االآراء الفقهیه: (قسم البیع 1) المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: تهران: شب افروز، 1393.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2-شابک : 978-600-92902-8-4

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ36 1393

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3555378

ص: 1

اشارة

ص: 2

تاریخ تصحیح الکتاب من نظم فضیلة العلاّمة القدیر الشاعر المُفْلِق

السیّد عبدالستار الحسنی البغدادی حفظه اللّه تعالی :

عَرَضَ عَلَیَّ صاحِبُ السَّماحَةِ، الفَقْیِهُ الْمُحَقِّقُ، آیَةُ اللّه ِ الشَّیْخُ (الهادِیْ) مِنْ آل (أبی الْمَجدِ) النَّجفیّ _ دامَ ظِلُّهُ _ کِتابَهُ النَّفْیِسَ الْقَیِّمَ الْمَوْسُوْمَ بِ_ (الآراء الْفِقهِیَّة) _ المُجَلّد الرّابع _ قَبْلَ طَبْعِهِ، وَ غِبَّ الاِنْتِهاءِ مِنْ مُطالَعَتِهِ حَضَرَتْنی هذِهِ الاْءَبْیاتُ فی تَقْرِیْظهِ _ إِجْمالاً _ وَ فِیْ آخِرِها تأْرِیْخُ الاِنْتِهاءِ مِنْ إِتْمامِهِ، راجیا مِنْ سَماحَةِ الشَّیْخِ النَّجَفِیِّ قَبُوْلَها:

بِ_ (النَّقْضِ وَ الاْءِبْرامِ) (هادِیْ) الْوَری مِیْزانُهُ الرّاجِحُ دُوْنَ(1) ارْتِیابْ

إذْ سَبَرَ (الاْآراءَ) مُسْتَقْصِیا وَ خاضَ مِنْ (قامُوْسِهِنَّ)(2) الْعُبابْ

مُسْتَکْنِها أَسْرارَ ما جاءَ مِنْ أَحْکامِ دِیْنِ اللّه ِ فی کُلِّ بابْ

شَمَّرَ عَنْ ساعِدِهِ(3) جاهِدا بِهِمَّةٍ لا تَنْشَنِیْ لِلصِّعابْ

ص: 3


1- (1) الوَجْهُ أَنْ یُقالَ: (مِنْ دُوْنِ...) لکِنْ خُذِفَتْ (مِنْ) _ هُنا _ لِمُراعاةِ الْوَزْنِ.
2- (2) الْقامُوْسُ: مِن أسْماءِ الْبَحْرِ، وَ قَدْ سَمّی الَمجْدُ الفَیْرُوزآبادِیُّ کِتابَهُ فی اللُّغَةِ بِ(القاموس...) تَشْبِیْها لَهُ بِالْبَحْرِ لاِتِّساعِ مَوادِّهِ اللُغَوِیَّةِ، وَ هذِهِ التسْمِیَّةُ هِیَ التّی أَوْ قَعَتِ الْمُتَأَخِّرِیْنِ فی الاِشْتِباهِ؛ فَظَنُّوْا (الْقامُوْسَ) مُرادِفا لِ(الْمُعْجَم) وَ الاْءَمْرُ کَما تَری!
3- (3) یُقالُ: شَمَّرَ عَن ساعِدِهِ، وَ عَنْ ساعِدَیْهِ، کِلاهُما بِمَعنیً واحِدٍ، إذا جَدَّ فِیْ الاْءَمْرِ وَ انْتَدَبَ لَهُ.

وَ کَیْفَ لا یَحْویْ الْعُلا ماجِدٌ مِنْهُ إِلی (الَْمجْدِ)(1) تَجَلّی انْتِسابْ

للّه مِنْ سِفْرٍ أَتانا بِهِ ضَمَّ إِلی الْحِکْمَةِ فَصْلَ الْخِطابْ

أَسْفَرَ مِثْلَ الشَّمْسِ لکِنَّهُ لا یَتَواری نُوْرُهُ بِالْحِجابْ(2)

فُصُوْلُهُ قَدْ حُرِّرَتْ فَاغْتَدَتْ بُغْیَةِ(3) مَنْ یَرُوْمُ مَحْضَ اللُّبابْ

(مَناطُها) (تَنْقِیْحُهُ) مُعْرِبٌ عَنْ فِکْرِ خِرِّیْتٍ، سَدِیْدِ انْتَخابْ

لا یَعْتَرِیْ الاْءِشْکالُ مَضْمُوْنَهُ کَما خَلا فی الْعَرْضِ مِنْ کُلِّ عابْ(4)

مِنْهاجُهُ الْمَهْیَعُ مَنْ یَقْفُهُ یَحْظَ بِتَحْصِیْلِ الْمُنی وَ الرِّغَابْ

وَ بِ_ (اللَّیالِیْ الْعَشْرِ) أَرِّخْ: (أَجَلْ قَدْ سَلَکَ الشَّیْخُ سَبِیْلَ الصَّوابْ)

1431 ه. ق

ص: 4


1- (1) فِیْهِ تَوْرِیَةٌ لاِنْتِسابِ آیَةِ اللّه الشَّیْخِ الْهادِیْ _ دامَ ظِلُّهُ _ إِلی جَدِّهِ الاْءَعْلی، آیَةِ اللّه ِ الْعُظْمی عَلَمِ الْفُقَهاءِ وَ الُْمجْتَهِدِیْنِ الاْءِمامِ الشَّیْخِ مُحَمَّدٍ الرِّضا آلِ (صاحِبِ الْحاشِیَةَ عَلی الْمَعالِمِ) الْمُلَقَّبِ بِ(أَبِیْ الَْمجْدِ) قدس سره .
2- (2) فِیْهِ تَلْمِیْحٌ بِ(الاِقْتِباسِ) مِنْ قَوْلِهِ تَعالی: «... حَتّی تَوارَتْ بِالحِجابِ» و الضَّمْیِرُ فِیْ (تَوارَتْ) عائِدٌ علی الشَّمْسِ.
3- (3) بُِغْیَةَ: بِضَّمِ الْباءِ وَ کَسرِها، لکِنَّ الشّائِعَ الْیَوْمَ الاِقْتِصارُ عَلی الضَّمِّ.
4- (4) العابُ: العَیْبُ. سَلْخُ شَعْبانَ الْمُعَظَّمِ 1431 ه . ق.

الحمدللّه الذی أحلّ البیع و حرّم الربا و الصلاة و السلام علی مؤسس الشریعة و الأحکام محمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله و علی مبیّنیها أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام و الاْءحَدَ عَشَرَ من ولده الأئمة المعصومین علیهم السلام لا سیما علی الحجة الثانی عشر بقیة اللّه الإمام المنتظر المهدی عجل اللّه تعالی فرجه الشریف و جعل أرواحنا فداه.

تقسیم الفقه

بعد الفراغ من البحث حول المکاسب المحرّمة لابُدَّ من الشروع فی البحث عن کتاب البیع و هو من کتب القسم الثانی من أقسام الفقه، لأنّ الفقه ینقسم إلی أربعة أقسام:

1_ العبادات: و هی اُمور اشترط فی صحَّتِها النیة أو شُرِّعَتْ للمصالح الاُخرویة.

2_ المعاملات: و هی بنفسها تنقسم إلی ثلاثة أقسام:

أ: العقود: و هی ماللألفاظ فیها مدخلیة و مشتملة علی إیجاب و قبول أو لاأقل مشتملة علی رضا الطرفین أو المتضمنة لقصد من الجانبین.

ب: الایقاعات: و هی ایضا ما للألفاظ فیها مدخلیة ولکن تشتمل علی إیجابات فقط أو مَقاصِد أو رضا من جانب واحد.

ج: الأحکام: و هی ما أثبتها الشرع من غیر توقیف علی لفظ أو قصد أو رضا.(1)

و هذه التعاریف لیست من التعاریف الحقیقیة بل من قبیل شرح الاسم و لذا لا تَطَّرِدُ و لا تَنْعَکِسُ.

ص: 5


1- (1) کذا قسّمها الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره فی شرح القواعد 1/97 و 96.

و ربّما عبّر عن بعض الکتب النهائیة فی الفقه بالسیاسات نحو: القضاء و الشهادات و الحدود و القصاص و الدیات.

و جماعة عبّروا عن هذا الکتاب بالبیع کما فی الانتصار(1) و المبسوط(2) و الخلاف(3) و الغنیة(4) و الجامع للشرائع(5) و الدروس(6) و کذا ربّما بالتجارة کما فی الشرائع(7) و المراد بالتجارة هی البیع وَ تَوابعُهُ، و لیس المراد بها ما ذکره الزمخشری من أنّها «صناعة التاجر و هو الذی یبیع و یشتری للربح»(8).

و کذا ربما عبّروا عن هذا الکتاب بالمتاجر کالعلاّمة فی القواعد(9) و الشهید فی اللمعة(10) و هو مصدر میمی بمعنی التجارة کالمقتل بمعنی القتل.

و حیث کان الإنسان مَدَنِیّا بالطبع و لا یمکنه الاستقلال بحوائجه کلّها فلابدّ فی حفظ النظام من تشریع المعاملات و تعلّم أحکامها و بما أنّ اشتغال الجمیع بها یوجب اختلاف النظام وجب التصدی لها کفایة کما فی مصباح الفقاهة(11).

ص: 6


1- (1) الانتصار /433.
2- (2) المبسوط 2/76.
3- (3) الخلاف 3/3.
4- (4) الغنیة /207.
5- (5) الجامع للشرائع /244.
6- (6) الدروس 3/191.
7- (7) شرائع الاسلام 2/3.
8- (8) الکشاف 3/242.
9- (9) قواعد الاحکام 2/5.
10- (10) اللمعة /103.
11- (11) مصباح الفقاهة 2/3.

الإضافة الحاصلة بین المال و مالکه

قبل الورود فیها لابدّ من التَّذْکِیْرِ مُجَدَّدا بِالْفَرْقِ بین المال و الملک و النسبة بینهما؛ المال: هو ما یبذل بإزائه المال أو الشیء و یتنافسون فیه و یدخرونه و یمیل إلیه النوع فی حدّ ذاته و لا یختص بالأعیان بل یعم المنافع و بعض الحقوق أیضا.

و النسبة بینه و بین الملک هی العموم من وجه، لأنّه قد یوجد الملک و لا یوجد المال کالحبّة من الاُرز فإنّها ملک و لیست بمال، و قد یتحقّق المال من دون الملک کالمباحات الأصلیة قبل حیازتها و قد یجتمعان نحو: الأراضی و الدور و السیارات و نحوها و هی کثیرة.

و أمّا الإضافة بین المال و مالکه: فَتارَةً هی إضافة حقیقیة خالقیة: و هی مالکیة اللّه تعالی بالنسبة إلی جمیع الأشیاء و المخلوقات، فالجمیع ملک للّه تعالی ملکیّة حقیقیة ذاتیة إشراقیة خالقیة: «قل اللهم مالک الملک»(1).

و اُخری: هی إضافة ذاتیة تکوینیة: و المراد بالذاتی هنا هو ما لا یحتاج تحققّه إلی أمر خارجی و لیس المراد به الذاتی فی باب البرهان: أیّ ما ینتزع من مقام الذات، و لا الذاتی فی باب الإیساغوجی أیّ: الجنس و الفصل.

و هذه الاضافة نحو: ملکیّة کلّ فرد لأعضائه و أطرافه و نفسه و أعماله و أفکاره و ذمّته.

و ثالثة: إضافة عرضیة اعتباریة: یظهر تَعْرِیْفُ العرضیة ممّا یقابلها من الذاتیة، فالمراد بها هی ما یحتاج تحققه إلی أمر خارجی و المراد بالإعتباری أیّ لیس لَهُ وجود حقیقی، متأصل بالذات. و هذه الاضافة نحو: ملکیّة کلّ فرد لأمواله الخارجیة.

و هذه الأخیرة إمّا الأوّلیة المنقسمة إلی الأصلیة الاستقلالیة و التبعیة الغیریة.

ص: 7


1- (1) سورة آل عمران /26.

و إمّا الثانویة المنقسمة إلی الاختیاریة و القهریة و تفصیل ذلک:

أ: الاضافة الأوّلیة الأصلیة نحو: الاضافة المالیة الحاصلة بالعمل أو بالحیازة أو بهما معا.

ب: الاضافة الأوّلیة التبعیة فهی ما تکون بین المالک و نتاج أمواله نحو: أنّه اصطاد حیوانا حیّا فولد له.

الاضافة الثانویة: و هی أیضا علی نَوْعَیْنِ:

أ: الاختیاریة: و هی الحاصلة من المعاملات من البیوع و الهبات.

ب: القهریة: و هی الحاصلة من الإرث و الوقف و الوصیة بناءً علی أنّ الأخیر من الإیقاعات.

و لتفصیل هذا البحث راجع مصباحَ الفقاهة 2/(7-4).

ص: 8

تعریف البیع

قال أحمد بن فارس: «بیع: الباء و الیاء و العین اصلٌ واحدٌ، و هو بیع الشیء و رُبّما سمّیَ الشِّرَی بیعا و المعنی واحدٌ. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : لا یبع أحدکم علی بیع أخیه، قالوا: معناه: لا یَشْتَرِ علی شِرَی أخیه، و یقال: بعت الشیء بیعا، فإن عَرَضْتَه للبیع قلتَ أبَعْتُهُ...(1)»(2).

و قال الفیومی: «... و البیع من الأضدادِ مثلُ الشِرَاءِ و یُطلق علی کلِّ واحد من المتعاقدین أنّه بائع، ولکن إذا اُطلق البائعُ فالمتبادر إلی الذهن باذل السِّلْعَةِ، و یُطلق البیع علی المبیع فیقال: بیعٌ جیدٌ و یُجمعُ علی بیوع، و بعتُ زیدا الدارَ یتعدّی إلی مفعولین و کثر الاقتصار علی الثانی لأنّه المقصودُ بالإسناد و لهذا تتمُّ به الفائدة نحو بعتُ الدارَ، و یجوز الاقتصارُ علی الأوّل عند عَدَمِ اللَّبْسِ نحو: بعتُ الأمیرَ لأنّ الأمیر لا یکون مملوکا یُباعُ... و الأصل فی البیع مُبادَلَةُ مالٍ بمالٍ لقولهم بیعٌ رابحٌ و بیعٌ خاسرٌ و ذلک حقیقةٌ فی وصف الأعیان لکنَّهُ اُطلق علی العقد مجازا لأنّه سببُ التملیک و التملُّکِ و قولُهُم: صحَّ البیعُ أو بَطَلَ و نحوه أیّ صیغة البیع لکن لمّا حُذِفَ المضاف اُقیمَ المضافُ إلیه مقامَهُ و هو مذکَّر اُسند الفعلُ و إلیه بلفظ التذکیر...»(3).

و قد عرّفه الفقهاء بکلمات مختلفة اُذکر لک بعضها:

البیع: انتقال عین مملوکة من شخص إلی غیره بعوضٍ مقدّر علی وجه التراضی، فلا ینعقد علی المنافع و لا علی ما لا یصحّ تملّکه و لا مع خلوّه عن العوض و لا مع جهالته و لا

ص: 9


1- (1) و لذا لا یَصحُّ قَوْلُهُمْ: المُباعُ لا یرجِع لاِءنّ مَقْصُوْدَهُمْ: الذی دَفَعَ علیه الْبَیْعُ لا المعروض و الصوابُ: المَبِیْعُ.
2- (2) معجم مقاییس اللغة 1/327.
3- (3) المصباح المنیر /69.

مع الإکراه، و یظهر هذا التعریف من المبسوط(1) و السرائر(2) و التذکرة(3) و نهایة الإحکام(4) و التحریر(5) و التلخیص(6) و القواعد(7).

و فی المختلف(8): أنّه العقد علی الانتقال المذکور و أنّه المتبادر من البیع عند الإطلاق.

و فی الکافی(9): أنّه عقد یقتضی استحقاق التصرف فی المبیع و الثمن و تسلیمهما. و نحوه فی النافع(10) و الدروس(11) و التنقیح(12) من أنّه الإیجاب و القبول علی اختلافها فی القیود زیادة و نقصانا.

و استقرب المحقّق الثانی(13) أنّه نقل الملک من مالک إلی غیره بصیغة مخصوصة. و هو ظاهر الشرائع(14) و اللمعة(15) حیث عرّفا فیهما عقد البیع بما دلّ علی نقل الملک فیکون نقلاً لا انتقالاً و لا عقدا و اختاره السیّد بحرالعلوم فی مصابیحه علی ما حکی عنه تلمیذهُ

ص: 10


1- (1) المبسوط 2/76.
2- (2) السرائر 2/240.
3- (3) تذکرة الفقهاء 10/5.
4- (4) نهایة الإحکام 2/447.
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
6- (6) تلخیص المرام /94.
7- (7) قواعد الأحکام 2/16.
8- (8) مختلف الشیعة 5/51.
9- (9) الکافی فی الفقه /352.
10- (10) المختصر النافع /118.
11- (11) الدروس 3/191.
12- (12) التنقیح الرائع 2/23.
13- (13) جامع المقاصد 4/55.
14- (14) الشرائع 2/7.
15- (15) اللمعة الدمشقیة /109.

صاحب المفتاح(1)، الذی جمیع هذه المنقولات منه و اختار هو أنّه: «إنشا تملیک العین بعوض علی وجه التراضی»(2).

و لعلّ الصحیح فی تعریفه هو: تملیک خاص بعوض أو تبدیل العین أو الشیء بعوض علی وجه التراضی بین الطرفین. أو «تملیک العین بالعوض فی ظرف تملّک المشتری» کما عن المحقّق النائینی(3). و لازمه التبادل و تعویض طرفی إضافة الملکیّة.

و الذی یسهل الخطب أنّ العرف یعرفون البیع و أنّ مفهومه من المفاهیم الواضحة البدیهیة الارتکازیة التی یعرفها کلّ أحد فی الجملة، و لیس له حقیقة شرعیة و لا حقیقة متشرعة کما اعترف به الشیخ الأعظم(4) رحمه الله فهذه التعاریف المختلفة کلّها إشارة إلی ذاک المفهوم العرفی المرتکز فی الأذهان فلا نَتَرَتَّبُ فائدة علی النقض و الإبرام علیها و تطویل الکلام فیها.

تنبیهات

اشارة

نعم هاهنا اُمورٌ لابدّ من التنبیهِ علیها:

الأوّل: هل یعتبر فی البیع کون المعوَّض من الأعیان؟

المصرَّح به فی کلام جماعة من الأصحاب و لعل المشهور هو هذا الاعتبار کما قال الشیخ الأعظم قدس سره : «الظاهر اختصاص المعوّض بالعین، فلا یعمّ أبدال المنافع بغیرها و علیه استقرّ اصطلاح الفقهاء فی البیع»(5).

و قال قبله صاحب الجواهر: «لا خلاف و لا اشکال فی اعتبار کون المبیع عینا و

ص: 11


1- (1) مفتاح الکرامة 12/476.
2- (2) مفتاح الکرامة 12/482.
3- (3) منیة الطالب 1/114.
4- (4) المکاسب 3/10.
5- (5) المکاسب 3/7.

لذلک اشتهر بینهم أنّه لنقل الأعیان کإشتهار أنّ الإجارة لنقل المنافع»(1).

ولکن یظهر من الشیخ أنّه یستعمل البیع فی نقل غیر الأعیان فی شأن بیع العبد المدبَّر إذا عاد إلی مولاه فهل یعود حکم التدبیر أم لا؟ قال: «و الذی نقوله إن کان حین باعه نقض تدبیره فإنّه لا یعود تدبیره و إن کان لم ینقض تدبیره فالتدبیر باق، لأنّ عندنا یصحّ بیع خدمته دون رقبته مدّة حیاته...»(2).

و قال الشیخ فی نهایته: «و متی أراد المدبِّرُ بیعه من غیر أن یَنْقُصَ تدبیره لم یجزْ له: إلاّ أن یُعْلِمَ المبتاع أنّه یَبِیعُهُ خدمتَه و أنّه متی مات هو، کان حرّا لا سبیل له علیه»(3).

و قد حکی الشهید عن ابن الجنید قوله: «تباع خدمته مدّة حیاة السیّد»(4).

کما ورد فی بعض الروایات استعماله فی غیر نقل الأعیان:

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن عبد صالح علیه السلام قال: سألته عن رجل فی یده دار لیست له و لم تزل فی یده و ید آبائه من قبله قد أعلمه من مضی من آبائه أنّها لیست لهم و لا یدرون لِمَنْ هی فیبیعها و یأخذ ثمنها؟ قال: ما اُحبُّ أن یبیع ما لیس له، قلت: فإنّه لیس له، قلت: فیبیع سکناها أو مکانها فی یده فیقول: أبیعک سکنای و تکون فی یدک کما هی فی یدی، قال: نعم یبیعها علی هذا.(5)

و منها: صحیحة اسماعیل بن الفضل الهاشمی قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل اشتری أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج و أهلها کارهون و إنّما یَقْبَلُها من السلطان

ص: 12


1- (1) الجواهر 22/208.
2- (2) المبسوط 6/172.
3- (3) النهایة /552.
4- (4) الدروس الشرعیة 2/233.
5- (5) وسائل الشیعة 17/335، ح5، الباب 1 من أبواب عقد البیع و شروطه.

لعجز أهلها عنها أو غیر عجز، فقال: إذا عجز أربابها عنها فلک أن تأخذها إلاّ أن یضاروا و إن أعطیتهم شیئا فسخت أنفس أهلها لکم فخذوها. قال: و سألته عن رجل اشتری أرضا من أرض الخراج فبنی بها أو لم یبن غیر أنّ اُناسا من أهل الذمة نزولوها، له أن یأخذ منهم اُجرة البیوت إذا أدّوا جزیة رؤوسهم؟ قال: یشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال.(1)

و نحوها خبر محمّد بن شریح(2) و خبر أبی بُردَة بن رجَا(3) و صحیحة حریز(4) و حسنة ابراهیم بن أبی زیاد(5) و موثقة محمّد بن مسلم و عمر بن حنظلة(6).

و منها: صحیحة أبی مریم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سُئل عن رجل یعتق جاریته عن دبر، أیطؤها إن شاء أو ینکحها أو یبیع خدمتها حیاته؟ فقال: أیّ ذلک شاء فعل(7).

و نحوها معتبرة السکونی(8) و خبر علیٍّ(9).

و حمل الجمیع علی «مسامحة فی التعبیر»(10) کما عن الشیخ الأعظم قدس سره مشکل جدّا.

مضافا إلی خروج بیع الکلّی فی جمیع أقسامها: من الکلّی فی ذمّه البائع أو فی ذمّة الغیر و الکلّی المشاع و الکلّی فی الخارج، و الکلّ یتفقون علی صحة بیع الکلّی.

فالظاهر أنّ المراد بالعین فی کلماتهم إذا کان الشخص الخارجی فلا یصح جمیع هذه

ص: 13


1- (1) وسائل الشیعة 17/370، ح10، الباب 21 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) وسائل الشیعة 17/370، ح9.
3- (3) وسائل الشیعة 15/155، ح1، الباب 71 من أبواب جهاد العدو.
4- (4) وسائل الشیعة 15/157، ح6.
5- (5) وسائل الشیعة 15/156، ح4.
6- (6) وسائل الشیعة 15/156، ح3.
7- (7) وسائل الشیعة 23/119، ح1، الباب 3 من أبواب التدبیر.
8- (8) وسائل الشیعة 23/120، ح4.
9- (9) وسائل الشیعة 23/120، ح3.
10- (10) المکاسب 3/7.

الموارد ولکن إذا کان المراد بالعین ما یقابل المنفعة لتشمل الشخص الخارجی و الکلّی بجمیع أقسامها و یخرج منه الموارد المذکورة فی الروایات التی مرّت آنفا.

و الذی یختلج بالبال کما مرّ: أنَّ (بِحَذْفِ الباءِ) البیع لیس له حقیقة شرعیة و لا متشرعة و علی هذا کُلّ ما سماه عرف العقلاء بیعا فهو بیع و أمضاه الشارع ب_«أحل اللّه البیع»(1) إلاّ ما خرج بالدلیل نحو: البیع الربوی و غیره. و علی ما ذکرناه تدخل الروایات أیضا من دون مسامحة و لذا قال صاحب الجواهر رحمه الله : «و عن بعض المتأخرین اعتبار عینیة العوضین، و هو وهم»(2) و اللّه العالم.

الثانی: بیع الکلّی

الأعیان فی البیع تارة تکون شخصیّةً و اُخری کُلِّیَّةً.

العین الشخصی إمّا یکون بالفعل موجودا و إمّا أن یکون بالقوة الأوّل نحو: بیع الأعیان الخارجیة، و الثانی نحو: الأثمار المتجددة فی بیع الثمرة علی الشجر.

و أمّا الکلّی فَهُوَ أیضا علی أقسام: الأوّل و الثانی: الکلّی الثابت فی الذمّة، و الذمّة تنقسم إلی ذمّة البائع نفسه أو ذمّة غیره، الکلّی الثابت فی ذمّة الإنسان نفسه نحو: بیع منّ مِن الاُرز حالاًّ أو سَلَما، و الکلّی الثابت فی ذمّة غیره کبیع الدین ممّن هو علیه أو من غیره. فهاتان صورتان.

الثالث: الکلّی المشاع: کثلث الدار أو کسر آخر منها.

الرابع: الکلّی فی المعین: کصاح من الصبرة المعینة.

لا اشکال فی تعلّق البیع بجمیع هذه الصور فی العرف و عند العقلاء و لم یَنْهَ الشارع

ص: 14


1- (1) سورة البقرة /275.
2- (2) الجواهر 22/209.

عنها فصار البیع صحیحا و لا یصغی إلی الاشکالات الباردة فی بیع الکلّی فی الذمّة من أنّ الملکیّة تحتاج إلی محلّ تعرضها و هو هنا غیر موجود، و الکلّی قبل تحقّق العقد لا یعدّ مالاً، و کیف یبیع الإنسان ما لا یملکه؟

و الجواب عن الأوّل: بأنّ الملکیة أمر اعتباری و لیست من الاُمور الحقیقیة المتأصلة من الأعراض حتّی تحتاج إلی محل.

و عن الثانی: المالیة تدور مدار العرف و العقلاء و هی حاصلة فی مَنّ مِن الاُرز حالاًّ أو سَلَما.

و عن الثالث: بأنّ العرف یَعُدُّ الملکیّة ثابتة له ولو علی نحو الإجمال و القوّة لأنّ القدرة القریبة من الفعل تجعل الإنسان مالکا لشیء بالقوة نظیر الثمرة المتجددة علی الشجرة.

و الحاصل: بعد اعتراف العرف و العقلاء بصحة هذه البیوع فلا عبرة بهذه الاشکالات الواهنة.

الثالث: الحقوق و بیعها

اشارة

الحقّ فی اللغة یستعمل بمعنی: ثابتٌ و موجودٌ و فی الاصطلاح یطلق علی مَعْنَیَیْنِ و هما الحقیقی و الإعتباری.

أمّا المعنی الإصطلاحی الحقیقی: فَیُرادُ به وجود الشیء و أنّه واقع فی العالم الوجود و یتحقّق خارجا نحو: قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله : علی علیه السلام مع الحقّ و الحقّ مع علی علیه السلام .(1)

و أمّا المعنی الاصطلاحی الاعتباری فَالْحَقُّ أَنَّ هذا المعنی لا یتحقّق فی الخارج إلاّ مع الاعتبار. کحقّ الزوجیة و حقّ الخیار. و المراد به هو سلطنة و أولویّة شرّعت رعایة لحال

ص: 15


1- (1) تاریخ مدینة دمشق 3/120، شرح نهج البلاغة 2/297، تاریخ بغداد 14/321، کنزالعمال 6/157، مجمع الزوائد 7/235، و نموها فی صحیح الترمذی 2/298، مستدرک الصحیحین 3/119 و 124، مجمع الزوائد 7/243 و 9/134.

المکلّف وَرِفْقا به أو لکونه أهلاً لذلک.

قال أمیرالمؤمنین علیه السلام فی خطبة خطبها بصفین: «أمّا بعد فقد جعل اللّه سبحانه لی علیکم حقّا بولایة أمرکم و لکم عَلَیَّ مِنْ الحقِّ مثل الذی لی علیکم، فالحقّ أوسع الأشیاء فی التواصف و أضیقها فی التناصف، لا یجری لأحدٍ إلاّ جری علیه و لا یَجْری علیه إلاّ جری له ولو کان لإحد أن یجری له و لا یجری علیه لکان ذلک خالصا للّه سبحانه دون خلقه لقدرته علی عباده و لعدله فی کلّ ما جرت علیه صروف قضائه ولکنّه سبحانه جعل حقّه علی العباد أن یطیعوه و جعل جزاءهم علیه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه و توسّعا بما هو من المزید أهله»(1).

و علی هذه الاساس ما ورد من الحقّ علی اللّه تعالی لیس منه تعالی إلاّ التفضل و الرحمة نحو قوله تعالی: «و کان حقّا علینا نصر المؤمنین»(2) و قوله تعالی: «کتب ربکم علی نفسه الرحمة»(3) و أمّا بالنسبة إلی غیر اللّه تعالی فَتَکُوْنُ الحقوق متقابلة بین الطرفین فی الغالب.

الفرق بین الحقّ و المال: الحقّ هو سلطنة متعلقة بالمال و لیس بالمال نفسه نحو: حقّ التحجیر و حقّ الرهانة و حقّ الخیار.

و بعبارة اُخری: الحقّ کالملک فی أنّه سلطنة متعلَّقها المال و لیس المال نفسه، نعم یصحّ تعلّقه بما یتعلّق بالمال کحقّ الخیار و الشفعة.

و کذا یصحّ تعلّقه بنفس الغیر کتعلّق حقّ الولایة لولی الصغیر بنفسه.

و کذا یصحّ تعلّقه بذمّة الغیر کحقّ الزوجیة.

ص: 16


1- (1) نهج البلاغة، الخطبة /216.
2- (2) سورة الروم /47.
3- (3) سورة الانعام /54.

و أمّا الفرق بین الحقّ و بین الملک: فَإِنَّهُما مشترکان فی کونهما سلطنةً ولکن الفرق بینهما أَنَّ الحقّ متعلّقه إمّا أن یکون من سنخ المال _ ولکن من مال غیر من هو له _ و إمّا أن یکون من غیر سنخ المال.

ولکن الملک لابدّ أن یکون متعلّقه من سنخ المال بل مِن مال مَنْ هو له ولو کان لقلّته و حقارته لا یعدّ مالاً فی العرف.

و الفرق بین الحقّ و الحکم الترخیصی _ لا الایجابی و التحریمی _ یمکن أن یقال بأنّ الفرق بینهما: أنّ المجعول ابتداءً فی الحقّ هو السلطنة و فی الحکم هو الإباحة.

و بعبارة اُخری: الداعی إلی تشریع الحقّ هو الرعایة من الشارع لحال المکلّف و لیاقته للسطلنة ولکن الحکم الترخیصی الداعی إلی جعله خلوه من المصلحة و المفسدة فی نوعه.

و الحقّ و الحکم الترخیصی کثیرا ما یشتبه أحدهما بالآخر نحو: الرجوع إلی المطلّقة الرجعیة قبل انقضاء العدة، أو الجواز فی العقود الجائزة بالأَصالة.(1)

أقسام الحقوق بالنسبة إلی صحة النقل و الإسقاط

1_ ما لا یصح نقله و لا اسقاطه، و لا ینتقل بالموت نحو: حقّ الاُبوة و حقّ الولایة للمجتهد الجامع شرائط الإفتاء، و حقّ الاستمتاع بالزوجة.

2_ ما یجوز اسقاطه و لا یصح نقله و لا ینتقل بالموت أیضا: کحقّ الغیبة بناءً علی وجوب إرضاء صاحبه و عدم کفایة التوبة.

3_ ما لا یصح نقله ولکن یجوز اسقاطه و ینتقل بالموت: کحّق الشفعة علی

ص: 17


1- (1) و لتفصیل هذا البحث راجع کتابَ البیع 1/(13-10) لشیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .

وجه.

4_ ما یصح نقله و اسقاطه و ینتقل بالموت أیضا: کحقوق الخیار و القصاص و الرهانة و التحجیر و الشرط.

5_ ما یجوز اسقاطه و نقله لا بعوض و لا ینتقل بالموت: کحقّ القَسْم علی ما ذکره جماعة کالشیخ فی المبسوط(1) و العلاّمة فی القواعد(2) و الشهید فی اللمعة(3). و فیه نظر بیّن.

6_ ما هو محلّ الشک فی صحة الإسقاط و النقل و الإنتقال نحو: حقّ الرجوع فی العدة الرجعیة، و حقّ النفقة فی الأرقاب کالأبوین و الأولاد، و حقّ الفسخ فی النکاح بالعیوب، و حقّ المطالبة فی القرض و الودیعة و العاریة، و حقّ الفسخ فی العقود الجائزة کأمثال: الشرکة و المضاربة و الوکالة و الهبة.(4)

و اعلم: أَنَّ مِنْ لَوازمِ الْحُکْمِ عَدَمُ جَوازِ إِسْقاطِهِ و من لوازم الحقّ جواز إسقاطه ما لم یمنع عنه مانع، و إذا ما شککنا بنُفُوْذِ الإسقاط و عدمه، فالاْءَصْلُ یجری بالنسبة إلی عدم النفوذ و عدم السقوط، کالرجوع فی العدّة إلی المطلقة الرجعیة قبل انقضاء العدة فیشک أنّه حکم حتّی لا یؤثر إسقاطه أو حقّ حتّی یؤثر فیحکم ببقائه بعد الإسقاط لِلاستصحاب.

ثم: إذا تَعَیَّنَت الحقیّة وَ طُرِحَت الحکمیة و شککنا فی أنّها تقبل النقل و الانتقال أم لا؟ فَالاْءَصْلُ یقتضی عدم نفوذ النقل و الانتقال فلا یجوز بیعها.

و قد أسس المؤسس الحائری قدس سره أصلاً ثانیا فی المقام حیث یقول: «لکن یمکن

ص: 18


1- (1) المبسوط 4/325.
2- (2) القواعد 2/45.
3- (3) اللمعة الدمشقیة /174.
4- (4) فی هذه الأقسام راجع حاشیة الفقیه الیزدی علی المکاسب 1/282 و 281.

استفادة الأصل و القاعدة علی القبول من قوله علیه السلام : ما ترک المیت من حقٍّ فلوارثه(1)، و فی روایة: زیادة «أو مال» بعد قوله «من حقّ»، و علی الأوّل: معناه الأعم الشامل للمال و کیف کان فمضمونه تأسیس القاعدة علی أنّ کلّ حقّ ینتقل بالموت إلی الوارث فیستکشف منه القابلیة للنقل فی جمیع الحقوق ضرورة أنّ الانتقال الفعلی الذی هو مضمون الروایة فرع القابلیة فیکون هذا أصلاً ثانویا حاکما علی الأصل الأوّلی، غایة الأمر أنّه خرج ما خرج»(2).

و فیه: أوّلاً: هذه الروایة مرسلة، لم تنقل فی کتب الحدیث بل نقلت فی کتب الاستدلال فقط کما یَظْهَرُ من مصادرها.

و ثانیا: یمکن المناقشة فی دلالتها بأنّ المراد من الحقّ فیها الحقوق التی تقبل النقل و الانتقال.

ولکن یمکن تأیید المؤسس الحائری قدس سره بأنّ الحقّ إذا کان من الحقوق التی تُعُوْرِفَ نقلها و انتقالها عند العرف أمکن القول بامضائها من ناحیة الشارع بعد عدم وصول الردع عنه بخصوصها. لما مرّ فی تعریف البیع.

و أمّا التمسک بعمومات البیع و الصلح و العقد لأجل جواز النقل بنحو القابلیة الشرعیة فلا یتم لأنّه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة له.

و لأحدٍ أن یقال: الحقوق التی تقوم بالأشخاص أو العنوان لا یجوز التعدی مِنْها إلی

ص: 19


1- (1) وردت الروایة فی دعائم الإسلام 2/395 هکذا: ما ترک المیت من شیء فلورثته. نعم وردت هذه الألفاظ المذکورة فی کتب الاستدلال نحو: المسالک 12/341 و المفاتیح 3/82 و الحدائق 20/326 و حاشیة مجمع الفائدة /214 للوحید و ریاض المسائل 8/202 و الجواهر 23/75.
2- (2) کتاب البیع 1/17 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی قدس سره .

غیرها نحو: ولایة الفقیه أو حقوق الوصایة بالنسبة إلی الوصیّ أو القیمومیة بالنسبة إلی القیم أو التولیة بالنسبة إلی المتولی، و أمّا غیرها إذا تُعُوْرِفَ نقلها و لم یرد من الشرع النهی عنه فیجوز نقلها و انتقالها.

و بعبارة اُخری: الحقّ بطبیعته یقتضی جواز إسقاطه و نقله، لأنّ من له الحقّ کان مالکا له و مسلَّطا علیه، فالمنع منهما إمّا تعبدی أو من جهة قصور فی کیفیته بحسب الجعل، و تحصیل عدم الأوّل واضح، و الثانی نحو أن یکون الحقّ متقوِّما بشخص خاص أو عنوان خاص کحقّ التولیة فی الوقف و حقّ الشفعة بالنسبة إلی الشریک.

و إذا شک فی کون شیءٍ حقّا، فهل یجوز إسقاطه أو نقله أم لا؟ الظاهر لا، و أمّا إن علم کونه حقّا و علم المنع التعبدی أو کون الشخص أو العنوان مقوّما له فلا اشکال، و إن شک فی المنع فمقتضی العمومات صحة التصرفات فیه، و کذا إن شک فی کون الشخص أو النوع مقوّما بحسب الجعل الشرعی بعد إحراز القابلیة بحسب العرف، مقتضی العمومات یَدُلُ علی صحة التصرفات فیه بعد فرض صدق عناوینها.

و من ذلک یَظْهَرُ أنّ ما یقال من أنّ العمومات لا تثبت القابلیّات، مدفوع بأنّ ذلک إذا کان الشک فی القابلیة العرفیة، ولکن ما نحن فیه هو فی القابلیة الشرعیة و شأن العمومات إثباتها. هذا ما أفاده الفقیه الیزدی(1) قدس سره بتلخیص منّا.

و بما ذکرنا تظهر مواقع النظر فی ما ذهب إلیه المحقّق السیِّدُ الخوئی: «من أنّ الحکم و الحقّ متحدان حقیقة لأنّ قوامهما بالاعتبار الصرف _ ثم قسّم المعجولات الشرعیة علی ستة أقسام و قال: _ و هذه الامور الاعتباریة و إن اختلف من حیث الآثار اختلافا واضحا ولکنّها تشترک فی أنّ قوامها بالاعتبار المحض و إذن فلا وجه لتقسیم المجعول الشرعی أو

ص: 20


1- (1) حاشیة المکاسب 1/283.

العقلائی إلی الحقّ و الحکم لکی نحتاج إلی بیان الفارق بینهما، بل کلّها حکم شرعی أو عقلائی قد اعتبر لمصالح خاصة...، نعم، تختلف هذه الأحکام فی الأثر اختلافا ظاهرا فبعضها یقبل الاسقاط و بعضها لا یقبله، و السرّ فی هذا الاختلاف هو أنّ زمام تلک الاُمور بید الشارع حدوثا و بقاءً، فقد یحکم ببقائه کما حکم بحدوثه، و قد یحکم بارتفاعه ولو کان ذلک باختیار أحد المتعاملین أو کلیهما، نعم المتبع فی ذلک _ فی مقام الإثبات _ هو الأدلة الشرعیة و علی الجملة إنّ الجواز و اللزوم الوضعیین کالجواز و اللزوم التکلیفیین فإن جمیعها من الأحکام الشرعیة و لا تفاوت فی ماهیتها و ذواتها و إن اختلفت آثارها.

... نعم لا مانع من تخصیص اطلاق الحقّ اصطلاحا بطائفة من الأحکام _ و هی التی تقبل الإسقاط، إذ لا مُشاحَّةَ فی الاصطلاح... و ممّا یدل علی اتحاد الحقّ و الحکم أنّ لفظ الحقّ فی اللغة بمعنی الثبوت و لذا یصح إطلاقه علی کلّ أمرٍ متقرر فی وعائه المناسب له، سواء أکان تقررا تکوینیا أم کان اعتباریا...»(1) و قد استشکل(2) علی هذا المبنی فی عدم جواز جعل الحقّ ثمنا فی البیع لأنّ الحقّ حکم شرعی غیر قابل لأن تتعلَّق به اضافة ملکیة أو غیرها، و غایة الأمر یکون قابلاً للاسقاط و به ینتهی أمده.

أقول: و فیه: أوّلاً: ظهر ممّا ذکرنا الفرق بین الحکم و الحقّ(3) و اعتباریتهما لا تدلّ علی کونهما شیئا واحدا و إلاّ صار جمیع العقود و الأحکام شیئا واحدا لأنّ الجمیع مُشْتَرِکٌ فی الاعتباریة.

و ثانیا: الحقوق ممّا یبذلُ العقلاء فی قبالها الأموال و تکون موردا لرغبتهم و

ص: 21


1- (1) مصباح الفقاهة 2/(47-45).
2- (2) مصباح الفقاهة 2/43.
3- (3) و لتفصیل الفرق بینهما راجع کتاب البیع 1/12 و 11 من تقریرات المؤسس الحائری بقلم شیخنا آیة اللّه الأراکی.

تنافسهم فیصدق علیها أنّها مال بالحمل الشائع فلا مانع من جواز المعاوضة علیها کما اعترف(1) قدس سره به قبل هذا الاشکال. و کذا یجوز بیعها.

و ثالثا: إنّ ثبوت الحقّ فی موارد عدم ثبوت الحکم _ و هو الجواز أو اللزوم _ یدلّ علی افتراقهما و أنّهما شیئان مختلفان کما إذا باع داره ببیع الخیار ثم عرض له السفه، فإنّه یقوم ولیه مقامه، مع أنّ الخیار کان مجعولاً للبائع، أو کان شریک مالک الحصة سفیها لا یصح له الأخذ بالشفعة فإنّه یقوم ولیُّه مقامه مع أنّ الشفعة مجعولة للشریک نفسه لا لِوَلِیّهِ.

و لذا مثل حقّ التحجیر أو السبق یعدّ اُولویة اعتباریة للشخص بالإضافة إلی الأرضِ الموات أو المسجد و المدرسة و نحوهما و هذه الاُولویة فی نفسها قابلة للنقل إلی الآخر مجانا کان أو بالعوض فتشملها أدلة حلیة البیوع و اوفوا بالعقود و جواز الصلح و نحوها. و قد تعرض لهذا الجواب شیخنا الاُستاذ(2) _ مد ظله _ .

و کذا تظهر مواقع النظر فی کلام المحقّق النائینی(3) من أنّ قوام الحقّ بقابلیة للإسقاط بخلاف الحکم تبعا للشهید(4) و تعجّب من الفقیه الیزدی کیف یقسم الحقوق إلی ما یقبل الإسقاط و ما لا یقبل!

لما مرّ أنّ من لوازم الحق جواز إسقاطه ما لم یمنع عنه مانع تعبدی أو من جهة قصور فی کیفیة جعله بحیث یکون متقوما بشخص خاص أو عنوان خاص، لا من مقوماته و علی هذا یوجد فی الحقوق ما لا یجوز إسقاطه کحقوق اللّه علی الانسان و حقوق رسول اللّه صلی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام علیه، و کبعض الحُقوقِ المتقابلة بین المؤمنین من الفردیّة و الاجتماعیّة و العائلیّة و

ص: 22


1- (1) مصباح الفقاهة 2/42.
2- (2) ارشاد الطالب 2/13.
3- (3) منیة الطالب 1/107.
4- (4) القواعد و الفوائد 2/43.

الحکومیّة و الحقوق المتقابلة بین الملل و کذا الحقوق بین الانسان و الطبیعة و الحیوانات و نحوها.(1)

فما ذکره المحقق النائینی یوجب خروج عدّة متناهیة من الحقوق و هو غیر سدید.

و الحاصل: حیث أنّ الحقوق التی یجوز نقلها و انتقالها بل یجوز إسقاطها تُعَدُّ فی العرف مالاً فلا بأس ببیعها و العجب من الجد الشیخ جعفر کاشف الغِطاء قدس سره حیث ذهب إلی عدم صحة بیعها و قال: «و أمّا الحقوق: فالظاهر أنّها لا تقع ثمنا و لا مثمنا لخفاء الملکیّة فیها فلاتتبادر من الملک»(2).

و لعلّ لما ذکرنا استشکل تلمیذه صاحب الجواهر علیه بقوله: «فی شرح الأستاد اعتبار عدم کونه حقّا مع أنّه لا یخلو من منع لما عرفته من الإطلاق المزبور [أی من إطلاق العوض و الثمن بحیث یدخل الشخصی و الکلّی و العین و المنفعة] المقتضی لکونه کالصلح الذی لا إشکال فی وقوعه علی الحقوق، فلا یبعد صحة وقوعها ثمنا فی البیع و غیره، من غیر فرق بین اقتضاء ذلک سقوطها کبیع العین بحقّ الخیار و الشفعة علی معنی سقوطهما و بین اقتضائه نقلها کحقّ التحجیر و نحوه، و کان نظره رحمه الله فی المنع إلی الأوّل باعتبار معلومیّة کون البیع من النواقل لا من المسقطات بخلاف الصلح.

و فیه: إنّ من البیع، بیع الدین علی من هو علیه، و لا ریب فی اقتضائه حینئذ الإسقاط ولو باعتبار أنّ الإنسان لا یملک علی نفسه ما یملکه غیره علیه الذی بعینه یقرر فی نحو حقّ الخیار و الشفعة، و اللّه أعلم»(3).

ص: 23


1- (1) فی هذا المجال راجع «رساله حقوق» لبعض أساتذتنا _ مد ظله _ باللغة الفارسیة و قد أتعب نفسه الشریفة فی عدّ الحقوق المختلفة.
2- (2) شرح القواعد 2/11.
3- (3) الجواهر 22/209.

أقول: قد عرفت أنّ صاحب الجواهر قدس سره ذهب إلی جواز بیع الحقوق التی یجوز إسقاطها و نقلها و انتقالها بجعلها فی البیع ثمنا. و الصحیح عندنا جواز بیعها بلا فرق بین کونها ثمنا أو مثمنا لما مرّ فی تعریف الحقّ و البیع ما یصح معاملتها و بیعها، و اللّه العالم.

الرابع: هل یعتبر فی البیع کونه بالصیغة؟

اشارة

انشاء العقد باللفظ و قراءةُ الصیغة هل یعتبران فی البیع أم لا؟ ذهب المشهور علی الاعتبار بل کاد أن یکون إجماعا، ولکن جماعة من الفقهاء یقولون بعدم الاعتبار:

منهم: الشیخ المفید قال: «و البیع ینعقد علی تراض بین الاثنین فیما یملکان التبایع له، إذا عرفاه جمیعا و تراضیا بالبیع و تقابضا و افترقا بالأبدان»(1).

و استفاد من هذه المقالة جماعة من الفقهاء نحو الشَّهِیْدَیْنِ(2) و المحقّق الکرکی(3) عدم اعتبار الصیغة و الإکتفاء بالمعاطاة فحینئذ ما ذکره العلاّمة فی المختلف: «بأنّ للمفید قولاً یوهم الجواز _ ثم ذکر کلام المفید _ و قال: لیس فی هذا تصریح بصحته إلاّ أنّه موهم»(4)، غیر تام.

و منهم: الشیخ الطوسی فی ظاهر المبسوط یقول: «البیع هو انتقال عین مملوکة من شخص إلی غیره بعوض مقدّر علی وجه التراضی»(5) و لم یشترط العقد هنا و إن اشترطه فی غیرها.

ص: 24


1- (1) المقنعة /591.
2- (2) الدروس 3/192؛ المسالک 3/147.
3- (3) جامع المقاصد 4/58.
4- (4) مختلف الشیعة 5/51.
5- (5) المبسوط 2/76.

و منهم: ابن ادریس الحلّی فی السرائر(1) ذهب إلی تعریف الشیخ و لم یشترط العقد.

و العلاّمة أخذ هذا التعریف فی عدّة من کتبه نحو: التذکرة(2) و النهایة(3) و التلخیص(4) و التحریر(5) و القواعد(6) و لکنّه بعده تعرّض لاِشتراط الصیغة أو خروج المعاطاة کما فی النهایة حیث یقول فیها: «المعاطاة لیست بیعا»(7).

ترجمة السید حسن ابن السید جعفر من مشایخ الشهید الثانی

و منهم: السیّد حسن ابن السیّد جعفر(8) و هو من مشایخ الشهید الثانی حیث قال

ص: 25


1- (1) السرائر 2/240.
2- (2) تذکرة الفقهاء 10/5.
3- (3) نهایة الإحکام 2/447.
4- (4) تلخیص المرام /94.
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
6- (6) قواعد الأحکام 2/16.
7- (7) نهایة الإحکام 2/449.
8- (8) هو بدرالدین الحسن بن جعفر بن فخرالدین بن الحسن بن نجم الدین الأعرج الحسینی العاملی الکرکی _ من مشایخ علی بن هلال الکرکی و الشهید الثانی و الشیخ حسین بن عبدالصمد والد البهائی _ و کان ابن خالة المحقّق الکرکی و وصفه الشهید الثانی فی إجازة للوالد البهائی بقوله: «شیخنا الأجل الأعلم الأکمل ذی النفس الطاهرة الزکیة أفضل المتأخرین فی قوّتَیْه: العلمیَّة و العملیّة»... ثم ذکر نسبه و کتبه. [راجع رسائل الشهید الثانی 2/1116 و 1117]. المتوفی عام 933 کما فی الأمل، أو 6 شهر رمضان 936 کما فی نظام الأقوال و له أقوال فی الفقه لعلّه بعضها مختصة به: منها: تطهیر الماء النجس إذا وقعت قطرة واحدة من المطر علیه. کما نقل عنه ثانی الشهیدین فی روض الجنان 1/172، المحدّث البحرانی فی الحدائق 1/221، و المحقق القمی فی غنائم الأیام 1/530. و منها: اشتراطه فی دم الحیض فی الثلاثة رؤیته فی أوّل الأوّل و آخر الثالث و أیّ وقت من الثانی. کما نقل عنه فی الحدائق 3/169 و المستند 2/194 و الجواهر 3/157 [3/284]. منها: أنّه جعل مقارنة النیة مع تکبیرة الإحرام فی الصلاة من ارکانها کما نقل عنه صاحب الجواهر 12/240. و منها: لو أجنب فنام فطلع الفجر صح صومه لو نوی الاغتسال لیلاً ولکن شرط هو اعتیاده الانتباه و إلاّ کان کمتعمِّد البقاء، کما فی المسالک 2/18، و نسب فی هامش بعض نسخه إلیه. و منها: أنّه یری جعل وضع الحدیدة فی عصا المداقق حیلة علی جواز الفعل، نظرا إلی دخوله بذلک فی النصل [فی الرمایة]، کما نقل عنه فی المسالک 6/85. و له مصنفات منها: المحجة البیضاء و العمدة الجلیة و مقنع الطلاب و شرح الطیبة الجزریة، انظر ترجمته فی أمل الآمل 1/56 و تعلیقته للأفندی /42 و طبقات أعلام الشیعة، القرن العاشر /49.

فی المسالک: «و قد کان بعض مشایخنا المعاصرین یذهب إلی ذلک أیضا، لکن یشترط فی الدال کونه لفظا و إطلاق کلام المفید أعم منه، و النصوص المطلقة من الکتاب و السنة الدالة علی حلّ البیع و انعقاده من غیر تقیید بصیغة خاصة یدلّ علی ذلک، فأنّا لم نقف علی دلیل صریح فی اعتبار لفظ معین غیر أنّ الوقوف مع المشهور هو الأجود...»(1).

و منهم: المحقّق الأردبیلی قال: «فاعلم أنّ الذی یظهر أنّه لا یحتاج فی انعقاد عقد البیع المملِّک الناقل للملک من البائع إلی المشتری و بالعکس إلی الصیغة المعینة کما هو المشهور، بل یکفی کلّ ما یدلّ علی قصد ذلک مع الإقباض و هو المذهب المنسوب إلی الشیخ المفید من القدماء و إلی بعض معاصری الشهید الثانی رحمه الله . و هو المفهوم عرفا من البیع لأنّه کثیرا ما یقال فی العرف و یراد بذلک، بل إنّما یفهم عرفا ذلک من لم یسمع من المتفقهة شیئا و لهذا تسمع یقولون بِعْنا و یریدون ذلک من غیر صدور تلک الصیغة بل بدون الشعور بها و لهذا یصح أنّه اُوقع البیع بدون الصیغة و بالجملة الاطلاق واضح... و الأصل و الاستصحاب متروک بالأدلة التی ذکرناها و هی أربعة عشر دلیلاً من الکتاب و السنة و الإجماع و ترک البیان و عدم نقل الصیغة و التصرف المفید للملکیّة و الشریعة السهلة و لزوم الحرج و

ص: 26


1- (1) المسالک 3/147.

الضیق المنفی عقلاً و نقلاً و اللزوم بعد التصرف و التجارة عن تراض و العلم به و الملک بدون اللزوم عند الأکثر و غرض حصول العلم و بقاء المال للوارث بعد موت البائع... و بالجملة ما نری له دلیلاً قویّا إلاّ أنّه مشهور...»(1).

و منهم: المحدّث الکاشانی فی المفاتیح(2).

و منهم: المحقّق السبزواری قال: «و قول المفید غیر بعید و النصوص المطلقة من الکتاب و السنة دالة علی حلّ البیع و انعقاده من غیر التقیید بصیغة مخصوصة. و لم ینقل عنهم علیهم السلام اعتبار خصوص لفظ مع توفّر الدواعی فی ذلک لو کان شرطا»(3).

و منهم: المحدّث البحرانی یقول فی شأن هذا القول: «... و إلیه یمیل والدی و الشیخ عبداللّه بن صالح البحرانی، و نقلاه عن شیخهما العلاّمة الشیخ سلیمان بن عبداللّه البحرانی، و هو الظاهر عندی من أخبار العترة الأطهار التی علیها المدار فی الإیراد و الإصدار کما سیظهر لک إن شاء اللّه تعالی علی وجه لا تعتریه غشاوة الإنکار هذا...»(4).

و منهم: الفاضل النراقی قال: «و الثالث: ظاهر المفید و جمع من المتأخرین و هو الحقّ...»(5).

و منهم: الفقیه الیزدی قال: «أنّ المسألة (أیّ أنّ المعاطاة بیع) راجعة إلی الشک فی شرطیة الصیغة فی انعقاد البیع و لا دلیل علیها، و عدم الدلیل فی مثل هذه المسألة دلیل العدم لأنّه لو کان کذلک لبان و وجب علی الشارع البیان، مع أنّه لم یرد ذلک فی شیء ممّا

ص: 27


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 8/(142-139).
2- (2) مفاتیح الشرائع 3/48، مفتاح 896.
3- (3) الکفایة 1/449.
4- (4) الحدائق 18/350.
5- (5) مستند الشیعة 14/253.

وصل إلینا من الأخبار لا من طرق العامة و لا من طرق الخاصة مع توفر الدواعی علی نقل مثله فی مثل هذه المسألة...»(1).

و جماعة من العامة یذهبون إلی هذا القول منهم: بعض الشافعیة و أحمد بن حنبل و مالک بن أنس کما نقل عن الأخیرین العلاّمة فی التذکرة(2) و قال ثانی الشهیدین: «... و الذی اختاره متأخرو الشافعیة و جمیع المالکیة انعقاد البیع بکلّ مادلّ علی التراضی و عدّه الناس بیعا و هو قریب من قول المفید و شیخنا المتقدم، و ما أحسنه و أمتن دلیله إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه»(3).

أقول: لا یبعد تمامیة هذا القول و عدم احتیاج البیع و غیره من المعاملات إلی الصیغة الخاصة و اللفظ و تشمله الإطلاقات و العمومات الواردة فی حلّیّة البیوع و الوفاء بالعقود فحینئذ تدخل المعاطاة فی البیع و غیره علی الأصل الأوّلی، فلا نحتاج عن البحث حول صیغة البیع أو المعاملة ما هی؟ و صیغة الإیجاب و صیغة القبول ما هما؟ و تقدیم الایجاب علی القبول لازم أم لا؟ و لزوم النطق بهما فلا تکفی الإشارة إلاّ مع العجز! و لزوم التصریح فلا یقع بالکنایة، و لزوم الجزم فلو علّق العقد علی شرط لم یصح، و لزوم التطابق فی المعنی بین الصیغتین و عدمه! لأنّا استغینا عن جمیع هذه الأبحاث.

نعم: بالنسبة إلی النکاح خصوصا الأحوط جریان الصیغة و التلفظ بها و یلحق به بعض الإیقاعات نحو: الطلاق و الظهار و اللعان و الإیلاء و نحوها و التفصیل یطلب من محلّه.

ص: 28


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/336.
2- (2) تذکرة الفقهاء 10/7.
3- (3) المسالک 3/152.

تنبیه:

و أمّا ما ورد فی ألسن الفقهاء _ أعلی اللّه مقامهم _ من «أنّ المحلّل و المحرّم هو اللفظ»(1) أو «إنّما یحرّم و یحلّل الکلام»(2) أو إقامة التعلیل من صاحب الجواهر للسیّد حسن بن جعفر الحسینی رحمه الله حیث اشترط «فی الدال کونه لفظا»(3) بقوله: «محافظة علی حصر التحلیل و التحریم بالکلام»(4) إنّما نشأت من معتبرة خالد بن الحجاج(5) قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : الرجل یجیء فیقول: اشتر هذا الثوب و أربحک کذا و کذا قال: ألیس إن شاء ترک و إن شاء أخذ؟ قلت: بلی، قال: لا بأس به إنّما یحلّ الکلام و یحرّم الکلام.(6)

مفاد هذه المعتبرة مفاد عدّة من الروایات حیث واعد الرجل أحدا شِراءِ شیءٍ منه و لیس عنده الآن موجودا فاشتراه من أجله فهل یلزم الوفاء بهذا الوعد و الشراء منه فأجابه الإمام علیه السلام بعدم لزوم الوفاء بل إن شاء اشتراه و إن شاء ترکه.

و من هذه الروایات صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج(7) وَ صَحِیْحَتا منصور بن حازم(8).

ولکن إنّما الکلام فی ذیلها «إنّما یحلّ الکلام و یحرّم الکلام» ما معناها؟ قال صاحب الوسائل رحمه الله : «فیه دلالة علی عدم انعقاد البیع بغیر صیغة، فلا یکون بیع المعاطاة معتبرا،

ص: 29


1- (1) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /64 للوحید البهبهانی رحمه الله .
2- (2) ریاض المسائل 8/214.
3- (3) کما فی المسالک 3/147.
4- (4) الجواهر 22/212.
5- (5) و فی الکافی 5/201، ح6 خالد بن نَجیح.
6- (6) وسائل الشیعة 18/50، ح4. الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
7- (7) وسائل الشیعة 18/51، ح9.
8- (8) وسائل الشیعة 18/52، ح11 و 12.

فتدبر»(1).

و قد حملها صاحب الحدائق(2) علی عدم لزوم البیع حتّی یحرم الرد و الرجوع إلاّ إذا حصل من الکلام ما یوجب الانتقال.

و تبعه فی الحمل الوحید(3) و سیّد الریاض(4).

ولکن ذکر الشیخ الأعظم قدس سره أرْبَعَة محتملات(5) لهذا الذیل و اختار هو اثْنَیْنِ منها و هما کما قال: «فتعیّن: المعنی الثالث: و هو أن الکلام الدال علی الالتزام بالبیع لا یحرّم هذه المعاملة إلاّ وجوده قبل شراء العین التی یریدها الرجل لأنّه بیع ما لیس عنده، و لا یحلِّل إلاّ عدمه، إذ مع عدم الکلام الموجب لإلتزام البیع لم یحصل إلاّ التواعد بالمبایعة، و هو غیر مؤثر. فحاصل الروایة أنّ سبب التحلیل و التحریم فی هذه المعاملة منحصر فی الکلام عدما و وجودا.

أو المعنی الرابع و هو: أنّ المقاولة و المراضاة مع المشتری الثانی قبل اشتراء العین محلِّل للمعاملة، و ایجاب البیع معه محرّم لها.

و علی کلا المعنیین یسقط الخبر عن الدلالة علی اعتبار الکلام فی التحلیل...»(6).

و ذکر المحقّق النائینی خمسة وجوه محتملة لهذا الذیل و قال: «... و علی أیّ تقدیر لا تدّل الروایة علی اعتبار اللفظ فی المعاملات...»(7).

ص: 30


1- (1) وسائل الشیعة 18/50.
2- (2) الحدائق 18/355.
3- (3) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /64.
4- (4) ریاض المسائل 8/214.
5- (5) راجع المکاسب 3/(63-61).
6- (6) المکاسب 3/64.
7- (7) منیة الطالب 1/161.

و قال المحقّق السیِّدُ الخوئی قدس سره بعد المناقشة فی محتملات الشیخ الأعظم: «و المتحصل من جمیع ما ذکرنا أنّه لا دلالة فی روایة ابن نجیح علی اعتبار اللفظ فی صحة البیع أو لزومه لکی تدلّ علی فساد المعاطاة أو علی عدم لزومه»(1).

و قال شیخنا الاستاذ: «و الصحیح أنّ ذکر الکلام باعتبار فرض المقاولة و المساومة فی الروایة و أنّها ربّما تکون متضمنة لإنشاء البیع و الالتزام قبل تملک المتاع و ربّما لا تکون، لا لأنّ لإنشاء البیع بالکلام خصوصیة لا تجری فی المعاطاة»(2).

ولکن بنظرنا القاصر إن ناقشت أنت فی کلام الشیخ الأعظم و غیره لا یمکن الأخذ بإطلاق ذیل الروایة لأنّ مقتضاه عدم تحقتّق الإباحة و لا یقول به أحد کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(3)، و حملت علی أنّ التحلیل و التحریم فی جمیع العقود _ من حیث الجمیع حتّی تشمل النکاح و الطلاق و نحوهما _ إنّما هو بالکلام. أو حملت علی الأغلبیة و الأکثریة أو علی الحصر الإضافی لا علی الحصر الحقیقی لا سیما بعد ما علمنا من الخارج بأنّ غیر الکلام أیضا یحلل و یحرّم نحو الرضاع و الرجوع فی العدّة فعلاً لا قولاً و الدخول فی الاُمّ بعد عقد النکاح الذی یوجب حرمة بنتها و بعد مَبْنانا من عدم صحة الاستدلال بالحروف أو الالفاظ الخاصة _ و هی هنا کلمة «إنّما» _ فی الروایات لأنّها نقلت بالمعنی لا باللفظ.

و علی هذا البیع کما ینعقد بالعقد ینعقد بالفعل و اللّه العالم.

و فی ختام هذا المبحث أذکر لک کلام المحقّق السیِّد الخوئی قدس سره حیث یقول: «... و المتحصل من جمیع ذلک: أنّ إطلاق کلمة البیع علی الإیجاب و القبول من الأغلاط الواضحة

ص: 31


1- (1) مصباح الفقاهة 2/154.
2- (2) ارشاد الطالب 2/64.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/338.

لا من الاستعمالات المجازیة»(1).

الخامس: هل وضعت أسماء المعاملات للأعم؟

اشارة

محل هذا البحث هو علم الأصول ولکن نتعرض إلیه تبعا للشیخ الأعظم قدس سره و لما فیه من الفوائد منها جواز التمسک بالإطلاقات.

قال الشهید الأوّل: «الماهیّات الجعلیة کالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق علی الفاسد إلاّ الحج لوجوب المضی فیه»(2).

و قال الشهید الثانی فی المسالک فی ذیل قول المحقّق فی الشرائع: «إطلاق العقد ینصرف إلی العقد الصحیح دون الفاسد»(3) مالفظه: «عقد البیع و غیره من العقود حقیقةٌ فی الصحیح، مجازٌ فی الفاسد، لوجود خواص الحقیقة و المجاز فیهما کمبادرة المعنی إلی ذهن السامع عند إطلاق قولهم: باع فلان داره و غیره، من ثَمَّ حمل الإقرار به علیه، حتّی لو إدّعی إرادةَ الفاسد لم یُسمع إجماعا و عدم صحة السلب و غیر ذلک من خواصِّه، ولو کان مشترکا بین الصحیح و الفاسد لَیُقبَل تفسیره بأحدهما کغیره من الألفاظ المشترکة و انقسامه إلی الصحیح و الفاسد أعمّ من الحقیقة، و حیث کان الإطلاق محمولاً علی الصحیح لا یبرُّ بالفاسد. ولو حَلَفَ علی الإثبات سواء کان فساده لعدم صلاحتیه للمعاوضة کالخمرو الخنزیر أو لفقد شرط فیه کجهالة مقداره و عینه سیأتی البحث فیه»(4).

و قد نوقش کلامهما بأنّ مفهوم البیع أَمْرٌ عُرْفیٌّ و هو الذی یمضیه الشارع تارة و یرده اُخری و علیه فلا یعقل أخذ الصحة الشرعیة فی مفهومه إلاّ علی القول بالحقیقة الشرعیة فی

ص: 32


1- (1) مصباح الفقاهة 2/79.
2- (2) القواعد و الفوائد 1/158.
3- (3) الشرائع 3/138.
4- (4) المسالک 11/263.

ألفاظ العقود و هو بدیهی البطلان.

و لذا قال الفقیه الیزدی: «الظاهر أنّه أعم من الصحیح العرفی أیضا، بمعنی أنّ الفاسد فی نظر العرف أیضا بیع، فکلّ تملیک عین بعوض مع التعقب بالقبول بیع سواء أمضاه العرف و الشرع أم لا، و هذا واضح جدّا»(1).

ولکن أجاب الشیخ الأعظم عن هذه المناقشة بقوله: «نعم، یمکن أن یقال: أنّ البیع و شبهه فی العرف إذا استعمل فی الحاصل من المصدر الذی یراد من قول القائل: «بعت» عند الإنشاء لا یستعمل حقیقة إلاّ فی ما کان صحیحا مؤثّرا _ ولو فی نظر القائل _ ثم إذا کان مؤثّرا فی نظر الشارع کان بیعا عنده و إلاّ کان صورة بیع نظیر بیع الهازل عند العرف، فالبیع الذی یراد منه ما حصل عقیب قول القائل: «بعت» عند العرف و الشرع حقیقة فی الصحیح المفید للأثر و مجاز فی غیره...»(2).

و بعبارة اُخری: یمکن أن یوضع البیع لما هو المؤثر فی الملکیّة واقعا، و یکون الإمضاء، من الشرع أو العرف طریقا إلی ذلک، و قد یحکم الشارع بعدم حصول الملکیّة، إلاّ أنّ ذلک من ناحیة تخطئة الشارع أهل العرف و إذن فلا منافاة بین أن یکون البیع مفهوما عرفیّا و بین أن یکون موضوعا لخصوص الحصة الصحیحة.

و الحاصل: إنّ البیع بمعنی الاسْمِ المصدری حقیقة فیما هو المؤثر فی الملکیّة واقعا و من الظاهر أنّ هذا لا یتوقف علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فی المفاهیم العرفیة _ هذا ما افاده المحقّق السیّدُ الخوئی(3) فی توضیح کلام الشیخ _ .

ص: 33


1- (1) حاشیة المکاسب 1/315.
2- (2) المکاسب 3/20.
3- (3) مصباح الفقاهة 2/80.

ترجمة شیخنا الاستاذ آیة الله الشیخ المیرزا جواد التبریزی قدس سره بمناسبة ارتحاله

ولکن شیخنا الاستاذ(1) _ قدس اللّه روحه _ تعدی من البیع بمعنی الاسم المصدری إلی المصدری و وجّه استدلال الشیخ بقوله: «... فالبیع ولو بمعناه المصدری من العناوین القصدیة فیمکن أن یکون المستعمل فیه أمرا واحدا عند الشرع و العرف و هو ما یترتب علیه الأثر المترقب _ فإنّ الأثر المترقب فی البیع انتقال المالین _ فالمعنی مبهمٌ من حیث

ص: 34


1- (1) ارتحل إلی رحمة ربّه شیخنا الاُستاذ آیة اللّه العظمی الحاج الشیخ المیرزا جواد التبریزی قدس سره فی الساعة العاشرة من اللیل المسفر صَباحُهُ عَنْ یوم الاثنین الثامن و العشرین من شهر شوال المکرم عام 1427 بعد مرض لازمه أربع سنوات و صار حلیفا للفراش قریبا من شهرین و لعلّ شهرا منهما کان فی المستشفی أوّلاً بقم و ثانیا بطهران حتّی لبّی داعی اللّه، و نقل جثمانه الشریف إلی قم _ عش آل محمّد علیهم السلام _ فی نفس اللیل و وصل إلیه بعد منتصفه و استقبله لیلاً شیخنا الاُستاذ آیة اللّه العظمی الشیخ حسین الوحید الخراسانی _ مدظِلُّهُ _ عند مدخل المدینة وَ شَیَّعَهُ حتّی بیته الشریف و دخله و عزّی أبْناءَهُ قریبا من السّاعةِ الثّانِیَةِ بعد منتصف اللیل. و لأجل ارتحاله عُطِّلَتْ دروس الحوزات العلمیّة الشیعیّة فی جمیع البلدان یومین، و کَما عُطِّلَتْ قُمُّ فی یوم تشییعه و هو یوم الأربعاء الثلاثین من شوال و قد حضرت تشییعه و الصلاة علیه و لم أر فی حیاتی نظیرا لَهُ منْ حیث کثرة الازْدِحام من جمیعَ الطبقات و قد صلی علیه شیخنا الاستاذ الوحید الخراسانی و دفن فی زاویة مسجد «بالاسر» فوق رأس مرقد المؤسس الحائری قدس سره ، و قد أقمتُ له مجلسا ترحیمیّا فی مسجدی فی یوم الأربعاء القعد الحرام 1427 بأصبهان و کذا مجلسا تأبینیا بعد عام واحد علی ارتحاله فی یوم 25 شهر شوال المکرم 1428 یوم الثلاثاء استشهاد الإمام الصادق علیه السلام و قد کتبت ترجمته فی کتابی «طریق الوصول إلی أخبار آل الرسول علیهم السلام » فراجعه، رَحِمَهُ اللّه رَحمَةً واسَعةً وَ حَشَرَهُ مَعَ مولاهُ أمیرالمؤمنین و أولاده المعصومین علیهم السلام آمین ربّ العالمین. و قد حضرت علیه أربعة عشر عاما فی الفقه و أصوله و حتی مجلس تعلیقه علی المنهاج و العروة و الوسیلة کما قرأت علیه فی هذه المدّة عدّة من الکتب الفقهیة منها: الطهارة و الصلاة و الخمس و القضاء و الشهادات و الحدود و القصاص و الدیات، و من الاُصول دورتین فی الأدلة العقلیة و دورة فی مباحث الألفاظ و قد کتبتُ جمیع هذه الدروس علی نحو التقریر منه فی قریب من عشرین مجلدا، فحقوقه قدس سره علیَّ کثیر لایسعها هذه الأسطر.

الذات و القیود، و مبیَّنٌ من حیث الأثر و إذا کان المعاطاة مثلاً أمرا یترتب علیه انتقال المالین فی اعتبار العرف و الشرع تکون بیعا عندهما، و لو لم یترتب علیه انتقال شرعا فهی لا تکون بیعا عند الشارع و بالجملة یمکن أن لا یکون خلاف بین الشرع و العرف فی المعنی المصدری أو الاسم المصدری و یصح القول بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحیحة فلا تطلق علی الفاسدة إلاّ بطور المجاز»(1)

أقول: الملکیّة الحاصلة من البیع و غیره من الاُمور الاعتباریة التی تدور مدار الاعتبار من حیث الوجود و العدم، و لیست من الاُمور التکوینیة المتأصلة فی الخارج نحو الخمر و الخنزیر، و علی هذا فلا یتصور التخطئة فی الملکیّة بأن یوجد مورد توجد فیه الملکیة و لم یلتفت إلیها العرف و یکشف عنها الشارع تخطئة له.

و لذا لو قلنا بوضع لفظ البیع لما هو المؤثِّر فی الملکیة فإن کان المراد منه الاعتبار العقلائی أو الأعم منه و من الاعتبار الشرعی فلابدّ من الالتزام بوضع البیع للأعم.

و إن کان المراد من الاعتبار هو خصوص الاعتبار الشرعی فلابدّ من القول بالحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العقود و حینئذ یعود المحذور المتقدم أیّ أخذ الصحة الشرعیة فی المفهوم العرفی. هذا ما افاده السیّد الخوئی(2) رحمه الله .

لا یقال: التخطئة فی الاُمور الاعتباریة لم تتم ولکن یمکن قبول التخطئة من ناحیة الملاکات و المصالح و المفاسد.

لأنّا نقول: الأحکام التکلیفیة تدور مدار الملاکات و المصالح و المفاسد غالبا ولکن الأحکام الوضعیة لا تقاس بها و الملاک و المصلحة فی نفس اعتبارهِما کالاحکام الطریقیة

ص: 35


1- (1) ارشاد الطالب 2/26.
2- (2) مصباح الفقاهة 2/81 و 80.

التی تکون المصلحة فی نفسها کحجیّة البیّنة الشرعیة و أخبار الآحاد.

نعم، ربّما تصح التخطئة فی الملاک أو فی نفس الاعتبار، لأنّ الاعتبار لابدّ أن یکون ناشئا من المصلحة الواقعیة الداعیة إلیه، و مع عدم وجود تلک المصلحة یحکم الشارع بعدم صحة اعتبار الملکیّة و یکشف عنه خطأ العقلاء فی اعتبارهم نحو: عدم ملکیّة الخمر و الخنزیر و المیتة عند الشارع أو الحکم ببطلان الْبَیْعِ الربوی و الغرری و نَحْوِهِما، و هذا الاستدراک هو المختار عندنا.

تذکرة لابدّ من التنبیه علیها:

الظاهر أنّ مراد الشیخ الأعظم قدس سره هو ما ذکره جدّنا العلاّمة التقی صاحب الهدایة قدس سره فی آخر بحث الصحیح و الأعم بعد اختیاره القول بالأعم ثم ذکر کلام الشهیدین و سَعَی فی توجیه کلامهما _ و لعلّ الشیخ أخذه منه رحمهماالله _ حیث یقول: «فالأظهر أن یقال بوضعها لخصوص الصحیحة أیّ المعاملة الباعثة علی النقل و الانتقال أو نحو ذلک ممّا قرّرله تلک المعاملة الخاصة، فالبیع و الإجارة و النکاح و نحوها إنّما وضعت لتلک العقود الباعثة علی الآثار المطلوبة منها، و إطلاقها علی غیرها لیس إلاّ من جهة الْمُشاکَلَةِ أو نحوها علی سبیل المجاز.

لکن لا یلزم من ذلک أن تکون حقیقة فی خصوص الصحیح الشرعی حتّی یلزم أن تکون توقیفیته متوقّفة علی بیان الشارع لخصوص الصحیحة منها، بل المراد منها إذا وردت فی کلام الشارع قبل أَنْ یقوم دلیل علی فساد بعضها هو العقود الباعثة علی تلک الآثار المطلوبة فی المتعارف بین الناس، فیکون حکم الشرع بحلّها أو صحتها أو وجوب الوفاء بها قاضیّا بترتب تلک الآثار علیها فی حکم الشرع أیضا فَتَتطابَقُ صحتها العرفیة و الشرعیة، و إذا دلّ الدلیل علی عدم ترتب تلک الآثار علی بعضها خرج ذلک عن مصداق تلک المعاملة فی حکم الشرع و إن صدق علیه اسمها بحسب العرف نظرا إلی ترتب الأثر علیه

ص: 36

عندهم. و حینئذ فعدم صدق اسم البیع _ مثلاً _ علیه حقیقة عند الشارع و المتشرعة لا ینافی صدقه علیه عند أهل العرف مع اتحاد العرفین، و عدم ثبوت عرف خاص عند الشارع، إذ المفروض اتحاد المفهوم منه عند الجمیع، و إنّما الاختلاف هناک فی المصداق، فأهل العرف إنّما یحکمون بصدق ذلک المفهوم علیه من جهة الحکم بترتب الأثر المطلوب علیه، و إنّما یحکم بعدم صدقه علیه بحسب الشرع للحکم بعدم ترتب ذلک الأثر علیه، ولو انکشف عدم ترتب الأثر علیه عند أهل العرف لا من قبل الشارع لم یحکم عرفا بصدق ذلک علیه أیضا کما أنّ البیوع الفاسدة فی حکم العرف خارجة عندهم عن حقیقة البیع.

فظهر أنّه لا منافاة بین خروج العقود الفاسدة عند الشارع عن تلک العقود علی سبیل الحقیقة و کون المرجع فی تلک الألفاظ هو المعانی العرفیة من غیر أن تتحقق هناک حقیقة شرعیة جدیدة فتأمل جیّدا».(1)

أقول: أنت تری بأنّ ما اوردناها علی الشیخ الأعظم لم یرد علی العلاّمة الجدّ رحمهماالله لأنّه صرّح بعدم ثبوت عرف خاص عند الشارع و عدم تحقّق حقیقة شرعیة فی المعاملات، و قد نبّه علی هذا الأخذ الفقیه الیزدی رحمه الله فی حاشیته(2) ولکن استشکل علیه بقوله: «... إنّ الملکیّة و کذا أخواتها من الزوجیة و الحریة و الرقیة و نحوها أحکام مجعولة للعقلاء أو الشارع و اعتبارات عقلائیة أو شرعیة و لا واقع بها إلاّ هذا الاعتبار... إذ لا معنی حینئذ لتخطئة العرف فی المصداق إذ المفروض أنّ العقد بدون الشرط الشرعی الفلانی سبب عندهم مفید للملکیّة فلا یمکن أن یقال ما تراه سببا لیس بسبب لأنّ الفرض أنّه هو الجاعل للسبب و الواضع للاسم. نعم: یمکن تخطئته فی أصل الجعل بأن یقال أنّ مقتضی المصلحة أن

ص: 37


1- (1) هدایة المسترشدین 1/492.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/319.

لا یجعل هذا سببا، و هذا غیر التخطئة فی المصداق...»(1).

و فیه: بنظری القاصر یمکن ارجاع التخطئة فی أصل الجعل إلی التخطئة فی المصداق بادّعاء أنّ البیع الربوی أو الغرری أو المجهول ثمنا أو مثمنا لم یکن عند الشارع بیعا، و هذه أیضا بعینها هی التخطئة فی مصداقیته لِعنوان البیع فیتم ما ذکره العلاّمة الجد صاحب الهدایة قدس سره .

و قد اعترف الفقیه الیزدی قدس سره بعد صفحة بإمکان التخطئة فی المصداق حین استشکل علی بعض الأفاضل بقوله: «أوّلاً: فما ذکره من عدم امکان التخطئة فی المصداق کماتری»(2).

ثمرة هذا البحث:

قد یقال: بأنّ ثمرة بحث الصحیح و الأعم فی المعاملات تظهر فی صحة التمسک بالاطلاقات الواردة فیها و عدمها، و قبل الورود فی البحث لابدّ لنا من تعریف الإطلاق و النسبة بینه و بین التقیید و التذکر بمقدمات أو مقدمة الحکمة:

فَأَمّا الإطلاق: فَهُوَ رفض القیود عندنا لا جمعها، و أنّ الملاک فیه کون حیثیة الطبیعة تمام الموضوع.

و النسبة بینه و بین التقیید: فی مقام الثبوت هی التضاد لا یجتمعان و لا یرتفعان، ولکن فی مقام الإثبات هی تَقابُلُ العدم و الملکیّة، إی إذا استحیل التقیید لجهة من الجهات لایمکن الحکم بالإطلاق من هذه الجهة.

ص: 38


1- (1) حاشیة المکاسب 1/321.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/323.

و أمّا مقدمات الحکمة أو مقدمتها فهی:

1_ کون المتکلم فی مقام البیان و یمکن إحرازه بالأصل العقلائی. ولکنّه إذا علمنا أنّه من جهة فی مقام البیان ثم شککنا فی أنّه من یَأْتِ سائر الجهات أیضا فی مقام البیان أم لا؟ لا تجری أصالة أنّه فی مقام البیان.

2_ تمکن المتکلم من الاتیان بالقید و لم یَأْتِ به. لما مرّ أن التَّقابُلَ بین الاطلاق و التقیید فی مقام الإثبات هو العدم و الملکة. و الکلام فی هذا المقام.

3_ عدم ورود القید فی کلام المتکلم لا متصلاً و لا منفصلاً. لأنّ مع ورود القید متصلاً لم یبق مجال لتوهم الاطلاق و مع وروده منفصلاً یمحو الاطلاق السابق لاأقل من جهة هذا القید.

و أمّا وجود الْقَدَرِ المتیقن فی مقام التخاطب، کقدر المتیقن فی الخارج فَلا یمنع من الاطلاق. الأوّل: نحو القیود المأخوذة فی أسئلة السائلین و إجابة الإمام بالاطلاق. و الثانی: نحو قول الْمَوْلی: اکرم العالم، و وجود العلم من الخارج بأنّ الفقیه هو الْقَدَرُ المتیقن منه، وَلکنَّ وُجُوْدَ الْقَدَرِ المتیقن فی الخارج لا یوجب رفع الید عن إطلاق العالِم.

و یمکن إرجاع المقدمتین الثانیة و الثالثة إلی الاُولی فحینئذ تَصِیْرُ المقدمة الوحیدة فی المقام هو کون المتکلم فی مقام البیان.(1)

ثم بعد التذکر بهذه المقدمة علی القول بأنَّ ألفاظ المعاملات موضوعة للأعم فلا بأس بالتمسک بإطلاق خطابات المعاملات و علی القول بأنّها موضوعة للصحیح عند العرف أو المعاملة الباعثة علی النقل و الانتقال _ کما ذکره العلاّمة الجدّ قدس سره فی توجیه کلام الشهیدین رحمهماالله _ فلا بأس أیضا بالتمسک بإطلاقها، أمّا علی القول بأنّها موضوعة للصحیح

ص: 39


1- (1) فراجع نهایة الاصول /383 تقریرات السیّد المحقّق البروجردی رحمه الله لتوضیح ذلک.

عند الشرع فلا یصح التمسک بإطلاقها و تصیر مجملة و علیه فلو احتمل اعتبار شیءٍ شرعا فی معاملةٍ یلزم من القول بکونها موضوعة للصحیحة عدم جواز التمسک بالاطلاق، لأنّها صارت مجملة.

ولکن مع ذلک نحن نری أنَّ دیدن الفقهاء التمسک بالاطلاقات فی ألفاظ المعاملات، حتی القائلون بالصحیح یتمسّکون بها و الشیخ الأعظم رحمه الله (1) یستدل لهم بوجهین علی سبیل منع الخلو:

الأوّل: حمل لفظ البیع و غیره من العقود فی الخطابات الشرعیة علی ما هو الصحیح المؤثِّر عند العرف فی النقل و الانتقال، یعنی حمل لفظ البیع علی البیع الصحیح العرفی المؤثِّر فی النقل.

و فیه: أنت تری أنَّ هذا الوجه لا یَتُمُّ علی القول بالصحیح، بل هو الوجه الذی ذکره العلاّمة الجد و تبعه الشیخ الأعظم فی توجیه کلام الشهیدین من حمل الصحیح فی کلامهما علی الصحیح العرفی و علیه قد مرّ منّا جواز التمسک بالاطلاق، ولکن البحث هنا حول جواز التمسک بالاطلاق علی القول بالصحیح الشرعی _ لأنّ ما یصدق علیه البیع الصحیح العرفی یمکن أن یکون فی الشرع باطلاً _ و هذا الوجه لا ینتج بالنسبة إلیه.

و لذا قال المحقّق السَّیِّدُ الخوئی رحمه الله إنّ هذا البیان یکون «عبارة اُخری عن القول بوضع ألفاظ المعاملات للأعم»(2).

الثانی: أن یحمل البیع علی المصدر الذی یراد من لفظ «بعت» بتقریب: أنّ البیع فی مثل قوله تعالی: «أحلّ اللّه البیع» یستعمل فی معناه المصدری و اُرید منه الحلّیّة التکلیفیة

ص: 40


1- (1) المکاسب 3/20.
2- (2) مصباح الفقاهة 2/84.

أو الوضعیة و یحمل علی المصادیق العرفیة، لأنّ بیان جعل الحکم التکلیفی علی المصادیق الشرعیة لغو محضٌ.

و یمکن ان یستعمل فی معنی الاسْمِ المصدری و اُرید منه الحلیة الوضعیة و لابدّ أنْ یحمل علی امضاء المصادیق العرفیة لأنّ بیان جعل الحکم الوضعی علی المصادیق الشرعیة لغو محض.

و بعبارة ثالثة: هذا الخطاب انحلالی فیعم جمیع المصادیق العرفیة و إلاّ یصیر لغوا. و هذا التقریب مستفاد من کلام شیخنا الاستاد(1) قدس سره .

و فیه: و أنت تری أیضا بأنّ حمل البیع علی المصادیق العرفیة لا یجمع مع القول بالصحیح، بل هذا عین القول بالأعم.

و الظاهر عدم الفرق بین الوجهین بل یرجعان لبّا إلی وجه واحد.

و لذا قد تمسّکوا لصحة الاستدلال باطلاقات للصحیح بوجوه اُخر:

منها: البیع و نحوه من العقود یطلق تارة علی السبب اُخری علی المُسَبَّبَ:

البیع السببی: عبارة عن العقد المرکب من صیغتی الإیجاب و القبول، أو التعاطی خارجا بقصد تحقّق المبادلة.

البیع المسببی: عبارة عن تبادل الإضافتین المتحقِّق بالطرفین أو ما یحصل من الانشاء و یعتبر أمرا باقیا فی عالم الاعتبار.

ثم إذا کان المراد من البیع هو السببی و کان الشارع فی مقام إِمضاء الأسباب العرفیة و لم یرد شیئا علی ما هو سبب عندهم فحینئذ یصح التمسک بالاطلاق فی نفی اشتراط العربیة فی صیغة العقد مثلاً.

ص: 41


1- (1) إرشاد الطالب 2/27.

و أمّا إذا کان المراد من البیع هو المُسَبَّبی لأنّه أمرٌّ مستقَّرٌ قارٌّ و یعتبر أمرا باقیا فی عالم الاعتبار فلا یصح التمسک بالاطلاق لأنّ أمر المسبَّب یدور مدار الصحة و الفساد، و الوجود و العدم و لا یلاحظ الأسباب.

و الظاهر أنّ المطلقات الواردة فی الکتاب و السنة کلّها واردة فی مقام إمضاء المسببات دون الأسباب حتّی قوله تعالی «اُوفوا بالعقود»(1) بقرینة تعلّق وجوب الوفاء بها تکون ظاهرة فی المسببات لأنّ الأسباب آنیة الحصول و غیر قابلة للبقاء حتّی تکون متعلقة لوجوب الوفاء بل القابل هی المسببات التی لها نحو بقاء بعد انعدام أسبابها(2)، فحینئذ لا یمکن التمسک باطلاقات المعاملات.

و بعبارة اُخری: أنّ العرف لا یری الدلیل المتکفل لحکم علی المسبَّب من إمضاء و نحوه ناظرا إلی إثبات ذلک الحکم أو لازمه لسببٍ، لعدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة.(3)

و الحاصل: أنّ المسبّب حیث أنّه موجود آخر فی قبال السبب فلا دلیل علی أن یکون إمضاء المسبب إمضاءً للسبب.(4)

و قد نُسِبَ(5) إلی الشیخ الأعظم جوابٌ فی حلّ هذا الاشکال: بأنّ العرف حیث یری حصول المسبّب بسببٍ معین عندهم فإمضاء المسبب یستلزم امضاء السبب.

و استشکل علیه الناسب بقوله: «إنّ المتّبع هو أنظار العرف فی تعیین المفاهیم لا فی

ص: 42


1- (1) سورة المائدة /1.
2- (2) کما ذکره المحقّق النائینی فی أجود التقریرات 1/72 و تقریرات مکاسبه 1/112.
3- (3) کما ذکره السیّد الروحانی رحمه الله فی منتقی الاصول 1/291 و 290.
4- (4) کما ذکره السیّد الروحانی رحمه الله فی منتقی الاصول 1/291 و 290.
5- (5) الناسب هو المحقّق النائینی فی الأجود 1/72 و فوائد الاصول 1/80.

التطبیق، فهم و إن رأوا حصول المسبّب عند وجود أمر خاص إلاّ أنّ امضاء المسبّب لا دلیل علی کونه إمضاءً لنظره فی التطبیق أیضا، بل المتّبع هو نظر الشارع فإن ثبت و إلاّ فیتمسّک بإصالة عدم حصول المسببات...»(1).

و یمکن أن یقال: إنَّ أمر المسبّب و السبب یتصور علی ثلاثة وجوه:

أ: مسبَّبٌ لیس له إلاّ سبب واحد.

ب: مسبَّبٌ له أسباب متعددة فی عرض واحد.

ج: مسبَّبٌ له أسباب متعددة و نحن نقطع بتأثیر أسباب فیه و تأثیر بعض اُخر منها مشکوک.

و إمضاء المسبّب یکون إمضاءً للسبب فی الصورتین الاُولیین و أمّا فی الصورة الثالثة فلا و العمدة فی التمسک بالاطلاقات من قبیل هذه الصورة الأخیرة.

و قد أجاب المحقّق النائینی عن الإشکال بجواب آخر و هو:

«أنّ نسبة العقود إلی المعاملات لیست نسبة الأسباب إلی مسبباتها حتّی یکونا موجودین خارجیین یترتب أحدهما علی الآخر ترتبا قهریا و الارادة تکون متعلّقة بالمسبَّب بتبع تعلّقها بالسبب حیث أنّ اختیارتیه باختیارتیه... بل نسبتها إلیها نسبة الآلة إلی ذیها... بداهة أن قول: بعت لیس بنفسه موجدا للملکیّة نظیر الإلقاء الموجد للإحراق، بل الموجد هو الارادة المتعلّقة بإیجاده إنشاءً، فإذا لم یکن من قبیل الأسباب و المسبَّبات فلیس هناک موجودان خارجیان حتّی لا یکون امضاء أحدهما إمضاءً للآخر بل الموجود واحدٌ غایة الأمر أنّه باختلاف الآلة ینقسم إلی أقسام عدیدة فالبیع المنشأ باللفظ العربی قسم و بغیر العربی قسم آخر، فإذا کان المتکلِّم فی مقام البیان و لم یقیّده بنوع دون نوعٍ

ص: 43


1- (1) أجود التقریرات 1/72.

فیستکشف منه عمومه لجمیع الأنواع و الأصناف، کما فی سائر المطلقات طبقَ النعل بالنعل»(1).

و قد قرّر هذا الجواب عن النائینی فی تقریرات بحث مکاسبه بما ملخّصه: «باب المنشأ بالألفاظ الإنشاء لیس من باب المسببات و الأسباب بل هو من قبیل إیجاد ذی الآلة بآلة إیجاده و ألفاظ العقود آلات لإیجاد المعانی الإنشائیة بها، و الفعل المباشری الصادر عن الفاعل إمّا أن لا یتوقف صدوره عنه علی آلة کإیجاد النفس للصور الذهنیة فی صقعها، أو یتوقف صدوره عنه علی آلة، و الآلة إمّا تکون من أعضائه کالتکلّم المتوقف علی اللسان أو یکون أمرا خارجا کالکتابة المتوقفة علی القلم فعلی هذا صدور هذه المعانی الإیجادیة الإنشائیة عن الفاعل یکون بالمباشرة لکن باستعانة تلک الألفاظ فی إنشائها و إیجادها فتلک الألفاظ کالأفعال فی باب المعاطاة آلات لإیجاد تلک المنشآت فلا یصح وصفها بالمسبَّبات و لا وصف آلاتها بالأسباب.

و هذه المنشآت لها اعتباران، اعتبار نفس ذاتها من حیث هی هی مع قطع النظر عن انتسابها إلی الفاعل، و اعتبارها من حیث انتسابها إلی الفاعل، فهی بالاعتبار الأوّل معنی اسم مصدری، و بالاعتبار الثانی معنی مصدری و هذان الاعتباران واردان علی حقیقة واحدة و إنّما الفرق بالاعتبار و علیهما فامضاء المُنْشَأ بالإنشاء عین إمضاء إنشائه بالآلة المعدّة لإنشائه، سواءً کان الإمضاء متعلِّقا بالمعنی المصدری أو بالاسم المصدری، أمّا علی الأوّل فواضح ضرورة أنّ إیجاد کلّ شیءٍ له آلة تخصّه فإمضاء الکتابة بالمعنی المصدری عین إمضاء إیجادها بالقلم فالممضی هو الکتابة بالقلم و إمضاء الفعل باعتبار صدوره عن الفاعل عین إمضاء إیجاده بالآلة المعدّة لإیجاده عرفا. و أمّا علی الثانی حیث أنّ المعنی

ص: 44


1- (1) أجود التقریرات 1/74 مع تلخیص.

المصدری یکون عینا للمعنی الاسم المصدری بحسب الواقع و إنّما التغایر بینهما بالاعتبار، فإمضاء معنی الاسم المصدری عین إمضاء المصدری لأنّ المعتبَر فی صدق الإمضاء هو صدق العنوان الذی تعلّق به الإمضاء علی المصداق الخارجی فیکون إمضاء البیع بالمعنی الاسم المصدری عین إمضاء البیع بالمعنی المصدری فالکلام الکلام»(1).

أقول: و فیه: لو سلّمنا و قبلنا من المحقّق النائینی رحمه الله بأنّ نسبة المنشَأ بألفاظ الإنشاء هی نسبة ذی الآلة بآلة إیجاده و أن ألفاظ العقود الآت لإیجاد المعانی الإنشائیة بها، و مع ذلک لا یمکننا التمسک بالاطلاق لأنّ دلیل إمضاء المعاملة لا یکون فی مقام البیان من جهة إمضاء الآلة و مع عدم کونه فی مقام البیان فلا یصح التمسک بالاطلاق بلا فرق بین کون الألفاظ من الأسباب أو الآلات. و ما ذکره من أنّ الآلة و ذیها موجودان بوجود واحد مع عدم تمامیتها لایفیدنا فی المقام شیئا من عدم نظر دلیل الإمضاء إلی جهة العقد أو السبب أو الآلة علی حدِّ تعبیره و تسمیته السبب آلة لا یُغَیِّرُ واقعه و عدم النظر إلیه.(2)

و المحقّق السیّد الخوئی أجاب عن الاشکال بجواب آخر علی ما سلکه فی معنی الإنشاء المختص به قال فی تعریفهِ: «فالتحقیق أنّ حقیقة الإنشاء لیست عبارة عن إیجاد معنی _ کالطلب و غیره _ باللفظ کما هو المعروف... بل الصحیح أنّ الإنشاء حقیقة هو إبراز أمر نفسانی باللفظ غیر قصد الحکایة، فالمتکلِّم بمقتضی تعهّده و إلتزامه یکون اللفظ الصادر منه مبرزا لاعتبار من الإعتبارات القائمة بنفسه و أنّه هو الداعی لإیجاده...»(3)

و علی مَبْناهُ استشکل علی اُستاذه بقوله: «بل التحقیق أن یقال: أنّ المراد من المسبَّب فی المعاملة لیس هو الإمضاء الشرعی أو إمضاء العقلاء، ضرورة أنّ البیع و نحوه اسم لفعل

ص: 45


1- (1) راجع المکاسب و البیع 1/(116/112) بقلم العلاّمة الشیخ محمّد تقی الآملی رحمه الله .
2- (2) راجع منتقی الاصول 1/292 و 291.
3- (3) تعلیقة السیّد الخوئی علی أجود التقریرات 1/37 و 36.

البائع، و هو یصدر منه لا من غیره، بل المراد منه هو الاعتبار الصادر من البائع، المُظْهَرُ باللفظ أو بغیره و الاعتبار أمر قائم بالمعتبِر بالمباشرة بلا احتیاج إلی سبب أو آلة.

و قد عرفت سابقا أنّه لا أساس لما هو المعروف من کون الإنشاء عبارة عن إیجاد المعنی باللفظ و علی ما ذکرناه فإذا کان دلیل الإمضاء واردا فی مقام إمضاء الاعتبارات الصادرة من المتعاملین فمقتضی إطلاقه و عدم التقیید بمظهِرٍ خاصٍ یثبت عموم الإمضاء لکلّ ما یمکن أن یکون مظهِرا له، و بذلک یستغنی عن جمیع ما اُفید فی المقام فی وجه التمسک بالإطلاقات فی المعاملات مع عدم تمامیتها فی أنفسها فافهم و اغتنم»(1).

أقول: لو تمَّ هذا المبنی صح ما بنی علیه ولکن قد بحثنا فی أبحاثنا الاُصولیة عدم تمامیتهِ و أنّهُ مذهب متفرد به قدس سره و الشاهد علی بطلانهِ أنّ العقلاء یَحْدِثون الأمور الإنشائیة نحو المعاملة و النکاح بنفس إجراء الصیغة و لا یکفی فیها التوافقات القبلیّة، و الوجدان یشهد علی ذلک. کما أنّه یشهد بعدم صدق الإنشاء و الاعتبار قبل إیجاد اللفظ و حدوثه و التفصیل موکول إلی محلّه.

قد عرفت إلی هنا عدم تمامیة الأجوبة و الذی نذهب إلیه أنّ أدلة الإمضاء فی المعاملات تدور مدار المسبَّبات ولکن العرفیة منها لا الشرعیة و إلاّ تکون لغوا کما مرّ، و إمضاء المسبّب العرفی إمضاء لأسبابه العرفیة فکلَّما یدخل فی الأسباب العرفیة یدخل فی الإمضاء، و علی هذا یصح التمسک بالإطلاقات.

و بعبارة اُخری: أنّ العرف یری أنّ الدلیل المتکفل لإمضاء المسبَّب ناظر إلی إمضاء أسبابه، فعلیه یمکن التمسک بالإطلاق لکون المتکلِّم فی مقام البیان من هذه الجهة(2). فیرتفع الإشکال و الحمدللّه علی کلِّ حالٍ.

ص: 46


1- (1) تعلیقته علی أجود التقریرات 1/73 _ و راجع أیضا مصباح الفقاهة 2/84 و 53.
2- (2) و لتفصیل البحث راجع منتقی الاُصول 1/295 و 294 تقریر أبحاث السیّد الروحانی قدس سره .

فَصْلٌ: المُعاطاةُ

اشارة

ص: 47

ص: 48

المُعاطاةُ

اشارة

و هی مُفاعَلَةٌ من الإعطاء(1) و باب المفاعلة یرد للمشارکة بین الاثنین کالتفاعل ولکن لا ینحصر به و لذا قال شارح النَّظّام: «و فاعل لنسبة أصله و هو مصدر ثلاثیة إلی أحد الأمرین متعلقا بالآخر للمشارکة صریحا، فیجیء العکس ضمنا نحو: ضاربتُه و شارکتُه...، و بمعنی فعَّل نحو: ضاعفتُه بمعنی: ضعّفتُ، و بمعنی فَعَلَ نحو: سافرتُ بمعنی سفرتُ...»(2).

و علیه کما یمکن أن یرد باب المفاعلة للمشارکة بین الاثنین فی عمل أو فعل کذا یرد و یستعمل فیما إذا فَعَله واحدٌ من دون اشتراکٍ. فلذا استعمال المعاطاة لغة و عرفا فی العقود التی بین الاثنین و الإیقاعات التی تحتاج إلی طرف واحد یجوز حقیقة من دون استعمال مجاز فی البین و علی هذا یجوز استعمال لفظة المعاطاة فی الإیقاعات أیضا من دون تجوّز. هذا کلّه بالنسبة إلی التعریف اللغوی.

أمّا المعاطاة فی مصطلح الفقهاء فَهِیَ «أن یُعطی کلّ من الاثنین عوضا عمّا یأخذه من

ص: 49


1- (1) جامع المقاصد 4/57.
2- (2) شرح النظّام /55.

الآخر»(1) أو «هی إعطاء کلّ واحد من المتبایعین من المال عوضا عمّا یأخذه من الآخر باتفاقهما علی ذلک بغیر العقد المخصوص»(2).

التعریف الثانی و إن ورد فی البیع ولکن لا یختص به و قد اعترف المحقّق الثانی بأنّ فی کلام بعض الفقهاء «ما یقتضی اعتبار المعاطاة فی الإجارة و کذا فی الهبة»(3). و علی هذا یمکن جریانها فی جمیع العقود. بل الإیقاعات نحو الوقف و غیره.

و قال الشیخ یحیی بن حسین بن عشیرة البحرانی رحمه الله فی الفرق بین المعاطاة البیعی و نفس البیع: «أنّ المعاطاة لا یلزم إلاّ بذهاب أحد العوضین أو بعضه بخلاف البیع بالعقد، فإنّه یلزم بنفس العقد و التقابض للثمن و المثمن و لا یبطل إلاّ بالإقالة أو بحصول فسخ من عیبٍ أو خیارٍ. و المعاطاة یفید إباحةً لا ملکا»(4).

و قال السیّد عبدالفتاح المراغی: «إنّ سیرة المسلمین قدیما و حدیثا علی کون الوقف و الإذن و الإجازة و البذل و الأخذ بالشفعة و الفسخ و الإسقاط بالأفعال کما یکون بالأقوال...»(5).

صورها بحسب قصد المتعاطین

قد ذکر صاحب الجواهر رحمه الله لها أربع، إثنان منها غیر مشهور:

1_ أن یقع الفعل من المتعاطین من غیر قصد البیع و لا تصریح بالإباحة بل یعطی

ص: 50


1- (1) المکاسب 3/24.
2- (2) ریاض المسائل 8/212.
3- (3) جامع المقاصد 4/59.
4- (4) بهجة الخاطر و نزهة الناظر /94.
5- (5) العناوین 2/99.

البقال مثلاً شیئا لیتناول عوضه فیدفعه إلیه.(1).

و استشکل الشیخ الأعظم رحمه الله علیه بأنّ المعاطاة عمل إرادیٌّ و اختیاریٌّ من الطرفین وحیث أنّ المعاملات محصورة فی اُمور معینة و معلومة من البیع و القرض و الهبة و نحوها التی تفید ملک العین، و من الإجارة التی تفید ملک المنفعة و من العاریة التی تفید إباحة الانتفاع، و من طرف آخر یمکن لهما أن یقصدا أیّ منها شاءَا بلا مانع فی البین فعلیهما أن یقصدا إحدی المعاملات المعروفة.

و فیه: لم یتم عندنا انحصار المعاملات فی العقود الدراجة المعروفة و یمکن إیجاد و إحداث العقود الجدیدة نحو: التأمین بجمیع أقسامها و علی هذا لا یتم ما ذکره شیخنا الأعظم قدس سره ، و ظاهر الشهید(2) فی حواشیه علی القواعد أنّها معاوضة مستقلة.

ثم لو قلنا بأنّها معاوضة مستقلة لا بأس بها و تبعه جدّنا الشیخ جعفر فی شرحه علی القواعد(3).

و بما ذکرنا یظهر عدم تمامیة ما ذکره صاحب الجواهر بأنّ: «دعوی کونها معاوضة مستقلة لا تدخل تحت اسم شیءٍ من المعاوضات، لکن فیه: أنّه لا دلیل علیه، بل ظاهر حصر الأصحاب النواقل فیما ذکروه من الاُمور المخصوصة خلافه، مضافا إلی إصالة عدمه، اللهم إلاّ أن یستندفیه إلی السیرة و إن کان دون إثباتها علی وجه تکون معتبرة خرط القتاد»(4).

ص: 51


1- (1) الجواهر 22/226 ثالثها.
2- (2) نقل عنه صاحبا مفتاح الکرامة 12/511 و الجواهر 22/226.
3- (3) شرح القواعد 2/32.
4- (4) الجواهر 22/227.

2_ أن یقصد الملک المطلق(1) دون خصوص البیع(2).

ولکن استشکل صاحب الجواهر نفسه علی هذه الصورة بأنّ: «لا ریب فی فساده عند من اعتبر الصیغة الخاصة فی ملک المعاوضة لانتفاء المشروط حینئذ بانتفاء شرطه، و أمّا القائل بعدم اشتراطه فقد یقول بصحته و تنزیله علی البیع بناءً علی أنّه الأصل فی نقل الأعیان و لا یخرج عنه إلاّ بقصد غیره کما صرح به بعض مشایخنا(3)، لکن قد یناقش فی ثبوت الأصل المزبور لعدم الدلیل علیه و مطلق النقل جنس مشترک بینه و بین الصلح و الهبة بعوض فلا یتشخص إلاّ بقصده و لذا لا یکفی فی صیغة البیع ملّکتُک و نحوها، و قد یقول بصحته علی أن یکون من الهبة المعوضة، و فیه أنّها محتاجة إلی القصد أیضا»(4).

و استشکل علیه أیضا الشیخ الأعظم بأنّ التملک الخاص هو البیع أیّ «التملیک بالعوض علی وجه المبادلة هو مفهوم البیع لا غیر»(5). فهذا التملیک المطلق لیس بیعا عند الشیخ الأعظم.

و یمکن أن ندافع عن هذه الصورة بما ذکرناه آنفا من عدم حصریة العقود و المعاملات بِما هو المذکور عند قدماء أصحابنا قدس سرهم و من الممکن إحداث عقود و معاملات جدیدة تشملها الإطلاقات الواردة فی شأن العقود نحو قوله تعالی: «اُوفوا بالعقود»(6)، و

ص: 52


1- (1) الجواهر 22/227.
2- (2) المکاسب 3/23.
3- (3) و هو الشیخ جعفر قال فی شرحه علی القواعد 2/10: «انّ الأصل فی مطلق التملیک للأعیان التنزیل علی البیع». و قال ایضا فیه 2/32: «فالبیع أصل فی المعاوضة علی الأعیان مقدَّم علی الصلح و الهبة المعوّضة، و الإجارة فی نقل المنافع مقدَّمة علی الصلح و الجُعالة».
4- (4) الجواهر 22/227.
5- (5) المکاسب 3/24.
6- (6) سورة المائدة /1.

لأحدٍ أن یقال: بأنّ الملک المطلق أحدی هذه العقود.

و یؤید ما ذکرنا من عدم انحصار المعاملات کلام الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ: «یظهر من غیر واحد منهم فی بعض العقود _ کبیع لبن الشاة مدّة و غیر ذلک _ کون التملیک المطلق أعمّ من البیع»(1).

قال الشیخ فی النهایة: «لا بأس أن یُعطی الانسانُ الغنمَ و البقرَ بالضریبة مدّةً من الزمان بشیءٍ من الدراهم و الدنانیر و السَّمن و إعطاء ذلک بالذهب و الفضة أجودُ فی الاحتیاط»(2).

و علّق العلاّمة علیه: «و التحقیق أنّ هذا لیس ببیع و إنّما هو نوع معاوضة و مرضاة غیر لازمة بل سائغة و لا منع من ذلک»(3).

و المحقّق الثانی وافق العلاّمة و قال فی هذا الفرع: «لم یکن بیعا حقیقیا بل نوع معاوضة و مراضاة غیر لازمة بل جائزة وفاقا لاختیاره فی المختلف...»(4).

یظهر من هذه الکلمات لأساطین الفقه عدم انحصار المعاملات عندهم فی العقود الدّارِجَةِ المتعارفة و علیه فلا وجه لمنع ابن إدریس(5) أو حمل هذه المعاملة علی الصلح کما ذکره الشهید بعنوان قول(6).

و کذا یؤیده جواز تقّبل أحد الشریکین حصّة شریکه بشیءٍ معلوم، إذا کان بینهما

ص: 53


1- (1) المکاسب 3/24.
2- (2) النهایة /400.
3- (3) مختلف الشیعة 5/249.
4- (4) جامع المقاصد 4/110.
5- (5) السرائر 2/322.
6- (6) الدروس 3/197.

نخل أو شجر.

قال ثانی الشهیدین: «و ظاهر الأصحاب أنّ الصیغة تکون بلفظ القبالة و أنّ لها حکما خاصّا زائدا علی البیع و الصلح لکون الثمن و المثمن واحدا، و عدم ثبوت الربا لو زاد أو نقص... کما لا دلیل علی إیقاعه بلفظ التقبیل أو اختصاصه به، و إنّما المعلوم من الروایة(1) أنّه معاملة علی الثمرة و أنّه لازم بحیث یملک المتقِّبل الزائد و یلزمه لو نقص...»(2).

ظاهر الشهید الثانی أنّه معاملة مستقلة غیر البیع.

و قال المحقّق الأردبیلی: «یجوز أن یتقبَّل أحد الشریکین أو أکثر من الشریک حصته واحدا کان أو أکثر من الثمرة بمقدار معلوم من الثمر عشر تغارات مثلاً، لا علی سبیل البیع، بل هو علی سبیل القبول و المراضاة و دلیله الأصل و الحاجة لأنّها قد تدعو إلیه...»(3).

و قال صاحب الحدائق فی شأن هذا الفرع: «... و لیس هذا من قبیل البیع و إنّما هی معاوضة مخصوصة تسمی القبالة و هی مستثناة من المزابنة و المحالقة...»(4) و لکنّه حملها علی الصلح و قال: «... و هذا هو الصلح بلا إشکال»(5).

و قال المتتبع العاملی: «أنّ هذا التقبیل هل هو معاملة برأسها غیر الصلح و البیع؟ أو أحدهما و یکون مستثنی من القاعدة؟ ظاهر الأصحاب الأوّل کما فی المسالک و هو کما قال بل هو صریح جماعة و فی الروضة(6) نسبه إلی ظاهر الشهید و جماعة...»(7).

ص: 54


1- (1) صحیحة یعقوب بن شعیب المرویة فی وسائل الشیعة 18/231، ح1. الباب 10 من أبواب بیع الثمار.
2- (2) المسالک 3/370.
3- (3) مجمع الفائدة و البرهان 8/221.
4- (4) الحدائق 19/362.
5- (5) الحدائق 19/363.
6- (6) الروضة البهیة 3/369.
7- (7) مفتاح الکرامة 13/523.

و أمّا الاثنان المشهوران فَهُما:

3_ أن یبیح کلّ منهما للآخر التصرف فیما یعطیه.

4_ أن یتعاطیا علی وجه التملیک الحاصل من البیع.

قیّدنا هذه الصورة الأخیرة بالبیع حتّی لا تتحد مع الصورة الثانیة _ و هی الملک المطلق _ .

و من المعلوم وقوع الإباحة و التملیک تابع لقصد البائع و المشتری و علی هذا لا تَنْحَصِرُ الصور بالاْءَرْبَع بل یمکن زیادتها بأن یقصد البائع الإباحة و المشتری الملک أو العکس و قد تعرض الشیخ الأعظم لأحکام بعض هذه الصور فی التنبیه الرابع(1) و نحن نقتفی أثره إن شاء اللّه تعالی فانتظر.

الأقوال فیها

1_ المعاطاة البیعیّة بیعٌ و نحوها من المعاملات المعاطاتِیّة و أنّها تدل علی اللزوم إذا کانت عقدا لازمة سواء أکان الدال علی التراضی لفظا أم غیره و قد مرّ فی الأبحاث السابقة نسبة هذا القول إلی ظاهر المفید(2) و اطلاق کلام الشیخ فی المبسوط(3) و المقدس الأردبیلی(4) و المحدث الکاشانی(5) و السبزواری(6) و الشیخ سلیمان البحرانی و تلمیذیه الشیخ عبداللّه البحرانی و والد الشیخ یوسف البحرانی صاحب الحدائق علی ما نقل عنهم

ص: 55


1- (1) المکاسب 3/80.
2- (2) المقنعة /591.
3- (3) المبسوط 2/76.
4- (4) مجمع الفائدة و البرهان 8/142.
5- (5) مفاتیح الشرائع 3/48.
6- (6) الکفایة 1/449.

صاحب الحدائق فی کتابه(1) و اختاره هو أیضا و الفاضل النراقی(2) و الفقیه الیزدی(3)، و هو مختار أحمد و مالک و بعض الشافعیة من العامة.

2_ و هو القول الأوّل ولکن مع التقیید بأنّ الدال علی التراضی أو المعاملة یکون لفظا و قد نسب هذا القول ثانی الشهیدین إلی شیخه السیّد حسن ابن السیّد جعفر الحسینی العاملی الکرکی المتوفی عام 933 أو 936 و هو ابن خالة المحقّق الکرکی و له اخْتِیاراتٌ مُخْتَصَّةٌ به فی الفقه کما مرّ منّا(4)، و استجود هذا القول فی المسالک(5) إلاّ أنّه خلاف المشهور و قال: «ما أحسنه و أمتن دلیله إن لم ینعقد الاجماع علی خلافه»(6).

3_ أنّها تفید الملکیة الجائزة و تصیر لازمة بذهاب إحدی العینین و هو مختار المحقّق الثانی(7) و حمل علیه کلام کلّ من قال بالإباحة فی المعاطاة، و الحمل بعید من کلماتهم و قد حمل ثانی الشهیدین(8) مقالة العلاّمة فی التحریر(9) علیه، و هو أیضا بعید ولکن قال المحقّق النائینی: «فالأقوی أن یقال: إنّ التعاطی بقصد التملیک یفید الملک الجائز...»(10).

4_ إنّها تفید الإباحة ولکن اباحة جمیع التصرفات حتّی التصرفات المتوقفة علی الملک، مع بقاء کلّ من العینین علی ملک صاحبه و یحصل الملک اللازم بتلف إحدی العینین

ص: 56


1- (1) الحدائق 18/350 و 361.
2- (2) مستند الشیعة 14/253.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/336.
4- (4) فی صفحة 25 من هذا المجلّد.
5- (5) المسالک 3/147.
6- (6) المسالک 3/152.
7- (7) جامع المقاصد 4/58.
8- (8) المسالک 3/148.
9- (9) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
10- (10) منیة الطالب 1/122.

أو ما هو بمنزلة التلف و قد نُسب هذا القول إلی أبی الصلاح الحلبی(1) و الشیخ فی الخلاف(2) و المبسوط(3) و أبناء البَرّاج(4) و زُهْرَة(5) و إدریس(6) و سعید(7) و العلاّمة فی تذکرة الفقهاء(8) و الشهید فی الدروس(9) و قال ثانی الشهیدین: «... لأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرفات»(10)و نحوها فی الروضة(11) و ذهب إلی هذا القول سیّد الریاض(12).

5_ المعاطاة تفید اباحة جمیع التصرفات إلاّ ما یتوقف علی الملک کالوطی و العتق و البیع، قال الشهید فی حواشیه علی القواعد: «لا یجوز لأحدهما أن یخرجها فی زکاةٍ و خمسٍ أو ثمن الهدی قبل التلف _ یرید تلف العین الاُخری _ و قال: و یجوز أن یکون الثمن و المثمن مجهولین لأنّها لیست عقدا و کذا جهالة الأجل، و قال: ولو اشتری أمة بالمعاطاة لم یجز له نکاحها قبل تلف الثمن فإن وطئ کان بشبهة»(13).

و علیه یحمل کلام الشیخ(14) بأنّ الجاریة لا تملک بالهدیة العاریة عن الإیجاب و

ص: 57


1- (1) الکافی فی الفقه /353.
2- (2) الخلاف 3/41، مسألة 59.
3- (3) المبسوط 2/87.
4- (4) جواهر الفقه /56.
5- (5) غنیة النزوع /214.
6- (6) السرائر 2/250.
7- (7) الجامع للشرائع /251.
8- (8) تذکرة الفقهاء 10/7.
9- (9) الدروس الشرعیة 3/192.
10- (10) المسالک 3/149.
11- (11) الروضة البهیة 3/222.
12- (12) ریاض المسائل 8/214.
13- (13) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/510.
14- (14) المبسوط 3/315.

القبول و لا یحلّ و طؤها.

6_ أنّها معاملة فاسدة تفرد به العلاّمة فی نهایته و قال: «المعاطاة لیست بیعا... و هل هو إباحة؟ أو یکون حکمه حکم المقبوض بسائر العقود الفاسدة الأقرب الثانی، فلکلِّ منهما مطالبة الآخر بما سلمه إلیه مادام باقیا و یضمنانه إن کان تالفا...»(1). ولکنّه رجع عنه فی التحریر(2) و التذکرة(3).

7_ أنّها معاملة مستقلة غیر البیع قاله الشهید(4) فی حواشیه علی القواعد و تبعه جَدُّنا الشیخ جعفر کما فی شرح القواعد(5) و الفرق بینهما أنّ الشهید ذهب إلی إباحة جمیع التصرفات بالمعاطاة إلاّ ما یتوقف علی الملک کما مرّ ولکن الشیخ جَعْفَرا ذهب إلی أنّها تفید الملکیّة کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(6).

المختار من الأقوال

و هو یبنی علی اُمور:

الأوّل: المعاطاة المقصود بها البیع، بیعٌ أو تجارةٌ عرفا و المنکر مکابرٌ کما قال الشیخ الأعظم: «و أمّا منع صدق البیع علیه عرفا فمکابرة»(7).

و أمّا ما ذکره ابن زهرة من أنّ المعاطاة «لیس ببیع و أنّما هو إباحة للتصرف»(8) ثم

ص: 58


1- (1) نهایة الإحکام 2/449.
2- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
3- (3) تذکرة الفقهاء 10/7.
4- (4) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/511.
5- (5) شرح القواعد 2/32.
6- (6) حاشیة المکاسب 1/335.
7- (7) المکاسب 3/40.
8- (8) غنیة النزوع /214.

ادعی علیه الإجماع، فَإنْ کان مراده نفی صِدْقِ البیع علی المعاطاة عرفا و حقیقة فهو مردود و من الممکن أنّه نفی الصحة أو اللزوم و لذا قال: «إنّما هو إباحة للتصرف».

الثانی: بیعیة المعاطاة راجعة إلی الشک فی شرطیة الصیغة فی انعقاد البیع و قد مرّ فی الأبحاث السابقة عدم الدلیل علی هذا الاشتراط و عدم الدلیل فیها دلیل العدم لأنّه لو کان لظَهَرَ و بانَ و لزم علی الشارع البیان، مع أنّه لم یرد فی روایاتنا و حتّی روایات العامة مع توفر الدواعی علی نقله.

الثالث: «السیرة المستمرة علی معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملک فی التصرف فیه بالعتق و البیع و الوطأ و الإیصاء و توریثه و غیر ذلک من آثار الملک»(1) کما قاله الشیخ الأعظم.

أی أَنَّ سِیْرَةَ المتشرعة قائمة من زمننا هذا إلی زمن النبی صلی الله علیه و آله علی جریان أحکام البیع علی المأخوذ بالمعاطاة من دون فرق بین المأخوذ بالمعاطاة أو بالصیغة.

و دعوی: بنائُها علی عدم المبالاة و المسامحة کما عن صاحب الجواهر(2) و تبعه الشیخ الأعظم(3) ممّا لا یصغی إلیها، لأنّ الْعامِلِیْنَ بِهذِهِ السیرة عدّة أشخاص لا یُمْکِنُ رَمْیُهُمْ بعدم المبالاة نحو العلماء و الفقهاء بل أصحاب الأئمة علیهم السلام و لذا قال الفقیه الیزدی قدس سره : «من المعلوم أنّ الأئمة علیهم السلام و أصحابهم بل سائر الناس من العلماء و العوام کانوا یتصرّفون فی الهدایا و العطایا تصرّف الملاّک، و لم یعهد من أحدٍ منهم إجراء الصیغة فیها، مع أنّه لا فرق بینها و بین البیع بناءً علی اعتبارها فی الملکیّة فتدبر»(4).

ص: 59


1- (1) المکاسب 3/40.
2- (2) الجواهر 22/243.
3- (3) المکاسب 3/42.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/336.

الرابع: بعد صدق البیع علی المعاطاة عرفا أو التجارة یشملها قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(1) و قوله تعالی: «إلاّ أن تکونَ تجارةً عن تراضٍ»(2) و لذا قال الشیخ الأعظم: «و کیف کان ففی الآیتین مع السیرة کفایة»(3).

بل یَدُلُّ علیها قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(4) بعد ما مرّ من عدم اشتراط العقد بالصیغة، و حتّی علی القول باشتراطها فیه، لأنّ المراد بالعقود العهود و لا إِشکال فی صدق العهد علی المعاطاة. فالمعاطاة بیع لازم.

الخامس: إذا وافقت أنت معی فهو، و إلاّ یتَحقَّقُ ما ذکره الفقیه الشیخ جعفر کاشف الغطاء من أنّ القول بالإباحة فی المعاطاة یستلزم تأسیس «قواعد جدیدة:

منها: أنّ العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود، و قصد الملک و التملیک عند المعاملة و البناء علیهما لا محض الإباحة بها لا ینافیها.

و منها: أنّ ارادة التصرف من المملّکات فتملک العین و المنفعة بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة، و إن لم یخطر ببال المالک الأوّل الإذن فی شیءٍ من هذه التصرفات لأنّه قاصد للنقل من حین الدفع و أنّه لا سلطان له بعد ذلک بخلاف من قال: اعتق عبدی، و تصدّق بمالی عنک.(5)

و منها: أنّ الأخماس و الزکوات و الاستطاعة و الدیون و النفقات و حقّ المقاسمة و الشفعة و المواریث و الربا و الوصایا تتعلّق بما فی الید مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف

ص: 60


1- (1) سورة البقرة /275.
2- (2) سورة النساء /29.
3- (3) المکاسب 3/42.
4- (4) سورة المائدة /1.
5- (5) لتوضیح الاشکال راجع إلی ما قاله المحقّق النائینی فی منیة الطالب 1/133.

به أو عدم العلم به فینفی بالأصل فتکون متعلّقة بغیر الأملاک، و أنّ صفة الغنی و الفقر تترتّب علیه کذلک فیصیر ما لیس من الأملاک بحکم الأملاک.(1)

و منها: کون التصرف من جانب مملّکا للجانب الآخر، مضافا إلی غرابة استناد الملک إلی التصرف.

و منها: جعل التلف السماوی من جانب مملِّکا للجانب الآخر و التلف من الجانبین معیّنا للمسمّی من الطرفین و لا رجوع إلی قیمة المثل حتّی یکون له رجوع التفاوت. و مع حصوله فی ید الغاصب أو تلفه فیها فالقول بأنّه المطالِب _ لأنّه تملَّک بالغصب أو التلف فی ید الغاصب _ غریب و القول بعدم الملک بعید جدّا. مع أنّ التلف القهری: إنْ التالف قبل التلف فهو عجیب، و معه بعید لعدم قابلیته حینئذ، و بعده ملک معدوم، و مع عدم الدخول فی الملک یکون ملک الآخر بغیر عوض و نفی الملک مخالف للسیرة و بناء المتعاملین.

و منها: أنّ التصرف إن جعلناه من النواقل القهریة، فلا یتوقّف علی النیة فهو بعید و إن اوقفناه علیها کان الواطی للجاریة من غیر علم واطئا بالشبهة، و الجانی و المتلِف جانیا علی مال الغیر و متلِفا له.

و منها: أنّ النماء الحادث قبل التصرف إن جعلنا حدوثه مملِّکا له دون العین فبعید أو معها فکذلک، و کلاهما منافٍ لظاهر الأکثر. و شمول الإذن له خفی.

و منها: قصر التملِّک علی التصرف مع الاستناد فیه إلی أنّ إذن المالک به إذن بالتملّک فیرجع إلی کون المتصرّف فی تملیکه نفسَه موجبا قابلاً، و ذلک جار فی القبص بل هو أولی منه لاقترانه بقصد التملیک دونه و إیراد عدم الملازمة بین صحة التملیک مجّانا و صحّته

ص: 61


1- (1) لتوضیح الاشکال راجع إلی ما قاله المحقّق النائینی فی منیة الطالب 1/136.

معاوضة مشترک الإلزام و الکلام الکلام»(1).

و مقصود هذا الفقیه صرف استبعاد هذا القول کما نبّه علیه الشیخ الأعظم(2) لا الاستدلال بهذه الوجوه و لذا لا ینبغی النقض فیها و العجب منه أنّه تصدّی له(3) مع اعترافه بأنّه «لم یذکرها للاعتماد و الإنصاف أنّها استبعادات فی محلِّها»(4).

وَهْمانِ

الأوّل منهما: تخیّل استفادة لزوم الصیغة من بعض الروایات:

منها: خبر أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام فی شراء الأجمة لیس فیها قصب إنّما هی ماء، قال: یصید کفّا من سمک تقول: أشتری منک هذا السمک و ما فی هذه الأجمة بکذا و کذا.(5)

و منها: صحیحة رفاعة النخاس قال: سألت أباالحسن موسی علیه السلام قلت له: أیصلح لی أن أشتری من القوم الجاریة الآبقة و أعطیهم الثمن و أطلبها أنا؟ قال: لا یصلح شراؤها إلاّ أن تشتری منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتری منکم جاریتکم فلانة و هذا المتاع بکذا و کذا درهما فإنّ ذلک جائز.(6)

و منها: موثقة سماعة عن أبی عبداللّه علیه السلام فی الرجل یشتری العبد و هو آبق عن أهله، قال: لا یصلح إلاّ أن یشتری معه شیئا آخر، و یقول: أشتری منک هذا الشیء و عبدک

ص: 62


1- (1) شرح القواعد 2/(27-23).
2- (2) المکاسب 3/46.
3- (3) راجع المکاسب 3/(50-46).
4- (4) المکاسب 3/50.
5- (5) وسائل الشیعة 17/355، ح6، الباب 12 من أبواب عقد البیع و شروطه.
6- (6) وسائل الشیعة 17/353، ح1، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.

بکذا و کذا، فإن لم یقدر علی العبد کان الذی نقده فیما اشتری منه.(1)

و منها: موثقة اُخری له عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن بیع المصاحف و شرائها؟ فقال: لا تشتر کتاب اللّه ولکن اشتر الحدید و الورق و الدفّتین و قل: اشتری منک هذا بکذا و کذا.(2)

و منها: حسنة عبدالرحمن بن سیابة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سمعته یقول: إنّ المصاحف لن تشتری فإذا اشتریت فقل: إنّما أشتری منک الورق و ما فیه من الأدیم و حلیّته و ما فیه من عمل یدک بکذا و کذا.(3)

و منها: موثقة و مضمرة عثمان بن عیسی قال: سألته عن بیع المصاحف و شرائها؟ فقال: لا تشتر کلام اللّه ولکن اشتر الحدید و الجلود و الدفتر، و قل أشتری هذا منک بکذا و کذا.(4)

و منها: صحیحة بُرَیْدِ بن معاویة عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل اشتری من رجل عشرة آلاف طن قصب فی أنبار بعضه علی بعض من أجمة واحدة و الأنبار فیه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتک من هذا القصب عشرة الآف طن، فقال المشتری: قد قبلت و اشتریت و رضیت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وکّل المشتری من یقبضه فأصبحوا و قد وقع النار فی القصب فاحترق منه عشرون ألف طن و بقی عشرة الآف طن، فقال: العشرة آلاف طن التّی بقیت هی للمشتری و العشرون التّی احترقت من مال البائع.(5)

ص: 63


1- (1) وسائل الشیعة 17/353، ح2، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) وسائل الشیعة 17/158، ح2، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
3- (3) وسائل الشیعة 17/158، ح1، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
4- (4) وسائل الشیعة 17/158، ح3، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
5- (5) وسائل الشیعة 17/365، ح1، الباب 19 من أبواب عقد البیع و شروطه.

الطنّ: حزمةٌ من حطب أو قصب

و منها: موثقة سماعة قال: سألته عن بیع الثمرة هل یصلح شراؤها قبل أن یخرج طلعها؟ فقال: لا إلاّ أن یشتری معها شیئا غیرها رطبة أو بَقْلاً(1) فیقول: أشتری منک هذا الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بکذا و کذا، فإن لم تخرج الثمرة کان رأس مال المشتری فی الرطبة و البقل، الحدیث.(2)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قدم لأبی متاع من مصر فصنع طعاما و دعا له التجار، فقالوا: نأخذه منک بده دوازده، قال لهم أبی: و لم یکون ذلک؟ قالوا: فی عشرة آلاف ألفین، فقال لهم أبی: فإنّی أبیعکم هذا المتاع بإثنی عشر ألفا، فباعهم مساومة.(3)

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال: فی رجلین کان لکلِّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه و لا یدری کلّ واحد منهما کم له عند صاحبه، فقال کلّ واحد منهما لصاحبه: لک ما عندک ولی ما عندی، فقال: لا بأس بذلک إذا تراضیا و طابت أنفسهما.(4)

تلک عشرة کاملة من الروایات و أنت تری بأنّ غایة مایمکن أن یقال فیها: أنّ المعاملات الواردة فی هذه الروایات اُنشأت باللفظ و لا إشعار فیها بإعتبار اللفظ فضلاً عن الدلالة. مضافا إلی جریان السیرة علی المعاطاة، فالنهی الوارد عنها لابدّ بأن یکون طائفة

ص: 64


1- (1) البَقْل: هو ما ینبت فی بزره لا فی أصل ثابت جمعه بُقْول و أبقال، و بزر الحبوبَ: أی بذرها، فحینئذٍ فالخضروات قسم من البقل لا جمیعها.
2- (2) وسائل الشیعة 18/219، ح1، الباب 3 من أبواب بیع الثمار.
3- (3) وسائل الشیعة 18/61، ح1، الباب 14 من أبواب أحکام العقود.
4- (4) وسائل الشیعة 18/445، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب الصلح.

من النصوص الصریحة الصحیحة کالنهی عن القیاس، و لا یفید بعض الإطلاقات و العمومات.

الثانی منهما: قد یتوهم أنّ النهی الوارد عن بیع المنابذة و الملامسة و الحصاة یشمل المعاطاة أو أنّ المعاطاة تکون من مصادیقها.

قد ذکر الصدوق بسند ضعیف عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه نهی عن المنابذة و الملامسة و بیع الحصاة.(1)

و قال فی تفسیرها: «ففی کلّ واحدة منها قولان: أما المنابذة فیقال: إنّها أن یقول الرجل لصاحبه: انبذ إلیَّ الثوب أو غیره من المتاع أو انبذه إلیک و قد وجب البیع بکذا و کذا. و یقال: إنّما هو أن یقول الرجل: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البیع و هو معنی قوله أنّه نهی عن بیع الحصاة.

و الملامسة أن تقول: إذا لمست ثوبی أو لمست ثوبک فقد وجب البیع بکذا و کذا. و یقال: بل هو أن یلمس المتاع من وراء الثوب و لا ینظر إلیه فیقع البیع علی ذلک.

و هذه بیوع کان أهل الجاهلیة یتبایعونها فنهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عنها لأنّها غرر کلّها»(2).

و قد فسروا بیع الحصاة بثلاثة تفاسیر(3):

أحدها: أن یجعل اللمس للشیء و النبذ له و إلقاء الحصاة بیعا موجبا کما عن ابن

ص: 65


1- (1) معانی الأخبار /278 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 17/358، ح 13، الباب 12 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) معانی الأخبار /278 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 17/358 ذیل ح13.
3- (3) حکاها الرافعی فی المجموع 8/194 و 193 و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/516.

زهرة فی الغنیة(1)، و وجه بطلانها جعل اللمس و النبذ بیعا و عقدا موجبا للانتقال و اللزوم.

الثانی: أن یقول: بعتک ثوبا من هذه الأثواب و ارم بهذه الحصاة فعلی أیّها وقعت فهو مبیعٌ و وجه بطلانه جهل المبیع.

الثالث: أن یقول: بعتک هذا علی أنّک بالخیار إلی أن أرمی بهذه الحصاة، و بطلانه لإبهام مدّة الخیار.

فقد کان معنی النهی عن هذه البیوع: لا تعقدوا بالنبذ و لا باللمس کما کان أهل الجاهلیة یفعلون.

دفعه: المعاطاة شیءٌ و هذه البیوع أشیاء اُخَر، فالمعاطاة لیست من مصادیقها و لاتشمل هذه البیوع المعاطاة. هذا أوّلاً.

و ثانیا: الروایة عامیة ضعیفة الإسناد.

و ثالثا: الظاهر أنّ تعیین المبیع فی هذه البیوع بهذه الأفعال، لا أصل إیجابه و قبوله و انشائه بأن یقول: «بعتک مایقع علیه الحصاة أو ما لامسته أو ما نبذته» فتکون علة النهی أنّها بیعٌ غرریٌ کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(2) قدس سره فلا ربط لها بالمعاطاة.

و ینبغی التنبیه علی امور:

الأوّل: إعتبار شروط البیع فی المعاطاة و عدمه و هل یلحق بها أحکام البیع أم لا؟
اشارة

قال الشیخ جعفر: «أنّها هل هی داخلة فی إسم المعاملة التّی جاءَت فی مقامها فیجری فیها شرائطها و أحکامها؟

الظاهر من جماعة من الأصحاب إختیار ذلک فیجری فیها قائمةً مقام البیع مثلاً

ص: 66


1- (1) غنیة النزوع /214.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/338.

أحکام الشفعة و الخیار و الصرف و السَلَم و بیع الحیوان و الثمار و جمیع شرائطه سوی الصیغة. و لم یقم علی ذلک شاهد معتبر من کتاب أو سنة أو إجماع»(1).

أقول: هاهنا مقامان من البحث:

المقام الأوّل: إعتبار شروط البیع فیها

1_ بناءً علی المختار من أنّ البیع المعاطاتی بیع فی الواقع فحینئذ تعتبر فیها جمیع شروط البیع و لا دلیل علی أنّها تختص بالبیع القولی.

2_ و أمّا بناءً علی القول بالإباحة بمعنی کون قصد التملیک داعیا إلی إنشاء ما هو مصداق للإباحة و هو التسلیط عن قصدٍ و ارادةٍ فَتَقَعُ الإباحة لأنّها المقصودة بالإنشاء الفعلی عن اختیار و یتخلف قصد التملیک من باب تخلف الداعی، و علی هذا المسلک و هو مختار المحقّق النائینی(2) علی القول بالإباحة أیضا یعتبر فیها جمیع ما یعتبر فی البیع من الشروط، لأنّ فی هذه المعاملة الخاصة کون العوضین فیها مضمونا بالمسمی لا بالمثل أو القیمة فلابدّ فی إثبات صحتها من قیام دلیل و الدلیل هو السیرة و هی دلیل لُبّی لا إطلاق لها و لا عموم فیجب الأخذ بالمتیقن منها و هو ما اجتمع فیه الشرائط المعتبرة فی البیع.

لا یقال: عموم دلیل السلطنة ینفی اعتبارها.

لأنّا نقول: دلیل السلطنة و عمومها ناظرٌ إلی إیجاد المسببات و لا ینظر إلی الأسباب بل لا یعقل جعلها فی ناحیة الأسباب بعد کونها أسْبابا شرعیة و لابدّ فیها من الجعل التشریعی.

3_ و أمّا بناءً علی القول بالإباحة بمعنی أنّه مع الاْءنْشاءِ الفعلی للمتعاملین التملیک مع

ص: 67


1- (1) شرح القواعد 2/31.
2- (2) المکاسب و البیع 1/191 و 193.

قصدهما به، حکم الشارع تعبدا بحصول الإباحة و عدم حصول الملک إلی زمان تحقق إحدی الملزمات. فحینئذ یجری فیها جمیع مایعتبر فی البیع لأنّ المفروض کون قصدهما التملیک و کان هو المُنشأ بإنشائهما، غایة الأمر لم یترتب المُنشأ بواسطة حکم تعبدی من الشارع و صار ترتبه منوطا علی أمر متأخر من وجود إحدی الملزمات و هذا لا یخرجه من کونه بیعا و یصیر نحو توقف الملکیة فی بیع الصرف علی القبض.

قال الُْمحَقِّقَ النائینی فی ذیل هذا الْمَبْنی: «لا أظنُّ لهذا المسلک قائلاً و لا أصدقُ بوجود القائل به»(1).

أقول: إنَّما یَأْتِیْ ما ذکره المحقّق النائینی علی القول بانحصار العقود فی الرائج و الدارج فی ألسنة الفقهاء و علیه فلابدّ من حمل هذه المعاملة علی البیع و تَأْتِیْ فیه الشروط المعتبرة فیه و لکن علی القول بعدم انحصارها کما مرّ سابقا فلم یدل دلیل علی أنّ هذه المعاملة بیع حتّی أجرینا شروطه، و لأحد أن یَقُوْلَ: أنّها معاملة جدیدة حدیثة و لم تَجْرِ فیها شرائط البیع، فتأمل.

و قد مرّ منّا فی القول الرابع من الأقوال فی المعاطاة ذِکْرُ القائلین به، و هم کثیرون و الظاهر عدم تمامیة ما ذکره النائینی قدس سره من عدم القائل به.

4_ و أمّا بناءً علی القول بالإباحة بمعنی أنّ قصد المتعاطیین من أوّل الأمر هو الإباحة و کان الدلیل علی صحتها أدلة التسلیط کما ذکره صاحب الجواهر(2) فحینئذ تدلّ اطلاق الدلیل علی صحتها ولو مع فقد الشروط.

ولکن قد مَرَّت المناقشة فی إطلاق دلیل السلطنة أو عمومها من أنّها ناظِرَةٌ إلی إیجاد

ص: 68


1- (1) المکاسب و البیع 1/192 تقریر أبحاث المحقّق النائینی بقلم العلاّمة الشیخ محمّد تقی الآملی رحمه الله .
2- (2) الجواهر 22/224.

المسببات و لا ینظر إلی إیجاد الأسباب. فحینئذ یَقْتَصِرُ الدلیل علی السیرة وَ یَنْحَصِرُ بِها، و هی دلیل لبّی فیجب الأخذ بالمتیقن منها و هو ما إجتمع فیه الشرائط المعتبرة فی البیع. فقد عرفت اعتبار شروط البیع فی المعاطاة علی جمیع المبانی إلا المبنی الثالث، و قد مرّ من النائینی عدم وجود القائل به و قد مرّت منّا المناقشه فی هذا کلّه فی المقام الأوّل.

المقام الثانی: لحوق أحکام البیع للمعاطاة

بعض أحکام البیع یلحق بالمعاطاة نحو: الربا لأنّه یجری فی کلّ معاملة و معاوضة و لایختص بالبیع، فعلی القول بأنّها بیعٌ فواضح و علی القول بالإباحة علی جمیع وجوهه الأربعة المتقدمة فی المقام الأوّل فلأنّها معاوضة یکون الضمان فیها بالمسمی لا بالمثل أو القیمة فتکون إمّا بیعا أو معاملة معاوضیة و علی التقدیرین فیجری فیها الربا.

و أمّا انفساخ العقد بالتلف قبل القبض و إن اسْتُفِیْدَ من النص ولکن لیس من التعبدیات الصرفة بل هُوَ منطبق علی التزام المتعاملین بالتسلیم ضمنا فإذا امتنع التسلیم انْفَسَخَت المعاملة، فهو یجری فی المعاطاة لعدم اختصاصه بالبیع بل یجری فی کلّ معاملة و معاوضة، فعلی القول بأنّها بیع فالأمر فیه واضح و علی القول بالإباحة بالوجوه المتقدمة فالأمر کذلک لأنّ المعاوضة المفیدة لإباحة العوض المسمّی قوامها بوجود المباح فلو تلف لا یبقی مورد للإباحة و تعلُّق الإباحة بالمثل أو القیمة لا وجه له.

و أمّا الخیارات فأمرها مختلف بالنسبة إلی قبل لزوم المعاملة و بعده.

و أمّا عدم جریانها قبل اللزوم فَواضِحٌ؛ لأنّ الخیار حقّ و سلطنة لذی الخیار علی التزام الآخر، بحیث إن شاء حلّ العقد اللازم و إن شاء أمضاه و لیس لصاحبه هذه السلطنة و الحقّ، فمع عدم لزوم المعاملة فلا وجه لهذه السلطنة. و یکون نفی الخیار فیه من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

اللهم إلاّ أن یقال: علی القول بأنها بیع أو بیع یفید الإباحة شرعا قبل الملزمات یجری فیها

ص: 69

الخیار أیضا لأنّ جوازها من وجه لا ینافی جوازها من وجه آخر، و هذا هو المختار.

و یمکن أن یقال: إنّ المعاطاة من المعاملات اللازمة فیجری فیه الخیارکما لا یبعد.

و أمّا جریانها بعد اللزوم علی القول بأنّها بیع لازم أو القول بأنّها تفید الإباحة و بعد تحقق إحدی الملزمات یفید الملکیة و اللزوم فلا إشکال فی جریان أحکام الخیار، لکون المعاطاة حینئذ بیعا فیقع فیها ما یقع فی البیع من الخیارات.

و علی القول بأنّها بیع جائِزٌ أو القول بالإباحة بمعنی کون التملیک داعیا إلی إنشاء ما هو مصداق للإباحة کما ذهب إلیه المحقّق النائینی، أو القول بالإباحة بمعنی أنّ قصد المتعاطیین من أوّل الأمر هو الإباحة کما ذکره صاحب الجواهر، فحینئذٍ قد یقال(1) بأنّ ثبوت الخیار فیها بعدُ اللزوم مبنیٌّ بأن کون اللزوم المتحقِّق بإحدی الملزمات حکمیّا أو حقّیا، علی القول الاوّل لا تجری الخیارات، و علی القول الثانی تجری ولکن تصویر کونه حقیّا لُِیمْکِنَ فیه ثبوت الخیار مشکل و سیأتی البحث عن هذه المقالة فی بعض التنبیهات الآتیة(2) إن شاء اللّه تعالی.

الثانی: لا یعتبر فی المعاطاة قبض العوضین بل یکفی أحدهما
اشارة

قال الشهید: «من المعاطاة أن یدفع إلیه سلعة بثمن یوافقه علیه من غیر عقد ثم تهلک عند القابض فیلزم الثمن المسمی...»(3).

و نحوهُ فی حواشیه علی القواعد(4) و کذا فی حواشی المحقّق الثانی علی الإرشاد(5). و

ص: 70


1- (1) و القائل المحقّق النائینی رحمه الله فی تقریرات بحثه الشریف فراجع المکاسب و البیع 1/196.
2- (2) یأتی فی التنبیه السابع.
3- (3) الدروس 3/192.
4- (4) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/509.
5- (5) حاشتیه علی إرشاد الأذهان /334 المطبوعة فی المجلّد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره، و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/509.

تبعهما الشیخ یوسف فی الحدائق(1) و السیّد المجاهد فی المناهل(2) و قال الشیخ جعفر: «هل یُعتبر فیها قبض العوضین معا _ کما یظهر من لفظهما أو یکفی أحدهما فیجری فیه السَلَم و النسیئة، و یجری حکمها فی قابض أحد الطرفین إذا تلف فی یده قبل قبض الآخر؟ الظاهر الثانی، لقضاء السیرة بقیامها مقام عقود المعاوضات بأسرها»(3). و تبعهم أصحاب المفتاح(4) و الجواهر(5) و المکاسب(6).

و قال ثانی الشهیدین: «لو وقعت المعاملة بقبض أحد العوضین خاصة _ کما لو دفع إلیه سلعةً بثمن وافقه علیه، أو دفع إلیه ثمنا عن عین موصوفة بصفات السلم فتلف العوض المقبوض _ ففی لحوق أحکام المعاطاة و لزوم الثمن المسمی و المثمن الموصوف نظر، من عدم صدق إسمها، لأنّها مفاعلة تتوقف علی العطاء من الجانبین و لم یحصل و الإقتصار بما خرج عن الأصل علی موضع الیقین إن کان، و من صدق التراضی علی المعاوضة و تلف العین المدعی کونه کافیا فی التقابض من الجانبین، و الظاهر أنّ الحکم واحد. و قد ذکر أوّلهما شیخنا رحمه الله فی الدروس و ألحقه بها»(7).

و قال نحوهُ فی الروضة.(8)

ص: 71


1- (1) الحدائق 18/364.
2- (2) المناهل /270.
3- (3) شرح القواعد 2/31.
4- (4) مفتاح الکرامة 12/509.
5- (5) الجواهر 22/238.
6- (6) المکاسب 3/75 للشیخ الأعظم قدس سره .
7- (7) المسالک 3/151.
8- (8) الروضة البهیة 3/224.

و أنت تری أنّ الشهید الثانی لم یختر أحد طرفی الحکم بل ذکرهما علی وجه الاحتمال.

و بعد نقل هذه الأقوال لتنقیح محل النزاع و تحریر مَوْضِعِ الخِلافِ یمکن أن یقال: أنّ لَفْظَ المعاطاة لم یرد فی آیة و لا روایة و لا أنّه معقد للإجماع التعبدی حتّی یحفظ علی هذا العنوان و یؤخذ بالقدر المتیقن منه. بل الإجماع و السیرة قائمان علی جواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة و إن کان الإعطاء أو التعاطی من طرف واحد.

مضافا إلی ما مرّ منّا فی أوّل بحث المعاطاة بأنّ باب المفاعلة لا ینحصر بالمشارکة بین الإثنین بل یجی ء أیضا من طرف واحد نحو: ضاعفته بمعنی ضعّفتُ و سافرتُ بمعنی سفرت، و علی هذا الإعطاه أو التعاطی من طرف واحد أیضا یصدق علیه المعاطاة بلا إشکال و تجوّز و بالْقَدَرِ الْمُتَیَقَّنِ، فیجری علیه ما یجری علیها علی جمیع المبانی فی المعاطاة.

فرعان تعرّض لهما الشیخ الأعظم قدس سره

الأوّل: هل مجرد وصول الثمن إلی البائع و المثمن إلی المشتری بأیّ نحواتفق یُعدّ معاطاة؟ استظهر الشیخ الأعظم من کلام المحقّق الأردبیلی حیث یقول: «و لأنّ الظاهر أنّ الفرض حصول العلم بالرضا و هو حاصل»(1)، «أنّ المعیار فی المعاطاة وصول العوضین أو أحدهما مع الرضا بالتصرف»(2) و قال فی توضیح ذلک: «أنّ الظاهر أنّ عنوان التعاطی فی کلماتهم لمجرد الدلالة علی الرضا و أنّ عمدة الدلیل علی ذلک هی السیرة، و لذا تعدّوا إلی ما إذا لم یحصل إلاّ قبض أحد العوضین، و السیرة موجودة فی المقام أیضا...»(3).

ثمّ مثّل بالأمثلة الثلاثة:

1_ تعارف أخذ الماء مع غیبة السقّاء و وضع الفلس فی المکان المعدّ له إذا علم من

ص: 72


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 8/141.
2- (2) المکاسب 3/75.
3- (3) المکاسب 3/113.

حال السقّاء الرضا بذلک»(1).

2_ إنّ بناء الناس علی أخذ الماء و البقل و غیر ذلک من الجزئیات من دکاکین أربابها مع عدم حضورهم و وضعهم الفلوس فی الموضع المعدّ له»(2).

3_ «الدخول فی الحمام و وضع الاُجرة فی کوز صاحب الحمام مع غیبته»(3).

أقول: الظاهر عدم کفایة الرضا فی المعاملات بالمعنی الأخص و الأعم و الذی یُصَحِّحُ المعاملة هو استنادها إلی البائع و المشتری، أو الطرفین فی غیر البیع، و هذا الاستناد لا یتم إلاّ بأقل من الإذن، و صِرْف الرضا لا یکفی فی تصحیح المعاملة، فحینئذٍ فی أیّ صورة یکشف الإذن مع تعاطی الطرفین بل مع الإعطاء من طرف واحد صحت المعاملة و إلاّ فلا کما ذکر الشیخ الأعظم کفایة الرضا علی القول بأنّ المعاطاة یوجب الإباحة فقط لا التملیک و قال: «فالمعیار فی المعاطاة: وصول المالین أو أحدهما مع التراضی بالتصرف، و هذا لیس ببعید علی القول بالإباحة»(4).

هذا کلّه بالنسبة إلی أصل المسألة و أمّا الأمثلة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره فَهِیَ و إن صَحَّحَتْ هذه المعاملات ولکن لا لجهة التّی ذکرها و هی الرضا فقط، بل لأنّها من قبیل المعاوضة الخاصة التملیکیة أو الإباحة بالعوض، نعم یمکن حمل الثانی منها علی البیع المعاطاتی المتعارف ولکن إیجابه لیس بمباشرة المالک بل إنّما هو بمباشرة وکیله و فی الکلِّ حصل التعاطی من الجانبین و یمکن تحصیل الإذن بأنّ الحَمّامی إذا فتح باب حَمّامَهُ أو إذا فتح الخضار أو البقال أو العطار دکانه لبیع المحقرات التّی فیها أو إذا مَلاَءَ السُّقاءُ قِرْبَتَهُ من الماء و

ص: 73


1- (1) المکاسب 3/75.
2- (2) المکاسب 3/113.
3- (3) المکاسب 3/75.
4- (4) المکاسب 3/114.

جعله فی المعرض فیکشف من نفس هذه العملیة الإذن العام فی المعاوضة أو المعاملة کما هو الظاهر. فإنّا نحکم بصحة المعاملة فی هذه الموارد لا من جهة أنّها کلّها من البیع المعاطاتی و أنّها یکفی فیها الرضا، بل من جهة أنّها معاوضة خاصة تملیکیّة أو إباحة بالعوض و یوجد فیها إذن طرفی المعاوضة أو الإباحة أو المعاملة.

و یمکن القول بأنّ الثلاثة کلّها بیعٌ معاطاتیٌّ و دفع الغرر من المثالین الأوّل و الثالث بأنّهما حُملا علی القدر المتعارف عند الناس.

نعم، قد تتحقّق المعاملة بلا عطاء من الجانبین و هو أن یکون مال کلّ من الجانبین عند الجانب الآخر نحو إذا کان المالان عند کلّ منهما بسبق أمانةٍ أو غصب أو إطارة ریحٍ فحینئذ إن ثبت الإذن بالنسبة إلی المالین تمت المعاملة و إلاّ لم یصدق عنوان المعاملة بمجرد الرضا لما مرّ و قد إعترف الشیخ الأعظم به فیما بعد و قال: «و ربّما یستعمل فی المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم یکن عطاء و فی صحته تأمل»(1).

و کذا یجوز الأکل فی هذه الأمثلة الأخیرة حتّی مع عدم الرضا بشرط صدق عنوان التقاص و حدوده.

الثانی: قال الشیخ الأعظم قدس سره : «لو قلنا بأنّ اللفظ الغیر المعتبر فی العقد کالفعل فی إنعقاد المعاطاة، أمکن خلوّ المعاطاة من الإعطاء و الإیصال راسا، فیتقاولان علی مبادلة شیءٍ بشیءٍ من غیر إیصال و لا یبعد صحته مع صدق البیع علیه بناءً علی الملک و أمّا علی القول بالإباحة فالإشکال المتقدم هنا آکد(2)»(3).

ص: 74


1- (1) المکاسب 3/81.
2- (2) الإشکال هو العلم بعدم قیام السیرة هذه علی إباحة التصرف دون الصورة السابقة و هی أن یکون التعاطی من طرف واحد. کما فی المصباح 2/172.
3- (3) المکاسب 3/76.

أقول: حتّی علی القول بأنّ اللفظ الغیر المعتبر فی العقد کالفعل فی المعاطاة لا یمکن القول بإمکان خلوّ المعاطاة من التعاطی أو لاأقل من الإعطاء من طرف واحد، لاِءنَّهُ حتّی علی القول بأنّ المعاطاة بیع فعلیٌّ لا یتم إلاّ باعطاء أحد طرفی البیع من الثمن فصار البیع سلما أو من المثمن فصار البیع نسیةً أو منهما فصار نقدا و أمّا مع خلوّهما فصار بیع الکالی بکالی و یکون باطلاً عند الجمیع. فما تعرّض له الشیخ الأعظم فی هذا الفرع غیر تام.

و وافقنا المحقّق العراقی(1) علی عدم إیجاد البیع حینئذ و استغرب کلام الشیخ الأعظم رحمه الله من عدم استبعاد الصحة کصدق البیع علیه فی هذا الفرع.

الثالث: بماذا یتمیّز البائع عن المشتری؟

یتمیّز البائع من المشتری فی المعاطاة بل و فی العقد القولی بأنّ البائع هو الذی بذل ماله مع خصوصیاته ولکن أمسک بمالیته بأخذ البدل لیحفظ تموّله و لئلاینقص ماله بدفع العین و یختار البائع فی الأغلب من الأبدال النقود لأنّها أسهل فی الحمل و الاشتراء و المصرف.

و أمّا المشتری فَإِنْ رغب فی خصوصیات العین التّی یرید شراءها فمقصوده العین لرفع حاجاته ولکن حیث لا یعطی مجانا و بلا بدل الْتَجَأَ إلی إحضار بدلها.

و یمکن أن یقال بأنّ تمییز مفهوم البائع عن مفهوم المشتری من الواضحات التی لا تحتاج إلی البیان و إنّما الغرض من عقد هذا التنبیه بیان صدق مفهوم البائع أو المشتری من جهة السعة و الضیق لیبیّن مقدار صدقهما و بالمآل یرجع إلی الشبهة فی المفهوم فلذا نقول:

إذا کان أحد العوضین نقدا و الآخر سلعةً أو عرضا، فَصاحِبُ النقد یکون مشتریا و

ص: 75


1- (1) حاشیة المکاسب /129 لآیة اللّه المیرزا أبوالفضل النجم آبادی کتبه من تقریر أبحاث المحقّق العراقی.

صاحب السلعة و العرض یکون بائعا، لقیام سیرة العقلاء علی ذلک.

و أمّا إذا کان کلا العوضین نقدا أو سلعة، فَمَنْ یُرِدْ حفظ تموّله أو ازدیاده یَکُنْ بائعا و من یُرِدْ رفع حاجاته و سدّ خلاّته فهو المشتری.

و فی هذه الصورة إذا کان غرض کلّ من المتعاملین هو التحفظ علی مالیّة ماله و تموّله و کسب الربح و المنفعة أو رفع الحاجة و سدّ الخلّة نحو تبدیل بیت ببیت أو سیارة باُخری و نحوها فأیّهما یکون بائعا و أیّهما یکون مشتریا؟ ذکر الشیخ الأعظم أربعة وجوه فی تعینهما:

1_ یکون بیعا و شراءً بالنسبة إلی کلّ منهما لأنّ البیع لغة مبادلة مالٍ بمالٍ کما مرّ عن المصباح(1)، و الاشتراء هی ترک الشیء و الأخذ بغیره کما عن صاحب اللسان(2) و القاموس(3) فحینئذ یصدق علی کلّ منهما أنّه بائعٌ وَ مُشْتَرٍ لکن لا تَتَرَتَّبُ علیهما أحکام البائع و المشتری المختصة بهما لأنّها تجری فی حقِّ البائع المحض و المشتری کذلک.

2_ یکون بیعا بالنسبة إلی المعطی أوّلاً متاعه و شراءً بالنسبة إلی الآخذ و الذی یعطی متاعه ثانیا.

3_ یکون من قبیل المصالحة لأنّها بمعنی التسالم علی شیءٍ و لذا حملوا صحیحة محمّد بن مسلم الواردة فی رجلین کان لکلِّ واحد منهما طعام عند صاحبه و لا یدری کلُّ واحد منهما کم له عند صاحبه فقال کلّ واحد منهما لصاحبه: لک ما عندک ولی ما عندی، فقال علیه السلام : لا بأس بذلک إذا تراضیا و طابت أنفسهما(4). حملوها علی الصلح.

4_ یکون معاوضة مستقلة حیث لا یدخل تحت العناوین المتعارفة السابقة.

ص: 76


1- (1) المصباح المنیر /69.
2- (2) لسان العرب 7/103.
3- (3) قاموس اللغة 4/348.
4- (4) وسائل الشیعة 18/445، ح1، الباب 5 من أبواب الصلح.

فهذه أربعة وجوه مذکورة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره و اختار هو الثانی منها(1) و تبعه المحققان النائینی(2) و الإصفهانی(3).

و اختار الرابع منها الفقیه الیزدی(4) و المؤسّس الحائری(5) و المحقّقون العراقی(6) و الإیروانی(7) و الحکیم(8) و الخوئی(9) و الأردکانی(10) قدس سرهم .

فلابدّ لنا من التحقیق حول الوجوه الأربعة و لذا نقول:

أمّا الوجه الأوّل: فَإنَّهُ و إن کان یؤیده قول بعض اللغویین نحو أحمد بن فارس حیث یقول فی معنی البیع: «بیع الشیءٍ و ربّما سمی الشِّری بیعا و المعنی واحد»(11) و یقول الفیومی: «البیع من الأضداد مثل الشراء و یطلق علی کلّ واحد من المتعاقدین أنّه بائع»(12)، ولکن یرد علیه: بِأَنْ لو تم هذا الوجه لیجری حتّی بالنسبة إلی البیوع المتعارفة فلا یختص أحدهما بکونه بائعا و الآخر مشتریا و من البدیهی بطلان هذا الأمر. مضافا إلی أنّه لو کان حصل الغرض من البیعِ و الشراءِ الاْءَوَّلِیَّیْنِ فإجراء الثانی منهما لیس له مَوْضُوْعٌ بَلْ

ص: 77


1- (1) المکاسب 3/79.
2- (2) منیة الطالب 1/169.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/161.
4- (4) حاشیته علی المکاسب 1/377.
5- (5) کتاب البیع 1/105 الآیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی.
6- (6) حاشیة المکاسب /132 لآیة اللّه النجم آبادی تقریرا لمحاضرات المحقّق العراقی.
7- (7) حاشیته علی المکاسب 2/72.
8- (8) نهج الفقاهة /108
9- (9) مصباح الفقاهة 2/175.
10- (10) غنیة الطالب 2/64.
11- (11) معجم مقاییس اللغة 1/327.
12- (12) المصباح المنیر /69.

هُوَ لغوٌ. و العقلاء لم یذهبوا فی سِیَرِهم بالاُمور اللغویة.

و أمّا الوجه الثانی: فَالْواضِحُ عدم تمامیته علی إطلاقه بحیث ربّما یعطی البائع ماله ثانیا کما فی البیع السلم و ربّما ینشأ العقد بصیغة القبول بعد إنشاء المشتری صیغة الإیجاب. فهذا الوجه فی محلّه لا یتم حتّی نَتَمَسَّکَ به فی موارد الإشتباه.

و أمّا الوجه الثالث: فَلَوْ سلمنا حمل الصحیحة علی المصالحة کما هو الظاهر، ولکن الصلح معاملة خاصة معیّنة لاأقل من قصدها و نیّتها و بدونها لا تتحقّق و قصدها و نیّتها هنا مفقودة.

و أمّا الوجه الرابع: فَلَوْ ذهبنا إلی إمکان وجود عقود و معاملات مستقلة غیر العناوین الدارجة فحینئذ یمکن أن یفرض هنا معاوضة مستقلة کما مال إلیها جماعة من الأعلام ولکن العرف یری هذه المعاملة بیعا لا غیره فلا یتم هذا الوجه لأنّ العرف ینظر إلیها بعنوان البیع.

و علی هذا بنظری القاصر هذه المعاملة تکون بیعا فإن أقرّ کلّ منهما بأنّه البائع أو المشتری و لم یلحق به نفیه من الجانب الآخر فیقبل منه و تَتَرَتَّبُ علیه آثاره و إلاّ ففی ترتب الأحکام المختصة تحتاج إلی المرافعة الشرعیّة و إثباتها بضوابط القضاء من البینة و الیمین و غیرهما.

الرابع: الوجوه المتصورة بحسب قصد المتعاطیین للمعاطاة
اشارة

قبل الورود فی البحث لابدّ لنا من التَّذْکِیْرِ بالفرق بین التَّنْبِیْهَیْنِ الثانی و الرابع فلذا نقول: الغرض من الثانی بیان مورد المعاطاة و ما هو المبرز الخارجی لما قصده المتعاطیان و بعبارة ثالثة مقام الإثبات، و الغرض من الرابع بیان ما یمکن أن یقصده المتعاطیان و بعبارة اُخری مقام الثبوت.

ثم الوجوه المتصورة فی المقام بلغت إلی العشرة لأنّ المبادلة: إمّا أن تکون بین المالین و

ص: 78

هما إمّا بین ملکیتهماأو أباحتهما أو مختلفَیْن أیّ ملکیة أحدهما و إباحة الآخر. فهذه ثلاثة أقسام.

و إمّا أن تکون بین الفعلین و هما أیضا یمکن أن یکونا بین تملیکین أو إباحتین أو مختلفین أیّ بین تملیک و إباحة فهذه أیضا ثلاثة.

و إمّا أن تکون بین مال و فعل، و الفعل یمکن أن یکون إباحة أو تملیکا، و المال إمّا أن یجعل عوضا فی کونه ملکا أو فی کونه مباحا فهذه أربعة و یکون المجموع عشرة وجوه کما ذکره المحقّق الإیروانی(1) قدس سره .

و الظاهر صحة جمیع الأقسام لشمول العمومات، نعم فیما کان أحد الطرفین أو کلاهما إباحة فیه إشکال إذا کان المقصود إباحة جمیع التصرفات حتّی الموقوفة علی الملک کما ذَکَرَهُ الشیخ الأعظم و نبّه علی هذا الأخیر الفقیه الیزدی(2).

ثم إنّ الشیخ الأعظم تعرض لأربعة من هذه الوجوه لإیضاح حکم الباقی منها و نحن نقتفی أثره:

الوجه الأوّل: المقابلة بین المالین فی الملکیة

بأن یقصد کلّ من المتعاطیین تملیک ماله بمال الآخر فتکون المقابلة بین المالین لا بین التملیکین فحینئذ تَتُمّ المعاملة بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر لأنّ الأوّل تملیک و الثانی تملُّک، فإعطاء الثانی لا یکون إنشاء القبول و لا إنشاء التملیک و إنّما هو وفاء بالعقد، و لذا لومات الثانی قبل دفع ماله لم یؤثر فی المعاطاة و تمامیتها.

و بهذا الإطلاق تُستعمل المعاطاة فی الرهن و القرض و الهبة.

ص: 79


1- (1) حاشیة المکاسب 2/73.
2- (2) حاشیته علی المکاسب 1/376.

و مثله _ أی مثل صدق المعاطاة بإعطاء واحد و خلافا لظهور باب المفاعلة أو اشتهاره _ صدقُ المصالحة و المزارعة و المساقاة و المضاربة و المؤاجرة کما عن الشیخ الأعظم(1).

و اعترض علیه المحقّق النائینی بأنّ لو تمّ هذا الکلام الأخیر من الشیخ الأعظم قدس سره فی المعاطاة بأنّها بالإعطاء و القبض الأوّلیین تمت و حصلت، فهو یتنافی مع ما ذکره فی الأمر [التنبیه] الثانی من أنّ المتیقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطی(2) و الوجه فی ذلک أنّ العطاء الثانی لا أثر له و لا یتحقّق به إلاّ عنوان الوفاء بالمعاطاة(3).

ولکن یمکن أن یجاب بأنَّ الأیجاب و القبول یحصلان بالإعطاء و القبض أوّلاً و إنّ دفع العین ثانیا خارج عن حقیقة المعاطاة و هو وفاء بالعقد الفعلی ولکن مع ذلک أنّ المتیقن من المعاطاة فی قبال العقد اللفظی هو ما تعقبه الإعطاء من الطرف الثانی أیضا فلاتنا فی بین الأمرین کما عن السیّد المحقّق الخوئی(4).

و بعبارة اُخری: انّ المعاطاة تمت بالإعطاء و القبض الأوّلیین و إعطاء الثانی و کذا قبضه خارج عن حقیقة المعاطاة و هو وفاء بالعقد کما مرّ ولکن المراد من المتیقن من المعاطاة هو تیقنه من معنی باب المفاعلة لأنّ المتیقن من موارد استعمالها هو اشتراک المبدأ بین الطرفین، فهذا الوزن ینادی باعتبار إنشاء المعاملة بالعطاء من الطرفین کما عن المحقّق المروج(5) رحمه الله .

ص: 80


1- (1) المکاسب 3/81.
2- (2) المکاسب 3/74.
3- (3) منیة الطالب 1/169.
4- (4) مصباح الفقاهة 2/176.
5- (5) هدی الطالب 2/80.

و قد مرّ منّا فی أوّل بحث المعاطاة بأنّها تُسْتَعْمَلُ فی طرف واحد أیضا و لا تختص باشتراک الاثنین بالمبدأ. نعم: یمکن أن یقال بأنّ الاشتراک قدر مُتَیَقَّنٌ کما عن الشیخ الأعظم قدس سره .

و کما یمکن أن یکون إنشاء القبول بدفع العوض، بأن یکون أخذ المعوَّض من باب الاستیفاء لا بعنوان القبول کما کان هو الغالب وقوعا فلا وجه لإهماله.

لا یقال: إذا أعطاه البائع بعنوان التملیک فلا یمکن أخذه إلاّ بعنوان القبول فیکون دفع العین الاُخری من باب الوفاء لا محالة.

لأنّا نقول: کما یمکن أن یکون أخذه بعنوان القبول کذا یمکن أن یکون الأخذ بعنوان تتمیم الإیجاب و الاستیفاء للمبیع و دفع العین الاُخری یصیر إنشاء للقبول کما قاله الفقیه الیزدی(1) رحمه الله .

و بعبارة اُخری: کما یتصور کون القبول فی هذا الوجه أن یکون بأخذ المعوّض، فکذلک یتصور کونه بإعطاء العوض فحینئذ لا یترتب علیه الثمرة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم رحمه الله من أنّه لو مات الثانی قبل إعطاء العوض مات بعد العقد کما عن المؤسّس الحائری(2) قدس سره .

الوجه الثانی: المقابلة بین التملیکین

هذا الوجه أیضا یمکن أن یقرّر علی الوجهین:

الأوّل: ما ذکره الشیخ الأعظم(3) بأن یقصد کلّ منهما تملیک ماله للآخر بإزاء تملیک الآخر ماله إیّاه فیکون تملیکا بإزاء تملیک فالمقابلة یصیر بین التملیکین لا الملکین و متقوّمة

ص: 81


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/378.
2- (2) کتاب البیع 1/106 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی رحمه الله .
3- (3) المکاسب 3/81.

بالإعطاء من الطرفین فحینئذ فلومات الثانی قبل الدفع لم یتحقّق المعاطاة کما لو مات أحدهما بین الإیجاب و القبول.

و بعبارة اُخری: قَصَدَ کُلّ من المتعاطیین التملیک بأن یکون تملیک الأوّل مشروطا بتملیک الثانی، بحیث لو لم یُملِّک الثانی لم یتم تملیک الأوّل.

قال الشیخ الأعظم: «و هذا بعید عن معنی البیع»(1) لأنهم اعتبروا فی تعریف البیع أن یکون المبیع من الأعیان فحینئذ یخرج التملیک لأنّه من الأفعال لا الأعیان.

و فیه: قد مرّ فی التنبیه الأوّل فی بدایة الکتاب عدم اعتبار کون المبیع أن یکون من الأعیان فلا وجه لبعد هذا القسم من تعریف البیع و یصح أن یکون بیعا.

ثمّ حیث أنّ الشیخ الأعظم بعّده عن البیع قرّبه بثلاثة وجوه اُخر:

أ: الهبة المعوّضة: و قد قرّبها من وجه و هی: «لکون کلٍّ من المالین خالیّا عن العوض»(2). أیّ المقابلة وقعت بین التملیکین و هما فعلان، لا بین الملکین و هما مالان فتکون کالهبة المعوّضة.

و قد بعّدها من وجه و هی: أنّ حقیقة الهبة هی الإعطاء بلا بدل فقوامها تکون بالمجانیة، و اعتبار العوض فی المعوّضة منها یمکن أن یکون علی نحو الداعویة أو الاشتراط، لا علی نحو المعاوضة أو المقابلة، و من المعلوم فی هذا القسم أنَّهُ قابل التملیک بإزاء التملیک و هو یکون غیر الهبة التی حقیقتها المجانیة و حیث ذکر قدس سره وجه بعده عن الهبة المعوّضة ذکر وجهین اخَرَیْنِ و هما:

ب: مصالحة و تسالم علی أمر معیّن: بأنّ یکون المقام من قبیل الصلح المعاطاتی.

ص: 82


1- (1) المکاسب 3/81.
2- (2) المکاسب 3/81.

أقول: و یمکن أن یناقش فی هذین الاحتمالین الأخیرین بأنّهما لا یتحققان إلاّ مع قصدهما و خلو قصدهما عند المعاطیین معلوم.

ج: معاوضة مستقلة: تشملها إطلاقات «تجارة عن تراض» و نحوها.

هذا ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره فی المقام بتوضیح منّا.

و یمکن أن یناقش فی هذا الوجه الأخیر بأنّ بعد صحة بیعیة هذه المعاطاة لا نحتاج إلی جعلها معاوضة مستقلة.

الثانی: تقریر آخر لهذا الوجه: و هو کما یُمْکِنُ أن یکون القبول فی هذا القسم بالإعطاء من الطرف الآخر فکذلک یمکن أن یکون القبول بالأخذ من الطرف الآخر و یکون التملیک واجبا علیه من باب الوفاء فلا یترتب ما ذکره الشیخ الأعظم من الثمرة من عدم تحقّق المعاطاة لو مات الثانی قبل الدفع، بل لو أخذ و مات تمت المعاطاة و علی ورثته الإعطاء. فحینئذ یکون کالإجارة فکما فی الإجارة یحصل تملک الاُجرة و العمل علی العهدة و وجب الاْءتْیانُ به وفاءً بالعقد قبل حصوله فکذلک فی المعاطاة هنا یحصل تملّک المال و التملیک علی العهدة قبل حصوله و وجب الاْءتْیانُ به وفاءً بالمعاملة و قال الفقیه الیزدی رحمه الله : «و یمکن أن یقال إنّ هذا [التقریر] هو المتعین»(1).

الوجه الثالث: المقابلة بین الإباحة و التملیک

بأن یقصد الباذل أوّلاً إباحة ماله للآخذ بإزاء أن یملک الآخذ ماله إیّاه أو بالعکس کأنّ یقول: أبحتُ لک التصرف فی داری هذِهِ فی مقابل کَذا مقدار من المال، بحیث یکون المال ملکا لی. أو یقول: ملّکتک هذا المقدار من المال فی مقابل إباحتک تصرُّفی بِدارِکَ.

و فی هذا القسم یقابل الإباحة مع المال أو التملیک له و قبول الثانی یکون بالأخذ و

ص: 83


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/379.

التصرف فی الدار مثلاً أو فی المال فحینئذ یکون أداء المال أو الدار وفاءً بالمعاملة فلا تکون هذه المعاملة مقوّمة بالإعطاء من الطرفین.

و قد عمّمنا الوجه عمّا ذکره الشیخ الأعظم(1) تبعا للفقیه الیزدی(2).

و قد استشکل علیه الشیخ الأعظم بِإشْکالَیْنِ یَرِدانِ علی هذا الوجه، و حیث یرد أحد الإشکالین علی الوجه الرابع أیضا، لذا نذکرهما بعد الوجه الرابع.

الوجه الرابع: المقابلة بین الإباحتین

بأن یقصد کلّ منهما إباحة ماله للآخر بإزاء إباحة الآخر ماله إیّاه فیکون الإباحة فی مقابل الإباحة أو الإباحة بداعی الإباحة لأنّها یمکن أن تصور علی نحو الداعی.

و کما قد تکون المقابلة بین الإباحتین اللَّتَیْنِ هما من الأفعال، کذلک یمکن أن تکون المقابلة بین المالین علی وجه الإباحة کما ذکره الفقیه الیزدی(3).

و قد استشکل علیه الشیخ الأعظم بإشکال یشترک وروده علی الْوَجْهَیْنِ الثالث و الرابع.

أمّا الإشکال المشترک علی الوجهین الأخیرین

و هو أنّ الإباحة من حیث هی إباحة لا تسوغ جمیع التصرفات، حتّی المتوقفة علی الملک إلاّ علی نحو التشریع.

بتقریب: للمالک أن یبیح التصرف فی ماله للغیر ولکن لیس له إلاّ الإباحة فی التصرفات المشروعة و إلاّ تکون الإباحة مشرِّعا حتّی تقدر علی التصرفات الغیر المشروعة. و من جملة التصرفات الغیر المشروعة للمجاز هی التصرفات الموقوفة علی

ص: 84


1- (1) المکاسب 3/82.
2- (2) حاشیته علی المکاسب 1/380.
3- (3) حاشیته علی المکاسب 1/380.

الملک نحو: البیع و الوقف و العتق و الوطی و نحوها.

ثمّ قد تصحح التصرفات التی تختص بالمالک للمباح له بوجوه:

1_ منها: قصد المبیح من إباحة ماله للمباح له هو إنشاء التوکیل فی بیع ماله للمباح له ثمّ نقل الثمن إلی نفسه بالهبة من طرف المبیح.

أو قصد المبیح تملیک ماله بصیغة الإباحة، فیکون إنشاء الإباحة إنشاءً لتملیک المال للمباح له، فحینئذ لوباع المباح له المال، یکون بیعه بمنزلة قبوله، فیصیر نحو قول الرجل لمالک العبد: «إعتق عبدک عنّی بکذا»، فهذا القول استدعاءٌ لتملیکه، و إعتاق المولی عنه جواب لذلک الإستدعاء فیُعد هذا القول بیعا ضمنیّا لا یحتاج إلی شروط البیع کما قال العلاّمة: «إنّمایفتقر إلی الإیجاب و القبول فیما لیس بضمنیٌّ من البیوع أمّا الضمنی ک_«إعتق عبدک عنّی بکذا» فیکفی فیه الإلتماس و الجواب و لا تعتبر الصیغ المتقدمة إجماعا»(1).

و فیه: ظهور کلمة الإباحة لم یدخل فیه التوکیل أو التملیک، فهما غیر مَقْصُوْدَیْنِ، و لو أراد المبیح إرادتهما کانَ علیه التصریح بهما، مضافا إلی أنّ استیفاء الأموال و الأعمال بالاستدعاء المعاملی یَقْتَضِی وقوع ما استدعاه فی ملک المستدعی و هذا المعنی مفقود فی الإباحة لأنّ مجردها لا توجب الملکیّة کما نبّه علی هذا الأخیر المحقّق النائینی(2).

2_ منها: دلالة دلیل شرعی علی حصول الملک للمباح له بعد إنشاء الإباحة توسط المبیح ولو آنا ما قبل بیعه فحینئذ یَقَعُ البیع فی ملکه، نظیر دخول العمودین فی الملک آنا ما بحیث لا یقبل غیر العتق. و هذه الدلالة موجودة و هی إمّا «دلالة الاقتضاء»(3) أو عموم

ص: 85


1- (1) تذکرة الفقهاء 10/10.
2- (2) راجع منیة الطالب 1/173 و 174.
3- (3) و المراد بها ما یتوقف صحة الکلام علیه عقلاً نحو قوله تعالی «و اسئل القریة» أو شرعا نحو قول الآمر «اعتق عبدک عنّی».

«الناس مسلطون علی أموالهم»(1).

و فیه: دلالة الاقتضاء تامة حیث ما وجدت نحو قول الآمر: «اعتق عبدک عنّی»، و وجهها هُوَ أنّ استیفاء المال أو العمل المحترمَیْن مع عدم قصد التبرع من المالک أو العامل یقتضی ضمان المستوفی و مقتضی ضمانه انتقال ما إستوفاه إلی ملکه، لأنّ ضمانه یکون من باب المعاملة لا الغرامة، و نظیرها قول الآمر: «أدِّ دینی» أو «أحلق رأسی».

ولکن هذه الدلالة مفقودة هنا لأنّ إعتاق عبد الغیر أو بیع ماله للمباح له مشروط بالإباحة المطلقة بحیث تشمل التصرفات التی لا تصح إلاّ من المالک، و إذا أنت ترید تصحیح هذه الإباحة المطلقة بالتمسک بصحة هذا الإعتاق أو البیع یکون دورا واضحا فدلالة الاقتضاء لا تجری فی مثل «إعتق عبدی عنک» و «إشتر لنفسک من مالی دارا» کما نبّه علیه المحقّق النائینی(2).

و أمّا عموم حدیث «الناس مسلطون علی أموالهم» فَإنّما یدل علی تسلّط الناس علی أموالهم لا علی أحکامهم، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالک کلّ تصرف جائز شرعا فالإباحة و إن کانت مطلقة إلاّ أنه لا یباح بها إلاّ ما هو جائز بذاته فی الشریعة. فحینئذ دلیل عدم جواز بیع ملک الغیر أو عتق عبد الغیر لنفسه حاکم علی عموم الحدیث. نظیر حکومة دلیل عدم جواز عتق عبد الغیر علی عمومات وجوب الوفاء بالنذر و العهد، إذا نذر عتق غیره له أو لنفسه فلا یتوهم الجمع بینهما بالملک القهری _ و لو آنا ما _ للناذر کما عن الشیخ الأعظم(3) و قال: «و لأجل ما ذکرنا صرّح المشهور، بل قیل(4): لم یوجد خلاف فی أنّه لو

ص: 86


1- (1) عوالی اللآلی 1/222، ح99.
2- (2) منیة الطالب 1/175 و 174.
3- (3) المکاسب 3/87.
4- (4) القائل هو صاحب الجواهر فی کتابه 23/174 قال فیه: «بلاخلاف أجده فیه».

دفع إلی غیره مالاً و قال: إشتر به لنفسک طعاما... لم یصح»(1).

أقول: کما ذهب إلیه الشیخ فی المبسوط(2) و المحقّق فی الشرائع(3) و العلاّمة فی القواعد(4) و اقتصر فی التذکرة(5) و التحریر(6) علی نقل کلام الشیخ فی المبسوط و الشهید فی الدروس(7) و الشیخ مفلح الصیمری البحرانی فی غایة المرام(8) و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(9) و الشهید الثانی فی المسالک(10).

ولکن استقرب العلاّمة الجواز فی المختلف(11) و تؤیده بل تعیّنه صحیحة یعقوب بن شعیب(12) و لذا بها تُحْمَلُ صحیحه الحلبی(13) و صحیحة عبدالرحمن بن أبی عبداللّه البصری(14) علی خوف التهمة کما فی مفتاح الکرامة(15)، و حُکم بالصحة لو دفع إلیه مالاً و أمره بالشراء له، و اللّه العالم.

ص: 87


1- (1) المکاسب 3/85.
2- (2) المبسوط 2/121.
3- (3) الشرائع 2/26.
4- (4) قواعد الأحکام 2/87.
5- (5) تذکرة الفقهاء 10/106.
6- (6) تحریر الأحکام الشرعیّة 2/338.
7- (7) الدروس الشرعیة 3/211.
8- (8) غایة المرام 2/58.
9- (9) جامع المقاصد 4/400.
10- (10) المسالک 3/252.
11- (11) مختلف الشیعة 5/287.
12- (12) التهذیب 7/42، ح 68، الفقیه 3/259 ذیل ح 3935.
13- (13) الکافی 5/185 ح5، الفقیه 3/285 ح3934، التهذیب، 7/29 ح13.
14- (14) الکافی 5/186 ح9، التهذیب 7/30 ح14.
15- (15) مفتاح الکرامة 14/678.

و تبعهما صاحب الجواهر فی الجملة و قال: «إلاّ أنّ الإنصاف عدم خلو ذلک عن البحث اّن لم یکن إجماعا، و لو علم بقرینة إرادة قرض الدراهم من ذلک، أو القضاء لما علیه من الطعام بجنس الدراهم أو الاستیفاء بعد الشراء و القبض له، و یکون التعبیر المزبور باعتبار ما یئول إلیه، أو لأنّه السبب فی هذا الشراء، خرج عن موضوع البحث، و اللّه أعلم»(1)

3_ و منها: ما نحن فیه یکون من قبیل بیع الواهب عبده الموهوب أو عتقه، لأنّ البیع و العتق فی الفرض یکشفان عن رجوع الواهب فی هبته قبلهما بآنٍ و نحو ذلک بیع ذی الخیار بحیث یسقط به خیاره.

و فیه: الإباحة لم تثبت الملکیة هنا بحیث یکشف البیع أو العتق فیها، و إذا لم تثبت الملکیة فالبیع و العتق یقعان فی غیر الملک و یحکم ببطلانهما.

قد وجّهوا إشکال الشیخ الأعظم بأنّ الإباحة لا تسوّغ التصرفات الموقفة علی الملک بأمرین:

أ: حقیقة البیع هو تبدیل أحد طرفی الإضافة بالنسبة إلی العین و الثمن و مقتضی ذلک انتقال العین من مالکه إلی المشتری و انتقال الثمن من المشتری إلی مالک العین، فإذا قال المالک لأحدٍ: «اشتر لنفسک من مالی دارا» أو «خُذ هذه الفلوس و اشتر لنفسک طعاما أو ثوبا» فحینئذ تصیر إضافة الثمن و المثمن لشخص واحد فلا یتحقق تبادل الإضافتین التی هی ماهیة البیع و حقیقته أو خروج أحد العوضین علی ملک شخص و دخول العوض الآخر فی ملک شخص آخر یعنی خروج الثمن من ملک مالکه ولکن دخول الدار أو الطعام أو الثوب فی المثال للمباح له. فإذا لم تَتَحَقَّقْ ماهیة البیع لا یوجد. إلاّ علی نحو التقاریب

ص: 88


1- (1) الجواهر 23/174.

الثَّلاثَةِ الَّتِیْ ذکرها الشیخ و استشکل علیه _ و هذا هو المانع العقلی _ .

ب: المانع الشرعی: لابدّ أنْ یکون المبیع ملکا للبائع حتّی یصح بیعه لما ورد من قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله : «لابیع إلاّ فیما تملک»(1) و عنه صلی الله علیه و آله : «لا طلاق إلاّ فیما تملکه و لا بیع إلاّ فیما تملکه»(2) و قوله علیه السلام : «لا یجوز بیع ما لیس یملک و قد وجب الشراء من البائع علی ما یملک»(3). و قوله علیه السلام : «ما اُحبُّ أن یبیع ما لیس له»(4) و قوله علیه السلام : «لا تشترها [الأرض] إلاّ برضا أهلها»(5) و قوله علیه السلام : «الضیعة لا یجوز ابتیاعها إلاّ من مالکها أو بأمره أو رضا منه»(6).

و فی المثال حیث باع المباح له مال المبیع فیکون بیعه باطلاً لأنّه باع مال غیره و یخرج العین من مال المبیح و یدخل الثمن فی مال المباح له.

ولکن هذا الإشکال و إن قبله جمع کثیر من الأصحاب قدس سرهم ولکنّه غیر تام عندنا لما مرّ من أن البیع و حقیقته و ماهیته مَعْلُوْمَةٌ عند العرف و هو من المفاهیم الواضحة عندهم و لا یحتاج إلی تعریف حتّی یقال فی ماهیته بتبدیل الإضافتین، فهذه الماهیة من رأسها لا تَتُمُّ للزوم استقلال الإضافة و صیرورتها بلامضاف و لا مضاف إلیه و لو آنا ما و هو محال حتّی فی الاُمور الإعتباریة عند العقل و العقلاء و العرف و یظهر هذا صریحا فی الإعراض عن الملکیة، و یمکن أن ینقض علیها: من بیع الوقف العام فی صورة جوازه، و بیع الوقف و

ص: 89


1- (1) عوالی اللآلی 2/247، ح16 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/230، ح3.
2- (2) عوالی اللآلی 3/205، ح38 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/230، ح4.
3- (3) الفقیه 3/242، ح3886.
4- (4) وسائل الشیعة 17/335، ح5. معتبرة اسحاق بن عمّار.
5- (5) وسائل الشیعة 17/334، ح3. صحیحة محمّد بن مسلم.
6- (6) وسائل الشیعة 17/337، ح8. توقیع الحمیری.

اشتراء شیء آخر بدله بثمن وقف آخر بحیث یصیر وقفا فی صورة جواز هذا البیع و الشراء إذا طَرَأَ أحد مجوّزات بیع الوقف، و شراء عین زکویّة بنقد زکویٍّ و أمثال هذه المعاملات تکون بیعا عند العرف و الشرع و العقلاء ولکن لیس فیها تبادل الإضافتین فیظهر عدم تمامیة هذه الماهیة. هذا کلّه بالنبسة إلی المانع العقلی.

و أمّا المانع الشرعی: فَإنَّ ما ورد فی هذه الروایات و إن تَلَقّاها المسلمون بالقبول ولکن المراد منها عدم جواز بیع مال الغیر إلاّ بإذنه أو عدم جواز بیع مالا یقبل التملک کالخمر و لیس المراد منها دخول الثمن فی مال مَنْ یخرج العین المثمن من ماله و دخول العین المثمن فی مال مَنْ یخرج الثمن من ماله، فإذا قال المبیحُ للمباحِ له: «خُذ هذه الأموال و اشتر لنفسک دارا»، هذا القول بنفسه إذنٌ فی جواز بیع ماله و شراء دارٍ للمباح له، و هذا المقدار من الإذن یکفی فی صحة البیع و یخرجه من الفضولی أیضا.

و الشاهد لما ذکرنا وقوع هذه البیوع و المعاملات و المبادلات و المباحات فی الخارج و عند العرف کثیرا و حیث ینظر العرف إلیها بعنوان البیع فتشملها إطلاقات «أحل اللّه البیع» و «تجارة عن تراض» و «اوفوا بالعقود» و «الناس مسلطون علی أموالهم» و لا نحتاج إلی تصحیها بما ذکره الشیخ الأعظم بالوجوه الثلاثة الماضیة.

و ما تَوَصَّلْنا الیه من نتیجة الاسْتِدلال هُوَ الْمُوافِقُ لرأی الفقیه الیزدی(1) و المحقّق الإیروانی(2) و علی کیفیته و طریقه و نتیجته المحقّق الخمینی(3) قدس سرهم .

أمّا الإشکال المختص بالوجه الثالث

فَإنَّ الإباحة بعوض التملیک لا تَنْدَرِجُ فی المعاوضات المالیة لأنّ کلاًّ من العوضین یدخلان فی

ص: 90


1- (1) حاشیة المکاسب 1/381.
2- (2) حاشیته علی المکاسب 2/74.
3- (3) کتاب البیع 1/173 و 172.

ملک المبیح، أمّا ما أباحه معلوم و أمّا ما عوضه فالمفروض أنّه عوض الإباحة فیدخل فی ملک المبیح، فهو قد جمع بنی الملکین و لا دلیل علی مشروعیة هذه المعاملة کأنّه قد جمع بین الثمن و المثمن.

و یمکن الاستدلال علی مشروعیتها و صحتها بأنّها نوع من الصلح لأنّها بمعنی التسالم و الاتفاق علی أمر و لایشترط فیها لفظ (صالحت) أو (تسالمت) بل یکفی کلّ لفظ أو فعل یدلّ علیه و لو بالالتزام کما ورد فی صحیحة محمّد بن مسلم «لک ما عندک و لی ما عندی»(1) و ما ورد فی مصالحة الزوجین نحو صحیحة الحلبی(2) و غیرها(3) من الروایات الواردة فی تفسیر قوله تعالی: «و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح علیهما أن یصلحا بینهما صلحا و الصلح خیر»(4).

و یمکن أن یناقش فیه: بعدم وجود دلالة لفظیة أو فعلیة علی إنشاء الصلح و لا یدلّ حتّی السیاق علی أنّها صلح و لم یقصده الْمُتَعاطِیانِ و مجرد انطباق مفهوم التسالم علیها لا یجعلها من مصادیق المصالحة و إلاّ لزم إرجاع جمیع العقود حتّی النکاح إلی الصلح. کما عن المحقّقیْن النائینی(5) و الخوئی(6).

و کذا الاستدلال علی صحتها بقوله صلی الله علیه و آله : «المؤمنون عند شروطهم» المذکور فی موثقة منصور بن یونس (بزرج)(7) لا یتم لعدم دخول الشروط الإبتدائیة فی الروایة، و علی

ص: 91


1- (1) وسائل الشیعة 18/445، ح1، الباب 5 من أبواب الصلح.
2- (2) وسائل الشیعة 21/349، ح1، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق.
3- (3) راجع جمیع روایات الباب المذکور فی المصدر السابق.
4- (4) سورة النساء /128.
5- (5) منیة الطالب 1/185.
6- (6) مصباح الفقاهة 2/190.
7- (7) وسائل الشیعة 21/276، ح4، الباب 20 من أبواب المهور.

فرض دخولها فَالْمُرادُ بها التزام المؤمن بشروطه تکلیفا أیّ یجب علی کلّ مؤمن الوفاء بشرطه لأنّه من علائم إیمانه لا وضعا کما عن المحقّق السیّد الخوئی(1).

نعم، یمکن القول بأنّها معاوضة أو معاملة مستقلة یشملها قوله تعالی: «أَوْفُوْا بالعقود»(2) و قوله تعالی «تجارة عن تراض»(3) بل یمکن القول بأنّها بیع فیشملها قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(4) و لا سیما بعد تصحیح التصرفات التی تختص بالمالک فی الإباحة کما مرّ آنفا.

و کذا قوله صلی الله علیه و آله : «الناس مسلطون علی أموالهم»(5).

و قد عدّ المحقّق الإیروانی(6) من الإباحة بالعوض بعض المعاملات الشائِعَة من عصر الشارع إلی زماننا هذا نحو الدخول فی الحمامات مع إعطاء العوض و کذلک الدخول فی المطاعم و أشباه ذلک.

و حیث صححنا هذه المعاملة و جرت الآیات الثلاث فی شأنها فهل القول بلزومها یکون تماما أم لا؟

ثم استدل الشیخ الأعظم(7) لجوازها بحدیث السَّلْطَنَةِ و أصالتها _ بعد القول بأنّ الأقوی لزومها _ ، و یردّه الفقیه الیزدی(8) بأنّ متقضی السلطنة علی المال لزوم الإباحة

ص: 92


1- (1) مصباح الفقاهة 2/190.
2- (2) سورة المائدة /1.
3- (3) سورة النساء /29.
4- (4) سورة البقرة /275.
5- (5) عوالی اللآلی 1/222، ح99.
6- (6) حاشیته علی المکاسب 2/76.
7- (7) المکاسب 3/90.
8- (8) حاشیته علی المکاسب 1/391.

المفروضة لا جوازها لأنّه إذا کان مسلَّطا علی ماله و قد أباحه بعوض فیلزم أن تکون نافذة لازمة.

ولکن الظاهر أنّ القول بالجواز إذا کان أحد طرفی المعاملة أو کلاهما الإباحة یکون متعیّنا بقاعدة السلطنة حیث للمبیح أن یرجع عن إباحته لتلک القاعدة أو بحدیث «لا یحل مال امْرَئٍ مسلم إلاّ بطیب نفسه» فإذا رجع المبیح عن اباحته فلا یحلّ للمباح له التصرف فی المال، و للمباح له الرجوع فی ملکه أیضا لإنّه ملّکه للمبیح فی قبال إباحته فإذا رجع هو عنه فیجوز له الرجوع فی ماله. فهذه المعاملة جائزة وضعا و تکلیفا، و العجب من المحقّق الإیروانی(1) حیث قالَ بالجوازِ الْوَضْعِیّ و هو الموافِقُ لما قَرَّرْناهُ ولکن ذهب إلی اللزوم التکلیفی بِالاْءطْلاقاتِ الْوارِدَةِ فی تصحیح هذه المعاملة و أنت تعلم بأجنبیتها عن اللزوم التکلیفی بعد ثبوت الجواز الوضعی و اللّه العالم.

الخامس: جریان المعاطاة فی جمیع العقود و بعض الإیقاعات
اشارة

صرح الشیخ بأنّ إعطاء الهدیة من دون الصیغة یفید الإباحة دون الملک و قال: «إذا وصلت الهدیة إلی المُهْدی إلیه لم یملکها بالوصل و لم تلزم و یکون ذلک إباحة من المهدی حتّی أنّه لو أهدی إلیه جاریة لم یجز أن یستمتع بها لأنّ الإباحة لا تدخل فی الاستمتاع...»(2).

و ظاهر الشیخ الاکتفاء بغیر اللفظ فی باب وقف المساجد و قال: «إذا بنی مسجدا خارج داره فی ملکه فإن نوی به أن یکون مسجدا یصلّی فیه کلّ من أراده زال ملکه عنه، و إن لم ینو ذلک فملکه باقی علیه سواء صلی فیه أو لم یصل...»(3).

ص: 93


1- (1) حاشیة المکاسب 2/81.
2- (2) المبسوط 3/315.
3- (3) المبسوط 1/162.

و تبعه ابن ادریس الحِلّی فی الهدیّة و قال: «إذا أهدی لرجلٍ شیئا علی ید رسوله فإنّه علی ملکه بعد، و إن مات المهدی إلیه کان له استرجاعه، و إن مات المهدی کان لوارثه الخیار، و إذا وصلت الهدیّة إلی المهدی إلیه، لم یملکها بالوصول و لم تلزم و یکون ذلک إباحة من المهدی»(1).

و کذا العلاّمة الحِلّی قال فی الهبة من القواعد: «و لا تکفی المعاطاة و الأفعال الدالة علی الإیجاب، نعم یباح التصرف. و الهدیّة کالهبة فی الإیجاب و القبول و القبض»(2).

و قال فی بحث الرهن من التذکرة: «و الخلاف فیه بالمعاطاة و الاستیجاب و الإیجاب علیه المذکورة فی البیع بجملته آتٍ هاهنا»(3).

و یلوح من عبارته فی هبة التذکرة کفایة المعاطاة فی الهدیة حیث نقله عن بعض العامة و لم یناقش فیه قال: «الهبة عقد یفتقر إلی الإیجاب و القبول باللفظ کالبیع و سائر التملیکات، و أمّا الهدیّة فذهب قوم من العامة إلی أنّه لا حاجة فیها إلی الإیجاب و القبول اللفظیین، بل البعث من جهة المُهدی کالإیجاب و القبض من جهة المُهدی إلیه کالقبول، لأنّ الهدایا کانت تحمل إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله من کسری و قیصر و سائر الملوک فیقبلها، و لا لفظ هناک، و استمرّ الحالُ من عهده إلی هذا الوقت فی سائر الأصقاع، و لهذا کانوا یبعثون علی أیدی الصبیان الذین لا یُعتدّ بعبارتهم، و منهم من اعتبرهما کما فی الهبة و الوصیة. و اعتذروا عمّا تقدّم بأنّ ذلک کان إباحة لا تملیکا. و اُجیب بأنّه لو کان کذلک لما تصرّف الملاّک، و معلوم أنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یتصرّف فیه و یُملِّکه غیرَه. و الصدقة کالهدیة فی ذلک بلا فصل. و یمکن الإکتفاء فی هدایا الأطعمة بالإرسال و الأخذ من غیر لفظ الإیجاب و القبول

ص: 94


1- (1) السرائر 3/177.
2- (2) قواعد الأحکام، 2/405.
3- (3) تذکرة الفقهاء 13/91.

جریا علی المعتاد بین الناس. و التحقیق مساواة غیر الأطعمة لها، فإنّ الهدیّة قد یکون غیر طعام، فإنّه قد اشتهر هدایا الثیاب و الدواب من الملوک إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله فإنّ ماریة القبطیة اُمّ ولده کانت من الهدایا. و قال بعض الحنابلة: لا یفتقر الهبة إلی عقد بل المعاطاة و الأفعال الدالة علی الإیجاب و القبول کافیة، و لا یحتاج إلی لفظٍ، لأنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یهدی و یُهدی إلیه، و یُفرِّق الصدقة و یَأمُرُ بتفرقتها، و لم ینقل فی ذلک لفظ إیجاب و لا قبول، و لو کان شرطا لأمر به...»(1).

و تبع الشهیدُ الشیخَ فی الاکتفاء بغیر اللفظ فی وقف المساجد و قال بعد نقل کلام الشیخ: «فظاهره الاکتفاء بالنیّة، و اُولی منه إذا صلّی فیه، و لیس فی کلامه دلالة علی التلفظ و لعلّه الأقرب»(2).

و قال فی بیع الدروس: «... و شبهها (أی شبه المعاطاة) اقتضاء المدین العوض عن النقد أو عن عرض آخر، فإن ساعره فذاک، و إلاّ فله سعر یوم القبض، و لا یحتاج إلی عقد و لیس لهما الرجوع بعد التراضی»(3).

و قال فی رهنها فی اشتراط الصیغة المخصوصة: «و لو قال: خذه علی مالِکَ أو بمالِکَ فهورهنٌ. و لو قال: إمسکه حتّی أعطیک مالَکَ و أراد الرهن، و لو أراد الودیعة أو اشتبه فلیس برهن، تنزیلاً للفظ علی أقل محتملاته...»(4).

و قال المحقّق الثانی فی بیع کتابه: «و أعلم أن فی کلام بعضهم ما یقتضی اعتبار المعاطاة فی الإجارة و کذا فی الهبة، و ذلک لأنّه إذا أمره بعمل علی عوض معیّن، عمله و

ص: 95


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/415 من طبع الحجری.
2- (2) ذکری الشیعة 3/133.
3- (3) الدروس الشرعیة 3/192.
4- (4) الدروس الشرعیة 3/383.

استحق الأجر و لو کان هذا إجارة فاسدة لم یجز له العمل، و لایستحق اُجرة مع علمه بالفساد، و ظاهرهم الجواز بذلک، و کذا إذا وهب بغیر عقدٍ، فإنّ ظاهرهم جواز الإتلاف و لو کانت هبة فاسدة لم یجز، و منع من مطلق التصرف. و هو ملخص وجیه»(1).

و استشکل علی قول العلاّمة فی القواعد: «و لابدّ فیه (أی فی القرض) من إیجاب صادر عن أهله: کقوله: أقرضتک أو تصرَّفْ فیه أو انتفع به أو ملّکتک و علیک ردّ عوضه و شبهه، و قبول، و هو: ما یدلّ علی الرضی قولاً أو فعلاً»(2). بقوله: «ظاهر عباراتهم: أنّه لابدّ من الإیجاب القولیء، و عبارة التذکرة(3) أدّل علی ذلک. و یرد علیه: أنّه قد سبق فی البیع الاکتفاء بالمعاطاة التی هی عبارة عن الأخذ و الإعطاء فإن اکتفی فی العقد اللازم بالایجاب و القبول الفعلیین فحقّه أن یکتفی بهما هنا بطریق اُولی. و لیس ببعید أن یقال: إنّ انتقال الملک إلی المقترض بمجرد القبض موقوف علی هذا، لا إباحة التصرف إذا دلّت القرائن علی إرادتها»(4).

و نحوها فی حاشیته علی إرشاد الأذهان(5).

و قال فی تعلیقه علی الإرشاد: «إنّ من المعاطاة الإجارة و نحوها بخلاف النکاح و الطلاق و نحوهما فلا تقع أصلاً»(6).

ولکن استشکل علی کلام العلاّمة فی رهن التذکرة الذی مرّ منّا آنفا بقوله: «... و

ص: 96


1- (1) جامع المقاصد 4/59.
2- (2) قواعد الأحکام 2/103.
3- (3) راجع تذکرة الفقهاء 13/32.
4- (4) جامع المقاصد 5/20.
5- (5) حاشیة إرشاد الأذهان /430 المطبوعة ضمن المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره.
6- (6) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/509 و لم أجده فی حاشیة إرشاد الأذهان المطبوعة ضمن المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره مع کثرة تتبعی لَها.

یشکل بأنّ باب البیع ثبت فیه حکم المعاطاة بالإجماع بخلاف ماهنا، أمّا الاستیجاب و الإیجاب فنعم»(1).

و قال فی قرض صیغ عقوده: «فأمّا الإیجاب: فلابدّ أن یکون بالقول، فلا یکفی الدفع علی وجه القرض من غیر لفظ فی حصول الملک، نعم یکون ذلک فی القرض کالمعاطاة فی البیع فیثمر إباحة التصرف، فإذا تلف العین وجب العوض. و الذی ینساق إلیه النظر أنّ المعاطاة فی البیع تثمر ملکا متزلزلاً و یستقر بذهاب أحد العینین أو بعضها، و مقتضی هذا أنّ النماء الحاصل من المبیع قبل التلف شیء من العین یجب أن یکون للمشتری، بخلاف الدفع للقرض هنا فإنّه لا یثمر إلاّ محض الإذن فی التصرف و إباحة الإتلاف، فیجب أن یکون نماء العین للمقرض، لبقائها علی الملک، إذ لا معاوضة هنا و لا تملیک بخلاف الأوّل»(2).

و قال فی هبة جامع المقاصد بعد نقل محتوی کلام العلاّمة فی هبة التذکرة الذی مرّ آنفا: «و هذا قویٌّ متینٌ، یؤیده أنّ الهدیة مبنیّة علی الحشمة و الإعظام، و ذلک یفوت مع إعتبار الإیجاب و القبول و ینقص موضعها من النفس، و مطالبة المُهدی إلیه بالتملیک و سؤال الرسول هل هو وکیل فیه أم علی تقدیر اعتبار عبارته و نحو ذلک خروج عن مقصودها»(3).

و قبل ثانی الشهید کلام المحقّق الثانی فی بیع جامع المقاصد و قال بعد نقل کلامه: «... و لا بأس به إلاّ أنّ فی مثال الهبة نظرا من حیث أنّ الهبة لا تختص بلفظ، بل کلّ لفظٍ یدل علی التملیک بغیر عوض کافٍ فیها کما ذکروه فی بابه. و جواز التصرف فی المثال المذکور موقوف علی وجود لفظ یدلّ علیها، فیکون کافیّا فی الإیجاب. اللهم إلاّ أن یعتبر القبول القولی مع

ص: 97


1- (1) جامع المقاصد 5/45.
2- (2) صیغ العقود و الایقاعات /187، المطبوع فی ضمن المجلد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
3- (3) جامع المقاصد 9/142.

ذلک، و لا یحصل فی المثال فیتجه ما قاله»(1).

و قبل المعاطاة فی الإجارة و قال: «لمّا کان الأمر بالعمل یقتضی استیفاء منفعةٍ مملوکة للمأمور متقوّمةٍ بالمال وجب ثبوت عوضها علی الآمر کالاستیجار معاطاةً»(2).

و قال فی هبة المسالک بعد نقل نص عبارة هبة التذکرة: «و هذا الذی ذکره من التحقیق یشعر بما نقلناه عنه من الاکتفاء بذلک، و هو حسنٌ، و مع ذلک یمکن أن یجعل ذلک کالمعاطاة یفید الملک المتزلزل و یبیح التصرف و الوطی ولکن یجوز الرجوع فیها قبله عملاً بالقواعد المختلفة...»(3).

و تبعه المحقّق الأردبیلی و فی ذیل قول العلاّمة فی الإرشاد: «و لو أمره بعمل له اُجرة بالعادة فعلیه الاُجرة و إلاّ فلا»(4) قال: «هذا الحکم مشهور و یحتمل أن یکون مجمعا علیه و لعلّ سنده اقتضاء العرف فإنّه یقتضی أن یکون مثل هذا العمل بالاُجرة، فالعرف مع الأمر بمنزلة قوله: اعمل هذا و لک علیَّ الاُجرة، فیکون جعالة أو إجارة بطریق المعاطاة مع العلم بالاُجرة، و لو کان من العادة مثل اُجرة الحمّالین، و یبعد کونها إجارة باطلة...»(5).

و ذهب صاحب الحدائق إلی عدم اعتبار الصیغ الخاصة بالنسبة إلی جمیع العقود و قال: «... أنّه لا یعتبر فیها أزید من الألفاظ الدالة علی الرضا بمضمون ذلک العقد کیف کانت، و علی أیّ نحو صدرت، و مع استکمال جمیع ما یشترط فیه، من غیر توقف علی الصیغ الخاصة التی اوجبوها فی کلّ عقد، و أمّا الاشکال فی کون ذلک یسمی معاطاة أم لا؟ ... ما

ص: 98


1- (1) مسالک الأفهام 3/152.
2- (2) مسالک الأفهام 5/229.
3- (3) مسالک الأفهام 6/11.
4- (4) إرشاد الأذهان 1/425.
5- (5) مجمع الفائدة و البرهان 10/83.

أشرنا إلیه آنفا من أن هذه التسمیة إنّما هی اصطلاحیة ذکروها فی باب البیع...»(1).

و قال الفاضل المراغی: «إنّ المعاطاة هل هی ملحقة فی کلّ باب بالعقد الذی هو أصل لها؟ فیکون فی مقام البیع بیعا و فی مقام الإجارة إجارةً و فی مقام الصلح صلحا و فی مقام الهبة هبةً و نحو ذلک أو هی معاملة مستقلة؟ مقتضی حصر الأصحاب أبواب المعاملات فی الاُمور المخصوصة و عدم ذکرهم للمعاطاة عنوانا آخَرَ دخولها فیها، کما أنّ صدق لفظ البیع و الإجارة و نحو ذلک من ألفاظ المعاملات أیضا یقتضی کون المعاطاة داخله فیها... و حیث قلنا باندارجها تحت أسامی العقود، فالظاهر جریان جمیع الأحکام المذکورة فی أبواب العقود من الشرائط فی المتعاقدین أو العوضین و غیر ذلک من أحکام الخیارات و الضمان و الشروط و نحو ذلک من التوابع و غیرها آتیة فی المعاطاة»(2).

و قال الفقیه الیزدی: «إنّ مقتضی ما هو التحقیق من شمول العمومات العامة و الخاصة بکلِّ عنوان للمعاملات الفعلیة کالقولیة و کون المعاطاة علی طبق القاعدة جریانها فی جمیع العقود جائزة کانت أو لازمة إلاّ ما قام الاجماع فیه علی اعتبار الصیغة الخاصة کالنکاح و التحلیل و نحوهما...»(3).

و قال المؤسّس الحائری قدس سره : «لا اشکال فی إمکان المعاطاة فی سائر العقود کما فی البیع و لا فی صدق عناوین تلک العقود علی ما کان منها بالمعاطاة، کما کان باللفظ بلا فرق، و مقتضی ذلک دلالة أدلة صحة تلک العقود _ کالإجارة و الهبة و الصلح و نحوها علی صحة المعاطاة فیها، نعم استثنوا من ذلک عقد النکاح، فحکموا بعدم جریان المعاطاة فیه»(4).

ص: 99


1- (1) الحدائق 18/364.
2- (2) العناوین 2/129 و 128.
3- (3) حاشیته علی المکاسب 1/391.
4- (4) کتاب البیع 1/113 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .

قال المحقّق الأصفهانی: «انّ صحة المعاطاة فی البیع إن کانت علی القاعدة و أنّها بیع فیعمّها أدلة البیع، فکذا فی غیره من المعاملات لعدم الفرق فی صدق عناوینها بین البیع و غیره... إذا عرفت ما ذکرنا تعرف أنَّ التمسک بالاطلاق لجریان المعاطاة فی العقود و الایقاعات بمعنی صحتها بالإنشاء الفعلی کالإنشاء القولی بمکان من الإمکان و إن لم یصدق علیه المعاطاة بعنوانها، لما مرّ مرارا أنّ المعاطاة بعنوانها لم ترد فی آیة و لا روایة لیدور الأمر مدارها بعنوانها، نعم بعض العقود و الایقاعات ممّا قام الدلیل علی انحصار سببها فی صیغة خاصة کالطلاق و العتق و شبههما و بعضها ربّما یدعی البرهان علی عدم جریان المعاطاة فیها»(1).

و قال المحقّق السیّد الخمینی: «مقتضی القاعدة جریان المعاطاة فی کلّ عقد أو إیقاع یمکن إنشاؤه بالفعل، فإنّ الفعل کالقول آلة للإیجاد و الإیقاع الإعتباری، و مع الا¨یقاع کذلک یصیر المنشأ مصداقا للعناوین العامة و الخاصة، و دلیل صحتها و لزومها هو الأدلة الخاصة أو العامة، نعم ما لا یمکن إیقاعه بالفعل فهو خارج عن البحث، و لعلّ الوصیة أو بعض أقسامها منه...»(2).

و قال المحقّق السیّد الخوئی: «... فلا بأس بالالتزام بجریان المعاطاة فی جمیعها إلاّ ما خرج بالدلیل، و إذن فیکون ما هو المنشأ بالأفعال من المعاملات مشمولاً للعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و الإیقاعات و لزومهما»(3).

و قال شیخنا الاُستاذ قدس سره : «الصحیح الالتزام بجریان المعاطاة فی سایر المعاملات عقودا و إیقاعا أخذا بإطلاق صحتها و نفوذها، نعم لا تجری فی عقد أو إیقاع قام الدلیل

ص: 100


1- (1) حاشیة المکاسب 1/183.
2- (2) کتاب البیع 1/180.
3- (3) مصباح الفقاهة 2/192.

علی اعتبار اللفظ فی إنشائه کما فی النکاح و الطلاق حیث أنّ مطلق اللفظ غیر کاف [فی[ إنشائهما فضلاً عن الإنشاء بمجرد الفعل»(1).

أقول: قد عرفت جریان المعاطاة فی الجملة و فی بعض العقود أو الإیقاعات من أساطین الفقه و أعلام الطائفة نحو: الشیخ الطوسی فی الهدیّة و وقف المساجد، و تبعه ابن ادریس فی الهدیة، و کذا العلاّمة فی الهدیّة و الهبة و الرهن، و الشهید فی وقف المساجد و أداء الدین و الوثیقة فیه، و المحقّق الثانی فی الإجارة و الهبة و الهدیّة و القرض، و ثانی الشهیدین فی الإجارة و الهبة و الهدیّة، و الأردبیلی فی الإجارة، و مال إلی جریانها فی جمیع العقود و الإیقاعات صاحب الحدائق و الفاضل المراغی و الفقیه الیزدی و المؤسّس الحائری و المحققون الأصفهانی و الخمینی و الخوئی و شیخنا الإستاذ _ قدس اللّه أسرارهم _ و یظهر مما سردناه علیک وجه اسْتِغْرابِنا من صاحب الجواهر حیث یقول: «و أغرب من ذلک کلّه دعوی جریان المعاطاة فی مورد جمیع العقود جایزها و لازمها، فیتحقق مسمّاها بها دون عقدها للإطلاق عرفا، و فائدة العقد حینئذ اللزوم فی اللازمة منها و لا فائدة له فی غیره إذ هو کماتری لا ینبغی صدورها ممّن ذاق طعم الفقه»(2). فتأمل.

ما یستثنی من المعاطاة:

ثم القائلون بالتعمیم و جریان المعاطاة فی جمیع العقود و الإیقاعات استثنوا مواردَ.

منها: الوصیة: لأنّها لا تُنْشَأُ إلاّ بالقول و لیس فی موردها فعل یکون مصداقا لها و مثلها جعل القیمومیة و التدبیر. و الإشکال فیها لیس من ناحیة القابل و العقد و الإیقاع، بل الاشکال من ناحیة الفاعل بحیث لا یوجد هناک فعل یدل علی هذه الاُمور، و لو وجد

ص:101


1- (1) إرشاد الطالب 2/86.
2- (2) الجواهر 22/244.

فعل یدل علیها تمّت المعاطاة فیه. نحو: أن یسأل أحدٌ عن غیره مَنِ القَیِّمُ بعدک علی اُولادک أو أموالک؟ أو مَنِ الوَصِیُّ فی ما وصیت بِهِ؟ أو أیّما من بیوتک أو أراضیک جعلتَها للمسجد أو المدرسة؟ أو أیّ من عبیدک أو إمائک یَکون بعدک حرا أو حرّة؟

و فی جمیع هذه الموارد أشار إلی شخص أو بیت أو أرض، أو عیّنه بفعل دون قول، بلا فرق فی ذلک بین الحیاة المستقرة أو حالة الاحتضار مع شرائطها ینفذ ما أقرّبها أو قرّره أو عیّنه، و لَعَلَّهُ لم ینکر هذا أحدٌ من فقهائنا الکبار، و علی هذا تجری المعاطاة بالنسبة إلی

الوصیة و التدبیر و القیمومیة و نحوها.

و لاِءَنَّهُ لم ینحصر الإنشاء المعاطاتی بالإعطاء و الأخذ الخارجیین حتّی یستشکل بأنّ هذه الاُمور من الاُمور الاستقبالیة فیستحیل إنشاؤها بفعل یتحقق قبل الموت بل المعاطاة هی تبدیل الفعل بدل القول فی المعاملات و علیها تجری المعاطاة فی الوصیة و القیمومیة و التدبیر.

و بما ذکرنا یظهر جریان المعاطاة فی الوقف و کذا فی الرهن لاِءَنّا ذهبنا إلی اللزوم فی المعاطاة لا الجواز فی المعاملات اللازمة، لأنّ الرهن من العقود اللازمة من طرف الراهن و کذا تجری المعاطاة فی القرض.

و قد یستشکل جریان المعاطاة فی الضمان لأنّ انتقال الدین من ذمّةٍ إلی اُخری لا یمکن أن یتحقق بالفعل الخارجی.

و یرد علیه: کما یمکن أن ینتقل المال فی البیع بالمعاطاة کذلک یمکن انتقال الدین، و لا فرق فی الانتقال فی عالم الاعتبار بین العین و الدَّین فکما یمکن الانتقال بالمعاطاة فی العین فکذلک یمکن فی الدین.

و أمّا جریان المعاطاة فی النکاح: فَقَدْ یتوهم عدم جریانها فیه لأنّ الفعل فیه ملازم لضده و هو الزنا و السفاح، بل هو مِصْداقٌ له حقیقةٌ و من الواضح أنّه لا یمکن إنشاء شیءٍ

ص:102

من الاُمور الإنشائیة بضده.

و دفعه: الزنا عند العرف غیر النکاح و الزواج سواء کان انشاؤه بالقول أو الفعل، و الزنا یکون قسیمه، لو قَصَدَ الزوجان النکاح و أَنْشَأآهُ بالفعل لا بالقول، تحقّق الزوجیة، و الوطی بعدها لیس من الزنا.

و من هنا ظهر جواب تسبّب الوطی للنکاح و الإشکال فیه بأنّ الوطی یحتاج إلی سبب محلّل له، فلو کان سببا لحلّیّة نفسه لزم إتحاد السبب و المسبب فی مرتبة واحدة مع امتناع تأثیر الشی فی نفسه.

و أما جوابه: فَإنَّ الزَوْجَیْنِ یقصدان النکاح بالفعل ثم یتحقّق و من بعده یَقَعُ الوطی و من أین لزم إتحاد السبب و المسبب؟ هذا أولاً.

و ثانیا: امتناع اتحاد السبب و المسبب و امتناع تأثیر الشی فی نفسه فی عالَمِ التکوین تام و أمّا عالَمُ الاعتبار غیره، و ما هو ممتنع فی عالم التکوین یمکن وقوعه فی عالَمِ الاعتبار، لأنّهما عالمان بینهما بون بعید و لکل واحد منهما قوانینه و قیاس أحدهما بالآخر مع الفارق و

غَیْر سَدِیْدٍ.

و ثالثا: علی القول بالاتحاد بین السبب و المسبب و علی القول بصحة قیاس العالَمَیْن یمکن أن یجاب عن الإشکال بعدم الاتحاد لأنّ السبب هو الوطی و المسبب هو الحلیة فلم یلزم اتحاد السبب و المسبب، و لا تأثیر الشیء فی نفسه. کما عن المحقّق الإصفهانی(1) قدس سره و له أجوبة اُخری لهذا الاشکال إن شئت فَراجِعْ حاشِیَتَهُ علی المکاسب(2).

و یمکن ان یستدل لجریان المعاطاة فیه بخبر عبدالرحمن بن کثیر المَرْوِیِّ فی الکافی

ص:103


1- (1) حاشیة المکاسب 1/184.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/(187-184).

عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: جاءت امرأة إلی عمر فقالت: إنّی زینتُ فطهّرنی، فأمر بها أن ترجم، فاُخبر بذلک أمیرالمؤمنین علیه السلام ، فقال: کیف زینتِ؟ فقالت: مررتُ بالبادیة فأصابنی عطش شدید فاستسقیت أعرابیا فأبی أن یسقینی إلاّ أن اُمکّنه من نفسی، فلما أجهدنی العطش و خفتُ علی نفسی سقانی، فأمکنته من نفسی، فقال أمیرالمؤمنین علیه السلام : تزویج و ربّ الکعبة(1).

بتقریب: حمل أمیرالمؤمنین علیه السلام فعلها علی التزویج بحیث لما اشتدّ عطشها رضیت بالنکاح فصار مهرها الماء الذی به دفعت عطشها، و مدّته دفعة واحدة فهذا نکاح موقت بالمهر المعلوم و دفعة واحدة و قد جری بالفعل و المعاطاة لا القول و الصیغة.

و حمل الروایة علی الاضطرار خلاف ظاهرها لأنّ امیرالمؤمنین علیه السلام لم یحمل عملها علی الاضطرار بل حمله علی النکاح. و القول بحمله علی الاضطرار تصحیحا لما ورد من الأمر بالرجم، لا یتم لأنّ آمره _ و هو الثانی _ لیس بفقیه و کلّ الناس أفقه منه أو أعلم علی حد تعبیره(2). لأنّ الرجم لا یتم إلاّ إذا کانت الزانیة ذات بعل فحینئذ لا یتم نکاحها فعلیه لابدّ من حملها علی الاضطرار. و قد ظهر ممّا ذکرنا جوابه بأنّ امیرالمؤمنین علیه السلام حمله علی النکاح لا الاضطرار. مع أنّ الاضطرار أیضا یمکن أن یرفع به الذنب و الحد من جانب المرأة فقط.

فالروایة تدل علی جواز النکاح المعاطاتی بل وقوعه ولکن سندها ضعیف بعلی بن

حسان و هو مشترک بین الواسطی الثقة و الهاشمیّ مَوْلاهُمْ المرمی بالکذب و الوقف، و

ص:104


1- (3) الکافی 5/467، ح8.
2- (4) سنن البیهقی 7/233؛ الدر المنثور 2/133؛ الکشّاف 1/491 ذیل آیة «و إن أردتم استبدال زوج مکان زوج و اتیتم أحدیهنّ قنطارا» من سورة النساء /الآیة 20؛ و نقل عنهم العلاّمة السیّد مرتضی الفیروزآبادی فی کتابه «السبعة من السلف» /88 و ما بعده.

کلاهما ینقلان عن عبدالرحمن بن کثیر _ و هو کان عمّ الهاشمی _ و قد یقال: بضعفه أو مَجْهُوْلِیَّتِهِ ولکن قال الوحید فی شأنه: «روایة الأجلاء الثقات کتبه تشهد علی الاعتماد بل الوثاقة» و له أکثر من أربعین روایة فی الکتب الأربعة.

فإن ذهبنا إلی أنّ المراد بعلی بن حسان هو الواسطی _ لا الهاشمی _ و إلی اعتبار عبدالرحمن بن کثیر کما علیه الوحید، صار سَنَدُها مُعْتَبَرا ولکن فی الجمیع نظر بیّن.

و الذی یسهّل الخطب وجود الإجماع بین الأصحاب من عدم تحقّق النکاح المعاطاتی و أنّه لا یتحقّق إلاّ بالصِّیَغِ الخاصَّةِ المتداولة بین المُتَشَرِعَةِ و یلحق بالنکاح، الطلاق فإنّه أیضا لا یتحقّق إلاّ بالقول و الصیغ الخاصة و کذا الظهار و الإیلاء و اللعان.

فیظهر ممّا ذکرنا جریان المعاطاة فی جمیع العقود و الإیقاعات إلاّ ما خرج بالدلیل.

السادس: ملزمات المعاطاة
اشارة

قد مرّ أنّ المعاطاة _ فی المعاملات التی أصلها اللزوم _ تدل علی اللزوم و _ فی المعاملات التی أصلها الجواز _ تدل علی الجواز فلا فرق بین الاْءتْیانِ بالمعاملة و إجْرائِها بالقول و الصیغة بها و إجرائِها بالفعل و المعاطاة، و علی هذا فنحن فی فسحة عن هذا المبحث _ أی ملزماتها _ .

و أمّا إذا ذهب أحد إلی القول بالجواز فی المعاملات المعاطاتیة _ کما لَعَلَّهُ هو المشهور _ فَسَوْفَ یأتی هذا البحث و یجری القول فی ملزماتها.

ثم ذهب الشیخ الأعظم أوّلاً إلی تأسیس الأصل فی المقام و قال: «إنّ الأصل علی القول بالملک اللزوم... و أمّا علی القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم»(1).

ص:105


1- (1) المکاسب 3/96.
ثمانیة أوجه تدل علی لزوم المعاطاة علی القول بالملک
اشارة

لأنّه قدس سره أقام ثمانیة أوْجُهٍ(1) تدل علی اللزوم علی القول بالملک و حیث أغمضنا الکلام عنها هناک نبحثها هنا تتمیما للفائدة باختصارٍ:

1_ الاستصحاب

بتقریب: أنّ کلّ واحد من المتعاطیین ملّک الآخر ماله بالمعاطاة، ثم یشک بخروج المال عن ملک أحدهما برجوع صاحبه، فیستصحب بقاء الملک الحادث بالمعاطاة و هذه عبارة اُخری عن اللزوم فی المعاملات.

و قد استشکل علی هذا الاستصحاب الشخصی بوجهین:

الأوّل: عدم اتحاد الْقَضِیَّتَیْنِ المتیقنة و المشکوکة فی هذا الاستصحاب لأنّ المتیقنة منهما هی القدر المشترک بین فردی الملک: اللازم و الجائز، و المشکوکة منهما هی الفرد المعین أیّ الملک اللازم، فالیقین تعلَّق بالقدر المشترک بین فردی الملک، و الشک تعلَّق بحدوث فرد معیّن و هو الملک اللازم. و مع عدم اتحاد القضیتین لا یجری الاستصحاب.

الثانی: وجود أصل حاکم علی هذا الاستصحاب _ علی فرض جَرَیانِهِ _ و هو اسْتِصْحابُ بَقاءِ العلاّقة التی أثرها جواز الرجوع بین المالک الأوّل و ماله و مع جریان هذا الاستصحاب فلا مجال لجریان استصحاب ملکیّة المالک الثانی.

و بعبارة اُخری: مقتضی الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالک عن العین التی له فحینئذ یجوز له الرجوع فیها و هذا الاستصحاب حاکم علی الاستصحاب المقتضی لِلْلِزُومِ.

ثمّ أجاب عن الاشکال الأوّل بوجهین:

الأوّل: نمنع انقسام الملک إلی قسمین و تنوّعه بنوعین و هما الملک المتزلزل و الملک المستقر لطبیعة الملک لکی یجری الاستصحاب فی الکلّی و هو القدر المشترک بینهما. بل نجری

ص:106


1- (2) المکاسب 3/(56-51).

الاستصحاب فی الشخص و هو الملکیة التی هو اضافة خاصة بین المالک و المملوک، و التزلزل و الاستقرار ینشأان من حکم الشارع علی الملک بزواله برجوع المالک الأوّل و عدمه. فحینئذ اللزوم و الجواز حکمان للملک و لیسا منوِّعین له.

و الوجه فیه لأنّ المُنشأ فی العقود اللازمة و الجائزة کلاهما أمرٌ واحدٌ و هو إضافة الملکیة التی هی أمر بسیط شخصی. و استقرار الملک أو تزلزله حکمان شرعیان للملک یستندان إلی حکم الشارع بجواز الرجوع و عدمه الناشی فی اختلاف السبب المملِّک. و لا یستندان إلی المالک بوجه بحیث یکون الخیار بیده.

الثانی: یجری الاستصحاب حتّی علی القول بأنّه کلّیٌّ، لجریان الاستصحاب فی القسم الثانی من أقسام الکلّی علی المشهور الذی موردنا یحسب منه، و هو عبارة عن العلم بوجود الکلّی فی ضمن أحد فردین: أحدهما معلوم الارتفاع و الآخر محتمل الحدوث وَلکِنَّ الأثَرَ مُتَرَتِّبٌ علی الجامع بین الفردین لا علی خصوصیتهما الفردیان، نحو: إذا علم بنجاسة مردّدة بین البول و الدم فإنّه بعد الغَسْل مرّة یشک فی بقاء النجاسة: فیستصحب بقاء النجاسة.

و فی ما نحن فیه: أیضا لا نستصحب الأفراد و هما اللزوم و الجواز الحاصلان من

الملک، بل نستصحب الجامع بینهما و هو استصحاب کلّی الملک و بعد جریانه نحکم باللزوم.

لم یجب الشیخ الأعظم عن الإشکال الثانی هنا _ فی بحث البیع _ ولکن طرح الإشکال فی اوائل بحث الخیارات و أجاب عنه بقوله: «إن أُرید بقاءُ علاقةِ الملکِ أو علاقةٍ تتفرع علی الملک، فلا ریب فی زوالها بزوال الملک.

و إن اُرید بها سلطنة إعادة العین فی ملکه، فهذه علاقة یستحیل اجتماعها مع الملک، و إنّما تحدث بعد زوال الملک لدلالة دلیلٍ، فإذا فُقد الدلیلُ فالأصل عدمها.

و إن اُرید بها العلاقة التی کانت فی مجلس البیع، فإنّها تستصحب عند الشک فیصیر

ص:107

الأصل فی البیع بقاء الخیار، کما یقال: الأصل فی الهبة بقاء جوازها بعد التصرف، فی مقابل مَنْ جعلها لازمة بالتصرف، ففیه: _ مع عدم جریانه فیما لا خیار فی المجلس، بل مطلقا بناءً علی أنّ الواجب هنا الرجوع فی زمان الشک إلی عموم «اوفوا» لا الاستصحاب _ أنّه لا یجدی بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخیار مع الافتراق، فیبقی ذلک الاستصحاب سلیما عن الحاکم»(1).

و یجیب عن الإشکال الثانی بوجوه اُخر:

الاوّل: العلاّقة الموجودة بین المالک و ماله لیست إلاّ العلاّقة المالکیة و أمّا غیرها فمن أوّل الأمر ثبوتها محلّ تردید.

الثانیّة: العلاّقة الموجودة لیست إلاّ الإضافة المالکیة بین المالک و ملکه و هذه قد ارتفعت قطعا بنقل المال إلی غیره، و لم تکن هناک إضافة اُخری حتّی تستصحب لیکون حاکما علی أصالة اللزوم، فالشک حینئذٍ فی حدوث علاقة جدیدة للمالک الأوّل بعد الفسخ _ لا فی بقائها _ و الأصل عدمها.

الثالثة: العقد الخیاری یوجب بسبب الخیار أن یحدث علاقة لذی الخیار فهو مالک لأن یملک، لا أنّ العلاقة الاُولی باقیة له، کما ذکره المحقق النائینی(2).

الرابعة: ان کان المراد من العلاّقة هی جواز رجوع المالک السابق إلی العین و استرجاعها من الآخذ بالمعاطاة فلا ریب فی أنّ ذلک لم یکن موجودا سابقا و أنّه مشکوک الحدوث فعلاً، فالأصل یقتضی عدمه دون بقائه.

الخامسة: و إن کان المراد منها أنّ الملکیة الثابتة للمالک لها مراتبُ شَتّی التی لم یعلم

ص: 108


1- (1) المکاسب 5/23 و 22.
2- (2) منیة الطالب 1/144.

زوال جمیعها بالبیع المعاطاتی، بل من المحتمل أنّ الملکیة إذا زالت بحدّها الأقوی بقیت منها المرتبة الضعیفة.

فیرد علیه: الملکیة الاعتباریة لیست مشکّکة و لیست ذات مراتب، لأنّ اعتبار أیّة مرتبة منها مغایرة لاعتبار مرتبتها الاُخری. فحینئذ إذا زال المرتبة الأقوی ثبوت مرتبة اُخری منها تحتاج إلی دلیل و هو مفقود.

السادسة: و إن کان المراد منها هُوَ بقاء سلطنة المالک و قدرته علی التصرف فی العین لأنّ الملکیة و السلطنة أمران مُتَغایرانِ و یمکن تفکیک أحدهما عن الاْآخَرِ کما فی المحجور بقی ملکه من دون السلطنة و فی الولی و الوصی لهما السلطنة علی أشخاص أو أموال من دون الملک، فعلی هذا أنّ المتیقن هو سقوط الملکیة و أمّا السلطنة للمالک فزوالها مشکوک فیه فتستصحب.

و یرد علیه: نعم یتغایر الملکیة عن السلطنة ولکن تغایرهما من قبیل تغایر الحکم و موضوعه لأنّ الملکیة موضوع للسلطنة و إذن قتدور السلطنة مدار موضوعها _ أی الملکیة _ و علی هذا لا یجری استصحاب بقاء السلطنة لعدم اتحاد الْقَضِیَّتَیْنِ المتیقنة و المشکوکة، لأنّ المتیقنة منهما أنّما هی السلطنة المترتبة علی المکیة و المشکوکة منهما إنّما هی السلطنة العاریة عن الملکیة فلا یجری استصحاب السلطنة. و من المعلوم أنّ انفکاکهما فی الموارد الخاصة لوجود دلیل خاص و نص معتبر. کما یظهر من السیّد المحقق الخوئی(1) رحمه الله .

ص: 109


1- (1) مصباح الفقاهة 1/136 و 135.
2_ حدیث السلطنة

و هو قوله صلی الله علیه و آله : إنّ الناس مسلطون علی أموالهم.(1)

مقتضی الجمع الوارد علی الجمع هو عموم السلطنة لکلِّ مالکٍ علی ماله، فیجوز له جمیع أنحاء التصرفات المجوّزة شرعا فی ماله، و منع سلطنة غیر المالک عنه، فحینئذ الخبر متضمن لعقدین:

أ: العقد الإیجابی: و هو سلطنة المالک علی ماله بجمیع أنحاء السلطنة و التصرف، ولکن نعلم من الخارج تقییده بالشریعة المقدسة.

ب: العقد السلبی: و هو نفی سلطنة الغیر عن ماله بأیّ نحو کانَ، و هذا الأخیر یخرج من عموم الأوّل، و العقد الإیجابی لا یکون تامّا حتّی یلحقه العقد السلبی، أی أنَّ تَصَرُّفات المالک لا تکون تامة إلاّ أن یَلْحَقَها نفی تصرفات الغیر.

و علی هذا الأساس عموم سلطنة المالک علی ماله ینفی سلطنة الغیر عن ماله فحینئذ یدلُّ علی عدم نفوذ رجوع الغیر أی المالک الاوّل السابق. لأنّ المال الآن للمالک الأخیر و السلطنة علیه تختص به لا بالأوّل، فعموم السلطنة یَدُلُّ علی اللزوم و عدم نفوذ رجوع المالک الأوّل.

و قد یناقش فی دلالة عموم السلطنة أو إطلاقها علی اللزوم بوجوه:

الأوّل: ما یظهر من المحقق الخراسانی من أنّ الروایة فی مقام بیان عدم محجوریة المالک لا فی نفوذ جمیع تصرفاته فلا یتم التمسک بها لأجل إثبات لزوم المعاملة، قال قدس سره : «... حیث أنّه مسوق لبیان سلطنة المالک و تسلّطه، قبالاً لحجره، لا لبیان تشریع أنحاء السلطنة، کی یجدی فیما إذا شک فی تشریع سلطنته فلا یجوز التمسک به علی صحة معاملة خاصة و

ص:110


1- (1) عوالی اللآلی 1/457، ح198 و نقل عنه فی بحارالأنوار 2/272، ح7 (1/358).

جواز تصرّف خاص مع الشک فیهما شرعا، فافهم»(1).

و تبعه فی هذه المناقشة المحقق السیّد الخوئی حیث یقول: «... أنّ دلیل السلطنة یتکفل ببیان استقلال المالک فی التصرف فی أمواله فی الجهات المشروعة و عدم کونه محجورا عن التصرف فی تلک الجهات و لیس لغیره أن یزاحمه فی ذلک، و علیه فشأن دلیل السلطنة شأن الأوامر المسوقة لبیان أصل الوجوب من غیر نظر فیها إلی تعیین الواجب من حیث الکم و الکیف. و علی الجملة: أنّ دلیل السلطنة لا یدل علی استقلال الملاّک فی

التصرف فی أموالهم من جمیع الجهات بحیث لو منع الشارع عن التصرف فیها من ناحیة خاصة کان ذلک مخصصا لعموم الحدیث...»(2).

و یرد علیهما: إنَّهُ لا قصور فی عموم الناس و لا فی إطلاق السلطنة و مقتضی مقابلة الجمع بالجمع أن یکون کلّ أحد مسلّطا علی ماله بأیّ نحو من أنحاء السلطنة و منها: منع الغیر عن التصرف فی ماله کما عن المحقّق النائینی(3).

الثانی: سلطنة المالک لا تُنافیْ الخیار بناءً علی کَوْنِها مُتَعَلِّقَةً بالعقد لا بالعین، فصاحب الخیار ینفسخ العقد _ أی حلّه _ و لازمه إرجاع العین، فحینئذ لا یکون الفسخ تصرفا فی ملک الغیر حتّی یکون منافیّا مع عموم سلطنته.

و یرد علیه: تعلّق الخیار بالعقد و حلّه لا بالعین _ حتّی علی القول به _ یرجع بالمآل إلی التصرف بالعین لأنّ تعلّقه بالعقد طریقی لا موضوعی، أیّ تعلق الخیار بالعقد و حلّ العقد به یصیر طریقا إلی استرجاع العین و التصرف فیه، و حقّ استرجاع العین یستلزم أن تکون سلطنة المالک ناقصة، لأنّه ینجرّ إلی التصرف فی العین _ و بعموم السلطنة و إطلاقها

ص:111


1- (2) حاشیة المکاسب /12 للمحقّق الآخوند الخراسانی.
2- (1) مصباح الفقاهة 2/102 _ و نحوها فیه 2/137.
3- (2) منیة الطالب 1/154.

تنفی هذا الحقّ کما ذکره المحقّق النائینی(1).

الثالث: انّ التمسک بهذه الروایة لأجل إثبات اللزوم فی المعاطاة علی القول بالملکیة فیها یکون من قبیل التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذلک العام، لأنّ مع الشک فی تأثیر الفسخ یشک فی بقاء أصل المالکیة، فالتمسک بها فی إثبات المالکیة یکون من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

و بعبارة اُخری: إذا شک فی لزوم معاملة أو جوازها و فسخ أحد المتعاملین فحینئذ یشک فی جواز تصرفات المالک لاحتمال تأثیر الفسخ و رجوع المال عمّا انتقل إلیه إلی ما انتقل عنه و اثبات اللزوم و نفوذ تصرفات المالک بعموم دلیل السلطنة أو إطلاقها تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام.

و یرد علیه: نعم، التمسک به فی الشبهات الموضوعیة تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة فإذا شک فی عقد بین البیع و الهبة لا یمکن القول باللزوم بعموم دلیل السلطنة، لاحتمال کونه من مصادیق ما ثبت فیه شرعا سلطنة غیر المالک علی ملک المالک إذا کان

العقد فی الشریعة من العقود الجائزة، بخلاف الشبهة الحکمیة و الفرق بینهما واضح فإنّ مرجعهما إلی الشک فی أصل التخصیص فی الشبهة الحکمیة، و إلی الشک فی مصداق المخصص إذا کانت الشبهة مصداقیة.

و بعبارة واضحة: نفرض آنَیْنِ، أحدهما آنٌ یقع فیه الفسخ و الآخر آنٌ یقع فیه التصرف بعد الفسخ فی العین المرتجعة، و من الواضح أنّ الشک یقع فی الآن الثانی و فی جواز تصرفات المالک فیه أم لا؟ و الشک ناشٍ من نفوذ الفسخ من المالک السابق و عدم نفوذه، ولکن ببرکة عموم السلطنة یحکم بجواز تصرفات المالک فی العین المرتجعة فإذا جاز تصرفه

ص:112


1- (3) منیة الطالب 1/154، المکاسب و البیع 1/178.

لم یؤثر الفسخ و یحکم باللزوم ولکن هذا إذا کانت الشبهة حکمیة بحیث نشک فی أصل وجود التخصیص و الأصل عدمه، ولکن إذا کانت الشبهة مصداقیة یقع الشک فی مصداق المخصص و عموم الدلیل لایتمکن من تعیین مصداق مخصصه.

الرابع: ما ذکره المحقق الإصفهانی بقوله: «إنّ المنفی بالالتزام هی السلطنة المنافیة لسلطنة المالک علی جمیع التصرفات الواردة علی المال، دون غیرها من أنحاء السلطنة، مثلاً سلطنة المالک علی بیع ماله تنافی سلطنة الغیر علی اشترائه منه بدون اختیاره و لیس سلطنة الغیر علی الرجوع سلطنة علی تملّک المال علی حدِّ سلطنة الشفیع علی تملّک مال المشتری ببذال الثمن لتکون مزاحمة لسلطان المالک، بل سلطنة علی الرد و الاسترداد، فهو فی الحقیقة سلطنة علی إزالة الملکیة، و المالک له السلطان علی الملک لا علی الملکیة، فکما لیس له السلطنة علی إزالة الملکیة ابتداءً، کذلک لیس له السلطنة علی إبقاء الملکیّة، حتّی تکون سلطنة الغیر علی إزالتها مزاحمة لها»(1).

حاصل إشکاله یرجع إلی الفرق بین السلطنة علی الملک التی أثبتها الحدیث و السلطنة علی الملکیة التی هی خارجة عن مدلول الحدیث، لأنّ مقتضی ترتب السلطنة علی أموالهم _ أی الملک _ تأخُّرها رتبة عن إضافة الملکیة و سلطنتها تأخِّر کلّ حکم عن موضوعه و هذه إضافة الملکیة و سلطنتها أیضا متأخرة عن العقد المملِّک أو المعاطاة، و حیث أن نسبة الفسخ إلی العقد نسبة الرافع إلی المرفوع فلو فسخ المالک الأصلی کان مقتضاه إعدامَ العقد أو انحلاله الموضوع لإضافة الملکیّة الموضوعة للسلطنة، فظهر مما ذکرنا أنّ فسخ العقد یتقدَّم علی السلطنة الملک برتبتین و علی السلطنة الملکیّة برتبة واحدة فلا معنی لتأثیر

سَلْطَنَةِ الملک فی الفسخ الذی یتقدَّم علیه برتبتین و لا حتّی تأثیر السلطنة الملکیة علیه لأنّ

ص:113


1- (1) حاشیة المکاسب 1/139.

الفسخ یتقدَّم علیه برتبة واحدة لاستحالة تکفل الحکم بإبقاء موضوع نفسه و لاستحالة تأثیر الحکم فی أمر متقدِّم علیه برتبة أو رتبتین علی موضوع نفسه.

ولکن یرد علیه: أوّلاً: نحن لا نفرق بین السلطنة علی الملک و الملکیّة، لأنّ سلطنة المالک علی ملکه تکفی فی کونه سلطانا علی إبقائه و إزالته من غیر احتیاج إلی السلطنة علی الملکیّة، و علی فرض تعددهما أنّ السلطنة علی الملک بما هو ملک سلطنة علی الملکیة أیضا فإزالة ملکیّته من غیر اختیاره من اُوضح مراتب المزاحمة لسلطنته و عموم حدیث السلطنة أو إطلاقها ینفیها.(1)

و ثانیا: حدیث تعدد الرتبة علی فرض صحتها أجنبی عن الاستظهار العرفی المعوّل علیه فی الخطابات الشرعیة فلا ینظر إلیها.

و ثالثا: علی فرض صحة الفسخ بالمآل ینافی سلطنة المالک الفعلی علی المال و لذا یَنْفِیْهِ عموم حدیث السلطنة أو إطلاقه.

و رابعا: قد مرّ منّا مرارا عدم سرایة القوانین الحاکمة علی عالم الکون إلی عالم التشریع و الجعل و الاعتبار، و الاعتبار سهل المؤنة یکفی فی صحته عدم اللغویة، و ما قرّره المستشکل یختص بعالم التکوین لا الاعتبارت.

هذا کلّه بالنسبة إلی المناقشات الواردة فی دلالة الحدیث و جواباتها.

و أمّا سنده: فهذه الروایة لم تذکر فی کتبنا إلاّ علی نحو الإرسال فسندها ضعیف.

قد یقال: بانجبار ضعف سندها بعمل المشهور من فقهائنا علی طبقها و إرْسالِهِمْ إیّاها فی کتبهم الاستدلالیّة إرْسالَ الْمُسَلَّماتِ حتّی جعلوا مفادها من القواعد الفقهیة المسلَّمة عندهم و قد تمسک بها أساطین فقه الشیعة:

ص:114


1- (1) لتفصیل هذا الجواب راجع کتاب البیع 1/107 للمحقّق الخمینی قدس سره .

فَقَدْ قال المحقق فی قرض الشرائع: «القرض یُمْلَکُ بالقبض لا بالتصرف، لأنّه فرعُ الملک فلا یکون مشروطا به، و هل للمُقْرِضِ ارتجاعُهُ؟ قیل: نعم، و لو کره المقترضَ، و قیل: لا، و هو الأشبه، لأنّ فائدةَ المِلْکِ التسلُّطُ»(1).

و قال تلمیذه و ابن اُخته العلاّمة فی بیع التذکرة: «یجوز بیع کلّ ما فیه منفعة لأنّ الملک سبب لإطلاق التصرف، و المنفعة المباحة کما یجوز استیفاؤها یجوز أخذ العوض عنها

فیباح لغیره بذل ماله فیها توصّلاً إلیها و دفعا للحاجة بها، کسائر ما اُبیح بیعه و سواء أجمع علی طهارته کالثیاب و العقار و بهیمة الأنعام و الخیل و الصیود أو مختلفا فی نجاسته کالبغل و الحمار و سباع البهائم و جوارح الطیر الصالحة للصید کالفهد و الصقر و البازیء و الشاهین و العقاب، و الطیر المقصود صوته کالهزار و البلبل، و هذا هو الأقوی عندی، و به قال الشافعی و أحمد»(2).

و قال فی بحث کیفیة الأخذ بالشفعة: «یجوز للمشتری التصرف فی الشقص قبل أن یأخذه الشفیع و قبل علمه بالبیع فإذا تصرّف صح تصرّفه لأنّ مَلِکَهُ بالعقد إجماعا و فائدة الملک استباحة وجوه الانتقاعات و صحّ قبض المشتری له، و لم یبق إلاّ أنّ الشفیع ملک علیه أن یملک، و ذلک لا یمنع تصرّفه کما لو کان الثمن معیبا فتصرّف المشتری فی المبیع. و کذا الموهوب له إذا کان الواهب ممّن له الرجوع فیها، فإنّ تصرّفه یصحّ و إن ملک الواهب [الرجوع] فیها...»(3).

و قال فی قرض المختلف: «مسألة: قال الشیخ فی المبسوط(4) و الخلاف(5): یجوز للمُقْرِض أن

ص:115


1- (2) الشرائع 2/62.
2- (1) تدکرة الفقهاء 10/33، مسألة 12.
3- (2) تذکرة الفقهاء 12/251، مسألة 740.
4- (3) المبسوط 2/161.
5- (4) الخلاف 3/177، مسألة 299.

یرجع فی عین القرض. و قال ابن ادریس: لیس له ذلک إلاّ برضی المقترض(1). و هو الأجود لنا: أنّه ملکه بالقرض و القبض، فلا یتسلّط المالک علی أخذه منه لانتقال حقّه إلی المثل أو القیمة. و احتج الشیخ بأنّه کالهبة. و الجواب: المنع من المساواة بین المسألتین»(2).

و بالجملة: حدیث ا لسلطنة یَدُلُّ علی اللزوم و تمت عندنا دلالتُهُ و یجبر ضعف سَنَدِهِ بالشهرة، و الحمدللّه.

لا یقال: إنّهم لم یذکروا تمسّکهم بحدیث السلطنة فَمِن الممکن انّهم تمسکوا بالقاعدة المقبولة عند العقلاء من ذهابهم إلی أنّ حقّ السلطنة علی المال للمالک.

لأنّا نقول: إنّهم تمسکوا باطلاق السلطنة و الاطلاق لا یستفید إلاّ من الحدیث و الدلیل اللفظی لأنّ لیس للقاعدة المقبولة عند العقلاء إطلاق لأنّها دلیل لبّی فلا یجوز التمسک بإطلاقها أی لیس لها إطلاق أصلاً و حیث أنّهم تمسکوا بإطلاق السلطنة فهم یتمسکون

بحدیث السلطنة.

3_ حدیث لا یحل مال امری ءٍ إلاّ عن طیب نفسه

قد وَرَدَ مضمون هذا الحدیث فی عدّة من الروایات:

منها: موثقة سماعة عن أبیعبداللّه علیه السلام فی حدیث أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال: من کانت عنده أمانة فلیؤدها إلی من ائتمنه علیها، فإنّه لا یحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطیبة نفسه(3).

ص:116


1- (5) السرائر 2/60.
2- (6) مختلف الشیعة 5/392.
3- (1) وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.

و نحوها صحیحة أبی اسامة زید الشحام(1).

و منها: التوقیع الشریف الْمَرْوِیُّ بسند صحیح عن الناحیة المقدسة و فیه: و أمّا ما سألت عنه من أمر الضیاع التی لناحیتنا هل یجوز القیام بعمارتها، و أداء الخراج منها و صرف ما یفضل من دخلها إلی الناحیة احتسابا للأجر و تقرّبا إلیکم؟ فلا یحلّ لأحدٍ أن یتصرّف فی مال غیره بغیر إذنه، فکیف یحلّ ذلک فی مالنا؟! من فعل شیئا من ذلک لغیر أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم علیه و من أکل من مالنا شیئا فإنّما یأکل فی بطنه نارا و سیصلی سعیرا(2).

و منها: خبر محمّد بن زید الطبری قال: کتب رجل من تجار فارس من بعض موالی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله الإذن فی الخمس، فکتب إلیه: بسم اللّه الرحمن الرحیم، إنّ اللّه واسع کریم ضمن علی العمل الثواب و علی الضیق الهمّ، لا یحلّ مال إلاّ من وجهٍ أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا علی دیننا و علی عیالاتنا و علی أموالنا، الحدیث(3).

و منها: مرسلة ابن شعبة الحرانی رفعه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال فی خطبة الوداع: أیها الناس، إنّما المؤمنون إخوة و لا یحلّ لمؤمن مال أخیه إلاّ عن طیب نفس منه(4).

و منها: مرسلة ابن أبی جمهور الأحسائیّ رفعه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال: المسلم أخوالمسلم، لا یحلّ ماله إلاّ عن طیب نفسه.

و عنه صلی الله علیه و آله قال: لا یحلبن أحدکم ماشیة أخیه إلاّ بإذنه(5).

ص:117


1- (2) وسائل الشیعة 29/10 ح3، الباب 1، من أبواب القصاص فی النفس.
2- (3) وسائل الشیعة 9/540، ح7، الباب 3 من أبواب الأنفال.
3- (4) وسائل الشیعة 9/538، ح2.
4- (5) وسائل الشیعة 5/120، ح3.
5- (6) مستدرک الوسائل 3/331، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.

و هذه الروایات تدلّ علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون إذنه و فیها الصحیحة و الموثقة ولکن خصوص ما ذَکَرَهُ الشیخ الأعظم من الروایة لم أقِفْ علیه فی کتب الحدیث و کأنّه نقل المضمون أو المعنی.

و أمّا دلالتها: فَإنَّ الروایات تدلّ علی سبب حلّیّة التصرف فی مال الغیر هو طیب نفسه و رضاه _ أی طیب نفس مالکه و رضاه _ و لم یجز للغیر التصرف فیه إلاّ بإذنه و رضاه، فلا یجوز للغیر أن یتملّک ذلک المال بدون إذن مالکه و رضاه حیث أنّ تملّکه کذلک مُنافٍ لانحصار سبب الحلّ فی الرضا و الإذن.

و بلا فرق بین ذلک الغیر أنّه المالک السابق أو غیره فحینئذ انحصار سبب الحلّ فی رضا المالک و إذنه یکشف عن عدم نفوذ فسخ المالک السابق لأنّ الفسخ و الرجوع تصرّف فی مال الغیر و کلّ تصرُّفٍ غیر مشروط برضا المالک أو إذنه ممنوع شرعا فلا ینفذ فسخه و هذه عبارة عن لزوم الملک.

توهمٌ: موضوع الحرمة هو مال الغیر و مادام هذا الموضوع محقّقا ثبتت الحرمة و إذا انتفی انتفت الحرمة لأنّ الحکم لا یتعرض لموضوعه نفیّا أو إثباتا فحینئذ التمسک بهذه الأحادیث علی لزوم المعاطاة تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام، لأنّ بعد الرجوع و نفوذه من المالک الأوّل لایَبْقی موضوع لمال الغیر حتّی یُتَمَسَّکَ بحدیث لا یحلّ مال الغیر.

دفعه: ظهر ممّا ذکرنا فی حدیث السلطنة(1) لدفع هذا الاشکال من جواز التمسک بالعام فی الشبهات الحکمیة لذاک العام لأنّه یرجع بالمآل إلی الشک فی أصل التخصیص و الأصل عدمه و ما نحن فیه من هذا القبیل، لا من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام. هذا أوّلاً.

ص:118


1- (1) الاشکال الثالث فی حدیث السلطنة.

و ثانیا: الحِلِّیةُ فی مال الغیر مَنُوْطَةٌ بطیب نفسه أعنی رضاه و إذنه و حیث أنّ جواز التصرف فی مال الغیر منوط برضاه و إذنه فقط و علی الفرض لا یرضی المالک لغیره بالفسخ و لا یأذن فیه، فالفسخ لا ینفذ و یردّ.

و ثالثا: عدم حلّیة مال الغیر یشمل تملّکه أیضا و لا معنی لحرمة التملّک إلاّ فساده و عدم تأثیره فی الملکیة فصار مفاد الروایة أنّه لا یحلّ التصرف فی مال أحدٍ و لا تملّکه بأیّ سبب من الأسباب إلاّ بطیب نفسه کما عن المصباح(1).

نعم، لأجل تمامیة الاستدلال لابدّ من التَّذْکِیْرِ باُمور مُهِمَّة:

الأوّل: أنّ المراد بالحلّ فی الشریعة المقدسة أعنی عدم وجود المانع الشرعی و لذا یمکن الذهاب و المضی فیه و هذا المعنی أعمّ من الوضع و التکلیف مع وحدة المعنی، و المراد بالحرمة فی الشریعة أعنی وجود المانع الشرعی و لذا لا یمکن الذهاب و المضی فیها و لذا یشمل الوضع و التکلیف معا بالمعنی الواحد کما مرّ منّا هذا الْمَبْنی فی البحث عن المکاسب المحرّمة.

الثانیة: الحلّ إذا تعلّق بالمال ظاهر بالأعم من الوضع و التکلیف و توهم الاختصاص بالتکلیف فقط بمثل الأکل و الشرب و غیرهما من التقلّبات الحسّیّة و المعاملیة بلا تردید فإذا جاز له ذلک، لم یجز لغیره إلاّ مع طیب نفسه و رضاه و إذنه. فحینئذ لا یتم اطلاق ما ذکره بعض الأعلام من أنّ الحلّ إذا أسند إلی الأعیان الخارجیة یُرادُ منه الحلّ التکلیفی فقط لأنّه من الممکن استفادة الحلیة المطلقة أی التکلیف و الوضع معا بالمعنی الذی مرّ منّا بحیث لا یستلزم منه استعمال اللفظ فی أکثر من معنی _ و إن ذهبنا إلی جوازه فی الاُصول _ کما إذا أسند إلی الأموال أو النساء أو غیرهما.

ص:119


1- (2) مصباح الفقاهة 2/138.

الثالثة: حذف المضاف فی حدیث «لا یحلّ مال امری ء» أی لا یحلّ التصرف فی مال أمری ء، قرینة علی عمومیة المضاف أیّ التصرف فحینئذ یشمل التصرف الخارجی و الاعتباری معا، لأنَّهُ لا یصح إطلاق عدم حلّیّة الذات إلاّ بملاحظة أنّ المنفی جمیع الاُمور و التقلبات من الحسیّة و الاعتباریة و المعاملیة.

بعد وضوح هذه الاُمور یظهر ما فی إشکال السیّدین الحکیم و الخوئی حیث یقول السیّد الحکیم: «هذا یتوقف علی أن یکون المراد من الحلّیّة، الحلّیّة الوضعیة لیکون موضوعها التصرفات الإعتباریة التی منها التملّک، أمّا لو کان المراد منها الحلّیّة التکلیفیة کما هو الظاهر منها، و لا سیّم_ا بقرینة السیاق و المورد، إذ لم نعثر علی المتن المذکور إلاّ علی ما رواه سماعة عن أبیعبداللّه علیه السلام ... اختصّت بالتصرفات الحقیقیة مثل أکله و لبسه و نحو هما فلا تشمل التملّک، و أمّا روایة تحف العقول... فضعیفة السند»(1).

و فیه: مضافا إلی مرّ من أعمیة الحرمة للوضع و التکلیف مع وحدة المعنی، و وجود التوقیع الشریف المروی بسند صحیح و فیه: «فلا یحلّ لأحدٍ أن یتصرف فی مال غیره بغیر

إذنه»(2) الظاهر فی الأعم من الوضع و التکلیف.

و یقول السیّد الخوئی: «... إذا اُسند لفظ الحلّ إلی الاُمور لاعتباریة کالبیع و نحوه اُرید منه الحلّ الوضعی و التکلیفی معا، و إذا اُسند ذلک إلی الأعیان الخارجیة اُرید منه الحلّ التکلیفی فقط... و هکذا الحال فی لفظ التحریم. و علیه فلفظ الحلّ فی الروایة الشریفة إنّما نسب إلی المال و هو إمّا من الأعیان الخارجیة أو من المنافع و علی کلا التقدیرین فلا معنی لحلّیّة ذلک إلاّ باعتبار ما یناسبه _ کالتصرف _ و إذن فیراد من حلّیّة المال حلّیّة التصرف

ص:120


1- (1) نهج الفقاهة /81 و 80، طبع عام 1421، قم المقدّسة بتحقیق جواد القیومی الإصفهانی.
2- (1) وسائل الشیعة 9/540، ح7.

فیه... و علی هذا فمعنی الروایة: أنّ الشارع المقدس لم یرخص فی التصرف فی مال امری ء إلاّ بطیب نفسه، و إذن فهی أجنبیة عمّا نحن فیه»(1).

و فیه: قد مرّ أعمیة الحرمة و الحلّ للوضع و التکلیف سیما إذا اُسند إلی المال و النساء و عمومیة التصرف کما یظهر من حذف المضاف و وافقنا علی هذا الإشکال شیخنا الاستاذ قدس سره فِیْما أوْرَدَهُ علی استاذه و قال: «وجه الضعف ما ذکرنا من أنّ الظاهر من إضافة عدم الحلّ إلی المال الذی من قبیل الأعیان تعلّقه بالتصرفات المتعارف، تعلقها به سواء کانت حقیقیة أو اعتباریة و مقتضی عدم الحلّ فی الإعتباریات هو الوضع»(2).

و کذا یظهر ما فی اشکالات المحقّق الأردکانی حیث یقول: «... لکن یرد علی هذا الوجه من التمسک تارة: بأنّ الظاهر من لا یحلّ الحرمة التکلیفیة لا الوضعیة فهی مختصة بغیر التملّک، و اُخری: دعوی ظهور الروایة فی تقدیر التصرف بقرینة التصریح به فی روایة «لا یحلّ لأحد أن یتصرف فی مال غیره»، و ثالثة: یلزم منه الجمع بین إرادة الحکم التکلیفی و الوضعی فی کلمة واحدة فالمراد من قوله علیه السلام : لا یحلّ، أحد الحکمین و قد تقدم ظهوره فی الأوّل»(3).

و الحاصل: تمامیة الاستدلال علی اللزوم بمضمون هذه الروایات علی القول بالملک فی المعاطاة عندنا و اللّه العالم.

ص: 121


1- (2) مصباح الفقاهة 2/139.
2- (3) إرشاد الطالب 2/58.
3- (4) غنیة الطالب 2/49.
4_ قوله تعالی: «و لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلاّ أن تکون تجارةً عن تراض»

(1)

تمسّک الشیخ الأعظم بهذه الآیة الشریفة مرّتین تارة بالنظر إلی مجموع المستثنی و المستثنی منه و جعله الدلیل الرابع. و اُخری استفاد اللزوم من المستثنی منه من دون انضمام الاستثناء و جعله الدلیل الخامس.

تقریب الوجه الأوّل: الأکل فی الآیة الشریفة کنایة عن التصرف و التملّک کما هو الشائِعُ فی کلِّ لغةٍ و فی کلمات فصحائها، فالآیة تدلّ علی عدم جواز تملّک أموال الناس أو التصرف فیها بسبب من الأسباب الباطلة التی لم یمضها الشارع _ کالقمار و السرقة و الربا و غیرها _ إلاّ أن یکون سبب الأکل و التصرف و التملّک هو التجارة عن تراض فقط.

و لا فرق فی استفادة انحصار سببیة الناقل و المملِّک للأموال فی التجارة عن تَراضٍ بین کون الإستثناء متصلاً _ کما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربیة _ فحینئذ تکون الباء للسببیّة و یصیر مفاد الآیة الشریفة عدم جواز تملّک أموال الناس بسبب من الأسباب الباطلة إلاّ أن یکون ذلک السبب تجارة عن تراض، فیستفاد من الآیة الشریفة حصر الأسباب الصحیحة فی التجارة عن تراض.

و بین ان یَکُوْنَ الاستثناء منقطعا فتصیر الآیة ظاهرة فی بیان الکُبْرَیَینِ الکلّیّتین و هما حرمة تملّک أموال الناس بالباطل، و نفوذ التجارة عن تَراضٍ و صحتها فحینئذ لابدّ من إحراز موضوع کلّ من الکبریین بالعرف حتّی یترتب علیه حکمه الخاص. و لا یمکن اثبات الحصر فی هذا الفرض بالقرینة المقامیة و هی: أنّ الشارع فی هذا المقام بصدد بیان الأسباب المشروعةِ للمعاملات و لا یذکر إلاّ التجارة عن تراض و لا ریب بأنّ الاهمال یضرّ بالمقصود فلا محالة یستفاد حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات فی التجارة عن تراض.

ص:122


1- (1) سورة النساء /29.

و علی کلّ تقدیر ینحصر السبب الناقل فی الأموال بالتجارة عن تراض، و أمّا الرجوع من المالک السابق و فسخه فلا یدخل فی التجارة لأنّها هی الإعطاءُ و الأخذُ بقصد الاسترباح و من المعلوم إنّ المالک الأوّل حین رجوعه لا یُحصِّل ربحا بل إنّما یستردّ عین ماله.

و کذا لا یصدق علی الرجوع و الفسخ عنوان التراضی لفرض عدم رضا المالک الفعلی به و إلاّ کان إقالة من الطرفین.

و علی هذا الأساس مجموع المستثنی و المستثنی منه یَدُلُّ علی عدم جواز الرجوع و الفسخ من المالک السابق _ أی عدم نفوذ فسخه _ فتصیر المعاملة لازمة. هذا بنظرنا القاصر.

ولکن بنظر الشیخ الأعظم لا یتم هذا الاستدلال لأن_ّه قال فی بحث الاختیار من شروط المتعاقدین مانصه: «... لأنّ دلالة الآیة علی اعتبار وقوع العقد عن التراضی إمّا بمفهوم الحصر و إمّا بمفهوم الوصف، و لا حصر کما لا یخفی لإنّ الاستثناء منقطع غیر مفرّغ، و مفهوم الوصف _ علی القول به _ مقیّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب کما فی «ربائبکم اللاتی فی حجورکم»(1)...»(2).

فالشیخ الأعظم یری الاستثناء منقطعا لا یَدُلُّ علی الحصر فلا یتم الاستدلال علی اللزوم علی رأیه کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(3).

و تبعه شیخنا الاُستاذ قدس سره و قال: «... انّ الاستثناء فی الآیة من قبیل الاستثناء المنقطع فلا یفید حصرا حیث أنّ التجارة عبارة عن البیع و الشراء بقصد تحصیل الربح کما هو حال التجار فی الأسواق، و التجارة بهذا المعنی لا تکون داخلة فی عنوان الأکل بالباطل حتّی

ص:123


1- (1) سورة النساء /23.
2- (2) المکاسب 3/331.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/360.

یعمّها النهی لو لا ذکر الاستثناء. و بالجملة الآیة متضمنة لحکم التملّک بالباطل و أنّه فاسد فی الشرع و لحکم التملّک بالتجارة و التراضی و أنّه جایز، و أمّا سایر المملّکات التی لا تدخل فی عنوان الأکل بالباطل بحسب بناء العقلاء کالهبة و الاجارة و الصلح و البیع و الشراء لا بقصد تحصیل الربح إلی غیر ذلک فلیست للآیة دلالة علیها، و علی ذلک فعدم کون الرجوع من التجارة و لا من التراضی لا یوجب الحکم بفساده»(1).

أقول: إن تمت القرینةُ المقامیةُ المُدَّعاةُ سابقا من أنّ الشارع فی هذا المقام بصدد بیان الأسباب المشروعة للمعاملات و لا یذکر إلاّ التجارة عن تراض و من المعلوم أنّ الاهمال یضرّ بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر و تم الاستدلال و یمکن دخول کثیر من الاُمور الاقتصادیة فی عنوان التجارة و لا ینحصر بالبیع الاسترباحی فقط و لکن تبعد تمامیة القرینة عندنا.

و بعبارة اُخری: نحن نذهب إلی أنّ الاستثناء فی الآیة الشریفة منقطعٌ _ کما مرّ منّا فی

اوّل البحث عن الأدلة العامة فی المکاسب المحرّمة(2) _ ولکن العقد الثانی فی الآیة أیّ التجارة عن تراض أیضا مطلق یشمل المعاطاة فیحکم بصحتها و لزومها، فالتمسک فی هذه الاخیرة بالاطلاق اللفظی لا المقامی فتأمل.

و أمّا التوهم السابق فی تقریب الاستدلال بحدیثی السلطنة و لا یحلّ من أنّ التمسک بهما یکون من مصادیق التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام، لا یجری هنا لأنّ المستفاد من الآیة الشریفة حصر سبب تملّک أموال الناس فی التجارة عن تراض و من المعلوم أنّ رجوع المالک السابق لا یصدق علیه التجارة _ و لا عن تراض _ فتدلّ بالدلالة المطابقیة

ص:124


1- (4) إرشاد الطالب 2/59.
2- (1) راجع الآراء الفقهیة 1/13.

علی عدم جواز أکل المال بهذا الرجوع أو الفسخ، أعنی بطلانهما.

و علی ما ذکرنا لابدّ أن تکون عبارة الشیخ الأعظم هکذا: «و التوهم المتقدم فی السابق غیر جار هنا...»(1) مع وجود کلمة الغیر، و إلاّ لاتتم العبارة إلاّ بالبعض.

التأویلات الباردة نحو: «التوهم المتقدم فی السابق جار هنا مع جوابه و دفعه» کما ذکره السیّد الیزدی(2)

5_ قوله تعالی: «لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل»

تمسک الشیخ الأعظم هنا بجملة المستثنی منها فقط من دون انضمام الاستثناء:

تقریب الوجه الثانی: إنّ تملّک أموال الناس بغیر رضا منهم و قهرا و غلبةً تملّک بالباطل و أکل و تصرف بالباطل عرفا فهو حرام بمتقضی النهی عنه، فیکون تملّک المال بالفسخ بدون رضا مالکه أکلاً للمال بالباطل.

نعم، إذا أذن الشارع _ و هو المالک الحقیقی _ فی التصرف و لو من دون رضا مالکه الاعتباری یخرج من البطلان موضوعا و تخصّصا لحکومة الشارع علی أنّه لیس من اُکل المال بالباطل لا حکما و تخصیصا.(3).

و بعد ورود إذن الشارع لا یحکم العرف المتشرعة بکونه مصداقا للباطل کما فی حقّ المارّة و الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخیار نحو خیاری الحیوان و المجلس _ و أمّا الأخذ

بالخیارات المستندة إلی الشرط الارتکازی أو المجعولة بتوسط المتعاقدین فلیس مِنْ أوّل الأمر أکلاً للمال بالباطل عرفا _ و الأسباب القهریة نحو: الإرث و الارتداد و الإتلاف فی

ص:125


1- (2) المکاسب 3/55.
2- (3) حاشیة المکاسب 1/359.
3- (4) کما یراه الفقیه الیزدی تخصیصا و خروجه عن البطلان حکما لا موضوعیّا فی حاشیته علی المکاسب 1/360.

حال الغفلة.

ولکن اورد المحقق السیّد الخوئی علی الاستدلال بالآیة الشریفة بقوله: «هذا الاستدلال مبنیٌّ علی أن یکون المراد من الباطل هو الباطل العرفی لکی یکون ذلک أمرا معلوما فی نظر أهل العرف و متمیّزا عن السبب الصحیح، و أما لو اُرید منه الباطل الواقعی _ کما هو الظاهر لأنّ الألفاظ موضوعة للمفاهیم الواقعیة _ أو احتملت إرادة ذلک من کلمة الباطل فی الآیة فلا یمکن الاستدلال بها علی المقصود، لأنّا نحتمل احتمالاً عقلائیا أن یکون الفسخ من الأسباب الصحیحة للأکل لا من الأباطیل الواقعیة، و علیه فیکون التمسک بالآیة فی المقام من قبیل التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة. و هذا ظاهرٌ»(1).

أقول: المخاطب بالآیة الشریفة کغیرها من الأدلة الشرعیة هو العرف فلابدّ من حملها علی المعانی العرفیة و إلاّ صارت مجملة کما مرّ منّا فی اوائل هذا المجلد، و حیث أنّ الآیة الشریفة وردت بالنسبة إلی الأموال و مالکیتها و المالکیة یعدّ من الاُمور الاعتباریة لا الواقعیة فحینئذ _ فی المقام _ یکون مراده قدس سره من المفاهیم الواقعیة _ هو الاعتباریة منها _ و علی هذا لأجل عدم تطرق الإجمال فی الآیة الشریفة لابدّ من حمل کلمات الباطل و التجارة و التراضی علی المعانی العرفیة منها، ولکن للشارع الحکومة علیها و تعینها فی موارد خاصة و ما ذکرهُ الشارع یخرج من المعانی العرفیة بالتخصّص و الموضوع تعبدا لا التخصیص و الحکم کما مرّ آنفا فحینئذ یری العُرْفُ رجوعَ المالک السابق أو فَسْخَهُ خارِجا عن التجارة عن تَراضٍ فیحکم ببطلان الرجوع و عدم نفوذ الفسخ و یندفع اشکال المحقق الخوئی قدس سره و اللّه العالم.

ص:126


1- (1) مصباح الفقاهة 2/141.
6_ أخبار خیار المجلس

هُناکَ عدّة من الروایات تدل علی خیار المجلس:

منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : البیّعان بالخیار حتّی یفترقا، و صاحب الحیوان بالخیار ثلاثة أیام.(1)

منها: صحیحة زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سمعته یقول: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله :

البیّعان بالخیار حتّی یفترقا، الحدیث.(2)

و منها: معتبرة بل صحیحة فضیل عن أبی عبداللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال: قلت له: ما الشرط فی غیر الحیوان؟ قال: البیّعان بالخیار ما لم یفترقا، فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضا منهما.(3)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: أیّما رجل اشتری من رجل بیعا فهما بالخیار حتّی یفترقا، فإذا افترقا وجب البیع، الحدیث.(4)

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر علیه السلام یقول: بایعت رجلاً فلما بایعته قمتُ فمشیتُ خُطا ثم رجعت إلی مجلسی لیجب البیع حین إفترقنا.(5)

هذه الروایات و أمثالها تدل علی لزوم البیع بعد تفرقة المتبایعین، و من المعلوم أنّ البیع المعاطاتی أیضا بیع بالحمل الشایع و عند العرف و العقلاء و الشرع فتکون مشمولة لعموم الروایات الماضیات.

ص:127


1- (2) وسائل الشیعة 18/5، ح1، الباب 1 من أبواب الخیار.
2- (1) وسائل الشیعة 18/5، ح2.
3- (2) وسائل الشیعة 18/6، ح3.
4- (3) وسائل الشیعة 18/6، ح4.
5- (4) وسائل الشیعة 18/8، ح3، الباب 2 من أبواب الخیار.

ان قلت: هذا الروایات و إن دلت علی لزوم البیع بعد تفرقة المتبایعین عن مجلس العقد، إلاّ أنّ المراد من اللزوم هو اللزوم من ناحیة خیار المجلس فقط لا علی وجه الاطلاق، و الشاهد علیه امکان وجود الخیارات الاُخر فی البیع فإذن لا تدل هذه الروایات علی لزوم البیع مطلقا.

قلت: هذا الاحتمال ممکن فی مقام الثبوت ولکنّه خلاف الظاهر من الروایات فی مقام الإثبات، فإن اطلاقها یقتضی اللزوم بعد التفرق، فلا موجب لصرفها إلی اللزوم من ناحیة خیار المجلس فقط. کما فی المصباح.(1)

نعم: یمکن تقیید هذا الاطلاق بالأدلة الواردة فی اثبات غیرها من الخیارات کما فی کلِّ اطلاق، ولکن الاطلاق بالنسبة إلی الموارد الاُخر موجودٌ و منها: لزوم البیع باق و یجری و یثبت به اللزوم فی البیوع.

7_ قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»

(2)

الأمر الوارد فی الآیة الشریفة یکون إمّا إرشادیا أو مولویا:

علی الأوّل: یکون الأمر ارشادا إلی صحة المعاملة و لزومها، بناءً علی أنّ المراد بالعقود هی العهود _ کما یأتی _ أو لم یبن، فالآیة تدل علی وجوب الوفاء بکلِّ ما صدق علیه عنوان العهد أو العقد عرفا، و من المعلوم أنّ المعاطاة عهد أو عقد عرفی کسائر العهود أو العقود، فتکون مشمولة بِعُمُوْمِ الآیة الشریفة.

و علی الثانی: - کما علیه الشیخ الأعظم فی أوّل الخیارات(3) _ یکون الأمر بالوفاء مولویا و دلالتها علی اللزوم یحتاج إلی تقدیم مقدمات:

ص:128


1- (5) مصباح الفقاهة 2/143.
2- (6) سورة المائدة /1.
3- (1) المکاسب 5/17.

الاُولی: هیئة «افعل» ظاهرةٌ فی الوجوب التکلیفی و بعث المکلّف نحو المادة و لا یرفع الید عن الظهور إلاّ بالقرینة القطعیة و هی مفقودة فی المقام فلا یمکن حمل الأمر علی الإرشاد.

الثانیة: الوفاء هُوَ عبارة عن القیام بمقتضی العقد کما عن البیضاوی(1).

الثالثة: العقود الواردة فی الآیة الشریفة لغویّا عبارة عن: «العقد نقیض الحلّ» کما عن ابن منظور(2)، أو «الجمع بین أطراف الشیء و یستعمل ذلک فی الأجسام الصلبة کعقد الحبل و عقد البناء، ثم یستعار ذلک للمعانی نحو عقد البیع» کما عن الراغب(3)، أو «عَقَدَ الحبلَ و البیعَ و العهدَ یعقده: شدَّه» کما عن الفیروزآبادی(4)، أو «العقدُ: العهد الموثّق» کما عن البیضاوی(6)، أو «العقود جمع عقد بمعنی معقود، و هو أو کد العهود، و الفرق بین العقد و العهد: أنّ العقد فیه الاستیثاق و الشدّ، و لا یکون إلاّ بین متعاقدین، و العهد قد ینفرد به الواحد، فکلُّ عهدٍ عقدٌ، و لا یکون کلّ عقدٍ عهدا، و أصله: عقد الشیء بغیره، و هو و صلُه به کما یعقد الحبل» کما عن الطبرسی(5).

و قد نقل الطبرسی بعد تفسیر العقود بالعهود _ و کما فی صحیحة عبداللّه بن

سنان(6) _ أقوالاً أربعة فی العقود الواردة فی الآیة:

أحدها: العهود التی کان أهل الجاهلیة یعاهد بعضهم بعضا علی النصرة و المؤازرة و

ص:129


1- (2) تفسیر البیضاوی /112 من طبع الحجری.
2- (3) لسان العرب 3/296.
3- (4) المفردات /341.
4- (5) القاموس المحیط 1/315.(5) تفسیر البیضاوی/112، طبع الحجری.
5- (7) مجمع البیان 2/151.
6- (1) تفسیر القمی 1/160.

المظاهرة علی من حاول ظلمهم.

ثانیها: العهود التی أخذها الباری علی عباده بالإیمان به و طاعته فیما أحلّ لهم أو حرّم علیهم.

ثالثها: العقود التی یتعاهدها الناس کعقد الأیمان و النکاح و العهد و البیع، أیّ العقود الفقهیة، و المعاملات بالمعنی الأعم.

رابعها: العهود المأخوذة من أهل الکتاب علی العمل بما فیها من تصدیق نبیّنا صلی الله علیه و آله ثم رجّح الطبرسی(1) القول بعموم العهود لکلّ ما اوجبه اللّه تعالی علی العباد و الفرائض و الحدود و العقود الفقهیة المتداولة بین العقلاء.

و قد زاد الفاضل النراقی علی هذه المعانی الأربعة بأربعةً أخْری.(2)

و بعد وضوح هذه المقدّماتِ الثَّلاثِ یتمّ تقریب الاستدلال: بأنّ العقد سواء کان مطلق العهد أو خصوص المؤکّد منه یصدق علی المعاطاة، اذ لا شبهة فی أنّ عنوان العهد و العقد لا ینحصر فی العهد أو العقد اللفظی و القولی و لذا یشمل الفعلی و العملی منهما و هی المعاطاة. فالشارع أمر بِالاْءیْفاء بالمعاطاة حدوثا و بقاءً، فلو لم یلتزم العاقد فی العمل بمقتضی العقد حدوثا أو بقاءً لم یصدق الوفاء به. فوجوب الوفاء بالعقد یعنی استمرار الالتزام به و هذا هو المطلوب.

ولکن جماعة من الأصحاب استشکلوا فی هذه الدلالة:

منهم: الفاضل النراقی من أنه یحتمل أن یکون المراد بالعقود فی الآیة سائر معانی العهد کالوصیة و الأمر و الضمان و قال: «و لو سلّمنا أنّ للعهد معنی یلائم العقود الفقهیة

ص:130


1- (2) راجع مجمع البیان 2/152 و 151.
2- (3) عوائد الأیام، العائدة الاُولی /(5-2).

فإرادة ذلک من الآیة غیر معلومة»(1).

و ما عنه أیضا: من أنّ العهد الموثق إمّا العقدُ اللازمُ شرعا، فلابدّ من إحرازه و معه لا حاجة إلی التمسک بالآیة، أو الموثّقُ العرفی فلابدّ من إثباته، و لیس مجرد بنائهم علی الإبقاء

علی مقتضی العقد توثیقا له، لأنّ ما لا یقصد فیه الإتیان البتة لیس عهدا فحصول التوثیق یحتاج إلی أمرٍ آخرٍ و علی المستدِّل إثبات التوثیق عرفا.(2)

و فیه: العقد سواء یترادف مع العهد أم لا، یکون من أظهر مصادیق العقد و أتمّهاالعقود الفقهیة هذا أوّلاً.

و ثانیا: صحیحة ابن سنان دَلَّتْنا علی الترادف بین العقد و مطلق العهد لا الموَثّق منه فقط حتی یَرِدَ إشکاله الثانی.

و ثالثا: علی فرض أنّ المراد بالعقد هو العهد و هو الموثّق منه لا مطلقا، یکون المراد من العهد الموثّق هو العرفی منه، و المراد منه هو الاْءتْیانُ بمقتضی العقد علی سبیل الحتم و القطع، و هذا یجری بالنسبة إلی المعاطاة البیعی أیضا.

و منهم: المحقّق الإیروانی قال: «إنّ الآیة لا تجدی لإثبات اللزوم عموما، و إنّما تجدی لإثباته فی خصوص ما إذا کان العقد متعلِّقا بالفعل لا فی العقد علی النتیجة الذی منه المقام، إذ العقد علی النتیجة إمّا أن یکون مؤثِّرا فی وقوع تلک النتیجة أو لا یکون مؤثِّرا، و علی کلّ حالٍ لا عمل خارجیٌّ له من العاقد حتّی یخاطب بخطاب «اوفوا»، و أمّا التسلیم للعوضین فذلک لیس لأجل أنّه مصداق للوفاء و إنّما هو من جهة أنّه بالعقد صار مِلکا للغیر فلا یجوز التصرف فیه بغیر إذنه...»(3).

ص:131


1- (4) عوائد الأیام /8.
2- (1) عوائد الأیام /8.
3- (2) حاشیة المکاسب 2/61.

و فیه: قد مرّ تقریب الاستدلال علی اللزوم علی کلّ من المولویة و الإرشادیة و من المعلوم أن البیع المعاطاتی کالقولی یتعلّق بالتملیک أو التبدیل من دون فرق بین العقد القولی و الفعلی، فکلّ منهما یتعلّق بالتبدیل أو التملیک الذی هو فعل یتعلّق به خطاب أوفوا، هذا.

مع أنّ العقد الواقع علی النتیجة یتعلّق به «اوفوا» باعتبار مقتضیاته، فإنّ الملکیة تَتَرَتَّبُ علیها آثارٌ من حرمة تصرف غیر المالک أو حرمة مزاحمته، فالوفاء بالملکیة عبارة عن التصرفات المترتبة علیها، کما عن المحقّق المروج.(1)

و منهم: المحقّق النائینی بعد تقریب دلالة آیة «اوفوا بالعقود» علی اللزوم سواء علی القول بتأصّل الأحکام الوضعیة أو علی القول بأنّها منتزعة عن الأحکام التکلیفیة کما علیه الشیخ الأعظم قدس سره قال: «دلالة الآیة علی اللزوم فی المعاملات اللفظیّة لا إشکال فیها،

کما لا إشکال فی عدم دلالتها علیه فی المعاطاة، لعدم إمکان إفادتها له ثبوتا، مضافا إلی قیام الإجماع علی الجواز»(2).

و فیه: علی القول بترادف العقد مع العهد لا إشکال فی أنّ المعاطاة من العهود فتشملها الآیة الشریفة.

بل العقد یمکن أن یُنْشَأَ بأمرین مستقلین:

الأوّل: اللفظ و الصیغة الخاصة.

الثانی: الفعل و العمل الخارجی.

فالمعاطاة عقد تشملها الآیة الشریفة.

و أمّا الإجماع المذکور فی کلام النائینی فقد عرفت سابقا الاشکال فیه و عدم ثبوته.

ص:132


1- (3) هدی الطالب 1/548.
2- (1) منیة الطالب 1/156.

فما ذکره قدس سره غیر تام.

و الآیة الشریفة تدل علی اللزوم فی المعاطاة.

8_ قوله صلی الله علیه و آله : «المؤمنون عند شروطهم»

وَرَدَ هذا الحدیثُ من رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی موثقة منصور بن یونس بُزُرْج(1)، و بلفظ «المسلمون عند شروطهم» عن أمیرالمؤمنین علیه السلام کما فی حسنة إسحاق بن عمار(2) و عن غیره من الأئمة علیهم السلام کما فی صحیحتی عبداللّه بن سنان(3) و صحیحة محمّد بن مسلم(4) فهذه الروایة لیست بمرسلة کما فی نقل الأحسائی(5).

و قد تمسّک بها عدّة من أعلام الاُمّة علی اللزوم حتّی فی المعاطاة(6) أو مطلق البیع(7). و تبعهم الشیخ هنا فی بحث البیع(8) ولکن ناقشهم فی أوّل الخیارات(9) بمنع صدق الشرط

علی الالتزامات الابتدائیة ثم عاد إلی القول الأوّل _ أی صدق الشرط علی الالتزامات الابتدائیة _ فی بحث الشروط(10) فلابدّ من البحث حول کلمة «الشرط» هل تشمل الالتزامات الابتدائیة أم لا؟ یظهر من بعض اللغویین شموله لها:

ص:133


1- (2) وسائل الشیعة 21/276، ح4، الباب 20 من أبواب المهور.
2- (3) وسائل الشیعة 18/17، ح5، الباب 6 من أبواب الخیار.
3- (4) وسائل الشیعة 18/16، ح 1 و 2.
4- (5) وسائل الشیعة 26/55، ح1، الباب 21 من أبواب موانع الإرث.
5- (6) عوالی اللآلی 1/218، ح84 و 1/293، ح173 و 3/217، ح77 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/301، ح7.
6- (7) نحو المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان 8/383.
7- (8) نحو صاحب الحدائق فی کتابه 19/4.
8- (9) المکاسب 3/56.
9- (10) المکاسب 5/21.
10- (1) المکاسب 6/12 و 11.

قال ابن فارس: «شرط: الشین و الراء و الطاء أصلٌ یدلُّ علی عَلَمٍ و علامة و ما قارب ذلک من عَلَم. من ذلک الشَرَط: العلاّمة. و أشراط الساعة: علاماتها و من ذلک الحدیث حین ذکر أشراط الساعة، و هی علامتها، و سمِّی الشُرَط لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامةً یُعَرفون بها. و یقولون: أشْرَطَ فلانٌ نفسَه للهَلکة، إذا جعلها علما للهلاک. و یقال: أشْرَطَ من إبله و غنمه، إذا أعدّ منها شیئا للبیع. قال الشاعر:

فأشْرَطَ فیها نفسَه و هو مُعْصِمٌ و ألقی بأسبابٍ له و توکُّلاً

و من الباب شَرْط الحاجم، و هو معلوم، لأنّ ذلک علامةٌ و أثَر...»(1).

و قال الزمخشری: «ش ر ط: شرط علیه کذا و اشترط و شارطه علی کذا و تشارطا علیه و هذا شَرْطِی و شَریطتی...»(2).

و قال الفیومی: «شرط: الحاجمُ شَرْطا، من بابَیْ ضرب و قتل، الواحدة شَرْطَةٌ و شَرَطْتُ علیه کذا شرطا؛ أیضا و اشْتَرَطْتُ علیه، و جمعُ الشَّرْطِ شُرُوطٌ مِثْلُ فَلْسٍ و فُلُوسٍ...»(3).

و یظهر من ابن عشیرة البحرانی أنّ «الشرط ما یمکن وقوعه و عدمه کدخول زید الدار أو یتحتّم الوقوع ولکن غیر معلوم کإدراک الثمرات و قدوم الحاج»(4). و کذا أنّ «الشرط یتعلّق بفعله و بفعل غیره... و الشرط المقصود منه مجرد التعلیق خاصة لا غیر»(5).

و قال الطریحی: «و الشرط معروف و جمعه شروط کفَلْس و فُلُوس و شرط الحاجم

ص:134


1- (2) معجم مقاییس اللغة 3/260.
2- (3) أساس البلاغة /233.
3- (4) المصباح المنیر /309.
4- (5) بَهْجَةُ الخاطِرِ و نُزْهَةُ الناظِرِ /71.
5- (6) بَهْجَةُ الخاطِرِ و نُزْهَةُ الناظِرِ /72.

شرطا من باب ضرب و قتل و شرطت علیه کذا شرطا و اشترطت علیه و منه حدیث بریرة: شرط اللّه أحقّ، یرید ما أظهره و ما بیّنه من حکم اللّه بقوله: الولاء لمن أعتق و قیل: هو إشارة إلی قوله تعالی «و إخوانکم فی الدین و موالیکم»(1) و الشریطة فی معنی

الشرط و جمعها شرائط»(2).

و أنت تری أنّ کلماتهم مطلقة تشمل الالتزامات الابتدائیة کما أنّ الشرط استعمل فی عدّة من النصوص هکذا نحو: صحیحة محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام حدیث: أنّ شرط اللّه قبل شرطکم، الحدیث(3).

و نحوها مرسلة ابن مسلم(4).

و صحیحة علی بن رئاب عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: الشرط فی الحیوان ثلاثة أیام للمشتری اشترط أو لم یشترط، الحدیث(5).

و نحوها صحیحة فضیل(6).

و قوله صلی الله علیه و آله فی قضیة بریرة: الولاء لمن أعتق و شرط اللّه آکد و کلُّ شرطٍ خالف کتاب اللّه فهو رُدّ، الحدیث(7).

ص:136


1- (7) سورة الأحزاب /5.
2- (1) مجمع البحرین /363 من طبع الحجری.
3- (2) وسائل الشیعة 21/296، ح1، الباب 38 من أبواب المهور.
4- (3) وسائل الشیعة 21/277، ح6، الباب 20 من أبواب المهور.
5- (4) وسائل الشیعة 18/13، ح1، الباب 4 من أبواب الخیار.
6- (5) وسائل الشیعة 18/11، ح5، الباب 3 من أبواب الخیار.
7- (6) مستدرک الوسائل 13/300، ح2، الباب 5 من أبواب الخیار _ راجع فی قصة بریرة وسائل الشیعة 23/65، ح2، الباب 37 من أبواب کتاب العتق. صحیحة الحلبی و أربعین البهائی مع تعلیقة الخواجوئی /(509-499)، سنن البیهقی 15/555، باب بیع المکاتب، ح 22344.

و قد ورد عن سیّد الساجدین علی بن الحسین علیه السلام فی دعاء التوبة من الصحیفة الشریفة: «و قد قلت یا إلهی فی محکم کتابک إنّک تقبل التوبة عن عبادک و تعفو عن السیئات و تحبّ التوابین فاقبل توبتی کما وعدت واعف عن سیئاتی کما ضمنت و أوجب لی محبتک کما شرطت و لک یا ربّ شرطی ألاّعود فی مکروهک و ضمانی أن لا أرجع فی مذموک و عهدی أن أهجر جمیع معاصیک...»(1).

و ماورد فی دعاء الندبة من قوله علیه السلام : «بعد أن شرطت علیهم الزهد فی درجات هذه الدنیا...»(2).

ولکن مع ذلک کلّه ورد التخصیص فی الشرط بحیث لا یشمل الالتزامات الابتدائیة

فی کلمات بعض اللغویین:

منهم: ابن منظور قال: «الشرط: إلزام الشیء و التزامه فی البیع و نحوه و الجمع شروط»(3).

و منهم: الفیروزآبادی قال: «الشرط: إلزام الشیء و التزامه فی البیع و نحوه کالشریطة جمعه شروط»(4).

و منهم: سعید بن عبداللّه الخوری الشرتونی صاحب أقرب الموارد قال: «شرط علیه فی البیع و نحوه شرطا: ألزمه شیئا فیه»(5).

فظهر مما ذکرنا عدم تفرد صاحب القاموس بالتخصیص کما یظهر من الشیخ

ص:136


1- (7) الصحیفة السجادیة. الدعاء الحادی و الثلاثون، دعاء التوبة و طلبها.
2- (8) مصباح الزائر /446 و نقل عنه فی بحارالأنوار 102/104.
3- (1) لسان العرب 7/329.
4- (2) القاموس / ذیل مادة شرط من طبع الحجری (2/368).
5- (3) أقرب الموارد 1/583.

الأعظم.(1)

و أمّا ما ذکر من الروایات و الأدعیة فَیُمْکِنُ حملها علی الالتزامات المعاملیة أو الضمنیة و غیر الابتدائیة(2) و ما لا یمکن حملها کذلک فغایة ما یمکن أن یقال فیها أنها استعمالٌ و الاستعمال أعمٌ من الحقیقة. فعلیه صدق الشرط علی الالتزامات الابتدائیة مشکلٌ. خلافا للفاضل النراقی(3) و الفقیه الیزدی(4) فإنّهما یَرَیانِ الصدق و الشمول و السیّد الإشکوری(5) فإنّه یراه الإنصاف. و تبعهم الفقیه السبزواری(6).

مضافا إلی حمل الروایة علی الالتزام التکلیفی لا الوضعی، فصار معناها یجب علی کلّ مؤمن الوفاء بشرطه تکلیفا کما عن المحقّق الإصفهانی(7) و ظاهر السیّد المحقق الخوئی(8).

و أمّا حملها علی خطاب أخلاقی مسوق لما یقتضیه الإیمان و یقود إلیه، نظیر «المؤمن

إذا و عد وفی» فلا یمکن استفاده الوجوب منها کما عن المحقّق الإیروانی(9) محل تأمل بل منع.

و الحاصل: استفادة اللزوم من هذه الروایة لملعاطاة علی القول بالملک مشکلٌ جدّا.

ص:137


1- (4) المکاسب 6/12.
2- (5) راجع فی هذا المجال إلی حاشیة المکاسب 5/(109-105) للمحقّق الإصفهانی.
3- (6) راجع عوائد الأیام /142.
4- (7) راجع حاشیته علی المکاسب 1/361 و 3/329.
5- (8) مهذب الأحکام 16/232.
6- (9) بُغْیة الطالب فی شرح المکاسب 1/77.
7- (10) حاشیته علی المکاسب 1/148.
8- (11) مصباح الفقاهة 2/142.
9- (1) حاشیة المکاسب 2/62.
ثمّ یقع الکلام فی ملزمات المعاطاة علی القول بأنّها جائزة ذاتا:
منها: تلف العوضین
اشارة

لا اشکال و لا خلاف عندهم فی أنّه لو تلف العینان فی بیع المعاطاة صارت لازمة کما فی الحدائق(1) و شرح القواعد(2) و المناهل(3) و المفتاح(4) و الجواهر(5).

أمّا علی القول بالإباحة: فواضح لأنّ یجوز لکلٍّ من المتعاطیین الرجوع فی ماله لأن المال باقٍ علی ملک معطیه ولکن مع بقاء العینین و أمّا اذا تلفتا لزمت المعاطاة لا متناع الرجوع.

لا یقال: المتعاطیین وضع یدهما علی مال الآخر لأنّ مالکه أباح له التصرف فیه، و من المعلوم أنّ للمالک استرداد ماله من المباح له مادام موجودا، و لو تلف استقرّ بدله علیه، فکلّ منهما ضامن لمال الآخر بمقتضی «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی» و قاعدة الضمان أیّ من أتلف مال الغیر فهو له ضامن، فإذا جاز الرجوع إلی بدل العینین فقد استمرت الإباحة و لم تلزم المعاطاة بمجرد تلف العینین، لأنّ التلف غیر مانع من الرجوع إلی البدل و المراد به الرجوع إلی المثل أو القیمة لا ما قابله فی المعاطاة.

لأنا نقول: لا تجری هنا قاعدة الضمان أیّ من أتلف مال الغیر فهو له ضامن و کذا لا تجری قاعدة علی الید ما أخذت حتّی تؤدی، لأنّ الأولی تختص بمورد لم یعط المتلف بإزاء المال الغیر مالاً آخرا مع رضایة صاحب المال و المعطی و إلاّ ذمته مشغولة بذاک المال

ص:138


1- (2) الحدائق 18/362.
2- (3) شرح القواعد 2/28 للشیخ جعفر قدس سره .
3- (4) المناهل /269 من طبع الحجری للسیّد محمّد المجاهد قدس سره .
4- (5) مفتاح الکرامة 12/506.
5- (6) الجواهر 22/230.

المُعْطی.

و الثانیة تختص بالید المضمنة و هی إمّا الید العدوانیة أو الید المشروط علیها الضمان و کلتاهما منتفیتان فی المقام، لأنّ المفروض حکم الشارع بإباحة التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة، فالید السابقة لم تکن مضمنة قطعا لاستنادها إلی إذن الشارع و إذا تلفت العین

امتنع انقلاب الید عمّا هو علیه، فلابدّ من استناد الضمان إلی موجب آخر و المفروض عدمه.

نعم: هذا البیان إنّما یتمّ علی القول بکون الإباحة المترتبة علی المعاطاة _ المقصود بها الملک _ إباحة مالکیة.

ولکن إذا قلنا بأنّها إباحة شرعیة _ کما هو الظاهر فلا یتم ما ذکرناه أخیرا تبعا للشیخ الأعظم(1) قدس سره _ فیجری ما أفاده قدس سره فی مناقشاته(2) لکاشِفِ الغطاء رحمه الله من الالتزام بحصول الملکیة آنا ما قبل التلف فیکون التلف فی ملک المالک الثانی و یکون ضامنا بضمان المسمّی، لأنّ الإجماع یقتضی عدم ثبوت الضمان بالمثل أو القیمة، و قاعدة ضمان الید تقتضی کون التلف من ذی الید لأنّ المفروض أنّ المعاطاة لم تفد إلاّ الإباحة الشرعیة فحینئذ لابدّ أن یقال جمعا بین الأدلة ببقاء المال فی ملک مالکه الأوّل ولکن آنا ما قبل التلف یدخل فی ملکیة الثانی و إذا حصلت الملکیة للثانی فذمّته مشغولة بالضمان المسمّی فقط کما نبّه علیه المحقّق الخوئی(3) رحمه الله تبعا لاُستاذه المحقّق النائینی(4) قدس سره .

و أمّا علی القول بالملک: فلابدّ أوّلاً من تمهید مقدمة و هی:

تقسیم اللزوم و الجواز إلی القسمین و هما الحکمی و الحقّی

ص:139


1- (1) المکاسب 3/96 و 98.
2- (2) المکاسب 3/49.
3- (3) مصباح الفقاهة 2/199.
4- (4) منیة الطالب 1/197.

اللزوم الحکمی: هو ما کان باقتضاء من ذات المعاملة مع قطع النظر عن التزام المتعاملین بل نفس طبع المعاملة أینما تحققت تقتضی اللزوم و یترتب علیه عدم وقوع الإقالة فیها و عدم صحة شرط الفسخ فیها و عدم انفساخها بالفسخ إلاّ أن یرد دلیل بالخصوص علی انفساخها بالفسخ أو الاقالة فیؤخذ به بمقدار دلالته و یقتصر علیه و ذلک کالنکاح.

اللزوم الحقّی: هو ما کان ناشئا عن اقتضاء التزام المتعاملین علی مضمون المعاملة من غیر أن یکون فی ذات المعاملة اقتضاء اللزوم و یترتب علیه صحة شرط الفسخ فیها و قبولها للإقالة و انفساخها بالفسخ کالوکالة بشرط عدم عزل الوکیل.

و مما ذکرنا من تعریف اللزومین یظهر تعریف الجوازین و هما:

الجواز الحکمی: هو ما کان باقتضاء من ذات المعاملة و طبعها مع قطع النظر عن

توافق المتعاملین علی الجواز و یترتب علیه وقوع الاقالة فیها و جواز فسخها نحو عقدی الهبة و الوکالة.

الجواز الحقّی: و هو ما کان ناشئا من توافق المتعاملین علی الجواز من دون أن یکون الجواز فی ذات المعاملة نحو جعل الخیار و شرط الفسخ لأحد المتعاملین أو کلیهما فی البیع.

ثم ذهب الشیخ الأعظم(1) قدس سره إلی أنّه علی القول بالملک یحکم بلزوم المعاطاة و المتیقن من مخالفة دلیل اللزوم فی المعاطاة _ بسبب الإجماع علی القول به _ هو صورة إمکان ترادّ العینین فمع تلفهما و امتناع الترادّ یرتفع فرض إمکان الجواز و یثبت اللزوم.

یظهر منه قدس سره اختصاص ثبوت جواز الحکمی بصورة بقاء العینین فلا یصح الرجوع

ص:140


1- (1) المکاسب 3/96 السطر الأخیر.

مع التلف لارتفاع مورده بخلاف جواز الحقّی فإنّه یصح مع بقائهما و تلفهما إلاّ أنّه عند التلف یرجع إلی المثل أو القیمة، و عدم تمامیة هذا البیان یظهر ممّا ذکرنا فی تعریف الجوازین لأنّ الجواز الحکمی لیس مختصا بصورة بقاء العینین علی نحو الإطلاق بل یفصل فیه بین ما کان بناء المعاملة علی الضمان و کانت معاوضیة و بین ما لم تکن کذلک کالهبة فیشرط جواز الرجوع ببقاء العین أو العینین فی الثانی دون الأوّل.

أمّا الأوّل فلانّ بناء المعاملة علی الضمان المسمّی، فإذا سلم المسمّی فهو و مع عدمه إمّا بفساده من الأوّل أو بواسطة الرجوع فلابدّ من الرجوع إلی المثل أو القیمة و لیس التلف فی هذه الصورة مانعا عن الرجوع بعد إمکانه بأخذ المثل أو القیمة.

أما الثانی فلانّ المعاملة لیست مبنیّة علی الضمان فالواهب إنّما وهب العین للمتهب لکی یتلقه بلا ضمان له بالمثل أو القیمة فإذا کان باقیا فی ید المتهب فله الرجوع بعین ماله فإذا تلف فلیس له الرجوع بأخذ مثله أو قیمته لکون مبنی المعاملة علی عدم التضمین بالمثل و القیمة کما یظهر هذا الاشکال و التعاریف من المحقّق النائینی(1) قدس سره .

أقول: هذا الاشکال یرد علی ظاهر عبارة الشیخ من قوله قدس سره : «... فلما عرفت من إصالة اللزوم و المتیقن من مخالفتها جواز ترادّ العینین و حیث ارتفع مورد الترادّ امتنع»(2). ولکن علی ما ذکرنا من تقریب کلام الشیخ فلا یرد و الحمدللّه.

ثمّ قال المحقّق النائینی: «إذاصارت المعاطاة لازمة بالتلف أو بغیره من الملزمات فهل هذا اللزوم الطاری حقّیٌ أو حکمیٌّ لا یخلو کلٍّ منهما عن إشکال لبُعد اللزوم الحقی بلا التزام فی البین کما هو المفروض، و کون البیع المعاطاتی بعد تلف العینین أو أحدهما [صار] لازما

ص:141


1- (2) المکاسب و البیع 1/227 و 230.
2- (3) المکاسب 3/96.

کالنکاح بحیث یحکم بعدم صحة التقایل فیه و عدم قابلیة لاشتراط الفسخ یکون أبعد لعدم الالتزام بأحکام اللزوم الحکمی فیه من أحدٍ من الأصحاب.

و حلّ الإشکال هو اختیار کون اللزوم فیه حقیّا لا حکمیّا، بدعوی عدم الحاجة فی اللزوم العقدی إلی الالتزام العقدی دائما بل یکتفی فی تحققه بجعله من الشارع، و هذا کالجواز الحقی حیث أنّه قد یکون بجعل المتعاملین کما فی خیار الشرط، و قد یکون بجعل الشارع کما فی خیار المجلس و الحیوان، و کذلک اللزوم الحقّی، تارة یکون بجعل المتعاملین کما فی المعاملة العقدیة و اُخری یکون بجعل الشارع کما فی المعاطاة عند تغیّر العینین عمّا هو علیه فهذا اللزوم حقّیٌ یترتب علیه صحة التقایل و غیره ممّا یترتب علی اللزوم الحقی لکنّه لا یکون بواسطة التزام المتعاملین بل إنّما هو بجعل الشارع فتبصر»(1).

أقول: ما ذکره قدس سره صحیح ولکن لابدّ مِنْ إصلاحِ التعاریف الماضیة بما ذکره أخیرا و الأمر سهل لأنَّهُ لا مُشاحَّةَ فی الاصطلاح.

لا یقال: إذا ثبت بالإجماع جواز الملک قبل التلف فی المعاطاة و شُک فی انتفاء ذاک الجواز بالتلف، من الممکن إحراز استصحاب الجواز و الحکم بعدم لزوم الملک بعد التلف أیضا و نتیجتها جواز فسخ المعاملة بعد التلف و الرجوع بالمثل أو القیمی.

لأنّ الشیخ الأعظم(2) قدس سره أجابَ عن هذا الإشکال بجوابین:

الأوّل: الفرق بین الجواز فی العقد الخیاری و الجواز فی المعاطاة فإنّ الأوّل بمعنی انحلال العقد و فسخه و لذا یجری بعد تلف العین أیضا لأنّ متعلِّقه العقد و هو باق علی حاله و لو بعد تلف العین أو العینین، ولکن الثانی بمعنی الرجوع فی العین و جواز تملّکها مجددا و

ص:142


1- (1) المکاسب و البیع 1/230.
2- (2) المکاسب 3/97.

الجواز لا یتعلق بنفس المعاطاة بل بموضوع الترادّ، فعلیه بعد تلف العین أو العینین فلا یمکن الرجوع فیها و کذا لا یمکن تملّکها فلا یجری الجواز لإنعدام موضوعه و مع الانعدام لا یجری الاستصحاب.

الثانی: حتّی علی التردّد فی أنّ متعلق الجواز فی المعاطاة هل هو نفس المعاطاة أو

الرجوع فی العین أو العینین أیّ الترادّ من الطرفین لا یجری الاستصحاب، لأنّ من شرائط جریان الاستصحاب هو إحراز اتحاد الْقضیَّتَیْن المتیقنة و المشکوکة و مع عدم إحرازهما _ لأنّه علی فرض تعلّق الجواز بالرجوع فی العین أو العینین فلا یبقی موضوع فی البین حتّی یستصحب و کذا تختلف القضیّتانِ _ فلا یجری الاستصحاب.

إن قلت: غایة ما یمکن أن یقال علی تقریب الشیخ الأعظم قدس سره عدم جریان استصحاب فرد الجواز لإنعدام موضوعه أو لِعدم إحراز قضیتی المتیقنة و المشکوکة، ولکن یجری استصحاب کلّی الجواز بتقریب: الاجماع یدلّ علی أنّ المعاملة المعاطاتیة حتّی علی القول بالملک جائز إجمالاً، و لا یُدری هذا الجواز الذی یتعلّق بها هل هو الجواز الصغیر أی إلی بقاء العینین و امکان ترادّهما أو المتعلَّق بها هو الجواز الکبیر أی إلی ما بعد تلف العینین و بعد عدم إمکان تَرادّهما، فیستصحب کلّی الجواز علی نحو استصحاب القسم الثانی من الکلّی المتفق علیه جریانه.

قلت: لا یجری استصحاب القسم الثانی من الکلّی فی المقام لعدّة من الوجوه:

منها: الإجماع دلیل لبّی لابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو هنا جریان جواز إلی بقاء العینین و إمکان ترادّهما.

و منها: المناط فی عدم جریان الاستصحاب هنا هو الشک فی بقاء موضوعه نظیر العلم باجتهاد الفردین الأوّل أو الثانی، و الأوّل منهما مات فلا یجوز تقلیده و الثانی منهما حیٌّ و إن کان هو المجتهد فیجوز تقلیده ولکن لا ندری لعلّ الأوّل یکون مجتهدا بخلاف

ص:143

الاستصحاب الکلّی القسم الثانی لأنّ موضوعه هو الکلّی.

و منها: ثم علی فرض جریان استصحاب القسم الثانی من الکلّی فی المقام لا یفید شیئا لأنّ الآثار المختصة بکلِّ فرد لا تترتب علیه بخلاف آثار الکلّی لأنّها تترتب و جواز فسخ المعاطاة بعد تلف العینین من الآثار المختصة للفرد الطویل فلا تترتب، فعلیه لا یترتب علی جریان الاستصحاب الکلّی أثرا و مع عدم ترتب الأثر لا یجری لأنّه من الاُصول العملیة.

إن قلت: نعم، استصحاب الکلّی القسم الثانی لا یجری فی القام، ولکن یمکن جریان استصحاب الفرد المردد کالحدوث المردد بین الأصغر و الأکبر بعد الوضوء بحیث یکون فعلاً مرددا بین ما هو مقطوع الارتفاع إذا کان الحدث أصغرَ لأنّه تؤضأ و بین ما هو مقطوع البقاء إذا کان الحدث أکبرَ لإنّه لا یغتسل و لذا تترتب الآثار المختصة بالحدث الأکبر.

بتقریب: أنَّ هنا فَرْدَیْنِ للجواز، الفرد الأصغر و هو الجواز إلی تلف العینین و امکان ترادّهما، و بعد تلف العینین هذا الجواز قد ارتفع یقینا، و الفرد الأکبر و هو الجواز إلی ما بعد تلف العینین و بعد عدم امکان التراد، و هذا الفرد الأکبر بعد تلف العینین یکون باقیا قطعا، و لذا باستصحاب الفرد المردد نستصحب الفرد الأکبر من الجواز و تترتب علیه آثاره المختصة له.

قلت: نمنع من جریان استصحاب الفرد المردد لا سیما بعد القطع بارتفاع الفرد الأصغر، بأنّ الفرد المردد إذا کان الأصغر قد ارتفع یقینا بعد التوضی فی المثال و بعد تلف العینین فی المقام، و إذا کان الأکبر فهو مشکوک الحدوث من الأوّل فلا یجری الاستصحاب فی حقّه. هذا أولاً.

و ثانیا: الفرد المردد بما هو مردد لا ماهیة له و لا وجود، فلیس موضوعا لأثرٍ شرعیٍ حتّی یصح التمسک بالاستصحاب لإثبات ذاک الأثر.

ص:144

و ثالثا: استصحاب الفرد المردد لا یجری _ بنظرنا القاصر _ بلا فرق بین صورتی الشک فی ارتفاع الفرد القصیر علی تقدیر حدوثه، و الیقین بارتفاعه علی تقدیر حدوثه و التفصیل یطلب من بحث الاصول و الحمدللّه.

و قد اعترض المحقّق السیّد الخوئی علی الشیخ الأعظم بقوله: «إن کان المراد من الترادّ هو الترادّ الخارجی فهو غیر مفید بدیهة أن مجرد ردّ العین خارجا مع بقائهما فی ملک الآخر بالمعاطاة لا یترتب علیه أثر.

و إن کان المراد من الترادّ هو فسخ العقد [الذی] لا یکون إلاّ بتراد العین خارجا، أو بعد تحقق التراد فی الخارج فهو متین، ولکنّه لیس شیئا آخر وراء تعلق الخیار بنفس العقد، لأنّ الأدلة الدالة علی لزوم العقود إنّما تدل علی لزوم کلّ عقد، و قد قام الاجماع علی أنّ المعاطاة المقصود بها الملک تفید الإباحة إلی زمان معین، و من الواضح أن الاجماع لبیٌّ، فلا یؤخذ منه إلاّ بالمقدار المتیقن، و هو ما إذا أمکن تراد العینین، و فی غیر هذه الصورة یتمسک بعموم العام.

و إذن فلابدّ للمصنف أن یعلّل لزوم المعاطاة مع تلف العینین بأنّ المأخوذ بالمعاطاة إنّما تلف من ملک المالک الثانی، فلا یجوز للمالک الأوّل أن یرجع إلیه، إذا المتیقن من جواز الرجوع إنّما هو صورة الفسخ بترادّ العینین و هو غیر ممکن مع تلفهما»(1).

ولکن یرد علیه: أنّ المعتبر فی المعاطاة من جواز الرجوع لیس فرض الفسخ بترادّ العینین أی الفسخ الخاص بل هو الفسخ المطلق و الشاهد علیه أنّه إذا فسخ أحد المتعاطیین المعاطاة قولاً مع بقاء العینین ولکن لم یسلم العین إلی مالکه الأوّل بعد الفسخ عصیانا، لا ریب فی انفساخ المعاطاة و عصیان المانع. و هذا یدل علی أنّ المعتبر فی المعاطاة نفس الفسخ

ص:145


1- (1) مصباح الفقاهة 2/200.

_ لا الفسخ الخاص و هو المشروط بترادّ العینین _ غایة الأمر المتیقن من وجود الإجماع جواز الفسخ حال امکان ترادّ العینین، و إذا شک فی ثبوته فی حالة اُخری کتلف إحدی العینین فیستصحب جواز الفسخ کما فی سائر موارد الاستصحاب و کما علیه شیخنا الاُستاذ(1) قدس سره .

و کذا استشکل الاُستاذ(2) قدس سره علی الشیخ الأعظم رحمه الله بعدم وجود الفرق بین جواز فسخ الهبة أو المعاطاة و جواز الفسخ فی موارد الخیار إلاّ أنّ جواز الفسخ فیهما حکمیٌّ لا یسقط بالإسقاط و جواز الفسخ فی الخیارات حقّیٌ قابل للإسقاط، فعلیه علی القول بترتب الملکیة الجائزة علی المعاطاة، یحکم بجواز فسخها و بعد تلف أحد العینین أو کلیهما یستصحب ذلک الجواز کاستصحاب الخیار بعد طرو ما یحتمل معه زواله، و مع جریان استصحاب الجواز لا مجال لإستصحاب بقاء الملک المالک الثانی الذی حصل ملکه بالمعاطاة، لأنّ استصحاب بقاء جواز الفسخ حاکم علیه و مع جریانه لا یبقی موضوع له.

أقول: یرد علی الاُستاذ قدس سره ما مرّ منّا من أنّ الملک یفید اللزوم، قد خرج من هذا العام المعاطاة علی القول بالملک إجماعا بأنّها تفید الملکیة الجائزة _ علی مسلک القوم _ و بعد تلف العینین نشک فی بقاء اللزوم علی القاعدة الأوّلیة أو الجواز للإجماع و حیث کان دلیل الجواز الإجماع و هو دلیل لبّیٌ یؤخذ بالقدر المتیقن منه، و هو بقاء الجواز قبل تلف العینین و فیما بعد التلف نرجع إلی القاعدة الأولیة و هی اللزوم فلا نشک فی حکم ما بعد التلف حتّی نحتاج إلی الاستصحاب و الحمدللّه.

ص:146


1- (1) إرشاد الطالب 2/89.
2- (2) إرشاد الطالب 2/90.
فذلکة القول فی المقام

تلف العوضین یوجب اللزوم فی المعاطاة بلا فرق بین القول بالملک و الاباحة ولکن قبل التلف یحکم بالجواز فیها بلا فرق أیضا بین قولی الملک و الإباحة _ علی مسلک القوم _ و الوجه فی ذلک باختصار:

قبل تلف العینین یحکم بجواز الرجوع: أمّا علی القول بالاباحة فواضح لأنّ کُلاًّ منهما یرجع إلی ملکه و أمّا علی القول بالملک لقیام الإجماع علیه بأنّ متقضی القاعدة اللزوم لکن المعاطاة خرج منها بالإجماع و القدر المتیقن منه قبل تلف العینین.

و بعد تلف العینین یحکم باللزوم: أمّا علی القول بالاباحة فلانتقال کلّ من العینین من مالکها الأوّل إلی الآخر آنا ما قبل التلف، فتلف فی ملک نفسه و لذا یحکم باللزوم و عدم الرجوع إلی المثل و القیمة جمعا بین الدلیلین القول بالاباحة و الاجماع علی عدم الرجوع إلی المثل و القیمة بعد التلف.

و أمّا علی القول بالملک: فَإنَّ الملک یقتضی اللزوم و قد خرج من هذا اللزوم المعاطاة إجماعا و الإجماع دلیل لبّیٌ یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو الجواز قبل تلف العینین و بعده یرجع إلی اللزوم الاوّل.

ثم إنّ هنا أصْلَیْنِ آخَرَیْنِ یمکن اثبات اللزوم بهما بعد التلف:

أحدهما: استصحاب بَراءَةِ ذمّة کلّ واحد من المتعاطیین عن ضمان المثل أو القیمة عند تلف العینین، أو بَراءَةِ ذمّة من وقع عنده التلف لو کان التالف إحدی العینین، و هذا الأصل لا غبار علیه ضرورة أنّ التالف قبل الرجوع مضمون بالمسمی و بعد الرجوع یشک فی ثبوت الضمان بالمثل أو القیمة و یکون المرجع فی هذا الشک هو أصالة العدم.

و ثانیهما: استصحاب بقاء الملکیة الثابتة آنا ما قبل التلف _ التی قد مرّ منّا توضیحها _ لإثبات عدم جواز الرجوع إلی المثل أو القیمة ضرورة أنّ عدم جواز الرجوع

ص:147

من آثار تلک الملکیّة الثابتة قبل التلف، إذ لا ملکیة بعده لسلب الملکیة بعد التلف بسلب موضوعها.

و قد نبّه المحقّق النائینی(1) علی هذین الأصلین فی المقام و قد مرّ منّا أیضا أنّ عدم الرجوع إلی المثل أو القیمة بعد تلف العینین فی المعاطاة إجماعیٌ. هذا تمام الکلام فی تلف العوضین و الحمدللّه.

و منها: تلف إحدی العینین

المشهور بین الأعلام صیرورة المعاطاة لازما بعد تلف إحدی العینین کما علیه الشهید(2) و الفاضل المقداد(3) و المحقّق الثانی(4) و الشهید الثانی فی الروضة(5)، و صاحب المیسیة(6).

و قال المحقّق الثانی فی حاشیته علی الإرشاد أنّه: «الأظهر بین عامّة المتأخرین»(7) و فی جامع المقاصد نسبه إلی«جمع من متأخری الأصحاب»(8).

و تبعهم الشیخ جعفر(9).

ص:148


1- (1) المکاسب و البیع 1/234 و 233.
2- (2) الدروس الشرعیة 3/192، و الحاشیة النجاریة، مخطوطة و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507، و کذا ظاهر اللمعة /109.
3- (3) التنقیح الرائع 2/25.
4- (4) جامع المقاصد 4/58 و رسالته «صیغ العقود» المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الکرکی 1/178 و حاشیته علی إرشاد الأذهان /333.
5- (5) الروضة البهیة 3/223.
6- (1) المیسیة، مخطوطة، کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507.
7- (2) حاشیته علی إرشاد الأذهان /333.
8- (3) جامع المقاصد 4/58.
9- (4) شرح القواعد 2/28.

ولکن قال الشهید الثانی فی المسالک: «لو تلفت العینان معا تحقّق الملک فیهما و لو تلفت إحداهما خاصة فقد صرّح جماعة بالاکتفاء به فی تحقق ملک الاُخری، نظرا إلی ما قدّ مناه من جعل الباقی عوضا عن التالف لتراضیهما علی ذلک، و یحتمل هنا العدم، التفاتا إلی إصالة بقاء الملک لمالکه و عموم الناس مسلطون علی أموالهم، و الأوّل أقوی فإنّ من بیده المال مستحق قد ظفر بمثل حقّه بإذن مستحقه فیملکه، و إن کان مغایرا له فی المجنس و الوصف لتراضیهما علی ذلک»(1).

و تبعه فی الاحتمال و تنظر فی اللزوم المحقق السبزواری و قال: «... و المشهور بینهم أنّه یفید إباحة تصرّف کلّ منهما فیما صار إلیه من العوض لا أنّه بیع فاسد و هو أقوی بناءً علی القول بعدم اللزوم و علی هذا یجوز له الرجوع فی المعاوضة مادامت العین باقیة، قالوا: فإذا ذهبت لزمت، و فیه نظر»(2).

و تبعهما السیّد المجاهد علی القول بالاباحة التّی لا یرضاها نفسه و قال: «منهل: قد بیّنا فیما سبق أنّ المعاطاة لا تفید اللزوم، فیجوز لکلّ من المتعاطیین الفسخ و الاسترداد و إن لم یرض الآخر به إلاّ فی مواضع:... و منها: ما إذا تلف أحد العوضین... ولکن فی

المسالک...، و فیه نظر لأنّ الوجهین المذکورین إنّما یتجهان إن قلنا أنّ المعاطاة لا تفید نقل الملک و أمّا علی تقدیر إفادتها الملک کما هو المختار فلا، فالمعتمد علیه عدم جواز الفسخ حینئذ لأنّ الأصل عدم جواز الرجوع بعد انتقال الملک...»(3).

و قال الفاضل النراقی: «... و لو تلفت إحداهما خاصة فلا یجوز الرجوع لصاحب التالفة، و هل له ردّ الموجودة بلا مطالبة شیء لو أراده لمصلحة و امتنع صاحبه؟ الظاهر: نعم،

ص:149


1- (5) المسالک 3/149.
2- (6) الکفایة 1/449.
3- (1) المناهل /269.

لإصالة عدم اللزوم... و لصاحب الموجودة الرجوع إلیها لذلک أیضا علی الأقوی، ثم الآخر یرجع إلی قیمة التالفة أو مثله کذا قالوا. و هو بإطلاقه مشکلٌ، بل الموافق لِلْقواعد أن یقال: لو کان التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا یرجع إلیه بشیء، لأصل البَراءَةِ و عدم دلیل علی الاشتغال.

و إن کان منه فإن قصد الرجوع قبل الإتلاف فعلیه المثل أو القیمة، إذ کونه مأدونا فی الإتلاف إنّما کان مع عدم قصده الرجوع، فمعه یکون غاصبا، فیعمل فیه بقاعدة الغصب.

و إن لم یقصده قبله فمقتضی الاُصول و إن کانت بَرِئَت ذمّته عن المثل أو القیمة لعدم کونه غاصبا و جواز رجوعه إلی عینه للأصل، إلاّ أنّ الإجماع و نفی الضرر یمنعان عن الأمرین معا، فلابدّ من أحدهما، ولکن تعیین أحدهما مشکلٌ. و تعیین الاشتغال مطلقا أو علی کون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة الغصب کعدم الرجوع علی کونها تملیکا لئلا یلزم الجمع بین المالین باطل، لمنع صدق الغصب، و تسلیم جواز جمع المالین إذا اشتغلت ذمّته بمثل أحدهما أو قیمته، إلاّ أن تَعَیَّنَ الاشتغال بإثبات جواز الرجوع بمثل: «الناس مسلّطون علی أموالهم»(1) و «علی الید ما أخذت»(2).(3)

أقول: علی القول بالملک یحکم باللزوم بعد تلف إحدی العینین لأنّ الاجماع قائم بجواز المعاطاة و قدر المتیقن منه صورة إمکان ترادّ العینین و مع تلف أحدیهما تنتفی صورة الجواز و یحکم باللزوم.

و أمّا علی القول بالاباحة فقد نسب الشیخ الأعظم قدس سره إلی بعض مشایخه _ و لعلّ هو السیّد المجاهد رحمه الله _ وفاقا لبعض معاصری شیخه _ و لعلَّهُ هو الفاضل النراقی رحمه الله _ تبعا

ص:150


1- (2) عوالی اللآلی 1/222، ح99.
2- (3) عوالی اللآلی 1/389، ح22.
3- (4) مستند الشیعة 14/261 و 260.

للشهید الثانی قدس سره فی المسالک حیث استوجه أصالة عدم اللزوم بأمرین:

1_ بقاء سلطنة مالک العین الموجودة و ملکه لها.

2_ التمسک بعموم علی الید.

و فی النسبة نظر یظهر لک بالتأمل فی نقل کلمات الأعلام الثلاثة.

و قد ناقش الشیخ الأعظم رحمه الله فیهما و ردّ الاوّل منهما بأنّها معارضة بأصالة بَراءَةِ ذمّة مَنْ تلف عنده مالُ صاحبه عن مثله أو قیمته و إذا تعارضا تساقطا.

و الوجه فی المعارضة: أنّ أصالة بقاء سلطنة المالک تقتضی جواز استرداد العین الموجودة و الرجوع ملازم لضمان بدل التالف من المثل أو القیمة للقطع بعدم مجانیّة التالف، أو للإجماع المرکب علی التلازم بین جواز رجوع مالک العین الباقیة و جواز رجوع مالک العین التالفة ببدلها.

و ردّ الثانی منهما: بأنّ الید تکون معدومة عند الحکم بالضمان _ علی القول به _ و هو حال التلف. و الید السابقة علی التلف لم تکن ید ضمانٍ لأنّها بإذن الشارع أو المالک. بل و لا بعد التلف إذا قصد مالک العین الموجودة علی امضاء المعاطاة و لم یرد الرجوع. فالید إذا لم تکن عدوانیة قبل التلف و لا بعده لا تنقلب إلی العدوانیة حتّی توجب الضمان.

فیبقی فی المقام إرادة الرجوع و قصده و هذه الإرادة لیست من موجبات الضمان و به یظهر إشکال الشیخ الأعظم رحمه الله علی الفاضل النراقی قدس سره حیث فصّل بین ارادة الرجوع و عدمها.

ثم ناقش الشیخ الأعظم رحمه الله بنفسه فی ما ذکره:

المناقشة الاولی: أصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة علی رجوع ماله حاکمة علی أصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة، لأنّ الشک فی ضمان المثل أو القیمة و عدمهما مسبّب عن الشک فی بقاء سلطنة مالک العین الموجودة و عدمها، و من الواضح حکومة الأصل السببی

ص:151

علی الأصل المسببی، فمع جریان أصالة بقاء السلطنة، لا تجری أصالة عدم الضمان فلا معارضة فی البین.

مضافا إلی أنّ وجود الضمان فی الجملة فی المعاطاة عند تلف إحدی العینین من المُسَلِّماتِ و إنّما الکلام فی أنّ المُتْلِفَ ضامنٌ بالبدل الحقیقی _ أی المثل أو القیمة _ أو البدل الجعلی و المسمی _ أی العین الموجودة _ فلا تجری أصالة عدم الضمان _ للعلم بوجوده إجمالاً _ حتی تعارض أصالة بقاء سلطنة المالک.

المناقشة الثانیة: یمکن التمسک بعموم «الناس مسلّطون علی أموالهم» و الحکم بوجود السلطنة للمالکین علی مالهما فإن کان المال موجودا فهو مسلّط علی أخذه برجوعه فیه، و إن کان المال تالفا فهو مسلّط علی بدله الحقیقی _ أی المثل أو القیمة _ فیثبت بهذا العموم جواز الرجوع بعد تلف إحدی العینین، و من الواضح أنّه مع وجود دلیل لفظی _ و هو العموم _ لا تصل النوبة إلی الأصل العملی _ و هو أصالة بقاء سلطنة المالک _ حتّی تناقش فیها بالمعارضة مع أصالة بَراءَةِ الذمّة.

ثم أمر الشیخ الأعظم رحمه الله بالتدبر و لعلّه لوجود المناقشة فی هذه الاستدلالات و منها: عدم شمول عموم «الناس مسلطون علی أموالهم» للمال التالف و لذا لم یستدل بها أحدٌ علی الضمان.

ثم یمکن أن یُناقَشَ قَوْلُ الشیخ الأعظم رحمه الله بوجوه:

منها: لا یجوز التمسک بأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة لأجل جواز جوعه فیها لأنّ هذا الأصل یقتضی جواز رجوع مالک العین التالفة فی مثلها أو قیمتها أعنی اشتغال ذمّة من بیده تلف المال و التالی باطل إجماعا فالمقدَّم مثله.

هذا مع الاْءِغْماضِ عن اقتضاء المعاطاة للملکیة و لو آنا ما قبل التلف _ کما هو مختار الشیخ الأعظم رحمه الله فی جواب الشیخ جعفر قدس سره _ و إلاّ ینقلب التمسک بأصالة بقاء سلطنة المالک

ص:152

کما هو الواضح.

و منها: الید الموجودة فی المُعاطاةِ یَدُ ضَمانٍ _ حتّی علی القول بأنّها تفید الإباحة _ لأنّ الاخذ و الإعطاء فیها لیسا بمجانیین، نعم إنّما الکلام فیها بعد تلف العینین أو إِحْدَیْهِما فی الضمان الحقیقی _ أی المثل أو القیمة _ أو الضمان الجعلی و المسمی _ أی العین الموجودة _ کما اعترف به الشیخ الأعظم فی کلماته الأخیرة.

فلیعلم بأنّ الید فی موردین لم تکن ید ضمان:

أوّلهما: أن یسلط المالک غیره فی التصرف علی ماله مجانا، فتلف المال عند المتصرف، الوجه فی عدم الضمان حینئذ لأنّ المالک قد أجاز التصرف فی ماله بلاعوض.

ثانیهما: أن تکون الید ید أمانة _ بلافرق بین الأمانة الشرعیة و الأمانة المالکیة _ لأنّهُ لیس علی الأمین سبیل فلیست یده ید ضمان.

و من المعلوم أنّ الید فی المعاطاة لیست من أحدالموردین.

و منها: ذهب الشیخ الأعظم رحمه الله إلی حکومة أصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة

علی أصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة و هذه الحکومة یمکن أن تقرر بوجهین:

الأوّل: ما ذکرناه فی توضیح کلام الشیخ الاعظم بأنّ الشک فی ضمان المثل أو القیمة و عدمها مسبب عن الشک فی بقاء سلطنة مالک العین الموجودة و عدمها، و من المعلوم حکومة الأصل السببی علی الأصل المسببی.

و یرد علیه: حکومة الأصل السببی علی الأصل المسببی إنّما تتم فیما إذا کان ارتفاع ضمان المثل أو القیمة لیس من الآثار الشرعیة للأصل السببی، و من الواضح عدم ثبوت ضمان المثل أو القیمة لیس من الآثار الشرعیة لأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة، بل من لوازمه العقلیة لوجود الملازمة الخارجیة بین جواز رجوع مالک العین الموجودة فیها و جواز رجوع مالک العین التالفة فی بدلها الواقعیة. فالحکومة الواردة فی کلام الشیخ الأعظم

ص:153

لا تتم.

الثانی: المراد بأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة هی استصحاب ملکیته علی عینه و المراد بأصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة هی جریان الْبَراءَةِ عن اشتغال ذمّة التالف، و من البدیهی حکومة دلیل الاستصحاب علی دلیل الْبَراءَةِ. لارتفاع موضوع الْبَراءَةِ بجریان الاستصحاب.

و یرد علیه: نعم، دلیل الاستصحاب یکون حاکما علی دلیل الْبَراءَةِ، أمّا إذا کان مجراهما واحدا و علی فرض بقدر المجری فکلّ یجری فی مجراه و ما نحن فیه من قبیل الثانی لأنّ جریان استصحاب ملکیة مالک العین الموجودة لم یثبت شرعا اشتغال ذمّته بالمثل أو القیمة، لأنّ اشتغال الذمة یعدّ من الْلَوازِمِ العقلیة لهذا الاستصحاب لأنّه یثبت بالملازمة الخارجیة بین جواز رجوع المالکین. فحینئذ تقدیم الاستصحاب علی البرأة هنا لتعدد المجری یحتاج إلی حجیة الأصل المثبت.

مضافا إلی تبدیل بَراءَةِ الذمة عن الاشتغال بالمثل أو القیمة باستصحاب عدم اشتغال الذمة قبل التلف و کذا بعده مادام لم یقصد الرجوع، فحینئذ لایقدم أحد الاستصحابین علی الآخر فیتعارضان و یتساقطان و بعد یرجع إلی أصالة الْبَراءَةِ.

هذا بعض المناقشات الواردة علی الشیخ الأعظم رحمه الله و هی مأخوذة من کلام المحقّق السیّد الخوئی(1) قدس سره .

و منها: تلف بعض العینین أو بعض إحدی العینین

قال المحقّق الکرکی: «و یکفی [فی اللزوم] تلف بعض إحدی العینین لامتناع الترادّ فی الباقی، إذ هو موجب لتبیعض الصفقة و للضرر، و لأنّ المطلوب هوکون إحداهما فی مقابل

ص:154


1- (1) مصباح الفقاهة 2/(206-202).

الاُخری»(1).

و نحوها فی صیغ العقود(2) و حاشیة الإرشاد(3) له أیضا. و تبعه الشهید الثانی فی الروضة(4).

و تبعهما الشیخ جعفر قدس سره و قال: «إنّا نعلم مِنْ تتبّع کلمات القوم و النظر إلی السیرة القاطعة أنّ الجواز مشروط بإمکان الردّ و بالخلوّ عن الضرر المنفی بحدیث الضرار فلو تلف کلّ أو بعض منه، أو من فوائده بتصرّف بعین أو منفعة من رکوب أو سکنی أو حرث أو دخول فی عمل و نحوها، أو بیع أو إجارة أو زراعة أو مساقاة و نحوها علی وجه لا یمکن فسخها شرعا، أو بإتلاف أو تلف سماوی، تعذّر الردّ و لم یتحقّق مصداقه، و لو صدق فی البعض امتنع أیضا مع حصول الضرر بالتبعیض.

و تغییر الصورة بطحن أو تفصیل أو خیاطة أو صبغ و نحوها، لو دخل تحت الردّ جاءَه ثبوت الضرر غالبا بتبدیل الاُوصاف و اختلاف الرغبات.

نعم، لو بقی الشیء علی حاله وزاده حسنا بصقل أو إخراج غبار و رفع و سخ و نحوها لم یکن فیه ذلک.

و أمّا المزج علی وجه لا یتمیّز فلا یمکن الردّ بعینه، و قبول الجمیع فیه منّة، و دخول مال الغیر فی ماله، من غیر فرق بین الأجود و مقابلاته»(5).

ولکن ناقشهم الشهید الثانی نفسه فی المسالک و قال: «و فیه نظر، فإنّ تبعض الصفقة

ص:155


1- (1) جامع المقاصد 4/58.
2- (2) صیغ العقود، المطبوعة فی رسائل المحقّق الکرکی 1/178.
3- (3) حاشیة إرشاد الأذهان /334 قال فیها: «فلا حاجة إلی تلف العین بل یکفی تلف البعض».
4- (4) الروضة البهیة 3/223.
5- (5) شرح القواعد 2/29.

لا یوجب بطلان أصل المعاوضة، بل غایته جواز فسخ الآخر فیرجع إلی المثل أو القیمه کما فی نظائره، و أمّا الضرر الحاصل من التبعیض المنافی لمقصودهما من جعل إحداهما فی مقابلة الاُخری فمستند إلی تقصیرهما فی التحفظ بإیجاب البیع، کما لو تبایعا بیعا فاسدا. و یحتمل

حینئذ أن یلزم من العین الاُخری [ما] فی مقابلة التالف و یبقی الباقی علی أصل الإباحة بدلالة ما قدمناه»(1).

و قال فی الحدائق بعد نقل هذا المقال من ثانی الشهیدین: «و هو جید بناءً علی قواعدهم»(2).

و فی الجواهر نقل کلام الشیخ جعفر بطوله وردّ علیه بقوله: «و لا یخفی علیک مواقع النظر فی کلامه بعد الإحاطة بما ذکرناه و حدیث الضرار لو قضی بذلک لقضی به فی الخیار کما أنّه لا سیرة معتدّ بها فی إثبات أکثر هذا الأحکام أو جمیعها، و لم یصدر من المتعاملین سوی قصد البیع علی نحو غیره من البیوع، فلا بناء للمعاملة علی شیء من ذلک، و إصالة اللزوم بعد فرض انحصار دلیلها فی آیة «اوفوا» المعلوم عدم صدقها علی ما نحن فیه کما صرح به الکرکی و علیه بنی ثبوت الجواز فی هذا البیع لا وجه لها. علی أنّ المتجه بعد ثبوت الجواز استصحابه حتّی یحصل المخرج، فکل ما شک فی ارتفاع الجواز معه کان مقتضی الاستصحاب المزبور ثبوته.

اللهم إلاّ أن یقال: أنّه یکفی فی اللزوم استصحاب الملک الذی قد فرض ثبوته، إنّما یخرج عنه بالمتیقن و هو مع بقاء العین بحالها، فکلّ ما شک حینئذ فی الجواز معه کان مقتضی الاستصحاب المزبور اللزوم فیه، إلاّ أنّه هو أیضا کماتری محلّ للنظر و المنع کما تقرر فی

ص:156


1- (1) المسالک 3/149.
2- (2) الحدائق 18/363.

نظائره»(1).

أقول: مع قطع النظر عن المناقشات الواردة علی کلمات القوم فی طرفی المسألة، بناءً علی أنّ المعاطاة تفید الملک تجری أصالة اللزوم لأنّ المتیقن من الإجماع علی الجواز هو إمکان ترادّ العینیین، و الاجماع دلیل لبّیٌّ یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو ترادّ العینیین، و فی غیرها یحکم بأصالة اللزوم.

و بناءً علی أنّها تفید الملکیة الجائزة أو المتزلزلة _ علی القول بها _ فیحکم بالجواز فی الفرضین، لأنّ القدر المتیقن من تبدیل هذه الملکیة الجائزة باللازمة هما صورتا تلف العینین أو تلف إحْداهُما و أمّا الفرضانِ الْخارِجانِ عن الصورتین فیحکم فیهما بالجواز.

و أمّا بناءً علی القول بأنّ المعاطاة تفید إباحة مالکیة فتجری قاعدة سلطنة الناس

علی أموالهم و ثبت الجواز بها.

و علی القول بأنّها تفید إباحة شرعیة لا تجری قاعدة السلطنة لأنّها محکومة بدلیل الإباحة الشرعیة و یجری استصحاب الاباحة و نتیجتها هی اللزوم.

و من البدیهی فی موارد الجواز أنّهُ یمکن الترادّ ولکن بالنسبة إلی العین التی تلف بعضها مع زیادة الأرش و جبران النقیصة أو الرجوع إلی المثل أو القیمة.

و منها: کون أحد العوضین دَیْنا
اشارة

إذا کان زید مدیونا لعمرو بألف ریال ثمّ اشتری عَمْروٌ منه سِجّادا بألف ریال بالمعاطاة، یترتب علیه فراغ ذمّة زید عمّا اشتغلت به لعمروٍ و حینئذ تصیر المعاطاة لازمة من أوّل تحققها لعدم إمکان الترادّ الذی هو موضوع الجواز.

و لذا قال الشهید فی الدروس: «و من المعاطاة أن یدفع إلیه سلعة بثمن یوافقه علیه

ص:157


1- (3) الجواهر 22/237 و 236.

من غیر عقد، ثم تهلک عند القابض فیلزم الثمن المسمی و شبهها اقتضاء المدین العوض عن النقد أو عن عرض آخر، فإن ساعره فذاک، و إلاّ فله سعر یوم القبض و لا یحتاج إلی عقد، و لیس لهما الرجوع بعد التراضی»(1).

و کذا جعل فی قواعده(2) الإبراء مردّدا بین الإسقاط و التملیک.

أقول: قبل الشرُوْعِ فی بحث اللزوم لابدّ من البحث عن صحة هذه المعاطاة فلذا علی القول بصحة المعاطاة فی الإعطاء من طرف واحد الأمر واضح و یحکم بصحتها، و أمّا علی القول بعدم کفایة الإعطاء من طرف واحد فَیُحْکَمُ بصحتها أیضا لأنّ الدین بمنزلة المقبوض فلا یحتاج إلی القبض ثانیا.

ثم وقع الخلاف فی بیع الدین علی مَنْ هو علیه کبیع من ینعتق علیه بعد الاتفاق علی حصول الْبَراءَةِ للذمّة فی الأوّل، و الانعتاق فی الأخیر، فی أنّ المبیع أعنی الدین فی الأوّل و العبد فی الثانی یتلف علی المشتری بنفس إنشاء البیع و المُنْشأ و کانت ملکیة الدین لم_َنْ هو علیه و العبد لمن ینعتق علیه لا تنتج إلاّ نتیجة التلف، أو أنّ الدین أو العبد ینتقلان إلی المشتری و یدخلان فی ملکه آنا ما ثمّ یتلفان علیه بسقوط الدین و بانعتاق العبد.

و منشأ القول الأوّل: فی باب الدین هُوَ لأجل استحالة أن یسلط الانسان علی نفسه بمال و یملک علی نفسه شیئا لعدم صحة اعتبار مال الانسان علی نفسه عند العقلاء أو

لأنّه قد مرّ منّا فی أوّل البیع بأنّ کلّ أحد مالک لذمّته و ما فیها بالملکیّة الذاتیة التکوینیة کما یملک أعضاءَهُ و جوارحه، لا بالملکیة الاعتباریة العرضیة کما یملک الأموال و مع حصول الملکیة الذاتیة التکوینیة یَکُوْنُ جَعْلُ الملکیّةِ الاعتباریة العرضیة لغوا _ کما علیه المحقّق

ص:158


1- (1) الدروس 3/192.
2- (2) القواعد و الفوائد 1/291 للشهید و نقل عنه الشیخ فی المکاسب 3/9.

السیّد الخوئی(1) قدس سره و سیأتی الاشکال فیه فی الفرق بین الذمّة و ما فیها _ و إذا ورد الدلیل علی صحة بیع الدین علیه فیصیر مآلُهُ إلی إبراء ذمته عن الدین بالعوض أو سقوطه کذلک، لا صیرورته مالکا لما فی ذمّته، و کذا فی بیع من ینعتق علیه یُقیم الدَّلِیْلَیْنِ:

الأوّل منهما: یدلّ علی أنّ الأنسان لا یملک عمودیه.(2).

و الثانی منهما: یدل علی انعتاقهما علیه بعد البیع.(3)

و الجمع بینهما یقتضی کون البیع لا ینتج إلاّ الانعتاق علی البائع من دون تحقق ملک للمشتری أصلاً.

و منشأ القول الثانی: فی باب الدین فلأنّ المانع عن اعتبار المال للإنسان علی نفسه إنّما یمنع عن اعتباره علی نحو الاستمرار، و أمّا اعتباره لما ثبت فی ذمّته عن الغیر ملکا یترتب علیه الإبراء لا ملکا مستقرا، فلا مانع عن اعتباره، و أمّا فی باب العتق فلأنّ الدلیل علی عدم ملکیة العمودین أیضا إنّما یمنع عن الملک المستقَر لا الملک المترتب علیه العتق.

قد اختار الشیخ الأعظم(4) و تبعه المحقق النائینی(5) رحمه الله القول الثانی، و لکن یظهر ممّا ذکرنا بالنسبة إلی باب الدین و بیعه عدم الفرق بین استحالة أن یسلط الأنسان علی نفسه بمال استمراریة أو ابتدائیة، أو أنّ کلّ انسان یملک ذمّته بالملکیة الذاتیة التکوینیة، لا الملکیة الاعتباریة العرضیة، فحینئذ جعل الملکیة الاعتباریة العرضیة بالنسبة إلی الذمة تکون لغوا حتّی إذا کانت علی نحو الملکیة الابتدائیة لا الاستمراریة التی لا یترتب علیه إلاّ الإبراء _

ص:159


1- (1) مصباح الفقاهة 2/207.
2- (2) راجع وسائل الشیعة 23/18، الباب 7 من أبواب کتاب العتق.
3- (3) راجع وسائل الشیعة 23/18، الباب 7 من أبواب کتاب العتق.
4- (4) المکاسب 3/98 قال: «یملکه من فی ذمته فیسقط عنه».
5- (5) المکاسب و البیع 1/242.

علی مبنی المحقق السیّد الخوئی رحمه الله کما مرّ.

فَالْقَوْلُ المختار بالنسبة إلی هذا الباب هو القول الأوّل و وافقنا المحقّق العراقی(1) رحمه الله و

أمّا بالنسبة إلی باب العتق فالظاهر تمامیة اختیار المحقّق النائینی لأنّ ظاهر الجمع بین الدلیلین الماضیین بانضمام ما دلّ علی أنّه لا عتق إلاّ فی ملک، بل ورد فی صحیحة منصور بن حازم: «لا عتق قبل الملک»(2) هو حدوث الملک آنا ما للمشتری ثمّ الانعتاق علیه.

هذا التفصیل هو مختارنا فی المقام و الذی یسهل الخطب هو التنبیه علی عدم ترتب ثمرة عملیة فی البابین _ أی الدین و العتق _ لأنّ الْقَوْلَیْنِ یذهبان إلی سقوط الدین و انعتاق العمودین.

ثم یقع الکلام فی أنّ هذا التلف الشرعی _ أی سقوط الدین _ هَلْ هُوَ کالتلف التکوینی الخارجی یکون من ملزمات المعاطاة أم لا؟

فلذا نقول بناءً علی القول بالملک یکون التلف الشرعی الاعتباری کالتلف الخارجی التکوینی، لأنّ علی القول بالملک تکون المعاطاة لازمة إلاّ فی فرض کون العوضین عینین و امکان الترادّ ففی هذا الفرض تکون جائزة إجماعا و فی فرض کون أحدهما دینا، و مع التلف الشرعی الاعتباری لا یمکن الترادّ فتخرج المعاطاة من تحت فرض الجواز و تکون لازمة.

و بما ذکرنا یظهر أنّه إذا کان أحد العوضین دینا و لو کان علی ذمّة غیر المتعاطیین تکون المعاطاة لازمة.

و أنّه لیس اللزوم فیها متوقفا علی القول الثانی فیما مرّ _ مِنْ صیرورة الدین ملکا لمن هو علیه ثم تلف علیه کما هو مختار الشیخ الأعظم و تبعه المحقّق النائینی _ بل علی القول

ص:160


1- (6) حاشیة المکاسب /151 لآیة اللّه المیرزا ابوالفضل النجم آبادی رحمه الله من تقریر أبحاث المحقّق العراقی رحمه الله .
2- (1) وسائل الشیعة 23/15، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب العتق.

المختار و هو سقوط الدین بنفس حدوث المعاطاة من دو ن وساطة الملکیة _ أیضا یجری، فعلیه ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره من قوله: «فعلی القول بالملک یملکه من فی ذمّته فیسقط عنه»(1) کما مرّ هو اختیار الشیخ فی المقام لا ابتناء المسألة علیه.

و ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله من قوله: «الظاهر أنّه فی حکم التلف»(2) أیّ أنّ سقوط الدین فی حکم التلف الخارجی التکوینی من جهة إیجاد اللزوم فی معاطاة العینین غیر تام لأنّ نفس وجود الدین فی طرف المعاطاة یخرجها من فرض الجواز، نعم، التساوی بین التلفین و عدم إمکان التراد یؤید هذا الخروج.

و أمّا التَّعْلِیْلُ الوارد فی کلامه قدس سره من قوله: «لأنّ الساقط لا یعود و یحتمل العود، و هو

ضعیف»(3) لا یتم عندنا لإمکان عوده بالإقالة و الفسخ، قال شیخنا الاستاذ قدس سره : «لأنّ عود ما علی الذمة إلیها فی بعض الموارد شاهد قطعی لإمکانه، کما إذا باع المدیون لآخر بعشرة دنا نیر متاعه منه بألف علی شرط إبراء ذمّته من العشر و خیاطة ثوبه المعین، فأخذ المشتری المتاع و سلم الألف وَ أَبْرَاءَهُ عن العشر ولکن امتنع عن خیاطة الثوب فإنّه لا ینبغی الریب فی أنّ للبائع خیار تخلف الشرط و إذا فسخ یعود العشر إلی ذمّته، و هذا عود بعد السقوط.

و الحاصل، أنّه لا یمکن قیاس عود المال إلی الذمّة بعود الشیء الخارجی بعد صیرورته معدوما و یقال بأنّ الشیء لو کان عوده بشخصه الأوّل لزم تخلل العدم فی الوجود الواحد، و لو کان بشخص آخر یکون غیره لا الأوّل، و الوجه فی الفرق أنّ ثبوت المال علی الذمّة اعتبار یتعلق بالطبیعی و یمکن اعتباره ثانیا بنحو لا یکون بینه و بین

ص:161


1- (2) المکاسب 3/98.
2- (3) المکاسب 3/98.
3- (1) المکاسب 3/99.

الطبیعی الأوّل میز أصلاً»(1).

لا یقال: أنتم ذهبتم إلی القول بالملکیة الذاتیة الحقیقیة بالنسبة إلی الذمّة لکلّ أحد فکیف تذهبون إلی ما ذکره شیخکم الاُستاذ قدس سره من «أنّ ثبوت المال علی الذمة اعتبار یتعلّق بالطبیعی و یمکن اعتباره ثانیا الخ»، و الجمع بین الملکیتین الحقیقیة و الاعتباریة لا یمکن! فکیف ذهبتم إلی هذا الجمع؟!

لأنّا نقول: هناک شیئان لابدّ بأنّ یفرق بینهما:

الأوّل: الذمّة لکلِّ أحد و تکون ملکیتها علی نحو الملکیة الحقیقیة.

الثانی: ما فی الذمة و علیها و تکون ملکیته غالبا علی نحو الملکیة الاعتباریة کعشرة دنانیرَ أوْ مَنٍّ من الحنطة، و ناهیک غالبا _ لا دائما _ لأنّه ما فی الذمة قد یکون ملکیته علی نحو الملکیة الحقیقیة نحو: بیع اختراع أخترعتُهُ أو کتاب ألّفتُهُ أو مقالة قُلْتُها أو بَدائع فِکَرٍ أبدعتُها. و علی ما سردناه علیک یمکن لک التمییز بین الذمّة و ما فیه و تعلّق الملکیة بقسمیها علیهما بل علی ما فی الذمة.

و نضرب لک مثلاً حتّی تکون علی بصیرة من الأمر نحو العلم و المعلوم، العلم یکون من الأشیاء الحقیقیة و یکون متّحدا مع ذات العالم، ولکن المعلوم کما یمکن أن یکون من الأشیاء الحقیقیة کالنفس و خالقها و رسول الخالق کذلک یمکن أو یکون من الأشیاء

الاعتباریة کالقوانین الموضوعة فی الممالک و نحوها، و مع ذلک لا تنافی أن یکون متحدا مع العالم و علمه.

و بما ذکرنا یظهر ضعف ما ذکره المحقّق الأصفهانی قدس سره من قوله: «أنّ الذمة المطلقة لا معنی لها، فإنّها لیست من الاُوعیة و الظروف بل هی نحو ثبوت الشیء اعتبارا، فشخص

ص:162


1- (2) إرشاد الطالب 2/93 و 92.

الذمّة یتشخص بأطرافها و هی من له و من علیه و ما فیها، و لیس هی علی اعتباریتها بأعظم من العلم الذی یتشخص بالعالم و المعلوم بذاته»(1).

و ضعف ما ذکره المحقّق الخراسانی رحمه الله من قوله: «لا یکاد یعود نفس الساقط حقیقة لإمتناع إرادة المعدوم، لکنّه لا یختص بالساقط، بل الملکیة الزائلة عن العین الموجودة، کذلک لاتعود لذلک، و إعادة مثله کما فی الملکیة بمکان من الإمکان، فالعمدة مع الشک هو إصالة عدم العود، و عدم زوال ملکه عمّا انتقل إلیه بعوض الدین، و لا استصحاب للجواز هیهنا، لیحکم علیها کما لا یخفی»(2).

فذلکة القول فی المقام

لعلّ أجلی ما یکشِفُ عَنْها هُوَ بیان المؤسّس الحائری قدس سره _ و هو أحسن مقال، بل تحقیق القول فی المقام _ قال: «قد یبحث عن جواز و لزوم هذا القسم من المعاطاة من جهة القواعد و قد یبحث عنهما من جهة إمکان الترادّ و عدم إمکانه.

أمّا الکلام فی الأوّل: فهو أنّه لا شک أنّ القدر المتیقن من الخروج عن تحت قاعدة اللزوم هو صورة کون العوضین عینین، فتبقی صورة کون أحدهما دینا تحت القاعدة من أوّل الأمر.

أمّا الکلام فی الثانی: فهو أنّه کما یمکن نقل السلطنة علی الدَّیْن من الدائن إلی المدیون، کذلک یمکن نقلها من المدیون إلی الدائن ثانیا، فلیس دَینیّة العوض کتلفه، فأصالة الجواز _ لو لا العمومات _ ثابتة، لثبوت موضوعها، لا أنّها منفیة لانتفائه»(3).

و أمّا بناءً علی القول بالإباحة: فَقَدْ قال الشیخ الأعظم قدس سره : «و الظاهر أنّ الحکم کذلک

ص:163


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/222.
2- (2) حاشیة المکاسب /24 للآخوند الخراسانی رحمه الله .
3- (3) کتاب البیع 1/120 بقلم مقرره شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .

علی القول بالإباحة، فافهم»(1).

مراده قدس سره أنّه یوجب سقوط الدین لا أنّه یوجب اللزوم کما فی القول بالملک، لأنّ «إباحة الدین علی من علیه الدین لا یقعل لها معنیً إلاّ سقوطها» کما ذکره المحقّق الخراسانی رحمه الله (2).

و قد نبّه علی تشابه سقوط الدین فی القولین لا اللزوم المحقّق الإصفهانی رحمه الله فی حاشیته علی المکاسب قال: «لیس غرضه [أی غرض الشیخ الأعظم] رحمه الله : أنّ الحکم هو اللزوم علی القول بالإباحة، فإنّ کون الإباحة مفیدة للسقوط لا یوجب کون السقوط بأعظم من التلف، مع أنّه لا لزوم عنده قدس سره علی القول بالإباحة فی صورة التلف الحقیقی لجریان أصالة السلطنة فی طرف العین الباقیة، و الرجوع بالبدل الواقعی فی طرف العین التالفة، فکیف بما هو فی حکم التلف. بل غرضه رحمه الله أن جعل الدین عوضا علی الإباحة یوجب السقوط، کما أنّه یوجبه علی القول بالملک، حیث لا معنی لإباحة الدین إلاّ الإبراء و الإسقاط...»(3).

و تبعه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی(4) رحمه الله .

نعم، یمکن القول باللزوم حتّی علی القول بالاْءباحَةِ فی المقام لأنّ «الإباحة تثبت فی المعاطاة بالإجماع و السیرة و من الظاهر أنّ الإباحة فی مقابل الملک لا معنی لها فی المقام فیکون الإجماع و السیرة فی سایر الموارد و یثبت الملک فی المورد من الأوّل کما هو مقتضی

ص:164


1- (4) المکاسب 3/99.
2- (1) حاشیته علی المکاسب /24.
3- (2) حاشیته علی المکاسب 1/222.
4- (3) مصباح الفقاهة 2/207.

حلّ البیع و وجوب الوفاء بالعقد». کما علیه شیخنا الاُستاذ(1) قدس سره تبعا لاُستاذه المحقّق السیّد الخوئی(2) رحمه الله و لعلّ الشیخ أشار إلی هذا بقوله فافهم فی آخر کلامه.

و أمّا علی القول بأنّ الحکم علی القول بالإباحة أیضا هو اللزوم کما فی القول بالمک فیمکن أن یشیر أمر الشیخ بالتفهّم إلی الجواز لجریان قاعدة السلطنة و لذا قال الفقیه الیزدی: «حاله حال تلف إحدی العینین علی القول بالإباحة، فیمکن الحکم بالجواز لقاعدة السلطنة بالنسبة إلی العوض الموجود، و لعلّه إلیه أشار بقوله «فافهم»»(3).

و منها: نقل العینین أو إحداهما بعقد لازم أو جائز

عدّه المحقّق الثانی من ملزمات المعاطاة و قال: «... بل تعذّر الرد بعقدٍ لازمٍ کبیع و وقف و نحوهما»(4).

و هکذا عدّه من ملزمات المعاطاة فی المیسیة.(5)

و قال ثانی الشهیدین: «لو نقل أحدهما العین عن ملکه، فإن کان لازما کالبیع و الهبة بعد القبض و الوقف و العتق فکالتالف و إن کان جائزا کالبیع فی زمن الخیار فالظاهر أنّه کذلک لصدق انتقال الملک عنه فیکون کالتلف»(6).

و نحوها فی الروضة.(7)

و قال الشیخ جعفر: «أنّه لا ریب و لا خلاف فی أنّ المعاطاة تنتهی إلی اللزوم و أنّ

ص:165


1- (4) إرشاد الطالب 2/93.
2- (5) مصباح الفقاهة 2/208.
3- (6) حاشیته علی المکاسب 1/399.
4- (1) حاشیة الإرشاد /334.
5- (2) المیسیة، مخطوطة، و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507.
6- (3) المسالک 3/150.
7- (4) الروضة البهیة 3/223.

التلف الحقیقی أو الشرعی _ بالنقل بالوجه اللازم للعوضین معا _ باعث علی اللزوم و کذا للواحد منهما. و احتمال العدم فیه و فی الناقل الشرعی فی حکم العدم... فلو خرج عنه و لو بعقد جائز دخل فی حکم آخر»(1).

و قال الفاضل النراقی: «و لو لم تتلف العین ولکن وقع التصرف فیها، فإن کان بنقل الملک اللازم فکالتلف لأنّه سلّطه علی ذلک. و إن کان بالمتزلزل فیحتمل اللزوم أو الإلزام بالاسترداد أو بالمثل أو القیمة»(2).

أقول: التصرفات الواقعة علی العینین من المتعاطیین إذا کانت متوقفة علی الملک بلا فرق بین التصرفات الخارجیة کالوط ء و بین التصرفات الاعتباریة، و الأخیر منها بلا فرق بین الإیقاعات کالوقف و العتق و العقود، و الأخیر منها بلا فرق بین العقود غیر المعاوضیة کالهبة و العقود المعاوضیة، و الأخیر منها بلا فرق بین أن یَقَعَ علی الأعیان کالبیع و الرهن و أن یَقَعَ علی المنافع کالإجارة. و بلا فرق بین أن یکون التصرف ناقل العین کالبیع و أن یکون غیر ناقل للعین کالودیعة و العاریة، فکلّ ذلک موجب لسقوط الردّ و لزوم المعاطاة.

و سواء فی ذلک کلّه العقد اللازم أو الجائز، و العقد باللفظ و الصیغة أو بالعمل و المعاطاة، فَسَخَ العقد بخیار أو إقالة أم لا، عاد العین إلی مَنْ انتقل عنه بمعاوضة اُخری أم لا، و

فی المعاطاة بلا فرق بین قولی الملک و الاباحة.

و الوجه فی ذلک أنّ جواز المعاطاة مشروط ببقاء العین بعینها و عدم خروجها عن ملکه، و عدم تصرفات المالکیّة فیها و کلّ ذلک یکون من التصرفات المالکیّة أی لا تجوز هذه التصرفات إلاّ من المالک، و إذا تصرّف فی العین بهذه التصرفات المالکیّة و لا یمکن

ص:166


1- (5) شرح القواعد 2/28 و 29.
2- (6) مستند الشیعة 14/261.

الترادّ فتصیر المعاطاة لازمة.

أمّا علی القول بالملک لأنّ القدر المتیقن من الجواز الثابت بالإجماع هو عدم التصرفات المالکی و معها تخرج المعاطاة من القدر المتیقن و فیحکم بلزومها.

و علی القول بالإباحة لأنّ الجواز مشروط ببقاء العین بعینها و مع هذه التصرفات یفقد الشرط بل أنّها فی حکم التلف کما اعترف به الشیخ الأعظم(1) رحمه الله فیحکم بلزومها.

و بعد الحکم بلزومها فإنّ رجوع العین إلی المتعاطی بالفسخ أو الإقالة أو معاوضه اُخری لا یخرجها عن اللزوم لأنّ بعد خروج المعاطاة عن الجواز إلی اللزوم، رجوعها مجددا إلی اللزوم یحتاج إلی دلیل و هو مفقود.

و لا فرق فی ما ذکرناه بین عقدی اللازم و الجائز لأنّ بعد هذا التصرف المالکی لم تبق العین بعینها فتصیر المعاطاة لازمة، و کذا لا فرق بین العقد بالصیغة و المعاطاة لما ذکرنا.

و کذا لا فرق بین التصرفات الناقلة للعین و غیر ناقلة لها کالإجارة و العاریة و الودیعة، لأنّ الأخیر أیضا من التصرفات المالکیّة فی العین و الفرق بین العین التی عقد علیها هذه العقود و غیرها واضح فلم تبق العین بعینها و لذا صار المعاطاة بها لازمة خلافا للمحقّق النائینی(2) رحمه الله حیث أنّه یری فی التصرفات غیر الناقلة بقاء العین علی حالها.

و کذا لا یجری استصحاب جواز الرد الثابت قبل العقد للقطع بانقطاعه بالعقد فموضوعه معدوم، لا أنّ «الموضوع غیر محرز»(3) کما علیه الشیخ الأعظم رحمه الله و بما ذکرنا یظهر جواب السیّد الحکیم رحمه الله من بناء قول الشیخ علی «أنّ المرجع فی تعیین موضوع

ص:167


1- (1) المکاسب 3/99.
2- (2) منیة الطالب 1/207.
3- (3) المکاسب 3/99.

الاستصحاب الدلیل لا العرف و مع إجمال الدلیل لا یحرز موضوعه»(1)، مع أنّ العرف أیضا لا یری فی المقام وحدة الموضوع فی القضیتین.

و العجب من شیخنا الاُستاذ قدس سره حیث یقول: «المستصحب جواز الترادّ وضعا أی نفوذ الترادّ و صحته، و عدم إمکان الترادّ قبل فسخ العقد اللازم لا یوجب ارتفاع هذا الجواز»(2). و لعلّه قدس سره تنبّه علی عدم تمامیة کلامه فذکر بعده إشکال الشیخ الأعظم بأنّ الموضوع غیر محرز فی الاستصحاب و لم یرد علیه.

نعم، یمکن جریان الاستصحاب التعلیقی _ علی القول به _ بأنّ استحقاق أخذ العین عند کونها فی ملک الطرف المقابل کان ثابتا و هذا الاستحقاق التعلیقی مستمر حتّی عند کون العین خارجة عن الملک و أثره أنّها إذا رجعت إلی الملک صار مستحقا کما فسره فی المقام المحقّق الإیروانی(3) و العمدة عدم جریانه.

و أعجب منه مقالة المحقّق الخراسانی(4) رحمه الله حیث جمع بین جواز رجوع المالک الاوّل الذی هو من المتعاطیین فی الهبة التی و هبها المتعاطی الآخر، و بین عدم جواز ردّه للمعاطاة، و کذا حکم بإمکان الجمع بین العوضین فی ید المالک الأوّل أحَدَهُما بالمعاطاة و الاَْخَرْ بالرجوع فی العین الموهوبة، و لا یخفی ما فی کلیهما من التأمل.

و قد ناقشه تلمیذاه المحققان النائینی(5) و الإصفهانی(6) رحمهماالله .

ص:168


1- (4) نهج الفقاهة /143 طبع عام 1421ق.
2- (1) إرشاد الطالب 2/93.
3- (2) حاشیته علی المکاسب 2/88.
4- (3) حاشیة المکاسب /25.
5- (4) منیة الطالب 1/212.
6- (5) حاشیته علی المکاسب 1/226.

و کذا لا ینقضی تعجبی ممّا نسب إلی المحقّق العراقی رحمه الله من أنّه بنی کلام الشیخ «ولو عادت العین بفسخ ففی جواز التراد... و عدمه... و جهان أجودهما ذلک»(1) علی إصالة اللزوم و قال: «و أمّا بناءً علی ما اخترناه من إصالة الجواز، فلا ریب فی جواز الترادّ لأنّ الخروج عن الملک إنّما یمنع جواز الرجوع من جهة فقد الموضوع لا لضعف فی سلطنة الارتجاع، فإذا عادت العین إلی ملکه عادت سلطنة الارجاع علیها لأنّها عین ما ملکه الباقی، مع بقاء سلطنة الارتجاع إنّما منع عن فعلیتها خروجها عن ملکه، فإذا ارتفع المانع أثر المقتضی أثره»(2).

و الوجه فیه: بعد الحکم علیها باللزوم من أیّ جهة کانت، رجوع حکم الجواز علیها بأیّ وجه کان یحتاج إلی دلیل وَ هُوَ مفقود، مع الاعتراف بأنّ «الملک الحاصل بالفسخ لا یعقل أن یکون شخص الذی زال بل هو شخص آخر» کما علیه المحقّق الإیروانی(3) رحمه الله فالحکم بلزومه یحتاج إلی دَلِیْلٍ.

و منها: لو باع العین ثالثٌ فضولاً

تارة أجاز البیع المالک الأوّل الأصلی الذی منه ینتقل العین بالمعاطاة إلی الثانی، و اُخری أجازه المالک الثانی الذی تنتقل العین إلیه، و الإجازتان تأْتیان علی قولی الملک و الإباحة فتصیر الفروع أربعة:

الأوّل: أجاز المالک الأوّل علی القول بالملک.

قال الشیخ الأعظم رحمه الله : «لم یُبعد کون إجازته رجوعا کبیعه و سائر تصرفاته

ص:169


1- (6) المکاسب 3/99.
2- (7) حاشیة المکاسب /152 من تقریر المحقّق العراقی بقلم آیة اللّه الشیخ المیرزا أبوالفضل النجم آبادی.
3- (1) حاشیته علی المکاسب 2/88.

الناقلة»(1).

مراده نفی البعد عن صحة بیع الفضولی حینئذ لأنّ المالک الأوّل بإجازته للبیع الفضولی فسخ المعاطاة، و صار بنفسه مالکا للعین و لذا إجازته تکون نافذة، و کذلک ردّه.

و أمّا وجه البعد فی کلامه رحمه الله یمکن أن یقدر بوجهین:

أ: عدم الدلیل علی کون الإجازة فسخا أو رجوعا، بخلاف التصرفات الناقلة من ذی الخیار، لأنّه قد ثبت الدلیل علی أنّها رجوع و الدلیل هو الإجماع.

ب: أنّ الفسخ فی المعاملة المعاطاتیة لابدّ أن یکون بترادّ العینین بخلاف الفسخ فی العقود، و من المعلوم إجازة بیع الفضولی لیس ردا للعین حتّی یصدق الترادّ.

ولکن یمکن أن یُناقَشَ الْوَجهان:

أمّا الأوّل: فإنّ التصرفات المنافیة للمعاطاة تکون رجوعا عند العرف و فسخا عندهم. و أنت تری بأنّهم لا یفرقون بین التصرفات الناقلة من ذی الخیار أو فی المعاطاة من أنّها رجوع فی الخیار أو المعاطاة و تکون ردّا لهما.

و أمّا الثانی: فإنّ المعتبر فی الفسخ هو إمکان الترادّ لا الترادّ الخارجی و فی إجازة بیع الفضولی توسط المالک الأوّل یمکن الترادّ بالرجوع إلی العین إن کانت موجودة أو المثل و القیمة إن کانت مفقودة.

الثانی: أجاز المالک الثانی علی القول بالملک.

قال الشیخ الأعظم: «نَفَذَ بغیر اشکال»(2).

أقول: لأنّه مالک للعین حین وقوع العقد فینفذ إجازته و کذلک ردّه و تکون إجازته

ص:170


1- (2) المکاسب 3/101.
2- (1) المکاسب 3/101.

کبیعه المباشری ملزما للمعاطاة، و أمّا ردّه فلیس إلاّ هدما للعقد الفضولی فلا تخرج المعاطاة من التزلزل إلی اللزوم. بخلاف إجازة المالک الاوّل أو ردّه لأنّهما منه کانا فسخا للمعاطاة و کاشفَیْن عن الرجوع فی المعاطاة بالدلالة الالتزامیة.

الثالث: أجاز المالک المبیح علی القول بالإباحة

علی القول بالإباحة، العین باقیة علی ملک المالک الأوّل فینفذ إجازته و ردّه، و إجازته تکون رجوعا فی المعاطاة و تدلّ علی فسخها، لعدم الفرق بین إجازته و بیعه المباشری.

ثم هل یکون ردّه رجوعا عن المعاطاة أم لا؟ قد یقال: بأنّ ردّ العقد الفضولی لا یترتب علیه إلاّ بقاء ماله علی ما کان علیه مملوکا له و هذا لا ینافی إباحته للمتعاطی فتبقی الإباحة علی حالها.

ولکن ردّ المحقّق السیّد الخوئی هذه المقالة بقوله: «ولکن فی هذا خلطا بین المعاطاة المقصود بها الإباحة و بین المعاطاة المقصود بها الملکیة مع ترتب الإباحة علیها بالتعبد، ففیما إذا أعطی المالک ماله و قصد به الإباحة لم یکن رد العقد الواقع علیها فضولاً رجوعا عن الإباحة بخلاف إجازته. و أمّا إذا أعطی ماله قاصدا به التملیک فهو أجنبی عن ذلک المال فی اعتباره، و الإباحة الشرعیة مترتبة علی هذا الاعتبار حدوثا و بقاءً، فمادام هذا الاعتبار کان باقیا فهو أجنبی عن المال، فلیس له ردّ العقد الواقع علیه، فردّه یکشف بالدلالة الالتزامیة عن رجوعه فی المعاطاة و إرجاع مملوکه إلی نفسه، فکان الرد کالإجازة فی أنّه یکون رجوعا عن المعاطاة»(1).

الرابع: أجاز المباح له علی القول بالإباحة

ص:171


1- (2) مصباح الفقاهة 2/211.

إجازته نافذة و صح العقد الفضولی بها و کذلک صارت المعاطاة بها لازمة، لأنّ شأن الإجازة الصادرة منه شأن البیع الصادر منه و لذا توجب لزوم المعاطاة. و أمّا ردّه فلا یؤثر فی إبطلال العقد الفضولی، لأنّه لیس له إلاّ جواز التصرف فیها دون ردّ العقد الواقع

علیها.

و بعبارة اُخری: مع ردّه لا یضاف العقد إلیه و یجوز للمالک التصرف فی ماله بإجازته للعقد الفضولی و تکون هذه رجوعا عن المعاطاة.

و بالجملة یمکن التفصیل بین إجازة المباح له و ردّه بأنّ إجازته تصحح العقد ولکن ردّه لا یردّه خلافا للشیخ الأعظم(1) و المحقّق النائینی(2).

و قال الشیخ الأعظم قدس سره فی الصورتین الأخیرتین ما نصه: «و ینعکس الحکم إشکالاً و وضوحا علی القول بالإباحة»(3).

مراده: أنّ الاشکال یأتی فی الصورة الأخیرة و هی إجازة المباح له، و هو عبارة عن استدعاء نفوذ إجازته، الملکیة آنا ما قبلها له و هذه الملکیة أیضا لا تفید علی القول بأنّ الإجازة کاشفة و لیست بناقلة لأنّ الملکیة آنا ما قبل الإجازة لا تصحح العقد الفضولی بناءً علی أنّ الإجازة کاشفة _ کما هو الصحیح _ نعم تصححه بناءً علی أنّ الإجازة ناقلة.

و جوابه: ترتب الإباحة علی المعاطاة لم یدل دلیل لفظی علیها بل هو مقتضی الإجماع المدّعی، و المتیقن منه هو ما قبل صدور العقد الفضولی المتعقب بإجازته، و فی غیره یتمسک بالاطلاقات الواردة و بها تثبت الملیکة من حین صدور العقد.

هذا کلّه علی مبنی القوم و إلاّ علی القول المختار فی المعاطاة من أنّ المعاطاة بیعٌ بلا

ص:172


1- (1) المکاسب 3/101.
2- (2) المکاسب و البیع 1/257.
3- (3) المکاسب 3/101.

فرق بینها و بین البیع باللفظ، فالمال ینتقل إلی الثانی و له الإجازة أو الرد فی العقد الفضولی و لیس لغیره، فإذا أجاز نفذو و إن ردّ المال، فهو باق علی ملکه.

ثم قال الشیخ الأعظم: «و لکلٍّ منهما ردّه قبل إجازة الآخر»(1).

أقول: للمالک الأوّل ردّه _ علی قولی الملک و الإباحة _ و ردّه رجوع فی المعاطاة.

و أمّا الثانی فله ردّه علی القول بالملک لأنّه مالک و له الإجازة و الردّ، و أمّا علی القول بالإباحة فردّه یرد انتساب العقد الفضولی إلیه ولکن یمکن للمبیح أن یجوّز العقد و لو بعد ردّه و هذا الأخیر هو الفارق بیننا و بین الشیخ الأعظم کما مرّ.

ثم قال الشیخ الأعظم: «لو رجع الأوّل فأجاز الثانی، فأن جعلنا الإجازة کاشفة لغی

الرجوع و یحتمل عدمه، لأنّه رجوع قبل تصرف الآخر فینفذ و یلغو الإجازة، و إن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعا»(2).

أقول: لو رجع المالک الأوّل أو المبیح عن المعاطاة ولکن العقد الفضولی وقع قبل رجوعه ثم وقع الرجوع ثم أجازه الثانی فهل یؤثر الرجوع أو الاجازة؟

فلیعلم بأنّ الفضولی قد یبیع الثمن و قد یبیع المثمن، و الرجوع قد یقع من البائع و الإجازة من المشتری و اُخری بالعکس، فهذه أربعة فروع تارة وقع علی القول بالملک و تارة وقع علی القول بالإباحة فصارت ثمانیة و الکل یقع علی قولی الکشف و النقل فصارت ستةَ عشَرَ.

فی بعض الفروع لا بأس بالقول بالصحة نحو: إذا کان المبیع فضولاً هو المبیع معاطاة و الراجع هو المشتری و المجیز هو البائع، أو کان المبیع هو الثمن و الراجع هو البائع و المجیز هو

ص:173


1- (4) المکاسب 3/101.
2- (1) المکاسب 3/101.

المشتری فلا إشکال فی نفوذ الإجازة و صحة العقد لأنّها تقع علی ملک مالکه، و بلا فرق بین قولی الملک و الإباحة و کذا بلا فرق بین قولی الکشف و النقل فی الإجازة، فهذا حکم ثمانیة فروع.

و بقیَت ثمانیة فروع محل البحث و هی: باع الفضولی المبیع فرجع البائع ثم أجاز المشتری، أو باع الفضولی الثمن فرجع المشتری ثم أجاز البائع علی قولی الملک و الإباحة و کذا علی قولی الکشف و النقل.

و أنت تری بأنّ لا فرق هنا بین قولی الملک و الإباحة و الحکم فیهما واحد ولکن الکلام کلّ الکلام یظهر فی الفرق بین قولی الکشف و النقل، لأنّه لو رجع الأوّل ثم أجاز الثانی فلو جعلنا الإجازة کاشفة _ بمعنی عدم دخلها فی العقد لکون السبب التام هو العقد بحیث کانت الإجازة طریقا صِرفا إلی الواقع کالعلم کما یظهر من بعض نحو: سیّد الریاض(1) و صاحب الجواهر(2) _ لغی الرجوع لوقوعه فی ملک الغیر ولو کان سابقا علی الإجازة لتأخره عن السبب التام و هو العقد.

ولکن هذا المعنی من الکشف غیر تام لأنّه و إن کان محتملاً فی مقام الثبوت ولکن لا دلیل علیه فی مقام الإثبات، و لأنّ هذا المعنی فی الکشف یتم إذا کان صدرت الإجازة من

المالک، لا من کلّ أحدٍ، و من المعلوم رجوع المالک الأوّل یرفع موضوع الإجازة من المالک الثانی فلا تکون إجازته صادرةً من المالک.

ولکن لو جعلنا الإجازة کاشفة ولکنّها بمعنی أنّها دخیلة فی تأثیر الإنشاء السابق للعقد إمّا بنحو الشرط المتأخر أو بنحو القیدیة علی أن یکون المؤثر فی صحة العقد الفضولی

ص:174


1- (2) ریاض المسائل 8/227.
2- (3) الجواهر 22/285 و 287.

و ترتب الملکیة علیه هو الإنشاء السابق المقید بتعقب الإجازة، صارت الإجازة لاغیة لإنّ المالک الثانی قد انقطعت علاقته عن المال برجوع المالک الأوّل عن معاطاته.

ولو جعلنا الإجازة ناقلة فلغویتها فی المقام ظاهرٌ.

هذا کلّه فی فرض تقدم الرجوع علی الإجازة ولکنّهما إذا تقارنا فأیّهما یقدم علی الآخر؟ لو قلنا بشمول الإجماع القائم علی جواز المعاطاة حتّی فی صورة رجوعه حال إجازة المالک الثانی فلا یبقی مجال لإجازة الثانی و الرجوع یقدم علیها، ولو قلنا بعدم شمول الإجماع فی هذه الصورة کان الرجوع لاغیا و تقدم الإجازة.

و فی فرض الشک فی الشمول و عدمه حیث کان الإجماع دلیلاً لبیّا، لابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو صورة عدم المقارنة بین الرجوع و الإجازة، ففی صورة المقارنة لا یجری الإجماع و تقدم الإجازة حینئذ و للّه الحمد.

و منها: امتزاج إحدی العینین بغیرها

قال المحقّق الثانی فی تعلیقه علی الإرشاد: «و مثله (أی فی معنی التلف)... أو خُلطت بما لا یتمیّز معه»(1).

و نحوها فی المیسیة(2).

و قال ثانی الشهیدین: «لو اشتبهت بغیرها أو امتزجت بحیث لا یتمیّز فإن کان بالأجود فکالتلف. و إن کان بالمساوی أو الأردأ احتمل کونه کذلک لإمتناع الترادّ علی الوجه الأوّل، و اختاره جماعةٌ. و یحتمل العدم فی الجمیع لأصالة البقاء»(3).

و علّق صاحب مفتاح الکرامة علی قوله «و اختاره جماعةٌ» بقوله: «لعلّه فهمه من

ص:175


1- (1) حاشیة الإرشاد /334.
2- (2) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/508.
3- (3) المسالک 3/150.

إطلاقهم»(1). و هذا اشارة علی عدم وجود قائل صریح بهذا التفصیل من فقیه متتبع.

و نحوها فی الروضة(2) و کذا احتمل عدم إلحاق الامتزاج بالتلف فیها.

و قال الشیخ جعفر: «و اُلحق به طحن الحنطة و مزجها مطلقا أو بالأجود دون الأدنی و المساوی... و أما المزج علی وجه لا یتمیّز فلا یمکن ردّه بعینه و قبول الجمیع فیه منّة و دخول مال الغیر فی ماله، من غیر فرق بین الأجود و مقابلاته»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «ولو امتزجت العینان أو إحداهما، سقط الرجوع علی القول بالملک، لامتناع الترادّ و یحتمل الشرکة، و هو ضیعف. أمّا علی القول بالإباحة، فالأصل بقاء التسلّط علی ماله الممتزج بمال الغیر، فیصیر المالک شریکا مع مالک الممتزج به، نعم لو کان المزج مُلْحِقا له بالإتلاف جری علیه حکم التلف»(4).

أقول: الامتزاج لابدّ أن یکون امتزاجا عرفا و أمّا ما لم یکن کذلک ولو کان امتزاجا عقلاً فلا عبرة به نحو امتزاج الاوراق النقدیة، ثم الامتزاج إمّا أن یکون بغیر جنسه و إمّا أن یکون بجنسه، و الأوّل علی القسمین تارة علی وجه الاستهلاک کامتزاج ماء الورد بالزیت، و اُخری علی وجه لا یُعدّ تالفا کالخل الممتزج بالأنجبین.

الثانی: تارة یمتزج بالمساوی و اُخری بالأرادأ و ثالثة بالأجود.

فهذه مواردُ الامتزاجِ الْخمسةُ ذکرها الشیخ الأعظم فی بحث خیار الغبن(5)، و یأتی الحکم فی کلّ منها علی قولی الملک و الإباحة فی المعاطاة فصار عشرة فروع.

ص:176


1- (4) مفتاح الکرامة 12/508.
2- (1) الروضة البهیة 3/223.
3- (2) شرح القواعد 2/28 و 29.
4- (3) المکاسب 3/101.
5- (4) المکاسب 5/199.

و من المعلوم عند أهله أنّ البحث عن التغییر و الامتزاج یأتی فی خمسة أبواب أقلاً: هنا و خیارا العیب و الغبن و الهبة و التفلیس.

و الفقهاء حکموا بسقوط خیار العیب بالتغییر و المزج لأنّ المناط فیه بقاء العین بعینها کما تدل علیه صحیح جمیل عن بعض أصحابنا عن أحدهما علیهماالسلام فی الرجل یشتری الثوب أو المتاع فیجد فیه عیبا، فقال: إن کان الشیء قائما بعینه ردّه علی صاحبه و أخذ الثمن، و إن کان الثوب قد قطع أو خیط أو صبغ یرجع بنقصان العیب.(1)

و أنت تعرف بأنّ المناط مشترک بین المزج و التغییر فیسقط الردّ دون الأرش. و

الأصحاب الحقوا خیار الغبن و الهبة بخیار العیب و الأوّل یأتی حکمه مفصلاً فی محلِّه کالمُلْحَق إن شاء اللّه تعالی فانتظر.

و أمّا الهبة و إن کان نُسب(2) إلی ظاهر المحقّق اختصاص سقوط الرجوع فیها بالتلف الحقیقی دون التغیّر و الامتزاج لأنّه قال: «.. و إن کان اجنبیّا فله الرجوع مادامت العینُ باقیةً فإن تِلفَتْ فلا رجوع... و هل یلزم بالتصرف؟ قیل: نعم، و قیل: لا یلزم و هو الأشبه»(3).

ولکن الظاهر الحاقهما بالتلف فی الهبة أیضا لما ورد فی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إذا کانت الهبة قائمة بعینها فله أن یرجع و إلاّ فلیس له.(4)

ولکن فی باب التفلیس حکموا بأنّ التغییر و المزج لا یوجب سقوط حقّ صاحب العین عن عینه لأنّ المناط فیه وجود العین فما لم یطرأ علیها التلف فصاحب العین أحقّ بها و هما لایخرجان العین عن امکان رجوع صاحبها إلیها فلا یضرب مع الغرماء لما ورد فی

ص:177


1- (5) وسائل الشیعة 18/30، ح3، الباب 16 من أبواب الخیار.
2- (1) الناسب هو المحقّق النائینی فی منیة الطالب 1/217.
3- (2) شرائع الإسلام 2/180 کتاب الهبات.
4- (3) وسائل الشیعة 19/241، ح1، الباب 8 من أبواب کتاب الهبات.

صحیح جمیل عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتری المتاع و لم یدفع الثمن ثم مات المشتری و المتاع قائم بعینه، فقال: إذا کان المتاع قائما بعینه ردّ إلی صاحب المتاع و قال: لیس للغرماء أن یُحاصّوه»(1).

و نحوه صحیحة عمر بن یزید عن أبی الحسن علیه السلام قال: سألته عن الرجل یرکبه الدین فیوجد متاع رجل عنده بعینه؟ قال: لا یُحاصّه الغرماء.(2)

نعم فی بعض صور، باب التفلیس خلافٌ کما فی المزج بالأجود عن الشیخ فی الخلاف حیث قال: «إذا باع زیتا فخلّطه المشتری بأجود منه ثم أفلس المشتری بالثمن سقط حقّ البائع من عین الزیت و...»(3).

و تبعه العلاّمة فی التذکرة و قال: «أن یمتزج بالأجود فالأجود فالأصح أنّه یسقط حقّه من العین و لیس إلاّ المضاربة بالثمن...»(4).

ولکن المشهور باقون علی جواز الرجوع فی العین ولو مع التغییر و المزج فی الجملة و

التفصیل یطلب من کتاب الحجر.

ثم التغییر و الامتزاج فی المعاطاة هل یلحقان بخیاری العیب و الغبن و باب الهبة أو یلحقان بباب الحجر و التفلیس؟ الظاهر لحوقهما بالأوّل و الحکم بلزوم المعاطاة و عدم جواز الردّ لأنّ علی القول بالملک دلیل الجواز هو الإجماع، و هو لا یأتی فی صورة التغییر و الامتزاج و لاأقل من الشک فی إتیانه فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو فرض بقاء العین من دون تغییر و مزج.

ص:178


1- (4) وسائل الشیعة 18/414، ح1، الباب 15 من أبواب کتاب الحجر.
2- (5) وسائل الشیعة 18/415، ح2.
3- (6) الخلاف 3/266، مسألة 6.
4- (7) تذکرة الفقهاء 14/152.

و علی القول بالإباحة أیضا تَثْبُتُ الإباحة الشرعیة فی المعاطاة بالإجماع فالکلام الکلام.

مضافا إلی قیام السیرة القطعیة علی عدم جواز الرجوع فی المعاطاة فی صورتی التغییر و الامتزاج.

و بما ذکرنا یظهر وجه ضعف احتمال الشرکة علی القول بالملک کما ضعفه الشیخ الأعظم، و کذا عدم تمامیة الشرکة علی القول بالإباحة الواردة فی کلامهِ قدس سره ، و أمّا دلیل الشرکة علی القولین فلیس إلاّ السیرة العقلائیة علی تحقق الشرکة عند حصول الامتزاج بین العینین بحیث یمتنع تمییز إحداهما و إفرازها عن الاُخری بحسب العادة بلا فرق فی جریان السیرة بین الامتزاج بجنسه أو بغیره و لم یثبت الردع الشرعی عنها، فهذه السیرة العقلائیة مع عدم ورود الردع شرعا تثبت الشرکة. ولکن مع ملاحظة ما ذکرناه لا یتم القول بالشرکة فی المقام.

و کذا لا تتمّ مقالة المحقّق الخراسانی حیث یقول: «لو قیل بحصول الشرکة بمجرد الامتزاج، و إلاّ لم یمتنع الترادّ لبقاء الأجزاء الممتزجة علی ما کانت علیه من الملک أو الإباحة، لمن صارت إلیه من المتعاطیین فیصح ردّها إلی من انتقل عنه. فتدبر جیدا»(1).

و فیه: أوّلاً: قد مرّ آنفا جریان السیرة العقلائیة علی تحقّق الشرکة عند حصول الامتزاج بین العینین و عدم ورود الردع الشرعی، فما ذکره بعنوان القیل تمام ولکن فی غیر المقام.

و ثانیا: و کذلک مرّ من أن ممّا یوجب لزوم المعاطاة عدم بقاء العین علی ما هی علیه من الوصف کما فی خیار العیب و غیره، و لیس منحصرا بخروج المال عن قابلیة التملّک.

ص:179


1- (1) حاشیة المکاسب /25.
و منها: التغییر فی صورة إحدی العینین

قال إبن ادریس الحلّی: «... و لکلّ واحد منهما أن یرجع فیما بذل لأنّ الملک لم یحصل لهما بشرط أن بقیا، فإن لم یبق أحدهما بحاله کما کان أوّلاً فلا خیار لأحدهما...»(1).

یمکن حمل کلامه علی صورة التغییر أو إطلاقه یشمله.

و قال المحقّق الثانی فی تعلیقه علی الإرشاد: «و مثله (أی فی معنی التلف) لو تغیّرت من حالة إلی اُخری کالحنطة تُطحن أو اشتبهت بغیرها...»(2).

و نحوها فی المیسیة(3) بل الحقّ فیها بالتلف تغییر صفتها کخیاطة الثوب و صبغه و قصره.

و قال الشهید الثانی: «لو تصرف فیها تصرفا غیر ناقل للملک و لا جزء سببه فإن لم تتغیر العین به عن صفتها _ کالاستخدام [و الانتفاع بالأناء] و لبس الثوب _ فلا أثر له فی اللزوم، و إن أوجب تغییرا إلی حالة اُخری _ کطحن الحنطة و صبغ الثوب _ احتمل کونه کذلک لأصالة بقاء الملک مع بقائه، و لزوم المعاطاة بذلک و به جزم بعض الأصحاب لما تقدم من امتناع الترادّ بسبب الأثر المتجدد. و عندی فیه إشکال»(4).

و احتمل عدم الالحاق بالتلف فی الروضة.(5)

و قال الشیخ جعفر: «... و اُلحِق به طحن الحنطة... و خیاطة الثوب و صبغه و قصره... و تغییر الصورة بطحن أو تفصیل أو خیاطة أو صبغ و نحوها، لو دخل تحت الردّ

ص:180


1- (1) السرائر 2/250.
2- (2) حاشیة الإرشاد /334.
3- (3) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507 و 508.
4- (4) المسالک 3/150.
5- (5) الروضة البهیة 3/223.

جاءَه ثبوت الضرر غالبا بتبدیل الاُوصاف و اختلاف الرغبات، نعم لو بقی الشیء علی حاله و زاده حسنا بصقل أو إخراج غبار و رفع و سخ و نحوها لم یکن فیه ذلک»(1).

و قال الشیخ الأعظم: «و لو تصرّف فی العین تصرفا مغیّرا للصورة _ کطحن الحنطة و فصل الثوب _ فلا لزوم علی القول بالإباحة، و علی القول بالملک ففی اللزوم و جهان مبنیّان علی جریان استصحاب جواز الترادّ و منشاأ الاشکال أنّ الموضوع فی الاستصحاب عرفیٌّ أو حقیقیٌّ»(2).

أقول: قد ظهر مما ذکرناه فی الامتزاج آنفا من أنّ دلیل الجواز علی قولی الملک و الإباحة الشرعیة هو الإجماع فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو عدم التغییر و القول باللزوم فی صورة التغییر.

فالتغییر یلحق بالامتزاج و هما هنا یلحقان بخیاری العیب و الغبن و الهبة کما مرّ فی بحث الامتزاج، و لا یلحقان بباب التفلیس کما مرّ، فما ذکره الشیخ من الجواز علی القول بالإباحة، و ابتناء المسألة علی جریان الاستصحاب و عدمه علی القول بالملک لا یتم.

لأنّ المراد بالإباحة هو الشرعیة منها لا المالکیة فحینئذ لابدّ من ملاحظة دلیلها و هو الإجماع، و لا تبتنی المسألة علی جریان الاستصحاب علی القول بالملک لأنّ دلیل الجواز أیضا هو الإجماع و مع عدم إتیان الدلیل فی صورة التغییر فلا تصل النوبة إلی الاستصحاب حتّی نبحث فی أن الموضوع فیه عرفی _ کما هو الصحیح _ أو حقیقی.

مضافا إلی قیام السیرة المستمرة علی اللزوم فیها فی صورتی التغییر و الامتزاج کما مرّ، و حیث أنّ الصورتین (التغییر و الامتزاج) من سنخ واحد فلا نطیل الکلام فیهما و یظهر

ص:181


1- (6) شرح القواعد 2/28 و 29.
2- (7) المکاسب 3/101 و 102.

لک الحکم ممّا ذکرناه فی صورة الامتزاج و الحمدللّه.

و منها: موت أحد المتعاطیین

هل المعاطاة علی القول بجوازها تصیر لازمة بموت أحد المتعاطیین؟ أم تبقی علی جوازها و اختیارها یکون بید الوارث؟!

قال الشیخ الأعظم: «لیس جواز الرجوع فی مسألة المعاطاة نظیر الفسخ فی العقود اللازمة حتّی یورّث بالموت و یسقط بالاسقاط ابتداءً أو فی ضمن المعاملة، بل هو علی القول بالملک نظیر الرجوع فی الهبة، و علی القول بالإباحة نظیر الرجوع فی إباحة الطعام...»(1).

أقول: الوارث یرث من مورّثه ما ترکه من حقٍّ أو ملکٍ، و الجواز فی المعاطاة علی القول بها لا یکون حقّا و لا ملکا بل یکون حکما شرعیّا و لذا لا یورّث، لأنّ الحکم الشرعی الجواز یختص بالمتعاطیین و انتقاله إلی ورثتهما یحتاج إلی دلیل مفقود فی المقام و لذا یکون نظیر الحکم الشرعی بالجواز فی الهبة.

ثم قد مرّ أنّ دلیل الجواز فی المعاطاة علی قولی الملک و الإباحة الشرعیة لیس إلاّ

الاجماع، و الاجماع دلیل لبّیٌّ یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو فرض نفس المتعاطیین و لا یجری فی حقّ ورثتهما و لاأقل من الشک فیؤخذ بالقدر المتیقن منه و هما المتعاطییان أنفسهما فبموت أحدهما تصیر المعاطاة لازمةً.

مضافا إلی وجود السیرة القطعیة علی لزوم المعاطاة بموت أحد المتعاطیین علی قولی الملک و الإباحة.

فظهر ممّا ذکرنا عدم صحة الفرق بین قولی الملک و الإباحة حیث یظهر من الشیخ

ص:182


1- (1) المکاسب 3/102.

الأعظم الفرق بینهما، و کذا عدم تمامیة القول بالإباحة المالکیة، کما یظهر من تمثیل الشیخ فی المقام حیث یقول: «و علی القول بالإباحة نظیر الرجوع فی إباحة الطعام بحیث یناط الحکم فیه بالرضا الباطنی، بحیث لو علم کراهة المالک باطنا لم یجز له التصرف»(1). بل علی القول بالإباحة لیست إلاّ الشرعیة منها. و لا یجری استصحاب الجواز لأنّ المتیقن منه یکون راجعا إلی المیت لا وارثه، فالموضوع مغایر فی قضیتی المتیقنة و المشکوکة و لذا لا یجری الاستصحاب.

و منها: جنون أحد المتعاطیین

هل جنون أحدهما یلحق المعاطاة باللزوم؟ أم لا؟

ذهب الشیخ الأعظم إلی جواز المعاطاة مع طرو الجنون و لذا قال: «ولو جنّ أحدهما، فالظاهر قیام ولیّه مقامه فی الرجوع علی القولین»(2).

ولکن ظهر ممّا ذکرنا أنّ دلیل الجواز هو الاجماع و القدر المتیقن منه هو عدم طریان الجنون علی أحدهما و معه یحکم باللزوم و ینتفی قیام ولیّه مقامه فی الرجوع. قد طال بنا الکلام فی التنبیه السادس من المعاطاة و تم و الحمدللّه أوّلاً و آخرا.

السابع: المعاطاة بیعٌ _ ولو بعد اللزوم _ أو معاوضة مستقلة؟
اشارة

إذا کانت بیعا تجری فی حقّها أحکام البیع من الفسخ بالخیارات و الإقالة ولو بعد اللزوم، و قد بحثنا فی التنبیه الأوّل عن ترتب أحکام البیع علی المعاطاة ولکن واعدنا لتفصیل بحث الخیارات إلی هنا، ولکن قبل الورود فی البحث لابدّ من نقل کلام الشهیدین ثم تعلیق الشیخ علیهما.

ص:183


1- (1) المکاسب 3/102.
2- (2) المکاسب 3/102.

نقل السیّد العاملی عن الشهید أنّه قال فی حاشیته علی القواعد: «إنّ المعاطاة

معاوضة برأسها إمّا لازمة و إمّا جائزة»(1). و قال العاملی: «و هل تصیر بیعا علی تقدیر لزومها بأحد الوجوه أو معاوضة برأسها؟ ففی حواشی الکتاب أنّها معاوضة برأسها إمّا لازمة و إمّا جائزة فقد جعلها أوّلاً و آخرا معاوضة علی حدة، و هو الظاهر من کلامهم»(2).

و علّق الشیخ الأعظم علی کلام الشهید: «الظاهر أنّه أراد التفریع علی مذهبه من الإباحة و کونها معاوضة قبل اللزوم، من جهة کون کلٍّ من العینیین مباحا عوضا عن الاُخری لکن لزوم هذه المعاوضة لا یقتضی حدوث الملک کما لا یخفی فلابدّ أن یقول بالإباحة اللازمة، فافهم»(3)

أقول: قد مرّ عدم انحصار العقود و الإیقاعات بما ذکره الأصحاب قدیما و یمکن إحداث عقود حدیثة نحو التأمین و تشملها الإطلاقات و العمومات کقوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(4) و لذا یمکن جعل المعاطاة برأسها معاوضة مستقلة.

ولکن إن جعلنا الإباحة الواردة فی المعاطاة الإباحة المالکیة _ کما هر ظاهر الشیخ الأعظم فی بعض کلماته _ فإنّ لزومها من الإبتداء لا یلازم الملک، بخلاف الإباحة الشرعیة لأنّ اللزوم الابتدائی فیها یلازم الملک، فلابدّ من حمل الإباحة فی کلام الشیخ علی مذهبه أیّ الإباحة المالکیة، لا الشرعیة منها. و نبّه علیه شیخنا الاستاذ(5) قدس سره .

ثم قال ثانی الشهیدین: «علی تقدیر لزومها بأحد الوجوه المذکورة، فهل تصیر بیعا

ص:184


1- (1) مفتاح الکرامة 2/511.
2- (2) مفتاح الکرامة 12/511.
3- (3) المکاسب 3/150.
4- (4) سورة المائدة /1.
5- (5) إرشاد الطالب 2/100.

أو معاوضة برأسها؟ یحتمل الأوّل، لأنّ المعاوضات محصورة و لیست أحدها و کونها معاوضة برأسها یحتاج إلی دلیل، و یحتمل الثانی لإطباقهم علی أنّها لیست بیعا حال و قوعها فکیف تصیر بیعا بعد التلف.

و تظهر الفائدة فی ترتب الأحکام المختصة بالبیع علیها _ کخیار الحیوان _ لو کان التالف الثمن أ و بعضه، و علی تقدیر ثبوته، فهل الثلاثة من حین المعاطاة أم من حین اللزوم؟ کلٌّ محتمل. و یشکل الأوّل بقولهم: «أنّها لیست بیعا، و الثانی بأنّ التصرف لیست معاوضة بنفسه. اللهم إلاّ أن تجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه. و الأقوی عدم ثبوت خیار

الحیوان هنا، بناءً علی أنّها لیست لازمة و إنّما یتم علی قول المفید و من تبعه. أما خیار العیب و الغبن فیثبتان علی التقدیرین کما أن خیار المجلس منتفٍ»(1).

ثم علّق علیه الشیخ الأعظم(2) بأنّ کلام ثانی الشهیدین یجری علی القول بالإباحة فی المعاطاة، أمّا علی القول بالملک حتّی المتزلزل و الجائز منه، یعدّ المعاطاة بیعا بلا إشکال عندهم و إذا لزمت صارت بیعا لازما، و اختار قدس سره علی القول بالإباحة أنّها بیع عرفی لم یصحّحه الشارع و لم یمضه إلاّ بعد التلف أو ما فی حکمه، و بعده تترتّب علیه أحکام البیع عدا ما اختص دلیله بالبیع الواقع صحیحا من أوّل الأمر.

أقول: هذا الکلام من الشیخ الأعظم ظاهر فی الإباحة الشرعیة _ خلافا لبعضها الاْآخر الظاهر فی الإباحة المالکیة کما مرّ فی بحث الامتزاج و التغییر و موت أحدهما _ و أنّ المعاطاة بیعٌ علی القولین ولکن علی القول بالملک قبل اللزوم و علی القول بالإباحة بعده فیکون اللزوم علی هذا القول الأخیر کالتقابض فی البیع الصرف فحینئذ _ أی حین اللزوم _

ص:185


1- (1) المسالک 3/151.
2- (2) المکاسب 3/104 و 103.

علی القول بالإباحة و علی القول بالملک من أوّل أزمنة التعاطی یترتب علیها جمیع أحکام البیع و من جملتها الخیارات هذا ما یستفاد من کلام الشیخ الأعظم.

و أمّا جریان الخیارات فی المعاطاة

فإنّه قبل ورود البحث لابدّ من التّذکیر بأنّ الخیارات علی أقسام ثلاثة:

1_ تارة یثبت الخیار فی البیع بالشرط الضمنی و الارتکاز العرفی من غیر تصریح بالشرط فی ضمن العقد نحو خیاری العیب و الغبن و خیار تأخیر الثمن.

2_ و اُخری یثبت فیه بالجعل و الاشتراط من قبل المتبایعین سواء کان شرط فعل علی أحدهما أو اشتراط صفة فی أحد العوضین نحو خیاری الرؤیة و تخلف الوصف، و من البدیهی عدم إمکان توقف أصل العقد علی تحقق الشرط لأنّه یستلزم التعلیق فی العقود و هو مبطل اجماعا _ علی المشهور _ و لذا یحکم بأنّ لزوم العقد متوقف علی الوفاء بالشرط.

3_ و ثالثة یثبت الخیار فیه بالدلیل الشرعی التعبدی نحو خیاری المجلس و الحیوان.

ثم من المعلوم جریان الخیارات فی المعاطاة علی القول بأنّها بیع لازم، لأنّها بیع و لذا تجری جمیع الخیارات فیها.

و عدم توهم جریانها فیها علی القول بأنّها تفید الإباحة المالکیة نحو: إباحة الطعام و

الألبسة و الأمکنة.

و أمّا علی القول بأنّها معاوضة مستقلة فیجری القسم الأوّل و الثانی منها دون الثالث لانحصار دلیلها بالبیع فقط.

و علی القول بأنّها تفید الإباحة الشرعیة أو الملک الجائز _ أی المتزلزل _ أیضا یجری القسم الأوّل و الثانی منها لأنّ دلیل القسم الأوّل یأتی فی جمیع المعاملات و کذلک القسم الثانی یأتی حین الاشتراط و الجعل فی المعاملات بل القسم الثالث لأنّها بیع عرفا.

إن قُلْتَ: أثر الخیار هو جواز العقد و من المعلوم _ علی القولین أیّ الملکیة الجائزة و

ص:186

الإباحة الشرعیة _ تکون المعاطاة جائزة بالذات فلا معنی لجوازها بالعرض.

قُلْتُ: قد مرّ منّا فی التنبیه الأوّل بأنّ الجواز من ناحیة لاینافی الجواز من ناحیة اُخری کما یمکن أن تترتب علی بیع عدّة من الخیارات، و تظهر الثمرة فی طرو إحدی الملزمات و مع طریانها صارت المعاطاة لازمة فتثمر جریان الخیارات، مع جواز أخذ الأرش فی عدّة منها.

إن قُلْتَ: الظاهر من أدلة الخیارات عموما و الخیارات المختصة بالبیع _ نحو خیاری المجلس و الحیوان _ خصوصا، اختصاصها بالعقود اللازمة من غیر ناحیة هذا الخیار، فلا تشمل المعاطاة لأنّها الجائزة.

قُلْتُ: مضافا إلی ما مرّ فی الجواب عن الاشکال السابق، أنّها تختص بعقد لازم عند المتعاقدین و المعاطاة منها، و لا اللازم عند الشارع لأنّها حتّی فی العقد اللفظی أیضا لا تتم لاجتماع الخیارات.

إن قُلْتَ: علی فرض جریان الخیارات فی المعاطاة، یمکن جریانها علی القول بالملک ولو کانت الجائزة ولکن علی القول بانّها تفید الإباحة الشرعیة فکیف یمکن جریانها فیها مع أنّها لیست إلاّ اباحة شرعیة و لکلّ منهما التصرف فی مال الآخر فقط فکیف یمکن جریان القسم الثانی من الخیارات الثابتة بالجعل و الشرط مع عدم لزوم المشروط، و کذلک القسم الأوّل منها لأنّها تثبت بالشرط الضمنی و الإرتکازی، و القسم الثالث أیضا دلیله مختص بالبیع فقط فلا یجزی فی الإباحة الشرعیة، فلا یجری الخیارات بأثرها علی القول بالإباحة الشرعیة.

قُلْتُ: قد مرّ منّا بأنّ الجواز لا ینافی جریان الخیار و أنّ المعاطاة علی القول بالإباحة الشرعیة أیضا معاوضة و معاملة، مضافا بأنّ الإطلاقات الواردة فی وجوب الوفاء بالشرط

تشمل المقام، و المعاطاة بیع عرفا و عند المتعاطیین فتجری الأقسام الثلاثة من الخیارات

ص:187

حتّی علی القول بأنّها تفید الإباحة الشرعیة.

و کذلک یجری خیار تأخیر الثمن أیضا فی المعاطاة علی جمیع الأقوال فیها لأنّه قد مرّ فی التنبیه الثانی صحة المعاطاة و إن کانت من طرف واحد و مع عدم لحوق الثمن بها یجری هذا الخیار.

و أمّا مبدأ خیاری المجلس و الحیوان هل یُحْسَبُ من مجلس إحدی الملزمات و یومها أو یُحْسَبُ من مجلس التعاطی و یومه، فالظّاهر هو الثانی لأنّه هو مبدؤها علی جمیع الأقوال فلا یلاحظ زمن طرو الملزمات.

و بما ذکرنا یظهر عدم تبنی جریان الخیارات علی القول بأنّ اللزوم فیها حقّیٌّ و عدم جریانها علی القول بأنّ اللزوم فیها حکمیٌّ، لأنّ الخیار ثابت فیها حتّی قبل اللزوم لعدم التنافی بینهما، هذا تمام الکلام فی جریان الخیارات فی المعاطاة و الحمدللّه.

الثامن: هل العقد الفاقد لبعض شرائط الصیغة معاطاةٌ؟
مسألتان لابدّ من التنبیه علیهما ثم وجه الجمع بینهما:
أمّا الاُولی منهما: المقبوض بالعقد الفاسد یوجب الضمان.

فقد قال الشیخ فی المبسوط: «إذا باع عبدا بیعا فاسدا و اُقبضه لم یملک و لم ینفذ عتقه و لاشیء من تصرّفه من البیع و الهبة و الوقف و غیر ذلک و یجب علیه ردّه و ردّ ما کان من نمائه المنفصل منه لأنّ ملک الأوّل لم یزل عنه فالتصرف فیه لا یصح و یلزمه ردّه علی البائع لأنّه ملکه و لا أثم علیه...»(1).

و قال فی غصب المبسوط: «... و جملته أنّ کلّ منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنّها تضمن بالغصب کمنافع الدار و الدابّة و العبید و الثیاب المقبوض عن بیع فاسد فإنّه لا یملک

ص:188


1- (1) المبسوط 2/149.

بالبیع الفاسد و لا ینتقل به الملک بالعقد و إذا وقع القبض لم یملک به أیضا لأنّه لا دلیل علیه، و إذا یملک

به کان مضمونا...»(1).

و قال فی الخلاف: «إذا اشتری جاریة شراءً فاسدا ثم قبضها فاعتقها لم یملک بالقبض و لم ینفذ عتقها و لا یصح شیء من تصرفه فیها مثل البیع و الهبة و الوقف و غیر ذلک و یجب ردّها علی البائع بجمیع نمائها المنفصل منها... دلیلنا علی ذلک: أنّه إذا کان البیع فاسدا فملک

الأوّل باق لم یزل و إذا لم یزل فکلّ من تصرف فی ملکه بغیر إذنه یجب أن لا یصح تصرفه لأنّه لادلیل علی صحته»(2).

و قال فیه أیضا: «إذا اشتری جاریة بیعا فاسدا فوطأها فإنّه لا یملکها و وجب علیه ردّها و علیه إن کانت بکرا عشر قیمتها و إن کانت ثیبا نصف عشر قیمتها... دلیلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، فإنّهم رووا ذلک منصوصا عن الأئمة علیهم السلام و إجماعهم حجة»(3).

و قال فی غصب الخلاف: «المقبوض ببیع فاسد لا یملک، و لا بالقبض. و به قال الشافعی، و قال أبوحنیفة: یملک بالقبض. دلیلنا: أنّه لا دلیل علی أنّه یملک بهذا القبض، فمن ادعی ذلک کان علیه الدلالة، لأنّ الأصل أنّه علی ملک مالکه»(4).

و قال ابن ادریس الحلّی: «... لأنّ هذا بیع فاسد، و البیع الفاسد عند المحصلین یجری مجری الغصب فی الضمان...»(5).

و قال المحقّق: «ولو قبض المشتری ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم یملکه و کان مضمونا

ص:189


1- (2) المبسوط 3/64.
2- (1) الخلاف 3/158، مسألة 250.
3- (2) الخلاف 3/158، مسألة 251.
4- (3) الخلاف 3/403، مسألة 12.
5- (4) السرائر 2/285.

علیه»(1).

و قال فی غصب الشرائع: «لایملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد و یضمنه و ما یتجدَّدُ من منافعه و ما یزداد من قیمته لزیادة صفة فیه، فإن تلف فی یده ضمن العین بأعلی القیم من حین قبضه إلی حین تلفه...»(2).

و قال العلاّمة: «ولو قبض المشتری بالعقد الفاسد لم یملک و ضمن»(3).

و قال فی غصب القواعد: «و لا یملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد و یضمنه و ما یتجدّد من منافعه الأعیان أو غیرها مع جهل البائع أو علمه مع الاستیفاء و بدونه إشکال...»(4)

و قال فی التذکرة: «البیع الفاسد لا یفید ملکیّة المشتری للمعقود علیه سواء فسد من

أصله أو باقتران شرط فاسد أو بسبب آخر ولو قبضه لم یملکه بالقبض، ولو تصرّف فیه لم ینفذ تصرّفه فیه عند علمائنا أجمع و به قال مالک و الشافعی و أحمد...»(5).

و قال فی نهج الحقّ و کشف الصدق: «ذهبت الإمامیة إلی أنّ الشراء الفاسد لا یملک بالقبض و لا ینفذ عتقه لو کان عبدا أو أمة، و لایصح شیء من تصرفه ببیع أو هبة أو غیرهما...»(6).

و قال الشهید الاْءوّل: «حکم البیع الفاسد استرداد العوضین أو بدلهما و لا یوجبه

ص:190


1- (5) الشرائع 2/7.
2- (6) الشرائع 3/194.
3- (7) القواعد 2/17.
4- (8) القواعد 2/238.
5- (1) تذکرة الفقهاء 10/290.
6- (2) نهج الحقّ و کشف الصدق /485.

ایصال القبض و یرجع صاحب العین بمنافعها المستوفاة، فلو فاتت بغیر استیفاء فوجهان...»(1).

و قال ابن فهد الحلّی: «إذا اشتری فاسدا لم یملک و کان لمالکه الرجوع فإن تعیّب ضمن أرشه ولو زاد... اجماعا»(2).

و قال المحقق الثانی: «[لاریب أنّه مضمون علیه(3)] کالصحیح لأنّهما تراضیا علی ذلک فیحکم علیه به فلو تلف بغیر تفریط کان من ضمانه، و إذا علم بالفساد لم یجزله التصرف عندنا، لأنّه فرع الملک و لم یحصل و کذا نقول فی کلّ عقدٍ یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، کما أنّ ما لایضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده»(4).

و قال أیضا فی کتاب الغصب: «لاریب فی أنّ البیع الفاسد مضمون لأنّ کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده و ذلک لأنّه إنّما دخل علی تملک العین فی مقابل الثمن، فإذا کان العقد غیر مملّک وجب ردّ کلّ من العوضین إلی مالکه فلو تعذر وجب بدله من الثمل أو القیمة لامتناع فوات العین و ما جعلت فی مقابله»(5).

و قال الشهید الثانی: «لا إشکال فی ضمانه إذا کان جاهلاً بالفساد لأنّه أقدم علی أن یکون مضمونا علیه فیحکم علیه به، و إن تلف بغیر تفریط، و لقوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی(6) و من القواعد المقررة فی هذا الباب أن کلّ عقد یضمن بصحیحه

ص:191


1- (3) الدروس 3/194.
2- (4) المهذب البارع 2/361.
3- (5) الزیادة من نقل مفتاح الکرامة 12/538 و یقتضیها السیاق.
4- (6) جامع المقاصد 4/61.
5- (7) جامع المقاصد 6/324.
6- (8) عوالی اللآلی 1/224، ح106 و 1/389، ح22 _ سنن البیهقی 6/95.

یضمن بفاسده، و أنّ ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده، و لا فرق _ مع جهله _ بین کون البائع عالما بالفساد أو جاهلاً، مع احتمال عدم الضمان لو علم، لتسلیطه علی إتلافه، مع علمه بکونه باقیا علی ملکه و کذا لو کان عالمین بالفساد. ولو کان البائع جاهلاً به و المشتری عالما فالضمان اُولی. و الأقوی ثبوته فی جمیع الصور، فیترادّان العینین مع بقائهما و بدلهما مع تلفهما، و یرجع صاحب المنافع المستوفاة بها. ولو فاتت بغیر استیفاء فوجهان. ولو زادت العین فللمالک إلاّ أن تکون الزیادة بفعل الآخر جاهلاً فهی له عینا کانت کالصبغ أو صفة کالصنعة»(1).

و قال فی کتاب الغصب: «لااشکال فی عدم ملک المشتری شراءً فاسدا لأنّ نقل الملک من مالک إلی آخر موقوف علی أسباب نصبها الشارع و حدود حدّدها، فما لم یحصل فالملک باق علی أصله. و تسمیته علی تقدیر فساد الشراء مشتریا مجاز بحسب الصورة و إلاّ فالبیع حقیقة لا یطلق إلاّ علی الصحیح.

و أمّا کونه مضمونا علیه فلأنّه قبضه لیکون مضمونا علیه کذلک، و لعموم علی الید ما أخذت حتّی تؤدی و للقاعدة المشهورة أنّ ما کان مضمونا بصحیحه یضمن بفاسده، و البیع لو صحّ انتقل ضمان المبیع إلی المشتری بمعنی کون تلفه من ماله فیکون فی فاسده کذلک...»(2).

و علّق فیه علی قول المحقّق: «و من الأسباب: القبض بالعقد الفاسد»(3). بقوله: «هذا الثلاثة من جملة الأسباب للضمان بغیر الغصب و الحکم فی الأوّل منها موضع وفاق، لعموم: علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی لأنّ کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، و المراد بالعقد

ص:192


1- (1) المسالک 3/154.
2- (2) المسالک 12/222.
3- (3) الشرائع 3/187.

هنا عقد البیع و نحوه من العقود اللازمة الموجبة لانتقال الضمان إلی القابض، لا مطلق العقد، فإنّ منه ما لا یضمن بصحیحه _ کالقراض و الوکالة و الودیعة _ فلا یضمن بفاسده»(1).

و قال المحقّق السبزواری: «لایملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد، لإنتفاء الأسباب المقتضیة للملک. و المقطوع به فی کلام الأصحاب أنّه مضمون علیه لعموم: علی

الید ما أخذت حتّی تؤدّی و للقاعدة المشهورة أنّ ما کان مضمونا بصحیحه یضمن بفاسده. و البیع لو صحّ انتقل ضمانه إلی المشتری بمعنی کون تلفه من ماله، فیکون فی فاسده کذلک. و فی التعلیلین تأمل. و إن لم یثبت اجماع فیه کان للمأمل فیه مجال»(2).

أقول: هذا کلّه فی تطور المسألة الاولی و یأتی تفصیل أحکامها بعد أقل من مائة صفحةٍ ستأتی إن شاء اللّه(3) فانتظر.

و أمّا الثانیة منهما: وَ هُوَ الإخلال بالشروط المعتبرة فی الصیغة جعل البیع معاطاةً

فقد قال أبوالصلاح الحلّی: «فإن اختل شرط من هذه لم ینعقد البیع و لم یستحق التسلیم و إن جاز التصرف مع اختلال بعضها للراضی [للتراضی] دون عقد البیع و یصح معه الرجوع»(4).

و قال أیضا: «و إن کان مع کون العقد فاسدا ممّا یصح التصرف فیه للتراضی فلکلّ منهما الرجوع بعین ما رضی بتسلیمه خاصة، فإن هلکت العین فی ید أحدهما لم یصح الرجوع»(5).

ص:194


1- (4) المسالک 12/174.
2- (1) الکفایة 2/653.
3- (2) راجع صفحة **** من هذا المجلد.
4- (3) الکافی فی الفقه /353.
5- (4) الکافی فی الفقه /355.

و قال الشهید الاْءوّل بعد نقل کلامه: «لعلّه أراد المعاطاة»(1).

و قال المحقّق الثانی فی رسالته «صیغ العقود و الإیقاعات»: «... فلو أوقع البیع بغیر ما قلناه و علم التراضی منهما کان معاطاة، لا یلزم إلاّ بذهاب أحد العینین و کذا القول فی الإجارة و نحوها بخلاف النکاح و الطلاق و نحوهما فلا تقع أصلاً»(2).

و قال الشهید الثانی: «أنّها تفید المعاطاة مع الإفهام الصریح»(3).

و قال الشیخ یوسف البحرانی: «ولو ظن أنّ المالک رضی لهذا المال بالبدل المعلوم فهو راض بأن یتصرف فیه عوضا عمّا فی یده، فالأکل حینئذ لیس بالباطل، بل بالرضا فإنّه رضی بالتصرف فیه بأن یجوز له التصرف فی بدله و قد جوز صاحبه ذلک و عرف کلّ واحد من صاحبه ذلک. فحینئذ یجوز تصرف کلّ واحد فی بدل ماله و إن لم یکن بسبب البیع، بل

بسبب الإذن المفهوم مع البدل و کأنّه یرجع إلی المعاطاة و الإباحة مع العوض من غیر بیع و لا تجد منه مانعا، غایة الأمر إنّه یکون لکلّ واحد الرجوع عن قصده الأوّل و أخذ ماله عینا و زیادة»(4).

قال الشیخ جعفر: «... نعم، لو وقع العقد من کاملین لاغیین به (أی بالعقد) قاصدین للمعاطاة أو الإباحة، جأت أحکامها بتمامها»(5).

أقول: هذا الکلام غیر فرعنا هذا.

و قال السیّد محمّد المجاهد: «إذا کان إیجاب البیع و قبوله بغیر اللغة العربیة من الألفاظ

ص:194


1- (5) الدروس 3/194.
2- (6) رسالة صیغ العقود و الإیقاعات، المطبوعة فی ضمن رسائل المحقّق الکرکی 1/178.
3- (7) الروضة البهیة 3/225.
4- (1) الحدائق 18/467.
5- (2) شرح القواعد 2/35.

الفارسیة و غیرها فلا اشکال فی صحة البیع حینئذ و إفادته إباحة التصرف و نقل الملک بناءً علی المختار من افادة المعاطاة ذلک لظهور عدم القائل بالفصل بین الأمرین و لفحوی مادلّ علی إفادة المعاطاة أو عمومه الملک...»(1).

أقول: الانتقال إلی المعاطاة مطلقا أیّ بلا فرق بین التقابض و عدمه لم یظهر من السیّد المجاهد قدس سره .

و قال الفاضل النراقی: «علی القول باشتراط الصیغة _ کما هو المشهور _ فهل هی شرط اللزوم خاصة، أو مع انتقال الملک أیضا، أو هما مع إباحة التصرف؟ لا ینبغی الریب فی الإباحة بدونها للأصل و الإجماع و إذن المالک فی التصرف.

و القول بکونه بیعا فاسدا مع شذوذه لا ینفی إلاّ الإباحة الشرعیة من جهة البیع لامطلقا، مع أنّ حرمة التصرف فی المقبوض بالبیع الفاسد بجمیع أفراده _ حتّی ذلک _ لم تثبت. نعم، ینبغی تقیید إباحة التصرف من کلّ منهما بعدم قصده الرجوع بماله حال التصرف لأنّه المعلوم من الإذن.

أمّا الأوّلان فیجب بناؤهما علی کون المعاطاة و نحوها ممّا تجرد عن الصیغة بیعا عرفا و لغة، أم لا؟ فإن قلنا به _ کما هو الحقّ _ فالحقّ هو الأوّل لانحصار دلیل اشتراط الصیغة عندهم حینئذ و تخصیص عمومات اللزوم بالاجماع، و انحصاره فی إشتراط اللزوم ظاهرا، أو مع بعض الظواهر الذی لا تثبت منه حرمة التصرف بدون الصیغة، و تبقی عمومات حلیة البیع خالیة عن المعارض فیصیر البیع فی الشرع قسمین: لازم و جائز.

و إن لم نقل به فالحقّ هو الثانی، اذ تدلّ علی اشتراط الصیغة حینئذ الاُصول المتقدمة و هی جاریة فی نفی الملک.

ص:195


1- (3) المناهل /270.

و اطلاق القول بنقل الملک مع المعاطاة _ تمسّکا بأنّه لولاه لما تحقّق الملک بالتلف _ ضعیف جدّا»(1).

أقول: لم یظهر من الفاضل النراقی الانتقال إلی المعاطاة مطلقا.

ولکن سیّد الریاض ناقشهم فی الحاقه بالمعاطاة و قال: «و احتمال الالحاق بالمعاطاة فی عدم لزوم قیمة الفائت و الاکتفاء عنها بالعوض المبذول بالرضا فی المقابل کما فی عبارة بعض الأصحاب غیر جیّد بناءً علی عدم الدلیل علی الاکتفاء بالعوض و لزومه بمجرد الرضاء السابق، بل یترتب علی العقود الناقلة بشرائط الصحة و هی هنا مفقودة. فإن تراضیا بالبدلین بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما فلا کلام فیما ذکره و إن انتفی فالاکتفاء بالرضاء السابق فی لزومه یحتاج إلی التأمل، سیما مع العلم بأنّ المُنْشِأ زعم صحة المعاملة، فبعد کشف الفساد و عدم الرضاء بعده لم یکن هناک رضاء فی الحقیقة، فلکلّ منهما الرجوع إلی المال أو بدله مع التلف فإن الناس مسلطون علی أموالهم...»(2).

و تبعه فی الجواهر: «... نعم لو علم منهما ولو بالقرائن بعد ذکرهما العقد عدم إرادتهما ذلک بل قصد الإنشاء بتقابضهما و أراد حصول الملک أو الإباحة جری علیه حکم المعاطاة، و کان خارجا عمّا نحن فیه»(3).

فعلی هذا یکون صاحب الجواهر من القائلین بعدم تحقّق المعاطاة مطلقا.

هاهنا فرعان، و کیفیة الجمع بینهما
اشارة

أقول: هاهنا فرعان: الأوّل منهما إجماعی و هو أنّ المقبوض بالعقد الفاسد یوجب الضمان، و الثانی منهما: أنّ الاخلال بالشروط المعتبرة فی الصیغة یجعل البیع معاطاة کما ذهب إلیه بعض الأصحاب، فکیف یمکن الجمع بین الفرعین؟

ص:196


1- (1) المستند 14/259.
2- (2) ریاض المسائل 8/255.
3- (3) الجواهر 22/256.
جَمْعُ صاحِبِ مفتاح الکرامة

قال السیّد العاملی فی وجه الجمع بین المسألتین: «موضوع المسألة ما إذا علم عدم الرضا إلاّ بزعم صحة المعاملة أو اشتبه الحال، و فی الظن فی الرضا بدونه إشکال، فإذا انتفت الصحة انتفی الإذن لترتّبها علی زعم الصحة، فکان التصرف حینئذ تصرفا بغیر إذن و أکل

مال بالباطل لانحصار وجه الحلّ فی کون المعاملة بیعا أو تجارة عن تراض أو هبة أو نحوها من وجوه الرضا بأکل المال من غیر عوض، و الأوّلان قد انتفیا بمقتضی الفرض، و کذا البواقی للقطع من جهة زعمهما صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شیءٍ فی المقابل، فالرضا المتقدم کالعدم. فإن تراضیا بالعوضین بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما فلا کلام فی صحة التصرف بأیّ نوع اتفق سواء صحت المعاملة أو فسدت فإنّ ذلک لیس من البیع الفاسد فی شی ء¨ٍ کما بیّنّا ذلک فی مبحث المعاطاة...»(1).

أقول: حاصل جمعه یرجع إلی أمرین و یحکم بصحة المعاطاة فیهما و هما:

الأوّل: تحقق المعاطاة بالتراضی الموجود حال العقد إذا علم بعدم تقیّده بصحة المعاملة.

الثانی: حصول المعاطاة بالتراضی الجدید الحادث بعد العقد و العلم بالفساد.

و استشکل علیهما الشیخ الأعظم(2) قدس سره و ردّ:

الأوّل منهما: بأنّ التراضی الموجود حین العقد مقیّد بالتملیک لا أنّه مطلق، و من البدیهی انتقاء المقید بانتفاء قیده، فبإنتفاء التملیک ینتفی التراضی.

و الثانی منهما: أنّ کلام الجماعة لا یقبل الحمل علی التراضی الجدید و وقوع معاطاة جدیدة بالتقابض الواقع بعد العقد الفاسد. لانّ کلامهم ظاهر فی حصول المعاطاة بنفس الصیغة الخالیة عن الشرائط، لا بالتقابض الحاصل بعدهما.

ص:197


1- (1) مفتاح الکرامة 12/539 و نقل عنه الشیخ فی المکاسب 3/108.
2- (2) راجع المکاسب 3/109.
وجه جمع المحقّق الخراسانی

قال: «یمکن أن یقال: أنّ الصیغة المفروضة، و إن لم تتضمن إلاّ إنشاءً واحدا و المفروض فسادها للإخلال ببعض ما اعتبر فیها، إلاّ أنّ الصحة و الفساد لمّا کان من الاُمور الإضافیة... کان فساد الصیغة المُنْشَاء بها التملیک بما هی عقد البیع، و لا یترتب علیها شیء مما یکون آثار العقد من اللزوم و غیره، لا ینافی کونها معاطاةً و داخلة فی المسألة التی تکون معرکة للآراء و صحیحة بما هو بیع عند بعض و اباحة عند الآخر إلی غیر ذلک من الأقوال فیها، و الحکم بالضمان بضمان المقبوض بالعقد الفاسد یمکن أن ینزل علی أنّه حکم اقتضائی لا فعلی، بمعنی أنّ قضیة فساده بما هو عقد، ذلک لو لم یجیء فی البین الحکم بصحته بوجه آخر، أی بما هو بیع بغیر العقد، و هذا أحسن ما یقال توفیقا بین ما ذکر فی المقامین

فتفطّن»(1).

و فیه: حمل الضمان فی المقبوض بالعقد الفاسد و هکذا فساد عقده بما هو معاملة و معاوضة علی الحکم الإقتضائی لغو محض، لأنّ العنوان الثانی و هو المعاطاة دائما یکون موجودا فیه، لا سیما إذا قلنا بأنّ العقد الفاسد حکمه حکم المعاطاة مطلقا أی ولو لم یتحقق معه قبض أصلاً کما نسبه الشیخ الأعظم(2) إلی ظاهر غیر واحد من مشایخه المعاصرین له، و مع وجود المعاطاة دائما فی العقد الفاسد فلا تصل النوبة إلی الضمان أصلاً فجعل الحکم بالضمان ولو علی نحو الحکم الاقتضائی یکون لغوا لعدم تحقق فعلیته أصلاً. و هذا مراد شیخ مشایخنا المحقّق النائینی(3) فی الردّ علی المحقّق الخراسانی.

ما هو المختار فی المقام

إذا لم یتحقق القبض بعد الصیغة الفاسدة فهذا خارج عن المعاطاة المصطلحة لعدم

ص:198


1- (1) حاشیة المکاسب /26.
2- (2) المکاسب 3/107.
3- (3) منیة الطالب 1/228.

التقابض المعتبر فی المعاطاة، فلابدّ من إخراجه من کلام الجماعة، و من هنا ظهر أنّ القول بأنّ الإنشاء القولی الغیر الجامع لشرائط الصحة یرجع إلی المعاطاة مطلقا _ أی سواء تحقق القبض أو لم یتحقق _ فلا وجه له لخروجه عن عنوان المعاطاة بالکلّیة.

و إن تحقق القبض و یکون بناؤهما علی الإغماض عن الصیغة الفاسدة و یریدان انشاء العقد مجددا بالفعل، فهذه الصورة تدخل فی عنوان المعاطاة بلا ریب و تکون خارجة عن محط کلام الجماعة.

و إن تحقق القبض ولکن لیس بناؤهما علی الاغماض بل أنّهما یقبضان وفاءً بما التزمابه علی البیع الفاسد بحیث لم یعلم منهما رضا بالتصرف فی ماله. إلاّ الرضا المعاملی الذی کان فی ضمن الإنشاء الفاسد و مقیدا به، فهذه الصورة لیست إلاّ المقبوض بالعقد الفاسد الذی هو موجب الضمان، و هذه أیضا خارجة عن موضوع البحث.

ولکن إن تحقق القبض و لیس بناؤهما علی الاغماض بل أنّهما یقبضان لا بما أنّ القبض یکون وفاءً بل رضا جدیدا یحصل لهما فی أیّ حال و هذه الصورة هی محل کلام الجماعة.

ثم هذا الرضا تارة یکون حقیقیا کما لو عَلِما بفساد الصیغة و مع ذلک رضیا

بالتصرف، و اُخری تقدیریّا کما لو جهلابه ولکن یظهر من حالهما أنّهما لو علما بفساد الصیغة لرضیا بالتصرف أیضا و یکون کالرضا من شاهد الحال فی غیر المقام.

و ادخال هذا فی المعاطاة یتوقف علی أمرین:

الأوّل: کفایة الرضا الشأنی فی صحة المعاطاة لصدق طیب النفس المعتبر فی أکل مال الغیر و صرّح بکفایته المحقق التستری فی المقابس(1) و یمکن حمل کلام السیّد العاملی: «فإن تراضیا بالعوضین بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما...»(2) علیه.

ص:199


1- (1) مقابس الأنوار /138.
2- (2) مفتاح الکرامة 12/539.

الثانی: عدم اعتبار إنشاء عنوان العقود قولاً و لا فعلاً، بل کفایة مجرد وصول کلٍّ من العوضین إلی المالک الآخر، بل یکفی قبض أحد العوضین. لا سیّما فی المعاطاة، و السیرة موجودة بالنسبة إلیها لإنّ بناء الناس علی أخذ المحقرات من دکاکین أربابها و وضعهم الفلوس فی الموضع المعدّ له، و علی دخول الحمام و وضع الفلوس فی کوز صاحبه.

ولکن یمکن إن یناقش فی الأمرین:

أمّا الأوّل منهما: قد مرّ منّا عدم کفایة الرضا مطلقا _ أی سواء کان شانیّا أو فعلیّا _ فی العقود و الإیقاعات و أنّها تحتاج إلی الإذن و الانتساب.

ثم، لو قلنا بکفایة الرضا الباطنی فی إباحة جمیع التصرفات حتّی ما کان منها متوقّفا علی الملک فکیف یتحقق الرکن الآخر و هو الضمان بالمسمی و انتقال التالف إلی ملک من تلف فی یده؟ کمانیّه علیه المحقّق النائینی.(1)

أمّا الثانی منهما: فمن الواضح أنّ العقود و الإیقاعات تکون من الاُمور الإنشائیة و هی تحتاج إلی الإنشاء و إلاّ لایتحقق فی الخارج، و الإنشاء کما یمکن أن یکون باللفظ یمکن أن یکون بالفعل و أمّا حدوثها من دون إنشاء فلا یمکن.

نعم: یمکن أن یکون إنشاؤها من طرف واحد بالخصوص مع تحقق الإنشاء العام من طرف آخر کما یمکن الذهاب إلیه بالنسبة إلی أخذ المحقرات من دکاکین أربابها مع غیابهم و وضع الفلوس فی موضعها و علی دخول الحمام و وضع الاُجرة فی کوز صاحبه و نحوها، و قد مرّ تفصیل هذا البحث فی التنبیه الثانی فراجعه.

و بالجملة: الحکم بتحقق المعاطاة بمجرد الإخلال بالشروط المعتبرة فی الصیغة

مشکل جدّا.

ص:200


1- (3) منیة الطالب 1/230.

فصلٌ: عقد البیع

اشارة

ص:201

ص:202

قبل الکلام فی عقد البیع لابدّ من البحث حول تمامیة حدوث العقود بالألفاظ فقط، و عدم حدوثه إذا لم یکن هناک لفظ!؟ أو عدم تمامیته، و لأجل ظهور هذا البحث لابدّ من تقدیم اُمور:

تقدیم أمور:

الأوّل: الأصل فی العقود هل هو الصحة أم الفساد؟

العقود و الإیقاعات اُمور حادثة و مسبوقة بالعدم، کما أنّ نتائجها من الزوجیة و الملکیّة و الفراق و نحوها أیضا منها، فإذا شک فی تحققها أو تحقق نتائجها یحکم بأصالة عدمهما بفسادها و عدم تحقق نتیجتها و هذا هو المراد من أصالة الفساد من العقود و الإیقاعات.

و إذا شککنا فی جزئیة شیءٍ فی نفس الصیغة أو شرطیته لها أو مانعیته لها أو لترتب الأثر علیها فلا یجری حدیث الرفع فیها، لا لعدم جریانه فی الأحکام الوضعیة کما ذهب إلیه جمع، و لا لعدم جریانه فی خصوص الجزئیة و الشرطیة و المانعیة بالنسبة إلی نفس التکلیف أو متعلَّق التکلیف کما ذهب إلیه السیّد الخوئی(1) قدس سره ، لأنّا نذهب إلی جریانه فی الأحکام الوضعیة مطلقا بلافرق بین أن تکون مجعولة بنفسها کالملکیّة و الزوجیة و الرقیة و نحوها، أو

ص:203


1- (1) مصباح الفقاهة 3/9 و 10.

تکون راجعة إلی نفس التکلیف نحو: الشرطیة و الجزئیة و السببیة و المانعیة بالنسبة إلی الوجوب، أو تکون راجعة إلی متعلَّق التکلیف نحو الشرطیة و الجزئیة و المانعیة بالنسبة إلی الواجب أو المأمور به أو المکلّف به، فحدیث الرفع یجری فی جمیعها و التفصیل یطلب من علم الاصول.

ولکن مع ذلک کلّه لا یجری فی المعاملات بالمعنی الأعم بأسرها، لأنّها تحتاج إلی إمضاء الشارع حتّی تَصِحَّ عنده و حدیث الرفع غیر ناهضٍ بإثبات تحقق الإمضاء فلا یمکن

جریانه فیها و هذا هو سرّ عدم جریانه فیها.

قد یقال: فلماذا أجراه الإمام علیه السلام فیها لما ورد فی صحیحة صفوان و البزنطی عن أبیالحسن علیه السلام فی الرجل یُسْتَکْرَهُ علی الیمین، فیحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما یملک، أیلزمه ذلک؟ فقال: لا، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : وُضع عن اُمتی ما اُکرهوا علیه و ما لم یطیقوا و ما أخطأوا.(1)

ولکن نقول: بأن الإمام أجری حدیث الرفع بالنسبة إلی نفی الحکم التکلیفی للیمین و أنّ لیس علیه الوفاء به لأنّه مکره فجمیع ما یحلف بها من الزوجیة و الرقیة و الملکیّة باقیة علی ما کانت علیها و لا یلزمه الوفاء به، و هذا غیر جریانه فی المعاملات.

و بما ذکرنا تظهر مواقع النظر فی کلام المحقّق الإیروانی حیث یقول: «لا مانع من هذه الأصالة بناءً علی جریان البرائة فی الأحکام الوضعیة کما یظهر من استدلال الإمام بحدیث الرفع علی فساد طلاق المکرَه و عتاقه فینفی بأصالة عدم الوجوب وجوب کلّ خصوصیة شک فیها بمعنی عدم دخلها فی تأثیر السبب و عدم کونها من أجزاء السبب، و لا یبقی معها مجال الرجوع إلی استصحاب عدم تحقّق النقل و الانتقال، لأنّ هذا فی مرتبة السبب و ذاک فی

ص:204


1- (1) وسائل الشیعة 23/226، ح12، الباب 12 من أبواب کتاب الأیمان.

مرتبة المسبَّب، و الاستصحاب إنّما یقدّم علی إصالة البرائة حیث یکونان فی مرتبة واحدة»(1).

الثانی: هل یجوز التمسک بالإطلاقات عند

الشک فی صحة العقود و الإیقاعات؟

بعد عدم جریان حدیث الرفع فی المعاملات و التمسک بأصالة عدم تحقّق العقد و نتیجته و استصحاب عدمهما، هل یجوز التمسک بالعمومات أو الإطلاقات فی مورد منها إذا فرض وجودها أم لا؟

نعم، یجوز التمسک بالإطلاقات و العمومات حیث ما وُجِدَتْ نحو قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(2) أو قوله علیه السلام : «لکلِّ قومٍ نکاح»(3). حیث أنّها مطلقة بالنسبة إلی أنکحة غیر المسلمین من الإلهیین أو غیرهم. و بعد التمسک بالإطلاق تُنْفی الجزئیة أو الشرطیة المشکوکة

أو المانعیة المترددة و یحکم بصحّة العقد و ترتب الأثر علیه.

و علی هذا إذا وجد إطلاق أو عموم فهو مقدّم علی أصالة عدم تحقّق العقد و أثره لأنّهما من التمسک بالدلیل اللفظی و هو مقدّم علی الأصل العملی کما هو الواضح.

الثالث: هل العقود تحتاج إلی اللفظ و لا تحقّق بدونه؟

قد یقال: بوجود الاجماع علی أنّ العقود لا تتحقّق من دون اللفظ(4) أو أنّ العقود اللازمة لا تتحقّق بدونه.(5)

ص:205


1- (2) حاشیته علی المکاسب 2/95.
2- (3) سورة البقرة /275.
3- (4) وسائل الشیعة 15/80، ح2، و 17/299، ح2، و 21/199، ح2.
4- (1) کما عن ابن زهرة فی الغنیة /214.
5- (2) کما عن المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 5/309.

ولکن یمکن أن نقول فی الجواب: عدم امکان تحصیل هذا الاجماع فی کلمات القدماء من أصحابنا قدس سرهم و أمّا المتأخّرون فلا عبرة بإجماعهم _ علی فرض وجوده _ لأنّ المسألة تکون من المسائل الاجتهادیة المستنبطة و لیست من الاُصول المتلقاة من الأئمة المعصومین علیهم السلام فحینئذ ادعاء الإجماع فی المقام لا یغنی و لا یسمن من جوع.

و قد مرّ الکلام فی بحث المعاطاة من أن الروایات قاصرة عن اثبات لزوم اللفظ فی العقود فراجع ما حررناه هناک.

نعم، العقود و الایقاعات تعدان من الاُمور الإنشائیة، و الإنشاء یحتاج إلی ما یُنْشأُ به حتّی توجد فی الخارج و ما یُنْشأُ به کما یمکن أن یکون من الألفاظ یمکن أن یکون من الأفعال، فالإنشاء یُوْجَدُ باللفظ و بالفعل فلا یتحقّق باللفظ فقط بل یتحقّق بالفعل أیضا کما باللفظ.

ثمَّ بعض الاُمور الإنشائیة لا تتحقّق إلاّ باللفظ بل إلاّ بالصیغ الخاصة نحو: النکاح و الطلاق و الظهار و الإیلاء و اللعان.

فما ورد من الروایات بالنسبة إلی الأخرس و طلاقه یکون خلاف القاعدة الأوّلیة لأنّ الطلاق معتبر فیه اللفظ الخاص، و الأخرس إن لم یتمکن من التکلّم به ولکن یتمکن من التوکیل، و لذا لو کنّا و القاعدة الأوّلیة لابدّ له من التوکیل ولکن النصوص وردت فی مباشرته للطلاق و نفوذ طلاقه کما ورد فی صحیحة البزنطی أنّه سأل أباالحسن الرضا علیه السلام عن الرجل تکون عنده المرأة یصمت و لا یتکلّم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، و یعلم منه بغض لامرأته و کراهة لها، أیجوز أن یطلّق عنه ولیّه؟ قال: لا، ولکن یکتب و یشهد علی ذلک، قلت: أصلحک اللّه، فإنّه لایکتب و لایسمع، کیف یطلقها؟ قال: بالذی یعرف به من

ص:206

أفعاله مثل ما ذکرت من کراهته و بغضه لها.(1)

و فی حسنة أبان بن عثمان قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن طلاق الخُرْسِ(2) قال: یلفُّ قناعها علی رأسها و یجذبه.(3)

و فی معتبرة السکونی عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: طلاق الأخرس أن یأخذ مقنعتها و یضعها علی رأسها و یعتزلها.(4)

و نحوها خبر أبیبصیر.(5)

و کذا تحریک لسان الأخرس و إشارته یقومان مقام تلبیته و تشهده و قراءته الصلاتیة کما فی معتبرة السکونی عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: تلبیة الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه و إشارته بإصبعه.(6)

و لذا نأخذ بهذه النصوص و نحکم بنفوذ طلاقه، و بعدم الفرق بینه و بین النکاح فکذا نکاحه، و أمّا غیرها من العقود و الإیقاعات فحکم الأخرس مطابق للقاعدة الأوّلیة من إنشائها بالفعل تصح منه و من غیره.

فحینئذ لا فرق بین الأخرس و غیره فی العقود و کذا المعاطاة فالتفصیل بینه و بین غیره کما یظهر من الشیخ الأعظم(7) رحمه الله فی غیر محلّه. لأنّه قادر علی إنشاء العقد ولکن

ص:207


1- (1) وسائل الشیعة 22/47، ح1، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
2- (2) الخُرسْ: جمع الأخْرَسِ.
3- (3) وسائل الشیعة 22/47، ح2.
4- (4) وسائل الشیعة 22/48، ح3.
5- (5) وسائل الشیعة 22/48، ح5.
6- (6) وسائل الشیعة 6/136، ح1، الباب 59 من أبواب القرأة فی الصلاة _ و وسائل الشیعة 12/381، ح1، الباب 39 من أبواب الإحرام.
7- (7) المکاسب 3/118.

بالإشارة و کذلک هو قادرٌ علی إنشاء المعاطاة بها و بفعله فلا فرق بینه و بین غیره فی المعاطاة.

و یؤید ما ذکرنا من کفایة الإنشاء بالفعل ما ورد فی صحیحة الحلبی عن أبیعبداللّه علیه السلام أنّ أباه حدّثه: أنّ أمامة بنت أبیالعاص بن الربیع و اُمّها زینب بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله فتزوّجها بعد علی علیه السلام المغیرة بن نوفل، أنّها وجعت وجعا شدیدا حتّی اعتقل لسانها فأتاها الحسن و الحسین علیهماالسلام و هی لا تستطیعُ الکلام، فجعلا یقولان _ و المغیرة

کاره لما یقولان _ : اعتقت فلانا و أهله؟ فتشیر برأسها: أن نعم، و کذا و کذا، فتشیر برأسها: نعم أم لا، قلت: فأجازا ذلک لها؟ قال: نعم.(1)

و کذا خبر علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال: سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو إمرأة فجعل أهالیهما یسائله: اعتقت فلانا و فلانا فیؤمیء برأسه أو تؤمی برأسها فی بعض نعم، و فی بعض: لا، و فی الصدقة مثل ذلک، أیجوز ذلک؟ قال: نعم جائز.(2)

و کذا خبر محمّد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمیرالمؤمنین علیه السلام کانت أوّل امرأة هاجرت إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله من مکة إلی المدینة علی قدمیها _ إلی أن قال _ و قالت لرسول اللّه صلی الله علیه و آله یوما: إنّی اُرید أن أعتق جاریتی هذه، فقال لها: إن فعلتِ أعتق اللّه بکلّ عضو منها عضوا منکِ من النار، فلما مرضتْ اُصتْ إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و أمرت أن یعتق خادمها و اعتقل لسانها، فجعلت تومیء إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله إیماء فقبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وصیتها، الحدیث.(3)

و لذا ذهب المحقّق فی ظاهر عبارته فی النافع إلی الاکتفاء بالإشارة مع إمکان النطق و

ص:208


1- (1) وسائل الشیعة 23/80، ح1، الباب 44 من أبواب کتاب العتق.
2- (2) وسائل الشیعة 19/374، ح2، الباب 49 من أبواب کتاب الوصایا.
3- (3) وسائل الشیعة 19/374، ح3.

قال: «و تکفی الإشارة الدالة علی القصد، و لا تکفی الکتابة ما لم تنضم القرینة الدالة علی الإرادة»(1).

و قال فی الجواهر: «... لما ذکرناه من کفایة الفعل فی إجراء حکم الوصیة و إن لم یتحقّق بذلک عقدها و أنّه کالمعاطاة فی البیع»(2).

الرابع: هل تتحقّق العقود بالکتابة؟

علی ما سلکناه من أنّ العقود تحتاج إلی ما تُنْشَأُ به و هو یمکن أن یکون قولاً و صیغةً و کذلک یمکن أن یکون فعلاً و عملاً و ثالثة یمکن أن یکون کتابةً و خطا، فحینئذ یجوز تحقّق العقود و الإیقاعات بالکتابة إلاّ مادلّ الدلیل علی لزوم التلفظ و النّطق بها نحو: النکاح و الطلاق.

ولکن عند القوم العقود لا تتحقّق إلاّ باللفظ و مع عدم التمکن من اللفظ نحو

الأخرس تتحقّق بالإشارة و مع عدم التمکن منها تتحقّق بالکتابة. فالکتابة عندهم تکون أَدْوَنَ من الإشارة و لذا قال فی المفتاح معلقا علی قول العلاّمة فی القواعد: «و لا تکفی الکتابة بدون الإشارة و اللفظ»، «قضیة مفهوم العبارة کفایة الکتابة فی العمل بها مع القرینة الدالة علی المراد و العجز عن النطق کالاشارة المفهمة و قد حکی الإجماع فی الإیضاح علی ذلک، و فی التنقیح أنّه لاخلاف فیه، و فی جامع المقاصد نفی الشک فیه و به صرح فی الجامع و التذکرة فی موضعین منها و التحریر و التبصرة و إیضاح النافع و جامع المقاصد و الروضة... و قد احتمل فی التذکرة فی أوّل کلامه کفایة الکتابة مع القدرة علی النطق و هو الظاهر من عبارة النافع...»(3).

ص:209


1- (4) المختصر النافع /163.
2- (5) الجواهر 28/246.
3- (1) مفتاح الکرامة 9/379 من الطبعة الاولی.

و فی وصایا الجواهر: «ربّما ظهر من تقیید الاکتفاء بالعجز عدم الاکتفاء بها مع الاختیار، بل هو صریح المحکی عن الفاضل و ولده و الشهیدین و المحقّق الثانی و القطیفی بل عن السرائر نفی الخلاف فیه، نعم عن التذکرة احتمال الاکتفاء بها مع الاختیار فی أوّل کلامه بل لعلّه الظاهر من النافع و فی الریاض أنّه لا یخلو عن قوة مع قطعیة دلالة القرینة...»(1).

و قال الشیخ جعفر: «و العبارة السقیمة مقدّمة علیها (أی علی الإشارة) و الکتابة مؤخّرة عنها»(2).

ولکن علّق علیه صاحب الجواهر بقوله: «... بل لا یبعد أنّ المراد کل ما دلّ علی المقصود غیر اللفظ حتّی الکتابة التی قد صرح فی الاجتزاء بها حینئذ فی محکی التحریر و نهایة الإحکام و الدروس و غیرها... فما فی شرح الاُستاد من أنّ الکتابة قاصرة عن الإشارة لایخلو من نظر هذا»(3).

أقول: دخول الکتابة فی الإشارة بعید فی الغایة، لأنّهما شیئان مختلفان حتّی عند عرف ذلک الزمان کما هو الواضح.

و قال الشیخ الأعظم قدس سره : «و الظاهر أیضا کفایة الکتابة مع العجز عن الاشارة لفحوی ما ورد من النص علی جوازها فی الطلاق مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فیه، و أمّا مع القدرة علی الاشارة فقد رجّح بعض الاشارة و لعلّه لأنّها أصرح فی الإنشاء من الکتابة، و

فی بعض روایات الطلاق ما یدلّ علی العکس و إلیه ذهب الحلّی(4) رحمه الله هناک»(5).

ص:210


1- (2) الجواهر 28/248.
2- (3) شرح القواعد 2/18.
3- (4) الجواهر 22/251.
4- (1) السرائر 2/678.
5- (2) المکاسب 3/118.

یؤید ما ذکرناه من تحقّق العقود بالکتابة آیتها(1) الواردة فی کتاب اللّه تعالی و هی أطول آیةٍ.

و صحیحة البزنطی عن الرضا علیه السلام فی شأن الأخرس أنّه قال فی حدیث: ولکن یکتب و یشهد علی ذلک، الحدیث.(2)

و معتبرة یونس فی رجل أخرس کتب فی الأرض بطلاق امرأته، قال: إذا فعل فی قبل الطهر بشهود و فهم عنه کما یفهم عن مثله و یرید الطلاق جاز طلاقه علی السنة.(3)

و صحیحة إبیحمزة الثمالی قال: سألت أباجعفر علیه السلام عن رجل قال لرجل: اکتب یا فلان إبی امرأتی بطلاقها أو اکتب إلی عبدی بعتقه، یکون ذلک طلاقا أو عتقا؟ قال: لا یکون طلاقا و لا عتقا حتّی ینطق به لسانه أو یخطّه بیده و هو یرید الطلاق و العتق و یکون ذلک منه بالأهلة و الشهود و یکون غائبا عن أهله.(4)

أقول: تحمل الروایة علی طلاق الغائب عن أهله و أمّا حملها علی التقیة أو علی التلفظ معها أو علی حدوث علم الزوجة و العبد بالطلاق و العتق أو علی الأخرس کما عن صاحب الوسائل فلا یَتُمُّ. نعم یأتی منّا فی آخر البحث ما یفید فی المقام فانتظر.

و فی معتبرة سَدیر عن أبیجعفر علیه السلام قال: دخلت علی محمّد بن علی، _ ابن الحنفیة _ و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصیة فلم یجب، قال: فأمرت بطشت فجعل فیه الرمل فوضع، فقلت له: خطّ بیدک، فخطّ وصیته بیده فی الرمل و نسخت أنا فی صحیفة.(5)

ص:211


1- (3) سورة البقرة /282.
2- (4) وسائل الشیعة 22/47، ح1، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
3- (5) وسائل الشیعة 22/48، ح4.
4- (6) وسائل الشیعة 22/37، ح3، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
5- (7) وسائل الشیعة 19/372، ح1، الباب 48 من أبواب کتاب الوصایا.

لم یذکر الصدوق سنده إلی عبدالصمد بن محمّد فی مشیخة الفقیه ولکن له سند آخر للروایة فی کتابه کمال الدین(1) و کذا للشیخ سند لها فی التهذیب(2) و کلاهما معتبران. و سَدیر ذکره النجاشی(3) فی ترجمة ابنه الحسن و لم یطعن علیه فهو إمامی معتبر.

و حسنة ابراهیم بن محمّد الهمدانی قال: کتبت إلی أبیالحسن علیه السلام : رجل کتب کتابا بخطه و لم یقل لورثته: هذه وصیتی، و لم یقل: إنّی قد اوصیت إلاّ أنّه کتب کتابا فیه ما أراد أن یوصی به، هل یجب علی ورثته القیام بما فی الکتاب بخطه و لم یأمرهم بذلک؟ فکتب علیه السلام : إن کان له ولد ینفذون کلّ شیء یجدونه فی کتاب أبیهم فی وجه البرّ و غیره.(4)

نعم، قد مرّ فی أوّل البحث أنّ بعض العقود لا تتحقّق إلاّ باللفظ و منها: الطلاق لما ورد فی صحیحة زرارة قال: سألته عن رجل کتب إلی امرأته بطلاقها أو کتب بعتق مملوکه و لم ینطق به لسانه، قال: لیس بشیء حتّی ینطق به.(5)

و وَرَدَ فی خبر زرارة(6) أیضا.

و کذا ورد فی صحیحته الاُخری قال: قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل کتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: لیس ذلک بطلاق و لاعتاق حتّی یتکلّم به.(7)

فکلّ ما ثبت بالدلیل خروجه فهو و إلاّ تتحقّق العقود بالکتابة و اللّه العالم.

ص:212


1- (8) کمال الدین /36.
2- (9) التهذیب 9/241.
3- (10) رجال النجاشی /62، الرقم 146.
4- (1) وسائل الشیعة 19/372، ح2.
5- (2) وسائل الشیعة 22/36، ح1.
6- (3) وسائل الشیعة 23/81، ح1، الباب 45 من أبواب کتاب العتق.
7- (4) وسائل الشیعة 22/36، ح2.

الخامس: ما یُنْشَأُ به لابدّ أن یکون صریحا فی العقد و الإیقاع

1- اشارة

قد عرفت أنّ العقود و الإیقاعات تکون من الاُمور الإنشائیة و هی لا تتحقّق إلاّ بما یُنْشَأُ به، و قد مرّ أنّ ما یُنْشَأُ به کما یمکن ان یکون قولاً و لفظا و صیغة کذلک یمکن أن یکون فعلاً و عملاً، و کذلک یمکن أن یکون کتابة و سطرا، ولکن فی الجمیع لابدّ أن یکون ما ینشأ به العقد أو الإیقاع صریحا أو ظاهرا عرفا فی ذاک العقد أو الإنشاء، بحیث یتمیّز عن غیره فمادام لم یکن صریحا أو ظاهرا عرفا فی العقد لا یتحقّق ذلک.

نعم، یمکن تعیین الظهور و تصریح بالقرائن المقالیة و الحالیة فی تمییز عقد عمّا سواه.

و بما ذکرنا نستغنی من البحث حول مادة الصیغة و هیئتها و ترتیبها و أنّها بأجمعها موکل إلی العرف و تعیین الظهور إلاّ ما ورد من الشرع تحدیدها نحو صیغ النکاح و الطلاق و الظهار و الإیلاء و اللعان و أنّها لا تتحقّق إلاّ بالصیغ الخاصة.

2- ثم لابدّ من التنبیه علی فروع:
اشارة
الإختلاف فی تعیین الموجب و القابل

ذهب الشیخ الأعظم(1) رحمه الله فیه إلی الحکم بالتحالف و عدم ترتب الأثار المختصة بالبائع و المشتری علیهما.

و فیه: الآثار إمّا مترتب علی عنوان البیع نحو خیار المجلس أو علی عنوان المشتری فقط کخیار الحیوان فإنّه مختص به علی المشهور.

ولو فرض وجود أثر علی عنوان البائع فلابدّ من تعین المدعی و المنکر علی موازین القضاء للمدعی البینة و الیمین علی من أنکر و لا تصل النوبة إلی التداعی و التحالف.

و أمّا ما قد یقال: من أنّ کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و استُدِلَ له

ص:213


1- (1) المکاسب 3/134.

بالإجماع و مرسلة عوالی اللآلی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه(1) و خبر عقبة بن خالد فی رجل اشتری متاعا من رجل و اُوجبه غیر أنّه ترک المتاع عنده و لم یقبضه، قال: آتیک غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، مِن مال مَن یکون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذی هو فی بیته حتّی یقبض المتاع و یخرجه من بیته فإذا أخرجه من بیته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّی یردَّ ماله إلیه.(2) فهذه ثمرة تترتب علی عنوان البائع.

فلا یتم، لأنّ الاجماع مدرکیٌّ و المرسلة لا یمکن الاستدلال بها و الخبران ضعیفان سندا و لایجبر ضعف سندهما بعمل الأصحاب، لعدم استناد عملهم بهما لوجود السیرة القطعیة عند العقلاء بتسلیم الثمن و المثمن فی المعاملات و القبض و الإقباض فمادام لم یتحقّق القبض فإن تلف فهو من مال صاحبه الأوّل و هذه السیرة تجری فی ناحیة البائع کما تجری فی ناحیه المشتری بالنسبة إلی الثمن. فلا تترتب هذه الثمرة علی عنوان البائع خاصة.

هل تعتبر العربیة فی العقد؟

المحکی عن السیّد عمید الدین: «یشترط فی سائر العقود و النذور و العهد و الیمین وقوعها باللفظ العربی»(3).

و اعتبرها الفاضل المقداد(4)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(5) و رسالة صیغ

العقود(6) و حاشیة الارشاد(7)، و الشهید الثانی فی الروضة(8).

ص:214


1- (2) عوالی اللآلی 3/212، ح59 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/303، ح1، الباب 9 من أبواب الخیار.
2- (3) الکافی 5/171، ح12.
3- (4) الحاکی عنه هو الشهید فی حواشیهِ علی القواعد کما فی مفتاح الکرامة 12/523.
4- (5) التنقیح الرائع 2/184، کنزالعرفان 2/72.
5- (6) جامع المقاصد 4/59.
6- (1) رسالة صیغ العقود /178، المطبوعة فی المجلّد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
7- (2) حاشیة الارشاد /335 المطبوعة فی المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره.
8- (3) الروضة البهیة 3/225.

و استدل لها المحقّق الثانی فی حاشیة الارشاد و جامع المقاصد بالتأسی، و زاد فی الأوّل ب_ «أنّ إیقاع العقد بلفظ غیر الماضی غیر صحیح مع أنّه عربی اتفاقا فغیر العربی بطریق اُولی»(1).

و فیه: أوّلاً: نعم، الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله أنشأ العقود بالعربیة ولکن من جهة أنها لسان قومه کما هی کذلکِ فی محاوراته و محادثاته.

و ثانیا: لو کانت العربیة معتبرة لظهرت و بانت لأنّ الناس یُبْتَلَوْنَ بها أکثر من ابتلائهم بالصلوات الخمس.

و ثالثا: سیأتی منّا عدم اعتبار الماضویة فی العقود، و منع الاُولویة فی المقام لأنّ من الممکن أنّ غیر العربیة یکون صحیحا ولکن العربیة بغیر الماضی لم تکن صحیحة، و یمکن ان یقال: «إذا لم یکن قادرا علی الماضی یجوز بغیر العربیة و لا یجوز بغیر الماضی» کما فی مفتاح الکرامة(2).

و رابعا: شمول عمومات و مطلقات العقود و وجوب الوفاء بها للعقد غیر العربی.

و خامسا: ولو قلنا باعتبار العربیة فإنّما تکون مع القدرة و أمّا مع العجز فتجوز بغیر العربیة کما قطع به الأصحاب ولو بالتعلّم بلامشقّة و لا فوت غرض مقصود کما نبّه علیه الفاضل الإصبهانی(3) رحمه الله .

نعم، فی صیغ النکاح الإجماع علی عدم الصحة بغیر العربیة مع القدرة کما عن الشیخ

ص:215


1- (4) حاشیة الارشاد /335.
2- (5) مفتاح الکرامة 12/527.
3- (6) کشف اللثام 7/47.

فی المبسوط(1) و العلاّمة فی التذکرة(2)، و خالفهم ابن حمزة فی الوسیلة(3) و ذهب إلی

استحباب العربیة فیه.

و أمّا العربی الملحون من حیث المادة أو الهیئة أو الإعراب بناءً علی القول باعتبار العربیة، فإنّ العربیّة الصحیحة المتیقّنة تکون من أسباب النقل و الانتقال و أمّا الملحونة فلا، فلا یصحّ إنشاء العقود بها.

إمّا بناء علی ما اخترناه من جواز إنشاء العقود بکلّ ما یُنْشَأُ به فلابدّ من التفصیل بین ما یعدّ فی العرف أیضا غلطا فلا یصح الإنشاء به و بین ما یعد غلطا بحسب القواعد العربیة فقط ولکن العرف یستعملونه فیتم الإنشاء به.

و بالجملة فالأمر فی العربیة الملحونة مُوْکَلٌ إلی العرف و أنّه یحکم بغلطها أو لا یراها غلطا و فی الأخیر یصح الإنشاء به.

ثم هل المعتبر _ علی فرض اعتبارها _ عربیة الصیغة فقط فیصح نحو: بعتک _ این کتاب را به فلان مقدار _ أو لابّد أن یکون الجمیع بالعربیة؟!

الظاهر کفایة صحة العقد بعربیة صیغتها، أما سائر متعلقاتها فیجوز فیها غیر العربیة لعدم احتمال أن یکون اللفظ غیر العربی مخلاًّ بصحة العقد، و یدلّ علی ما ذکرنا عدّة من الروایات.

منها: صحیحة اسماعیل بن عبدالخالق(4) و صحیحة العلاء(5).

ص:216


1- (7) المبسوط 4/194.
2- (8) تذکرة الفقهاء 2/582 من طبع الحجری.
3- (9) الوسیلة /291.
4- (1) وسائل الشیعة 18/53، ح14، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
5- (2) وسائل الشیعة 18/63، ح5، الباب 14 من أبواب أحکام العقود.

و بهما تحمل صحیحة الحلبی(1) و خبر جراح الملائنی(2) و معتبرة حنان بن سدیر(3) علی الکراهة، و اللّه العالم.

هل یعتبر علم المتکلم بمعنی الصیغة تفصیلاً؟

جهله بها یتصور علی القسمین:

الأوّل: أن یکون المنشیء جاهلاً بمعنی الصیغة و مضمونها راسا بل ربما یکون المرتکز فی ذهنه غیر ما یفهمه أهل اللغة و العالمون بها فحینئذ لا یصح الإنشاء بها للإخلال بقصد الإنشاء فلا یتحقّق الإنشاء لأنّه لا یدری معنی الصیغة حتّی یقصد الإنشاء بها.

الثانی: المنشیء یعلم إجمالاً معنی الصیغة ولکنّها جاهل بها تفصیلاً _ أی لا یدری وقوع أیّ جزء منها بإزاء أیّ جزء من معناها _ فهو لا یدری کیفیة الدلالة، فحینئذ یجوز الإنشاء بها لعدم الدلیل علی اعتبار العلم التفصیلی بمعنی الصیغة و لقیام السیرة القطعیة علی الصحة فی هذا الفرض، لأنّ لایطلع علی المعنی التفصیلی إلاّ الأفاضل. و لم یثبت أیّ ردع بالنسبة إلی جریان العقود و الإیقاعات توسط عموم الناس الغافلین من کیفیة الدلالة و معانی المفردات.

و من هنا ظهر عدم ابتناء المسألة علی اعتبار العربیة فی الصیغة کما هو ظاهر الشیخ الأعظم رحمه الله حیث یقول: «الظاهر هو الأوّل (أی اعتبار العلم التفصیلی) لأنّ عربیة الکلام لیست باقتضاء نفس الکلام، بل بقصد المتکلم منه المعنی الذی وضع له عند العرب...»(4).

بل الظاهر ایتان النزاع حتّی علی القول بجواز إنشاء الصیغ بغیر العربیة و لذا اعترض

ص:217


1- (3) وسائل الشیعة 18/61، ح1.
2- (4) وسائل الشیعة 18/62، ح2.
3- (5) وسائل الشیعة 18/63، ح3.
4- (1) المکاسب 3/137.

علیه الفقیه الیزدی بقوله: «... بل یکفی الإیتان بالصیغة الصحیحة بقصد الإنشاء مع العلم بها بأنّها لإنشاء البیع أو غیره، و إن لم یفهم المعنی تفصیلاً و لم یمیز بین الخصوصیات، حتّی بالنسبة إلی النکاح أیضا فتدبر»(1).

اشتراط الماضویة فی الصیغ

ذهب إلی الاشتراط ابن حمزة فی الوسیلة(2) و المحقّق فی الشرائع(3) و العلاّمة فی التذکرة(4) و التحریر(5) و المختلف(6) و القواعد(7) و الإرشاد(8) و ولده فی شرحه(9) و الشهید فی الدروس(10) و اللمعة(11)، و الفاضل المقداد فی التنقیح(12)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(13) و صِیغَ العقود(14) و حاشیة الإرشاد(15)، و الشهید الثانی فی المسالک(16) و

ص:218


1- (2) حاشیته علی المکاسب 1/424.
2- (3) الوسیلة /237.
3- (4) شرائع الإسلام 2/7.
4- (5) تذکرة الفقهاء 10/8.
5- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
6- (7) مختلف الشیعة 5/53.
7- (8) قواعد الأحکام 2/17.
8- (9) إرشاد الأذهان 1/359.
9- (10) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/552.
10- (11) الدروس الشرعیة 3/191.
11- (12) اللمعة الدمشقیة /109.
12- (13) التقیح الرائع 2/24.
13- (1) جامع المقاصد 4/59.
14- (2) رسالة صیغ العقود /177 المطبوعة فی ضمن المجلد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
15- (3) حاشیة الإرشاد /335.
16- (4) المسالک 3/153.

الروضة(1)، و المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان(2)، و الفیض الکاشانی فی المفاتیح(3) فهذا هو المشهور بین الأصحاب کما فی الأخیرین.

ولکن نُسب الخلاف إلی القاضی ابن البراج فی کتابیه: قال فی الکامل: «لو قال المشتری: بعنی هذا، فقال البائع: بعتک، انعقد»(4).

و قال فی المهذب: «لو قال المشتری: بعنی هذا، فیقول البائع: بعتک، صحّ»(5).

و استدل لهم: بأنّ الماضی صریح فی الإنشاء بخلاف الأمر و المضارع، لأنّ الأمر استدعاء و المضارع أشبه شیءٍ بالوعد.

و أنّ الإنشاء بغیر الماضی خارج عن العقود المتعارفة فلا تشمله العمومات.

و أنّ الاجماع قائم علی عدم جواز الإنشاء بالمضارع و الأمر کما نبّه علیه فی التذکرة(6) بالنسبة إلی الأوّل فقط.

و استدل علی عدم الاشتراط: صدق عنوان العقد علی المنشأ بالمضارع و الأمر فیکون مشمولاً للاطلاقات و العمومات.

و أنّهما یکونان صریحین فی الإنشاء بالقرائن المقالیة أو الحالیة کما أنّ الماضی کذلک بهما.

و الاجماع المُدعی لا یفید شیئا لأنّه مدرکیٌّ و مدرکه هو الوجوه الاعتباریة التی

ص:219


1- (5) الروضة البهیة 3/225.
2- (6) مجمع الفائدة و البرهان 8/145.
3- (7) مفاتیح الشرائع 3/49.
4- (8) نقل عنه العلاّمة فی مختلف الشیعة 5/53.
5- (9) المهذب 2/350.
6- (10) تذکرة الفقهاء 10/8.

ذکروها.

و قد ورد فی عدّة من الروایات الإنشاء بصیغة المضارع أو الأمر:

منها: صحیحة رفاعة النّخّاس.(1)

و منها: موثقة سماعة.(2)

و منها: موثقة اُخری له.(3)

و منها: موثقة عثمان بن عیسی و مضمره.(4)

و منها: خبر عبداللّه بن سلیمان.(5)

و منها: خبر أبان بن تغلب.(6)

و منها: خبر هِشام بن سالم الجوالیقی.(7)

و منها: خبر الأحول و هو محمّد بن علی بن النعمان مؤمن الطاق.(8)

و منها: صحیحة ثعلبة بن میمون.(9)

و منها: موثقة أبی بصیر.(10)

ص:220


1- (1) وسائل الشیعة 17/353، ح1، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) وسائل الشیعه، 17/353، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة 17/158، ح2، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
4- (4) وسائل الشیعة 17/158، ح3.
5- (5) وسائل الشیعة 17/159، ح6.
6- (6) وسائل الشیعة 21/43، ح1، الباب 18 من أبواب المتعة.
7- (7) وسائل الشیعة 21/45، ح6، وسائل الشیعة 20/264، ح10، الباب 1 من أبواب عقد النکاح.
8- (8) وسائل الشیعة 21/44، ح5.
9- (9) وسائل الشیعة 21/43، ح2.
10- (10) وسائل الشیعة 21/44، ح4.

و لا یضر إضمار هاتین الأخیرتین مضافا إلی جلالة راوِیَیْهِما و أنّهما لا ینقلان إلاّ من الإمام علیه السلام ، لأنّ الکلام فی جواز إنشاء العقود بصیغة المضارع و أنّهما _ أی ثعلبة و أبابصیر _ أنشأآ اعقد النکاح بالمضارع و لا یمکن لأحد أن یقال أنّهما لا یعلمان إنشاء عقد المتعة.

فتلک عشرة کاملة من الروایات _ و الباحث یجد أکثر منها _ فیّما یدلّ علی جواز إنشاء العقود بصیغتی المضارع و الأمر، لأنّ خبر الأحول ورد بصیغة الأمر.

تقدیم الإیجاب علی القبول
اشارة

هل یعتبر الترتیب بین الإیجاب و القبول بتقدیم الأوّل؟

نسب الشهیدان فی غایة المراد(1) و المسالک(2) إلی الشیخ فی الخلاف دعوی الاجماع

علی الاعتبار فلابدّ من ملاحظة کلامه.

قال الشیخ فی الخلاف: «إذا قال: بِعْنیه بألف، فقال: بعتک لم یصح البیع حتّی یقول المشتری بعد ذلک اشتریت أو قبلت... دلیلنا: إنّ ما اعتبرناه مجمع علی ثبوت العقد به و ما ادعوه لا دلالة علی صحته و الأصل عدم العقد، و من ادعی ثبوته فعلیه الدلالة»(3).

أقول: و أنت تری عدم وجدان الاجماع فی کلامه قدس سره علی اعتبار التقدیم إنّما قال بأنّ العقد لو وقع إیجابه أوّلاً ثم قبوله، الکلّ یقول بانعقاده و هذا البیان صحیح منه ولکنّه لن یدعی الاجماع فی المقام و لذا قال فی المفتاح بالنسبة إلی ادعاء اجماع الخلاف: «و هو وهم قطعا لأنّی تتبعت کتاب البیع فیه مسألة مسألة و غیره حتّی النکاح فلم أجده ادّعی ذلک و إنّما عبارته فی المقام توهم ذلک المستعجل... إلاّ أن یرید أنّه استدل بأنّه مجمع علیه»(4).

ص:221


1- (11) غایة المراد 2/16.
2- (12) المسالک 3/153.
3- (1) الخلاف 3/39، المسألة 56.
4- (2) مفتاح الکرامة 12/529.

قال فی بیع المبسوط: «عقد النکاح ینعقد بالإیجاب و القبول سواء تقدّم الإیجاب فقال [کقوله] زوّجتک بنتی، فقال، قبلت النکاح أو تأخّر الإیجاب کقوله: زوّجنی بنتک، فقال: زوّجتک، بلاخلاف.

فأمّا البیع فإن تقدم الإیجاب فقال: بعتک، فقال: قبلت، صحّ بلاخلاف، و إن تقدّم القبول فقال: بعنیه بألف فقال: بعتک، صحّ، و الأقوی عندی أنّه لا یصحّ حتّی یقول المشتری بعد ذلک: اشتریت. فإذا ثبت هذا فکلّ ما یجری بین الناس إنّما هو استباحات و تراض دون أن یکون ذلک بیعا منعقدا...»(1).

ولکن قال فی نکاح المبسوط: «... فإذا تعاقدا فإن تقدّم الإیجاب علی القبول، فقال: زوّجتک، فقال: قبلتُ التزویج صحّ، و کذلک إذا تقدّم الإیجاب فی البیع علی القبول صحّ بلاخلاف.

و أمّا إن تأخّر الإیجاب و سبق القبول، فإن کان فی النکاح فقال الزوج: زوّجتنیها، فقال: زوّجتکها صحّ، و إن لم بعد الزوج القبول بلاخلاف، لخبر سعد الساعدی قال الرجل زوّجنیها یا رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، فقال: زوّجتکها بما معک من القرآن، فتقدم القبول و تأخر

الإیجاب، و إن کان هذا فی البیع، فقال بعنیها، فقال: بعتکها صح عندنا و عند قوم من المخالفین، و قال قوم منهم لا یصحّ حتّی یسبق الإیجاب»(2).

و أنت تری بأنّ الشیخ عدل فی باب النکاح عمّا ذهب إلیه فی باب البیع من المبسوط و الخلاف من لزوم تقدّم الإیجاب علی القبول فی البیع فقط و قال: «صح عندنا و عند قوم من المخالفین».

ص:222


1- (3) المبسوط 2/87.
2- (1) المبسوط 4/194.

و الحاصل: اعتبار الترتیب بین الإیجاب و القبول هو مذهب الشیخ فی الخلاف(1) و بیع المبسوط(2)، و خیرة ابنی حمزة و ادریس فی بیع الوسیلة(3) و السرائر(4)، و عدّه من الأقوی العلاّمة فی التذکرة(5) و من الأشهر فی المختلف(6) و نجله فی الإیضاح(7) کما هو ظاهر شرحه علی الإرشاد(8)، و کذا ظاهر الشهید فی غایة المراد(9) و کذا عدّه من الأقوی الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع(10)، و المحقّق الکرکی فی جامع المقاصد(11) و فی صیغ العقود(12) ذهب إلی أنّه الأصح، و فی حاشیته علی الإرشاد علی أنّه الأظهر(13)، و ذهب الشیخ جعفر علی أنّه الأشهر و الأظهر فی شرحه علی القواعد(14).

و أمّا عدم الاعتبار فهو مذهب جماعة کما هو المنقول(15) عن القاضی ابن البراج و

ص:223


1- (2) الخلاف 3/39.
2- (3) المبسوط 2/87.
3- (4) الوسیلة /237.
4- (5) السرائر 2/250.
5- (6) تذکرة الفقهاء 10/8.
6- (7) مختلف الشیعة 5/52.
7- (8) ایضاح الفوائد 1/413.
8- (9) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/529.
9- (10) غایة المراد 2/16.
10- (11) التنقیح الرائع 2/24.
11- (12) جامع المقاصد 4/60 و 12/74.
12- (13) صیغ العقود /177 المطبوعة فی ضمن المجلّد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
13- (14) حاشیة الإرشاد /335.
14- (15) شرح القواعد 2/19.
15- (16) الناقل هو العلاّمة فی المختلف 5/52.

عدّه المحقّق فی الشرائع(1) من الأشبه، و ذهب العلاّمة فی نهایة الإحکام(2) أنّه الأقوی و فی

التحریر(3) أنّه الأقرب، و تنظر فی الاشتراط فی القواعد(4) و الإرشاد(5) و تبعه الشهید فی الأقربیة فی الدروس(6)، و فی اللمعة(7) ذهب إلی عدم اعتبار الاشتراط و إن کان تقدیمه أحسن، و عدم الاعتبار هو اختیاره فی حواشیه علی القواعد(8). و صاحب المیسیة(9) ذهب إلی أنّ عدم الاشتراط هو الأقوی و کذا الشهید الثانی فی المسالک(10)، و فی الروضة(11) ذهب إلی عدم الاشتراط و إن کان تقدیم الإیجاب أحسن، و المحقّق الأردبیلی ذهب إلی أنّه الأظهر فی مجمع الفائدة و البرهان(12)، و المحقّق السبزواری علی أنّه الأقرب فی الکفایة(13). و کذا الفقیه المتتبع السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة(14). و کلّ هذه المنقولات منه قدس سره .

و هو ظاهر السیّد ابن زهرة فی الغنیة لأنّه لم یتعرض لهذا الاشتراط، و نحوه فی

ص:224


1- (17) الشرائع 2/7 و 2/217.
2- (18) نهایة الإحکام 2/448.
3- (1) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
4- (2) قواعد الأحکام 2/17.
5- (3) إرشاد الأذهان 1/359.
6- (4) الدروس الشرعیة 3/191.
7- (5) اللمعة /109 و 184.
8- (6) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/531.
9- (7) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/531.
10- (8) المسالک 3/154.
11- (9) الروضة البهیة 3/225.
12- (10) مجمع الفائدة و البرهان 8/145.
13- (11) الکفایة 1/449.
14- (12) مفتاح الکرامة 12/531.

الریاض للسیّد الطباطبائی و المستند للفاضل النراقی.

و ذهب بعضٌ إلی التفصیل بین النکاح و غیره من العقود فیجوّزه فیه دون غیره کما یظهر من الشیخ فی بیع المبسوط(1) و ابن حمزة فی الوسیلة(2) و یمکن استفادة هذا التفصیل من کلام فخر المحققین فی ایضاح الفوائد(3)، و نسب السیّد محمّد العاملی _ صاحب المدارک _ عدم اشتراط تقدیم الإیجاب فی النکاح إلی المشهور بین الأصحاب فی کتابه نهایة المرام(4).

و ذهب بعضٌ إلی التفصیل بین القبول بلفظ قبلت و نحوه و غیره فجوّز التقدیم فی الثانی دون الأوّل کما یظهر من الشهید الثانی فی المسالک(5) و المحقّق الأردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان(6).

فهذه أربعة أقوال فی المقام.

أدلة الأقوال

یمکن أن یستدل للترتیب بوجوه:

الأوّل: أصالة عدم تحقّق العقد و عدم تحقّق الآثار المترتبة علیه و منها النقل و الانتقال إلاّ بما ثبت من الأدلة، و لیس إلاّ ما قدّم فیه الإیجاب.

الثانی: أدلة وجوب الوفاء بالعقود تنصرف إلی ما کانت منها مرتبة بین الایجاب ثم القبول و العکس لیس مشمولاً لأدلتها فلا یصحّ.

ص:225


1- (13) المبسوط 2/87.
2- (14) الوسیلة /237 و 291.
3- (15) ایضاح الفوائد 1/413.
4- (16) نهایة المرام 1/26.
5- (1) المسالک 3/154.
6- (2) مجمع الفائدة و البرهان 8/146.

الثالث: القبول هو انفعال _ أی مبنیّ علی کون الفعل صادرا من آخر حتّی یتحقّق الانفعال _ فلو قدّم القبول لزم البناء علی أمر لم یتحقّق.

و یمکن أن یستدل لعدم اعتبار الترتیب بوجوه تظهر منها المناقشة فی أدلة الترتیب:

الأوّل: اطلاق أدلة وجوب الوفاء بالعقود الشامل لصورتی التقدیم و التأخیر و الأصل عدم التقیید.

الثانی: الروایات الواردة فی بیع العبد الآبق(1)، و بیع المصحف(2)، و بیع الثمر(3) و صیغة المتعة(4) التی مرّ بعضها فی البحث عن الماضویة تدلّ علی جواز تقدّم القبول.

الثالث: ما ورد فی جواز جعل المهر تعلیم شیءٍ من القرآن نحو: صحیحة محمّد بن مسلم(5) و مرسلة سهل بن سعدٍ الساعدی(6) التی رواها العامة(7).

و یستفاد من الروایتین أحکام أربعة:

أ: جواز تقدیم القبول علی الإیجاب.

ب: جواز وقوع القبول بلفظ الأمر.

ج: جواز الفصل بین الإیجاب و القبول.

د: جواز جعل المهر تعلیم شیء من القرآن.

ولکن استفادة الثلاثة الاُوَل منهما مبنیّة علی أنّ الإیجاب قوله صلی الله علیه و آله : «زوّجتُکها» و

ص:226


1- (3) وسائل الشیعة 17/353، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (4) وسائل الشیعة 17/158، الباب 31 من أبواب مایکتسب به.
3- (5) وسائل الشیعة 18/219، ح1، موثقة سماعة، الباب 3 من أبواب بیع الثمار.
4- (6) وسائل الشیعة 21/43، الباب 18 من أبواب المتعة.
5- (7) وسائل الشیعة 21/242، ح1، الباب 2 من أبواب المهور.
6- (8) عوالی اللآلی 2/263، ح8 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 15/61، ح2.
7- (9) صحیح البخاری 4/192، ح4742، سنن البیهقی 7/242.

القبول قول الصحابی: «زوّجنیها» قبلها بفصل غیر قصیر کما فهمه جمعٌ.(1)

و یمکن أن یستدل للتفصیل بین النکاح و غیره من العقود بأنّ النص ورد فیه کما فی صحیحة محمّد بن مسلم و مرسلة سهل الساعدی المذکورتین، و أمّا فی غیره من العقود فَیُتَمسَّکُ بالأصل من لزوم اشتراط الترتیب.

إن قلت: إذا قبلت تقدیم القبول علی الإیجاب فی النکاح فیجری فی غیره من العقود إمّا لوجود الإجماع المرکب بعدم القائل بالفرق بین النکاح و غیره، و إمّا بالاُولویة القطعیة إذ من المعلوم أنّ الاحتیاط فی أمر الفروج أزید من غیره و إذا صحّ العقد فیه، ففی غیره بطریق اُولی.

قلت: یمنع وجود الإجماع المرکب صحَّ القائل بالفصل _ کما مرّ القائل به _ و نمنع أیضا الاُولویة بأنّ الإیجاب فی النکاح إنّما هو فی طرف المرأة و هی تستحیی غالبا فالمناسب تقدیم القبول و لعلّ السر فیه مراعاة الحیاء _ کما عن الفاضل المراغی(2) _ و هو غیر موجود فی الأبواب الاُخر.

و یمکن أن یستدل للتفصیل بین القبول بلفظ قبلت و رضیت و بین غیره نحو تزوّجت و اشتریت و ابتعت، بأنّ کلمة القبول و ما بمعناه صریحة فی الانفعال أعنی أنّه مبنیٌّ علی کون الفعل صادرا من الآخر أوّلاً ثم القبول و إلاّ لزم البناء علی أمر لم یتحقّق.

و بعبارة اُخری: کلمة القبول و ما بمعناه صریحة فی البناء علی أمر سابق فاستعمالها فیما لم یقع بعد مستبعد راجع إلی استعمال المجاز البعید، بل ولو اُبقی معناه علی ما هو علیه لزم إرادة المحال، فأمره دائر بین إرادة المحال أو المجاز البعید و کلاهما ممّا لا یصح فلا یجوز تقدیمه.

ص:227


1- (1) راجع مصباح الفقاهة 3/51.
2- (2) هو السیّد المیر عبدالفتاح الحسینی المراغی المتوفی عام 1250 من تلامیذ الشیخ الأکبر الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کتابه «العناوین» 2/170.

و أمّا ما عداه فلا صراحة فیه فی هذا المجال فلو اُبقی علی معناه صار کالإیجاب، ولو

صُرف عن معناه _ أیضا _ إلی القبول لم یکن بعیدا عن معناه.(1)

فذلکة کلام الشیخ الأعظم فی المقام و نقده

قسّم صیغة القبول باعتبار ألفاظها إلی ثلاثة أقسام:

الأوّل: إذا وقع القبول بلفظ قبلت و رضیت و نحوهما لم یجز تقدیمه علی الایجاب، للإجماع، و أنّ العمومات محمولة علی العقود المتعارفة و أنّه لیس منها، و أنّ القبول فرع الایجاب و لیس مجرد الرضا به حیث یمکن تعلّق الرضا بالأمر المتأخر بل المراد منه الرضا بالایجاب المتضمن لآثار العقد نحو نقل المال من الموجب إلی القابل نقلاً فعلیا و هذا المعنی لایتحقّق إلاّ بتأخر الرضا عن الایجاب، و السرّ فی ذلک أنّ کلمة قبلت و أشباهها قد اخذ فیها مفهوم الإنفعال و المطاوعة و لا یتحقّق ذلک فی الخارج إلاّ بتأخره عن الایجاب.

وفیه: أوّلاً: الاجماع المدعی غیر تام و قد عرفت الأقوال فی المسألة و وجود المخالف و علی فرض تمامیته أنّه مدرکیّ و لیس مدرکه إلاّ هذه الوجوه الاعتباریة المردودة.

و ثانیا: لا وجه لحمل العمومات أو الاطلاقات علی العقود المتعارفه بل هما تشملان المتعارفة و غیر المتعارفة.

و ثالثا: المتحصل من کلمات أهل اللغة و العرف أنّ العقد لا یوجد إلاّ بین شخصین سواء کان الصادر منهما مرکبا من الایجاب و القبول أو مرکبا من الایجابین فقط، و الاطلاقات و العمومات تشملهما. و لذا یمکن أن یعدّ القبول المقدّم ایجابا من صاحبه فیدخل فی ترکب العقد من الایجابین.

ص:228


1- (1) راجع العناوین 2/170.

و لذا نص الشهید الثانی(1) فی مقامات عدیدة أنّ القبول المقدّم یکون فی معنی الایجاب.

و رابعا: لو سلّمنا احتیاج العقد إلی القبول و سلّمنا أیضا أخذ الانفعال و المطاوعة فی مفهوم القبول، ولکنّا لا نسلّم استحالة تقدّم القبول علی الایجاب لأنّ القبول تارة یتعلق بالمعنی المصدری أعنی به إنشاء البائع، القول بالاستحالة یمکن أن تأتی هنا، و اُخری یتعلق باسم المصدر أعنی به نفس الأثر المترتب علی العقد مع قطع النظر عن اضافته إلی طرف الآخر فحینئد یمکن القول بتحقّق القبول قبل الایجاب لأنّ مفهوم الانفعال و المطاوعة هو الأخذ و یصدق علیه أنه أخذ المبدأ _ و هو العقد الخاص کالنکاح أو البیع _ و صح العقد نحو

قوله: قبلتُ و رضیتُ بأن أکون زوجا لکِ و أن تکونی زوجة لی، أو قبلت و رضیت مالک بمالی و نحوها.

و علیه فلا محذور من جهة تحقّق الانفعال و المطاوعة فی تقدّم القبول فی العقود أصلاً.

و خامسا: کلٌّ من المتعاقدین متساویان فی إحداث العقد، فکلّ مَنْ بدأ بالإحداث قاصدا ذلک صح، سواء سمّیته قبولاً أو ایجابا لأنّ القبول بهذا المعنی ایجاب کما مرّ و عموم أدلة العقود یشمله کما نص علیه الفاضل المراغی(2) و قد مرّ من ثانی الشهیدین آنفا.

الثانی: إذا وقع القبول بلفظ الأمر نحو: بعنی أو زوّجنی بنتک و أمثالها لم یجز أیضا تقدیمه علی الایجاب لأنّه استدعاء و لیس بصیغة القبول، مضافا إلی اعتبار الماضویة فی العقود کما علیه جماعة.

و فیه: أوّلاً: قد مرّ عدم اعتبار الماضویة فلانعید.

ص:229


1- (2) راجع المسالک 3/154 و 7/95 _ الروضة البهیة 5/110.
2- (1) العناوین 2/173.

و ثانیا: یمکن أنْ تُعَدَّ صیغة الأمر بالقرائن الحالیة و المقالیة قبولاً بالنسبة إلی العقد کما هو الحال فی صیغة الماضی.

و ثالثا: أدل دلیلٍ علی إمکان الشیء وقوعه و قد مرّ بعض الروایات الواردة فی تقدم القبول بصیغة الأمر نحو: خبر الأحول مؤمن الطاق(1) و صحیحة محمّد بن مسلم(2) و مرسلة سهل الساعدی(3).

الثالث: إذا وقع القبول بلفظ اشتریت و ابتعت و ملکت _ مخففا _ یجوز تقدیمه علی الایجاب، لعدم أخذ عنوان المطاوعة فیه حینئذ فأنشأ المشتری بهذه الألفاظ ملکیّة المثمن لنفسه بإزاء الثمن فلایفرق فی ذلک تقدّمه علی الإیجاب و تأخّره عنه.

أقول: الجواز تام عندنا فی جمیع الصور الثلاث.

ثم قال الشیخ الأعظم فی آخر کلامه: انّ العقد «إمّا أن یکون التزاما بشیءٍ من القابل کنقل ماله عنه أو زوجیّة، و إمّا لا یکون فیه سوی الرضا بالایجاب.

و الأوّل علی قسمین: لأن الالتزام الحاصل من القابل إمّا أن یکون نظیر الالتزام الحاصل من الموجب کالمصالحة أو متغایرا کالاشتراء.

و الثانی أیضا علی قسمین: لأنّه إمّا أن یعتبر فیه عنوان المطاوعة کالارتهان و الاتهاب والاقتراض، و إمّا أن لا یثبت فیه اعتبار أزید من الرضا بالإیجاب کالوکالة و العاریة و شبههما.

فتقدیم القبول علی الایجاب لا یکون إلاّ فی القسم الثانی من کلٍّ من القسمین»(4).

ص:230


1- (2) وسائل الشیعة 21/44، ح5.
2- (3) وسائل الشیعة 21/242، ح1.
3- (4) مستدرک الوسائل 15/61، ح2.
4- (1) المکاسب 3/156.

ولکن یمکن أن ینقض علیه، إذا قال أحد لصاحبه: قبلتُ المصالحة علی مالک الفلانی بهذا المال أو المبلغ، و أجابه الآخر: صالحتک مالی الفلانی بمالک أو المبلغ، و لا أظن بأحدٍ أن یذهب إلی بطلان هذه المصالحة لأجل تقدیم قبولها.

و کذا إذا قال للواهب: تملکتُ مالک مجانا، أو قال: قبلتُ هبتک، و قال الواهب بعد ذلک: وهبتک أو ملّکتک إیّاه، فهل لأحدٍ أن یقول ببطلان الهبة؟!

و کذا إذا قال المقترض: قبلتُ أو تملکتُ منک مأة دینار مع الضمان، و قال المُقْرِضُ: خُذْها، فهل یمکن القول ببطلانها؟!

و کذا إذا قال المرتهن: أخذتُ أو قبلتُ مالک الفلانی رهنا علی دینک، و قال الراهن: أرهنت، فهل لأحد القول بعدم انعقاد هذا العقد؟!(1)

و هل أنت تری فرقا بین هذه الأمثلة الأربعة و بین قول المشتری: قبلت هذا الثوب بألفین، و قال البائع بعده: بعته بهما.

و بین قول أحدٍ: قبلتُ و کالتک فی هذا الأمر، و أجابه الموکّل بقوله: و کلّتک.

و بین قول المستعیر: أَعِرْنِیْ أو قبلتُ عاریتک لهذا العین، و أجابه المعیر بقوله: أعرتک.

و لَعَمْرِی فصّل الشیخ الأعظم قدس سره وجه تفریقه بین الأمثلة الأربعة الاُولی و الثلاثة الأخیرة حتّی تعلّمنا الفرق بینها!!

و الحاصل: القول المختار فی المقام هو جواز تقدم القبول علی الایجاب مطلقا أیّ بلافرق بین ألفاظ القبول و بلافرق بین عقد النکاح و غیره من العقود و الحمدللّه.

ص:231


1- (2) هذه الأمثلة الثلاثة الأخیرة لشیخنا الاستاذ رحمه الله فی إرشاد الطالب 2/115.
الموالاة بین الإیجاب و القبول
اشارة

هل تعتبر الموالاة بینهما؟ و أن لا یتأخر القبول بحیث لا یعدّ جوابا للإیجاب؟ ذهب إلی اعتباره الشیخ فی خلع المبسوط(1) و العلاّمة فی نکاح القواعد(2) و خلعها(3) و بیع

نهایته(4) و الشهید فی وقف الدروس(5) و بیعها(6) و قواعده(7) و الفاضل المقداد فی التنقیح(8) و المحقّق الثانی فی خلع رسالة صیغ العقود(9) و بیع جامع المقاصد(10) و ثانی الشهیدین فی هبة المسالک(11) و خلعها(12) و الشیخ جعفر فی شرح القواعد(13) و السیّد العاملی فی المفتاح(14).

قال الشهید فی القواعد: «الموالاة معتبرة فی العقد و نحوه، و هی مأخوذة من اعتبار الاتصال بین الاستثناء و المستثنی منه، و قال بعض العامة: لا یضرّ قول الزوج بعد الإیجاب:

ص:232


1- (3) المبسوط 4/362.
2- (4) القواعد 3/10.
3- (5) القواعد 3/161.
4- (1) نهایة الإحکام 2/450.
5- (2) الدروس 2/264.
6- (3) الدروس 3/191.
7- (4) القواعد و الفوائد 1/234، القاعدة 73.
8- (5) التنقیح الرائع 2/24.
9- (6) المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الکرکی 1/201.
10- (7) جامع المقاصد 4/59.
11- (8) المسالک 6/9.
12- (9) المسالک 9/384.
13- (10) شرح القواعد 2/21.
14- (11) مفتاح الکرامة 12/532.

«الحمدللّه و الصلاة علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، قبلت نکاحها»(1).

و منه: الفوریة فی استتابة المرتدّ فیعتبر فی الحال، و قیل(2) إلی ثلاثه أیام.

و منه: السکوت فی اثناء الأذان فإن کان کثیرا أبطله.

و منه: السکوت الطویل فی اثناء القرأة أو قرأة خلالها، و کذا التشهد.

و منه: تحریم المأمومین فی الجمعة قبل الرکوع، فإن تعمّدوا أو نسوا حتّی رکع فلا جمعة. و اعتبر بعض العامة تحریمهم معه قبل الفاتحة.

و منه: الموالاة فی تعریف بحیث لا ینسی أنّه تکرار، و الموالاة فی سنة التعریف، فلو رجع فی اثناء المدّة استؤنف لیتوالی»(3).

أقول: اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه یعدّ من الاُمور البدیهیة، لأنّ الاستثناء من النفی یعید الإثبات، و الاستثناء من الإثبات یفید النفی فلابدّ من الاتصال بینهما للإفادة و کان لهما ظهور واحد. و فی فرض انفصال أحدهما عن الآخر کان لکلّ منهما ظهور خاص و لذا حکم بکفر من قال: لا إله و لم یعقبه بقوله إلاّ اللّه. أو أتی به بعد مدّة طویلة.

و الظاهر أنّ الشهید أراد أن یأخذ من اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه دلیلاً عاما لاعتبار الاتصال فی کل أمرٍ تدریجیٍّ ثبتت له الصورة الاتصالیة فی نظر العرف.

و مثّل قدس سره بلزوم الفوریة فی استتابة المرتد حیث تجب علیه المبادرة إلیها بعد طلب التوبة منه، و الوجه فی ذلک ثبوت الدلیل الشرعی علی وجوب الاستمرار فی الإسلام و عدم قطعه بالکفر. فلا یصح الاتیان بها علی المثال فی ما نحن فیه و لذا قال الشیخ الأعظم:

ص:223


1- (12) قاله النووی، اُنظر المجموع 17/307.
2- (13) قائله هو العلاّمة فی الإرشاد 2/189.
3- (14) القواعد و الفوائد 1/234، القاعدة /73.

«إنّ المطلوب فی الإسلام الاستمرار فإذا انقطع فلابدّ من اعادته فی أقرب الاُوقات»(1).

و أمّا دخول المأمومین فی صلاة الجمعة قبل رکوع الإمام فیحتاج إلی دلیل شرعی إن وجد فهو و یحمل علیه کلام الشیخ الأعظم: «لأنّ هیئة الاجتماع فی جمیع أحوال الصلاة من القیام و الرکوع و السجود مطلوبة فیقدح الإخلال بها»(2) و إلاّ یرجع فیه إلی أصل البرأة و صحة صلاتهم حتّی لو دخلوا بعد الرکوع.

و أمّا اعتبار اتصال لزوم الموالاة فی تعریف اللقطة بحیث تُعرف فی کلِّ مرّة أنّه تکرار للتعریف السابق أیضا فیحتاج إلی دلیل شرعی و هو مفقود فی المقام فیرجع فیه إلی البراءَةِ.

و بالجملة: أخذ اعتبار الاتصال بین جملتی الاستثناء دلیلاً علی اعتباره، فی کلِّ أمر تدریجی له الصورة الاتصالیة، قیاس مع الفارق و یمکن المناقشة أیضا فی الأمثلة کما قال الشیخ الأعظم: «و للتأمل فی هذه الفروع و فی صحة تفریعها علی الأصل المذکور مجال»(3).

نعم: إذا اُخذ فی موضوع حکم شرعی أمرٌ تدریجیٌّ مقیَّدٌ بالهیئة الاتصالیة إذا انتفی الاتصال انتفی الموضوع فینتفی الحکم. و تمام الکلام فی ثبوت هذا الاتصال فی الموضوع إذا ورد یجب مراعاته ولکن فی صورة الشک، أصل العدم یجری فی المقام و یحکم بعدم اعتباره.

أدلة اعتبار الاتّصال بین إیجاب العقد و قبوله

الأوّل: ما ذکره الشیخ الأعظم تتمیما و تحصیلاً لبیان الشهید و هذا نصه: «أنّ الأمر المتدرّج شیئا فشیئا إذا کان له صورة اتصالیة فی العرف فلابدّ فی ترتب الحکم المعلّق علیه فی الشرع من اعتبار صورته الاتصالیة، فالعقد المرکب من الایجاب و القبول القائم بنفس

ص:234


1- (1) المکاسب 3/160.
2- (2) المکاسب 3/160.
3- (3) المکاسب 3/160.

المتعاقدین بمنزلة کلامٍ واحدٍ مرتبط بعضه ببعض فیقدح تخلّل الفصل المخلّ بهیئته الاتصالیه و لذا لا یصدق التعاقد إذا کان الفصل مُفْرَطا فی الطول کسنة أو أزید، و انضباط ذلک إنّما یکون بالعرف فهو فی کل أمرٍ بحسبه، فیجوز الفصل بین کلٍّ من الایجاب و القبول بما لا یجوز بین کلمات کلّ واحدٍ منهما، و یجوز الفصل بین الکلمات بما لا یجوز بین الحروف کما فی الأذان و القرأة»(1).

و حیث إنّ هذا البیان یرتبط بالعقود و آیة وجوب الوفاء بها استشکل الشیخ السیّد الأعظم قدس سره علیه بقوله: «ما ذکره حسنٌ لو کان حکم الملک و اللزوم فی المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا، کما هو مقتضی التمسک بآیة الوفاء بالعقود و باطلاق کلمات الأصحاب فی اعتبار العقد فی اللزوم بل الملک، و إمّا لو کان منوطا بصدق البیع أو التجارة عن تراض فلا یضرّه عدم صدق العقد»(2).

أقول: یمکن أن یجاب عن إشکال الشیخ الأعظم بعدم الفرق بین العقد و البیع و التجارة فی الصدق مع عدم الموالاة، کما لا فرق بینها علی فرض عدم الصدق مع عدمها، فالتفصیل المذکور بین العقد و اخوته _ أی البیع و التجارة _ فی غیر محلّه کما اعترف بذلک الفقیه الیزدی(3) و المحقّق الإیروانی(4) و شیخنا الاُستاذ(5)_ قدس اللّه أسرارهم _ و خلافا للمحقّق السیّد الخوئی(6) حیث وافق الشیخ فی تفصیله.

ص:235


1- (1) المکاسب 3/159 و 158.
2- (2) المکاسب 3/159.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/438.
4- (4) حاشیته علی المکاسب 2/100.
5- (5) إرشاد الطالب 2/117.
6- (6) مصباح الفقاهة 3/54.

ولکن یمکن أن یناقش علی أصل استدلاله بأنّ مجرد تعلیق الحکم علی مرکّبٍ لا یدلّ علی اعتبار الموالاة بین أجزائه ما لم یعلم اعتبار الهیئة الاتصالیة بینها إمّا من العرف کما فی لواحق الکلام من الجُمَلِ الاستثنائیة و سائر القرائن المتصلة، و إمّا من الشرع کما ورد

اعتبارها فی الأذان و القراءَةِ و نحوها.

و أمّا العقود فیمکن منع احتیاجها إلی الطرفین مفهوما لأنّها بمعنی العهود أو العهود المشدّدات و هی یمکن تحصیلها من طرف واحد کما فی النذر و العهد و الیمین. هذا أوّلاً.

و ثانیا: و علی فرض احتیاجها إلی الطرفین کما فی بعضها من البیع و النکاح، لا یتم اعتبار اتصال القبول بالایجاب، لأنّه لو کان لأحد طرفی العقد من الایجاب أو القبول بقاء فی عالم الاعتبار، یتم العقد مع الحاق طرفه الآخر ولو بعد فصل طویل کما یظهر ذلک بملاحظة المعاملات الجاریة بین الأقوام و الملل المختلفة بالکتابة أو البرقیات أو الإنترنت _ المُصْطَلَح علیه فی عَصْرنا_ أو بایصال المال إلی طرف آخر، و بملاحظة لو أنّ أحدا قال بعد سماع الایجاب: إنّی لا أقبل حتّی أتأمّل فی صلاحه و فساده و بعد أیام أو اُسبوع أو حتّی عدّة شهور قال: قبلتُ. فلابدّ من القول بصحة الجمیع و هذا أقوی شاهد علی عدم اعتبار الموالاة فی العقود.

نعم: إذا فرض أنّ الطرف رجع عن ایجابه قبل قبول الآخر لم یتحقق العقد، و فی صورة الشک یمکن للشاک أن یسأل من طرفه هل أنت باق علی ایجابک و بعد علمه ببقاء ایجابه یمکنه إنشاء قبوله و تظهر هذه المناقشة إجمالاً من المؤسس الحائری(1) و المحقّق السیّد الخوئی(2) و شیخنا الاستاذ(3).

ص:236


1- (1) کتاب البیع 1/139 و 140 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی رحمه الله .
2- (2) مصباح الفقاهة 3/55.
3- (3) إرشاد الطالب 2/117.

و لذا قال السیّد الحکیم: «الظاهر الاکتفاء فی تحقق العقد ببقاء العهد النفسانی فی نفس الموجب فإذا کان باقیّا إلی زمان القبول و تحقّق، کفی ذلک فی تحقّق العقد عندهم ولو مع الفصل الطویل... و هذا هو السرّ فی عدم صدق العقد مع الفصل المفرط کسنة أو أزید...»(1).

الثانی: ما ذکره المحقّق النائینی بقوله فی العقود العهدیة المعاوضیة کالبیع و ما یلحق بها کالنکاح و نحوهما: «أنّه لما کان فیها خلع و لبس أو إیجاد علقةٍ فلابدّ أن یکون مقارنا للخلع لبس، و هکذا مقارنا لإیجاد العلقة قبول، و إلاّ یقع الاضافة و العلقة بلا محلٍّ و مضاف إلیه»(2).

و استشکل علیه المحقّق السیّد الخوئی بالنقض و الحلّ و أمّا النقض: «أنّ هذا الوجه یقتضی استحالة تحقّق العقد مع وجود الفصل بین الایجاب و القبول و لازم ذلک أن لا یوجد عقد فی العالَم، لأنّه لایتحقّق إلاّ بوجود الفصل بین ایجابه و قبوله _ ولو بزمان قلیل _ و من البیّن أنّه لا یفرق _ فی استحالة الفصل بینهما _ بین أن یکون الفاصل هو الزمان القصیر و بین أن یکون ذلک هو الزمان الطویل و هذا بیّن لا ریب فیه.

و الحلّ: أنّ الخلع و اللبس _ فی اعتبار البائع _ لیس علی وجه الاطلاق و إلاّ لتحقّق ذلک قبل تحقق القبول، مع أنّه لا یتحقّق قبله حتّی فی اعتبار نفس البائع فضلاً عن امضاء العقلاء أو الشارع. بل الخلع و البس فی اعتبار البائع معلَّق علی قبول المشتری و علی فرض تحقّقه، و علیه فالخلع مقارن باللبس دائما، سواء أتحققت الموالاة بین الإیجاب و القبول أم لم تتحقق»(3).

و استشکل علیه شیخنا الاستاذ رحمه الله أیضا بقوله: «أنّ العقد لیس بذلک و الشاهد

ص:237


1- (4) نهج الفقاهة /177.
2- (5) منیة الطالب 1/251.
3- (1) مصباح الفقاهة 3/55 و 56.

ملاحظة العقود حتّی التملیکیّة کبیع الکلّی بالذمة فضلاً عن مثل عقد النکاح أو المضاربة و الوکالة و نحوها.

و ثانیا: علی تقدیر کون العقد فی حقیقته ما ذکر فیکفی فی تحقق اللبس بقاء الخلع و عدم إلغائه و مع حصول اللبس فی أیّ زمان یتحقّق المجموع»(1).

أقول: مضافا إلی وجود السیرة القطعیة علی عدم اعتبار الموالاة بین الایجاب و القبول فی معاملات الناس و تجاراتهم و إرسال الهدایا من البلاد النائیة. و منها: إرسال ملک الحبشة النجاشی بعد اسلامه بالهدایا و ماریة القبطیّة اُمّ ابراهیم ابن رسول اللّه صلی الله علیه و آله کما ورد تفصیله فی تفسیر علی بن ابراهیم القمی(2) و إعلام الوری بأعلام الهدی(3) للطبرسی و قصص الأنبیاء(4) للقطب الراوندی، و راجع فی هذا المجال دلائل النبوة(5) للبیهقی و البدایة و النهایة(6) لابن کثیر.

تنبیهات
اشارة

ثم هاهنا امور لابدّ من التنبیه علیها:

الأوّل: فذلکة ما ذکره المحقّق النائینی فی المقام

قسّم العقود إلی الثلاثة:

1_ العقود العهدیة المعاوضیة: کالبیع و مایلحق بها کالنکاح و نحوهما و ذهب إلی

ص:238


1- (2) إرشاد الطالب 2/118.
2- (3) تفسیر القمی 1/(186-183) و نقل عنه فی بحارالأنوار 18/(416-414) _ [8/(489-487) من الطبعة الحدیثة البیروتیّة].
3- (4) إعلام الوری بأعلام الهدی 1/119 و نقل عنه فی بحارالأنوار 18/419 [8/491].
4- (5) قصص الأنبیاء /323، ح404 و نقل عنه أیضا فی بحارالأنوار 18/419 [8/491].
5- (6) دلائل النبوة 2/308.
6- (7) البدایة و النهایة 3/83.

اعتبار الموالاة فیها بالدلیلین الماضیین _ الأوّل و الثانی _ ، و قد مرّ الإشکال فیهما فلا نعیده.

2_ العقود العهدیة الغیر المشتملة علی المعاوضة: کالهبة و الرهن، و تارة ناقشها بالإشکال فی کونها من العقود کما فی منیة الطالب(1)، و اُخری یجری فیها الدلیل الأوّل فقط دون الثانی کما فی المکاسب و البیع.(2)

و فیه: لا اشکال فی کونها من العقود فی الشرع و عند العرف، و قد مرّ عدم تمامیة الدلیل الأوّل.

3_ العقود الإذنیة: نحو الوکالة و العاریة و الودیعة، ذهب فیها إلی عدم اعتبار الموالاة فیها لأنّ اطلاق العقد علیها تکون مسامحة و یکفی فیها کل ما یدلّ علی الرضا.(3)

ثم قال فی آخر کلامه بالنسبة إلی إرسال الهدایا من البلاد البعیدة: «جمیع هذه الأفعال الصادرة من الواسطة کأنّها صادرة من الموجب، فهو بمنزلة من کان فی المشرق و کانت یده طویلة تصل إلی المغرب فمدّ یده و أعطی شیئا لمن کان فی المغرب فإنّ فعله یتمّ فی زمان وصول یده إلی المغرب فتأمل جیّدا»(4).

ناقشه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی بقوله: «ولکن هذا لا یستقیم، للفرق الواضح بین ما نحن فیه و بین المثال المزبور، بداهة أن المُهدی فی _ مورد السیرة _ ربّما یغفل عن هدیّته فی زمان وصولها إلی المُهدی إلیه و عندئذ لا یمکن تنزیل فعل الرسول و الواسطة منزلة فعل المُرْسِل»(5).

ص:239


1- (1) منیة الطالب 1/253.
2- (2) المکاسب و البیع 1/291.
3- (3) راجع منیة الطالب 1/(253-251) _ المکاسب و البیع 1/(291-289).
4- (4) منیة الطالب 1/253.
5- (5) مصباح الفقاهة 3/57.
الثانی: مقالة الشیخ الأعظم حول روایة سهل الساعدی

روی سَهْلٌ الساعدیٌّ: أنّ النبی صلی الله علیه و آله ، جاءت إلیه امرأة فقالت: یا رسول اللّه إنّی قد وهبت نفسی لک، فقال صلی الله علیه و آله : لا اربة لی فی النساء، فقالت: زوّجنی بمن شئت من أصحابک، فقام رجل فقال: یا رسول اللّه زوّجنیها، فقال: هل معک شیء تصدقها؟ فقال: و اللّه ما معی إلاّ ردائی هذا، فقال: إن أعطیتها إیّاه تبقی و لا رداء لک، هل معک شیء من القرآن؟ فقال: نعم سورة کذا و کذا، فقال صلی الله علیه و آله : زوّجتکها علی ما معک من القرآن.(1)

أقول: قد مرّ منّا أنّ هذه الروایة عامّیّةٌ مضافا إلی إرسالها ولکن وردت بمضمونها صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: جاءت إمرأة إلی النبی صلی الله علیه و آله فقالت: زوِّجنی، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : مَنْ لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا یا رسول اللّه، زوّجنیها، فقال: ما تعطیها؟ فقال: مالی شیء، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول اللّه صلی الله علیه و آله الکلام فلم یقم أحد غیر الرجل، ثم أعادت فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی المرّة الثالثة: أتحسن من القرآن شیئا؟ قال: نعم، قال: قد زوَّجتکها علی ما تحسن من القرآن فعلّمها إیّاه.(2)

قال الشیخ الأعظم: «یظهر من روایة سهل الساعدی، جواز الفصل بین الایجاب و القبول بکلام طویل أجنبیّ، بناءً علی ما فهمه الجماعة من أنّ القبول فیها قول ذلک الصحابیّ: زوّجنیها، و الإیجاب قوله صلی الله علیه و آله بعد فصل طویل: زوّجتکها بما معک من القرآن، و لعلّ هذا موهنٌ آخر للروایة، فافهم»(3).

و علّق علیه شیخنا الاستاذ: «الموهن الأوّل ما تقدم آنفا من أنّه لا دلالة فیها علی اقتصار الرجل فی قبوله النکاح باستدعائه، و وجه عدم الدلالة عدم ورودها فی مقام بیان

ص:240


1- (1) مستدرک الوسائل 15/61، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة 21/242، ح1.
3- (3) المکاسب 3/161.

کیفیة عقد النکاح بل حکایة قضیّة شخصیة لبیان جواز جعل تعلیم القرآن مهرا.

و الموهن الثانی: لزوم الفصل الطویل بین الإیجاب و القبول.

ولکن لا یخفی ما فیه: فإنّ قبول الإیجاب لیس استدعائه الأوّل لیقال: بتخلل الفصل الطویل بینه و بین ایجاب النکاح بل إنّه قد کرّر استدعاء بعد نداء رسول اللّه صلی الله علیه و آله ثانیا و ثالثا، و قد سأله رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی الثالثة عن عرفانه القرأة فی الفحص عمّا عنده ممّا یمکن أن یجعله مهرا فأجاب الرجل بنعم الذی یمکن جعله فی أمثال المقام قبولاً من غیر تخلل بین الإیجاب و القبول بالأجنبی أو غیره و علی تقدیر کون القبول هو استدعائه الأخیر فلا

فصل بین الایجاب و القبول بالأجنبی الطویل، فلاحظ الحدیث»(1).

أقول: ما ذکره قدس سره فی آخر کلامه لا یمکن المساعدة علیه لأنّ «نعم» الوارد فی الروایة فی کلام الصحابی یکون جوابا لسؤال رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، هل معک شیء من القرآن؟ فی روایه سهل الساعدی، و سؤال: أتحسن من القرآن شیئا؟ فی صحیحة محمّد بن مسلم، و جعله قبولاً خلاف ظاهر الروایة.

و یمکن المناقشة فی الموهن الأوّل بأنّه لو کان للقضیة _ ولو کانت شخصیّة _ ذیل لابدّ من التعرض له لا سیما فی کلام سیدنا أبی جعفر علیه السلام ، و من الممکن مراد الشیخ من الموهن الأوّل هو إرسال الروایة و عامیتها فی خبر سهل الساعدی، فلا یتم لا الموهن الأوّل و لا الثانی و الروایة تدلّ علی جواز الفصل الطویل و بالکلام الأجنبی بین الإیجاب و القبول فی العقود و لعلّ إلی ما ذکرنا أشار الشیخ الأعظم بقوله فافهم.

ولکن قال السیّد الحکیم فی وجه أمره بالتفهم: «لعلّه اشارة إلی ما تقدّم من أنّ اعتبار الموالاة إنّما هی فی خصوص العقد لا مطلق الأسباب کالتجارة و البیع، لأنّه خلاف عموم

ص:241


1- (1) إرشاد الطالب 2/118.

نفوذهما و یمکن أن یکون النکاح کذلک»(1).

الثالث: الفاصل بین الإیجاب و القبول
اشارة

قد مرّ تعریف الموالاة هنا بالاتصال بین الإیجاب و القبول، فالفاصل بینهما ینعدم الموالاة، و هو یقع علی أقسام:

أ: الرَّد

یتخلل بین الإیجاب و القبول إمّا من الموجِب أو من القابِل و کلاهما یوجبان بطلان و العقد لأنّ فی الرَّد من الموجب لا یبقی ایجاب حتّی یلحقه القبول، و من القابل أیضا مبطل للإیجاب فلا ینفع القبول بعده، لأنّ مع تخلل الرد لا یکون عقدا، لا شرعا و لا عرفا فلا یشمله اطلاقات صحة العقود، و الأصل أیضا یقتضی فساده لأنّ الأصل فی العقود الفساد، و الإجماع المحصّل من الأصحاب فی أبواب مختلفة من العقود المشروطة صحتها بعدم تخلّل الرد، و کذا الاجماع المحکی(2) المستفیض علیه.

و کذا یدلّ علیه الاتفاق بینهم من بطلان العقد الفضولی إذا یلحقه الرد و لا ینفعه

الاجازة بعد الرد مع تمامیة الإیجاب و القبول هناک، و أمّا هنا فبطریق الاُولی لأنّه الإیجاب فقط إذا کان الراد هو القابل أو حتّی من دون إیجاب إذا کان الراد هو الموجب.

و من عدم تمامیة الاستصحاب التأهلی کما مرّ منّا فی بحوثنا الاُصولیة.

و کذا الردّ یبطل بتخلله فی أثناء الإیجاب أو القبول و کذلک یبطل بتخلّله بین العقد و القبض فی کلِّ عقد یشترط فیه القبض کالوقف و الحبس و السکنی و الهبة و القرض و الصدقة و الصرف و السَّلم لعدم حصول، التملیک ما لم یتحقّق القبض.

ص:242


1- (2) نهج الفقاهة /178.
2- (3) حکاه الفاضل المراغی فی العناوین 2/177.

و أمّا ما ذهب إلیه المشهور(1) من أصحابنا من أنّ الموصی له لو ردّ الوصیة فی حیاة الموصی فله أن یقبل بعد وفاته فلا ینافی ما ذکرناه لأنّه «لا حکم لهذا الرد لأنّه ما وجب له شیء حتّی یردّه کما لو عفی عن الشفعة قبل البیع، فلا یکون له حکم و یکون له القبول بعد وفاة الموصی» کما فی المبسوط(2).

ب: السکوت

لابأس بتخلّل السکوت بین الإیجاب و القبول، مادام الطرف الآخر باقیا و للساکت قبول العقد، أو إنشاء إیجابه لو تقدّم القبول، لأنّ السکوت لا یبطل العقد بخلاف الردّ.

ج: تخلّل الکلام الأجنبی

أو ما فی حکمه من الشرط الفاسد، أیضا لا بأس به، مادام الإیجاب أو القبول من الطرف الآخر باقیّا.

د: تخلّل ما هو من لواحق العقد

من الشرائط و الخیارات و القیود و توصیف السِّلْعَةِ و نحوها فلابأس بها عند الکلّ.

و ما ذکرنا یجری فی العقود اللازمة و الجائزة، بل الصحة فی الأخیرة لعلّه إجماعیٌّ فی الفواصل الثلاثة الأخیرة.

و هذا تمام الکلام فی عدم اعتبار الموالاة فی العقود و الحمدللّه.

التنجیز فی العقود
اشارة

ذکر جماعة اعتباره فی العقود:

منهم: الشیخ فی وکالة المبسوط قال: «إذا علّق الوکالة بصفة مثل أن یقول: إن قدم

ص:243


1- (1) کما نسبه الشهید إلیهم فی الدروس 2/296 و ثانیه فی الروضة 5/15.
2- (2) المبسوط 4/33.

الحاج أوجاء رأس الشهر فقد و کّلتک فی البیع فإنّ ذلک لا یصح لأنّه لا دلیل علیه»(1).

و قال فی وکالة الخلاف: «مسألة: إذا قال: إن قدم الحاج أو جاء رأس الشهر، فقد وکّلتک فی البیع فإنّ ذلک لا یصحّ و به قال الشافعی. قال أبوحنیفة: یصحّ، دلیلنا: أنّه لا دلیل علی صحة هذا العقد، و عقد الوکالة یحتاج إلی دلیل»(2).

و قال ابن ادریس فی وکالة السرائر: «و إذا قال: إن جاء رأس الشهر فقد وکّلتک فی الشیء الفلانی، فإنّ الوکالة لا تنعقد و إنّ ذلک لا یصح، فأمّا إن وکّله فی الحال بأن یبیع الشیء إذا جاء رأس الشهر جاز ذلک و صحّ، لأنّ الوکالة صحت فی الحال و انعقدت ثم أمره بتأخیر البیع إلی رأس الشهر، و المسألة الاولی ما انعقدت الوکالة فی الحال بل یحتاج إذا جاء رأس الشهر إلی عقد الوکالة فافترق الأمران»(3).

و قال المحقّق فی وکالة الشرائع: «و من شرطها أن تقعَ منجَّزَةً فلو عُلِّقت بشرطٍ متوقَّعٍ أو وقتٍ متجددٍ لم تصِحّ، نعم لو نَجَّزَ الوکالة و شَرَطَ تأخیرَ التصرفِ جازَ»(4).

و قال العلاّمة فی شرائط صیغة البیع من التذکرة: «الجزم، فلو علّق العقد علی شرط لم یصحّ و إن کان الشرط المشیئة للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدّته، و هو أحد قولی الشافعیة، و أظهر الوجهین لهم: الصحة، لأنّ هذه صفة یقتضیها إطلاق العقد لأنّه لو لم یشأ لم یشتر»(5).

و قال فی وکالة التذکرة: «لایصحّ عقد الوکالة معلَّقا بشرطٍ أو وصفٍ، فإن عُلّقت

ص:244


1- (3) المبسوط 2/399.
2- (1) الخلاف 3/354.
3- (2) السرائر 2/99.
4- (3) الشرائع 2/151.
5- (4) تذکرة الفقهاء 10/9.

علیهما بطلت مثل أن یقول: إن قدم زید أو إذا جاء رأس فقد وکّلتک، عند علمائنا _ و هو أظهر مذهب الشافعی _ لأنّه عقد یملک به التصرف حال الحیاة لم یبن علی التغلیب و السرایة فلم یجز تعلیقه بشرطٍ کالبیع، و لأنّ الشرکة و المضاربة و سائر العقود لا تقبل التعلیق فکذا الوکالة.

و قال بعض الشافعیة و أبوحنیفة و أحمد: یصحّ تعلیقها علی الشرط لأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال فی جیش مؤته: «أمیرکم جعفر فإن قُتل فزید بن حارثة فإن قتل فعبداللّه بن رواحة» و التأمیر فی معنی التوکیل. و لأنّه لو قال: أنت وکیلی فی بیع عبدی إذا قدم الحاج أو وکّلتک فی

شراء کذا فی وقت کذا صحّ إجماعا و محلّ النزاع فی معناه.

و الفرق ظاهر بین تنجیز العقد و تعلیق التصرف و بین تعلیق العقد، إذا ثبت هذا، فلا خلاف فی جواز تنجیز الوکالة و تعلیق العقد مثل أن یقول: وکّلتک فی بیع العبد و لا تبعه إلاّ بعد شهر فهذا صحیح و لیس للوکیل أن یخالف....

قد بیّنّا بطلان الوکالة المعلّقة علی الشرط و هو أظهر قولی الشافعیة، فلو تصرّف الوکیل بعد حصول الشرط فالأقرب صحّة التصرف لأنّ الإذن حاصل لم یزل بفساد العقد و صار کما لو شرط فی الوکالة عوضا مجهولاً، فقال بع کذا علی أن لک العُشر من ثمنه تفسد الوکالة ولکن إن باع یصحّ و هو أحد وجهی الشافعیة.

و الثانی: لا یصحّ لفساد العقد، و لا اعتبار بالاذن الضمنی فی عقدٍ فاسدٍ ألاتری أنّه لو باع بیعا فاسدا و سلّم إلیه المبیع لا یجوز للمشتری التصرف فیه، و إن تضمّن البیعُ و التسلیمُ الإذنَ فی التصرف و التسلیط علیه.

و لیس بجید، لأنّ الإذن فی تصرّف المشتری باعتبار انتقال الثمن إلیه و الملک إلی المشتری و شیءٌ منهما لیس بحاصل و إنّما أذن له فی التصرف لنفسه لیسلم له الثمن، و هنا إنّما أذن له فی التصرف عن الإذن لا لنفسه... فإن قلنا بالصحة _ علی ما هو مختارنا _ فأثر بطلان

ص:245

الوکالة أنّه یسقط الجُعل المسمّی إن کان قد سمّی له جُعلاً إلی اُجرة المثل»(1).

و قال فی نهایته: «و لابدّ و أن یقع الایجاب و القبول منجزا، فلو علّقه علی شرط لم یقع کما لو قال: إن دخلت لأصالة بقاء الملک، ولو علّقه علی مشیة المشتری بأن قال: بعتُ هذا بألف إن شئتَ، فقال: اشتریتُ لم ینعقد أیضا لما فیه من التعلیق، کما لو قال: إن دخلتَ الدار، و یحتمل هنا الصحة لأنّ هذه صفة تقتضیها إطلاق العقد فإنه لو لم یشأ لم یشتروا(2)، الحقّ الأوّل فإنّه حالة الایجاب غیر عالمٍ بحاله فلم یوقع الإیجاب منجزا»(3).

و قال فی وکالة القواعد: «و یجب أن تکون منجّزةً فلو جعلها مشروطةً بشرط متوقعٍ أو وقتٍ مترقّبٍ بطلت. نعم لو نجّز الوکالة و شرط تأخیر التصرف إلی وقت أو حصول شرط جاز کأن یقول: وکّلتک الآن و لا تتصرف إلاّ بعد شهر. و إذا فسد العقد لتعلّقها علی الشرط احتمل تسویغ التصرف عند حصوله بحکم الإذن، و فائدة الفساد سقوط الجُعل

المسّمی و الرجوع إلی الاُجرة»(4).

و قال فی وقف التحریر: «إذا علّق الوقف علی شرط أو صفة لم ینعقد و کان باطلاً... و لانعلم فیه خلافا»(5).

و قال الشهید فی وقف الدروس: «ولو قال إذا متُّ أو إن متُّ فهو وقف فالظاهر بطلانه لتعلیقه. ولو قال هو وقف بعد مماتی احتمل ذلک أیضا، و أن یحمل علی الوصیة

ص:246


1- (1) تذکرة الفقهاء 15/(16-13).
2- (2) کذا فی المصدر ولکن الظاهر زیادة «وا» کما یدل علیها السیاق.
3- (3) نهایة الإحکام 2/451.
4- (1) القواعد 2/349.
5- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 3/291.

به»(1).

و قال أیضا فی عنوان خامس شرائط الوقف: «التنجیز فلو علّق بشرطٍ أو وصفٍ بطل، إلاّ أن یکون واقعا، و الواقف عالم بوقوعه کقوله: وقفتُ إن کان یوم الجمعة»(2).

و قال المحقّق الثانی فی وکالة جامع المقاصد: «یجب أن تکون الوکالة منجّزة عند جمیع علمائنا، فول علقها بشرط و هو ممّا جاز وقوعه کدخول الدار، أو صفة و هی ما کان وجوده محقّقا کطلوع الشمس لم یصح. و ذهب جمع من العامة إلی جوازها معلّقة لأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال فی غزاة مؤته: «أمیرکم جعفر فإن قتل فزید بن حارثه»، الحدیث. و التأمیر فی معنی التوکیل و لأنّه لو قال: أنت وکیلی فی بیع عبدی إذا قدم الحاج صحّ إجماعا، و فی کون التأمیر توکیلاً نظر و الفرق بین محل النزاع و المفروض ظاهر، لأنّ المعلّق فیه هو التصرف لا التوکیل و لا بحث فی جوازه... و اعلم أن قوله «فلو جعلها مشروطة بشرط» لا یرید به إلاّ التعلیق أمّا مطلق الاشتراط فلا، فلو قال: «وکّلتک فی کذا و شرطت علیک کذا ممّا لا مانع منه صحّ، و اعلم أیضا أنّ توقیت الوکالة لا یلزم، لکن لا یجوز التصرف بعده»(3).

و قال فی شرائط الوقف: «أحدها: تنجیزه، فلو علّق بشرط أو صفة مثل أن یقول: إذا جاء زید فقد وقفت داری، أو إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدی لم یصحّ لعدم الجزم به، کما لایصحّ تعلیق البیع و الهبة، و استثنی فی الدروس ما إذا کان المعلَّق علیه واقعا و الواقف علم بوقوعه کقوله: وقفت إن کان الیوم الجمعة. و قد سبق فی الوکالة مثل ذلک و المراد بالشرط: ما جاز وقوعه و عدمه بالنسبة إلی العادة، و الصفة: ما کان محقّق الوقوع عادة»(4).

ص:247


1- (3) الدروس 2/263.
2- (4) الدروس 2/264.
3- (5) جامع المقاصد 8/180 و 181.
4- (6) جامع المقاصد 9/14 و 15.

و قال فی نکاح کتابه: «یشترط فی عقد النکاح التنجیز قطعا، لانتفاء الجزم بدونه فیبطل ولو علقه بأمر محتمل أو متوقع الحصول»(1).

و قال الشهید الثانی فی وکالة المسالک: «من شرط الوکالة وقوعها منجزةً عند علمائنا فلو علّقها علی شرطٍ متوقَّعٍ و هو ما یمکن وقوعه و عدمه، أو صفة و هی ما کان وجوده فی المستقبل محقَّقا کطلوع الشمس و إلیها أشار بقوله: أو وقتٍ متجدّد لم یصحّ. و احترز بتعلیقها علی الشرط عمّا لو قرنها بشرط لا یقتضی التعلیق ک_ «وکّلتک فی کذا و شرطت علیک کذا» ممّا لامانع منه فإنه جائز.

و اعلم أنه متی فسد العقد لتعلیقه علی الشرط فهل یصحّ التصرف بعد حصول الشرط؟ قرّب فی التذکرة ذلک محتجّا بأنّ الإذن حاصل لم یزل بفساد العقد و صار کما لو شرط فی الوکالة عوضا مجهولاً فقال: بع کذا علی أن لک العُشر من ثمنه، تفسد الوکالة، ولکن إن باع یصحّ، و لأنّ المقتضی للصحة حاصل و هو الإذن، إذا الغرض حصول المعلَّق علیه و انتفاء المانع إذ لیس إلاّ رفع الوکالة و هی أخص من مطلق الإذن، و رفع الخاص لا یستلزم رفع العام فعلی هذا فائدة الفساد سقوط الجعل المسمّی فی عقد الوکالة إن کان و الرجوع إلی اُجرة المثل کما فی المضاربة الفاسدة حیث یحکم فیها بعدم استحقاق الحصّة المشروطة و وجب للعامل اُجرة المثل.

و فیه: أنّ الوکالة لیست أمرا زائدا علی الإذن و الجعل المشروط لیس جزءً منها و إنّما هو شرط زائد علیها، لصحتها بدونه، بخلاف المضاربة فإنّ اشتراط الحصة شرط فی صحتها، و لأنّه لو تمّ ذلک لزم الحکم بصحة التصرف مع فسادها بوجهٍ آخر، کعزل الوکیل نفسه مع علم الموکِّل به و سکوته، فإنّ الإذن حاصل منه فلا یرتفع بفسخ الوکیل. و لأنّ

ص:248


1- (1) جامع المقاصد 12/77.

العقد حینئذٍ فاسد قطعا. و لا معنی للفاسد إلاّ ما لا یترتب علیه أثره. و لأنّ الإذن المطلق إنّما وجد فی ضمن الوجه المخصوص، إذ لا وجود للکلّی إلاّ فی ضمن جزئیاته و لم یوجد منها إلاّ هذا الجزئی، فإذا ارتفع ارتفع الکلّی و للتوقف فی هذا الحکم مجال»(1).

و قال فی وقف المسالک: «... و اشتراط تنجیزه مطلقا موضع وفاق کالبیع و غیره من العقود و لیس علیه دلیل بخصوصه... و یستثنی من بطلانه بتعلیقه علی الشرط ما لو کان

الشرط واقعا و الواقف عالما بوقوعه کقوله: «وقفت إن کان الیوم الجمعة، فلا یضرّ کغیره»»(2).

قال الفاضل الإصبهانی فی نکاح کشفه: «(و یشترط التنجیز) اتفاقا، إذ لا عقد مع التعلیق، خصوصا و أمر الفروج شدید. (فلو علّقه) ولو بأمرٍ متحقَّقٍ کأن یقول: إن کان الیوم یوم الجمعة فقد زوّجتک (لم یصحّ) و إن لم یرد التعلیق، لأنّه غیر صریح فهو بمنزلة الکنایة»(3).

و قال سیّد الریاض فی وقفه: «و یشترط فیه التنجیز فلو علّقه علی شرط متوقّع أو صفة مترقّبة، أو جعل له الخیار فی فسخه متی أراده من دون حاجة بطل بلاخلاف فیه، و فی الصحة لو کان المعلَّق علیه واقعا و الواقف عالمٌ بوقوعه کقوله: وقفتُ إن کان الیوم الجمعة، و کذا فی غیره من العقود و بعدم الخلاف صرّح جماعة و لعلّه کافٍ فی الحجیة»(4).

و قال السیّد جواد العاملی فی مفتاحه معلَّقا علی قول العلاّمة فی القواعد: «و یجب أن

ص:249


1- (2) المسالک 5/239 و 240.
2- (1) المسالک 5/357.
3- (2) کشف اللثام 7/48.
4- (3) ریاض المسائل 10/103.

تکون منجزة»: «عند علمائنا کما فی التذکرة(1)، أجمع کما فی جامع المقاصد(2)، و فی شرح الإرشاد لفخر الإسلام: أنّ تعلیق الوکالة علی الشرط لا یصح عند الامامیة و کذا سائر العقود جائزة کانت أو لازمة، و عن غایة المرام(3) أنه لا خلاف فیه، و مع ذلک قال فی الکفایة(4): أنّه المشهور و أنّه غیر مرتبط بدلیل واضح... و به _ أی وجوب التنجیز _ صرح فی الخلاف(5) و المبسوط(6) و السرائر(7) و الشرائع(8) و النافع(9) و التحریر(10) و الإرشاد(11)

و اللمعة(12) و التنقیح(13) و جامع المقاصد(14) و المسالک(15) و الروضة(16) و هو قضیة بقیة الشروح(17) و الحواشی(18) حیث سکتوا عمّا فی متونها و لا یقدح فی ذلک عدم التعرض له فی

ص:250


1- (4) تذکرة الفقهاء، 15/13.
2- (5) جامع المقاصد 8/180.
3- (6) غایة المرام 2/337.
4- (7) الکفایة، 1/671.
5- (8) الخلاف 3/354.
6- (9) المبسوط 2/399.
7- (10) السرائر 2/99.
8- (11) شرائع الإسلام 2/151.
9- (12) المختصر النافع /154.
10- (13) تحریر الأحکام الشرعیة 3/22.
11- (14) إرشاد الأذهان 1/417.
12- (1) اللمعة الدمشقیة /166.
13- (2) التنقیح الرائع 2/280.
14- (3) جامع المقاصد 8/180.
15- (4) مسالک الأفهام 5/239.
16- (5) الروضة البهیة 4/368.
17- (6) منها: إیضاح الفوائد 2/333؛ و غایة المراد 2/288؛ و کنزالفوائد 2/86.
18- (7) نحو حاشیة الإرشاد للشهید الثانی المطبوعة ضمن غایة المراد 2/288.

المختصرات التی هی متون أخبار کالمقنعة و المراسم و الکافی و النهایة و الوسیلة و فقه الراوندی و الجامع _ بل لا ذکر لباب الوکالة فی المقنع و الانتصار _ و الدلیل علی ذلک بعد الاجماع نقلاً و تحصیلاً أنّ الأصل عدم جواز الوکالة خرجت المنجزة بالإجماع و بعض الأخبار و بقی الباقی...»(1).

و قال صاحب الجواهر فی وکالة کتابه: «(من شرطها أن تقع منجزة) کغیرها من العقود بلا خلاف أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه، لمنافاته مقارنة ترتب السبب علی المسبب المستفاد ممّا دلّ علی تسبیب العقود (فلو علّقت علی شرط متوقَّع) کمجی ء زید (أو وقت متجدّد لم تصحّ)، بل قیل: إنّه کذلک فی التعلیق علی أمرٌ محقَّقٍ نحو: إذا کانت الشمس طالعة فأنت وکیلی، لا لفوات المقارنة المزبورة بل للشک فی تناول الاطلاقات لمثل ذلک، فیبقی حینئذ أصل عدم ترتب الأثر بحاله»(2).

أقول: خالف جماعةٌ من الفقهاء هذا الإجماع الوارد فی کلمات القوم، و من المخالفین المحقّق الأردبیلی قال فی وکالة مجمع الفائدة: «أنّ الأصل و عموم أدلة التوکیل و کونه جائزا و مبناه علی المساهلة دون الضیق و ما تقدم فی عبارة التذکرة من أنّه إذن و أمر و أنّه مثل الإذن فی أکل الطعام و لا شک فی جواز تعلیقه مثل إن جئت فأنت مأذون فی الأکل و نحوه مع عدم مانع ظاهر یدلّ علی جواز التعلیق. و یؤیده عدم ظهور فرق کثیر فی المآل بین ما صوّرناه من المجوزّات مثل التوقیت و ذکر الشرط و المنع إلاّ بعد کذا و بین التعلیق. و یؤیده أیضا جواز التعلیق فی العقود الجائزة مثل القراض(3)، بل هو وکالة بجُعل و العاریة و

ص: 251


1- (8) مفتاح الکرامة 7/526، الطبعة الاُولی (21/20 و 21 من الطبعة الحدیثة).
2- (9) الجواهر 27/352 و راجع أیضا 22/253 و 23/198 و 32/78 و 79.
3- (10) أهل العراق یسمّونه مضاربة کما فی التحریر 3/224.

غیرهما...»(1).

ولکن ردّ علیه الوحید فی حاشیته علی مجمع الفائدة بقوله: «العموم ما وجدناه، نعم وجدنا اطلاقات مثل ما ذکر من أنّ «الوکیل وکیل حتّی یبلغه العزل» و أمثاله من الأخبار(2) و القاعدة أن ینصرف إلی الأفراد الشائعة و کون ما نحن فیه منها محلّ تأمل. و الأصل ما نعرفه لأنّ الحکم الشرعی و ترتب الآثار الشرعیة یحتاج إلی دلیل شرعی و مجرد الجواز لا یقتضی ترتب الآثار سوی إباحة التصرف فتأمل»(3).

و منهم: المحقّق السبزواری قال فی وکالة الکفایة: «و مذهب الأصحاب _ کما نُقل _ أنّ من شرط صحة الوکالة أن یقع منجّزة فلو علّقت بشرط و هو ما أمکن وقوعه أو صفة و هو ما تحقّق وقوعه کانت باطلاً... و ادّعی فی التذکرة الإجماع علی صحة قوله: أنت وکیلی فی بیع عبدی إذا قدم الحاج، و لعلّ الشرط قید للبیع، و به یحصل الفرق بینه و بین المعلّق الممنوع، و مرجعهما بحسب المآل واحد، و منع التعلیق غیر مرتبط بدلیل واضح إلاّ أن یثبت الإجماع علیه»(4).

و منهم: صاحب الحدائق قال فی وکالة کتابه: «لاخلاف بین الأصحاب فی اشتراط التنجیز فی الوکالة فلو علّقها علی شرط... بطلت... و بالجملة فمقتضی إطلاق روایات الوکالة و عمومها هو الصحة مطلقا و تخصیصها یتوقف علی الدلیل و لیس إلاّ الاجماع، فمن ثبت عنده حجیة الإجماع و أنّه دلیل شرعی فله أن یخصص به عموم تلک الأخبار و إلاّ

ص:252


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 9/533.
2- (2) وسائل الشیعة 19/161 و 162 الباب 1 و 2 من أبواب کتاب الوکالة.
3- (3) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /461.
4- (4) الکفایة 1/671.

فالعمل علی ما دلت علیه تلک العمومات...»(1).

و ذهب المحقّق القمی(2) إلی أنّ التعلیق فی الوکالة لا یضرّ بصحتها.

و قال الشیخ الأعظم: «و بالجملة فإثبات هذا الشرط فی العقود مع عموم أدلتها و وقوع کثیر منها فی العرف علی وجه التعلیق بغیر الإجماع محقّقا أو منقولاً مشکلٌ»(3).

و تبعه المحقّق الخراسانی و قال: «و تحصیل الاجماع فی مثل هذه المسألة من الاتفاق

لو کان أشکل لاحتمال تشبث البعض لو لا الجلّ أو الکلّ بما أشار إلیه من الوجوه الاعتباریة بما فیها من الضعف، و المنقول منه فی مثلها لیس بحجة ولو قیل بحجیته فی نفسه، فالعمل باطلاقات أبواب المعاملات لا یخلو من قوة»(4).

و قال المحقّق السیّد الخوئی: «لادلیل علی بطلان العقود بالتعلیق لکی یکون ذلک الدلیل مخصصا لأدلة صحة العقود»(5).

و قال المحقّق السیّد الخمینی: «فالتحقیق عدم اعتبار التنجیز فی المعاملات مطلقا سواء کانت معلَّقة علی معلوم الحال أو الاستقبال أو مجهول کذلک، بل أو معلوم العدم کذلک ثم بأن تحققه»(6).

أقسام التعلیق و أحکامها

قبل الورود فی البحث لابدّ من التذکیر بعقود یصح فیها التعلیق، و العقد معه یکون

ص:253


1- (5) الحدائق 22/10 و 11.
2- (6) جامع الشتات 1/307.
3- (7) المکاسب 3/172.
4- (1) حاشیة المکاسب /29.
5- (2) مصباح الفقاهة 3/70.
6- (3) کتاب البیع 1/336.

صحیحا:

منها: التعلیق لبیان اعتبار وصف فی المبیع نحو: اشتریت هذا الثوب إن کان من القطن.

و منها: التعلیق لاثبات حقّ زائد نحو: بعتک هذا بکذا بشرط أن تخیط لی ثوبا.

و منها: التعلیق لتحدید المتعلّق نحو: وکّلتک فی بیع داری بشرط أن تبیعه بعد النیروز.

و منها: التعلیق لتحدید الإنشاء نحو: وقف المدرسة لإسکان طالب العلم بشرط أن یصلی صلاة اللیل و یلبس العمامة.

و منها: التعلیق لتحدید اللزوم نحو: بعتک سیارتی بکذا بشرط أن ترضی زوجتی ببیعها.

و منها: التعلیق لتحدید المتعلَّق من جهة صحة التأثیر نحو: زوجتی فلانة هی طالق إن کانت فی طهر غیر المواقعة.

و منها: التعلیق لتحدید ما یعتبر فی المُنْشی ء نحو: اشتریت منک دارک بشرط أن لاتکون محجورا.

و منها: التعلیق لتحدید ما یعتبر فی العقد نحو: بعتک دار الفلانی فضولیا بشرط أن یجیز.

و منها: التعلیق لتحدید جزء المقتضی للعقد نحو: بعتک هذا إن قبلت.(1)

و لأجل بیان الضابطة الکلّیة نرسم لک أقسام التعلیق و أحکامها تبعا للمحقّق

ص:254


1- (1) راجع فی هذا المجال حاشیة المکاسب /204 لآیة اللّه ابوالفضل النجم آبادی من تقریر المحقّق العراقی _رحمة اللّه علیهما _ .

لسیّد الخوئی(1) و إن یمکن الزیادة فیها کما عن الفاضل المراغی(2).

المعلَّق علیه إمّا أن یکون معلوم التحقّق أو محتمل التحقّق، و کذا إمّا أن یکون أمرا حالیّا أو استقبالیا فصار أربعة.

و الشرط الذی علّق علیه العقد إمّا أن یکون دخیلاً فی مفهوم العقد أو یکون دخیلاً فی صحته أو لا یکون دخیلاً فی شیء منهما فصار العدد اثْنَیْ عشر قسما.

و أما التعلیق علی ما یتوقف علیه مفهوم العقد فلا شبهة فی صحته نحو قول الزوج: زوجتی طالق إن کانت زوجتی، أو قول الواقف: وقفت هذه الدار إن کانت ملکی. أو قول البائع: إن کان هذا مالی فقد بعته بکذا.

و هذا المقدار من التعلیق لا یضر بالعقد، لأنّ العقد بنفسه معلَّق علیه معنیً حتّی لو لم یذکر فی اللفظ، فلو جاء به العقد فی صیغته فلا بأس به.

و علیه یحکم بصحة التعلیق فی أربعة من الأقسام:

1_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول کقول الزوج: إن کانت فلانة زوجتی فهی طالق.

2_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا مع الجهل بتحقّقه کما إذا قال الرجل: إن کانت هذه زوجتی فهی طالق، مع جهله بأنّها زوجته.

3_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا استقبالیا و معلوم الحصول فی ظرفه نحو قول البائع للمشتری: بعتک حدیقتی إنْ قبلت مع علمه بأنّ المشتری یقبله.

4_ أن یکون المعلّق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقّق فی ظرفه نحو قول المرأة:

ص:255


1- (2) مصباح الفقاهة 3/(65-62).
2- (3) راجع العناوین 2/(206-191).

اُنکحتُکَ نفسی علی الصداق کذا، و هی لا تعلم بأن الرجل یقبل النکاح أم لا؟

و التعلیق فی هذه الصور الأربع لا أشکال فی صحته لأنّ العقد و مفهومه فی الواقع معلَّقان علی هذه الاُمور فذکرها فی الصیغة و عدمه لا یغیّر الواقع.

و أما التعلیق علی ما هو داخلٌ فی صحة العقد دون مفهومه فهو أیضا علی أربعة أقسام:

1_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول کقول الرجل: إن کان هذا الشیء ممّا یملک فقد بعته بکذا، مع علمه بأنه ممّا یملک.

2_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا و مجهول التحقّق نحو قول البائع: إن کنت غیر محجور فقد بعتک هذا المال، و هو لا یدری بحجره أم لا؟!

3_ أن یکون المعلّقَ علیه أمرا استقبالیا و معلوم التحقّق کالتسلیم و التسلم فی بیع الصرف کقول البائع: بعتک هذا الذهب بکذا إن أخذتها و سلمت إلیّ الثمن.

4_ أن یکون المعلّق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقّق، نحو المثال السابق مع عدم علم البائع بتحقّق التسلیم و التسلم.

و التعلیق فی هذه الصور الأربع أیضا لا اشکال فی صحته لأنّ صحة العقد تتوقّف علیها فی الخارج و ذکره فی الصیغة لا یغیّر شیئا.

مضافا إلی أنّ جمیع هذه الصور الّثمان تشملها العمومات و لم یرد أیّ مخصص لها.

و أمّا التعلیق علی الصفة أو الشرط اللذیْن لا دخل لهما فی تحقّق عنوان العقد و مفهومه و لا فی صحة العقد فهو أیضا علی أربعة أقسام:

1_ أن یکون المعلّق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول کأن یقول البائع للمشتری: إن کان هذا الیوم یوم الجمعة فقد بعتک داری، مع علمه بأنّ هذا الیوم یوم الجمعة.

ص:256

و قد مرّ من الشهید فی وقف الدروس(1) صحة هذا القسم و تبعه ثانیه فی وقف المسالک(2) و تبعهما جماعة و منهم: سیّد الریاض قال: «و بعدم الخلاف صرّح جماعة و لعلّه کافٍ فی الحجیة»(3) ولکن ناقشه الفاضل الأصبهانی فی نکاح کشفه(4) لا من جهة التعلیق بل من جهة عدم التصریح و أنّه بمنزلة الکنایة.

ولکن لا إشکال فی صحته لأنّ المضرِّ بالعقد هو واقع التعلیق لا صورته و التعلیق فی الفرض صوریٌّ. و لا نقبل قول صاحب کشف اللثام فی عدم التصریح و أنّه بمنزلة الکنایة، بل هو العقد المصرح به و لیس فیه الکنایة.

2_ أن یکون المعلَّقُ علیه أمرا حالیّا و مجهول التحقّق عند العاقد کقول البائع: إن کان هذا الیوم یوم الجمعة فقد بعتک داری، و هو لا یدری أنّ یوم الجمعة موجود أم لا؟!

3_ أن یکون المعلَّقُ علیه أمرا استقبالیا و معلوم التحقّق فی المستقبل، بحیث ایقاع العقد مشروط بتحقّق ذلک الأمر أعنی العاقد ینشیء العقد فی ظرف تحقّق الأمر الاستقبالی نحو قول البائع: بعتک داری إذا اُهلّ شهر رجب، و یرید من ذلک تحقّق البیع من حین رؤیة هلال رجب.

4_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقّق فی المستقبل نحو قول البائع: إن جاء زید الحاج من سفرة حجّه فقد بعتک داری.

و هذه الثلاثة الأخیرة هی مورد الإجماع المُدعی من بطلان التعلیق فی العقود. فلابدّ من البحث حول الوجوه التی اسْتُدِلَّ بها علی بطلان التعلیق فی العقود فنقول:

ص:257


1- (1) الدروس 2/264.
2- (2) المسالک 5/357.
3- (3) ریاض المسائل 10/103.
4- (4) کشف اللثام 7/48.
الوجوه المستدَّل بها علی بطلان العقود بالتعلیق:

الوجه الأوّل:

الإجماع المذکور فی کلمات الفقهاء نحو: العلاّمة فی وکالة التذکرة(1) و وقف التحریر(2) و ولده فی شرح الإرشاد(3) و المحقّق الثانی فی وکالة جامع المقاصد(4) و الشهید الثانی فی تمهید القواعد(5) و وکالة المسالک(6) و وقفه(7)، و المحدث الکاشانی فی مفاتیح الشرائع(8)و الإصفهانی فی کشف اللثام(9) و السبزواری فی الکفایة(10) و صاحب

الحدائق(11) و الشیخ مفلح الصمیری البحرانی فی غایة المرام(12) و سیّد الریاض(13) و صاحب الجواهر(14).

و فیه: أوّلاً: قد عرفت وجود المخالفین فی المسألة و هم أصحاب مجمع الفائدة و

ص:258


1- (1) تذکرة الفقهاء 15/13: ورد فیها: عند علمائنا.
2- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 3/291: ورد فیها: لا نعلم فیه خلافا.
3- (3) کما نقل عنه صاحب مفتاح الکرامة 7/526 من الطبعة الاولی، (21/20) و فیه: لا یصح عند الإمامیة.
4- (4) جامع المقاصد 8/180 و فیه: عند جمیع علمائنا.
5- (5) تمهید القواعد /533 و فیه: الاتفاق علیه.
6- (6) المسالک 5/239 و فیه: عند علمائنا.
7- (7) المسالک 5/357 و فیه: موضوع وفاق.
8- (8) مفاتیح الشرائع 3/207 و فیه: عدم الخلاف فیه.
9- (9) کشف اللثام 7/48 و فیه: اتفاقا.
10- (10) الکفایة 1/671 و فیها: مذهب الأصحاب _ کما نُقل _ .
11- (1) الحدائق 22/10 و فیه: لا خلاف بین الأصحاب.
12- (2) غایة المرام 2/337 و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 7/526، (21/20) و فیه: لا خلاف فیه.
13- (3) ریاض المسائل 10/103 و فیه: بلا خلاف فیه.
14- (4) الجواهر 27/352 و فیه: بلاخلاف أجده فیه، بل الاجماع بقسمیه علیه.

البرهان، و الکفایة و الحدائق و القوانین و المکاسب و کفایة الاُصول و معجم رجال الحدیث و تحریر الوسیلة کما مرّت أقوالهم فلا نعیدها.

و ثانیا: علی فرض تحقّق الاجماع یکون مدرکیّا أو لاأقل من أن یکون محتمل المدرکیة فلایفید فی المقام شیئا.

الوجه الثانی:

عدم قابلیة الإنشاء للتعلیق کما اشتهر لأنّ الإنشاء هو تحقّق الوجود الإنشائی فی نفس الأمر فلا یعقل تعلیقه علی شیءٍ ما، لأنّ ما وجد یمتنع عدمه فکیف یمکن أن یکون موجودا علی تقدیرٍ و معدوما علی تقدیرٍ آخَرَ.

و فیه: نعم الأمر کذلک ولکن لیس الکلام فی تعلیق الإنشاء بل فی تعلیق المنشأ و لاشبهة فی إمکانه بل وقوعه فی الأحکام العرفیة و الشرعیة و العقود و الایقاعات نحو: الوصیة و التدبیر و النذر و العهد و الیمین، و المثال للأحکام الشرعیة نحو: الواجبات المشروطة و المثال للأحکام العرفیة کثیرٌ.

الوجه الثالث:

الظاهر من آیة «اوفوا بالعقود»(1) و «أحل اللّه البیع»(2) أنّ الحکم بوجوب الوفاء و حلیّة البیع یترتب علی تحقّق موضوعه خارجا، و إذا کان فی البین تعلیق یتخلّل بین العقد و وجوب الوفاء به، أو البیع و الحکم بحلیّته و هو انتظار حصول المعلَّق علیه.

فتکون العقود أو البیوع التعلیقیّة خارجةً عن مدلول الآیتین و المفروض عدم وجود خطاب آخر یقتضی وجوب الوفاء أو حلیّته و صحته فتکون باطلة.

ص:259


1- (5) سورة المائدة /1.
2- (6) سورة البقرة /275.

و کذلک الأمر بالنسبة إلی حدیث السلطنة _ و هو قوله صلی الله علیه و آله : الناسُ مسلَّطون علی أموالهم(1) _ .

و فیه: أجاب الشیخ الأعظم(2) قدس سره عن هذا الوجه بوجوه:

الأوّل: أدلة وجوب الوفاء أو حلیّة البیع أو حدیث السلطنة ناظرة إلی وجوب الوفاء بالعقد أو الإیقاع أو حلیّة البیع أو السلطنة علی الأموال بأیّ نحو تحقّق فی الخارج منجزا کان أو معلَّقا.

و بالجملة: الإمضاء الشرعی للعقود أو البیوع أو إدارة المال تابع لجعل المتعاقدین أو المتبایعین و أو المدیرین و المسلطتین فإذا کان مطلقا فیکون أثره الشرعی منجزا غیر مشروط بشیءٍ. و إذا کان معلَّقا فأثره الشرعی یکون معلَّقا مشروطا بوجدان الشرط و المعلَّق.

و الحاصل: لزوم الوفاء بالعقد یکون نظیر الوفاء بالعهد الذی یکون مطلقا أو مطلَّقا.

الثانی: ثبت فی الشریعة تخلف الأثر عن العقد فی موارد مختلفه نحو: الوقف و الهبة قبل حصول القبض لأنّ الملکیة فیهما مشروط به. و البیع قبل انقضاء خیار المجلس. و بیع الصرف و السلَّم قبل حصول تحقّق القبض فی المجلس. و الوصیة. و المعاطاة _ علی القول بإفادتها الإباحة مع قصد الملکیة _ فحینئذ لا یفسد العقد من تأخیر ترتب الأثر علیه و إلاّ لزم القول بفساد الجمیع.

و فیه: یمکن أن یرد علی هذا الجواب بأنّ صحة هذه المعاملات تکون بالنص الخاص فلامورد للنقض بها و قیاس غیرها علیها.

ص:260


1- (1) عوالی اللآلی 1/222، ح99 و 1/457، ح198 و نقل عنه فی بحارالأنوار 2/272، ح7، (1/385).
2- (2) راجع المکاسب 3/170 و ما بعدها.

الثالث: الدلیل أخص من المدعی لأنّه إنّما یلزم تخلف الأثر عن العقد فی ما إذا کان التعلیق علی أمر خارجی غیر دخیل فی تحقّق العقد نحو: بعتک داری بکذا إن جاء زید من السفر. و أمّا إذا کان التعلیق علی أمر حالی کقبول المشتری فإنّه لا یلزم تخلف الأثر عن العقد لأنّ القبول جزء من العقد لا أمر خارج عنه.

و فیه: قد ظهر ممّا مرّ خروج مثل هذا التعلیق الأخیر عن محل الکلام فلا یتم ما ذکره.

الرابع: الدلیل أخص من المدّعی لأنّه لا یجری فی التعلیق علی الشرط الذی یشک فی تحقّقه فی الحال فإن تحقّق الشرط، فیکون العقد مراعی بالعلم بظهور الواقع. و إن انکشف وجود المعلَّق علیه فی الواقع فیحکم بصحة العقد من حین حدوث العقد.

و إلاّ فیحکم بفساده من غیر أن یکون العقد موقوفا علی الشرط لکی یلزم منه تخلف الأثر عن العقد.

و بعبارة اُخری: یکون وجوب الوفاء فی هذه الموارد مراعی بانکشاف الحال لاموقوفا علی حصول الشرط.

الخامس: الدلیل لا یجری فی العقود التی یتأخر مقتضاها عنها بحسب طبعها أو الدلیل الخاص نحو: الوصیة و التدبیر و السبق و الرمایة و الجعالة، و من الواضح، أنّ الکلام لیس فی خصوص البیع و لیس علی بطلان التعلیق فی کلّ عقد دلیل مستقل. فالدلیل أخص من المدعی من وجه آخر أیضا.

الوجه الرابع:

أسباب العقود و الایقاعات اُمور توقیفیة فلابدّ أن یقتصر فیها بالقدر المتیقن و هو لیس إلاّ العقد العاری عن التعلیق.

و فیه: اطلاق الأدلة و عمومها تدلّ علی صحة کلّ ما صدق علیه عنوان العقد أو

ص:261

البیع أو التجارة عن تراض أو سلطنة الناس علی أموالهم.

الوجه الخامس:

ما ذکره المحقّق النائینی رحمه الله من أنّ العمومات و الاطلاقات الدالة علی صحة العقود منصرفة عن العقد المعلَّق إلی العقد المنجَّز قال قدس سره : «إنّ التعلیق لیس ممّا جری علیه العرف و العادة فی الاُمور العهدیة و العقود المتعارفة بین عامّة الناس و إن مسّت الحاجة إلیه إحیانا فی العهود الواقعة بین الدول و الملوک فلا یشمله أدلة العقود و العناوین ممّا یشک فی صدقها علیه»(1).

و أجاب عنه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی بالمنع عن هذا الوجه کبری و صغری.

أمّا منع الکبری: فلانّ الانصراف لو صح فإنّما یتم فی المطلقات بدعوی احتیاجها إلی مقدمات الحکمة فإذا لم یکن بعض أفراد المطلق متعارفا فی الخارج کان ذلک قادحا فی شمول

الاطلاق لهم، ولکن هذه الدعوی لا تجری فی العمومات لأنّ العموم فیها یکون بحسب الوضع فلا نحتاج إلی مقدمات الحکمة حتّی یجری ذلک البیان.

و أمّا منع الصغری: فلا نسلم کون العقود المعلَّقة غیر المتعارفة ضرورة أنّها واقعة فی العرف کثیرا کتعلیق البیع علی إجازة الأب أو الزوجة أو الصدیق و نحوه.(2)

الوجه السادس:

ما ذکره الشهید الثانی بعد دعوی الاتفاق علی عدم صحة التعلیق فی العقود بقوله: «الانتقال مشروط بالرضا و لا رضا إلاّ مع الجزم و لا جزم مع التعلیق»(3).

و فیه: یمکن المناقشة فی الجمیع لأنّ الانتقال مشروط بالإذن لا الرضا و شاهده بیع

ص:262


1- (1) منیة الطالب 1/255.
2- (1) راجع مصباح الفقاهة 3/70.
3- (2) تمهید القواعد /533.

المضطر، و الإذن، أو الرضا عنده موجودان مع التعلیق و شاهد ذاک العقود المعلّقة الموجودة فی الشریعة نحو: الوصیة و التدبیر و النذر و العهد و الیمین و الجعالة و السبق و الرمایة.

الوجه السابع:

قد مرّ فی أوّل الفصل من أنّ الأصل فی العقود هو الفساد لأنّها مسبوقة بالعدم و کذا الأصل فی ترتب الآثار علیها هو العدم و مع الشک و التردید فی شمول الاطلاقات و العمومات للعقود المعلَّقة و عدم جواز التمسک بهما یجری أصالة الفساد و أصالة عدم ترتب الآثار فیحکم ببطلان العقود المعلّقة، و یمکن تأئیده بالإجماع المُدّعی أو لاأقل من فتوی المشهور علی بطلانها و لعلّ هذا البیان هو مراد الشیخ بقوله: «لادلیل علیه»(1) أو «لادلیل علی صحة هذا العقد»(2).

و کذا مراد شیخنا الاستاذ قدس سره من قوله: «ولکن یمکن دعوی انصراف أدلة المعاملات عن التعلیق... فالحکم فیها بالبطلان لقصور دلیل الامضاء لا لمانع خارجی»(3).

الوجه الثامن:

ما ذکره الفقیه الهمدانی فی تعلیقه علی المکاسب: «إنّ تنقیح المقام یتوقف علی معرفة الأسباب المملّکة فی أنظار أهل العرف من أنّها هل متحقّق عندهم مع التعلیق، أم یتوقّف

عندهم تحقّقها علی الجزم(4) و التنجیز(5) و بدونها لایرتّبون علیها حال کونها مجرّدة عن

ص:263


1- (3) المبسوط 2/399.
2- (4) الخلاف 3/354.
3- (5) إرشاد الطالب 2/123.
4- (1) الجزم: أن یکون المتبایعان قاطعین بحصول الأثر حین ایقاع العقد. حاشیة المکاسب /45 للمحقّق الهمدانی.
5- (2) التنجیز: أن لا یکون معلّقا علی شیء بأدوات الشرط، بأن یقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة فی صورة وجود ذلک الشیء لا فی غیرها. حاشیة المکاسب /45 له.

هذین الشرطین آثار الملکیة بل یعدّون ما صدر من المالک من اللفظ مثل قوله: هذا لک إن جاء زید من السفر، مجرد الوعد علی الإعطاء و لا یحصل به _ مع قطع النظر عن إمضاء متأخر عن حصول الشرط _ تملیک عندهم، فیکون علی هذا التملیک علی هذا منافیا للتعلیق فیه»(1).

الوجه التاسع:

ما ذکره الفقیه الإشکوری من أنّ أدلة العقود و الایقاعات غیر ما استُثْنِیَ من النذر و الوصیة و التدبیر و الظهار و نحوها قاصرة عن شمول التعلیق، لظهورها فی کون السبب ما أنشأه الموجِب علی وجه اُوجد مفادها تحقیقا و فعلاً فیترتب علی إیجاده وجود مفاده.

و دعوی: أنّ الغرض لیس إلاّ ترتیب ما أوجده المنشی ء، غایته أنّه یترتب علیه التحقّق و الفعلیة عند وجود المعلَّق علیه.

مسلَّمةٌ، لو لا ظهور الأدلة فی أنّ السبب فی نظر المشهور لیس مطلق إنشاء هذه المعانی، بل إنشاؤها علی وجه الاطلاق کما یظهر من کلمات القوم.(2)

الوجه العاشر:

ما جاء فی تقریر المحقّق العراقی من: «أنّ الغرض من إنشاء العقود و الإیقاعات حصول الالتزام من المنشی ء بسبب الإنشاء و تحقّق العناوین الطاریة، و التعلیق علی الاُمور الغیر المتوقفة علیه التأثیر ینافیه، لکونه موجبا لعدم تحقّق ذلک العنوان بخلاف التعلیق علی الاُمور المتوقفة علیه التأثیر.

فإن قلت: إنّ إنشاء الأمر یصح تعلیقه علی ما یشتهیه الآمر فیتحقّق معه الطلب

ص:264


1- (3) حاشیة المکاسب /46 له أیضا.
2- (4) راجع بغیة الطالب فی شرح المکاسب 1/176 للفقیه السیّد أبوالقاسم الإشکوری المتوفی عام 1324ق.

المشروط، فلم لا یصحّ تعلیق البیع علی ما یشتهیه البائع، فتحقّق معه المبادلة المشروطة و یترتّب الأثر عند وجود الشرط...؟!

قلت: فرق بین المقامین لأنّ الانشائیة فی الأوامر و النواهی إنّما هی باعتبار النسب المدلولة للهیئة أو الأداة بالوضع و أنّها قابلة للتعلیق بخلاف العقود و الإیقاعات الإنشائیة و إنّما هی باعتبار ترتب العناوین الطارئة، و التعلیق علی غیر ما یترتب علیه التأثیر ینافیها، فإنَّ مَنْ أظهر المبادلة علی تقدیر مشیّة زید أنّه لم یکن مبادلاً فعلیّا و لم یتحقّق منه مبادلة اُخری علی تقدیر مشیّته. و الأثر إنّما یترتب علی المبادلة لا علی مجرد مشیئتها و الرضا بها»(1).

و بما ذکرنا ظهر أن الثلاثة الأخیرة هی مورد الإجماع المُدعی و دعوی کون المتیقن منه صورة کون الشرط مشکوک الحصول فی الاستقبال فقط کما فی کلام المؤسس الحائری(2) رحمه الله لاشاهد علیه.

و بالجملة: بطلان العقود المعلَّقة تبعا للمشهور تام عندنا و موافق للاحتیاط و اللّه العالم.

التطابق بین الإیجاب و القبول
اشارة

قبل الخوض فی البحث لابدّ من ملاحظة کلمات القوم:

قال الشیخ فی الخلاف: «إذا قال واحد لإثنین: بعتکما هذا العبد بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بحسابه، و ردّ الآخر، لم ینعقد العقد، و به قال أبوحنیفة.

و قال الشافعی: ینعقد العقد فی حقّه، سواء قبل صاحبه أو ردّه.

ص:265


1- (1) حاشیة المکاسب /200 و 201 من تقریرات المحقّق العراقی لآیة اللّه المیرزا ابوالفضل النجم آبادی.
2- (2) کتاب البیع 1/147 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلّی الأراکی قدس سره .

دلیلنا: إنّ قبوله غیر مطابق للایجاب و إن العقد یحتاج إلی دلالة، و لا دلیل علی ثبوت هذا العقد»(1).

و قال فی المبسوط: «إذا قال واحد لإثنین: بعتکما هذا العبد بکذا فقال أحدهما: قبلتُ نصفه بنصف ما قال من الثمن، لم ینعقد العقد لأنّه غیر مطابق لایجابه. و إن قال واحد لرجلین: بعتکما هذین العبدین بألف فقبل أحدهما أحد العبدین بخمسمائة لم یجز إجماعا و فی الأوّل خلاف.

و الفرق بینهما أنّه إذا قال: بعتکما هذین العبدین بألف فإنّما أوجب لکلّ واحد منهما

نصف کلّ واحد من العبدین فإذا قبل أحد العبدین فقد قبل ما لم یوجبه و بثمن لا یقتضیه إیجابه، لأنّ الثمن ینقسم علی قدر قیمة العبدین و لا یقابل نصف الثمن أحدهما.

فإن قال: قبلت نصف کلّ واحد منهما بنصف الثمن کان مثل المسئلة الاولی سواء.

و إن قال: قد قبلتُ نصف أحد العبدین بحصّته من الثمن لم یصحّ إجماعا لأنّ حصته مجهولة.

و إن قال واحد لرجلین: بعتکما هذین العبدین بألف درهم هذا العبد منک و هذا العبد الآخر منک فقبله أحدهما بخمسمأة لم یصحّ لأنّه قبله بثمن لم یوجب له لأنّ الألف مقسومة علی قدر القیمتین لا علی عددهما و هو اجماع»(2).

و قال القاضی ابن البراج فی المهذب: «و إذا قال رجل لرجلین: بعتکما هذا العبد، فقال الواحد منهما: قبلت نصفه بنصف ما قال من الثمن، لم ینعقد البیع لأنّه لیس مطابقا لإیجابه، فإن قال: بعتکما هذین العبدین بألف فقبل أحد العبدین بخمسمائة لم یجز بغیر

ص:266


1- (3) الخلاف 3/40، مسألة 58.
2- (1) المبسوط 2/128.

خلاف، و فی الناس مَنْ خالف فی المسألة الاُولی، و الفرق بینهما أنّه إذا قال بعتکما هذین العبدین فإنّما اوجب لکلّ واحد منهما نصف کلّ واحد من العبدین، و إذا قبل أحد العبدین فقد قبل ما لم یوجبه و بثمن لایقتضیه إیجابه لأنّ الثمن ینقسم علی قدر قیمة العبدین و لا یقابل بنصف الثمن أحدهما.

فإن قال: قبلت نصف کل واحد منهما بنصف الثمن کان مثل المسألة الاولی، فإن قال: قبلت نصف أحد العبدین بحصة من الثمن لم یصحّ أیضا لأنّ حصته مجهولة.

و إذا قال واحد لاثنین: بعتکما هذین العبدین بألف درهم، هذا العبد منک و هذا العبد منک فقبله أحدهما بخمسمائة لم یصحّ لأنّه قبله بالثمن الذی لم یوجب لأنّ الألف مقسومة علی قدر القیمتین لا علی عددهما إجماعا»(1).

و قال العلاّمة فی القواعد: «و لابدّ من التطابق بین الإیجاب و القبول، فلو قال: بعتک هذین بألفٍ فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو قبلت نصفهما بنصف الثمن، أو قال بعتکما هذا بألفٍ، فقال أحدهما: قبلتُ نصفه بنصف الثمن لم یقع»(2).

و قال فی التذکرة: «لابدّ من التطابق فی المعنی بین الصیغتین، فلو قال: بعتک هذین

بألف، فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو: قبلت نصفهما بنصف الثمن. أو قال: بعتکما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، لم یقع علی اشکال فی الأخیر، أقربه الصحة و اختیار البائع»(3).

أقول: سیأتی منه قدس سره توضیح الإشکال و تقریب الصحة و الخیار فی نقل کلامه عن المختلف.

ص:267


1- (2) المهذب 1/394 و 393.
2- (3) قواعد الأحکام 2/17.
3- (1) تذکرة الفقهاء 10/10.

و قال فی تلخیص المرام: «ولو قال: بعتکما هذا العبد بألف، فقال أحدهما: قبلت بخمسمائة لم یصحّ علی رأیٍ، لاختلال التطابق بین الإیجاب و القبول، أما لو قال: بعتکما هذین العبدین بألف، فقال أحدهما: قبلت أحدهما بخمسمائة لم یصحّ إجماعا»(1).

و قال فی النهایة: «و یشترط المطابقة بین الإیجاب و القبول فلو قال: بعتک بألف صحیحة، فقال: قبلت بألف قُراضَة(2)، أو بالعکس. أو قال: بعتک جمیع کذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة. أو قال لإثنین: بعتکما بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة لم یصح.

ولو قال: بعتک هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة و نصفه بخمسمائة، احتمل الصحة لأنّه تصریح بمقتضی الاطلاق و لا مخالفة، و ترتبه علی أنّ تفصیل الثمن هل هو من موجبات تعدد الصفقة، و البائع هنا اوجب بیعة واحدة و الفاعل قبل بیعین لم یوجبهما البائع، ففیه مخالفة.

ولو قال: بعتک بألف، فقال: اشتریت بألف و خمسمائة، لم یصح أیضا»(3).

و قال فی المختلف: «قال الشیخ فی المبسوط و الخلاف: إذا قال واحد لإثنین: بعتکما هذا العبد بألف فقال أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة لم ینعقد العقد لعدم التطابق بین القبول و الإیجاب و تبعه علی ذلک ابن البراج، و الأقوی عندی الصحة و ثبوت الخیار للبائع، أما الصحة فلأنّ البائع لم یقصد بقوله: «بعتکما» تملیک کلّ واحد منهما جمیع المبیع و لا تملیک أحدهما ذلک، و لا تملیک کلّ واحد منهما نصف الثمن، و إنّما قصد تملیک کلّ واحد منهما نصف المبیع بنصف الثمن، و قد أتی باللفظ الدال علیه وضعا فیجب الحکم بالصحة، کما لو قال:

ص: 268


1- (2) تلخیص المرام /95.
2- (3) قُراضَة: ما سقط بالقرض (أی القطع) کقراضة الذهب و الثوب، قُراضَةُ المال: ردیئُهُ.
3- (4) نهایة الإحکام 2/450.

بعتکما هذا العبد بألف نصفه منک بخمسمائة و نصفه من هذا بخمسمائة فإنّه یجوز عندهما و لا فرق بینهما، و أمّا ثبوت الخیار فلأنّ البائع قصد تملیک کلّ واحد بشرط تملیک الآخر، فإذا فقد الشرط وجب أن یثبت له الخیار»(1).

و قال الشهید: «و یشترط فیهما التطابق، فلو قال: بعتک العبدین بألف، فقال: قبلت أحدهما بنصفه لم یصحّ، و إن تساویا قیمة، و اُولی بالبطلان ما لو قال: بعتکما العبدین بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، لأنّ الإیجاب لم یقع للقابل، إلاّ علی نصف العبد قضیة للإشاعة»(2).

و علّق المحقّق الثانی علی قول العلاّمة «و لابدّ من التطابق بین الإیجاب و القبول»، بقوله: «أی: علی الوجه المخصوص، الذی یدل علیه باقی کلامه، لا مطلق التطابق للاتفاق علی أنّه لو قال: بعتک، فقال: اشتریت، صح»(3).

و علّق علی قوله: «قبلت أحدهما بخمسمائة» و «أی: لا یصحّ هنا علی أصح الوجهین، و یحتمل الصحة، لأنّه فی قوة عقدین، و من ثمّ افترقا فی الشفعة لو اختصت بأحدهما، و لیس بشیءٍ، لأنّ ذلک حقّ ثابت فی البیع بالأصالة، و رضاهما محمول علیه، بخلاف ما هنا، لأنّ رضا البائع إنّما وقع علی المجموع بالمجموع»(4).

و قال الشیخ جعفر فی شرح القواعد مع متنه: «(و لابدّ من التطابق بین الایجاب و القبول) فی المتعاقدین و فی قدر العوضین (فلو) اختلفا فی أحدهما أو کلیهما بأن (قال: بعتک هذین بألف، فقال: قبلت أحدهما) أو بعضه منفردین أو مع بعض الآخر (بخمسمائة) أو قبلتُهما بنصف الثمن أو قبلت أحدهما (أو قبلت نصفهما) أو نصف أحدهما (بنصف الثمن) أو

ص:269


1- (1) مختلف الشیعة 5/186.
2- (2) الدروس 3/191.
3- (3) جامع المقاصد 4/60.
4- (4) جامع المقاصد 4/60.

بکلِّه (أو قال: بعتکما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه) أو کلّه (بنصف الثمن) أو بکلِّه، أو قال: بعتک أحدهما، فقال: قبلتهما کلیهما (لم یقع) و إن جمع الشرائط الآخر. و کذا لو لم یحصل التطابق فی جنس العوضین أو قدرهما أو مکانهما أو زمانهما إلی غیر ذلک.(1)

و أمّا لو حصل التطابق الحقیقی دون الصوری، کأن قال فی الأوّل: قبلت کل واحد منهما بخمسمائة، أو قال: قبلت أحدهما بخمسمائة و الآخر بخمسمائة، و فی الآخر: قبلنا کل

واحد من نصفیه، أو قبلناه بنصفی الثمن، أو: قبلنا نصفه بنصف الثمن و نصفه الآخر بنصفه الآخر، فالأقرب الصحة»(2).

و نختم نقل الأقوال بکلام صاحب الجواهر _ و هو کالحصیلة للبحث _ قال: «و من ذلک یعلم الحال فی التطابق بین الإیجاب و القبول الذی قد صرح به غیر واحد من الأصحاب، لکن علی معنی المطابقة بینهما بالنسبة إلی المبیع و الثمن، لا مطلق التطابق للإتقان علی صحة الإیجاب ببعت و القبول باشتریت، بل الظاهر صحة قبلت النکاح مثلاً لإیجاب زوّجتک کما عن جماعة التصریح به، بل المراد المطابقة التی مع انتفائها ینتفی صدق القبول لذلک الإیجاب و بالعکس، و الظاهر أنّ من ذلک ما لو قال: بعتک هذین بألف فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، ضرورة تعلق الرضا بالمجموع، و اُولی من ذلک ما لو قال: بعتکما العبدین بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، بل عن المبسوط أنّه لم یجز إجماعا، بل عنه أیضا أنّه لو قال: قبلت نصف أحد العبدین بحصة من الثمن لم یصح إجماعا، لأنّ حصته مجهولة. بل الظاهر عدم الصحة لو قال: قبلت نصفهما بنصف الثمن، کما عن المبسوط التصریح به أیضا لما عرفت، و عنه أیضا أنّه لو قال: بعتکما هذین العبدین بألف هذا العبد منک و هذا العبد من الآخر فقبل

ص:270


1- (5) وردت هذه العبارة فی بعض نسخ شرح القواعد هکذا: «و کذا یشترط التطابق فی جنس العوضین أو مکانها أو زمانها أو المرکب منها إلی غیر ذلک».
2- (1) شرح القواعد 2/20.

أحدها بخمسمائة لم یصح لأنّه قبله بثمن لم یوجب له، بأنّ الألف مقسومة علی قدر القیمتین لا عددهما و هو إجماع، قلت: وجهه واضح کما ذکره.

نعم لو قال: بعتکما هذین العبدین هذا العبد منک بخمسمائة و هذا الآخر منک [بخمسمائة] صح لمعلومیة ثمن کلّ منهما مع ظهور عدم ارادة اشتراط تملیک کل منهما بتملیک الآخر، أمّا لو قال: بعتکما هذا بألف فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، فالظاهر عدم الصحة کما فی القواعد و محکی المبسوط و الخلاف و القاضی و نهایة الإحکام و التلخیص لظهور إرادة الاجتماع، خلافا للفاضل فی محکی المختلف و التذکرة فالصحة مع الخیار.

ولو قال: بعتک هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة و نصفه بخمسمائة فالأقوی الصحة، لأنّه تصریح بمقتضی الاطلاق من غیر مخالفة، مع احتمال البطلان، ولو قال: بعتک بألف فقال: اشتریت بألف و خمسمائة فالأقوی الفساد لعدم المطابقة، و ربما احتمل الصحة إلی غیر ذلک من الفروع التی مدارها ما عرفت»(1).

أقسام التطابق بین الایجاب و القبول

و هو یتصور علی أنحاءٍ و الوجه فی اعتبار کلّها ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری لصدق المعاقدة و أمّا أقسامها:

1_ التطابق بالاضافة إلی عنوان المعاملة: بأن یقول البائع: بعتک داری، و یقول المشتری: قبلت هبتک أو الصلح.

2_ التطابق بالإضافة إلی المبیع کأن یقول البائع: بعتک الکتاب، و یقول المشتری: قبلت بیع الدار.

3_ التطابق بالإضافة إلی الثمن کأن یقول البائع: بعتک سیارتی بألف دولار أمریکی،

ص:271


1- (2) الجواهر 22/256 و 255.

و یقول المشتری: قبلت البیع بألف تومان ایرانی.

4_ التطابق بالإضافة إلی البائع و المشتری _ أی طرفی العقد _ فلو قال زید لعمرو: بعتک هذا الدار بکذا، قال عمرو: قبلت البیع لخالد.

و الوجه فی ذلک مضافا إلی عدم ورود الإیجاب و القبول علی موردٍ واحدٍ، من الممکن عدم رضا البائع ببیع داره لخالد أو عدم رضا الخالد ببیع دار زید. و تظهر الثمرة فی ما إذا کان أحد المبیعین _ أو کلیهما _ فی الذمة، لاختلاف ذمم الأفراد فی الاعتبار فربّ شخصٍ لا یعتمد علیه إلاّ فی الاُمور الحقیرة و ربّ شخص یعتمد علیه حتّی فی الاُمور الخطیرة فلابدّ من التطابق بین الایجاب و القبول من هذه الجهة.

نعم: إذا قبل عَمْرُوْ البیع لخالد و رضی زید بالبیع لخالد، فالبیع یکون صحیحا.

5_ التطابق بالإضافة إلی الشروط المذکورة فی العقد. و الوجه فی ذلک لأنّ مرجع اعتبار الشرط فی العقد إمّا إلی تعلیق العقد علی التزام المشروط علیه بشیءٍ کشروط عقد النکاح، أو إلی تعلیق لزومه علی شیءٍ کاشتراط صفة فی المبیع، أو تعلیقهما معا علیه کاشتراط عمل فی البیع و نحوه.

و مرجع الجمیع فی العرف إذا لم یقبل أحدهما الشروط فی العقد إلی بطلانه و عدم انعقاده. و الحاصل أنّ البطلان فی موارد تعلیق العقد واضح، و أمّا فی مورد تعلیق لزومه أیضا فیمکن أن یقال مضافا إلی ما ذکرنا من «أنّ تعلیق اللزوم یرجع إلی جعل الخیار، و جعل الخیار إنّما یرجع إلی تحدید المُنْشأ»(1) و عدم التطابق بین مُنْشائهما یوجب بطلان العقد.

6_ التطابق بالإضافة إلی أجزاء المبیع و الثمن کأن یقول البائع: بعتک هذا الأرض

ص:272


1- (1) کما فی مصباح الفقاهة 3/73.

بملیون، و قال المشتری: قبلت نصف الأرض بنصف میلیون. و الوجه فی ذلک: «عدم ارتباط کلام أحدهما بالآخر»(1) کما عن المحقّق النائینی، أو «عدم المطابقة من جهة الشرط»(2) کما عن المحقّق السیّد الخوئی لأنّ بیع کلّ نصف من المبیع فی قبال نصف الثمن مشروط بنصفه الآخر.

نعم: فی کلّ موردٍ ینحلّ العقد عرفا إلی عقدین أو عقود، فقبل بعضها یقع التطابق و یکون صحیحا.

هذا تمام الکلام فی التطابق.

هل یجوز إنشاء أحد المتعاقدین فی حال کون الآخر فاقدا لشرائطه؟
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم قدس سره _ و هو أوّل من تنبّه لهذا الشرط _ إلی عدم الجواز و أنّ المعتبر فی العقد أن یقع کلٌّ من الایجاب و القبول فی حالٍ یجوز لکلٍّ من الموجب و القابل الانشاء.

قال: «فلو کان المشتری فی حال إیجاب البائع غیر قابل للقبول أو خرج البائع حال القبول عن قابلیة الایجاب لم ینعقد.

ثم إنّ عدم قابلیتهما إن کان لعدم کونهما قابلین للتخاطب _ کالموت و الجنون و الإغماء بل النوم _ فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنی المعاقدة و المعاهدة حنیئذ....

و إن کان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه أیضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لأنّ المعتبر فیه عرفا رضا کلٍّ منهما لما ینشئه الآخر حین إنشائه کمن یعرض له الحجر بفَلَسٍ أو سَفَهٍ أو رقٍ _ لو فرض _ أو مرض موت.

ص:273


1- (1) منیة الطالب 1/257.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/74.

و الأصل فی جمیع ذلک أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغی الایجاب السابق و کذا لو کان المشتری فی زمان الإیجاب غیر راضٍ، أو کان ممّن لا یعتبر رضاه _ کالصغیر _ فصحة کلٍّ من الایجاب و القبول یکون معناه قائما فی نفس المتکلّم من أوّل العقد إلی أن یتحقّق تمام السبب و به یتمّ معنی المعاقدة، فإذا لم یکن هذا المعنی قائما فی نفس أحدهما أو قام و لم یکن قیامه معتبرا لم یتحقّق معنی المعاقدة»(1).

ثم خرّج(2) قدس سره الوصیة من العقود و جعلها فی الایقاعات لصحة القبول من الموصی له بعد موت الموصی، أو صحة القبول بعد الردّ فی حال حیاة الموصی و قبوله بعد موته، و الشاهد علیه لو مات الموصی له قبل القبول قام وارثه مقامه.

و کذا صرح(3) بأنّ صحة بیع المکره یکون علی خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

و وافقه المحقّق النائینی حیث یقول: «لایخفی أنّ هذا الشرط أیضا کالشرط السابق من القضایا التی قیاساتها معها بل منشاء اعتباره هو المنشأ لاعتبار الشرط السابق لأنّ العقد لاینعقد إلاّ بفعل الإثنین، فلو فقد حین أنشأ أحدُهما شرائط العقد فوجودها سابقا أو لاحقا لا أثر له و مجرد تحقّق الشرط حین أنشأ الآخر لا یفید بعد یکون إنشائه جزءا للعقد لا إیقاعا مستقلاً، فلو کان المشتری حین إنشاء البائع نائما لا یصحّ العقد و کذلک العکس.

و التفصیل بینهما کما فی حاشیة السیّد لا وجه له. ما یدّعیه من الصحة بلا إشکال فی العقود الجائزة فإنّما فی العقود الإذنیة لا العهدیة.

ثم لا فرق بین الموت و الجنون و نحوها و بین الفلس و الرقیة و نحو ذلک لأنّ المدار فی التطابق بین المشتری و البائع حال العقد علی اجتماع جمیع شرائط الصحة و اللزوم.

ص:274


1- (3) المکاسب 3/177 و 176.
2- (1) المکاسب 3/176.
3- (2) المکاسب 3/177.

و بعبارة اُخری: المدار علی ما به یصیر العقد عقدا، نعم رضا المشتری حین ایجاب البائع و کذا العکس غیر معتبر فی صحد العقد و المعاهدة، لأنّ ما یعتبر فی صدق العقد هو قصدهما لایجاد المادّة، لا رضاهما به، فلا یکون صحة بیع المکره إذا لحقه الرضا علی خلاف القاعدة»(1).

و وافق المحقّق الأصفهانی الشیخ الأعظم فی الجملة و قال: «أمّا عدم الأهلیة لِما یوجب امتناع تحقّق المعاهدة و المعاقدة کموت الموجب أو نومه أو إغمائه أو جنونه حال قبول القابل مثلاً، فإنّ مناط عهد کلٍّ منهما و التزامه و إنْ کان حیاة المتعهِّد و عقله و یقظته و هی مفروضة الحصول هنا، إلاّ أنّ مناط المعاهدة مع الغیر یقتضی کونهما معا کذلک فی حال الإیجاب و فی حال القبول، إذ معیة المتعاقدین لیست معیّة جسم مع جسم و لا معیّة حیوان مع حیوان بل معیّة شاعر ملتفت إلی ما یلتزم للغیر و یلتزم له الغیر، و إلاّ فلا ینقدح القصد الجدی فی نفس العاقل إلی المعاهدة مع من هو کالجدار أو کالحمار و علمه بالتفاته فیما بعد لا

یصحح المعاهدة معه فعلاً... .

و أمّا عدم الأهلیة لعدم الرضا المعتبر ولو لعدم اعتبار رضاه، فمن الواضح أنّه لا دخل له بالتعاهد و التعاقد فإنّهما متقوّمان بالشعور و الالتفات المحقّقین للقصد الجدی إلی المعاهدة مع الغیر... .

و ممّا ذکرنا ظهر أنّ استمرار الأهلیة بین الایجاب و القبول غیر لازم، فإنّ مقوّم المعاهدة مع الغیر التفاتهما و شعورهما حال کون کلّ منهما معاقدا مع الآخر، و قد عرفت أنّ النوم و الإغماء فضلاً عن غیرهما لا یوجب زوال الالتزام، حتّی یعتبر استمرار الأهلیة

ص:275


1- (3) منیة الطالب 1/257.

لبقاء الالتزام»(1).

و تبع المحقّقَ الأردکانیُّ المحقّق الأصفهانیَّ و نقل کلامه إلاّ أنّه قال: «إنّ المناسب ذکر هذا الشرط فی جملة شروط المتعاقدین...»(2).

و قبل السیّد ابوالقاسم الإشکوری ما ذکره الشیخ فی شرحه علی المکاسب و قال: «أنّ التأمل قاضٍ بصحة ما ذکره المصنف»(3).

ولکن ناقش الفقیه الیزدی ما ذکره الشیخ و قال: «لادلیل علی هذه الکلیة و عدم صدق المعاقدة و المعاهدة إنّما یتم فی بعض الفروض کما لو کان المشتری فی حال ایجاب البائع غیر قابل للتخاطب من جهة الإغماء أو النوم أو الجنون، و أمّا بقیة الصور فنمنع عدم الصدق خصوصا فیما إذا نام البائع بعد الایجاب مع علمه بذلک، أنّ المشتری یقبل لا محالة، و کذا فیما إذا کان المانع هو الفلس أو السرقة أو السفه. نعم فی جملة من الفروض یحتاج إلی إمضاء الغیر کالوارث المالک للعین، أو الولی أو نحوهما، و هذا غیر البطلان و یشهد لما ذکرنا من صدق المعاهدة عدم الفرق فی ذلک بین کون العقد لازما أو جائزا، مع أنّه لا بأس بالنوم بین الایجاب و القبول فی العقود الجائزة بلا إشکال، و کذا یشهد له باب الوصیة و الجواب الذی یذکره المصنف کما تری فتدبّر»(4).

و اعترض المحقّق الإیروانی علی الشیخ فی قوله: «فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنی المعاقدة» بقوله: «فیه منع، فإنّه لا یعتبر فی تحقّق المعاقدة إلاّ وجود الشرائط المعتبرة فی

کلّ من المتعاقدین حال إنشاء نفسه، نعم لو ارتفع رضا الموجب بالمعاملة حال لحوق القبول

ص:276


1- (1) حاشیة المکاسب 1/(293-291).
2- (2) غُنیة الطالب 2/114.
3- (3) بُغیة الطالب فی شرح المکاسب 1/184.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/446.

من الآخر لم یبعد عدم صدق المعاقدة بخلاف مالومات أو جُنّ أو أغمی علیه، فإنّ کلّ ذلک غیر مانع من تحقّق مفهوم المعاقدة عند قبول الطرف الآخر»(1).

و اعترض المحقّق السیّد الخوئی علی الشیخ و ذهب إلی عکس ما ذهب إلیه الفقیه الیزدی، و قال: «ولکن التحقیق یقتضی الالتزام بالصحة إذا فقد المشتری شرائط صحة الانشاء حال انشاء البائع، و بالفساد فی عکسه. و الوجه فی ذلک: أنّ المناط فی تحقّق العقد إنّما هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری و علیه فإذا أنشا البائع حال کون المشتری نائما أو غافلاً أو مغمی علیه ثم التفت المشتری إلی هذا الانشاء فقبله قبل صدور ناسخه من البائع صدق علیه عنوان العقد جزما و یحکم بصحته للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود. بل تدل علی ذلک السیرة الواقعة بین التجار لأنّ المتعارف فیما بینهم _ غالبا _ أن یکتب بعضهم إلی بعض بیع متاعه الخاص بقیمة معینة و یقبله المکتوب إلیه مع أنّه ربّما یکون _ عند کتابة البائع _ نائما أو غافلاً أو مجنونا، و لا شبهة فی صحة هذه المعاملة.

و أمّا إذا لم یبق البائع علی الشرائط حین قبول المشتری حکم بفساد العقد إذ یرتفع التزام البائع بانتفاء شرائط الانشاء عنه و لایتصل التزامه بالتزام المشتری إلاّ فی مثل النوم و الغفله فإنّهما لاینافیان بقاء التزام البائع للسیرة المزبورة»(2).

القول المختار

اشتراط صحة العقد بأن المتعاقدین من أوّل الایجاب إلی آخر القبول لابدّ أن یکونا مُسْتَجْمِعَیْنِ لجمیع شرائط الانشاء _ اضافة إلی أن کلٍّ من الموجب و القابل لابدّ أن یکون فی إجراء إیجابه و قبوله مستجمعا لشرائط الإنشاء _ ممّا لا دلیل علیه، لأنّ صحة المعاقدة و

ص:277


1- (1) حاشیته علی المکاسب 2/107.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/75.

المعاهدة یتم فیما إذا کان کلّ منهما قابلاً لشرائط الانشاء فی حال إجراء صیغته الخاصة به. لأنّ المناط فی تحقّق المعاقدة هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری، و کذا یشمله العمومات و الاطلاقات الواردة فی صحة البیع و وجوب الوفاء بالعقد و تجارة عن تراضٍ و الناس مسلطون علی أموالهم. مضافا إلی جریان السیرة القطعیة المتداولة بین الناس فی العقود.

و لعل ما ذکرنا هو وجه عدم تعرض الاصحاب قدس سرهم إلی هذا الاشتراط إلی القرن

الثالث عشر حیث عنونه الشیخ الأعظم _ أعلی اللّه مقامه _ و قبل منه السیّد الإشکوری بالجملة، و المحقّقون النائینی و الإصفهانی و الأردکانی فی الجملة.

و ناقشه السیّدان الفقیه الیزدی و المحقّق الخوئی کلّ منهما علی عکس الآخر. و المختار عندنا عدم اعتبار ما ذکره الشیخ بالکلّیة و وافقنا جماعة من الأصحاب نحو المحقّقین الشهیدی فی هدایة الطالب(1) و الإیروانی فی حاشیته علی المکاسب(2) و المروج فی هدی المطالب(3) و شیخنا الاُستاذ فی إرشاد الطالب(4).

نعم: إذا مات الموجب قبل تحقّق القبول أو جُنَّ لا یبعد انفساخ الایجاب، و یمکن أن یقال ببقائه و الإستیذان من ورثته أو ولیّه کما علیه الفقیه الیزدی(5). و اللّه العالم.

ص:278


1- (1) هدایة الطالب 2/230.
2- (2) حاشیة المکاسب 2/107.
3- (3) هدی الطالب 2/615 من طبعة عام 1428ق.
4- (4) إرشاد الطالب 2/131 و 132.
5- (5) حاشیته علی المکاسب 1/446.
فرع: اختلاف المتعاقدین اجتهادا أو تقلیدا فی شروط الصیغة
اشارة

إذا اختلف المتعاقدان _ اجتهادا أو تقلیدا _ فی شروط الصیغة فهل یجوز لکلِّ واحدٍ منهما العمل باجتهاده أو تقلیده مع أنّ الآخر یراه باطلاً؟ أم لا یجوز و لابدّ من إلقاء العقد بحیث یکون صحیحا عند کلِّ منهما؟ أم فیه تفصیل بین أن یکون العقد المرکب منهما هل یقول بصحته أحد من الفقهاء أو لا؟ فی صورة وجود القائل بالصحة یکون العقد صحیحا و فی صورة عدمه فلا.

مقالة الشیخ الأعظم فی المقام

ذهب الشیخ الأعظم(1) قدس سره إلی أنّ أردءَ الوجوه هو التفصیل و لم یذکر وجه الأردئیة.

و الوجه فیها: أنّ عدم وجدان القائل بالصحة لا یوجب الجزم بالبطلان و لا یقتضی الفساد بل یمکن ما لاقائل بصحته یکون موافقا للواقع. و لذا قال الفقیه الیزدی فی وجه الأردئیة: «و ذلک لأنّ مجرد عدم القائل لایکفی بل لابدّ من کونه مخالفا للإجماع و لیس کذلک لأنّ عدم القائل به إنّما من باب الاتفاق لا من جهة بنائهم علی عدم صحته فتدبر»(2).

و تبعه الشّارح الشهیدی فقال: «و مجرد عدم وجود القائل بها لا یستلزم الإجماع

علی العدم»(3).

و قال الإیروانی: «و السر فی ذلک أنّ مثل هذا الاجماع الذی لم یتورد فیه أقوال المجمعین علی عنوان واحد بل کلٌّ أفتی بعنوان غیر العنوان الذی أفتی به صاحبه و بتصادق العناوین صار المصداق فیه موردا للاتفاق ممّا لایعتدّ به عندهم لتخطئة کلٍّ من المفتین

ص:279


1- (6) المکاسب 3/178.
2- (7) حاشیة المکاسب 1/447.
3- (1) هدایة الطالب 2/232.

صاحبه فی الفتوی»(1).

و ذهب الشیخ الأعظم(2) إلی أنّ الأوّلَیْن مبنیان علی أن الأحکام الظاهریة هل هی بمنزلة الأحکام الواقعیة الاضطراریة أم هی أحکام عذریة یکون العامل بها معذورا _ بعد اجتهاده أو تقلیده فیها _ فی عمله قبل کشف الخلاف؟!

فعلی الأوّل فالمؤثر عند أحدهما مؤثرٌ عند الآخر أیضا ولو کان أحدهما مخالفا للثانی، فیحکم بالصحة مطلقا.

و علی الثانی فلایترتب علیه أثر لأنّ المُنْشِیء و إن رأی ترتب الأثر علی إنشائه إلاّ أنّ الآخر یراه مخطئا لاغیا فلا یمکن له أن یترتب علیه الأثر.

هذا إذا کان بطلان العقد مستندا إلی فعل الآخر عند کلٍّ من المتعاقدین بحیث لا یسری من جزءٍ إلی الجزء الآخر و أمّا إذا یسری من جزءٍ إلی الآخر فالقول فیه هو البطلان و الفساد مطلقا و الأخیر نحو اعتبار الموالاة و التنجیز و بقاء المتعاقدین علی صفة صحة الانشاء من أوّل العقد إلی آخره، لأنّ الموجب إذا أنشاء معلَّقا أو من دون بقاء الآخر علی صحة الإنشاء، أو القابل أنشأ من دون الموالاة، فی هذه الموارد لم یجز لکلٍّ منهما الإنشاء فی قبال إنشاء الآخر، هذا کلّه فَحْوی مقالة الشیخ الأعظم(3) فی المقام.

مناقشة مقالة الشیخ الأعظم قدس سره

یمکن أن یلاحظ علی مقالته:

أوّلاً: أنّ الأحکام الظاهریة الاجتهادیة لیست بمنزلة الأحکام الواقعیة الاضطراریة و إلاّ لزم التصویب المجمع علی بطلانه.

ص:280


1- (2) حاشیة المکاسب 1/109.
2- (3) المکاسب 3/178 و 179.
3- (4) المکاسب 3/178 و 179.

و قد ذُکر فی علم الاُصول وجوه الجمع بین الأحکام الواقعیة و الظاهریة قد عددناها

إلی ثمانیة جمع فی محاضراتنا الاُصولیة منها: جمعان للشیخ الأعظم و جمع للمحقّق الخراسانی و جمع للسیّد محمّد الفشارکی _ و جمعه متین عندنا(1) _ و جمع للمحقّق النائینی(2) و آخر للمحقّق العراقی(3) و سابع للمحقّق السیّد الخوئی(4) _ و هو أیضا تام _ و ثامن للسیّد محمّد الداماد(5) _ و هو أیضا تام _ .

و منها: أنّ التنافی فی الأحکام الشرعیة فی الموردین: المبدأ و المنتهی، و أمّا عدم التنافی فی الأحکام الظاهریة و الواقعیة فی المبدأ فلانّ الحکم الواقعی نشأ من المصالح و المفاسد الواقعیة ولکن المصلحة فی الحکم الظاهری إنّما تکون فی نفس جعل الحکم لا فی متعلَّقه فلا یلزم من مخالفتهما اجتماع المصلحة و المفسدة، و أمّا عدم التنافی بینهما فی المنتهی فلانّ الحکم الظاهری موضوعه الشک فی الحکم الواقعی و عدم تنجزه لعدم وصوله فمادام لم یصل الحکم الواقعی لا یحکم العقل بوجوب امتثاله فلا مانع من امتثال الحکم الظاهری، و إذا وصل الحکم الواقعی فلا یبقی مجال لامتثال الحکم الظاهری لکون الحکم الظاهری دائما فی طول الحکم الواقعی، لأنّه مجعولٌ فی ظرف عدم وصول الحکم الواقعی، و هذا هو أحد وجوه الجمع الصحیح بینهما فی المقام.

ثانیا: أنّ الاختلاف فی طریقیة الأمارات أو موضوعیتها یتم بالنسبة إلی من قامت

ص:281


1- (1) راجع کتب تلامیذه نحو المؤسس الحائری فی درر الفوائد 2/351 و جدنا العلاّمة أبی المجد الشیخ محمّد الرضا النجفی الأصفهانی قدس سره فی وقایة الأذهان /487.
2- (2) راجع أجود التقریرات 3/128 و ما بعدها.
3- (3) راجع تعلیقته علی فوائد الاصول 3/102.
4- (4) مصباح الاصول 2/108.
5- (5) المحاضرات 2/90 تقریرات السیّد محمّد الداماد رحمه الله بقلم آیة اللّه السیّد جلال الدین الطاهری الأصفهانی _ مدظله _ .

عنده الأمارة فإنّه علی القول بالطریقیة لا یجزیء العمل بعد کشف الخلاف و علی القول بالموضوعیة یجزی، و أمّا بالنسبة إلی غیر مَنْ قامت عنده الأمارة فالاکتفاء بمفادها یحتاج إلی دلیل لیدلّ علی أنّ الحکم الظاهری فی حقّ کلِّ أحدٍ حکم واقعی فی حقّ غیره، و لا یتم هذه الکبری إلاّ فی موارد نحو: جواز إیتمام المتطهِّر بالوضوء بالمتطهِّر بالتیمم، و حرمة تزویج المعقودة بالفارسی لمن یری فساد العقد الفارسی لما ورد أنّ لکلّ قوم نکاحا، و إذا أسلم الزوجان أو زوج الکتابیة حکم ببقاء النکاح السابق.

و الحاصل: مجرد کون مفاد الأمارة حکما حقیقیا فی حقّ الموجب أو القابل لا یفید

شیئا فی المقام بل لابدّ أن یکون ذلک حکما حقیقیا فی حقّ غیره لأنّه أحد طرفی العقد.

ثالثا: قد مرّ منّا عدم اعتبار العربیة و الماضویة و الترتیب و الموالاة و بقاء المتعاقدین علی صفات صحة الانشاء إلی آخر العقد فی صیغ العقود، نعم الصراحة و التنجیز معتبران فلایتم تفصیل الشیخ الأعظم عندنا.

رابعا: علی قوله قدس سره أیضا لابدّ من الحاق الترتیب بالموالاة و التنجیز لأنّ التقدّم و التأخّر من الاُمور المتضائفة بعدم مراعاته من طرف یخلُّ بطرف آخر أیضا و لذا قال الفقیه الیزدی: «الظاهر أنّ الترتیب کالموالاة»(1). هذا کلّه ما یرد علی الشیخ الأعظم فی المقام.

مقالة المحقّق الأصفهانی وردّها

قال تحت عنوان تحقیق المقام ما ملخصه: «إنّ الملکیة إذا کانت من الاُمور الواقعیة و کانت الأمارة حجة من باب الطریقیة فهی لا توجب إلاّ العذر عند الخطأ، فالتصرف بالعقد الفارسی تصرف فی مال الغیر و هو حرام غایة الأمر أنّه معذور فی هذا التصرف الحرام. و إن کانت حجة من باب الموضوعیة فالتصرف و إن کان فی مال الغیر حقیقة لکنّه جائز

ص:282


1- (1) حاشیة المکاسب 1/449.

حقیقة لکون التصرف بعنوان أنّه تصرف فی مال الغیر بسبب العقد علیه ذو مصلحة غالبة علی مفسدة التصرف فی مال الغیر فلا یکون حراما واقعا... .

و أمّا إذا کانت الملکیة من الاعتبارات [کما هو الصحیح] فأسبابها أیضا جعلیة فربّما یکون ذات العقد العربی _ بما هو _ ذا مصلحة مقتضیة لاعتبار الملکیة من الشارع، و ربما یکون العقد الفارسی _ لا بما هو بل بما هو عقد قامت الحجة علی سببیته شرعا _ ذا مصلحة مقتضیة لاعتبار الملکیة شرعا، فما انتقل إلی المعتقِد بالعقد الفارسی ملک شرعا حقیقة حیث لا واقع للاعتبار إلاّ نفسه فیترتب جمیع آثار الملک علیه...، و إن کانت لا سببیة للعقد الفارسی بالاضافة إلی غیر المعتقِد و علیه فلیس له کشف الخلاف، بل لا یجوز التسبب به بعد تبدیل الرأی، و إلاّ فالاعتبار لا ینقلب عمّا هو علیه.

هذا بخلاف ما عدا الاُمور الوضعیة کالواجبات التکلیفیة علی الموضوعیة فإنّ مجرد کون صلاة الجمعة التی أخبر بوجوبها العادل بلحاظ العنوان الطاریء ذا مصلحة کما یقتضیه ظهور الأمر بها فی البعث الحقیقی المنبعث عن مصلحة فی متعلِّقه و عرضا، لا یقتضی أن تکون المصلحة فیه مصلحة بدلیة عن مصلحة الواقع، فبعد کشف الخلاف یتبیّن بقاء

مصلحة الواقع علی حاله فیجب تحصیلها، و لیس فی باب المعاملات مصلحة لازمة التحصیل کی یجری فیها هذا البیان»(1).

و اعترض علیه تلمیذه السیّد المحقّق الخوئی: «هذا الذی أفاده... و إن کان متینا بناءا علی السببیة إلاّ إنّا ذکرنا فی مبحث الجمع بین الأحکام الظاهریة و الواقعیة من علم الاُصول أنّ الالتزام بالموضوعیة و السببیة حتّی السببیة السلوکیة _ التی اخترعها الشیخ الأعظم فی رسائله _ مستلزم للتصویب، فإذن فلایمکن الالتزام بذلک، فلامناص وقتئذ عن القول

ص:283


1- (1) حاشیة المکاسب 1/295.

بالطریقیة المحض فی جعل الأمارات و لازم ذلک هو عدم جواز اکتفاء أحد المتعاقدین بما یراه الآخر صحیحا فیحکم بالصحة من جانب و بالفساد من جانب آخر»(1).

أقول: حمل کلام المحقّق الأصفهانی رحمه الله فی ذیل الملکیة الاعتباریة علی الموضوعیة و السببیة فی حجیة الأمارات ممکن، ولکن یمکن حمله علی الطریقیة أیضا _ لو لم نقل أنّه یحمل علیها فقط _ و المراد بقوله: «سببیته شرعا»(2) یمکن أن یحمل علی سببیة العقد الفارسی علی الملکیة الاعتباریة لو لا قوله: «ذا مصلحة مقتضیة لاعتبار الملکیة شرعا»(3)، و علی أیّ حالٍ یمکن الأخذ بقوله حتّی بناءً علی القول بالطریقیة فی حجیة الأمارات کما هو المختار.

مقالة الفقیه الیزدی رحمه الله فی المقام و مناقشتها

قال: «ثم لا یخفی أنّ ترتیب الأثر علی ظن المجتهد الآخر إنّما یکون فیما لو فعله موضوعا للحکم بالنسبة إلیه کما فی مثال النکاح و غیره و أمّا إذا کان فعله قائما مقام فعله فلا، کما إذا استأجر الولی الذی یجب علیه القضاء عن المیت من یعتقد بطلان صلاته و إنْ کانت صحیحة عند نفسه، فإنّ فعل الأجیر فعل المستأجر فلایجوز الاکتفاء به.

و ما نحن فیه بمنزلة ذلک، فإنّ العقد متقوم بطرفین، و یجب علی کلٍّ من المتبایعین إیجاد عقد البیع، و هو عبارة عن الإیجاب و القبول، فلا یجوز لواحد منهما الأکل إلاّ بعد ذلک، فمع اعتقاد أحدهما بطلانه _ ولو ببطلان أحد جزئیه _ لا یجوز له ترتیب الأثر، و إنّما یتم ما ذکره المصنف لو کان المؤثر فی حقّ البائع فی جواز الأکل الإیجاب الصحیح، و بالنسبة إلی المشتری القبول الصحیح و لیس کذلک، إذ المؤثر المجموع و هو فعل کلّ واحد منهما...، و

بالجملة: البیع فعل واحد تشریکی، و لابدّ من کونه صحیحا فی مذهب کلٍّ منهما لیمکن

ص:284


1- (2) مصباح الفقاهة 3/83.
2- (3) حاشیة المکاسب 1/296.
3- (4) حاشیة المکاسب 1/296.

ترتیب الأثر علیه، و هذا بخلاف مسألة النکاح فإنّ الفعل للأوّل و الثانی مرتب علیه أثره»(1).

و کذا أفتی فی عروته بما ذکره هنا و قال: «إذا کان البائع مقلِدا لِمَنْ یقول بصحة المعاطاة مثلاً أو العقد الفارسی و المشتری مقلِدا لِمَنْ یقول بالبطلان لا یصح البیع بالنسبة إلی البائع أیضا، لأنّه متقوم بطرفین فاللازم أن یکون صحیحا من الطرفین، و کذا فی کلِّ عقد کان مذهب أحد الطرفین بطلانه و مذهب الآخر صحته»(2).

یمکن أن یلاحظ علیه: أوّلاً: لا یکون البیع فعلاً واحدا تشریکیا بل هو فعلان مرتبط أحدهما بالآخر و لذا قال المحقّق الخمینی قدس سره : «أنّ العقد المرکب من الإیجاب و القبول لا یعقل أن یکون فعل کلّ واحد من المتعاقدین فکیف یکون الموجب موجبا و قابلاً، و القابل کذلک، و لاشک فی أن الإیجاب فعل الموجب و هو موضوع الأثر بالنسبة إلی القابل فإذا ضم إلیه القبول صار عقدا تاما و قوله: «البیع فعل [واحد] تشریکی» الخ، مصادرة محضة»(3).

ثانیا: إنّ العقد متقدم بالطرفین لا یقتضی أن یکون القابل ینشیء قبوله و مقصوده علی نحو ینشأ الموجب إیجابه و مقصوده به.

و ثالثا: علی فرض قبول أنّ البیع فعل واحد و هو لا یقتضی إمّا الصحة أو الفساد، لایتم إلاّ بحسب الحکم الواقعی، و أمّا بالنسبة إلی الحکم الظاهری فلا مانع من الالتزام بالتفکیک بأن یعمل کلّ من الموجب و القابل بما تقتضیه وظیفته الظاهریة.

ص:285


1- (1) حاشیة المکاسب 1/448.
2- (2) العروة الوثقی _ الاجتهاد و التقلید، المسألة 55.
3- (3) کتاب البیع 1/244.

الأوّلان من الملاحظات للمحقّق النائینی(1) و الثالث للسیّد الخوئی(2) رحمهماالله و لذا کتبنا فی تعلیقنا علی العروة الوثقی فی ذیل المسألة المذکورة: «بل یصح»، و فی آخرها: «نعم، فی أمثال الفروج لزم مراعاة الاحتیاط». فلا یتم ما ذکره الفقیه الیزدی قدس سره .

ص:286


1- (4) منیة الطالب 1/260.
2- (5) مصباح الفقاهة 3/84.

وصلٌ: أحکام المقبوض بالعقد الفاسد

اشارة

ص: 287

ص: 288

أحکام المقبوض بالعقد الفاسد

اشارة

قد مرّ بعض کلمات القوم فی المقام فی التنبیه الثامن من تنبیهات المعاطاة والان تضاف إلیها أحکامه:

الأوّل: لا یملک المشتری المقبوض بالعقد الفاسد

إذا کان العقد باطلاً لا یتحقّق آثاره المقصودة کالملکیة مثلاً فی البیع فمقتضی بطلان البیع بقاء کلٍّ من المالین علی ملک صاحبه الأوّل و لا حاجة إلی التمسلک بأصالة عدم الانتقال لعدم الشک فی المقام حتّی یجری فیه الأصل.

و بعبارة اُخری: المؤثر فی حصول الملکیة إنّما هو العقد فإذا حکم بفساده لم یؤثر فی الملکیة و صار کالمعدوم لا یؤثر فی شیءٍ.

صرح بعدم الملکیة فی فرض فساد العقد الشیخ فی کتابیه(1)، و المحقّق فی موضعین من الشرائع(2)، و العلاّمة فی القواعد(3) و التذکرة(4) و نهج الحقّ(5)، و ابن فهد فی المهذب

ص:289


1- (1) المبسوط 2/149، 3/64 - الخلاف 3/158، 3/403.
2- (2) الشرائع 2/7، 3/194.
3- (3) القواعد 2/17، 2/238.
4- (4) تذکرة الفقهاء 10/290.
5- (5) نهج الحقّ و کشف الصدق /485.

البارع(1)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(2)، و الشهید الثانی فی المسالک(3)، و المحقّق السبزواری فی الکفایة(4)، و الشیخ جعفر فی شرح القواعد(5)، و تلمیذاه صاحبا المفتاح(6)

و الجواهر(7).

قال فی الأخیر: «بلا خلاف، بل الاجماع بقسمیه علیه، للأصل بعد فرض بطلان السبب الذی أرید الانتقال به، و فرض عدم إرادة غیره من أسباب الملک، حتّی المعاطاة بناءً علی أنّها منه...»

ص: 290


1- (6) المهذب البارع 2/361.
2- (7) جامع المقاصد 4/61.
3- (8) المسالک 12/222.
4- (9) الکفایة 2/653.
5- (10) شرح القواعد 2/32.
6- (11) مفتاح الکرامة 12/537.
7- (1) الجواهر 22/256.

الثانی: ضمان القابض

استدل علیه بوجوه:
الأوّل _ الاجماع: بمعنی کون تلفه علیه

ادعی الشیخ فی باب الرهن من المبسوط(1) و فی موضعین من البیع فی المبسوط(2) و الخلاف(3) الاجماع علیه صریحا و تبعه ابن ادریس فی السرائر(4) و ابن فهد الحلّی فی المهذب البارع(5) و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(6) و الشهید الثانی فی غصب المسالک(7) و السبزواری فی الکفایة(8) و الشیخ جعفر فی شرح القواعد قال: «للإجماع المحصَّل فضلاً عن المنقول المعتضد بالشهرة المستفیضة تحصیلاً و نقلاً»(9) و السیّد العاملی فی المفتاح قال: «هذان الحکمان (عدم الملکیة و الضمان) ممّا قد طفحت به عباراتهم»(10) و قال صاحب الجواهر: «بلاخلاف أجده فیه بل الإجماع بقسمیه علیه»(11).

الثانی _ علی الید ما أخذت حتّی تؤدی

ص:291


1- (1) المبسوط 2/204.
2- (2) المبسوط 2/150.
3- (3) الخلاف 3/158، مسألة 251.
4- (4) السرائر 2/285: و فیه: «عند المحصلین».
5- (5) المهذب البارع 2/361.
6- (6) جامع المقاصد 4/61.
7- (7) مسالک الأفهام 12/174.
8- (8) الکفایة 2/653.
9- (9) شرح القواعد 2/33.
10- (10) مفتاح الکرامة 12/537.
11- (11) الجواهر 22/257.

و یدلّ علیه بعد الإجماع النبوی المشهور: علی الید ما أخذت حتّی تؤدی.(1)

لایستشکل علی سند الروایة بأنّ راویها هو قتادةُ عن الحسن البصری(2) عن سمرة بن جندب(3) المعلوم حالهما، و لم یسمع حسب رأی البخاری و مسلم _ الحسن عن سمرة

إلاّ حدیث العقیقة(4) و ابن حزم أیضا ضعّف الحدیث بدعوی انقطاعه لأنَّ قتادةَ لم یدرک الحسن(5).

لأنّ شهرتها و العمل بمضمونها یکفی فی اعتبارها، و قد قال العلاّمة البلاغی: «... قد شاعت روایته بین الفریقین و کثرت روایته و الاعتماد علیه بین الأصحاب، بل لم یخل من الاعتماد علیه فی الاستدلال فیما رأیناه کتاب یتعرض لمدارک الأحکام و وصفه فی جامع الشتات(6) بالمشهور المقبول بل ذکر فی المضاربة(7) و وصفه بالروایة المجمع علیها. و کاشف الغطاء فی شرح القواعد(8) بالمستفیض المجمع علی مضمونه، و فی الریاض(9) بالمشهور

ص:292


1- (12) عوالی اللآلی 1/224، ح106، 1/389، ح22؛ سنن البیهقی 6/95 و 90؛ کنزالعمال 5/327، الرقم 5713؛ سنن ابن ماجه 2/802، ح2400؛ و سنن الترمذی 3/566، ح1266؛ و سنن ابن داود 3/296، ح3561؛ سنن النسائی 3/411؛ و مسند احمد بن حنبل 5/8 و 12 و 13؛ المستدرک علی الصحیحین 2/47.
2- (13) لبعض ما طُعِنَ علیه به عندهم راجع میزان الاعتدال 1/527 و عندنا راجع رجال الکشی /97، ح154 و الاحتجاج 1/171.
3- (14) لبعض ما طُعِنَ علیه راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 4/73 و 77 و 78؛ و تاریخ الطبری 4/176؛ و قاعدة لا ضرر لشیخ الشریعة الإصفهانی /35 و 36.
4- (1) راجع نصب الرأیة 5/398 للزیعلی.
5- (2) المحلّی 9/172.
6- (3) جامع الشتات 3/405 و فیه: «حدیث مشهور علی الید که أصحاب به آن عمل کرده اند».
7- (4) جامع الشتات 3/340 من طبعة الحروفی الاولی.
8- (5) شرح القواعد 2/33.
9- (6) ریاض المسائل 8/254 و فیه: الخبر المشهور.

المقبول، و فی غصب مفتاح الکرامة(1) بالمشهور المعمول به فی أبواب الفقه، و فی ودیعة المقابس(2) بالقویة المعروفة المجمع علیها. و فی العناوین(3) بالمنجبر بالشهرة المتلّقی بالقبول عند العامة و الخاصة بحیث یغنی عن ملاحظة سنده و صحته بل هو ملحق بالقطعیات فی الصدور، و فی الجواهر(4) أنّه مجبور بالعمل»(5).

أقول: الظاهر استناد الأصحاب قدیما و حدیثا هو علی هذا الحدیث بحیث یظهر للمتأمل الوثوق بصدوره و الآن أذکر لک _ مضافا إلی ما مرّ من العلاّمة البلاغی _ بعض هذه الاستنادات:

منهم: الشریف المرتضی فی بحث ضمان الصنّاع من الانتصار(6) احتجاجا علیهم.

و منهم: شیخ الطائفة فی أوّل غصب المبسوط(7).

و منهم: الشیخ فی أوّل ودیعة المبسوط(8).

و منهم: الشیخ فی رهن الخلاف(9) و فی غصبه مرّتان(10) و ودیعته(11).

ص:293


1- (7) مفتاح الکرامة 6/228 من الطبعة الاولی.
2- (8) المقابس /253.
3- (9) العناوین 2/416.
4- (10) الجواهر 37/35 و استدل به أیضا فی 27/116 و 31/358.
5- (11) العقود المفصّلة /2، المطبوعة مع تعلیقته علی المکاسب علی الحجر، و ص23 من المطبوعة فی ضمن المجلد السابع من موسوعة العلاّمة البلاغی.
6- (12) الانتصار /468.
7- (1) المبسوط 3/59.
8- (2) المبسوط 4/132.
9- (3) الخلاف 3/228، مسألة 17.
10- (4) الخلاف 3/408 و 409، مسألة 20 و 22.
11- (5) الخلاف 4/174، مسألة 5.

و منهم: السیّد ابن زهرة فی غصب الغنیة و إجارتها(1) احتجاجا علیهم.

و منهم: ابن ادریس الذی لا یری الأخبار الآحاد موجبا للعلم و العمل و قال: «و قد بیّنا أنّ أخبار الآحاد عند أصحابنا لا توجب علما و لا عملاً، و الواجب علی المفتی الرجوع فی صحة الفتوی إلی الأدلة القاطعة»(2). و قال أیضا: «الواجب الأخذ بالأدلة القاطعة للأعذار، و ترک أخبار الآحاد التی لا توجب علما و لا عملاً فإنّه أسلم للدیانة، لأنّ اللّه تعالی ما کلّفنا إلاّ الأخذ بالأدلة و ترک ماعداها»(3).

تمسک بهذه الروایة فی عدّة مواضیع من کتابه نحو: رهن السرائر مرتین(4) و فی غصبه کذلک(5) و إجارته(6) و وکالته(7).

و منهم: الشیخ علی بن محمّد بن محمّد القمی السبزواری فی غصب جامع الخلاف و الوفاق و رهنه و إجارته.(8)

و منهم: العلاّمة تمسک بها فی عدّة من کتبه نحو: متاجر المختلف(9) و رهنه(10) و عاریته مرّتین(11) و لقطته(12) و ودیعته(13) و إجارته(14).

ص:294


1- (6) غنیة النزوع 280 و 289.
2- (7) السرائر 2/322.
3- (8) السرائر 2/422.
4- (9) السرائر 2/425 و 437.
5- (10) السرائر 2/481 و 484.
6- (11) السرائر 2/463.
7- (12) السرائر 2/87.
8- (13) جامع الخلاف و الوفاق 343 و 299 و 354.
9- (14) مختلف الشیعة 5/321.
10- (15) مختلف الشیعة 5/417.
11- (16) مختلف الشیعة 6/72 و 77.
12- (17) مختلف الشیعة 6/87.
13- (18) مختلف الشیعة 6/63.
14- (19) مختلف الشیعة 6/158.

و قال فی غصب التذکرة: «کلّ من غصب شیئا وجب علیه ردُّه علی المالک سواء طالب المالک بردّه أو لا، مادامت العین باقیة بلاخلاف، لقول النبی صلی الله علیه و آله علی الید ما أخذت حتّی تؤدیه»(1).

و قال فی ضمانها: «و کلّ من یثبت یده علی مال الغیر و لا حقّ له فی إمساکه و کان المال باقیا وجب علیه ردّه علی مالکه بلاخلاف، لقول النبی صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی، و لأنّ حقّ المالک متعلَّق بمالیته، و مالیته لا تتحقّق إلاّ بردّه إلیه»(2).

و ذکرها العلاّمة فی کتاب الرهن(3) مرّتین، و کذلک فی کتاب الودیعة(4)، و فی کتاب العاریة(5) ثلاث مرّات.

و هکذا ذکرها ولده فخرالمحقّقین مکررا فی کتابه ایضاح الفوائد(6).

و هکذا الفاضل المقداد فی التنقیح(7) مکررا.

و منهم: الشهید قال فی غصب الدروس: «یجب ردّ المغصوب إلی مالکه إجماعا و لقوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذ