشأ بالألفاظ يمكن إنشاؤها بالأفعال، والإسقاط منها، فيمكن تحقّقه بقوله: أسقطت الخيار، قاصداً ذلك، ويمكن تحقّقه بالفعل قاصداً ذلك.
فإذا أحرز أنه بهذا العمل يقصد إنشاء سقوط الخيار، فالسقوط يحصل بلا إشكال.
وأما إذا لم يحرز القصد، وإنما أتى بفعل كاشف نوعي عن إرادة إسقاط الخيار، ولكنا نشك في قصده الشخصي، فهل نحكم بسقوطه مستندين إلى ذلك؟
ليس لنا في مثله إلا دعوى قيام السيرة العقلائية على الحمل على الإرادة الجدية، كما في باب الألفاظ.
ولكن إثباتها في باب الأفعال، في غاية الإشكال، وإن ثبتت في باب الألفاظ، ويكفي الشك في تحقّقها، للقول بعدم ثبوتها.
ويشهد على ذلك: أنا لو سمعنا شخصاً يقول لآخر: (بعتك المتاع)، فإننا نحمل مراده الجدي على البيع بلا ريب وأما لو رأيناه أعطى لآخر شيئاً، وأخذ منه شيئاً آخر، بدون أن توجد قرينة على البيع، لا لفظية، ولا مقامية، فإن نفس الفعل وإن كان كاشفاً نوعياً عن البيع، ولكن بما أنا لم نعلم بقصده الشخصي من هذا الفعل بالخصوص، فيشكل الحكم عليه بالبيع، وإثباته بالسيرة العقلائية مشكل جداً.
فإثبات ما ادّعاه الشيخ والمحقّق صاحب الكفاية قدس سرهما - من إثبات سقوط الخيار بالتصرّف؛ باعتبار كونه كاشفاً نوعياً عنه، عن طريق السيرة العقلائية - غير تام.
الطريق الثاني: طريق النصوص، وما يمكن الاستناد إليه صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه، فلا
ص: 40
شرط...»(1)
وتقريب الاستدلال: أن الإمام (علیه السلام) حكم بأن إحداث الحدث من المشتري رضا منه فيسقط الخيار؛ إذ هو معنى «فلا شرط»، فنستفيد ببركة هذه الرواية سقوط الخيار عند حصول أي فعل يكشف كشفاً نوعياً عن الرضا بالبيع.
ولكن يرد عليه: أولاً: أن تقييد الفعل المسقط للخيار بكونه كاشفاً نوعياً، كما ذهب له الشيخ وصاحب الكفاية قدس سرهما، لا دليل عليه في الرواية؛ فإن لفظ «فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً» مطلق، يشمل الكاشف النوعي عن الرضا وغيره.
وثانياً: أن الضمائر في الرواية تعود إلى المشتري في بيع الحيوان، فلا ينعقد فيها الإطلاق لتشمل كل من اشترى إذا أحدث حدثاً فهو رضا منه بالبيع.
فالحق: أننا سواء أقلنا بأن المراد من إحداث الحدث هو مطلق التصرّف، كما ذهب إليه المشهور، أم قلنا بأن المراد به التصرف المغيّر، كما ذهب إليه الشيخ (رحمة الله) ، [واختارناه] فإن مدلول الرواية أن إحداث الحدث في خصوص بيع الحيوان رضا منه، ومعنى ذلك أن نفس إحداث الحدث أعم من الرضا بالبيع، ولكن الشارع حكم في باب بيع الحيوان بأنه رضا من المشتري تعبّداً، فيقتصر عليه.
والنتيجة: أن ما أفاده العلمان من طريق السيرة، أو النص مورد إشكال.
[ان قلت]: بأن المورد لا يخصص الوارد.
[قلت]: نعم لو كان في الكلام إطلاق أو عموم، ولكنا نقول بأن الكلام من أوله مختص بالمشتري في بيع الحيوان، فلا عموم فيه، ولا إطلاق؛ لأن الإمام (علیه السلام) لم يبدأ الكلام بقوله: إن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً؛ ليقال بالإطلاق بلا إشكال، بل قال: «الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، اشترط أم لم يشترط، فإن أحدث
ص: 41
المشتري فيما اشتری حدثاً قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه...»، فهي خاصة بالمشتري في بيع الحيوان من أولها إلى آخرها.
والتحقيق أن يقال: إن إحداث الحدث لغة هو إيجاد الأمر المسبوق بالعدم، ومن هذه الجهة يكون إطلاق الحدث على الحدث الأكبر والأصغر إطلاقاً حقيقياً، فما أفاده المحقّق السيّد الخوئي (رحمة الله) ، من أخذ التغيير في معنى الحدث(1)، غير تام؛ فإن مدلول مادة الحدث، وهيئة (الإفعال) لغة، هو مطلق التصرّف.
نعم المعنى العرفي يختلف عن المعنى اللغوي، فالمعنى العرفي فيما لو لم يضف الحدث إلى شيء هو مطلق التصرّف، ولكنه إذا أضيف إلى شيء فيؤخذ فيه التغيير، ولا يكفي في صدقه مطلق التصرف، فلو اشترى داراً وسكنها، من دون أن يغيّر فيها شيئاً، أو اشترى ثوباً ولبسه من دون تغييره، أو اشترى كتاباً وقرأ فيه، أو قرأه كلَّه، كلُّ ذلك لا يصدق عليه عند العرف أنه أحدث فيه حدثاً، ولكن يصدق عليه أنه تصرّف فيه، ولو لم يكن يملكه وقام بما قام به من دون إذن مالكه لكان فعله حراماً؛ لشمول أدلة حرمة التصرّف في مال الغير له، بخلاف ما لو غيّر في الدار شيئاً، أو كتب في الكتاب سطراً؛ فإنه يعدّ من إحداث الحدث عرفاً، فأخذ التغيير في المعنى العرفي، دون المعنى اللغوي.
فالنسبة بين المعنى العرفي والمعنى اللغوي نسبة العموم المطلق.
وفي الروايات ما يدلّ على الارتكاز العرفي، منها:
صحيحة محمّد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمّد (علیه السلام) : في الرجل اشترى من رجل دابة، فأحدث فيها حدثاً، من أخذ الحافر، أو أنعلها، أو ركب ظهرها
ص: 42
فراسخ، أله أن يردّها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار، بعد الحدث الذي يحدث فيها، أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقع (علیه السلام) : «إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء الله»(1)
فإن المرتكز في ذهن السائل أن الركوب ليس من إحداث الحدث، ولهذا عطفه بأو فقال: (بعد الحدث الذي يحدث فيها، أو الركوب الذي يركبها)، والتقسيم قاطع للشركة، فلو كان الركوب من جملة إحداث الحدث لما كان لتقسيمه وجه.
والحاصل: أن المستند العمدة في المقام هي رواية إحداث الحدث، لا يستفاد من الحدث مطلق التصرّف من نظر عرفي، فيمتنع ما ذهب إليه المشهور، من كفاية مطلق التصرّف في عدم الردّ.
فيتأيّد رأي الشيخ (رحمة الله) الله وآخرين [والمختار]، ممن ذهب إلى أخذ التغيير في معنى الحدث، فيكون المانع من الردّ، والانتقال إلى الأرش، هو الحدث المغيّر.
وأما إنكار المحقّق صاحب الكفاية(2) (رحمة الله) ، وتبعية المحقّق الاصفهاني(3) (رحمة الله) له، كون روايات الردّ في مقام البيان من جهة التصرّف وعدمه، فمخدوش؛ لأنّ صحيحة داود بن فرقد الواردة في باب العيوب، قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل اشترى جارية مدركة، فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر، وليس بها حمل؟ فقال: «إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب ترد منه»(4)
مطلقة من هذه الجهة بلا إشكال؛ وذلك لأن القاعدة أن يكون الجواب وافياً
ص: 43
بردّ السؤال، وعدم وفائه به مخالف لمقتضى القاعدة؛ فإن السؤال بمنزلة بيان الداء، والجواب علاج له.
والموضوع المسؤول عنه في الرواية هي: جارية مدركة، لم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر، وليس بها حمل، فيسأل: هل ذلك عيب، فله الردّ أو لا؟ فأجاب الإمام (علیه السلام) : «إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب تردّ منه»، فالجواب يرجع إلى هذه الجارية التي بقيت عنده ستة أشهر من دون أن تحيض وليست بحامل، فإن كان عدم حيضها غير راجع للكبر فهو عيب تردّ منه، ومن المقطوع به أنه تصرّف في الجارية في هذه المدّة بمثل الاستخدام والأمر والنهي.
فبملاحظة صدر الرواية وذيلها، سؤالاً وجواباً، يتضح اطلاق الحكم بحقّ الردّ حتى مع التصرّف، بل ينعقد الاطلاق حتى بالنسبة إلى التغيّر وعدمه، إلا أنا نرفع اليد عن هذا الاطلاق من هذه الناحية بالأدلة المقيّدة.
والحاصل: أن ترك الإمام (علیه السلام) للاستفصال بين التصرّف وعدمه، وعدم عقلائية احتمال عدم استخدام الجارية في مدة ستة أشهر بأي نحو من أنحاء الاستخدام، يقتضيان تمامية انعقاد الاطلاق لحالة التصرّف غير المغيّر، فلا يسقط به الخيار.
ويشهد لذلك روايات باب: «أن من اشترى جارية فوطأها، ثم ظهر بها عيب غير الحبل، لم يكن له الرد بل الأرش»(1)؛ فإن مفادها أن الحكم بعد الوطيء سقوط الردّ، وأما التصرّفات الأخرى غير الوطيء فهي غير مانعة من الردّ.
والمتحصّل: أن من اشترى متاعاً، ولم يعلم بكونه معيباً، وتصرّف فيه تصرّفاً غير مغيّر له، فله حق الردّ، فما ذهب إليه المشهور مردود بالارتكاز العرفي، ومفاد النصوص.
ص: 44
وأما إذا كان التصرّف مغيّراً فهو مسقط للخيار؛ بمقتضى صحيحة زرارة: «فأحدث فه بعد ما قبضه شيئاً».
بقي الكلام في التصرفات الاعتبارية، فهل هي موجبة لسقوط الخيار أو لا؟
وهي على نحوين:
النحو الأول: الهبة والتدبير وأمثالهما من العقود الجائزة.
النحو الثاني: البيع والصلح وأمثالهما من العقود اللازمة.
أما النحو الثاني فسيأتي في البحث الآتي حول ما إذا تلف المبيع أو كان بحكم التالف، والكلام الآن في النحو الأول:
ذهب الشيخ (رحمة الله) إلى سقوط الخيار به، وتعجّب من المحقّق الثاني (رحمة الله) ؛ حيث تنظّر في سقوط الخيار بالهبة الجائزة(1)، مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر.(2)
وحاصله: أنه يرى بأن التصرّف مسقط، فكيف تنظّر في مسقطية الهبة مع كونها تصرّفاً، مضافاً إلى كون العين الموهوبة لا تعدّ قائمة بعينها، فتشملها مرسلة جميل(3)
واعترض المحقّق السيّد الخوئي (رحمة الله) على الشيخ (رحمة الله) مؤيّداً للمحقّق الثاني: بأن الهبة تفترق عن البيع؛ فإن الواهب بإمكانه أن يردّ المال الموهوب المعيب إلى ملكه،
ص: 45
فيكون الردّ إلى البائع واقعاً تحت اختياره، فإذا قال: «فسخت العقد» كانت هذه العبارة منه فسخاً للعقد، ورجوعاً في الهبة، بخلاف البيع؛ فإن المبيع يخرج عن اختيار البائع الثاني، الذي اشترى المال معيباً من البائع الأول، فيسقط خيار البائع دون الواهب.(1)
والتحقيق في المسألة يقتضي النظر في المستفاد من النصوص:
أما المرسلة، فالمستفاد منها دوران الخيار مدار بقاء العين بنفسها، فما لم يحصل التصرّف المغيّر لها فالخيار باقٍ، والهبة للغير وإن عدّت تصرّفاً إلا أنها غير مغيّرة للعين، فهي باقية على حالها، فلا يسقط الخيار.
وأما الصحيحة فالمدار فيها على إحداث الحدث، والهبة حدث عرفاً، فمقتضاها سقوط الخيار.
وأما ما أفاده المحقّق السيّد الخوئي (رحمة الله) ، من الفرق بين الهبة والبيع؛ لإمكان الرجوع فيها دونه، فيرد عليه - مضافاً إلى أنه على خلاف فتواه في المنهاج؛ حيث اختار فيه سقوط الخيار والأخذ بالأرش(2)-:
أولاً: بالنقض بموارد منها:
1- ما لو باع ما اشتراه إلى آخر، وجعل المشتري الآخر أمر البيع بيد البائع - أي
ص: 46
الثاني - كأن قال له: إن شئت أن أُقيلكَ أَقَلْتُكَ، فهنا الرجوع في البيع باختياره كما في الهبة.
2- ما لو باعه، واشترط على المشتري في ضمن عقد آخر أن يكون وكيلاً مطلقاً عنه، بحيث يمكنه أن يشتري المتاع من المشتري لنفسه، فأمر المبيع يكون في يده وتحت اختياره، كالحال في الواهب.
وثانياً: بالحل؛ فإن المعيار على ما يستفاد من النص، والمستفاد من المرسلة - كما تقدّم - أن المدار في بقاء الخيار على قيام العين بنفسها وعدمه، والمستفاد من الصحيحة أن المدار على إحداث الحدث، فليس المعيار بحسبهما تمكّنه من الرد، وكونه تحت اختياره وعدمه، والهبة حدث عرفاً، وإن كان يجوز للواهب شرعاً أن يرجع في هبته إن لم تكن معوّضة، ولا إلى ذي رحم، فيسقط الخيار بحسب الصحيحة وإن أمكنه الرجوع في هبته.
وقد أورد المحقّق الأصفهاني (رحمة الله) على ذلك: بأن حقيقة الفسخ ردّ نفس الملكية التي حصلت، فإذا انتقل المال بالهبة، فلو رجع في هبته، وردّه إلى البائع، لم يردّ نفس الملكية، بل هذه ملكية جديدة.
وبعبارة أخرى: إن الفسخ عبارة عن إرجاع الملكية التي حصلت بالفسخ، وهذه الملكية لم تحصل به.
وقد أراد ما نص عليه بقوله:
«والتحقيق: كما ذكرنا في مبحث خيار الغبن أن الرد مشروط عقلاً بنفس الملك لا بإمكانه، فله رد الملك ولا ملك، لا أنه له رد ما يمكن كونه ملكاً، حتى يقال بأنه في
ص: 47
الهبة يمكن رد الملك، وفي البيع لا يمكن رده»(1)
وتوضيحه ما أفاده مع في خيار الغبن: أن حقيقة الفسخ ردّ نفس الملكية التي حصلت، فإذا انتقل المال بالهبة، فلو رجع في هبته، وردّه إلى البائع، لم يردّ نفس الملكية، بل هذه ملكية جديدة.
وبعبارة أخرى: إن الفسخ عبارة عن إرجاع الملكية التي حصلت بالفسخ، وهذه الملكية لم تحصل به.
وإشكاله وإن كان فنياً، وعلى مقتضى القاعدة، إلا أنه مردود؛ فإن الخيار حق متعلّق بالعقد، لا بالعين فيمكن لصاحبه أن يفسخ وإن تلفت العين، وبما أنه متعلّق بالعقد فيرد عليه:
أولاً: بالنقض بما لو تلفت العين؛ فإن له الفسخ مع أن الملكية الحاصلة بالعقد غير قابلة للرجوع لتلف العين، ولهذا ينتقل إلى بدلها، كما سيأتي في البحث الآتي.
وثانياً: بالحل؛ فإن الخيار يتعلّق بالعقد - كما تقدم - والعقد محفوظ وإن وهب العين، فمقتضى القاعدة أن له الخيار ما دام لم يحدث في العين المعيبة حدثاً، وأما مع إحداث الحدث فالمانع من الخيار هو النص، فمن لا يرى صدق إحداث الحدث على الهبة، ورجع فيها كان له فسخ العقد؛ لتعلّق حقه به.
فالنتيجة: أن الهبة حدث عرفاً، فيسقط الخيار بسببها.
ولو شك في شمول مفهوم الحدث للهبة، أي لو كان في الحدث شبهة مفهومية،
ص: 48
فشكّ هل تعدّ الهبة إحداث حدث في العين أو لا؟
فلا يخفى أن الأصول لا تجري في الشبهة المفهومية، لا الموضوعية، ولا الحكمية.
أما الأصل الموضوعي فعدم جريانه؛ لأن موضوع الحكم الشرعي هو الفعل الخارجي، ولا شك فيما وقع في الخارج؛ لأنا نعلم بوقوع الهبة.
وما وقع فيه الشك هو حدّ المفهوم وسعة دائرته، وهل أن الحدث يصدق على ما وقع في الخارج أي الهبة، أو لا؟ والمفهوم ليس بحكم، ولا موضوع لحكم.
وأما الأصل الحكمي، فربما يقال بدواً: بتمامية أركانه؛ لأنا نعلم يقيناً بوجود الحكم بالخيار قبل الهبة ونشك في بقائه بعدها، فنستصحب بقاءه.
و [يرد عليه]: لكن الإشكال في موارد الشبهة المفهومية أننا في واقع الأمر نحتمل تحقّق الحدث بحصول الهبة، فلا ريب في حصول التردّد وجداناً بين تحقّقه وعدم تحقّقه، فإن لم يتحقّق الحدث أمكن جريان الاستصحاب، وإن تحقّق كان جريان استصحاب الخيار من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر؛ لتغيّر الموضوع حينئذٍ، والاستصحاب لا يجري إلا مع إحراز بقاء الموضوع، وكون التغيّر حاصلاً في حالاته، فيكون استصحاب الحكم الثابت قبل الهبة حينئذٍ شبهة موضوعية إلى «لا تنقض اليقين بالشك»، ولا يتمسك بالدليل في شبهته الموضوعية.
فتحصل إلى هنا عدم إمكان التمسك باستصحاب عدم الحدث، ولا باستصحاب بقاء الخيار الثابت قبل الهبة، فالمرجع حينئذٍ إلى دليل خيار العيب، وهو:
إما الشرط الارتكازي المتقدّم بيانه، المبني على بناء العقلاء على سلامة المبيع في كل معاملة تجري بينهم، بحيث لو كان المبيع معيباً لكان للمشتري حق الردّ، وهي سيرة عقلائية قطعية، ممضاة من قبل الشارع، ومقتضاه ثبوت الخيار.
أو النصوص، وهي صحيحة زرارة الدالة على ارتفاع الخيار فيما لو أحدث
ص: 49
حدثاً في المبيع، وبما أنها مخصص منفصل مجمل، يدور أمره بين الأقل والأكثر، فيقتصر فيه على القدر المتيقن، والنتيجة ثبوت الخيار أيضاً؛ لثبوت الخيار في المعيب، والمخصص، وهو إحداث الحدث مجمل؛ للشك في شموله للهبة.
والنتيجة إلى هنا: أن مقتضى ما نستفيده من النص سقوط الخيار بالهبة؛ لأنها من جملة إحداث الحدث عرفاً، ولك ما يصدق عليه حدث عرفاً مسقط للخيار، بخلاف ما لم يصدق عليه.
وأما لو شككنا في مفهوم الحدث كان مقتضى القاعدة ثبوت الخيار.
الأمر الثالث: من مسقطات الرد خاصة: التلف وما بحكمه، وقد تعرض الشيخ(1) (قدس سره) في هذا المقام إلى بيان جهات ثلاث:
الجهة الأولى: في بيان سقوط الخيار هنا بالتلف أو صيرورته كالتالف، فذكر (قدس سره) ان هذا الخيار يسقط بذلك على خلاف الخيارات المتقدمة التي لا تسقط بتلف العين بل ينتقل هناك الى البدل على ما تقدم.
وذكر أن الوجه فيه بعد ظهور الإجماع إناطة الرد في المرسلة السابقة - يعني مرسلة جميل - بقيام العين. فإن الظاهر منه إعتبار بقائها في ملكه، فلو تلف أو إنتقل الى ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق العبد على المشتري فلا ردّ.
وقد حمل كلامه في بيان سقوط الرد بالتلف على كون محط نظره جملة: «إن كان الشيء قائماً بعينه» الوارد في المرسلة(2)، ببيان: أن المراد منها قيام العين بذاتها وخصوصياتها، ومن جملة خصوصياتها تملك المشتري له، فمع إنتقالها عنه لا يصدق قيامها بعينه، فلا موضوع للرد عند التلف وعند إنتقال العين من المشتري الى غيره.
ص: 50
وأورد عليه المحقّق الاصفهاني(1) (رحمة الله) بوجوه ثلاثة:
أحدها: أنه لا يمكن أن يراد من لفظ: «بعينه» كل من الذات وخصوصياتها، بل إما أن يراد منه الذات، أو يراد منه الخصوصيات، فإنه يستعمل في الموضعين، وارادة كلٍ منهما ممتنع. ورجّح أن يراد منه الخصوصيات بملاحظة الشرطية الثانية في الرواية، فلا نظر لها الى بقاء نفس الذات.
الثاني: أن الظاهر من اللفظ إرادة بقاء المبيع بأوصافه الخارجية لا الاعتبارية، فلا يشمل مثل الملكية.
وهذا الوجه ذكره الإيرواني(2) (رحمة الله) أيضاً ذاكراً أن الشيخ (قدس سره) لا يرى تبدل الصفات النفسية موجباً لعدم صدق «القيام بعينه» كما ذكره في مورد نسيان العبد الكتابة، فكيف يرى تبدل الصفة الاعتبارية موجباً لذلك.
الثالث: أنه لو فرض شمول الخصوصيات لمثل الملكية، فما أفاده الشيخ (قدس سره) لا يطرد في مورد إجارة العين ورهنها لبقاء الملكية.
وأما ايرادات المحقّق الاصفهاني(3) (رحمة الله) على الشيخ (قدس سره) التي تقدم ذكرها، فهي تقبل المناقشة:
أما الأول: فلأنه يمكن دعوى أن المراد من لفظ «بعينه» هو الخصوصيات كما هو ظاهر الذيل. لكن من الواضح أن بقاء الخصوصيات ملازم لبقاء الذات، فما يدل على اعتبار الخصوصيات يدل على اعتبار الذات بالالتزام ويمكن أن يعتبر بقاء الذات بالدلالة الالتزامية وبقاء الخصوصيات بالدلالة المطابقية، ولا محذور فيه.
وأما الثاني: فهو انما يتأتى لو كان الاستدلال بالفقرة بملاحظة لفظ «بعينه» لا
ص: 51
بلحاظ تقدير «عندك» أو بملاحظة كلمة «قائماً» كما أشرنا إليه.
وأما الثالث: فيدفعه بعد فرض تسليم عموم الخصوصيات للخصوصيات الاعتبارية، فكون الملك طلقاً خصوصية زالت بالرهن. وكون الملك مملوك المنفعة خصوصية زالت بالاجارة، فلا يصدق قيام المبيع بعينه في الموردين، فانتبه.
أقول: يمكن أن يبين كلام الشيخ (قدس سره) بنحوٍ يدفع عنه هذه الايرادات ولا يبقى لها موضوعاً، فيقال: إن نظر الشيخ (قدس سره) ليس جملة «إن كان الشيء قائماً بعينه» بل نظره الى أن المجعول فى هذا الخيار يختلف عن سائر الخيارات.
فإن المجعول في مثل خيار المجلس والحيوان هو حقّ الخيار - بعنوانه - وهو حقّ فسخ العقد، كما عرفت، فهو متعلق بالعقد فيمكن أن يتصور بقاؤه بعد تلف العين أو إنتقالها، كما تقدم البحث فيه.
أما المجعول هاهنا، فليس هو الخيار بل هو الرد والمراد به ردّ العين، إذ لا معنى لرد العقد. ومن الواضح أنه لا موضوع له في صورة التلف. كما أنه في مورد الانتقال غير ممكن لكون المراد من الرد ليس مجرد إعادة العين الى الغير، بل المراد - بحسب الظاهر - إرجاع العين المتقوم بإعادتها من ملكه وكون إسترداد الغير لها عن ملك الرادّ.
وقد يُسأل عن الوجه في تخصيص الشيخ (قدس سره) للمرسلة في الكلام مع أنه لو كان ناظراً الى خصوصية جعل الرد في المقام فهو مما تتكفّله النصوص الكثيرة الصحيحة السند.
والجواب: إنّنا بعد التتبع في جميع النصوص الواردة في هذا الباب وأحكام العيوب، لم نجد نصاً في مقام بيان جعل حقّ الرد للمشتري سوى المرسلة، بل الملحوظ في النصوص المفروغية عن ثبوت هذا الحق والسؤال والجواب عما يتفرع عليه.
ص: 52
وعليه، فلا يظهر منها كون المجعول حق الرد أو حق الخيار بعنوانه، إذ مضامينها تتلائم مع كون المجعول حق الخيار. نعم، خصوص المرسلة في مقام بيان الحق الثابت في المعاملة الواقعة على المعيب وقد بينت ثبوت حق الرد لا الخيار.
وأما قوله: «إناطة الرد فى المرسلة السابقة بقيام العين»(1) فهو وإن لم يكن دخيلاً في وجه سقوط الرد بالتلف أو الانتقال بالبيان الذي ذكرناه، ولكن يمكن أن يكون نظره في بيان ذلك الى بيان تصدي الرواية لحكم المعيب بخصوصياته وأن الرواية تكفلت الحكم بجهاته، فهو تتميم لما يحاول بيانه من كون المرسلة في مقام التصدي لبيان حكم المعيب وجهاته، فتدبر جيداً.
هذا ما يمكن أن يوجه به كلام الشيخ (قدس سره) .
وتحقيق الكلام في أصل المطلب: أن الاستدلال على سقوط الرد بتلف المعيب أو إنتقاله يمكن أن يكون بفقرة: «إن كان الشيء قائماً بعينه» ويمكن أن يكون بإثبات حق الرد للمشترى.
أما من الجهة الأولى، فتصوير الاستدلال بها يكون بوجوه ثلاثة:
الأول: ما حُمل عليه كلام الشيخ (قدس سره) من أن المراد من «القيام بعينه» قيامه بذاته وخصوصياته، فمع التلف لايكون باقياً بذاته ومع الانتقال لا يكون باقياً بخصوصياته.
الثاني: أن الظاهر عرفاً من الجملة المزبورة ارادة بقاء العين بخصوصياتها الخارجية في ملكك وعندك، فاعتبار البقاء في الملك ليس بلحاظ أنه خصوصية من خصوصيات العين بل من جهة تقيّد البقاء بكونه عند المشتري، ويمكن أن يستفاد هذا
ص: 53
الوجه من مطاوي كلمات السيّد الطباطبائي(1) (رحمة الله) .
الثالث: أن يكون المراد من قوله: «قائماً» البقاء في الملك، وعدم التزلزل والانتقال، نظير ما يقال عن بقاء الشيء في الملك بالفارسية: «سر جایش هست» في قبال انتقاله لا عدمه. فإستفادة اعتبار البقاء في الملك من لفظ «قائماً» ويراد من: «بعينه» خصوصياته الخارجية.
وأما من الجهة الثانية، فتصوير الاستدلال بها من وجوه أيضاً:
الأول: دعوى ظهور جعل الرد عرفاً في كونه رداً عن ملكه، فلا يثبت في غير مورد الملك.
الثاني: دعوى أن المراد بالرد ليس هو الرد الخارجي بل المراد رد الربط الملكي وهو عبارة عن نفس العقدة التي يعقدها كل من المتعاملين للآخر، وهذا يبتني على ما يذهب إليه المحقّق النائيني من تشبيه الملكية بحبل متصل بطرفين احدهما المملوك والآخر المالك وان المعاملات الناقلة وظيفتها حلّ العقدة من طرف المالك وشدّها بطرف المعاملة الآخر من دون تغيير في نفس العلاقة الملكية.
وعليه، فالمراد بالرد اعادة الربط الملكي وارجاعه بمعنى اعادة نفس الشدّة والعقدة بصاحب العين السابق. ومن الواضح ان اعادة الربط تتقوم بكون المُعاد ثابتاً للمُعيد لكي يحلّها من وسطه ويثبتها للمُعاد إليه، اذ معنى الارجاع يتقوم بذلك ومع انتقال العين لا يتمكن من ذلك تكويناً فلا موضوع للرد.
الثالث: دعوى أن الرد الذي هو عبارة عن اعادة الربط الملكي - إما بمعنى نفس العقدة(2) أو بمعنى نفس العلاقة الملكية على ما هو المشهور المعروف والالتزام
ص: 54
بالأول لا يخلو من محاذير والكلام فيه في محله - يتقوّم بأمرين بإخراج العين عن ملك مالكها الفعلي وإدخالها في ملك مالكها الأول.
وعليه، فهو لا يتحقّق إلا إذا ثبت هناك سلطنة على إخراج العين من ملك المالك الفعلي - كما لو كانت في ملكه لأنه مسلط على ملكه - وسلطنة أخرى على إدخال العين في ملك مالكها الأول، إذ تمليك الغير لا يتحقّق في حد نفسه بلا قبوله.
ومن الواضح أن المنظور إليه في نصوص جعل حق الرد هو اثبات السلطنة من الناحية الثانية أعني ناحية إدخال العين في ملك المالك الأول، باعتبار أن للبائع الامتناع عن قبول العين والارجاع لولا العيب، فأثبت الشارع سلطنة المشتري على الارجاع عند العيب وأنه ليس للبائع الامتناع وأنه لا عبرة برضاه - كما هو الحال في موارد الإقالة - أما السلطنة من الناحية الأولى فهو مأخوذة مفروغاً عنها وفي موضوع حق الرد، ولا نظر للنصوص الى اعتبارها.
وعليه، فلا يثبت حق الرد إلا في مورد تكون هناك سلطنة للراد على اخراج الملك من ملك مالكه، وهو لا يثبت إلا إذا كانت العين بعدُ في ملكه دون ما إذا كانت خارجة عنه، إذ لا سلطنة له على ملك الغير.
وهذا الوجه(1) هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه في المقام لأنه وجه عرفي دقيق سالم عن شوب الاشكال، والوجوه الأخرى قابلة للمناقشة، كما لا يخفى على المتأمل.
وبهذا الوجه يظهر عدم ثبوت حق الرد في صورة التلف لانتفاء موضوعه وهو الذات، ومثله مورد الانعتاق بعد فرض إمتناع عود الحرّ رقاً عند الشارع. والممنوع شرعاً كالممتنع عقلاً.
كما لا ثبوت له في موارد الانتقال اللازم من جهة عدم السلطنة على إخراج مال
ص: 55
الغير عن ملكه فلا موضوع لحقِّ الرد. إذ عرفت أخذ السلطنة على الإخراج في موضوعه.
وأما مورد الرّهن، فكذلك لعدم تسلطه على العين بعد رهنها وإن كان مالكاً لها، فيكون نظير المحجور عليه بفلس.
وأما مورد الاجارة، فكذلك أيضاً، لأنه وان تمكن من رد العين بذاتها، لكنه لا يتمكن من ردها بخصوصياتها، إذ المنفعة من خصوصياتها وهي لا تقبل الرد، وظاهر النص لزوم رد العين بخصوصياتها، لا ذات العين.
وأما موارد الانتقال الجائز بهبة غير لازمة أو بعقد خياري، فتحقيق الحال فيها: أنك عرفت أنّ المجعول في نصوص الخيار هو السلطنة الفعلية على الرد الى الغير بمعنى السلطنة على إدخال العين في ملك الغير، وأما السلطنة على الإخراج فقد عرفت أنها مأخوذة مفروغاً عنها وفي موضوع السلطنة على الادخال والارجاع.
وعليه، فنقول: [1] إن كان المأخوذ في موضوعها مجرد التمكن من الإخراج، ثبت حق الرد في موارد النقل الجائز لتمكنه من الإخراج ولو بالواسطة وهي الفسخ.
[2] وإن كان المأخوذ هو السلطنة الفعلية على الاخراج، فهي غير ثابتة فعلاً. نعم هو يتمكن من تحصيلها. فلا يثبت حق الرد لعدم موضوعه.
والظاهر هو الثاني، إذ المجعول هو السلطنة الفعلية على الإرجاع وهي لا تتحقّق إلا في مورد ثبوت السلطة الفعلية على الاخراج لا مجرد التمكن منه ولو بالواسطة، فان الشخص الذي يتمكن أن يشتري العين لا يقال إنه مسلط فعلاً على بيعها، فانتبه. هذا تحقيق الكلام في هذه الجهة، فتدبره.
الجهة الثانية: من الجهات الثلاثة التي تعرض اليها الشيخ (قدس سره) : تعريضه
ص: 56
بصاحب الدروس(1) (رحمة الله) حيث عدّ إنعتاق العبد على المشتري مسقطاً برأسه، فإنه لا خصوصية له بل هو من مصاديق ما بحكم التالف. وجعله من مصاديق التصرف لا يخلو عن شيء.
أقول: لا أهمية لتحقيق هذه الجهة بعد أن عرفت حكم الانعتاق، نعم ذكر الشيخ في خيار المجلس(2) أن إقدام المشتري على شراء من ينعتق عليه إقدام على إتلافه فيكون من مصاديق التصرف، فراجع كلامه والأمر سهل.
الجهة الثالثة: فيما لو عاد الملك الى المشتري. وقد ذكر الشيخ (قدس سره) لا يجوز ردّه للأصل خلافاً للشيخ(3) بل المفيد(4) رحمهما الله [كما في مفتاح الكرامة(5)].
وتحقيق الكلام في ذلك: أن الملك الحادث تارة يكون بسبب ناقل جديد، كشراء أو هبة. وأخرى يكون بسبب فسخ العقد الناقل.
ففي الأول: لا اشكال في عدم ثبوت حق الردّ، لأن المقصود بالرد إعادة نفس الملكية أو الربط الملكي الثابت سابقاً بالعقد الواقع على المعيب، والمفروض أن الملكية الجديدة ملكية حادثة فلا يصدق الرد معها.
وفي الثاني: أن الملكية وإن كانت بالدقة ملكية حادثة غير سابقة لكنها عرفاً نفسها، وعليه فيصدق الرد معها عرفاً، لكن مجرد صدق الرد لا ينفع في إثباته، بل لابدّ من ملاحظة الدليل الذي يدل على ثبوت الرد وأنه هل يدل على كون حق الرد حكماً واحداً مستمراً، فإذا إنقطع بإنتقال العين لا ثبوت له بعد ذلك بالدليل، فيرجع الى
ص: 57
الأصل وهو يقتضي عدمه إذ الحالة السابقة هو عدم ثبوت الرد؟
أو أنه حكم ثابت لذات الموضوع أينما تحقّق فعدم ثبوته في الأثناء لمانع لا ينفي ثبوته بعد ذلك إذا تحقّق موضوعه وزال المانع، فلا مجال على هذا للرجوع الى الأصل النافي لثبوت الحق؟
والانصاف أنه لا يمكن تشخيص مفاد النص في كيفية جعل حق الرد، فيكون ثبوته بعد عود الملك مشكوكاً، والأصل يقتضي عدمه، كما عرفت.
وبهذا النحو ينبغي تحقيق هذه الجهة لا بالنحو الذي ذكره بعض من ملاحظة أن إعتبار البقاء في الملك إن كان لأجل تقدير كلمة «عندك» في قوله «قائماً بعينه» فلا خيار، إذ لم تكن العين عنده حال الإلتفات الى العيب. وإن كان لأجل دلالة «قائماً بعينه» على ذلك، فيثبت الرد عند عود الملك لصدق هذا العنوان، فلاحظ تعرف.
ثم إن الشيخ(1) (قدس سره) تعرض بعد ذلك الى فرع وهو حكم الجارية المعيبة إذا ظهر العيب بعد وطئها، فذكر أنه لا خلاف نصّاً وفتوى(2) في مانعية الوطء عن الرد سواء قلنا بمانعية مطلق التصرف فيكون الوطء أحد أفراده، أو قلنا بمانعية خصوص التصرف المغير، فيكون الوطء مستثنى من التصرف غير المغيّر للعين، ثم قال (قدس سره) : «مع أن العلامة عللّ المنع في موضع من التذكرة(3) بأن الوطء جنايةٌ ولهذا يوجب غرامة
ص: 58
جزءٍ من القيمة كسائر جنايات المملوك. وقد تقدم(1) في كلام الإسكافي(2) أيضاً أن الوطء مما لا يمكن معه رد المبيع الى ما كان عليه قبله...»(3)
والذي يظهر من هذا الكلام [و] بيان الشيخ (قدس سره) إحتمال كون الوطء مغيراً للعين، فلا يكون مستثنى من التصرف غير المغيّر.
وقد وجّه البعض إستلزامه التغيير بحمل التغيير هاهنا على التغيير الاعتباري والشأني، فأن المرأة بالوطء ينقص قدرها وقيمتها.
وبما أنه لا ظهور لكلام الشيخ (قدس سره) في الالتزام بهذا الكلام والاستدلال به والمفروض كون الحكم من المسلمات التي لا تقبل التشكيك، فلا حاجة لنا في إطالة الكلام فيه.
ثم إن الشيخ(4) (قدس سره) ذكر بعد ذلك تقريباً لكلام العلامة (رحمة الله) من أنه يشير الى كون الوطء جناية ما ورد في بعض نصوص(5) المسألة من قوله (علیه السلام) : «معاذ الله أن يجعل لها أجراً»، ببيان أنه نفى الرد هاهنا وأنه لو ردها للزم أن يرّد معها شيئاً، ثم نبه الامام (علیه السلام) أن الشيء المردود ليس بعنوان الأجر، إذ الوطء إستيفاء منفعة في ملكه فلا اُجرة فيتعين أن يكون أرش جناية.
والاستعاذة من جعل الأجر مع ثبوته في بعض الموارد، كمورد المتعة إنما هو تمشياً مع المفهوم العام لدى العامة من إستنكار الأجر على الفروج وتفادياً لإحتمال
ص: 59
تقريره (علیه السلام) للمتعة التي منعها الثاني.
هذا توضيح ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام.
لكن أستشكل فيه: بأنه يمكن أن يكون نظره (علیه السلام) في ذلك الى إنكار فتوى بعض العامة بردّ الجارية غير الحبلى وردّ مهر مثلها. فهو إستنكار على الحكم في خصوص هذه الواقعة، فكأنّه قال (علیه السلام) : «معاذ الله أن يجعل لها أجراً هاهنا» فإنه حكم بغير ما أنزل الله تعالى وليس إستنكاراً على أصل جعل الأجر، كيف؟ وقد جعل الأجر في مورد وطء الحامل، كما هو ظاهر قوله في رواية ابن سنان(1) «لنكاحه أياها».
وعلى أي حال، فالأمر سهل والمهم تحقيق الفرع بخصوصياته، فنقول: وردت النصوص الكثيرة في عدم ثبوت الرد مع الوطء ك-:
رواية ابن سنان(2) عن أبي عبدالله (علیه السلام) في حديث قال علي (علیه السلام) : «لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها».
ورواية طلحة بن زيد(3) عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: قضى أميرالمؤمنين (علیه السلام) في رجل إشترى جارية فوطأها ثم وجد فيها عيباً قال: «تقوم وهي صحيحة وتقوم وبها الداء ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين الصحة والداء».
ورواية منصور بن حازم(4) عن أبي عبدالله (علیه السلام) في رجل إشترى جارية فوقع عليها قال: إن وجد بها عيباً فليس له أن يردها ولكن يرد بقيمة (بقدر) ما نقصها العيب قال: قلت هذا قول على (قدس سره) ؟ قال: نعم. وغيرها.
وقد ذكر الشيخ (قدس سره) استثناء المشهور من عموم هذه الأخبار الجارية الحامل
ص: 60
فالتزموا بجواز الرد مع رد نصف عشر قيمتها أو عشر قيمتها - على ما سيأتي تحقيقه - ومستندهم في هذا الاستثناء النصوص الكثيرة الدالة على جواز رد الحامل وعدم مانعية الوطء عن الرد في مورد الحمل، ك-:
رواية ابن سنان قال: سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن رجل إشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها فوطأها قال: «يردها على الذي أبتاعها منه ويرد معها نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها. قال علي (علیه السلام) لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها»(1)
ورواية عبدالملك بن عمرو - عمير - عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال: «لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها وله أرش العيب وترد الحبلى ويرد معها نصف عشر قيمتها»(2)
ورواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال سألت أبا عبدالله (علیه السلام) عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها فيجدها حبلى قال: «يردها ويرد معها شيئاً»(3)
ورواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في الرجل يشتري الحبلى فينكحها وهو لا يعلم قال: «يردها و يكسوها»(4)
ورواية سعيد بن يسار عن أبي عبدالله (علیه السلام) قال في رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم فنكحها الذي إشترى قال: «يردّها ويرد نصف عشر قيمتها»(5) وغير ذلك من الروايات وقد عمل بها المشهور.
ص: 61
ولكن خالف في ذلك الاسكافي فحكم بالردّ فيما إذا كانت الجارية حاملاً من المولى فتكون أم ولد، فيبطل البيع لبطلان بيع أم الولد، دون ما إذا كانت حاملاً من غير المولى فإنها لا ترد كغير الحامل.
وقد حاول الشيخ (قدس سره) تقريب دعوى الاسكافي ومخالفة المشهور، فذكر أن هذه النصوص وإن كانت بحسب الظاهر الأولي موافقة لمذهب المشهور. لكن يبعده أمور:
وللشيخ(1) (قدس سره) هنا كلام طويل في ردّ ما ذهب إليه المشهور؛ إذ بعد أن اعترف بأن ظاهر هذه الروايات في باديء النظر ما ذكره المشهور، قال بأن العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من وجوه فنرفع اليد عنه، والوجوه التي ذكرها خمسة، وعلى تقدير تكون ستة، وهي:
أن الأخذ بظاهر النصوص، وحملها على جواز ردّ الجارية الحبلى مطلقاً، سواء أكانت أم ولد أم كان حملها من غير سيدها، يستلزم مخالفة ظاهرها في وجوب الردّ؛ لأن جواب الإمام (علیه السلام) في النصوص بالجملة الخبرية: «يردّها وتردّ»، والجملة الخبرية - كما حقّق في الأصول - ظاهرة في الوجوب، بينما فتوى المشهور جواز الردّ، وعدم سقوط الخيار بالوطئ، والأخذ بظاهر الجملة الخبرية في وجوب الردّ لا يكون إلّا إذا كان البيع فاسداً؛ إذ يكون ردّاً لمال الغير، وهو واجب، ولا يكون فاسداً إلّا إذا كانت الحبلى أم ولد، فإما أن نحافظ على ظاهر الجملة الخبرية في الوجوب، فنحمل النصوص على خصوص الحبلى أم الولد.
وإما أن نرفع اليد عن ظاهرها في الوجوب، ونقول بدلالتها على الجواز، فلا
ص: 62
يكون إلّا بحمل الحبلى على خصوص ما إذا كان الحمل من غير مولاها؛ إذ تكون الجملة الخبرية - حينئذٍ - واردة في مقام توهّم الحظر، الناشيء من الأخبار المتقدمة، المانعة من ردّ الجارية بعد الوطئ؛ إذ لو بقي الحمل على إطلاقه لم تستقم دعوى وقوع الجملة الخبرية في مقام دفع توهّم الحظر؛ إذ لا منشأ لتوهّم حظر ردّ الحامل، حتّى أم الولد.
والنتيجة: أنه لابدّ إما من التقييد بأم الولد، أو من مخالفة ظاهر الجملة الخبرية، وبما أنه خلاف الأصل، فنبقى على ظهورها في وجوب الردّ، فيكون قرينة على إرادة خصوص الحبلى أم الولد؛ إذ لا يكون وجوب الردّ إلّا إذا كان البيع فاسداً، ولا يكون فاسداً إلّا إذا كانت الجارية الحبلى أم ولد.
أنه ورد في النصوص السابقة: «يردّها... ويردّ معها نصف عشر قيمتها»(1)، والجملة الخبرية الثانية ظاهرة في الوجوب، ومحمولة عليه قطعاً؛ لأن تسليم نصف العشر في مقابل وطئ المشتري لها، وعليه إن حملت الجملة الخبرية الأولى على الجواز لزم اختلاف السياق، إما أن تحمل كلتا الجملتين على الوجوب أو على الجواز، وبما أن الجملة الثانية محمولة على الوجوب اتفاقاً، ولم يقل أحد باستحبابه لم يمكن رفع اليد عنه، فلابدّ من حمل الأولى على الوجوب أيضاً.
ووجوب ردّ الجارية الحبلي منحصر في مورد أم الولد؛ لكون البيع فاسداً، فيجب ردّ المبيع إلى صاحبه، وأما في غير أم الولد، فالحبل عيب يقتضي جواز الردّ والخيار.
والحاصل: أن الأخذ بقول المشهور يقتضي رفع اليد عن ظهور الجملة الثانية في
ص: 63
الوجوب، وحملها على الجواز، ولا قائل به، أو حملها على الوجوب، وحمل الجملة الأولى على الجواز، وهو منافٍ لوحدة السياق.
وأما الأخذ بقول الأسكافي (رحمة الله) ، الذي اختاره الشيخ (رحمة الله) فالظهور والسياق محفوظان في الجملتين، فتحمل كلتا الجملتين على الوجوب، فيجب ردّها؛ لكون البيع فاسداً، ويجب ردّ نصف عشر قيمتها غرامة للوطئ.
إن عندنا قاعدتين مسلمتين في الفقه:
القاعدة الأولى: أن منافع العين تابعة لها في الملكية، فمن يملك العين يملك منفعتها بالتبع، والتفكيك بينهما في الملكية لا يكون إلّا بأمر زائد، كما إذا بيعت العين بعد استئجارها؛ فإن مالك العين في هذه الحالة غير مالك المنفعة.
القاعدة الثانية: ذهب المشهور - وهو مقتضى الأدلة أيضاً - إلى أن انفساخ العقد بالفسخ يكون من حين الفسخ، لا من زمان العقد، ولهذا لو وقعت المعاملة، وكان فيها خيار الفسخ، ثمّ أعمل خياره وفسخ، كانت التصرّفات السابقة على الفسخ غير مضمونة؛ لأنها تصرفات وقعت في ملكه.
بخلاف ما لو قلنا بأن الانفساخ يقع من حين العقد؛ فإن التصرّفات الواقعة قبل الفسخ تكون مضمونة؛ لأنها وقعت في ملك الغير؛ لأن العين تعود إلى ملك صاحبها الأوّل من حين العقد.
إذا اتضح هذا، نقول: إن الروايات السابقة حكمت بوجوب إعطاء المشتري للبائع نصف عشر قيمة الجارية بسبب وطئها، وهذا الحكم يتنافى مع القاعدتين السابقتين، ولا يجتمع معهما؛ لأن مقتضى القاعدة الأولى أن منفعة العين تابعة لها في الملكية، فتكون مملوكة للمشتري، ومقتضى القاعدة الثانية أن انفساخ العقد من حين الفسخ، فوطئ المشتري لها كان في ملكه، فلا معنى لضمانه المنفعة المستوفاة.
ص: 64
فيلزم على رأي المشهور رفع اليد عن إحدى القاعدتين، فإما أن نقول بأن المنافع غير تابعة للعين، فتكون باقية تحت ملك البائع، ويكون التصرّف تصرّفاً في مال الغير.
أو نقول: بأن الانفساخ يحصل من زمان العقد، لا من حين الفسخ، فيكون التصرّف في ملك الغير أيضاً.
وبما أن ذلك يستلزم ارتكاب خلاف القاعدة، بخلاف ما إذا حملت الحبلى على خصوص أم الولد؛ - فإنه يمكن اجتماع القاعدتين مع الحكم؛ فإن بيعها يكون فاسداً، فيكون الوطئ واقعاً في ملك البائع؛ إذ لم تنتقل، ولم تنتقل منفعتها، فيكون ضامناً - .
كان المقدّم قول غير المشهور؛ لموافقته للقاعدتين، بخلاف قولهم، وحفظ كلتا القاعدتين قرينة على إرادة خصوص الجارية الحبلى أم الولد.
أنه يلزم من قول المشهور - عدم مانعية وطئ الحبلى عن الردّ، وبقاء الخيار - رفع اليد عن عمومين في روايتين:
الأوّل: عموم صحيحة زرارة(1) الدالة على سقوط خيار من أحدث فيما اشترى حدثاً؛ فإن المشهور يخالفون ذلك ويقولون بثبوته، بخلاف حمل الحبلى على أم الولد؛ فإنه لا يلزم ارتكاب مخالفة العموم؛ لأن البيع فاسد من الأوّل.
الثاني: عموم الروايات المعتبرة الدالة على مانعية الوطئ عن الردّ مطلقاً(2)، الشاملة للحائل والحامل؛ فإنا إذا قلنا بمقالة المشهور، وحملنا هذه الروايات على جواز الردّ في الحبلى مطلقاً لزم منه رفع اليد عن عموم تلك الروايات، بخلاف ما إذا حملنا هذه الروايات على خصوص أم الولد؛ فإن عموم تلك على حاله.
ص: 65
أن الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير المتقدّمة: «رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم»(1) وقوع السؤال عن بيع أم الولد، وإلّا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة؛ لأن المؤثر على مقالة المشهور هو علم المشتري وجهله، لا البائع؛ لأن المشتري إذا كان عالماً بالعيب سقط خياره.
كما أن ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم، الوارد فيها عبارة «يكسوها»(2) أن المراد بها أم الولد؛ لأن الكسوة لا تكون إلّا إلى الحرائر(3)، ونسبت إلى أم الولد لتشبّثها بالحرية، فشبّهت بهنّ، وأما غيرها فهي مملوكة صرف، فلا ينسب لها الكسوة.
«أنّ أخبار عدم مانعيّة الوطي من ردّ الحبلى تقيّد بما إذا لم يتصرّف المشتري قبل الوطي بمثل أمر الجارية بالسقي والكنس ونحوهما، إذ مع وقوع مثل هذه التصرّفات يسقط الردّ، فعدم مانعيّة الوطي من الردّ مقيّد بعدم مثل هذه التصرّفات. وهذا تقييد بفرد نادر، ضرورة أنّ من النادر جدّاً عدم تحقّق شيءٍ من نحو هذه التصرّفات قبل الوطي، ولا أقلّ من مقدّماته من التقبيل واللّمس والنظر إلى الفرج ونحو ذلك، وهذه التصرّفات مانعة عن الردّ.
وأمّا على مذهب غير المشهور من اختصاص الحبلىٰ بأُمّ الولد لا يلزم التقييد المزبور، لوجوب ردّها على كلّ حال، لبطلان بيعها سواءٌ تصرّف فيها بشيءٍ أم لا.
[وبعبارة أخرى]: أنّه لا موجب للتقييد المزبور بعد إمكان إرادة الإطلاق بحمل «الحبلى» على أُمّ الولد، إذ تردّ الحبلىٰ حينئذٍ مطلقاً، فليس ما نحن فيه نظير ما دلّ
ص: 66
على ردّ الجارية بعد مدّةٍ طويلة كستّة أشهر إذا لم تحض في تلك المدّة عند المشتري، فإنّه لابدّ من تقييد ذلك بعدم تصرّفٍ من المشتري فيها في تلك المدّة، لما دلّ على مسقطيّة التصرّف للردّ.
وأمّا فيما نحن فيه، فلمّا أمكن حمل «الحبلى» على أُمّ الولد، فلا داعي إلى التقييد بعدم التصرّفات، لأنّ أُمّ الولد - لبطلان بيعها - مردودة مطلقاً.
وبالجملة: فالتقييد بالفرد النادر لا يصار إليه إلّا لضرورةٍ تقتضي ذلك، وهي مفقودة في أُمّ الولد، لبطلان بيعها، فهي تردّ على كلّ حالٍ إلى بائعها، وموجودة في غير أُمّ الولد، إذ المفروض صحّة بيعها، فحينئذٍ يكون التصرّف مسقِطاً للردّ وملزِماً للعقد ومعيِّناً للأرش، فالفرار عن محذور التقييد بالفرد النادر يوجب حمل «الحمل» على كونه من المولى. فهذا الوجه أحد الوجوه المرجّحة لمذهب غير المشهور»(1)
هذه مجموعة الوجوه الستّة التي كانت دليلاً أولاً على ترجیح مقالة الاسكافي على مقالة المشهور - على خلاف سنة الشيخ (قدس سره) في تبنّيه لقول المشهور وتجنّبه مخالفته - ، ولكنها بجميعها كانت محلاً للمنع والمناقشة... .
أما الأول: فيمكن أن يلتزم بكون المراد بالحمل خصوص الحمل من غير المولى بقرينة من نفس النص، فلا يكون من التقييد المخالف للظاهر، وذلك... .
بملاحظة معتبرة عبد الملك بن عمرو(2)، فانه حكم فيها بعدم ردّ غير الحبلى و ردّ الحبلى، وظاهر المقابلة كون موضوع الرد وعدمه واحداً، فلابدّ أن يفرض العقد صحيحاً، إذ المنفي بالقضية الأولى هو الخيار وحق الرد، فيكون التقابل بين اللزوم وعدمه، لا بين الصحة والفساد.
ص: 67
وبملاحظة صحيحة ابن سنان لقوله في ذيلها «وقال علي (علیه السلام) لا ترد...»(1) الظاهر أنه في مقام توهم المنافاة بين ما في ذهن السائل من عدم ثبوت الرد والحكم بالرد في الحبلى، فانه قرينة على كون موضوع الحكم بالرد هو الحامل من غير المولى إذ لو كان الموضوع هو أم الولد، لم يكن وجه لتوهم المنافاة، كما هو واضح.
وهذه المناقشة أشار إليها السيّد الطباطبائي(2) (رحمة الله) وأوضحها المحقّق الاصفهاني(3) (رحمة الله) .
وأما الشق الأول من كلامه(4) أعني استلزام حمل الصيغة على غير الوجوب وهو خلاف الظاهر... .
فقد أورد عليه: بأن هذا ينافي ما تقرر في محله من أن الأوامر والنواهي الواردة في باب المعاملات لا ظهور لها في كونها أحكاماً تكليفية مولوية بل هي إرشادية، فلا موضوع لما أفاده (قدس سره) .
وتحقيق الكلام في ذلك: أن الرد... .
تارة: يراد به رد العين خارجاً بتسليمها لصاحبها وهو إنما يكون في صورة بطلان العقد، والوجوب في مثله تكليفي للزوم رد العين الى مالكها وحرمة التصرف فيها.
وأخرى: يراد به الرد المعاملي الراجع الى فسخ المعاملة وهو يكون في مورد العقد الجائز بجواز حكمي أو حقي. والوجوب في مثله إرشادي وضعي.
وعليه، فنقول: إن كان المراد بالحمل، الحمل من غير المولى كان الأمر بالرد
ص: 68
ظاهراً في الارشاد الى جواز الفسخ.
وإن كان المراد به الحمل من المولى كان الأمر بالرد ظاهراً في وجوب تسليم العين لصاحبها لأجل بطلان البيع.
وعليه، فلا تعين للأمر في كونه للوجوب، فكيف يفرض الشيخ (قدس سره) ظهوره في الوجوب ثم يجعل ذلك قرينة على إرادة الحمل من المولى؟ مع أنه لا يكون ظاهراً في الوجوب إلا بعد فرض كون موضوعه الحمل من المولى؟
وبهذا النحو من البيان يتعين الايراد على الشيخ (قدس سره) لا بالبيان السابق(1)، لما عرفت من عدم تعين ظهور الأمر بالرد في الارشاد إلا بعد فرض كونه وارداً في الرد المعاملي لا الرد الخارجي وهو بعدُ أول الكلام.
وأمّا الثاني: [فقد يرد عليه: أوّلاً: بعدم اعتبار السياق عندنا في الكتاب والسنة. وثانياً: «يردها» الأوّل ارشاد إلى جواز البيع ووجود الخيار فيه و «يرد...» الثاني وجوب تكليفي بردّ العقد فلا سياق في البين حتّى على القول بأن المراد بالحبلى أم الولد لأنّ المراد بالأوّل هو البطلان وبالثاني تكليف بوجوب العقر].
وأمّا الثالث: فقد أورد عليه بما يشبه الاشكال اللفظي، فلا أهمية له.
والعمدة في الايراد عليه ما ذكر من: أنه لا مانع من تخصيص عموم القاعدة بعد تمامية الدليل المخصص، ولا يستلزم ذلك التصرف في الدليل المخصص إذا كان ظاهراً في حد نفسه في التخصيص.
ولكن يمكن التأمل في هذه المناقشة بأن مثل هذا مما لا يخفى على مثل الشيخ (قدس سره) ، فمراده أن قاعدة عدم العقر على المالك وإن كانت قاعدة عامة لكنها من القواعد العامة التي تكون بنحو أشبه بالصريحة في كل فرد فرد، بحيث إذا ورد الدليل
ص: 69
الخاص الظاهر على خلافها كان معارضاً لها لا مخصصاً.
وملاك هذه القاعدة هو قاعدة السلطنة على المال والانتفاع به بلا مقابل وهي قاعدة إرتكازية عقلائية عامة لكن عمومها يشبه النص في كل فرد.
ولدينا من القواعد ما يكون كذلك كقاعدة الاجزاء في الأوامر الاضطرارية - على ما قيل - فالعمدة في الجواب ما نقله المحقّق الاصفهاني(1) (رحمة الله) عن بعض الأجلة - والظاهر أنه الفقيه الهمداني(2)- من أن السلطنة هاهنا على الانتفاع بالوطء غير ثابتة، لما ورد في النصوص القطعية من المنع عن وطء الحامل، وعليه فلا ينافي جعلُ العقر قاعدة السلطنة.
وأما الرابع: فقد أورد عليه بأنه لو تم ظهور هذه النصوص في عدم مانعية الوطء في الحامل من غير المولى كانت مخصصة لعمومات مانعية التصرف أو مانعية الوطء ولا مانع منه.
ويمكن توجيه كلامه (رحمة الله) بأن المورد من موارد دوران الأمر بين التخصيص والتخصص، لأن ارادة الحمل من المولى تلازم التخصص لبطلان البيع، وارادة الحمل من غير المولى تلازم التخصيص.
وقد ثبت أنه مع دوران الأمر بين التخصيص والتخصص يتمسك بأصالة العموم لنفي التخصيص، كما لو ورد أكرم كل عالم، ثم ورد لا تكرم زيداً، ودار الأمر بين ارادة زيد الجاهل فيكون تخصصاً وارادة زيد العالم فيكون تخصيصاً، كان مقتضى أصالة العموم عدم التخصيص.
ويمكن المناقشة في ذلك: بأن هذا الكلام - لو تم - إنما يتأتى فيا إذا كان الدليل
ص: 70
[الخاص] مجملاً مردداً، لا ما إذا كان ظاهراً في التخصيص كما فيما نحن فيه، إذ عرفت ظهور النصوص بقرينة المقابلة في كون الموضوع خصوص الحمل من غير المولى. فلاحظ.
وأما الخامس: فقد أورد عليه بامكان تصوّر الفائدة للتقييد لو فرض كون الموضوع الحمل من غير المولى، مثل تخيّل السائل الفرق في ثبوت الخيار وعدمه بين علم البائع وجهله فكان يتخيل عدم الخيار لو فرض أنه جاهل لعدم تقصيره، فكان الجواب بثبوت الرد.
ومثل دفع توهم ورود إعتراض على البائع في عدم إخباره بالحمل فانه عيب والعيب يلزم الاخبار به.
وأما الاشارة الى كون الموضوع أم الولد بلفظ الكسوة، فهي لو سلمت لا حجية فيها، أن المدار على الظهور لا الاشعار.
وأما السادس: فأورد عليه... .
أولاً: بأنه يصلح أن يكون إيراداً جدلياً الزامياً، وإلا فالشيخ (قدس سره) لا يلتزم بسقوط الرد بمثل هذه التصرفات.
وثانياً: بأنه لم يفرض في النصوص مضي مدة معينة كي يقال بملازمتها لوقوع هذه التصرفات، فمن الممكن أنه وطأها فور شرائه لها وقبل أمرها بأي شيء.
وثالثاً: أنه لو سلم ذلك بعد ظهور النصوص في كون الموضوع هو الحامل من غير المولى، تكون دليلاً على تخصيص أدلة السقوط بالتصرف بملاحظة ملازمة الوطء لهذه التصرفات عادة، وحملها على صورة عدم وقوعها حمل لها على الفرد النادر.
وبذلك يتحصل لنا أن جميع هذه الوجوه مردودة. وأن الأمر الأول الذي ذكره الشيخ (قدس سره) تقريباً لكلام الاسكا في محل منع.
ص: 71
أنه لو سلم عدم ظهور النصوص المتقدمة في الحمل من المولى خاصة، كانت معارضة بمادل على منع الوطء من الرد بالعموم من وجه، لأن هذه النصوص(1) تعم صورة بيع الحامل من المولى وبيع الحامل من غير المولى، كما أن نصوص الوطء تعم صورة بيع الحامل من غير المولى وصورة بيع عدم الحمل، ولا تشمل بيع الحامل من المولى، لأن المفروض في أخبار الوطء هو البيع الصحيح كما لا يخفى.
وذهب (قدس سره) الى أن الوجوه الخمسة المتقدمة - ماعدا الثالث(2)- يكون مرجحاً لتقييد هذه النصوص بالحمل من المولى. وإنما لم يذكر الوجه الثالث مرجحاً، لأن المفروض أن أخبار مانعية الوطء جعلها طرفاً للمعارضة فلا معنى للترجيح بها، فانتبه.
وفيه: أنك قد عرفت فى مناقشة الدليل (الأمر) الأول أن نصوص رد الحامل خاصة بالحمل من غير المولى فنسبتها الى نصوص مانعية الوطء نسبة الخاص الى العام، بل قد عرفت نظر رواية ابن سنان(3) الى روايات مانعية الوطء وتعيين المراد منها فتكون حاكمة، بل في أعلى مراتب الحكومة - كما يقول المحقّق الاصفهاني(4) (رحمة الله) - .
أنه لو فرض تكافؤ الدليلين العامين من وجه، فالنتيجة هي التساقط في بيع الحامل من غير المولى، والمرجع هو العام الفوقاني وهو مادل على أن إحداث الحدث مسقط لكونه رضاً بالبيع، كما مرّ في خيار الحيوان.
ص: 72
وتظهر الخدشة في هذا الدليل مما تقدم، إذ لا معارضة كي تصل النوبة الى التكافؤ والتساقط.
ثم انه ذكر (قدس سره) أنه يمكن الرجوع - بعد التساقط - الى مادل على جواز الرد مع قيام العين. ولم يجزم به، ولعل الوجه في عدم جزمه تردده في أن الوطء مغير أو ليس بمغير، كما مرّت الاشارة إليه في صدر هذا الفرع، فراجع.
وقد تصدى المحقّق الاصفهاني(1) (رحمة الله) لبيان مراد الشيخ (قدس سره) بوجه علمي وهو لا يخلو عن شائبة ولا يهمنا التعرض إليه بعد أن كان موضوع البحث لا يستدعي أكثر.من هذا التطويل وبعد أن عرفت عدم وصول النوبة إليه، ولأجل ذلك بنينا على إهمال ما ذكره الشيخ (قدس سره) أخيراً من أنه لو بنى على عدم الرجوع الى عموم: «فأحدث فيه من بعد ما قبضه شيئاً»(2) لعدم تماميته في نفسه، فيكون مقتضى الأصل ثبوت الرد، لكن إثبات العقر مشكل إلا أن يرجع الى عدم القول بالفصل وإن تصدى المحقّق الاصفهاني(3) (رحمة الله) الى ذكر بيان رشيق في هذه الجهة، فالتفت.
والمتحصل مما ذكرنا: أن لزوم متابعة المشهور في الاستظهار من النصوص هو المتعين.
ثم إنك عرفت من ملاحظة النصوص ثبوت العقر مع الرد. ويقع الكلام في تحديده، فهل هو نصف العشر مطلقاً في الثيب والبكر؟ أو أنه يختلف في الثيب عنه في البكر؟ فيلتزم بأنه نصف العشر في الثيب وأنه العشر في البكر.
ص: 73
وقبل تحقيق هذه الجهة لابدّ من تحقيق ما هو بمنزلة الموضوع لهذه الجهة، وهو ثبوت الرد في البكر الحامل، فيقع البحث أولاً في أن الحامل إذا كانت بكراً ووطئها المشتري فهل يثبت الرد فيها أو لا؟ والذي يمكن أن يستدل به على اثبات الرد فيها وجوه ثلاثة:
الأول: إطلاق النصوص المتقدمة، فان الموضوع فيها بيع الحبلى وهي تشمل الثيب والبكر.
الثاني: مرسلة الكافي(1) المتكفلة للتفصيل في العقر بين العشر للبكر ونصف العشر للثيب، فإنها تدل على ثبوت الرد في البكر لأن موضوع العقر رد الجارية.
الثالث: رواية عبد الملك بن عمرو الأخرى(2) التي تتكفل اثبات العشر مع رد الجارية بناء على حملها على البكر جمعاً بينها وبين نصوص نصف العشر بحمل الأخيرة على الثيّب إذا فرض أن الجمع عرفي.
وفي الجميع نظر. أما الأول: فلانصراف اطلاق الحبلى الى الثيب جزماً، بحيث لا يتبادر منه غيرها أو الأعم منها.
وأما الثاني: فلأنها مرسلة لا تكون حجة إلا مع عمل المشهور بها على قول، وهو لو سلم كبروياً فلا يسلم صغروياً، إذ غاية ما هو الثابت هو نقل الاجماع، وهو لا يصلح جابراً لا بإعتبار نفس النقل كما هو واضح ولا بإعتبار المنقول، إذ تحقّق الانجبار بعمل الأصحاب ليس من الآثار الشرعية للعمل كي يكون التعبد بنقل فتوى الأصحاب تعبداً بالأثر الشرعي وهو إنجبار الخبر. بل هو من الآثار التكوينية العقلائية باعتبار حصول الاطمئنان والوثوق بصدور الخبر من عمل الأصحاب به.
ص: 74
ونقل الاجماع لا يثبت المنقول تكويناً كي يترتب عليه أثره.
هذا، مع أن غاية ما يثبته نقل الاجماع هو موافقة فتوى الأصحاب للخبر دون إستنادهم إليه، إذ لعّل مستندهم أمر آخر كما سنشير إليه بعد ذلك، والجابر هو إستناد المشهور الى الخبر لا مجرد الموافقة، فتدبر.
وأما الثالث: فلأن هذا الجمع ليس جمعاً عرفياً بل هو جمع تبرعي فلا وجه للالتزام به، وسيأتي احتمال سهو الناقل أو استحباب العشر، فانتظر.
والمتحصل: أنه لا دليل على ثبوت الرد في البكر الحامل.(1) هذا كله مع أن الوطء في البكر يستلزم تغيير العين(2)، فيكون مانعاً من الرد بمقتضى ما تقدم من النصوص.
ولا إطلاق لأدلة رد الحامل من هذه الجهة، لأن أدلة رد الحامل تفصيل وإستثناء من أدلة مانعية الوطء والمفروض في أدلة الوطء كون العين قائمة بعينها بحيث لولا الوطء تكون قابلة للرد فلا نظر فيها الى ما إذا كان العين متغيرة، فتدبر.
ولو سلم ثبوت الرد في البكر - ولو من جهة دعوى الاجماع - ، فيقع الكلام في مقدار العقر فيها وفي الثيب.
والأقوال في ذلك ثلاثة:
الأول: ما ينسب الى ظاهر المشهور من كونه نصف عشر القيمة في الثيب والبكر.
ص: 75
الثاني: ما ينسب الى جملة من المحقّقين(1) من المتأخرين من التفصيل بين البكر والثيب، فنصف العشر في الثيب والعشر في البكر.
الثالث: ما ينسب الى الحلبي(2) من أنه العشر مطلقاً.
أما دليل القول الأول، فهو اطلاقات النصوص المتقدمة.(3) مع عدم تمامية المقيد.
وقد تقدم الاشكال في هذه المطلقات من جهة إنصرافها الى الحامل الثيب. ولو سلم تمامية الاطلاق فسيأتي الكلام فيما يدعي كونه مقيداً ودليلاً على التفصيل.
و أما [الدليل القول الثالث وهو] دليل الحلبي، فهو رواية عبد الملك(4) المتقدمة المتضمنة لجعل العشر بقول مطلق.
وفيه: أنه لو سلم أنه ليس بسهو من الراوي او الناسخ خصوصاً بعد رواية الصدوق(5) لها بنفس السند بلفظ نصف العشر، فهي معارضة بالنصوص المتظافرة المشتملة على النصف، ومقتضى الجمع العرفي بينها هو حمل رواية العشر على الاستحباب، لأن تلك النصوص نص في كفاية النصف وهذه ظاهرة في لزوم تمام العشر، فيحمل الظاهر على الاستحباب ببركة النص.
وأما دليل القول الثاني: فهو وجوه:
الأول: مرسلة الكليني(6) المتضمنة للتفصيل. وقد عرفت الحال فيها وأنها لا تصلح للاستدلال.
ص: 76
الثاني: رواية عبد الملك(1) بعد الجمع بينها وبين نصوص نصف العشر بحملها على البكر وحمل تلك على الثيب. وقد عرفت أنه ليس جمعاً عرفياً فلا يصار إليه كما لا يصار إلى سائر وجوه الجمع المذكورة غير ما أشرنا إليه من حملها على الاستحباب.
الثالث: الاستقراء، فانه عند تتبع الموارد المشابهة لهذا المورد نرى أن الشارع جعل العقر لوطء البكر العشر ولوطء الثيب نصف العشر، فيحصل الاطمئنان بذلك.
فيما نحن فيه ولو بضميمة المرسلة والاجماع المنقول. ولولا ذلك فمقتضى الأصل العملي هو كفاية نصف العشر وعدم وجوب الزائد لأصالة البراءة منه.
وبالجملة، فالأقوى هو القول الثاني(2) وبعده الأول، فتدبر.
احداهما: رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله(3) المتقدمة المتكفلة لرد شيء مع الجارية.
والأخرى: رواية محمّد بن مسلم(4) المتقدمة المتكفلة لكسوة الجارية.
أما الأولى، فهي بإطلاقها مما لا يمكن الالتزام بها لأنها مخالفة للاجماع، إذ لا يكفي مسمى الشيء قطعاً، فتحمل - كما أفاد الشيخ(5) (قدس سره) - على كونها في مقام بيان تشريع أصل العقر بلا نظر الى مقداره.
ص: 77
وأما الثانية، فقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) أنه حمل على كسوة تساوي العشر أو نصفه. ثمّ قال: ولا بأس به في مقام الجمع.
وهذا البيان مجمل.
وذلك: لما أفيد من أن هذه الألفاظ مثل «العشر أو نصفه أو القيمة» ونحوها مما يرد في باب الضمان وشبهه ظاهرة عرفاً فى ارادة النقد لا مطلق الأشياء، فلو قيل أنه ضامن للقيمة كان ظاهراً في إرادة النقد لا إرادة مطلق الأشياء ولو مثل الكتاب، فلا يصح له إعطاء الكتاب بدلاً عن التالف.
وعليه، فيكون بين النصوص المتكلفة لرد نصف عشر القيمة وبين هذا النص تباین، فتتحقّق المعارضة بينهما ولا يصح الجمع المتقدم.
فلابدّ في مقام الجمع بينهما من التنزل عن الالتزام بالظهور المزبور ويلتزم بإرادة الأعم من النقد وغيره.
وعليه، فيكون بينهما عموم من وجه لأن نصوص نصف العشر تعين النصف أعم من أن يكون كسوة أو غيرها. ونص الكسوة يعيّن الكسوة أعم من النصف والأقل منه.
وبما أن الالتزام بالأقل من النصف مخالف للاجماع، فيقيد هذا الاطلاق وينحصر مورده في الكسوة البالغ مقدارها النصف، فتكون مقيدة لنصوص نصف العشر - بعد فرض وحدة الحكم - بما إذا كان كسوة لانقلاب النسبة، فيكون مقتضى الجمع اعتبار كلا الأمرين.
فالجمع المزبور يتوقف على مقدمتين:
إحداهما: الالتزام بعدم ظهور نصوص نصف العشر في إرادة النقد.
ص: 78
والأخرى: الالتزام بانقلاب النسبة.
وهنا بيان آخر للجمع المزبور أصح ولا يتوقف على الالتزام بانقلاب النسبة وهو: أن المعارضة بين هذين العامين من وجه ليس في مورد الاجتماع بل في مورد الافتراق، وكل منهما ظاهر في مورد الافتراق فيرفع اليد عنه بنصوصية الآخر.
بيان ذلك: أن نص الكسوة أعم من نصف العشر والأقل منه فهو ظاهر باطلاقه في كفاية الأقل من نصف العشر، فينافي نصوصية النصوص الأخرى في اعتبار نصف العشر فيرفع اليد عن نص الكسوة.
كما أن تلك النصوص ظاهرة في كفاية غير الكسوة بالاطلاق ونص الكسوة نص في إعتبار الكسوة، فيرفع اليد بواسطته عن اطلاق تلك النصوص فتكون النتيجة هو إعتبار الأمرين الكسوة ونصف العشر، فالتفت.
هذا تمام الكلام في تحديد العقر.
ومن دعوى انصراف الوطء الى الوطء في القبل فيقتصر عليه في تخصيص العمومات، فيكون الوطء في الدبر مانعاً من الرد.(1)
الفرع الثاني: في لحوق التقبيل واللمس بالوطء. وقد ذكر الشيخ(2) (قدس سره) أن فيه وجهين منشؤهما الخروج عن مورد النص والأولوية، وتوضيح ذلك: أن الوطء له أحكام ثلاثة:
[أ] مانعيته من الرد في غير الحامل. [ب] وعدم مانعيته في الحامل. [ج] وثبوت العقر به.
والظاهر أن الملحوظ في كلام الشيخ (قدس سره) هو لحوق التقبيل واللمس بالوطء في عدم مانعيته للرد في الحامل. إذ لا وجه للحوقهما به في مانعيته للرد في غير الحامل، إذ لا أولوية ولا ملازمة كما لا يخفى. كما لا يحتمل لحوقهما به في ثبوت العقر كما هو واضح. فالبحث في لحوقهما [بالوطء] في عدم مانعيته للرد في الحامل.
ولا يخفى أن هذا البحث إنما يتأتى لو فرض أن مطلق التصرف ولو بمثل اللمس والتقبيل يسقط الرد، فيبحث هاهنا في عدم سقوطه بهما لخصوصيته. وأما لو فرض أن مطلق التصرف غير مسقط بل خصوص المغيّر، فلا موضوع للبحث المزبور لعدم سقوط الرد بهما جزماً من دون حاجة الى الإلحاق، إذ هما من التصرفات غير المغيرة.(3)
ثم إنه لا يخفى انه لا حاجة الى دعوى الأولوية بل هي لا تخلو عن نظر، إذ يمكن اثبات الالحاق بدعوى أن الوطء عادة ملازم للتقبيل واللمس، فدليل عدم
ص: 80
مانعية الوطء دليل على عدم مانعية التقبيل واللمس.
وإحتمال إختصاص عدم المانعية - بمقتضى الدليل المزبور - بالتقبيل واللمس الملحوقين بالوطء دون المنفردين لا يخفى ضعفه، فلاحظ.
الفرع الثالث: لو انضم الى الحمل عيب آخر، فهل يسقط الرد أو لا؟
قد يستشكل(1) في سقوط الرد بالوطء من جهة صدق تعيبها بالحمل، فلا يسقط الرد. ومن جهة تعيبها بغير الحمل فيسقط الرد بالوطء.(2)
ومنعه الشيخ(3) (قدس سره) بأن التعيب بغير الحمل إن كان له اقتضاء لسقوط الرد بالوطء، ثبت الاشكال، ولكنه ليس كذلك بل هو لا يقتضي سوى عدم تأثير العيب في الرد مع التصرف وهذا لا ينافي وجود عيب آخر يكون مؤثراً.
وبعبارة واضحة أنه مع التصرف لا يكون عيب غير الحمل مؤثراً في الرد لا أنه يكون مؤثراً في عدم الرد. فهو لا إقتضاء فلا يزاحم ما له اقتضاء الرّد بمقتضى دليله.
الفرع الرابع: في اختصاص الحكم بالرد بصورة الوطء مع الجهل بالحمل،(4) أو عمومه لصورة العلم به.(5)
ص: 81
ذكر الشيخ(1) (قدس سره) أن مقتضى بعض النصوص(2) هو اختصاص الحكم بصورة الجهل لتقيد موضوعها بعدم العلم، لكن مقتضى اطلاق كثير من النصوص العموم(3) ولا تنافي بين المقيد والمطلق فيما نحن فيه كما لا يخفى، إذ ظاهر المقيد ورود الحكم على موضوع خاص لا تقييد الحكم به وقصره عليه، فلاحظ.
من مسقطات الرد خاصة: حدوث عيب عند المشتري بعد العقد.
وقد فصّل الشيخ(4) (قدس سره) الكلام في ذلك، فذكر أن العيب الحادث عند المشتري بعد العقد.
إما أن يحصل قبل القبض.
وإما أن يحصل بعد القبض في زمان خيار آخر يضمن البائع فيه المبيع، كخيار المجلس والحيوان [والشرط].
وإما أن يحصل بعد القبض وبعد زمن الخيار المزبور. فهذه صور ثلاث للعيب الحاصل بعد العقد عند المشتري.
وقد أفاد (قدس سره) أن محل الكلام في سقوط الرد بالعيب - في خيار العيب - هو الصورة الثالثة للعيب الحادث دون الصورتين الأولتين، فان العيب فيهما لا يمنع من
ص: 82
الرد.
أما الصورة الأولى، فلا خلاف ظاهراً في أنه لا يمنع من الرد، بل يكون العيب الحادث كالموجود قبل العقد حتى في ثبوت الأرش على الخلاف المذكور في أحكام القبض.(1)
وأما الصورة الثانية، فلا خلاف أيضاً في كونه غير مانع من الرد بل هو سبب مستقل موجب للرد بل الأرش، على الخلاف المتأتي(2) في العيب قبل القبض بناء على اتحاد المسألتين،(3) كما يظهر من بعض. ويدل على ذلك ما يأتي من أن الحدث في زمان الخيار مضمون على البائع ومن ماله ومعناه ضمانه على الوجه الذي يضمنه قبل القبض بل قبل العقد.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) بالنسبة الى الصورتين الأوّلتين للعيب الحادث بعد العقد. ويقع الكلام حول ما أفاده في جهتين:
الجهة الأولى: - وهي غير مختصة بوقوع العقد على المعيب بل تعم كل عقد حدث العيب بعده وقبل القبض أو في زمن الخيار الذي يضمن البائع فيه المبيع، فتشمل العقد الواقع على الصحيح حال العقد - في أن العيب الحادث بعد العقد بأحد النحوين هل يستلزم ثبوت الخيار أو لا؟
وتحقيق ذلك: أنه قد ورد(4) أن المبيع إذا حدث فيه حدث قبل قبضه فهو من مال بائعه، كما ورد(5) أن الحدث في زمن الخيار ممن لا خيار له، وقد أختلف في المراد بذلك
ص: 83
والمحتملات المذكورة فيه ثلاثة:
الأول: ما ينسب الى الشهيد الثاني(1) (رحمة الله) من كون تدارك التلف وعهدته على البائع ومن لا خيار له نظير باب الضمان، فيكون الحكم بالتدارك تعبدياً صرفاً.
الثاني: أن يكون مرجع ذلك الى الحكم بانفساخ المعاملة قبل التلف آناًمّا، فيرجع المبيع الى البائع فيكون التلف من ماله. كما ترجع العين الى من لاخيار له فيكون تلفها من ماله [ولازمه الحكم بانفساخ المعاملة بحدوث العيب لا الخيار].
الثالث: أن يكون مرجع ذلك فرض العين قبل العقد، فكما يكون تلفها قبله من مال البائع لعدم إنتقالها الى المشتري فكذلك فيما نحن فيه. [ولازمه ثبوت الخيار].
والذي يظهر من الشيخ(2) (قدس سره) هاهنا هو الالتزام بالثالث بنحو يتصور كونه مفروغاً عنه، ولازمه ثبوت الخيار بالعيب الحادث لكون المفروض فرض الحدث الواقع بعد العقد وقبل القبض واقعاً قبل العقد، وظاهر أنه لو كان واقعاً قبل العقد حقيقة لإستلزم ثبوت الخيار.
ولكن يرد على الشيخ (قدس سره) :
أولاً: أنه قد اختار في محله(3) من أحكام القبض الوجه الثاني ولم يتعرض الثالث أو تعرض له بنحو الاشارة، فكيف يفرضه هاهنا مفروغاً عنه.
وثانياً: أنه على الوجه الثاني الذي يبني عليه في محله لا يلتزم بثبوت الخيار بحدوث العيب بل لو عمم الحدث لتخلف وصف الصحة فلازمه الحكم بانفساخ المعاملة بحدوث العيب لا الخيار، إذ الوصف لا يقابل بالمال فلا معنى لضمانه إلا تبعاً لضمان العين ومقتضاه إنفساخ المعاملة من أساسها لا تزلزلها بحدوث الخيار، فانتبه.
ص: 84
الجهة الثانية: في أنه لو فرض أن هذا العيب الحادث موجب للخيار، فهل يكون مانعاً من الرد بالعيب السابق على العقد بالملاك الآتي في الصورة الثالثة وهو كونه مغيراً للعين. أو لا يكون مانعاً؟
ظاهر الشيخ (قدس سره) إمتناع كونه مانعاً لأنه سبب للخيار وما يكون سبباً للخيار كيف يكون مانعاً عنه؟ فقوله: «بل هو سبب مستقل»(1) إشارة الى جهة إمتناع مانعيته عن الرد، ففي كلامه مقدمة مطويّة هي التي أشرنا إليها.
وقد يُرَدُّ ذلك بأنه ليس مانعاً عما يكون سبباً له كي يكون ذلك خُلْفاً، بل هو سبب لفرد من الخيار ومانع عن فرد آخر وهو الفرد الثابت بواسطة العيب السابق، وهو لا محذور فيه.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني(2) (رحمة الله) كما نقله وأوضحه المحقّق الاصفهاني(3) (رحمة الله) بأن الخيارات مع اختلافها في الخصوصيات لها جهة جامعة هي طبيعي التخاير. ومقتضى المسانحة بين العلة بين والمعلول اشتراك أسبابه في جهة جامعة بين مقتضياته وعلله.
وغرضه (قدس سره) أن المقتضيات المتكثرة بمنزلة مقتض واحد والخيارات المتعددة بمنزلة خيار واحد فلا يعقل أن يكون مقتضى الخيار مقتضياً لعدمه ولا يعقل طبيعي المقتضي مقتضياً للثبوت وفرده مقتضياً لعدمه، إذ الفرد بما هو فرد الجامع ليس إلا وجود الجامع بوجود حصة منه، فلا يعقل إختلاف مقتضاهما وجوداً وعدماً.
هذا ما نقله المحقّق الاصفهاني بتوضيح منه كما أفاده (رحمة الله) .
والجواب عنه - مع الغض عما يدور حوله من كلام - أن العيب الحادث وإن
ص: 85
كان مقتضياً للخيار لكنه لا ينافي أن يمنع عن خيار العيب السابق، إذ إقتضاؤه للخيار بما هو عيب ومانعيته عن الخيار السابق بما هو تغيير، فيرتفع المحذور لإختلاف المقتضي للخيار والمانع عنه حقيقة وواقعاً، فالتفت.
ثم إن ظاهر الكل هاهنا أنه على تقدير إستحالة مانعية العيب الحادث عن الخيار السابق يلتزم بثبوت الخيارين، مع أن مقتضى القواعد غير ذلك بل مقتضاها وقوع المعارضة بين الدليل الدال على إستلزام التلف قبل القبض للخيار والدليل الدال على أن التَغَيُّرَ مسقطٌ لخيار العيب، لا متناع الالتزام بهما معاً في المجمع.
والنسبة هي العموم من وجه، لشمول الأول لمورد العقد على الصحيح والعقد على المعيب.
وشمول الثاني للتغير بعد القبض والخيار وقبله، فيكون الدليلان متعارضين بعدم امكان الأخذ بهما معاً لاستلزامه المحال. ولا معنى للالتزام بثبوت خيارين. فانتبه ولا تغفل، والعصمة لأهلها.
ثم إن السيّد الطباطبائي(1) (رحمة الله) التزم بأن دليل مسقطية التغير للرد لا يشمل التغير الحاصل قبل القبض بعد أن فرض كون العيب الحادث قبل القبض كما لو حدث قبل العقد، فإن مقتضاه تنزيل هذا التغير منزلة التغير قبل العقد وهو لا يوجب سقوط الخيار، لأن التغير الموجب لسقوط الخيار هو التغير بعد العقد، كما لا يخفى.
فمرجع ما أفاده الى قصور دليل مانعية التغير عن شموله لمثل هذا التغير. وهذا الكلام متين لا نرى فيه إشكالاً.
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى والثانية من صور العيب الثلاثة.
أما الصورة الثالثة التي هي محل الكلام وهي ما إذا حدث العيب بعد القبض
ص: 86
وإنقضاء زمان الخيار، فقد قيل ان المشهور(1) على أنه مانع من الرد بالعيب السابق بل حكي الاجماع عليه.(2) والمذكور في وجه ذلك وجوه عديدة:
منها: ما حكاه الشيخ (قدس سره) عن العلّامة(3) (رحمة الله) من أن العيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع فيكون مضموناً على المشتري فيسقط ردّه للنقص الحاصل في يده، لأنه ليس تحمّل البائع له بالعيب السابق أولى من تحمّل المشتري به للعيب الحادث، فيكون المورد من موارد تعارض الضررين ولا أولوية للمشتري من البائع.
ورُدّ أوّلاً: بأنّه يبتني على كون الخيار بملاك «لا ضرر» لا بالدليل الخاص.
وثانياً: أنّ ذلك لا يقتضي أزيد من عدم الدليل على ثبوت الخيار للمشتري ولا يتكفل إقامة الدليل على عدم الخيار له. ومع عدم الدليل يرجع الى الأصل وهو هاهنا إستصحاب الخيار الثابت سابقاً قبل حدوث العيب الجديد، فيثبت الخيار بالاستصحاب.
ومنها: ما حكي عن الجواهر(4) من أن الثابت مشروعية ردّ العين التي وقع عليها البيع وهي العين الصحيحة دون المعيبة، فردّ المعيبة ليس ردّاً للعين المبيعة.
وفيه: أن مورد المعاملة هو ذات العين، والوصف لا يتقوم به المبيع، ولذا كان تخلفه موجباً للخيار لا لبطلان المعاملة. ومن الواضح أنه يصدق رد الذات على ردّ العين المعيبة.
ص: 87
ومنها: ما أفاده الشيخ(1) (قدس سره) من أن ذلك مقتضىٰ [مرسلة] جميل(2) المتقدمة لأنها تتكفل تعليق الرد على قيام المبيع بعينه، وذلك وإن كان ظاهراً في نفسه بارادة بقائه بذاته لكن بملاحظة الشرطية الثانية وهي قوله «وإن قطع أو صبغ...» يكون ظاهراً في كون المراد القيام بأوصافه. وعليه فمع حدوث العيب لا يصدق أنه قائم بعينه، فلا يثبت الرد.
ولكن ما أفاده (قدس سره) يبتني على اعتبار المرسلة سنداً، وقد عرفت الخدشة فيها بالارسال وعدم الجبر بالعمل، فراجع.
فالعمدة في إثبات عدم الرد مع حدوث العيب الجديد أن يقال: إنه ليس لدينا دلیل معتبر يدل على ثبوت الرد بالعيب السابق بقول مطلق كي يكون مقتضى إطلاقه ثبوت الخيار هاهنا، بل النصوص الواردة(3) إنما تتكفل أحكاماً متفرعة على أصل مشروعية الرد، فهي غاية ما تتكفل بيان أصل مشروعية الرد والمفروغية، عنه فلا إطلاق لها. نعم خصوص مرسلة جميل واردة في هذا المقام لكن لا إعتبار بسندها.
ومقتضى ذلك هو الاقتصار في ثبوت الرد على القدر المتيقن وهو ما إذا لم تتغير العين. أما إذا تغيرت فلا دليل على ثبوت الرد، ولا مجال لاستصحاب ثبوت حق الرد الثابت سابقاً، إذ المرجع عند الشك في مثل هذا المورد هو عمومات اللزوم ولو لم يكن لها عموم أزماني، لأن التخصيص من أول أزمنة وقوع العقد فلا يمنع من التمسك بالعام بعد زمان التخصيص المتيقن، كما [حُقّق] ذلك في الاصول(4) تبعاً لصاحب الكفاية.
ص: 88
هذا كله في أصل سقوط الرد بالعيب الحادث.
يبقى الكلام في سعة هذا الحكم وضيقه، فمقتضى المرسلة هو سقوط الرد بالتغيير مطلقاً ولو كان بالزيادة، كالسِّمَن في الدابة.
كما أنه قاصر عن الشمول للتغير فى الصفات النفسية، كالنسيان أو الاعتبارية لصدق قيام العين مع تغير مثل هذه الصفات.
لكن ذهب الشيخ(1) (قدس سره) إلى عدم شمول المرسلة للتغير بالزيادة. وعدم الفرق بين العيب الاصطلاحي وهو ما يوجب الأرش وبين غيره مما لا يوجب الأرش كتبعض الصفقة، ولم يوضح الوجه في ذلك.
وقد بُيّن الوجه في عدم شمول المرسلة للزيادة بأنه لا إشكال في عدم كون الخيار حكماً تعبدياً صرفاً بل إنما لوحظ فيه حال المشتري، كما أن سقوط الرد بالتغيير لوحظ فيه حال البائع، ومع كون التغير بالزيادة لا إجحاف في حق البائع.
لكن مقتضى ذلك هو التفصيل بين الزيادة المستلزمة لثبوت حق المشتري في العين كصياغة الفضة خاتماً الموجبة لزيادة قيمة الفضة فيكون الصائغ شريكاً في القيمة بنسبة قيمة عمله، ففي مثله لا ردّ لعدم نفع البائع ان لم نقل أنه ضرر من جهة الشركة وبين الزيادة غير المستلزمة للشركة كالسمن في الدابة فيثبت حق الرد.
وتحقيق الحال في ذلك: أنك قد عرفت عدم وجود الدليل على ثبوت الخيار مطلقاً. وعليه، فكل مورد يحتمل فيه عقلائياً سقوط حق الرّد فيلتزم بسقوطه.
وعليه، فكما يحتمل سقوط الخيار في مورد التغيير الخارجي كذلك يحتمل سقوط في موارد التغيير الاعتباري والنفسي، وفي موارد الزيادة الموجبة لثبوت حق للمشتري في العين. فنلتزم بسقوط الخيار في جميع هذه الموارد لعدم الدليل عليه.
ص: 89
نعم، مورد الزيادة غير الموجبة لثبوت حق للمشتري في العين بما أنه لا قائل بسقوط الخيار فيه فلا إحتمال معتداً به لسقوطه، فلا يلتزم بسقوط حق الرد فيه.
وهذا البيان الذي ذكرناه أولى من البيان السابق لكلام الشيخ (قدس سره) الذي يعتمد على ملاحظة مناسبة الحكم والموضوع الذي قد يتأتى الاشكال فيه بعدم الجزم بما أفيد، فتدبر.
هذا تحقيق الحال في أصل المسألة ويقع الكلام بعد ذلك في فروع تتعلق بها:
الفرع الأول: لو زال العيب الحادث، فهل يثبت حق الرد بعد زواله أو لا؟
وتحقيق ذلك: أنه [1] إن قلنا بأن مستند خيار العيب هو قاعدة «لا ضرر» وأنها لا تجري في مورد حدوث العيب لأجل تعارض الضررين، كما تقدم ذلك من العلّامة(1) (رحمة الله) ، فلا مانع من الالتزام بثبوت حق الرد لو زال العيب عملاً بقاعدة «لا ضرر».
[2] وإن قلنا بأن مستند الخيار ثبوت إطلاق دال على ثبوت حق الرد وقد قيد هذا الاطلاق بقاعدة «لا ضرر» عند حدوث العيب فمع زوال العيب يرتفع المقيد ولا مانع من الأخذ بالاطلاق، فيثبت حق الرد.
[3] وأما بناء على عدم ثبوت إطلاق يدل على ثبوت حق الرد وإنما الثابت هو الاطلاق الدال على كون التغير رافعاً للرد، فمع زوال العيب يشك في ثبوت حق الرد، والأصل عدمه.
[4] كما أنه بناء على ما حقّقناه من أن عدم الخيار في مورد التغير لعدم الدليل، فالحكم هو سقوط الرد هاهنا، لعدم الدليل على ثبوته بعد زوال التغير. ولعل نظر
ص: 90
الشيخ(1) (رحمة الله) في توجيه القول بعدم سقوط الرد بارتفاع الضرر الى أحد المعنيين الأوليين ولا ظهور لكلامه في نظره الى أحدهما خاصة وهو الأول، كما بنى عليه المحقّق الايرواني(2) (رحمة الله) ، فلاحظ.
الفرع الثاني: فيما لو رضي البائع برد المعيب بالعيب الحادث. وقد حكم الشيخ(3) (قدس سره) بجواز الرّد لأن عدم الجواز لحق البائع. والكلام في هذا الفرع من جهتين:
الأولى: في ثمرته، فإنه قد يقال بأنه لا ثمرة له لأنّه مع رضا البائع يكون حق الردِّ ثابتاً بلا إشكال ولو من باب الاقالة.
ولكن نقول أنه لو ثبت حق الرد عند رضاه بعنوان الخيار لا بعنوان الاقالة، فثمرته أنه لا يثبت للمشتري حق أخذ أرش العيب السابق وعدم الرد بناء على أن حق أخذ الأرش في طول حق الرد، كما مرّ الكلام فيه، وهذا مما لا يترتب على حق الاقالة.
الثانية: في تحقيق الكلام فيه. ومجمل القول في ذلك: أنه... .
إن كان الملاك في سقوط الرد عند حدوث العيب هو تضرر البائع، فمع رضاه لا تنطبق قاعدة «لاضرر» بالنسبة الى ضرره، فلا مانع من الرد.
كما أنه لو كان الملاك هو ملاحظة حال البائع، كما أشرنا إليه قبل قليل، فالمفروض أنه موافق على الرد.
وإن كان الملاك هو قيام الاجماع على السقوط، فالقدر المتيقن من الاجماع على السقوط بالعيب الحادث هو مورد عدم رضا البائع.
فعلى جميع هذه التقادير يثبت حق الرد. نعم بناء على ما حقّقناه من عدم الدليل على الخيار في مورد الشك، فمع الشك فيما نحن فيه لا يثبت حق الرد لعدم الدليل
ص: 91
عليه.
الفرع الثالث: فيما لو رضي البائع بأخذه معيوباً. فقد حكى الشيخ(1) (قدس سره) عن المبسوط(2) أنه لا يجوز للمشتري مطالبته بالأرش، وذكر الشيخ (قدس سره) أن: «هذا أحد المواضع التي أشرنا في أول المسألة الى تصريح الشيخ(3) (رحمة الله) فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد وينافيه اطلاق الأخبار بأخذ الأرش»(4)
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) ، وقد [يقال] بعدم تمامية دعوى دلالة الأخبار على كون حق الأرش في عرض حق الرد، فراجع ما تقدم تعرف [أنّ الحق على خلافه].
الفرع الرابع: وهو ما تعرض له الشيخ(5) (قدس سره) بعنوان «تنبيه».
وموضوع الكلام فيه هو بيان أن تبعض الصفقة على البائع من العيب الحادث المانع من الرد بالعيب القديم، وقد ذكر الشيخ (قدس سره) أن التعدد المتصور فيه التبعض [1] إما في أحد العوضين [2] وإما في البائع [3] وإما في المشتري.
فالأول: مثل ما إذا إشترى شيئاً واحداً أو شيئين بثمن واحد من شخص واحد فظهر بعضه معيباً، أو باع شيئاً واحداً بثمن واحد فظهر بعض الثمن معيباً.
والثاني(6): مثل ما إذا باع إثنان من واحد شيئاً واحداً فظهر معيباً، فأراد المشتري أن يرد على أحدهما نصيبه دون الآخر.
والثالث(7): مثل ما إذا إشترى إثنان من واحد شيئاً فظهر معيباً، فاختار أحدهما
ص: 92
الرد دون الآخر. والحق بذلك الوارثين لمشتر واحد للمعيب. ثم إنه (قدس سره) تعرض لحكم كل صورة من هذه الصور الثلاث:
أما الصورة الأولى، فذكر(1) أن المعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد، بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الإجماع(2) عليه، وعللّه (قدس سره) بأن «المردود... .
إن كان جزء مشاعاً من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث الشركة.
وإن كان معيّناً فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه. وكل منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، فهو أولى بالمنع عن الرد من نسيان الدابة للطحن.
وهذا الضرر وان أمكن جبره بخيار البائع نظير ما إذا كان بعض الصفقة حيواناً فردّه المشتري بخيار الثلاثة(3) إلا أنه يوجب الضرر على المشتري إذ قد يتعلق غرضه بامساك الجزء الصحيح»(4)
واستدل أيضاً «بالنص(5) المانع عن الرد بخياطة الثوب والصبغ، فإن المانع فيهما ليس إلا حصول الشركة في الثوب بنسبة الصبغ والخياطة لا مجرد تغير الهيئة، ولذا لو تغير بما يوجب الزيادة كالسمن لم يمنع من الرد قطعاً»(6)
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) وإستدلاله الأول يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون نظره الى وجود المانع من شمول دليل الخيار للمقام، وذلك
ص: 93
ببيان أن النص وإن شمل باطلاقه ردّ الجزء المعيوب إلا أنه حيث يستلزم الضرر على البائع بالتفريق أو الشركة، كان مقتضىٰ حديث نفي الضرر عدم ثبوت حق الرد لأنه حاكم على أدلة الأحكام الأولية.
الثاني: أن يكون نظره الى قصور المقتضي لثبوت حق الرد في المقام، وذلك ببيان: أن دليل الخيار هو قاعدة لاضرر أو النص الخاص بملاك الضرر.
ومن الواضح أن قاعدة «لا ضرر» بما أنها إمتنانية لا تشمل المورد الذي يستلزم من إجرائها حصول الضرر، لأنه خلاف المنّة واللطف والرحمة بالعباد، وما نحن فيه كذلك.
والذي يظهر من المحقّق الايرواني(1) (رحمة الله) والسيّد الطباطبائي(2) (رحمة الله) حمل كلام الشيخ (قدس سره) على الأول. ولكن يظهر من المحقّق الاصفهاني(3) (رحمة الله) حمله على الثاني.
وما ذكره الشيخ (قدس سره) في مقام الاستدلال لا يمكن أن يستظهر منه شيء منهما. نعم في كلامه في مناقشة الاستدلال قرينة يمكن أن يعين بها الثاني تبعاً للمحقّق الاصفهاني وهو ما أفاده(4) فى مقام مناقشة دليله بأن ضرر البائع يمكن جبره بالخيار ودَفَعَه بأنَّ خيار البائع قد يكون ضررياً على المشتري. فإن دعوى جبر ضرر البائع بالخيار انما تتناسب مع الوجه الثاني لا الأوّل... .
وبالجملة، على التقريب الأوّل يكون المانع من العمل بدليل الخيار نفس «لا ضرر». وعلى التقريب الثاني يكون المانع من العمل به نفس الضرر، فيتأتى فيه حديث الانجبار دون الأوّل.
ص: 94
والحاصل: أنه يمكننا الجزم بأن نظر الشيخ (قدس سره) إلى التقريب الثاني.
وتحقيق الكلام في ذلك: أن العيب الحاصل في جزء المبيع... .
تارة: يستلزم تعيب الكل بحيث يعد الكل بنظر العرف معيباً، كتعيب الدار بتعيب أحد أجزائها كالسرداب. وتعيب مصراعي الباب بتعيب أحدهما لسقوط لاثاني عن الانتفاع به. وهكذا ففي مثله يكون المجموع هو محل الخيار لا البعض لأن الكل هو المعيب، وهذا الفرض خارج عن محل الكلام.
وأخرى: لا يستلزم تعيب الكل، كما في مورد جمع الأمور المتفرقة من جنسين أو جنس واحد في معاملة واحدة، كبيع كتابين يظهر أحدهما معيباً وكبيع كتاب ودفتر يظهر أحدهما معيباً، أو بيع وزنة من الحنطة يظهر بعضها معيباً يقبل الافراز.
ومن الواضح أن المعاملة في مثل ذلك وإن كانت واحدة صورة لكنها حقيقة عقود متعددة بعدد الأشياء.
وعليه، فيكون لكل جزءٍ حكمه المستقل كما لو وقع في معاملة على حدة، فيجوز ردّه. ولا ضرر في التفريق في مثله لعدم كون الأجزاء من الأمور المرتبطة بعضها ببعض.
وعليه، فلا موضوع لهذا الفرع أصلاً، [1] إذ ما يستلزم من رد جزئه ضرر التفريق يكون من موارد تعيب الكل بتعيب الجزء، [2] وغير ذلك من الموارد لا يكون في التفريق ضرر.
ولو تنزلنا عن ذلك والتزمنا أنّ لما ذَكَرَ مورداً بحيث يكون المعيب خصوص الجزء ولا يسري الى الكل مع ثبوت الضرر في التفريق. فالحكم هو ثبوت الخيار للمشتري وللبائع أيضاً... .
أما بناءً على التمسك في خيار العيب بقاعدة «لا ضرر» أو بالدليل الخاص مع دعوى أنه بملاك القاعدة، فلأن ضرر البائع الوارد عليه بواسطة خيار المشتري وهو
ص: 95
ضرر التفريق يكون مشمولاً للقاعدة أيضاً، فيكون له خيار تبعض الصفقة فله حق الرجوع بالجزء الآخر الصحيح، ولا تنافي بين تطبيق القاعدة بالنسبة إليهما معاً.
وأما بناءً على كون دليل الخيار دليلاً خاصاً لا بملاك الضرر، فلا مانع من شموله للمشتري إلا توهم إستلزامه الضرر على البائع، لكن يندفع بأن الضرر على البائع إنما يرد بملاحظة لزوم البيع عليه، فما يستلزم الضرر هو لزوم المعاملة عليه، فتكون قاعدة «لا ضرر» مصادمة للزّوم لا لخيار المشتري. وعليه نثبت الخيار للبائع أيضاً.
وأما ما أفاده الشيخ (قدس سره) من أنَّ ثبوت الخيار للبائع قد يستلزم ضرراً على المشتري لتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح، فهو إشكال غريب، لأنّه إشكال سارٍ في جميع موارد الخيار بالنسبة إلى غير ذي الخيار. وأيُّ قيمة لغرض المشتري الشخصي؟ وهل تلزم مراعاته؟
ثم إنّه لا مانع من التمسك بقاعدة «لا ضرر» لاثبات الخيار للمشتري بناء على ما سلكناه من عدم وجود اطلاق لدليل خيار العيب يشمل جميع موارد التعيب، فلا دليل في مورد الشك.
هذا غاية ما يقال في هذا المجال وينبغي التنبيه على نقاط متعددة في كلام الشيخ (قدس سره) :
الأولى: ما افاده (قدس سره) من الترديد بين كون المردود جزءاً مشاعاً وكونه جزء معيّناً. ومحل الكلام هو تصور ردّ الجزء المشاع. فان الذي نراه انه لا صورة له وذلك لان الجزء المشاع في الفرض لم يقع مورد المعاملة بل وقعت على كل جزء جزء معين من العين. وعليه، فلا معنى لردّه، سواء تصورنا تعيب المشاع كما حاول بيان ذلك المحقّق
ص: 96
الاصفهاني(1) (رحمة الله) أم لا. فانتبه.
الثانية: ما أفاده(2) دليلاً آخر على أن مثل التعيب بالشركة يوجب سقوط الخيار - لا مجرد كونه ضرراً - وهو مرسلة جميل(3)، حيث ذهب (قدس سره) إلى ان مانعية القطع والصبغ والخياطة ليست من جهة التغيير بل من جهة استلزام ذلك للشركة.
وهذا البيان مردودكما أفيد، لأنه بلا شاهد ومخالف للظاهر، ولذا لو حصلت هذه الأمور من دون حصول الشركة، كما اذا كانت لا تزيد في قيمة العين، تكون مانعة من الخيار، فالمانع هو مجرد التغيير. وأما عدم مانعية التغير الموجب للزيادة فقد عرفت وجهه فيما تقدم عن قريب، فراجع.
الثالثة: ما أفاده(4) (قدس سره) في مقام مناقشة صاحب الجواهر(5) (رحمة الله) في استدلاله على عدم ثبوت الخيار للمشتري في الجزء خاصة. وكلامه لا يخلو من نوع اجمال واضطراب وتشويش في بعض فقراته، وتوضيح ما أفيد: ان صاحب الجواهر (رحمة الله) استدل على عدم ثبوت الخيار للمشتري في المقام بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لاكل جزء منه، ولا أقل من الشك لعدم إطلاق موثوق به والأصل اللزوم.
أ) وقد حمل الشيخ (قدس سره) كلامه بدائياً على ارادة كون حق الخيار في مورده حق واحد لا يقبل التجزئة، فذكر في مناقشته ان هذا الأمر مما لا يشك فيه أحد مَنْ يثبت الخيار هنا ومَنْ ينفيه، وإنّما التردد في ما نحن فيه ان مورد حق الخيار الوحداني، هل هو
ص: 97
خصوص الجزء المعيب وإنّما يجوز ردّ الجزء غير المعيب فراراً من تبعض الصفقة أو لقيام الاجماع على ذلك، أو انه مجموع ما وقع عليه العقد لاجل تعبيبه بتعيب جزئه؟
فلابدّ من تحقيق هذه الجهة في اختيار أحد القولين في المسألة لا التمسك بما يلتزم به الكل من وحدانية حق الخيار في مورده.
وله هاهنا عبارة احتمل السيّد (رحمة الله) في حاشيته(1) أنها من السهو لعدم صحتها، وهي قوله في مقام بيان جواز رد المجموع مع كون المعيب هو الجزء خاصة: «وإما الصدق المعيوب على المجموع»(2) والوجه في ذلك ان هذا الاحتمال راجع إلى الشق الثاني من طرفي الترديد وهو كون المعيب هو المجموع باعتبار جزئه. فالتفت.
ثم ان الشيخ (قدس سره) بعد ما أفاد ما تقدم بيانه حول كلام الجواهر قال: «بل غاية الأمر ظهور النصوص الواردة...»(3) والمقصود من هذه العبارة هو إبداء احتمال آخر في مراد صاحب الجواهر (رحمة الله) ، ومحصّله: ان الخيار بحسب القاعدة وان كان محله خصوص المعيب ولو كان جزءً للمبيع لكن ظاهر النصوص الواردة في خصوص هذا الخيار ثبوت حقّ الرد بالنسبة إلى مجموع ما وقع العقد عليه وان كان التعيب في خصوص جزئه، فكلامه ناظر إلى تشخيص محل الخيار بحسب الدليل لا مجرد بيان وحدانية حق الخيار.
لكن الشيخ(4) (قدس سره) ناقشه بأنّ ظاهر النصوص وإنْ كان ذلك إلا أنّ موردها «كون المبيع واحداً عرفياً» متصفاً بالعيب إما بلحاظ نفسه أو بلحاظ جزئه الحقيقي، كبعض الثوب بحيث يسري التعيب إليه، لا ما اذا لم يكن واحداً عرفياً بل كان من باب الجمع
ص: 98
في المعاملة بحيث يكون التركب اعتبارياً، كما هو محل الكلام.
وهذا الاحتمال الأخير قد عرفت بيانه بتلك العبارة وهي لا تخلو من نوع اضطراب، كما لا يخفى على الناظر. وقد حملها السيّد(1) (رحمة الله) بدواً على معنى آخر ثمّ احتمل ان يراد بها هذا المعنى، والأمر سهل.
الرابعة: ما أفاده (قدس سره) في رد الاستدلال على عدم ثبوت حق الخيار بمرسلة جميل(2)، بدعوى: ان موضوع الرد قيام الشيء بعينه وهو ليس كذلك مع التفريق، فقد أفاد في ردّه ان المراد بالشيء هو المعيب ولا شك في قيامه هنا بعينه.
وتوضيح ما أفاده (قدس سره) ان المأخوذ في موضوع الرد هو قيام الشيء بعينه في رتبة سابقة على الرد لترتب حق الرد عليه. ومن الواضح ان المعيب الذي يقصد ردّه قائم بعينه قبل الرد كما كان أوّلاً قبل البيع، نعم بعد الرد يفترق عن الجزء الآخر فيختلف فيه وصف الانضمام، لكن قيام الشيء بعينه بعد الرد غير معتبر. فتدبر.
هذا ما [استفاد] أولاً ولكن [يظهر] بعد ذلك معنى آخر للعبارة وهي قوله: «ومنه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل اذا كان الشيء قائماً بعينه لان المراد بالشيء هو المعيب، ولا شكّ في قيامه هنا بعينه»(3)
وتوضيح ذلك: انه بعد ما احتمل في كلام الجواهر ان كون المقصود ان ظاهر الادلة كون موضوع الخيار هو تمام ما وقع عليه العقد، وردّه بان مورد النصوص هو «كون المبيع واحداً عرفيّاً» بحيث يسري العيب من جزئه اليه لا واحداً اعتبارياً، كما هو محل الكلام، أشار الى انه قد يستدل على دعوى الجواهر بالمرسلة فيدعى ان ظاهرها كون الخيار في تمام المبيع وبضميمة عدم تبعض الخيار الواحد يثبت عدم جواز الرد في
ص: 99
الجزء. أما وجه ظهورها في ذلك فقد بينه بقوله: «لان المراد بالشيء...»(1) ومقصوده ان المراد بالشيء هو المعيب وبما انه صادق على المجموع وهو قائم بعينه كان الخيار في المجموع لا في البعض.
وأفاد الشيخ (قدس سره) ان هذا التشبث يندفع بما تقدم في مناقشة صاحب الجواهر من أن مورد النصوص هو الواحد العرفي لا الاعتباري فلا فرق بين المطلقات والمرسلة من هذه الجهة. إذن فيظهر من ذلك ان قوله «ومنه يظهر...» من توابع الكلام حول ما افاده في الجواهر وليس وجهاً مستقلاً لعدم جواز رد الجزء إذ بالمعنى الذي بيناه اولاً لا يرتبط بما تقدم في كلام الجواهر فكيف يظهر ردّه من رد كلام الجواهر؟
كما ان قوله «لان المراد بالشيء» تعليل للتشبث والاستدلال بالمرسلة لا تعليل لرد التشبث كما فسرناه به أوّلاً. والشاهد على ما ذكرناه اخيراً مضافاً إلى انسجامه مع قوله «ومنه يظهر...» ان الشيخ (قدس سره) تقدم منه الاستدلال على عدم جواز ردّ الجزء بالمرسلة باستظهار كونها ناظرة إلى تغير العين بحدوث الشركة فلا يصدق القيام بعينه.
ومما ذكرناه يندفع ما ربما يتوجه على الشيخ (قدس سره) من دعوى التهافت في كلامه لنفيه الاستدلال بالمرسلة هاهنا بما عرفت في التفسير الأوّل لعبارته والتزامه بنظير هذا الاستدلال في المسألة الآتية، فان التهافت يبتني على التفسير الأوّل الأخير.
وبالجملة، الشيخ أوّلاً وأخيراً ملتزم بان مقتضى المرسلة عدم جواز التبعيض في الرد ولم يظهر من كلامه خلاف ذلك أصلاً فتدبر.
والمتحصل: ان وجوه منع ثبوت حق الرد في خصوص الجزء المعيب أربعة، قد عرفت مناقشة جميعها. فلاحظ تعرف.
هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.
ص: 100
ويقع الكلام في الصورتين الآخرتين، وقد قدّم الشيخ (قدس سره) الثالثة على الثانية، ونحن نتبعه في ذلك.
الصورة الثالثة: وقد ذكر ان الأقوى عدم جواز انفراد احدهما(1) على المشهور(2) خلافاً للمحكي عن الشيخ(3) (رحمة الله) في باب الشركة والاسكافي(4) والقاضي(5) والحلّي(6) وصاحب البشرى(7) من جواز الافتراق. وذكر لذلك دليلاً أفاده العلّامة في التذكرة(8) وهو ان البائع اخرج إليهما المبيع مشقصاً فالشركة حصلت بايجابه، وقال الشيخ (قدس سره) بعد
ذلك: «وظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع بتعدد المشتري»(9)
ثم نقل كلاماً للشيخ (رحمة الله) في المبسوط(10) استظهر منه بدواً اختصاص النزاع بما
ص: 101
اذا كان القبول في العقد واحداً من شخصين أما إذا تعدد القبول منهما فلا إشكال في جواز الافتراق. ثم احتمل كون كلامه ناظراً إلى التفصيل بين كون القبول واقعاً لاثنين أو لواحد، فالمدار على وحدة المشتري وتعدده.
وبعد جميع ذلك بني (قدس سره) على كون الأقوى عدم جواز الافتراق مطلقاً علم البائع بتعدد المشتري أو لم يعلم، تعدد القبول أو توحد.
وما ذكره في توجيه ذلك وجوه ثلاثة:
الأول: ان نصوص الخيار غاية ما تتكفل اثبات خيار واحد للعقد الواحد في مجموع ما وقع عليه العقد، والخيار لا يتبعض بلحاظ اجزاء المبيع، فليس لكل منهما الاستقلال في حصته، ولا دليل على تعدد الخيار بتعدد الحصص، إذ لا إطلاق لأدلة الخيار بحيث تشمل شراء جزء المعيب فتثبت فيه خياراً مستقلاً، وإنّما القدر المتيقن منها كون الخيار في مجموع ما وقع عليه العقد.
الثاني: انه لو فرض ثبوت الاطلاق لدليل الخيار في نفسه بحيث كان يتكفّل مورد شراء جزء المعيب فهاهنا مانع من شموله للفرض، وهو دليل نفي الضرر، لأن التشقيص نقص فيلزم الضرر على البائع وهو منفي بدليل نفي الضرر.
الثالث: أن مقتضى مرسلة جميل المتكفلة لاعتبار كون المبيع قائماً بعينه هو اعتبار رد العين إلى البائع كما كانت قبل خروجها منه بحيث يردّها كما كانت، وردّ النصف المشاع لا يكون ردّاً للمبيع بعينه لطرو الشركة، فتدبر.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) والوجه الأول منها يرجع إلى انكار المقتضي لجواز الرد هنا، والآخران يرجعان إلى دعوى وجود المانع.
ولا يخفى عليك ان مقتضى الأول اختصاص امتناع الرد بما اذا كان القبول واحداً لوحدة العقد، أما اذا كان القبول متعدداً فلا قصور في الأدلة، لان تعدد القبول يوجب تعدد العقد قهراً.
ص: 102
نعم، مقتضى الوجهين الآخرين عدم الاختصاص وعموم المنع لصورتي الوحدة والتعدد.
ومن هنا قال الشيخ (قدس سره) بعد ذكر الوجه الثالث «ومن ذلك يعلم قوة المنع وان قلنا بتعدد العقد»(1)
ولا فرق بلحاظ هذه الوجوه بين صورة علم البائع بتعدد المشتري وعدمه.
نعم، قد يتخيل عدم جريان قاعدة «لا ضرر» لأنّها لا تشمل مورد الاقدام على الضرر الثابت مع العلم بالتعدد لأنّه، أقدم على التشقيص.
وقد دفعه الشيخ (قدس سره) بان علم البائع لا يكون اقداماً على الضرر إلّا على تقدير ثبوت التبعيض في الخيار وهو أول الكلام.
وكيف كان، فما أفاده الشيخ (قدس سره) من قصور الأدلة متين جداً.
إلّا أن للمحقّق الاصفهاني(2) (رحمة الله) في المقام تعليقة مفصلة دقيقة حاول فيها إثبات الخيار لكل من الشريكين ومنع فيها دعوى عدم المقتضي لانفراد كل منها بالخيار في حصته.
فقد أفاد (رحمة الله) ان ما يذكر في مقام بيان عدم المقتضي للخيار هاهنا وجوه ثلاثة:
الأول: وحدة العقد.
الثاني: وحدة الخيار.
الثالث: انصراف الاطلاق.
[1] أما وحدة العقد، فإن أريد منه العقد الانشائي فوحدته غير مسلمة مع تعدد القبول، لان تعدده يستلزم تعدد العقد قهراً.
ص: 103
هذا مع ان العبرة بالبيع بالحمل الشائع الذي هو التمليك، أو العقد المعنوي اللبي الذي هو القرار المعاملي المرتبط بقرار آخر، ولا عبرة بالعقد الانشائي.
وإن اريد منه العقد المعنوي، فتعدد العقد مما يقضي به البرهان، إذ كما أن الملكية الحقيقية متعددة لتعدد المالك والمملوك ومقتضاه تعدد التمليك لانه(1) مع الملكية كالايجاد والوجود، فيتعدد البيع بالحمل الشائع، كذلك القرار المعاملي لان البائع له القرار مع كل منهما لا معهما معاً، بل يستحيل انفكاك القرار عما عليه القرار فيتعدد بتعدد الملكية التي هي موضوع القرار.
نعم، اذا كانت معاملة البائع مع وكيل الشريكين المفوّض منهما في أمر العقد لا مجرد اجراء الصيغة، كان القرار المعاملي واحداً لان قرار البائع معه، لكن مع هذا لا يتحد الخيار، إذ الخيار هاهنا ليس ثابتاً للوكيل كما في خيار المجلس بل هو ثابت للموكّل، لان خيار المجلس للمجتمعين في المعاملة فيراد بهما العاقدان [الأصليان].
وأما خيار العيب، فهو لمالك المعيب مباشرة أو تسبيباً، ولذا لا اشكال في أخذ الموكل بخيار العيب والغبن مع موت الوكيل.
وبالجملة، موضوع الخيار هو المالك لا العاقد وهو متعدد ولو مع وحدة العاقد.
[2] وأما وحدة الخيار، فالمُسَلَّم هو كون الخيار الثابت واحداً بوحدة طبيعية لطبيعي العقد على المعيب ومقتضى فعلية الحكم بفعلية موضوعه تعدد الخيار بتعدد موضوعه الفعلي. ومن الواضح انه يصدق على كل من الشخصين انه اشترى نصفاً مشاعاً من المعيب، فيكون موضوعاً للخيار.
ولا دليل على تنزيل كِلا الشرائين منزلة الواحد ليثبت لهما خيار واحد، ولا
ص: 104
تصح دعوى ظهور الأخبار في كون موضوع الخيار هو شراء المعيب بتمامه إذ من البديهي فقهياً ثبوت الخيار فيما اذا اشترى شخص واحد من مالك العين نصفها المشاع فظهرت معيبة.
[3] وأما انصراف الاطلاق، فهو راجع إلى دعوى أن موضوع الخيار من اشترى وحده ولو نصف المعيب، فلا يثبت الخيار فيما نحن فيه.
لكن ذلك منقوض بثبوت الخيار فيما اذا باع بعقد واحد كل نصف مشاع من ماله إلى كل واحد من المشتريين بالنصف المشاع من المال المشترك بينهما، مع أن كلاً منهما لم يشتر وحده.
هذا ما أفاده (رحمة الله) نقلناه بتلخيص.
ويمكن الخدشة فيه: بانه مع الغض عن بعض ما أفاده - كالالتزام بالعقد المعنوي المعبر عنه بالقرار المعاملي أو العهد أو نحوهما، فانه محل اشكال يُتعرض اليه في محله - والالتزام بصحة جميع ما ذكره لا يمنع من دعوى الشيخ (قدس سره) قصور الأدلة التي اوضحناها سابقاً، فنقول: انه لو سلم كون ذي الخيار هو المالك لا العاقد، لكن المدعى هو أن موضوع الخيار ومحله هو تمام ما وقع عليه العقد الانشائي.
وبالجملة، تعدد العقد ووحدته لا دخل لها ثبوتاً، بل المدعى ان ما وقع عليه العقد الانشائي الواحد هو محل خيار العيب للمالك. ومقتضى ذلك عدم ثبوت الخيار لكل من الشريكين في حصته لانها ليست تمام ما وقع عليه الانشاء.
كما انه لا يرد عليه النقضان السابقان في كلامه، كما لا يخفى.
ولا يخفى عليك ان خصوصية المشتري غير ملحوظة في الانشاء مقومة حتّى يقال انه مع تعدد المشتري واقعاً يتعدد العقد الانشائي قهراً، لتعدد المُنْشَأ بتعدد طرف الاضافة.
بل الملحوظ في الانشاء ليس إلّا المبادلة بين الثمن والمثمن ونقل كل منها إلى محل
ص: 105
الآخر مع قطع النظر عن خصوصية المالك للعين.
وقد أوضح ذلك من قِبَل الاعلام قدس سرهم مفصلاً في بيع الغاصب وتعقبه باجازة المالك وصحة البيع بها، فقد أورد على تصحيح البيع بالاجازة هناك بان البائع إنما قصد البيع لنفسه والمالك اجاز البيع له لا للغاصب، فما وقع لم يقصد في الامضاء وما قصد فيه لم يقع فكيف يصح البيع؟ اذ لابدّ من تعلق الاجازة بمضمون البيع.
وأجيب عنه: بما أشرنا اليه من ان كلّا من المشتري والبائع وإن كان ينشىء التبادل مع طرفه المقابل له فيقول له: «ملكتك» - مثلاً - إلّا أن القصد الواقعي يتعلق بمبادلة هذا المال بذلك من مالكه الواقعي بحيث لا خصوصية للمخاطب، وإنما أخذ في الكلام من باب التطبيق.
وعليه، فيكون المُنْشَأ هو نفس التمليك والتملك بلا ملاحظة خصوصية المُمَلِّك والمملَّك.
ولا نريد بذلك أن نقول إن معنى البيع هو مبادلة مال بمال كما فُسِّرَ به - بل المراد كون المُنْشَأ ذلك.
والحاصل: أنّ دعوى الشيخ (قدس سره) قصور الأدلة عن شمول المورد تامة لا شبهة فيها، فلا يثبت الخيار لكلٍّ منهما، بل إنما يثبت للمجموع.
وأما الصورة الثانية: وهي ما إذ تعدد البائع، فقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) ان الظاهر عدم الخلاف في جواز التفريق فيها، إذ لا ضرر على البائع بالتفريق. لأن العين كانت لديه كذلك من الأول فلم يحدث نقص وتغيير في ماله.
لكن لا يخفى عليك ان هذا يتم لو فرض كون المانع من ثبوت الخيار في الصورة
ص: 106
السابقة هو حصول الضرر. ولكنك عرفت دعوى الشيخ(1) (قدس سره) قصور أدلة الخيار عن ثبوته في النصف من المبيع بالعقد الواحد.
وهذا كما يتأتى في المسألة السابقة يتأتى في هذه المسألة فتدبر ولا تغفل.
ثم إنه بعد ذلك ذكر(2) فرعاً آخر وهو انه لو اشترى إثنان من إثنين عبداً واحداً فقد اشترى كل واحد من المشتريين من كل واحد من البائعين ربع العبد، لا أن نصف أحد البائعين يملكه أحد المشتريين ونصف البائع الآخر يملكه المشتري الآخر.
وعليه، فلو أراد أحدهما ردّ ربع العين إلى أحد البائعين كان من موارد المسألة السابقة.
وما أفاده واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
هذا تمام الكلام فيما يسقط به الرد دون الأرش.
ص: 107
وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) انه موردان:
المورد الأول: إذا اشترى ربوياً بجنسه كمَنّ من حنطة بمَنّ منها أو من شعير فظهر عيب في أحدهما، فانه لا يثبت الأرش في ذلك لأن اعطاء الأرش يستلزم الربا لزيادة أحد العوضين به.
واحتمل (قدس سره) جواز أخذ الأرش وحكى عن التذكرة(2) نفي البأس عنه بعد أن نسبه إلى بعض الشافعية موجهاً له: بان المماثلة إنّما تعتبر في العوضين الربويين في ابتداء العقد والمفروض أنها حاصلة والأرش حق ثبت بعد ذلك لا يقدح في العقد السابق.
ويمكن توضيحه: بأن حق الأرش لم يلحظ جزءاً من الثمن في قبال وصف الصحة كي يتحقّق التفاضل بين العوضين المستلزم للربا، بل هو غرامة شرعية حكم بها الشارع وجعل اختيارها بيد المشتري، فلا يتحقّق بها الربا، بل هي نظير أن ينذر زيد لمشتري المعيب بأن يعطيه درهماً.
ص: 108
ولكن الشيخ (قدس سره) بعد ذلك توقف في الحكم المزبور وذهب إلى إمكان دعوى كون الأرش عوضاً عن وصف الصحة عرفاً وشرعاً، والمفروض إلغاء وصف الصحة في المعاملة الربوية وفرضه كالمعدوم، فيكون الأرش مستلزماً للربا. وقال بعد ذلك: «والمسألة في غاية الاشكال ولابدّ من مراجعة أدلة الربا وفهم حقيقة الأرش»(1)
ولكن السيّد الطباطبائى(2) (رحمة الله) ذكر أن المسألة في غاية الوضوح، إذ الأرش غرامة شرعية ولم يفرض كونه جزء لأحد العوضين. مع أنه لو سلم كونه جزءاً فأدلة تحريم الربا قاصرة عن شمول مثل ذلك بنحو تحكم على أدلة استحقاق الأرش، لظهور اختصاصها بما اذا كان التفاضل بسبب بناء المتعاقدين أنفسهما. فلاحظ.
والذي نراه ان الأرش - كما اشير اليه - غرامة شرعية وليس جزء لاحد العوضين وسيجيء الحديث فيه ان شاء الله تعالى.
إذن، فالمتجه ما أفاده العلّامة (رحمة الله) من جواز أخذ الأرش في هذه الصورة.
المورد الثاني: ما لو لم يوجب العيب نقصاً في القيمة. [وقد مثّلوا لذلك بالخصاء في العبيد](3)
ولا يخفى أن البحث لابدّ أن يقع في مرحلتين:
الأولى: في ان العيب الذي يستلزم الخيار هل هو [أ] مطلق النقص عن الخلقة الأصلية ولو لم يوجب نقص القيمة، أو [ب] أنه خصوص ما اوجب النقص في المالية؟
فبناء على الوجه الثاني لا مجال لهذا الفرع أصلاً، لان العيب غير المستلزم للنقص ليس موضوعاً للخيار بالمرة، فلا مجال للبحث عن سقوط الأرش وعدمه.
ص: 109
نعم، بناء على الأول يقع الكلام في المرحلة الثانية وهي انه اذا لم يكن موجباً لنقص القيمة فهل يسقط الأرش أو لا؟
وقد ذهب الشيخ(1) (قدس سره) إلى عدم ثبوت الأرش. والظاهر أن وجهه بديهي، إذ الأرش عبارة عن نسبة تفاوت قيمة الصحيح عن قيمة المعيب، ومع عدم استلزام العيب النقص لا تفاوت في القيمة، فلا موضوع له.
[الثانية]: ثم إنه قد وقع في هذا الفرع بحث صغروي موضوعه الخصاء في العبيد، فانه قد مثّل للعيب غير المستلزم للنقص بالخصاء في العبيد باعتبار رغبة الناس في العبد المخصيّ الموجب لزيادة قيمته.
وقد أورد(2) عليه: بان الخصاء في نفسه موجب لتفويت بعض المنافع عنه، كالفحولة، وذلك يستلزم بما هو نقصاً في القيمة، لكن يرغب إلى الخصي قليل من الناس لبعض الأغراض الفاسدة - وهي عدم تستر النساء منه فيدخل عليهنّ ويكون واسطة بين المرء وزوجه في قضاء كثير من الحوائج فيزيد في قيمته لأجل هذه الأغراض الفاسدة شرعاً - .
ومثله لا يوجب زيادة في اصل المالية، إذ المفروض أن جهة زيادة المالية ملغاة بنظر الشارع لحرمتها، فهي نظير الغناء في الجارية ساقط عن المالية بنظر الشارع.
وقد أجاب الشيخ(3) (قدس سره) عن هذا الاشكال بان الراغب في الخصي لهذا الغرض بما انه كثير لا نادر، كان المال المبذول بإزائه موجباً لزيادة ماليته العرفية المقصودة، فالمدار على كثرة الراغب وعدم ندرته، إذ الملحوظ في المالية العرفية هو الرغبة المتعارفة
ص: 110
وما يبذل بازائه من الثمن بحسب النوع.
وتحقيق الحال: أن نظر المستشكل - بحسب ما أشرنا اليه - إلى أن المنفعة المحرمة ملغاة بنظر الشارع فلا يصح أن يبذل بازائها المال سواء كانت ملحوظة بنحو العوضية أم بنحو الداعي، إذن فالمال المبذول بلحاظها مبذول بازاء الباطل فلا يكون موجباً لزيادة مالية الشيء بنظر الشارع.
وقد انتقل الشيخ (قدس سره) في جوابه إلى التعرض للغرض الغالب والغرض النادر وتصحيح الأول للمالية دون الثاني.
وحقّ الجواب عنه: أن الجهة الملحوظة في بذل المال بازاء صفة الخصاء ليست محرمة. بيان ذلك: أن المفروض أن الزوج الذي يشتري العبد لخدمة زوجته لا يهتم بالجهة الشرعية من حرمة نظره اليها أو نظرها اليه أو نحو ذلك، لكن ذلك يستلزم عدم أمان خاطره من جهة احتمال وقوع زوجته مع عبده في بعض المحرمات من زنا ونحوه، وهذه الجهة مأمونة في الخصي.
فهو حين يبذل الكثير من المال بازاء الخصي يلحظ جهة تأمين خاطره وراحة باله وهي جهة محللّة لا مانع من بذل المال بازائها شرعاً، ولا يلحظ في بذل المال نفس مخالطة العبد لزوجته فان هذا مما لا تتعلق به الرغبة بما هو، ولا خصوصية للخصي بالنسبة اليه، فخصوصية الخصي هي الأمان من وقوع الزنا ونحوه وذلك(1) من المحللات، فانتبه.
ص: 111
وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) انهما يسقطان بأمور:
الأول: العلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف(2)
والوجه فيه قصور أدلة الخيار من شمول صورة العلم بالعيب، إذ الأخبار موردها صورة الجهل وتحقّق العلم بعد العقد، كما هو ظاهر جداً لمن لاحظها. وقاعدة «لا ضرر» - لو فرض التمسك بها لاثبات هذا الخيار - مختصة بصورة الجهل، للاقدام على الضرر مع العلم وهي لا تشمل صورة الاقدام.
ثم إنه (قدس سره) أشار إلى الاستدلال على سقوط الخيار عند العلم بالعيب قبل العقد بمفهوم صحيحة زرارة(3) - وقيل ان المستدل به [هما شارح الخيارات(4) و] صاحب
ص: 112
الجواهر(1) (رحمة الله) - وتنظر فيه، فقال: «وفيه نظر»(2)
أقول: المراد بصحيحة زرارة هي روايته المتقدمة في مسقطية التصرف وهي: «أيما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار لم يتبرء إليه ولم يبيّن له فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثم علم بذلك العوار وبذلك العيب أنه يمضي عليه البيع ويرد بقدر ما ينقص...» ومحط الاستدلال هو قوله (علیه السلام) : «ولم يبين له» وتقريب الاستدلال بها باحد وجهين:
الأول: أن قوله: «ولم يبيّن له» مدخول أداة الشرط وهو «أيما» ومقتضى الالتزام بمفهوم الشرط انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط، فيكون ظاهراً في عدم ثبوت الردّ عند البيان المعلوم أخذه طريقاً للعلم بالعيب.
الثاني: ان قوله «ولم يبيّن له» قيد لموضوع الحكم فبانتفائه ينتفي الحكم.
ووجّه تنظر الشيخ (قدس سره) أما في الوجه الأول، فبأن الشرط هاهنا من الشرط المقوّم للموضوع عقلاً اذ مدخول «أيما» قوله «اشترى» وهو مقوّم للخيار لأن موضوع الخيار العقد، وقد تقرّر في محله عدم ثبوت المفهوم لمثل هذا الشرط فهو نظير قوله:
«إن ركب الأمير فخذ ركابه» وقوله «إن رزقت ولداً فاختنه».
وأما في الوجه الثاني، فبعدم ثبوت مفهوم القيد.
ولكن قد يمنع(3) تنظر الشيخ (قدس سره) في الأول بان الشرط المقوّم للموضوع إذا كان مقيداً بقيود غير مقوّمة فتكون جميعها مدخولة للأداة، فانتفاء أحدها يستلزم انتفاء الشرط، نظير ما لو قال «إن ركب الأمير في يوم الجمعة فخذ ركابه» فانه يدل على انه ان ركب في غير الجمعة فلا يجب أخذ ركابه.
ص: 113
وما نحن فيه كذلك، لان عدم بيان العيب في الشراء ليس من مقوّمات موضوع الخيار عقلاً، فيثبت المفهوم.
وقد يمنع(1) تنظره في الثاني بان التقييد هاهنا في مقام التحديد وقد قيل إن مفهوم التحديد من أقوى المفاهيم.
[قد يجاب عن المنع]: هذا الكلام بشؤونه يبتني على شيء قد لا يلتزم به الشيخ (قدس سره) ولعل ذلك وجه تنظره لا ما أفيد، بيان ذلك: أنه قد يستفاد من الصحيحة أنها في مقام بيان حكمين وأنها تشتمل على جزاءين وهما أولاً إثبات حق الرد والأرش لمن اشترى معيباً ولم يبين له، وثانياً اثبات سقوط الردّ وثبوت حق الأرش خاصة لمن أحدث فيه شيئاً. فيقدّر بعد قوله «ولم يبيّن له»: ان له الرد والأرش.
فيقع الكلام بلحاظ ذلك في ثبوت المفهوم لقوله «ولم يبيّن له» بالنحو الذي ذكرناه.
وقد أخذ الأعلام هذا المعنى مفروغاً عنه.
ولكن هذا مما لا وجه له، إذ لا قرينة عليه، فان الظاهر أنه ليس في الصحيحة سوى جزاء واحد مذكور وهو لزوم البيع وثبوت الأرش عند حصول الشرط بقيوده.
ومن الواضح ان مقتضى الالتزام بالمفهوم لقوله «ولم يبين له» هو عدم مضي البيع مع بيان العيب فيدل على ثبوت حق الرد عند العلم بالعيب، وهو على خلاف المطلوب أدل.
ولعل نظر الشيخ (قدس سره) في تنظره إلى ذلك لا إلى ما تقدم حتّى يورد عليه بما سبق، فالتفت ولا تغفل والله سبحانه العاصم.
ثم إن الشيخ (قدس سره) قال بعد ذلك: «وحيث لا يكون العيب المعلوم سبباً لخيار
ص: 114
العيب فلو اشترط العالم ثبوت خيار العيب مريداً به الخيار الخاص الذي له أحكام خاصة فسد الشرط وأفسد لكونه مخالفاً للشرع»(1)
وتوضيح الكلام في ذلك باختصار: ان خيار العيب إما ان يستند فيه إلى الأخبار أو إلى قاعدة نفي الضرر.
فان كان المستند هو الأخبار، فقد عرفت قصورها عن إفادة ثبوت الخيار في مورد العلم بالعيب قبل العقد. وعليه، فلا تثبت مشروعية خيار العيب مع العلم بالعيب، فاشتراط ثبوته يكون اشتراطاً لغير المشروع.
ولا يقال: إنه يتوصل إلى الخيار بواسطة الشرط، نظير التوصل إلى التمليك والتملك بواسطته.
وبعبارة اُخرى: ان الالزام بالفعل الحاصل بواسطة الشرط في بعض الموارد لا ثبوت له في حد نفسه ومع قطع النظر عن الاشتراط وإنما يتسبب بالشرط إليه، فكذلك خيار العيب.
لأنه يقال: إن المحقّق في محلِّه هو صحة التوصل بالشرط إلى المسببات المعلوم تشريعها بحصول اسبابها. والثابت صحة التسبب اليها ببعض الأسباب كالملكية، فيكون الشرط أحد الاسباب بمقتضى «المؤمنون عند شروطهم» ولا يصح التوصل بالشرط إلى ما لم يعلم تشريعه كذلك، وخيار العيب كذلك، إذ الثابت جعل الشارع له في مورد خاص ولم يعلم صحة التسبب له ببعض الاسباب. وعليه فلا يصح اشتراط خيار العيب.
نعم أصل الخيار مما قام الدليل على صحة التسبب إليه بالشرط، فيصح اشتراطه. [فيكون خيار الشرط لا خيار العيب].
ص: 115
وإن كان المستند هو قاعدة نفي الضرر، فعدم انطباقها في مورد العلم بالعيب قد عرفت أنه من جهة الاقدام على الضرر، ولكن هذا مع عدم الاشتراط. أما مع اشتراط الخيار، فلا يتحقّق الإقدام على العيب فلا مانع من شمول قاعدة نفي الضرر، فالاشتراط يحقّق موضوع القاعدة.
وبما ان الصحيح هو ابتناء الخيار على الأخبار لا قاعدة نفي الضرر، فلا يصح شرط خيار العيب بعنوانه. وأما مفسديته للعقد فهي تبتني على كون الشرط الفاسد مفسداً، والشيخ (قدس سره) ممن لا يرى ذلك، فحكمه بان الشرط هاهنا مفسد ليس كما ينبغي. فتدبر.
هذا ملخص ما يوضّح به المقام، ولا حاجة بعد ذلك للتعرض إلى ما أفاده المحقّق الاصفهاني(1) (رحمة الله) ببيان فني اصطلاحي وإلى ما يدور حوله من نقض وإبرام.
الثاني: تبري البائع عن العيوب إجماعاً(2) في الجملة
وقد ذكر الشيخ(3) (قدس سره) ان الأصل في هذا الحكم قبل الاجماع - مضافاً إلى ما في التذكرة(4) من ان الخيار إنّما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة فاذا صرّح البائع بالبراءة فقد ارتفع - صحيحة زرارة المتقدمة(5) ومكاتبة جعفر بن عيسى(6) الآتية.
ويريد بالمكاتبة ما رواه الشيخ باسناده عن الصفار عن محمّد بن عيسى عن
ص: 116
جعفر بن عیسی قال: كتبت إلى أبي الحسن (علیه السلام) : جعلت فداك المتاع يباع فيمن يزيد فينادي عليه المنادي فاذا نادى عليه برء من كل عيب فيه، فاذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلّا نقل الثمن فربما ذهل، فاذا زهد فيه ادعى فيه عيوباً وانه لم يعلم بها فيقول المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري لم أسمع البراءة منها، أيصدق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدق فيجب عليه الثمن؟ فكتب (علیه السلام) : «عليه الثمن».
وهي وان لم تكن مسوقة لبيان سقوط الخيار بالبراءة من العيب بل لحكم الاختلاف في تحقّق البراءة، إلّا أنها ظاهرة في المفروغية عن سقوط حق الرد بالبراءة وإنّما الاختلاف في تحقّقها، فالتفت.
ثم إنه ذكر أنّ مقتضى اطلاقها - كمعقد الاجماع المحكي - عدم الفرق بين التبري تفصيلاً وإجمالاً، ولا بين العيوب الظاهرة والباطنة لاشتراك الكل في عدم المقتضي للخيار مع البراءة.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام. واستدلاله بصحيحة زرارة هنا ينافي مع تنظره في الاستدلال بها في مسقطية العلم بالعيب إذ ذكرها في الرواية على نحو واحد، وقد اشير إلى وجود هذا التهافت في كلمات بعض المحشيّن.
وتحقيق الكلام في اصل المطلب: أن خيار العيب... .
إما أن يلتزم به من باب ان ظاهر العقد بناؤه على السلامة بأن تكون السلامة بمنزلة الداعي للعقد والمعاملة - كما تقدم(1) تقريبه في أول مبحث هذا الخيار - وقد ثبت بالنص ثبوت الخيار في مثل ذلك وان لم يكن على طبق القواعد.
وإما ان يلتزم به من باب ان السلامة مأخوذة بنحو الشرط الضمني، فيكون تخلفها موجباً للخيار من باب تخلف الشرط.
ص: 117
فعلى الأول: بعد تبري البائع عن العيوب لا يكون العقد مبنيّاً على السلامة كما هو واضح فلا موضوع للخيار الثابت بالنص، لان موضوعه - كما عرفت - هو العقد المتعارف المبني على السلامة بمقتضى اطلاقه.
ولعله إلى ذلك أشار العلّامة (رحمة الله) في التذكرة(1) في كلامه المتقدم.
وعلى الثاني: يكون التبري عن العيوب راجعاً إلى عدم اشتراط السلامة بالاشتراط الضمني، فلا يكون تخلفها موجباً لخيار تخلف الشرط.
وبالجملة، سقوط الخيار بالتبري لا إشكال فيه.
ولا يخفى انه لا يبتنى سقوطه بالتبري على ارجاع التبري إلى شرط عدم الخيار أو سقوطه كي يحتاج إلى التمسك بعموم «المؤمنون عند شروطهم»، لما عرفت من ان التبري يستلزم عدم تحقّق المقتضي للخيار تكويناً.
ومن هنا لم يتمسك الشيخ (قدس سره) هاهنا بعموم «المؤمنون عند شروطهم»، وتمسك به في التبري عن العيوب المتجددة الموجبة للخيار، كالعيب الحادث قبل القبض أو في زمن الخيار، إذ ثبوت الخيار في العيوب المتجددة ليس من باب الشرط الضمني، أو من باب بناء العقد على السلامة - كما لا يخفى - ، بل هو بالتعبد الشرعي المخالف للقواعد العقلائية، والتبري لا يضر بموضوعه تكويناً. فلا ينفي الخيار إلّا من باب اشتراط سقوطه أو عدم ثبوته.
ومما ذكرنا يظهر أن ما استفاده المحقّق الاصفهاني(2) (رحمة الله) من كلام الشيخ (قدس سره) بالنسبة إلى العيوب السابقة على العقد من انه في مقام التمسك بعموم «المؤمنون عند شروطهم» لارجاع التبري إلى شرط سقوط الخيار، في غير محله.
ص: 118
ثمّ إنّه لا فرق في التبرّي المسقط للخيار بين التبرّي على نحو التفصيل والتبرّي عن العيوب على نحو الاجمال لاطلاق الرواية، فلا فرق بين أن يقول: بعتك هذا العبد وتبرّأت عن عيب كذا حتّى يثبت له الخيار فيما إذا ظهر فيه عيب آخر غير العيب الذي تبرّأ إليه، وبين أن يقول: بعتك هذا العبد مع ما فيه من العيوب المعلومة وغير المعلومة حتّى يسقط خيار العيب من طرف جميع العيوب.
كما لا يفرق في ذلك بين التبرّي من العيوب الظاهرية كالعمى ونحوه والتبرّي من العيوب الباطنية كسوء الخلق وكونه سارقاً ونحوهما لاطلاق الأخبار.
وكذا لا فرق في ذلك بين التبرّي من العيوب الموجودة حال العقد والتبرّي من العيوب المتجدّدة بعد العقد قبل القبض أو في زمان خيار المشتري بخيار حيوان أو شرط.
وأمّا الاشكال في التبرّي من العيوب الموجودة حال العقد فهو من جهة أنه يقدّم على ما فيه الخطر وهو ممنوع باطل في الشريعة المقدّسة.
والجواب عن ذلك: أنّ الأخبار إذا قلنا بدلالتها على صحة البيع مع التبرّي وسقوط الخيار به وقلنا إنّها مطلقة من حيث استلزامه الغرر في المعاملة وعدمه بمعنى أنها دلّت على صحّة البيع مع التبرّي حتّى فيما كانت المعاملة غررية فلا محيص من الالتزام بأنّها تخصص الدليل الدالّ على بطلان البيع الغرري، لأنّ بطلانه ليس من جهة الاستحالة العقلية حتّى لا يقبل التخصيص، بل يكون إنكاره من الاجتهاد في مقابلة النص الصريح.
وأمّا إذا قلنا بأنّ الأخبار تدلّ على صحة البيع مع التبرّي عن العيوب في المعاملة المحكومة بالصحة في حدّ نفسها من تمام الجهات والشرائط ولا نظر لها إلى إثبات الصحة حتّى في المعاملة الفاقدة لبعض الشروط، ومن هنا لم يصح التمسك بها لاثبات صحة العقد الصادر من الصبي بدعوى أنّها مطلقة وتقتضي صحة البيع مع التبري
ص: 119
مطلقاً فالمعاملة الغررية الفاقدة لشرطها خارجة عن الأخبار.
فحينئذ فلابدّ من التفصيل في المقام وأن يقال إن كان ارتفاع الغرر مستنداً إلى التزام البائع بصحة المبيع والخيار عند ظهور عيب فيه ومن أجله أقدم على البيع إذ لا خطر فيه حينئذ حيث إنه إذا ظهر معيباً يردّه إلى مالكه، فلا محيص من الالتزام بفساد المعاملة بالتبرّي من العيوب حينئذ لأنه غرري وإقدام على ما فيه الخطر لعدم التزام البائع بصحة المبيع، وأمّا إذا اعتمدنا في رفع الغرر إلى أخبار خارجي واطمئنان بعدم العيب في المبيع فلا مانع من صحة البيع وعدم غرريته ولو مع تبرّي البائع عن عيوبه، لأنّا بعد على اطمئنان من صحة المبيع ولا إقدام على الخطر، وكيف كان فالصحيح هو التفصيل كما عرفت.
وأمّا ما أفاده شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) من الفرق بين التبرّي من فقد وصف الصحة وعدم الالتزام به وبين عدم الالتزام بسائر الأوصاف الكمالية وأنّ التبرّي من فقد الأوصاف الكمالية يوجب الغرر وبطلان المعاملة، وأمّا التبرّي من العيب وانتفاء وصف الصحة فلا يوجب الغرر لمكان الاعتماد على أصالة السلامة وهو يرفع الغرر.
ففيه ما تقدّم من أنّ أصالة السلامة لم يعلم لها أصل وأنّها من أي الأصول أوّلاً. وثانياً: على تقدير أصالتها لا يمكن الاعتماد عليها في رفع الغرر الذي هو بمعنى احتمال الخطر وجداناً، لأنّا بعدُ نحتمل الخطر بالوجدان ولم يرتفع بالأصل كما تقدّم في أوائل بحث هذا الخيار، فالصحيح ما ذكرناه من التفصيل.
هذا بالنسبة إلى العيوب السابقة على العقد.
أما العيوب المتجددة بعد العقد، فتحقيق الكلام في حال التبري عنها: انك قد عرفت ان ثبوت الخيار بالعيوب المتجددة لا يرجع إلى بناء المتعاقدين العقد على
ص: 120
السلامة أو من جهة الشرط الضمني لوصف الصحة ارتكازاً كي يختل ذلك بالتبري، بل من جهة حكم الشارع تعبداً بان ذلك موجب للخيار.
ومن الواضح ان التبري عن العيوب والحال هذه يرجع إلى اشتراط عدم الخيار بحدوث العيب، وهو يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مرجعه إلى اشتراط عدم ثبوت الخيار.
والآخر: ان يكون مرجعه إلى اشتراط اسقاط الخيار.
وعليه، فقد يقال بتأثير هذا الشرط في عدم الخيار بمقتضى عموم «المؤمنون عند شروطهم» - كما يظهر من الشيخ(1) (قدس سره) - .
لكن [استشكل] انه لا مجال للتمسك بالعموم المزبور على كلا الوجهين في الشرط، لما تقرر من أنّ العموم الدال على نفوذ الشرط إنّما يدل على نفوذ اشتراط ما هو مشروع في حد نفسه بحيث ثبت صحة التسبيب اليه، فيكون الشرط أحد اسبابه بمقتضى العموم، فهو متفرع على مشروعية الشرط في حد نفسه ولا يتكفل بنفسه التشريع.
وعليه، فنقول:
1- أما اشتراط عدم ثبوت الخيار، فهو ليس شرطاً لما هو مشروع في حد نفسه. إذ الفرض أنّ الدليل دلّ على ثبوت الخيار وتشريعه ولم يثبت مشروعية التوصل إلى دفعه بسبب ما كي يكون الشرط أحد أسبابه، فلا مجال للتمسك بعموم النفوذ في شرط عدم ثبوت الخيار.
2- وأما اشتراط سقوط الخيار، فهو وإن كان شرطاً لما هو مشروع، لان اسقاط الخيار ثبتت مشروعيته بمقتضى أنّ «لكلِّ ذي حق إسقاط حقّه» إلّا أنّ الإسقاط
ص: 121
الثابت مشروعيته هو الإسقاط للحقِّ الفعلي.
أما الحق الثابت في المستقبل، فاسقاطه فعلاً وإن كان معقولاً على ان يكون الانشاء في الحال والسقوط في زمان الخيار - لا بان يكون الاسقاط الواقعي فعلياً وإلّا فهو غير معقول - .
لكن لا دليل على مشروعيته حتّى بلفظ «أسقطت».
وعليه، فشرط اسقاط الخيار بهذا النحو لم يثبت أنه شرط لأمر مشروع في نفسه، اذ لم يثبت مشروعية التسبيب من الآن إلى سقوط الخيار في ظرفه، فلا يمكن التمسك بعموم النفوذ إما لكون الشبهة مصداقية أو لأجل كون القيد هو إحراز المشروعية لا واقع المشروعية.
وبعبارة أُخرى: انّ «الاشكال في التبرّي من العيوب المتجدّدة بعد العقد فهو ليس من ناحية الغرر، لأنّ المدار في عدم الغرر في البيع على عدمه حال العقد والمفروض عدمه حينئذ، وأمّا الغرر بعده فعلى تقدير تحقّقه لا يضرّ بالبيع، إلّا أنّ الاشكال أنه حينئذ من إسقاط ما لم يجب، فإنّ الخيار إنّما يثبت بعد حدوث العيب في المبيع وهو بعد لم يحدث فيه فكيف يسقطه مع عدم ثبوته، وإسقاط ما لم يجب غير صحيح أو غير معقول.
والجواب عن ذلك: ما تقدّم في خيار الرؤية وغيرها من أنّ إسقاط ما لم يجب لا استحالة فيه عقلاً، وإنّما لا يجوز شرعاً للاجماع أو لمخالفته لما بنى عليه العقلاء في بعض الموارد، والاجماع إنما تحقّق على بطلان إسقاط ما لم يجب فيما إذا أسقطه قبل تحقّق العقد، وما هو موضوع الخيار بل هو على خلاف ما عليه العقلاء، وأمّا بعد تحقّق العقد الذي هو موضوع الخيار لأنه فسخ العقد فلا بأس باسقاط الخيار على تقدير تحقّق العيب بعد ذلك بعد ما كان الانشاء [من الأمور الإعتباري]، والاعتبار كما يتعلّق بالأمر الحالي يتعلّق بالأمر الاستقبالي فمن الآن يعتبر سقوط خياره الثابت في
ص: 122
ظرفه، نعم لا يمكن إسقاطه فعلاً لعدم ثبوته بالفعل.
ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) ذكر أنّ البراءة في المقام يحتمل إضافتها إلى أمور ثلاثة:
الأوّل: أن تضاف إلى عهدة البائع سلامة المبيع
وذكر أنّ مرجع ذلك إلى عدم التزامه السلامة، فلا يترتّب على ظهور العيب ردّ ولا أرش وكأنّه باعه على كل تقدير كان صحيحاً أم عيباً.
الثاني: أن تضاف إلى ضمان العيب ومعناه التبرّي عن المال الذي هو قيمة العيب لأنه معنى ضمان العيب، فيسقط بذلك الأرش فقط على تقدير كون المبيع معيباً دون الردّ لأنه لم يتبرّأ عن الخيار.
الثالث: إضافة البراءة إلى حكم العيب أي الخيار المترتّب على العيب. والفرق بين هذا وبين الأمر الأوّل أنّ البراءة في الأوّل اُضيفت إلى نفس العيب وفي المقام اُضيفت إلى حكمه فيسقط به الرد والأرش، وقد نسبه إلى التذكرة(2) وذكر(3) أنّ الأظهر عند العرف هو الأوّل، والأنسب إلى معنى البراءة هو الثاني، هذا.
ولا يخفى أنّه لا فرق بين الثالث والأوّل إلّا في مجرد اللفظ ومعناهما واحد وهو التبرّي عن الخيار، وأمّا ما رتّبه على الوجه الأوّل من أنه كأنّه باعه على كل تقدير فهو كل يختص به ويجري في جميع الاحتمالات الثلاثة، فإنه لو باعه على تقدير دون تقدير فيكون من المعلّق الباطل، فالبيع على كل تقدير يجري في جميعها، وقد ذكرنا أنه لا معنى معقول لاشتراط وصف الصحة أو الالتزام بها إلّا جعل الخيار للمشتري فيما إذا لم يتبرّأ البائع، فمعنى التبرّي عدم جعل الخيار للمشتري على تقدير ظهور العيب في
ص: 123
المبيع بلا فرق في ذلك بين الوجه الأوّل والثالث، لما مرّ من أنّ الالتزام المعاملي في جميع الاحتمالات الثلاثة منجز وثابت على كل تقدير، والفرق بين الوجهين إنما هو في اللفظ وفي إضافة البراءة إلى نفس العيب أو إلى حكمه.
وعليه فالأمر في الحقيقة يدور بين الاحتمالين وهما الاحتمال الأوّل والثاني الذي مرجعه إلى إسقاط الأرش فقط كما إذا صرّح بخصوص إسقاطه، وهذا وإن لم يرد فيه نصّ خاص فإنّ ما ورد من جواز التبرّي للبائع ظاهره التبرّي المطلق دون التبرّي من خصوص مال العيب وأرشه، إلّا أنه يكفي في جوازه ما علمناه من الخارج من أنّ الأرش غرامة وإنما ثبت بمطالبة المشتري لا أنه يشتغل ذمّته أي البائع بها من الابتداء، فإنّ معنى ذلك أنّ الأرش حق للمشتري له أن يطالب به البائع لا أنه واجب عليه، فإذا ثبت أنّ الأرش حق فيثبت جواز إسقاطه حين العقد لأنّا ذكرنا [من الفوارق] بين الحق والحكم جواز الاسقاط وعدمه، فلا يرد على الوجه الثاني إلّا كونه من اسقاط ما لم يجب وقد عرفت جوابه. والمتحصّل أنّ الأمر يدور بين الاحتمالين وهما الأوّل والثاني ولا ثالث في البين.
ثمّ إنّ شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) ذكر أنّ تبرّي البائع عن العيوب إنّما يوجب سقوط خصوص الخيار دون سائر أحكامه، وقد ذكر السيّد [اليزدي] (قدس سره) في حاشيته(2) في تفسير هذا الكلام أمراً آخر يغاير المعنى المستفاد من ظاهر كلام شيخنا الأنصاري (قدس سره) وهو أيضاً معترف بأنّ ما ذكره على خلاف ظهور كلام شيخنا الأنصاري (قدس سره) كما أنه على خلاف ظواهر سائر الكلمات، ولكنّه ذكر أنّ مرادهم هو ما ذكره وإن كانت عباراتهم غير وافية ببيانه وإنما استفاده من تعليل الشهيد(3) (قدس سره) في قوله:
ص: 124
ويحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار، كما سيتّضح وجهه إن شاء الله تعالى.
وعليه لابدّ من التكلّم في مقامين:
[المقام الأوّل]: وهو الذي يوافقه ظاهر كلام شيخنا الأنصاري (قدس سره) وصريح بعض الكلمات: هو أنه إذا تبرّأ البائع من العيب وبه سقط ذلك الخيار إلّا أنه كان للمشتري خيار آخر كخيار الحيوان ونحوه وقد تلف في الثلاثة من جهة العيب الذي تبرّأ منه البائع، فهل يكون التبرّي من العيب موجباً لعدم ضمان البائع تلف المبيع في زمان الخيار بدعوى أنه تبرّأ منه، أو أنّ التبرّي لا يوجب إلّا سقوط الخيار لا غيره من الأحكام، والتلف من مال البائع في زمان الخيار من قبيل الأحكام لا الحقوق، ولا يرتفع بالتبرّي لعدم ربط به، وإطلاق أدّلة الضمان فيما إذا تلف في زمان الخيار فلا يرتفع الضمان حتّى فيما لو صرّح بأنه تبرّأ من العيب وأسقطه بحيث لا يضمنه لو تلف المبيع في زمان الخيار كي لا يرد إشكال القصور في مقام الاثبات وذلك لأنه لم يدل دليل على ارتفاع الضمان بالتبرّي حتّى يلحقه بالحقوق لما تقدم من أنه [من الفوارق] بين الحق والحكم أنّ الحق يقبل السقوط والمفروض أنه لم يدل دليل على أنّ التبرّي يرفع الضمان.
ثمّ إنّ الشهيد(1) (قدس سره) صرّح بأنه لو تبرّأ البائع من عيب فتلف به في زمان خيار المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع، وكذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده وتلف في زمان خيار المشتري، ويحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه، وظاهره أنّ إسقاط الخيار بالتبرّي أو بعلم المشتري زمان الخيار وقد عرفت أنّ التحقيق خلافه، بل الظاهر ضمان البائع به لاطلاق أدلّة الضمان وعدم ربط له بخيار العيب وعدمه.
ص: 125
ثمّ إنّ ما علّل به احتمال ضمان البائع من بقاء علقة الخيار ممّا لا يرجع إلى محصّل ولم نفهم مراده (قدس سره) .
ثمّ ذكر (قدس سره) أنه أقوى إشكالاً من الأوّل ما إذا استند تلف المبيع في زمان الخيار إلى العيب الذي تبرّأ منه وإلى العيب الآخر الذي لم يتبرّأ منه، والوجه في كونه أقوى إشكالاً هو أنّا إذا قلنا بارتفاع الضمان التبرّي من العيب فلا يسقط به الضمان في المقام لوجود عيب آخر لم يتبرّأ منه مع استند التلف إليه، هذا.
والصحيح أنه لا فرق بين هذه الصورة والصورة المتقدّمة في أنّ التبرّي لا يرفع الضمان كان هناك عيب آخر أم لم يكن استند إليه التلف أم لم يستند.
[المقام الثاني]: ما ذكره السيّد (قدس سره) من أنه إذا تبرّأ البائع من العيب وسقط به خياره فهل يسقط به جميع أحكامه من ضمان البائع للمبيع فيما إذا تلف في زمان الخيار الشأني أي الذي لو لم يتبرّأ منه البائع لثبت أو أنّ الساقط بالتبرّي إنّما هو خصوص الخيار ردّاً وأرشاً دون مثل الضمان فيما إذا تلف المبيع في زمانه مستنداً إلى العيب الذي تبرّأ إليه منه، فإن كان هذا مراد شيخنا الأنصاري (قدس سره) كما نسبه إليه السيّد (قدس سره) مع الاعتراف بكونه خلاف ظاهر عبارته من جهة تعليل الشهيد (قدس سره) بقوله: ويحتمل الضمان لبقاء علاقة الخيار، بمعنى أنّ الخيار وإن سقط بالتبرّي إلّا أنّ علقته باقية وهي تقتضي الضمان لقاعدة كل مبيع تلف في زمن الخيار فهو ممّن لا خيار له.
فالتحقيق خلاف ما أفاده (قدس سره) :
أمّا أوّلاً: فلأنّ ظواهر الأدلّة التي استفيد منها كون تلف المبيع في زمن الخيار ممّن لا خيار له هي الخيار الفعلي دون الخيار الشأني كما في المقام، وأنّ التلف في زمان الخيار الفعلي ممّن لا خيار له لا في زمان الخيار الشأني، ومن هنا لا يلتزم بذلك فقيه في غير خيار العيب من الخيارات كخيار المجلس فيما إذا أسقطاه ثمّ تلف المبيع بدعوى أنه تلف في زمان الخيار الشأني أي لو لم يسقطاه لثبت، وهذا ظاهر.
ص: 126
وأمّا ثانياً: فلأنّ ذلك لو تم وسلّمنا أنّ التلف في زمان الخيار الشأني ممّن لا خيار له للزم منه الحكم بكون التلف من مال من لا خيار له إلى الأبد وإلى يوم القيامة، لتحقّق الخيار الشأني في جميع الأزمنة، لأنه لو لم يسقطه أو لم يتصرّف فيه أو لم يعلم بالعيب لثبت إلى الأبد، فيكون البائع ضامناً للمبيع فيما إذا استند تلفه إلى العيب الذي تبرّأ منه إلى يوم القيامة وهذا ممّا لا يتفوّه فيه فقيه فضلاً من إسناده إلى جميعهم وجعل المخالف هو الشهيد فقط.
وأمّا ثالثاً: فلأنّ التلف ممّن لا خيار له إذا كان في زمان الخيار يختص عند شيخنا الأنصاري (قدس سره) بخصوص خيار الحيوان والشرط لورود النص فيهما وخيار المجلس إلحاقاً بهما، ولا يجري في غيرها من الخيارات كخيار العيب ونحوه حتّى فيما إذا كان فعلياً فضلاً عمّا إذا كان شأنياً، فما أفاده (قدس سره) ونسبه إلى الأصحاب ممّا لا معنى محصّل له أبداً.
ويقع الكلام بعد ذلك في أمور ذكر الشيخ (قدس سره) انه يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد والأرش بها:
3- منها: زوال العيب قبل العلم به أو بعد العلم به وقبل الرد: والتزم به في التذكرة(1) على ما حكاه عنه الشيخ(2) (قدس سره) .
والذي أفاده الشيخ(3) (قدس سره) هو: ان لسقوط الرد بزوال العيب وجهاً لان ظاهر أدلته خصوصاً بملاحظة ان الصبر على العيب ضرر، ان الثابت هو رد المعيب بما هو معيب [والمتلبس بالعيب] فاذا زال العيب فلا تشمه أدلة الرد، كما انه لا مجال لاستصحاب الرد لتبدل الموضوع.
ص: 127
وأما الأرش، فلما ثبت استحقاق المطالبه به لأجل فوات وصف الصحة عند العقد فقد استقر بالعقد خصوصاً بعد العلم بالعيب، والصحة إنّما حدثت في ملك المشتري، فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج إلى دليل، لانه على خلاف الأصل.
وعليه، فالقول بثبوت الأرش وسقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلاً مخالفاً للاجماع.
ثمّ قال: «ولم أجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلّامة أو بعده»(1)
لعل مقصود الشيخ (قدس سره) من قوله «لهذا الفرع» هو زوال العيب بعد العلم به قبل الرد. وما أشار فيه إلى رأي المسالك(2) وجامع المقاصد(3) هو صورة زوال العيب قبل العلم به.
وللمحقّق الاصفهاني(4) (رحمة الله) هاهنا تحقيق رشيق يتضمن الايراد على الشيخ (قدس سره) فقد أفاد الله (رحمة الله) : ان الكلام في مقامين: احدهما في سقوط الرد والآخر في سقوط الأرش.
أما سقوط الرد بزوال العيب، فهو يبتني على أخذ العيب في موضوع الرد حيثية تقييدية أو حيثية تعليلية له حدوثاً وبقاءً.
وأما اذا أخذ حيثية تعليلية حدوثاً فقط، فلا يسقط الرد بزوال العيب.
وعليه، فلابدّ من ملاحظة دليل الخيار وهو إما الأخبار وإما قاعدة نفي الضرر.
ص: 128
أما الأخبار، فظاهر قوله (علیه السلام) «ایما رجل اشترى شيئاً وبه عيب أو عوار...»(1) الموضوع هو ذات ما وقع عليه العقد وهو الشيء وكونه مما به عيب أو عوار حيثية تعليلية، ولم يؤخذ في المردود عنوان المعيب كي يبحث انه مأخوذ بنحو العنوانية أو المعرفية.
ودعوى: ان مقتضى قوله «وبه عيب» هو كون المردود متلبساً بالعيب لأن الجملة حالية، فكأنه قال له رد المعيب.
تندفع: بان الحالية المستفادة من الواو راجعة إلى الفعل وهو الاشتراء لا إلى المفعول وهو الشيء، فالمراد: من اشترى شيئاً وكان الشراء في حال العيب او العوار.
وبذلك يظهر ان الحيثية التعليلية هى الشراء الخاص(2) لا نفس العيب، ومن الواضح ان الاشتراء لا بقاء له كي يبحث أنه حيثية تعليلية حدوثاً وبقاءً أو حدوثاً فقط.
إذن، فالصحيح بقاء حق الرد إما للإطلاق أو للاستصحاب مع عدم الاطلاق. لبقاء الموضوع وعدم تبدله.
وأما قاعدة نفي الضرر، فمقتضى مناسبة الحكم والموضوع وإن كان دوران الخيار مدار الضرر وجوداً وعدماً، إلّا ان غايته عدم الدلالة على بقاء الحكم بعلية الضرر لا عدم بقاءه(3) رأساً ولو بعلة أخرى، إذ لا تقتضي انحصار العلة بالضرر.
وعليه، فلا مانع من استصحاب الخيار الثابت أولاً.
ودعوى: تبدل الموضوع لأن موضوع الحكم الثابت أولاً هو المتضرر.
تندفع: بان الموضوع الذي لابدّ من إحرازه هو موضوع الحكم المنفي من جهة
ص: 129
الضرر، لانه هو معروض النفي. وموضوع الحكم المنفي هو مشترىٰ المعيب ونفس العقد، فاللزوم منفي عن العقد الواقع ووجوب الوفاء منفي عن المشتري لأجل الضرر.
وأما سقوط الأرش، فقد ذكر أن الشيخ (قدس سره) نفى سقوطه بما يتأتى بالنسبة إلى الرد أيضاً حرفاً بحرف، ولا معنى للتفرقة بينهما لاتحادهما ملاكاً وموضوعاً ودليلاً، فما هو الموضوع للرد هو الموضوع للأرش، فاما يسقطان معاً أو يثبتان معاً، فالتفصيل بينهما بلا وجه.
نعم، يتجه التفصيل بناء على ان استحقاق المطالبة بالأرش فرع اشتغال ذمة البائع بما به التفاوت، إذ اشتغال الذمة عند استقرار العقد ليس كاستحقاق الرد معلقاً على موضوع يزول بزوال العيب ولا يرتبط بالمعيب ولا يتقوم به، فلابدّ في الحكم ببراءة ذمة البائع من دليل وإلّا فالأصل يقتضي بقاءه.
ولكن هذا المبنى فاسد. إذ لا معنى للحكم باشتغال الذمة على نحو التخيير، فالمراد من استحقاق الأرش: استحقاق التغريم وهو ممكن ان يناط بموضوع ما، فللمشتري ان يرد المبيع وله أن يغرمه الأرش بلا اشتغال ذمته قبلاً بشيء.
هذا خلاصة ما أفاده (رحمة الله) .
وتحقيق الحال فيه:
أمّا ما أفاده من ان موضوع الرد بحسب ظاهر الخبر هو ذات المعيب لا بما هو معيب، فهو متين في نفسه لو فرض قصر النظر على نفس الخبر بما هو.
ولكن الشيخ (قدس سره) لم يظهر منه دعوى ظهور النص بنفسه بل ادعى أن القرينة الخارجية تقتضي كون الموضوع هو المعيب بما هو، كما يظهر من قوله: «خصوصاً
ص: 130
بملاحظة ان الصبر على المعيب ضرر...» (1)
وتوضيح ما أفاده الشيخ (قدس سره) : ان هذا الخيار مما يعلم انه ليس بخيار تعبدي صرف بل هو بملاك عقلائي وهو ليس الّا دفع ضرر الصبر على المعيب، فالخيار وان ثبت بالنص لكنه بملاك عدم الضرر وهو ضرر الصبر على العيب لا ضرر النقص الحاصل لانه لا يندفع بالخيار لتحقّقه.
وعليه، فمع ارتفاع العيب لا ضرر، فلا مجال للرد بمقتضى الخبر ولا لإستصحابه لتبدل الموضوع.
ولا أقل من الشك في كون الموضوع للرد هو المعيب بما هو، فيمنع من جريان الاستصحاب.
وأما ما أفاده بلحاظ تحكيم «لا ضرر» في إثبات الخيار، وان الموضوع هو نفس العقد الواقع على المعيب لا المتضرر بما هو كذلك.
فيمكن المناقشة فيه: ان الملحوظ في حديث «لا ضرر» هو نفي الضرر الوارد على المشتري إذا حكم بلزوم العقد عليه، فالرد يكون دافعاً للضرر الذي يمكن أن يتوجه عليه.
وبمقتضى ذلك يكون الموضوع هو المشتري بما هو متضرر، إذ المفروض ان الملاك دفع الضرر فهو ملحوظ في الموضوع، فمع زوال الضرر بزوال العيب يرتفع الموضوع. بل لنا أن نقول إن حديث «لا ضرر» قاصر عن شمول المورد حدوثاً، فلا خيار حدوثاً كي يستصحب بعد زوال العيب.
وذلك، لان الملاك في حديث لا ضرر اذا كان دفع الضرر، فانما يجري إذا كان مستلزماً في ظرف إعماله لدفع الضرر، وما نحن فيه ليس كذلك، لانه في ظرف إعمال
ص: 131
«لا ضرر» وهو ظرف العلم بالعيب يزول العيب، فلا ضرر [حتّى] يندفع بالخيار المجعول، فلا يعقل جعله، فتدبر جيداً.
وأما ما أفاده بالنسبة إلى سقوط الأرش وعدمه، فهو متين في نفسه لكنه يبتني على كون الرد والأرش في عرض واحد.
وأما مع الطولية بينهما، فدعوى اختلاف الموضوع لا تكون بعيدة حينئذٍ.
فالأولى ان يقال في بيان سقوط الأرش مطلقاً مع قطع النظر عن الرد: إن ظاهر دليل الأرش هو أخذ التفاوت بين المعيب والصحيح حال المطالبة بالأرش والتفاوت، وهذا يستلزم أخذ المعيب الفعلي في الموضوع لا المعيب في ظرف سابق. فلاحظ وتدبر.
ثم إن الشيخ(1) (قدس سره) بعد كلامه السابق الذكر ذكر أن المورد داخل في القاعدة(2) التي اخترعها الشافعي وهو إنَّ الزائلَ العائدَ كالذي لم يَزُلْ أو كالذي لم يَعُدْ؟!
«الأولى في توجيه تطبيقها على المقام ما أفاده المحقّق الإيرواني (قدس سره) بأن يقال: «إنّ الصحّة الحاصلة بعد العقد هل هي كالصحّة الموجودة حال العقد، فكأنّ الصحّة كانت لم تزل حتّى لا يكون خيار؟ أو أنّها غير ما اشترطت وهي الصحّة حال العقد، فما اشترطت لا تحصل بزوال العيب لا حقاً كي يرتفع الخيار، وإنّما الّذي يحصل بزواله صحّة أُخرى»(3)
هذا، ولكن نوقش في الاستدلال بها هنا صغرىً وكبرىً، فالمصنّف منعها كبرويّاً، كما منع من صغرويّة المقام لها»(4)
وقال السيّد اليزدي (قدس سره) : «المراد بالزائد في المقام هو وصف الصحة، هذا وفي
ص: 132
كون المقام من فروع هذه القاعدة تأمل؛ إذ الصحة قبل العقد لم تكن مناطاً لمطلب، بل المناسب أنْ يقال هل الحكم مادام الوصف أو لا؟ بل الوصف - دعنى العيب - علة محدثة للحكم، ومثل هذا ليس من فروع القاعدة، ألا ترىٰ أنَّه ليس منها مسألة زوال تغيّر الماء من قبل نفسه، حيث يشك في كونه مطهراً أو لا، نعم لو زال العيب الرد ثمّ عاد فهو داخل في فروع القاعدة.
والتحقيق: عود الحكم بناءً على سقوط الخيار بزوال العيب، لكن يشترط أنْ يصدق عليه أنَّه العيب السابق، وأما إذا عدَّ عيباً جديداً نظير العيب السابق فلا.
ثمّ إنَّ ما حكي عن الشافعي ليس إلّا سؤالاً، ففي عده قاعدة مخترعة ما ترىٰ، والمصنِّف (قدس سره) ينقل عنه مراراً(1) هذه القاعدة، والظاهر أنَّه أعجبه حسن هذه العبارة، وإلّا فليس شيئاً كما لا يخفى»(2)
وهذا غير ظاهر الوجه، إذ لم يفرض كون العيب طارئاً بحيث كانت الصحة زائلة ثم عادت. والأمر سهل.
4- ومنها: التصرف بعد العلم بالعيب، فقد حكى الشيخ(3) (قدس سره) عن ابن حمزة في الوسيلة(4) الالتزام به، وعلّله بقوله: «لعله لكونه علامة للرضا بالمبيع بوصف العيب، والنص(5) المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم»(6)
ونوقش بأنّ التصرف علامة الرضا بالمبيع لا بالمعيب، فلا ينافي مطالبته
ص: 133
بالأرش.
وقال الشيخ (قدس سره) بعد ذلك: والأولى ان يقال: إن الرضا بالعيب لا يوجب اسقاط الأرش وإنمّا المسقط له ابراء البائع عن عهدة العيب وحيث لم يدل التصرف عليه فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف. مع ان اختصاص النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع»(1)
وتحقيق الكلام في الفرع باختصار:
أما بالنسبة إلى سقوط الأرش بالتصرف، فقد يقال بعدم سقوطه [صحيحة] زرارة: «أيما رجل... إلى أن يقول: فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً وعلم بذلك العيب أو العوار انه يمضي عليه البيع...»(2)، فان ظاهر الواو كونها عطفاً على القبض فتكون ظاهرة في ان التصرف بعد العلم. فتكون نصاً في ثبوت الأرش بعد التصرف بعد العلم.
ولكن هذا يبتني على كون النسخة: «وعلم» بالواو.
وأما على ما هو الموجود في الوسائل من كون العطف ب- «ثم» فقد يقال بدلالتها على سقوط الأرش إذا كان التصرف بعد العلم تمسكاً بمفهوم القيد.
ويشكل ذلك: بانه لو سلم ان للقيد مفهوماً فهو هاهنا لا مفهوم له جزماً، لأن الجزاء والمقيد ليس هو أصل ثبوت الأرش، بل تعيين ثبوت الأرش ونفي الرد.
فاذا قيل بالمفهوم كان مقتضاه ثبوت الرد وعدم تعين الأرش اذا كان التصرّف بعد العلم، وهو مما لا يلتزم به القائل وغيره.
والمتحصل: ان الرواية لا يمكن ان يستفاد منها سقوط الأرش على هذه النسخة
ص: 134
لقصور الدلالة، كما لا يمكن ان يستفاد منها عدم سقوطه لعدم ثبوت نسخة الواو، فتكون مجملة من هذه الناحية.
فالمرجع هو المطلقات الدالة على ثبوت الأرش بقول مطلق سواء تصرف بعد العلم بالعيب أم لا، ومع عدم الاطلاق يكون المرجع هو استصحاب ثبوت الأرش، للشك في سقوطه، والتصرف لا يدل على التجاوز عنه.
وأما بالنسبة إلى سقوط الرد، فتقريب سقوطه بالتصرف يكون بأحد وجوه ثلاثة:
أ. إما دعوى انه كاشف نوعي عن الرضا بالمبيع.
[وفيه: منع ظاهر].
ب. وإما دعوى كونه مسقطاً تعبداً، [لصحيحة] ابن رئاب(1) الواردة في خيار الحيوان. وقد عرفت الكلام فيها. فراجع.
ج. وإما [لصحيحة] زرارة الواردة في خيار العيب بناء على استفادة كون المسقط هو مطلق التصرف من قوله «فاحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً»(2) دون الحدث المغيّر خاصة. وقد مرّ الكلام فيه. فراجع.
5- ومنها: ومن جملة الأمور التي عدّوها من المسقطات للردّ والأرش: التصرف في المبيع كذلك، فإنّ البغل لا نسل له فلا يفرّق فيه بين الخصي و غيره، وليس هو كالفرس المطلوب فيه الولد حتّى يكون الخصاء فيه عيباً، وكذلك العبد لأنّ الخصي منه ممّا يطلبه جماعة من العقلاء ويرغبون فيه فلا تنقص قيمته، وفي مثله إذا تصرّف فيه بعد العلم به يسقط الردّ لا محالة، لما تقدّم من أنّ التصرّف مسقط للردّ كما يسقط الأرش إذ
ص: 135
لا فرق بين قيمتي الصحيح والمعيب، هذا.
ولا يخفى أنّ الأنسب بكتاب شيخنا الأنصاري (قدس سره) وبه أن لا يعدّ التصرّف من جملة الأمور المسقطه للردّ والأرش، لأنّ الفرض أنه يسقط الردّ فقط وأمّا الأرش فهو لا يسقط من جهة التصرف بل من جهة عدم الفرق بين الصحيح والمعيب بحسب القيمة، هذا أوّلاً.
وثانياً: أنّ الكلام فيما ثبت فيه الأرش والردّ ولكن نتكلّم في أنّهما يسقطان بأي شيء، وقد تقدّم أنّ العيب الذي لا ينقص القيمة لا يثبت به الأرش أصلاً، أمّا بحسب الأخبار فلانصرافها إلى عيب يوجب تفاوتاً في قيمه المبيع ولا تشمل ما لا فرق بين صحيحه ومعيبه، لأنّ العيب لا يصدق عليه، إذ المراد به ليس مجرد النقص عن الخلقة الأصلية وإلّا لكان الختان من جملة العيوب الموجبة للأرش، بل المراد به هو ما يوجب نقص قيمة المال. وأمّا بحسب بناء العقلاء فلما عرفت من أنهم لا يعدّون مجرد النقص عن الخلقة الأوّلية عيباً، وعليه فلا أرش في المقام حتّى يسقط بالتصرف أو بشيء آخر.
وثالثاً: أنّ التصرف على إطلاقه لا دليل على إسقاطه الخيار إلّا فيما ثبت فيه نص كالجماع أو قصد به الاسقاط، وأمّا في غيرهما فلا، وما ثبت في بعض الخيارات(1) من سقوطه بالتقبيل واللمس ونحوهما(2) قد عرفت أنه مختص بمورده من باب التعبّد.
وبالجملة: أنّهم عدّوا من جملة المسقطات لكل من الردّ والأرش التصرف في المبيع المعيب الذي لا يتفاوت قيمته السوقية بالعيب وصحيحه ومعيبه على حدّ سواء، فيكون الأرش ساقطاً لعدم التفاوت بين صحيحه ومعيبه، وكذا الردّ لأنّ التصرف في المبيع المعيب يسقط الخيار، وأورد عليه(3) بأنّ هذا يوجب ضرر المشتري لعدم تمكّنه من
ص: 136
الردّ ولا الأرش وصبره على المعيب ضرر، وَ رُدَّ(1) بأنّ الضرر المالي منتفٍ على الفرض إذ لا تفاوت بين صحيحه ومعيبه بحسب القيمة، وتخلّف الغرض الشخصي لا يوجب الضرر «لأنّ الضرر هو النقص في المال أو النفس أو العرض».
وتفصيل الكلام في هذا المقام أن يقال: العيب غير الموجب للنقص بحسب القيمة كالخصاء في العبد والديك ونحوهما [1] إمّا أن نمنع عن صدق العيب عليه كما منعناه، لأنّ الوصف غير الدخيل في مالية المال لا يكون مقصوداً للعقلاء ولا يشترطونه ارتكازاً ولا يرون تخلّفه من تخلّف الشرط الضمني فلا يثبت به الخيار وقد عرفت أنّا لخيار في العيب على القاعدة ومن أجل تخلّف الشرط وإن كان الأرش ثابتاً من جهة الأخبار، [2] وإمّا أن نقول بصدق العيب على مثله.
وعلى الأوّل لا خيار للمشتري لا قبل التصرف ولا بعده إذ لا عيب، وقد مرّ أنّ ذلك من باب السالبة بانتفاء الموضوع، فلا مقتضي للخيار حتّى يسقط بالتصرف وهذا ظاهر.
وأمّا على الثاني فهو وإن كان مقتضياً للخيار كما يقتضيه التكلّم في المسقط بعد الفراغ عن ثبوت الخيار في المقام، إلّا أنّا ذكرنا أنّ التصرف ليس مسقطاً تعبّدياً وإنّما يوجب السقوط فيما إذا قصد به الاسقاط وكان مشعراً برضاه بالسقوط، فإن كان التصرف من هذا القبيل فلا محالة يسقط به الخيار إلّا أنه غير موجب لضرر المشتري لأنه بنفسه يسقط خياره بالاسقاط الفعلي كما هو المفروض، وأمّا إذا لم يكن التصرف مشعراً بالرضا ولم يدلّ على الاسقاط فلا دليل على سقوط الخيار حتّى يدّعى أنه يوجب الضرر على المشتري.
[ويمكن ان يقال]: وممّا ذكرناه يظهر أنّا إذا منعنا عن صدق العيب على مثل
ص: 137
الخصاء ولكنّا علمنا خارجاً أنّ المشتري يشترط عدمه في المبيع وأنّ غرضه متعلّق بالعبد المتّصف بجميع الأوصاف الخلقية فلا محيص من الالتزام بالخيار حينئذ أيضاً، إلّا أنه ليس بخيار العيب وإنّما هو خيار تخلّف الشرط وهذا الخيار لا يسقط إلّا باسقاطه قولاً أو فعلاً، فإن كان التصرف كاشفاً عن رضاه بالعيب وإسقاطه الخيار فهو وإلّا فلا يكون التصرف موجباً للسقوط حتّى يدّعى أنّ المشتري يتضرّر بذلك.
6- ومنها: حدوث عيب في المعيب الذي لا تنقص قيمته بالعيب. فان الأرش غير ثابت بنفسه، والرد يسقط بحدوث العيب الجديد.
وقد استشكل الشيخ(1) (قدس سره) في سقوط الرد هاهنا، إذ مسقطية العيب الجديد إما للاجماع أو للمرسلة(2) الدالة على سقوط الرد بتغيّر العين.
والاجماع غير حاصل في ما نحن فيه مع مخالفة المفيد(3) في أصل المسألة يعني: سقوط الرد مطلقاً بالعيب الحادث.
والنص مختص بمورد تدارك ضرر الصبر على المعيب بالأرش. إذن، فلا موجب للسقوط.
وقاعدة نفي الضرر محكمة بلحاظ ضرر الصبر على المعيب.
نعم، هو معارض بتضرر البائع إذا ردت العين له معيبة، لكن يمكن دفع الضرر بدفع قيمة النقص الحادث.
إذن، فيثبت الرد مع قيمة النقص. إما لقاعدة نفي الضرر في جانب المشتري، من دون أن نمنع الضرر في جانب البائع لتدارك ضرره بالأرش. وإما للاستصحاب لو سلم تعارض الضررين.
ص: 138
هذا حق الكلام في المسألة.
7- ومنها: التصرف أو حدوث العيب في المعيب الذي لا يجوز أخذ الأرش فيه لأجل الربا.
أما سقوط الرد بالتصرف، فهو يبتني على كونه كاشفاً نوعياً أو غير ذلك من الوجوه المتقدمة قريباً التي عرفت الكلام فيها.
وأما سقوطه بحدوث العيب، فالكلام فيه هو الكلام في المعيب الذي لا تنقص ماليته بالعيب إلا في أخذ البائع الأرش، فانه سيأتي البحث فيه.
وأما سقوط الأرش بهما، فهو واضح.
وقد تعرض الشيخ (قدس سره) بعد ذلك إلى كلام للعلّامة(1) (رحمة الله) في وجه سقوط الرد هنا بالعيب الحادث، وهو: «انه لو ردّ، فاما أن يكون مع أرش العيب الحادث أو بدونه، فان ردّه بدونه كان ضرراً على البائع، وان رد مع الأرش لزم الربا لأن المردود حينئذٍ يزيد على وزن عوضه»، إنتهى كلام العلّامة (رحمة الله) .
وقد وجهّه الشيخ(2) (قدس سره) ان رد المعيب إنّما هو بفسخ المعاوضة، إذ الفسخ يرجع إلى حل العقد الناقل، فيرجع كل من العوض والمعوض إلى ملك مالكهما الأول بحسب تاثير السبب السابق الذي منع منه العقد.
ومقتضى المعاوضة بين الصحيح والمعيب من جنس واحد ربوي، كالحنطة والشعير، عدم ضمان وصف الصحة بشيء وعدم كونه مقابلاً بالمال، وإلّا لجاز أخذ المشتري الأرش عند تبين العيب في المبيع فيما نحن فيه، والمفروض خلافه.
اذن، فوصف الصحة فيما نحن فيه نظير الاوصاف غير المقابلة بالمال. فاذا تحقّق
ص: 139
الفسخ لزم تراد العوضين بلا زيادة ولا نقيصة.
وعليه، فاذا استرد المشتري الثمن لم يكن عليه سوى رد ما قابله وهو نفس المثمن المعيب بالعيب الحادث، لان رد قيمة العيب الحادث - كما في غير الربويين لوحدث العيب فيه - لا يكون إلّا بلحاظ كون العيب مضموناً عليه بجزء من الثمن. فيلزم وقوع وصف الصحة مقابلاً ببعض الثمن. وهذا يستلزم نقص الثمن عن ذات المثمن لان بعضه كان عوضاً عن وصف صحة المثمن، فيكون الباقي عوضاً عن ذات المثمن مع انه أقل مقداراً منه فيلزم الربا في المعاملة، فيكون أخذ الأرش مستلزماً لتحقّق الربا لكشفه عن أخذ وصف الصحة مقابلاً ببعض المثمن.
وقد احتمل الشيخ(1) (قدس سره) ان يكون مراد العلامة (رحمة الله) تحقّق الربا في الفسخ بناء على انه معاملة جديدة تقتضي التمليك والتملك فهي بيع بصورة الفسخ، فاذا انضم الأرش إلى أحد العوضين فيها لزم الربا. ولكنه جعل التوجيه الأول أولى.
وقد يتصدى(2) لتصحيح أخذ الأرش من دون استلزام للربا، بدعوى: أنَّ الأرش الثابت للعيب الحادث غرامة لما فات في يده مضموناً عليه، كالمقبوض بالسوم(3) إذا حدث فيه العيب، فلا ينضم إلى المثمن كي يزيد على الثمن.
وناقشه الشيخ(4) (قدس سره) بوضوح الفرق بين المقامين، فان الغرامة في باب المقبوض بالسوم إنّما هي لأجل كون التلف في ملك مالك العين، فيكون مضموناً على القابض لقاعدة اليد.
ص: 140
واما التلف فيما نحن فيه، فهو في ملك المشتري فلا يتصور ضمان المشتري له إلّا بفرض رجوع العين في ملك البائع بحيث يكون تلف وصف الصحة من ملكه.
ولا يخفى أن ما يفرض رجوعه في ملك البائع قبل التلف هو ما كان مقابلاً بالمال، فإذا لم يكن وصف الصحة مقابلاً بالمال في الربويين، فلا يستحق البائع سوى نفس المثمن، فيكون تلف الوصف(1) في يد المشتري، كنسيان العبد الكتابة لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) في المقام ويظهر منه أنه بنى عليه.
وقد تصدى السيّد الطباطبائي(2) (رحمة الله) للرد عليه وبيان أن تطويل الشيخ مما لا طائل تحته وعدم صحته في نفسه. فأورد عليه ايرادات عديدة:
1- منها: أن كلام العلّامة (رحمة الله) صريح في لزوم الربا في الفسخ لا في المعاملة لقوله «لان المردود حينئذٍ يزيد على وزن عوضه».
2- ومنها: ان ثبوت الأرش هاهنا بعنوان الغرامة لا بعنوان المعاوضة، فالضمان هاهنا نظير الضمان في المقبوض بالسوم. والتفرقة التي ذكرها الشيخ (قدس سره) مردودة بان مقتضى الفسخ رجوع المبيع إلى البائع بخصوصياته وعلى ما هو عليه من الأوصاف، فيلزم ضمان التالف منها، كضمان نفس العين لو تلفت في يده.
وأما النقض بنسيان الكتابة، فهو مردود بان مقتضى القاعدة ضمانه، كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
3- ومنها: انه لا فرق بين الربويين وغيرهما في كون وصف الصحة في كل منهما غير مقابل بالعوض، فلا وجه للالتزام بمقابلته في غير الربويين.
ص: 141
4- ومنها: انه لا يعقل تفاوت الحال في مقابلة وصف الصحة وعدمها من جهة أخذ الأرش وعدمه، بحيث يكون أخذ الأرش مؤثراً في تحقّق المقابلة، إذ المعاملة حين وقعت اما يكون وصف الصحة فيها مقابلاً بالعوض أو لا، فان الشيء لا ينقلب عما وقع عليه، وهو واضح جداً. هذا ملخص ما أفاده السيّد (رحمة الله) .
وأما ما أورده السيّد (رحمة الله) على الشيخ (قدس سره) .
وأما الايراد الأوّل والثالث، فهما واردان على الشيخ (قدس سره) .
1: وأما الأوّل، فلأن الظاهر ان مراد العلّامة (رحمة الله) هو لزوم الربا في الفسخ لا من جهة ظهور كلامه هاهنا في ذلك فانه مردود.
وإنّما من جهة ان العلّامة (رحمة الله) ممن يلتزم بان وصف الصحة لا يقابل بالمال ولذا التزم بجواز أخذ الأرش في الربويين إذا ظهر احدهما معيباً وانه غير مستلزم للربا كما تقدم ذلك.
وفي الوقت نفسه يلتزم بانه مع الفسخ في غير الربويين(1) يستحق أرش العيب الحادث، وهذا لا يتلاءم إلّا مع فرض الفسخ معاوضة مستقلة بين العوضين. فلاحظ.
والمتحصل: [أ] ان الفسخ إن كان معاوضة جديدة - كما نسب إلى صاحب الكفاية(2) وهو الذي نظن به - فأخذ الأرش يستلزم الربا المحرَّم بناءً على جريان حكم الربا في جميع المعاوضات وإن كانت من قبيل الفسخ، بضميمة البناء على ان الأرش في الفسخ جزء أحد العوضين.
وإلّا فلو بني على انه لا يتكفل سوى نقل ما وقع عليه العقد بخصوصياته إلى ملك مالكه الأوّل. فلا يلزم الربا فيه لتساوى العوضين.
ص: 142
نعم، يلزم الأرش من باب ضمان خصوصية العين المنقولة بالفسخ وهي صفة الصحة، وهو لا يستلزم الربا، كما لا يخفى.
[ب] وإن لم يكن الفسخ معاوضة جديدة بل حلاً للعقد الواقع، فيرجع كل عوض إلى ملك مالكه قبل العقد بتأثير السبب السابق. فلزوم الربا باخذ الأرش وعدمه يبتني على الخلاف بين الشيخ (قدس سره) والسيّد (رحمة الله) الذي أشرنا اليه في الكلام عن الاشكال الثاني من ايرادات السيّد (رحمة الله) على الشيخ (قدس سره) .
2: والثاني، ايراد مبنائي يبتني على ان الفسخ هل يستلزم عود المبيع إلى البائع بخصوصياته، فإذا تخلفت إحداها يضمنها المشتري - كما يقول السيّد(1) (رحمة الله) - أو انه إنّما يستلزم عود ما وقع طرفاً للمعاوضة وهو ذات المبيع - كما يقول الشيخ (قدس سره) - فلا يكون الوصف مضموناً. وتحقيق ذلك في أحكام الخيار.
3: أما الثالث، فلأن المقصود بكون الوصف غير مقابل بالمال أو بكونه مقابلاً... .
إن كان بلحاظ الانشاء المعاملي، فقد تقرر أن الاوصاف فيه غير مقابلة بالمال وإنّما المقابل هو ذات العينين، بلا فرق بين وصف الصحة وغيره وبين الربويين وغيرهما، فالتفرقة بين وصف الصحة وغيره وبين الربويين وغيرهما - كما هو ظاهر کلامه هاهنا - مما لا وجه له.
وقد تقدم منه(2) (قدس سره) من إنكار مقابلة وصف الصحة بالمال فى اوائل مبحث خيار العيب(3) وتقدم بيان انه لو كان مقابلاً لزم ان يكون تخلفه موجباً لبطلان المعاملة في مقابله، فيلزم تبعض الصفقة واستحقاق المطالبة بحصته من الثمن لا بالأرش.
ص: 143
وإن كان ذلك بلحاظ المعاملة في مقام اللب، فلا يخفى ان جميع الاوصاف المهمة دخيلة في زيادة القيمة، فيكون بذل بعض المال بازائها وإنّما يزيد الثمن وينقص بحسبها، فلا فرق أيضاً بين وصف الصحة وغيره في الربويين وغيرهما.
4: قد يقال: فالأخير غير وارد أصلاً، إذ الشيخ (قدس سره) لا يلتزم بتأثير أخذ الأرش في تحقّق المقابلة، وإنما يلتزم بكشفه عن ذلك من حين وقوع العقد وأنّ جعل حق الأرش ملازم لذلك. وهذا لا محذور فيه أصلاً.
ولكن بنظري القاصر في مقام اللب إيراد السيّد (قدس سره) وارد كما لا يخفى.
وتحقيق جميع هذه الجهات يأتي في أحكام الخيارات(1) إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر الشيخ(2) (قدس سره) وجهاً آخر للرد مع تدارك ضرر المشترى - غير ما أشار اليه أولاً من أخذ الأرش بعنوان انه غرامة للنقص الحادث نظير المقبوض بالسوم - وهو: أن يفسخ البيع، ويلزم المشتري ببدل المعيب من غير الجنس معيباً بالعيب القديم وسليماً عن العيب الحادث ويجعل بمثابة التالف لامتناع رده بلا أرش ومع الأرش.
وأورد عليه(3) بان تقدير الموجود معدوماً خلاف الأصل. والايراد متين، والله سبحانه العالم.
8- ومن جملة المسقطات لكل من الردّ والأرش: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار حكى شيخنا الأنصاري(4) (قدس سره) عن الغنية(5) [1] أنّ التأخير في إعمال الخيار يسقط الردّ
ص: 144
والأرش لأنّ الخيار فوري، وادّعى عدم الخلاف في ذلك. [2] وعن الوسيلة(1) والمبسوط(2) أنّ التأخير يسقط الردّ خاصة دون الأرش، [3] وعن الكفاية(3) والحدائق(4) أنّ الخيار على التراخي وأنّ التأخير لا يسقط الردّ ولا الأرش، وادّعيا عليه عدم الخلاف فكأنّهما لم يلتفتا إلى مخالفة الغنية في المقام.
وكيف كان فلابدّ من التكلّم في مقامين: أحدهما: في ثبوت المقتضي للخيار مع التأخير. وثانيهما: في وجود المانع عن الخيار حينذاك، فإذا أثبتنا المقتضي للخيار وعدم مانعية التأخير عنه فلا يكون التأخير مسقطاً لشيء، وأمّا إذا كان المقتضي قاصراً أو كان المانع موجوداً وهو التأخير فلا محالة يكون التأخير مسقطاً للخيار.
المقام الأوّل: فثبوت المقتضي للخيار مبنيّ على وجود الاطلاق في دليل الخيار، فعلى تقديره يثبت المقتضي وإلّا فعمومات اللزوم محكّمة، وذلك لأنّ المقام يدور أمره بين التمسّك بعموم العام وبين الرجوع إلى استصحاب حكم المخصّص على تقدير على الاطلاق في المخصّص كما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) وذلك لأنّ مقتضى العمومات أنّ المعاملة لازمة في جميع الأزمان سيّما مثل قوله (علیه السلام) «لا يحل مال امرئ» الخ(5) لأنّا ذكرنا أنّه انحلالي ومعناه أنه لا يحل في هذا الآن والآن الثاني والثالث وهكذا، وكذا غيره من العمومات كقوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾(6) و «الناس مسلّطون»(7)
ص: 145
وغيرهما، والمقدار المتيقّن من تخصيصها إنما هو الآن الأوّل عرفاً، فيكون الخيار فورياً، ومع تلك العمومات الزمانية لا يبقى للاستصحاب مجال، فإن كان لدليل المخصّص والخيار إطلاق فهو وإلّا فيكتفى في الخروج عن مقتضى العمومات بالمقدار المتيقّن.
والانصاف أنّ إطلاق أدلّة الخيار ممّا لا يقبل الانكار فإنّ في مرسلة جميل(1) على تقدير الاعتماد عليها جعل المناط في الردّ بقاء العين بحالها مطلقاً في الآن الأوّل أو الثاني في هذا الاسبوع أو الاسبوع الآتي، فالمناط بقاء العين بحالها في أي زمان كان.
وأمّا [صحيحة] زرارة(2) فقد علّقت الخيار على عدم إحداث الحدث في شراء العين المعيبة غير المتبرى إليه وغير المبيّن له مطلقاً كان في يوم أو أكثر، فالأدلّة مطلقة وعليه فلا يكون الخيار فورياً، وما أفاده شيخنا الأنصاري(3) (قدس سره) من أنّ الروايات لا إطلاق لها وإنّما سبقت لبيان أصل الخيار ممّا لا وجه له، هذا كلّه بالاضافة الردّ.
أمّا المقام الثاني: فالظاهر أنّ تأخير إعمال الخيار وإبقاء المعيب عنده لا يكون مانعاً عن الخيار، لأنّ الابقاء ينشأ تارةً عن عدم التفات المشتري إلى خياره كما إذا لم يعلم أنّ له خيار العيب، واُخرى عن تساهله ومسامحته في أفعاله، وثالثة عن رضاه بالمبيع إلى غير ذلك من الدواعي، ولا ينحصر داعي الابقاء في الرضا بالمبيع حتّى يحمل التأخير عليه، إذ يحتمل معه غيره من الدواعي لأنّها كثيرة.
ثمّ لو سلّمنا أنه من جهة داعي الرضا بالمبيع فلا دلالة له على رضاه بالمعيب أي العيب. والمتحصّل أنّ التأخير لا يوجب إسقاط الخيار بطرفيه أو لا يسقط الأرش كما عرفت فلا مانع عن الخيار مع التأخير.
ص: 146
وأما الأرش فلا وجه لتوهم اختصاصه بالزمان الأوّل أبداً، فإنّ ما دلّ على ثبوت الأرش كالروايتين المتقدّمتين لم يقيّده بزمان، بل دلّت على أنّ إحداث الحدث وعدم بقاء العين بحالها في المعيب يثبت له الأرش بلا تقييد بزمان، وعليه فلا تعتبر الفورية في الخيار في المقام وإن قلنا باعتباره في الغبن من جهة عدم إطلاق في دليله.
فالصحيح من الأقوال المتقدّمة ما ذكره في الحدائق والكفاية من أنّ التأخير لا يسقط الردّ ولا الأرش، ولكن شيخنا الأنصاري لمّا منع من إطلاق أدلّة الخيار ورأى العمومات شاملة للمقام فمن باب الاكتفاء في تخصيصها بالمقدار المتيقّن التزم بكون التأخير مسقطاً للردّ دون الأرش، لما عرفت من أنّ الأرش لا وجه لتوهّم اختصاصه بزمان دون زمان، وهذا هو قول المبسوط والوسيلة.
وللسيّد (قدس سره) في المقام حاشية غريبة حيث علّق على قول شيخنا الأنصاري (قدس سره) «بناءً على ما تقدّم في سائر الخيارات من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم»(1) الخ ما هذا لفظه: «الظاهر أنّ في العبارة سقطاً وهو مثل قوله «وكيف كان فالحق سقوطهما معاً بناءً»(2) الخ.
ولا يخفى أنّ العبارة صحيحة ولا سقط فيها، فإنّ معناها ما ذكرناه من أنّ مقتضى العمومات لزوم المعاملة في جميع الحالات والآنات، وإنما نخرج عنها في الزمان المتيقّن وهو الآن الأوّل، فيكون الخيار فورياً ويكون التأخير مسقطاً للردّ وأمّا الأرش فقد مرّ أنه لا وجه لتوهم سقوطه، وهذه الحاشية منه غريبة، هذا تمام الكلام فيما عدّوه من مسقطات كل من الردّ والأرش، ويقع الكلام بعد ذلك في أحكام البائع مع علمه بالعيب.
ص: 147
نقل الشيخ (قدس سره) عن المبسوط(1) انه قال: «من باع شيئاً فيه عيب ولم يبينه فعل محظوراً وكان المشتري بالخيار» ونقل بعد ذلك كلمات وفتاوى بعض الفقهاء والكلام في جهات ثلاث:
الأولى: في وجوب الاعلام بالعيب.
والثانية: في سقوط الوجوب المزبور بالتبري عن العيوب.
والثالثة: في حكم المعاملة من حيث الصحة والفساد.
1- أما وجوب الاعلام بالعيب، فالاقوال فيه مختلفة:
أ: فقول بوجوب الاعلام بالعيب مطلقاً خفياً كان أو جلياً.(2)
ب: وقول باستحبابه مطلقاً.(3)
ج: وقول بالتفصيل بين الخفي مطلقاً ولو مع التبري والجلي فلا يجب.(4)
ص: 148
د: وقول بالتفصيل في الخفي بين صورة التبري عن العيوب فلا يجب وصورة عدمه فيجب. وأما الجلي فلا يجب مطلقاً.(1)
ه- : وقول بوجوب الاعلام بمطلق العيب إلّا اذا تبرى من العيوب.(2)
والظاهر ان الالتزام بوجوب الاعلام بالعيب من جهة صدق الغش بتركه، وإلّا فلا يحتمل أن يكون واجباً بعنوانه الخاص.
وعليه، فلابدّ من تحقيق معنى الغش وتحديده كي يتضح الحال في هذه الأقوال.
فنقول: وقع الكلام في أنّ الغش هل هو أمر عدمي يصدق على مجرد عدم اظهار العيب والاعلام به أو انه أمر وجودي يرجع إلى تلبيس الأمر على الغير وايجاد اللبس والخفاء لديه؟
والظاهر من الشيخ(3) (قدس سره) هو الأول، لكن الحق هو الثاني(4)، فانّ المفهوم عرفاً منه ذلك، فلا يصدق الغش اذا تركت إعلام من يشتري من زيد بالعيب الموجود في المبيع إذا كنت مطلعاً عليه.
نعم اذا اصرت بصدد تلبيس الأمر عليه واظهار صحة المبيع كان غشاً، وهذا واضح لمن تدبر فيه لا غبار عليه ولا اقل من الشك والقدر المتيقن ما ذكرناه.
وبعد ذلك يقع الكلام في ان التزام البائع الضمني في عقد البيع بصحة المبيع هل يوجب صدق الغش إذا كان معيباً أو لا؟
تحقيق الكلام ان بناء المتعاملين على الصحة... .
ص: 149
تارة: يرجع إلى ما ذكرناه في صدر مبحث خيار العيب من أخذ المشتري من باب الداعى اعتماداً على أصالة السلامة لا من باب الشرط.
وأخرى: يرجع إلى ما قيل من الشرط الضمني بكون المبيع صحيحاً.
ولا يخفى انه على الأول لا التزام من قبل البائع، فلا موضوع [الغش].
نعم، على الثاني يقع الكلام في أن التزامه هل يوجب صدق الغش أو لا؟ وذلك لان التزامه بنفسه وإن لم يكن إظهاراً للصحة، لكن الالتزام في مقام المعاملة والاقدام على المعاملة يتضمّن اظهار الصحة، إذ يبعد ان يلتزم مع علمه بعدم الصحة، فيقع الكلام في انه غش أو لا؟
وقد ذهب السيّد الطباطبائي(1) (رحمة الله) إلى ان المشتري لم يعتمد على التزام البائع وإنما اعتمد على أصالة السلامة، فلا يصدق الغش إذ لم يكن التزام المشتري سبباً في وقوعه في اللبس.
ولكن المحقّق الاصفهاني(2) (رحمة الله) خالف السيّد (رحمة الله) وذهب إلى صدق الغش، ببيان: ان الغش ليس كالكسر مما يتقوم صدقه بالمنفعل، فلا كسر اذا لم يوجد منكسر، بل هو كالأمر يصدق ولو لم يكن مأتمر. وعليه، فالغش يصدق انه حصل من البائع لكن لم ينغش به المشتري وإنّما اعتمد على الأصل.
والذي نراه ان ما ذهب اليه السيّد (رحمة الله) هو الصحيح، فان ظاهر الاستعمالات العرفية كون الغش هو تلبيس الأمر مع حصول اللبس به بحيث لو لم يحصل اللبس لم يصدق الغش بل إنّما تصدق إرادة الغش فيقال: أراد غشه فلم ينغش. لا أنه غشه فلم ينغشّ.
ص: 150
وعليه، فان اعتمد المشتري على التزام البائع الذي يتضمن اظهار وجود وصف الصحة كان التزام البائع غشاً. وإلّا فان اعتمد على أصالة السلامة، فلا يصدق الغش.
والمتحصل: ان الغش عبارة عن تلبيس الأمر مع حصول اللبس، وبذلك يظهر انه لا فرق في حصوله بين اخفاء العيب وإخفاء العيب الجلي ومحاولة تغطيته على المشتري إذا تحقّق الخفاء وانكشف العيب بعد ذلك.
2- وأما التبري عن العيوب، فهل يمنع من صدق الغش أو لا؟ أو فقل: هل يجب التبري عن العيوب بنحو التخيير بينه وبين الإعلام؟
وتحقيق الكلام: ان الغش إن كان عبارة عن مجرد عدم اظهار العيب، فهو صادق مع التبري عن العيوب، وإن كان عبارة عن تلبيس الأمر واظهار وصف الصحة، فان كان منشؤه ظهور التزام البائع الضمني في ذلك، فهو ينتفي مع التبري إذ لا التزام بالصحة معه. هذا يجري حتّى بناءً على ان الغش مجرد عدم اظهار العيب فانتبه.
بل لنا أن نقول: انه مع التبري عن العيوب وموافقة المشتري على ذلك لا يكون إظهار الصحة غشاً، إذ ليس الغش مجرد اخفاء العيب وتلبيسه، بل هو اخفاء الوصف المقصود للطرف الآخر. والمفروض ان وصف الصحة مع التبري وموافقة المشتري عليه ليس مقصوداً للمشتري، فلا يكون إخفاءه واظهار عدمه غشاً.
ولو أبيت إلّا عن صدق الغش في مثل ذلك فهو ليس بمحرم قطعاً، إذ لا يحرم لبس الأمر على شخص في جهة لا يهتم بها.
ومن هنا يظهر ان الغش ليس خصوص اخفاء الشيء واظهار الخير، بل مطلق اظهار ما هو خلاف المقصود ولو كان باظهار شرّ والواقع خلافه. فتدبر.
3- وأما بطلان المعاوضة، فالبحث فيه صغروي، إذ البحث الكبروي وهو بطلان المعاملة التي تعلق النهي بها بذاتها يقع في علم الأصول.
ص: 151
وعلى تقدير الالتزام بذلك، فيقع الكلام هاهنا في أن المعاملة المتضمنة للغش هل هي محرمة بذاتها فتكون فاسدة، أو بعنوان ثانوي منطبق عليها أو ملازم لها، فلا تقع فاسدة؟
والصحيح هو الثاني، لان المحرم هو الغش وهو أمر ملازم للمعاملة، فلا يكون النهي متعلقاً بها بذاتها. فالتفت.
ثم إن الشيخ(1) (قدس سره) نقل عن جامع المقاصد(2) والمسالك(3) وغيرهما(4) أنه ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء لان ما كان من غير الجنس لا يصح العقد فيه والآخر مجهول. إلّا أن يقال ان جهالة الجزء غير مانعة ان كانت الجملة معلومة، كما لو ضم ماله ومال غيره وباعهما ثم ظهر البعض مستحقاً [للغير]، فإنّ البيع لا يبطل في ملكه وإن كان مجهولاً قدره وقت العقد. انتهى.
وقد ذكر الشيخ(5) (قدس سره) توجه ما ذكروه إشكالاً وجواباً في بعض موارد المزج، وتوضيح ذلك: إنّ مزج اللبن بالماء... .
أ: تارة: يستلزم استهلاك الماء في اللبن بنحو لا يصدق على المجموع إلّا الحليب، غاية الأمر أنّه حليب معيب لأنّه مغشوش غير خالص، والحكم هو صحة المعاملة مع خيار العيب.
ب: وأخرى: يستلزم استهلاك الحليب في الماء بحيث يصدق على المجموع ماء لا حليب والحكم هنا هو البطلان لتخلف المبيع ذاتاً فان ما قصد لم يقع وما وقع لم
ص: 152
يقصد، وفي حكمه ما لو تشكل من الممزوج والمزيج حقيقة ثالثة.
ج: وثالثة: لا يستهلك أحدهما في الآخر بحيث يصدق على المجموع انّه مشتمل على كلتا الحقيقتين، كنصف مَنٍّ مِنْ حنطة مع نصف منّ من رز.
ومثل هذا هو مورد كلام الأعلام، والحكم فيه - كما ذكروه - هو تبعض الصفقة.
واشكال الجهالة يندفع بأنّه لا جهالة في متعلق العقد وإنّما المجهول ما هو المتحقّق في الخارج والمعتبر العلم بمقدار ما هو متعلّق العقد. فلاحظ.
ص: 153
وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) ان الاختلاف تارة: في موجب الخيار. وأُخرى: في مسقطه. وثالثة: في الفسخ [فيقع البحث في الجهات الثلاثة].
ص: 154
ففيه مسائل:
المسألة الأولى: في ما لو اختلفا في تعيب المبيع وعدمه مع تعذر ملاحظته ومعرفة العيب وعدمه لتلف أو ما بحكمه. فادعى البائع مثلاً سلامته وادعى المشتري تعيبه. وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) : ان القول قول المنكر(2) بيمينه.
وقد يوجّه ذلك بموافقة المنكر الأصل ويراد به تارة: أصالة السلامة في الاشياء التي يبنى عليها العقلاء.
وأخرى: استصحاب عدم حدوث العيب فيه.
ولكن كلا الأصلين ممنوعان:
أما أصالة السلامة، فقيام السيرة عليها غير مسلم، فلا دليل على ثبوت الأصل المزبور، إذ لم يثبت قيام السيرة على البناء على سلامة الشيء المشكوك تعيّبه.
وأمّا أصالة عدم حدوث العيب في المبيع، فهي إنّما تنفع لو كان موضوع الخيار مركباً من العقد وثبوت العيب بنحو التركيب، اذ يتكفل الاصل نفي أحد الجزئين،
ص: 155
وهذا وإن أمكن استظهاره من النص الوارد من قوله «وبه عيب...»(1) البناء على أنّ الجملة الحالية لا تفيد التوصيف هاهنا.
إلّا انه بملاحظة البناء العرفي على وصف الصحة بنحو الداعي أو من باب الالتزام الضمني يستطيع الإنسان أن يجزم بأنّ موضوع الخيار هو عنوان تخلف وصف الصحة لا عنوان التعيب.
وهذا المعنى يكون من المناسبات العرفية الموجبة لصرف النص عن ظهوره.
ومن الواضح ان عدم تخلف الوصف [الصحة] لا يثبت بأصالة عدم حدوث العيب إلّا من باب الأصل المثبت.
إذن، فلا أصل موضوعي يتنقح به أحد طرفي الدعوى، فينتقل إلى الأصل الحكمي، وهو - كما تقدم في أوائل مباحث الخيارات - يقتضي اللزوم لاستصحاب بقاء الأثر بعد الفسخ، فاستصحاب اللزوم يوجب كون مدعي السلامة منكراً لأنّ قوله موافق للأصل [كما ذكره الشيخ الأعظم (قدس سره) ].
المسألة الثانية: في ما لو اختلفا في كون شيء معين عيباً وعدمه وتعذر معرفة ذلك لفقد أهل الخبرة. وقد ذكر الشيخ(2) (قدس سره) ان الحكم كسابقه يعني: ان القول قول المنكر بیمینه.
أقول: البناء على أصالة السلامة من قبل العقلاء لو سلم في مورد الشك في اصل التعيب، فهو غير مسلم مع الشك في كون الشيء الموجود عيباً، لعدم قيام السيرة هاهنا قطعاً.
وأما أصالة عدم حدوث العيب، فقد عرفت الكلام فيها، نعم لا يرد عليها ان
ص: 156
المطلوب تحقيق ما هو الموجود وانه عيب أو لا، وأصالة عدم حدوث العيب لا تنفي كونه عيباً وذلك لأنّ الأثر يترتب على أصل وجود العيب لا على كون هذا عيباً. فالأصل ينفع في نفي الأثر، مع قطع النظر عما أوردناه.
وكيف كان، فالمرجع هو الأصل الحكمي وقد عرفت انه يقتضي اللزوم فهو في جانب المنكر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) قال بعد ذلك «نعم لو علم كونه نقصاً كان للمشتري الخيار في الرد دون الأرش لأصالة البراءة»(1) والبحث في هذه العبارة يقع في جهتين:
الجهة الأولى: ان النقص الذي لا يكون عيباً - على تقدير تصوره - هل يستلزم الرد أو لا؟
والحق هو العدم، لأن خيار العيب إن كان المستند فيه هو النصوص فموضوعها العيب دون مطلق النقص. وإن كان المستند فيه قاعدة «لا ضرر» فهي انّما تنفي النقص المالي الوارد والمفروض انه غير ثابت.
و مجرد تخلف المقصود المعاملي لا يستلزم صدق الضرر، فما ذكره المحقّق الاصفهاني(2) (رحمة الله) من وجود الضرر بلحاظ الغرض المعاملي ليس بجيد.
الجهة الثانية: انه على تقدير ثبوت حق الرد في مثل هذا النقص، فاذا اختلفا في أنه عيب أو ليس بعيب فمرجع اختلافهما إلى ثبوت الأرش وعدمه.
وأما أصل حق الرد فهو متفق عليه. فالأصل في جانب منكر العيب وهو أصالة البراءة من الأرش. وقد عرفت حال الاصول الموضوعية في المقام.
المسألة الثالثة: في ما لو اختلفا في حدوث العيب قبل العقد أو تأخره عنه بعد
ص: 157
القبض وانقضاء زمان الخيار، وظاهر الشيخ(1) (قدس سره) بدواً فرض موضوع المسألة [1] الاختلاف في حدوثه في ضمان البائع - كحدوثه قبل القبض أو بعده وقبل انقضاء زمان الخيار- [2] وتأخره عنه، فلا يشمل الاختلاف في حدوثه قبل العقد.
لكن قوله بعد ذلك: «لان أصالة عدم العقد حين حدوث العيب...»(2) ظاهر في نظره أيضاً إلى [3] صورة الاختلاف في حدوثه قبل العقد، فتكون الصور ثلاث.
وقد يتمسك بأصالة عدم العيب حين العقد لاثبات كون القول قول منكر التقدم.
ولكن عرفت(3) التأمل في اجراء مثل هذا الأصل، لأن الاثر(4) يترتب على عدم تخلف الوصف [الصحة] وهو لا يثبت بالأصل المزبور(5)، فالمتعين هو الرجوع إلى أصالة اللزوم العملية.
وأما معارضة أصالة عدم العيب إلى حين العقد بأصالة عدم العقد إلى حين العيب.
فتندفع: بان الأصل الآخر لا يثبت وقوع العقد على المعيب الذي هو موضوع الاثر إلا بالأصل المثبت.
ومن هنا يظهر الكلام في الصورتين الاخريين وانه إن كان موضوع الأثر الشرعي مورداً للأصل نفياً او اثباتاً [فهو] وإلّا فالمرجع أصالة اللزوم العملية.
ص: 158
ثم إن الشيخ(1) (قدس سره) حكى عن المختلف(2) انه حكى عن ابن الجنيد: أنه إن إدعى البائع ان العيب حدث عند المشتري حلف المشتري إن كان منكراً. انتهى.
وقال الشيخ (قدس سره) بعد ذلك: «ولعله لأصالة [1] عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود [2] وعدم استحقاقه الثمن كلّا ً [3] وعدم لزوم العقد...»(3)
والذي يظهر من الشيخ (قدس سره) قبوله لهذا الرأي لانه وجهه بلا مناقشة في وجهه. وكيف كان فهذه الأصول الثلاثة مردودة... .
أما أصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على الوجه المقصود، فلأن موضوع الأثر هو التلف [الوصف الصحة] قبل القبض والتسليم، والأصل المزبور لا يتكفل اثبات الموضوع إلا بالأصل المثبت.
وأما أصالة عدم استحقاق الثمن كلاً، فلأنه يبتني على أن وصف الصحة يقابل بجزء من العوض. وقد تقدم بطلان هذا المبنى.
وأما اصالة عدم لزوم العقد، ففيه ما عرفت من ان الأصل يقتضي اللزوم. فلاحظ.
ثم إن الشيخ(4) (قدس سره) من بعد ذلك نقل كلاماً للتذكرة(5) وهو انه لو أقام احدهما بينة عمل بها، ولو أقاما بينة عمل ببينة المشتري لان القول قول البائع لانه ينكر، فالبينة على المشتري.
ص: 159
وقد يتخيل التهافت في كلام العلامة (رحمة الله) حيث بني أولاً على الأخذ ببينة البائع، وبنى بعد ذلك على كونه منكراً وان البينة على المشتري، فلا تؤخذ ببينته.
ولكن يمكن أن يقال: ان نظره (رحمة الله) إلى ان المشتري مدع فعليه البينة، فاذا أقامها أخذ بها ولا يعتنى ببينة البائع والحال هذه، إذ لا تصل النوبة اليه إلّا بعد عدم اقامة البينة من المشتري المدعي.
وأما اذا لم يقم المشتري البينة، فعلى البائع اليمين، ولكن اذا أقام البينة كفت عن اليمين ويؤخذ بها.
وهذا منه مبني على سقوط اليمين عن المنكر باقامة البينة وتحقيقه في محله، فنظره في الصدر من كلامه إلى صورة إقامة البائع البينة دون المشتري. فتدبر والأمر سهل.
ثم ان الشيخ(1) (قدس سره) ذكر ان اليمين المطلوبة من البائع هي اليمين على عدم تقدم العيب لو كان قد اختبر المبيع بحيث يمكنه تحصيل العلم بالعدم، نظير الشهادة بالعدالة ونحوها مما يكتفى فيها بالاختبار الظاهر.
وأما مع عدم الاختبار، فهل له اليمين على عدم التقدم استناداً إلى الأصل - اذا كان شاكاً فيه - أو لا؟ حكى الأول عن جماعة(2) كما يحلف على طهارة المبيع استناداً إلى الأصل.
ولكن فرّق الشيخ(3) (قدس سره) بينهما بأنَّ المطلوب في باب الطهارة ما يعم الطهارة الظاهرية، نظير الملكية ونحوها من الأحكام الشرعية التي لها ثبوت ظاهري، فيمكن أن يستند إلى الأصل فيحلف على ثبوتها. وليس كذلك ما نحن فيه فان تخلف الوصف
ص: 160
أمر واقعي له أثر شرعي بلحاظ واقعه، والأصل لا يرفع الشك فيه. فتدبر.
ثم أنه هل يكتفى في هذه الحال بالحلف على عدم العلم؟
استقربه في التذكرة(1) واستحسنه في المسالك(2) [واختاره في الميسيّة(3) والرياض(4)].
لكن قال الشيخ (قدس سره) : «ان كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في اسقاط أصل الدعوى بحيث لا يسمع البينة بعد ذلك ففيه اشكال. نعم لو أريد سقوط الدعوى إلى ان تقوم البينة فله وجه وان استقرب في مفتاح الكرامة(5) ان لا يكتفى بذلك منه فيرد الحاكم اليمين على المشتري فيحلف وهذا أوفق بالقواعد»(6)
ولا يخفى ان تحقيق هذه الجهات موكول إلى محله من كتاب القضاء.(7)
ثم ان الشيخ(8) (قدس سره) تعرض بعد ذلك إلى ان ظاهر عبارة التذكرة(9) اختصاص يمين نفي العلم على القول به بما اذا لم يختبر البائع المبيع. ثم استدرك(10) على ذلك بان نظر العلامة إلى أمر آخر(11)وقد أهملنا ذلك لعدم أثر مهم.
ص: 161
[فرع]: ويقع الكلام فيما لو باع الوكيل فوجد به المشتري عيباً. والحكم هو الرد على الموكل لانه المالك دون الوكيل لانه وكيل فى العقد خاصة وقد تحقّق منه فلا معنى للرد عليه.
ولو اختلف الموكل والمشتري في تقدم العيب على العقد وتأخره كان الموكل منكراً لما تقدم.
وهل يقبل اقرار الوكيل بسبق العيب على العقد أو لا؟ قد يقال بقبول إقراره لوجهين:
الوجه الأول: قاعدة من ملك شيئاً ملك الاقرار به، وبما ان الوكيل مالك للعقد بشئونه فله الاقرار بما يرتبط به.
وقد يناقش هذا الوجه - مع قطع النظر عن المناقشة في أصل القاعدة وبعد البناء على تماميتها - .
أولاً: بان القدر المتيقن من هذه القاعدة هو مضي الاقرار مع الملك الفعلي لا مع الملك في السابق. وإقرار الوكيل من هذا القبيل، لانه في حال اقراره غير مالك بل كان مالكاً، فلا ينفذ إقراره.
وقد يرد ذلك: بأن القاعدة تعم ما اذا كانت الملكية سابقة ولذا لا شبهة في نفوذ اقرار الوكيل بالبيع إذا أنكر الموكل وقوعه. وتحقيق ذلك موكول إلى محله.
وثانياً: ان الاقرار إنما ينفذ فيما كان مورداً للملك دون ما هو أجنبي عنه.
وعليه، فاقرار الوكيل إنّما ينفذ في ما هو مورد الوكالة من العقد وشؤونه. ومن الواضح ان تخلف الوصف سابقاً على العقد اجبني عما هو مورد ولايته وملكه، فلا ينفذ الاقرار فيه.
وهذه المناقشة تامة ومنه يظهر ما أفاده الشيخ (قدس سره) بقوله «لأنّه - يعني الوكيل -
ص: 162
أجنبي»(1)
الوجه الثاني: ان الوكيل أمين وقد تقرر في محله أن الأمين يقبل قوله.
وفيه: أولاً: أن المراد من قبول قوله ليس البناء عليه بمجرد دعواه بل كونه منكراً في باب الدعوى، فيقبل قوله مع يمينه.
وثانياً: أن قبول قول الأمين إنّما هو في مقام عدم تغريمه والحكم عليه بالضمان، لا في كل شأن من الشئون وان لم يرجع إلى تغريمه.
وبالجملة، هذا الوجه غير تام. فالصحيح ما أفاده الشيخ(2) (قدس سره) من عدم قبول اقراره لأنه أجنبي.
ثم إن المشتري إذا كان جاهلاً بوكالة الوكيل ولم يتمكن الوكيل من اثبات الوكالة باقامة البينة، وعامله المشتري معاملة المالك استناداً إلى ظاهر الحال أو اليد، واختلفا في تقدم العيب وتأخره، فإمّا أن يقر الوكيل بتقدم العيب أو لا.
فان اعترف بتقدم العيب ردّه المشتري عليه.
ويقع الكلام فى انه هل للوكيل رده على الموكل أو لا؟
ذكر الشيخ(3) (قدس سره) : انه ليس له رده على الموكل، لان اقرار الوكيل بتقدم العيب دعوى بالنسبة إلى الموكل فلا يقبل إلّا بالبينة، وله احلاف الموكل على عدم السبق لانه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه فله عليه مع انكاره اليمين.
ويقع الكلام - لتحقيق هذه الناحية - في جهتين:
الأولى: في انه هل للوكيل حق إقامة الدعوى على الموكل أو لا؟
الثانية: في انه لو ثبت أنّ له إقامة الدعوى فهل له إحلافه وهل ينفعه اقراره
ص: 163
أو لا؟
أما الجهة الأولى: فالحق انه ليس له اقامة الدعوى على الموكل، إذ لا حق له يدعيه على الموكل. بيان ذلك: ان المشتري بمقتضى الموازين الظاهرية يعامل الوكيل معامة المالك فيحاول رد العين عليه، والوكيل باعترافه سبق العيب على العقد كان سبباً لرد المشتري عليه العين وأخذ ثمنه منه.
وهذا مما لا دخل للموكل فيه ولا يثبت جواز مطالبة الوكيل للموكل بشيء، وأي سبب من أسباب الضمان تحقّق كي يضمن الموكل الخسارة الواردة على الوكيل؟ والخسارة الواردة عليه نشأت من محض اعترافه بضميمة الاسباب الظاهرية التي يستند إليها المشتري، فلا يحق له اقامة الدعوى على الموكل ومطالبته بشيء.
وأما الجهة الثانية: فقد عرفت ان الشيخ (قدس سره) علل جواز الاحلاف بانه لو اعترف الموكل نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه.
والظاهر ان جواز اقامة الدعوى تستلزم جواز الاحلاف. لكن اقرار الموكل لا ينفع الوكيل بشيء ولا يدفع الظلامة عنه.
والسّر في ذلك ان اقراره لا يلزمه بدفع شيء إلى المشتري كي تندفع الظلامة عن الوكيل.
وذلك، لإن الاقرار إنما ينفذ إذا كان إقراراً على نفسه، والأمر ليس كذلك، لأنه وإن أقرّ بان العيب سابق وهو إقرار منه بثبوت حق الرد للمشتري.
فقد يقال: بانه اذا ردّ المشتري العين إلى البائع بلا تعيين خصوصيته من كونه الوكيل او الموكل - وان كان بانياً على انه الوكيل بحسب الموازين الظاهرية، لكنه بحسب واقعه يقصد الردّ على المالك أيّ شخص يكون - يُلزم الموكل بدفع الثمن لاقراره بان المال له لا للوكيل، فهو يقرّ بان المشترى له في ذمته مقدار الثمن.
ولكن هذا القول فاسد، لان اقراره بسبق المعيب وان كان اقراراً بثبوت حق
ص: 164
الرد للمشتري وهو يستلزم الاقرار بان للمشتري في ذمته مقدار الثمن بعد الرد، لكن اقراره بثبوت الحق للمشتري في الثمن عليه ليس اقراراً على نفسه كي ينفذ بمقتضى عموم «اقرار العقلاء على انفسهم جائز» بل هو اقرار لنفسه أيضاً، لان استحقاق المشتري الثمن إنّما يكون بالرد الراجع إلى تمليك العين للمردود اليه في قبال استرجاع الثمن، فالرد يتكفل تبديل الملكية، فاقرار الموكل بان المشتري له الثمن إنّما هو في مقابل كون العين له وردها عليه، لا أن الثمن للمشتري مجاناً.
ومثل ذلك ليس إقراراً على نفسه محضاً، بل هو اقرار على نفسه في مقابل شيء لنفسه، ومثل ذلك لا ينفذ عليه.
نعم، لو أخذ المشتري بالأرش، كان اقرار الموكل اقراراً على نفسه محضاً فيلزم به.
وإذا ثبت أن إقرار الموكل لا يُلزمه بشيء في صورة رد المشتري، فلا يتم ما أفاده الشيخ (قدس سره) من اندفاع الظلامة عن الوكيل باقراره.
هذا، مع ان المشتري قد لا يرجع على الموكل عند اعترافه لبنائه على انه ليس هو المالك بحسب الموازين الشرعية وإنّما يرجع على الوكيل أخذاً بالاسباب الظاهرية، وقد عرفت انه لا يحق للوكيل الرجوع على الموكل بشيء.
والمتحصل: انه ليس للوكيل حق مطالبة الموكل بشيء ولا حق احلافه، لانه أجنبي عما خسره الوكيل بمقتضى اعترافه بسبق العيب.
ومن هنا ظهر انه كما ليس للوكيل اقامة الدعوى على الموكل واحلافه، كذلك ليس للمشتري مطالبة الموكل - عند اعترافه بسبق العيب - بالثمن، لانك عرفت ان اقراره ليس نافذاً عليه، لانه ليس اقراراً على نفسه.
هذا، اذا اعترف الوكيل بتقدم العيب. وأما إذا أنكر تقدمه كان منكراً لأن الأصل معه، فعليه اليمين مع عدم البينة للمشتري.
ص: 165
وهذا الحكم واضح، لكن للشيخ (قدس سره) هاهنا عبارة مجملة المراد، فانه قال: «حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف ولم يتمكن من الرد على الموكل لأنه لو أقر رد عليه»(1) ومركز الاجمال فيها قوله: «ولم يتمكن من الرد على الموكل» ويحتمل فيها وجهان:
الوجه الأول: ان يكن قوله: «ولم يتمكن من الرد على الموكل» جملة مستأنفة أو حالية، وقوله: «لانه لو اقر...» تعليل لثبوت الحلف على الوكيل.
ولا يخفى ركاكة هذا النحو من التركيب الكلامي.
مع ان قوله: «اللازم عليه لو اعترف» يفيد فائدة «لانه لو أقر...» فأي فائدة في الاعادة؟
الوجه الثاني: أن يكون مراده: انه لا يتمكن الوكيل لو لم يحلف وردّت عليه العين من الرد على الموكل، لأن ردها على الموكل يكون اعترافاً منه بأن الرد كان في محله وعلى طبق الموازين، وهذا اعتراف منه بان العيب سابق، وهو خلف فرض دعواه الظلامة في الرد لأن العيب لاحق. فيكون قوله «لانه لو أقر» تعليلاً لعدم الرد على الموكل.
وهذا الوجه ينقي الركاكة في الاسلوب، لكنه غير تام في نفسه، لانّ ردّه على الموكل إنّما يكون بعد انحسام الدعوى وحلف المشتري ورده على الوكيل، فأي معنى لقوله بانه اذا ردّه على الموكل يكون اقراراً منه بسبق العيب فيرد عليه. لفرض تحقّق الرد.
[ولذا قال السيّد اليزدي (قدس سره) : «ولو اسقط هذه الفقرة - أي جملة «ولم يتمكن من
ص: 166
الرد على الموكل» - من العبارة كان أحسن وأخصر»(1).]
ثم انه يقع الكلام في جهتين:
الأولى: في انه هل للمشتري إقامة الدعوى على الموكل وتحليفه أو لا؟
استظهر الشيخ(2) (قدس سره) العدم، لان دعواه على الوكيل تستلزم إنكار التوكيل، ودعواه على الموكل اعتراف منه بالتوكيل، فلا يحق إقامة الدعوى على كليهما للتهافت.
ونقل احتمالاً لجامع المقاصد(3) لثبوت ذلك له، أخذاً للموكل باقراره وهو لا ينافي دعواه على الوكيل عملاً بالموازين الشرعية الظاهرية، ولكنك عرفت ان اقراره(4) لا ينفذ عليه(5)، فلا يحق للمشتري ترتيب الأثر عليه، فالحق مع الشيخ (قدس سره) .
الثانية: انه اذا لم يحلف الوكيل في صورة انكاره التقدم، وحلف المشتري اليمين المردودة، ورد العين على الوكيل، فهل للوكيل ردها على الموكل أو لا؟ فيه وجهان بناهما في القواعد(6) على... .
ان اليمين المردودة هل هي كالبينة، فتنفذ في حق الموكل.
أو أنها كاقرار المنكر - كما لو اقر نفس الوكيل - ، فلا تنفذ.
وفصّل في جامع المقاصد(7) بين ما اذا كان الوكيل يعترف بعدم سبق العيب ويدعى العلم بعدمه، فلا تنفذ اليمين المردودة في حق الموكل ولو كانت بمنزلة البينة، لان الوكيل معترف بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة لانها كاذبة باعترافه.
ص: 167
وبين ما اذا كان الوكيل يدعي عدم العلم ويستند في انكاره إلى الأصل، فتبنى المسألة على الوجهين المتقدمين.
وناقشه في مفتاح الكرامة(1) بان اعتراضه بالتفصيل المزبور يبتني على كون اليمين المردودة كبينة الراد والمعروف بينهم أنها كبينة المدعى.
ورده الشيخ(2) (قدس سره) ان كونها كبينة المدعي لا تنافي عدم نفوذها للوكيل على الموكل لاعترافه بكذبها.
هذا ما أشار اليه الشيخ (قدس سره) وتحقيق ذلك [يتم بما يأتى].
فأقول: «الوكيل على قسمين: لأنه تارة يكون وكيلاً في مطلق التصرّفات من البيع والشراء ونحوهما كما قد يتّفق في بعض الوكلاء كالوكلاء المفوّضين ونظير المضاربة لأنّ المضارب يكون مطلق العنان من حيث البيع والشراء وغيرهما من التصرّفات. وأُخرى يكون وكيلاً في مجرد البيع فقط بحيث تنتهي دورة وكالته بإيقاع البيع.
أمّا الوكيل المفوّض والمطلق فهو نظير الموكّل في أنّ المشتري له أن يرجع إليه وله أن يرجع إلى المالك، لأنه كالمالك وفعله فعله، فإذا أنكره الوكيل أو الموكِّل فيأتي فيه ما تقدّم من حكم صورة الاختلاف وهذا ظاهر.
وأمّا الوكيل في مجرد البيع فإذا باع المال ثمّ ادّعى المشتري عيباً في المبيع فهل يتمكّن من أن يرجع إلى الوكيل أو لا؟ فنقول: [1] إنّ المشتري المدّعي تارةً لا يدّعي كذب الوكيل ولا يكذّبه في دعوى الوكالة بأن يقول إنّ المال ملكك وأنت تدّعي الوكالة حتّى لا تدفع الأرش أو الثمن، [2] وأُخرى يدّعي علمه بكذب الوكيل وأنه
ص: 168
ماله.
أمّا الصورة الأُولى التي لا يدّعي المشتري فيها كذب الوكيل بل يحتمل صدقه، إلّا أنه يرجع إليه من جهة اليد لأن ظاهرها أنه ملكه، فليس للوكيل الاعتراف والاقرار بالعيب لأنه أجنبي عن المال، وليس له هذا الاعتراف فلا يكون اعترافه حجّة ولا يثبت به مدّعى المشتري، نعم لا مانع من عدّة شهادة إذا استجمع شرائط الشهادة نظير ما ذكروه في الاخبار بالنجاسة من ذي اليد، لأنّ إخباره بها معتبر بلا خلاف لقيام السيرة عليه من زماننا هذا إلى زمان المعصومين (علیهم السلام) ولكنّه إذا باع ما في يده وبعد ما خرج عن يده أخبر بنجاسة الشيء فلا يسمع إخباره لعدم كونه ذا اليد بالفعل وإن كان يخبر بنجاسته في زمان يده والمفروض أنه في ذلك الزمان كان قوله متّبعاً.
وكذا الحال في المقام لأنّ الوكيل وإن كان له الاعتراف بالعيب حين وكالته لأنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به وهو حين وكالته قد ملك التصرّف في العين فله الإقرار بعيبه، إلّا أنه إذا انتهت وكالته فلا يقبل إقراره وإخباره لعدم تملّكه شيئاً حين إخباره وإن أخبر بالعيب في زمان وكالته وهذا ظاهر، وله إرجاع المدّعي إلى المالك والمدّعي متمكّن من الرجوع إلى المالك أيضاً في هذه الصورة فإن اعترف فهو وإلّا فينتهي الأمر إلى حكم الاختلاف بين المدّعي والبائع.
وأمّا الصورة الثانية أعني ما إذا ادّعى المشتري كذب الوكيل في دعوى الوكالة فلا يمكنه الرجوع حينئذ إلى المالك لدعواه أنّا لمال ملك البائع، والوكيل إذا اعترف في هذه الصورة بالعيب فيثبت عليه الأرش أو دفع الثمن لأنه أجنبي عن المالك.
وتوضيح الكلام في هذه المسألة: أنّ المعاملة إذا وقعت بين المشتري والوكيل وادّعى المشتري وجود عيب في المبيع ففيه جهات كثيرة من الكلام:
الجهة الأولى: في تعيين من يتوجّه إليه دعوى المشتري بمعنى أنه يرجع إلى الوكيل أو يرجع إلى المالك، فإن كان المشتري قاطعاً بكذب الوكيل في دعواه الوكالة
ص: 169
ويرى الوكيل مالكاً للمال ويكذّب دعوى الوكيل واعتراف الموكّل بالوكالة، فلا يتمكّن من أن يرجع إلى المالك حينئذ لاعتقاده كون البائع مالكاً، بل لابدّ من أن يرجع إلى خصوص الوكيل حتّى مع اعتراف المالك بوكالة الوكيل، لأنّ الاعتراف إنّما ينفع فيما إذا لم يكذّبه المشتري والمفروض أنه يرى اعترافه كذباً باطلاً ومعه لا يرجع إلّا إلى الوكيل.
وأمّا إذا كان المشتري جاهلاً بالحال ولم يدّع كذب الوكيل في دعواه الوكالة وإنما رجع إليه من جهة قاعدة اليد، لأنّ ظاهرها تمكّن ذي اليد من التصرفات وقد اعترف الموكّل بوكالة الوكيل فيتمكّن من الرجوع إلى كل منهما، أمّا إلى الوكيل فلأجل قاعدة اليد، وأمّا إلى الموكّل فلأجل اعترافه بأنّ المال ملكه.(1)
وأمّا إذا كان المشتري عالماً بصحة دعوى الوكيل ويعتقد أنه وكيل وأنّ المال ليس له فلا يتمكّن إلّا من الرجوع إلى المالك دون الوكيل، لأنّ وكالته قد انتهت باتيان مورد الوكالة والمفروض علمه بصدق وكالته فيكون الوكيل أجنبياً حينئذ ولا يصح له الرجوع إليه، اللهمّ إلّا أن يكون الوكيل مفوّضاً بمعنى أن يكون وكيلاً بحسب الحدوث والبقاء (لا بالمعنى المصطلح في التفويض).
فتحصّل: أنه في مورد يتخيّر(2) بين أن يرجع إلى المالك وأن يرجع إلى الوكيل وفي مورد آخر يرجع إلى الوكيل، وفي ثالث يرجع إلى الموكّل.
الجهة الثانية: أنّ المشتري سواء وجّهت الدعوى إلى الوكيل أ« وجّهها إلى الموكّل هل يكون اعتراف الوكيل نافذاً في حقّ الموكّل وبه تتمّ دعوى المشتري من كون المال معيباً، أو ليس له هذا الاعتراف؟ الصحيح أنّ اعترافه غير نافذ ولا يتم به
ص: 170
الدعوى، لأنه أجنبي عن المالك والمال فكيف يقبل اعتراف أحد على شخص آخر من دون ربط، نعم لا مانع من قبول اعترافه فيما إذا كان وكيلاً مفوّضاً أي بحسب الحدوث والبقاء ولعلّ هذا ظاهر.
الجهة الثالثة: أنّ المشتري إذا وجّهت الدعوى إلى الوكيل إمّا لتعيّن إرجاعه إليه وإمّا من أجل أنه أحد فردي التخيّر(1) في الرجوع، فإن تمّت الدعوى علىا لمشتري ورُدّت دعواه ولم يثبت أنّ المال معيب فهو ولا كلام، وأمّا إذا تمّت الدعوى للمشتري وحكم الحاكم بكون المال معيباً فيقع الكلام في مدرك هذا الحكم وأنّ الحاكم بماذا حكم بالعيب فإنّ مدركه منحصر في ثلاث: 1- فامّا أن يستند إلى بيّنة أقامها المشتري على دعواه، 2- أو يستند إلى اعتراف الوكيل بوجود العيب في المبيع 3- أو يستند إلى حلف المشتري التي ردّت إليه من طرف الوكيل وحَلَفَ المشتري بأنّ المال كان معيباً، وهذه وجوه ثلاثة ولا رابع في البين.
فإن كان المستند هو البيّنة فلا ينبغي الاشكال في صحة حكم الحاكم ونفوذها على الموكّل، فيؤخذ منه الثمن أو الأرش بلا خلاف في ذلك لأنها حجّة.
كما أنّ المستند إن كان اعتراف الوكيل فلا إشكال في عدم نفوذه على الموكّل لأنّ الوكيل أجنبي عن المال والموكّل وبأيّ وجه يقبل اعترافه على الموكّل وقد تقدّم ذلك أيضاً.
وأمّا إذا كان مستند حكمه هو اليمين المردودة إلى المشتري فهل هي كالبيّنة تنفذ على الموكّل أؤ أنها كالاعتراف لا ينفذ، كذا ذكره شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) إلّا أنّ الصحيح أنّها ليست كالبيّنة ولا كالاعتراف، ولا دليل على أحد التنزيلين في البين حتّى
ص: 171
يقال إنّها كالبيّنة أو أنها كالاعتراف، بل لا هذا ولا ذاك وإنّما هي أمر ثالث باستقلالها وبرأسها التي بها تفصم المرافعة وترتفع المنازعة والمخاصمة إلّا أنّ نفوذها على الموكّل (مع كون رادّها إلى المشتري وهو الوكيل أجنبياً عن الموكّل) مشكل، لأنّها إنما تنفذ في حق الوكيل ولا وجه لنفوذها في حق الموكّل لأنه ليس طرفاً للنزاع بل الدعوى إنما وجّهت إلى الوكيل، وعليه فتتشكّل دعوى ثانية بين الوكيل والموكّل نتعرّض لها في الجهة الآتية إن شاء الله تعالى.
الجهة الرابعة: أنّ المشتري إذا وجّهت الدعوى إلى الوكيل فإن لم يثبت مدّعىٰ المشتري فهو، وأمّا إذا ثبتت دعواه فرجع إلى الوكيل بالأرش أو الثمن ورجع الوكيل إلى الموكّل وأنكر الموكّل ذلك وقال لست بملزم باعطاء الأرش أو الثمن لعدم العيب في المبيع، فلا يخلو الحال إمّا أن يكون الوكيل منكراً للعيب في المبيع وإمّا أن يكون معترفاً بالعيب فيه.
فإن كان الوكيل معترفاً بالعيب ورجع إليه المشتري وحكم الحاكم على طبق دعوى المدّعي، وحينئذ فإن كان مستند حكمه هو البيّنة فقد تقدّم أنّها نافذة على الموكّل لأنّها تثبت العيب في المبيع، والموكّل معترف بالوكالة، وأنّ المال له فيؤخذ منه الأرش أو الثمن، وأمّا إذا كان مدرك حكمه اعتراف الوكيل أو اليمين المردودة إلى المشتري فقد عرفت أنّهما لا تنفذان في حق الموكّل المكذّب للاعتراف أو اليمين فلو رجع المشتري إلى الوكيل فله أن يرجع إلى الموكّل ويشكّل دعوى ثانية بينه أي الوكيل وبين الموكّل، لأنّ الوكيل يعترف بالعيب والموكّل ينكره، فإن أثبت الوكيل مدّعاه على الموكّل أو اعترف هو بالعيب فيستقرّ الأرش أو الثمن على ذمّته، وأمّا إذا لم يتمكّن الوكيل من الإثبات بل الموكّل حلف وأثبت عدم العيب في المبيع فلا يتمكّن الوكيل من أن يرجع إليه فيما خسره من الأرش قطعاً، لأنّ المفروض أنّا لموكّل أثبت عدم العيب وردّ
ص: 172
دعوى الوكيل، فلا وجه لتغريمه بأخذ الأرش أو الثمن بعد عدم ثبوت دعوى الوكيل، فلو أخذ منه الأرش فلا محالة يحسب عليه ويخسره الوكيل، اللهمّ إلّا أن ينصفه الموكّل وبإنصافه يدفع إليه ما خسره.
وأمّا إذا ردّ الثمن إلى المشتري وقد أثبت الموكّل عدم العيب في المبيع فيبقى المال بين الوكيل والموكّل مردّداً، لأنّ الوكيل يعترف بأنه ملك للموكّل والموكّل يعترف بأنه ليس ملكه فماذا حكم هذا المال حينئذ؟ ولا يبعد أن يكون المال راجعاً إلى الوكيل للمصالحة القهرية، لا بمعنى احتياجهما إلى مصالحة جديدة بل نفس إنكار الموكّل يكون مصالحة ورضاً بكون المال للوكيل، لأنّ إنكاره يرجع إلى أنّي راضٍ بأن لا يرجع إليّ المال في مقابلة أخذ الثمن منّي، فهو رضى منه بكون المال للوكيل إن أدّى هو الثمن، فيكون المال داخلاً في ملك الوكيل في مقابل ما أدّاه من الثمن إلى المشتري، هذا كلّه فيما إذا اعترف الوكيل بالعيب.
وأمّا إذا أنكره الوكيل، فإن ثبت إنكاره فهو، وأمّا إذا أثبت المشتري مدّعاه على الوكيل فهل يرجع الوكيل إلى موكّله في الأرش أو الثمن الذي أدّاه إلى المشتري أو لا، فلا يخلو إمّا أن يكون إنكار الوكيل للعيب مستنداً إلى أصالة السلامة أو إلى غيرها من الأمارات والبيّنات من دون أن يكون عالماً به، وإمّا أن يكون مستنداً إلى علمه الوجداني بعدم العيب في المبيع.
فإن كان مستنداً إلى أصالة السلامة ونحوها، فإن كان مدرك حكم الحاكم هو البيّنة فقد عرفت أنّها نافذة على الموكّل بلا حاجة إلى تشكيل دعوى جديدة فيؤخذ منه الأرش أو الثمن، وأمّا إذا كان مدرك حكمه هو اليمين المردودة إلى المشتري لانحصاره بهما، لعدم الاعتراف من الوكيل لأنه منكر له حسب الفرض، فلا يجوز له تشكيل دعوى ثانية بينه وبين الموكّل، لأنّ الدعوى إنما يتحقّق فيما إذا لم يكن عالماً بصحة ما ينكره الموكّل ولو من جهة أصالة السلامة، والمفروض أنه يعترف بصحة إنكار الموكل من جهة الأصالة المذكورة أو غيرها، ومعه كيف يصح له الدعوى على
ص: 173
الموكّل، وحينئذ إذا غرم الوكيل بأخذ الأرش منه فلا يتمكّن من أ» يطالبه من الموكّل لاعترافه بعدم توجّه الأرش إلى الموكّل، وأنّ ما أخذ من الأرش إنّما أخذ على خلاف الواقع ومعه كيف يصح له مطالبة الموكّل.
وأمّا إذا أخذ منه الثمن فقد عرفت أنه لا يمكن مطالبة الموكّل به، لأنه يراه ملكاً للمشتري فيكون المال مردّداً بين المشتري والموكّل وكل منهما يدّعي أنه ليس له، ولكن المصالحة القهرية المتقدّمة تأتي في المقام بين الوكيل والمشتري وبها يثبت كونه ملكاً للوكيل بازاء ما دفعه إلى المشتري، اللهمّ إلّا أن يعترف الموكّل بكون المال لو فيؤخذ منه الأرش أو الثمن حينئذ.
وأمّا إذا كان عالماً بالوجدان بعدم عيب في المبيع ورجع إليه المشتري وأثبت مدّعاه وأخذ منه الأرش أو الثمن، فقد تقدّم أنه ليس له تشكيل دعوى ثانية بين نفسه وبين الموكّل حينئذ، بلا فرق في ذلك بين استناد الحاكم إلى البيّنة واستناده إلى اليمين المردودة إلى المشتري، وبلا فرق بين اعتراف الموكّل بأنّ المال كان معيباً وعدمه، لأنّ الوكيل عالم بعدم عيبه ويخطّئ غيره أو يكذّه لاعتقاده صحه إنكار الموكّل وتكذيبه البيّنة أو اليمين المردودة إلى المشتري اللذين هما مستند حكم الحاكم، فلو أخذ منه الأرش فهو يكون خسارة على الوكيل كما مرّ.
وأمّا إذا أخذ منه الثمن فيكون المال مردّداً بين الموكّل والمشتري، والوكيل يعلم بعدم كونه للموكّل فلا تجري المصالحة القهرية حينئذ لعلمه بفسادها، فينتهي الأمر إلى إجبار الحاكم لهما على المصالحة كما في كل مال بين شخصين كل منهما يعتقد أنه ليس له، وما ذكرناه في المقام يجمع جميع الفروع المذكورة في كلام شيخنا الأنصاري (قدس سره) .
ثمّ لا يخفى أنّ الدعوى والمحاكمة لا تستدعي تفسيق أحد المدّعيين بوجه
ص: 174
لاحتمال اشتباه أحدهما فيما يدّعيه»(1)
المسألة الرابعة(2): وفيها فرعان:
الأوّل: ما لو رد المشتري سلعة بالعيب فانكر البائع أنها سلعته مدعياً ان سلعته غير معيبة فلا خيار.
والثاني: ما لو اتفقا على ثبوت الخيار له لتعيب السلعة أو لغير ذلك لكن انكر البائع ان السلعة المردودة سلعته.
وقد حكم في الفرع الأوّل بتقديم قول البائع، لأصالة عدم حق له عليه وأصالة عدم كونه سلعته. ونسب ذلك إلى التذكرة(3) والدروس(4) وجامع المقاصد(5)
وأما في الفرع الثاني، فقد احتمل في التذكرة(6) والقواعد(7) تقديم قول المشتري ونسبه في التحرير(8) إلى القبل لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بعد ان احتمل مساواته للفرع الأوّل.
وقد جزم الشيخ الأعظم (قدس سره) في الفرع الأوّل بتقديم قول البائع مع يمينه. وتوقف في تقديم قول المشتري في الفرع الثاني.
ونقل عن الايضاح(9) الاستدلال على ذلك - أعني تقديم قول المشتري في الفرع
ص: 175
الثاني - بان الاختلاف بين البائع والمشتري في موضعين:
أحدهما: خيانة ال مشتري، فان البائع يدعي عليه تغيير السلعة والمشتري ينكره، والأصل عدم الخيانة.
والآخر: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري، فالبائع يدعيه والمشتري ينكره والأصل بقاؤه.
وناقشه المصنف (قدس سره) بما سيتضح بعضه.
ولابدّ في وضوح الحال من تحقيق الكلام في كل فرع على حدة.
أما الفرع الأول: فقد عرفت ذهاب جماعة من الأعاظم إلى تقديم قول البائع بيمينه، والوجه في ذلك موافقة قوله الأصل، وقد بيّن الأصل بوجوه:
منها: ما ذكره الشيخ(1) (قدس سره) بدواً من أصالة عدم كون السلعة سلعة البائع(2)، والمرادبها أحد وجهين... .
إما أصالة عدم وقوع العقد على هذه السلعة بنحو العدم المحمولي النافي لثبوت الخيار وحق الرد فيها.
وإما أصالة عدم انتقال هذه السلعة من البائع، فان الرد عليه متفرع عن الانتقال منه، فنفيه يقتضي نفي حق الرد للمشتري.
ولا يخفى عليك صحة هذا الأصل، إذ انتقال هذه السلعة لم يتحقّق سابقاً ولو لأجل عدم كونها سلعته، فاذا شك فيه بقاء فالأصل عدمه.
ومنها: ما أشار اليه الشيخ(3) (قدس سره) وصاحب الايضاح(4) من أصالة عدم ثبوت
ص: 176
الخيار.
وهذا الأصل بالنسبة إلى الأصل الأول حكمي.
وهو لا بأس بجريانه، بمعنى استصحاب بقاء الملك بعد الفسخ، على ما تقدم توضيحه في أصالة اللزوم، فراجع تعرف.
ومنها: ما ذكره صاحب الايضاح(1) من أصالة عدم حدوث العيب، فانه يقال انه يشك في حدوث العيب في العين التي وقع عليها العقد - على اجمالها - والاصل عدم حدوثه.
وهذا الأصل لا بأس به على مبنى الشيخ (قدس سره) ولكن قد تقدم الكلام في هذا الأصل في المسألة الأولى وعرفت هناك انه لا يجدي في اثبات ما هو موضوع الأثر من تخلف الوصف المقصود.
ومنها: ما ذكره في الايضاح(2) أيضاً من أصالة صحة القبض.
ولم يستوضح المراد بها، اذ القبض لا أثر له كي يتصف بالصحة والفساد بلحاظه. ويمكن ان يراد بها أحد وجهين:
الوجه الأول: أصالة خروج البائع من ضمان القبض وهذا يرجع إلى اثبات عدم حدوث العيب قبل القبض إذ لو حدث قبله كان مضموناً.
وبهذا الوجه فسر الشيخ(3) (قدس سره) كلامه. والوجه فيه على ما يقال ظهور حال المسلم فان ظاهر حاله ان يكون اقباضه لازماً.
الوجه الثاني: ان يراد به صحة المقبوض فيرجع إلى استصحاب عدم العيب قبل القبض. وهذا راجع إلى أصالة عدم حدوث العيب، فليس وجهاً مستقلاً قباله.
ص: 177
وأما الفرع الثاني: فقد استدل في الايضاح(1) على تقديم قول المشتري بوجهين على ما عرفت.
أحدهما، أصالة عدم الخيانة. وأورد عليه الشيخ(2) (قدس سره) : أن اصالة عدم الخيانة مستندها ظهور حال المسلم، فتتأتى في الفرع الأول، فيلزم ان يكون القول قول المشترى ايضاً.
وقد تصدى السيّد الطباطبائي(3) والمحقّق الاصفهاني(4) رحمهما الله إلى بيان ان المراد من أصالة عدم الخيانة ليس عدمها بلحاظ ظهور حال المسلم بل بلحاظ أن عدم المشتري ذا الخيار أمين، وقد ثبت في محله عدم جواز اتهامه وتخوينه وان القول قوله.
فأفاد السيّد الطباطبائي (رحمة الله) : ان دفع العين من البائع إلى المشتري مع كونها في معرض العود اليه بالرد للخيار شبيه بالامانة، فكأن البائع جعل المشتري أميناً بعد الرد.
وأفاد المحقّق الاصفهاني (رحمة الله) : ان المشتري بمقتضى ثبوت حق الخيار وحق الرد تكون له الولاية شرعاً على العين المشتراة بعد الرد، فيجب تصديقه فيما له الولاية عليه لأنه أمين من قبل الشارع.
ولا يخفى ان الفرق بين المفادين ليس إلّا في كون مفاد كلام السيّد (رحمة الله) ان المشتري امين من قبل المالك، ومفاد كلام الاصفهاني (رحمة الله) انه امين من قبل الشارع، ولعل جهة الفرق تبتني على ان خيار العيب بملاك الشرط الضمني الراجع إلى شرط الخيار عند التخلف، فتكون الأمانة مالكية. أو انه بملاك التعبد الشرعي، فتكون
ص: 178
الامانة شرعية.
وكيف كان، فهذه الدعوى تامة. ولا يخفى أنها لا تتأتى في الفرع الأول لعدم ثبوت الخيار هناك، فلا أمانة.
ثانيهما: «سقوط حق الخيار الثابت للمشتري فالبائع يدعيه والمشتري ينكره والأصل بقاؤه»(1)
واستشكل عليه الشيخ الأعظم بإشكالين: الأوّل: «أنّ دعوى السقوط إنّما تُجدي فيما إذا كان الخيار المتّفق عليه خصوص خيار العيب، فإنّ دعوى سقوطه بتلف العين تجدي في سقوط الخيار، والأصل يُثبت بقاء الخيار. وأمّا إذا كان الخيار أعمّ من خيار العيب، فدعوى البائع تلف العين لا تُثبت سقوط الخيار حتّى يكون الأصل - أي استصحاب بقائه - موافقاً للمشتري، لما قرّر في محلّه من عدم استلزام تلف أحد العوضين لسقوط الخيارات»(2)
أقول: هذا الاشكال يثبت أعمية الدليل على المدعى وهي لا يضرّ بالاستدلال، فلا يتم هذا الاشكال عندنا، نعم، الاشكال الآتي تام.
الثاني: «إنّ استصحاب بقاء الخيار لا أثر له إلّا بقاء الخيار، ولا يترتّب عليه وجوب قبول هذه السلعة على البائع إلّا بناءً على الأصل المثبِت»(3)
وعليه، فيكون المتجه الالتزام هاهنا بان القول قول المشترى بيمينه على العكس في المسألة الأولى. فلاحظ.
هذا تمام الكلام في الاختلاف في الموجب.
ص: 179
فيقع البحث فيه في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: فيما لو اختلفا في علم المشتري بالعيب فيسقط الخيار(1) وعدمه فلا يسقط.
وقد التزم الشيخ(2) (قدس سره) بتقديم قول منكر العلم لأصالة عدمه، فيثبت الخيار.
وقد يورد عليه: بانه قد تقدم منه(3) في خيار الغبن بيان ان منكر العلم مدع، وإنّما يثبت عليه اليمين لتعسر إقامة البينة. وهذا منه ينافى ما ذكره هاهنا.
ولكن يمكن الدفع عنه(4): بان عدم العلم هناك لم يؤخذ في موضوع الخيار في الغبن، بل هو مقوم للشرط الضمني الارتكازي، فلا تنفع أصالة عدم العلم لعدم كون مجراها موضوع الأثر.
وهذا بخلاف ما نحن فيه لأخذ عدم العلم في موضوعه كما هو ظاهر
ص: 180
[صحيحة] زرارة(1)، إذ أخذ فيها عدم التنبيه الظاهر في بكونه طريقاً لعدم التنبه. فأصالة عدم العلم تجري في نفس موضوع الأثر.
هذا، ولكنك عرفت في المسألة الأولى من مسائل الاختلاف في الموجب ان سبب الخيار ليس هو وقوع العقد على المعيب مع عدم العلم، بل موضوعه هو تخلف الوصف المقصود بنحو الداعي أو بنحو الاشتراط.
وعرفت ان أخذ عدم العلم لأجل تقوم قصد الوصف به إذ مع العلم بالعيب لا يكون وصف الصحة مقصوداً وملحوظاً، فأصالة عدم العلم لا تجدي شيئاً هاهنا.
بل مرجع الدعوى حيث هو ثبوت الخيار لتخلف الوصف المقصود وعدم ثبوته لعدم تخلف الوصف المقصود ولو لعدم موضوعه وهو القصد، كان القول قول منكر الخيار لموافقة قوله الأصل. فتدبر.
المسألة الثانية: فيما لو اختلفا في زوال العيب قبل علم المشتري بالعيب أو بعده بناء على الالتزام بان زواله بعد العلم لا يسقط الخيار.
قال الشيخ (قدس سره) : «ففي تقديم مدعي البقاء(2) فيثبت الخيار لأصالة بقائه(3) وعدم زواله(4) المسقط(5) للخيار أو تقديم(6) مدعي عدم ثبوت الخيار لان سببه(7) أو شرطه(8)
ص: 181
العلم به(1) حال وجوده(2) وهو(3) غير ثابت فالأصل لزوم العقد وعدم الخيار وجهان أقواهما الأول»(4)
وتحقيق الحال: انه ان بنينا - كما هو المختار - على ان زوال العيب قبل الرد موجب لسقوط الخيار - ردّاً وأرشاً - سواء كان قبل العلم ام بعد العلم، فلا موضوع لهذه المسألة، إذ هما يتفقان على زوال العيب قبل الرد فلا خيار حينئذٍ ولا أهمية لزواله قبل العلم أو بعده.
وإن بنينا على ان الزوال قبل الرد لا موضوعية له بل إذا كان قبل العلم سقط الخيار وإلّا فلا يسقط، كان لهذه المسالة مجال.
وعليه، نقول: [1] إما أن يكون موضوع الخيار هو العلم بوقوع العقد على المعيب، وعدم زواله(5) قبل العلم به(6) بنحو التركيب، بان كان الموضوع مركباً من جزئين العلم بالعيب وبقاء العيب إلى زمان العلم به.
[2] وإما أن يكون الموضوع هو العلم بالعيب في حال وجوده بنحو التقييد والتوصيف، يعني يكون المأخوذ هو العلم الخاص وهو العلم بالعيب الفعلي.
فعلى الأول: يمكن اجراء [اصل] بقاء العيب إلى حال العلم، فيثبت موضوع الخيار المركب بجزئيه أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل، فيكون القول قول منكر الزوال قبل العلم.
ص: 182
وعلى الثاني: لا تنفع أصالة بقاء العيب إلى حال العلم في اثبات العلم الخاص وهو العلم بالعيب الفعلي والموجود في حال العلم. بل يكون العلم الخاص مجرى للأصل لانه مسبوق بالعدم. وعليه، فيكون القول قول مدعي الزوال قبل العلم، فلا يثبت الخيار.
وبما ان البحث المزبور فرضي، فلا يمكن أن يدعىٰ ان المستفاد من الأدلة كون الموضوع بالنحو الأول أو الثاني، ولذا تبقى المسألة مجملة.
ولا وجه لما أفاده الشيخ (قدس سره) من أن الأقوى هو الأول. فلاحظ.
ثم ان للتذكرة عبارة تقدمت في مبحث سقوط الخيار بزوال العيب قبل العلم اليك نصّها: «لو كان المبيع معيباً عند البائع ثم أقبضه وقد زال عيبه فلا رد لعدم موجبه وسبق العيب لا يوجب خياراً كما لو سبق على العقد ثم زال قبله بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد»(1)
وقد ذكر الشيخ(2) (قدس سره) في هذا المقام أنها تؤمئ إلى الثاني.
والذي يظهر من العبارة ان العلامة (رحمة الله) ممن لا يرى موضوعية للزوال قبل العلم أو بعده بل المدار على الزوال قبل الرد أو بعده.
وعليه، فلا وجه لدعوى ايمائها إلى الوجه الثاني بعد ان كان موضوع الوجهين الالتزام بموضوعية زوال العيب قبل العلم. فلاحظ.
فرع: لو حدث عيب جديد ثم زال أحدهما فاختلفا في ان الزائل هو القديم، فلا خيار. أو الجديد، فيثبت الخيار.
ذكر الشيخ(3) (قدس سره) ان مقتضى القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار ولا يعارضه
ص: 183
أصالة بقاء الجديد، لان بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلّا من حيث استلزامه لزوال القديم وقد ثبت في الأصول(1) أن أصالة عدم أحد الضدين لا يثبت وجود الضّد الآخر ليترتب عليه حكمه.
ثم استدرك (قدس سره) بان المحكي(2) عن الشافعي هو التحالف، في فاذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد المشتري بيمينه أخذ الارش.
وتحقيق الحال في المسألة: انه إن بُني على سقوط الرد بمجرد حدوث العيب الجديد سواء زال أم لم يزل، كان الملحوظ في الدعوى فيما نحن فيه هو ثبوت الأرش لبقاء القديم وعدمه لزواله. واما الردّ فلا كلام في سقوطه بمجرد حدوث الجديد، فلا أثر لبقائه وعدمه.
ولذلك يكون القول قول المشتري المنكر لزوال القديم لان الاصل معه، ولا يعارضه أصالة بقاء الجديد، كما أفاد الشيخ(3) (قدس سره) . ولا وجه لدعوى التحالف حينئذٍ.
وبما ان الشيخ (قدس سره) يلتزم بالمبنى المشار اليه أعني سقوط الرد بمجرد حدوث العيب ولو زال بعد ذلك، التزم في الفرع المزبور بما عرفت.
وأما إن بني على عود حق الرد بزوال العيب الجديد، كما التزم به بعض(4) - وقد تقدّم تحقيقه في محله(5) - كانت دعوى بقاء العيب الجديد راجعة إلى نفي حق الرد، كما ان دعوى بقاء القديم مع زوال الجديد راجعة إلى اثبات حق الأرش والرد.
وعليه، كان كل من المشتري والبائع مدعياً من جهة ومنكراً من أخرى،
ص: 184
فيتحقّق التداعي ونتيجته التحالف المستلزم لسقوط حق الرد وبقاء الأرش، كما نقل عن الشافعي.
بيان ذلك: أن المشتري في مطالبته بالرد يكون مدعياً، لانه يترتب على زوال العيب الجديد والأصل بقاؤه فيكون البائع منكراً، كما انه في مطالبته بالأرش يكون منكراً لترتبه على بقاء العيب القديم والأصل يثبته. فقول البائع من جهة الرد موافق للأصل، كما ان قول المشتري من جهة الأرش يكون موافقاً للأصل.
ويترتب على ذلك ان يحلف كل منهما على بقاء العيب الذي يدعي بقاءه، فيحلف المشتري على بقاء القديم ويحلف البائع على بقاء الجديد، ونتيجته ثبوت كلا العيبين، ولا تعارض بين الأصلين بعد أن لم يكن العلم الاجمالي بزوال أحدهما مما يترتب عليه حكم إلزامي.
واذا ثبت كلا العيبين بمقتضى التحالف، سقط الرد، وبقي حق الأرش، لثبوته حتّى مع العلم ببقائها.
وبهذا البيان توجّه دعوى الشافعي، لا بما جاء في حاشية السيّد الطباطبائي (رحمة الله) من: «أن جريان أصالة بقاء القديم مقتض للأمرين - يعني الرد والأرش - وجريان أصالة بقاء الجديد مقتض لعدم الرد، فينتفي الرد بسبب المعارضة و[1] يبقى الأرش لعدم المعارض للأصل الأول بالنسبة إليه»(1)
ثم قال: «ومن ذلك يظهر ان الحق ما ذكره الشافعي من التحالف لان كلا منهما مدع لزوال أحدهما ومنكر بالنسبة إلى الآخر و [2] اذا حلفا يسقط قول كل منهما في تعيين الزائل ويبقى مقتضى الأرش بلا معارض لان محصل الأمر حينئذٍ بقاء كل من
ص: 185
العيبين ولازمه أخذ أرش العيب الأول وعدم الرد لوجود المانع وهو العيب الثاني»(1)، فانه لا يخلو من ملاحظات:
أولاً: ما يظهر منه ترتب الأرش باجراء الأصل بلا معارض، وهذا خلاف البناء على ان القضاء إنّما هو بالبينة أو اليمين لا بجريان الأصول بلا معارض.
وثانياً: ان اليمين إنّما يكون على ما هو موافق للأصل فلا يكون على تعيين الزائل بل على تعيين ما هو باق، فقوله «واذا حلفا يسقط قول كل منهما في تعيين الزائل» ليس كما ينبغي.
ثالثاً: انه لا يتساقط اليمينان، والقولان، بل يثبت كل منهما بواسطة اليمين كما عرفت، فتدبر.
المسألة الثالثة: لو شوهد عيب في العين المشتراة غير العيب المتفق على وجوده قبل العقد واختلفا في أنه هل حدث عند المشتري أو عند البائع، فادعى البائع حدوثه عند المشتري وادعى المشتري حدوثه عند البائع.
حكى الشيخ(2) (قدس سره) عن الدروس(3) انه كالعيب المنفرد فحكمه ان يحلف البائع كما لو لم يكن سوى هذا العيب واختلفا في السبق والتأخر، وعلله الشيخ(4) (قدس سره) بأصالة عدم التقدم، لكن ناقشه بان عدم التقدم هناك راجع إلى عدم سبب الخيار، أما هنا فلا يرجع إلى ثبوت المسقط، إذ المسقط هو حدوث العيب عند المشتري وهو لا يثبت بأصالة عدم التقدم، كما حقّق في محلّه.
هذا ما أفاده الشيخ (قدس سره) . ولا يخفى عليك ان موضوع الكلام ما اذا كان العيب
ص: 186
المتفق عليه موجباً للخيار وإنّما النزاع في سقوط الخيار بالعيب الجديد لحدوثه عند المشتري وعدم سقوطه لحدوثه عند البائع.
وذلك لان هذه المسائل هي مسائل الاختلاف في المسقط لا الموجب، كما أنّ تعليل الشيخ (قدس سره) لعدم صحة التمسك بأصالة عدم التقدم ظاهر فيما ذكرناه.
وعليه، فلا مجال لتشقيق المسألة وبيان أن العيب المتفق عليه تارة يوجب الخيار وأخرى لا يوجبه.
نعم هذا التشقيق اذا كان يذكر مستقلاً بعنوان تحقيق أمر، فهو لا بأس به. والأمر سهل.
وتحقيق الكلام في هذا الفرض الذي أشار اليه الشيخ (قدس سره) أن حدوث العيب عند المشتري يترتب عليه سقوط حق الرد، كما ان حدوثه عند البائع يترتب عليه زيادة الأرش أو خيار آخر، كما اشير اليه سابقاً.
وعليه، فكل من البائع والمشتري مدع من جهة ومنكر من جهة أُخرى، إذ المشتري في دعواه حدوث العيب عند البائع مدع من جهة زيادة الأرش لان الأصل عدم حدوثه عند البائع ومنكر من جهة الرد، لان الأصل بقاء حق الخيار وعدم سقوطه. وعلى العكس منه يكون البائع في دعواه حدوث العيب عند المشتري.
فيتحقّق التداعي بينهما ويحلفان ومقتضى ذلك عدم ثبوت أرش زائد، وبقاء حق الرد الثابت بالعيب المتفق عليه.
ومن هنا يظهر ما في كلام الشيخ(1) (قدس سره) من ظهوره في حلف المشتري خاصة لانه منكر. كما يظهر ما في الدروس(2) من التزامه بكون القول قول البائع.
ص: 187
ومما حقّقناه في هذا الفرض يظهر حكم ما لو شوهدت زيادة في العيب المتفق عليه واختلفا في تقدمها على القبض وتأخرها، فان الكلام فيها هو الكلام في العيب المستقل الآخر.
ثم إن الشيخ (قدس سره) ذكر: «أنه لابدّ من فرض المسألة في ما لو اختلفا في مقدار من العيب موجودٍ زائدٍ على المتفق عليه انه كان متقدماً أو متأخراً، وأما اذا اختلفا في أصل الزيادة فلا اشكال في تقديم قول المشتري»(1)
أقول: يمكن فرض النزاع في أصل الزيادة على نحوين... .
الأول: أن يختلف في تحقيق أصل الزيادة لدى المشتري وعدمه، والمشتري في هذا الفرض يكون منكراً لموافقة قوله للأصل.
الثاني: أن يختلف في تحقّق أصل الزيادة لدى البائع وعدمه، والبائع يكون في هذا الفرض هو المنكر لان الأصل معه.
فالنزاع في أصل الزيادة لا يكون المشتري فيه منكراً دائماً.
نعم، هو يختلف عن النزاع في تقدم وتأخر الزيادة، انه في النزاع في التقدم تتشكل دعويان في آن واحد في النزاع الواحد، ولذا كان المورد من موارد التداعي كما عرفت.
أما النزاع في أصل الزيادة، فلا تتشكل دعويان في آن واحد، بل إما أن تتشكل الدعوى بلحاظ سقوط الرد أو تتشكل الدعوى بلحاظ ثبوت زيادة الارش، فلا يكون المورد من موارد موارد التداعي. فتدبر.
المسألة الرابعة: فيما لو اختلفا في البراءة من العيوب. وقد تعرض الشيخ(2) (قدس سره)
ص: 188
إلى جهات أربع:
الجهة الأولى: في حكم المسألة وتعيين المنكر من المدعي، وقد بنى على أن القول قول منكر البراءة لأصالة عدمها الحاكمة على أصالة لزوم العقد، فيثبت الخيار.(1)
وتحقيق ذلك: أن سقوط الخيار بالبراءة من العيوب... .
1- إما من باب رجوع البراءة إلى اشتراط عدم الخيار المشمول لعموم «المؤمنون عند شروطهم».
2- وإما من باب الدليل الخاص من النصوص.
3- وإما من باب أن خيار العيب لأجل شرط وصف الصحة ضمناً إرتكازاً وهو منتف مع البراءة.
4- وإما من باب أن موضوع خيار العيب الثابت بالنص هو ما لوحظ وصف الصحة بنحو الداعى وذلك منتف في صورة التبري، كما قربناه.
فعلى الأول: يكون المرجع مع الشك أصالة عدم البراءة أو فقل عدم الشرط وهي حاكمة على أصالة اللزوم.
وعلى الثاني: [أ]: فاما أن يؤخذ عدم البراءة في الموضوع بنحو التركيب، فيكون الموضوع للخيار هو العقد على المعيب مع عدم البراءة من العيب، فالمرجع هو أصالة عدم التبري وبها يثبت أحد جزئي الموضوع فينضم إلى الجزء الآخر المحرز بالوجدان ويترتب الخيار حينئذ.
[ب]: واما أن يؤخذ عدم البراءة بنحو التقييد وبمفاد ليس الناقصة.
ومن الواضح ان العقد لا حالة له،سابقة، واستصحاب عدم التبري بمفاد ليس التامة لا ينفع في اثبات التقيد.
ص: 189
وعليه، فيكون المرجع حينئذ هو الأصل الحكمي وهو استصحاب لزوم العقد، فيكون القول قول مدعى البراءة.
وعلى الثالث: يكون مرجع الشك في تحقّق البراءة إلى الشك في تحقّق اشتراط الوصف والأصل عدمه، وأصالة عدم البراءة لا أثر له شرعاً، فيكون القول قول مدعي البراءة أيضاً.
وعلى الرابع: لا تنفع أصالة عدم التبري أيضاً، لأنه ليس بذي أثر بعنوانه وإنما الأثر لورود العقد على الموضوع الخاص لانصراف الدليل عن غير ذلك الموضوع، فمع الشك يشك في ثبوت الخيار وعدمه، فالمرجع أصالة اللزوم [فيكون القول قول مدعي البراءة].
والذي يتحصل: أن ما أفاده الشيخ (قدس سره) من ان القول قول منكر البراءة لأصالة عدمها إنّما يجدي على بعض الفروض(1) المزبورة دون بعض.
وبما ان الذي اخترناه في مسقطية البراءة هو الوجه الأخير، كان المتعين الالتزم بان القول قول مدعي البراءة ومنكر الخيار.
الجهة الثانية: في مكاتبة جعفر بن عيسى(2) المتقدمة، فانها توهم ان القول قول مدعي البراءة وهو خلاف ما التزم به الشيخ (قدس سره) من ان القول قول منكرها.
وقد حكي عن المحقّق الاردبيلي(3): طرح الخبر لضعفه مع الكتابة ومخالفة القاعدة.
وحكي عن الكفاية(4): ان الرواية مؤيدة لقاعدة البينة على المدعي واليمين على
ص: 190
المنكر.
وحكي عن الحدائق(1): ان المفهوم من مساق الخبر المذكور ان انكار المشتري كان مدالسة لاجل زهده في المبيع، وإلّا فهو عالم بالتبري. وعليه، فالامام (علیه السلام) الزمه بالثمن من هذه الجهة.
ولكن الشيخ(2) (قدس سره) ذهب إلى ان الرواية غير مخالفة لما بني عليه، لأجل ان في المقام خصوصية توجب كون القول قول البائع دون المشتري، وهي مخالفة قول المشتري للظاهر، وذلك لجريان العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على وجه يسمعه كل أحد ممّن حضر للشراء، فدعوى المشتري عدم السماع مخالفة للظاهر.
أقول: عرفت على ما حقّقناه أنّ المنكر في مسألة التبري هو البائع دون المشتري. وعليه، فلا تكون الرواية مخالفة للقاعدة بل هي على طبق القاعدة، كما ذهب اليه [السبزواري] في الكفاية.
نعم قوله (علیه السلام) : «عليه الثمن» ظاهر في الزامه بالثمن رأساً بلا تشكيل قواعد الخصام، ولكنه ليس مراداً قطعاً، بل المراد هو الإلزام على تقدير عدم قيام البينة له وبيمين البائع، والتعبير بمثل ذلك في موارد الدعاوي متعارف. ويشار به إلى تعيين المنكر من المدعى.
وأما توجيه صاحب الحدائق (رحمة الله) ، ففيه ما أفاده الشيخ(3) (قدس سره) من ان السؤال ليس عن حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه وبين الله سبحانه، بل السؤال عن حكم الواقعة بحسب الموازين الشرعية الظاهرية وانه أيهما يقدّم قوله المشتري أو البائع.
إذ لا جهل بحكم العالم بالتبري المنكر له بحسب القواعد حتّى يقع مورد
ص: 191
السؤال.
وأما توجيه الشيخ(1) (قدس سره) للرواية، فهو توجيه وجيه.
لكن يورد عليه بما أفيد من عدم ثبوت حجية مثل هذا الظاهر حتّى عند العقلاء. والظاهر الذي تكون موافقته موجبة لكون القائل منكراً هو الظاهر الحجة دون مطلق الظاهر.
وأما ما ذهب اليه الاردبيلي (رحمة الله) من طرح الرواية... .
فأما مخالفتها للقواعد. فيندفع: بان القواعد ليست مما لا يقبل التخصيص.
وأما كونها مكاتبة. فليس بضائر.
وأما ضعف السند. فذلك يبتني على ان ضعف السند هل ينجبر بعمل المشهور أو لا؟ لعمل المشهور بها في غير هذا المقام - كما أفاده السيّد الطباطبائي(2) (رحمة الله) - [مضافاً إلى أنّها حسنة سنداً عندنا] وكيف كان فقد عرفت مطابقة الرواية للقاعدة.
الجهة الثالثة: ان التبري المسقط للخيار هو التبري في متن العقد دون التبري السابق عليه، بل ذهب بعض إلى ان الشرط الابتدائي ليس شر طاً حقيقة. وظاهر الرواية كون تبري المنادي عند النداء، فهو سابق على العقد.
وقد تصدى الشيخ(3) (قدس سره) إلى حل هذا الاشكال بوجهين:
أحدهما: انكار الكبرى بالالتزام بكفاية تقدم الشرط على العقد بعد وقوع العقد مبنياً عليه.
والآخر: انكار الصغرى بالالتزام بان نداء المنادي بمنزلة الايجاب فإنّه يقول «بعتك هذا بكذا على ما هو عليه» ثم يكرر ذلك حتّى ييأس ممن يزيد في الثمن.
ص: 192
أقول: أما انكار الكبرى، فله حديث في باب الشروط وليس محله هاهنا.
فيتعين الحلّ بانكار الصغرى، ويكفي في صحة البناء على الرواية واندفاع الاشكال مجرد احتمال كون نداء الدلال بمنزلة الايجاب في زمان صدور الرواية، ولو لم يكن كذلك في زماننا.
الجهة الرابعة: في انه هل يحلف على نفي العلم بالبراءة أو على نفي البراءة بنحو البت؟
ذهب الشيخ(1) (قدس سره) إلى الأول، وعلّله بأنّ عدم العلم هو الموجب لسقوط الخيار لا إنتفاء البراءة واقعاً.
المسألة الخامسة(2): لو اختلفا في تحقّق الرضا من المشتري بعد علمه بالعيب أو اسقاطه الخيار أو تصرفه فيه، فادعى البائع تحقّق أحد هذه الأمور المسقطة للخيار وانكر المشتري، كان القول قول المشتري لموافقته للأصل، كما لا يخفى.
ثم إن الشيخ(3) (قدس سره) ذكر فرعاً آخر وهو ما لو وجدا في المعيب عيباً اختلفا في حدوثه وتقدمه وهذا هو ما تقدم في المسألة الثالثة.
وعلى كل، فقد تمسك الشيخ (قدس سره) في وجه تقديم مدعي عدم الحدوث وانه متقدم بأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد على المعيب والشك فى سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري، فالأصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب حتّى يضمنه المشتري.
أقول: التمسك بأصالة عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب فيه بحثان:
الأول: في صحته وفساده والمتجه هو الثاني. لأن مورد الأثر تشخيص ما وقع
ص: 193
عليه هذا العقد وانه المعيب بالعيب الآخر أو لا، ومجرد اثبات عدم وقوع العقد على السليم منه لا يقتضي وقوعه على المعيب به إلّا على الأصل المثبت.
والآخر: في تفريع أصالة بقاء الخيار عليه كما هو ظاهر الشيخ(1) (قدس سره) ، فإنّه غير وجيه. فان أصالة بقاء الخيار أصل برأسه، لا معنى لان يتفرع على هذا الأصل. بل تفرع أصل على أصل لا معنى له كلية.
ولعل مراده (قدس سره) من أصالة بقاء الخيار هو نفس أصالة. عدم وقوع العقد على السليم، فلا اشكال. وليس مراده كون مجرى الأصل بقاء الخيار رأساً. فتدبر والأمر هيّن.
ثم إنه قد يتمسك في اثبات الخيار للمشتري بأصل موضوعي وهو أصالة عدم حدوث عيب عند المشتري. فإن حدوث عيب عند المشتري مشكوك، فالأصل عدمه ويترتب عليه بقاء الخيار.
وفيه: ان موضوع سقوط الخيار ليس هو حدوث عيب عند المشتري - بهذا العنوان - بل هو العيب الحادث لدى المشتري بمفاد كان الناقصة.
ومن الواضح ان أصالة عدم حدوث عيب عند المشتري لا تعين حال العيب المتنازع فيه وانه هل حدث عند المشتري أو حدث عند البائع؟ إلّا بالملازمة العقلية. إذن فالمرجع هو الأصل الحكمي وهو أصالة بقاء الخيار للشك في سقوطه بعد حدوثه.
وقد تقدم في المسألة الثالثة ان المورد من موارد التداعي، فراجع.
هذا تمام الكلام في الاختلاف في المسقط.
ص: 194
فيقع الكلام فيه في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: فيما لو اختلفا في الفسخ، فتارة يكون قبل انقضاء زمان الخيار. واخرى يكون بعد زمان الخيار [فهنا صورتان]:
[الصورة الأولى]: فاذا كان قبل انقضاء زمان الخيار، فله انشاؤه فعلاً فيعلم بتحقّق الفسخ إما فعلاً أو من السابق. وقد وقع الكلام في ان دعواه الفسخ واقراره به هل يمكن ان يجعل انشاء للفسخ بحيث تترتب عليه آثار الفسخ أو لا؟ نسب الأول إلى الدروس(1)
ويمكن تعليله بوجهين:
أحدهما: ما أشار إليه الشيخ(2) (قدس سره) من ان قاعدة «مَنْ ملك شيئاً ملك الاقرار به» تقتضي ذلك، لأن المشتري مالك للفسخ وله الولاية عليه فهو مالك لحق الاقرار به فاذا أقرّ به ثبت و ترتبت علیه آثاره.
الثاني: ان يلتزم بان الفسخ لا يتوقف على الانشاء، بل مجرد عدم الرضا القلبي
ص: 195
مع تحقّق الكاشف عنه كاف في تحقّق الانفساخ، كما قد يلتزم في اجازة البيع بكفاية الرضا مع ما يبرز ولو لم يتحقّق الإنشاء. فان دعوى الفسخ كاشفة عن عدم الرضا ببقاء العقد فيثبت بها الفسخ.(1)
وبدون هذين الوجهين لا يثبت الفسخ بجزء الدعوى بل يحتاج إلى انشاء.
وأما توجيه تحقّق الفسخ باقراره بانه من باب أن اقرار العقلاء جائز، لانه يرجع إلى اقراره بعدم حق الخيار له لسقوطه بالفسخ وان ترتب عليه استحقاق استرداد الثمن نظير الاقرار بالطلاق الذي يترتب عليه عدم استحقاق الزوجة النفقة.
فيمكن المناقشة فيه: بان اقراره بالفسخ بملاحظة ترتب استرداد الثمن لا يكون من الاقرار على النفس بل للنفس على الغير.
وليس ترتب استرداد الثمن على الفسخ من باب ترتب الاثر على موضوعه كي يثبت بثبوت موضوعه بالاقرار، بل هما متلازمان، فلا يثبت احدهما بالاقرار بالآخر.
وعليه، فلا يقاس بصورة الاقرار بالطلاق، لان عدم استحقاق النفقة مترتب على الطلاق وعدم الزوجية ترتب الأثر على موضوعه.
فالعمدة هو الوجهان الأولان.
وقد تمسك الشيخ (قدس سره) في تأييد قاعدة مَنْ ملك بما جاء من الأخبار فيمن أخبر بعتق مملوكه ثم جاء العبد يدعي انه رق لورثته ويطالب بالنفقة.
وقد قيل(2) أنه ليس هناك نص وارد في الاقرار بالعتق بل هو وارد في الاقرار بالبيع.(3) والأمر سهل.
ص: 196
[الصورة الثانية]: وأمّا إذا فرضنا عدم سماع إقرار [مدعي الفسخ] إمّا من جهة كون النزاع بعد مضي الخيار أو من جهة البناء على عدم سماع الاعتراف ولو مع بقاء الخيار أو لوجه آخر فاحتاج مدّعي الفسخ إلى البيّنة، فإن أقام البيّنة على مدّعاه فهو، وأمّا إذا لم يتمكّن من إقامتها ووصلت النوبة إلى حلف منكر الفسخ ففي هذه الصورة يختلف الحال:
لأنّ مدّعي الفسخ إن كان هو المشتري وكان البائع منكراً له فلا يجب عليه الحلف، كما أنه ليس للمشتري إحلافه على عدم فسخ المشتري واقعاً بل لعلّه فسخها في داره ولكنّه لا أثر له بل يدّعي عدم علمه بفسخ المشتري وهذا كافٍ في انحلال الدعوى وعدم ثبوت الفسخ، هذا فيما إذا ادعى المشتري الفسخ فقط لا علم البائع به.
وأمّا إذا ادّعى المشتري علمه(1) بفسخه فله إحلاف البائع على عدم علمه بفسخه، ففي هذه الصورة يحلف البائع على عدم علمه بالفسخ لا على عدم فسخه واقعاً لأنه غير عالم به.
وأمّا إذا كان المدّعي للفسخ هو البائع وكان المشتري منكراً له لترقي القيمة السوقية ولم يتمكّن البائع من إقامة البيّنة على فسخ المشتري ووصلت النوبة إلى حلف المشتري المنكر للفسخ، فيحلف على عدم فسخه واقعاً لأنّه فعله وهو عالم بعدمه، لا أنه يحلف على عدم علمه به كما هو ظاهر، هذا.
ثمّ إنه إذا لم يتمكّن المشتري مثلاً من إثبات الفسخ بوجه وحكمنا بلزوم المعاملة فهل يتمكّن من مطالبة البائع بالأرش، لأنّ إنكاره الفسخ اعتراف باستحقاق المشتري للأرش، أو أنه(2) لا يتمكّن منه(3) لأنّه(4) باعتقاده يرى المعاملة مرتفعة بفسخه؟
ص: 197
احتمل شيخنا الأنصاري(1) وجهين في المقام: أحدهما ثبوت مطالبته(2) بالأرش لئلّا يخرج من الحقّين.(3) وثانيهما: عدم الأرش لاعترافه بالفسخ وأنّه ليس له ذلك.
وعن الشهيد في الدروس(4) أنّه احتمل استحقاق المشتري أخذ أقل الأمرين من الأرش وما زاد على القيمة السوقية من الثمن وتوضيحه: أنّه إذا اشترى المبيع بدينار وربع وكانت قيمته السوقية ديناراً واحداً، وحينئذ الأرش إمّا مساو مع تلك الزيادة أعني ربع الدينار أو أكثر منها أو أقل.
فإن كان مساوياً معها وبمقدارها فنقطع باستحقاق المشتري لها أعني الزيادة أي الربع، لأنّه إمّا فسخ المعاملة وصادق في دعوى الفسخ أو كاذب في دعواه، فعلى تقدير صدقه يستحق الثمن وهو دينار وربع والمفروض أنّ قيمته السوقية دينار فيستحق مطالبة الربع من البائع لأنّ الثمن أكثر من القيمة الواقعية بالربع، وعلى تقدير كذبه وعدم فسخه فيستحق الأرش لا محالة وقد فرضناه بمقدار الربع، فالربع ممّا يستحقّه المشتري على كل حال.
وأمّا إذا كان الأرش أكثر من الربع فنقطع باستحقاقه للربع إمّا لفسخه واستحقاقه الثمن وهو دينار وربع وقيمته دينار واحد، أو لأجل استحقاقه الأرش وهو أكثر من الربع، فالربع الأقل ممّا يستحقّه المشتري قطعاً، وأمّا الزيادة فلم تثبت لاعترافه بعدم استحقاقه الأرش وأنه فسخه.
وأمّا إذا كان الأرش أقل من الربع كما إذا كان درهمين فيقطع باستحقاقه لهذا
ص: 198
الأقل على كلا تقديري الفسخ وعدمه، إمّا من جهة الفسخ واستحقاقه الثمن وهو زائد عن القيمة الواقعية بربع دينار، وإمّا للأرش وهو درهمان، وأمّا الزائد عليهما فلم يثبت إذ لم يثبت الفسخ حسب الفرض، فأقل الأمرين راجع إلى المشتري على أي حال (فيما إذا لم يتمكّن المشتري من إثبات الفسخ).
وما أفاده الشهيد (قدس سره) متين على تقدير مطالبة المشتري بالأرش من البائع، وأمّا إذا لم يطالبه به فلا يثبت أرش على ذمّة البائع حتّى يقال بالقطع باستحقاق المشتري أقل الأمرين، فلا يستحق الأرش لعدم المطالبة ولا الفسخ لعدم الثبوت، لما تقدّم من أنّ الأرش غرامة يثبت بالمطالبة لا أنه دَين على ذمّة البائع من الابتداء حتّى يأتي دعوى القطع بأقل الأمرين، فما أفاده متين على تقدير مطالبة المشتري بالأرش وأمّا مع عدمها فلا يستحق شيئاً كما عرفت.
المسألة الثانية: ما إذا اتّفقا على أنّ للمشتري الخيار واتّفقا أيضاً على أنّ المشتري قد فسخ ولكنّهما اختلفا في زمان الفسخ وأنه هل كان في زمان الخيار كأوّل الوقت بناء على الفورية، أو في زمان بقاء العين حتّى يكون مؤثّراً، أو أنه كان بعد انقضائه لفوات الفور أو لأجل تلف العين حتّى لا يكون مؤثّراً.
ذكر شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) أنّ هذه المسألة نظير مسألة ما إذا اختلف الزوج والزوجة في زمان الرجوع وأنه هل وقع في زمان العدّة حتّى يؤثّر أو بعد انقضائها حتّى لا يؤثّر، وقد أجرى (قدس سره) في المقام كلّا ً من الاستصحاب الموضوعي أعني استصحاب عدم حدوث الفسخ في زمان الخيار، والاستصحاب الحكمي وهو استصحاب بقاء العقد وملكية [المبيع] للمشتري.
ولم يعلم وجه الجمع بينهما، لأنّ الاستصحاب الموضوعي إن صحّ جريانه في
ص: 199
المقام فلا يبقى معه مجال لاستصحاب الحكم، وإن لم يجر الأصل الموضوعي فالحكمي وإن صح في حدّ نفسه إلا أنه لا وجه لاجراء الموضوعي حينئذ.
ثم احتمل (قدس سره) جريان أصالة الصحة في الفسخ حيث إنّهما يتنازعان في أنّ الفسخ صحيح مؤثر أو فاسد وغير مؤثّر، وإذا شككنا في صحة عقد أو إيقاع فلا محالة نحمله على الصحيح وبها نحكم بنفوذ فسخ المشتري.
ثم ذكر أنه لو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتّفاق على زمان الفسخ فلاستصحاب عدم العقد إلى الزمان القريب من الفسخ حتى يصح الفسخ وجه.
مثلاً إن اتّفقا على وقوع الفسخ يوم الثلاثاء واختلفا في أنّ العقد هل وقع في نفس اليوم كي يكون الفسخ فورياً وواقعاً في زمان الخيار بناءً على فورية الخيار، أو فيما قبله من الأيّام حتّى يلغو الفسخ لوقوعه بعد انقضاء الخيار فيستصحب عدم وقوع العقد إلى الثلاثاء، ويصح الفسخ.
ولكن يضعّف بأنّ هذا الاستصحاب لا يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان حتى يصح. هذه خلاصة ما أفاده في المقام، وتحصّل منه عدم نفوذ الفسخ عنده في هذه المسألة.
واعلم أنّ هذه المسألة سيّالة بمعنى أنها لا تختص بالمقام بل تجري في كل [1] متعلّق أو [2] موضوع مركّب من أمرين علمنا بوجودهما وشككنا في أنّ وجود أحدهما هل كان في زمان وجود الآخر أو أنه كان بعد زمان وجوده.
1- أمّا المتعلّق نظير الصلاة والطهارة فيما إذا علمنا بأنّ المصلّي كان متطهّراً قبل الصلاة ثم علمنا بصدور الصلاة منه كما علمنا بصدور حدث منه وشككنا في أنّ الحدث هل وقع بعد الصلاة حتى تصح الصلاة لوقوعها في زمان الطهارة أو أنّ الحدث وقع قبل الصلاة كي تبطل الصلاة لعدم تحقّقها في زمان وجود الطهارة ولابدّ
ص: 200
من فرض هذا المثال فيما إذا لم تجر قاعدة الفراغ كما إذا علم بغفلته حين الصلاة مثلاً.
2- أما الموضوع فهو كالمقام وكرجوع الزوج في زمان العدّة ونظير رجوع المرتهن في إذنه في بيع العين المرهونة إذا اختلفا في أنه رجع عن إذنه قبل بيع العين أو بعده، ونظير الفسخ في زمان بقاء خيار المجلس أو الحيوان إذا اختلفا في أنّ الفسخ وقع قبل انقضائه أو بعده، وقد عرفت أنّ شيخنا الأنصاري ذهب في جميع المسائل المتقدّمة إلى البطلان وعدم صحة الفسخ أو الرجوع أو الصلاة كما مرّ.
وذكر السيّد في حاشيته(1) أنّ الحكم في جميع تلك المسائل هو الصحة ونفوذ الفسخ والرجوع وصحة الصلاة من جهة أنّ أحد جزأي المتعلّق أو الموضوع محرز بالوجدان والجزء الآخر بالأصل، مثلاً الصلاة ممّا نعلم بوجوده بالوجدان ونشك في تحقّق الطهارة معها وارتفاعها والأصل بقاء الطهارة حين الصلاة، أو الأصل عدم حدوث الحدث قبل الصلاة.
ونقول في المقام: إنّ الفسخ محرز بالوجدان وأمّا بقاء الخيار فيثبت بالاستصحاب لأصالة عدم ارتفاع الخيار في زمان الفسخ، ولا يعارض هذا الاستصحاب بما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) من استصحاب عدم تحقّق الفسخ في زمان الخيار، لأنّ هذا الأصل لا أثر له ولا يثبت وقوع الفسخ بعد الخيار، لأنّه من اللوازم العقلية للمستصحب، وهذا ظاهر.
وتوهّم جريان الاستصحاب في نفي موضوع الأثر كالفسخ في زمان الخيار أو الصلاة في زمان الطهارة، لأن المؤثّر ليس هو طبيعي الفسخ أو الصلاة بل خصوص الفسخ الواقع في زمان الخيار أو الصلاة الخاصة الواقعة في زمان الطهارة وحيث إنّا نشك في تحقّقه فالأصل عدم تحقّق الفسخ الخاص أعني الواقع في زمان الخيار أو عدم
ص: 201
تحقّق الصلاة المتخصّصة بالطهارة وبه يرفع الأثر، مندفع بما ذكرناه غير مرّة من أنّ الموضوعات أو المتعلّقات المركّبة من جزأين أو أكثر لم يؤخذ فيها عنوان وتقيّد بوجه، بل الظاهر من أدلّتها اعتبار تحقّق هذا الجزء في عين زمان الجزء الآخر، فما دلّ على أن الطهور معتبر في الصلاة لم يدلّ على تقيّد الصلاة بكونها عن طهارة، بل ظاهره اعتبار وجود الصلاة في زمان وجود الآخر أعني الطهور، وكذا في المقام فإنّ ما دلّ على اعتبار بقاء الخيار في زمان الفسخ لم يدل على تقيّد الفسخ بكونه واقعاً في زمان الخيار بل غايته اعتبار وجود الفسخ في زمان وجود الخيار بمعنى أنّ المعتبَر هو ذات الجزأين والمفروض أنّ كلتا الذاتين محرزتان إحداهما بالوجدان والأخرى بالأصل، ونفس الاستصحاب يقتضي كون الفسخ في زمان الخيار وأين لنا شك في بقاء الموضوع أو المتعلّق حينئذ حتى نستصحب عدمه، إذ المفروض أنّ الموضوع ثابت بضمّ الوجدان إلى الأصل أو المتعلّق محرز بهما فلا شك في وجودهما كي نرفعها بالأصل، وكذا الحال في الصلاة فكما أنّا إذا كنّا شككنا في أثناء الصلاة في طهارتنا كنّا نستصحب الطهارة ونكتفي بتلك الصلاة في الامتثال كذلك الحال فيما إذا شككنا في طهارتنا بعد الصلاة، والوجه في ذلك ما عرفت من أنّ المعتبر ذات الجزأين في زمان واحد وإحداهما محرزة بالوجدان والأخرى بالأصل وعليه فنحكم بالصحة في جميع المسائل المتقدّمة، هذا ما ذكره السيّد (قدس سره) في المقام، وهو وما أفاده شيخنا الأنصاري في طرفي النقيض.
والصحيح في المقام هو التفصيل وبيان ذلك: أنّ الشك(1) في تحقّق أحد الجزأين في زمان الجزء الآخر تارةً فيما إذا لم يكن وجود الجزء الآخر محدوداً معيّناً بل هو بحيث
ص: 202
يبق إلى آخر الأبد إذا لم يرفعه رافع ونشك في رافعه ولأجل ذلك نشك في سعة وجود ذلك الجزء وضيقه. وأخرى يكون الشك المذكور فيما إذا كان وجود الجزء الآخر محدوداً معيّناً لا نشك في، سعته وضيقه.
أما الأول فكالطهارة فإنّ وجودها غير محدود بشيء ويبقى إلى آخر الأبد لو لم يطرئها رافع، وحيث يشك في حدوث الحدث قبل الصلاة أو بعدها فلا محالة يحصل لنا الشك في سعة تلك الطهارة بحيث تعم حال الصلاة وضيقها وعدم شمولها لحال الصلاة، ففي هذه الموارد متعيّن ما ذكره هذا القائل(1)، لأنّ وجود الصلاة محرز بالوجدان وسعة الطهارة وشمولها لحال الصلاة بالأصل فيتم كلا الجزأين، وحينئذ لا يبقى لاستصحاب عدم تحقّق الصلاة الخاصة مجال بل يكون غلطاً حينئذ، لما عرفت من عدم أخذ العنوان والتقيّد في الصلاة وإنّما الدليل دلّ على اعتبار وجود الصلاة في زمان وجود الطهارة والمفروض أنّا عالمون بتحقّق الصلاة في زمان وجود الطهارة بالوجدان والتعبّد، فلا شك في وجود المتعلّق أو الموضوع حتى يجري استصحاب عدم تحقّق الموضوع الخاص.
وبالجملة: فإن أراد شيخنا الأنصاري في هذه الموارد استصحاب عدم الجزء فقد عرفت أنّ أحدهما محرز بالوجدان والآخر بالأصل ولا شك لنا في تحقّقها، وإن أراد استصحاب عدم المجموع أعني الصلاة المتخصّصة بالطهارة فقد مرّ أن المجموع بهذا العنوان لم يقع متعلّقاً لحكم ولا موضوعاً له وإنما الدليل اعتبر وجود ذاتهما في زمان واحد وقد علمنا بهما بالوجدان والتعبّد.
والمتحصّل: أنّ الجزأين إذا كان كلاهما زمانياً كما هو الحال في الطهارة والصلاة فلا محالة يجري فيه استصحاب أحدهما، وحيث إنّ الآخر محرز بالوجدان فبه يلتئم كلا
ص: 203
جزأي الموضوع، لأنّ المستفاد من لسان الدليل ليس إلّا اعتبار كون أحدهما موجوداً في زمان وجود الآخر وأمّا الأزيد من ذلك فلا، والمفروض أنّ وجود الصلاة محرز بالوجدان في زمان، وكون هذا الزمان زمان الطهارة قد اُحرز بالاستصحاب، فالاستصحاب يثبت أنّ هذا الزمان زمان الطهارة وأنّها لم ترتفع في هذا الزمان، وإيقاع الصلاة في زمان حكم الشارع بكونه زمان الطهارة وجداني فيتحقّق كلا الجزأين وحينئذ لا يبقى لنا شك في تحقّق الصلاة في زمان الطهارة حتى يتمسّك باستصحاب عدم تحقّق الصلاة في ذلك الزمان، لأنّك عرفت أنّ تحقّق الصلاة في زمان الطهارة وجداني ومن هنا لا يفرق الحال بين المثال وبين ما إذا شككنا في بقاء الطهارة قبل أن ندخل في الصلاة فإنّ استصحاب الطهارة يثبت أنّ الزمان زمان الطهارة فنوقع الصلاة في ذلك الزمان بالوجدان، فهل يتوهّم أحد حينئذ أن يتمسّك باستصحاب عدم تحقّق الصلاة في زمان الطهارة.
وبالجملة: أنّ الجزأين الزمانيين لما لم يستفد من دليلهما سوى اعتبار أن يكون زمان واحد جامعاً لهما، وبعبارة أخرى لا يستفاد من اعتبار الطهارة في الصلاة إلّا كون المصلّي متطهّراً (فكونه مصلّياً يثبت بالوجدان وكونه متطهّراً بالاستصحاب) أمكن إحراز أحدهما بالوجدان والآخر بالأصل، هذا في الطهارة والصلاة.
ولا يبعد أن يكون الفسخ في خيار المجلس أيضاً من هذا القبيل، لأنّ المستفاد من دليله هو اعتبار أن يكون الفسخ ما دام لم يفترقا، فأحد الجزأين عدم الافتراق والآخر هو الفسخ، والمفروض أنّ الفسخ محرز بالوجدان وأمّا عدم افتراقهما فيحرز بالأصل، فنعلم بالوجدان بايقاع الفسخ في زمان حكم الشارع فيه بعدم الافتراق، ومعه لا يبقى مجال لاستصحاب عدم تحقّق الفسخ في زمان عدم الافتراق، وذلك لأنّ الدليل دلّ على اعتبار أن يكون هذان الأمران موجودين في زمان واحد والمفروض إحرازهما في زمان بالوجدان والأصل، ومن هنا لو كان أحد المتبايعين أعمى أو كانا في
ص: 204
ليل مظلم وشك في افتراق الآخر وعدمه له أن يفسخ تمسكاً باستصحاب عدم الافتراق.
ومن هذا القبيل أيضاً مسألة رجوع المرتهن عن إذنه فإنه لم يعتبر في صحة البيع إلّا بيع الراهن في زمان عدم رجوع المرتهن، والأول أحرز بالوجدان والثاني بالاستصحاب، وهكذا الحال في كل زمانيين لم يعتبر إلّا اجتماعهما في زمان من دون أخذ شيء آخر في لسان الدليل.
وأما الثاني أعني ما إذا كان الجزء الآخر محدوداً معيّناً بأن كان زماناً والآخر زمانياً نظير الفسخ في خيار الحيوان لأنّ الشرط فيه ثلاثة أيّام وهي زمان والفسخ زماني، أو رجوع الزوج في عدّة الزوجة التي هي عبارة عن عدد من الأيّام وهي زمان ونحوهما، فلابدّ في مثله من ملاحظة الدليل لنرى أنه دل على اعتبار أن يكون الزمان ظرفاً لذلك الجزء الآخر الزماني أعني اتّصاف كونه واقعاً في ذلك الزمان، أو أنه لم يدل إلّا على اعتبار وجود الزمان ووجود ذلك الزماني بلا أخذ الظرفية والاتّصاف في البين، فإن لم يدل الدليل إلّا على اعتبار وجودهما بلا اعتبار الظرفية ونحوها كما استظهرناه في مثل الصوم والصلاة لأنّ المستفاد من قوله تعالى: ﴿أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾(1) وقوله تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ﴾(2)
وقوله (علیه السلام) في بعض الأخبار(3)، ما مضمونه «إنّ الصلاة لابدّ من تحقّقها قبل أن يغرب الشمس» ليس إلّا اعتبار الصيام وعدم الليل أو الصلاة وعدم غروب الشمس، فإذا شككنا في بقاء الوقت فلنا أن نتمسّك باستصحاب عدم غروب الشمس، والمفروض أنّ الصلاة قد وقعت في ذلك الزمان بالوجدان، أو نتمسك باستصحاب
ص: 205
عدم الليل والمفروض علمنا بأنّنا صائمون، أو نستصحب بقاء الليل فيما إذا شككنا في بقائه وبه نحرز كلا جزأي الموضوع أعني الصوم وعدم الليل والصلاة وعدم الغروب كما ذكرناه في القسم الأول مفصّلاً. وأما استصحاب عدم تحقّق الصيام في النهار أو عدم الليل أو عدم تحقّق الصلاة قبل الغروب فقد عرفت أنه لا يجري لعدم الشك في تحقّقهما لاحراز وجودهما بالوجدان كما مرّ.
وأمّا إذا دلّ دليلها على اعتبار كون الزمان ظرفاً للزماني ففي مثله لا يجري، استصحاب الزمان أصلاً، لا أنه يجري ويعارض بأصالة عدم تحقّق الصلاة مثلاً قبل الغروب، وذلك لأنّ الاستصحاب لابدّ فيه من أثر شرعي ولا أثر لاستصحاب الزمان في مفروض الكلام، لأنّ استصحاب عدم الغروب لا يثبت أنّ الصلاة قد وقعت فيه أي اتّصافها بكونها قبل الغروب، لأنّ استصحابه إنّما هو بمفاد كان التامة وهو لا يثبت الاتّصاف الذي بمفاد كان الناقصة كما لا يخفى، والمفروض أنّ الاتصاف مأخوذ في لسان الدليل والاستصحاب لا يثبته إلّا على القول بالأصل المثبت، لا أنه يجري ولكنه يعارض باستصحاب عدم تحقّق الصلاة قبل الغروب.
ومن هنا يظهر أنّ في هذه الموارد إن كان لأصالة عدم تحقّق الصلاة قبل الغروب مثلاً أثر فلا محالة تجري بلا معارض، وإلّا فلا يجري أصل في البين لعدم الأثر لكلتا الأصالتين حسب الفرض، هذا.
وقد ذكرنا(1) تفصيل الكلام في استصحاب الزمان في بحث جريان الاستصحاب في الزمان والزماني، وفيما ذكرناه هناك ما ينفع المقام فليراجع.
ثم إنّ ما ذكرناه في المقام لا يفرق فيه بين أن يكون الشك في تحقّق الفسخ في زمان الخيار ناشئاً من الشك في زمان العقد كما إذا علم تاريخ الفسخ وشك في أنّ
ص: 206
العقد هل وقع يوم الثلاثاء حتى يكون الفسخ الذي علمنا بوقوعه يوم الجمعة واقعاً بعد انقضاء الخيار في خيار الحيوان، أو أنه وقع يوم الأربعاء حتى يكون الفسخ واقعاً قبل انقضائه، وبين أن يكون الشك ناشئاً من الشك في زمان وقوع الفسخ كما إذا كان تاريخ العقد معلوماً. وكذا لا يفرق بين صورة كون أحدهما معلوم التاريخ والآخر مشكوكه، وبين صورة كون كليهما مجهولي التاريخ، ففي جميع هذه الصور يجري استصحاب بقاء الخيار ونحرز وقوع الفسخ في ذلك الزمان بالوجدان وبه نحكم بنفوذ الفسخ.
بقي الكلام في التمسك بأصالة الصحة في الفسخ وأنه هل يصح الاعتماد عليها في المقام وبها نحكم بتقديم قول المشتري لأنه يدّعي صحّة الفسخ أو لا؟
والظاهر لا، وذلك لما تقدّم في محلّه من أنّ أصالة الصحة في العقود والايقاعات وغيرهما كصلاة الميت وتغسيله وغيرهما من الواجبات وإن كانت جارية بلا خلاف ولا ينبغي الشك في جريانها فيها وبها نحكم بصحتها ونرتّب آثار الصحة عليها، مثلاً إذا شككنا في صحة صلاة من يصلّي على جنازة أو يغسّلها فلا محالة نحملهما على الصحيح وبها نحكم بعدم وجوب صلاة الميت أو تغسيله علينا، أو إذا شككنا في صحة طلاق امرأة نحمله على الصحيح ونحكم بصحة تزويجها، وكذا غير ذلك من الواجبات والعقود والايقاعات، ولا يلزمنا إحراز صحتها بالوجدان.
إلّا أنّ هذه الأصالة المذكورة الجارية في الموارد المذكورة لم تثبت بدليل لفظي حتى نتمسك باطلاقه، وإنما ثبتت بالسيرة القطعية المتّصلة بزمان المعصومين (علیهم السلام) لأنّ السيرة جرت على حمل تلك الأمور على الصحة وترتيب آثارها عليها، ولم يوجبوا على أنفسهم إحراز صحتها في سقوطها عن ذمّتهم كما في مثل الصلاة على الميت وغسله، فمدرك أصالة الصحة هو السيرة.
نعم المدرك على حمل فعل المسلم على الصحيح الشرعي في مقابل الحرام ثابت
ص: 207
بدليل لفظي، إلّا أنّه ينفي ارتكابه الحرام فقط ولا يقتضي ترتيب آثار الصحة عليه كما هو ظاهر، فإذا كان المدرك للأصالة المذكورة هو السيرة فلا يمكن التمسك باطلاقه ولابدّ من الاقتصار على المتيقن والمتيقن من جريانها هو ما إذا أحرزنا أهليّة الفاعل وقابليته للعمل، وأمّا مع الشك في أهليّته فلا علم بثبوت السيرة فيه.
فإذا عقد شخص على امرأة بدعوى الوكالة عنها وأنكرت المرأة الوكالة ولأجله شككنا في قابلية العاقد وأهليّته، لا يبقى مجال للتمسك بأصالة الصحة وإثبات صحة العقد بها، وأمثلة ذلك غير عزيزة.
وعليه ففي المقام لا يمكننا التمسك بأصالة الصحة للشك في قابلية الفاسخ وأهليّته له، لأنه إنّما يتمكّن منه في زمان محدود كثلاثة أيام في خيار الحيوان أو الآن الأول في غيره بناءً على الفورية، ولا ندري أنه فسخه في ذلك الوقت أو في خارجه فنشك في أهليّته ومعه لا علم بثبوت السيرة كما تقدّم.
فالمتحصّل أنّ الأصل منحصر بما ذكرناه فيكون قول المشتري في المقام ونظائره ممّا أُخذ ذات الجزأين في الموضوع أو المتعلّق هو المقدّم وهو المنكر، هذا كلّه في هذه المسألة.
المسألة الثالثة: ما إذا اختلف البائع والمشتري في الفسخ من جهة دعوى المشتري الجهل بأصل الخيار أو بفوريته كما إذا اتّفقا على أنّ المشتري فسخه في زمان معیّن نفرضه بعد أربعة أيام من العقد، ولكن المشتري يعتذر بأنّ الوجه في تأخيره جهله بأصل الخيار أو بفوريته وإلّا لفسخه في وقته، والبائع يدّعي علمه بالحال. ذكر شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) أنّ الأصل عدم علم المشتري لأنّه أمر حادث مسبوق بالعدم فالقول قول المشتري. ونقل عن بعضهم التفصيل بين صورة دعوى المشتري الجهل بأصل
ص: 208
الخيار فلا يسمع قوله، لأنه خلاف الظاهر حيث إنّ ثبوت خيار العيب من الواضحات وقد قلنا بأنه ثابت ببناء العقلاء، وصورة دعواه الجهل بفورية الخيار فيسمع دعواه لأنّها ممّا لا يعرفه العامّة بل بعض الخاصّة أيضاً هذا.
ولا يخفى أنّ هذا التفصيل الذي نقله شيخنا الأنصاري (قدس سره) ممّا لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لأنّ غاية كون الخيار أمراً معلوماً للعامّة حصول الظن بكذب مدّعي الجهل بالخيار، وأمّا العلم فلا، ومن الظاهر أنّ الظن لا دليل على اعتباره مع جريان الاستصحاب على خلافه، فالحق ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدس سره) من الرجوع إلى أصالة عدم العلم في كل من موردي دعوى الجهل بالخيار أو بالفورية، وهذا ظاهر.
وإنّما الكلام في ثمرة هذا النزاع وأنّ دعوى المشتري الجهالة بالخيار أو بالفورية أيّ أثر يترتّب عليها حتى فيما لو صدّقه البائع في مدّعاه، فإنّ المقام نظير غيره من الخيارات، مثلاً إذا فسخ المشتري في خيار الحيوان أو المجلس بعد أربعة أيام أو بعد الافتراق بدعوى جهله بالخيار في المجلس أو في ثلاثة أيام فهل لجهله ذلك أثر حتى فيما علمنا بصدقه، لأنّ الفسخ بعد زمان الخيار لا أثر له كان مع العلم أو بدونه، والدليل دلّ على أنّ عدم الفسخ قبل الافتراق أو قبل مضي الثلاثة يوجب لزوم المعاملة كان مع العلم أم كان مع الجهل.
وكذلك الحال في المقام فإنّه لم يفسخ في زمان الخيار فلا يؤثّر فسخه ولو كان مع الجهل، إذ لزوم العقد وعدم تأثير فسخه مستند إلى تقصيره في تعلّم أحكام المعاملة أو إلى قصوره، وعلى أي حال لا يكون فسخه نافذاً فلا يبقى لهذه المنازعة أثر، وكيف لا فإنّ النزاع المذكور إنما يكون ذا ثمرة فيما إذا قلنا بأنّ الفورية مقيّدة بالعلم بها وحينئذ يدّعي البائع أنّك كنت عالماً بالخيار والفورية ولم تفسخ فسقط خيارك والمشتري ينكر علمه ويدّعي جهله بهما حتى لا يسقط خياره، مع أنّ هذا أمر غير معقول، فإنّ أخذ العلم قيداً وموضوعاً في متعلّق نفسه مستحيل، فلا يعقل أن تكون الفورية مقيّدة
ص: 209
بالعلم بها، وحيث لا يكون العلم مأخوذاً في الفورية فلا يكون لدعوى البائع علم المشتري بها وإنكار المشتري له ثمرة، هذا.
ولكن الظاهر أنّ ما أفاده شيخنا الأنصاري (قدس سره) هو الصحيح، وذلك لأنّ تحديد الخيار بالفورية والآن الأول في المقام ليس نظير تحديد خيار المجلس بعدم الافتراق أو خيار الحيوان بثلاثة أيام، لأنّهما قد ثبتا بدليل لفظي وقد دلّ على أنّ الفسخ في غيرهما لا يكون مؤثّراً مع العلم كان أم مع الجهل كما تقدّم.
وأمّا تحديده بالفورية في المقام فلم يثبت بدليل لفظي وإنما ادّعاه من ادّعاه بدعوى أنّ عدم فسخه في الآن الأول كاشف عن رضاه بالعقد والمعاملة، فعدم فسخه كاشف عن إسقاطه الخيار، وقد ناقشنا في هذا الدليل سابقاً كما عرفت.
وهذا الوجه كما ترى إنما يتمشّى في مورد العلم بالخيار وبالفورية وأمّا مع جهله بأحدهما فلا يكون عدم فسخه كاشفاً عن إسقاطه الخيار أو عن رضاه بالمعاملة، ومن هنا لو كان المشتري نائماً أو مغمى عليه إلى سنة لا يمكن لمدّعي الفورية دعوى سقوط خياره، لأنّ ترك فسخه حينئذ لا يكشف عن رضاه بالمعاملة، وعليه فمدّعي العلم يريد أن يثبت أنّ عدم فسخك في الآن الأول كاشف عن إسقاطك الخيار وغرض المشتري نفي ذلك وأنّي كنت جاهلاً ولم أُسقط خيار نفسي فتترتّب الثمرة على نزاعهما، وهذا لا من جهة أنّ الفورية مقيّدة بالعلم بها حتى يقال إنه غير معقول، بل مقتضي الخيار موجود إلى الأبد وهو ثابت في نفسه مطلقاً بلا مدخلية للعلم والجهل، إلّا أنّ غرض مدّعي العلم أنّك أسقطت خيارك وأوجدت المانع عن ذلك المقتضي، وغرض المشتري نفي ذلك وأنّ المانع لم يتحقّق وخياري باقٍ، هذا تمام الكلام في اختلاف المتبايعين في الفسخ.
ص: 210
حيث إنّ بعض الأخبار الواردة في المقام اشتملت على العيب والعوار احتاج الفقهاء قدس الله أسرارهم إلى تحقيق مفهومهما.
أمّا العوار: فعن الصحاح(1) على ما حكاه شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) أنّه العيب، فهو والعيب مترادفان كالإنسان والبشر أو كالمترادفين نظير الجِيْدِ والرقبة.
وأمّا العيب: فقد ذكر شيخنا الأنصاري (قدس سره) تحفّظاً على عبارات الفقهاء ومرسلة السيّاري(3) التي دلّت على أنّ العيب هو كل ما زاد عن الخلقة أو نقص، أنّه عبارة عن النقص عمّا تقتضيه الطبيعة الأوّلية، فالصحة هي ما يقتضيه أصل الماهية المشتركة بين الأفراد، والعيب هو النقص عمّا تقتضيه الطبيعة الأوّلية وأمّا ما زاد عن مقتضاها فهو كمال نظير الكتابة والخياطة وغيرهما من الحرف والصنائع لأنّها أمور زائدة عمّا تقتضيه طبيعة الإنسان فهي كمال، كما أنّ العمى نقص وعيب لأنّ مقتضى الطبيعة الأوّلية في
ص: 211
الإنسان أن يكون بصيراً فعدمه نقص وعيب.
ثم أفاد (قدس سره) أنّ مقتضى الطبيعة الأوّلية في الشيء ربما يعرف من الخارج كمقتضى حقيقة الإنسان والحيوان فإنه يعلم أنّ العمى فيهما عيب ومعرفة الكتابة كمال، وأُخرى لا يعرف مقتضى الطبيعة الأوّلية من الخارج إلّا أنه يستكشف حينئذ بملاحظة أغلب الأفراد، فإنّ وجود صفة في غالب الأفراد يكشف عن أنّها ممّا تقتضيه الطبيعة الأوّلية، وأنّ الفرد الفاقد لها معیب، ووجود الوصف في غالب الأفراد وإن لم يوجب الحكم في الفرد المشكوك لأنّ الأفراد ولو كانت غالبة لا تكشف عن حال الفرد الآخر، إلّا أنّ ملاحظة أغلب الأفراد تكشف عن أنّ الوصف المتحقّق فيها ممّا يقتضيه أصل الطبيعة الأوّلية، ومنه نستكشف أنّ الفرد الفاقد لذلك الوصف ناقص كما تقدّم.
ثم ذكر أنّ مقتضى الطبيعة الأوّلية للشيء ربما يغاير حال أغلب الأفراد ويرجّح حينئذ الثاني ويحكم للشيء بطبيعة ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة والعيب والكمال بالنسبة إليها، ومثّل لذلك بالأرض حيث إنّ مقتضى طبيعتها الأوّلية أن لا يكون فيها خراج وضريبة، لأنّ الأرض كلّها لله قد جعلها لجميع الناس وعامريها، إلّا أنّ السلاطين والعقلاء قد جعلوا عليها الخراج ظلماً، أو عدلاً كجعله في الشريعة المقدّسة لحفظ النظام وبذلك انقلبت طبيعتها الأوّلية وصارت الضريبة والخراج من مقتضيات الأراضي بالحقيقة الثانوية.
وعليه فإذا اشترى أرضاً ثم ظهر أنّ فيها خراج فلا يعدّ ذلك عيباً لأنه ممّا تقتضيه طبيعتها الثانوية، نعم لو كان خراج أرض زائداً على خراج أغلب الأفراد كما إذا كان خراجها ثلثاً مع أنّ الغالب في الخراج هو العشر لكان ذلك عيباً، كما أنّ عدم الخراج في أرض من جهة رعاية السلطان لمالكها أو لتنظيمه كمال.
وكذا الحال في الثيبوبة في الإماء المجلوبة من دار الكفر، لأنّ المرأة، أمة كانت أم حرّة وإن كانت تختلف الرغبات العقلائية فيها بالبكارة والثيبوبة وأنّ البكارة ممّا
ص: 212
يقتضيه أصل الخلقة الأوّلية إلّا أنّ الإماء التي تجلب من دار الكفر قد انقلبت إلى حقيقة ثانوية وهي الثيبوبة فلا يكون ذلك في الإماء عيباً، نعم لو كانت الأمة صغيرة لكانت الثيبوبة فيها عيباً، لأنّ مقتضى الطبيعة الأوّلية والغالب في الصغيرة هو البكارة، كما أنّ البكارة في الأمة الكبيرة صفة كمال.
ثم أفاد أنّ مقتضى الطبيعة الأوّلية ربما يكون نقصاً وعيباً ويدور الصحة والعيب مدار الحقيقة الثانوية وهذا كالغلفة وعدم الختان فإنه ممّا يقتضيه الطبيعة الأوّلية للإنسان، إلّا أنّ الحقيقة الثانوية في العبيد إذا كانت في بلاد الإسلام هو الختان فيكون فاقده معيباً، نعم في العبد المجلوب من دار الكفر لا يعدّ الغلفة نقصاً وعيباً.
ثمّ احتمل (قدس سره) احتمالاً آخر، وهو أن يقال إنّ المدار في العيب والصحة على مقتضى الطبيعة الأوّلية في جميع الموارد، وأنّ فاقده محكوم بالعيب، وأمّا في الموارد المذكورة المتقدّمة كالخراج والثيبوبة ونحوهما ممّا لا يعدّ عيباً مع فقده لما يقتضيه الطبيعة الأوّلية فنلتزم فيها أيضاً بكونها عيباً إلّا أنّها ليست بعيب موجب للخيار، لأنّ العيب إنّما يقتضي الخيار فيما إذا لم يعلم به المشتري ولم يتبرّأ منه البائع وأمّا مع شيء منهما فلا. وكون العيب موجوداً في أغلب الأفراد يمنع عن حمل إطلاق العقد على الالتزام بما يقتضيه الطبيعة الأوّلية، بل يكون ذلك ببراءة ممّا يقتضيه الخلقة الأصلية والأوّلية، ومع البراءة عنه لا يثبت الخيار، فالنقص عن مقتضى الخلقة الأوّلية عيب إلّا أنه مع وجوده في أغلب الأفراد لا يكون العيب سبباً للخيار فالموضوع والمقتضي له أي للخيار موجود، إلّا أنه لا يؤثّر لأجل البراءة (أو علم المشتري بالعيب).
وتظهر الثمرة بين هذا الوجه والوجه السابق فيما إذا اشترط المشتري صفة البكارة في الأمة الكبيرة التي انقلبت طبيعتها إلى طبيعة ثانوية وهي الثيبوبة ثمّ ظهرت ثيّباً، فإن بنينا على أنّ النقص عمّا تقتضيه الطبيعة الأوّلية عيب فتكون الأمة معيبة ونحكم بثبوت الردّ والأرش، وإذا تصرّف فيها تصرّفاً مانعاً من الردّ يطالبه بالأرش
ص: 213
والتفاوت بين قيمتي الباكرة والثيّب وذلك لأنّها معيبة، والمفروض أنّ البائع لم يتبرّأ منه باطلاق العقد بل التزم بوجوده بمقتضى الاشتراط.
وأمّا إذا قلنا بأنّ العيب هو النقص عمّا يقتضيه حال أغلب الأفراد والطبيعة الثانوية فالأمة لا تحكم بالعيب ولا يثبت للمشتري خيار العيب أعني الردّ والأرش، بل يثبت له خيار تخلّف الشرط ويتمكّن من ردّها فقط أمّا مطالبة الأرش فلا، وكيف كان فقد قوّى (قدس سره) الوجه السابق وهو ملاحظة حال أغلب الأفراد، وبه فرّق بين الأصناف إذا كانت طبائعها الأوّلية أو الثانوية مختلفة وحكم بلزوم ملاحظة الطبيعة في كل صنف بخصوصه بلا إسرائه إلى صنف آخر مثلاً إذا كان الخراج في الدار بالعشر وفي الدكّان بنصف العشر فلا يكون ذلك عيباً في الدار بدعوى أنّ الخراج في الدكّان بنصف العشر بل كل صنف يلاحظ بما له من الحقيقة الثانوية، هذه خلاصة ما أفاده (قدس سره) في المقام.
ولابدّ لنا من التكلّم في معنى الخلقة الأصلية والطبيعة الأوّلية لنرى أنّها ماذا وأنّ المراد بها في كلامه (قدس سره) أي شيء فنقول:
إن أراد (قدس سره) بذلك ماهية الشيء كما هو الظاهر من مجموع كلامه بل وقد صرّح(1) بلفظ الماهية أيضاً على ما هو ببالي وأنّ ما يقتضيه الشيء هو الذي يدور مداره الصحة والعيب.
ففيه أنّ الماهية لا يقتضي شيئاً غير الجنس والفصل ولا اقتضاء لها لغيرهما حتّى يدور مداره العيب، مثلاً ماهية الإنسان مركّبة من الحيوان وقوّة الإدراك المعبّر عنها بالنفس الناطقة ولا يقتضي تلك الماهية إلّا البدن فقط لمكان الحيوانية، وأمّا العين أو
ص: 214
اليد أو الرجل أو غيرها فكلّها ممّا لا تقتضيه ماهية الإنسان، ولازمه عدم كون فقدها عيباً مع أنّها عيب بلا إشكال.
وبالجملة: أنّ مقتضى ماهية الإنسان ما عرفت، لأنّ مثل كونه بصيراً أو سميعاً أو غير ذلك كلّها من أوصاف الكمال الزائدة على الماهية إنّما أعطاها الله سبحانه للإنسان تفضّلاً لقوله عزّ من قائل: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾(1) نظير البيان في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ*عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾(2) وبالجملة أنّ هذه الأوصاف ممّا لا تقتضيه ماية الإنسان فإرادة الماهية من الطبيعة الأصلية غير ممكن.
وإن أُريد بها ما يلازم الماهية من الأُمور المعبّر عنها في كلمات الفلاسفة والأُصوليين بلوازم الماهية، وأنّها هي التي تقتضيها الماهيات وهي المدار في الصحة والعيب.
فيدفعه: أنّ الماهية وإن كانت ربما يكون لها لوازم إلّا أنها مستحيلة التخلّف والانفكاك عن الماهية حتّى يعدّ عيباً، أترى أنّ الزوجية تنفك عن الأربعة وهي ممّا عدوّه من لوازم الماهية، وهذا الاحتمال أيضاً ساقط وغير مراد.
فيتعيّن أن يكون المراد ما يقتضيه وجود الشيء والطبيعة في الخارج بأن يقال إنّ ما يقتضيه وجود الطبيعة هو الذي يدور مداره العيب والصحة، فوجود طبيعة الإنسان يقتضي العين والسمع واليد والرجل ونحوها ففقدها يعدّ عيباً، نعم إنّ وجوده لا يقتضي الكتابة مثلاً فوجودها يعدّ كمالاً، وبالجملة فالمدار هو ما عليه الوجود الخارجي للطبيعة، وهذا أمر معقول بحسب الثبوت.
إلّا أنّ الكلام فيه في مقام الاثبات، لأنّا إذا فرضنا أنّ وجودات الإنسان كلّها
ص: 215
واحدة للعين وأنّها بصيرة ولم نر في الخارج أعمى فرضاً فمن أين يمكننا إثبات أنّ العين والإبصار ممّا يقتضيه وجود طبيعة الانسان، بل نحتمل أن يكون ذلك من مقتضات تفضّل الله سبحانه على الانسان باعطاء العين في قوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾(1) نعم هذه الصفه من الممكنات فيحتاج في تحقّقها إلى مقتض وشروط وعدم المانع، وأمّا جعل المقتضي لها وجود الطبيعة فلا برهان عليه حتّى يحكم بأنّ عدمها عيب. وكذا الحال فيما إذا رأينا التفاحة حمراء ولم نر في الخارج تفاحة بيضاء فأنّا لنا إثبات أنّ الحمرة ممّا يقتضيه وجود طبيعة التفاحة ولعلّها ممّا يقتضيه إشراق الشمس عليها، هذا فيما إذا رأينا الوصف موجوداً في جميع الأفراد وقد عرفت أنه لا سبيل لنا إلى إثبات كونه من مقتضيات وجود الطبيعة فضلاً عمّا إذا رأينا التخلّف كثيراً كما في العمى فإنه كثير أو البياض في التفاحة ولعلّه ظاهر، هذا كلّه.
على أنّا نعلم بأنّ العيب لا يدور مدار مقتضى وجود الطبيعة، بل ربما يكون عدم وصف من العيوب مع أنه ممّا لا يقتضيه وجود الطبيعة وهذا كما في الصنائع المخلوقة لصانعيها كالفرش فإنّ بعض أطرافه إذا كان أعرض من طرفه الآخر كما إذا كان عرضه في الوسط متراً وفي الآخر متراً ونصفاً (المعبّر عنه بالقناص) فإنه عيب في الفرش مع أنّ الفرش لا يقتضي وجود طبيعته شيئاً لأنه بيد ناسجه ينسجه كيف ما أراد، فلا اقتضاء لوجود طبيعتها حتى يكون هذا عيباً لأنه فاقده.
أو فرضنا أنّ ألوانه غير متناسبة، أو أنّ نقوشه مختلفة فبعضها كبيرة وبعضها الآخر صغيرة، فإنّ الفرش يكون معيباً حينئذ مع أنه ممّا لا يقتضي وجوده شيئاً، إذ لا طبع له ليقتضي أو لا يقتضي، فإنّ المصنوع بيد صانعه ينسجه كيف ما شاء. وكذا الدار إذا بناها وجعل مبالها في وسط الغرفة فإنّ الدار معيبة حينئذ، أو إذا جعلها بأجمعها
ص: 216
غرفة واحدة، أو بنى فيها غرفاً كثيرة إلّا أنّ كل واحدة منها لا يسع إلّا نفراً واحداً، فإنّ كل ذلك يوجب تعيّب الدار مع أنّ الدار ممّا لا يقتضي وجود طبيعتها شيئاً، إذ لا طبيعة للدار فإنها من المصنوعات، وما أفاده لو تمّ فإنّما يتمّ فيما كوّنه الله سبحانه من الطبائع دون صنائع المخلوقات، وقد عرفت أنّ كلامه فيما خلقه الله تعالى أيضاً غير تمام، هذا كلّه فيا أفاده من جعله المناط ما تقتضيه الطبيعة الأوّلية.
وأمّا غلبة الأفراد فقد ظهر ما فيه ممّا تقدّم فإنّ الشيء إذا لم يثبت له اقتضاء بحسب وجوده فكون غالب الأفراد على صفة كيف يكشف عن أنّ الوصف ممّا يقتضيه أصل الطبيعة أو وجودها.
وخلاصة ما ذكرناه في الجواب: أنّ الخلقة الأصلية لا يمكن حملها على الماهية المشتركة بين الأفراد، لأنّ الماهية لا تقتضي شيئاً ولا معنى لاقتضاء الماهية شيئاً إلّا بارادة لوازم الماهية وقد عرفت أنها مستحيلة الانفكاك عن الماهية كزوجية الأربعة فلا يمكن إرادتها في المقام، لأنّ الكلام في وصف زال عن الشيء وأوجب فقده العيب وهذا لا يتصوّر في لوازم الماهية.
ثم لا ملزم على التحفّظ بعبارات الفقهاء، كما لا وجه للمحافظة على مرسلة السيّاري، إذ لا حجّية فيها لضعف في نفس السيّاري، ولأنّ أكثر روايات التحريف من [كتاب] السيّاري [ويقال له: كتاب القراءة أو كتاب التنزيل والتحريف] وضعف في نفس الرواية لأنها مرسلة، هذا كلّه.
مضافاً إلى أنّ الالتزام بانحصار العيب فيما زاد على الخلقة الأصلية أو نقص عنها كما في المرسلة خلاف المشاهد بالوجدان، لأنّ ظاهرها أن كل ما تقتضيه الخلقة كاليدين في الإنسان يكون الزائد عنه كمن له ثلاثة أيد أو الناقص عنه كمن له يد واحد عيباً مع أنّ العيب لا ينحصر بذلك كما مثّلنا بالمصنوعات، وكما في إباق العبد أو كونه سارقاً أو زانياً أو سيّئ الخلق أو كونه بصدد قتل مولاه، فإنّ كل ذلك عيب من
ص: 217
أنّ الخلقة لا تقتضي شيئاً منها ولا عدمها، وعليه فلا وجه للتحفّظ على مرسلة السيّاري ولا لما تكلّفه شيخنا الأنصاري (قدس سره) من جعله الخلقة والطبيعة أوّلية وثانوية.
فالصحيح في المقام أن يقال: قد عرفت من مطاوي ما ذكرناه في بحث خيار العيب وغيره أنّ العقلاء إنما يبذلون المال بازاء الأشياء والطبائع بداعي أوصافها ومنافعها وفوائدها القائمة بها بحيث لولا تلك الأوصاف والمنافع لم يدفعوا المال بازاء الطبيعة الخالية، ففي الحقيقة يبذلون الأموال في مقابل تلك الأوصاف والمنافع، لا بمعنى أنّ المال يقع بازاء تلك الأوصاف أو المنافع، بل المعاملة تقع بين المال ونفس العين إلّا أنّ مالية العين قائمة بتلك المنافع والأوصاف، لأنّ الحنطة البيضاء تسوى بأكثر ممّا تسوى به الحنطة السوداء، وكذا الحال في الاُرز بحسب اختلافها في الأوصاف.
ثم إنّ تلك الأوصاف والمنافع المقوّمة لمالية المال على قسمين: فقسم منها ممّا لا يحتاج إلى البيان والاشتراط بل بناء العقلاء في كل مكان على وجوده فكان تحقّقه ووجوده في المبيع مفروغ عنه عندهم، والقسم الآخر ما لا يكون وجوده مفروغاً عنه عند نوع العقلاء وإنما يرغب إليه شخص المشتري أو البائع فيشترطه في المبيع كاشتراط كون الاُرز من قسم الداني لقلّة ثمنه أو لكونه موافقاً لغرضه، لأنّ جميع المتعاملين لا يرغبون في القسم العالي، وهذا ظاهر.
ثم إنّ متعلّق المبيع والمعاملة إذا كان مشتملاً على جميع الأوصاف التي يرغب فيها نوع العقلاء أو شخص المشتري أو البائع إلّا أن قيمته كانت أكثر ممّا یسوی به في السوق، فهذا هو مورد خيار الغبن وقد عرفت حكمه وأنه من جهة الارتكاز يوجب الخيار، وأمّا إذا كانت قيمته مساوية لما يسوى به في السوق إلّا أنّ العين لم تكن واجدة للوصف الذي يرغب فيه شخص المشتري أو البائع فيكون هذا من قبيل خيار تخلّف الشرط وقد تقدّم أيضاً، وأمّا إذا لم تكن العين واجدة للوصف الذي يرغب فيه نوع
ص: 218
العقلاء ويأخذونه مفروغاً عنه في المبيع فيكون ذلك من خيار العيب، وعليه فالمناط فى العيب هو ما يراه العقلاء عيباً وقد عرفت أنه يتحقّق في الأوصاف التي يرغب فيها العقلاء وكأنّها مفروغ عنها في المبيع فيكون فقد تلك الأوصاف موجباً للعيب، وربما تكون الزيادة عيباً، والجامع هو النقص عمّا يراه العقلاء لازماً في المبيع بجعل المبيع بشرط شيء أو بشرط لا (حتى يرجع الزيادة إلى النقص) فتكون مثل الثيبوبة في الإماء المجلوبة من دار الكفر غير محكومة بالعيب لأنّ البكارة في مثلها ليست مفروغاً عنها عند العقلاء حتى يكون فقدها عيباً، وأمّا مثل كون العبد أبقاً أو سيّئ الخُلق أو كونه بصدد قتل مولاه ليشرد فهو عيب، لأنّ عدمها مفروغ عنه عند العقلاء، ونظيره كون الرقي المشترىٰ فاسداً وهكذا.
ثم إنّ ذلك ممّا لا يفرق فيه بين الأوصاف الأصلية والعرضية كما تقدّم، بل المناط كون وجود الوصف في المبيع مفروغاً عنه عند العقلاء، فإذا اشترى كتاباً قد ذهبت قوّة أوراقه من كثرة بقائه في موضع رطب بحيث يتمزّق عند وضع اليد عليها فإنه يعدّ عيباً عند العقلاء، وكذا كون العبد سارقاً أو أبقاً، وهذا ظاهر (فلا يختص العيب بالأوصاف الذاتية الخلقية).
ثم لا يخفى أنّ المراد بالعيب هو العيب في مقام المعاملة والبيع لا العيب في الموجود بما هو موجود، فإنّ وجود وصف أو فقده ربما يعدّ من العيب عند العقلاء في نفس ذلك الشيء إلّا أنه ممّا لا يوجب نقصاً في القيمة في مقام البيع [كالخصاء للعبيد] وهكذا كما إذا كان للعبد يد ثالثة قد خرجت من ظهره فإنه عيب في العبد بلا كلام إلّا أنه لا ينقص قيمته فيما إذا لم يمنع عن قوّته وعمله، وكذا إذا كانت أعضاؤه أو بدنه أسود لحرق ونحوه فإنه عيب ولكنه لا يوجب نقص قيمته، فإنّ المطلوب من العبد هو العمل ولا يطلب منه عدم كونه ذا عضو زائد أو عدم كونه أسود. نعم هذان يمنعان في الأمة فيوجبان نقص قيمتها فإنّ اليد الثالثة يوجب استنكار هيئتها ومانعاً عن
ص: 219
الرغبة فيها، بخلاف العبد فإنّ المطلوب منه هو العمل والمفروض أنّ وجود عضو زائد في ظهره لا يمنعه عن القيام بوظيفة العبودية، وأمثال هذه العيوب خارجة عن محل الكلام ومثلها لا يوجب الخيار، وذلك لأنّ الروايات قد جعلت الخيار مردّداً بين الردّ وأخذ الأرش، ففيما لا يعقل فيه هذا التردّد لعدم الأرش لا يثبت فيه الخيار، والمفروض في المقام أنه لا فرق في قيمة العبد بين كونه ذا يد ثالثة في ظهره وعدمه وحيث لا أرش فلا يثبت فيه الخيار، ومن هنا يظهر الوجه في عدم عدّهم كفر العبد من العيوب الموجبة للخيار مع أنه من أظهر أفراد العيب ولا يتصوّر عيب فوقه، إلّا أنه عيب في نفس العبد لا فيه بما أنه مبيع، فإنّ قيمة العبد لا تختلف بكفره وإيمانه ولا يوجب النقص في العبودية.
والمتلخّص من جميع ذلك: أنّ العيب عبارة عن نقص الوصف القائم بالشيء الذي له دخل في ماليته عند العرف والعقلاء، والمراد بالنقص أعم من الزيادة (بإرادة النقص أعم من النقص الحقيقي أو النقص عمّا أُخذ في الشيء بشرط لا) وليس المدار على النقص عن الخِلْقَةِ الأصليةِ، لأنّ مرسلة السيّاري ضعيفة مضافاً إلى عدم انحصار العيب به كما عرفت في مثل الإباق ونحوه ممّا لا ربط له بالخلقة حتى أنّ بعض الروايات قد نصّ على كون الإباق عيباً مع أنه غير راجع إلى النقص عن الخلقة، فكل وصف قائم بالشيء ويراه العرف والعقلاء دخيلاً في ماليته ويأخذون وجوده فيما يبذلون بازائه المال مفروغاً عنه، يكون فقده ونقصه عيباً.
ومن ذلك يظهر أنّ الخصاء في العبيد والثيبوبة في الإماء المجلوبة من بلاد الكفر عيب، وذلك لأنّ وصف البكارة في الإماء ممّا له مدخلية في قيمتها عند العقلاء والعرف، فيكون فقدها نقصاً وعيباً، ولا تكون غلبة الثيبوبة في الإماء المجلوبة من بلاد الكفر موجبة لخروجها عن العيب، لأنّ البكارة القائمة بالإماء دخيلة فيما يبذلونه العقلاء من المال في مقابلها فعدمها عيب، نعم غلبة الثيبوبة في المذكورات توجب
ص: 220
خروجها عن حكم العيب فلا يوجب تخلّقها خيار العيب، لأنّ غلبتها توجب علم المشتري بعدم بكارتها أو توجب التبرّي عن عيب الثيبوبة فلا يثبت معها خيار العيب، إلّا أنّ كونها عيباً ممّا لا ينبغي التأمّل فيه.
وعلى ذلك يحمل ما ذهب إليه الفقهاء من عدم كون الثيبوبة في الإماء المجلوبة من بلاد الكفر عيباً، فمرادهم أنّها لا توجب ثبوت أحكام العيب لا أنّها خارجة عن موضوعه.
وممّا يشهد على ما ذكرناه: ما ذكره المحقّق الثاني في جامع المقاصد(1) [في شرح قول] العلّامة [في القواعد: «الثيبوبة ليست عيباً»(2)] من أنّ الثيبوبة إنّما تكون عيباً فيما إذا لم يعلم المشتري بأنّها مجلوبة من بلاد الكفر لا مطلقاً، فإن علم المشتري بكونها مجلوبة من دار الكفر وعدمه ممّا لا يعقل أن يكون موجباً لتعيّبها وعدمه، فإنّ العلم طريق لا موضوعية له، فلا محالة يريد بذلك أنّ ارتفاع أحكام العيب عن الثيبوبة مشروط بعلم المشتري بأنّ الأمة من الإماء المجلوبة من دار الكفر حتى يعلم أنّ الغالب فيها هو الثيبوبة، وأمّا مع عدم علمه بالحال أو اعتقاده بأنّها من الإماء المتولّدة في بلاد الإسلام فلا يعلم بغلبة الثيبوبة فيها كما لا يخفى فيثبت لها أحكام العيب.
فالمتحصّل: أنّ الغلبة أو الخلقة الأصلية ليستا مناط العيب وعدمه، بل المناط فيه هو كون الوصف ممّا له مدخلية في مالية الشيء بحسب بناء العقلاء كانت الغلبة على وفقه أو لم تكن، ومن هنا لو فرضنا سنة تعيّبت فيها الثمرات لأجل الحرّ أو البرد الشديدين بحيث لا يوجد الصحيح إلّا نادراً كما قد يتّفق ذلك في المركّبات من الليمون والبرتقال، لا يمكن أن يقال إنّ الثمرات ليست معيبة، لأن الغالب فيها
ص: 221
ذلك، وهذا ظاهر.
ثم إنّه قد اتّضح من جميع ذلك: أنّ مرادنا بالعيب في هذا المقام أعني خيار العيب وبيان معنى قوله (علیه السلام) «أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب» الخ(1) هو العيب في مقام البيع والمالية أي فقد الوصف الدخيل في ماليته، وأمّا العيب غير الموجب لنقصان المالية فلا يوجب الخيار ولو مع صدق العيب عليه لغة، لأنّه ناقص أو زائد عن الخلقة الأصلية فهو خارج عن محل الكلام، فمثل الخصاء في الديك أو وجود يد زائدة في العبد غير المانع عن وظيفته كما تقدّم خارجان عن محل الكلام ولا يثبت بتخلّفه الخيار أعني خيار العيب، نعم إطلاق العقد يقتضي أن يكون الفرد المتعلّق عليه البيع نظير سائر الأفراد من حيث الوصف فيثبت بتخلّفه خيار تخلّف الشرط دون خيار العيب، إلّا أنّ الظاهر أنّ هذا البحث أعني كون الخيار الثابت له خيار تخلّف الشرط أو خيار العيب ممّا لا يترتّب عليه ثمرة، وذلك لأنّ الأرش لا يثبت في المقام لعدم التفاوت في قيمة المال بين صحيحه ومعيبه، وأمّا مجرد الردّ فهو ممّا لا يترتّب على كونه من جهة العيب أو تخلّف الشرط ثمرة.
وربما يتوهّم كما في كلام شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) ثبوت الثمرة على كون الخيار خيار عيب أو خيار تخلّف الشرط في موردين:
أحدهما: فيما إذا تصرّف المشتري في المال أو حدث فيه عيب آخر أو تلفت العين بنفسها، فإنّ الخيار لو كان هو خيار العيب فلا محالة يسقط حينئذ فلا يبقى له خيار لأنّها من مسقطات الردّ كما تقدّم، وأمّا إذا كان الخيار خيار تخلّف الشرط فلا وجه لسقوط خياره، لأنّ حدوث الحدث أو تلف العين لا دليل على كونه موجباً لسقوط
ص: 222
خيار تخلّف الشرط، هذا.
وقد أجاب شيخنا الأنصاري (قدس سره) عن هذه الثمرة بقوله: «فتأمل».
والظاهر أنّ مراده (قدس سره) من ذلك هو أنّ الخيار في المقام لا يسقط على كلا التقديرين. أمّا على تقدير كون الخيار خيار تخلّف الشرط فلما عرفت، وأمّا بناءً على أنه من خيار العيب فلأنّ إسقاط المذكورات لخيار العيب أمر على خلاف القاعدة فيكتفى فيه بمقدار ثبت فيه النص وهو إنما دلّ على كونها مسقطاً للخيار فيما إذا ثبت للمشتري الأرش فحكم (علیه السلام) بأن يأخذ الأرش ولا يردّه لما حدث فيه من العيب أو التلف، وأمّا مع عدم تحقّق الأرش كما في المقام فلا دليل على أنّ المذكورات تسقط الردّ لأنه على خلاف القاعدة كما مرّ، وهذا الوجه لا بأس به.
وثانيهما: ما إذا حدث العيب بعد العقد وقبل القبض أو في زمان خيار المشتري فإنه على تقدير كون الخيار خيار عيب يثبت للمشتري الخيار، إذ يعتبر في المبيع عدم العيب إلى زمان القبض أو إلى انقضاء خيار المشتري، وهذا بخلاف ما لو كان الخيار خيار تخلّف الشرط فإنه لا يوجب الخيار للمشتري حينئذ، لأنّ المشترط أن لا يكون العبد خصياً حين وقوع العقد عليه وأمّا بعده قبل القبض أو قبل انقضاء الخيار فلا، هذا هو ما تعرّضنا له سابقاً عند الكلام في أنّ حدوث العيب بعد العقد وقبل القبض أو قبل انقضاء الخيار موجب للخيار أو لا، وقلنا إنّ للكلام فيه جهتين إحداهما في أنه موجب للخيار أو لا، وثانيهما في أنّ ضمانه على البائع أو لا، وقد أحلنا البحث عن الجهة الثانية إلى أحكام الخيار وتكلّمنا في الجهة الأُولى في المقام فراجع(1) هذا.
ولا يخفى عدم تمامية هذه الثمرة أيضاً، لأنّها تبتني على التفرقة بين خياري العيب وتخلّف الشرط في حدوث العيب قبل القبض أو قبل انقضاء الخيار، مع أنّ
ص: 223
التفرقة ممّا لا أساس له، لأنّ المدرك لضمان العيب قبل القبض أو قبل انقضاء الخيار منحصر بالقاعدتين أعني قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه وقاعدة أنّ تلف المبيع في زمان الخيار ممّن لا خيار له، وهاتان القاعدتان إن قلنا بشمولهما لتلف الوصف والجزء أيضاً فنلتزم بأنّ تلف وصف الصحة قبل القبض أو قبل انقضاء الخيار مضمون على البائع في كل من خياري العيب وتخلّف الشرط، إذ لا وجه لتخصيصهما بخيار العيب بوجه ولم يردا في خصوص العيب.
وإن منعنا عن شمولهما لتلف الوصف أو الجزء وخصّصناهما بتلف نفس العين فلا نلتزم بثبوت الضمان عند تلف وصف الصحة قبل القبض أو قبل الانقضاء لا في خيار العيب ولا في خيار تخلّف الشرط، إذ لا دليل على ضمان البائع بتلف بعض أجزاء المبيع قبلهما، فلا فرق في الخيارين من هذه الجهة كما هو ظاهر، هذا أولاً.
وثانياً: هب أنّا سلّمنا أنّ القاعدتين مختصتان بخيار العيب وافترض أنه (علیه السلام) صرّح بأنّ تلف وصف الصحة قبل القبض أو قبل الانقضاء من البائع في خصوص مورد خيار العيب دون مورد خيار تخلّف الشرط، إلّا أنّ ذلك لا يثبت المدّعىٰ، وذلك لأنّ غاية مدلول القاعدتين أنّ البائع ضامن لوصف الصحة عند تلفه قبل القبض أو الانقضاء، ومعنى ضمانه لها أنه يردّ ما يقابلها من نفس الثمن أو من غيره، وهذا لا ربط له بثبوت خيار العيب - أعني الخيار بين الردّ والأرش - للمشتري عند حدوث العيب قبلهما، فسواء كان الخيار خيار العيب أم كان خيار تخلّف الشرط لا يثبت الخيار عند حدوث العيب بعد العقد، كان قبل القبض أم قبل انقضاء الخيار.
فإلى هنا ثبت أنّ الأرش منتف في أمثال المقام والردّ ثابت، وأمّا كونه من جهة العيب أو من جهة تخلّف الشرط فهو ممّا لا ثمرة فيه، هذا تمام الكلام في تحقيق مفهوم العيب ويقع الكلام بعد ذلك في بيان أفراده إن شاء الله تعالى.
ص: 224
ثم إنّه ذكر شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) عدّة من العيوب بعد بيان مفهوم العيب:
[مسألة]: المرض، وقد عدّه(2) (قدس سره) من جملة العيوب، والأمر كما أفاده في الجملة لا على نحو الاطلاق لأنّهم عدّوا حُمّىٰ يوم من العيب مع أنه ليس كذلك قطعاً لأنه أمر متعارف في جميع الأفراد، ولا فرق بينه وبين غيره بحسب القيمة عند العقلاء، لأنه كوجع الرأس من الأُمور المتعارفة حتى أنّ عدمه لا يدخل تحت الشروط الارتكازية في العقد، نعم الحُمّىٰ نوبة(3) فيما إذا كان صعب العلاج من العيب.
[مسألة]: الحمل فقد عدوّه من العيوب التي يردّ منها المبيع، وتارة يتكلّم فيه فيما إذا حدث الحمل في ملك البائع، وأُخرى فيما إذا حدث في ملك المشتري، كما أنه ربما يقع في حمل الأمة وأُخرى في غيرها من الحيوانات، [1] أنّ الحمل في الأمة من العيب(4) حتّى أنّ الوطء المانع عن الردّ في المعيب بغير الحمل لا يمنع عن الردّ في المعيب بالحمل بمقتضى الأخبار المتقدّمة، إلّا أنه يردّ معها نصف عشر قيمتها أو عشر قيمتها على الاختلاف بين البكر والثيّب، هذا فيما إذا اشترى الأمة وظهرت حاملاً عند كونها في ملك البائع، ولكنّه لا يخفى أنّ الأمر كذلك فيما إذا حدث الحمل في ملك البائع لا منه نفسه وإلّا لبطل البيع لأنّها أُمّ ولد من البائع حينئذ وإن صحّحنا بيعها وقلنا بعدم حرمته لجهل البائع أو المشتري كما تقدّمت في بعض الأخبار السابقة، فلابدّ من فرضها حاملاً عند البائع من زوجها العبد ونحوه وقد عرفت أنه عيب حينئذ.
ثم إنّ الحمل مضافاً إلى أنه عيب على ما في الروايات والأخبار [ويمكن القول
ص: 225
ب-] كونه عيباً ولو مع قطع النظر عن الأخبار، وذلك لأنها لو لم نقل بكونها في معرض الخطر موجب لتعيّبها فلا أقل يكون حملها مانعاً عن جملة من الانتفاعات التي منها نفس الاستيلاد، لأنّ الحامل لا تستولد إلّا بعد وضعها، واستيلادها من جملة المنافع لتكثير العبيد والإماء.
[2] وأمّا إذا كانت الأمة المشتراة معيبة بغير الحمل إلّا أنّها صارت في ملك المشتري حاملاً ولكنّه بغير وطء المشتري وإلّا فالوطء بنفسه مانع عن الردّ فلنفرضه بالجذب ونحوه، فقد ذكر شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) أنّ الحمل عند المشتري أيضاً عيب مانع من الردّ بالعيب السابق، وهو كما أفاد (قدس سره) إلّا أنّ كونه مانعاً عن الردّ لا يتوقّف على صدق العيب عليه، فإنّ المانعية غير معلّقة على العيب بل المانع هو إحداث الحدث، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الحمل عند المشتري من أوضح أنحاء الإحداث فهو مانع ولو مع البناء على عدم كونه عيباً مثلاً، فلا وجه لإتعاب النفس في إثبات أنه عيب كما ارتكبه شيخنا الأنصاري(2) ونقل كلمات جملة من الأعاظم لاثبات أنّ الحمل عند المشتري عيب.
[3] ثم لا يخفى أنّ ما ذكرناه لا يختص بالأمة بل هو جارٍ في غيرها من الحيوانات فإذا اشترى حيواناً وبه عيب إلّا أنه حمل عند المشتري فإنه يمنع حينئذ من ردّه لأنّه أحدث فيه حدثاً وهو مانع عن الرد كما هو ظاهر، سواء قلنا بأنّ الحمل عيب أم لم نقل كما مرّ.
[4] بقي الكلام فيما إذا كان المبيع غير أمة من الحيوانات وكان حاملاً عند البائع وظهر كونه كذلك بعد الاشتراء فهل يكون هذا أيضاً من جملة العيوب التي يردّ
ص: 226
معها المبيع أو لا، وهذان الاحتمالان مبنيان على مسلك الشيخ [الطوسي](1) (قدس سره) من كون الحمل من أجزاء المبيع ومن توابعه، ومسلك مخالفيه في أنّ الحمل ليس من توابع المبيع بل هو موجود مستقل لا ربط له بالمبيع وغاية الأمر أنّ بطن المبيع أو رحمه ظرف له إلّا أنه ملك للبائع لأنه موجود مستقل ولم يقع البيع إلّا على الظرف دون المظروف.
فإن قلنا بمقالة الشيخ (قدس سره) فلا يكون الحمل في الحيوان عيباً، لأنّ الحمل وإن كان يوجب فوت جملة من المنافع ومن جملتها الاستيلاد إلّا أنّ الحمل الموجود زيادة في المبيع وملك للمشتري حسب الفرض.
وبعبارة واضحة: أنّ العيب كما مرّ عبارة عن فوات وصف له مدخلية في مالية المال بلا حاجة إلى ذكره عند العقلاء، ونحن إذا لاحظنا الحيوانات نرى أنّها على قسمين حامل وغير حامل، إلّا أنه لا تفاوت في قيمتها لاشتمال كل منهما على مزية وخصوصية يبذل بإزائها المال فلم نفتقد وصفاً يوجب نقصاً في المالية، فلا يكون الحمل في الحيوان بناءً على هذا المسلك عيباً، بل يمكن أن يقال إنّ الحمل كمال في الحيوان وقيمة الحامل أكثر من قيمة غيره، فإنّ قابلية الحيوان واستعداده للاستيلاد كمال والحمل ليس إلّا فعلية تلك القوّة والاستعداد فهو استثمار واستنتاج لا أنه عيب، و وسيأتي أنّ احتمال الخطر في وضعها ممّا لا يعتني به العقلاء وهذا ظاهر.
وأمّا إذا قلنا بمقالة مخالفي الشيخ فلا ينبغي الاشكال في أنّ الحمل حينئذ عيب(2) لأنه ملك البائع وقد عرفت أنه مانع عن جملة من الانتفاعات التي منها الاستيلاد لأنه مشغول بملك الغير فيكون هذا موجباً لنقص قيمته، نعم احتمال الخطر بوضعه ممّا لا يعتنى به عند العقلاء، لأنه نادر سيّما في الحيوانات وبالأخص فيما إذا لم يكن أول
ص: 227
وضعه كما إذا وضع قبل ذلك أولاداً وإلّا لما كان يقدم العقلاء على استيلادها مع أنّهم يقدمون على ذلك بلا كلام، فكون الحمل في الحيوان عند البائع مانعاً مبني على قول مخالفي الشيخ، كما أنّ عدم كونه عيباً إنما يتم على مسلك الشيخ (قدس سره) كما مرّ.
[مسألة]: الثيبوبة في الإماء، وقد أسلفنا الكلام فيه مفصّلاً تبعاً لشيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) وقلنا إنّها عيب، وأظن أنّ تحريره (قدس سره) لهذا المقام كان بعد فصل طويل بينه وبين ما تقدّم وإلّا فلا وجه لاعادته وتكراره، فإنه (قدس سره) ذكر في المقام عين ما أفاده سابقاً بلا زيادة ونقصان، نعم المقام يشتمل على خصوصية ومزية ولعلّه (قدس سره) لأجلها أعاد البحث وتلك الخصوصية هي روايتان تعرّض لهما شيخنا الأنصاري (قدس سره) في المقام:
إحداهما: [مرسلة] سماعة «عن رجل باع جارية على أنها بكر فلم يجدها على ذلك، قال: لا تردّ عليه ولا يجب عليه شيء، إنه يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها»(2) ولعلّهم استدلّوا بهذه الرواية على أنّ الثيبوبة ليست بعيب ولذا حكم (علیه السلام) بعدم الردّ والأرش بها.
ولا يخفى أنّ الرواية ضعيفة أولاً. وثانياً: أنّ الثيبوبة ولو فرضنا أنّها ليست بعيب إلّا أنّ البكارة كانت مشروطة في العقد أفلا يوجب تخلّف الشرط الخيار وجواز ردّ الجارية حينئذ وإن لم نحكم بثبوت الأرش لعدم كون الخيار خيار عيب فلماذا حكم (علیه السلام) بعدم الردّ والأرش، فالرواية ممّا لا يمكن الاعتماد عليه.
والظاهر حملها كما ذكره شيخنا الأنصاري(3) (قدس سره) «بل لا يحتاج إلى الحمل لظهورها فيه» على أمر آخر وهو أنّ البكارة على ما وجدناه في اللغة(4) عند مراجعتنا
ص: 228
إليها لمعرفة معنى البكر في مسألة تزويج الحرّة على أنّها بكر ثم ظهرت ثيّباً هو عدم إصابة الرجل إيّاها بمعنى عدم وطئها، وليست البكارة بمعنى عدم خروج دم العُذرة منها، بل المناط في البكر أن لا تكون قد وطئها رجل سواء خرجت دم العذرة منها لعارض كالسقوط من شاهق أم لم تخرج، وعليه فالإمام (علیه السلام) إنّما حكم بعدم الردّ والأرش من جهة عدم كون الجارية ثيّباً إذ لم يثبت المشتري أنّها وطئت وأصابها رجل، فالجارية بكر ولا موجب للأرش ولا للردّ حتى لو كانت البكارة شرطاً لعدم تخلّف الشرط، إذ على المشتري إثبات تخلّفه وإثبات أنّها وطئت ولذا قيّد (علیه السلام) الحكم بالأرش في الرواية الآتية بما إذا علم صدق المشتري في دعواه، فالرواية لا دلالة لها على عدم كون الثيبوبة عيباً.
وثانيتهما: [معتبرة] يونس «في رجل اشترى جارية على أنها عذراء فلم يجدها عذراء قال: يردّ عليه فضل القيمة إذا علم أنه(1) صادق»(2) وهذه الرواية لا بأس بها وهي تدلّ على أنّ الثيبوبة بمعنى إصابة الرجل لها عيب «ومن هنا قيّد (علیه السلام) الحكم بالعلم بصدق المشتري في دعواه إصابة الرجل لها» نعم إذا كان الغالب في الإماء هو ذلك فيكون الغلبة بمنزلة عدم التزام البائع بالبكارة ويكون بمنزلة التبرّي فلا يجري حكم العيب على الثيبوبة لا أنّها خارجة عن موضوع العيب كما تقدّم.
[مسألة]: عدم الختان في العبد الكبير فإنّهم عدوّه من العيب عرفاً دون عدم الختان في الصغير فإنّه ليس من العيوب.
ولا يخفى أنّ عدم الختان المعبّر عنه بالغلفة ليس من العيوب في حدّ نفسه بحيث يعدّ غير المختون معيباً ولا يتفاوت بذلك قيمته، والوجه في ذلك: أنّ الختان وعدمه
ص: 229
غير دخيلين فيما يطلب من العبيد من الخدمات والقيام بوظائف العبودية فإنه لا يختلف فيها الختان وعدمه كما أشرنا إلى نظيره سابقاً، وعليه فلا يكون الأغلف معيباً لما قد عرفت من أنّ العيب هو عبارة عن فقد وصف له دخالة في مالية المال عند العقلاء وبه يختلف قيمته، وقد ذكرنا أنّ قيمة العبد لا يختلف بالختان وعدمه، فلا يقاس الغلف بالثيبوبة لأنها عيب لما تقدّم من أن للبكارة في النساء والاماء مدخلية تامّة في ماليتها عند العقلاء بخلاف الغلفة.
فالمتحصّل: أنّ عدم الختان في حدّ نفسه ليس من العيوب وإنما يعدّ عيباً عند العرف بلحاظ حكم الشارع عليه بوجوب الختان، وختان الكبير أمر خطري على ما قيل، هذا.
ولكن الصحيح أنّ الحكم الشرعي بالوجوب أيضاً لا يوجب عدّه عيباً، أما فيما إذا كان العبد كافراً فظاهر، لأنّ الكافر يقرّ على دينه وهو لا يرى الختان واجباً ولا يجب على المولى ختانه فلا يكون مورداً للخطر وحكم الشارع عليه بالوجوب وقد عرفت أنّ عدم الختان بنفسه أيضاً ليس من العيوب.
وأمّا إذا كان العبد مسلماً فهو وإن كان مورداً لحكم الشارع بوجوب الختان فيما إذا لم يكن معذوراً عن الختان من جهة ضعف بدنه ونحوه، إلّا أنّ كونه محكوماً بوجوب الختان لا يوجب عدّه من العيب، إذ احتمال الخطر في ختان الكبير ممّا لا يعتنى به عند العقلاء فإنه احتمال ضعيف، والظاهر أنّ كونه في معرض الخطر إنّما كان في الأزمنة المتقدّمة وأمّا في أمثال زماننا هذا مع وجود الأدوية والأدوات فلا يحتمل فيه خطر عند العقلاء، لأنه ليس إلّا قطع عضو زائد فهو نظير غيره من الجروح بل هو أهون من غيره فلا وجه لاحتمال الخطر بوجه، هذا.
بل يمكن أن يقال: إنه كان في الأزمنة المتقدّمة أيضاً غير محتمل الخطر، لأنّ الكفّار الذين آمنوا في زمان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كانوا يختنون لا محالة ولم يسمع خطر منهم
ص: 230
بوجه، وكذا في غير زمانه (صلی الله علیه و آله و سلم) فإنه ربما كان بعض الكفّار يدخلون في الإسلام ويختنون ولم نسمع خطراً منهم، وعليه فليس في الختان احتمال خطر حتى يعدّ ذلك من العيوب، هذا كلّه.
على أنّا لو سلّمنا أنّ الختان أمر خطري واحتماله ممّا يعتنى به عند العقلاء وليس من الاحتمالات الضعيفة، فلا نسلّم أنّ ذلك يوجب العيب، فإنّ الختان لو احتمل فيه الخطر على وجه عقلائي يرتفع عنه وجوب الختان رأساً فلا يجب عليه الختان، وقد مرّ أنّ عدم الختان في نفسه أيضاً ليس بعيب ولا حكم شرعي متوجّه إليه حتى يوجب الخطر وبه يعدّ عيباً، هذا كلّه.
ثم إنه إذا بنينا على أنّ عدم الختان عيب فهو إنما يوجب الخيار فيما إذا لم يعلم المشتري بعدم ختان العبد ولا بكونه مجلوباً من بلاد الكفر، وأما إذا كان عالماً بعدم ختانه أو جهله ولكنه علم بأنه مجلوب من بلاد الكفر فلا يثبت في حقّه الخيار، لأنّ غلبة الغلفة في العبيد المجلوبين من بلاد الكفر توجب عدم التزام البائع بوصف الختان لأنها في حكم التبرّي كما مرّ.
ويلحق بذلك عدم تلقيح(1) الجَُدَرِي(2) في العبد فيما إذا كان مع عدمه مورداً للخطر والهلاك فإنه أيضاً في معرض التلف ويعدّ عيباً لو تحقّق كونه كذلك التلقيح «ولابدّ من فرض ذلك فيا لم يمكن التلقيح بعد البيع وإلّا للُقّح بعده».
[مسألة]: عدم الحيض في الجارية فيما إذا كان من شأنها أن تحيض.
ولا يخفى أنّ عدم الحيض من صفات الكمال(3) في حدّ نفسه لأنّ الحيض يوجب
ص: 231
منع الزوج عن الانتفاعات منها مدّة من الزمان وعدمه كمال، إلّا أنّ طبيعة المرأة لمّا كانت بحيث تقذف الدم بحسب عادتها وكان الحيض من الأمور التي يقتضيها طبيعتها لأنه كما في الرواية عبارة عن قذف الرحم للدم الزائد، كان عدمه أي عدم الحيض كاشفاً عن اختلال في المزاج أو مرض في البدن ولأجله لا تقذف الطبيعة الدم فيما إذا لم يستند ذلك إلى مانع.
وبعبارة أخرى: أنّ الحيض لمّا كان من مقتضيات طبيعتها فعدمه إمّا أن يكون مستنداً إلى وجود مانع عنه كشرب دواء يمنع عن الحيض لو تحقّق مثل هذا الدواء وهذا لا يكون عيباً كما مرّ، وإمّا أن يكون مستنداً إلى مرض وضعف في مزاجها «أي فيما لم يستند إلى مانع» فيكون عدم الحيض كاشفاً عن وجود عيب في المرأة ومن هنا يكون الأغلب في النساء عدم الولادة بعد انقطاع حيضها فلا تلد بعده لعلّة تعرضها بعدم الحيض، فهو بنفسه ليس من العيوب بل كاشف عنه، وبه يحكم بالخيار وللمشتري أن يرد الجارية بذلك(1)، ومن ذلك يظهر أنّ عدم الحيض الكاشف عن العيب ممّا لا مناص من الالتزام بكونه موجباً للخيار ولو لم يكن في البين رواية أيضاً، فلو ورد في ذلك رواية كما وردت فلا محالة تكون مؤكّدة لما تقتضيه القاعدة.
وقد روى الكليني (قدس سره) في الصحيح عن عدّة من أصحابه عن سهل بن زياد وأحمد بن محمّد جميعاً عن ابن محبوب عن مالك بن عطيّة عن داود بن فرقد قال «سألت أبا عبدالله عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس بها حمل، قال (علیه السلام) إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا عيب
ص: 232
تردّ منه»(1) وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة أيضاً هو ذلك بلا حاجة إلى الرواية.
ثم لا يخفى أنّ ما ذكره جملة من الأكابر على ما حكي(2) عنهم من تقييد الحكم بالخيار بما إذا مضت ستّة أشهر اعتماداً على الرواية المتقدّمة فمما لا يمكن المساعدة، وذلك لأنّ التقييد بستة أشهر إنما كان في كلام الراوي دون كلام الإمام(3) (علیه السلام) وكشف عدم الحيض عن المرض لا يتوقّف على مضي ستة أشهر بل بعد شهرين أو ثلاثة أشهر يمكن الاستكشاف أيضاً، بل ربما يمكن الاستكشاف بعد البيع بلا مضي زمان كما إذا علم بعده أنها لم تحض عند البائع سنة أو مدة أُخرى وهذا ظاهر، نعم عدم الحيض في شهر بل في شهرين لا يكون كاشفاً لأنه أمر عادي.
وبالجملة أنّ المعتبَرَ هو المُنْكَشَفُ دون الكاشف حتى يتقيّد بمدة ونحوها، وفي كل مورد انكشف العيب في الجارية بعدم حيضها فيحكم بالخيار كان قبل ستة أشهر أو بعدها، لأنّ هذا هو مقتضى كون عدم الحيض كاشفاً عن العيب ولا يكون عدمه بنفسه عيباً كما تقدّم.
بقي في الرواية إشكال(4) آخر وملخّصه: أنّها مخالفة لما عليه المشهور من أنّ التصرف في المبيع يمنع عن الردّ بالخيار، لأنه (علیه السلام) حكم بجواز ردّ الجارية بعد ستة أشهر مع أنه من البعيد عدم تصرف المشتري فيها ولو بقوله لها أغلقي الباب، ولأجل ذلك أسقطها بعضهم(5) عن الاعتبار.
ص: 233
ولا يخفى أنّ الرواية صحيحة وسيأتي(1) عند التعرّض لأحداث السنة أنّ تلك الصحيحة وما ضاهاها تكشف عن بطلان القاعدة التي أسّستها المشهور وهي كون التصرف في المبيع ولو بمثل قوله جئني بالماء مانعاً عن الردّ، وليست القاعدة بحيث يرفع اليد لأجلها عن الرواية الصحيحة فلا إشكال في الرواية.
[مسألة]: الإباق وقد قالوا إنه من العيوب الموجبة للخيار:
[لا نعلم فيه خلافاً في العبد الأمة في الصغير والكبير كما في التحرير(2) وفي المبسوط الإجماع على أنّ له الخيار فيكون عيباً(3)، لأنّه معه في حكم التالف، وهو أبلغ من السرقة لغيره، لأنّه سرقة لنفسه في الحقيقة كما في التذكرة(4) وجامع المقاصد(5) وقال فيهما: والإباق الّذي يوجب الردّ هو ما يحصل عند البائع وإن لم يأبق عند المشتري أو يحدث في الثلاثة عند المشتري قبل تصرّفه، أمّا غيره فلا](6)
ولا يخفى أنّ إباق العبد مرّة واحدة لا يكون من العيب(7) فيما إذا لم يكشف عن كونه كذلك دائماً، وهذا كما إذا بعثه صديقه وحرّكه الأشرار على الهرب والإباق فانبعث بتحريكهم فأبق ثم رجع وتاب وندم، فإنّ ذلك لا يكون من العيب بوجه كيف وكلّنا نفرّ من مولانا الحقيقي ثم نرجع ونندم، وهذا لا يعدّ من العيوب.
ص: 234
وأمّا إذا كان العبد بحيث لا يطمأن عليه من الإباق والهرب واحتاج إلى موكّل يمنعه عن ذلك فلا ينبغي التأمّل في أنه عيب، لأنه حينئذ نظير ما إذا كان العبد سارقاً ولا يطمأن عليه بالمال، فإنه في المقام أيضاً كذلك لاحتمال أن يسرق نفسه فيكون هذا موجباً للخيار، ولا تأمّل في ذلك.
وإنما الكلام في أنّ كونه كذلك هل يتحقّق بإباقه مرّة واحدة أو يحتاج إلى التعدّد والتكرّر، وهذا مورد للتأمّل والإشكال ولا يبعد أن يقال بعدم كفاية المرّة في ذلك، فإنّ العبد لا يكون بإباقه مرّة واحدة متّصفاً بصفة الإباق بل يحتاج ذلك إلى تعدّد حتى يصدق عليه ذلك العنوان، ويدل عليه صحيحة أبي همام قال: «سمعت الرضا (علیه السلام) يقول يردّ المملوك من أحداث السنة من الجنون والجذام والبرص، فقلت - إلى أن قال - فقال له محمّد بن علي فالإباق؟ قال: ليس الإباق من ذا إلّا أن يقيم البيّنة أنه كان أبقاً عنده»(1) حيث دلّت على أنّ الإباق إنما يكون عيباً موجباً للخيار فيما إذا شهدت البيّنة على أنه كان متّصفاً بالإباق «كان آبقاً» عند البائع، وهذا لا يتحقّق بالاباق مرّة واحدة، إذ لعلّه أبق من جهة فقر مولاه وكونه على سعة عند مولاه الأول ونحوه، لا من جهة كونه أبقاً. وبعبارة أخرى أنّ عبارة الرواية هي قوله (علیه السلام) «كان آبقاً» وهو من الصفات، وليست العبارة بصيغة الماضي كقوله أبق مثلاً حتى يكتفى فيه بالمرّة الواحدة. وهذا أيضاً ظاهر.
وإنما الإشكال فيما توهّم من المعارضة بين صحيحة أبي همام المتقدّمة الدالّة على كون صفة الإباق موجباً للردّ والخيار و [موثقة] محمّد بن قيس «أنه ليس في إباق العبد عهد»(2) وظاهرها أنّ البائع غير متعهّد بالإباق.
ص: 235
ولا يخفى أنه لا وجه لتوهم المعارضة بينهما كما أفاده شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) لأنّ المراد بكون الإباق موجباً للخيار وعدمه هو إباق العبد عند البائع وأمّا إياقه عند المشتري فلا إشكال في عدم كونه موجباً للخيار، ومعنى أنه لا عهدة في الإباق وأنّ الجنون ونحوه في عهدة البائع هو أنه بعد ما دخل العبد في ملك المشتري فأبق عنده فلا عهدة عليه، بخلاف الجنون فإنه لو جنّ عند المشتري إلى سنة فعهدته على البائع(2) وذلك لأنه لا معنى لعهدة البائع للإباق فيما إذا كان العبد عنده وفي ملكه أو كونه متعهّداً لجنونه فيما إذا كان في ملكه، لأنّ الإنسان لا يكون ضامناً ومتعهّداً لماله، فاطلاق العهدة إنما يصح فيما إذا خرج عن ملكه وكان عند المشتري، وعليه فمورد الروايتين مختلف، فنفي العهدة إنما هو في الإباق عند المشتري كما أنّ إثبات الخيار فيما إذا كان الإباق عند البائع فلا معارضة بينهما.
[مسألة]: اشتمال المبيع على خليط خارج عن جنسه كالسمن المشتمل على الدُرْدي(3) فإنه بالاضافة إلى الخالص عنه معيب، وهذا مضافاً إلى أنه كذلك عرفاً يستفاد من [صحيحة] مُيَسِّر بن عبدالعزيز قال «قلت لأبي عبدالله في الرجل يشتري زقّ زيت يجد فيه دردياً، قال: إن كان يعلم أنّ الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يردّه وإن لم يكن يعلم فله أن يردّه»(4) فإنّ معناها أنّ المشتري إن كان عالماً بأنّ الزيت في الخارج يشتمل على الدردي بحسب الغالب وإن لم يكن يعلم بأنّ في هذا الزيت المبيع أيضاً الدردي موجود لاحتمال أن يكون المبيع صافياً فلا يثبت له الخيار، لأنّ العلم
ص: 236
بغلبة وجود الدردي بمنزلة براءة البائع عن صفة الخلوص، ومع التبرّي عن وصف الصحة لا يثبت خيار العيب، وأمّا إذا لم يعلم بالغلبة الخارجية فكأنه اشتراه بشرط وصف الصحة فيثبت له الخيار، وهذا نظير ما ذكرناه في الثيبوبة ويأتي الثمرة المذكورة فيها في المقام بعينه فراجع، هذا.
و [في معتبرة] السكوني عن جعفر عن أبيه «أنّ علياً (علیه السلام) قضى في رجل اشترى من رجل عكّة فيها سمن احتكرها حكرة فوجد فيها رُبّاً فخاصمه إلى علي (علیه السلام) فقال (علیه السلام) لك بكيل الربّ سمناً، فقال له (علیه السلام) الرجل إنما بعته منه حكرة، فقال له علي (علیه السلام) إنما اشترى منك سمناً ولم يشتر منك ربّاً»(1) وقد وقع الإشكال في هذه الرواية على تقدير صدورها عنه (علیه السلام) من جهة أنهم فهموا من قوله (علیه السلام) للمشتري بكيل الربّ سمناً، أنّ المشتري يطالب من البائع سمناً بمقدار الربّ الموجود فيه، وهذا إنما يصح فيما إذا كان المشتري اشترى سمناً كلّياً في ذمّة البائع بمقدار معيّن ولم يدفع في مقام الأداء ذلك المقدار المعيّن وإنما أعطاه نصفه مثلاً مع نصف آخر من الربّ، فيصح حينئذ أن يقال إنّ المشتري يطالب البائع بمقدار كيل الربّ سمناً لأنه المبيع دون الربّ.
إلّا أنّ احتمال كون البيع في الرواية من الكلّي في الذمّة مقطوع العدم، لأنه على خلاف صريح الرواية فإنها دلّت على أنّ المشتري قد اشترى السمن الموجود في العُكَّة حُكْرَةً أي مجموعاً ودفعة، وليس هذا من بيع الكلّي في شيء، إذ لا معنى لبيع الكلّي حُكْرَةً ومجموعاً، ولذا اعترض الرجل على علي (علیه السلام) بأنّ المشتري اشترى الموجود مجموعاً وحُكْرةً لا أنه اشترى سمناً كلّياً فلماذا حكمت باستحقاقه سمناً بمقدار الربّ، وبالجملة أنّ حكمه (علیه السلام) لا يلتئم مع كون المبيع جزئياً معيّناً.
ص: 237
ولكن هذا الإشكال في الرواية مبني على ما فهموه من أنّ المشتري يستحق على البائع السمن بمقدار الربّ الموجود، والظاهر أنّ المراد بقوله (علیه السلام) «لك بكيل الربّ سمناً» هو أنّ للمشتري مطالبة البائع بالثمن بمقدار الربّ الموجود عوضاً عن السمن، لا أنه يطالبه بالسمن بمقدار الربّ، وذلك لأنّ سمناً إمّا حال أو تمييز وقوله (علیه السلام) «لك بكيل الربّ» لا يتم إلّا بتقدير شيء يكنّى به عن الثمن إذ لا معنى لقوله «لك بكيل الربّ» إلّا أن يضاف إليه في التقدير كلمة شيء أعني الثمن، أي لك بكيل الربّ شيء أي ثمن، وليس سمناً مبتدءاً متأخّراً لقوله لك بكيل الربّ وإلّا لكان مرفوعاً، بل جيء به حالاً أو تمييزاً بمعنى أنّ للمشتري بمقدار الربّ الثمن في حالة فرضه أي المبيع سمناً، وأنّ الثمن المعطى في مقابل ما فرضه سمناً يرجع إليه بمقدار الربّ الموجود، والوجه في ذلك أنّ البائع قد استحق الثمن في مقابل السمن المكيل بكيل معيّن، والمفروض أنه لم يسلّم له هذا المقدار، فبمقدار الباقي يرجع إلى البائع ويأخذ الثمن، إذ المفروض أنّ المبيع شخصي، وعليه فلا إشكال في الرواية من هذه الجهة والرواية ليست على خلاف القاعدة كما لا يخفى.
ثم إنّ شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) تعرّض في المقام لصورة أخرى خارجة عن محل الكلام، إذ البحث إنما كان في خيار العيب وهو إنما يتم في صورة جهل المشتري به، وأمّا صورة علمه بالعيب فلا يثبت له الخيار فيها، إلّا أنه (قدس سره) تعرّض بالمناسبة إلى هذه الصورة أيضاً وذكر (قدس سره) أنّ المشتري إذا كان عالماً بوجود الدردي في السمن وقد اشتراه فمقتضى ما تقدّم أنّ البيع حينئذ صحيح وأنه لا يثبت له خيار العيب لعلمه به، مع أنّ مقدار المبيع مجهول والجهل به يوجب البطلان، لأنّ الفرض أنه يعلم مقدار مجموع السمن والخليط وأمّا أنّ الخليط بأيّ مقدار فلا، وهذا يوجب الجهل بمقدار المبيع،
ص: 238
والمفروض أيضاً أنّ الخليط خارج عن جنس المبيع ولا يتحوّل وليس من جنسه وممّا له مالية حتى يقال إنّ العلم بمقدار المجموع كافٍ في صحته ما إذا باع منّاً من الحنطة وقد خلطها بالشعير، وهذا لا ينافي ما تقدّم في بحث الاندار(1) [و] من جواز بيع المظروف مع ظرفة(2) إذا كان مقدار المجموع معلوماً، لأنّ الصحة فى الصورة المذكورة إنّما ثبتت بالاجماع ومورده ما إذا كان المبيع هو المجموع من الظرف والمظروف ولا تنطبق على ما نحن فيه، لأنّ المعلوم في المقام هو مقدار مجموع السمن والدردي لا السمن مع ظرفه، وهذا نظير ما إذا كان وزن الحنطة التي حملت على الحمير معلوماً من حيث المجموع بأن علمنا أنّ الحمل والمحمول عليه أي الحمار كذا مقداراً فهل يكفي هذا في صحة بيع الحنطة فيما إذا كان المبيع هو الحنطة فقط دون مجموعهما، ولو صح ذلك لصح بيع المجهول في كل مورد كما إذا أراد بيع الحنطة ووضع في إحدى كفّتي الميزان وزنة أو حقّة من الاُرز ونحوه ووضع مقداراً من الحنطة فى الكفّة الأخرى ثم أكملها بالتراب إلى أن ساوت مع الكفّة الأخرى فيكون وزن مجموع الحنطة والتراب معلوماً وهو الحقّة الواحدة دون خصوص وزن الحنطة مع أنّ المفروض هو بيع خصوص الحنطة لا هي مع التراب والأمر في المقام كذلك لأنه إنما أراد بيع خصوص السمن لا هو مع الدردي والمعلوم هو وزنهما معاً لا خصوص وزن المبيع، فالبيع باطل من أساسه.
وقد تصدّى (قدس سره) للجواب عن هذا الإشكال وصوّر لهذا البيع صوراً.
الصورة الأولى: هي ما إذا كان الخليط في المبيع موجباً لتعيّب المبيع فقط أي موجباً لزوال وصف صحته من دون أن يوجب نقصاً في وزنه بأن كان الدردي المخلوط بالسمنِ قليلاً نظير خلط تراب قليل في كوز ماء فإنه يوجب كدر الماء ولا
ص: 239
يقلبه إلى المضاف، ففي هذه الصورة المعاملة صحيحة لأنّ الوزن في المبيع معلوم والمفروض أنه لا نقص فيه بحسب الوزن، نعم إنما هو معيب ولكنه لعلمه به لا يأتي في حقه الخيار وهذا ظاهر، وكونه ناقصاً على تقدير تصفيته من الخليط لا يمنع عن صحة المعاملة لكفاية العلم بالمبيع المعيب.
الصورة الثانية: ما إذا كان الخليط غير موجب لتعيّب المبيع أصلاً بل كان موجباً لنقصان وزنه كما إذا وضع في السمن حَجَراً ونحوه أو رُبّاً كما في [معتبرة السكوني](1) وباع ذلك السمن مع العلم بمقدار المجموع من السمن والحجر مع أنّ المفروض عدم العلم بوزن السمن الذي هو المبيع فقط، وفي هذه الصورة تارة يبيع كل صاع من السمن الموجود بكذا، وقد تقدم في بيع كل صاع(2) من الصبرة(3) المعيّنة أن بيع كل صاع منها بكذا صحيح لأنه غير موجب للغرر والجهل بما يدخل في كيسه في مقابل ما يخرج منه، إذ المفروض أنه يعطي في مقابل كل صاع يدخل في كيسه درهماً مثلاً فلا يذهب ماله هدراً فالبيع صحيح بلا خيار فيه أصلاً.
أمّا انتفاء خيار العيب فلوضوح أنّ الصاع غير معيب، وأمّا انتفاء خيار تبعّض الصفقة فلأجل أنّ المبيع ليس إلّا كل صاع وصاع دون عشرة أو تسعة كما هو ظاهر.
نعم إنّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) اشترط في صحة البيع في هذه الصورة العلم بمقدار المجموع من الظرف والمظروف.
وقد ذكرنا أنّ هذا أيضاً غير معتبر في صحة البيع، إذ لا وجه لاعتباره مع عدم مدخليته في العلم بمقدار المبيع ولا في ارتفاع الغرر، لأنه سواء كان عالماً بوزن المجموع أم لم يكن عالماً به لا يعلم أنه كم صاعاً، ولكنه مع ذلك لا ي يوجب الغرر
ص: 240
لأنه يدفع بازاء كل ما يدخل في كيسه درهماً فلا غرر في البين ولا خيار أصلاً وإن وجد فيه حجراً ونحوه.
وأخرى يبيع عشرة أواق سمناً من العكّة الموجودة أو عشرة أصواع من الحنطة ثم يظهر فيه دردي بمقدار وُقية(1)، والمعاملة في هذه الصورة أيضاً صحيحة في تسعة أوقيات دون الوقية العاشرة لعدمها حسب الفرض، ولكن يثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة لعدم وصول تمام المبيع إليه، والفرق بين هذه الصورة والصورة المتقدّمة عليها هو أنّ المبيع في هذه الصورة هو مجموع العشرة أواق أو العشرة أصواع، وأمّا الصورة المتقدّمة فالمبيع فيها كل صاع وصاع أو وقية ووقية دون المجموع.
ثم إنّ شيخنا الأنصاري (قدس سره) ذكر صورة ثالثة في المقام: وهي ما إذا باع الموجود على أنه عشرة أواق، والفرق بينها وبين الصورة الثانية هو أنّ العشرة في هذه الصورة شرط وخارج عن ذات المبيع، وأمّا في الصورة الثانية فهي عين المبيع وأجزائه، وحكم فيها(2) بالصحة وخيار تبعّض الصفقة أو خيار تخلّف الشرط.
[واعلم] أنّ هذه الصورة بعينها هي الصورة الثانية، وأنه لا معنى لاشتراط كونه كذا صاعاً، وذلك لأنّ الاهمال في الواقعيات غير معقول، وحينئذ نسأل عن أنّ المبيع أيّ شيء فهل هو عشرة أواق أو خمسة أو أقل أو أكثر بحيث لو كان غيرها فهي ليست بمبيعة، فلا سبيل إلّا أن يقال إنّ المبيع هو العشرة، إذ المفروض عدم ذكر غير العشرة فيكون كما في الصورة الثانية البيع صحيحاً إلّا أنّ تخلّف شيء منها يوجب خيار تبعّض الصفقة لعدم وصول تمام أجزاء المبيع إليه.
وبالجملة: أنّ العشرة ليست بشرط بل هي عين المبيع وأجزائه، إذ مقتضى كونها
ص: 241
شرطاً أنّ المبيع غيرها فيسأل عن أنه أي مقدار بعد استحالة الاهمال في الواقعيات فهل هو خمسة أوقيات أو أربعة أو أقل أو أكثر بحيث لا يكون غيرها مبيعاً، وحيث إنّ المفروض أنّ جميعها مبيع فلا محالة تكون العشرة عين المبيع وأجزائه كما في الصورة الثانية، ففي جميع هذه الصور يحكم بصحة المعاملة والبيع.
نعم، لو باع السمن الموجود في الظرف مع علمه بوجود مقدار خليط فيه ممّا لا يسوى بشيء فلا محالة يحكم بالبطلان لعدم العلم بمقدار المبيع كما مرّ.
قد تقدّم أنّ العيب في المبيع يوجب الخيار فيما إذا وقع البيع على المعيب إلّا في مثل الحيوان حيث ذهبوا إلى أنّ حدوث العيب فيه إلى ثلاثة أيام أيضاً في عهدة البائع وإن لم يكن حال البيع موجوداً، وأمّا في غير الحيوان فثبوت الخيار فيه متوقّف على وقوع البيع على المعيب، إلّا أنّهم استثنوا من ذلك عيوباً وجعلوها موجبة للخيار إلى سنة بعد المعاملة بحيث لو تحقّق شيء منها في أثناء السنة فهو يوجب الخيار وإن لم يكن شيء منها متحقّقاً حال المعاملة وهي على المشهور أربعة: البرص والجذام والجنون والقَرْن.(1)
ص: 242
ولم يرد في روايات الباب ما يدّل على علّة ذلك، إلّا أنّ بعضهم علّله بأنّ ظهور تلك العيوب فى أثناء السنة يكشف عن وجودها سابقاً، وهذا من قبیل العلّة بعد الوقوع وإلّا فلا يكون ذلك علّة للحكم المذكور ومن هنا لو علمنا بحدوثها في هذه السنة أيضاً وعدم كونها متحقّقة قبلها لكانت موجبة للخيار أيضاً لإطلاق الأخبار وذلك لامكان حدوث العيوب المذكورة في تلك السنة أيضاً كما إذا جنّ لدهشة عرضية، وليست هي كما ذكروه من أنّها لا توجد إلّا بعد كونها قبل تلك السنة وكيف كان فتحقيق الكلام في ذلك يقع في ضمن جهات.
الجهة الأولى: فيما ذكره شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) من أنّ الجذام لم يذكر في رواية محمّد بن علي(2) التي قال بعضهم إنها ضعيفة. وذكر الأردبيلي(3) (قدس سره) [وصاحب الجواهر(4)] أظن أنه الحلبي فالرواية صحيحة، وحكى عن المحقّق الأردبيلي (قدس سره) أنه استشكل في عدّ الجذام من أحداث السنة من هذه الجهة أي من جهة عدم ذكره في رواية محمّد بن علي، ونقل عن الحدائق(5) أنه جمع بين تلك الرواية وغيرها ممّا اشتمل على لفظ الجذام بأنّ الأولى مطلقة فيحمل على المقيّد وهو غيرها من الأخبار، فأجاب عنه بأنّ المقام ليس من قبيل تعارض المطلق والمقيّد نعم هو شبيه بهما لوجود احتمال في أحدهما لا يحتمل في الآخر وهو احتمال سقط الجذام عن رواية محمّد بن علي، هذا.
ولا يخفى أنّ ما أفاده (قدس سره) من أوّله إلى آخره على خلاف الواقع، لأنّ الأردبيلي (قدس سره)
لم يستشكل في الجذام أوّلاً، ولا نقله عنه في الحدائق ثانياً، ولا أنّ رواية
ص: 243
محمّد بن علي فاقدة للجذام ثالثاً، لأنها كما رواها في الوسائل(1) مشتملة على الجذام فراجع. نعم رواها في الحدائق(2) بلا ذكر الجذام وأظن(3) أن شيخنا الأنصاري (قدس سره) اعتمد في نقله الرواية على نقل الحدائق ولم يراجع الوسائل ومن هنا نسب إليها عدم ذكر الجذام.
الجهة الثانية: أنّ بعض الروايات الواردة في المقام التي منها صحيحة وموثّقة وغيرها قد اقتصر فيها على ذكر الجنون والبرص والجذام كما فيما رواه الشيخ (قدس سره) عن أبي همام(4) وفي بعضها(5) الآخر اُضيف إليها رابع وهو القرن وفي بعضها الآخر عطف الحدبة على القرن كما في رواية ابن فضّال(6)، إلّا أنّ الظاهر أنّ الحدبة ليس أمراً خامساً بل هو عين القرن وقد عطف عليه لأنه (علیه السلام) في صدر تلك الرواية حصر الأحداث في أربعة أشياء وقال (علیه السلام) أربعة ترد معها المبيع إلى سنة، ثم عدّ الجنون والبرص والجذام والقرن والحدبة، فيعلم منه أنّ الحدبة ليس غير القرن(7) وإلّا لكانت خمسة مع أنها
ص: 244
حصرها في أربعة. وقد فسّرت الحدبة بأنه حدب في الفرج يمنع عن المواقعة كما ربما تكون في الظهر. وفسّر القرن بأنه عظم في الموضع المذكور يمنع عن الوطء وكلاهما واحد، وعليه فالموجبات لردّ المبيع إلى سنة أربعة، هذا.
إلّا أنّ الأردبيلي(1) قد استشكل في القرن لخلو [صحيحة] أبي همام(2) عن القرن واقتصارها على الجنون والبرص والجذام، ومع خلوّ هذه الصحيحة عنه لا يمكن الحكم بالردّ إلى سنة في القرن، لأنّ المتيقّن من الموجبات للردّ إلى سنة هو الثلاثة المذكورة، وهذا هو الذي استشكل فيه الأردبيلي دون الجذام كما نسبه إليه شيخنا الأنصاري(3) (قدس سره) .
وأجاب في الحدائق(4) عن الأردبيلي بأنّ خلو الصحيحة عن القرن لا يمنع عن إلحاقه بالثلاثة لورودها في غيرها من أخبار الباب التي فيها صحيحة وموثّقة غاية الأمر أنّ الصحيحة مطلقة وغيرها مقيّدة بالقرن فنحمل المطلق على المقيّد.
وليس مراد صاحب الحدائق من الاطلاق والتقييد المطلق والمقيّد الاصطلاحيان حتى يرد عليه ما أورده شيخنا الأنصاري(5) (قدس سره) من أنّ المقام ليس من باب المطلق والمقيّد لوضوح أنه يتوقف على وحدة التكليف ليحمل المطلق فيه على مقيّده ولا وحدة في التكليف في المقام، بل الظاهر أنّ مراده بالاطلاق هو أنّ الصحيحة
ص: 245
واردة في مقام البيان ومعه ساكتة عن القرن، والسكوت عن ذكر أمر في مقام البيان هو الذي يعبّر عنه بالاطلاق المقامي، إذ لو سألنا الأردبيلي (قدس سره) وغيره عن وجه الاقتصار على الثلاثة فلا محالة يجيب بأنّها مع ورودها في مقام البيان مطلقة وساكتة عن القرن، إلّا أنه لمّا ورد في سائر الروايات المستفيضة إضافة القرن إلى الثلاثة وعلمنا بعدم إطلاق مراده (علیه السلام) من حيث عدم اعتبار غير الثلاثة، فلا محالة نرفع اليد عن الاطلاق المقامي لهذه المقيّدات، وهذا هو مراد صاحب الحدائق (قدس سره) فلا يرد عليه ما أورده شيخنا الأنصاري (قدس سره) .
الجهة الثالثة: أنّ الأردبيلي(1) (قدس سره) قد استشكل في البرض أيضاً من جهة أنه وإن ورد في جميع تلك الأخبار المستفيضة إلّا أنها معارضة برواية عبدالله بن سنان(2) الموصوفة بالصحة عند بعضهم وبالموثّق عند آخر وبالضعيف عند ثالث، حيث إنها دلّت على أنّ العهدة في البرص والحبل إلى ثلاثة أيام وفي غيرها من الجذام والجنون إلى سنة، وهذه الرواية معتبرة وإن لم تكن بصحيحة كما أسلفناه سابقاً، ومقتضاها عدم كون البرص من أحداث السنة.
فالإنصاف أنّ ما أفاده الأردبيلي (قدس سره) تمام في حدّ نفسه لأنّ المتيقّن هو الثلاثة ويرجع في غيرها إلى العمومات المقتضية للزوم، إلّا أنه لمّا كانت الروايات المشتملة على البرص مستفيضة وعدّة منها من الاتّفاقيات بين الأصحاب الذي لم يخالف فيه إلّا الأردبيلي (قدس سره) كان ذلك موجباً للاطمئنان بكون البرص من أحداث السنة، وعليه فيحتمل في رواية ابن سنان كما احتمله في الحدائق والجواهر التحريف وأنه اشتبه المرض بالبرص، وهذا الاحتمال وإن لم يكن في نفسه خالياً عن البعد إذ لو صح ذلك
ص: 246
جرى هذا الاحتمال في جميع الأخبار فيحتمل أنها كلمة أخرى شبيهة بما ذكر في الرواية، إلّا أنه في المقام لا بأس به لأنه مورد التعارض بينها وبين تلك الأخبار المستفيضة مع عدم الخلاف في الحكم، وبهذين الأمرين أعني معارضتها بالمستفيض وكون الحكم اتّفاقياً لا بأس باحتمال [التصحيف] في رواية ابن سنان.
فالصحيح أنّ البرص أيضاً من جملة العيوب التي تردّ معها المبيع فيما إذا حدثت إلى سنة.
الجهة الرابعة: أنه استشكل الشهيد الثاني(1) (قدس سره) في عدّ الجذام من موجبات الردّ إلى سنة من جهة الدليل الدالّ على أنّ الجذام يوجب الانعتاق على مولاه، وهذان الأمران كيف يجتمعان، إذ مع الانعتاق لا يمكن الرد كما لا يخفى.
وبالجملة: الفتاوى تطابقت على النص(2) الوارد في المقام على أنّ الجذام من أسباب الانعتاق، وقد روى السكوني أنّ العبد إذا عمي فلا رق وأنه إذا جذم فلا رق، وهذا كيف يجتمع مع الحكم بخيار المشتري في الردّ.
وقد ذكروا في توجيه الطائفتين من الروايات أعني ما دلّ على الخيار مع الجذام وما دلّ على الانعتاق معه وجوهاً لا يرجع شيء منها إلى محصّل، لأنها بأجمعها على خلاف ظواهر الأخبار، فالطائفتان متعارضتان.
وربما ذكر بعضهم في توجيه الأخبار الدالّة على خيار المشتري مع الجذام أنّ المراد من الردّ في الأخبار أعم من الردّ بالفسخ والردّ بالانفساخ، فكما أنّ الحيوان إذا مات في الثلاثة ينفسخ المعاملة بنفسها ولا ينافي ذلك الخيار فكذلك في الجذام فإنه ينعتق بذلك فيفسخ المعاملة وهو لا ينافي خيار المشتري في الردّ، هذا.
ص: 247
ولا يخفى أنّ حمل الردّ بالخيار على الانفساخ القهري خلاف الظاهر قطعاً وبعيد في حدّ نفسه، لمنافاته الخيار في الردّ لأنه نظير الردّ بالجنون والبرص فكما أنّ الردّ فيهما معناه ردّ المملوك الفعلي فكذلك في الجذام، فحمله على الانفساخ القهري بعيد. على أنّ هذا على خلاف صريح رواية الخصال عن ابن فضّال(1) حيث إنه (علیه السلام) صرّح فيها بخيار السنة، والخيار مع الانفساخ لا يجتمع.
فالصحيح أن يقال: إنّ الروايتين متعارضتان، ورواية السكوني [متفردة] في نفسها بحيث لولا تسالم الأصحاب على الانعتاق بالجذام لاستشكلنا في أصل كون الجذام موجباً للانعتاق، فلابدّ من العمل على تلك الروايات المستفيضة الواردة في الخيار في موردها والعمل برواية السكوني في غير المقام، ونلتزم في المقام بأنّ جذام العبد المشترىٰ لا يوجب الانعتاق، بل للمشتري الخيار في ردّه وإيقائه، نعم الجذام في غير المقام يكون موجباً للانعتاق كالعمىٰ.
ثمّ إنّ المشتري إذا أمضى العقد أو ردّه على بائعه فهل ينعتق على المشتري عند إمضائه وعلى البائع بعد ردّه إليه أو لا ينعتق بعد الحكم برقيته؟ ذكر شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) أنّ انعتاقه على البائع يحتاج إلى قيام دليل آخر غير تلك الرواية المتقدّمة ويدلّ على أنّ العبد المجذوم لا يتملّك، ولا تكفي فيه تلك الرواية لأنّها تقتضي انعتاقه لو حدث في ملكه، وأمّا إذا حدث في ملك شخص آخر فعدم التملّك له بحسب البقاء يحتاج إلى دليل، هذا.
ولا يخفى أنّ مدلول الرواية ليس هو الانعتاق ليقال إنّها تقتضي الانعتاق حدوثاً لا بحسب البقاء، بل مدلولها أنّ الأعمى والمجذوم لا يكون رقيقاً، وهذا مطلق
ص: 248
بحسب الزمان والآنات فكما لا يكون رقيقاً في الآن الأوّل كذا لا يكون كذلك في الآن الثاني وهكذا، فلا يحتاج في الانعتاق على البائع إلى دليل آخر.
الجهة الخامسة: أنّ الأخبار الواردة في ردّ المبيع بعيوب السنة مطلقة من حيث التصرف فيه وعدمه، وإطلاقها يشمل صورة التصرف فيه أيضاً، كما أنّ عدم تصرفه فيه في أثناء السنة بعيد، وعليه فتكون هذه الأخبار معارضة لما دلّ على أنّ التصرف في المبيع يوجب سقوط الخيار ولو بمثل قوله أغلق الباب.
والظاهر أن يقال: إنّ هذه الأخبار تكشف عن بطلان تلك القاعدة وأنه لا وجه لسقوط الخيار بمطلق التصرفات، فإنّ الخيار لا يسقط إلّا بأحد أمرين: أحدهما إسقاط نفس ذي الخيار. وثانيهما التعبّد الشرعي بسقوطه، وكلاهما مفقود في المقام، نعم لو أسقطه بنفسه أو دل دليل شرعي على السقوط كما دل في خيار الحيوان بقوله (علیه السلام) «أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامَسَ الخ»(1) فلا محالة نلتزم بالسقوط، إلّا أنّ المفروض عدم إسقاطه بنفسه وعدم دلالة دليل شرعي على سقوطه، فالخيار باقٍ ولو مع التصرف فيه بمثل اغلق الباب ونحوه.
نعم قد دلّت الأخبار على أنّ الوطء مانع عن الردّ كما تقدّمت في روايات ردّ الجارية من الحبل إذ وطئت، وقد دلّت على أنّ الجارية لا ترد إذا وطئت، فتكون تلك الأخبار معارضة مع الأخبار المستفيضة الواردة في المقام بحسب الاطلاق والنسبة بينهما عموم من وجه، لأنّ الطائفة الأُولى مطلقة بحسب المورد وتقتضي مانعية الوطء عن الرد كان ذلك في عيوب السنة أم كان في غيرها، والطائفة الثانية أيضاً مطلقة بحسب المورد لأنها تقتضي الخيار في عيوب السنة كان مع الوطء أم بدونه، فيتعارضان
ص: 249
في مادّة الاجتماع فيسقطان، والمرجع عمومات لزوم المعاملة نحو ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾(1) وقوله (علیه السلام) «الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة فإذا مَضَتْ ثلاثة أيام فقد وجب الشراء»(2) والمتحصّل أنه لا خيار في عيوب السنة بعد الوطء.
الجهة السادسة: أنه ذكر بعض الأصحاب أنّ عيوب السنة نظير غيرها من العيوب في الأحكام فيحكم فيها بثبوت كل من الردّ والأرش من الابتداء أو بعد تعذّر الردّ لوء أو موت ونحوهما، ولكن الصحيح أنه لا أرش في المقام، لما قد تقدّم أنّ ثبوت الأرش على خلاف القاعدة، والعقلاء إنما يحكمون بجواز الردّ عند ظهور العيب في المبيع دون الأرش، وهو إنما يثبت على خلاف القاعدة فلابدّ من الاقتصار فيه على مورده وهو غير عيوب السنة، إذ لم يرد في شيء من الأخبار المستفيضة ما يدل على الأرش فيها، بل كلّها اشتمل على أنّ المبيع يرد من العيوب الأربعة المتقدّمة فلا أرش في المقام.
نعم لو قلنا إنّ الأرش على طبق القاعدة(3) وأثبتنا أنّ مواد تلك العيوب أيضاً كانت موجودة حال العقد وقبله كما قيل(4)، فلا محالة يثبت الأرش في المقام أيضاً، إلّا أنّ كليهما على خلاف الواقع، لأنّ الأرش ليس على وفق القاعدة، وهذه العيوب لا دليل على كونها في المبيع قبل ظهورها فيه، إذ من الممكن أن يحدث في ملك الشمتري كما إذا جنّ لدهشة عرضته على ما تقدّم، هذا تمام الكلام في عيوب السنة.
[قال في الجواهر: «ثمّ ان الظاهر: إرادة مقدار سنة مبدؤها يوم الشراء، لا أنّ المراد تمام تلك السنة التي مبدؤها المحرّم؛ حتّى أنّه لو وقع الشراء مثلاً في ذي الحجّة
ص: 250
كان العهدة من هذه العيوب تمامه، لأنّ به تتمّ السنة، وإن أوهمه بعضها.(1)
نعم، قد يظهر منها اعتبارها هلاليّة لا عدديّة وإن وقع الشراء في المنكشر، والله أعلم»(2).]
قد تقدّم الميزان في صدق العيب على نحو الكلّية، والغرض في المقام التنبيه والاشارة إلى بعض العيوب.
قد ذكروا أنّ الكفر من العيوب، وذكر شيخنا الأنصاري(3) (قدس سره) أنّ الكفر ليس في نفسه بعيب، لأنه ليس على خلاف الخلقة الأصلية، فإنّها لا تقتضي شيئاً من الكفر أو الإيمان، نعم في الإنسان قوّة لو لم يزلها عن نفسه بشهواته لأوصلته إلى الإسلام أعني التوحيد فقط، دون النبوّة لأنّها ليست من الفطرة، أو توصله إلى النبوّة أيضاً، لأنّ حقيقة الإسلام من شؤون التوحيد وهو مقتضى الفطرة البشرية.
وكيف كان فالخلقة في نفسها لا تقتضي شيئاً من الكفر أو الإسلام فلا يكون عيباً، إلّا أنّ الغالب في العبيد والإماء في بلاد الإسلام لمّا كان هو الإسلام، فالإقدام على شرائها يقتضي اشتراط الإسلام فيها بحسب الارتكاز والغلبة وتخلّفه يوجب خيار تخلّف الشرط، هذا.
والصحيح هو ما ذكره العلّامة(4) (قدس سره) من التفصيل بين أنحاء الكفر فإنّ مثل التهوّد والتنصّر لا يكون عيباً في العبيد، لأنّ الإسلام في العبد كما أنه يوجب رغبة بعضهم إلى شرائه كذلك التهوّد والتنصّر فيه يوجب رغبة نوع آخر من العقلاء في
ص: 251
شرائه حتّى من المسلمين غير المبالين في الدين، ولو من جهة ملاحظة أنّ العبد المسلم يشتغل في مقدار من الزمان بالوظائف الإسلامية فتبقى أشغاله وأفعاله على حالها، فيشتري اليهودي أو النصراني لئلّا يشغل نفسه بالعبادات اللازمة على المسملمين ويشتغل بأمور مولاه، فالكفر بذلك نظير الخصاء في العبد الذي يرغب إليه بعض الفسقة ويبذل بازائه المال، فلا يكون الخصاء موجباً لنقص القيمة، فالتهوّد والتنصّر لا يكونان بعيب.
وأمّا النجاسة فهي مضافاً إلى كونها محل خلاف في أهل الكتاب، لا تمنع عن الاشتغال بالأفعال التي لا يشترط فيها الطهارة، فلا تكون عيباً.
وأمّا الكفر بمثل التوثّن والتمجّس فهو عيب وموجب لعدم رغبة النوع إليه بملاحظة أنّهما يمنعان عن مثل الوطء فيما إذا كان المبيع أمة لأجل النهي الشرعي وفوات مثل هذه الفائدة من العيب كما هو الواضح، فما أفاده العلّامة متين.(1)
ثمّ إنه(2) (قدس سره) تعرّض في أثناء كلامه إلى أنّ العيب هو عدم قابلية المبيع للانتفاع نوعاً، وأمّا عدمها بالاضافة إلى شخص المشتري فلا يعدّ من العيب.
وهو كما أفاده (قدس سره) لأنه اشترى اُخت مملوكته فإنه لا يمكنه الانتفاع بها بالوطء لعدم جواز الجمع بين الاُختين كانتا مملوكتين أو إحداهما مملوكة والأخرى زوجة، إلّا أنه لا يوجب العيب في المملوكة، أو فرضنا العبد ممن ينعتق عليه، فإنّ المناط هو عدم الانتفاع به بحسب النوع فإنه الذي يوجب نقصان قيمته [بالإضافة إلى] شخص المشتري.
ومن جملة العيوب وجود علّامة الوقف في المبيع ولو بحسب الاشتهار إن لم يبلغ
ص: 252
إلى حدّ الحجّية، والوجه في ذلك أنّ اشتهار الوقف في المبيع كالدار أو وجود علامته فيه يوجب نقصان قيمته لا محالة فلا محاله يدخل تحت ضابطة العيب.
ومنها: كون العبد ساحراً أو نمّاماً أو شارب الخمر [أو قاذفاً للمحصنات أو مقاصراً]، والانصاف أنّ هذه الأمور إن بلغت إلى حدّ يوجب الفتنة وفوات الانتفاعات منها بحسب النوع فلا محالة توجب نقصان قيمته ويكون عيباً، وأمّا إذا لم يبلغ إلى تلك المرتبة فلا لأنه لا يوجب عبد يكون عادلاً بتمام معنى العدالة فلو لم يكن نمّاماً فلا محالة كاذب أو يتّصف بغيره من الأمور القادحة في العدالة، إلّا أنّها لا تعد عيباً كما هو ظاهر وبذلك يلحق كون الرقيق خشن الصوت أو رطب الكلام [أو سَيّيءُ الأدب أو ولد الزنا أو مغنيّاً أو حجاماً أو أكولاً أو زهيداً أو عقيماً] فإنها ممّا لا يوجب تبعّض القيمه كما تقدّم، [ولكن إذا يوجب نقص المالية وتبعّض القيمة فيكون عيباً ويترتب عليه الخيار]. هذا تمام الكلام في المقام ويقع البحث بعد ذلك في الأرش.
ص: 253
والكلام فيه من جهات:
الجهة الأولى: في تحديد معناه.
وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) انه لغة كما في الصحاح(2) وعن المصباح(3) دية الجراحات، وعن القاموس(4) انه الدية، وفي اصطلاح الفقهاء يطلق على المال المأخوذ بدلاً عن نقص مضمون في مال أو بدن ولم يقدّر له في الشرع مقدر.
ثمّ حكي عن الشهيد(5) (رحمة الله) في حواشيه انه يطلق الاشتراك اللفظي على معان متعددة.
وذكر(6) (قدس سره) ان نظر الشهيد إلى ان اطلاق الأرش على كل واحد من هذه المعاني لملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي ابتداء بلا ملاحظة العلاقة بينها أنفسها. فلا
ص: 254
يكون مشتركاً معنوياً(1) بينها ولا حقيقة ومجازاً وأن ما أفاده(2) في معنى الأرش أمر(3) انتزاعي عن مجموع تلك الأمور والمعاني.(4)
أقول: ليس تحقيق معنى الأرش وتحديد مفهومه بذي أثر فيما نحن فيه، إذ لم يقع بعنوانه موضوع الحكم الشرعي وان ورد(5) في بعض نصوص الباب.
إلّا أنه قد ورد في أغلب النصوص بيانه لا بعنوان الأرش، فيحسن توجيه النظر إلى ما هو المستفاد منها في هذا المقام. ولأجل ذلك نصرف النظر عن تحقيق هذه الجهة.
ولكن الشيء الذي نستفيده، كما يقول الشيخ (قدس سره) هو(6) «انه لا يثبت الأرش الّا مع ضمان النقص المزبور»(7)
والحاصل: «الأرش عبارة عن المال الذي يطالبه البائع من المشتري على تقدير كون الثمن معيباً أو يطالبه المشتري من البائع فيما إذا كان المثمن معيباً، والغالب هو الثاني لأنّ الثمن بحسب الغالب يكون من النقود والصحة فيها غالبية بخلاف المثمن، وكيف كان فهذا هو المراد بالأرش في المقام، ولا كلام لنا في الاصطلاح والألفاظ فإن
ص: 255
شئت فعبّر عنه بلفظ آخر، إلّا أنّ الفقهاء قد أطلقوا عليه لفظ الأرش، وهو في اللغة(1) بمعنى الفساد، إلّا أنّهم اصطلحوا به في الدية والمال الذي يطالبه أحد المتعاملين عن الآخر، وقد جروا على هذا الاصطلاح في المقام وغيره من المقامات ومنها المال المأخوذ في جناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر الشرعي»(2)
ولاجل ذلك يقع الكلام في... .
الجهة الثانية: وهو ان المضمون فيما نحن فيه وهو المعاملة الواقعة على المعيب. هل هو قيمة العيب الواقعية أو قيمته بلحاظ المسمى في المعاوضة.
وبعبارة اخرى: انه هل يلزم على بائع المعيب دفع التفاوت بين الصحيح والمعيب بلحاظ القيمة الواقعية أو بلحاظ المسمى؟
وقد تعرض الشيخ(3) (قدس سره) تمهيداً لهذا البحث أن ضمان النقص في الكيفية تابع لضمان المنقوص وهو الأصل فيه، فان كان المنقوص... .
مضموناً بقيمته كالمغصوب ويسمى ضمان اليد، كان النقص مضموناً بما يخصه من القيمة اذا وزعت على الكل. وان كان مضموناً بعوض، بمعنى ان فواته يوجب عدم تملك عوضه المجعول له في المعاوضة - ويسمى ضمان المعاوضة - ، كان النقص مضموناً بما يخصه من العوض اذا وزع على مجموع الناقص والمنقوص، ولا يضمن بقيمته لان الجزء تابع للكل في الضمان.
وهنا يقع الكلام في أن ضمان وصف الصحة في المعاملة الواقعة على المعيب هل هو من قبيل ضمان اليد، فلابدّ من دفع قيمته الواقعية. أو من قبيل ضمان المعاوضة، فلابدّ من دفع ما يخصه من العوض المسمى في المعاوضة؟
ص: 256
نسب الشيخ(1) (قدس سره) إلى ظاهر جماعة من القدماء - كأكثر النصوص - ما يوهم إرادة قيمة العيب الواقعية، ولكنه رجح ان يكون الضمان من قبيل ضمان المعاوضة.
ثم استشكل(2) في هذه الجهة: بان مقتضى كون ضمان العيب بضمان المعاوضة أمران: أحدهما: أن العقد ينفسخ بمقدار ما يخصّ وصف الصحة من الثمن لعدم ما يقابله حين العقد، كالجزء المفقود حال البيع. وهو مما لم يقل به أحد.
الآخر: تعين أخذ الأرش من نفس الثمن وهو خلاف ظاهر جماعة معللين بانه غرامة.
فلا هو من ضمان المعاوضة ولا هو من ضمان اليد، لعدم كون وصف الصحة مضموناً بقيمته الواقعية.
وقد ذُكِرَ في عدم كون أرش العيب هو قيمته الواقعية بل هو بمقدار نسبة تفاوت قيمة الصحيح والمعيب، من القيمة المسماة، مع أن ظاهر كثير من النصوص هو كونه قيمة العيب الواقعية والتفاوت الواقعي بين قيمة الصحيح والمعيب. وجوهٌ:
الأوّل: ما أفاده السيّد الطباطبائي(3) (رحمة الله) من ان للمعاملة مقامين: مقام الانشاء ومقام اللب. ووصف الصحة وان لم يلحظ مقابلاً بالمال في المعاملة الانشائية إلّا أنه في اللب والواقع لوحظ مقابلاً بالمال، فإذا تخلف وصف الصحة كان مقتضى المعاملة اللبيّة ضمانه بجزء من الثمن لأنّه طرف المعاوضة.
الثاني: ما أفاده (رحمة الله) أيضاً من أنَّ البائع تعهد للمشتري بوصف الصحة وقد لوحظ بعض الثمن بداع ثبوته وإن لم يكن بازائه، فإذا تخلف كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بأداء ما لوحظ من الثمن لأجله.
ص: 257
الثالث: ما أفاده الشيخ (قدس سره) بقوله «فلا أوثق ان يقال...»(1)ومحصل ما أفاده: أنّ مقتضى المعاوضة عرفاً عدم مقابلة وصف الصحة بشيء من المال لأنّه كسائر الأوصاف لا تلحظ طرفاً للتعاوض وإن كانت دخيلة في زيادة ثمن الموصوف.
إلّا أنه قام الدليل من النص والاجماع على ثبوت الضمان لهذا الوصف من بين سائر الاوصاف وأنّه في عهدة البائع. ثم ذكر مضمون الوجه الثاني الذي نقلناه عن السيّد الطباطبائي (رحمة الله) .
والذي يبدو ان الشيخ (قدس سره) استند في أصل الضمان إلى الدليل التعبدي من النص والاجماع.
وأما كونه بالنحو الخاص فمستنده هذا الوجه، بخلاف السيّد (رحمة الله) ظاهره انه استند في أصل الضمان إليه.
وجميع هذه الوجوه مردودة:
أما الأول: فلان المعاملة اللبية والقصد الواقعى للمتعاملين لا أثر له بنظر العقلاء والشرع ما لم يبرز بالانشاء، فاذا لم تكن المعاملة الانشائية متكفلة لجعل بعض العوض مقابل وصف الصحة فلا أثر لمقام اللب.
وأما الثاني: فلان تعهد البائع والتزامه بوصف الصحة على حد التزامه بسائر الاوصاف، كالكتابة في العبد، مع أنّه لم يقل أحد بأنَّ تخلف غير وصف الصحة موجب للضمان والأرش وان كان بعض المال مبذولاً بلحاظه ولأجله.
ولو التزم بتعهد البائع بتدارك الوصف لإقتضى ذلك تداركه بقيمته الواقعية لا من المسمى، فتدبر.
ومنه يظهر الاشكال فيما أفاده الشيخ (قدس سره) .
ص: 258
وقد يتمسك في اثبات ذلك [بصحيحة] زرارة(1) حيث قال (علیه السلام) فيها «ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به».
ودلالتها على المدعى تبتني على كون قوله «من ثمن ذلك» متعلقاً بقوله «بقدر ما نقص» فيكون المردود ما ينقص من الثمن.
ولكنه يحتمل ان يكون متعلقاً بقوله «ويرد عليه» يعني يلزم ان يرد من الثمن بقدر النقص.
ولا ظهور للكلام في الأول، فتكون الرواية مجملة، فتسقط عن الاستدلال.
فالعمدة في إثبات ذلك هو دعوى ان المراد من النصوص المعبّرة بقيمة العيب ليس قيمة العيب الواقعية، بل قيمته في المعاملة الواقعة.
ويقتضي ذلك قرينتان:
الأولى: ان البناء على ضمان قيمة العيب قد يؤدي إلى خسارة البائع ما يزيد على مجموع ما أخذه من القيمة المسماة لتمام العين، كما لو كان باعها بأقل من قيمتها بكثير.
وهذا مما لا يلتزم به العقلاء في معاملاتهم جزماً، بضميمة أن حكم الأرش ليس حكماً تعبدياً صرفاً بل أكثر الاحكام الواردة في المعاملات كذلك، فلذلك يوجب الجزم بان المراد قيمة العيب بلحاظ المسمى.
وليس بناء هذا الوجه على امتناع الجمع بين العوض والمعوض بالنسبة إلى المشتري كي يقال ان الأرش غرامة وليس عوضاً، بل بناؤه على ان الأرش لتدارك ما ورد على المشتري من نقص في المعاملة. وهذا المعنى عقلائياً لا يتلاءم مع ضمان قيمة العيب الواقعية بلغت ما بلغت.
الثانية: الاجماع القطعي الثابت على كون المضمون قيمة العيب بلحاظ القيمة
ص: 259
المسماة لا القيمة الواقعية.
وأما ما استشهد به الشيخ(1) (قدس سره) على كون النصوص محمولة على الغالب من مساواة الثمن للقيمة السوقية للمبيع، من التعبير فيها برد البائع على المشتري الظاهر في كون المردود شيئاً من الثمن الظاهر في نقصانه عن الثمن، ولو كان المضمون نفس القيمة الواقعية لزاد على الثمن في بعض الاوقات.
فيمكن المناقشة فيه: بأنّه كما يمكن أن يكون التعبير بالرد قرينة على حمل التعبير بقيمة العيب على الغالب، يمكن أن يكون الأمر بالرد لأجل نفس هذه الغلبة، فلا ينافي كون المضمون هو القيمة الواقعية.
إذن، فالعمدة ما ذكرناه.
الجهة الثالثة: في انه هل يتعين أن يكون الأرش من نفس الثمن أو لا؟ [تردد بينهما المحقّق الثاني(2) (قدس سره) وذهب إلى الأوّل الأكثر(3) ومنهم الفقيه اليزدي(4) (قدس سره) ].
وقد قوى الشيخ(5) (قدس سره) الثاني(6) لعدم الدليل على الأول والأصل يقتضي عدم التعين من الثمن، إذ يشك المشترى في انه هل له المطالبة بخصوصية كونه من الثمن أو لا، وحديث الرفع ينفيه، أو فقل ان البائع يشك في وجوب دفع المال من الثمن خاصة بعد علمه بوجوب دفع أصل المال، والأصل ينفي وجوب الخصوصية.
وقد يستدل على وجوب كونه من الثمن بوجهين:
ص: 260
الأول: التعبير في روايات الأرش(1) بالرد، فان ظاهره كون المردود شيئاً كان عنده أولاً، وليس هو إلّا بعض الثمن.
الثاني: قوله (علیه السلام) في [صحيحة] ابن سنان: «ويوضع عنه مِنْ ثمنها بقدر العيب إن كان فيها»(2) [وصحيحة زرارة: «وكان يضع له من ثمنها يقدر عيبها»(3)]، فان ظاهر[هما] كون الأرش من الثمن.
وناقش الشيخ (قدس سره) كلا الوجهين:
أما الأول: فبأن مقتضى التأمل التام هو الجزم بان هذا التعبير وقع بملاحظة ان الغالب وصول الثمن إلى البائع وكونه من النقدين.
ومن الواضح ان الملحوظ في النقدين غالباً جهة ماليتها بلا خصوصية لشخص النقد المأخوذ، فالرد يكون بملاحظة الجهة النوعية في الثمن وهي جهة المالية لا الجهة الشخصية، فالرد بهذه الملاحظة يصدق ولو لم يكن المردود من عين الثمن.
وأما الثاني: فبأنه محمول على الغالب من كون الثمن كلياً في الذمة لا شخصياً، فاذا اشتغلت ذمة البائع بالأرش نقّص المشتري عند أداء الثمن ما في ذمته له، فان الوضع الوارد في النص بمعنى «التقليل والتنقيص».
وهذا ظاهر في كونه قبل أداء الثمن إلى البائع كي يصدق الوضع من المشتري، فلاحظ.
الجهة الرابعة: في أن الأرش هل يتعين ان يكون من النقدين أو لا؟
الظاهر الأول وذلك لما تقرر في محله أن الأصل في ضمان المضمونات القيمية أن يكون من النقدين. وقد علل ذلك بان النقدين متمحضان في المالية بحيث ينطبق
ص: 261
عليهما المال بمالهما من الخصوصية، وليس الأمر كذلك في غيرهما من الأموال، كالحنطة والكتب والدور ونحوها، فإنَّها وإن كانت أموالاً لكنَّها غير متمحضة في هذه الجهة.
وكيف كان، فالمسألة كبروياً ليست محل كلام، ومسألتنا من صغرياتها، فيتعين ان يكون الأرش من النقدين.
وقد حكم العلامة (رحمة الله) في القواعد(1) [والتحرير(2)] والشهيد (رحمة الله) في الدروس(3) في باب الصرف بانه لو وجد عيب في أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير النقدين ولم يجز منهما.
واستظهر المحقّق الثاني(4) (رحمة الله) من ذلك عدم التزامهما بتعين الأرش من النقدين.
وتوضيح جهة الاستظهار: ان الأرش كما أشار إليه الشيخ(5) (قدس سره) سابقاً إنّما هو لتتميم المبيع المعيب وجعله مقابلاً للثمن المبذول بازاء الصحيح، وليس هو لتنقيص الثمن بجعله مقابلاً للمبيع المعيب.
وعليه، فاذا لزم دفع الأرش من النقدين في المعاملة الصرفية كان ذلك عوضاً عما قابله من الثمن، ومقتضى ذلك بطلان المعاملة في ما قابله من الثمن لعدم تحقّق القبض قبل التفرق المعتبر في صحة المعاملة الصرفية.
وإذا امتنع كون الأرش من النقدين. فالحكم بلزوم دفع غير النقدين لا يمكن ان يكون من باب بدليته عن النقدين لفرض امتناع ثبوت المبدل منه في الذمة، فلا معنى لان يؤخذ شيء بعنوان البدلية عنه، فلابدّ أن يكون من باب أنه أحد فردي
ص: 262
التخيير في باب الأرش، وهذا يرجع إلى عدم الحكم بتعيّن كون الأرش من النقدين.
وحيث انه استظهر ذلك من هذا الحكم [استشكل] عليه: «بأن الحقوق المالية إنّما يرجع فيها إلى النقدين، فكيف الحق [الواجب] باعتبار نقصان أحدهما»(1)
ودفعه الشيخ(2) (قدس سره) بما توضيحه: ان الحكم المزبور لا يلازم عدم تعيّن الأرش من النقدين في صورة عدم التراضي، وذلك: لأن الأرش ليس من باب اشتغال الذمة بشيء بل يرجع إلى جعل حق التغريم للمشتري على البائع، فما يختاره في هذا المقام يكون مصداقاً للأرش.
نعم، الثابت أولاً هو حق التغريم من النقدين بحيث لا يحق للبائع الامتناع.
أما مع التراضي على غير النقدين فيجوز دفعه بعنوان أنه أرش لا عوض عن الأرش.
وبالجملة، يكون المدفوع أى شيء كان هو الأرش بنفسه لا بدلاً عنه. وهذا لا ينافي تعين دفع النقدين مع عدم التراضي.
إذن، فحكم العلّامة (رحمة الله) بكون المدفوع من غير النقدين في باب الصرف أرشاً لا بدلاً عنه لا ينا في التزامه بتعيّن الأرش من النقدين أولاً وبالذات. هذا.
[أقول]: ولكن يرد على العلّامة (رحمة الله) بناء على هذا التوجيه انه لا يُلزم البائع بدفع الأرش من غير النقدين في معاملة الصرف، لعدم ثبوت الحق إلّا مع التراضي، فاذا لم يرض بدفعه لم يحق إلزامه. فلاحظ وتدبر.
الجهة الخامسة: هل يمكن أن يكون الأرش مستوعباً لتمام الثمن أو أنه أمر غير معقول وأنه لابدّ أن يكون الأرش ناقصاً عن الثمن في جميع المقامات؟
ص: 263
ذكر شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) أنّ الأرش لا يعقل أن يكون مستغرقاً لتمام الثمن، والحقّ معه (قدس سره) والوجه في ذلك: أنّا وإن لم نعتبر المالية في صحة المعاملة وذكرنا في أوائل البيع أنّ شراء شيء لا مالية له صحيح ومثّلنا بما إذا وجد شخص خطاً من خطوط جدّه مثلاً عند آخر وأراد شراءه منه بثمن لكثرة حبّه لجدّه فاشتراه بثمن غالٍ، فإنّ بيعه صحيح وله غرض عقلائي في مثله أيضاً، إلّا أنه لا يسوى بشيء عند العقلاء، لأنّ خطّ جدّه كخطّ غيره ممّا لا قيمة له، وكيف كان فلم نعتبر في صحته المالية.
إلّا أنّ الكلام في المقام لمّا كان في الأرش وهو إنما يعقل فيما له مالية وقيمة وإلّا فلا يفرق بين صحيحه ومعيبه، كان مفروض الكلام في بيع شيء له مالية، وإذا فرضنا أنّ الأرش استغرق قيمته كما إذا ظهر الرقي حامضاً لا يسوى عند العقلاء بشيء فمعناه أنه لا منفعة ولا مالية لذلك المبيع المعيب، إذ لو كان له منفعة أو مالية لكان يسوى بشيء ولما استوعب الأرش تمام ثمنه، وحيث إنّ البيع وقع على عنوان المال وقد ظهر لا مال فلا محيص من الالتزام ببطلان المعاملة حينئذ، لأنّ الموجود غير جنس المبيع وتخلّف الصور النوعية والأجناس يوجب البطلان.
وأمّا إذا فرضنا أنّ للمعيب منفعة نادرة فهو خارج عن محل الكلام، لأنه حينئذ يسوى بالمال غاية الأمر أنّ المبذول بازائه يكون قليلاً فلا يكون الأرش مستوعباً لتمام ثمنه.
نعم ذكر شيخنا الأنصاري(2) أنّ الأرش المستوعب لتمام الثمن يتصوّر في العيب الحادث بعد البيع كما إذا اشترى شيئاً وقبضه ثم حدث فيه عيب في ثلاثة أيام أعني زمان الخيار الذي قلنا بضمان البائع للعيب الحادث فيه وكان العيب مستوعباً لتمام
ص: 264
قيمته، فإنّ المشتري يطالب البائع حينئذ بتمام الثمن ويبقى العين مملوكة له أي للمشتري وإن لم يكن مالاً، أو إذا فرضنا عدم كونه ملكاً أيضاً فهو متعلّق حقّ المشتري ومع ذلك يطالب البائع بتمام ثمنه الذي هو الأرش حسب الفرض، هذا.
ولا يخفى ما فيه، فإنّ الأرش إنما يختص بالعيب السابق على العقد، وأمّا ما حدث بعده ولو في زمان الخيار أو قبل القبض فلا دليل على ثبوت الأرش في مثله لأنه على خلاف القاعدة وإنما أثبتته الأخبار في العيب السابق على البيع، هذا كلّه فيما إذا لم يكن الأرش مستوعباً لتمام الثمن فضلاً عمّا إذا كان مستوعباً له، نعم البائع ضامن للعيب الحادث في زمان الخيار أو قبل القبض، إلّا أنّ معنى ضمانه كما سيأتي في أحكام الخيار والقبض إن شاء الله تعالى انفساخ المعاملة ورجوع الثمن إلى المشتري، وفي المقام أيضاً تنفسخ المعاملة بحدوث العيب بعد البيع في زمان الخيار أو فيما قبل القبض ويرجع الثمن إلى المشتري، إلّا أنّ المعيب يرجع إلى البائع مالاً كان أم ملكاً، ولا يكون متعلّقاً لملك المشتري أو حقّه، فيكون التعيّب بعد البيع بما يوجب استيعاب الأرش لتمام القيمة ملحقاً بالتلف فيدخل تحت قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه أو في زمان الخيار فهو من مال بائعه الذي هو بمعنى الانفساخ ورجوع الثمن إلى المشتري ولا يبقى له المبيع، لا أنه يطالبه بالأرش كما احتمل ما ذكرناه شيخنا الأنصاري (قدس سره) فما أفاده (قدس سره) ممّا لا يمكن الالتزام به.
نعم يمكن تصوير الأرش المستوعب لتمام الثمن فيما إذا كان المبيع متموّلاً في حدّ نفسه إلّا أنّ بقاء ماليته احتاج إلى بذل أكثر من قيمته وهذا كالكتاب إذا تعيّب أو العبد تمرّض وتوقّف إصلاحها إلى بذل أكثر من قيمتهما، ولكنّهما في نفسهما متموّلان وإبقاء ماليتهما يحتاج إلى نفقة زائدة على قيمتها لا أنّ ماليتهما ارتفعت بتمامها، وحينئذ إذا اشتراه أحد يتمكّن من مطالبة البائع بالأرش الذي هو أكثر من الثمن مع بقائهما في ملك المشتري وكونهما مالاً، هذا.
ص: 265
ولكن الانصاف أنّ هذا المثال أيضاً غير تام، لأنّ المفروض أنّ المبيع متموّل ويبذل بازائه مال لامكان الاستفادة منه في شيء في المطالعة أو العتق ونحوهما ومن هنا لو أتلفها أحد لضمن قيمتهما، ومع ذلك لا يعقل أن يكون الأرش مستوعباً لتمام الثمن فلا محالة يكون أقل منه ولو بمقدار طفيف، وأمّا إذا صار بحيث لا يبذل بازائه مال فالكلام فيه هو الكلام في سابقه حيث عرفت أنّ المعاملة باطلة في مثله، لأنه إنما اشتراه بعنوان أنه مال وقد خرج عن كونه مالاً، فالمعاملة باطلة وإن صحّحنا بيع ما لا مالية له، إلّا أنّ في المقام المعاملة وقعت على عنوان المال وتخلّفه يوجب البطلان.
فالصحيح أنّ الأرش المستوعب لتمام الثمن غير معقول، وهذا في العيوب الخارجية ظاهر فإنّ المبيع إذا استوعب الأرش ثمنه يسقط عن المالية فتبطل المعاملة، إلّا أنّ العلّامة(1) (قدس سره) على ما حكي عنه صوّر ذلك في العيوب الاعتبارية وذكر أنّ العبد الجاني عمداً يتوقّف بيعه على إجازة المجني عليه والمشتري يتمكّن من الفسخ إذا كان جاهلاً فيرجع بثمنه، كما أنه يتمكّن من إمضائه والمطالبة بالأرش، فإن كانت الجناية مستوعبة تمام القيمة فالأرش ثمنه أيضاً أي يرجع بتمام الثمن لأنه أرشه إلى آخر ما أفاده (قدس سره) حيث صرّح بجواز مطالبة الأرش المستوعب لتمام قيمة العبد.
وتوضيح ما أفاده في هذا الفرع: هو أنّ جناية العبد إمّا أن تكون عمدية وإمّا أن تكون غير عمدية كالخطأ وشبه العمد لأنه أيضاً ملحق بالخطأ فيما نذكره.
فإن كانت الجناية غير عمدية فلا يثبت للمجني عليه على تقدير حياته أو لوليّه على تقدير موته حق في عين العبد، لأنّ الجناية خطأ وإنما يثبت لهما المطالبة بالدية وأرش الجناية من سيّده، وللمولى أن يبيع ذلك العبد قبل مطالبة المجني عليه بالدية
ص: 266
وبعده، وليس له ولا لوليّه الممانعة عن بيعه لأنه ليس مورداً لحقّه، والمالك لا بدّ من أن يدفع الدية إلى المجني عليه أو وليّه، والدية أقل الأمرين من قيمة العبد وأرش الجناية، فيرى المالك أيّهما أقل يدفعه إلى المجني عليه، وبيع العبد في هذه الصورة صحيح وليس للمشتري الفسخ.
إلّا أنّ هذا كلّه فيما إذا كان المالك موسراً متمكّناً من ردّ الدية، وأمّا إذا كان معسراً فللمجني عليه أن يأخذ بالعبد ويسترقّه بتمامه إذا كانت الدية مستوعبة لقيمته، أو يسترقّه ببعضه إن كانت أقل من قيمته، فإن استرقّه بتمامه فالمعاملة الواقعة عليه باطلة ويرجع المشتري الجاهل بالحال إلى المالك بثمنه، وإن استرقّه ببعضه فيثبت للمشتري خيار تبّعض الصفقة، وأمّا إذا كان المشتري عالماً بالحال فلا يتمكّن من الرجوع إلى المالك ولا يثبت له الخيار، هذا فيما إذا كانت الجناية غير عمدية.
وأمّا إذا كانت عمدية فنفس العبد الجاني يكون متعلّقاً لحق المجني عليه أو وليّه ولهما أن يسترقّاه، كما أنهما مختاران في الاقتصاص منه وفي ردّه إلى مالكه ومطالبته بالدية، فإذا باع العبد في هذه الصورة فالبيع يتوقّف على إجازة المجني عليه وإلّا بطل، فإن أجازه فيجب على المالك أن يدفع الدية إلى المجني عليه وقد عرفت أنها أقل الأمرين من أرش الجناية وقيمة العبد، وأما المشتري فإن كان جاهلاً فله أن يفسخ العقد ويرجع بتمام الثمن كما أنّ له(1) الامضاء والمطالبة بالأرش وحينئذ إن كان الأرش مستوعباً لتمام قيمته يرجع على البائع بتمام الثمن أيضاً وهذه هي محل استشهادنا من كلام العلّامة، والفرق بينه وبين صورة فسخ العقد ورجوعه بتمام ثمنه أنه فيها يرجع بعين ثمنه، وأمّا في صورة مطالبة الأرش المستوعب يطالبه بمقدار الثمن وإن لم يكن عينه، وإن لم يستوعب القيمة فيرجع ببعض الثمن هذه خلاصة ما أفاده العلّامة في
ص: 267
المقام، وفي هذا الفرع كلام طويل ولكنّا لا نتعرّض إلّا الجملتين من كلامه.
الجملة الأولى: ما أفاده هو وغيره من أنّ صحة البيع في موارد تعلّق حق الغير بالعين تتوقّف على إجازة صاحب الحق كما في حق الرهانة أو الجناية ونحوهما إلّا أنّا ذكرنا في محلّه أنّ بيع العين لا ينافي تعلّق حق الغير بها، لأنّ ذي الحق له أن يستوفى حقّه منها، كان مالكها هو البائع أم كان هو المشتري، ولا خصوصية للمالك، وهذا نظير ما إذا مات مالك العين وانتقلت إلى ورثته فإنه لا ينافي حق الغير المتعلّق به، ومادام لا ينافي البيع حق الغير لا وجه لتوقّف صحته على إجازته لأنه أجنبي عن العين ولا ربط له بها من حيث كونها ملكاً للبائع أو لغيره، فما أفاده من توقف صحة البيع على إجازة المجني عليه ممّا لا وجه له.
الجملة الثانية: ما أفاده من أنه يرجع عليه بتمام الثمن أيضاً فيما إذا كان الأرش مستوعباً لقيمته، ولا يخفى عليك أنّ العبد الجاني إمّا أن يكون مع الجناية الصادرة منه مالاً ويبذل بازائه شيء عند العقلاء، وإمّا أن تزول ماليته بجنايته بحيث لا يسوى في الخارج بشيء فإن كان مالاً ويبذل بازائه المال فلا يعقل أن يكون الأرش حينئذ مستوعباً لتمام ثمنه فما معنى أنه يرجع بتمام الثمن أيضاً، وإن لم تبق له مالية بعد جنايته وسقط عن المالية بها وحينئذ فلا مانع من أن يكون الأرش مستوعباً لثمنه ويرجع عليه بتمام الثمن فيما إذا كان جاهلاً بالحال، إلّا أنه لا يمكن الحكم بصحة المعاملة حينئذ فيما إذا كان عالماً بالحال على مسلك المشهور والعلّامة (قدس سره) لأنه إذا كان عالماً بأنه جاني وأنه ممّا لا قيمة له فكيف يوقع المعاملة عليه مع أنهم يشترطون في صحتها أن يكون المبيع مالاً، فكون العبد خارجاً عن المالية حينئذ لا يجتمع مع حكمه (قدس سره) بصحة البيع وعدم ثبوت الخيار للمشتري فيما إذا كان عالماً بالحال، لأنهم يعتبرون المالية في صحه المعاملة، هذا.
على أنّ هذا الترديد تشقيق محض لا حقيقه له، أعني قولنا إمّا أن يكون مالاً أو
ص: 268
لا يكون، لأنّ العبد ولو بلغت جنايته إلى ما بلغ مالٌ فعليٌّ، غاية الأمر أنه في معرض التلف فيما إذا أراد المجني عليه الاقتصاص، إلّا أنّ احتمال رضاه بالدية أو إرضائه بها كافٍ في بذل العقلاء في مقابله المال، غاية ما هناك أنه لا يسوى بما يسوى به العبد غير الجاني لا أنه لا يقابل بشيء، فالأرش المستوعب لتمام الثمن غير متصوّر في العيوب الاعتبارية ولا في العيوب الخارجية، هذا كلّه في مفهوم الأرش.
البائع والمشتري ربما يعلمان بقيمة المبيع على تقدير الصحة والعيب، وحينئذ يأخذ المشتري من البائع بنسبة ذلك التفاوت من الثمن وهذا ظاهر.
وأمّا إذا جهلا بقيمة الصحيح والمعيب فلابدّ من الرجوع إلى المُقَوِّمِ العارفِ بقيمة المال، والرجوع إلى إخبار العارف بقيمة المال يتصوّر على ثلاثة أقسام كما قسّمه شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) .
الأوّل: أن يكون المبيع موجوداً في الأسواق وله قيمة معيّنة عند أهل السوق ويعلمها جميعهم لأنه أمر محسوس بحيث لا يحتاج إلى إعمال نظر ودقّة، وهذا نظير الفرش والكتاب ونحوهما ممّا يوجد في الأسواق بكثرة، وإخبار العارف حينئذ يدخل في باب الشهادة لأنه راجع إلى الإخبار عن أمر محسوس خارجي.
الثاني: أن لا يكون المبيع موجوداً في السوق ولا له قيمة معيّنة عند أهلها وقد ظهر معيباً، وهذا نظير كتاب التذكرة مثلاً إذا كان مخطوطاً بخط نفس العلّامة إلّا أنه كان معيباً لأنه أكلته الأرضة فرضاً، وحينئذ لابدّ من المراجعة في استعلام قيمته إلى أهل الخبرة والاطلاع، ويكون إخباره بقيمته إخباراً عن نظره وحدسه من جهة كثرة ممارسته بأشباهه ونظائره، لا إخباراً عن أمر محسوس يعرفه جميع أهل السوق.
ص: 269
الثالث: أن يكون كل من المتعاملين عالماً بالقيمة إلّا أنّهما يجهلان الانطباق كما إذا علما بأنّ الثوب من صوف قيمته كذا مقداراً والثوب المخلوط منه ومن القطن يسوى بنصفه إلّا أنّهما لا يدريان أنّ المبيع صوف أو مخلوط، أو إذا علما بأنّ قيمة الذهب الخالص كذا ولم يدريا أنّ المبيع خالص أو مشوب، وحينئذ لابدّ من المراجعة إلى أهل الخبرة في تشخيص الخالص عن المخلوط، وهو إنما يخبر عن خلوصه وعدمه لا عن قيمته لعلمهما بها فهذه أقسام ثلاثة.
أما القسم الأول: فقد عرفت أنه من قبيل الشهادة، لأنّ المخبر به أمر محسوس معلوم في الخارج بلا حاجة إلى إعمال دقّة ونظر، فيعتبر فيه التعدّد لما ثبت من أنّ الشهادة تقوم باثنين فلا يكفي فيها الواحد.
وأما القسم الثاني والثالث فهما خارجان عن باب الشهادة، لأنّ المخبر به ليس أمراً محسوساً غير محتاج إلى نظر ودقّة بل هو يحتاج إلى إعمال الدقّة والمهارة فهما من باب الرجوع إلى أهل الخبرة والإطّلاع، فهل يعتبر فيها التعدّد أيضاً أو لا؟ الظاهر عدمه، والوجه في ذلك أحد أمرين على سبيل منع الخلو.
أحدهما: أنّهما خارجان عن الشهادة المعتبر فيها التعدّد وداخلان في الرجوع إلى أهل الخبرة والإطّلاع الذي ثبت اعتبار قوله بالسيرة العقلائية ولم يردع عنها الشارع كما هو واضح، فلا يعتبر فيهما التعدّد.
وثانيهما: [قد يقال]: أنّ الأصل في الخبر الواحد أن يكون حجّة في الموضوعات والأحكام من جهة الآيات والأخبار والسيرة العقلائية المتحقّقة [المدعاة] التي بها [بنىٰ بعض] على حجّية فتوى المفتي مع قطع النظر عمّا دلّ عليه من الروايات، ويحتاج إثبات عدم حجّيته إلى دليل مخرج، وهو إنما دلّ على عدم حجّيته بانفراده في باب المرافعات والمحاكمات دون غيرها، فلا محالة يكون نظره في المقام وإخباره معتبراً [عند مَن يرا اعتبار خبر الواحد في الموضوعات]، هذا.
ص: 270
ثمّ إنه إذا لم يوجد في الخارج مقوّم وأهل اطّلاع أو وجد ولم يدر قيمته فهل يجب على البائع ردّ الأكثر إلى المشتري أو له أن يقتصر بالأقل؟ ذكر شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) أنه يحتمل ضعيفاً وجوب دفع الأكثر، ووجهه أنّ ذمّة البائع قد اشتغلت مطالبة المشتري بالغرامة قطعاً ويشك في أنّ ذمّته هل تفرغ بدفع الأقل أو لا، فمقتضى قاعدة الاشتغال واستصحابه وجوب ردّ الأكثر حتّى يقطع بفراغ ذمّته، هذا.
ولكنّك خبير بتكرّر هذا الجواب والسؤال في تضاعيف الكتاب، وأنّ المورد من قبيل الشك في اشتغال الذمّة بالأكثر وعدمه لا الشك في الفراغ والمورد مجرى البراءة، ولا يجب على البائع إلّا دفع الأقل.
[ثمّ]، البحث يقع [مع الشيخ الأعظم (قدس سره) ] في جهات من كلامه:
الجهة الأولى: ما ذكره(2) من لزوم الرجوع إلى العارف بالقيمة مع الجهل بمقدار الأرش. فإنّه ممّا لم يظهر لنا وجهه، إذ الأمر يدور بين الأقل والأكثر الاستقالين مع كون الشبهة موضوعية، فيصح للبائع التمسك بأصالة البرائة من الزائد المشكوك فان المورد من مواردها بلا كلام، فلا يجب الفحص بعد كون الشبعة موضوعية.
وقد يقال في وجه وجوب الفحص: أنَّ الرجوع إلى الأصل وإهمال الفحص يستلزم تضييع حقِّ المشتري في أكثر المقامات وعدم امتثال الحكم الشرعي بوجوب الأداء، لعدم معرفة قيمة المعيب غالباً. وفي مثله لابدّ من الفحص، كما قُرِّرَ في محلِّه.
ولكن هذا القول غير سديد، إذ يتمكن المشتري ذوالحقّ من الرجوع إلى اهل الخبرة واقامة الشهادة على القيمة وهو يقوم بذلك عادة في سبيل استحصال حقه بحكم كونه من العقلاء، فلا يبقى مجال لرجوع البائع في مثل ذلك إلى الأصل.
ص: 271
نعم المواد التي لا يتوفر فيها الخبير للمشتري أو تقاعسه(1) عن ذلك للبائع الرجوع إلى الأصل. وهذه الموارد قليلة وليست غالبية بحدٍ توجب إهمال الحكم لو عمل بالأصل العملي.
وبالجملة، فما أفاده الشيخ (قدس سره) لا يمكن الالتزام به ولم نجد من نبّه على ذلك من المعلّقين.
الجهة الثانية: ما أفاده(2) من دخول القسم الأول من اخبار أهل المعرفة في الشهادة واعتبار التعدد فيه، فان هنا بحثاً في تحقيق مفهوم الشهادة في قبال الخبر وما هو الفارق بينهما.
وقد ذُكر فيه وجوه عديدة، ولا نرى البحث في ذلك مهماً أصلاً إذ غاية ما يمكن أنْ يفرض أثراً تختلف فيه الشهادة عن الخبر، هو اعتبار التعدد في الشهادة دون الخبر، فيكون للبحث عن تحديد الشهادة جدوى.
لكن الحق انه ليس لدينا دليل على ان الشهادة بعنوانها يعتبر فيها التعدد سوى ما ادعي من قيام الاجماع على ذلك.
وهو مخدوش، لأنه إما أن يكون قد قام على اعتبار التعدد بلحاظ المعنى اللغوي للشهادة أو بلحاظ المعنى الاصطلاحي.
أما الأول، فممنوع جداً، لان المعنى اللغوي للشهادة على ما قيل هو الإخبار بعنوان إظهار العقيدة والجزم بشيء في قبال الخبر الذي هو الإخبار عن الأمر الواقعي. ولا يخفى أن معنى الشهادة بنفسه موجود في الخبر لكنه يقتضيه بالالتزام لا بالمطابقة، مع انه لا قائل باعتبار التعدد فيه.
ص: 272
وأما الثاني، فهو ليس اجماعاً تعبّدياً، لان المعنى الاصطلاحي على ما قيل هو الإخبار الجازم عن حق لازم للغير من غير الحاكم، وقد وردت الأدلة على اعتبار التعدد في الموارد الخاصة فلا يكون الاجماع تعبدياً، فلا حجية فيه.
وبالجملة، فلا نرى مزيد أهمية لتحقيق معنى الشهادة واختلافها مع الخبر، وان ذهب السيّد الطباطبائي(1) (رحمة الله) إلى عدم الفرق بينهما أصلاً إلّا في اعتبار التعدد وعدمه، فما يعتبر فيه التعدد شهادة، وما لا يعتبر فيه التعدد خبر. وهو غريب(2)
الجهة الثالثة: في انه هل يعتبر في الرجوع إلى المقوّم فيما نحن فيه التعدد أو لا؟
وينبغي أولاً: البحث في انه هل يعتبر في مطلق الإخبار عن الموضوعات التعدد أو لا؟
وثانياً: على تقدير اعتبار التعدد في الإخبار عن الموضوعات هل يثبت ذلك فيما نحن فيه أو لا؟
أما الأمر الأول، فقد يقال باعتبار التعدد في الاخبار عن الموضوعات استناداً إلى نصوص ثلاثة:
الأول: رواية مسعدة بن صدقة التي جاء فيها «والاشياءُ كلُّها على هذا حتّى يستبين لك او تقوم به البينة»(3)، فان مقتضى حصر الغاية بالعلم والبينة عدم اعتبار غيرها في رفع اليد عن أصالة الحل.
الثاني: ما ورد في بعض الروايات في موضوع الجبن المجهول وضع الميتة فيه من قوله (علیه السلام) : «حتّى يجيئك شاهدان على أنّ فيه الميتة»(4) بضميمة الغاء خصوصية الميتة.
ص: 273
الثالث: ما ورد في باب ثبوت الهلال من قوله (علیه السلام) : «لا أجيز الّا شهادة رجلين عدلين»(1) وجميع هذه الوجوه مخدوشة:
أما الثالث: فهو وارد في باب الهلال. والغاء الخصوصية لا دليل عليه ومجرد احتمال الخصوصية يكفي في سقوط الاستدلال به على العموم.
وأما الثاني: فلضعف السند، مع أن الميتة المسئول عنها وهي «الأنفحة» طاهرة، فلا يعتبر في حِلّ الجبن عدم مجيء شاهدين، بل هو حلال حتّى مع العلم بوضع الميتة فيه
وأما الأول: فقد نوقش بضعف الدلالة من وجهين:
الأول: ان دليل حجية الخبر ينزل منزلة العلم ويثبت له أثر العلم، فيكون من مصادیق قوله «حتّى يستبين لك».
الثاني: ان البينة هي مطلق ما يوجب الوضوح والبيان ولا خصوصية للتعدد. واطلاق البينة على الخبر المتعدد إطلاق اصطلاحي.
وفي كلا الوجهين نظر، بل منع:
أما الأول: فلأن جهة الاستدلال بالرواية على عدم اعتبار خبر الواحد في الموضوعات ليس هو الاطلاق، بل هو ان اعتباره يستلزم لغوية اعتبار البينة لان تحقّق البينة يلازم سبق تحقّق الخبر الواحد، فلا اثر للبينة أصلاً، فنفس اعتبار البينة كاشف عن عدم اعتبار خبر الواحد.
وأما الثاني: فهو غير مسلم كيف؟ واطلاق البينة في لسان الشارع على خبر الشاهدين مطرد.
ص: 274
فالعمدة في رد هذه الرواية هو م ضعف سندها.(1)
وعليه، فما أقيم على اعتبار التعدد لا يصلح(2) الاستناد إليه.
فالمرجع اطلاق(3) دليل حجية الخبر كآية النبأ، فانها واردة في الموضوعات.
ومقتضى اطلاقها عدم اعتبار التعدد.
وهكذا سيرة العقلاء على اعتبار خبر الثقة، فانها جارية في الموضوعات.
نعم، الروايات الدالة على حجية خبر الثقة قاصرة عن شمول الإخبار عن الموضوع لكون موردها خصوص الإخبار عن الاحكام، فلاحظ.
وعليه، فيكتفى بخبر الواحد في الموضوعات، إلّا ماقام الدليل على اعتبار التعدد فيه، كموارد الدعاوي.
وأما الأمر الثاني، فلو سلم دلالة رواية مسعدة(4) على اعتبار التعدد وتمامية سندها، فهي لا تشمل ما نحن فيه مما كان الرجوع فيه إلى المقوّم بلحاظ انه من اهل الخبرة والمعرفة وإعمال الرأي لا بما انه مخبر عن امر حسي، فان السيرة قائمة على الرجوع اليه كالرجوع إلى المفتي وغير ذلك، ولا إشكال في عدم اعتبار التعدد فيه بحسب بنائهم ولذا لم يعتبر أحد في المقلَّد التعدد.
وبالجملة، المناط فيما نحن فيه هو حجية قول الخبير فيما له خبرة فيه وهو أجنبي عن حجية خبر الواحد. ومن الواضح ان السيرة قائمة على العمل بقوله بلا اعتبار التعدد، فلاحظ وتدبر.(5)
ص: 275
مسألة: فيما لو تعارض المقوّمون.
وقد ذكر الشيخ(1) (قدس سره) وجوهاً متعددة:
الأول: الرجوع إلى بيّنة الأقل، لإعتضادها بالأصل ويراد به أصالة البراءة من الزائد.
الثاني: الرجوع إلى بيّنة الاكثر، لانها مثبتة.
الثالث: الرجوع إلى القرعة، لانها لكل أمر مشتبه.
الرابع: الرجوع إلى الصلح لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية ظاهرية، والمورد غير قابل للحلف لجهل كل منهما بالواقع.
الخامس: تخيير الحاكم، لامتناع الجمع وفقد المرجّح.
السادس: ما عليه المعظم(2) وجعله أقوى، من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان عملاً بقاعدة الجمع مهما أمكن أولى. وقد بنى على ان طريقة الجمع هو العمل بكل من البينتين في قيمة نصف العين فانها جزء مضمون البينة، لامتناع العمل بكل منهما في تمام المضمون، فيؤخذ باحدى البينتين في قيمة نصف العين ويؤخذ بالأخرى في قيمة النصف الآخر. وفي هذا جمع بين الدليلين وجمع بين الحقّين بلا إيراد حيف على أحد المتبايعين بخصوصه.
ثم تعرض لنفي الوجوه الأخرى.
فلابدّ مِن ملاحظة «والمشهور بينهم هو الوجه الأخير وهو الذي اختاره شيخنا
ص: 276
الأنصاري(1) (قدس سره) والكلام في مدرك ذلك وأنّ الجمع بينهما بالعمل بكل منهما في النصف لماذا يكون أولى وأنّ الوجه فيه ماذا؟
فإن كان مدرك ذلك ما نقله شيخنا الأنصاري(2) (قدس سره) في بحث التعادل والترجيح من «أنّ الجمع [بين الدليلين] مهما أمكن أولى من الطرح»، كما هو ظاهر صدر كلامه حيث قال من وجوب الجمع بينهما بقدر الامكان، ففيه أنّ ذلك إنما هو فيما إذا كان بين الدليلين جمع عرفي بأن يكون أحدهما عند العرف قرينة على الآخر وهو إنما يتحقّق في الكلامين الصادرين من متكلّم واحد أو من هو بمنزلة الواحد كالأئمّة (علیهم السلام) ومن هنا ورد في بعض الأخبار(3) صحه إسناد ما يسمع من أحدهم (علیهم السلام) إلى الآخر بأن يقول قال أميرالمؤمنين (علیه السلام) من أنه سمعه من الصادق (علیه السلام) وهذا غير ثابت في المقام، لأنهما صادران من شخصين ولا يكون أحدهما قرينة على الآخر، كيف لا وأحدهما يكذّب الآخر فيما يدّعيه، فالجمع أولى من الطرح في موارد الجمع العرفي والأولوية حينئذ أولوية تعينية كما في آية اُولوا الأرحام(4) دون غير تلك الموارد فإنه لا أولوية للجمع على الطرح، فإنّ في الجمع أيضاً طرحاً لكل واحد منهما في النصف، لأنهما متعارضان في النصف أيضاً فمن يقول إنه يسوى بعشرة فيدّعي أنّ نصفه يسوى بخمسة، وفي الجمع يطرح قول كل منهما في النصف، فلا أولوية له بوجه كما ذُكر في بحث التعادل والترجيح(5)
وإن كان مدرك ذلك أولوية الجمع في خصوص المقام أعني الماليات كما هو
ص: 277
المستفاد من آخر كلامه، لقوله لأنّ فيه جمعاً بين الحقّين، لا مطلق المتعارضين بدعوى استفادة ذلك من سيرة العقلاء الجارية على الجمع بين الدليلين في الماليات ولم يرد عنها منع من الشارع كما هو ليس ببعيد وهو الذي يعبّر عنه بقاعدة العدل والإنصاف، فإذا كان هناك مال مردّد بين شخصين فيعطي كل واحد منهما نصفه من باب المقدّمة العلمية حتى نعلم بوصول المال إلى مالكه ولو في النصف، فكما ربما يكون صرف مقدار من المال مقدّمة وجودية لوصوله إلى مالكه كما إذا توقف وصوله إليه إلى صرف مقدار منه في البريد أو في إجارة الحمولة ونحوها، كذلك ربما يكون صرف مقدار منه مقدمة علمية لوصول المال إلى مالكه، فإنّ إعطاء النصف في المقام إلى كل منهما وإن لم يكن مقدّمة وجودية لوصول المال إلى مالكه لعدم توقفه عليه إلّا أنّه مقدّمة علمية وموجب الحصول العلم بوصوله إلى مالكه، وهذا ممّا اُشير إليه في بعض الأخبار أيضاً كما ورد(1) في التنصيف في الدينار الموضوع عند الودعي مع العلم بأنّ التالف إمّا هو دينار زيد وإمّا هو دينار عمرو والموجود أيضاً إمّا دينار زيد وإمّا دينار عمرو، إلّا أنّ الإمام (علیه السلام) حكم بتنصيف الدينار بينهما من جهة قاعدة العدل والإنصاف، فهذه القاعدة لو سلّمناها كما هو ليس ببعيد فإنما تختص بما إذا كان هناك مال مردّد بين شخصين كما إذا أقرّ شخص عند موته بأنّ داري ملك زيد وأنها كانت عارية عندي وتردّد زيد بين شخصين مسمّيين بزيد فدار أمر الدار بينهما من دون أن يكون دعوى من أحدهما على الآخر في البين، فإنّ مقتضی القاعدة المذكورة أن ينصف الدار بينهما من باب المقدّمة العلمية كما مرّ، ولا تجري في المقام إذ ليس في المقام مال مردّد بين شخصين وإنما تشتغل ذمّة البائع بالأرش عند مطالبة المشتري به ولا ندري أنّ ذمّته عند مطالبة المشتري اشتغلت بالأقل أو بالأكثر، والأقل معلوم ونشك في أصل
ص: 278
الاشتغال بالأكثر، فالمقام ليس من موارد قاعدة العدل والإنصاف، ومن هنا يظهر أنّ الرواية الواردة في الودعي ممّا لا يمكن إجراؤها في المقام، إذ لا مال مشترك بين شخصين.
كما أنه لا شهادة في بعض الأخبار الواردة في موارد التداعي للمقام حيث ورد أنّ المال إذا كان بيد شخصين وادّعى كل منهما أنه ملكه وأقام على مدّعاه بيّنة ينصف المال بينهما، والوجه في عدم صحة الاستشهاد به في المقام هو أنّ حكمه (علیه السلام) بالتنصيف ليس من جهة الجمع بين البيّنتين بالعمل بكل منهما في النصف، بل من جهة أنّ مفروض الرواية أنّ المال بيد الشخصين وإذا تعارضت البيّنتان وحكمنا بسقوطهما تبقى اليد بحالها، ومقتضى اليد الاشتراكية هو الملكية الاشتراكية، كما أنّ مقتضى اليد الاختصاصية هو الملكية الاختصاصية، فالتنصيف من جهة مقتضى اليد.
ويمكن أن يقال: إنّ الوجه في حكمه (علیه السلام) بالتنصيف هو أنّ كلاً من المدّعيين مدّع في نصف المال ومنكر في النصف الآخر، وحينئذ فيؤخذ بكل من البيّنتين في مورد الادّعاء وهو النصف ويطرحان في مورد الانكار، والنتيجة أنّ المال بينهما بالسوية.
والمتحصّل: أنّ هذه الرواية ممّا لا شهادة له للمقام لأنّ مورد الرواية هو اليد فيقتصر على موردها، وعليه فلا وجه للجمع بين القيمتين أو البيّنتين بالعمل بكل منهما في النصف، بل يمكن دعوى القطع ببطلان ذلك بملاحظة أشباه المسألة ونظائرها، فإذا اختلفا أي المقوّمين أو البيّنتين في أصل ثبوت الأرش فأثبتته إحداهما ونفته الأخرى، بأن قالت إحداهما إنّ معيب المال وصحيحه بحسب القيمة سواء، وقالت الأخرى بل صحيحه كذا ومعيبه كذا، أو اخبرت إحدى البيّنتين عن عدم العيب في المبيع وأخبرت الأخرى بوجوده فيه فهل يحتمل في مثله أن يقال بوجوب الجمع بينهما والعمل بكل واحد منهما في النصف، أو يقال إنّهما متعارضتان فتسقطان، وبهذا وأمثاله يمكننا دعوى القطع بعدم صحة الجمع بين البيّنتين أو القيمتين والعمل
ص: 279
بكل منهما في النصف.
وبالجملة: فلم نعرف الوجه في ذلك وإن ذهب إليه معظم الأصحاب لما عرفت من أنّ البيّنة كما هي معارضة في تمام القيمة كذلك هي معارضة في نصف القيمة، لأنّ من أخبر بأنّ قيمة المال عشرة فقد أخبر بأنّ كل نصف منه بخمسة ومع المعارضة بينهما كيف نأخذ بكل واحد منهما في النصف، فهذا الوجه ساقط.
وأمّا القرعة فالعمل عليها يحتاج إلى عدم قيام شيء من الأمارات والأصول في موردها وإلّا فهي مقدّمة على القرعة، إذ لو كان مورد القرعة هو مطلق الشك والتحيّر في الحكم الواقعي فلا يبقى لشيء من الأمارات والأصول مورد، لأنّ موردها هو الشك والجهل فلا محيص من تقييد موردها أي القرعة بعدم تعيين الحكم الواقعي وعدم ثبوت وظيفة ظاهرية وهو المعبّر عنه بالمشكل أعني ما لم يتّضح حكمه بحسب الواقع ولا بحسب الظاهر، وعليه فلا تجري القرعة في المقام (لجريان الأصل فيه كما سيأتي) ولم يقم عليها دليل بالخصوص.
وأمّا الروايات(1) الواردة في الارجاع إلى القرعة في موارد التداعي مع إيجاب الحلف على من يخرج القرعة باسمه كما ورد في عدّة روايات، فهي وإن تكفي في جواز العمل على القرعة إلّا أنها تختص بموردها، وموردها هو صورة التداعي ويستفاد هذا من إيجابه الحلف على من لم يخرج القرعة باسمه فراجع ونلتزم فيها بوجوب القرعة.
وأمّا في غير مورد التداعي كموارد الدعوى والانكار أو كموردنا الذي ليس فيه دعوى أصلاً، لأنّ المفروض أنّ كلا المتبائعين يدّعيان الجهل بالقيمة ولا يدّعيان شيئاً من القيمة ويرجعانها إلى المقوّمين، فلا تجري القرعة لعدم دلالة الدليل على جريانها فيهما، فاحتمال القرعة أيضاً ساقط.
ص: 280
وأمّا دعوى تخيّر الحاكم بين البيّنتين فهي أيضاً كسابقيها غير ثابتة، لما ذُكر في بحث التعادل والترجيح(1) من أنه لا دليل على التخيّر بين المتعارضين إلّا في خصوص تعارض الروايتين، وأمّا في غيرها من تعارض الأصول أو البيّنة أو اليد أو غيرها من الأدلّة فلا دليل فيه على التخيّر بوجه وإنما حكمها السقوط.
وأمّا الرجوع إلى الصلح فهو أيضاً لا دليل عليه بحيث يجبران على المصالحة إذ لا يدّعي كل منهما إلّا ما يستحقّه بحسب الحكم الشرعي، ولم يقم دليل فيه على إلزامهما بالصلح، نعم لو تصالحا باختيارهما فلا محالة يقع صحيحاً، وأمّا الالزام عليه فلا وهذا ظاهر.
وأمّا ترجيح بيّنة الأكثر بدعوى أنّها مثبتة للزيادة ولا معارض لها، لأنّ بيّنة الأقل لا تنفي الزيادة وإنّما يدّعي عدم علمها بالأكثر فهو صحيح فيما إذا كان الأمر كما ذكر بأن تكون الأكثر مثبتة والأقل ساكتة وغير نافية لما يثبته الأكثر، ولكن المقام ليس كذلك لأنّ الكلام فيما إذا كان كل من البيّنتين أو المقوّمين مدّعياً للعلم بالقيمة وأنّ الأقل يدّعي علمه بأنّ قيمة المال هو الأقل والأكثر يدّعي علمه بأنّ قيمته هو الأزيد لا أنّ الأقل ساكت، وعليه فهما متعارضان ومع التعارض لا وجه لأخذ أحدهما.
وأمّا ترجيح بيّنة الأقل من جهة اعتضادها بالأصل، فيدفعه ما ذكره شيخنا الأنصاري(2) في بحث التعارض من أنّ الأصول العملية لا تكون مرجّحة لأحد المتعارضين، لأنّ مرتبتها متأخّرة عن مرتبة الأدلّة والأمارات وهي صورة الشك في الحكم الواقعي، ومع وجود الدليل والبيّنة لا يبق مورد للأصول حتى تجري وتوجب الترجيح، فجميع الاحتمالات والوجوه ساقطة.
ص: 281
والصحيح أن يقال: إنّ المورد داخل تحت كبرى تعارض الأدلة والأمارات وحكمها هو السقوط، لأنّ أدلة الاعتبار لا يمكن أن تشمل المتعارضين معاً لاستلزامه الجمع بين الضدّين، وشمولها لأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجّح، وشمول الأدلة لأحدهما على البدل مندفع بأنّ الواحد على البدل ليس فرداً مستقلاً فلابدّ من الرجوع إلى الأصل الموجود فيه والأصل في المقام براءة ذمّة البائع عن الزائد فلا يجب عليه إلّا دفع الأقل»(1)
وتحقيق الكلام في المقام [بحسب القواعد العامة]: ان التعارض بين الدليلين إنّما هو فرع شمول دليل الحجية لكل منهما في حد نفسه ومع قطع النظر عن المعارضة، واما اذا لم يكن كل منهما مشمولاً لدليل الحجية فلا تعارض اصلاً، إذ لا حجية لأحدهما كي يتصادمان.
وعليه، نقول: انه من القريب جداً ما ذهب إليه السيّد الطباطبائي(2) (رحمة الله) من أنّ دليل حجية البينة لا يشمل صورة تعارضها أصلاً، فلا دليل على حجية البينة في صورة التنافي، فإنّه ليس لدينا إطلاق أو عموم يتكفل حجية البينة بقول مطلق، وما قام على حجيتها قاصر الشمول المورد التعارض، كما لا يخفى على من لاحظ نصوص حجية الشهادة.
ولو سلمنا ان الدليل يشمل البينة في مورد التعارض، فتارة: يلتزم بان الحجية المجعولة من باب الطريقية وأخرى: من باب السببية.
فعلى الأول، فالقاعدة تقضي بتساقط البينتين عند التعارض، لان القاعدة في تعارض الأدلة هي التساقط وإنّما يلزم الجمع بينهما إذا كان الجمع عرفياً، لا ما إذا كان
ص: 282
تبرعياً.
ومن الواضح ان ما ذكره الشيخ (قدس سره) من الجمع ليس جمعاً عرفياً بين البينتين، فلا عبرة به.
وعلى الثاني، يلتزم بالتخيير، لان المورد من موارد التزاحم.
إما بتقييد كل منهما بصورة ترك الآخر - نظير ما يقال في الترتيب في باب الأمر بالضدين - .
وإما لسقوطهما بالمزاحمة - بناء على امتناع الترتب - وثبوت خطاب آخر بهما بنحو التخيير للعلم بثبوت الملاك في كل منهما، فلا معنى لإهمالهما بالمرة من قبل الشارع، فاذا لم يمكن تحصيل كل منهما للتزاحم فيلزم بتحصيل أحدهما تخييراً، نظير سائر الخطابات التخييرية، كما يظهر ذلك بملاحظة الأمثلة العرفية المشابهة للفرض.
هذا في الأحكام التكليفية.
وأما في الأحكام الوضعية، كالملكية، فيقال: ان قيام البينة على ملكية هذا الكتاب لزيد - مثلاً - يوجب حدوث ملاك جعل الملكية لزيد، وقيامها على مل كيته لعمرو يوجب حدوث ملاك جعلها لعمرو، والجمع بين الملكيتين غير ممكن، والتخيير هاهنا لا معنى له لانه مفوّت لحق أحدهما.
فيتعين ان يلتزم بتأثير البينتين أثراً واحداً وهو ملكية كلا الشخصين للعين، لعدم امكان بتأثير كل منهما تأثيراً مستقلاً، نظير توارد العلل المتعددة على معلول واحد، فان التأثير يستند إلى الكل ولا يصدر سوى أثر ومعلول واحد. فيثبت التنصيف بهذا الوجه الاستحساني.
ومنه يتضح: ان ما ذهب إليه الشيخ (قدس سره) من ان مقتضى الجمع بين البينات هو التنصيف يبتني على مقدمات ثلاث:
الأولى: شمول دليل الحجية لمورد التعارض.
ص: 283
الثانية: الالتزام بالحجية بنحو السببية.
الثالثة: تقريب التنصيف بالوجه الاستحساني المزبور.
وجميع المقدمات محل إشكال، بل منع.
هذا، مع انه(1) لا ينطبق على ما نحن فيه، إذ الالتزام بالتنصيف فيما لو كانت كلتا البينتين ثبوتيتين بمعنى ان احداهما تثبت الملكية لشخص والأخرى تثبتها لآخر، لا مثل ما نحن فيه مما كان مورد التزاع هو الأقل والأكثر إذ الأقل متفق عليه والاختلاف في الزائد فاحداهما تثبته والأخرى تنفيه، وفي مثله لا يتأتىٰ حديث اجتماع المؤثرين إذ لا تأثير لبينة النفي في الملكية بل في عدمها.
هذا كله بحسب القواعد العامة.
أما بحسب الأدلة الخاصة الواردة في باب تعارض البيّنات في موارد التداعي على الملك: فهي على طوائف(2)، عمدتها ما حكم فيها بالقرعة، وما حكم فيها بالتنصيف.
ولكن الحق شيئاً منها لا يرتبط بالمقام، وذلك لان موضوع تلك النصوص ما إذا لم يكن مع أحد المدعيين ميزان ظاهري يرجح دعواه، بل كانت نسبة العين إلى كل منهما على حد سواء بحسب الموازين الشرعية.
وليس الأمر فيما نحن فيه كذلك، إذ مدعي الأقل له التمسك بالأصل إذ لا دليل على ثبوت الزائد في ذمته، فالأصل البراءة، فانه من موارد الأقل والأكثر الاستقلاليين.
هذا، مع احتمال ان القرعة لم تجعل من قبل الشارع حجة تعبدية يجب الرجوع إليها قهراً، بل هي طريق شرعي جعله الشارع إذا رضى به الخصمان، كما يظهر ذلك
ص: 284
من بعض رواياتها، فراجع تعرف.(1)
وجمله القول: ان المرجح في المقام بعد تساقط البينتين هو الأصل وهو ينفي الزائد. ولا مجال لسائر الوجوه الأخرى، فإنّها تندفع بوضوح، فلا نطيل. فلاحظ تعرف.
ثمّ إنه بناءً على ما ذهب إليه المشهور من الجمع بين البيّنتين والعمل بكل واحد منهما في النصف لابدّ من التكلّم في كيفية الجمع بينهما وبيان طريقته فنقول: قد نسب إلى المشهور في كيفية الأخذ بنصف ما يثبته البيّنتان واجمع بينهما ما حاصله: أنّ القيم الصحيحة تجمع على حدة وكذا تجمع القيم المعيبة باستقلالها ثمّ ينصّف كل من الحاصلين ويستخرج التفاوت بينهما وتلاحظ النسبة بينه وبين نصف القيم الصحيحة، ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة، أو يلاحظ نفس الحاصلين أي الحاصلين من الجمعين ويؤخذ من الثمن بتلك النسبة، إذ لا فرق في النسبة بين ملاحظة تمام الحاصلين وبين ملاحظة نصفيهما، مثلاً إذا قوّم أحد المقوّمين صحيح المال باثني عشر درهماً ومعيبه بأربعة، وقوّم الآیر صحيحه بستة دراهم ومعيبه باثنين فيجمع القيمتان الصحيحتان وهما اثنا عشر وستة وحاصله ثمانية عشر ويجمع القيمتان الأوّل تسعة ونصف الثاني ثلاثة والتفاوت ستة وهي ثلثا التسعة، فيرجع على البائع ويؤخذ من الثمن بثلثيه.
(جدول شماره 1)
فيرجع إلى البائع ويؤخذ من الثمن ب-2/3
ص: 285
أو تلاحظ ثمانية عشر وستة والتفاوت اثنا عشر وهو أيضاً ثلثا الثمانية عشر فيرجع من الثمن بتلك النسبة، هذا ما نسب إلى المشهور.
12=18-6
18(2/3)=12
ثمّ إنّ لشيخنا الشهيد(1) (قدس سره) كلاماً في المقام وحاصله: أنه لا اعتبار بالقيمتين الانتزاعيتين الحاصلتين من الجمع بين القيم الصحيحة والقيم المعيبة، ولا دليل على ملاحظتها ولا موجب له، وإنما اللازم والصحيح هو ملاحظة نفس النسبتين بين الصحيح والمعيب اللتين أخبر بما المقوّمان بلا ملاحظة نفس القيم، ثمّ يؤخذ من الثمن بنصف النسبتين، مثلاً إذا أخبر أحدهما بأنّ النسبة بين صحيح هذا المال ومعيبه بالربع وأخبر الآخر بأنّ النسبة بينهما بالنصف فيؤخذ من كل منهما نصفه فينصّف الربع والنصف ونصفهما هو الثمن والربع فيؤخذ من الثمن ربعه وثمنه بلا ملاحظة قيم الصحيح والمعيب.
1)← النسبة بين صحيح المال ومعيبه← 1/8=2÷1/4
و --------------------------------------← أرش: فيؤخذ من الثمن ربعه وثمنه بلا ملاحظة قيم الصحيح والمعيب
2)← النسبة بين صحيح المال ومعيبه← 1/4=2÷1/2
وهذا الطريق قد يطابق طريقه المشهور بلا تفاوت بينهما ويكون هذا مجرد مطلب علمي، وأخرى يغايره ويحصل بينهما التفاوت.
أمّا صورة تطابقهما فمثالها ما ذكرناه أوّلاً وهو ما إذا قوّم أحدهما صحيح المال باثني عشر درهماً ومعيبه بأربعة، وقوّم الآخر صحيحة بستة ومعيبه بدرهمين وفرضنا أنّ الثمن أيضاً هو اثني عشر درهماً وفي هذه الصورة لا يحصل التفاوت بين الطريقين،
ص: 286
لأنّ الأرش على طريقة المشهور هو الثلثان وهو من اثني عشر ثمانية لأنّ نسبة التفاوت بين مجموع قيمتي الصحيح وهو ثمانية عشر وبين مجموع قيمتي المعيب وهو ستة إلى مجموع قيمتي الصحيح أو نسبة نصفه إلى نصف الثاني هو الثلثان وهذا ظاهر، وأمّا على طريقة الشهيد فلأنّ النسبتين متساويتان، إذ المفروض أنّ المقوّم الأوّل جعل التفاوت بين صحيحه ومعيبه بالثلثين، إذ نسبة ثمانية التفاوت إلى اثني عشر الثلثان، وكذا المقوّم الثاني أخبر أنّ التفاوت بين صحيحه ومعيبه بالثلثين لأنّ نسبة أربعة التفاوت إلى الستّة الثلثان وفي الاخبار بالنسبة لا اختلاف بين المقوّمين، لأنّ النسبة على نظر كل منهما بثلثين، فيؤخذ من الثمن بثلثيه وهو ثمانية بلا فرق في ذلك بين طريقي المعروف والشهيد.
[أ] وطريقة الشهيد قد يطابق طريقة المشهور
نفس رقم 1 ← فرضنا أنّ الثمن 12 ← 12(2/3)=8
طريقة الشهيد
1/3=2÷2/3=8/12←8=12-4
و--------------------------- ← فرضنا أنّ الثمن 12 ← 12(2/3)=8
1/3=2÷2/3=4/6←4=6-2
وأمّا صورة تخالف الطريقين فهي تارةً بزيادة طريقة الشهيد على طريقة المشهور وأخرى بنقصانها عنها، وقد مثّل لهما شيخنا الأنصاري(1) (قدس سره) بمثالين.
أمّا صورة الزيادة فهي كما إذا قوّم أحدهما صحيح المال باثني عشر درهماً ومعيبه عشرة، وقوّم الآخر صحيحه بثمانية ومعيبه بخمسة وفرضنا أنّ الثمن أيضاً هو اثنا عشر، فعلى طريق المشهور يجمع بين القيمتين الصحيحتين وحاصله عشرون،
ص: 287
وأيضاً يجمع بين المعيبتين وحاصله خمسة عشر ونسبة التفاوت بالربع، أو ينصّف كل من مجموع الصحيحتين ومجموع المعيبين ونصف الأوّل عشرة ونصف الثاني سبعة ونصف، ويلاحظ النسبة بين التفاوت وهو اثنان ونصف بين نصف مجموع الصحيحتين وهو عشرة وهي الربع، فيؤخذ من الثمن ربعه وربع اثنى عشر هو الثلاثة، هذا على طريق المشهور.
وأمّا على طريقة الشهيد (قدس سره) فلابدّ من ملاحظة النسبتين، وأحد المقوّمين قد أخبر بأنّ النسبة بين صحيحه ومعيبه بالسدس، لأنّ النسبة بين اثنين التفاوت والاثنى عشر السدس، والمقوّم الثاني أخبر بأنّ النسبة بثلاثة أثمان لأنّها نسبة ثلاثة التفاوت إلى الثمانية، ويجمع بين النسبتين وحاصله السدس وثلاثة أثمان، وسدس اثنى عشر اثنان وثلاثة أثمانه أربعة ونصف، لأنّ ثلاثة أثمان من الثمانية ثلثه ومن الأربعة واحد ونصف ويضاف إليه اثنان ويكون المجموع ستة ونصف وينصّف هذا المجموع ويكون ثلاث وربع، وقد عرفت أنّ المأخوذ بناءً على طريقة المشهور هو ثلثه وطريقة الشهيد (قدس سره) زادت عليها بالربع.
[ب]: 1- زيادة طريقة الشهيد على المشهور:
- طريقة المشهور 1
(جدول شماره 2)
- طريقة المشهور 2
(جدول شماره 3)
ص: 288
- طريقة الشهيد
(جدول شماره 4)
وأمّا الصورة النقصان فهي كما إذا اتّفقا على أنّ معيب المال ستة واختلفا في صحيحة فقال أحدهما إنه عشرة وقال الآخر إنه ثمانية والمفروض أنّ الثمن اثنى عشر، فعلى طريق المشهور نجمع بين الصحيحتين وهما عشرة وثمانية وحاصله ثمانية عشر ونجمع بين المعيتين وحاصله اثنى عشر ونسة أحدهما إلى الآخر بالثلث، أو يُنصّف القيمتين ونصف الصحيحتين تسعة ونصف المعيبتين ستة، ونسبة أحدهما إلى الآخر بالثلث، فيؤخذ من اثنى عشر ثلثه وهو أربعة دراهم، وأمّا على طريقه الشهيد فلابدّ من ملاحظة النسبتين وقد أخبر أحدهما بأنّ نسبة صحيحه إلى معيبه خُمسين، لأنّ التفاوت بين العشره والستة أربعة وهي خمسا العشرة وأخبر الآخر بأنّ نسبتهما بالربع، إذ الفرق بين الثمانية والستة باثنين وهو ربع الثمانية فيجمع بينهما، وحاصله خسمان وربع، ويؤخذ نصفهما أعني الثمن والخمس، وثمن اثنى عشر واحد ونصف وخمسه اثنان وخمسان والمجموع ثلاثة وأربعة أخماس ونصف خمس، لأنّ كل عدد خمسة أخماس ونصفه خمسان ونصف فالنصف في واحد ونصف خمسان ونصف خمس، فإذا أُضيف إلىه أي إلى الواحد وخمسان ونصف خمس خمسان يصير أربعة أخماس ونصف خمس بحيث لو أُضيف إليه نصف خمس يصير عدداً كاملاً (وهو الواحد) وثلاثة وأربعة أخماس ونصف خمس ينقص عن الأربعة بنصف بخمس.
ص: 289
والمتحصّل: أنّ المأخوذ على طريقه المعروف أربعة من اثنى عشر وأمّا على طريقة الشهيد فهو الثلاثة وأربعة أخماس ونصف خمس وهو ينقص عن الأربعة بنصف خمس، فإذا بنينا على المعروف من الجمع بين البيّنات المتعارضات أعني العمل بكل واحد منهما في النصف فالصحيح هو ما ذهب إليه الشهيد (قدس سره) .
وذلك لأنّ المستند في الجمع المذكور إن كان هو الجمع بين الأمارتين وعدم طرحهما فلابدّ من العمل بقول كل واحد منهما في نصف مدلوله وهو ينطبق على طريقة الشهيد، وأمّا انتزاع قيمة ليست مدلولة لشيء من البيّنتين فلا مقتضي له وإن كان المستند هو الجمع بين الحقّين فيتعيّن طريقة الشهيد (قدس سره) أيضاً لأنّ حقّ المشتري هو النسبة بين قيمتي الصحيح والمعيب لا نفس القيمتين، فلابدّ من أخذ نصف النسبتين.
[ب]: 2- نقصان طريقة الشهيد على المشهور:
المشهور 1:
(جدول شماره 5)
المشهور 2:
(جدول شماره 6)
ص: 290
طريقة الشهيد
(جدول شماره 7)
والمتحصّل: إنه لا وجه لما ذهب إليه المعروف في طريقة الجمع ولعلّ غرض المشهور أيضاً هو ما ذهب إليه الشهيد وإن عبّروا عنه بما لا يؤدّي إليه في بعض الموارد نظير ما وقع من بعضهم في كتاب الزكاة حيث إنّ زكاة أرض تسقى بالمطر ونحوه من عشرة وزكاة الأرض التي تسقى بالدلاء ونحوه من عشرين، وأمّا الأرض التي تسقى بالدلاء والمطر من دون أن يغلب أحدهما على الآخر فقالوا إنّ ركاتها في نصفها من عشرين وفي نصفها الآخر من عشرة، وعبّر عن هذا بعضهم بأنّ زكاة الأرض المذكورة من خمسة عشر بتخيّل إنّ حكمها أن يؤخذ في نصفها من عشرين وفي نصفها الآخر من عشرة فكأنّ زكاتها من نصف عشرين وعشرة وهما يبلغان ثلاثين ونصفه خمسة عشر، مع أنّ الأخذ من خمسة عشر لا يطابق لأخذها في نصف الأرض من عشرين وفي نصفها الآخر من عشرة فراجع، مع أن غرضه معلوم، ولعلّ المقام من هذا القبيل.
ص: 291
إلى هنا فرغنا من تدريس بحث خيار العيب في يوم الثلاثاء التاسع من جمادي الأولى 1443 وبه تم المجلد الثاني عشر من كتاب الآراء الفقهية من دروسنا في الفقه الاستدلالي والحمدلله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
ص: 292
إجازة اجتهاد أصدرها المرجع الديني آيةالله العظمىٰ المرحوم السيّد عزالدين الحسيني الزنجاني (قدس سره) 3
تتمة أقسام الخيار. 5
تمهيد.. 6
السابع: خيار العيب / 7
المسألة الأولى: في حكم ظهور العيب... 14
المسألة الثانية:مسقطات خيار العيب... 28
التصرف الكاشف النوعي [عن الرضا بالعقد] هل يسقط الخيار؟. 38
التحقيق في المسألة. 42
رد كلام المحقّقين الخراساني والأصفهاني.. 43
التصرفات الاعتبارية في العين. 45
رأي الشيخ ومناقشته لكلام المحقّق الثاني.. 45
اعتراض المحقّق الخوئي على الشيخ.. 45
التحقيق في المسألة. 46
المناقشة فيما أفاده المحقّق الخوئي من الفرق بين الهبة والبيع. 46
كلام المحقّق الأصفهاني.. 47
المناقشة في كلام المحقّق الأصفهاني.. 48
حالة الشك في شمول مفهوم الحدث للهبة من جهة الشبهة المفهومية. 48
[فرعٌ] 58
الأمر الأوّل: أدلة الشيخ في مخالفة المشهور. 62
الوجه الأوّل. 62
الوجه الثاني.. 63
الوجه الثالث.. 64
الوجه الرابع. 65
الوجه الخامس... 66
الوجه السادس.. 66
الأمر الثاني.. 72
ص: 293
الأمر الثالث... 72
[فرع: هل ترد البكر الحامل؟] 73
[فرع] 75
يبقى الكلام في روايتين. 77
يبقى الكلام في فروع أخرى للمسألة... 79
الأمر الرابع.. 82
فروع. 90
تنبيهات في ما افاده الشيخ الأعظم. 97
فرعٌ. 107
المسألة الثالثة: ما يسقط به الأرش دون الرد. 108
المسألة الرابعة: مسقطات الرد والأرش معاً 112
الأول: العلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف.. 112
الثاني: تبري البائع عن العيوب إجماعاً في الجملة. 116
[وأمّا البحث حول الرد يقع في المقامين] 145
المسألة الخامسة: في لزوم الإعلام بالعيب... 149
مسائل: في اختلاف المتبايعين.. 155
[الجهة الأولى]: الاختلاف في موجب الخيار. 156
[الجهة الثانية]: الاختلاف في المسقط.. 181
[الجهة الثالثة]: الاختلاف في الفسخ.. 196
القول في ماهية العيب... 212
[نقل مقال الشيخ الأعظم (قدس سره) ] 212
[نقد مقالة الشيخ الأعظم (قدس سره) ] 215
[الكلام في بعض أفراد العيب] 226
[مسألة]: القول في أحداث السنة. 243
[خاتمة] في العيوب المتفرقة. 252
القول في الأرش... 255
مسألة: طريق معرفة الأرش... 270
فهرس المطالب... 294
ص: 294