االآراء الفقهیه: (قسم البیع 3) المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: تهران: شب افروز، 1393.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2-شابک : 978-600-92902-8-4

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ36 1393

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3555378

ص: 1

اشارة

ص: 2

تقریظ آیة اللّه العظمی السیّد محمّدمهدی الموسوی الخلخالی _ مدظله العالی

صاحب فقه الشیعة واصول فقه الشیعة نزیل المشهد المقدّس الرضوی

ص: 3

تقریظ فضیلة العلاّمة المحقّق الحجّة

السیّد عبدالسّتار الحسنی البغدادی _ دام ظلّه _

تأریخُ وَضْعِ (اللَّمساتِ الأَخِیْرَةِ) علی الجُزْءِ السادسِ مِنْ کِتابِ «الآراء الفِقْهِیَّةِ» لِمُنَضِّدِ عُقُوْدِه وناظِمِ فَرائِدِ دُرَرِهِ فی نَفائِسِ سُمُوْطِهِ، سَماحَةِ آیَةِ اللّه ِ الفَقیهِ المحَقِّق، النَّظّارِ الطُّلَعَةِ مولانا الحاجِّ الشّیْخِ الْهادی مِنْ آلِ أبیالمَجْدِ النَّجَفیِ، دامَ ظِلُّهُ، وَعَمَّ فَضْلُهُ.

حَضَرتْنِی هذِهِ الأَبیاتُ وَوَزْنُها مِنَ (الطَوّیل) ساعَةَ انْتِهائی مِنْ مُطالَعةِ مَخْطُوْطَةِ الکِتابِ المذکورِ، فَأَرْجُوَ مِن سَماحةِ شیخِنا المُعَظّمِ قَبُوْلَها علی عِلاّتِها.

بِسِفْرِکَ هذا خُضْتَ فی کُلِّ لُجَّةٍ مِنَ الْفِقْهِ، فِیْها غَیْرُ ذِیْ العِلْمِ یَغْرَقُ

وَناقَشْتَ (آراءَ) الاْءَعاظِمِ سالِکا سَبِیْلَ هُدیً، ما فِیْهِ لِلرَّأْیِ مَزْلَقُ

وَذا (سادِسُ الاْءَجْزاءِ) وافی بِحُلَّةٍ عَلَیْها مِنَ الْبَحْثِ الْمُؤَصَّلِ رَوْنَقُ

فَقُلْ: هُوَ بَحْرٌ ب_ِ(الْجَواهِرِ) مَدُّهُ ال_ْ مَدِیْدُ عَلی طُوْلِ الْمَدی یَتَدَفَّقُ

وَکَیْفَ عَنِ (الْهادِیْ) تَنِدُّ شَوارِدٌ وَتُفْلِتُ عَنْ (تَقْیِیْدِ) مَنْ لَیْسَ یُسْبَقُ

سَلِیْلِ أَبِیْالْمَجْدِ الَّذِی طابَ أَصْلُهُ کَما طابَ فَرْعٌ _ مَنْهُ _ بِالْفَخْرِ مُعْرِقُ

وَهَلْ یَرِثُ الاْآسادَ غَیْرُ شُبُوْلِها کَما یَقْتَفِیْ آثارَ مَنْ راحَ مَنْ بَقُوْا

أَجَلْ، ذاکَ خِرِّیْتُ الْفَقاهَةِ، جامِعُ ال_ْ فَضائِلِ طَرّا، والْفَقِیْهُ الْمُحَقِّقُ

فَبُوْرِکَ سِفْرٌ حَرَّرَتْهُ یَراعَةٌ نَدیْ نِقْسِها(1) مِنْهُ الْمَعارِفُ تَغْدَقُ

یَراعَةُ (هادِیْ) الْفَضْلِ فارِسِ حَلْبَةِ ال_ْ مَآثِرِ، مَنْ فی عَزْمِهِ لَیْسَ یُلْحَقُ

وَمُذْ تمّ خاطَبْتُ المُصَنِّفَ دَاعِیا لَهُ اللّه َ أَنْ یَرْعاهُ وَهْوَ مُوَفَّقُ

وفی مُنتهی التَّوْضِیْح(2) قَلْتُ مُؤَرِّخا: (کِتابُکَ هذا بالدَّلائِلِ یَنْطِقُ)

(8) (443) (706) (108) (169)

ص: 4


1- 1 . النِقْسْ: الحِبر، المِداد.
2- 2 . فی عبارة: «وفی مُنْتِهَی التوضیحِ» تورِیَةٌ بِدُخولِ (الحاء) وقِیْمَتُها فی حِساب الجُمَّلِ (8) فی مادَّةِ التاریخ، وَبِها یَتِمُّ الْمَقْصُوْد.

وَصْلٌ: القول فی المجیز

اشارة

ص: 5

ص: 6

استقصاؤه یتمّ ببیان اُمورٍ:

الأوّل: شرائط المجیز

قال الشیخ الأعظم: «یشترط فی المجیز أن یکون حین الإجازة جائز التصرف بالبلوغ والعقل والرشد، ولو أجاز المریض بُنی نفوذها علی نفوذ منجّزات المریض، ولا فرق فیما ذکر بین القول بالکشف والنقل»(1).

أقول: یعیتبر فی المجیز _ حال إجازته، لا حال العقد _ أن یکون بالغا وعاقلاً _ أی لا یکون مجنونا _ ورشیدا _ وهو الذی یعرف مصلحته من مفسدته ویقبض فی مقابل ماله ما یساوی ماله _ وجائزَ التصرف بعدم کونه مفلَّسا أو راهنا، فحینئذ لو أجاز المفلَّس أو الراهن بیع ماله المتعلَّق به حقّ الغرماء أو المرتهن لم تنفذ إجازته لعدم کونه جائز التصرف فی ماله.

وأمّا التصرّفات المالیة الزائدة علی ثلث أموال المریض الذی مات فی ذاک المرض فإنّها لا تکون نافذة إذا کانت مجّانیّةً وتبرّعیّةً کالعتق والهبة والصدقة والوقف، والصلح والإجازة المحاباتیتین أو بعوض أقل، وأبراء الدین وشراء من ینعتق علیه ونحوها، وتحسب علی ثلثه ومازاده یحتاج إلی إذن الورثة، وأمّا إذا کانت علی نحو التسبیبیات کإتلاف مال الغیر والجنایه علیه بما یوجب الأرش أو الدیة أو ما یوجب الکفارة فتکون نافذة من أصل المال لا من ثلثه.

ثمّ العقود المعاوضیة هل تلحق بالقسم الإول فی عدم النفوذ والاحتساب من الثلث أو أنّها تلحق بالقسم الثانی فی النفوذ والاحتساب من أصل المال، الظاهر أنّها تلحق

ص:7


1- 1 . المکاسب 3/431.

بالقسم الثانی.

ثمّ إنَّ الشیخَ الأعظمَ لا یری فرقا فی جمیع ما ذکرناه فی توضیح کلامه بین قولی النقل والکشف، لأنّه یری الإجازة تصرفا مالِیّا وهو مشروط بهذه الشرائط.

قوله قدس سره بناءً علی النقل واضح وأمّا بناءً علی الکشف فلا یتم انتساب العقد إلی المالک إلاّ بعد الإجازة فهی تعدّ تصرّفا مالیّا حقیقةً، لا العقد الذی إذا لم تلحقه الإجازة فإنّهُ یعدّ هباءً منثورا ویکون کتنظیم سند المعاملة وقبالتها وورقتها من دون إمضاء المالک بحیث لیس له قیمة من دون امضائه.(1)

ومن هنا یظهر عدم تمامیه اعتراض الفقیه السیّد الیزدی علیه بقوله: «یمکن أن یقال بناءً علی الکشف یمضی إجازته من غیر توقف علی إجازة الورثة إذا کان البیع فی حال صحته بدعوی أنّه محجور من التصرفات فی ماله حال المرض بمازاد علی الثلث، والإجازة لیست منها، بل هی شرط لنفوذ التصرفات فهی نظیر القبض الموقوف علیه صحة المعاملة کالوقف والصرف والسَّلَم...»(2).

وبعبارة اُخری یمکن أن یقال فی جواب اعتراضه: إنّ المجیز حتّی علی القول بالکشف لابدّ له من أهلیة الإجازة وصحة العقد تتوقف علی تعقّبه بالإجازة لکن لیس مطلق الإجازة بل ممّن له أهلیة إصدارها.(3)

ص: 8


1- 1 . راجع تحقیق وتقریرات فی باب البیع والخیارات 3/18.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/218.
3- 3 . راجع العقد النضید 3/360.

الثانی: هل یشترط فی صحة العقد وجود مجیزٍ حین العقد؟

اشارة

یقع البحث فی ضمن جهات:

الجهة الاُولی: سیر المسألة فی کلمات الفقهاء

قال العلاّمة فی القواعد: «والأقرب اشتراط کون العقد له مجیزا فی الحال، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ینفذ علی إشکال وکذا لو باع مال غیره ثم ملکه وأجاز...»(1).

وقال فی ذیله الفقیه العاملی: «هذا شرط شرطه أبوحنیفة(2) وقال الشهید(3) وابن المتوّج _ علی ما نقل عنه _ والفاضل المقداد(4) والمحقّق الثانی فی الشرح(5) إنّه لا یشترط.

واستشکل [العلاّمة] فی نهایة الإحکام(6)، ولم یرجّح [ولده] فی الإیضاح(7) کتعلیق الإرشاد(8) [للمحقّق الثانی].

وإن جعلنا الاشکال الآتی فی کلام المصنف راجعا إلی اشتراط أن یکون للعقد مجیز فی الحال کما ستسمعه کان المصنف [العلاّمة] متردّدا ویکون المعنی أنّه أقرب علی إشکال، فلیتأمّل»(9).

ص:9


1- 1 . القواعد 2/19.
2- 2 . المجموع، 9/261.
3- 3 . الدروس 3/193.
4- 4 . التنقیح الرائع، 2/26.
5- 5 . جامع المقاصد 4/73.
6- 6 . نهایة الإحکام، 2/476.
7- 7 . إیضاح الفوائد 1/419.
8- 8 . حاشیة إرشاد الأذهان 9/337 المطبوعة فی ضِمْنِ حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.
9- 9 . مفتاح الکرامة 12/621.

أقول: ومن القائلین بعدم الاشتراط: الشیخ جعفر(1) وتلمیذاه جدّی الشیخ محمّدتقی(2) والفقیه العاملی(3)، وصاحب الجواهر(4) والشیخ الأعظم(5).

نسب العلاّمة هذا الاشتراط إلی أبیحنیفة فی تذکرة الفقهاء وقال: «شرط أبوحنیفة للوقف(6) أن یکون للعقد مُجیزٌ فی الحال، فلو باع مالَ الطفل فبلغ وأجاز لم ینعقد. وکذا لو باع مالَ غیره ثم ملکه وأجاز. وهو قولٌ للشافعیة تفریعا علی القدیم(7)»(8).

وقال فیها: «شرط الوقف عند أبیحنیفة أن یکون للعقد مجیزٌ فی الحال سواء کان مالکا أو لا، حتّی لو أعتق عن الطفل أو طلّق امرأته لا یتوقّف علی إجازته بعد البلوغ. والمعتبر إجازة مَنْ یملک التصرف عند العقد حتی لو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ینعقد. وکذا لو باع مال الغیر ثم ملکه وأجاز.

والمعتمد: أنّ الطلاق لا یقع موقوفا»(9).

وقال تلمیذه وابن اخته السیّد عمیدالدین الأعرجی فی بیان وجه الاشتراط: «وإلاّ أدّی إلی حصول الضرر علی المشتری کما إذا باع الفضولی مال الطفل علیه لا متناعه من التصرف فیه وفی الثمن جمیعا إلی حین بلوغ الطفل، فإنّه مع تصرفه فی المبیع

ص:10


1- 10 . شرح القواعد 2/92.
2- 11 . تبصرة الفقهاء 3/356.
3- 12 . راجع مفتاح الکرامة 12/622 و 623.
4- 13 . الجواهر 23/481 (22/299).
5- 14 . المکاسب 3/432.
6- 1 . مراده من الوقف: توقُّف صحّة تصرف الفضولی علی الإجازة.
7- 2 . قوله: «تفریعا علی القدیم»، إشارةٌ إلی إنّ الشافعیَّ کان له فی فقهه مَسْلَکان الأوّل عند ما کان فی العراق، والثانی عند ما حَلّ فی مِصْرَ حیث خالف فیها رأیه الأوّل فی کثیر من المسائل ولکلٍّ من مَذْهبیهِ القدیم والجدید رُواةٌ معروفون فمِنْ رُواة مذهبه القدیم الحسن بن الصباح الزّعفرانی فی بغداد ومن رواة الجدید المُزَنی فی مِصْرَ.
8- 3 . تذکرة الفقهاء 10/15.
9- 4 . تذکرة الفقهاء 10/219.

یمکن أن یفسخ عند بلوغه، فیتبیّن بطلان البیع وعدم انتقاله إلی المشتری، ومع تصرفه فی الثمن یمکن أن یجیزه ویکون الثمن ملکا للطفل فیمنع منهما وهو ضررٌّ عظیمٌ منفیٌّ بقوله صلی الله علیه و آله : لا ضرر ولا إضرار»(1).

وقال نجله فخر المحقّقین: «هل یشترط ثبوت المجیز لعقد الفضولی فی الحال یحتمل ذلک ویبتنی علی مقدمات:

(أ): معنی صحة بیع الفضولی قبل الإجازة إمکان ترتب أثره علیه إمکانا قریبا بمعنی أقرب المراتب من مراتب الإمکان الاستعدادی لأنّه عبارة عن اجتماع الشرائط فإذا بقی من شرائط بیع الفضولی شرط واحد وهو إجازة المالک أو ولیّه وکان حصولهما ممکنا إمکانا قریبا أیضا حکم بصحة بیع الفضولی أو صلاحیته لأنّ یترتّب علیه الأثر حال وقوعه.

(ب): کلُّ آنٍ یمتنع وقوع الشرط فیه یمتنع وقوع المشروط فیه.

(ج): البیع إذا بطل فی وقت بطل دائما فحال عدم المجیز یمتنع ترتّب أثره ولا یصح لترتّب الأثر علیه فلا یحصل معنی الصحة بل معنی البطلان، وإذا بطل لم یمکن أن یترتّب صحته.

ویحتمل عدم الاشتراط، لأنّه لا یشترط اقتران الإجازة بالعقد بل یجوز تأخیرها زمانا طویلاً فلایسلِّم اشتراط استعداد القریب.

واعلم إنّ هذا الفرع یتأتی علی مذهب الأشاعرة، وأمّا علی قولنا ففی صورة واحدة وهی بیع مال الطفل علی خلاف المصلحة أو الشراء له»(2).

نقل السیّد العاملی عن الشهید فی حواشیه: «إنّ بعض الجمهور اعترض علی المصنف فی هذه المسألة بسقوطها علی مذهبه، لأنّه یعتقد وجود الإمام علیه السلام فی کلِّ زمان وهو ولیّ من لا ولیّ له، فأجاب بأنّه أراد مجیزا فی الحال یمکن الاطلاع علی إجازته،

ص:11


1- 5 . کنز الفوائد 1/385.
2- 1 . إیضاح الفوائد 1/418 و 419.

وتتعذّر إجازة الإمام علیه السلام لاستتاره عن الناس»(1).

ویذْکُرُ الشیخ الأعظم(2) أنّ المعترض هو القاضی البیضاوی الشافِعِیُّ صاحب أنوار التنزیل فی التفسیر _ علی ما قیل _ .

وقال المحقّق الثانی: «وجه القرب: أنّه مع عدم من له أهلیة الإجازة تکون صحة العقد ممتنعة فی الحال، وإذا امتنعت فی زمان ما امتنعت دائما، لأنّ بطلان فی زمان یقتضی بطلانه دائما، ولما فیه من الضرر علی المشتری، لامتناع تصرّفه فی العین _ لإمکان عدم الإجازة ولعدم تحقّق المقتضی _ وفی الثمن لإمکان الإجازة فیکون قد خرج عن ملکه.

وإنّما یتصوّر ذلک عندنا: إذا تصرّف للطفل علی خلاف المصلحة، وأمّا عند الأشاعرة فتصوّره ظاهر.

ویضعّف بانتقاضه ممّن کان بعیدا، یمتنع إلیه الوصول عادة إلاّ فی زمان طویل. والظاهر عدم الاشتراط، لعموم الدلیل الدال علی صحة الفضولی من غیر فرق، فإنّ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» یتناوله»(3).

وقال فی حاشیة إرشاده: «وهل یُشترط أن یکون للعقد مجیزٌ فی الحال، بحیث لو باع مال الطفل لم یصحّ إذا لم یکن له ولی؟ یحتمل ذلک.

قال الشیخ فخرالدین ولد المصنف رحمهما اللّه: «واعلم أنّ هذا الفرع یتأتی علی مذهب الأشاعرة، أمّا علی قولنا ففی صورة واحدة، وهی بیع مال الطفل علی خلاف المصلحة أو الشراء له». وقد نبّه علی ذلک بأنّ الإمام موجود فی کلِّ زمان عندنا وهو ولیّ مَنْ لاولی له»(4).

ص:12


1- 2 . الحاشیة النجاریة /222 ونقل عنه مفتاح الکرامة 12/622 مع توضیح، وإلاّ عبارة الشهید هکذا: «وبهما ینتقض علیه مذهبه، ذکره بعض الشافعیة».
2- 3 . المکاسب 3/432.
3- 1 . جامع المقاصد 4/72.
4- 2 . حاشیة إرشاد الأذهان /337، المطبوعة فی ضِمْنِ الُمجَلّدِ التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.

وقال الشهید الثانی فی فوائد القواعد: «المناسب التفریع علی الأقرب أن یحکم بعدم النفوذ بغیر إشکال ولکن نقل ولد المصنف رحمه الله عنه أنّه إذا قال فی المسألة: «علی إشکال یکون حکما بما ذکر قبل الإشکال وفائدته التنبیه علی الخلاف، بخلاف ما لو قال: «فیه اشکال» ونحوه وهذا هو الظاهر من العبارتین، فعلی هذا لا تنافی بین الحکم السابق والتفریع، لکنّه یستغنی عن إعادة ماینبّه علی الخلاف، والأمر فیه أسهل»(1).

الجهة الثانیة: وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد

الأوّل: عدم ذات المجیز وفقد ذاتٍ من شأنها الإجازة للعقد.

وهذا الوجه غیر متحقّق علی مذهبنا، إذ لا یتصور ملک بلا مالک یجیز العقد لأنّ الأمام علیه السلام موجود فی کلِّ عصرٍ وهو الولی علی الإطلاق فهذا الوجه غیر مُتَصَوَّرٍ علی مذهبنا.

بل لا یتم علی مذهب العامة أیضا لأنّهم یَرَوْنَ الخلفاء اُولیاءً علی جمیع الاُمور ومنها الأموال.

الثانی: عدم وجود المجیز بوصف التمکن من الإجازة وإن کانت ذاته متحقّقة إلاّ أنّه حین المعاملة غیر حاضر ولا یتمکّن من الوصول إلیه کما لَوْ کان المالک أو ولیّه غائبا،

أو الإمام علیه السلام کان فی ستر الغیبة کما فی زماننا هذا.

وهذا الوجه وإن کان متصوّرا ولکنّه لا دلیل علی اعتباره.

الثالث: تحقّق ذات المجیز وتمکّنه من الإجازة لکنّه مَمْنُوْعٌ شرعا من الإجازة والتصرف فی الأموال، کما إذا باع الفضولی مال الیتیم علی خلاف المصلحة فإنّ الولی لا یمکنه الإجازة حینئذ لأنّها علی خلاف مصلحة الیتیم.

وهذا الوجه أیضا وإن کان متصوّرا ولکنّه لا دلیل علی اعتباره.

والحاصل: لا ینبغی البحث حول اعتبار الأوَّلَیْن، إذا لا دلیل علی اشتراط ذات

ص:13


1- 3 . فوائد القواعد /532.

المجیز أو المجیز بوصف التمکن من الإجازة فی صحة المعاملات بل ما ورد فی صحة زواج الصغیرین أدّل دلیل علی عدم اعتبارهما بل فی أدلة صحة الفضولی خیر دلیل علی عدم اعتبارهما إذ لم یُفْصَلْ فیها بین وجودهما حال العقد وعدمه.

وکذلک البحث فی الثالث إذ لا یعتبر فی صحة الفضولی أن یکون له مجیز حال العقد شرعا، بل الإعتبار بوجود المجیز حال الإجازة ویظهر لک عدم الاعتبار حین لحاظک بأنّ بیع مال الیتیم کان علی وفق المصلحة حین العقد ولکن حین الإجازة خَرَجَ عن المصلحة وکان علی خلافها، فهل یجوز للولی إجازة هذا البیع الذی کان فعلاً علی خلاف مصلحة الیتیم؟

ومن الواضح عدم جواز إجازته، فتمام العبرة بوجود المجیز حال الإجازة لا حال العقد.

ویأتی البحث من الشیخ الأعظم حول هذا القسم الثالث فی الأمر الثالث(1) الآتی فانتظر.

الجهة الثالثة: الاستدلال علی وجود المجیز حین العقد بوجوه

الأوّل: ما مرّ من فخرالمحقّقین(2) رحمه الله من مقدمتیه (أ) و (ج) وقال الشیخ الأعظم فی الاستدلال له: «واسْتُدلّ له بأنّ صحة العقد والحال هذه ممتنعة، فإذا امتنع فی زمان امتنع دائما»(3).

وقال المحقّق الأصفهانی فی توضیحه وتقریبه: «إنّ العقد الفضولی یتفاوت مع

العقود الفاسدة _ مع اشتراکه لها فی عدم التأثیر فعلاً _ فی أنّه قابل للتأثیر بالإجازة دون غیره، فلابدّ أن یکون العقد الفضولی واجدا لجمیع مراتب الإمکان الاستعدادی، بحیث لا یستند عدم فعلیة التأثیر إلاّ إلی عدم فعلیة الإجازة، وأمّا مع عدم إمکان الإجازة حال العقد فالعقد حینئذ غیر واجد لجمیع مراتب الإمکان الاستعدادی، إذ منها الإمکان من

ص:14


1- 1 . راجع صفحة 24 من هذا المجلد.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/418.
3- 3 . المکاسب 3/431.

ناحیة امکان الإجازة فعلاً، فإذا امتنعت الإجازة فعلاً امتنعت الصحة التأهلیة فعلاً، زیادة علی الصحة الفعلیة المقرونة بفعلیة الإجازة لا بإمکانها.

ولا نعنی بالصحة التأهلیة إلاّ امکان نفوذ العقد فعلاً بالإجازة، مع أنّه لا یمکن لامتناع الإجازة، وإذا امتنعت الصحة التأهلیة فی زمان امتنعت دائما، لأنّ ما یتفاوت حاله بتفاوت الأزمان هی الصحة الفعلیة _ التابعة لوجود شرط الصحة الفعلیة وعدمه _ لا الصحة التأهلیة»(1).

لخّص المحقّق المروج هذا التقریب فی ثلاثة اُمور: «أحدها: اقتران الصحة التأهلیة بالعقد وعدم انفکاکها عنه.

ثانیها: توقف هذه الصحة علی إمکان الإجازة فعلاً أی من حین وقوع العقد، ومع امتناعها لا یثبت الصحة التأهلیة فعلاً للعقد، فهذه الصحة منوطة باجتماع جمیع مراتب الإمکان التی منها إمکان فعلیة الإجازة، ومع امتناعها لعدم وجود مجیز حین العقد لا یثبت له الصحة التأهلیة أیضا. وقد عرفت عدم انفکاک الصحة التأهلیة عن العقد فإمکان فعلیة الإجازة دخیل فی الصحة التأهلیة.

ثالثها: أنّ المائز بین عقد الفضولی والعقود الفاسدة هو وجود الصحة التأهلیة فیه دونها، هذا»(2).

وقال الشیخ الأعظم فی نقد هذا الاستدلال: «ویضعّف الأوّل _ مضافا إلی ما قیل(3): من انتقاضه بما إذا کان المجیز بعیدا امتنع الوصول إلیه عادة [إلاّ فی زمان طویل[ _ منع ما ذکره [فخرالمحقّقین] من أنّ امتناع صحة العقد فی زمان یقتضی امتناعه دائما، سواء قلنا بالنقل أم بالکشف»(4).

ص: 15


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/201.
2- 2 . هدی الطالب 5/224.
3- 3 . القائل هو المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/72 کما مرّ ولکنّ تنبّه قبله فخر المحقّقین نفسه فی إیضاح الفوائد 1/419.
4- 4 . المکاسب 3/431.

مراده: إنّ الملازمة بین فساد العقد حدوثا وبقاءً وإن کانت مسلَّمة، ولکنّ المقام لیس من صغریاتها لعدم کون وجود المجیز حال العقد من شرائط صحة العقد عندنا ولیس مراده إمکان تفکیک بین بطلان العقد حدوثا وصحته بقاءً لأنّ فقدان شرط الصحة یقتضی بطلانه حدوثا وبقاءً. خلافا لما استفاد بعض الأعلام من عبارته منع الکبری وردّه بأنّه «منظور فیه»(1).

وقال المحقّق الأصفهانی فی نقد تقریبه: «وفیه: لو کانت الصحة التأهلیة _ التی یتفاوت فیها العقد الفضولی مع العقود الفاسدة ما یساوق الإمکان الاستعدادی من جمیع الوجوه _ لکان لما ذکر وجه، وأمّا إذا کان المراد منها مجرد الصحة بلحوق الإجازة ولو فیما بعد، لا فعلاً فی قبال ما لایجدیه لحوق شیء فی صحته، فلا یکون الصحة التأهلیة مساوقة للإمکان الفعلی، بل العقد الفضولی ممکن التأثیر فیما بعد بلحوق الإجازة له فیما بعد، هذا بناءً علی النقل.

وأمّا بناءً علی الکشف فهو ممکن الصحة فعلاً بإمکان لحوق الإجازة له فیما بعد، إذ لیس أمر الإمکان بأعظم من أمر الوجود، فکما أنّ وجوده الفعلی من ناحیة وجود فیما بعد، کذلک إمکانه الفعلی من ناحیة امکان الإجازة فیما بعد، فإنّ وجود المعلول وإمکانه بوجود العلّة وإمکانها فإذا قلنا بکفایة وجودها المتأخر فی وجوده المتقدّم فکذا نقول بکفایة إمکانها المتأخر فی إمکانه المتقدم»(2).

الثانی: ما مرّ من السید عمیدالدین(3) من حصول الضرر علی المشتری لأنّه مُنع من التصرف فی المبیع والثمن لاحتمال صدور الإجازة من المجیز وعدمه.

وذکر الشیخ الأعظم(4) فی المقام تقریب المحقّق الثانی(5) لهذا الاستدلال وحیث

ص:16


1- 1 . کتاب البیع 2/323.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/201 و 202.
3- 3 . کنز الفوائد 1/385.
4- 4 . المکاسب 3/341 قوله رحمه الله : «وبلزوم الضرر علی المشتری...».
5- 5 . جامع المقاصد 4/72.

أنّه مرّ آنفا فلا نعیده.

ویرد علی هذا الاستدلال أوّلاً: بما مرّ من جواز تصرف الأصیل فی ماله قبل صدور الإجازة من المجیز _ وإن کان الشیخ الأعظم لم یوافقنا فی هذا الردّ.

وثانیا: إذا کان جاهلاً بالفضولیة تجری للأصیل قاعدة نفی الضرر کما مرّ من السیّد عمیدالدین(1) منع هذا الاستدلال بهذه القاعدة.

وثالثا: یمکن دفع ضرر الأصیل بجعل الخیار له بحیث إن أراد یجوز له فسخ هذه المعاملة الضرریة.

ورابعا: هذا الدلیل أخص من المُدّعی، لأنّ المدعی بطلان البیع الفضولی إذا لم یکن مجیزا فی حال العقد، والدلیل یقتضی بطلانه فی صورة ضرر الأصیل ولکن إذا لم یتضرر الأصیل أو کان راضیا هو بهذا الضرر، لم یدلّ الدلیل علی البطلان.

الثالث: ما ذکره فی العقد النضید بقوله: «... مطلق المعاملات الفضولیة فاقدة لصفتین وهما الرضا والاستناد ویمکن تصحیح المعاملة من خلال الإجازة اللاحقة فیتمّ بها الصفتان، وهو النهی الوارد عن التقرّب إلی مال الیتیم فی قوله تعالی: «وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْیَتِیمِ إِلاّ بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ»(2)، وبالتالی فلا مجال لتصحیح المعاملة التی یتضرّر منها الصبی لأنّ تصحیحها یستلزم قیام إطلاق یدلّ علی إمکان تصحیح مطلق العقود الفضولیة وإن کان محذورها من غیر ناحیة الرضا والاستناد، وهو ما نعجز عن إثباته لقصور الأدلة الخاصة، وعدم قیام أدلة مطلقة تفید ذلک وبالتالی فإنّه یصل الدور إلی الشک، والمرجع حینئذ أصالة الفساد»(3).

یرد علیه: أوّلاً: کلام العلاّمة(4) عام بالنسبة إلی وجود المجیز حال عقد الفضولی

ص:17


1- 1 . کنز الفوائد 1/385.
2- 2 . سورة الأنعام /152.
3- 3 . العقد النضید 3/364.
4- 4 . قواعد الأحکام 2/19.

ولا یختص ببیع مال الطفل علی خلاف المصلحة وإن کان نجله(1) یَخُصُّهُ بصورة واحدة وهی هذه المسألة، فالدلیل أخص من مُدَّعی العلاّمة.

وثانیا: العقود الفضولیة فاقدة لصفة واحدة وهی الاستناد وبالإجازة یَتُمُّ الاستناد کما مرّ مُفَصّلاً فیما سبق.

وثالثا: الأدلة الواردة فی صحة عقد الفضولی عام تشمل هذه المسألة بعد صدور الإجازة من المالک بعد بلوغه ورشده کما یأتی.

الجهة الرابعة: مادلّ علی عدم اعتبار وجود المجیز حین العقد

امورٌ:

الأوّل: الأدلّة الواردة فی صحة عقد الفضولی عامةٌ ومطلقةٌ ولا تخصّص ولا تقیّد بوجود مجیز فی حال العقد.

ولذا قال المحقّق الثانی: «والظاهر عدم الاشتراط لعموم الدلیل الدال علی صحة الفضولی من غیر فرق، فإنّ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» یتناوله»(2).

وقال الشیخ جعفر: «لقضاء عمومات الکتاب والسنة بالعموم»(3).

وقال صاحب الجواهر بعد نقل کلام العلاّمة: «إلاّ أنّه _ کما تری _ لا دلیل علیه، بل مقتضی إطلاق ما سمعته من أدلة الفضولی خلافه...»(4).

الثانی: ما ذکره الفقهاء(5) _ قدس اللّه أسرارهم _ فی باب النکاح من أنّه لو زوّج الفضولی الصغیریْن اللذیْن لا ولیّ لهما صحّ وتدلّ علیه الروایات:

ص:18


1- 5 . إیضاح الفوائد 1/419.
2- 1 . جامع المقاصد 4/72.
3- 2 . شرح القواعد 2/92.
4- 3 . الجواهر 23/479 (22/297).
5- 4 . منهم المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 12/150، والشهید الثانی فی المسالک 7/177، وسیّد الریاض فیه 11/103.

منها: معتبرة محمّد بن الحسن الأشعری.(1)

ومنها: صحیحة مقطوعة محمّد بن اسماعیل بن بزیع.(2)

ومنها: صحیحة أبیعبیدة.(3)

ومنها: خبر عبّاد بن کثیر.(4)

ولذا قال الشیخ جعفر: «وشهادة مادلّ علی جواز إنکاح الفُضُوْلیَّین الصبیَیْن ثمّ مات أحدهما وبقی الآخر حتّی بلغ وأنّه تمضی إجازته مع اعتبار بعض الشروط الاُخَر علی ذلک بطریق الاُولویة»(5).

قال الشیخ أسداللّه التستری: «لو کان شیءٌ ممّا ذکر فی المنع صالحا لذلک لعمَّ

جمیع العقود وثبت فی النکاح أیضا، بل بالطریق الأولی. لکن نکاح الفضولی للصغیر والصغیرة مع إجازتهما بعد البلوغ جائز إتفاقا نصّا وفتویً فکذلک سائر العقود»(6).

وقال فی الجواهر: «مضافا إلی خبر الصغیرین»(7).

وقال الشیخ الأعظم: «مضافا إلی الأخبار الواردة فی تزویج الصغار فضولاً الشاملة لصورة وجود ولیّ النکاح وإهماله الإجازة إلی بلوغهم، وصورة عدم وجود الولیّ، بناءً علی عدم ولایة الحاکم علی الصغیر فی النکاح وانحصار الولی فی الأب والجدّ والوصیّ علی خلاف فیه»(8).

الثالث: قال السیّد العاملی: «... بل قد لا نشترط المجیز بالکلّیّة فإنّهم قالوا بأنّ

ص:19


1- 5 . وسائل الشیعة 20/276، ح2، الباب 6 من أبواب عقد النکاح واولیاء العقد.
2- 6 . وسائل الشیعة 20/282، ح1، الباب 8 من أبواب عقد النکاح واولیاء العقد.
3- 7 . وسائل الشیعة 26/219، ح1، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
4- 8 . وسائل الشیعة 26/219، ح2.
5- 9 . شرح القواعد 2/92.
6- 1 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /35.
7- 2 . الجواهر 23/479 (22/297).
8- 3 . المکاسب 3/432.

المحجور علیه لفلس إذا باع بعض أعیان ماله المحجر علیه فیها، أو وقف أو وهب أو عتق أنّه کالفضولی فلاتباع هذه الأعیان التی باعها فی دَیْن الغرماء بل تأخّر فإن وفّی غیرها بمال الغرماء لزیادة القیمة أو لإبراء بعض الدیّان نفذ بیعه وإلاّ فلا، فکان وفاء المال کالإجازة وعدمه کالردّ. وقد حرّرنا المسألة فی باب الحَجْر فلابدّ من مراجعتها»(1).

وفی ذیل کلام العلاّمة فی کتاب الحَجْر: «أمّا لوصادف المال فی الحال: فإن کان مورده عین مال: کالبیع والهبة والرهن والعتق، احتمال البطلان من رأس، والإیقاف، فإن فضلت تلک العین من الدین لارتفاع القیمة أو الإبراء أو غیرهما نفذ»(2).

قال: «إذا صادف تصرفه عین المال بالإتلاف بالمعاوضة کالبیع والإجازة أو بغیر معاوضة کالهبة والعتق والکتابة أو بالمنع من الانتفاع کالرهن ففی المبسوط(3) والشرائع(4) والتحریر(5) والإیضاح(6) أنّه یبطل. وهو المحکی(7) عن أبیعلیّ لأنّه ممنوع منه علی وجه سلبت أهلیته وکانت عبارته کعبارة الصبیّ فلا یصحّ وأن لحقته الإجازة

وهذا هو المناسب للحَجْر فإنّ معنی قول الحاکم: حَجَرْتُ علیک: مَنَعْتُکَ من التصرف ومعناه تعذّر وقوع هذه العقود منه.

وأمّا الإیقاف فقد نفی عنه البأس فی التذکرة(8) وقال فی جامع المقاصد(9): فیه قوّة وفی المسالک(10): لعلّه الأقوی.

ص:20


1- 4 . مفتاح الکرامة 12/622.
2- 5 . قواعد الأحکام 2/143.
3- 6 . المبسوط 2/272 ونحوه فی الخلاف 3/269، مسألة 11.
4- 7 . الشرائع 2/78.
5- 8 . تحریر الأحکام الشرعیة 2/509.
6- 9 . إیضاح الفوائد 2/65.
7- 10 . الحاکی هو العلاّمة فی مختلف الشیعة 5/453.
8- 1 . تذکرة الفقهاء 14/25.
9- 2 . جامع المقاصد 5/229.
10- 3 . المسالک 4/90.

والوجه فیه أنّه لا یقصّر عن التصرف فی مال الغیر فیکون کالفضولی. وحینئذ فلا ینافیه منعه من التصرف المنافی لحقّ الغرماء، إذ لا دلیل علی إرادة غیره، ولأنّ عبارته لا تقصر عن عبارة السفیه المحجور علیه مع صحّة تصرّفه إذا لحقته إجازة الولیّ، فلو کان الحَجْر یقتضی المنع من التصرفات وسلب الأهلیة لسقط به اعتبار عبارة السفیه.

فعلی هذا إذا أجازه الغرماء نفذ وإلاّ اُخّر إلی أن یقسّم ماله، ولایباع ولا یسلّم إلی الغرماء، فإن لم یفضل من ماله شیء بطل، وإن فضل ما یسعه صحّ... فإنّما یعتبر کلامهم فی الإجازة لا فی الردّ، وأنّ الواقع موقع المجیز هو بقاء الشیء من ماله یسع ذلک، فإن حصل ذلک کان إجازةً وإلاّ کان ردّا وقد نبّهنا علی ذلک فی باب البیع...»(1).

ویأتی تفصیل هذا البحث آنفا فی المسألة الاُولی الآتیة(2).

الجهة الخامسة: هل یدخل تحت هذا الاشتراط فرعٌ؟

أم لا، وهل لابدّ من دخوله تحته وإلاّ یلزم اللَّغْوِیَّةَ؟ أم لا.

الظاهر عدم لزوم اللَّغْوِیَّةِ ولو لم یکن فرعا تحت هذا الاشتراط، لأنّ «یکفی فی عدم اللغویة کَوْنُهُ ذا أثر ولو عند غیرنا [من المذاهب]، کما یبحث فی باب الجهاد(3) بعض ما یتعلّق بوجود الإمام علیه السلام وتکلیفه(4) بل قد یبحث عمّا لا یتّفق الوجود له، کالبحث عن نجاسة دم مخلوق الساعة»(5).

مضافا إلی وجود فرع تحت هذا الاشتراط وهو ما ذکره فخرالمحقّقین(6) من بیع

مال الطفل علی خلاف مصلحته أو الشراء له کذلک.

وهکذا یأتی هذا الاشتراط فی تزویج الصغیر فضولة مع فرض عدم وجود الولی

ص:21


1- 4 . مفتاح الکرامة 16/250 و 251.
2- 5 . راجع صفحة 25 من هذا المجلد.
3- 6 . الجواهر 22/86 (21/50).
4- 7 . الجواهر 5/612 (5/362).
5- 8 . کتاب البیع 2/321.
6- 9 . إیضاح الفوائد 1/419.

من الأب والجدّ والوصی _ علی خلاف فیه _ وبناءً علی عدم ولایة الحاکم الشرعی علی الصغیر فی النکاح کما مرّ من الشیخ الأعظم(1).

وقد مرّ من العلاّمة(2) تفریعه علی هذا الاشتراط ببیع مال الطفل فضولاً ثمّ بلغ وأجاز ثمّ استشکل فی الاشتراط لا فی الفرع _ علی ما حکی(3) من نجله فخرالمحقّقین _ .

واعترض(4) علیه بعض العامة _ وهو البیضاوی علی ما قیل(5)- : بأنّ هذا الاشتراط ساقط علی مذهب العلاّمة _ وهو مذهب أهل البیت علیهم السلام _ لأنّهم یعتقدون وجود الإمام علیه السلام فی کلِّ زمان وهو ولی من لا ولی له.

ولکن قد عرفتَ ممّا سردناه علیک فی الجهة الأولی أنّ أوّل من اعترض علیه هو نجله فخرالمحقّقین حیث قال: «واعلم أنّ هذا الفرع یتأتی علی مذهب الأشاعرة»(6) وإنَّما یَنْحَصِرُ علی مَذْهَبِنا بفرع واحد وهو بیع مال الیتیم علی خلاف مصلحته کما مرّ.

وأجاب الشهید(7) عن الاعتراض بأنّه أراد مجیزا فی الحال [یمکن الاطلاع علی إجازته].

واعترض المحقّق القمی(8) علی جواب الشهید بأنّ نائب الإمام علیه السلام موجود ویمکن الاطلاع علی إجازته.

وعمّمه الشیخ الأعظم أوّلاً: «بأنّ نائب الإمام _ وهو المجتهد الجامع للشرائط -

ص:22


1- 1 . المکاسب 3/432.
2- 2 . قواعد الأحکام 2/19.
3- 3 . الحاکی هو ثانی الشهیدین فی فوائد القواعد /532.
4- 4 . حکاه الشهید فی الحاشیة النجاریة /222.
5- 5 . هکذا نقله الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/432.
6- 6 . إیضاح الفوائد 1/419.
7- 7 . الحاشیة النجاریة /222.
8- 8 . غنائم الإیام 1/553، جامع الشتات 2/318.

موجود، بل لو فُرض عدم المجتهد فالعدل موجود، بل للفسّاق الولایة علی الطفل فی مصالحه مع عدم العدول»(1).

وثانیا: دافع عن الشهید بأنّه إن اُرید _ فی أصل الاشتراط _ وجود ذات المجیز _ وهو الوجه الأوّل من وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد، الذی مرّ منّا فی الجهة الثانیة من البحث _ لا تفید إجابة الشهید لأنّ ذات الإمام علیه السلام موجود وعدم التمکن من الوصول إلی إجازته لا یردّ الاعتراض.

وإن أُرید _ فی أصل الاشتراط _ وجود ذات المجیز مع فرض تمکّنه من الإجازة _ وهو الوجه الثانی من وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد الذی مرّ فی الجهة الثانیة _ تمت الإجابة لأنّ المجتهد والعدول وحتّی الفساق وإن فرض وجودهم ولکن من الممکن عدم اطلاعهم علی العقد حتّی یُجیزوه.

أقول: قد مرّ منّا فی الجهة الثانیة من البحث أنّ الوجه الأوّل _ عدم ذات المجیز _ لا یتصوّر علی مذهبنا، والوجه الثانی _ عدم ذات المجیز الذی تمکّن من الإجازة _ وإن کان متصوّرا ولکنه لا دلیل علی اعتباره.

والوجه الثالث _ وهو تحقّق ذات المجیز وتمکّنه من الإجازة ولکنّه مَمْنُوْعٌ شرعا منها _ یمکن تصوّره أیضا ولکن لا دلیل علی اعتباره.

قال الشیخ الأعظم: «فالاولی: ما فعله فخرالدین والمحقّق الثانی من تقیید بیع مال الیتیم بما إذا کان علی خلاف المصلحة، فیرجع الکلام أیضا إلی اشتراط إمکان فعلیة الإجازة من المجیز، لا وجود ذات مَنْ مِنْ شأنه الإجازة فإنّه فرض غیر واقع فی الأموال»(2).

أقول: لابدّ من حمل «امکان فعلیة الإجازة» فی کلامه قدس سره _ علی الإمکان الشرعی _ لا الإمکان التکوینی _ کما مرّ فی الجهة الثانیة وآنفا.

ص:23


1- 9 . المکاسب 3/433.
2- 1 . المکاسب 3/433.

الثالث: هل یشترط کون المجیز جائز التصرف حین العقد؟

اشارة

وهذا هو الاحتمال الثالث فی وجوه تصوّر عدم المجیز فی العقد، الذی مرّ منّا(1) أنّه کان فی المقام الثبوت متصوّرا ولکنّه لا دلیل علی اعتباره إثباتا.

ولذا نفی الشیخ الأعظم اعتباره بقوله: «لا یشترط فی المجیز کونه جائز التصرف حال العقد»(2).

ثم قال: «سواء کان عدم جواز التصرف لأجل عدم المقتضی أو للمانع»(3).

مراده من المقتضی: هو الملکیّة مع شرائط کمال المالک من البلوغ والعقل والرشد. وفی فرض عدم الملکیة، الإجازة أو الوکالة فی التصرف من المالک.

ومراده من المانع: هو تعلِّق حقّ الغیر بالعین نحو: تعلّق حقّ الغرماء فی الفلس، وتعلّق حقّ المرتهن بالعین المرهونة وعدم جواز بیع اُمّ الولد فی عدم بیعها.

ثمّ ذکر أربعة مسائل لابدّ إلاّ أن نقتفی أثره.

المسألة الأولی: إذا کان المالک حین العقد ممنوعا من التصرف لحجرٍ أو رهنٍ

هل یصح العقد من مالک کان ممنوعا من التصرف لِحَجْرٍ أو رَهْنٍ أو استیلاد فی الأَمَةِ ولکن حین إجازته ارتفع المنع من التصرف لرفع الحجر أو فک الرهن أو موت الولد؟

قد مرّ آنفا(4) القول بالبطلان من الشیخ(5) والمحقّق(6) والعلاّمة فی التحریر(7)

ص:24


1- 1 . راجع صفحة 14 من هذا المجلد.
2- 2 . المکاسب 3/434.
3- 3 . المکاسب 3/434.
4- 4 . راجع صفحة 19 من هذا المجلد: قولنا: الثالث... .
5- 5 . المبسوط 2/272، الخلاف 3/269 مسأله 11.
6- 6 . الشرائع 2/78.
7- 7 . تحریر الاحکام الشرعیة 2/509.

وولده(1) وهو المحکی عن أبیعلی(2).

ولکن العلاّمة فی بیع التذکره حکم بصحته وقال: «ولو باع ولم یعلم المرتهن ففکّ لزم البیع لانتفاء المعارض...»(3).

ونفی البأس عن إیقافه فی حَجْر التذکرة وقال: «لو صادف تصرّفه عینَ مال بالإتلاف إمّا بمعاوضةٍ کالبیع والإجارة، أو بغیر معاوضةٍ کالهبة والعتق والکتابة، أو بالمنع من الانتفاع کالرهن قال الشیخ رحمه الله : یبطل تصرّفه. و هو أصحّ قولی الشافعی وبه قال مالک والمزنی لأنّه محجور علیه بحکم الحاکم، فوجب أن لا یصحّ تصرفه... .

والقول الثانی للشافعی: إنّ هذه التصرفات لا تقع باطلة فی نفسها بل تکون موقوفة، فإن فضل ما تصرّف به عن الدین إمّا لارتفاع سعر أو لإبراء بعض المستحقّین نفذ، وإلاّ بانَ أنّه کان لغوا، لأنّه محجور علیه بحقّ الغرماء، فلا یقع تصرّفه باطلاً فی أصله، کالمریض. وهذا القول لا بأس به عندی والأوّل أقوی...»(4).

وقال المحقّق الثانی: «فیه قوة»(5)، والشهید الثانی: «لعلّه الأقوی»(6).

وحکم السیّد العاملی الصِّحَّةَ فی بیع مفتاح الکرامة(7) وحجرها(8) ولا یشترط الإجازة.

وقال صاحب الجواهر بعد نقل نفی البأس التذکرة وقوة جامع المقاصد وأقوائیة المسالک: «وهو کذلک بناءً علی أنّ الفضولی علی القاعدة، بل وإن لم نقل بذلک للفحوی

ص:25


1- 8 . إیضاح الفوائد 2/65.
2- 9 . الحاکی و العلاّمة فی المختلف 5/453.
3- 10 . تذکرة الفقهاء 10/42.
4- 1 . تذکرة الفقهاء 14/25 مسألة 270.
5- 2 . جامع المقاصد 5/229.
6- 3 . المسالک 4/90.
7- 4 . مفتاح الکرامة 12/622.
8- 5 . مفتاح الکرامة 16/251.

حینئذ... وعلی کلِّ حالٍ فالأقوی صحة عقده، بل ظاهر جماعة من الأصحاب بل هو کصریح التذکرة عدم بطلانه بردّ الغرماء وأنّه یبقی موقوفا علی أن یقسم المال لایباع ولایسلّم إلی الغرماء فإن فضل لارتفاع قیمة غیره أو لإبراء بعض الدیّان أو غیر ذلک نفذ فیه التصرف وإلاّ بطل لسبق التعلُّق به فیه، ولیس لذوی الدین ابطال التصرف وفسخ العقد قبل ذلک، وهو جید...»(1).

وتبعه الشیخ الأعظم وقال: «والأقوی صحة الإجازة بل عدم الحاجة إلیها إذا کان عدم جواز التصرف لتعلّق حقّ الغیر...»(2).

والوجه فی عدم الحاجة إلی الإجازة لأنّ المعاملة مستندة إلی المالک وإنّما کان المانع من صحتها حقّ المرتهن أو وجود الحَجْر أو الولد وقد سقطت الموانع بفکّ الرهن ورفع الحجر وموت الولد فتمت المعاملة، کما یری السیّد الیزدی(3) عدم البطلان هو التحقیق.

ثمّ هل یجری نزاع الکشف والنقل فی الإجازة بالنسبة إلی رفع هذا المانع من صحة العقد من فکّ الرهن أو رفع الحجر أم لا؟ مع وضوح عدم جریانه فی بیع اُمّ الولد قبل موت ولدها.

قولان:

ذهب المحقّق الثانی(4) مع توغّله فی الکشف بعدم جَرَیانِه فی المقام والتزم بالنقل هنا فقط ویری السیّد الیزدی: «الإنصاف أنّ الحکم بالکشف مشکل».(5)

ولکن ذهب المحقّق النائینی(6) إلی جَرَیان نزاع الکشف والنقل فی المقام أیضا

ص:26


1- 6 . الجواهر 25/284 و 285 طبع الإسلامیة.
2- 7 . المکاسب 3/434.
3- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/222.
4- 2 . جامع المقاصد 5/75 و 76.
5- 3 . حاشیته علی المکاسب 2/221.
6- 4 . راجع منیة الطالب 2/109، المکاسب والبیع 2/159.

کما فی الإجازة. وإن کان عنده(1) إشکال بالنسبة إلی فک الرهن.

ویمکن الاستدلال للمحقّق الثانی بأنّ نزاع الکشف والنقل إنّما یجری فیما إذا کان العقد تامّا من جمیع الجهات وکان متوقّفا علی الاستناد إلی المالک فقط فعند حصول الاستناد إلیه بالإجازة یأتی النزاع، وأمّا إذا کانت صحة العقد متوقّفة علی أمر آخر مضافا إلی توقّفها علی الإجازة ففی مثله لا یمکن الالتزام بأنّ الإجازة کاشفة عن الملکیة من حال العقد مع أنّها تتوقّف علی أمر آخر حسب الفرض.(2)

ویمکن الاستدلال للمحقّق النائینی: بإمکان حفظ الرهن وصحة البیع فیمکن

الحکم بالکشف أیضا کما فی بیع العین المرهونة مع الإعلام بوصف المرهونیة وإجازة المرتهن وکبیع العین المستأجرة. مضافا إلی أنّ التنافی بین حفظ الرهن وصحة البیع _ علی فرض وجوده - إنّما یأتی بناءً علی الکشف الحقیقی فقط دون أقسام الکشف الحکمی. وکذلک القول فی الحجر وتعلّق حق الغرماء بالمال.(3)

والظاهر جریان نزاع الکشف والنقل بالنسبة إلی رَفْعِ هذَیْنِ الْمانِعَیْنِ من فکّ الرهن ورفع الحجر کما علیه المحقّق الخمینی(4) قدس سره والحمد للّه.

ص: 27


1- 5 . راجع تعلیقته علی منیة الطالب 2/109. قال فیها: «ویمکن أن یقال: إذا کان حقّ المرتهن مانعا عن تأثیر عقد الراهن، فحکم الإسقاط ونحوه حکم القبض فی باب الصرف والسَّلَم، فإنّ عدم المانع من أجزاء العلّة. فملکیّة المشتری کما تتوقّف علی القبض فی الصرف والسلم فکذلک تتوقّف ملکیّة مشتری العین المرهونة علی خروج العین عن کونها للدین، وخروجها عنها یتحقّق فی الإسقاط أو الفکّ لا زمان العقد، فلا یجری فیه نزاع الکشف والنقل، بل لا محیص عن الالتزام بالنقل».
2- 6 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/11 و 12.
3- 1 . راجع هدی الطالب 5/240.
4- 2 . کتاب البیع 2/332.

المسألة الثانیة: لو باع شیئا ثمّ ملکه

اشارة

وهی ما لو کان عدم جواز التصرف لأجل عدم المقتضی _ وهو عدم الملکیّة للعاقد _ ولکن حصلت الملکیة بعد للعاقد الفضولی أو لغیره غیر المالک الأوّل.

وعنوان المسألة فی کلمات القوم یختص بما إذا کان المالک الجدید هو البائع الفضولی حیث عنونه بما جعلتُه عنوانا.

ولکنَّ صُوَرَ المسألة بلغت إلی سِتّ عَشْرَةَ صُوْرَةً(1) لأنّ الفضولی الذی یکون غیر المالک أمّا أن یبیع لنفسه أو للمالک، وانتقال الملک إلی المالک الجدید إمّا اختیارا أو قهرا، وإمّا أن یجیز المالک الجدید البیع أم لا، فبلغ إلی هنا إلی ثَمانِیْ صُوَرٍ وهذا کلّه إذا کان المالک الجدید هو البائع الفضولی وأمّا إذا کان غیره فَتَبْلُغُ الصُّوَرُ إلی سِتّ عَشْرَةَ صُوْرَةً.

هذا إذا جعلنا عنوان المسألة عاما کما جعله الشیخ الأعظم(2) قدس سره ولکن إذا جعلنا عنوانها خاصا کما فی کلمات القوم _ وکما جعلتها تبعا لهم _ فیخرج الثمانیة الثانیة لأنّهم قالوا: «لو باع الفضولی شیئا ثمّ ملکه»، وهذا العنوان لا یشمل صور الملکیة الجدیدة لغیر البائع الفضولی.

والمهم فی هذه الصور الثَّمانی الأُولی صورتان:

الاُولی: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یَشتَریه من مالکه وَیُجیز البیع.

ص:28


1- 1 . کما فی هدایة الطالب 3/134.
2- 2 . المکاسب 3/435 حیث یقول: «... فیجیز المالک الجدید سواء کان هو البائع أو غیره».

الثانیة: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یَشْتَریه من مالکه ولا یُجِیْزهُ.

وحکم بقیة الصور یظهر من حکم هاتین بالتأمل، فیقع الکلام فیهما، بل یظهر حکم الصورة الثانیة من الصورة الأُولی کما هو الواضح ولذا بحث الشیخ الأعظم(1) عن

هذه الصورة الاولی مفصلاً وعن الصورة الثانیة مختصرا.

الصورة الأولی:
ویقع الکلام فی ضِمْنِ جِهات:
الجهة الاُولی: کلمات الفقهاء حول المسألة
اشارة

قال الشیخ فی ما إذا باع أو رهن مالک النصاب قبل إخراج زکاته: «إذا وجبت الزکاة فی ماله فرهن المال قبل إخراج الزکاة منه لم یصحّ الرهن فی قدر الزکاة ویصح فیما عداه. وکذلک الحکم لو باعه صحّ فیما عدا مال المساکین ولا یصح فیما لهم، ثمّ یُنظر فإن کان للراهن(2) مال غیره وأخرج حقّ المساکین منه سلم الرهن جمیعه وکذلک البیع»(3).

وقال: «وإن کانت الهبة فاسدة فباع قبل القبض صحّ البیع، وإن باع بعد القبض فإن کان یعلم أنّها فاسدة، وأنّه لا یملک بها صحّ البیع، وإن کان یعتقد أنّها صحیحة وأنّ الموهوب له قد ملکها فهل یصحّ البیع؟ قیل: فیه وجهان: أحدهما: یصحّ لأنّه صادف ملکه وهو الصحیح.

الثانی: لا یصحّ لأنّه لا یبیع ویعتقد أنّه متلاعب بذلک.

کما نقول فی الرجل یبیع ماله مورِّثه وعنده أنّه ما مات، ثمّ یتّفق أن یکون قد مات قبل البیع، قیل: فیه قولان...»(4).

أقول: ظاهر الشیخ فی الزکاة والهبة صحة بیع مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه من دون حاجة إن الإجازة المستانفة، فی الزکاة کان الصحة ظاهرةً وفی الهبة شبّه بیع مال المورِّث

ص:29


1- 3 . المکاسب 3/453.
2- 1 . فی المطبوعة «الرهن» صححناه بالسیاق.
3- 2 . المبسوط 1/208.
4- 3 . المبسوط 3/304.

بظن حیاته بالهبة الفاسدة و بیع العین الموهوبة مع اعتقاد صحة الهبة واختار هو قدس سره صحة البیع، فکذلک یکون مختاره فی بیع مال المورِّث الصحة.

وقال المحقّق: «لو باع النصاب قبل إخراج الزکاة أو رهنه صح فیما عدا الزکاة فإن اغترم حصة الفقراء، قال الشیخ رحمه الله : صح الرهن فی الجمیع وکذا البیع. وفیه إشکال لأنّ العین غیر مملوکة له وإذا أدی العوض ملکها ملکا مستأنفا وافتقر بیعها إلی إجازة مستأنفة کمن باع مال غیره ثمّ اشتراه، و...»(1).

وقال: «... ولو کانت الهبةُ فاسدةً صحّ البیعُ علی الأحوال. وکذا القول فیمن باع مالَ مورِّثه وهو یعتقد بقاءَهُ. وکذا إذا أوصَی برقبة مُعْتَقِهِ وَظَهرَ فسادُ عتقِهِ»(2).

أقول: کلامه الأوّل ظاهر فی الصحة مع الإجازة والثانی فی الصحة مطلقا.

قال العلاّمة فی متاجر القواعد: «ولو باع مال أبیه بظن الحیاة وأنّه فضولی فبان میِّتا _ حینئذ _ وأنّ المبیع ملکه فالوجه الصحة»(3).

وقال فی هبتها: «وإذا باع الواهب بعد الأقباض بطل مع لزوم الهبة، وصحّ لا معه علی رأی، ولو کانت [الهبة] فاسدةً صحّ إجماعا. ولو باع مال مورِّثه معتقدا بقاءه أو أوصی بمن أعتقه وظهر بطلان عتقه فکذلک»(4).

قال السیّد العاملی: «وقد یلوح منه [العلاّمة] هناک [هبة القواعد] أنّها محل إجماع فلیرجع إلیه»(5).

وقال فی نهایة الإحکام: «ولو باع مال أبیه بظن أنّه حیٌّ وهو فضولیٌّ، فبان أنّه کان میّتا حینئذ وأنّ المبیعَ ملکُ للعاقد فالأقوی الصحة لصدوره من الملک... ویحتمل البطلان لأنّه وإن کان العقد منجزا فی الصورة إلاّ أنّه فی المعنی معلَّقٌ، وتقدیره إن مات مورِّثی فقد

ص:30


1- 4 . المعتبر 2/563.
2- 1 . الشرائع 2/181.
3- 2 . قواعد الأحکام 2/19.
4- 3 . قواعد الأحکام 2/409.
5- 4 . مفتاح الکرامة 12/627.

بعتُک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(1).

وقال فی بیع التذکرة: «لو باع بظن الحیاة وأنّه فضولیٌّ فبان موته وأنّه مالک صحّ البیع _ وهو أصحّ قولی الشافعی _ لأنّه بیع صدر من أهله فی محلّه.

وأضعفهما: البطلان لأنّه کالغائب عن مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره.

وله آخر: أنّه موقوف علی تیقّن الحیاة أو الموت»(2).

ونحوه فیها(3) فراجعه.

وقال فخرالمحقّقین فی ذیل عبارة متاجر القواعد: «المراد بالصحة هنا اللزوم، ووجه الصحة إنّه تصرّف من أهله فی محلّه.

ویحتمل وقوفه علی إجازته لأنّه لم یقصد البیع اللازم بل الموقوف علی الإجازة متجددة من الأب أو من یقوم مقامه ولمّا اعتبر القصد فی أصل البیع ففی أحواله أَوْلی.

ویحتمل البطلان لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن الأب لا عنه ولأنّه وإن کان منجزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ والتقدیر إن مات مورّثی فقد بعتک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(4).

وقال الشهید: «وکذا [أی تصحّ] لو باع ملک غیره ثمّ انتقل إلیه فأجاز. ولو أراد لزوم البیع بالانتقال فهو بیع ما لیس عنده وقد نُهی عنه. نعم لو باعه موصوفا فی الذمة یطابق ما عند الغیر ثمّ ملکه ودفعه صحّ وأطلق الحلبی(5) صحة بیع ما لیس عنده ویحمل علی ذلک»(6).

وقال فی القواعد والفوائد: «... ویحتمل البطلان، لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن

ص:31


1- 5 . نهایة الإحکام 2/476 و 477.
2- 6 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 7 . تذکرة الفقهاء 10/220.
4- 1 . إیضاح الفوائد 1/420.
5- 2 . الکافی فی الفقه /359.
6- 3 . الدروس 3/193.

الأب لا عنه، ولأنّه وإن کان منجّزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ والتقدیر: إن مات مورّثی فقد بعتک، ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(1).

وقال الفاضل المقداد: «... وکذا نقول [بالصحة] فیمن باع ملک غیره ثمّ انتقال إلیه فأجاز»(2).

وقال المحقّق الثانی فی ذیل عبارة متاجر القواعد: «قوله: (وأنّه فضولی) مستغنی عنه. قلنا: بل أراد به الإشعار بمنشأ الوجه الضعیف أعنی العقود تابعة للقصود.

[و] أراد: الصحة من غیر توقف علی شی ء آخر، أعنی: اللزوم وینبغی أن یکون ذلک موقوفا علی إجازته وهو الأصح، لأنّه لم یقصد إلی البیع الناقل للملک الآن، بل مع إجازة المالک، إلاّ أن یقال: قصده إلی أصل البیع کاف. ومثله: ما لو باعه فضولیا ثمّ تبیّن شراء وکیله إیّاه»(3).

وقال فی تعلیقه علی الإرشاد: «ولو باع مُوَرّثه لظن حیاته فبان میّتا وأنّه مِلکُه، أو باع مال غیره ثمّ اشتراه فهل یصح البیع بمعنی عدم اشتراط الإجازة فیه أم لا؟

وجهان، وعدم الاشتراط فی الثانی أبعد، بل البطلان متّجه إذا قلنا بأنّ الإجازة کاشفة، لأنّ انتقال الملک إلی المشتری الأوّل إذا کان من وقت العقد استلزم بطلان البیع الثانی، فینتفی الملک، وصحة البیع الأوّل فرع له»(4).

وقال ثانی الشهیدین فی ذیل قول المحقّق: «(وکذا القول فیمن باع مال مورّثه وهو یعتقد بقاءه)، بمعنی أنّه یحکم بصحّة البیع علی تقدیر ظهور موت المورّث حال البیع، وأنّ البائع باع ما هو ملکه لحصول الشرط المعتبر فی اللزوم وهو صدور البیع عن مالکٍ لأمره.

ویشکل بما مرّ من عدم قصده إلی البیع اللازم، بل إنّما قصد بیع مال غیره وأقدم علی عقد الفضولیّ، فینبغی أن یعتبر رضاه به بعد ظهور الحال، خصوصا مع ادّعائه عدم

ص:32


1- 4 . القواعد والفوائد 2/238، قاعدة 238.
2- 5 . التنقیح الرائع 2/26.
3- 6 . جامع المقاصد 4/76.
4- 1 . حاشیة الإرشاد /337 المطبوعة فی ضِمْنِ المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.

القصد إلی ا لبیع علی تقدیر کونه ملکه. ولعلّ هذا أقوی لدلالة القرائن علیه، فلا أقلّ من جعله احتمالاً مساویا للقصد إلی البَیْعِ مطلقا فلا یبقی وثوق بالقصد المعتبر فی لزوم البیع.

إلاّ أن یقال: إنّ المعتبر هو القصد إلی البیع مطلقاً، ویمنع اعتبار القصد إلی بیعٍ لازم بدلیل صحّة عقد الفضولیّ مع عدم القصد إلی بیعٍ لازم، وتوقّفه علی إجازة المالک أمر آخر، لانّ رضا المالک شرط فی لزوم العقد لا فی صحّته فی نفسه، والأمر هنا وقع من المالک، فاجتمع القصد إلی البیع والشرط وهو بیع المالک فلا یفتقر إلی إجازة أخری. وإلی مثل هذا نظر المصنف وجزم بصحّة البیع. مثله ما لو باع مال غیره فظهر شراء وکیله له قبل البیع.

واعلم أنّ الشهید فی الدروس لمّا نقل عن الشیخ(1) تساوی مسألتی فساد الهبة وبیع مال مورّثه فی الحکم بصحّة البیع وإن جهل الحال قال: «وقد یفرّق بینهما بالقصد إلی صیغة صحیحة فی مال المورّث، بخلاف الموهوب»(2) ولایخفی علیک فساد هذا الفرق، فإنّ القصد إلی الصیغة الصحیحة بالمعنی المقابل للباطل حاصل فی المسألتین وبمعنی اللزوم منتفٍ فیهما، فلا فرق بینهما أصلاً کما لا یخفی»(3).

وقال الصیمری: «الثالث: لو باع مال غیره ثمَّ ملکه قبل فسخ المالک وإجازته، افتقر إلی الإجازة من البائع، لأنّه باع وهو غیر مالک ولابدّ من إجازة المالک وقد صار مالکا فلابدّ من إجازته...»(4).

فذلکة القول فی محتملات المسألة وأقوالها

وهنَّ ثلاثة:

الأوّل: الصحة من دون توقّفها علی إجازة البائع بعد تجدد الملک له: وهو الظاهر من کلام شیخ الطائفة فی بیع مال الزکویء قبل إخراج الزکاة منه إذا غرم حصة

ص:33


1- 2 . المبسوط 3/304.
2- 3 . الدروس 2/289.
3- 4 . المسالک 6/51.
4- 1 . غایة المرام 2/15.

الفقراء بعد البیع، وفی بیع الهبة الفاسدة مع اعتقاد البائع الصحة کما مرّ.

وهو مختار المحقّق فی الشرائع والعلاّمة فی متاجر القواعد وهبتها وبیع التذکرة ویراه الأقوی فی النهایة، وهو مختار الجدّ الشیخ جعفر.(1)

الثانی: صحتها مع توقّفها علی الإجازة: وهو الظاهر من معتبر المحقّق والشهید فی الدروس والفاضل المقداد فی التنقیح ونقله الشهید عن ابن المتوّج(2) وهو مختار المحقّق الثانی فی جامع المقاصد، والشهید الثانی فی المسالک والصیمری فی غایة المرام وعلیه صاحب الجواهر(3) والشیخ الأعظم(4).

الثالث: البطلان: وهو أضعف قولی(5) الشافعی.

وهو مختار الشیخ أسداللّه التستری(6) والمحقّق النائینی(7) کما یأتی منه فی ما بعد فی غیر الانتقال القهری وفیه قال بالصحة(8).

الجهة الثانیة: إشکالات التستری علی القول بالصحة
اشارة

ثمّ تعرض الشیخ الأعظم(9) للإشکالات السبعة _ التی ذکرها الشیخ أسداللّه التستری فی مقابس الأنوار(10)_ علی القول صحة، وقد مرّ بعضها من العلاّمة وولده

والمحقّق الکرکی فیما نقلتُ عنهم فی الجهة الاُولی.

ص:34


1- 2 . شرح القواعد 2/98.
2- 3 . کما حکاه السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 12/628.
3- 4 . الجواهر 23/482 (22/300)، ولکنّه فی المسألة التی ذکرها الشیخ الطوسی فی کتاب الزکاة یظهر منه القول بالبطلان، راجع الجواهر 15/245 (15/142).
4- 5 . المکاسب 3/437 و 462.
5- 6 . أی مذهبه القدیم والجدید.
6- 7 . مقابس الأنوار /134.
7- 8 . المکاسب والبیع 2/167 و 175.
8- 9 . منیة الطالب 2/118.
9- 10 . المکاسب 3/437.
10- 11 . مقابس الأنوار /134 و 135.
الاشکال الأوّل

(1):

لو باع مال الغیر لنفسه کان باطلاً بوجوه خمسة قد مرّ فی المسألة الثالثة من بیع الفضولی، تحت عنوان «أدلة بطلان بیع الفضولی لنفسه ومناقشتها»(2).

ولکن بعض هذه الوجوه لا یجری هنا وَهُما الوجهان اللذان یختصان بالغاصب _ أی الوجه الثانی(3): اعتبار عدم سبق منع المالک، والوجه الثالث(4): فقدان قصد المعاوضة الحقیقیة _ لأنّ البائع هنا لیس غاصبا بل یکون مالکا.

وفیه: قد مَرَّتْ هذه الأدلة ومناقشتها مفصلاً فلا نعیدها فراجع ما حررتُه هناک.(5)

الاشکال الثانی

(6):

یعتبر فی صحة البیع أُمور ثلاثة: 1_ الملک، 2_ رضا المالک، 3_ القدرة علی التسلیم. وفی بیع الفضولی یتحقق جمیع هذه الاُمور من جانب المالک. ولکن فی مسألتنا _ من باع شیئا ثمّ ملکه _ المالک خرج عن قابلیة الإجازة بالموت أو بالبیع للعاقد فلا یتحقق هذه الاُمور الثالثة، والمالک الجدید لا یکون مالکا حین العقد، والمالک حال العقد لا یعتبر رضاه.

وقد أجاب عنه الشیخ الإعظم(7) بجوابین:

الأوّل: بالنسبة إلی عدم رضایة من یعتبر رضاه، ذهب إلی أنّ المعتبر من الرضا إنّما هو رضا المالک حال الإجازة، لا رضا المالک حال العقد، لأنّ دلیل اعتبار الرضا فی

ص:35


1- 1 . مقابس الأنوار /134.
2- 2 . راجع الآراء الفقهیة 5/324.
3- 3 . راجع الآراء الفقهیة 5/325.
4- 4 . راجع الآراء الفقهیة 5/325.
5- 5 . راجع الآراء الفقهیة 5/324.
6- 6 . مقابس الأنوار /134.
7- 7 . المکاسب 3/437.

المعاملات هو آیة التجارة(1) وقوله علیه السلام : لا یحلّ مال امری ء مسلم إلاّ بطیب نفسه.(2) ومدلولهما اعتبار رضا المالک حین الإجازة لا حین العقد.

الثانی: بالنسبة إلی القدرة علی التسلیم، ذهب إلی أنّ القدرة علی التسلیم معتبرة فی حق المالک حین العقد ولا یفید حال الإجازة إلاّ أنّه کلام آخر لا ربط له بالمقام. لأنّ الکلام فی صحة البیع الصادر عن الفضولی فیما إذا ملکه وأجاز، وبطلانه من أجل عدم القدرة علی التسلیم أمر آخر غیر ما نحن بِصَدَدِهِ.

أقول: بل یمکن أن یجاب عن الثانی بأنّ المعتبر هو القدرة علی التسلیم حال الإجازة بل القدرة علی التسلیم فی موعد التسلیم لا القدرة علیه حال العقد، والقدرة علیه حین الإجازة بل فی موعد التسلیم، وهی موجودة فی هذا العقد.

الإشکال الثالث
اشارة

(3):

الإجازة کاشفة علی الأصح عندنا وعند الشیخ التستری عن الملکیة حال العقد، وإذا فرضنا صحة البیع فی مسألتنا فَلازِمُهُ أن یکون المال ملکا للمشتری من حین العقد مع أنّ المفروض عدم دخوله فی ملک المالک المجیز حین العقد حتّی یدخل منه إلی ملک المشتری، والخروج من الملْکِ فرع للدخول فیه، وما لم یدخل فی ملکه کیف یعقل خروجه عنه، وهذا یکشف عن بطلان المعاملة.

جواب الشیخ الأعظم

جواب الشیخ الأعظم(4): الإجازة علی القول بالکشف توجب انتقال المال إلی المشتری من حین العقد إذا لم یکن هُناکَ محذورٌ فی البین، وأمّا إذا وُجد مَحْذُوْرٌ _ کما ورد فی الإشکال _ فالمتّبع هو دلیل الاعتبار فیحکم بکاشفیة الاجازة من زمن یمکن الانتقال من المالک المجیز إلی المشتری وهو أوّل زمان انتقال المالکیة إلی المالک الثانی الذی أجاز البیع، فیدخل المبیع آنا ما فی ملکه ومنه ینقل إلی المشتری ویرتفع الْمَحْذُوْر.

ص:36


1- 8 . سورة النساء /29.
2- 9 . وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
3- 1 . مقابس الأنوار /134.
4- 2 . المکاسب 3/438.

مضافا إلی أنّ مقتضی الصحة موجود فی مسألتا _ وهو العمومات والإطلاقات الواردة فی صحة البیع _ ولا مانع عن الصحة إلاّ إجازة المالک الجدید وإذا حصلت تلک الإجازة فَهِیَ تَکْشِفُ عن ثبوت الملکیة من أوّل أزمنة إمکان قابلیة الملک إلی المشتری له من دون ترتّب محال عقلیّ أو شرعیّ فی المقام.

ثمّ ذکر(1) أنّ مسألتنا لا تُقاسُ بما إذا خصص المالک المجیز الإجازة بزمن متأخر عن العقد مثلاً بأنّ أجازه مِن حین الإجازة فیحکم بالبطلان لأنّ العقد قابل لِتَرْتِیْبِ الأثر

من حینه فلا وجه لتقیید توسط المالک فیکون باطلاً من رأسه.

وأمّا فی مسألتنا فلیس العقد قابلاً لترتّب الملکیة علیه من حینه، فیترتّب علیه من أوّل أزمنة إمکانه وهو کما مرّ انتقال الملک إلی المالک الجدید. انتهی جواب الشیخ الأعظم بتقریب منّا.

ولکن المحقّق النائینی(2) استدلّ للبطلان بمنع اقتضاء البیع للصحة فی المقام لما مرّ من أنّ بیع الأصیل ماله من البائع الفضولی یقتضی بطلان بیع الفضولی لأنّ الردّ کما یتحقّق بالقول یتحقّق بالفعل أیضا.

ولکن یرد علیه أوّلاً: قد مرّ فی تنبیهات الإجازة(3) أنَّ الردّ لا یقتضی بطلان البیع الفضولی فراجع ما حررتُه هناک.

وثانیا: أنّ الدلیل أخص من المدعی لأنّ ما ذکره إنّما یجری فیما إذا ملک البائع ما باعه بالشراء کما مثّل له ولکن لا یجری فیما إذا ملکه بالإرث، والوجه فی ذلک أنّ انتقال الملک بالإرث لا یعدّ ردّا من المورِّث للعقد الصادر عن الوارث.

وثالثا: وعلی فرض أنّ الردّ یقتضی بطلان البیع الفضولی إنّما یقتضی ذلک إذا ردّ المالک العقد الواقع علی ملکه، وأمّا العقد الواقع علی ملک غیره فلیس للمالک ردّه، وفی مسألتنا العقد یَقَعَ فی ملک المالک الجدید فعلاً _ بعد الشراء أو الإرث _ فلیس للمالک

ص:37


1- 3 . المکاسب 3/439.
2- 1 . منیة الطالب 2/117.
3- 2 . راجع الآراء الفقهیة 5/505.

السابق ردّه، وللمالک الجدید إجازته أو ردّه علی القول بِلُزُوْمِ الصحة الإجازة المُسْتَأنفة منه.

ثمّ لا یُدری ما الفرق بین الإرث والبیع فی انتقال المال إلی الْمالِکِ الجدید؟! حیث ذهب المحقّق النائینی(1) إلی أنّ إجازة الوارث تکشف عن الملکیة من حین العقد للمشتری فی حیاة المورّث بِادِّعاءِ قیام الوارث مقام المورِّث فی الأموال فکأنّ العقد صدر من المورِّث بنفسه، ولکن إذا کان الانتقال بالشراء فَتَأْثِیْرُ الإجازة لحصول الملکیّة للمشتری من حین ملکیة المالک الجدید یحتاج إلی دلیل مفقود.

ولا ینقضی تعجبی من المحقّق السیّد الخوئی حیث استشکل علی الشیخ الأعظم بأنّ المقایسة بین ما إذا خصص المالک الإجازة بزمان متأخر عن العقد ومسألتنا

تامةٌ _ خلافا للشیخ الأعظم ومرّ منه بأنّ المقایسة بینهما باطلةٌ _ وقال: «الوجه فیه [أی فی البطلان هناک] لیس إلاّ أنّ المُنْشَأَ بالعقد إنّما هی الملکیّة المطلقة من حین العقد، فإذا تعلَّقت الإجازة بالملکیّة المتأخرة عنه لم تتعلَّق الإجازة بما وقع، فما وقع لَمْ یجز وما اجیز لم یقع، وفی المقام [مسألتنا] أیضا یجری هذا الوجه، لأنّه إذا سُئل المشتری من أیّ زمان اشتریتَ؟ أجاب بأنّی اشتریتُ من حین العقد، والمفروض عدم تعلّق الإجازة بالملکیة من حین الشراء ولو کان ذلک لمانع شرعی فلو قلنا بالبطلان هناک لابدّ من القول به فی المقام أیضا»(2).

وجه التعجب: تخصیص الانتقال بزمن ما بعد العقد فی ما إذا کان الانتقال من حین العقد ممکنا _ شرعا وعقلاً _ یضرّ بالبیع ویصیره باطلاً، وأمّا إذا کان الانتقال من حین العقد فلا یکون ممکنا _ شرعا أو عقلاً _ ولا یضرّ بصحة العقد الذی مدلوله الانتقال من حینه لأنّ المال غیر قابل للانتقال شرعا إلاّ أوّل أزمنة تملک المالک المجیز، فتکون عموم الإجازة بالنسبة إلی ما قبل ذلک الزمن ملغاةً، وکان ذلک نظیر الإجازة فی ما إذا کان

ص:38


1- 3 . راجع منیة الطالب 2/118.
2- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/432.

القبض فیه شرطا للانتقال کما علیه شیخنا الاستاذ(1) قدس سره .

الإشکال الرابع

(2):

القول بصحة مسألتنا _ من باع شیئا ثمّ ملکه _ یستلزم اجتماع المالکین علی ملک واحد، واستحالة ملکیّة المشتری للعین المشتراة.

وأمّا الأوّل: فعلی القول بالکشف، الإجازة تکشف عن ملکیة المشتری للعین من حین العقد، والمفروض أنّ المال فی ذلک الوقت یکون للمالک الأوّل ولذا صحّ انتقاله منه إلی المالک الثانی المجیز بالانتقال الاختیاری أو القهری، ثمّ بعد حصول الانتقال إلی المالک الثانی المجیز صحّت إجازته للعقد لأنّه صار مالکا للعین.

ولو لم تکن العین للمالک الأوّل لم یصح شراء الثانی المجیز منه _ أو انتقالها إلیه _ فلم تصح اجازته للعقد، ولازم ذلک أن تکون العین من حین العقد إلی حین الإنتقال للمالک المجیز مملوکة للمالکین _ المالک الأوّل والمشتری _ .

وأمّا الثانی: فإنّ ملک المشتری للعین من حین العقد یستلزم عدم کون المالک

الأوّل مالکا لها من حین العقد لاستحالة کونها ملکا للإثنین بالاستقلال، وإذا لم تکن ملکا له _ أی للمالک الأوّل _ فلا یصح انتقالها إلی المالک الثانی المجیز وبالتالی لم تصح إجازة المالک المجیز للعقد السابق فلا تَتُمُّ ملکیّة المشتری للعین حال العقد، فیلزم من ملکیة المشتری من حین العقد عدم ملکیّته، وما یلزم من وجوده عدمه محالٌ، فملکیّة المشتری للعین مُسْتَحِیْلَةٌ والعقد باطل.

جوابه: لا یَرِدُ الإیرادانِ علی القول بالصحة حتّی علی القول بالکشف فی الإجازة لما مرّ آنفا فی الجواب عن الإشکال الثالث بأنّ العین تنتقل إلی المشتری من أوّل أزمنة إمکان انتقالها من المالک الثانی المجیز إلیه، وهو أوّل زمان دخلت العین فی ملکه _ أی المجیز _ بالشراء أو الإرث، فحینئذ قبل انتقال العین إلی المجیز کانت فی ملکیّة المالک

ص:39


1- 2 . راجع إرشاد الطالب 4/28.
2- 3 . راجع مقابس الأنوار /134.

الأوّل بلا تزاحم، فلا یلزم اجتماع المالکین علی ملک واحد، ولا یلزم من وجوده عدمه.

الإشکال العام للمحقّق التستری
اشارة

ثمّ ذکر التستری(1) إشکالاً عامّا علی جمیع المعاملات الفضولیة بناءً علی الکشف من حین العقد أو من قابلیة المحلّ کما فی مسألتنا _ تحت عنوان إن قلت _ وهو أنّ الإجازة تکشف عن ملکیة المشتری للعین من حین العقد أو من حین قابلیة المورد، ولازم ذلک أن لاتکون العین ملکا للمجیز حال الإجازة ومعه کیف تؤثّر فی تملّک المشتری من حین العقد أو مِن حین قابلیة المورد، ولازم صحّة إجازته أن تکون العین ملکا للمجیز والمشتری _ معا _ فی حال إجازة المجیز.

جوابه:
اشارة

وأجاب التستری نفسه عن الإشکال _ تحت عنوان قلنا(2)_ بأنّ ملکیة الصوریة الظاهریة الحاصلة بالاستصحاب للمجیز کافیة فی صحّة الإجازة وإن لم یکن مالکا واقعیّا لأنّ الإجازة رفع للید وإسقاط للحقِّ وفیه یکفی الملک الصوری الظاهری، بخلاف العقد الثانی _ شراء المجیز العین من المالک الأوّل _ لأنّه یحتاج إلی الملک الواقعی لأنّه عقدٌ وصحة العقد تتوقّف علی الملک واقعا.

ولکن الشیخ الأعظم أورد علی جوابه بإیرادات أربعة:

الأوّل: الملک الصوری الاستصحابی لا یکفی فی الإجازة لأنّ الفضولی لو باع مال أحدٍ وقبل إجازة المالک باعه وکیل المالک من شخص آخر ولم یعلم به المالک ثمّ أجاز

المالک البیع الفضولی باستصحاب ملکه، وبعد ذلک ظهر أنّه لم یکن مالکا للمال حال الإجازة لأنّ الوکیل باعه من شخص آخر، فلا یمکن الالتزام بصحة الإجازة حینئذ مع أنّ الملک الصوری متحقّق فی المثال. ومنه یظهر أنّ الإجازة متوقّفة علی الملک الواقعی ولا یکفی فیها الملک الاستصحابی.

الثانی: الفرق بین الإجازة والعقد الثانی غیر موجود لأنّ الإجازة لیست رفعا للید

ص:40


1- 1 . مقابس الأنوار /134.
2- 2 . مقابس الأنوار /134.

واسقاطا للحقِّ، بل هی ممّا یُصَحِّحُ الاستناد وکأنّه باع ماله حین الإجازة ومن الواضح أنّ البیع یتوقّف علی الملک الواقعی ولا یکفی فیه الملکیة الاستصحابیة لأنّه من الشرائط الواقعیة لا العلمیة حتّی یقال فیه بکفایة الاستصحاب فیه.

الثالث: سلّمنا أنّ الإجازة هی إسقاط للحقّ ورفع للید فقط مع ذلک لا یکفی فیها الملکیّة الاستصحابیة الظاهریة لعدم معقولیة إسقاط الحقّ مع انتفاء الحقّ قبل ذلک الاسقاط کما فی مسألتنا بناءً علی الکشف لأنّ الإجازة تکشف عن ملکیّة المشتری من حین العقد فالمجیز لم یکن مالکا حین الإجازة.

الرابع: إشکال التستری علی المعاملات الفضولیة إنّما یبتنی علی الکشف الحقیقی وأمّا بناءً علی الکشف الحکمی فلا یجتمع المالکان علی ملک واحد. لأنّ المشتری إنّما ینزّل منزلة المالک فی ترتب الآثار فقط، لا أنّه یکشف عن الملک الحقیقی لیترتب الاشکال. ولأنّ المشتری مالک تنزیلیٌّ أو مجازیٌّ أو ادعائیٌّ، أمّا المالک الواقعی والحقیقی فَهُوَ المجیز فیرتفع اشکاله من الإساس. مضافا إلی تعدد زمان الاعتبارین کما مرّ فی بحوث الکشف.

أجوبة الإعلام عَنِ الإشکال العام
2_ إجابة المحقّق النائینی عن إشکال اجتماع المالکین علی ملک واحد فی مسألتنا
اشارة

ذهب قدس سره إلی أنّ المستحیل هو اجتماع المالکین العرضیین وأمّا اجتماع المالکین الطولیین فلا استحالة فیه قال: «وأدلّ الدلیل علی إمکانه وقوعه کما فی ملک العبد الذی یملکه المولی، وإنّما الممتنع اجتماع مالکین عرضیین ففی المقام حیث إنَّ ملک المجاز له مترتّب علی ملک المجیز وقوامه به فاجتماعهما لا یضرّ»(1).

واعترض علیه المحقّق السیّد الخوئی(2) رحمه الله بأنّ لم یجد مالکان طولیان فی المقام وقال: إذ لا طولیة لملکیّة المشتری والمالک المجیز _ لأنّ المالک لا یملک المشتری لیملک ما ملکه بتبعه لیکون ملک أحدهما فی طول ملک الآخر _ ولیس فی المقام إلاّ کون مالکیة المشتری معلولة لمالکیة المجیز وهما مالکان مستقلان عرضیان فما ذکره من الإجابة غیر تام.

1_ إجابة السیّد الیزدی

قال: «الصواب فی الجواب عنه أن یقال: أنّه یکفی فی صحة الإجازة الملکیّة التقدیریة، بمعنی کون المال له لو لا هذه الإجازة، فإنّ المفروض أنّه یخرج عن ملکه بسبب هذه الإجازة، وهذا المقدار یکفی فی صحتها ولا نسلم توقفها علی الملکیة الفعلیة حینها. ومثل هذا الجواب لا یجری فیما نحن فیه [مسألتنا] فإنّ صحة العقد الثانی لا یکفی فیها الملکیة التقدیریة بل لابدّ من الفعلیة ولو لا تعبیره بالاستصحاب أمکن حمل کلامه علی ما ذکرنا، بأنّ یکون مراده من الملکیة الظاهریة والصوریة ما ذکرنا من التقدیریة، ولکن مع هذا التعبیر لا مفرّ من ورود ایراد المصنف [الشیخ الأعظم] علیه»(3).

ص:41


1- 4 . منیة الطالب 2/119.
2- 5 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/434، التنقیح فی شرح المکاسب 2/26.
3- 1 . حاشیته علی المکاسب 2/230.

مراده: من الملکیة التقدیریة هی الملکیة اللولائیة: أعنی لو لا الإجازة کان المال ملکا له کما صرح بها فی أوّل کلامه، وهذه «نظیر الصحة اللولائیة فی باب النذر، کما إذا نذر ترک الصلاة فی الحمام، فإنّ الناذر لا یقدر علی الصلاة الصحیحة إلاّ بإرادة الصحة لو لا النذر»(1).

وتبعه تلمیذه المحقّق الشهیدی(2).

ولکن یرد علیه: أنّ المستفاد(3) من ظاهر الأدلة فی باب المعاملات وصحتها الملکیة الفعلیة لا الملکیة التقدیریة.

3_ جواب المحقّق الایروانی

قال فی توضیح جواب المحقّق التستری فی کفایة الملکیة الصوریة الظاهریة:

ص:42


1- 1 . کما فی هدی الطالب 5/273.
2- 2 . هدایة الطالب 3/139.
3- 3 . کما صرّح به الفقیه الشریعتمداری فی تحقیقٌ وتقریراتٌ فی باب البیع والخیارات 3/62.

«مراده من الملک ظاهرا کونه محکوما بأنّه ملک للمجیز وإن لزم من صحة الإجازة، عدم کشفها کونه ملکا له فی زمان الإجازة ونظیرها فی ذلک الإقرار علی ما فی الید بأنّه للغیر فإنّه یکفی فی نفوذ الإقرار کون ذلک له بمقتضی یده لو لا إقراره وإن لزم من نفوذ إقراره

عدم کونه له.

بل یمکن أن یقال: یکفی فی صحة الإجازة ونفوذها ملک المجیز حال العقد، فإنّ الإجازة تجعل العقد الصادر من الفضولی فی قوّة الصادر من المالک فی ذلک الزمان، والعقد الصادر من المالک فی ذلک الزمان یؤثر فی ذلک الزمان.

وخلاصة بیانه هو: أنّه لایستفاد من أدلة اعتبار طیب نفس المالک فی حِلّ ماله إلاّ عدم ارتفاع ملک أحد إلاّ بطیب نفسه، أمّا کون ذلک الارتفاع بعد طیب النفس لیلزم أن یکون فی رتبة سابقة علی طیب النفس مالکا فلا، فیمکن أن یکون المال بطیب نفس متأخر منتقلاً عنه فی زمان سابق وهو زمان تعلّق رضا المالک بتحقق الانتقال فیه کما هو مبنی القول بالکشف فیکون النقل حالیّا والمنتقل أمرا سابقا کما فی عکسه من النقل الحالی والمنتقل الاستقبالی»(1).

ویرد علیه: أوّلاً: قیاسُهُ بباب الاقرار لا یتم لأنّ الملکین فی باب الإقرار إمّا فظاهریان أو أحدهما ظاهریٌّ والآخر واقعیّ وإمکان اجتماعهما واضح ولکن فی الفضولی یکونان واقِعِیَّیْنِ ولا یمکن اجتماعهما.

وثانیا: الظاهر من قوله علیه السلام : «لا بیع إلاّ فی ملک» هو وقوع البیع فی الملکیة الفعلیة لا الملکیة السابقة، فلابدّ من صدور الإجازة فی الملک الفعلی لمالک العین.

4_ إجابة المحقّق الأصفهانی

قال: «ویندفع الاشکال العام: بأنّ اتصال ملک المجیز بزمان الإجازة بما هی إجازة غیر لازم، بل اللازم اتصال الملک بزمان التصرف الناقل لیکون النقل عن ملکه، فللمالک نقل ملکه مباشرةً وتسبیبا واجازةً، وحیث أنّ زمان العقد علی الکشف زمان التصرف

ص:43


1- 1 . الحاشیة علی المکاسب 2/288.

الناقل لفرض شرطیة المتأخر، فزمان تحقّق العلّة الموجبة للنقل هو زمان العقد، وهو مالک بملکیة متصلة بزمان العلّة الموجبة، والنقل منه فی هذا الزمان نقل لملکه إلی غیره.

وبالجملة: کما أنّ الملکیة الفعلیة المتصلة بحال العقد مباشرة تصحح النقل، کذلک هذه الملکیة تصحح النقل من حین العقد...»(1).

ویرد علیه: لو قلنا بکفایة الملکیة حال العقد وعدم لزوم اتصالها بزمان الاجازة، وعدم اتصال الملکیة بزمن الإجازة حتّی علی نحو الملکیة الظاهریة الصوریة _ کما علیه

الشیخ التستری _ أو الملکیة التقدیریة اللولائیة _ کما علیه السیّد الیزدی _ یلزم من هذا القول صحة الإجازة ولو بعد خروج العین عن ملکیة المالک الأصلی، فحینئذ فلو باع الفضولی ثمّ باع المالک الأصلی ما باعه الفضولی، ثمّ أجاز المالک بعد بیعه مباشرة، لابدّ من القول بصحة هذه الإجازة وصحة بیع الفضولی وبطلان بیع المالک الأصلی ولم یقل به أحد.(2)

5_ إجابة المحقّق السیّد الخوئی:

قال: «والصحیح أن یقال: إنّه بناءً علی الکشف الحقیقی لا مانع الالتزام بکفایة الإجازة عن من یخرج عن المالکیة بنفس الإجازة، أی الإجازة معتبرة عن مَنْ هو المالک لو لا الإجازة، بأن تکون الإجازة فعلاً بیعا للمال السابق. وهذا أمر ممکن فی حدّ نفسه، نعم یحتاج إلی دلیل فی مقام الوقوع، فإنّا ذکرنا سابقا أنّه لا مانع من بیع المالک فعلاً شیئا من أملاکه منذ أُسبوع بأن یکون البیع فعلیّا [من الآن] والملکیة من السابق فیما إذا وافقه دلیل شرعی، فیکون بیع المالک الذی یخرج عن کونه مالکا بنفس البیع صحیحا وممکنا فی حدّ نفسه، فیتملّک المشتری المال من قبل أُسبوع ولا بأس بالالتزام بذلک، نعم لابدّ من تتبّع الأدلة لیُری أنّها توافق هذا الممکن أم لا»(3).

أقول: وأنت تری بأنّه قدس سره جمع بین جوابی السیّد الیزدی والمحقّق الایروانی فی

ص:44


1- 2 . حاشیة المکاسب 2/218.
2- 1 . یظهر هذا الایراد من السیّد الخمینی فی کتاب البیع 2/352.
3- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/26.

صدر کلامه وذیله فیرد علیه ما أوردته علیهما فلا أُعید.

والجواب الصحیح مضافا إلی ما ذکره الشیخ الأعظم(1) من ابتناء الاشکال علی الکشف الحقیقی وأمّا علی الکشف الحکمی فلا یجری الاشکال ولا یجتمع المالکان علی ملک واحد کما مرّ آنفا فی توضیح إشکاله الرابع علی الشیخ التستری، ما مرّ منّا فی الإجابة عن الاشکال الثانی الذی أورده الشیخ الأعظم علی الوجه الثانی من وجوه الاستدلال علی الکشف فراجع ما حررنّاه هناک(2)، والحمد للّه.

الاشکال الخامس
اشارة

(3):

قد عرفت أنّ الإجازة بناءً علی الکشف الحقیقی تنتقل العین بِها من حین العقد إلی المشتری ویصیرُ مالکا لها، فحینئذٍ یکونُ بَیْعُ المالِکِ الأوّل لها من المالک الثّانی المُجیز فُضولیّا؛ لأنَّهُ وقع علی ملک المشتری فتتوقف صحته علی إجازته وعلیه یلزم أن یَتَوَقَّفَ شراء المالک الثانی المجیز علی إجازة المشتری، وصحة شراء الفضولی تتوقف علی إجازة المالک المجیز فکلّ إجازة تتوقف علی إجازة الآخر وکلّ ملک یتوقف علی ملک الآخر وهذا من الأعاجیب لأنّه من الدور الذی یکون محالاً عقلاً.

بل لازم ذلک اجتماع الثمن والمثمن فی ملک المشتری لأنّه إذا اشتراه مثلاً بخمسین دولارا من المالک الثانی الفضولی المجیز وأجازه بعد ملکه تکشف إجازته عن ملک المشتری من حین العقد، وبعد ذلک إذا باعه المالک الأوّل من المالک الفضولی المجیز بنفس السعر، فقد وقع البیع علی ملک المشتری فیرجع الثمن إلیه لأنّه المالک من حین العقد فیملک المشتری بین الثمن والمثمن بعد البیع الثانی وهذا من المحالات الشرعیة.

بل إذا باعه المالک الأوّل من المالک الثانی الفضولی المجیز بأکثر من الخمسین صارت تلک الزیادة فی ملک المشتری.

نعم، لو باعه بأقل ممّا اشتراه به المشتری من المالک الفضولی _ مثلاً بأربعین _ یقع

ص:45


1- 3 . المکاسب 3/422.
2- 4 . الآراء الفقهیة 5/396.
3- 5 . مقابس الأنوار /135.

العین فی مقابل عشرة فی المثال.

وأجاب الشیخ الأعظم

وأجاب الشیخ الأعظم(1) عن هذا الإشکال بأنّه کسابقه مبنی علی الکشف الحقیقی من حین العقد ولکنّ قد مرّ أنّ الصحیح هو الکشف فی أوّل أزمنة إمکانه وهو یختلف باختلاف الموارد، ثمّ ذکر منشاء هذه الإشکالات شی ء واحد وقد نبّه علیه فی الإیضاح(2) وجامع المقاصد(3).

جواب السیّد الیزدی عن الاشکال الخامس
اشارة

قال: «الحاجة إلی إجازة المشتری الأوّل لیست علی کلّ تقدیر، بل علی تقدیر إجازة العقد الأوّل [من جانب المالک المجیز] فیمکن أن یصح العقد الثانی بدون إجازة العقد الأوّل، ومعه فلا حاجة إلی إجازة المشتری الأوّل، لیقال إنّها [إجازة المشتری الأوّل] موقوفة علی إجازة المشتری الثانی، فیتوقف صحد العقد الثانی علی إجازة

المشتری الثانی مع الواسطة...»(4).

جواب الشیخ الأعظم عند المحقّق النائینی

یری النائینی بطلان المعاملة: «لأنّ الإجازة انفاذ للعقد السابق ولیس الکشف والنقل داخلین فی مفهومها، إنّما الکشف والنقل حکم شرعی مترتب علیها... فعلی فرض الکشف إذا کان المنکشف باطلاً لأجل عدم تحقّق شرطه تلغو الإجازة، وأمّا تقطیع الملکیة باعتبار استمرارها من زمان العقد... والحکم بکشف الإجازة عن حصولها فی زمان یمکن حصولها وعدم حصولها فی زمان قبله فهو خارج عن متعلَّق الإجازة لأنّها تعلقت بالعقد الصادر عن المجیز کما لا یخفی...»(5).

وقال: «إنّ الحق فی الإجازة بناءً علی الکشف هو الحکم بالبطلان فیما إذا تعذر

ص:46


1- 1 . المکاسب 3/444.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/419.
3- 3 . جامع المقاصد 4/73 و 74.
4- 1 . حاشیة المکاسب 2/232.
5- 2 . المکاسب والبیع 2/167.

النقل من حین العقد لا الحمل علی ما یمکن کما مرّ توضیحه»(1).

إجابة الفقیه الشریعتمداری عن الشیخ الأعظم

یری السیّد الشریعتمداری جواب الشیخ الأعظم صحیحا فی مقام الثبوت وأمّا فی مقام الإثبات وإقامة الدلیل علیه فلا یخلو من الاشکال.

وذهب إلی: «أنّ المطالب والمسائل هنا [فی المعاملات] عرفیٌّ والإجازة کان لها حکم العقد المستأنف کانت تراضیا مستانفا... فیمکن حینئذ القول بأنّ العرف یلغی الخصوصیات والأصل سلطنة المالک واجازته عقد الفضولی أو عدمها، والمسألة مسألة عرفیة بناءً علی هذا الممشی، [و] إقامة الدلیل علی الصحة فی کلِّ مورد حیث یمکن لا تخلو عن إشکال»(2).

الجواب المختار للإشکال الخامس

العقد الثانی أی الذی وقع بین المالک الأصلی والمالک الثانی المجیز لیس للمشتری مدخلیة فیه، لأنّه وقع قبل صدور الإجازة من المجیز وانتقال الملک إلیه فعلیه المالک الأصلی یبیع ملکه والمالک الثانی المجیز یشتری لنفسه وبماله ولیس للمشتری دخالة فی هذا العقد، نعم بعد هذا البیع انتقل المال إلی المالک الثانی المجیز فینتقل منه إلی

المشتری من دون حاجة إلی الإجازة المستأنفة کما هو المختار أو بعد صدور الإجازة منه، ومنهما _ أی من أوّل أزمنة نقل الملکیة إلی المالک المجیز أو بعد صدور الإجازة منه _ صار المشتری مالکا ولکن مبدأ ملکیته یکون من حین شرائه _ بناءً علی الکشف الحقیقی، ولا إشکال فی التفاوت بین زمانی المالکیة والملکیة بلا فرق بین أنّ مبدأ الملکیّة یکون متقدما علی زمان المالکیة _ کما فی ما نحن _ أو متأخرا عنه کما فی الوصیة التملکیة.

فَنَحْنُ لا نحتاج إلی ما ذکره الشیخ الأعظم من قضیة الانتقال فی ما نحن فیه من

ص:47


1- 3 . المکاسب والبیع 2/175.
2- 4 . تحقیق وتقریرات فی باب البیع والخیارات 3/71.

أوّل أزمنة الإمکان لأنّ الفرق الزمانی بین المالکیة ومبدأ الملکیة موجود.

مضافا إلی امکان قبول مقالة الشیخ الأعظم من دون إشکال علیه لأنّ العمومات والاطلاقات الواردة فی صحة بیع الفضولی تَقْتَضِیْ صحة بیع مسألتنا ولکنَّ هنا مانِعا یمنع مِنْ جَرَیانِ أدلة الصحة وهو عدم مالکیة البائع ففی أیّ آنٍ ارتفع هذا المانع، تجری أدلة الصحة ویحکم بها، فمقالة الشیخ الأعظم رحمه الله تامَّةٌ عندنا، والحمد للّه.

الاشکال السادس:
اشارة

بیع المالک الأصلی فسخ للمعاملة الفضولیة فلا تجدی الإجازة المتأخرة بعد الفسخ، فعقد الفضولی قبل الإجازة کسائر العقود الجائزة بل اُولی منها، فکما أنّ التصرف المنافی مبطل لها کذلک للعقد الفضولی.(1)

وبعبارة اُخری: «أنّ من المعلوم أنّه یکفی فی إجازة المالک وفسخه فعل ما هو من لوازمهما، ولمّا باع المالک ماله من الفضولی بالعقد الثانی فقد نقل المال عن نفسه وتملّک الثمن وهو لایجامع صحة العقد الأوّل، فإنّها تقتضی تملّک المالک للثمن الأوّل، وحیث وقع الثانی یکون فسخا له وإن لم یعلم بوقوعه فلا یجدی الإجازة المتأخرة»(2).

وبعبارة ثالثة: الردّ الفعلی کافٍ فی بطلان العقد الفضولی والمالک ببیعه المال قد ردّ العقد فلا یبقی هناک مورد للإجازة من البائع بعد ذلک»(3).

إجابة الشیخ الأعظم

(4)

فسخ عقد الفضولی هو إنشاء ردّ العقد، والفسخ هنا غیر معلوم لعدم العلم بقصد المالک الأوّل إنشاء الفسخ بالفعل المنافی _ لاسیّما مع جهله بوقوع عقد الفضولی علی ماله _ ومع عدم إحراز الفسخ لا وجه للحکم بردّ عقد الفضولی.

نعم، الفعل المنافی قد یفوِّت محلّ الإجازة نحو تزویج المرأة نفسها بغیر مَنْ زوّجها

ص:48


1- 1 . مقابس الأنوار /135.
2- 2 . المکاسب 3/444.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/27.
4- 4 . المکاسب 3/444 و 445.

الفضولی، وفی موردنا یفوِّت محل الإجازة بالنسبة إلی المالک الأوّل الأصلی وأمّا محلّ الإجازة بالنسبة إلی المالک الثانی المجیز فإنَّهُ یکونُ باقیّا وإجازته تُصَحِّحُ بیعه الأوّل مع المشتری.

وبالجملة: إن أراد التستری مع البیع الثانی _ أی بیع المالک الأصلی من المالک الثانی المجیز _ إبطال أثر عقد الفضولی بالنسبة إلی المالک الأوّل فهو تام لأنّ بعد بیعه لیس له مال حتّی یجیز عقد الفضولی الواقع علیه.

وإن أراد من البیع الثانی إبطال أثر عقد الفضولی مطلقا حتّی بالنسبة إلی المالک الثانی المجیز فهو غیر تام، لأنّ الثانی مالک ویرید إجازة هذا العقد فینفذ فی حقّه.

وتوهّم التعبیر عن البیع الثانی بأنّه ردّ لعقد الفضولی وظاهر فی بطلان عقد الفضولی مطلقا، باطلٌ لعدم الدلیل علی هذا الإطلاق وإمکان بقاء العقد بالنسبة إلی المالک الثانی المجیز.(1)

وقیاس البیع الثانی بالنسبة إلی بطلان عقد الفضولی مطلقا ببطلان عقد الجائز بالتصرف المنافی له من بیع أو هبة أو صلح أو غیرها، لیس فی محلّه «لأنّ صحة تصرف المنافی تتوقّف علی فسخ العقد وإلاّ وقع فی ملک الغیر، بخلاف ما نحن فیه فإنّ تصرّف المالک فی ماله المبیع فضولاً صحیح فی نفسه لوقوعه فی ملکه، فلا یتوقّف علی فسخه، غایة الأمر أنّه إذا تصرّف فات محلّ الإجازة»(2).

«ومن ذلک یظهر ما فی قوله رحمه الله أخیرا: «وبالجملة حکم عقد الفضولی حکم سائر العقود الجائزة بل اولی»(3)، فإن قیاس العقد المتزلزل من حیث الحدوث [الفضولی] علی المتزلزل من حیث البقاء [العقود الجائزة] قیاس مع الفارق فضلاً عن دعوی الاولویّة»(4).

ص:49


1- 1 . راجع المکاسب 3/445.
2- 2 . المکاسب 3/446.
3- 3 . مقابس الأنوار /135.
4- 4 . المکاسب 3/446.
الاشکال السابع: الروایات الناهیة
اشارة

قال التستری: «ویدل علی ما اخترناه [البطلان]: الأخبار المعتبرة المستفیضة، منها: جملة من الأخبار المتقدمة فی الموضوع الأوّل...»(1).

قال الشیخ الأعظم مستدلاً له: «الأخبار المستفیضة الحاکیة لنهی النبی صلی الله علیه و آله عن بیع ما لیس عندک فإنّ النهی فیها إمّا لفساد البیع المذکور مطلقا بالنسبة إلی المخاطب وإلی المالک فیکون دلیلاً علی فساد العقد الفضولی، وإمّا لبیان فساده بالنسبة إلی المخاطب خاصة _ کما استظهرناه سابقا(2)_ فیکون دالاًّ علی عدم وقوع بیع مال الغیر لبائعه مطلقا ولو ملکه فأجاز، بل الظاهر إرادة حکم خصوص صورة تملّکه بعد البیع، وإلاّ فعدم وقوعه له قبل تملّکه ممّا لا یحتاج إلی البیان»(3).

وهنّ علی طوائف:

الطائفة الاولی: المطلقات

منها: صحیحة سلیمان بن صالح الجصاص عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی حدیث: وعن بیع ما لیس عندک، الحدیث.(4)

ومنها: صحیحة الصفار حیث وقّع أبومحمّد الحسن بن علی العسکری علیه السلام فی جواب مکاتبته: لا یجوز بیع ما لیس یملک، المکاتبة.(5)

ومنها: النبوی العامی: لا تبع ما لیس عندک.(6)

ومنها: النبوی العامی الآخر: لا بیع إلاّ فی مایملک.(7)

ص:50


1- 1 . المقابس الأنوار /135.
2- 2 . راجع المکاسب 3/368.
3- 3 . المکاسب 3/446 و 447.
4- 4 . وسائل الشیعة 18/47، ح2، الباب 7 من أبواب أحکام العقود.
5- 5 . وسائل الشیعة 17/339، ح1، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه.
6- 6 . سنن ابن ماجه 2/737، ح2187، ومرّت بقیة مصادره فی الآراء الفقهیة 5/264.
7- 7 . سنن الترمذی 3/486، ح1181، ومرّت بقیة مصادره فی الآراء الفقهیة 5/268.

وأنت تری بأنّ هذه الروایات مطلقة وتشمل مسألتنا بإطلاقها وکذا تشمل بیع الکلی والشخصی، لأنّ البائع فی ما نحن فیه یبیع مال الغیر لنفسه، ولکن لو ثبت مقیِّدٌ تأخذ به لأنَّ الإطلاق قابل للتقیید.

الطائفة الثانیة:

مادلّ علی المنع عن بیع الأعیان الخارجیة الشخصیة فیما إذا لم یملکها البائع:

منها: صحیحة یحیی بن الحجاج قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل قال لی: اشتر هذا الثوب وهذه الدابة، وبعنیها أربحک فیها کذا وکذا، قال: لا بأس بذلک، اشترها ولا تواجبه البیع قبل أن تستوجبها أو تشتریها.(1)

والمراد بالجملة الأخیرة «لا تواجبه البیع...»، أی لا تُنْشِی ء ایجاب البیع قبل إیجاب شرائک من مالکه.

ومنها: معتبرة خالد بن الحجاج قال: قلت: الرجل یجیء فیقول: اشتر هذا الثوب وأربحک کذا وکذا، قال: ألیس إن شاء ترک وإن شاء أخذ؟ قلت: بلی، قال: لا بأس به إنّما یحلّ الکلام ویحرم الکلام.(2)

وفی بعض نسخ الکافی الشریف(3) الراوی الأخیر هو خالد بن نَجِیْح ولکن لم أجد روایة یحیی بن الحجاج عنه وتأخر طبقته عنه(4) ولذا اختار المحقّق السیّد الخوئی(5) انّ الصحیح بالنسبة إلی الراوی الأخیر هو خالد بن الحجاج، ولکن بنظری القاصر وجود ابن نجیح لا یضرّ باعتبار السند لأنّ النجاشی(6) ذکره ولم یطعن علیه فهو عندی إمامی معتبر مضافا إلی روایة مشایخ الطائفة نحو ابن ابی عمیر وصفوان بن یحیی وعثمان بن عیسی

ص:51


1- 1 . وسائل الشیعة 18/52، ح13، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
2- 2 . وسائل الشیعة 18/50، ح4.
3- 3 . الکافی 10/175، ح6 (5/201).
4- 4 . راجع معجم رجال الحدیث 7/18، الرقم 4168، و 7/392، 7/35، الرقم 4217.
5- 5 . معجم رجال الحدیث 7/38.
6- 6 . رجال النجاشی /150، الرقم 391.

عنه، هذا بالنسبة إلی السند.

وأمّا الدلالة: فَقَدْ قال صاحب المقابس فی تقریب الاستدلال بها: «والمراد بالکلام عقد البیع فإنّه یُحل نفیّا و یحرِّم إثباتا، أو یُحلّ ثانیا ویحرِّم أوّلاً. والمراد أنّ الکلام الذی جری بینهما قد یحلِّل وقد یُحرِّم بحسب اختلافه، فإن کان بطریق الإلزام حرمت المعاملة بذلک، وإن کان بطریق المرضاة من دون إلزام وإنّما یحصل الإلزام بعد شراء البائع بعقد مستأنف کانت حلالاً»(1).

وقال قبله الفیض رحمه الله : «الکلام هو إیجاب البیع وإنّما یُحَلِّلُ نفیّا ویُحَرِّمُ إثباتا»(2).مراده: إیجاب البیع الأوّل یحلِّل العقد لو لم یکن، ویحرّمه لو کان، وهو کلامٌ.

وقال المجلسی قدس سره : «قوله علیه السلام : «یحلّل الکلام» یعنی إذا قال الرجل: اشتر لی هذا الثوب، لا یجوز أخذ الربح منه، ولیس له الخیار فی الترک والأخذ لأنّه حینئذ اشتراه وکالة عنه، وإن قال: اشتر هذا الثوب لنفسک وأنا اشتریه منک وأربحک کذا وکذا یجوز أخذ الربح منه وله الخیار فی الأخذ والترک»(3).

وقال الشیخ الأعظم بعد نقل مقال الفیض رحمهماالله : «... أو یحلِّل إذا وقع بعد الاشتراء ویحرّم إذا وقع قبله، أو أنّ الکلام الواقع قبل الاشتراء یحرّم إذا کان بعنوان العقد الملزم ویحلِّل إذا کان علی وجه المساومة والمُرْاضاة»(4).

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال: ابْتَعْ لی متاعا لعلّی اشتریه منک بنقد أو نسیئة، فَابْتاعَهُ الرجل من أجله، قال: لیس به بأس إنّما یشتریه منه بعد ما یملکه.(5)

«المراد بالمتاع الذی یرجع إلیه ضمیر «أشتریه» لایصح أن یکون معنیً کلیّا، لأنّ

ص:52


1- 7 . مقابس الأنوار /135.
2- 8 . الوافی 18/700، ذیل ح 18144.
3- 1 . مرآة العقول 19/221.
4- 2 . المکاسب 3/448.
5- 3 . وسائل الشیعة 18/51، ح8.

الکلّی والنکرة غیر المعینة غیر قابل للاشتراء»(1).

ومنها: صحیحة منصور بن حازم عن أبیعبداللّه علیه السلام فی رجل أمر رجلاً یشتری له متاعا فیشتریه منه، قال: لا بأس بذلک إنّما البیع بعد ما یشتریه.(2)

أقول: نأخذ بهذه الطائفة الثانیة ونحکم ببطلان بیع الأعیان الخارجیة الشخصیة لو لم یملکها البائع قبل البیع لکن بشرط ایجاب البیع قبل المالکیة وأمّا إذا لم یجب البیع ولم یلزمه بل کان علی وجه المُرْاضاة والاختیار، أو البیع الملزم یکون بعد شراء البائع وملکیته بعقد جدید مستأنف فلا إشکال ویحکم بصحته کما ورد فی الروایات.

الطائفة الثالثة:

ماورد فی المنع عن بیع الکلّی.

منها: صحیحة معاویة بن عمار قال: قلت لأبیعبداللّه علیه السلام یجیئنی الرجل یطلب

[منی(3)] بیع الحریر ولیس عندی منه شی ء فیقاولنی علیه واُقاوله فی الربح والأجل حتّی نجتمع علی شی ء، ثمّ اذهب فأشتری له الحریر فأدعوه إلیه، فقال: أرأیت إن وجد بیعا هو أحبّ إلیه ممّا عندک أیستطیع أن ینصرف إلیه ویدعک، أو وجدت أنت ذلک أتستطیع أن تنصرف إلیه وتدعه؟ قلت: نعم، قال: لا بأس.(4)

ولکن هذه الطائفة لابدّ من أن تحمل علی التقیة لأنّ أبناء العامة(5) یذهبون إلی عدم جواز بیع الکلّی حالاًّ، وقد وردت عدّة من الروایات من أئمتنا علیهم السلام علی جوازه، سأذکر لک بعضها، أو تحمل علی الکراهة جمعا بینها وبین الروایات المجوّزة.

ومن الروایات المجوّزة: صحیحة اسحاق بن عمار وعبدالرحمن بن الحجاج جمیعا قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن الرجل یشتری الطعام من الرجل لیس عنده فیشتری

ص:53


1- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/28.
2- 5 . وسائل الشیعة 18/50، ح6.
3- 1 . زیادة من نسخة.
4- 2 . وسائل الشیعة 18/50، ح7.
5- 3 . راجع المغنی 4/297.

منه حالاًّ، قال: لیس به بأس، قلت: إنّهم یفسدونه عندنا، قال: وأیّ شی ء یقولون فی السلّم؟ قلت: لایرون به بأسا یقولون: هذا إلی أجل فإذا کان إلی غیر أجل ولیس عند صاحبه فلا یصلح، فقال: فإذا لم یکن إلی أجل کان أجود، ثمّ قال: لا بأس بأن یشتری الطعام ولیس هو عند صاحبه [حالاً] وإلی أجل، فقال: لا یسّمی له أجلاً، إلاّ أن یکون بیعا لایوجد مثل العنب والبطیخ وشبهه فی غیر زمانه، فلا ینبغی شراء ذلک حالاًّ.(1)

والنقض علیهم فی عدم جواز بیع الکلّی حالاًّ ببیع السلم یظهر أیضا من صحیحة اُخری من عبدالرحمن بن الحجاج قال: قلت لأبیعبداللّه علیه السلام : الرجل یجیئنی یطلب المتاع فاُقاوله علی الربح ثمّ اشتریه فأبیعه منه، فقال: ألیس إن شاء أخذ وإن شاء ترک؟ قلت: بلی، قال، لا بأس به، قلت: فإنّ مَنْ عندنا یفسده، قال: ولِمَ؟ قلت: قد باع ما لیس عنده؟ قال: فما یقول فی السَلَم قد باع صاحبه ما لیس عنده، قلت: بلی، قال: فإنّما صلح من أجل أنّهم یسمّونه سَلَما، إنّ أبی کان یقول: لا بأس ببیع کلّ متاعٍ کنتَ تجده فی الوقت الذی بعته فیه.(2)

والجملة الأخیرة: «إنّ أبی کان...» صریحة فی جواز بیع الکلّی ولو لم یملکه البائع

حین البیع ولکنّه متمکن من تهیؤه فی زمن التحویل حالاًّ کان أو مؤجلاً. کما یدلّ علیه أیضا خبر أبیالصباح الکنانی عن الصادق علیه السلام فی رجل اشتری من رجل مائة منٍّ صفرا بکذا وکذا ولیس عنده ما اشتری منه، قال: لا بأس به إذا وفاه الذی اشترط علیه.(3)

والحاصل: بیع الکلّی حالاًّ عندنا جائز ولو لم یکن البائع حین البیع مالکا له، فلا یمکن الأخذ بالطّائِفَةِ الثالثة.

وبالجملة: الطائفة الاُولی وهی المطلقات تقیّد بالطائفتین الثانیة والثالثة ویحکم بصحة بیع الأعیان الشخصیة قبل تملّکها بالبیع الجائز لا اللازم، وصحة بیع الکلّی فی الذمّة حالاًّ ولو لم یکن البائع مالکا له.

ص:54


1- 4 . وسائل الشیعة 18/46، ح1، الباب 7 من أبواب أحکام العقود.
2- 5 . وسائل الشیعة 18/47، ح3.
3- 1 . وسائل الشیعة 18/48، ح4.

ویبقی تحت الإطلاق بیع الأعیان الشخصیة بالبیع اللازم، بیع مال الغیر من دون إذنه وإجازته لمالکه أو لنفسه.

وأمّا المختار فی المسألة

فنقول بالنسبة إلی مسألة «مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه» إنّ البیع صحیح من دون توقف علی الإجازة المستانفة من البائع إذا کان المبیع کلّیّا مطلقا _ أی حالاًّ أو مؤجلاً _ وأمّا إذا کان المبیع عینا شخصیّا جزئیا فمع الإجازة المستأنفة نحکم بصحته مراعاةً للطائفة الثانیة من الروایات حیث ورد فیها عدم إیجاب البیع والإحتیاج إلی الإجازة الجدیدة یکفی فی عدم لزومه وإیجابه.

وظهر ممّا ذکرنا حکم صُوْرَتَیِ المسألة اللَّتَیْنِ کانَتا مُهِمَّتَیْنِ وهما:

الاُولی: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یشتریه من مالکه وأجاز البیع، یحکم بصحتها فی فرضی المبیع _ أی إذا کان کلّیّا أو شخصیّا _ إذا بقی المشتری علی بیعه فی الأخیر.

الثانیة: أن یبیع الفضولی لنفسه ثمّ یَشْتریه من مالکه ولم یجز البیع یحکم ببطلانه إذا کان المبیع شخصیّا لأنّه یحتاج إلی الإجازة المستأنفة، وبصحته إذا کان المبیع کلّیّا فی الذمّة لأنّه لا یحتاج إلیها.

وما ذکرناه لا یختلف مع مقالة العلاّمة فی التذکرة حیث یقول: «لا یجوز أن یبیع عینا لا یملکها ویمضی لیشتریها ویسلّمها وبه قال الشافعی وأحمد ولا نعلم فیه خلافا، لنهی النبیّ صلی الله علیه و آله عن بیع ما لیس عندک ولاشتماله علی الغرر فإنّ صاحبها قد لا یبیعها وهو

غیر مالک لها ولا قادر علی تسلیمها.

وأمّا إذا اشتری موصوفا فی الذمّة سواء کان حالاًّ أو مؤجّلاً فإنّه جائز. وکذا لو اشتری عینا شخصیة غائبة مملوکة للبائع موصوفة بما یرفع الجهالة فإنّه جائز إجماعا»(1).

لأنّا نحمل حکمه قدس سره بعدم الجواز فی فرض العین الشخصیة الخارجیة علی البیع

ص:55


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/16.

اللازم الواجب وأمّا إن کان غیر لازم واحتاج إلی الإجازة المستأنفة من المالک الجدید والمشتری فلا بأس به ویخرج من الحکم بالبطلان وادعاء عدم الخلاف فیه. هذا.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «... لو تبایعا علی أن یکون العقد موقوفا علی الإجازة فاتفقت الإجازة من المالک أو من البائع بعد تملّکه لم یَدْخُلْ فی مورد الأخبار ولا فی معقد الإجماع»(1).

وحکم بقیة الصور یظهر ممّا ذکرنا بالدقة والتأمل، والحمد للّه علی کلِّ حالٍ.

فروع:
الأوّل:

ما مرّ من الشیخ الأعظم آنفا من قوله قدس سره : «لو تبایعا علی أن یکون العقد موقوفا علی الإجازة...»(2) الخ.

مراده قدس سره : لو تبایعا _ قبل أن یتملک البائعُ المبیعَ _ علی أن یکون البیعُ موقوفا علی الإجازة وحصلت الإجازة من البائع الفضولی بعد انتقال المبیع إلیه، لم یَدْخُلْ هذا الفرع فی الأخبار الناهیة ولا فی معقد الإجماع _ علی فرض تحققه _ . لأنّها تختصّ بانشاء البیع منجّزا غیر مترقب لإجازة المالک وکذلک الإجماع. والمفروض فی هذا الفرع ترقب الإجازة وکون البیع موقوفا علیها.

الثانی:

«لو تبایعا علی أن یکون اللزوم موقوفا علی تملّک البائع دون إجازته»(3) لم یدخل فی الأخبار الناهیة لأنّ موردها خصوص بیع المنجّز من جمیع الجهات وأمّا الموقوف علی تملک البائع الفضولی فهو خارج عن مورد الروایات ومحکوم بالصحة.

واستشهد الشیخ الأعظم بکلام العلاّمة فی المختلف بأنّه حمل الأخبار الناهیة

علی الکراهة حیث یقول: «... والنهی الوارد عن النبی صلی الله علیه و آله للکراهة، أورد عن الشی ء المشخص الذی فی ملک الغیر فإنّه لا یصح بیعه لأدائه إلی التنازع، إذ ربما یمنع مالکه من

ص:56


1- 2 . المکاسب 3/455.
2- 3 . المکاسب 3/455.
3- 4 . المکاسب 3/455.

بیعه والمشتری یطالب البائع به، وأمّا الغرر الذی ادّعاه فلیس فی هذا الباب من شی ء»(1).

وبکلامه الماضی فی التذکرة: «لاشتماله علی الغرر فإنّ صاحبها قد لایبیعها وهو غیر مالک لها ولا قادر علی تسلیمها»(2)، «حیث علّل [العلاّمة] المنع بالغرر وعدم القدرة علی التسلیم»(3) ولا یأتی التعلیلان فی هذا الفرع.

ثمّ اعترض علی الشهید فی مقالته: «... وکذا لو باع ملک غیره ثمّ انتقل إلیه فأجاز، ولو أراد لزوم البیع بالانتقال فهو بیع ما لیس عنده...»(4).

بقوله: «ولکن الإنصاف ظهورها فی الصورة الاُولی [وهو البیع المنجّز أی غیر موقوف علی إجازة المالک الأصلی أو البائع الفضولی بعد تملّکه] وهی ما لو تبایعا قاصدین لتنجّز النقل والانتقال وعدم الوقوف علی شی ءٍ»(5).

أقول: حُکْمُ هذَیْنِ الْفَرْعَیْنِ بناءً علی ما اخترناه فی أصل المسألة واضح وهو الصحة بِلا فرق بین أن یکون المبیع کلّیّا فی الذمة أو شخصیّا. لما مرّ فی وجه الجمع بین الطوائف الثلاث من الروایات لا لما ذکره الشیخ الأعظم من ادِّعاءِ الظهور.

الثالث:

قال الشیخ الأعظم: «ولو باع عن المالک فاتفق انتقاله إلی البائع فأجازه فالظاهر أیضا الصحة، لخروجه عن مورد الأخبار»(6).

وجه خروجه عدم وقوعه منجّزا من جمیع الجهات لأنّه یحتاج إلی إجازة البائع.

إن قلت: البائع أنشا البیع عن المالک وإجازته لا تُصَحِّحُهُ لأنّه لم ینشأه عن نفسه حتّی تصححه إجازته، والحاصل: المجاز غیر منشأٍ والمنشأُ غیر مجازٍ.

قلت: المالک فی عکس هذه المسألة _ وهو ما لو باعه الفضولی لنفسه واجازه

ص:57


1- 1 . مختلف الشیعة 5/132.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/16.
3- 3 . المکاسب 3/456.
4- 4 . الدروس 3/193.
5- 5 . المکاسب 3/455.
6- 6 . المکاسب 3/465.

المالک لنفسه _ أجاز المعاوضة الحقیقیة وهی دخول العوض فی ملک مالک المعوّض، وفی هذه المسألة أیضا کذلک، البائع المُنشأ أجاز البیع بعد انتقال المبیع إلیه من قبله ویدخل

الثمن فی ملکه، لتحقّق هذه المعاوضة الحقیقیة فی المقام.

ثمّ أمر الشیخ الأعظم(1) بالتأمل فی هذا الجواب ووجهه وجود الفارق بین المسألتین لأنّ فی العکس بنی البائع اعتقادا أو عدوانا علی کونه مالکا وقصد المعاوضة وهذه الحیثیة البنائیة هی المُصَحِّحةُ فی عکس مسألتنا ولکن فیها لم یدّعِ البائع المالکیة لنفسه لا اعتقادا ولا عدوانا فلم تَحْصَلْ له الحیثیة البنائیة _ وهی الملکیة المدعاة _ فلم تتحقّق المعاوضة، ویکون المجاز غیر المنشأ.

أقول: لا یعتنی بهذا الاشکال ویحکم بِصِحَّةِ البیع بعد إجازته لصدق مسألتنا «من باع شیئا ثمّ ملکه» فی المقام.

الرابع:

قال الشیخ الأعظم: «ولو باع [الفضولی مال الغیر] لثالث معتقدا لتملّکه أو بانیا عدوانا، فإن أجاز المالک فلا کلام فی الصحة بناءً علی المشهور من عدم اعتبار وقوع البیع عن المالک [لتحقّق المعاوضة الحقیقیة کما مرّ] وإن ملکه الثالث وأجازه، أو ملکه البائع فأجازه فالظاهر أنّه داخل فی المسألة السابقة»(2).

ویحکم بصحته کما مرّ فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه.

وأمّا الصورة الثانیة:
اشارة

(3):

فهی أن یتجدّد الملک بعد العقد، ولم یجز البائع بعد تملّکه.

وبعبارة اُخری: أن یبیع الفضولی مال غیره لنفسه ثمّ یشتریه من مالکه ولم یجزه.

قال الشیخ الأعظم: «... فإنّ الظاهر بطلان البیع الأوّل [أی بیع الفضولی] [1[ لدخوله تحت الأخبار المذکورة یقینا، [2] مضافا إلی قاعدة تسلّط الناس علی أموالهم،

ص:58


1- 1 . المکاسب 3/456.
2- 2 . المکاسب 3/456.
3- 3 . عطف علی الصورة الاُولی فی صفحة 29 من هذا المجلد.

[3] وعدم صیرورتها حلالاً من دون طیب النفس...»(1).

ثمّ أشار إلی وهم ودفعه بتوضیح منّا:

وأمّا الوهم: فإنّ البائع الفضولی قبل تملّکه للمبیع التزم بکون المبیع ملکا للمشتری، وهذا الالتزام أمارة علی وجود طیب نفسه بذلک بعد تملّکه له.

وبعبارة أُخری: بیع الفضولی کاشف عن طیب نفسه عن انتقال المال إلی المشتری

مطلقا سواءً انتقل إلیه عنه [عن البائع] أو عن غیره.

وأمّا الدفع: فإنّ الالتزام کان متعلِّقا بمال غیره لا بمال نفسه حتّی یجب علیه الوفاء به، ولیس للبائع سلطانٌ علی جعل مال الغیر للمشتری.

ثمّ قال: «اللهم إلاّ أن یقال: إنّ مقتضی عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط علی کلِّ عاقد و شارط هو اللزوم علی البائع بمجرد انتقال المال إلیه، وإن کان قبل ذلک أجنبیّا لا حکم لوفائه ونقضه»(2).

بعبارة أُخری: «مقتضی عموم دلیلی وجوب الوفاء بالعقود ووجوب وفاء المؤمنین بشروطهم وجوبُ الوفاء علی کلّ عاقدٍ وشارطٍ، والبائع الفضولی بعد تملّکه للمبیع یندرج تحت عموم هذین الدلیلَیْنِ العامَّیْنِ بعد أن کان قبل تملّکه أجنبیّا عن أفراد هذین الدلیلین...»(3).

فتکون النتیجة: صحة عقد الفضولی بمجرّد تملّکه للمبیع وعدم احتیاجه إلی الإجازة.

ولذا قال فخرالمحقّقین: «أقول: علی تقدیر صحة بیع الفضولی فإنّه إذا أجازه المالک صح البیع وملک المشتری...»(4).

أی: إذا اشتری البائع الفضولی المال من مالکه صح بیعه الفضولی وینتقل منه إلی

ص:59


1- 4 . المکاسب 3/457.
2- 1 . المکاسب 3/457.
3- 2 . هدی الطالب 5/339.
4- 3 . إیضاح الفوائد 1/419.

المشتری من دون توقف علی إجازته. کما حمل المحقّق التستری(1) کلام الفخر کذلک.

ثمّ قال التستری: «... وهو الذی یلوح من الشهید الثانی فی هبة المسالک(2) وقد سبق استظهارهُ من عبارة الشیخ(3) المحکیة فی المعتبر(4)»(5).

أقول: قد مرّ(6) فی محتملات المسألة وأقوالها، أنّ القول بالصحة من دون التوقف علی إجازة البائع بعد تجدد الملک له یظهر من الشیخ الطوسی والمحقّق فی الشرائع

والعلاّمة فی مُتاجِر القواعد وهبتها وبیع التذکرة ویراه الأقوی فی النهایة وهو مختار جدنا الشیخ جعفر قدس سرهم .

ولکنّ خلافا للشهید الثانی فی المسالک حیث کان من القائلین بالصحة مع توقفها علی الإجازة فراجع ما حررناه هناک.

ولکن الشیخ الأعظم(7) یضعِّفُ هذا القول _ أی قول الشیخ والمحقّق والعلاّمة _ بوجوه:

الأوّل: إنّ البائع الفضول قبل تملّکه للمبیع لم یکن مأمورا بوجوب الوفاء بالعقد، لعدم شمول خطابی «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و «المؤمنون عند شروطهم» له فیستصحب عدم وجوب الوفاء بالعقد بعد تملّکه ولذا قال: «والمقام مقام استصحاب حکم الخاص، لا مقام الرجوع إلی حکم العام فتأمل»(8).

وبعبارة أُخری: الزمان تارةً یکون مکثِّرا للعام ومفرِّدا له ولأفراده، واُخری یکون

ص:60


1- 4 . مقابس الأنوار /134.
2- 5 . المسالک 6/49.
3- 6 . المبسوط 1/208 و 3/304.
4- 7 . المعتبر 2/563.
5- 8 . مقابس الأنوار /134.
6- 9 . راجع هذا المجلد صفحة 33 وما قبلها.
7- 1 . المکاسب 3/458.
8- 2 . المکاسب 3/458.

ظرفا لاستمرار الحکم.

فی القسم الأوّل إذا خرج من العام فردٌ من الأفراد فی زمانٍ ما وبعد مضی ذلک الزمان نشک فی جریان العام فی حقّه وعدمه، یجری حکم العام فی شأنه لأنّه شک فی تخصیص زائد والمرجع فیه هو عموم العام. دون استصحاب حکم الخاص فی ذلک الزمان.

وفی القسم الثانی: إذا خرج فرد من العام فی زمان وشُکّ بعد انقضاء ذلک الزمان فی حکمه یستصحب حکم الخاص.

الشیخ الأعظم قدس سره یری ما نحن فیه من القسم الثانی واستصحاب حکم الخاص ثمّ أمر بالتأمل ولعلَّهُ أشار به إلی عدم جریان الاستصحاب للشک فی بقاء الموضوع بل العلم بعدم بقائه لأنّ عدم وجوب الوفاء کان ثابتا للعاقد غیر المالک وبعد صیرورة البائع الفضولی مالکا نشک فی بقاء الموضوع فلا یجری الاستصحاب، فحینئذ یجری حکم العام ویحکم بوجوب الوفاء بالعقد والبقاء عند الشرط.

أو أشار به إلی أنّ العام فی حقّ البائع الفضولی لا یجری إلاّ بعد إجازته للعقد حیث بها یکون العقد عقده وینسب إلیه.

ولو شکّ فی صحة هذا العقد قبل إجازة العاقد الفضولی یجری فیه أصالة الفساد الحاکم فی المعاملات.

الثانی: لزوم العقد علی البائع الفضولی بدون إجازته یکون خلافا لقاعدة سلطنة الناس علی أموالهم.

الثالث: لزوم العقد علیه یکون معارضا لقاعدة عدم حلّ أموال الناس إلاّ بطیب أنفسهم.

الرابع: فحوی مادلّ علی عدم صحة عقد نکاح العبد بمجرد عتقه الموجب لصیرورته مالکا لنفسه، وتوقف صحته علی إجازة المولی التی تتحقّق بسکوته، حیث نعلم أنّ تملّک النفس أقوی من تملّک المال فی تأثیره فی صحة العقد.

ص:61

ننحو: موثقة الحسن بن زیاد الطائی.(1)

وصحیحة معاویه بن وَهْبٍ(2)، وصحیحة أُخری له.(3)

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «لو سُلِّم عدم التوقف [أی عدم توقف صحة العقد] علی الإجازة، فإنّما هو فیما إذا باع الفضولی لنفسه، أمّا لو باع فضولاً للمالک أو لثالث ثمّ ملک هو، فجریان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلی البائع أشکل»(4).

وجه أشکلیته: عدم موافقة الإنشاء مع الإجازة، لأنّ البائع الفضولی لم ینشأ العقد عن نفسه، بل أنشأه عن مالکه أو ثالث فلا تصححه إجازته فیرد الإشکال المشهور: المنشأُ غیر مجازٍ والمجاز غیر منشأٍ.

فرع:

قال الشیخ الأعظم: «ولو باع وکالةً عن المالک فبان انعزاله بموت الموکِّل فلا إشکال فی عدم وقوع البیع له [أی للبائع الفضولی] بدون الإجازة ولا معها، نعم یقع للوارث مع إجازته»(5).

وهذا الفرع لیس من فروع مسألة «من باع شیئا ثمّ ملکه» بل هو من فروع

الفضولی المتعارف فیقع البیع للوارث بعد إجازته.

إلی هنا تمّ کلام الشیخ الأعظم فی هذه الصورة الثانیة.

الصورة الثانیة فی رأی المحقّق النائینی ونقده علی الشیخ الأعظم:

قال: «قد تقدّم(6) أنّه لو قلنا بصحّة أصل البیع وعدم ما نعیّة التبدیل فی طرف الملک فلا وجه لاعتبار الإجازة أصلاً، لأنّه لم یقم دلیل تعبّدیّ علی اعتبارها، وإنّما نحتاج إلیها

ص:62


1- 1 . وسائل الشیعة 21/118، ح3، الباب 26 من أبواب نکاح العبید والإماء.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/117، ح1.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/117، ح2.
4- 4 . المکاسب 3/458.
5- 5 . المکاسب 3/458.
6- 1 . راجع منیة الطالب 2/118.

فی الفضولیّ؛ لتحقّق الاستناد والرضا، وهما فی المقام حاصلان. فالعمدة بیان وجه أصل الصحّة. والأولی البحث أوّلاً عن إمکان إدراج هذا البیع فی العمومات. ثمّ البحث ثانیا عن الأدلّة المانعة، لأنّه لو لم تعمّه العمومات فلا موقع للبحث عن الأدلّة المانعة.

ویظهر منه(1) قدس سره شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» له، إلاّ أنّه جعل المقام أوّلاً من موارد الرجوع إلی استصحاب حکم الخاصّ، لا من موارد الرجوع إلی عموم العامّ، لأنّ البائع قبل تملّکه لم یکن مأمورا بالوفاء بالعقد فیستصحب. ثمّ أضاف إلیه ثانیا: أنّ عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معارض بعموم «الناس مسلّطون علی أموالهم»، وعدم حلّها لغیرهم إلاّ بطیب النفس فحکم باعتبار الإجازة من باب الناس مسلّطون.

وفی کلامه(2) ما لا یخفی علی المتأمّل، کما أمر بالتأمّل؛ لأنّ مقام الرجوع إلی الاستصحاب أو العامّ إنّما هو فی الفرد المعلوم فردیّته الخارج عن حکم العامّ فی قطعةٍ من الزمان، والبائع فی المقام قبل أن یشتریه لم یکن مأمورا بالوفاء بعقده، وإنّما الشکّ فی أنّه بعد ما اشتراه هل هو مأمور بالوفاء أو لا فهو قبل أن یشتریه لم یکن مصداقا للعامّ، وکان کشخصٍ لم یکن عالما فی زمانٍ ثمّ صار عالما؟ فلا یمکن أن یقال: هذا الفرد من العامّ لم یکن واجب الإکرام فیستصحب حکم المخصّص؛ لأنّ البائع خارج عن العامّ تخصّصا، مع أنّه لو قیل بأنّ کل من له ربط بالعقد یجب وفاؤه به، إلاّ أنّ محلّ الرجوع إلی حکم العامّ أو الخاصّ إنّما هو فی مورد الشکّ بالنسبة إلی عمود الزمان، کالشکّ بعد زمان الأوّل فی البیع الغبنی بأنّه محکوم بحکم الخیار أو بحکم العامّ، لا فیما کان المخصّص من الزمانیّات، کما إذا خصّص وجوب الوفاء بالعقود بموردٍ خاصٍّ وشکّ فی أنّ هذا هو المورد الخاصّ أو غیره.

ثمّ لایخفی أنّه لو قلنا بأنّ المقام من موارد الرجوع إلی عموم العامّ فلا یمکن أن یعارض بدلیل السلطنة واعتبار الطیب، لأنّ معنی وجوب الوفاء بالعقد هو لزومه علیه

ص:63


1- 2 . من الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/458.
2- 3 . أی الشیخ الأعظم.

قهرا، ووجوب الالتزام بآثاره شرعا.

وحاصل الکلام: أنّه لا یمکن تصحیح البیع الشخصیّ لمن لا یملکه، سیّما إذا قصد البیع لنفسه؛ لأنّه لو صحّ له فلا یمکن وقوعه للمالک الأصیل إذا أجاز، مع أنّه لا إشکال فی وقوعه له إذا أجاز قبل بیعه من البائع، لأنّ معنی وقوعه للبائع أنّه قصد خروج المال عن ملکه بعد فرض نفسه مالکا بالأُوْل والمشارفة، فهو فی الحقیقة یوقع المبادلة بین ملکه بما هو ملکه وبین ملک الطرف، فالمالک الأصیل أجنبیّ عن العقد، ولا یمکن قیاسه علی الغاصب؛ لأنّه بعد سرقة الإضافة یوقع المبادلة بین ملکی المالکین، ولا یلاحظ شخص نفسه إلاّ علی نحو الداعی، بل المقام نظیر البیع الکلّی فی إجراء البائع المعاملة علی ملک شخصه.

وبالجملة: الأمر یدور بین أن یجعل البائع أجنبیّا أو الأصیل. والمفروض أنّه یقع للأصیل إذا أجاز، فلا مناص عن(1) جعل البائع أجنبیّا ویکون کمجری الصیغة.

وعلی أیّ حالٍ فقد ظهر ممّا ذکرنا من صدر المبحث إلی هنا أنّه لا فرق بین تحقّق الملک للبائع بالشراء وتحقّقه بالإرث.

نعم، هناک فرق بینهما من جهةٍ اُخری، وهی: أنّ الوارث حیث إنّه یقوم مقام مورّثه فله الإجازة، لا من باب أنّه ملک ما باعه، بل من باب أنّه هو المورّث، فیکون حکمه حکم المالک الأصیل فی نفوذ إجازته قبل بیعه من البائع، وحکمه حکم نفس المورّث لو أجاز حال حیاته.

نعم لو قلنا: بأنّ فی مسألة من باع ثمّ ملک بالشراء لا تَصحُّ الإجازة من المالک الأصیل، لعدم إمکان الجمع بین قابلیّة انتساب العقد إلی کلّ من المالک والبائع، فالوارث فی المقام أیضا لیس له الإجازة من باب قیامه مقام مورّثه، بل هو من أفراد «من باع شیئا ثمّ ملک» فالفرق بینهما لا وجه له. فتأمّل فی أطراف الکلام جیّدا»(2).

ص:53


1- 1 . کذا؛ و «من» أحسن.
2- 2 . منیة الطالب 2/127 و 126.
الصورة الثانیة فی رأی المحقّق السیّد الخوئی ونقده علی استاذه المحقّق النائینی

قال قدس سره : «ثمّ إنّه إذا قلنا ببطلان بیع من باع ثمّ ملک فأجاز، ففی صورة عدم الإجازة

بعد الملک یبطل بطریق أولی ولعلّه ظاهر. وأمّا إذا بنینا علی صحّته مع الإجازة وأغمضنا عمّا ذکرناه سابقا فهل یصحّ بدون الإجازة أیضا کما نقله شیخنا الأنصاری(1) عن بعضهم، أو أنه بدون الاجازة باطل؟ هناک وجهان، والصحیح أنه یقع باطلاً فی صورة عدم الإجازة، وذلک لأنه تارة یبیع للمالک ثمّ یملکه وأُخری یبیعه لنفسه.

فأمّا فی الصورة الأُولی فلا وجه لصحّته بعد الانتقال إلیه فی صورة عدم الإجازة، إذا المفروض أنّه لم یبع لنفسه لتقع المعاملة له بعد الانتقال إلیه وذلک ظاهر.

وأمّا فی الصورة الثانیة فکذلک لا وجه لصحّته بدونها أی بدون الإجازة إلاّ احتمال أنّ العمومات نحو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» ونحوه یشمله بعد الانتقال إلیه وإن لم یشمله من الابتداء یعنی قبل تملّکه، فلا یحتاج إلی الاجازة بعد ذلک.

إلاّ أنه مندفع بأنّ العمومات لا تشمله حین المعاملة لأنه لیس بملکه، وبعد ما صار ملکه لم یقع علیه بیع لتشمله العمومات لأنّها خطابات للملاّک، وقبل الانتقال لا ملک لتشمله وبعده لا بیع حتّی نتمسّک فی صحّته بالعمومات، وبهذا ظهر ما فی جواب شیخنا الأنصاری قدس سره من أنّ المقام مقام استصحاب حکم الخاص لا مقام الرجوع إلی حکم العام، فإنّ الدوران بین الأمرین إنّما هو فیما إذا کان هناک فرد وقد خرج عن حکم العام فی زمان وبعده یقع الکلام فی أنّ الفرد محکوم بحکم المخصّص بالاستصحاب أو أنه مشمول للعام وهو بحث مشهور، وهذا غیر متحقّق فی المقام إذ قبل التملّک لا فرد للعقد إذ لا عقد له قبل الانتقال إلیه وقد عرفت أنه خطاب للملاّک دون غیرهم، وبعد الملک لا بیع ولا عقد له لتشمله العمومات، هذا.

ولو سلّمنا وبنینا علی أنّ مقتضی العمومات صحّة البیع بعد الانتقال إلیه فیکفینا فی الحکم بالبطلان الأخبار المتقدّمة الدالّة علی فساد البیع قبل الملک فتکون هذه الروایات

ص:65


1- 1 . المکاسب 3/457.

مخصّصة للعمومات.

فالمتحصّل أنه لا وجه للحکم بالصحّة من دون توقّف علی الإجازة بوجه.

ومن ذلک یظهر أنّ ما أفاده شیخنا الأُستاذ(1) من أنّ المعاملة إنّما تتوقّف علی الإجازة لأجل أمرین: أحدهما الرضا. وثانیهما: الاستناد، وکلاهما حاصلان فی المقام لأنّ المفروض أنه باعه لنفسه فلا نحتاج إلی الإجازة بعد الانتقال، من غرائب الکلام، لأنّ

المعتبر من الرضا والاستناد إنّما هو رضا المالک واستناد العقد إلیه، لا رضا غیر المالک والاستناد إلیه، وهو قبل الانتقال غیر مالک فلا یکفی رضاه والاستناد إلیه قبل الانتقال، وأمّا بعده فلم یحصل منه شیء من الأمرین بحسب الفرض.

نعم هناک صورة أُخری ذکرناها فی أوائل البحث وهی ما لو باعه فعلاً ما سیملکه بعد الموت فی الارث أو بعد الشراء فی البیع، وهذا علی نحو التعلیق بأن یکون الانشاء فعلیا والملکیة بعد مدّة، والرضا والاستناد فیها صحیحان إلاّ أنّها باطلة لأجل الإجماع علی بطلان التعلیق فی العقود، والأخبار الناهیة عن الشراء قبل أن یشتریه البائع من مالکه، وهذه الصورة خارجة عمّا نحن فیه، إذ الکلام فیما إذا کان البیع بحیث لو أجازه المالک صحّ، وهذا لا یصحّ ولو بإجازة المالک لاختلاله من ناحیة اُخری»(2).

وأمّا ما ذکره شیخنا الأُستاذ(3) قدس سره من أنّ الوارث قائم مقام مورّثه فی المالیات فإذا أجاز المعاملة فکأنّ المورّث أجازها فتکشف عن الملکیة من زمان حیاة المورّث، فهو من غرائب الکلام، إذ لم یرد دلیل علی ذلک التنزیل ولم یدلّ شیء علی أنّ الوارث کالمورّث فی جمیع الأحکام،بل إنّما ورد أنّ ما ترکه المیّت فلوارثه، وهذا یکشف عن أنّ المیّت قد ترکه وزالت ملکیته عنه والوارث شخص آخر غیره کما هو ظاهر»(4).

ص:66


1- 2 . منیة الطالب 2/126.
2- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/(36-34).
3- 2 . منیة الطالب 2/127.
4- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/34.
الصورة الثانیة فی رأی المحقّق السیّد الخمینی

قال قدس سره : «ولو لم یجز البائع بعد تملّکه فالظاهر صحّة بیعه، سواء دخل تحت الأخبار المتقدّمة أم لا؛ لما عرفت من أنّها لا تدلّ علی بطلان البیع.

نعم، یقع الکلام هاهنا فی مقامین:

الأوّل: فی أنّه هل یحتاج بیعه بعد تملّکه إلی الإجازة، أم ینتقل المبیع إلی المشتری بمجرّد تملّکه؟

الثانی: فی وجوب الإجازة علیه لو قلنا: باحتیاجه إلیها.

[المقام الأوّل]:

الأشبه بالقواعد عدم الاحتیاج، لأنّ إنشاء البیع صدر من البائع لنفسه، وعدم التأثیر إنّما هو من جهة عدم الملک، فإذا حصل دخل فی عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وسائر

الأدلّة العامّة، وإنّما الشکّ فی عدم الانتقال؛ لأجل الشکّ فی اعتبار مقارنة الملکیّة لإنشاء البیع.

وهو محصّل ما أفاده الشیخ الأعظم قدس سره من أنّ البائع بعد ما صار مالکا، لم تطب نفسه بکون ماله للمشتری الأوّل، والتزامه قبل تملّکه بکون هذا المال المعیّن للمشتری، لیس التزاما إلاّ بکون مال غیره له.(1)

وهو یرجع إلی اعتبار أمر زائد علی ماهیّة العقد بشرائطه، وهو مالکیّة المنشئ للعقد لنفسه حال العقد، ومعلوم أنّ اعتبار ذلک لیس متیقّنا، بل مشکوک فیه، فیندفع بإطلاق الأدلّة کسائر الشکوک.

وهذا بوجه نظیر ما إذا باع الراهن العین المرهونة، أو باع السفیه العین التی هی مورد حجره، ثمّ ارتفع المانع، فإنّهما أیضا لایحتاجان إلی الإجازة، بل یصحّان بمجرّد رفع الحجر، واحتمال مقارنة الإنشاء مع عدم المانع، یُدْفَعُ بالإطلاق.

ص:67


1- 1 . المکاسب 3/457.

حول کلام الشیخ قدس سره فی المقام

وعلی ما ذکر یسقط ما أفاده الشیخ قدس سره فی المقام: من التمسّک بقاعدة السلطنة، وعدم الحلّ إلاّ بطیب النفس(1)، فإنّ المعاملة التی أوجد البائع سببها باختیاره وطیب نفسه، لم یکن النقل فیها بعد حصول الشرط _ أعنی المالکیّة _ مخالفا لقاعدة السلطنة وغیرها، نظیر الأصِیْلِ فی الفضولیّ من أحد الطرفین إذا أوجد سبب البیع باختیاره وطیب نفسه، ثمّ أجاز المالک، وانتقل الثمن أو المثمن من الأصیل حال إجازة غیره، فإنّه لم یکن هذا الانتقال _ بعد إیجاده أحد جزئی السبب _ مخالفا لقاعدة السلطنة واحترام مال الغیر.

وإن شئت قلت: إنّ القاعِدَتَیْنِ مؤکّدتان للصحّة، لا معارضتان لها؛ فإنّ الانتقال لم یکن قهرا علی البائع، بل بتسبیب منه، ومعلوم أنّ أسباب النقل بأجمعها لیست تحت اختیار أحد المتعاملین فی المعاملات.

وممّا ذکرناه یتّضح: أنّ دعوی معارضة القاعدتین لدلیل وجوب الوفاء(2) لیست مُتَّجِهَةً.

ثمّ إنّه لو شککنا فی شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لمثل ذلک البیع، لا یصحّ التمسّک

بالقاعدتین؛ لاحتمال خروج المال بواسطته عن ملکه، فصارت(3) الشبهة موضوعیّة، أو کالموضوعیّة، فإنّ حصول الملک للبائع الأوّل عند الاشتراء وإن کان معلوما، ولکن مع احتمال کون الانتقال بتسبیب منه _ غیر مخالف للقاعدتین کما مرّ(4)_ لا یصحّ التمسّک بهما إلاّ بعد إحراز الموضوع.

نعم، یمکن احرازه باستصحاب ملکهما، فحینئذٍ لا یصحّ البیع إلاّ بإجازته للقاعدتین.

ومع الغضّ عن ذلک، لا یصحّ التمسّک بالاستصحاب لإثبات إجازة المالک مؤثّرة

ص:68


1- 2 . المکاسب 3/457.
2- 3 . المکاسب 3/457.
3- 1 . کذا؛ [فَتَصِیْرُ] أحسن.
4- 2 . راجع کتاب البیع 2/380 له رحمه الله .

فی النقل، بناءً علی أنّ السبب هو العقد المتعقّب أو المتقیّد بالإجازة أو العقد بسببیّتها؛ فإنّ إحراز تلک العناوین بالأصل مثبت، إلاّ أن یکون الموضوع للنقل أو السبب له مرکّبا من العقد والإجازة، وکان الحکم الشرعیّ مترتّبا علی العقد وإجازة المالک، فیحرز بالوجدان والأصل، مع الغضّ عن الإشکال فی الموضوع المرکّب.

ثمّ إنّ الشیخ الأعظم قدس سره _ بعد فرض أنّ مقتضی عموم وجوب الوفاء بالعقود علی کلّ عاقد، هو اللزوم علی البائع بمجرّد الانتقال إلیه، وإن کان قبله أجنبیّا لا حکم لوفائه ونقضه _ ضعّفه بأنّ البائع غیر مأمور بالوفاء قبل الملک، فیستصحب، والمقام مقام استصحاب حکم الخاصّ، لا مقام الرجوع إلی حکم العامّ، ثمّ أمر بالتأمّل.(1)

وهذا بظاهره واضح الإشکال؛ ضرورة أنّه من قبیل التخصّص لا التخصیص.

لکن یمکن توجیهه: بأنّ مقتضی عموم وجوب الوفاء، هو اللزوم بالنسبة إلی هذا الشخص الذی باع ملک الغیر لنفسه، فیجب علیه الابتیاع من الغیر، والردّ إلی المشتری وإن لم یکن ملکا له، کما مرّ منه نظیره فی بیع الفضولیّ بالنسبة إلی الأصیل: من أنّ مقتضی وجوب الوفاء بالعقد هو اللزوم بالنسبة إلیه، فلا یصحّ الفسخ منه، وإن صحّ الردّ من المالک الأصلیّ.(2)

فیکون حاصل مراده: أنّ هذا العقد الصادر من البائع، لمّا کان عقدا لنفسه، یجب علیه الوفاء من أوّل الأمر، فیجب علیه الاشتراء، وینتقل منه بمجرّده.

لکن لا إشکال فی خروج قطعة من الزمان عن لزوم الوفاء، وهو حال عدم کونه مالکا؛ بإجماع أو تسلّم، فکان(3) المقام من موارد اختلافهم فی التمسّک باستصحاب حکم المخصّص، أو بالعموم، أو إطلاق العامّ.

وهذا التوجیه وإن کان مخالفا لظاهر کلامه بدوا، لکنّه أولی من توهّم عدم تفریقه بین التخصیص والتخصّص، وتقدیم أصالة عدم النقل علی القواعد الاجتهادیّة.

ص:69


1- 3 . المکاسب 3/458.
2- 4 . المکاسب 3/415.
3- 1 . کذا؛ [فیکونُ] أحسن.

ولعلّ أمره بالتأمّل(1) لإنکار شمول العامّ لما قبل الملک، فیکون من قبیل التخصّص لا تخصیص العامّ، وهذا أمر یجب البحث عنه فی مجال أوسع.

ولقائل أن یدّعی إطلاق دلیل وجوب الوفاء والشرط لما قبل الملک، فیجب علیه الاشتراء للعمل بمضمون العقد، وکذا لو باع ما لایملکه أحد، کطیر معیّن، ومقدار مشخّص من المعدن، فیجب علیه أخذ الطیر واستخراج المعدن والتسلیم إلی المشتری، ولا یبعد أن یکون ذلک عقلائیّا أیضا، فتأمّل.

ثمّ إنّه یمکن استفادة عدم الاحتیاج إلی الإجازة من بعض الروایات المتقدّمة، کصحیحة یحیی بن الحجّاج(2) بناءً علی ما مرّ: من أنّ النهی عن البیع قبل الاشتراء إنّما هو لأجل التخلّص عن الربا، لا للإرشاد إلی بطلان البیع.(3)

فحینئذٍ لو توقّف بیعه قبل الاشتراء علی الإجازة بعده، کان له التخلّص عن الربا بعدم الإجازة، فلا یکون البیع ثمّ الاشتراء موجبا للربا.

والظاهر منها أنّ الموجب نفس البیع والاشتراء، وهو لا یتمّ إلاّ علی فرض عدم الاحتیاج إلی الإجازة، والأمر سهل بعد ما عرفت من أنّ مقتضی القاعدة الصحّة من غیر احتیاج إلی الإجازة.(4)

[المقام الثانی]:

ومن بعض ما ذکرناه یظهر الکلام فی المقام الثانی، وهو وجوب الإجازة علیه لو قلنا: باحتیاج العقد إلیها؛ بأن یقال: إنّ مقتضی إطلاق وجوب الوفاء علیه العمل علی طبق

مضمونه، وهو لا یحصل إلاّ بإجازته.

إلاّ أن یقال: إنّ الإجازة _ کالقبول _ من متمّمات العقد، لا من مقتضیاته وجزء

ص:70


1- 2 . المکاسب 3/458.
2- 3 . وسائل الشیعة 18/50، ح7، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
3- 4 . راجع کتاب البیع 2/371 له قدس سره .
4- 5 . راجع کتاب البیع 2/379 له رحمه الله .

مضمونه، فتدبّر»(1).

المختار فی الصورة الثانیة

«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» خطاب إلی الملاّک فلا یشمل البائع مال غیره قبل أن یشتریه من مالکه، ولکنّه بعد أن یشتریه یشمله الخطاب، وذلک مثل مَنْ لم یکن مستطیعا للحج ثمّ صار مستطیعا فیشمله أدلة وجوب الحج.

فلا تعارض الآیة الشریفة قاعدة السلطنة وحدیث طیب النفس لأنّ البائع بنفسه أقدم علی البیع وبعده لیس المال له حتّی یجری فی حقّه قاعدة السلطنة وحدیث طیب النفس.

وکذلک لا یجری استصحاب حکم قبل تملّک البائع لما بعده لتغییر الموضوع عرفا، حیث المالک للمال وغیره بینهما فرق جوهری فی المعاملات.

وأما فحوی موثقة الحسن بن زیاد الطائی وصحیحتی معاویة بن وهب فلا یتم فی الصورة الثانیة، لأنهنَّ نصوص نعمل بها فی موردها الخاص وهو نکاح العبد.

وأمّا الإشکال علی شمول خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بعد تملّک البائع، بأنّه بعد تملّکه لا یجری عقدا فلایتم لأنّ البیع هو تبادل المالین ولا ینظر إلی طرفی العقد بخلاف النکاح، فالبائع أجری العقد بنفسه ثمّ صار مالکا للمال فیشمله الخطاب.

نعم، بعد تملّکه یحتاج إلی الإجازة المستأنفة لا لاستناد البیع إلیه وإعلام رضایته، بل لما ورد من نصوص المسألة (من باع شیئا ثمّ ملکه) من عدم ایجاب البیع وعدم قطعیته وإلاّ یبطل، فهذه الصورة تحتاج إلی الإجازة المستأنفة حتّی تخرج من البطلان.

وإذا أجاز البائع بعد تملّکه صحّ البیع عندنا خروجا عن نصوص البطلان، وإذا لم یجز بطل.

وممّا ذکرنا تَظْهَرُ وجوه موارد خلافنا مع الأعلام والحمد للّه العالم بالأحکام.

ص:71


1- 1 . کتاب البیع 2/(383-379).

المسألة الثالثة: لو باع بزعم عدم جواز التصرف فبان جوازه

اشارة

لو اعتقد البائع عدم جواز تصرفه فی المبیع ثمّ انکشف خلافه وظهر کونه جائز التصرف فهل یکون بیعه صحیحا أم لا؟

وللمسألة صور أربع: لأنّ الاعتقاد بعدم جواز التصرف تارةً یَنْشَأُ من عدم الولایة واُخری من عدم الملک ولکن بان أنّه ولیٌّ أو مالکٌ. وعلی کلّ منهما إمّا أن یبیع لنفسه أو أن یبیع لمالکه فتکون الصُوَرُ أربعا.

الصورة الأولی: لو باع عن المالک فانکشف کونه ولیّا
اشارة

قال الشیخ الأعظم: «فلا ینبغی الإشکال فی اللزوم حتّی علی القول ببطلان الفضولی»(1).

لأنّ البائع العاقد فی الواقع یکون ولیّا ولیس فضولیّا فیصدر العقد من أهله وفی محلّه، لأنّا نعلم ثلاثة أمور تُصَحِّحُ جواز التصرف: 1_ الملک، 2_ الولایة، 3_ الإذن، والأخیر قد یکون سابقا علی التصرف فهو الوکالة وقد یکون لا حقا به فهو الإذن للفضول.

ولکن یُحکی عن القاضی ابن البَرّاج أنّ المعاملة الصادرة ممّن یزعم أنّه فاقد الولایة مع امتلاکه لها باطلة.

والحاکی عنه هو العلاّمة فی المختلف فی کلام طویل له [للقاضی] أنّه قال: «... وإذا أذن السیّد لعبده فی التجارة فباع واشتری وهو لایعلم بإذن سیّده ولا علم به أحد، لم یکن مأذونا له فی التجارة ولا یجوز شی ء ممّا فعله، فإن علم بعد ذلک واشتری وباع جاز

ص:72


1- 1 . المکاسب 3/459.

ما فعله بعد العلم بالإذن ولم یجز ما فعله قبل ذلک، فإن أمر السیّد قوما أن یبایعوا العبد والعبد لایعلم بإذنه له کان بیعه و شراؤه منهم وجری ذلک مجری الإذن الظاهر، فإن اشتری العبد بعد ذلک من غیرهم وباع کان ذلک جائزا...»(1).

ثمّ ردّه العلاّمة بقوله: «... ولا یفتقر الإذن فی التجارة إلی علم العبد، فلو أذن المولی ولم یعلم العبد فباع العبد صحّ بیعه لأنّه صادف الإذن فی التجارة ولا یؤثر فیه إعلام المولی بعض المعاملین...»(2).

واستحسن الشیخ الأعظم(3) هذا الردّ من العلاّمة.

اعتراض الفقیه الیزدی علی ردّ العلاّمة

قال: «الظاهر أنّ نظر القاضی إلی أنّ الإذن فی البیع مع فرض عدم اطلاع المأذون وعدم اطلاع غیر أیضا علیه لا یعدّ إذنا، وهذا بخلاف ما لو اطلع علیه أحد، سواء کان هو المأذون أو غیره، والظاهر یقتضی ما ذکره فإنّ مجرد إنشاء الإذن من عند نفسه من غیر حضور أحد لایکفی فی الخروج عن الفضولیة، إذ لا فرق بینه وبین الرضا الباطنی من دون إنشاء ظاهری، وقد عرفت سابقا عدم کفایته، إذ لابدّ فی الخروج عن الفضولیة من إسناد صدور البیع إلیه ولو بالواسطة وهو لا یتحقّق إلاّ بمظهر خارجی فالإذن وإن کان من الإیقاعات ولیس کالتوکیل ممّا یحتاج إلی القبول إلاّ أنّ صدقه موقوف علی الإظهار الخارجی.

نعم، لو قلنا بالخروج عن الفضولیة بمجرد طیب بالنفس الواقعی کفی الإذن المفروض بالأولی، لکنّک عرفت عدم کفایته إلاّ بالنسبة إلی الحکم التکلیفی من رفع حرمة التصرف فی مال الغیر... فما أورده علیه فی المختلف فی غیر محلّه بل هو مصادرة مخصة...»(4).

ص:73


1- 2 . مختلف الشیعة 5/435.
2- 1 . مختلف الشیعة 5/437.
3- 2 . المکاسب 3/459.
4- 3 . حاشیة المکاسب 2/247 و 246.

أقول: السیّد الیزدی یری الإذن إذنا إذا أُبْرِزَ بِمُظْهِرٍ خارجی واطلع علیه غیره، والإذن النفسانی من دون إبراز وإظهار واطلاع الغیر لا یصحّح المعاملا ت والعقود.

دفاع المحقّق النائینی عن الشیخ الأعظم
اشارة

قال قدس سره معلِّقا علی المسألة الثالثة والصورة الأُولی منها: «لا یخفی أنّ ربط هذه المسألة بالمسألتین السابقتین منوط بما ذکرنا فی الجهة الثالثة من الجهات الراجعة إلی شرائط المجیز، وهو: أنّ عدم جواز تصرّف المجیز حال العقد إمّا واقعیّ وإمّا خیالیّ،

ونقّحنا الواقعیّ فی ضمن مسألتین، فإنّ عدم جواز التصرّف واقعا إمّا لتعلّق حقّ الغیر بالمال، وإمّا لعدم کونه مالکا. فبقی حکم الخیالیّ، وهو علی صورٍ أربع لأنّ اعتقاد عدم جواز التصرّف المنکشف خلافه إمّا لعدم الولایة فانکشف کونه ولیّا، وإمّا لعدم الملک فانکشف کونه مالکا. وعلی کلا التقدیرین: فإمّا یبیع لنفسه أو عن المالک.

فالصورة الاُولی: أن یبیع عن المالک فانکشف کونه ولیّا. والظاهر من المصنّف قدس سره صحّتها من دون توقّفٍ علی إجازة المالک.

ولا یخفی أنّ الولایة علی قسمین: إجباریّة واختیاریّة، والإجباریّة: إمّا بموهبةٍ من اللّه سبحانه کولایة الأب والجدّ، وإمّا بموهبةٍ من المخلوق کولایة العبد المأذون من قبل المولی فی التجارة. والاختیاریّة کولایة القیّم علی الصغار والوکیل.

ثمّ لا یخفی أنّ صحّة هذه المعاملة وفسادها مبنیّان علی أن یکون العلم بالولایة أو الالتفات بالوکالة طریقیّا أو موضوعیّا، فلو قلنا بالطریقیّة فلا إشکال فی الصحّة؛ والأقوی کونه کذلک؛ لأنّ الأحکام تدور مدار موضوعاتها واقعا، وکونها منوطةً بالعلم بها یتوقّف علی دلیل.

نعم، ولایة العبد لیست فی الظهور کولایة سائر الأولیاء، فإنّه بعد ما دلّ الدلیل علی حجره وعدم قدرته علی شی ءٍ یشکّ فی خروجه عن العجز بمجرّد إذن المولی واقعا مع عدم علمه به. وکون إعطاء الإذن من آثار سلطنة المولی لا ینافی فساد بیعه؛ لاعتبار علمه برفع الحجر.

وبالجملة: فکما أنّ العجز فی امتثال الخطابین المتزاحمین لا یتحقّق إلاّ مع العلم

ص:74

بهما، فکذلک القدرة لا تتحقّق للعبد إلاّ بوصول الإذن إلیه، لعدم صدق کونه قادرا مع عدم العلم بها. ولکنّ الأقوی عدم الفرق بین القدرة والوکالة والولایة فی أنّ العلم فی کلٍّ منها طریقیّ.

هذا، مع أنّ الّذی یهوّن الخطب أنّ العبد وإن لم یصر قادرا شرعا بالإذن الواقعیّ إلاّ أنّه لیس کالصبیّ والمجنون مسلوب العبارة، فیکون بیعه لمولاه من أفراد الفضولیّ فیتوقّف علی إجازة المولی. کما أنّه لو قلنا بموضوعیّة العلم فی جمیع أنحاء الولایة فمع عدم العلم بها یدخل البیع فی الفضولیّ، ولکنّ احتمال موضوعیّته فی باب ولایة الأب والجدّ والحاکم الشرعیّ والقیّم ضعیف. فعلی القول ببطلان الفضولیّ یصحّ هذا البیع لخروجه عنه بالإذن الشرعیّ أو المالکیّ، وفی هذه الصورة لا تتوقّف الصحّة علی

الاجازة؛ لأنّ الإذن السابق لا یقصر عنها»(1).

الأعلام الذین یَرَوْنَ اعتبار الإعلام فی الإذن فی المراد من عبارة القاضی

ولعلّ الإعلام هو مراد المحقّق الایروانی حیث قال: «وظنّی أنّ مقصود القاضی من عبارته المنقولة فی المتن لیس ما فهم من ظاهر کلامه وانّما غرضه اعتبار الإذن الظاهر من المولی فی صحة معاملات العبد بمعنی الإنشاء للإذن وعدم الاکتفاء بالرضا الباطنی ویشهد به حکمه [القاضی] بصحة معاملات العبد إذا أمر السیّد قوما أن یبایعوا العبد، والعبد لا یعلم، سواء عامل هؤلاء القوم أم غیرهم بشرط أن یکون المستفاد من أمر القوم بالمعاملة مع العبد عموم الإذن بلا خصوصیة للقوم...»(2).

وقال: «ظاهر هذه العبارة [عبارة القاضی] اعتبار إنشاء الإذن والرخصة وعدم الاکتفاء بالرضا الباطنی لا اعتبار علم البائع... فیکون خلاف القاضی فی أصل مسألة الاکتفاء بالرضا فی الخروج عن الفضولیة وفی ما هو الشرط لا فی مسألتنا هذه وهی وجود الشرط مع عدم العلم به»(3).

ص:75


1- 1 . منیة الطالب 2/129 و 128.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/299 و 300.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/301.

أقول: وصف الایروانی الإذن بالظاهر، والظهور العرفی لا یصدق إلاّ فی مقابل الغیر.

ویری المحقّق الاصفهانی الإذن بأنّه مساوق للإعلام والإظهار حیث یقول: «... الإذن أصله الإعلام ومنه قوله تعالی: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ»(1) أی اعلموا بالحرب، وشاع فی إظهار الرخصة وإظهار الرضا، ومن الواضح أنّ قصد الاظهار جدّا لا یتمشّی من العاقل إلاّ إذا کان بحضرته من یظهره له، وإلاّ فلا یعقل الإظهار والإراءة...»(2).

ویری قبلهما التستری(3) بأنّ نظر القاضی إلی أنّ إظهار الرضا مع عدم إطلاع الغیر لا یعدّ إذنا عرفا.

وقبلهم قال جدی الشیخ جعفر ذیل الصورة الرابعة: «... وفی تعمیم الحکم حتّی

بالنسبة إلی الوکلاء والاولیاء بعد الإعلام بولایتهم ووکالتهم إشکال»(4).

وکذلک یری الفقیه الشریعتمداری توجّه الإذن بل وصوله إلی المأذون حتّی یَصِحَّ إسناد الفعل إلی الآذن وقال: «وبالجملة، فی باب إسناد الفعل إلی الآذن والمجیز الذی کان هو المنشأُ للأثر وکان هو المنشأ لخروج العقد عن الفضولیة، یعتبر فیه أن یکون المستند فعلاً تسبیبا للإذن ولا یتحقّق هذا إلاّ أن یتوجَّه علی المأذون إیجاد الفعل ویکون مستندا إلیه.

بناءً علیه: فرضهم أنّه إذا أذن الآذن والمجیز مع أنّ الأجیر لم یتوجّه إلی الإذن وعمل الفعل یکون صحیحا لأنّه تحقّق الفعل والإذن، لایصح لأنّ هذا الفعل لم یکن مربوطا للآذن ولم یکن الفعل مستندا إلی الموکّل، هذا واضح فی باب الوکالة والإذن لا یخفی حکمه.

ص:76


1- 4 . سورة البقرة /279.
2- 5 . حاشیة المکاسب 2/241.
3- 6 . مقابس الأنوار /136.
4- 1 . شرح القواعد 2/98.

وأمّا فی مورد الولایة: الإجباریّةِ مِن قبیلِ ولایةِ الأبِ والجدِّ فلمْ تکنِ المسألةُ واضحةً کوضوحِ بابِ الوکالةِ والإذنِ.

لکن یمکنُ أنْ یقالَ: انّ ولایةَ الأبِ أوْ الجدِّ والوصیِّ أو الحاکمِ أو عدولِ المؤمنینَ، هِیَ(1) بمثابةِ ولایةِ الوکیلِ بإذنٍ مِن المالکِ ویعملُ الأبُ والجدُّ والوصیُّ والحاکمُ أو عدولُ المؤمنینَ، العملَ الّذِی یعملُ الوکیلُ باذنٍ منَ المالکِ.

غایةُ الامرِ، انَّهُ باذنٍ منَ الشّارعِ ولیسَ فرقٌ بینهُما فی ماهیَّةِ العملِ بلْ فی نحوِ الولایةِ وتلکَ الولایةُ، مبذولةٌ منَ المالکِ وتلکَ، مبذولةٌ منَ الشّارعِ ولکنْ لمْ یکنْ فرقٌ بینهُما فی نحوِ العملِ.

بعبارةٍ أخری: ولایةُ الولیِّ من قبلِ الشّارعِ فی موردِ الصّغارِ.

معناهُ ولایةُ العملِ تکونُ مستندا إلی ولایتهِ وسمةِ القیمومیّةِ ولیسَ معنِی الولایةِ، جوازَ بیعِ مالِ الصّغیر لنفسِهِ أو بیعِ المالِ بعنوانِ الاستقلالِ.

بالجملة: لا فرقَ فی ماهیّةِ العملِ ونحوِ الولایةِ استِنادا إلی الصّغار بینَ الولایةِ الإجباریَّةِ وبینَ الولایةِ الاختیاریّةِ.

وانّما الفرقُ بینهما فی مُعطی الولایةِ حیثُ أنّ فی الولایةِ الإجباریّةِ، یکونُ مُعطِی الولایةِ، الشّارعُ وفی الولایةِ الاختیاریّةِ، هوَ المالکُ.

فظهرَ مما ذکرناه أنَّ فرضَ کونِ المسألةِ واضحا لا اشکالَ فیهِ، لا یخلُو عنْ اشکالٍ وشبهةٍ قویَّةٍ ویظهر ذلک من مراجعةِ کلماتِ الفقهاءِ فی بابِ الوکالةِ وفروعَها(2)»(3).

وتبعهم السیّد الخمینی وقال: «وأمّا ما عن القاضی فی إذن السیّد لعبده فی التجارة فالظاهر هو عدم خلافه فی هذه المسألة، لأنّ الظاهر منه أنّ الإذن إذا لم یطّلع علیه أحد _ لا العبد ولا غیره _ لیس إذنا فعدم صحته علی ذلک، لأجل عدم کونه مأذونا نافذ التصرف

ص:77


1- 2 . وفی المصدر: کان.
2- 1 . وفی المصدر: وفروعاتها.
3- 2 . تحقیق و تقریرات فی باب البیع والخیارات 3/122 و 121.

وهو غیر مسألتنا»(1).

وتابعهم شیخنا الاستاذ رحمه الله وقال: «قد ذکرنا مرارا أنّ کلاًّ من الإذن والإجازة من الأُمور الإنشائیة ویکون الإبراز مقوّما لهما، ومجرد إظهار المالک من عند نفسه رضاه بالمعاملة التی تصدر عن الغیر أو صدرت عنه لا یکون إذنا أو إجازة، بل لابدّ من کون الإظهار بحیث یصل إلی الغیر سواء کان ذلک الغیر هو العاقد أو غیره.

وبتعبیر آخر: لایکون فی الحقیقة إظهار فیما إذا کان الإبراز بحیث لایصل إلی الغیر ولایبعد أن یکون المحکی عن القاضی فی المقام یرجع إلی ما ذکر»(2).

أقول: جماعة من الفقهاء نحو: الشیخ اسداللّه التستری والمحقّقین الیزدی والإیروانی والأصفهانی و الشریعتمداری والخمینی والتبریزی یحملون العبارة المنقولة عن القاضی إلی اعتبار أن یکون الإذن فی مقابل الغیر وإلاّ لا یصدق علیه الإذن.

وبعبارة أُخری: اعتبار الإظهار والإرائة والإعلام فی الإذن، واختاره بعضهم نحو: المحقّقین الیزدی والأصفهانی والشریعتمداری والتبریزی رحمهم الله .

مخالفة المحقّق السیّد الخوئی مع الأعلام فی الإعلام

ولایری وجها لما أفاده [القاضی] من اعتبار الإعلام فی الإذن(3) وقال فی وجهه: «فإنّا وإن لم نکتف فی الاستناد وخروج العقد عن الفضولیة بمجرد الرضا الباطنی إلاّ أنّه یکفی فیه الرضا المبرز وإن لم یصل إلی المأذون ولا إلی غیره فإذا فرضنا أنّ المولی کتب إلی العبد یأذنه فی التجارة وهو باع ماله قبل وصول الکتاب إلیه صح بلا إشکال، لأنّ

مجرد الکتابة مبرز للرضا خصوصا فی بیع العبد مال نفسه الذی هو محل الکلام، فإنّه کما ذکرنا لا قصور فیه إلاّ من ناحیة رضا المالک المعتبر فیه شرعا فلا حاجة فیه إلی الإبراز أصلاً»(4).

ص:78


1- 3 . کتاب البیع 2/386.
2- 4 . إرشاد الطالب 4/60.
3- 5 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/37.
4- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/443.
تبعیة صاحب العقد النضید للسیّد الخوئی وردّه علی المحقّق الاصفهانی

قال: «... إنّ معرفة حقیقة الرضا متوقفة علی استقصاء الاستعمالات العرفیة، وغایة ما یمکن أن نقوله من خلال الاستقصاء المذکور، هو أنّ حقیقة الإذن وأضرابه کالإجازة کونها معدودة من الاُمور الواقعیّة _ سواء اعتبرناه من الاُمور الإنشائیّة أو أنّه مجرّد مبرز لأمر نفسانی _ التی قد تصل إلی الغیر وقد لا تصل، والشاهد له صحة إطلاق القول: «بأنّنی کنتُ مأذونا لکنّی أجهل ذلک» بلا مسامحة وبالتالی فلو اعتبرنا الوصول مقوّما ومحقِّقا للإذن لعدّ إطلاق القول المذکور مجازا. وعلیه فإنّ حقیقة الإذن غیر متقومة بالوصول إلی الغیر ومعرفته بمأذونیّة المتعامل، بل یکفی الصدور فی صحّة المعاملة الصادرة من المأذون وإن لم یعلن عنه الآذن، أو أعلنه لکن لم یتطرّق ذلک إلی أسماع الآخرین ومنهم البائع، کما لو کتب رسالة إلی عمیل له فی مدینة اُخری یخبره أنّه مأذونٌ من قبله فی القیام بمعاملة معیّنة، فالعمیل یعدّ ماذونا وتصحّ معاملاته من حین کتابة الرسالة لا من حین وصولها إلیه»(1).

المختار فی حکم الصورة الاُولی

لو باع عن المالک فانکشف کون البائع ولیّا، البیع یکون تاما لازما ولا یحتاج إلی الإجازة المستأنفة کما علیه الشیخ الأعظم(2).

وأمّا العبارة المحکیة عن القاضی ابن البراج فلا تدلّ إلاّ علی اعتبار الإعلام فی الإذن کما استظهره جمع من الأعلام قدس سرهم منه رحمه الله ، وهو کلام متین لابدّ من اختیاره لعدم صدق الإذن إلاّ فی مقابل الغیر ولو کان ذلک الغیر غیر البائع.

وأمّا النقض بکتابة الرسالة(3) فغیر واردٍ، لأنّ الکتابة وإیصالها إلی المأذون أبلغ إعلام، ونحن لا نعتبر وصول الإذن حتّی ینتقض علینا بمثل هذا النقض بل نعتبر حضور

واحد فی حین صدور الإذن من الآذن حتّی بلغه ذلک الغیر أو نفس الآذن إلی المأذون.

ص:79


1- 2 . العقد النضید 3/453.
2- 3 . المکاسب 3/459.
3- 4 . کما علیه المحقّق السیّد الخوئی فی محاضراته 2/443 و تنقیحه 2/37 کما مرّ.

وصحة(1) إطلاق جملة: «إنّنی کنتُ مأذونا لکنّی أجهل ذلک» وعدم مجازیتها تدلّ علی عدم اعتبار الوصول لا الإعلام وبنیهما برزخ لا یخفی علی مثل الاُستاذ المحقّق _ مد ظله _ المقرر له. والحمد للّه کما هو أهله.

الصورة الثانیة: لو باع لنفسه فانکشف کونه ولیّا
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم(2) إلی صحتها وإلی «أنّ قصد بیع مال الغیر لنفسه لا ینفع ولا یقدح»(3) کما مرّ منه(4) قدس سره .

ثمّ هل یتوقّف نفوذ العقد علی إجازة العاقد الولی للمولّی علیه؟ قال الشیخ الأعظم: «علیه وجه لأنّ قصد کونه لنفسه یوجب عدم وقوع البیع علی الوجه المأذون فتأمّل»(5).

تعلیله رحمه الله یدل علی توجیه اعتبار الإجازة بإلغاء کون العقد للبائع العاقد الولی حتّی یصیر بهذا الإلغاء عقدا للمولّی علیه. ثمّ أمر بالتأمل ولعلّه إشارة إلی ما مرّ منه من لغویة قصد کون العقد للبائع شرعا وعدم نفعه وقدحه، فالأمر موکول إلی وجه المصلحة فی هذا البیع للمولّی علیه فإن کانت موجودة فلا یحتاج إلی الإجازة وإلاّ لم یفد ألف إجازة.

أو لعلّه اشارة إلی أنّ قصد البیع لنفسه إمّا یقیّد العقد أم لا؟ فعلی الأوّل لا مجال لتصحیح البیع حتّی بالإجازة لأنّه یقیّد بنفسه لا بالمولّی علیه.

وأمّا علی الثانی فیتم العقد من دون الإجازة لأنّها تصحح إسناد العقد إلی المالک ومع صدوره من الولّی فلا نحتاج إلیها. فلذا الاحتمال المذکور فی کلامه قدس سره الذی عقّبه

ص:80


1- 1 . کما علیه الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی العقد النضید 3/453.
2- 2 . المکاسب 3/460.
3- 3 . المکاسب 3/460.
4- 4 . المکاسب 3/(383-377).
5- 5 . المکاسب 3/460.

بالأمر، بالتَّأَمُّلِ ممّا لا وجه له کما علیه المحقّق السیّد الخوئی(1) رحمه الله .

واختار المحقّق الخراسانی تقیید العقد بقصد البیع لنفسه [القسم الأوّل] وحکم بالبطلان خلافا للشیخ الأعظم رحمه الله ثمّ أمر بالتأمل فی آخر کلامه ولعلّه إشارة إلی ما ذکرنا، قال الخراسانی: «بل الظاهر بطلانه ولو أجاز، لمخالفة الإجازة للعقد واستلزام صحته لعدم تبعیته للقصد حیث قصد لنفسه ووقع بإجازته لغیره، فتأمل»(2).

اشکال المحقّق الخراسانی علی الصورتین
اشارة

للمحقّق الخراسانی قدس سره تعلیقة علی الصورة الاُولی تجری فی الثانیة أیضا وهی: «نعم، یشکل فیما کان جواز تصرّفه من جهة ولایته کالأب والجدّ مثلاً، بأنّ منصرف أدلة نفوذ تصرفات الولی غیر ما إذا کان تصرفه کذلک، أی باعتقاد أنّه غیر ولیّ وغیر جائز التصرف. فتأمل»(3).

أقول: وأنت تری عَدَمَ تمامیة هذا الانصراف لأنّ الولایة أمرٌ اعتباریٌّ مجعولٌ للولی سواءً عَلِمَها أم جهلها، ولا مدخلیّة للعلم والجهل فی استقرار الولایة.(4)

نقد المؤسس الحائری علی استاذه الخراسانی
اشارة

«فنقول: الولایة إمّا نفس جواز التصرّف أو مساوق معه، ولا یمکن أن یؤخذ فی موضوعه العلم بنفسه، فإنّ الشیء لا یمکن أن یتوقّف تحقّقه ووجوده علی العلم به، وهذا واضح. وهکذا الحال فی الوکالة، فإنّه عبارة عن القیام مقام المالک فی نفوذ التصرّف ومالکیّة الأمر. وهذ المعنی لا یمکن أن یتوقّف علی العلم به.

وعلی هذا فأدلّة إثبات الولایة للأب والجد ونفوذ تصرّفات الوکیل بعد کون مفادها جعل نفس الولایة ومالکیّة الأمر والمختاریّة فی ذات الولی والوکیل، لا یعقل إنصرافها إلی حال العلم بالولایة والوکالة کما ادّعاه بعض الأساطین فی حاشیته علی هذا المقام من

ص:81


1- 6 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/38.
2- 1 . حاشیة الخراسانی علی المکاسب /73.
3- 2 . حاشیته علی المکاسب /73.
4- 3 . کما فی العقد النضید 3/456.

مکاسب شیخنا المرتضی.

نعم لو فرضنا وجود الدلیل علی أنّ تصرّف الولی والوکیل فی حال الشک فی الولایة والوکالة أو العلم بالخلاف غیر نافذ، لکُنّا ملجئین إلی حمل أدلّة إثبات الولایة الواقعیّة والوکالة کذلک علی مرتبة شأنیّتهما، فیقال: إنّ العلم بتلک المرتبة مولّد للمرتبة الفعلیّة، ولکن بعد عدم هذا الدلیل وانحصار الأمر فی أدلّة واقع الوکالة والولایة لا یمکن دعوی انصرافها مع ظهورها فی المعنی الذی هو عین جواز التصرّف أو یساوقه إلی حالة العلم. ودعوی ظهورها من الأوّل فی الثانیة خلاف الواقع.

وأمّا الفرق بین هذین العنوانین وعنوان المالکیّة حیث نقول: بأنّ نفوذ تصرّف المالک موقوف علی علمه بعنوان مالکیّته هو أنّ المالکیّة أمر وراء السلطنة ونفوذ التصرّف، ولهذا المحجور مالک مع عدم نفوذ تصرّفه، فیمکن أخذ العلم بهذا العنوان فی موضوع الأثر المترتّب علیه، فیقال: المالک إذا علم بأنّه مالک فطیب نفسه مؤثّر، ولکن لا یمکن أن یقال: المختار إذا علم بأنّه مختار یکون مختارا کما لایمکن فی عنوان المالک أیضا أن یقال: إنّ المالک إن علم بأنّ طیب نفسه مؤثّر فطیب نفسه مؤثّر.

وعلی هذا فلابدّ أن یقال فی الفرع المذکور _ أعنی: بیع الولی والوکیل مع علمهما بأنّ هذا المال مال لشخصهما فی الواقع ولیّا أمره، غایة الامر لا یعلمان بالولایة والوکالة _ أنّ البیع صحیح نافذ بلا حاجة إلی إجازة منهما بعد العلم»(1).

اعتراض علی نقد المؤسس الحائری

یرد علیه: أوّلاً: الولایة هنا هی السلطنة للولیّ علی التصرف فی أموال المولّی علیه. والمحقّق الخراسانی لا یقیدها بعلم الولی بکونه ولیّا حتّی یرد علیه ما أورده المؤسس الحائری من النقود.

بل الخراسانی یری إنصراف أدلة الولایة عمّن یعتقد بأنّه لا ولایة له کما یظهر ذلک بالتأمل فی کلامه: «... اعتقاد أنّه غیر ولیّ وغیر جائز التصرف».

ص:82


1- 1 . کتاب البیع 1/382 و 381 لشیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی قدس سره .

ولکن المؤسس الحائری حمل کلامه بانصراف أدلتها إلی مَنْ عَلِمَ بثبوت الولایة فی حقّه، ثمّ اسْتَشْکَلَ علیه بالنقود.

وأنت تری بأنّ منصرَف الأدلة بینهما مُتَعِدّدةٌ فالنقود لا تجری فی حقّ الخراسانی.

وثانیا: قال المؤسس الحائری رحمه الله : «الولایة إمّا نفس جواز التصرف أو مساوق معه»، ولکن الولایة لیست جواز التصرف ولم تکن مساوق معه، بل هی مَنْشَأٌ لجواز التصرف، لأنّها من الحیثیّات الاعتباریة التی یترتّب علیها جواز التصرف تکلیفا أو وضعا فی مال المولّی علیه، وبالتالی یعد جواز التصرف من أحکام الولایة لا نفسها أو ما یساوقها.(1)

الصورة الثالثة: لو باع عن المالک فانکشف کونه مالکا
اشارة

قال المحقّق فی هبة الشرائع: «مسائل: الاُولی: لو وهب فأقبض ثمّ باع من آخر، فإن کان الموهوب له رحما لم یصحّ البیع، وکذا إن کان أجنبیّا وقد عُوِّضَ، أمّا لو کان

أجنبیّا ولم یُعَوِّض قیل: یبطل لأنّه باع ما لایملک، وقیل: یصحّ لأنّ له الرجوع، والأوّل: الأشبه. ولو کانت الهبة فاسدة صحّ البیع علی الأقوال. وکذا القول فیمن باع مال مورِّثه وهو یعتقد بقاءَهُ وکذا إذا أوصی برقبةٍ مُعْتَقِهِ وظهر فساد عتقه»(2).

وقال العلاّمة فی متاجر القواعد: «ولو باع مال أبیه بظن الحیاة وأنّه فضولیٌّ فبان میِّتا _ حینئذ _ وأنّ المبیع ملکه فالوجه الصحة»(3).

وقال فی عطایا الإرشاد: «ولو باع [الواهب] بعد الإقباض للأجنبی صحّ علی رأی ولو کانت فاسدة صحّ إجماعا، وکذا لو باع مال مورِّثه معتقدا بقاءه...»(4).

وقال فی هبة القواعد: «وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة، وصحّ لامعه علی رأی، ولو کانت فاسدة صحّ الإجماعا. ولو باع مال مورِّثه معتقدا بقاءه أو

ص:83


1- 2 . راجع العقد النضید 3/458 و 457.
2- 1 . الشرائع 2/181.
3- 2 . قواعد الأحکام 2/19.
4- 3 . إرشاد الأذهان 1/450.

أوصی بمَنْ اعتقه وظهر بطلان عتقه فکذلک»(1). [أی صحّ إجماعا].

أقول: ظهر من هبتی الإرشاد والقواعد أنّ القول بالصحة إجماعیٌّ.

وقال فی تذکرة الفقهاء: «لو باع بظن الحیاة وأنّه فضولی فبان موته وأنّه مالک صحّ البیع _ وهو أصحّ قولی الشافعی _ لأنّه بیع صدر من أهله وفی محلّه.

وأظعفهما: البطلان، لأنّه کالغائب عن مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره.

وله آخر: أنّه موقوف علی تیقّن الحیاة أو الموت»(2).

وقال فی النهایة: «ولو باع مال أبیه بظن أنّه حیٌّ وهو فضولی، فبان أنّه کان میِّتا حینئذ _ وأنّ المبیع ملک للعاقد، فالأقوی الصحة لصدوره من المالک... ویحتمل البطلان لأنّه وإن کان العقد منجزا فی الصورة إلاّ أنّه فی المعنی معلَّق وتقدیره إن مات مورِّثی فقد بعتک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنَّ المبیع لغیره»(3).

وقال ولده فخرالمحقّقین فی توضیح کلام والده فی متاجر القواعد: «المراد بالصحة هنا اللزوم، ووجه الصحة: أنّه تصرَّفٌ من أهله فی محلِّه.

ویحتمل: وقوفه علی إجازته لأنّه لم یقصد البیع اللازم بل الموقوف علی إجازة

متجددة من الأب أو من یقوم مقامه، ولما اعتبر القصد فی أصل البیع ففی أحواله أولی.

ویحتمل: البطلان لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن الأب لا عنه، ولأنّه وإن کان منجزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ، والتقدیر إن مات مورِّثی فقد بعتک ولأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(4).

وقال فی المفتاح: «قلت: یرید بالأحوال اللزوم وعدمه»(5).

ص:84


1- 4 . قواعد الأحکام 2/409.
2- 5 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 6 . نهایة الإحکام 2/476.
4- 1 . إیضاح الفوائد 1/420.
5- 2 . مفتاح الکرامة 12/628.

ونقل الشهید(1) عن ابن المتوِّج توقّفه علی الإجازة لأنّ نظر البائع فیما یتعلَّق به مغایر لما یتعلَّق بغیره.

وتبعه الشهید(2) فی ذکر احتمال البطلان ومن أنّه لو قیل بالبطلان أمکن.

وقال الشهید: «المراد بالصحة اللزوم من غیر توقّف علی أمر آخر»(3).

وقال المحقّق الثانی معلَّقا علی قول العلاّمة فی القواعد: «قیل: قوله: «وأنّه فضولی» مستغنی عنه. قلنا: بل أراد به الإشعار بمنشأ الوجه الضعیف، أعنی: أنّ العقود تابعة للقصود.

قوله: «فالوجه الصحة»، أراد الصحة من غیر توقف علی شی ء آخر، أعنی: اللزوم، وینبغی أن یکون ذلک موقوفا علی إجازته وهو الأصح، لأنّه لم یقصد إلی البیع الناقل للملک الآن بل مع إجازة المالک، إلاّ أن یقال: قصده إلی أصل البیع کاف ومثله: مالو باعه فضولیا ثمَّ تبیّن شراء وکیله إیّاه»(4).

وقال الشهید الثانی فی ذیل قول المحقّق فی الشرائع: «بمعنی أنّه یحکم بصحة البیع علی تقدیر ظهور موت المورِّث حال البیع، وأنّ البائع باع ما هو ملکه لحصول الشرط المعتبر فی اللزوم وهو صدور البیع عن مالکٍ لأمره.

ویشکل بما مرّ من عدم قصده إلی البیع اللازم، بل إنّما قصد بیع مال غیره وأقدم علی عقد الفضولی فینبغی أن یعتبر رضاه به بعد ظهور الحال، خصوصا مع ادعائه عدم القصد إلی البیع علی تقدیر کونه ملکه. ولعلّ هذا أقوی لدلالة القرائن علیه، فلا أقلّ من

جعله احتمالاً مساویّا للقصد إلی البیع مطلقا فلا یبقی وثوق بالقصد المعتبر فی لزوم البیع...»(5).

ص:85


1- 3 . کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/628.
2- 4 . القواعد والفوائد 2/238، ذیل قاعدة /238.
3- 5 . الحاشیة النجاریة /222، ونقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/627.
4- 6 . جامع المقاصد 4/76.
5- 1 . المسالک 6/51.
الأقوال
اشارة

أقول: فالأقوال إلی هنا تکونُ ثلاثةً.

الأوّل: الصحة مطلقا کما علیه المحقّق فی الشرائع والعلاّمة فی متاجر القواعد

الأوّل: الصحة مطلقا کما علیه المحقّق فی الشرائع والعلاّمة فی متاجر القواعد ویلوح منه فی عطایا الإرشاد وهبة القواعد أنّها محلّ إجماع، وفی التذکرة أنّها أصح قولی الشافعی ورأها الأقوی فی النهایة.

الثانی: الصحة مع صدور الإجازة المتأخرة من المالک العاقد

الثانی: الصحة مع صدور الإجازة المتأخرة من المالک العاقد کما هو أَحَدُ محتملات فخرالمحقّقین من دون اختیار ومذکور فی کلام والده فی التذکرة والنهایة وهو مختار ابن المتوِّج کما نقل عنه الشهید، واختیار المحقّق و الشهید الثانیین ویراه الشیخ الأعظم(1) الأقوی.

الثالث: البطلان

الثالث: البطلان کما هو أضعف قولی الشافعی وَأَحَدُ محتملات فخرالمحقّقین وممکن فی کلام الشهید.

وهنا قول رابع لصاحب الجواهر
اشارة

وهنا قول رابع لصاحب الجواهر قال: «... والمتّجه فیه: الوقوف علی الإجازة _ کما سمعته من الکرکی _ أو إثبات الخیار، إلاّ أنّی لم أجد مَنْ احتمله»(2).

أقول: إنّی وجدتُ مَنْ احتمله واختاره وهو جدنا الشیخ محمّدتقی قدس سره صاحب هدایة المسترشدین حیث یقول: «أنّه لو باع شیئا علی وجه الفضولی ثمّ تبیّن أنّه ملکه کما لو باع مال مورِّثه بظنِّ أنّه حیٌّ وأنّه فضول ثمّ تبیّن موته وانتقال المال إلیه حین العقد فهل یحکم بصحته ولزومه لوقوعه من أهله فی محلّه.

أو یحکم بثبوت الخیار له لعدم إقدامه علی التملیک النافذ بل المتزلزل الموقوف علی إجازة المالک، فالحکم بالتزامه به ضرر علیه.

أو أنّه بمنزلة الفضولی الواقع من غیر المالک فیتوقّف علی إجازته، فإن ردّه کشف عن فساده من أصله وإن أجاز صحّ لإقدامه علیه کذلک.

أو أنّه باطل من أصله لعدم قصده وقوع البیع عن نفسه فلا یقع البیع عنه قهرا.

ص:86


1- 2 . المکاسب 3/462.
2- 3 . الجواهر 23/482 (22/300).

وجوهٌ کأنّ أظهرها الثانی وأضعفها الوجهان الأخیران»(1).

وهکذا ذهب إلی هذا القول عدیل(2) الجد _ الشیخ اسداللّه التستری رحمه الله حیث یقول: «وهل جواز فسخه للعقد من باب الخیار أو لتوقّفه علی الإجازة؟ وجهان. والأوّل لا یخلومن قوة لأنّه مقتضی قاعدة نفی الضرر ولأنّه بناءً علی صحة العقد لو سلّم المال إلی المشتری وسلّطه علیه، ثمّ انکشف کونه ملکه جاز للمشتری حینئذ أن یتصرف فیه ولا یضمن شیئا أصلا...»(3).

کما ذکر هذا الأخیر الشیخ الأعظم فی مکاسبه(4).

مستند الأقوال
الأوّل: الصحة

ومستندها وجوه:

أ: الإجماع المُدَّعی فی هِبَتَیْ إرشاد الأذهان وقواعد الأحکام لِخِرِّیْتِ صِناعَةِ الفقه وهو العلاّمة الحلّی یدل علی الصحة.

وفیه: أوّلاً: قد عرفت الخلاف فی المسألة إلی أربعة أقوال.

وثانیا: علی فرض وجوده یکون مدرکیّا لابدّ من ملاحظة الأدلة.

ب: ما صدر من المالک العاقد بیع صدر من أَهْلِهِ _ وهو المالک _ ووقع فی محلّه _ وهو ملکه _ فیکون تاما صحیحا لازما من دون أن یحتاج إلی الإجازة المستأنفة.

ج: المعاملة الحقیقیة إنّما تتقوّم بالمبادلة بین المالین وأمّا قصد وقوعها لنفسه أو للغیر فهو أمر زائد عن حقیقتها، والبائع بما أنّه قصد المبادلة الحقیقیة للمالکین فقد نوی المعاوضة الحقیقیة، إلاّ أنّه لجهله أو لنسیانه أرجعها إلی الغیر بتخیل أنّه المالک. وهذا الخیال کادّعاء أنّه مالک فی الصورة المتقدمة أمر زائد غیر مقوّم لحقیقة المبادلة فیبقی

ص:87


1- 4 . تبصرة الفقهاء 3/355 و 356، ثامنها.
2- 1 . وهو فی اللّغَةِ سَلِفُهُ وسِلْفُهُ أیْ زَوْجُ أخْتِ امْرَأته.
3- 2 . مقابس الأنوار /137.
4- 3 . المکاسب 3/465.

لغوا»(1).

د: حال البائع العاقد لا یخلو من وجهین: الأوّل: أنّه قصد نقل المال، فقد تحقّق منه البیع الصحیح لتمامیّة أرکانه وشروطه ولا یتوقف صحته علی الإجازة.

الثانی: أنّه لم یقصد نقل المال فالمعاملة باطلة من أساسها ولا تصححها الإجازة.

والوجه فی ذلک: لأنّ قصد انتقال المالین هو أساس المعاملة الحقیقیة فإذا تحقّق حکم بصحة العقد وإلاّ فلا.

ه: الإجازة کما مرّ فی بیع الفضولی تصحّ استناد البیع إلی المالک فقط، ومع صدور البیع من المالک هذا الاستناد حاصل فلا نحتاج إلی الإجازة المستأنفة لأجل استناد البیع إلیه.

الثانی: الصحة مع الإجازة

أ: واستدلّ له فخرالمحقّقین وتبعه المحقّق والشهید الثانیین _ کما مرّ منهم _ بأنّ البائع _ فی مسألتنا _ لم یقصد البیع اللازم، بل قصد البیع الموقوف علی الإجازة المستأنفة من مورِّثه _ المالک بظنّه _ أو من یقوم مقامه، وحیث أنّ البیع وغیره من العقود تعدّ من الاُمور القصدیة ولا یتحقّق بدونه فکذلک فی لزومه أو توقّفه علی الإجازة.

وفیه: قد مرّ فی أدلة الصحة أنّ هذا القصد حتّی لو صدر من العاقد لا اعتبار به والوجه فی ذلک أنّ المعاوضة الحقیقیة تتحقّق بین مبادلة المالین وهذا القصد یکون ملغی فی العرف والشرع والعقل.

ب: یمکن أن یقرر هذا الاستدلال (أ) بوجه آخر وهو: إنَّ البائع لم یقصد الملک من حین المعاملة بل من زمان إجازة المالک، فلو لم یجزها بعد الانکشاف فلا یحصل الملک أبدا.

إنْ قُلْتَ: هذا التقدیر ینافی مذهب المحقّق الثانی فی أنّ الإجازة کاشفة عن الملک من الابتداء، فلو کان قصد البائع هو الملک بعد الإجازة فلا یتحقّق هناک ملک من الابتداء

ص:88


1- 4 . کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی فی التنقیح فی شرح المکاسب 2/38.

لتکشف الإجازة عنه.

قلت: یمکن أن یکون مراد المحقّق الثانی أنّ الملکیة إنّما تحصل من حین المعاملة فیما إذا استندت المعاملة إلی المالک بالإجازة، فلها دخل فی تحقّق الملک من الابتداء ولولاها لم یتحقّق الملک أصلاً.

وفیه: هذا الدلیل أخص من المدّعی لأنّه لایجری فیما إذا باع شیئا باعتقاد أنّه ملک الغیر وأنّه وکیله فی بیعه من قبل مالکه ثمّ ظهر أنّه ملکه، فإنّه فی هذه الصورة قصد النقل والملک من حین المعاملة لا معلَّقا علی إجازة المالک لاعتقاد أنّه وکیل هذا أوّلاً.

وثانیا: کون البیع متوقّفا علی الإجازة أو غیر متوقّف علیها لیس دخیلاً فی حقیقة

البیع لیعتبر قصده أو یقصد قصد خلافه، وإنّما هو من الاُمور المعتبرة فی صحة البیع إذا وقع البیع علی مال غیره وأمّا إذا وقع البیع علی مال نفس العاقد فلا یعتبر فی صحته إجازته ولعلّ هذا مراد المحقّق الثانی بقوله: «إلاّ أنْ یقال: إنّ قصده إلی أصل البیع کاف(1)»(2).

ج: المُقْدِمُ علی بیع مال غیره یستحیل له أن یتمشّی منه قصد المعاوضة الحقیقیة المنجّزة إلاّ إذا أعتقد أنّه المالک للمال، وحیث أنّه یری أنّ الغیر (مورِّثه) هو المالک فلا یتمشی منه قصد الانتقال المنجّز، وبالتالی هو قَصَدَ الانتقال مع الإجازة المستأنفة فلا یمکن تصحیح البیع إلاّ بها.

وفیه: الاستحالة تکون علی عکس ما ذُکر، لأنّ من المستحیل أن یقصد أمرا خارجا عن اختیاره وإرادته، لأنّ القصد یتعلّق بما یکون تحت قدرته واختیاره وحیث إجازة المالک تکون خارجةً عن قدرة العاقد واختیاره _ لأنّ کلَّ شخص یقدر علی فعل نفسه لا فعل غیره _ «لا أملک إلاّ نفسی»(3) فمن المستحیل أن یتعلّق بها _ أی الإجازة المستأنفة _ قصد العاقد. فهو لایتمکن إلاّ من قصد مطلق المعاوضة الحقیقیة لا المعلَّقة

ص:89


1- 1 . جامع المقاصد 4/76.
2- 2 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/40 و 41.
3- 3 . سورة المائدة /25.

علی الإجازة المستأنفة.(1)

د: العمومات والإطلاقات تدل علی صحة المعاملات بانضمام قوله صلی الله علیه و آله : لا یحل مال امرئ مسلم إلاّ بطیب نفسه(2) منصرفة إلی بیع کلّ واحد واحد من المالکین بعنوان أنّه مالک، وهذ المعنی مفقود فی المقام لأنّه وإن باع مال نفسه واقعا إلاّ أنّه باعه بعنوان ملک الغیر، فلم تصدر المعاملة منه بعنوان أنّه مالک فلا تصحّ المعاملة منه ولاتستند إلیه بهذا العنوان، بل تحتاج فی استنادها إلیه وصدورها منه بعنوان أنّه مالک إلی الإجازة بعد الالتفات إلی أنّه مالک.(3)

وبعبارة أُخری: لا یکفی فی صحة المعاملات مجرد استناد المعاملة إلی صاحبها ومن یلی أمرها، بل لابدّ من انضمام طیب نفسه وَرِضاهُ بانتقال ماله إلی الغیر بدلالة

حدیث طیب النفس وهو مفقود فی العقد الصادر من الوارث _ مثلاً _ فی المقام وبالنتیجة العقد یتوقّف علی صدور إجازته _ الدلالة علی رضاه _ حتّی یصحّ.(4)

وبعبارة ثالثة: «اعتقاد العاقد أنّ المال للغیر وقصده البیع عن المالک بالإضافة إلی البیع لا تکون جهة تقییدیّة لما ذکرنا من أنّ قصد کونه لنفسه أو لغیره خارج عن حقیقة إنشاء البیع، وأمّا بالإضافة إلی رضاه بانتقال المال إلی الطرف بإزاء الثمن جهة تقییدیّه حیث لم یرض بانتقال المال منه إلی الآخر بإزاء الثمن المزبور، بل إنّما رضی بانتقاله إلی الآخر من ناحیة الغیر.

نعم، لو أجاز العاقد البیع بعد التفاته إلی کونه مالک المال یتمّ البیع ویصیر تراضیا معاملیّا له»(5).

وفیه: الاستناد إلی المالک العاقد موجود کما اعترف به المستدِّل فی التقریر الثانی،

ص:90


1- 4 . راجع العقد النضید 3/461.
2- 5 . وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
3- 6 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/39.
4- 1 . راجع العقد النضید 4/462.
5- 2 . إرشاد الطالب 4/67.

وأمّا قصده إلی المعاملة لمورِّثه فهو مُلْغی لأنّ حقیقة المبادلة هی مبادلة المالین ولا عبرة بِالْمالِکَیْنِ، وأمّا اعتبار طیب النفس والرِّضا فهو مضافا إلی ما هو معتبر فی الاستناد محلّ تأمل بل منع، والشاهد علیه بیع المضطر، ولذا قال الجدّ الشیخ جعفر قدس سره : «... وکذا [مردودٌ] القول بتوقفه علی الإجازة، إذ لا حاجة بها بعد المصادفة»(1).

وبالجملة: إجازة المالک العاقد بیع نفسه عجیبٌ فی الغایة وبعیدٌ إلی النهایة.

الثالث: البطلان

وَمُسْتَنَدُهُ وجوهٌ:

أ: استدلّ العلاّمة للبطلان بقوله: «لأنّه کالغائب عن مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(2).

وقرّره ولده الفخر بقوله: «لأنّه کالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاده أنّ المبیع لغیره»(3).

ونحوه فی نهایة(4) والده.

ومرادهما: أنّ البائع مع فرض اعتقاده بأنّ المال ملک الغیر کیف یصحّ أن یبیعه للمالک مع أنّه أجنبی عن المال، فهو فی الحقیقة کالعابث فی المعاملة هذا.

وفیه: الفضولی یقصد المعاوضة الحقیقیة ولیس غائبا عن المال ولا عابثا بالعقد، فتمّ عقده مع إجازة المالک.

وفی المقام حیث یستند العقد إلی العاقد ومع ظهور کونه مالکا له یَتُمُّ العقد من دون احتیاج إلی الإجازة المستأنفة.

ب: استدلّ للبطلان العلاّمة فی نهایته: «لأنّه وإن کان العقد منجّزا فی الصورة إلاّ أنّه

ص:91


1- 3 . شرح القواعد 2/98.
2- 4 . تذکرة الفقهاء 10/17.
3- 5 . إیضاح الفوائد 1/420.
4- 6 . نهایة الإحکام 2/477.

فی المعنی معلَّق وتقدیره إن مات مورِّثی فقد بعتک...»(1).

وقال ولده الفخر: «ولأنّه وإن کان منجزا فی الصورة فهو فی المعنی معلَّقٌ، والتقدیر إن مات مورِّثی فقد بعتک»(2).

واعترض علیهما الشیخ الأعظم(3) بأنّ هذا الوجه مناقض للوجه الآتی [ج] حیث ذکرا فیه أنّه یبیعه للمالک _ أی أبیه _ لا لنفسه، فإذا باعه للمالک کیف یعلِّقه علی موته، هذا أوّلاً.

وثانیا: ما معنی أنّه یبیعه للمالک وهو الأب معلَّقا علی موته؟ مع أنّ الکلام فی هذه الصورة إنّما هو فیما إذا باعه للمالک لا لنفسه، ولذا قال المحقّق الخوئی رحمه الله : «هذا الوجه لابدّ وأن یحمل علی سهو القلم لجلالة شأن العلاّمة وولده عن الاستدلال بمثل ذلک فی المقام»(4).

أقول: قد یأتی أنّ الاستدلال الآتی [ج] یقع فی کلام الفخر فقط دون والده العلاّمة فاحتمال سهو القلم لا یجری بالنسبة إلی العلاّمة رحمه الله .

ج: قال الفخر: «لأنّه إنّما قصد نقل الملک عن الأب لا عنه...»(5).

مراده قدس سره : أنّ البائع إنّما قصد البیع لأبیه فیما إذا باع مال أبیه بظن حیاته فبان میّتا، فهو باعه للأب لا لنفسه فلا یقع له بوجه لأنّ العقود تابعة للقصود، ویحکم ببطلانه للعاقد

البائع.

وفیه: العاقد باعه لمالکه وتخیّل أنّ أباهُ هو المالک، لا لخصوصیة فیه، فإذا عرفت أنّ المال ماله فیقع العقد له، لأنّ حقیقة المعاملة هی المبادلة بین المالین کما مرّ. وقصد أنّ البیع یکون لمالکه هو أمر زائد علیها [المبادلة] فیکون لغوا.

ص:92


1- 1 . نهایة الإحکام 2/477.
2- 2 . إیضاح الفوائد 1/420.
3- 3 . المکاسب 3/461.
4- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/39.
5- 5 . إیضاح الفوائد 1/420.
الرابع: الصحة مع الخیار
اشارة

قد مرّ أنّها الأظهر عِنْدَ جدّی الشیخ محمّدتقی(1) قدس سره ، ولا یخلو من قوة عند عدیله الشیخ اسداللّه(2) رحمه الله و أحد احتمالی المتجه فیه عند صاحب الجواهر(3).

واستدلوالها: بأنّ البائع أقدم علی التملیک المتزلزل لا النافذ، لأنّه أقدم علی عقد یحتاج إلی إجازة المالک، لأنّ العاقد البائع یری نفسه فضولیّا، ثمّ بعد ظهور أنّه بنفسه کان مالکا حین العقد إذا حکم بلزوم العقد علیه قد یکون ضرّریا بالنسبة إلیه، فیثبت له الخیار لدفع هذا الضرر.

وبالجملة: قاعدة نفی الضرر تجری فی المقام لدفع الضرر عن البائع العاقد الذی ظهر أنّه بنفسه المالک وتثبت له الخیار فی فسخ عقده.

قد یورد علی هذا الاستدلال اعتراضاتٌ:

الاعتراض الأوّل:

واعترض علیهم الشیخ الأعظم بقوله: «... الضرر المترتّب علی لزوم البیع لیس لأمرٍ راجع إلی العوض والمعوّض وإنّما هو لانتقال الملک عن مالکه من دون علمه ورضاه، إذ لا فرق فی الجهل بانتقال ماله بین أن یجهل أصل الانتقال کما یتّفق فی الفضولی، أو یعلمه ویجهل تعلِّقه بماله [کما فی مسألتنا]. إذ من المعلوم: أنّ هذا الضرر هو المثبت لتوقّف عقد الفضولی علی الإجازة، إذ لایلزم من لزومه بدونها سوی هذا الضرر»(4).

مراده قدس سره : «أنّ المعاملة تارة: تکون محکومة بالصحة فی حدّ نفسها إلاّ أنّ العوضین یستلزمان الضرر علی أحد المتعاملین لنقص فی قیمتهما أو لعیب فی ذاتیهما ولأجل ذلک

یرتفع لزوم المعاملة وتکون خیاریة وجائزة.

ص:93


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/356.
2- 2 . مقابس الأنوار /137.
3- 3 . الجواهر 23/482 (22/300).
4- 4 . المکاسب 3/465.

واُخری: تکون المعاملة فی حدّ نفسها موردا للکلام من حیث الصحة والفساد، لعدم شمول العمومات لها من دون أن یکون هناک ضرر فی شی ءٍ من العوضین بحیث لو حکمنا بصحتها لما کان ذلک موجبا لتضرّر أحدهما من حیث العوض والمعوّض لعدم نقص فی قیمتهما أو فی ذاتیهما، ففی مثل ذلک لو کان هناک ضرر فهو إنّما یکون ناشئا من أصل العقد والمعاملة لا من جهة لزومها فمقتضی القاعدة عدم صحة مثلها إلاّ بالإجازة المتأخرة، لا أنّها صحیحة ویرتفع لزومها، لما عرفت من أنّ لزومها غیر ضرری بحسب الفرض وإنّما الضرر فی أصل المعاملة وصحتها حیث أنّه أمرٌ لم یلتفت إلیه ولم یکن راضیا به ومعه یکون الحکم بوقوع المعاملة من غیر اختیاره ضررا علیه لا محالة فترتفع صحتها بالقاعدة»(1).

فیکون العقد متزلزلاً من حیث الحدوث لا البقاء، فیحتاج إلی الإجازة المستأنفة لا اللزوم وثبوت الخیار.

وبعبارة أُخری: قاعدة لا ضرر ترفع لزوم العقد ولزوم العقد فرع صحته، وإذا لم یصح العقد لعدم صدور الإجازة المستأنفة من البائع العاقد المالک فی مسألتنا لا نحتاج إلی نفی لزومه بقاعدة لا ضرر.

وبفرض جریانها أنّها [أی قاعدة لا ضرر] تنفی صحة العقد وَتُثْبِتُ احتیاجه إلی الإجازة المستأنفة ولا تنفی لزومه وَتُثْبِتُ الخیار.

أقول: یمکن أن یناقش الشیخ الأعظم: بأنّ العقد عند المشایخ الثّلاثة صحیحٌ لاستناده إلی البائع العاقد المالک، فالصحة تامة ولا تحتاج إلی الإجازة المستأنفة، ولکن من المحتمل أن تکون المعاملة بالنسبة إلیه ضرریّا فیرتفع هذا الضرر المحتمل بقاعدة لا ضرر بثبوت الخیار. فاعتراض الشیخ الأعظم لا یرد علیهم لاختلاف المبنی فی الصحة وعدمها بینه وبینهم.

ص:94


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/43.
الاعتراض الثانی:

صحة العقد فی المقام لا تتم لأنّها تتوقف علی جُزْئَیْنِ هما:

أ: استناد البیع إلی المالک.

ب: حصول الرضا وطیب النفس بالانتقال.

وکلاهما مفقودان، لأنّ البائع العاقد یبیع فی مسألتنا لأبیه فلم یستند العقد إلیه، رضاه وطیب نفسه تکون علی بیع مال والده لا بیع ماله نفسه.

فهذا العقد لا یکون صحیحا حتّی یرتفع استمرار صحته بثبوت الخیار بدلیل قاعدة لا ضرر.

أقول: یرد علیه بأنّ استناد البیع إلی المالک العاقد البائع تام لأنّه بنفسه أقدم علی البیع وبعد تمامیة الاستناد، طیب النفس والرضا حاصل لأنّ المعتبر منهما لا یزید علی الاستناد شیئا، ومازاد علی الاستناد لا یعتبر طیب النفس والرِّضا. فهذا الاعتراض مدفوع من أساسه کما یظهر هذا الجواب ممّا مرّ.

الاعتراض الثالث:

قاعدة لا ضرر تنفی ما ینشأ منه الضرر ولا یثبت أمرا مثل الخیار وغیره لأنّ لسانه لسان النفی لا الاثبات کحدیث الرفع.

وما ینشأ منه الضرر فی المقام هو صحة البیع من دون الإجازة المستأنفة فهی تنفی بقاعدة لا ضرر، فلا یمکن إثبات الخیار بها ولا نحتاج إلی إثباته بعد نفی الصحة بالقاعدة کما هو الواضح.

الاعتراض الرابع:

لو ذهبنا إلی صحة العقد وأنّ قاعدة نفی الضرر تَرْفَعُ لزومه _ لا صحته _، فَإنَّ ذلکَ یَسْتَلْزَمُ صحة انتقال مال الغیر مع عدم رضاهُ وطیب نفسه ویستلزم منه تخصیص حدیث «لا یحلّ مال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاّ بطیب نفسه»، مع أنّ الأدلة العامة فی المعاملات تقتضی اشتراطها بالرضا وطیب النفس، فمع عدمهما یحکم ببطلانها لا صحتها وعدم لزومها بثبوت الخیار.

ص:95

تنبیهٌ: فی عدم ابتناء هذه الصورة علی القول بالصحة فی بیع الفضولی

لعلّ أوّل من نبّه علی عدم الابتناء هو المحقّق الشیخ اسداللّه التستری رحمه الله حیث یقول: «واعلم أنّ هذه المسألة کبعض المسائل السابقة جاریة علی القول ببطلان الفضولی أیضا»(1).

وأیّده الشیخ الأعظم قدس سره بقوله: «ثمّ إن الحکم بالصحة فی هذه الصورة غیر متوقفة علی القول بصحة عقد الفضولی، بل یجیء علی القول بالبطلان»(2).

ثمّ استدرک علیه بقوله: «إلاّ أنّ یستند فی بطلانه [الفضولی] بما تقدّم من قبح التصرّف فی مال الغیر فیتّجه عنده حینئذ البطلان»(3).

مراده قدس سره : عدم ابتناء هذه الصورة علی القول بالصحة فی بیع الفضولی تام لو کان دلیل البطلان غیر الوجه العقلی _ وهو قبح التصرف فی مال الغیر _ وأمّا لو کان دلیله هذا الوجه العقلی یوجِّه القول بالبطلان فی هذه الصورة أیضا لأنّ البائع باعتقاده تصرَّف فی مال الغیر بدون إذنه وهو قبیح عقلاً، لأنّ القبح یترتب علی اعتقاد کون المبیع ملک الغیر فإن کان مصادفا للواقع کان عصیانا وإن کان غیر مصادف کان تجرِّیا، ولا فرق فی جریان القبح بین العصیان والتجرِّی.

ولکن یناقش علیه: أوّلاً: بعدم تمامیة المبنی کما مرّ فی بحث بیع الفضولی.

ثانیا: مجرد القبح العقلی لا یستلزم مع الفساد الشرعی مادام لم یستلزم مع هذا القبح العقلی الحکم بالحرمة شرعا، وفی التجری نعلم بأنّ المتجری غیر مرتکب للحرام الشرعی بوجه ومجرد القبح العقلی لا یوجب الحکم الشرعی بالفساد.

هذا تمام الکلام فی الصورة الثالثة والحمد للّه.

الصورة الرابعة: لو باع لنفسه باعتقاد أنّه لغیره فانکشف أنّه له
اشارة

قال الشیخ اسداللّه التستری: «الخامس: أن یبیع أو یشتری لنفسه ثمّ ینکشف کونه

ص:96


1- 1 . مقابس الأنوار /39 من کتاب البیع.
2- 1 . المکاسب 3/465.
3- 2 . المکاسب 3/466.

مالکا للمال وأنّ العقد صادف ملکه. والأقرب صحة البیع وعدم توقفه علی الإجازة ووجهه ما مضی...»(1).

وقال جدی الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة رحمه الله : «ولو اعتقد أنّه لغیره فباعه عن نفسه غصبا، ثمّ تبیّن أنّه ملکه احتمل قویّا لزومه»(2).

وقال الشیخ الأعظم: «والأقوی هنا أیضا الصحة ولو علی القول ببطلان الفضولی والوقوف علی الإجازة بمثل ما مرّ فی الثالثة، وفی عدم الوقوف هنا وجه لا یجری فی

الثالثة، ولذا قوّی اللزوم هنا بعض من قال بالخیار فی الثالثة»(3).

أقول: أنت تری بأنّ العدیلین ذهبا إلی صحة هذا البیع ولزومه ولکن الأقوی عند الشیخ الأعظم الصحة مع الإجازة المستأنفة ولکنّه یری عدم الوقوف علی الإجازة المستأنفة فی هذه الصورة وجه وهو مطابقة ما قُصد لما انکشف، إذ المفروض أنّه قصد البیع لنفسه وانکشف کون المال له بخلاف الصورة الثالثة فإنّ المقصود فیها هو البیع عن المالک والمُنْکَشَف هو کون العاقد هو نفس المالک فهذان _ ما قُصد وما کُشِفَ _ لیسا مطابقَیْن بل هما متغایران فتحتاج الصورة الثالثة إلی الإجازة دون الصورة الرابعة عند الشیخ الأعظم فی هذا الوجه.(4)

ومراده هنا من «بعض من قال بالخیار فی الثالثة» هما الشیخان العدیلان اسداللّه التستری ومحمّدتقی الرازی النجفی الأصفهانی رحمهماالله کما مرّ مقالتهما.

وقال المحقّق السیّد الخوئی القائل(5) بمقالة الشیخ الأعظم فی الصورة الثالثة _ وهی الصحة مع الإجازة المستأنفة _ فی هذه الصورة الأخیرة: «ولا اشکال فی صحة البیع حینئذ [أی الصورة الرابعة]، لعدم قصور ذلک عن الصورة المتقدّمة وبیعه للغیر، وإنّما

ص:97


1- 3 . مقابس الأنوار، کتاب البیع /38.
2- 4 . تبصرة الفقهاء 3/356.
3- 1 . المکاسب 3/466.
4- 2 . راجع هدی الطالب 5/381.
5- 3 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/44.

الکلام فی أنه یحتاج إلی الإجازة بعد الالتفات أو لا؟ الظاهر أنه لا حاجة إلی الإجازة بعد الانکشاف، إذ الحاجة للإجازة فیما تقدّم إنّما هی من جهة عدم استناد البیع إلی نفسه لاعتقاده أنّ المال للغیر ولأجل عدم رضاه ببیع ماله، وذکرنا أنّهما یحصلان بالإجازة المتأخّرة، وهذا لا یحتاج إلیه فی المقام، لأنّه باعه لنفسه بدعوی الملکیة العقلائیة کالغاصب ونحوه وإن اعتقد أنه للغیر شرعا، وهذ المقدار من البیع والرضا یکفی فی المعاملات ولا یحتاج فیها إلی العلم بالملکیة الشرعیة، وهذا نظیر معاملات جمیع الخارجین عن شریعة الإسلام فإنّهم إنّما یتعاملون بالملکیة العقلائیة أو الاعتباریة الشخصیة کالیهود ونحوهم بل المسلمین غیر المتدیّنین کما إذا قامر فغُلب وأُخذ منه شیء ثمّ قامر وغلبه وأخذ منه ما غلبه به بعینه فباعه حیث إنّه ملکه شرعا وواقعا إلاّ أنه اعتقد أنه للغیر واقعا وله بالملکیة العقلائیة، ففی مثل ذلک لایحتاج إلی الإجازة بعد الالتفات إلی أنه ملکه واقعا، لعدم اشتراط البیع بالعلم بالملکیة الشرعیة، بل العلم بالملکیة

العقلائیة کافٍ کالمأخوذ بالقمار ونحوه حیث إنّ العقلاء غیر المتدیّنین یعتبرونه مالکا ویقولون إنّه مالک لکذا مقدار من المال مع أنه بأجمعه مأخوذ بالقمار والغصب»(1).

والعجب من المحقّق المروِّج رحمه الله حیث یری أوّلاً وجه الشیخ الأعظم غیر وجیه:

[1] لأنّ طیب النفس حاصل بماله الادّعائی لا بماله الواقعی. ولو علم بأنّه من أمواله الواقعیة دون أمواله المغصوبة فلعلّه لم یکن راضیا ببیعه... لأنّ الرضا ببیع مال الغیر مع البناء علی کونه ماله إدّعاءً وعدوانا لیس رضا حقیقة ببیع ماله الواقعی.

[2] مع ظهور أدلة اعتبار طیب نفس المالک فی حِلِّ ماله لغیره فی کون الطیب والرضا بماله بوصف کونه مالَه لا رضاه بذات المال.

[3] وهو ما یقتضیه العقلُ أیضا بقبح التصرف فی مال الغیر من غیر رضاه.

[4] الأصل _ وهو هنا الاستصحاب _ یقتضی أیضا عدم جواز التصرف إلاّ برضا مالک المال بالتصرف فی ماله الواقعی بما أنّه ماله، لا مجرد جنس الرضا القائم بذات ماله

ص:98


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/46.

بدون إحراز ملکیّة المال له واقعا... .

ثمّ یری ثانیا بإمکان القول بفساد البیع فی هذه الصورة الرابعة لعدم قصد المعاوضة مع اعتقاد العاقد کون المال لغیره أنّه أخذ العوض عن المشتری مَجّانا وهذا ینافی المعاوضة الحقیقیة المعتبرة فی المعاملات.

ثمَّ فی آخر کلامه أمر بالتأمل.(1)

وجه التعجب أوّلاً: [1] الرِّضا بببیع ماله الإدعائی العقلائی _ عند المحقّق السیّد الخوئی _ یکفی فی صحة البیع ولا نحتاج إلی الرضا ببیع ماله الواقعی لأنّه أقدم بنفسه علی البیع من دون إکراه وإجبار فالبیع یستند إلیه، وهذا الاستناد یصح البیع من دون الحاجة إلی رضاءِ آخَرَ.

[2] قد مرّ بعدم اعتبار طیب نفس المالک فی حلّ ماله اضافة إلی استناد البیع إلی مالکه وهو هنا حاصل.

[3] علی تمامیة الاستقباح العقلی فی التصرف فی مال الغیر، یجری إذا لم یستند البیع إلی المالک وإمّا بعد استناده فلا یجری هذا القبح العقلی المُدَّعی.

[4] بعد وجود الأدلة اللفظیة علی صحة هذا البیع وهی العمومات والإطلاقات فلا

تصل النوبة إلی جَرَیانِ الأصل العملی هنا وهو الاستصحاب.

وثانیا: المعاوضة الحقیقیة تقع بین المالین _ العوضین _ لا بین اعتقاد أنّه ماله أو ماله غیره وأنّه أخذ المثمن باعتقاده مجانا، لأنّ الاعتقاد لا یجری فی المعاوضة الحقیقیة، لأنّها تقع بین الثمن والمثمن الخارجیین _ لا الاعتقادیین _ .

ولعلّه قدس سره بالنظر إلی هذه الوجوه أمر بالتأمل فی آخر کلامه رفع اللّه فی الخلد مقامه.

تتمیم:

یمکن تَصَوُّرُ فروعٍ لَمْ یَذْکُرْها الشیخ الأعظم فی المقام أذکر لک بعضها والباقی موکول إلی فقاهة القاری الفطن:

ص:99


1- 2 . هدی الطالب 5/382 و 381.
الصورة الخامسة:

الصورة الخامسة: «لو باعه علی أنّه ملکه فتبیّن بعد ذلک أنّه لمورِّثه ثمّ تبیّن موته حین العقد فلا إشکال فی الصحة واللزوم»(1) لما مرّ فی الصور الماضیة.

الصورة السادسة:
اشارة

الصورة السادسة: «لو باعه عن المالک باعتقاد الوکالة عنه، ثمّ تبیّن أنّه ملکه ففی الحکم بلزومه وجه قویٌّ ولا یخلو من إشکال»(2).

وجه الاشکال: عدم رضاه بانتقال ماله إلی المشتری، وما اوقعه العاقد لم یقع وما وقع مِنْ بیع مال نفسه لم یقصده.

وقد مرّ جوابنا عن هذین الاشکالین فلا نُعِیْدُ.

صُوِرٌ سِتٌّ: ذکرها

صُوِرٌ سِتٌّ: ذکرها الفقیه الیزدی وهی: «[1] ما إذا باع باعتقاد أنّه للمولّی علیه أو الموکّل فبان أنّه للآخر، [2] أو باعتقاد أنّه لأحدهما فبان کونه لنفسه [3] أو بالعکس، [4 [أو باعتقاد کونه للموکِّل _ الذی هو زید _ فبان أنّه الآخر، [5] أو باعتقاد أنّه للمولّی علیه المعیَّن فبان أنّه لآخر، [6] أو باعتقاد أنّه المال الکذائی فبان أنّه غیره وهکذا»(3).

ثمّ قال: «والحکم فی الکل الصحة والتوقف علی الإجازة من عدم الرضا بنقل هذا الشی ء وبالعنوان الذی لابدّ من قصده والرضا به...»(4).

أقول: الصورة الاولی المذکورة فی کلامه قدس سره فضولیّةٌ، ولذا لابدّ فیها من إجازة الآخر، ولذا قال الشیخ جعفر رحمه الله : «ولو انعکس الحال فزعم الملک أو الولایة أو الوکالة فبان

خلافها کان فضولیّا»(5).

وصورته الثالثة هی عین الصورة الثانیة للشیخ الأعظم.

وصورته الرابعة هی عین صورته الخامسة من دون تغییر.

وأمّا بقیّة الصور المذکورة فی کلام الفقیه الیزدی قدس سره فحکمها حکم الصورة الرابعة

ص:100


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/356.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/356.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/251.
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/251.
5- 1 . شرح القواعد 2/98.

وهو الصحة من دون الاحتیاج إلی الإجازة المستأنفة خلافا لما ذکره والدلیل علیه ما مرّ فی الصورة الرابعة فلا نعید.

ولذا قال الشیخ جعفر، «ومقتضی ذلک سرایة الحکم إلی عقد الولی والوکیل مع جهلهما بملکیتهما فیصحّ نکاح مَنْ زوّجت نفسها فضولاً أو وکالةً بزعم أنّها أمَة فظهرت حرّة، ومن زوّج أمرأة بزعم أنّها حرّة أو أمَة الغیر فظهرت أمته، ومن زوّج أجنبیّة صغیرة فظهرت بنته، إلی غیر ذلک»(1).

هذا تمام الکلام فی الصورة الرابعة وبه تمّ القول فی المُجیز والحمدُ لِلّه الْقَوِیِّ الْعَزِیز.

ص: 101


1- 2 . شرح القواعد 2/98.

ص:102

وَصْلٌ: القول فی المُجاز

اشارة

ص:103

اشارة

ص:104

ویتمّ البحث فیه ضمن أُمورٍ:

الأوّل: اعتبار کون العقد المجاز جامعا للشروط

اشارة

العقد الصادر من الفضول لابدّ أن یکون جامعا لجمیع الشرائط المعتبرة فی العقد سوی رضا المالک أو استناد العقد إلیه، لأنّ فی غیر تلک الصورة یقع فاسدا ولا یمکن أن تکون الإجازة المتأخرة مصححة للعقد الفاسد.

لأنّ الإجازة لیست بأولی من عقد المالک نفسه علی شی ء فلو عقد وکان عقده فاقدا لبعض شرائط الصحة یقع باطلاً، وکذلکِ لیست بأولی من الإذن السابق فلو أذن فی انشاء عقد فاقد لبعض شرائط الصحة یکون باطلاً. هذا بحسب الکبری.

وأمّا بحسب الصغری: «فلا إشکال فی أنّ العقد لابدّ وأن یکون حاویّا للشرائط الراجعة إلی العقد کالماضویة والعربیة والتطابق وغیرها _ [علی القول باعتبارها] _ فلو کان فاقدا لبعض تلک الشرائط یقع فاسدا.

وأمّا الشرائط المعتبرة فی المتعاقدین: بما هما متعاقدان _ لا بما هما مالکان _ کالبلوغ والعقل ونحوهما، فلا إشکال فی اعتبارها أیضا، فلو کان المتعاقدان أو أحدهما صبیا أو مجنونا فلا تقع المعاملة بالإجازة المتأخّرة صحیحة، لأنّ عقدهما کلا عقد.

وأمّا الأُمور والشرائط المعتبرة فی العوضین کالمالیة أو الطهارة والطلقیة ونحوها فهی أیضا معتبرة فی العقد الصادر من الفضولی بحیث لو کان العوضان فاقدین لبعض هذه الشروط کما إذا کان أحدهما خمرا أو کانت الأمة أُمّ ولد أو کان فاقدا للمالیة وهکذا، فلا ینبغی الإشکال فی فساد العقد حینئذ وإن انقلب الخمر إلی الخلّ أو مات ولد الأمة أو عرضت المالیة علیه حال الإجازة، وذلک لاعتبار هذه الشروط فی متعلّق البیع والعقد، والإجازة لیست عقدا مستأنفا ولا بیعا ثانیا فلابدّ من اتّصاف العوضین بهذه الشروط

ص:105

حال العقد ولعلّه ظاهر.

وأمّا الشرائط ا لخارجة عن متعلّق البیع والمتعاقدین والعقد وهی الاُمور المعتبرة فی المعاملة خارجا وقد عبّر عنها شیخنا الأنصاری(1) بشرائط تأثیر العقد کاشتراط

القدرة علی التسلیم أو الشرائط المعتبرة فی المالکین وإن لم یکونا عاقدین کالإسلام فی مشتری المصحف والعبد المسلم بناءً علی أنّ الکافر لا یملک شیئا منهما فهی غیر معتبرة فی العقد بوجه، بل القدرة علی التسلیم کما لا تعتبر فی حال العقد کذلک لا تعتبر فی حال الإجازة أیضا، وإنّما تعتبر فی ظرف التسلیم وهو أمر یختلف باختلاف الأغراض، فربما یشترط التسلیم فی ظرف الإجازة واُخری فی غیره من الأزمان کمن باع عشرة أمنان من الحنطة فی ذمّة زید فضولة علی أن یسلّمها بعد ستّة أشهر ثمّ أجازها المالک من دون أن یکون قادرا علی تسلیمها حال الإجازة.

وکذا الإسلام فإنه لا یعتبر حال العقد أبدا، لأنّ الدلیل الدالّ علی اعتباره فی المشتری بعد الإجماع هو قوله تعالی: «وَلَنْ یَجْعَلَ اللّهُ لِلْکافِرِینَ عَلَی الْمُوءْمِنِینَ سَبِیلاً»(2) بأن یکون اختیار المسلم بید الکافر یفعل فی حقّه ما أراد، ومن الواضح أنّ العقد بمجرده لا یوجب السبیل للکافر علی المسلم أبدا، وإنّما هو یتحقّق بالإجازة، إذ لا یمکنه التصرف فی العبد قبلها، فإذا فرضنا أنّ المشتری الکافر حال العقد أسلم حین الاجازة صحّ العقد والإجازة بلا إشکال. نعم بناء علی الکشف الحقیقی أمکن القول بالفساد لتحقّق الملکیة والسبیل حین العقد.

ثمّ إنّه هل یعتبر الاستمرار فی الشروط المعتبرة حال العقد إلی زمان الإجازة بحیث لو انتفی بعضها بعد العقد وقبل الإجازة بطلت الإجازة، أو لا یعتبر فیه الاستمرار؟

ذکر شیخنا الأنصاری(3) قدس سره بالنسبة إلی شروط العوضین: أنّ الظاهر اعتباره علی القول بالنقل، لعدم تمامیة البیع قبلها، وحین تمامیته بالإجازة لا شرط بحسب الفرض

ص:106


1- 1 . المکاسب 3/467.
2- 1 . سورة النساء /141.
3- 2 . المکاسب 3/468.

فتقع المعاملة باطلة. وکذا یعتبر الاستمرار علی القول بالکشف من جهة أنّ زمان الاستناد إلی المالک إنّما هو زمان الإجازة، ومع فقد بعض الشرائط المعتبرة فی المعاملة لا یکفی إسناد المعاملة الفاقدة لبعض الاُمور المعتبرة فیها إلیه هذا.

والظاهر أنّ الاستمرار إلی حال الإجازة غیر معتبر علی کلا القولین، وذلک لأنّ الکلام فی شرائط البیع لا الملکیة، وقد فرضناه جامعا لشرائط البیع حال العقد والبیع، والإجازة لیست بیعا ولا عقدا مستأنفا، فاعتبارها فی حال الإجازة أیضا یحتاج إلی

دلیل آخر، والوجه فی ذلک ما عرفت من أنّ شرائط البیع غیر شرائط الملکیة کما فی بیع الکلب والمتنجّس ونحوهما حیث إنّهما مع مالیتهما منع الشارع عن بیعهما تعبّدا، إذ لا إشکال فی أنّ الکلب ملک فلذا أوجب الشارع ضمانه علی من أتلفه، وکذا الحال فی المنع عن بیع اُمّ الولد فإنّها ملک ویجب دفع قیمتها لو قتلها أحد ومع ذلک قد منع عن بیعها، فهذه شرائط البیع دون الملک، والمقدار الثابت من أدلّتها اعتبارها حال البیع، والمفروض أنّها کانت متحقّقه حال البیع والعقد، واشتراطها واعتبارها حال الإجازة أیضا یتوقّف علی دلیل، وهذا بخلاف الشرائط المعتبرة فی الملک فإنّها شرط للملک بغضّ النظر عن وقوع البیع کما فی الخمر فإنّها غیر قابلة للملک حتّی لو لم یکن بیع أصلاً. وکلامنا إنّما هو فی شرائط البیع لا شرائط الملک.

فرع: إذا انقلب الخل بعد العقد إلی الخمر ثمّ صار خلاً فهل یصحّ الانتقال أو لا؟ الظاهر أنه لا ینتقل إلی المشتری حینئذ علی القول بالنقل لأنه صورة نوعیة اُخری غیر الصورة التی وقع علیها العقد، وذلک لأنّ الخمریة والخلّیة وإن کانتا من الأوصاف والأحوال عند العرف إلاّ أنّهما بحسب نظر الشارع من الأوصاف النوعیة التی بها تختلف الأشیاء، فإذا صار خمرا ثمّ انقلب إلی الخل فهو قد اتّصف بصفة نوعیة اُخری غیر الصفة الاُولی کما لایخفی، وهذا نظیر ما إذا انقلب عبدٌ إلی الصورة النوعیة الکلبیة بمعجزة ونحوها ثمّ انقلب إلی الصورة النوعیة الانسانیة فإنّه لا إشکال فی تغایره للإنسان الأوّل وکونه غیره حقیقة، وکذلک الحال فی المقام، وعلیه فیقع البیع باطلاً لأنّ متعلّقه تلف والموجود أمر آخر مغایر لما وقع العقد علیه، وأمّا علی القول بالکشف فالبیع صحیح لأنّ

ص:107

التبدّل یکون فی ملک المشتری، هذا تمام الکلام فی الجهة الاُولی»(1).

فذکلة القول فی الأمر الأوّل
اشارة

تبیّن ممّا نقلناه من کلام المحقّق السیّد الخوئی قدس سره بطوله أنّ الشروط المعتبرة فی العقد وما یتعلق به الإجازة تنقسم إلی خمسة أقسام:

الأوّل: الشروط المتعلَّقة بالعقد: کالماضویة والعربیة والتطابق وعدم التعلیق، وأنّه لابدّ من انحصار العقد باللفظ أو أنّه یشمل الفعل؟ والظاهر أَنَّهُ لابدّ من تحقّق هذه الشروط حین الإنشاء فقط دون الإجازة لأنّها لیست بعقدٍ.

الثانی: الشروط المتعلِّقة بالمتعاقدین: کالبلوغ والعقل والاختیار، والظاهر من الدلیل هو اعتبار هذه الشروط حین الإنشاء فقط.

الثالث: الشروط المتعلِّقة بالعوضین: کاشتراط معلومیتهما ومالیتهما وإنّهما ملک طلق لمالکیهما، لابدّ من اعتبارها حین إنشاء العقد دون الإجازة، لأنّها لیست عقدا مستأنفا ولا بیعا ثانیا.

الرابع: الشروط المتعلِّقة بتأثیر العقد: کاشتراط القدرة علی التسلیم، فهذا الشرط لا یعتبر حین العقد ولا حین الإجازة وإنّما اُعتبر فی ظرف التسلیم وعند موعده.

الخامس: الشروط المتعلِّقة بالمالک بما هو مالک: کاشتراط إسلام المشتری فی بیع المصحف والعبد المسلم، فهذا الشرط غیر معتبر عند انشاء عقد الفضولی لأن مجرد العقد لا یوجب السبیل للکافر علی المسلم أو المصحف، وإنّما السبیل یتحقّق بالإجازة لعدم جواز التصرف فی المبیع قبلها. نعم، بناءً علی الکشف الحقیقی یمکن القول بالفساد لتحقّق الملکیّة والسبیل من حین العقد.

وأمّا لزوم استمرار الشروط المعتبرة من حین العقد إلی زمن الإجازة: فینبغی أن یقال: فی القسم الأوّل: لا مجال لتوهم لزوم دوام شروط العقد إلی حین الإجازة لأنّ هذه الشروط تَنْتَهِیْ إلی تحقّق الانشاء وهو أمرٌ متصرم الوجود بمعنی أنّ الإِنشاء یتحقّق بهذه

ص:108


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/(50-47).

الشروط ولا یتوهم دوامها واستمرارها لأجله ولم یتعرض الشیخ الأعظم لِهذا القسم.

وفی القسم الثانی: قال الشیخ الأعظم: «لا ینبغی الإشکال فی عدم اشتراط بقاء المتعاقدین علی شروطهما حتّی علی القول بالنقل. نعم، علی القول بکونها بیعا مستأنفا یقوی الإشتراط»(1).

وفی القسم الثالث: ذهب الشیخ الأعظم(2) رحمه الله إلی اعتبار استمرارها بناءً علی النقل لعدم تمامیة البیع قبلها، وبناءً علی الکشف ذهب إلی أنّ استمرارها غیر بعید بعد احتمال الوجهین.

فهاهنا وافق الشیخُ الاعظمُ صاحبَ الجواهرِ(3) من اعتبار استمرار هذه الشروط بناءً علی الکشف ولکنه خالفه فی الثمرات بین قولی النقل والکشف.(4)

وقد عرفت: عدم وجود الدلیل علی استمرار شروط العوضین عند المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله علی قولی النقل والکشف، للفرق بین شرائط البیع وشرائط الملک، وما هو المعتبَّر عنده هو الأوّل دون الثانی. وشرائط البیع معتبَّر فی حین البیع والعقد دون الإجازة، لأنّ الإجازة لیست ببیع مستأنف ولا دلیل علی اعتبارها حین الإجازة.

وفیه: بناءً علی الکشف یکفی تحقّق شرائط البیع حین العقد علی القاعدة، وأمّا بناءً علی النقل فلابدّ من استمرار تحقّق شرائط البیع إلی حین الإجازة حتّی یَتِمَّ النقل والانتقال هذا بالنسبة إلی القاعدة الأوّلیة.

أمّا التفصیل بین شرائط البیع وشرائط الملک فهو صحیح وإن یمکن النزاع الصغروی فی بعض الموارد التی عدّها قدس سره من شرائط البیع أو الملک.

فیمکن عدّ عدم کون المبیع کلبا أو میتة أو عذرة أو اُمّ ولد أو الطلقیة أو نحوها من شرائط البیع ویمکن عدّ عدم کون المبیع خمرا من شرائط الملک، لأنّ الشارع ألغی

ص:109


1- 1 . المکاسب 3/468.
2- 2 . المکاسب 3/468.
3- 3 . الجواهر 23/471 (22/292).
4- 4 . المکاسب 3/419.

الملکیة بالنسبة إلیه.

وأمّا الفرع الذی ذکره قدس سره : وهو تغییر الصورة النوعیة إلی الصورة النوعیة الاُخری فی مثال الخلّ المتخذ من العنب والخلّ المتخذ من الخمر، أو الانسان الذی نشأ من نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة... والانسان المنقلَب من الکلب بالنظر الدقی العقلی الفلسفی فهو تام وأمّا بالنظر العرفی الذی یتبعه الشارع أیضا فتام فی مثال الخلّ لأنّ العرف یری اختلاف القیمة بین الخلَّین، وأمّا بالنسبة إلی مثال الانسان فلا یتم لأنّ العرف یری الوحدة بین الانسانین ولذا لا یحتاج الثانی إلی تجدید عقد زوجته ولاتَنْتَقِلُ أمواله إلی ورثته بل هو مالک لها بعد رجوعه إلی الانسانیة و...، وبالجملة: الحکم فی الفرع یدور مدار العرف وحکمه بالوحدة أو التعدد لا الدقة العقلیة الفلسفیة.

وفی القسم الرابع: قد مرّ عدم اعتباره فی حین العقد ولا حین الإجازة وإنّما اعتبر فی ظرف التسلیم فقط.

وفی القسم الخامس: بناءً علی النقل والکشف الحکمی بأقسامها لابدّ من اعتبارها حین الإجازة وأمّا بناءً علی الکشف الحقیقی فلابدّ من اعتبارها حین العقد إلی حین الإجازة وما بعدها.

تنبیهٌ: فی نقل مقال الجدّ العلاّمة

قال المحقّق التقی صاحب هدایة المسترشدین رحمه الله : «ثانیعشرها: هل یشترط استجماع العقد لشروط الصحة حین وقوعه سوی رضا المالک وإذنه أو أنّه یکتفی بتحقّق الشروط حین الإجازة؟ فلو تعلّق العقد بشیء مجهول للعاقد الفضول وأجازه المالک مع علمه أو باع الآبق وقد استرد فی وقت الإجازة أو باع الکافر مصحفا أو مسلما فأجازه بعد إسلامه، أو یکتفی بحصولها فی أحد الحالین أو بحصولها من حین العقد إلی زمان الإجازة فی الجملة أو یعتبر تحقّقها فی الحالین؟ وجوه.

وظاهر بعض کلماتهم فی الاحتجاج یعطی اعتبار الاستجماع حین(1) العقد، وهو

ص:110


1- 1 . لیس فی نسخة: «الاستجماع حین... الأصل باعتبار».

الّذی یقتضیه الأصل باعتبار حصولها فی الحالین.

وقد یقال: بالإکتفاء بحصولها حین الإجازة علی القول بالنقل فإنّه فی الحقیقة حال انعقاد العقد.

ویمکن أن یقال: بالتفصیل بین الشروط، فیعتبر فی المملوکیّة أن تکون حاصلةً حین العقد، فلو باع ما لم یدخل فی الملک کالمباحات قبل الحیازة والطیر فی الهواء ثمّ أجازها أو صاد الطیر لم تؤثر الإجازة، سیّما علی القول بالکشف، لوکانت حاصلة حین العقد فزالت بعد ذلک کما لو تلفت بعد العقد والقبض قبل الإجازة صح العقد بالإجازة، فیکون التلف من المشتری.

ویحتمل حینئذ اشتراط حصولها حین الإجازة أیضا؛ إذ لولاها لُعدّت الإجازة سفها خارجا عن مقصود العقلاء.

وأمّا القدرة علی التسلیم وإسلام المشتری فی بیع المصحف والمسلم فیکتفی بحصول الشرط عند الإجازة؛ لعدم وضوح دلیل علی الفساد بمجرّد انتفائه حین العقد.

ولا عبرة بالتسلیم الأصیل قبل الإجازة، والمفروض حصول القدرة علیه عند اعتبار التسلیم، وأنه لا سبیل للمشتری علی المبیع إلاّ بعد الإجازة، فلا یفید ما دلّ علی دفع السبیل وقضی به مراعاة الإحترام فساد العقد فی تلک الصورة، فیندرج تحت الأصل.

وأمّا معلومیّة العوضین ففیها وجهان.

ولا یبعد أن یقال فی اشتراط استجماع الشروط حین العقد بما دلّ الدلیل علی

اشتراط العقد به مطلقا.

وأمّا ما کان اعتباره لجهة خارجة کنفی السبیل علی المسلم وملاحظة الإحترام أخذ فیها بمقتضی ذلک الدلیل، فلا یبعد علی الصحیح فی المثالین المفروضین»(1).

هذا تمام الکلام بالنسبة إلی الأمر الأوّل.

ص:111


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/360 و 359.

الثانی: هل یعتبر علم المجیز بالمُجاز تفصیلاً؟

اشارة

ویقع الکلام فی مقامین:

أ: فی اعتبار العلم _ تفصیلاً أو إجمالاً _ بوقوع العقد فی صحة الإجازة، وعدم اعتبار العلم به مطلقا وکفایة الإجازة حتّی مع احتمال وجود العقد.

ب: فی صحة تعلُّق الإجازة بالمبهم وعدمها.

أمّا المقام أ:
اشارة

فقال الشیخ الأعظم: «هل یشترط فی المجاز کونه معلوما للمجیز بالتفصیل _ من تعیین العوضین وتعیین نوع العقد من کونه بیعا أو صلحا فضلاً عن جنسه من کونه نکاحا لجاریته أو بیعا لها _ أم یکفی العلم الإجمالی بوقوع عقدٍ قابلٍ للإجازة؟»(1).

أقول: قد مرّ أنّ العقد الفضولی تام من جمیع الجهات إلاّ من جهة استناده إلی المالک التی تمت بالإجازة اللاحقة. ولایشترط فی الإجازة العلم التفصیلی بل یکفی العلم الإجمالی فیها. لأنّ الإجازة بمنزلة الإذن السابق فکما لا یعتبر العلم التفصیلی فی الإذن السابق فکذلک فی الإجازة اللاحقة کما یظهر من جدنا العلاّمة التقی(2) فی عبارته الماضیة(3) سابقا.

مقالة الشیخ الأعظم ونقده:

ولکن الشیخ الأعظم ذَکَرَ وَجْهَیْنِ فی المقام وقال: «وجهان: [1] من کون الإجازة کالإذن السابق فیجوز تعلّقه بغیر المعیّن إلاّ إذا بلغ حدّا [من الإبهام] لا یجوز معه التوکیل. [2] ومن أنّ الإجازة بحسب الحقیقة أحد رکنی العقد لأنّ المعاهدة الحقیقیة إنّما تحصل بین المالکین بعد الإجازة، فیشبه القبول مع عدم تعیین الإیجاب عند القابل»(4).

أقول: قد مرّ آنفا بأنّ الوجه [1] تامُّ عندی. وأمّا الوجه [2] فَمُرادُهُ قدس سره أنّ المالک مع

ص:112


1- 1 . المکاسب 3/468.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/360.
3- 3 . الآراء الفقهیة 5/533.
4- 4 . المکاسب 3/468.

عدم العلم التفصیلی بالعقد تکون إجازته مُعَلَّقَةً.

نحو قوله: إنْ وقع بیع علی نحو کذا علی مالی فقد أجزته وحیث أنّ الإجازة أحد رکنی العقد لحصول المعاهدة الحقیقیة بین المالکین فقط، فالإجازة تکون بحکم العقد و

التعلیق فی العقود مبطلٌ فکذلک فی الإجازة.

والمحقّق النائینی(1) أضاف إلیه بأنّ الإجازة من الایقاعات والایقاع لا یقبل التعلیق.

یرد علیه: لیست الإجازة أحد رکنی العقد بل بها تُنسب العقدُ الذی ثمّ قبلها بالمجیز، فالإجازة لا تعدّ عقدا ولا جزءً له ومتمِّما له، بل بها یَتِمَّ انتساب العقد بالمجیز فقط، والمعاهدة الحقیقیة إنّما تحصل بین المالین لا المالکین وهی متحققة قبل الإجازة وبها تُنسبُ إلی المالک، فالإجازة لا تشبه القبول بأنّه لابدّ فیه من تعیین الإیجاب عند القابل، بل هی تشبه بالإذن السابق فکما یتعلَّق الإذن السابق بأمر غیر معلوم بالتفصیل بل ربّما غیر معلوم بالإجمال فکذلک الإجازة المتأخرة اللاحقة، فظهر بما ذکرنا عدم تمامیة الوجه [2] فی کلام الشیخ الأعظم.

وأمّا حمل کلامه فی تعیین مراده قدس سره إلی قضیة التعلیق فی العقود وأنّ الإجازة بمنزلة العقد والتعلیق فیها باطل کما أنّ التعلیق فی العقود، أیضا فغیر تام لأنّ دلیل بطلان التعلیق فی العقود لیس إلاّ الإجماع ومعقده نفس العقد ولا یشمل الإجازة، فإلحاق الإجازة بالعقود باطل، هذا أوّلاً.

وثانیا: بطلان العقد بالتعلیق یختص بأمرٍ خارج عن العقد وأمّا إذا کان بأمر یقتضیه نفس العقد وإن لم یصرِّح به فی متنه فلا وجه لبطلانه نحو قول البائع: إن کان هذا المال مالی فقد بعتک بکذا، والوجه فی عدم البطلان لأنّ مثل هذا التعلیق موجود فی جمیع العقود.(2)

ص:113


1- 1 . المکاسب والبیع 2/216، منیة الطالب 2/139.
2- 2 . راجع منیة الطالب 2/139، و هدی الطالب 5/394.

وثالثا: علی فرض قبول أنّ الإجازة تشبه العقود من الشیخ الأعظم، لا یجری فیها ما یجری فی العقود من بطلان التعلیق فی العقود لأنّ «مجرد الشباهة لا یوجب الإلحاق فی الحکم»(1) کما هو الواضح.

وبالجملة: الوجه [2] فی کلام الشیخ الأعظم مع ما ذکر من تعیین مراده غیرتامین.

مقالة النائینی ونقده:

ولکن بقی فی المقام ما أفاده المحقّق النائینی: من أنّ الإجازة من الإیقاعات والإیقاع لا یقبل التعلیق یرد علیه ما ذکرته آنفا تحت عنوان ثانیا واعترف هو بنفسه الشریفة علی هذا الردّ حیث قال فی دورته الأخیرة فی المکاسب ما نصه: «إنّ طلاق الزوجة وعتق العبد ونحوهما من الإیقاعات وبیع المالک ماله ونحوه من العقود معلَّق علی زوجیة الزوجة وَرِقِّیَّةِ العبد وکون المال مالاً للمالک، نحو تعلیق کلّ حکم علی موضوعه، فهذا المقدار من التعلیق ممّا لا محیص عنه فی العقود والایقاعات... وإن شئت فقل لا تعلیق فیهما، وإن شئت فقل إنّ هذا التعلیق لا یکون مضرّا ومرجع العبارتین إلی شی ء واحد، وما نحن فیه من هذا القبیل لکونه تعلیقا للإجازة علی وجود العقد الذی تَتَعَلَّقُ به الإجازة نظیر تعلیق البیع علی ملک المبیع والطلاق علی زوجیة الزوجة»(2).

ثمّ العجب منه قدس سره حیث علّل قوله من معلومیة المجاز بالتفصیل وعدم تعلّق الإجازة لأمر مبهم بالغرر وقال: «وذلک للغرر فإنّه لایختص بالبیع وإن ورد النهی عنه فی البیع بالخصوص(3) أیضا، ولکن النهی عنه لیس مختصا بالبیع بل ورد النهی عنه بقول

ص:114


1- 3 . راجع منیة الطالب 2/139.
2- 1 . المکاسب والبیع 2/216.
3- 2 . وسائل الشیعة 17/448، ح3، الباب 40 من أبواب آداب التجارة.

مطلق(1)»(2).

وجه التعجب: نعم، ورد النهی عن الغرر فی غیر البیع وجریانه فی غیره ولکن یکون دلیله أخص من المدعی لأنّ مدعاه بطلان تعلِّق الإجازة بما یکون معلوما بالإجمال ودلیله لزوم الغرر ومن الواضح ربّما یُوجد معلوم بالإجمال الذی لا یکون فیه غررا أصلاً ووجود معلوم بالتفصیل یوجد فیه الغرر.

وعلی فرض ثبوت الغرر، لا یوجب الغرر الفاحش إلاّ الخیار فی جانب المغرور الجاهل لا بطلان المعاملة کما یأتی فی الخیارات.

ثمّ قال فی ردّ مشابهة الإجازة اللاحقة بالإذن السابق ما نصه: «وزان الإجازة الواردة علی الأمر المبهم مثل إجازة ما صدر من الفضولی الذی لا یعلم بکونه بیعا أو غیره، وزان التوکیل فی أحد الأمرین المردد بین البیع وغیره، لا نظیر التوکیل المطلق فی

جمیع أُموره، ولا إشکال فی بطلان الوکالة أیضا إذا کانت متعلَّقة بالمبهم وإنّما هو الصحیح منها هو الوکالة المطلقة ولا یتصور نظیرها فی الإجازة لتعلِّقها إلی المعاملة الشخصیة الخارجیة...»(3).

یرد علیه: عدم تمامیة قیاس الإجازة فی ما یکون معلوما بالإجمال بالتوکیل فی أحد الأمرین المرددین بین البیع وغیره، والوجه فی بطلان التوکیل بهذه الکیفیة هو «عدم وقوع المتعلَّق حین صدور التوکیل وبالتالی یکون الإبهام واقعیّا والتردد حقیقیّا ومن المعلوم أنّ التوکیل فی المردّد الواقعی باطل.

وهذا بخلاف الإجازة حیث أنّ متعلَّقها متحقّق خارجا ویستحیل فیه التردید وبالتالی فإنّه لا تردید فی الأمر الواقع والمتحقّق خارجا، وإنّما التردید فی الصورة العلمیة للمجیز وبینهما فرقٌ.

[وبالجملة]: فالإبهام الذی یلفّ التوکیل إبهام واقعیٌّ ناشٍ عن التردد فی الواقع بخلاف الإبهام فی الإجازة حیث أنّه إبهام من جهة المجیز دون الواقع المعلوم تحقّقه،

ص:115


1- 3 . راجع وسائل الشیعة 17/395، الباب 9 من أبواب آداب التجارة، و 18/31، الباب 17 من أبواب الخیار.
2- 4 . المکاسب والبیع 2/217.
3- 1 . راجع المکاسب والبیع 2/217.

ولذلک لایمکن أن یقاس الإجازة بالتوکیل، ویعدّ قیاسها مع الفارق»(1).

مقالة المحقّق الأصفهانی ونقده:

قال قدس سره : «ربّما یستند فی اشتراط العلم التفصیلی إلی النهی عن الغرر، إمّا لکون الإجازة غرریّة والغرر منهی عنه مطلقا، وإمّا لکون العقد المجاز غرریا من المجیز، وهو منهی عنه، ولو لم یکن الغرر فی الإجازة منهیا عنه.

وتحقیق القول فی ذلک یبتنی علی مقدمة: هی أنّ التوکیل تارة یتعلق بالمبهم المردد، واُخری بالمجهول، وثالثة بتعمیم الوکالة بحیث تسع کلّ ما یؤدی إلیه نظر الوکیل واختیاره.

والأوّل: فی نفسه غیر معقول؛ إذ المردد بما هو لا ثبوت له ذاتا وحقیقةً؛ ماهیةً وهویةً، فالإذن فیه إذن فی أمر غیر معقول، فهو غیر معقول من العاقل غیر الغافل، وعلی فرض المعقولیة فهو فیما نحن فیه مفروض العدم، لأنّ العقد الصادر من الفضول معیّنٌ لا مردّدٌ واقعا، فإجازته إجازة المجهول لا إجازة المردّد.

والثانی: وهو التوکیل فی المجهول، کأنْ یوکله فی البیع بما لایعلم الموکِّل والوکیل

أنّه فضة أو ذهب مثلاً، فمثله غیر نافذ من الموکِّل بالمباشرة فکذا بالتسبیب، ومثله إجازة بیع المجهول بهذا الوجه.

والثالث: ما إذا فوَّض الامر إلی الوکیل وجعله مستقلاً فی العمل بأیّ وجه یختاره، فکما أنّه للموکِّل التصریح ببیع ماله بأدون من ثمن المثل، أو بهبة ماله، ولیس التوکیل غرریا ولا المعاملة غرریة، لا من حیث مباشرة الوکیل ولا من حیث تسبیب الموکِّل، فکذلک له هذا المعنی بالتعمیم، فالمعاملة الصادرة من الوکیل إذا کانت فی نفسها واجدة للشرائط تکون منتسبة إلی الموکل، فهذه المعاملة الصحیحة تسبیبیة من الموکِّل وإنْ جهل الموکِّل بما فعله الوکیل، ومثل هذا التعمیم هنا _ مع کون المجاز عقدا خاصا _ وإنْ کان معقولاً نظرا إلی أنّه یرضی بأی وجه أوقعه الفضول، بیعا کان أو هبةً بثمن المثل أو بأنقص.

ص:116


1- 2 . العقد النضید 3/490.

إلاّ أنّ الفرق بین التوکیل والإجازة، أنّ الاقدام علی المعاملة عمل الوکیل المستقل فی أمرها، فیعتبر أنْ یکون عقلائیا غیر سفهائی من حیث کونها غرریة خطریة، ولا إقدام علی المعاملة من الموکل کی یعتبر علمه لئلا یلزم الغرر، فلا غرر فی التوکیل، لا من حیث إنّ التوکیل عمل یعتبر أنْ لا یکون غرریا، ولا من حیث إنّ المعاملة المنتسبة إلیه غرریة.

بخلاف الإجازة؛ فإنّ الفضول أجنبی عن المال وعن التصرف فی المال، فلا معنی لغرره وخطره، بل الاقدام علی المعاملة من المجیز، فهو بإجازته مقدِّمٌ علی المعاملة، فهذا العقد الإجازی کعقده المباشری، فلابد من أنْ یکون هذا الاقدام منه عقلائیا غیر سفهائی.

وممّا ذکرنا تبیّن أنّ الإجازة کالإذن والتوکیل، وأنّه لا یختص أحدهما بخصوصیة من حیث غرریّة التوکیل والإجازة وعدمها، بل الفرق من حیث إنّ المعاملة مع الجهل غرریّة من المجیز دون الموکل للوجه المتقدم»(1).

«ویرد علیه أوّلاً: إنّ قوله رحمه الله : «إنّ الفضول أجنبی عن المال و التصرّف فی المال، فلا معنی للغرره وخطره» ممنوعٌ؛ لأنّ الغرر من المعانی والعناوین التعلّقیّة حیث لا یطلق إلاّ مرتبطة بطرفی المعاملة، ومعناه حدوث خصوصیّة فی المعاملة تستوجب جهل طرفی العقد بالمعاملة وخصوصیّاتها، ومن المعلوم أنّ الفضولی بإقدامه _ الذی سوف یُجیزهُ المالک لا حقا _ یعدّ أحد أطراف العقد، فإذا کانت المعاملة مجهولة عنده، فإنّه لیس فی استطاعة المجیز إجازتها، وبالتالی فإنّ الفضولی لا یعدّ أجنبیّا عن العقد والغرر والأخطار

المترتّبة علیه کما زعمه الأصفهانی.

وثانیا: إنّ قوله رحمه الله أخیرا: «إنّ المعاملة مع الجهل غرریّة من المجیز» ممنوعٌ أیضا، لأنّ الإقدام حقیقة یستحیل أن یتعلّق بالموجود، بل لابدّ من تعلّقه بالمعدوم دائما؛ أی یجب أن یُقْدِم القاصد علی إیجاد معاملة لم تکن موجودة سابقا، أمّا الموجودة فلا یعقل أن یقصده المتعامل، وعلیه فالسؤال المطروح فیما نحن فیه هو أنّه هل وقعت معاملة أم لا؟ فإن أجاب بالنفی، فإنّه یرد علیه بأنّه ما هو متعلّق الإجازة حینئذٍ؟! وإن أجاب

ص:117


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(263-261).

بالإیجاب، فإنّه یرد علیه بأنّ الإقدام علی الواقع الموجود محالٌ.

والحلّ: هو القول بأنّ مورد الإقدام هی الإجازة دون المعاملة، وبالتالی یَجِبُ أن نلاحظ أنّ ما أقدم علیه المجیز هل یعدّ غرریّا أم(1) لا؟ فإن التزم رحمه الله بغرریّة الإجازة، علیه أن یلتزم بغرریّة الإذن أیضا بالضرورة، لعدم إمکان التخصیص فی الأحکام العقلیّة، فضلاً عن اتّحاد الإذن والإجازة حقیقةً وجوهرا وانحصار اختلافهما بالسبق واللحوق»(2).

والحاصل: فی المقام [أ] یکفی علم الإجمالی للمجیز بالنسبة إلی المجاز لصحة صدور الإجازة منه، ولا یعتبر علمه التفصیلی به خلافا لأحد وجهی الشیخ الأعظم ولما اختاره المحقّقان النائینی والأصفهانی قدس سرهم .

وأمّا المقام ب:
اشارة

هل یصح تعلّق الإجازة بالمبهم أم لا؟ وهل یعتبر علم المجیز بوقوع العقد وعدم کفایة إحتمال وجوده فی صحة الإجازة أم لا؟

فقد قال العلاّمة الجدّ التقی: «وهل یعتبر فیها علمه بوقوع العقد من الفضول أو یجوز إمضاءه لما یحتمل وقوعه أو علی تقدیر وقوعه کما إذا أخبره لوقوع البیع فأجازه من دون أن یتحقّق عنده وقوعه ثمّ علم بالوقوع؟ وجهان. ویقوی الاکتفاء به فی المقام»(3).

ولکن یری الشیخ الأعظم قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد «لأنّ الإجازة وإن لم تکن من العقود حتّی یشملها معاقد إجماعهم علی عدم جواز التعلیق فیها، إلاّ أنّها فی معناها ولذا یخاطب المجیز بعدها بالوفاء بالعقد السابق، مع أنّ الوفاء بالعقد السابق لا

یکون إلاّ فی حقّ العاقد، فتأمل»(4).

مراده قدس سره : إنّ الإجازة تکون من الإیقاعات ولا یصح فیها التعلیق لأنّه لو أجاز

ص:118


1- 1 . کذا و «أوْ» أحسن.
2- 2 . العقد النضید 3/492.
3- 3 . راجع تبصرة الفقهاء 3/361.
4- 1 . المکاسب 3/468 و 469.

العقد المحتمل وقوعه تکون إجازته معلَّقه علی وقوع العقد وهو باطل.

ویرد علیه کما مرّ أوّلاً: بعدم تحقّق الإجماع فی عدم تحمّل الإیقاع للتعلیق لأنّ هذه المسألة لم ترد فی کلمات القدماء من الفقهاء.

وثانیا: ما مرّ من المحقّق النائینی(1) من هذا المقدار من التعلیق ممّا لا محیص عنه فی العقود والإیقاعات.

وثالثا: علی فرض تحقّق الإجماع یمکن أن یکون مدرکیّا لاحتمال اعتماد القائل بعدم قابلیة الإیقاع لتحمّل التعلیق علی أنّ الإجازة انشاءٌ وهو لا یتحمّل التعلیق.(2)

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله من أنّ الإجازة فی معنی العقد أی فی حکمه وبالتالی فلا یجوز التعلیق فیها لاندراجها فی الأدلة الدالة علی عدم جواز التعلیق فی العقود، والدلیل علی أنّها فی حکم العقد ومعناه أنّه یُعدّ المجیز من طریق الإجازة عاقدا ویجب علیه الوفاء بالعقد مع عدم صدور أرکان العقد من الإیجاب والقبول منه.

فیرد علیه أوّلاً: إن أراد بأنّ الإجازة فی معنی العقد وحکمه أنّ المجیز یعدّ عاقدا بعدها، یکون باطلاً ولعلّه قدس سره أمر بالتأمل فی آخر کلامه.

وثانیا: إن أراد منه أنّ وجوب الوفاء بالعقد یشمل المجیز بعد صدور الإجازة منه، یکون حقّا لامریة فیه ولکن دعوی ترتب بقیّة شروط العقد علی هذا المجیز دون إثباتها خطر القتاد.(3)

فظهر ممّا ذکرنا صحة تعلّق الإجازة بالمبهم ولا یعتبر فیها علم المجیز بوقوع العقد ویکفی احتمال وقوعه فی صحة الإجازة کما قَوّاهُ العلاّمة الجدّ التقی قدس سره والحمد للّه العالم بأحکامه.

ص:119


1- 2 . المکاسب والبیع 2/216.
2- 3 . العقد النضید 3/485.
3- 4 . راجع العقد النضید 3/486.

الثالث: حکم العقود المترتبة علی مال الغیر

اشارة

لو تَرَتَّبَت العقود المتعددة علی مال الغیر أو علی عوضه فهل للمالک أن یجیز أیّ منها شاء أم لا؟

نعم، یجوز للمالک أن یُجِیْزَ أیّا منها شاء مع رعایة مصلحته کما نص علیه جماعة من الفقهاء قدس سرهم .

قال العلاّمة فی القواعد: «وللمالک تَتَبُّع العقود ورعایة مصلحته ومع علم المشتری إشکال»(1).

وقال فی التذکرة: «لو غصب مالاً وتصرَّف فی ثمنه مرّة اُخری کان ذلک موقوفا علی اختیار المالک فی إجازة الجمیع أو أیّها شاء، وفسخ الجمیع أو أیّها شاء وله تتّبع العقود الکثیرة فیراعی مصلحته، وهذا أضعف قولی الشافعی والأصح عنده البطلان»(2).

وقال فی نهایته: «ولو غصب أموالاً وباعها وتصرَّف فی أثمانها مرّة بعد اُخری، فللمالک إجازتها وأخذ الحاصل منها ویتبع العقود الکثیرة بالنقض والإبطال ورعایة مصحلته. ولو کان المشتری عالما بالغصب فإشکال، ینشأ من رجوعه بالثمن وعدمه»(3).

قال فخرالمحقّقین فی ذیل قول والده العلاّمة فی القواعد: «هذه المسئلة مَبْنِیَّةٌ علی المسئلة السابقة ومتفرعة علیها (فعلی بطلان) بیع الفضولی من أصله فبیع الغاصب أوْلی

ص:120


1- 1 . قواعد الأحکام 2/19.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 10/219.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/476.

بالبطلان، وعلی القول بوقوف بیع الفضولی علی إجازة المالک فالأکثر علی أنّه کذلک فی الغاصب مع جهل المشتری إذ الشرط عنده فی اعتبار الصیغة شرعا بالنظر إلی الفاعل کونه مکلفا مختارا رشیدا قاصدا لها ولمعناها وزاد بعضهم عدم مسبوقیتها بنهی المالک لا غیر

ومعنی اعتبارها صلاحیتها للتأثیر بالفعل عند اجتماع الشرائط وإجازة المالک سبب لسببیة الصیغة للتأثیر بالفعل ویزید هنا تتبع المالک العقود الکثیرة بالنقض والابطال ورعایة مصلحته ویبنی علی ذلک إذا ربح الغاصب فی المال المغصوب هل یکون الربح له أو للمالک؟ فنقول: إنْ کان المشتری جاهلا فللمالک تتبع العقود والإبطال ورعایة مصلحته والربح له فی سلسلتی الثمن والمثمن وأمّا إن کان المشتری عالما بالغصب، فعلی قول الأصحاب إنّ المشتری إذا رجع علیه بالسلعة لا یرجع علی الغاصب بالثمن مع وجود عینه فیکون قد ملکه الغاصب مجانا لأنّه بالتسلیم إلی الغاصب لیس للمشتری استعادته من الغاصب بعد أخذ المالک العین المغصوبة بنص الأصحاب فقبله اُولی أنْ لایکون له والمالک قبل الإجازة لایملک الثمن لأنّ الحقّ أنّ الإجازة شرط أو سبب فلو لم یکن للغاصب لکان ملکا بلا مالک وهو محال فیکون قد سبق ملک الغاصب الثمن علی سبب ملک المالک له فإذا نقل الثمن عن ملکه لم یکن للمالک إبطاله ویکون ما یشتری الغاصب بالثمن له وربحه له ولیس للمالک أخذه لأنّه ملک الغاصب، وعلی القول بأنّ إجازة المالک کاشفة فإذا إجازه کان له ویحتمل أنْ یقال لمالک العین حقّ تعلَّق بالثمن فإنَّ له إجازة البیع وأخذ الثمن وحقّه مُقَدَّم علی حقّ الغاصب بدفع المشتری ولأنّ الغاصب یؤخذ بأخس بأخسر _ خ ل) أحواله وأشقها علیه والمالک بأجود أحواله. فالتحقیق: أن نقول فی سلسلة المثمن مع علم المشتری الأوّل للمالک أخذ عینه فینفسخ جمیع العقود المترتبة علیها وله إجازة أیّ العقود أراد فإنْ أجاز عقدا صح مابعده وبطل ماقبله وکان له ثمنه إن کان المشتری جاهلاً أو عالما علی أحد الاحتمالین فیبطل جمیع العقود بعده فی سلسلة الثمن والفرق بینه وبین المثمن أنّه إذا أجاز عقدا فقد خرج المثمن عن ملکه إلی ملک المشتری فصحت تصرفاته فیه ودخل الثمن فی ملک المجیز فبطل تصرف غیره فیه، والأصحُّ

ص:121

عندی أنه مع وجود عین الثمن للمشتری العالم أخذه ومع التلف لیس له الرجوع به»(1).

قال الشهید فی الدروس: «ولو ترتّبت العقود علی العین والثمن فللمالک إجازة ما شاء ومهما أجاز عقدا علی المبیع صحّ وما بعده خاصة وفی الثمن ینعکس ولا یقدح فی ذلک علم المشتری بالغصب.

ولو فسخ المالک أخذ العین وزوائدها ومنافعها فإن هلکت رجع علی مَنْ شاءَ

والقرار علی المشتری مع العلم وعلی الغاصب مع الجهل أو دعواه الوکالة.

ویرجع بالثمن مع وجوده علی کلّ حال، وکذا مع تلفه جاهلاً إذا رجع علیه المالک بالقیمة...»(2).

وفی حاشیته علی القواعد ما نصه: «ملحق وُجد بخطّه علی نسخة بعض تلامذته، وعنده بخطّ القارئ: وجهه أنّ التتبّع إنّما یتحقّق مع جهل المشتری بالغصبیّة؛ لیقع العقد شبیها بالصحّة، فیقع الثمن فی ملک البائع، فینتقل منه إلی المالک. أمّا مع علمه لا یقع العقد صحیحا بوجه، فلا یستحقّ البائع الثمن حتّی یستحقّه المالک.

قلت: ووجهه أنّه مع علم المشتری یکون مسلِّطا للبائع الغاصب علی الثمن؛ ولهذا لو تلف لم یکن له علیه الرجوع ولو بقی ففیه الوجهان فلا یدخل فی ملک ربّ العین، فحینئذٍ إذا اشتری به البائع متاعا فقد اشتراه لنفسه، وأتلفه عند الدفع إلی البائع، فیتحقّق ملکه للمبیع، فلا یتصوّر نفوذ الإجازة هنا لصیرورته ملکا فلا یمکن تتبّع الشراء وإن أمکن إجازة البیع مع احتمال عدم نفوذها أیضا؛ لأنّ ما دفعه إلی الغاصب کالمأذون له فی إتلافه، فلا یکون ثمنا فلا تؤثّر الإجازة فی جعله ثمنا فصار الإشکال فی صحة البیع مع الإجازة، وفی التتبع.

وصرّح قُطْبُ الدِّیْنِ البویهی: أنّ الإشکال مع العلم فی التتبّع لأنّه یکون إباحةً للثمن»(3).

ص:122


1- 1 . إیضاح الفوائد 1/418 و 417.
2- 1 . الدروس 3/193.
3- 2 . الحاشیة النجاریة /221.

أقول: إلی هنا ظهر أنّ فخرالمحقّقین أسّس قاعدة فی المقام ورضی بها الشهید وهی: فی العقود المترتبة المتعددة علی المبیع (المثمن) لو أجاز المالک المتوسطة منها، صحت ما بعدها وبطلت ما قبلها.

وأمّا العقود المترتبة المتعددة علی الثمن لو أجاز المالک المتوسطة منها فَهِیَ عکس الأمر، صحت ما قبلها وبطلت ما بعدها.

وقال المحقّق الثانی ردّا علی فخرالمحقّقین والشهید وشرحا لکلام العلاّمة فی القواعد: «بمعنی: أنّ له إجازة أی عقد اختار إجازته فإن أجاز عقدا من العقود المرتبة علی المغصوب _ کما لو بیع بسیف ثمّ بدار ثمّ بفرس ثمّ بثوب باعتبار اختلاف الأیدی _ صح ذلک العقد وبطل ماقبله من العقود لأنّ صحته بإجازته تقتضی کون المبیع باقیا علی

ملکه، وبقاؤه علی ملکه ینافی صحة شی ءٍ من العقود السابقة علی ذلک العقد، إذ لو صح شی ء منها لخرج المبیع عن ملکه، فلم تؤثر إجازته فیه.

لکن سیأتی _ فی أنّ من باع مال غیره فضولاً ثمّ اشتراه _ ما یقتضی التردد فی بطلان ما قبله، لأنا إذا حملنا عبارته فیما یأتی علی التردد، کان علی احتمال الصحة، یحتمل الصحة بالإجازة هنا.

وأما ما بعده من العقود فیبنی علی أن إجازة الفضولی کاشفة أو ناقلة، فإن قلنا بالأوّل صح ما بعده، لتبین وقوع تصرّفه فی ملکه، وإن قلنا بالثانی تجیء فیه ثلاثة أوجه:

أحدها: البطلان، لتعذر الإجازة، لانحصارها فی المغصوب منه، وقد خرج عن ملکه.

الثانی: الصحة من غیر توقف علی إجازة التصرف ببیعه.

الثالث: توقفه علی إجازته، وسیأتی مثل هذا فیما بعد.

ولو ترتبت العقود علی ثمن المغصوب، کما لو بیع السیف بقوس، ثمّ القوس بدابَّة، ثمّ الدابَّة یبعیر، ثمّ البعیر بدراهم، فإنّ الحکم ینعکس لو أجاز واحدا منها، فإنّ ماقبله یصح، ویقف ما بعده علی الإجازة کالفضولی، إلاّ إذا قلنا الإجازة کاشفة، کما لو أجاز بیع الدابة بالبعیر، فإنّ إجازته إنّما یعتدّ بها شرعا أن لو کان مالکا للدابة، وإنّما یملکه علی هذا

ص:123

التقدیر إذا ملک السیف، وإنّما یملکه أن لو صحّ بیع السیف به، فیجب الحکم بصحة ذلک، حملاً لکلام المسلم علی الوجه الذی یکون معتدّا به شرعا.

واعلم: أنّ هذا إنّما یستقیم إذا جرت العقود علی العوض الذی هو الثمن، ثمّ علی ثمنه وهکذا، فلو جرت علی الثمن خاصة، کما لو بیع السیف مرارا فأجاز واحدا منها، فانّ ذلک العقد یصح ویبطل ما قبله، إلاّ العقد الذی قوبل فیه المغصوب بالسیف، وفیما بعد ذلک العقد الأوجه الثلاثة السابقة.

وبهذا یظهر أنّ إطلاق کلام الشارح(1) وشیخنا الشهید فی الدروس(2) _ بأنّ فی سلسلة المثمن یصح العقد المجاز، وما بعده دون ما قبله، وفی الثمن بالعکس _ غیر مستقیم، ویحتاج إلی التنقیح فی مواضع:

الأوّل: بیان حال ما بعده فی سلسلة الثمن، بما ذکرناه.

الثانی: وقوف مابعد المجاز فی سلسلة الثمن علی الإجازة، دون البطلان.

الثالث: أنّ ذلک فی سلسلة مخصوصة فی الثمن کما بیّناه، لا مطلقا»(3).

وقال ثانی الشهیدین فی الروضة: «... وإن ترتّبت العقود علی الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجمیع صح أیضا، وإن أجاز أحدهما فإن کان المثمنَ صح فی المجاز وما بعده من العقود، أو الثمن صح و ما قبله.

والفرق أنّ إجازة المبیع توجب انتقاله عن ملک المالک المجیز إلی المشتری فتصح العقود المتأخرة عنه وتبطل السابقة لعدم الإجازة.

وإجازة الثمن توجب انتقاله إلی ملک المجیز فتبطل التصرفات المتأخرة عنه بحیث لم یجزها وتصح السابقة، لأنّ ملک الثمن المتوسط یتوقّف علی صحة العقود السابقة، وإلاّ لم یکن تملک ذلک الثمن، هذا إذا بیعت الأثمان فی جمیع العقود.

وأمّا لو تعلقت العقود بالثمن الأوّل مرارا کان کالمثمن فی صحة ما أُجیز ومابعده،

ص:124


1- 1 . إیضاح الفوائد 1/418.
2- 2 . الدروس 3/193.
3- 1 . جامع المقاصد 4/(71-69).

وهذا القید وارد علی ما أطلقه الجمیع فی هذه المسألة کما فصلناه أوّلاً.

مثاله: لو باع مال المالک بثوب ثمّ باع الثوب بمائة ثمّ باعه المشتری بمائتین ثمّ باعه مشتریه بثلاثمائة فأجاز المالک العقد الأخیر فإنّه لا یقتضی إجازة ما سبق بل لا یصح سواه، ولو أجاز الوسط صح مابعده کالمثمن.

نعم، لو کان قد باع الثوب بکتاب ثمّ باع الکتاب بسیف ثمّ باع السیف بفرس فإجازة بیع السیف بالفرس تقتضی إجازة ما سبقه من العقود، لأنّه إنّما یملک السیف إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو الکتاب، ولا یملک الکتاب إلاّ إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو الثوب فههنا یصح ما ذکروه»(1).

وقال فی المسالک: «ثمّ إن اتّحد العقد فالحکم واضح، وإن ترتّبت العقود علی الثمن أو المثمن أو هما وأجاز الجمیع صحّ أیضا. وإن أجاز أحدهما، فإن کان هو المثمن صح فی المُجاز وما بعده من العقود. وإن کان هو الثمن صحّ وما قبله. کذا أطلقه جماعة من الأصحاب.

والفرق بین المقامین أنّ إجازة المبیع توجب انتقاله عن ملک المالک المجیز إلی المشتری، فتصحّ العقود المتأخّرة عنه المترتّبة علی فعل المشتری، وتبطل السابقة لعدم

الإجازة. وإجازة الثمن توجب انتقاله إلی ملک المجیز، فتبطل التصرفات المتأخرة عنه فیه، حیث لم یجزها، وتصح السابقة، لأنّ ملک الثمن المتوسط یتوقف علی صحة العقود السابقة، وإلاّ لم یمکن تملّک ذلک الثمن. مثاله: ما لو کان الفضولی قد باع مال المالک بکتاب مثلاً، ثمّ باع الکتاب بسیف، ثمّ باع السیف بثوب، ثمّ باع الثوب بفرس، فأجاز المالک بیع الثوب بالفرس، فإنّ ملکه حینئذٍ للفرس یتوقف علی تملّک الثوب، وإنّما یملک الثوب إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو السیف وإنّما یملک السیف إذا ملک العوض الذی اشتری به وهو الکتاب. فظهر أنّ إجازته للعقد المتأخر یستلزم إجازة العقود السابقة، وإلاّ لم یتمّ، فیحکم بصحة ذلک کلّه، حملاً لفعل المسلم علی الوجه المعتدّ به

ص:125


1- 2 . الروضة البهیة 3/(234-230).

شرعا.

وهذا الحکم صحیح فی هذا المثال ونظائره، إلاّ أنّ مسألة ترتب العقود علی الثمن أعمّ منه. فإنّ من صوره ما لو بیع الثمن _ وهو الکتاب فی هذا المثال _ مرارا، کما لو باعه ذلک الفضولی بمائة، ثمّ باعه المشتری بمائتین، ثمّ باعه المشتری الثانی بثلاثمائة، فأجاز المالک العقد الأخیر، فإنّه لا یقتضی إجازة ما سبق، بل لا یصحّ سواه، مع أنّه یصدق علیه أنّ العقود ترتبت علی الثمن، ولم یتمّ الحکم بصحة ما قبل المجاز.

وأمّا مسألة سلسلة العقود علی المثمن، فصحة العقود اللاحقة للمُجاز مبنیّة علی أنّ الإجازة کاشفة، لیظهر ملک کل بائع متأخر حین بیعه وان کان فی ثانی الحال، أمّا لو جعلناها ناقلة للملک من حین الإجازة، فالبائع لم یکن مالکا حین بیعه، وانّما ملک بعده بالإجازة، والإجازة کانت لمالک العین ولم یحصل، وعند إجازته للعقد السابق خرج اللاحق عن ملکه فلم یمکنه الإجازة، فتبنی صحة البیع المتأخر حینئذٍ علی من باع فضولیا ثمّ انتقل إلیه الملک، فإنّ فی لزوم البیع حینئذٍ، أو توقفه علی إجازته ثانیا وجهان. وقد ظهر بذلک أنّ اطلاقهم الحکم فی السلستین یحتاج إلی تنقیح»(1).

أقول: اعترض المحقّق الثانی وتبعه الشهید الثانی علی العَلَمَیْنِ _ فخرالمحقّقین والشهید _ فی اطلاق قاعدتهما:

فی العقود المترتبة المتعددة علی المبیع (المثمن) لو أجاز المالک المتوسطة منها بطلت ما قبلها _ وهذا علی اطلاقه صحیح _ وأمّا بالنسبة إلی صحة ما بَعْدَها فإنَّهُ لایکون

علی اطلاقه صحیحا، بل هی تصح علی القول بالکشف فقط وأمّا علی القول بالنقل فتأتی ثلاثة احتمالات:

1_ البطلان، لأنّ البائعین باعوا ما لیس فی ملک قبل إجازة المالک والبیع لابدّ أن یکون فی ملک.

2_ الصحة مع توقفه علی إجازة المالک، لأنّهم باعوا ملک الغیر فیحتاج إلی إجازة

ص:126


1- 1 . مسالک الأفهام 3/158 و 159.

مالکه کما فی الفضولی. أو علی القول بالتوقف علی الإجازة المستأنفة فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه.

3_ الصحة مطلقا _ من دون التوقف علی الإجازة _ علی القول بالصحة مطلقا فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه.

وفی العقود المترتبة المتعددة علی الثمن لو أجاز المالک المتوسطة منها صحت ما قبلها وبطلت مابعدها، تام إذا تبدّل الثمن فی کل معاملة إلی شی ءٍ آخر مثل تبدّل الثوب بکتاب، والکتاب بسیف والسیف بفرس وهکذا.

وأمّا لو تعلّقت العقود المتعددة بالثمن الأوّل مرارا نحو تبدّل ثوب المالک بکتاب والکتاب بالمأة ثمّ بمأتین ثمّ بثلاثمأة ثمّ... فی هذا المورد یکون فرض الثمن کالمثمن والمبیع یعنی لو أجاز المالک المتوسطة منها بطلت ما قبلها وصحت ما بعدها علی القول بالکشف مطلقا وعلی القول بالنقل تأتی الاحتمالات الثلاثة الماضیة، هذا نقد ثانی المحققَیْن علی العَلَمین وتبعه ثانی الشهیدین کما مرّ.

قال جدی الشیخ جعفر: «(وللمالک تتّبع العقود ورعایة مصلحته) فیُجیز ما شاء منها. فإن کانت متعاقبة علی عین واحدة ثمنا أو مثمنا أو مختلفا فإجازة العالی تقضی بصحة السافل، لا للإجازة بل لوقوع العقد فی محلِّها بعد خروج العین عن أهلها. هذا علی القول بالکشف.

وعلی النقل تُحتمل وجوه ثلاثة: أحدها: البطلان فی الأسافل، لعدم مصادفتها الملک. وثانیها: القول بالصحّة، نظرا إلی أنّ حدوث الملک بحکم الإجازة. وثالثها: التوقّف علی الإجازة. ولعلّ الأوسط أوسط. وأمّا إجازة السافل فلا تقضی بصحّة العالی، إذ لا ربط بینهما. و(1) المتوسط من العقود: حاشیتاه غیر خارجتین عن القسمین.

وغیر المتعاقبة علی المحلّ الواحد؛ إجازة العالی منها لا تقضی بإجازة السافل، لأنّ العوض صار ملکا للمجیز، فلا ینتقل عنه إلاّ بإجازة اُخری. وإجازة السافل تقضی

ص:127


1- 1 . فی بعض النسخ: (بل) بدل الواو.

بإجازة العالی تبعا، علی نحو حکم المقدّمة، فمع الاکتفاء بمطلق الرضا أو القول بأنّ حکم المقدمّة مستفاد من اللّفظ؛ فلا إشکال.

ومَن أراد استیفاء الأقسام لیتدرّب فی معرفة الأحکام فلیعلم أنّ العقد، والعاقد، والمتعلّق، والجهة کالعوضیّة(1) ومقابلها: إمّا واحد، أو متعدّد، أو مختلف. ثمّ العقود المتعدّدة: إمّا مجتمعة أو مترتّبة، معلومة التاریخ فی الجمیع أو فی البعض أو لا، متوافقة فی الاقتضاء _ شطورا، وشروطا، وقیودا _ أو مختلفة. ثمّ العاقد: إمّا متحدة أو متعدّدة أو مختلفة، من متحد أو متعدّد أو مختلف، مترتّبة أو دفعیة أو مختلفة، معلومة التاریخ فی الکلّ أو البعض أو لا، متعلّقة بالجمیع أو البعض المتعدّد أو المتحد، شخصیا أو کلّیا أو مردّدا، مع الکشف أو النقل، إلی غیر ذلک من الأقسام. ومَن أعطی النظر حقّه لم یخف علیه شیء من الأحکام.

کلّ ذلک مع عدم المانع. أمّا لو حصل مانع فی بعضها، کبیع مسلم أو قرآن علی کافر؛ لم تؤثّر الإجازة فیه، ولا فی توابعه»(2).

وقال صاحب الجواهر رحمه الله : «وربّما تظهر الثمرة أیضا: فیما لو ترتّبت العقود علی المبیع أو الثمن أو علیهما فضولاً، ولا ریب فی أنّ للمالک تتبّع العقود ورعایة المصلحة له فیجیز ما شاء.

لکن فی الدروس ومحکی الإیضاح أنّه «إذا أجاز عقدا علی المبیع صحّ ومابعده خاصّة وفی الثمن ینعکس». أی یصحّ هو وما قبله خاصّة.

وکأنّ وجهه: أنّ الفضولی لو باع العبد مثلاً بسیف، ثمّ باعه المشتری من الفضولی بدار، ثمّ باعه الثانی بفرس، ثمّ باعه الثالث بثوب، فأجاز المالک منها بیعه بالدار، صحّ هو وبطل السابق قطعا؛ لعدم الإجازة.

وذلک لأنّ إجازته الثانی تقتضی کون المبیع باقیا علی ملکه، وبقاؤه علی ملکه

ص:128


1- 1 . فی بعض النسخ: (کالعوض).
2- 2 . شرح القواعد 2/(88-86).

ینافی صحّة شیء من العقود السابقة علی ذلک العقد؛ إذ لو صحّ شیء منها لخرج المبیع عن ملکه، فلم تؤثّر إجازته فیه.

وأمّا ما بعده من العقود: فلا ریب فی صحّتها بناءً علی الکشف؛ لوقوع التصرّف حینئذٍ فی الملک.

وأمّا علی النقل، فیحتمل: البطلان؛ لتعذّر الإجازة حینئذٍ من المالک. والصحّة بلا إجازة؛ لحصول الملک للبائع الذی قد یتحقّق رضاه ببیعه فضولاً، ولم یبق إلاّ الملک وقد حصل. والصحّة مع الإجازة منه؛ لکون الرضا الأوّل إنّما کان والمال لغیره. ولعلّ الأوّل أقوی.

وأمّا لو ترتّبت علی الثمن: کما لو بیع السیف بقوس، ثمّ القوس بدابّة، ثمّ الدابّة ببعیر، ثمّ البعیر بدراهم، فإنّ الحکم ینعکس لو أجاز واحدا منها، فإنّ ما قبله یصحّ، ویقف ما بعده علی الإجازة؛ لأنّه فضولی.

فلو أجاز فی المثال بیع الدابّة بالبعیر مثلاً استلزم إجازة ما قبله؛ لأنّ إجازته إنّما یعتدّ بها شرعا لو کان مالکا؛ للدابّة، وإنّما یکون مالکا لها حینئذٍ لو ملک ما بذل فی مقابله وهو القوس، وإنّما یملک علی هذا التقدیر إذا ملک السیف، وإنّما یملکه لو صحّ بیع السیف، فیجب الحکم بصحّته؛ حملاً لکلام المسلم علی الوجه الذی یکون معتدّا به شرعا. وهذا کلّه واضح.

نعم، ینبغی أن یکون ذلک فی الثمن(1) لو کانت السلسلة علی ما ذکرناه، أمّا لو جرت العقود علی الثمن خاصّة کما لو بیع السیف مرارا علی حسب ما سمعته فی المثمن، لا علیه ثمّ علی ثمنه... وهکذا، فإنّ المتّجه حینئذٍ فی الفرض المزبور جریان حکم المبیع فیه من صحّة العقد المجاز وما بعده _ بناءً علی الکشف، وعلی النقل الوجوه الثلاثة _ دون ما قبله، إلاّ العقد الأوّل الذی قوبل فیه المبیع فضولاً، فإنّ دخول الثمن فی الملک متوقّف علی إجازته.

ص:129


1- 1 . فی بعض النسخ: المثمن.

وربّما اُورد(1) المثال المزبور علی إطلاق الفخر والشهید(2). لکن یدفعه: معلومیّة إرادتهما بالترتّب _ الذی أثبتا فیه العکس _ ما ذکرناه أوّلاً، واکتفائهما بذکر ذلک فی المبیع عن ذکره فی الثمن.

والأمر سهل بعد وضوح الحال، کوضوحه فی غیر الفرض ممّا تتعدّد فیه العقود

مترتّبة وغیر مترتّبة، وفی حکم إجازة ما یجاز منها دفعةً لعدم التنافی کالبیع والإجازة وغیرهما، بل وغیر ذلک ممّا لایخفی حکمه بعد ضبط الأصل من غیر فرق بین النقل والکشف، واللّه أعلم»(3).

وقال المحقّق الخوئی رحمه الله : «قد یقع العقد علی عین مال الغیر واُخری یقع علی عوضه، والإجازة تارة تتعلق بالعقد الواقع علی عین ماله واُخری تتعلق بالعقد الواقع علی عوض ماله، وعلی التقدیرین تارة تتعلق الإجازة بالعقد الأوّل الواقع علی عین ماله واُخری تتعلق بالعقد الآخر الواقع علی عین ماله وثالثة تتعلق بالعقد الوسط الواقع علی عین ماله. وتجری الأقسام الثلاثة فیما إذا کان المجاز العقد الواقع علی عوض ماله لا علی عینه.

(ثمّ) العقد الوسط إذا کان هو المجاز تارة یکون عقدا واقعا علی عین ماله واُخری علی عوضه وکلّ منهما تارة یکون وسطا بین عقدین واقعین علی عین المال بأن یکون طرفاه کذلک، واُخری یکون وسطا بین عقدین واقعین علی عوض ماله، وثالثة یکون مسبوقا بعقد واقع علی عین ماله وملحوقا بعقد واقع علی عوض ماله، ورابعة ینعکس الأمر، فالأقسام ثمانیة، ونتعرض أوّلاً لإجازة العقد الواقع علی عین ماله، ثمّ بعد ذلک نذکر تعلق الإجازة بالعقد الواقع علی عوض ماله بأقسامه، کما إنّا نتعرض صورة تعلُّق الإجازة بالعقد الوسط وما یترتب علیه من حکم العقود، السابقة واللاحقة، وبذلک تتضح صورة تعلق الإجازة بأوّل العقود أو بآخرها، ونقول:

ص:130


1- 2 . کما فی جامع المقاصد: المتاجر / فی المتعاقدین 4/(71-70).
2- 3 . تقدّم نقل کلامهما.
3- 1 . الجواهر 23/(472-470)؛ [22/(292 و 293)].

حکم المسألة _ وإنْ کان واضحا _ إلاّ أن تصویرها لا یخلو عن إشکال، ونمثل لها بما جعله المصنف مجمعا للکلِّ، فتفرض أنّ عبد المالک بیع بفرس ثمّ بیع بکتاب ثمّ باعه المشتری بدینار، فإلی هناک یکون بیع العبد بکتاب وسطا بین بیعین واقعین علی عین العبد، وهو بیع العبد بفرس وبیعه بدینار، ثمّ باع البائع الفرس بدرهم وباع الثالث الدینار بجاریة، فیکون بیع العبد بکتاب وسطا بین عقدین واقعین علی عوض ماله وهو بیع الفرس بدرهم، وهو السابق علی بیع العبد بکتاب وبیع الدینار بجاریة وهو لاحقٌ علیه، فإذا فرضنا أنّ المالک أجاز البیع الوسط الواقع علی عین ماله _ وهو بیع العبد بالکتاب _ فالعقود السابقة الواقعة علی عین ماله کبیع العبد بالفرس _ تبطل، لأن إجازة غیره ردّ له،

کما أنّ العقود السابقة الواقعة علی عوض ماله کبیع الفرس بدرهم یکون أجنبیا عن المجیز، لأنّه عقد واقع علی مال الغیر، فلابد من إجازة مالکه.

وعلی کلِّ تقدیر العقود السابقة الواقعة علی عین ماله أو علی بدله یکون أجنبیا عن المجیز، وأما العقود اللاحقة فالعقود المتأخرة الواقعة علی عین ماله تصح علی الکشف بلا إشکال، لأنّه بالإجازة یستکشف کونه من المالک وواقعا علی ملکه، وأما علی النقل فیدخل فیمن باع شیئا ثمّ ملک، فإن قلنا بصحته مع الإجازة أو بدونه نلتزم بها فی المقام وإلاّ فلا، وهکذا العقود اللاحقة الواقعة علی عوض ماله کبیع الدینار بجاریة، فإجازة العقد الوسط الواقع علی عین ماله تستلزم فساد العقود السابقة علیه الواقعة علی عین ماله أو علی عوضه، کما یستلزم صحة العقود اللاحقة الواقعة علیه علی الکشف، سواء کانت واقعة علی عین ماله أو علی بدله، وعلی النقل یبتنی صحتها علی صحة «من باع شیئا ثمّ ملک».

ولکن ما ذکرناه إنّما یتم فیما إذا أجاز المالک البیع الواقع علی عین ماله لنفسه فإنّه یستلزم رد العقود السابقة وصحة العقود اللاحقة علیه، وأما إذا أجاز للبائع فهو تستلزم صحة العقد السابق علیه لا فساده کما هو ظاهر، وأما العقد اللاحق علیه فصحته حینئذ مبتنیة علی إجازة المالک للبیع بالعقد السابق کما هو ظاهر.

ولیعلم أنّ المراد من السبق واللحوق فی المقام لیس هو التقدم والتأخر فی الزمان،

ص:131

بل المراد منه التقدم والتأخر الرتبی، فالمراد من العقود اللاحقة ما تتوقف صحتها علی صحته ومن العقود السابقة ما لا تتوقف صحته علی صحته.

هذا کله فیما إذا کان العقد المجاز واقعا علی عین ماله، وأما إذا کان واقعا علی عوض المال فمثاله الجامع لأقسامه الأربعة: ما إذا بیع العبد بفرس، والفرس بدرهم، والدرهم برغیف، والدرهم بحمار، والرغیف بعسل. فبیع الدرهم بالرغیف وسط بین عقدین سابقین أحدهما واقع علی عینه وهو بیع الفرس بدرهم والآخر علی عوضه وهو بیع العبد بفرس، وعقدین لاحقین أحدهما واقع علی عینه وهو بیع الدرهم بحمار والآخر علی عوضه وهو بیع الرغیف بعسل، فهذه البیوع الخمسة تکون جامعا للإمثلة کما هو واضح، فإذا أجاز الوسط _ أی بیع الدرهم بالرغیف _ فهی مستلزمة لإجازة العقدین السابقین _ أعنی بیع العبد بالفرس والفرس بدرهم _ لیکون بإجازتهما مالکا للدرهم، وینفذ إجازته فی بیعه بالرغیف وصحة هذه الإجازة بناءً علی الکشف واضح، وأما علی

النقل فصحتها مبتنیة علی عدم اعتبار مالکیة المجیز حین العقد. وأما العقدان اللاحقان علیه فبیع الدرهم بحمار _ أعنی الواقع علی عین المال _ فهو أیضا یصح بعد ما أجاز الدرهم بالرغیف. وهذا بناءً علی الکشف ظاهر وأما بناء علی النقل فالصحة مبنیة علی صحة بیع من باع شیئا ثمّ ملک وأما بیع الرغیف بعسل أعنی الواقع علی عوض العقد المجاز فیکون صحیحا بعد إجازة بیع الدرهم بالرغیف إن کان المجیز هو البائع، وهو علی الکشف واضح وأمّا علی النقل فیدخل فیمن باع شیئا ثمّ ملک، وان کان البائع أجنبیا فحکمه حکم البیع الواقع علی المعوض ابتداءً کما ذکر المصنف فیحتاج إلی الإجازة.

وبالجملة فإجازة العقد الوسط یوجب صحة العقود السابقه الملزمة لصحته کما یوجب صحة العقود اللاحقة التی یستلزم العقد الوسط صحتها، وهذا هو المیزان لا ما ذکره الشهید فی الدروس، وحکی عن الإیضاح أیضا من أنّ الإجازة إنْ تعلقت بالعقد الواقع علی المبیع صح وما بعده وفی الثمن ینعکس، إذ لا فرق فیما ذکرناه بین ما إذا کان عین مال المالک المجیز أو عوضه مبیعا فی العقد المجاز أو ثمنا، اللهم إلاّ أن یزید بذلک ما قلناه من تعلّق الإجازة بالعقد الواقع علی عین مال المالک، وعبر عنه بالمبیع، أو بالعقد

ص:132

الواقع علی عوضه، وهو مراده بالواقع علی الثمن، وعلی هذا أیضا اطلاق کلامه ممنوع کما ظهر أیضا بما قلناه فساد ما ذکره المصنف فی ترتیب العقود المتعددة علی مال المجیز من أنّها إذا وقعت من أشخاص مُتَعَدِّدِیْنَ کانَتْ(1) إجازة الوسط منها فسخا لما قبلها(2) وإجازة لما بعدها(3)، وإذا وقعت من شخص واحد انعکس الأمر وذلک لما عرفت من أنّ تعدد العاقد ووحدته لا ربط له بذلک أصلاً، إذ یمکن أن یوقع شخص واحد بیوع عدیدة مترتبة علی مال الغیر وعلی عوضه وهکذا العکس، فالمیزان الکلی ما ذکرناه من ان إجازة العقد الوسط یوجب صحة ملزوماته من العقود السابقة ولوازمه من العقود اللاحقة»(4).

أقول: یمکن تصویر ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله بالرسم علی نحو مایلی:

ص:133


1- 1 . وفی المصدر: «متعددة کان».
2- 2 . وفی المصدر: «قبله».
3- 3 . وفی المصدر: «بعده».
4- 4 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/(457-454).
العقود الواقعة علی عین مال المالک

عقود 1 و 3 و 4 وقع علی عین ماله وهو العبد.

عقدین 2 و 5 وقع علی عوض ماله.

لو أجاز المالک عقد 3: تبطل عقد 1 لأنّ إجازة 3 ردّ ل_ِ 1.

وعقد 2: یکون أجنبیا عن المجیز لأنّه عقد واقع علی مال الغیر فلابدّ من إجازة مالکه.

وأمّا عقد 4: فَیَصِحُّ بناءً علی الکشف وبناءً علی النقل یدخل فی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه. وکذا عقد 5.

هذا کلّه إذا أجاز المالک لنفسه أمّا إذا أجاز للبائع فهو یَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ العقد السابق علیه لا فساده کما هو الظاهر، وأمّا العقود اللاحقة علیه فَصِحَّتُها مبنیّةٌ علی إجازة المالک للبیع بالعقد السابق کما هو الظاهر.

ص:134

العقود الواقعة علی عوض مال المالک
اشارة

لو أجاز بیع 100 درهم برغیف أی عقد 3:

صح عقد 1 و 2: بناءً علی الکشف، وبناء علی النقل صحتهما مبنیٌّ علی عدم اعتبار مالکیة المجیز حین العقد.

وصح عقد 4: بناءً علی الکشف، وبناءً علی النقل مبنیٌّ علی صحة بیع مَنْ باع شیئا ثمّ ملکه.

وعقد 5: صحیح إذا کان المجیز هو البائع _ وعلی الکشف واضح، وعلی النقل مبنیٌّ علی مسألة من باع شیئا ثمّ ملکه، وإذا کان البائع أجنبیا فصحته یحتاج إلی إجازة مالکه.

فإجازة العقد الوسط یوجب صحة العقود السابقة الملزومة لصحته، کما یوجب صحة العقود اللاحقة التی یستلزم العقد الوسط صحتها.

الإشکال علی تتبع العقود إذا کان المشتری عالما بالغصب
اشارة
اشارة

قال الشیخ الأعظم: «ثمّ إنّ هنا إشکالاً فی شمول الحکم بجواز تتبّع العقود لصورة علم المشتری بالغصب...»(1).

أقول: مرّ کلام العلاّمة فی إظهار هذا الإشکال فی القواعد: «... ومع علم المشتری إشکال»(2).

وقال فی نهایته فی منشأ هذا الإشکال: «... ولو کان المشتری عالما بالغصب فإشکال، ینشأ من رجوعه بالثمن وعدمه»(3).

وقال فی التذکرة: «لو باع الفضولی أو اشتری مع جهل الآخر فإشکال ینشأ من أنّ الآخر إنّما قصد تملیک العاقد. أمّا مع العلم فالأقوی ما تقدّم [من الوقوف علی إجازة مالکه]. وفی الغاصب مع علم المشتری أشکل إذ لیس له الرجوع بما دفعه إلی الغاصب هنا.

ص:135


1- 1 . المکاسب 3/471.
2- 2 . القواعد 2/19.
3- 3 . نهایة الإحکام 2/476.

... وهل یرجع بما دفعه ممّا حصل له فی مقابلته نفع؟ قولان. ولو کان عالما لم یرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغاصب مطلقا عند علمائنا.

والأقوی: أنّ له الرجوع مع بقاء الثمن، لعدم الانتقال بخلاف التالف لأنّه أباحة فیه من غیر عوض»(1).

أقول: یظهر من العلاّمة أنّ عدم جواز الرجوع إلی الثمن إذا کان المشتری عالما بالغصبیة إجماعیٌّ حیث عبر عنه ب_ «عند علماءنا»، ولکنّه قدس سره ترک هذا الإجماع وذهب إلی التفصیل بین بقاء الثمن فیجوز رجوعه، وتلفه فلا یجوز، وهذا القول هو الذی اختاره ولده الفخر فی الإیضاح کما مرّ وسیأتی.

وقد مرّ(2) کلام نجله فی توضیح إشکال والده فی الإیضاح فلا نعیده إلاّ ما اختاره فی الختام حیث یقول تبعا لوالده: «... والأصح عندی أنّه مع وجود عین الثمن للمشتری العالم أخذه ومع التلف لیس له الرجوع به»(3).

وقال قطب الدین محمّد بن محمّد البویهی وهو من تلامذة العلاّمة الحلّی فی حاشیته علی القواعد المسماة ب_«الحواشی القطبیة» ما نصه: «أنّ الإشکال مع العلم فی التتبّع لأنّه یکون إباحةً للثمن»(4).

وقد مرّ(5) کلام الشهید فی الحاشیة النجاریة(6) فی وجهه وتوضیحه، وقال الشهید مضافا إلی ما نقلتُهُ عنه سابقا: «الإشکال هنا إنّما هو فی التتبّع لأنّه مع جهل المشتری یکون العقد شبیها بالصحیح، فإذا اشتری بالثمن وأجازه المالک ملک ما اشتری به، بخلاف العالم؛ فإنّه یکون المشتری مسلّطا للغاصب علی الثمن، فلاتنفذ فیه إجازة الغیر بعد تلفه

ص:136


1- 1 . تذکرة الفقهاء 10/18 و 17.
2- 2 . راجع صفحة 120 من هذا المجلد.
3- 3 . إیضاح الفوائد 1/418.
4- 4 . نقل عنه الشهید فی الحاشیة النجاریة /221.
5- 5 . راجع صحفة 122 من هذا المجلد.
6- 6 . الحاشیة النجاریة /221.

بفعل المسلّط بدفعه ثمنا عن مبیعٍ اشتراه، ومن أنّ الثمن عوضٌ عن العین المملوکة، ولم یمنع من نفوذ الملک فیه إلاّ عدم صدوره عن المالک، فإذا أجاز جری مجری الصادر عنه.

واعلم أنّه یلزم من بطلان القول بالتتبّع بطلان إجازة البیع فی المبیع؛ لاستحالة کون المبیع بلا ثمن، فإذا قیل: إنّ الإشکال فی صحّة العقد کان صحیحا أیضا»(1).

وقال المحقّق الثانی فی شرح قول العلاّمة: «(ومع علم المشتری إشکال). أی: له التتبع إذا کان المشتری جاهلاً، لتحقّق المعاوضة حینئذ، أما مع علمه بالغصب ففی الحکم إشکال، ینشأ من ثبوت المعاوضة فی العقد، فلکه تملکه بالإجازة رعایة لمصلحته، ومن انتفائها بحسب الواقع، لأن المدفوع ثمنا یملکه الغاصب، لتسلیطه إیّاه علیه، ولهذا یمتنع استرداده عند الأصحاب وإن بقیت عینه، والمطالبة(2) بعوضه إذا تلف خاصّة عند المصنف، فیمتنع علی مالک العین تملکه.

ویمکن أن یکون ذلک معطوفا علی محذوف دلّ علیه السیاق، وتقدیر العبارة: وکذا الغاصب، أی: وکذا بیع الغاصب موقوف إذا کان المشتری جاهلاً، ومع علمه إشکال، ینشأ مما ذکر، فیکون الإشکال فی کونه موقوفا علی الإجازة، وإن بُعد هذا التقدیر، وأیّما الأمرین قدّرت الاشکال فیه، فمجیئه فی الآخر لازم له.

ویمکن أن یکون الإشکال فیهما معا، وفیه من التکلّف ما لایخفی، والأصح عدم الفرق بین علمه بالغصب وعدمه، لأن المعتمد أنّ للمشتری استعادة الثمن مع بقاء عینه، لعدم خروجه عن ملکه إلی الغاصب، لعدم المقتضی.

وتجویز تصرّفه فیه عند الأصحاب لتسلیطه علیه، لا ینافی کونه عوضا للمبیع بمقتضی عقد البیع، إذ لو وقع التصریح بمثل ذلک فی عوض العقد الفضولی لمن أوقعه فضولاً، لم یکن قادحا فی ثبوت الإجازة للمالک.

ص:137


1- 1 . الحاشیة النجاریة /222.
2- 2 . کلمة (والمطالبة) معطوفة علی جملة (یمتنع)، أی: وتمتنع المطابلة بعوضه. وفی نسخة وردت کلمة (فیمتنع) قبل (والمطالبة) وحذفها المحقّقون لعدم ورودها فی الحجری ولعدم اقتضاء السیاق لها.

فإن قلت: إن جعلت الإجازة کاشفة دلّت بحصولها علی انتقال الثمن إلی ملک المجیز بالعقد، فکیف تؤثر فیه إباحة المشتری له للغاصب بعد العقد، إمّا بتسلیطه إیّاه علیه أو بتصریحه له بالإباحة؟ وسیأتی فی کلام المصنف اختیار کون الإجازة کاشفة.

قلت: لمّا أجمع الأصحاب علی أنه إذا تلف العوض، لیس للمشتری مطالبة المشتری به، وجب إخراج هذا الحکم عن مقتضی الأصل بالإجماع، وإجراء ماعداه علی الأصل.

فان قلت: حقّ المعاوضة مع کون المشتری عالما بأن البائع غاصب أن لا تکون مقصودة، فلا یعتدّ بها أصلاً.

قلت: هذا لا یقدح فی کونها مقصودة، وإلاّ لقدح فی بیع الفضولی إذا علم المشتری بالحال. والحاصل: أن کلّما یقال فی الغاصب، یقال فی الفضولی، والجواب هو الجواب»(1).

وقال الشیخ جعفر رحمه الله : «(ومع علم المشتری) بالغصب ودفع الثمن إلی البائع، أو علم البائع ودفع المثمن إلی المشتری؛ فی الدخول تحت مسألة الفضولی (إشکال) ینشأ:

من احتمال الملک فی الثمن أو المثمن بعد الدفع والإعراض، فلا یکون التصرّف فیه إلاّ من تصرّف الملاّک ولا یدخل فی الفضولی، ولا یکون للإجازة تأثیر(2). ویقوی فی التعلّق(3) بالعین. واحتمال عدمه، لأنّ التسلیط لا یقتضی نقل الملک ما لم یکن ناقل شرعی. وفی الفرق بین البقاء والتلف، وبین القول بالکشف والنقل؛ وجه.

أو من أنّ العقد یستدعی قصدا، ولا قصد من العالم، وقصد المالک قام مقام قصد الفضولی و(4)الغاصب فی البیع، ولیس للمشتری لنفسه مَنْ یقوم مقامه(5) _ فلا یختصّ

ص:138


1- 1 . جامع المقاصد 4/72 و 71.
2- 2 . کما فی: إیضاح الفوائد 1/417-418، جامع المقاصد 4/71.
3- 3 . فی بعض النسخ: (ویقوی التعلّق). وفی بعضها: (ویقوی فی المتعلّق).
4- 4 . فی بعض النسخ العطف ب_ (أو).
5- 5 . هذا الوجه منتزع من کلام المصنّف، فی: تذکرة الفقهاء 10/16-17، الفرع 8.

بحال دفع الثمن. ویرجع إلی أصل الفضولی والغاصب _ ومن أنّ قصد النقل العرفی مجزٍ، کما تقدّم.

أو من أنّه یلزم فی الإجازة ملک المثمن بلا عوض، علی القول بالنقل(1). وهو مبنیٌّ علی الأوّل.

وأمّا الحمل علی إرادة الإضمار ویکون الحاصل: أنّ فضولی الغاصب أو مطلقا، مع علم المشتری وجهله، فیه إشکال، فضعیف»(2).

قال تلمیذه السیّد العاملی رحمه الله بعد نقل کلمات الفقهاء فی المقام: «قلتُ: قد تحصّل أنّ هنا مقامین،

الأوّل: هل للمشتری العالم بالغصب مطالبة الغاصب البائع بالثمن مطلقا سواء بقیت العین أم أتلفها أم لیس له مطلقا أم له مع بقائها خاصّة؟ الثانی: هل بیع الغاصب مع علم المشتری بغصبیّته صحیح فللمالک تتبّع العقود والإجازة أم لیس بصحیح؟ وقد بنی المحقّق الثانی(3) صحّة المقام الثانی علی المقام الأوّل، ونحن نتکلّم فی المقامین علی أنّه قد مضی ماله نفعٌ تامٌّ فی المقام الثانی.

فنقول فی المقام الأوّل: قال فی «التذکرة»(4): لو کان عالما لا یرجع بما اغترم ولا بالثمن مع علم الغصب مطلقا عند علمائنا. وظاهره دعوی الإجماع مع التلف وبدونه. ونحوه ما فی «نهایة الإحکام»(5) حین قال: وأطلق علماؤنا ذلک. وقال فی «المختلف»(6) و «الإیضاح»(7): قال علماؤنا: لیس للمشتری الرجوع علی الغاصب، وأطلقوا القول فی

ص:139


1- 6 . کما فی الحاشیة النجاریة /220 و 221.
2- 7 . شرح القواعد 2/89 و 88.
3- 1 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/71.
4- 2 . تذکرة الفقهاء: فی شروط المتعاقدین 10/18.
5- 3 . نهایة الإحکام: فی عقد البیع 2/478.
6- 4 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع وشرائطه 5/55.
7- 5 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/417.

ذلک. وفی «تلخیص التلخیص» أطلق الأصحاب کافّة، وقد نسب عدم الرجوع مع بقاء العین فی «الإیضاح»(1) أیضا فی مقامٍ آخر تارةً إلی قول الأصحاب وأخری إلی نصّهم. وفی موضعٍ آخر(2) إلی کثیرٍ منهم، ذکر ذلک فی الغصب. وفی «جامع المقاصد»(3) یمتنع استرداده العین عند الأصحاب وإن بقیت العین، وفی موضعٍ آخر من الکتاب المذکور نسبته إلی ظاهر الأصحاب، وفی «الروضة»(4) نسبته إلی ظاهر کلامهم. وفی «المسالک»(5) و«الکفایة»(6) و «الریاض»(7) نسبته إلی المشهور. وفی موضعٍ آخر من

«الروضة»(8) إلی الأکثر.

والتتبّع فی کلام الشیخ(9) ومَن(10) تأخّر عنه یشهد بذلک ما عدا «المختلف»(11) و«التذکرة»(12) و«الکتاب» [القواعد] فیما یأتی و«نهایة الإحکام»(13) و«الإیضاح»(14)

ص:140


1- 6 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/417.
2- 7 . إیضاح الفوائد: فی أحکام الغصب 2/194.
3- 8 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/71 و 77.
4- 9 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
5- 10 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 4/160.
6- 11 . کفایة الأحکام: فی عقد البیع 1/450.
7- 12 . ریاض المسائل: فی بیع الفضولی 8/228.
8- 1 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
9- 2 . المبسوط: فی الغصب 3/71 والنهایة: فی المتاجر /402.
10- 3 . کالمحقّق فی شرائع الإسلام: فی عقد البیع 2/8، والحلّی فی السرائر: فی ضروب المکاسب 2/226 و 225.
11- 4 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع 5/56.
12- 5 . تذکرة الفقهاء: فی شروط المتعاقدین 10/18.
13- 6 . نهایة الإحکام: فی شروط عقد البیع 2/478.
14- 7 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/418.

و«شرح الإرشاد» لفخرالإسلام(1) و«الدروس»(2) و«اللمعة»(3) و«جامع المقاصد»(4) و«المسالک»(5) و«الروضة»(6) و«الکفایة»(7) فإنّ فیها اختیار الرجوع مع وجود العین.

وکأنّ المحقّق فی «الشرائع»(8) والمصنّف فی کتاب الغصب(9) متردّدان کصاحب «مجمع البرهان»(10) وکأنّهم لم یتحقّقوا الإجماع، وظهوره لیس بإجماع، والشهرة وإن علمت لا تغنی غنیً، لکن فی «المسالک»(11) و«الروضة»(12) و«الریاض»(13) أنّ العلاّمة ادّعی الإجماع فی التذکرة علی عدم الرجوع مع التلف، والعبارة الموجودة فی «التذکرة» هی ما قد سمعتها ظاهرة فی دعواه مع التلف وبدونه إلاّ

أن یقال: إنّه لمّا اختار فی الکتاب المذکور العدم مع البقاء فهم منه أنّه لم یتحقّق الإجماع علی الإطلاق، وإلاّ لما صحّ له مخالفته، فیبقی الکلام فی ظهوره والقطع به، وهذه الکلمة لا تفید إلاّ الظهور ولم أجد له فی البیع والغصب عبارة غیرها، ولعلّه ممّا زاغ عنه النظر أو أنّ فیما وجدوه من نسخ الکتاب المذکور قد وجد فیه «أجمع» بعد قوله «علمائنا» لکنّه

ص:141


1- 8 . شرح إرشاد الأذهان للنیلی: فی البیع /46 السطر الأوّل (من کتب مکتبة المرعشی برقم 2474).
2- 9 . الدروس الشرعیة: فی بیع الفضولی 3/193.
3- 10 . اللمعة الدمشقیة: فی عقد البیع /110.
4- 11 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/71.
5- 12 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
6- 13 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
7- 14 . کفایة الأحکام: فی عقد البیع وشروطه 1/450.
8- 15 . شرائع الإسلام: فی عقد البیع 2/8.
9- 16 . قواعد الأحکام: فی أحکام الغصب 2/238.
10- 17 . مجمع الفائدة والبرهان: فی المتعاقدین 8/164-165.
11- 18 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
12- 19 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
13- 20 . ریاض المسائل: فی البیع وآدابه 8/229.

بالنسبة إلینا اتکال علی الهباء، فتأمّل.

وقد استدلّ فی «التذکرة»(1) و«المختلف»(2) و«جامع المقاصد»(3) و«الروضة»(4) و«المسالک»(5) علی الرجوع بعدم الانتقال مع بقاء العین إلی الغاصب، وزید فی «المختلف»(6) و«الإیضاح»(7) أنّه لا عقد یوجب الانتقال، لأنّ العقد الّذی وقع کان باطلاً، ولمّا لم یکن صاحب «جامع المقاصد» ممّن یقول ببطلان العقد اقتصر علی ما سمعت(8) وزاد فی الأخیرین(9) أنّه إنّما دفعه عوضا عن شیء لم یسلم له.

وفیه: أنّا لا نسلّم عدم الانتقال، لأنّه من الجائز أن یکون قد ملکه الغاصب لإعراض المالک عنه أو یأسه منه کما ذکروه(10) فی مال السفینة إذا انکسرت فی البحر، فتأمّل.

سلّمنا لکن من الجائز أن یکون عدم جواز الرجوع للمشتری عقوبة له حیث دفع ماله معاوضا به علی محرّم، فیکون الغاصب البائع مخاطبا بردّه، فإن بذله أخذه المشتری، وإن امتنع منه بقی للمشتری فی ذمّته وإن لم یجز له مطالبته، کما هو الشأن فیما لو حلف المنکر کاذبا علی عدم استحقاق المال فی ذمّته، لکنّ ذلک فرع قیام الدلیل إلاّ أن یدّعی تحصیل الإجماع من المتقدّمین والشأن فی إثبات ذلک، علی أنّه قد یقال: إنّ الظاهر فی نحو الرشوة وعوض الخمر وسائر المحرّمات أنّ له أن یرجع إلی عوضه مع أنّه دفعه فی

ص:142


1- 1 . تذکرة الفقهاء: فی شروط المتعاقدین 10/18.
2- 2 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع وشرائطه 5/56.
3- 3 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/77.
4- 4 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
5- 5 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/160.
6- 6 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع وشرائطه 5/56.
7- 7 . إیضاح الفوائد: فی شروط المتعاقدین 1/421.
8- 8 . تقدّم فی مفتاح الکرامة 12/613.
9- 9 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235، ومسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/160.
10- 10 . کما فی السرائر 2/194-195، والمسالک 14/77-76، مجمع الفائدة والبرهان .12/111

محرّم فلیتأمّل، إلاّ أن تقول: إنّ ذلک مع الجهل کما ستسمع(1) فیما إذا اشتری خمرا وخلاًّ.

ویرد علی ما فی «الروضة» و«المسالک» من أنّه إنّما دفعه عوضا عن شیء لم یسلم له، أنّ ذلک لا یتأتّی فی صورة عدم توقّع الإجازة، فتأمّل.

واستدلّ أیضا فی «الروضة»(2) بأنّه کیف یجتمع تحریم تصرّف البائع فیه مع عدم رجوع المشتری به فی حال.

وفیه _ مضافا إلی عدم تأتّیه فی صورة عدم توقّع الاجازة کما مرّ _: أنّ الضمیر فی «فیه» إن کان راجعا إلی المثمن حتّی یکون المراد لا یجتمع تحریم تصرّف البائع فی المثمن مع عدم رجوع المشتری فی الثمن فممنوع، لأنّه أوّل المسألة. ومن ثمّ قالوا: إنّ المشتری قد فوّت ماله متعمّدا لعلمه بتحریم تصرّفه فیه ودفع ماله من غیر عوض، وهو یجتمع مع جواز تصرّف البائع فی الثمن عند القائلین بالإباحة، وقد ذهبوا إلی أنّه حینئذٍ لیس أکلاً مال الغیر بالباطل. وإن کان المراد أنّه لا یجتمع تحریم تصرّف البائع فی الثمن مع عدم جواز رجوع المشتری به _ وهو الّذی أراده فی «المسالک»(3) _ فمسلّم، لکنّ القائلین بالإباحة لا یقولون بهذا التحریم، کیف ومدعاهم جوازه، علی أنّ ذلک آتٍ فی صورة التلف کما قرّره فی «الروضة»(4) فلیتأمّل، وقد أجمع الأصحاب علی أنّه إذا تلف العوض لیس للمشتری مطالبته به کما فی «شرح الإرشاد» لفخرالإسلام(5) و«جامع المقاصد»(6) و«المسالک»(7) ونسبه إلی علمائنا فی «المختلف»(8) وقد سمعت(9) ما فی «التذکرة» و ما

ص:143


1- 1 . یأتی الکلام فیه فی مفتاح الکرامة 12/660-664.
2- 2 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
3- 3 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
4- 4 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
5- 5 . شرح إرشاد الأذهان: فی البیع /45، س29 (من کتب مکتبة المرعشی برقم 2474) مخطوط.
6- 6 . جامع المقاصد: فی شروط المتعاقدین 4/72.
7- 7 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/160.
8- 8 . مختلف الشیعة: فی عقد البیع 5/55.
9- 9 . تقدّم فی 12/617.

فی «المسالک» و«الروضة» و«الریاض» من نسبة دعوی الإجماع علی ذلک إلی التذکرة، ولم یعرف الخلاف إلاّ من المحقّق فی بعض تحقیقاته فی جواب مسائل سئل عنها، فإنّ فی کلامه ما یقتضی الرجوع مطلقا، کذا نقل عنه المحقّق الثانی(1)، فکان کلامه لیس

بتلک المکانة من الظهور أو الصراحة. وفی «اللمعة»(2) و«الروضة»(3) أنّ قول المحقّق غیر بعید إذا کان متوقّعا للإجازة، واحتمله فی «المسالک»(4) وقال: لو لا ادّعاء العلاّمة الإجماع علیه فی التذکرة لکان فی غایة القوّة، وکذا قال فی «الریاض»(5) وتردّد صاحب «الکفایة»(6).

وأمّا المقام الثانی فقد عرفت(7) أنّ الذاهب إلی صحّة البیع مع علم المشتری بالغصبیة إنّما هو الشهید فی «الدروس» والمحقّق الثانی فی «جامع المقاصد» وعرفت(8) مَن استشکل فی البیع أو الإجازة لمکان التلازم کما مرّ، وعرفت(9) أنّ أخبار الباب الواردة من طرقنا ظاهرة الدلالة علی بطلانه، مضافا إلی ما أیّدناه به ممّا سمعته(10) فی أحد وجهی الإشکال.

ص:144


1- 10 . جامع المقاصد: فی المتعاقدین 4/77.
2- 1 . اللمعة الدمشقیة: فی عقد البیع /110.
3- 2 . الروضة البهیة: فی عقد البیع 3/235.
4- 3 . مسالک الأفهام: فی شروط المتعاقدین 3/161.
5- 4 . ریاض المسائل: فی البیع وآدابه 8/229.
6- 5 . کفایة الأحکام: فی عقد البیع 1/450.
7- 6 . تقدّم فی 12/613.
8- 7 . تقدّم فی 12/614 وما بعدها.
9- 8 . تقدّم فی 12/597.
10- 9 . تقدّم فی 12/612 وما بعدها.

وقد احتجّ فی «جامع المقاصد»(1) علی الصحّة بأنّ الأصحّ عدم الفرق بین علمه بالغصب وعدمه، لأنّ المعتمد أنّ للمشتری استعادة الثمن مع بقاء عینه، لعدم خروجه عن ملکه إلی الغاصب لعدم المقتضی، وتجویز تصرّفه فیه عند الأصحاب لتسلیطه علیه لا ینافی کونه عوضا بمقتضی عقد البیع، إذ لو وقع التصریح بمثل ذلک فی عوض العقد الفضولی لمن أوقعه فضولاً للم یکن قادحا فی ثبوت الإجازة للمالک.

وفیه: أوّلاً: أنّه اجتهاد فی مقابلة النصّ وقد بناه علی ما عرفت حاله، وثانیا: إمّا أن یکون قد أباح له التصرّف فیه وسلّطه علیه غیر مترقّب لإجازة المالک بل ولا محتمل لها أو یکون متوقّعا لها، فعلی الأوّل کیف لا ینافی کونه عوضا، والفرق حینئذٍ بینه وبین الفضولی واضح، لأنّه فی الفضولی لم یبحه مطلقا بل دفعه متوقّعا لکونه عوضا عن المبیع

فیکون مضمونا علیه بخلاف ما نحن فیه فإنّه سلّطه علیه وأباحه له مع علمه بعدم استحقاقه له، وعلی الثانی فعلی القول الأصحّ بأنّ الإجازة کاشفة تکون قد دلّت حین حصولها علی انتقال الثمن إلی ملک المجیز بالعقد فکیف تؤثّر فیه إباحة المشتری للغاصب بعد العقد تصریحا أو تسلیطا؟ فتجویز تصرّفه فیه عند الأصحاب إنّما هو لکون العقد غیر صحیح کما هو واضح، ولا کذلک الحال فی صورة الجهل، علی أنّ المعاوضة فی صورة العلم بأنّ البائع غاصب لا یعتدّ بها، لأن(2) کانت غیر مقصودة، ولا کذلک الحال فی بیع الفضولی إذا علم المشتری بالحال، لأنّه مترقّب للإجازة متوقّع لکون ما دفعه عوضا عن المبیع، فتأمّل.

ولمّا لم یحقّق صاحب الحدائق(3) کلام القوم فی المقام أطنب فی الکلام وقلّب الاُمور فظنّ أنّ المقام الأوّل مبنیٌّ علی المقام الثانی مع أنّ الأمر بالعکس، وذلک من ضعف التثبت وعدم التروّی وقلّة التدبّر»(4).

ص:145


1- 10 . جامع المقاصد:فی شروط المتعادقین 4/71.
2- 1 . کذا فی المصدر والأصح: لأنَّها.
3- 2 . الحدائق 18/(399-393).
4- 3 . مفتاح الکرامة 12/(621-614).

قال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی المقام الثانی من البحث: «حاصله [أی حاصل الإشکال]: إنّ الغاصب إذا باع شیئا فالمشتری منه إن کان جاهلاً بکونه غاصبا فلا إشکال فی صحته التأهلیة فینفذ بإجازة البائع [المالک] وهکذا الحال فی العقود المتتابعة وأمّا إن کان عالما به ومع ذلک أقدم علی الشراء منه فهو مسلِّط له علی ماله مجانا لعلمه بفساد البیع والشراء، فإذا اشتری البائع بالثمن شیئا لنفسه یملک ما اشتراه من دون أن یضمن شیئا للمشتری الأوّل، لأنّ ماله قد تلف بالدفع إلی البائع أو هو فی حکم التالف، فلا یبقی مجال بعد ذلک لأن یجیز المالک العقد الواقع علی الثمن لنفسه _ أی یجیز العقد الثانی _ وکیف یجیز عقدا ما لم یقع علی ماله.

وهذا الاشکال مبنی علی ما هو المعروف من أن تسلیط المالک غیره علی ماله خارجا یوجب عدم ضمانه إذا تلف تحت یده أو أتلفه، فکأن التلف حینئذ یکون فی ملکه والتسلیط یکون مملِّکا فی فرض التلف، هذا کله فی إجازة العقد الثانی.

بل یجری الإشکال فی العقد الأوّل أیضا بناءً علی ما ذکره بعضهم من أنّ التسلیط الخارجی یوجب الملکیة أو إباحة التصرف من الأوّل قبل التلف، فإذا اشتری شخص من

الغاصب شیئا مع علمه بکونه غاصبا فقد أذن له فی الإتلاف، ولا معنی حینئذ لجعله ثمنا، فلا مجال لإجازة المالک البیع الأوّل أیضا.

وهذان الإشکالان تعرض للأوّل منهما العلاّمة والقطب ولهما معا الشهید فی حواشیه.

ونقول یردهما: أوّلاً: فساد المبنی، فإنّ مجرد التسلیط الخارجی لا یوجب ارتفاع الضمان الثابت بمقتضی عموم علی الید المثبت للضمان ولیس أحد المملکات، ومن الظاهر أن تسلیط المشتری الغاصب علی الثمن لیس مجانیا وإنّما هو تسلیط بعوض بحسب اعتبار المتبایعین أو العقلاء أیضا ولو لم یکن ممضی شرعا، وقد ذکرنا غیر مرة أنّ عدم الإمضاء الشرعی والفساد بحکم الشارع لا یوجب کون التسلیط مجانیا ولا ینافی الاعتبار المعاملی.

وثانیا: لو سلمنا ذلک فهو إنّما یتم علی النقل دون الکشف، إذ علی الکشف تکشف

ص:146

الإجازة عن خروج الثمن عن ملک المشتری إلی ملک المالک المجیز قبل التسلیط علی مال الغیر، وهو لایوجب الملک ولا إباحة التصرف نعم، علی النقل یجری الإشکال، بل الظاهر عدم جریانه علی النقل أیضا، وذلک لأن التسلیط إنّما یکون مجانیا فی فرض بطلان البیع وعدم لحوق الإجازة، وأما إذا کان البیع صحیحا ولحقه الإجازة فالتسلیط یکون بعوض حتّی فی حکم الشارع _ فتأمل.

وأما ما ذکره فخرالمحقّقین فی الإیضاح وجها رابعا لدفع الاشکال من أنّ الثمن فی الفرض یکون متعلَّقا لحقِّ المالک المجیز أیضا، إذا المفروض أنّه جعل ثمنا لماله وإن کان متعلقا لحقِّ الغاصب أیضا إلاّ أنّه یقدم علیه حقُّ المالک، لما ورد من أنّ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال.

ففیه: أوّلاً: لم یرد دلیل علی أنّه یؤخذ بأشق الأحوال بل لا یؤخذ إلاّ بما ثبت فی حقِّه شرعا.

وثانیا: ذکرنا أنّ وقوع العقد علی مال الغیر لا یوجب له حقا، والإجازة إنّما هو حکم شرعی لا حقّ مالکی هذا مضافا إلی أنّه یعتبر فی صحة الإجازة عدم کون موردها متعلَّقا لحقِّ الغیر وإلاّ فلا تنفذ، فالصحیح فی الجواب عن الإشکال ما ذکرناه»(1).

أقول: أمّا المقام الأوّل: هل للمشتری العالم بالغصب مطالبة الغاصب البائع بالثمن؟

فقد عرفت أنّ فیه ثلاثة أقوال:

أ: ما ادَّعی العلاّمة(2) علیه الإجماع وهو عدم الرجوع مطلقا أی فی فرض وجود عین الثمن وتلفه أو إتلافه. وهذا قول المتقدمین علیه کالشیخ(3) وابن ادریس(4)

ص:147


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/460 و 459.
2- 1 . تذکرة الفقهاء 10/18، نهایة الإحکام 2/478.
3- 2 . المبسوط 3/71، النهایة /402.
4- 3 . السرائر 2/226 و 325.

والمحقّق فی الشرائع(1).

ب: الإجماع عند العلاّمة لم یتم ولذا خالفه وذهب إلی جواز مطالبة الغاصب فی فرض بقاء عین الثمن عنده، وتبعه ولده والشهید والکرکی والشهید الثانی والمحقّق السبزواری صاحب الکفایة.

ج: جواز مطالبة الغاصب مطلقا سواء بقیت العین أم تلفت، کما علیه المحقّق فی جواب بعض استفتآته.(2)

والمختار عندی هو ما ذهب إلیه المحقّق أخیرا:

[1] لعدم تمامیة الإجماع وغیره من الأدلة المذکورة فی کلامهم.

[2] ولأنّ ما فعله المشتری العالم بالغصب لیس إلاّ بیعا عرفیّا عند عامة الناس ولیس تملیکا مجانیا ولا إباحة مالکیة ولاتسلیطا لماله للغیر من دون عوض.

[3] وعلی فرض قبول هذه الموارد الثلاثة لا إشکال فی جواز الرجوع فی جمیعهم لجواز الرجوع فی الهبة المجانیة والإباحة المالکیة مع بقاء الثمن واضح. ومع تلفه لعدم تمامیة هذه الموارد عندنا.

[4] لا یجوز للغاصب التصرف فی ما دفعه إلیه المشتری، لأنّه دُفِع إلیه عوضا من العین ولا یتم العقد عند الشارع فیکون ضامنا کما فی المقبوض بالعقد الفاسد. هذا کلّه فی المقام الأوّل.

أما المقام الثانی: هل بیع الغاصب مع علم الْمُشْتَرِیْ بغصبیّته صحیح فللمالک

تتبّع العقود والإجازة أم لیس بصحیح؟

فقد عرفت أنّ فیه قولین:

أ: ما ذهب إلیه المشهور من بطلان العقد.

ص:148


1- 4 . الشرائع 2/8.
2- 5 . المسائل الطبریة، المسألة الرابعة، وهی مطبوعة فی ضمن الرسائل التسع /306 للمحقّق الحلّی بتحقیق الشیخ رضا الأستادی من منشورات مکتبة آیة اللّه المرعشی النجفی رحمه الله .

ب: ما ذهب إلیه الشهید والمحقّق الثانی والسیّد الخوئی وشیخنا الأُستاذ(1) قدس سرهم من صحة العقد وأنّه یجری فیه ما یجری فی غیره من أنّ للمالک تتبع العقود علی عین المال أو ثمنه وإجازة أیٍّ منها شاء.

والمختار عندی ¨ هو القول الأخیر من صحة العقد وجواز تتبع العقود:

[1] لعدم ورود نص فی المقام وما ادعاها فی المفتاح لیست إلاّ ماورد من الروایات فی بطلان الفضولی کما مرّ نقدها.

[2] ما دفعه المشتری العالم بالغصبیة لیست الإباحة المالکیة أو الهبة المجانیة بل دفعه عوضا عن عین مال اشتراه بالعقد العرفی ولا الشرعی.

[3] حیث تمّ أنّ ما دفعه یکون بعنوان الوفاء بالعقد فیصح للمالک إجازة هذا العقد وتملک الثمن الوارد فیه.

[4] لا أری فرقا بین العالم بالغصبیة والجاهل بها والعالم بالفضولیة والجاهل بها والغصب والفضولی لعدم تمامیة أدلة الفرق.

[5] وحیث لم یَکُنْ _ هُناک _ فَرْقٌ بین هذه الموارد فیجوز للمالک إجازة العقد وتتبع العقود علی عین المال وثمنه ویجری بحث تتبع العقود بعین ما مرّ فی الفضولی والحمد للّه کما هو أهله.

وأمّا القول فی ابْتِناء المقام الثّانی علی المقام الأوّل: فأقول: بناءً علی القول

وأمّا القول فی ابْتِناء المقام الثّانی علی المقام الأوّل: فأقول: بناءً علی القول الأوّل [ أ] فی المقام الأوّل لا یجری فی المقام الثانی إلاّ القول الأوّل [ أ] لعدم وجود المعاوضة والعقد وأمّا بناءً علی قولی الثانی والثالث [ ب و ج] فی المقام الأوّل یمکن أن یجری فی المقام الثانی کلا القولین [ أ و ب]، فالمقام الثانی یبتنی علی المقام الأوّل کما نبّه علیه صاحب مفتاح الکرامة رحمه الله لا عکسه کما ظنّه صاحب الحدائق.

ص: 149


1- 1 . راجع ارشاد الطالب 4/85.

ص: 150

وَصْلٌ: فی أَحْکامِ الرَّدّ

اشاره

ص:151

اشارة

ص: 152

أحکام الردّ

اشارة

هذه الأحکام تجری بعد البناء علی أنّ الردّ هادم للعقد وفسخ له فی الجملة وقد عرفت(1) عدم الدلیل علیه.

والردّ یتحقق بالفعل کما یتحقّق بالقول کما مرّ ذلک فی أصل العقد والإجازة ویقع الکلام فیه فی ضمن جهات:

الجهة الأُولی: الردّ القولی

قال الشیخ الأعظم: «لا یتحقق الردّ قولاً إلاّ بقوله: «فسخت» و «رددت» وشبه ذلک ممّا هو صریح فی الرد، لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصیل وقابلیته من طرف المجیز»(2).

أقول: لا نحتاج إلی صراحة اللفظ فی الردّ بل یکفی الظهور لاعتبار الظواهر عند العقلاء والشرع المقدس.

وقد مرّ عدم تمامیة لزوم وفاء الأصیل بالعقد فلا یمکن استصحابه عند الشک فیه، «وعلی تقدیره [أی لزومه] فاستصحابه لا یثبت إضافة العقد إلی المجیز بإجازته بعد احتمال إلغاء العقد قبلها، فإنّه من إثبات الموضوع باستصحاب حکمه، نظیر استصحاب بقاء وجوب الصلاة وإثبات عدم خروج وقتها...»(3).

نعم، القابلیة من طرف المجیز باقیة حتّی مع الردّ الصریح قبله لما مرّ ولا نحتاج فیه إلی استصحابه لعدم الشک فی وجوده وبقائه.

ص:153


1- 1 . راجع الآراء الفقهیة 5/505.
2- 2 . المکاسب 3/477.
3- 3 . إرشاد الطالب 4/88.

الجهة الثانیة: الردّ الفعلی

قال الشیخ الأعظم: «وکذا یحصل [الردّ] بکلِّ فعلٍ مخرجٍ له عن ملکه بالنقل أو بالإتلاف وشبههما کالعتق والبیع والهبة والتزویج ونحو ذلک، والوجه فی ذلک: أنّ تصرّفه

بعد فرض صحّته مفوّت لمحلِّ الإجازة لفرض خروجه عن ملکه»(1).

أقول: مرّ وقوع العقد بالفعل عندی إلاّ ما خرج بالدلیل فکذلک یمکن وقوع الإجازة والردّ کلیهما بالفعل هذا بالنسبة إلی کبری بحث الردّ الفعلی.

وأمّا صغراه: فقد ذهب الشیخ الأعظم إلی أنّ الرد الفعلی یحصل بکلِّ فعلٍ یکون ذلک الفعل مخرجا للمال عن ملک المالک المجیز، والخروج یمکن أن یکون بالنقل أو الإتلاف والعتق والبیع ونحوها.

ولکن المحقّق النائینی بعد ما قَبِلَ الکبری ناقش فی الصغری وقال: «لا إشکال فیه [فی الرد الفعلی] بحسب الکبری فإنّ الرد من العناوین القابلة لتحقّقها بالفعل ولیس کالنکاح الذی لا یقبل تحقّقه بالفعل فإنّ الفعل فیه من السفاح الذی هو ضدّ النکاح. وإنّما الإشکال فی الصغری فإنّا لا نجد فعلاً یکون مصداقا للردّ بالحمل الشائع الصناعی...»(2).

وتبعه شیخنا الأُستاذ رحمه الله فی ظاهر عبارته.(3)

ولکن یرد علیه: «أنّ الإشارة والکتابة من الأفعال ومع ذلک لا إشکال فی صدق عنوان الردّ علیهما، فإذا سألناه عن أنّک تقبل المعاملة الکذائیة فحرّک رأسه ورفعه فمعناه أنّه یردّها ویصدق علیه الردّ بلا کلام فیترتب علیه أحکامه»(4) وکذا الکتابة. فیتم وجود المصداق الفعلی للردّ وهذا هو صغراه.

وقَبِلَ صاحب العقد النضید(5) هذا البیان.

ص:154


1- 1 . المکاسب 3/477.
2- 2 . منیة الطالب 2/152، ونحوها فی المکاسب والبیع 2/243.
3- 3 . راجع إرشاد الطالب 4/89.
4- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/63.
5- 5 . العقد النضید 3/523.

الجهة الثالثة: هل تُعدِّ التصرفات الناقلة عن الملک ردّا؟

اشارة

التصرفات تنقسم إلی أَرْبَعَةِ أَقْسامٍ یأتی تفصیلها:

وأمّا التصرفات الناقلة فتنقسم إلی قسمین:

الأوّل: التصرفات التی تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل

الأوّل: التصرفات التی تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل مجددا، کالبیع اللازم والهبة إلی ذی الرحم والهبة المعوّضة.

الثانی: التصرفات التی لا تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل
اشارة

الثانی: التصرفات التی لا تمنع عن رجوع العین إلی ملکیة مالکها الأوّل مجددا

فیجوز للمالک الرجوع فی عین ماله حقّا أو حکما نحو: البیع الخیاری أو الْهِبَة لغیر ذی رحم أو بدون عوض.

ومن المعلوم أنّ القسم الثانی لا یعدّ ردا لبیع الفضولی الذی یکون قبله لأنّ المالک بعد رجوع العین إلیه یتمکن من إجازة بیع الفضولی السابق من دون إشکال عندی.

1_ وأمّا القسم الأوّل: الذی لا یمکن رجوع العین إلی مالکها بوجهٍ
اشارة

1_ وأمّا القسم الأوّل: الذی لا یمکن رجوع العین إلی مالکها بوجهٍ فهل هذه التصرفات تُعَدُّ ردا لا یمکن بعدها لحوق الإجازة؟ أو لا تعدّ؟ أو أنّ هناک تَفْصِیْلاً بناءً علی قولی الکشف والنقل فی الإجازة؟

وجوه بل أقوال.

الأوّل: ذهب المحقّق النائینی وتلمیذه السیّد الخوئی

الأوّل: ذهب المحقّق النائینی(1) وتلمیذه السیّد الخوئی(2) إلی عدم وجود محلّ للإجازة بعد صحة التصرفات الصادرة من المالک.

والوجه فی ذلک: التصرف الصادر من المالک یعدّ تصرفا صادرا من أهله وواقعا فی محلّه ومعه لا یبقی محلّ للإجازة.

وبعبارة اُخری: المالک بعد تصرّفه الناقل یصیر أجنبیّا فإجازته اللاحقة بعد صدور التصرف، تصدر مِمَّنْ لیس له صلة بالمال ویکون أجنبیّا عنه.

الثانی: هذه التصرفات الناقلة تکون باطلة فالإجازة التی تأتی بعدها
اشارة

الثانی: هذه التصرفات الناقلة تکون باطلة فالإجازة التی تأتی بعدها نافذة بناءً

ص:155


1- 1 . منیة الطالب 2/153.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/65.

علی الکشف لا النقل، فیکون القول الثانی هو التفصیل بین قولی الکشف و النقل. ویدلّ علیه:

1_ صحیحة أبیعبیدة الحذاء

(1)

بتقریب: إنّ موافقة الحیّ بالنکاح السابق تعدّ إجازة صادرة ممّن لیس له قابلیة المحلّ لصدورها بعد حیلولة الموت وانتفاء موضوع النکاح، فإذا یری الإمام علیه السلام هذا الإجازة اللاحقة کاشفة عن صحة النکاح السبق فهی أولی بأن تکون کاشفة عن صحة عقد الفضولی، فضلاً عن تأثیر الإجازة فی بطلان ملکیة المالک وهی لا تکون أقوی من تأثیر الموت فی بطلان النکاح.

ویرد علیه: أوّلاً: تعمیم الحکم الوارد فی باب الارث إلی أبواب البیع والمعاملات

یکون من القیاس الباطل.

وثانیا: هذه الصحیحة تختص بقضیة معینة ولا مجال لتعمیم حکمها إلی غیرها، فهی غیر مطلقة ولا دلیل علی إلغاء الخصوصیة منها.(2)

2_ الوجه العقلی المذکور فی کلام المحقّق الأصفهانی رحمه الله :
اشارة

قال: «وأمّا علی الکشف(3) بنحو الشرط المتأخر المصطلح علیه(4)، فصحة العقدین معا مستحیلة إذ(5) لایمکن أن یکون المال فی زمان العقد الثانی ملکا للمشتری من المالک، وللمشتری من الفضول بإجازة المالک فلابد من رفع الید عن أحدهما، وحیث أنّ المفروض(6) تأثیر العقد من حین صدوره بالإجازة المتأخرة التی هی شرط متأخر

ص:156


1- 3 . وسائل الشیعة 26/219، الباب 11 من أبواب میراث الأزواج.
2- 1 . راجع العقد النضید 3/527.
3- 2 . مراده الکشف الحقیقی الشرطی.
4- 3 . أی الشرط المتأخر یتأثّر فی العقد السابق ولا بأس بهذا التأثّر فی خصوص الاُمور الاعتباریة لا غیرها.
5- 4 . إذ وما بعده تعلیل للاستحالة.
6- 5 . بناءً علی الکشف الحقیقی الشرطی وهو الوجه الأوّل من وجوه الکشف فی مقام الثبوت راجع الآراء الفقهیة 5/402.

یؤثر فی ما قبله، فلا محالة لا یعقل أن تکون الملکیة المتصلة بحال الإجازة شرطا فی تأثیر الإجازة(1) وإلاّ لزم الخلف(2) أو الانقلاب(3).

فالملکیة المتصلة بحال العقد کافیة فی صحة الإجازة من المالک(4)، فمقتضی تأثیر العقد المجاز تامٌ ثبوتا(5) وإثباتا(6)، فلو لم ینفذ البیع الثانی الصادر من المالک کان

علی وفق القاعدة لأنّه بیع وارد علی مال الغیر، ولا ینفذ إلاّ ممّن له البیع(7).

بخلاف ما إذا قلنا بعدم نفوذ العقد المجاز فإنّه(8) تخصیص بلاوجه، فیدور الأمر

ص:157


1- 6 . هذا هو المدعی للمحقّق الاصفهانی رحمه الله بأنّ شرط صحة عقد الفضولی وقوع العقد فی ملک مالکه لا وقوع الإجازة المتأخرة فی ملکه، بل عدم معقولیة وقوع الإجازة فی ملک المالک، لأنّ بناءً علی الکشف الحقیقی ینتقل المال من حین العقد إلی المشتری من العاقد الفضولی فحین الإجازة لا تکون العین فی ملکیة المالک. واستدلّ علیه بدلیلین:
2- 7 . هذا هو دلیله الأوّل: الخلف: أی لو کانت ملکیة المالک إلی حین الإجازة شرطا لصحة الإجازة اللاحقة یسلتزم عدم انتقال المال إلی المشتری من الفضولی من حین العقد وهو خلاف الفرض أی الکشف الحقیقی فخلفٌ.
3- 8 . هذا هو دلیله الثانی: والمراد به هو الکشف الانقلابی الذی یعدّ من أقسام الکشف الحکمی وهو _ أی الکشف الانقلابی _ عبارة عن بقاء ملک المالک علی العین قبل الإجازة وأمّا بعدها تنقلب الملکیة دفعة واحدة وتصیر العین ملکا للمشتری من حین العقد والإجازة تکشف عن هذا الانقلاب. [راجع بحث وجوه الکشف فی مقام الثبوت فی الآراء الفقهیة 5/405]. والکشف الانقلابی أیضا غیر مفروض کلامنا وهو الکشف الحقیقی بنحو الشرط المتأخر.
4- 9 . ولا نحتاج إلی بقاء ملکیة المالک إلی حین الإجازة، بل یستحیل ذلک بالدلیلین الماضیین.
5- 10 . لما ثبت من الدلیلین أنّ الملکیة إلی حین العقد کافیة ویستحیل بقاء الملکیة إلی حین الإجازة.
6- 11 . لأنّ مع ثبوت مقتضی للعقد یثبت لزوم الوفاء بمقتضی العقد بدلالة الآیة الشریفة «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ». عقد الفضولی تام بعد صدور الإجازة فیجب.
7- 1 . أی لایصح البیع إلاّ من المالک والبیع الثانی بعد صدور الإجازة بناءً علی الکشف الحقیقی یکون بیع مال الغیر فباطلٌ.
8- 2 . أی عدم نفوذ عقد الفضولی وبطلانه ولو بعد صدور إجازة المالک.

بین التخصص(1) والتخصیص بلا وجه(2) أو بوجه دائر(3). لأنّ صحة العقد الثانی متوقفة علی بقاء المال علی ملک البائع حال بیعه وهو متوقف علی عدم صحة العقد المجاز، وهو متوقف علی عدم کون المال ملکا له، مع أنّه لا مخرج لا عن ملکه إلاّ العقد الثانی فیدور.

بخلاف العقد المجاز فإنّه یکفیه الملکیة المتصلة بحال العقد المجاز، والعقد الثانی لا یزیل الملکیة المتصلة بحال العقد المجاز بل یزیل الملک المتصل بحال الإجازة وهو غیر لازم»(4).

المناقشة فی دلیل المحقّق الأصفهانی

ویرد علیه: أوّلاً: یمکن القول باعتبار تداوم ملکیة المالک من حین العقد إلی حین الإجازة فلابدّ من صدور الإجازة منه فی ملکه، ولکن الملکیة اللولائیّة أی لو لا الإجازة لکان مالکا، وهذه الملکیة الخاصة _ أی اللولائیة _ لا یلزم من الالتزام بها لا

الخُلف ولا الکشف الانقلابی، وهما دلیلا المحقّق الأصفهانی ولا یجریان فی هذه الملکیة

ص:158


1- 3 . أی خروج العقد الثانی من تحت الآیة الشریفة «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» یکون علی وجه التخصص لأنّه من أوّل الأمر لم یدخل تحت الآیة لأنّها أمرٌ إلی المُلاّک والعقد الثانی لم یقع فی ملک المالک، لأنّه وقع فی ملک المشتری من الفضولی فخروجه عن الآیة الشریفة یکون تخصصا.
2- 4 . وأمّا إذا عکسنا الأمر وَأَرَدْنا خروج عقد الفضولی مع صدور الإجازة بناءً علی الکشف من تحت الآیة الشریفة، فَهذا یوجب تخصیصها بلاوجه ودلیل شرعی لأنّه عقد وقع فی ملک مالکه وصدور إجازته فیجب الوفاء به ولم یَرِدْ مُخَصَّصٌ لأجل خروجه من تحت الآیة الشریفة.
3- 5 . أی التخصیص بالوجه الدائر: وهو تقدم العقد الثانی علی عقد الفضولی وتخصیص آیة «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وخروج عقد الفضولی من تحته یکون دوریا لأنّ صحة العقد الثانی متوقفة علی بقاء المال علی ملک البائع حال بیعه، وهذه الصحة متوقفة علی بطلان عقد الفضولی، وعلی هذا خروج عقد الفضولی من تحت الآیة الشریفة متوقف علی صحة العقد الثانی وصحته متوقفة علی بطلان عقد الفضولی والبطلان متوقف علی الخروج من تحت الآیة الشریفة فیکون دوریّا.
4- 6 . حاشیة المکاسب 2/274 و 275.

اللولائیة.

وثانیا: إذا لاحظنا النسبة بین الإجازة والملکیة اللولائیة فلا تخلو من وجوه ثلاثَة:

أ: الإهمال: وهو ممنوع، لاستحالته فی الاُمور الواقعیة وفی نفس الأمر.

ب: الإطلاق: وهو أیضا ممنوع، لأنّه یستلزم أن تکون إجازة الأجنبی مؤثرة فی بیع الفضولی وهو باطل.

ج: التقیید: وهو المطلوب فتکون الإجازة مقیّدة ومشروطة بالملکیة اللولائیة.

فمن باع قبل صدور الإجازة عنه، لا یکون مالکا لو لا الإجازة فلم یتحقّق اشتراط الإجازة وقیدها فإجازته باطلة.

وثالثا: یمکن القول باعتبار الإجازة بناءً علی الکشف فی فرض لم یتعقّبه تصرف من المالک فی ماله، وأمّا إذا صدر من المالک تصرفا فی ماله فالإجازة الصادرة منه بعد ذلک التصرف غیر مؤثرة فی الکشف والبیع الثانی من أعظم مصادیق التصرف ولا یلزم منه الخلف ولا الکشف الانقلابی کما یظهر من المحقّق الخمینی(1) رحمه الله .

وبعبارة اُخری: صحة الإجازة متوقفة علی فساد التصرف من المالک فلو توقّف فساد التصرف منه علی صحة إجازته لکان دورا ظاهرا کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی(2) رحمه الله .

ورابعا: صحة العقد الثانی لم تبن علی الدور المحال الذی ذکره المحقّق الأصفهانی، لما مرّ من ابتناء صحة عقد الفضولی علی صدور الإجازة من المالک اللولائی، والمالک مع فرض قیامه بالبیع الثانی لم یکن مالکا لولائیا فبطلان عقد الفضولی مستندا إلی عدم شرطه ولم یکن مستندا إلی صحة العقد الثانی حتّی یلزم منه الدور المدعی.(3)

وخامسا: ما ذکره قدس سره لو تم _ ولم یتم _ إنّما یتم علی الکشف الحقیقی الشرطی وقد

ص:159


1- 1 . کتاب البیع 2/433.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/65.
3- 3 . الباقی من النقود یظهر من العقد النضید 3/(534-532).

عرفت(1) أنّ للکشف أقسام متعددة وأنواع متکثرة، فالدلیل أخص من المدعی.

وبالجملة: لا یمکن الالتزام بهذا الدلیل العقلی المذکور فی کلام المحقّق الأصفهانی قدس سره .

3_ الوجه العقلی المذکور فی مقالة المحقّق الایروانی رحمه الله

قال: «... إنّ خطاب (أَوْفُوا) إن توجّه إلی المالک لم یبق موقع لتوجّهه إلی إجازته لعقد الفضولی حتّی یلتجأ إلی الجمع بین الخطابین بذلک، ففی کلّیّة [أی جمیع [فروض المنافاة بین الصحیحتین الأمر دائر بین صحة عقد المالک وصحة إجازته فکل منهما فرض صحیحا بطل الآخر، ولکن عقده صحیح علی القول بالنقل لأنّه عقد صدر عن أهله فی محلّه لبقاء ماله علی ملکه فتشمله أدلة صحة تصرفات المالک فلا یبقی موضوع لنفوذ إجازته لخروجها عن کونها إجازة المالک.

وإجازته صحیحة علی القول بالکشف لکشفها عن سبق خطاب (أَوْفُوا) بالنسبة إلی العقد الصادر من الفضولی فیکون النقل حاصلاً حینه فلا یبقی موضوع لصحة عقده لانکشاف کونه عقد غیر المالک.

وبالجملة: سبق خطاب کلّ منهما یوجب خروج الآخر عن موضوع الخطاب وتخصّص الدلیل بالنسبة إلیه...»(2).

ویرد علیه: إنَّهُ لم یقم دلیل علی أنّ خطاب (أَوْفُوا) یتوجّه أوّلاً إلی المالک المجیز _ بناءً علی الکشف _ بل الصحیح أنّ توجّه الخطاب إلی المالک المجیز مشروط بملکیته اللولائیة فی حین صدور الإجازة منه، وحیث قام بعد عقد الفضولی ببیع ماله مباشرة فخرج المبیع عن ملکیته وإجازته لم تقع فی ملکیته اللولائیة فإجازته باطلة وتمّ البیع المالک. الأصیل، حتّی علی القول بالکشف.

والحاصل: لم تتم الوجوه الثّلاثة التی أقاموها علی التفصیل بین الکشف الحقیقی

ص:160


1- 4 . راجع الآراء الفقهیة 5/402 وما بعدها.
2- 1 . حاشیة المکاسب 2/322.

والنقل.

وأمّا إثبات التفصیل بناءً علی الکشف الانقلابی:

فقد قال المحقّق الأصفهانی فی تقریر إثبات التفصیل: «وأمّا الکشف علی وجه الانقلاب فمبناه علی بقاء المال علی ملک مالکه الأصلی، وإنّما ینقلب بالإجازة، ولا انقلاب حقیقة إلاّ بعد الإجازة، فجمیع تصرفات المالک تصرفات واردة علی ملکه

حقیقة، ونفوذها یمنع عن نفوذ العقد الأوّل بالإجازة ولو بنحو الانقلاب، فإنّ الانقلاب إنّما یعقل إذا لم یکن له مانع، ونفوذ التصرفات المتوسطة بین العقد الأوّل والإجازة مانع، لفرض التمانع بین صحة العقدین، وفرض عدم المزاحم للتصرف المتوسط حال ثبوته حقیقة وواقعا، فیساوق الکشف الانقلابی للنقل فی صحة العقد الثانی دون الأوّل، وحیث إنّ بناء المصنف [الشیخ الأعظم] قدس سره علی الکشف الانقلابی بل نسبه إلی المشهور أیضا، فلذا أطلق فی الکلام من حیث الکشف والنقل.

والتحقیق: أنّ المانع من صحة العقد المجاز مع صحة العقد الثانی أحد أُمور:

إمّا عدم إتصال ملک المجیز بحال الإجازة، لعدم کفایة الملکیة المتصلة بحال العقد هنا، إذ لا یعقل الانقلاب فیها فی الملکیة بین العقد والإجازة.

وإمّا لزوم اجتماع مالکین علی ملک واحد فی زمان العقد الثانی، إذا فرض تصحیح العقدین، حیث إنّ إبطال العقد الثانی بعد فرض وقوعه صحیحا بلا وجه، فلابد من فرض مالکیة المشتریین لمال واحد فی زمان العقد الثانی.

وإمّا لغویة الإجازة إذا أثرت فی صحة العقد الأوّل بنحو الانقلاب إلی زمان العقد الثانی فقط، لئلا یلزم اجتماع الملکین، ولا یصححه الرجوع إلی البدل، لمکان إتلاف المال بالنقل الصحیح، لأنّ الملک الانقلابی متأخر عن الإتلاف بالنقل، فکیف یصح الرجوع إلی البدل لتصح الإجازة وتخرج به عن اللغویة.

وهذه الموانع کلها مدفوعة:

أمّا الأوّل: فلأنّ المصحح للإجازة لیس إلاّ ورود العقد علی ملکه، بحیث یکون حال الانتقال منه إلی غیره ملکا له رعایةً للانتقال منه إلیه، فتارة یکون موقع الانتقال

ص:161

حال العقد کما هو کذلک علی الکشف بأقسامه، واُخری یکون موقعه حال الإجازة کما هو کذلک علی النقل.

نعم بناءً علی الانقلاب لابدَّ من أنْ یفرض للمجیز ملک بعد العقد حتّی ینقلب، فیصیر للمجاز له، وهذا من لوازم الانقلاب لا من مصححات الإجازة، والمفروض هنا أیضا تأخر العقد الثانی عن الأوّل، فبالإجازة ینقلب ملک المجیز قبل العقد الثانی فیصیر من حین العقد الأوّل ملکا للمجاز له.

وأمّا الثانی: فبأنّ لازم تأثیر العقد الأوّل بالإجازة علی نحو الانقلاب صیرورة العین من حین العقد الأوّل ملکا للمجاز له إلی زمان العقد الثانی، لا فیما بعده أیضا، لیلزم

إبطال العقد الثانی بلا وجه، وأمّا قبل العقد الثانی فلا یلزم اجتماع الملکین لما مرّ(1) مرارا من أنّ الانقلاب خلاف الاجتماع.

وأمّا الثالث: فمدفوع بأنّ لازم الانقلاب _ عند القائل به _ أنّ الاتلاف الوارد قبله من مالکه یوجب الرجوع إلی البدل، لأنّ فرض الانقلاب فی الملک فرض الانقلاب فی لوازمه، فکأنّ الاتلاف بالانقلاب وارد علی الملک المنقلب إلیه، والعقد الصحیح الذی لا یقبل الإبطال کإتلاف الملک المنقلب إلیه من حیث عدم إمکان عود الملک المنقلب إلی إلی مالکه، فیوجب الرجوع إلی البدل، وإنْ کان فی التضمین بالإتلاف بسبب الانقلاب إشکال فهو غیر مخصوص بالمقام»(2).

أقول: ولکن یرد علیه: أوّلاً: کیف التزم قدس سره بأنّ تَصَرُّفَ المالک فی ماله بالبیع الأصیل المباشر یعدّ من تلف مال الغیر حکما ویلزمُهُ دفع البدل إلی المشتری من الفضولی؟!

لأنّ المال إن کان ماله _ کما هو کذلک _ فتصرّفه فیه یقع بلا إشکال فباع ماله وحین صدور الإجازة منه لم یکن مالکا للمال حتّی بالإجازة اللولائیة فإجازته باطلة وبالتالی

ص:162


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/144، تعلیقة 132.
2- 2 . حاشیة المکاسب 2/276 و 277.

بیع الفضولی محکوم بالبطلان.

وإن لم یکن المال ماله حین عقده الثانی فتصرفه باطل ولم ینتقل المال إلی المشتری منه ویحکم بصحة بیع الفضولی ولم یکن هنا الإتلاف الحکمی ولا الرجوع إلی البدل.

وثانیا: الجمع بین صحة بین المالک نفسه وصحة بیع الفضولی بالإجازة الصادرة من المالک یستلزم اجتماع ملکیتین علی مال واحد وهو محال. کما أنّه یستلزم اجتماع مالکین علی مال واحد علی نحو الاستقلال وهو مستحیل. فلا یمکن الجمع بین الصحتین.

وثالثا: یمکن حلّ ما ذکره بما مرّ من اعتبار ملکیّة المالک حین الإجازة بالملکیّة اللولائیة وحیث باع المالک ماله فحین الإجازة فاقد لهذه الملکیّة اللولائیة فإجازته باطلة وبالتالی بیع الفضولی، ولایتحقّق إتلاف مال الغیر حتّی نحکم بوجوب إرجاع بدله إلی المشتری من الفضولی.

فلا یتم ما ذکره المحقّق الاصفهانی حول إثبات التفصیل بالکشف الانقلابی.

فظهر ممّا ذکرنا عدم وجود الدلیل علی المحتمل الثالث _ وهو صحة بیع الفضولی فی المقام _ مطلقا _ أی بلا فرق بین قولی الکشف والنقل _ لاِءَنَّهُ حیث لم یتم التفصیل فی المقام فإطلاقه بطریق اُولی.

هذا تمام الکلام فی التصرفات الناقلة.

2_ القسم الثانی: التصرفات غیر الناقلة
اشارة

التی لا توجب نقل العین وهی علی ثلاثة أقسامٍ:

الأوّل: الاستیلاد

إذا استولد المالک جاریته بعد أن باعها الفضولی وصارت أُمَّ وَلَدٍ هل تبطل الإجازة وَتَزُوْلُ قابلیتها عن التأثیر أم لا؟

الظاهر أنّ الاستیلاد من جانب المالک وبعد بیع الفضولی قبل الإجازة، یُخْرِجُها عن قابلیة التأثیر فتقع لغوا، لأنّ من شرائط البیع أن لایکون المبیع أمّ ولدٍ، ومن المعلوم أنّ

ص:163

المبیع لابدّ أن یکون ملکا طِلْقا لمالکه حتّی یقدر علی بیعه واستند البیع إلیه وشملته الإطلاقات لأنّها خطابات للملاّک الذین یقدرون علی البیع، وحیث أنّ الأمة مستولدة حین صدور الإجازة فتقع الإجازة لغوا.

اللهم إلاّ أن یقال: الممنوع هو إنشا البیع علی أُمّ الولد لا إسناد البیع المُنشَأ سابقا بالإجازة اللاحقة.

ویُجاب عنه: بأنّ المبیع حین الإجازة لابدّ وأن یکون ملکا طِلْقا للمالک لو لا الإجازة بتفصیل مرّ.

والمختار هو بطلان الإجازة بعد الاستیلاد وزوال قابلیتها به وحیث لم تترتب فائدة فی هذا الزمن علی هذا البحث لانتفاء موضوعه نکتفی بهذا المقدار والحمد للّه ربّ الأرباب.

الثانی: تزویج الأمةِ

إذا زوّج الفضولی أمة المالک من شَخْصٍ ثمّ زوّجها المالک بنفسه من شخص آخر، صار «التزویج الصادر من المالک عقد صدر من أهله ووقع فی محلّه وبه تصیر الأمة مزوّجة، ومعه لا یبقی مجال للإجازة بوجه لأنّ المزوّجة لا تزوّج والإجازة هی التزویج فی الحقیقة»(1).

نعم، التنافی بین الْبَیْعِ والتزویج مفقود فإذا «باع الفضولی أَمَة المالک من شخص ثمّ زوّجها المالک من شخص آخر ثمّ أجاز البیع الواقع علی الأمة فإنّ کلاً من التزویج والإجازة صحیحان وتنتقل الأمة إلی المشتری مزوّجة»(2).

وللمشتری خیار الفسخ لأنّه اشتراها لاستیفاء منافعها، لا لِمُجَرَّدِ عِتْقِها فقط، والأمة المزوّجة غیر قابلة للاستیفاء بمنافع بُضْعها، فله الخیار فی الفسخ إن شاء والإمضاء کذلک.

ص:164


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/66.
2- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/67.
الثالث: الاستیجار

یُسْتَفادُ من کلام الشیخ الأعظم(1) أنّ إجازة المالک توجب تفویت قابلیة محلّ الإجازة کالاستیلاد والتزویج، لأنّ ملکیة المنافع تابعة لملکیّة الأعیان ومَنْ له ملکیة العین له ملکیة المنافع أیضا، وحیث أنّ عقد الإجازة صدر من مالکه وهو أهله ووقع فی محلّه فلا یبقی محلّ للإجازة، ولأنّ الفضولی باع العین من المشتری ولکن المالک ملّک منافعها للمستأجر وهذان متنافیان لایمکن اجتماعهما.

ولکن یرد علیه: بعدم وجود التنافی بین البیع والإجازة لأنّ مُتَعَلِّقَیْهِما مختلفان فالعین تتعلَّق بالبیع والمنافع تتعلَّق بالإجازة.

نعم، المالک إذا آجر داره ثمّ أجاز بیعها الفضولی، یرجع بیعه إلی بیع عین المسلوبة المنافع إلی مدّة الإجازة ولا تنافی بین البیع هکذا والإجازة.

وللمشتری فسخ بیعه لأنّه اشتری العین لمنافعها ثمّ ظهر أنّها مسلوبة المنافع فله الخیار فی الفسخ والإمضاء، هذا کلّه علی النقل.

وأمّا علی الکشف الحقیقی أو الحکمی بأقسامها فکلاهما صحیحان، والمالک قد فوّت المنافع علی المشتری ویضمنّها بأجرة المثل نحو ما إذا أتلفها بسکناها أو إسکان غیره.

نعم، لو کان الصادر من الفضولی أیضا إجازة فتکون منافیة للإجازة الصادرة عن المالک.(2)

3_ القسم الثالث: التصرفات غیر الناقلة

3_ القسم الثالث: التصرفات غیر الناقلة التی تودّی إلی ثبوت حقّ للغیر نحو الرهن الصادر من المالک بعد ما عقد الفضولی ثمّ أجاز البیع فیقع الرهن من المالک فی وسط بیع الفضولی وإجازته، فهل هذا الرهن ینافی ذلک البیع والإجازة بحیث لا یبقی معه مجال للإجازة المتأخرة أو لا تنافی بینهما وکلاهما _ البیع والرهن _ صحیحان؟

ص:165


1- 2 . المکاسب 3/477.
2- 3 . راجع التنقیح فی شرح المکاسب 2/67.

هذه المسألة مُبْتَنِیَةٌ علی مسألة جواز بیع الرهن وعدمه وفیها احتمالان:

الأوّل: الاعتماد علی ما ورد فی النبوی الضعیف أنّه قال صلی الله علیه و آله : الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف فی الرهن.(1)

ولا ریب بأنّ الاجازة والبیع تصرّف من الراهن _ الذی هو ممنوعٌ من التصرف _ فی الرهن، فتصرفه فیه باطل والرهن یکون موجبا لإلغاء الإجازة المتأخرة.

الثانی: وأمّا إذا طرحنا الروایة النبویّة لضعف سندها وعدم انجباره بعمل الأصحاب فیمکن القول بصحة الرهن والبیع معا، إذ لا یشترط فی الرهن أن یکون من مال الراهن المدیون ویجوز أن یکون ملکا لآخر وقد وضعه عند المرتهن وثیقةً لدینه، فَتَنْتَقِلُ العین إلی المشتری بِوَصْفِ کَوْنِها رهنا.

نعم، للمشتری خیار الفسخ لأنّ انکشاف الرهن فی المال نقص فیه وخلاف لمقتضی طلقیته.

ولکنْ هنا احتمال ثالث: ذهب إلیه المشهور(2) من فقهائنا _ رضوان اللّه تعالی علیهم أجمعین _ من عدم جواز بیع العین المرهونة توسط الراهن إلاّ بعد الاستئذ ان من المرتهن، کما أنّ المرتهن لا یجوز له بیع العین المرهونة إلاّ فیما إذا بلغ الأجل وطالب المرتهن من الراهن أداء دینه واستنکف عن الأداء فحینئذ یمکن أن یرفع أمره إلی الحاکم الفقیه وهو ولیُّ الممتنع فله أن یجیزه ببیع العین واستیفاء حقّه منها وأداء الباقی منها إلی الراهن.

وبالجملة: لو أجاز المرتهن بیع الراهن صح البیع والرهن معا وإلاّ صح الرهن والبیع یکون باطلاً، لأنّ الإجازة تکون مؤثّرة فی بیع الفضولی إذا صدرت من المالک الذی له أن یتصرّف فی ماله وبالرهن یکون ممنوعا من التصرّف فإجازته المتعقبة للرهن لاغیة وغیر مؤثرة.

ص:166


1- 1 . درر اللآلی 1/368 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/426، ح6.
2- 2 . کما فی العقد النضید 3/542.

ولهذا القسم من التصرفات فروع اُخَرُ نحو: ثبوت الحقّ للمجنی علیه علی الجانی، أو ثبوت حقّ الغرماء فی مال المُفَلَّس، أو ثبوت حقّ الإرث للزوجة من الأبنیة والدور بناءً علی ما هو المشهور من عدم توریثها من العقار(1) وغیرها وَتَظْهَرُ أحکامها بالتأمل.

4_ القسم الرابع: التصرفات التی لا تنافی المعاملة الفضولیة
اشارة

وقد مثّل لها الشیخ الأعظم(2) بمثالین هما:

أ: تعریض المبیع للبیع توسط المالک خلال بیع الفضولی وصدور الإجازة من المالک.

ب: البیع الفاسد بأن یبیع المالک العین بالبیع الفاسد فی الزمان الوسط بین عقد الفضولی وصدور إجازته.

ثمّ قال: «وهذا أیضا علی قسمین: لأنّه إمّا أن یقع حال التفات المالک إلی وقوع العقد من الفضولی علی ماله، وإمّا أن یقع فی حال عدم الالتفات»(3).

ثمّ اختار أَنَّ التعریض للبیع أو العقد الفاسد إذا التفت المالک إلی عقد الفضولی یکون مصداقا للردّ لأنّ معناهما أنّ المالک غیر راض بما أصدره الفضولی فیشمله عموم أنّ الإجازة بعد الردّ لغو.

بخلاف ما إذا لم یلتفت المالک إلی عقد الفضولی لأنّه جاهل به أو لم یلتفت إلیه فلا تکون تعریضه للبیع أو البیع الفاسد ردّا لعقد الفضولی ولا یترتب علیهما أحکام الردّ.(4)

واستدلّ الشیخ الأعظم(5) علی ما أفاده فی حال الالتفات من أنّهما یعدان الردّ باُمور:

الأوّل: إنّ هذا التصرف الصادر منه بنفسه یعدّ ردّا فعلیّا لبیع الفضولی.

ص:167


1- 1 . راجع العقد النضید 3/541.
2- 2 . المکاسب 3/479.
3- 3 . المکاسب 3/479.
4- 4 . المکاسب 3/480.
5- 5 . المکاسب 3/479.

ویرد علیه: الردّ من الاُمور الإنشائیة ومجرد تعریض المتاع للبیع أو العقد الفاسد لا یعدّ ردّا فعلیّا للعقد الفضولی مادام لم نحرز إنشاء الردّ بالفعل.

الثانی: الاستدلال بالإطلاقات الواردة فی نکاح العبد والأمة بغیر إذن مولاهُما(1)

وما ورد فی من زوَّجَتْه أُمّه وهو غائب من قوله علیه السلام : إن شاء قبل وإن شاء ترک.(2)

ثمّ ناقش الشیخ الأعظم فی هذا الاستدلال بقوله: «إلاّ أن یقال: إنّ الإطلاق مسوق لبیان أنّ له الترک فلا تعرّض فیه لکیفیته»(3).

والمناقشة فی محلّها لأنّ ما ورد فی النصوص إنّما هو فی مقام تجویز الردّ للسیّد والابن وأمّا الردّ یتحقّق بماذا؟ فلا نظر فیها إلیه أبدا.

الثالث: قال: «أنّ المانع من صحة الإجازة بعد الردّ القولی موجود فی الرد الفعلی وهو خروج المجیز بعد الردّ عن کونه بمنزلة أحد طرفی العقد»(4).

ویرد علیه: بقبول الکبری الواردة فی کلام الشیخ الأعظم بعدم وجود الفرق بین ردّی القولی والفعلی وأمّا أنّهما _ التعریض للبیع والعقد الفاسد _ من مصادیق الردّ الفعلی فهو أوّل الکلام، وأشبه شیءٍ بالمصادرة.

الرابع: فحوی الاجماع المدّعی علی أنّ الفسخ فی العقود الخیاریة یحصل بالفعل کالوط ء والبیع والعتق.

والوجه فی الفحوی والاُولویة: أنّ الفسخ رفع للملکیة الثابتة بأسبابها، والردّ دفع عن حصول الملکیة بالعقد الفضولی، والرفع أشکل من الدفع، فإذا ثبت أنّ الفعل یوجب الرفع مثلاً فهو یوجب الدفع بطریق أولی.

وردّ السیّد الخوئی علیه: بعدم وجود الاُولویة والفحوی فی المقام «لأنّ البیع والعتق إنّما یقتضیان الفسخ فی العقد الخیاری من أجل أنّ قصدهما حقیقة لا یتحقّق من

ص:168


1- 6 . وسائل الشیعة 21/114، الباب 24 من أبواب نکاح العبید والإماء.
2- 1 . وسائل الشیعة 20/280، ح3 من الباب 7 من أبواب عقد النکاح وأولیاء العقد.
3- 2 . المکاسب 3/479.
4- 3 . المکاسب 3/480.

غیر مالک المال والعبد فإنّ البیع عبارة عن المبادلة بین المالین وهی لاتتحقّق إلاّ بخروج المثمن عن ملک مَنْ دخل فی ملکه الثمن، کما أنّ العتق فکّ ملکیته وهذا لایتحقّق إلاّ بکون المعتَق _ بالفتح _ ملکا له، فالبیع والعتق یدلاّن بالدلالة الإلتزامیة علی أنّه رجع إلی ملکه وفسخ العقد الجائز، إذ لولاه لما یتحقّق منه قصد شی ء من البیع والعتق حقیقة، وهذا بخلاف الردّ فإنّ الملک ملکه حینئذ ولیس کالفسخ فإنّ الملک فیه للمشتری دون المالک، فتصرّفاته فی ملکه لا یحتاج إلی إرجاع الملکیة السابقة لأنه ملکه فلا یکون فیها دلالة

علی ردّ العقد الفضولی، فلا یمکن قیاس الردّ بالفسخ.

وأمّا الوط ء، فلا دلالة فیه علی الفسخ أبدا، إذ لایتوقّف الوط ء علی الملک کتوقّف قصد البیع والعتق حقیقة علیه بل یتحقّق بدون الملک أیضا لإمکان الزنا فی العالَم، فلعلّه لم یقصد الفسخ بل أراد الزنا، وحمل فعل المسلم علی الصحة إنّما یوجب عدم الحکم بزناه، وأمّا أنه یوجب حمله علی الفسخ فلا، لأنّه لا یثبت الصحة الواقعیة کما لا یخفی. نعم الوط ء فی العدّة الرجعیة بنفسه رجوع وإن قصد به الزنا لأنّها زوجته حقیقة وقصده ذلک لیس بشیء، لأنه نظیر قصد الزنا بزوجته.

فالمتحصّل: أنّ البیع الفاسد أو التعریض للبیع لا یکون ردّا کیف والبیع الصحیح لا یکفی فی الردّ، کما أنّهما لایوجبان سقوط المالک عن قابلیة الإجازة لعدم المنافاة بینهما وبین الاجازة، وهذا بخلاف البیع الصحیح، لأنّ الصحیح منه مؤثّر فی الانتقال فتقع الإجازة لغوا، هذا کلّه فی العقود اللازمة.

بقی الکلام فی مثل الوصیة والوکالة:

بقی الکلام فی مثل الوصیة والوکالة: وأنّه إذا أوصی لزید بماله أو وکّله فی بیع شیء ثمّ باعه بنفسه ببیع فاسد أو عرّضه للبیع فهل هما یوجبان بطلان الوصیة والوکالة أو لا؟

قد عرفت ممّا ذکرناه فی الفسخ بالبیع والعتق أنّ البیع وَنَحْوَهُ من الأفعال لا یوجب الفسخ والردّ فی أمثال المقام ممّا لا یتوقّف قصد البیع فیه حقیقة علی إرجاع الملکیة السابقة لعدم خروجه عن ملکه حتّی یتوقّف علی إرجاعها، فإن کان البیع الواقع علی المال صحیحا فهو مُنافٍ للوصیة والوکالة ومُعدم لموضوعهما لا أنّه فسخ، وأمّا إذا کان

ص:169

فاسدا أو تعریضا للبیع فهو لا یدلّ علی الفسخ کما عرفت ولا ینافیهما لعدم کونه مؤثّرا، فتکون الوصیة والوکالة صحیحتین وباقیتین علی حالهما ولعلّه ظاهرٌ»(1).

أقول: یُمْکِنُ جَرَیانُ ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی فی الوط ء فی البیع أو العتق بأنّ المالک باعه فضولة للمشتری من الفضولی أو أعتق العبد لمشتریه کذلک، أعنی البیع والعتق لایلازمان مع الفسخ، فما ذکره السیّد الخوئی فی الوط ء یجری فی البیع والعتق ولکن المهم فی المقام هو قیام الإجماع علی أنّ الفسخ یحصل بهذه الأمور الثلاثة وغیرها من التصرفات المالکیة فی العقود الخیاریة.

فمعقد الإجماع یکون علی تحقّق الفسخ فقط ولایرتبط بالردّ فی العقود الفضولیة. فما ذکره الشیخ الأعظم لایتم.

وبالجملة: التصرفات التی لاتنافی المعاملة الفضولیة لایعدّ ردّا بلا فرق بین حالتی الالتفات بها وعدمه.

وأمّا العقد الجائزة:

وأمّا العقد الجائزة: فلو صدر من المالک فی الوسط بین العقد الفضولی والإجازة عقود جائزة کما لو وهب ماله أو أوصی به ثمّ أجاز العقد الفضولی، الإجازة تامة لأنّ الإجازة الصادرة من المالک تعدّ فسخا لذلک العقد الجائز وتمّ العقد الفضولی خلافا لصاحب العقد النضید (2)_ مد ظله _ لأنّه یری أنّ ملکیة المالک قد زالت بالعقد الجائز وحتّی لو عادت ملکیته فإنّها تعدّ ملکیة جدیدة.

ویرد علیه: أوّلاً: فی مثل الوصیة ملکیته باقیة لاأقل فی بعض الصور.

وثانیا: لو سلّمنا بأنّ ملکیته بعد الفسخ ملکیّة جدیدة، فللمالک الإجازة بلا فرق بین أنْ تکون ملکیته سابقةً أو لاحقة وجدیدة.

کما مرّ فی البحوث السابقة والحمد للّه.

ص:170


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/71 و 70.
2- 1 . العقد النضید 3/546.

وَصْلٌ: مسائل حول بیع الفضولی

اشارة

ص: 171

ص: 172

المسألة الاولی: حکم المالک مع المشتری لو لم یجز

اشارة

إذا لم یجز المالک فإن کان المبیع فی یده فهو وإلاّ فللمالک انتزاع ماله ممّن المبیع فی یده مع بقاء الْمَبِیْعِ ویرجع بمنافعه المستوفاة علیه، وکذا غیر المستوفاة علی خلاف فی الأخیر کما مرّ فی الرابع من أحکام المقبوض بالعقد الفاسد من هذا الکتاب.(1)

ولو تلف المبیع یرجع المالک إلی من تلف عنده بمثله أو قیمته، وفی القیمة إلی قیمة یوم الأداء کما مرّ فی بحث ضمان القیمی بالقیمة.(2)

ولکن الشیخ الأعظم اختار قیمة یوم التلف کما اختاره فی بحث ضمان القیمی.(3)

ورَدِفَهُ بقوله: «أو بأعلی القیم من زمانٍ وقع فی یده»(4). وقد مرّ(5) استدلال الشیخ الأعظم لهذا الوجه ونقده منّا(6) فلا نعیده.

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «ولو کان قبل ذلک [أی التلف] فی ضمان آخرٍ وفُرض زیادة الیمة عنده ثمّ نقصت عند الأخیر، اختص السابق بالرجوع بالزیاة علیه کما صرّح

ص:173


1- 1 . راجع الآراء الفقهیة 4/395 و 404.
2- 2 . راجع الآراء الفقهیة 4/550.
3- 3 . المکاسب 3/251 وما بعدها.
4- 4 . المکاسب 3/483.
5- 5 . المکاسب 3/254.
6- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/545.

به جماعة فی الأیدی المتعاقبة»(1).

من المصرِّحین هو العلاّمة فی القواعد حیث یقول: «... ولو زادت فی ید الأوّل طولب بالزیادة دون الثانی...»(2).

وقال فی تذکرة الفقهاء: «هذا إذا لم تختلف قیمة العین فی یدهما أو کانت فی ید الثانی أکثر، ولو کانت فی ید الأوّل أکثر لم یکن للمالک مطالبة الثانی بالزیادة، لأنّها تلفت فی ید الأوّل قبل الوصول إلیه، وإنّما یطالب الأوّل بها لا غیر، ویستقرّ ضمانها علیه، فلیس له الرجوع علی الثانی بها، ولو رجع المالک علیه بالأصل والزیادة، کان له الرجوع علی الثانی بالأصل خاصة دون الزیادة»(3).

ووافقه الشهید الثانی فی المسالک(4) والمحقّق السبزواری فی الکفایة(5) والسیّد العاملی فی مفتاح الکرامة(6).

هذا القول مبنیٌّ علی ضمان الغاصب أعلی القیم من حین الغصب إلی حین التلف کما نبّه علیه المحقّق الثانی(7)، وهو خیرة جماعة من الفقهاء کما مرّ(8) وأدلته ونقدها أیضا(9) فلا نعید والحمد للّه المعید للنعم بغیر استحقاقها.

وأمّا الأوصاف

اشارة

فهی علی قسمین:

ص:174


1- 7 . المکاسب 3/483.
2- 8 . قواعد الأحکام 2/224.
3- 1 . تذکرة الفقهاء 2/377، السطر 35 من الطبع الحجری (19/185).
4- 2 . المسالک 12/156.
5- 3 . کفایة الأحکام 2/649.
6- 4 . مفتاح الکرامة 18/97.
7- 5 . جامع المقاصد 6/225.
8- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/511.
9- 7 . راجع الآراء الفقهیة 4/541.

أ: الوصف الذی یوجب الزیادة العینیة فی المال نحو: سمن النعاج.

ب: الوصف الذی یوجب الزیادة الحکمیة فی المال نحو: تعلّم العبد الکتابة أو الخیاطة اللَّتَیْنِ توجبان ارتفاع قیمته.

والأوّل حیثیته تقییدیّة:

والأوّل حیثیته تقییدیّة(1): أی تبذل بإزاءها المال وتقابل مقدار معین من المال بإزاء ذلک الوصف.

والثانی حیثیته تعلیلیّة:

والثانی حیثیته تعلیلیّة(2): أی المال تبذل بإزاء العبد لا الکتابة والخیاطة ولکنّهما

تستوجبان زیادة القیمة.

والفرق بینهما: إذا کانت العین متصفة بالوصف الأوّل فی تعریف البائع لمبیعه ثمّ ظهر بعد فقدانه فإنّ القاعدة تقتضی تخییر المشتری بین الخیار أو أخذ الأرش. وأمّا إذا کانت العین متصفة بالوصف الثانی ثمّ ظهر خلافه فإنّ القاعدة تقتضی ثبوت الخیار فقط لا الأرش.

ثمّ هل یضمن ویغرم المشتری الأوصاف أم لا؟
اشارة

بناءً علی ثبوت أعلی القیم من حین القبض إلی حین التلف أو الأداء، إذا کانت العین فی ید البائع متصفة بصفة کالخیاطة أو الکتابة أو الطباخة أو السمن فزالت العین عند المشتری فلا ینبغی الإشکال فی أنّ المشتری یغرم العین والصفة لأنّه بأخذه العین قد ضمنها بأوصافها.

وأمّا إذا کانت العین باقیة ولکن زالت أوصافها عند المشتری فلابدّ من غرم أوصافها الفائتة عند المشتری.

فرع:

فرعٌ: وإذا حصلت الاُوصاف عند المشتری وزالت عنده أیضا مع زوال عین المال

ص:175


1- 8 . الحیثیة التقییدیة: هی إنّ الحیثیة أو التحیث علی نحو جزء الموضوع نحو الناطق للإنسان، والاختلاف فیها یوجب التکثر فی الموضوع.
2- 9 . الحیثیة التعلیلیة: إذا کان التحیث خارجا عن ذات الموضوع نحو کون الشیء علّة أو معلولاً، لأنّهما یکون خارجا عن الذات وإن کان التحیث والتقیّد به داخلاً بشرط اتخاذهما علی نحو التقیّد لا القید. والاختلاف فیها لایوجب التکثر فی الموضوع.

أو بقاءها فهل یغرم المشتری للمالک العین مع الأوصاف فی الأوّل والأوصاف فقط فی الثانی _ أی فی فرض بقاء العین _ ؟

نعم، یغرم المشتری فی الفرضین للمالک، لأنّه بأخذه العیصن قد ضمن للمالک ثمنها واوصافها.

فرع آخر:

فرعٌ آخر: ثمّ هل البائع الفضولی یغرم هذه الاوصاف المتجددة الحادثة عند المشتری والتالفة عنده أیضا أم لا؟

ذهب المحقّق السیّد الخوئی(1) إلی عدم غرم البائع الفضولی تلک الاوصاف المتجدة والتالفة عند المشتری لأنّ العین التی کانت تحت ید البائع الفضولی لم تکن فیها هذه الاوصاف فلم یضمنها البائع الفضولی.

ولکن المحقّق النائینی(2) یری غرمه قیاسا بالمنافع بناءً علی ثبوت أعلی القیم من حین القبض إلی حین التلف أو الأداء.

وقد یقال فی الفرق بینهما: بأنّ المنافع تابعة للعین فی الضمان بخلاف الأوصاف.

ولذا قال المحقّق السیّد الخوئی: «ثمّ إذا قلنا بالضمان بأعلی القیم فیکون مبدأ أخذ ذلک بالنسبة إلی کل ضامنٍ زمان دخول العین تحت ضمانه، فیکون البائع الأوّل ضامنا من أوّل وضع یده علیها إلی زمان دفع القیمة حتّی أعلی القیم عند دخولها تحت الأیدی المتأخرة، وهکذا کل شخص یضمن ذلک من زمان وضع الید إلی زمان دفع القیمة، والوجه فی ذلک أنّ بمجرد وضع الید علیها ثبت ضمانها علیه إلی أن یؤدیها إلی مالکها وهذا المعنی مستمر إلی زمان الدفع ومنحلّ إلی ضمانات عدیدة فیؤخذ الأعلی القیم من جمیع تلک الضمانات، وأمّا الأشخاص المتأخرة لایضمنون علی الأعلی القیم قبل الأخذ، فلو کانت العین فی ید البائع الأوّل یحاذی بخمسة وباعها من المشتری وصارت عنده یحاذی بعشرین ثمّ نزلت قیمتها إلی أربعة وباعها من الآخر کذلک، وترقی قیمتها

ص:176


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/73، محاضرات فی الفقه الجعفری 2/467.
2- 2 . منیة الطالب 2/160.

عنده إلی خمسین ثمّ نزلت إلی عشرة فباعها کذلک إلی الآخر، فهذا الشخص الأخیر لا یضمن إلاّ علی العشرة لأنّه لم یأخذ زائدا عن ذلک ولم یدخل غیره تحت یده لیکون ضامنا علیه بمقتضی الید أو السیرة وأمّا السابقین علیه کلّهم یضمنونون بخمسین فإنّها فی عهدتهم من زمان وضع الید إلی حین الخروج من العهدة، ولو کان عند الأوّل بخمسین وعند الثانی بعشرین وعند الثالث بعشرة وعند الرابع بخمسة فلا یضمن بالخمسین إلاّ الأوّل والأخیر بالخمسة والثانی بالعشرین والثالث بعشرة لعین ما عرفت»(1).

ثمّ قال: «... ولکن الظاهر أنّ السابق لایضمن الصفات الحاصلة فی الید التالیة وإنّما الضامن لها لیس إلاّ من حدثت الصفات تحت یدها وذلک فإنّ مقتضی الید أو السیرة لیس إلاّ ضمان البائع الأوّل سواء کان غاصبا أو لا بالعین مع الحیثیات القائمة فیها، فهذه الحیثیة بالنسبة إلی المنافع موجودا فی العین فإنها متصفة بالفعل بحیثیة الانتفاع بها وقابلیة استیفاء المنافع منها بالفعل وهذا بخلاف الأوصاف فإنّ العین وإن کانت لها قابلیة السمن وقابلیة تعلّم الأوصاف الکمالیة ولکن حیثیاتها الفعلیة بحیث لو أراد أن ینفع الضامن من العین بهذه الصفات لا یمکن [لأنّها] غیر موجودة فیها بالفعل فلا یشمل دلیل الید إلاّ لِمَنْ تکون حدوثها عنده فقط دون السابق علیه ودون اللاحق به کما هو واضح»(2).

اعتراض الاستاذ المحقّق بأنّ التفصیل بین المنافع والأوصاف

واعترض علیه الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ بأنّ التفصیل بین المنافع والأوصاف بأنّ الأوّل مضمون علی الید السابقة برغم عجزها عن التصرف والانتفاع لأنّها فی تحت تصرف المشتری الآخر، والثانی غیر مضمون لأنّ الید السابقة لا تتمکن من الانتفاع بها لأنّها غیر موجودة عندها، غیرُ وجیهٍ لأنّ فی کلا الموردین الید السابقة غیر متمکن من التصرف والانتفاع فلابدّ من القول بالضمان فیهما أو عدمه فیهما والتفصیل غیر تام، وحیث ذهب المحقّق الخوئی رحمه الله إلی الضمان فی المنافع فلابدّ له من القول بالضمان فی

ص:177


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/337 و 338.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/339.

الأوصاف من باب قیاس المساواة أو الفحوی أو الأولویة القطعیة.(1)

أقول: قیاس المساواة أو الفحوی أو الأولویة القطعیة بین المنافع والأوصاف ممنوعة لأنّ الید علی العین یدٌ علی منافعها بلا فرق بین المستوفاة منها أو غیرها عرفا ولکن الید علی العین لیست یدا علی الأوصاف التی لم تحدث إلی الان وحدثت فیما بعد عرفا وهذا المقدار من الفرق یکفی فی صحة تفصیل المحقّق الخوئی رحمه الله والذی یسهل الخطب عدم تمامیة القول بثبوت أعلی القیم من حین القبض إلی حین التلف أو حین الأداء کما مرّ فی بحث القیمیات(2)، ونحن نقول بثبوت قیمة یوم الأداء وذمة الضامن مَشْغُوْلَةٌ بالعین التی أخذها من المالک فإذا سمنت عنده أو تعلّمت شیئا وبقی الْوَصْفان والمشتری ضامن للوَصْفَیْن. أمّا إذا زال الْوَصْفانِ فلیس علی المشتری ضمان بالنسبة إلی الوصف الزائل لأنّ العین حین وقعت تحت یده کانت فاقدة للوصف هذا إذا کانت العین موجودة، وأمّا إذا کانت تالفة فلیس علیه إلاّ قیمة العین التی وقعت تحت یده فی الیوم الأوّل ولکن بقیمة یوم الأداء لا قیمة یوم القبض ولا أعلی القیم من یوم القبض إلی یوم التلف أو یوم الأداء، والحمد للّه الذی له البقاء.

ص:178


1- 1 . راجع العقد النضید 3/557.
2- 2 . راجع الآراء الفقهیة 4/509 وما بعدها.

المسألة الثانیة: حکم المشتری مع البائع الفضولی

اشارة

وفیها مقامان من البحث:

أحدهما: ما إذا کان المشتری جاهلاً بالفضولیة أو الغصبیة أَوْناسِیا لهما أو مُشْتَبِها بینهما وبین غیرهما.

ثانیهما: ما إذا کان المشتری عالما بالفضولیة أو الغصبیة أو نحوهما.

وأمّا المقام الأوّل:

اشارة

فقال الشیخ الأعظم: «أنّه [المشتری] یرجع علیه بالثمن إن کان جاهلاً بکونه فضولیا سواء کان باقیّا أو تالفا...»(1).

ففی هذا المقام لا إشکال فی أنّ المشتری یرجع إلی البائع الفضولی بعین ماله إذا کانت موجودة وبقیمتها أو مثلها إذا کانت تالفة لعموم قوله علیه السلام : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی.(2)

ولأنّ ید البائع علیها عدوانیة فللمشتری أن یطالبه بردّها أو مثلها أو قیمتها بمقتضی عموم قاعدة الناس مسلطون علی أموالهم.

إن قلت(3): کیف یرجع المشتری إلی البائع الفضولی مع اعتراضه بأنّ المال ملک البائع واشتری منه العین حسب الفرض.

ص:179


1- 1 . المکاسب 3/484.
2- 2 . مستدرک الوسائل 14/8، ح12، الباب 1 من أبواب کتاب الودیعة.
3- 3 . ذکره الشیخ الأعظم بقوله: «لا یقدح فی ذلک اعتراضه بکون البائع مالکا...». المکاسب 3/484.

قلت: هذا الاعتراف یأتی علی صور:

الصورة الاولی: أن یکون هذا الاعتراف مستندا إلی قاعدة الید والمشتری بمقتضی قاعدة الید بنی علی أنّ البائع مالک للعین ولذا اشتراها منه وفی هذه الصورة

یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع وأخذ الثمن منه، لأنّ البینة التی أقامها المالک علی أنّ المال لیس ملکا للبائع توجب سقوط قاعدة الید لأنّ البینة حاکمة علی قاعدة الید وتوجب زوال موضوعها لأنّ الشک مأخوذ فی موضوع قاعدة الید والبینة تزیل الشک تعبدا فلا یبقی لها موضوع بعد البینة، فله أن یَرْجِعَ إلی البائع وَیَأْخُذَ الثمن منه.

هذا کلّه فی الصورة الاولی.

وأمّا الصورة الثانیة: فالاعتراف مستند إلی العلم بمالکیة البائع خارجا بحیث یری البینة التی أقامها المالک کاذبة ویدّعی استحقاق البائع للعین ثمّ الثمن، فلا إشکال فی أنّ المشتری مأخوذ علی مقتضی علمه ولا عبرة بالبینة والطریق مع فرض وجود العلم والقطع فلا یجوز للمشتری مطالبة البائع بالثمن لأنّه یراه مالکا للعین ومُسْتَحِقّا لما أخذه من الثمن.

وأمّا الصورة الثالثة: فهی صورة الجهل بالمستند بحیث لا یُعْلَم بأنّ مستند اعترافه هو قاعدة الید أو العلم فهل تلحق بالصورة الاولی من جواز الرجوع إلی البائع أو بالصورة الثانیة من عدمه؟

قال الشیخ الأعظم فی هذه الصورة: «... ولو لم یُعْلَمْ استناد الاعتراف إلی الید أو إلی غیره ففی الأخذ بظاهر الحال من استناده إلی الید أو بظاهر لفظ «الاقرار» من دلالته علی الواقع وجهان»(1).

ولم یرجّح أحد الوجهین علی الآخر، لأنّ المتعارف فی المعاملات بناءها علی قاعدة الید کما ورد فی معتبرة حفص بن غیاث: لو لم یجز هذا لم یتم للمسلمین سوق.(2)

ص:180


1- 1 . المکاسب 3/484.
2- 2 . وسائل الشیعة 27/292، ح2، الباب 25 من أبواب کیفیة الحکم.

فهم یَرَوْنَ ذا الید مالکا وَیُعامِلُوْنَهُ معاملة المالک.

وکذلک الثابت من السیرة العملیة العقلائیة إنّهم یعتبرون المتاع ملکا لبائعه لأنّ ظهور الحال بل المقال مَنْ یتصدّی لبیع المتاع أنّه مالک له ومن یشتری منه یعلم ویقرّ بملکیته فلذا ورد فی الشراء منه فهذا الاقرار مستند إلی العلم والواقع لا علی قاعدة الید.

وعند تعارض المستندان _ أی قاعدة الید والعلم _ إمّا أن یکون الدلیلان قاصِرَیْنِ فی مرتبة الاقتضاء حتّی یشمل فرض التعارض، وإمّا بعد فرض الشمول یتعارضان ویتساقطان فلا یبقی مستند فی المقام ولذا الشیخ الأعظم یتردّد فیه ولم یرجّح أحدهما

علی الآخر.

مقالة المحقّق الأصفهانی ونقده:

قال قدس سره : «الکلام تارة فی مقام الواقع وجواز الرجوع علی البائع، واُخری فی مقام الرجوع علیه بالترافع عند الحاکم.

أمّا الأوّل: فإمّا أنْ ینکشف عند المشتری کذب البائع وأنّه فضول، وإمّا أنْ یکون عالما بأنّه مالک، فلا إشکال فی جواز الرجوع فی الأوّل، وعدمه فی الثانی واقعا.(1)

وإمّا أنْ لا ینکشف عنده کذبه وصدقه فله _ بعد قیام البینة بحسب ظاهر الشرع(2)_ الرجوع إلی البائع واقعا(3)، لأنّ البیع باطل بحکم الشارع الذی لم یتبین خلافه، فالثمن

ص:181


1- 1 . لأنّه بعد وقوع العقد صحیحا لا یحق له الرجوع إلی البائع الفضولی واسترجاع ثمنه.
2- 2 . لأنّ البینة لاتکشف عن الواقع وإنّما هی مجرد أمارة ویحتمل مخالفتها للواقع لکنّها حجة ویحق له الرجوع إلی البائع بمقتضاها.
3- 3 . قال فی العقد النضید 3/563: «مراده من «واقعا» هو الواقع فی مقابل حکم القاضی ویقصد به الواقع فی مقابل الترافع الشرعی أمام الحکم، أی یحقّ للمشتری الرجوع فی هذه الصورة إلی البائع واسترجاع الثمن مع غمض العین عن حکم القاضی...». أقول: یردّه ما ورد فی ذیل کلام المحقّق الأصفهانی: «هذا إن کان بطلان المعاملة شرعا مستندا إلی قیام البینة عند الحاکم ببطلان البیع». فالمراد من الواقع لیس ما ذکره الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ ولا یمکن القول بأنّ مستند الحکم یکون ظاهریّا وأمّا الحکم الذی یتولّد منه حکما واقعیا وسبحان من لا یسهو.

باقٍ علی ملک المشتری شرعا، والناس مسلطون علی أموالهم، هذا إنْ کان بطلان المعاملة شرعا مستندا إلی قیام البینة عند الحکم ببطلان البیع.

وإنْ کان لأجل الیمین المردودة من البائع علی المدعی، فغایة ما یستدعی الیمین المردودة کونها میزانا لفصل الخصومة باخذ المبیع وإعطائه للمدعی، لا أنّها طریق شرعی إلی کونه ملکا للمدعی بحکم الحاکم، ولا مزیل فعلاً للملکیة، بل المال باقٍ علی ملک مالکه وإنْ لم یجز له التصرف فیه ظاهرا أو باطنا أیضا، ولذا لو ندم الحالف کذبا وأراد إرجاع المال إلی صاحبه لا حاجة فیه إلی تملیکه إیّاه.

وأمّا کون الیمین المردودة بمنزلة البینة من الحالف، لأنه مدعٍ وظیفته إقامة البینة، أو بمنزلة الإقرار من الرادّ، لأنه کالاعتراف بأنّ القول ما یقوله المدعی بحلفه، فإنّما هو بلحاظ بعض الآثار لا أنّها طریق حقیقة إلی ملکیة العین للحالف.

وأمّا الثانی: وهو الرجوع بالترافع عند الحاکم، فلا مانع من رجوعه إلاّ إقراره

بشرائه منه صحیحا، فیکون اعترافا بمالکیته، وأنّ المدعی کاذب، فإنْ علم باستناده إلی یده فقد ظهر خلافه بأمارة أقوی منها فلا إقرار منه.

وإنْ علم عدم استناده إلیه بأنْ أصرَّ علی کونه مالکا _ حتّی بعد قیام البینة _ فإقراره مانع عن رجوعه عند الحاکم، فإنّ مقتضاه صحة البیع بنظره، وأنّ المدعی کاذب وهو بالتصرف فیما أخذه غاصب.

وإنْ لم یعلم استناده فی اعترافه إلی الید، فظاهر حال المتعاملین الاستناد فی الاقدام علی الشراء إلی الید، وظاهر قوله «أنّه مالک، وأنّی قد إشتریته منه» _ لمکان کشف اللفظ عن الواقع _ هو الاستناد إلی غیر الید التی هی إمارة علی الملک، وحیث إنّ ظاهر اللفظ حجة دون ظاهر الحال، فیحمل إقراره علی استناده فیه إلی غیر الید، فیمنع عن رجوعه إلی المشتری عند الحاکم»(1).

أقول: یمکن أن یناقش علیه:

ص:182


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/287 و 288.

أوّلاً: بما مرّ من عدم إمکان الجمع بین قوله: «... فله _ بعد قیام البینة بحسب ظاهر الشرع الرجوع إلی البائع واقعا». والحکم الظاهری لا یولد إلاّ حکما ظاهریا لا حکما واقعیا.

ثانیا: عدّ الیمین المردودة فصلاً للخصومة فقط، «لا انّها طریق شرعی إلی کونه ملکا للمدعی بحکم الحاکم ولا مزیل فعلاً للملکیة بل المال باق علی ملک مالکه...».

ولکن یرد علیه: بعدم الفرق بین الیمین المردودة والیمین المنکر والبینة من عدم اثبات الواقع بهنّ، فکلهنَّ من هذه الجهة علی حدّ سواء ولکن یجوز للغیر التعامل معهنّ وشراء هذا المال من صاحبهنَّ أو توریث المال لوارثه، لأنّ التعامل یتوقف علی الملکیة _ ولو ظاهرا _ وکذلک التوریث.

والشاهد لما ذکرنا ما ورد فی صَحِیْحَةِ ابن أبییعفور عن أبیعبداللّه علیه السلام : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : من حلف لکم باللّه علی حق فصدّقوه، الحدیث.(1)

ووجوب التصدیق یستلزم أن تکون الیمین من الاْءَماراتِ التی تکشف عن الحقّ کالبینة، فلا فرق بینهما. وتفصیل المُحَقّقِ الأصفهانی فی غیر محلّه.

ثالثا: ما ورد فی مقالته ب_ «انّ ظاهر اللفظ حجة دون ظاهر الحال» لا یتم، لأنّ

ظاهر الحال کظاهر اللفظ یعدّان من الظنون الخاصة وکلاهما حجتان ولو لم یکن ظاهر الحال حجة فکیف تَصِحُّ حجیة الإطلاق المقامی والحالی.

ونعلم بأنّ «مستند حجیتهما السیرة العقلائیة القائمة علی اعتبار ظاهر الحال وحجیته فی موارد عدیدة:

منها: فی تمییز المدّعی عن المنکر فی باب القضاء، وتقدیم قول المنکر لظاهر حاله حیث فسر أصحابنا(2) المدّعی بمَنْ یکون قوله مخالفا للظاهر والمنکر من وافق قوله الظاهر ولو لا حجیة ظاهر الحال لما کان مقدّما.

ص:183


1- 2 . وسائل الشیعة 27/245، ح2، الباب 9 من أبواب کیفیة الحکم.
2- 1 . علی قولٍ.

ومنها: الحکم(1) بمقتضی ظاهر الحال عند اختلاف الزوجین فی الأمتعة حیث حکم الإمام(2) علیه السلام بملکیة الزوجة لها متعمدا فی ذلک علی ظاهر الحال وأنّ العروس تأتی عادة بجهازها معها...»(3).(4)

ص: 184


1- 2 . راجع الاستبصار 3/47.
2- 3 . وسائل الشیعة 26/213، ح1، الباب 8 من أبواب میراث الأزواج صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج وفیها: «... أنّ الجهاز والمتاع یُهدی علانیة من بیت المرأة إلی بیت زوجها فهی التی جاءت به، وهذا المدّعی فإن زعم أنّه أحدث فیه شیئا فلیأت علیه البینة».
3- 4 . العقد النضید 3/569.
4- 5 . قال الشهید فی الدروس 2/110 و 111: «لو تداعی الزوجان متاع البیت ففی صحیحة رفاعة [وسائل الشیعة 26/216، ح4] عن الصادق علیه السلام : «له ماللرجال، ولها ما للنساء ویقسّم بینهما ما یصلح لهما» وعلیها الشیخ فی الخلاف [6/352، مسألة 27]. وفی صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج [الکافی 13/651، ح1 (7/130)؛ التهذیب 6/297، ح831، وفیه 9/301، ح1078 بسنده عن ابن أبیعمیر] عنه علیه السلام : «هو للمرأة»، وعلیها فی الاستبصار [3/47]. ویمکن حملها علی ما یصلح للنساء توفیقا، وفی المبسوط [8/310] یقسّم بینهما علی الاطلاق، سواء کانت الدار لهما أو لا، وسواء کانت الزوجة باقیة أو لا، وسواء کانت بینهما أو بین الورّاث، والعمل علی الأوّل». فما ذکره الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ یتم علی أحد الأقوال وإحدی الروایتین، راجع الجواهر 40/(494-496). أقول: فی هذه المسألة _ تداعی الزَّوْجَیْنِ أو ورثتهما متاع البیت _ لو کان فی البین ظاهر حال جهاز المرأة یحکم بأنّ المتاع لها إلاّ مختصات الرجل أخذا بصحیحة ابن الحجاج [وسائل الشیعة 26/213، ح1] ولو لم تکن هذه السیرة وظاهر الحال ما کان من متاع المرأة فلها وما کان من متاع الرجل فله وقسّم مابقی بینهما، أخذا بصحیحة رفاعة [وسائل الشیعة 26/216، ح4[ ومن استولی علی شی ءٍ من المتاع فهو له أخذا بصحیحة یونس بن یعقوب [وسائل الشیعة 26/216، ح3] وبهذا البیان نجمع الروایات المتعارضة الواردة فی المقام والحمد للّه رب العالمین.

والحاصل: ما ذکره المحقّق الأصفهانی من عدم جواز رجوع المشتری إلی البائع الفضولی فی الصورة الثالثة محل تأمل بل منع.

مقالة المحقّق السیّد الخوئی ونقده:

قال رحمه الله : «... الظاهر إلحاقه [أی الصورة الثالثة] بالقسم الأوّل وسقوطه بالبینة وذلک لأنّ مقتضی عموم علی الید أو قاعدته ثبوت الضمان إلاّ فیما إذا علم المالک بعدم الضمان وأنّ المال له، وفی المقام اعترافه به مشکوک فلا یمکن رفع الید فیه عما اقتضاه القاعدة.

وبعبارة اُخری: دلیل البینة بالالتزام دال علی سقوط الاعتراف وجواز الرجوع إلی البائع إلاّ فیما إذا ثبت کون اعترافه عن علم وغیرمستند إلی الید»(1).

وقال: «والدلیل علی ذلک أنّ الحجج الشرعیة لا موجب لرفع الید عنها إلاّ بحجة اُخری فالبینة القائمة علی أنّ المبیع للمدعی دون البائع من الحجج الشرعیة وإنّما نرفع الید عنها هنا بواسطة اقرار المشتری علی أنّ المال للبائع مستندا فی إقراره هذا إلی العلم، فإنّه یؤخذ بإقرار کما عرفت، فلا یثبت له الرجوع إلی البائع بمقتضی البینة القائمة علی أنّ المال للمالک دون البائع لکون إقراره هذا حجة وأمّا فی ما لم یثبت ذلک الإقرار ولا علم لنا فی کونه مستندا إلی العلم الوجدانی لیکون إقراره قابلاً لأخذ مقرِّه به، بل یمکن مستندا إلی الید فلا موجب لرفع الید به عن البینة، وإلاّ یلزم رفع الید عن الحجة بغیرها، ویکفینا الشک فی ذلک أیضا لأنّه لایمکن رفع الید عن الحجة بأمر یحتمل کونه حجة قائمة علی خلافها»(2).

أقول: ویرد علیه: أوّلاً: عند تعارض الأدلة متی کان اقتضاء الحجیة فی أحد الطرفین [الأوّل] تامّا واقتضاء المانعیة فی الثانی مفقودا، بناءً علی قاعدة لزوم رفع الید عن اللاحجة بالحجة یلزم الأخذ بالحجة [الأوّل] ورفع الید عن اللاحجة، وأمّا مع تبدّل النسبة بمعنی عدم تمامیة اقتضاء الحجیة فی الأوّل وقیام ما یحتمل المانعیة فی الثانی فلا

ص:185


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/468، ونحوها فی التنقیح فی شرح المکاسب 2/75.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/341.

مجال لتقدیم الأوّل أخذا بالقاعدة، بل القاعدة تقتضی عکس ذلک _ أی رفع الید عن الأوّل والأخذ بالثانی _ لعدم وجود المقتضی فی الأوّل. وما نحن فیه من قبیل تبدیل

النسبة لا من قبیل المورد الأوّل الذی ذکره السیّد الخوئی، هذا بالنسبة إلی الکبری المذکورة فی کلامه.

وثانیا: علی ما ذکرنا من تبدیل النسبة بعد ما أقام المالک البینة علی ملکیة العین، لا ندری بأنّ المشتری فی بیعها یستند إلی قاعدة الید حتّی تحکمها البینةُ أو إلی العلم حتّی لا تجری فی حقّه البینة، فحینئذ لایمکن الأخذ بالبیّنة لأنّها تفقد حجیتها عند معارضتها مع العلم ویجری فی حقّها ما ذکرته من تبدیل النسبة بعد مجیء هذا الاحتمال.

وثالثا: حُجِّیَةُ البینة فی الفرض مَنُوْطَةٌ بانحلال العلم الإجمالی بین المستندین _ قاعدة الید أو العلم _ ولا دلیل علی الانحلال فی کلامه إلاّ البینة، فکلامه یرجع إلی الدور المصرح الباطل.(1)

ورابعا: الظاهر أنّ الأمر علی عکس ما ذکره هذا المحقّق _ کما مرّ _ لأنّ «ظهور الاعتراف هو الأخبار عن الواقع ومقتضی دلیل نفوذ الإقرار علی المقر حتّی مع البینة هو طرح البینة فی دلالتها الالتزامیة، لأنّه لا اعتبار للبینة مع الاعتراف کما هو المقرر فی باب القضاء»(2). فما ذکره قدس سره من أنّ «دلیل البینة بالالتزام دال علی سقوط الاعتراف»(3) غیر تام.

وخامسا: حکم الحاکم بأنّ العین للمالک لایلزم أن یکون فی جمیع الموارد بالبینة، بل یمکن أن یکون بالیمین المردودة من البائع «ومعه لا یکون فی البین تلک الدلالة الالتزامیة»(4).

ص:186


1- 1 . الإشکالات الثَّلاثَة للأُستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی العقد النضید 3/561 و 562.
2- 2 . إرشاد الطالب 4/100.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/468.
4- 4 . إرشاد الطالب 4/100.
المختار فی حکم الصورة الثالثة

إنّ هاهنا فَرْضَیْن:

الأوّل: إذا أقام المالک البینة عند المشتری بأنّه هو المالک، لا البائع وأخذ العین منه هل یجوز له أن یرجع إلی البائع لأخذ ثمنه منه؟ الظاهر عدم الجواز مادام المشتری مترددا بین أنّ مستند شرائه قاعدة الید أو العلم بملکیة البائع، لأنّ وجود هذا العلم الاجمالی یمنع عن العمل بالبینة، ولکن إذا انحلّ هذا العلم إلی أحد طرفیه بالتأمل یلحق به حکم هذا

الطرف بالإلحاقه إلی الصورة الاُولی أو الثانیة.

الثانی: إذا ترافع المالک والمشتری عند الحاکم الشرع وأقام المالک البینة وحکم الحاکم بها بأنّه هو المالک فهل یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع وأخذ الثمن منه؟ الظاهر هو عدم الجواز مادام علمه الإجمالی بین قاعدة الید أو العلم باق. وکذلک لو حکم بمالکیة المالک بالیمین المردودة بلا فرق.

اللهم إلاّ أن یقال: بأنّ المشتری أعطی البائع الثمن فی معاوضة معاملیة وإذا انتفت هذه المعاملة وأُخِذَ العین منه فهو یرجع إلی البائع ویأخذ ثمنه منه لعدم وجود المثمن فی هذه المعاملة فتکون باطلة ویجوز للمشتری أخذ ثمنه من البائع بلا فرق بین مستند شرائه وبین إقامة البینة عند المشتری أو عند الحاکم واللّه العالم.

أمّا المقام الثانی: إذا کان المشتری عالما بالفضولیة والثمن باقیا

اشارة

ففیه جهات من البحث:

الجهة الاولی: هل البائع یملک الثمن بتسلیط المشتری أو أنّه لا یدخل فی ملکه؟

قال الشیخ الأعظم: «فإن کان الثمن باقیا استردّه وفاقا [للمحقّق(1) و] العلاّمة(2)

ص:187


1- 1 . الرسائل التسع 307، زیادة منّا.
2- 2 . قواعد الأحکام 2/19، تذکرة الفقهاء 10/18، مختلف الشیعة 5/56.

وولده(1) والشهیدین(2) والمحقّق الثانی(3) [والأردبیلی(4) والسبزواری(5)] رحمهم الله إذ لم یحصل منه ما یوجب انتقاله عنه شرعا...»(6).

ثمّ ذهب إلی عدم تملیک البائع الثمن بتسلیط المشتری بوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: التسلیط لیس من أحد المملِّکات ولم یحصل هناک سبب آخر للتملیک فلا موجب لصیرورة الثمن ملکا للبائع.

وهذ الوجه تام لأنّ التسلیط یعدّ من موارد أکل المال بالسبب الباطل.

الوجه الثانی: لو کان التسلیط مملِّکا لکان کذلک فی جمیع البیوع الفاسدة مع أنّ التسلیط فیها لم یلتزم أحد بکونه موجبا للتملیک.

واعترض علیه المحقّق الأصفهانی بقوله: «أنّ التسلیط فی غیر ما نحن فیه بعنوان الوفاء بالمعاملة وحیث لا ملک من قبل المعاملة لفرض فسادها کان التسلیط بعدها لغوا، بخلاف التسلیط هنا فإنّه بعنوان الوفاء، فإنّ مقتضی الوفاء بالمعاملة مع المالک تسلیط المالک لا غیره...»(7).

ووافقه السیّد الخوئی وقال: «إنّ قیاس التسلیط فی المقام علی التسلیط فی البیوع الفاسدة قیاس مع الفارق، فإنّ التسلیط فی المقام مع العلم بأنّ الآخذ غاصب وغیر مستحق للمال تسلیط من دون التضمین وأمّا فی البیوع الفاسدة فالإعطاء للمال من جهة أنّه عوض للمبیع فیکون تسلیطا مع الضمان.

ص:188


1- 3 . إیضاح الفوائد 1/418 و 421.
2- 4 . الدروس 3/193؛ اللمعة الدمشقیة /110؛ والمسالک 3/160 و161 و12/224؛ الروضة البهیة 3/234.
3- 5 . جامع المقاصد 4/77.
4- 6 . مجمع الفائدة والبرهان 8/165، زیادة منّا.
5- 7 . کفایة الأحکام 1/450، زیادة منّا.
6- 8 . المکاسب 3/484.
7- 1 . حاشیة المکاسب 2/288.

وبعبارة أُخری: البیع الغرری أو الربوی سبب للملکیة عند العرف وإنّما حکمنا بفسادهما لأجل المنع عنهما شرعا وأمّا فی المقام [فهو] تسلیط مجانیٌ ولیس موجبا للملکیة عند العرف أیضا وکم فرق بینهما کما هو ظاهر، وقد أشار إلی ذلک هو قدس سره بعد أسطر فراجع»(1).

أقول: مراده هذا البیان من الشیخ الأعظم رحمه الله : «بأنّه إنّما سلّطه فی مقابل ملک غیره فلم یُضمّنه فی الحقیقة شیئا من کیسه، فهو یشبه الهبة الفاسدة والبیع بلا ثمن والإجارة بلااُجرة التی قد حکم الشهید(2) وغیر واحد(3) بعدم الضمان فیها»(4).

ولکن قیاس الشیخ الأعظم تام لأنّ التسلیط هنا أیضا فی مقابل العین التی اشتراها من الفضولی فالمعاوضة موجودة والتسلیط لیس بمجانی، فلو کان التسلیط مملِّکا لکان فی جمیع البیوع الفاسدة وهو مردودٌ.

الوجه الثالث: التسلیط لو کان مملِّکا للبائع الفضولی لکانت المعاملة الفضولیة

باطلة لأنّ تملک البائع الثمن یقتضی فوات محلّ إجازة المالک لعدم وجود الثمن فی معاملة المالک حینئذ ویکون بیعه بلا ثمن ثمّ أمر الشیخ الأعظم بالتأمل.(5)

ویرد علیه: لا یتم هذا الوجه لأنّ بناءً علی الکشف، تسلیط المشتری البائع یکون تسلیطا علی مال الغیر لأنّ بالعقد ینتقل الثمن إلی المالک بعد صدور إجازته فلا ینتقل إلی البائع أصلاً.

وأمّا علی القول بالنقل أیضا فَإنَّ التسلیط لم یکن مجانیا لأنّ المعاوضة والمبادلة فی صورة صدور الإجازة من المالک موجودة بین المالین، وفی فرض عدم صدورها من

ص:189


1- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/76.
2- 3 . نقل السیّد العاملی البیع بلا ثمن عنه فی مفتاح الکرامة 4/440 (من الطبعة للاولی) (13/674).
3- 4 . جامع المقاصد 7/120، مسالک الأفهام 5/184.
4- 5 . المکاسب 3/486.
5- 1 . المکاسب 3/485.

المالک أیضا قد مرّ فی الوجه الأوّل بأنّ التسلیط لم یکن مملِّکا للبائع ولعلّ الشیخ الأعظم نَظَرَ إلی هذا البیان فی أمره بالتأمل فی ختام هذا الوجه.

الوجه الرابع: الذی ذکره المحقّق النائینی رحمه الله ویراه صحیحا دون الثلاثة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره وهو: لو فُرض أنّ التسلیط فی المقام یوجب التملیک للبائع وأنّه کالهبة مثلاً إلاّ أنّه لاینبغی الإشکال فی أنّه ملک جائز ولا یزید علی الهبة الجائزة بوجه ولا مانع فیها من الرجوع واسترداد العین أبدا، فللمشتری أن یرجع علی البائع بثمنه لأنّه کالهبة الجائزة بالتسلیط.(1)

ویرد علیه: هذا البیان منه قدس سره إنِّما یتم فی فرض عدم کون الهبة لِذِیْ رحم أو مُعَوّضة أو لم یتصرف الموهوب له أیّ تصرف فی العین کالخیاطة والبیع أو غیرهما من أنحاء التصرف وإلاّ فالهبة تصیر لازمة ولا یمکن للواهب الرجوع فی هبته مع أنّ البحث هنا فی رجوع المشتری إلی البائع مطلقا تصرّف فی الثمن أم لا؟ کان المشتری ذا رحم أم لا؟ فهذا الوجه أخص من المدعی ولا یتم.

والحاصل: إذا کان الثمن باقیا فللمشتری العالم بالفضولیة جواز استرجاعه لأنّه دفعه إلی البائع فی قبال العین والمثمن لا مجانا فمع عدم صدور إجازة المالک یسترجع ثمنه بقاعدتی علی الید والسلطنة.

الجهة الثانیة: هل یجوز أن یتصرف البائع فی الثمن؟

یظهر حکم تصرفه ممّا مرّ فی الجهة الأُولی، إذ بعد ما لم یتحقّق سبب شرعی لانتقال الثمن إلی البائع فلا وجه لتصرفه فیه، وتصرفاته تعدّ عدوانیة ومحکومة بالحرمة

تکلیفا والبطلان وضعا.

الجهة الثالثة: إذا تلف الثمن الذی أخذه البائع فهل یکونُ ضامنا له للمشتری؟
اشارة

فی فرض علم المشتری بالفضولیة أو الغصبیة وتلف الثمن عند البائع فهل البائع ضامِنٌ للمشتری بثمنه أم لا؟

ص:190


1- 2 . منیة الطالب 2/162.

ذهب المشهور إلی عدم ضمان البائع _ کما مرّ مصادره فی الجهة الأُولی من البحث _ بل ادعی علیه الإجماع(1) وتبعهم الشیخ الأعظم والمحقّقان النائینی(2) والأصفهانی(3).

واستدلّ الشیخ الأعظم(4) علی عدم الضمان بأنّ الدلیل علی الضمان أمران:

الأوّل: قاعدة علی الید ما أخذت حتّی تؤدی المرتکزة عند العقلاء حیث إنّهم یرون أخذ مال الغیر وإثبات الید علیه موجبا لضمانه.

الثانی: قاعدة الإقدام علی الضمان _ کما ذکره الشیخ(5) والشهید الثانی(6) _ فی المقبوض بالبیع الفاسد.(7)

ولا تجری هاتان القاعدتان فی المقام:

وأمّا قاعدة علی الید: وإنْ کانت الید موجودة إلاّ أنّ القاعدة مخصصة بما ورد فی عدم ضمان من استأمنه المالک علی ماله ودفع ماله إلیه لحفظه نحو موارد الودیعة(8) أو الانتفاع به کما فی موارد العاریة(9) أو استیفاء المنفعة منه کما الإجارة، فحینئذ بطریق الأولویة القطعیة أو الفحوی الموافق لا تجری قاعدة علی الید فی مورد التسلیط وإجازة

ص:191


1- 1 . ادعاه العلاّمة الحلی فی تذکرة الفقهاء 10/18، وتلمیذه وابن اخته السیّد عمیدالدین فی کنزالفوائد 1/378، وولده فخرالمحقّقین فی الإیضاح 1/421، والکرکی فی جامع المقاصد 4/77.
2- 2 . منیة الطالب 2/163.
3- 3 . حاشیة المکاسب 2/293.
4- 4 . المکاسب 3/486 و 487.
5- 5 . المبسوط 3/65 و 68 و 85 و 89، و 2/204.
6- 6 . المسالک 3/154، و 4/154.
7- 7 . راجع ما کتبته حول قاعدة الإقدام فی الآراء الفقهیة 4/331 وما بعدها.
8- 8 . راجع وسائل الشیعة 19/79، الباب 4 من أبواب کتاب الودیعة.
9- 9 . راجع وسائل الشیعة 19/91، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة ووسائل الشیعة 19/96، الباب 3 منها.

التصرف فی الثمن، وعلیه فی ما نحن فیه.

وبالجملة: قاعدة علی الید مخصّصة بِالْمَوارِدِ التی یرضی المالک بالید والتصرف فی الشی ء وَیُجیزُ.

وأمّا قاعدة الإقدام: فَهِیَ أیضا لا تجری فی المقام لاِءَنَّ البائع الفضولی لم یقدم علی الضمان وأخذ العین بل سلّطه المشتری علی الثمن مع علمه بفضولیته أو غاصبیته وأنّ المال غیر مستحق له. فالبائع لم یقدم علی التصرف والضمان بل المشتری سلّطه علی ماله من دون تضمین.

أَرْبَعَةُ إشکالات وأجوبتها من الشیخ الأعظم
الأوّل:

الأوّل: قال: «دعوی: أنّه إنّما سلّطه فی مقابل العوض، لا مجانا حتّی یشبه الهبة الفاسدة التی تقدّم عدم الضمان فیها.

مندفعة: بأنّه إنّما سلّطه فی مقابل ملک غیره، فلم یُضمّنه فی الحقیقة شیئا من کیسه، فهو یشبه الهبة الفاسدة(1) والبیع بلا ثمن(2) والإجارة بلا أُجرة(3) التی قد حکم الشهید وغیر واحد(4) بعدم الضمان فیها»(5).

الثانی:

الثانی: قال: «إن قلت: تسلّطه علی الثمن بإزاء مال الغیر لبنائه ولو عدوانا علی کونه ملکا له، ولو لا هذا البناء لم یتحقّق مفهوم المعاوضة _ کما تقدّم فی تصحیح بیع الغاصب لنفسه _ فهو إنّما سلّطه علی وجه یضمّنه بماله...»(6).

توضیحه: المعاملة الفضولیة لها الصحة التأهلیة بحیث لو ألحقت الإجازة بها

ص:192


1- 1 . راجع جامع المقاصد 4/209، مفتاح الکرامة 13/674، الجواهر 27/247 طبع إسلامیة.
2- 2 . نقله صاحب مفتاح الکرامة 13/674 عن حواشی الشهید ولکنه غیر موجود فی الحاشیة النجاریة له.
3- 3 . راجع جامع المقاصد 7/120؛ المسالک 5/184.
4- 4 . والمراد به المحقّق والشهید الثانیان.
5- 5 . المکاسب 3/486.
6- 6 . المکاسب 3/487.

لصحت بالصحة الفعلیة، فالفضول وإن لم یکن مالکا واقعا ولکنّه مالکا ادعاءً وإلاّ لم تتم الصحة التأهلیة قبل الإجازة والصحة الفعلیة بعدها.

فحینئذ ما یدفعه المشتری إلی البائع الفضولی ثمنا إنّما یدفعه باعتبار هذه الملکیة الإدعائیة وفی مقابل المثمن ویسلّطه أیضا علیه کذلک وهذا هو التضمین وبالنتجیة

تجری قاعدتا علی الید والإقدام کلاهما فی المقام.

وبالجملة: الملازمة بین البیع والتضمین مما لاینکر، لعدم تحقّق البیع من دون تضمین، حتّی إذا کان البیع صوریّا ادعائیا.

ثمّ قال الشیخ فی الإجابة: «قلت: الضمان کون الشی ء فی عهدة الضامن وخسارته علیه، وإذا کان المضمون به ملکا لغیر الضامن واقعا فلا یتحقّق الضمان الحقیقی مع علمهما بذلک...»(1).

مراده بتوضیح منّا: إنّه فصّل بین البیع والتضمین، البیع صدر من البائع الفضولی ادعاءً ومن المشتری أصالة ومع عدم صدور الإجازة من المالک یکون باطلاً وأمّا التضمین وقع علی المالک إن أجاز بیع الفضولی وإلاّ فلا تضمین لا علی المالک ولا علی البائع الفضولی، عدم ثبوته علی الأوّل واضح، وعلی الثانی لأنّ المشتری سلّطه علی ماله من دون تضمین لعلمه بفضولیته وأنّه غیر مالک، فلیس له استرجاع الثمن.

الثالث:

الثالث(2): إذا کان المشتری عالما بالفضولیة ولم یجز المالک لم یتحقّق البیع ولا التضمین لأنّ التضمین فی البیع علی المالک لا غیره، وبهذا الاستدلال ینفی الضمان علی المشتری ولکن هذا البیان یجری فی فرض جهل المشتری بالفضولیة أیضا لاشتراک الفرضین _ العلم والجهل _ فی الأمرین المذکورین _ عدم وقوع البیع والتضمین علی المالک _ فلماذا حکم بالضمان فی فرض جهل المشتری کما مرّ عن المشهور ولم یحکم به فی فرض علم المشتری؟! مع کون الاستدلال یجری فی الفرضین معا؟

ص:193


1- 1 . المکاسب 3/488.
2- 2 . المکاسب 3/489 قوله: «وممّا ذکرنا یظهر _ أیضا _ فساد نقض ما ذکرنا بالبیع مع علم المشتری بالفساد...».

ثمّ أجاب(1) عنه بتوضیح منّا: قیاس الفرضین مع الفارق لأنّ فی فرض الجهل لم یرض المشتری بتصرف البائع فی الثمن من دون تضمین وبیع، وأمّا فی فرض العلم رضا بذلک من دون تضمین لعدم ثبوت بیع شرعا.

بعبارة أُخری: «إنّ دفع المال إلی الغاصب [أو الفضول] لیس إلاّ کدفعه إلی ثالث یعلم عدم کونه مالکا للمبیع وتسلیطه علی إتلافه فی أنّ ردّ المالک لا یوجب الرجوع إلی هذا الثالث»(2).

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «نعم، لو کان فساد العقد لعدم قبول العوض للملک _ کالخمر والخنزیر والحرّ _ قَوِیَ اطّرادُ ما ذکرنا [من عدم الضمان] فیه [فی فرض علم المشتری بالفضولیة وتلف الثمن] من عدم ضمان عوضها المملوک مع علم المالک بالحال، کما صرح به شیخ مشایخنا فی شرحه علی القواعد»(3).

مراده قدس سره : من شیخ مشایخه هو جدی الشیخ جعفر کاشف الغطاء رحمه الله فی شرحه علی القواعد حیث یقول: «ویقوی تسریة الحکم فی المقامین إلی کلِّ ما دُفع بغیر مقابل، أو بمقابل غیر قابل»(4).

وکما نقل عنه صاحب الجواهر وقال: «بل لا بأس بالتزام مثل ذلک [عدم الضمان[ فی جمیع نظائره ممّا دفع إلیه الثمن بلا مقابل معتدّ به کما صرّح به الاستاذ فی شرحه...»(5).

الرابع:
اشارة

الرابع: إشکال نقضی بعدم وجود الفرق بین المقام والعقود الفاسدة حیث یکون التسلیط فیها موجبا للتضمین دون المقام.

وأجابه بتوضیح منّا: التسلیط فی العقود الفاسدة یتحقّق بعنوان الوفاء بالعقد فلم

ص:194


1- 3 . المکاسب 3/489 قوله: «وجه الفساد...».
2- 4 . المکاسب 3/489.
3- 1 . المکاسب 3/490.
4- 2 . شرح القواعد 2/106.
5- 3 . الجواهر 23/493 (22/307).

یکن تسلیط مجانی فی البین والتضمین موجود بمقتضی العقد ولو کان فاسدا لأنّ ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده کما مرّ ولکن هذا العنوان _ أی الوفاء بالعقد _ هنا مفقود لأنّ المشتری عالم بالفضولیة أو الغصبیة وبطلان العقد وعدم تحقّق البیع.

هذا هو توضیح ما ذکره الشیخ الأعظم فی المقام.

أمّا القول المختار

فأقول: الظاهر هو الضمان فی فرض تلف الثمن وعلم المشتری بالفضولیة أو الغصبیة کما علیه المحقّق الحلّی فی رسائله(1) ویراه سیّد الریاض(2) فی غایة الْقُوَّة لو لا إجماعُ التذکرة وهو حسن ثمّ أمر بالتأمل، والمحقّق السیّد الخوئی(3) والاستاذان(4) قدس سرهم .

والوجه فی ذلک جریان قاعدة علی الید فی المقام لأنّ معناها هو الاستیلاء علی مال الغیر وإثبات الید علیه یقتضی ردّه إلی مالکه کما علیه سیرةُ العقلاء ویخرج من تحت هذه القاعدة موارد التسلیط المجانی وإلغاء المالک احترام ماله، وما نص علیه فی الشریعة من موارد الاستئمان والعاریة والإجارة، وما نحن فیه لیس من هذه الموارد لأنّ المشتری إنّما یسلّط البائع علی الثمن لبنائه علی المعاوضة والمبادلة والمبایعة بین المالین، ولو کانت المبایعة فی الشریعة باطلة کما فی غیرها من العقود الفاسدة، فالمشتری لم یسلّط البائع مجانا بل فی مقابل المثمن عرفا فیصیر التسلیط تَضْمِیْنِیّا فتجری قاعدة علی الید.

کما أنّها تجری فی جمیع العقود الفاسدة منها: ما یبذله مشتری الخمر والخنزیر والحرّ إلی بائعه من الثمن مع علمه بالحال؛ وما یأخذه المتقامر الغالب من المغلوب ونحوها.

ص:195


1- 4 . الرسائل التسع، المسائل الطبریة، مسألة 4، /306.
2- 5 . ریاض المسائل 8/229.
3- 6 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/80.
4- 7 . شیخنا الاستاذ قدس سره فی إرشاد الطالب 4/106، والاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی العقد النضید 3/580.

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم(1) من تشبیه المقام بالهبة الفاسدة والبیع بلا ثمن والإجارة بلا أُجرة، فهو غیر تام لأنّها فی الحقیقة تحلیل وهدیة مجانیة عبّر عنها بعنوان الهبة أو البیع أو الإجارة فیکون بلا تضمین وبلا عوض.

کما إنّ تشبیه(2) المقام بدفع الثمن إلی ثالث _ أی غیر المالک والبائع _، أیضا غیر تام، لأنّ دفع الثمن إلی ثالث لابُدَّ أن یکون مجانیا وبلا عوض بخلاف المقام لأنّ دفع الثمن إلی البائع الفضولی یکون عوضا عن المثمن.

لا یقال(3): السیرة العقلائیة فی المقام إمّا مقطوعَةُ العدم أو مشکوکَةُ الوجود وبالتالی لاتجری فی المقام لأنّ وجودها فی فرض علم المشتری بالفضولیة أو الغصبیة وتلف المال عند البائع الفضولی أو الغاصب بإتلاف سماوی أو أرضی _ لا بإتلاف الفضولی أو الغاصب _ مقطوعة العدم أو مشکوکة الوجود لعدم وجود اهتمام من المشتری بالنسبة إلی المالک أو إجازته.

لاِءنا نقول: عدم اهتمام من المشتری بالنسبة إلی المالک الواقعی أو إجازته لا یمنع

من جریان السیرة العقلائیة، لأنّها تجری فی حقِّ من أثبت یده علی مال غیره إلاّ أن یکون تسلیطا مجانیا من مالک المال وفی المقام لم تثبت مجانیة التسلیط بل ثبت أنّ تسلیط الثمن یکون فی مقابل أخذ المثمن فالتسلیط معاوضیٌّ معاملیٌ تضمینیٌ وتجری السیرة العقلائیة فیه.

ولذا لا یری المحقّق السیّد الخوئی(4) وجها لجمع الشیخ الأعظم(5) فی الجهة الثانیة من البحث حیث ذهب إلی عدم جواز تصرف البائع فی الثمن لعدم انتقاله إلیه وعدم إذن المشتری بالتصرف مع أنّه فی الجهة الثالثة ذهب إلی عدم الضمان، مع وضوح أنّ ما

ص:196


1- 1 . المکاسب 3/486.
2- 2 . المکاسب 3/489.
3- 3 . کما فی العقد النضید 3/579 و 580.
4- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/473؛ التنقیح فی شرح المکاسب 2/81.
5- 2 . المکاسب 3/485.

ذکره فی الجهة الثانیة یقتضی الضمان، لأنّ التسلیط إن کان مجانیا بلا عوض فهو ترخیص فی التصرف فکیف یجتمع مع عدم جواز التصرف؟! وإن لم یکن تسلیطا مجانیا بل کان معاوضی معاملی تضمینی فلا وجه لعدم الضمان!

والحاصل: هذا التفصیل من الشیخ الأعظم غریب عند السیّد الخوئی.

أقول: الظاهر عدم تمامیة هذا الاعتراض علی الشیخ الأعظم، لأنّه قدس سره یری الضمان فی فرض جهل المشتری بالفضولیة والغصبیة، وعدم جواز تصرف البائع فی الثمن حینئذ.

وأمّا فی فرض علم المشتری بها فهو یری عدم الضمان وبالنتیجة یجوز للمشتری التصرف فی الثمن فلا تَهافُتَ فی البین ولاغرابة.

کما یراه کذلک الاستاذ المحقّق(1) _ مد ظله _ ولکن لم یذکر وجه عدم ورود إشکال السیّد الخوئی رحمه الله علی الشیخ الأعظم.

مقالة الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی وجه الضمان

قال: «أمّا الروایة النبویّة(2): فإنّ إطلاقها یشمل کلّ ید عادیة مسیطرة علی المال دون إجازة المالک أو الشارع، وجامعها الید المستولیة بلا حقّ، ولکن الروایة مخصّصة بما إذا أقدم صاحب المال علی هتک احترام ماله وإسقاط حرمته ببذله لغیره، دون أن یضمّنه بشیء، أو أمر غیره بإتلاف ماله، بأن قال له: «ألق متاعی فی البحر ولا ضمان علیک». ففی

هذه الموارد لا ضمان.

أمّا فیما نحن فیه فإنّ المشتری برغم علمه بحقیقة حال البائع، لکنّه لم یسلّطه علی ماله دون تضمین، وإنّما سلّطه علیه فی مقابل المبیع، وبالتالی یکون تسلیطه عوضا عمّا یقبضه منه، وحینئذ مع انکشاف مراد المشتری، فلا یخلو الحال: إمّا أنّه لا مخصّص لعموم الدلیل، أو نشکّ فی التخصیص، وعند ثبوت الأوّل یکون إطلاق الخبر محکّما ودالاًّ علی

ص:197


1- 3 . العقد النضید 3/580.
2- 4 . عوالی اللآلی 1/224، ح106.

ثبوت الضمان. أمّا فی صورة [ثانیة عند] الشکّ فی إطلاق موارد التسلیط وعدمه. فإنّ المورد یعدّ من موارد المردّد بین الأقلّ والأکثر، ویندرج فی صغریات التمسّک بعموم العام مع إجمال المخصّص المنفصل، فیکون المتیقّن من تخصیص [روایة] قاعدة الید، کلّ مورد کان التسلیط فیه بغیر عنوان العوض، أمّا إذا کان بعنوان العوض فالقاعدة تقتضی اعتبار العموم مرجعا والحکم بضمان البائع مطلقا، سواءً علّق المشتری دفعه بلحوق الإجازة وعدمه.

أمّا قول الشیخ رحمه الله بأنّ عموم علی الید: «مخصّص بفحوی ما دلّ علی عدم ضمان من استأمنه المالک، ودفعه إلیه لحفظه کما فی الودیعة، أو الانتفاع به کما فی العاریة، أو استیفاء المنفعة کما فی العین المستأجرة»(1)، فلا یمکن التمسّک به لإثبات [عدم[ الضمان فی المقام.

وهو ممنوعٌ: باعتبار أنّ المال المدفوع إلی المستودع والمستأجر والمرتهن تعتبر أمانة مالکیّة عند هؤلاء، وأیْدِیْهِمْ علیه تکون من باب الاستیمان المالکی، وهو مفقود فی المقام، وبالتالی یبطل استدلال الشیخ بالفحوی، لتوقّفه علی تحقّق الأولویّة القطعیّة العقلیّة أو العقلائیّة الحاصلة فی الموارد الثلاثة، والمفقودة فی المقام، وفی الواقع هناک بینونة محضة بین الاستیمان المالکی، وبین دفع المشتری المال إلی الفضولی، ولذا یصحّ الحکم بالضمان فی المقام ونفیه فی تلک الموارد لتخصیص القاعدة فی الأخیرة دون الاُولی»(2).

أقول: ما ذکره _ مد ظله _ فی مقام دلالة النبویة تام ویثبت به الضمان. وقد مرّ(3) منّا انجبار ضعف سند النبویة بعمل الأصحاب فراجعه.

نقد مقالة المحقّق الأصفهانی فی الاستدلال علی عدم الضمان

قال بعد بحث طویل فی مقام «التحقیق: إنّ التسلیط سواءً کان وفائیّا أو ابتدائیا

ص:198


1- 1 . المکاسب 3/486.
2- 2 . العقد النضید 3/581 و 580.
3- 3 . الآراء الفقهیة 4/292 وما بعدها.

تسلیطٌ بلا عوض، إذا المفروض علم الشخص بأنّ العاقد غاصبٌ، وأنّ عنوان الوفاء غیر مترتّب علی تسلیطه حقیقة، وقَصْدُ عنوان الوفاء تشریعا لا یوجب خروج التسلیط الغیر المنطبق علیه عنوان الوفاء عن کونه تسلیطا عن رضا، فهو تسلیط عن رضا. غایة الأمر أنّه بنی علی أنّ هذا التسلیط المرضیّ به وفاءً بالعقد تشریعا، فتخلّف الوفاء لا یوجب عدم کونه مرضیّا به، لأنّه مع علمه بتخلّفه أقدم عن اختیاره علی تسلیطه، فلا تضمین له حقیقة، فإقدامه الخارجی غیر معاوضی حقیقة، وإن کان معاوضیا بناءً وتشریعا، ولا تخلّف للرضا علی أی حال.

وکون التسلیط بعد العقد ممّا لابدّ منه عرفا فلا یکشف عن الرضا، مدفوع بأنّ العقد الموجب للتسلیط حیث إنّه صدر عن الرضا فهو یوجب وقوع التسلیط عن رضاه»(1).

أقول: التسلیط وهو الفعل الصادر من المشتری عن قصد واختیار فلا یعقل أن یکون مهملاً، فالتسلیط إمّا مطلق أو مشروط فلا یکون مهملاً.

فحینئذٍ حیث دفع المشتری ماله إلی البائع الفضولی فی ضمن معاوضة فتسلیطه إیّاه یکون بعنوان ثمن البیع والمثمن إمّا شخصیٌّ أو کلّیٌّ فی الذمة وبالتالی المعاوضة موجودة والتضمین موجود فتندرج هذا التسلیط فی صغریات قاعدة علی الید أو خبره.

وبالجملة: ما ذکره قدس سره من أنّ إقدام المشتری فی تسلیط البائع غیر معاوضی حقیقة غیر تام.

تتمةٌ: فروع استثناها الشیخ الأعظم من القول بعدم الضمان

منها: قال: «ثمّ إنّ ما ذکرناه فی وجه عدم الرجوع بالثمن ثبوت الرجوع إذا باع البائع الفضولی غیر بائع لنفسه بل باع عن المالک ودفع المشتری الثمن إلیه لکونه واسطة فی إیصاله إلی المالک فتلف فی یده، إذ لم یسلّطه علیه ولا أذن له فی التصرف فیه، فضلاً عن إتلافه، ولعلّ ظاهر کلماتهم ومعاقد إتفاقهم تختصّ بالغاصب البائع لنفسه، وإن کان

ص:199


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/293.

ظاهر بعضهم(1) ثبوت الحکم فی مطلق الفضولی مع علم المشتری بالفضولیة»(2).

ویرد علیه: «ما ذکره قدس سره من الضمان فی الفرض إن أراد به ضمان الإتلاف فهو خارج عن محلّ الکلام، لأنّ محل الْبحْثِ إنّما هو التلف والضمان بدلیل علی الید، وإن أراد به ضمان الید _ کما هو الظاهر _ فلم نعرف له وجها، لأنّ المفروض إنّ المشتری استأمنه فی إیصال الثمن إلی المالک، ولا ضمان فی مورد الاستیمان، فکان الصحیح المتعین علی المصنف [الشیخ الأعظم] أن یعکس المطلب، أی یقول بالضمان فی الفرض السابق وبعدمه فی الفرض»(3).

ومنها: أنّ ما ذکره قدس سره «من عدم الضمان إنّما هو فیما إذا سلّطه المشتری علی المال بأن دفعه إلیه بنفسه، وأمّا إذا أخذه البائع بعد المعاملة من دون أن یدفعه إلیه المشتری فلا محالة یحکم فیه بالضمان، إذ البیع بمجرده لیس تسلیطا علی شی ءٍ فما لم یدفعه إلیه المشتری لا یکون فی البین تسلیط»(4). وهذا متین.

وعلّله الشیخ الأعظم بقوله: «یقوی الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن المشتری بل أخذه بناءً علی العقد الواقع بینهما، فإنّه لم یحصل هنا من المشتری تسلیط إلاّ بالعقد والتسلیط العقدی مع فساده غیر مؤثر فی دفع الضمان و یکشف عن ذلک أی فی تصریح غیر واحد منهم(5) بإباحة تصرّف البائع الغاصب فیه [أی فی الثمن المجعول عوضا عن المبیع المغصوب]، مع اتفاقهم ظاهرا علی عدم تأثیر العقد الفاسد فی

ص:200


1- 2 . نحو الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع 2/37 والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/69، حیث جعلا الغاصب کالفضولی.
2- 3 . المکاسب 3/492.
3- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/475.
4- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/83.
5- 3 . نحو: أصحاب جامع المقاصد 4/71؛ والمسالک 3/160؛ والحدائق 18/396؛ ومفتاح الکرامة 12/618؛ والجواهر 23/491 (22/305).

الإباحة»(1).

أقول: «الاْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ»(2) حیث یقول الشیخ الأعظم قدس سره : «التسلیط العقدی مع فساده غیر مؤثر فی دفع الضمان» وهذا ما أصرنا علیه، وأنکره القوم والشیخ الأعظم رحمهم الله تبعا لهم، وإقرارٌ منه قدس سره بثبوت الضمان ووجهه فی الجهة الثالثة من البحث.

«ومنها: إنّه حکم بالضمان فیما إذا اشترط المشتری علی البائع الضمان، أی الرجوع إلیه بالثمن إذا أخذ منه المبیع صاحبه.

وهذا أیضا ظاهر»(3).

ومنها: «ولو کان الثمن کلّیّا فدفع إلیه المشتری بعض أفراده، فالظاهر عدم الرجوع لأنّه کالثمن المعیّن فی تسلیطه علیه مجانا»(4).

وحیث أنّ الشیخ الأعظم اختار عدم الضمان فی الثمن الشخصی اختار عدمه أیضا فی الثمن الکلّی وتطبیقه علی بعض أفراده توسط المشتری، والحقّ معه فی عدم الفرق لا فی عدم الضمان لأنّ المختار هو الضمان فی الثمنین کما مرّ والحمد للّه العالم علی الأسرار.

ص:201


1- 4 . المکاسب 3/492.
2- 5 . سورة یوسف /51.
3- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/475.
4- 2 . المکاسب 3/492.

المسألة الثالثة: حکم ما یغترمه المشتری للمالک

اشارة

هل یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی صورة جهله بالفضولیة أو الغصبیة، أم لا یجوز؟ فلیعلم أَنَّ ما یَغْتَرِمُهُ المشتری یقع علی أقسام ثلاثة فیجری البحث حولها:

القسم الأوّل: الغرامة التی لم یحصل نفع للمشتری فی مقابلها

اشارة

نحو: المنافع التی لم یستوفه المشتری أو نفقة العبد أو الحیوان أو المال الذی صرفه المشتری فی عمارة المبیع من بناءٍ وغرسٍ وحفرٍ، أو إعطاء قیمة الولد المنعقد حرّا فی جاریة المالک أو ما دفعه للمالک فی مقابل نقص بعض الصفات أو الأجزاء من المبیع، ففی کلِّ ذلک لابدّ من المشتری دفع الغرامة إلی المالک، فهل یجوز له الرجوع إلی البائع الفضولی أو الغاصب أم لا؟

فی هذا القسم ادُّعِیَ الإجماع فی الرجوع کما قال ابن ادریس: «... وکلّ ما دخل علی أنّه له بغیر عوض، فإن لم یحصل له فی مقابلته نفع وهو قیمة الولد رجع به علی البائع قولاً واحدا»(1).

وقد حکم فخرالمحقّقین برجوع المشتری علی البائع بما اغترمه من نفقةٍ أو عوضٍ عن اُجرةٍ أو نماءٍ ممّا لم یَحْصَلْ له فی مقابلته نفع إجماعا فی شرح الإرشاد(2).

ص:202


1- 1 . السرائر 2/493.
2- 2 . شرح إرشاد الأذهان / مخطوط، نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/631.

وقال السبزواری: «وذکر الأصحاب أنّ ما یغرمه المشتری ممّا لم یحصل له فی مقابلته نفع _ کالنفقة والعمارة _ فله الرجوع به علی البائع»(1).

وقال جدی الشیخ جعفر رحمه الله : «(و) ب_ (ما اغترمه) من مال لم یکن فی مقابلته نفع

(من نفقة أو عوض عن اُجرة) عمل أو منفعة مملوک أو حیوان لم یصل نفعها إلیه، أو مازاد منها علی مقدار النفع (أو نماء) تالف أو متلف من أجنبی _ حیث لا یرید الرجوع علیه _ أو منه، أو أرش جنایة مملوک أو حیوان أو قیمة شجر أفسده القلع أو اُجرة حفر أو طمّه أو بناء جدار أو شقّ أنهار أو حفر آبار إلی غیر ذلک للإجماع محصّلاً ومنقولاً...»(2).

وقال سیّد الریاض: «(و) المعروف من مذهب الأصحاب: أنّ للمشتری أن یرجع (بما غرمه) للبائع (ممّا لم یحصل له فی مقابلته عوض کقیمة الولد) والنفقة والعمارة ونحو ذلک لمکان التغریر وترتب الضرر به مع عدم جابر له من العوض»(3).

أقول: یظهر من سیّد الریاض إدعاء شبه الإجماع فی المقام.

وقال الفاضل النراقی: «وإن کان المشتری جاهلاً فیرجع إلی البائع بالثمن الذی أعطاه البائع مطلقا... وکذا بسائر ما اغترمه للمالک ممّا لم یحصل له فی مقابلته عوض بلا خلاف یُعرف... وتدلّ علیه بعد ظاهر الإجماع موثقة جمیل(4) بضمیمة الإجماع المرکب...»(5).

واعترض صاحب الجواهر علی صاحب الحدائق(6) فی مخالفته مع القوم فی حکم هذا القسم بقوله: «... وعلی کل حال فما فی الحدائق: من أنّه لا یرجع إلاّ بالثمن

ص:203


1- 3 . کفایة الأحکام 2/655.
2- 1 . شرح القواعد 2/101.
3- 2 . ریاض المسائل 14/46.
4- 3 . وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید والإماء.
5- 4 . مستند الشیعة 14/295.
6- 5 . الحدائق 18/393 و 394.

مخالف للنص والقاعدة والإجماع بقسمیه لما عرفت»(1).

وقال الشیخ الأعظم: «وبالجملة: فالظاهر عدم الخلاف فی المسألة»(2).

وفی کلام المحقّق والشهید الثانیین(3) فی کتاب الضمان: نفی الإشکال عن ضمان البائع الفضولی لدرک ما یحدثه المشتری من أشجار غرسها فی الأرض التی ابتاعها من الفضولی وقَلَعها مالکُ الأرض، فإنّ خسارة قلع تلک الأشجار بعهدة البائع الفضولی.

ثمّ قد استدلّ لرجوع المشتری الجاهل علی البائع الفضولی فی هذا القسم قبل

الإجماع بالأدلة التالیة:

الأوّل: قاعدة الغرور
اشارة

والأصل فیها ما ذکره المحقّق الثانی رحمه الله فی المسألة من قوله: «الأصح الرجوع لعموم: «المغرور یرجع إلی مَنْ غرّه» وقد دخل معه علی أن تکون له هذه المنافع مجّانا بناءً علی أنّ المِلْک له فتغریره فوتها علیه»(4).

وقد مرّ تمسک سیّد الریاض بهذه القاعدة فی قوله: «لمکان التَّغْرِیْر...»(5).

وقال الفاضل النراقی: «... وعموم قوله علیه السلام : «المغرور یرجع علی مَنْ غرّه» نقله المحقّق الشیخ علی فی حاشیته علی الإرشاد وضعفه غیر ضائر لأنّ الشهرة بل الإجماع له جابر، بل هذه قاعدة مسلّمة بین جمیع الفقهاء المتداولة عندهم یستعملونها فی مواضع متعددة کالغصب والتدلیس فی المبیع والزوجة، والجنایات وأمثالها»(6).

أقول: أنت تری أنّ المحقّق الثانی لم یُسْنِدْهُ إلی المعصوم علیه السلام ولکن استفاد الفاضل

ص:204


1- 6 . الجواهر 23/485 (22/302).
2- 7 . المکاسب 3/494.
3- 8 . جامع المقاصد 5/340، المسالک 4/205.
4- 1 . حاشیة الارشاد /338، المطبوع فی المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.
5- 2 . ریاض المسائل 14/46.
6- 3 . مستند الشیعة 14/296.

النراقی من کلامه أنّها روایة موقوفة مرسلة کما هو کذلک فی الجواهر(1) ونهایة الأثیریة(2) ومجمع الطریحی(3) ونحوها فی صحیح مسلم(4) ومسند احمد(5) وسنن البیهقی(6).

وقال الفاضل المراغی: «ما اشتهر بینهم من الخبر المعروف وهو «أنّ المغرور یرجع إلی من غرّه» وإن لم نقف علی ذلک فی کتب الأخبار لکن الظاهر من سیاق کلامهم أنّه مرویّ وحیث أنّ مضمونه مجمع علیه فلا یحتاج إلی ملاحظة سندٍ ونحوه»(7).

وقال الشیخ الأعظم: «للغرور فإنّ البائع مغرِّرٌ للمشتری وموقِعٌ إیّاه فی خطرات الضمان ومتلِف علیه ما یغرمه فهو کشاهد الزور الذی یُرجع إلیه إذا رجع عن شهادته»(8).

وقال المحقّق الخراسانی: «... فظهر أنّه لا مستند لقاعدة الغرور إلاّ الخبر إذا انجبر ولا یبعد جبره بعمل الأصحاب، فإنّهم لا یزالون یتمسّکون بقاعدة الغرور، علی وجه یعلم أنّه لا مستند آخر من قاعدة الغرور(9) لهم ونحوها غیرها، فیحصل الوثوق بمضمونه وهو کاف فی جبره کما ظهر أنّه لا وجه للضمان غیرها، فلابدّ من الاقتصار فی الحکم بالضمان علی مورد صدق أنّه غرّه کما عرفت»(10).

وقال الفقیه السیّد الیزدی: «إعلم أنّ رجوع المغرور علی الغار من القواعد المسلمة بینهم ویمکن دعوی الإجماع علیها، بل فی حاشیة الإرشاد ویمکن دعوی إنجبار ضعفها بالشهرة فإنّ هذه القضیة بهذا اللفظ متدأوّل فی ألسنتهم، ویمکن أن یستدل علی القاعدة

ص:205


1- 4 . الجواهر 37/145 طبع إسلامیة.
2- 5 . النهایة 3/355.
3- 6 . مجمع البحرین 3/423.
4- 7 . صحیح مسلم 3/1153.
5- 8 . مسند احمد 1/116.
6- 9 . سنن البیهقی 7/219 (5/338).
7- 10 . العناوین 2/443.
8- 11 . المکاسب 3/494.
9- 1 . ولکن فی المتن: «الضرر»، صححناه بالسیاق.
10- 2 . حاشیة المکاسب /82.

_ مضافا إلی ذلک _ بالأخبار المتفرقة فی الأبواب»(1) ثمّ ذکر عدة من الروایات فی هذا الباب، وقال فی آخر کلامه: «وبالجملة: قاعدة الغرور من القواعد المحکمة المجمع علیها ولا فرق علی الظاهر بین کون الغار عالما أو جاهلاً، وما یحتمل أو یقال من عدم صدق الغرور مع جهل الغار کماتری»(2).

وقال المحقّق الأصفهانی: «وأمّا الخبر المنسوب إلی سیّد البشر صلی الله علیه و آله وهو «المغرور یرجع إلی من غرّه» فقد قیل: إنّه مروی وضعفه منجبَرٌ باستناد الأصحاب إلیه کثیرا، إلاّ أنّ أصل روایته غیر معلوم، واستناد الأصحاب إلی قاعدة الغرور معروف مشهور، وأمّا استنادهم إلی الخبر حتّی ینجبر به فهو غیر معلوم، ومجرد مطابقة عملهم لمضمون الخبر غیر موجب لانجباره فتدبّر»(3).

وقال السیّد الخمینی: «والتحقیق: إنّها قاعدة برأسها وعنوانها لا لما نسب إلی النبی صلی الله علیه و آله : المغرور یرجع إلی من غرّه، لعدم ثبوت استناد الأصحاب فی الحکم إلیه وقرب احتمال استنادهم إلی الروایات الآتیة... [أی] قرب احتمال اصطیادها من الأخبار الخاصة...»(4).

والحاصل: لم یثبت کون جملة: «المغرور یرجع إلی مَنْ غرّه» حدیثا وروایة، نعم

هی قاعدة فقهیة اصطیادیة من عدّة من الروایات الواردة فی الأبواب المختلفة(5)، یعمل بها فی ما عمل بها الأصحاب من أبواب البیع والغصب والنکاح والتدلیس فیه والجنایات والشهادات.

ص:206


1- 3 . حاشیة المکاسب 2/286.
2- 4 . حاشیة المکاسب 2/288.
3- 5 . حاشیة المکاسب 2/305.
4- 6 . کتاب البیع 2/450.
5- 1 . لأجلها أُنظر حاشیة المکاسب للفقیه الیزدی 2/288 و 287، وکتاب البیع 2/451 و 450 للسیّد الخمینی.
فلا بأس بذکر بعض النصوص التی تستفاد منها قاعدة الغرور تَتْمِیْما للفائدة:

منها: صحیحة أبیعبیدة الحَذّاء عن أبیجعفر علیه السلام فی رجل تزوَّج امرأةً من ولیِّها فوجد بها عیبا بعد ما دخل بها، قال: فقال: إذا دُلِّسَتِ العفلاءُ والبرصاءُ والمجنونة والمفضاة ومن کان بها زَمانةٌ ظاهرة فإنّها تُرَدُّ علی أهلها من غیر طلاق ویأخذ الزوج المهر من ولیِّها الذی کان دلَّسها، فإن لم یکن ولیُّها علم بشی ءٍ من ذلک فلا شی ء علیه وتردُّ إلی أهلها.

قال: وإن أصاب الزوج شیئا ممّا أخذتْ منه فهو له وإن لم یُصِبْ شیئا فلا شی ء له.

قال: وتَعْتَدُّ منه عِدَّةَ المطلقة إن کان دخل بها وإن لم یکن دخل بها فلا عِدَّة لها ولا مهر لها.(1)

العَفْلاءُ وهی القرناء: أن یکون فی فرجها شئٌ من لحم أو عظم یمنع من وطئها.(2)

والزَّمانَةُ: العاهَةُ والآفَةُ ویُقال للْمُقْعِدَةِ زَمِنَةٌ.

وطبق الإمام علیه السلام القاعدة فی قوله: «ویأخذ الزوج المهر من ولیها الذی کان دلّسها» فالمدلِّس هو الضامن.

ومنها: معتبرة اسماعیل بن جابر قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل نظر إلی امرأة فاعجبتْهُ فسأل عنها، فقیل: هی ابنة فلان، فأتی أباها، فقال: زَوِّجْنی ابنتک، فزوَّجه غیرها فولدتْ منه، فعلم بعدُ أنّها غیرُ ابنته وأنّها أمَةٌ؟

فقال: یَرُدُّ الولیدةَ علی مولاها، والولدُ للرجلِ وعلی الذی زوّجه قیمةُ ثمن الولد یُعطیه موالی الولیدة کما غرّ الرجل وخدعه.(3)

ص:207


1- 2 . الکافی 10/792، ح 14 (5/408)، ونقل فی وسائل الشیعة 21/211، ح1، الباب 2 من أبواب العیوب والتدلیس.
2- 3 . راجع النهایة 3/264 مادة عفل، والنهایة 4/54 مادة قرن، لسان العرب 11/457 مادة عفل، القاموس المحیط 2/1365.
3- 4 . الکافی 10/791، ح13 (5/408) ونقل عنه فی وسائل الشیعة 21/220، ح1، الباب 7 من أبواب العیوب والتدلیس.

والسند معتبر لأنّ محمّد بن سنان عندنا معتبر، واسماعیل بن جابر إن کان الخثعمی فقد وثقه الشیخ فی رجال الباقر علیه السلام بقوله: «الکوفی ثقة ممدوح له اصول رواها عنه صفوان بن یحیی»(1). وذکره فی أصحاب الصادق(2) علیه السلام وفی أصحاب الکاظم علیه السلام من دون توصیف قال: «روی عنهما علیهماالسلام أیضا»(3).

وإن کان الجعفی فقد ذکره النجاشی(4) ولم یذکر فیه قدحا فهو امامی معتبر مع أنّه من المشاهیر ولم یرد فیه قدح فهو معتبر عندنا أیضا.

فحینئذ لا فرق بین أن نقول باتحادهما کما علیه المحقّق السیّد الخوئی(5) أو تعددهما کما علیه شیخنا التستری(6).

وأمّا دلالتها فَواضِحَةٌ لأجل تعلیل الوارد فیها: «کما غرّ الرجل وخدعه» یعطی فی جمیع موارد الغرور بأنّ المغرور یرجع إلی الغار.

ومنها: ما ورد فی خبر رفاعة بن موسی قال: وسألته عن البَرْصَاء؟ فقال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی امرأةٍ زوَّجها ولیُّها وهی بَرْصَاءُ أنّ لها المهر بما استحلَّ من فرجها وأنّ المهر علی الذی زوّجها وإنّما صار المهر علیه لأنّه دلَّسها، ولو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وزوّجها رجلٌ لا یعرف دَخِیْلَة أمرها لم یکن علیه شی ءٌ وکان المهر یأخذه منها.(7)

عرفت دَخِیْلَتَهُ: أی باطنته الداخلة، وعرفت دخیلة أمره: أی جمیع أمره.(8)

ص:208


1- 1 . رجال الشیخ /105، رقم 18.
2- 2 . رجال الشیخ /147، رقم 93.
3- 3 . رجال الشیخ /343، رقم 13.
4- 4 . رجال النجاشی /32، رقم 71.
5- 5 . معجم رجال الحدیث 3/116.
6- 6 . قاموس الرجال 2/35.
7- 7 . الکافی 10/788، ح9 (5/407) ونقل عنه فی وسائل الشیعة 21/212، ح2، الباب 2 من أبواب العیوب والتدلیس.
8- 8 . لسان العرب 11/240 مادة دخل.

وأمّا اعتبار سند الروایة فَمَنُوْطٌ باعتبار سهل بن زیاد، وقد یقال: بأنّ الأمر فیه سهل. ودلالتُها واضحة لأنّ الإمام علیه السلام جعل المهر علی الولِّی المُدَلِّس لأنّه دلَّسها وَطَبّقَ قاعدة الغرور فی المقام مع ذکر التعلیل: «لأنّه دلَّسها».

ومنها: صحیحة الحلبی عن أبیعبداللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال: إنّما یُردّ النکاح من

البرص والجذام والجنون والعفل، قلت: أرأیت إن کان قد دخل بها، کیف یصنع بمهرها؟ قال: المهر لها بما استحلّ من فرجها ویغرم ولیّها الذی أنکحها مثل ما ساق إلیها.(1)

بتقریب: أنّ المراد من إنکاح الولیّ إیّاه أنّه دلّسها للزوج وأخفی عیوبها، فالولیّ یکون مدِّلسا فالمهر علیه.

ومنها: صحیحة داود بن سرحان عن أبیعبداللّه علیه السلام فی الرجل یتزوّج المرأة فیُؤتی بها عمیاء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: تُردّ علی ولیّها ویکون لها المهرعلی ولیّها، الحدیث.(2)

بتقریب: أنّ الولیّ هو الذی دلَّسها وأخفی عیبها فیکون مهرها علیه بقرینة غیرها من الروایات.

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام قال: فی کتاب علی علیه السلام : من زوّج امرأة فیها عیب دلّسه ولم یبیّن ذلک لزوجها فإنّه یکون لها الصداق بما استحلّ من فرجها ویکون الذی ساق الرجل إلیها علی الذی زوّجها ولم یبیّن.(3)

ومنها: خبر علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال: سألته عن امرأة دلست نفسها لرجل وهی رتقاء؟ قال: یفرّق بینهما ولا مهر لها.

یمکن القول باعتبار سند الرِّوایَةِ إذا قلنا بأنّ عبداللّه بن الحسن بن علی بن جعفر الذی ینقل عن جَدِّهِ علی بن جعفر المعروف بالعُرَیْضیّ کان من المعاریف ولم یرد فیه قدح فهو معتبر.

ص:209


1- 1 . وسائل الشیعة 21/213، ح5.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/213، ح6.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/214، ح7.

وتقریب دلالتها: بأنّ المرأة هی بنفسها فعلت التدلیس فلا مهر لها لأنّها المدلِّسة.

ومنها: صحیحة الولید بن صَبِیْحٍ عن أبیعبداللّه علیه السلام فی رجل تزوَّج امرأةً حُرّة، فوجدها أمةً قد دلَّست نفسها له، قال: إنْ کان الّذی زوّجها إیّاه من غیر موالیها، فالنّکاح فاسد.

قلت: فکیف یصنع بالمهر الّذی أخذت منه؟

قال: إنْ وجد ممّا أعطاها شیئا فلیأخذه، وإنْ لم یجد شیئا فلا شی ء له علیها، وإنْ کان زوّجها إیّاه ولیّ لها، ارتجع علی ولیّها بما أخذت منه، ولموالیها علیه عشر ثمنها إنْ

کانت بکرا، وإنْ کانت غیر بکرٍ، فنصف عشر قیمتها بما استحلَّ من فرجها قال: وتعتدّ منه عدّة الأمة.

قلت: فإنْ جاءت بولد؟

قال: أولادها منه أحرار إذا کان النّکاح بغیر إذن الموالی.(1)

بتقریب: جملة «وإن کان زوّجها إیّاه ولیٌّ لها ارتجع علی ولیّها بما أخذت منه» لأنّ الولی حینئذ یکون مدلِّسا فالمهر علیه، فیؤخذ الزوج ما أعطاها منه.

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام قال: سألته عن رجل خطب إلی رجل بنتا له من مهیرة فلمّا کان لیلة دخولها علی زوجها أدخل علیه بنتا له اُخری من أمة؟ قال: تردّ علی ابیها وتردّ إلیه امرأته ویکون مهرها علی أبیها.(2)

یکون مهر الأولی علی أبیها لأنّه هو الغار والزوج مغرور، والشاهد علیه صحیحة الحلبی.(3)

ومنها: مرسلة القاضی نعمان المصری عن علیٍّ علیه السلام أنّه قال: تُرَدُّ المرأةُ من القَرَن والجذام والجنون والبرص، وإن کان دخل بها فعلیه المهر وإن شاء أمسک وإن شاء فارق،

ص:210


1- 1 . الکافی 10/783، ح1 (5/404) ونقل عنه فی وسائل الشیعة 21/185، ح1، الباب 67 من أبواب نکاح العبید والإماء.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/221، ح2، الباب 8 من أبواب العیوب والتدلیس.
3- 3 . وسائل الشیعة 21/221، ح3.

ویرجع بالمهر علی من غرّه بها، وإن کانت هی التی غرّته رجع به علیها، وترک لها أدنی شیء ممّا یستحلّ به الفرج، وإن لم یدخل بها فارقها إن شاء و لا شیء علیه.(1)

القَرَن: لحم أو عظم یکون فی قُبُل المرأة یمنع من وطئها.(2)

بتقریب: حکم أمیرالمؤمنین علیه السلام بأنّ الزوج «یرجع بالمهر علی مَنْ غرّها» ویستفاد منه قاعدة الغرور وکذلک قوله علیه السلام : «وإن کانت هی التی غرّته رجع به علیها»، وأمّا «ترک لها أدنی شیء ممّا یستحلّ به الفرج»، فَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ بواسطة وطی الزوج إیّاها.

ومنها: صحیحة مسمع بن کردین عن أبیعبداللّه علیه السلام فی أربعة شَهِدُوْا علی رجل بالزنا فَرُجم، ثمّ رجع أحدهم، فقال: شککتُ فی شهادتی، قال: علیه الدیة، قال: قلت: فإنّه

قال: شهدت علیه متعمّدا، قال: یُقتل.(3)

المراد بالدیة: ربعها کما یظهر ممّا یَأْتی من الروایتین.

بتقریب: الشاهد الزور غارّ فیغرم الدیة، أو یقتل علی فرض تعمده.

ومنها: صحیحة محمّد بن قیس عن أبیجعفر علیه السلام قال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی رجل شهد علیه رجلان بأنّه سرق، فَقَُطَِعَ یدَُه،حتی إذا کان بعد ذلک جاء الشاهدان برجل آخر، فقالا: هذا السارق ولیس الذی قَُطَِعَْتَْ یدَُه، إنّما شبّهنا ذلک بهذا، فقَُضی علیهما أنّ غرَّمهما نصف الدیة، ولم یجز شهادتهما علی الآخر.(4)

«غرّمهما نصف الدیة»: أی کلّ واحد منهما نصف الدیة.

بالتقریب: الذی مرّ فی سابقها وکذلک ما بعدها.

ومنها: معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علی علیهم السلام فی رجلین شَهِدا علی رجل أنّه سرق فقُطعت یدُه ثمّ رجع أحدهما فقال: شبّه علینا، غرّما دیة الید من أموالهما

ص:211


1- 4 . دعائم الإسلام 2/231، ح865 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 15/46، ح5، الباب 1 من أبواب العیوب والتدلیس.
2- 5 . مجمع البحرین 6/299.
3- 1 . وسائل الشیعة 27/329، ح3، الباب 12 من أبواب کتاب الشهادات.
4- 2 . وسائل الشیعة 27/332، ح1، الباب 14 من أبواب کتاب الشهادات.

خاصة، وقال فی أربعة شهدوا علی رجل أنّهم رأوه مع امرأة یجامعها وهم ینظرون فَرُجِمَ، ثمّ رجع واحد منهم، قال: یغرم ربع الدیة إذا قال: شبّه علیَّ، وإذا رجع اثنان وقالا: شبّه علینا غرما نصف الدیة، وإن رجعوا کلّهم وقالوا: شبّه علینا غرموا الدیة، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جمیعا.(1)

ومنها: صحیحة جمیل عن أبیعبداللّه علیه السلام فی شاهد الزور قال: إن کان الشی ء قائما بعینه رُدّ علی صاحبه، وإن لم یکن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل.(2)

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیعبداللّه علیه السلام فی شاهد الزور ما توبته؟ قال: یؤدّی من المال الذی شهد علیه بقدر ما ذهب من ماله إن کان النصف أو الثلث إن کان شهد هذا وآخر معه.(3)

ومنها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام فی رجلین شهدا علی رجل غائب عن امرأته أنّه طلّقها فاعتدّت المرأة وتزوّجت ثمّ إنّ الزوج الغائب قدم فزعم أنّه لم

یطلّقها، وأکذب نفسه أحد الشاهدین، فقال: لا سبیل للأخیر علیها ویؤخذ الصداق من الذی شهد ورجع فیردُّ علی الأخیر ویفرِّق بینهما وتعتدُّ من الأخیر، ولا یقرّبها الأوّل حتّی تنقضی عدّتها.(4)

ومنها: موثقة إبراهیم بن عبدالحمید عن أبیعبداللّه علیه السلام فی شاهدین شهدا علی امرأة بأنّ زوجها طلّقها فتزوّجت ثمّ جاء زوجها فأنکر الطلاق، قال: یضربان الحدّ ویضمنان الصداق للزوج ثمّ تعتدُّ ثمّ ترجع إلی زوجها الأوّل.(5)

وبالجملة: یستفاد من هذه الروایات الأخیرة أنّ شاهد الزور غارٌّ ویضمن الخسارات الواردة علی المشهور علیه ولو لم یتعمّد ومع تعمّده یُقْتَصُ. وهذا هو جریان

ص:212


1- 3 . وسائل الشیعة 27/332، ح2.
2- 4 . وسائل الشیعة 27/327، ح2، الباب 11 من أبواب کتاب الشهادات.
3- 5 . وسائل الشیعة 27/327، ح1، الباب 11 من أبواب کتاب الشهادات.
4- 1 . وسائل الشیعة 27/331، ح3، الباب 13 من أبواب کتاب الشهادات.
5- 2 . وسائل الشیعة 27/330، ح1، الباب 13 من أبواب کتاب الشهادات.

قاعدة الغرور فی شاهد الزور.

ومن هنا یَظْهَرُ ضعف ما ذکره السیّد الخوئی قدس سره من قوله: «إنّ هذه القاعدة علی إطلاقها ممّا لا یمکن الالتزام به، وذلک لأنّ أحدا إذا شوّق آخر إلی شراء شی ءٍ بأنّه ستترقّی وأنّ له مشترین کثیرین فی البلد وبتشویقه ذلک اشتراه المشتری ثمّ انکشف أنّه لا مشتری له فی البلد وَبِتَشْوِیْقهِ ذلک اشتراه المشتری ثمّ انکشف أنّه لا مشتری له فی البلد أصلاً وأنّ قیمته لم تترقّ بوجه، فهل یفتی فقیه بضمان ذلک المشوِّق للمشتری بدعوی أنّه غرّه فی المعاملة...»(1).

والوجه فیه: إنّا نعمل بقاعدة الغرور فی ما یعمل بها الأصحاب کما مرّ، مِنْ عَمَلِ والأصحاب بها فی ما نحن فیه فنعمل بها.

وهکذا لا یتم ما ذکره المحقّق المروج رحمه الله من أنّ قاعدة الغرور تختص بموارد «کان المباشر بمنزلة الآلة، بأنْ یکون الفعلُ صادرا من المباشر بإرادة السبب والمقام لیس کذلک، لأنّ إقدامه علی تعمیر الدار الخربة مثلاً یکون بإرادته واختیاره»(2).

والوجه فی عدم تمامیته: عدم ورود هذا الاختصاص فی کلام الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم بل جمیع الموارد التی ذکروها أو أغلبها لم یکن المباشر فیها بمنزلة الآلة ولم یصدر الفعل من المباشر فیها بإرادة السبب، یظهر ما ذکرته بمراجعة موارد جریان القاعدة

فی کلامهم، نعم، ما ذکره صاحب الجواهر من «إمکان کون بناء قاعدة الغرر علی قوة السبب من المباشر»(3) تام، وهذا الإمکان غیر ما ورد فی کلامه من «أن یکون الفعل صادرا من المباشر بإرادة السبب»(4).

فقاعدة الغرور تجری فی المقام.

ص:213


1- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/87.
2- 4 . هدی الطالب 5/519.
3- 1 . الجواهر 23/485 (22/302).
4- 2 . هدی الطالب 5/519.
الثانی: قاعدة نفی الضرر

(1)

تمسک بها جدی الشیخ جعفر(2) وسیّد الریاض(3) وصاحب الجواهر(4) والشیخ الأعظم(5).

بتقریب: انّ قاعدة نفی الضرر تقتضی ضمان البائع، لأنّ عدم ضمانه لغرامات المشتری ضرر علی المشتری، فعدم الضمان مرفوع بها فیثبت ضمان البائع.

ویرد علیه: أوّلاً: قاعدة لا ضرر لا تجری فی الموارد التی یوجب جریانها فیها ضررا علی الآخرین ویکون إضرارا علی الغیر. وفی ما نحن فیه الحکم برجوع المشتری علی البائع ضرر علی البائع وإضرار فی حقّه.(6)

وثانیا: قاعدة نفی الضرر ترفع الأحکام الشرعیة التی تبلغ إلی حدّ الضرر ولا یثبت بها حُکْمٌ شَرْعِیٌّ وثبوتُ الضمان علی البائع الفضولی أو الغاصب حُکْمٌ شَرْعِیٌّ لاتقدر قاعدة الضمان علی إثباته.

الثالث: السبب أقوی من المباشر

قد یستدل بقول الفقهاء أنّ السبب أقوی من المباشر فی المقام برجوع المشتری إلی البائع الفضولی لأنّ استناد الفعل هنا وهو ثبوت الضمان والغرامة إلی السبب _ وهو البائع الفضولی _ أقوی من المباشر _ وهو المشتری _ .

وفیه: نعم، فی موارد أقوائیة السبب من المباشر یحکم بثبوت الضمان علی السبب

نحو: مَنْ حفر بئرا فی وسط الطریق فوقع فیها أحد فی لیلة ظلماء فإنّه یصدق أن یقال إنّه أهْلَکَهُ، ومنه تغریم شاهدی الزور لأنّهما أوجبا قتل المشهود علیه، وکما إذا کان المباشر

ص:214


1- 3 . مرّ منّا روایات قاعدة نفی الضرر بین الفریقین فی الآراء الفقهیة 4/347.
2- 4 . شرح القواعد 2/102.
3- 5 . ریاض المسائل 14/46.
4- 6 . الجواهر 23/485 (22/302).
5- 7 . المکاسب 3/494.
6- 8 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/85.

مسلوب القدرة والشعور والاختیار کما إذا أعطی بندقیة بید صبی أو مجنون وأمره برمی الغافل والنائم، وکما إذا فتح باب قفص فطار الطائر.

وأمّا فیما إذا کان السبب من قبیل المعدّات للفعل الصادر من المباشر لشعوره واختیاره کما إذا شوّقه وحرّکه إلی قتل أحد فقتله باختیاره أو التمس منه شرب خمر فشربه بإرادته ففی أمثال ذلک لا دلیل علی أخذ السبب بالقصاص أو الدیة، وإن کان عاصیا فی الإنبعاث إلی فعل المحرّمات، وما نحن فیه من هذا القبیل لأنّ البائع الفضولی أو الغاصب من أحدّ معدّات أفعال المشتری لا أنّه علّة تامة لها(1)، بحث لا یستند الفعل عرفا إلی البائع بل یستند إلی المشتری فلا تَجْرِیْ قاعدة أقوائیة السبب من المباشر.

الرابع: موثقة جمیل بن دَرّاج

موثقة جمیل بن دراج عن أبیعبداللّه علیه السلام فی الرجل یشتری الجاریة من السوق فیولدها ثمّ یجئ مستحقُّ الجاریة، قال: یأخذ الجاریة المستحقّ ویدفع إلیه المبتاع قیمة الولد ویرجع علی من باعه بثمن الجاریة وقیمة الولد التی أُخذت منه.(2)

بتقریب: هذه الموثقة تدلّ بالظهور اللفظی أو الفحوی علی رجوع المشتری علی البائع الفضولی أو الغاصب لأنّ الولد الحر: إن لم یُعَدَّ نفعا عائدا إلی المشتری کانت دلالة الموثقة علی ضمانة البائع الفضولی بالدلالة اللفظیة، وإن عُدَّ نفعا کانت دلالتها علیه بالفحوی لأنّ المشتری إذا کان مع وصول النفع إلیه مستحقّا للرجوع إلی البائع، کان استحاقه للرجوع إلیه مع عدم وصول النفع إلیه بطریق اولی.

وأضاف الشیخ الأعظم: «مع أنّ فی توصیف قیمة الولد بأنّها «اُخذت منه» نوع إشعار بعلّیّة الحکم فیطّرد فی سائر ما اُخذت منه»(3).

مراده: أنّ الوصف مشعر بِالْعِلِّیّةِ والعِلِّیّةُ تعمم الحکم بالرجوع إلی البائع فی جمیع ما أخذ المالک من المشتری من المنافع التی لم یحصل للمشتری نفع أو حصل.

ص:215


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/85 و 86.
2- 2 . وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید والإماء.
3- 3 . المکاسب 3/495.

اعترض صاحب الحدائق بأنّ الحکم إذا کان هو رجوع المشتری إلی البائع فلماذا

لم یرد ذلک فی عدّة من الروایات(1) مع أنّ «المقام مقام بیان مع حکمه علیه السلام فی الخبر(2) برجوع المالک علی المشتری بعوض المنافع، فلو کان للمشتری الرجوع بها علی البائع لذکره علیه السلام ، مع ذکره أخیرا أنّ المشتری یرجع بما أنفقه علی المالک لا علی البائع.(3)

وأجاب عنه الشیخ الأعظم بقوله: «وأمّا سکوت عن رجوع المشتری إلی البائع فی بعض الأخبار فهو لعدم کونه مسوِّقا لذلک کروایة زرارة(4)... وروایة زریق(5)...»(6).

ثمّ أجاب عنهما الشیخ الأعظم بعد ذکر الروایتین بأجوبة أربعة:

«[1] أنّا نمنع ورودها [هما] إلاّ فی مقام حکم المشتری مع المالک.

[2] أنّ السکوت فی مقام البیان لا یعارض الدلیل.

[3] مع أنّ روایة زرارة ظاهرها عدم التمکن من الرجوع إلی البائع.

[4] مع أنّ البائع فی قضیة زُرَیق هو القاضی فإن کان قضاؤه صحیحا لم یتوجّه إلیه غرم(7)، لأنّ الحاکم من قبل الشارع لیس غارّا من جهة حکمه علی طبق البینة المأمور بالعمل بها، وإن کان قضاؤه باطلاً _ کما هو الظاهر _ فالظاهر علم المشتری ببطلان قضاء المخالف وتصرّفه فی اُمور المسلمین فهو عالم بفساد البیع فلا رجوع له»(8).

ص:216


1- 1 . نحو معتبرة زرارة ح2 فی الباب المذکور بناءً علی أنّ ابن أبیعمیر لا یروی ولا یرسل إلاّ عن ثقة وقد مرّ منّا فی أبحاثنا الرجالیة مناقشة هذا المبنی فلا یتم اعتبار الروایة سندا. وصحیحة جمیل عن بعض أصحابنا ح3 فیه، وخبر زرارة ح4 فیه.
2- 2 . مراده معتبرة زُرَیق المرویة فی وسائل الشیعة 17/340، ح1، الباب 3 من أبواب عقد البیع وشروطه.
3- 3 . الحدائق 18/394.
4- 4 . وسائل الشیعة 21/204، ح4.
5- 5 . وسائل الشیعة 17/340، ح1.
6- 6 . المکاسب 3/495.
7- 7 . قد حکم صاحب الجواهر فی کتابه 23/488 (22/304) بعدم تغریم القاضی.
8- 8 . المکاسب 3/498 و 497.

واعترض السیّد الخوئی علی الشیخ الأعظم بأنّ: «الولد سواء کان من [المنافع[ المستوفاة أو من غیرها إنّما خرج بالنص وهذا لا یقتضی التعدّی إلی جمیع المنافع المستوفاة أو غیر المستوفاة»(1).

ثمّ اعترض علی استفادته علیّة الحکم من الوصف بقوله: «فهو من غرائب الکلام،

لأنا لو فرضنا أنّ التوصیف صریح فی علّیة الأخذ للحکم لما أمکن التعدّی منه إلی غیره فضلاً عمّا إذا کان مشعرا بذلک والوجه فی ذلک ما سنبیّن فی بحث تعاقب الأیادی عن قریب إن شاء اللّه تعالی من أنّ رجوع کلّ ضامن إلی ضامن آخر إنّما هو فیما إذا أخذ المالک منه المال المضمون علیه، وأمّا قبل أخذه فلا یمکنه الرجوع إلی الآخر أبدا ولو مع العلم بأنه سیأخذ قیمته منه، وفی المقام أیضا إنّما یجوز للمشتری الرجوع إلی البائع فیما إذا أخذ المالک من المشتری قیمة الولد، وأمّا قبله فلا شیء حتّی یرجع به المشتری إلی البائع وهذا هو الوجه فی توصیف الإمام علیه السلام القیمة بکونها ممّا اُخذت منه فلا یمکن منه التعدّی إلی جمیع موارد الأخذ أبدا، بل الأخذ فی هذا المورد یوجب الحکم برجوع المشتری إلی البائع لا مطلقا کما لا یخفی، واستفادة العلّیة من ذلک نظیر استدلال الشافعیة علی عدم الزکاة فی معلوفة الإبل بقوله علیه السلام «فی الغنم السائمة زکاة»(2) فإنّ السوم لیس علّة للزکاة مطلقا بل فی خصوص الغنم کما لا یخفی فهو لا یدلّ علی نفی الحکم عن غیر موارد السوم مطلقا ولعلّه ظاهر، هذا.

مضافا إلی أنّ فی توصیف القیمة بکونها ممّا اُخذت من المشتری فائدة اُخری وهی أنّ قیمة الولد تختلف باختلاف الأماکن والحالات والبلدان، فإذا رجع المالک إلی المشتری بقیمة الولد فلا یجوز للمشتری أن یرجع علی البائع بأعلی القیم المتبادلة للولد، بل إنّما یرجع إلیه بخصوص القیمة التی أخذها المالک من المشتری لا بقیمة اُخری زائدة

ص:217


1- 9 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/89.
2- 1 . ورد مضمونه فی وسائل الشیعة 9/118، الباب 7 من أبواب زکاة الأنعام، ومستدرک الوسائل 7/63، ح1، الباب 6 من أبواب زکاة الأنعام.

علیها کما لا یخفی، هذا»(1).

وتبعه شیخنا الاُستاذ قدس سره فی عدم الدلالة وعدم العلّیة بل یری الأخیر «تقیید القیمة لا توصیفها بأن یکون المتعیّن الرجوع بتلک القیمة لا قیمة الولد یوم الرجوع وقد تقرر فی بحث الاصول أنّه لا دلالة فی التقیید علی علّة الحکم ولا یستفاد منه المفهوم»(2).

ولکن الأُستاذ المحقّق _ مد ظله _ یری موثقة جمیل تامة فی الدلالة علی ضمان البائع ورجوع المشتری إلیه ولکن لا یری التوصیف مشعرا بالعلّیّة لأنّ ظهوره فی العلیة منوط بثبوت مفهوم الوصف ولم یثبت عنده _ مد ظله _ فی علم الاُصول مفهوم الوصف.(3)

أقول: ما ذکره الأُستاذ المحقّق _ مد ظله _ من تمامیة دلالة موثقة جمیل علی ضمان البائع صحیح، موافقةً للشیخ الأعظم، وکذا ما ذکره فی عدم تمامیة إشعار الوصف بالعلیة مخالفة له، فنحن فی دلالة موثقة جمیل تتبع قول الاستاذ المحقّق _ مد ظله _ فی المقام.

وأمّا رِوایَتا زرارة(4) فلم یرد فیهما رجوع المشتری إلی البائع الفضولی.

وکذلک معتبرة زُرَیق(5) ساکتة عن حکم رجوع المشتری إلی البائع.

وقد مرّ من الشیخ الأعظم(6) ردّا علی صاحب الحدائق(7) أنّ عدم ورود الحکم والسکوت عنه فی بعض الروایات لا ینافی ما ورد فی موثقة جمیل فلابدّ من الأخذ بها.

وبالجملة: حکم رجوع المشتری إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی هذا القسم ثابتٌ والحمد للّه.

ص:218


1- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/90.
2- 3 . إرشاد الطالب 4/117.
3- 4 . راجع العقد النضید 3/588.
4- 1 . وسائل الشیعة 21/204، ح 2 و 4.
5- 2 . وسائل الشیعة 17/340، ح1.
6- 3 . المکاسب 3/495.
7- 4 . الحدائق 18/394.

القسم الثانی: الغرامة التی یحصل نفع للمشتری فی مقابلها

اشارة

فهل یرجع المشتری بها إلی البائع الفضولی أو الغاصب أم لا؟ خلاف بین الأصحاب نشأ من نقل الشیخ بأنّ فیها قُوْلَیْنِ واختار تارة بأنّ الأقوی عدم الرجوع واُخری بأنّ الرجوع هو الأقوی.

فقد فقال فی غصب المبسوط فی من غصب ثوبا: «... وأمّا الکلام فی الرجوع، فإن رجع [المالک] علی المشتری نظرت... وإن کان غرم ما دخل علی أنّه له بغیر بدل وقد حصل فی مقابله نفع وهو أُجرة الخدمة، فهل یرجع بذلک علی الغاصب أم لا؟ فیه قولان: أحدهما یرجع لأنّه غرم، والثانی لایرجع وهو الأقوی، لأنّه وإن غرم فقد انتفع بالاستخدام»(1).

وقال فیه أیضا: «إذا غصب طعاما فأطعم رجلاً... فهل یرجع الآکل علی الغاصب أم لا؟ قیل فیه قولان: أحدهما یرجع لأنّه غرّه، والثانی لایرجع لأنّ التلف کان فی یده فاستقرّ الضمان علیه، والأوّل أقوی»(2).

ونقل فخُرالمحقّقین(3) والفاضلُ المقداد(4) هذین القولین عن الشیخ.

ولکنّ القول المنسوب إلی الشیخ هو عدم الرجوع فقط فی کلام العلاّمة(5) والشهید الثانی(6) والمحقّق السبزواری(7) وسیّد الریاض(8) والفاضل النراقی(9).

ص:219


1- 5 . المبسوط 3/71.
2- 6 . المبسوط 3/88.
3- 1 . إیضاح الفوائد 2/191.
4- 2 . التنقیح الرائع 4/75.
5- 3 . مختلف الشیعة 5/56.
6- 4 . المسالک 12/227.
7- 5 . الکفایة 2/655.
8- 6 . ریاض المسائل 14/47.
9- 7 . مستند الشیعة 14/296.

ولمعرفة قائِلِی الْقَوْلَیْنِ وکتبهم أذکر لک کلام السیّد العاملی فی موضعین من مفتاح الکرامة، قال فی متاجره: «وأمّا ما حصل له فی مقابلته نفع ففی المبسوط(1) فی موضع منه والخلاف(2) وظاهر السرائر(3) وصریح غصب کشف الرموز(4) انّه لا یرجع به... .

وفی المبسوط(5) أیضا والشرائع(6) والنافع(7) والإیضاح(8) وشرح الإرشاد(9) لفخرالإسلام والدروس(10) وجامع المقاصد(11) والمسالک(12) والروضة(13) ومجمع البرهان(14) أنّه یرجع به. وبه صرّح فی غصب الدروس(15) أیضا والتنقیح(16)

والمقتصر(17) وجامع المقاصد(18) ولعلّه الظاهر من غصب الشرائع(19) وفی

ص:220


1- 8 . المبسوط 3/71.
2- 9 . الخلاف 3/410، مسألة 23.
3- 10 . السرائر 2/325.
4- 11 . کشف الرموز 2/384.
5- 12 . المبسوط 3/88.
6- 13 . الشرائع 2/8.
7- 14 . مختصر النافع /257.
8- 15 . إیضاح الفوائد 1/420 و 421.
9- 16 . شرح الإرشاد / مخطوطة.
10- 17 . الدروس 3/193.
11- 18 . جامع المقاصد 4/76 و 77.
12- 19 . المسالک 3/160.
13- 20 . الروضة البهیة 3/237 و 238.
14- 21 . مجمع الفائدة والبرهان 8/164.
15- 22 . الدروس 3/115.
16- 23 . التنقیح الرائع 4/75.
17- 1 . المقتصر /344.
18- 2 . جامع المقاصد 6/326.
19- 3 . الشرائع 3/195.

التنقیح(1) أنّ علیه الفتوی.

وقد نسبه فی المختلف(2) إلی بعض علمائنا، وهو قضیة إطلاق الباقین.

وفی التذکرة(3) والإرشاد(4) فیه قولان. ونحوهما ما فی التحریر(5) حیث قال: علی قول. ولا ترجیح فی غصب النافع(6) والتبصرة(7) والمهذّب البارع(8) والمسالک(9) والکفایة(10). وعبارة نهایة الإحکام(11) کعبارة الکتاب [القواعد الأحکام(12)] حرفا فحرفا لکنّه قال فیها بعد ذلک: سواء حصل فی مقابلته نفع کأُجرة الدار والدابة أو لا کقیمة الولد علی إشکال...»(13).

وقال فی غصبه(14): «فالشیخ فی الخلاف والمبسوط فی موضع منه والآبی فی کشف الرموز وشیخنا فی الریاض(15) وظاهر السرائر أنّه لا یرجع للأصل ولأنّه مباشر الإتلاف... .

ص:221


1- 4 . التنقیح الرائع 4/75.
2- 5 . مختلف الشیعة 5/56.
3- 6 . تذکرة الفقهاء 10/18 و 340.
4- 7 . إرشاد الأذهان 1/361.
5- 8 . التحریر 2/277 و 409.
6- 9 . المختصر النافع /257.
7- 10 . تبصرة المتعلِّمین /109.
8- 11 . المهذب البارع 4/255.
9- 12 . المسالک 12/227.
10- 13 . الکفایة 2/655.
11- 14 . نهایة الإحکام 2/478.
12- 15 . قواعد الأحکام 2/19.
13- 16 . مفتاح الکرامة 12/632.
14- 17 . لم أذکر مصادرها لما مرّ آنفا إلاّ ما کانت جدیدة.
15- 18 . ریاض المسائل 14/47.

والشیخ فی المبسوط فی موضع آخر والمحقّق فی تجارة النافع(1) وظاهر تجارة

الشرائع وفخرالإسلام فی الإیضاح وشرح الإرشاد والشهیدان فی الدروس والمسالک والروضة والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد والمقدس الأردبیلی والمصنف [العلاّمة] فی تجارة الکتاب [القواعد] والشهید فی غصب الدروس والمقداد وأبوالعباس فی المقتصر والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد والمحقّق فی ظاهر الشرائع أنّه یرجع به وفی التنقیح أنّ علیه الفتوی وهو قضیة إطلاق الباقین... .

ولا ترجیح فی غصب النافع والتذکرة(2) والتحریر(3) والتبصرة والمهذب البارع والمسالک والکفایة، ولا فی تجارة التذکرة والتحریر ونهایة الإحکام والإرشاد»(4).

ثمّ بعد نقل الأقوال لابدّ من البحث حول أدلة جواز رجوع المشتری إلی البائع الفضولی أو الغاصب لأنّ الشیخ الأعظم(5) یری جواز الرجوع هو الأقوی.

أدلة القائلین بجواز الرجوع
الأوّل: الإجماع

یَظْهَرُ من کلام العلاّمة فی غصب التذکرة الإجماعُ علی ضمان الغاصب دون الآکل الجاهل بالغصب لقوله فیما إذ قدّم الغاصبُ الطعام إلی الغیر فأکله...: «والثانیة: یستقرّ الضمان علی الغاصب لأنّه غرّه وأطعمه علی أن لا یضمنه، وهو الذی یقتضیه مذهبُنا»(6).

وقد مرّ کلام الفاضل المقداد(7) بأنّ علیه الفتوی.

وقال الفقیه المتتبع العاملی: «فالضمان علی الغاصب بلا خلاف منّا فیما أجد فیما

ص:222


1- 19 . لم أجده فی تجارة مختصر النافع.
2- 1 . تذکرة الفقهاء 19/337، مسألة 1127.
3- 2 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/542.
4- 3 . مفتاح الکرامة 18/(343-341).
5- 4 . المکاسب 3/498.
6- 5 . تذکرة الفقهاء 19/188.
7- 6 . التنقیح الرائع 4/75.

إذا قال: کُلْه فهذا ملکی وطعامی، أو قدّمه إلیه ضیافة حتّی أکله ولم یقل إنّه مالی وطعامی أو لم یذکر شیئا»(1).

وفیه: أوّلاً: قد عرفت الخلاف فی المسألة.

وثانیا: علی فرض تحقّق الإجماع أنّه مدرکیٌّ فلابدّ من ملاحظة غیره من الأدلة.

الثانی: قاعدة لا ضرر

بتقریب: انّ المشتری استوفی المنافع علی أنّها ملکه فیصیر مجانا بالنسبة إلیه من دون ضمان لها للغیر، وبعد العلم بالفضولیة أو الغصبیة الحکم بضمان المشتری للمنافع المستوفاة ضرر علیه وقاعدة نفی الضرر تنفیه. «ومجرد رجوع عوضه إلیه لا یدفع الضرر»(2).

ویرد علیه: ما اُوردته آنفا فی القسم الأوّل(3) فلا أُعیده ولعلّ لأجل ورود المناقشات علیها ذکرها الشیخ الأعظم(4) بعنوان التَّأْیِیْدِ لا الدلیل.

الثالث: قاعدة الغرور
اشارة

لا شک بأنّ المشتری المستوفی لمنفعة المبیع هنا مغرورٌ والبائع الفضولی أو الغاصب غارٌّ وقد مرّت(5) تمامیة قاعدة الغرور من حیث الدلیل فیما عمل به الأصحاب ومنها کتابا الغصب والبیع، فتجری القاعدة وتحکم بجواز رجوع المشتری المغرور إلی البائع الفضولی الغارّ.

نقل کلام صاحب الریاض فی الإشکال علی جریان قاعدة الغرور فی المقام

قال سیّد الریاض رحمه الله : «(وفی) جواز (الرجوع) علیه (بما ضمن) وغرمه (من المنافع کعوض الثمرة واُجرة السکنی تردّد) ینشأ: من مباشرته الإتلاف مع حصول نفعه فی

ص:223


1- 7 . مفتاح الکرامة 18/101.
2- 1 . المکاسب 3/499.
3- 2 . راجع هذا المجلد صفحة 214.
4- 3 . المکاسب 3/499.
5- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 207.

مقابله، وأولویّة حوالة الضمان علی مباشر الإتلاف.

ومن أنّ الغاصب قد غرّه ولم یشرع علی أن یضمن ذلک فکان الضمان علی الغارّ، کما لو قدّم إلیه طعام الغیر فأکله جاهلاً ورجع المالک علی الآکل، أو غصب طعاما فأطعمه المالک فإنّه یرجع علی الغارّ.

وإلی هذا ذهب الماتن فی کتاب التجارة من الشرائع، والفاضل المقداد فی التنقیح.(1)

وإلی الأوّل ذهب الشیخ فی المبسوط والخلاف، والحلی.(2) وهو أوفق بالأصل، مع عدم معلومیّة صلوح المعارض للمعارضة بناءً علی عدم وضوح دلیل علی ترتّب

الضمان علی الغارّ بمجرّد الغررو وإن لم یلحقه ضرر، کما فیما نحن فیه بمقتضی الفرض؛ لاستیفانه المنفعة فی مقابلة ما غرمه. والإجماع علی هذه الکلیة غیر ثابت بحیث یشمل نحو مفروض المسألة.

نعم ربما یتوجّه الرجوع حیث یتصوّر له الضرر بالغرور، کما إذا اُخذت منه قیمة المنافع أزید ممّا یبذله هو فی مقابلتها من غیر ملکه ونحو ذلک. وکیف کان الأحوط له عدم الرجوع مطلقا»(3).

اعترض الشیخ الأعظم علی سیّد الریاض

اعترض الشیخ الأعظم(4) علی سیّد الریاض

بأنّ قاعِدَتَی الغرور والضرر فی المقام موجودتان:

أمّا قاعدة الغرور فَلإتفاق الفقهاء علی کون المشتری مغرورا فی ما نحن فیه.

وأمّا قاعدة الضرر فلأنّ إتلاف مال الغیر مجانا بسبب تغریر شخص آخر بأن یقول له کُلْ فإنّه لی ثمّ انکشف أنّه للغیر وطلب ذلک الغیر ماله من الآکل وأخذ منه، یوجب عدّ هذا الآکل متضررا.

ص:224


1- 5 . الشرائع 2/8، التنقیح 4/75.
2- 6 . المبسوط 3/71، الخلاف 3/401، مسألة 23؛ والسرائر 2/325.
3- 1 . ریاض المسائل 14/47.
4- 2 . المکاسب 3/499.

فبالنتیجة رجوع المنفعة علی المشتری وَاسْتِیْفاؤُهُ إیّاها لا یمنع من جریان قاعدة الغرور.

اعتراض آخر من صاحب الجواهر علی سیّد الریاض

قال بعد نقل مقاله: «وإن کان ما ذکره لا یخلو من نظر، ضرورة عدم مدخلیة التضمین بقاعدة الغرور فی حصول الضرر وعدمه، بل هو من باب قوة السبب علی غیره ولو مباشرة.

نعم، إنّما المُتَّجِهُ ما ذکرناه من منع تحقّق الغرور الذی یترتب علیه الضمان، إذ المسلَّم منه ما یترتب علیه فعل الغیر علی فعله من حیث المجانیة ابتداءً کالإباحة والهبة والعاریة ونحوها، بخلاف ترتب فعل المشتری هنا علی زعم کونه مالکا الحاصل من وقوع عقد البیع مع البائع، خصوصا مع جهل البائع بالحال کالمشتری، فتأمل»(1).

وقد مرّ(2) قوله رحمه الله فی کتاب التجارة مِن «إمکان کون بناء قاعدة الغرر علی قوّة

السبب من المباشر»(3).

توضیح کلام صاحب الجواهر رحمه الله : قاعدة الغرور لیست مبنیّة علی قاعدة الضرر حتّی یقال أنّه لا ضرر هنا، فلا تجری قاعدة الغرور. بل هی مبنیّة علی قاعدة قوة السبب علی المباشر، والسبب [البائع هنا] أقوی من المباشر [المشتری هنا] فیرجع المشتری علی البائع بما اغترمه للمالک عوضا من منافع المبیع التی استوفاها، لأنّه وإن کان مباشرا علی الاستیفاء لکنّ البائع الذی هو السبب أقوی من المباشر [المشتری] فیرجع المشتری إلی البائع فی ضمان المنافع.(4)

ص:225


1- 3 . الجواهر 37/183.
2- 4 . راجع هذا المجلد صفحة 213.
3- 1 . الجواهر 23/485 (22/302).
4- 2 . هدی الطالب 5/538.
ردّ من الشیخ الأعظم علی اعتراض صاحب الجواهر علی سیّد الریاض

ردّ علیه أوّلاً(1): أنّ صاحب الریاض لا یدّعی ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة لا ضرر حتّی یقال بعدم جریان الأوّل فی المقام لعدم جریان الثانی لأنّ المشتری بنفسه استوفی المنافع فمن له الغنم له الغرم فهو المشتری بنفسه ضامن لما استوفاه وهذا لیس ضررا علیه، بل یدّعی أنّ إهمال مستند قاعدة الغرور _ أی النصوص الخاصة والإجماع _ یقتضی الاقتصار علی قدر المتیقن منهما وهو صورة الضرر لعدم دلالتهما صریحا علی ضمان البائع لجمیع ما اغترمه المشتری للمالک حتّی المنافع التی استوفاه المشتری.(2)

وثانیا(3): إنّ قوة السبب علی المباشر بنفسها لاتصلح لأن تکون دلیلاً علی الضمان «إلاّ إذا کان السبب بحیث استند التلف عرفا إلیه کما فی المکرَة»(4)، أو إذا أجّج النارَ فی جهة هبوب الریح العاصف فأطارتها الریحُ إلی أموال الناس فأحرقت النار بعض أموالهم فحینئذ الإحراق وإن کان فعل النار ولکنّه یُستند إلی المؤجِّج الذی هو السبب، أو إذا وُضع الدهنُ الجامدُ فی الشمس فذاب واُریق فإنّ الإذابة والإراقة وإن کانتا فعل الشمس لکنّهما تُستندان إلی الواضع.

«والمتجه فی مثل ذلک عدم الرجوع إلی المباشر أصلاً کما نُسب(5) إلی ظاهر

الأصحاب فی المکرَه لکون المباشر بمنزلة الآلة»(6).

وأمّا فی غیر هذه الموارد استقرار الضمان علی السبب وعدم استقراره علی المباشر فَیحتاج إلی دلیل وَهُوَ مفقود فی المقام.

فلابدّ فی رفع اهمال مستند قاعدة الغرور:

ص:226


1- 3 . المکاسب 3/499.
2- 4 . هدی الطالب 5/538.
3- 5 . المکاسب 3/500.
4- 6 . المکاسب 3/500.
5- 7 . الناسب هو صاحب الجواهر فی کتابه 37/57.
6- 1 . المکاسب 3/500.

[1] إمّا من الرجوع إلی قاعدة لا ضرر.

[2] أو الاجماع المدّعی فی الإیضاح(1) علی تقدیم السبب إذا کان أقوی.

[3] أو بالأخبار الواردة فی الموارد المتفرقة _ التی مرّت _ وإلغاء الخصوصیة منها.

[4] أو کون الغارّ سببا فی تغریم المغرور فکان کشاهد الزور فی ضمان ما یؤخذ بشهادته.

ثمّ بعد عدّ الوجوه الأربعة قال الشیخ الأعظم ما نصه: «ولا ریب فی ثبوت هذه الوجوه فیما نحن فیه أمّا الأخیر فواضح وأمّا الأوّل فقد عرفته، وأمّا [2] الإجماع و [3[ الأخبار فهما وإن لم یردا فی خصوص المسألة إلاّ أنّ تحقّقهما فی نظائر المسألة کافٍ، فإنّ رجوع آکل طعام الغیر إلی من غرّه بدعوی تملّکه وإباحته له مورد الإجماع ظاهرا(2) ورجوع المحکوم علیه إلی شاهدی الزور مورد الأخبار(3)، ولا یوجد فرق بینهما وبین ما نحن فیه أصلاً»(4).

فما ذکره صاحب الجواهر قدس سره من عدم جریان قاعدة الغرور فی ما نحن فیه غیر تام.

وثالثا: قاعدة الغرور تجری فی المقام کبریً فلا یتم ما ذکره سیّد الریاض(5) وصغریً فلا یتم ما ذکره صاحب الجواهر(6) «حیث عدل فی ردّ مستند المشهور [وهو قاعدة الغرور] عمّا فی الریاض من منع الکبری إلی منع الصغری»(7).

ص: 227


1- 2 . إیضاح الفوائد 2/191.
2- 3 . راجع تذکرة الفقهاء 19/188، ومفتاح الکرامة 18/101.
3- 4 . راجع: وسائل الشیعة 27/329، ح3، 27/332، ح 1 و 2 کما مرّت هذه الروایات الثلاثة وغیرها فی بحث نصوص قاعدة الغرور.
4- 5 . المکاسب 3/500 و 501.
5- 6 . ریاض المسائل 14/47.
6- 7 . الجواهر 37/183.
7- 8 . المکاسب 3/501.

وأمّا جریانها صغریً فی المقام فلأنّ «مفهوم الغرور وإن کان غیر منقّح لعدم وضوح دلیله إلاّ أنّ المتیقن من مفهومه هو إتلاف المغرور مال الغیر لا بعنوان أنّه مال الغیر، بل بعنوان مال نفسه أو بعنوان مَن أباح له الإتلاف فلا یکون [المغرور] قاصدا لإتلاف مال الغیر»(1). «فیشبه المکرَه فی عدم القصد»(2).

وجه الشبه: أنّ المکرَه یکون کالآلة للمکرِه من جهة الإکراه والإجبار فلایستقل فی قصد عنوان التصرف أو إتلاف مال الغیر، وکذلک المغرور فإنّه وإن کان مختارا فی فعله ومستقّلاً فی أصل القصد ولکنّه لجهله بالحال لا یقصد عنوان التصرف أو إتلاف مال الغیر، وإنّما مقصوده التصرف فی مال نفسه وهو المبیع.(3) فهو مغرور وتجری فی تضمینه قاعدة الغرور ویرجع إلی الغارّ الذی هو هنا البائع الفضولی، هذا.

مقال الأعلام الثَّلاثة فی میزان النقد

أمّا ما ذکره سیّد الریاض(4) قدس سره من ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة لا ضرر کما فهمه صاحب الجواهر رحمه الله أو بقاعدة لا ضرر یرفع الإهمال من مستند قاعدة الغرور کما فهمه الشیخ الأعظم رحمه الله فغیر تام، أمّا الأوّل فَلِما مرّ منّا من عدم جریان قاعدة لا ضرر فی المقام للوجهین الماضین(5) فکیف یمکن ابتناء قاعدة الغرور علیها، وأمّا الثانی فالإهمال فی قاعدة الغرور موجود کما ذکره الشیخ الأعظم ولکن کیف یمکن رفعه بقاعدة لا ضرر مع عدم جریانها فی المقام کما مرّ ومع أنّ فی أغلب فروض قاعدة الغرور الضرر موجود فلیس هذه بقدر المتیقن منها کما ادعاه الشیخ الأعظم رحمه الله .

وأمّا ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره من أنّ قاعدة الغرور مبنیّةٌ علی قاعدة قوة السبب

ص:228


1- 1 . هدی الطالب 5/549.
2- 2 . المکاسب 3/501.
3- 3 . راجع حاشیة المکاسب للمحقّق الأصفهانی 2/306.
4- 4 . ریاض المسائل 14/47.
5- 5 . راجع هذا المجلد صفحة 214.

علی المباشر فأیضا غیر تام لما مرّ(1) من عدم جریان قاعدة قوة السبب علی المباشر فی المقام فکیف یمکن ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة لا تجری فی المقام؟!

نعم، لو ضمنا ما ذکره صاحب الجواهر فی کتاب الغصب(2) بما ذکره فی کتاب

التجارة(3) وقلنا بأنّ النتیجة تابعة لأخص المقدمات فیرجع کلامه إلی إمکان ابتناء قاعدة الغرور علی قاعدة قوة السبب علی المباشر ومن المعلوم أنّ الإمکان غیر الابتناء فی نفس الأمر، فافهم.

مضافا إلی تضمین الولی المدلِّس المهر فی النکاح الذی دخل بها الزوج کما فی النصوص الماضیة کیف یجمع مع قاعدة قوة السبب علی المباشر؟!

وأمّا ما ذکره الشیخ الأعظم(4) قدس سره من إهمال مستند قاعدة الغرور فتام ولکن لا أدری کیف یتمکن هو رحمه الله من رفع هذا الإهمال بقاعدة لا ضرر التی لا تجری فی موارد قاعدة الغرور أو بالإجماع المنقول الذی لیس بحجة ویحتمل فیه انّه مدرکیٌّ کما مرّ(5)؟!

ولم یذکر قدس سره وجه رفع الإهمال بالوجه الثالث الذی ذکره وهو الأخبار الواردة فی الموارد المختلفة وإلغاء الخصوصیة منها وإذا بلغ النوبة بها فی کلامه انتقل إلی الوجه الرابع والشاهد الزور فکانّه ذکر رفع الإهمال بشاهد الزور مرّتین تارة فی أوّل کلامه بأنّه واضح واُخری فی آخر کلامه من قوله: «رجوع المحکوم علیه إلی شاهدی الزور مورد الأخبار»(6).

ومن المعلوم أنّ ما ذکره من الوجه الثالث والرابع هما بعینهما الروایات الواردة

ص:229


1- 6 . راجع هذا المجلد صفحة 214.
2- 7 . الجواهر 37/183.
3- 1 . الجواهر 23/485 (22/302).
4- 2 . المکاسب 3/499.
5- 3 . راجع هذا المجلد صفحة 222.
6- 4 . المکاسب 3/501.

حول قاعدة الغرور والنصوص المستفادة منها قاعدة الغرور(1) فکیف یرید الشیخ الأعظم رفع إهمال هذه الروایات بأنفسها؟!

نعم، الإهمال موجود فی روایات قاعدة الغرور ولایمکن إلغاء الخصوصیة منها وَتَسْرِیَتُها إلی جمیع موارد الغرور اللغوی أو العرفی، وقد مرّ(2) منّا بأنّا نرفع هذا الإهمال بعمل الأصحاب ونجری قاعدة الغرور فی ما أجراها أصحابنا _ قدس اللّه أسرارهم _ فی کتب البیع والغصب والنکاح والشهادات، وفی کل مورد ومسألة تمسک الأصحاب بها، وهذا ما عندنا فی نقد مقال الأعلام الثَّلاثة إجمالاً وحلّ إشکال الإهمال فی مستند قاعدة

الغرور والحمد للّه.

الرابع: موثقة جمیل الماضیة
اشارة

(3)

استدلّ بها جدی الشیخ جعفر رحمه الله وقال: «وفی خبر جمیل دلالة علیه»(4).

وتبعه تلامیذه أصحاب مفتاح الکرامة(5) وکشف الظلام(6) والجواهر(7)، قال فی الأخیر: «وفی شرح الأُستاذ أنّ فی خبر جمیل دلالة علیه».

قال الشیخ الأعظم: «بناءً علی أنّ حریّة الولد منفعة راجعة إلی المشتری وهو الذی ذکره المحقّق احتمالاً فی الشرائع(8) فی باب الغصب بناءً علی تفسیر المسالک(9) وفیه تأمل»(10).

ص:230


1- 5 . مرّت فی هذا المجلد صفحة 207 وما بعدها.
2- 6 . راجع هذا المجلد صفحة 206.
3- 1 . وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید والإماء.
4- 2 . شرح القواعد 2/102.
5- 3 . مفتاح الکرامة 12/634.
6- 4 . کشف الظلام، مخطوط، نقل عنه فی هدی الطالب 5/553.
7- 5 . الجواهر 23/485 (22/301).
8- 6 . الشرائع 3/195.
9- 7 . المسالک 12/228.
10- 8 . المکاسب 3/501.

أقول: تأمّل الشیخ الأعظم فی دلالة موثقة جمیل لأنّه(1) یری الولد نماءً للجاریة ولکنّه لم یستوفه المشتری فلا تدل الموثقة علی القسم الثانی وهو المنافع المستوفاة.

والعجب من المحقّق المُرَوِّجِ(2) رحمه الله تبعا للفاضل المامقانی(3) _ فی احتماله الأوّل _ حیث احْتَمَلَ رجوع تأمل الشیخ الأعظم تارة إلی ما احْتَمَلَهُ صاحب المسالک(4) واُخری إلی ما احتمله صاحب الجواهر(5) فی قول المحقّق «وفیه احتمال آخر»(6).

ووجه التعجب واضح لانّ الشیخ الأعظم لم یذکر مقالة صاحب الجواهر أصلاً فکیف یمکن رجوع التأمل إلیها ولأنّ المحقّق قال فی غصب الشرائع: «... وما یغترمه

المشتری ممّا لم یحصل له فی مقابلته نفعٌ کالنفقة والعمارة فله الرجوع به علی البائع، ولو اولدها المشتری کان حرّا وغُرم قیمة الولد ویَرْجِعُ بها علی البائع، وقیل فی هذه: له مطالبة أیّهما شاء. لکن لو طالب المشتری رجع علی البائع. ولو طالب البائع لم یرجع علی المشتری وفیه احتمال آخر. وأمّا ما حصل للمشتری فی مقابلته نفع...»(7).

قال الشهید الثانی فی ذکر احتمال آخر: «ویحتمل إلحاق عوض الولد بما حصل له فی مقابلته نفع کالمهر لأنّ نفع حرّیّة الولد یعود إلیه. وهذا هو الاحتمال الذی أشار إلیه فیجری فیه الوجهان إلاّ أنّ الأشهر الأوّل»(8).

وقال صاحب الجواهر فی ذیل احتمال آخر: «ویمکن أن یرید به احتمال عدم

ص:231


1- 9 . راجع المکاسب 3/181.
2- 10 . هدی الطالب 5/555.
3- 11 . غایة الآمال 6/252 طبع النجف الأشرف بتحقیق آیة اللّه الشیخ محمّدامین المامقانی _ مدظله _.
4- 12 . المسالک 12/228.
5- 13 . الجواهر 37/182.
6- 14 . الشرائع 3/195.
7- 1 . الشرائع 3/195.
8- 2 . المسالک 12/228.

التخییر بل یتعیّن رجوع المالک ابتداءً علی البائع بناءً علی کونه الغار نحو ما سمعته فیمن قدّم إلی غیره طعام الغیر وأکله، والأمر سهل خصوصا بعد ما عرفت من أنّ الأصح فی تلک التخییر»(1).

أقول: الظاهر أنّ تأمل الشیخ الأعظم(2) کما یمکن أن یرجع إلی احتمال المسالک، یمکن أن یرجع إلی أصل دلالة مُوَثَّقةِ جمیل علی المنافع الْمُسْتَوْفاةِ لأنّه یری الولد نماءً للجاریة لم یستوفه المشتری(3)، ولکنّ قد مرّ(4) منّا صدق المنفعة علیه حقیقةً وَعُرْفا مضافا إلی تعبیر الإمام علیه السلام فی خبر زرارة بأنّه منفعة حیث قال علیه السلام : ... یردّ إلیه جاریته ویعوّضه بما أنتفع.(5) فدلالة موثقة جمیل علی تضمین البائع الفضولی، المنافع المستوفاة مع توسط المشتری تامَّةٌ کما علیه الأعلام الأربعة الْماضُوْن.

ومن هنا ظهر أنّ المشتری یرجع إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی المنافع التی استوفاه والدلیل علیه قاعدة الغرور وموثقة جمیل والحمد للّه الجلیل الدلیل.

تنبیه: تفصیل من السیّد الخوئی رحمه الله فی المقام

ممّا ذکرنا من رجوع المشتری إلی البائع الفضولی فی المنافع التی لَمْ یَسْتَوْفِها

والتی استوفاها یظهر عدم تمامیة تفصیل السیّد الخوئی قدس سره وتبعیة شیخنا الأُستاذ(6) رحمه الله له.

قال المحقّق السیّد الخوئی: «المنافع التی یرجع المالک فیها إلی المشتری یمکن أن تکون علی قسمین: لأنّها تارة تکون ممّا استولی علیها البائع أیضا یتبع استیلاؤه علی العین کسکنی الدار مثلاً فإنّ حیثیة السکنی من منافع الدار التابعة لها فی الملکیة والاستیلاء، فلیستولی علیها بالاستیلاء علی عین الدار فإذا فرضنا استیلاء البائع علی

ص:232


1- 3 . الجواهر 37/182.
2- 4 . المکاسب 3/501.
3- 5 . المکاسب 3/181.
4- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/301.
5- 7 . وسائل الشیعة 21/204، ح2.
6- 1 . إرشاد الطالب 4/124 و 125.

الدار أوّلاً ثمّ باعها علی المشتری فقد استولی البائع أیضا علی تلک المنفعة.

واُخری لایکون کذلک ولم تدخل تحت استیلاء البائع أصلاً کالمنافع العینیة التی تجددت للعین بعد دخولها تحت ید المشتری ولم تکن موجودة حین استیلاء البائع علیها کالثمرة واللبن ونحوهما، فإنّ البائع لم یستول علیها ولم یضمنها.

(أما القسم الثانی) فلیس للمالک الرجوع فیه إلی البائع أصلاً، لعدم دخول تلک المنافع تحت یده لیکون ضامنا له کما أنّه لیس بمتلف لها، فإذا رجع بها المالک إلی المشتری لیس له الرجوع إلی البائع لعدم الدلیل علی ما عرفت.

وأما القسم الأوّل فللمالک أن یرجع إلی کلٍّ من البائع والمشتری، لأنّ کلاً منهما ضامن لها، فیقع الکلام فی انه إذا رجع إلی البائع فهل له الرجوع إلی المشتری، أو إذا رجع إلی المشتری فهل للمشتری أن یرجع إلی البائع أو لیس له ذلک؟

فنقول: سیأتی إن شاء اللّه تعالی فی باب تعاقب الأیادی تصویر ضمان أشخاص عدیدة لمال واحد إمّا بنحو الواجب الکفائی وإمّا بنحو اشتغال ذمة الجمیع وسرّ الضمان أنَّ الوجه فی رجوع السابق إلی اللاحق بعد ما رجع إلیه المالک هو أن الغاصب أو مَنْ بحُکْمِهِ یملک المال بقاءً بعد أداء مثله أو قیمته بالسیرة العقلائیة وتسالم الأصحاب، ولذا لو فرضنا أن أحدا أتلف زولیة مِنْ غیره أو تلف تحت یده فأخذ منه المالک قیمته لیس له أن یطالبه بالأجزاء الصغار الباقیة منها، خلافا؛ للمصنف [الشیخ الأعظم] حیث اختار جواز رجوعه إلیه، فمقتضی ذلک جواز رجوع البائع إلی المشتری إن رجع إلیه المالک، إلاّ أنّ فی المقام خصوصیة، وهی أنّه إذا قَدَّمَ أحد طعام نفسه الذی هو ملکه حدوثا واقعا بعنوان أنّه له لیأکله مع اعتقاده أنّه لیس له فأکله وبعد ذلک علم أنّه کان ملکا له واقعا لیس له الرجوع إلی الآکل ببدله، وهذا موافق للسیرة ومورد تسالم الفقهاء أیضا. وأمّا عکسه _

أی إذا قَدَّمَ مال الآکل واقعا إلیه بعنوان أنّه ملْکٌ له لا للآکل کما إذا ذبح شاة الغیر وقَدَّمَها إلیه بعنوان أنّه لا للآکل فأکلها الآکل إذا علم بذلک أن یرجع إلی المقدِّم، وهذا أیضا موافق للسیرة ومورد للتسالم. ولا فرق فی کلا الموردین بین الملک حدوثا وبقاءً.

وعلیه ففیما نحن فیه إذا رجع المالک إلی البائع فَلَیْسَ له الرجوع إلی المشتری،

ص:233

لأنّه مِن قبیل مَنْ قدَّم ملک نفسه حدوثا إلی غیره لیأکله بعنوان أنّه ملکه مع اعتقاده بأنه لیس له، بل لا فرق بینهما إلاّ فی کون المال ملکا له حدوثا فی الفرض وبقاءً فیما نحن فیه، وقد عرفت أنّه لا یوجب فرقا من حیث الضمان وعدمه وأمّا إذا رجع المالک إلی المشتری فله أن یرجع إلی البائع لأنّه قدَّم إلیه مال نفسه بقاءً بعنوان أنّه له فیکون ضامنا له، کما کان ضامنا فی فرض کونه مالاً له حدوثا فالصحیح فی المقام هو التفصیل کما ذکرنا.

وممّا بیّناه ظهر الحال فی المنافع المستوفاة أیضا، فإنّ فی مورد رجوع المشتری إلی البائع فی المنافع غیر المستوفاة یکون الرجوع إلیه فی المستوفاة ثابتا بالأولویة وفی مورد عدم رجوعه إلیه لا یفرّق بین المستوفاة وغیره کما هو ظاهر»(1).

القسم الثالث (أ): الغرامة التی یَغْتَرِمُها المشتری فی قبال العین

اشارة

الغرامة التی یَغْتَرِمُها المشتری للمالک فی مقابل العین کزیادة القیمة علی الثمن إذا رجع المالک بها علی المشتری نحو: لو باع الفضولی ما یقدّم بالعشرین بالعشرة، فتلف المال فی ید المشتری وأخذ المالک القیمة أی العشرین من المشتری فحینئذ المشتری لا یرجع إلی البائع بالعشرة الأُولی التی أعطاها فی الثمن المسمی لأنّها غرامة تقتضیها المعاوضة والمعاملة التی أقدم المشتری علیها ولا تستند إلی البائع الفضولی فلا یتحمّلها، ولکن العشرة الثانیة الزائدة علی الثمن المسمی فهی تنشأ من کذب البائع لأنّه غارٌّ بالنسبة إلیها والمشتری مغرور فیرجع المشتری إلیه هذا هو مختار الشیخ الأعظم(2) ثمّ تعرّض لإشکال ودفعه، قبل ذلک أذکر لک خلاف الأعلام فی المقام.

قال العلاّمة فی غصب القواعد: «ویغرّم [المشتری] قیمة العین إذا تلف ولایرجع»(3).

وقال السیّد العاملی فی ذیله: «أی وإن کان جاهلاً لأنّه إنّما دخل علی کونها

مضمونة فلا غرور بالنسبة إلیها مع جهله. وقال فی جامع المقاصد: «هذا إنّما یستقیم

ص:234


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/(485-483).
2- 2 . المکاسب 3/502.
3- 3 . قواعد الأحکام 2/237.

بالنسبة إلی ما قابل الثمن فلو زادت العین علی الثمن فالأصح رجوعه بالزائد لدخوله علی أنّه فی حکم ما لا عوض له فیتحقّق الغرور»(1).

قلت: وهو خیرة ولده فی شرح الإرشاد(2) والشهیدین(3) وغیرهم(4) فی باب البیع.

وقد استشکل هو [العلاّمة(5)] فیه فی موضع من باب البیع وولده فی الإیضاح(6) وفی التذکرة(7) فی الباب. وقد یلوح أو یظهر منه القول بالرجوع. وجزم فی موضع آخر من باب البیع بالعدم کما هو ظاهره هنا کما بیّنّاه فی باب البیع الفضولی والقسم الرابع من أقسام البیع المحظور من المکاسب وغیرهما»(8).

إشکال فی ضمان البائع بالنسبة إلی الزائد علی الثمن المسمی
اشارة

أصل الإشکال من العلاّمة الحلّی فی بعض کتبه وتبعه ولده فی الإیضاح(9) وأنقل لک کلامه قدس سره حتّی یتبیّن الإشکال.

قال: «إذا تلفت العین المغصوبة عند المشتری، ضمن قیمتها أکثر ما کانت من یوم القبض إلی یوم التلف، ولا یضمن الزیادة التی کانت فی ید الغاصب إن کانت فی یده أکثر قیمةً، ولا یرجع بما یضمنه، عالما کان أو جاهلاً؛ لأنّ الشراء عقد ضمانٍ، وقد شرع فیه علی أن تکون العین من ضمانه وإن کان الشراء صحیحا.

ولقائلٍ أن یقول: إن کان المراد من کونه عقدَ ضمانٍ أنّه إذا تلف المبیع عنده تلف

ص:235


1- 1 . جامع المقاصد 6/320.
2- 2 . شرح الإرشاد، مخطوط.
3- 3 . الدروس 3/193، المسالک 3/161.
4- 4 . کالمحقّق الثانی فی جامع المقاصد 4/71.
5- 5 . إرشاد الاذهان 1/361.
6- 6 . إیضاح الفوائد 2/191.
7- 7 . تذکرة الفقهاء 19/335، مسألة 1125.
8- 8 . مفتاح الکرامة 18/340.
9- 9 . إیضاح الفوائد 2/191.

من ماله، ویستقرّ علیه الثمن، فهذا صحیح، لکن لم یکن شارعا فیه علی أن یضمن القیمة، ومعلومٌ أنّه لو لم یکن المبیع مغصوبا لم یلزمه شیء بالتلف، فکان الغاصب مُغرّرا مُوقعا إیّاه فی خطر الضمان، فلیرجع علیه.

وإن کان المراد غیره، فلِمَ قلتم: إنّ الشراء عقد ضمانٍ علی تفسیرٍ آخَر؟

وربما انساق هذا الإشکال إلی ما حکی عن بعض الشافعیّة: أنّه یرجع من المغروم بمازاد علی قدر الثمن، سواء اشتراه رخیصا فی الابتداء [أم] زادت القیمة بعد الشراء، فإنّه إذا رجع بما زاد علی الثمن واستردّ الثمن لم یلحقه ضرر»(1).

وقد ورد هذا البیان فی کلام ثانی الشهیدین حیث یقول: «ثمّ إن کان عوض العین بقدر الثمن فذلک. وإن کان أزید ففی رجوعه علی الغاصب بالزیادة عن الثمن وجهان، من أن الشراء عقد ضمان وقد شرع فیه علی أن یکون العین من ضمانه وإن کان الشراء صحیحا، ومن دخوله علی أن یکون المجموع فی مقابلة الثمن، وهو یقتضی کون الزائد علیه فی معنی التبرّع به وإعطائه إیّاه بغیر عوض، فإذا أخذ منه عوضه رجع به.

وهذا قویّ. ولا یمنع من ذلک کون البیع عقد ضمان، لأنه إن کان المراد من کونه عقد ضمان أنه إذا تلف المبیع عنده تلف من ماله واستقرّ علیه الثمن فهذا مسلّم، ولکن لم یکن شارعا فیه علی أن یضمن القیمة، ومعلوم أنه لو لم یکن المبیع مغصوبا لم یلزمه شیء بالتلف، غایته أن یکون ما قابل الثمن من المبیع مأخوذا بعوضه والباقی سالم(2) له بغیر عوض، فکان الغاصب مغرّرا موقعا إیّاه فی خطر الضمان فلیرجع علیه. وإن کان المراد غیره فلم قلتم: إن الشراء عقد ضمان مطلقا؟

وحینئذٍ، فإن رجع المالک علی المشتری جاهلاً بعوض المبیع لم یرجع به علی الغاصب البائع إن لم تزد قیمته عن الثمن. وإن رجع به علی الغاصب رجع به علی

المشتری. وإن رجع بالزیادة علی المشتری رجع بها علی الغاصب. وإن رجع بها علی

ص:236


1- 1 . تذکرة الفقهاء 19/335 و 336، مسألة 1125.
2- 2 . فی نسخة: سالما.

الغاصب لم یرجع بها علی المشتری»(1).

أقول: أنت تری بأنّ ما ذکره العلاّمة قدس سره بعنوان «لقائل أن یقول» یراه الشهید الثانی رحمه الله هو الأقوی ونقله صاحب الجواهر _ طاب ثراه _ بتمامه فی کتابه.(2)

وحاصل الإشکال: إنّ المشتری أقدم علی ضمان العین التالفة بالثمن المسمی ولکن حیث لم یمض الشارع البیع للفضولیة وعدم قبول المالک أو للغصبیة انتقل الضمان من الثمن المسمی إلی ثَمَنِ المِثْل والقیمة السوقیة کما هو شأن کلّ معاملة فاسدة. ومع

اقدام المشتری علی الضمان المعاملی لا تتحقّق قاعدة الغرور فلا یمکن رجوع المشتری إلی البائع بالثمن الزائد علی الثمن المسمی.

وقد أجاب الشیخ الأعظم عن هذا الاشکال بِأَنَّ:

وقد أجاب الشیخ الأعظم(3) عن هذا الاشکال بِأَنَّ:

قبض المشتری فی البیع الفاسد یقتضی انتقال الضمان المعاملی من الثمن المُسَمّی إلی ثمن المثل والقیمة السوقیة والانتقال یتحقّق إذا لم یکن مانع فی البین والمانع موجود هنا وهو إقدام المشتری علی الثمن المسمی فقط دون الزائد علیه وبالنسبة إلی مازاد علیه، المشتری مغرور یرجع إلی البائع الغارّ بمقتضی قاعدة الغرور.

لا یقال: المشتری بنفسه أقدم علی الضمان المعاوضی، فهذا الاقدام یستلزم أنّ قیمة العین التالفة علیه بما فیها الزائد علی الثمن المسمی.

لأنّا نقول: المشتری أقدم علی البیع بالثمن المسمی فقط لأنّه جاهل بالفضولیة أو الغصبیة علی الفرض، فلم یقدم علی ضمان قیمة العین التالفة بما فیها الزائد، فهذا الزائد لم یستقر علیه، بل بقاعدة الغرور یستقر علی البائع الفضولی أو الغاصب.

وبعبارة أُخری: الموجِب للضمان هنا هو جعل المشتری یده علی العین وتلفها فی یده فهو ضامن لقیمتها بالقیمة السوقیة بما فیها الزائد ولکنّه بالنسبة إلی الزائد مغرور فیرجع إلی غارّه البائع.

ص:237


1- 3 . المسالک 12/225.
2- 4 . الجواهر 37/179.
3- 1 . راجع المکاسب 3/503.

مُضافا إلی أنّ جریان قاعدة الغرور هنا اُولی من جریانها فی القسم الثانی وهو المنافع المستوفاة توسط المشتری، إذ مع فرض جریانها فی المنافع المستوفاة فبطریق أُولی تجری هنا حیث لم یصل إلی المشتری فی مقابل الغرامة نفع إلی المشتری. «هذا إذا کانت الزیادة موجودة وقت العقد»(1).

وإذا تجددت الزیادة بعد العقد بحیث ترتفع القیمة السوقیة بعد العقد فالحکم برجوع المشتری بالنسبة إلیها إلی البائع الفضولی والغاصب أُولی من الزیادة الموجودة حتّی العقد لأنّ إقدام المشتری یکون علی الثمن المسمی الذی یساوی الثمن المثل حین العقد فقط ولم یقدم علی الزائد فیکون مغرورا بالنسبة إلیها فیرجع إلی غارّه البائع.

ثمّ لا ینقضی تعجبی من المحقّق السیّد الخوئی قدس سره حیث لا یری قاعدة الغرور تامَّةً ویعمل بالروایات الخاصة من باب النص والتعبد وقال: «ولا یمکن التعدی عنها»(2) أو

قال: «إنّ قاعدة الغرور ممّا لا أساس له»(3)، فکیف یعمل بقاعدة الغرور فی المقام وقال: «والحاصل: إنّ مقتضی القاعدة عدم رجوع المشتری إلی البائع فیما یرجع إلیه المالک مطلقا، لأنّ التلف یکون تحت یده فیکون وَلد الضمان علیه، إلاّ إنّا خرجنا عن ذلک بالسیرة فیما إذا کان فی غیر الثمن المسمی فیما إذا کان البائع غارا للمشتری»(4). فیری البائع غارا للمشتری فیجری قاعدة الغرور.

وأصرح منه کلامه الآخر: «ثمّ لا یخفی أنّ ما ذکرناه سابقا من أنّ المشتری یرجع علی البائع فی موارد الغرور بخلاف البائع فإنّه لا یرجع علی المشتری لأنّه قد غرّه وأتلف المال علیه إنّما هو فیما إذا کانت الغرامة المتوجهة إلی المشتری مستندة إلی إغراء البائع إیّاه وکذبه فی دعوی المالکیة...»(5). وسبحان من لا یسهو.

ص:238


1- 2 . المکاسب 3/503.
2- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/482.
3- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/95.
4- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/487.
5- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/97.

القسم الثالث (ب): ما یغرمه المشتری فی قبال الجزء التالف

یظهر حکم الجزء أو الأجزاء التالفة ممّا ذکرناه وأنّ المالک یسترجع ما بقی من عین ماله وفی الأجزاء التالفة رجع بقیمتها علی المشتری الذی تلفت الأجزاء عنده، والمشتری یرجع إلی البائع الفضولی أو الغاصب فی الزائد من الثمن المسمی الذی یقابلها، لأنّه مغرور و البائع غارّ. هذا کلّه إذا کان الجزء ممّا یقسّط علیه الثمن کما بیع کتابین تلف أحدهما.

وأمّا إذا کان الجزء ممّا لا یقسّط علیه الثمن «فحکمه حکم الوصف، حیث یعدّ المبیع مع تلف ذلک الجزء معیوبا، ویکون فی الوصف قرار الضمان مع الغرور علی البائع [کما یأتی آنفا] لأنّ کلاًّ من البائع والمشتری ضامن للوصف بضمان الید، ویکون غروره موجبا لقراره علی البائع من غیر أن یکون من المشتری إقدامٌ علی ضمان الوصف بمقدار من الثمن کما لا یخفی»(1).

ولذا قال الشیخ الأعظم: «وأمّا ما یغرمه [المشتری] بإزاء أجزائه [أی المبیع[ التالفة فالظاهر أنّ حکمه حکم المجموع فی أنّه [أی المشتری] یرجع فی الزائد علی ما

یقابل ذلک الجزء [أی فی الزائد علی الثمن المسمی]، لا فیما یقابله»(2).

أی ما یقابل الزائد علی الثمن المسمی مع الثمن المسمی = کلّ ثمن الجزء التالف.

القسم الثالث (ج): ما یغرمه المشتری فی قبال تلف الوصف

اشارة

وأمّا الأوصاف التالفة فقد فصّل الشیخ الأعظم(3) رحمه الله بین ما إذا کان الوصف ممّا یقسّط علیه الثمن _ کوصف الصحة _ یثبت له حکم الجزء التالف فیتدارک الوصف الفائت باسترداد ما قابله من الثمن.

وإن کان الوصف ممّا لایقسّط علیه الثمن رجع المشتری بغرامته إلی البائع، لأنّ المشتری لم یقدم علی ضمان الاُوصاف حتّی لا یرجع بغرامته إلی البائع.

ص:239


1- 4 . إرشاد الطالب 4/129.
2- 1 . المکاسب 3/503.
3- 2 . المکاسب 3/504.

واعترض المحقّق النائینی علی هذا التفصیل وقال: «ولکن الحقّ أنّ الأوصاف مطلقا لا یقسّط علیها الثمن کالشروط، ولا ینافی ذلک ما یقال: إنّ للوصف أو الشرط قسطا من الثمن، لأنّ معناه: أنّ قیمة العین تزداد بالوصف أو الشرط، لا أنّ مقدارا من الثمن فی الإنشاء العقدی یقابل الوصف أو الشرط. وهذا لا ینافی ثبوت الخیار بین الردّ والأرش فی العیب لما سیجیء فی باب العیب: أنّ الأرش ثابت بالتعبد لا من باب أنّ الثمن یقسّط علی الوصف والموصوف، وإلاّ وجب أن یکون الأرش من نفس الثمن»(1).

وأضاف تلمیذه السیّد الخوئی: «ومن أجل ذلک إذا کانت العین معیبة ولم یَعْلَمْ بها المشتری إلی آخر الأبد لا یجب علی البائع دفع قیمة العیب والأرش وإنّما یجب عند المطالبة، والأرش إنّما یثبت بدلیل آخر عند المطالبة کما عرفت»(2).

وتبعهما شیخنا الأُستاذ قدس سره .(3)

حکم ما یغترمه المشتری فیما إذا کان البیع فاسدا من غیر جهة الفضولیة
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم(4) إلی أنّ مورد رجوع المشتری إلی البائع بالغرامات هو البیع الذی یکون فساده من ناحیة عدم مالکیة البائع للمبیع من جهة الفضولیة أو الغصبیة، وَمِنْ هاتَیْنِ الْجِهَتَیْنِ یتحقّق الغرور فیرجع المشتری المغرور إلی البائع الغار.

وأمّا إذا کان البیع فاسدا من جهة أُخری کربویة المعاملة أو غرریة البیع أو مجهولیة المبیع ونحوها فلا یرجع المشتری فی الغرامات إلی البائع لعدم تسببها إلی البائع وإلی کذب دعواه فی المالکیة بل الغرامات تسبب عن بطلان المعاملة لتلک الجهة الاُخری وید المشتری العادیة التی لم تنشأ من سبب صحیح شرعی فلا یتم رجوع المشتری إلی البائع.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «... فلو فرضنا البائع صادقا فی دعواه لم تزل الغرامة، غایة الأمر کون المغروم له هو البائع علی تقدیر الصدق، والمالک علی تقدیر کذبه،

ص:240


1- 3 . منیة الطالب 2/178.
2- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/97.
3- 5 . إرشاد الطالب 4/130.
4- 6 . المکاسب 3/504.

فحکمه حکم نفس الثمن فی التزام المشتری به علی تقدیری صدق البائع وکذبه»(1).

قاعدة کلّیّة: فی رجوع المشتری إلی البائع الفضول أو الغاصب
اشارة

کلّ ما یغترمه المشتری للمالک، یرجع المشتری به إلی البائع لقاعدة الغرور، ویستقر الضمان علی البائع.

وأمّا فی هذه الموارد فَإنَّهُ إذا رجع المالک إلی البائع لم یرجع البائع إلی المشتری لأنّه مغرور والبائع غار والضمان یستقر علی الغار.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «أنّ کل ما یرجع المشتری به علی البائع إذا رُجع علیه، فلا یرجع البائع به علی المشتری إذا رُجع علیه لأنّ المفروض قرار الضمان علی البائع»(2).

وأمّا إذا تلف المبیع فی ید المشتری فقد مرّ أنّه ضمان لقیمته بالثمن المسمی ثمّ إذا رجع المالک إلی البائع وتکون القیمة السوقیة أکثر من الثمن المسمی یأخذ القیمة للسوقیة من المالک والمالک یرجع بالثمن المسمی إلی المشتری لأنّ المبیع فی یده، ولذا قال الشیخ الأعظم: «وأمّا ما لا یرجع المشتری به علی البائع _ کمساوی الثمن من القیمة [الثمن المسمی] فیرجع البائع به علی المشتری إذا غرمه للمالک، والوجه فی ذلک حصول التلف فی یده»(3).

إشکال من الشیخ الأعظم علی نفسه

ثمّ أورد علی نفسه(4) بأنّ علّة الضمان وهی الید العدوانیة مشترکة بین البائع

والمشتری ولذا یجوز رجوع المالک إلی أیّهما شاء ولکن «حصول التلف فی ید المشتری لا دلیل علی کونه سببا لرجوع البائع علیه، نعم لو أتلف بفعله رجع، لکونه [إتلاف

ص:241


1- 1 . المکاسب 3/504.
2- 2 . المکاسب 3/504.
3- 3 . المکاسب 3/505.
4- 4 . المکاسب 3/505.

المشتری] سببا لتنجّز الضمان علی السابق»(1). وهو البائع.

وبعبارة أُخری: الإشکال یفرّق بین إتلاف المشتری المبیع وتلفه فی یده، فذهب فی الأوّل إلی أنّ الإتلاف یوجب رجوع البائع فی الثمن المسمی إلی المشتری المتلف والإتلاف سبب لفعلیة الضمان علی البائع، لأنّ المشتری لو لم یتلفه یمکن رجوع العین إلی مالکها ولکن بعد الإتلاف ذمّة البائع مشغولة بالقیمة السوقیة وذمة المشتری بالثمن المسمی کما مرّ.

وأمّا الثانی وهو التلف فی ید المشتری فلا یوجب رجوع البائع إلی المشتری، لأنّه لیس بمتلِفٍ بل العین تلفت فی یده من باب الاتفاق فلا یستقر الضمان علیه لخروجه من قاعدة من أتلف مال الغیر فهو له ضامن لأنّ المشتری حینئذ لیس بمتلفٍ.

ثمّ تعرّض الشیخ الأعظم لحلّ هذا الاشکال إلی بحث مُهِمٍّ ولذا قال: «توضیح ذلک یحتاج إلی الکشف من کیفیة اشتغال ذمّة کلّ من الیدین ببدل التالف وصیرورته فی عهدة کل منهما مع أنّ الشی ء الواحد لا یقبل الاستقرار إلاّ فی ذمّة واحدة وأنّ الموصول فی قوله علیه السلام : «علی الید ما أخذت» شی ء واحد، کیف یکون علی کل واحدة من الأیادی المتعددة؟»(2).

ومن هذه الجهة تعرض لبحث تعاقب الأیدی(3).

ص:242


1- 1 . المکاسب 3/505.
2- 2 . المکاسب 3/505.
3- 3 . أکثر من تُطلق الأیادی علی النِّعم وقد تستعمل قلیلاً جمعا للید وقد تأتی قلیلاً جَمْعُ الجمع. أما جمع الید الذی لا غبار علیه فهو الأیدی.

وَصْلٌ: تعاقب الأیدی

اشارة

ص:243

اشارة

ص: 244

تعاقب الأیدی

اشارة

فی هذا البحث مشکلة مُهِمَّةٌ لابدّ من حلّها، وهی:

المشکلة: کیف یعقل ضمان أشخاص لمال واحد بالاستقلال فی آنٍ واحد

اشارة

المشکلة: کیف یعقل ضمان أشخاص لمال واحد بالاستقلال فی آنٍ واحد بحیث تکون عهدة کلٍّ منهم ظرفا للمال والمال فی ذمة کلٍّ منهم علی نحو التکالیف الاستقلالیة؟ مع إنّا نعلم بأنّ الذمّة والعهدة فی وعاء الاعتبار کالأین الخارجی فکما لا یمکن استقرار شی ءٍ خارجیٍ فی زمان واحد فی المکانین فکذلک لا یمکن استقرار مال واحد لشخص واحد فی ذمّة أشخاص متعددین فی آنٍ واحد.

وهذا هو بعینه الضمان العَرْضی الذی یقول به أکثر العامة فی بحث ضمان الدین عن المدیون لأنّهم یقولون بأنّ الضمان ضمّ ذمّةٍ إلی ذمّة اُخری، خلافا؛ لما یقول به الخاصة وبعض العامة من أنّ الضمان هو نقل الدین عن ذمّة المدیون إلی ذمّة الضامن وهذا هو الضمان الطولی.

ثمّ بعد استحالة عدم إمکان تحقّق الضمان العَرْضی فی مقام الثبوت لابدّ من توجیه ما یدلّ علیه فی مقام الإثبات وحمله علی الضمان الطولی الممکن.

وبعبارة أخری: دلیل الضمان فی الید العادیة هوا لنبوی الشریف: «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی»(1) والمراد ب_ «ما» الموصولة هو المبیع الشخصی الواحد، ولیس

ص:245


1- 1 . عوالی اللآلی 1/224، ح106، 1/389، ح22، وقد مرّت مصادره فی الآراء الفقهیة 4/292.

للواحد الشخصی إلاّ بدل واحد، فکیف یتعدد هذا الواحد باستقراره فی ذمّم متعددة؟(1)

ثمّ الفقهاء من الأصحاب _ رضوان اللّه تعالی علیهم _ تعرضوا لحلّ هذا الإشکال بأجوبة متعددة، وقد ذکر الشیخ الأعظم رحمه الله مختاره فی الجواب.

حلّ الشیخ الأعظم عن المشکلة
اشارة

(2)

أجاب عن الإشکال بما حاصله: ضامن أشخاص متعددة لمال واحد معناه اشتغال ذمّة کلّ واحد منهم بالمال علی البدل بحیث لو خرج واحد منهم عن هذا الاشتغال سقط ذمّم الکل، وإن لم یخرج ذمم الکل مشغولة، نظیر الواجب الکفائی فی الأحکام التکلیفیة حیث أنّ المطلوب فیه واحدٌ ولکن المطلوب منه متعددا فکذلک یمکن أن یکون المال واحدا وضمانه متعددا.

وقال الشیخ الأعظم ما نصه: «فنقول: معنی کون العین المأخوذة علی الید: کون عهدتها ودرکها بعد التلف علیه، فإذا فرض أیدٍ متعدّدة یکون العین الواحدة فی عهدة کلٍّ من الأیادی، لکن ثبوت الشیء الواحد فی العهدات المتعدّدة معناه: لزوم خروج کلٍّ منها عن العهدة عند تلفه، وحیث إنّ الواجب هو تدارک التالف الذی یحصل ببدل واحد لا أزید، کان معناه: تسلّط المالک علی مطالبة کلٍّ منهم بالخروج عن العهدة عند تلفه، فهو یملک ما فی ذمّة کلٍّ منهم علی البدل، بمعنی أنّه إذا استوفی أحدها سقط الباقی؛ لخروج الباقی عن کونه تدارکا، لأنّ المُتَدَارَک لا یتدارک.

والوجه فی سقوط حقّه بدفع بعضهم عن الباقی: أنّ مطالبته ما دام لم یصل إلیه المُبْدَل ولا بدله، فأیّها حصل فی یده لم یبقَ له استحقاق بدله، فلو بقی شیء له فی ذمّة واحدة لم یکن بعنوان البدلیّة، والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.

ویتحقّق ممّا ذکرنا: أنّ المالک إنّما یملک البدل علی سبیل البدلیة، ویستحیل اتّصاف شیء منها بالبدلیّة بعد صیرورة أحدها بدلاً عن التالف واصلاً إلی المالک»(3).

ص:246


1- 2 . راجع المکاسب 3/505.
2- 1 . راجع المکاسب 3/505.
3- 2 . المکاسب 3/(507-505).

ویری الفقیه السیّد الیزدی هذا المقال هو التحقیق فی المسألة إذ قال: «هذا هو التحقیق، ولا اشکال فی تصویره ومعقولیته کما فی التکالیف؛ إذ لا فرق بین الوضع والتکلیف فی ذلک، بل یمکن عکسه أیضا، وهو کون المالک أشخاصا متعددة علی سبیل البدل، مع کون المملوک واحدا، کما فی مالکیة السادة والفقراء للخمس والزکاة، وکما فی مالکیة کلّ واحدٍ من الورثة لحقِّ الخیار الثابت للمورث بناءً علی أحد الأقوال، من أنَّ کلاً منهم مستقل فی مالکیة الخیار، وممّا یناسب المقام حریة أحد العبید إذا أوصی بعتق واحد من عبیده، ولذا یسترج بالقرعة.

وبالجملة: لا مانع من اشتغال ذمم عدیدة لمال واحد علی سبیل البدل»(1).

وتبعهما المحقّق السیّد الخوئی(2) کما یأتی بیانه فی نقد اُستاذه النائینی.

ثمّ تصدی الشیخ الأعظم لتقریب جوابه فی حلّ الإشکال وردّ النقود علیه بذکر عدّة من الأشباه والنظائر من أبواب المعاملات والعبادات :

1_ ضمان المال علی مسلک العامة حیث أنّه ضمّ ذمة

1_ ضمان المال علی مسلک العامة حیث أنّه ضمّ ذمة إلی ذمّة أُخری عندهم(3)

قال العلاّمة فی ضمان تذکرة الفقهاء: «الضمان عندنا ناقل للمال من ذمّة المضمون عنه إلی ذمّة الضامن، فللمضمون له مطالبة الضامن بالمال ولیس له مطالبة المضمون عنه، عند علمائنا أجمع _ وبه قال ابن أبیلیلی وابن شبرمة وداود وأبوثور(4)... وقال عامّة الفقهاء _ کالثوری والشافعی وأحمد وأسحاق وأبیعبید وأصحاب الرأی: إنّ المضمون عنه لا یبرأ من المال وللمضمون له مطالبة من شاء من الضامن ومن المضمون عنه...»(5).

ص:247


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/306.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/491، التنقیح فی شرح المکاسب 2/103، مصباح الفقاهة 4/373.
3- 3 . راجع المغنی 5/(83-70)، الشرح الکبیر 5/72، المجموع 14/24، المهذب 2/307، الإشراف علی نکت مسائل الخلاف 2/601، حلیة العلماء 5/58، الحاوی الکبیر 6/436.
4- 4 . تذکرة الفقهاء 14/342.
5- 5 . تذکرة الفقهاء 14/343.

وقال: «لیس للمضمون له مطالبة المضمون عنه بل یطالب الضامن خاصةً عندنا. وقال الشافعی وأبوحنیفة وأحمد وغیرهم: یرجع علی من شاء من الضامن والمضمون عنه.

وقال مالک: إنّه لا یطالب الضامن إلاّ عجزعن تحصیله من الأصیل لغیبته أو إعساره لأنّ الضمان وثیقة فلا یستوفی الحقّ منها إلاّ عند تعذّره کالرهن...»(1).

2_ «ضمان عهدة العوضین لکلٍّ من البائع والمشتری عندنا

2_ «ضمان عهدة العوضین لکلٍّ من البائع والمشتری عندنا کما فی الإیضاح»(2)

نحو: إذا ضمن شخصٌ للبائع عهدة الثمن عند ظهور کون الثمن لغیر المشتری أو إنکشاف بطلان البیع. أو إذا ضمن للمشتری عن البائع عهدة المبیع إن ظهر کونه للغیر أو إنکشاف بطلان البیع فحینئذ اجتمعت ذمّتان: ذمّة الضامن وذمة البائع أو المشتری مع وحدة المال المضمون به فیجوز للبائع الرجوع إلی المشتری أو الضامن وکذلک یجوز

للمشتری الرجوع إلی البائع أو الضامن، فیجوز اجتماع ذمّتان لمال واحد.(3) هذا توضیح تنظیر الشیخ الأعظم.

وأمّا کلمة «عندنا» الظاهرة فی الإجماع فَهِیَ مفقودة فی کتاب إیضاح الفوائد لفخرالمحقّقین رحمه الله ، نعم هی موجودة فی تذکرة الفقهاء لوالده العلاّمة حیث یقول فی شأن ضمان العهدة: «... وهذا الضمان «عندنا» صحیح إن کان البائع قد قبض الثمن، وإن لم یکن قد قبض لم یصح»(4).

ولعلّ الشیخ الأعظم نقل نسبة هذا الإجماع إلی فخرالمحقّقین عن کلام سیّد مشایخه السیّد المجاهد فی مناهله حیث یقول فی ضمان العهدة: «هل هذا القسم ناقل أیضا أو لا، بل هو ضمُّ ذمّةٍ إلی ذمّةٍ صرّح بالأوّل فی التحریر... وصرّح بالثانی فی الإیضاح والتنقیح وهو ظاهر مجمع الفائدة، بل نبّه الأوّل علی دعوی الاتفاق علیه، قائلاً:

ص:248


1- 6 . تذکرة الفقهاء 14/344، مسألة 525.
2- 7 . المکاسب 3/507.
3- 1 . راجع هدی الطالب 5/573.
4- 2 . تذکرة الفقهاء 14/330.

ضمان العهدة ضمٌّ عندهم»(1).

3_ «ضمان الأعیان المضمونة علی ما استقر به فی التذکرة وقّواه فی الإیضاح»

(2)

نحو: إذا ضمن لمستعیر الذهب والفضة أو للمال المغصوب فحینئذ یجتمع ذمّتان بمال واحد ویجوز للمالک المعیر الرجوع إلی کلٍّ من المستعیر أو الضامن، أو للمالک المغصوب منه الرجوع إلی کلٍّ من الغاصب أو الضامن.

قال فی تذکرة الفقهاء: «الأعیان المضمونة کالمغصوب والمستعار مع التضمین أو کونه أحد النقدین والمستام والأمانات إذا خان فیها أو تعدّی فله صورتان:

الأولی: أن یضمن ردّ أعیانها وهو جائز لأنّه ضمان مال مضمون علی المضمون عنه وبه قال أبوحنیفة وأحمد... إذا ثبت هذا فإن ردّها الضامن أو الغاصب بری ء من الضمان. وإن تلفت وتعذّر الردّ فهل علیه قیمتها؟... .

الثانیة: أن یضمن قیمتها لو تلفت. والأقوی عندی الصحة لأنّ ذلک ثابت فی ذمّة الغاصب فصحّ الضمان...»(3).

وقال أیضا: «وفی ضمان الأعیان المضمونة والعهدة إشکال أقربه عندی جواز مطالبة کلّ من الضامن والمضمون عنه بالعین المضمونة(4). أمّا الضامن فللضمان وأمّا المضمون عنه: فلوجود العین فی یده أو تلفها فیه. وفی العهدة إن شاء المشتری طالب البائع وإن شاء طالب الضامن لأنّ القصد هنا بالضمان التوثیق لا غیر...»(5).

ونسبة الأقوئیة إلی الإیضاح غیر تام بل یراه الفخر غیر صحیح لأنّه قال ذکر الإشکال: «والأصح أنّه لایصح»(6).

ص:249


1- 3 . المناهل /139 طبع الحجری، نقل عنه فی هدی الطالب 5/574.
2- 4 . المکاسب 3/507.
3- 5 . تذکرة الفقهاء 14/321، مسألة 511.
4- 1 . فی المصدر: المغصوبة.
5- 2 . تذکرة الفقهاء 14/336، مسألة 520.
6- 3 . إیضاح الفوائد 2/85.
4_ «ضمان الاِثْنَیْنِ لواحدٍ

کما اختار ابن حمزة(1) وقد حکی فخرالدین(2) والشهید(3) عن العلاّمة فی درسه أنّه نفی المنع عن ضمان الاِثْنَیْنِ علی وجه الاستقلال، قال: ونظیره فی العبادات: الواجب الکفائی وفی الأموال [ک_(4)] الغاصب من الغاصب»(5).

فی هذا الفرض صورتان: وأقوال وإشکال للتنبیه علی ذلکَ أذکر کلام الفقیه العاملی فی المقام حتّی یظهر الأمر لک، فما ذکره الشیخ الأعظم لایتم إلاّ علی إحدی الصورتین وعلی أحد الأقوال فیها مع وجود إشکال فی المقام.

قال فی مفتاح الکرامة: «ضمان الإثنین إمّا أن یقع علی التعاقب أو دفعة، فإن وقع علی التعاقب فمن رضی المضمون له أوّلاً بضمانه انتقل المال إلی ذمّته وبطل ضمان الآخر، سواء کان هو السابق أو اللاحق کأن یقول: رضیت بضمان زید السابق دون عمرو اللاحق أو بالعکس، أو یقول: رضیت بضمان زید السابق ورضیت بضمان عمرو اللاحق أو بالعکس. وأمّا إذا رضی بضمان کلّ واحدٍ منهما دفعة کأن یقول: رضیت بضمان کلّ واحدٍ منکما انتقل المال إلی ذمّة الأوّل، لأنّه إذا رضی بضمان کلّ واحدٍ منهما فقد رضی بضمان الأوّل فینتقل المال إلیه فلا یصادف ضمان الثانی ولا الرضا به حقّا علی المضمون

عنه فیبطل.

وأمّا إذا وقع ضمان الاثنین دفعةً، فإن وقع رضا المضمون له بضمان کلّ واحدٍ علی التعاقب کأن یقول: رضیت بضمان زید ورضیت بضمان عمرو صحّ ضمان مَن رضی بضمانه أوّلاً، لانتقال المال بالضمان ورضا المالک إلی ذمّته، فلا یصادف الضمان الثانی ذمّة مشغولة فیبطل. وإن وقع الرضا منه دفعةً فهناک ثلاثة أقوال وإشکال:

ص:250


1- 4 . الوسیلة /281.
2- 5 . إیضاح الفوائد 2/89.
3- 6 . نقل عنهما فی مفتاح الکرامة 16/470.
4- 7 . الزیادة من مفتاح الکرامة 16/470.
5- 8 . المکاسب 3/507.

الأوّل: قول أبیعلیّ(1) وهو صحّة الضمان، فیطالب کلّ واحدٍ بِقِسْطِهِ لا بالجمیع، فإن کانا اثنین طالب کلّ واحدٍ منهما بنصف المال، ولو زادوا فبالحصة بعد اعتبار العدد.

وفیه: أنّه خلاف ما أراده الضامنان واقتضاه العقدان فیبطلان، إلاّ أن تقول: الأصل صحّة الضمان ولا أولویة، وانتقال المجموع إلی کلٍّ من الذمّتین ممتنع، فوجب أن نقول: إنّه انتقل إلی کلّ واحدٍ منهما ما یقتضیه التحاصّ، وهو کماتری لا یجمع بین مقتضی العقدین.

الثانی: التخییر فی مطالبة مَن شاء منهما ومطالبتهما معا، ویسمّی ضمان الاشتراک والانفراد معا، وقد جزموا(2) به فی باب الدیات فیما إذا قال: ألقِ متاعک وعلی کلّ واحدٍ منّا ضمانه، أو قال: إنّی وکلاًّ من الرکبان ضامن. وهو قول ابن حمزة فی المقام، قال فی «الوسیلة»(3): وینقسم الضمان قسمین آخرین: ضمان انفراد وضمان اشتراک، فضمان الانفراد ضمان جماعة عن واحد، ویکون للمضمون له الخیار فی مطالبة المال من أیّهم شاء علی الإنفراد وعلی الاجتماع. وضمان الاشتراک بالعکس من ذلک. ولعلّ حجّته التمسّک بصحّة العقدین فإنّها الأصل.

ونقل الفخر(4) والشهید(5) عن المصنّف [العلاّمة] فی درسه المبارک المیمون توجیهه بأنّ مثله واقع فی العبادات کالواجب علی الکفایة وفی الأموال کالغاصب من الغاصب.

ونظر فیه فی «جامع المقاصد»(6) بأنّ العقدین المتنافیین یمتنع التمسّک بصحّتهما.

ص:251


1- 1 . حکاه عنه العلاّمة فی مختلف الشیعة: فی الضمان 5/467.
2- 2 . منهم المحقّق فی شرائع الإسلام: فی الدیات 4/258، والعلاّمة فی قواعد الأحکام، فی الجنایات فی موجب الدیة 3/664، والشهید الثانی فی مسالک الأفهام: فی تزاحم موجبات ضمان النفس 15/387.
3- 3 . الوسیلة: فی الضمان /281.
4- 4 . إیضاح الفوائد: فی أحکام الضمان 2/89.
5- 5 . لم نعثر علیه ولا علی الحاکی عنه.
6- 6 . جامع المقاصد: فی الضمان 5/341.

ووجه التنافی أنّ انتقال المال إلی ذمّة أحدهما یقتضی أن لاینتقل إلی ذمّة الآخر شیء، فیکون ضمانه باطلاً لانتفاء مقتضاه، ولا نعنی بالباطل إلاّ ما لا یترتّب علیه أثره. وهذا یصلح جوابا عمّا ذکره المصنّف [العلاّمة] إذ فی الغاصب من الغاصب لم یثبت المال فی ذمم متعدّدة، وإنّما وجب علی مَن جرت یده علی المغصوب ردّه علی مالکه عملاً بعموم «علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی»(1) فإن تعذّر وجب البدل للحیلولة، وهذا لا یتفاوت الحال فیه بقاء العین وتلفها. ومعلوم أنّه مع بقائها لا تکون فی ذمّة أحد، وإنّما الّذی فی الذمّة وجوب الردّ. فظهر أن لیس هناک مالٌ واحدٌ فی ذمم متعدّدة.

ولک أن تقول: إذا تعذّر البدل للحیلولة کان المال الواحد فی ذمم متعدّدة ولهذا أقرّه علیه ولده والشهید، وظاهر الأوّل وصریح الثانی الرضا به. وقد أوردا(2) علیه لزوم اجتماع العلل علی معلولٍ واحد، إذ العلّة فی براءة ذمّة المضمون عنه ضمان کلّ واحد. وأجابا بأنّها معرّفات أی أمارات لیست بأسباب، وبأنّ براءة ذمّته معلولة لعدم علّة الثبوت وهی الأداء به مع عدم الضمان غیره، وانتفاء عدم الکلّی بوجود جزئیّات کثیرة جائز. ومعناه أنّ عدم انتفاء الإنسان بوجود زید وبکر وعمرو وخالد جائز، فتأمّل، إلاّ أن تقول: إنّ هذا(3) خرج عن الأصل فی خصوص هذا الفرد للنصّ والإجماع فیقتصر علیه من دون تعدّ. وبذلک یجاب عن الحال فی السفینة لتطابق الفتاوی ممّن تعرّض له والضرورة.

الثالث: البطلان، للحصر فی الاُمور الثلاثة، وقد بطل اثنان فتعیّن الثالث. وفی «المختلف»(4) أنّه أقوی. وفی «جامع المقاصد»(5) أنّه أصحّ.

وممّا ذکر یعرف وجه الإشکال، فیکون دائرا بین الأقوال الثلاثة، فیکون منشؤه

ص:252


1- 1 . عوالی اللآلی: 1/224، ح106 و /389، ح22.
2- 2 . إیضاح الفوائد: فی أحکام الضمان 2/89، ولم نعثر علی کلام الشهید.
3- 3 . أی الغاصب من الغاصب.
4- 4 . مختلف الشیعة: فی الضمان 5/467.
5- 5 . جامع المقاصد: فی الضمان 5/342.

أصالة الصحّة، ووقوعه من أهله، ومن اتّحاد الحقّ ومن عدم الأولویة»(1).

اعتراض المحقّق النائینی علی جواب الشیخ الأعظم ومختاره فی حلّ الإشکال
اشارة

قال قدس سره : «ولا یخفی ما فیه من الفساد وذلک لعدم صحة تعدد الضمان العرضی ثبوتا

ولا إثباتا.

وفساد ما ذکره قدس سره من النظائر بالمنع عن تلک النظائر إمّا من حیث الصغری وإمّا من حیث الکبری.

أمّا استحالة تعدد الضمناء عرضا ثبوتا: فلأنّ الذمة فی عالم الاعتبار تکون فی حکم أین خارجی یستقر فیه المال إلاّ أنّ الذمّة لمکان اعتباریتها وسیعة تسع کلّ شیءٍ یصح اعتباره فیها ولهذا یقال بأنها بیداء واسعة، فکما أنّه لایعقل قرار مال واحد فی مکانین عرضا بأن یکون قراره فی أحدهما بعین قراره فی الآخر وفی عرضه فکذلک استحالة قراره فی مکانین خارجیین، وهذا علی ما هو التحقیق فی باب الأحکام الوضعیة من قابلیة تعلّق الجعل بها استقلالاً وأنّ الضمان حکم وضعی مجعول مستقل بالجعل لا أنّه منتزع عن الحکم التکلیفی.

نعم، علی القول بالانتزاع عن التکلیف یمکن تکلیف شخصین أو أشخاص بالأداء علی نحو الواجب الکفائی فینتزع منه وضع وهو الضمان علی نحو التصویر الکفائی حسب منشأ انتزاعه لکنّ القول بانتزاع الضمان عن التکلیف فاسد وهو [الشیخ الأعظم] قدس سره أیضا لم یتکلّم فی المقام علی ذاک الفرض.

وبالجملة فعلی ما هو التحقیق فی باب الضمان فلا یتصور تصویر النحو الواجب الکفائی فیه.

وأمّا عدم ما یدل علیه إثباتا: فلما سنوضحه من أنّ أدلة الضمان فی صورة تعدده یدلّ علی الضمان الطولی الذی هو بمکان من الإمکان ثبوتا حسبما نوضحه إن شاء اللّه.

ص:253


1- 6 . مفتاح الکرامة 16/(471-468).

وأمّا فساد مااستشهد به قدس سره تأییدا لما ادعاه ممّا یکون الضمان فیه عرضیا.

أمّا الضمان علی طریقة الجمهور فهو وإن کان ینطبق علی الضمان العرضی. لکنّه فاسد لا نقول به والاستشهاد بأمر فاسد عندنا مضروب عنه لا نقول به أصلاً.

وأمّا ضمان درک المبیع أو الثمن عند ظهور المستحق: فهو لیس من باب الضمان العرضی بأن یکون الثمن مضمونا علی البائع فی عرض ضمانه علی الأجنبی والمبیع مضمونا علی المشتری فی عرض ضمانه علی الأجنبی بل معنی ضمان الأجنبی للثمن أو المثمن هو أنّه لو تلف المضمون أو امتنع المضمون عنه یکون عوضه علی الضامن، ونتیجة هذا أنّه مع تلف المضمون أو امتناع المضمون عنه لایشتغل إلاّ ذمة

الضامن، ومع وجوده وعدم امتناع المضمون عنه لایشتغل إلاّ ذمة المضمون عنه، فلم یجتمع ضمان المضمون عنه مع ضمان الضامن لکی یکونا عرضیین.

نعم غایة ماهناک وجوب إلزام الضامن للمضمون عنه بالردِّ إلی المالک فی صورة وجود العین، لکن أین هذا من الضمان بمعنی استقرار ذمة الضمان بالمال وکون مال المالک فی صندوق ذمّته کما لایخفی.

وأمّا ضمان الأعیان المضمونة: کالغصب والمقبوض بالعقد الفاسد بأن یضمن الضامن للعین المضمونة لا مااستقر فی الذمة علی تقدیر التلف.

ففیه: مع أنّه محل للخلاف، فإنّ المحکی عن جماعة هو المنع عنه، أنّ معنی ضمانه علی الضامن ثبوت بدله علیه عند التلف من المثل أو القیمة، ووجوب إلزام المضمون عنه بأدائه علی تقدیر وجوده، فلیس هو أیضا من باب الضمانین العرضیین. فإنّ المضمون له علی تقدیر وجود العین لا یرجع إلاّ إلی المضمون عنه، ومع تلفه لیس له الرجوع إلاّ إلی الضامن فلا یکون المال مستقرا فی ذمة الضامن مع قراره فی ذمة المضمون عنه.

وأمّا ضمان الاثنین لواحد: علی نحو الاستقلال بحیث یکون کلّ واحد ضامنا لهذا المال الواحد فی عرض ضمان الآخر فهو عین ما هو المدعی فی المقام فلا وجه لجعله شاهدا للمقام. وعلی نحو التشریک لاینتج إلاّ التشریک فی ضمان واحد لا استقلال کلّ واحدٍ بالضمان، نظیر استقراض شخصین عن واحد، حیث أنّه أیضا موجب

ص:254

لتشریکهما فی الدین لا وقوع تمام الدین فی ذمّة کلّ واحدٍ منهما بالاستقلال.

وأمّا التنظیر بالواجبات الکفائیة فی العبادات، ففیه أنّه علی تقدیر تصویره فی المقام یوجب عدم ضمان کلّ واحدٍ منهما لا ضمان أحدهما علی البدل، وذلک لأنّ المعنی المتصوَّر فی الکفائی فی العبادات علی ماحُقِّقَ فی الاُصول هو تقیید إطلاق خطاب کلّ واحد من المکلَّفین بعدم قیام الآخر به. إذ معنی صلِّ فی الواجب المعین العینی هو وجوب الصلاة علی المخاطب سواء صلی شخص آخر أم لا، ومعنی صلِّ علی المیت کفایة هو وجوب الصلاة علی المخاطب فی ظرف عدم صلاة شخص آخر لامطلقا. وهذا المعنی فی باب الضمان، یوجب عدم ضمان کلّ واحد منهما، ضرورة أنّ ضمان کل واحد یوجب عدم ضمان الآخر لأنّ ضمانه (حینئذ) فی ظرف عدم ضمانه وهو مستلزم لعدم ضمان کلّ واحد منهما کما لایخفی.

بالجملة فَشِئٌ من هذه الموارد لا یثبت صحة الضمان المتعدد عرضا والمتحصل

استحالة تعدد ا لضمناء عرضا ثبوتا وعدم الدلیل علیه إثباتا.

بل التحقیق فی مورد تعدد الضمناء هو طولیة الضمان، وبطولیته یتم الأمور المتقدمة، وما سیجئ من عدم جواز رجوع المالک إلی الغار. بل لیس له الرجوع إلاّ إلی المغرور، وعدم جواز رجوع المغرور إلی الغار قبل الاغترام للمالک، وعدم جواز رجوع الداین إلی المدیون بعد ضمان الضامن عن المدیون، بل یتعیّن علیه الرجوع إلی الضامن، کما أنّ الضامن لا رجوع له إلی المضمون عنه إلاّ بعد أداء ماضمنه إلی المضمون له، وجواز رجوع المالک إلی کلّ واحدة من الأیادی المتعاقبة. وجواز رجوع کلّ سابق إلی لاحقه الذی تلف المال عنده علی تقدیر رجوع المالک إلی السابق.

وتوضیح الضمان الطولی: إنّ معنی المعقول من تعدد الضمناء هو أن یکون أحدهما فیما إذا کانا اثنین مثلاً ضامنا للمالک والآخر ضامنا لما ضمنه الآخر ومااستقر فی ذمته.

وبعبارة اُخری: یکون الأوّل مشتغل الذمة بالمالک والثانی بما اشتغل به ذمة الأوّل، فاشتغال ذمة الثانی یکون فی طول اشتغال ذمة الأوّل، وهذا یتصوّر علی قسمین

ص:255

فإنّه إمّا لایصح للمالک أن یرجع إلی الثانی فی عرض رجوعه إلی الأوّل بل لابد له من الرجوع إلی الأوّل ثمّ الأوّل بعد تأدیته لما فی ذمّته یرجع إلی الثانی، وإمّا أن یصح له الرجوع إلی الثانی کما یصح له الرجوع إلی الأوّل.

غایة الأمر أنّه إذا رجع إلی الثانی لایرجع الثانی إلی الأوّل، وإذا رجع إلی الأوّل فالأوّل یرجع إلی الثانی، وهذا الاختلاف ینشأ من سبب الضمان، فإنّ الضمان إمّا عقدی کما فی مورد التماس المدیون ضمان ما فی ذمته، أو یکون بالاتلاف، أو یکون بسبب الأیادی المتعاقبة، وفی الأوّلین أعنی العقد والاتلاف لا رجوع للمالک إلاّ إلی الضامن الأوّل.

أمّا فی العقدی فلأن الضامن الذی یضمن بالتماس المدیون تَشْتَغِلُ ذمّته بِدَیْنِ المالک بالضمان، ویبرء المدیون المضمون عنه عن الداین ومعه فلیس للداین حینئذ أن یرجع إلی المدیون المضمون عنه لبراءة ذمته عن دینه وإنّما المشتغل به هو الضامن.

ثمّ إذا أدی الضامن ما فی ذمته من الدین تشتغل ذمة المضمون عنه بالضامن فللضامن حینئذ الرجوع إلیه بعد ما أدی إلی المضمون له و... .

ثمّ إنّ أسباب الضمان کما عرفت ثلاثة لا رابع لها:

الأوّل: العقد والأمر المعاملی مثل أمر المدیون بثالث بأداء ما علیه من الدین أمرا معاملیا نظیر أمر صاحب المتاع الحمّال بأن یحمل متاعه فإنّه یجب علیه أداء اُجرة الحمل لأمره به، لا أمرا غیر معاملی نظیر التماس الملتمس عن أحد فی حمل متاعه علی نحو التفضل مثل أوامر الفقراء والمساکین.

الثانی: الإتلاف.

والثالث: الید.

فکما یتصور تحقق ضمان واحد بکلِّ من هذه الأسباب الثلاثة یتصور تعدده أیضا.

فالأوّل کما فی أمر المدیون بأداء دینه فأنّه ضامن للمسؤول عنه فالمسؤل عنه هو الضامن الأوّل الذی یضمن عن المدیون بالتماسه والمدیون هو الضامن الثانی الذی

ص:256

یضمن ما یؤدیه المسؤل عنه فالمدیون ضامن لما ضمنه الضامن بالتماسه.

والثانی کما إذا أتلف أحد بتغریر آخر فإنّ المتلِف ضامن للمالک بإتلافه والغارّ ضامن للمتلِف بتغریره إیّاه.

والثالث کما فی تعاقب الأیادی.

ولهذه الأسباب الثلاثة أحکام مشترکة بین الجمیع وأحکام مختصة ببعضها، والأحکام المشترکة بینها أمران:

احدهما: کون الحق فی الجمیع واحدا مع تعدد الضمناء ویکون کلّ لاحق ضامنا لما فی ذمة الضامن السابق علی ما هو معنی الطولیة نظیر تعدد أمکنة شی ء واحد فی عالم العین طولاً مثل کون المصباح فی المشکوة والمشکوة فی البیت فکما أنّ تعدد أمکنة شی ء واحد طولاً بحسب العین أمر معقول کذلک تعددها بحسب عالم الاعتبار معقول وکما أنّ تعدد أمکنته عرضا فی عالم العین غیر معقول بأن یکون فی مکان فی حال کونه فی مکان آخر کذلک تعددها فی عالم الاعتبار غیر معقول بأن یکون فی ذمة فی حال کونه فی ذمة اُخری.

الأمر الثانی: عدم جواز رجوع السابق إلی اللاحق قبل أداء ما فی ذمّته وهذا الأثر مشترک فی الأسباب الثلاثة وإنْ کان المنشاء مختلِفا حیث أنّ فی الضمان العقدی إلتزام العقدی مقتض لعدم جواز رجوع الضامن إلی المضمون عنه إلاّ بمقدار ما یؤدیه بعد الأداء وفی الضمان بالغرور هو دلیل تلک القاعدة أعنی النبوی المعروف المعتضد بالعمل أو

الإجماع المنعقد علی مضمونه وفی ضمان الید هو قاعدة علی الید فالدلیل مختلف فی الموارد الثلاثة ولکن الأثر واحد.

وأمّا الأثر المختص بکل واحد منها:

فالضمان العقدی یختص بأنّه تابع لما التزم به بقدر الالتزام فإنّ التزم الضامن اللاحق بالتعهد بمافی ذمة الضامن السابق یکون موجبا لبراءة الضامن السابق واشتغال ذمة اللاحق کما کان ضمان الضامن السابق عن المدیون موجبا لبراءة المدیون عن الداین واشتغال الضامن بما یکون فی ذمة المدیون وان التزام الضامن الثانی بما فی ذمة المدیون

ص:257

لا بما ضمنه الضامن الأوّل یکون باطلاً حیث أنّه لم یکن فی ذمته شی ء وکان بریئا بسبب ضمان السابق وعلی فرض صحته یکون موجبا لهدم الضمان السابق وبالجملة فهو تابع لکیفیة الالتزام وهذا بخلاف ضمان الید فإنّ اللاحق فیه ضامن لماضمنه السابق علی ما مرّ شرح القول فیه ویشترک ضمان العقدی مع ضمان الاتلاف فی أنّه لا یتصور فیهما الضمناء المتعددون بحیث یرجع المالک إلی کلّ واحدٍ منهم دون ضمان الید، أمّا الضمان العقدی فلأنّ الضمان علی مذهب الخاصة عبارة عن انتقال ذمة إلی أُخری فقبل ضمان الضامن کان الدین فی ذمة المدیون وبعد ضمانه انتقل الدین عن المدیون إلی الضامن وصار المدیون بریئا عن الدین فما اجتمع اشتغال ذمة المدیون مع اشتغال الضامن معا حتّی یکون ضمانهما طولیا أو عرضیا.

وأمّا ضمان الإتلاف فلأنّه لایعقل قیام الإتلاف بشخصین حتّی یکونا معا ضامنین لمال واحد بل الضامن للمالک لیس إلاّ المتلِف محضا وإنّما الغارُّ ضامن للمتلِف لاللمالک فلیس للمالک إلاّ الرجوع إلی المتلف لا الغارُّ وهذا ظاهر.

وأمّا ضمان الید ففیه یتصور تعدد الضمناء بالنسبة إلی المالک فالضامن الثانی کما یکون ضامنا للأوّل بمعنی کون ذمّته مخرجا لما فی ذمة الضامن الأوّل وللأوّل الرجوع إلیه بعد تأدیة ما فی ذمته إلی المالک بمقدار ما أدّی ضامن للمالک أیضا بمعنی انّ للمالک أن یرجع إلیه دون الأوّل إلاّ أنّه إذا رجع المالک إلیه فهو لا یرجع إلی الأوّل وان رجع إلی الأوّل فالأوّل یرجع إلیه ما لم یکن الأوّل غارا له.

هذا تصویر تعدد الضمناء طولاً فی الصور الثَّلاث(1) والآثار المترتبة علی کلِّ

واحدٍ منها ثبوتا.

وأمّا اقامة الدلیل علیه اثبات:

أمّا الضمان العقدی: فالدلیل علی ضمان الأمر بالعمل أو اداء ما علیه من الدین لیس إلاّ ما یدل علی ضمان المستوفی لمال أو عمل محترم بأمر معاملی فنفس ما یدلّ

ص:258


1- 1 . وفی المصدر: «الثلاثة».

علی ضمان المستوفی لعمل محترم أو مال محترم بأمر من المستوفی أمرا معاملیا یدلّ علی ذاک الضمان الطولی أعنی ثبوت عهدته بما یعمله العامل أو یؤدیه الملتمس عنه واستقرار الضمان علیه بفعل الملتمس عنه ما التمس منه من الفعل أو أداء الدین ونحوه فقبل صدور العمل من العامل لا یکون للآمر ضمان إلاّ بنحو القوة بمعنی أنّ للعمامل أنْ یعمل لکی یصیر الآمر ضامنا وبعمل المأمور ما التمس منه یثبت الضمان علی الآمر ویستقر ذمته بما أداه ولا یخفی أنّ ما تصورناه فی عالم الثبوت ینطبق علی ما یستفاد من الدلیل فی مرحلة الإثبات من غیر إشکال.

وأمّا ضمان الاتلاف: فالدلیل علیه هو النبوی المعروف (المغرور یرجع إلی الغارّ) ولو نوقش فی سنده ولو بعد الاعتضاد بالعمل فیتمسک بالاجماع حیث أنّه لاخلاف فی حکم رجوع المغرور إلی الغار وکون الحکم به إجماعیا وحیث أنّ الثابت من الدلیل هو صحة رجوع المغرور بما اغترم ویکون بعنوان التدارک عمّا یغترمه فلا جرم لا یکون رجوعه إلاّ بعد الاغترام وهذا ما ذکرناه من طولیة الضمان أی کون الغارِّ ضامنا لما یغترمه المغرور ویؤدیه إلی المالک بعد الاغترام.

وأمّا ضمان الید: فالدلیل علیه انما هو الحدیث المبارک المعروف «علی الید ما اخذت حتّی تُؤَدِّیَهُ». وتوضیحه علی وجه یوافق مع ما تصورناه ثبوتا من الضمان الطولی أن یقال معنی ضمان العین هو اعتبار قرار المال فی صندوق الذمة نحو قراره فی الصندوق الخارجی ومقتضی دلالة علی الید هو تعلق الذمة بما استقر علی الید بنفس استقراره لا ثبوت ضمانه علیه عند تلفه بحیث یکون لقرار الضمان علی الذمة حالة منتظرة إلی حین التلف إذ هذا شعر محض لا ضرورة فیه، نعم فعلیة الضمان وظرف مطالبة الضامن بالمثل أو القیمة إنّما هو بعد التلف لا أنّ اصل ضمانه یکون بعد التلف لکن العین الخارِجِیَّةَ(1) باستقرار الید علیها لا تثبت فی الذمة إذ هی غیر قابلة لأن تثبت فی الذمة بل الثابت فی

الذمة باعتباره فیها اعتبارا عقلائیا هو ما یناسب قراره فیها نظیر ضرورة لزوم مناسبة

ص:259


1- 1 . فی المصدر: «الخارجی».

المظروف مع ظرفه فالثابت فی الذمة من العین الخارِجِیَّةَ هو الأمر المجرد الذی هو بدل من العین الخارِجِیَّةَ ویکون ثبوته فیها علی نحو البدلیة فمقتضی علی الید ما اخذت بالنسبة إلی الید الأوّل أعنی عموم الموصول هو إثبات العین الخارِجِیَّةَ فی ذمة الضامن علی نحو یناسب ثبوتها فیها فباستقرار المال فی ید الضامن الأوّل یثبت بدله فی ذمته بحکم عموم علی الید ثمّ إذا استقر علی ید الضامن الثانی یکون المال الذی قد استقر بدله فی ذمة الضامن الأوّل مستقرا علی ید الضامن الثانی فبحکم عموم الموصول فی علی الید یثبت فی ذمة الضامن الثانی بمثل ثبوته فی ذمة الضامن الأوّل لکن ثبوته فی ذمة الضامن الثانی لما کان بعد ثبوت بَدَلِهِ فی ذمة الضامن الأوّل فلا جرم یکون هو بما ثبت بدله فی ذمة الأوّل ثابتا فی ذمة الثانی فعموم علی الید یدلّ علی ضمان الأوّل والثانی معا لکن ضمان الأوّل یکون للمال بما هو هو وضمان الثانی یکون للمال بما هو ثابت فی ذمة الضامن الأوّل، والسر فی ذلک هو انّ العموم المذکور ینحل إلی قضایا متعددة بعدة موضوعاتها فکلّ ید عادیة یخصها فرد من الحکم ومقتضی کلّ واحدة من هذه الأحکام هو ثبوت ما علی الید فی ذمة صاحب الید علی نحو استقراره علی الید فان استقر علی الید بماله من المنفعة فیستقر فی الذمة کذلک وإن استقر علی الید بلا بدل فیستقر فی الذمة بلا بدل وإن استقر فی حالة له البدل فیثبت فی الذمة بما له من البدل.

والحاصل: إنّ مقتضی انحلال العموم هو ثبوت ما علی الْیَد فی ذمة صاحب الید بماله من اللون من کونه مع المنفعة أو بلا منفعة ومع البدل أو مع عدمه وحیث انّ استقرار المال علی ید الغاصب الأوّل یکون بلا بدل فیکون ثبوته فی ذمته أیضا کذلک بلا بدل وحیث أنّ قرار الضمان علی الضامن الثانی یکون بعد ثبوت بدله فی ذمة الضامن الأوّل فیکون ثبوته فی ذمة الثانی بما له من البدل ونتیجة هذا صحة رجوع المالک إلی الضامن الثانی کصحة رجوعه إلی الضامن الأوّل لکون الثانی ضامنا للمالک کالأوّل وصحة رجوع الضامن الأوّل إلی الثانی إذا رجع المالک إلیه بعد تأدیة ما فی ذمته إلی المالک بمقدار ما أدّی وعدم صحة رجوع الضامن الثانی إلی الأوّل إذا رجع المالک إلی الثانی فیما إذا لم یکن فی البین غرور.

ص:260

وقد تحصل أنّ الاستدلال بعموم علی الید لإثبات الضمان الطولی بالمعنی المتقدم فی الأیادی المتعاقبة المصحح لمذهب المشهور من صحة رجوع المالک إلی کلّ من تلک

الأیادی وصحة رجوع کلّ سابق إلی لا حقه إذا رجع المالک إلی السابق والمترتب علیه الفروع الآتیة یتم بأمرین: احدهما إنّ ثبوت الضمان لایتوقف علی تلف العین بل هو ثابت مع وجودها أیضا إلاّ أنّ فعلیة الضمان وظرف مطالبة المالک عن الضامن بالمثل أو القیمة هو ظرف التف. وثانیهما إنّ مقتضی انحلال عموم علی الید وتخصص کلّ حکم من تلک الأحکام المنحلة بموضوعه علی ما هو علیه هو ثبوت ضمان العین علی الید فإن کان مع البدل فمع البدل وإن کان بلا بدل فبلا بدل وبعد تمامیة الأمرین نقول قرار العین علی ید الضامن الأوّل یکون بلا بدل فیضمنه الضامن الأوّل بلا بدل وقرارها علی ید الضامن الثانی یکون بعد ثبوت بدلها علی ذمة الضامن الأوّل فیضمنه الضامن الثانی بما له بدل فی ذمة الضامن الأوّل والحاصل إنّ مال المالک إذا استقر علی ید الضامن الثانی بعد قرار بدله فی ذمة الضامن الأوّل یحتمل أنْ یکون قرار ضمانه فی ذمة الضامن الثانی مع قطع النظر عن ثبوت بدله فی ذمة الضامن الأوّل فیکون الضامن الثانی ضامنا للمالک فی عرض ضمان الضامن الأوّل وهذا معنی الضمان العرضی ویحتمل أن یکون ما ثبت بدله فی ذمة الضامن الأوّل ثابتا فی ذمة الضامن الثانی مع ماله من لون ثبوت بدله فی ذمة الأوّل فیکون الضامن الأوّل ضامنا للمالک ماله والضامن الثانی ضامنا للمالک ماله الذی ثبت ضمانه علی الأوّل وهذا معنی الضمان الطولی فیکون ذمة الثانی مخرجا لما فی ذمة الأوّل.

هذا بحسب عالم الثبوت وأمّا بحسب مرحلة الاثبات فالمتعین هو الاحتمال الأخیر وذلک لوجوه الأوّل: استحالة الضمان العرضی مع تعدد الضمناء بالبیان المتقدم حیث أثبتنا استحالة کون مال واحد فی ذمتین عرضا کاستحالة قراره فی مکانین خارجیین. الثانی: انحلال عموم علی الید بأحکام متعددة حسب تعدد موضوعاتها واختصاص کلّ حکم بموضوعه بماله من الخصوصیات وقد تقدم شرحه. الثالث: اطلاق دلیل علی الید فان مقتضی إطلاقه اشتغال ذمّة کلّ ذی ید بما حصل عنده علی ما هو علیه فتجرید المال عن کونه فی ذمة الضامن الأوّل وإثباته فی ذمة الضامن الثانی مجردا عن

ص:261

تقیده بالثبوت فی ذمة الأوّل کما کان ثابتا فی ذمة الأوّل مجردا عن التقید بثبوته فی ذمة اُخری یحتاج إلی مقید لإطلاق دلیل الید مفقود حسب الفرض ومع عدم ما یوجب التقیید یکون المحکم هو الإطلاق. وممّا ذکرنا ظهر الفرق المتقدم إلیه الاشارة بین الضمان الحاصل بسبب الید وبین الضمان الحاصل بسبب العقد أو الغرور حیث أنّ تعدد الضمناء لا یتصور إلاّ فی الأوّل دون ضمان الغرور والعقد وأنّ التعدد فی ضمان الید طولی لا

عرضی وانْطَبَقَ ما تصورناه فی مرحلة الثبوت علی مادلّ علیه الدلیل فی مرحلة الإثبات وبه تم مذهب المشهور واندفع جمیع ما یتصور فی المقام من الإشکالات»(1).

اعتراض السیّد الخوئی علی أُستاذه النائینی
اشارة

قال: «ولکنّه ممّا لا یمکن المساعدة علیه لا بحسب المبنی ولا بحسب البناء.

أمّا فساد ما أفاده بحسب المبنی: فهو من أجل أنّ الوجوب الکفائی عنده قدس سره لیس عبارة عن الوجوب المشروط بعدم امتثال الآخر، بل هو سنخ من الوجوب یغایر الوجوب المشروط وتوضیح ذلک الإجمال: أنّ المولی تارةً یری المصلحة فی خصوص فعل معیّن ویقوم غرضه به علی نحو التعیین، فیتعلّق شوقه به تعیینا لأنّه مقتضی کون الفعل ممّا یقوم به غرضه سیّما علی المسلک المشهور من تبعیة الأحکام للمصالح أو المفاسد فی متعلّقاتها، وهذا یعبّر عنه بالوجوب العینی وهو واضح.

واُخری یری المولی المصلحة فی کلِّ واحدٍ من الفعلین علی نحو یتساویان فی إفادة الغرض، وکلّ واحد من الفعلین یقوم بغرضه ویفی به، وفی مثل ذلک لا وجه لتعلّق شوقه بأحد الفعلین علی التعیین، لأنّه ترجّح بلا مرجّح وهو مستحیل، فلابدّ من أن یتعلّق شوقه بأحدهما علی نحو التخییر کما فی مثل الکفّارات الثلاث ویعبّر عنه بالوجوب التخییری.

ومنه یظهر الحال فی تصویر الوجوب الکفائی وأنه إذ رأی المصلحة فی فعل معیّن من غیر خصوصیة للفاعلین فی تحصیل غرضه کما إذا کان المولی عطشانا فأمر أحد

ص:262


1- 1 . المکاسب والبیع 2/(296-283).

غلمانه العشرة بسقیه ومجیئه بالماء بأن یقول فلیجئ أحدکم بالماء، لایمکن أن یتعلّق شوقه باتیان أحدهم علی نحو التعیین، إذ لاوجه للترجّح من غیر مرجّح، بل یتعلّق شوقه بإتیان أحدهم علی نحو التخییر، فالفرق بین الکفائی والتخییری أنّ فی الکفائی تلغی خصوصیات الفاعلین وفی التخییری تلغی خصوصیات الأفعال.

وکیف کان، فلیس الوجوب الکفائی عنده عبارة عن الوجوب المشروط بعدم امتثال الآخر حتّی یستشکل بذلک فی تصویره فی الضمان. وبناء علی ما ذکرناه لا مانع من تصویره فی المقام، کما یمکن تصویر الوجوب التخییری فیه، فإنّه کما لا مانع من أن تتحقّق فی ضمان أحد الأشخاص لمال معیّن، هذا کلّه بحسب المبنی.

وأمّا فساده بحسب البناء: فلأنّا لو أغمضنا عمّا أشرنا إلیه آنفا وبنینا علی أنّ الوجوب الکفائی عبارة عن الوجوب المشروط بعدم إتیان الآخرین، فلا مانع من تصویر مثله فی الضمان فی الأیادی المتعاقبة، وذلک لأنّ الشرط حینئذ لیس عبارة عن عدم ضمان الآخرین حتّی یقال إنّ مرجع ذلک إلی أنه لا ضمان فی شخص منهما فعلاً، لأنّا إذا قُلْنا بضمان هذا الشخص فذاک غیر ضامن کما أنه إذا قلنا بضمان الثانی فالأوّل لیس بضامن، بل الشرط إنّما هو عدم امتثال الآخر فی التکالیف وعدم أداء الآخر ما فی ذمّته فی الضمان، إذ لو علّقنا الوجوب فی حقّ أحدهما علی عدم الوجوب للآخر منهما، فکما لایعقل ذلک فی الضمان لرجوعه إلی عدم ضمان شخص منهما فعلاً، کذلک لایعقل ذلک فی الواجبات والأحکام التکلیفیة لأنّ مرجعه إلی عدم الوجوب بشیء منهما فعلاً، لأنّا إذا حکمنا بوجوبه علی هذا الشخص فالآخر غیر واجب علیه کما إذا حکمنا بوجوبه علی ذاک الشخص فعلی الأوّل غیر واجب ولایمکن أن یکون الفعل واجبا علیهما معا.

وکیف کان، فالشرط إنّما هو عدم امتثال الآخر للأمر فی الوجوب الکفائی وفی الضمان الکفائی عبارة عن عدم أداء الآخر للبدل، وعلیه فکما یعقل تصویر الکفائی فی الأحکام التکلیفیة کذلک یعقل تصویره فی الضمان، إذ لا مانع من أن یحکم بضمان هذا الشخص لو لم یؤدّ الثانی البدل، ویحکم بضمان ذاک إن لم یؤدّه الأوّل منهما، فیکون ضمانا مشروطا بعدم أداء الآخر، وهو ممّا لا محذور فیه.

ص:263

بل لو فرضنا أنّ شخصین تصرفا فی مال الغیر فی زمان واحد من دون أن یسبق أحدهما الآخر فی وضع یده علیه، لا یمکن فیه الالتزام إلاّ بضمان أحدهما علی نحو التخییر والوجوب الکفائی، إذ الحکم بضمانهما معا غیر صحیح، لأنّ المال الواحد لا معنی أن یکون له بدلان، والحکم بعدم ضمانهما بوجه ممّا لا یمکن التفوّه به فیتعیّن أن نحکم بضمان أحدهما لا علی نحو التعیین، فهذا الشخص محکوم بالضمان مشروطا بعدم أداء الثانی البدل کما أنه محکوم به إن لم یؤدّ بدله الضامن الأوّل.

فالمتحصّل من جمیع ذلک: أنّ ما أفاده شیخنا الأنصاری قدس سره من تصویر الضمان الکفائی فی الأیادی المتعاقبة هو الصحیح، وأنّ مسلک العامّة فی باب الضمان أمر ممکن وغایة ما هناک أنه لم یقم علیه دلیل فی باب الضمان، بخلاف المقام فالالتزام به فی المقام ممّا لا مانع منه، وهذا بخلاف الالتزام به فی باب الضمان لعدم الدلیل علیه هناک، بل الدلیل قائم علی عدمه فی ذلک الباب.

نعم یظهر من بعض کتب العلاّمة(1) قدس سره أنّ مسلک الجماعة أمر غیر معقول، إلاّ أنّک عرفت أنه أمر یمکن غایة الأمر أنّ الدلیل لم یساعده فی باب الضمان...»(2).

مناقشة السیّد الخوئی فی بیان الأُستاذ المحقّق _ مدظله _

قال: «یرد علی السیّد الخوئی قدس سره أوّلاً: أنّه بناءً علی تصویر تعلّق التکلیف بالکلّی مع الغص عن صحته وعدمها فی الواجب الکفائی فهو غیر منطبق فی باب الضمان، لأنّ تحقّق ا لضمان مبنیٌّ علی أربعة قواعد وهی: أقوائیة السبب عن المباشر وقاعدة الإتلاف وقاعدة الغرور وقاعدة الید. ومن المعلوم أنّ موضوع الضمان قائم بالشخص، أمّا السبب فقائم بالوجود الشخصی ومن المستحیل قیام السبب بالشخص والمسبَّب بالطبیعی والکلّی لاستلزامه تخلّف السبب عن مسبّبه والحکم عن موضوعه، واعتبار ضمان الإتلاف الصادر عن الشخص کلّیّا یعنی استلزام تعلّق الضمان بالطبیعی عند صدور الفعل

ص:264


1- 1 . راجع التذکرة 2/93، البحث الرابع، النظر الأوّل (14/343).
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/(103-101).

عن الشخص وهو ممنوع. لأنّ المستولی هو الشخص دون الطبیعة ولو سُلّم فإنّ المستولی حصة الطبیعة دون الطبیعة بنفسها، وموضوع الضمان فی قاعدة الید هی الید المستولیة علی العین دون الطبیعة أو حصّتها.

وثانیا: حتّی لو سلّمنا إمکان قیام السبب بالوجود الشخصی والمسبب من خلال الکلّی ونعنی بذلک قیام السبب بالشخص والحکم بالطبیعة فإن مشکلة وهی تعدّد الضمان ووحدة المضمون لاتزال(1) باقیة، کما إنّ الالتزام بأنّ الضمان یتعلّق بالکلّی ویسقط بأداء الفرد عاجزُ عن رفعها، لأنّ أداء الفرد المسقِط لضمان الکلّی فرعُ اشتغال ذمّة الفرد وضمانه، ولولاهما لما سقط ضمان الکلّی، وهکذا یعود الإشکال مرّةً اُخری، حیث أنّ مصادیق الکلّی متعدّدة وکلّ واحدٍ منها یعدّ بأداءه مسقطا للضمان عن بقیّة مصادیق الکلّی، وهکذا تتعدّد الذمم الضامنة مع وحدة المضمون.

وثالثا: إنّ قیاس المقام مع ملکیّة الکلّی، یعدّ قیاسا مع الفارق، فالملکیّة فی الأخیرة قائمة باعتبار المعتبِر، سواءً کان الجاعل المعتبر شارعا أو غیره، فیعتبر العرف الملکیّة لعنوان کلّی کالأوقاف والوصایا العامّة، الموضوعة ویرتّب علیها الأثر کعنوان الإمام وابن السبیل والفقیر، فإنّ المالک فی هذه الموارد عنوان کلّی ذات مصادیق عدیدة،

ولا مانع من ذلک، لأنّ سبب الملکیّة الکلّیة حاصل من خلال جعل الجاعل واعتباره، فمن حقّه الجعل والاعتبار، فقد یکون کلیّا وقد یکون جزئیّا، فإذا کان کلیّا کانت مصادیقه کلّی الأفراد المنطبقة علیها العنوان المجعول، أمّا إذا کان السبب المجعول جزئیّا قائما بالشخص، فحینئذٍ لایعقل فرض المصادیق المجعولة کلیّا برغم جزئیّة السبب کما فی المقام، حیث أنّ عنوان الضمان متعلّقٌ بخصوص ذمّة المستولی علی المال، ولذلک کان الصحیح أن یُقاس المقام بباب الحیازة _ حیث أنّ سببها قائمٌ بالشخص وهو الرجل المعیّن الذی یقوم بعملیّة الحیازة _ دون الملکیّة الکلّیة.

ورابعا: أمّا تنظیره المقام بباب الواجب الکفائی، وتصویر الضمانات المتعدّدة

ص:265


1- 3 . فی المصدر: «تضلّ».

لمضمون واحد بنحو الوجوبات المتعدّدة فی الواجب الکفائی، بأن یکون ضمان کلّ واحد مشروطا بعدم أداء الآخر لا بعدم الآخر لیستلزم المحال، فممنوعٌ لجهتین:

الجهة الأولی: استلزام القول به فسادا لا یمکن الالتزام به، وهو ما أشار إلیه المحقّق النائینی فی مباحثه الأصولیّة، من أنّه لو اعتبرنا التکلیف بغُسل المیّت متوجّها إلی کلّ فرد بشرط عدم قیام غیره بذلک، فإنّ تالیه الفاسد ترتّب التکلیف علی کلّ فرد عند ترک الجمیع، وصیرورة کلّ فرد موضوعا للوجوب العینی، بعد انقلاب الواجب الکفائی إلی الواجب العینی، وتلافیا لهذا الإشکال اضطرّ المحقّق النائینی إلی الإلتزام بالإرادة المردّدة(1) فی مثل الواجبات الکفائیّة، وبالتالی فلو شرطنا الضمان فی المقام بعدم أداء الآخر، فإنّ لازمه ثبوت الضمان بعدد جمیع الأیادی عند امتناع الجمیع عن الأداء، وهو کرٌّ علی ما فرَّ منه. والعجب أنّ السیّد الخوئی لم یتعرّض لهذا الإشکال والإجابة عنه، بل اعتمد علی هذا المبنی الفاسد فی ردّه علی المحقّق النائینی، وفی اعتقادی أنّ سبب إعراض النائینی وتأکیده علی مبناه المذکور، فراره عن هذه الملازمة الفاسدة.

الجهة الثانیة: حتّی لو سلّمنا الواجب الکفائی حسب تصویر المحقّق النائینی، واعتبرنا جمیع الأیادی ضامنة بشرط عدم الأداء، فهو برغم ذلک غیر کافٍ فی دفع الإشکال، لأنّ الأداء وعدم الأداء فرعی ثبوت الضمان، ومادام لا ضمان لا یعقل تحقّق موضوعی الردّ والأداء.

وبعبارة أُخری: یجب أوّلاً تحقّق الضمان بقاعدة الید، لیأتی بعده للحدیث عن أداء الضامن وعدم أداءه.

ومع ملاحظة هذه المقدّمة، فإنّ اشتراط ضمان کلّ واحدٍ بعدم أداء الآخر، یستلزم الدور الممنوع، لأنّ ضمان کُلِّ فَرْدٍ یتوقّف علی عدم أداء الآخر وبالعکس، فضمان الأوّل متوقّف علی عدم أداء الآخر الذی هو متفرّعٌ بنفسه علی ضمان الأوّل، وهذا دورٌ مع

ص:266


1- 1 . الارادة المرددة تحقّق فی موردین: أ: فی ما إذا کان وجود المتعلّق وجودا قائما بالإرادة المردّدة مع تعیّن المراد کما فی الواجب التخییری. ب: فی ما إذا کان وجود المتعلق وجودا قائما بالإرادة المرددة مع تردّد المراد کما فی الواجب الکفائی.

الواسطة، لتوقّف ضمانه علی عدم ضمان الأوّل، وکذلک الأمر فی الطرف الآخر، وبالتالی فضمان کلّ طرف متفرّع علی ضمان الطرف الآخر، ممّا یستلزم الدور الْمُحال»(1).

حلّ المشکلة فی بیان المحقّق الخراسانی ونقده

قال قدس سره فی حاشیة مکاسبه: «والتحقیق أن یقال: إنّ قضیة «علی الید» لیس إلاّ کون المأخوذ فی تعاقب الأیدی العادیة فی عهدة کلّ واحدة منها عینا، کما إذا کانت وحدها، وهی لیست إلاّ اعتبار خاص عقلائی له منشاء مخصوص وله آثار خاصة، من وجوب ردّ العین عینا لو کانت الید واحدة، وکفائیا لو کانت متعددة، ووجوب التّدارک بالبدل مع تعذّر ردّها، أو تلفها من دون اشتغال الذّمة به أصلاً، لا حال التّمکن من الرّد، کما هو واضح، ولا حال التّعذر، أو التّلف، وذلک لبقاء ضمان العین وعهدتها، لعدم مجیء الغایة، وهی التأدیة، ولذا یجب فی صورة التّعذر، لو تدارک ردّ العین نفسها إذا تمکن منه، وکذا مع التّلف، لو اتّفق علی خلاف العادة، تمکنّه من ردّها، ومعه لاوجه، ولا سبب لاشتغال الذّمة ببدلها، کما لایخفی، کی یلزم اشتغال ذمّة المتعدّد ببدل واحد المستلزم لکون المتعدّد بدلاً عن الواحد، ولایکاد یکون بدل الواحد، إلاّ الواحد، وأمّا کون الواحد فی عهدة المتعدّد، بحیث یجب علی کلِّ واحد کفائیّا، ردّه إلی مالکه، وتخییر المالک فی الرجوع إلی الکلِّ، فهو بمکان من الإمکان، کما هو قضیة (علی الید).

وامّا حدیث جواز رجوع الید السّابقة إلی اللاحقة، لو رجع إلیها المالک، المستلزم لکون قرار ضمان التّالف علی مَنْ تلف عنده، مع المساواة فیما هو سبب الضمان، فهو أیضا من آثار حدوث سبب ضمان ما کان، فی ضمان الآخر، لواحد آخر، وأحکامه عند العرف، ویؤیّده الاعتبار، ولم یردع عنه فی الأخبار؛ فلابدَّ من الاِلْتِزامِ به شرعا، کما هو الحال فی جلّ أحکام الضمان، حیث انّه لاوجه له إلاّ الثّبوت عرفا، وعدم الرّدع عنه

شرعا، وکشف ذلک عن إمضاء الشارع، فیما إذا أطلق دلیل الضّمان، فتدبر جیّدا؛ وقد

ص:267


1- 1 . العقد النضید 4/(48-45).

انقدح بذلک ما فی کلامه من مواضع النظر، کما یشیر إلیه»(1).

ولکن یرد علیه أوّلاً: لیس ضمان الید عقلائیا ولاسیّما مع تعاقب الأیادی علی وجه یفتی به الأصحاب _ قدس اللّه أسرارهم _ فلابدّ من الرجوع إلی قاعدة الید التعبدیة.

وثانیا: ما ذکرهُ قدس سره لایرفع الإشکال ولاسیّما علی مسلکه فی الواجب الکفائی من أنّه سنخ وجوب متعلَّق بالکلِّ ولو أتی الجمیع به یکون الکلّ ممتثلاً(2) فإنّ تعلّق التکلیف علی کلِّ واحدٍ بأداء البدل عرضا، یلزم منه تعدّد البدل لشی ءٍ واحد. فیرد الإشکال حتّی مع عدم اشتغال الذمم.(3)

وثالثا: ما ذکره قدس سره : من أنّ ذمم الأیادی المتعاقبة جمیعها ضامنة للعین دون البدل مع فرض وجودها ومع تلفها علیهنَّ تدارک العین من المثل أو القیمة والعین واحدة وتدارکها واحد، ولکن یرد علیه: من أنّ هناک تکالیف متعددة علی رغم وحدة العین والتدارک والمضمون والمؤدّی فیعود الإشکال لأنّ مع فرض وحدتها یجب ردّ واحد بتکلیف واحد لا تکالیف متعددة بالردّ.

ورابعا: مع فرض وجود العین لا یمکن فرض ضمانها علی الذمة واشتغال الذمة بها، لأنّه یجب ردّها، ولکن مع فرض تلفها فلابدّ من اشتغال الذمم بتدارکها من المثل والقیمة فیعود إشکال تعدد المضمون والبدل فی مقابل مال واحد.(4)

حلّ المحقّق العراقی ونقده

قال قدس سره فی رسالته المستقلة فی بحث تعاقب الأیدی ما نصه: «ولکن أنت خبیر بأنّ أصل الشُّبْهَة لا موقع لها، فضلاً عمّا التزموا به فی جوابها. وذلک لأنّ الغرض من تعدّد البدل إن کان ما یقوم مقام المبدل فعلاً فهو فی غایة المتانة، ولکن ما علی الأیدی قبل أدائها إلی المالک لا یقوم مقام مبدله إلاّ بعد أدائه المسقط للبقیّة بلا تصوّر تعدّد فی هذا المقام. وإن

ص:268


1- 1 . حاشیة المکاسب /82 و 83.
2- 2 . کفایة الأصول /177.
3- 3 . الإشکالان الأوّلان للسیّد الخمینی رحمه الله فی کتاب البیع 2/480.
4- 4 . الإشکالان الأخیران للأُستاذ المحقّق _ مدظله _ فی العقد النضید 4/49.

کان المقصود عدم تعدّد ما یصلح للوفاء بغرض المبدل، فإنکاره مساوق إنکار البداهة، إذ إمکان تعدّد الأبدال لشیء واحد بهذا المعنی کالنار علی المنار، ولذا تری لکلّ دواء

ومسهل أبدال متعدّدة، والمفروض أنّ ما علی الأیدی المتعدّدة لیس إلاّ البدل بهذا المعنی لا بالمعنی السابق، کما عرفت.

فإن قلت: ظاهر «علی الید ما أخذت» أنّ نفس العین الشخصیّه علی أیدی متعدّدة لا أبداله، وحینئذٍ یلزم محذور آخر أشدّ من المحذور السابق، وهو أنّه کیف یتصوّر لشیء واحد شخصی وجودات متعدّدة أو أمکنة مختلفة؟

قلت: ما اُفید کذلک لو کان ما علی الأیدی المتعدّدة وجودات حقیقیّة متعدّدة، ولیس کذلک، بل غایة ما فی الباب اعتبار وجودات شخصیّة بتعدّد الأیدی علیها، وتصوّر الوجودات المتعدّدة الاعتباریّة أیضا لشیء واحد فی الوضوح کالشمس فی رابعة النهار. وحینئذٍ فلا قصور فی اعتبار وجود للعین علی کلّ واحدة من الأیدی مستقلاًّ ویقال بأنّ علی کلّ یدٍ وجود شخص «ما أخذت» بالعنایة المزبورة. وبهذه العنایة لا یُحتاج إلی الالتزام بتغییر سیاق العامّ بین من بیده التلف وغیره بجعل الخطاب فی الأوّل وضعیّا وفی غیره تکلیفیّا، ولا إلی الالتزام بوحدة الوجود وتعدّد الإضافة، خصوصا مع أنّ الظاهر من العامّ أنّ ما «علی الید» عین «ما أخذت» لا إضافته بالجملة، فلا قصور فی اعتبار تعدّد وجود «ما أخذت» حسب تعدّد الأیدی بلحاظ تعدّد الأبدال القائمة علیها وبملاحظة أنّ وجود البدل نحو وجودٍ للمبدل، وهذه الجهة هی مصحّح العنایتین فی وجودات العین علی حسب تعدّد الأیدی»(1).

«ویرد علیه: ببطلان قیاسه المذکور، حیث لا مجال لقیاس الاُمور التشریعیّة بالاُمور التکوینیّة، إذ لا مانع فی الأخیرة من جعل أبدال متعدّدة لها برغم وحدة الشیء، وهذا بخلاف الاُمور التشریعیّة، حیث یستحیل أن یتعدّی التشریع عن الملاک، أو أن

ص:269


1- 1 . رسالة فی تعاقب الأیدی /2 و 3، المطبوعة مع قضاء المحقّق العراقی، المطبوعتان فی ضمن کتاب بحوث فی القضاء فی ضمن منشورات جماعة المدرسین بقم المقدسة.

تکون دائرته أضیق من الملاک، وبالتالی إذا لاحظنا ملاک التشریع فی تلف مال الغیر، نجد أنّ الرکیزة والعلّة الأساسیّة التی لأجلها شُرّع بدل المثل فی المثلی والقیمة فی القیمی، هو تدارک فوت العین، وجعل ما یسدّ الخلل الحاصل من فوتها، ومن المعلوم أنّ ذلک لا یتحقّق إلاّ بجعل البدل الفعلی دون الإنشائی، والمفروض وحدة البدل الفعلی، ولذلک یعدّ اعتبار القیم أو الأمثال المتعدّدة وتعلّقهما بذمم مختلفة، برغم وحدة البدل الحقیقی الفعلی أمرا خارجا عن الملاک التشریعی المذکور، فیعود الإشکال مرّةً اُخری، لأنّ الذی فیه

الملاک لیس إلاّ قیمة واحدة أو مِثْل واحد، فیصبح فرض المتعدّد من الذمم المشتغلة بالقیم والأمثال ممنوعا»(1).

جواب المحقّق الإیروانی قدس سره لحلّ الإشکال

قال: «اعلم: أنّ العین فی صورة توارد الأیدی إمّا تکون قائمةً أو تالفةً.

لا إشکال علی الأوّل وأنّ کلّ من جرت یده علیها مکلّف بالأداء ومع حصول الأداء بفعل واحد منهم أو من غیرهم حتّی بمثل إطارة الریح یسقط التکلیف بالأداء.

وأمّا علی الثانی فإمّا أن یکون فی البین غرور أو لا.

لا إشکال علی الأوّل وأنّ قرار الضمان یکون علی الغارّ.

وأمّا علی الثانی فإمّا أن یکون التلف بإتلاف متلف من ذوی الأیدی أو من غیرهم أو لا.

لا إشکال علی الأوّل وأنّ الضمان یکون قراره علی المتلف.

و أمّا علی الثانی فقد حکموا بأنّ قرار الضمان یکون علی من تلفت العین فی یده بعد اشتراک جمیع فی أصل الضمان ولکن مدرک ذلک غیر واضح بل لا وجه لذلک بعد اشتراک الجمیع فی أصل الضمان وسببه وهو الید، بل هناک إشکال آخر یعمّ جمیع صور توارد الأیدی، وهی هذه الصورة منضمة إلی الصور السابقة.

وحاصل الإشکال: هو أنه کیف یعقل ضمان أشخاص متعددّین وإشغال ذممهم

ص:270


1- 1 . العقد النضید 4/50.

ببدل واحد؛ فإنّ اشتغال ذمم متعددّین بالبدل یتصوّر علی وجوه:

الأوّل: ثبوت أبدال متعددّة فی ذمم متعددّة علی أن یکون کلّ ذمّة مشغولة ببدل تامّ.

الثانی: ثبوت بدل واحد فی ذمّة الجمیع علی سبیل التوزیع والتقسیط، فیشتغل کلّ ذمّة بجزء من ذلک البدل، وتشتغل الجمیع بنسبة عددهم أو لا بتلک النسبة.

الثالث: ثبوت بدل واحد معتبر فی ذمّة هذا ثمّ فی ذمّة ذلک وهکذا إلی الآخر.

الرابع: ثبوت بدل واحد علی سبیل البدل فی ذمم أشخاص متعددّین.

فهذه أربع صور، لا إشکال فی معقولیّة الأولیین، إلاّ أنه لایلتزم بهما أحد ولا تساعد علیهما الأدلّة.

وأمّا الثالثة: فهی غیر معقولة، ولازمها أنْ تکون الذمم المتعددّة ذمّة واحدةً، ومثلها فی عدم المعقولیّة الصورة الرابعة، وقیاسها علی الواجب الکفائیّ فیکون هنا الوضع متعلّقا بواحد علی سبیل البدل کما هناک التکلیف متوجّه إلی واحد علی سبیل البدل باطل؛ فإنّ التکلیف أیضا لا یعقل أن یتعلّق بواحد علی البدل، والّذی یعقل هو تکلیف الکلّ، ولکن سقوطه عن البقیّة بإتیان البعض ولو جری مثله فی المقام لزم استحقاق المالک لأبدال متعدّدة لو اجتمع الکلّ علی أداءِ ما فی ذمّتهم، کما یحصل الامتثال بفعل الجمیع لو اتّفق الکلّ علی الامتثال فی الواجب الکفائیّ، لکن ذلک باطل هنا، ولا یلتزم به أحد؛ إذ لا یستحقّ المالک فی جمیع الحالات أزید من بدل واحد.

نعم، یمکن أن یقال باشتغال ذمّة کلّ واحد بدفع ما یسدّ مَسَدَّ العین، وهذا ممّا لا ینطبق علی أزید من بدل واحد، فلو اجتمع الکلّ علی دفع أبدال لم ینطبق عنوان البدل إلاّ علی واحد من تلک الأبدال المدفوعة، ولم یکن للمالک قبض الجمیع بعنوان البدلیّة بل له قبض واحد منها بذلک العنوان، وأیّا منها قبض کان هو البدل وردّ البقیّة إلی أهلها، فحصل الفرق بین المقام وبین الواجب الکفائیّ؛ فإنّ المطلوب من کلّ واحد من المکلّفین هناک هو الطبیعة، وهی تتحصّل فی ضمن أفراد کما تتحصّل فی ضمن واحد بخلاف البدل السادّ مسدّ العین هنا؛ فإنّه لا ینطبق علی أزید من بدل واحد، وذلک الواحد یتعیّن بقبض المالک،

ص:271

کما یتعیّن الحقّ فی کلّ مقام بقبض ذی الحقّ.

والحاصل، أنّ التکلیف بأداء البدل متوجّه إلی الکلّ والذمّة مشغولة من الکلّ، فیجب علی الکلّ تفریغ ذمّته، ولکن الفراغ یحصل بقبض المالک للمال بعنوان البدلیّة، نعم لو قبض الکلّ علی أن یکون واحد منها لا علی التعیین هو البدل أشکل الأمر وحصل الاشتباه والتردّد فی کلّ من الأبدال المدفوعة بین أن یکون مالکه هو أو مالکه هو المالک الأصلیّ، فصار المتحصّل معقولیّة اشتغال ذمم الکلّ علی سبیل التعیین بدفع عنوان البدل، ولکن عنوان البدل عنوان لا ینطبق إلاّ علی بدل واحد، وإذا انطبق علی واحد ارتفع اشتغال الذمّة وارتفع التکلیف، لکن هذا کلّه فی مقام التعقّل.

وأمّا فی مقام الفعلیة ودلالة الأدلّة علیه فدلیل علی الید بناءً علی إفادته للضمان یدلّ علی ضمان الکلّ؛ لاستقلال الکلّ بالید علی العین، وأمّا السقوط بأداء البعض فذلک لیس قصرا فی دلالة الدلیل وتصرّفا فی ظاهره لیحتاج إلی القرینة، بل ذلک من باب ارتفاع الخطاب بارتفاع موضوعه فلا إشکال.

ثمّ، إنّ استفادة الضمان والعهدة من دلیل علی الید موقوف علی أن یکون المراد من الموصول فیه عنوان المال الّذی هو مأخوذ بأخذ العین الشخصیّة، أمّا إذا أرید العین الشخصیّة المأخوذة کان ظاهر الدلیل حینئذٍ مجرّد التکلیف بحفظ العین الشخصیّة المأخوذة حتّی یؤدّیها إلی مالکها، وکان ذلک أجنبیّا عن مسألة الضمان بل عن مسألة ثبوت التلکیف بردّ العین إلاّ علی تقدیر الردّ دون الحفظ، لکن تقدیر الرد والأداء لا یناسب الغایة وقوله: «حتی تؤدّی» فلا جرم یتعیّن تقدیر الحفظ وعدم التعدّی والتفریط فیما أخذت حتّی تؤدّی»(1).

محاولة المحقّق الخمینی قدس سره للإشکال

قال: «إنّ الضمان والغرامة وجبر الخسارة والبدلیة والعوضیة ماهیات لا تقبل التکرار، لا عرضا ولا طولاً فالغرامة لا یعقل أن تتکرّر، بحیث یقع لها مصداقان بصفة

ص:272


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(346-344).

الغرامة، فإذا کان علیه عشرة فأدّی عشرین، لا یعقل وقوع تمام العشرین بصفة الغرامة.

کما أنّه إذا أدّی العشرة لا یعقل أن تقع العشرة الثانیة غرامة وجبرانا وعوضا وبدلاً، بل فی المثال الأوّل تقع العشرة المشاعة غرامة، وفی الثانی یقع أوّل مصداق غرامة.

فإذا ضمن الإثنان أو الأکثر مال الغیر بضمان الید مثلاً، یقع علی عهدة کلّ المال بعنوان الغرامة، فتشتغل ذمّة کلّ منهما أو منهم بضمان البدل أو ضمان الخسارة، ولازم ذلک _ بعد عدم تعقّل التکرار فی الماهیّة _ أنّ کلاًّ منهم ضمن ما ضمن الآخر، أی المال بعنوان الغرامة.

کما أنّ لازم ذلک، هو أنّ کلاًّ منهم مکلّف بأداء الغرامة، لکن إذا اغترم أحدهم، سقط باغترامه عنوان الغرامة، والمفروض أنّ ما تعلّق بذمم الباقین، هو المال بعنوان الغرامة والبدلیّة لا غیر، فإذا سقطت البدلیّة والغرامة، ینتفی موضوع الضمان والغرامة.

فالإشکال لیس من ناحیة اشتغال الذمم، بل من ناحیة أنّ اللازم وجوب اغترامات کثیرة لشیء واحد، وقد عُلم أنّ ذلک غیر لازم من اشتغالات الذمم؛ لأنّ کلّ ذمّة مشتغلة _ مستقلّة _ بعنوان واحد لا یعقل التکرار فیه.

وهذا نظیر کفالة أزید من واحد عن شخص واحد، فإنّ کلاًّ کفیل مستقلاًّ، وعلی عهدة کلّ إحضار المکفول، ولکن عنوان الإحضار أمر غیر قابل للتکرار، ولا یعقل

إحضاران بعد کون المطلوب والمضمون صرف الوجود.

وهذا أمر موافق لاعتبار العقلاء وللأدلّة؛ فإنّ ظاهر «علی الید ما أخذت...»(1) أنّ کلّ أخذ سبب للضمان إذا تلف، فإذا تلف یضمن کلّ آخذ بضمان مستقلّ تعیینا، لکن ماهیّة الضمان تأبی التکرار.

وإن شئت قلت؛ کلّ منهم ضامن لما ضمنه غیره.

وممّا ذکرنا یظهر حال ضمان المهر؛ فإنّ المهر أیضا أمر لا یقبل التکرار، فالزوج

ص:273


1- 1 . مسند أحمد 5/8؛ سنن ابن ماجه 2/802، ح2400؛ سنن البیهقی 6/95؛ عوالی اللآلی 1/224، ح106، و 389، ح22، و 2/345، ح10، و 3/246، ح2، و 251، ح3؛ مستدرک الوسائل 14/7، کتاب الودیعة، الباب1، ح12، و 17/88، کتاب الغصب، الباب 1، ح4.

ضامن لما ضمنه الغارّ، والغارّ کذلک، وإذا أدّی کلّ منهما فی عرض الآخر، لا یقع تمام ما أدّیا مهرا، وهو واضح.

وربّما یقال: إنّ الواحد الذی یعتبر فی محالّ متعدّدة، تارة: یکون واحدا شخصیّا، واُخری: کطبیعیّ البدل واحدا طبیعیّا.

فالأوّل: لا تتبدّل وحدته بفرضها فی محالّ متعدّدة اعتباریّة، بخلاف الثانی، فإنّ طبیعیّ البدل یتحصّص بکلّ ذمّة، ومورد الإشکال هو البدل.

ففرض البدلیّة یقتضی الوحدة، وفرض تعدّد الذمم المقتضی لتعدّد الحصص مناف للبدلیّة.(1)

وفیه: أنّ تعدّد الذمم، لا یوجب تحصّص الطبیعیّ بعد فرض عدم إمکان التکرار فیه، وما یوجب التحصّص هو القیود اللاحقة بالطبیعیّ، لا اعتباره فی الذمم؛ إذ لیس الاعتبار فیها کالوجود الذهنیّ الموجب للتکثّر، ولا برهان علی أنّ الاعتبار _ کذلک _ مقتض للتحصّص.

بل الواقع علی خلافه؛ لأنّ الماهیّة غیر القابلة للتکرار إذا اعتبرت فی الذمم، تکون ما اعتبرت فی ذمّة عین ما اعتبرت فی الاُخری.

ولعلّ الخلط بین الوجود الذهنیّ والاعتباریّ فی الذمم، موجب للاشتباه، فلا فرق بین الواحد الشخصیّ والنوعیّ فی ذلک أصلاً.

مع أنّ فی الوجود الذهنیّ إذا تعلّق اللحاظ بنفس الماهیّة، أیضا کلاما»(2).

ص: 274


1- 2 . حاشیة المکاسب، للمحقّق الأصفهانی 2/311.
2- 3 . کتاب البیع 2/(475-473).

حکم الأیدی المتعاقبة بعضها بالنسبة إلی بعض

اشارة

قال الشیخ الأعظم: «وأمّا حال بعضهم بالنسبة إلی بعض فلا ریب فی أنّ اللاحق إذا رُجع علیه لا یرجع إلی السابق ما لم یکن السابق موجبا لإیقاعه فی خطر الضمان، کما لا ریب فی أنّ السابق إذا رُجع علیه وکان غارا للاحقه لم یرجع إلیه، إذ لا معنی لرجوعه علیه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له، فالمقصود بالکلام ما إذا لم یکن غارّا له...»(1).

أقول: أمّا حکم المسألة فهنا صورتان:

الأولی: اللاحق الدافع للبدل إلی المالک یرجع إلی السابق الغارّ، لرجوع المغرور إلی مَنْ غرّه. ولو دفع السابق الغار فلا یرجع إلی اللاحق المغرور إذ لا معنی لرجوع السابق الغار لللاحق المغرور بما لو دفعه اللاحق ضمن السابق ما دفعه لللاحق.

الثانیة: وهی العمدة أنّ اللاحق الذی تلف المال بیده بتلف سماوی _ لا الإتلاف لأنّ حکم المتلِف بقاعدة الإتلاف واضح _ إذا دفع بدل المال إلی مالکه لایحقّ له الرجوع إلی السابق ومطالبته بالبدل وأمّا السابق إذا دفع البدل إلی المالک یحق له الرجوع إلی اللاحق تلف المال بیده.

قال المحقّق: «ولو تعاقبت الأیدی الغاصبة علی المغصوب تخیَّرَ المالکُ فی إلزام أیِّهم شاءَ، أو إلزام الجمیع بدلاً واحدا»(2).

ص:275


1- 1 . المکاسب 3/508.
2- 2 . الشرائع 3/185.

وقال العلاّمة: «والأیدی المترتبة علی ید الغاصب أیدی ضمان، فیتخیَّر المالک بین أن یطالب الغاصب عند التلف ومَنْ تترتّب یدُه علی یده... ویستقر الضمان علیه إن تلف عنده فلا یرجع علی الأوّل لو رُجع علیه ویرجع الأوّل علیه لو رُجع علی الأوّل...»(1).

قال العلاّمة فی غصب التذکرة: «کلّ یدِ ترتّبت علی ید الغاصب فهی ید ضمانٍ، حتّی یکون للمالک الخیار فی المطالبة لِمَنْ شاء منهما، فإن شاء طالب الغاصبَ عند التلف، وإن شاء طالب مَنْ ترتّبت یده علی یده.

ولا فرق بین أن یکون الثانی عالما بالغصب أو لم یعلم فی ثبوت الضمان علیه؛ لأنّه أثبت یده علی مال الغیر بغیر إذنه، والجهل لیس مُسْقِطا للضمان.

ثمّ الثانی إن کان عالما بالغصب فهو کالغاصب من الغاصب، للمالک مطالبته بکلّ ما طالب به الغاصب، فإن تلف المغصوب فی یده فاستقرار الضمان علیه، فلو غرّمه المالک لم یرجع علی الغاصب الأوّل بشیءٍ؛ لأنّه ظالم بإمساک مال الغیر فی یده مع علمه بأنّه له، وقد حصل التلف فی یده، ولو غرّم الأوّل رَجَعَ علیه.

هذا إذا لم تختلف قیمة العین فی یدهما أو کانت فی ید الثانی أکثر، ولو کانت فی ید الأوّل أکثر لم یکن للمالک مطالبة الثانی بالزیادة، لأنّها تلفت فی ید الأوّل قبل الوصول إلیه، وإنّما یطالب الأوّل بها لا غیر ویستقرّ ضمانها علیه، فلیس له الرجوع علی الثانی بها، ولو رجع المالک علیه بالأصل والزیادة، کان له الرجوع علی الثانی بالأصل خاصّة دون الزیادة.

وإن جهل الثانی الغصب، فإن کانت الید فی وضعها ید ضمان _ کالعاریة مطلقا عند العامّة(2)، وفی صُوَر الضمان عندنا، والمأخوذ بالسوم والشراء صحیحةً وفاسدةً _ استقرّ الضمان علی الثانی.

ص:276


1- 3 . قواعد الأحکام 2/224.
2- 1 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.

وإن کانت یدّ أمانةٍ _ کالودیعة والعاریة فی غیر صُور الضمان، والإجارة والرهن والوکالة _ استقرّ الضمان علی الغاصب.

ومذهب أکثر الشافعیّة علی ما قلناه.(1)

ولهم وجهٌ آخَر فیما إذا کانت یدُه یدَ أمانةٍ وکان جاهلاً بالغصب، فإنه لایکون ضامنا، کما أنّه لایستقرّ الضمان علیه.(2)

ولهم وجهٌ آخَر فیما إذا کانت یدُه یدَ أمانةٍ، کالودیعة والإجارة وشبههما، فإنّه یثبت

قرار الضمان فیها وإن کان جاهلاً.(3)

[والقرض(4)] معدود من أیدی الضمان...»(5).

وقال صاحب الجواهر فی شرح قول المحقّق: «(ولو تعاقبت الأیدی الغاصبة علی المغصوب تخیر المالک فی إلزام أیّهم شاء أو إلزام الجمیع) أو البعض (بدلاً واحدا) علی حد سواء أو مختلفا بلا خلاف ولا إشکال، بل یمکن تحصیل الاجماع علیه، بل فی مجمع البرهان دعواه، لأن کلاً منهم غاصب مخاطب بردّ العین أو القیمة لقوله علیه السلام : ««کلُّ مغصوب مردود»(6). علی «علی الید ما أخذت»(7) وقوله تعالی: «فَمَنِ اعْتَدی عَلَیْکُمْ»(8) و «جَزاءُ سَیِّئَةٍ»(9) وغیرهما ممّا دلّ علی العقاب بمثل ما عوقب(10) وأن «الْحُرُماتُ قِصاصٌ»(11)

ص:277


1- 2 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.
2- 3 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.
3- 1 . العزیز شرح الوجیز 5/408، روضة الطالبین 4/99.
4- 2 . بدل ما بین المعقوفین فی النسخ الخطّیّة والحجریّة: «والقبض». وما أثبتناه کما فی العزیز شرح الوجیز 5/409 وروضة الطالبین 4/100.
5- 3 . تذکرة الفقهاء 19/184 و 185.
6- 4 . وسائل الشیعة 9/524، ح4، الباب 1 من أبواب الانفال. وفیه: «الغصب کلّه مردود».
7- 5 . مستدرک الوسائل 17/88، ح4، الباب 1 من کتاب الغصب، وسنن البیهقی 6/95.
8- 6 . سورة البقرة /194.
9- 7 . سورة یونس /27.
10- 8 . سورة النحل /126.
11- 9 . سورة البقرة /194.

ونحوه.

ولا فَرْقَ فی تعاقب أیدیهم بین کونه بصورة الضمان ببیع فاسد ونحوه وعدمه، نعم قرار الضمان علی من تلف المغصوب فی یده منهم، بمعنی أنه لو رجع المالک علی غیره رَجَعَ هو علیه مع فرض عدم زیادة فی العین یختص الأوّل بضمانها بخلاف ما لو رجع علیه نفسه، فانه لا رجوع له علی غیره، لأنّ ذمته المشغولة للمالک بالبدل وإن جاز له إلزام غیره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغلت ذمته به، فیملک حینئذ من أدیّ بأدائه ما للمالک فی ذمّته بالمعاوضة الشرعیة القهریة.

وبذلک اتضح الفرق بین من تلف المال فی یده وبین غیره الذی خطابه بالأداء شرعی لا ذمی، إذ لا دلیل علی شغل ذمم متعددة بمال واحد، فیحنئذ یرجع علیه ولا یرجع هو.

کما أنه اتضح لک أیضا جواز مطالبة الکل ببدل واحد علی السواء ومختلفا، لأنه إذا

جاز له مطالبة کلّ منهم بالجمیع فالبعض بطریق أولی، ویرجع حینئذ غیر من تلف المال فی یده علی من تلف المال فی یده بمقدار ما أدّی»(1).

وقال صاحب مفتاح الکرامة فی شرح قول العلاّمة «ویستقر الضمان علیه...»: کما فی التذکرة(2) وجامع المقاصد(3) والمسالک(4) والروضة(5) والکفایة(6) وهو قضیة کلام غیرهم، لأنّه ظالم بإمسالک مال الغیر فی یده مع علمه بأنّه له وقد حصل التلف فی یده فکانا متساویین فی کون کلٍّ منهما غاصبا، وانفراد الثانی بزیادة وهی کون التلف فی یده

ص:278


1- 1 . الجواهر 37/33 و 34.
2- 2 . تذکرة الفقهاء 19/184.
3- 3 . جامع المقاصد 6/225 و 226.
4- 4 . المسالک 12/156.
5- 5 . الروضة البهیة 7/27.
6- 6 . کفایة الأحکام 2/649.

فیختص ببدله، فلو رُجع علی الأوّل استحق الرجوع علیه دون العکس...»(1).

ثمّ إنّ هنا عویصة:

اشارة

وهی: إنّ دلیل الضمان هنا هو قاعدة علی الید ما أخذت حتّی تؤدی والقاعدة بإطلاقها تشمل کُلَّ مَنْ تم استیلاء یده علی المال، والاستیلاء وجعل الید علی المال مشترک بالنسبة إلی السابق واللاحق، فلماذا یُحکم برجوع السابق إلی اللاحق الذی تلف المال بیده فی تلف سماوی وعدم رجوع هذا اللاحق إلی ذاک السابِق؟!

نعم، لو کان اللاحق متلِفا لم یکن فی البین إشکال لأنّ قاعدة من أتلف مال الغیر فهو له ضامن تشمله، ولکن لیس هنا إتلاف بل تلف سماوی من دون إتلاف.

ولذا تصدی الأصحاب _ رضوان اللّه تعالی علیهم _ لحلّ هذه العویصة من سالف الزمان نتعرض لبعض حلولهم:

1_ جواب صاحب الجواهر رحمه الله
اشارة

مرّت مقالته حیث قال: «... وبذلک اتضح الفرق بین من تلف المال فی یده وبین غیره الذی خطابه بالأداء شرعی لا ذمّی، إذ لا دلیل علی شغل ذمم متعددة بمالٍ واحدٍ، فحینئذٍ یُرْجع علیه ولا یَرْجِعُ هو»(2).

مراده قدس سره : الغاصبون کلّهم مکلفون بردّ العین المغصوبة بقاعدة علی الید ولکن من تلفت العین بیده ذمّته مشغولة بأداء البدل ولذا یستقر الضمان علیه دون غیره.

بعبارة أُخری: غیر من تلف المال بیده مخاطب باخطابِ التکلیفی فقط _ وهو تلکیف بالأداء _ ولکن من تلف المال بیده مخاطب باخطابِ التکلیفی والوضعی معا فیستقر ضمان المال علیه وحینئذ یُرْجع علیه ولا یَرجع هو.

وبعبارة ثالثة: «أنّ الخطابات المتوجّهة إلی الغاصب الأوّل والثانی أعنی مَنْ تلف عنده المال لیست مِنْ سِنْخٍ واحِدٍ بلْ سِنْخان، فالخطاب المتوجّه إلی الأوّل إنّما هو مجرد

ص:279


1- 7 . مفتاح الکرامة 18/97.
2- 8 . الجواهر 37/34.

خطاب تکلیفی بأداء بدل المال من دون أن تکون ذمّته مشغولة به أبدا، وأمّا الخطاب المتوجّه إلی مَنْ تلف عنده المال وهو الغاصب الثانی مثلاً فهو خطاب وضعی وذمّته مشتغلة بالعوض، فإذا رجع المالک إلی الأوّل فهو یرجع إلی اللاحق لأنّه بأداء البدل یکون مالکا للتالف، ولا مانع من فرض الملکیة فی التالف والمعدوم کما فی الخیار فله أن یرجع إلی قیمته أو بغیرها من لوازم الملکیة، وأمّا إذا رجع المالک إلی اللاحق فهو لایرجع إلی السابق إذ لا اشتغال فی حقّه بشیء وإنّما کان الخطاب تکلیفیا فی حقّه وقد سقط بوصول المالک إلی حقّه، هذا»(1).

مُناقَشة الشیخ الأعظم لصاحب الجواهر
اشاره

ولکن ناقشه الشیخ الأعظم(2) بوجوه خمسة:

الأوّل: مستند الضمان هو قاعدة علی الید وهی مشترکة بین مَنْ تلف المال بیده وغیره فلماذا جعل قدس سره الخطاب الأوّل وضعیا وتکلیفیا معا، والثانی تکلیفیّا فقط؟

بعبارة أُخری: «أنّ مدرک الضمان لیس إلاّ قاعدة الید فی المقام، کما أنّ الخطاب المتوجّه للسابق واللاحق منحصر بها، وعلیه فکیف یکون الخطاب الواحد وهو قاعدة الید یعنی علی الید ما أخذت تکلیفیا بالاضافة إلی السابق ووضعیا بالاضافة إلی اللاحق؟!»(3).

وهذا الإشکال یرجع إلی مقام الإثبات.

الثانی: کیف یمکن تعلیل استقرار الضمان علی مَنْ تلف المال بیده بالفرق بین

الخطاب الوضعی والتکلیفی؟ وهذا الفرق کیف یعلل رجوع الغیر إلی من تلف المال بیده وأنّه لا یرجع إلی غیره؟ مع أنّ الخطاب الوضعی عند الشیخ الأعظم ینتزع عن الخطاب التکلیفی بأداء البدل وهو مشترک بین الجمیع.

بعبارة أُخری: هذا الإشکال «یرجع إلی مقام الثبوت فهو مبنیٌّ علی ما أفاده فی

ص:280


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/108.
2- 2 . راجع المکاسب 3/509 و 510.
3- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/109.

الاستصحاب من أنّ الأحکام الوضعیة منتزعة من الأحکام التکلیفیة، فالضمان حکم وضعی ینتزع عن إیجاب أداء البدل، فما معنی أنّ الحکم فی السابق تکلیفی وفی اللاحق وضعی مع أنّهما متلازمان»(1).

الثالث: تخصیص اشتغال الذمة بخصوص من تلف المال بیده خلافُ ما یعرف من عدم خلاف أحدٍ فی اشتغال ذمّة کلّ واحدٍ من ذوی الأیدی الغاصبة بالمال وأنّه لا یسقط إلاّ بأداء أحدهم أو إبرا المالک.

ثمّ ذکر الشیخ الأعظم(2) أربعة أحکام للدین تنظیرا بإثبات الحکم الوضعی واشتغال ذمّة الأیدی المتعاقبة ردا علی صاحب الجواهر رحمه الله بإثبات الخطاب الوضعی لمن تلف المال عنده فقط والخطاب التکلیفی لغیره وله.

[أ] یجوز إجبار المدیون علی أداء الدین ولو امتنع أجبره الحاکم وإلاّ دفع الحاکم عنه من ماله ویجوز للدائن استیفاء حقّه بنفسه عند تعذر الوصول إلی الحاکم أو معه وهو الذی یُسمی بالتقاص.

[ب] تقدیم الدین علی الوصیة إجماعیٌّ فی الآیة الشریفة(3) فلو أوصی بعض ذوی الأیدی فمات جاز للمالک مطالبة ورثته ببدل العین المضمونة حتّی لو تلفت بید شخص آخر واللازم علی الورثة أداء الدین ثمّ تنفیذ الوصیة وهذا یعنی اشتغال الذمة والحکم الوضعی لا مجرد وجوب الأداء تکلیفا.

[ج] فی بحث الإفلاس، إذا وجد الغریم عین ماله جاز له أخذها حتّی لو لم یکن سواها کما جاز له أن یضرب مع الغرماء بدینه، بأنْ یجعلها بین جمیع الغرماء حتّی یستوفی کل منهم حقّه بنسبة حصته.

وعلیه فلو رجع المالک إلی بعض الأیدی ووجده قد أفلس ولیس عنده إلاّ العین

المضمونة جاز له الضرب مع الغرماء بأن یجعل ما وُجد عند المفلّس مالاً مشترکا بین

ص:281


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/109.
2- 2 . المکاسب 3/510.
3- 3 . سورة النساء /12.

الدُّیّان، فیأخذ کلُّ منهم حصته منه کما جاز له أن یأخذ ماله بعینه.

[د] یجوز للدائن أن یتصالح مع المدیون علی ما فی ذمّته إمّا بعوضٍ أو مجانا، کی تبرأ ذمّة المدیون وکذلک فی المقام یجوز للمالک أن یُصالح مع أحد الغاصبین بعوض أو مجانا.

وجریان هذه الامور کُلَّها فی المقام شاهد علی کون المالک یملک ما فی ذمة الغاصبین وحینئذ لیس حکمهم حکما تکلیفیّا بَحْطا فی غیر من تلف المال بیده بل یجری فی حقّ جمیعهم الْحُکْمانِ: التکلیفیُّ وَالْوَضْعِیُّ معا.

وبعبارة أُخری: «إنّ الضامن السابق لو کان خطابه مجرّد حکم تکلیفی لما أمکن إخراج دینه من ترکته علی تقدیر موته، ولما صحّ أن یصالحه المالک علی ما فی ذمّته مع أنّهما صحیحان ثابتان، لجواز المصالحة علی ما فی ذمّته وإخراجه عن ترکته علی تقدیر موته، فلنا دلیل علی عدم کون الخطاب تکلیفیا فی حقّه، لا أنه مجرد عدم الدلیل، هذا»(1).

وهذا الإشکال أیضا یجری فی مقام الإثبات کالإشکال الأوّل.

الرابع: «تملّک غیر مَن تلف المالُ بیده لما فی ذمّة من تلف المال بیده بمجرد دفع البدل، لا یُعلم له سبب اختیاریٌّ ولا قهریٌّ»(2)، لأنّ الأوّل منتفٍ والثانی لا دلیل علیه ف_ «سقوط حقّ المالک عمّن تلف فی یده بمجرد أداء غیره، لعدم تحقّق موضوع التدارک بعد تحقّق التدارک»(3).

وبعبارة أُخری: «إنّ للملکیة أسبابا ولا تحصل بدونها أبدا، فإذا فرضنا العین تلفت وأدّی الضامن الأوّل بدلها فبأی سبب ملک [الضامنُ الأوّلُ] العینَ التالفةَ حینئذ، أفبالبیع أو الهبة أو بشیء آخر، والمفروض انتفاؤها بأجمعها، فلا وجه لانتقال المال إلی

ص:282


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/109.
2- 2 . المکاسب 3/510.
3- 3 . المکاسب 3/510.

ملک مَنْ أدّی عوضه کما لا یخفی، هذا»(1).

الخامس: لازم بیانه عدم رجوع السابق بعد أداء بدل التالف إلاّ إلی خصوص مَن

تلفت العین بیده، لا إلی کلِّ غاصب لاحق، مع أنّ الظاهر جواز رجوع مؤدِّی البدل إلی کلِّ واحدٍ من الغاصبین بعده «نعم، لو کان [المرجوع] غیر مَنْ تلف بیده فهو یرجع إلی أحد لواحقه إلی أن یستقرّ علی من تلف فی یده»(2).

وبعبارة اُخری: «إنّ لازم ما ذکره صاحب الجواهر قدس سره عدم جواز رجوع السابق إلی الثانی فیما إذا کان المال تالفا عند الثالث أو الرابع لأنه أیضا مثله فی عدم اشتغال ذمّته بشیء وخطابه تکلیفی حسب الفرض، بل لابدّ من أن یرجع إلی الضامن الأخیر الذی تلف عنده المال ابتداء مع أنّهم جوّزوا رجوعه إلی الثانی والثانی إلی الثالث وهکذا»(3).

دفاعٌ عن صاحب الجواهر قدس سره

حصیلة إشکال الشیخ الأعظم؛ علی صاحب الجواهر قدس سره هی عدم الدلیل علی اشتغال ذمّم متعدّدة فی بحث تعاقب الأیدی بحیث یُری بأنّ صاحب الجواهر یذهب إلی اشتغال ذمم متعددة فی بحث تعاقب الإیدی فی مغصوب واحد، مع أنّ صاحب الجواهر لا یقول به فی کتاب الضمان، بل ذهب إلی إنّه یجب رفع الید عن ظهور الأدلة التی تدلّ علی تعدد الضمان _ علی القول بوجودها _ والقول بوحدة الضمان مراعاةً للإجماع القائم عند الإمامیة بردّ القول بضمان الجمیع عرضا وکذلک بطلان القول بعدم الضمان مطلقا، فلا یبقی إلاّ القول بضمان ذمّة من تلف المال عنده واستقرار الضمان علیه وبهذا البیان یدفع الوجه الأوّل من مناقشات الشیخ الأعظم.

قال صاحب الجواهر فی بدایة کتاب الضمان من جواهره: «(الضمان) الذی هو عندنا علی ما اعترف به غیر واحد منّا(4) مشتق من «الضمن» لأنّه ینقل ما کان فی ذمّته

ص:283


1- 4 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/110.
2- 1 . المکاسب 3/510.
3- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/110.
4- 3 . کالعلاّمة فی تذکرة الفقهاء 14/279، والشهید الثانی فی المسالک 4/171، والسیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 16/343 و 344.

من المال، ویجعله فی ضمن ذمّة أُخری، أو لأنّ ذمّة الضامن تتضمن الحقّ، فالنون فیه أصلیة.

خلافا لماعن أکثر العامة(1) من أنه غیر ناقل، وإنّما یفید اشتراک الذمّتین، فاشتقاقه من «الضمّ»، والنون فیه زائدة، لأنّه حینئذٍ ضمّ ذمة إلی ذمّة، فیتخیّر المضمون له فی

المطالبة.

وفیه ما لایخفی: من منافاة وجود النون فی جمیع تصاریفه، إلاّ بدعوی اشتقاق ما فیه النون من الخالی عنها، وهو کما تری.

ومن صعوبة تحقّقه فی نحو ضمان النفس، وظهور قوله علیه السلام «الزعیم غارم»(2) فی اختصاص الغرم به، ولغیر ذلک ممّا هو فی مذهب الخصم، بعد الغضّ عن عدم تصوّر شغل ذمّتین فصاعدا بمال واحد، وقد بیّنّا أنّ المشغول به فی تعاقب الأیدی علی المغصوب ذمّة واحدة، وهو مَنْ تلف فی یده المال مثلاً، وإن جاز له الرجوع علی کلّ واحد، وإلاّ فهو منافٍ للمقطوع به من مذهبنا.

وأما الثمرات علی القولین فهی واضحة: منها صحّة الدور فیه علی مذهبنا _ کأن یضمن الأصیل ضامنه أو ضامن ضامنه، دون مذهبهم.

والتسلسل _ کأن یضمن أجنبیّ الضامن... وهکذا _ لتحقّق الشرائط عندنا، فیرجع حینئذٍ کلّ ضامن _ مع الإذن _ بما أدّاه علی الذی ضمن عنه، لا علی الأصیل، وفی الأوّل یسقط الضمان، ویرجع الحقّ کماکان»(3).

وأیضا یظهر من هذا البیان دفع الوجه الثانی من وجوه مناقشات الشیخ الأعظم من ذمیّة الخطاب بالنسبة إلی جمیع الأیدی، لأنّ صاحب الجواهر یری أنّ الالتزام

ص:284


1- 4 . راجع المغنی 5/70 لابن القدامة.
2- 1 . عوالی اللآلی 2/257، ح3؛ ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/435، ح2، الباب 1 من أبواب کتاب الضمان.
3- 2 . الجواهر 27/227 و 228 (26/113).

بذمیّة الخطاب بالنسبة إلی الجمیع ینشأ من أنّ الضمان مشتقٌّ من ضمّ ذمة إلی ذمّة والنون فیه زائدة وهو مردود عندنا بضرورة المذهب، فحینئذ ینحصر الخطاب الذمی بمَنْ تلف المال بیده.(1)

ویمکن أن یناقش فی الوجه الثانی من وجوه مناقشاته أیضا بأنّ الْحُکْمَیْنِ «التکلیفی والوضعی سنخان من الحکم وأحدهما غیر منتزع مِن(2) الآخر، ویشهد لذلک أنه لا خلاف ظاهرا فی أنّ وجوب نفقة الوالدین الفقیرین علی الولد إذا کان غنیا إنّما هو مجرد حکم تکلیفی ولا یضمنها لو نسیها أو عصی ولم یؤدّ نفقتهما، وهذا بخلاف وجوب

نفقة الزوجة فإنّه حکم تکلیفی. مضافا إلی أنه یضمنها فیما لو نسی أو عصی ولم یؤدّها إلیها، فیضمن لها نفقة الاُسبوع أو الشهر أو السنة، وکیف کان فهما سنخان متغایران»(3).

ویمکن أن یقول فی دفع الوجه الرابع بأنّ الملکیة القهریة موجودة والدلیل علی ذلک أمران:

«أحدهما: أنه إذا أتلف أحد مال الغیر وکان لتالفه قیمة زهیدة أو کان متعلّقا لحقّ، والأوّل کما إذا ذبح فرس الغیر علی وجه شرعی فإنّ لحمه وجلده حینئذ ممّا له قیمة وإن کانت زهیدة لا محالة. والثانی ما إذا ذبحه علی وجه جعله میتة فإنّ المیتة یمکن أن ینتفع بها فی کلِّ ما لایشترط فیه الطهارة ومتعلّقة لحقّ الاختصاص، وفی أمثال ذلک لایمکن للمالک أن یأخذ تالف العین وباقیها ویطالب المتلف بباقی قیمتها لأنّ العرف یرون المال قد تلف وما بقی منه أمر آخر لا ربط له بالمالک کأجزاء السیارة المنکسرة مثلاً، وإذا أخذ قیمتها من المتلف أو مثلها فلایمکنه أخذ ما بقی من العین أبدا، لأنّ العرف یرون ذلک انتقالاً قهریا کالصلح، فباقی العین ینتقل إلی من أدّی الضمان فیما إذا کانت له قیمة، أو کان ذلک متعلّقا لحقّ من الحقوق.

وثانیهما: أنّ الْمالَ فیما إذا کان فی حکم التلف ولم یکن تالفا حقیقة کما إذا ضاع

ص:285


1- 3 . راجع العقد النضید 4/64.
2- 4 . فی المصدر: «عن».
3- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/109.

فی بَرٍّ أو وقع فی بحر أو سرقه سارق مجهول یتعذّر الوصول إلیه عادةً ففی هذه الموارد هل یحکم بلحوق المال الموجود فی البر أو البحر أو فی ید السارق بالمباحات الأصلیة بحیث یتملّکه السارق بحیازته ولا یجب علیه ردّه، وهذا ممّا لا یمکن التفوّه به، أو یحکم بأنه ملک لمالکه الأوّل مع أنه أخذ مثله أو قیمته من المتلف، فلا محالة یحکم بانتقاله إلی ملک المتلف بدفع عوضه وبدله، فالوجه فی الانتقال والملکیة هو المصالحة القهریة الواقعة بین مالک المال ومتلفه، وکیف کان فینتقل المال إلی الضامن الذی أدّی بدله»(1).

ویدفع الوجه الخامس بعدم الالتزام بهذا اللازم عند صاحب الجواهر.

وبما ذکرناه یُدْفَعُ أَرْبَعٌ من مناقشات الشیخ الأعظم لصاحب الجواهر ولکن الاشکال الثالث وهو النقوض یکون بلا جواب.

نعم، یمکن أن یُناقَشَ علی صاحِبُ الجواهر رحمه الله : بأنّ ما قام علیه إجماعُ الإمامیّةِ من نفی تعدّد الضمان عرضا یختص بباب الدیون والضمان العقدی وأمّا الضمان المستند

علی قاعدة الید فلیس فیه إجماع من الإمامیة بنفی تعدد الضمان فیه والشاهد علی ذلک حکمهم بصحة ضمان الدرک کما مرّ فتعید العویصة.

2/ أ _ حلّ الشیخ الأعظم للعویصة
اشارة

قال قدس سره : «فنقول: إنّ الوجه فی رجوعه هو أنّ السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق، فإذا حصل المال فی ید اللاحق فقد ضمن شیئا له بدلّ، فهذا الضمان یرجع إلی ضمان واحد من البدل والمبدل علی سبیل البدل؛ إذ لا یُعقل ضمان المبدل معیّنا من دون البدل، وإلاّ خرج بدله عن کونه بدلاً، فما یدفعه الثانی فإنّما هو تدارک لما استقرّ تدارکه فی ذمّة الأوّل، بخلاف ما یدفعه الأوّل؛ فإنّه تدارک نفس العین معیّنا؛ إذ لم یحدث له تدارک آخر بعدُ، فإنْ أدّاه إلی المالک سقط تدارک الأوّل له. ولا یجوز دفعه إلی الأوّل قبل دفع الأوّل إلی المالک؛ لأنّه من باب الغرامة والتدارک، فلا اشتغال للذمّة قبل حصول التدارک، ولیس من قبیل العوض لما فی ذمّة الأوّل.

ص:286


1- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/111 و 110.

فحال الأوّل مع الثانی کحال الضامن مع المضمون عنه فی أنّه لایستحقّ الدفع إلیه إلاّ بعد الأداء.

والحاصل: أنّ من تلف المال فی یده ضامن لأحد الشخصین علی البدل من المالک ومن سبقه فی الید، فیشتغل ذمّته إمّا بتدارک العین، وإمّا بتدارک ما تُدارکها، وهذا اشتغال شخص واحد بشیئین لشخصین علی البدل، کما کان فی الأیدی المتعاقبة اشتغال ذمّة أشخاص علی البدل بشیء واحد لشخص واحد»(1).

حصیلة ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله : «الفرق بین الضامن الأوّل وغیره، من حیث أنّ الضامن الأوّل بوضع یده علی مال الغیر ینتقل إلی ذمّته العین بالقاء الخصوصیات الشخصیة، فهو یضمن مجرد العین الملغی عنها الخصوصیات وأما الضامن الثانی إذا استولی علی العین فقد استولی علی العین المضمونة بکونها ذات(2) بدل، وهذا بخلاف الضامن الأوّل فإنّه لم یتول إلاّ علی العین المجردة عن هذا العنوان، فلم یضمن سوی نفس العین، وأما الضامن الثانی فهو استولی علی العین المعنونة بکونها ذات بدل ثابت فی ذمة الضامن الأوّل، فهو یضمن الجامع بین العین والبدل _ أی أحد الأمرین _ نظیر الواجب التخییری، وهذا هو مراده بقوله قدس سره «فقد ضمن شیئا له بدل» فهذا الضمان یرجع إلی ضمان

واحد من البدل والمبدل علی سبیل البدل.

وبالجملة: فاذا رجع المالک إلی الأوّل سقط أحد طرفی التخییر _ أعنی اشتغال ذمة اللاحق بالعین للمالک _ إذ لا معنی لضمان اللاحق له بعد وصول ماله إلیه فیتعین الطرف الآخر _ أعنی اشتغال ذمته بالبدل للسابق _ فله الرجوع إلیه، غایته بعد ما رجع إلیه المالک ودفعه إلیه لا قبله. وهذا هو الفرق بین الضامن الأوّل وغیره».(3)

وبعبارة اُخری: «أنّ الغاصب الأوّل أو من فی حکم الغاصب أی بائع مال الغیر مثلاً بالبیع الفاسد بعد أخذه من الغیر کذلک إنّما هو ضامن للعین نفسها فالغاصب الثانی

ص:287


1- 1 . المکاسب 3/508.
2- 2 . فی المصدر: «ذا».
3- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/492.

ومَنْ فی حکمه انّما هو ضامن للعین وبدلها، أمّا العین فلمالکها وأمّا البدل فللضامن الأوّل وهذا بخلاف الضامن الأوّل فإنّ فی زمان کون العین تحت یده لم تتلف لیضمن العین بما لها بدلٌ بل کان ضمانه منحصرا بالعین وحدها، وأمّا الضامن الثانی حیث أنّ العین قد تلفت عنده فیکون ضمانه بها بما له البدل وهذا الضمان بالبدل ضمان لما استقر تدارکه فی ذمة الأوّل، فالضامن الثانی ضامن لأحد الامرین إمّا العین أو البدل علی نحو البدلیة بنحو الضمان العوض، والحاصل أنّ من تلف المال فی یده ضامن لأحد الشخصین علی البدل من المالک ومَنْ سبقه فی الید فتکون ذمته مشغولة بشیئین علی سبیل البدلیة اما تدارک نفس العین أو تدارک بدلها فحال الأوّل مع الثانی کحال الضامن مع المضمون عنه فإنّ الضامن لشخص عن دین بأمره انّما یرجع إلی المضمون عنه مع أداء دین الدائن وإلاّ فلا یستحق بذلک فإذا رجع المغصوب منه إلی الأوّل فأخذ منه تدارک العین فیرجع هو إلی الثانی فیاخذ منه تدارک ما استقر فی ذمته لضمان الثانی علی ذلک.

وبالجملة: إنَّ ظهورَ کلامِ الشَّیْخِ رحمه الله فی الغاصب الثانی انّما انه ضامن لتدارک العین للمالک وبدلها لتدارک ما فی ذمة الغاصب الأوّل للأوّل وعلی هذا فیندفع اشکال عدم صحة رجوع السابق إلی اللاحق فی صورة عدم الغرور إذ السابق یطالب من اللاحق ما استقر فی ذمته فیرجع إلیه فی ذلک وهذا بخلاف ما إذا رجع المالک إلی الثانی فانه لا یرجع إلی اللاحق فی غیر صورة الغرور لعدم اشتغال ذمته للثانی کاشتغال ذمة الثانی للأوّل.

فما لم یرجع المالک إلی الأوّل لیس له ان یرجع إلی الثانی لانّ الأوّل لم یتدارک العین للمالک حتّی یرجع إلی الثانی فی البدل الذی حصل به التدارک وانّما له الرجوع إلیه

بعد ما رجع المالک إلی الأوّل»(1).

أقول فی توضیح مقالة الشیخ الأعظم:

أقول فی توضیح مقالة الشیخ الأعظم: مستند الضمان فی بحث تعاقب الأیدی قاعدة «علی الید ما أخذت» وهی مشترکة بین الجمیع وهم کلّ من استولی علی مالِ الغیر.

ص:288


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/376 و 377.

ولکن شمولها بالنسبة إلی السابق واللاحق مختلف والوجه فی ذلک الید الأولی [السابقة] علی مال الغیر لم تکن مسؤولَةً إلاّ فی مقابل مالک المال ولکن الید الثانیة [اللاحق] مسؤولَةً فی مقابل المالک والسابق، وهکذا الحال فی الأیدی اللاحقة فإنّ لکلّ یدٍ لاحقة مسئولیة زائدة علی الید السابقة علیها.

فالید السابقة تکون ضامنة للمال أمام المالک مادامت عینه موجودة وعند تلفها تکون ضامنة لبدل المبدل الذی لم یتعلّق به ضمان آخر، فإذا خرجت العین من یده وانتقلت إلی الید الثانیة فإنّها تتّصف بخصوصیّة زائدة وهی أنّها موردٌ لضمان الید الأُولی وهکذا یحصل الاختلاف بین الیدین، حیث أنّ الید الاُولی استقرّت علی العین الغیر المضمونة، أمّا الید الثانیة فإنّها استقرّت علی العین المضمونة فتکون ضامنا للمالک وللسابق علی نحو الواجب التخییری.

ثمّ إنّ مقتضی قاعدة الضمان أنّ علی صاحب الید السابقة إمّا ردّ العین مع خصوصیاتها إلی المالک أو ردّ ما یعدّ بدلها وأمّا صاحب الید اللاحقة ضامن لبدل العین المضمونة عند الید السابقة ولکن الید السابقة ضامنة لبدل العین الغیر المضمونة.

ثمّ لا یخلو حال الضامنین [اللاحق والسابق] أمّا أنَّهُما متحدان فی الحکم أو مختلفان، والاتحاد ممنوع إذ لایعقل شمول قاعدة علی الید للعین الغیر المضمونة وللعین المضمونة بالسویة فلابدّ من اختلافهما وحینئذ لو قصد اللاحق فراغ ذمّته فلابدّ أن یقوم بدفع بدل العین لأنّ المفروض أنها تلفت فی یده وهو مخیّر بین أن یدفعها إلی المالک أو السابق الدافع للبدل، فإنّ دفعها إلی المالک فقد دفع ما علی ذمّته وما علی ذمّة سابقه من خلال هذا الدفع فقد أدّی واجبه التخییری ولیس لللاحق الدافع الرجوع إلی سابقةِ، أمّا لو دفع السابقُ البدلَ بقیت ذمّة اللاحق مشغولة بواجبه التخییری من دفع البدل إلی اللاحق ولذلک یجوز للسابق مطالبة اللاحق بالبدل وهذه هی العلّة فی استقرار الضمان علی ید

مَنْ تلف المال فی یده ورجوع غیرها من الأیدی إلیه فی فرض إقدامهنّ بردّ بدل العین إلی

ص:289

المالک ولا یجوز للسابق الذی تلف المال فی یده الرجوع إلی غیره.(1)

اعتراض الفقیه السیّد الیزدی علی حلّ الشیخ الأعظم

قال: «إذ یرد علیه: أوّلاً: أنّ السابق أیضا یصدق علیه أنّه ضامن شیئا له بدل، لأنّه وإن کان حین الحصول فی یده لم یکن له بدل، لأنّ ضمان اللاحق لم یتحقّق فی ذلک الحین، بل المفروض أنّه یحدث بعد ذلک فیتحقّق البدل للعین بعد حدوث ضمان السابق، إلاّ أنَّ استقرار الضمان بالنسبة إلی الکلِّ إنَّما هو بعد التلف، فحینئذٍ یصدق أنَّ کلاًّ منهم ضامن لما له بدل؛ لأنَّ المناط لیس حال حدوث سبب الضمان، بل حال فعلیته، بمعنی اشتغال الذمة فعلاً بالعوض، وهو إنَّما یکون بعد التلف، ولذا لو زاد زیادة عینیة فی الأیدی المتأخر یکون السابق ضامنا لتلک الزیادة أیضا، مع أنَّه لم یحدث الضمان فی یده إلاّ ناقصا، بل وکذا بالنسبة إلی زیادة القیمة بناءً علی القول بأعلی القیم.

وبالجملة: حین التلف الذی هو زمان الانتقال إلی القیمة یَصْدُقُ بالنسبة إلی الکلِّ أنَّه ضامن لما له بدل، أبدال.

وثانیا: أنَّ ضمان العین التی لها بدل _ أی عوض فی ذمة آخر _ لا یقتضی ما ذکره من ضمان واحد من البدل والمبدل، کیف؟ والبدل لم یتحقّق فیه سبب الضمان؛ إذ لم یثبت تحت ید الضامن، ولا أتلفه، ولا غیر ذلک، فلا وجه لکونه مضمونا.

ودعوی کونه من توابع العین کما تری؛ إذ لیس هذا من شؤون العین کالمنافع والنماءات المتجددة؛ حیث إنّها مقبوضة بتبعیة قبض العین، بخلاف التدراک الثابت فی ذمة السابق فانَّه لیس مقبوضا للاحق أصلاً، فلا وجه لضمانه له، وهذا واضح جدا.

وثالثا: لو سلّمنا ذلک کان مقتضاه ضمانه لمالکه، وهو مالک العین، لا لمن علیه البدل، فانَّ البدل الذی فی ذمة السابق إنَّما هو لمالک العین، فبدله وهو ما فی ذمة اللاحق أیضا یکون للمالک، وهو من له البدل، ولا وجه لکونه لمن علیه البدل، وهو الضامن السابق، وهذا أیضا واضح.

ص:290


1- 1 . راجع العقد النضید 4/54 و 55.

ورابعا: أنَّ لازم ما ذکره أن یکون فی مسألة ضمان الإثنین لواحد بناءً علی صحته للضامن الأوّل الرجوع علی الضامن الثانی إذا رفع العوض إلی المضمون له، فانَّ الثانی قد

ضمن ماله بدل فی ذمة الضامن الأوّل، مع أنّه لیس له ذلک، بل إنَّما یرجع إلی المضمون عنه لو ضمن باذنه، ولو کان متبرعا فلا یرجع علی أحد، وأیضا فی ضمان العهدة وضمان الأعیان المضمونة إذا قلنا بجواز الرجوع إلی کلِّ من الضامن والمضمون عنه کما استظهره المصنّف منهم یلزم جواز رجوع المضمون عنه إلی الضامن إذا فرض رجوع المالک علیه، ولا یمکن الالتزام به.

وجه اللزوم أنَّ الضامن إنَّما ضِمَنَ شیئا له بدل فی ذمة المضمون عنه، وأیضا بناءً علی مذهب العامة من کون الضمان ضمّ ذمّة، إلی أخری یلزم جواز رجوع المضمون عنه إلی الضامن إذا رجع المالک علیه؛ لأنّه یصدق علی الضامن أنّه ضمن شیئا له بدل، لکن فیما إذا کان المال المضمون ثابتا فی ذمّته من باب الغرامة، بأن یکون متلفا أو غاصبا أو نحوهما فضمن عنه الضامن، ولا یمکن الالتزام به.

وخامسا: إذا فرضنا أنَّ العین بعد ما صارت فی ید اللاحق رجعت إلی السابق فتلفت فی یده فالظاهر أنّه لا یجوز للسابق حینئذٍ إذا رجع المالک علیه أن یرجع إلی اللاحق، بل الأمر بالعکس؛ لأنَّ من تلف فی یده هو السابق بالفرض، ولازم بیان المصنّف قدس سره أن یکون له الرجوع علیه؛ لأنَّه یصدق أنَّه _ أی اللاحق _ ضمن شیئا له بدل، بخلاف السابق.

ودعوی: أنَّه بعد العود إلیه یکون اللاحق سابقا، والسابق لا حقا؛ فَیَصْدُقُ علی السابق الذی صار لاحقا أنَّه أیضا ضمن شیئا له بدل.

مدفوعة: بأن الضمان إنَّما حدث باثبات یده الاُولی، وفی ذلک الحین لم یکن له بدل، وبعد العود إلیه لایحدث ضمان آخر، مثلاً إذا غصب عینا وضمن، فاعطاه غیره أو أخذ منه قهرا، ثمّ ردّه ذلک الغیر إلیه لا یحدث ضمان آخر لأجل هذه الید الثانیة، بل الضمان الحادث أوّلاً باقٍ، وقرار الضمان حینئذٍ علی الغاصب الأوّل إذا تلف المال فی یده بعد العود إلیه، ولازم بیان المصنّف قدس سره أن یکون القرار علی الغاصب الثانی، مع أنَّه لم یتلف

ص:291

فی یده، فتدبّر.

وسادسا: أنَّ ما ذکره من أنّه لا یعقل ضمان البدل معینا من دون البدل، وإلاّ خرج البدل عن کونه بدلاً، فیه أنّا نقول إنَّه لا یعقل ضمان البدل من دون وجود سبب الضمان فیه حسب ما بیّنا.

وسابعا: أنَّ لازم ما ذکره جواز رجوع السابق إلی اللاحق قبل دفع البدل أیضا.

وما ذکره من أنّه نظیر باب الضمان؛ حیث إنَّه لا یرجع الضامن إلی المضمون عنه إلاّ بعد الدفع إذا کان الضمان باقیا بإذنه.

فیه: أنَّ مقتضی القاعدة فی ذلک الباب أیضا جواز الرجوع؛ لأنَّ ذمة المضمون عنه قد برءت بمجرد الضمان عنه باذنه، فاللازم جواز مطالبته قبل الدفع أیضا، إلاّ أنَّه خرج عن القاعدة للنص الخاص، وهو فی المقام غیر موجود، فعدم القول به فی المقام مع أنّه لازم الوجه المذکور یکشف عن عدم تمامیة الوجه، فتدبّر»(1).

أقول: یمکن الجواب عن بعض اعتراضات الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله علی الشیخ الأعظم قدس سره ولکن ثلاثة منها لا یمکن الجواب عنها وهی:

الاعتراض الثالث وهو: إنّ الضامن الثانی [السابق] علی تقدیر أنّه ضامن لأحد الأمرین علی سبیل البدلیة فهو إنّما یضمنه للمالک لا للغیر [لِلْلاحِق] لأنّ البدل فی ذمّة الضامن الأوّل [اللاحق] ملک للمالک، فبدله الثابت فی ذمّة الثانی [السابق] أیضا یکون للمالک، فلماذا یحکم بضمانه للضامن الأوّل [اللاحق] بالبدل(2)؟!

والاعتراض الخامس وهو: إذا فُرض رجوع العین إلی الضامن السابق وتلفه فی یده لازم ذلک جواز رجوع الضامن السابق إلی اللاحق أیضا، مع أنّ الأمر بالعکس.

إن قلت: رجوع المال إلی الضامن السابق یستلزم کون السابق لاحقا واللاحق سابقا، فیکون السابق ضامنا لما له بدل.

ص:292


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(313-310).
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/1 06، الأوّل.

قلت: الیَدُ الثانیة لللاحق لاتوجب الضمان، بل الموجب للضمان هو یده الاُولی وهو باق بعد ولم یرتفع.(1)

والاعتراض السابع وهو: لازم مقالة الشیخ الأعظم جواز رجوع الضامن الأوّل [السابق] إلی اللاحق قبل دفعه البدل إلی المالک مع أنّه غیر تام لأنّه لیس للسابق الرجوع إلی اللاحق إلاّ بعد دفع البدل.(2)

2/ ب _ مقالة المحقّق النائینی فی الدفاع عن الشیخ الأعظم
اشارة

ردّ المحقّق النائینی فهم الفقیه السیّد الیزدی من جواب الشیخ الأعظم قدس سرهم وذهب

إلی توجیه آخر فی مراد الشیخ الأعظم حتّی لا یرد علیه هذه الاعتراضات السبعة وقال: «... إنّ ذمّة اللاحق مشغولة بما یجب خروجه عن ذمّة السابق، أی ذمّته مخرج لما یضمنه الأوّل، فما یؤدّیه الأوّل یؤخذ من الثانی، لاشتغال ذمّته للمالک بما له بدل أی عهدة فی الأوّل، فإذا رجع المالک إلیه فهو لایرجع إلی السابق لعدم کونه مغرورا منه بالفرض، وأمّا لو رجع المالک إلی السابق فهو یرجع إلی الثانی، لأنّه ضمن شیئا له بدل فی ذمّة السابق، والبدل یجب أن یخرج من الثانی، وهذا هو المراد من البدل فی کلام المصنّف، أی: ما فی ذمّة الأوّل فی ذمّة الثانی، فیضمن الأوّل ما یضمنه الثانی، فقد ضمن اللاحق شیئا له بدل أی عهدة، کما أشار إلیه بقوله قدس سره : «فما یدفعه الثانی فإنّما هو تدارک لما استقرّ تدارکه فی ذمّة الأوّل»(3).

ولیس المراد من البدل أصل المال نظیر المنافع حتّی یقال: إنّ الثانی وإن ضمن ما له بدل إلاّ أنّ الأوّل کذلک أیضا؛ لأنّ کلّ ما یضمن للمال فی السلسلة الطولیّة من المنافع وعلوّ القیمة والبدل ثابت علی السابق أیضا، فیصدق أنّ السابق أیضا ضامن لماله بدل، إلی آخر الإیرادات السبعة المذکورة فی حاشیة(4) السیّد الطباطبائی قدس سره .

ص:293


1- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/495، ثانیها.
2- 4 . راجع مصباح الفقاهة 4/378، الثانی.
3- 1 . المکاسب 3/508.
4- 2 . حاشیة المکاسب 2/(313-310).

وبالجملة: غرض المصنّف: أنّ اللاحق ضامن للمالک وللسابق؛ لأنّ ذمّته مخرج لما یؤخذ من السابق، فهو یضمن علی البدل، إمّا نفس العین بما أنّها فی ذمّة السابق، وإمّا ما یؤخذ من السابق. فلا یرد علیه أنّ کلاًّ منهما ضامن للبدل؛ وذلک لأنّ الأوّل لیس ضامنا للثانی فَکَیْفَ یکون کلّ منهما ضامنین للبدل؟

وبالجملة: بعد ما عرفت من أنّ ورود المال من ید السابق إلی ید اللاحق یقتضی أن یکون اللاحق مشغول الذمّة بما یؤخذ من الأوّل فمقتضاه أن یکون اللاحق ضامنا للسابق دون العکس.

وحیث إنّ المحشّی قدس سره حمل البدل علی المثل أو القیمة _ الّذی یکون کلّ یدٍ مشغولةً له مشروطا بالتلف _ أورد ثانیا بِقُوْلِهِ: «إنّ ضمان العین الّتی لها بدل _ أی عوض _ فی ذمّة الآخر لا یقتضی ما ذکره من ضمانٍ واحدٍ من البدل والمبدل، کیف والبدل لم یتحقّق فیه سبب الضمان؟ إذ لم یثبت تحت ید الضامن، ولا أتلفه، ولا غیر ذلک، فلا وجه لکونه مضمونا. ودعوی: کونه من توابع العین کما تری...»(1) إلی آخره.

وأنت خبیر بأنّ غرض المصنّف: إثبات الضمان الطولیّ، وبیان عدم اجتماع الضمانین عرضا، وأنّ ید اللاحق لیست کید السابق ضامنا للمال مجرّدا عن خصوصیّة کونه فی ذمّة غیره.

وتوضیح ذلک _ مضافا إلی امتناع اجتماع الضمانین عرضا ولو بنحو تقیید الإطلاق والواجب الکفائیّ؛ لما عرفت أنّ التقیید إنّما یصحّ فی التکلیف دون الوضع، ومضافا إلی ما قیل: وإن کان خلاف المختار أنّه لو لم یکن للمال خصوصیّة عند وضع السابق یده علیه وحدثت عند اللاحق فیضمنها اللاحق دون السابق، وهذا یقتضی الاختلاف فی کیفیّة الضمان _: أنّ مقتضی عموم «علی الید» وانحلالیّته بالنسبة إلی کلّ یدٍ کما هو شأن کلّ عامٍّ اُصولیٍّ فی القضایا الحقیقیّة أن تکون ید السابق مشغولةً بالمال مجرّدا عن خصوصیّة کونه فی ذمّة أحد. وأمّا ید اللاحق فلایمکن أن تکون مشغولةً

ص:294


1- 3 . حاشیة المکاسب للسیّد الطباطبائی 2/311.

بالمال مجرّدا؛ لأنّ المفروض أنّ المال وصل إلی اللاحق بعد اشتغال ذمّة السابق به، فشمول «علی الید» بالنسبة إلی السابق کشمول دلیل حجّیّة الخبر للخبر بلا واسطةٍ بالنسبة إلینا، وشموله بالنسبة إلی اللاحق کشمول دلیل الحجّیّة للخبر مع الواسطة، فإنّه کما یثبت موضوع بتوسّط شمول فردٍ من الحکم لفردٍ من الموضوع ولا مانع من شمول فردٍ آخر من الحکم الانحلالیّ لهذا الموضوع المتولّد فکذا یثبت خصوصیّة للمال واعتبار عقلائیّ له بتوسّط شمول «علی الید» للید الاُولی، فإذا عمّ فرد من الحکم الید الثانیة مع الخصوصیّة الّتی نشأت من قبل شمول «علی الید» للید الاُولی فمقتضاه: أن لا تکون الید اللاحقة ضامنةً للمال مجرّدا عن الخصوصیّة کضمان الید السابقة، بل هی تضمن العین للمالک بخصوصیّة کونها فی ذمّة الاُولی. وهذه الخصوصیّة اعتبار عقلائیّ لا یمکن أن تجرّد الید اللاحقة عنها إلاّ بدلیلٍ خارجیّ، وإلاّ فمقتضی عموم «علی الید ما أخذت» وانحلالیّة القضیّة ثبوت هذه الخصوصیّة فی ذمّة الثانی، وهذا عین الضمان الطولیّ»(1).

حاصل کلام المحقّق النائینی: «إنّ هذه الاعتراضات السبعة مبتنیة علی ما فهمه من ظاهر کلام الشیخ [الأعظم] قدس سره من أنّ المراد بالبدل هو بدل العین الثابت فی ذمّة الضامن، إلاّ أنّ الأمر لیس کذلک، بل المراد من البدل فی کلماته قدس سره إنّما هو بدل ما یضمنه الضامن الأوّل، وتوضیحه: أنه قدس سره لمّا رأی أنّ المال لایضمن بضمانین عرضیّین فلایمکن

أن یقال إنّ السابق واللاحق کلاهما ضامنان للمال فی عرض واحد، فجعل الضمان طولیا فی المقام بأن یکون السابق ضامنا للمالک واللاحق ضامنا للضامن السابق نظیر الضمانات الاختیاریة کما إذا أمر مدیون أحدا بالضمان لیضمن له عند الدائن فضمنه ذلک الشخص فقد سقط الضمان عن المدیون وانتقل إلی الضامن، إلاّ أنّ المدیون یضمن للضامن ما دفعه إلی الدائن، فإن دفعه إلیه فیضمنه بمقداره وإلاّ فإن لم یدفع إلیه شیئا فلا وجه لضمان المدیون له بشیء، وفی المقام أیضا إن دفع السابق ما ضمنه للمالک فیضمن اللاحق له ما دفعه إلی المالک، وإن لم یؤدّ إلیه شیئا فلا وجه لضمانه کما هو واضح فالمراد

ص:295


1- 1 . منیة الطالب 2/(189-187).

بالبدل فی کلامه قدس سره بدل ما یضمنه السابق للمالک ولعلّه ظاهر، هذا»(1).

مناقشة السیّد الخوئی لِتَوْجِیْهِ النائینی

وناقش السیّد الخوئی کلام استاذه وقال: «إنّ ما أفاده _ وان کان ممکنا ثبوتا ومعقولاً _ إلاّ انه لا دلیل علیه إثباتا، فإنّ دلیل الضمان فی تعاقب الأیادی منحصر فی الید، ونسبته إلی السابق واللاحق واحدة، ولا وجه لکون السابق ضامنا للاحق واللاحق ضامنا لما ضمنه السابق، بل مقتضی القاعدة ضمان کلّ منهما للمالک، وإنّما التزمنا به فی الضمان العقدی للدلیل وهو مفقود فی المقام.

هذا مضافا إلی أنّ لازم ذلک أن لا یجوز للمالک الرجوع إلی الضامن اللاحق، لأنه لیس ضامنا للمالک وإنّما هو ضامن للضامن السابق علی الفرض، کما فی الضمان العقدی فی باب الدین والذمّم، وهذا مما لا یمکن الإلتزام به فی المقام، فالظاهر أنّ مراد المصنف هو الذی فهمه السیّد [الیزدی] وأورد علیه قوله قدس سره »(2).

2/ ج _ توجیه کلام الاشیخ الأعظم قدس سره فی بیان السیّد الخمینی
اشارة

قال: «یمکن إرجاع کلام الشیخ الاعظم قدس سره إلی دعوی إطلاق دلیل الید بالنسبة إلی الضامن، فأراد تصحیح ضمان الأیادی المتعاقبة _ بنحو ما هو المعروف _ بواسطة الإطلاق فی دلیل الید بنحو ما ذکرناه.

فقوله: «السابق اشتغلت ذمّته بالبدل قبل اللاحق»(3)، لیس المراد منه الاشتغال بالبدل حال وجود العین، بل المرد الاشتغال بالأمر التعلیقیّ، أی ضمان المبدل إذا تلف،

ضرورة عدم اجتماع البدل والمبدل، فعبّر عن الضمان ب_ «الاشتغال بالبدل».

وقوله: «فإذا حصل المال فی ید اللاحق، فقد ضمن شیئا له بدل»(4)، یراد منه أنّه ضمن شیئا مضمونا.

ص:296


1- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/107.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/494.
3- 3 . المکاسب 3/508.
4- 1 . نفس المصدر.

وقوله: «فهذا الضمان یرجع إلی ضمان واحد من البدل والمبدل علی سبیل البدل»(1).

یراد به أنّه إذا حصل المال فی ید الثانی، ضمن المبدل للمالک بالمعنی التعلیقیّ؛ أی علیه درکه إذا تلف بمقتضی دلیل الید، وضمن البدل؛ أی ضمان الید الأولی للضامن بمعنی تعلیقیّ أیضا، أی إذا تدارک فعلیه ضمان التدارک، وذلک أیضا بدلیل الید وإطلاقه.

وبعبارة أُخری: إذا وضع الثانی یده علی العین، حصلت قضیّتان تعلیقیّتان:

الاُولی: «إذا تلفت فعلیک جبرها للمالک؛ لوقوع یدک علی ماله».

والثانیة: «إذا تدارک الضامن الأوّل، فعلیک ضمان التدارک؛ لوقوع العین التی ضمنها فی یدک من یده، أو بعد وقوعها فی یده».

وإذا تلفت العین خرجت القضیّة الاُولی من التعلیقیّة إلی التنجیزیّة، وتبقی الثانیة علی تعلیقیّتها إلی أن یؤدّی الدرک.

وقوله بعد ذلک: «والحاصل أنّ من تلف المال فی یده ضامن لأحد الشخصین علی البدل من المالک ومن سبقه فی الید... إلی قوله: وهذا اشتغال شخص واحد بشیئین لشخصین علی البدل»(2)، یؤکّد ما ذکرناه؛ من أنّ الاستناد إلی دلیل الید فی الضمان للمالک، وهو واضح، وفی الضمان للضامن بتلقّیه المال منه.

فلو فرض إطلاق لدلیل الید یشمل الأمرین، ویکون حاصله: «علی الید ما أخذت من المالک بوسط أو بلا وسط، وعلیها ما أخذت من الضامن بوسط وبلاوسط» فیکون المالک والضامن کلاهما مضمونا لهما، لکان لازمه العرفیّ هو ما ذکره القوم فی ضمان الأیادی المتعاقبة.

وعلیه لا یرد إشکال علی الشیخ قدس سره ، لا ما أورده المحقّق الخراسانی(3) قدس سره ، ولا ما

ص:297


1- 2 . نفس المصدر.
2- 3 . المکاسب 3/509.
3- 4 . حاشیة المکاسب، المحقّق الخراسانی /84.

أورده السیّد الطباطبائی(1) قدس سره ، ولا غیرهما.(2)

نعم، یرد علیه إشکال واحد، وهو عدم الإطلاق لدلیل الید.

ودعوی الإطلاق أمر یمکن صدوره من الشیخ الأعظم قدس سره ، دون ما احتمله المحقّقون ممّا یرد علیه ما أوردوه، بل وزائد علیه ممّا لا داعی لذکره.

وعلی ما احتملناه، تکون الغایة فی دلیل الید غایة لأمرین:

أحدهما: الضمان بالنسبة إلی المالک، فأداء المأخوذ إلیه غایة لرفعه، وبه یرتفع موضوع الضمانات الآخر.

وثانیهما: ضمان الضامن، غایته رجوعه إلی الغاصب السابق، فبإرجاع المال إلیه یرتفع ضمانه لدرکه وإن فعل حراما، ولیس دلیل الید متعرّضا للزوم أداء المال إلی صاحبه، بل مفاده بیان الضمان وغایته.

والإنصاف: أنّ ما ذکرناه فی توجیه کلامه وإن کان مخالفا فی الجملة لظاهره، لکنّه أولی ممّا ذکروه ممّا لا ینبغی صدوره من مثله، فتدبّر جیّدا»(3).

نقد توجیه السیّد الخمینی رحمه الله

یناقش علی هذا التوجیه والتفسیر بوجوه:

الأوّل: هذا التوجیه مخالف لظاهر کلام الشیخ الأعظم کما اعترف صاحبه وقال فی آخر کلامه: «إنّ ما ذکرناه فی توجیه کلامه وإن کان مخالفا فی الجملة لظاهره»(4).

الثانی: دلیل علی الید لیس له إطلاقٌ حتّی یتمسّک به فی المقام ویبنی علیه ما بناه صاحب هذا التوجیه کما قاله نفسه: «نعم، یرد علیه إشکال واحد وهو عدم الإطلاق لدلیل الید»(5).

ص:298


1- 1 . حاشیة المکاسب ،السیّد الیزدی 2/(313-310).
2- 2 . حاشیة المکاسب، المحقّق الإیروانی 2/348.
3- 3 . کتاب البیع 2/(490-488).
4- 4 . کتاب البیع 2/490.
5- 5 . کتاب البیع 2/490.

الثالث: لم یرتفع ضمان الغاصب الثانی [اللاحق] إذا أدّی الخسارة والبدل إلی الغاصب الأوّل [السابق] عند الباحثین فی تعاقب الأیدی ولکن السیّد الخمینی رحمه الله یقول: «فبإرجاع المال إلیه یرتفع ضمانه لدرکه وإن فعل حراما»(1).

الرابع: دلیل علی الید غایته إرجاع المال أو بدله إلی مالکه والغایة محذوف لوضوحها فما ذکره من أنّ «لیس دلیل الید متعرّضا للزوم أداء المال إلی صاحبه بل مفاده بیان الضمان وغایته» غیر تام.

3_ محاولة للشیخ الرشتی لحلّ العویصة
اشارة

طرح المحقّق الشیخ المیرزا حبیب اللّه الرشتی قدس سره حلاًّ للعویصة وهو: «معنی قوله علیه السلام : «علی الید» علی ما یقتضیه کلمة «علی» مع ملاحظة وقوعها حیّز العین لا الفعل فإنّه یفید حکما تکلیفیا متعلّقا به، کما فی قول الآخر «علیک فعل کذا» هو العهدة بما دخل تحت الید ومعنی العهد به الالتزام به بإیصال عینه إلی صاحبه أو إیصال بدله إلی کیس من خرج عن کیسه تلک العین.

وحاصله: أن تکون خسارة تلک العین علیه، بحیث لو حدث فیه عیب أو نقص أو تلف أو نحو ذلک ممّا یوجب الخسارة، کان علیه جبران ذلک... فلننبّه علی أُمورٍ:

الأوّل: أنّ المال الواحد یستحیل أن یکون له غرامتان من باب قاعدة الضمان، لأنّ بدل الشیء ما یساویه من جمیع الجهات، التی منها التعدّد والاتّحاد، وإلاّ لخرج عن کونه بدلاً، من غیر فرق بین أن یکون الغارم شخصا واحدا أو متعدّدا، فکما لایعقل أن یغرم شخص واحد بمال واحد غرامتین، فکذلک لا یعقل أن یغرم شخصان کلّ منهما بغرامة مستقلّة. نعم لا استحالة فی تعلّق غرامة واحدة علی ذمم متعدّدة، علی وجهٍ لا یرجع إلی التزام کلّ منهما ببدل مستقلّ غیر ما التزم به الآخر... .

والحاصل: أنّ المراد بضمان الجمیع عند تعاقب الأیادی، أنّ خسارة المال المأخوذ التی لایتصوّر فیها التعدّد، علی قیاس عدم تصوّره فی نفس ذلک المال تتعلّق

ص:299


1- 6 . کتاب البیع 2/490.

علی رقابهم جمیعا، لا أنّ کلّ واحد علیه خسارة اُخری غیر خسارة الآخر، فهم بأجمعهم ضامنون للبدل، لا أنّ کلّ واحدٍ ضامن لبدل... فوحدة المضمون یقتضی رفع الضمان بمجرّد تحقّق أداء البدل فی الخارج، وإن کان الضامن متعدّدا.

الثانی: أنّ مرجع الضمان إلی انتقال الخسارة المشار إلیها من المضمون له إلی الضامن... فمعنی انتقال الخسارة من المالک إلی الضامن، أنّه لولاه لفاتت الخسارة من کیسه... فإذا فرضنا أنّ خسارة تلفه علی الضامن، وأنّه یجب علیه دفع البدل إلی المالک،

فلا ریب فی ملک المالک للبدل ملکا متزلزلاً مراعیً بالتلف والرجوع.

الثالث: أنّ الضمانة کما یمکن أن تکون للمالک، کذلک یمکن أن تکون لغیره ممّن فی عهدته خسارة المضمون، فلو کان المضمون له غیر المالک، بأن یترتّب ضمانٌ علی ضمان کما فیما نحن فیه مِنْ مسألة تعاقب الأیادی، انتقل الضمان من الأوّل إلی الثانی أیضا، من غیر براءة ذمّة الأوّل عن الضمان، ومعنی الانتقال حینئذٍ أنّ الضامن الأوّل لو خسر للمالک رجع إلی الثانی من غیر أن یکون الضمانة الثانیة لخصوص الضامن الأوّل، بل له وللمالک کلیهما، فللمالک سلطنة مطالبة الغرامة عن الثانی أیضا کالأوّل... والدلیل علی ذلک عموم قوله علیه السلام : «علی الید» فالید الثانیة علیها أیضا ما أخذت، یعنی علیها خسارة ما أخذت وغرامته وحیث کانت الخسارة قبل تحقق الضمانة الثانیة علی الضامن الأوّل، فیکون هو أیضا مضمونا له کالمالک...»(1).

یمکن أنْ یُناقَشَ حَلُّ الشَّیْخ الرشتی

باُمورٍ: الأوّل: کیف جمع قدس سره بین الملکیة المتزلزلة وبین الملکیة الْمُراعاة، _ أی الشأنیة _ لأنّهما یُعَدّان مُتَنافِیَیْنِ لأنّ الملکیة إذا وجدت ولو متزلزلة کیف یمکن فرض تعلیق وجودها واعتبارها مُراعاةً بالتلف أو الرجوع؟! وإذا کانت الملکیة مُراعاةً بالتلف والرجوع أو کانت شأنیة فکیف یمکن فرض وجودها وتزلزلها؟!(2)

ص:300


1- 1 . کتاب الغصب /(124-120) للمحقّق الرشتی.
2- 2 . العقد النضید 4/69.

الثانی: ثمّ فرض الملکیة المتزلزلة للعین المغصوبة للغاصب أو الضامن یعد من أنیاب الأغوال. نعم، علی فرض وجودها لایبعد حکم العرف بالمعاوضة القهریة.

وأمّا فرض الملکیة الْمُراعاة أو الشأنیة بحیث إذا تلفت العین تصیر ملکا لضامنه ویصیر بدله ملکا لصاحب العین وإن کان فی بقعة الإمکان ولکن لاتفید المعاوضة القهریة التی کان قدس سره بصدد توضیحها.(1)

الثالث: ما ذکره قدس سره من انتقال الضمان من ذمّة الضامن الأوّل إلی ذمّة الضامن الثانی صحیح ثبوتا وإثباتا بمعنی أنّه ممکن وواقع لکنّه فی باب الضمان العقدی کما مرّ ولکن بخلاف ما نحن فیه لأنّه لا دلیل علی ضمان ذمّة الضامن الثانی أمام المالک وأمام الضامن الأوّل معا، فلا مجال للحکم باشتغال ذمّة الضامن الثانی وضمانه أمام الضامن الأوّل

بحیث یحقّ الضامن الأوّل الرجوع إلی الضامن الثانی والمطالبة منه وبحیث لو أدی الضامن الثانی إلی الضامن الأوّل فقد برئت ذمّته.(2)

4_ جواب المحقّق الخراسانی عن العویصة
اشارة

قال قدس سره : «والتحقیق أن یقال: إنّ قضیة «علی الید» لیس إلاّ کون المأخوذ فی تعاقب الأیدی العادیة فی عهدة کلّ واحدة منها عینا _ کما إذا کانت وحدها _ وهی لیست إلاّ اعتبار خاص عقلائی له منشاء مخصوص وله آثار خاصة، من وجوب ردّ العین عینا لو کانت الید واحدة، وکفائیا لو کانت متعددة، ووجوب التدارک بالبدل مع تعذّر ردّها أو تلفها من دون اشتغال الذّمة به أصلاً، لا حال التّمکن من الرّد، کما هو واضح، ولا حال التّعذر، أو التّلف، وذلک لبقاء ضمان العین وعهدتها، لعدم مجیء الغایة، وهی التأدیة، ولذا یجب فی صورة التّعذر، لو تدارک ردّ العین نفسها إذا تمکّن منه، وکذا مع التّلف لو اتّفق علی خلاف العادة تمکنّه من ردّها، ومعه لا وجه ولا سبب لإشتغال الذّمة ببدلها، کما لا یخفی، کی یلزم اشتغال ذمّة المتعدّد ببدل واحد المستلزم لکون المتعدّد بدلاً عن الواحد،

ص:301


1- 3 . کتاب البیع 2/485.
2- 1 . العقد النضید 4/72.

ولا یکاد یکون بدل الواحد، إلاّ الواحد، وامّا کون الواحد فی عهدة المتعدّد، بحیث یجب علی کلِّ واحد کفائیّا، ردّه إلی مالکه، وتخییر المالک فی الرجوع إلی الکلِّ، فهو بمکان من الإمکان، کما هو قضیة «علی الید».

وأمّا حدیث جواز رجوع الید السّابقة إلی اللآحقة، لو رجع إلیها المالک، المستلزم لکون قرار ضمان التّالف علی مَنْ تلف عنده، مع المساواة فیما هو سبب الضمان، فهو أیضا من آثار حدوث سبب ضمان ما کان، فی ضمان الآخر، لواحد آخر، وأحکامه عند العرف، ویؤیّده الاعتبار، ولم یُرْدَعْ عنه فی الأخبار؛ فلابد من الالتزام به شرعا، کما هو الحال فی جلّ أحکام الضمان، حیث أنّه لا وجه له إلاّ الثّبوت عرفا، وعدم الرّدع عنه شرعا، وکَشَفَ ذلک عن إمضاء الشارع، فیما إذا أطلق دلیل الضّمان، فتدبر جیّدا»(1).

واستشکل علی حلّ الشیخ الأعظم قدس سره بقوله: «فیه ما عرفت، إنّ اشتغال الذّمة لو کان، لکان بعد تلف العین، واللآحق إنّما ضمنها قبل تلفها، فلم یحصل له إلاّ سبب ضمان نَفْسِ الْعَیْنِ عینا، ولم یحدث بعد سبب ضمان آخر لها ولبدلها علی البدل، وثبوته [الضمان] علی السّابق معلّقا علی تلفها، حین ضمان اللاحق لها، لا یوجب ضمانه

[اللاحق] مطلقا له [السابق] ولمبدله علی البدل، لعدم ثبوته علی السّابق فی زمانه، هذا مع أنّ اشتغال ذمّة السّابق بالبدل فعلاً، لایقتضی أن یکون مجرّد حدوث سبب ضمان العین اللاحق عینا، موجبا لضمان واحد من العین والبدل علی البدل، ولا محذور أصلاً فی خروجه، لولاه عن البدلیّة، بحسب حکم ضمان العین علی اللاحق، بل لا محیص عنه، لاختصاص السبّب بضمانها، وانّما المحذور، خروجه عنها مطلقا، ولو بحسب ما علی السّابق، وهو غیر لازم، کما لا یخفی.

نعم لو کان هناک دلیل علیها، کذلک الحکم بالضمان علی البدل، إلاّ انّه لا للزوم الخلف لولاه، کما ذکره، بل للدلیل، فافهم. وقد عرفت انّ الوجه فی ذلک، ضمان ما کان فی ضمان الآخر وعهدته، وقضیّته مثل هذا الضّمان، بحسب الاعتبار، وعند اهل العرف، هو

ص:302


1- 2 . حاشیة المکاسب /82 و 83.

رجوع السّابق إلی اللاحق، لو رجع إلیه المالک»(1).

الاعتراض علی جواب المحقّق الخراسانی

نعم، الاطلاقات الشرعیة الواردة فی باب المعاملات محمولة علی السِّیَرِ العُرْفِیَّةِ العقلائیة عند فقد ما یردع عنها، فکبری جوابه لا إشکال علیها، وإنّما الاعتراض فی الصغری التی ادَّعاها من جریان سیرة العرفیة والعقلائیة علی قرار الضمان علی مَنْ تلفت العین عنده وأنّ کل سابق یرجع إلی لاحقه إلی استقرار الضمان علی من تلفت العین عنده وهذه الدعوی أوّل الکلام ولم تَثْبُتْ عندنا هذه السیرة العرفیة وإن شککت فالعُرْفُ ببابک!(2) واللّه العالم.

ولذا قال السیّد الخمینی رحمه الله : «إنّ أصل الضمان الید بما ذکره الفقهاء لیس عرفیّا عقلائیا، فضلاً عن أحکام تعاقب الأیادی»(3).

5_ محاولة الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله لحلِّ العویصة
اشارة

قال: «یمکن توجیه رجوع السابقین إلی اللاحقین بوجه آخر أحسن من توجیهی المصنّف [الشیخ الأعظم] و [صاحب] الجواهر، وهو أن یقال: إنَّ الوجه فی أنَّه إذا أدّی العوض إلی المالک فقد ملک العین التالفة بالمعاوضة القهریة، فیقوم مقام المالک فی جواز الرجوع إلی الأیدی المتأخرة إلی أن یستقر الضمان علی من تلف فی یده.

والفرق بین هذا وما ذکره صاحب الجواهر فی موضعین:

أحدهما: أنَّه یقول إنَّ العوض لیس إلاّ فی ذمّة من تلف فی یده، وخطاب غیره بالأداء تکلیفی لا ذمی، وهذا التوجیه لیس مبنیا علی ذلک، بل یتم مع الإلتزام بشغل ذمة الجمیع أیضا.

والثانی: أنَّه یقول بالمعاوضة القهریة بین البدل المدفوع من أحد السابقین وبین ما فی ذمة الأخیر، وهو مَنْ تلف فی یده، وعلی هذا التوجیه المعاوضة القهریة إنَّما هی بین

ص:303


1- 1 . حاشیة المکاسب /84.
2- 2 . راجع العقد النضید 4/66.
3- 3 . الکتاب البیع 2/501.

البدل والعین التالفة، بمعنی أنَّها تعتبر ملکا لدافع البدل، فیکون هو بمنزلة المالک لتلک العین، فله مطالبة عوضها ممن أثبت یده علیها أو أتلفها.

وتوضیح هذا المطلب ببیان مقدمات:

الأولی: لا إشکال فی أنَّ المالک إذا صالح(1) العین التالفة التی اعتبر وجودها فی ذمّة ذوی الأیدی مع غیرهم، أو مع أحدهم یقوم ذلک المصالح معه مقامه فی جواز مطالبة مَنْ شاء منهم، وکذا إذا حسب علی أحدهم خمسا أو زکاة أو صدقة أو نحو ذلک فإنَّه حینئذٍ یقوم مقام المالک فی المطالبة.

الثانیة: أنَّ مقتضی القاعدة دخول الْمُعَوَّض فی ملک من خرج عنه العوض.

الثالثة: أنَّ فی باب الغرامات العوض المدفوع یکون عوضا لنفس العین التالفة، ولازمه اعتبار کون العین ملکا للدافع؛ إذ لا فَرْقَ بین المعاوضة بعنوانها وبین إعطاء العوض، فانَّ ما ذکرنا إنَّما کان مقتضی العوضیة، فلو کان للعین التالفة اعتبار عقلائی یکون للدافع، ولذا قلنا فی بدل الحیلولة إنَّ مقتضی أخذ البدل إذا کان بدلاً عن نفس العین _ لا عن الحیلولة کما هو الظاهر _ دخول العین فی ملک الضامن، غایته أنَّ ملکه متزلزل، وأیضا إذا غرقتْ العین فی البحر فأعطی عوضها تَکُوْنُ العین للدافع، فإذا ترتب علی وجودها تحت الماء أثر کان له، وإذا کان کذلک ففی المقام إذا دفع أحد السابقین بدل العین التالفة، وصارت کأنّها مال تالف له یکون مثل المالک فی جواز الرجوع إلی من بعده.

ودعوی: أنَّه لا معنی لاِعتبار العین التالفة بعد تلفها ملکا لأحد.

مدفوعة: بما هو المسلّم بینهم فی باب الخیار مِن جواز فسخ المعاملة بعد تلف العین، فیرجع إلی المثل أو القیمة، مع أنَّ الفسخ إنَّما یؤثر من حینه، فلیس إلاّ اعتبار کون

العین التالفة ملکا لمالکه الأوّل، فیرجع إلی بدلها، فلا مانع من هذا الاعتبار إذا ترتب علیه أثر کما فی الضمان أیضا.

نعم، یبقی شیء: وهو أنَّ لازم هذا التوجیه جواز رجوعه إلی السابقین أیضا؛ لأنَّ

ص:304


1- 1 . هکذا فی الأصل.

المفروض أنَّه قام مقام المالک.

ویمکن أن یقال: إنَّ الوجه فی عدم جواز رجوعه إلیهم لأنَّه السبب فی ضَمانِهِمْ، بمعنی استقرار العوض فی ذمتهم، فمن هذه الجهة یحصل الفرق بینه وبین المالک، هذا.

والتحقیق: ما أشرنا إلیه سابقا من أنَّه لا فرق بین الإتلاف والتلف وإثبات الید فی صدق سببیة الضمان، وأنَّ الوجه فی جواز رجوع السابق إلی اللاحق أنَّه السبب فی ضمانه، بمعنی استقرار العوض فی ذمته، کیف؟ وإلاّ أمکنه أن یدفع نفس العین إلی المالک لیخرج من تبعة الضمان، فکما اعترف القائل بأنَّ الرجوع علی المتلف موافق للقاعدة من جهة تسبیبه للضمان، فکذا نقول بالنسبة إلی من أثبت الید وإن لم یکن متلفا، ولا فرق فی ضمان السبب بین کونه عالما أو جاهلاً، فحال اللاحقین بالنسبة إلی السابقین کحال الغارِّ بالنسبة إلی المغرور، حیث قلنا إنَّ الوجه فی رجوعه علی غاره کونه سببا فی استقرار العوض فی ذمته، فانَّ اللاحق أیضا کذلک سبب لاستقرار العوض فی ذمة السابقین من جهة حیلولته بینهم وبین العین التی کان لهم أن یردوها إلی المالک؛ لئلاّ یستقر العوض فی ذمّتهم، ولا حاجة إلی الالتزام بالمعاوضة القهریة ولا غیرها، هکذا ینبغی تحقیق الحال، والمستعان باللّه المتعال»(1).

ردودٌ علی محاولة الفقیه السیّد الیزدی

یمکن أن یردّ علی مقدمته الاولی: أوّلاً: إنّ اعتبار المعدوم ملکا یحتاج إلی دلیل محکم فی الشَّرْعِ وهو فی المقام مفقود بل هو أمر خارج عن بناء العقلاء ولا دلیل علی اعتباره، بل الدلیل علی خلافه.

وثانیا: علی فرض ثبوت الخیار بعد التلف عُرْفا أو شَرْعا، لا یلزم من هذا الفرض اعتبار المعدوم ملکا، لأنّ الفسخ لیس عقدا جدیدا بل حلّ له ولازمه رجوع العین إلی مالکها ومع تلفها یجوز له الرجوع إلی مثلها أو قیمتها من غیر اعتبار العدم ملکا لطرف العقد ثمّ للمالک.

ص:305


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(317-315).

وثالثا: «جواز مصالحة المالک علی العین التالفة موقوف علی مالکیته لها، واعتبار ملکیة المعدوم بما هو معدوم محالٌ، لأنّ المعدوم _ کذلک _ لا یدرک ولا یشار إلیه، فلابدّ من اعتباره موجودا واعتبار وجودهِ الذهنی لایفید بل لابدّ من اعتبار الوجود الخارجی... ولازم ذلک التعبد بوجود العین فی الخارج مملوکة لمالکها، إن کان الشارع هو الملاحِظ [أو المتعبِّد]... وهذا التعبد الشرعی تعبّد بسقوط الضمان إن کان بنحو الإطلاق فإنّه تعبد حینئذ بعدم تلف العین.

وإن کان التعبد من حیث أثر خاص [وهو الضمان]... لا یعقل... [لِ_]أنَّ [ه] مترتب علی تلفها [لا التعبد بوجودها]...»(1).

ویمکن أن یرد علی مقدمته الثانیة: بأنّ مقتضی قاعدة دخول المعوض فی ملک من خرج عنه العوض مسلَّم فی باب المعاملات، دون باب الغرامات والشاهد علیه باب الدیات وملکیة الْعُضْوِ المُبان لمن قُطع منه.

ویمکن أن یرد علی مقدمته الثالثة: من «أنّ باب الغرامات والضمانات عند العقلاء غیر باب المعاوضات، فمن أتلف مال الغیر ألزمه العرف بالغرامة من غیر اعتبار التالف ملکا له. ولو عبّر إحیانا ب_ «البدل» و«العوض» لیس معناه المعاوضة وقعت بحکم العرف _ قهرا علی الطرفین _ بین المعدوم والموجود. بل باب الغرامات باب جبر الخسارة ولا یخطر ببال أحد من العرف المعاوضة والمبادلة. کما لایخطر ببالهم أنّ الخسارة جبر عوض موجب لکون التالف المعدوم ملکا للغارم، أو أنّ المعدوم حال عدمه ملک لصاحبه... هذا حال العرف. وأمّا الضمان فی الشرع فلیس أمرا مغایرا لما فی العرف والدلیل علیه أنّ الأدلة الواردة فی باب الضمانات لم تتعرّض لکیفیة الضمان، بل أوکلها الشارع الأقدس إلی العرف، وإنّما حکم بالضمان فی الموارد الکثیرة من غیر استشمام اعتبار المعاوضة بین التالف والغرامة»(2). هذا أوّلاً.

ص:306


1- 1 . کتاب البیع 2/497 و 496 للسیّد الخمینی رحمه الله .
2- 2 . کتاب البیع 2/483.

وثانیا: «إنّ ما ذکره مخالف لمبناه فی ضمان الید، من أنّ نفس العین تقع علی العهدة وهی باقیة إلی زمان الأداء وحصول الغایة(1)، فإنّ لازمه أن یکون أداء المثل أو

القیمة نحو أداء للعین حتّی یسقط الضمان بحصول غایته.

فعلی هذا: لا یکون أداء المثل أو القیمة عوضا من التالف، بل أداء للعین وبه تحصل غایة ا لضمان.

والعوضیة إنّما تناسب مذهب المشهور فی باب ضمان الید کما تناسب ضمان الإتلاف... ولازم مذهبه عدم العوضیة فحینئذ مع تسلیم جمیع المقدمات لا تنتج مارامه»(2).

وبما ذکرنا یظهر الرد علی ما جعله التحقیق فی المقام: لأنّ «مذهبه فی باب ضمان الید أنّ نفس العین علی العهدة ولا تتبدّل إلی المثل أو القیمة بالتلف والإتلاف فهی باقیة علیها إلی زمان الأداء ولو بمثلها أو قیمتها، فإنّهما أیضا نحو أداء عند تعذّر العین، فلا وجه حینئذ لما ذکره من سببیّة اللاحق لاستقرار الضمان أو العوض علی العهدة کما هو واضح... فعلیه لا یصحّ رجوع السابق إلی اللاحق متلفا، فإن الإتلاف _ کالتلف _ غیر دخیل فی الضمان واستقراره» هذا أوّلاً.

وثانیا: «مقایسة المقام بباب الغرور فغیر مرضیة لأنّ قاعدة الغرور قاعدة برأسها... ولها دلیل برأسه غیر مربوط بباب التسبیب... والغارّ کثیرا ما لا یکون سببا للضمان، کما إذا أتلف المغرور المال، فإنّه متلف وعلی المتلف الضمان وإن کان له الرجوع إلی الغار»(3).

أقول: هذه الرودود کلّها للسیّد الخمینی ولنا فی بعضها نظر ظهر ممّا مرّ أو یظهر ممّا یأتی فلیست کلها مقبولة عندی.

ص:307


1- 3 . حاشیة المکاسب 1/96، السطر 27، و 99، السطر 25 من طبع الحجری (1/469 و 482 من الطبعة الحدیثة عام 1423).
2- 1 . کتاب البیع 2/498.
3- 2 . کتاب البیع 2/500.
6_ حلّ السیّد الخوئی للعویصة
اشارة

قال: «نبنی علی أنّ الخطاب بالإضافة إلی کلِّ مِنْ السابق واللاحق وضعی، وکلٌ منهما أو منهم ضامن لبدل المال غایته علی نحو الواجب الکفائی، بأن یکون البدل ثابتا علی ذمّة کلّ من الضامنین علی البدل لا عینا فإنّه مستحیل، لأن المبدل الواحد لا یعقل أن یکون له أبدال عدیدة بعنوان البدلیة، وکما یمکن أن یکون الطلب واحدا والمتعلق متعددا کذلک یمکن أن یکون الضمان واحدا والضامن متعددا، وإذا ثبت ذلک فنکتفی بالمقدمة الثانیة ونقول: إذا أدی أحدهم البدل إلی المالک یملک التالف بقاءً بالمعاوضة

القهریة، کما علیه السیرة العقلائیة ویشهد لها أمران:

أحدهما: ما إذا فرضنا ان أحدا أتلف مال الغیر حقیقة _ کما إذا غصب فرس الغیر فقتله أو ذبحه _ فأدی إلی مالکه المثل أو القیمة لیس للمالک أنْ یطالبه بمیتة ذلک الفرس، بل یکون متعلّق حقّ الدافع ولیس للمالک مزاحمته فی ذلک.

ثانیهما: ما إذا فرضنا أن أحدا غصب مال غیره وغصبه منه شخص ثانی وألقاه فی البحر مثلاً بحیث صار بحکم التالف ثمّ رجع المالک إلی الغاصب الأوّل فأخذ منه البدل یکون ما فی البحر ملکا له لا للمالک ویجوز له تصرفه فیه، فإذا فرضنا أنّ الغاصب الثانی أخرجه من البحر لابد من ارجاعه إلی الغاصب الأوّل الذی دفع البدل إلی المالک لا إلی المالک الأوّل، فالسیرة قائمة علی تحقّق المعاوضة فی أمثال ذلک، والمقام من هذا القبیل، فإذا ثبت ذلک یتم المقصود من رجوع السابق إلی اللاحق دون العکس.

والحاصل أنّه لا إشکال فی ضمان کلّ من ذوی الأیادی فی تعاقبها للمالک غایته علی البدل بنحو الوجوب الکفائی، فإذا رجع المالک إلی أحدهم فأخذ منه البدل صار بأدائه مالکا للمبدل بقاءً، ولا مانع من اعتبار ملکیة التالف فیما إذا لم یکن لغوا وترتب علیه الأثر، ویدلّ علی هذه المعاوضة أمران:

أحدهما: انه إذا تلف مالُ الغیر عند شخص أو أتلفه فأدی مثله أو قیمته إلی المالک لا تکون اجزاؤه الباقیة ملکا للمالک، سواء کانت تسوی بقیمة زهیدة أو لم تکن لها قیمة أصلاً، بل یکون بنظر العقلاء ملکا لمن أدی العوض ولیس للمالک مزاحمته فیها.

ص:308

ثانیهما: انه إذا تلف المال عرفا لا حقیقة _ کما إذا کان فصا فألقی فی البحر _ فرجع المالک إلی من ألقاه وأخذ بدله منه کان المال ملکا لمن أدی البدل، ولذا لو فرضنا أن أحدا فتح باب قفص الطیر فطار فأدی قیمته إلی المالک ثمّ قتله شخص آخر فی الهواء ببندقة ونحوها کان ضامنا لمن أدی بدله لا للمالک، والسیرة العقلائیة قائمة علی ذلک ولم یردع عنها، فیعرف من ذلک أنّ من أدی البدل فی موارد الضمان یکون هو المالک للمبدل.

وببیان أوضح: انه لا إشکال فی أن وجود کلّ من الفعلین فی الواجب التخییری مباین لوجود الفعل الآخر، وإن کان الطلب متعلقا بالجامع بینهما، فالامتثال انّما یحصل بخصوص الفعل المأتی به لا بالجامع، کما أنّ الثواب أیضا یترتب علی الفعل الخاص لا علی الجامع، وکذا فی الواجب الکفائی، فإنّ التکلیف وإن کان متعلقا بطبیعی المکلف إلاّ أنّ وجود کلّ مکلف مباین مع وجود الآخر، فإذا امتثل التکلیف أحدهم یکون هو المثاب

بخصوصه دون الطبیعی وان کان هناک أثر آخر یترتب علیه دون غیره، کما إذا فرضنا ورد فی الدلیل ان من صلّی علی الجنازة تقبل شهادته، فقبول الشهادة یترتب علی من صلّی دون غیره من المکلّفین، وهذا جار فی باب الضمان أیضا فانه وان کان متعلقا بالجامع إلاّ ان الأثر المرتب علی الضمان _ وهو ملکیة المبدل عند دفع البدل _ یترتب علی خصوص من خرج عن الضمان بأداء البدل دون غیره، فاذا أدی أحدهم البدل إلی المالک هو یکون مالکا للمبدل بقاءً دون طبیعی الضامن ویکون نازلاً منزلته، فله الرجوع إلی من تلف المال فی یده ومن کان بینه وبینه ممن وقعت أیدیهم علی التالف.

ثمّ بعد ثبوت ذلک وکون من أدی البدل مالکا للمبدل بقاءً فهو بمنزلة المالک، فلماذا لا یجوز له الرجوع إلاّ إلی اللاحق دون السابق کما کان للمالک الرجوع إلیه أیضا بمقتضی «علی الید»، وهو أیضا یقتضی رجوع المالک بقاء إلی کلٍّ منهما»(1).

مناقشات علی حلّ السیّد الخوئی
اشارة

قد یظهر بعض المناقشات ممّا مرّ ومنها:

ص:309


1- 1 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/(499-497).

أوّلاً: اعتبار التالف ملکا بما هو تالف ومعدوم یحتاج إلی دلیل مفقود فی المقام.

وثانیا: یمکن لأحد أن یناقش فی وجود السیرة العقلائیة علی ثبوت المعاوضة القهریة بین البدل والعین التالفة.

وثالثا: نفس وجود المعاوضة القهریة غیر معلوم عند العقلاء وإنّما ذکرها بعض المتأخرین ولعلّ احتمالها قد نشأ من تعبیر الأصحاب قدس سرهم الغرامة بالبدل حیث لایعقل کون المعدوم _ بما هو معدوم _ ملکا لصاحبه أو ملکا لغارمه.(1)

ورابعا: «أنّ قیاسه التلف الحکمی بالتلف الحقیقی ممنوعٌ، فما ذکره من قیام السیرة العقلائیة علی أنّ الضامن الدافع للعوض إلی المالک، یعدّ مالکا لبقایا التالف من الرضاض والکسور، مختصُّ بالتلف الحکمی، والبحث فی المقام عن التلف الحقیقی، ولم تثبت فیه السیرة المدّعاة فی التلف الحکمی، بل نفس الشکّ فی تحقّق السیرة وعدمه کافٍ فی نفیها، وبالتالی فقیاس التلف الحقیقی بالحکمی قیاسٌ مع الفارق.

وخامسا: أنّ الاعتبار لا قیمة له إلاّ إذا کان ذا أثر، کما فی المقام،فإنّ اعتبار ملکیّة التالف للید الاُولی لا أثر له إلاّ الضمان، بمعنی أنّه یترتّب علی ملْکیّة الضامن الأوّل

للتالف حقّه فی مطالبة الذمّة اللاّحقة المتلفة بعوض المدفوع إلی المالک، ومن المعلوم أنّ اعتبار الملکیّة لأجل ترتّب الضمان مستلزمٌ للدور الباطل.

وسادسا: کما إنّ الید السابقة ضامنة أمام المالک، کذلک الید اللاّحقة ضامنة له عند استیلاءه بقاعدة الید، ولیس هناک زیادة استیلاء لأحدهما علی الآخر لیستوجب تقدّمه فی الضمان علی الآخر، نعم حصل هناک تلف فی ظرف استیلاء الید اللاّحقة، فدفع السابق بدله، وفی ظرف التلف لم تکن للسابق یدٌ علی المال لیستلزم یده ودفعه البدل الملکیة علی المال، فقوله: «فلم یبق إلاّ أن یکون للضامن بعد إعطاء عوضه»(2) ممنوعٌ»(3).

ص:310


1- 2 . الثلاثة الاُولی للسیّد الخمینی فی ردوده علی الفقیه الیزدی.
2- 1 . مصباح الفقاهة 4/385.
3- 2 . العقد النضید 4/74.
جواب المناقشات علی حلّ السیّد الخوئی

یمکن أن یجاب عن المناقشات:

وعن الأوّل: اعتبار الملکیة للتالف أو المعدوم بما هو تالف أو معدوم ممکن ولا یحتاج إلی أزید من الاعتبار والأمر فیه سهلٌ، نعم یحتاج إلی وجود الثمرة وهی موجودة، والدلیل علی الاعتبار نفس هذه السیرة العقلائیة.

وعن الثانی: السیرة العقلائیة موجودة علی المعاوضة القهریة ویمکن امتحانها فی الموارد المختلفة عند عامة الناس.

وعن الثالث: المعاوضة القهریة موجودة والشاهد علیها ما مرّ فی بحث الکشف الحکمی وإجازة المالک، من «إمکان کون الشیء فی زمان ملکا لواحد، وفی ذلک الزمان بعینه ملکا لآخر مع تعدد زمان الاعتبار، وعلیه فقبل دفع الضامن الأوّل البدل یعتبر التالف ملکا للمالک فی زمان طُرُوْءِ التلف علیه، وبعد دفعه البدل یعتبر ذلک التالف فی ذلک الآن ملکا للضامن، والمصحح لذلک الاعتبار ترتب الأثر علیه من ملک الضامن بقایا التالف ورجوعه إلی الضامن الثانی.

ویشهد لذلک ملاحظة فسخ البائع البیع بالخیار المشروط له مع تلف المبیع فی ید المشتری، فإنّه قبل الفسخ یکون المبیع زمان طریان التلف علیه ملک المشتری وبعد الفسخ یعتبر ذلک المبیع فی ذلک الآن ملک البائع، ولذا یرجع إلیه ببدله کما لا یخفی»(1).

وعن الرابع: مساواة التلف الحکمی والتلف الحقیقی بالنسبة إلی هذه المعاوضة القهریة ودلالة السیرة العقلائیة علیها والشاهد علی المساواة أنّ ما ذکره علی المعاوضة کلاهما تلف حکمی، ولکن ما ذکره علی جریان السیرة العقلائیة أحدهما تلف حقیقی وهو الأوّل وثانیهما تلف حکمی، وحیث أنّ السیرة العقلائیة قائمة علی التلفین فحکمهما بالنسبة إلی المعاوضة القهریة واحد. ولیس قیاسهما معا مع فارق.

وعن الخامس: أمر الإعتبار سهل وبید المعتبِر ولا یتم إلاّ إذا کان فی البین ثمرة

ص:311


1- 3 . إرشاد الطالب 4/141 و 142.

وإلاّ کان لغوا، والثمرة هنا ترتب ضمان اللاحقین لِمَنْ أدی البدل إلی المالک، ولم یکن فی البین دورٌ، یعتبر المعتبِر اعتبار ملکیة التالف للمؤدی ثمّ یترتب علی هذا الاعتبار ضمان اللاحقین بالنسبة إلیه، فأین الدور الذی ادعاه فی العقد النضید؟!

وعن السادس: بعد قبول ملکیة التالف للمؤدِّی، یثبت ضمان اللاحقین له وثبوت استقرار الضمان علی مَنْ تلف المال عنده لأنّه غیر قادر إلی أداء العین، فلا وجه لإشکال تساوی الأیدی الضامنة.

وبما أجبنا عن المناقشات علی حلّ السیّد الخوئی قدس سره ترتفع العویصة وللّه الحمد.

ونحن نوافق فتوی المشهور فی بحث تعاقب الأیدی من رجوع کلِّ سابق إلی لاحقه دون العکس واستقرار الضمان علی من تلفت العین فی یده واللّه العالم.

و«هذا کلّه إذا تلف المبیع فی ید المشتری»(1).

ص: 312


1- 1 . المکاسب 3/511.

حکم بقاء العین عند بعض الأیدی المتعاقبة

اشارة

قال الشیخ الأعظم قدس سره : «وقد عرفت الحکم أیضا فی صورة بقاء العین وأنّه یرجع المالک بها علی مَنْ فی یده أو من جرت یده علیها»(1).

أقول: مراده من قوله: «قد عرفت»، قوله فی أوّل المسالة الأولی من المسائل المتفرقة: «لو لم یجز المالک فإن کان المبیع فی یده فهو وإلاّ فله انتزاعه ممّن وجده فی یده مع بقائه...»(2). وهذا إذا أمکن انتزاع العین ممّن هی فی یده.

وإن لم یمکن انتزاع العین ممّن هی فی یده قال الشیخ الاعظم قدس سره : «فإن لم یمکن انتزاعها ممّن هی فی یده غرم للمالک بدل الحیلولة، وللمالک استرداده فیردّ بدل الحیلولة»(3).

أقول: قد مرّ فی مباحث بدل الحیلولة(4) عدم تمامیة أدلتها وقلنا هناک: «حیث لا تتمّ الأدلة لإثباتها فلا یمکننا موافقة المشهور من فقهائنا _ قدس اللّه أسرارهم _ من حکمهم بها، و فی موارد الضیاع و السرقة و الغرق و الإباق إن یصدق التلف عرفا یحکم بأدلة الضمان بضمان المال للمالک بالمثل أو القیمة من جانب الضامن.

و إذا لم یصدق التلف عرفا فلیس للمالک المطالبة ببدل ماله، نعم له اُجرة ماله بدلاً

ص:313


1- 1 . المکاسب 3/511.
2- 2 . المکاسب 3/483.
3- 3 . المکاسب 3/511.
4- 4 . الآراء الفقهیة 4/567 وما بعدها.

من منافعه الفائتة له.

و فی فرض التلف و أداء الضمان وقع المبادلة القهریة، فینتقل المال إلی المالک و العین التالفة إلی الضامن، بحیث لو وجدت إحیانا کانت له»(1).

فحینئذ _ أی حین لایمکن انتزاع العین ممّن هی فی یده غرم للمالک بالبدل إن یصدق التلف علیه عرفا وإلاّ لابدّ للمالک من الصبر والظفر علی عین ماله وله الاُجرة بدلاً من منافعه الفائتة له.

قال الشیخ الأعظم: «وللمالک استرداده فیردّ بدل الحیلولة»(2).

أقول: ظهر بما ذکرنا أنّ أخذ المالک بدل ماله وقعت المبادلة القهریة بین العین والبدل وصار المالک مالکا للبدل والضامن المؤدی للبدل مالکا للعین، بحیث لو وجدت إحیانا کانت له. فلا تتم مقالة الشیخ الأعظم إلاّ علی القول ببدل الحیلولة.

وقال الشیخ الأعظم: «ولایرتفع سلطنة المالک علی مطالبة الأوّل بمجرّد تمکّنه من الاسترداد من الثانی»(3).

أقول: والوجه فی ذلک قاعدة علی الید وشمولها لهما ولکلّ من جعل یده علی المال ولذا قال قدس سره فی بقیة کلامه: «لأنّ عهدتها علی الأوّل فیجب علیه تحصیلها وإن بذل ما بذل»(4). کما یمکن له أن یأخذها من الثانی فیبرأ ذمة الأوّل والثانی بالنسبة إلی العین.

ثمّ بقی هنا فروع:

الأوّل: مؤونة ردّ العین علی مَنْ؟

قاعدة علی الید تقتضی أنّها علی الضامن لأنّ الرد علیه فمؤونته أیضا علیه.

ولذا قال الشیخ الأعظم هاهنا: «فیجب علیه تحصیلها وإن بذل ما بذل»(5).

ص:314


1- 5 . الآراء الفقهیة 4/582.
2- 1 . المکاسب 3/511.
3- 2 . المکاسب 3/511.
4- 3 . المکاسب 3/511.
5- 4 . المکاسب 3/511.

أی أنّ المؤونة قلیلة کانت أو کثیرة علی الضامن أو متعارفة کانت أو غیرها علیه.

ولکنّه قدس سره ذهب فی أحکام المقبوض بالعقد الفاسد بأنّ مؤونة الرد علی القابض الضامن ولکنّها إذا کانت متعارفة عادیة وأمّا إذا کانت غیرها _ أی الکثیرة _ فلا، لأنّ أدلة نفی الضرر تنفیها.(1)

أقول: قد مرّ(2) هذا الفرع فی ذلک البحث واخترنا هناک بأن المؤونة القلیلة أو

العادیة المتعارفة کانت علیه وأمّا غیرها فلا لجریان قاعدة نفی الضرر.

لأنّ المؤونة إذا بلغت إلی حدّ الاجحاف والضرر العرفی _ الذی یعده العرف ضررا ومن علیه متضررا _ فلا یبعد شمول قاعدة نفی الضرر لها.

اللهم إلاّ أن یقال: بأنّ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال، وقد مرّ منّا عدم تمامیة هذا الکلام فی الأبحاث الماضیة.

وبالجملة: مؤونة ردّ العین علی الضامن إذا کانت قلیلة أو متعارفة عادیة وإلاّ فلا.

الثانی: لو توقف استرجاع المالک لماله علی مؤونة فعلی مَنْ؟

قال الشیخ الأعظم: «لیس للمالک أخذ مؤونة الاسترداد لیباشر بنفسه»(3).

مراده: إنّ الردّ علی الضامن ومؤونته أیضا علیه حتّی إذا کان متوقفا علی بعض المقدمات المستلزمة لبذل الأموال وصرف المؤونة، ولکن لیس من تلک المقدمات بذل الأُجرة للمالک حتّی یُباشِرَ بنفسه الاسترداد وبالتالی فلیس للمالک مُطالَبَةُ الضّامِنِ بِها.

وقد ناقشه الاستاذ المحقّق _ مدظله _ وقال: «وفیه: إذا توقّف ردّ المال إلی المالک أو إخراجه من محلّ معیّن وإیصاله إلیه، علی القیام بأعمال معیّنة، یستلزم صرف مبالغ مالیّة، فإنّ من حقّ المالک، وذلک بمقتضی إطلاق دلیل «لا یحلّ لأحدٍ...» أن یمنع الغاصب عن التلاعب بالمال والتصرّف فیه، إلاّ بالطریقة التی یراها مناسبة مع طبیعة بضاعته المغصوبة، وهکذا فیما نحن فیه، فإنّه حینما توقّف استرداد ماله من الید العادیة

ص:315


1- 5 . راجع المکاسب 3/199، الثانی.
2- 6 . راجع الآراء الفقهیة 4/389.
3- 1 . المکاسب 3/511.

علی القیام بأعمال معیّنة تستلزم بذل الاُجرة، فإنّ من حقّه أن یطالب بها الغاصب، وإلزامه بذلک، ومنعه عن ردّ ماله إلیه بطریقة اُخری قد لا تحتاج إلی الاُجرة المذکورة، وذلک بمقتضی إطلاق دلیل منع التصرّف إلاّ بإذنه»(1).

الثالث: إذا کان المالک یقدر علی استرداد ماله فقط

ویحتاج إلی مؤونة أو یرید أخذ الأُجرة بذلک هل علی الضامن دفعها؟

فی المسألة صور ثلاث أشار إلیها الشیخ الأعظم من دون اختیار وترجیح.

قال: «ولو لم یقدر علی استردادها إلاّ المالک، وطلب من الأوّل عوضا عن الاسترداد، فهل یجب علیه بذل العوض، أو ینزّل منزلة التعذّر فیغرم بدل الحیلولة، أو یفرّق بین الاُجرة المتعارفة للاسترداد وبین الزائد علیها ممّا یعدّ إجحافا علی الغاصب

الأوّل؟ وجوه»(2).

أقول: أمّا الصورة الأولی: وهی بذل المؤونة والاُجرة والعوض مطلقا ولو کانت کثیرة وغیر متعارفة وغیر عادیة فلا، ومرّ فی الفرع السابق بأنّ أدلة نفی الضرر تنفیها ولا توجیه له حتّی وإن کان الضامن غاصبا.

وأمّا الصورة الثانیة: وهی الانتقال إلی بدل الحیلولة فممنوع، لأنّ المال الموجود الذی یمکن الوصول إلیه لایلحق بالمال الذی فی حکم التالف ولایمکن الوصول إلیه عادة.

وأمّا الصورة الثالثة: وهی التفصیل بین طلب الاُجرة المتعارفة وبین الزائد علیها فتام بدلالة سیرة العقلاء وقضیة الجمع بین وجوب ردّ مال الغیر وحرمة الاستیلاء علیه والتصرف فیه إلاّ بإذن مالکه.

وبالجملة: یحکم بدفع الاُجرة المتعارفة للمالک لاسترداد ماله. واللّه العالم.

وبعبارة أُخری: «ثمّ إنّ المالک هل یمکنه منع الغیر عن نقل ماله أو إخراجه ولا

ص:316


1- 2 . العقد النضید 4/77.
2- 1 . المکاسب 3/511.

یجوز للغاصب أن یعطی الاُجرة لغیر المالک ویأمره باخراج مال المالک فیما إذا لم یرض المالک بذلک وأراد أن یخرجه بنفسه لتملیک اُجرة الاخراج، أو أنه لایجوز للمالک ذلک أبدا ویجوز للغاصب أن یدفع الاُجرة إلی غیر المالک ویأمره بالاخراج؟

الظاهر أنّ المالک متمکّن من منع غیره عن التصرف فی ماله بالنقل والاخراج فیکون تصرف الغیر فیه حراما لعموم «الناس مسلّطون علی أموالهم»(1) وعدم ورود تخصیص علیه فی المقام فیخرجه المالک بنفسه ویتملّک الاُجرة، نعم لو ادّعی الزیادة یجری فیه ما سبق من عدم وجوب دفع الزائد علی الغاصب بوجه، فهناک مسائل ثلاث:

الاُولی: أنّ المالک مثل غیره فی أنه إذا نقل ماله بنفسه أو أخرجه عن البحر ونحوه یستحقّ الاُجرة لا محالة.

الثانیة: أنّ المالک له أن یمنع غیره من التصرف فی ماله بالاخراج والنقل ویتمکّن من أن یباشره بنفسه ویستحقّ به الاُجرة؟

الثالثة: أنه لایجوز للمالک مطالبة الزائد عن اُجرة المثل فی صورة الانحصار وغیرها»(2).

الرابع: إذا تغیّرت العین

قال الشیخ الأعظم: «هذا کلّه مع عدم تغیّر العین، وأمّا إذا تغیّرت فیجی ء صور کثیرة لا یناسب المقام التعرّض لها...»(3).

أقول: إذا تغیّرت العین _ مع فرض بقائها _ نحو الثوب إذا وَقَعَتْ علیه الخیاطة، أو العصیر العنبی إذا غلی ولم یذهب ثلثاه أو ذهب، أو اللحم أو القمح أو الرز أو غیرها من المواد الغذائیة إذا طبخ وصار طعاما، وفی جمیع الأمثلة ومثلها إذا تغیّرت قیمته بعد التغیّر فهل یرجع المالک علی البائع الفضولی أو المشتری منه الذی حدث التغیّر بیده؟

وهل الثابت علیه قیمتها یوم وقوعها تحت ید البائع الفضولی أم المشتری أو قیمتها

ص:317


1- 2 . عوالی اللآلی 3/208، ح49، بحارالأنوار 2/272.
2- 3 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/115.
3- 1 . المکاسب 3/511.

یوم التغییر أو قیمتها یوم الأداء؟

وهل یجوز للمالک أخذ العین المملوکة مع أخذ الغرامة من الضامن أم لا؟ ولابدّ له من أخذ البدل فقط؟ فروع ومسائل یبحث عنها فی کتاب الغصب ولذا قال الشیخ الأعظم: «وإن کان کثیر ممّا ذکرنا أیضا ممّا لا یناسب ذکره إلاّ فی باب الغصب، إلاّ أنّ الاهتمام بها دعانی إلی ذکرها فی هذا المقام بأدنی مناسبة اغتناما للفرصة»(1).

ص:318


1- 2 . المکاسب 3/511.

تکمیلٌ: فیه مسألة الإبراء

اشارة

إذا أبرأ المالک ذمّة أحد من الضامنین فهل یبرأ هو فقط أو یبرأ الجمیع؟ وهل یجوز لمن أبرأه المالک أن یرجع إلی لاحقه أم لا؟

قال الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله : «أمّا لو أبرأ ذمّة واحد منهم فهل یبرأ الجمیع، ولیس له بعد ذلک الرجوع إلیهم أو لا؟ فیجوز أن یبرأ بعضهم ویأخذ من أحد الباقین؟ وجهان: أقواهما أنّ مقتضی إبرأ واحد براءة الجمیع، وذلک لأنّ المفروض وجود بدل واحد فی ذمّة الجمیع، فإذا أبرأ واحد منهم فکأنَّه أخذ منه ذلک البدل، فلیس له بعد ذلک شیء، وإن صرّح ببراءته مع إرادة الأخذ من الباقین یعد من التناقض، فلا یحصل إبراء ذلک الواحد أیضا، ولیس الحال فی المقام کالواجب الکفائی إذا أسقط التکلیف من أحدهم؛ حیث إنَّ الوجوب یبقی علی الباقین؛ وذلک لأنَّه إخراج له عن التکلیف، لا إسقاط المکلف به، بخلاف المقام فانَّه إن أراد إخراج ذلک الواحد عن الضمان وعن سببیة یده فلیس له ذلک؛ إذ لیس أمر السببیة بیده، فلیس له علیه إلاّ ذلک البدل، فإذا جعله فی حِلٍّ منه فکأنَّه أخذه منه، ومعه لا معنی لمطالبة الباقین.

وهل لهذا الواحد أن یرجع علی لاحقه؟ وجهان، أقواهما العدم؛ لأنَّ الوجه فی رجوعه إنَّما کان سببیته لضرره، وأخذ الغرامة منه، والمفروض أنَّه لم یؤخذ منه شیء، والفرق بینه وبین الهبة والمصالحة ونحوهما واضح، فتدبّر»(1).

ص:319


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/317 و 318.

وتبعه المحقّق السیّد الخوئی(1) قدس سره .

مقالة المحقّق الخمینی حول الإبراء

قال رحمه الله : «لا یبعد الاختلاف بحسب المبانی فی باب ضمان الید، فمن قال: بأنّ نفس

العین علی الذمة وهی باقیة إلی زمان الأدا ولو بالمثل أو القیمة ولا فرق فی الضمان حال وجودها وتلفها(2)، فلابدّ إمّا من الالتزام بأنّ الإبراء بمنزلة الاستیفاء، فمعه تحصل غایة الضمان التی هی الأداء؛ فإنّ الإبراء أیضا نحو استیفاء.

فعلیه یلزمه القول: بأنّه مع وجود العین أیضا یکون الإبراء استیفاءً للمأخوذ، ولازمه خروج العین الموجودة عن ملک مالکها؛ لعدم تعدّد المال له، والمفروض وصول ماله الذی أخذ منه، وهذا ممّا لا أظنّ التزام أحدٍ به.

ولو قیل: لو فرض قصور دلیل الید عن ذلک، فلا قصور لغیره، کقوله علیه السلام : «الغصب کلّه مردود»(3).

یقال: إذا فرض حصول الغایة لدلیل الید، یقع التعارض بینه وبین ماذکر، وهو حاکم علیه، فتدبّر.

وحیث لا یمکن الالتزام بذلک، ولا یسع القائل التفصیل بین زمان وجود العین وغیره، بعد وحدة الدلیل، ووحدة المضمون، وعدم تغیّره حال الوجود والتلف، فلا یمکن أن یقال: إنّه فی زمان الوجود لیس الإبراء استیفاءً، بخلاف حال التلف.

فلابدّ له من الالتزام بأنّ إبراء ذمّة أحدهم، لا یلازم براءة الآخرین، کما أنّه فی حال وجود العین، لا یکون إبراء أحدهم إبراءً للآخرین.

والتفصیل: بین من کانت العین موجودة بیده وغیره؛ بأنّ الاستیفاء لا یؤثّر بالنسبة إلیه دون غیره، کما تری.

ص:320


1- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/113 و 114، ومحاضرات فی الفقه الجعفری 2/500.
2- 1 . حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 1/96، السطر 27 من طبع الحجری، (1/469).
3- 2 . الکافی 1/542، ح4، تهذیب الأحکام 4/130، ح2، وسائل الشیعة 9/524، کتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 1، ح4.

نعم، علی المذهب المعروف فی باب ضمان الید(1)، یصحّ التفصیل بین حال الوجود وحال التلف، والالتزام بأنّ إبراء ذمّة حال الوجود لا یلازم إبراء غیرها؛ لأنّه فی حال الوجود لیس علی الآخذ مثل أو قیمة، وإنّما علیه معنی تعلیقیّ «وهو أنّه لو تلف علیک».

وهذا المعنی التعلیقیّ نحو ضمان مسبّب عن الأخذ والاستیلاء، فکلّ من الأیادی

ضامنة بهذا المعنی، ومعنی إبرائه هو الإبراء عن الضمان، لا الاستیفاء للمضمون، وذلک واضح، فإذا أبرأ أحدهم یرجع ذلک إلی أنّه إذا تلف لم یکن علیک، وهو لا ینافی بقاء ضمانات اُخر.

وأمّا بعد التَّلَفِ، فحیث یکون المثل أو القیمة علی عهدتهم، ولیس للمضمون له إلاّ مال واحد علی ما عرفت،(2) فإبراء أحدهم ملازم لبراءة غیره، فلابدّ من البحث علی هذا المبنی.

فنقول: التحقیق أنّه کلّما کان إبراء الضمان مستلزما لإبراء البدل والعوض أو عینه، لا یعقل بقاء ضمان غیره، لا لأجل استیفاء حقّه، أو کون الإبراء بمنزلة الأخذ.

بل لما عرفت سابقا؛ من أنّ عنوان «البدل» و «العوض» و «جبر الخسارة» ونحوها، من العناوین التی لاتقبل التکرار،(3) ومعلوم أنّ «علی الید...» إنّما یوجب اشتغال الذمم بعنوان «الضمان» و «جبر الخسارة» ومثل هذا غیر قابل للتکَرار.

فحینئذٍ لو أبرأ أحد مَنْ فی السلسلة مِنْ البدل أو العوض، فلایعقل بقاء البدل علی ذمّة غیره، ولیست الذمّم مشغولة بغیر ذلک، فلازمه رفع الاشتغال من جمیع الذمّم، سواء کان الإبراء بمنزلة الأخذ والاستیفاء أم لا.

وأمّا إذا لم یستلزم ابراؤه إبراءَ غیره، کما لو أبرأه حال وجود العین فلا یبرأ غیره،

ص:321


1- 3 . الخلاف 1/674، السطر 13، حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی 1/96، السطر 25 من طبع الحجری (1/469).
2- 1 . تقدّم فی کتاب البیع 2/476.
3- 2 . تقدّم فی کتاب البیع 2/475.

لما عرفت من أنّ الضمانات کثیرة، ولیس ضمان أحدهم عین ضمان الباقین ولا مستلزما _ وجودا وعدما _ له، فلصاحب المال إبراء أحدهم دون غیره فتدبّر جیّدا»(1).

تفصیل المحقّق الرشتی فی مسألة الإبراء ونقده

ذهب المحقّق الرشتی(2) رحمه الله إلی براءة المتقدم من المبری ء عنه وبقاء المتأخر منه علی شغل ذمّته، أمّا الأوّل فیدّعی أنّ من لوازم اشتغال ذمّته _ بحکم قاعدة الضمان _ رجوعه إلی مَنْ تأخّر، فإذا أبرأ المتأخر فقد أبرأه عمّا علیه سواء کان ابتداءً أو بواسطة الرجوع إلی مَنْ یرجع إلیه.

وأمّا الثانی فالمتأخر باق علی شغل ذمّته لأنّ الإبراء لیس کأداء المبدل وقبضه، بل

للمالک حقوق کثیرة وللضمان تعلّقات عدیدة، فإسقاط أحدها لا یلازم إسقاط غیره.

وَاعْتَرَض علیه السیّد الخمینی رحمه الله بقوله: «فَفِیْهِ: مضافا إلی ما عرفت من عدم الفرق بین الإبراء والاستیفاء وأخذ البدل، بعد کون الإبراء إسقاطا للمضمون الذی لایعقل فیه التکرار والتعدد، أنّه علی فرض التعلّقات العدیدة والغضّ عمّا ذکرناه، أنّ ما أفاده علی هذا المبنی غیر تامّ؛ لأنّ أساس ضمان الآخذ للمالک فی الأیادی المتعاقبة، غیر أساس ضمانه للغاصب السابق.

فموضوع الضمان للمالک هو أخذ ماله، من غیر دخالة شیء آخر فیه، کما هو ظاهر دلیل الید، فضمان غیره وعدم ضمانه غیر دخیل فیه، وأساس ضمان الغاصب المتأخّر للمتقدّم، لیس أخذ مال المالک بلا إشکال، بل أمر آخر، وهو أخذ وصف «المضمونیّة» کما عرفت،(3) وهو تمام الموضوع لضمان الإیادی المتأخّرة بالنسبة إلی الأیادی المتقدّمة.

فلا دخالة لهذا الوصف(4) فی ضمانهم للمالک، کما لا دخالة للمِلْک فی ضمانهم للأیادی المتقدّمة، وإن کان أخذ الوصف لایمکن إلاّ بأخذ العین.

ص:322


1- 3 . الکتاب البیع 2/(507-504).
2- 4 . کتاب الغصب /126 من طبع الحجری، السطر 5.
3- 1 . تقدّم فی کتاب البیع 2/501.
4- 2 . أی وصف المضمونیة.

فحینئذٍ إذا أبرأ المالک أحد مَنْ فی السلسلة، فإنّما أبرأه عن ضمانه، لا عن ضمان غیره؛ إذ لیس له إبراؤه إلاّ من حقّه، فإذا رجع إلی من سبق الذی أبرأه، فله الرجوع إلیه وإن أبرأه المالک؛ لأنّ رجوعه لأجل ضمانه للوصف مع عدم حصول غایته.

فالقول: بعدم جواز الرجوع إلیه مع الغضّ عمّا ذکرناه، غیر مرضیّ.

ولو سلّم عدم جواز رجوعه إلیه، فلا نسلّم عدم جواز رجوع المالک إلی من تقدّمه؛ لمنع اللزوم المذکور.

ألا تری: أنّه لو أبرأ الغاصب الأوّل مثلاً أحد مَنْ فی السلسلة عن ضمانه، فلا إشکال فی عدم جواز رجوعه إلیه لو رجع إلیه المالک، مع أنّ لازم ما ذکره هو براءة ذمّته من المالک أیضا، وهو واضح الفساد، ولا أظنّ التزامه به، فیستکشف منه عدم اللزوم.

مضافا إلی أنّ ما ذکره: من أنّ اشتغال ذمّة المتقدّم من لوازمه _ بحکم القاعدة _ رجوعه إلی من تأخّر من الأیادی، بعد إطلاح العبارة؛ ضرورة عدم إرادة نفس الرجوع، بل المراد جوازه.

إن کان المراد أنّ اشتغال المتقدّم لازمه بقول مطلق جواز ذلک، فهو ممتنع؛ للزوم

تأثیر الید المتقدّمة فی تحقّق الید المتأخرّة عنها، وتحقّق حکمها؛ قضاءً لعدم انفکاک اللازم عن ملزومه.

وإن کان المراد أنّ اشتغال المتقدّم لازمه ذلک بعد تحقّق المتأخّر وترتّب حکمه علیه.

فیرد علیه: مضافا إلی لزوم التفکیک فی دلیل الید؛ بأن یکون تمام الموضوع فی مَوْرِدِ الید فقط، وفی موردٍ الید مع قید آخر، فإنّ الید من الغاصب الأوّل تمام الموضوع إذا لم تتعقّبها ید اُخری، ومع تعقّبها تکون هی مع قید آخر موضوعة، وهو الید التی یصحّ رجوعها إلی المتأخّر، وهو کما تری.

أنّ اللزوم لمّا لم یکن عقلیّا وهو واضح، لابدّ أن یکون بجعل شرعیّ، ولیس فی المقام شیء سوی دلیل الید، فیلزم من ذلک أن یکون دلیل الید متکفّلاً لجعل الضمان للید الاُولی والثانیة، حتّی یترتّب علیهما جواز الرجوع، ثمّ جعل اللازم لاشتغال ذمّة المتقدّم،

ص:323

وهو مستحیل من دلیل واحد وجعل فارد.

هذا مع أنّه لو کانت استفادة الضمان من دلیل الید، کافیةً فی اللزوم المذکور، فلقائل أن یدّعی اللزوم بالنسبة إلی الأیادی المتأخّرة؛ بأن یقول: إنّ اشتغال ذمّة المتأخّر، من لوازمه جواز رجوع المتقدّم إلیه، فإذا برئ المتقدّم سقط جواز الرجوع؛ فإنّه موقوف علی رجوع المالک إلیه، وأخذه منه، وبعد الإبراء لیس للمالک ذلک، فلا یصحّ الرجوع إلی المتأخّر.

وممّا ذکرناه یظهر الکلام لو أراد بما ذکره أنّ اشتغال ذمّة المتأخّر من لوازم اشتغال المتقدّم فیرد علیه ما ذکرناه حرفا بحرفٍ.

والإنصاف: أنّ ما ذکره غیر مرضیّ لا بحسب المبنی ولا بحسب البناء»(1).

المختار فی مسألة الإبراء

إذا أبرأ المالک ذمّة واحد من الضامنین بقاعدة علی الید نحو إبراء أحد مَنْ فی وسط سلسلتهم لایبرأ الجمیع خلافا للمحقّقین الیزدی والخوئی ولایبرأ الجمیع فی فرض تلف العین وعدمه فی فرض وجود العین خلافا للمحقّق الخمینی ولا یبرأ المتقدم من المبرئ عنه وبقاء المتأخر منه علی شغل ذمّته خلافا للمحقّق الرشتی، بل یبرأ مَنْ أبرأه

المالک فقط من دون الفرق فی بقاء اشتغال الذمة بین المتقدم منه أو المتأخر وبلا فرق بین تلف العین ووجوده والوجه فی ذلک:

اخترنا فی بحث الضمان بأنّ نفس العین تکون متعلَّقة بتکلیف وجوب الأداء مادامت هی باقیة وبعد تلفها تنتقل علی ذمّه الضامن إلی زمن الأداء وحینه(2) تنتقل إلی المثل أو القیمة ولذا اخترناه فی بحث ضمان القیمی قیمة یوم الأداء فعلی ما ذکرنا لا فرق بین فرضی وجود العین وتلفها.

ثمّ فلیعلم: بأنّ الإبراء لَیْسَ بمنزلة الاستیفاء لوضوح الفرق بینهما وَلِما مرّ من

ص:324


1- 1 . کتاب البیع 2/(510-507).
2- 1 . أی حین التلف.

المحقّق الخمینی من الفرق بینهما من عدم إمکان القول بالتنزیل مع وجود العین وإذا رُدّ التنزیل فی فرض وجود العین رُدّ فی فرض تلفها لاِتِّحادِ الدلیل والمضمون والضمان.

فحینئذٍ _ أی حین لم یثبت بأنّ الإبراء بمنزلة الاستیفاء _ فلا یجری علی الإبراء عناوین البدل أو العوض أو جبران الخسارة ونحوها من العناوین التی لاتقبل التکرار ولوضوح الفرق بینه وبین هذه العناوین، لأنّ المالک فی الإبراء لم یأخذ شیئا حتّی یصدق علیه استیفاء حقّه أو أخذ بدل ماله أو عوضه أو جُبِرَتْ خسارته، فعلی ما ذکرناه یجوز له إبراءُ بَعْضِ الضامنین دون بعضهم، لأنّ الإبراء یقبل التکرار بالنسبة إلی الأفراد المختلفة.

نعم، للمالک حق الرجوع علی کل مِنْ الذین جعلوا أیْدِیَهُمْ علی ماله وأخذ عین ماله أو بدله منهم بدلاً واحدا، فله أن یعفو بعضهم أو أحدهم من هذا الحق وأخذ العین أو البدل من غیرهم، لاِءنَّهُ کما مرّ فی بحثها(1) قابل للإسقاط وهذا منها.

فیجوز للمالک إسْقاطُ حقّه بالنسبة إلی واحد من الضامنین أو أکثر من الواحد ولا یسری هذا الاسقاط إلی غیره أو غیرهم ویجوز له مطالبة غیره أو غیرهم بالمال عینه أو بدله.

ومن المعلوم أنَّهُ لا یقوم المبرئ عنه مقام المالک مِنْ رجوعه إلی لاحقیه وأخذ الغرامة منهم لأنّ لم یؤد شیئا إلی المالک بل أخذ منه الحلّ فقط. هذا ما یخطر ببال هذا القاصر _ عامله اللّه بفضله وعفوه _ واللّه العالم وبه تم الکلام فی بحث تعاقب الأیدی.

ص: 325


1- 2 . راجع الآراء الفقهیة 4/17.

ص: 326

وَصْلٌ: تتمة مسائل حول بیع الفضولی

اشارة

ص: 327

ص: 328

المسألة الرابعة: بیع الفضولی مال نفسه مع مال غیره

أقوال الفقهاء حول المسألة

قال الشیخ فی النهایة: «إن باع ما یملک وما لا یملک فی صفقة واحدة مضی البیع فیما یملک وکان فیما لا یملکُ موقوفا [علی إجازة مالکه] ما بیّنّاه»(1).

وقال فی المبسوط: «إذا باع شیئین صفقة واحدة أحدهما ینفذ فیه بیعه والآخر لاینفذ فیه بطل فیما لا ینفذ وصحّ فیما ینفذ سواء کان أحدهما مالاً والآخر غیر مال ولا فی حکم المال مثل أن باع خلاّ وخمرا أو حرّا وعبدا أو شاة وخنزیرا أو کان أحدهما ماله والآخر مال الغیر أو باع عبده وعبدا موقوفا أو أمّ ولده مع بقاء ولدها، الباب واحد، ومعنی تفریق الصفقة أنّه إذا بطل فی أحدهما لم یبطل فی الآخر، وقولهم: لا یفرق أی إذا بطل فی أحدهما بطل فی الآخر، وإذا قلنا علی ما قلنا بتفریق الصفقة یقسّط الثمن علی أجزائهما ککرّین من طعام وصاعین من دهن أو کان الّذی بطل فیه البیع مشاعا مثل أن باعه دارا نصفها له ونصفها لغیره ولا فصل بین أن یکون ممّا یدخله العوض أو لا یدخله»(2).

وقال فی الخلاف: «إذا باع شیئین صفقة واحدة، أحدهما ینفذ فیه البیع والآخر لا ینفذ فیه البیع، بطل فیما لاینفذ البیع فیه، وصحّ فیما ینفذ فیه، سواء کان أحدهما مالاً والآخر لیس بمال ولا فی حکم المال، مثل أن باع خلاً وخمرا، أو حرا وعبدا، أو شاة

ص:329


1- 1 . النهایة /385.
2- 2 . المبسوط 2/144 و 145.

وخنزیرا.

وما یکون أحدهما مالاً والآخر فی حکم المال، مثل أن باع أمته وأمُ ولده، أو عبده وعبدا موقوفا، أو کان أحدهما ماله والآخر مالاً لکنه ملک الغیر، الباب واحد.

وقال الشافعی، یبطل فیما لاینفذ فیه البیع قولاً واحدا، وهل یبطل فی الآخر؟ علی

قولین: أصحهما عندهم أن البیع یصحّ فی أحدهما.(1)

وقال أبوحنیفة: إن کان أحدهما مالاً والآخر لیس بمال ولا فی حکم المال، بطل فی المال. وإن کان أحدهما مالاً له والآخر لغیره، نفذ فی ماله وکان فی مال الغیر موقوفا.(2)

وقال مالک وداود: یبطل فیهما.(3)

دلیلنا: قوله تعالی: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ»(4) وهذا بیع فیما یصحّ أن ینفذ بیعه، فوجب أن یکون صحیحا، فمن أبطله فعلیه الدلالة، وعلیه إجماع الفرقة، ولا یختلفون فیه»(5).

وقال السیّد ابن زُهْرَةَ فی الغُنْیة: «... وقد دخل فیما أصّلنا نفوذ بیع ما یصحّ بیعه إذا بیع معه فی صفقة واحدة ما لا یجوز بیعه، لأنّه مملوک یصحّ بیعه منفردا بلا خلاف، فمن أبطله فی هذه الصورة فعلیه الدلیل ویدلّ علی ذلک بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالی «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ»(6)»(7).

ص:330


1- 1 . المجموع 9/381 و 388، والوجیز 1/140، وفتح العزیز 8/233 و 237، والمغنی لابن قدامة 4/316، والشرح الکبیر 4/43.
2- 2 . اللباب 1/247، وشرح فتح القدیر 5/(225-226)، وشرح العنایة علی الهدایة فی هامش شرح فتح القدیر 5/225، والمجموع 9/388، وفتح العزیز 8/237، والمغنی لابن قدامة 4/316 وتبیین الحقائق 4/60، والشرح الکبیر 4/44.
3- 3 . المجموع 9/388، والمغنی لابن قدامة 4/316، والمحلّی 9/16، والشرح الکبیر 4/43.
4- 4 . سورة البقرة /275.
5- 5 . الخلاف 3/144، مسألة 232.
6- 6 . سورة البقرة /275.
7- 7 . غنیة النزوع /209.

وقال بعد اوراق أیضا: «وقد قدّمنا أنّ من جمع فی صفقةٍ واحدةٍ بین شیئین یصحّ بیع أحدهما دون الآخر نفذ البیع فیما یصحّ فیه، فإذا ثبت ذلک فالمشتری بالخیار بین أن یردّ الجمیع أو یمسک ما یصحّ فیه البیع بما یخصّه من الثمن الذین یتقسّط علیه، لأنّ جمیع الثمن إنّما کان فی مقابلتهما ویتقسّط علیهما معا، فإذا بطل بیع أحدهما سقط من الثمن بحسابه ومن أوجب الجمیع فعلیه الدلیل ولا خیار للبائع علی المشتری فی ذلک،لانّ البیع قد ثبت من جهته فمن جوّز له الخیار فعلیه الدلیل»(1).

وقال ابن إدریسَ فی السرائر: «وإذا باع ما یملک وما لا یملک فی صفقة واحدة

وعقد واحد مضی البیع فیما یملک وکان فیما لایملک باطلاً حسب ما قدّمناه واخترناه وکذلک إذا باع ما یجوز بیعه من جملة ما یملک وما لا یجوز بیعه من المحرّمات مضی البیع فیما یصح بیعه وبطل فیما لایصح البیع فیه.

مثال الأوّل، باع ملکه وملک غیره بثمن واحد، فی عقد واحد، ومثال الثانی، باع شاة مملوکة له، وخنزیرا، وهو مسلم، فی عقد واحد بثمن واحد، فإن البیع فی المملوک صحیح، والبیع فی غیر المملوک، وفی غیرا لمحلل للمسلم تملکه باطل.

فإذا تقرر هذا، فالمشتری بالخیار بین أن یردّ الصفقة جمیعها، أو یمسک ما یصح فیه البیع، بما یخصّه من الثمن الذی یتقسط علیه، مثاله باع شاة وخنزیرا بثلاثة دنانیر، فإنّ الثمن یتقسط علی قدر قیمة الشاة، وقیمة الخنزیر عند مستحلیه، فیقال: کم قیمة الشاة؟ فیقال: قیراطان، ویقال: کم قیمة الخنزیر؟ فیقال: قیراط، فیرجع بثلث الثمن، وهو دینار، وبالعکس من ذلک، أن یقال: قیمة الشاة قیراط، وقیمة الخنزیر عند مستحلیه قیراطان، فیرجع المشتری بثلثی الثمن، وهو دیناران.

وکذلک فی ملکه وملک الغیر، إذا باعهما معا فی عقدٍ واحد، بثمن واحد، فبحساب ما صوّرناه، لا یختلف الحکم فی ذلک، فالإعتبار بالقیم، ویرجع فی الأثمان بحسب

ص:331


1- 8 . غنیة النزوع /230.

القیمتین»(1).

أقول: حکم ابن ادریس ببطلان البیع فی ما لا یملک لأنّه یقول ببطلان الفضولی.

قال المحقّق الشرائع: «وکذا لو باع ما یملک وما لا یملک مضی بیعه فیما یملک وکان فیما لا یملک موقوفا علی الإجازة ویُقَسَّط الثمن بأن یقوَّما جمیعا ثمّ یُقَوَّم أحدُهما ویرجع إلی البائع بحصَّته من الثمن إذا لم یُجزْ المالک. ولو أراد المشتری ردّ الجمیع کان له ذلک»(2).

وقال العلاّمة فی القواعد: «ولو باع ملکه وملک غیره صفقةً صحّ فیما یملک ووقف الآخر علی إجازة المالک فإن أجاز نفذ البیع وقسّط الثمن علیهما بنسبة المالَیْنِ بأن یقوَّما جمیعا ثمّ یقوَّم أحدهما. هذا إذا کان من ذوات القیم وإن کان من ذوات الأمثال قُسِّط علی الأجزاء سواء اتحدت العین أو تکثّرت ولو فسخ تخیّر المشتری فی فسخ المملوک والإمضاء فیرجع من الثمن بقسط غیره»(3).

وقال فی تذکرة الفقهاء: «إذا جمع بین الشیئین، فإمّا أن یجمع بینهما فی عقدٍ واحد أو فی عقدین، فالأوّل إمّا أن یقع التفریق فی الابتداء أو فی الانتهاء.

والأوّل إن جمع بین شیئین یمتنع الجمع بینهما من حیث هو جمع، فالعقد باطل قطعا فی الجمیع، کما لو جمع أُخْتَیْنِ فی النکاح.

وإن لم یکن کذلک، فإمّا أن یجمع بین شیئین کلّ واحد قابل لما أورده علیه من العقد، أو لا یکون کذلک، فالأوّل کما لو جمع بین عینین فی البیع، صحّ العقد علیهما.

ثمّ إن کانا من جنسین _ کعبدٍ وثوب _ أو من جنسٍ واحد لکن قیمتهما مختلفة _ کعبدین _ یوزّع الثمن علیهما باعتبار القیمة.

وإن کانا من جنسٍ واحد واتّفقت قیمتهما _ کَقَفِیْزَیْ حِنْطَةٍ(4) واحدة _ یوزّع

ص:332


1- 1 . السرائر 2/275 و 276.
2- 2 . الشرائع 2/9.
3- 3 . القواعد 2/19 و 20.
4- 1 . فی الطبعة الحجریّة: «کقفزین من حنطة».

علیهما باعتبار الأُجزاء.

وإن کان الثانی، فإمّا أن لا یکون واحد منهما قابلاً لذلک العقد _ کما لو باع خمرا ومیتةً _ فهو باطل قطعا، وإمّا أن یکون أحدهما قابلاً.

فالذی هو غیر قابل ضربان:

أحدهما: أن یکون متقوّما، کما لو باع عبده وعبد غیره صفقةً واحدة، صحّ البیع، ووقف البیع فی عبد غیره، فإن أجازه الغیر، وإلاّ بطل.

والثانی: أن لا یکون متقوّما، فإمّا أن یتأتّی تقدیر التقویم فیه من غیر فرض تغییر فی الخلقة، کما لو باع عبدا وحُرّا، فإنّ الحُرّ غیر متقوّم، لکن یمکن تقدیر القیمة فیه بفرض العبودیّة من غیر تغیّر فی الخلقة، ویصحّ البیع فی العبد. وإمّا أن لایتأتّی تقدیر التقویم فیه من غیر فرض تغیّر فی الخلقة، کما لو باع خَلاًّ وخمرا، أو مذکّاةً ومیتةً، أو شاةً وخنزیرا، فإنّه یصحّ البیع فی الخَلّ والمذکّاة والشاة.

إذا عرفت هذا، فنقول: إذا باع عبده وعبد غیره صفقةً واحدة، صحّ البیع فی عبده، ولا یقع البیع باطلاً فیه، ویقف العقد فی عبد الغیر، فإن أجاز البیع فیه، لزم. وإن فسخ، بطل، ویتخیّر المشتری حینئذٍ بین فسخ البیع فی الجمیع وبین أخذ عبده بقسطه من الثمن، ذهب إلیه علماؤنا _ وهو أحد قولی الشافعی، وبه قال مالک وأبوحنیفة(1) _ لأنّ کلّ واحد منهما

لو انفرد بالعقد، ثبت له حکمه، فإذا جمع بینهما، وجب أن یثبت لکلٍّ منهما حکم الإنفراد، لأنّ العلّة لهذا الحکم هو الماهیّة، وهی باقیة حالة الجمع، فثبت مقتضاها، کما لو باع شقصا مشفوعا وعبدا، ثبتت الشفعة فی الشقص دون العبد، کما لو انفرد.

ولأنّ الصفقة اشتملت علی صحیح وفاسد، فانعقد الصحیح(2) فی الصحیح وقصر

ص:333


1- 2 . المهذّب _ للشیرازی 1/276، المجموع 9/381، التهذیب _ للبغوی 3/495، حلیة العلماء 4/(138-140)، العزیز شرح الوجیز 4/139 و 141، روضة الطالبین 3/88، المغنی 4/315، الشرح الکبیر 4/43.
2- 1 . فی نسختین من الکتاب والطبعة الحجریّة. والطبعة الحدیثة: «التصحیح»، وفی الطبعة المحقّقة المطبوعة سنة 1375 ه فی النجف الأشرف «الصحیح». وهو الصحیح لذا جعلته فی المتن.

الفاسد علی الفاسد، کما إذا شهد عدل وفاسق، لا یقضی بردّ الشهادتین ولا بقبولهما، بل تلک مقبولة وهذه مردودة. ولو أخبر بصدق وکذب فی خبرٍ واحد، لا یقضی بصدقهما ولا بکذبهما»(1).

وقال فی مختلف للشیعة: «لو ضمّ ما یملک إلی ما لا یملک وباعهما فی عقد واحد نفذ البیع فی المملوک، إلاّ أن یختار المشتری الفسخ، ولو فسخ مالک الآخر البیع فی ما یخصّه کان فی غیر المملوک موقوفا علی رضی المالک، فإن أجازه نفذ البیع وإلاّ بطل...»(2).

قال الشهید فی الدروس: «ولو ضمّه [أی ضمّ بیع ما لایملک] إلی المملوک صحّ فیه، ووقف فی الآخر»(3).

قال المحقّق الثانی فی جامع المقاصد ذیل عبارة القواعد الماضیة: «قوله: (صح فیما یملک، ووقف الآخر علی إجازة المالک) أی: صح البیع فیما یملک، أی: لزم لوجود شرط اللزوم، وهو: کونه مالکا، فدلّ علی أنه أراد بالصحة: الّلزوم.

وإن قیل: کیف یکون الوقوف للآخر علی الاجازة، والموقوف إنّما هو للعقد أو لأثره؟ قلنا: تقدیر العبارة: وقف العقد فی الآخر، بدلیل ماقبله. فإن قیل: کیف یکون العقد الواحد لازما موقوفا؟ قلنا: بالإضافة إلی شیئین لا محذور.

قوله: (وقسط الثمن علیهما بنسبة المالین، بأن یقوّما...) إنما اعتبر تقویمهما ثمّ تقویم أحدهما، لتعرف نسبة قیمة کلّ منهما إلی مجموع القیمتین، فیعرف ثمن کلّ منهما

من مجموع الثمن، وإنّما لم یقسط علی العینین، لامکان زیادة الثمن علی القیمتین أو نقصانه عنهما، وعدم مساواة کلّ من القیمتین للأخری.

وفی عبارته حذف، تقدیره: ثمّ یقوّم أحدهما، وتُنسب قیمته إلی مجموع القیمتین، ویؤخذ له بتلک النسبة من مجموع الثمن.

ص:334


1- 2 . تذکرة الفقهاء 12/5 و 6 و 7.
2- 3 . مختلف الشیعة 5/55.
3- 4 . الدروس 3/192.

فرع: لو کان کَمِصْراعَیْ بابٍ أو زَوْجَیْ خُفٍّ، وجب أن یُقَوَّما معا، منفردا کلّ منهما عن الآخر، ثمّ ینسب قیمة أحدهما إلی مجموع القیمتین، لأنّه إنّما یقوّم المال باعتباره، وکلّ منهما إنّما یملک أحد الزوجین، فلا یستحق مایزید من القیمة باجتماعهما، بخلاف أحکام الغصب.

قوله: «وإن کان من ذوات الأمثال قُسِّطَ علی الأجزاء) وذلک لعدم الاحتیاج إلی اعتبار القیمة، لثبوت التساوی فی المثلی بین أجزائه، وسیأتی فی الغصب إن شاء اللّه تعالی تحقیق الفرق بین المثلی والقیمی.

قوله: (سواء اتّحدت العین أو تکثّرت) أی: سواء اتّحدت أو تکثرت فی کلّ من المثلی والقیمی، فالأقسام أربعة: اتّحدت فی القیمی کالعبد المشترک، تکثّرت فیه کالعبد مع الجاریة، اتّحدت فی المثلی کقفیز من برّ، تکثرت فیه کقفیزین، لکن هذا علی إطلاقه لا یستقیم، بل یجب أن یقید بما إذا تساوت الأوصاف التی لها دخل فی زیادة القیمة ونقصانها، أمّا إذا تفاوتت کجید الحنطة مع ردیئها أو مع الشعیر مثلاً، فإن المرجع حینئذٍ إلی القیمة، وإلاّ لزم استواء الحنطة والشعیر فی الثمن، وهو معلوم البطلان، فإنّ متساوی الأجزاء إنّما قسّط الثمن علی أجزائه لتساویها فی القیمة، لعدم الاختلاف بینها المؤثر فی اختلاف القیمة، والموضع المذکور بخلاف ذلک.

قوله: (ولو فسخ تخیر المشتری فی فسخ المملوک والإمضاء) ینبغی تقییده بما إذا کان جاهلاً فی الحال، وإلاّ فلا فسخ له.

سؤال: التراضی إنّما وقع علی مجموع المبیع بما صحّ بالاضافة فإذا فسخ الغیر فی ملکه ارتفع التراضی، فیلزم بطلان العقد؟

جوابه: لما وقع التراضی علی المجموع صح العقد، فاذا طرأ علیه البطلان بالاضافة إلی بعض المبیع لم یلزم بطلان الآخر، لعدم الدلالة، ولأن الرضی قد حصل ضمنا، فتکفی الصحة، ولا یلزم من البطلان فی الآخر ارتفاع الرّضی الذی کان قد حصل، ولا بطلان

ص:335

حکمه»(1).

قال المحقّق الأردبیلی فی توضیح قول العلاّمة «ولو باع المملوک له ولغیره، فإن أجاز المالک صح»: «أی لو ضم مال غیره إلی مال نفسه وباعهما صفقة، فإن کان بإذنه فهو صحیح ویقسّط المسمی، وإن لم یکن بإذنه، فإن أجاز فکذلک إن قلنا بصحة الفضولی وإلاّ بطل فی مال الغیر فقط، ویقسّط الثمن لتمییز ثمن ماله.

ویحتمل البطلان رأسا، فإنّه إنّما حصل التراضی والعقد علی المجموع وقد بطل، وما حصل علی البعض التراضی والعقد، إذ حصوله فی الکلِّ لایستلزم حصوله فی الجزء.

والمشهور إنّه إنّما یبطل فی المال الغیر فقط، فإنّ العقد علی الکلِّ بمنزلة عقود متعددة علی الأجزاء، ولهذا لو خرج بعض ماله مستحقا لا یبطل إلاّ فیه، ونحو ذلک کثیرة.

نعم، لما لم یکن ذلک صریحا وکان تبعیض الصفقة عیبا، یکون للمشتری الخیار إن جهل بالحال، وإلاّ فلا.

وفیه تأمل معلوم ممّا تقدّم، ولأنّ البائع أیضا ما رضی إلاّ علی الوجه الخاص، فکیف تُلزمه علی غیر ذلک الوجه.

ویحتمل ثبوت الخیار له أیضا إذا ادعی الجهل، أو ظن قبول مالکه العقد الفضولی، أو أدعی فیه الإذن ونحو ذلک.

وکذا الکلام فیما لو ضمّ الخنزیر أو الخمر، إلاّ أنّه یثمن عند مستحلیه، بأن یقوم عدلان عارفان مسلمان جدیدا منّا أنّه یسوّی عند مستحلیه کذا وکذا. ویمکن الاکتفاء بمَنْ یثق منهم علی تقدیر العجز وحصول العلم أو الظن القریب، ویقوّم الحرّ، بفرضه رِقا.

ولو کان المشتری عالما لاخیار له فی الکلّ، وهو ظاهر، لأنّه أقدم علی ذلک مع العلم، فکأنّه اشتری الجزء الذی هو ملک البائع بثمنه.

وقیل: طریق التقویم أن یقوّما جمیعا، ثمّ یقوّم أحدهما وینسب قیمته إلی قیمة

ص:336


1- 1 . جامع المقاصد 4/78 و 79.

الکلّ وأخذه هذه النسبة من المسمی لهذا المقوّم ویبقی الباقی للآخر، وهو ظاهر»(1).

وقال جدی الشیخ جعفر فی شرح القواعد: «(ولو باع) أو نقل بأیّ ناقل کان (ملکه) المتسلّط علیه (وملک غیره) أو ملکه الذی سلطانه لغیره (صفقةً؛ صحّ(2) فیما

یملک) ممّا سلطانه علیه _ ما لم یتولّد من عدم الإجازة مانع شرعی، کلزوم ربا، أو بیع آبق من دون ضمیمة، وصرف من دون إقباض، ونحو ذلک(3) _ للإجماع محصّلاً ومنقولاً(4)، ولعدم المانع، لأنّ الأسباب الشرعیة کالعقلیة مؤثّرة(5) فی القابل دون غیره. والأوّل إلی الجهالة غیر ضارّ مع حصول العلم بالأصالة.(6) وتبعیة العقود للقصود منطبقة علی البعض المقصود(7)، کما سیجیء تحقیقه، مع شهادة العمومات به(8) (ووقف) اللّزوم فیه، والصحّة

ص:337


1- 1 . مجمع الفائدة والبرهان 8/162 و 163.
2- 2 . قال المحقّق الکرکی، فی: جامع المقاصد 4/78: «أی: صحّ البیع فیما یملک. أی: لزم، لوجود شرط اللّزوم، وهو کونه مالکا، فدلّ علی أنّه أراد بالصحّة اللزوم».
3- 1 . وأخذ بهذا التقیید وذکر الأمثلة الشیخ النجفی، فی: جواهر الکلام: 22/309. وحکاه الشیخ الأنصاری، فی: المکاسب 3/515.
4- 2 . فی: غنیة النزوع، قسم الفروع، /209، ریاض المسائل 8/229.
5- 3 . فی بعض النسخ: (تؤثّر).
6- 4 . ردّ علی بعض الشافعیّة فی تعلیلهم البطلان ب_: «أنّ الثمن المسمّی یتوزّع علیهما باعتبار القیمة، ولا یُدری حصّة کلّ واحد منهما عند العقد، فیکون الثمن مجهولاً، وصار کما لو قال: بعتک عبدی هذا بما یقابله من الألف إذا وزّع علیه وعلی عبد فلان، فإنّه لا یصحّ». حکاه عنهم العلاّمة، فی تذکرة الفقهاء 12/8.
7- 5 . کأنّه ردّ علی المقدّس الأردبیلی، فی: مجمع الفائدة والبرهان 8/162، حیث احتمال البطلان رأسا.
8- 6 . لذا استدلّ السیّد ابن زهرة: فی: غنیة النزوع، قسم الفروع، /209، علی الصحّة بقوله تعالی «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ» (سورة البقرة /275). هذا وقد استدلّ العلاّمة، فی تذکرة الفقهاء 12/7، والمحدّث البحرانی فی الحدائق الناضرة 18/400، والسیّد الطباطبائی فی ریاض المسائل 8/229، علی الصحّة بالنصّ الخاص الوارد فی المقام، المروی فی وسائل الشیعة، کتاب التجارة، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه، 17/339، ح1.

فی (الآخر؛ علی إجازة المالک) أو المتسلّط، لما دلّ علی الفضولی، ولنسبته من بعض أصحابنا(1) هنا إلی علمائنا. (فإنْ أجاز، نفذ البیع) ولزم علی القول بالکشف، إذ لیس مجرّد التوقّف عیبا. وعلی النقل یقوی الخیار، سیّما مع طول الفصل بین العقد والإجازة.

(وقُسّط الثمن علیهما بنسبة المالَین، بأنْ یُقوّما جمیعا) بقیمة وقت البیع علی القول بالکشف (ثمّ یُقوّم أحدهما) منفردا _ حیث لا یکون للهیئة الاجتماعیة مدخلیة _ فیؤخذ من الثمن بنحو التقویم مع التوافق. ومع اختلاف الثمن والتقویم؛ تُلحظ نسبتهما إلی القیمة، فیؤخذ من الثمن بتلک النسبة.

ومع اعتبار الهیئة الاجتماعیة من جانب واحد یُقوّمان معا، ویؤخذ المنضمّ بنسبته والمنفرد بنسبته من الثمن.

ومع اعتبارها من الجانبین: فإنْ تساویا واتحدا فی النسبة، قُسّم الثمن بینهما. وإنْ

اختلفا فی القیمة وتساویا من جهة الانضمام، اُخذت قیمة الانفراد مع إضافة نصف ما زاد بالاجتماع. وإن اتحدا فی قیمة الانفراد واختلفا فی جهة الانضمام، لُو حظ انفراد کلّ مع ما یلحقه من جهة الاجتماع. ومع الاختلاف فیهما، تُلحظ قیمة کلّ مع ما یُنسب إلیه من جهة الاجتماع، ثمّ یُؤخذ من الثمن بتلک النسبة. ولو زادت قیمة أحدهما بالاجتماع ونقصت قیمة الآخر، لُوحظ الزائد مع زیادته والناقص مع نقصه. ولو جُعل الثمن بینهما قبل العقد علی حال، ثمّ جاءت صفقة العقد، عُمِل علی مقتضاها، وعلی القول بالنقل یعتبر التقویم حینه. وحیث لاتدخل الهیئة حین مُضیّ العقد یلزم التبعیض المسلّط علی الخیار فی المقامین.

ویجری الکلام فی عقد الفضولی عن مالکین مع إجازتهما فی قسمة الثمن بینهما، ومع إجازة أحدهما فیما یستحقّه منه، وفی کلّ متلَف مضمون علی المتلِف، عینا کان أو منفعة.

ص:338


1- 7 . وهو العلاّمة، فی تذکرة الفقهاء 10/(18-19)، و 12/6، 23-24.

ولو کان للاجتماع قیمة فی وقت دون آخر، بُنی(1) الضمان وعدمه علی ما تقدّم.

وما ذُکر مبنی علی ملاحظة صفة الاجتماع لمالکَین مختلفَین، علی ما علیه جماعة(2)، وهو الأقوی. وأنکر بعضهم ذلک(3)، مستندا إلی أنّ صفة الاجتماع لیست مملوکة لأحدهما، لأنّهما مُلِکا منفردَین، وصفة الاجتماع عارضة، جاءَت من الغیب، ولم تدخل تحت ید أحدهما. وفرّق بعضٌ(4) بین الإمضاء وعدمه لتلف وشبهه(5)، فاعتبر الهیئة فی الأوّل دون الثانی. ویلزم علی قولهم أنْ لا یحلّ بیع شیئَین منضمَّین من مالکَین مع مدخلیة الهیئة.

و(هذا) البحث إنّما یتمشّی فیما (إذا کان) المُثَمَّنُ (من ذوات القیم) ولا إشاعة فیه، أو کانت مع تعدّده.

(وإنْ کان) مشاعا أو متحدا أو متعدّدا متماثلاً (من ذوات الأمثال) وقد سبق بیانها (قُسّط) الثمن (علی الأجزاء)(6) بحسبها، لإمکان التوزیع فیها علی النسبة، فلا یحتاج إلی التقویم.(7) فلو کان المثمن قفیز حنطة قُسّط الثمن علی مقدار السهام منها بعد ملاحظة

ص:339


1- 1 . فی إحدی النسخ: (بنیت مسألة) بدل (بُنی).
2- 2 . فهو مقتضی إطلاق عبارة الشیخ الطوسی، فی المبسوط 2/145، وابن ادریس فی السرائر 2/276، والمحقّق الحلّی فی شرائع الإسلام 2/15، والعلاّمة ههنا، والشهید الأوّل فی الدروس 3/196، واللّمعة الدمشقیة /105.
3- 3 . کالمحقّق الکرکی فی جامع المقاصد 4/78، والشهید الثانی فی مسالک الافهام 3/162، والسیّد الطباطبائی فی ریاض المسائل 8/231.
4- 4 . وهو السبزواری فی کفایة الفقه 1/451.
5- 5 . فی بعض النسخ: (والفسخ) بدل (وعدمه لتلف وشبهه).
6- 1 . قال الشهید الثانی فی فوائد القواعد /534: «لیس علی إطلاقه، فإنّ تکثیر العین من ذوات الأمثال یتناول مختلف الأجناس ومنفعتها مع اختلاف الأوصاف، کالحنطة والشعیر وردیء، الحنطة وجیّدها، وفی هذین لا یصحّ التقسیط علی الأجزاء، بل علی القیمة کالقیمی».
7- 2 . کما ذکره المحقّق الکرکی فی جامع المقاصد 4/78.

النسبة بینها وبین الثمن(1).

ویجری مثله فی القیمی القابل للتوزیع، کأرض وثوب ونحوه، ولعلّه راجع إلی الأوّل.

ولو اجتمع قیمی ومثلی، أُعطی(2) حُکْمَ الْقِیْمِیّ.

وتعدّد القیمیات والمثلیات واتحادها فی الثمن، لا یُثمر شیئا (سواء اتحدت العین أو تکثّرت).

ومتی رجع المثلی إلی القیمی جاءَه حکم القیمی. وتکثیر الأقسام بإنهائها إلی ستة أو أکثر(3)، لا حاجة إلیه.

ومع تعذّر المثلی، یرجع إلی حکم القیمی أو یبقی علی حاله.

ولو فسخ لم یبطل البیع(4)، لعدم المانع من مُضِیّهِ فی بعضٍ وانفساخه فی آخر، کما فی الثمن والمثمن إذا ظهرا معیبین أو ناقصین، ولأنّ الأسباب الشرعیة کالعقلیة إذا تعلّقت بمتعدّد قابل وغیر قابل أثّرت فی القابل دون غیره، ولأنّ العقد علی اتحاده بمنزلة عقود فلا فرق بین تعدّده الصوری وخلافه، ولتحقّق الوفاء بمقتضی العقد فی المقدار الممکن، مضافا إلی أنّه لا یسقط المیسور بالمعسور، وما لا یُدْرَک کلّه لا یُتْرک کلّه، وللإجماع المنقول(5) المؤیّد بموافقة نقل الشهرة(6)، ولِما دلّ من الروایات علیه(7).

ص:340


1- 3 . فی بعض النسخ: (فیها). وفی بعضها: (بینه وبینها) بدل (بینها وبین الثمن).
2- 4 . أی: المجتمع. وفی بعض النسخ: (أعطیا).
3- 5 . إشارة إلی ما فعله الشهید الأوّل فی الحاشیة النجاریة /223 وحکاه عنه السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 12/651.
4- 6 . إشارة إلی ما احتمله المقدّس الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 8/162.
5- 7 . فی غنیة النزوع، قسم الفروع، /209، تذکرة الفقهاء 10/(18-19)، و 12/6 و 23-24، ریاض المسائل 8/229.
6- 8 . فی مجمع الفائدة والبرهان 8/162.
7- 9 . وسائل الشیعة، کتاب التجارة، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه، 17/339، ح1.

والاستناد فی البطلان إلی أنّ العقود تتبع القصود وما وقع هنا لم یُقصَد وما قُصِد لم یقع(1)، والی لزوم الغرر والجهالة(2) لأنّ القدر المستحقّ حقیقة مجهول فیکون من بیع الغرر، وأنّ الأصل عدم صحّة العقد فیما لم یقم برهان علی صحّته، وأنّه کزواج الاُختین أو الاُمّ والبنت وبیع الدرهم بالدرهمین(3)، وأنّ صیغة العقد واحدة فلا تتبعّض(4)، وأنّ الکلّ والبعض مختلفا الجنس فیکون کبیع الذهب فیظهر نحاسا؛ مردود بأنّ القصد یعمّ الضمنی، وإلاّ لزم بطلان أکثر المعاملات، إذ قلّما یخلو شیء منها من دخول غیر المقصود فی متعلّقه، مع أنّ القصد قد تحقّق قبل الإجازة ولو لا ذلک لم تثمر الإجازة. وبأنّ الغرر إنّما یترتّب علیه الضرر لو قارن الإقدام ولا التفات إلی الغایة بلا کلام، والأصل مقلوب، والعمومات کافیة فی إثبات المطلوب، والقیاس علی الاُختین والاُمّ والبنت والدرهم بالدرهمین مردود بأنّ المانع فیها هو الترجیح بلا مرجّح المستلزم(5) للترجّح بلا مرجح(6) المنبعث عن تعارض الصحّتین، وأنّ التبعیض فی المتعلَّق لا یقتضی تبعیض العقد المتعلَّق(7)، وبأنّ الحِکَمیات لا تدخل فی الشرعیات.

(ولو فسخ تخیّر المشتری) الجاهل(8) (فی فسخ المملوک) لتبعّض الصفقة علیه، ولزوم الضرر لذلک بالنسبة إلیه، بخلاف البائع لأنّه جاء من قِبَله. ولا یبعد ثبوته له مع جهله، أو دعواه الإذن لإثبات عذره، کما احتمله بعضهم(9). والأقوی خلافه. (و) فی

ص:341


1- 1 . کما فی مجمع الفائدة والبرهان 8/162.
2- 2 . کما قاله بعض الشافعیة. حکاه عنهم العلاّمة فی تذکرة الفقهاء 12/8.
3- 3 . کما قاله بعض الشافعیة. حکاه عنهم العلاّمة فی تذکرة الفقهاء 12/(7-8).
4- 4 . کما قاله بعض الشافعیة. حکاه عنهم العلاّمة فی تذکرة الفقهاء 12/(7-8).
5- 5 . فی بعض النسخ: (المقتضی) بدل (المستلزم).
6- 6 . قوله: (المستلزم [المقتضی] للترجّح بلا مرجّح) لم ترد فی بعض النسخ.
7- 7 . کلمة: (المتعلَّق) لم ترد فی بعض النسخ.
8- 8 . ق_یّده بالجاهل تبعا للمحقّق الکرکی فی جامع المقاصد 4/79، وللشهید الثانی فی فوائد القواعد /534.
9- 9 . وهو المقدّس الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان 8/(162-163).

(الإمضاء) ولا یجب علیه حینئذٍ سوی قسطه المقابل له (فیرجع من الثمن بقسط غیره). ویجری فی التقسیط علی نحو ما سبق بیانه»(1).

وقال سیّد الریاض: «(ولو باع ما یملک وما لم یملک کعبده وعبد غیره) صفقة و (فی عقد واحد صحّ)(2) البیع ولزم (فی عبده) خاصّة (وقف) فی (الآخر علی الإجازة) علی المختار فی الثانی، ولا خلاف فی الأوّل، بل ظاهرهم الإجماع علیه، وصرّح به فی الغنیة(3)؛ للصحیح: فی رجل باع قطاع أرضین... وعرّف حدود القریة الأربعة... وإنّما له فی هذه القریة قطاع أرضین... وعرّف حدود القریة الأربعة... وإنّما له فی هذه القریة قطاع أرضین، فهل یصلح للمشتری ذلک وإنّما له بعض هذه القریة وقد أقرّ له بکلّها؟ فوّقع علیه السلام : «لا یجوز بیع ما لا یملک، وقد وجب الشراء من البائع علی ما یملک»(4).

مضافا إلی أنّ البائع مأمور بالوفاء بالعقد فی ماله، وعدم إجازة المالک بعد ذلک لا یرفع الأمر المستقرّ فی ذمّته قبل ظهوره، فاحتمال بعض من تأخّر البطلان رأسا(5)، لیس فی محلّه.

وأمّا توهّم إیجاب تبعّض الصفقة الخیار له [للبائع]، فمع أنّه لایوجب البطلان لیس فی محلّه؛ لاِءقْدامِهِ علی ضرره، نعم إن جهل أمکن ثبوت الخیار له [للبائع].

ثمّ إنّه إن أَجاز [المالک] صحّ البیع ولا خیار، وإن ردّ تخیّر المشتری _ مع جهله بکون بعض المبیع غیر مملوک للبائع _ بین الفسخ وإمضائه؛ لتبعیض الصفقة، أو الشرکة الموجبین للضرر، المنفی آیة وروایة.

ص:342


1- 10 . شرح القواعد 2/(121-114).
2- 1 . فی المطبوع: ولو جمع بین ما یملک وما لا یملک فی عقد واحد کعبدة وعبد غیره صحّ.
3- 2 . الغنیة (الجوامع الفقهیة) /585 (209 من الطبعة الحدیثة).
4- 3 . الکافی 7/402، ح4، الفقیه 3/153، ح674، التهذیب 7/150، ح667، الوسائل 17/339، أبواب عقد البیع وشروطه الباب 2، 17/339، ح1، صحیحة محمّد بن الحسن الصفار.
5- 4 . مجمع الفائدة 8/162.

ولیس فی النصّ ما یخالفه کما تُوِهِّمَ(1) وإن تضمّن لفظ الوجوب؛ لإضافته إلی البائع، ولا کلام فیه کما مرّ، ولکنّه غیر الوجوب من المشتری، فقد یجامع ثبوت الخیار له الوجوب من البائع، کما فی کثیر من المواضع.

فإن فسخ رجع کلّ مال إلی مالکه، وإن رضی صحّ البیع فی المملوک للبائع بحصّته من الثمن. ویعلم مقدارها بتقویمهما جمیعا ثمّ تقویم أحدهما منفردا ثمّ نسبة قیمته إلی

قمیة المجموع، فیخصّه من الثمن مثل تلک النسبة.

فإذا قُوّما جمیعا بعشرین وأحدهما بعشرة صحّ فی المملوک بنصف الثمن کائنا ما کان زائدا أم ناقصا، فلو کان الثمن فی المثال ستّة اُخذ لأحدهما منها نصفها ثلاثة، هذا فی جهة النقیصة، ویعلم المثال فی جهة الزیادة بزیادة الثمن علی العشرین ولو بواحدة، وإنَّما اُخذ بنسبة القیمة ولم یخصّه من الثمن قدر ما قُوّم، لاحتمال زیادتها عنه ونقصانها، فربّما جمع فی بعض الصور بین الثمن والمثمن علی ذلک التقدیر، کما لو کان قد اشتری المجموع فی المثال بعشرة.

ثمّ إنّه إنّما یعتبر قیمتهما مُجْتَمِعَیْنِ إذا لم یکن لاجتماعهما مدخل فی زیادة قیمة کلّ واحد کفرض العبارة. أمّا لو استلزم ذلک کمصراعی باب لم قوّما کلّ منهما منفردا وینسب قیمة أحدهما إلی مجموع القیمتین ویؤخذ من الثمن بتلک النسبة، دون أن ینسب إلی قیمتهما مجتمعین. فلو کان قیمتهما کذلک اثنی عشر ومنفردین تسعة والثمن ستّة وقیمة أحدهما ثلاثة یؤخذ لکلّ منهما من الثمن بقدر نسبة قیمتهما إلی التسعة وهو الثلث اثنان، ولا یؤخذ بقدر نسبة قیمتهما إلی الاثنی عشر وهو الربع واحد ونصف، کذا قیل.(2)

وربما یستشکل مع جهل المشتری بالحال وبذله الثمن فی مقابلة المجموع من حیث المجموع، فالأخذ بالنسبة إلی المجموع قیمتهما منفردین ظلم علی المشتری وحیف علیه.(3)

ص:343


1- 5 . اُنظر الحدائق 18/400.
2- 1 . الروضة 3/239، المسالک 3/162، الحدائق 18/402.
3- 2 . اُنظر الروضة 3/240، المسالک 3/163.

وهو حسن، إلاّ أنّه منقوض بالظلم علی البائع لو اُخذ بالنسبة إلی مجموع قیمتهما مُجْتَمِعَیْنِ، مع عدم تَقْصیرِهِ وإتلافه شیئا علی المشتری، وإنّما أراد له شیئا لم یسلم له، فإلحاقه بالغاصب حینئذٍ فی ضمان الصفقة لیس فی محلّه مع براءة ذمّته عنه، والمسألة لا تخلو عن ریبة وإن کان الأوّل لا یخلو عن قوة»(1).

وقال صاحب مفتاح الکرامة فی ذیل ما مرّ من قول العلاّمة فی القواعد: «أمّا صحته فیما یملک فقد نصّ علیه فی «النهایة»(2) و «المبسوط»(3) وما تأخّر عنهما.(4) وفی

«الغنیة»(5) الإجماع علیه. وفی «الریاض»(6) أنّ ظاهرهم الإجماع.

وأمّا وقوف الآخر علی إجازة المالک فقد نصّ علیه فی «النهایة»(7) و «الوسیلة»(8) و «الشرائع»(9) و «النافع»(10) وکتب المصنّف [العلاّمة(11)]

ص:344


1- 3 . ریاض المسائل 8/(232-229).
2- 4 . النهایة، الشرط فی العقود، /385.
3- 5 . المبسوط، أحکام تفریق الصفقة من البیوع، 2/144.
4- 6 . منهم العلاّمة فی مختلف الشیعة، فی عقد البیع، 5/55، والمحقّق الثانی فی جامع المقاصد، فی شروط المتعاقدین، 4/78، والمحقّق فی شرائع الإسلام، فی عقد البیع وشروطه 2/15.
5- 1 . غنیة النزوع، فی البیع، /209.
6- 2 . ریاض المسائل، فی شروط المتعاقدین، 8/(126-127).
7- 3 . النهایة، الشرط فی العقود /385.
8- 4 . الوسیلة، فی بیان بیع تبعّض الصفقة، /247.
9- 5 . شرائع الإسلام، فی عقد البیع، 2/9.
10- 6 . المختصر النافع، فی البیع وآدابه، /118.
11- 7 . تذکرة الفقهاء، فی أحکام تبعّض الصفقة 12/6، ومختلف الشیعة، فی عقد البیع وشرائطه 5/55، ونهایة الإحکام، فی الملک، 2/478، وإرشاد الأذهان، فی أرکان التجارة، 1/360، وتبصرة المتعلّمین، فی عقد البیع، /88، وتحریر الأحکام، فی البیع، 2/277.

و«الشهیدین»(1) والمحقّق الثانی(2) وغیرها(3). وفی «التذکرة»(4) نسبته إلی علمائنا.

وأمّا أنّه إن أجاز المالک صحّ فیها وإلاّ بطل فی مال الغیر خاصّة فهو المشهور کما فی «مجمع البرهان»(5) وفی «التذکرة»(6) نسبته إلی علمائنا(7).

وفی «المبسوط» و «السرائر» و «الغنیة» أنّه إذا باع ملکه وملک غیره صحّ فی ملکه وبطل فی ملک الغیر أجاز أو لم یجز بناءا منهم علی عدم صحّة عقد الفضولی کما تقدّم.(8) وهو قضیّة کلام «الخلاف».

واحتمل فی «مجمع البرهان»(9) علی تقدیر صحّة الفضولی إن لم یجز المالک

بطلان البیع رأسا (أنّه إن لم یجز المالک بطل البیع رأسا _ خ ل)، لأنّه إنّما حصل التراضی والعقد علی المجموع، وحصوله فی الکلّ لا یستلزم حصوله فی الجزء.

وخبر الصفّار(10) یسقط هذا الاعتبار، قال فیه علیه السلام : «وقد وجب الشراء علی البائع علی ما یملک» مضافا إلی أنّ البائع مأمور بالوفاء بالعقد فی ماله والعقد صحیح فی نفسه لکنّه غیر لازم کالفضولی، وعدم إجازة المالک بعد ذلک لا ترفع ذلک _ أی الأمر المستقرّ قبل ظهوره _ وأنّ العقد بمنزلة عقود متعدّدة، ولهذا لو خرج بعض ماله مستحقّا لا یبطل إلا

ص:345


1- 8 . الدروس الشرعیة، فی البیع، 3/(192-193)، واللمعة الدمشقیة، فی البیع، /110، وغایة المراد، فی المتعاقدین، 2/21، ومسالک الأفهام، فی شروط المتعاقدین 3/161، والروضة البهیة، فی شرطو المتعاقدین 3/(238-239).
2- 9 . جامع المقاصد، فی شروط المتعاقدین، 4/78.
3- 10 . کریاض المسائل، فی شرائط المتعاقدین، 8/126.
4- 11 . تذکرة الفقهاء، فی تبعّض الصفقة 12/6.
5- 12 . مجمع الفائدة والبرهان، فی المتعاقدین 8/162.
6- 13 . تذکرة الفقهاء، فی تبعّض الصفقة، 12/6.
7- 14 . کذا فی المصدر.
8- 15 . تقدّم فی مفتاح الکرامة 12/(593-595).
9- 16 . مجمع الفائدة والبرهان، فی المتعاقدین، 8/162.
10- 1 . وسائل الشیعة، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه، 17/339، ح1.

فیه.

وهذا الاحتمال أعنی بطلان البیع من رأس _ قول الشافعی(1)، قال: لأنّ اللفظة الواحدة لا یتأتّی تبعیضها فأمّا أن یغلب الصحیح علی الفاسد أو بالعکس، والثانی أولی، لأنّ تصحیح العقد فی الفاسد ممتنع وإبطاله فی الصحیح غیر ممتنع، ولأنّه لو باع درهما بدرهمین أو تزوّج باُختین حکم بالفساد، وأنّ الثمن المسمّی یتوزّع علیهما ولا یدری حصّة کلّ واحدٍ منهما عند العقد فیکون الثمن مجهولاً، وصار کما یقال بعتک عبدی هذا بما یقابله من الألف إذا وزّعت علیه وعلی عبد فلان فإنّه لا یصحّ.

والجواب إنّ إجماعنا منعقد وأخبارنا(2) ناطقة بالصحّة، واللفظة الواحدة کثیرا ما تتبّعض کما إذا قال جاء زید وعمرو صادقا فی أحدهما کاذبا فی الآخر، ونحوه ما إذا شهد عدل وفاسق واحد الدرهمین کإحدی الاُختین لیس بأولی بالفساد من الآخر، ولهذا أفسدنا العقد فیهما، ولا کذلک صورة النزاع کما هو ظاهر، والثمن لیس مجهولاً، لأنّه جعل الجمیع فی مقابلة الجمیع، فسقوط بعضه لا یجعله مجهولاً کأرش العیب وکما إذا خرج بعض ماله مستحقّا.

وقد تحصّل من هذا أنّه لا مانع من أن یکون هذا العقد الواحد قبل الإجازة لازما موقوفا، فلا إیراد علی عبارة المصنّف بوجهٍ. ومراده وغیره بالصحّة اللزوم، لوجود شرطه وهو کونه ملکا.

ولیعلم أنّه لابدّ من التقسیط عند الجمیع، لأنّ القائل بالبطلان فیما لا یملک لابدّ له

من التقسیط، وکذا القائل بتوقّفه علی الإجازة علی تقدیر حصولها وعدمه.

وقد اختلفت عباراتهم فی تقسیط الثمن إذا کان من ذوات القیم. ففی «المبسوط»(3) وکذا «الوسیلة»(4) یأخذه بما یتقسّط علیه من الثمن یعنی یأخذ المملوک

ص:346


1- 2 . المجموع، فی البیع، 9/379.
2- 3 . وسائل الشیعة، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه، 17/339، ح1.
3- 1 . المبسوط، فی أحکام تفریق الصفقة، 2/145.
4- 2 . الوسیلة، فی بیان بیع تبعّض الصفقة، /247.

بقسطه. ونحوه ما فی «التذکرة»(1) و«التحریر»(2) و «الدروس»(3) حیث قیل فی الأوّلین یأخذه بقسطه من الثمن، وفی الأخیر یقسّط الثمن علیهما. وفی «السرائر» یمسک ما یصحّ فیه البیع بما یخصّه من الثمن الّذی یتقسّط علیه، کما إذا کان ثمنهما ثلاثة دنانیز وقیل: إنّ قیمة المملوک قیراط وقیمة غیره قیراطان، فیرجع المشتری بثلثی الثمن(4)، انتهی ما أردنا نقله من کلامه، فلیتأمّل فیه.

وعبارة «نهایة الإحکام»(5) و «اللمعة»(6) کعبارة الکتاب. وفی «جامع المقاصد»(7) أنّ فی عبارة الکتاب حذفا تقدیره: ثمّ یقوّم أحدهما وتنسب قیمته إلی مجموع القیمتین ویؤخذ له بتلک النسبة من مجموع الثمن.

وفی «الإرشاد»(8) ویقسّط المسمّی علی القیمتین. وقال فی «تعلیقه»(9): وطریق تقسیط المسمّی علی القیمتین: أن یقوّم المبیعان معا ثمّ یقوّم أحدهما علی انفراده وتُنسب قیمته إلی مجموع القیمتین. قلت(10): لعلّ الأولی أن یقول: إلی قیمة المجموع. قال: وینظر تلک النسبة فیؤخذ بها من الثمن...(11) وإنّما وجب التقسیط کذلک دون التقسیط علی العینین لإمکان تفاوتهما فیتعذّر التقسیط من دون اعتبار [القیمة(12)] وإنّما وجب

ص:347


1- 3 . تذکرة الفقهاء، فی أحکام تبعّض الصفقة، 12/6.
2- 4 . تحریر الأحکام، فی عقد البیع وشروطه، 2/278.
3- 5 . الدروس الشرعیة، فی البیع 3/196.
4- 6 . السرائر، فی العقود، 2/276.
5- 7 . نهایة الإحکام، فی بیع ملکه وملک غیره صفقة، 2/478.
6- 8 . اللمعة الدمشقیة، فی عقد البیع، /110.
7- 9 . جامع المقاصد، فی شروط المتعاقدین، 4/78.
8- 10 . إرشاد الأذهان، فی أرکان البیع، 1/360.
9- 11 . حاشیة إرشاد الأذهان، فی البیع، /338، من المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی وآثاره.
10- 12 . من کلام السیّد العاملی.
11- 13 . حذف من کلام الکرکی سطرین.
12- 14 . کذا فی حاشیة إرشاد الأذهان /338.

تقویمهما ثمّ تقویم أحدهما لجواز أن یکون الثمن أزید من القیمة أو أنقص منها، فلو(1) اعتبرت قیمة واحدة بقی الفاضل من الثمن بإزاء الباقی وهو أقلّ من القیمة بکثیر فی صورة الزیادة وبالعکس فی صورة النقصان. ونحوه ما فی «جامع المقاصد»...»(2).

وقال فی الجواهر: «(وکذا) ظهر لک الحال: فیما (لو باع ما یملک وما لایملک) بعقد واحد وثمن کذلک؛ ضرورة کون حکمه أنّه (مضی بیعه فیما یملک، وکان فیما لایملک موقوفا علی الإجازة(3)) بناءً علی ما سمعته من صحّة الفضولی، وباطلاً علی القول الآخر.

وعلی کلّ حال، فلا خلاف(4) فی صحّة بیعه ونفوذه فیما یملک إذا لم یتولّد من عدم الإجازة مانع شرعی؛ کلزوم ربا، وبیع آبق من دون ضمیمة... ونحو ذلک، بل ظاهرهم الإجماع علیه کما اعترف به فی الریاض(5)، بل عن الغنیة دعواه علیه صریحا(6)، کالاُستاذ فی شرحه(7).

لإطلاق الأدلّة وعمومها السالِمَیْنِ عن المعارض، خصوصا بعد ملاحظة ما یظهر من النصّ والفتوی من کون الأسباب الشرعیّة کالعقلیّة تؤثّر فی القابل دون غیره.

وما سمعته من خبر الصفّار(8) من وجوب الشراء علی البائع فیما یملک، فهو حینئذٍ بمنزلة عقود متعدّدة؛ ولذا لو ظهر بعض المبیع مستحقّا لم تبطل إلاّ فیه.

فما عن الأردبیلی: من احتمال بطلان العقد رأسا علی تقدیر صحّة الفضولی وعدم اجازة المالک؛ لأنّه إنّما حصل التراضی والعقد علی المجموع، وحصوله لایستلزم حصوله

ص:348


1- 1 . فی حاشیة الإرشاد: «ولو».
2- 2 . مفتاح الکرامة 12/(644-641).
3- 3 . «علی الإجازة» جعلت بین معقوفتین فی نسختی الشرائع والمسالک.
4- 4 . کما فی الریاض: (انظر الهامش الآتی).
5- 5 . ریاض المسائل: التجارة، شرائط بیع، 8/229.
6- 6 . غنیة النزوع: البیع، المقدّمة، /209.
7- 7 . شرح القواعد: المتاجر، فی المتعاقدین، 2/114.
8- 8 . وسائل الشیعة 17/339، ح1.

فی الجزء.(1)

واضح الفساد، بل کأنّه اجتهاد فی مقابلة النصّ، ولم نعرفه لأحد من أصحابنا.

نعم، هو للشافعی محتجّا علیه: بأنّ اللفظة الواحدة لایتأتّی تبعیضها، فإمّا أن یغلب الصحیح علی الفاسد أو بالعکس، والثانی أولی؛ لأنّ تصحیح العقد فی الفاسد ممتنع

وإبطاله فی الصحیح غیر ممتنع، ولأنّه لو باع درهما بدرهمین أو تزوّج باُختین حکم بالفساد، ولأنّ الثمن المسمّی یتوزّع علیهما، ولا یدری حصّة کلّ واحد منهما عند العقد، فیکون الثمن مجهولاً وصار کما یقال: «بعتک عبدی هذا بما یقابله من الألف» إذا وزّعت علیه وعلی عبد فلانٍ، فإنّه لا یصحّ.(2)

وفیه: _ مع أنّه مُنافٍ لما عرفت _ منع عدم تبعیض متعلّق اللفظة الواحدة فی الخبر والإنشاء.

ووضوح الفرق بین المقام وبین بیع الدرهم بالدرهمین والتزوّج بالأُخْتَیْنِ، ولو بعدم ترجیح تعلّق العقد بأحدهما علی الآخر.

ودلیل الجهالة إنّما یسلّم منه ما إذا کانت فی الثمن الذی قد وقع مقابلاً فی العقد، وأمّا بعد فرض معلومیّته فلا یقدح الجهل بالتقسیط؛ لإطلاق الأدلّة الذی لا ریب فی شموله لما کان مجهولاً من هذه الجهة، معلوما من الحیثیّة الاُخری.

وبعبارة أُخری: إنّ الإطلاق شامل لنحو هذه المعلومیّة بخلاف ما ضربه مثلاً.

وما ذکره المقدّس الأردبیلی إنّما یقتضی الخیار مع الجهل لا البطلان؛ ضرورة عدم کونه أعظم من تخلّف الوصف، وتبعیّة العقود للقصود منطبقة علی البعض المقصود ولو فی ضمن الکلّ.

ومن هنا ترک الاستفصال فی خبر الصفّار وحکم فیه بالصحّة فیما یملک، بل لعلّه مع ظهور مدخلیّة الاجتماع فی موضوعه الذی هو «قطاع أرضین» المختلفة غالبا لأنّها

ص:349


1- 9 . مجمع الفائدة والبرهان: المتاجر، فی المتعاقدین، 8/162.
2- 1 . العزیز فی شرح الوجیز 4/140.

قطع متجاورات، ولو فرض دخول الوصف فی موضوع البیع _ علی وجهٍ یکون تخلّفه کتخلّف جنس المبیع _ کان خروجا عن محلّ البحث.

فلا ریب فی الصحّة، من غیر فرق بین کون المالین لواحد أو متعدّد، وبین تساویهما فی القیمة واختلافهما، ولا بین کون المشتری متّحدا أو متعدّدا، علی الإشاعة فی المبیع أو علی تخصیص کلّ واحد من العبدین بأحدهما ولکن علی الإشاعة فی الثمن، فیتقسّط حینئذٍ علی قیمتهما علی حسب ما تعرف إن شاء اللّه.

فما عن الخلاف: من البطلان فی بیع المالکین عبدیهما المختصّ کلّ واحد منهما بواحد، مع التساوی فی القیمة أو اختلافها.(1)

والمبسوط: من البطلان أیضا لکن مع الاختلاف فی القیمة(2)، والبطلان أیضا لو باع العبدین من اثنین بثمن واحد لم یعلم ما یخصّ کلاًّ منهما لتعدّد الصفقة.(3)

واضح الضعف؛ ضرورة اتّحادها فی الجمیع والاکتفاء بمعلومیّة الثمن فیها وإن جهل التقسیط؛ لعدم ما یدلّ علی اشتراط أزید من هذه المعلومیّة التی یرتفع معها الغرر والجهالة عرفا.

(و) حینئذٍ ففی مفروض المتن: أجاز الغیر أو لم یجز (یقسّط الثمن) علی المبیع؛ حتّی یأخذ کلّ من المالکین نصیبه علی فرض الإجازة، أو لیأخذ البائع ما یخصّه منه ویرجع الباقی إلی المشتری علی فرض عدمها.

وکیفیّة ذلک فیما إذا لم یکن المبیع مثلیّا أو ما فی حکمه ممّا یعلم منه تبعیّة نسبة الثمن إلیه لتساوی أجزائه وأوصافه مثلاً علی وجهٍ لا تختلف القیمة معها: (بأن یقوّما جمیعا ثمّ یقوّم أحدهما) منفردا _ کما فی القواعد(4) واللمعة(5) ومحکیّ النهایة(6)، بل

ص:350


1- 2 . الخلاف: الشرکة، مسأله 13، 3/335.
2- 1 . المبسوط: کتاب الشرکة، 2/341.
3- 2 . المصدر السابق، وینظر أیضا: المبسوط: البیع، الخراج بالضمان، 2/66.
4- 3 . قواعد الأحکام: المتاجر، فی المتعاقدین، 2/19.
5- 4 . اللمعة الدمشقیّة: المتاجر، الفصل الثانی، /110.
6- 5 . نهایة الإحکام: البیع، فی المعقود علیه، 2/478.

نسب(1) إلی الأصحاب _ ثمّ ینسب إلی قیمة المجموع.

(و) حینئذٍ (یرجع) المشتری (علی البائع) القابض للثمن (بحصّته من الثمن إذا لم یجز المالک) علی حسب تلک النسبة التی بها انکشف مقدار ما یخصّه من الثمن؛ ضرورة أنّه لو قوّم منفردا من دون ملاحظة النسبة المزبورة واُخذت قیمته من الثمن أمکن حینئذٍ فی بعض الأحوال استیعابها له، بل زیادتها علیه، فیبقی الآخر حینئذٍ بلا مقابلة شیء من الثمن کما هو واضح.

وإلیه یرجع ما فی المبسوط(2) وکذا الوسیلة(3): یأخذه _ المملوک _ بما یتقسّط علیه من الثمن؛ أی: یأخذه بقسطه من الثمن، کما عبّر به فی التذکرة(4) والتحریر(5).

وکذا ما فی الدروس: یقسّط الثمن علیهما.(6)

وما فی السرائر أیضا: «یمسک ما یصحّ فیه البیع بما یخصّه من الثمن الذی یتقسّط علیه، کما إذا کان ثمنهما ثلاثة دنانیر... وقیل: إنّ قیمة المملوک قیراط وقیمة غیره قیراطان، فیرجع المشتری بثلثی الثمن»(7).

وهو عین ما ذکرناه؛ ضرورة کون النسبة بما فرضه ذلک.

فمراد الجمیع حینئذٍ واحد، وهو أنّه إذا کان المبیع من ذوات القیم _ التی هی غالبا مختلفة زیادةً ونقصا _ لابدّ فی معرفة تقسیط الثمن علیها من ملاحظة قیمتها التی هی

ص:351


1- 6 . کما فی إیضاح النافع (للقطیفی) علی ما فی مفتاح الکرامة: المتاجر، فی المتعاقدین، 12/645.
2- 7 . المبسوط: البیوع، تفریق الصفقة، 2/85.
3- 8 . عبارته «فإذا تبعّضت الصفقة کان المبتاع بالخیار... وبین الرضا ببیع ما صحّ واسترداد الثمن بقدر ما خرج مستحقّا». الوسیلة: البیع، بیع تبعّض الصفقة، /247.
4- 9 . تذکرة الفقهاء: البیع، تفریق الصفقة، 12/6 و 10 و 11.
5- 10 . تحریر الأحکام: المتاجر، عقد البیع وشروطه، 2/(277-278).
6- 1 . الدروس الشرعیّة: البیع، درس 238، 3/196.
7- 2 . السرائر 2/276.

متساویة الأجزاء وبدل العین وقائمة مقامها، ومعرفة النسبة منها فیوزّع الثمن علیها، وهو معنی ما فی الإرشاد من أنّه «یقسّط المسمّی علی القیمتین»(1)؛ وذلک لتعذّر معرفته بملاحظة العینین»(2).

أدلة صحة هذا البیع

1_ الإجماع

قد مرّ فی کلمات القوم ادعاء الإجماع کما قاله الشیخ(3) وابن زهرة(4) والعلاّمة(5) وجدی الشیخ جعفر(6) وسیّد الریاض(7) وصاحبا المفتاح(8) الجواهر(9).

وعن الأردبیلی أنّه هو المشهور(10) وکما أنّه هو الحق المشهور بین أصحابنا عند الفاضل النراقی(11).

وفیه: إجماع القوم وإن کان موجودا ومحقَّقا ولکنّه إجْماعٌ مَدْرَکِیٌّ _ کما اعترف به الاستاذ المحقّق _ مدظله _ _(12) فلا یغنی ولا یسمن من جوع.

ص:352


1- 3 . إرشاد الأذهان: المتاجر، فی المتعاقدین، 1/360.
2- 4 . الجواهر 23/(503-497) [22/(312-309)].
3- 5 . الخلاف 3/145.
4- 6 . غنیة النزوع /209.
5- 7 . تذکرة الفقهاء 12/6، قال: «ذهب فیه علماؤنا».
6- 8 . شرح القواعد 2/114.
7- 9 . ریاض المسائل 8/229.
8- 10 . مفتاح الکرامة 12/643.
9- 11 . الجواهر 23/498 (22/309).
10- 12 . مجمع الفائدة والبرهان 8/162.
11- 13 . مستند الشیعة 14/297.
12- 1 . العقد النضید 4/107.
2_ الإطلاقات والعُمُوْمات

نحو قوله تعالی: «وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ»(1) و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ»(3) لأنّ هذه المعاملة بیعٌ وعقدٌ وتجارةٌ فیشمله اطلاق أو عموم الآیات الشریفة.

3_ انحلال العقد

یمکن انحلال العقد الواحد إلی عقود متعددة بحسب متعلّقه کما یمکن انحلال اللفظة الواحدة وتبعضها فی الإخبار والإنشاء. فحینئذ ینحل العقد إلی عقدین، عقد فی مال البائع وعقد فی مال الغیر والعقد الأوّل صحیح ونافذ والثانی یحتاج إلی إجازة مالکه.

4_ صحیحة الصفار

صحیحة الصفار أنّه کتب إلی أبیمحمّد الحسن بن علی العسکری علیه السلام فی رجل باع قطاع أرضین فیحضره الخروج إلی مکّة والقریة علی مراحل من منزله، ولم یکن له من المقام ما یأتی بحدود أرضه، وعرف حدود القریة الأربعة، فقال للشهود: أشهدوا أنّی قد بعت فلانا _ یعنی المشتری _ جمیع القریة التی حدّ منها کذا، والثانی والثالث والرابع وإنّما له بعض هذه القریة قطاع أرضین، فهل یصلح للمشتری ذلک وإنّما له بعض هذه القریة وقد أقر له بکلّها؟ فوقع علیه السلام : لایجوز بیع ما لیس یملک، وقد وجب الشراء من البائع علی ما یملک.(4)

وهذه الصحیحة نص فی المقام حیث کتب الإمام علیه السلام : «قد وجب الشراء من البائع علی ما یملک». وهذا یعنی انحلال العقد إلی عقدین کما مرّ.

ویمکن استفادة الخیار منها لأنّه علیه السلام اوجب البیع علی البائع لا علی المشتری فله الخیار.

ص:353


1- 2 . سورة البقرة /275.
2- 3 . سورة المائدة /1.
3- 4 . سورة النساء /29.
4- 5 . وسائل الشیعة 17/339، ح1، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه.

وقال السیّد العاملی: «وخبر الصفار یسقط هذا الاعتبار»(1). أی احتمال بطلان البیع رأسا.

ویری صاحب الجواهر هذا الاحتمال: «واضح الفساد بل کأنّه اجتهاد فی مقابلة النص ولم نعرفه لأحد من أصحابنا»(2).

ویری الشیخ الأعظم هذه الصحیحة «النص»(3) فی المقام.

أدلة البطلان

1_ التراضی والتعاقد إنّما وقع علی المجموع

قال الشیخ الأعظم: «إنّ التراضی والتعاقد إنّما وقع علی المجموع الذی لم یمضه الشارع قطعا، فالحکم بالإمضاء فی البعض مع عدم کونه مقصودا إلاّ فی ضمن المرکب یحتاج إلی دلیل آخر غیر مادلّ علی حکم العقد والشروط والتجارة عن تراضٍ، ولذا حکموا بفساد العقد بفساد شرطه، وقد نبّه علیه فی جامع المقاصد(4) فی باب فساد الشرط»(5).

وبالجملة: شرط صحة التجارة هو التراضی والتعاقد علیها وکلاهما مفقودان فی المقام لأنّهما وقعا علی المجموع بما هو المجموع لا علی البعض.

ویمکن أن یقال: إنّ ما قُصد إنّما هو بیع المجموع وهو لم یقع فی الخارج، وما وقع فی الخارج ویحکم بصحته هو بیع البعض وهو لم یقصد، فما قُصد لم یقع وما وقع لم یقصد فالبیع یکون باطلاً من رأسه وأساسه.

وفیه: التراضی والتعاقد کما وقع علی المجموع کذلک وقع علی بعضه، ولأنّ قصد بیع ذات مال البائع نفسه موجود فی ضمن قصد بیع المجموع من مال نفسه ومال غیره

ص:354


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/642.
2- 2 . الجواهر 23/498 (22/310).
3- 3 . المکاسب 3/514.
4- 4 . جامع المقاصد 4/431.
5- 5 . المکاسب 3/531.

فالتراضی والتعاقد علی البعض موجود فی ضمن المجموع.

نعم، البائع لم یقصد استقلال بیع مال نفسه، ولا دلیل علی اعتبار قصد الاستقلال، والإطلاقات والعمومات تنفیان قصد الاستقلال.

والحاصل: بیع البعض مقصود کما أنّ بیع المجموع مقصود، والمقصود واقع فی الخارج کما حکم الشارع بصحته فی صحیحة الصفار الماضیة.

2_ الإنشاء بسیط فلا ینحل إلی التعدد

بتقریب: بساطة الإنشاء من الواضحات لأنّها من الأُمور الاعتباریة، وإذا کان بسیطا فَلا ینحل إلی الصحیح والفاسد، لأنّه لیس مُرَکَّبا ولیس ذاتَ أجزاءٍ حتّی ینحل بعدد أجزائه.

وفیه: نعم، الإنشاء بسیط وواحد صورة لکنّه بحسب المتعلَّق متعددا فینحلّ الإنشاء إلی إنشاءات متعددة وللانحلال أمثلة کثیرة:

نحو: بیعی الصرف والسَّلَم فإنّهما ینحلاّن ویصحّان فی المقبوض فی مجلس العقد ویفسدان فی غیر المقبوض.

ونحو: بیع الوکیل أموال موکِّلیه بعقدٍ واحدٍ فإنّ بیعها بإنشاءٍ واحد ینحلّ إلی بیوعٍ متعددة بعدد تلک الأموال.

ونحو: الوصیة بأزید من الثلث فإنّها تنحلّ إلی وصیتین، إحداهما تتعلَّق بالثلث وتصحّ والاُخری بأزید من الثلث وتقف صحتها علی إمضاء الورثة.(1)

والحاصل: السیرة العقلائیة تدلّ علی الانحلال وإطلاق أدلة البیع تنفی اعتبار الاستقلال والانفراد فی صحة بیع مال الأصیل.

3_ جهالة الثمن توجب بطلان البیع

انحلال العقد یوجب جهالة الثمن بإزاء ما یملکه البائع، وهو یوجب بطلان البیع، لأنّ البائع لا یعلم بما یتقسط علی ماله من الثمن حین البیع فی القیمی وفی المثلی إذا لم

ص:355


1- 1 . راجع هدی الطالب 5/602.

یکن مقدار ماله معلوما له تفصیلاً، وَهذِهِ الجهالة تُوْجِبُ بطلان البیع.

وفیه: أوّلاً: الجهالَةُ مفقودة بعد ما سنبیّنه من محاسبة مقدار الثمن وکیفیته.

وثانیا: ما یوجب بطلان البیع إنّما هو الغرر(1) ولا غرر فی المقام بعد إمکان محاسبة مقدار الثمن.

کیفیة تقسیط الثمن

اشارة

علی أیّ حالٍ من إجازة المالک وعدمها لابدّ من تقسیط الثمن إمّا لتعیین سهم

المالک مع إجازته أو لما یرجع إلی المشتری مع عدمها.

وأمّا کیفیته: أن یقوّم کُلٌّ من المالَیْنِ أو الأموال منفردا بالقیمة السوقیة ثمّ یؤخذ نسبة قیمتهما أو قیمتها إلی مجموع القیمتین أو القیم. ثمّ یحاسب النسبة مع الثمن المسمی مثلاً لو کان أحدهما خمسة آلاف دینار والآخر عشرة آلاف دینار تَصِیْرُ النسبة 31 و 32 من مجموع الثمن المسمی.

هذا بالنسبة إلی غالب الموارد صحیح.

أمّا إذا کان للهیئة الاجتماعیة دخل فی زیادة القیمة بالنسبة إلی حال الانفراد کجزئین من کتاب واحد أو مصراعی الباب أو کان لها دخل فی نقیصة القیمة بالنسبة إلی حال الانفراد نحو بیع الأمة الشابة مع ولیدته الرضیعة أو المجوهرات الغالیة فی فرض تعددها أو الآثار التاریخیة کذلک کصورة تبسّم الجکوند [ژکوند] للدوانیچی أو أُسطوانة منشور کوروش الکبیر السلطان الهخامنشی الإیرانی أو کان لها دخل فی زیادة قیمة أحدهما أمّا بالنسبة إلی الآخر توجب نقص قیمته فهذه ثلاثة أقسام.

ثمّ فی کلِّ قسم تارة توجب زیادة قیمتهما أو نقیصتها بالتساوی أو بالاختلاف فَتَصِیْرُ الأقسام ستة.

ثمّ فی هذه الصور الست ثلاثة طرق لأجل محاسبة تقسیط الثمن:

الطریق الأوّل وهو طریق مشهور الأصحاب قدس سرهم:

إنّ کلاًّ من المالین یقوّم منفردا

ص:356


1- 2 . کما فی محاضرات فی الفقه الجعفری 2/503.

بالقیمة السوقیة _ لا منضما إلی غیره _ فیؤخذ لکل واحد منهما جزءٌ من الثمن المسمی یکون نسبة ذلک الجزء إلیه کنسبة قیمة کلّ منهما إلی مجموع القیمتین.

نحو: لو باع کتابین أَحَدُهُما لنفسه والآخر لغیره وقیمة کل منهما منفردا ألْفا دِیْنارٍ ولکن قیمتهما مُجْتَمِعَیْنِ عشرة آلاف وباعهما بالعشرین. فَتَصِیْرُ قیمة کتاب البائع أربعة آلاف ویرجع الباقی _ أی ستة عشر الف دینار _ إلی المشتری.

وأنت تری بأنّ البائع لم یقدم علی بیع کتابه بهذا المقدار بل أقدم علی بیعه فی مقابل عشرة آلاف وهذا التقسیط یکون ضررا علیه. فقاعدة لا ضرر یرتفع لزوم البیع لأجل دفع الضرر عنه فیکون له خیار الفسخ.

وتکون المحاسبة هکذا لو کانت الهَیْئَة الاجتماعیة توجب تنقیص القیمة إلاّ أن یکون علی المشتری وله خیار تبعض الصفقة وبنفس هذا الخیار یمکن دفع ضرره.

الطریق الثانی: وهو المنسوب إلی سلطان العلماء

الطریق الثانی: وهو المنسوب إلی سلطان العلماء(1): قال ما نصه: «وإبقاء الباقی

للبائع ظلم أیضا علی المشتری، وإعطاء للبائع زائدا علی حقه. کما أنّ ردّ الثمن بقدر نسبة أحدهما إلی قیمتهما مجتمعین ظلم علی ما ذکره الشارح المحقّق _ یعنی الشهید الثانی _ إلاّ أنّ الثانی أظلم. فالصواب أن یقوّما مجتمعین، ویقوّم ما للبائع منفردا، ویبقی من الثمن فی ید البائع بقدر نسبة قیمة ماله منفردا إلی قیمتهما مجتمعین، وتتمة الثمن تردّ إلی المشتری، وحینئذٍ لا ظلم لأحدٍ أصلاً»(2).

مراده: أن یُقَوَّما مجتمعین بالقیمة السوقیة ثمّ یقوّم ما للبائع منفردا، فیؤخذ النسبة بینه وبین الثمن المسمی وتردّ الباقی إلی المشتری.

نحو: لو کانَتْ قیمة کلّ من الکتابین منفردا ألفین ومُجْتَمِعَیْن أربعة بحیث تکونُ قیمتهما السوقیة مُجْتَمِعَیْنِ ثمانیة فَتُؤْخَذُ النسبة بین الکتاب الواحد منفردا ومجتمعین فَتَصِیْرُ النسبة الربع. ثمّ تُؤْخَذُ هذه النسبة من الثمن المسمی فلو کانت عشرین فیقابل

ص:357


1- 1 . مرّت ترجمته فی الآراء الفقهیة 4/554.
2- 1 . حاشیة سلطان العلماء /65، و حکاه المحقّق الخوانساری فی حاشیته عن سلطان العلماء/359، وهامش الروضة البهیة 1/316 (طبعة عبدالرحیم)، هدی الطالب 5/621.

الکتاب الواحِد ربعه فیکون خمسة.

أقول: هذا الطریق وإن کان ضرره علی البائع أقل من الطریق المشهور ولکن مع ذلک البائع یکون متضررا کما فی الطریق المشهور.

وقد نَسَبَ الإشْکَوَرِیُّ(1) هذا الطریق إلی الشیخ المیرزا محمّد الأصفهانی(2) الشهیر ب_ «الدیلماج»(3) فی حواشیه علی الروضة(4) ولکنّی لم أجدها.

الطریق الثالث: ما ذکره الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله قال:

«إنّ الأولی فی کیفیة التقسیط أنْ یقوّم کلّ منهما منفردا، لکن بملاحظة حال الانضمام، لا فی حال الانفراد، ثمّ یؤخذ لکلِّ واحد جزء من الثمن نسبة إلیه کنسبة قیمته إلی مجموع القیمتین؛ إذ لو قوّم کل منهما منفردا لا فی حال الانضمام یلزم الضرر علی أحدهما فی صور الاختلاف، مثلاً إذا کان أحدهما یزید قیمته بالانضمام، والآخر تنقص قیمته به یلزم علی طریقة المصنّف قدس سره _ فیما إذ قوّم أحدهما منفردا باثنین، ومنضما بأربعة، والآخر منفردا بأربعة، ومنضما

باثنین _ أن یکون لمالک الأوّل ثلث الثمن وللمالک الثانی ثلثاه، مع أنَّ قیمة مال الأوّل فی حال الانضمام ضعف قیمة مال الثانی فی تلک الحال، فینبغی أنْ یکون للأوّل الثلثان، وللثانی الثلث، وهکذا فی سائر صور الاختلاف، وأما علی ما ذکرنا فلا یلزم نقص فی مورد من الموارد»(5).

مراده: قیمة کلّ من المالین فی حال الانضمام مع غیره لا منفردا ثمّ تُؤْخَذُ النسبة بینه وبین القیمة السوقیة _ الثمن المثل _ ثمّ تُؤْخَذُ النسبة من الثمن المسمی، فمثلاً لو کان قیمة کلّ منهما مجتمعین خسمة الآف وتصیر القیمة السوقیة _ الثمن المثل _ عشرة آلاف وکان الثمن المسمی عشرین ألْفا فَتَصِیْرُ قیمة کلّ منهما عشرة آلاف.

ص:358


1- 2 . بغیة الطالب 1/446.
2- 3 . ذکره العلاّمة الطهرانی فی طبقات أعلام الشیعة، القرن الحادیعشر /517.
3- 4 . لفظٌ ترکیٌ، بالفارسیة یعادل: ترجمان، مترجم، سخن گذار.
4- 5 . ذکرها العلاّمة الطهرانی فی الذریعة 6/96، رقم 513.
5- 1 . حاشیة المکاسب 2/328.

وبهذا البیان یُدْفَعُ الضرر عن البائع ولکن یتوجه الضرر علی المشتری لأنّه اشتری کتابا واحدا بقیمة الانضمام ولکن له خیار تبعض الصفقة وبه یمکن له أن یدفع الضررعن نفسه.

أقول: أنت تری بأنّ الطریقین الاْءَوَّلَیْنِ لایدفعان الضرر عن البائع والثالث یتوجه الضرر علی المشتری، فالأصح عندی الطریق المشهور مع رفع لزوم البیع بقاعدة لا ضرر للبائع بحیث لایتضرر من هذا التقسیط، فله الخیار لفسخ بیعه فی فرض ترتب الضرر علیه.

هذا کلّه فی تقسیط الثمن فی القیمیات.

وأمّا تقسیط الثمن فی المثلیات

اشارة

فقال الشیخ الأعظم: «أمّا المبیع المثلی: فإن کانت الحصّة مشاعة قُسّط الثمن علی نفس المبیع، فیقابل کلٌّ من حصّتی البائع والأجنبیّ بما یخصّه، وإن کانت حصّة کلّ منهما معیّنة کان الحکم کما فی القیمی: من ملاحظة قیمتی الحصّتین وتقسیط الثمن علی المجموع، فافهم»(1).

مراده قدس سره : وجود صُوْرَتَیْنِ فی المبیع المثلی:

الصورة الاولی:

أن یکون المبیع مشترکا بینهما بنحو الإشاعة فحینئذ یقسّط الثمن بینهما علی حصتهما من النصف أو الثلث أو الخمس أو غیر ذلک.

الصورة الثانیة:

تکون حصة کلّ واحد منهما مُعَیّنةً بمعنی تَشَخُّصِها وإفرازِها کما

لو کان هناک أکیاس من الحنطة مع تعیّن ما یملک کل منهما فباعها أحد المالکین بعشرة الآف دینار فردّ غیر البائع بیع حصته فیجری حکم القیمی بما مرّ.

واعترض علیه المحقّق النائینی بقوله: «ولایخفی إنّ شیئا من الضابطین لا ینضبط علی الوجه الکلّی:

أمّا الأوّل: فلانتقاضه بما إذا کان لإحدی الحصتین فی حال الاجتماع قیمة أکثر

ص:359


1- 2 . المکاسب 3/520.

من قیمتها فی حال الإنفراد کما إذا کان مَنٌّ من الحنطة فی حال الاجتماع مع تسعة امنان أعلی قیمة لأجل صیرورته مرغوبا إلیه فی ضمن العشرة ولکنّه منفردا لا یرغب إلیه بما یرغب إلیه فی حال الاجتماع فتقسیط الثمن حینئذٍ علی نفس المبیع لیقابل کلّ من الحصتین بما یخصه لایفید فی تعیین قیمة حصة الأجنبی کما لا یخفی.

وأمّا الثانی: فلانتقاضه بما إذا کانت الحصتان المفروزتان کلّ من صبرة واحدة فلا یکفی حینئذٍ قیمة کلّ واحدة ونسبة قیمته إلی مجموع القیمتین والأخذ من الثمن بتلک النسبة بل لابدّ من أن یقابل کلّ من الحصتین بما یخصه من الثمن کالمثلی فلا یکون موافقا مع القیمی فی الحکم ولعلّه إلی المناقشتین أمر بالفهم»(1).

وتبعه السیّد الخوئی وقال: «ولکنّا لم نفهم ما أراده [الشیخ الأعظم] قدس سره من هذا الکلام، فإنّ ما ذکره من ملاحظة القیمتین فی صورة الافراز، إن کان من جهة اختلاف الحصتین فی القیمة من حیث الجودة والرداءة فهو متین إلاّ أنه لا یظهر من عبارته. وإن کان من جهة اختلاف قیم الأشیاء باختلاف مقدارها قلّة وکثرة فهو لایختص بفرض الافراز بل یجری فی فرض الاشاعة أیضا فإنّ کمیّة من الطعام إذا بیعت بقیمة فنصف تلک الکمّیة قد تباع بأقل من نصف القیمة أو أکثر حسسب اختلاف الرغبات. فالصحیح أنّ المثلی حکمه حکم القیمی مطلقا»(2).

وتبعهما المحقّق المروج وقال فی ذیل أمره بالتفهم: «ولعلّه إشارة إلی منع إطلاق ما أفاده فی الصورتین:

أما الصورة الأولی: فلاختصاص کلامه بما إذا لم یکن لإحدی الحصتین حال الاجتماع قیمةٌ أکثرُ من قیمتها حالَ الإنفراد، لفرض إختلاف الرغبات، فربّما کانت الرغبة فی شراء تسعة أمنان من الحنطة _ منضمةً إلی منٍّ آخر _ أزید من شراء التسعة مستقلةً.

وربّما ینعکس الأمر، فیکون وصف الاجتماع مؤثرا فی إنخفاض القیمة.

ص:360


1- 1 . المکاسب والبیع 2/312.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/121.

فما أفاده قدس سره من تقسیط الثمن علی نفس المبیع لمجردّ کونه مثلیّا لا یخلو من شیء.

وأمّا الصورة الثانیة: فلإنتقاض کلامه بما إذا کانت الحصّتان المفروزتان متساویتین من جمیع الجهات الدخیلة فی التموُّل، إذ یتعیّن حینئذٍ مقابلة کلّ حصة بما یخصّها من الثمن کالمثلی، ولا وجه لإجراء حکم القیمی علیه.

نعم، یحتمل کون مفروض کلامه إختلاف الحصتین المفروزتین بالجودة والرداءة، بأن کانت إحْداهُما حنطةً جیِّدةً، والأُخری ردیئة، إذ یتعیّن إجراءُ حکم القیمی علیهما.

لکن یشکل هذا الاِحتمال بإمکانه فی صورة الإشاعة أیضا، فلا وجه لاختصاصه بالصورة الثانیة»(1).

أقول: والتحقیق جریان حکم القیمی فی المِثْلِیّاتِ أیضا کما صَرَّحَ به السیّدُ الخوئی رحمه الله .(2)

هذا تمام الکلام فی المسألة الرابعة، والحمدُ للّهِ الَّذِیْ بِنِعْمَتِه تَتُمُّ الْصّالِحات.

ص: 361


1- 1 . هدی الطالب 5/625.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/122.

المسألة الخامسة: لو باع من له نصف الدار، النصف

اشارة

قال الشیخ الأعظم: «لو باع من له نصف الدار نصف ملک الدار، فَإنْ علم أنّه أراد نصفه أو نصف الغیر عمل به، وإلاّ فإن علم أنّه لم یقصد بقوله: «بعتک نصف الدار» إلاّ مفهوم هذا اللفظ، ففیه احتمالان: حمله علی نصفه المملوک له، وحمله علی النصف المشاع بینه وبین الأجنبیّ».(1)

أقول: من المعلوم أنّ مقدار النصف والدار فی کلامه ورد من باب المثال وإلاّ لا فرق بین النصف وسائر الکسور کما لا فرق بین الدار وغیرها من الأموال غیر المنقولات والمنقولات. ثمّ إنّ هاهنا ثلاث صور:

الصورة الأُولی:

باع النصف المفروز من حصته المملوکة فیدخل بیعه فی بیع ما یَمْلِک.

الصورة الثانیة:

باع النصف الآخر المفروز من حصة شریکه فیدخل بیعه فی بیع الفضولی.

الصورة الثّالِثَة:

اشارة

لم یحرز قصد البائع تفصیلاً أنّه باع حصته خاصة أو حصة شریکه أو باع النصف علی نحو الإشاعة بحیث باع ربع ماله مع ربع مال شریکه وبناءً علی الاحتمال الأخیر فیدخل بیعه فی بیع ما یَمْلِک وما لا یَمْلِک.

وبعبارة أُخری: «تارة یظهر بالقرائن الداخلیة أنّ المراد بالنصف هو نصفه المختصّ به أو نصف الغیر أو النصف من نصفه والنصف من نصف الآخر وهکذا، وهذا ممّا لا کلام لنا فیه.

وأُخری: یرید البائع مفهوم نصف الدار عرفا من دون قصد شیء من خصوص نصفه أو نصف الآخر، فهل یؤخذ بظاهر هذا الکلام ویکون حجّة علی تعیین المبیع واقعا

ص:362


1- 1 . المکاسب 3/521.

من النصف المملوک أو المملوک للغیر وهکذا، ولا ینبغی الإشکال فی أنّ الظهور فی مقام الإثبات حجّة علی تعیین المراد فی مقام الثبوت، وحینئذ فیقع الکلام فی أنّ نصف الدار ظاهر فی أیّ نصف من النصفین؟

وثالثة: نعلم أنه أراد واحدا من النصفین بخصوصه أو النصف من کلِّ نصف إلاّ أنه لا قرینة علی تعیین أحد هذه الاحتمالات فلا یُعرف مراده الواقعی، وفی هذه الصورة أیضا یؤخذ بظاهر النصف، لأنّ الظهور فی مقام الإثبات حجّة علی تعیین المراد الواقعی، وهذا القسم أیضا داخل فی محل الکلام فلا وجه لحصره بالصورة الثانیة کما فی کلام شیخنا الأنصاری(1) قدس سره »(2).

ولکن ذهب الشیخ الأعظم إلی أنّه تارة یُعلم مراد البائع من النصف تفصیلاً من أنّه أراد نصفه أو نصف غیره أو النصف المشاع فیعمل به، وإن لم یُعلم التفصیل من النصف ففیه احتمالان:

الأوّل: حمل النصف علی نصف البائع المملوک له وهو الصورة الأولی فی مقالنا.

الثانی: حمله علی النصف المشاع بینه وبین غیره. وهو الاحتمال الثالث فی الصورة الثالثة فی مقالنا.

وَمَنْشَأُ الاحتمال الأوّل عند الشیخ الأعظم(3) أمران:

1_ الظهور المقامی لکلمة النصف فی ما یختص بالبائع لا المختص بالشریک ولا المشاع بینهما وذلک لاقتضاء مقام التصرف المعاملی کون المتصرِّف سلطانا علی ما یتصرف فیه بالملکیة ولأنّ السیرة العقلائیة تدلّ علی إعتبار ملکیة فی البائع. فبهذه القرینة انصرف اطلاق لفظ «النصف» إلی النصف المختص بالبائع.

2_ الإنشاء هو إیجاد المُنْشَأ فی عالم الاعتبار بالقول أو الفعل. وظهور إسناد الإنشاء إلی البائع هو إضافة البیع إلی نفسه ووقوعه فی ماله المختص. لا مال غیره ولا

ص:363


1- 1 . المکاسب 3/521.
2- 2 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/122.
3- 3 . المکاسب 3/521.

المال المشاع بینه وبین غیره لأنّ الأخیرین یحتاجان إلی مؤونة زائدة علی قصد الإنشاء وهی إمّا قصد وقوع البیع للغیر _ إذا وقع فضولیا عن الغیر _ أو قصد وقوعه لنفسه إذا وقع فرض مال الغیر مال نفسه کما فی البیع الغاصب أو الصورة الثالثة من صور بیع الفضولی وهی أن یبیع مال الغیر لنفسه.

وأمّا منشأ الاحتمال الثانی عند الشیخ الأعظم(1): ظهور کلمة النصف فی الحصة

المشاعة من مجموع النصفین أی ربع مال البائع وربع مال شریکه.

فحیث یجری الاحتمالان فیصیر لفظ النصف مجملاً فی جهة تعارض ظهوره فی المشاع مع ظهور التصرف والانشاء فی نصیبه المختص به ولا ترجیح لأحد الاحتمالین فتعیین مقصود البائع من النصف مشکل.(2)

اعتراض الشیخ الأعظم علی فخرالمحقّقین
اشارة

قال والده العلاّمة فی القواعد: «ولو باع مالک النصف النصف انصرف إلی نصیبه ویحتمل الإشاعة فیقف فی نصف نصیب الآخر علی الإجازة»(3).

وقال فی نهایته: «ولو کان مالکا لنصف العین، فباع النصف مطلقا انصرف إلی نصیبه صرفا للعقد إلی الصحة. ویحتمل الإشاعة کالإقرار ولأنّه حقیقة اللفظ، فیقف فی نصف نصیب الآخر علی الإجازة...»(4).

وقال ولده الفخر فی ذیل کلامه والده فی القواعد: «لأنّ الأصل فی البیع اللزوم ولهذا یحکم به عند الإطلاق وعدم العلم بالموانع، وإنّما یختلف عنه لعارض معروف ولم یوجد، ولأنّه لو قال: بعتُک غانما وهو اسم مشترک بین عبده وعبد غیره حُمل علی عبده إجماعا فکذا فی المُتَواطِی ء وهو الأقوی عندی. ووجه الإشاعة: أنّ المبیع صالح لملکه وملک غیره ولهذا یقبل التقیید لکلِّ منهما ولفظ النصف إذا أُطلق یُحمل علی الإشاعة، ولم

ص:364


1- 4 . المکاسب 3/521.
2- 1 . هدی الطالب 6/12.
3- 2 . قواعد الأحکام 2/20.
4- 3 . نهایة الإحکام 2/479.

یجعل الشارع صحة التصرف قرینة فی المجازات والمشترکات...»(1).

واعترض علیه الشیخ الأعظم(2) بأنّ قیاس بیع النصف عَلی بیع غانم فی مثاله مع الفارق إذ المعارض فی مثال الفخر مفقود ولکن فی بیع النصف المعارض موجود وهو ظهور لفظ «النصف» علی الإشاعة وهو النصف المشاع.

بتوضیح منّا: إنّ اشتراک لفظ غانِم بین عبد البائع وعبد غیره یوجب إجمال لفظ غانم ابتداءً ولکِنْ فی المقام إطلاقان یرفعان هذا الإجمال وهما: ظهور التصرف فی ملکیة المتصرَّف فیه للمتصرِّف وظهور الإنشاء فی إنشاء البیع لنفس البائع لا لغیره ولیس فی

البین معارض.

ولکن فی بیع النصف یوجد معارض لهذین الإطلاقَیْنِ وهو ظهور لفظ النصف فی الإشاعة ولیس لفظ النصف مجملاً بین النصف المشاع والحصة المختصة بالبائع، کما مرّ فقیاس الفخر یکون مع الفارق.

ویمکن أن یُدافَعَ عن فخرالمحقّقین: أوّلاً: لیس للفظ النصف ظُهُوْرٌ فی الإشاعة بمعنی المُشاع بین الحصتین وإنّما هو ظاهر فی المُشاع فی مقابل النصف المعیّن، کما قیل(3)، وعلیه یکون مثل بیع غانم فی مثال الفخر مجملاً ویرفع الإجمال بقرینتی مقام التصرف وظهور الانشاء.

وثانِیا: لو فُرض ظهور لفظ النصف فی الإشاعة بمعنی المُشاع بین الحُصَّتَیْنِ، کما یمکن رفع إجمال لفظ النصف بالقرینتین کذلک یمکن نفی هذا الظهور بهما واختصاص لفظ النصف بحصة البائع نفسه.

فقیاس الفخر تام ولا یردّ علیه.

محاولة المحقّق النائینی لحلِّ إجمال الشیخ الأعظم
اشارة

قال: «ومما ذکرناه من تحقیق المقام تظهر المناقشة فیما أفاده المصنف [الشیخ

ص:365


1- 4 . إیضاح الفوائد 1/421.
2- 5 . المکاسب 3/522.
3- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/125، وَسَتَأْتی المناقشة فیه فی نقد محاولة السیّد الخوئی فانتظر.

الأعظم] فی الکتاب من وجوه:

منها: قوله: «إنّ المعارض لظهور النصف فی المُشاع هو انصراف لفظ المبیع إلی مال البائع فی مقام التصرف أو ظهور التملیک فی الأصالة»، ووجه المناقشة فیه: هو ما عرفت من أنّه لیس للفظ النصف ظهور فی المُشاع أو انصراف إلیه حتّی یعارض مع ظهور شیء آخر فی النصف المختص بل حمله علی الإشاعة فیما یحمل علیه ناش عن عدم المعین ومع وجود معین فی البین أی معین کان ینعدم وجه الحمل علی الاشاعة وعلی هذا فلا ینتهی الأمر إلی معارضته بشیء أصلاً.

ومنها: التردید فی معارضه بین انصراف اللفظ إلی مال البائع فی مقام التصرف أو ظهور التملیک فی الأصالة حیث قد عرفت أنّ منشأ الحمل علی النصف المختص بالبائع هو انتفاء الأمرین المتقدمین وانصراف اللفظ فی مقام التصرف إلی مال البائع لا ظهور التمیک فی الأصالة.

ومنها: إنّه لا معنی محصل لظهور التملیک فی الأصالة کما لا یخفی.

ومنها: قوله: بأن ظهور النصف فی المُشاع ظهور المقید وهو وارد علی ظهور المطلق» إذ قد عرفت انتفاء الظهور فی النصف المُشاع حتّی یکون ظهورا فی المقید مع أنّه علی تقدیر الظهور أیضا لا یکون ظهور المتعلّق من باب ظهور المقیّد لعدم تعیّن المطلق للقرینیة بل لابدّ من تقدیم أقوی الظهورین لو کان وإلاّ فالحکم هو الإجمال.

وقد تحصل مما ذکرناه أنّ الحمل علی الإشاعة بین الحصتین إنّما هو فیما إذا لم یکن معیِّن فی البین موجب لتعیّن إرادة إحدی الحصتین وإلاّ فالمتعین هو الحمل علی ما قام علیه المعیِّن، ففی بیع نصف الدار الموجب لتعیّن حصة البائع نفسه موجود وهو صدور البیع عنه مع صلاحیة حصة نفسه لأنْ یکون مبیعا نظیر بیع الکلّی فی الذمة فإنّه لا یحتاج إلی اسناده إلی ذمّته بل عدم اسناده إلی ذمة غیره کاف فی اسناده إلی نفسه، وکذا المقام فانّ صلاحیة حصة نفسه لأن یکون مبیعا مع عدم اسناده إلی غیره کاف فی صحة اسناده إلیه فالمعیِّن فی المقام هو ظهور الفعل والفاعل والمتعلّق جمیعا فی کون المبیع حصة نفسه الحاکم علی ظهور النصف فی نفسه فی الحصة المشاعة بین الشریکین.

ص:366

وهذا بخلاف ما لو باع الأجنبی فضولیا نصف الدار التی هی مشترکة بین إثنین فإنّه لا معیِّن لصرف المبیع حینئذٍ إلی حصة أحدهما معینا فیکون المبیع نصف الدار منهما مشاعا ومن کلٍّ منهما نصف نصیبه وهو الربع من الدار»(1).

نقد محاولة المحقّق النائینی

یرد علیه أوّلاً: لم یکن بین الظهورات ظُهُوْرٌ یسمّی بالظهور الحاصل من عدم المعیِّن، لأنّ الظهورات الواردة فی الإنشاءات إمّا وضعی أو انصرافی أو إطلاقی، ولیس هُناکَ قِسْمٌ رابِعٌ، فلابدّ أن یدخل هذا الظهورُ الاِدِّعائِیُّ فی أحد الظهورات المتقدمة، فلا محالة یدخل فی الظهور الإطلاقی.

وثانیا: لا معنی للظهور التعلیقی فی مقابل الظهور التنجیزی، لأنّ الظهور إمّا موجود وإمّا مفقود، فلیس فی الْبَیْن ظُهُوْرٌ تَعلِیْقیٌ کما ادَّعاه. عَطَّرَ اللّهُ مَثْواه.

وثالثا: ثمّ علی فرض تقیید أحد الظهورین علی الآخر، ظهور التصرف فی مال المتصرِّف یکون اطلاقا فعلیا وظهور النصف فی النصف المشاع یکون اطلاقا لفظیا، فلابدّ

من تخصیص الاطلاق الفعلی بالاطلاق اللفظی لأنّ الفعل لیس له اللسان، لا عکسه الذی فعله المحقّق النائینی.

مُحاولة المحقّق الإیروانی لحلِّ إجمال الشیخ الأعظم
اشارة

قال: «وبالجملة: لاریب فی ظهور الکسر من النصف والثلث والربع فی الکسر المشاع فی ما أضیف إلیه ذلک الکسر، فإذا وقع فی حیّز البیع أو غیره من النواقل وکان ما أضیف إلیه کلاًّ ملکا للبائع انتقل منه مقدار ذلک الکسر مشاعا بمعنی أنّه یزول علقته من الجمیع إلی ما عدا ذلک الکسر ویشارکه المشتری فی العین شرکةً إشاعیّةً بمقدار ذلک الکسر.

أمّا لو کان مالکا مقدارا ممّا أضیف إلیه ذلک الکسر یوازی ذلک الکسر أو ینقص فلا تخلو الحال إمّا أن یعلم أنّه أراد نقل علقته أو نقل علقة الغیر أو نقل مقدار من علقته

ص:367


1- 1 . المکاسب والبیع 2/317 و 318.

ومقدار من علقة الغیر فلا إشکال فی اتّباع قصده، أو لا یعلم ذلک سواء علم أنّه لم یزد فی القصد علی قصد مفهوم ما أطلقه من اللفظ أم علم أنّه أراد مضافا إلی ذلک نقل علقةً خاصّة لم یعلم أنّه علقته أو علقة شریکه أو بالتبعیض أو جهل ولم یعلم تحقّق القصد علی ما یزید علی مفهوم اللفظ وعدم تحقّقه، والحکم فی الجمیع واحد وهو الحکم بانتقال علقة البائع إلی المشتری وقیام المشتری مقامه فی الشرکة الإشاعیّة مع الشریک.

وذلک أنّه إذا باع وهو مالک توجّه إلیه خطاب «أَوْفُوا» وانتزع منه الوضع ووجب علیه الخروج عن العهدة؛ لأنّ العقد عقده بالإضافة الأوّلیّة، وإنّما یصیر عقدا للغیر بالقصد إلی نقل مال الغیر وإزالة علقته والفرض أن لیس مثل هذا القصد متحقّقا أو لا یعلم به.

فأمّا فی ما لیس هذا القصد متحقّقا فلا إشکال، وأمّا فی ما لم یعلم واحتمل تحقّق هذا القصد فلأنّ منصرف اللفظ وظاهره أنّه مقصود لنفسه وقصد به إزالة علقته وملکه، ولذا ادّعی فخرالدین فی بیع الغانم المشترک بین عبده وعبد غیره الإجماع علی حمله علی عبد نفسه.

ومن ذلک ظهر ما ینبغی أن یجعل مَطْرَحا للبحث فی المقام وأنّ النصف هو النصف المُشاع فی جمیع الصور، ونصفه المملوک لیس شیئا ممتازا وراء النصف المشاع فی مجموع الدار، وأمّا النصف المشاع بینه وبین ما یستحقّه شریکه فممّا لم نتصوّر حتّی نتصوّره حتّی نحمل علیه لفظه أو لا نحمل.

وأمّا احتمال إرادة النصف الکلّی فی المعیّن المختلف فی الأثر مع الأوّل فذلک ممّا

لا یضرّ فی ما هو المبحوث عنه فعلاً؛ فإنّ العقد محکوم بأنّه عقده والخطاب خطابه إلی أن یتحقّق کون العقد عقد شریکه بتحقّق قصده إلی نقل مال شریکه فیکون بیع الکلّیّ الّذی یملک هو فردا منه وبیع الکسر المشاع فی حکم واحد، وعلی کلِّ حالٍ یجب دفع ما ملکه وفاءً عن العقد»(1).

ص:368


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/355 و 356.
نقد محاولة المحقّق الإیروانی

ویرد علیه: اثبات الموضوع المتقدم ذاتا بالحکم المتأخر رتبة محالٌ، وهذه الاستحالة من ملازمات کلامه قدس سره ، لأنّ متعلَّق خطاب «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) لیس مطلق العقد، بل العقد المضاف إلی البائع وتعیین عقد البائع المتقدّم ذاتا وزمانا ورتبةً لأنّه موضوع، بما هو متأخر عنه رتبةً وزمانا وهو حکم وجوب الوفاء مستحیل، فلا یعقل أن یدلّ ویعیّن «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» متعلَّق البیع الصادر قبل توجّه هذا الخطاب إلیه وبیّن بأنّه _ متعلّق البیع _ هو النصف المختص، فلا یتم ما ذکره قدس سره .

محاولة المحقّق السیّد الخوئی
اشارة

قال قدس سره : «وتوضیح ذلک أنّ لفظ النصف لم یوضع فی اللغة للنصف المُشاع بل لمطلق النصف من الشیء ولا أنّه منصرف إلی النصف المشاع عند إطلاقه وعلیه فلا وجه لدعوی اختصاصه بالنصف المشاع فیکون الغرض منه فی المقام هو الکلّی.

وتوهم انّ البائع لم یقصد خصوصیة ملکه فلا یمکن الحمل علیه کما فی حاشیة السیّد(2).

فاسد فإنّ النصف مع قطع النظر عن قصد خصوصیة الملک کلّی یحتمل أن یکون النصف الذی یختص بنفسه أو بشریکه أو النصف المشترک بین البائع والشریک وحینئذ فیکون ظهور کلامه فی کون المراد من النصف نصف نفسه فیکون مثل بیع الغانم فیرتفع الإجمال بواسطه ظهور الکلام فی بیع نصفه المختص.

وذلک فإنّه وإن صح بیع مال الغیر فضولة ولکن مُقْتَضی کونه مال الغیر یمنع عن شمول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» للبائع وانّما یشمل المالک المجیزَ حین إجازته وفی المقام بعد منع کون النصف ظاهرا فی النصف المشاع لا وضعا ولا انصرافا لا دافع لشمول دلیل

الوفاء بالعقد علی عقد البائع فإذا کان هو المخاطب بالوفاء بالعقد فیکون المبیع هو النصف

ص:369


1- 2 . سورة المائدة /1.
2- 3 . حاشیة المکاسب 2/330، للفقیه الیزدی.

المختص کما أنّ الامر کذلک فی بیع غانم المشترک بین عبده وعبد الغیر فکما أنّه، لا موجب لدفع ظهور بیع غانم عن غانم نفسه فکذلک فی المقام لکون النصف هنا أیضا مشترکا بین نصفه المختص أو المشاع أو نصف الشریک فکأنّ ظهور البیع فی بیع غانم فی بیع نفسه یرفع الإجمال فکذلک فی المقام بلا زیادة ونقیصة، فکما أنّ البائع فی بیع غانم مخاطب بدلیل الوفاء بالعقد وهکذا هنا أیضا فافهم.

وعلی هذا فیصح ما ذهب إلیه المشهور من کون الکلام ظاهرا فی النصف المختص دون المشاع أو حصة الشریک»(1).

نقد محاولة السیّد الخوئی

یرد علیه ما أُوردتُهُ علی المحققَیْن النائینی والإیروانی لأنّ محاولته مأخوذة من محاولتهما، مضافا إلی ورود نقضین علیه وهما:

الأوّل: إنّه قدس سره اعترف فی «مسألة الإقرار بأنّ نصف الدار لزید مع کونها مشترکة بالإشاعة بین المقرّ وشخص آخر حیث أنّ الإقرار إخبار عن الواقع فیکون إقراره بنصف الدار للغیر إخبارا عن واقع نصف الدار _ لا فی نصفه المختص _ فهو مشترک بین المقرّ وشریکه الآخر...»(2).

فاعترف قدس سره بأنّ ظهور لفظ النصف یکون فی الکسر المُشاع، وأمّا الفرق بین هذا الظهور فی الإخبار والانشاء _ کما فَرَّقَ بینهما السیّد الخوئی رحمه الله _ غیر تام، لأنّ متعلّق الانشاء لیس مفهوم لفظ النصف الذی یعدّه أمرا کلیّا، بل متعلَّق الإنشاء أیضا حقیقة نصف الدار مثلاً وواقعه الخارجی لا مفهومه، لأنّ المعاملات لا تَتَعَلَّقُ بالمفاهیم بل بالمصادیق والحقائق والواقعیات الخارجیة. فلا فرق بین الإقرار والإنشاء فی هذا المجال، فیکون الاِعْترافُ بظهور بالنصف فی الإشاعة، نقضا علیه فی المقام.

الثانی: اعترف هو قدس سره والمشهور فی مسألة الخمس بقوله تعالی: «وَاعْلَمُوا أَنَّما

ص:370


1- 1 . مصباح الفقاهة 4/407 و 406.
2- 2 . مصباح الفقاهة 4/407.

غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ»(1) علی أنّ الخمس یتعلّق بالأموال علی نحو الإشاعة فی العینیة والشرکة فیها. والوجه فیه ظهور کلمة الخمس فی الآیة الشریفة علی الإشاعة

والکسور کلّها علی نهج واحد ومنها النصف فیکون ظاهرا فی الإشاعة.

قال فی تقریر خمسه: «... وأمّا فی باب الخمس فالأدلة بین ما هو ظاهر فی الإشاعة والشرکة الحقیقیّة وبین ما لاینافی ذلک، فمثل قوله تعالی: «فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ» ظاهر فی أنّ المتعلَّق خمس المغنم نفسه علی نحوٍ یکون الخمس المشاع للمستحقّ والأربعة أخماس الباقیة للمالک نظیر قولک: بعتُ أو وهبتُ خمس الدار الذی هو ظاهر فی الکسر المشاع بلا إشکال.

وهکذا قوله علیه السلام فی موثقة سماعة: «ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر ففیه الخمس»(2) فإن الکسر المشاع جزءٌ من المرکب المشتمل علیه...»(3).

ولذا ذهب تلمیذه الأُستاذ المحقّق(4) _ مدظله _ إلی عدم إمکان الجمع بین عدم ظهور لفظ «النصف» فی الإشاعة مع ما أفتی به فی مسألة الخمس من أنّه یتعلّق بالأموال علی الإشاعة.

مضافا إلی أنّه لو تمّ ما ذکره هنا فی المقام یلزم منه اتحاد کیفیة تعلّق الزکاة بالأموال مع کیفیة تعلّق الخمس بها مع أنّه قدس سره یفصل بینهما ویلتزم بأنّ کیفیة تعلّق الزکاة بالأموال تکون علی نحو الکلّی فی المعیّن أو الشرکة فی المالیة(5)، لا علی نحو الإشاعة فی العینیة والشرکة فیها.

وبهذین النقضین لابد له قدس سره أن یلتزم بظهور کلمة النصف فی الإشاعة فی المقام فیتعارض مع ظهور التصرف ویعود اجمال الانشاء. والحمد للّه.

ص:371


1- 3 . سورة الأنفال /41.
2- 1 . وسائل الشیعة 9/503، ح6، الباب 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس.
3- 2 . المستند فی شرح العروة الوثقی 25/293 من طبع موسوعة الإمام الخوئی رحمه الله .
4- 3 . العقد النضید 4/128.
5- 4 . المستند فی شرح العروة الوثقی 25/293 من طبع موسوعة الإمام الخوئی رحمه الله .
المسألة فی منظور الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله
اشارة

قال قدس سره : «لا بأس بالاشارة إلی ما یقتضیه التحقیق عندی علی وجه الإجمال:

اعلم أنَّ التکلّم فی هذه المسألة فی مقامین:

أحدهما: فیما إذا عُلِم کون مراد البائع من النصف شیئا معینا من نصفه المختص أو المُشاع فی الحصتین، ولم یعلم التعیین، فیکون الغرض تشخیص مراده.

الثانی: فیما إذا علم أنَّه لم یقصد إلاّ مفهوم النصف من غیر نظر إلی کونه من ماله أو

من الحصتین، بأنْ علم عدم إلتفاته إلی شیء وراء مفهوم اللفظ.

والظاهر أنَّ محل کلام من تعرّض للمسألة من الفقهاء المقام الأوّل، لکن المصنّف [الشیخ الأعظم] قدس سره وصاحب الجواهر حملا محل کلامهم علی المقام الثانی، وهو بعید فی الغایة؛ إذ علیه لا یبقی محل للتمسک بظهور المقام أو غیره فی مقابل ظهور النصف فی الإشاعة؛ إذ الرجوع إلی الظهورات إنَّما هو لتشخیص المرادات، والمفروض أنَّ المتکلم لم یقصد خصوصیة ملکه أو ملک غیره، وإنّما قصد مفهوم النصف الذی مقتضاه لیس إلاّ الاشاعة.

ودعوی: أنَّ بناءهم علی العمل بالظهورات النوعیة ولو مع العلم بعدم التفات المتکلِّم إلی الخصوصیات کما یظهر من مراجعة کلماتهم فی باب الوقف والوصیة والحلف والنذر ونحوها؛ حیث إنَّهم یقولون إنَّ الظاهر من اللفظ الفلانی کذا وکذا، أو ینَصرف إلی کذا أو لا، فتراهم یقولون لو حلف أنْ لا یدخل الدار هل ینصرف إلی کذا أو لا، مع أنَّ الْمَفْرُوْضَ أنَّ المتکلِّم لم یتوجه ذهنه إلیه أبدا.(1)

مدفوعة: بأنَّ المفروض فی تلک الفروع القصد إلی مفهوم اللفظ، فیکون قصدا إجمالیا إلی جمیع ما یندرج فیه من الخصوصیات، وهذا بخلاف المقام فانَّ المفروض أنّه لم یقصد خصوصیة ملکه أو الحصة المشاعة فی الملکین، فکیف یمکن الحمل علی الأوّل مع عدم قصده؟! ومن المعلوم أنَّ مقتضی التعلیق علی مفهوم النصف _ من غیر

ص:372


1- 1 . کذا جاء فی کلامه قدس سره . وَهذا مَوْضِعُ (قَطّ) لا مَوْضِعُ (أَبَدا) والمقامُ لا یسع البسط.

لحاظ الخصوصیة _ الإشاعة.

وأما دعوی: وجوب العمل بهذا الظهور تعبدا من جهة أنَّه أوجد العقد، فیجب علیه العمل به؛ لعموم وجوب الوفاء.

ففیه: ما سیأتی من أنَّه إنَّما یجب الوفاء علی من له العقد، لا علی مَنْ عقد، ومن له العقد فی الفرض هو وشریکه بعد عدم قصد الخصوصیة.

وکیف کان فأمّا المقام الأوّل: فانْ کان مع فرض عدم معلومیة توارد الإیجاب والقبول علی شیء واحد، بأنْ لم یعلم کون قصد المشتری موافقا لقصد البائع فالظاهر البطلان، فإذا قال «بعتک نصف الدار» ولم یعلم المشتری أنَّ قصده خصوص نصفه أو نصف الدار علی سبیل الإشاعة بین الحصَّتَیْنِ، فلا یرد قبوله علی ما ورد علیه الإیجاب.

وبعبارة أخری: لابدَّ من تعیین أحد الأمرین قبل البیع، ومع عدمه یبطل لمکان عدم التعیین عندهما.

إلاّ أنَّ یقال: إذا فرض معلومیة کون قصد المشتری إلی خصوص حصة البائع، والمفروض أنَّ ظهور المقام یقتضی کون مراد البائع أیضا ذلک فیکونان واردین علی محل واحد، وکان الشک فی تعیین ذلک بأنْ اختلفا فیه بعد اتِفّاقِهِما علی کون الصادر منهما هو البیع الصحیح فهنا یصح الرجوع إلی الظهورات فی تشخیص ما وقع علیه العقد بحسب إرادتهما.

والظاهر أنَّ محل کلام من تعرّض للمسألة هو ذلک حسبما عرفت، والمعروف بینهم ترجیح ظهور المقام فی حصته المختصة علی ظهور النصف فی الاشاعة، بل فی الجواهر أنَّه صرّح به جمیع من تعرّض لذلک، قال: «بل عن غصب جامع المقاصد(1) والمسالک(2) إرسال المسلمات، بل عن الثانی منهما نسبته إلی الأصحاب، ولا ینافی ذلک احتمال الإشاعة فی النصیبین فی جملة من الکتب، ضرورة عدم منافاة للظاهر»(3) انتهی.

ص:373


1- 1 . جامع المقاصد 6/341.
2- 2 . مسالک الافهام 12/252.
3- 3 . جواهر الکلام 22/316.

وهو قدس سره وإنْ جعل _ کما عرفت _ محل کلامهم فی المقام الثانی، لکنّک عرفت ما فیه، بل ینبغی القطع بأنَّ مرادهم هذا المقام، أعنی ما علم کون مقصدهما شیئا مخصوصا ولم یعلم التعیین.

وعلی أیِّ حالٍ فالتحقیق: هو ترجیح ظهور مقام البیع فی إرادته حصته المختصة فی مقابل الإشاعة بینه وبین الأجنبی، وکذا إذا کان وکیلاً أو ولیا فی النصف الآخر أیضا فانَّه یحمل علی خصوص ماله، لا المشاع بینه وبین الموکل، وکذا إذا لم یکن مالکا أصلاً، وإنَّما کان وکیلاً أو ولیّا فی النصف، فإنّه یحمل علی هذه الحصة، لا المشاع بین الشریکین، وذلک لأقوائیة هذا الظهور من النصف فی الإشاعة.

بل التحقیق: أنّه لامنافاة بینهما أصلاً، لأنّ الأوّل حکم علی الثانی، لأنّ ظهور النصف فی الإشاعة یقتضی الإشاعة فی الحصتین مع عدم ظهور یقتضی الاختصاص فی ظهور العام مقتضٍ له، فالإشاعة فی الإشاعة من جهة الإطلاق، ومع ظهور التقیید من المقام یجب الحمل علیه کما فی سائر المُطْلَقات إذا کان هنا قرینة علی انصرافها إلی بعض

الافراد.

ودعوی: أنَّ مرجع الشک إلی أنَّه هل قصد الخصوصیة أم لا، والأصل عدمه.

مدفوعة: بأنَّ الظهور المفروض رافع للشک، فمعه لا وجه للرجوع إلی الأصل»(1).

إلی أن قال: «أما المقام الثانی: فالحقّ فیه هو الحکم بالإشاعة؛ وذلک لما عرفت من عدم المعارض لظهور النصف فی الإشاعة؛ لأنَّ المفروض هو العلم بأنَّه لم یقصد إلاّ مفهوم النصف، وأنَّه لم یلتفت إلی کونه من ماله المختص أو المشترک بینه وبین غیره، والظهورات إنّما یرجع إلیها لتعیین المراد الواقعی المجهول لدینا، ومع العلم بعدم کون مراده نصفه المختص لا ظهور یرجع إلیه ویکون معارضا.

ألا تری أنَّه لا إشکال فی عدم الحمل علی خصوص حصته فیما لو باع نصف الدار

ص:374


1- 1 . حاشیة المکاسب 2/(330-332).

مع اعتقاد [عدم(1)] کونه مالکا أصلاً فبان کونه مالکا له، ومن المعلوم عدم الفرق بینه وبین المقام؛ إذ لایتفاوت الحال فی عدم الظهور بین أنْ یکون جاهلاً بکونه مالکا، وبین ما لو کان عالما وفرض عدم التفاته إلی ماله ومال غیره، بأنْ یکون قصده مجرد تملیک نصف الدار من حیث إنّه دار معین، وهذا واضح جدا، هذا.

وأما الحمل علی حصته المختصة تعبدا من حیث إنَّه ملّک کلیا ملک مصداقه، کما لو باع کلیا سلفا حسبما بیّنه المصنّفف [الشیخ الأعظم] قدس سره أخیرا.

ففیه: ما سیأتی من منع کونه کلیا أوّلاً، ومنع کون مقتضاه ذلک ثانیا، فانَّ أمر الکلی بیده، فله أنَّ یعینه فی فرد آخر غیر حصته المختصة، غایته أنَّه یجب علیه إرضاء مالک النصف الآخر وإجازته، مع أنَّ المدّعی تعیّنه فی حصته من أوّل الأمر، مع أنَّ وجوب الوفاء کما عرفت إنَّما هو بالنسبة إلی مَنْ له العقد، لا علی مَنْ عقد؛ ولذا لا یجب علی الفضولی ارضاء المالک.

فظهر مما بیّنا أن المتعین هو الإشاعة، فانَّ تعلیق البیع علی النصف المضاف إلی الدار التی هی عین خارجیة یقتضی تعلقه بکلِّ جزء علی سبیل الإشاعة، من غیر نظر إلی أنَّه مال هذا أو ذاک، ولیس له مالک، ولازم هذا اشاعته فی الحصتین کما فی الإقرار من غیر تفاوت، هذا»(2).

نقد المقام الأوّل من منظور الفقیه الیزدی

أمّا نقد مقامه الأوّل: فیشتمل علی دَلِیْلَیْنِ:

الأوّل: ما قاله: «... والمعروف بینهم ترجیح ظهور المقام فی حصته المختصة علی ظهور النصف فی الإشاعة...»(3).

والثانی: قوله: «بل التحقیق... _ إلی قوله _ بعض الأفراد»(4).

ص:375


1- 2 . زیادة یقتضیها السیاق.
2- 3 . حاشیة المکاسب 2/334.
3- 1 . حاشیة المکاسب 2/331.
4- 2 . حاشیة المکاسب 2/332.

«أمّا الدلیل الأوّل فیرد علیه أوّلاً: بأنّنا لم نجد فی کلامه ما یمکن عدِّه مستندا لترجیح أحد الظهورین علی الآخر، وعلیه فکلامه مجرّد دعوی بلا دلیل، إلاّ أن نعتمد علی ما التزم به السیّد رحمه الله فی مواضع اُخری من أنّ الترجیح باعتبار الظهور المقامی.

وثانیا: لو سلّمنا الوجه المذکور، فإنّ ظهور النصف فی الإشاعة لا یخلو إمّا أنّه ظهور وضعی أو انصرافی، وفی کلّ الأحوال یندرج فی الظهورات اللّفظیّة، ویقابله ظهور التصرّف، حیث یعدّ ظهوره ظهورا مقامیّا، ومع لفظیّة الأوّل ومقامیّة الثانی فإنّه لا وجه لتقدیم الأخیر علی الأوّل، بل إمّا الأوّل أقوی منه أو أنّهما یتساویان علی أقلّ تقدیر، وفی کلّ الأحوال فإنّ دعوی ترجیح ظهور المقام فی الحصّة المختصّة علی الإشاعة ممنوعة.

أمّا الدلیل الثانی: فالبحث فیه عن جهتین الکبری والصغری:

الاُولی: فی البحث عمّا یعدّ ملاکا لتقدیم المقیّد علی المطلق.

الثانیة: فی البحث عن أنّ المقام هل یعدّ من صغریات الإطلاق والتقیید وعدمه.

أمّا کبرویّا: فإنّ لزوم تقدیم المقیّد علی المطلق، یعدّ من القواعد الثابتة فی باب الإطلاق والتقیید اللّفظیّین، ومن المعلوم أنّ المقیّد اللّفظی قد یکون متّصلاً بالمطلق فیمنع عن ظهور الإطلاق رأسا، وقد یکون منفصلاً فیمنع عن انعقاد حجّیته للمطلق والإطلاق، وملاک المانعیّة فی فرض الانفصال والاتّصال منحصر فی أحد أمرین:

الأمر الأوّل: إنّ دلالة کلّ واحدٍ منهما علی متعلّقه لا یخلو:

إمّا أنّ دلالة المقیّد علی الحصّة تکون بالنصّ، ودلالة الإطلاق علی المطلق تکون بالظهور، ولا شکّ فی أنّ کلّ نصّ مقدّم علی الظاهر.

أو تکون بالأظهریّة والظاهریّة، بمعنی أنّ نسبة المقیّد إلی الإطلاق تکون أظهر من نسبة المطلق إلیه، ولا شکّ أنّ الأظهر مقدّم علی الظاهر.

الأمر الثانی: أنّ القاعدة عند الاستدلال بالدلیل تَقْتَضِیْ التمسّک بأصالة الظهور فیه، وفیما نحن فیه فإنّ جَرَیانها تقتضی حکومة أصالة الظهور فی المقیّد علی أصالة الظهور فی المطلق، لأنّ جریان أصالة

ص:376

الظهور فی المطلق تعلیقیّ منذ البدایة، حیث یتوقّف دلالة المطلق علی متعلّقه بعدم قیام القرینة المانعة عنها، وهذا بخلاف جریان أصالة الظهور فی المقیّد، فإنّه غیر معلّق بشیء بل فعلی تنجیزی.

أمّا صغرویّا: فإنّ دعوی کون المقام من صغریات القاعدة المذکورة ممنوعة، فضلاً عن أنّ قیاس المقام بباب المطلق والمقیّد قیاس مع الفارق، وبالتالی فالملاکان المذکوران فیالکبری غیر جاریان فی المقام.

أمّا الملاک الأوّل: فَلاِءَنَّ القاعدة المذکورة جاریةٌ فی الإنشاءات اللفظیّة، وما نحن فیه مرکّبٌ من اللّفظ والفعل، فکلمة «النصف» لفظ یدلّ علی النِّصْفِ المُشاعِ بالدلالة الإطلاقیّة الوضعیّة، _ کما اعترف به السیّد _، أمّا فعل التصرّف فإنّ ظهوره فی الاختصاص بالحصّة المملوکة للمتصرّف لیس بوضعی، وبالتالی لاتکون النسبة بینهما نسبة تقتضی إعمال القواعد المذکورة فی الکبری من تقدیم النصّ علی الظاهر أو الأظهر علی الظاهر.

أمّا الملاک الثانی: وهو تقدیم أحدهما علی الآخر بملاک التعلیق والتنجیز، فهو أیضا ممنوع فی المقام، لکونه مفقودا فیهما، فکما أنّ ظهور النصف فی الإشاعة معلّق منذ البدایة علی عدم قیام قرینة دالّة علی عدم الإشاعة، کذلک ظهور التصّرف الفعلی فی الحصّة المملوکة معلّق منذ البدایة علی عدم قیام قرینة دالّة علی الإشاعة. وبالتالی فهما متساویان من هذه الجهة، ولیس فی أحدهما ما یمیّزه عن الآخر.

وبعبارة أُخری: إنّ النسبة الحاصلة فیما نحن فیه لیس إلاّ التزاحم بین ظهور الفعل وظهور متعلّقه، وأمّا فی باب المطلق والمقیّد فإنّ بینهما تَزاحُما فی ظهورهما، ولیس هناک جامع بین البایین یقتضی قیاس أحدهما بالآخر، ومن ثمّ تطبیق القواعد المعمولة فی أحدهما علی الآخر، بل یجب أن نلاحظ ظهور الفعل أو المتعلّق وقوّة أحدهما لکی یقدّم علی الآخر»(1).

نقد المقام الثانی من منظور الفقیه السیّد الیزدی
اشارة

«وفیه: لو کان البائع قاصدا من خلال إنشاءه بیع مفهوم النصف أو الثلث وغیرهما

من الکسور المشاعة، لصحّ ما قاله السیّد رحمه الله ، ولکن لا شکّ أنّ البائع لم یقصد ذلک، بل

ص:377


1- 1 . العقد النضید 4/(131-133).

قصد إنشاء معاملة حقیقیّة واقعیّة تکون الصیغة المذکورة حاکیة عنها، فإذا أصبح الأمر الواقعی هو المقصود، فإنّ إرادة البائع أیضا تکون متعلّقة بما وراء المفهوم من الواقع، وحینئذٍ تصبح الظهورات کاشفة عنه، فیکشف ظهور التصرّف عن إرادة خصوص الحصّة المملوکة، کما یکشف ظهور کلمة «النصف» عن الإشاعة، ویتعارضان ویعود الإشکال مرّةً اُخری»(1).

تنبیهٌ: حول حقیقة الملکیّة المشاعة
اشارة

ینبغی استعراض کلمات الأعلام وَآراؤُهُمْ حول حقیقة الملکیّة المشاعة، فِیْها أقوال عدیدة وآراء مختلفة:

القول الأوّل: قیل: إنّ الملکیّةَ المُشاعَةَ ملکیّةً واقعها معیّن وظاهرها مبهم.

وفیه: أوّلاً: أنّ البحث عن حقیقة الکسر المشاع، سواءً تحقّقت الملکیّة أو لم تتحقّق.

وثانیا: لو سُلِّمَ ذلک، فإنّ الملکیّة المُشاعة تعنی الشرکة الظاهریّة، فکلّ شریک مالک لحصّة من العین لکن علی نحو الإشاعة.

القول الثانی: أنّ حقیقة الکسر المُشاع عبارة عن الکلیّات المختلفة فی العین، فالنصف کلّیٌ قابل للانطباق علی حصّتین، والثلث کلّی قابل للانطباق علی ثلاث حصص، وهکذا الأمر فی بقیّة الکسور.

وفیه: أنّ اعتبار الْکَسْرِ المشاع کلیّا مختلفا أعیانه الخارجیّة ممنوع، لأنّ الفقهاء صنّفوا الکسر المشاع حکما وموضوعا فی مقابل الکلّی فی المعیّن، فیعدّ الکسر المشاع من أصناف الکلّی فی المعیّن، کالثلث أو الربع من مال معیّن إذا لوحظ کلیّا کالصّاع من الصُّبرة.

القول الثالث: قیل: إنّ حقیقة الکسر المُشاع هو الجزئی الموجود فی الخارج لکن علی نحو الإشاعة، وهو مختارُ جماعةٍ من المحقّقین، ومرادهم أنّه متی فرض نسبة فی

ص:378


1- 1 . العقد النصید 4/134.

مال معیّن مشترک، تکون النسبة المفروضة مشترکة فی حصص جمیع الشرکاء، وکذلک الحال فیما لو کانت النسبة المفروضة بحیث لا یمکن تقسیم المعیّن الخارجی بنسبتها،

فحینئذٍ یفرض مالکیّة جمیع الشرکاء فیه بنحو الإشاعة والاشتراک:

ویرد علیه أوّلاً: ما سبق أن ذکرناه من أنّ البحث فی المقام یدور حول حقیقة الکسر المشاع، مع الغضّ عن وجود الملکیّة وعدمه.

وثانیا: یستحیل تصوّر الجمیع بین الوجود الخارجی والإشاعة، لأنّ الوجود الخارجی مساوق مع التعیّن والتمیّز، والإشاعة تقابلهما، وبالتالی لم یمکن تصوّر الوجود الخارجی لکن علی نحو الإشاعة والسریان.

القول الرابع: قیل: إنّ حقیقة الکسر المشاع الملکیّة الضعیفة، ویقابله المفروز الذی تعدّ ملکیّته قویّة.

وفیه: أوّلاً: ما سبق ذکره بالنسبة إلی الأقوال السابقة، من إمکان تصوّر الکسر المشاع فی جمیع الأحوال سواء تعلّق الملک بها أم لم یتعلّق، کما فی المباحات، حیث یمکن فرض الکسر المشاع فیها برغم عدم تعلّق سبب من أسباب الملکیّة بها، وعدم إمکان تصوّر الملکیة القویّة والضعیفة فیها.

وثانیا: لا مجال لفرض القوّة والضعف أو الشدّة والخفّة فی الأمور الاعتباریة.

القول الخامس: ما قیل: من أنّ الکسر المُشاع متقوّمٌ بالمملوک الواحد مع مُلاَّکٍ متعدّدین.

وفیه: فضلاً عمّا ذکرنا من أنّ البحث فی المقام عن حقیقة الکسر المُشاع سواء وجد مالک أم لو یوجد، فإنّه لا یمکن تعقّل وحدة المملوک وتعدّد الملاّک، لأنّ الملکیة لیس إلاّ إضافة بین المالک والمملوک، ومع تعدّد المالک تزول وحدة المملوک»(1).

القول السادس: وهو للسیّد الخمینی رحمه الله یقول: «والتحقیق أنّ الکسر المشاع اعتبار عقلائی فی نفس الموضوعات الخارجیة کاعتبار الملکیة والرقیة والحریة

ص:379


1- 1 . العقد النضید 4/136 و 137.

ونحوها، حیث یعتبرها العقلاء فی الموجودات الخارجیة، فمع اعتبارها فیها تصدق علیها بالحمل الشائع تلک العناوین... فالإشاعة والإفراز أمران اعتباریان فی نفس الخارج نحو اعتبار الملک والحقّ... فالکسر المشاع هو الجزء الخارجی المعتبَر بنحو اللاتعیّن واللا إفراز...»(1).

«ویرد علیه: أنّه بالرغم من أنّ الملکیّة أمرٌ اعتباریّ، إلاّ أنّ متعلّقها أمرٌ واقعی

ولیس باعتباری، فملکیّة زید للدار وزوجیّته لهند اعتباری، لکن الدار وهند بنفسهما أمران واقعیّان ولیسا اعْتِبارِیَّیْنِ، وهکذا الحال فی جمیع الاُمور الاعتباریّة کالولایة والقضاء وغیرهما، وهذا بخلاف الکسر المشاع، فإنّه لا مجال لعدّه من الاُمور الاعتباریّة، لعدم إمکان تملیک الأمر الاعتباری، ولا شکّ أنّ الکسر المشاع أمرٌ قابل للتملیک حیث یملک کلّ واحد من الشرکاء کسرا مشاعا من المال المشترک، فملکیّتهما له دلیلٌ علی عدم اعتباریّة»(2).

مختار الاستاذ المحقّق _ مدظله _

قال _ مدظله _: «وخلاصة الکلام: ثبت من خلال ما استعرضناه بطلان الأقوال والاحتمالات الستّة فی توجیه الکسر المشاع ومخالفتها مع القواعد العامّة، ومن المعلوم أنّ تعارض الآراء وتعدّدها وتضاربها دلیلٌ علی صعوبة المسألة، بالتالی یقتضی المقام أن نذکر ما نراه صحیحا فی توجیهه.

فنقول: أوّلاً: لا شکّ أنّ الحقائق العقلیّة وما ینتج منها وما یترتّب علیها تتفاوت وتختلف مع الحقائق العرفیّة العقلائیّة، فعلی سبیل الفرض هناک فرق فی دائرة الموجود بین رؤیة العقل والعرف، فقد یری العرف شیئا موجودا حقیقةً لکن یراه العقل غیر موجود، وهذه الحقیقة لا یمکن إنکارها حتّی بناءً علی الرؤیة الفلسفیّة _ وإن کان ینبغی الإجتناب عن التعرّض إلی المصطلحات الفَلْسَفِیَّةِ فی المباحث الاُصولیّة _ فقولنا: «زیدٌ

ص:380


1- 2 . کتاب البیع 2/563 و 564.
2- 1 . العقد النضید 4/141.

موجود» بناءً علی أصالة الوجود، یعدّ باطلاً بالدقّة العقلیّة وواقعا مجازیّا بالفهم العرفی، فکما أنّ «زیدٌ أسدٌ» باطل عند أهل الفنّ مطلقا _ کالملاّ صدرا والسبزواری وأتباعهما من القائلین بأصالة الوجود _ کذلک باطلٌ قولنا: «السماء موجودةٌ» أو «الأرض موجودة» و «زید موجود»، لأنّ الوجود موجود بالحقیقة العقلیّة، ویجب إسناد واقع الوجود إلی أطواره وکیفیّته، لا إلی ما هو خارج عنهما. ویمکن أن نقرّب اختلاف رؤیتهما إلی الأُمور بحکمهما فی قضیّة الماء والبخار، فالعرف یری أنّهما مختلفان حقیقةً وجوهرا، وأمّا بالرؤیة الدقیقة العقلیّة فهما متّحدان حقیقةً، وینحصر اختلافهما فی الانبساط والانقباض لیس إلاّ، فالعرف یری اختلافهما جوهریّا والعقل یراه عَرَضیا.

وثانیا: بناءً علی المقدّمة المذکورة، فإنّه یمکن عدّ المقام من صغریاتها، لأنّ

العرف یری الکسر المُشاع أمرا واقعیّا وحقیقیّا غیر اعتباری، خلافا لما علیه العقل حیث لا یراه إلاّ حقیقه موهومة غیر واقعیّة، ونتیجة لهذه الرؤیة المختلفة، نجد أنّ العرف یری وجود الکسر المُشاع من الثلث والربع والنصف فی المال المشترک وجودا حقیقیّا فعلیّا، برغم حکم العقل بعدم وجوده وبطلان فرضه.

والحقّ عندنا: أنّ الکَسْرَ المُشاعَ أمرٌ موجود حقیقةً لا اعتبارا، لکن بوجود عرفی لا عقلی، وهکذا تندفع جمیع ما اُورد علی الکسر المشاع من الإشکالات وما قد یرد علیه، وحسب اعتقادی فإنّ الالتزام بما ذکرناه من المقدّمة والنتیجة والإذعان بهما وتطبیق معطیاتهما، یفتح لنا آفاقا واسعة فی أبواب الفقه المختلفة یترتب علیها نتائج خطیرة وآثار هامة فی عملیّة استنباط الأحکام الشرعیة»(1).

المسألة فی منظور المحقّق الإصفهانی
اشارة

قال: «إنّ تحقیق الحال یقتضی رسم أُمور:

منها: أنّ الکسر المشاع _ کالنصف مثلاً _ ماذا؟ وما معنی إشاعته وسریانه؟ فإنّ الجزئی الحقیقی الخارجی لا سریان له، فما معنی القسمة الساریة فی الکلّ؟ وسریان

ص:381


1- 1 . العقد النضید 4/(141-143).

الطبیعی فی أفراده یوجب أنْ یکون المشاع کلیا، فبماذا یفترق عن الکلّی فی المعین، مع أنّهما متقابلان ولکلِّ منهما أحکام خاصة؟

ومن الواضح أنّ کون الشیء منقسما إلی قسمتین متساویتین فی نفسه لا یتقوّم بکونه مملوکا لشخصین، حتّی یتوهم أنّ معنی الکسر المشاع کون الواحد طرفا لاضافة واحدة قائمة بشخصین، أو أنّ الملکیة قبل الافراز لها نحو من الضعف فیُعَبَّر عنه بالکسر المشاع بحسب تفاوت مراتب الملکیة قوةً وضعفا، فإنّ الشیء له نصفان بنحو الإشاعة سواء کان مملوکا أم لا، فضلاً عن لزوم کونه مملوکا للمتعدد بحسب درجات الکسر من النصف والثلث والربع.

والتحقیق: أنّ الشیء القابل للقسمة فی نفسه موجود واحد، ومن حیث القبول للانقسام یکون وجوده بالفعل وجود الأقسام بالقوة، فالأقسام موجودات خارجیة لکنّها قبل الإفراز وجودها علی حد الأُمور الانتزاعیة التی نحو وجودها وجود مناشئ انتزاعها، فالمنشأ موجود بالفعل والأمر الانتزاعی موجود بالقوة بنحو وجود المقبول بوجود القابل،

فهو خارجی بخارجیة مَنْشَئِهِ وجزئی حقیقی بجزئیة مَنْشَئِهِ، وحیث إنّ تلک القسمة المتساویة(1) لقسمة أُخری متساویة النسبة إلی تمام أجزاء ذلک الموجود بالفعل، فلذا یقال إنّها مُشاعة وساریة فی الکلّ.

ومنه یتضح أنّ المُشاعَ لیس کلیّا فی نفسه، وأنّه یفترق عن الکلّی فی المعین بجزئیته دون الکلّی فی المعین، کما یفترق الکلّی فی المعین عن غیره بانحصار أفراده فی المعین دون مطلق الکلّی، وسیأتی(2) إنْ شاء اللّه تعالی _ فی مسألة بیع صاع من الصبرة _ تحقیق حال الکلّی فی المعین.

وممّا ذکرنا فی المراد من الکسر المُشاع یتضح بالتأمل کون الإفراز والقسمة الفعلیة تمییز الحصص؛ لا أنّها مبادلة، وذلک لأنّ النصف المشاع المملوک لکلّ من

ص:382


1- 1 . هکذا فی الأصل والاصح (المساویة).
2- 2 . کتاب المکاسب 196 سطر 22، کما سوف یأتی الکلام علیها فی الجزء الثالث من حاشیته علی المکاسب.

المالکین لا تعیّن له إلاّ هذا التعیّن وکونه نصفا فی قبال الثلث والربع، وحیث إنّه قابل لانحاء التعیّنات المتبادلة بالفرض والتقدیر فالقسمة موجبة لتعیّن ذاک الأمر اللامتعین من حیث هذه التعینات.

وحیث إنّ المملوک لکلّ منهما نفس ذلک الکسر المشاع، وأنّ نسبة ملک الکلّ إلیهما بلحاظ ملک الکسر المنقسم إلیه وإلی معادله الکل(1)، فلذا لایتحقق مبادلة بین المملوک لهذا والمملوک لذاک، بتوهم أنّه یخرج من ملک هذا مقدارٌ ویدخل فی ملک الآخر وبالعکس بسبب الإفراز والقسمة، بل المملوک هو الکسر والقسمة معینة للکسر خارجا؛ من دون خروج ولا دخول أصلاً»(2).

توضیح مراد المحقّق الإصفهانی

مراده: «أنّ الوجودات المتصورة علی قسمین:

1_ الموجود الذی ما بإزائه فی الخارج.

2_ الموجود الفاقد لما یوازیه فی الخارج، لکن یملک منشأ الانتزاع فی الخارج.

أمّا القسم الثانی: کعنوانی الأب والابن، حیث لیس لهما وجودان بل وجود واحد،

ولکن هذا الوجود الواحد یتعدّد بوجود ما یعدّ منشأ انتزاعه أی الأب والابن، وهکذا الأمر فی عنوانی السقف والفوقیّة، فإنّهما موجودان بوجود واحد، ویتعدّدان للسبب المذکور، فکما أنّ وجود الفوقیّة یکون بعین وجود الفوق، کذلک الجزئیّة تکون موجودة بعین وجود الجزء، ولایقبل أن یکون وجود جزئیّته بوجود شیء آخر، وهکذا الحال فی جمیع الکسور المشاعة، فهی موجودة بوجود منشأ انتزاعها، فیتّحد ویتعدّد باتّحادٍ منشأه وتعدّده.

وهذا بخلاف القسم الأوّل حیث یعدّ من قبیل وجود المقبول بوجود القابل، کالنطفة التی فیها قابلیّة العَلَقة، وهی موجودة بوجود النطفة، فالنسبة بینهما نسبة القابل

ص:383


1- 3 . حق العبارة أن یقول: «بلحاظ ملک الکسر المنقسم الکلّ إلیه وإلی معادله» وإلاّ لزم الفصل بین اسم المفعول ونائب فاعله بالفصل الطویل.
2- 4 . حاشیة المکاسب 2/341 و 342.

«النطفة» والمقبول «العلقة»، وهکذا الحال فی جمیع موارد الإمکان الاستعدادی، حیث یکون کلّ أمر بالفعل حاملاً للآخر بالقوّة، فهو موجود بالفعل وحاملٌ وقابلٌ ومستعدٌّ لشیء آخر بالقوّة.

فإذا ثبتت هذه المقدّمة یتّضح لنا حال الکسور المُشاعة فی الاُمور المتّحدة، فإنّ الدار والبستان وغیرهما یمکن فرض انقسامها إلی النصف أو الثلث أو الربع، لأنّه مع قابلیّة تحمّل المحلّ لهذه الکسور، یکون المقبول الربع والثلث والنصف. وبدلیل أنّ کلّ مقبول موجودٌ بوجود القابل، فإنّ جمیع الکسور المشاعة تکون موجودة، ولکن بوجود المقبول مع وجود القابل، بمثل ما قلناه فی وجود العلقة بشرط وجود النطفة، وبهذا الاسلوب یمکن دفع ما أُثیر من الإشکال حول الکسور المشاعة، فبعدما ثبت برهانا وجود الانقسامات بالقوّة فی الأشیاء الخارجیّة، وأنّ وجود القوّة تکون فی مرتبة الوجود، وأنّ وحدتها وتعدّدها تابعة لوحدة القابل وتعدّده، یتبیّن الحال فی الکسر المشاع، فهو موجودٌ جزئیّ لا کلّی لکن وجودا بالقوّة وقائما بالفعل، کما هو الحال فی النسبة القائمة بین النطفة والعلقة.

وما قیل: _ کما قاله بعض الأعاظم(1)_ من بطلان قیاس الکسر المشاع بالأمر الانتزاعی، لأنّ الأخیر یعدّ حقیقة موجودة بالفعل لکن بوجود منشأ انتزاعه، فالفوقیّة موجودة بالفعل بوجود السقف الموجود بوجود حقیقی خارجی، وهذا بخلاف الکسر المشاع الذی لا یمکن فرض وجوده الخارجی بالفعل.

فمدفوعُ: لأنّ المحقّق الأصفهانی لم یجعلهما فی رتبة واحدة، ولم یعتبر الکسر المشاع من الاُمور الانتزاعیّة حقیقةً، وإنّما نزّله منزلة الاُمور الانتزاعیّة فی المنشأ، ویشهد له صریح کلامه حیث یقول: «وجودها علی حدّ الاُمور الانتزاعیّة التی نحو وجودها وجود مناشئ انتزاعها»(2).(3)

ص:384


1- 1 . الظاهر أنّه السیّد الخمینی فی کتاب البیع 2/562.
2- 1 . حاشیة المکاسب 2/342.
3- 2 . العقد النضید 4/(138-140).
نقد منظور المحقّق الإصفهانی

«لکن یرد علی المحقّق الأصفهانی: أنّ لازم فرض کسر المُشاع قوّةً مرتبط وجودها بوجود مَنْشَئِها، وعدم وجوده الفعلی.

وبعبارة اُخری: ما یفرض کونه موجودا بالقوّة یکون معدوما بالفعل بالضرورة، فالنطفة موجودة بالفعل وفیها القوّة لأن تصبح علقة، لکن العلقة معدومة بالفعل بالضرورة برغم وجود النطفة، والوجود یسند إلی القوّة لا إلی ذاتها، ولولاه للزم امتلاک مُلاّک المال المشترک للشیء المعدوم، لما ثبت من انعدام الکسر المشاع فعلاً، ممّا یقتضی امتلاکهم لما هو معدومٌ بالفعل. نعم، لا مانع من ملکیّة المعدوم عقلاً _ کبیع ثمرة الشجرة فی هذه السنة والتی تلیها وکذلک فی بیع السَّلف _ کما لا مانع عقلاً من أن یکون المعدوم مالکا بالفعل کما فی الوقف علی البطون اللاّحقة، حیث أنّ المملوک موجود برغم انعدام المالک.

فإذن لو فرضنا الکسر المشاع فی مرتبة القوّة دون الفعل، لزم منه عدم وجوده الفعلی، وترتّب علیه ما لا یمکن الالتزام به، وهو عدم ملکیّة المُلاّک للنسب المشاعة المملوکة لهم، ومن المعلوم أنّ العین الموجودة لا مالک لها سوی هؤلاء الشرکاء المشترکین فیها بحسب نسبهم المملوکة، فإذا اعتبرناهم مالکین للکسر المشاع المعدوم فعلاً والموجودة، فإنّ ذلک یعنی عدم ملکیّتهم لأجزاء هذه العین، ویلزم منه أنّ ما هو موجودٌ بالفعل لا مالک له، وما هو بالقوّة له المالک، وهو باطلٌ بالضرورة»(1). هذا أوّلاً.

وثانیا: «أنّ ما ذکره فی الوجه الأوّل من الاستناد إلی أصالة الصحّة، وحمل التصرّف علی الصحیح، ومن ثمّ الحکم بأنّ متعلّق البیع هو ا لنصف المختصّ ممنوعٌ، لما ثبت من أنّ مستند أصالة الصحّة غیر المردوعة هی السیرة العقلائیّة _ فضلاً عن الأخبار کقوله علیه السلام : «هو حین العمل أذکر منه حین یشکّ» _ حیث یحکمون بالصحّة فی موارد

الشکّ فی صحّة العمل الصادر من العامل وفساده من جهة تضمّنه للشروط وفقده الموانع وعدمه، واستنادا إلی هذه الحالة فإنّ أصالة الصحّة تجری فی مقامین:

ص:385


1- 3 . العقد النضید 4/140 و 141.

أ: فیما یقوم به الفاعل من أعماله الشخصیّة: ویُسمّی الأصل فی هذا المقام بقاعدة الفراغ.

ب: فیما یقوم به الغیر من الأعمال ونشکّ فی صحّتها، فتجری فیها أصالة الصحّة وتدلّ علی صحّتها، والمتیقّن من جریانها عند تردّد العمل بین الصحیح والباطل، وأمّا إذا کان العمل مردّدا بین الصحیح الفعلی والصحیح الشأنی فإنّه لم تثبت سیرة عقلائیّة علی لزوم حمل العمل علی الصحیح الفعلی، وما نحن فیه یعدّ من مصادیق الأخیرة، لأنّ قیامه ببیع نصف الدار إذا عدَّ بیعا مشاعا وتصرّفا فی مال الغیر، فإنّه یندرج فی العقد الفضولی، وقد التزم المحقّق الأصفهانی بعدم بطلان العقد الفضولی ولغویّة إنشاءه، وإنّما یمکن تصحیحه من خلال الإجازة اللاّحقة، ممّا یعنی صحّته الشأنیّة، فإذن العقد الصادر مردّد بین الصحیح الفعلی والشأنی، وأصالة الصحّة تجری فی خصوص الفعل المردّد بین الصحّة والفساد، دون الصحّة الفعلیّة والشأنیّة.

وثالثا: أنّ ما ذکره فی الوجه الثانی من غلبة التصرّفات الصادرة وقوعها فی الحصص المملوکة، ممنوعٌ، لأنّ الغلبة عاجزة عن إثبات الظهور لفظا أو مقاما، کما لا مجال للتمسّک بما یقال: إنّ الشیء یلحق بالأعمّ الأغلب، لأنّ غایة ما یثبته هذه المقولة هی الظنّ الذی لا یُغنی من الحقّ شیئا، فإذن لا یمکننا أن نتمسّک بالغلبة الظنّیة فی الألفاظ أو الأعمال وجعلها مناطا لإثبات الظهور فیهما»(1).

مختار الاستاذ المحقّق _ مدظله _ فی المسألة

قال: «أوّلاً: ثبت من خلال ما ذکرناه وما أجبنا به عن الأقوال الستّة المذکورة حول الکسر المشاع، أنّ جمیع الأموال تتضمّن کسورا مشاعةً. وأنّها لا تعدّ اُمورا اعتباریّة، بل هی اُمور واقعیّة عرفیّة لا عقلیّة، ویکفی للدلالة علی صحّة هذه النظریة مراجعة سریعة لما ورد فی کتاب الإرث من الآیات والروایات، وکذلک فی کتابی الزکاة والخمس، فإنّ

ص:386


1- 1 . العقد النضید 4/145 و 146.

جمیعها شاهدٌ علی صحّة ما ذکرناه، فقوله تعالی: «وَلاِءَبَوَیْهِ لِکُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ»(1) یفید أنّه بمجرّد الموت تنقسم ترکة المیّت التی کانت واحدة موحّدة إلی کسورٍ مشاعة من

النصف والربع والثلث، وکذلک السدس للأبوین، ومن المعلوم أنّ هذه الکسور لا یمکن اعتبارها اُمورا وهمیّة فرضیّة، بل حقائق خارجیّة واقعیّة؛ لأنّ الوارث یرث مالاً حقیقیّا لا متخیّلاً فرضیّا، فالأب حین موت ولده یعدّ مالکا لسدس أمواله، یملکه ملکیّة حقیقیّة وواقعیّة لا فرضیّة وهمیّة، وکذلک الحال فی الزکاة وبالخصوص فی زکاة الغلاّة من العُشر ونصفه، وأیضا فی الخمس وما ورد من شرکة الفقراء فی أموال الأغنیاء بمقدار ما یستحقّونه منها:فإنّ هذه وغیرها دالّة علی أنّ الکسر المشاع حقیقةً عرفیّة، ولها واقع خارجی ملموس، لا یمکن نکرانها أو فرضها أمرا متخیّلاً موهوما أو اعتباریّا علی أقلّ تقدیر کما ظنّه البعض.

ثانیا: أنّ هناک قاعدة عقلائیّة جاریة وساریة عندهم، وهی أنّه إذا صدر إنشاء معاملی ممّن یملک مالاً یمکن أن یتعلّق الإنشاء بذاک المال وبغیره فإنّ العقلاء یسندون الإنشاء إلی ما یمکن إضافته إلیه وهو أمواله المملوکة، فإذا(2) أقدم البائع علی بیع کلّی وباع سلفا طنّا من الحنطة فی الذمّة، فبالرغم من أنّ متعلّق البیع فیه القابلیّة للإضافة إلی ذمّة البائع وذمّة غیر البائع، إلاّ أنّ السیرة قائمة علی إسناد بیعه إلی ذمّته دون ذمّة غیره، لحاجة إسناده إلی الغیر لمؤونة زائدة، فإسناد المعاملة إلیه مبنیّ علی هذه السیرة العقلائیّة الثابتة دون أصالة الصحّة أو الغلبة کما ادّعاهما المحقّق الأصفهانی، واللّه العالم»(3).

ص: 387


1- 2 . سورة النساء /11.
2- 1 . کذا فی المصدر ولکن الأحسن: «فإن».
3- 2 . العقد النضید 4/146 و 147.

ثمّ هاهنا فروع لابدّ من الإشارة إلیها:

الفرع الأوّل:

اشارة

لو کان البائع وکیلاً أو ولیّا عن مالک النصف الآخر إذا باع مالک نصف الدار نصفَها مع کونه وکیلاً أو ولیّا عن مالک النصف الآخر فی بیع حصته فحینئذ هل المبیع یحمل علی النصف البائع المختص به أو النصف المشاع بینه وبین موکله أو المولّی علیه؟ یأتی وجهان ماضیان من ظهور التصرف فی مال نفسه یقتضی أنّ المبیع ماله المختص به، وظهور کلمة النصف فی الإشاعة یَقْتَضِی أنّ المبیع هو المالُ المُشاعُ بین الوکیل والموکل أو الولی والمُوَلّی علیه.

قال الشیخ الأعظم: «ثمّ إنّه لو کان البائع وکیلاً فی بیع النصف أو ولیّا عن مالکه، فهل هو کالأجنبی؟ وجهان، مبنیّان علی أنّ المعارض لظهور النصف فی المشاع هو انصراف لفظ «المبیع» إلی مال البائع فی مقام التصرّف، أو ظهور التملیک فی الأصالة. الأقوی هو الأوّل؛ لأنّ ظهور التملیک فی الأصالة من باب الإطلاق، وظهور النصف فی المشاع وإن کان کذلک أیضا، إلاّ أنّ ظهور المقیِّد وارد علی ظهور المُطلَق»(1).

مراده قدس سره : إنّ المعارض لظهور کلمة النصف فی المُشاع إن کان هو ظهور التصرف فی التصرف فیما یجوز له التصرف فیه فلا معارضة فی المقام، لأنّ المفروض أنّ البائع جائز التصرف فی کلِّ واحد من النصفین فلابدّ من حمل النصف علی الإشاعة من دون معارض.

وأمّا إذا قلنا بأنّ المعارض لظهور کلمة النصف فی المُشاع إنّما هو ظهور الإنشاء فی البیع لنفسه _ لا لغیره _ فالمعارضة موجودة فی مسألتنا.

ثمّ یری الشیخ الأعظم تقدیم ظهور کلمة النصف فی الإشاعة علی ظهور الانشاء فی البیع لنفسه، والوجه فی ذلک:

أنّ ظهور النصف فی الإشاعة ظهور القید وهو النصف لأنّه مفعول «بعتُ» والمفعول من قیود الفعل. وظهور القید وإن کان بالإطلاق کظهور الإنشاء بالأصالة، لکنّه مقدَّم علی

ص:388


1- 1 . المکاسب 3/522.

اطلاق المطلق وهو البیع لأنّه من تقدیم ظهور القید _ وهو النصف _ علی ظهور المطلق وهو ظهور الانشاء بالإصالة والبیع والتملیک لنفسه.

وبالجملة: قد ثبت فی علم الاصول بأنّ ظهور القید مقدّم علی ظهور المطلق

ووارد علیه وبالتالی یسقط ظهور الانشاء فی الأصالة ویبقی ظهور النصف فی المُشاعِ بِلا معارض.

تقریر شیخنا الاستاذ عن مقالة الشیخ الأعظم
اشارة

قال قدس سره : «ثمّ إذا کان البائع المزبور وکیلاً عن شریکه أو ولیّا علیه فهل یکون الحکم کما فی صورة کونه أجنبیا أم لا؟ الصحیح أن یقال: إذا کان المعارض لظهور النصف فی الإشاعة بین الحصتین فی الصورة السابقة هو ظهور النصف بقرینة مقام التصرف فی النصف المختص للبائع _ کما هو الأظهر _ فلا معارضة فی صورتی الوکالة والولایة، بل یؤخذ بظهور النصف فی الإشاعة بین الحصتین؛ لأنّ الموجب لظهور النصف فی خصوص حصة البائع عدم نفوذ تصرفه فی غیر تلک الحصة، ومع الوکالة أو الولایة یکون تصرفه نافذا فی حصته وحصة شریکه علی السواء.

وعلی ذلک فمع عدم تعیین إحدی الحصتین بخصوصها _ کما هو المفروض _ یحمل المبیع علی الإشاعة بینهما.

وأما ظهور البیع فی کونه بالأصالة، فهذا لایعارض ظهور النصف فی الإشاعة بین الحصتین، بل ظهور النصف یکون حاکما علی ظهور البیع فی الأصالة، فإن ظهور البیع فی الأصالة من قبیل الظهور الإطلاقی للفعل وبمقدمات الحکمة؛ ولذا لو قیّد البیع بکونه عن الغیر أو للغیر فلا یکون له ظهور فی الأَصالة. وظهور النصف فی الإشاعة بین الحُصَّتَیْنِ أیضا ظهور إطلاقی ولا یکون له ظهور فی الإشاعة فیما إذا قیّد ذلک النصف بسهمه أو سهم شریکه، إلاّ أنّ الظهور المتعلَّق ولو کان إطلاقیا یکون حاکما علی ظهور الفعل، حیث إن المتعلَّق بالإضافة إلی الفعل من قبیل المقیّد بالإضافة إلی المطلق.

وبهذا یظهر أنه لو لم یکن فی الصورة الأُولی ظهور النصف وانصرافه إلی حصة البائع بقرینة مقام التصرف لکان ظهور البیع فی الأصالة محکوما بظهور النصف فی

ص:389

الإشاعة بین الحصتین.

والحاصل: أنّ مع عدم وکالة البائع أو ولایته لایحمل النصف علی إشاعَةِ الحصتین، بل یکون إنشاء البیع مجملاً بالإضافة إلی بعض المبیع، بخلاف صورتی الوکالة والولایة فإنّه یحمل فیهما النصف علی الإشاعة، وإلیه یشیر قوله رحمه الله : «فالأقوی فیهما الاشتراک»(1)»(2).

أقول: إنّما نقلتُ تقریره احتراما له قدس سره وأداءً لبعض حقوقه رحمه الله .

اعتراض المحقّق الخراسانی علی الشیخ الأعظم
اشارة

ذهب المحقّق الخراسانی إلی أنّ البائع فی هذا الفرض باع ماله المختص به دون المُشاع بینه وبین وکیله أو المولّی علیه علی خلاف مختار الشیخ الأعظم وقال: «فإن کان المعارض، هو الأوّل، ففیه الاحتمالان، کالاجنبیّ، وان هو الثانی، فلا یکون إلاّ احتمال واحد، لعدم صلاحیّته للمعارضة، وذلک لتبعیّة ظهور الفعل، لظهور ما یتقیّد به من متعلّقاته، ولکنّه علی خلاف ما أفاده، فی بیان معنی «لا تنقض» فی باب الاستصحاب، کما أشرنا إلیه، من تبعیّة المتعلّق فی الظّهور، وفی العموم والخصوص، لظهور الفعل المتعلَّق به، والصواب اختلافهما فی التّبعیة، بحسب اختلاف المقامات، فلابدّ فی کلّ مقام من ملاحظة الخصوصیّات، والحکم بها لأحدهما، مع التّرجیح، والجزم بظهور الجملة بحسب متفاهم العرف فیه، والتوقف مع عدمه والبناء علی إجماله»(3).

توضیح مراده: إنّ ما تحقّق من خلال الإنشاء هو فعل البیع ومتعلَّقه نصف الدار وحکم الشیخ الأعظم بتقدیم ظهور کلمة النصف فی الإشاعة والوجه فی ذلک من تقدیم ظهور المتعلَّق علی ظهور الفعل، وهذا الاختیار هنا مخالف لما اختاره الشیخ الأعظم من تقدیم ظهور الفعل علی ظهور المتعلَّق فی باب الاستصحاب وعند الشکّ فی المقتضی، باعتبار أنّه التزم أنّ قوله علیه السلام : «لا تنقض الیقین بالشکّ» یتضمّن فعلاً وهو النقض، ومتعلَّقا

ص:390


1- 1 . المکاسب 3/523.
2- 2 . إرشاد الطالب 4/(156-158).
3- 1 . حاشیة المکاسب /87.

وهما الیقین والشکّ، والمتعلَّقان مطلقان یشملان الشکّ فی المقتضی والشکّ فی الرافع، أمّا الفعلُ _ وهو لا تنقض _ بنفسه فَیُوْجِبُ اختصاص الاستصحاب بالشکّ فی الرافع، بمعنی أنَّ «لا تنقض» یجری فیما لو کان المقتضی موجودا بالفعل ونشکّ فی قیام الرافع، لعدم صحّة إطلاق النقض إلاّ عند إرادة نقض الشیء الثابت المبرم، ولهذه العلّة یجب أن نقیّد إطلاق الشکّ فی المتعلَّق وحصره بخصوص الشکّ فی الرافع دون المقتضی، وهذه النتیجة تعنی تقدیم ظهور الفعل علی ظهور المتعلَّق، وهو ما خالفه الشیخ الأعظم رحمه الله فی المقام، فقدّم ظهور المتعلَّق علی الفعل مخالفا بذلک مَبْناهُ.(1)

نقد اعتراض المحقّق الخراسانی

ویمکن أن یناقش علیه: «برغم قوّة هذا الإشکال لکنّه ممنوعٌ، لأنّ المعارضة الحاصلة فی المقام إنّما هی بین الإطلاقین، وهما إطلاق الإنشاء وإطلاق الإشاعة، ولذلک قام بتقدیم إطلاق المتعلَّق علی الفعل بحسب القواعد، وأمّا فی باب الاستصحاب فإنّ ظهور فعل «لا تنقض» ظهورٌ وضعی ولیس بإطلاقی، ویقابله ظهور المتعلَّق الإطلاقی، والقاعدة أیضا تقتضی فی هذه الصورة تقدیم الظهور الوضعی علی الظهور الإطلاقی أعنی إطلاق الفعل علی إطلاق المتعلَّق، فالبابان مختلفان وحکم المحقّق الخراسانی بوحدتهما فعلاً ومتعلّقا ممنوعٌ»(2).

هذا النقد یجری بناءً علی تقدیم ظهور الوضعی علی الظهور الاطلاقی کما علیه المشهور، إمّا بناءً علی تَکافُئِهِما فلا یتم النقد ویصیر إشکال المحقّق الخراسانی تاما.

اعتراض الشیخ الأعظم علی نفسه المستفاد من کلام الشهید الثانی
اشارة

(3)

حاصله: لا یمکن القول بتقدیم ظهور کلمة «النصف» فی المشاع تحکیما لظهور المقیّد علی المطلق لوجود المانع فی المقام وهو ظهور حال المتکلِّم فی إرادة ما یُتَلَفَّظُ به وهو بیع المختص به، وظاهر حال المتکلِّم عدم إرادة بیع نصف حصة شریکه، لأنّ الشهید

ص:391


1- 2 . راجع العقد النضید 4/149.
2- 1 . راجع العقد النضید 4/149.
3- 2 . راجع المکاسب 3/522 قوله قدس سره : «وما ذکره الشهید الثانی من عدم قصد الفضولی...».

الثانی ذاهبٌ إلی أنّ الفضولی قاصد إلی اللفظ الصادر منه فقط «ولایتحقق منه قصد مدلوله _ أعنی نقل الملک والتسلیط علی التصرف وغیرهما من أحکام العقد _ لأنّ ذلک من وظائف المالک...»(1).

فعلی ما ذهب إلیه الشهید الثانی ینعقد ظهوران متکافئان: الأوّل: ظهور حال المنشِئ فی الانشاء لنفسه وإرادة بیع نصفه المختص به، والآخر ظهور کلمة النصف فی الإشاعة.

ولکن الأخیر یتوقف علی الفضولیة _ وهی متوقفه علی عدم قصد المدلول _ علی مذهب ثانی الشهیدین ولکن الأوّل لا یتوقف علی شیءٍ فیتعیّن الأخذ بالظهور الأوّل وإرادة البیع لنفسه.

إجابة الشیخ الأعظم عن الاعتراض:

قال: «... إلاّ أنّه مختصّ بالفضولی، لأنّ القصد الحقیقی موجود فی الوکیل والولی فالأقوی فیهما الاشتراک فی البیع تحکیما

لظاهر النصف...»(2).

أقول: ظاهر الشیخ الأعظم تسلیمه للاعتراض ولکنّه یری اختصاصه بالفرض السابق _ أی الأجنبی الفضولی _ لا هذا الفرض _ أی الوکالة والولایة _ ولکن قد مرّ منّا فی بحث بیع المکرَه(3) عدم تمامیة هذه المقالة المنسوبة إلی الشهیدین(4) وقلنا بأنّ المکرَه یقصد اللفظ والمعنی لأنّه یستعمل اللفظ فی معناه حتّی أنّه قصد الانشاء والأثر المترتب علی العقد إلاّ أنّ قصده یکون عن کُرْهٍ ومن دون اختیار فلیس له طیب النفس والرضا المعتبر فی العقود فلا یقع ولایتم، فراجع ما حررناه هناک.

ص:392


1- 3 . المسالک 3/156.
2- 1 . المکاسب 3/523.
3- 2 . رجع الآراء الفقهیة 5/(116-112).
4- 3 . الدروس الشرعیة 3/192.
عدول الشیخ الأعظم رحمه الله عن مقالته فی هذا الفرع الأوّل

قال: «إلاّ أن یمنع ظهور «النصف» إلاّ فی النصف المشاع فی المجموع»(1).

مراده: إنّ کلمة «النصف» کلّیٌّ له مصادیق ثلاثة:

تارة یراد به المُشاع فی مجموع الدار وهو قابل الانطباق علی:

1_ حصة البائع خاصة.

2_ وحصة شریکه خاصة.

3_ وأُخری: یراد به المرکب من الحصتین بمعنی أنّ المبیع ربع من حصة المالک وربع من حصة شریکه.

والاحتمال الثالث هو مَبْنی مقالة الشیخ الأعظم رحمه الله فی ما تقدّم.

ولکن الآن یقول: بمنع ظهور کلمة «النصف» فی الاحتمال الثالث، بل الظاهر أنّ المراد بالنصف هو النصف المشاع فی المجموع القابل للانطباق علی واحدة من حصتی المالک أو شریکه بتمامهما.

ثمّ قال: «وأمّا ملاحظة حقّی المالکین وإرادة الإشاعة فی الکلِّ من حیث أنّه مجموعهما فغیر معلومة بل معلوم العدم بالفرض»(2).

هذه الجملة اعتراض من الشیخ الأعظم علی نفسه وجوابه کأنّه یقول بتوضیح منّا:

إن قلت: إنّ کلمة «النصف» وإن کانت کذلک إلاّ أنّه یترجح إرادة الاحتمال الثالث من جهة أنّ البائع لا حظ حقّ المالکین فقصد بیع النصف المُشاعِ من الحُصَّتَیْنِ لا بیع تمام حصته ولا بیع تمام حصة شریکه. فلا یتم فی ظهورها فی النصف المشاع فی المجموع أی الحصتان الخاصتان.

قلت: هذا الترجیح وَإنْ کان ممکنا فی نفسه ولکنّه خلاف فرض فرعنا لأنّ محلّ

ص:393


1- 4 . المکاسب 3/523.
2- 5 . المکاسب 3/523.

الکلام هو ما لو باع «النصف» قاصدا لمفهوم کلمة «النصف» من دون إحراز قصده لحصته أو حصة شریکه أو المرکب من الحصتین، فالحکم بکون المراد من کلمة «النصف» هو الاحتمال الآخیر فقط قضاءً لحقّ المالکین یتوقّف علی مؤونة زائدة فی مقامی الثبوت والإثبات:

وأمّا مَقامُ الثبوت: فلتوقفه علی ملاحظة «النصف» المضاف إلی حصتی البائع وشریکه لیکون المبیع ربع الدار من حصة البائع وربعها من حصة شریکه.

وأمّا مَقامُ الاثبات: «فلتوقفه علی أن یکون إطلاق کلمة «النصف» مقتضیا لاضافته إلیهما معا لیقع البیع لهما وهذا الاقتضاء ممنوع، لأنّ مفاد الإطلاق عدم إضافة النصف إلی کلٍّ منهما بالخصوص وهذا لایستلزم إضافته إلیهما معا، فعدم التقیید بما یدلّ علی أحدهما لا یکون دالاً علی التقیید بهما»(1).

ومن المعلوم أنّ الشیخ الأعظم فی کلامه یستبین فقدان مقتضی الثبوتی فقط ومعه لا حاجة إلی بیان فقدان مقتضی الإثباتی ولکن قد بیّنتُ لک کِلَی الْمَقامَیْنِ.

ثمّ: تمّم الشیخ الأعظم کلامه بهذا المقال: «ومن المعلوم: أنّ النصف المشاع بالمعنی المذکور یصدق علی نصفه المختصّ، فقد ملّک کلیّا یملک مصداقه، فهو کما لو باع کلّیا سلفا، مع کونه مأذونا فی بیع ذلک من غیره أیضا، لکنّه لم یقصد إلاّ مدلول اللفظ من غیر ملاحظة وقوعه عنه أو عن غیره، فإنّ الظاهر وقوعه لنفسه؛ لأنّه عقد علی ما یملکه، فصرفه إلی الغیر من دون صارف لا وجه له»(2).

أقول: إذا رجع الشیخ الأعظم رحمه الله عن مقالته فحکم الفرع عندی واضح وهو رجوع

المبیع إلی النصف المختص ببائعه، والحمد للّه.

الفرع الثانی:

هبة المرأة نصف صداقها مُشاعا قبل الطلاق

الغرض من ذکر هذا الفرع هو بیان نظیر للفرع الأوّل وهو حمل کلمة «النصف»

ص:394


1- 1 . هدی الطالب 6/23.
2- 2 . المکاسب 3/523.

علی النصف المشاع المختص للزوجة دون المشاع بین الحصتین، وهو تَأْیِیْدٌ لوجه رجوع الشیخ الأعظم عن مقالته.

قال المحقّق فی المسألة العاشرة من مسائل أحکام المَهْر: «لو وَهَبَتْهُ نصفَ مهرها مُشاعا ثمّ طلَّقها قبلَ الدخولِ فله الباقی ولم یرجع علیها بشیءٍ، سواءٌ کان المهر دینا أو عینا صرفا للهبة إلی حقّها منه»(1).

بعبارة أُخری: لو أصدق الزوج زوجته عینا أو دینا، فَوَهَبَتْ الزوجة نصفها المشاع لشخص ثمّ طلّقها الزوج قبل الدخول، استحق الزوجُ بالطلاق النصف الباقی، لا نصفه [أی نصف النصف] وقیمة النصف الموهوب، فالنصف فی الفرض یُحمل علی النصف المختص بها المشاع بین حصتها وبین ما یکون لزوجها بعد الطلاق.(2)

وتبعه جماعة من أعلام الطائفة وبعضهم یذکر فی المقام احتمالاً آخَرَ أو احتمالین ومن المعلوم تنظیر الشیخ الأعظم إنّما یتم فی الاحتمال الأوّل دون الثانی والأخیر. والآن أذکر کلماتهم حتّی یتبیّن لک الأمر:

ویستأنس من کلام العلاّمة فی الإرشاد حیث قال: «ولو طُلّق بعد البیع أو الرهن أو التدبیر أو التلف وإن لم یکن مِنْ قِبَلها _ رجع بنصف مثله فی المثلی وبنصف القیمة فی غیره... ولو تلف البعض فله نصف الباقی ونصف بدل التالف...»(3).

أقول: الاستیناس یظهر من اطلاق قوله قدس سره : «رجع بنصف مثله فی المثلی وبنصف القیمة فی غیره» وهو یشمل الاحتمال الأوّل المؤیِّد للشیخ الأعظم.

ولکن فی القواعد ذکره بعنوان أحد احتمالی المسألة وقال: «لو وهبته النصف ثمّ طلّقها احتمل رجوعه بالنصف الباقی وبنصفه وقیمة الربع»(4).

وتبعه ابن أُخته وتلمیذه السیّد عمیدالدین فی ذکر الاحتمال الثانی فی

ص:395


1- 1 . الشرائع 2/274.
2- 2 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/515.
3- 3 . إرشاد الأذهان 2/17.
4- 4 . القواعد 3/86.

کنزالفوائد(1).

قد یقال(2): باستفادة الاحتمال الثانی من کلام الشیخ الطوسی فی المبسوط لأنّه قال: «إذا أصدقها صداقا ثمَّ وهبته منه، ثمّ طلّقها قبل الدخول، فانّه یرجع علیها بنصفه، ثمّ لا یخلو من أحد أمرین إمّا أن یکون عینا أو دینا. فإنْ کان عینا کالعبد والثوب فوهبته له، ثمّ طلّقها قبل القبض فهل یرجع علیها بنصف الصّداق أم لا؟ قیل: فیه قولان: أحدهما لا یرجع بشی ء، والثانی یرجع علیها بالنّصف، وهو الصّحیح عندنا، سواء وهبت له قبل القبض أو بعد أن أقبضه، الباب واحد وفیه خلاف.

وإن کان دینا نظرت فإن کان دفعه إلیها فقبضته ثمّ وهبته له مثل أن کانت دراهم فأقبضها ثمَّ وهبتها منه ثمَّ طلّقها فعلی القولین، لأنّها قد قبضت صداقها وتعیّن بالقبض فلا فصل بین أن یتعیّن بالعقد وبین أن یتعیّن بالقبض، وأمّا إن کان دینا فأبرأته منه ثمّ طلّقها قبل الدخول فهل یرجع علیها بنصفه أم لا؟ یبنی علی القولین: إذا کان عینا فوهبته.

فاذا قلنا لا یرجع علیها بشیء إذا کان عینا فوهبته فههنا مثله، وإذا قلنا یرجع علیها بالنّصف إذا کان عینا فوهبته له فهل یرجع هیهنا؟ فیه قولان: أحدهما یرجع لأنّه عاد إلیه بغیر الوجه الّذی یعود إلیه به حین الطّلاق کالعین سواء والثانی لایرجع بشیء هیهنا والأوّل أقوی»(3).

وقال ولده الفخر: «فیه احتمالان: (أ): إنّ له النصف الباقی لأنّه استحق نصف العین بالطلاق وقد وجده فیأخذه وتنحصر هبتها فی نصیبها ولأنّه کلّما ثبت استحقاق العین وانتقل منها إلی بدلها فی الأداء فالانتقال بالتراضی أو انتفاء العین أو وجود مانع والکلّ هنا منتف فثبت الرجوع فی النصف (ب): الرجوع إلی نصف النصف الموجود وبدل النصف الموهوب لاِءَنّ الهبة وردت علی مطلق النصف فیشیع فیه، وفیه نظر لأدائه إلی تبعیض حقّه وهو ضرر علیه فیلزم ثبوت احتمال آخر وهو تخیره بین أخذ النصف الموجود وبین

ص:396


1- 1 . کنز الفوائد 2/509.
2- 2 . والقائل المستظهر من کلام الشیخ الطوسی هو الفاضل الأصفهانی فی کشف اللثام 7/473.
3- 3 . المبسوط 4/308.

التشطیر المذکور والأصح عندی الأوّل ولا یحتمل تخیرها لاِءَنَّ الإتلاف منها مباشرة فیجب علیها، وهذا الفرع انّما هو فیما إذا کان الصداق عینا أمّا إذا کان فی الذمة بریءٌ من الکلِّ وجها واحدا ولهذا أورد المصنف فی الدین بلفظ الإبراء وفی العین بلفظ الهبة»(1).

أقول: أنت تری بأنّ فخرالمحقّقین هو أوّل من ردّ الاحتمال الثانی وتنظّر فیه وأبدع احتمالاً ثالثا فی المقام ونفی وجود الاِحْتِمال الرابع واختار الاحتمال الأوّل صراحة ویظهر من کلامه علو رتبته العلمیة رحمة اللّه علیه.

وقال الشهید: «ولو وَهَبَتْهُ نصف مهرها مشاعا قبل الدخول فله الباقی، ولو کان معینا فله نصف الباقی ونصف ما وهبته مثلاً أو قیمة»(2).

وقال ثانیه فی شرح هذه العبارة: «(السابعة: لو وهبته نصف مهرها مشاعا قبل الدخول فله الباقی) لأنّه بقدر حقّه فینحصر فیه ولأنّه لا ینتقل مستحق العین إلی بدلها إلاّ بالتراضی أو تعذر الرجوع لمانع أو تلف والکلُّ منتَفٍ.

ویحتمل الرجوع إلی نصف النصف الموجود بدل نصف الموهوب، لأنّ الهبة وردت علی مطلق النصف فیشیع فیکون حقّه فی الباقی والتالف فیرجع بنصفه وببدل الذاهب، ویکون هذا هو المانع وهو أحد الثلاثة المسوغة للانتقال إلی البدل.

وردَّ بأنّه یؤدی إلی الضرر بتبعیض حقّه فیلزم ثبوت احتمال آخر وهو تخییره بین أخذ النصف الموجود وبین التشطیر المذکور (ولو کان) الموهوب (معینا فله نصف الباقی ونصف ما وهبته مِثْلاً، أو قیمة)، لأنّ حقّه مشاع فی جمیع العین وقد ذهب نصفها معینا فیرجع إلی بدله، بخلاف الموهوب علی الإشاعة. ونبّه بقوله: وهبته علی أنّ المهر عین، فلو کان دینا وأبرأتْهُ من نصفه بری ء من الکلِّ وجها واحدا»(3).

أقول: الشهید الثانی فی هذه العبارة ینظر إلی کلام الفخر کاملاً وربّما ینقل عین عبارته کما هو الواضح.

ص:397


1- 4 . إیضاح الفوائد 3/233.
2- 1 . اللمعة الدمشقیة /197.
3- 2 . الروضة البهیة 5/367 و 368.

وقال فی المسالک: «وجه استحقاقه الباقی أنّه استحقّ النصف بالطلاق وقد وجده فیأخذه، وتنحصر هبتها فی نصیبها. ولأنّ اللّه تعالی جعل لها نصف ما فرض، وذلک یقتضی استحقاقه فی العین ما لم یجدها تالفة أو یمنع مانع منها، وهما منتفیان هنا، فلا وجه للانتقال إلی البدل.

وفی المسألة وجه بأنّ له نصف الباقی _ وهو الربع _ مع ربع بدل الجملة، لأنّ الهبة وردت علی مطلق النصف فیشیع، وینزّل هذا النصف منزلة التالف، فلم یبق من الذی

فرض سوی نصفه، فیأخذ نصفه کما هو مقتضی الشرکة وبدل الفائت کما لو فات الجمیع.

وفیه ما مرّ، فإن الانتقال إلی البدل مشروط بتعذّر العین، وهو منتفٍ.

ووجه ثالث بتخییره بین أخذ نصف بدل الجملة وترک الباقی، وبین أخذ نصف الباقی _ وهو الربع _ مع ربع بدل الجملة. لإفضاء الثانی إلی تبعّض حقّه، وهوضرر علیه فیجبر بتخییره. هذا إذا کان المهر عینا. أمّا لو کان دینا فلیس فیه إلاّ الوجه الذی ذکره المصنف.

واحترز بقوله: «مُشاعا» عمّا لو وهبته نصفا معیّنا،فإنّ له نصف الباقی ونصف بدل ما وهبته وجها واحدا، لأنّ حقّه بالطلاق مشاع فی جمیع العین، وقد ذهب منها جزء معیّن فینتقل إلی بدل ما یستحقّه منه، بخلاف ما لو کان مشاعا، فإنّ حقّه فی الأوّل مشاع وفی الثانی کذلک فلا ترجیح، ویتّجه استحقاقه حینئذٍ الجمیع کما ذکر»(1).

وقال المحقّق السبزواری: «ولو وهبت نصفها مشاعا ثمّ طلّقها قبل الدخول فالأقرب أنّ له الباقی ولم یرجع علیها بشیءٍ من البدل، وفی المسألة وجهان آخران:

أحدهما: أنّ له نصف الباقی وهو الربع مع ربع بدل الجملة.

وثانیهما: تخییره بین أخذ نصف بدل الجملة وترک الباقی وبین أخذ نصف الباقی وهو الربع مع ربع بدل الجملة.

ص:398


1- 1 . المسالک 8/255.

ولو کان المهر دینا فلیس فیه إلاّ الوجه الأوّل»(1).

أقول: اختار السبزواری الاحتمال الأوّل لأنّه وصفه ب_ «الأقرب».

وقال الفاضل الإصفهانی: «(الثامن: لو وهبته النصف ثمّ طلّقها، احتمل رجوعه بالنصف الباقی) بعینه کما اختاره المحقّق.(2) وهو الوجه، لأنّه استحقّ النصف بالطلاق، وهو موجود، فلا جهة للعدول عنه إلی البدل فیأخذه وَتَنْصَرِفُ الهبة إلی نصیبها وهو النصف الآخر.

(و) احتمل رجوعه (بنصفه) أی نصف النصف الباقی بعینه (وقیمة الربع) بناءً علی شیوع نصفیهما فی تمام العین وشیوع النصف الموهوب أیضا، فتتعلّق الهبة بنصفی النصیبین، فالنصف الباقی بمنزلة ما تلف نصفه وبقی النصف.

ویظهر من المبسوط(3) احتمال الرجوع بنصف الباقی خاصّة، لأنّه لمّا تعلّقت الهبة بالنصف المُشاع فقد تعلّقت بنصفی النصیبین، فإنّما یملک من نصیبها النصف وهو الربع، واستعجل نصف نصیب نفسه، وإنّما بقی له النصف الآخر من نصیبه وهو الربع. ویحتمل التخییر بین بذل تمام النصف الباقی وعین نصفه مع بدل نصفه الآخر دَفْعا للضرر بتبعّض الصفقة»(4).

أقول: الفاضل الأصفهانی هو أوّل من استظهر من عبارة الشیخ فی المبسوط الاحتمال الثانی مع أنّه اختار الاحتمال الأوّل.

وقال سیّد الریاض: «ولو وهبته النصف مشاعا، ثمّ طلّقها قبل الدخول، فله الباقی؛ صرفا للهبة إلی حقّها منه، کما لو وهبته لغیره فإنّهما سواء، کما فی الصحیح المتقدّم»(5).

ص:399


1- 2 . الکفایة 2/231.
2- 3 . شرائع الإسلام 2/330.
3- 1 . المبسوط 4/310.
4- 2 . کشف اللثام 7/472 و 473.
5- 3 . وسائل الشیعة 21/301، ح1.

وفیه قول بالرجوع بنصفه وقیمة الربع(1)؛ بناءً علی شیوع نصفیهما فی تمام العین، وشیوع النصف الموهوب أیضا، فتتعلّق الهبة بنصفی النصیبین، فالنصف الباقی بمنزلة التالف نصفه، وبقی نصفه.

وعن المبسوط: احتمال الرجوع بنصف الباقی خاصّة(2)؛ لأنّه لمّا تعلّقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلّقت بنصفی النصیبین، فإنّما ملک من نصیبها النصف _ وهو الربع _ واستعجل نصف نصیب نفسه، وإنّما بقی له النصف الآخر من نصیبه، وهو الربع».(3)

وقال صاحب الجواهر: «(ولو وهبته نصف مهرها مُشاعا، ثمّ طلّقها قبل الدخول، فله الباقی ولم یرجع علیها بشیء سواء کان المهر دینا أو عینا) بناءً علی کفایة لفظ الهبة فی الإبراء (صرفا ل_) ما وقع منها من (الهبة إلی حقّها منه) بمعنی: أنّه بالطلاق قبل الدخول یتمحّض النصف الباقی للزوج؛ لأنّه مصداق «نِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»(4)، فلا یرجع إلی المثل أو القیمة؛ لعدم تعذّره.

لکن فی القواعد(5) والمسالک(6): احتمال الرجوع بنصف الباقی بعینه وقیمة الآخر

من الموهوب؛ لشیوع نصفیهما فی تمام العین، وشیوع النصف الموهوب أیضا، فتعلّق الهبة بنصفی النصیبین، فالنصف الباقی بمنزلة ما تلف نصفه وبقی النصف.

بل قیل: «إنّه یظهر من المبسوط احتمال الرجوع بنصف الباقی خاصّة؛ لأنّه لمّا تعلّقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلّقت بنصفی النصیبین، فإنّما ملک من نصیبها النصف وهو الربع، واستعجل نصف نصیب نفسه، وإنّما بقی له النصف الآخر من نصیبه وهو

ص:400


1- 4 . حکاه فی التنقیح الرائع 3/239، والمسالک 8/255.
2- 5 . حکاه عنه فی کشف اللثام 7/473، وانظر المبسوط 4/308.
3- 6 . ریاض المسائل 12/54.
4- 7 . سورة البقرة /237.
5- 8 . قواعد الأحکام: النکاح، تنصیف المهر 3/86.
6- 9 . مسالک الأفهام: النکاح، أحکام المهور 8/255.

الربع»(1).

وربّما احتمل أیضا: التخییر بین بذل تمام النصف الباقی وعین نصفه مع بذل نصفه الآخر؛ دفعا لضرر تبعّض الصفقة.

إلاّ أنّ الجمیع کما تری: ضرورة عدم تأتّیها مع فرض بقاء النصف المشاع الذی هو مصداق «نِصْفُ ما فَرَضْتُمْ». نعم، لو کان النصف الموهوب معیّنا لا مُشاعا اتّجه ذلک، کما هو واضح.

وکذا لو خالعته علی النصف؛ فإنّه إن قیّدته بالنصف الذی یبقی لها بعد الطلاق فلا کلام، وإن أطلقت انصرف إلی ما تملکه بعد الطلاق.

وعلی کلّ حال، إذا تمّ الخلع ملک الزوج تمام المهر، بل ربّما فرّق بینه وبین الهبة: بأنّه بذل علی الطلاق المنصّف للمهر، فهو تملیک بعد الطلاق.

وللشافعیّة _ کما قیل _ وجه بالشیوع فی نصفی النصیبین، ولا ریب فی ضعفه، واللّه العالم»(2).

وقال الشیخ الأعظم: «ولعلّه لما ذکرنا ذکر جماعة _ کالفاضلین(3) والشهیدین(4) وغیرهم(5)_: أنّه لو أصدق المرأة عینا، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقی، لا نصف الباقی وقیمة نصف الموهوب وإن ذکروا ذلک احتمالاً(6)،

ص: 401


1- 1 . کشف اللثام: النکاح، تنصیف المهر 7/473.
2- 2 . الجواهر 32/(185-183)، (31/(103 و 104)).
3- 3 . الشرائع 2/274، المسألة العاشرة، والإرشاد الأذهان 2/17، نعم ذکره فی القواعد 3/86 علی أحد الاحتمالین.
4- 4 . اللمعة الدمشقیة /197، والروضة البهیة 5/367، والمسالک 8/255.
5- 5 . مثل فخرالمحقّقین فی الإیضاح 3/233، والمحقّق السبزواری فی الکفایة 2/231، والسیّد الطباطبائی فی الریاض 12/54.
6- 6 . ذکره العلاّمة فی القواعد 3/86، والشهید الثانی فی المسالک 8/255، والروضة البهیّة 5/368.

ولیس إلاّ من جهة صدق «النصف» علی الباقی، فیدخل فی قوله تعالی: «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»(1)وإن کان یمکن توجیه هذا الحکم منهم: بأنّه لمّا کان الربع الباقی للمرأة من الموجود مِثلاً للربع التالف من الزوج، ومساویا؛ له من جمیع الجهات، بل لا تغایر بینهما إلاّ بالاعتبار، فلا وجه لاعتبار القیمة، نظیر ما لو دفع المقترض نفس العین المقترضة مع کونها قیمیّة.

لکنّ الظاهر أنّهم لم یریدوا هذا الوجه، وإنّما علّلوا استحقاقه للنصف الباقی ببقاء مقدار حقّه، فلا یخلو عن منافاةٍ لهذا المقام»(2).

وقال السیّد الخوئی: «وأمّا الطلاق فهو نظیر ما نحن فیه، فإنّ الزوج بطلاقه قبل الدخول یملک نصف صداق المرأة بملکیّة جدیدة، کما فی البیع والشراء، غایته من دون رضا الزوجة، فإذا فرضنا أنّها قد أخرجت نصفه عن ملکها بمصالحة أو شراء ونحوه انتقل النصف الباقی إلی الزوج لا محالة»(3).

وقال السیّد المُرَوِّجُ: «لا یخفی أنّ الوجوه المحتملة ثبوتا فی النصف الذی یستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول ثلاثة:

أحدها: النصف الباقی بناءً علی الإشاعة فی العین لا فی الحصتین، فإنّ النصف المشاع فی العین ینطبق علی النصف الباقی. فهذا النصف نفس حقّه کما أفتی به الفقهاء، لا نصف حقّه، ونصفه الآخر _ وهو ربع العین _ بدل حقّه الفائت بالهبة کما هو مقتضی الإشاعة بین الحصتین.

ثانیها: النصف من الباقی والتالف، وهو الذی حکاه المصنف قدس سره إحتمالاً عن جماعة.

ثالثها: النصف بنحو الکلّی فی المعیّن، وهو یتعین بالمقدار الباقی، لا أنّه مقدار حقّه، بل هو نفس حقّه، بناءً علی الکلِّی فی المعیّن، وعلی الإشاعة فی العین، لا الإشاعة

ص:402


1- 1 . سورة البقرة /237.
2- 2 . المکاسب 3/523 و 524.
3- 3 . محاضرات فی الفقه الجعفری 2/516.

بین الحصتین. وقد تقدم آنفا أنّ الظاهر فی مقام الإثبات هو الإ

شاعة فی العین کما هو

ظاهر فتوی جماعة کالفاضلین والشهیدین وغیرهم قدس سرهم مع الغض عن تعلیلهم لها ببقاء مقدار حقّه، إذ مع النظر إلیه یحتمل کلّ من الإشاعة بین الحصتین والکلّی فی المعین.

إذ علی الأوّل [الإشاعة بین الحصتین] لمّا کان الربع التالف بالهبة مثل الربع الباقی فی جمیع الجهات ذهبوا إلی تعیُّن النصف الباقی، معلِّلین ذلک ببقاء مقدار حقّه، لا ببقاء نفس حقّه.

وعلی الثانی [الکلّی فی المعین] یتعیّن حقُّه بالمقدار الباقی قهرا، کما فی سائر موارد الکلّی فی المعیّن مع تلف ما عدا المقدار الذی اُنشِأ علیه العقد کصاع من الصبرة إذا تلفت الصیعان إلاّ واحدا. وهو المناسب للتعلیل ببقاء مقدار حقّه.

والفرق بینه وبین المُشاع بین الحصتین هو: أنّ النصف الباقی مُتَعَیِّنٌ فی حقیّته للزوج بناءً علی الکلّی فی المعیّن. بخلاف الإشاعة بَیْنَ الحصّتین، فإنّه لایتعیّن حقّ الزوج فی النصف الباقی بناءً علی هذا المبنی، إذ یجوز للزوجة دفع قیمة الربع التالف بالهبة، ولایتعیّن علیها دفع نفس الربع الباقی، وإن کان أقرب إلی التالف من جمیع الجهات.

وبالجملة: یدور حکمهم باستحقاق الزوج للنصف الباقی _ مع تعلیله ببقاء مقدار حقّه _ بین ابتنائه علی الإشاعة بین الحصتین والکلّی فی المُعَیَّن. وعلی التقدیرین یتحقق التنافی بین حکمهم فی بیع نصف الدار بکون المبیع حصة البائع، وبین حکمهم بکون حصة الزوج النصف الباقی، لکونه بمقدار حقّه».(1)

أقول: یظهر من مقال السیّد المروج أنّه بناءً علی الاحتمال الأوّل _ أی الإشاعة فی العین _ یَتِمُّ تنظیر الشیخ الأعظم رحمه الله وعلی الاحتمالین الآخیرین _ أی الإشاعة فی الحصتین والکلی فی المعیّن _ حیث إنّ الباقی یکون بمقدار حقّ الزوج لا عینه لم یتم تنظیر الشیخ الأعظم ویکون الفرع منافیّا لما ذکره کما أقرّ قدس سره به.

ص:403


1- 1 . هدی الطالب 6/30 و 31.

هذا تمام الکلام فی هذا الفرع والحمد للّه.

الفرع الثالث:

الإقرارُ بالنصف فی الشرکة

یذکر الشیخ الأعظم(1) هذا الفرع بجهة المنافاة مع مقالته الأخیرة من موافقته المشهور فی المسألة الأصلی _ وهو لو باع مالک النصف نصف الدار _ حیث ذهبوا إلی أنّ

المالک باع نصفه المختص به، ولکنهم حکموا فی هذا الفرع بأنّ المراد بصلح النصف هو النصف المُشاع وأمّا الفرع:

قال المحقّق: «ولو ادَّعی اثنان دارا فی ید ثالثٍ بسببٍ موجب لِلشَِّرْکَة(2) کالمیراث فصدَّق المدَّعی علیه أحدهما وصالحه علی ذلک النصف بعوضٍ فإن کان بإذن صاحبه صحَّ الصلحُ فی النصف أجمع وکان العوض بینهما، وإن کان بغیر إذنه صحّ فی حقّه وهو الربع وبطل فی حصة الشریک وهو الربع الآخر»(3).

وقال العلاّمة: «لو صالح المتشبِّث المصدِّق لأحد المُدَّعِیَیْنِ بسبب یوجب التشریک کالإرث علی شیءٍ شارکه الآخر إن کان بإذنه وإلاّ صحّ فی الربع ولا شرکة، ولو تغایر السبب صحّ الصلح فی حصّته أجمع ولا شرکة»(4).

وقال المتتبع العاملی فی شرح قول العلاّمة فی القواعد: «کما فی المبسوط(5) والشرائع(6) والتذکرة(7) والتحریر(8) والإرشاد(9) وشرحه لولده وجامع المقاصد(10)

ص:404


1- 2 . المکاسب 3/524 قوله قدس سره : «ونظیره فی ظهور المنافاة لما هنا...».
2- 1 . بکسر الشین وفتحها.
3- 2 . الشرائع 2/100.
4- 3 . القواعد 2/176.
5- 4 . المبسوط 2/293.
6- 5 . الشرائع 2/100.
7- 6 . تذکرة الفقهاء 16/96، مسألة 1092.
8- 7 . تحریر الأحکام الشرعیة 3/15.
9- 8 . إرشاد الاذهان 1/404.
10- 9 . جامع المقاصد 5/433.

والمسالک(1) ومجمع البرهان(2) والکفایة(3): وفی الأخیر أنّه المشهور. وکأنّه أشار بذلک إلی ما ستسمعه عن المسالک(4) وإلاّ فلا خلاف فی ذلک... وحاصل ما أراد المصنف [العلاّمة فی القواعد] والجماعة: أنّ المُدَّعَیِیْنِ اتّفقا علی کون سبب ملکهما مقتضیا لِلشَِّرْکة، فإقرار المتشبّث لأحدهما مقتضٍ لتشارکهما فیما أقرّ به وإن لم یصدّقهما علی السبب الّذی ادّعیا به، لأنّهما متّفقان علی أنّ البعض کالکلّ یستوی ملکهما فیه: فیمتنع استحقاق المقرّ له النصف دون الآخر، کما أنّ الفائت یکون ذاهبا علیهما. فاشتراکهما فی

المقرّ به ثبت من جهة اعترافهما بما یوجب الشرکة لا من جهة الإقرار، فلا یؤثّر فیه تخصیص المقرّ أحدهما بالملک.

وحینئذٍ فإذا صالح المقرّ له المتشبّث علی النصف المقرّ به، فإن کان الصلح بإذن شریکه أو إجازته بعده صحّ فی جمیعه بجمیع العوض، وإلاّ ففی ربع المقرّ له بنصف ما صولح علیه، ویبطل فی ربع شریکه»(5). هذا.

ولکن نقل الشیخ الأعظم(6) عن سیّد مشایخه _ وهو السیّد محمّد المجاهد فی کتابه المناهل(7) _ اختیار اختصاص النصف المصالح علیه بالمقرّ له وهو المصالح فیصیر هذا الفرع موافقا لما اختاره الشیخ الأعظم لا منافیّا له.

وللشهید الثانی تفصیل فی المقام وبعد توضیح مقال المشهور فی المسالک قال: «وفیه بحثٌ، لأنّ هذا لایتمّ إلاّ علی القول بتنزیل البیع والصلح علی الإشاعة کالإقرار، وهم لا یقولون به، بل یحملون إطلاقه علی ملک البائع والمصالح، حتّی لو باع ابتداءً مالک

ص:405


1- 10 . المسالک 4/271.
2- 11 . مجمع الفائدة والبرهان 9/347.
3- 12 . الکفایة 1/612.
4- 13 . المسالک 4/271 و 272.
5- 1 . مفتاح الکرامة 17/127 و 126.
6- 2 . المکاسب 3/525.
7- 3 . المناهل /358.

النصف نصف العین مطلقا إنصرف إلی نصیبه. ووجّهوه: بأنّ اللفظ من حیث هو وإن تساوت نسبته إلی النصفین إلاّ أنّه من خارج قد ترجَّح انصرافه إلی النصف المملوک للبائع، نظرا إلی أن إطلاق البیع إنّما یحمل علی المتعارف فی الاستعمال، وهو البیع الذی یترتّب علیه انتقال الملک بفعل المتعاقدین، ولایجری ذلک إلاّ فی المملوک، بخلاف الإقرار فإنّه إخبار عن ملک الغیر بشیءٍ، فیستوی فیه ما هو ملکه وملک غیره، وحینئذٍ فاللازم هنا أن ینصرف الصلح إلی نصیب المقرِّ له خاصّةً، فیصحّ فی جمیع الحصّة بجمیع العوض، وتبقی المنازعة بین الآخر والمتشبّث.

هذا إن وقع الصلح علی النصف مطلقا، أو النصف الذی هو ملک المقرِّ له، أمّا لو وقع علی النصف الذی أقرَّ به المتشبّث توجّه قول الجماعة، لأنّ الإقرار منزّل علی الإشاعة، والصلح وقع علی المقرِّ به، فیکون تابعا له فیها، وعلی هذا ینبغی حمل کلامهم، لئلاّ ینافی ما ذکروه من القاعدة التی ذکرناها.

وهذا توجیهٌ حسنٌ لم ینّبهوا علیه، وإنّما ذکر الشهید رحمه الله فی بعض تحقیقاته احتمال انصراف الصلح إلی حصّة المقرِّ له من غیر مشارکة الآخر مطلقا، وتبعه علیه الشیخ

علی(1) رحمه الله »(2).

ولذا قال الشیخ الأعظم عن هذا التفصیل ما نصه: «وفصّل فی المسالک بین ما لو وقع الصلح علی نصفه أو مطلق النصف، وبین ما إذا وقع علی النصف الذی أقرّ به ذو الید، فاختار مذهب المشهور فی الثالث؛ لأنّ الإقرار منزّل علی الإشاعة، وحکم بالاختصاص فی الأوّلین؛ لاختصاص النصف وضعا فی الأوّل وانصرافا فی الثانی إلی النصف المختصّ»(3).

واعترض المحقّق الأردبیلی علی الشهید الثانی فی تفصیله وقال: «وفیه بحث أمّا أوّلاً: فلأنّ قول الجماعة ذلک إنّما هو فی مالٍ مُشَخَّصٍ من غیر نزاع للبائع والمصالح،

ص:406


1- 1 . جامع المقاصد 5/434.
2- 2 . المسالک 4/271 و 272.
3- 3 . المکاسب 3/525.

وفیما نحن فیه لیس کذلک لوجود النزاع وعدم ثبوت نصفٍ خالصٍ له، بل إنّما ثبت له بحسب الشرع الربع، لأنّ الفرض أنّ جمیع ما ثبت له مشترک بینه وبین شریکه بحسب نفس الأمر، وحکم الشرع ظاهرا بإقرارهما، والظاهر أنّه لانزاع فی أن المقرّ به مشترک بینهما، ویفهم من کلامه أیضا فما صالح إلاّ علی ربعه وربع شریکه إذ لیس نصف المصالح علیه إلاّ ذلک، ولایمکن له مصالحة النصف المخصوص به لما مرّ، ولما سیجیء وهو ظاهر.

وأمّا ثانیا: فإنّه علی تقدیر تسلیم ذلک، هنا قرینة صریحة دالّة علی أنّه ما اصطلح إلاّ علی النصف الذی أقرّ له المتشبّث، وما قصد المتشبّث والمقرّ له إلاّ ذلک فینصرف إلیه وإن کان مطلقا أو مقیّدا بکونه الذی له (لأنّه الذی له _ خ) بحسب الظاهر ورضی المقرّ له بالصلح علیه.

وأمّا ثالثا: فلأنّه لایحتاج هنا إلی بحث وتوجیه، فإنّ کلامهم ظاهر، بل صریح فی أنّ المصالح علیه إنّما هو النصف المقرّ به، إذ لم یصالح المقرّ إلاّ علیه وما ثبت بحسب ظاهر الشرع للشریک المصالح إلاّ ذلک.

أمّا لو صرّح بأنّه إنّما صالح علی نصفه الذی له فی نفس الأمر غیر المُشاع والمقر به، فإنْ کان المقرّ عالما ورضی به یلزمه الإقرار بثلاثة أرباع العین، الربع للشریک، والنصف للمصالح.

وهذا بعید، إذ هو منکر للنصف الآخر ویقول: أنْ لیس للآخر فیه شیء أصلاً، ولهذا ما توجّه الأصحاب إلی هذا الاحتمال وحکموا مطلقا بما مرّ فالحکم کما قالوه رحمهم الله ، سواء قال: صالحتک علی النصف المقرّ به، أو نصفی، أو أطلق، وینصرفان إلی الأوّل، لما مرّ إلاّ أن یصرّح، وحینئذٍ لم یقع الصلح لعدم رضا الطرف الآخر وهو المقرّ، فتأمل.

ومنه علم أنه لو قال: أنّی قصدت مالی من غیر إشاعة لا یسمع، فإنّ للمقرّ أن یقول: إنّی ما اشتریت إلاّ ما أقررت به، وهذا مسموع منه.

وعلم أیضا ان احتمال الشهید الذی تبعه فیه الشیخ علیّ لیس بجیّد، بل المشهور هو الظاهر.

ص:407

والعجب أنّ المتأخرین خصوصا الشیخَ علیّا(1) قلیلاً ما یخرجون عنه مع ضعف دلیله وقوّة دلیل خلافه ویخرجون فی مثل هذه المواضع، فکأنّ غرضهم مجرّد إبداء الاحتمال لا الفتوی به، وینبغی مراجعة کلامهم، وعلی تقدیر الفتوی فالظاهر أنّه فی المطلق أو «نصفی» لا الآخر»(2).

ولخّص الشیخ الأعظم اعتراضه بقوله: «بأنّ هذا لیس تفصیلاً بل مورد کلام المشهور هو الثالث لفرضهم المصالحة علی ذلک النصف المقرّ به»(3).

ثمّ قال فی ختام مقاله: «وعلی کلِّ حال، فلا إشکال فی أنّ لفظ «النصف» المقرّ به إذا وقع فی کلام المالک للنصف المشاع مجرّدا عن حالٍ أو مقالٍ یقتضی صرفه إلی نصفه، یحمل علی المشاع فی نصیبه ونصیب شریکه»(4).

أقول: أنت تری أنّ ثانی الشهیدین تبعا للشهید الأوّل والمحقّق الکرکی حلّ المُنافاة بین بابَیِ البیع والصلح وأقام القاعدة التی بُنِیَ علیها الحمل علی النصف البائع أو المصالح وذهب إلی أنّ الإشاعة سرت إلی هذا الفرع المذکور فی کلام الفقهاء لأجل وجود الإقرار، لأنّ الإقرار یحمل علی الإشاعة بظاهرها، فإذا الذی أقرّ به ذو الید المتشبت هو الذی صالح علیه فیأتی الإشاعة من باب الإقرار فیه، لا من جهة الصلح فلا تنافی بین البابین وهذا البیان تامٌّ والحمد للّه.

الفرع الرابع:

اشارة

حمل أقرار الشریکین علی أنّ ثلث العین لفلانٍ علی ثلث المشاع

قال الشیخ الأعظم: «لو أقرّ أحد الرجلین الشریکین الثابت ید کلٍّ منهما علی نصف العین، بأنّ ثلث العین لفلان، حمل علی الثلث المشاع فی النصیبین»(5).

هذا البیان یجری فی صورة تصدیق الشریک إقرارَ شریکِه فیقسم المال ثَلاثَةَ أَسْهُمٍ

ص:408


1- 1 . ولکن فی المصدر: «علیّ».
2- 2 . مجمع الفائدة والبرهان 9/349 و 350.
3- 3 . المکاسب 3/525.
4- 4 . المکاسب 3/525.
5- 1 . المکاسب 3/525.

لکلِّ واحد منهم ثلثه.

وأمّا فی فرض تکذیب الشریک إقرار شریکه فلا یجری التثلیث فی نصف الشریک المنکر ولکن یجری فی حقّ المقرِّ فینتقل ثلث ماله إلی المقرّ له وهذا نصف الثلث _ أی السدس _ فیبقی نصف ثلث الآخر _ أی السدس الآخر _ وهذا الأخیر بقاعدة کتاب الشرکة فی أنّ ما حصل حصل للشریکین وما توی [أی تلف وهلک] توی علیهما، تلف علیهما فهما _ أی المقرّ والمقرّ له _ فیه شریکان فیتلف نصف السدس من مال المقرِّ ونصفه من مال المقرّ له، فیصیر مال المقرِّ بینه وبین المقرّ له بالتنصیف.

مثلاً إذا فرضنا أنّ العین لها اثْناعَشَرَ سهما فی فرض تصدیق الشریک یصیر العین بینهم أثلاثا ولکلِّ منهم أربعة أسهم.

وفی فرض تکذیبه ینتقل نصف الثلث _ أی السدس _ من المقرِّ إلی المقرّ له أی السهمان، وأمّا السدس الآخر فقد توی وتلف علیهما بالسویة فیذهب سهم منه من مال المقرّ له، وسهم منه من مال المقرّ ینتقل إلی المقرّ له فحینئذ لکلِّ من المقرِّ والمقرِّ له ثلاثة أسهم وللشریک المکذِّب ستة أسهم. فنصیب المقرِّ ینصف بینه وبین المقرّ له.

ثمّ تعرض الشیخ الأعظم(1) بدعوی تنظیر هذا الفرع بمسألة إقرار بعض الورثة بوارث آخر فیدفع إلی المقرّ له نصف الثلث _ أی السدس _ فقط لا أزید منه وهو الربع.

بتقریب: الإشاعة فی النصیبین تقتضی جعل سهم المقرّ له فی جمیع العین علی نحو الإشاعة وتنزیل المقرّ به علی ما فی ید کلّ منهما وحیث أنّ أحد الشریکین ینفی شرکته فلا یبقی له إلاّ نصف الثلث وهو السدس فی سهم المقرِّ ولا یحصل علی نصف الثلث الآخر _ وهو السدس _ فی مال المکذِّب لأنّ أقرار الشریک لا یسمع فی ما فی ید الغیر.

ثمّ دفعها(2) بأنّ المقرِّ أقرّ بثلث العین للغیر لا السدس الموجود فی یده والسدس

ص:409


1- 2 . المکاسب 3/526 قوله قدس سره : «ودعوی: ...».
2- 3 . المکاسب 3/526 قوله قدس سره : «مدفوعة: ...».

الموجود فی ید شریکه لورود الإشاعة فی مسألتنا وعدم وجود الإفراز والتمیّز فحینئذ بالنسبة إلی المقرّ والمقرّ له فی ما توی یجری قاعدة الشرکة بأنّ ما توی بینهما بالسویة فلابدّ أن یعطی المقرّ إلی المقر له نصف ما فی یده وهو ربع العین فتنظیر مسألتنا بإقرار بعض الورثة بوارث آخر غیر تام ومع الفارق.

ثمّ قال الشیخ الأعظم: «... إلاّ أنّه لمّا لم یجبر المکذّب علی دفع شیء ممّا فی یده فقد تلف سدس مشاع یوزّع علی المقرّ والمقرّ له، فلا معنی لحسابه علی المقرّ له وحده، إلاّ علی احتمالٍ ضعیف، وهو تعلّق الغصب بالمشاع وصحّة تقسیم الغاصب مع الشریک، فیتمحّض ما یأخذه الغاصب للمغصوب منه وما یأخذه الشریک لنفسه، لکنّه احتمال مضعّف فی محلّه وإن قال به أو مال إلیه بعض _ علی ما حکی _ للحرج أو السیرة»(1).

ویأتی تضعیف آخر من الشیخ الأعظم للمیراث وعدم إعمال قاعدة الشرکة فیه فی الفرع الخامس فانتظر.

فتعرض الشیخ الأعظم لمسألتین أُخْرَیَیْنِ
اشارة

فتعرض الشیخ الأعظم لمسألتین أُخْرَیَیْنِ وبنی دفعها علیهما مع أنّه فی غنی عنهما. لأنّ قضیة التوارث غیر قضیة الشَِّرکة الإختیاری وبنیهما فرق واضح وبون بعید.

المسألة الأولی:

هل یعتبر فی غصب المال کونه مفروزا مقسوما أو یمکن غصب المال المشترک المشاع بین عدّة من المالکین؟

ذهب الأکثر(2) إلی إمکان غصب المال المشترک المشاع وقال فی الجواهر: «لا نجد فیه خلافا محقِّقا»(3).

قال الشیخ فی کتاب الشرکة من المبسوط: «غصب المشاع یصحّ کما یصحّ غصب المقسوم وذلک أن یأخذ عبدا بین شریکین ویمنع أحد الشریکین من استخدامه ولا یمنع الآخر فیکون قد غصب حصّة الّذی منعه منه، وکذلک إذا کان شریکان فی دار فدخل غاصب إلیها فأخرج أحدهما وقعد مع شریکه فیکون غاصبا لحصّة الشریک الّذی

ص:410


1- 1 . المکاسب 3/526.
2- 2 . کما قاله الشهید الثانی فی المسالک 12/152.
3- 3 . الجواهر 38/30 (37/23).

أخرجه.

فإذا ثبت هذا وحصل المال المشترک فی ید الغاصب وأحد الشریکین ثمّ إنّهما باعا

ذلک المال [و] مضی البیع فی نصیب الشریک البائع ولایمضی بیع الغاصب کما یقول فی تفریق الصفقة.

وکذلک إذا غصب أحد الشریکین من الآخر فباع الجمیع بطل فی نصیب شریکه ولا یبطل فی نصیبه»(1).

وقال فی غصبه: «... ولو انهجم(2) [الغاصب] علی دار غیره ولم یکن صاحبها فیها، کان غاصبا ضامنا، وإن کان صاحبها فیها ضمن نصفها، ولا یملک شیئا منها، لأنّ ید صاحبها لم تَزُلْ عنها»(3).

أقول: الظاهر إنّ هذا الفرع لا إشکال فیه من امکان غصب المال المشترک المشاع بل یقع کثیرا ما فی الخارج ولذا قال الفاضل المامقانی: «اعلم إنّ امکان تعلق الغصب بالمشاع وتحققه فی الخارج مما لا إشکال فیه، فلو کان الدار أو القریة أو نحوهما من العقار والأعیان مشترکة بین زید وعَمْرٍوْ علی سبیل الإشاعة فعمد الظالم إلی حصة زید المُشاع من دون قصد منه إلی حصة عَمْرٍوْ من أجل المودة بینهما أو غیر ذلک من الدواعی وَأَخَذَ یستوفی غَلَّة القریة ونحوها من دون توجیه التصرف إلی خصوص جزء معین من بین أجزائها تحقق غصب الحصة المُشاعة، بل قد یتحقّق غصبها بمجرد الاستیلاء عرفا کما لو فرض أنّه لم یدخل القریة ولا الدار بنفسه وإنّما منع المالک للحصة وأمر أتباعه بالتصرف فیها واستیفاء منافعها، وبما ذکرناه من تعلّق الغصب بالمشاع صرح جماعة»(4). ثمّ ذکر کلمات عدّة من أعلام الطائفة فی المقام فراجعها إن شئت.

ص:411


1- 1 . المسبوط 2/355.
2- 2 . کذا فی المصدر والصَّوابُ: «هَجَمَ».
3- 3 . المبسوط 3/73.
4- 4 . غایة الآمال 6/285.

فلا یتم قوله قدس سره : «إلاّ علی احْتِمالٍ ضَعِیْفٍ وهو تعلّق الغصب بالمشاع»(1). إلاّ أنّ الاحتمال راجع إلی الفرع الآتی.

ولذا قال الفقیه السَّیِّدُ الیزدی فی توضیح کلام الشیخ الأعظم ما نصه: «لا إشکال فی أصل تعلّق الغصب بالمُشاع فی الجملة، وإنَّما الإشکال فی اختصاص الغصب بحصة المغصوب منه، بیان ذلک أنَّ غصب المشاع یتصور علی صُوَر:

إحداها: أنْ یسکن الغاصب مع المالک فی الدار مثلاً علی وجه یکون کلّ منهما متصرفا فیها علی وجه الشرکة، کما فی الشریکین المالکین.

الثانیة: أنْ یشترک غاصبان فی التصرف فی الدار علی وجه یکون کلّ منهما ذو ید علیها.

الثالثة: أنْ تکون دار بین شریکین ساکنین، فأخرج الغاصب أحدهما وقام مقامه علی وجه یکون غرضه متعلقا بغصب حصته.

أمّا الصورة الأولی: فلا ینبغی الاشکال فی ضمان الغاصب للعین والمنفعة بالنسبة إلی النصف، نعم ناقش فیه المحقّق فی الشرائع قال: «فإذا مکن الدار مالکها لم یضمن، وقال الشیخ یضمن النصف وفیه تردد، مَنْشَؤُهُ عدم الاستقلال من دون المالک، وهو فی عین محلّه، نعم لو کان الغاصب بحیث لم یقاوم المالک تمَّ ما ذکره»(2).

لکنّه لیس مراده ذلک؛ لأنَّه ذکره بعد ذلک وحکم فیه بعدم الضمان، وحیث إنَّ المفروض صدق الید والاستقلال کما فی سائر موارد الاشتراک فی التصرف فلا ینبغی التأمل فی ضمانه لنصف العین، بل یحتمل ضمانه للتمام إذا فرض استقلال کلّ منهما لو لا الآخر، فانَّه یصدق أنَّ العین فی یده کما أنَّها فی ید المالک، إلاّ أنَّ ید المالک لا أثر لها، وکذا بالنسبة إلی جمیع المنافع إلاّ ما استوفاه المالک.

وأما الصورة الثانیة: فیضمن کلّ منهما النصف المشاع عینا ومنفعة، ویجری

ص:412


1- 5 . المکاسب 3/526.
2- 1 . شرائع الاسلام 4/761.

الاحتمال الذی ذکرنا، ولازمه جواز رجوع المالک علی أیّهما شاء کما فی الأیدی المتعاقبة، إلاّ إذا لم یکن أحدهما مستقلاً لو لا الآخر، بل کان هناک ید واحدة علی الکلِّ بالشرکة، فانَّه حینئذٍ یتعیّن ضمان کلّ منهما للنصف.

وأما الثالثة: فلا إشکال فی ضمان الغاصب أیضا للنصف المُشاع، إلاّ أنَّ الکلام فی أنَّه هل یتعیّن کون ما بیده حصة للمغصوب منه، بأنْ لا یکون علی الآخر متصرفا فی حصته وحصة شریکه، فیکون کلّ منهما ضامنا للربع بالنسبة إلی المغصوب منه، والغاصب ضامنا للربع الآخر أیضا، وعلی الاِحتمال الذی ذکرنا یکون للمغصوب منه الرجوع علی الغاصب بتمام حقّه، وعلی الآخر بنصفه، بل بتمامه أیضا، وله الرجوع علی الغاصب أیضا بتمام حقّه.

التحقیق: هو الوجه الثانی؛ إذ تصرّف الشریک الغیر المغصوب منه فی المال المشترک لابدَّ أنْ یکون بإذن صاحبه، ولیس(1) فیکون ضامنا من جهة إثبات یده وَتَصَرُّفهِ فی العین المشترکة، کما لو کان هو الغاصب، هذا.

ولکن حکی الوجه الأوّل عن الشیخ فی المبسوط(2) والفاضل فی التحریر(3)...»(4).

أقول: هذه المسألة مُبْتَنِیَةٌ علی المسألة الثانیة بحیث إن قلنا فیها علی ما قاله خالنا الشیخ حسن تم قول المشهور هنا وإلاّ لم یتم وصار الحقّ مع الشیخ الأعظم والفقیه السیّدِ الیزدی بأنّ الغصب یتعلّق بالمُشاع فی الصورة الثالثة من کلام الفقیه السیّد الیزدی رحمه الله . واللّه العالم.

المسألة الثانیة:

هل تقسیم الغاصب والشریک العین المغصوبة من دون مراجعة المغصوب منه أو الحاکم الشرعی یصح بحیث یَکُوْنُ نافذا فی حقِّ الشریک أم لا؟

ذهب خالُنا الشیخ حسن ابن الشیخ جعفر کاشف الغطاء إلی النفوذ لأنّه قال:

ص:413


1- 1 . هکذا فی الأصل، والظاهر ان المراد: «ولیس مأذونا له فیکون ضامنا».
2- 2 . المبسوط 2/355.
3- 3 . التحریر 1/274 من الطبعة الحجریة.
4- 4 . حاشیة المکاسب 2/347 و 348.

«ولو أراد غاصب غصب حصة الشریک فقط فلا یبعد جواز مقاصة الشریک الآخر مع الغاصب ولا رجوع للمغصوب منه علی ما بید شریکه وإن کان غائبا»(1).

وقال الفاضل المامقانی: «وحکی بعض مشایخنا أنّه سمع منه شفاها أنْ لا یبعد فی کلام الفقیه فتوی هذه»(2).

وحکاه عنه صاحب الجواهر فی کتاب الشرکة وردّ علیه: «لکنّه کما تری وقد تقدّم(3) لنا بحث فی ذلک»(4).

وحیث ضعّف صاحب الجواهر هذا الاحتمال قال الشیخ الأعظم: «لکنّه احتمال مضعّف فی محلّه وإن قال به أو مال إلیه بَعْضٌ _ علی ما حُکِیَ _ للحرج أو السیرة»(5).

وقال الفاضل المامقانی: «لم نجد من تعرّض لهذا الحکم سوی صاحب الجواهر وصاحب أنوار الفقاهة ولا مفتیا بالجواز سوی الأخیر منهما ومن حکی عنه صاحب الجواهر، نعم قوّاه بعض من تأخر استنادا إلی تحقق السیرة فیما بین الناس من جهة شیوع غصب الأموال المشترکة خصوصا فی الوصایا والأثلاث المُوْصی بها، فإنّهما کثیرا ما تؤخذ بغیر حقّ، ومع ذلک لا تتحرز الورثة من أخذ مقدار حصتهم. هذا ولکنّک خبیر بما فی الاستناد إلی مثل هذا المستند الذی یتّجه المنع علیه موضوعا وحکما فافهم»(6).

وأمّا مستند خالنا فَهُوَ قاعدة نفی الحرج والسیرة بتقریب:

1_ أنَّهُ کثیرا ما نری غصب الغاصبین للأَمْلاکِ الْمُشاعَةِ وحینئذ یکونُ مَنْعُ الشریک من التصرف فی حصته حَرَجا علیه وهذا المنع بقاعدة لا حرج مرفوع عنه فیجوز التقسیم

ص:414


1- 5 . أنوار الفقاهة/ مخطوطة ونقل عنها فی غایة الآمال 6/289 (صفحة 411 من الطبع الحجری).
2- 6 . غایة الآمال 6/290.
3- 7 . الجواهر 23/328 (22/202).
4- 8 . الجواهر 27/623 (26/315).
5- 9 . المکاسب 3/527.
6- 1 . غایة الآمال 6/290.

مع الغاصب ویستقل الشریک بالحصة المفروزة له.

ویرد علیه: قاعدة نفی الحرج ینفی حرمة التقسیم مع الغاصب تکلیفا ولکن لا تَثْبُتُ صِحَّةُ التقسیم معه وضعا بحیث لا یحتاج إلی مراجعة شریکه.

2_ السیرة المستمرة المُدَّعاة التی تکشف عن إمضاء عمل العرف بواسطة المعصومین علیهم السلام .

ویرد علیه: أَنّهُ لم یحرز هذه السیرة واستمرارها بل یحتمل(1) الردع عنها بفتوی أکثر الفقهاء بل هُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَیْهِ کما حُکِی.

ولکن یمکن الاِستناد له قدس سره بالسیرة العقلائیة، لأنّ العقلاء إذا مارس أحدهم _ من دون الشرکاء _ مع الغاصب وَتَمکَّنَ مِنِ اخْتِلاس سهامه منه لا یعطیه إلی شرکائه، بل یقول لهم بأنّه نصیبی وسهامی وأنتم تذهبون وتمارسون مع الغاصب حتّی تأخذوا نصیبکم وسهامکم. هذه السیرة جاریة ولم یردع عنها الشارع فهی ممضاة فی الشریعة المقدسة.

ومع الإقرار بصحة التقسیم مع الغاصب یظهر بوضوح کیفیّة غصب المال المُشاع _ أی المسألة الاولی _ والحمد للّه.

ثمّ ذکر الشیخ الأعظم(2) وجها آخَرَ لکون السدس الذی عند المنکر یُحسب

علی المقرّ له وَحْدَهُ، دون المقرِّ.

وحاصله: الغاصب المنکر الذی لا یدفع حقّ المقرّ له إلیه قد غصب ماله بانیّا علی أنّه من المقرّ له دون المقرّ، لأنّ المفروض دفع المقرّ ما بیده من حقّ المقرّ له وأمّا المنکر یغصب حق المقرّ له لأنّه ذو الید والید أمارة ملکیة عند الشارع فهو ک_ «أنّما أذن له فی أخذ ما یأخذه علی أنّه من مال المقرّ له، فالشارع إنّما حسب السدس فی ید المنکر علی المقرّ له فلا یحسب منه علی المقرّ شیء»(3).

ص:415


1- 2 . کما فی هدی الطالب 6/49.
2- 3 . المکاسب 3/527 قوله قدس سره : «نعم یمکن أن یقال...».
3- 1 . المکاسب 3/527.

ثمّ ذَکَرَ توهما ودفعه(1): أمّا التوهم: فإذا أخذ الغاصب جزءً معینا من مال المشترک یحسب علی کلا الشریکین مثلاً لا علی واحد منهما، وفی المقام أیضا السدس المغصوب یحسب علی الشریکین المقرِّ والمقرّ له.

وأمّا دفعه: فإنّ الغاصب فی المقام أخذ السدس بإذن الشارع مع اعتبار أمارة الملکیة وهی الید بخلاف ما ذکره المتوهم فإنّ الغاصب فیه أخذ من دون إذن من الشارع.

ثمّ أیّد(2) التوهم بمسألة الإقرار بالنسب حیث إنّ الأصحاب _ علی ما نسبه إلیهم فی الإیضاح(3) _ قالوا: «إنّ أحد الأخوین إذا أقرّ بثالث، دفع إلیه الزائد عمّا یستحقّه باعتقاده، وهو الثلث، ولا یدفع إلیه نصف ما فی یده؛ نظرا إلی أنّه أقرّ بتساویهما فی مال المورّث، فکلّ ما حصل کان لهما، وکلّ ما توی کان کذلک»(4).

ثمّ ردّه(5) بأنّ مسألة الاقرار بالنسب غیر مسألة الاقرار بالشرکة، فی الأوّل _ النسب _ الحکم هو تحویل مازاد عن حصة المقرّ إلی المقرّ له ویأتی توضیحه فی الفرع الآتی _ وأمّا فی الثانی _ الشرکة _ الحکم هو ورود الربح والخسارة بنحو الإشاعة علی الشرکاء بنسبة حِصَصهم.

الفرع الخامس: الإقرار بالنسب

غَرَضُ الشیخ الأعظم(6) من ذکر هذا الفرع تضعیف ما مرّ من الإشکال فی الشَِّرْکَةِ

من الإقرار بالنسب وأنّ المشهور من القدماء وإن ذهبوا إلی ما مرّ ولکن «صرح جماعة ممّن تأخر عنهم بمخالفته»(7).

ص:416


1- 2 . المکاسب 3/527 قوله قدس سره : «ولیس هذا کأخذ...».
2- 3 . المکاسب 3/527 قوله قدس سره : «والحاصل: أنّ أخذ...».
3- 4 . إیضاح الفوائد 2/468.
4- 5 . المکاسب 3/527.
5- 6 . المکاسب 3/528 قوله قدس سره : «ولکن لا یخفی ضعف هذا الاحتمال...».
6- 7 . المکاسب 3/528.
7- 1 . المکاسب 3/528.

قال الکلینی فی باب الإقرار بوارث آخر: «قال الفضل بن شاذان: ... وإن ترک ابنین فادّعی أحدهما أخا وأنکر الآخر، فإنّه یردّ هذا المقرُّ علی الذی ادَّعاهُ ثلث ما فی یدیه»(1).

تابعه المشهور من الفقهاء فی کتبهم «کما فی السرائر(2) والشرائع(3) والتذکرة(4) والتحریر(5) والتلخیص(6) [والقواعد(7)] وغیرها(8)، بل فی الخلاف(9) والتذکرة(10) وظاهر السرائر(11) والإیضاح(12) وجامع المقاصد(13) الإجماع علیه...»(14).

وفی الجواهر: «بلا خلاف أجده فیه، بل عن بعضهم(15) نسبته إلی نصّ الأصحاب»(16).

ومستند المشهور عدة من الروایات:

ص:417


1- 2 . الکافی 13/750 (7/167).
2- 3 . السرائر 3/308 و 310.
3- 4 . الشرائع 3/157.
4- 5 . تذکرة الفقهاء 15/455 و 456.
5- 6 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/432.
6- 7 . تلخیص المرام /165.
7- 8 . القواعد 2/441.
8- 9 . جامع المقاصد 9/356.
9- 10 . الخلاف 3/379، مسألة 29.
10- 11 . تذکرة الفقهاء 15/455 و 456.
11- 12 . السرائر 3/308 و 310.
12- 13 . إیضاح الفوائد 2/468.
13- 14 . جامع المقاصد 9/356.
14- 15 . مفتاح الکرامة 22/683.
15- 16 . إیضاح الفوائد 2/468.
16- 17 . الجواهر 36/313 (35/184).

منها: خبر أبیالبَخْتَرِی وَهْبِ بن وهب، عن جعفر بن محمّد، عن أبیه علیهماالسلام قال: قضی علی علیه السلام فی رجل مات وترک ورثة فأقرّ أحد الورثة بدین علی أبیه أنّه یلزم ذلک فی حصّته بقدر ما ورث، ولا یکون ذلک فی ماله کلّه، وإن أقرّ اثنان من الورثة وکانا عدلین

اُجیز ذلک علی الورثة، وإن لم یکونا عدلین أُلزما فی حصتهما بقدر ما ورثا، وکذلک إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو اُخت إنّما یلزمه فی حصّته.(1)

ومنها: بالإسناد قال: قال علی علیه السلام : من أقرّ لأخیه فهو شریک فی المال ولا یثبت نسبه، فإن أقرّ اثنان فکذلک إلاّ أن یکونا عدلین فیثبت نسبه ویضرب فی المیراث معهم.(2)

والروایتان کما تری ضَعِیْفَتانِ بأبیالبَخْتَرِیّ وَهْبِ بْنِ وَهْبٍ وکان قاضیا عامِیّا کذّابا إلاّ أنّ له عن جعفر بن محمّد علیه السلام أحادیث کلّها یوثق بها کما قاله ابن الغضائری(3). مضافا إلی جبران ضعفهما بعمل المشهور، فالمسألة واضحة المدرک عندنا.

ویمکن التمسک بروایة صحیحة الإسناد بعد ثبوت اشترک حکم الاقرار بالدَّیْنِ والوارث وهی صحیحة اسحاق بن عمار عن أبیعبداللّه علیه السلام فی رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدین، قال: یلزم ذلک فی حصّته.(4)

وأمّا تصریح جماعة ممّن تأخر بمخالفة هذا الفرع لِلْقاعِدَةِ الماضیة فی الشَِّرْکَةِ من أنّ ما حصل حصل للشرکاء وما توی توی علیهم واحتمال جریانها فی هذا لفرع کما عن المحقّق الثانی(5) ولعلّه تبعا للعلاّمة فی عتق التحریر(6) وتابعهما ثانی الشهیدین فی

ص:418


1- 1 . وسائل الشیعة 19/325، ح5، الباب 26 من أبواب کتاب الوصایا.
2- 2 . وسائل الشیعة 19/326، ح6.
3- 3 . رجال ابن الغضائری /100، رقم 151، ولکن فی المطبوعة «لا یوثق بها»، وفی مجمع الرجال 6/198 کما ضبطناه وهو الصحیح.
4- 4 . وسائل الشیعة 19/324، ح3.
5- 5 . جامع المقاصد 9/356.
6- 6 . تحریر الأحکام الشرعیة 4/196.

المسالک(1) وسبطه فی نهایة المرام(2)، وقواه المحقّق السبزواری فی الکفایة(3)، وسیّد الریاض قال: أنّه «لا یخلو عن قوة»(4). کما فی المفتاح(5). وتابعهم السیّد الخوئی(6) رحمه الله .

فالمخالفة لا یُعْتَنی بِها بعد وضوح مستند المشهور وتمامیته واللّه العالم.

ص:419


1- 7 . المسالک 11/131.
2- 8 . نهایة المرام، کتاب الاقرار، مخطوط. نقل عنه صاحب مفتاح الکرامة 22/687.
3- 9 . الکفایة 2/510.
4- 10 . ریاض المسائل 13/161؛ والشرح الصغیر 3/46 له أیضا.
5- 11 . مفتاح الکرامة 22/687.
6- 12 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/128.

المسألة السادسة: بیع ما یملکه المسلم وما لا یملکه

اشارة

ذکر الشیخُ الأعظمُ هذه المسألةَ اسْتِطْرادا لأنّها خارِجَةٌ عَنْ مسائل بیع الفضولی.

وعدم تمَلُّکِ المُسْلم له تارةً یکون لعدم قابلیته ذاتا للملک کالحُر، أو لم یکن مالاً کالخنافس، أو یعدّ مالاً عُرْفا _ لا شرعا _ کالخمر والخنزیر، وأُخری لم یکن قابلاً للملک لعارض _ لا ذاتا _ کالوقف أو الحبس.

قال الشیخ الأعظم: «لو باع ما یقبل التملّک وما لا یقبله _ کالخمر والخنزیر _ صفقةً بثمنٍ واحدٍ، صحّ فی المملوک عندنا، کما فی جامع المقاصد، وإجماعا، کما عن الغنیة»(1).

أقولُ: ورد الإجماع فی کلام المحقّق الثانی أیضا: «إلاّ أن یقال: ذلک خرج بالإجماع»(2).

وقال قبله جَدُّنا الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة: «لو باع ما یملکه المسلم وما لا یملکه سواء کان ممّا لا یملک مطلقا أو لم یکن قابلاً لملک المسلم کالحرّ والخمر والخنزیر صحّ البیع فیما یملکه وبطل فیما لا یملک، علی المعروف بین الأصحاب»(3).

والسیّد العاملی(4) فی ذیل قول العلاّمة فی القواعد: «ولو ضمّ إلی المملوک حرّا أو خمرا أو خنزیرا صحّ فی المملوک وبطل فی الباقی»(5) قال: «کما فی التذکرة(6) ونهایة الإحکام(7) والإرشاد(8) والدروس(9) واللمعة(10) والروضة(11) ومجمع البرهان(12)

ص:420


1- 1 . المکاسب 3/531.
2- 2 . جامع المقاصد 4/82.
3- 3 . تبصرة الفقهاء 3/375.
4- 4 . معطوف علی جدنا.
5- 5 . القاعدة 2/20.
6- 6 . تذکرة الفقهاء: فی أحکام تبعّض الصفقة 12/10 و 11.
7- 7 . نهایة الإحکام: فی المعقود علیه 2/479.
8- 8 . إرشاد الأذهان: فی المتعاقدین 1/360.
9- 9 . الدروس الشرعیة: فی البیع 3/196.
10- 10 . اللمعقة الدمشقیة: فی البیع /110.
11- 11 . الروضة البهیة: فی المتعاقدین 3/240.
12- 12 . مجمع الفائدة والبرهان: فی المتعاقدین 8/163.

وغیرها(1). وقد نصّ علی صحّته فی المملوک وبطلانه فی غیره فی المبسوط(2) والوسیلة(3) والغنیة(4) والسرائر(5) والشرائع(6) والنافع(7) والتحریر(8)»(9).

القول الأول: صحة البیع فی ما یملک و فساده فی ما لا یملک

أدلة صحة هذا البیع
1_ صحیحة الصفّار

أنّه کتب إلی أبیمحمّد الحسن بن علی العسکری علیه السلام فی رجل باع قطاع أرضین فیحضره الخروج إلی مکّة والقریة علی مراحل من منزله، ولم یکن له من المقام ما یأتی بحدود أرضه، وعرف حدود القریة الأربعة، فقال للشهود: أشهدوا أنّی قد بعت فلانا _ یعنی المشتری _ جمیع القریة التی حدّ منها کذا، والثانی والثالث والرابع وإنّما له فی هذه القریة قطاع أرضین، فهل یصلح للمشتری ذلک وإنّما له بعض هذه القریة وقد أَقَرَّ له بکلّها؟ فوقع علیه السلام : لا یجوز بیع ما لیس یملک، وقد وجب الشراء من البائع علی ما یملک.(10)

ص:421


1- 1 . کریاض المسائل: فی شروط المتعاقدین 8/129.
2- 2 . المبسوط: فی أحکام تفریق الصفقة 2/(144-145).
3- 3 . الوسیلة: فی بیان بیع تبعّض الصفقة /247.
4- 4 . غنیة النزوع: فی البیع /230.
5- 5 . السرائر: فی البیوع 2/(275-276).
6- 6 . شرائع الإسلام: فی عقد البیع وشروطه 2/9.
7- 7 . المختصر النافع: فی البیع وآدابه /119.
8- 8 . تحریر الأحکام: فی المتعاقدین 2/278.
9- 9 . مفتاح الکرامة 12/660 و 661.
10- 10 . وسائل الشیعة 17/339، ح1، الباب 2 من أبواب عقد البیع وشروطه.

بتقریب: إطلاق ما رقمه علیه السلام : «ما لیس یملک» یشمل ما لا یکون قابلاً للملک فتجری الصحیحة فی هذه المسألة.

وقد اُورد علی هذا الاستدلال بأنّ:

الإطلاق فیها منصرف إلی بیع ماله مع ماله غیره لا مع ما لا یقبل التملک فهو دلیل للمسألة الثالثة الماضیة.

وذکر الشیخ الأعظم هذا الإیراد بقوله: «ودعوی: انصرافه إلی صورة کون بعض القریة المذکورة فیها مال الغیر، ممنوعة»(1).

ووجه المنع فی کلامه: أوّلاً: یمکن قِراءَةُ «لا یجوز بیع ما لیس یُمْلِکَ بصیغة

المبنی للمفعول (المجهول) فحینئذ دلالتها علی هذه المسألة تکون أظهر وَتَرْتَفِعُ دعوی الانصراف.

وثانیا: حیث نعلم بوجود الوقف فی کثیر من الأراضی وإطلاق صحیحة الصفار یشمل فرض الوقف فی قوله «لا یجوز بیع ما لیس یملک» والوقوف تدخل فی ما لم یکن قابلاً للملک _ ولو عارضا _ .

وغلبة وجود الملک علی الوقف لا یصلح لتقیید الإطلاق.

ویمکن أن یناقش الاطلاق بعد قِراءَةِ صیغة یَمْلِکُ المبنی للفاعل (المعلوم) بأنّها ظاهرة فی مال الغیر الذی لا یملکه البائع فلا إطلاق فیها.

ولکن قال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله بعد ذهابه إلی أنّ الصحیحة ظاهرة فی بیع ما یَملک وما لا یَملک [المسألة الثالثة الماضیة] قال: «وهو أمر آخر غیر بیع ما یُملک وما لا یُملک إلاّ أنّ قوله علیه السلام یجوز فیما یملک ولا یجوز فیما لا یملک یقتضی صحة تقسیم الانشاء الواحد إلی أمرین ویتعدّی منه إلی المقام بتنقیح المناط وکیف کان فالبیع بالإضافة إلی ما یُملک صحیح هذا»(2).

ص:422


1- 11 . المکاسب 3/531.
2- 1 . التنقیح فی شرح المکاسب 2/132.
2_ الأدلة العامة
اشارة

ثمّ بعد جریان إطلاق صحیحة الصفار فی المقام وإثبات الصغری فلا مانع من التَّمَسُکِ بالأدلة العامة وهی قوله تعالی: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1) وقوله تعالی: «أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ»(2) وقوله تعالی: «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ»(3) وغیرها.

وأنت تری أَنَّ هذا الدلیل لم یستقل، ویحتاج إلی صحیحة الصفار فی إثبات الصغری لأنّ ما لم یتحقق مصداق العقد والبیع والتجارة فیه لاتجری الأدلة العامةُ فیه ومع جریان الصحیحة لا نحتاج إلی الأدلة العامة إلاّ لِلتَّأْیِیْدِ.

ولکن یمکن أن یقال: بأنّا نحرز الصغری بالوجدان _ لا بجریان الصحیحة _ لأنّ البائع باع ما یقبل التملّک وما لا یقبله بالوجدان وعقد علیهما کذلک وتاجر بهما عن تراضٍ أیضا فلا مانع من التمسک بالأدلة العامة ولابدّ من ورود نهیٍ فی المقام لاستفادة

البطلان منه و ورد النهی بالنسبة إلی بیع ما لا یَملک فی قول النبی صلی الله علیه و آله : لا بیع إلاّ فی ما یَمْلک.(4) وأمّا بیع ما یُملک فَهُوَ باقٍ تحت العمومات والإطلاقات.

والذی ذکرناه جاء موافقا لنظر الشیخ الأعظم قدس سره حیث قال: «بل لا مانع من جریان قاعدة الصحة بل اللزوم فی العقود»(5).

موانع صحة بیع ما یُملک وما لا یُملک
الأوّل: البیع واحد

أنّ العقد الواقع واحد ومع وحدته لا یمکن الحکم بالصحة والفساد معا لأنّه إنشاء واحد وعقد فارد فإمّا أن یحکم بالصحة فی الجمیع أو الفساد کذلک، فالحکم بالصحة فی ما یُملک وبالفساد فی ما لا یُملک مستحیل لأنّ الصفقة واحدة وعدم إمکان التبعّض فیها.

ص:423


1- 2 . سورة المائدة /1.
2- 3 . سورة البقرة /275.
3- 4 . سورة النساء /29.
4- 1 . راجع مصادر الروایة فی الآراء الفقهیة 5/268.
5- 2 . المکاسب 3/531.

ویرد علیه: إذا بنینا إلی انحلال العقد الواحد إلی عقود متعددة حتّی إذا کان الإنشاء واحد والصفقة واحدة فلا بأس من تبعیض الصفقة والحکم بالصحة فی ما یُملک وبالفساد فی ما لا یُملک.

الثانی: قصد المجموع

قصد المتبایعان مجموع ما یُملک وما لا یُملک فی مقابل مجموع الثمن، والعقود تابعة للقصود، والحکم بالصحة فی خصوص ما یُملک خرق للقاعدة.

وبعبارة اُخری: ما قصدا لم یقع وهو بیع المجموع فی مقابل المجموع وما لم یقصدا وقع وهو بیع ما یُملک فقط فی مقابل قسطه من الثمن.

ویرد علیه: قصد المتبایعان بیع کلّ واحد ممّا یُملک وما لا یُملک فهنا قصدان أو القصد الواحد الذی ینحل إلی قصدین لأنّ متعلَّق القصد الواحد کان بنحو تعدد المطلوب، غایة الأمر وقع البیع علی ما یُملک بشرط انضمام ما لا یُملک، والحکم بالصحة فی ما یُملک یستلزم تخلف الشرط دون خرق قاعدة العقود تابعة للقصود.

وبالجملة: بعد انحلال العقد یرتفع المانع.

الثالث: جهالة الثمن

الجهالة فی الثمن أو المثمن توجب بطلان البیع وفی المقام حیث أنّ الحکم بالصحة فی ما یُملک یستلزم جهالة مقدار الثمن الذی فی مقابله فلابد من الحکم بفساد العقد.

ونقل العلاّمة فی التذکرة(1) عن الشافعی(2) هذا المانع فی وجه بطلان المعاملة.

ویرد علیه: الجهالة التی تستلزم بطلان المعاملة، هی التی تؤدّی إلی الغرر لأنّ النبی صلی الله علیه و آله نهی عن بیع الغرر والجهالة فی المقام لیست بتلک المثابة فلا تستلزم البطلان.

لا سیّما إذا تعیّن مقدار الثمن الذی وقع فی مقابل ما یُملک بالطریقة التی تأتی لاحِقا فلا جهالة فی البین أصلاً.

ص:424


1- 1 . تذکرة الفقهاء 12/11.
2- 2 . روضة الطالبین 3/89؛ العزیز فی شرح الوجیز 4/140؛ المجموع 9/381.

إن قلت: الإجماع قائم علی أنّ جهالة الثمن أو المثمن توجب بطلان المعاملة والجهالة هنا تجری فیأتی الحکم بالبطلان.

قلت: الإجماع دلیل لُبِّیٌّ یجب الاقتصار علی القدر المتیقن منه عند الشک فی جریانه والمتیقن من دلالته علی البطلان هی الجهالة التی تسری إلی الثمن أو المثمن من ناحیة غیر الشارع، وأمّا إذا کانت الجهالة مستندة إلیه فلا یجری الإجماع فی المقام.

الرابع: فسادُ الجزء مفسدٌ لکلِّ العقد

القدماء قائلون بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد لأنّ المعاملة هی الالتزام المقیّد بالشرط، فإذا حکم الشارع بفساد الشرط یفسد العقد أیضا لأنّ العقد المجرد عن ذلک الشرط لم یقع فی الخارج حتّی تجری فی حقّه الإطلاقات والعمومات فحینئذ العقد المشروط بالشرط الفاسد یفسد، ثمّ یتعدّون من ذلک إلی فساد الجزء أیضا ویقولون بأنّ الجزء الفاسد یفسد المعاملة لأنّ مرجع فساد الجزء إلی فساد الشرط، لأنّه یرجع إلی اشتراط انضمام الجزء الفاسد فیوجب فساد العقد. فحکم الشرط والجزء واحد.

ویرد علیه: أوّلاً: یذهب المتأخرون إلی أنّ الشرط الفاسد لیس مفسدا للعقد، فقیاس الجزء علیه لا یوجب فساد العقد.

وثانیا: النص والإجماع فی هذا البیع قائمان علی صحته وهذا یکفی فی الفرق بین الجزء الفاسد والشرط الفاسد کما علیه الشیخ الأعظم(1).

وثالثا: فساد الشرط إنّما یوجب فساد العقد _ علی القول به _ «لأجل وحدة المطلوب وإدعاء أنّ الثمن یقع بإزاء المبیع المشروط بالشرط کالعبد بشرط الکتابة ومع فساد الشرط أو تخلفه لا یکون ذات المبیع ممّا وقع بإزائه الثمن، وهذا بخلاف المقام فإنّ

الثمن لا یقع بتمامه بإزاء المملوک علی کلِّ حال، بل إنّما وقع المملوک بإزاء بعض من الثمن وهو ما یخصه علی تقدیر التوزیع وهذا المقدار من الثمن الذی وقع بإزاء المملوک لا یختلف بانضمام الغیر المملوک وعدمه ففساد البیع بالنسبة إلی غیر المملوک لا یوجب

ص:425


1- 3 . المکاسب 3/532.

الاختلاف فی ناحیة المملوک لا من حیث المبیع ولا من حیث ثمنه فیبطل قیاس فساد الجزء بفساد الشرط»(1).

والحاصل: بعد تمامیة إطلاق صحیحة الصفّار وجریان الأدلة العامة فی المقام ودفع الموانع الأربعة فلابدّ من القول بأنّ ما ذهب إلیه المشهور _ من صحة البیع فی ما یُملک وفساده فی ما لا یُملک _ هو المختار، وهذا هو القول الأوّل فی المقام.

القول الثانی: التفصیل بین صورتی علم المشتری وجهله بعدم المملوکیة

اشارة

والحکم بالبطلان فی فرض علم المشتری، وبالصحة فی فرض جهله، نَفی عنه العلاّمة البعد من الصواب فی تذکرة الفقهاء حیث یقول: «لو کان المشتری جاهلاً بأنّ المضموم ملک الغیر أو حُرٌّ أو مکاتَب أو اُمّ ولد ثمّ ظهر له، فقد قلنا: إنّ البیع یصحّ فیما هو ملکه، ویبطل فی الآخر إن لم یُجز المالک، ویکون للمشتری الخیار بین الفسخ والإمضاء فیما یصحّ بیعه بقسطه من الثمن؛ لأنّه لم یسلم له المعقود علیه، فکان له الفسخ. ولو کان عالما، صحّ البیع أیضا ولا خیار له.

وقطع الشافعی بالبطلان فیما إذا کان عالما، کما لو قال: بعتک عبدی بما یخصّه من الألف إذا وزّع علیه وعلی عبد فلان، ولیس کذلک لو کان المضموم إلی العبد مکاتبا أو اُمَّ ولد؛ لأنّ المکاتب واُمّ الولد یتقوّمان بالإتلاف، بخلاف الحُرّ المضموم إلی العبد.(2)

ولیس بعیدا عندی من الصواب البطلانُ فیما إذا علم المشتری حُرّیّة الآخر أو کونه ممّا لا ینتقل إلیه بالبیع، کالمکاتَب واُمّ الولد، والصحّة فیما إذا کان المضموم ملک الغیر»(3).

وقال الشهید بعد نقل مقال العلاّمة مختصرا: «... لأنّه فی قوة بعتک عبدی بما یخصّه من الألف أو یوزّع علیه وعلی هذه الأُمور وهو مجهول وأخذ من عینه»(4).

وقال سیّد المفتاح فی توضیح عبارة الشهید: «... هو مقیّد بجهل المشتری بعین

ص:426


1- 1 . المکاسب والبیع 2/323؛ وراجع منیة الطالب 2/219.
2- 2 . العزیز شرح الوجیز 4/140؛ روضة الطالبین 3/89؛ المجموع 9/381.
3- 3 . تذکرة الفقهاء 12/11، مسألة 553.
4- 4 . الحاشیة النجاریة /224.

المبیع أو حکمه وإلاّ لکان البذل بإزاء المملوک ضرورة أنّ القصد إلی الممتنع کلا قصد...»(1).

وأشار المحقّق الکرکی إلی قول الشهید فی تعلیقه علی تقسیط الثمن: «یلزم القائلین فی الأوّل _ أعنی: مشتری المغصوب العالم بالغصب _ بعدم الرجوع فی الثمن عدم الرجوع هنا، وهو مدخول، إلاّ أن یقال: ذلک خرج بالإجماع، وإطلاق المصنف التقسیط یقتضی الفرق بینه وبین ما هناک، وفی بعض الحواشی المنسوبة إلی شیخنا الشهید طرد الحکم هنا، وهو بعید»(2).

أقول: أنت تری أنّ المحقّق الکرکی رَأی قول الشهید بعیدا.

وتبعهما _ أی تبع العلاّمة والشهید _ الشهید الثانی وقال: «بقی فی المسألة إشکال من وجهین:

أحدهما: أنّ المشتری لهذین الشیئین إن کان جاهلاً بما لا یملک توجّه ما ذکر، لقصده إلی شرائهما، فإذا لم یتم له الأمران وزّع الثمن. أمّا إذا کان عالما بفساد البیع فیما لا یملک أشکل صحة البیع مع جهله بما یوجبه التقسیط، لإفضائه إلی الجهل بثمن المبیع حال البیع، لأنّه فی قوة بعتک العبد بما یخصّه من الألف إذا وزّعت علیه وعلی شیء آخر، وهو باطل.

وقد نبّه علی ذلک العلاّمة فی التذکرة، وقال: إنّ البطلان حینئذٍ لیس ببعید من الصواب.(3)

والثانی: أنّ هذا الحکم _ أعنی التوزیع _ إنّما یتم أیضا قبل إقباض المشتری الثمن، أو بعده مع جهله بالفساد. أمّا مع علمه فیشکل التقسیط لیرجع بقسطه، لتسلیطه البائع علیه واباحته له، فیکون کما لو دفعه إلی بائع مال غیره، کالغاصب. وقد تقدم أنّ الأصحاب لا یجیزون الرجوع بالثمن، إمّا مطلقا أو مع تلفه، فینبغی هنا مثله. إلاّ أن یقال:

ص:427


1- 1 . مفتاح الکرامة 12/661.
2- 2 . جامع المقاصد 4/82.
3- 3 . التذکرة 12/11.

ذلک خرج بالإجماع، وإلاّ فالدلیل قائم علی خلافه، فیقتصر فیه علی مورده. وهو حسن إن تمّ»(1).

واختصر قوله فی الروضة وقال: «... وأمّا مع علمه بفساد البیع فیشکل صحته لإفضائه إلی الجهل بثمن المبیع حال البیع، لأنّه فی قوة بعتُک العبدَ بما یخصه من الألف إذا وُزِّعت علیه وعلی شیء آخر لا یعلم مقداره الآن، أمّا مع جهله فقصده إلی شراء المجموع، ومعرفة مقدار ثمنه کاف، وإن لم یعلم مقدار ما یخصّ کلّ جزء.

ویمکن جریان الإشکال فی البائع مع علمه بذلک، ولا بعد فی بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر، هذا إذا لم یکن المشتری قد دفع الثمن، أو کانت عینه باقیة؛ أو کان جاهلاً، وإلاّ جاء فیه مع علمه بالفساد ما تقدم فی الفضولی بالنسبة إلی الرجوع بالثمن»(2).

وقال السیّد العاملی: «وقد قیّد ذلک بجهل المشتری فی «حواشی الشهید» وکذا فی «کشف الرموز»(3) و«التنقیح»(4) وقد یظهر ذلک من الباقین أو یلوح منهم ما عدا المصنّف فی «التذکرة» وستسمع کلامه. وعبارة «الإرشاد»(5) محتملة للأمرین، ولعلّها فیما نحن فیه أظهر»(6).

أقول: القائلون بهذا القول جماعة من الأصحاب ولعلّ أوّلهم العلاّمة وتبعه الشهیدان والفاضلون الآبی والمقداد والنراقی، قال الأخیر فی المستند: «ثمّ المتّجه فی محلّ النزاع: الفساد فی صورتی علم البائع أو المشتری؛ لما ذکر»(7).

ص:428


1- 4 . المسالک 3/163 و 164.
2- 1 . الروضة البهیة 3/240 و 241.
3- 2 . کشف الرموز: فی البیع وآدابه 1/446.
4- 3 . التنقیح الرائع: فی البیع وآدابه 2/27.
5- 4 . إرشاد الأذهان: فی المتعاقدین 1/360.
6- 5 . مفتاح الکرامة 12/661.
7- 6 . مستند الشیعة 14/301.

وقال الجدّ الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة قدس سره : «وربّما یزاد الإشکال فی المقام تارةً بأنّ البیع المذکور منهیّ عنه للنهی عن الأمور المتضمنة إلی ما یملکه من الحرّ والخمر والخنزیر مثلاً، والمفروض اتحاد البیع المتعلّق بها، وهو قاضٍ بالفساد لتعلّقه بذات المعاملة حسبما فرض.

وأخری بأنّه مع علم البائع أو المشتری بالحال یکون قد باع أو اشتری المجهول مع جهله بما یوجبه التقسیط؛ إذ هو فی قوة أن یبیعه بما یخصّه من الثمن علی تقدیر توزیعه علیه وعلی شیء آخر لا یعلم مقداره. ولذا مال فی التذکرة إلی الفساد حینئذ مع علم

المشتری بالحال، وقال: إنّ البطلان حینئذ لیس ببعید من الصواب.

ویدفع الأوّل أنّ النهیالمذکور إنّما یقضی بالفساد من الجهة الّتی تعلّق به لذات المعاملة ولا ربط له بالشیء الّذی یجوز بیعه؛ إذ تعلّق النهی به حینئذ إنّما یکون تبعا للآخر، فلا قاضی بفساد العقد من تلک الجهة، لا مانع من تبعّض مقتضی العقد حسبما مرّ.

والثانی أنّ المعتبر من العلم بالعوضین ما کان بالنسبة إلی جمیع ما تعلّق به علیه العقد دون ما یصحّ العقد بالنسبة إلیه وإن علم فساده حین العقد بالنسبة إلی البعض حسبما أشرنا إلیه فی المسألة المتقدمة»(1).

أدلة هذا التفصیل
الدلیل الأوّل:

إذا کان المشتری عالما بعدم کون بعض المبیع ممّا لا یُملک، یفقد أحد شروط صحة البیع وهو العلم بمقدار الثمن فی مقابل الجزء المملوک من المبیع فیصیر البیع غرریّا فیحکم ببطلانه.

ویردّ علیه: الجهل بمقدار الثمن الذی یوجب الغرر المفسد للبیع وهو الجهل بتمام الثمن، وأمّا لو کان الجهل بالنسبة إلی المقدار الذی یقابل ما یُملک فلا یکون ذلک غرریّا، مضافا إلی أنّ الجهل هنا یأتی من جانب حکم الشارع بالنسبة إلی بطلان ما لا یُملک. کما مرّ فی الجواب عن المانع الثالث آنفا.

ص:429


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/375 و 376.
الدلیل الثانی:

هذا البیع منهی عنه للنهی عن بیع ما لا یُملک والبیع واحد فقط ویتعلَّق به النهی فیدلّ علی فساده لتعلُّقه بذات البیع.

ویرد علیه: قد مرّ قضیة الانحلال فی البیع الواحد، والنهی المذکور إنّما یدلّ علی الفساد من الجهة التی تعلّق بها _ لا لذات المعاملة _ ففساد العقد بالنسبة إلی الجهة التی لا یتعلّق بها النهی بلا وجه بعد الانحلال کما مرّ هذا الجواب من جدّنا التقی(1) قدس سره .

وتبعه صاحب الجواهر وقال: «والنهی إنّما یفید الفساد من الجهة التی تعلّق بها لا مطلقا وفساد العقد بالنسبة إلی بعض متعلقاته _ بمعنی عدم ترتّب الأثر علیها _ لا ینافی صحته بالنسبة إلی البعض الآخر فیترتّب علیه الأثر»(2).

الدلیل الثالث:

فی صورة علم المشتری بعدم مملوکیة جزء المبیع یقع تمام الثمن فی مقابل المملوک لأنّ فی هذا الفرض قَصَدَ المشتریُ الممتنعَ فحینئذ قصده یکون لغوا وکلا قصد، ولأنّ المشتری سلّط البائع علی الثمن فی مقابل ما یُملکه.

وفی صورة جهل المشتری تکون المعاملة صحیحة بالنسبة إلی ما یُملک.

ویرد علیه: أوّلاً: انتقال تمام الثمن إلی البائع فی فرض علم المشتری غیر بطلان البیع وبینهما بون بعید، الدلیل یثبت انتقال تمام الثمن إلی البائع والمدعی هو بطلان البیع والفرق بینهما واضح. ولذا قال الشیخ الأعظم: «مع أنّه لو تمّ ما ذُکر لا قتضی صرف مجموع الثمن إلی المملوک لا البطلان»(3).

وثانیا: علم المشتری بعدم مملوکیّة ما لا یُملک _ فی فرض وجوده _ لا ینافی مع قصد النقل ولا یکون قصده کلا قصد ولا یکون ممتنعا، لأنّ علمه هذا بإنّ بعض المبیع ممّا لا یُملک شرعا یجمع مع قصد نقله إلیه عرفا وحقیقة عنده ولذا قال الشیخ الأعظم: «فإنّ هذا العلم غیر مناف لقصد النقل حقیقة»(4).

ص:430


1- 2 . تبصرة الفقهاء 3/375.
2- 3 . الجواهر 23/514 (22/320).
3- 1 . المکاسب 3/532.
4- 2 . المکاسب 3/532.

القول الثالث: وهو مختار الاستاذ المحقّق _ مدظله _

ذهب _ مدظله _ إلی أنّ فتوی المشهور _ أصحاب القول الأوّل _ مبنیّ علی انحلال الصفقة ثمّ قال: ملاک الانحلال وعدمه أو الوحدة والتعدد هو وحدة الإبراز والاعتبار وتعددهما فقط «فإذا تمّت الصفقة من خلال إنشاء واحد وإبراز فارد، فلا مجال حینئذٍ للحکم بانحلالها وتعدّدها، وما قاله بعض المحقّقین من أنّ وزان المقام وزان العام الانحلالی ممنوعٌ وقیاس مع الفارق، لأنّ الحکم بانحلال قوله «أکرم کلّ عالم» إلی إکرامات متعدّدة برغم وحدة الإنشاء والإبراز، فإنّه مبنیٌّ لما یستفاد من ذات الدلیل، حیث یدلّ علی تضمّنه للموضوعات المستقلّة التی یحتوی کلّ واحدٍ منهما علی وجوب الإطاعة وحرمة المعصیة المستقلّة عن الآخر، فبالضرورة لابدّ من انحلال الدلیل، وهذا بخلاف المقام، فإنّ المتحقّق لیس إلاّ بیع واحد وإنشاء فارد وإن تضمّن أمرین مختلفین فی الماهیّة والحقیقیة، وبالتالی یکون الحکم بانحلال الصفقة الواحدة المنشأة بإنشاء واحد حکما بلا دلیل. ولهذا السبب یُشکل الحکم بصحّة المعاملة بمقتضی القاعدة، بل القاعدة تقتضی التفصیل بحسب قصد المتعاملین:

فتارةٌ: یتعلّق قصد المُنشئ بیعهما معا بشرط الانضمام، بأن یقصد أن یکون المبیع

کلّ واحد من المتاعین، لکن بشرط أن یکون أحدهما منضمّا إلی الآخر، فتصحّ المعاملة حینئذٍ مع ثبوت الخیار.

واُخری: یتعلّق قصد المُنشئ بذات البیع مقیّدا بالإنضمام، فتکون المعاملة باطلة.

وبالجملة: فإنّ هذه المسألة تضمّ ثلاث صور:

الصورة الاُولی: تارةً نحرز أنّ البائع قصد بإنشاءه بیع ما یُملک وما لا یُملک علی نحو وحدة المطلوب، فتکون المعاملة باطلة.

الصورة الثانیة: واُخری نحرز أنّ البائع قصد بإنشاءه ذات البیع، واعتبر ضمّ أحدهما إلی الآخر کمالاً مضافا إلی أصل المعاملة، فالحکم حنیئذٍ هو صحّة العقد فی خصوص ما یُملک.

الصورة الثالثة: عند الشکّ فی قصده، فالقاعدة تقتضی جریان الأصل، لکنّه أصلٌ

ص:431

غیر نافع فی المقام لمعارضته مع أصل آخر، وذلک لقیام العلم الإجمالی بأنّه إمّا باع مقیّدا أو مشروطا، وأصالة عدم کلّ واحد منهما معارضٌ مع الآخر، وعند تعارضهما یتساقطان، ویصل الدور إلی الشکّ فی تحقّق النقل من خلال هذه الصفقة وعدمه، ممّا یقتضی جریان استصحاب عدم النقل والانتقال، فتکون النتیجة عدم سببیّة المعاملة المذکورة. وهو مختارنا فی المقام»(1).

ثمّ قال: «القول الثالث هو ما التزمنا به فی المقام من التفصیل بین قصد المبیع بنحو وحدة المطلوب، ممّا یوجب بطلان العقد مطلقا حتّی بالنسبة إلی ما یُملک، وبین قصد البیع بنحو تعدّد المطلوب، حیث یصحّ بالنسبة إلی المملوک مع ثبوت خیار الشرط، ومع الشکّ فیهما فالحکم هو البطلان»(2).

أقول: ما ذکره الاستاذ المحقّق _ مدظله _ بالنسبة إلی الاحتمال المدرسی والعلمی تام لا یمکنا مناقشته ولکن الذی یسهّل الخطب أنّ المعاملات تحمل علی العرفیة منها والعرف لا یروون الفرق بین شرطیة الانضمام وقیدیته، وکذلک لا یروون الفرق بین وحدة المطلوب وتعدده، ولا یفهمون أنّ أنضمام أحدهما إلی الآخر _ ما یُملک إلی ما لا یُملک _ علی نحو الکمال الذی یضاف إلی أصل المعاملة أو أنّه علی وجه التقیید، فحینئذ العرف بنظره جمع بین المالین _ عنده _ فی المعاملة الواحدة والشارع الأقدس أمضی البیع

بالنسبة إلی أحدهما _ ما یُملک _ دون الآخر _ ما لا یُملک _ کما علیه المشهور وقد مضی مستندهم وتمامیته، فالمختار عندنا هو فتوی المشهور فی المقام من دون أیّ تفصیل، سواء کان التفصیل بین جهل المشتری وعلمه _ القول الثانی _ أو بین وحدة المطلوب وتعدده _ القول الثالث _ والحمد للّه العالم بأحکامه.

کیفیة تقسیط الثمن

اشارة

قد مرّت کیفیة تقسیط الثمن فی المسألة الثالثة وأنّ فیها ثلاث طرق والمختار

ص:432


1- 1 . العقد النضید 4/(152-150).
2- 2 . العقد النضید 4/158.

عندنا هو الطریق المشهور بأن یقوّم کل من الخلّ والخمر أو الشاة والخنزیر أو العبد والحر منفردا ثمّ یؤخذ نسبة قیمتهما إلی مجموع القیمتین، ثمّ یحاسب النسبة مع الثمن المسمی، مثلاً لو کانت قیمة الخلّ ألف دینار وقیمة الخمر تسعة آلاف یکون مجموعهما عشرة آلاف، فلو باعهما بخمسة آلاف تکون قیمة الخل خمسمأة دینار وقیمة الخمر خمسأة وأربعة آلاف دینار. أعنی نسبة 101 و 109 من الثمن المسمی.

ولذا قال الشیخ الأعظم: «من أنّ العبرة بتقویم کلّ منهما منفردا ونسبة قیمة المملوک إلی مجموع القیمتین»(1).

هذا کلّه إذا کان ما لا یُملک فیه اقتضاء المالیة عرفا کالخمر والخنزیر أو کذلک ولکنّه مقترن عرفا بالمانع کالحرّ فإنّه بنظر العرف مالٌ لکن الحریة مانعة عن مالیته فعلاً.

وأمّا إذا کان ممّا لیس فیه اقتضاء المالیة عرفا کالخنافس والدیدان والجُعل ونحوها، فالظاهر بطلان المعاملة لأجل الجهل بمقدار ثمن ما یُملک حین المعاملة.(2)

«وعلة البطلان: هی جهالة الثمن، حیث أنّ جزءً من الثمن واقع فی مقابل شیء لا مالیة له عرفا أو شرعا، وبالتالی یعدّ ما یبذل فی مقابل المملوک مجهولاً ممّا یستلزم بطلان المعاملة»(3).

أقول: اللهم إلاّ أن یقال: بتصحیح المعاملة بالمصالحة بین الطرفین أو الرجوع إلی الأقل من القیم لأنّ الأصل بقاء مازاد منه علی ملک صاحبه وقال الجد رحمه الله : «لا یبعد البناء علی الأخیر»(4)، لکنّه قدس سره ذهب إلی بطلان فی هذا الفرض وقال: «لو کان ما لا یُملک ممّا لا

قیمة له فی العادة أصلاً کما لو باعه بعض الکثافات مع ما یملکه أو باعه الشمس أو القمر مع شیء مملوک أو باعه شخصا من الجن أو الملائکة مع عبد له و نحو ذلک، فالظاهر فساد البیع؛ إذ لا یتعیّن شیء من الثمن بإزاء المملوک، و لا یمکن جعل الجمیع بإزائه؛ إذ هو غیر

ص:433


1- 1 . المکاسب 3/533.
2- 2 . کما علیه السیّد الخوئی فی التنقیح فی شرح المکاسب 2/134.
3- 3 . العقد النضید 4/159.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/377.

ما یقتضیه العقد ولم یقع العقد علیه»(1).

«ولو کان للانضمام مدخلیة فی تفاوت القیمة جری فیه أیضا ما مرّ»(2) فی المسألة الثالثة فلا نعید.

طریق معرفة قیمة غیر المملوک

قال العلاّمة الجدّ الشیخ محمّدتقی صاحب الهدایة: «ثمّ إنّهم ذکروا هنا فی تقویم غیر المملوک أنّه یقوم الحرّ علی الوصف الّذی هو علیه لو کان رقّا، ویرجع فی الخمر والخنزیر إلی قیمتهما عند مستحلّیهما، فیستعلم قیمتهما عندهم بما یثبت به القیمة فی غیر هذا المقام من شهادة عدلین مطّلعین علی قیمته عندهم أو أخبار جماعة یعلم عادةً عدم تواطئهم علی الکذب أو بأخبار بعضهم إذا انضمّ إلیه من القرائن ما یفید العلم بصدقه»(3).

أقول: قال سیّد الریاض: «... لاشتراط عدالة المقوّم کما قالوه»(4) اعتبار العدالة فی¨ المقوِّم مشکلٌ مطلقا وفی المقام أشکل فلا بأس بالخبرویة وإحراز عدم کذبه ولو بالقرائن العادیة والعرفیة وبما ذکرنا ظهر وجه الإشکال فی کلام ثانی الشهیدین حیث یقول: «وأمّا الخمر والخنزیر فیرجع فیهما إلی قیمتهما عند مستحلّیهما، لا بمعنی قبول قولهم فی القیمة، لاشتراط عدالة المقوّم، بل یمکن فرضه فی تقویم عدلین قد أسلما عن کفر یشتمل علی استحلالهما، أو مطّلعین علی قیمتهما عندهم، لکثرة المخالطة لهم وعدم احتشامهم فیهما. ولو قیل بقبول إخبار جماعة منهم کثیرة یؤمن اجتماعهم علی الکذب، ویحصل بقولهم الظن الغالب المقارب للعلم، أمکن»(5).

مضافا إلی أنّ دون الوصول إلی «عدلین قد أسلما عن کفر یشتمل علی استحلالهما

ص:434


1- 1 . تبصرة الفقهاء 3/378؛ ثانیها.
2- 2 . تبصرة الفقهاء 3/376.
3- 3 . تبصرة الفقهاء 3/376.
4- 4 . ریاض المسائل 8/232.
5- 5 . المسالک 3/163.

أو مطّلعین علی قیمتهما عندهم لکثرة المخالطة لهم»(1) خرط للقتاد.

وثالثة: اعتبار «الظن الغالب المقارب للعلم»(2) فی الموضوعات الصرفة، والتقویم منها محلّ منع وإشکال(3)، اللهم لو قال الشهید الثانی رحمه الله به فی جمیعها، مع ما فیه.

ورابعة: «الرجوع فی قیمة الخمر والخنزیر إلی مستحلیه إنّما یتم إذا لم یکن مقوّما عند فساق المسلمین، أمّا إذا کان مقوّما عندهم جاریا فی معاملاتهم کما هو الحال فی الخمر فی بعض البلدان فلا حاجة إلی الرجوع إلیهم، بل لا وجه إذا اختلفت قیمته عندهم لما یقوم به عند الکفّار.

وکون ذلک ممّا لا قیمة له فی الشریعة لایقضی بانتفاء القیمة العرفیة، فإنّ المعاملات إنّما تجری علی مجری العادات. وکأنّ کلامهم فی المقام محمول علی الغالب، وإلاّ فالمتّجه حینئذ الرجوع إلی قیمته عندهم؛ لابتناء العقد حینئذ علی ذلک، فلا حاجة إلی الرجوع إلی غیرهم، بل لا وجه له مع اختلاف قیمته عندهم لما عندنا»(4).

وخامسة: «ما ذکروه من تقویم الحرّ عبدا متّجه إذا بیع علی أنّه رق فتبیّن حرّا، وأمّا لو بیع علی أنّه حرّ لم یتجه فرض کونه رقّا... لأنْ یفرض فی تقویمه ما لیس فیه.

إلاّ أن یقال: إنّ التقویم مبنیّ علی ذلک، إذ لا قیمة للحرّ فلولا فرضه رقّا لم یقوم فی العادة»(5).

وسادسة: قال الفاضل النراقی فی المستند: «ولا یخفی أن تقویم الخمر والخنزیر عند مستحلّیهما إنّما هو عند علم المتبایعین بکونه خمرا أو خنزیرا، أمّا مع ظنّ کونهما خلاًّ أو شاة فیقوّم مثله لو کان شاةً أو خلاًّ علی ما هو من الأوصاف، ویقع الإشکال فیما لم

ص:435


1- 1 . المسالک 3/163.
2- 2 . المسالک 3/163.
3- 3 . کما یظهر من العلاّمة الجدّ فی تبصرة الفقهاء 3/376.
4- 4 . تبصرة الفقهاء 3/378.
5- 5 . تبصرة الفقهاء 3/377.

یکن اتّحاد الأوصاف»(1).

وکذلک قال العلاّمة الجدّ رحمه الله : «إنّ ما ذکر من تقویم الخمر والخنزیر عند مستحلّیه إنّما یتمّ إذا بیع علی أنّه خمر أو خنزیر، وأمّا لو بیع الخمر علی أنه خلّ مثلاً أو الخنزیر علی أنّه شاة أو بقر فالظاهر تقویم الخمر خلاًّ والخنزیر شاة أو بقرا؛ إذ الثمن إنّما بذل علی ذلک،

فلا وجه لتقویمه خمرا أو خنزیرا.

والظاهر أنّ المفروض فی کلام الأصحاب هو الأوّل، ولذا اعتبروا القیمة علی ما ذکروه»(2).

وتعرض الشیخ الأعظم لهذا الاشکال وقال: «ویشکل تقویم الخمر والخنزیر بقیمتهما إذا باع الخنزیر بعنوان أنّها شاة، والخمر بعنوان أنّها خلّ فبان الخلاف بل جزم بعضٌ هنا بوجوب تقویهما قیمة الخلّ والشاة کالحرّ»(3).

إلی هنا تمّ البحث حول مسائل بیع الفضولی وما یلحق بها وبه تمّ الجزء الثالث من قسم البیع من کتابنا «الآراء الفقهیة» فی ذکری لیلة استشهاد الإمام محمّد بن علی بن الحسین باقرالعلوم _ سلام اللّه علیهم أجمعین _ السابع من ذی الحجة الحرام سنة 1434 علی ید مُؤَلِّفِهِ العبد هادی النجفی ببلدة إصفهان صانها اللّه تعالی عن الحدثان.

والحمد للّه أوّلاً وآخرا وظاهرا وباطنا وصلی اللّه علی سیّدنا محمّد وآله الأئمة الهداة الطیبین الطاهرین المعصومین لا سیّما خاتمهم الإمام المنتظر الحجة الثانیعشر المهدی _ عجل اللّه تعالی فرجه _ .

ص: 436


1- 6 . مستند الشیعة 14/300.
2- 1 . تبصرة الفقهاء 3/378.
3- 2 . المکاسب 3/534.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.