االآراء الفقهیه: (قسم البیع 3) المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: تهران: شب افروز، 1393.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2-شابک : 978-600-92902-8-4

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ36 1393

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3555378

ص: 1

اشارة

ص: 2

تقریظ آیة اللّه العظمی السیّد محمّدمهدی الموسوی الخلخالی _ مدظله العالی

صاحب فقه الشیعة واصول فقه الشیعة نزیل المشهد المقدّس الرضوی

ص: 3

تقریظ فضیلة العلاّمة المحقّق الحجّة

السیّد عبدالسّتار الحسنی البغدادی _ دام ظلّه _

تأریخُ وَضْعِ (اللَّمساتِ الأَخِیْرَةِ) علی الجُزْءِ السادسِ مِنْ کِتابِ «الآراء الفِقْهِیَّةِ» لِمُنَضِّدِ عُقُوْدِه وناظِمِ فَرائِدِ دُرَرِهِ فی نَفائِسِ سُمُوْطِهِ، سَماحَةِ آیَةِ اللّه ِ الفَقیهِ المحَقِّق، النَّظّارِ الطُّلَعَةِ مولانا الحاجِّ الشّیْخِ الْهادی مِنْ آلِ أبیالمَجْدِ النَّجَفیِ، دامَ ظِلُّهُ، وَعَمَّ فَضْلُهُ.

حَضَرتْنِی هذِهِ الأَبیاتُ وَوَزْنُها مِنَ (الطَوّیل) ساعَةَ انْتِهائی مِنْ مُطالَعةِ مَخْطُوْطَةِ الکِتابِ المذکورِ، فَأَرْجُوَ مِن سَماحةِ شیخِنا المُعَظّمِ قَبُوْلَها علی عِلاّتِها.

بِسِفْرِکَ هذا خُضْتَ فی کُلِّ لُجَّةٍ مِنَ الْفِقْهِ، فِیْها غَیْرُ ذِیْ العِلْمِ یَغْرَقُ

وَناقَشْتَ (آراءَ) الاْءَعاظِمِ سالِکا سَبِیْلَ هُدیً، ما فِیْهِ لِلرَّأْیِ مَزْلَقُ

وَذا (سادِسُ الاْءَجْزاءِ) وافی بِحُلَّةٍ عَلَیْها مِنَ الْبَحْثِ الْمُؤَصَّلِ رَوْنَقُ

فَقُلْ: هُوَ بَحْرٌ ب_ِ(الْجَواهِرِ) مَدُّهُ ال_ْ مَدِیْدُ عَلی طُوْلِ الْمَدی یَتَدَفَّقُ

وَکَیْفَ عَنِ (الْهادِیْ) تَنِدُّ شَوارِدٌ وَتُفْلِتُ عَنْ (تَقْیِیْدِ) مَنْ لَیْسَ یُسْبَقُ

سَلِیْلِ أَبِیْالْمَجْدِ الَّذِی طابَ أَصْلُهُ کَما طابَ فَرْعٌ _ مَنْهُ _ بِالْفَخْرِ مُعْرِقُ

وَهَلْ یَرِثُ الاْآسادَ غَیْرُ شُبُوْلِها کَما یَقْتَفِیْ آثارَ مَنْ راحَ مَنْ بَقُوْا

أَجَلْ، ذاکَ خِرِّیْتُ الْفَقاهَةِ، جامِعُ ال_ْ فَضائِلِ طَرّا، والْفَقِیْهُ الْمُحَقِّقُ

فَبُوْرِکَ سِفْرٌ حَرَّرَتْهُ یَراعَةٌ نَدیْ نِقْسِها(1) مِنْهُ الْمَعارِفُ تَغْدَقُ

یَراعَةُ (هادِیْ) الْفَضْلِ فارِسِ حَلْبَةِ ال_ْ مَآثِرِ، مَنْ فی عَزْمِهِ لَیْسَ یُلْحَقُ

وَمُذْ تمّ خاطَبْتُ المُصَنِّفَ دَاعِیا لَهُ اللّه َ أَنْ یَرْعاهُ وَهْوَ مُوَفَّقُ

وفی مُنتهی التَّوْضِیْح(2) قَلْتُ مُؤَرِّخا: (کِتابُکَ هذا بالدَّلائِلِ یَنْطِقُ)

(8) (443) (706) (108) (169)

ص: 4


1- 1 . النِقْسْ: الحِبر، المِداد.
2- 2 . فی عبارة: «وفی مُنْتِهَی التوضیحِ» تورِیَةٌ بِدُخولِ (الحاء) وقِیْمَتُها فی حِساب الجُمَّلِ (8) فی مادَّةِ التاریخ، وَبِها یَتِمُّ الْمَقْصُوْد.

وَصْلٌ: القول فی المجیز

اشارة

ص: 5

ص: 6

استقصاؤه یتمّ ببیان اُمورٍ:

الأوّل: شرائط المجیز

قال الشیخ الأعظم: «یشترط فی المجیز أن یکون حین الإجازة جائز التصرف بالبلوغ والعقل والرشد، ولو أجاز المریض بُنی نفوذها علی نفوذ منجّزات المریض، ولا فرق فیما ذکر بین القول بالکشف والنقل»(1).

أقول: یعیتبر فی المجیز _ حال إجازته، لا حال العقد _ أن یکون بالغا وعاقلاً _ أی لا یکون مجنونا _ ورشیدا _ وهو الذی یعرف مصلحته من مفسدته ویقبض فی مقابل ماله ما یساوی ماله _ وجائزَ التصرف بعدم کونه مفلَّسا أو راهنا، فحینئذ لو أجاز المفلَّس أو الراهن بیع ماله المتعلَّق به حقّ الغرماء أو المرتهن لم تنفذ إجازته لعدم کونه جائز التصرف فی ماله.

وأمّا التصرّفات المالیة الزائدة علی ثلث أموال المریض الذی مات فی ذاک المرض فإنّها لا تکون نافذة إذا کانت مجّانیّةً وتبرّعیّةً کالعتق والهبة والصدقة والوقف، والصلح والإجازة المحاباتیتین أو بعوض أقل، وأبراء الدین وشراء من ینعتق علیه ونحوها، وتحسب علی ثلثه ومازاده یحتاج إلی إذن الورثة، وأمّا إذا کانت علی نحو التسبیبیات کإتلاف مال الغیر والجنایه علیه بما یوجب الأرش أو الدیة أو ما یوجب الکفارة فتکون نافذة من أصل المال لا من ثلثه.

ثمّ العقود المعاوضیة هل تلحق بالقسم الإول فی عدم النفوذ والاحتساب من الثلث أو أنّها تلحق بالقسم الثانی فی النفوذ والاحتساب من أصل المال، الظاهر أنّها تلحق

ص:7


1- 1 . المکاسب 3/431.

بالقسم الثانی.

ثمّ إنَّ الشیخَ الأعظمَ لا یری فرقا فی جمیع ما ذکرناه فی توضیح کلامه بین قولی النقل والکشف، لأنّه یری الإجازة تصرفا مالِیّا وهو مشروط بهذه الشرائط.

قوله قدس سره بناءً علی النقل واضح وأمّا بناءً علی الکشف فلا یتم انتساب العقد إلی المالک إلاّ بعد الإجازة فهی تعدّ تصرّفا مالیّا حقیقةً، لا العقد الذی إذا لم تلحقه الإجازة فإنّهُ یعدّ هباءً منثورا ویکون کتنظیم سند المعاملة وقبالتها وورقتها من دون إمضاء المالک بحیث لیس له قیمة من دون امضائه.(1)

ومن هنا یظهر عدم تمامیه اعتراض الفقیه السیّد الیزدی علیه بقوله: «یمکن أن یقال بناءً علی الکشف یمضی إجازته من غیر توقف علی إجازة الورثة إذا کان البیع فی حال صحته بدعوی أنّه محجور من التصرفات فی ماله حال المرض بمازاد علی الثلث، والإجازة لیست منها، بل هی شرط لنفوذ التصرفات فهی نظیر القبض الموقوف علیه صحة المعاملة کالوقف والصرف والسَّلَم...»(2).

وبعبارة اُخری یمکن أن یقال فی جواب اعتراضه: إنّ المجیز حتّی علی القول بالکشف لابدّ له من أهلیة الإجازة وصحة العقد تتوقف علی تعقّبه بالإجازة لکن لیس مطلق الإجازة بل ممّن له أهلیة إصدارها.(3)

ص: 8


1- 1 . راجع تحقیق وتقریرات فی باب البیع والخیارات 3/18.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/218.
3- 3 . راجع العقد النضید 3/360.

الثانی: هل یشترط فی صحة العقد وجود مجیزٍ حین العقد؟

اشارة

یقع البحث فی ضمن جهات:

الجهة الاُولی: سیر المسألة فی کلمات الفقهاء

قال العلاّمة فی القواعد: «والأقرب اشتراط کون العقد له مجیزا فی الحال، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ینفذ علی إشکال وکذا لو باع مال غیره ثم ملکه وأجاز...»(1).

وقال فی ذیله الفقیه العاملی: «هذا شرط شرطه أبوحنیفة(2) وقال الشهید(3) وابن المتوّج _ علی ما نقل عنه _ والفاضل المقداد(4) والمحقّق الثانی فی الشرح(5) إنّه لا یشترط.

واستشکل [العلاّمة] فی نهایة الإحکام(6)، ولم یرجّح [ولده] فی الإیضاح(7) کتعلیق الإرشاد(8) [للمحقّق الثانی].

وإن جعلنا الاشکال الآتی فی کلام المصنف راجعا إلی اشتراط أن یکون للعقد مجیز فی الحال کما ستسمعه کان المصنف [العلاّمة] متردّدا ویکون المعنی أنّه أقرب علی إشکال، فلیتأمّل»(9).

ص:9


1- 1 . القواعد 2/19.
2- 2 . المجموع، 9/261.
3- 3 . الدروس 3/193.
4- 4 . التنقیح الرائع، 2/26.
5- 5 . جامع المقاصد 4/73.
6- 6 . نهایة الإحکام، 2/476.
7- 7 . إیضاح الفوائد 1/419.
8- 8 . حاشیة إرشاد الأذهان 9/337 المطبوعة فی ضِمْنِ حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.
9- 9 . مفتاح الکرامة 12/621.

أقول: ومن القائلین بعدم الاشتراط: الشیخ جعفر(1) وتلمیذاه جدّی الشیخ محمّدتقی(2) والفقیه العاملی(3)، وصاحب الجواهر(4) والشیخ الأعظم(5).

نسب العلاّمة هذا الاشتراط إلی أبیحنیفة فی تذکرة الفقهاء وقال: «شرط أبوحنیفة للوقف(6) أن یکون للعقد مُجیزٌ فی الحال، فلو باع مالَ الطفل فبلغ وأجاز لم ینعقد. وکذا لو باع مالَ غیره ثم ملکه وأجاز. وهو قولٌ للشافعیة تفریعا علی القدیم(7)»(8).

وقال فیها: «شرط الوقف عند أبیحنیفة أن یکون للعقد مجیزٌ فی الحال سواء کان مالکا أو لا، حتّی لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته لا یتوقّف علی إجازته بعد البلوغ. والمعتبر إجازة مَنْ یملک التصرف عند العقد حتی لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ینعقد. وکذا لو باع مال الغیر ثم ملکه وأجاز.

والمعتمد: أنّ الطلاق لا یقع موقوفا»(9).

وقال تلمیذه وابن اخته السیّد عمیدالدین الأعرجی فی بیان وجه الاشتراط: «وإلاّ أدّی إلی حصول الضرر علی المشتری کما إذا باع الفضولی مال الطفل علیه لا متناعه من التصرف فیه وفی الثمن جمیعا إلی حین بلوغ الطفل، فإنّه مع تصرفه فی المبیع

ص:10


1- 10 . شرح القواعد 2/92.
2- 11 . تبصرة الفقهاء 3/356.
3- 12 . راجع مفتاح الکرامة 12/622 و 623.
4- 13 . الجواهر 23/481 (22/299).
5- 14 . المکاسب 3/432.
6- 1 . مراده من الوقف: توقُّف صحّة تصرف الفضولی علی الإجازة.
7- 2 . قوله: «تفریعا علی القدیم»، إشارةٌ إلی إنّ الشافعیَّ کان له فی فقهه مَسْلَکان الأوّل عند ما کان فی العراق، والثانی عند ما حَلّ فی مِصْرَ حیث خالف فیها رأیه الأوّل فی کثیر من المسائل ولکلٍّ من مَذْهبیهِ القدیم والجدید رُواةٌ معروفون فمِنْ رُواة مذهبه القدیم الحسن بن الصباح الزّعفرانی فی بغداد ومن رواة الجدید المُزَنی فی مِصْرَ.
8- 3 . تذکرة الفقهاء 10/15.
9- 4 . تذکرة الفقهاء 10/219.

یمکن أن یفسخ عند بلوغه، فیتبیّن بطلان البیع وعدم انتقاله إلی المشتری، ومع تصرفه فی الثمن یمکن أن یجیزه ویکون الثمن ملکا للطفل فیمنع منهما وهو ضررٌّ عظیمٌ منفیٌّ بقوله صلی الله علیه و آله : لا ضرر ولا إضرار»(1).

وقال نجله فخر المحقّقین: «هل یشترط ثبوت المجیز لعقد الفضولی فی الحال یحتمل ذلک ویبتنی علی مقدمات:

(أ): معنی صحة بیع الفضولی قبل الإجازة إمکان ترتب أثره علیه إمکانا قریبا بمعنی أقرب المراتب من مراتب الإمکان الاستعدادی لأنّه عبارة عن اجتماع الشرائط فإذا بقی من شرائط بیع الفضولی شرط واحد وهو إجازة المالک أو ولیّه وکان حصولهما ممکنا إمکانا قریبا أیضا حکم بصحة بیع الفضولی أو صلاحیته لأنّ یترتّب علیه الأثر حال وقوعه.

(ب): کلُّ آنٍ یمتنع وقوع الشرط فیه یمتنع وقوع المشروط فیه.

(ج): البیع إذا بطل فی وقت بطل دائما فحال عدم المجیز یمتنع ترتّب أثره ولا یصح لترتّب الأثر علیه فلا یحصل معنی الصحة بل معنی البطلان، وإذا بطل لم یمکن أن یترتّب صحته.

ویحتمل عدم الاشتراط، لأنّه لا یشترط اقتران الإجازة بالعقد بل یجوز تأخیرها زمانا طویلاً فلایسلِّم اشتراط استعداد القریب.

واعلم إنّ هذا الفرع یتأتی علی مذهب الأشاعرة، وأمّا علی قولنا ففی صورة واحدة وهی بیع مال الطفل علی خلاف المصلحة أو الشراء له»(2).

نقل السیّد العاملی عن الشهید فی حواشیه: «إنّ بعض الجمهور اعترض علی المصنف فی هذه المسألة بسقوطها علی مذهبه، لأنّه یعتقد وجود الإمام علیه السلام فی کلِّ زمان وهو ولیّ من لا ولیّ له، فأجاب بأنّه أراد مجیزا فی الحال یمکن الاطلاع علی إجازته،

ص:11


1- 5 . کنز الفوائد 1/385.
2- 1 . إیضاح الفوائد 1/418 و 419.

وتتعذّر إجازة الإمام علیه السلام لاستتاره عن الناس»(1).

ویذْکُرُ الشیخ الأعظم(2) أنّ المعترض هو القاضی البیضاوی الشافِعِیُّ صاحب أنوار التنزیل فی التفسیر _ علی ما قیل _ .

وقال المحقّق الثانی: «وجه القرب: أنّه مع عدم من له أهلیة الإجازة تکون صحة العقد ممتنعة فی الحال، وإذا امتنعت فی زمان ما امتنعت دائما، لأنّ بطلان فی زمان یقتضی بطلانه دائما، ولما فیه من الضرر علی المشتری، لامتناع تصرّفه فی العین _ لإمکان عدم الإجازة ولعدم تحقّق المقتضی _ وفی الثمن لإمکان الإجازة فیکون قد خرج عن ملکه.

وإنّما یتصوّر ذلک عندنا: إذا تصرّف للطفل علی خلاف المصلحة، وأمّا عند الأشاعرة فتصوّره ظاهر.

ویضعّف بانتقاضه ممّن کان بعیدا، یمتنع إلیه الوصول عادة إلاّ فی زمان طویل. والظاهر عدم الاشتراط، لعموم الدلیل الدال علی صحة الفضولی من غیر فرق، فإنّ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» یتناوله»(3).

وقال فی حاشیة إرشاده: «وهل یُشترط أن یکون للعقد مجیزٌ فی الحال، بحیث لو باع مال الطفل لم یصحّ إذا لم یکن له ولی؟ یحتمل ذلک.

قال الشیخ فخرالدین ولد المصنف رحمهما اللّه: «واعلم أنّ هذا الفرع یتأتی علی مذهب الأشاعرة، أمّا علی قولنا ففی صورة واحدة، وهی بیع مال الطفل علی خلاف المصلحة أو الشراء له». وقد نبّه علی ذلک بأنّ الإمام موجود فی کلِّ زمان عندنا وهو ولیّ مَنْ لاولی له»(4).

ص:12


1- 2 . الحاشیة النجاریة /222 ونقل عنه مفتاح الکرامة 12/622 مع توضیح، وإلاّ عبارة الشهید هکذا: «وبهما ینتقض علیه مذهبه، ذکره بعض الشافعیة».
2- 3 . المکاسب 3/432.
3- 1 . جامع المقاصد 4/72.
4- 2 . حاشیة إرشاد الأذهان /337، المطبوعة فی ضِمْنِ الُمجَلّدِ التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.

وقال الشهید الثانی فی فوائد القواعد: «المناسب التفریع علی الأقرب أن یحکم بعدم النفوذ بغیر إشکال ولکن نقل ولد المصنف رحمه الله عنه أنّه إذا قال فی المسألة: «علی إشکال یکون حکما بما ذکر قبل الإشکال وفائدته التنبیه علی الخلاف، بخلاف ما لو قال: «فیه اشکال» ونحوه وهذا هو الظاهر من العبارتین، فعلی هذا لا تنافی بین الحکم السابق والتفریع، لکنّه یستغنی عن إعادة ماینبّه علی الخلاف، والأمر فیه أسهل»(1).

الجهة الثانیة: وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد

الأوّل: عدم ذات المجیز وفقد ذاتٍ من شأنها الإجازة للعقد.

وهذا الوجه غیر متحقّق علی مذهبنا، إذ لا یتصور ملک بلا مالک یجیز العقد لأنّ الأمام علیه السلام موجود فی کلِّ عصرٍ وهو الولی علی الإطلاق فهذا الوجه غیر مُتَصَوَّرٍ علی مذهبنا.

بل لا یتم علی مذهب العامة أیضا لأنّهم یَرَوْنَ الخلفاء اُولیاءً علی جمیع الاُمور ومنها الأموال.

الثانی: عدم وجود المجیز بوصف التمکن من الإجازة وإن کانت ذاته متحقّقة إلاّ أنّه حین المعاملة غیر حاضر ولا یتمکّن من الوصول إلیه کما لَوْ کان المالک أو ولیّه غائبا،

أو الإمام علیه السلام کان فی ستر الغیبة کما فی زماننا هذا.

وهذا الوجه وإن کان متصوّرا ولکنّه لا دلیل علی اعتباره.

الثالث: تحقّق ذات المجیز وتمکّنه من الإجازة لکنّه مَمْنُوْعٌ شرعا من الإجازة والتصرف فی الأموال، کما إذا باع الفضولی مال الیتیم علی خلاف المصلحة فإنّ الولی لا یمکنه الإجازة حینئذ لأنّها علی خلاف مصلحة الیتیم.

وهذا الوجه أیضا وإن کان متصوّرا ولکنّه لا دلیل علی اعتباره.

والحاصل: لا ینبغی البحث حول اعتبار الأوَّلَیْن، إذا لا دلیل علی اشتراط ذات

ص:13


1- 3 . فوائد القواعد /532.

المجیز أو المجیز بوصف التمکن من الإجازة فی صحة المعاملات بل ما ورد فی صحة زواج الصغیرین أدّل دلیل علی عدم اعتبارهما بل فی أدلة صحة الفضولی خیر دلیل علی عدم اعتبارهما إذ لم یُفْصَلْ فیها بین وجودهما حال العقد وعدمه.

وکذلک البحث فی الثالث إذ لا یعتبر فی صحة الفضولی أن یکون له مجیز حال العقد شرعا، بل الإعتبار بوجود المجیز حال الإجازة ویظهر لک عدم الاعتبار حین لحاظک بأنّ بیع مال الیتیم کان علی وفق المصلحة حین العقد ولکن حین الإجازة خَرَجَ عن المصلحة وکان علی خلافها، فهل یجوز للولی إجازة هذا البیع الذی کان فعلاً علی خلاف مصلحة الیتیم؟

ومن الواضح عدم جواز إجازته، فتمام العبرة بوجود المجیز حال الإجازة لا حال العقد.

ویأتی البحث من الشیخ الأعظم حول هذا القسم الثالث فی الأمر الثالث(1) الآتی فانتظر.

الجهة الثالثة: الاستدلال علی وجود المجیز حین العقد بوجوه

الأوّل: ما مرّ من فخرالمحقّقین(2) رحمه الله من مقدمتیه (أ) و (ج) وقال الشیخ الأعظم فی الاستدلال له: «واسْتُدلّ له بأنّ صحة العقد والحال هذه ممتنعة، فإذا امتنع فی زمان امتنع دائما»(3).

وقال المحقّق الأصفهانی فی توضیحه وتقریبه: «إنّ العقد الفضولی یتفاوت مع

العقود الفاسدة _ مع اشتراکه لها فی عدم التأثیر فعلاً _ فی أنّه قابل للتأثیر بالإجازة دون غیره، فلابدّ أن یکون العقد الفضولی واجدا لجمیع مراتب الإمکان الاستعدادی، بحیث لا یستند عدم فعلیة التأثیر إلاّ إلی عدم فعلیة الإجازة، وأمّا مع عدم إمکان الإجازة حال العقد فالعقد حینئذ غیر واجد لجمیع مراتب الإمکان الاستعدادی، إذ منها الإمکان من

ص:14


1- 1 . راجع صفحة 24 من هذا المجلد.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/418.
3- 3 . المکاسب 3/431.

ناحیة امکان الإجازة فعلاً، فإذا امتنعت الإجازة فعلاً امتنعت الصحة التأهلیة فعلاً، زیادة علی الصحة الفعلیة المقرونة بفعلیة الإجازة لا بإمکانها.

ولا نعنی بالصحة التأهلیة إلاّ امکان نفوذ العقد فعلاً بالإجازة، مع أنّه لا یمکن لامتناع الإجازة، وإذا امتنعت الصحة التأهلیة فی زمان امتنعت دائما، لأنّ ما یتفاوت حاله بتفاوت الأزمان هی الصحة الفعلیة _ التابعة لوجود شرط الصحة الفعلیة وعدمه _ لا الصحة التأهلیة»(1).

لخّص المحقّق المروج هذا التقریب فی ثلاثة اُمور: «أحدها: اقتران الصحة التأهلیة بالعقد وعدم انفکاکها عنه.

ثانیها: توقف هذه الصحة علی إمکان الإجازة فعلاً أی من حین وقوع العقد، ومع امتناعها لا یثبت الصحة التأهلیة فعلاً للعقد، فهذه الصحة منوطة باجتماع جمیع مراتب الإمکان التی منها إمکان فعلیة الإجازة، ومع امتناعها لعدم وجود مجیز حین العقد لا یثبت له الصحة التأهلیة أیضا. وقد عرفت عدم انفکاک الصحة التأهلیة عن العقد فإمکان فعلیة الإجازة دخیل فی الصحة التأهلیة.

ثالثها: أنّ المائز بین عقد الفضولی والعقود الفاسدة هو وجود الصحة التأهلیة فیه دونها، هذا»(2).

وقال الشیخ الأعظم فی نقد هذا الاستدلال: «ویضعّف الأوّل _ مضافا إلی ما قیل(3): من انتقاضه بما إذا کان المجیز بعیدا امتنع الوصول إلیه عادة [إلاّ فی زمان طویل[ _ منع ما ذکره [فخرالمحقّقین] من أنّ امتناع صحة العقد فی زمان یقتضی امتناعه دائما، سواء قلنا بالنقل أم بالکشف»(4).

ص: 15


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/201.
2- 2 . هدی الطالب 5/224.
3- 3 . القائل هو المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/72 کما مرّ ولکنّ تنبّه قبله فخر المحقّقین نفسه فی إیضاح الفوائد 1/419.
4- 4 . المکاسب 3/431.

مراده: إنّ الملازمة بین فساد العقد حدوثا وبقاءً وإن کانت مسلَّمة، ولکنّ المقام لیس من صغریاتها لعدم کون وجود المجیز حال العقد من شرائط صحة العقد عندنا ولیس مراده إمکان تفکیک بین بطلان العقد حدوثا وصحته بقاءً لأنّ فقدان شرط الصحة یقتضی بطلانه حدوثا وبقاءً. خلافا لما استفاد بعض الأعلام من عبارته منع الکبری وردّه بأنّه «منظور فیه»(1).

وقال المحقّق الأصفهانی فی نقد تقریبه: «وفیه: لو کانت الصحة التأهلیة _ التی یتفاوت فیها العقد الفضولی مع العقود الفاسدة ما یساوق الإمکان الاستعدادی من جمیع الوجوه _ لکان لما ذکر وجه، وأمّا إذا کان المراد منها مجرد الصحة بلحوق الإجازة ولو فیما بعد، لا فعلاً فی قبال ما لایجدیه لحوق شیء فی صحته، فلا یکون الصحة التأهلیة مساوقة للإمکان الفعلی، بل العقد الفضولی ممکن التأثیر فیما بعد بلحوق الإجازة له فیما بعد، هذا بناءً علی النقل.

وأمّا بناءً علی الکشف فهو ممکن الصحة فعلاً بإمکان لحوق الإجازة له فیما بعد، إذ لیس أمر الإمکان بأعظم من أمر الوجود، فکما أنّ وجوده الفعلی من ناحیة وجود فیما بعد، کذلک إمکانه الفعلی من ناحیة امکان الإجازة فیما بعد، فإنّ وجود المعلول وإمکانه بوجود العلّة وإمکانها فإذا قلنا بکفایة وجودها المتأخر فی وجوده المتقدّم فکذا نقول بکفایة إمکانها المتأخر فی إمکانه المتقدم»(2).

الثانی: ما مرّ من السید عمیدالدین(3) من حصول الضرر علی المشتری لأنّه مُنع من التصرف فی المبیع والثمن لاحتمال صدور الإجازة من المجیز وعدمه.

وذکر الشیخ الأعظم(4) فی المقام تقریب المحقّق الثانی(5) لهذا الاستدلال وحیث

ص:16


1- 1 . کتاب البیع 2/323.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/201 و 202.
3- 3 . کنز الفوائد 1/385.
4- 4 . المکاسب 3/341 قوله رحمه الله : «وبلزوم الضرر علی المشتری...».
5- 5 . جامع المقاصد 4/72.

أنّه مرّ آنفا فلا نعیده.

ویرد علی هذا الاستدلال أوّلاً: بما مرّ من جواز تصرف الأصیل فی ماله قبل صدور الإجازة من المجیز _ وإن کان الشیخ الأعظم لم یوافقنا فی هذا الردّ.

وثانیا: إذا کان جاهلاً بالفضولیة تجری للأصیل قاعدة نفی الضرر کما مرّ من السیّد عمیدالدین(1) منع هذا الاستدلال بهذه القاعدة.

وثالثا: یمکن دفع ضرر الأصیل بجعل الخیار له بحیث إن أراد یجوز له فسخ هذه المعاملة الضرریة.

ورابعا: هذا الدلیل أخص من المُدّعی، لأنّ المدعی بطلان البیع الفضولی إذا لم یکن مجیزا فی حال العقد، والدلیل یقتضی بطلانه فی صورة ضرر الأصیل ولکن إذا لم یتضرر الأصیل أو کان راضیا هو بهذا الضرر، لم یدلّ الدلیل علی البطلان.

الثالث: ما ذکره فی العقد النضید بقوله: «... مطلق المعاملات الفضولیة فاقدة لصفتین وهما الرضا والاستناد ویمکن تصحیح المعاملة من خلال الإجازة اللاحقة فیتمّ بها الصفتان، وهو النهی الوارد عن التقرّب إلی مال الیتیم فی قوله تعالی: «وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ»(2)، وبالتالی فلا مجال لتصحیح المعاملة التی یتضرّر منها الصبی لأنّ تصحیحها یستلزم قیام إطلاق یدلّ علی إمکان تصحیح مطلق العقود الفضولیة وإن کان محذورها من غیر ناحیة الرضا والاستناد، وهو ما نعجز عن إثباته لقصور الأدلة الخاصة، وعدم قیام أدلة مطلقة تفید ذلک وبالتالی فإنّه یصل الدور إلی الشک، والمرجع حینئذ أصالة الفساد»(3).

یرد علیه: أوّلاً: کلام العلاّمة(4) عام بالنسبة إلی وجود المجیز حال عقد الفضولی

ص:17


1- 1 . کنز الفوائد 1/385.
2- 2 . سورة الأنعام /152.
3- 3 . العقد النضید 3/364.
4- 4 . قواعد الأحکام 2/19.

ولا یختص ببیع مال الطفل علی خلاف المصلحة وإن کان نجله(1) یَخُصُّهُ بصورة واحدة وهی هذه المسألة، فالدلیل أخص من مُدَّعی العلاّمة.

وثانیا: العقود الفضولیة فاقدة لصفة واحدة وهی الاستناد وبالإجازة یَتُمُّ الاستناد کما مرّ مُفَصّلاً فیما سبق.

وثالثا: الأدلة الواردة فی صحة عقد الفضولی عام تشمل هذه المسألة بعد صدور الإجازة من المالک بعد بلوغه ورشده کما یأتی.

الجهة الرابعة: مادلّ علی عدم اعتبار وجود المجیز حین العقد

امورٌ:

الأوّل: الأدلّة الواردة فی صحة عقد الفضولی عامةٌ ومطلقةٌ ولا تخصّص ولا تقیّد بوجود مجیز فی حال العقد.

ولذا قال المحقّق الثانی: «والظاهر عدم الاشتراط لعموم الدلیل الدال علی صحة الفضولی من غیر فرق، فإنّ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» یتناوله»(2).

وقال الشیخ جعفر: «لقضاء عمومات الکتاب والسنة بالعموم»(3).

وقال صاحب الجواهر بعد نقل کلام العلاّمة: «إلاّ أنّه _ کما تری _ لا دلیل علیه، بل مقتضی إطلاق ما سمعته من أدلة الفضولی خلافه...»(4).

الثانی: ما ذکره الفقهاء(5) _ قدس اللّه أسرارهم _ فی باب النکاح من أنّه لو زوّج الفضولی الصغیریْن اللذیْن لا ولیّ لهما صحّ وتدلّ علیه الروایات:

ص:18


1- 5 . إیضاح الفوائد 1/419.
2- 1 . جامع المقاصد 4/72.
3- 2 . شرح القواعد 2/92.
4- 3 . الجواهر 23/479 (22/297).
5- 4 . منهم المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 12/150، والشهید الثانی فی المسالک 7/177، وسیّد الریاض فیه 11/103.

منها: معتبرة محمّد بن الحسن الأشعری.(1)

ومنها: صحیحة مقطوعة محمّد بن اسماعیل بن بزیع.(2)

ومنها: صحیحة أبیعبیدة.(3)

ومنها: خبر عبّاد بن کثیر.(4)

ولذا قال الشیخ جعفر: «وشهادة مادلّ علی جواز إنکاح الفُضُوْلیَّین الصبیَیْن ثمّ مات أحدهما وبقی الآخر حتّی بلغ وأنّه تمضی إجازته مع اعتبار بعض الشروط الاُخَر علی ذلک بطریق الاُولویة»(5).

قال الشیخ أسداللّه التستری: «لو کان شیءٌ ممّا ذکر فی المنع صالحا لذلک لعمَّ

جمیع العقود وثبت فی النکاح أیضا، بل بالطریق الأولی. لکن نکاح الفضولی للصغیر والصغیرة مع إجازتهما بعد البلوغ جائز إتفاقا نصّا وفتویً فکذلک سائر العقود»(6).

وقال فی الجواهر: «مضافا إلی خبر الصغیرین»(7).

وقال الشیخ الأعظم: «مضافا إلی الأخبار الواردة فی تزویج الصغار فضولاً الشاملة لصورة وجود ولیّ النکاح وإهماله الإجازة إلی بلوغهم، وصورة عدم وجود الولیّ، بناءً علی عدم ولایة الحاکم علی الصغیر فی النکاح وانحصار الولی فی الأب والجدّ والوصیّ علی خلاف فیه»(8).

الثالث: قال السیّد العاملی: «... بل قد لا نشترط المجیز بالکلّیّة فإنّهم قالوا بأنّ

ص:19


1- 5 . وسائل الشیعة 20/276، ح2، الباب 6 من أبواب عقد النکاح واولیاء العقد.
2- 6 . وسائل الشیعة 20/282، ح1، الباب 8 من أبواب عقد النکاح واولیاء العقد.
3- 7 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
4- 8 . وسائل الشیعة 26/219، ح2.
5- 9 . شرح القواعد 2/92.
6- 1 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /35.
7- 2 . الجواهر 23/479 (22/297).
8- 3 . المکاسب 3/432.

المحجور علیه لفلس إذا باع بعض أعیان ماله المحجر علیه فیها، أو وقف أو وهب أو عتق أنّه کالفضولی فلاتباع هذه الأعیان التی باعها فی دَیْن الغرماء بل تأخّر فإن وفّی غیرها بمال الغرماء لزیادة القیمة أو لإبراء بعض الدیّان نفذ بیعه وإلاّ فلا، فکان وفاء المال کالإجازة وعدمه کالردّ. وقد حرّرنا المسألة فی باب الحَجْر فلابدّ من مراجعتها»(1).

وفی ذیل کلام العلاّمة فی کتاب الحَجْر: «أمّا لوصادف المال فی الحال: فإن کان مورده عین مال: کالبیع والهبة والرهن والعتق، احتمال البطلان من رأس، والإیقاف، فإن فضلت تلک العین من الدین لارتفاع القیمة أو الإبراء أو غیرهما نفذ»(2).

قال: «إذا صادف تصرفه عین المال بالإتلاف بالمعاوضة کالبیع والإجازة أو بغیر معاوضة کالهبة والعتق والکتابة أو بالمنع من الانتفاع کالرهن ففی المبسوط(3) والشرائع(4) والتحریر(5) والإیضاح(6) أنّه یبطل. وهو المحکی(7) عن أبیعلیّ لأنّه ممنوع منه علی وجه سلبت أهلیته وکانت عبارته کعبارة الصبیّ فلا یصحّ وأن لحقته الإجازة

وهذا هو المناسب للحَجْر فإنّ معنی قول الحاکم: حَجَرْتُ علیک: مَنَعْتُکَ من التصرف ومعناه تعذّر وقوع هذه العقود منه.

وأمّا الإیقاف فقد نفی عنه البأس فی التذکرة(8) وقال فی جامع المقاصد(9): فیه قوّة وفی المسالک(10): لعلّه الأقوی.

ص:20


1- 4 . مفتاح الکرامة 12/622.
2- 5 . قواعد الأحکام 2/143.
3- 6 . المبسوط 2/272 ونحوه فی الخلاف 3/269، مسألة 11.
4- 7 . الشرائع 2/78.
5- 8 . تحریر الأحکام الشرعیة 2/509.
6- 9 . إیضاح الفوائد 2/65.
7- 10 . الحاکی هو العلاّمة فی مختلف الشیعة 5/453.
8- 1 . تذکرة الفقهاء 14/25.
9- 2 . جامع المقاصد 5/229.
10- 3 . المسالک 4/90.

والوجه فیه أنّه لا یقصّر عن التصرف فی مال الغیر فیکون کالفضولی. وحینئذ فلا ینافیه منعه من التصرف المنافی لحقّ الغرماء، إذ لا دلیل علی إرادة غیره، ولأنّ عبارته لا تقصر عن عبارة السفیه المحجور علیه مع صحّة تصرّفه إذا لحقته إجازة الولیّ، فلو کان الحَجْر یقتضی المنع من التصرفات وسلب الأهلیة لسقط به اعتبار عبارة السفیه.

فعلی هذا إذا أجازه الغرماء نفذ وإلاّ اُخّر إلی أن یقسّم ماله، ولایباع ولا یسلّم إلی الغرماء، فإن لم یفضل من ماله شیء بطل، وإن فضل ما یسعه صحّ... فإنّما یعتبر کلامهم فی الإجازة لا فی الردّ، وأنّ الواقع موقع المجیز هو بقاء الشیء من ماله یسع ذلک، فإن حصل ذلک کان إجازةً وإلاّ کان ردّا وقد نبّهنا علی ذلک فی باب البیع...»(1).

ویأتی تفصیل هذا البحث آنفا فی المسألة الاُولی الآتیة(2).

الجهة الخامسة: هل یدخل تحت هذا الاشتراط فرعٌ؟

أم لا، وهل لابدّ من دخوله تحته وإلاّ یلزم اللَّغْوِیَّةَ؟ أم لا.

الظاهر عدم لزوم اللَّغْوِیَّةِ ولو لم یکن فرعا تحت هذا الاشتراط، لأنّ «یکفی فی عدم اللغویة کَوْنُهُ ذا أثر ولو عند غیرنا [من المذاهب]، کما یبحث فی باب الجهاد(3) بعض ما یتعلّق بوجود الإمام علیه السلام وتکلیفه(4) بل قد یبحث عمّا لا یتّفق الوجود له، کالبحث عن نجاسة دم مخلوق الساعة»(5).

مضافا إلی وجود فرع تحت هذا الاشتراط وهو ما ذکره فخرالمحقّقین(6) من بیع

مال الطفل علی خلاف مصلحته أو الشراء له کذلک.

وهکذا یأتی هذا الاشتراط فی تزویج الصغیر فضولة مع فرض عدم وجود الولی

ص:21


1- 4 . مفتاح الکرامة 16/250 و 251.
2- 5 . راجع صفحة 25 من هذا المجلد.
3- 6 . الجواهر 22/86 (21/50).
4- 7 . الجواهر 5/612 (5/362).
5- 8 . کتاب البیع 2/321.
6- 9 . إیضاح الفوائد 1/419.

من الأب والجدّ والوصی _ علی خلاف فیه _ وبناءً علی عدم ولایة الحاکم الشرعی علی الصغیر فی النکاح کما مرّ من الشیخ الأعظم(1).

وقد مرّ من العلاّمة(2) تفریعه علی هذا الاشتراط ببیع مال الطفل فضولاً ثمّ بلغ وأجاز ثمّ استشکل فی الاشتراط لا فی الفرع _ علی ما حکی(3) من نجله فخرالمحقّقین _ .

واعترض(4) علیه بعض العامة _ وهو البیضاوی علی ما قیل(5)- : بأنّ هذا الاشتراط ساقط علی مذهب العلاّمة _ وهو مذهب أهل البیت علیهم السلام _ لأنّهم یعتقدون وجود الإمام علیه السلام فی کلِّ زمان وهو ولی من لا ولی له.

ولکن قد عرفتَ ممّا سردناه علیک فی الجهة الأولی أنّ أوّل من اعترض علیه هو نجله فخرالمحقّقین حیث قال: «واعلم أنّ هذا الفرع یتأتی علی مذهب الأشاعرة»(6) وإنَّما یَنْحَصِرُ علی مَذْهَبِنا بفرع واحد وهو بیع مال الیتیم علی خلاف مصلحته کما مرّ.

وأجاب الشهید(7) عن الاعتراض بأنّه أراد مجیزا فی الحال [یمکن الاطلاع علی إجازته].

واعترض المحقّق القمی(8) علی جواب الشهید بأنّ نائب الإمام علیه السلام موجود ویمکن الاطلاع علی إجازته.

وعمّمه الشیخ الأعظم أوّلاً: «بأنّ نائب الإمام _ وهو المجتهد الجامع للشرائط -

ص:22


1- 1 . المکاسب 3/432.
2- 2 . قواعد الأحکام 2/19.
3- 3 . الحاکی هو ثانی الشهیدین فی فوائد القواعد /532.
4- 4 . حکاه الشهید فی الحاشیة النجاریة /222.
5- 5 . هکذا نقله الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/432.
6- 6 . إیضاح الفوائد 1/419.
7- 7 . الحاشیة النجاریة /222.
8- 8 . غنائم الإیام 1/553، جامع الشتات 2/318.

موجود، بل لو فُرض عدم المجتهد فالعدل موجود، بل للفسّاق الولایة علی الطفل فی مصالحه مع عدم العدول»(1).

وثانیا: دافع عن الشهید بأنّه إن اُرید _ فی أصل الاشتراط _ وجود ذات المجیز _ وهو الوجه الأوّل من وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد، الذی مرّ منّا فی الجهة الثانیة من البحث _ لا تفید إجابة الشهید لأنّ ذات الإمام علیه السلام موجود وعدم التمکن من الوصول إلی إجازته لا یردّ الاعتراض.

وإن أُرید _ فی أصل الاشتراط _ وجود ذات المجیز مع فرض تمکّنه من الإجازة _ وهو الوجه الثانی من وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد الذی مرّ فی الجهة الثانیة _ تمت الإجابة لأنّ المجتهد والعدول وحتّی الفساق وإن فرض وجودهم ولکن من الممکن عدم اطلاعهم علی العقد حتّی یُجیزوه.

أقول: قد مرّ منّا فی الجهة الثانیة من البحث أنّ الوجه الأوّل _ عدم ذات المجیز _ لا یتصوّر علی مذهبنا، والوجه الثانی _ عدم ذات المجیز الذی تمکّن من الإجازة _ وإن کان متصوّرا ولکنه لا دلیل علی اعتباره.

والوجه الثالث _ وهو تحقّق ذات المجیز وتمکّنه من الإجازة ولکنّه مَمْنُوْعٌ شرعا منها _ یمکن تصوّره أیضا ولکن لا دلیل علی اعتباره.

قال الشیخ الأعظم: «فالاولی: ما فعله فخرالدین والمحقّق الثانی من تقیید بیع مال الیتیم بما إذا کان علی خلاف المصلحة، فیرجع الکلام أیضا إلی اشتراط إمکان فعلیة الإجازة من المجیز، لا وجود ذات مَنْ مِنْ شأنه الإجازة فإنّه فرض غیر واقع فی الأموال»(2).

أقول: لابدّ من حمل «امکان فعلیة الإجازة» فی کلامه قدس سره _ علی الإمکان الشرعی _ لا الإمکان التکوینی _ کما مرّ فی الجهة الثانیة وآنفا.

ص:23


1- 9 . المکاسب 3/433.
2- 1 . المکاسب 3/433.

الثالث: هل یشترط کون المجیز جائز التصرف حین العقد؟

اشارة

وهذا هو الاحتمال الثالث فی وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد، الذی مرّ منّا(1) أنّه کان فی المقام الثبوت متصوّرا ولکنّه لا دلیل علی اعتباره إثباتا.

ولذا نفی الشیخ الأعظم اعتباره بقوله: «لا یشترط فی المجیز کونه جائز التصرف حال العقد»(2).

ثم قال: «سواء کان عدم جواز التصرف لأجل عدم المقتضی أو للمانع»(3).

مراده من المقتضی: هو الملکیّة مع شرائط کمال المالک من البلوغ والعقل والرشد. وفی فرض عدم الملکیة، الإجازة أو الوکالة فی التصرف من المالک.

ومراده من المانع: هو تعلِّق حقّ الغیر بالعین نحو: تعلّق حقّ الغرماء فی الفلس، وتعلّق حقّ المرتهن بالعین المرهونة وعدم جواز بیع اُمّ الولد فی عدم بیعها.

ثمّ ذکر أربعة مسائل لابدّ إلاّ أن نقتفی أثره.

المسألة الأولی: إذا کان المالک حین العقد ممنوعا من التصرف لحجرٍ أو رهنٍ

هل یصح العقد من مالک کان ممنوعا من التصرف لِحَجْرٍ أو رَهْنٍ أو استیلاد فی الأَمَةِ ولکن حین إجازته ارتفع المنع من التصرف لرفع الحجر أو فک الرهن أو موت الولد؟

قد مرّ آنفا(4) القول بالبطلان من الشیخ(5) والمحقّق(6) والعلاّمة فی التحریر(7)

ص:24


1- 1 . راجع صفحة 14 من هذا المجلد.
2- 2 . المکاسب 3/434.
3- 3 . المکاسب 3/434.
4- 4 . راجع صفحة 19 من هذا المجلد: قولنا: الثالث... .
5- 5 . المبسوط 2/272، الخلاف 3/269 مسأله 11.
6- 6 . الشرائع 2/78.
7- 7 . تحریر الاحکام الشرعیة 2/509.

وولده(1) وهو المحکی عن أبیعلی(2).

ولکن العلاّمة فی بیع التذکره حکم بصحته وقال: «ولو باع ولم یعلم المرتهن ففکّ لزم البیع لانتفاء المعارض...»(3).

ونفی البأس عن إیقافه فی حَجْر التذکرة وقال: «لو صادف تصرّفه عینَ مال بالإتلاف إمّا بمعاوضةٍ کالبیع والإجارة، أو بغیر معاوضةٍ کالهبة والعتق والکتابة، أو بالمنع من الانتفاع کالرهن قال الشیخ رحمه الله : یبطل تصرّفه. و هو أصحّ قولی الشافعی وبه قال مالک والمزنی لأنّه محجور علیه بحکم الحاکم، فوجب أن لا یصحّ تصرفه... .

والقول الثانی للشافعی: إنّ هذه التصرفات لا تقع باطلة فی نفسها بل تکون موقوفة، فإن فضل ما تصرّف به عن الدین إمّا لارتفاع سعر أو لإبراء بعض المستحقّین نفذ، وإلاّ بانَ أنّه کان لغوا، لأنّه محجور علیه بحقّ الغرماء، فلا یقع تصرّفه باطلاً فی أصله، کالمریض. وهذا القول لا بأس به عندی والأوّل أقوی...»(4).

وقال المحقّق الثانی: «فیه قوة»(5)، والشهید الثانی: «لعلّه الأقوی»(6).

وحکم السیّد العاملی الصِّحَّةَ فی بیع مفتاح الکرامة(7) وحجرها(8) ولا یشترط الإجازة.

وقال صاحب الجواهر بعد نقل نفی البأس التذکرة وقوة جامع المقاصد وأقوائیة المسالک: «وهو کذلک بناءً علی أنّ الفضولی علی القاعدة، بل وإن لم نقل بذلک للفحوی

ص:25


1- 8 . إیضاح الفوائد 2/65.
2- 9 . الحاکی و العلاّمة فی المختلف 5/453.
3- 10 . تذکرة الفقهاء 10/42.
4- 1 . تذکرة الفقهاء 14/25 مسألة 270.
5- 2 . جامع المقاصد 5/229.
6- 3 . المسالک 4/90.
7- 4 . مفتاح الکرامة 12/622.
8- 5 . مفتاح الکرامة 16/251.

حینئذ... وعلی کلِّ حالٍ فالأقوی صحة عقده، بل ظاهر جماعة من الأصحاب بل هو کصریح التذکرة عدم بطلانه بردّ الغرماء وأنّه یبقی موقوفا علی أن یقسم المال لایباع ولایسلّم إلی الغرماء فإن فضل لارتفاع قیمة غیره أو لإبراء بعض الدیّان أو غیر ذلک نفذ فیه التصرف وإلاّ بطل لسبق التعلُّق به فیه، ولیس لذوی الدین ابطال التصرف وفسخ العقد قبل ذلک، وهو جید...»(1).

وتبعه الشیخ الأعظم وقال: «والأقوی صحة الإجازة بل عدم الحاجة إلیها إذا کان عدم جواز التصرف لتعلّق حقّ الغیر...»(2).

والوجه فی عدم الحاجة إلی الإجازة لأنّ المعاملة مستندة إلی المالک وإنّما کان المانع من صحتها حقّ المرتهن أو وجود الحَجْر أو الولد وقد سقطت الموانع بفکّ الرهن ورفع الحجر وموت الولد فتمت المعاملة، کما یری السیّد الیزدی(3) عدم البطلان هو التحقیق.

ثمّ هل یجری نزاع الکشف والنقل فی الإجازة بالنسبة إلی رفع هذا المانع من صحة العقد من فکّ الرهن أو رفع الحجر أم لا؟ مع وضوح عدم جریانه فی بیع اُمّ الولد قبل موت ولدها.

قولان:

ذهب المحقّق الثانی(4) مع توغّله فی الکشف بعدم جَرَیانِه فی المقام والتزم بالنقل هنا فقط ویری السیّد الیزدی: «الإنصاف أنّ الحکم بالکشف مشکل».(5)

ولکن ذهب المحقّق النائینی(6) إلی جَرَیان نزاع الکشف والنقل فی المقام أیضا

ص:26


1- 6 . الجواهر 25/284 و 285 طبع الإسلامیة.
2- 7 . المکاسب 3/434.
3- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/222.
4- 2 . جامع المقاصد 5/75 و 76.
5- 3 . حاشیته علی المکاسب 2/221.
6- 4 . راجع منیة الطالب 2/109، المکاسب والبیع 2/159.

کما فی الإجازة. وإن کان عنده(1) إشکال بالنسبة إلی فک الرهن.

ویمکن الاستدلال للمحقّق الثانی بأنّ نزاع الکشف والنقل إنّما یجری فیما إذا کان العقد تامّا من جمیع الجهات وکان متوقّفا علی الاستناد إلی المالک فقط فعند حصول الاستناد إلیه بالإجازة یأتی النزاع، وأمّا إذا کانت صحة العقد متوقّفة علی أمر آخر مضافا إلی توقّفها علی الإجازة ففی مثله لا یمکن الالتزام بأنّ الإجازة کاشفة عن الملکیة من حال العقد مع أنّها تتوقّف علی أمر آخر حسب الفرض.(2)

ویمکن الاستدلال للمحقّق النائینی: بإمکان حفظ الرهن وصحة البیع فیمکن

الحکم بالکشف أیضا کما فی بیع العین المرهونة مع الإعلام بوصف المرهونیة وإجازة المرتهن وکبیع العین المستأجرة. مضافا إلی أنّ التنافی بین حفظ الرهن وصحة البیع _ علی فرض وجوده - إنّما یأتی بناءً علی الکشف الحقیقی فقط دون أقسام الکشف الحکمی. وکذلک القول فی الحجر وتعلّق حق الغرماء بالمال.(3)

والظاهر جریان نزاع الکشف والنقل بالنسبة إلی رَفْعِ هذَیْنِ الْمانِعَیْنِ من فکّ الرهن ورفع الحجر کما علیه المحقّق الخمینی(4) قدس سره والحمد للّه.

ص: 27


1- 5 . راجع تعلیقته علی منیة الطالب 2/109. قال فیها: «ویمکن أن یقال: إذا کان حقّ المرتهن مانعا عن تأثیر عقد الراهن، فحکم الإسقاط ونحوه حکم القبض فی باب الصرف والسَّلَم، فإنّ عدم المانع من أجزاء العلّة. فملکیّة المشتری کما تتوقّف علی القبض فی الصرف والسلم فکذلک تتوقّف ملکیّة مشتری العین المرهونة علی خروج العین عن کونها للدین، وخروجها عنها یتحقّق فی الإسقاط أو الفکّ لا زمان العقد، فلا یجری فیه نزاع الکشف والنقل، بل لا محیص عن الالتزام بالنقل».
2- 6 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/11 و 12.
3- 1 . راجع هدی الطالب 5/240.
4- 2 . کتاب البیع 2/332.

المسألة الثانیة: لو باع شیئا ثمّ ملکه

اشارة

وهی ما لو کان عدم جواز التصرف لأجل عدم المقتضی _ وهو عدم الملکیّة للعاقد _ ولکن حصلت الملکیة بعد للعاقد الفضولی أو لغیره غیر المالک الأوّل.

وعنوان المسألة فی کلمات القوم یختص بما إذا کان المالک الجدید هو البائع الفضولی حیث عنونه بما جعلتُه عنوانا.

ولکنَّ صُوَرَ المسألة بلغت إلی سِتّ عَشْرَةَ صُوْرَةً(1) لأنّ الفضولی الذی یکون غیر المالک أمّا أن یبیع لنفسه أو للمالک، وانتقال الملک إلی المالک الجدید إمّا اختیارا أو قهرا، وإمّا أن یجیز المالک الجدید البیع أم لا، فبلغ إلی هنا إلی ثَمانِیْ صُوَرٍ وهذا کلّه إذا کان المالک الجدید هو البائع الفضولی وأمّا إذا کان غیره فَتَبْلُغُ الصُّوَرُ إلی سِتّ عَشْرَةَ صُوْرَةً.

هذا إذا جعلنا عنوان المسألة عاما کما جعله الشیخ الأعظم(2) قدس سره ولکن إذا جعلنا عنوانها خاصا کما فی کلمات القوم _ وکما جعلتها تبعا لهم _ فیخرج الثمانیة الثانیة لأنّهم قالوا: «لو باع الفضولی شیئا ثمّ ملکه»، وهذا العنوان لا یشمل صور الملکیة الجدیدة لغیر البائع الفضولی.

والمهم فی هذه الصور الثَّمانی الأُولی صورتان:

الاُولی: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یَشتَریه من مالکه وَیُجیز البیع.

ص:28


1- 1 . کما فی هدایة الطالب 3/134.
2- 2 . المکاسب 3/435 حیث یقول: «... فیجیز المالک الجدید سواء کان هو البائع أو غیره».

الثانیة: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یَشْتَریه من مالکه ولا یُجِیْزهُ.

وحکم بقیة الصور یظهر من حکم هاتین بالتأمل، فیقع الکلام فیهما، بل یظهر حکم الصورة الثانیة من الصورة الأُولی کما هو الواضح ولذا بحث الشیخ الأعظم(1) عن

هذه الصورة الاولی مفصلاً وعن الصورة الثانیة مختصرا.

الصورة الأولی:
ویقع الکلام فی ضِمْنِ جِهات:
الجهة الاُولی: کلمات الفقهاء حول المسألة
اشارة

قال الشیخ فی ما إذا باع أو رهن مالک النصاب قبل إخراج زکاته: «إذا وجبت الزکاة فی ماله فرهن المال قبل إخراج الزکاة منه لم یصحّ الرهن فی قدر الزکاة ویصح فیما عداه. وکذلک الحکم لو باعه صحّ فیما عدا مال المساکین ولا یصح فیما لهم، ثمّ یُنظر فإن کان للراهن(2) مال غیره وأخرج حقّ المساکین منه سلم الرهن جمیعه وکذلک البیع»(3).

وقال: «وإن کانت الهبة فاسدة فباع قبل القبض صحّ البیع، وإن باع بعد القبض فإن کان یعلم أنّها فاسدة، وأنّه لا یملک بها صحّ البیع، وإن کان یعتقد أنّها صحیحة وأنّ الموهوب له قد ملکها فهل یصحّ البیع؟ قیل: فیه وجهان: أحدهما: یصحّ لأنّه صادف ملکه وهو الصحیح.

الثانی: لا یصحّ لأنّه لا یبیع ویعتقد أنّه متلاعب بذلک.

کما نقول فی الرجل یبیع ماله مورِّثه وعنده أنّه ما مات، ثمّ یتّفق أن یکون قد مات قبل البیع، قیل: فیه قولان...»(4).

أقول: ظاهر الشیخ فی الزکاة والهبة صحة بیع مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه من دون حاجة إن الإجازة المستانفة، فی الزکاة کان الصحة ظاهرةً وفی الهبة شبّه بیع مال المورِّث

ص:29


1- 3 . المکاسب 3/453.
2- 1 . فی المطبوعة «الرهن» صححناه بالسیاق.
3- 2 . المبسوط 1/208.
4- 3 . المبسوط 3/304.

بظن حیاته بالهبة الفاسدة و بیع العین الموهوبة مع اعتقاد صحة الهبة واختار هو قدس سره صحة البیع، فکذلک یکون مختاره فی بیع مال المورِّث الصحة.

وقال المحقّق: «لو باع النصاب قبل إخراج الزکاة أو رهنه صح فیما عدا الزکاة فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشیخ رحمه الله : صح الرهن فی الجمیع وکذا البیع. وفیه إشکال لأنّ العین غیر مملوکة له وإذا أدی العوض ملکها ملکا مستأنفا وافتقر بیعها إلی إجازة مستأنفة کمن باع مال غیره ثمّ اشتراه، و...»(1).

وقال: «... ولو کانت الهبةُ فاسدةً صحّ البیعُ علی الأحوال. وکذا القول فیمن باع مالَ مورِّثه وهو یعتقد بقاءَهُ. وکذا إذا أوصَی برقبة مُعْتَقِهِ وَظَهرَ فسادُ عتقِهِ»(2).

أقول: کلامه الأوّل ظاهر فی الصحة مع الإجازة والثانی فی الصحة مطلقا.

قال العلاّمة فی متاجر القواعد: «ولو باع مال أبیه بظن الحیاة وأنّه فضولی فبان میِّتا _ حینئذ _ وأنّ المبیع ملکه فالوجه الصحة»(3).

وقال فی هبتها: «وإذا باع الواهب بعد الأقباض بطل مع لزوم الهبة، وصحّ لا معه علی رأی، ولو کانت [الهبة] فاسدةً صحّ إجماعا. ولو باع مال مورِّثه معتقدا بقاءه أو أوصی بمن أعتقه وظهر بطلان عتقه فکذلک»(4).

قال السیّد العاملی: «وقد یلوح منه [العلاّمة] هناک [هبة القواعد] أنّها محل إجماع فلیرجع إلیه»(5).

وقال فی نهایة الإحکام: «ولو باع مال أبیه بظن أنّه حیٌّ وهو فضولیٌّ، فبان أنّه کان میّتا حینئذ وأنّ المبیعَ ملکُ للعاقد فالأقوی الصحة لصدوره من الملک... ویحتمل البطلان لأنّه وإن کان العقد منجزا فی الصورة إلاّ أنّه فی المعنی معلَّقٌ، وتقدیره إن مات مورِّثی فقد

ص:30


1- 4 . المعتبر 2/563.
2- 1 . الشرائع 2/181.
3- 2 . قواعد الأحکام 2/19.
4- 3 . قواعد الأحکام 2/409.
5- 4 . مفتاح الکرامة 12/627.

بعتُک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(1).

وقال فی بیع التذکرة: «لو باع بظن الحیاة وأنّه فضولیٌّ فبان موته وأنّه مالک صحّ البیع _ وهو أصحّ قولی الشافعی _ لأنّه بیع صدر من أهله فی محلّه.

وأضعفهما: البطلان لأنّه کالغائب عن مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره.

وله آخر: أنّه موقوف علی تیقّن الحیاة أو الموت»(2).

ونحوه فیها(3) فراجعه.

وقال فخرالمحقّقین فی ذیل عبارة متاجر القواعد: «المراد بالصحة هنا اللزوم، ووجه الصحة إنّه تصرّف من أهله فی محلّه.

ویحتمل وقوفه علی إجازته لأنّه لم یقصد البیع اللازم بل الموقوف علی الإجازة متجددة من الأب أو من یقوم مقامه ولمّا اعتبر القصد فی أصل البیع ففی أحواله أَوْلی.

ویحتمل البطلان لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن الأب لا عنه ولأنّه وإن کان منجزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ والتقدیر إن مات مورّثی فقد بعتک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(4).

وقال الشهید: «وکذا [أی تصحّ] لو باع ملک غیره ثمّ انتقل إلیه فأجاز. ولو أراد لزوم البیع بالانتقال فهو بیع ما لیس عنده وقد نُهی عنه. نعم لو باعه موصوفا فی الذمة یطابق ما عند الغیر ثمّ ملکه ودفعه صحّ وأطلق الحلبی(5) صحة بیع ما لیس عنده ویحمل علی ذلک»(6).

وقال فی القواعد والفوائد: «... ویحتمل البطلان، لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن

ص:31


1- 5 . نهایة الإحکام 2/476 و 477.
2- 6 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 7 . تذکرة الفقهاء 10/220.
4- 1 . إیضاح الفوائد 1/420.
5- 2 . الکافی فی الفقه /359.
6- 3 . الدروس 3/193.

الأب لا عنه، ولأنّه وإن کان منجّزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ والتقدیر: إن مات مورّثی فقد بعتک، ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(1).

وقال الفاضل المقداد: «... وکذا نقول [بالصحة] فیمن باع ملک غیره ثمّ انتقال إلیه فأجاز»(2).

وقال المحقّق الثانی فی ذیل عبارة متاجر القواعد: «قوله: (وأنّه فضولی) مستغنی عنه. قلنا: بل أراد به الإشعار بمنشأ الوجه الضعیف أعنی العقود تابعة للقصود.

[و] أراد: الصحة من غیر توقف علی شی ء آخر، أعنی: اللزوم وینبغی أن یکون ذلک موقوفا علی إجازته وهو الأصح، لأنّه لم یقصد إلی البیع الناقل للملک الآن، بل مع إجازة المالک، إلاّ أن یقال: قصده إلی أصل البیع کاف. ومثله: ما لو باعه فضولیا ثمّ تبیّن شراء وکیله إیّاه»(3).

وقال فی تعلیقه علی الإرشاد: «ولو باع مُوَرّثه لظن حیاته فبان میّتا وأنّه مِلکُه، أو باع مال غیره ثمّ اشتراه فهل یصح البیع بمعنی عدم اشتراط الإجازة فیه أم لا؟

وجهان، وعدم الاشتراط فی الثانی أبعد، بل البطلان متّجه إذا قلنا بأنّ الإجازة کاشفة، لأنّ انتقال الملک إلی المشتری الأوّل إذا کان من وقت العقد استلزم بطلان البیع الثانی، فینتفی الملک، وصحة البیع الأوّل فرع له»(4).

وقال ثانی الشهیدین فی ذیل قول المحقّق: «(وکذا القول فیمن باع مال مورّثه وهو یعتقد بقاءه)، بمعنی أنّه یحکم بصحّة البیع علی تقدیر ظهور موت المورّث حال البیع، وأنّ البائع باع ما هو ملکه لحصول الشرط المعتبر فی اللزوم وهو صدور البیع عن مالکٍ لأمره.

ویشکل بما مرّ من عدم قصده إلی البیع اللازم، بل إنّما قصد بیع مال غیره وأقدم علی عقد الفضولیّ، فینبغی أن یعتبر رضاه به بعد ظهور الحال، خصوصا مع ادّعائه عدم

ص:32


1- 4 . القواعد والفوائد 2/238، قاعدة 238.
2- 5 . التنقیح الرائع 2/26.
3- 6 . جامع المقاصد 4/76.
4- 1 . حاشیة الإرشاد /337 المطبوعة فی ضِمْنِ المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.

القصد إلی ا لبیع علی تقدیر کونه ملکه. ولعلّ هذا أقوی لدلالة القرائن علیه، فلا أقلّ من جعله احتمالاً مساویا للقصد إلی البَیْعِ مطلقا فلا یبقی وثوق بالقصد المعتبر فی لزوم البیع.

إلاّ أن یقال: إنّ المعتبر هو القصد إلی البیع مطلقاً، ویمنع اعتبار القصد إلی بیعٍ لازم بدلیل صحّة عقد الفضولیّ مع عدم القصد إلی بیعٍ لازم، وتوقّفه علی إجازة المالک أمر آخر، لانّ رضا المالک شرط فی لزوم العقد لا فی صحّته فی نفسه، والأمر هنا وقع من المالک، فاجتمع القصد إلی البیع والشرط وهو بیع المالک فلا یفتقر إلی إجازة أخری. وإلی مثل هذا نظر المصنف وجزم بصحّة البیع. مثله ما لو باع مال غیره فظهر شراء وکیله له قبل البیع.

واعلم أنّ الشهید فی الدروس لمّا نقل عن الشیخ(1) تساوی مسألتی فساد الهبة وبیع مال مورّثه فی الحکم بصحّة البیع وإن جهل الحال قال: «وقد یفرّق بینهما بالقصد إلی صیغة صحیحة فی مال المورّث، بخلاف الموهوب»(2) ولایخفی علیک فساد هذا الفرق، فإنّ القصد إلی الصیغة الصحیحة بالمعنی المقابل للباطل حاصل فی المسألتین وبمعنی اللزوم منتفٍ فیهما، فلا فرق بینهما أصلاً کما لا یخفی»(3).

وقال الصیمری: «الثالث: لو باع مال غیره ثمَّ ملکه قبل فسخ المالک وإجازته، افتقر إلی الإجازة من البائع، لأنّه باع وهو غیر مالک ولابدّ من إجازة المالک وقد صار مالکا فلابدّ من إجازته...»(4).

فذلکة القول فی محتملات المسألة وأقوالها

وهنَّ ثلاثة:

الأوّل: الصحة من دون توقّفها علی إجازة البائع بعد تجدد الملک له: وهو الظاهر من کلام شیخ الطائفة فی بیع مال الزکویء قبل إخراج الزکاة منه إذا غرم حصة

ص:33


1- 2 . المبسوط 3/304.
2- 3 . الدروس 2/289.
3- 4 . المسالک 6/51.
4- 1 . غایة المرام 2/15.

الفقراء بعد البیع، وفی بیع الهبة الفاسدة مع اعتقاد البائع الصحة کما مرّ.

وهو مختار المحقّق فی الشرائع والعلاّمة فی متاجر القواعد وهبتها وبیع التذکرة ویراه الأقوی فی النهایة، وهو مختار الجدّ الشیخ جعفر.(1)

الثانی: صحتها مع توقّفها علی الإجازة: وهو الظاهر من معتبر المحقّق والشهید فی الدروس والفاضل المقداد فی التنقیح ونقله الشهید عن ابن المتوّج(2) وهو مختار المحقّق الثانی فی جامع المقاصد، والشهید الثانی فی المسالک والصیمری فی غایة المرام وعلیه صاحب الجواهر(3) والشیخ الأعظم(4).

الثالث: البطلان: وهو أضعف قولی(5) الشافعی.

وهو مختار الشیخ أسداللّه التستری(6) والمحقّق النائینی(7) کما یأتی منه فی ما بعد فی غیر الانتقال القهری وفیه قال بالصحة(8).

الجهة الثانیة: إشکالات التستری علی القول بالصحة
اشارة

ثمّ تعرض الشیخ الأعظم(9) للإشکالات السبعة _ التی ذکرها الشیخ أسداللّه التستری فی مقابس الأنوار(10)_ علی القول صحة، وقد مرّ بعضها من العلاّمة وولده

والمحقّق الکرکی فیما نقلتُ عنهم فی الجهة الاُولی.

ص:34


1- 2 . شرح القواعد 2/98.
2- 3 . کما حکاه السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 12/628.
3- 4 . الجواهر 23/482 (22/300)، ولکنّه فی المسألة التی ذکرها الشیخ الطوسی فی کتاب الزکاة یظهر منه القول بالبطلان، راجع الجواهر 15/245 (15/142).
4- 5 . المکاسب 3/437 و 462.
5- 6 . أی مذهبه القدیم والجدید.
6- 7 . مقابس الأنوار /134.
7- 8 . المکاسب والبیع 2/167 و 175.
8- 9 . منیة الطالب 2/118.
9- 10 . المکاسب 3/437.
10- 11 . مقابس الأنوار /134 و 135.
الاشکال الأوّل

(1):

لو باع مال الغیر لنفسه کان باطلاً بوجوه خمسة قد مرّ فی المسألة الثالثة من بیع الفضولی، تحت عنوان «أدلة بطلان بیع الفضولی لنفسه ومناقشتها»(2).

ولکن بعض هذه الوجوه لا یجری هنا وَهُما الوجهان اللذان یختصان بالغاصب _ أی الوجه الثانی(3): اعتبار عدم سبق منع المالک، والوجه الثالث(4): فقدان قصد المعاوضة الحقیقیة _ لأنّ البائع هنا لیس غاصبا بل یکون مالکا.

وفیه: قد مَرَّتْ هذه الأدلة ومناقشتها مفصلاً فلا نعیدها فراجع ما حررتُه هناک.(5)

الاشکال الثانی

(6):

یعتبر فی صحة البیع أُمور ثلاثة: 1_ الملک، 2_ رضا المالک، 3_ القدرة علی التسلیم. وفی بیع الفضولی یتحقق جمیع هذه الاُمور من جانب المالک. ولکن فی مسألتنا _ من باع شیئا ثمّ ملکه _ المالک خرج عن قابلیة الإجازة بالموت أو بالبیع للعاقد فلا یتحقق هذه الاُمور الثالثة، والمالک الجدید لا یکون مالکا حین العقد، والمالک حال العقد لا یعتبر رضاه.

وقد أجاب عنه الشیخ الإعظم(7) بجوابین:

الأوّل: بالنسبة إلی عدم رضایة من یعتبر رضاه، ذهب إلی أنّ المعتبر من الرضا إنّما هو رضا المالک حال الإجازة، لا رضا المالک حال العقد، لأنّ دلیل اعتبار الرضا فی

ص:35


1- 1 . مقابس الأنوار /134.
2- 2 . راجع الآراء الفقهیة 5/324.
3- 3 . راجع الآراء الفقهیة 5/325.
4- 4 . راجع الآراء الفقهیة 5/325.
5- 5 . راجع الآراء الفقهیة 5/324.
6- 6 . مقابس الأنوار /134.
7- 7 . المکاسب 3/437.

المعاملات هو آیة التجارة(1) وقوله علیه السلام : لا یحلّ مال امری ء مسلم إلاّ بطیب نفسه.(2) ومدلولهما اعتبار رضا المالک حین الإجازة لا حین العقد.

الثانی: بالنسبة إلی القدرة علی التسلیم، ذهب إلی أنّ القدرة علی التسلیم معتبرة فی حق المالک حین العقد ولا یفید حال الإجازة إلاّ أنّه کلام آخر لا ربط له بالمقام. لأنّ الکلام فی صحة البیع الصادر عن الفضولی فیما إذا ملکه وأجاز، وبطلانه من أجل عدم القدرة علی التسلیم أمر آخر غیر ما نحن بِصَدَدِهِ.

أقول: بل یمکن أن یجاب عن الثانی بأنّ المعتبر هو القدرة علی التسلیم حال الإجازة بل القدرة علی التسلیم فی موعد التسلیم لا القدرة علیه حال العقد، والقدرة علیه حین الإجازة بل فی موعد التسلیم، وهی موجودة فی هذا العقد.

الإشکال الثالث
اشارة

(3):

الإجازة کاشفة علی الأصح عندنا وعند الشیخ التستری عن الملکیة حال العقد، وإذا فرضنا صحة البیع فی مسألتنا فَلازِمُهُ أن یکون المال ملکا للمشتری من حین العقد مع أنّ المفروض عدم دخوله فی ملک المالک المجیز حین العقد حتّی یدخل منه إلی ملک المشتری، والخروج من الملْکِ فرع للدخول فیه، وما لم یدخل فی ملکه کیف یعقل خروجه عنه، وهذا یکشف عن بطلان المعاملة.

جواب الشیخ الأعظم

جواب الشیخ الأعظم(4): الإجازة علی القول بالکشف توجب انتقال المال إلی المشتری من حین العقد إذا لم یکن هُناکَ محذورٌ فی البین، وأمّا إذا وُجد مَحْذُوْرٌ _ کما ورد فی الإشکال _ فالمتّبع هو دلیل الاعتبار فیحکم بکاشفیة الاجازة من زمن یمکن الانتقال من المالک المجیز إلی المشتری وهو أوّل زمان انتقال المالکیة إلی المالک الثانی الذی أجاز البیع، فیدخل المبیع آنا ما فی ملکه ومنه ینقل إلی المشتری ویرتفع الْمَحْذُوْر.

ص:36


1- 8 . سورة النساء /29.
2- 9 . وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
3- 1 . مقابس الأنوار /134.
4- 2 . المکاسب 3/438.

مضافا إلی أنّ مقتضی الصحة موجود فی مسألتا _ وهو العمومات والإطلاقات الواردة فی صحة البیع _ ولا مانع عن الصحة إلاّ إجازة المالک الجدید وإذا حصلت تلک الإجازة فَهِیَ تَکْشِفُ عن ثبوت الملکیة من أوّل أزمنة إمکان قابلیة الملک إلی المشتری له من دون ترتّب محال عقلیّ أو شرعیّ فی المقام.

ثمّ ذکر(1) أنّ مسألتنا لا تُقاسُ بما إذا خصص المالک المجیز الإجازة بزمن متأخر عن العقد مثلاً بأنّ أجازه مِن حین الإجازة فیحکم بالبطلان لأنّ العقد قابل لِتَرْتِیْبِ الأثر

من حینه فلا وجه لتقیید توسط المالک فیکون باطلاً من رأسه.

وأمّا فی مسألتنا فلیس العقد قابلاً لترتّب الملکیة علیه من حینه، فیترتّب علیه من أوّل أزمنة إمکانه وهو کما مرّ انتقال الملک إلی المالک الجدید. انتهی جواب الشیخ الأعظم بتقریب منّا.

ولکن المحقّق النائینی(2) استدلّ للبطلان بمنع اقتضاء البیع للصحة فی المقام لما مرّ من أنّ بیع الأصیل ماله من البائع الفضولی یقتضی بطلان بیع الفضولی لأنّ الردّ کما یتحقّق بالقول یتحقّق بالفعل أیضا.

ولکن یرد علیه أوّلاً: قد مرّ فی تنبیهات الإجازة(3) أنَّ الردّ لا یقتضی بطلان البیع الفضولی فراجع ما حررتُه هناک.

وثانیا: أنّ الدلیل أخص من المدعی لأنّ ما ذکره إنّما یجری فیما إذا ملک البائع ما باعه بالشراء کما مثّل له ولکن لا یجری فیما إذا ملکه بالإرث، والوجه فی ذلک أنّ انتقال الملک بالإرث لا یعدّ ردّا من المورِّث للعقد الصادر عن الوارث.

وثالثا: وعلی فرض أنّ الردّ یقتضی بطلان البیع الفضولی إنّما یقتضی ذلک إذا ردّ المالک العقد الواقع علی ملکه، وأمّا العقد الواقع علی ملک غیره فلیس للمالک ردّه، وفی مسألتنا العقد یَقَعَ فی ملک المالک الجدید فعلاً _ بعد الشراء أو الإرث _ فلیس للمالک

ص:37


1- 3 . المکاسب 3/439.
2- 1 . منیة الطالب 2/117.
3- 2 . راجع الآراء الفقهیة 5/505.

السابق ردّه، وللمالک الجدید إجازته أو ردّه علی القول بِلُزُوْمِ الصحة الإجازة المُسْتَأنفة منه.

ثمّ لا یُدری ما الفرق بین الإرث والبیع فی انتقال المال إلی الْمالِکِ الجدید؟! حیث ذهب المحقّق النائینی(1) إلی أنّ إجازة الوارث تکشف عن الملکیة من حین العقد للمشتری فی حیاة المورّث بِادِّعاءِ قیام الوارث مقام المورِّث فی الأموال فکأنّ العقد صدر من المورِّث بنفسه، ولکن إذا کان الانتقال بالشراء فَتَأْثِیْرُ الإجازة لحصول الملکیّة للمشتری من حین ملکیة المالک الجدید یحتاج إلی دلیل مفقود.

ولا ینقضی تعجبی من المحقّق السیّد الخوئی حیث استشکل علی الشیخ الأعظم بأنّ المقایسة بین ما إذا خصص المالک الإجازة بزمان متأخر عن العقد ومسألتنا

تامةٌ _ خلافا للشیخ الأعظم ومرّ منه بأنّ المقایسة بینهما باطلةٌ _ وقال: «الوجه فیه [أی فی البطلان هناک] لیس إلاّ أنّ المُنْشَأَ بالعقد إنّما هی الملکیّة المطلقة من حین العقد، فإذا تعلَّقت الإجازة بالملکیّة المتأخرة عنه لم تتعلَّق الإجازة بما وقع، فما وقع لَمْ یجز وما اجیز لم یقع، وفی المقام [مسألتنا] أیضا یجری هذا الوجه، لأنّه إذا سُئل المشتری من أیّ زمان اشتریتَ؟ أجاب بأنّی اشتریتُ من حین العقد، والمفروض عدم تعلّق الإجازة بالملکیة من حین الشراء ولو کان ذلک لمانع شرعی فلو قلنا بالبطلان هناک لابدّ من القول به فی المقام أیضا»(2).

وجه التعجب: تخصیص الانتقال بزمن ما بعد العقد فی ما إذا کان الانتقال من حین العقد ممکنا _ شرعا وعقلاً _ یضرّ بالبیع ویصیره باطلاً، وأمّا إذا کان الانتقال من حین العقد فلا یکون ممکنا _ شرعا أو عقلاً _ ولا یضرّ بصحة العقد الذی مدلوله الانتقال من حینه لأنّ المال غیر قابل للانتقال شرعا إلاّ أوّل أزمنة تملک المالک المجیز، فتکون عموم الإجازة بالنسبة إلی ما قبل ذلک الزمن ملغاةً، وکان ذلک نظیر الإجازة فی ما إذا کان

ص:38


1- 3 . راجع منیة الطالب 2/118.
2- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/432.

القبض فیه شرطا للانتقال کما علیه شیخنا الاستاذ(1) قدس سره .

الإشکال الرابع

(2):

القول بصحة مسألتنا _ من باع شیئا ثمّ ملکه _ یستلزم اجتماع المالکین علی ملک واحد، واستحالة ملکیّة المشتری للعین المشتراة.

وأمّا الأوّل: فعلی القول بالکشف، الإجازة تکشف عن ملکیة المشتری للعین من حین العقد، والمفروض أنّ المال فی ذلک الوقت یکون للمالک الأوّل ولذا صحّ انتقاله منه إلی المالک الثانی المجیز بالانتقال الاختیاری أو القهری، ثمّ بعد حصول الانتقال إلی المالک الثانی المجیز صحّت إجازته للعقد لأنّه صار مالکا للعین.

ولو لم تکن العین للمالک الأوّل لم یصح شراء الثانی المجیز منه _ أو انتقالها إلیه _ فلم تصح اجازته للعقد، ولازم ذلک أن تکون العین من حین العقد إلی حین الإنتقال للمالک المجیز مملوکة للمالکین _ المالک الأوّل والمشتری _ .

وأمّا الثانی: فإنّ ملک المشتری للعین من حین العقد یستلزم عدم کون المالک

الأوّل مالکا لها من حین العقد لاستحالة کونها ملکا للإثنین بالاستقلال، وإذا لم تکن ملکا له _ أی للمالک الأوّل _ فلا یصح انتقالها إلی المالک الثانی المجیز وبالتالی لم تصح إجازة المالک المجیز للعقد السابق فلا تَتُمُّ ملکیّة المشتری للعین حال العقد، فیلزم من ملکیة المشتری من حین العقد عدم ملکیّته، وما یلزم من وجوده عدمه محالٌ، فملکیّة المشتری للعین مُسْتَحِیْلَةٌ والعقد باطل.

جوابه: لا یَرِدُ الإیرادانِ علی القول بالصحة حتّی علی القول بالکشف فی الإجازة لما مرّ آنفا فی الجواب عن الإشکال الثالث بأنّ العین تنتقل إلی المشتری من أوّل أزمنة إمکان انتقالها من المالک الثانی المجیز إلیه، وهو أوّل زمان دخلت العین فی ملکه _ أی المجیز _ بالشراء أو الإرث، فحینئذ قبل انتقال العین إلی المجیز کانت فی ملکیّة المالک

ص:39


1- 2 . راجع إرشاد الطالب 4/28.
2- 3 . راجع مقابس الأنوار /134.

الأوّل بلا تزاحم، فلا یلزم اجتماع المالکین علی ملک واحد، ولا یلزم من وجوده عدمه.

الإشکال العام للمحقّق التستری
اشارة

ثمّ ذکر التستری(1) إشکالاً عامّا علی جمیع المعاملات الفضولیة بناءً علی الکشف من حین العقد أو من قابلیة المحلّ کما فی مسألتنا _ تحت عنوان إن قلت _ وهو أنّ الإجازة تکشف عن ملکیة المشتری للعین من حین العقد أو من حین قابلیة المورد، ولازم ذلک أن لاتکون العین ملکا للمجیز حال الإجازة ومعه کیف تؤثّر فی تملّک المشتری من حین العقد أو مِن حین قابلیة المورد، ولازم صحّة إجازته أن تکون العین ملکا للمجیز والمشتری _ معا _ فی حال إجازة المجیز.

جوابه:
اشارة

وأجاب التستری نفسه عن الإشکال _ تحت عنوان قلنا(2)_ بأنّ ملکیة الصوریة الظاهریة الحاصلة بالاستصحاب للمجیز کافیة فی صحّة الإجازة وإن لم یکن مالکا واقعیّا لأنّ الإجازة رفع للید وإسقاط للحقِّ وفیه یکفی الملک الصوری الظاهری، بخلاف العقد الثانی _ شراء المجیز العین من المالک الأوّل _ لأنّه یحتاج إلی الملک الواقعی لأنّه عقدٌ وصحة العقد تتوقّف علی الملک واقعا.

ولکن الشیخ الأعظم أورد علی جوابه بإیرادات أربعة:

الأوّل: الملک الصوری الاستصحابی لا یکفی فی الإجازة لأنّ الفضولی لو باع مال أحدٍ وقبل إجازة المالک باعه وکیل المالک من شخص آخر ولم یعلم به المالک ثمّ أجاز

المالک البیع الفضولی باستصحاب ملکه، وبعد ذلک ظهر أنّه لم یکن مالکا للمال حال الإجازة لأنّ الوکیل باعه من شخص آخر، فلا یمکن الالتزام بصحة الإجازة حینئذ مع أنّ الملک الصوری متحقّق فی المثال. ومنه یظهر أنّ الإجازة متوقّفة علی الملک الواقعی ولا یکفی فیها الملک الاستصحابی.

الثانی: الفرق بین الإجازة والعقد الثانی غیر موجود لأنّ الإجازة لیست رفعا للید

ص:40


1- 1 . مقابس الأنوار /134.
2- 2 . مقابس الأنوار /134.

واسقاطا للحقِّ، بل هی ممّا یُصَحِّحُ الاستناد وکأنّه باع ماله حین الإجازة ومن الواضح أنّ البیع یتوقّف علی الملک الواقعی ولا یکفی فیه الملکیة الاستصحابیة لأنّه من الشرائط الواقعیة لا العلمیة حتّی یقال فیه بکفایة الاستصحاب فیه.

الثالث: سلّمنا أنّ الإجازة هی إسقاط للحقّ ورفع للید فقط مع ذلک لا یکفی فیها الملکیّة الاستصحابیة الظاهریة لعدم معقولیة إسقاط الحقّ مع انتفاء الحقّ قبل ذلک الاسقاط کما فی مسألتنا بناءً علی الکشف لأنّ الإجازة تکشف عن ملکیّة المشتری من حین العقد فالمجیز لم یکن مالکا حین الإجازة.

الرابع: إشکال التستری علی المعاملات الفضولیة إنّما یبتنی علی الکشف الحقیقی وأمّا بناءً علی الکشف الحکمی فلا یجتمع المالکان علی ملک واحد. لأنّ المشتری إنّما ینزّل منزلة المالک فی ترتب الآثار فقط، لا أنّه یکشف عن الملک الحقیقی لیترتب الاشکال. ولأنّ المشتری مالک تنزیلیٌّ أو مجازیٌّ أو ادعائیٌّ، أمّا المالک الواقعی والحقیقی فَهُوَ المجیز فیرتفع اشکاله من الإساس. مضافا إلی تعدد زمان الاعتبارین کما مرّ فی بحوث الکشف.

أجوبة الإعلام عَنِ الإشکال العام
2_ إجابة المحقّق النائینی عن إشکال اجتماع المالکین علی ملک واحد فی مسألتنا
اشارة

ذهب قدس سره إلی أنّ المستحیل هو اجتماع المالکین العرضیین وأمّا اجتماع المالکین الطولیین فلا استحالة فیه قال: «وأدلّ الدلیل علی إمکانه وقوعه کما فی ملک العبد الذی یملکه المولی، وإنّما الممتنع اجتماع مالکین عرضیین ففی المقام حیث إنَّ ملک المجاز له مترتّب علی ملک المجیز وقوامه به فاجتماعهما لا یضرّ»(1).

واعترض علیه المحقّق السیّد الخوئی(2) رحمه الله بأنّ لم یجد مالکان طولیان فی المقام وقال: إذ لا طولیة لملکیّة المشتری والمالک المجیز _ لأنّ المالک لا یملک المشتری لیملک ما ملکه بتبعه لیکون ملک أحدهما فی طول ملک الآخر _ ولیس فی المقام إلاّ کون مالکیة المشتری معلولة لمالکیة المجیز وهما مالکان مستقلان عرضیان فما ذکره من الإجابة غیر تام.

1_ إجابة السیّد الیزدی

قال: «الصواب فی الجواب عنه أن یقال: أنّه یکفی فی صحة الإجازة الملکیّة التقدیریة، بمعنی کون المال له لو لا هذه الإجازة، فإنّ المفروض أنّه یخرج عن ملکه بسبب هذه الإجازة، وهذا المقدار یکفی فی صحتها ولا نسلم توقفها علی الملکیة الفعلیة حینها. ومثل هذا الجواب لا یجری فیما نحن فیه [مسألتنا] فإنّ صحة العقد الثانی لا یکفی فیها الملکیة التقدیریة بل لابدّ من الفعلیة ولو لا تعبیره بالاستصحاب أمکن حمل کلامه علی ما ذکرنا، بأنّ یکون مراده من الملکیة الظاهریة والصوریة ما ذکرنا من التقدیریة، ولکن مع هذا التعبیر لا مفرّ من ورود ایراد المصنف [الشیخ الأعظم] علیه»(3).

ص:41


1- 4 . منیة الطالب 2/119.
2- 5 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/434، التنقیح فی شرح المکاسب 2/26.
3- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/230.

مراده: من الملکیة التقدیریة هی الملکیة اللولائیة: أعنی لو لا الإجازة کان المال ملکا له کما صرح بها فی أوّل کلامه، وهذه «نظیر الصحة اللولائیة فی باب النذر، کما إذا نذر ترک الصلاة فی الحمام، فإنّ الناذر لا یقدر علی الصلاة الصحیحة إلاّ بإرادة الصحة لو لا النذر»(1).

وتبعه تلمیذه المحقّق الشهیدی(2).

ولکن یرد علیه: أنّ المستفاد(3) من ظاهر الأدلة فی باب المعاملات وصحتها الملکیة الفعلیة لا الملکیة التقدیریة.

3_ جواب المحقّق الایروانی

قال فی توضیح جواب المحقّق التستری فی کفایة الملکیة الصوریة الظاهریة:

ص:42


1- 1 . کما فی هدی الطالب 5/273.
2- 2 . هدایة الطالب 3/139.
3- 3 . کما صرّح به الفقیه الشریعتمداری فی تحقیقٌ وتقریراتٌ فی باب البیع والخیارات 3/62.

«مراده من الملک ظاهرا کونه محکوما بأنّه ملک للمجیز وإن لزم من صحة الإجازة، عدم کشفها کونه ملکا له فی زمان الإجازة ونظیرها فی ذلک الإقرار علی ما فی الید بأنّه للغیر فإنّه یکفی فی نفوذ الإقرار کون ذلک له بمقتضی یده لو لا إقراره وإن لزم من نفوذ إقراره

عدم کونه له.

بل یمکن أن یقال: یکفی فی صحة الإجازة ونفوذها ملک المجیز حال العقد، فإنّ الإجازة تجعل العقد الصادر من الفضولی فی قوّة الصادر من المالک فی ذلک الزمان، والعقد الصادر من المالک فی ذلک الزمان یؤثر فی ذلک الزمان.

وخلاصة بیانه هو: أنّه لایستفاد من أدلة اعتبار طیب نفس المالک فی حِلّ ماله إلاّ عدم ارتفاع ملک أحد إلاّ بطیب نفسه، أمّا کون ذلک الارتفاع بعد طیب النفس لیلزم أن یکون فی رتبة سابقة علی طیب النفس مالکا فلا، فیمکن أن یکون المال بطیب نفس متأخر منتقلاً عنه فی زمان سابق وهو زمان تعلّق رضا المالک بتحقق الانتقال فیه کما هو مبنی القول بالکشف فیکون النقل حالیّا والمنتقل أمرا سابقا کما فی عکسه من النقل الحالی والمنتقل الاستقبالی»(1).

ویرد علیه: أوّلاً: قیاسُهُ بباب الاقرار لا یتم لأنّ الملکین فی باب الإقرار إمّا فظاهریان أو أحدهما ظاهریٌّ والآخر واقعیّ وإمکان اجتماعهما واضح ولکن فی الفضولی یکونان واقِعِیَّیْنِ ولا یمکن اجتماعهما.

وثانیا: الظاهر من قوله علیه السلام : «لا بیع إلاّ فی ملک» هو وقوع البیع فی الملکیة الفعلیة لا الملکیة السابقة، فلابدّ من صدور الإجازة فی الملک الفعلی لمالک العین.

4_ إجابة المحقّق الأصفهانی

قال: «ویندفع الاشکال العام: بأنّ اتصال ملک المجیز بزمان الإجازة بما هی إجازة غیر لازم، بل اللازم اتصال الملک بزمان التصرف الناقل لیکون النقل عن ملکه، فللمالک نقل ملکه مباشرةً وتسبیبا واجازةً، وحیث أنّ زمان العقد علی الکشف زمان التصرف

ص:43


1- 1 . الحاشیة علی المکاسب 2/288.

الناقل لفرض شرطیة المتأخر، فزمان تحقّق العلّة الموجبة للنقل هو زمان العقد، وهو مالک بملکیة متصلة بزمان العلّة الموجبة، والنقل منه فی هذا الزمان نقل لملکه إلی غیره.

وبالجملة: کما أنّ الملکیة الفعلیة المتصلة بحال العقد مباشرة تصحح النقل، کذلک هذه الملکیة تصحح النقل من حین العقد...»(1).

ویرد علیه: لو قلنا بکفایة الملکیة حال العقد وعدم لزوم اتصالها بزمان الاجازة، وعدم اتصال الملکیة بزمن الإجازة حتّی علی نحو الملکیة الظاهریة الصوریة _ کما علیه

الشیخ التستری _ أو الملکیة التقدیریة اللولائیة _ کما علیه السیّد الیزدی _ یلزم من هذا القول صحة الإجازة ولو بعد خروج العین عن ملکیة المالک الأصلی، فحینئذ فلو باع الفضولی ثمّ باع المالک الأصلی ما باعه الفضولی، ثمّ أجاز المالک بعد بیعه مباشرة، لابدّ من القول بصحة هذه الإجازة وصحة بیع الفضولی وبطلان بیع المالک الأصلی ولم یقل به أحد.(2)

5_ إجابة المحقّق السیّد الخوئی:

قال: «والصحیح أن یقال: إنّه بناءً علی الکشف الحقیقی لا مانع الالتزام بکفایة الإجازة عن من یخرج عن المالکیة بنفس الإجازة، أی الإجازة معتبرة عن مَنْ هو المالک لو لا الإجازة، بأن تکون الإجازة فعلاً بیعا للمال السابق. وهذا أمر ممکن فی حدّ نفسه، نعم یحتاج إلی دلیل فی مقام الوقوع، فإنّا ذکرنا سابقا أنّه لا مانع من بیع المالک فعلاً شیئا من أملاکه منذ أُسبوع بأن یکون البیع فعلیّا [من الآن] والملکیة من السابق فیما إذا وافقه دلیل شرعی، فیکون بیع المالک الذی یخرج عن کونه مالکا بنفس البیع صحیحا وممکنا فی حدّ نفسه، فیتملّک المشتری المال من قبل أُسبوع ولا بأس بالالتزام بذلک، نعم لابدّ من تتبّع الأدلة لیُری أنّها توافق هذا الممکن أم لا»(3).

أقول: وأنت تری بأنّه قدس سره جمع بین جوابی السیّد الیزدی والمحقّق الایروانی فی

ص:44


1- 2 . حاشیة المکاسب 2/218.
2- 1 . یظهر هذا الایراد من السیّد الخمینی فی کتاب البیع 2/352.
3- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/26.

صدر کلامه وذیله فیرد علیه ما أوردته علیهما فلا أُعید.

والجواب الصحیح مضافا إلی ما ذکره الشیخ الأعظم(1) من ابتناء الاشکال علی الکشف الحقیقی وأمّا علی الکشف الحکمی فلا یجری الاشکال ولا یجتمع المالکان علی ملک واحد کما مرّ آنفا فی توضیح إشکاله الرابع علی الشیخ التستری، ما مرّ منّا فی الإجابة عن الاشکال الثانی الذی أورده الشیخ الأعظم علی الوجه الثانی من وجوه الاستدلال علی الکشف فراجع ما حررنّاه هناک(2)، والحمد للّه.

الاشکال الخامس
اشارة

(3):

قد عرفت أنّ الإجازة بناءً علی الکشف الحقیقی تنتقل العین بِها من حین العقد إلی المشتری ویصیرُ مالکا لها، فحینئذٍ یکونُ بَیْعُ المالِکِ الأوّل لها من المالک الثّانی المُجیز فُضولیّا؛ لأنَّهُ وقع علی ملک المشتری فتتوقف صحته علی إجازته وعلیه یلزم أن یَتَوَقَّفَ شراء المالک الثانی المجیز علی إجازة المشتری، وصحة شراء الفضولی تتوقف علی إجازة المالک المجیز فکلّ إجازة تتوقف علی إجازة الآخر وکلّ ملک یتوقف علی ملک الآخر وهذا من الأعاجیب لأنّه من الدور الذی یکون محالاً عقلاً.

بل لازم ذلک اجتماع الثمن والمثمن فی ملک المشتری لأنّه إذا اشتراه مثلاً بخمسین دولارا من المالک الثانی الفضولی المجیز وأجازه بعد ملکه تکشف إجازته عن ملک المشتری من حین العقد، وبعد ذلک إذا باعه المالک الأوّل من المالک الفضولی المجیز بنفس السعر، فقد وقع البیع علی ملک المشتری فیرجع الثمن إلیه لأنّه المالک من حین العقد فیملک المشتری بین الثمن والمثمن بعد البیع الثانی وهذا من المحالات الشرعیة.

بل إذا باعه المالک الأوّل من المالک الثانی الفضولی المجیز بأکثر من الخمسین صارت تلک الزیادة فی ملک المشتری.

نعم، لو باعه بأقل ممّا اشتراه به المشتری من المالک الفضولی _ مثلاً بأربعین _ یقع

ص:45


1- 3 . المکاسب 3/422.
2- 4 . الآراء الفقهیة 5/396.
3- 5 . مقابس الأنوار /135.

العین فی مقابل عشرة فی المثال.

وأجاب الشیخ الأعظم

وأجاب الشیخ الأعظم(1) عن هذا الإشکال بأنّه کسابقه مبنی علی الکشف الحقیقی من حین العقد ولکنّ قد مرّ أنّ الصحیح هو الکشف فی أوّل أزمنة إمکانه وهو یختلف باختلاف الموارد، ثمّ ذکر منشاء هذه الإشکالات شی ء واحد وقد نبّه علیه فی الإیضاح(2) وجامع المقاصد(3).

جواب السیّد الیزدی عن الاشکال الخامس
اشارة

قال: «الحاجة إلی إجازة المشتری الأوّل لیست علی کلّ تقدیر، بل علی تقدیر إجازة العقد الأوّل [من جانب المالک المجیز] فیمکن أن یصح العقد الثانی بدون إجازة العقد الأوّل، ومعه فلا حاجة إلی إجازة المشتری الأوّل، لیقال إنّها [إجازة المشتری الأوّل] موقوفة علی إجازة المشتری الثانی، فیتوقف صحد العقد الثانی علی إجازة

المشتری الثانی مع الواسطة...»(4).

جواب الشیخ الأعظم عند المحقّق النائینی

یری النائینی بطلان المعاملة: «لأنّ الإجازة انفاذ للعقد السابق ولیس الکشف والنقل داخلین فی مفهومها، إنّما الکشف والنقل حکم شرعی مترتب علیها... فعلی فرض الکشف إذا کان المنکشف باطلاً لأجل عدم تحقّق شرطه تلغو الإجازة، وأمّا تقطیع الملکیة باعتبار استمرارها من زمان العقد... والحکم بکشف الإجازة عن حصولها فی زمان یمکن حصولها وعدم حصولها فی زمان قبله فهو خارج عن متعلَّق الإجازة لأنّها تعلقت بالعقد الصادر عن المجیز کما لا یخفی...»(5).

وقال: «إنّ الحق فی الإجازة بناءً علی الکشف هو الحکم بالبطلان فیما إذا تعذر

ص:46


1- 1 . المکاسب 3/444.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/419.
3- 3 . جامع المقاصد 4/73 و 74.
4- 1 . حاشیة المکاسب 2/232.
5- 2 . المکاسب والبیع 2/167.

النقل من حین العقد لا الحمل علی ما یمکن کما مرّ توضیحه»(1).

إجابة الفقیه الشریعتمداری عن الشیخ الأعظم

یری السیّد الشریعتمداری جواب الشیخ الأعظم صحیحا فی مقام الثبوت وأمّا فی مقام الإثبات وإقامة الدلیل علیه فلا یخلو من الاشکال.

وذهب إلی: «أنّ المطالب والمسائل هنا [فی المعاملات] عرفیٌّ والإجازة کان لها حکم العقد المستأنف کانت تراضیا مستانفا... فیمکن حینئذ القول بأنّ العرف یلغی الخصوصیات والأصل سلطنة المالک واجازته عقد الفضولی أو عدمها، والمسألة مسألة عرفیة بناءً علی هذا الممشی، [و] إقامة الدلیل علی الصحة فی کلِّ مورد حیث یمکن لا تخلو عن إشکال»(2).

الجواب المختار للإشکال الخامس

العقد الثانی أی الذی وقع بین المالک الأصلی والمالک الثانی المجیز لیس للمشتری مدخلیة فیه، لأنّه وقع قبل صدور الإجازة من المجیز وانتقال الملک إلیه فعلیه المالک الأصلی یبیع ملکه والمالک الثانی المجیز یشتری لنفسه وبماله ولیس للمشتری دخالة فی هذا العقد، نعم بعد هذا البیع انتقل المال إلی المالک الثانی المجیز فینتقل منه إلی

المشتری من دون حاجة إلی الإجازة المستأنفة کما هو المختار أو بعد صدور الإجازة منه، ومنهما _ أی من أوّل أزمنة نقل الملکیة إلی المالک المجیز أو بعد صدور الإجازة منه _ صار المشتری مالکا ولکن مبدأ ملکیته یکون من حین شرائه _ بناءً علی الکشف الحقیقی، ولا إشکال فی التفاوت بین زمانی المالکیة والملکیة بلا فرق بین أنّ مبدأ الملکیّة یکون متقدما علی زمان المالکیة _ کما فی ما نحن _ أو متأخرا عنه کما فی الوصیة التملکیة.

فَنَحْنُ لا نحتاج إلی ما ذکره الشیخ الأعظم من قضیة الانتقال فی ما نحن فیه من

ص:47


1- 3 . المکاسب والبیع 2/175.
2- 4 . تحقیق وتقریرات فی باب البیع والخیارات 3/71.

أوّل أزمنة الإمکان لأنّ الفرق الزمانی بین المالکیة ومبدأ الملکیة موجود.

مضافا إلی امکان قبول مقالة الشیخ الأعظم من دون إشکال علیه لأنّ العمومات والاطلاقات الواردة فی صحة بیع الفضولی تَقْتَضِیْ صحة بیع مسألتنا ولکنَّ هنا مانِعا یمنع مِنْ جَرَیانِ أدلة الصحة وهو عدم مالکیة البائع ففی أیّ آنٍ ارتفع هذا المانع، تجری أدلة الصحة ویحکم بها، فمقالة الشیخ الأعظم رحمه الله تامَّةٌ عندنا، والحمد للّه.

الاشکال السادس:
اشارة

بیع المالک الأصلی فسخ للمعاملة الفضولیة فلا تجدی الإجازة المتأخرة بعد الفسخ، فعقد الفضولی قبل الإجازة کسائر العقود الجائزة بل اُولی منها، فکما أنّ التصرف المنافی مبطل لها کذلک للعقد الفضولی.(1)

وبعبارة اُخری: «أنّ من المعلوم أنّه یکفی فی إجازة المالک وفسخه فعل ما هو من لوازمهما، ولمّا باع المالک ماله من الفضولی بالعقد الثانی فقد نقل المال عن نفسه وتملّک الثمن وهو لایجامع صحة العقد الأوّل، فإنّها تقتضی تملّک المالک للثمن الأوّل، وحیث وقع الثانی یکون فسخا له وإن لم یعلم بوقوعه فلا یجدی الإجازة المتأخرة»(2).

وبعبارة ثالثة: الردّ الفعلی کافٍ فی بطلان العقد الفضولی والمالک ببیعه المال قد ردّ العقد فلا یبقی هناک مورد للإجازة من البائع بعد ذلک»(3).

إجابة الشیخ الأعظم

(4)

فسخ عقد الفضولی هو إنشاء ردّ العقد، والفسخ هنا غیر معلوم لعدم العلم بقصد المالک الأوّل إنشاء الفسخ بالفعل المنافی _ لاسیّما مع جهله بوقوع عقد الفضولی علی ماله _ ومع عدم إحراز الفسخ لا وجه للحکم بردّ عقد الفضولی.

نعم، الفعل المنافی قد یفوِّت محلّ الإجازة نحو تزویج المرأة نفسها بغیر مَنْ زوّجها

ص:48


1- 1 . مقابس الأنوار /135.
2- 2 . المکاسب 3/444.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/27.
4- 4 . المکاسب 3/444 و 445.

الفضولی، وفی موردنا یفوِّت محل الإجازة بالنسبة إلی المالک الأوّل الأصلی وأمّا محلّ الإجازة بالنسبة إلی المالک الثانی المجیز فإنَّهُ یکونُ باقیّا وإجازته تُصَحِّحُ بیعه الأوّل مع المشتری.

وبالجملة: إن أراد التستری مع البیع الثانی _ أی بیع المالک الأصلی من المالک الثانی المجیز _ إبطال أثر عقد الفضولی بالنسبة إلی المالک الأوّل فهو تام لأنّ بعد بیعه لیس له مال حتّی یجیز عقد الفضولی الواقع علیه.

وإن أراد من البیع الثانی إبطال أثر عقد الفضولی مطلقا حتّی بالنسبة إلی المالک الثانی المجیز فهو غیر تام، لأنّ الثانی مالک ویرید إجازة هذا العقد فینفذ فی حقّه.

وتوهّم التعبیر عن البیع الثانی بأنّه ردّ لعقد الفضولی وظاهر فی بطلان عقد الفضولی مطلقا، باطلٌ لعدم الدلیل علی هذا الإطلاق وإمکان بقاء العقد بالنسبة إلی المالک الثانی المجیز.(1)

وقیاس البیع الثانی بالنسبة إلی بطلان عقد الفضولی مطلقا ببطلان عقد الجائز بالتصرف المنافی له من بیع أو هبة أو صلح أو غیرها، لیس فی محلّه «لأنّ صحة تصرف المنافی تتوقّف علی فسخ العقد وإلاّ وقع فی ملک الغیر، بخلاف ما نحن فیه فإنّ تصرّف المالک فی ماله المبیع فضولاً صحیح فی نفسه لوقوعه فی ملکه، فلا یتوقّف علی فسخه، غایة الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة»(2).

«ومن ذلک یظهر ما فی قوله رحمه الله أخیرا: «وبالجملة حکم عقد الفضولی حکم سائر العقود الجائزة بل اولی»(3)، فإن قیاس العقد المتزلزل من حیث الحدوث [الفضولی] علی المتزلزل من حیث البقاء [العقود الجائزة] قیاس مع الفارق فضلاً عن دعوی الاولویّة»(4).

ص:49


1- 1 . راجع المکاسب 3/445.
2- 2 . المکاسب 3/446.
3- 3 . مقابس الأنوار /135.
4- 4 . المکاسب 3/446.
الاشکال السابع: الروایات الناهیة
اشارة

قال التستری: «ویدل علی ما اخترناه [البطلان]: الأخبار المعتبرة المستفیضة، منها: جملة من الأخبار المتقدمة فی الموضوع الأوّل...»(1).

قال الشیخ الأعظم مستدلاً له: «الأخبار المستفیضة الحاکیة لنهی النبی صلی الله علیه و آله عن بیع ما لیس عندک فإنّ النهی فیها إمّا لفساد البیع المذکور مطلقا بالنسبة إلی المخاطب وإلی المالک فیکون دلیلاً علی فساد العقد الفضولی، وإمّا لبیان فساده بالنسبة إلی المخاطب خاصة _ کما استظهرناه سابقا(2)_ فیکون دالاًّ علی عدم وقوع بیع مال الغیر لبائعه مطلقا ولو ملکه فأجاز، بل الظاهر إرادة حکم خصوص صورة تملّکه بعد البیع، وإلاّ فعدم وقوعه له قبل تملّکه ممّا لا یحتاج إلی البیان»(3).

وهنّ علی طوائف:

الطائفة الاولی: المطلقات

منها: صحیحة سلیمان بن صالح الجصاص عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی حدیث: وعن بیع ما لیس عندک، الحدیث.(4)

ومنها: صحیحة الصفار حیث وقّع أبومحمّد الحسن بن علی العسکری علیه السلام فی جواب مکاتبته: لا یجوز بیع ما لیس یملک، المکاتبة.(5)

ومنها: النبوی العامی: لا تبع ما لیس عندک.(6)

ومنها: النبوی العامی الآخر: لا بیع إلاّ فی مایملک.(7)

ص:50


1- 1 . المقابس الأنوار /135.
2- 2 . راجع المکاسب 3/368.
3- 3 . المکاسب 3/446 و 447.
4- 4 . وسائل الشیعة 18/47، ح2، الباب 7 من أبواب أحکام العقود.
5- 5 . وسائل الشیعة 17/339، ح1، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه.
6- 6 . سنن ابن ماجه 2/737، ح2187، ومرّت بقیة مصادره فی الآراء الفقهیة 5/264.
7- 7 . سنن الترمذی 3/486، ح1181، ومرّت بقیة مصادره فی الآراء الفقهیة 5/268.

وأنت تری بأنّ هذه الروایات مطلقة وتشمل مسألتنا بإطلاقها وکذا تشمل بیع الکلی والشخصی، لأنّ البائع فی ما نحن فیه یبیع مال الغیر لنفسه، ولکن لو ثبت مقیِّدٌ تأخذ به لأنَّ الإطلاق قابل للتقیید.

الطائفة الثانیة:

مادلّ علی المنع عن بیع الأعیان الخارجیة الشخصیة فیما إذا لم یملکها البائع:

منها: صحیحة یحیی بن الحجاج قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل قال لی: اشتر هذا الثوب وهذه الدابة، وبعنیها أربحک فیها کذا وکذا، قال: لا بأس بذلک، اشترها ولا تواجبه البیع قبل أن تستوجبها أو تشتریها.(1)

والمراد بالجملة الأخیرة «لا تواجبه البیع...»، أی لا تُنْشِی ء ایجاب البیع قبل إیجاب شرائک من مالکه.

ومنها: معتبرة خالد بن الحجاج قال: قلت: الرجل یجیء فیقول: اشتر هذا الثوب وأربحک کذا وکذا، قال: ألیس إن شاء ترک وإن شاء أخذ؟ قلت: بلی، قال: لا بأس به إنّما یحلّ الکلام ویحرم الکلام.(2)

وفی بعض نسخ الکافی الشریف(3) الراوی الأخیر هو خالد بن نَجِیْح ولکن لم أجد روایة یحیی بن الحجاج عنه وتأخر طبقته عنه(4) ولذا اختار المحقّق السیّد الخوئی(5) انّ الصحیح بالنسبة إلی الراوی الأخیر هو خالد بن الحجاج، ولکن بنظری القاصر وجود ابن نجیح لا یضرّ باعتبار السند لأنّ النجاشی(6) ذکره ولم یطعن علیه فهو عندی إمامی معتبر مضافا إلی روایة مشایخ الطائفة نحو ابن ابی عمیر وصفوان بن یحیی وعثمان بن عیسی

ص:51


1- 1 . وسائل الشیعة 18/52، ح13، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/50، ح4.
3- 3 . الکافی 10/175، ح6 (5/201).
4- 4 . راجع معجم رجال الحدیث 7/18، الرقم 4168، و 7/392، 7/35، الرقم 4217.
5- 5 . معجم رجال الحدیث 7/38.
6- 6 . رجال النجاشی /150، الرقم 391.

عنه، هذا بالنسبة إلی السند.

وأمّا الدلالة: فَقَدْ قال صاحب المقابس فی تقریب الاستدلال بها: «والمراد بالکلام عقد البیع فإنّه یُحل نفیّا و یحرِّم إثباتا، أو یُحلّ ثانیا ویحرِّم أوّلاً. والمراد أنّ الکلام الذی جری بینهما قد یحلِّل وقد یُحرِّم بحسب اختلافه، فإن کان بطریق الإلزام حرمت المعاملة بذلک، وإن کان بطریق المرضاة من دون إلزام وإنّما یحصل الإلزام بعد شراء البائع بعقد مستأنف کانت حلالاً»(1).

وقال قبله الفیض رحمه الله : «الکلام هو إیجاب البیع وإنّما یُحَلِّلُ نفیّا ویُحَرِّمُ إثباتا»(2).مراده: إیجاب البیع الأوّل یحلِّل العقد لو لم یکن، ویحرّمه لو کان، وهو کلامٌ.

وقال المجلسی قدس سره : «قوله علیه السلام : «یحلّل الکلام» یعنی إذا قال الرجل: اشتر لی هذا الثوب، لا یجوز أخذ الربح منه، ولیس له الخیار فی الترک والأخذ لأنّه حینئذ اشتراه وکالة عنه، وإن قال: اشتر هذا الثوب لنفسک وأنا اشتریه منک وأربحک کذا وکذا یجوز أخذ الربح منه وله الخیار فی الأخذ والترک»(3).

وقال الشیخ الأعظم بعد نقل مقال الفیض رحمهماالله : «... أو یحلِّل إذا وقع بعد الاشتراء ویحرّم إذا وقع قبله، أو أنّ الکلام الواقع قبل الاشتراء یحرّم إذا کان بعنوان العقد الملزم ویحلِّل إذا کان علی وجه المساومة والمُرْاضاة»(4).

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال: ابْتَعْ لی متاعا لعلّی اشتریه منک بنقد أو نسیئة، فَابْتاعَهُ الرجل من أجله، قال: لیس به بأس إنّما یشتریه منه بعد ما یملکه.(5)

«المراد بالمتاع الذی یرجع إلیه ضمیر «أشتریه» لایصح أن یکون معنیً کلیّا، لأنّ

ص:52


1- 7 . مقابس الأنوار /135.
2- 8 . الوافی 18/700، ذیل ح 18144.
3- 1 . مرآة العقول 19/221.
4- 2 . المکاسب 3/448.
5- 3 . وسائل الشیعة 18/51، ح8.

الکلّی والنکرة غیر المعینة غیر قابل للاشتراء»(1).

ومنها: صحیحة منصور بن حازم عن أبیعبداللّه علیه السلام فی رجل أمر رجلاً یشتری له متاعا فیشتریه منه، قال: لا بأس بذلک إنّما البیع بعد ما یشتریه.(2)

أقول: نأخذ بهذه الطائفة الثانیة ونحکم ببطلان بیع الأعیان الخارجیة الشخصیة لو لم یملکها البائع قبل البیع لکن بشرط ایجاب البیع قبل المالکیة وأمّا إذا لم یجب البیع ولم یلزمه بل کان علی وجه المُرْاضاة والاختیار، أو البیع الملزم یکون بعد شراء البائع وملکیته بعقد جدید مستأنف فلا إشکال ویحکم بصحته کما ورد فی الروایات.

الطائفة الثالثة:

ماورد فی المنع عن بیع الکلّی.

منها: صحیحة معاویة بن عمار قال: قلت لأبیعبداللّه علیه السلام یجیئنی الرجل یطلب

[منی(3)] بیع الحریر ولیس عندی منه شی ء فیقاولنی علیه واُقاوله فی الربح والأجل حتّی نجتمع علی شی ء، ثمّ اذهب فأشتری له الحریر فأدعوه إلیه، فقال: أرأیت إن وجد بیعا هو أحبّ إلیه ممّا عندک أیستطیع أن ینصرف إلیه ویدعک، أو وجدت أنت ذلک أتستطیع أن تنصرف إلیه وتدعه؟ قلت: نعم، قال: لا بأس.(4)

ولکن هذه الطائفة لابدّ من أن تحمل علی التقیة لأنّ أبناء العامة(5) یذهبون إلی عدم جواز بیع الکلّی حالاًّ، وقد وردت عدّة من الروایات من أئمتنا علیهم السلام علی جوازه، سأذکر لک بعضها، أو تحمل علی الکراهة جمعا بینها وبین الروایات المجوّزة.

ومن الروایات المجوّزة: صحیحة اسحاق بن عمار وعبدالرحمن بن الحجاج جمیعا قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن الرجل یشتری الطعام من الرجل لیس عنده فیشتری

ص:53


1- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/28.
2- 5 . وسائل الشیعة 18/50، ح6.
3- 1 . زیادة من نسخة.
4- 2 . وسائل الشیعة 18/50، ح7.
5- 3 . راجع المغنی 4/297.

منه حالاًّ، قال: لیس به بأس، قلت: إنّهم یفسدونه عندنا، قال: وأیّ شی ء یقولون فی السلّم؟ قلت: لایرون به بأسا یقولون: هذا إلی أجل فإذا کان إلی غیر أجل ولیس عند صاحبه فلا یصلح، فقال: فإذا لم یکن إلی أجل کان أجود، ثمّ قال: لا بأس بأن یشتری الطعام ولیس هو عند صاحبه [حالاً] وإلی أجل، فقال: لا یسّمی له أجلاً، إلاّ أن یکون بیعا لایوجد مثل العنب والبطیخ وشبهه فی غیر زمانه، فلا ینبغی شراء ذلک حالاًّ.(1)

والنقض علیهم فی عدم جواز بیع الکلّی حالاًّ ببیع السلم یظهر أیضا من صحیحة اُخری من عبدالرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبیعبداللّه علیه السلام : الرجل یجیئنی یطلب المتاع فاُقاوله علی الربح ثمّ اشتریه فأبیعه منه، فقال: ألیس إن شاء أخذ وإن شاء ترک؟ قلت: بلی، قال، لا بأس به، قلت: فإنّ مَنْ عندنا یفسده، قال: ولِمَ؟ قلت: قد باع ما لیس عنده؟ قال: فما یقول فی السَلَم قد باع صاحبه ما لیس عنده، قلت: بلی، قال: فإنّما صلح من أجل أنّهم یسمّونه سَلَما، إنّ أبی کان یقول: لا بأس ببیع کلّ متاعٍ کنتَ تجده فی الوقت الذی بعته فیه.(2)

والجملة الأخیرة: «إنّ أبی کان...» صریحة فی جواز بیع الکلّی ولو لم یملکه البائع

حین البیع ولکنّه متمکن من تهیؤه فی زمن التحویل حالاًّ کان أو مؤجلاً. کما یدلّ علیه أیضا خبر أبیالصباح الکنانی عن الصادق علیه السلام فی رجل اشتری من رجل مائة منٍّ صفرا بکذا وکذا ولیس عنده ما اشتری منه، قال: لا بأس به إذا وفاه الذی اشترط علیه.(3)

والحاصل: بیع الکلّی حالاًّ عندنا جائز ولو لم یکن البائع حین البیع مالکا له، فلا یمکن الأخذ بالطّائِفَةِ الثالثة.

وبالجملة: الطائفة الاُولی وهی المطلقات تقیّد بالطائفتین الثانیة والثالثة ویحکم بصحة بیع الأعیان الشخصیة قبل تملّکها بالبیع الجائز لا اللازم، وصحة بیع الکلّی فی الذمّة حالاًّ ولو لم یکن البائع مالکا له.

ص:54


1- 4 . وسائل الشیعة 18/46، ح1، الباب 7 من أبواب أحکام العقود.
2- 5 . وسائل الشیعة 18/47، ح3.
3- 1 . وسائل الشیعة 18/48، ح4.

ویبقی تحت الإطلاق بیع الأعیان الشخصیة بالبیع اللازم، بیع مال الغیر من دون إذنه وإجازته لمالکه أو لنفسه.

وأمّا المختار فی المسألة

فنقول بالنسبة إلی مسألة «مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه» إنّ البیع صحیح من دون توقف علی الإجازة المستانفة من البائع إذا کان المبیع کلّیّا مطلقا _ أی حالاًّ أو مؤجلاً _ وأمّا إذا کان المبیع عینا شخصیّا جزئیا فمع الإجازة المستأنفة نحکم بصحته مراعاةً للطائفة الثانیة من الروایات حیث ورد فیها عدم إیجاب البیع والإحتیاج إلی الإجازة الجدیدة یکفی فی عدم لزومه وإیجابه.

وظهر ممّا ذکرنا حکم صُوْرَتَیِ المسألة اللَّتَیْنِ کانَتا مُهِمَّتَیْنِ وهما:

الاُولی: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یشتریه من مالکه وأجاز البیع، یحکم بصحتها فی فرضی المبیع _ أی إذا کان کلّیّا أو شخصیّا _ إذا بقی المشتری علی بیعه فی الأخیر.

الثانیة: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یَشْتریه من مالکه ولم یجز البیع یحکم ببطلانه إذا کان المبیع شخصیّا لأنّه یحتاج إلی الإجازة المستأنفة، وبصحته إذا کان المبیع کلّیّا فی الذمّة لأنّه لا یحتاج إلیها.

وما ذکرناه لا یختلف مع مقالة العلاّمة فی التذکرة حیث یقول: «لا یجوز أن یبیع عینا لا یملکها ویمضی لیشتریها ویسلّمها وبه قال الشافعی وأحمد ولا نعلم فیه خلافا، لنهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع ما لیس عندک ولاشتماله علی الغرر فإنّ صاحبها قد لا یبیعها وهو

غیر مالک لها ولا قادر علی تسلیمها.

وأمّا إذا اشتری موصوفا فی الذمّة سواء کان حالاًّ أو مؤجّلاً فإنّه جائز. وکذا لو اشتری عینا شخصیة غائبة مملوکة للبائع موصوفة بما یرفع الجهالة فإنّه جائز إجماعا»(1).

لأنّا نحمل حکمه قدس سره بعدم الجواز فی فرض العین الشخصیة الخارجیة علی البیع

ص:55


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/16.

اللازم الواجب وأمّا إن کان غیر لازم واحتاج إلی الإجازة المستأنفة من المالک الجدید والمشتری فلا بأس به ویخرج من الحکم بالبطلان وادعاء عدم الخلاف فیه. هذا.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «... لو تبایعا علی أن یکون العقد موقوفا علی الإجازة فاتفقت الإجازة من المالک أو من البائع بعد تملّکه لم یَدْخُلْ فی مورد الأخبار ولا فی معقد الإجماع»(1).

وحکم بقیة الصور یظهر ممّا ذکرنا بالدقة والتأمل، والحمد للّه علی کلِّ حالٍ.

فروع:
الأوّل:

ما مرّ من الشیخ الأعظم آنفا من قوله قدس سره : «لو تبایعا علی أن یکون العقد موقوفا علی الإجازة...»(2) الخ.

مراده قدس سره : لو تبایعا _ قبل أن یتملک البائعُ المبیعَ _ علی أن یکون البیعُ موقوفا علی الإجازة وحصلت الإجازة من البائع الفضولی بعد انتقال المبیع إلیه، لم یَدْخُلْ هذا الفرع فی الأخبار الناهیة ولا فی معقد الإجماع _ علی فرض تحققه _ . لأنّها تختصّ بانشاء البیع منجّزا غیر مترقب لإجازة المالک وکذلک الإجماع. والمفروض فی هذا الفرع ترقب الإجازة وکون البیع موقوفا علیها.

الثانی:

«لو تبایعا علی أن یکون اللزوم موقوفا علی تملّک البائع دون إجازته»(3) لم یدخل فی الأخبار الناهیة لأنّ موردها خصوص بیع المنجّز من جمیع الجهات وأمّا الموقوف علی تملک البائع الفضولی فهو خارج عن مورد الروایات ومحکوم بالصحة.

واستشهد الشیخ الأعظم بکلام العلاّمة فی المختلف بأنّه حمل الأخبار الناهیة

علی الکراهة حیث یقول: «... والنهی الوارد عن النبی صلی الله علیه و آله للکراهة، أورد عن الشی ء المشخص الذی فی ملک الغیر فإنّه لا یصح بیعه لأدائه إلی التنازع، إذ ربما یمنع مالکه من

ص:56


1- 2 . المکاسب 3/455.
2- 3 . المکاسب 3/455.
3- 4 . المکاسب 3/455.

بیعه والمشتری یطالب البائع به، وأمّا الغرر الذی ادّعاه فلیس فی هذا الباب من شی ء»(1).

وبکلامه الماضی فی التذکرة: «لاشتماله علی الغرر فإنّ صاحبها قد لایبیعها وهو غیر مالک لها ولا قادر علی تسلیمها»(2)، «حیث علّل [العلاّمة] المنع بالغرر وعدم القدرة علی التسلیم»(3) ولا یأتی التعلیلان فی هذا الفرع.

ثمّ اعترض علی الشهید فی مقالته: «... وکذا لو باع ملک غیره ثمّ انتقل إلیه فأجاز، ولو أراد لزوم البیع بالانتقال فهو بیع ما لیس عنده...»(4).

بقوله: «ولکن الإنصاف ظهورها فی الصورة الاُولی [وهو البیع المنجّز أی غیر موقوف علی إجازة المالک الأصلی أو البائع الفضولی بعد تملّکه] وهی ما لو تبایعا قاصدین لتنجّز النقل والانتقال وعدم الوقوف علی شی ءٍ»(5).

أقول: حُکْمُ هذَیْنِ الْفَرْعَیْنِ بناءً علی ما اخترناه فی أصل المسألة واضح وهو الصحة بِلا فرق بین أن یکون المبیع کلّیّا فی الذمة أو شخصیّا. لما مرّ فی وجه الجمع بین الطوائف الثلاث من الروایات لا لما ذکره الشیخ الأعظم من ادِّعاءِ الظهور.

الثالث:

قال الشیخ الأعظم: «ولو باع عن المالک فاتفق انتقاله إلی البائع فأجازه فالظاهر أیضا الصحة، لخروجه عن مورد الأخبار»(6).

وجه خروجه عدم وقوعه منجّزا من جمیع الجهات لأنّه یحتاج إلی إجازة البائع.

إن قلت: البائع أنشا البیع عن المالک وإجازته لا تُصَحِّحُهُ لأنّه لم ینشأه عن نفسه حتّی تصححه إجازته، والحاصل: المجاز غیر منشأٍ والمنشأُ غیر مجازٍ.

قلت: المالک فی عکس هذه المسألة _ وهو ما لو باعه الفضولی لنفسه واجازه

ص:57


1- 1 . مختلف الشیعة 5/132.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/16.
3- 3 . المکاسب 3/456.
4- 4 . الدروس 3/193.
5- 5 . المکاسب 3/455.
6- 6 . المکاسب 3/465.

المالک لنفسه _ أجاز المعاوضة الحقیقیة وهی دخول العوض فی ملک مالک المعوّض، وفی هذه المسألة أیضا کذلک، البائع المُنشأ أجاز البیع بعد انتقال المبیع إلیه من قبله ویدخل

الثمن فی ملکه، لتحقّق هذه المعاوضة الحقیقیة فی المقام.

ثمّ أمر الشیخ الأعظم(1) بالتأمل فی هذا الجواب ووجهه وجود الفارق بین المسألتین لأنّ فی العکس بنی البائع اعتقادا أو عدوانا علی کونه مالکا وقصد المعاوضة وهذه الحیثیة البنائیة هی المُصَحِّحةُ فی عکس مسألتنا ولکن فیها لم یدّعِ البائع المالکیة لنفسه لا اعتقادا ولا عدوانا فلم تَحْصَلْ له الحیثیة البنائیة _ وهی الملکیة المدعاة _ فلم تتحقّق المعاوضة، ویکون المجاز غیر المنشأ.

أقول: لا یعتنی بهذا الاشکال ویحکم بِصِحَّةِ البیع بعد إجازته لصدق مسألتنا «من باع شیئا ثمّ ملکه» فی المقام.

الرابع:

قال الشیخ الأعظم: «ولو باع [الفضولی مال الغیر] لثالث معتقدا لتملّکه أو بانیا عدوانا، فإن أجاز المالک فلا کلام فی الصحة بناءً علی المشهور من عدم اعتبار وقوع البیع عن المالک [لتحقّق المعاوضة الحقیقیة کما مرّ] وإن ملکه الثالث وأجازه، أو ملکه البائع فأجازه فالظاهر أنّه داخل فی المسألة السابقة»(2).

ویحکم بصحته کما مرّ فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه.

وأمّا الصورة الثانیة:
اشارة

(3):

فهی أن یتجدّد الملک بعد العقد، ولم یجز البائع بعد تملّکه.

وبعبارة اُخری: أن یبیع الفضولی مال غیره لنفسه ثمّ یشتریه من مالکه ولم یجزه.

قال الشیخ الأعظم: «... فإنّ الظاهر بطلان البیع الأوّل [أی بیع الفضولی] [1[ لدخوله تحت الأخبار المذکورة یقینا، [2] مضافا إلی قاعدة تسلّط الناس علی أموالهم،

ص:58


1- 1 . المکاسب 3/456.
2- 2 . المکاسب 3/456.
3- 3 . عطف علی الصورة الاُولی فی صفحة 29 من هذا المجلد.

[3] وعدم صیرورتها حلالاً من دون طیب النفس...»(1).

ثمّ أشار إلی وهم ودفعه بتوضیح منّا:

وأمّا الوهم: فإنّ البائع الفضولی قبل تملّکه للمبیع التزم بکون المبیع ملکا للمشتری، وهذا الالتزام أمارة علی وجود طیب نفسه بذلک بعد تملّکه له.

وبعبارة أُخری: بیع الفضولی کاشف عن طیب نفسه عن انتقال المال إلی المشتری

مطلقا سواءً انتقل إلیه عنه [عن البائع] أو عن غیره.

وأمّا الدفع: فإنّ الالتزام کان متعلِّقا بمال غیره لا بمال نفسه حتّی یجب علیه الوفاء به، ولیس للبائع سلطانٌ علی جعل مال الغیر للمشتری.

ثمّ قال: «اللهم إلاّ أن یقال: إنّ مقتضی عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط علی کلِّ عاقد و شارط هو اللزوم علی البائع بمجرد انتقال المال إلیه، وإن کان قبل ذلک أجنبیّا لا حکم لوفائه ونقضه»(2).

بعبارة أُخری: «مقتضی عموم دلیلی وجوب الوفاء بالعقود ووجوب وفاء المؤمنین بشروطهم وجوبُ الوفاء علی کلّ عاقدٍ وشارطٍ، والبائع الفضولی بعد تملّکه للمبیع یندرج تحت عموم هذین الدلیلَیْنِ العامَّیْنِ بعد أن کان قبل تملّکه أجنبیّا عن أفراد هذین الدلیلین...»(3).

فتکون النتیجة: صحة عقد الفضولی بمجرّد تملّکه للمبیع وعدم احتیاجه إلی الإجازة.

ولذا قال فخرالمحقّقین: «أقول: علی تقدیر صحة بیع الفضولی فإنّه إذا أجازه المالک صح البیع وملک المشتری...»(4).

أی: إذا اشتری البائع الفضولی المال من مالکه صح بیعه الفضولی وینتقل منه إلی

ص:59


1- 4 . المکاسب 3/457.
2- 1 . المکاسب 3/457.
3- 2 . هدی الطالب 5/339.
4- 3 . إیضاح الفوائد 1/419.

المشتری من دون توقف علی إجازته. کما حمل المحقّق التستری(1) کلام الفخر کذلک.

ثمّ قال التستری: «... وهو الذی یلوح من الشهید الثانی فی هبة المسالک(2) وقد سبق استظهارهُ من عبارة الشیخ(3) المحکیة فی المعتبر(4)»(5).

أقول: قد مرّ(6) فی محتملات المسألة وأقوالها، أنّ القول بالصحة من دون التوقف علی إجازة البائع بعد تجدد الملک له یظهر من الشیخ الطوسی والمحقّق فی الشرائع

والعلاّمة فی مُتاجِر القواعد وهبتها وبیع التذکرة ویراه الأقوی فی النهایة وهو مختار جدنا الشیخ جعفر قدس سرهم .

ولکنّ خلافا للشهید الثانی فی المسالک حیث کان من القائلین بالصحة مع توقفها علی الإجازة فراجع ما حررناه هناک.

ولکن الشیخ الأعظم(7) یضعِّفُ هذا القول _ أی قول الشیخ والمحقّق والعلاّمة _ بوجوه:

الأوّل: إنّ البائع الفضول قبل تملّکه للمبیع لم یکن مأمورا بوجوب الوفاء بالعقد، لعدم شمول خطابی «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و «المؤمنون عند شروطهم» له فیستصحب عدم وجوب الوفاء بالعقد بعد تملّکه ولذا قال: «والمقام مقام استصحاب حکم الخاص، لا مقام الرجوع إلی حکم العام فتأمل»(8).

وبعبارة أُخری: الزمان تارةً یکون مکثِّرا للعام ومفرِّدا له ولأفراده، واُخری یکون

ص:60


1- 4 . مقابس الأنوار /134.
2- 5 . المسالک 6/49.
3- 6 . المبسوط 1/208 و 3/304.
4- 7 . المعتبر 2/563.
5- 8 . مقابس الأنوار /134.
6- 9 . راجع هذا المجلد صفحة 33 وما قبلها.
7- 1 . المکاسب 3/458.
8- 2 . المکاسب 3/458.

ظرفا لاستمرار الحکم.

فی القسم الأوّل إذا خرج من العام فردٌ من الأفراد فی زمانٍ ما وبعد مضی ذلک الزمان نشک فی جریان العام فی حقّه وعدمه، یجری حکم العام فی شأنه لأنّه شک فی تخصیص زائد والمرجع فیه هو عموم العام. دون استصحاب حکم الخاص فی ذلک الزمان.

وفی القسم الثانی: إذا خرج فرد من العام فی زمان وشُکّ بعد انقضاء ذلک الزمان فی حکمه یستصحب حکم الخاص.

الشیخ الأعظم قدس سره یری ما نحن فیه من القسم الثانی واستصحاب حکم الخاص ثمّ أمر بالتأمل ولعلَّهُ أشار به إلی عدم جریان الاستصحاب للشک فی بقاء الموضوع بل العلم بعدم بقائه لأنّ عدم وجوب الوفاء کان ثابتا للعاقد غیر المالک وبعد صیرورة البائع الفضولی مالکا نشک فی بقاء الموضوع فلا یجری الاستصحاب، فحینئذ یجری حکم العام ویحکم بوجوب الوفاء بالعقد والبقاء عند الشرط.

أو أشار به إلی أنّ العام فی حقّ البائع الفضولی لا یجری إلاّ بعد إجازته للعقد حیث بها یکون العقد عقده وینسب إلیه.

ولو شکّ فی صحة هذا العقد قبل إجازة العاقد الفضولی یجری فیه أصالة الفساد الحاکم فی المعاملات.

الثانی: لزوم العقد علی البائع الفضولی بدون إجازته یکون خلافا لقاعدة سلطنة الناس علی أموالهم.

الثالث: لزوم العقد علیه یکون معارضا لقاعدة عدم حلّ أموال الناس إلاّ بطیب أنفسهم.

الرابع: فحوی مادلّ علی عدم صحة عقد نکاح العبد بمجرد عتقه الموجب لصیرورته مالکا لنفسه، وتوقف صحته علی إجازة المولی التی تتحقّق بسکوته، حیث نعلم أنّ تملّک النفس أقوی من تملّک المال فی تأثیره فی صحة العقد.

ص:61

ننحو: موثقة الحسن بن زیاد الطائی.(1)

وصحیحة معاویه بن وَهْبٍ(2)، وصحیحة أُخری له.(3)

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «لو سُلِّم عدم التوقف [أی عدم توقف صحة العقد] علی الإجازة، فإنّما هو فیما إذا باع الفضولی لنفسه، أمّا لو باع فضولاً للمالک أو لثالث ثمّ ملک هو، فجریان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلی البائع أشکل»(4).

وجه أشکلیته: عدم موافقة الإنشاء مع الإجازة، لأنّ البائع الفضولی لم ینشأ العقد عن نفسه، بل أنشأه عن مالکه أو ثالث فلا تصححه إجازته فیرد الإشکال المشهور: المنشأُ غیر مجازٍ والمجاز غیر منشأٍ.

فرع:

قال الشیخ الأعظم: «ولو باع وکالةً عن المالک فبان انعزاله بموت الموکِّل فلا إشکال فی عدم وقوع البیع له [أی للبائع الفضولی] بدون الإجازة ولا معها، نعم یقع للوارث مع إجازته»(5).

وهذا الفرع لیس من فروع مسألة «من باع شیئا ثمّ ملکه» بل هو من فروع

الفضولی المتعارف فیقع البیع للوارث بعد إجازته.

إلی هنا تمّ کلام الشیخ الأعظم فی هذه الصورة الثانیة.

الصورة الثانیة فی رأی المحقّق النائینی ونقده علی الشیخ الأعظم:

قال: «قد تقدّم(6) أنّه لو قلنا بصحّة أصل البیع وعدم ما نعیّة التبدیل فی طرف الملک فلا وجه لاعتبار الإجازة أصلاً، لأنّه لم یقم دلیل تعبّدیّ علی اعتبارها، وإنّما نحتاج إلیها

ص:62


1- 1 . وسائل الشیعة 21/118، ح3، الباب 26 من أبواب نکاح العبید والإماء.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/117، ح1.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/117، ح2.
4- 4 . المکاسب 3/458.
5- 5 . المکاسب 3/458.
6- 1 . راجع منیة الطالب 2/118.

فی الفضولیّ؛ لتحقّق الاستناد والرضا، وهما فی المقام حاصلان. فالعمدة بیان وجه أصل الصحّة. والأولی البحث أوّلاً عن إمکان إدراج هذا البیع فی العمومات. ثمّ البحث ثانیا عن الأدلّة المانعة، لأنّه لو لم تعمّه العمومات فلا موقع للبحث عن الأدلّة المانعة.

ویظهر منه(1) قدس سره شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له، إلاّ أنّه جعل المقام أوّلاً من موارد الرجوع إلی استصحاب حکم الخاصّ، لا من موارد الرجوع إلی عموم العامّ، لأنّ البائع قبل تملّکه لم یکن مأمورا بالوفاء بالعقد فیستصحب. ثمّ أضاف إلیه ثانیا: أنّ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معارض بعموم «الناس مسلّطون علی أموالهم»، وعدم حلّها لغیرهم إلاّ بطیب النفس فحکم باعتبار الإجازة من باب الناس مسلّطون.

وفی کلامه(2) ما لا یخفی علی المتأمّل، کما أمر بالتأمّل؛ لأنّ مقام الرجوع إلی الاستصحاب أو العامّ إنّما هو فی الفرد المعلوم فردیّته الخارج عن حکم العامّ فی قطعةٍ من الزمان، والبائع فی المقام قبل أن یشتریه لم یکن مأمورا بالوفاء بعقده، وإنّما الشکّ فی أنّه بعد ما اشتراه هل هو مأمور بالوفاء أو لا فهو قبل أن یشتریه لم یکن مصداقا للعامّ، وکان کشخصٍ لم یکن عالما فی زمانٍ ثمّ صار عالما؟ فلا یمکن أن یقال: هذا الفرد من العامّ لم یکن واجب الإکرام فیستصحب حکم المخصّص؛ لأنّ البائع خارج عن العامّ تخصّصا، مع أنّه لو قیل بأنّ کل من له ربط بالعقد یجب وفاؤه به، إلاّ أنّ محلّ الرجوع إلی حکم العامّ أو الخاصّ إنّما هو فی مورد الشکّ بالنسبة إلی عمود الزمان، کالشکّ بعد زمان الأوّل فی البیع الغبنی بأنّه محکوم بحکم الخیار أو بحکم العامّ، لا فیما کان المخصّص من الزمانیّات، کما إذا خصّص وجوب الوفاء بالعقود بموردٍ خاصٍّ وشکّ فی أنّ هذا هو المورد الخاصّ أو غیره.

ثمّ لایخفی أنّه لو قلنا بأنّ المقام من موارد الرجوع إلی عموم العامّ فلا یمکن أن یعارض بدلیل السلطنة واعتبار الطیب، لأنّ معنی وجوب الوفاء بالعقد هو لزومه علیه

ص:63


1- 2 . من الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/458.
2- 3 . أی الشیخ الأعظم.

قهرا، ووجوب الالتزام بآثاره شرعا.

وحاصل الکلام: أنّه لا یمکن تصحیح البیع الشخصیّ لمن لا یملکه، سیّما إذا قصد البیع لنفسه؛ لأنّه لو صحّ له فلا یمکن وقوعه للمالک الأصیل إذا أجاز، مع أنّه لا إشکال فی وقوعه له إذا أجاز قبل بیعه من البائع، لأنّ معنی وقوعه للبائع أنّه قصد خروج المال عن ملکه بعد فرض نفسه مالکا بالأُوْل والمشارفة، فهو فی الحقیقة یوقع المبادلة بین ملکه بما هو ملکه وبین ملک الطرف، فالمالک الأصیل أجنبیّ عن العقد، ولا یمکن قیاسه علی الغاصب؛ لأنّه بعد سرقة الإضافة یوقع المبادلة بین ملکی المالکین، ولا یلاحظ شخص نفسه إلاّ علی نحو الداعی، بل المقام نظیر البیع الکلّی فی إجراء البائع المعاملة علی ملک شخصه.

وبالجملة: الأمر یدور بین أن یجعل البائع أجنبیّا أو الأصیل. والمفروض أنّه یقع للأصیل إذا أجاز، فلا مناص عن(1) جعل البائع أجنبیّا ویکون کمجری الصیغة.

وعلی أیّ حالٍ فقد ظهر ممّا ذکرنا من صدر المبحث إلی هنا أنّه لا فرق بین تحقّق الملک للبائع بالشراء وتحقّقه بالإرث.

نعم، هناک فرق بینهما من جهةٍ اُخری، وهی: أنّ الوارث حیث إنّه یقوم مقام مورّثه فله الإجازة، لا من باب أنّه ملک ما باعه، بل من باب أنّه هو المورّث، فیکون حکمه حکم المالک الأصیل فی نفوذ إجازته قبل بیعه من البائع، وحکمه حکم نفس المورّث لو أجاز حال حیاته.

نعم لو قلنا: بأنّ فی مسألة من باع ثمّ ملک بالشراء لا تَصحُّ الإجازة من المالک الأصیل، لعدم إمکان الجمع بین قابلیّة انتساب العقد إلی کلّ من المالک والبائع، فالوارث فی المقام أیضا لیس له الإجازة من باب قیامه مقام مورّثه، بل هو من أفراد «من باع شیئا ثمّ ملک» فالفرق بینهما لا وجه له. فتأمّل فی أطراف الکلام جیّدا»(2).

ص:53


1- 1 . کذا؛ و «من» أحسن.
2- 2 . منیة الطالب 2/127 و 126.
الصورة الثانیة فی رأی المحقّق السیّد الخوئی ونقده علی استاذه المحقّق النائینی

قال قدس سره : «ثمّ إنّه إذا قلنا ببطلان بیع من باع ثمّ ملک فأجاز، ففی صورة عدم الإجازة

بعد الملک یبطل بطریق أولی ولعلّه ظاهر. وأمّا إذا بنینا علی صحّته مع الإجازة وأغمضنا عمّا ذکرناه سابقا فهل یصحّ بدون الإجازة أیضا کما نقله شیخنا الأنصاری(1) عن بعضهم، أو أنه بدون الاجازة باطل؟ هناک وجهان، والصحیح أنه یقع باطلاً فی صورة عدم الإجازة، وذلک لأنه تارة یبیع للمالک ثمّ یملکه وأُخری یبیعه لنفسه.

فأمّا فی الصورة الأُولی فلا وجه لصحّته بعد الانتقال إلیه فی صورة عدم الإجازة، إذا المفروض أنّه لم یبع لنفسه لتقع المعاملة له بعد الانتقال إلیه وذلک ظاهر.

وأمّا فی الصورة الثانیة فکذلک لا وجه لصحّته بدونها أی بدون الإجازة إلاّ احتمال أنّ العمومات نحو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ونحوه یشمله بعد الانتقال إلیه وإن لم یشمله من الابتداء یعنی قبل تملّکه، فلا یحتاج إلی الاجازة بعد ذلک.

إلاّ أنه مندفع بأنّ العمومات لا تشمله حین المعاملة لأنه لیس بملکه، وبعد ما صار ملکه لم یقع علیه بیع لتشمله العمومات لأنّها خطابات للملاّک، وقبل الانتقال لا ملک لتشمله وبعده لا بیع حتّی نتمسّک فی صحّته بالعمومات، وبهذا ظهر ما فی جواب شیخنا الأنصاری قدس سره من أنّ المقام مقام استصحاب حکم الخاص لا مقام الرجوع إلی حکم العام، فإنّ الدوران بین الأمرین إنّما هو فیما إذا کان هناک فرد وقد خرج عن حکم العام فی زمان وبعده یقع الکلام فی أنّ الفرد محکوم بحکم المخصّص بالاستصحاب أو أنه مشمول للعام وهو بحث مشهور، وهذا غیر متحقّق فی المقام إذ قبل التملّک لا فرد للعقد إذ لا عقد له قبل الانتقال إلیه وقد عرفت أنه خطاب للملاّک دون غیرهم، وبعد الملک لا بیع ولا عقد له لتشمله العمومات، هذا.

ولو سلّمنا وبنینا علی أنّ مقتضی العمومات صحّة البیع بعد الانتقال إلیه فیکفینا فی الحکم بالبطلان الأخبار المتقدّمة الدالّة علی فساد البیع قبل الملک فتکون هذه الروایات

ص:65


1- 1 . المکاسب 3/457.

مخصّصة للعمومات.

فالمتحصّل أنه لا وجه للحکم بالصحّة من دون توقّف علی الإجازة بوجه.

ومن ذلک یظهر أنّ ما أفاده شیخنا الأُستاذ(1) من أنّ المعاملة إنّما تتوقّف علی الإجازة لأجل أمرین: أحدهما الرضا. وثانیهما: الاستناد، وکلاهما حاصلان فی المقام لأنّ المفروض أنه باعه لنفسه فلا نحتاج إلی الإجازة بعد الانتقال، من غرائب الکلام، لأنّ

المعتبر من الرضا والاستناد إنّما هو رضا المالک واستناد العقد إلیه، لا رضا غیر المالک والاستناد إلیه، وهو قبل الانتقال غیر مالک فلا یکفی رضاه والاستناد إلیه قبل الانتقال، وأمّا بعده فلم یحصل منه شیء من الأمرین بحسب الفرض.

نعم هناک صورة أُخری ذکرناها فی أوائل البحث وهی ما لو باعه فعلاً ما سیملکه بعد الموت فی الارث أو بعد الشراء فی البیع، وهذا علی نحو التعلیق بأن یکون الانشاء فعلیا والملکیة بعد مدّة، والرضا والاستناد فیها صحیحان إلاّ أنّها باطلة لأجل الإجماع علی بطلان التعلیق فی العقود، والأخبار الناهیة عن الشراء قبل أن یشتریه البائع من مالکه، وهذه الصورة خارجة عمّا نحن فیه، إذ الکلام فیما إذا کان البیع بحیث لو أجازه المالک صحّ، وهذا لا یصحّ ولو بإجازة المالک لاختلاله من ناحیة اُخری»(2).

وأمّا ما ذکره شیخنا الأُستاذ(3) قدس سره من أنّ الوارث قائم مقام مورّثه فی المالیات فإذا أجاز المعاملة فکأنّ المورّث أجازها فتکشف عن الملکیة من زمان حیاة المورّث، فهو من غرائب الکلام، إذ لم یرد دلیل علی ذلک التنزیل ولم یدلّ شیء علی أنّ الوارث کالمورّث فی جمیع الأحکام،بل إنّما ورد أنّ ما ترکه المیّت فلوارثه، وهذا یکشف عن أنّ المیّت قد ترکه وزالت ملکیته عنه والوارث شخص آخر غیره کما هو ظاهر»(4).

ص:66


1- 2 . منیة الطالب 2/126.
2- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/(36-34).
3- 2 . منیة الطالب 2/127.
4- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/34.
الصورة الثانیة فی رأی المحقّق السیّد الخمینی

قال قدس سره : «ولو لم یجز البائع بعد تملّکه فالظاهر صحّة بیعه، سواء دخل تحت الأخبار المتقدّمة أم لا؛ لما عرفت من أنّها لا تدلّ علی بطلان البیع.

نعم، یقع الکلام هاهنا فی مقامین:

الأوّل: فی أنّه هل یحتاج بیعه بعد تملّکه إلی الإجازة، أم ینتقل المبیع إلی المشتری بمجرّد تملّکه؟

الثانی: فی وجوب الإجازة علیه لو قلنا: باحتیاجه إلیها.

[المقام الأوّل]:

الأشبه بالقواعد عدم الاحتیاج، لأنّ إنشاء البیع صدر من البائع لنفسه، وعدم التأثیر إنّما هو من جهة عدم الملک، فإذا حصل دخل فی عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وسائر

الأدلّة العامّة، وإنّما الشکّ فی عدم الانتقال؛ لأجل الشکّ فی اعتبار مقارنة الملکیّة لإنشاء البیع.

وهو محصّل ما أفاده الشیخ الأعظم قدس سره من أنّ البائع بعد ما صار مالکا، لم تطب نفسه بکون ماله للمشتری الأوّل، والتزامه قبل تملّکه بکون هذا المال المعیّن للمشتری، لیس التزاما إلاّ بکون مال غیره له.(1)

وهو یرجع إلی اعتبار أمر زائد علی ماهیّة العقد بشرائطه، وهو مالکیّة المنشئ للعقد لنفسه حال العقد، ومعلوم أنّ اعتبار ذلک لیس متیقّنا، بل مشکوک فیه، فیندفع بإطلاق الأدلّة کسائر الشکوک.

وهذا بوجه نظیر ما إذا باع الراهن العین المرهونة، أو باع السفیه العین التی هی مورد حجره، ثمّ ارتفع المانع، فإنّهما أیضا لایحتاجان إلی الإجازة، بل یصحّان بمجرّد رفع الحجر، واحتمال مقارنة الإنشاء مع عدم المانع، یُدْفَعُ بالإطلاق.

ص:67


1- 1 . المکاسب 3/457.

حول کلام الشیخ قدس سره فی المقام

وعلی ما ذکر یسقط ما أفاده الشیخ قدس سره فی المقام: من التمسّک بقاعدة السلطنة، وعدم الحلّ إلاّ بطیب النفس(1)، فإنّ المعاملة التی أوجد البائع سببها باختیاره وطیب نفسه، لم یکن النقل فیها بعد حصول الشرط _ أعنی المالکیّة _ مخالفا لقاعدة السلطنة وغیرها، نظیر الأصِیْلِ فی الفضولیّ من أحد الطرفین إذا أوجد سبب البیع باختیاره وطیب نفسه، ثمّ أجاز المالک، وانتقل الثمن أو المثمن من الأصیل حال إجازة غیره، فإنّه لم یکن هذا الانتقال _ بعد إیجاده أحد جزئی السبب _ مخالفا لقاعدة السلطنة واحترام مال الغیر.

وإن شئت قلت: إنّ القاعِدَتَیْنِ مؤکّدتان للصحّة، لا معارضتان لها؛ فإنّ الانتقال لم یکن قهرا علی البائع، بل بتسبیب منه، ومعلوم أنّ أسباب النقل بأجمعها لیست تحت اختیار أحد المتعاملین فی المعاملات.

وممّا ذکرناه یتّضح: أنّ دعوی معارضة القاعدتین لدلیل وجوب الوفاء(2) لیست مُتَّجِهَةً.

ثمّ إنّه لو شککنا فی شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لمثل ذلک البیع، لا یصحّ التمسّک

بالقاعدتین؛ لاحتمال خروج المال بواسطته عن ملکه، فصارت(3) الشبهة موضوعیّة، أو کالموضوعیّة، فإنّ حصول الملک للبائع الأوّل عند الاشتراء وإن کان معلوما، ولکن مع احتمال کون الانتقال بتسبیب منه _ غیر مخالف للقاعدتین کما مرّ(4)_ لا یصحّ التمسّک بهما إلاّ بعد إحراز الموضوع.

نعم، یمکن احرازه باستصحاب ملکهما، فحینئذٍ لا یصحّ البیع إلاّ بإجازته للقاعدتین.

ومع الغضّ عن ذلک، لا یصحّ التمسّک بالاستصحاب لإثبات إجازة المالک مؤثّرة

ص:68


1- 2 . المکاسب 3/457.
2- 3 . المکاسب 3/457.
3- 1 . کذا؛ [فَتَصِیْرُ] أحسن.
4- 2 . راجع کتاب البیع 2/380 له رحمه الله .

فی النقل، بناءً علی أنّ السبب هو العقد المتعقّب أو المتقیّد بالإجازة أو العقد بسببیّتها؛ فإنّ إحراز تلک العناوین بالأصل مثبت، إلاّ أن یکون الموضوع للنقل أو السبب له مرکّبا من العقد والإجازة، وکان الحکم الشرعیّ مترتّبا علی العقد وإجازة المالک، فیحرز بالوجدان والأصل، مع الغضّ عن الإشکال فی الموضوع المرکّب.

ثمّ إنّ الشیخ الأعظم قدس سره _ بعد فرض أنّ مقتضی عموم وجوب الوفاء بالعقود علی کلّ عاقد، هو اللزوم علی البائع بمجرّد الانتقال إلیه، وإن کان قبله أجنبیّا لا حکم لوفائه ونقضه _ ضعّفه بأنّ البائع غیر مأمور بالوفاء قبل الملک، فیستصحب، والمقام مقام استصحاب حکم الخاصّ، لا مقام الرجوع إلی حکم العامّ، ثمّ أمر بالتأمّل.(1)

وهذا بظاهره واضح الإشکال؛ ضرورة أنّه من قبیل التخصّص لا التخصیص.

لکن یمکن توجیهه: بأنّ مقتضی عموم وجوب الوفاء، هو اللزوم بالنسبة إلی هذا الشخص الذی باع ملک الغیر لنفسه، فیجب علیه الابتیاع من الغیر، والردّ إلی المشتری وإن لم یکن ملکا له، کما مرّ منه نظیره فی بیع الفضولیّ بالنسبة إلی الأصیل: من أنّ مقتضی وجوب الوفاء بالعقد هو اللزوم بالنسبة إلیه، فلا یصحّ الفسخ منه، وإن صحّ الردّ من المالک الأصلیّ.(2)

فیکون حاصل مراده: أنّ هذا العقد الصادر من البائع، لمّا کان عقدا لنفسه، یجب علیه الوفاء من أوّل الأمر، فیجب علیه الاشتراء، وینتقل منه بمجرّده.

لکن لا إشکال فی خروج قطعة من الزمان عن لزوم الوفاء، وهو حال عدم کونه مالکا؛ بإجماع أو تسلّم، فکان(3) المقام من موارد اختلافهم فی التمسّک باستصحاب حکم المخصّص، أو بالعموم، أو إطلاق العامّ.

وهذا التوجیه وإن کان مخالفا لظاهر کلامه بدوا، لکنّه أولی من توهّم عدم تفریقه بین التخصیص والتخصّص، وتقدیم أصالة عدم النقل علی القواعد الاجتهادیّة.

ص:69


1- 3 . المکاسب 3/458.
2- 4 . المکاسب 3/415.
3- 1 . کذا؛ [فیکونُ] أحسن.

ولعلّ أمره بالتأمّل(1) لإنکار شمول العامّ لما قبل الملک، فیکون من قبیل التخصّص لا تخصیص العامّ، وهذا أمر یجب البحث عنه فی مجال أوسع.

ولقائل أن یدّعی إطلاق دلیل وجوب الوفاء والشرط لما قبل الملک، فیجب علیه الاشتراء للعمل بمضمون العقد، وکذا لو باع ما لایملکه أحد، کطیر معیّن، ومقدار مشخّص من المعدن، فیجب علیه أخذ الطیر واستخراج المعدن والتسلیم إلی المشتری، ولا یبعد أن یکون ذلک عقلائیّا أیضا، فتأمّل.

ثمّ إنّه یمکن استفادة عدم الاحتیاج إلی الإجازة من بعض الروایات المتقدّمة، کصحیحة یحیی بن الحجّاج(2) بناءً علی ما مرّ: من أنّ النهی عن البیع قبل الاشتراء إنّما هو لأجل التخلّص عن الربا، لا للإرشاد إلی بطلان البیع.(3)

فحینئذٍ لو توقّف بیعه قبل الاشتراء علی الإجازة بعده، کان له التخلّص عن الربا بعدم الإجازة، فلا یکون البیع ثمّ الاشتراء موجبا للربا.

والظاهر منها أنّ الموجب نفس البیع والاشتراء، وهو لا یتمّ إلاّ علی فرض عدم الاحتیاج إلی الإجازة، والأمر سهل بعد ما عرفت من أنّ مقتضی القاعدة الصحّة من غیر احتیاج إلی الإجازة.(4)

[المقام الثانی]:

ومن بعض ما ذکرناه یظهر الکلام فی المقام الثانی، وهو وجوب الإجازة علیه لو قلنا: باحتیاج العقد إلیها؛ بأن یقال: إنّ مقتضی إطلاق وجوب الوفاء علیه العمل علی طبق

مضمونه، وهو لا یحصل إلاّ بإجازته.

إلاّ أن یقال: إنّ الإجازة _ کالقبول _ من متمّمات العقد، لا من مقتضیاته وجزء

ص:70


1- 2 . المکاسب 3/458.
2- 3 . وسائل الشیعة 18/50، ح7، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
3- 4 . راجع کتاب البیع 2/371 له قدس سره .
4- 5 . راجع کتاب البیع 2/379 له رحمه الله .

مضمونه، فتدبّر»(1).

المختار فی الصورة الثانیة

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» خطاب إلی الملاّک فلا یشمل البائع مال غیره قبل أن یشتریه من مالکه، ولکنّه بعد أن یشتریه یشمله الخطاب، وذلک مثل مَنْ لم یکن مستطیعا للحج ثمّ صار مستطیعا فیشمله أدلة وجوب الحج.

فلا تعارض الآیة الشریفة قاعدة السلطنة وحدیث طیب النفس لأنّ البائع بنفسه أقدم علی البیع وبعده لیس المال له حتّی یجری فی حقّه قاعدة السلطنة وحدیث طیب النفس.

وکذلک لا یجری استصحاب حکم قبل تملّک البائع لما بعده لتغییر الموضوع عرفا، حیث المالک للمال وغیره بینهما فرق جوهری فی المعاملات.

وأما فحوی موثقة الحسن بن زیاد الطائی وصحیحتی معاویة بن وهب فلا یتم فی الصورة الثانیة، لأنهنَّ نصوص نعمل بها فی موردها الخاص وهو نکاح العبد.

وأمّا الإشکال علی شمول خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بعد تملّک البائع، بأنّه بعد تملّکه لا یجری عقدا فلایتم لأنّ البیع هو تبادل المالین ولا ینظر إلی طرفی العقد بخلاف النکاح، فالبائع أجری العقد بنفسه ثمّ صار مالکا للمال فیشمله الخطاب.

نعم، بعد تملّکه یحتاج إلی الإجازة المستأنفة لا لاستناد البیع إلیه وإعلام رضایته، بل لما ورد من نصوص المسألة (من باع شیئا ثمّ ملکه) من عدم ایجاب البیع وعدم قطعیته وإلاّ یبطل، فهذه الصورة تحتاج إلی الإجازة المستأنفة حتّی تخرج من البطلان.

وإذا أجاز البائع بعد تملّکه صحّ البیع عندنا خروجا عن نصوص البطلان، وإذا لم یجز بطل.

وممّا ذکرنا تَظْهَرُ وجوه موارد خلافنا مع الأعلام والحمد للّه العالم بالأحکام.

ص:71


1- 1 . کتاب البیع 2/(383-379).

المسألة الثالثة: لو باع بزعم عدم جواز التصرف فبان جوازه

اشارة

لو اعتقد البائع عدم جواز تصرفه فی المبیع ثمّ انکشف خلافه وظهر کونه جائز التصرف فهل یکون بیعه صحیحا أم لا؟

وللمسألة صور أربع: لأنّ الاعتقاد بعدم جواز التصرف تارةً یَنْشَأُ من عدم الولایة واُخری من عدم الملک ولکن بان أنّه ولیٌّ أو مالکٌ. وعلی کلّ منهما إمّا أن یبیع لنفسه أو أن یبیع لمالکه فتکون الصُوَرُ أربعا.

الصورة الأولی: لو باع عن المالک فانکشف کونه ولیّا
اشارة

قال الشیخ الأعظم: «فلا ینبغی الإشکال فی اللزوم حتّی علی القول ببطلان الفضولی»(1).

لأنّ البائع العاقد فی الواقع یکون ولیّا ولیس فضولیّا فیصدر العقد من أهله وفی محلّه، لأنّا نعلم ثلاثة أمور تُصَحِّحُ جواز التصرف: 1_ الملک، 2_ الولایة، 3_ الإذن، والأخیر قد یکون سابقا علی التصرف فهو الوکالة وقد یکون لا حقا به فهو الإذن للفضول.

ولکن یُحکی عن القاضی ابن البَرّاج أنّ المعاملة الصادرة ممّن یزعم أنّه فاقد الولایة مع امتلاکه لها باطلة.

والحاکی عنه هو العلاّمة فی المختلف فی کلام طویل له [للقاضی] أنّه قال: «... وإذا أذن السیّد لعبده فی التجارة فباع واشتری وهو لایعلم بإذن سیّده ولا علم به أحد، لم یکن مأذونا له فی التجارة ولا یجوز شی ء ممّا فعله، فإن علم بعد ذلک واشتری وباع جاز

ص:72


1- 1 . المکاسب 3/459.

ما فعله بعد العلم بالإذن ولم یجز ما فعله قبل ذلک، فإن أمر السیّد قوما أن یبایعوا العبد والعبد لایعلم بإذنه له کان بیعه و شراؤه منهم وجری ذلک مجری الإذن الظاهر، فإن اشتری العبد بعد ذلک من غیرهم وباع کان ذلک جائزا...»(1).

ثمّ ردّه العلاّمة بقوله: «... ولا یفتقر الإذن فی التجارة إلی علم العبد، فلو أذن المولی ولم یعلم العبد فباع العبد صحّ بیعه لأنّه صادف الإذن فی التجارة ولا یؤثر فیه إعلام المولی بعض المعاملین...»(2).

واستحسن الشیخ الأعظم(3) هذا الردّ من العلاّمة.

اعتراض الفقیه الیزدی علی ردّ العلاّمة

قال: «الظاهر أنّ نظر القاضی إلی أنّ الإذن فی البیع مع فرض عدم اطلاع المأذون وعدم اطلاع غیر أیضا علیه لا یعدّ إذنا، وهذا بخلاف ما لو اطلع علیه أحد، سواء کان هو المأذون أو غیره، والظاهر یقتضی ما ذکره فإنّ مجرد إنشاء الإذن من عند نفسه من غیر حضور أحد لایکفی فی الخروج عن الفضولیة، إذ لا فرق بینه وبین الرضا الباطنی من دون إنشاء ظاهری، وقد عرفت سابقا عدم کفایته، إذ لابدّ فی الخروج عن الفضولیة من إسناد صدور البیع إلیه ولو بالواسطة وهو لا یتحقّق إلاّ بمظهر خارجی فالإذن وإن کان من الإیقاعات ولیس کالتوکیل ممّا یحتاج إلی القبول إلاّ أنّ صدقه موقوف علی الإظهار الخارجی.

نعم، لو قلنا بالخروج عن الفضولیة بمجرد طیب بالنفس الواقعی کفی الإذن المفروض بالأولی، لکنّک عرفت عدم کفایته إلاّ بالنسبة إلی الحکم التکلیفی من رفع حرمة التصرف فی مال الغیر... فما أورده علیه فی المختلف فی غیر محلّه بل هو مصادرة مخصة...»(4).

ص:73


1- 2 . مختلف الشیعة 5/435.
2- 1 . مختلف الشیعة 5/437.
3- 2 . المکاسب 3/459.
4- 3 . حاشیة المکاسب 2/247 و 246.

أقول: السیّد الیزدی یری الإذن إذنا إذا أُبْرِزَ بِمُظْهِرٍ خارجی واطلع علیه غیره، والإذن النفسانی من دون إبراز وإظهار واطلاع الغیر لا یصحّح المعاملا ت والعقود.

دفاع المحقّق النائینی عن الشیخ الأعظم
اشارة

قال قدس سره معلِّقا علی المسألة الثالثة والصورة الأُولی منها: «لا یخفی أنّ ربط هذه المسألة بالمسألتین السابقتین منوط بما ذکرنا فی الجهة الثالثة من الجهات الراجعة إلی شرائط المجیز، وهو: أنّ عدم جواز تصرّف المجیز حال العقد إمّا واقعیّ وإمّا خیالیّ،

ونقّحنا الواقعیّ فی ضمن مسألتین، فإنّ عدم جواز التصرّف واقعا إمّا لتعلّق حقّ الغیر بالمال، وإمّا لعدم کونه مالکا. فبقی حکم الخیالیّ، وهو علی صورٍ أربع لأنّ اعتقاد عدم جواز التصرّف المنکشف خلافه إمّا لعدم الولایة فانکشف کونه ولیّا، وإمّا لعدم الملک فانکشف کونه مالکا. وعلی کلا التقدیرین: فإمّا یبیع لنفسه أو عن المالک.

فالصورة الاُولی: أن یبیع عن المالک فانکشف کونه ولیّا. والظاهر من المصنّف قدس سره صحّتها من دون توقّفٍ علی إجازة المالک.

ولا یخفی أنّ الولایة علی قسمین: إجباریّة واختیاریّة، والإجباریّة: إمّا بموهبةٍ من اللّه سبحانه کولایة الأب والجدّ، وإمّا بموهبةٍ من المخلوق کولایة العبد المأذون من قبل المولی فی التجارة. والاختیاریّة کولایة القیّم علی الصغار والوکیل.

ثمّ لا یخفی أنّ صحّة هذه المعاملة وفسادها مبنیّان علی أن یکون العلم بالولایة أو الالتفات بالوکالة طریقیّا أو موضوعیّا، فلو قلنا بالطریقیّة فلا إشکال فی الصحّة؛ والأقوی کونه کذلک؛ لأنّ الأحکام تدور مدار موضوعاتها واقعا، وکونها منوطةً بالعلم بها یتوقّف علی دلیل.

نعم، ولایة العبد لیست فی الظهور کولایة سائر الأولیاء، فإنّه بعد ما دلّ الدلیل علی حجره وعدم قدرته علی شی ءٍ یشکّ فی خروجه عن العجز بمجرّد إذن المولی واقعا مع عدم علمه به. وکون إعطاء الإذن من آثار سلطنة المولی لا ینافی فساد بیعه؛ لاعتبار علمه برفع الحجر.

وبالجملة: فکما أنّ العجز فی امتثال الخطابین المتزاحمین لا یتحقّق إلاّ مع العلم

ص:74

بهما، فکذلک القدرة لا تتحقّق للعبد إلاّ بوصول الإذن إلیه، لعدم صدق کونه قادرا مع عدم العلم بها. ولکنّ الأقوی عدم الفرق بین القدرة والوکالة والولایة فی أنّ العلم فی کلٍّ منها طریقیّ.

هذا، مع أنّ الّذی یهوّن الخطب أنّ العبد وإن لم یصر قادرا شرعا بالإذن الواقعیّ إلاّ أنّه لیس کالصبیّ والمجنون مسلوب العبارة، فیکون بیعه لمولاه من أفراد الفضولیّ فیتوقّف علی إجازة المولی. کما أنّه لو قلنا بموضوعیّة العلم فی جمیع أنحاء الولایة فمع عدم العلم بها یدخل البیع فی الفضولیّ، ولکنّ احتمال موضوعیّته فی باب ولایة الأب والجدّ والحاکم الشرعیّ والقیّم ضعیف. فعلی القول ببطلان الفضولیّ یصحّ هذا البیع لخروجه عنه بالإذن الشرعیّ أو المالکیّ، وفی هذه الصورة لا تتوقّف الصحّة علی

الاجازة؛ لأنّ الإذن السابق لا یقصر عنها»(1).

الأعلام الذین یَرَوْنَ اعتبار الإعلام فی الإذن فی المراد من عبارة القاضی

ولعلّ الإعلام هو مراد المحقّق الایروانی حیث قال: «وظنّی أنّ مقصود القاضی من عبارته المنقولة فی المتن لیس ما فهم من ظاهر کلامه وانّما غرضه اعتبار الإذن الظاهر من المولی فی صحة معاملات العبد بمعنی الإنشاء للإذن وعدم الاکتفاء بالرضا الباطنی ویشهد به حکمه [القاضی] بصحة معاملات العبد إذا أمر السیّد قوما أن یبایعوا العبد، والعبد لا یعلم، سواء عامل هؤلاء القوم أم غیرهم بشرط أن یکون المستفاد من أمر القوم بالمعاملة مع العبد عموم الإذن بلا خصوصیة للقوم...»(2).

وقال: «ظاهر هذه العبارة [عبارة القاضی] اعتبار إنشاء الإذن والرخصة وعدم الاکتفاء بالرضا الباطنی لا اعتبار علم البائع... فیکون خلاف القاضی فی أصل مسألة الاکتفاء بالرضا فی الخروج عن الفضولیة وفی ما هو الشرط لا فی مسألتنا هذه وهی وجود الشرط مع عدم العلم به»(3).

ص:75


1- 1 . منیة الطالب 2/129 و 128.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/299 و 300.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/301.

أقول: وصف الایروانی الإذن بالظاهر، والظهور العرفی لا یصدق إلاّ فی مقابل الغیر.

ویری المحقّق الاصفهانی الإذن بأنّه مساوق للإعلام والإظهار حیث یقول: «... الإذن أصله الإعلام ومنه قوله تعالی: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ»(1) أی اعلموا بالحرب، وشاع فی إظهار الرخصة وإظهار الرضا، ومن الواضح أنّ قصد الاظهار جدّا لا یتمشّی من العاقل إلاّ إذا کان بحضرته من یظهره له، وإلاّ فلا یعقل الإظهار والإراءة...»(2).

ویری قبلهما التستری(3) بأنّ نظر القاضی إلی أنّ إظهار الرضا مع عدم إطلاع الغیر لا یعدّ إذنا عرفا.

وقبلهم قال جدی الشیخ جعفر ذیل الصورة الرابعة: «... وفی تعمیم الحکم حتّی

بالنسبة إلی الوکلاء والاولیاء بعد الإعلام بولایتهم ووکالتهم إشکال»(4).

وکذلک یری الفقیه الشریعتمداری توجّه الإذن بل وصوله إلی المأذون حتّی یَصِحَّ إسناد الفعل إلی الآذن وقال: «وبالجملة، فی باب إسناد الفعل إلی الآذن والمجیز الذی کان هو المنشأُ للأثر وکان هو المنشأ لخروج العقد عن الفضولیة، یعتبر فیه أن یکون المستند فعلاً تسبیبا للإذن ولا یتحقّق هذا إلاّ أن یتوجَّه علی المأذون إیجاد الفعل ویکون مستندا إلیه.

بناءً علیه: فرضهم أنّه إذا أذن الآذن والمجیز مع أنّ الأجیر لم یتوجّه إلی الإذن وعمل الفعل یکون صحیحا لأنّه تحقّق الفعل والإذن، لایصح لأنّ هذا الفعل لم یکن مربوطا للآذن ولم یکن الفعل مستندا إلی الموکّل، هذا واضح فی باب الوکالة والإذن لا یخفی حکمه.

ص:76


1- 4 . سورة البقرة /279.
2- 5 . حاشیة المکاسب 2/241.
3- 6 . مقابس الأنوار /136.
4- 1 . شرح القواعد 2/98.

وأمّا فی مورد الولایة: الإجباریّةِ مِن قبیلِ ولایةِ الأبِ والجدِّ فلمْ تکنِ المسألةُ واضحةً کوضوحِ بابِ الوکالةِ والإذنِ.

لکن یمکنُ أنْ یقالَ: انّ ولایةَ الأبِ أوْ الجدِّ والوصیِّ أو الحاکمِ أو عدولِ المؤمنینَ، هِیَ(1) بمثابةِ ولایةِ الوکیلِ بإذنٍ مِن المالکِ ویعملُ الأبُ والجدُّ والوصیُّ والحاکمُ أو عدولُ المؤمنینَ، العملَ الّذِی یعملُ الوکیلُ باذنٍ منَ المالکِ.

غایةُ الامرِ، انَّهُ باذنٍ منَ الشّارعِ ولیسَ فرقٌ بینهُما فی ماهیَّةِ العملِ بلْ فی نحوِ الولایةِ وتلکَ الولایةُ، مبذولةٌ منَ المالکِ وتلکَ، مبذولةٌ منَ الشّارعِ ولکنْ لمْ یکنْ فرقٌ بینهُما فی نحوِ العملِ.

بعبارةٍ أخری: ولایةُ الولیِّ من قبلِ الشّارعِ فی موردِ الصّغارِ.

معناهُ ولایةُ العملِ تکونُ مستندا إلی ولایتهِ وسمةِ القیمومیّةِ ولیسَ معنِی الولایةِ، جوازَ بیعِ مالِ الصّغیر لنفسِهِ أو بیعِ المالِ بعنوانِ الاستقلالِ.

بالجملة: لا فرقَ فی ماهیّةِ العملِ ونحوِ الولایةِ استِنادا إلی الصّغار بینَ الولایةِ الإجباریَّةِ وبینَ الولایةِ الاختیاریّةِ.

وانّما الفرقُ بینهما فی مُعطی الولایةِ حیثُ أنّ فی الولایةِ الإجباریّةِ، یکونُ مُعطِی الولایةِ، الشّارعُ وفی الولایةِ الاختیاریّةِ، هوَ المالکُ.

فظهرَ مما ذکرناه أنَّ فرضَ کونِ المسألةِ واضحا لا اشکالَ فیهِ، لا یخلُو عنْ اشکالٍ وشبهةٍ قویَّةٍ ویظهر ذلک من مراجعةِ کلماتِ الفقهاءِ فی بابِ الوکالةِ وفروعَها(2)»(3).

وتبعهم السیّد الخمینی وقال: «وأمّا ما عن القاضی فی إذن السیّد لعبده فی التجارة فالظاهر هو عدم خلافه فی هذه المسألة، لأنّ الظاهر منه أنّ الإذن إذا لم یطّلع علیه أحد _ لا العبد ولا غیره _ لیس إذنا فعدم صحته علی ذلک، لأجل عدم کونه مأذونا نافذ التصرف

ص:77


1- 2 . وفی المصدر: کان.
2- 1 . وفی المصدر: وفروعاتها.
3- 2 . تحقیق و تقریرات فی باب البیع والخیارات 3/122 و 121.

وهو غیر مسألتنا»(1).

وتابعهم شیخنا الاستاذ رحمه الله وقال: «قد ذکرنا مرارا أنّ کلاًّ من الإذن والإجازة من الأُمور الإنشائیة ویکون الإبراز مقوّما لهما، ومجرد إظهار المالک من عند نفسه رضاه بالمعاملة التی تصدر عن الغیر أو صدرت عنه لا یکون إذنا أو إجازة، بل لابدّ من کون الإظهار بحیث یصل إلی الغیر سواء کان ذلک الغیر هو العاقد أو غیره.

وبتعبیر آخر: لایکون فی الحقیقة إظهار فیما إذا کان الإبراز بحیث لایصل إلی الغیر ولایبعد أن یکون المحکی عن القاضی فی المقام یرجع إلی ما ذکر»(2).

أقول: جماعة من الفقهاء نحو: الشیخ اسداللّه التستری والمحقّقین الیزدی والإیروانی والأصفهانی و الشریعتمداری والخمینی والتبریزی یحملون العبارة المنقولة عن القاضی إلی اعتبار أن یکون الإذن فی مقابل الغیر وإلاّ لا یصدق علیه الإذن.

وبعبارة أُخری: اعتبار الإظهار والإرائة والإعلام فی الإذن، واختاره بعضهم نحو: المحقّقین الیزدی والأصفهانی والشریعتمداری والتبریزی رحمهم الله .

مخالفة المحقّق السیّد الخوئی مع الأعلام فی الإعلام

ولایری وجها لما أفاده [القاضی] من اعتبار الإعلام فی الإذن(3) وقال فی وجهه: «فإنّا وإن لم نکتف فی الاستناد وخروج العقد عن الفضولیة بمجرد الرضا الباطنی إلاّ أنّه یکفی فیه الرضا المبرز وإن لم یصل إلی المأذون ولا إلی غیره فإذا فرضنا أنّ المولی کتب إلی العبد یأذنه فی التجارة وهو باع ماله قبل وصول الکتاب إلیه صح بلا إشکال، لأنّ

مجرد الکتابة مبرز للرضا خصوصا فی بیع العبد مال نفسه الذی هو محل الکلام، فإنّه کما ذکرنا لا قصور فیه إلاّ من ناحیة رضا المالک المعتبر فیه شرعا فلا حاجة فیه إلی الإبراز أصلاً»(4).

ص:78


1- 3 . کتاب البیع 2/386.
2- 4 . إرشاد الطالب 4/60.
3- 5 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/37.
4- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/443.
تبعیة صاحب العقد النضید للسیّد الخوئی وردّه علی المحقّق الاصفهانی

قال: «... إنّ معرفة حقیقة الرضا متوقفة علی استقصاء الاستعمالات العرفیة، وغایة ما یمکن أن نقوله من خلال الاستقصاء المذکور، هو أنّ حقیقة الإذن وأضرابه کالإجازة کونها معدودة من الاُمور الواقعیّة _ سواء اعتبرناه من الاُمور الإنشائیّة أو أنّه مجرّد مبرز لأمر نفسانی _ التی قد تصل إلی الغیر وقد لا تصل، والشاهد له صحة إطلاق القول: «بأنّنی کنتُ مأذونا لکنّی أجهل ذلک» بلا مسامحة وبالتالی فلو اعتبرنا الوصول مقوّما ومحقِّقا للإذن لعدّ إطلاق القول المذکور مجازا. وعلیه فإنّ حقیقة الإذن غیر متقومة بالوصول إلی الغیر ومعرفته بمأذونیّة المتعامل، بل یکفی الصدور فی صحّة المعاملة الصادرة من المأذون وإن لم یعلن عنه الآذن، أو أعلنه لکن لم یتطرّق ذلک إلی أسماع الآخرین ومنهم البائع، کما لو کتب رسالة إلی عمیل له فی مدینة اُخری یخبره أنّه مأذونٌ من قبله فی القیام بمعاملة معیّنة، فالعمیل یعدّ ماذونا وتصحّ معاملاته من حین کتابة الرسالة لا من حین وصولها إلیه»(1).

المختار فی حکم الصورة الاُولی

لو باع عن المالک فانکشف کون البائع ولیّا، البیع یکون تاما لازما ولا یحتاج إلی الإجازة المستأنفة کما علیه الشیخ الأعظم(2).

وأمّا العبارة المحکیة عن القاضی ابن البراج فلا تدلّ إلاّ علی اعتبار الإعلام فی الإذن کما استظهره جمع من الأعلام قدس سرهم منه رحمه الله ، وهو کلام متین لابدّ من اختیاره لعدم صدق الإذن إلاّ فی مقابل الغیر ولو کان ذلک الغیر غیر البائع.

وأمّا النقض بکتابة الرسالة(3) فغیر واردٍ، لأنّ الکتابة وإیصالها إلی المأذون أبلغ إعلام، ونحن لا نعتبر وصول الإذن حتّی ینتقض علینا بمثل هذا النقض بل نعتبر حضور

واحد فی حین صدور الإذن من الآذن حتّی بلغه ذلک الغیر أو نفس الآذن إلی المأذون.

ص:79


1- 2 . العقد النضید 3/453.
2- 3 . المکاسب 3/459.
3- 4 . کما علیه المحقّق السیّد الخوئی فی محاضراته 2/443 و تنقیحه 2/37 کما مرّ.

وصحة(1) إطلاق جملة: «إنّنی کنتُ مأذونا لکنّی أجهل ذلک» وعدم مجازیتها تدلّ علی عدم اعتبار الوصول لا الإعلام وبنیهما برزخ لا یخفی علی مثل الاُستاذ المحقّق _ مد ظله _ المقرر له. والحمد للّه کما هو أهله.

الصورة الثانیة: لو باع لنفسه فانکشف کونه ولیّا
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم(2) إلی صحتها وإلی «أنّ قصد بیع مال الغیر لنفسه لا ینفع ولا یقدح»(3) کما مرّ منه(4) قدس سره .

ثمّ هل یتوقّف نفوذ العقد علی إجازة العاقد الولی للمولّی علیه؟ قال الشیخ الأعظم: «علیه وجه لأنّ قصد کونه لنفسه یوجب عدم وقوع البیع علی الوجه المأذون فتأمّل»(5).

تعلیله رحمه الله یدل علی توجیه اعتبار الإجازة بإلغاء کون العقد للبائع العاقد الولی حتّی یصیر بهذا الإلغاء عقدا للمولّی علیه. ثمّ أمر بالتأمل ولعلّه إشارة إلی ما مرّ منه من لغویة قصد کون العقد للبائع شرعا وعدم نفعه وقدحه، فالأمر موکول إلی وجه المصلحة فی هذا البیع للمولّی علیه فإن کانت موجودة فلا یحتاج إلی الإجازة وإلاّ لم یفد ألف إجازة.

أو لعلّه اشارة إلی أنّ قصد البیع لنفسه إمّا یقیّد العقد أم لا؟ فعلی الأوّل لا مجال لتصحیح البیع حتّی بالإجازة لأنّه یقیّد بنفسه لا بالمولّی علیه.

وأمّا علی الثانی فیتم العقد من دون الإجازة لأنّها تصحح إسناد العقد إلی المالک ومع صدوره من الولّی فلا نحتاج إلیها. فلذا الاحتمال المذکور فی کلامه قدس سره الذی عقّبه

ص:80


1- 1 . کما علیه الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی العقد النضید 3/453.
2- 2 . المکاسب 3/460.
3- 3 . المکاسب 3/460.
4- 4 . المکاسب 3/(383-377).
5- 5 . المکاسب 3/460.

بالأمر، بالتَّأَمُّلِ ممّا لا وجه له کما علیه المحقّق السیّد الخوئی(1) رحمه الله .

واختار المحقّق الخراسانی تقیید العقد بقصد البیع لنفسه [القسم الأوّل] وحکم بالبطلان خلافا للشیخ الأعظم رحمه الله ثمّ أمر بالتأمل فی آخر کلامه ولعلّه إشارة إلی ما ذکرنا، قال الخراسانی: «بل الظاهر بطلانه ولو أجاز، لمخالفة الإجازة للعقد واستلزام صحته لعدم تبعیته للقصد حیث قصد لنفسه ووقع بإجازته لغیره، فتأمل»(2).

اشکال المحقّق الخراسانی علی الصورتین
اشارة

للمحقّق الخراسانی قدس سره تعلیقة علی الصورة الاُولی تجری فی الثانیة أیضا وهی: «نعم، یشکل فیما کان جواز تصرّفه من جهة ولایته کالأب والجدّ مثلاً، بأنّ منصرف أدلة نفوذ تصرفات الولی غیر ما إذا کان تصرفه کذلک، أی باعتقاد أنّه غیر ولیّ وغیر جائز التصرف. فتأمل»(3).

أقول: وأنت تری عَدَمَ تمامیة هذا الانصراف لأنّ الولایة أمرٌ اعتباریٌّ مجعولٌ للولی سواءً عَلِمَها أم جهلها، ولا مدخلیّة للعلم والجهل فی استقرار الولایة.(4)

نقد المؤسس الحائری علی استاذه الخراسانی
اشارة

«فنقول: الولایة إمّا نفس جواز التصرّف أو مساوق معه، ولا یمکن أن یؤخذ فی موضوعه العلم بنفسه، فإنّ الشیء لا یمکن أن یتوقّف تحقّقه ووجوده علی العلم به، وهذا واضح. وهکذا الحال فی الوکالة، فإنّه عبارة عن القیام مقام المالک فی نفوذ التصرّف ومالکیّة الأمر. وهذ المعنی لا یمکن أن یتوقّف علی العلم به.

وعلی هذا فأدلّة إثبات الولایة للأب والجد ونفوذ تصرّفات الوکیل بعد کون مفادها جعل نفس الولایة ومالکیّة الأمر والمختاریّة فی ذات الولی والوکیل، لا یعقل إنصرافها إلی حال العلم بالولایة والوکالة کما ادّعاه بعض الأساطین فی حاشیته علی هذا المقام من

ص:81


1- 6 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/38.
2- 1 . حاشیة الخراسانی علی المکاسب /73.
3- 2 . حاشیته علی المکاسب /73.
4- 3 . کما فی العقد النضید 3/456.

مکاسب شیخنا المرتضی.

نعم لو فرضنا وجود الدلیل علی أنّ تصرّف الولی والوکیل فی حال الشک فی الولایة والوکالة أو العلم بالخلاف غیر نافذ، لکُنّا ملجئین إلی حمل أدلّة إثبات الولایة الواقعیّة والوکالة کذلک علی مرتبة شأنیّتهما، فیقال: إنّ العلم بتلک المرتبة مولّد للمرتبة الفعلیّة، ولکن بعد عدم هذا الدلیل وانحصار الأمر فی أدلّة واقع الوکالة والولایة لا یمکن دعوی انصرافها مع ظهورها فی المعنی الذی هو عین جواز التصرّف أو یساوقه إلی حالة العلم. ودعوی ظهورها من الأوّل فی الثانیة خلاف الواقع.

وأمّا الفرق بین هذین العنوانین وعنوان المالکیّة حیث نقول: بأنّ نفوذ تصرّف المالک موقوف علی علمه بعنوان مالکیّته هو أنّ المالکیّة أمر وراء السلطنة ونفوذ التصرّف، ولهذا المحجور مالک مع عدم نفوذ تصرّفه، فیمکن أخذ العلم بهذا العنوان فی موضوع الأثر المترتّب علیه، فیقال: المالک إذا علم بأنّه مالک فطیب نفسه مؤثّر، ولکن لا یمکن أن یقال: المختار إذا علم بأنّه مختار یکون مختارا کما لایمکن فی عنوان المالک أیضا أن یقال: إنّ المالک إن علم بأنّ طیب نفسه مؤثّر فطیب نفسه مؤثّر.

وعلی هذا فلابدّ أن یقال فی الفرع المذکور _ أعنی: بیع الولی والوکیل مع علمهما بأنّ هذا المال مال لشخصهما فی الواقع ولیّا أمره، غایة الامر لا یعلمان بالولایة والوکالة _ أنّ البیع صحیح نافذ بلا حاجة إلی إجازة منهما بعد العلم»(1).

اعتراض علی نقد المؤسس الحائری

یرد علیه: أوّلاً: الولایة هنا هی السلطنة للولیّ علی التصرف فی أموال المولّی علیه. والمحقّق الخراسانی لا یقیدها بعلم الولی بکونه ولیّا حتّی یرد علیه ما أورده المؤسس الحائری من النقود.

بل الخراسانی یری إنصراف أدلة الولایة عمّن یعتقد بأنّه لا ولایة له کما یظهر ذلک بالتأمل فی کلامه: «... اعتقاد أنّه غیر ولیّ وغیر جائز التصرف».

ص:82


1- 1 . کتاب البیع 1/382 و 381 لشیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی قدس سره .

ولکن المؤسس الحائری حمل کلامه بانصراف أدلتها إلی مَنْ عَلِمَ بثبوت الولایة فی حقّه، ثمّ اسْتَشْکَلَ علیه بالنقود.

وأنت تری بأنّ منصرَف الأدلة بینهما مُتَعِدّدةٌ فالنقود لا تجری فی حقّ الخراسانی.

وثانیا: قال المؤسس الحائری رحمه الله : «الولایة إمّا نفس جواز التصرف أو مساوق معه»، ولکن الولایة لیست جواز التصرف ولم تکن مساوق معه، بل هی مَنْشَأٌ لجواز التصرف، لأنّها من الحیثیّات الاعتباریة التی یترتّب علیها جواز التصرف تکلیفا أو وضعا فی مال المولّی علیه، وبالتالی یعد جواز التصرف من أحکام الولایة لا نفسها أو ما یساوقها.(1)

الصورة الثالثة: لو باع عن المالک فانکشف کونه مالکا
اشارة

قال المحقّق فی هبة الشرائع: «مسائل: الاُولی: لو وهب فأقبض ثمّ باع من آخر، فإن کان الموهوب له رحما لم یصحّ البیع، وکذا إن کان أجنبیّا وقد عُوِّضَ، أمّا لو کان

أجنبیّا ولم یُعَوِّض قیل: یبطل لأنّه باع ما لایملک، وقیل: یصحّ لأنّ له الرجوع، والأوّل: الأشبه. ولو کانت الهبة فاسدة صحّ البیع علی الأقوال. وکذا القول فیمن باع مال مورِّثه وهو یعتقد بقاءَهُ وکذا إذا أوصی برقبةٍ مُعْتَقِهِ وظهر فساد عتقه»(2).

وقال العلاّمة فی متاجر القواعد: «ولو باع مال أبیه بظن الحیاة وأنّه فضولیٌّ فبان میِّتا _ حینئذ _ وأنّ المبیع ملکه فالوجه الصحة»(3).

وقال فی عطایا الإرشاد: «ولو باع [الواهب] بعد الإقباض للأجنبی صحّ علی رأی ولو کانت فاسدة صحّ إجماعا، وکذا لو باع مال مورِّثه معتقدا بقاءه...»(4).

وقال فی هبة القواعد: «وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة، وصحّ لامعه علی رأی، ولو کانت فاسدة صحّ الإجماعا. ولو باع مال مورِّثه معتقدا بقاءه أو

ص:83


1- 2 . راجع العقد النضید 3/458 و 457.
2- 1 . الشرائع 2/181.
3- 2 . قواعد الأحکام 2/19.
4- 3 . إرشاد الأذهان 1/450.

أوصی بمَنْ اعتقه وظهر بطلان عتقه فکذلک»(1). [أی صحّ إجماعا].

أقول: ظهر من هبتی الإرشاد والقواعد أنّ القول بالصحة إجماعیٌّ.

وقال فی تذکرة الفقهاء: «لو باع بظن الحیاة وأنّه فضولی فبان موته وأنّه مالک صحّ البیع _ وهو أصحّ قولی الشافعی _ لأنّه بیع صدر من أهله وفی محلّه.

وأظعفهما: البطلان، لأنّه کالغائب عن مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره.

وله آخر: أنّه موقوف علی تیقّن الحیاة أو الموت»(2).

وقال فی النهایة: «ولو باع مال أبیه بظن أنّه حیٌّ وهو فضولی، فبان أنّه کان میِّتا حینئذ _ وأنّ المبیع ملک للعاقد، فالأقوی الصحة لصدوره من المالک... ویحتمل البطلان لأنّه وإن کان العقد منجزا فی الصورة إلاّ أنّه فی المعنی معلَّق وتقدیره إن مات مورِّثی فقد بعتک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنَّ المبیع لغیره»(3).

وقال ولده فخرالمحقّقین فی توضیح کلام والده فی متاجر القواعد: «المراد بالصحة هنا اللزوم، ووجه الصحة: أنّه تصرَّفٌ من أهله فی محلِّه.

ویحتمل: وقوفه علی إجازته لأنّه لم یقصد البیع اللازم بل الموقوف علی إجازة

متجددة من الأب أو من یقوم مقامه، ولما اعتبر القصد فی أصل البیع ففی أحواله أولی.

ویحتمل: البطلان لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن الأب لا عنه، ولأنّه وإن کان منجزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ، والتقدیر إن مات مورِّثی فقد بعتک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(4).

وقال فی المفتاح: «قلت: یرید بالأحوال اللزوم وعدمه»(5).

ص:84


1- 4 . قواعد الأحکام 2/409.
2- 5 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 6 . نهایة الإحکام 2/476.
4- 1 . إیضاح الفوائد 1/420.
5- 2 . مفتاح الکرامة 12/628.

ونقل الشهید(1) عن ابن المتوِّج توقّفه علی الإجازة لأنّ نظر البائع فیما یتعلَّق به مغایر لما یتعلَّق بغیره.

وتبعه الشهید(2) فی ذکر احتمال البطلان ومن أنّه لو قیل بالبطلان أمکن.

وقال الشهید: «المراد بالصحة اللزوم من غیر توقّف علی أمر آخر»(3).

وقال المحقّق الثانی معلَّقا علی قول العلاّمة فی القواعد: «قیل: قوله: «وأنّه فضولی» مستغنی عنه. قلنا: بل أراد به الإشعار بمنشأ الوجه الضعیف، أعنی: أنّ العقود تابعة للقصود.

قوله: «فالوجه الصحة»، أراد الصحة من غیر توقف علی شی ء آخر، أعنی: اللزوم، وینبغی أن یکون ذلک موقوفا علی إجازته وهو الأصح، لأنّه لم یقصد إلی البیع الناقل للملک الآن بل مع إجازة المالک، إلاّ أن یقال: قصده إلی أصل البیع کاف ومثله: مالو باعه فضولیا ثمَّ تبیّن شراء وکیله إیّاه»(4).

وقال الشهید الثانی فی ذیل قول المحقّق فی الشرائع: «بمعنی أنّه یحکم بصحة البیع علی تقدیر ظهور موت المورِّث حال البیع، وأنّ البائع باع ما هو ملکه لحصول الشرط المعتبر فی اللزوم وهو صدور البیع عن مالکٍ لأمره.

ویشکل بما مرّ من عدم قصده إلی البیع اللازم، بل إنّما قصد بیع مال غیره وأقدم علی عقد الفضولی فینبغی أن یعتبر رضاه به بعد ظهور الحال، خصوصا مع ادعائه عدم القصد إلی البیع علی تقدیر کونه ملکه. ولعلّ هذا أقوی لدلالة القرائن علیه، فلا أقلّ من

جعله احتمالاً مساویّا للقصد إلی البیع مطلقا فلا یبقی وثوق بالقصد المعتبر فی لزوم البیع...»(5).

ص:85


1- 3 . کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/628.
2- 4 . القواعد والفوائد 2/238، ذیل قاعدة /238.
3- 5 . الحاشیة النجاریة /222، ونقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/627.
4- 6 . جامع المقاصد 4/76.
5- 1 . المسالک 6/51.
الأقوال
اشارة

أقول: فالأقوال إلی هنا تکونُ ثلاثةً.

الأوّل: الصحة مطلقا کما علیه المحقّق فی الشرائع والعلاّمة فی متاجر القواعد

الأوّل: الصحة مطلقا کما علیه المحقّق فی الشرائع والعلاّمة فی متاجر القواعد ویلوح منه فی عطایا الإرشاد وهبة القواعد أنّها محلّ إجماع، وفی التذکرة أنّها أصح قولی الشافعی ورأها الأقوی فی النهایة.

الثانی: الصحة مع صدور الإجازة المتأخرة من المالک العاقد

الثانی: الصحة مع صدور الإجازة المتأخرة من المالک العاقد کما هو أَحَدُ محتملات فخرالمحقّقین من دون اختیار ومذکور فی کلام والده فی التذکرة والنهایة وهو مختار ابن المتوِّج کما نقل عنه الشهید، واختیار المحقّق و الشهید الثانیین ویراه الشیخ الأعظم(1) الأقوی.

الثالث: البطلان

الثالث: البطلان کما هو أضعف قولی الشافعی وَأَحَدُ محتملات فخرالمحقّقین وممکن فی کلام الشهید.

وهنا قول رابع لصاحب الجواهر
اشارة

وهنا قول رابع لصاحب الجواهر قال: «... والمتّجه فیه: الوقوف علی الإجازة _ کما سمعته من الکرکی _ أو إثبات الخیار، إلاّ أنّی لم أجد مَنْ احتمله»(2).

أقول: إنّی وجدتُ مَنْ احتمله واختاره وهو جدنا الشیخ محمّدتقی قدس سره صاحب هدایة المسترشدین حیث یقول: «أنّه لو باع شیئا علی وجه الفضولی ثمّ تبیّن أنّه ملکه کما لو باع مال مورِّثه بظنِّ أنّه حیٌّ وأنّه فضول ثمّ تبیّن موته وانتقال المال إلیه حین العقد فهل یحکم بصحته ولزومه لوقوعه من أهله فی محلّه.

أو یحکم بثبوت الخیار له لعدم إقدامه علی التملیک النافذ بل المتزلزل الموقوف علی إجازة المالک، فالحکم بالتزامه به ضرر علیه.

أو أنّه بمنزلة الفضولی الواقع من غیر المالک فیتوقّف علی إجازته، فإن ردّه کشف عن فساده من أصله وإن أجاز صحّ لإقدامه علیه کذلک.

أو أنّه باطل من أصله لعدم قصده وقوع البیع عن نفسه فلا یقع البیع عنه قهرا.

ص:86


1- 2 . المکاسب 3/462.
2- 3 . الجواهر 23/482 (22/300).

وجوهٌ کأنّ أظهرها الثانی وأضعفها الوجهان الأخیران»(1).

وهکذا ذهب إلی هذا القول عدیل(2) الجد _ الشیخ اسداللّه التستری رحمه الله حیث یقول: «وهل جواز فسخه للعقد من باب الخیار أو لتوقّفه علی الإجازة؟ وجهان. والأوّل لا یخلومن قوة لأنّه مقتضی قاعدة نفی الضرر ولأنّه بناءً علی صحة العقد لو سلّم المال إلی المشتری وسلّطه علیه، ثمّ انکشف کونه ملکه جاز للمشتری حینئذ أن یتصرف فیه ولا یضمن شیئا أصلا...»(3).

کما ذکر هذا الأخیر الشیخ الأعظم فی مکاسبه(4).

مستند الأقوال
الأوّل: الصحة

ومستندها وجوه:

أ: الإجماع المُدَّعی فی هِبَتَیْ إرشاد الأذهان وقواعد الأحکام لِخِرِّیْتِ صِناعَةِ الفقه وهو العلاّمة الحلّی یدل علی الصحة.

وفیه: أوّلاً: قد عرفت الخلاف فی المسألة إلی أربعة أقوال.

وثانیا: علی فرض وجوده یکون مدرکیّا لابدّ من ملاحظة الأدلة.

ب: ما صدر من المالک العاقد بیع صدر من أَهْلِهِ _ وهو المالک _ ووقع فی محلّه _ وهو ملکه _ فیکون تاما صحیحا لازما من دون أن یحتاج إلی الإجازة المستأنفة.

ج: المعاملة الحقیقیة إنّما تتقوّم بالمبادلة بین المالین وأمّا قصد وقوعها لنفسه أو للغیر فهو أمر زائد عن حقیقتها، والبائع بما أنّه قصد المبادلة الحقیقیة للمالکین فقد نوی المعاوضة الحقیقیة، إلاّ أنّه لجهله أو لنسیانه أرجعها إلی الغیر بتخیل أنّه المالک. وهذا الخیال کادّعاء أنّه مالک فی الصورة المتقدمة أمر زائد غیر مقوّم لحقیقة المبادلة فیبقی

ص:87


1- 4 . تبصرة الفقهاء 3/355 و 356، ثامنها.
2- 1 . وهو فی اللّغَةِ سَلِفُهُ وسِلْفُهُ أیْ زَوْجُ أخْتِ امْرَأته.
3- 2 . مقابس الأنوار /137.
4- 3 . المکاسب 3/465.

لغوا»(1).

د: حال البائع العاقد لا یخلو من وجهین: الأوّل: أنّه قصد نقل المال، فقد تحقّق منه البیع الصحیح لتمامیّة أرکانه وشروطه ولا یتوقف صحته علی الإجازة.

الثانی: أنّه لم یقصد نقل المال فالمعاملة باطلة من أساسها ولا تصححها الإجازة.

والوجه فی ذلک: لأنّ قصد انتقال المالین هو أساس المعاملة الحقیقیة فإذا تحقّق حکم بصحة العقد وإلاّ فلا.

ه: الإجازة کما مرّ فی بیع الفضولی تصحّ استناد البیع إلی المالک فقط، ومع صدور البیع من المالک هذا الاستناد حاصل فلا نحتاج إلی الإجازة المستأنفة لأجل استناد البیع إلیه.

الثانی: الصحة مع الإجازة

أ: واستدلّ له فخرالمحقّقین وتبعه المحقّق والشهید الثانیین _ کما مرّ منهم _ بأنّ البائع _ فی مسألتنا _ لم یقصد البیع اللازم، بل قصد البیع الموقوف علی الإجازة المستأنفة من مورِّثه _ المالک بظنّه _ أو من یقوم مقامه، وحیث أنّ البیع وغیره من العقود تعدّ من الاُمور القصدیة ولا یتحقّق بدونه فکذلک فی لزومه أو توقّفه علی الإجازة.

وفیه: قد مرّ فی أدلة الصحة أنّ هذا القصد حتّی لو صدر من العاقد لا اعتبار به والوجه فی ذلک أنّ المعاوضة الحقیقیة تتحقّق بین مبادلة المالین وهذا القصد یکون ملغی فی العرف والشرع والعقل.

ب: یمکن أن یقرر هذا الاستدلال (أ) بوجه آخر وهو: إنَّ البائع لم یقصد الملک من حین المعاملة بل من زمان إجازة المالک، فلو لم یجزها بعد الانکشاف فلا یحصل الملک أبدا.

إنْ قُلْتَ: هذا التقدیر ینافی مذهب المحقّق الثانی فی أنّ الإجازة کاشفة عن الملک من الابتداء، فلو کان قصد البائع هو الملک بعد الإجازة فلا یتحقّق هناک ملک من الابتداء

ص:88


1- 4 . کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی فی التنقیح فی شرح المکاسب 2/38.

لتکشف الإجازة عنه.

قلت: یمکن أن یکون مراد المحقّق الثانی أنّ الملکیة إنّما تحصل من حین المعاملة فیما إذا استندت المعاملة إلی المالک بالإجازة، فلها دخل فی تحقّق الملک من الابتداء ولولاها لم یتحقّق الملک أصلاً.

وفیه: هذا الدلیل أخص من المدّعی لأنّه لایجری فیما إذا باع شیئا باعتقاد أنّه ملک الغیر وأنّه وکیله فی بیعه من قبل مالکه ثمّ ظهر أنّه ملکه، فإنّه فی هذه الصورة قصد النقل والملک من حین المعاملة لا معلَّقا علی إجازة المالک لاعتقاد أنّه وکیل هذا أوّلاً.

وثانیا: کون البیع متوقّفا علی الإجازة أو غیر متوقّف علیها لیس دخیلاً فی حقیقة

البیع لیعتبر قصده أو یقصد قصد خلافه، وإنّما هو من الاُمور المعتبرة فی صحة البیع إذا وقع البیع علی مال غیره وأمّا إذا وقع البیع علی مال نفس العاقد فلا یعتبر فی صحته إجازته ولعلّ هذا مراد المحقّق الثانی بقوله: «إلاّ أنْ یقال: إنّ قصده إلی أصل البیع کاف(1)»(2).

ج: المُقْدِمُ علی بیع مال غیره یستحیل له أن یتمشّی منه قصد المعاوضة الحقیقیة المنجّزة إلاّ إذا أعتقد أنّه المالک للمال، وحیث أنّه یری أنّ الغیر (مورِّثه) هو المالک فلا یتمشی منه قصد الانتقال المنجّز، وبالتالی هو قَصَدَ الانتقال مع الإجازة المستأنفة فلا یمکن تصحیح البیع إلاّ بها.

وفیه: الاستحالة تکون علی عکس ما ذُکر، لأنّ من المستحیل أن یقصد أمرا خارجا عن اختیاره وإرادته، لأنّ القصد یتعلّق بما یکون تحت قدرته واختیاره وحیث إجازة المالک تکون خارجةً عن قدرة العاقد واختیاره _ لأنّ کلَّ شخص یقدر علی فعل نفسه لا فعل غیره _ «لا أملک إلاّ نفسی»(3) فمن المستحیل أن یتعلّق بها _ أی الإجازة المستأنفة _ قصد العاقد. فهو لایتمکن إلاّ من قصد مطلق المعاوضة الحقیقیة لا المعلَّقة

ص:89


1- 1 . جامع المقاصد 4/76.
2- 2 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/40 و 41.
3- 3 . سورة المائدة /25.

علی الإجازة المستأنفة.(1)

د: العمومات والإطلاقات تدل علی صحة المعاملات بانضمام قوله صلی الله علیه و آله : لا یحل مال امرئ مسلم إلاّ بطیب نفسه(2) منصرفة إلی بیع کلّ واحد واحد من المالکین بعنوان أنّه مالک، وهذ المعنی مفقود فی المقام لأنّه وإن باع مال نفسه واقعا إلاّ أنّه باعه بعنوان ملک الغیر، فلم تصدر المعاملة منه بعنوان أنّه مالک فلا تصحّ المعاملة منه ولاتستند إلیه بهذا العنوان، بل تحتاج فی استنادها إلیه وصدورها منه بعنوان أنّه مالک إلی الإجازة بعد الالتفات إلی أنّه مالک.(3)

وبعبارة أُخری: لا یکفی فی صحة المعاملات مجرد استناد المعاملة إلی صاحبها ومن یلی أمرها، بل لابدّ من انضمام طیب نفسه وَرِضاهُ بانتقال ماله إلی الغیر بدلالة

حدیث طیب النفس وهو مفقود فی العقد الصادر من الوارث _ مثلاً _ فی المقام وبالنتیجة العقد یتوقّف علی صدور إجازته _ الدلالة علی رضاه _ حتّی یصحّ.(4)

وبعبارة ثالثة: «اعتقاد العاقد أنّ المال للغیر وقصده البیع عن المالک بالإضافة إلی البیع لا تکون جهة تقییدیّة لما ذکرنا من أنّ قصد کونه لنفسه أو لغیره خارج عن حقیقة إنشاء البیع، وأمّا بالإضافة إلی رضاه بانتقال المال إلی الطرف بإزاء الثمن جهة تقییدیّه حیث لم یرض بانتقال المال منه إلی الآخر بإزاء الثمن المزبور، بل إنّما رضی بانتقاله إلی الآخر من ناحیة الغیر.

نعم، لو أجاز العاقد البیع بعد التفاته إلی کونه مالک المال یتمّ البیع ویصیر تراضیا معاملیّا له»(5).

وفیه: الاستناد إلی المالک العاقد موجود کما اعترف به المستدِّل فی التقریر الثانی،

ص:90


1- 4 . راجع العقد النضید 3/461.
2- 5 . وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
3- 6 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/39.
4- 1 . راجع العقد النضید 4/462.
5- 2 . إرشاد الطالب 4/67.

وأمّا قصده إلی المعاملة لمورِّثه فهو مُلْغی لأنّ حقیقة المبادلة هی مبادلة المالین ولا عبرة بِالْمالِکَیْنِ، وأمّا اعتبار طیب النفس والرِّضا فهو مضافا إلی ما هو معتبر فی الاستناد محلّ تأمل بل منع، والشاهد علیه بیع المضطر، ولذا قال الجدّ الشیخ جعفر قدس سره : «... وکذا [مردودٌ] القول بتوقفه علی الإجازة، إذ لا حاجة بها بعد المصادفة»(1).

وبالجملة: إجازة المالک العاقد بیع نفسه عجیبٌ فی الغایة وبعیدٌ إلی النهایة.

الثالث: البطلان

وَمُسْتَنَدُهُ وجوهٌ:

أ: استدلّ العلاّمة للبطلان بقوله: «لأنّه کالغائب عن مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(2).

وقرّره ولده الفخر بقوله: «لأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(3).

ونحوه فی نهایة(4) والده.

ومرادهما: أنّ البائع مع فرض اعتقاده بأنّ المال ملک الغیر کیف یصحّ أن یبیعه للمالک مع أنّه أجنبی عن المال، فهو فی الحقیقة کالعابث فی المعاملة هذا.

وفیه: الفضولی یقصد المعاوضة الحقیقیة ولیس غائبا عن المال ولا عابثا بالعقد، فتمّ عقده مع إجازة المالک.

وفی المقام حیث یستند العقد إلی العاقد ومع ظهور کونه مالکا له یَتُمُّ العقد من دون احتیاج إلی الإجازة المستأنفة.

ب: استدلّ للبطلان العلاّمة فی نهایته: «لأنّه وإن کان العقد منجّزا فی الصورة إلاّ أنّه

ص:91


1- 3 . شرح القواعد 2/98.
2- 4 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 5 . إیضاح الفوائد 1/420.
4- 6 . نهایة الإحکام 2/477.

فی المعنی معلَّق وتقدیره إن مات مورِّثی فقد بعتک...»(1).

وقال ولده الفخر: «ولأنّه وإن کان منجزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ، والتقدیر إن مات مورِّثی فقد بعتک»(2).

واعترض علیهما الشیخ الأعظم(3) بأنّ هذا الوجه مناقض للوجه الآتی [ج] حیث ذکرا فیه أنّه یبیعه للمالک _ أی أبیه _ لا لنفسه، فإذا باعه للمالک کیف یعلِّقه علی موته، هذا أوّلاً.

وثانیا: ما معنی أنّه یبیعه للمالک وهو الأب معلَّقا علی موته؟ مع أنّ الکلام فی هذه الصورة إنّما هو فیما إذا باعه للمالک لا لنفسه، ولذا قال المحقّق الخوئی رحمه الله : «هذا الوجه لابدّ وأن یحمل علی سهو القلم لجلالة شأن العلاّمة وولده عن الاستدلال بمثل ذلک فی المقام»(4).

أقول: قد یأتی أنّ الاستدلال الآتی [ج] یقع فی کلام الفخر فقط دون والده العلاّمة فاحتمال سهو القلم لا یجری بالنسبة إلی العلاّمة رحمه الله .

ج: قال الفخر: «لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن الأب لا عنه...»(5).

مراده قدس سره : أنّ البائع إنّما قصد البیع لأبیه فیما إذا باع مال أبیه بظن حیاته فبان میّتا، فهو باعه للأب لا لنفسه فلا یقع له بوجه لأنّ العقود تابعة للقصود، ویحکم ببطلانه للعاقد

البائع.

وفیه: العاقد باعه لمالکه وتخیّل أنّ أباهُ هو المالک، لا لخصوصیة فیه، فإذا عرفت أنّ المال ماله فیقع العقد له، لأنّ حقیقة المعاملة هی المبادلة بین المالین کما مرّ. وقصد أنّ البیع یکون لمالکه هو أمر زائد علیها [المبادلة] فیکون لغوا.

ص:92


1- 1 . نهایة الإحکام 2/477.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/420.
3- 3 . المکاسب 3/461.
4- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/39.
5- 5 . إیضاح الفوائد 1/420.
الرابع: الصحة مع الخیار
اشارة

قد مرّ أنّها الأظهر عِنْدَ جدّی الشیخ محمّدتقی(1) قدس سره ، ولا یخلو من قوة عند عدیله الشیخ اسداللّه(2) رحمه الله و أحد احتمالی المتجه فیه عند صاحب الجواهر(3).

واستدلوالها: بأنّ البائع أقدم علی التملیک المتزلزل لا النافذ، لأنّه أقدم علی عقد یحتاج إلی إجازة المالک، لأنّ العاقد البائع یری نفسه فضولیّا، ثمّ بعد ظهور أنّه بنفسه کان مالکا حین العقد إذا حکم بلزوم العقد علیه قد یکون ضرّریا بالنسبة إلیه، فیثبت له الخیار لدفع هذا الضرر.

وبالجملة: قاعدة نفی الضرر تجری فی المقام لدفع الضرر عن البائع العاقد الذی ظهر أنّه بنفسه المالک وتثبت له الخیار فی فسخ عقده.

قد یورد علی هذا الاستدلال اعتراضاتٌ:

الاعتراض الأوّل:

واعترض علیهم الشیخ الأعظم بقوله: «... الضرر المترتّب علی لزوم البیع لیس لأمرٍ راجع إلی العوض والمعوّض وإنّما هو لانتقال الملک عن مالکه من دون علمه ورضاه، إذ لا فرق فی الجهل بانتقال ماله بین أن یجهل أصل الانتقال کما یتّفق فی الفضولی، أو یعلمه ویجهل تعلِّقه بماله [کما فی مسألتنا]. إذ من المعلوم: أنّ هذا الضرر هو المثبت لتوقّف عقد الفضولی علی الإجازة، إذ لایلزم من لزومه بدونها سوی هذا الضرر»(4).

مراده قدس سره : «أنّ المعاملة تارة: تکون محکومة بالصحة فی حدّ نفسها إلاّ أنّ العوضین یستلزمان الضرر علی أحد المتعاملین لنقص فی قیمتهما أو لعیب فی ذاتیهما ولأجل ذلک

یرتفع لزوم المعاملة وتکون خیاریة وجائزة.

ص:93


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/356.
2- 2 . مقابس الأنوار /137.
3- 3 . الجواهر 23/482 (22/300).
4- 4 . المکاسب 3/465.

واُخری: تکون المعاملة فی حدّ نفسها موردا للکلام من حیث الصحة والفساد، لعدم شمول العمومات لها من دون أن یکون هناک ضرر فی شی ءٍ من العوضین بحیث لو حکمنا بصحتها لما کان ذلک موجبا لتضرّر أحدهما من حیث العوض والمعوّض لعدم نقص فی قیمتهما أو فی ذاتیهما، ففی مثل ذلک لو کان هناک ضرر فهو إنّما یکون ناشئا من أصل العقد والمعاملة لا من جهة لزومها فمقتضی القاعدة عدم صحة مثلها إلاّ بالإجازة المتأخرة، لا أنّها صحیحة ویرتفع لزومها، لما عرفت من أنّ لزومها غیر ضرری بحسب الفرض وإنّما الضرر فی أصل المعاملة وصحتها حیث أنّه أمرٌ لم یلتفت إلیه ولم یکن راضیا به ومعه یکون الحکم بوقوع المعاملة من غیر اختیاره ضررا علیه لا محالة فترتفع صحتها بالقاعدة»(1).

فیکون العقد متزلزلاً من حیث الحدوث لا البقاء، فیحتاج إلی الإجازة المستأنفة لا اللزوم وثبوت الخیار.

وبعبارة أُخری: قاعدة لا ضرر ترفع لزوم العقد ولزوم العقد فرع صحته، وإذا لم یصح العقد لعدم صدور الإجازة المستأنفة من البائع العاقد المالک فی مسألتنا لا نحتاج إلی نفی لزومه بقاعدة لا ضرر.

وبفرض جریانها أنّها [أی قاعدة لا ضرر] تنفی صحة العقد وَتُثْبِتُ احتیاجه إلی الإجازة المستأنفة ولا تنفی لزومه وَتُثْبِتُ الخیار.

أقول: یمکن أن یناقش الشیخ الأعظم: بأنّ العقد عند المشایخ الثّلاثة صحیحٌ لاستناده إلی البائع العاقد المالک، فالصحة تامة ولا تحتاج إلی الإجازة المستأنفة، ولکن من المحتمل أن تکون المعاملة بالنسبة إلیه ضرریّا فیرتفع هذا الضرر المحتمل بقاعدة لا ضرر بثبوت الخیار. فاعتراض الشیخ الأعظم لا یرد علیهم لاختلاف المبنی فی الصحة وعدمها بینه وبینهم.

ص:94


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/43.
الاعتراض الثانی:

صحة العقد فی المقام لا تتم لأنّها تتوقف علی جُزْئَیْنِ هما:

أ: استناد البیع إلی المالک.

ب: حصول الرضا وطیب النفس بالانتقال.

وکلاهما مفقودان، لأنّ البائع العاقد یبیع فی مسألتنا لأبیه فلم یستند العقد إلیه، رضاه وطیب نفسه تکون علی بیع مال والده لا بیع ماله نفسه.

فهذا العقد لا یکون صحیحا حتّی یرتفع استمرار صحته بثبوت الخیار بدلیل قاعدة لا ضرر.

أقول: یرد علیه بأنّ استناد البیع إلی المالک العاقد البائع تام لأنّه بنفسه أقدم علی البیع وبعد تمامیة الاستناد، طیب النفس والرضا حاصل لأنّ المعتبر منهما لا یزید علی الاستناد شیئا، ومازاد علی الاستناد لا یعتبر طیب النفس والرِّضا. فهذا الاعتراض مدفوع من أساسه کما یظهر هذا الجواب ممّا مرّ.

الاعتراض الثالث:

قاعدة لا ضرر تنفی ما ینشأ منه الضرر ولا یثبت أمرا مثل الخیار وغیره لأنّ لسانه لسان النفی لا الاثبات کحدیث الرفع.

وما ینشأ منه الضرر فی المقام هو صحة البیع من دون الإجازة المستأنفة فهی تنفی بقاعدة لا ضرر، فلا یمکن إثبات الخیار بها ولا نحتاج إلی إثباته بعد نفی الصحة بالقاعدة کما هو الواضح.

الاعتراض الرابع:

لو ذهبنا إلی صحة العقد وأنّ قاعدة نفی الضرر تَرْفَعُ لزومه _ لا صحته _، فَإنَّ ذلکَ یَسْتَلْزَمُ صحة انتقال مال الغیر مع عدم رضاهُ وطیب نفسه ویستلزم منه تخصیص حدیث «لا یحلّ مال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاّ بطیب نفسه»، مع أنّ الأدلة العامة فی المعاملات تقتضی اشتراطها بالرضا وطیب النفس، فمع عدمهما یحکم ببطلانها لا صحتها وعدم لزومها بثبوت الخیار.

ص:95

تنبیهٌ: فی عدم ابتناء هذه الصورة علی القول بالصحة فی بیع الفضولی

لعلّ أوّل من نبّه علی عدم الابتناء هو المحقّق الشیخ اسداللّه التستری رحمه الله حیث یقول: «واعلم أنّ هذه المسألة کبعض المسائل السابقة جاریة علی القول ببطلان الفضولی أیضا»(1).

وأیّده الشیخ الأعظم قدس سره بقوله: «ثمّ إن الحکم بالصحة فی هذه الصورة غیر متوقفة علی القول بصحة عقد الفضولی، بل یجیء علی القول بالبطلان»(2).

ثمّ استدرک علیه بقوله: «إلاّ أنّ یستند فی بطلانه [الفضولی] بما تقدّم من قبح التصرّف فی مال الغیر فیتّجه عنده حینئذ البطلان»(3).

مراده قدس سره : عدم ابتناء هذه الصورة علی القول بالصحة فی بیع الفضولی تام لو کان دلیل البطلان غیر الوجه العقلی _ وهو قبح التصرف فی مال الغیر _ وأمّا لو کان دلیله هذا الوجه العقلی یوجِّه القول بالبطلان فی هذه الصورة أیضا لأنّ البائع باعتقاده تصرَّف فی مال الغیر بدون إذنه وهو قبیح عقلاً، لأنّ القبح یترتب علی اعتقاد کون المبیع ملک الغیر فإن کان مصادفا للواقع کان عصیانا وإن کان غیر مصادف کان تجرِّیا، ولا فرق فی جریان القبح بین العصیان والتجرِّی.

ولکن یناقش علیه: أوّلاً: بعدم تمامیة المبنی کما مرّ فی بحث بیع الفضولی.

ثانیا: مجرد القبح العقلی لا یستلزم مع الفساد الشرعی مادام لم یستلزم مع هذا القبح العقلی الحکم بالحرمة شرعا، وفی التجری نعلم بأنّ المتجری غیر مرتکب للحرام الشرعی بوجه ومجرد القبح العقلی لا یوجب الحکم الشرعی بالفساد.

هذا تمام الکلام فی الصورة الثالثة والحمد للّه.

الصورة الرابعة: لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغیره فانکشف أنّه له
اشارة

قال الشیخ اسداللّه التستری: «الخامس: أن یبیع أو یشتری لنفسه ثمّ ینکشف کونه

ص:96


1- 1 . مقابس الأنوار /39 من کتاب البیع.
2- 1 . المکاسب 3/465.
3- 2 . المکاسب 3/466.

مالکا للمال وأنّ العقد صادف ملکه. والأقرب صحة البیع وعدم توقفه علی الإجازة ووجهه ما مضی...»(1).

وقال جدی الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة رحمه الله : «ولو اعتقد أنّه لغیره فباعه عن نفسه غصبا، ثمّ تبیّن أنّه ملکه احتمل قویّا لزومه»(2).

وقال الشیخ الأعظم: «والأقوی هنا أیضا الصحة ولو علی القول ببطلان الفضولی والوقوف علی الإجازة بمثل ما مرّ فی الثالثة، وفی عدم الوقوف هنا وجه لا یجری فی

الثالثة، ولذا قوّی اللزوم هنا بعض من قال بالخیار فی الثالثة»(3).

أقول: أنت تری بأنّ العدیلین ذهبا إلی صحة هذا البیع ولزومه ولکن الأقوی عند الشیخ الأعظم الصحة مع الإجازة المستأنفة ولکنّه یری عدم الوقوف علی الإجازة المستأنفة فی هذه الصورة وجه وهو مطابقة ما قُصد لما انکشف، إذ المفروض أنّه قصد البیع لنفسه وانکشف کون المال له بخلاف الصورة الثالثة فإنّ المقصود فیها هو البیع عن المالک والمُنْکَشَف هو کون العاقد هو نفس المالک فهذان _ ما قُصد وما کُشِفَ _ لیسا مطابقَیْن بل هما متغایران فتحتاج الصورة الثالثة إلی الإجازة دون الصورة الرابعة عند الشیخ الأعظم فی هذا الوجه.(4)

ومراده هنا من «بعض من قال بالخیار فی الثالثة» هما الشیخان العدیلان اسداللّه التستری ومحمّدتقی الرازی النجفی الأصفهانی رحمهماالله کما مرّ مقالتهما.

وقال المحقّق السیّد الخوئی القائل(5) بمقالة الشیخ الأعظم فی الصورة الثالثة _ وهی الصحة مع الإجازة المستأنفة _ فی هذه الصورة الأخیرة: «ولا اشکال فی صحة البیع حینئذ [أی الصورة الرابعة]، لعدم قصور ذلک عن الصورة المتقدّمة وبیعه للغیر، وإنّما

ص:97


1- 3 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /38.
2- 4 . تبصرة الفقهاء 3/356.
3- 1 . المکاسب 3/466.
4- 2 . راجع هدی الطالب 5/381.
5- 3 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/44.

الکلام فی أنه یحتاج إلی الإجازة بعد الالتفات أو لا؟ الظاهر أنه لا حاجة إلی الإجازة بعد الانکشاف، إذ الحاجة للإجازة فیما تقدّم إنّما هی من جهة عدم استناد البیع إلی نفسه لاعتقاده أنّ المال للغیر ولأجل عدم رضاه ببیع ماله، وذکرنا أنّهما یحصلان بالإجازة المتأخّرة، وهذا لا یحتاج إلیه فی المقام، لأنّه باعه لنفسه بدعوی الملکیة العقلائیة کالغاصب ونحوه وإن اعتقد أنه للغیر شرعا، وهذ المقدار من البیع والرضا یکفی فی المعاملات ولا یحتاج فیها إلی العلم بالملکیة الشرعیة، وهذا نظیر معاملات جمیع الخارجین عن شریعة الإسلام فإنّهم إنّما یتعاملون بالملکیة العقلائیة أو الاعتباریة الشخصیة کالیهود ونحوهم بل المسلمین غیر المتدیّنین کما إذا قامر فغُلب وأُخذ منه شیء ثمّ قامر وغلبه وأخذ منه ما غلبه به بعینه فباعه حیث إنّه ملکه شرعا وواقعا إلاّ أنه اعتقد أنه للغیر واقعا وله بالملکیة العقلائیة، ففی مثل ذلک لایحتاج إلی الإجازة بعد الالتفات إلی أنه ملکه واقعا، لعدم اشتراط البیع بالعلم بالملکیة الشرعیة، بل العلم بالملکیة

العقلائیة کافٍ کالمأخوذ بالقمار ونحوه حیث إنّ العقلاء غیر المتدیّنین یعتبرونه مالکا ویقولون إنّه مالک لکذا مقدار من المال مع أنه بأجمعه مأخوذ بالقمار والغصب»(1).

والعجب من المحقّق المروِّج رحمه الله حیث یری أوّلاً وجه الشیخ الأعظم غیر وجیه:

[1] لأنّ طیب النفس حاصل بماله الادّعائی لا بماله الواقعی. ولو علم بأنّه من أمواله الواقعیة دون أمواله المغصوبة فلعلّه لم یکن راضیا ببیعه... لأنّ الرضا ببیع مال الغیر مع البناء علی کونه ماله إدّعاءً وعدوانا لیس رضا حقیقة ببیع ماله الواقعی.

[2] مع ظهور أدلة اعتبار طیب نفس المالک فی حِلِّ ماله لغیره فی کون الطیب والرضا بماله بوصف کونه مالَه لا رضاه بذات المال.

[3] وهو ما یقتضیه العقلُ أیضا بقبح التصرف فی مال الغیر من غیر رضاه.

[4] الأصل _ وهو هنا الاستصحاب _ یقتضی أیضا عدم جواز التصرف إلاّ برضا مالک المال بالتصرف فی ماله الواقعی بما أنّه ماله، لا مجرد جنس الرضا القائم بذات ماله

ص:98


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/46.

بدون إحراز ملکیّة المال له واقعا... .

ثمّ یری ثانیا بإمکان القول بفساد البیع فی هذه الصورة الرابعة لعدم قصد المعاوضة مع اعتقاد العاقد کون المال لغیره أنّه أخذ العوض عن المشتری مَجّانا وهذا ینافی المعاوضة الحقیقیة المعتبرة فی المعاملات.

ثمَّ فی آخر کلامه أمر بالتأمل.(1)

وجه التعجب أوّلاً: [1] الرِّضا بببیع ماله الإدعائی العقلائی _ عند المحقّق السیّد الخوئی _ یکفی فی صحة البیع ولا نحتاج إلی الرضا ببیع ماله الواقعی لأنّه أقدم بنفسه علی البیع من دون إکراه وإجبار فالبیع یستند إلیه، وهذا الاستناد یصح البیع من دون الحاجة إلی رضاءِ آخَرَ.

[2] قد مرّ بعدم اعتبار طیب نفس المالک فی حلّ ماله اضافة إلی استناد البیع إلی مالکه وهو هنا حاصل.

[3] علی تمامیة الاستقباح العقلی فی التصرف فی مال الغیر، یجری إذا لم یستند البیع إلی المالک وإمّا بعد استناده فلا یجری هذا القبح العقلی المُدَّعی.

[4] بعد وجود الأدلة اللفظیة علی صحة هذا البیع وهی العمومات والإطلاقات فلا

تصل النوبة إلی جَرَیانِ الأصل العملی هنا وهو الاستصحاب.

وثانیا: المعاوضة الحقیقیة تقع بین المالین _ العوضین _ لا بین اعتقاد أنّه ماله أو ماله غیره وأنّه أخذ المثمن باعتقاده مجانا، لأنّ الاعتقاد لا یجری فی المعاوضة الحقیقیة، لأنّها تقع بین الثمن والمثمن الخارجیین _ لا الاعتقادیین _ .

ولعلّه قدس سره بالنظر إلی هذه الوجوه أمر بالتأمل فی آخر کلامه رفع اللّه فی الخلد مقامه.

تتمیم:

یمکن تَصَوُّرُ فروعٍ لَمْ یَذْکُرْها الشیخ الأعظم فی المقام أذکر لک بعضها والباقی موکول إلی فقاهة القاری الفطن:

ص:99


1- 2 . هدی الطالب 5/382 و 381.
الصورة الخامسة:

الصورة الخامسة: «لو باعه علی أنّه ملکه فتبیّن بعد ذلک أنّه لمورِّثه ثمّ تبیّن موته حین العقد فلا إشکال فی الصحة واللزوم»(1) لما مرّ فی الصور الماضیة.

الصورة السادسة:
اشارة

الصورة السادسة: «لو باعه عن المالک باعتقاد الوکالة عنه، ثمّ تبیّن أنّه ملکه ففی الحکم بلزومه وجه قویٌّ ولا یخلو من إشکال»(2).

وجه الاشکال: عدم رضاه بانتقال ماله إلی المشتری، وما اوقعه العاقد لم یقع وما وقع مِنْ بیع مال نفسه لم یقصده.

وقد مرّ جوابنا عن هذین الاشکالین فلا نُعِیْدُ.

صُوِرٌ سِتٌّ: ذکرها

صُوِرٌ سِتٌّ: ذکرها الفقیه الیزدی وهی: «[1] ما إذا باع باعتقاد أنّه للمولّی علیه أو الموکّل فبان أنّه للآخر، [2] أو باعتقاد أنّه لأحدهما فبان کونه لنفسه [3] أو بالعکس، [4 [أو باعتقاد کونه للموکِّل _ الذی هو زید _ فبان أنّه الآخر، [5] أو باعتقاد أنّه للمولّی علیه المعیَّن فبان أنّه لآخر، [6] أو باعتقاد أنّه المال الکذائی فبان أنّه غیره وهکذا»(3).

ثمّ قال: «والحکم فی الکل الصحة والتوقف علی الإجازة من عدم الرضا بنقل هذا الشی ء وبالعنوان الذی لابدّ من قصده والرضا به...»(4).

أقول: الصورة الاولی المذکورة فی کلامه قدس سره فضولیّةٌ، ولذا لابدّ فیها من إجازة الآخر، ولذا قال الشیخ جعفر رحمه الله : «ولو انعکس الحال فزعم الملک أو الولایة أو الوکالة فبان

خلافها کان فضولیّا»(5).

وصورته الثالثة هی عین الصورة الثانیة للشیخ الأعظم.

وصورته الرابعة هی عین صورته الخامسة من دون تغییر.

وأمّا بقیّة الصور المذکورة فی کلام الفقیه الیزدی قدس سره فحکمها حکم الصورة الرابعة

ص:100


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/356.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/356.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/251.
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/251.
5- 1 . شرح القواعد 2/98.

وهو الصحة من دون الاحتیاج إلی الإجازة المستأنفة خلافا لما ذکره والدلیل علیه ما مرّ فی الصورة الرابعة فلا نعید.

ولذا قال الشیخ جعفر، «ومقتضی ذلک سرایة الحکم إلی عقد الولی والوکیل مع جهلهما بملکیتهما فیصحّ نکاح مَنْ زوّجت نفسها فضولاً أو وکالةً بزعم أنّها أمَة فظهرت حرّة، ومن زوّج أمرأة بزعم أنّها حرّة أو أمَة الغیر فظهرت أمته، ومن زوّج أجنبیّة صغیرة فظهرت بنته، إلی غیر ذلک»(1).

هذا تمام الکلام فی الصورة الرابعة وبه تمّ القول فی المُجیز والحمدُ لِلّه الْقَوِیِّ الْعَزِیز.

ص: 101


1- 2 . شرح القواعد 2/98.

ص:102

وَصْلٌ: القول فی المُجاز

اشارة

ص:103

اشارة

ص:104

ویتمّ البحث فیه ضمن أُمورٍ:

الأوّل: اعتبار کون العقد المجاز جامعا للشروط

اشارة

العقد الصادر من الفضول لابدّ أن یکون جامعا لجمیع الشرائط المعتبرة فی العقد سوی رضا المالک أو استناد العقد إلیه، لأنّ فی غیر تلک الصورة یقع فاسدا ولا یمکن أن تکون الإجازة المتأخرة مصححة للعقد الفاسد.

لأنّ الإجازة لیست بأولی من عقد المالک نفسه علی شی ء فلو عقد وکان عقده فاقدا لبعض شرائط الصحة یقع باطلاً، وکذلکِ لیست بأولی من الإذن السابق فلو أذن فی انشاء عقد فاقد لبعض شرائط الصحة یکون باطلاً. هذا بحسب الکبری.

وأمّا بحسب الصغری: «فلا إشکال فی أنّ العقد لابدّ وأن یکون حاویّا للشرائط الراجعة إلی العقد کالماضویة والعربیة والتطابق وغیرها _ [علی القول باعتبارها] _ فلو کان فاقدا لبعض تلک الشرائط یقع فاسدا.

وأمّا الشرائط المعتبرة فی المتعاقدین: بما هما متعاقدان _ لا بما هما مالکان _ کالبلوغ والعقل ونحوهما، فلا إشکال فی اعتبارها أیضا، فلو کان المتعاقدان أو أحدهما صبیا أو مجنونا فلا تقع المعاملة بالإجازة المتأخّرة صحیحة، لأنّ عقدهما کلا عقد.

وأمّا الأُمور والشرائط المعتبرة فی العوضین کالمالیة أو الطهارة والطلقیة ونحوها فهی أیضا معتبرة فی العقد الصادر من الفضولی بحیث لو کان العوضان فاقدین لبعض هذه الشروط کما إذا کان أحدهما خمرا أو کانت الأمة أُمّ ولد أو کان فاقدا للمالیة وهکذا، فلا ینبغی الإشکال فی فساد العقد حینئذ وإن انقلب الخمر إلی الخلّ أو مات ولد الأمة أو عرضت المالیة علیه حال الإجازة، وذلک لاعتبار هذه الشروط فی متعلّق البیع والعقد، والإجازة لیست عقدا مستأنفا ولا بیعا ثانیا فلابدّ من اتّصاف العوضین بهذه الشروط

ص:105

حال العقد ولعلّه ظاهر.

وأمّا الشرائط ا لخارجة عن متعلّق البیع والمتعاقدین والعقد وهی الاُمور المعتبرة فی المعاملة خارجا وقد عبّر عنها شیخنا الأنصاری(1) بشرائط تأثیر العقد کاشتراط

القدرة علی التسلیم أو الشرائط المعتبرة فی المالکین وإن لم یکونا عاقدین کالإسلام فی مشتری المصحف والعبد المسلم بناءً علی أنّ الکافر لا یملک شیئا منهما فهی غیر معتبرة فی العقد بوجه، بل القدرة علی التسلیم کما لا تعتبر فی حال العقد کذلک لا تعتبر فی حال الإجازة أیضا، وإنّما تعتبر فی ظرف التسلیم وهو أمر یختلف باختلاف الأغراض، فربما یشترط التسلیم فی ظرف الإجازة واُخری فی غیره من الأزمان کمن باع عشرة أمنان من الحنطة فی ذمّة زید فضولة علی أن یسلّمها بعد ستّة أشهر ثمّ أجازها المالک من دون أن یکون قادرا علی تسلیمها حال الإجازة.

وکذا الإسلام فإنه لا یعتبر حال العقد أبدا، لأنّ الدلیل الدالّ علی اعتباره فی المشتری بعد الإجماع هو قوله تعالی: «وَلَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُوءْمِنِینَ سَبِیلاً»(2) بأن یکون اختیار المسلم بید الکافر یفعل فی حقّه ما أراد، ومن الواضح أنّ العقد بمجرده لا یوجب السبیل للکافر علی المسلم أبدا، وإنّما هو یتحقّق بالإجازة، إذ لا یمکنه التصرف فی العبد قبلها، فإذا فرضنا أنّ المشتری الکافر حال العقد أسلم حین الاجازة صحّ العقد والإجازة بلا إشکال. نعم بناء علی الکشف الحقیقی أمکن القول بالفساد لتحقّق الملکیة والسبیل حین العقد.

ثمّ إنّه هل یعتبر الاستمرار فی الشروط المعتبرة حال العقد إلی زمان الإجازة بحیث لو انتفی بعضها بعد العقد وقبل الإجازة بطلت الإجازة، أو لا یعتبر فیه الاستمرار؟

ذکر شیخنا الأنصاری(3) قدس سره بالنسبة إلی شروط العوضین: أنّ الظاهر اعتباره علی القول بالنقل، لعدم تمامیة البیع قبلها، وحین تمامیته بالإجازة لا شرط بحسب الفرض

ص:106


1- 1 . المکاسب 3/467.
2- 1 . سورة النساء /141.
3- 2 . المکاسب 3/468.

فتقع المعاملة باطلة. وکذا یعتبر الاستمرار علی القول بالکشف من جهة أنّ زمان الاستناد إلی المالک إنّما هو زمان الإجازة، ومع فقد بعض الشرائط المعتبرة فی المعاملة لا یکفی إسناد المعاملة الفاقدة لبعض الاُمور المعتبرة فیها إلیه هذا.

والظاهر أنّ الاستمرار إلی حال الإجازة غیر معتبر علی کلا القولین، وذلک لأنّ الکلام فی شرائط البیع لا الملکیة، وقد فرضناه جامعا لشرائط البیع حال العقد والبیع، والإجازة لیست بیعا ولا عقدا مستأنفا، فاعتبارها فی حال الإجازة أیضا یحتاج إلی

دلیل آخر، والوجه فی ذلک ما عرفت من أنّ شرائط البیع غیر شرائط الملکیة کما فی بیع الکلب والمتنجّس ونحوهما حیث إنّهما مع مالیتهما منع الشارع عن بیعهما تعبّدا، إذ لا إشکال فی أنّ الکلب ملک فلذا أوجب الشارع ضمانه علی من أتلفه، وکذا الحال فی المنع عن بیع اُمّ الولد فإنّها ملک ویجب دفع قیمتها لو قتلها أحد ومع ذلک قد منع عن بیعها، فهذه شرائط البیع دون الملک، والمقدار الثابت من أدلّتها اعتبارها حال البیع، والمفروض أنّها کانت متحقّقه حال البیع والعقد، واشتراطها واعتبارها حال الإجازة أیضا یتوقّف علی دلیل، وهذا بخلاف الشرائط المعتبرة فی الملک فإنّها شرط للملک بغضّ النظر عن وقوع البیع کما فی الخمر فإنّها غیر قابلة للملک حتّی لو لم یکن بیع أصلاً. وکلامنا إنّما هو فی شرائط البیع لا شرائط الملک.

فرع: إذا انقلب الخل بعد العقد إلی الخمر ثمّ صار خلاً فهل یصحّ الانتقال أو لا؟ الظاهر أنه لا ینتقل إلی المشتری حینئذ علی القول بالنقل لأنه صورة نوعیة اُخری غیر الصورة التی وقع علیها العقد، وذلک لأنّ الخمریة والخلّیة وإن کانتا من الأوصاف والأحوال عند العرف إلاّ أنّهما بحسب نظر الشارع من الأوصاف النوعیة التی بها تختلف الأشیاء، فإذا صار خمرا ثمّ انقلب إلی الخل فهو قد اتّصف بصفة نوعیة اُخری غیر الصفة الاُولی کما لایخفی، وهذا نظیر ما إذا انقلب عبدٌ إلی الصورة النوعیة الکلبیة بمعجزة ونحوها ثمّ انقلب إلی الصورة النوعیة الانسانیة فإنّه لا إشکال فی تغایره للإنسان الأوّل وکونه غیره حقیقة، وکذلک الحال فی المقام، وعلیه فیقع البیع باطلاً لأنّ متعلّقه تلف والموجود أمر آخر مغایر لما وقع العقد علیه، وأمّا علی القول بالکشف فالبیع صحیح لأنّ

ص:107

التبدّل یکون فی ملک المشتری، هذا تمام الکلام فی الجهة الاُولی»(1).

فذکلة القول فی الأمر الأوّل
اشارة

تبیّن ممّا نقلناه من کلام المحقّق السیّد الخوئی قدس سره بطوله أنّ الشروط المعتبرة فی العقد وما یتعلق به الإجازة تنقسم إلی خمسة أقسام:

الأوّل: الشروط المتعلَّقة بالعقد: کالماضویة والعربیة والتطابق وعدم التعلیق، وأنّه لابدّ من انحصار العقد باللفظ أو أنّه یشمل الفعل؟ والظاهر أَنَّهُ لابدّ من تحقّق هذه الشروط حین الإنشاء فقط دون الإجازة لأنّها لیست بعقدٍ.

الثانی: الشروط المتعلِّقة بالمتعاقدین: کالبلوغ والعقل والاختیار، والظاهر من الدلیل هو اعتبار هذه الشروط حین الإنشاء فقط.

الثالث: الشروط المتعلِّقة بالعوضین: کاشتراط معلومیتهما ومالیتهما وإنّهما ملک طلق لمالکیهما، لابدّ من اعتبارها حین إنشاء العقد دون الإجازة، لأنّها لیست عقدا مستأنفا ولا بیعا ثانیا.

الرابع: الشروط المتعلِّقة بتأثیر العقد: کاشتراط القدرة علی التسلیم، فهذا الشرط لا یعتبر حین العقد ولا حین الإجازة وإنّما اُعتبر فی ظرف التسلیم وعند موعده.

الخامس: الشروط المتعلِّقة بالمالک بما هو مالک: کاشتراط إسلام المشتری فی بیع المصحف والعبد المسلم، فهذا الشرط غیر معتبر عند انشاء عقد الفضولی لأن مجرد العقد لا یوجب السبیل للکافر علی المسلم أو المصحف، وإنّما السبیل یتحقّق بالإجازة لعدم جواز التصرف فی المبیع قبلها. نعم، بناءً علی الکشف الحقیقی یمکن القول بالفساد لتحقّق الملکیّة والسبیل من حین العقد.

وأمّا لزوم استمرار الشروط المعتبرة من حین العقد إلی زمن الإجازة: فینبغی أن یقال: فی القسم الأوّل: لا مجال لتوهم لزوم دوام شروط العقد إلی حین الإجازة لأنّ هذه الشروط تَنْتَهِیْ إلی تحقّق الانشاء وهو أمرٌ متصرم الوجود بمعنی أنّ الإِنشاء یتحقّق بهذه

ص:108


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/(50-47).

الشروط ولا یتوهم دوامها واستمرارها لأجله ولم یتعرض الشیخ الأعظم لِهذا القسم.

وفی القسم الثانی: قال الشیخ الأعظم: «لا ینبغی الإشکال فی عدم اشتراط بقاء المتعاقدین علی شروطهما حتّی علی القول بالنقل. نعم، علی القول بکونها بیعا مستأنفا یقوی الإشتراط»(1).

وفی القسم الثالث: ذهب الشیخ الأعظم(2) رحمه الله إلی اعتبار استمرارها بناءً علی النقل لعدم تمامیة البیع قبلها، وبناءً علی الکشف ذهب إلی أنّ استمرارها غیر بعید بعد احتمال الوجهین.

فهاهنا وافق الشیخُ الاعظمُ صاحبَ الجواهرِ(3) من اعتبار استمرار هذه الشروط بناءً علی الکشف ولکنه خالفه فی الثمرات بین قولی النقل والکشف.(4)

وقد عرفت: عدم وجود الدلیل علی استمرار شروط العوضین عند المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله علی قولی النقل والکشف، للفرق بین شرائط البیع وشرائط الملک، وما هو المعتبَّر عنده هو الأوّل دون الثانی. وشرائط البیع معتبَّر فی حین البیع والعقد دون الإجازة، لأنّ الإجازة لیست ببیع مستأنف ولا دلیل علی اعتبارها حین الإجازة.

وفیه: بناءً علی الکشف یکفی تحقّق شرائط البیع حین العقد علی القاعدة، وأمّا بناءً علی النقل فلابدّ من استمرار تحقّق شرائط البیع إلی حین الإجازة حتّی یَتِمَّ النقل والانتقال هذا بالنسبة إلی القاعدة الأوّلیة.

أمّا التفصیل بین شرائط البیع وشرائط الملک فهو صحیح وإن یمکن النزاع الصغروی فی بعض الموارد التی عدّها قدس سره من شرائط البیع أو الملک.

فیمکن عدّ عدم کون المبیع کلبا أو میتة أو عذرة أو اُمّ ولد أو الطلقیة أو نحوها من شرائط البیع ویمکن عدّ عدم کون المبیع خمرا من شرائط الملک، لأنّ الشارع ألغی

ص:109


1- 1 . المکاسب 3/468.
2- 2 . المکاسب 3/468.
3- 3 . الجواهر 23/471 (22/292).
4- 4 . المکاسب 3/419.

الملکیة بالنسبة إلیه.

وأمّا الفرع الذی ذکره قدس سره : وهو تغییر الصورة النوعیة إلی الصورة النوعیة الاُخری فی مثال الخلّ المتخذ من العنب والخلّ المتخذ من الخمر، أو الانسان الذی نشأ من نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة... والانسان المنقلَب من الکلب بالنظر الدقی العقلی الفلسفی فهو تام وأمّا بالنظر العرفی الذی یتبعه الشارع أیضا فتام فی مثال الخلّ لأنّ العرف یری اختلاف القیمة بین الخلَّین، وأمّا بالنسبة إلی مثال الانسان فلا یتم لأنّ العرف یری الوحدة بین الانسانین ولذا لا یحتاج الثانی إلی تجدید عقد زوجته ولاتَنْتَقِلُ أمواله إلی ورثته بل هو مالک لها بعد رجوعه إلی الانسانیة و...، وبالجملة: الحکم فی الفرع یدور مدار العرف وحکمه بالوحدة أو التعدد لا الدقة العقلیة الفلسفیة.

وفی القسم الرابع: قد مرّ عدم اعتباره فی حین العقد ولا حین الإجازة وإنّما اعتبر فی ظرف التسلیم فقط.

وفی القسم الخامس: بناءً علی النقل والکشف الحکمی بأقسامها لابدّ من اعتبارها حین الإجازة وأمّا بناءً علی الکشف الحقیقی فلابدّ من اعتبارها حین العقد إلی حین الإجازة وما بعدها.

تنبیهٌ: فی نقل مقال الجدّ العلاّمة

قال المحقّق التقی صاحب هدایة المسترشدین رحمه الله : «ثانیعشرها: هل یشترط استجماع العقد لشروط الصحة حین وقوعه سوی رضا المالک وإذنه أو أنّه یکتفی بتحقّق الشروط حین الإجازة؟ فلو تعلّق العقد بشیء مجهول للعاقد الفضول وأجازه المالک مع علمه أو باع الآبق وقد استرد فی وقت الإجازة أو باع الکافر مصحفا أو مسلما فأجازه بعد إسلامه، أو یکتفی بحصولها فی أحد الحالین أو بحصولها من حین العقد إلی زمان الإجازة فی الجملة أو یعتبر تحقّقها فی الحالین؟ وجوه.

وظاهر بعض کلماتهم فی الاحتجاج یعطی اعتبار الاستجماع حین(1) العقد، وهو

ص:110


1- 1 . لیس فی نسخة: «الاستجماع حین... الأصل باعتبار».

الّذی یقتضیه الأصل باعتبار حصولها فی الحالین.

وقد یقال: بالإکتفاء بحصولها حین الإجازة علی القول بالنقل فإنّه فی الحقیقة حال انعقاد العقد.

ویمکن أن یقال: بالتفصیل بین الشروط، فیعتبر فی المملوکیّة أن تکون حاصلةً حین العقد، فلو باع ما لم یدخل فی الملک کالمباحات قبل الحیازة والطیر فی الهواء ثمّ أجازها أو صاد الطیر لم تؤثر الإجازة، سیّما علی القول بالکشف، لوکانت حاصلة حین العقد فزالت بعد ذلک کما لو تلفت بعد العقد والقبض قبل الإجازة صح العقد بالإجازة، فیکون التلف من المشتری.

ویحتمل حینئذ اشتراط حصولها حین الإجازة أیضا؛ إذ لولاها لُعدّت الإجازة سفها خارجا عن مقصود العقلاء.

وأمّا القدرة علی التسلیم وإسلام المشتری فی بیع المصحف والمسلم فیکتفی بحصول الشرط عند الإجازة؛ لعدم وضوح دلیل علی الفساد بمجرّد انتفائه حین العقد.

ولا عبرة بالتسلیم الأصیل قبل الإجازة، والمفروض حصول القدرة علیه عند اعتبار التسلیم، وأنه لا سبیل للمشتری علی المبیع إلاّ بعد الإجازة، فلا یفید ما دلّ علی دفع السبیل وقضی به مراعاة الإحترام فساد العقد فی تلک الصورة، فیندرج تحت الأصل.

وأمّا معلومیّة العوضین ففیها وجهان.

ولا یبعد أن یقال فی اشتراط استجماع الشروط حین العقد بما دلّ الدلیل علی

اشتراط العقد به مطلقا.

وأمّا ما کان اعتباره لجهة خارجة کنفی السبیل علی المسلم وملاحظة الإحترام أخذ فیها بمقتضی ذلک الدلیل، فلا یبعد علی الصحیح فی المثالین المفروضین»(1).

هذا تمام الکلام بالنسبة إلی الأمر الأوّل.

ص:111


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/360 و 359.

الثانی: هل یعتبر علم المجیز بالمُجاز تفصیلاً؟

اشارة

ویقع الکلام فی مقامین:

أ: فی اعتبار العلم _ تفصیلاً أو إجمالاً _ بوقوع العقد فی صحة الإجازة، وعدم اعتبار العلم به مطلقا وکفایة الإجازة حتّی مع احتمال وجود العقد.

ب: فی صحة تعلُّق الإجازة بالمبهم وعدمها.

أمّا المقام أ:
اشارة

فقال الشیخ الأعظم: «هل یشترط فی المجاز کونه معلوما للمجیز بالتفصیل _ من تعیین العوضین وتعیین نوع العقد من کونه بیعا أو صلحا فضلاً عن جنسه من کونه نکاحا لجاریته أو بیعا لها _ أم یکفی العلم الإجمالی بوقوع عقدٍ قابلٍ للإجازة؟»(1).

أقول: قد مرّ أنّ العقد الفضولی تام من جمیع الجهات إلاّ من جهة استناده إلی المالک التی تمت بالإجازة اللاحقة. ولایشترط فی الإجازة العلم التفصیلی بل یکفی العلم الإجمالی فیها. لأنّ الإجازة بمنزلة الإذن السابق فکما لا یعتبر العلم التفصیلی فی الإذن السابق فکذلک فی الإجازة اللاحقة کما یظهر من جدنا العلاّمة التقی(2) فی عبارته الماضیة(3) سابقا.

مقالة الشیخ الأعظم ونقده:

ولکن الشیخ الأعظم ذَکَرَ وَجْهَیْنِ فی المقام وقال: «وجهان: [1] من کون الإجازة کالإذن السابق فیجوز تعلّقه بغیر المعیّن إلاّ إذا بلغ حدّا [من الإبهام] لا یجوز معه التوکیل. [2] ومن أنّ الإجازة بحسب الحقیقة أحد رکنی العقد لأنّ المعاهدة الحقیقیة إنّما تحصل بین المالکین بعد الإجازة، فیشبه القبول مع عدم تعیین الإیجاب عند القابل»(4).

أقول: قد مرّ آنفا بأنّ الوجه [1] تامُّ عندی. وأمّا الوجه [2] فَمُرادُهُ قدس سره أنّ المالک مع

ص:112


1- 1 . المکاسب 3/468.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/360.
3- 3 . الآراء الفقهیة 5/533.
4- 4 . المکاسب 3/468.

عدم العلم التفصیلی بالعقد تکون إجازته مُعَلَّقَةً.

نحو قوله: إنْ وقع بیع علی نحو کذا علی مالی فقد أجزته وحیث أنّ الإجازة أحد رکنی العقد لحصول المعاهدة الحقیقیة بین المالکین فقط، فالإجازة تکون بحکم العقد و

التعلیق فی العقود مبطلٌ فکذلک فی الإجازة.

والمحقّق النائینی(1) أضاف إلیه بأنّ الإجازة من الایقاعات والایقاع لا یقبل التعلیق.

یرد علیه: لیست الإجازة أحد رکنی العقد بل بها تُنسب العقدُ الذی ثمّ قبلها بالمجیز، فالإجازة لا تعدّ عقدا ولا جزءً له ومتمِّما له، بل بها یَتِمَّ انتساب العقد بالمجیز فقط، والمعاهدة الحقیقیة إنّما تحصل بین المالین لا المالکین وهی متحققة قبل الإجازة وبها تُنسبُ إلی المالک، فالإجازة لا تشبه القبول بأنّه لابدّ فیه من تعیین الإیجاب عند القابل، بل هی تشبه بالإذن السابق فکما یتعلَّق الإذن السابق بأمر غیر معلوم بالتفصیل بل ربّما غیر معلوم بالإجمال فکذلک الإجازة المتأخرة اللاحقة، فظهر بما ذکرنا عدم تمامیة الوجه [2] فی کلام الشیخ الأعظم.

وأمّا حمل کلامه فی تعیین مراده قدس سره إلی قضیة التعلیق فی العقود وأنّ الإجازة بمنزلة العقد والتعلیق فیها باطل کما أنّ التعلیق فی العقود، أیضا فغیر تام لأنّ دلیل بطلان التعلیق فی العقود لیس إلاّ الإجماع ومعقده نفس العقد ولا یشمل الإجازة، فإلحاق الإجازة بالعقود باطل، هذا أوّلاً.

وثانیا: بطلان العقد بالتعلیق یختص بأمرٍ خارج عن العقد وأمّا إذا کان بأمر یقتضیه نفس العقد وإن لم یصرِّح به فی متنه فلا وجه لبطلانه نحو قول البائع: إن کان هذا المال مالی فقد بعتک بکذا، والوجه فی عدم البطلان لأنّ مثل هذا التعلیق موجود فی جمیع العقود.(2)

ص:113


1- 1 . المکاسب والبیع 2/216، منیة الطالب 2/139.
2- 2 . راجع منیة الطالب 2/139، و هدی الطالب 5/394.

وثالثا: علی فرض قبول أنّ الإجازة تشبه العقود من الشیخ الأعظم، لا یجری فیها ما یجری فی العقود من بطلان التعلیق فی العقود لأنّ «مجرد الشباهة لا یوجب الإلحاق فی الحکم»(1) کما هو الواضح.

وبالجملة: الوجه [2] فی کلام الشیخ الأعظم مع ما ذکر من تعیین مراده غیرتامین.

مقالة النائینی ونقده:

ولکن بقی فی المقام ما أفاده المحقّق النائینی: من أنّ الإجازة من الإیقاعات والإیقاع لا یقبل التعلیق یرد علیه ما ذکرته آنفا تحت عنوان ثانیا واعترف هو بنفسه الشریفة علی هذا الردّ حیث قال فی دورته الأخیرة فی المکاسب ما نصه: «إنّ طلاق الزوجة وعتق العبد ونحوهما من الإیقاعات وبیع المالک ماله ونحوه من العقود معلَّق علی زوجیة الزوجة وَرِقِّیَّةِ العبد وکون المال مالاً للمالک، نحو تعلیق کلّ حکم علی موضوعه، فهذا المقدار من التعلیق ممّا لا محیص عنه فی العقود والایقاعات... وإن شئت فقل لا تعلیق فیهما، وإن شئت فقل إنّ هذا التعلیق لا یکون مضرّا ومرجع العبارتین إلی شی ء واحد، وما نحن فیه من هذا القبیل لکونه تعلیقا للإجازة علی وجود العقد الذی تَتَعَلَّقُ به الإجازة نظیر تعلیق البیع علی ملک المبیع والطلاق علی زوجیة الزوجة»(2).

ثمّ العجب منه قدس سره حیث علّل قوله من معلومیة المجاز بالتفصیل وعدم تعلّق الإجازة لأمر مبهم بالغرر وقال: «وذلک للغرر فإنّه لایختص بالبیع وإن ورد النهی عنه فی البیع بالخصوص(3) أیضا، ولکن النهی عنه لیس مختصا بالبیع بل ورد النهی عنه بقول

ص:114


1- 3 . راجع منیة الطالب 2/139.
2- 1 . المکاسب والبیع 2/216.
3- 2 . وسائل الشیعة 17/448، ح3، الباب 40 من أبواب آداب التجارة.

مطلق(1)»(2).

وجه التعجب: نعم، ورد النهی عن الغرر فی غیر البیع وجریانه فی غیره ولکن یکون دلیله أخص من المدعی لأنّ مدعاه بطلان تعلِّق الإجازة بما یکون معلوما بالإجمال ودلیله لزوم الغرر ومن الواضح ربّما یُوجد معلوم بالإجمال الذی لا یکون فیه غررا أصلاً ووجود معلوم بالتفصیل یوجد فیه الغرر.

وعلی فرض ثبوت الغرر، لا یوجب الغرر الفاحش إلاّ الخیار فی جانب المغرور الجاهل لا بطلان المعاملة کما یأتی فی الخیارات.

ثمّ قال فی ردّ مشابهة الإجازة اللاحقة بالإذن السابق ما نصه: «وزان الإجازة الواردة علی الأمر المبهم مثل إجازة ما صدر من الفضولی الذی لا یعلم بکونه بیعا أو غیره، وزان التوکیل فی أحد الأمرین المردد بین البیع وغیره، لا نظیر التوکیل المطلق فی

جمیع أُموره، ولا إشکال فی بطلان الوکالة أیضا إذا کانت متعلَّقة بالمبهم وإنّما هو الصحیح منها هو الوکالة المطلقة ولا یتصور نظیرها فی الإجازة لتعلِّقها إلی المعاملة الشخصیة الخارجیة...»(3).

یرد علیه: عدم تمامیة قیاس الإجازة فی ما یکون معلوما بالإجمال بالتوکیل فی أحد الأمرین المرددین بین البیع وغیره، والوجه فی بطلان التوکیل بهذه الکیفیة هو «عدم وقوع المتعلَّق حین صدور التوکیل وبالتالی یکون الإبهام واقعیّا والتردد حقیقیّا ومن المعلوم أنّ التوکیل فی المردّد الواقعی باطل.

وهذا بخلاف الإجازة حیث أنّ متعلَّقها متحقّق خارجا ویستحیل فیه التردید وبالتالی فإنّه لا تردید فی الأمر الواقع والمتحقّق خارجا، وإنّما التردید فی الصورة العلمیة للمجیز وبینهما فرقٌ.

[وبالجملة]: فالإبهام الذی یلفّ التوکیل إبهام واقعیٌّ ناشٍ عن التردد فی الواقع بخلاف الإبهام فی الإجازة حیث أنّه إبهام من جهة المجیز دون الواقع المعلوم تحقّقه،

ص:115


1- 3 . راجع وسائل الشیعة 17/395، الباب 9 من أبواب آداب التجارة، و 18/31، الباب 17 من أبواب الخیار.
2- 4 . المکاسب والبیع 2/217.
3- 1 . راجع المکاسب والبیع 2/217.

ولذلک لایمکن أن یقاس الإجازة بالتوکیل، ویعدّ قیاسها مع الفارق»(1).

مقالة المحقّق الأصفهانی ونقده:

قال قدس سره : «ربّما یستند فی اشتراط العلم التفصیلی إلی النهی عن الغرر، إمّا لکون الإجازة غرریّة والغرر منهی عنه مطلقا، وإمّا لکون العقد المجاز غرریا من المجیز، وهو منهی عنه، ولو لم یکن الغرر فی الإجازة منهیا عنه.

وتحقیق القول فی ذلک یبتنی علی مقدمة: هی أنّ التوکیل تارة یتعلق بالمبهم المردد، واُخری بالمجهول، وثالثة بتعمیم الوکالة بحیث تسع کلّ ما یؤدی إلیه نظر الوکیل واختیاره.

والأوّل: فی نفسه غیر معقول؛ إذ المردد بما هو لا ثبوت له ذاتا وحقیقةً؛ ماهیةً وهویةً، فالإذن فیه إذن فی أمر غیر معقول، فهو غیر معقول من العاقل غیر الغافل، وعلی فرض المعقولیة فهو فیما نحن فیه مفروض العدم، لأنّ العقد الصادر من الفضول معیّنٌ لا مردّدٌ واقعا، فإجازته إجازة المجهول لا إجازة المردّد.

والثانی: وهو التوکیل فی المجهول، کأنْ یوکله فی البیع بما لایعلم الموکِّل والوکیل

أنّه فضة أو ذهب مثلاً، فمثله غیر نافذ من الموکِّل بالمباشرة فکذا بالتسبیب، ومثله إجازة بیع المجهول بهذا الوجه.

والثالث: ما إذا فوَّض الامر إلی الوکیل وجعله مستقلاً فی العمل بأیّ وجه یختاره، فکما أنّه للموکِّل التصریح ببیع ماله بأدون من ثمن المثل، أو بهبة ماله، ولیس التوکیل غرریا ولا المعاملة غرریة، لا من حیث مباشرة الوکیل ولا من حیث تسبیب الموکِّل، فکذلک له هذا المعنی بالتعمیم، فالمعاملة الصادرة من الوکیل إذا کانت فی نفسها واجدة للشرائط تکون منتسبة إلی الموکل، فهذه المعاملة الصحیحة تسبیبیة من الموکِّل وإنْ جهل الموکِّل بما فعله الوکیل، ومثل هذا التعمیم هنا _ مع کون المجاز عقدا خاصا _ وإنْ کان معقولاً نظرا إلی أنّه یرضی بأی وجه أوقعه الفضول، بیعا کان أو هبةً بثمن المثل أو بأنقص.

ص:116


1- 2 . العقد النضید 3/490.

إلاّ أنّ الفرق بین التوکیل والإجازة، أنّ الاقدام علی المعاملة عمل الوکیل المستقل فی أمرها، فیعتبر أنْ یکون عقلائیا غیر سفهائی من حیث کونها غرریة خطریة، ولا إقدام علی المعاملة من الموکل کی یعتبر علمه لئلا یلزم الغرر، فلا غرر فی التوکیل، لا من حیث إنّ التوکیل عمل یعتبر أنْ لا یکون غرریا، ولا من حیث إنّ المعاملة المنتسبة إلیه غرریة.

بخلاف الإجازة؛ فإنّ الفضول أجنبی عن المال وعن التصرف فی المال، فلا معنی لغرره وخطره، بل الاقدام علی المعاملة من المجیز، فهو بإجازته مقدِّمٌ علی المعاملة، فهذا العقد الإجازی کعقده المباشری، فلابد من أنْ یکون هذا الاقدام منه عقلائیا غیر سفهائی.

وممّا ذکرنا تبیّن أنّ الإجازة کالإذن والتوکیل، وأنّه لا یختص أحدهما بخصوصیة من حیث غرریّة التوکیل والإجازة وعدمها، بل الفرق من حیث إنّ المعاملة مع الجهل غرریّة من المجیز دون الموکل للوجه المتقدم»(1).

«ویرد علیه أوّلاً: إنّ قوله رحمه الله : «إنّ الفضول أجنبی عن المال و التصرّف فی المال، فلا معنی للغرره وخطره» ممنوعٌ؛ لأنّ الغرر من المعانی والعناوین التعلّقیّة حیث لا یطلق إلاّ مرتبطة بطرفی المعاملة، ومعناه حدوث خصوصیّة فی المعاملة تستوجب جهل طرفی العقد بالمعاملة وخصوصیّاتها، ومن المعلوم أنّ الفضولی بإقدامه _ الذی سوف یُجیزهُ المالک لا حقا _ یعدّ أحد أطراف العقد، فإذا کانت المعاملة مجهولة عنده، فإنّه لیس فی استطاعة المجیز إجازتها، وبالتالی فإنّ الفضولی لا یعدّ أجنبیّا عن العقد والغرر والأخطار

المترتّبة علیه کما زعمه الأصفهانی.

وثانیا: إنّ قوله رحمه الله أخیرا: «إنّ المعاملة مع الجهل غرریّة من المجیز» ممنوعٌ أیضا، لأنّ الإقدام حقیقة یستحیل أن یتعلّق بالموجود، بل لابدّ من تعلّقه بالمعدوم دائما؛ أی یجب أن یُقْدِم القاصد علی إیجاد معاملة لم تکن موجودة سابقا، أمّا الموجودة فلا یعقل أن یقصده المتعامل، وعلیه فالسؤال المطروح فیما نحن فیه هو أنّه هل وقعت معاملة أم لا؟ فإن أجاب بالنفی، فإنّه یرد علیه بأنّه ما هو متعلّق الإجازة حینئذٍ؟! وإن أجاب

ص:117


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(263-261).

بالإیجاب، فإنّه یرد علیه بأنّ الإقدام علی الواقع الموجود محالٌ.

والحلّ: هو القول بأنّ مورد الإقدام هی الإجازة دون المعاملة، وبالتالی یَجِبُ أن نلاحظ أنّ ما أقدم علیه المجیز هل یعدّ غرریّا أم(1) لا؟ فإن التزم رحمه الله بغرریّة الإجازة، علیه أن یلتزم بغرریّة الإذن أیضا بالضرورة، لعدم إمکان التخصیص فی الأحکام العقلیّة، فضلاً عن اتّحاد الإذن والإجازة حقیقةً وجوهرا وانحصار اختلافهما بالسبق واللحوق»(2).

والحاصل: فی المقام [أ] یکفی علم الإجمالی للمجیز بالنسبة إلی المجاز لصحة صدور الإجازة منه، ولا یعتبر علمه التفصیلی به خلافا لأحد وجهی الشیخ الأعظم ولما اختاره المحقّقان النائینی والأصفهانی قدس سرهم .

وأمّا المقام ب:
اشارة

هل یصح تعلّق الإجازة بالمبهم أم لا؟ وهل یعتبر علم المجیز بوقوع العقد وعدم کفایة إحتمال وجوده فی صحة الإجازة أم لا؟

فقد قال العلاّمة الجدّ التقی: «وهل یعتبر فیها علمه بوقوع العقد من الفضول أو یجوز إمضاءه لما یحتمل وقوعه أو علی تقدیر وقوعه کما إذا أخبره لوقوع البیع فأجازه من دون أن یتحقّق عنده وقوعه ثمّ علم بالوقوع؟ وجهان. ویقوی الاکتفاء به فی المقام»(3).

ولکن یری الشیخ الأعظم قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد «لأنّ الإجازة وإن لم تکن من العقود حتّی یشملها معاقد إجماعهم علی عدم جواز التعلیق فیها، إلاّ أنّها فی معناها ولذا یخاطب المجیز بعدها بالوفاء بالعقد السابق، مع أنّ الوفاء بالعقد السابق لا

یکون إلاّ فی حقّ العاقد، فتأمل»(4).

مراده قدس سره : إنّ الإجازة تکون من الإیقاعات ولا یصح فیها التعلیق لأنّه لو أجاز

ص:118


1- 1 . کذا و «أوْ» أحسن.
2- 2 . العقد النضید 3/492.
3- 3 . راجع تبصرة الفقهاء 3/361.
4- 1 . المکاسب 3/468 و 469.

العقد المحتمل وقوعه تکون إجازته معلَّقه علی وقوع العقد وهو باطل.

ویرد علیه کما مرّ أوّلاً: بعدم تحقّق الإجماع فی عدم تحمّل الإیقاع للتعلیق لأنّ هذه المسألة لم ترد فی کلمات القدماء من الفقهاء.

وثانیا: ما مرّ من المحقّق النائینی(1) من هذا المقدار من التعلیق ممّا لا محیص عنه فی العقود والإیقاعات.

وثالثا: علی فرض تحقّق الإجماع یمکن أن یکون مدرکیّا لاحتمال اعتماد القائل بعدم قابلیة الإیقاع لتحمّل التعلیق علی أنّ الإجازة انشاءٌ وهو لا یتحمّل التعلیق.(2)

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله من أنّ الإجازة فی معنی العقد أی فی حکمه وبالتالی فلا یجوز التعلیق فیها لاندراجها فی الأدلة الدالة علی عدم جواز التعلیق فی العقود، والدلیل علی أنّها فی حکم العقد ومعناه أنّه یُعدّ المجیز من طریق الإجازة عاقدا ویجب علیه الوفاء بالعقد مع عدم صدور أرکان العقد من الإیجاب والقبول منه.

فیرد علیه أوّلاً: إن أراد بأنّ الإجازة فی معنی العقد وحکمه أنّ المجیز یعدّ عاقدا بعدها، یکون باطلاً ولعلّه قدس سره أمر بالتأمل فی آخر کلامه.

وثانیا: إن أراد منه أنّ وجوب الوفاء بالعقد یشمل المجیز بعد صدور الإجازة منه، یکون حقّا لامریة فیه ولکن دعوی ترتب بقیّة شروط العقد علی هذا المجیز دون إثباتها خطر القتاد.(3)

فظهر ممّا ذکرنا صحة تعلّق الإجازة بالمبهم ولا یعتبر فیها علم المجیز بوقوع العقد ویکفی احتمال وقوعه فی صحة الإجازة کما قَوّاهُ العلاّمة الجدّ التقی قدس سره والحمد للّه العالم بأحکامه.

ص:119


1- 2 . المکاسب والبیع 2/216.
2- 3 . العقد النضید 3/485.
3- 4 . راجع العقد النضید 3/486.

الثالث: حکم العقود المترتبة علی مال الغیر

اشارة

لو تَرَتَّبَت العقود المتعددة علی مال الغیر أو علی عوضه فهل للمالک أن یجیز أیّ منها شاء أم لا؟

نعم، یجوز للمالک أن یُجِیْزَ أیّا منها شاء مع رعایة مصلحته کما نص علیه جماعة من الفقهاء قدس سرهم .

قال العلاّمة فی القواعد: «وللمالک تَتَبُّع العقود ورعایة مصلحته ومع علم المشتری إشکال»(1).

وقال فی التذکرة: «لو غصب مالاً وتصرَّف فی ثمنه مرّة اُخری کان ذلک موقوفا علی اختیار المالک فی إجازة الجمیع أو أیّها شاء، وفسخ الجمیع أو أیّها شاء وله تتّبع العقود الکثیرة فیراعی مصلحته، وهذا أضعف قولی الشافعی والأصح عنده البطلان»(2).

وقال فی نهایته: «ولو غصب أموالاً وباعها وتصرَّف فی أثمانها مرّة بعد اُخری، فللمالک إجازتها وأخذ الحاصل منها ویتبع العقود الکثیرة بالنقض والإبطال ورعایة مصحلته. ولو کان المشتری عالما بالغصب فإشکال، ینشأ من رجوعه بالثمن وعدمه»(3).

قال فخرالمحقّقین فی ذیل قول والده العلاّمة فی القواعد: «هذه المسئلة مَبْنِیَّةٌ علی المسئلة السابقة ومتفرعة علیها (فعلی بطلان) بیع الفضولی من أصله فبیع الغاصب أوْلی

ص:120


1- 1 . قواعد الأحکام 2/19.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/219.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/476.

بالبطلان، وعلی القول بوقوف بیع الفضولی علی إجازة المالک فالأکثر علی أنّه کذلک فی الغاصب مع جهل المشتری إذ الشرط عنده فی اعتبار الصیغة شرعا بالنظر إلی الفاعل کونه مکلفا مختارا رشیدا قاصدا لها ولمعناها وزاد بعضهم عدم مسبوقیتها بنهی المالک لا غیر

ومعنی اعتبارها صلاحیتها للتأثیر بالفعل عند اجتماع الشرائط وإجازة المالک سبب لسببیة الصیغة للتأثیر بالفعل ویزید هنا تتبع المالک العقود الکثیرة بالنقض والابطال ورعایة مصلحته ویبنی علی ذلک إذا ربح الغاصب فی المال المغصوب هل یکون الربح له أو للمالک؟ فنقول: إنْ کان المشتری جاهلا فللمالک تتبع العقود والإبطال ورعایة مصلحته والربح له فی سلسلتی الثمن والمثمن وأمّا إن کان المشتری عالما بالغصب، فعلی قول الأصحاب إنّ المشتری إذا رجع علیه بالسلعة لا یرجع علی الغاصب بالثمن مع وجود عینه فیکون قد ملکه الغاصب مجانا لأنّه بالتسلیم إلی الغاصب لیس للمشتری استعادته من الغاصب بعد أخذ المالک العین المغصوبة بنص الأصحاب فقبله اُولی أنْ لایکون له والمالک قبل الإجازة لایملک الثمن لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب فلو لم یکن للغاصب لکان ملکا بلا مالک وهو محال فیکون قد سبق ملک الغاصب الثمن علی سبب ملک المالک له فإذا نقل الثمن عن ملکه لم یکن للمالک إبطاله ویکون ما یشتری الغاصب بالثمن له وربحه له ولیس للمالک أخذه لأنّه ملک الغاصب، وعلی القول بأنّ إجازة المالک کاشفة فإذا إجازه کان له ویحتمل أنْ یقال لمالک العین حقّ تعلَّق بالثمن فإنَّ له إجازة البیع وأخذ الثمن وحقّه مُقَدَّم علی حقّ الغاصب بدفع المشتری ولأنّ الغاصب یؤخذ بأخس بأخسر _ خ ل) أحواله وأشقها علیه والمالک بأجود أحواله. فالتحقیق: أن نقول فی سلسلة المثمن مع علم المشتری الأوّل للمالک أخذ عینه فینفسخ جمیع العقود المترتبة علیها وله إجازة أیّ العقود أراد فإنْ أجاز عقدا صح مابعده وبطل ماقبله وکان له ثمنه إن کان المشتری جاهلاً أو عالما علی أحد الاحتمالین فیبطل جمیع العقود بعده فی سلسلة الثمن والفرق بینه وبین المثمن أنّه إذا أجاز عقدا فقد خرج المثمن عن ملکه إلی ملک المشتری فصحت تصرفاته فیه ودخل الثمن فی ملک المجیز فبطل تصرف غیره فیه، والأصحُّ

ص:121

عندی أنه مع وجود عین الثمن للمشتری العالم أخذه ومع التلف لیس له الرجوع به»(1).

قال الشهید فی الدروس: «ولو ترتّبت العقود علی العین والثمن فللمالک إجازة ما شاء ومهما أجاز عقدا علی المبیع صحّ وما بعده خاصة وفی الثمن ینعکس ولا یقدح فی ذلک علم المشتری بالغصب.

ولو فسخ المالک أخذ العین وزوائدها ومنافعها فإن هلکت رجع علی مَنْ شاءَ

والقرار علی المشتری مع العلم وعلی الغاصب مع الجهل أو دعواه الوکالة.

ویرجع بالثمن مع وجوده علی کلّ حال، وکذا مع تلفه جاهلاً إذا رجع علیه المالک بالقیمة...»(2).

وفی حاشیته علی القواعد ما نصه: «ملحق وُجد بخطّه علی نسخة بعض تلامذته، وعنده بخطّ القارئ: وجهه أنّ التتبّع إنّما یتحقّق مع جهل المشتری بالغصبیّة؛ لیقع العقد شبیها بالصحّة، فیقع الثمن فی ملک البائع، فینتقل منه إلی المالک. أمّا مع علمه لا یقع العقد صحیحا بوجه، فلا یستحقّ البائع الثمن حتّی یستحقّه المالک.

قلت: ووجهه أنّه مع علم المشتری یکون مسلِّطا للبائع الغاصب علی الثمن؛ ولهذا لو تلف لم یکن له علیه الرجوع ولو بقی ففیه الوجهان فلا یدخل فی ملک ربّ العین، فحینئذٍ إذا اشتری به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه، وأتلفه عند الدفع إلی البائع، فیتحقّق ملکه للمبیع، فلا یتصوّر نفوذ الإجازة هنا لصیرورته ملکا فلا یمکن تتبّع الشراء وإن أمکن إجازة البیع مع احتمال عدم نفوذها أیضا؛ لأنّ ما دفعه إلی الغاصب کالمأذون له فی إتلافه، فلا یکون ثمنا فلا تؤثّر الإجازة فی جعله ثمنا فصار الإشکال فی صحة البیع مع الإجازة، وفی التتبع.

وصرّح قُطْبُ الدِّیْنِ البویهی: أنّ الإشکال مع العلم فی التتبّع لأنّه یکون إباحةً للثمن»(3).

ص:122


1- 1 . إیضاح الفوائد 1/418 و 417.
2- 1 . الدروس 3/193.
3- 2 . الحاشیة النجاریة /221.

أقول: إلی هنا ظهر أنّ فخرالمحقّقین أسّس قاعدة فی المقام ورضی بها الشهید وهی: فی العقود المترتبة المتعددة علی المبیع (المثمن) لو أجاز المالک المتوسطة منها، صحت ما بعدها وبطلت ما قبلها.

وأمّا العقود المترتبة المتعددة علی الثمن لو أجاز المالک المتوسطة منها فَهِیَ عکس الأمر، صحت ما قبلها وبطلت ما بعدها.

وقال المحقّق الثانی ردّا علی فخرالمحقّقین والشهید وشرحا لکلام العلاّمة فی القواعد: «بمعنی: أنّ له إجازة أی عقد اختار إجازته فإن أجاز عقدا من العقود المرتبة علی المغصوب _ کما لو بیع بسیف ثمّ بدار ثمّ بفرس ثمّ بثوب باعتبار اختلاف الأیدی _ صح ذلک العقد وبطل ماقبله من العقود لأنّ صحته بإجازته تقتضی کون المبیع باقیا علی

ملکه، وبقاؤه علی ملکه ینافی صحة شی ءٍ من العقود السابقة علی ذلک العقد، إذ لو صح شی ء منها لخرج المبیع عن ملکه، فلم تؤثر إجازته فیه.

لکن سیأتی _ فی أنّ من باع مال غیره فضولاً ثمّ اشتراه _ ما یقتضی التردد فی بطلان ما قبله، لأنا إذا حملنا عبارته فیما یأتی علی التردد، کان علی احتمال الصحة، یحتمل الصحة بالإجازة هنا.

وأما ما بعده من العقود فیبنی علی أن إجازة الفضولی کاشفة أو ناقلة، فإن قلنا بالأوّل صح ما بعده، لتبین وقوع تصرّفه فی ملکه، وإن قلنا بالثانی تجیء فیه ثلاثة أوجه:

أحدها: البطلان، لتعذر الإجازة، لانحصارها فی المغصوب منه، وقد خرج عن ملکه.

الثانی: الصحة من غیر توقف علی إجازة التصرف ببیعه.

الثالث: توقفه علی إجازته، وسیأتی مثل هذا فیما بعد.

ولو ترتبت العقود علی ثمن المغصوب، کما لو بیع السیف بقوس، ثمّ القوس بدابَّة، ثمّ الدابَّة یبعیر، ثمّ البعیر بدراهم، فإنّ الحکم ینعکس لو أجاز واحدا منها، فإنّ ماقبله یصح، ویقف ما بعده علی الإجازة کالفضولی، إلاّ إذا قلنا الإجازة کاشفة، کما لو أجاز بیع الدابة بالبعیر، فإنّ إجازته إنّما یعتدّ بها شرعا أن لو کان مالکا للدابة، وإنّما یملکه علی هذا

ص:123

التقدیر إذا ملک السیف، وإنّما یملکه أن لو صحّ بیع السیف به، فیجب الحکم بصحة ذلک، حملاً لکلام المسلم علی الوجه الذی یکون معتدّا به شرعا.

واعلم: أنّ هذا إنّما یستقیم إذا جرت العقود علی العوض الذی هو الثمن، ثمّ علی ثمنه وهکذا، فلو جرت علی الثمن خاصة، کما لو بیع السیف مرارا فأجاز واحدا منها، فانّ ذلک العقد یصح ویبطل ما قبله، إلاّ العقد الذی قوبل فیه المغصوب بالسیف، وفیما بعد ذلک العقد الأوجه الثلاثة السابقة.

وبهذا یظهر أنّ إطلاق کلام الشارح(1) وشیخنا الشهید فی الدروس(2) _ بأنّ فی سلسلة المثمن یصح العقد المجاز، وما بعده دون ما قبله، وفی الثمن بالعکس _ غیر مستقیم، ویحتاج إلی التنقیح فی مواضع:

الأوّل: بیان حال ما بعده فی سلسلة الثمن، بما ذکرناه.

الثانی: وقوف مابعد المجاز فی سلسلة الثمن علی الإجازة، دون البطلان.

الثالث: أنّ ذلک فی سلسلة مخصوصة فی الثمن کما بیّناه، لا مطلقا»(3).

وقال ثانی الشهیدین فی الروضة: «... وإن ترتّبت العقود علی الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجمیع صح أیضا، وإن أجاز أحدهما فإن کان المثمنَ صح فی المجاز وما بعده من العقود، أو الثمن صح و ما قبله.

والفرق أنّ إجازة المبیع توجب انتقاله عن ملک المالک المجیز إلی المشتری فتصح العقود المتأخرة عنه وتبطل السابقة لعدم الإجازة.

وإجازة الثمن توجب انتقاله إلی ملک المجیز فتبطل التصرفات المتأخرة عنه بحیث لم یجزها وتصح السابقة، لأنّ ملک الثمن المتوسط یتوقّف علی صحة العقود السابقة، وإلاّ لم یکن تملک ذلک الثمن، هذا إذا بیعت الأثمان فی جمیع العقود.

وأمّا لو تعلقت العقود بالثمن الأوّل مرارا کان کالمثمن فی صحة ما أُجیز ومابعده،

ص:124


1- 1 . إیضاح الفوائد 1/418.
2- 2 . الدروس 3/193.
3- 1 . جامع المقاصد 4/(71-69).

وهذا القید وارد علی ما أطلقه الجمیع فی هذه المسألة کما فصلناه أوّلاً.

مثاله: لو باع مال المالک بثوب ثمّ باع الثوب بمائة ثمّ باعه المشتری بمائتین ثمّ باعه مشتریه بثلاثمائة فأجاز المالک العقد الأخیر فإنّه لا یقتضی إجازة ما سبق بل لا یصح سواه، ولو أجاز الوسط صح مابعده کالمثمن.

نعم، لو کان قد باع الثوب بکتاب ثمّ باع الکتاب بسیف ثمّ باع السیف بفرس فإجازة بیع السیف بالفرس تقتضی إجازة ما سبقه من العقود، لأنّه إنّما یملک السیف إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو الکتاب، ولا یملک الکتاب إلاّ إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو الثوب فههنا یصح ما ذکروه»(1).

وقال فی المسالک: «ثمّ إن اتّحد العقد فالحکم واضح، وإن ترتّبت العقود علی الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجمیع صحّ أیضا. وإن أجاز أحدهما، فإن کان هو المثمن صح فی المُجاز وما بعده من العقود. وإن کان هو الثمن صحّ وما قبله. کذا أطلقه جماعة من الأصحاب.

والفرق بین المقامین أنّ إجازة المبیع توجب انتقاله عن ملک المالک المجیز إلی المشتری، فتصحّ العقود المتأخّرة عنه المترتّبة علی فعل المشتری، وتبطل السابقة لعدم

الإجازة. وإجازة الثمن توجب انتقاله إلی ملک المجیز، فتبطل التصرفات المتأخرة عنه فیه، حیث لم یجزها، وتصح السابقة، لأنّ ملک الثمن المتوسط یتوقف علی صحة العقود السابقة، وإلاّ لم یمکن تملّک ذلک الثمن. مثاله: ما لو کان الفضولی قد باع مال المالک بکتاب مثلاً، ثمّ باع الکتاب بسیف، ثمّ باع السیف بثوب، ثمّ باع الثوب بفرس، فأجاز المالک بیع الثوب بالفرس، فإنّ ملکه حینئذٍ للفرس یتوقف علی تملّک الثوب، وإنّما یملک الثوب إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو السیف وإنّما یملک السیف إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو الکتاب. فظهر أنّ إجازته للعقد المتأخر یستلزم إجازة العقود السابقة، وإلاّ لم یتمّ، فیحکم بصحة ذلک کلّه، حملاً لفعل المسلم علی الوجه المعتدّ به

ص:125


1- 2 . الروضة البهیة 3/(234-230).

شرعا.

وهذا الحکم صحیح فی هذا المثال ونظائره، إلاّ أنّ مسألة ترتب العقود علی الثمن أعمّ منه. فإنّ من صوره ما لو بیع الثمن _ وهو الکتاب فی هذا المثال _ مرارا، کما لو باعه ذلک الفضولی بمائة، ثمّ باعه المشتری بمائتین، ثمّ باعه المشتری الثانی بثلاثمائة، فأجاز المالک العقد الأخیر، فإنّه لا یقتضی إجازة ما سبق، بل لا یصحّ سواه، مع أنّه یصدق علیه أنّ العقود ترتبت علی الثمن، ولم یتمّ الحکم بصحة ما قبل المجاز.

وأمّا مسألة سلسلة العقود علی المثمن، فصحة العقود اللاحقة للمُجاز مبنیّة علی أنّ الإجازة کاشفة، لیظهر ملک کل بائع متأخر حین بیعه وان کان فی ثانی الحال، أمّا لو جعلناها ناقلة للملک من حین الإجازة، فالبائع لم یکن مالکا حین بیعه، وانّما ملک بعده بالإجازة، والإجازة کانت لمالک العین ولم یحصل، وعند إجازته للعقد السابق خرج اللاحق عن ملکه فلم یمکنه الإجازة، فتبنی صحة البیع المتأخر حینئذٍ علی من باع فضولیا ثمّ انتقل إلیه الملک، فإنّ فی لزوم البیع حینئذٍ، أو توقفه علی إجازته ثانیا وجهان. وقد ظهر بذلک أنّ اطلاقهم الحکم فی السلستین یحتاج إلی تنقیح»(1).

أقول: اعترض المحقّق الثانی وتبعه الشهید الثانی علی العَلَمَیْنِ _ فخرالمحقّقین والشهید _ فی اطلاق قاعدتهما:

فی العقود المترتبة المتعددة علی المبیع (المثمن) لو أجاز المالک المتوسطة منها بطلت ما قبلها _ وهذا علی اطلاقه صحیح _ وأمّا بالنسبة إلی صحة ما بَعْدَها فإنَّهُ لایکون

علی اطلاقه صحیحا، بل هی تصح علی القول بالکشف فقط وأمّا علی القول بالنقل فتأتی ثلاثة احتمالات:

1_ البطلان، لأنّ البائعین باعوا ما لیس فی ملک قبل إجازة المالک والبیع لابدّ أن یکون فی ملک.

2_ الصحة مع توقفه علی إجازة المالک، لأنّهم باعوا ملک الغیر فیحتاج إلی إجازة

ص:126


1- 1 . مسالک الأفهام 3/158 و 159.

مالکه کما فی الفضولی. أو علی القول بالتوقف علی الإجازة المستأنفة فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه.

3_ الصحة مطلقا _ من دون التوقف علی الإجازة _ علی القول بالصحة مطلقا فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه.

وفی العقود المترتبة المتعددة علی الثمن لو أجاز المالک المتوسطة منها صحت ما قبلها وبطلت مابعدها، تام إذا تبدّل الثمن فی کل معاملة إلی شی ءٍ آخر مثل تبدّل الثوب بکتاب، والکتاب بسیف والسیف بفرس وهکذا.

وأمّا لو تعلّقت العقود المتعددة بالثمن الأوّل مرارا نحو تبدّل ثوب المالک بکتاب والکتاب بالمأة ثمّ بمأتین ثمّ بثلاثمأة ثمّ... فی هذا المورد یکون فرض الثمن کالمثمن والمبیع یعنی لو أجاز المالک المتوسطة منها بطلت ما قبلها وصحت ما بعدها علی القول بالکشف مطلقا وعلی القول بالنقل تأتی الاحتمالات الثلاثة الماضیة، هذا نقد ثانی المحققَیْن علی العَلَمین وتبعه ثانی الشهیدین کما مرّ.

قال جدی الشیخ جعفر: «(وللمالک تتّبع العقود ورعایة مصلحته) فیُجیز ما شاء منها. فإن کانت متعاقبة علی عین واحدة ثمنا أو مثمنا أو مختلفا فإجازة العالی تقضی بصحة السافل، لا للإجازة بل لوقوع العقد فی محلِّها بعد خروج العین عن أهلها. هذا علی القول بالکشف.

وعلی النقل تُحتمل وجوه ثلاثة: أحدها: البطلان فی الأسافل، لعدم مصادفتها الملک. وثانیها: القول بالصحّة، نظرا إلی أنّ حدوث الملک بحکم الإجازة. وثالثها: التوقّف علی الإجازة. ولعلّ الأوسط أوسط. وأمّا إجازة السافل فلا تقضی بصحّة العالی، إذ لا ربط بینهما. و(1) المتوسط من العقود: حاشیتاه غیر خارجتین عن القسمین.

وغیر المتعاقبة علی المحلّ الواحد؛ إجازة العالی منها لا تقضی بإجازة السافل، لأنّ العوض صار ملکا للمجیز، فلا ینتقل عنه إلاّ بإجازة اُخری. وإجازة السافل تقضی

ص:127


1- 1 . فی بعض النسخ: (بل) بدل الواو.

بإجازة العالی تبعا، علی نحو حکم المقدّمة، فمع الاکتفاء بمطلق الرضا أو القول بأنّ حکم المقدمّة مستفاد من اللّفظ؛ فلا إشکال.

ومَن أراد استیفاء الأقسام لیتدرّب فی معرفة الأحکام فلیعلم أنّ العقد، والعاقد، والمتعلّق، والجهة کالعوضیّة(1) ومقابلها: إمّا واحد، أو متعدّد، أو مختلف. ثمّ العقود المتعدّدة: إمّا مجتمعة أو مترتّبة، معلومة التاریخ فی الجمیع أو فی البعض أو لا، متوافقة فی الاقتضاء _ شطورا، وشروطا، وقیودا _ أو مختلفة. ثمّ العاقد: إمّا متحدة أو متعدّدة أو مختلفة، من متحد أو متعدّد أو مختلف، مترتّبة أو دفعیة أو مختلفة، معلومة التاریخ فی الکلّ أو البعض أو لا، متعلّقة بالجمیع أو البعض المتعدّد أو المتحد، شخصیا أو کلّیا أو مردّدا، مع الکشف أو النقل، إلی غیر ذلک من الأقسام. ومَن أعطی النظر حقّه لم یخف علیه شیء من الأحکام.

کلّ ذلک مع عدم المانع. أمّا لو حصل مانع فی بعضها، کبیع مسلم أو قرآن علی کافر؛ لم تؤثّر الإجازة فیه، ولا فی توابعه»(2).

وقال صاحب الجواهر رحمه الله : «وربّما تظهر الثمرة أیضا: فیما لو ترتّبت العقود علی المبیع أو الثمن أو علیهما فضولاً، ولا ریب فی أنّ للمالک تتبّع العقود ورعایة المصلحة له فیجیز ما شاء.

لکن فی الدروس ومحکی الإیضاح أنّه «إذا أجاز عقدا علی المبیع صحّ ومابعده خاصّة وفی الثمن ینعکس». أی یصحّ هو وما قبله خاصّة.

وکأنّ وجهه: أنّ الفضولی لو باع العبد مثلاً بسیف، ثمّ باعه المشتری من الفضولی بدار، ثمّ باعه الثانی بفرس، ثمّ باعه الثالث بثوب، فأجاز المالک منها بیعه بالدار، صحّ هو وبطل السابق قطعا؛ لعدم الإجازة.

وذلک لأنّ إجازته الثانی تقتضی کون المبیع باقیا علی ملکه، وبقاؤه علی ملکه

ص:128


1- 1 . فی بعض النسخ: (کالعوض).
2- 2 . شرح القواعد 2/(88-86).

ینافی صحّة شیء من العقود السابقة علی ذلک العقد؛ إذ لو صحّ شیء منها لخرج المبیع عن ملکه، فلم تؤثّر إجازته فیه.

وأمّا ما بعده من العقود: فلا ریب فی صحّتها بناءً علی الکشف؛ لوقوع التصرّف حینئذٍ فی الملک.

وأمّا علی النقل، فیحتمل: البطلان؛ لتعذّر الإجازة حینئذٍ من المالک. والصحّة بلا إجازة؛ لحصول الملک للبائع الذی قد یتحقّق رضاه ببیعه فضولاً، ولم یبق إلاّ الملک وقد حصل. والصحّة مع الإجازة منه؛ لکون الرضا الأوّل إنّما کان والمال لغیره. ولعلّ الأوّل أقوی.

وأمّا لو ترتّبت علی الثمن: کما لو بیع السیف بقوس، ثمّ القوس بدابّة، ثمّ الدابّة ببعیر، ثمّ البعیر بدراهم، فإنّ الحکم ینعکس لو أجاز واحدا منها، فإنّ ما قبله یصحّ، ویقف ما بعده علی الإجازة؛ لأنّه فضولی.

فلو أجاز فی المثال بیع الدابّة بالبعیر مثلاً استلزم إجازة ما قبله؛ لأنّ إجازته إنّما یعتدّ بها شرعا لو کان مالکا؛ للدابّة، وإنّما یکون مالکا لها حینئذٍ لو ملک ما بذل فی مقابله وهو القوس، وإنّما یملک علی هذا التقدیر إذا ملک السیف، وإنّما یملکه لو صحّ بیع السیف، فیجب الحکم بصحّته؛ حملاً لکلام المسلم علی الوجه الذی یکون معتدّا به شرعا. وهذا کلّه واضح.

نعم، ینبغی أن یکون ذلک فی الثمن(1) لو کانت السلسلة علی ما ذکرناه، أمّا لو جرت العقود علی الثمن خاصّة کما لو بیع السیف مرارا علی حسب ما سمعته فی المثمن، لا علیه ثمّ علی ثمنه... وهکذا، فإنّ المتّجه حینئذٍ فی الفرض المزبور جریان حکم المبیع فیه من صحّة العقد المجاز وما بعده _ بناءً علی الکشف، وعلی النقل الوجوه الثلاثة _ دون ما قبله، إلاّ العقد الأوّل الذی قوبل فیه المبیع فضولاً، فإنّ دخول الثمن فی الملک متوقّف علی إجازته.

ص:129


1- 1 . فی بعض النسخ: المثمن.

وربّما اُورد(1) المثال المزبور علی إطلاق الفخر والشهید(2). لکن یدفعه: معلومیّة إرادتهما بالترتّب _ الذی أثبتا فیه العکس _ ما ذکرناه أوّلاً، واکتفائهما بذکر ذلک فی المبیع عن ذکره فی الثمن.

والأمر سهل بعد وضوح الحال، کوضوحه فی غیر الفرض ممّا تتعدّد فیه العقود

مترتّبة وغیر مترتّبة، وفی حکم إجازة ما یجاز منها دفعةً لعدم التنافی کالبیع والإجازة وغیرهما، بل وغیر ذلک ممّا لایخفی حکمه بعد ضبط الأصل من غیر فرق بین النقل والکشف، واللّه أعلم»(3).

وقال المحقّق الخوئی رحمه الله : «قد یقع العقد علی عین مال الغیر واُخری یقع علی عوضه، والإجازة تارة تتعلق بالعقد الواقع علی عین ماله واُخری تتعلق بالعقد الواقع علی عوض ماله، وعلی التقدیرین تارة تتعلق الإجازة بالعقد الأوّل الواقع علی عین ماله واُخری تتعلق بالعقد الآخر الواقع علی عین ماله وثالثة تتعلق بالعقد الوسط الواقع علی عین ماله. وتجری الأقسام الثلاثة فیما إذا کان المجاز العقد الواقع علی عوض ماله لا علی عینه.

(ثمّ) العقد الوسط إذا کان هو المجاز تارة یکون عقدا واقعا علی عین ماله واُخری علی عوضه وکلّ منهما تارة یکون وسطا بین عقدین واقعین علی عین المال بأن یکون طرفاه کذلک، واُخری یکون وسطا بین عقدین واقعین علی عوض ماله، وثالثة یکون مسبوقا بعقد واقع علی عین ماله وملحوقا بعقد واقع علی عوض ماله، ورابعة ینعکس الأمر، فالأقسام ثمانیة، ونتعرض أوّلاً لإجازة العقد الواقع علی عین ماله، ثمّ بعد ذلک نذکر تعلق الإجازة بالعقد الواقع علی عوض ماله بأقسامه، کما إنّا نتعرض صورة تعلُّق الإجازة بالعقد الوسط وما یترتب علیه من حکم العقود، السابقة واللاحقة، وبذلک تتضح صورة تعلق الإجازة بأوّل العقود أو بآخرها، ونقول:

ص:130


1- 2 . کما فی جامع المقاصد: المتاجر / فی المتعاقدین 4/(71-70).
2- 3 . تقدّم نقل کلامهما.
3- 1 . الجواهر 23/(472-470)؛ [22/(292 و 293)].

حکم المسألة _ وإنْ کان واضحا _ إلاّ أن تصویرها لا یخلو عن إشکال، ونمثل لها بما جعله المصنف مجمعا للکلِّ، فتفرض أنّ عبد المالک بیع بفرس ثمّ بیع بکتاب ثمّ باعه المشتری بدینار، فإلی هناک یکون بیع العبد بکتاب وسطا بین بیعین واقعین علی عین العبد، وهو بیع العبد بفرس وبیعه بدینار، ثمّ باع البائع الفرس بدرهم وباع الثالث الدینار بجاریة، فیکون بیع العبد بکتاب وسطا بین عقدین واقعین علی عوض ماله وهو بیع الفرس بدرهم، وهو السابق علی بیع العبد بکتاب وبیع الدینار بجاریة وهو لاحقٌ علیه، فإذا فرضنا أنّ المالک أجاز البیع الوسط الواقع علی عین ماله _ وهو بیع العبد بالکتاب _ فالعقود السابقة الواقعة علی عین ماله کبیع العبد بالفرس _ تبطل، لأن إجازة غیره ردّ له،

کما أنّ العقود السابقة الواقعة علی عوض ماله کبیع الفرس بدرهم یکون أجنبیا عن المجیز، لأنّه عقد واقع علی مال الغیر، فلابد من إجازة مالکه.

وعلی کلِّ تقدیر العقود السابقة الواقعة علی عین ماله أو علی بدله یکون أجنبیا عن المجیز، وأما العقود اللاحقة فالعقود المتأخرة الواقعة علی عین ماله تصح علی الکشف بلا إشکال، لأنّه بالإجازة یستکشف کونه من المالک وواقعا علی ملکه، وأما علی النقل فیدخل فیمن باع شیئا ثمّ ملک، فإن قلنا بصحته مع الإجازة أو بدونه نلتزم بها فی المقام وإلاّ فلا، وهکذا العقود اللاحقة الواقعة علی عوض ماله کبیع الدینار بجاریة، فإجازة العقد الوسط الواقع علی عین ماله تستلزم فساد العقود السابقة علیه الواقعة علی عین ماله أو علی عوضه، کما یستلزم صحة العقود اللاحقة الواقعة علیه علی الکشف، سواء کانت واقعة علی عین ماله أو علی بدله، وعلی النقل یبتنی صحتها علی صحة «من باع شیئا ثمّ ملک».

ولکن ما ذکرناه إنّما یتم فیما إذا أجاز المالک البیع الواقع علی عین ماله لنفسه فإنّه یستلزم رد العقود السابقة وصحة العقود اللاحقة علیه، وأما إذا أجاز للبائع فهو تستلزم صحة العقد السابق علیه لا فساده کما هو ظاهر، وأما العقد اللاحق علیه فصحته حینئذ مبتنیة علی إجازة المالک للبیع بالعقد السابق کما هو ظاهر.

ولیعلم أنّ المراد من السبق واللحوق فی المقام لیس هو التقدم والتأخر فی الزمان،

ص:131

بل المراد منه التقدم والتأخر الرتبی، فالمراد من العقود اللاحقة ما تتوقف صحتها علی صحته ومن العقود السابقة ما لا تتوقف صحته علی صحته.

هذا کله فیما إذا کان العقد المجاز واقعا علی عین ماله، وأما إذا کان واقعا علی عوض المال فمثاله الجامع لأقسامه الأربعة: ما إذا بیع العبد بفرس، والفرس بدرهم، والدرهم برغیف، والدرهم بحمار، والرغیف بعسل. فبیع الدرهم بالرغیف وسط بین عقدین سابقین أحدهما واقع علی عینه وهو بیع الفرس بدرهم والآخر علی عوضه وهو بیع العبد بفرس، وعقدین لاحقین أحدهما واقع علی عینه وهو بیع الدرهم بحمار والآخر علی عوضه وهو بیع الرغیف بعسل، فهذه البیوع الخمسة تکون جامعا للإمثلة کما هو واضح، فإذا أجاز الوسط _ أی بیع الدرهم بالرغیف _ فهی مستلزمة لإجازة العقدین السابقین _ أعنی بیع العبد بالفرس والفرس بدرهم _ لیکون بإجازتهما مالکا للدرهم، وینفذ إجازته فی بیعه بالرغیف وصحة هذه الإجازة بناءً علی الکشف واضح، وأما علی

النقل فصحتها مبتنیة علی عدم اعتبار مالکیة المجیز حین العقد. وأما العقدان اللاحقان علیه فبیع الدرهم بحمار _ أعنی الواقع علی عین المال _ فهو أیضا یصح بعد ما أجاز الدرهم بالرغیف. وهذا بناءً علی الکشف ظاهر وأما بناء علی النقل فالصحة مبنیة علی صحة بیع من باع شیئا ثمّ ملک وأما بیع الرغیف بعسل أعنی الواقع علی عوض العقد المجاز فیکون صحیحا بعد إجازة بیع الدرهم بالرغیف إن کان المجیز هو البائع، وهو علی الکشف واضح وأمّا علی النقل فیدخل فیمن باع شیئا ثمّ ملک، وان کان البائع أجنبیا فحکمه حکم البیع الواقع علی المعوض ابتداءً کما ذکر المصنف فیحتاج إلی الإجازة.

وبالجملة فإجازة العقد الوسط یوجب صحة العقود السابقه الملزمة لصحته کما یوجب صحة العقود اللاحقة التی یستلزم العقد الوسط صحتها، وهذا هو المیزان لا ما ذکره الشهید فی الدروس، وحکی عن الإیضاح أیضا من أنّ الإجازة إنْ تعلقت بالعقد الواقع علی المبیع صح وما بعده وفی الثمن ینعکس، إذ لا فرق فیما ذکرناه بین ما إذا کان عین مال المالک المجیز أو عوضه مبیعا فی العقد المجاز أو ثمنا، اللهم إلاّ أن یزید بذلک ما قلناه من تعلّق الإجازة بالعقد الواقع علی عین مال المالک، وعبر عنه بالمبیع، أو بالعقد

ص:132

الواقع علی عوضه، وهو مراده بالواقع علی الثمن، وعلی هذا أیضا اطلاق کلامه ممنوع کما ظهر أیضا بما قلناه فساد ما ذکره المصنف فی ترتیب العقود المتعددة علی مال المجیز من أنّها إذا وقعت من أشخاص مُتَعَدِّدِیْنَ کانَتْ(1) إجازة الوسط منها فسخا لما قبلها(2) وإجازة لما بعدها(3)، وإذا وقعت من شخص واحد انعکس الأمر وذلک لما عرفت من أنّ تعدد العاقد ووحدته لا ربط له بذلک أصلاً، إذ یمکن أن یوقع شخص واحد بیوع عدیدة مترتبة علی مال الغیر وعلی عوضه وهکذا العکس، فالمیزان الکلی ما ذکرناه من ان إجازة العقد الوسط یوجب صحة ملزوماته من العقود السابقة ولوازمه من العقود اللاحقة»(4).

أقول: یمکن تصویر ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله بالرسم علی نحو مایلی:

ص:133


1- 1 . وفی المصدر: «متعددة کان».
2- 2 . وفی المصدر: «قبله».
3- 3 . وفی المصدر: «بعده».
4- 4 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/(457-454).
العقود الواقعة علی عین مال المالک

عقود 1 و 3 و 4 وقع علی عین ماله وهو العبد.

عقدین 2 و 5 وقع علی عوض ماله.

لو أجاز المالک عقد 3: تبطل عقد 1 لأنّ إجازة 3 ردّ ل_ِ 1.

وعقد 2: یکون أجنبیا عن المجیز لأنّه عقد واقع علی مال الغیر فلابدّ من إجازة مالکه.

وأمّا عقد 4: فَیَصِحُّ بناءً علی الکشف وبناءً علی النقل یدخل فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه. وکذا عقد 5.

هذا کلّه إذا أجاز المالک لنفسه أمّا إذا أجاز للبائع فهو یَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ العقد السابق علیه لا فساده کما هو الظاهر، وأمّا العقود اللاحقة علیه فَصِحَّتُها مبنیّةٌ علی إجازة المالک للبیع بالعقد السابق کما هو الظاهر.

ص:134

العقود الواقعة علی عوض مال المالک
اشارة

لو أجاز بیع 100 درهم برغیف أی عقد 3:

صح عقد 1 و 2: بناءً علی الکشف، وبناء علی النقل صحتهما مبنیٌّ علی عدم اعتبار مالکیة المجیز حین العقد.

وصح عقد 4: بناءً علی الکشف، وبناءً علی النقل مبنیٌّ علی صحة بیع مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه.

وعقد 5: صحیح إذا کان المجیز هو البائع _ وعلی الکشف واضح، وعلی النقل مبنیٌّ علی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه، وإذا کان البائع أجنبیا فصحته یحتاج إلی إجازة مالکه.

فإجازة العقد الوسط یوجب صحة العقود السابقة الملزومة لصحته، کما یوجب صحة العقود اللاحقة التی یستلزم العقد الوسط صحتها.

الإشکال علی تتبع العقود إذا کان المشتری عالما بالغصب
اشارة
اشارة

قال الشیخ الأعظم: «ثمّ إنّ هنا إشکالاً فی شمول الحکم بجواز تتبّع العقود لصورة علم المشتری بالغصب...»(1).

أقول: مرّ کلام العلاّمة فی إظهار هذا الإشکال فی القواعد: «... ومع علم المشتری إشکال»(2).

وقال فی نهایته فی منشأ هذا الإشکال: «... ولو کان المشتری عالما بالغصب فإشکال، ینشأ من رجوعه بالثمن وعدمه»(3).

وقال فی التذکرة: «لو باع الفضولی أو اشتری مع جهل الآخر فإشکال ینشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تملیک العاقد. أمّا مع العلم فالأقوی ما تقدّم [من الوقوف علی إجازة مالکه]. وفی الغاصب مع علم المشتری أشکل إذ لیس له الرجوع بما دفعه إلی الغاصب هنا.

ص:135


1- 1 . المکاسب 3/471.
2- 2 . القواعد 2/19.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/476.

... وهل یرجع بما دفعه ممّا حصل له فی مقابلته نفع؟ قولان. ولو کان عالما لم یرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغاصب مطلقا عند علمائنا.

والأقوی: أنّ له الرجوع مع بقاء الثمن، لعدم الانتقال بخلاف التالف لأنّه أباحة فیه من غیر عوض»(1).

أقول: یظهر من العلاّمة أنّ عدم جواز الرجوع إلی الثمن إذا کان المشتری عالما بالغصبیة إجماعیٌّ حیث عبر عنه ب_ «عند علماءنا»، ولکنّه قدس سره ترک هذا الإجماع وذهب إلی التفصیل بین بقاء الثمن فیجوز رجوعه، وتلفه فلا یجوز، وهذا القول هو الذی اختاره ولده الفخر فی الإیضاح کما مرّ وسیأتی.

وقد مرّ(2) کلام نجله فی توضیح إشکال والده فی الإیضاح فلا نعیده إلاّ ما اختاره فی الختام حیث یقول تبعا لوالده: «... والأصح عندی أنّه مع وجود عین الثمن للمشتری العالم أخذه ومع التلف لیس له الرجوع به»(3).

وقال قطب الدین محمّد بن محمّد البویهی وهو من تلامذة العلاّمة الحلّی فی حاشیته علی القواعد المسماة ب_«الحواشی القطبیة» ما نصه: «أنّ الإشکال مع العلم فی التتبّع لأنّه یکون إباحةً للثمن»(4).

وقد مرّ(5) کلام الشهید فی الحاشیة النجاریة(6) فی وجهه وتوضیحه، وقال الشهید مضافا إلی ما نقلتُهُ عنه سابقا: «الإشکال هنا إنّما هو فی التتبّع لأنّه مع جهل المشتری یکون العقد شبیها بالصحیح، فإذا اشتری بالثمن وأجازه المالک ملک ما اشتری به، بخلاف العالم؛ فإنّه یکون المشتری مسلّطا للغاصب علی الثمن، فلاتنفذ فیه إجازة الغیر بعد تلفه

ص:136


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/18 و 17.
2- 2 . راجع صفحة 120 من هذا المجلد.
3- 3 . إیضاح الفوائد 1/418.
4- 4 . نقل عنه الشهید فی الحاشیة النجاریة /221.
5- 5 . راجع صحفة 122 من هذا المجلد.
6- 6 . الحاشیة النجاریة /221.

بفعل المسلّط بدفعه ثمنا عن مبیعٍ اشتراه، ومن أنّ الثمن عوضٌ عن العین المملوکة، ولم یمنع من نفوذ الملک فیه إلاّ عدم صدوره عن المالک، فإذا أجاز جری مجری الصادر عنه.

واعلم أنّه یلزم من بطلان القول بالتتبّع بطلان إجازة البیع فی المبیع؛ لاستحالة کون المبیع بلا ثمن، فإذا قیل: إنّ الإشکال فی صحّة العقد کان صحیحا أیضا»(1).

وقال المحقّق الثانی فی شرح قول العلاّمة: «(ومع علم المشتری إشکال). أی: له التتبع إذا کان المشتری جاهلاً، لتحقّق المعاوضة حینئذ، أما مع علمه بالغصب ففی الحکم إشکال، ینشأ من ثبوت المعاوضة فی العقد، فلکه تملکه بالإجازة رعایة لمصلحته، ومن انتفائها بحسب الواقع، لأن المدفوع ثمنا یملکه الغاصب، لتسلیطه إیّاه علیه، ولهذا یمتنع استرداده عند الأصحاب وإن بقیت عینه، والمطالبة(2) بعوضه إذا تلف خاصّة عند المصنف، فیمتنع علی مالک العین تملکه.

ویمکن أن یکون ذلک معطوفا علی محذوف دلّ علیه السیاق، وتقدیر العبارة: وکذا الغاصب، أی: وکذا بیع الغاصب موقوف إذا کان المشتری جاهلاً، ومع علمه إشکال، ینشأ مما ذکر، فیکون الإشکال فی کونه موقوفا علی الإجازة، وإن بُعد هذا التقدیر، وأیّما الأمرین قدّرت الاشکال فیه، فمجیئه فی الآخر لازم له.

ویمکن أن یکون الإشکال فیهما معا، وفیه من التکلّف ما لایخفی، والأصح عدم الفرق بین علمه بالغصب وعدمه، لأن المعتمد أنّ للمشتری استعادة الثمن مع بقاء عینه، لعدم خروجه عن ملکه إلی الغاصب، لعدم المقتضی.

وتجویز تصرّفه فیه عند الأصحاب لتسلیطه علیه، لا ینافی کونه عوضا للمبیع بمقتضی عقد البیع، إذ لو وقع التصریح بمثل ذلک فی عوض العقد الفضولی لمن أوقعه فضولاً، لم یکن قادحا فی ثبوت الإجازة للمالک.

ص:137


1- 1 . الحاشیة النجاریة /222.
2- 2 . کلمة (والمطالبة) معطوفة علی جملة (یمتنع)، أی: وتمتنع المطابلة بعوضه. وفی نسخة وردت کلمة (فیمتنع) قبل (والمطالبة) وحذفها المحقّقون لعدم ورودها فی الحجری ولعدم اقتضاء السیاق لها.

فإن قلت: إن جعلت الإجازة کاشفة دلّت بحصولها علی انتقال الثمن إلی ملک المجیز بالعقد، فکیف تؤثر فیه إباحة المشتری له للغاصب بعد العقد، إمّا بتسلیطه إیّاه علیه أو بتصریحه له بالإباحة؟ وسیأتی فی کلام المصنف اختیار کون الإجازة کاشفة.

قلت: لمّا أجمع الأصحاب علی أنه إذا تلف العوض، لیس للمشتری مطالبة المشتری به، وجب إخراج هذا الحکم عن مقتضی الأصل بالإجماع، وإجراء ماعداه علی الأصل.

فان قلت: حقّ المعاوضة مع کون المشتری عالما بأن البائع غاصب أن لا تکون مقصودة، فلا یعتدّ بها أصلاً.

قلت: هذا لا یقدح فی کونها مقصودة، وإلاّ لقدح فی بیع الفضولی إذا علم المشتری بالحال. والحاصل: أن کلّما یقال فی الغاصب، یقال فی الفضولی، والجواب هو الجواب»(1).

وقال الشیخ جعفر رحمه الله : «(ومع علم المشتری) بالغصب ودفع الثمن إلی البائع، أو علم البائع ودفع المثمن إلی المشتری؛ فی الدخول تحت مسألة الفضولی (إشکال) ینشأ:

من احتمال الملک فی الثمن أو المثمن بعد الدفع والإعراض، فلا یکون التصرّف فیه إلاّ من تصرّف الملاّک ولا یدخل فی الفضولی، ولا یکون للإجازة تأثیر(2). ویقوی فی التعلّق(3) بالعین. واحتمال عدمه، لأنّ التسلیط لا یقتضی نقل الملک ما لم یکن ناقل شرعی. وفی الفرق بین البقاء والتلف، وبین القول بالکشف والنقل؛ وجه.

أو من أنّ العقد یستدعی قصدا، ولا قصد من العالم، وقصد المالک قام مقام قصد الفضولی و(4)الغاصب فی البیع، ولیس للمشتری لنفسه مَنْ یقوم مقامه(5) _ فلا یختصّ

ص:138


1- 1 . جامع المقاصد 4/72 و 71.
2- 2 . کما فی: إیضاح الفوائد 1/417-418، جامع المقاصد 4/71.
3- 3 . فی بعض النسخ: (ویقوی التعلّق). وفی بعضها: (ویقوی فی المتعلّق).
4- 4 . فی بعض النسخ العطف ب_ (أو).
5- 5 . هذا الوجه منتزع من کلام المصنّف، فی: تذکرة الفقهاء 10/16-17، الفرع 8.

بحال دفع الثمن. ویرجع إلی أصل الفضولی والغاصب _ ومن أنّ قصد النقل العرفی مجزٍ، کما تقدّم.

أو من أنّه یلزم فی الإجازة ملک المثمن بلا عوض، علی القول بالنقل(1). وهو مبنیٌّ علی الأوّل.

وأمّا الحمل علی إرادة الإضمار ویکون الحاصل: أنّ فضولی الغاصب أو مطلقا، مع علم المشتری وجهله، فیه إشکال، فضعیف»(2).

قال تلمیذه السیّد العاملی رحمه الله بعد نقل کلمات الفقهاء فی المقام: «قلتُ: قد تحصّل أنّ هنا مقامین،

الأوّل: هل للمشتری العالم بالغصب مطالبة الغاصب البائع بالثمن مطلقا سواء بقیت العین أم أتلفها أم لیس له مطلقا أم له مع بقائها خاصّة؟ الثانی: هل بیع الغاصب مع علم المشتری بغصبیّته صحیح فللمالک تتبّع العقود والإجازة أم لیس بصحیح؟ وقد بنی المحقّق الثانی(3) صحّة المقام الثانی علی المقام الأوّل، ونحن نتکلّم فی المقامین علی أنّه قد مضی ماله نفعٌ تامٌّ فی المقام الثانی.

فنقول فی المقام الأوّل: قال فی «التذکرة»(4): لو کان عالما لا یرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند علمائنا. وظاهره دعوی الإجماع مع التلف وبدونه. ونحوه ما فی «نهایة الإحکام»(5) حین قال: وأطلق علماؤنا ذلک. وقال فی «المختلف»(6) و «الإیضاح»(7): قال علماؤنا: لیس للمشتری الرجوع علی الغاصب، وأطلقوا القول فی

ص:139


1- 6 . کما فی الحاشیة النجاریة /220 و 221.
2- 7 . شرح القواعد 2/89 و 88.
3- 1 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/71.
4- 2 . تذکرة الفقهاء: فی شروط المتعاقدین 10/18.
5- 3 . نهایة الإحکام: فی عقد البیع 2/478.
6- 4 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع وشرائطه 5/55.
7- 5 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/417.

ذلک. وفی «تلخیص التلخیص» أطلق الأصحاب کافّة، وقد نسب عدم الرجوع مع بقاء العین فی «الإیضاح»(1) أیضا فی مقامٍ آخر تارةً إلی قول الأصحاب وأخری إلی نصّهم. وفی موضعٍ آخر(2) إلی کثیرٍ منهم، ذکر ذلک فی الغصب. وفی «جامع المقاصد»(3) یمتنع استرداده العین عند الأصحاب وإن بقیت العین، وفی موضعٍ آخر من الکتاب المذکور نسبته إلی ظاهر الأصحاب، وفی «الروضة»(4) نسبته إلی ظاهر کلامهم. وفی «المسالک»(5) و«الکفایة»(6) و «الریاض»(7) نسبته إلی المشهور. وفی موضعٍ آخر من

«الروضة»(8) إلی الأکثر.

والتتبّع فی کلام الشیخ(9) ومَن(10) تأخّر عنه یشهد بذلک ما عدا «المختلف»(11) و«التذکرة»(12) و«الکتاب» [القواعد] فیما یأتی و«نهایة الإحکام»(13) و«الإیضاح»(14)

ص:140


1- 6 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/417.
2- 7 . إیضاح الفوائد: فی أحکام الغصب 2/194.
3- 8 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/71 و 77.
4- 9 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
5- 10 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 4/160.
6- 11 . کفایة الأحکام: فی عقد البیع 1/450.
7- 12 . ریاض المسائل: فی بیع الفضولی 8/228.
8- 1 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
9- 2 . المبسوط: فی الغصب 3/71 والنهایة: فی المتاجر /402.
10- 3 . کالمحقّق فی شرائع الإسلام: فی عقد البیع 2/8، والحلّی فی السرائر: فی ضروب المکاسب 2/226 و 225.
11- 4 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع 5/56.
12- 5 . تذکرة الفقهاء: فی شروط المتعاقدین 10/18.
13- 6 . نهایة الإحکام: فی شروط عقد البیع 2/478.
14- 7 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/418.

و«شرح الإرشاد» لفخرالإسلام(1) و«الدروس»(2) و«اللمعة»(3) و«جامع المقاصد»(4) و«المسالک»(5) و«الروضة»(6) و«الکفایة»(7) فإنّ فیها اختیار الرجوع مع وجود العین.

وکأنّ المحقّق فی «الشرائع»(8) والمصنّف فی کتاب الغصب(9) متردّدان کصاحب «مجمع البرهان»(10) وکأنّهم لم یتحقّقوا الإجماع، وظهوره لیس بإجماع، والشهرة وإن علمت لا تغنی غنیً، لکن فی «المسالک»(11) و«الروضة»(12) و«الریاض»(13) أنّ العلاّمة ادّعی الإجماع فی التذکرة علی عدم الرجوع مع التلف، والعبارة الموجودة فی «التذکرة» هی ما قد سمعتها ظاهرة فی دعواه مع التلف وبدونه إلاّ

أن یقال: إنّه لمّا اختار فی الکتاب المذکور العدم مع البقاء فهم منه أنّه لم یتحقّق الإجماع علی الإطلاق، وإلاّ لما صحّ له مخالفته، فیبقی الکلام فی ظهوره والقطع به، وهذه الکلمة لا تفید إلاّ الظهور ولم أجد له فی البیع والغصب عبارة غیرها، ولعلّه ممّا زاغ عنه النظر أو أنّ فیما وجدوه من نسخ الکتاب المذکور قد وجد فیه «أجمع» بعد قوله «علمائنا» لکنّه

ص:141


1- 8 . شرح إرشاد الأذهان للنیلی: فی البیع /46 السطر الأوّل (من کتب مکتبة المرعشی برقم 2474).
2- 9 . الدروس الشرعیة: فی بیع الفضولی 3/193.
3- 10 . اللمعة الدمشقیة: فی عقد البیع /110.
4- 11 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/71.
5- 12 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
6- 13 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
7- 14 . کفایة الأحکام: فی عقد البیع وشروطه 1/450.
8- 15 . شرائع الإسلام: فی عقد البیع 2/8.
9- 16 . قواعد الأحکام: فی أحکام الغصب 2/238.
10- 17 . مجمع الفائدة والبرهان: فی المتعاقدین 8/164-165.
11- 18 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
12- 19 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
13- 20 . ریاض المسائل: فی البیع وآدابه 8/229.

بالنسبة إلینا اتکال علی الهباء، فتأمّل.

وقد استدلّ فی «التذکرة»(1) و«المختلف»(2) و«جامع المقاصد»(3) و«الروضة»(4) و«المسالک»(5) علی الرجوع بعدم الانتقال مع بقاء العین إلی الغاصب، وزید فی «المختلف»(6) و«الإیضاح»(7) أنّه لا عقد یوجب الانتقال، لأنّ العقد الّذی وقع کان باطلاً، ولمّا لم یکن صاحب «جامع المقاصد» ممّن یقول ببطلان العقد اقتصر علی ما سمعت(8) وزاد فی الأخیرین(9) أنّه إنّما دفعه عوضا عن شیء لم یسلم له.

وفیه: أنّا لا نسلّم عدم الانتقال، لأنّه من الجائز أن یکون قد ملکه الغاصب لإعراض المالک عنه أو یأسه منه کما ذکروه(10) فی مال السفینة إذا انکسرت فی البحر، فتأمّل.

سلّمنا لکن من الجائز أن یکون عدم جواز الرجوع للمشتری عقوبة له حیث دفع ماله معاوضا به علی محرّم، فیکون الغاصب البائع مخاطبا بردّه، فإن بذله أخذه المشتری، وإن امتنع منه بقی للمشتری فی ذمّته وإن لم یجز له مطالبته، کما هو الشأن فیما لو حلف المنکر کاذبا علی عدم استحقاق المال فی ذمّته، لکنّ ذلک فرع قیام الدلیل إلاّ أن یدّعی تحصیل الإجماع من المتقدّمین والشأن فی إثبات ذلک، علی أنّه قد یقال: إنّ الظاهر فی نحو الرشوة وعوض الخمر وسائر المحرّمات أنّ له أن یرجع إلی عوضه مع أنّه دفعه فی

ص:142


1- 1 . تذکرة الفقهاء: فی شروط المتعاقدین 10/18.
2- 2 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع وشرائطه 5/56.
3- 3 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/77.
4- 4 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
5- 5 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/160.
6- 6 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع وشرائطه 5/56.
7- 7 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/421.
8- 8 . تقدّم فی مفتاح الکرامة 12/613.
9- 9 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235، ومسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/160.
10- 10 . کما فی السرائر 2/194-195، والمسالک 14/77-76، مجمع الفائدة والبرهان .12/111

محرّم فلیتأمّل، إلاّ أن تقول: إنّ ذلک مع الجهل کما ستسمع(1) فیما إذا اشتری خمرا وخلاًّ.

ویرد علی ما فی «الروضة» و«المسالک» من أنّه إنّما دفعه عوضا عن شیء لم یسلم له، أنّ ذلک لا یتأتّی فی صورة عدم توقّع الإجازة، فتأمّل.

واستدلّ أیضا فی «الروضة»(2) بأنّه کیف یجتمع تحریم تصرّف البائع فیه مع عدم رجوع المشتری به فی حال.

وفیه _ مضافا إلی عدم تأتّیه فی صورة عدم توقّع الاجازة کما مرّ _: أنّ الضمیر فی «فیه» إن کان راجعا إلی المثمن حتّی یکون المراد لا یجتمع تحریم تصرّف البائع فی المثمن مع عدم رجوع المشتری فی الثمن فممنوع، لأنّه أوّل المسألة. ومن ثمّ قالوا: إنّ المشتری قد فوّت ماله متعمّدا لعلمه بتحریم تصرّفه فیه ودفع ماله من غیر عوض، وهو یجتمع مع جواز تصرّف البائع فی الثمن عند القائلین بالإباحة، وقد ذهبوا إلی أنّه حینئذٍ لیس أکلاً مال الغیر بالباطل. وإن کان المراد أنّه لا یجتمع تحریم تصرّف البائع فی الثمن مع عدم جواز رجوع المشتری به _ وهو الّذی أراده فی «المسالک»(3) _ فمسلّم، لکنّ القائلین بالإباحة لا یقولون بهذا التحریم، کیف ومدعاهم جوازه، علی أنّ ذلک آتٍ فی صورة التلف کما قرّره فی «الروضة»(4) فلیتأمّل، وقد أجمع الأصحاب علی أنّه إذا تلف العوض لیس للمشتری مطالبته به کما فی «شرح الإرشاد» لفخرالإسلام(5) و«جامع المقاصد»(6) و«المسالک»(7) ونسبه إلی علمائنا فی «المختلف»(8) وقد سمعت(9) ما فی «التذکرة» و ما

ص:143


1- 1 . یأتی الکلام فیه فی مفتاح الکرامة 12/660-664.
2- 2 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
3- 3 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
4- 4 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
5- 5 . شرح إرشاد الأذهان: فی البیع /45، س29 (من کتب مکتبة المرعشی برقم 2474) مخطوط.
6- 6 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/72.
7- 7 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/160.
8- 8 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع 5/55.
9- 9 . تقدّم فی 12/617.

فی «المسالک» و«الروضة» و«الریاض» من نسبة دعوی الإجماع علی ذلک إلی التذکرة، ولم یعرف الخلاف إلاّ من المحقّق فی بعض تحقیقاته فی جواب مسائل سئل عنها، فإنّ فی کلامه ما یقتضی الرجوع مطلقا، کذا نقل عنه المحقّق الثانی(1)، فکان کلامه لیس

بتلک المکانة من الظهور أو الصراحة. وفی «اللمعة»(2) و«الروضة»(3) أنّ قول المحقّق غیر بعید إذا کان متوقّعا للإجازة، واحتمله فی «المسالک»(4) وقال: لو لا ادّعاء العلاّمة الإجماع علیه فی التذکرة لکان فی غایة القوّة، وکذا قال فی «الریاض»(5) وتردّد صاحب «الکفایة»(6).

وأمّا المقام الثانی فقد عرفت(7) أنّ الذاهب إلی صحّة البیع مع علم المشتری بالغصبیة إنّما هو الشهید فی «الدروس» والمحقّق الثانی فی «جامع المقاصد» وعرفت(8) مَن استشکل فی البیع أو الإجازة لمکان التلازم کما مرّ، وعرفت(9) أنّ أخبار الباب الواردة من طرقنا ظاهرة الدلالة علی بطلانه، مضافا إلی ما أیّدناه به ممّا سمعته(10) فی أحد وجهی الإشکال.

ص:144


1- 10 . جامع المقاصد: فی المتعاقدین 4/77.
2- 1 . اللمعة الدمشقیة: فی عقد البیع /110.
3- 2 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
4- 3 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
5- 4 . ریاض المسائل: فی البیع وآدابه 8/229.
6- 5 . کفایة الأحکام: فی عقد البیع 1/450.
7- 6 . تقدّم فی 12/613.
8- 7 . تقدّم فی 12/614 وما بعدها.
9- 8 . تقدّم فی 12/597.
10- 9 . تقدّم فی 12/612 وما بعدها.

وقد احتجّ فی «جامع المقاصد»(1) علی الصحّة بأنّ الأصحّ عدم الفرق بین علمه بالغصب وعدمه، لأنّ المعتمد أنّ للمشتری استعادة الثمن مع بقاء عینه، لعدم خروجه عن ملکه إلی الغاصب لعدم المقتضی، وتجویز تصرّفه فیه عند الأصحاب لتسلیطه علیه لا ینافی کونه عوضا بمقتضی عقد البیع، إذ لو وقع التصریح بمثل ذلک فی عوض العقد الفضولی لمن أوقعه فضولاً للم یکن قادحا فی ثبوت الإجازة للمالک.

وفیه: أوّلاً: أنّه اجتهاد فی مقابلة النصّ وقد بناه علی ما عرفت حاله، وثانیا: إمّا أن یکون قد أباح له التصرّف فیه وسلّطه علیه غیر مترقّب لإجازة المالک بل ولا محتمل لها أو یکون متوقّعا لها، فعلی الأوّل کیف لا ینافی کونه عوضا، والفرق حینئذٍ بینه وبین الفضولی واضح، لأنّه فی الفضولی لم یبحه مطلقا بل دفعه متوقّعا لکونه عوضا عن المبیع

فیکون مضمونا علیه بخلاف ما نحن فیه فإنّه سلّطه علیه وأباحه له مع علمه بعدم استحقاقه له، وعلی الثانی فعلی القول الأصحّ بأنّ الإجازة کاشفة تکون قد دلّت حین حصولها علی انتقال الثمن إلی ملک المجیز بالعقد فکیف تؤثّر فیه إباحة المشتری للغاصب بعد العقد تصریحا أو تسلیطا؟ فتجویز تصرّفه فیه عند الأصحاب إنّما هو لکون العقد غیر صحیح کما هو واضح، ولا کذلک الحال فی صورة الجهل، علی أنّ المعاوضة فی صورة العلم بأنّ البائع غاصب لا یعتدّ بها، لأن(2) کانت غیر مقصودة، ولا کذلک الحال فی بیع الفضولی إذا علم المشتری بالحال، لأنّه مترقّب للإجازة متوقّع لکون ما دفعه عوضا عن المبیع، فتأمّل.

ولمّا لم یحقّق صاحب الحدائق(3) کلام القوم فی المقام أطنب فی الکلام وقلّب الاُمور فظنّ أنّ المقام الأوّل مبنیٌّ علی المقام الثانی مع أنّ الأمر بالعکس، وذلک من ضعف التثبت وعدم التروّی وقلّة التدبّر»(4).

ص:145


1- 10 . جامع المقاصد:فی شروط المتعادقین 4/71.
2- 1 . کذا فی المصدر والأصح: لأنَّها.
3- 2 . الحدائق 18/(399-393).
4- 3 . مفتاح الکرامة 12/(621-614).

قال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی المقام الثانی من البحث: «حاصله [أی حاصل الإشکال]: إنّ الغاصب إذا باع شیئا فالمشتری منه إن کان جاهلاً بکونه غاصبا فلا إشکال فی صحته التأهلیة فینفذ بإجازة البائع [المالک] وهکذا الحال فی العقود المتتابعة وأمّا إن کان عالما به ومع ذلک أقدم علی الشراء منه فهو مسلِّط له علی ماله مجانا لعلمه بفساد البیع والشراء، فإذا اشتری البائع بالثمن شیئا لنفسه یملک ما اشتراه من دون أن یضمن شیئا للمشتری الأوّل، لأنّ ماله قد تلف بالدفع إلی البائع أو هو فی حکم التالف، فلا یبقی مجال بعد ذلک لأن یجیز المالک العقد الواقع علی الثمن لنفسه _ أی یجیز العقد الثانی _ وکیف یجیز عقدا ما لم یقع علی ماله.

وهذا الاشکال مبنی علی ما هو المعروف من أن تسلیط المالک غیره علی ماله خارجا یوجب عدم ضمانه إذا تلف تحت یده أو أتلفه، فکأن التلف حینئذ یکون فی ملکه والتسلیط یکون مملِّکا فی فرض التلف، هذا کله فی إجازة العقد الثانی.

بل یجری الإشکال فی العقد الأوّل أیضا بناءً علی ما ذکره بعضهم من أنّ التسلیط الخارجی یوجب الملکیة أو إباحة التصرف من الأوّل قبل التلف، فإذا اشتری شخص من

الغاصب شیئا مع علمه بکونه غاصبا فقد أذن له فی الإتلاف، ولا معنی حینئذ لجعله ثمنا، فلا مجال لإجازة المالک البیع الأوّل أیضا.

وهذان الإشکالان تعرض للأوّل منهما العلاّمة والقطب ولهما معا الشهید فی حواشیه.

ونقول یردهما: أوّلاً: فساد المبنی، فإنّ مجرد التسلیط الخارجی لا یوجب ارتفاع الضمان الثابت بمقتضی عموم علی الید المثبت للضمان ولیس أحد المملکات، ومن الظاهر أن تسلیط المشتری الغاصب علی الثمن لیس مجانیا وإنّما هو تسلیط بعوض بحسب اعتبار المتبایعین أو العقلاء أیضا ولو لم یکن ممضی شرعا، وقد ذکرنا غیر مرة أنّ عدم الإمضاء الشرعی والفساد بحکم الشارع لا یوجب کون التسلیط مجانیا ولا ینافی الاعتبار المعاملی.

وثانیا: لو سلمنا ذلک فهو إنّما یتم علی النقل دون الکشف، إذ علی الکشف تکشف

ص:146

الإجازة عن خروج الثمن عن ملک المشتری إلی ملک المالک المجیز قبل التسلیط علی مال الغیر، وهو لایوجب الملک ولا إباحة التصرف نعم، علی النقل یجری الإشکال، بل الظاهر عدم جریانه علی النقل أیضا، وذلک لأن التسلیط إنّما یکون مجانیا فی فرض بطلان البیع وعدم لحوق الإجازة، وأما إذا کان البیع صحیحا ولحقه الإجازة فالتسلیط یکون بعوض حتّی فی حکم الشارع _ فتأمل.

وأما ما ذکره فخرالمحقّقین فی الإیضاح وجها رابعا لدفع الاشکال من أنّ الثمن فی الفرض یکون متعلَّقا لحقِّ المالک المجیز أیضا، إذا المفروض أنّه جعل ثمنا لماله وإن کان متعلقا لحقِّ الغاصب أیضا إلاّ أنّه یقدم علیه حقُّ المالک، لما ورد من أنّ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال.

ففیه: أوّلاً: لم یرد دلیل علی أنّه یؤخذ بأشق الأحوال بل لا یؤخذ إلاّ بما ثبت فی حقِّه شرعا.

وثانیا: ذکرنا أنّ وقوع العقد علی مال الغیر لا یوجب له حقا، والإجازة إنّما هو حکم شرعی لا حقّ مالکی هذا مضافا إلی أنّه یعتبر فی صحة الإجازة عدم کون موردها متعلَّقا لحقِّ الغیر وإلاّ فلا تنفذ، فالصحیح فی الجواب عن الإشکال ما ذکرناه»(1).

أقول: أمّا المقام الأوّل: هل للمشتری العالم بالغصب مطالبة الغاصب البائع بالثمن؟

فقد عرفت أنّ فیه ثلاثة أقوال:

أ: ما ادَّعی العلاّمة(2) علیه الإجماع وهو عدم الرجوع مطلقا أی فی فرض وجود عین الثمن وتلفه أو إتلافه. وهذا قول المتقدمین علیه کالشیخ(3) وابن ادریس(4)

ص:147


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/460 و 459.
2- 1 . تذکرة الفقهاء 10/18، نهایة الإحکام 2/478.
3- 2 . المبسوط 3/71، النهایة /402.
4- 3 . السرائر 2/226 و 325.

والمحقّق فی الشرائع(1).

ب: الإجماع عند العلاّمة لم یتم ولذا خالفه وذهب إلی جواز مطالبة الغاصب فی فرض بقاء عین الثمن عنده، وتبعه ولده والشهید والکرکی والشهید الثانی والمحقّق السبزواری صاحب الکفایة.

ج: جواز مطالبة الغاصب مطلقا سواء بقیت العین أم تلفت، کما علیه المحقّق فی جواب بعض استفتآته.(2)

والمختار عندی هو ما ذهب إلیه المحقّق أخیرا:

[1] لعدم تمامیة الإجماع وغیره من الأدلة المذکورة فی کلامهم.

[2] ولأنّ ما فعله المشتری العالم بالغصب لیس إلاّ بیعا عرفیّا عند عامة الناس ولیس تملیکا مجانیا ولا إباحة مالکیة ولاتسلیطا لماله للغیر من دون عوض.

[3] وعلی فرض قبول هذه الموارد الثلاثة لا إشکال فی جواز الرجوع فی جمیعهم لجواز الرجوع فی الهبة المجانیة والإباحة المالکیة مع بقاء الثمن واضح. ومع تلفه لعدم تمامیة هذه الموارد عندنا.

[4] لا یجوز للغاصب التصرف فی ما دفعه إلیه المشتری، لأنّه دُفِع إلیه عوضا من العین ولا یتم العقد عند الشارع فیکون ضامنا کما فی المقبوض بالعقد الفاسد. هذا کلّه فی المقام الأوّل.

أما المقام الثانی: هل بیع الغاصب مع علم الْمُشْتَرِیْ بغصبیّته صحیح فللمالک

تتبّع العقود والإجازة أم لیس بصحیح؟

فقد عرفت أنّ فیه قولین:

أ: ما ذهب إلیه المشهور من بطلان العقد.

ص:148


1- 4 . الشرائع 2/8.
2- 5 . المسائل الطبریة، المسألة الرابعة، وهی مطبوعة فی ضمن الرسائل التسع /306 للمحقّق الحلّی بتحقیق الشیخ رضا الأستادی من منشورات مکتبة آیة اللّه المرعشی النجفی رحمه الله .

ب: ما ذهب إلیه الشهید والمحقّق الثانی والسیّد الخوئی وشیخنا الأُستاذ(1) قدس سرهم من صحة العقد وأنّه یجری فیه ما یجری فی غیره من أنّ للمالک تتبع العقود علی عین المال أو ثمنه وإجازة أیٍّ منها شاء.

والمختار عندی ¨ هو القول الأخیر من صحة العقد وجواز تتبع العقود:

[1] لعدم ورود نص فی المقام وما ادعاها فی المفتاح لیست إلاّ ماورد من الروایات فی بطلان الفضولی کما مرّ نقدها.

[2] ما دفعه المشتری العالم بالغصبیة لیست الإباحة المالکیة أو الهبة المجانیة بل دفعه عوضا عن عین مال اشتراه بالعقد العرفی ولا الشرعی.

[3] حیث تمّ أنّ ما دفعه یکون بعنوان الوفاء بالعقد فیصح للمالک إجازة هذا العقد وتملک الثمن الوارد فیه.

[4] لا أری فرقا بین العالم بالغصبیة والجاهل بها والعالم بالفضولیة والجاهل بها والغصب والفضولی لعدم تمامیة أدلة الفرق.

[5] وحیث لم یَکُنْ _ هُناک _ فَرْقٌ بین هذه الموارد فیجوز للمالک إجازة العقد وتتبع العقود علی عین المال وثمنه ویجری بحث تتبع العقود بعین ما مرّ فی الفضولی والحمد للّه کما هو أهله.

وأمّا القول فی ابْتِناء المقام الثّانی علی المقام الأوّل: فأقول: بناءً علی القول

وأمّا القول فی ابْتِناء المقام الثّانی علی المقام الأوّل: فأقول: بناءً علی القول الأوّل [ أ] فی المقام الأوّل لا یجری فی المقام الثانی إلاّ القول الأوّل [ أ] لعدم وجود المعاوضة والعقد وأمّا بناءً علی قولی الثانی والثالث [ ب و ج] فی المقام الأوّل یمکن أن یجری فی المقام الثانی کلا القولین [ أ و ب]، فالمقام الثانی یبتنی علی المقام الأوّل کما نبّه علیه صاحب مفتاح الکرامة رحمه الله لا عکسه کما ظنّه صاحب الحدائق.

ص: 149


1- 1 . راجع ارشاد الطالب 4/85.

ص: 150

وَصْلٌ: فی أَحْکامِ الرَّدّ

اشاره

ص:151

اشارة

ص: 152

أحکام الردّ

اشارة

هذه الأحکام تجری بعد البناء علی أنّ الردّ هادم للعقد وفسخ له فی الجملة وقد عرفت(1) عدم الدلیل علیه.

والردّ یتحقق بالفعل کما یتحقّق بالقول کما مرّ ذلک فی أصل العقد والإجازة ویقع الکلام فیه فی ضمن جهات:

الجهة الأُولی: الردّ القولی

قال الشیخ الأعظم: «لا یتحقق الردّ قولاً إلاّ بقوله: «فسخت» و «رددت» وشبه ذلک ممّا هو صریح فی الرد، لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصیل وقابلیته من طرف المجیز»(2).

أقول: لا نحتاج إلی صراحة اللفظ فی الردّ بل یکفی الظهور لاعتبار الظواهر عند العقلاء والشرع المقدس.

وقد مرّ عدم تمامیة لزوم وفاء الأصیل بالعقد فلا یمکن استصحابه عند الشک فیه، «وعلی تقدیره [أی لزومه] فاستصحابه لا یثبت إضافة العقد إلی المجیز بإجازته بعد احتمال إلغاء العقد قبلها، فإنّه من إثبات الموضوع باستصحاب حکمه، نظیر استصحاب بقاء وجوب الصلاة وإثبات عدم خروج وقتها...»(3).

نعم، القابلیة من طرف المجیز باقیة حتّی مع الردّ الصریح قبله لما مرّ ولا نحتاج فیه إلی استصحابه لعدم الشک فی وجوده وبقائه.

ص:153


1- 1 . راجع الآراء الفقهیة 5/505.
2- 2 . المکاسب 3/477.
3- 3 . إرشاد الطالب 4/88.

الجهة الثانیة: الردّ الفعلی

قال الشیخ الأعظم: «وکذا یحصل [الردّ] بکلِّ فعلٍ مخرجٍ له عن ملکه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما کالعتق والبیع والهبة والتزویج ونحو ذلک، والوجه فی ذلک: أنّ تصرّفه

بعد فرض صحّته مفوّت لمحلِّ الإجازة لفرض خروجه عن ملکه»(1).

أقول: مرّ وقوع العقد بالفعل عندی إلاّ ما خرج بالدلیل فکذلک یمکن وقوع الإجازة والردّ کلیهما بالفعل هذا بالنسبة إلی کبری بحث الردّ الفعلی.

وأمّا صغراه: فقد ذهب الشیخ الأعظم إلی أنّ الرد الفعلی یحصل بکلِّ فعلٍ یکون ذلک الفعل مخرجا للمال عن ملک المالک المجیز، والخروج یمکن أن یکون بالنقل أو الإتلاف والعتق والبیع ونحوها.

ولکن المحقّق النائینی بعد ما قَبِلَ الکبری ناقش فی الصغری وقال: «لا إشکال فیه [فی الرد الفعلی] بحسب الکبری فإنّ الرد من العناوین القابلة لتحقّقها بالفعل ولیس کالنکاح الذی لا یقبل تحقّقه بالفعل فإنّ الفعل فیه من السفاح الذی هو ضدّ النکاح. وإنّما الإشکال فی الصغری فإنّا لا نجد فعلاً یکون مصداقا للردّ بالحمل الشائع الصناعی...»(2).

وتبعه شیخنا الأُستاذ رحمه الله فی ظاهر عبارته.(3)

ولکن یرد علیه: «أنّ الإشارة والکتابة من الأفعال ومع ذلک لا إشکال فی صدق عنوان الردّ علیهما، فإذا سألناه عن أنّک تقبل المعاملة الکذائیة فحرّک رأسه ورفعه فمعناه أنّه یردّها ویصدق علیه الردّ بلا کلام فیترتب علیه أحکامه»(4) وکذا الکتابة. فیتم وجود المصداق الفعلی للردّ وهذا هو صغراه.

وقَبِلَ صاحب العقد النضید(5) هذا البیان.

ص:154


1- 1 . المکاسب 3/477.
2- 2 . منیة الطالب 2/152، ونحوها فی المکاسب والبیع 2/243.
3- 3 . راجع إرشاد الطالب 4/89.
4- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/63.
5- 5 . العقد النضید 3/523.

الجهة الثالثة: هل تُعدِّ التصرفات الناقلة عن الملک ردّا؟

اشارة

التصرفات تنقسم إلی أَرْبَعَةِ أَقْسامٍ یأتی تفصیلها:

وأمّا التصرفات الناقلة فتنقسم إلی قسمین:

الأوّل: التصرفات التی تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل

الأوّل: التصرفات التی تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل مجددا، کالبیع اللازم والهبة إلی ذی الرحم والهبة المعوّضة.

الثانی: التصرفات التی لا تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل
اشارة

الثانی: التصرفات التی لا تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل مجددا

فیجوز للمالک الرجوع فی عین ماله حقّا أو حکما نحو: البیع الخیاری أو الْهِبَة لغیر ذی رحم أو بدون عوض.

ومن المعلوم أنّ القسم الثانی لا یعدّ ردا لبیع الفضولی الذی یکون قبله لأنّ المالک بعد رجوع العین إلیه یتمکن من إجازة بیع الفضولی السابق من دون إشکال عندی.

1_ وأمّا القسم الأوّل: الذی لا یمکن رجوع العین إلی مالکها بوجهٍ
اشارة

1_ وأمّا القسم الأوّل: الذی لا یمکن رجوع العین إلی مالکها بوجهٍ فهل هذه التصرفات تُعَدُّ ردا لا یمکن بعدها لحوق الإجازة؟ أو لا تعدّ؟ أو أنّ هناک تَفْصِیْلاً بناءً علی قولی الکشف والنقل فی الإجازة؟

وجوه بل أقوال.

الأوّل: ذهب المحقّق النائینی وتلمیذه السیّد الخوئی

الأوّل: ذهب المحقّق النائینی(1) وتلمیذه السیّد الخوئی(2) إلی عدم وجود محلّ للإجازة بعد صحة التصرفات الصادرة من المالک.

والوجه فی ذلک: التصرف الصادر من المالک یعدّ تصرفا صادرا من أهله وواقعا فی محلّه ومعه لا یبقی محلّ للإجازة.

وبعبارة اُخری: المالک بعد تصرّفه الناقل یصیر أجنبیّا فإجازته اللاحقة بعد صدور التصرف، تصدر مِمَّنْ لیس له صلة بالمال ویکون أجنبیّا عنه.

الثانی: هذه التصرفات الناقلة تکون باطلة فالإجازة التی تأتی بعدها
اشارة

الثانی: هذه التصرفات الناقلة تکون باطلة فالإجازة التی تأتی بعدها نافذة بناءً

ص:155


1- 1 . منیة الطالب 2/153.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/65.

علی الکشف لا النقل، فیکون القول الثانی هو التفصیل بین قولی الکشف و النقل. ویدلّ علیه:

1_ صحیحة أبیعبیدة الحذاء

(1)

بتقریب: إنّ موافقة الحیّ بالنکاح السابق تعدّ إجازة صادرة ممّن لیس له قابلیة المحلّ لصدورها بعد حیلولة الموت وانتفاء موضوع النکاح، فإذا یری الإمام علیه السلام هذا الإجازة اللاحقة کاشفة عن صحة النکاح السبق فهی أولی بأن تکون کاشفة عن صحة عقد الفضولی، فضلاً عن تأثیر الإجازة فی بطلان ملکیة المالک وهی لا تکون أقوی من تأثیر الموت فی بطلان النکاح.

ویرد علیه: أوّلاً: تعمیم الحکم الوارد فی باب الارث إلی أبواب البیع والمعاملات

یکون من القیاس الباطل.

وثانیا: هذه الصحیحة تختص بقضیة معینة ولا مجال لتعمیم حکمها إلی غیرها، فهی غیر مطلقة ولا دلیل علی إلغاء الخصوصیة منها.(2)

2_ الوجه العقلی المذکور فی کلام المحقّق الأصفهانی رحمه الله :
اشارة

قال: «وأمّا علی الکشف(3) بنحو الشرط المتأخر المصطلح علیه(4)، فصحة العقدین معا مستحیلة إذ(5) لایمکن أن یکون المال فی زمان العقد الثانی ملکا للمشتری من المالک، وللمشتری من الفضول بإجازة المالک فلابد من رفع الید عن أحدهما، وحیث أنّ المفروض(6) تأثیر العقد من حین صدوره بالإجازة المتأخرة التی هی شرط متأخر

ص:156


1- 3 . وسائل الشیعة 26/219، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
2- 1 . راجع العقد النضید 3/527.
3- 2 . مراده الکشف الحقیقی الشرطی.
4- 3 . أی الشرط المتأخر یتأثّر فی العقد السابق ولا بأس بهذا التأثّر فی خصوص الاُمور الاعتباریة لا غیرها.
5- 4 . إذ وما بعده تعلیل للاستحالة.
6- 5 . بناءً علی الکشف الحقیقی الشرطی وهو الوجه الأوّل من وجوه الکشف فی مقام الثبوت راجع الآراء الفقهیة 5/402.

یؤثر فی ما قبله، فلا محالة لا یعقل أن تکون الملکیة المتصلة بحال الإجازة شرطا فی تأثیر الإجازة(1) وإلاّ لزم الخلف(2) أو الانقلاب(3).

فالملکیة المتصلة بحال العقد کافیة فی صحة الإجازة من المالک(4)، فمقتضی تأثیر العقد المجاز تامٌ ثبوتا(5) وإثباتا(6)، فلو لم ینفذ البیع الثانی الصادر من المالک کان

علی وفق القاعدة لأنّه بیع وارد علی مال الغیر، ولا ینفذ إلاّ ممّن له البیع(7).

بخلاف ما إذا قلنا بعدم نفوذ العقد المجاز فإنّه(8) تخصیص بلاوجه، فیدور الأمر

ص:157


1- 6 . هذا هو المدعی للمحقّق الاصفهانی رحمه الله بأنّ شرط صحة عقد الفضولی وقوع العقد فی ملک مالکه لا وقوع الإجازة المتأخرة فی ملکه، بل عدم معقولیة وقوع الإجازة فی ملک المالک، لأنّ بناءً علی الکشف الحقیقی ینتقل المال من حین العقد إلی المشتری من العاقد الفضولی فحین الإجازة لا تکون العین فی ملکیة المالک. واستدلّ علیه بدلیلین:
2- 7 . هذا هو دلیله الأوّل: الخلف: أی لو کانت ملکیة المالک إلی حین الإجازة شرطا لصحة الإجازة اللاحقة یسلتزم عدم انتقال المال إلی المشتری من الفضولی من حین العقد وهو خلاف الفرض أی الکشف الحقیقی فخلفٌ.
3- 8 . هذا هو دلیله الثانی: والمراد به هو الکشف الانقلابی الذی یعدّ من أقسام الکشف الحکمی وهو _ أی الکشف الانقلابی _ عبارة عن بقاء ملک المالک علی العین قبل الإجازة وأمّا بعدها تنقلب الملکیة دفعة واحدة وتصیر العین ملکا للمشتری من حین العقد والإجازة تکشف عن هذا الانقلاب. [راجع بحث وجوه الکشف فی مقام الثبوت فی الآراء الفقهیة 5/405]. والکشف الانقلابی أیضا غیر مفروض کلامنا وهو الکشف الحقیقی بنحو الشرط المتأخر.
4- 9 . ولا نحتاج إلی بقاء ملکیة المالک إلی حین الإجازة، بل یستحیل ذلک بالدلیلین الماضیین.
5- 10 . لما ثبت من الدلیلین أنّ الملکیة إلی حین العقد کافیة ویستحیل بقاء الملکیة إلی حین الإجازة.
6- 11 . لأنّ مع ثبوت مقتضی للعقد یثبت لزوم الوفاء بمقتضی العقد بدلالة الآیة الشریفة «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ». عقد الفضولی تام بعد صدور الإجازة فیجب.
7- 1 . أی لایصح البیع إلاّ من المالک والبیع الثانی بعد صدور الإجازة بناءً علی الکشف الحقیقی یکون بیع مال الغیر فباطلٌ.
8- 2 . أی عدم نفوذ عقد الفضولی وبطلانه ولو بعد صدور إجازة المالک.

بین التخصص(1) والتخصیص بلا وجه(2) أو بوجه دائر(3). لأنّ صحة العقد الثانی متوقفة علی بقاء المال علی ملک البائع حال بیعه وهو متوقف علی عدم صحة العقد المجاز، وهو متوقف علی عدم کون المال ملکا له، مع أنّه لا مخرج لا عن ملکه إلاّ العقد الثانی فیدور.

بخلاف العقد المجاز فإنّه یکفیه الملکیة المتصلة بحال العقد المجاز، والعقد الثانی لا یزیل الملکیة المتصلة بحال العقد المجاز بل یزیل الملک المتصل بحال الإجازة وهو غیر لازم»(4).

المناقشة فی دلیل المحقّق الأصفهانی

ویرد علیه: أوّلاً: یمکن القول باعتبار تداوم ملکیة المالک من حین العقد إلی حین الإجازة فلابدّ من صدور الإجازة منه فی ملکه، ولکن الملکیة اللولائیّة أی لو لا الإجازة لکان مالکا، وهذه الملکیة الخاصة _ أی اللولائیة _ لا یلزم من الالتزام بها لا

الخُلف ولا الکشف الانقلابی، وهما دلیلا المحقّق الأصفهانی ولا یجریان فی هذه الملکیة

ص:158


1- 3 . أی خروج العقد الثانی من تحت الآیة الشریفة «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» یکون علی وجه التخصص لأنّه من أوّل الأمر لم یدخل تحت الآیة لأنّها أمرٌ إلی المُلاّک والعقد الثانی لم یقع فی ملک المالک، لأنّه وقع فی ملک المشتری من الفضولی فخروجه عن الآیة الشریفة یکون تخصصا.
2- 4 . وأمّا إذا عکسنا الأمر وَأَرَدْنا خروج عقد الفضولی مع صدور الإجازة بناءً علی الکشف من تحت الآیة الشریفة، فَهذا یوجب تخصیصها بلاوجه ودلیل شرعی لأنّه عقد وقع فی ملک مالکه وصدور إجازته فیجب الوفاء به ولم یَرِدْ مُخَصَّصٌ لأجل خروجه من تحت الآیة الشریفة.
3- 5 . أی التخصیص بالوجه الدائر: وهو تقدم العقد الثانی علی عقد الفضولی وتخصیص آیة «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وخروج عقد الفضولی من تحته یکون دوریا لأنّ صحة العقد الثانی متوقفة علی بقاء المال علی ملک البائع حال بیعه، وهذه الصحة متوقفة علی بطلان عقد الفضولی، وعلی هذا خروج عقد الفضولی من تحت الآیة الشریفة متوقف علی صحة العقد الثانی وصحته متوقفة علی بطلان عقد الفضولی والبطلان متوقف علی الخروج من تحت الآیة الشریفة فیکون دوریّا.
4- 6 . حاشیة المکاسب 2/274 و 275.

اللولائیة.

وثانیا: إذا لاحظنا النسبة بین الإجازة والملکیة اللولائیة فلا تخلو من وجوه ثلاثَة:

أ: الإهمال: وهو ممنوع، لاستحالته فی الاُمور الواقعیة وفی نفس الأمر.

ب: الإطلاق: وهو أیضا ممنوع، لأنّه یستلزم أن تکون إجازة الأجنبی مؤثرة فی بیع الفضولی وهو باطل.

ج: التقیید: وهو المطلوب فتکون الإجازة مقیّدة ومشروطة بالملکیة اللولائیة.

فمن باع قبل صدور الإجازة عنه، لا یکون مالکا لو لا الإجازة فلم یتحقّق اشتراط الإجازة وقیدها فإجازته باطلة.

وثالثا: یمکن القول باعتبار الإجازة بناءً علی الکشف فی فرض لم یتعقّبه تصرف من المالک فی ماله، وأمّا إذا صدر من المالک تصرفا فی ماله فالإجازة الصادرة منه بعد ذلک التصرف غیر مؤثرة فی الکشف والبیع الثانی من أعظم مصادیق التصرف ولا یلزم منه الخلف ولا الکشف الانقلابی کما یظهر من المحقّق الخمینی(1) رحمه الله .

وبعبارة اُخری: صحة الإجازة متوقفة علی فساد التصرف من المالک فلو توقّف فساد التصرف منه علی صحة إجازته لکان دورا ظاهرا کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی(2) رحمه الله .

ورابعا: صحة العقد الثانی لم تبن علی الدور المحال الذی ذکره المحقّق الأصفهانی، لما مرّ من ابتناء صحة عقد الفضولی علی صدور الإجازة من المالک اللولائی، والمالک مع فرض قیامه بالبیع الثانی لم یکن مالکا لولائیا فبطلان عقد الفضولی مستندا إلی عدم شرطه ولم یکن مستندا إلی صحة العقد الثانی حتّی یلزم منه الدور المدعی.(3)

وخامسا: ما ذکره قدس سره لو تم _ ولم یتم _ إنّما یتم علی الکشف الحقیقی الشرطی وقد

ص:159


1- 1 . کتاب البیع 2/433.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/65.
3- 3 . الباقی من النقود یظهر من العقد النضید 3/(534-532).

عرفت(1) أنّ للکشف أقسام متعددة وأنواع متکثرة، فالدلیل أخص من المدعی.

وبالجملة: لا یمکن الالتزام بهذا الدلیل العقلی المذکور فی کلام المحقّق الأصفهانی قدس سره .

3_ الوجه العقلی المذکور فی مقالة المحقّق الایروانی رحمه الله

قال: «... إنّ خطاب (أَوْفُوا) إن توجّه إلی المالک لم یبق موقع لتوجّهه إلی إجازته لعقد الفضولی حتّی یلتجأ إلی الجمع بین الخطابین بذلک، ففی کلّیّة [أی جمیع [فروض المنافاة بین الصحیحتین الأمر دائر بین صحة عقد المالک وصحة إجازته فکل منهما فرض صحیحا بطل الآخر، ولکن عقده صحیح علی القول بالنقل لأنّه عقد صدر عن أهله فی محلّه لبقاء ماله علی ملکه فتشمله أدلة صحة تصرفات المالک فلا یبقی موضوع لنفوذ إجازته لخروجها عن کونها إجازة المالک.

وإجازته صحیحة علی القول بالکشف لکشفها عن سبق خطاب (أَوْفُوا) بالنسبة إلی العقد الصادر من الفضولی فیکون النقل حاصلاً حینه فلا یبقی موضوع لصحة عقده لانکشاف کونه عقد غیر المالک.

وبالجملة: سبق خطاب کلّ منهما یوجب خروج الآخر عن موضوع الخطاب وتخصّص الدلیل بالنسبة إلیه...»(2).

ویرد علیه: إنَّهُ لم یقم دلیل علی أنّ خطاب (أَوْفُوا) یتوجّه أوّلاً إلی المالک المجیز _ بناءً علی الکشف _ بل الصحیح أنّ توجّه الخطاب إلی المالک المجیز مشروط بملکیته اللولائیة فی حین صدور الإجازة منه، وحیث قام بعد عقد الفضولی ببیع ماله مباشرة فخرج المبیع عن ملکیته وإجازته لم تقع فی ملکیته اللولائیة فإجازته باطلة وتمّ البیع المالک. الأصیل، حتّی علی القول بالکشف.

والحاصل: لم تتم الوجوه الثّلاثة التی أقاموها علی التفصیل بین الکشف الحقیقی

ص:160


1- 4 . راجع الآراء الفقهیة 5/402 وما بعدها.
2- 1 . حاشیة المکاسب 2/322.

والنقل.

وأمّا إثبات التفصیل بناءً علی الکشف الانقلابی:

فقد قال المحقّق الأصفهانی فی تقریر إثبات التفصیل: «وأمّا الکشف علی وجه الانقلاب فمبناه علی بقاء المال علی ملک مالکه الأصلی، وإنّما ینقلب بالإجازة، ولا انقلاب حقیقة إلاّ بعد الإجازة، فجمیع تصرفات المالک تصرفات واردة علی ملکه

حقیقة، ونفوذها یمنع عن نفوذ العقد الأوّل بالإجازة ولو بنحو الانقلاب، فإنّ الانقلاب إنّما یعقل إذا لم یکن له مانع، ونفوذ التصرفات المتوسطة بین العقد الأوّل والإجازة مانع، لفرض التمانع بین صحة العقدین، وفرض عدم المزاحم للتصرف المتوسط حال ثبوته حقیقة وواقعا، فیساوق الکشف الانقلابی للنقل فی صحة العقد الثانی دون الأوّل، وحیث إنّ بناء المصنف [الشیخ الأعظم] قدس سره علی الکشف الانقلابی بل نسبه إلی المشهور أیضا، فلذا أطلق فی الکلام من حیث الکشف والنقل.

والتحقیق: أنّ المانع من صحة العقد المجاز مع صحة العقد الثانی أحد أُمور:

إمّا عدم إتصال ملک المجیز بحال الإجازة، لعدم کفایة الملکیة المتصلة بحال العقد هنا، إذ لا یعقل الانقلاب فیها فی الملکیة بین العقد والإجازة.

وإمّا لزوم اجتماع مالکین علی ملک واحد فی زمان العقد الثانی، إذا فرض تصحیح العقدین، حیث إنّ إبطال العقد الثانی بعد فرض وقوعه صحیحا بلا وجه، فلابد من فرض مالکیة المشتریین لمال واحد فی زمان العقد الثانی.

وإمّا لغویة الإجازة إذا أثرت فی صحة العقد الأوّل بنحو الانقلاب إلی زمان العقد الثانی فقط، لئلا یلزم اجتماع الملکین، ولا یصححه الرجوع إلی البدل، لمکان إتلاف المال بالنقل الصحیح، لأنّ الملک الانقلابی متأخر عن الإتلاف بالنقل، فکیف یصح الرجوع إلی البدل لتصح الإجازة وتخرج به عن اللغویة.

وهذه الموانع کلها مدفوعة:

أمّا الأوّل: فلأنّ المصحح للإجازة لیس إلاّ ورود العقد علی ملکه، بحیث یکون حال الانتقال منه إلی غیره ملکا له رعایةً للانتقال منه إلیه، فتارة یکون موقع الانتقال

ص:161

حال العقد کما هو کذلک علی الکشف بأقسامه، واُخری یکون موقعه حال الإجازة کما هو کذلک علی النقل.

نعم بناءً علی الانقلاب لابدَّ من أنْ یفرض للمجیز ملک بعد العقد حتّی ینقلب، فیصیر للمجاز له، وهذا من لوازم الانقلاب لا من مصححات الإجازة، والمفروض هنا أیضا تأخر العقد الثانی عن الأوّل، فبالإجازة ینقلب ملک المجیز قبل العقد الثانی فیصیر من حین العقد الأوّل ملکا للمجاز له.

وأمّا الثانی: فبأنّ لازم تأثیر العقد الأوّل بالإجازة علی نحو الانقلاب صیرورة العین من حین العقد الأوّل ملکا للمجاز له إلی زمان العقد الثانی، لا فیما بعده أیضا، لیلزم

إبطال العقد الثانی بلا وجه، وأمّا قبل العقد الثانی فلا یلزم اجتماع الملکین لما مرّ(1) مرارا من أنّ الانقلاب خلاف الاجتماع.

وأمّا الثالث: فمدفوع بأنّ لازم الانقلاب _ عند القائل به _ أنّ الاتلاف الوارد قبله من مالکه یوجب الرجوع إلی البدل، لأنّ فرض الانقلاب فی الملک فرض الانقلاب فی لوازمه، فکأنّ الاتلاف بالانقلاب وارد علی الملک المنقلب إلیه، والعقد الصحیح الذی لا یقبل الإبطال کإتلاف الملک المنقلب إلیه من حیث عدم إمکان عود الملک المنقلب إلی إلی مالکه، فیوجب الرجوع إلی البدل، وإنْ کان فی التضمین بالإتلاف بسبب الانقلاب إشکال فهو غیر مخصوص بالمقام»(2).

أقول: ولکن یرد علیه: أوّلاً: کیف التزم قدس سره بأنّ تَصَرُّفَ المالک فی ماله بالبیع الأصیل المباشر یعدّ من تلف مال الغیر حکما ویلزمُهُ دفع البدل إلی المشتری من الفضولی؟!

لأنّ المال إن کان ماله _ کما هو کذلک _ فتصرّفه فیه یقع بلا إشکال فباع ماله وحین صدور الإجازة منه لم یکن مالکا للمال حتّی بالإجازة اللولائیة فإجازته باطلة وبالتالی

ص:162


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/144، تعلیقة 132.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/276 و 277.

بیع الفضولی محکوم بالبطلان.

وإن لم یکن المال ماله حین عقده الثانی فتصرفه باطل ولم ینتقل المال إلی المشتری منه ویحکم بصحة بیع الفضولی ولم یکن هنا الإتلاف الحکمی ولا الرجوع إلی البدل.

وثانیا: الجمع بین صحة بین المالک نفسه وصحة بیع الفضولی بالإجازة الصادرة من المالک یستلزم اجتماع ملکیتین علی مال واحد وهو محال. کما أنّه یستلزم اجتماع مالکین علی مال واحد علی نحو الاستقلال وهو مستحیل. فلا یمکن الجمع بین الصحتین.

وثالثا: یمکن حلّ ما ذکره بما مرّ من اعتبار ملکیّة المالک حین الإجازة بالملکیّة اللولائیة وحیث باع المالک ماله فحین الإجازة فاقد لهذه الملکیّة اللولائیة فإجازته باطلة وبالتالی بیع الفضولی، ولایتحقّق إتلاف مال الغیر حتّی نحکم بوجوب إرجاع بدله إلی المشتری من الفضولی.

فلا یتم ما ذکره المحقّق الاصفهانی حول إثبات التفصیل بالکشف الانقلابی.

فظهر ممّا ذکرنا عدم وجود الدلیل علی المحتمل الثالث _ وهو صحة بیع الفضولی فی المقام _ مطلقا _ أی بلا فرق بین قولی الکشف والنقل _ لاِءَنَّهُ حیث لم یتم التفصیل فی المقام فإطلاقه بطریق اُولی.

هذا تمام الکلام فی التصرفات الناقلة.

2_ القسم الثانی: التصرفات غیر الناقلة
اشارة

التی لا توجب نقل العین وهی علی ثلاثة أقسامٍ:

الأوّل: الاستیلاد

إذا استولد المالک جاریته بعد أن باعها الفضولی وصارت أُمَّ وَلَدٍ هل تبطل الإجازة وَتَزُوْلُ قابلیتها عن التأثیر أم لا؟

الظاهر أنّ الاستیلاد من جانب المالک وبعد بیع الفضولی قبل الإجازة، یُخْرِجُها عن قابلیة التأثیر فتقع لغوا، لأنّ من شرائط البیع أن لایکون المبیع أمّ ولدٍ، ومن المعلوم أنّ

ص:163

المبیع لابدّ أن یکون ملکا طِلْقا لمالکه حتّی یقدر علی بیعه واستند البیع إلیه وشملته الإطلاقات لأنّها خطابات للملاّک الذین یقدرون علی البیع، وحیث أنّ الأمة مستولدة حین صدور الإجازة فتقع الإجازة لغوا.

اللهم إلاّ أن یقال: الممنوع هو إنشا البیع علی أُمّ الولد لا إسناد البیع المُنشَأ سابقا بالإجازة اللاحقة.

ویُجاب عنه: بأنّ المبیع حین الإجازة لابدّ وأن یکون ملکا طِلْقا للمالک لو لا الإجازة بتفصیل مرّ.

والمختار هو بطلان الإجازة بعد الاستیلاد وزوال قابلیتها به وحیث لم تترتب فائدة فی هذا الزمن علی هذا البحث لانتفاء موضوعه نکتفی بهذا المقدار والحمد للّه ربّ الأرباب.

الثانی: تزویج الأمةِ

إذا زوّج الفضولی أمة المالک من شَخْصٍ ثمّ زوّجها المالک بنفسه من شخص آخر، صار «التزویج الصادر من المالک عقد صدر من أهله ووقع فی محلّه وبه تصیر الأمة مزوّجة، ومعه لا یبقی مجال للإجازة بوجه لأنّ المزوّجة لا تزوّج والإجازة هی التزویج فی الحقیقة»(1).

نعم، التنافی بین الْبَیْعِ والتزویج مفقود فإذا «باع الفضولی أَمَة المالک من شخص ثمّ زوّجها المالک من شخص آخر ثمّ أجاز البیع الواقع علی الأمة فإنّ کلاً من التزویج والإجازة صحیحان وتنتقل الأمة إلی المشتری مزوّجة»(2).

وللمشتری خیار الفسخ لأنّه اشتراها لاستیفاء منافعها، لا لِمُجَرَّدِ عِتْقِها فقط، والأمة المزوّجة غیر قابلة للاستیفاء بمنافع بُضْعها، فله الخیار فی الفسخ إن شاء والإمضاء کذلک.

ص:164


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/66.
2- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/67.
الثالث: الاستیجار

یُسْتَفادُ من کلام الشیخ الأعظم(1) أنّ إجازة المالک توجب تفویت قابلیة محلّ الإجازة کالاستیلاد والتزویج، لأنّ ملکیة المنافع تابعة لملکیّة الأعیان ومَنْ له ملکیة العین له ملکیة المنافع أیضا، وحیث أنّ عقد الإجازة صدر من مالکه وهو أهله ووقع فی محلّه فلا یبقی محلّ للإجازة، ولأنّ الفضولی باع العین من المشتری ولکن المالک ملّک منافعها للمستأجر وهذان متنافیان لایمکن اجتماعهما.

ولکن یرد علیه: بعدم وجود التنافی بین البیع والإجازة لأنّ مُتَعَلِّقَیْهِما مختلفان فالعین تتعلَّق بالبیع والمنافع تتعلَّق بالإجازة.

نعم، المالک إذا آجر داره ثمّ أجاز بیعها الفضولی، یرجع بیعه إلی بیع عین المسلوبة المنافع إلی مدّة الإجازة ولا تنافی بین البیع هکذا والإجازة.

وللمشتری فسخ بیعه لأنّه اشتری العین لمنافعها ثمّ ظهر أنّها مسلوبة المنافع فله الخیار فی الفسخ والإمضاء، هذا کلّه علی النقل.

وأمّا علی الکشف الحقیقی أو الحکمی بأقسامها فکلاهما صحیحان، والمالک قد فوّت المنافع علی المشتری ویضمنّها بأجرة المثل نحو ما إذا أتلفها بسکناها أو إسکان غیره.

نعم، لو کان الصادر من الفضولی أیضا إجازة فتکون منافیة للإجازة الصادرة عن المالک.(2)

3_ القسم الثالث: التصرفات غیر الناقلة

3_ القسم الثالث: التصرفات غیر الناقلة التی تودّی إلی ثبوت حقّ للغیر نحو الرهن الصادر من المالک بعد ما عقد الفضولی ثمّ أجاز البیع فیقع الرهن من المالک فی وسط بیع الفضولی وإجازته، فهل هذا الرهن ینافی ذلک البیع والإجازة بحیث لا یبقی معه مجال للإجازة المتأخرة أو لا تنافی بینهما وکلاهما _ البیع والرهن _ صحیحان؟

ص:165


1- 2 . المکاسب 3/477.
2- 3 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/67.

هذه المسألة مُبْتَنِیَةٌ علی مسألة جواز بیع الرهن وعدمه وفیها احتمالان:

الأوّل: الاعتماد علی ما ورد فی النبوی الضعیف أنّه قال صلی الله علیه و آله : الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف فی الرهن.(1)

ولا ریب بأنّ الاجازة والبیع تصرّف من الراهن _ الذی هو ممنوعٌ من التصرف _ فی الرهن، فتصرفه فیه باطل والرهن یکون موجبا لإلغاء الإجازة المتأخرة.

الثانی: وأمّا إذا طرحنا الروایة النبویّة لضعف سندها وعدم انجباره بعمل الأصحاب فیمکن القول بصحة الرهن والبیع معا، إذ لا یشترط فی الرهن أن یکون من مال الراهن المدیون ویجوز أن یکون ملکا لآخر وقد وضعه عند المرتهن وثیقةً لدینه، فَتَنْتَقِلُ العین إلی المشتری بِوَصْفِ کَوْنِها رهنا.

نعم، للمشتری خیار الفسخ لأنّ انکشاف الرهن فی المال نقص فیه وخلاف لمقتضی طلقیته.

ولکنْ هنا احتمال ثالث: ذهب إلیه المشهور(2) من فقهائنا _ رضوان اللّه تعالی علیهم أجمعین _ من عدم جواز بیع العین المرهونة توسط الراهن إلاّ بعد الاستئذ ان من المرتهن، کما أنّ المرتهن لا یجوز له بیع العین المرهونة إلاّ فیما إذا بلغ الأجل وطالب المرتهن من الراهن أداء دینه واستنکف عن الأداء فحینئذ یمکن أن یرفع أمره إلی الحاکم الفقیه وهو ولیُّ الممتنع فله أن یجیزه ببیع العین واستیفاء حقّه منها وأداء الباقی منها إلی الراهن.

وبالجملة: لو أجاز المرتهن بیع الراهن صح البیع والرهن معا وإلاّ صح الرهن والبیع یکون باطلاً، لأنّ الإجازة تکون مؤثّرة فی بیع الفضولی إذا صدرت من المالک الذی له أن یتصرّف فی ماله وبالرهن یکون ممنوعا من التصرّف فإجازته المتعقبة للرهن لاغیة وغیر مؤثرة.

ص:166


1- 1 . درر اللآلی 1/368 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/426، ح6.
2- 2 . کما فی العقد النضید 3/542.

ولهذا القسم من التصرفات فروع اُخَرُ نحو: ثبوت الحقّ للمجنی علیه علی الجانی، أو ثبوت حقّ الغرماء فی مال المُفَلَّس، أو ثبوت حقّ الإرث للزوجة من الأبنیة والدور بناءً علی ما هو المشهور من عدم توریثها من العقار(1) وغیرها وَتَظْهَرُ أحکامها بالتأمل.

4_ القسم الرابع: التصرفات التی لا تنافی المعاملة الفضولیة
اشارة

وقد مثّل لها الشیخ الأعظم(2) بمثالین هما:

أ: تعریض المبیع للبیع توسط المالک خلال بیع الفضولی وصدور الإجازة من المالک.

ب: البیع الفاسد بأن یبیع المالک العین بالبیع الفاسد فی الزمان الوسط بین عقد الفضولی وصدور إجازته.

ثمّ قال: «وهذا أیضا علی قسمین: لأنّه إمّا أن یقع حال التفات المالک إلی وقوع العقد من الفضولی علی ماله، وإمّا أن یقع فی حال عدم الالتفات»(3).

ثمّ اختار أَنَّ التعریض للبیع أو العقد الفاسد إذا التفت المالک إلی عقد الفضولی یکون مصداقا للردّ لأنّ معناهما أنّ المالک غیر راض بما أصدره الفضولی فیشمله عموم أنّ الإجازة بعد الردّ لغو.

بخلاف ما إذا لم یلتفت المالک إلی عقد الفضولی لأنّه جاهل به أو لم یلتفت إلیه فلا تکون تعریضه للبیع أو البیع الفاسد ردّا لعقد الفضولی ولا یترتب علیهما أحکام الردّ.(4)

واستدلّ الشیخ الأعظم(5) علی ما أفاده فی حال الالتفات من أنّهما یعدان الردّ باُمور:

الأوّل: إنّ هذا التصرف الصادر منه بنفسه یعدّ ردّا فعلیّا لبیع الفضولی.

ص:167


1- 1 . راجع العقد النضید 3/541.
2- 2 . المکاسب 3/479.
3- 3 . المکاسب 3/479.
4- 4 . المکاسب 3/480.
5- 5 . المکاسب 3/479.

ویرد علیه: الردّ من الاُمور الإنشائیة ومجرد تعریض المتاع للبیع أو العقد الفاسد لا یعدّ ردّا فعلیّا للعقد الفضولی مادام لم نحرز إنشاء الردّ بالفعل.

الثانی: الاستدلال بالإطلاقات الواردة فی نکاح العبد والأمة بغیر إذن مولاهُما(1)

وما ورد فی من زوَّجَتْه أُمّه وهو غائب من قوله علیه السلام : إن شاء قبل وإن شاء ترک.(2)

ثمّ ناقش الشیخ الأعظم فی هذا الاستدلال بقوله: «إلاّ أن یقال: إنّ الإطلاق مسوق لبیان أنّ له الترک فلا تعرّض فیه لکیفیته»(3).

والمناقشة فی محلّها لأنّ ما ورد فی النصوص إنّما هو فی مقام تجویز الردّ للسیّد والابن وأمّا الردّ یتحقّق بماذا؟ فلا نظر فیها إلیه أبدا.

الثالث: قال: «أنّ المانع من صحة الإجازة بعد الردّ القولی موجود فی الرد الفعلی وهو خروج المجیز بعد الردّ عن کونه بمنزلة أحد طرفی العقد»(4).

ویرد علیه: بقبول الکبری الواردة فی کلام الشیخ الأعظم بعدم وجود الفرق بین ردّی القولی والفعلی وأمّا أنّهما _ التعریض للبیع والعقد الفاسد _ من مصادیق الردّ الفعلی فهو أوّل الکلام، وأشبه شیءٍ بالمصادرة.

الرابع: فحوی الاجماع المدّعی علی أنّ الفسخ فی العقود الخیاریة یحصل بالفعل کالوط ء والبیع والعتق.

والوجه فی الفحوی والاُولویة: أنّ الفسخ رفع للملکیة الثابتة بأسبابها، والردّ دفع عن حصول الملکیة بالعقد الفضولی، والرفع أشکل من الدفع، فإذا ثبت أنّ الفعل یوجب الرفع مثلاً فهو یوجب الدفع بطریق أولی.

وردّ السیّد الخوئی علیه: بعدم وجود الاُولویة والفحوی فی المقام «لأنّ البیع والعتق إنّما یقتضیان الفسخ فی العقد الخیاری من أجل أنّ قصدهما حقیقة لا یتحقّق من

ص:168


1- 6 . وسائل الشیعة 21/114، الباب 24 من أبواب نکاح العبید والإماء.
2- 1 . وسائل الشیعة 20/280، ح3 من الباب 7 من أبواب عقد النکاح وأولیاء العقد.
3- 2 . المکاسب 3/479.
4- 3 . المکاسب 3/480.

غیر مالک المال والعبد فإنّ البیع عبارة عن المبادلة بین المالین وهی لاتتحقّق إلاّ بخروج المثمن عن ملک مَنْ دخل فی ملکه الثمن، کما أنّ العتق فکّ ملکیته وهذا لایتحقّق إلاّ بکون المعتَق _ بالفتح _ ملکا له، فالبیع والعتق یدلاّن بالدلالة الإلتزامیة علی أنّه رجع إلی ملکه وفسخ العقد الجائز، إذ لولاه لما یتحقّق منه قصد شی ء من البیع والعتق حقیقة، وهذا بخلاف الردّ فإنّ الملک ملکه حینئذ ولیس کالفسخ فإنّ الملک فیه للمشتری دون المالک، فتصرّفاته فی ملکه لا یحتاج إلی إرجاع الملکیة السابقة لأنه ملکه فلا یکون فیها دلالة

علی ردّ العقد الفضولی، فلا یمکن قیاس الردّ بالفسخ.

وأمّا الوط ء، فلا دلالة فیه علی الفسخ أبدا، إذ لایتوقّف الوط ء علی الملک کتوقّف قصد البیع والعتق حقیقة علیه بل یتحقّق بدون الملک أیضا لإمکان الزنا فی العالَم، فلعلّه لم یقصد الفسخ بل أراد الزنا، وحمل فعل المسلم علی الصحة إنّما یوجب عدم الحکم بزناه، وأمّا أنه یوجب حمله علی الفسخ فلا، لأنّه لا یثبت الصحة الواقعیة کما لا یخفی. نعم الوط ء فی العدّة الرجعیة بنفسه رجوع وإن قصد به الزنا لأنّها زوجته حقیقة وقصده ذلک لیس بشیء، لأنه نظیر قصد الزنا بزوجته.

فالمتحصّل: أنّ البیع الفاسد أو التعریض للبیع لا یکون ردّا کیف والبیع الصحیح لا یکفی فی الردّ، کما أنّهما لایوجبان سقوط المالک عن قابلیة الإجازة لعدم المنافاة بینهما وبین الاجازة، وهذا بخلاف البیع الصحیح، لأنّ الصحیح منه مؤثّر فی الانتقال فتقع الإجازة لغوا، هذا کلّه فی العقود اللازمة.

بقی الکلام فی مثل الوصیة والوکالة:

بقی الکلام فی مثل الوصیة والوکالة: وأنّه إذا أوصی لزید بماله أو وکّله فی بیع شیء ثمّ باعه بنفسه ببیع فاسد أو عرّضه للبیع فهل هما یوجبان بطلان الوصیة والوکالة أو لا؟

قد عرفت ممّا ذکرناه فی الفسخ بالبیع والعتق أنّ البیع وَنَحْوَهُ من الأفعال لا یوجب الفسخ والردّ فی أمثال المقام ممّا لا یتوقّف قصد البیع فیه حقیقة علی إرجاع الملکیة السابقة لعدم خروجه عن ملکه حتّی یتوقّف علی إرجاعها، فإن کان البیع الواقع علی المال صحیحا فهو مُنافٍ للوصیة والوکالة ومُعدم لموضوعهما لا أنّه فسخ، وأمّا إذا کان

ص:169

فاسدا أو تعریضا للبیع فهو لا یدلّ علی الفسخ کما عرفت ولا ینافیهما لعدم کونه مؤثّرا، فتکون الوصیة والوکالة صحیحتین وباقیتین علی حالهما ولعلّه ظاهرٌ»(1).

أقول: یُمْکِنُ جَرَیانُ ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی فی الوط ء فی البیع أو العتق بأنّ المالک باعه فضولة للمشتری من الفضولی أو أعتق العبد لمشتریه کذلک، أعنی البیع والعتق لایلازمان مع الفسخ، فما ذکره السیّد الخوئی فی الوط ء یجری فی البیع والعتق ولکن المهم فی المقام هو قیام الإجماع علی أنّ الفسخ یحصل بهذه الأمور الثلاثة وغیرها من التصرفات المالکیة فی العقود الخیاریة.

فمعقد الإجماع یکون علی تحقّق الفسخ فقط ولایرتبط بالردّ فی العقود الفضولیة. فما ذکره الشیخ الأعظم لایتم.

وبالجملة: التصرفات التی لاتنافی المعاملة الفضولیة لایعدّ ردّا بلا فرق بین حالتی الالتفات بها وعدمه.

وأمّا العقد الجائزة:

وأمّا العقد الجائزة: فلو صدر من المالک فی الوسط بین العقد الفضولی والإجازة عقود جائزة کما لو وهب ماله أو أوصی به ثمّ أجاز العقد الفضولی، الإجازة تامة لأنّ الإجازة الصادرة من المالک تعدّ فسخا لذلک العقد الجائز وتمّ العقد الفضولی خلافا لصاحب العقد النضید (2)_ مد ظله _ لأنّه یری أنّ ملکیة المالک قد زالت بالعقد الجائز وحتّی لو عادت ملکیته فإنّها تعدّ ملکیة جدیدة.

ویرد علیه: أوّلاً: فی مثل الوصیة ملکیته باقیة لاأقل فی بعض الصور.

وثانیا: لو سلّمنا بأنّ ملکیته بعد الفسخ ملکیّة جدیدة، فللمالک الإجازة بلا فرق بین أنْ تکون ملکیته سابقةً أو لاحقة وجدیدة.

کما مرّ فی البحوث السابقة والحمد للّه.

ص:170


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/71 و 70.
2- 1 . العقد النضید 3/546.

وَصْلٌ: مسائل حول بیع الفضولی

اشارة

ص: 171

ص: 172

المسألة الاولی: حکم المالک مع المشتری لو لم یجز

اشارة

إذا لم یجز المالک فإن کان المبیع فی یده فهو وإلاّ فللمالک انتزاع ماله ممّن المبیع فی یده مع بقاء الْمَبِیْعِ ویرجع بمنافعه المستوفاة علیه، وکذا غیر المستوفاة علی خلاف فی الأخیر کما مرّ فی الرابع من أحکام المقبوض بالعقد الفاسد من هذا الکتاب.(1)

ولو تلف المبیع یرجع المالک إلی من تلف عنده بمثله أو قیمته، وفی القیمة إلی قیمة یوم الأداء کما مرّ فی بحث ضمان القیمی بالقیمة.(2)

ولکن الشیخ الأعظم اختار قیمة یوم التلف کما اختاره فی بحث ضمان القیمی.(3)

ورَدِفَهُ بقوله: «أو بأعلی القیم من زمانٍ وقع فی یده»(4). وقد مرّ(5) استدلال الشیخ الأعظم لهذا الوجه ونقده منّا(6) فلا نعیده.

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «ولو کان قبل ذلک [أی التلف] فی ضمان آخرٍ وفُرض زیادة الیمة عنده ثمّ نقصت عند الأخیر، اختص السابق بالرجوع بالزیاة علیه کما صرّح

ص:173


1- 1 . راجع الآراء الفقهیة 4/395 و 404.
2- 2 . راجع الآراء الفقهیة 4/550.
3- 3 . المکاسب 3/251 وما بعدها.
4- 4 . المکاسب 3/483.
5- 5 . المکاسب 3/254.
6- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/545.

به جماعة فی الأیدی المتعاقبة»(1).

من المصرِّحین هو العلاّمة فی القواعد حیث یقول: «... ولو زادت فی ید الأوّل طولب بالزیادة دون الثانی...»(2).

وقال فی تذکرة الفقهاء: «هذا إذا لم تختلف قیمة العین فی یدهما أو کانت فی ید الثانی أکثر، ولو کانت فی ید الأوّل أکثر لم یکن للمالک مطالبة الثانی بالزیادة، لأنّها تلفت فی ید الأوّل قبل الوصول إلیه، وإنّما یطالب الأوّل بها لا غیر، ویستقرّ ضمانها علیه، فلیس له الرجوع علی الثانی بها، ولو رجع المالک علیه بالأصل والزیادة، کان له الرجوع علی الثانی بالأصل خاصة دون الزیادة»(3).

ووافقه الشهید الثانی فی المسالک(4) والمحقّق السبزواری فی الکفایة(5) والسیّد العاملی فی مفتاح الکرامة(6).

هذا القول مبنیٌّ علی ضمان الغاصب أعلی القیم من حین الغصب إلی حین التلف کما نبّه علیه المحقّق الثانی(7)، وهو خیرة جماعة من الفقهاء کما مرّ(8) وأدلته ونقدها أیضا(9) فلا نعید والحمد للّه المعید للنعم بغیر استحقاقها.

وأمّا الأوصاف

اشارة

فهی علی قسمین:

ص:174


1- 7 . المکاسب 3/483.
2- 8 . قواعد الأحکام 2/224.
3- 1 . تذکرة الفقهاء 2/377، السطر 35 من الطبع الحجری (19/185).
4- 2 . المسالک 12/156.
5- 3 . کفایة الأحکام 2/649.
6- 4 . مفتاح الکرامة 18/97.
7- 5 . جامع المقاصد 6/225.
8- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/511.
9- 7 . راجع الآراء الفقهیة 4/541.

أ: الوصف الذی یوجب الزیادة العینیة فی المال نحو: سمن النعاج.

ب: الوصف الذی یوجب الزیادة الحکمیة فی المال نحو: تعلّم العبد الکتابة أو الخیاطة اللَّتَیْنِ توجبان ارتفاع قیمته.

والأوّل حیثیته تقییدیّة:

والأوّل حیثیته تقییدیّة(1): أی تبذل بإزاءها المال وتقابل مقدار معین من المال بإزاء ذلک الوصف.

والثانی حیثیته تعلیلیّة:

والثانی حیثیته تعلیلیّة(2): أی المال تبذل بإزاء العبد لا الکتابة والخیاطة ولکنّهما

تستوجبان زیادة القیمة.

والفرق بینهما: إذا کانت العین متصفة بالوصف الأوّل فی تعریف البائع لمبیعه ثمّ ظهر بعد فقدانه فإنّ القاعدة تقتضی تخییر المشتری بین الخیار أو أخذ الأرش. وأمّا إذا کانت العین متصفة بالوصف الثانی ثمّ ظهر خلافه فإنّ القاعدة تقتضی ثبوت الخیار فقط لا الأرش.

ثمّ هل یضمن ویغرم المشتری الأوصاف أم لا؟
اشارة

بناءً علی ثبوت أعلی القیم من حین القبض إلی حین التلف أو الأداء، إذا کانت العین فی ید البائع متصفة بصفة کالخیاطة أو الکتابة أو الطباخة أو السمن فزالت العین عند المشتری فلا ینبغی الإشکال فی أنّ المشتری یغرم العین والصفة لأنّه بأخذه العین قد ضمنها بأوصافها.

وأمّا إذا کانت العین باقیة ولکن زالت أوصافها عند المشتری فلابدّ من غرم أوصافها الفائتة عند المشتری.

فرع:

فرعٌ: وإذا حصلت الاُوصاف عند المشتری وزالت عنده أیضا مع زوال عین المال

ص:175


1- 8 . الحیثیة التقییدیة: هی إنّ الحیثیة أو التحیث علی نحو جزء الموضوع نحو الناطق للإنسان، والاختلاف فیها یوجب التکثر فی الموضوع.
2- 9 . الحیثیة التعلیلیة: إذا کان التحیث خارجا عن ذات الموضوع نحو کون الشیء علّة أو معلولاً، لأنّهما یکون خارجا عن الذات وإن کان التحیث والتقیّد به داخلاً بشرط اتخاذهما علی نحو التقیّد لا القید. والاختلاف فیها لایوجب التکثر فی الموضوع.

أو بقاءها فهل یغرم المشتری للمالک العین مع الأوصاف فی الأوّل والأوصاف فقط فی الثانی _ أی فی فرض بقاء العین _ ؟

نعم، یغرم المشتری فی الفرضین للمالک، لأنّه بأخذه العیصن قد ضمن للمالک ثمنها واوصافها.

فرع آخر:

فرعٌ آخر: ثمّ هل البائع الفضولی یغرم هذه الاوصاف المتجددة الحادثة عند المشتری والتالفة عنده أیضا أم لا؟

ذهب المحقّق السیّد الخوئی(1) إلی عدم غرم البائع الفضولی تلک الاوصاف المتجدة والتالفة عند المشتری لأنّ العین التی کانت تحت ید البائع الفضولی لم تکن فیها هذه الاوصاف فلم یضمنها البائع الفضولی.

ولکن المحقّق النائینی(2) یری غرمه قیاسا بالمنافع بناءً علی ثبوت أعلی القیم من حین القبض إلی حین التلف أو الأداء.

وقد یقال فی الفرق بینهما: بأنّ المنافع تابعة للعین فی الضمان بخلاف الأوصاف.

ولذا قال المحقّق السیّد الخوئی: «ثمّ إذا قلنا بالضمان بأعلی القیم فیکون مبدأ أخذ ذلک بالنسبة إلی کل ضامنٍ زمان دخول العین تحت ضمانه، فیکون البائع الأوّل ضامنا من أوّل وضع یده علیها إلی زمان دفع القیمة حتّی أعلی القیم عند دخولها تحت الأیدی المتأخرة، وهکذا کل شخص یضمن ذلک من زمان وضع الید إلی زمان دفع القیمة، والوجه فی ذلک أنّ بمجرد وضع الید علیها ثبت ضمانها علیه إلی أن یؤدیها إلی مالکها وهذا المعنی مستمر إلی زمان الدفع ومنحلّ إلی ضمانات عدیدة فیؤخذ الأعلی القیم من جمیع تلک الضمانات، وأمّا الأشخاص المتأخرة لایضمنون علی الأعلی القیم قبل الأخذ، فلو کانت العین فی ید البائع الأوّل یحاذی بخمسة وباعها من المشتری وصارت عنده یحاذی بعشرین ثمّ نزلت قیمتها إلی أربعة وباعها من الآخر کذلک، وترقی قیمتها

ص:176


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/73، محاضرات فی الفقه الجعفری 2/467.
2- 2 . منیة الطالب 2/160.

عنده إلی خمسین ثمّ نزلت إلی عشرة فباعها کذلک إلی الآخر، فهذا الشخص الأخیر لا یضمن إلاّ علی العشرة لأنّه لم یأخذ زائدا عن ذلک ولم یدخل غیره تحت یده لیکون ضامنا علیه بمقتضی الید أو السیرة وأمّا السابقین علیه کلّهم یضمنونون بخمسین فإنّها فی عهدتهم من زمان وضع الید إلی حین الخروج من العهدة، ولو کان عند الأوّل بخمسین وعند الثانی بعشرین وعند الثالث بعشرة وعند الرابع بخمسة فلا یضمن بالخمسین إلاّ الأوّل والأخیر بالخمسة والثانی بالعشرین والثالث بعشرة لعین ما عرفت»(1).

ثمّ قال: «... ولکن الظاهر أنّ السابق لایضمن الصفات الحاصلة فی الید التالیة وإنّما الضامن لها لیس إلاّ من حدثت الصفات تحت یدها وذلک فإنّ مقتضی الید أو السیرة لیس إلاّ ضمان البائع الأوّل سواء کان غاصبا أو لا بالعین مع الحیثیات القائمة فیها، فهذه الحیثیة بالنسبة إلی المنافع موجودا فی العین فإنها متصفة بالفعل بحیثیة الانتفاع بها وقابلیة استیفاء المنافع منها بالفعل وهذا بخلاف الأوصاف فإنّ العین وإن کانت لها قابلیة السمن وقابلیة تعلّم الأوصاف الکمالیة ولکن حیثیاتها الفعلیة بحیث لو أراد أن ینفع الضامن من العین بهذه الصفات لا یمکن [لأنّها] غیر موجودة فیها بالفعل فلا یشمل دلیل الید إلاّ لِمَنْ تکون حدوثها عنده فقط دون السابق علیه ودون اللاحق به کما هو واضح»(2).

اعتراض الاستاذ المحقّق بأنّ التفصیل بین المنافع والأوصاف

واعترض علیه الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ بأنّ التفصیل بین المنافع والأوصاف بأنّ الأوّل مضمون علی الید السابقة برغم عجزها عن التصرف والانتفاع لأنّها فی تحت تصرف المشتری الآخر، والثانی غیر مضمون لأنّ الید السابقة لا تتمکن من الانتفاع بها لأنّها غیر موجودة عندها، غیرُ وجیهٍ لأنّ فی کلا الموردین الید السابقة غیر متمکن من التصرف والانتفاع فلابدّ من القول بالضمان فیهما أو عدمه فیهما والتفصیل غیر تام، وحیث ذهب المحقّق الخوئی رحمه الله إلی الضمان فی المنافع فلابدّ له من القول بالضمان فی

ص:177


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/337 و 338.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/339.

الأوصاف من باب قیاس المساواة أو الفحوی أو الأولویة القطعیة.(1)

أقول: قیاس المساواة أو الفحوی أو الأولویة القطعیة بین المنافع والأوصاف ممنوعة لأنّ الید علی العین یدٌ علی منافعها بلا فرق بین المستوفاة منها أو غیرها عرفا ولکن الید علی العین لیست یدا علی الأوصاف التی لم تحدث إلی الان وحدثت فیما بعد عرفا وهذا المقدار من الفرق یکفی فی صحة تفصیل المحقّق الخوئی رحمه الله والذی یسهل الخطب عدم تمامیة القول بثبوت أعلی القیم من حین القبض إلی حین التلف أو حین الأداء کما مرّ فی بحث القیمیات(2)، ونحن نقول بثبوت قیمة یوم الأداء وذمة الضامن مَشْغُوْلَةٌ بالعین التی أخذها من المالک فإذا سمنت عنده أو تعلّمت شیئا وبقی الْوَصْفان والمشتری ضامن للوَصْفَیْن. أمّا إذا زال الْوَصْفانِ فلیس علی المشتری ضمان بالنسبة إلی الوصف الزائل لأنّ العین حین وقعت تحت یده کانت فاقدة للوصف هذا إذا کانت العین موجودة، وأمّا إذا کانت تالفة فلیس علیه إلاّ قیمة العین التی وقعت تحت یده فی الیوم الأوّل ولکن بقیمة یوم الأداء لا قیمة یوم القبض ولا أعلی القیم من یوم القبض إلی یوم التلف أو یوم الأداء، والحمد للّه الذی له البقاء.

ص:178


1- 1 . راجع العقد النضید 3/557.
2- 2 . راجع الآراء الفقهیة 4/509 وما بعدها.

المسألة الثانیة: حکم المشتری مع البائع الفضولی

اشارة

وفیها مقامان من البحث:

أحدهما: ما إذا کان المشتری جاهلاً بالفضولیة أو الغصبیة أَوْناسِیا لهما أو مُشْتَبِها بینهما وبین غیرهما.

ثانیهما: ما إذا کان المشتری عالما بالفضولیة أو الغصبیة أو نحوهما.

وأمّا المقام الأوّل:

اشارة

فقال الشیخ الأعظم: «أنّه [المشتری] یرجع علیه بالثمن إن کان جاهلاً بکونه فضولیا سواء کان باقیّا أو تالفا...»(1).

ففی هذا المقام لا إشکال فی أنّ المشتری یرجع إلی البائع الفضولی بعین ماله إذا کانت موجودة وبقیمتها أو مثلها إذا کانت تالفة لعموم قوله علیه السلام : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی.(2)

ولأنّ ید البائع علیها عدوانیة فللمشتری أن یطالبه بردّها أو مثلها أو قیمتها بمقتضی عموم قاعدة الناس مسلطون علی أموالهم.

إن قلت(3): کیف یرجع المشتری إلی البائع الفضولی مع اعتراضه بأنّ المال ملک البائع واشتری منه العین حسب الفرض.

ص:179


1- 1 . المکاسب 3/484.
2- 2 . مستدرک الوسائل 14/8، ح12، الباب 1 من أبواب کتاب الودیعة.
3- 3 . ذکره الشیخ الأعظم بقوله: «لا یقدح فی ذلک اعتراضه بکون البائع مالکا...». المکاسب 3/484.

قلت: هذا الاعتراف یأتی علی صور:

الصورة الاولی: أن یکون هذا الاعتراف مستندا إلی قاعدة الید والمشتری بمقتضی قاعدة الید بنی علی أنّ البائع مالک للعین ولذا اشتراها منه وفی هذه الصورة

یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع وأخذ الثمن منه، لأنّ البینة التی أقامها المالک علی أنّ المال لیس ملکا للبائع توجب سقوط قاعدة الید لأنّ البینة حاکمة علی قاعدة الید وتوجب زوال موضوعها لأنّ الشک مأخوذ فی موضوع قاعدة الید والبینة تزیل الشک تعبدا فلا یبقی لها موضوع بعد البینة، فله أن یَرْجِعَ إلی البائع وَیَأْخُذَ الثمن منه.

هذا کلّه فی الصورة الاولی.

وأمّا الصورة الثانیة: فالاعتراف مستند إلی العلم بمالکیة البائع خارجا بحیث یری البینة التی أقامها المالک کاذبة ویدّعی استحقاق البائع للعین ثمّ الثمن، فلا إشکال فی أنّ المشتری مأخوذ علی مقتضی علمه ولا عبرة بالبینة والطریق مع فرض وجود العلم والقطع فلا یجوز للمشتری مطالبة البائع بالثمن لأنّه یراه مالکا للعین ومُسْتَحِقّا لما أخذه من الثمن.

وأمّا الصورة الثالثة: فهی صورة الجهل بالمستند بحیث لا یُعْلَم بأنّ مستند اعترافه هو قاعدة الید أو العلم فهل تلحق بالصورة الاولی من جواز الرجوع إلی البائع أو بالصورة الثانیة من عدمه؟

قال الشیخ الأعظم فی هذه الصورة: «... ولو لم یُعْلَمْ استناد الاعتراف إلی الید أو إلی غیره ففی الأخذ بظاهر الحال من استناده إلی الید أو بظاهر لفظ «الاقرار» من دلالته علی الواقع وجهان»(1).

ولم یرجّح أحد الوجهین علی الآخر، لأنّ المتعارف فی المعاملات بناءها علی قاعدة الید کما ورد فی معتبرة حفص بن غیاث: لو لم یجز هذا لم یتم للمسلمین سوق.(2)

ص:180


1- 1 . المکاسب 3/484.
2- 2 . وسائل الشیعة 27/292، ح2، الباب 25 من أبواب کیفیة الحکم.

فهم یَرَوْنَ ذا الید مالکا وَیُعامِلُوْنَهُ معاملة المالک.

وکذلک الثابت من السیرة العملیة العقلائیة إنّهم یعتبرون المتاع ملکا لبائعه لأنّ ظهور الحال بل المقال مَنْ یتصدّی لبیع المتاع أنّه مالک له ومن یشتری منه یعلم ویقرّ بملکیته فلذا ورد فی الشراء منه فهذا الاقرار مستند إلی العلم والواقع لا علی قاعدة الید.

وعند تعارض المستندان _ أی قاعدة الید والعلم _ إمّا أن یکون الدلیلان قاصِرَیْنِ فی مرتبة الاقتضاء حتّی یشمل فرض التعارض، وإمّا بعد فرض الشمول یتعارضان ویتساقطان فلا یبقی مستند فی المقام ولذا الشیخ الأعظم یتردّد فیه ولم یرجّح أحدهما

علی الآخر.

مقالة المحقّق الأصفهانی ونقده:

قال قدس سره : «الکلام تارة فی مقام الواقع وجواز الرجوع علی البائع، واُخری فی مقام الرجوع علیه بالترافع عند الحاکم.

أمّا الأوّل: فإمّا أنْ ینکشف عند المشتری کذب البائع وأنّه فضول، وإمّا أنْ یکون عالما بأنّه مالک، فلا إشکال فی جواز الرجوع فی الأوّل، وعدمه فی الثانی واقعا.(1)

وإمّا أنْ لا ینکشف عنده کذبه وصدقه فله _ بعد قیام البینة بحسب ظاهر الشرع(2)_ الرجوع إلی البائع واقعا(3)، لأنّ البیع باطل بحکم الشارع الذی لم یتبین خلافه، فالثمن

ص:181


1- 1 . لأنّه بعد وقوع العقد صحیحا لا یحق له الرجوع إلی البائع الفضولی واسترجاع ثمنه.
2- 2 . لأنّ البینة لاتکشف عن الواقع وإنّما هی مجرد أمارة ویحتمل مخالفتها للواقع لکنّها حجة ویحق له الرجوع إلی البائع بمقتضاها.
3- 3 . قال فی العقد النضید 3/563: «مراده من «واقعا» هو الواقع فی مقابل حکم القاضی ویقصد به الواقع فی مقابل الترافع الشرعی أمام الحکم، أی یحقّ للمشتری الرجوع فی هذه الصورة إلی البائع واسترجاع الثمن مع غمض العین عن حکم القاضی...». أقول: یردّه ما ورد فی ذیل کلام المحقّق الأصفهانی: «هذا إن کان بطلان المعاملة شرعا مستندا إلی قیام البینة عند الحاکم ببطلان البیع». فالمراد من الواقع لیس ما ذکره الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ ولا یمکن القول بأنّ مستند الحکم یکون ظاهریّا وأمّا الحکم الذی یتولّد منه حکما واقعیا وسبحان من لا یسهو.

باقٍ علی ملک المشتری شرعا، والناس مسلطون علی أموالهم، هذا إنْ کان بطلان المعاملة شرعا مستندا إلی قیام البینة عند الحکم ببطلان البیع.

وإنْ کان لأجل الیمین المردودة من البائع علی المدعی، فغایة ما یستدعی الیمین المردودة کونها میزانا لفصل الخصومة باخذ المبیع وإعطائه للمدعی، لا أنّها طریق شرعی إلی کونه ملکا للمدعی بحکم الحاکم، ولا مزیل فعلاً للملکیة، بل المال باقٍ علی ملک مالکه وإنْ لم یجز له التصرف فیه ظاهرا أو باطنا أیضا، ولذا لو ندم الحالف کذبا وأراد إرجاع المال إلی صاحبه لا حاجة فیه إلی تملیکه إیّاه.

وأمّا کون الیمین المردودة بمنزلة البینة من الحالف، لأنه مدعٍ وظیفته إقامة البینة، أو بمنزلة الإقرار من الرادّ، لأنه کالاعتراف بأنّ القول ما یقوله المدعی بحلفه، فإنّما هو بلحاظ بعض الآثار لا أنّها طریق حقیقة إلی ملکیة العین للحالف.

وأمّا الثانی: وهو الرجوع بالترافع عند الحاکم، فلا مانع من رجوعه إلاّ إقراره

بشرائه منه صحیحا، فیکون اعترافا بمالکیته، وأنّ المدعی کاذب، فإنْ علم باستناده إلی یده فقد ظهر خلافه بأمارة أقوی منها فلا إقرار منه.

وإنْ علم عدم استناده إلیه بأنْ أصرَّ علی کونه مالکا _ حتّی بعد قیام البینة _ فإقراره مانع عن رجوعه عند الحاکم، فإنّ مقتضاه صحة البیع بنظره، وأنّ المدعی کاذب وهو بالتصرف فیما أخذه غاصب.

وإنْ لم یعلم استناده فی اعترافه إلی الید، فظاهر حال المتعاملین الاستناد فی الاقدام علی الشراء إلی الید، وظاهر قوله «أنّه مالک، وأنّی قد إشتریته منه» _ لمکان کشف اللفظ عن الواقع _ هو الاستناد إلی غیر الید التی هی إمارة علی الملک، وحیث إنّ ظاهر اللفظ حجة دون ظاهر الحال، فیحمل إقراره علی استناده فیه إلی غیر الید، فیمنع عن رجوعه إلی المشتری عند الحاکم»(1).

أقول: یمکن أن یناقش علیه:

ص:182


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/287 و 288.

أوّلاً: بما مرّ من عدم إمکان الجمع بین قوله: «... فله _ بعد قیام البینة بحسب ظاهر الشرع الرجوع إلی البائع واقعا». والحکم الظاهری لا یولد إلاّ حکما ظاهریا لا حکما واقعیا.

ثانیا: عدّ الیمین المردودة فصلاً للخصومة فقط، «لا انّها طریق شرعی إلی کونه ملکا للمدعی بحکم الحاکم ولا مزیل فعلاً للملکیة بل المال باق علی ملک مالکه...».

ولکن یرد علیه: بعدم الفرق بین الیمین المردودة والیمین المنکر والبینة من عدم اثبات الواقع بهنّ، فکلهنَّ من هذه الجهة علی حدّ سواء ولکن یجوز للغیر التعامل معهنّ وشراء هذا المال من صاحبهنَّ أو توریث المال لوارثه، لأنّ التعامل یتوقف علی الملکیة _ ولو ظاهرا _ وکذلک التوریث.

والشاهد لما ذکرنا ما ورد فی صَحِیْحَةِ ابن أبییعفور عن أبیعبداللّه علیه السلام : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : من حلف لکم باللّه علی حق فصدّقوه، الحدیث.(1)

ووجوب التصدیق یستلزم أن تکون الیمین من الاْءَماراتِ التی تکشف عن الحقّ کالبینة، فلا فرق بینهما. وتفصیل المُحَقّقِ الأصفهانی فی غیر محلّه.

ثالثا: ما ورد فی مقالته ب_ «انّ ظاهر اللفظ حجة دون ظاهر الحال» لا یتم، لأنّ

ظاهر الحال کظاهر اللفظ یعدّان من الظنون الخاصة وکلاهما حجتان ولو لم یکن ظاهر الحال حجة فکیف تَصِحُّ حجیة الإطلاق المقامی والحالی.

ونعلم بأنّ «مستند حجیتهما السیرة العقلائیة القائمة علی اعتبار ظاهر الحال وحجیته فی موارد عدیدة:

منها: فی تمییز المدّعی عن المنکر فی باب القضاء، وتقدیم قول المنکر لظاهر حاله حیث فسر أصحابنا(2) المدّعی بمَنْ یکون قوله مخالفا للظاهر والمنکر من وافق قوله الظاهر ولو لا حجیة ظاهر الحال لما کان مقدّما.

ص:183


1- 2 . وسائل الشیعة 27/245، ح2، الباب 9 من أبواب کیفیة الحکم.
2- 1 . علی قولٍ.

ومنها: الحکم(1) بمقتضی ظاهر الحال عند اختلاف الزوجین فی الأمتعة حیث حکم الإمام(2) علیه السلام بملکیة الزوجة لها متعمدا فی ذلک علی ظاهر الحال وأنّ العروس تأتی عادة بجهازها معها...»(3).(4)

ص: 184


1- 2 . راجع الاستبصار 3/47.
2- 3 . وسائل الشیعة 26/213، ح1، الباب 8 من أبواب میراث الأزواج صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج وفیها: «... أنّ الجهاز والمتاع یُهدی علانیة من بیت المرأة إلی بیت زوجها فهی التی جاءت به، وهذا المدّعی فإن زعم أنّه أحدث فیه شیئا فلیأت علیه البینة».
3- 4 . العقد النضید 3/569.
4- 5 . قال الشهید فی الدروس 2/110 و 111: «لو تداعی الزوجان متاع البیت ففی صحیحة رفاعة [وسائل الشیعة 26/216، ح4] عن الصادق علیه السلام : «له ماللرجال، ولها ما للنساء ویقسّم بینهما ما یصلح لهما» وعلیها الشیخ فی الخلاف [6/352، مسألة 27]. وفی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج [الکافی 13/651، ح1 (7/130)؛ التهذیب 6/297، ح831، وفیه 9/301، ح1078 بسنده عن ابن أبیعمیر] عنه علیه السلام : «هو للمرأة»، وعلیها فی الاستبصار [3/47]. ویمکن حملها علی ما یصلح للنساء توفیقا، وفی المبسوط [8/310] یقسّم بینهما علی الاطلاق، سواء کانت الدار لهما أو لا، وسواء کانت الزوجة باقیة أو لا، وسواء کانت بینهما أو بین الورّاث، والعمل علی الأوّل». فما ذکره الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ یتم علی أحد الأقوال وإحدی الروایتین، راجع الجواهر 40/(494-496). أقول: فی هذه المسألة _ تداعی الزَّوْجَیْنِ أو ورثتهما متاع البیت _ لو کان فی البین ظاهر حال جهاز المرأة یحکم بأنّ المتاع لها إلاّ مختصات الرجل أخذا بصحیحة ابن الحجاج [وسائل الشیعة 26/213، ح1] ولو لم تکن هذه السیرة وظاهر الحال ما کان من متاع المرأة فلها وما کان من متاع الرجل فله وقسّم مابقی بینهما، أخذا بصحیحة رفاعة [وسائل الشیعة 26/216، ح4[ ومن استولی علی شی ءٍ من المتاع فهو له أخذا بصحیحة یونس بن یعقوب [وسائل الشیعة 26/216، ح3] وبهذا البیان نجمع الروایات المتعارضة الواردة فی المقام والحمد للّه رب العالمین.

والحاصل: ما ذکره المحقّق الأصفهانی من عدم جواز رجوع المشتری إلی البائع الفضولی فی الصورة الثالثة محل تأمل بل منع.

مقالة المحقّق السیّد الخوئی ونقده:

قال رحمه الله : «... الظاهر إلحاقه [أی الصورة الثالثة] بالقسم الأوّل وسقوطه بالبینة وذلک لأنّ مقتضی عموم علی الید أو قاعدته ثبوت الضمان إلاّ فیما إذا علم المالک بعدم الضمان وأنّ المال له، وفی المقام اعترافه به مشکوک فلا یمکن رفع الید فیه عما اقتضاه القاعدة.

وبعبارة اُخری: دلیل البینة بالالتزام دال علی سقوط الاعتراف وجواز الرجوع إلی البائع إلاّ فیما إذا ثبت کون اعترافه عن علم وغیرمستند إلی الید»(1).

وقال: «والدلیل علی ذلک أنّ الحجج الشرعیة لا موجب لرفع الید عنها إلاّ بحجة اُخری فالبینة القائمة علی أنّ المبیع للمدعی دون البائع من الحجج الشرعیة وإنّما نرفع الید عنها هنا بواسطة اقرار المشتری علی أنّ المال للبائع مستندا فی إقراره هذا إلی العلم، فإنّه یؤخذ بإقرار کما عرفت، فلا یثبت له الرجوع إلی البائع بمقتضی البینة القائمة علی أنّ المال للمالک دون البائع لکون إقراره هذا حجة وأمّا فی ما لم یثبت ذلک الإقرار ولا علم لنا فی کونه مستندا إلی العلم الوجدانی لیکون إقراره قابلاً لأخذ مقرِّه به، بل یمکن مستندا إلی الید فلا موجب لرفع الید به عن البینة، وإلاّ یلزم رفع الید عن الحجة بغیرها، ویکفینا الشک فی ذلک أیضا لأنّه لایمکن رفع الید عن الحجة بأمر یحتمل کونه حجة قائمة علی خلافها»(2).

أقول: ویرد علیه: أوّلاً: عند تعارض الأدلة متی کان اقتضاء الحجیة فی أحد الطرفین [الأوّل] تامّا واقتضاء المانعیة فی الثانی مفقودا، بناءً علی قاعدة لزوم رفع الید عن اللاحجة بالحجة یلزم الأخذ بالحجة [الأوّل] ورفع الید عن اللاحجة، وأمّا مع تبدّل النسبة بمعنی عدم تمامیة اقتضاء الحجیة فی الأوّل وقیام ما یحتمل المانعیة فی الثانی فلا

ص:185


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/468، ونحوها فی التنقیح فی شرح المکاسب 2/75.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/341.

مجال لتقدیم الأوّل أخذا بالقاعدة، بل القاعدة تقتضی عکس ذلک _ أی رفع الید عن الأوّل والأخذ بالثانی _ لعدم وجود المقتضی فی الأوّل. وما نحن فیه من قبیل تبدیل

النسبة لا من قبیل المورد الأوّل الذی ذکره السیّد الخوئی، هذا بالنسبة إلی الکبری المذکورة فی کلامه.

وثانیا: علی ما ذکرنا من تبدیل النسبة بعد ما أقام المالک البینة علی ملکیة العین، لا ندری بأنّ المشتری فی بیعها یستند إلی قاعدة الید حتّی تحکمها البینةُ أو إلی العلم حتّی لا تجری فی حقّه البینة، فحینئذ لایمکن الأخذ بالبیّنة لأنّها تفقد حجیتها عند معارضتها مع العلم ویجری فی حقّها ما ذکرته من تبدیل النسبة بعد مجیء هذا الاحتمال.

وثالثا: حُجِّیَةُ البینة فی الفرض مَنُوْطَةٌ بانحلال العلم الإجمالی بین المستندین _ قاعدة الید أو العلم _ ولا دلیل علی الانحلال فی کلامه إلاّ البینة، فکلامه یرجع إلی الدور المصرح الباطل.(1)

ورابعا: الظاهر أنّ الأمر علی عکس ما ذکره هذا المحقّق _ کما مرّ _ لأنّ «ظهور الاعتراف هو الأخبار عن الواقع ومقتضی دلیل نفوذ الإقرار علی المقر حتّی مع البینة هو طرح البینة فی دلالتها الالتزامیة، لأنّه لا اعتبار للبینة مع الاعتراف کما هو المقرر فی باب القضاء»(2). فما ذکره قدس سره من أنّ «دلیل البینة بالالتزام دال علی سقوط الاعتراف»(3) غیر تام.

وخامسا: حکم الحاکم بأنّ العین للمالک لایلزم أن یکون فی جمیع الموارد بالبینة، بل یمکن أن یکون بالیمین المردودة من البائع «ومعه لا یکون فی البین تلک الدلالة الالتزامیة»(4).

ص:186


1- 1 . الإشکالات الثَّلاثَة للأُستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی العقد النضید 3/561 و 562.
2- 2 . إرشاد الطالب 4/100.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/468.
4- 4 . إرشاد الطالب 4/100.
المختار فی حکم الصورة الثالثة

إنّ هاهنا فَرْضَیْن:

الأوّل: إذا أقام المالک البینة عند المشتری بأنّه هو المالک، لا البائع وأخذ العین منه هل یجوز له أن یرجع إلی البائع لأخذ ثمنه منه؟ الظاهر عدم الجواز مادام المشتری مترددا بین أنّ مستند شرائه قاعدة الید أو العلم بملکیة البائع، لأنّ وجود هذا العلم الاجمالی یمنع عن العمل بالبینة، ولکن إذا انحلّ هذا العلم إلی أحد طرفیه بالتأمل یلحق به حکم هذا

الطرف بالإلحاقه إلی الصورة الاُولی أو الثانیة.

الثانی: إذا ترافع المالک والمشتری عند الحاکم الشرع وأقام المالک البینة وحکم الحاکم بها بأنّه هو المالک فهل یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع وأخذ الثمن منه؟ الظاهر هو عدم الجواز مادام علمه الإجمالی بین قاعدة الید أو العلم باق. وکذلک لو حکم بمالکیة المالک بالیمین المردودة بلا فرق.

اللهم إلاّ أن یقال: بأنّ المشتری أعطی البائع الثمن فی معاوضة معاملیة وإذا انتفت هذه المعاملة وأُخِذَ العین منه فهو یرجع إلی البائع ویأخذ ثمنه منه لعدم وجود المثمن فی هذه المعاملة فتکون باطلة ویجوز للمشتری أخذ ثمنه من البائع بلا فرق بین مستند شرائه وبین إقامة البینة عند المشتری أو عند الحاکم واللّه العالم.

أمّا المقام الثانی: إذا کان المشتری عالما بالفضولیة والثمن باقیا

اشارة

ففیه جهات من البحث:

الجهة الاولی: هل البائع یملک الثمن بتسلیط المشتری أو أنّه لا یدخل فی ملکه؟

قال الشیخ الأعظم: «فإن کان الثمن باقیا استردّه وفاقا [للمحقّق(1) و] العلاّمة(2)

ص:187


1- 1 . الرسائل التسع 307، زیادة منّا.
2- 2 . قواعد الأحکام 2/19، تذکرة الفقهاء 10/18، مختلف الشیعة 5/56.

وولده(1) والشهیدین(2) والمحقّق الثانی(3) [والأردبیلی(4) والسبزواری(5)] رحمهم الله إذ لم یحصل منه ما یوجب انتقاله عنه شرعا...»(6).

ثمّ ذهب إلی عدم تملیک البائع الثمن بتسلیط المشتری بوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: التسلیط لیس من أحد المملِّکات ولم یحصل هناک سبب آخر للتملیک فلا موجب لصیرورة الثمن ملکا للبائع.

وهذ الوجه تام لأنّ التسلیط یعدّ من موارد أکل المال بالسبب الباطل.

الوجه الثانی: لو کان التسلیط مملِّکا لکان کذلک فی جمیع البیوع الفاسدة مع أنّ التسلیط فیها لم یلتزم أحد بکونه موجبا للتملیک.

واعترض علیه المحقّق الأصفهانی بقوله: «أنّ التسلیط فی غیر ما نحن فیه بعنوان الوفاء بالمعاملة وحیث لا ملک من قبل المعاملة لفرض فسادها کان التسلیط بعدها لغوا، بخلاف التسلیط هنا فإنّه بعنوان الوفاء، فإنّ مقتضی الوفاء بالمعاملة مع المالک تسلیط المالک لا غیره...»(7).

ووافقه السیّد الخوئی وقال: «إنّ قیاس التسلیط فی المقام علی التسلیط فی البیوع الفاسدة قیاس مع الفارق، فإنّ التسلیط فی المقام مع العلم بأنّ الآخذ غاصب وغیر مستحق للمال تسلیط من دون التضمین وأمّا فی البیوع الفاسدة فالإعطاء للمال من جهة أنّه عوض للمبیع فیکون تسلیطا مع الضمان.

ص:188


1- 3 . إیضاح الفوائد 1/418 و 421.
2- 4 . الدروس 3/193؛ اللمعة الدمشقیة /110؛ والمسالک 3/160 و161 و12/224؛ الروضة البهیة 3/234.
3- 5 . جامع المقاصد 4/77.
4- 6 . مجمع الفائدة والبرهان 8/165، زیادة منّا.
5- 7 . کفایة الأحکام 1/450، زیادة منّا.
6- 8 . المکاسب 3/484.
7- 1 . حاشیة المکاسب 2/288.

وبعبارة أُخری: البیع الغرری أو الربوی سبب للملکیة عند العرف وإنّما حکمنا بفسادهما لأجل المنع عنهما شرعا وأمّا فی المقام [فهو] تسلیط مجانیٌ ولیس موجبا للملکیة عند العرف أیضا وکم فرق بینهما کما هو ظاهر، وقد أشار إلی ذلک هو قدس سره بعد أسطر فراجع»(1).

أقول: مراده هذا البیان من الشیخ الأعظم رحمه الله : «بأنّه إنّما سلّطه فی مقابل ملک غیره فلم یُضمّنه فی الحقیقة شیئا من کیسه، فهو یشبه الهبة الفاسدة والبیع بلا ثمن والإجارة بلااُجرة التی قد حکم الشهید(2) وغیر واحد(3) بعدم الضمان فیها»(4).

ولکن قیاس الشیخ الأعظم تام لأنّ التسلیط هنا أیضا فی مقابل العین التی اشتراها من الفضولی فالمعاوضة موجودة والتسلیط لیس بمجانی، فلو کان التسلیط مملِّکا لکان فی جمیع البیوع الفاسدة وهو مردودٌ.

الوجه الثالث: التسلیط لو کان مملِّکا للبائع الفضولی لکانت المعاملة الفضولیة

باطلة لأنّ تملک البائع الثمن یقتضی فوات محلّ إجازة المالک لعدم وجود الثمن فی معاملة المالک حینئذ ویکون بیعه بلا ثمن ثمّ أمر الشیخ الأعظم بالتأمل.(5)

ویرد علیه: لا یتم هذا الوجه لأنّ بناءً علی الکشف، تسلیط المشتری البائع یکون تسلیطا علی مال الغیر لأنّ بالعقد ینتقل الثمن إلی المالک بعد صدور إجازته فلا ینتقل إلی البائع أصلاً.

وأمّا علی القول بالنقل أیضا فَإنَّ التسلیط لم یکن مجانیا لأنّ المعاوضة والمبادلة فی صورة صدور الإجازة من المالک موجودة بین المالین، وفی فرض عدم صدورها من

ص:189


1- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/76.
2- 3 . نقل السیّد العاملی البیع بلا ثمن عنه فی مفتاح الکرامة 4/440 (من الطبعة للاولی) (13/674).
3- 4 . جامع المقاصد 7/120، مسالک الأفهام 5/184.
4- 5 . المکاسب 3/486.
5- 1 . المکاسب 3/485.

المالک أیضا قد مرّ فی الوجه الأوّل بأنّ التسلیط لم یکن مملِّکا للبائع ولعلّ الشیخ الأعظم نَظَرَ إلی هذا البیان فی أمره بالتأمل فی ختام هذا الوجه.

الوجه الرابع: الذی ذکره المحقّق النائینی رحمه الله ویراه صحیحا دون الثلاثة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره وهو: لو فُرض أنّ التسلیط فی المقام یوجب التملیک للبائع وأنّه کالهبة مثلاً إلاّ أنّه لاینبغی الإشکال فی أنّه ملک جائز ولا یزید علی الهبة الجائزة بوجه ولا مانع فیها من الرجوع واسترداد العین أبدا، فللمشتری أن یرجع علی البائع بثمنه لأنّه کالهبة الجائزة بالتسلیط.(1)

ویرد علیه: هذا البیان منه قدس سره إنِّما یتم فی فرض عدم کون الهبة لِذِیْ رحم أو مُعَوّضة أو لم یتصرف الموهوب له أیّ تصرف فی العین کالخیاطة والبیع أو غیرهما من أنحاء التصرف وإلاّ فالهبة تصیر لازمة ولا یمکن للواهب الرجوع فی هبته مع أنّ البحث هنا فی رجوع المشتری إلی البائع مطلقا تصرّف فی الثمن أم لا؟ کان المشتری ذا رحم أم لا؟ فهذا الوجه أخص من المدعی ولا یتم.

والحاصل: إذا کان الثمن باقیا فللمشتری العالم بالفضولیة جواز استرجاعه لأنّه دفعه إلی البائع فی قبال العین والمثمن لا مجانا فمع عدم صدور إجازة المالک یسترجع ثمنه بقاعدتی علی الید والسلطنة.

الجهة الثانیة: هل یجوز أن یتصرف البائع فی الثمن؟

یظهر حکم تصرفه ممّا مرّ فی الجهة الأُولی، إذ بعد ما لم یتحقّق سبب شرعی لانتقال الثمن إلی البائع فلا وجه لتصرفه فیه، وتصرفاته تعدّ عدوانیة ومحکومة بالحرمة

تکلیفا والبطلان وضعا.

الجهة الثالثة: إذا تلف الثمن الذی أخذه البائع فهل یکونُ ضامنا له للمشتری؟
اشارة

فی فرض علم المشتری بالفضولیة أو الغصبیة وتلف الثمن عند البائع فهل البائع ضامِنٌ للمشتری بثمنه أم لا؟

ص:190


1- 2 . منیة الطالب 2/162.

ذهب المشهور إلی عدم ضمان البائع _ کما مرّ مصادره فی الجهة الأُولی من البحث _ بل ادعی علیه الإجماع(1) وتبعهم الشیخ الأعظم والمحقّقان النائینی(2) والأصفهانی(3).

واستدلّ الشیخ الأعظم(4) علی عدم الضمان بأنّ الدلیل علی الضمان أمران:

الأوّل: قاعدة علی الید ما أخذت حتّی تؤدی المرتکزة عند العقلاء حیث إنّهم یرون أخذ مال الغیر وإثبات الید علیه موجبا لضمانه.

الثانی: قاعدة الإقدام علی الضمان _ کما ذکره الشیخ(5) والشهید الثانی(6) _ فی المقبوض بالبیع الفاسد.(7)

ولا تجری هاتان القاعدتان فی المقام:

وأمّا قاعدة علی الید: وإنْ کانت الید موجودة إلاّ أنّ القاعدة مخصصة بما ورد فی عدم ضمان من استأمنه المالک علی ماله ودفع ماله إلیه لحفظه نحو موارد الودیعة(8) أو الانتفاع به کما فی موارد العاریة(9) أو استیفاء المنفعة منه کما الإجارة، فحینئذ بطریق الأولویة القطعیة أو الفحوی الموافق لا تجری قاعدة علی الید فی مورد التسلیط وإجازة

ص:191


1- 1 . ادعاه العلاّمة الحلی فی تذکرة الفقهاء 10/18، وتلمیذه وابن اخته السیّد عمیدالدین فی کنزالفوائد 1/378، وولده فخرالمحقّقین فی الإیضاح 1/421، والکرکی فی جامع المقاصد 4/77.
2- 2 . منیة الطالب 2/163.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/293.
4- 4 . المکاسب 3/486 و 487.
5- 5 . المبسوط 3/65 و 68 و 85 و 89، و 2/204.
6- 6 . المسالک 3/154، و 4/154.
7- 7 . راجع ما کتبته حول قاعدة الإقدام فی الآراء الفقهیة 4/331 وما بعدها.
8- 8 . راجع وسائل الشیعة 19/79، الباب 4 من أبواب کتاب الودیعة.
9- 9 . راجع وسائل الشیعة 19/91، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة ووسائل الشیعة 19/96، الباب 3 منها.

التصرف فی الثمن، وعلیه فی ما نحن فیه.

وبالجملة: قاعدة علی الید مخصّصة بِالْمَوارِدِ التی یرضی المالک بالید والتصرف فی الشی ء وَیُجیزُ.

وأمّا قاعدة الإقدام: فَهِیَ أیضا لا تجری فی المقام لاِءَنَّ البائع الفضولی لم یقدم علی الضمان وأخذ العین بل سلّطه المشتری علی الثمن مع علمه بفضولیته أو غاصبیته وأنّ المال غیر مستحق له. فالبائع لم یقدم علی التصرف والضمان بل المشتری سلّطه علی ماله من دون تضمین.

أَرْبَعَةُ إشکالات وأجوبتها من الشیخ الأعظم
الأوّل:

الأوّل: قال: «دعوی: أنّه إنّما سلّطه فی مقابل العوض، لا مجانا حتّی یشبه الهبة الفاسدة التی تقدّم عدم الضمان فیها.

مندفعة: بأنّه إنّما سلّطه فی مقابل ملک غیره، فلم یُضمّنه فی الحقیقة شیئا من کیسه، فهو یشبه الهبة الفاسدة(1) والبیع بلا ثمن(2) والإجارة بلا أُجرة(3) التی قد حکم الشهید وغیر واحد(4) بعدم الضمان فیها»(5).

الثانی:

الثانی: قال: «إن قلت: تسلّطه علی الثمن بإزاء مال الغیر لبنائه ولو عدوانا علی کونه ملکا له، ولو لا هذا البناء لم یتحقّق مفهوم المعاوضة _ کما تقدّم فی تصحیح بیع الغاصب لنفسه _ فهو إنّما سلّطه علی وجه یضمّنه بماله...»(6).

توضیحه: المعاملة الفضولیة لها الصحة التأهلیة بحیث لو ألحقت الإجازة بها

ص:192


1- 1 . راجع جامع المقاصد 4/209، مفتاح الکرامة 13/674، الجواهر 27/247 طبع إسلامیة.
2- 2 . نقله صاحب مفتاح الکرامة 13/674 عن حواشی الشهید ولکنه غیر موجود فی الحاشیة النجاریة له.
3- 3 . راجع جامع المقاصد 7/120؛ المسالک 5/184.
4- 4 . والمراد به المحقّق والشهید الثانیان.
5- 5 . المکاسب 3/486.
6- 6 . المکاسب 3/487.

لصحت بالصحة الفعلیة، فالفضول وإن لم یکن مالکا واقعا ولکنّه مالکا ادعاءً وإلاّ لم تتم الصحة التأهلیة قبل الإجازة والصحة الفعلیة بعدها.

فحینئذ ما یدفعه المشتری إلی البائع الفضولی ثمنا إنّما یدفعه باعتبار هذه الملکیة الإدعائیة وفی مقابل المثمن ویسلّطه أیضا علیه کذلک وهذا هو التضمین وبالنتجیة

تجری قاعدتا علی الید والإقدام کلاهما فی المقام.

وبالجملة: الملازمة بین البیع والتضمین مما لاینکر، لعدم تحقّق البیع من دون تضمین، حتّی إذا کان البیع صوریّا ادعائیا.

ثمّ قال الشیخ فی الإجابة: «قلت: الضمان کون الشی ء فی عهدة الضامن وخسارته علیه، وإذا کان المضمون به ملکا لغیر الضامن واقعا فلا یتحقّق الضمان الحقیقی مع علمهما بذلک...»(1).

مراده بتوضیح منّا: إنّه فصّل بین البیع والتضمین، البیع صدر من البائع الفضولی ادعاءً ومن المشتری أصالة ومع عدم صدور الإجازة من المالک یکون باطلاً وأمّا التضمین وقع علی المالک إن أجاز بیع الفضولی وإلاّ فلا تضمین لا علی المالک ولا علی البائع الفضولی، عدم ثبوته علی الأوّل واضح، وعلی الثانی لأنّ المشتری سلّطه علی ماله من دون تضمین لعلمه بفضولیته وأنّه غیر مالک، فلیس له استرجاع الثمن.

الثالث:

الثالث(2): إذا کان المشتری عالما بالفضولیة ولم یجز المالک لم یتحقّق البیع ولا التضمین لأنّ التضمین فی البیع علی المالک لا غیره، وبهذا الاستدلال ینفی الضمان علی المشتری ولکن هذا البیان یجری فی فرض جهل المشتری بالفضولیة أیضا لاشتراک الفرضین _ العلم والجهل _ فی الأمرین المذکورین _ عدم وقوع البیع والتضمین علی المالک _ فلماذا حکم بالضمان فی فرض جهل المشتری کما مرّ عن المشهور ولم یحکم به فی فرض علم المشتری؟! مع کون الاستدلال یجری فی الفرضین معا؟

ص:193


1- 1 . المکاسب 3/488.
2- 2 . المکاسب 3/489 قوله: «وممّا ذکرنا یظهر _ أیضا _ فساد نقض ما ذکرنا بالبیع مع علم المشتری بالفساد...».

ثمّ أجاب(1) عنه بتوضیح منّا: قیاس الفرضین مع الفارق لأنّ فی فرض الجهل لم یرض المشتری بتصرف البائع فی الثمن من دون تضمین وبیع، وأمّا فی فرض العلم رضا بذلک من دون تضمین لعدم ثبوت بیع شرعا.

بعبارة أُخری: «إنّ دفع المال إلی الغاصب [أو الفضول] لیس إلاّ کدفعه إلی ثالث یعلم عدم کونه مالکا للمبیع وتسلیطه علی إتلافه فی أنّ ردّ المالک لا یوجب الرجوع إلی هذا الثالث»(2).

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «نعم، لو کان فساد العقد لعدم قبول العوض للملک _ کالخمر والخنزیر والحرّ _ قَوِیَ اطّرادُ ما ذکرنا [من عدم الضمان] فیه [فی فرض علم المشتری بالفضولیة وتلف الثمن] من عدم ضمان عوضها المملوک مع علم المالک بالحال، کما صرح به شیخ مشایخنا فی شرحه علی القواعد»(3).

مراده قدس سره : من شیخ مشایخه هو جدی الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمه الله فی شرحه علی القواعد حیث یقول: «ویقوی تسریة الحکم فی المقامین إلی کلِّ ما دُفع بغیر مقابل، أو بمقابل غیر قابل»(4).

وکما نقل عنه صاحب الجواهر وقال: «بل لا بأس بالتزام مثل ذلک [عدم الضمان[ فی جمیع نظائره ممّا دفع إلیه الثمن بلا مقابل معتدّ به کما صرّح به الاستاذ فی شرحه...»(5).

الرابع:
اشارة

الرابع: إشکال نقضی بعدم وجود الفرق بین المقام والعقود الفاسدة حیث یکون التسلیط فیها موجبا للتضمین دون المقام.

وأجابه بتوضیح منّا: التسلیط فی العقود الفاسدة یتحقّق بعنوان الوفاء بالعقد فلم

ص:194


1- 3 . المکاسب 3/489 قوله: «وجه الفساد...».
2- 4 . المکاسب 3/489.
3- 1 . المکاسب 3/490.
4- 2 . شرح القواعد 2/106.
5- 3 . الجواهر 23/493 (22/307).

یکن تسلیط مجانی فی البین والتضمین موجود بمقتضی العقد ولو کان فاسدا لأنّ ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده کما مرّ ولکن هذا العنوان _ أی الوفاء بالعقد _ هنا مفقود لأنّ المشتری عالم بالفضولیة أو الغصبیة وبطلان العقد وعدم تحقّق البیع.

هذا هو توضیح ما ذکره الشیخ الأعظم فی المقام.

أمّا القول المختار

فأقول: الظاهر هو الضمان فی فرض تلف الثمن وعلم المشتری بالفضولیة أو الغصبیة کما علیه المحقّق الحلّی فی رسائله(1) ویراه سیّد الریاض(2) فی غایة الْقُوَّة لو لا إجماعُ التذکرة وهو حسن ثمّ أمر بالتأمل، والمحقّق السیّد الخوئی(3) والاستاذان(4) قدس سرهم .

والوجه فی ذلک جریان قاعدة علی الید فی المقام لأنّ معناها هو الاستیلاء علی مال الغیر وإثبات الید علیه یقتضی ردّه إلی مالکه کما علیه سیرةُ العقلاء ویخرج من تحت هذه القاعدة موارد التسلیط المجانی وإلغاء المالک احترام ماله، وما نص علیه فی الشریعة من موارد الاستئمان والعاریة والإجارة، وما نحن فیه لیس من هذه الموارد لأنّ المشتری إنّما یسلّط البائع علی الثمن لبنائه علی المعاوضة والمبادلة والمبایعة بین المالین، ولو کانت المبایعة فی الشریعة باطلة کما فی غیرها من العقود الفاسدة، فالمشتری لم یسلّط البائع مجانا بل فی مقابل المثمن عرفا فیصیر التسلیط تَضْمِیْنِیّا فتجری قاعدة علی الید.

کما أنّها تجری فی جمیع العقود الفاسدة منها: ما یبذله مشتری الخمر والخنزیر والحرّ إلی بائعه من الثمن مع علمه بالحال؛ وما یأخذه المتقامر الغالب من المغلوب ونحوها.

ص:195


1- 4 . الرسائل التسع، المسائل الطبریة، مسألة 4، /306.
2- 5 . ریاض المسائل 8/229.
3- 6 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/80.
4- 7 . شیخنا الاستاذ قدس سره فی إرشاد الطالب 4/106، والاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی العقد النضید 3/580.

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم(1) من تشبیه المقام بالهبة الفاسدة والبیع بلا ثمن والإجارة بلا أُجرة، فهو غیر تام لأنّها فی الحقیقة تحلیل وهدیة مجانیة عبّر عنها بعنوان الهبة أو البیع أو الإجارة فیکون بلا تضمین وبلا عوض.

کما إنّ تشبیه(2) المقام بدفع الثمن إلی ثالث _ أی غیر المالک والبائع _، أیضا غیر تام، لأنّ دفع الثمن إلی ثالث لابُدَّ أن یکون مجانیا وبلا عوض بخلاف المقام لأنّ دفع الثمن إلی البائع الفضولی یکون عوضا عن المثمن.

لا یقال(3): السیرة العقلائیة فی المقام إمّا مقطوعَةُ العدم أو مشکوکَةُ الوجود وبالتالی لاتجری فی المقام لأنّ وجودها فی فرض علم المشتری بالفضولیة أو الغصبیة وتلف المال عند البائع الفضولی أو الغاصب بإتلاف سماوی أو أرضی _ لا بإتلاف الفضولی أو الغاصب _ مقطوعة العدم أو مشکوکة الوجود لعدم وجود اهتمام من المشتری بالنسبة إلی المالک أو إجازته.

لاِءنا نقول: عدم اهتمام من المشتری بالنسبة إلی المالک الواقعی أو إجازته لا یمنع

من جریان السیرة العقلائیة، لأنّها تجری فی حقِّ من أثبت یده علی مال غیره إلاّ أن یکون تسلیطا مجانیا من مالک المال وفی المقام لم تثبت مجانیة التسلیط بل ثبت أنّ تسلیط الثمن یکون فی مقابل أخذ المثمن فالتسلیط معاوضیٌّ معاملیٌ تضمینیٌ وتجری السیرة العقلائیة فیه.

ولذا لا یری المحقّق السیّد الخوئی(4) وجها لجمع الشیخ الأعظم(5) فی الجهة الثانیة من البحث حیث ذهب إلی عدم جواز تصرف البائع فی الثمن لعدم انتقاله إلیه وعدم إذن المشتری بالتصرف مع أنّه فی الجهة الثالثة ذهب إلی عدم الضمان، مع وضوح أنّ ما

ص:196


1- 1 . المکاسب 3/486.
2- 2 . المکاسب 3/489.
3- 3 . کما فی العقد النضید 3/579 و 580.
4- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/473؛ التنقیح فی شرح المکاسب 2/81.
5- 2 . المکاسب 3/485.

ذکره فی الجهة الثانیة یقتضی الضمان، لأنّ التسلیط إن کان مجانیا بلا عوض فهو ترخیص فی التصرف فکیف یجتمع مع عدم جواز التصرف؟! وإن لم یکن تسلیطا مجانیا بل کان معاوضی معاملی تضمینی فلا وجه لعدم الضمان!

والحاصل: هذا التفصیل من الشیخ الأعظم غریب عند السیّد الخوئی.

أقول: الظاهر عدم تمامیة هذا الاعتراض علی الشیخ الأعظم، لأنّه قدس سره یری الضمان فی فرض جهل المشتری بالفضولیة والغصبیة، وعدم جواز تصرف البائع فی الثمن حینئذ.

وأمّا فی فرض علم المشتری بها فهو یری عدم الضمان وبالنتیجة یجوز للمشتری التصرف فی الثمن فلا تَهافُتَ فی البین ولاغرابة.

کما یراه کذلک الاستاذ المحقّق(1) _ مد ظله _ ولکن لم یذکر وجه عدم ورود إشکال السیّد الخوئی رحمه الله علی الشیخ الأعظم.

مقالة الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی وجه الضمان

قال: «أمّا الروایة النبویّة(2): فإنّ إطلاقها یشمل کلّ ید عادیة مسیطرة علی المال دون إجازة المالک أو الشارع، وجامعها الید المستولیة بلا حقّ، ولکن الروایة مخصّصة بما إذا أقدم صاحب المال علی هتک احترام ماله وإسقاط حرمته ببذله لغیره، دون أن یضمّنه بشیء، أو أمر غیره بإتلاف ماله، بأن قال له: «ألق متاعی فی البحر ولا ضمان علیک». ففی

هذه الموارد لا ضمان.

أمّا فیما نحن فیه فإنّ المشتری برغم علمه بحقیقة حال البائع، لکنّه لم یسلّطه علی ماله دون تضمین، وإنّما سلّطه علیه فی مقابل المبیع، وبالتالی یکون تسلیطه عوضا عمّا یقبضه منه، وحینئذ مع انکشاف مراد المشتری، فلا یخلو الحال: إمّا أنّه لا مخصّص لعموم الدلیل، أو نشکّ فی التخصیص، وعند ثبوت الأوّل یکون إطلاق الخبر محکّما ودالاًّ علی

ص:197


1- 3 . العقد النضید 3/580.
2- 4 . عوالی اللآلی 1/224، ح106.

ثبوت الضمان. أمّا فی صورة [ثانیة عند] الشکّ فی إطلاق موارد التسلیط وعدمه. فإنّ المورد یعدّ من موارد المردّد بین الأقلّ والأکثر، ویندرج فی صغریات التمسّک بعموم العام مع إجمال المخصّص المنفصل، فیکون المتیقّن من تخصیص [روایة] قاعدة الید، کلّ مورد کان التسلیط فیه بغیر عنوان العوض، أمّا إذا کان بعنوان العوض فالقاعدة تقتضی اعتبار العموم مرجعا والحکم بضمان البائع مطلقا، سواءً علّق المشتری دفعه بلحوق الإجازة وعدمه.

أمّا قول الشیخ رحمه الله بأنّ عموم علی الید: «مخصّص بفحوی ما دلّ علی عدم ضمان من استأمنه المالک، ودفعه إلیه لحفظه کما فی الودیعة، أو الانتفاع به کما فی العاریة، أو استیفاء المنفعة کما فی العین المستأجرة»(1)، فلا یمکن التمسّک به لإثبات [عدم[ الضمان فی المقام.

وهو ممنوعٌ: باعتبار أنّ المال المدفوع إلی المستودع والمستأجر والمرتهن تعتبر أمانة مالکیّة عند هؤلاء، وأیْدِیْهِمْ علیه تکون من باب الاستیمان المالکی، وهو مفقود فی المقام، وبالتالی یبطل استدلال الشیخ بالفحوی، لتوقّفه علی تحقّق الأولویّة القطعیّة العقلیّة أو العقلائیّة الحاصلة فی الموارد الثلاثة، والمفقودة فی المقام، وفی الواقع هناک بینونة محضة بین الاستیمان المالکی، وبین دفع المشتری المال إلی الفضولی، ولذا یصحّ الحکم بالضمان فی المقام ونفیه فی تلک الموارد لتخصیص القاعدة فی الأخیرة دون الاُولی»(2).

أقول: ما ذکره _ مد ظله _ فی مقام دلالة النبویة تام ویثبت به الضمان. وقد مرّ(3) منّا انجبار ضعف سند النبویة بعمل الأصحاب فراجعه.

نقد مقالة المحقّق الأصفهانی فی الاستدلال علی عدم الضمان

قال بعد بحث طویل فی مقام «التحقیق: إنّ التسلیط سواءً کان وفائیّا أو ابتدائیا

ص:198


1- 1 . المکاسب 3/486.
2- 2 . العقد النضید 3/581 و 580.
3- 3 . الآراء الفقهیة 4/292 وما بعدها.

تسلیطٌ بلا عوض، إذا المفروض علم الشخص بأنّ العاقد غاصبٌ، وأنّ عنوان الوفاء غیر مترتّب علی تسلیطه حقیقة، وقَصْدُ عنوان الوفاء تشریعا لا یوجب خروج التسلیط الغیر المنطبق علیه عنوان الوفاء عن کونه تسلیطا عن رضا، فهو تسلیط عن رضا. غایة الأمر أنّه بنی علی أنّ هذا التسلیط المرضیّ به وفاءً بالعقد تشریعا، فتخلّف الوفاء لا یوجب عدم کونه مرضیّا به، لأنّه مع علمه بتخلّفه أقدم عن اختیاره علی تسلیطه، فلا تضمین له حقیقة، فإقدامه الخارجی غیر معاوضی حقیقة، وإن کان معاوضیا بناءً وتشریعا، ولا تخلّف للرضا علی أی حال.

وکون التسلیط بعد العقد ممّا لابدّ منه عرفا فلا یکشف عن الرضا، مدفوع بأنّ العقد الموجب للتسلیط حیث إنّه صدر عن الرضا فهو یوجب وقوع التسلیط عن رضاه»(1).

أقول: التسلیط وهو الفعل الصادر من المشتری عن قصد واختیار فلا یعقل أن یکون مهملاً، فالتسلیط إمّا مطلق أو مشروط فلا یکون مهملاً.

فحینئذٍ حیث دفع المشتری ماله إلی البائع الفضولی فی ضمن معاوضة فتسلیطه إیّاه یکون بعنوان ثمن البیع والمثمن إمّا شخصیٌّ أو کلّیٌّ فی الذمة وبالتالی المعاوضة موجودة والتضمین موجود فتندرج هذا التسلیط فی صغریات قاعدة علی الید أو خبره.

وبالجملة: ما ذکره قدس سره من أنّ إقدام المشتری فی تسلیط البائع غیر معاوضی حقیقة غیر تام.

تتمةٌ: فروع استثناها الشیخ الأعظم من القول بعدم الضمان

منها: قال: «ثمّ إنّ ما ذکرناه فی وجه عدم الرجوع بالثمن ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولی غیر بائع لنفسه بل باع عن المالک ودفع المشتری الثمن إلیه لکونه واسطة فی إیصاله إلی المالک فتلف فی یده، إذ لم یسلّطه علیه ولا أذن له فی التصرف فیه، فضلاً عن إتلافه، ولعلّ ظاهر کلماتهم ومعاقد إتفاقهم تختصّ بالغاصب البائع لنفسه، وإن کان

ص:199


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/293.

ظاهر بعضهم(1) ثبوت الحکم فی مطلق الفضولی مع علم المشتری بالفضولیة»(2).

ویرد علیه: «ما ذکره قدس سره من الضمان فی الفرض إن أراد به ضمان الإتلاف فهو خارج عن محلّ الکلام، لأنّ محل الْبحْثِ إنّما هو التلف والضمان بدلیل علی الید، وإن أراد به ضمان الید _ کما هو الظاهر _ فلم نعرف له وجها، لأنّ المفروض إنّ المشتری استأمنه فی إیصال الثمن إلی المالک، ولا ضمان فی مورد الاستیمان، فکان الصحیح المتعین علی المصنف [الشیخ الأعظم] أن یعکس المطلب، أی یقول بالضمان فی الفرض السابق وبعدمه فی الفرض»(3).

ومنها: أنّ ما ذکره قدس سره «من عدم الضمان إنّما هو فیما إذا سلّطه المشتری علی المال بأن دفعه إلیه بنفسه، وأمّا إذا أخذه البائع بعد المعاملة من دون أن یدفعه إلیه المشتری فلا محالة یحکم فیه بالضمان، إذ البیع بمجرده لیس تسلیطا علی شی ءٍ فما لم یدفعه إلیه المشتری لا یکون فی البین تسلیط»(4). وهذا متین.

وعلّله الشیخ الأعظم بقوله: «یقوی الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتری بل أخذه بناءً علی العقد الواقع بینهما، فإنّه لم یحصل هنا من المشتری تسلیط إلاّ بالعقد والتسلیط العقدی مع فساده غیر مؤثر فی دفع الضمان و یکشف عن ذلک أی فی تصریح غیر واحد منهم(5) بإباحة تصرّف البائع الغاصب فیه [أی فی الثمن المجعول عوضا عن المبیع المغصوب]، مع اتفاقهم ظاهرا علی عدم تأثیر العقد الفاسد فی

ص:200


1- 2 . نحو الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع 2/37 والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/69، حیث جعلا الغاصب کالفضولی.
2- 3 . المکاسب 3/492.
3- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/475.
4- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/83.
5- 3 . نحو: أصحاب جامع المقاصد 4/71؛ والمسالک 3/160؛ والحدائق 18/396؛ ومفتاح الکرامة 12/618؛ والجواهر 23/491 (22/305).

الإباحة»(1).

أقول: «الاْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ»(2) حیث یقول الشیخ الأعظم قدس سره : «التسلیط العقدی مع فساده غیر مؤثر فی دفع الضمان» وهذا ما أصرنا علیه، وأنکره القوم والشیخ الأعظم رحمهم الله تبعا لهم، وإقرارٌ منه قدس سره بثبوت الضمان ووجهه فی الجهة الثالثة من البحث.

«ومنها: إنّه حکم بالضمان فیما إذا اشترط المشتری علی البائع الضمان، أی الرجوع إلیه بالثمن إذا أخذ منه المبیع صاحبه.

وهذا أیضا ظاهر»(3).

ومنها: «ولو کان الثمن کلّیّا فدفع إلیه المشتری بعض أفراده، فالظاهر عدم الرجوع لأنّه کالثمن المعیّن فی تسلیطه علیه مجانا»(4).

وحیث أنّ الشیخ الأعظم اختار عدم الضمان فی الثمن الشخصی اختار عدمه أیضا فی الثمن الکلّی وتطبیقه علی بعض أفراده توسط المشتری، والحقّ معه فی عدم الفرق لا فی عدم الضمان لأنّ المختار هو الضمان فی الثمنین کما مرّ والحمد للّه العالم علی الأسرار.

ص:201


1- 4 . المکاسب 3/492.
2- 5 . سورة یوسف /51.
3- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/475.
4- 2 . المکاسب 3/492.

المسألة الثالثة: حکم ما یغترمه المشتری للمالک

اشارة

هل یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی صورة جهله بالفضولیة أو الغصبیة، أم لا یجوز؟ فلیعلم أَنَّ ما یَغْتَرِمُهُ المشتری یقع علی أقسام ثلاثة فیجری البحث حولها:

القسم الأوّل: الغرامة التی لم یحصل نفع للمشتری فی مقابلها

اشارة

نحو: المنافع التی لم یستوفه المشتری أو نفقة العبد أو الحیوان أو المال الذی صرفه المشتری فی عمارة المبیع من بناءٍ وغرسٍ وحفرٍ، أو إعطاء قیمة الولد المنعقد حرّا فی جاریة المالک أو ما دفعه للمالک فی مقابل نقص بعض الصفات أو الأجزاء من المبیع، ففی کلِّ ذلک لابدّ من المشتری دفع الغرامة إلی المالک، فهل یجوز له الرجوع إلی البائع الفضولی أو الغاصب أم لا؟

فی هذا القسم ادُّعِیَ الإجماع فی الرجوع کما قال ابن ادریس: «... وکلّ ما دخل علی أنّه له بغیر عوض، فإن لم یحصل له فی مقابلته نفع وهو قیمة الولد رجع به علی البائع قولاً واحدا»(1).

وقد حکم فخرالمحقّقین برجوع المشتری علی البائع بما اغترمه من نفقةٍ أو عوضٍ عن اُجرةٍ أو نماءٍ ممّا لم یَحْصَلْ له فی مقابلته نفع إجماعا فی شرح الإرشاد(2).

ص:202


1- 1 . السرائر 2/493.
2- 2 . شرح إرشاد الأذهان / مخطوط، نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/631.

وقال السبزواری: «وذکر الأصحاب أنّ ما یغرمه المشتری ممّا لم یحصل له فی مقابلته نفع _ کالنفقة والعمارة _ فله الرجوع به علی البائع»(1).

وقال جدی الشیخ جعفر رحمه الله : «(و) ب_ (ما اغترمه) من مال لم یکن فی مقابلته نفع

(من نفقة أو عوض عن اُجرة) عمل أو منفعة مملوک أو حیوان لم یصل نفعها إلیه، أو مازاد منها علی مقدار النفع (أو نماء) تالف أو متلف من أجنبی _ حیث لا یرید الرجوع علیه _ أو منه، أو أرش جنایة مملوک أو حیوان أو قیمة شجر أفسده القلع أو اُجرة حفر أو طمّه أو بناء جدار أو شقّ أنهار أو حفر آبار إلی غیر ذلک للإجماع محصّلاً ومنقولاً...»(2).

وقال سیّد الریاض: «(و) المعروف من مذهب الأصحاب: أنّ للمشتری أن یرجع (بما غرمه) للبائع (ممّا لم یحصل له فی مقابلته عوض کقیمة الولد) والنفقة والعمارة ونحو ذلک لمکان التغریر وترتب الضرر به مع عدم جابر له من العوض»(3).

أقول: یظهر من سیّد الریاض إدعاء شبه الإجماع فی المقام.

وقال الفاضل النراقی: «وإن کان المشتری جاهلاً فیرجع إلی البائع بالثمن الذی أعطاه البائع مطلقا... وکذا بسائر ما اغترمه للمالک ممّا لم یحصل له فی مقابلته عوض بلا خلاف یُعرف... وتدلّ علیه بعد ظاهر الإجماع موثقة جمیل(4) بضمیمة الإجماع المرکب...»(5).

واعترض صاحب الجواهر علی صاحب الحدائق(6) فی مخالفته مع القوم فی حکم هذا القسم بقوله: «... وعلی کل حال فما فی الحدائق: من أنّه لا یرجع إلاّ بالثمن

ص:203


1- 3 . کفایة الأحکام 2/655.
2- 1 . شرح القواعد 2/101.
3- 2 . ریاض المسائل 14/46.
4- 3 . وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید والإماء.
5- 4 . مستند الشیعة 14/295.
6- 5 . الحدائق 18/393 و 394.

مخالف للنص والقاعدة والإجماع بقسمیه لما عرفت»(1).

وقال الشیخ الأعظم: «وبالجملة: فالظاهر عدم الخلاف فی المسألة»(2).

وفی کلام المحقّق والشهید الثانیین(3) فی کتاب الضمان: نفی الإشکال عن ضمان البائع الفضولی لدرک ما یحدثه المشتری من أشجار غرسها فی الأرض التی ابتاعها من الفضولی وقَلَعها مالکُ الأرض، فإنّ خسارة قلع تلک الأشجار بعهدة البائع الفضولی.

ثمّ قد استدلّ لرجوع المشتری الجاهل علی البائع الفضولی فی هذا القسم قبل

الإجماع بالأدلة التالیة:

الأوّل: قاعدة الغرور
اشارة

والأصل فیها ما ذکره المحقّق الثانی رحمه الله فی المسألة من قوله: «الأصح الرجوع لعموم: «المغرور یرجع إلی مَنْ غرّه» وقد دخل معه علی أن تکون له هذه المنافع مجّانا بناءً علی أنّ المِلْک له فتغریره فوتها علیه»(4).

وقد مرّ تمسک سیّد الریاض بهذه القاعدة فی قوله: «لمکان التَّغْرِیْر...»(5).

وقال الفاضل النراقی: «... وعموم قوله علیه السلام : «المغرور یرجع علی مَنْ غرّه» نقله المحقّق الشیخ علی فی حاشیته علی الإرشاد وضعفه غیر ضائر لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر، بل هذه قاعدة مسلّمة بین جمیع الفقهاء المتداولة عندهم یستعملونها فی مواضع متعددة کالغصب والتدلیس فی المبیع والزوجة، والجنایات وأمثالها»(6).

أقول: أنت تری أنّ المحقّق الثانی لم یُسْنِدْهُ إلی المعصوم علیه السلام ولکن استفاد الفاضل

ص:204


1- 6 . الجواهر 23/485 (22/302).
2- 7 . المکاسب 3/494.
3- 8 . جامع المقاصد 5/340، المسالک 4/205.
4- 1 . حاشیة الارشاد /338، المطبوع فی المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.
5- 2 . ریاض المسائل 14/46.
6- 3 . مستند الشیعة 14/296.

النراقی من کلامه أنّها روایة موقوفة مرسلة کما هو کذلک فی الجواهر(1) ونهایة الأثیریة(2) ومجمع الطریحی(3) ونحوها فی صحیح مسلم(4) ومسند احمد(5) وسنن البیهقی(6).

وقال الفاضل المراغی: «ما اشتهر بینهم من الخبر المعروف وهو «أنّ المغرور یرجع إلی من غرّه» وإن لم نقف علی ذلک فی کتب الأخبار لکن الظاهر من سیاق کلامهم أنّه مرویّ وحیث أنّ مضمونه مجمع علیه فلا یحتاج إلی ملاحظة سندٍ ونحوه»(7).

وقال الشیخ الأعظم: «للغرور فإنّ البائع مغرِّرٌ للمشتری وموقِعٌ إیّاه فی خطرات الضمان ومتلِف علیه ما یغرمه فهو کشاهد الزور الذی یُرجع إلیه إذا رجع عن شهادته»(8).

وقال المحقّق الخراسانی: «... فظهر أنّه لا مستند لقاعدة الغرور إلاّ الخبر إذا انجبر ولا یبعد جبره بعمل الأصحاب، فإنّهم لا یزالون یتمسّکون بقاعدة الغرور، علی وجه یعلم أنّه لا مستند آخر من قاعدة الغرور(9) لهم ونحوها غیرها، فیحصل الوثوق بمضمونه وهو کاف فی جبره کما ظهر أنّه لا وجه للضمان غیرها، فلابدّ من الاقتصار فی الحکم بالضمان علی مورد صدق أنّه غرّه کما عرفت»(10).

وقال الفقیه السیّد الیزدی: «إعلم أنّ رجوع المغرور علی الغار من القواعد المسلمة بینهم ویمکن دعوی الإجماع علیها، بل فی حاشیة الإرشاد ویمکن دعوی إنجبار ضعفها بالشهرة فإنّ هذه القضیة بهذا اللفظ متدأوّل فی ألسنتهم، ویمکن أن یستدل علی القاعدة

ص:205


1- 4 . الجواهر 37/145 طبع إسلامیة.
2- 5 . النهایة 3/355.
3- 6 . مجمع البحرین 3/423.
4- 7 . صحیح مسلم 3/1153.
5- 8 . مسند احمد 1/116.
6- 9 . سنن البیهقی 7/219 (5/338).
7- 10 . العناوین 2/443.
8- 11 . المکاسب 3/494.
9- 1 . ولکن فی المتن: «الضرر»، صححناه بالسیاق.
10- 2 . حاشیة المکاسب /82.

_ مضافا إلی ذلک _ بالأخبار المتفرقة فی الأبواب»(1) ثمّ ذکر عدة من الروایات فی هذا الباب، وقال فی آخر کلامه: «وبالجملة: قاعدة الغرور من القواعد المحکمة المجمع علیها ولا فرق علی الظاهر بین کون الغار عالما أو جاهلاً، وما یحتمل أو یقال من عدم صدق الغرور مع جهل الغار کماتری»(2).

وقال المحقّق الأصفهانی: «وأمّا الخبر المنسوب إلی سیّد البشر صلی الله علیه و آله وهو «المغرور یرجع إلی من غرّه» فقد قیل: إنّه مروی وضعفه منجبَرٌ باستناد الأصحاب إلیه کثیرا، إلاّ أنّ أصل روایته غیر معلوم، واستناد الأصحاب إلی قاعدة الغرور معروف مشهور، وأمّا استنادهم إلی الخبر حتّی ینجبر به فهو غیر معلوم، ومجرد مطابقة عملهم لمضمون الخبر غیر موجب لانجباره فتدبّر»(3).

وقال السیّد الخمینی: «والتحقیق: إنّها قاعدة برأسها وعنوانها لا لما نسب إلی النبی صلی الله علیه و آله : المغرور یرجع إلی من غرّه، لعدم ثبوت استناد الأصحاب فی الحکم إلیه وقرب احتمال استنادهم إلی الروایات الآتیة... [أی] قرب احتمال اصطیادها من الأخبار الخاصة...»(4).

والحاصل: لم یثبت کون جملة: «المغرور یرجع إلی مَنْ غرّه» حدیثا وروایة، نعم

هی قاعدة فقهیة اصطیادیة من عدّة من الروایات الواردة فی الأبواب المختلفة(5)، یعمل بها فی ما عمل بها الأصحاب من أبواب البیع والغصب والنکاح والتدلیس فیه والجنایات والشهادات.

ص:206


1- 3 . حاشیة المکاسب 2/286.
2- 4 . حاشیة المکاسب 2/288.
3- 5 . حاشیة المکاسب 2/305.
4- 6 . کتاب البیع 2/450.
5- 1 . لأجلها أُنظر حاشیة المکاسب للفقیه الیزدی 2/288 و 287، وکتاب البیع 2/451 و 450 للسیّد الخمینی.
فلا بأس بذکر بعض النصوص التی تستفاد منها قاعدة الغرور تَتْمِیْما للفائدة:

منها: صحیحة أبیعبیدة الحَذّاء عن أبیجعفر علیه السلام فی رجل تزوَّج امرأةً من ولیِّها فوجد بها عیبا بعد ما دخل بها، قال: فقال: إذا دُلِّسَتِ العفلاءُ والبرصاءُ والمجنونة والمفضاة ومن کان بها زَمانةٌ ظاهرة فإنّها تُرَدُّ علی أهلها من غیر طلاق ویأخذ الزوج المهر من ولیِّها الذی کان دلَّسها، فإن لم یکن ولیُّها علم بشی ءٍ من ذلک فلا شی ء علیه وتردُّ إلی أهلها.

قال: وإن أصاب الزوج شیئا ممّا أخذتْ منه فهو له وإن لم یُصِبْ شیئا فلا شی ء له.

قال: وتَعْتَدُّ منه عِدَّةَ المطلقة إن کان دخل بها وإن لم یکن دخل بها فلا عِدَّة لها ولا مهر لها.(1)

العَفْلاءُ وهی القرناء: أن یکون فی فرجها شئٌ من لحم أو عظم یمنع من وطئها.(2)

والزَّمانَةُ: العاهَةُ والآفَةُ ویُقال للْمُقْعِدَةِ زَمِنَةٌ.

وطبق الإمام علیه السلام القاعدة فی قوله: «ویأخذ الزوج المهر من ولیها الذی کان دلّسها» فالمدلِّس هو الضامن.

ومنها: معتبرة اسماعیل بن جابر قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل نظر إلی امرأة فاعجبتْهُ فسأل عنها، فقیل: هی ابنة فلان، فأتی أباها، فقال: زَوِّجْنی ابنتک، فزوَّجه غیرها فولدتْ منه، فعلم بعدُ أنّها غیرُ ابنته وأنّها أمَةٌ؟

فقال: یَرُدُّ الولیدةَ علی مولاها، والولدُ للرجلِ وعلی الذی زوّجه قیمةُ ثمن الولد یُعطیه موالی الولیدة کما غرّ الرجل وخدعه.(3)

ص:207


1- 2 . الکافی 10/792، ح 14 (5/408)، ونقل فی وسائل الشیعة 21/211، ح1، الباب 2 من أبواب العیوب والتدلیس.
2- 3 . راجع النهایة 3/264 مادة عفل، والنهایة 4/54 مادة قرن، لسان العرب 11/457 مادة عفل، القاموس المحیط 2/1365.
3- 4 . الکافی 10/791، ح13 (5/408) ونقل عنه فی وسائل الشیعة 21/220، ح1، الباب 7 من أبواب العیوب والتدلیس.

والسند معتبر لأنّ محمّد بن سنان عندنا معتبر، واسماعیل بن جابر إن کان الخثعمی فقد وثقه الشیخ فی رجال الباقر علیه السلام بقوله: «الکوفی ثقة ممدوح له اصول رواها عنه صفوان بن یحیی»(1). وذکره فی أصحاب الصادق(2) علیه السلام وفی أصحاب الکاظم علیه السلام من دون توصیف قال: «روی عنهما علیهماالسلام أیضا»(3).

وإن کان الجعفی فقد ذکره النجاشی(4) ولم یذکر فیه قدحا فهو امامی معتبر مع أنّه من المشاهیر ولم یرد فیه قدح فهو معتبر عندنا أیضا.

فحینئذ لا فرق بین أن نقول باتحادهما کما علیه المحقّق السیّد الخوئی(5) أو تعددهما کما علیه شیخنا التستری(6).

وأمّا دلالتها فَواضِحَةٌ لأجل تعلیل الوارد فیها: «کما غرّ الرجل وخدعه» یعطی فی جمیع موارد الغرور بأنّ المغرور یرجع إلی الغار.

ومنها: ما ورد فی خبر رفاعة بن موسی قال: وسألته عن البَرْصَاء؟ فقال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی امرأةٍ زوَّجها ولیُّها وهی بَرْصَاءُ أنّ لها المهر بما استحلَّ من فرجها وأنّ المهر علی الذی زوّجها وإنّما صار المهر علیه لأنّه دلَّسها، ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وزوّجها رجلٌ لا یعرف دَخِیْلَة أمرها لم یکن علیه شی ءٌ وکان المهر یأخذه منها.(7)

عرفت دَخِیْلَتَهُ: أی باطنته الداخلة، وعرفت دخیلة أمره: أی جمیع أمره.(8)

ص:208


1- 1 . رجال الشیخ /105، رقم 18.
2- 2 . رجال الشیخ /147، رقم 93.
3- 3 . رجال الشیخ /343، رقم 13.
4- 4 . رجال النجاشی /32، رقم 71.
5- 5 . معجم رجال الحدیث 3/116.
6- 6 . قاموس الرجال 2/35.
7- 7 . الکافی 10/788، ح9 (5/407) ونقل عنه فی وسائل الشیعة 21/212، ح2، الباب 2 من أبواب العیوب والتدلیس.
8- 8 . لسان العرب 11/240 مادة دخل.

وأمّا اعتبار سند الروایة فَمَنُوْطٌ باعتبار سهل بن زیاد، وقد یقال: بأنّ الأمر فیه سهل. ودلالتُها واضحة لأنّ الإمام علیه السلام جعل المهر علی الولِّی المُدَلِّس لأنّه دلَّسها وَطَبّقَ قاعدة الغرور فی المقام مع ذکر التعلیل: «لأنّه دلَّسها».

ومنها: صحیحة الحلبی عن أبیعبداللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال: إنّما یُردّ النکاح من

البرص والجذام والجنون والعفل، قلت: أرأیت إن کان قد دخل بها، کیف یصنع بمهرها؟ قال: المهر لها بما استحلّ من فرجها ویغرم ولیّها الذی أنکحها مثل ما ساق إلیها.(1)

بتقریب: أنّ المراد من إنکاح الولیّ إیّاه أنّه دلّسها للزوج وأخفی عیوبها، فالولیّ یکون مدِّلسا فالمهر علیه.

ومنها: صحیحة داود بن سرحان عن أبیعبداللّه علیه السلام فی الرجل یتزوّج المرأة فیُؤتی بها عمیاء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: تُردّ علی ولیّها ویکون لها المهرعلی ولیّها، الحدیث.(2)

بتقریب: أنّ الولیّ هو الذی دلَّسها وأخفی عیبها فیکون مهرها علیه بقرینة غیرها من الروایات.

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام قال: فی کتاب علی علیه السلام : من زوّج امرأة فیها عیب دلّسه ولم یبیّن ذلک لزوجها فإنّه یکون لها الصداق بما استحلّ من فرجها ویکون الذی ساق الرجل إلیها علی الذی زوّجها ولم یبیّن.(3)

ومنها: خبر علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال: سألته عن امرأة دلست نفسها لرجل وهی رتقاء؟ قال: یفرّق بینهما ولا مهر لها.

یمکن القول باعتبار سند الرِّوایَةِ إذا قلنا بأنّ عبداللّه بن الحسن بن علی بن جعفر الذی ینقل عن جَدِّهِ علی بن جعفر المعروف بالعُرَیْضیّ کان من المعاریف ولم یرد فیه قدح فهو معتبر.

ص:209


1- 1 . وسائل الشیعة 21/213، ح5.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/213، ح6.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/214، ح7.

وتقریب دلالتها: بأنّ المرأة هی بنفسها فعلت التدلیس فلا مهر لها لأنّها المدلِّسة.

ومنها: صحیحة الولید بن صَبِیْحٍ عن أبیعبداللّه علیه السلام فی رجل تزوَّج امرأةً حُرّة، فوجدها أمةً قد دلَّست نفسها له، قال: إنْ کان الّذی زوّجها إیّاه من غیر موالیها، فالنّکاح فاسد.

قلت: فکیف یصنع بالمهر الّذی أخذت منه؟

قال: إنْ وجد ممّا أعطاها شیئا فلیأخذه، وإنْ لم یجد شیئا فلا شی ء له علیها، وإنْ کان زوّجها إیّاه ولیّ لها، ارتجع علی ولیّها بما أخذت منه، ولموالیها علیه عشر ثمنها إنْ

کانت بکرا، وإنْ کانت غیر بکرٍ، فنصف عشر قیمتها بما استحلَّ من فرجها قال: وتعتدّ منه عدّة الأمة.

قلت: فإنْ جاءت بولد؟

قال: أولادها منه أحرار إذا کان النّکاح بغیر إذن الموالی.(1)

بتقریب: جملة «وإن کان زوّجها إیّاه ولیٌّ لها ارتجع علی ولیّها بما أخذت منه» لأنّ الولی حینئذ یکون مدلِّسا فالمهر علیه، فیؤخذ الزوج ما أعطاها منه.

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام قال: سألته عن رجل خطب إلی رجل بنتا له من مهیرة فلمّا کان لیلة دخولها علی زوجها أدخل علیه بنتا له اُخری من أمة؟ قال: تردّ علی ابیها وتردّ إلیه امرأته ویکون مهرها علی أبیها.(2)

یکون مهر الأولی علی أبیها لأنّه هو الغار والزوج مغرور، والشاهد علیه صحیحة الحلبی.(3)

ومنها: مرسلة القاضی نعمان المصری عن علیٍّ علیه السلام أنّه قال: تُرَدُّ المرأةُ من القَرَن والجذام والجنون والبرص، وإن کان دخل بها فعلیه المهر وإن شاء أمسک وإن شاء فارق،

ص:210


1- 1 . الکافی 10/783، ح1 (5/404) ونقل عنه فی وسائل الشیعة 21/185، ح1، الباب 67 من أبواب نکاح العبید والإماء.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/221، ح2، الباب 8 من أبواب العیوب والتدلیس.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/221، ح3.

ویرجع بالمهر علی من غرّه بها، وإن کانت هی التی غرّته رجع به علیها، وترک لها أدنی شیء ممّا یستحلّ به الفرج، وإن لم یدخل بها فارقها إن شاء و لا شیء علیه.(1)

القَرَن: لحم أو عظم یکون فی قُبُل المرأة یمنع من وطئها.(2)

بتقریب: حکم أمیرالمؤمنین علیه السلام بأنّ الزوج «یرجع بالمهر علی مَنْ غرّها» ویستفاد منه قاعدة الغرور وکذلک قوله علیه السلام : «وإن کانت هی التی غرّته رجع به علیها»، وأمّا «ترک لها أدنی شیء ممّا یستحلّ به الفرج»، فَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ بواسطة وطی الزوج إیّاها.

ومنها: صحیحة مسمع بن کردین عن أبیعبداللّه علیه السلام فی أربعة شَهِدُوْا علی رجل بالزنا فَرُجم، ثمّ رجع أحدهم، فقال: شککتُ فی شهادتی، قال: علیه الدیة، قال: قلت: فإنّه

قال: شهدت علیه متعمّدا، قال: یُقتل.(3)

المراد بالدیة: ربعها کما یظهر ممّا یَأْتی من الروایتین.

بتقریب: الشاهد الزور غارّ فیغرم الدیة، أو یقتل علی فرض تعمده.

ومنها: صحیحة محمّد بن قیس عن أبیجعفر علیه السلام قال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی رجل شهد علیه رجلان بأنّه سرق، فَقَُطَِعَ یدَُه،حتی إذا کان بعد ذلک جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق ولیس الذی قَُطَِعَْتَْ یدَُه، إنّما شبّهنا ذلک بهذا، فقَُضی علیهما أنّ غرَّمهما نصف الدیة، ولم یجز شهادتهما علی الآخر.(4)

«غرّمهما نصف الدیة»: أی کلّ واحد منهما نصف الدیة.

بالتقریب: الذی مرّ فی سابقها وکذلک ما بعدها.

ومنها: معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علی علیهم السلام فی رجلین شَهِدا علی رجل أنّه سرق فقُطعت یدُه ثمّ رجع أحدهما فقال: شبّه علینا، غرّما دیة الید من أموالهما

ص:211


1- 4 . دعائم الإسلام 2/231، ح865 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 15/46، ح5، الباب 1 من أبواب العیوب والتدلیس.
2- 5 . مجمع البحرین 6/299.
3- 1 . وسائل الشیعة 27/329، ح3، الباب 12 من أبواب کتاب الشهادات.
4- 2 . وسائل الشیعة 27/332، ح1، الباب 14 من أبواب کتاب الشهادات.

خاصة، وقال فی أربعة شهدوا علی رجل أنّهم رأوه مع امرأة یجامعها وهم ینظرون فَرُجِمَ، ثمّ رجع واحد منهم، قال: یغرم ربع الدیة إذا قال: شبّه علیَّ، وإذا رجع اثنان وقالا: شبّه علینا غرما نصف الدیة، وإن رجعوا کلّهم وقالوا: شبّه علینا غرموا الدیة، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جمیعا.(1)

ومنها: صحیحة جمیل عن أبیعبداللّه علیه السلام فی شاهد الزور قال: إن کان الشی ء قائما بعینه رُدّ علی صاحبه، وإن لم یکن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل.(2)

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیعبداللّه علیه السلام فی شاهد الزور ما توبته؟ قال: یؤدّی من المال الذی شهد علیه بقدر ما ذهب من ماله إن کان النصف أو الثلث إن کان شهد هذا وآخر معه.(3)

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام فی رجلین شهدا علی رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها فاعتدّت المرأة وتزوّجت ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم

یطلّقها، وأکذب نفسه أحد الشاهدین، فقال: لا سبیل للأخیر علیها ویؤخذ الصداق من الذی شهد ورجع فیردُّ علی الأخیر ویفرِّق بینهما وتعتدُّ من الأخیر، ولا یقرّبها الأوّل حتّی تنقضی عدّتها.(4)

ومنها: موثقة إبراهیم بن عبدالحمید عن أبیعبداللّه علیه السلام فی شاهدین شهدا علی امرأة بأنّ زوجها طلّقها فتزوّجت ثمّ جاء زوجها فأنکر الطلاق، قال: یضربان الحدّ ویضمنان الصداق للزوج ثمّ تعتدُّ ثمّ ترجع إلی زوجها الأوّل.(5)

وبالجملة: یستفاد من هذه الروایات الأخیرة أنّ شاهد الزور غارٌّ ویضمن الخسارات الواردة علی المشهور علیه ولو لم یتعمّد ومع تعمّده یُقْتَصُ. وهذا هو جریان

ص:212


1- 3 . وسائل الشیعة 27/332، ح2.
2- 4 . وسائل الشیعة 27/327، ح2، الباب 11 من أبواب کتاب الشهادات.
3- 5 . وسائل الشیعة 27/327، ح1، الباب 11 من أبواب کتاب الشهادات.
4- 1 . وسائل الشیعة 27/331، ح3، الباب 13 من أبواب کتاب الشهادات.
5- 2 . وسائل الشیعة 27/330، ح1، الباب 13 من أبواب کتاب الشهادات.

قاعدة الغرور فی شاهد الزور.

ومن هنا یَظْهَرُ ضعف ما ذکره السیّد الخوئی قدس سره من قوله: «إنّ هذه القاعدة علی إطلاقها ممّا لا یمکن الالتزام به، وذلک لأنّ أحدا إذا شوّق آخر إلی شراء شی ءٍ بأنّه ستترقّی وأنّ له مشترین کثیرین فی البلد وبتشویقه ذلک اشتراه المشتری ثمّ انکشف أنّه لا مشتری له فی البلد وَبِتَشْوِیْقهِ ذلک اشتراه المشتری ثمّ انکشف أنّه لا مشتری له فی البلد أصلاً وأنّ قیمته لم تترقّ بوجه، فهل یفتی فقیه بضمان ذلک المشوِّق للمشتری بدعوی أنّه غرّه فی المعاملة...»(1).

والوجه فیه: إنّا نعمل بقاعدة الغرور فی ما یعمل بها الأصحاب کما مرّ، مِنْ عَمَلِ والأصحاب بها فی ما نحن فیه فنعمل بها.

وهکذا لا یتم ما ذکره المحقّق المروج رحمه الله من أنّ قاعدة الغرور تختص بموارد «کان المباشر بمنزلة الآلة، بأنْ یکون الفعلُ صادرا من المباشر بإرادة السبب والمقام لیس کذلک، لأنّ إقدامه علی تعمیر الدار الخربة مثلاً یکون بإرادته واختیاره»(2).

والوجه فی عدم تمامیته: عدم ورود هذا الاختصاص فی کلام الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم بل جمیع الموارد التی ذکروها أو أغلبها لم یکن المباشر فیها بمنزلة الآلة ولم یصدر الفعل من المباشر فیها بإرادة السبب، یظهر ما ذکرته بمراجعة موارد جریان القاعدة

فی کلامهم، نعم، ما ذکره صاحب الجواهر من «إمکان کون بناء قاعدة الغرر علی قوة السبب من المباشر»(3) تام، وهذا الإمکان غیر ما ورد فی کلامه من «أن یکون الفعل صادرا من المباشر بإرادة السبب»(4).

فقاعدة الغرور تجری فی المقام.

ص:213


1- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/87.
2- 4 . هدی الطالب 5/519.
3- 1 . الجواهر 23/485 (22/302).
4- 2 . هدی الطالب 5/519.
الثانی: قاعدة نفی الضرر

(1)

تمسک بها جدی الشیخ جعفر(2) وسیّد الریاض(3) وصاحب الجواهر(4) والشیخ الأعظم(5).

بتقریب: انّ قاعدة نفی الضرر تقتضی ضمان البائع، لأنّ عدم ضمانه لغرامات المشتری ضرر علی المشتری، فعدم الضمان مرفوع بها فیثبت ضمان البائع.

ویرد علیه: أوّلاً: قاعدة لا ضرر لا تجری فی الموارد التی یوجب جریانها فیها ضررا علی الآخرین ویکون إضرارا علی الغیر. وفی ما نحن فیه الحکم برجوع المشتری علی البائع ضرر علی البائع وإضرار فی حقّه.(6)

وثانیا: قاعدة نفی الضرر ترفع الأحکام الشرعیة التی تبلغ إلی حدّ الضرر ولا یثبت بها حُکْمٌ شَرْعِیٌّ وثبوتُ الضمان علی البائع الفضولی أو الغاصب حُکْمٌ شَرْعِیٌّ لاتقدر قاعدة الضمان علی إثباته.

الثالث: السبب أقوی من المباشر

قد یستدل بقول الفقهاء أنّ السبب أقوی من المباشر فی المقام برجوع المشتری إلی البائع الفضولی لأنّ استناد الفعل هنا وهو ثبوت الضمان والغرامة إلی السبب _ وهو البائع الفضولی _ أقوی من المباشر _ وهو المشتری _ .

وفیه: نعم، فی موارد أقوائیة السبب من المباشر یحکم بثبوت الضمان علی السبب

نحو: مَنْ حفر بئرا فی وسط الطریق فوقع فیها أحد فی لیلة ظلماء فإنّه یصدق أن یقال إنّه أهْلَکَهُ، ومنه تغریم شاهدی الزور لأنّهما أوجبا قتل المشهود علیه، وکما إذا کان المباشر

ص:214


1- 3 . مرّ منّا روایات قاعدة نفی الضرر بین الفریقین فی الآراء الفقهیة 4/347.
2- 4 . شرح القواعد 2/102.
3- 5 . ریاض المسائل 14/46.
4- 6 . الجواهر 23/485 (22/302).
5- 7 . المکاسب 3/494.
6- 8 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/85.

مسلوب القدرة والشعور والاختیار کما إذا أعطی بندقیة بید صبی أو مجنون وأمره برمی الغافل والنائم، وکما إذا فتح باب قفص فطار الطائر.

وأمّا فیما إذا کان السبب من قبیل المعدّات للفعل الصادر من المباشر لشعوره واختیاره کما إذا شوّقه وحرّکه إلی قتل أحد فقتله باختیاره أو التمس منه شرب خمر فشربه بإرادته ففی أمثال ذلک لا دلیل علی أخذ السبب بالقصاص أو الدیة، وإن کان عاصیا فی الإنبعاث إلی فعل المحرّمات، وما نحن فیه من هذا القبیل لأنّ البائع الفضولی أو الغاصب من أحدّ معدّات أفعال المشتری لا أنّه علّة تامة لها(1)، بحث لا یستند الفعل عرفا إلی البائع بل یستند إلی المشتری فلا تَجْرِیْ قاعدة أقوائیة السبب من المباشر.

الرابع: موثقة جمیل بن دَرّاج

موثقة جمیل بن دراج عن أبیعبداللّه علیه السلام فی الرجل یشتری الجاریة من السوق فیولدها ثمّ یجئ مستحقُّ الجاریة، قال: یأخذ الجاریة المستحقّ ویدفع إلیه المبتاع قیمة الولد ویرجع علی من باعه بثمن الجاریة وقیمة الولد التی أُخذت منه.(2)

بتقریب: هذه الموثقة تدلّ بالظهور اللفظی أو الفحوی علی رجوع المشتری علی البائع الفضولی أو الغاصب لأنّ الولد الحر: إن لم یُعَدَّ نفعا عائدا إلی المشتری کانت دلالة الموثقة علی ضمانة البائع الفضولی بالدلالة اللفظیة، وإن عُدَّ نفعا کانت دلالتها علیه بالفحوی لأنّ المشتری إذا کان مع وصول النفع إلیه مستحقّا للرجوع إلی البائع، کان استحاقه للرجوع إلیه مع عدم وصول النفع إلیه بطریق اولی.

وأضاف الشیخ الأعظم: «مع أنّ فی توصیف قیمة الولد بأنّها «اُخذت منه» نوع إشعار بعلّیّة الحکم فیطّرد فی سائر ما اُخذت منه»(3).

مراده: أنّ الوصف مشعر بِالْعِلِّیّةِ والعِلِّیّةُ تعمم الحکم بالرجوع إلی البائع فی جمیع ما أخذ المالک من المشتری من المنافع التی لم یحصل للمشتری نفع أو حصل.

ص:215


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/85 و 86.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید والإماء.
3- 3 . المکاسب 3/495.

اعترض صاحب الحدائق بأنّ الحکم إذا کان هو رجوع المشتری إلی البائع فلماذا

لم یرد ذلک فی عدّة من الروایات(1) مع أنّ «المقام مقام بیان مع حکمه علیه السلام فی الخبر(2) برجوع المالک علی المشتری بعوض المنافع، فلو کان للمشتری الرجوع بها علی البائع لذکره علیه السلام ، مع ذکره أخیرا أنّ المشتری یرجع بما أنفقه علی المالک لا علی البائع.(3)

وأجاب عنه الشیخ الأعظم بقوله: «وأمّا سکوت عن رجوع المشتری إلی البائع فی بعض الأخبار فهو لعدم کونه مسوِّقا لذلک کروایة زرارة(4)... وروایة زریق(5)...»(6).

ثمّ أجاب عنهما الشیخ الأعظم بعد ذکر الروایتین بأجوبة أربعة:

«[1] أنّا نمنع ورودها [هما] إلاّ فی مقام حکم المشتری مع المالک.

[2] أنّ السکوت فی مقام البیان لا یعارض الدلیل.

[3] مع أنّ روایة زرارة ظاهرها عدم التمکن من الرجوع إلی البائع.

[4] مع أنّ البائع فی قضیة زُرَیق هو القاضی فإن کان قضاؤه صحیحا لم یتوجّه إلیه غرم(7)، لأنّ الحاکم من قبل الشارع لیس غارّا من جهة حکمه علی طبق البینة المأمور بالعمل بها، وإن کان قضاؤه باطلاً _ کما هو الظاهر _ فالظاهر علم المشتری ببطلان قضاء المخالف وتصرّفه فی اُمور المسلمین فهو عالم بفساد البیع فلا رجوع له»(8).

ص:216


1- 1 . نحو معتبرة زرارة ح2 فی الباب المذکور بناءً علی أنّ ابن أبیعمیر لا یروی ولا یرسل إلاّ عن ثقة وقد مرّ منّا فی أبحاثنا الرجالیة مناقشة هذا المبنی فلا یتم اعتبار الروایة سندا. وصحیحة جمیل عن بعض أصحابنا ح3 فیه، وخبر زرارة ح4 فیه.
2- 2 . مراده معتبرة زُرَیق المرویة فی وسائل الشیعة 17/340، ح1، الباب 3 من أبواب عقد البیع وشروطه.
3- 3 . الحدائق 18/394.
4- 4 . وسائل الشیعة 21/204، ح4.
5- 5 . وسائل الشیعة 17/340، ح1.
6- 6 . المکاسب 3/495.
7- 7 . قد حکم صاحب الجواهر فی کتابه 23/488 (22/304) بعدم تغریم القاضی.
8- 8 . المکاسب 3/498 و 497.

واعترض السیّد الخوئی علی الشیخ الأعظم بأنّ: «الولد سواء کان من [المنافع[ المستوفاة أو من غیرها إنّما خرج بالنص وهذا لا یقتضی التعدّی إلی جمیع المنافع المستوفاة أو غیر المستوفاة»(1).

ثمّ اعترض علی استفادته علیّة الحکم من الوصف بقوله: «فهو من غرائب الکلام،

لأنا لو فرضنا أنّ التوصیف صریح فی علّیة الأخذ للحکم لما أمکن التعدّی منه إلی غیره فضلاً عمّا إذا کان مشعرا بذلک والوجه فی ذلک ما سنبیّن فی بحث تعاقب الأیادی عن قریب إن شاء اللّه تعالی من أنّ رجوع کلّ ضامن إلی ضامن آخر إنّما هو فیما إذا أخذ المالک منه المال المضمون علیه، وأمّا قبل أخذه فلا یمکنه الرجوع إلی الآخر أبدا ولو مع العلم بأنه سیأخذ قیمته منه، وفی المقام أیضا إنّما یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع فیما إذا أخذ المالک من المشتری قیمة الولد، وأمّا قبله فلا شیء حتّی یرجع به المشتری إلی البائع وهذا هو الوجه فی توصیف الإمام علیه السلام القیمة بکونها ممّا اُخذت منه فلا یمکن منه التعدّی إلی جمیع موارد الأخذ أبدا، بل الأخذ فی هذا المورد یوجب الحکم برجوع المشتری إلی البائع لا مطلقا کما لا یخفی، واستفادة العلّیة من ذلک نظیر استدلال الشافعیة علی عدم الزکاة فی معلوفة الإبل بقوله علیه السلام «فی الغنم السائمة زکاة»(2) فإنّ السوم لیس علّة للزکاة مطلقا بل فی خصوص الغنم کما لا یخفی فهو لا یدلّ علی نفی الحکم عن غیر موارد السوم مطلقا ولعلّه ظاهر، هذا.

مضافا إلی أنّ فی توصیف القیمة بکونها ممّا اُخذت من المشتری فائدة اُخری وهی أنّ قیمة الولد تختلف باختلاف الأماکن والحالات والبلدان، فإذا رجع المالک إلی المشتری بقیمة الولد فلا یجوز للمشتری أن یرجع علی البائع بأعلی القیم المتبادلة للولد، بل إنّما یرجع إلیه بخصوص القیمة التی أخذها المالک من المشتری لا بقیمة اُخری زائدة

ص:217


1- 9 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/89.
2- 1 . ورد مضمونه فی وسائل الشیعة 9/118، الباب 7 من أبواب زکاة الأنعام، ومستدرک الوسائل 7/63، ح1، الباب 6 من أبواب زکاة الأنعام.

علیها کما لا یخفی، هذا»(1).

وتبعه شیخنا الاُستاذ قدس سره فی عدم الدلالة وعدم العلّیة بل یری الأخیر «تقیید القیمة لا توصیفها بأن یکون المتعیّن الرجوع بتلک القیمة لا قیمة الولد یوم الرجوع وقد تقرر فی بحث الاصول أنّه لا دلالة فی التقیید علی علّة الحکم ولا یستفاد منه المفهوم»(2).

ولکن الأُستاذ المحقّق _ مد ظله _ یری موثقة جمیل تامة فی الدلالة علی ضمان البائع ورجوع المشتری إلیه ولکن لا یری التوصیف مشعرا بالعلّیّة لأنّ ظهوره فی العلیة منوط بثبوت مفهوم الوصف ولم یثبت عنده _ مد ظله _ فی علم الاُصول مفهوم الوصف.(3)

أقول: ما ذکره الأُستاذ المحقّق _ مد ظله _ من تمامیة دلالة موثقة جمیل علی ضمان البائع صحیح، موافقةً للشیخ الأعظم، وکذا ما ذکره فی عدم تمامیة إشعار الوصف بالعلیة مخالفة له، فنحن فی دلالة موثقة جمیل تتبع قول الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی المقام.

وأمّا رِوایَتا زرارة(4) فلم یرد فیهما رجوع المشتری إلی البائع الفضولی.

وکذلک معتبرة زُرَیق(5) ساکتة عن حکم رجوع المشتری إلی البائع.

وقد مرّ من الشیخ الأعظم(6) ردّا علی صاحب الحدائق(7) أنّ عدم ورود الحکم والسکوت عنه فی بعض الروایات لا ینافی ما ورد فی موثقة جمیل فلابدّ من الأخذ بها.

وبالجملة: حکم رجوع المشتری إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی هذا القسم ثابتٌ والحمد للّه.

ص:218


1- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/90.
2- 3 . إرشاد الطالب 4/117.
3- 4 . راجع العقد النضید 3/588.
4- 1 . وسائل الشیعة 21/204، ح 2 و 4.
5- 2 . وسائل الشیعة 17/340، ح1.
6- 3 . المکاسب 3/495.
7- 4 . الحدائق 18/394.

القسم الثانی: الغرامة التی یحصل نفع للمشتری فی مقابلها

اشارة

فهل یرجع المشتری بها إلی البائع الفضولی أو الغاصب أم لا؟ خلاف بین الأصحاب نشأ من نقل الشیخ بأنّ فیها قُوْلَیْنِ واختار تارة بأنّ الأقوی عدم الرجوع واُخری بأنّ الرجوع هو الأقوی.

فقد فقال فی غصب المبسوط فی من غصب ثوبا: «... وأمّا الکلام فی الرجوع، فإن رجع [المالک] علی المشتری نظرت... وإن کان غرم ما دخل علی أنّه له بغیر بدل وقد حصل فی مقابله نفع وهو أُجرة الخدمة، فهل یرجع بذلک علی الغاصب أم لا؟ فیه قولان: أحدهما یرجع لأنّه غرم، والثانی لایرجع وهو الأقوی، لأنّه وإن غرم فقد انتفع بالاستخدام»(1).

وقال فیه أیضا: «إذا غصب طعاما فأطعم رجلاً... فهل یرجع الآکل علی الغاصب أم لا؟ قیل فیه قولان: أحدهما یرجع لأنّه غرّه، والثانی لایرجع لأنّ التلف کان فی یده فاستقرّ الضمان علیه، والأوّل أقوی»(2).

ونقل فخُرالمحقّقین(3) والفاضلُ المقداد(4) هذین القولین عن الشیخ.

ولکنّ القول المنسوب إلی الشیخ هو عدم الرجوع فقط فی کلام العلاّمة(5) والشهید الثانی(6) والمحقّق السبزواری(7) وسیّد الریاض(8) والفاضل النراقی(9).

ص:219


1- 5 . المبسوط 3/71.
2- 6 . المبسوط 3/88.
3- 1 . إیضاح الفوائد 2/191.
4- 2 . التنقیح الرائع 4/75.
5- 3 . مختلف الشیعة 5/56.
6- 4 . المسالک 12/227.
7- 5 . الکفایة 2/655.
8- 6 . ریاض المسائل 14/47.
9- 7 . مستند الشیعة 14/296.

ولمعرفة قائِلِی الْقَوْلَیْنِ وکتبهم أذکر لک کلام السیّد العاملی فی موضعین من مفتاح الکرامة، قال فی متاجره: «وأمّا ما حصل له فی مقابلته نفع ففی المبسوط(1) فی موضع منه والخلاف(2) وظاهر السرائر(3) وصریح غصب کشف الرموز(4) انّه لا یرجع به... .

وفی المبسوط(5) أیضا والشرائع(6) والنافع(7) والإیضاح(8) وشرح الإرشاد(9) لفخرالإسلام والدروس(10) وجامع المقاصد(11) والمسالک(12) والروضة(13) ومجمع البرهان(14) أنّه یرجع به. وبه صرّح فی غصب الدروس(15) أیضا والتنقیح(16)

والمقتصر(17) وجامع المقاصد(18) ولعلّه الظاهر من غصب الشرائع(19) وفی

ص:220


1- 8 . المبسوط 3/71.
2- 9 . الخلاف 3/410، مسألة 23.
3- 10 . السرائر 2/325.
4- 11 . کشف الرموز 2/384.
5- 12 . المبسوط 3/88.
6- 13 . الشرائع 2/8.
7- 14 . مختصر النافع /257.
8- 15 . إیضاح الفوائد 1/420 و 421.
9- 16 . شرح الإرشاد / مخطوطة.
10- 17 . الدروس 3/193.
11- 18 . جامع المقاصد 4/76 و 77.
12- 19 . المسالک 3/160.
13- 20 . الروضة البهیة 3/237 و 238.
14- 21 . مجمع الفائدة والبرهان 8/164.
15- 22 . الدروس 3/115.
16- 23 . التنقیح الرائع 4/75.
17- 1 . المقتصر /344.
18- 2 . جامع المقاصد 6/326.
19- 3 . الشرائع 3/195.

التنقیح(1) أنّ علیه الفتوی.

وقد نسبه فی المختلف(2) إلی بعض علمائنا، وهو قضیة إطلاق الباقین.

وفی التذکرة(3) والإرشاد(4) فیه قولان. ونحوهما ما فی التحریر(5) حیث قال: علی قول. ولا ترجیح فی غصب النافع(6) والتبصرة(7) والمهذّب البارع(8) والمسالک(9) والکفایة(10). وعبارة نهایة الإحکام(11) کعبارة الکتاب [القواعد الأحکام(12)] حرفا فحرفا لکنّه قال فیها بعد ذلک: سواء حصل فی مقابلته نفع کأُجرة الدار والدابة أو لا کقیمة الولد علی إشکال...»(13).

وقال فی غصبه(14): «فالشیخ فی الخلاف والمبسوط فی موضع منه والآبی فی کشف الرموز وشیخنا فی الریاض(15) وظاهر السرائر أنّه لا یرجع للأصل ولأنّه مباشر الإتلاف... .

ص:221


1- 4 . التنقیح الرائع 4/75.
2- 5 . مختلف الشیعة 5/56.
3- 6 . تذکرة الفقهاء 10/18 و 340.
4- 7 . إرشاد الأذهان 1/361.
5- 8 . التحریر 2/277 و 409.
6- 9 . المختصر النافع /257.
7- 10 . تبصرة المتعلِّمین /109.
8- 11 . المهذب البارع 4/255.
9- 12 . المسالک 12/227.
10- 13 . الکفایة 2/655.
11- 14 . نهایة الإحکام 2/478.
12- 15 . قواعد الأحکام 2/19.
13- 16 . مفتاح الکرامة 12/632.
14- 17 . لم أذکر مصادرها لما مرّ آنفا إلاّ ما کانت جدیدة.
15- 18 . ریاض المسائل 14/47.

والشیخ فی المبسوط فی موضع آخر والمحقّق فی تجارة النافع(1) وظاهر تجارة

الشرائع وفخرالإسلام فی الإیضاح وشرح الإرشاد والشهیدان فی الدروس والمسالک والروضة والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد والمقدس الأردبیلی والمصنف [العلاّمة] فی تجارة الکتاب [القواعد] والشهید فی غصب الدروس والمقداد وأبوالعباس فی المقتصر والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد والمحقّق فی ظاهر الشرائع أنّه یرجع به وفی التنقیح أنّ علیه الفتوی وهو قضیة إطلاق الباقین... .

ولا ترجیح فی غصب النافع والتذکرة(2) والتحریر(3) والتبصرة والمهذب البارع والمسالک والکفایة، ولا فی تجارة التذکرة والتحریر ونهایة الإحکام والإرشاد»(4).

ثمّ بعد نقل الأقوال لابدّ من البحث حول أدلة جواز رجوع المشتری إلی البائع الفضولی أو الغاصب لأنّ الشیخ الأعظم(5) یری جواز الرجوع هو الأقوی.

أدلة القائلین بجواز الرجوع
الأوّل: الإجماع

یَظْهَرُ من کلام العلاّمة فی غصب التذکرة الإجماعُ علی ضمان الغاصب دون الآکل الجاهل بالغصب لقوله فیما إذ قدّم الغاصبُ الطعام إلی الغیر فأکله...: «والثانیة: یستقرّ الضمان علی الغاصب لأنّه غرّه وأطعمه علی أن لا یضمنه، وهو الذی یقتضیه مذهبُنا»(6).

وقد مرّ کلام الفاضل المقداد(7) بأنّ علیه الفتوی.

وقال الفقیه المتتبع العاملی: «فالضمان علی الغاصب بلا خلاف منّا فیما أجد فیما

ص:222


1- 19 . لم أجده فی تجارة مختصر النافع.
2- 1 . تذکرة الفقهاء 19/337، مسألة 1127.
3- 2 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/542.
4- 3 . مفتاح الکرامة 18/(343-341).
5- 4 . المکاسب 3/498.
6- 5 . تذکرة الفقهاء 19/188.
7- 6 . التنقیح الرائع 4/75.

إذا قال: کُلْه فهذا ملکی وطعامی، أو قدّمه إلیه ضیافة حتّی أکله ولم یقل إنّه مالی وطعامی أو لم یذکر شیئا»(1).

وفیه: أوّلاً: قد عرفت الخلاف فی المسألة.

وثانیا: علی فرض تحقّق الإجماع أنّه مدرکیٌّ فلابدّ من ملاحظة غیره من الأدلة.

الثانی: قاعدة لا ضرر

بتقریب: انّ المشتری استوفی المنافع علی أنّها ملکه فیصیر مجانا بالنسبة إلیه من دون ضمان لها للغیر، وبعد العلم بالفضولیة أو الغصبیة الحکم بضمان المشتری للمنافع المستوفاة ضرر علیه وقاعدة نفی الضرر تنفیه. «ومجرد رجوع عوضه إلیه لا یدفع الضرر»(2).

ویرد علیه: ما اُوردته آنفا فی القسم الأوّل(3) فلا أُعیده ولعلّ لأجل ورود المناقشات علیها ذکرها الشیخ الأعظم(4) بعنوان التَّأْیِیْدِ لا الدلیل.

الثالث: قاعدة الغرور
اشارة

لا شک بأنّ المشتری المستوفی لمنفعة المبیع هنا مغرورٌ والبائع الفضولی أو الغاصب غارٌّ وقد مرّت(5) تمامیة قاعدة الغرور من حیث الدلیل فیما عمل به الأصحاب ومنها کتابا الغصب والبیع، فتجری القاعدة وتحکم بجواز رجوع المشتری المغرور إلی البائع الفضولی الغارّ.

نقل کلام صاحب الریاض فی الإشکال علی جریان قاعدة الغرور فی المقام

قال سیّد الریاض رحمه الله : «(وفی) جواز (الرجوع) علیه (بما ضمن) وغرمه (من المنافع کعوض الثمرة واُجرة السکنی تردّد) ینشأ: من مباشرته الإتلاف مع حصول نفعه فی

ص:223


1- 7 . مفتاح الکرامة 18/101.
2- 1 . المکاسب 3/499.
3- 2 . راجع هذا المجلد صفحة 214.
4- 3 . المکاسب 3/499.
5- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 207.

مقابله، وأولویّة حوالة الضمان علی مباشر الإتلاف.

ومن أنّ الغاصب قد غرّه ولم یشرع علی أن یضمن ذلک فکان الضمان علی الغارّ، کما لو قدّم إلیه طعام الغیر فأکله جاهلاً ورجع المالک علی الآکل، أو غصب طعاما فأطعمه المالک فإنّه یرجع علی الغارّ.

وإلی هذا ذهب الماتن فی کتاب التجارة من الشرائع، والفاضل المقداد فی التنقیح.(1)

وإلی الأوّل ذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف، والحلی.(2) وهو أوفق بالأصل، مع عدم معلومیّة صلوح المعارض للمعارضة بناءً علی عدم وضوح دلیل علی ترتّب

الضمان علی الغارّ بمجرّد الغررو وإن لم یلحقه ضرر، کما فیما نحن فیه بمقتضی الفرض؛ لاستیفانه المنفعة فی مقابلة ما غرمه. والإجماع علی هذه الکلیة غیر ثابت بحیث یشمل نحو مفروض المسألة.

نعم ربما یتوجّه الرجوع حیث یتصوّر له الضرر بالغرور، کما إذا اُخذت منه قیمة المنافع أزید ممّا یبذله هو فی مقابلتها من غیر ملکه ونحو ذلک. وکیف کان الأحوط له عدم الرجوع مطلقا»(3).

اعترض الشیخ الأعظم علی سیّد الریاض

اعترض الشیخ الأعظم(4) علی سیّد الریاض

بأنّ قاعِدَتَی الغرور والضرر فی المقام موجودتان:

أمّا قاعدة الغرور فَلإتفاق الفقهاء علی کون المشتری مغرورا فی ما نحن فیه.

وأمّا قاعدة الضرر فلأنّ إتلاف مال الغیر مجانا بسبب تغریر شخص آخر بأن یقول له کُلْ فإنّه لی ثمّ انکشف أنّه للغیر وطلب ذلک الغیر ماله من الآکل وأخذ منه، یوجب عدّ هذا الآکل متضررا.

ص:224


1- 5 . الشرائع 2/8، التنقیح 4/75.
2- 6 . المبسوط 3/71، الخلاف 3/401، مسألة 23؛ والسرائر 2/325.
3- 1 . ریاض المسائل 14/47.
4- 2 . المکاسب 3/499.

فبالنتیجة رجوع المنفعة علی المشتری وَاسْتِیْفاؤُهُ إیّاها لا یمنع من جریان قاعدة الغرور.

اعتراض آخر من صاحب الجواهر علی سیّد الریاض

قال بعد نقل مقاله: «وإن کان ما ذکره لا یخلو من نظر، ضرورة عدم مدخلیة التضمین بقاعدة الغرور فی حصول الضرر وعدمه، بل هو من باب قوة السبب علی غیره ولو مباشرة.

نعم، إنّما المُتَّجِهُ ما ذکرناه من منع تحقّق الغرور الذی یترتب علیه الضمان، إذ المسلَّم منه ما یترتب علیه فعل الغیر علی فعله من حیث المجانیة ابتداءً کالإباحة والهبة والعاریة ونحوها، بخلاف ترتب فعل المشتری هنا علی زعم کونه مالکا الحاصل من وقوع عقد البیع مع البائع، خصوصا مع جهل البائع بالحال کالمشتری، فتأمل»(1).

وقد مرّ(2) قوله رحمه الله فی کتاب التجارة مِن «إمکان کون بناء قاعدة الغرر علی قوّة

السبب من المباشر»(3).

توضیح کلام صاحب الجواهر رحمه الله : قاعدة الغرور لیست مبنیّة علی قاعدة الضرر حتّی یقال أنّه لا ضرر هنا، فلا تجری قاعدة الغرور. بل هی مبنیّة علی قاعدة قوة السبب علی المباشر، والسبب [البائع هنا] أقوی من المباشر [المشتری هنا] فیرجع المشتری علی البائع بما اغترمه للمالک عوضا من منافع المبیع التی استوفاها، لأنّه وإن کان مباشرا علی الاستیفاء لکنّ البائع الذی هو السبب أقوی من المباشر [المشتری] فیرجع المشتری إلی البائع فی ضمان المنافع.(4)

ص:225


1- 3 . الجواهر 37/183.
2- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 213.
3- 1 . الجواهر 23/485 (22/302).
4- 2 . هدی الطالب 5/538.
ردّ من الشیخ الأعظم علی اعتراض صاحب الجواهر علی سیّد الریاض

ردّ علیه أوّلاً(1): أنّ صاحب الریاض لا یدّعی ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة لا ضرر حتّی یقال بعدم جریان الأوّل فی المقام لعدم جریان الثانی لأنّ المشتری بنفسه استوفی المنافع فمن له الغنم له الغرم فهو المشتری بنفسه ضامن لما استوفاه وهذا لیس ضررا علیه، بل یدّعی أنّ إهمال مستند قاعدة الغرور _ أی النصوص الخاصة والإجماع _ یقتضی الاقتصار علی قدر المتیقن منهما وهو صورة الضرر لعدم دلالتهما صریحا علی ضمان البائع لجمیع ما اغترمه المشتری للمالک حتّی المنافع التی استوفاه المشتری.(2)

وثانیا(3): إنّ قوة السبب علی المباشر بنفسها لاتصلح لأن تکون دلیلاً علی الضمان «إلاّ إذا کان السبب بحیث استند التلف عرفا إلیه کما فی المکرَة»(4)، أو إذا أجّج النارَ فی جهة هبوب الریح العاصف فأطارتها الریحُ إلی أموال الناس فأحرقت النار بعض أموالهم فحینئذ الإحراق وإن کان فعل النار ولکنّه یُستند إلی المؤجِّج الذی هو السبب، أو إذا وُضع الدهنُ الجامدُ فی الشمس فذاب واُریق فإنّ الإذابة والإراقة وإن کانتا فعل الشمس لکنّهما تُستندان إلی الواضع.

«والمتجه فی مثل ذلک عدم الرجوع إلی المباشر أصلاً کما نُسب(5) إلی ظاهر

الأصحاب فی المکرَه لکون المباشر بمنزلة الآلة»(6).

وأمّا فی غیر هذه الموارد استقرار الضمان علی السبب وعدم استقراره علی المباشر فَیحتاج إلی دلیل وَهُوَ مفقود فی المقام.

فلابدّ فی رفع اهمال مستند قاعدة الغرور:

ص:226


1- 3 . المکاسب 3/499.
2- 4 . هدی الطالب 5/538.
3- 5 . المکاسب 3/500.
4- 6 . المکاسب 3/500.
5- 7 . الناسب هو صاحب الجواهر فی کتابه 37/57.
6- 1 . المکاسب 3/500.

[1] إمّا من الرجوع إلی قاعدة لا ضرر.

[2] أو الاجماع المدّعی فی الإیضاح(1) علی تقدیم السبب إذا کان أقوی.

[3] أو بالأخبار الواردة فی الموارد المتفرقة _ التی مرّت _ وإلغاء الخصوصیة منها.

[4] أو کون الغارّ سببا فی تغریم المغرور فکان کشاهد الزور فی ضمان ما یؤخذ بشهادته.

ثمّ بعد عدّ الوجوه الأربعة قال الشیخ الأعظم ما نصه: «ولا ریب فی ثبوت هذه الوجوه فیما نحن فیه أمّا الأخیر فواضح وأمّا الأوّل فقد عرفته، وأمّا [2] الإجماع و [3[ الأخبار فهما وإن لم یردا فی خصوص المسألة إلاّ أنّ تحقّقهما فی نظائر المسألة کافٍ، فإنّ رجوع آکل طعام الغیر إلی من غرّه بدعوی تملّکه وإباحته له مورد الإجماع ظاهرا(2) ورجوع المحکوم علیه إلی شاهدی الزور مورد الأخبار(3)، ولا یوجد فرق بینهما وبین ما نحن فیه أصلاً»(4).

فما ذکره صاحب الجواهر قدس سره من عدم جریان قاعدة الغرور فی ما نحن فیه غیر تام.

وثالثا: قاعدة الغرور تجری فی المقام کبریً فلا یتم ما ذکره سیّد الریاض(5) وصغریً فلا یتم ما ذکره صاحب الجواهر(6) «حیث عدل فی ردّ مستند المشهور [وهو قاعدة الغرور] عمّا فی الریاض من منع الکبری إلی منع الصغری»(7).

ص: 227


1- 2 . إیضاح الفوائد 2/191.
2- 3 . راجع تذکرة الفقهاء 19/188، ومفتاح الکرامة 18/101.
3- 4 . راجع: وسائل الشیعة 27/329، ح3، 27/332، ح 1 و 2 کما مرّت هذه الروایات الثلاثة وغیرها فی بحث نصوص قاعدة الغرور.
4- 5 . المکاسب 3/500 و 501.
5- 6 . ریاض المسائل 14/47.
6- 7 . الجواهر 37/183.
7- 8 . المکاسب 3/501.

وأمّا جریانها صغریً فی المقام فلأنّ «مفهوم الغرور وإن کان غیر منقّح لعدم وضوح دلیله إلاّ أنّ المتیقن من مفهومه هو إتلاف المغرور مال الغیر لا بعنوان أنّه مال الغیر، بل بعنوان مال نفسه أو بعنوان مَن أباح له الإتلاف فلا یکون [المغرور] قاصدا لإتلاف مال الغیر»(1). «فیشبه المکرَه فی عدم القصد»(2).

وجه الشبه: أنّ المکرَه یکون کالآلة للمکرِه من جهة الإکراه والإجبار فلایستقل فی قصد عنوان التصرف أو إتلاف مال الغیر، وکذلک المغرور فإنّه وإن کان مختارا فی فعله ومستقّلاً فی أصل القصد ولکنّه لجهله بالحال لا یقصد عنوان التصرف أو إتلاف مال الغیر، وإنّما مقصوده التصرف فی مال نفسه وهو المبیع.(3) فهو مغرور وتجری فی تضمینه قاعدة الغرور ویرجع إلی الغارّ الذی هو هنا البائع الفضولی، هذا.

مقال الأعلام الثَّلاثة فی میزان النقد

أمّا ما ذکره سیّد الریاض(4) قدس سره من ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة لا ضرر کما فهمه صاحب الجواهر رحمه الله أو بقاعدة لا ضرر یرفع الإهمال من مستند قاعدة الغرور کما فهمه الشیخ الأعظم رحمه الله فغیر تام، أمّا الأوّل فَلِما مرّ منّا من عدم جریان قاعدة لا ضرر فی المقام للوجهین الماضین(5) فکیف یمکن ابتناء قاعدة الغرور علیها، وأمّا الثانی فالإهمال فی قاعدة الغرور موجود کما ذکره الشیخ الأعظم ولکن کیف یمکن رفعه بقاعدة لا ضرر مع عدم جریانها فی المقام کما مرّ ومع أنّ فی أغلب فروض قاعدة الغرور الضرر موجود فلیس هذه بقدر المتیقن منها کما ادعاه الشیخ الأعظم رحمه الله .

وأمّا ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره من أنّ قاعدة الغرور مبنیّةٌ علی قاعدة قوة السبب

ص:228


1- 1 . هدی الطالب 5/549.
2- 2 . المکاسب 3/501.
3- 3 . راجع حاشیة المکاسب للمحقّق الأصفهانی 2/306.
4- 4 . ریاض المسائل 14/47.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 214.

علی المباشر فأیضا غیر تام لما مرّ(1) من عدم جریان قاعدة قوة السبب علی المباشر فی المقام فکیف یمکن ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة لا تجری فی المقام؟!

نعم، لو ضمنا ما ذکره صاحب الجواهر فی کتاب الغصب(2) بما ذکره فی کتاب

التجارة(3) وقلنا بأنّ النتیجة تابعة لأخص المقدمات فیرجع کلامه إلی إمکان ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة قوة السبب علی المباشر ومن المعلوم أنّ الإمکان غیر الابتناء فی نفس الأمر، فافهم.

مضافا إلی تضمین الولی المدلِّس المهر فی النکاح الذی دخل بها الزوج کما فی النصوص الماضیة کیف یجمع مع قاعدة قوة السبب علی المباشر؟!

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم(4) قدس سره من إهمال مستند قاعدة الغرور فتام ولکن لا أدری کیف یتمکن هو رحمه الله من رفع هذا الإهمال بقاعدة لا ضرر التی لا تجری فی موارد قاعدة الغرور أو بالإجماع المنقول الذی لیس بحجة ویحتمل فیه انّه مدرکیٌّ کما مرّ(5)؟!

ولم یذکر قدس سره وجه رفع الإهمال بالوجه الثالث الذی ذکره وهو الأخبار الواردة فی الموارد المختلفة وإلغاء الخصوصیة منها وإذا بلغ النوبة بها فی کلامه انتقل إلی الوجه الرابع والشاهد الزور فکانّه ذکر رفع الإهمال بشاهد الزور مرّتین تارة فی أوّل کلامه بأنّه واضح واُخری فی آخر کلامه من قوله: «رجوع المحکوم علیه إلی شاهدی الزور مورد الأخبار»(6).

ومن المعلوم أنّ ما ذکره من الوجه الثالث والرابع هما بعینهما الروایات الواردة

ص:229


1- 6 . راجع هذا المجلد صفحة 214.
2- 7 . الجواهر 37/183.
3- 1 . الجواهر 23/485 (22/302).
4- 2 . المکاسب 3/499.
5- 3 . راجع هذا المجلد صفحة 222.
6- 4 . المکاسب 3/501.

حول قاعدة الغرور والنصوص المستفادة منها قاعدة الغرور(1) فکیف یرید الشیخ الأعظم رفع إهمال هذه الروایات بأنفسها؟!

نعم، الإهمال موجود فی روایات قاعدة الغرور ولایمکن إلغاء الخصوصیة منها وَتَسْرِیَتُها إلی جمیع موارد الغرور اللغوی أو العرفی، وقد مرّ(2) منّا بأنّا نرفع هذا الإهمال بعمل الأصحاب ونجری قاعدة الغرور فی ما أجراها أصحابنا _ قدس اللّه أسرارهم _ فی کتب البیع والغصب والنکاح والشهادات، وفی کل مورد ومسألة تمسک الأصحاب بها، وهذا ما عندنا فی نقد مقال الأعلام الثَّلاثة إجمالاً وحلّ إشکال الإهمال فی مستند قاعدة

الغرور والحمد للّه.

الرابع: موثقة جمیل الماضیة
اشارة

(3)

استدلّ بها جدی الشیخ جعفر رحمه الله وقال: «وفی خبر جمیل دلالة علیه»(4).

وتبعه تلامیذه أصحاب مفتاح الکرامة(5) وکشف الظلام(6) والجواهر(7)، قال فی الأخیر: «وفی شرح الأُستاذ أنّ فی خبر جمیل دلالة علیه».

قال الشیخ الأعظم: «بناءً علی أنّ حریّة الولد منفعة راجعة إلی المشتری وهو الذی ذکره المحقّق احتمالاً فی الشرائع(8) فی باب الغصب بناءً علی تفسیر المسالک(9) وفیه تأمل»(10).

ص:230


1- 5 . مرّت فی هذا المجلد صفحة 207 وما بعدها.
2- 6 . راجع هذا المجلد صفحة 206.
3- 1 . وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید والإماء.
4- 2 . شرح القواعد 2/102.
5- 3 . مفتاح الکرامة 12/634.
6- 4 . کشف الظلام، مخطوط، نقل عنه فی هدی الطالب 5/553.
7- 5 . الجواهر 23/485 (22/301).
8- 6 . الشرائع 3/195.
9- 7 . المسالک 12/228.
10- 8 . المکاسب 3/501.

أقول: تأمّل الشیخ الأعظم فی دلالة موثقة جمیل لأنّه(1) یری الولد نماءً للجاریة ولکنّه لم یستوفه المشتری فلا تدل الموثقة علی القسم الثانی وهو المنافع المستوفاة.

والعجب من المحقّق المُرَوِّجِ(2) رحمه الله تبعا للفاضل المامقانی(3) _ فی احتماله الأوّل _ حیث احْتَمَلَ رجوع تأمل الشیخ الأعظم تارة إلی ما احْتَمَلَهُ صاحب المسالک(4) واُخری إلی ما احتمله صاحب الجواهر(5) فی قول المحقّق «وفیه احتمال آخر»(6).

ووجه التعجب واضح لانّ الشیخ الأعظم لم یذکر مقالة صاحب الجواهر أصلاً فکیف یمکن رجوع التأمل إلیها ولأنّ المحقّق قال فی غصب الشرائع: «... وما یغترمه

المشتری ممّا لم یحصل له فی مقابلته نفعٌ کالنفقة والعمارة فله الرجوع به علی البائع، ولو اولدها المشتری کان حرّا وغُرم قیمة الولد ویَرْجِعُ بها علی البائع، وقیل فی هذه: له مطالبة أیّهما شاء. لکن لو طالب المشتری رجع علی البائع. ولو طالب البائع لم یرجع علی المشتری وفیه احتمال آخر. وأمّا ما حصل للمشتری فی مقابلته نفع...»(7).

قال الشهید الثانی فی ذکر احتمال آخر: «ویحتمل إلحاق عوض الولد بما حصل له فی مقابلته نفع کالمهر لأنّ نفع حرّیّة الولد یعود إلیه. وهذا هو الاحتمال الذی أشار إلیه فیجری فیه الوجهان إلاّ أنّ الأشهر الأوّل»(8).

وقال صاحب الجواهر فی ذیل احتمال آخر: «ویمکن أن یرید به احتمال عدم

ص:231


1- 9 . راجع المکاسب 3/181.
2- 10 . هدی الطالب 5/555.
3- 11 . غایة الآمال 6/252 طبع النجف الأشرف بتحقیق آیة اللّه الشیخ محمّدامین المامقانی _ مدظله _.
4- 12 . المسالک 12/228.
5- 13 . الجواهر 37/182.
6- 14 . الشرائع 3/195.
7- 1 . الشرائع 3/195.
8- 2 . المسالک 12/228.

التخییر بل یتعیّن رجوع المالک ابتداءً علی البائع بناءً علی کونه الغار نحو ما سمعته فیمن قدّم إلی غیره طعام الغیر وأکله، والأمر سهل خصوصا بعد ما عرفت من أنّ الأصح فی تلک التخییر»(1).

أقول: الظاهر أنّ تأمل الشیخ الأعظم(2) کما یمکن أن یرجع إلی احتمال المسالک، یمکن أن یرجع إلی أصل دلالة مُوَثَّقةِ جمیل علی المنافع الْمُسْتَوْفاةِ لأنّه یری الولد نماءً للجاریة لم یستوفه المشتری(3)، ولکنّ قد مرّ(4) منّا صدق المنفعة علیه حقیقةً وَعُرْفا مضافا إلی تعبیر الإمام علیه السلام فی خبر زرارة بأنّه منفعة حیث قال علیه السلام : ... یردّ إلیه جاریته ویعوّضه بما أنتفع.(5) فدلالة موثقة جمیل علی تضمین البائع الفضولی، المنافع المستوفاة مع توسط المشتری تامَّةٌ کما علیه الأعلام الأربعة الْماضُوْن.

ومن هنا ظهر أنّ المشتری یرجع إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی المنافع التی استوفاه والدلیل علیه قاعدة الغرور وموثقة جمیل والحمد للّه الجلیل الدلیل.

تنبیه: تفصیل من السیّد الخوئی رحمه الله فی المقام

ممّا ذکرنا من رجوع المشتری إلی البائع الفضولی فی المنافع التی لَمْ یَسْتَوْفِها

والتی استوفاها یظهر عدم تمامیة تفصیل السیّد الخوئی قدس سره وتبعیة شیخنا الأُستاذ(6) رحمه الله له.

قال المحقّق السیّد الخوئی: «المنافع التی یرجع المالک فیها إلی المشتری یمکن أن تکون علی قسمین: لأنّها تارة تکون ممّا استولی علیها البائع أیضا یتبع استیلاؤه علی العین کسکنی الدار مثلاً فإنّ حیثیة السکنی من منافع الدار التابعة لها فی الملکیة والاستیلاء، فلیستولی علیها بالاستیلاء علی عین الدار فإذا فرضنا استیلاء البائع علی

ص:232


1- 3 . الجواهر 37/182.
2- 4 . المکاسب 3/501.
3- 5 . المکاسب 3/181.
4- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/301.
5- 7 . وسائل الشیعة 21/204، ح2.
6- 1 . إرشاد الطالب 4/124 و 125.

الدار أوّلاً ثمّ باعها علی المشتری فقد استولی البائع أیضا علی تلک المنفعة.

واُخری لایکون کذلک ولم تدخل تحت استیلاء البائع أصلاً کالمنافع العینیة التی تجددت للعین بعد دخولها تحت ید المشتری ولم تکن موجودة حین استیلاء البائع علیها کالثمرة واللبن ونحوهما، فإنّ البائع لم یستول علیها ولم یضمنها.

(أما القسم الثانی) فلیس للمالک الرجوع فیه إلی البائع أصلاً، لعدم دخول تلک المنافع تحت یده لیکون ضامنا له کما أنّه لیس بمتلف لها، فإذا رجع بها المالک إلی المشتری لیس له الرجوع إلی البائع لعدم الدلیل علی ما عرفت.

وأما القسم الأوّل فللمالک أن یرجع إلی کلٍّ من البائع والمشتری، لأنّ کلاً منهما ضامن لها، فیقع الکلام فی انه إذا رجع إلی البائع فهل له الرجوع إلی المشتری، أو إذا رجع إلی المشتری فهل للمشتری أن یرجع إلی البائع أو لیس له ذلک؟

فنقول: سیأتی إن شاء اللّه تعالی فی باب تعاقب الأیادی تصویر ضمان أشخاص عدیدة لمال واحد إمّا بنحو الواجب الکفائی وإمّا بنحو اشتغال ذمة الجمیع وسرّ الضمان أنَّ الوجه فی رجوع السابق إلی اللاحق بعد ما رجع إلیه المالک هو أن الغاصب أو مَنْ بحُکْمِهِ یملک المال بقاءً بعد أداء مثله أو قیمته بالسیرة العقلائیة وتسالم الأصحاب، ولذا لو فرضنا أن أحدا أتلف زولیة مِنْ غیره أو تلف تحت یده فأخذ منه المالک قیمته لیس له أن یطالبه بالأجزاء الصغار الباقیة منها، خلافا؛ للمصنف [الشیخ الأعظم] حیث اختار جواز رجوعه إلیه، فمقتضی ذلک جواز رجوع البائع إلی المشتری إن رجع إلیه المالک، إلاّ أنّ فی المقام خصوصیة، وهی أنّه إذا قَدَّمَ أحد طعام نفسه الذی هو ملکه حدوثا واقعا بعنوان أنّه له لیأکله مع اعتقاده أنّه لیس له فأکله وبعد ذلک علم أنّه کان ملکا له واقعا لیس له الرجوع إلی الآکل ببدله، وهذا موافق للسیرة ومورد تسالم الفقهاء أیضا. وأمّا عکسه _

أی إذا قَدَّمَ مال الآکل واقعا إلیه بعنوان أنّه ملْکٌ له لا للآکل کما إذا ذبح شاة الغیر وقَدَّمَها إلیه بعنوان أنّه لا للآکل فأکلها الآکل إذا علم بذلک أن یرجع إلی المقدِّم، وهذا أیضا موافق للسیرة ومورد للتسالم. ولا فرق فی کلا الموردین بین الملک حدوثا وبقاءً.

وعلیه ففیما نحن فیه إذا رجع المالک إلی البائع فَلَیْسَ له الرجوع إلی المشتری،

ص:233

لأنّه مِن قبیل مَنْ قدَّم ملک نفسه حدوثا إلی غیره لیأکله بعنوان أنّه ملکه مع اعتقاده بأنه لیس له، بل لا فرق بینهما إلاّ فی کون المال ملکا له حدوثا فی الفرض وبقاءً فیما نحن فیه، وقد عرفت أنّه لا یوجب فرقا من حیث الضمان وعدمه وأمّا إذا رجع المالک إلی المشتری فله أن یرجع إلی البائع لأنّه قدَّم إلیه مال نفسه بقاءً بعنوان أنّه له فیکون ضامنا له، کما کان ضامنا فی فرض کونه مالاً له حدوثا فالصحیح فی المقام هو التفصیل کما ذکرنا.

وممّا بیّناه ظهر الحال فی المنافع المستوفاة أیضا، فإنّ فی مورد رجوع المشتری إلی البائع فی المنافع غیر المستوفاة یکون الرجوع إلیه فی المستوفاة ثابتا بالأولویة وفی مورد عدم رجوعه إلیه لا یفرّق بین المستوفاة وغیره کما هو ظاهر»(1).

القسم الثالث (أ): الغرامة التی یَغْتَرِمُها المشتری فی قبال العین

اشارة

الغرامة التی یَغْتَرِمُها المشتری للمالک فی مقابل العین کزیادة القیمة علی الثمن إذا رجع المالک بها علی المشتری نحو: لو باع الفضولی ما یقدّم بالعشرین بالعشرة، فتلف المال فی ید المشتری وأخذ المالک القیمة أی العشرین من المشتری فحینئذ المشتری لا یرجع إلی البائع بالعشرة الأُولی التی أعطاها فی الثمن المسمی لأنّها غرامة تقتضیها المعاوضة والمعاملة التی أقدم المشتری علیها ولا تستند إلی البائع الفضولی فلا یتحمّلها، ولکن العشرة الثانیة الزائدة علی الثمن المسمی فهی تنشأ من کذب البائع لأنّه غارٌّ بالنسبة إلیها والمشتری مغرور فیرجع المشتری إلیه هذا هو مختار الشیخ الأعظم(2) ثمّ تعرّض لإشکال ودفعه، قبل ذلک أذکر لک خلاف الأعلام فی المقام.

قال العلاّمة فی غصب القواعد: «ویغرّم [المشتری] قیمة العین إذا تلف ولایرجع»(3).

وقال السیّد العاملی فی ذیله: «أی وإن کان جاهلاً لأنّه إنّما دخل علی کونها

مضمونة فلا غرور بالنسبة إلیها مع جهله. وقال فی جامع المقاصد: «هذا إنّما یستقیم

ص:234


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/(485-483).
2- 2 . المکاسب 3/502.
3- 3 . قواعد الأحکام 2/237.

بالنسبة إلی ما قابل الثمن فلو زادت العین علی الثمن فالأصح رجوعه بالزائد لدخوله علی أنّه فی حکم ما لا عوض له فیتحقّق الغرور»(1).

قلت: وهو خیرة ولده فی شرح الإرشاد(2) والشهیدین(3) وغیرهم(4) فی باب البیع.

وقد استشکل هو [العلاّمة(5)] فیه فی موضع من باب البیع وولده فی الإیضاح(6) وفی التذکرة(7) فی الباب. وقد یلوح أو یظهر منه القول بالرجوع. وجزم فی موضع آخر من باب البیع بالعدم کما هو ظاهره هنا کما بیّنّاه فی باب البیع الفضولی والقسم الرابع من أقسام البیع المحظور من المکاسب وغیرهما»(8).

إشکال فی ضمان البائع بالنسبة إلی الزائد علی الثمن المسمی
اشارة

أصل الإشکال من العلاّمة الحلّی فی بعض کتبه وتبعه ولده فی الإیضاح(9) وأنقل لک کلامه قدس سره حتّی یتبیّن الإشکال.

قال: «إذا تلفت العین المغصوبة عند المشتری، ضمن قیمتها أکثر ما کانت من یوم القبض إلی یوم التلف، ولا یضمن الزیادة التی کانت فی ید الغاصب إن کانت فی یده أکثر قیمةً، ولا یرجع بما یضمنه، عالما کان أو جاهلاً؛ لأنّ الشراء عقد ضمانٍ، وقد شرع فیه علی أن تکون العین من ضمانه وإن کان الشراء صحیحا.

ولقائلٍ أن یقول: إن کان المراد من کونه عقدَ ضمانٍ أنّه إذا تلف المبیع عنده تلف

ص:235


1- 1 . جامع المقاصد 6/320.
2- 2 . شرح الإرشاد، مخطوط.
3- 3 . الدروس 3/193، المسالک 3/161.
4- 4 . کالمحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/71.
5- 5 . إرشاد الاذهان 1/361.
6- 6 . إیضاح الفوائد 2/191.
7- 7 . تذکرة الفقهاء 19/335، مسألة 1125.
8- 8 . مفتاح الکرامة 18/340.
9- 9 . إیضاح الفوائد 2/191.

من ماله، ویستقرّ علیه الثمن، فهذا صحیح، لکن لم یکن شارعا فیه علی أن یضمن القیمة، ومعلومٌ أنّه لو لم یکن المبیع مغصوبا لم یلزمه شیء بالتلف، فکان الغاصب مُغرّرا مُوقعا إیّاه فی خطر الضمان، فلیرجع علیه.

وإن کان المراد غیره، فلِمَ قلتم: إنّ الشراء عقد ضمانٍ علی تفسیرٍ آخَر؟

وربما انساق هذا الإشکال إلی ما حکی عن بعض الشافعیّة: أنّه یرجع من المغروم بمازاد علی قدر الثمن، سواء اشتراه رخیصا فی الابتداء [أم] زادت القیمة بعد الشراء، فإنّه إذا رجع بما زاد علی الثمن واستردّ الثمن لم یلحقه ضرر»(1).

وقد ورد هذا البیان فی کلام ثانی الشهیدین حیث یقول: «ثمّ إن کان عوض العین بقدر الثمن فذلک. وإن کان أزید ففی رجوعه علی الغاصب بالزیادة عن الثمن وجهان، من أن الشراء عقد ضمان وقد شرع فیه علی أن یکون العین من ضمانه وإن کان الشراء صحیحا، ومن دخوله علی أن یکون المجموع فی مقابلة الثمن، وهو یقتضی کون الزائد علیه فی معنی التبرّع به وإعطائه إیّاه بغیر عوض، فإذا أخذ منه عوضه رجع به.

وهذا قویّ. ولا یمنع من ذلک کون البیع عقد ضمان، لأنه إن کان المراد من کونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبیع عنده تلف من ماله واستقرّ علیه الثمن فهذا مسلّم، ولکن لم یکن شارعا فیه علی أن یضمن القیمة، ومعلوم أنه لو لم یکن المبیع مغصوبا لم یلزمه شیء بالتلف، غایته أن یکون ما قابل الثمن من المبیع مأخوذا بعوضه والباقی سالم(2) له بغیر عوض، فکان الغاصب مغرّرا موقعا إیّاه فی خطر الضمان فلیرجع علیه. وإن کان المراد غیره فلم قلتم: إن الشراء عقد ضمان مطلقا؟

وحینئذٍ، فإن رجع المالک علی المشتری جاهلاً بعوض المبیع لم یرجع به علی الغاصب البائع إن لم تزد قیمته عن الثمن. وإن رجع به علی الغاصب رجع به علی

المشتری. وإن رجع بالزیادة علی المشتری رجع بها علی الغاصب. وإن رجع بها علی

ص:236


1- 1 . تذکرة الفقهاء 19/335 و 336، مسألة 1125.
2- 2 . فی نسخة: سالما.

الغاصب لم یرجع بها علی المشتری»(1).

أقول: أنت تری بأنّ ما ذکره العلاّمة قدس سره بعنوان «لقائل أن یقول» یراه الشهید الثانی رحمه الله هو الأقوی ونقله صاحب الجواهر _ طاب ثراه _ بتمامه فی کتابه.(2)

وحاصل الإشکال: إنّ المشتری أقدم علی ضمان العین التالفة بالثمن المسمی ولکن حیث لم یمض الشارع البیع للفضولیة وعدم قبول المالک أو للغصبیة انتقل الضمان من الثمن المسمی إلی ثَمَنِ المِثْل والقیمة السوقیة کما هو شأن کلّ معاملة فاسدة. ومع

اقدام المشتری علی الضمان المعاملی لا تتحقّق قاعدة الغرور فلا یمکن رجوع المشتری إلی البائع بالثمن الزائد علی الثمن المسمی.

وقد أجاب الشیخ الأعظم عن هذا الاشکال بِأَنَّ:

وقد أجاب الشیخ الأعظم(3) عن هذا الاشکال بِأَنَّ:

قبض المشتری فی البیع الفاسد یقتضی انتقال الضمان المعاملی من الثمن المُسَمّی إلی ثمن المثل والقیمة السوقیة والانتقال یتحقّق إذا لم یکن مانع فی البین والمانع موجود هنا وهو إقدام المشتری علی الثمن المسمی فقط دون الزائد علیه وبالنسبة إلی مازاد علیه، المشتری مغرور یرجع إلی البائع الغارّ بمقتضی قاعدة الغرور.

لا یقال: المشتری بنفسه أقدم علی الضمان المعاوضی، فهذا الاقدام یستلزم أنّ قیمة العین التالفة علیه بما فیها الزائد علی الثمن المسمی.

لأنّا نقول: المشتری أقدم علی البیع بالثمن المسمی فقط لأنّه جاهل بالفضولیة أو الغصبیة علی الفرض، فلم یقدم علی ضمان قیمة العین التالفة بما فیها الزائد، فهذا الزائد لم یستقر علیه، بل بقاعدة الغرور یستقر علی البائع الفضولی أو الغاصب.

وبعبارة أُخری: الموجِب للضمان هنا هو جعل المشتری یده علی العین وتلفها فی یده فهو ضامن لقیمتها بالقیمة السوقیة بما فیها الزائد ولکنّه بالنسبة إلی الزائد مغرور فیرجع إلی غارّه البائع.

ص:237


1- 3 . المسالک 12/225.
2- 4 . الجواهر 37/179.
3- 1 . راجع المکاسب 3/503.

مُضافا إلی أنّ جریان قاعدة الغرور هنا اُولی من جریانها فی القسم الثانی وهو المنافع المستوفاة توسط المشتری، إذ مع فرض جریانها فی المنافع المستوفاة فبطریق أُولی تجری هنا حیث لم یصل إلی المشتری فی مقابل الغرامة نفع إلی المشتری. «هذا إذا کانت الزیادة موجودة وقت العقد»(1).

وإذا تجددت الزیادة بعد العقد بحیث ترتفع القیمة السوقیة بعد العقد فالحکم برجوع المشتری بالنسبة إلیها إلی البائع الفضولی والغاصب أُولی من الزیادة الموجودة حتّی العقد لأنّ إقدام المشتری یکون علی الثمن المسمی الذی یساوی الثمن المثل حین العقد فقط ولم یقدم علی الزائد فیکون مغرورا بالنسبة إلیها فیرجع إلی غارّه البائع.

ثمّ لا ینقضی تعجبی من المحقّق السیّد الخوئی قدس سره حیث لا یری قاعدة الغرور تامَّةً ویعمل بالروایات الخاصة من باب النص والتعبد وقال: «ولا یمکن التعدی عنها»(2) أو

قال: «إنّ قاعدة الغرور ممّا لا أساس له»(3)، فکیف یعمل بقاعدة الغرور فی المقام وقال: «والحاصل: إنّ مقتضی القاعدة عدم رجوع المشتری إلی البائع فیما یرجع إلیه المالک مطلقا، لأنّ التلف یکون تحت یده فیکون وَلد الضمان علیه، إلاّ إنّا خرجنا عن ذلک بالسیرة فیما إذا کان فی غیر الثمن المسمی فیما إذا کان البائع غارا للمشتری»(4). فیری البائع غارا للمشتری فیجری قاعدة الغرور.

وأصرح منه کلامه الآخر: «ثمّ لا یخفی أنّ ما ذکرناه سابقا من أنّ المشتری یرجع علی البائع فی موارد الغرور بخلاف البائع فإنّه لا یرجع علی المشتری لأنّه قد غرّه وأتلف المال علیه إنّما هو فیما إذا کانت الغرامة المتوجهة إلی المشتری مستندة إلی إغراء البائع إیّاه وکذبه فی دعوی المالکیة...»(5). وسبحان من لا یسهو.

ص:238


1- 2 . المکاسب 3/503.
2- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/482.
3- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/95.
4- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/487.
5- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/97.

القسم الثالث (ب): ما یغرمه المشتری فی قبال الجزء التالف

یظهر حکم الجزء أو الأجزاء التالفة ممّا ذکرناه وأنّ المالک یسترجع ما بقی من عین ماله وفی الأجزاء التالفة رجع بقیمتها علی المشتری الذی تلفت الأجزاء عنده، والمشتری یرجع إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی الزائد من الثمن المسمی الذی یقابلها، لأنّه مغرور و البائع غارّ. هذا کلّه إذا کان الجزء ممّا یقسّط علیه الثمن کما بیع کتابین تلف أحدهما.

وأمّا إذا کان الجزء ممّا لا یقسّط علیه الثمن «فحکمه حکم الوصف، حیث یعدّ المبیع مع تلف ذلک الجزء معیوبا، ویکون فی الوصف قرار الضمان مع الغرور علی البائع [کما یأتی آنفا] لأنّ کلاًّ من البائع والمشتری ضامن للوصف بضمان الید، ویکون غروره موجبا لقراره علی البائع من غیر أن یکون من المشتری إقدامٌ علی ضمان الوصف بمقدار من الثمن کما لا یخفی»(1).

ولذا قال الشیخ الأعظم: «وأمّا ما یغرمه [المشتری] بإزاء أجزائه [أی المبیع[ التالفة فالظاهر أنّ حکمه حکم المجموع فی أنّه [أی المشتری] یرجع فی الزائد علی ما

یقابل ذلک الجزء [أی فی الزائد علی الثمن المسمی]، لا فیما یقابله»(2).

أی ما یقابل الزائد علی الثمن المسمی مع الثمن المسمی = کلّ ثمن الجزء التالف.

القسم الثالث (ج): ما یغرمه المشتری فی قبال تلف الوصف

اشارة

وأمّا الأوصاف التالفة فقد فصّل الشیخ الأعظم(3) رحمه الله بین ما إذا کان الوصف ممّا یقسّط علیه الثمن _ کوصف الصحة _ یثبت له حکم الجزء التالف فیتدارک الوصف الفائت باسترداد ما قابله من الثمن.

وإن کان الوصف ممّا لایقسّط علیه الثمن رجع المشتری بغرامته إلی البائع، لأنّ المشتری لم یقدم علی ضمان الاُوصاف حتّی لا یرجع بغرامته إلی البائع.

ص:239


1- 4 . إرشاد الطالب 4/129.
2- 1 . المکاسب 3/503.
3- 2 . المکاسب 3/504.

واعترض المحقّق النائینی علی هذا التفصیل وقال: «ولکن الحقّ أنّ الأوصاف مطلقا لا یقسّط علیها الثمن کالشروط، ولا ینافی ذلک ما یقال: إنّ للوصف أو الشرط قسطا من الثمن، لأنّ معناه: أنّ قیمة العین تزداد بالوصف أو الشرط، لا أنّ مقدارا من الثمن فی الإنشاء العقدی یقابل الوصف أو الشرط. وهذا لا ینافی ثبوت الخیار بین الردّ والأرش فی العیب لما سیجیء فی باب العیب: أنّ الأرش ثابت بالتعبد لا من باب أنّ الثمن یقسّط علی الوصف والموصوف، وإلاّ وجب أن یکون الأرش من نفس الثمن»(1).

وأضاف تلمیذه السیّد الخوئی: «ومن أجل ذلک إذا کانت العین معیبة ولم یَعْلَمْ بها المشتری إلی آخر الأبد لا یجب علی البائع دفع قیمة العیب والأرش وإنّما یجب عند المطالبة، والأرش إنّما یثبت بدلیل آخر عند المطالبة کما عرفت»(2).

وتبعهما شیخنا الأُستاذ قدس سره .(3)

حکم ما یغترمه المشتری فیما إذا کان البیع فاسدا من غیر جهة الفضولیة
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم(4) إلی أنّ مورد رجوع المشتری إلی البائع بالغرامات هو البیع الذی یکون فساده من ناحیة عدم مالکیة البائع للمبیع من جهة الفضولیة أو الغصبیة، وَمِنْ هاتَیْنِ الْجِهَتَیْنِ یتحقّق الغرور فیرجع المشتری المغرور إلی البائع الغار.

وأمّا إذا کان البیع فاسدا من جهة أُخری کربویة المعاملة أو غرریة البیع أو مجهولیة المبیع ونحوها فلا یرجع المشتری فی الغرامات إلی البائع لعدم تسببها إلی البائع وإلی کذب دعواه فی المالکیة بل الغرامات تسبب عن بطلان المعاملة لتلک الجهة الاُخری وید المشتری العادیة التی لم تنشأ من سبب صحیح شرعی فلا یتم رجوع المشتری إلی البائع.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «... فلو فرضنا البائع صادقا فی دعواه لم تزل الغرامة، غایة الأمر کون المغروم له هو البائع علی تقدیر الصدق، والمالک علی تقدیر کذبه،

ص:240


1- 3 . منیة الطالب 2/178.
2- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/97.
3- 5 . إرشاد الطالب 4/130.
4- 6 . المکاسب 3/504.

فحکمه حکم نفس الثمن فی التزام المشتری به علی تقدیری صدق البائع وکذبه»(1).

قاعدة کلّیّة: فی رجوع المشتری إلی البائع الفضول أو الغاصب
اشارة

کلّ ما یغترمه المشتری للمالک، یرجع المشتری به إلی البائع لقاعدة الغرور، ویستقر الضمان علی البائع.

وأمّا فی هذه الموارد فَإنَّهُ إذا رجع المالک إلی البائع لم یرجع البائع إلی المشتری لأنّه مغرور والبائع غار والضمان یستقر علی الغار.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «أنّ کل ما یرجع المشتری به علی البائع إذا رُجع علیه، فلا یرجع البائع به علی المشتری إذا رُجع علیه لأنّ المفروض قرار الضمان علی البائع»(2).

وأمّا إذا تلف المبیع فی ید المشتری فقد مرّ أنّه ضمان لقیمته بالثمن المسمی ثمّ إذا رجع المالک إلی البائع وتکون القیمة السوقیة أکثر من الثمن المسمی یأخذ القیمة للسوقیة من المالک والمالک یرجع بالثمن المسمی إلی المشتری لأنّ المبیع فی یده، ولذا قال الشیخ الأعظم: «وأمّا ما لا یرجع المشتری به علی البائع _ کمساوی الثمن من القیمة [الثمن المسمی] فیرجع البائع به علی المشتری إذا غرمه للمالک، والوجه فی ذلک حصول التلف فی یده»(3).

إشکال من الشیخ الأعظم علی نفسه

ثمّ أورد علی نفسه(4) بأنّ علّة الضمان وهی الید العدوانیة مشترکة بین البائع

والمشتری ولذا یجوز رجوع المالک إلی أیّهما شاء ولکن «حصول التلف فی ید المشتری لا دلیل علی کونه سببا لرجوع البائع علیه، نعم لو أتلف بفعله رجع، لکونه [إتلاف

ص:241


1- 1 . المکاسب 3/504.
2- 2 . المکاسب 3/504.
3- 3 . المکاسب 3/505.
4- 4 . المکاسب 3/505.

المشتری] سببا لتنجّز الضمان علی السابق»(1). وهو البائع.

وبعبارة أُخری: الإشکال یفرّق بین إتلاف المشتری المبیع وتلفه فی یده، فذهب فی الأوّل إلی أنّ الإتلاف یوجب رجوع البائع فی الثمن المسمی إلی المشتری المتلف والإتلاف سبب لفعلیة الضمان علی البائع، لأنّ المشتری لو لم یتلفه یمکن رجوع العین إلی مالکها ولکن بعد الإتلاف ذمّة البائع مشغولة بالقیمة السوقیة وذمة المشتری بالثمن المسمی کما مرّ.

وأمّا الثانی وهو التلف فی ید المشتری فلا یوجب رجوع البائع إلی المشتری، لأنّه لیس بمتلِفٍ بل العین تلفت فی یده من باب الاتفاق فلا یستقر الضمان علیه لخروجه من قاعدة من أتلف مال الغیر فهو له ضامن لأنّ المشتری حینئذ لیس بمتلفٍ.

ثمّ تعرّض الشیخ الأعظم لحلّ هذا الاشکال إلی بحث مُهِمٍّ ولذا قال: «توضیح ذلک یحتاج إلی الکشف من کیفیة اشتغال ذمّة کلّ من الیدین ببدل التالف وصیرورته فی عهدة کل منهما مع أنّ الشی ء الواحد لا یقبل الاستقرار إلاّ فی ذمّة واحدة وأنّ الموصول فی قوله علیه السلام : «علی الید ما أخذت» شی ء واحد، کیف یکون علی کل واحدة من الأیادی المتعددة؟»(2).

ومن هذه الجهة تعرض لبحث تعاقب الأیدی(3).

ص:242


1- 1 . المکاسب 3/505.
2- 2 . المکاسب 3/505.
3- 3 . أکثر من تُطلق الأیادی علی النِّعم وقد تستعمل قلیلاً جمعا للید وقد تأتی قلیلاً جَمْعُ الجمع. أما جمع الید الذی لا غبار علیه فهو الأیدی.

وَصْلٌ: تعاقب الأیدی

اشارة

ص:243

اشارة

ص: 244

تعاقب الأیدی

اشارة

فی هذا البحث مشکلة مُهِمَّةٌ لابدّ من حلّها، وهی:

المشکلة: کیف یعقل ضمان أشخاص لمال واحد بالاستقلال فی آنٍ واحد

اشارة

المشکلة: کیف یعقل ضمان أشخاص لمال واحد بالاستقلال فی آنٍ واحد بحیث تکون عهدة کلٍّ منهم ظرفا للمال والمال فی ذمة کلٍّ منهم علی نحو التکالیف الاستقلالیة؟ مع إنّا نعلم بأنّ الذمّة والعهدة فی وعاء الاعتبار کالأین الخارجی فکما لا یمکن استقرار شی ءٍ خارجیٍ فی زمان واحد فی المکانین فکذلک لا یمکن استقرار مال واحد لشخص واحد فی ذمّة أشخاص متعددین فی آنٍ واحد.

وهذا هو بعینه الضمان العَرْضی الذی یقول به أکثر العامة فی بحث ضمان الدین عن المدیون لأنّهم یقولون بأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلی ذمّة اُخری، خلافا؛ لما یقول به الخاصة وبعض العامة من أنّ الضمان هو نقل الدین عن ذمّة المدیون إلی ذمّة الضامن وهذا هو الضمان الطولی.

ثمّ بعد استحالة عدم إمکان تحقّق الضمان العَرْضی فی مقام الثبوت لابدّ من توجیه ما یدلّ علیه فی مقام الإثبات وحمله علی الضمان الطولی الممکن.

وبعبارة أخری: دلیل الضمان فی الید العادیة هوا لنبوی الشریف: «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی»(1) والمراد ب_ «ما» الموصولة هو المبیع الشخصی الواحد، ولیس

ص:245


1- 1 . عوالی اللآلی 1/224، ح106، 1/389، ح22، وقد مرّت مصادره فی الآراء الفقهیة 4/292.

للواحد الشخصی إلاّ بدل واحد، فکیف یتعدد هذا الواحد باستقراره فی ذمّم متعددة؟(1)

ثمّ الفقهاء من الأصحاب _ رضوان اللّه تعالی علیهم _ تعرضوا لحلّ هذا الإشکال بأجوبة متعددة، وقد ذکر الشیخ الأعظم رحمه الله مختاره فی الجواب.

حلّ الشیخ الأعظم عن المشکلة
اشارة

(2)

أجاب عن الإشکال بما حاصله: ضامن أشخاص متعددة لمال واحد معناه اشتغال ذمّة کلّ واحد منهم بالمال علی البدل بحیث لو خرج واحد منهم عن هذا الاشتغال سقط ذمّم الکل، وإن لم یخرج ذمم الکل مشغولة، نظیر الواجب الکفائی فی الأحکام التکلیفیة حیث أنّ المطلوب فیه واحدٌ ولکن المطلوب منه متعددا فکذلک یمکن أن یکون المال واحدا وضمانه متعددا.

وقال الشیخ الأعظم ما نصه: «فنقول: معنی کون العین المأخوذة علی الید: کون عهدتها ودرکها بعد التلف علیه، فإذا فرض أیدٍ متعدّدة یکون العین الواحدة فی عهدة کلٍّ من الأیادی، لکن ثبوت الشیء الواحد فی العهدات المتعدّدة معناه: لزوم خروج کلٍّ منها عن العهدة عند تلفه، وحیث إنّ الواجب هو تدارک التالف الذی یحصل ببدل واحد لا أزید، کان معناه: تسلّط المالک علی مطالبة کلٍّ منهم بالخروج عن العهدة عند تلفه، فهو یملک ما فی ذمّة کلٍّ منهم علی البدل، بمعنی أنّه إذا استوفی أحدها سقط الباقی؛ لخروج الباقی عن کونه تدارکا، لأنّ المُتَدَارَک لا یتدارک.

والوجه فی سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقی: أنّ مطالبته ما دام لم یصل إلیه المُبْدَل ولا بدله، فأیّها حصل فی یده لم یبقَ له استحقاق بدله، فلو بقی شیء له فی ذمّة واحدة لم یکن بعنوان البدلیّة، والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

ویتحقّق ممّا ذکرنا: أنّ المالک إنّما یملک البدل علی سبیل البدلیة، ویستحیل اتّصاف شیء منها بالبدلیّة بعد صیرورة أحدها بدلاً عن التالف واصلاً إلی المالک»(3).

ص:246


1- 2 . راجع المکاسب 3/505.
2- 1 . راجع المکاسب 3/505.
3- 2 . المکاسب 3/(507-505).

ویری الفقیه السیّد الیزدی هذا المقال هو التحقیق فی المسألة إذ قال: «هذا هو التحقیق، ولا اشکال فی تصویره ومعقولیته کما فی التکالیف؛ إذ لا فرق بین الوضع والتکلیف فی ذلک، بل یمکن عکسه أیضا، وهو کون المالک أشخاصا متعددة علی سبیل البدل، مع کون المملوک واحدا، کما فی مالکیة السادة والفقراء للخمس والزکاة، وکما فی مالکیة کلّ واحدٍ من الورثة لحقِّ الخیار الثابت للمورث بناءً علی أحد الأقوال، من أنَّ کلاً منهم مستقل فی مالکیة الخیار، وممّا یناسب المقام حریة أحد العبید إذا أوصی بعتق واحد من عبیده، ولذا یسترج بالقرعة.

وبالجملة: لا مانع من اشتغال ذمم عدیدة لمال واحد علی سبیل البدل»(1).

وتبعهما المحقّق السیّد الخوئی(2) کما یأتی بیانه فی نقد اُستاذه النائینی.

ثمّ تصدی الشیخ الأعظم لتقریب جوابه فی حلّ الإشکال وردّ النقود علیه بذکر عدّة من الأشباه والنظائر من أبواب المعاملات والعبادات :

1_ ضمان المال علی مسلک العامة حیث أنّه ضمّ ذمة

1_ ضمان المال علی مسلک العامة حیث أنّه ضمّ ذمة إلی ذمّة أُخری عندهم(3)

قال العلاّمة فی ضمان تذکرة الفقهاء: «الضمان عندنا ناقل للمال من ذمّة المضمون عنه إلی ذمّة الضامن، فللمضمون له مطالبة الضامن بالمال ولیس له مطالبة المضمون عنه، عند علمائنا أجمع _ وبه قال ابن أبیلیلی وابن شبرمة وداود وأبوثور(4)... وقال عامّة الفقهاء _ کالثوری والشافعی وأحمد وأسحاق وأبیعبید وأصحاب الرأی: إنّ المضمون عنه لا یبرأ من المال وللمضمون له مطالبة من شاء من الضامن ومن المضمون عنه...»(5).

ص:247


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/306.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/491، التنقیح فی شرح المکاسب 2/103، مصباح الفقاهة 4/373.
3- 3 . راجع المغنی 5/(83-70)، الشرح الکبیر 5/72، المجموع 14/24، المهذب 2/307، الإشراف علی نکت مسائل الخلاف 2/601، حلیة العلماء 5/58، الحاوی الکبیر 6/436.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 14/342.
5- 5 . تذکرة الفقهاء 14/343.

وقال: «لیس للمضمون له مطالبة المضمون عنه بل یطالب الضامن خاصةً عندنا. وقال الشافعی وأبوحنیفة وأحمد وغیرهم: یرجع علی من شاء من الضامن والمضمون عنه.

وقال مالک: إنّه لا یطالب الضامن إلاّ عجزعن تحصیله من الأصیل لغیبته أو إعساره لأنّ الضمان وثیقة فلا یستوفی الحقّ منها إلاّ عند تعذّره کالرهن...»(1).

2_ «ضمان عهدة العوضین لکلٍّ من البائع والمشتری عندنا

2_ «ضمان عهدة العوضین لکلٍّ من البائع والمشتری عندنا کما فی الإیضاح»(2)

نحو: إذا ضمن شخصٌ للبائع عهدة الثمن عند ظهور کون الثمن لغیر المشتری أو إنکشاف بطلان البیع. أو إذا ضمن للمشتری عن البائع عهدة المبیع إن ظهر کونه للغیر أو إنکشاف بطلان البیع فحینئذ اجتمعت ذمّتان: ذمّة الضامن وذمة البائع أو المشتری مع وحدة المال المضمون به فیجوز للبائع الرجوع إلی المشتری أو الضامن وکذلک یجوز

للمشتری الرجوع إلی البائع أو الضامن، فیجوز اجتماع ذمّتان لمال واحد.(3) هذا توضیح تنظیر الشیخ الأعظم.

وأمّا کلمة «عندنا» الظاهرة فی الإجماع فَهِیَ مفقودة فی کتاب إیضاح الفوائد لفخرالمحقّقین رحمه الله ، نعم هی موجودة فی تذکرة الفقهاء لوالده العلاّمة حیث یقول فی شأن ضمان العهدة: «... وهذا الضمان «عندنا» صحیح إن کان البائع قد قبض الثمن، وإن لم یکن قد قبض لم یصح»(4).

ولعلّ الشیخ الأعظم نقل نسبة هذا الإجماع إلی فخرالمحقّقین عن کلام سیّد مشایخه السیّد المجاهد فی مناهله حیث یقول فی ضمان العهدة: «هل هذا القسم ناقل أیضا أو لا، بل هو ضمُّ ذمّةٍ إلی ذمّةٍ صرّح بالأوّل فی التحریر... وصرّح بالثانی فی الإیضاح والتنقیح وهو ظاهر مجمع الفائدة، بل نبّه الأوّل علی دعوی الاتفاق علیه، قائلاً:

ص:248


1- 6 . تذکرة الفقهاء 14/344، مسألة 525.
2- 7 . المکاسب 3/507.
3- 1 . راجع هدی الطالب 5/573.
4- 2 . تذکرة الفقهاء 14/330.

ضمان العهدة ضمٌّ عندهم»(1).

3_ «ضمان الأعیان المضمونة علی ما استقر به فی التذکرة وقّواه فی الإیضاح»

(2)

نحو: إذا ضمن لمستعیر الذهب والفضة أو للمال المغصوب فحینئذ یجتمع ذمّتان بمال واحد ویجوز للمالک المعیر الرجوع إلی کلٍّ من المستعیر أو الضامن، أو للمالک المغصوب منه الرجوع إلی کلٍّ من الغاصب أو الضامن.

قال فی تذکرة الفقهاء: «الأعیان المضمونة کالمغصوب والمستعار مع التضمین أو کونه أحد النقدین والمستام والأمانات إذا خان فیها أو تعدّی فله صورتان:

الأولی: أن یضمن ردّ أعیانها وهو جائز لأنّه ضمان مال مضمون علی المضمون عنه وبه قال أبوحنیفة وأحمد... إذا ثبت هذا فإن ردّها الضامن أو الغاصب بری ء من الضمان. وإن تلفت وتعذّر الردّ فهل علیه قیمتها؟... .

الثانیة: أن یضمن قیمتها لو تلفت. والأقوی عندی الصحة لأنّ ذلک ثابت فی ذمّة الغاصب فصحّ الضمان...»(3).

وقال أیضا: «وفی ضمان الأعیان المضمونة والعهدة إشکال أقربه عندی جواز مطالبة کلّ من الضامن والمضمون عنه بالعین المضمونة(4). أمّا الضامن فللضمان وأمّا المضمون عنه: فلوجود العین فی یده أو تلفها فیه. وفی العهدة إن شاء المشتری طالب البائع وإن شاء طالب الضامن لأنّ القصد هنا بالضمان التوثیق لا غیر...»(5).

ونسبة الأقوئیة إلی الإیضاح غیر تام بل یراه الفخر غیر صحیح لأنّه قال ذکر الإشکال: «والأصح أنّه لایصح»(6).

ص:249


1- 3 . المناهل /139 طبع الحجری، نقل عنه فی هدی الطالب 5/574.
2- 4 . المکاسب 3/507.
3- 5 . تذکرة الفقهاء 14/321، مسألة 511.
4- 1 . فی المصدر: المغصوبة.
5- 2 . تذکرة الفقهاء 14/336، مسألة 520.
6- 3 . إیضاح الفوائد 2/85.
4_ «ضمان الاِثْنَیْنِ لواحدٍ

کما اختار ابن حمزة(1) وقد حکی فخرالدین(2) والشهید(3) عن العلاّمة فی درسه أنّه نفی المنع عن ضمان الاِثْنَیْنِ علی وجه الاستقلال، قال: ونظیره فی العبادات: الواجب الکفائی وفی الأموال [ک_(4)] الغاصب من الغاصب»(5).

فی هذا الفرض صورتان: وأقوال وإشکال للتنبیه علی ذلکَ أذکر کلام الفقیه العاملی فی المقام حتّی یظهر الأمر لک، فما ذکره الشیخ الأعظم لایتم إلاّ علی إحدی الصورتین وعلی أحد الأقوال فیها مع وجود إشکال فی المقام.

قال فی مفتاح الکرامة: «ضمان الإثنین إمّا أن یقع علی التعاقب أو دفعة، فإن وقع علی التعاقب فمن رضی المضمون له أوّلاً بضمانه انتقل المال إلی ذمّته وبطل ضمان الآخر، سواء کان هو السابق أو اللاحق کأن یقول: رضیت بضمان زید السابق دون عمرو اللاحق أو بالعکس، أو یقول: رضیت بضمان زید السابق ورضیت بضمان عمرو اللاحق أو بالعکس. وأمّا إذا رضی بضمان کلّ واحدٍ منهما دفعة کأن یقول: رضیت بضمان کلّ واحدٍ منکما انتقل المال إلی ذمّة الأوّل، لأنّه إذا رضی بضمان کلّ واحدٍ منهما فقد رضی بضمان الأوّل فینتقل المال إلیه فلا یصادف ضمان الثانی ولا الرضا به حقّا علی المضمون

عنه فیبطل.

وأمّا إذا وقع ضمان الاثنین دفعةً، فإن وقع رضا المضمون له بضمان کلّ واحدٍ علی التعاقب کأن یقول: رضیت بضمان زید ورضیت بضمان عمرو صحّ ضمان مَن رضی بضمانه أوّلاً، لانتقال المال بالضمان ورضا المالک إلی ذمّته، فلا یصادف الضمان الثانی ذمّة مشغولة فیبطل. وإن وقع الرضا منه دفعةً فهناک ثلاثة أقوال وإشکال:

ص:250


1- 4 . الوسیلة /281.
2- 5 . إیضاح الفوائد 2/89.
3- 6 . نقل عنهما فی مفتاح الکرامة 16/470.
4- 7 . الزیادة من مفتاح الکرامة 16/470.
5- 8 . المکاسب 3/507.

الأوّل: قول أبیعلیّ(1) وهو صحّة الضمان، فیطالب کلّ واحدٍ بِقِسْطِهِ لا بالجمیع، فإن کانا اثنین طالب کلّ واحدٍ منهما بنصف المال، ولو زادوا فبالحصة بعد اعتبار العدد.

وفیه: أنّه خلاف ما أراده الضامنان واقتضاه العقدان فیبطلان، إلاّ أن تقول: الأصل صحّة الضمان ولا أولویة، وانتقال المجموع إلی کلٍّ من الذمّتین ممتنع، فوجب أن نقول: إنّه انتقل إلی کلّ واحدٍ منهما ما یقتضیه التحاصّ، وهو کماتری لا یجمع بین مقتضی العقدین.

الثانی: التخییر فی مطالبة مَن شاء منهما ومطالبتهما معا، ویسمّی ضمان الاشتراک والانفراد معا، وقد جزموا(2) به فی باب الدیات فیما إذا قال: ألقِ متاعک وعلی کلّ واحدٍ منّا ضمانه، أو قال: إنّی وکلاًّ من الرکبان ضامن. وهو قول ابن حمزة فی المقام، قال فی «الوسیلة»(3): وینقسم الضمان قسمین آخرین: ضمان انفراد وضمان اشتراک، فضمان الانفراد ضمان جماعة عن واحد، ویکون للمضمون له الخیار فی مطالبة المال من أیّهم شاء علی الإنفراد وعلی الاجتماع. وضمان الاشتراک بالعکس من ذلک. ولعلّ حجّته التمسّک بصحّة العقدین فإنّها الأصل.

ونقل الفخر(4) والشهید(5) عن المصنّف [العلاّمة] فی درسه المبارک المیمون توجیهه بأنّ مثله واقع فی العبادات کالواجب علی الکفایة وفی الأموال کالغاصب من الغاصب.

ونظر فیه فی «جامع المقاصد»(6) بأنّ العقدین المتنافیین یمتنع التمسّک بصحّتهما.

ص:251


1- 1 . حکاه عنه العلاّمة فی مختلف الشیعة: فی الضمان 5/467.
2- 2 . منهم المحقّق فی شرائع الإسلام: فی الدیات 4/258، والعلاّمة فی قواعد الأحکام، فی الجنایات فی موجب الدیة 3/664، والشهید الثانی فی مسالک الأفهام: فی تزاحم موجبات ضمان النفس 15/387.
3- 3 . الوسیلة: فی الضمان /281.
4- 4 . إیضاح الفوائد: فی أحکام الضمان 2/89.
5- 5 . لم نعثر علیه ولا علی الحاکی عنه.
6- 6 . جامع المقاصد: فی الضمان 5/341.

ووجه التنافی أنّ انتقال المال إلی ذمّة أحدهما یقتضی أن لاینتقل إلی ذمّة الآخر شیء، فیکون ضمانه باطلاً لانتفاء مقتضاه، ولا نعنی بالباطل إلاّ ما لا یترتّب علیه أثره. وهذا یصلح جوابا عمّا ذکره المصنّف [العلاّمة] إذ فی الغاصب من الغاصب لم یثبت المال فی ذمم متعدّدة، وإنّما وجب علی مَن جرت یده علی المغصوب ردّه علی مالکه عملاً بعموم «علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی»(1) فإن تعذّر وجب البدل للحیلولة، وهذا لا یتفاوت الحال فیه بقاء العین وتلفها. ومعلوم أنّه مع بقائها لا تکون فی ذمّة أحد، وإنّما الّذی فی الذمّة وجوب الردّ. فظهر أن لیس هناک مالٌ واحدٌ فی ذمم متعدّدة.

ولک أن تقول: إذا تعذّر البدل للحیلولة کان المال الواحد فی ذمم متعدّدة ولهذا أقرّه علیه ولده والشهید، وظاهر الأوّل وصریح الثانی الرضا به. وقد أوردا(2) علیه لزوم اجتماع العلل علی معلولٍ واحد، إذ العلّة فی براءة ذمّة المضمون عنه ضمان کلّ واحد. وأجابا بأنّها معرّفات أی أمارات لیست بأسباب، وبأنّ براءة ذمّته معلولة لعدم علّة الثبوت وهی الأداء به مع عدم الضمان غیره، وانتفاء عدم الکلّی بوجود جزئیّات کثیرة جائز. ومعناه أنّ عدم انتفاء الإنسان بوجود زید وبکر وعمرو وخالد جائز، فتأمّل، إلاّ أن تقول: إنّ هذا(3) خرج عن الأصل فی خصوص هذا الفرد للنصّ والإجماع فیقتصر علیه من دون تعدّ. وبذلک یجاب عن الحال فی السفینة لتطابق الفتاوی ممّن تعرّض له والضرورة.

الثالث: البطلان، للحصر فی الاُمور الثلاثة، وقد بطل اثنان فتعیّن الثالث. وفی «المختلف»(4) أنّه أقوی. وفی «جامع المقاصد»(5) أنّه أصحّ.

وممّا ذکر یعرف وجه الإشکال، فیکون دائرا بین الأقوال الثلاثة، فیکون منشؤه

ص:252


1- 1 . عوالی اللآلی: 1/224، ح106 و /389، ح22.
2- 2 . إیضاح الفوائد: فی أحکام الضمان 2/89، ولم نعثر علی کلام الشهید.
3- 3 . أی الغاصب من الغاصب.
4- 4 . مختلف الشیعة: فی الضمان 5/467.
5- 5 . جامع المقاصد: فی الضمان 5/342.

أصالة الصحّة، ووقوعه من أهله، ومن اتّحاد الحقّ ومن عدم الأولویة»(1).

اعتراض المحقّق النائینی علی جواب الشیخ الأعظم ومختاره فی حلّ الإشکال
اشارة

قال قدس سره : «ولا یخفی ما فیه من الفساد وذلک لعدم صحة تعدد الضمان العرضی ثبوتا

ولا إثباتا.

وفساد ما ذکره قدس سره من النظائر بالمنع عن تلک النظائر إمّا من حیث الصغری وإمّا من حیث الکبری.

أمّا استحالة تعدد الضمناء عرضا ثبوتا: فلأنّ الذمة فی عالم الاعتبار تکون فی حکم أین خارجی یستقر فیه المال إلاّ أنّ الذمّة لمکان اعتباریتها وسیعة تسع کلّ شیءٍ یصح اعتباره فیها ولهذا یقال بأنها بیداء واسعة، فکما أنّه لایعقل قرار مال واحد فی مکانین عرضا بأن یکون قراره فی أحدهما بعین قراره فی الآخر وفی عرضه فکذلک استحالة قراره فی مکانین خارجیین، وهذا علی ما هو التحقیق فی باب الأحکام الوضعیة من قابلیة تعلّق الجعل بها استقلالاً وأنّ الضمان حکم وضعی مجعول مستقل بالجعل لا أنّه منتزع عن الحکم التکلیفی.

نعم، علی القول بالانتزاع عن التکلیف یمکن تکلیف شخصین أو أشخاص بالأداء علی نحو الواجب الکفائی فینتزع منه وضع وهو الضمان علی نحو التصویر الکفائی حسب منشأ انتزاعه لکنّ القول بانتزاع الضمان عن التکلیف فاسد وهو [الشیخ الأعظم] قدس سره أیضا لم یتکلّم فی المقام علی ذاک الفرض.

وبالجملة فعلی ما هو التحقیق فی باب الضمان فلا یتصور تصویر النحو الواجب الکفائی فیه.

وأمّا عدم ما یدل علیه إثباتا: فلما سنوضحه من أنّ أدلة الضمان فی صورة تعدده یدلّ علی الضمان الطولی الذی هو بمکان من الإمکان ثبوتا حسبما نوضحه إن شاء اللّه.

ص:253


1- 6 . مفتاح الکرامة 16/(471-468).

وأمّا فساد مااستشهد به قدس سره تأییدا لما ادعاه ممّا یکون الضمان فیه عرضیا.

أمّا الضمان علی طریقة الجمهور فهو وإن کان ینطبق علی الضمان العرضی. لکنّه فاسد لا نقول به والاستشهاد بأمر فاسد عندنا مضروب عنه لا نقول به أصلاً.

وأمّا ضمان درک المبیع أو الثمن عند ظهور المستحق: فهو لیس من باب الضمان العرضی بأن یکون الثمن مضمونا علی البائع فی عرض ضمانه علی الأجنبی والمبیع مضمونا علی المشتری فی عرض ضمانه علی الأجنبی بل معنی ضمان الأجنبی للثمن أو المثمن هو أنّه لو تلف المضمون أو امتنع المضمون عنه یکون عوضه علی الضامن، ونتیجة هذا أنّه مع تلف المضمون أو امتناع المضمون عنه لایشتغل إلاّ ذمة

الضامن، ومع وجوده وعدم امتناع المضمون عنه لایشتغل إلاّ ذمة المضمون عنه، فلم یجتمع ضمان المضمون عنه مع ضمان الضامن لکی یکونا عرضیین.

نعم غایة ماهناک وجوب إلزام الضامن للمضمون عنه بالردِّ إلی المالک فی صورة وجود العین، لکن أین هذا من الضمان بمعنی استقرار ذمة الضمان بالمال وکون مال المالک فی صندوق ذمّته کما لایخفی.

وأمّا ضمان الأعیان المضمونة: کالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد بأن یضمن الضامن للعین المضمونة لا مااستقر فی الذمة علی تقدیر التلف.

ففیه: مع أنّه محل للخلاف، فإنّ المحکی عن جماعة هو المنع عنه، أنّ معنی ضمانه علی الضامن ثبوت بدله علیه عند التلف من المثل أو القیمة، ووجوب إلزام المضمون عنه بأدائه علی تقدیر وجوده، فلیس هو أیضا من باب الضمانین العرضیین. فإنّ المضمون له علی تقدیر وجود العین لا یرجع إلاّ إلی المضمون عنه، ومع تلفه لیس له الرجوع إلاّ إلی الضامن فلا یکون المال مستقرا فی ذمة الضامن مع قراره فی ذمة المضمون عنه.

وأمّا ضمان الاثنین لواحد: علی نحو الاستقلال بحیث یکون کلّ واحد ضامنا لهذا المال الواحد فی عرض ضمان الآخر فهو عین ما هو المدعی فی المقام فلا وجه لجعله شاهدا للمقام. وعلی نحو التشریک لاینتج إلاّ التشریک فی ضمان واحد لا استقلال کلّ واحدٍ بالضمان، نظیر استقراض شخصین عن واحد، حیث أنّه أیضا موجب

ص:254

لتشریکهما فی الدین لا وقوع تمام الدین فی ذمّة کلّ واحدٍ منهما بالاستقلال.

وأمّا التنظیر بالواجبات الکفائیة فی العبادات، ففیه أنّه علی تقدیر تصویره فی المقام یوجب عدم ضمان کلّ واحدٍ منهما لا ضمان أحدهما علی البدل، وذلک لأنّ المعنی المتصوَّر فی الکفائی فی العبادات علی ماحُقِّقَ فی الاُصول هو تقیید إطلاق خطاب کلّ واحد من المکلَّفین بعدم قیام الآخر به. إذ معنی صلِّ فی الواجب المعین العینی هو وجوب الصلاة علی المخاطب سواء صلی شخص آخر أم لا، ومعنی صلِّ علی المیت کفایة هو وجوب الصلاة علی المخاطب فی ظرف عدم صلاة شخص آخر لامطلقا. وهذا المعنی فی باب الضمان، یوجب عدم ضمان کلّ واحد منهما، ضرورة أنّ ضمان کل واحد یوجب عدم ضمان الآخر لأنّ ضمانه (حینئذ) فی ظرف عدم ضمانه وهو مستلزم لعدم ضمان کلّ واحد منهما کما لایخفی.

بالجملة فَشِئٌ من هذه الموارد لا یثبت صحة الضمان المتعدد عرضا والمتحصل

استحالة تعدد ا لضمناء عرضا ثبوتا وعدم الدلیل علیه إثباتا.

بل التحقیق فی مورد تعدد الضمناء هو طولیة الضمان، وبطولیته یتم الأمور المتقدمة، وما سیجئ من عدم جواز رجوع المالک إلی الغار. بل لیس له الرجوع إلاّ إلی المغرور، وعدم جواز رجوع المغرور إلی الغار قبل الاغترام للمالک، وعدم جواز رجوع الداین إلی المدیون بعد ضمان الضامن عن المدیون، بل یتعیّن علیه الرجوع إلی الضامن، کما أنّ الضامن لا رجوع له إلی المضمون عنه إلاّ بعد أداء ماضمنه إلی المضمون له، وجواز رجوع المالک إلی کلّ واحدة من الأیادی المتعاقبة. وجواز رجوع کلّ سابق إلی لاحقه الذی تلف المال عنده علی تقدیر رجوع المالک إلی السابق.

وتوضیح الضمان الطولی: إنّ معنی المعقول من تعدد الضمناء هو أن یکون أحدهما فیما إذا کانا اثنین مثلاً ضامنا للمالک والآخر ضامنا لما ضمنه الآخر ومااستقر فی ذمته.

وبعبارة اُخری: یکون الأوّل مشتغل الذمة بالمالک والثانی بما اشتغل به ذمة الأوّل، فاشتغال ذمة الثانی یکون فی طول اشتغال ذمة الأوّل، وهذا یتصوّر علی قسمین

ص:255

فإنّه إمّا لایصح للمالک أن یرجع إلی الثانی فی عرض رجوعه إلی الأوّل بل لابد له من الرجوع إلی الأوّل ثمّ الأوّل بعد تأدیته لما فی ذمّته یرجع إلی الثانی، وإمّا أن یصح له الرجوع إلی الثانی کما یصح له الرجوع إلی الأوّل.

غایة الأمر أنّه إذا رجع إلی الثانی لایرجع الثانی إلی الأوّل، وإذا رجع إلی الأوّل فالأوّل یرجع إلی الثانی، وهذا الاختلاف ینشأ من سبب الضمان، فإنّ الضمان إمّا عقدی کما فی مورد التماس المدیون ضمان ما فی ذمته، أو یکون بالاتلاف، أو یکون بسبب الأیادی المتعاقبة، وفی الأوّلین أعنی العقد والاتلاف لا رجوع للمالک إلاّ إلی الضامن الأوّل.

أمّا فی العقدی فلأن الضامن الذی یضمن بالتماس المدیون تَشْتَغِلُ ذمّته بِدَیْنِ المالک بالضمان، ویبرء المدیون المضمون عنه عن الداین ومعه فلیس للداین حینئذ أن یرجع إلی المدیون المضمون عنه لبراءة ذمته عن دینه وإنّما المشتغل به هو الضامن.

ثمّ إذا أدی الضامن ما فی ذمته من الدین تشتغل ذمة المضمون عنه بالضامن فللضامن حینئذ الرجوع إلیه بعد ما أدی إلی المضمون له و... .

ثمّ إنّ أسباب الضمان کما عرفت ثلاثة لا رابع لها:

الأوّل: العقد والأمر المعاملی مثل أمر المدیون بثالث بأداء ما علیه من الدین أمرا معاملیا نظیر أمر صاحب المتاع الحمّال بأن یحمل متاعه فإنّه یجب علیه أداء اُجرة الحمل لأمره به، لا أمرا غیر معاملی نظیر التماس الملتمس عن أحد فی حمل متاعه علی نحو التفضل مثل أوامر الفقراء والمساکین.

الثانی: الإتلاف.

والثالث: الید.

فکما یتصور تحقق ضمان واحد بکلِّ من هذه الأسباب الثلاثة یتصور تعدده أیضا.

فالأوّل کما فی أمر المدیون بأداء دینه فأنّه ضامن للمسؤول عنه فالمسؤل عنه هو الضامن الأوّل الذی یضمن عن المدیون بالتماسه والمدیون هو الضامن الثانی الذی

ص:256

یضمن ما یؤدیه المسؤل عنه فالمدیون ضامن لما ضمنه الضامن بالتماسه.

والثانی کما إذا أتلف أحد بتغریر آخر فإنّ المتلِف ضامن للمالک بإتلافه والغارّ ضامن للمتلِف بتغریره إیّاه.

والثالث کما فی تعاقب الأیادی.

ولهذه الأسباب الثلاثة أحکام مشترکة بین الجمیع وأحکام مختصة ببعضها، والأحکام المشترکة بینها أمران:

احدهما: کون الحق فی الجمیع واحدا مع تعدد الضمناء ویکون کلّ لاحق ضامنا لما فی ذمة الضامن السابق علی ما هو معنی الطولیة نظیر تعدد أمکنة شی ء واحد فی عالم العین طولاً مثل کون المصباح فی المشکوة والمشکوة فی البیت فکما أنّ تعدد أمکنة شی ء واحد طولاً بحسب العین أمر معقول کذلک تعددها بحسب عالم الاعتبار معقول وکما أنّ تعدد أمکنته عرضا فی عالم العین غیر معقول بأن یکون فی مکان فی حال کونه فی مکان آخر کذلک تعددها فی عالم الاعتبار غیر معقول بأن یکون فی ذمة فی حال کونه فی ذمة اُخری.

الأمر الثانی: عدم جواز رجوع السابق إلی اللاحق قبل أداء ما فی ذمّته وهذا الأثر مشترک فی الأسباب الثلاثة وإنْ کان المنشاء مختلِفا حیث أنّ فی الضمان العقدی إلتزام العقدی مقتض لعدم جواز رجوع الضامن إلی المضمون عنه إلاّ بمقدار ما یؤدیه بعد الأداء وفی الضمان بالغرور هو دلیل تلک القاعدة أعنی النبوی المعروف المعتضد بالعمل أو

الإجماع المنعقد علی مضمونه وفی ضمان الید هو قاعدة علی الید فالدلیل مختلف فی الموارد الثلاثة ولکن الأثر واحد.

وأمّا الأثر المختص بکل واحد منها:

فالضمان العقدی یختص بأنّه تابع لما التزم به بقدر الالتزام فإنّ التزم الضامن اللاحق بالتعهد بمافی ذمة الضامن السابق یکون موجبا لبراءة الضامن السابق واشتغال ذمة اللاحق کما کان ضمان الضامن السابق عن المدیون موجبا لبراءة المدیون عن الداین واشتغال الضامن بما یکون فی ذمة المدیون وان التزام الضامن الثانی بما فی ذمة المدیون

ص:257

لا بما ضمنه الضامن الأوّل یکون باطلاً حیث أنّه لم یکن فی ذمته شی ء وکان بریئا بسبب ضمان السابق وعلی فرض صحته یکون موجبا لهدم الضمان السابق وبالجملة فهو تابع لکیفیة الالتزام وهذا بخلاف ضمان الید فإنّ اللاحق فیه ضامن لماضمنه السابق علی ما مرّ شرح القول فیه ویشترک ضمان العقدی مع ضمان الاتلاف فی أنّه لا یتصور فیهما الضمناء المتعددون بحیث یرجع المالک إلی کلّ واحدٍ منهم دون ضمان الید، أمّا الضمان العقدی فلأنّ الضمان علی مذهب الخاصة عبارة عن انتقال ذمة إلی أُخری فقبل ضمان الضامن کان الدین فی ذمة المدیون وبعد ضمانه انتقل الدین عن المدیون إلی الضامن وصار المدیون بریئا عن الدین فما اجتمع اشتغال ذمة المدیون مع اشتغال الضامن معا حتّی یکون ضمانهما طولیا أو عرضیا.

وأمّا ضمان الإتلاف فلأنّه لایعقل قیام الإتلاف بشخصین حتّی یکونا معا ضامنین لمال واحد بل الضامن للمالک لیس إلاّ المتلِف محضا وإنّما الغارُّ ضامن للمتلِف لاللمالک فلیس للمالک إلاّ الرجوع إلی المتلف لا الغارُّ وهذا ظاهر.

وأمّا ضمان الید ففیه یتصور تعدد الضمناء بالنسبة إلی المالک فالضامن الثانی کما یکون ضامنا للأوّل بمعنی کون ذمّته مخرجا لما فی ذمة الضامن الأوّل وللأوّل الرجوع إلیه بعد تأدیة ما فی ذمته إلی المالک بمقدار ما أدّی ضامن للمالک أیضا بمعنی انّ للمالک أن یرجع إلیه دون الأوّل إلاّ أنّه إذا رجع المالک إلیه فهو لا یرجع إلی الأوّل وان رجع إلی الأوّل فالأوّل یرجع إلیه ما لم یکن الأوّل غارا له.

هذا تصویر تعدد الضمناء طولاً فی الصور الثَّلاث(1) والآثار المترتبة علی کلِّ

واحدٍ منها ثبوتا.

وأمّا اقامة الدلیل علیه اثبات:

أمّا الضمان العقدی: فالدلیل علی ضمان الأمر بالعمل أو اداء ما علیه من الدین لیس إلاّ ما یدل علی ضمان المستوفی لمال أو عمل محترم بأمر معاملی فنفس ما یدلّ

ص:258


1- 1 . وفی المصدر: «الثلاثة».

علی ضمان المستوفی لعمل محترم أو مال محترم بأمر من المستوفی أمرا معاملیا یدلّ علی ذاک الضمان الطولی أعنی ثبوت عهدته بما یعمله العامل أو یؤدیه الملتمس عنه واستقرار الضمان علیه بفعل الملتمس عنه ما التمس منه من الفعل أو أداء الدین ونحوه فقبل صدور العمل من العامل لا یکون للآمر ضمان إلاّ بنحو القوة بمعنی أنّ للعمامل أنْ یعمل لکی یصیر الآمر ضامنا وبعمل المأمور ما التمس منه یثبت الضمان علی الآمر ویستقر ذمته بما أداه ولا یخفی أنّ ما تصورناه فی عالم الثبوت ینطبق علی ما یستفاد من الدلیل فی مرحلة الإثبات من غیر إشکال.

وأمّا ضمان الاتلاف: فالدلیل علیه هو النبوی المعروف (المغرور یرجع إلی الغارّ) ولو نوقش فی سنده ولو بعد الاعتضاد بالعمل فیتمسک بالاجماع حیث أنّه لاخلاف فی حکم رجوع المغرور إلی الغار وکون الحکم به إجماعیا وحیث أنّ الثابت من الدلیل هو صحة رجوع المغرور بما اغترم ویکون بعنوان التدارک عمّا یغترمه فلا جرم لا یکون رجوعه إلاّ بعد الاغترام وهذا ما ذکرناه من طولیة الضمان أی کون الغارِّ ضامنا لما یغترمه المغرور ویؤدیه إلی المالک بعد الاغترام.

وأمّا ضمان الید: فالدلیل علیه انما هو الحدیث المبارک المعروف «علی الید ما اخذت حتّی تُؤَدِّیَهُ». وتوضیحه علی وجه یوافق مع ما تصورناه ثبوتا من الضمان الطولی أن یقال معنی ضمان العین هو اعتبار قرار المال فی صندوق الذمة نحو قراره فی الصندوق الخارجی ومقتضی دلالة علی الید هو تعلق الذمة بما استقر علی الید بنفس استقراره لا ثبوت ضمانه علیه عند تلفه بحیث یکون لقرار الضمان علی الذمة حالة منتظرة إلی حین التلف إذ هذا شعر محض لا ضرورة فیه، نعم فعلیة الضمان وظرف مطالبة الضامن بالمثل أو القیمة إنّما هو بعد التلف لا أنّ اصل ضمانه یکون بعد التلف لکن العین الخارِجِیَّةَ(1) باستقرار الید علیها لا تثبت فی الذمة إذ هی غیر قابلة لأن تثبت فی الذمة بل الثابت فی

الذمة باعتباره فیها اعتبارا عقلائیا هو ما یناسب قراره فیها نظیر ضرورة لزوم مناسبة

ص:259


1- 1 . فی المصدر: «الخارجی».

المظروف مع ظرفه فالثابت فی الذمة من العین الخارِجِیَّةَ هو الأمر المجرد الذی هو بدل من العین الخارِجِیَّةَ ویکون ثبوته فیها علی نحو البدلیة فمقتضی علی الید ما اخذت بالنسبة إلی الید الأوّل أعنی عموم الموصول هو إثبات العین الخارِجِیَّةَ فی ذمة الضامن علی نحو یناسب ثبوتها فیها فباستقرار المال فی ید الضامن الأوّل یثبت بدله فی ذمته بحکم عموم علی الید ثمّ إذا استقر علی ید الضامن الثانی یکون المال الذی قد استقر بدله فی ذمة الضامن الأوّل مستقرا علی ید الضامن الثانی فبحکم عموم الموصول فی علی الید یثبت فی ذمة الضامن الثانی بمثل ثبوته فی ذمة الضامن الأوّل لکن ثبوته فی ذمة الضامن الثانی لما کان بعد ثبوت بَدَلِهِ فی ذمة الضامن الأوّل فلا جرم یکون هو بما ثبت بدله فی ذمة الأوّل ثابتا فی ذمة الثانی فعموم علی الید یدلّ علی ضمان الأوّل والثانی معا لکن ضمان الأوّل یکون للمال بما هو هو وضمان الثانی یکون للمال بما هو ثابت فی ذمة الضامن الأوّل، والسر فی ذلک هو انّ العموم المذکور ینحل إلی قضایا متعددة بعدة موضوعاتها فکلّ ید عادیة یخصها فرد من الحکم ومقتضی کلّ واحدة من هذه الأحکام هو ثبوت ما علی الید فی ذمة صاحب الید علی نحو استقراره علی الید فان استقر علی الید بماله من المنفعة فیستقر فی الذمة کذلک وإن استقر علی الید بلا بدل فیستقر فی الذمة بلا بدل وإن استقر فی حالة له البدل فیثبت فی الذمة بما له من البدل.

والحاصل: إنّ مقتضی انحلال العموم هو ثبوت ما علی الْیَد فی ذمة صاحب الید بماله من اللون من کونه مع المنفعة أو بلا منفعة ومع البدل أو مع عدمه وحیث انّ استقرار المال علی ید الغاصب الأوّل یکون بلا بدل فیکون ثبوته فی ذمته أیضا کذلک بلا بدل وحیث أنّ قرار الضمان علی الضامن الثانی یکون بعد ثبوت بدله فی ذمة الضامن الأوّل فیکون ثبوته فی ذمة الثانی بما له من البدل ونتیجة هذا صحة رجوع المالک إلی الضامن الثانی کصحة رجوعه إلی الضامن الأوّل لکون الثانی ضامنا للمالک کالأوّل وصحة رجوع الضامن الأوّل إلی الثانی إذا رجع المالک إلیه بعد تأدیة ما فی ذمته إلی المالک بمقدار ما أدّی وعدم صحة رجوع الضامن الثانی إلی الأوّل إذا رجع المالک إلی الثانی فیما إذا لم یکن فی البین غرور.

ص:260

وقد تحصل أنّ الاستدلال بعموم علی الید لإثبات الضمان الطولی بالمعنی المتقدم فی الأیادی المتعاقبة المصحح لمذهب المشهور من صحة رجوع المالک إلی کلّ من تلک

الأیادی وصحة رجوع کلّ سابق إلی لا حقه إذا رجع المالک إلی السابق والمترتب علیه الفروع الآتیة یتم بأمرین: احدهما إنّ ثبوت الضمان لایتوقف علی تلف العین بل هو ثابت مع وجودها أیضا إلاّ أنّ فعلیة الضمان وظرف مطالبة المالک عن الضامن بالمثل أو القیمة هو ظرف التف. وثانیهما إنّ مقتضی انحلال عموم علی الید وتخصص کلّ حکم من تلک الأحکام المنحلة بموضوعه علی ما هو علیه هو ثبوت ضمان العین علی الید فإن کان مع البدل فمع البدل وإن کان بلا بدل فبلا بدل وبعد تمامیة الأمرین نقول قرار العین علی ید الضامن الأوّل یکون بلا بدل فیضمنه الضامن الأوّل بلا بدل وقرارها علی ید الضامن الثانی یکون بعد ثبوت بدلها علی ذمة الضامن الأوّل فیضمنه الضامن الثانی بما له بدل فی ذمة الضامن الأوّل والحاصل إنّ مال المالک إذا استقر علی ید الضامن الثانی بعد قرار بدله فی ذمة الضامن الأوّل یحتمل أنْ یکون قرار ضمانه فی ذمة الضامن الثانی مع قطع النظر عن ثبوت بدله فی ذمة الضامن الأوّل فیکون الضامن الثانی ضامنا للمالک فی عرض ضمان الضامن الأوّل وهذا معنی الضمان العرضی ویحتمل أن یکون ما ثبت بدله فی ذمة الضامن الأوّل ثابتا فی ذمة الضامن الثانی مع ماله من لون ثبوت بدله فی ذمة الأوّل فیکون الضامن الأوّل ضامنا للمالک ماله والضامن الثانی ضامنا للمالک ماله الذی ثبت ضمانه علی الأوّل وهذا معنی الضمان الطولی فیکون ذمة الثانی مخرجا لما فی ذمة الأوّل.

هذا بحسب عالم الثبوت وأمّا بحسب مرحلة الاثبات فالمتعین هو الاحتمال الأخیر وذلک لوجوه الأوّل: استحالة الضمان العرضی مع تعدد الضمناء بالبیان المتقدم حیث أثبتنا استحالة کون مال واحد فی ذمتین عرضا کاستحالة قراره فی مکانین خارجیین. الثانی: انحلال عموم علی الید بأحکام متعددة حسب تعدد موضوعاتها واختصاص کلّ حکم بموضوعه بماله من الخصوصیات وقد تقدم شرحه. الثالث: اطلاق دلیل علی الید فان مقتضی إطلاقه اشتغال ذمّة کلّ ذی ید بما حصل عنده علی ما هو علیه فتجرید المال عن کونه فی ذمة الضامن الأوّل وإثباته فی ذمة الضامن الثانی مجردا عن

ص:261

تقیده بالثبوت فی ذمة الأوّل کما کان ثابتا فی ذمة الأوّل مجردا عن التقید بثبوته فی ذمة اُخری یحتاج إلی مقید لإطلاق دلیل الید مفقود حسب الفرض ومع عدم ما یوجب التقیید یکون المحکم هو الإطلاق. وممّا ذکرنا ظهر الفرق المتقدم إلیه الاشارة بین الضمان الحاصل بسبب الید وبین الضمان الحاصل بسبب العقد أو الغرور حیث أنّ تعدد الضمناء لا یتصور إلاّ فی الأوّل دون ضمان الغرور والعقد وأنّ التعدد فی ضمان الید طولی لا

عرضی وانْطَبَقَ ما تصورناه فی مرحلة الثبوت علی مادلّ علیه الدلیل فی مرحلة الإثبات وبه تم مذهب المشهور واندفع جمیع ما یتصور فی المقام من الإشکالات»(1).

اعتراض السیّد الخوئی علی أُستاذه النائینی
اشارة

قال: «ولکنّه ممّا لا یمکن المساعدة علیه لا بحسب المبنی ولا بحسب البناء.

أمّا فساد ما أفاده بحسب المبنی: فهو من أجل أنّ الوجوب الکفائی عنده قدس سره لیس عبارة عن الوجوب المشروط بعدم امتثال الآخر، بل هو سنخ من الوجوب یغایر الوجوب المشروط وتوضیح ذلک الإجمال: أنّ المولی تارةً یری المصلحة فی خصوص فعل معیّن ویقوم غرضه به علی نحو التعیین، فیتعلّق شوقه به تعیینا لأنّه مقتضی کون الفعل ممّا یقوم به غرضه سیّما علی المسلک المشهور من تبعیة الأحکام للمصالح أو المفاسد فی متعلّقاتها، وهذا یعبّر عنه بالوجوب العینی وهو واضح.

واُخری یری المولی المصلحة فی کلِّ واحدٍ من الفعلین علی نحو یتساویان فی إفادة الغرض، وکلّ واحد من الفعلین یقوم بغرضه ویفی به، وفی مثل ذلک لا وجه لتعلّق شوقه بأحد الفعلین علی التعیین، لأنّه ترجّح بلا مرجّح وهو مستحیل، فلابدّ من أن یتعلّق شوقه بأحدهما علی نحو التخییر کما فی مثل الکفّارات الثلاث ویعبّر عنه بالوجوب التخییری.

ومنه یظهر الحال فی تصویر الوجوب الکفائی وأنه إذ رأی المصلحة فی فعل معیّن من غیر خصوصیة للفاعلین فی تحصیل غرضه کما إذا کان المولی عطشانا فأمر أحد

ص:262


1- 1 . المکاسب والبیع 2/(296-283).

غلمانه العشرة بسقیه ومجیئه بالماء بأن یقول فلیجئ أحدکم بالماء، لایمکن أن یتعلّق شوقه باتیان أحدهم علی نحو التعیین، إذ لاوجه للترجّح من غیر مرجّح، بل یتعلّق شوقه بإتیان أحدهم علی نحو التخییر، فالفرق بین الکفائی والتخییری أنّ فی الکفائی تلغی خصوصیات الفاعلین وفی التخییری تلغی خصوصیات الأفعال.

وکیف کان، فلیس الوجوب الکفائی عنده عبارة عن الوجوب المشروط بعدم امتثال الآخر حتّی یستشکل بذلک فی تصویره فی الضمان. وبناء علی ما ذکرناه لا مانع من تصویره فی المقام، کما یمکن تصویر الوجوب التخییری فیه، فإنّه کما لا مانع من أن تتحقّق فی ضمان أحد الأشخاص لمال معیّن، هذا کلّه بحسب المبنی.

وأمّا فساده بحسب البناء: فلأنّا لو أغمضنا عمّا أشرنا إلیه آنفا وبنینا علی أنّ الوجوب الکفائی عبارة عن الوجوب المشروط بعدم إتیان الآخرین، فلا مانع من تصویر مثله فی الضمان فی الأیادی المتعاقبة، وذلک لأنّ الشرط حینئذ لیس عبارة عن عدم ضمان الآخرین حتّی یقال إنّ مرجع ذلک إلی أنه لا ضمان فی شخص منهما فعلاً، لأنّا إذا قُلْنا بضمان هذا الشخص فذاک غیر ضامن کما أنه إذا قلنا بضمان الثانی فالأوّل لیس بضامن، بل الشرط إنّما هو عدم امتثال الآخر فی التکالیف وعدم أداء الآخر ما فی ذمّته فی الضمان، إذ لو علّقنا الوجوب فی حقّ أحدهما علی عدم الوجوب للآخر منهما، فکما لایعقل ذلک فی الضمان لرجوعه إلی عدم ضمان شخص منهما فعلاً، کذلک لایعقل ذلک فی الواجبات والأحکام التکلیفیة لأنّ مرجعه إلی عدم الوجوب بشیء منهما فعلاً، لأنّا إذا حکمنا بوجوبه علی هذا الشخص فالآخر غیر واجب علیه کما إذا حکمنا بوجوبه علی ذاک الشخص فعلی الأوّل غیر واجب ولایمکن أن یکون الفعل واجبا علیهما معا.

وکیف کان، فالشرط إنّما هو عدم امتثال الآخر للأمر فی الوجوب الکفائی وفی الضمان الکفائی عبارة عن عدم أداء الآخر للبدل، وعلیه فکما یعقل تصویر الکفائی فی الأحکام التکلیفیة کذلک یعقل تصویره فی الضمان، إذ لا مانع من أن یحکم بضمان هذا الشخص لو لم یؤدّ الثانی البدل، ویحکم بضمان ذاک إن لم یؤدّه الأوّل منهما، فیکون ضمانا مشروطا بعدم أداء الآخر، وهو ممّا لا محذور فیه.

ص:263

بل لو فرضنا أنّ شخصین تصرفا فی مال الغیر فی زمان واحد من دون أن یسبق أحدهما الآخر فی وضع یده علیه، لا یمکن فیه الالتزام إلاّ بضمان أحدهما علی نحو التخییر والوجوب الکفائی، إذ الحکم بضمانهما معا غیر صحیح، لأنّ المال الواحد لا معنی أن یکون له بدلان، والحکم بعدم ضمانهما بوجه ممّا لا یمکن التفوّه به فیتعیّن أن نحکم بضمان أحدهما لا علی نحو التعیین، فهذا الشخص محکوم بالضمان مشروطا بعدم أداء الثانی البدل کما أنه محکوم به إن لم یؤدّ بدله الضامن الأوّل.

فالمتحصّل من جمیع ذلک: أنّ ما أفاده شیخنا الأنصاری قدس سره من تصویر الضمان الکفائی فی الأیادی المتعاقبة هو الصحیح، وأنّ مسلک العامّة فی باب الضمان أمر ممکن وغایة ما هناک أنه لم یقم علیه دلیل فی باب الضمان، بخلاف المقام فالالتزام به فی المقام ممّا لا مانع منه، وهذا بخلاف الالتزام به فی باب الضمان لعدم الدلیل علیه هناک، بل الدلیل قائم علی عدمه فی ذلک الباب.

نعم یظهر من بعض کتب العلاّمة(1) قدس سره أنّ مسلک الجماعة أمر غیر معقول، إلاّ أنّک عرفت أنه أمر یمکن غایة الأمر أنّ الدلیل لم یساعده فی باب الضمان...»(2).

مناقشة السیّد الخوئی فی بیان الأُستاذ المحقّق _ مدظله _

قال: «یرد علی السیّد الخوئی قدس سره أوّلاً: أنّه بناءً علی تصویر تعلّق التکلیف بالکلّی مع الغص عن صحته وعدمها فی الواجب الکفائی فهو غیر منطبق فی باب الضمان، لأنّ تحقّق ا لضمان مبنیٌّ علی أربعة قواعد وهی: أقوائیة السبب عن المباشر وقاعدة الإتلاف وقاعدة الغرور وقاعدة الید. ومن المعلوم أنّ موضوع الضمان قائم بالشخص، أمّا السبب فقائم بالوجود الشخصی ومن المستحیل قیام السبب بالشخص والمسبَّب بالطبیعی والکلّی لاستلزامه تخلّف السبب عن مسبّبه والحکم عن موضوعه، واعتبار ضمان الإتلاف الصادر عن الشخص کلّیّا یعنی استلزام تعلّق الضمان بالطبیعی عند صدور الفعل

ص:264


1- 1 . راجع التذکرة 2/93، البحث الرابع، النظر الأوّل (14/343).
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/(103-101).

عن الشخص وهو ممنوع. لأنّ المستولی هو الشخص دون الطبیعة ولو سُلّم فإنّ المستولی حصة الطبیعة دون الطبیعة بنفسها، وموضوع الضمان فی قاعدة الید هی الید المستولیة علی العین دون الطبیعة أو حصّتها.

وثانیا: حتّی لو سلّمنا إمکان قیام السبب بالوجود الشخصی والمسبب من خلال الکلّی ونعنی بذلک قیام السبب بالشخص والحکم بالطبیعة فإن مشکلة وهی تعدّد الضمان ووحدة المضمون لاتزال(1) باقیة، کما إنّ الالتزام بأنّ الضمان یتعلّق بالکلّی ویسقط بأداء الفرد عاجزُ عن رفعها، لأنّ أداء الفرد المسقِط لضمان الکلّی فرعُ اشتغال ذمّة الفرد وضمانه، ولولاهما لما سقط ضمان الکلّی، وهکذا یعود الإشکال مرّةً اُخری، حیث أنّ مصادیق الکلّی متعدّدة وکلّ واحدٍ منها یعدّ بأداءه مسقطا للضمان عن بقیّة مصادیق الکلّی، وهکذا تتعدّد الذمم الضامنة مع وحدة المضمون.

وثالثا: إنّ قیاس المقام مع ملکیّة الکلّی، یعدّ قیاسا مع الفارق، فالملکیّة فی الأخیرة قائمة باعتبار المعتبِر، سواءً کان الجاعل المعتبر شارعا أو غیره، فیعتبر العرف الملکیّة لعنوان کلّی کالأوقاف والوصایا العامّة، الموضوعة ویرتّب علیها الأثر کعنوان الإمام وابن السبیل والفقیر، فإنّ المالک فی هذه الموارد عنوان کلّی ذات مصادیق عدیدة،

ولا مانع من ذلک، لأنّ سبب الملکیّة الکلّیة حاصل من خلال جعل الجاعل واعتباره، فمن حقّه الجعل والاعتبار، فقد یکون کلیّا وقد یکون جزئیّا، فإذا کان کلیّا کانت مصادیقه کلّی الأفراد المنطبقة علیها العنوان المجعول، أمّا إذا کان السبب المجعول جزئیّا قائما بالشخص، فحینئذٍ لایعقل فرض المصادیق المجعولة کلیّا برغم جزئیّة السبب کما فی المقام، حیث أنّ عنوان الضمان متعلّقٌ بخصوص ذمّة المستولی علی المال، ولذلک کان الصحیح أن یُقاس المقام بباب الحیازة _ حیث أنّ سببها قائمٌ بالشخص وهو الرجل المعیّن الذی یقوم بعملیّة الحیازة _ دون الملکیّة الکلّیة.

ورابعا: أمّا تنظیره المقام بباب الواجب الکفائی، وتصویر الضمانات المتعدّدة

ص:265


1- 3 . فی المصدر: «تضلّ».

لمضمون واحد بنحو الوجوبات المتعدّدة فی الواجب الکفائی، بأن یکون ضمان کلّ واحد مشروطا بعدم أداء الآخر لا بعدم الآخر لیستلزم المحال، فممنوعٌ لجهتین:

الجهة الأولی: استلزام القول به فسادا لا یمکن الالتزام به، وهو ما أشار إلیه المحقّق النائینی فی مباحثه الأصولیّة، من أنّه لو اعتبرنا التکلیف بغُسل المیّت متوجّها إلی کلّ فرد بشرط عدم قیام غیره بذلک، فإنّ تالیه الفاسد ترتّب التکلیف علی کلّ فرد عند ترک الجمیع، وصیرورة کلّ فرد موضوعا للوجوب العینی، بعد انقلاب الواجب الکفائی إلی الواجب العینی، وتلافیا لهذا الإشکال اضطرّ المحقّق النائینی إلی الإلتزام بالإرادة المردّدة(1) فی مثل الواجبات الکفائیّة، وبالتالی فلو شرطنا الضمان فی المقام بعدم أداء الآخر، فإنّ لازمه ثبوت الضمان بعدد جمیع الأیادی عند امتناع الجمیع عن الأداء، وهو کرٌّ علی ما فرَّ منه. والعجب أنّ السیّد الخوئی لم یتعرّض لهذا الإشکال والإجابة عنه، بل اعتمد علی هذا المبنی الفاسد فی ردّه علی المحقّق النائینی، وفی اعتقادی أنّ سبب إعراض النائینی وتأکیده علی مبناه المذکور، فراره عن هذه الملازمة الفاسدة.

الجهة الثانیة: حتّی لو سلّمنا الواجب الکفائی حسب تصویر المحقّق النائینی، واعتبرنا جمیع الأیادی ضامنة بشرط عدم الأداء، فهو برغم ذلک غیر کافٍ فی دفع الإشکال، لأنّ الأداء وعدم الأداء فرعی ثبوت الضمان، ومادام لا ضمان لا یعقل تحقّق موضوعی الردّ والأداء.

وبعبارة أُخری: یجب أوّلاً تحقّق الضمان بقاعدة الید، لیأتی بعده للحدیث عن أداء الضامن وعدم أداءه.

ومع ملاحظة هذه المقدّمة، فإنّ اشتراط ضمان کلّ واحدٍ بعدم أداء الآخر، یستلزم الدور الممنوع، لأنّ ضمان کُلِّ فَرْدٍ یتوقّف علی عدم أداء الآخر وبالعکس، فضمان الأوّل متوقّف علی عدم أداء الآخر الذی هو متفرّعٌ بنفسه علی ضمان الأوّل، وهذا دورٌ مع

ص:266


1- 1 . الارادة المرددة تحقّق فی موردین: أ: فی ما إذا کان وجود المتعلّق وجودا قائما بالإرادة المردّدة مع تعیّن المراد کما فی الواجب التخییری. ب: فی ما إذا کان وجود المتعلق وجودا قائما بالإرادة المرددة مع تردّد المراد کما فی الواجب الکفائی.

الواسطة، لتوقّف ضمانه علی عدم ضمان الأوّل، وکذلک الأمر فی الطرف الآخر، وبالتالی فضمان کلّ طرف متفرّع علی ضمان الطرف الآخر، ممّا یستلزم الدور الْمُحال»(1).

حلّ المشکلة فی بیان المحقّق الخراسانی ونقده

قال قدس سره فی حاشیة مکاسبه: «والتحقیق أن یقال: إنّ قضیة «علی الید» لیس إلاّ کون المأخوذ فی تعاقب الأیدی العادیة فی عهدة کلّ واحدة منها عینا، کما إذا کانت وحدها، وهی لیست إلاّ اعتبار خاص عقلائی له منشاء مخصوص وله آثار خاصة، من وجوب ردّ العین عینا لو کانت الید واحدة، وکفائیا لو کانت متعددة، ووجوب التّدارک بالبدل مع تعذّر ردّها، أو تلفها من دون اشتغال الذّمة به أصلاً، لا حال التّمکن من الرّد، کما هو واضح، ولا حال التّعذر، أو التّلف، وذلک لبقاء ضمان العین وعهدتها، لعدم مجیء الغایة، وهی التأدیة، ولذا یجب فی صورة التّعذر، لو تدارک ردّ العین نفسها إذا تمکن منه، وکذا مع التّلف، لو اتّفق علی خلاف العادة، تمکنّه من ردّها، ومعه لاوجه، ولا سبب لاشتغال الذّمة ببدلها، کما لایخفی، کی یلزم اشتغال ذمّة المتعدّد ببدل واحد المستلزم لکون المتعدّد بدلاً عن الواحد، ولایکاد یکون بدل الواحد، إلاّ الواحد، وأمّا کون الواحد فی عهدة المتعدّد، بحیث یجب علی کلِّ واحد کفائیّا، ردّه إلی مالکه، وتخییر المالک فی الرجوع إلی الکلِّ، فهو بمکان من الإمکان، کما هو قضیة (علی الید).

وامّا حدیث جواز رجوع الید السّابقة إلی اللاحقة، لو رجع إلیها المالک، المستلزم لکون قرار ضمان التّالف علی مَنْ تلف عنده، مع المساواة فیما هو سبب الضمان، فهو أیضا من آثار حدوث سبب ضمان ما کان، فی ضمان الآخر، لواحد آخر، وأحکامه عند العرف، ویؤیّده الاعتبار، ولم یردع عنه فی الأخبار؛ فلابدَّ من الاِلْتِزامِ به شرعا، کما هو الحال فی جلّ أحکام الضمان، حیث انّه لاوجه له إلاّ الثّبوت عرفا، وعدم الرّدع عنه

شرعا، وکشف ذلک عن إمضاء الشارع، فیما إذا أطلق دلیل الضّمان، فتدبر جیّدا؛ وقد

ص:267


1- 1 . العقد النضید 4/(48-45).

انقدح بذلک ما فی کلامه من مواضع النظر، کما یشیر إلیه»(1).

ولکن یرد علیه أوّلاً: لیس ضمان الید عقلائیا ولاسیّما مع تعاقب الأیادی علی وجه یفتی به الأصحاب _ قدس اللّه أسرارهم _ فلابدّ من الرجوع إلی قاعدة الید التعبدیة.

وثانیا: ما ذکرهُ قدس سره لایرفع الإشکال ولاسیّما علی مسلکه فی الواجب الکفائی من أنّه سنخ وجوب متعلَّق بالکلِّ ولو أتی الجمیع به یکون الکلّ ممتثلاً(2) فإنّ تعلّق التکلیف علی کلِّ واحدٍ بأداء البدل عرضا، یلزم منه تعدّد البدل لشی ءٍ واحد. فیرد الإشکال حتّی مع عدم اشتغال الذمم.(3)

وثالثا: ما ذکره قدس سره : من أنّ ذمم الأیادی المتعاقبة جمیعها ضامنة للعین دون البدل مع فرض وجودها ومع تلفها علیهنَّ تدارک العین من المثل أو القیمة والعین واحدة وتدارکها واحد، ولکن یرد علیه: من أنّ هناک تکالیف متعددة علی رغم وحدة العین والتدارک والمضمون والمؤدّی فیعود الإشکال لأنّ مع فرض وحدتها یجب ردّ واحد بتکلیف واحد لا تکالیف متعددة بالردّ.

ورابعا: مع فرض وجود العین لا یمکن فرض ضمانها علی الذمة واشتغال الذمة بها، لأنّه یجب ردّها، ولکن مع فرض تلفها فلابدّ من اشتغال الذمم بتدارکها من المثل والقیمة فیعود إشکال تعدد المضمون والبدل فی مقابل مال واحد.(4)

حلّ المحقّق العراقی ونقده

قال قدس سره فی رسالته المستقلة فی بحث تعاقب الأیدی ما نصه: «ولکن أنت خبیر بأنّ أصل الشُّبْهَة لا موقع لها، فضلاً عمّا التزموا به فی جوابها. وذلک لأنّ الغرض من تعدّد البدل إن کان ما یقوم مقام المبدل فعلاً فهو فی غایة المتانة، ولکن ما علی الأیدی قبل أدائها إلی المالک لا یقوم مقام مبدله إلاّ بعد أدائه المسقط للبقیّة بلا تصوّر تعدّد فی هذا المقام. وإن

ص:268


1- 1 . حاشیة المکاسب /82 و 83.
2- 2 . کفایة الأصول /177.
3- 3 . الإشکالان الأوّلان للسیّد الخمینی رحمه الله فی کتاب البیع 2/480.
4- 4 . الإشکالان الأخیران للأُستاذ المحقّق _ مدظله _ فی العقد النضید 4/49.

کان المقصود عدم تعدّد ما یصلح للوفاء بغرض المبدل، فإنکاره مساوق إنکار البداهة، إذ إمکان تعدّد الأبدال لشیء واحد بهذا المعنی کالنار علی المنار، ولذا تری لکلّ دواء

ومسهل أبدال متعدّدة، والمفروض أنّ ما علی الأیدی المتعدّدة لیس إلاّ البدل بهذا المعنی لا بالمعنی السابق، کما عرفت.

فإن قلت: ظاهر «علی الید ما أخذت» أنّ نفس العین الشخصیّه علی أیدی متعدّدة لا أبداله، وحینئذٍ یلزم محذور آخر أشدّ من المحذور السابق، وهو أنّه کیف یتصوّر لشیء واحد شخصی وجودات متعدّدة أو أمکنة مختلفة؟

قلت: ما اُفید کذلک لو کان ما علی الأیدی المتعدّدة وجودات حقیقیّة متعدّدة، ولیس کذلک، بل غایة ما فی الباب اعتبار وجودات شخصیّة بتعدّد الأیدی علیها، وتصوّر الوجودات المتعدّدة الاعتباریّة أیضا لشیء واحد فی الوضوح کالشمس فی رابعة النهار. وحینئذٍ فلا قصور فی اعتبار وجود للعین علی کلّ واحدة من الأیدی مستقلاًّ ویقال بأنّ علی کلّ یدٍ وجود شخص «ما أخذت» بالعنایة المزبورة. وبهذه العنایة لا یُحتاج إلی الالتزام بتغییر سیاق العامّ بین من بیده التلف وغیره بجعل الخطاب فی الأوّل وضعیّا وفی غیره تکلیفیّا، ولا إلی الالتزام بوحدة الوجود وتعدّد الإضافة، خصوصا مع أنّ الظاهر من العامّ أنّ ما «علی الید» عین «ما أخذت» لا إضافته بالجملة، فلا قصور فی اعتبار تعدّد وجود «ما أخذت» حسب تعدّد الأیدی بلحاظ تعدّد الأبدال القائمة علیها وبملاحظة أنّ وجود البدل نحو وجودٍ للمبدل، وهذه الجهة هی مصحّح العنایتین فی وجودات العین علی حسب تعدّد الأیدی»(1).

«ویرد علیه: ببطلان قیاسه المذکور، حیث لا مجال لقیاس الاُمور التشریعیّة بالاُمور التکوینیّة، إذ لا مانع فی الأخیرة من جعل أبدال متعدّدة لها برغم وحدة الشیء، وهذا بخلاف الاُمور التشریعیّة، حیث یستحیل أن یتعدّی التشریع عن الملاک، أو أن

ص:269


1- 1 . رسالة فی تعاقب الأیدی /2 و 3، المطبوعة مع قضاء المحقّق العراقی، المطبوعتان فی ضمن کتاب بحوث فی القضاء فی ضمن منشورات جماعة المدرسین بقم المقدسة.

تکون دائرته أضیق من الملاک، وبالتالی إذا لاحظنا ملاک التشریع فی تلف مال الغیر، نجد أنّ الرکیزة والعلّة الأساسیّة التی لأجلها شُرّع بدل المثل فی المثلی والقیمة فی القیمی، هو تدارک فوت العین، وجعل ما یسدّ الخلل الحاصل من فوتها، ومن المعلوم أنّ ذلک لا یتحقّق إلاّ بجعل البدل الفعلی دون الإنشائی، والمفروض وحدة البدل الفعلی، ولذلک یعدّ اعتبار القیم أو الأمثال المتعدّدة وتعلّقهما بذمم مختلفة، برغم وحدة البدل الحقیقی الفعلی أمرا خارجا عن الملاک التشریعی المذکور، فیعود الإشکال مرّةً اُخری، لأنّ الذی فیه

الملاک لیس إلاّ قیمة واحدة أو مِثْل واحد، فیصبح فرض المتعدّد من الذمم المشتغلة بالقیم والأمثال ممنوعا»(1).

جواب المحقّق الإیروانی قدس سره لحلّ الإشکال

قال: «اعلم: أنّ العین فی صورة توارد الأیدی إمّا تکون قائمةً أو تالفةً.

لا إشکال علی الأوّل وأنّ کلّ من جرت یده علیها مکلّف بالأداء ومع حصول الأداء بفعل واحد منهم أو من غیرهم حتّی بمثل إطارة الریح یسقط التکلیف بالأداء.

وأمّا علی الثانی فإمّا أن یکون فی البین غرور أو لا.

لا إشکال علی الأوّل وأنّ قرار الضمان یکون علی الغارّ.

وأمّا علی الثانی فإمّا أن یکون التلف بإتلاف متلف من ذوی الأیدی أو من غیرهم أو لا.

لا إشکال علی الأوّل وأنّ الضمان یکون قراره علی المتلف.

و أمّا علی الثانی فقد حکموا بأنّ قرار الضمان یکون علی من تلفت العین فی یده بعد اشتراک جمیع فی أصل الضمان ولکن مدرک ذلک غیر واضح بل لا وجه لذلک بعد اشتراک الجمیع فی أصل الضمان وسببه وهو الید، بل هناک إشکال آخر یعمّ جمیع صور توارد الأیدی، وهی هذه الصورة منضمة إلی الصور السابقة.

وحاصل الإشکال: هو أنه کیف یعقل ضمان أشخاص متعددّین وإشغال ذممهم

ص:270


1- 1 . العقد النضید 4/50.

ببدل واحد؛ فإنّ اشتغال ذمم متعددّین بالبدل یتصوّر علی وجوه:

الأوّل: ثبوت أبدال متعددّة فی ذمم متعددّة علی أن یکون کلّ ذمّة مشغولة ببدل تامّ.

الثانی: ثبوت بدل واحد فی ذمّة الجمیع علی سبیل التوزیع والتقسیط، فیشتغل کلّ ذمّة بجزء من ذلک البدل، وتشتغل الجمیع بنسبة عددهم أو لا بتلک النسبة.

الثالث: ثبوت بدل واحد معتبر فی ذمّة هذا ثمّ فی ذمّة ذلک وهکذا إلی الآخر.

الرابع: ثبوت بدل واحد علی سبیل البدل فی ذمم أشخاص متعددّین.

فهذه أربع صور، لا إشکال فی معقولیّة الأولیین، إلاّ أنه لایلتزم بهما أحد ولا تساعد علیهما الأدلّة.

وأمّا الثالثة: فهی غیر معقولة، ولازمها أنْ تکون الذمم المتعددّة ذمّة واحدةً، ومثلها فی عدم المعقولیّة الصورة الرابعة، وقیاسها علی الواجب الکفائیّ فیکون هنا الوضع متعلّقا بواحد علی سبیل البدل کما هناک التکلیف متوجّه إلی واحد علی سبیل البدل باطل؛ فإنّ التکلیف أیضا لا یعقل أن یتعلّق بواحد علی البدل، والّذی یعقل هو تکلیف الکلّ، ولکن سقوطه عن البقیّة بإتیان البعض ولو جری مثله فی المقام لزم استحقاق المالک لأبدال متعدّدة لو اجتمع الکلّ علی أداءِ ما فی ذمّتهم، کما یحصل الامتثال بفعل الجمیع لو اتّفق الکلّ علی الامتثال فی الواجب الکفائیّ، لکن ذلک باطل هنا، ولا یلتزم به أحد؛ إذ لا یستحقّ المالک فی جمیع الحالات أزید من بدل واحد.

نعم، یمکن أن یقال باشتغال ذمّة کلّ واحد بدفع ما یسدّ مَسَدَّ العین، وهذا ممّا لا ینطبق علی أزید من بدل واحد، فلو اجتمع الکلّ علی دفع أبدال لم ینطبق عنوان البدل إلاّ علی واحد من تلک الأبدال المدفوعة، ولم یکن للمالک قبض الجمیع بعنوان البدلیّة بل له قبض واحد منها بذلک العنوان، وأیّا منها قبض کان هو البدل وردّ البقیّة إلی أهلها، فحصل الفرق بین المقام وبین الواجب الکفائیّ؛ فإنّ المطلوب من کلّ واحد من المکلّفین هناک هو الطبیعة، وهی تتحصّل فی ضمن أفراد کما تتحصّل فی ضمن واحد بخلاف البدل السادّ مسدّ العین هنا؛ فإنّه لا ینطبق علی أزید من بدل واحد، وذلک الواحد یتعیّن بقبض المالک،

ص:271

کما یتعیّن الحقّ فی کلّ مقام بقبض ذی الحقّ.

والحاصل، أنّ التکلیف بأداء البدل متوجّه إلی الکلّ والذمّة مشغولة من الکلّ، فیجب علی الکلّ تفریغ ذمّته، ولکن الفراغ یحصل بقبض المالک للمال بعنوان البدلیّة، نعم لو قبض الکلّ علی أن یکون واحد منها لا علی التعیین هو البدل أشکل الأمر وحصل الاشتباه والتردّد فی کلّ من الأبدال المدفوعة بین أن یکون مالکه هو أو مالکه هو المالک الأصلیّ، فصار المتحصّل معقولیّة اشتغال ذمم الکلّ علی سبیل التعیین بدفع عنوان البدل، ولکن عنوان البدل عنوان لا ینطبق إلاّ علی بدل واحد، وإذا انطبق علی واحد ارتفع اشتغال الذمّة وارتفع التکلیف، لکن هذا کلّه فی مقام التعقّل.

وأمّا فی مقام الفعلیة ودلالة الأدلّة علیه فدلیل علی الید بناءً علی إفادته للضمان یدلّ علی ضمان الکلّ؛ لاستقلال الکلّ بالید علی العین، وأمّا السقوط بأداء البعض فذلک لیس قصرا فی دلالة الدلیل وتصرّفا فی ظاهره لیحتاج إلی القرینة، بل ذلک من باب ارتفاع الخطاب بارتفاع موضوعه فلا إشکال.

ثمّ، إنّ استفادة الضمان والعهدة من دلیل علی الید موقوف علی أن یکون المراد من الموصول فیه عنوان المال الّذی هو مأخوذ بأخذ العین الشخصیّة، أمّا إذا أرید العین الشخصیّة المأخوذة کان ظاهر الدلیل حینئذٍ مجرّد التکلیف بحفظ العین الشخصیّة المأخوذة حتّی یؤدّیها إلی مالکها، وکان ذلک أجنبیّا عن مسألة الضمان بل عن مسألة ثبوت التلکیف بردّ العین إلاّ علی تقدیر الردّ دون الحفظ، لکن تقدیر الرد والأداء لا یناسب الغایة وقوله: «حتی تؤدّی» فلا جرم یتعیّن تقدیر الحفظ وعدم التعدّی والتفریط فیما أخذت حتّی تؤدّی»(1).

محاولة المحقّق الخمینی قدس سره للإشکال

قال: «إنّ الضمان والغرامة وجبر الخسارة والبدلیة والعوضیة ماهیات لا تقبل التکرار، لا عرضا ولا طولاً فالغرامة لا یعقل أن تتکرّر، بحیث یقع لها مصداقان بصفة

ص:272


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(346-344).

الغرامة، فإذا کان علیه عشرة فأدّی عشرین، لا یعقل وقوع تمام العشرین بصفة الغرامة.

کما أنّه إذا أدّی العشرة لا یعقل أن تقع العشرة الثانیة غرامة وجبرانا وعوضا وبدلاً، بل فی المثال الأوّل تقع العشرة المشاعة غرامة، وفی الثانی یقع أوّل مصداق غرامة.

فإذا ضمن الإثنان أو الأکثر مال الغیر بضمان الید مثلاً، یقع علی عهدة کلّ المال بعنوان الغرامة، فتشتغل ذمّة کلّ منهما أو منهم بضمان البدل أو ضمان الخسارة، ولازم ذلک _ بعد عدم تعقّل التکرار فی الماهیّة _ أنّ کلاًّ منهم ضمن ما ضمن الآخر، أی المال بعنوان الغرامة.

کما أنّ لازم ذلک، هو أنّ کلاًّ منهم مکلّف بأداء الغرامة، لکن إذا اغترم أحدهم، سقط باغترامه عنوان الغرامة، والمفروض أنّ ما تعلّق بذمم الباقین، هو المال بعنوان الغرامة والبدلیّة لا غیر، فإذا سقطت البدلیّة والغرامة، ینتفی موضوع الضمان والغرامة.

فالإشکال لیس من ناحیة اشتغال الذمم، بل من ناحیة أنّ اللازم وجوب اغترامات کثیرة لشیء واحد، وقد عُلم أنّ ذلک غیر لازم من اشتغالات الذمم؛ لأنّ کلّ ذمّة مشتغلة _ مستقلّة _ بعنوان واحد لا یعقل التکرار فیه.

وهذا نظیر کفالة أزید من واحد عن شخص واحد، فإنّ کلاًّ کفیل مستقلاًّ، وعلی عهدة کلّ إحضار المکفول، ولکن عنوان الإحضار أمر غیر قابل للتکرار، ولا یعقل

إحضاران بعد کون المطلوب والمضمون صرف الوجود.

وهذا أمر موافق لاعتبار العقلاء وللأدلّة؛ فإنّ ظاهر «علی الید ما أخذت...»(1) أنّ کلّ أخذ سبب للضمان إذا تلف، فإذا تلف یضمن کلّ آخذ بضمان مستقلّ تعیینا، لکن ماهیّة الضمان تأبی التکرار.

وإن شئت قلت؛ کلّ منهم ضامن لما ضمنه غیره.

وممّا ذکرنا یظهر حال ضمان المهر؛ فإنّ المهر أیضا أمر لا یقبل التکرار، فالزوج

ص:273


1- 1 . مسند أحمد 5/8؛ سنن ابن ماجه 2/802، ح2400؛ سنن البیهقی 6/95؛ عوالی اللآلی 1/224، ح106، و 389، ح22، و 2/345، ح10، و 3/246، ح2، و 251، ح3؛ مستدرک الوسائل 14/7، کتاب الودیعة، الباب1، ح12، و 17/88، کتاب الغصب، الباب 1، ح4.

ضامن لما ضمنه الغارّ، والغارّ کذلک، وإذا أدّی کلّ منهما فی عرض الآخر، لا یقع تمام ما أدّیا مهرا، وهو واضح.

وربّما یقال: إنّ الواحد الذی یعتبر فی محالّ متعدّدة، تارة: یکون واحدا شخصیّا، واُخری: کطبیعیّ البدل واحدا طبیعیّا.

فالأوّل: لا تتبدّل وحدته بفرضها فی محالّ متعدّدة اعتباریّة، بخلاف الثانی، فإنّ طبیعیّ البدل یتحصّص بکلّ ذمّة، ومورد الإشکال هو البدل.

ففرض البدلیّة یقتضی الوحدة، وفرض تعدّد الذمم المقتضی لتعدّد الحصص مناف للبدلیّة.(1)

وفیه: أنّ تعدّد الذمم، لا یوجب تحصّص الطبیعیّ بعد فرض عدم إمکان التکرار فیه، وما یوجب التحصّص هو القیود اللاحقة بالطبیعیّ، لا اعتباره فی الذمم؛ إذ لیس الاعتبار فیها کالوجود الذهنیّ الموجب للتکثّر، ولا برهان علی أنّ الاعتبار _ کذلک _ مقتض للتحصّص.

بل الواقع علی خلافه؛ لأنّ الماهیّة غیر القابلة للتکرار إذا اعتبرت فی الذمم، تکون ما اعتبرت فی ذمّة عین ما اعتبرت فی الاُخری.

ولعلّ الخلط بین الوجود الذهنیّ والاعتباریّ فی الذمم، موجب للاشتباه، فلا فرق بین الواحد الشخصیّ والنوعیّ فی ذلک أصلاً.

مع أنّ فی الوجود الذهنیّ إذا تعلّق اللحاظ بنفس الماهیّة، أیضا کلاما»(2).

ص: 274


1- 2 . حاشیة المکاسب، للمحقّق الأصفهانی 2/311.
2- 3 . کتاب البیع 2/(475-473).

حکم الأیدی المتعاقبة بعضها بالنسبة إلی بعض

اشارة

قال الشیخ الأعظم: «وأمّا حال بعضهم بالنسبة إلی بعض فلا ریب فی أنّ اللاحق إذا رُجع علیه لا یرجع إلی السابق ما لم یکن السابق موجبا لإیقاعه فی خطر الضمان، کما لا ریب فی أنّ السابق إذا رُجع علیه وکان غارا للاحقه لم یرجع إلیه، إذ لا معنی لرجوعه علیه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له، فالمقصود بالکلام ما إذا لم یکن غارّا له...»(1).

أقول: أمّا حکم المسألة فهنا صورتان:

الأولی: اللاحق الدافع للبدل إلی المالک یرجع إلی السابق الغارّ، لرجوع المغرور إلی مَنْ غرّه. ولو دفع السابق الغار فلا یرجع إلی اللاحق المغرور إذ لا معنی لرجوع السابق الغار لللاحق المغرور بما لو دفعه اللاحق ضمن السابق ما دفعه لللاحق.

الثانیة: وهی العمدة أنّ اللاحق الذی تلف المال بیده بتلف سماوی _ لا الإتلاف لأنّ حکم المتلِف بقاعدة الإتلاف واضح _ إذا دفع بدل المال إلی مالکه لایحقّ له الرجوع إلی السابق ومطالبته بالبدل وأمّا السابق إذا دفع البدل إلی المالک یحق له الرجوع إلی اللاحق تلف المال بیده.

قال المحقّق: «ولو تعاقبت الأیدی الغاصبة علی المغصوب تخیَّرَ المالکُ فی إلزام أیِّهم شاءَ، أو إلزام الجمیع بدلاً واحدا»(2).

ص:275


1- 1 . المکاسب 3/508.
2- 2 . الشرائع 3/185.

وقال العلاّمة: «والأیدی المترتبة علی ید الغاصب أیدی ضمان، فیتخیَّر المالک بین أن یطالب الغاصب عند التلف ومَنْ تترتّب یدُه علی یده... ویستقر الضمان علیه إن تلف عنده فلا یرجع علی الأوّل لو رُجع علیه ویرجع الأوّل علیه لو رُجع علی الأوّل...»(1).

قال العلاّمة فی غصب التذکرة: «کلّ یدِ ترتّبت علی ید الغاصب فهی ید ضمانٍ، حتّی یکون للمالک الخیار فی المطالبة لِمَنْ شاء منهما، فإن شاء طالب الغاصبَ عند التلف، وإن شاء طالب مَنْ ترتّبت یده علی یده.

ولا فرق بین أن یکون الثانی عالما بالغصب أو لم یعلم فی ثبوت الضمان علیه؛ لأنّه أثبت یده علی مال الغیر بغیر إذنه، والجهل لیس مُسْقِطا للضمان.

ثمّ الثانی إن کان عالما بالغصب فهو کالغاصب من الغاصب، للمالک مطالبته بکلّ ما طالب به الغاصب، فإن تلف المغصوب فی یده فاستقرار الضمان علیه، فلو غرّمه المالک لم یرجع علی الغاصب الأوّل بشیءٍ؛ لأنّه ظالم بإمساک مال الغیر فی یده مع علمه بأنّه له، وقد حصل التلف فی یده، ولو غرّم الأوّل رَجَعَ علیه.

هذا إذا لم تختلف قیمة العین فی یدهما أو کانت فی ید الثانی أکثر، ولو کانت فی ید الأوّل أکثر لم یکن للمالک مطالبة الثانی بالزیادة، لأنّها تلفت فی ید الأوّل قبل الوصول إلیه، وإنّما یطالب الأوّل بها لا غیر ویستقرّ ضمانها علیه، فلیس له الرجوع علی الثانی بها، ولو رجع المالک علیه بالأصل والزیادة، کان له الرجوع علی الثانی بالأصل خاصّة دون الزیادة.

وإن جهل الثانی الغصب، فإن کانت الید فی وضعها ید ضمان _ کالعاریة مطلقا عند العامّة(2)، وفی صُوَر الضمان عندنا، والمأخوذ بالسوم والشراء صحیحةً وفاسدةً _ استقرّ الضمان علی الثانی.

ص:276


1- 3 . قواعد الأحکام 2/224.
2- 1 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.

وإن کانت یدّ أمانةٍ _ کالودیعة والعاریة فی غیر صُور الضمان، والإجارة والرهن والوکالة _ استقرّ الضمان علی الغاصب.

ومذهب أکثر الشافعیّة علی ما قلناه.(1)

ولهم وجهٌ آخَر فیما إذا کانت یدُه یدَ أمانةٍ وکان جاهلاً بالغصب، فإنه لایکون ضامنا، کما أنّه لایستقرّ الضمان علیه.(2)

ولهم وجهٌ آخَر فیما إذا کانت یدُه یدَ أمانةٍ، کالودیعة والإجارة وشبههما، فإنّه یثبت

قرار الضمان فیها وإن کان جاهلاً.(3)

[والقرض(4)] معدود من أیدی الضمان...»(5).

وقال صاحب الجواهر فی شرح قول المحقّق: «(ولو تعاقبت الأیدی الغاصبة علی المغصوب تخیر المالک فی إلزام أیّهم شاء أو إلزام الجمیع) أو البعض (بدلاً واحدا) علی حد سواء أو مختلفا بلا خلاف ولا إشکال، بل یمکن تحصیل الاجماع علیه، بل فی مجمع البرهان دعواه، لأن کلاً منهم غاصب مخاطب بردّ العین أو القیمة لقوله علیه السلام : ««کلُّ مغصوب مردود»(6). علی «علی الید ما أخذت»(7) وقوله تعالی: «فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ»(8) و «جَزاءُ سَیِّئَةٍ»(9) وغیرهما ممّا دلّ علی العقاب بمثل ما عوقب(10) وأن «الْحُرُماتُ قِصاصٌ»(11)

ص:277


1- 2 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.
2- 3 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.
3- 1 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.
4- 2 . بدل ما بین المعقوفین فی النسخ الخطّیّة والحجریّة: «وال