االآراء الفقهیه: (قسم البیع 1) المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: تهران: شب افروز، 1393.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2-شابک : 978-600-92902-8-4

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ36 1393

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3555378

ص: 1

اشارة

ص: 2

تاریخ تصحیح الکتاب من نظم فضیلة العلاّمة القدیر الشاعر المُفْلِق

السیّد عبدالستار الحسنی البغدادی حفظه اللّه تعالی :

عَرَضَ عَلَیَّ صاحِبُ السَّماحَةِ، الفَقْیِهُ الْمُحَقِّقُ، آیَةُ اللّه ِ الشَّیْخُ (الهادِیْ) مِنْ آل (أبی الْمَجدِ) النَّجفیّ _ دامَ ظِلُّهُ _ کِتابَهُ النَّفْیِسَ الْقَیِّمَ الْمَوْسُوْمَ بِ_ (الآراء الْفِقهِیَّة) _ المُجَلّد الرّابع _ قَبْلَ طَبْعِهِ، وَ غِبَّ الاِنْتِهاءِ مِنْ مُطالَعَتِهِ حَضَرَتْنی هذِهِ الاْءَبْیاتُ فی تَقْرِیْظهِ _ إِجْمالاً _ وَ فِیْ آخِرِها تأْرِیْخُ الاِنْتِهاءِ مِنْ إِتْمامِهِ، راجیا مِنْ سَماحَةِ الشَّیْخِ النَّجَفِیِّ قَبُوْلَها:

بِ_ (النَّقْضِ وَ الاْءِبْرامِ) (هادِیْ) الْوَری مِیْزانُهُ الرّاجِحُ دُوْنَ(1) ارْتِیابْ

إذْ سَبَرَ (الاْآراءَ) مُسْتَقْصِیا وَ خاضَ مِنْ (قامُوْسِهِنَّ)(2) الْعُبابْ

مُسْتَکْنِها أَسْرارَ ما جاءَ مِنْ أَحْکامِ دِیْنِ اللّه ِ فی کُلِّ بابْ

شَمَّرَ عَنْ ساعِدِهِ(3) جاهِدا بِهِمَّةٍ لا تَنْشَنِیْ لِلصِّعابْ

ص: 3


1- (1) الوَجْهُ أَنْ یُقالَ: (مِنْ دُوْنِ...) لکِنْ خُذِفَتْ (مِنْ) _ هُنا _ لِمُراعاةِ الْوَزْنِ.
2- (2) الْقامُوْسُ: مِن أسْماءِ الْبَحْرِ، وَ قَدْ سَمّی الَمجْدُ الفَیْرُوزآبادِیُّ کِتابَهُ فی اللُّغَةِ بِ(القاموس...) تَشْبِیْها لَهُ بِالْبَحْرِ لاِتِّساعِ مَوادِّهِ اللُغَوِیَّةِ، وَ هذِهِ التسْمِیَّةُ هِیَ التّی أَوْ قَعَتِ الْمُتَأَخِّرِیْنِ فی الاِشْتِباهِ؛ فَظَنُّوْا (الْقامُوْسَ) مُرادِفا لِ(الْمُعْجَم) وَ الاْءَمْرُ کَما تَری!
3- (3) یُقالُ: شَمَّرَ عَن ساعِدِهِ، وَ عَنْ ساعِدَیْهِ، کِلاهُما بِمَعنیً واحِدٍ، إذا جَدَّ فِیْ الاْءَمْرِ وَ انْتَدَبَ لَهُ.

وَ کَیْفَ لا یَحْویْ الْعُلا ماجِدٌ مِنْهُ إِلی (الَْمجْدِ)(1) تَجَلّی انْتِسابْ

للّه مِنْ سِفْرٍ أَتانا بِهِ ضَمَّ إِلی الْحِکْمَةِ فَصْلَ الْخِطابْ

أَسْفَرَ مِثْلَ الشَّمْسِ لکِنَّهُ لا یَتَواری نُوْرُهُ بِالْحِجابْ(2)

فُصُوْلُهُ قَدْ حُرِّرَتْ فَاغْتَدَتْ بُغْیَةِ(3) مَنْ یَرُوْمُ مَحْضَ اللُّبابْ

(مَناطُها) (تَنْقِیْحُهُ) مُعْرِبٌ عَنْ فِکْرِ خِرِّیْتٍ، سَدِیْدِ انْتَخابْ

لا یَعْتَرِیْ الاْءِشْکالُ مَضْمُوْنَهُ کَما خَلا فی الْعَرْضِ مِنْ کُلِّ عابْ(4)

مِنْهاجُهُ الْمَهْیَعُ مَنْ یَقْفُهُ یَحْظَ بِتَحْصِیْلِ الْمُنی وَ الرِّغَابْ

وَ بِ_ (اللَّیالِیْ الْعَشْرِ) أَرِّخْ: (أَجَلْ قَدْ سَلَکَ الشَّیْخُ سَبِیْلَ الصَّوابْ)

1431 ه. ق

ص: 4


1- (1) فِیْهِ تَوْرِیَةٌ لاِنْتِسابِ آیَةِ اللّه الشَّیْخِ الْهادِیْ _ دامَ ظِلُّهُ _ إِلی جَدِّهِ الاْءَعْلی، آیَةِ اللّه ِ الْعُظْمی عَلَمِ الْفُقَهاءِ وَ الُْمجْتَهِدِیْنِ الاْءِمامِ الشَّیْخِ مُحَمَّدٍ الرِّضا آلِ (صاحِبِ الْحاشِیَةَ عَلی الْمَعالِمِ) الْمُلَقَّبِ بِ(أَبِیْ الَْمجْدِ) قدس سره .
2- (2) فِیْهِ تَلْمِیْحٌ بِ(الاِقْتِباسِ) مِنْ قَوْلِهِ تَعالی: «... حَتّی تَوارَتْ بِالحِجابِ» و الضَّمْیِرُ فِیْ (تَوارَتْ) عائِدٌ علی الشَّمْسِ.
3- (3) بُِغْیَةَ: بِضَّمِ الْباءِ وَ کَسرِها، لکِنَّ الشّائِعَ الْیَوْمَ الاِقْتِصارُ عَلی الضَّمِّ.
4- (4) العابُ: العَیْبُ. سَلْخُ شَعْبانَ الْمُعَظَّمِ 1431 ه . ق.

الحمدللّه الذی أحلّ البیع و حرّم الربا و الصلاة و السلام علی مؤسس الشریعة و الأحکام محمّد رسول اللّه صلی الله علیه و آله و علی مبیّنیها أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام و الاْءحَدَ عَشَرَ من ولده الأئمة المعصومین علیهم السلام لا سیما علی الحجة الثانی عشر بقیة اللّه الإمام المنتظر المهدی عجل اللّه تعالی فرجه الشریف و جعل أرواحنا فداه.

تقسیم الفقه

بعد الفراغ من البحث حول المکاسب المحرّمة لابُدَّ من الشروع فی البحث عن کتاب البیع و هو من کتب القسم الثانی من أقسام الفقه، لأنّ الفقه ینقسم إلی أربعة أقسام:

1_ العبادات: و هی اُمور اشترط فی صحَّتِها النیة أو شُرِّعَتْ للمصالح الاُخرویة.

2_ المعاملات: و هی بنفسها تنقسم إلی ثلاثة أقسام:

أ: العقود: و هی ماللألفاظ فیها مدخلیة و مشتملة علی إیجاب و قبول أو لاأقل مشتملة علی رضا الطرفین أو المتضمنة لقصد من الجانبین.

ب: الایقاعات: و هی ایضا ما للألفاظ فیها مدخلیة ولکن تشتمل علی إیجابات فقط أو مَقاصِد أو رضا من جانب واحد.

ج: الأحکام: و هی ما أثبتها الشرع من غیر توقیف علی لفظ أو قصد أو رضا.(1)

و هذه التعاریف لیست من التعاریف الحقیقیة بل من قبیل شرح الاسم و لذا لا تَطَّرِدُ و لا تَنْعَکِسُ.

ص: 5


1- (1) کذا قسّمها الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره فی شرح القواعد 1/97 و 96.

و ربّما عبّر عن بعض الکتب النهائیة فی الفقه بالسیاسات نحو: القضاء و الشهادات و الحدود و القصاص و الدیات.

و جماعة عبّروا عن هذا الکتاب بالبیع کما فی الانتصار(1) و المبسوط(2) و الخلاف(3) و الغنیة(4) و الجامع للشرائع(5) و الدروس(6) و کذا ربّما بالتجارة کما فی الشرائع(7) و المراد بالتجارة هی البیع وَ تَوابعُهُ، و لیس المراد بها ما ذکره الزمخشری من أنّها «صناعة التاجر و هو الذی یبیع و یشتری للربح»(8).

و کذا ربما عبّروا عن هذا الکتاب بالمتاجر کالعلاّمة فی القواعد(9) و الشهید فی اللمعة(10) و هو مصدر میمی بمعنی التجارة کالمقتل بمعنی القتل.

و حیث کان الإنسان مَدَنِیّا بالطبع و لا یمکنه الاستقلال بحوائجه کلّها فلابدّ فی حفظ النظام من تشریع المعاملات و تعلّم أحکامها و بما أنّ اشتغال الجمیع بها یوجب اختلاف النظام وجب التصدی لها کفایة کما فی مصباح الفقاهة(11).

ص: 6


1- (1) الانتصار /433.
2- (2) المبسوط 2/76.
3- (3) الخلاف 3/3.
4- (4) الغنیة /207.
5- (5) الجامع للشرائع /244.
6- (6) الدروس 3/191.
7- (7) شرائع الاسلام 2/3.
8- (8) الکشاف 3/242.
9- (9) قواعد الاحکام 2/5.
10- (10) اللمعة /103.
11- (11) مصباح الفقاهة 2/3.

الإضافة الحاصلة بین المال و مالکه

قبل الورود فیها لابدّ من التَّذْکِیْرِ مُجَدَّدا بِالْفَرْقِ بین المال و الملک و النسبة بینهما؛ المال: هو ما یبذل بإزائه المال أو الشیء و یتنافسون فیه و یدخرونه و یمیل إلیه النوع فی حدّ ذاته و لا یختص بالأعیان بل یعم المنافع و بعض الحقوق أیضا.

و النسبة بینه و بین الملک هی العموم من وجه، لأنّه قد یوجد الملک و لا یوجد المال کالحبّة من الاُرز فإنّها ملک و لیست بمال، و قد یتحقّق المال من دون الملک کالمباحات الأصلیة قبل حیازتها و قد یجتمعان نحو: الأراضی و الدور و السیارات و نحوها و هی کثیرة.

و أمّا الإضافة بین المال و مالکه: فَتارَةً هی إضافة حقیقیة خالقیة: و هی مالکیة اللّه تعالی بالنسبة إلی جمیع الأشیاء و المخلوقات، فالجمیع ملک للّه تعالی ملکیّة حقیقیة ذاتیة إشراقیة خالقیة: «قل اللهم مالک الملک»(1).

و اُخری: هی إضافة ذاتیة تکوینیة: و المراد بالذاتی هنا هو ما لا یحتاج تحققّه إلی أمر خارجی و لیس المراد به الذاتی فی باب البرهان: أیّ ما ینتزع من مقام الذات، و لا الذاتی فی باب الإیساغوجی أیّ: الجنس و الفصل.

و هذه الاضافة نحو: ملکیّة کلّ فرد لأعضائه و أطرافه و نفسه و أعماله و أفکاره و ذمّته.

و ثالثة: إضافة عرضیة اعتباریة: یظهر تَعْرِیْفُ العرضیة ممّا یقابلها من الذاتیة، فالمراد بها هی ما یحتاج تحققه إلی أمر خارجی و المراد بالإعتباری أیّ لیس لَهُ وجود حقیقی، متأصل بالذات. و هذه الاضافة نحو: ملکیّة کلّ فرد لأمواله الخارجیة.

و هذه الأخیرة إمّا الأوّلیة المنقسمة إلی الأصلیة الاستقلالیة و التبعیة الغیریة.

ص: 7


1- (1) سورة آل عمران /26.

و إمّا الثانویة المنقسمة إلی الاختیاریة و القهریة و تفصیل ذلک:

أ: الاضافة الأوّلیة الأصلیة نحو: الاضافة المالیة الحاصلة بالعمل أو بالحیازة أو بهما معا.

ب: الاضافة الأوّلیة التبعیة فهی ما تکون بین المالک و نتاج أمواله نحو: أنّه اصطاد حیوانا حیّا فولد له.

الاضافة الثانویة: و هی أیضا علی نَوْعَیْنِ:

أ: الاختیاریة: و هی الحاصلة من المعاملات من البیوع و الهبات.

ب: القهریة: و هی الحاصلة من الإرث و الوقف و الوصیة بناءً علی أنّ الأخیر من الإیقاعات.

و لتفصیل هذا البحث راجع مصباحَ الفقاهة 2/(7-4).

ص: 8

تعریف البیع

قال أحمد بن فارس: «بیع: الباء و الیاء و العین اصلٌ واحدٌ، و هو بیع الشیء و رُبّما سمّیَ الشِّرَی بیعا و المعنی واحدٌ. قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : لا یبع أحدکم علی بیع أخیه، قالوا: معناه: لا یَشْتَرِ علی شِرَی أخیه، و یقال: بعت الشیء بیعا، فإن عَرَضْتَه للبیع قلتَ أبَعْتُهُ...(1)»(2).

و قال الفیومی: «... و البیع من الأضدادِ مثلُ الشِرَاءِ و یُطلق علی کلِّ واحد من المتعاقدین أنّه بائع، ولکن إذا اُطلق البائعُ فالمتبادر إلی الذهن باذل السِّلْعَةِ، و یُطلق البیع علی المبیع فیقال: بیعٌ جیدٌ و یُجمعُ علی بیوع، و بعتُ زیدا الدارَ یتعدّی إلی مفعولین و کثر الاقتصار علی الثانی لأنّه المقصودُ بالإسناد و لهذا تتمُّ به الفائدة نحو بعتُ الدارَ، و یجوز الاقتصارُ علی الأوّل عند عَدَمِ اللَّبْسِ نحو: بعتُ الأمیرَ لأنّ الأمیر لا یکون مملوکا یُباعُ... و الأصل فی البیع مُبادَلَةُ مالٍ بمالٍ لقولهم بیعٌ رابحٌ و بیعٌ خاسرٌ و ذلک حقیقةٌ فی وصف الأعیان لکنَّهُ اُطلق علی العقد مجازا لأنّه سببُ التملیک و التملُّکِ و قولُهُم: صحَّ البیعُ أو بَطَلَ و نحوه أیّ صیغة البیع لکن لمّا حُذِفَ المضاف اُقیمَ المضافُ إلیه مقامَهُ و هو مذکَّر اُسند الفعلُ و إلیه بلفظ التذکیر...»(3).

و قد عرّفه الفقهاء بکلمات مختلفة اُذکر لک بعضها:

البیع: انتقال عین مملوکة من شخص إلی غیره بعوضٍ مقدّر علی وجه التراضی، فلا ینعقد علی المنافع و لا علی ما لا یصحّ تملّکه و لا مع خلوّه عن العوض و لا مع جهالته و لا

ص: 9


1- (1) و لذا لا یَصحُّ قَوْلُهُمْ: المُباعُ لا یرجِع لاِءنّ مَقْصُوْدَهُمْ: الذی دَفَعَ علیه الْبَیْعُ لا المعروض و الصوابُ: المَبِیْعُ.
2- (2) معجم مقاییس اللغة 1/327.
3- (3) المصباح المنیر /69.

مع الإکراه، و یظهر هذا التعریف من المبسوط(1) و السرائر(2) و التذکرة(3) و نهایة الإحکام(4) و التحریر(5) و التلخیص(6) و القواعد(7).

و فی المختلف(8): أنّه العقد علی الانتقال المذکور و أنّه المتبادر من البیع عند الإطلاق.

و فی الکافی(9): أنّه عقد یقتضی استحقاق التصرف فی المبیع و الثمن و تسلیمهما. و نحوه فی النافع(10) و الدروس(11) و التنقیح(12) من أنّه الإیجاب و القبول علی اختلافها فی القیود زیادة و نقصانا.

و استقرب المحقّق الثانی(13) أنّه نقل الملک من مالک إلی غیره بصیغة مخصوصة. و هو ظاهر الشرائع(14) و اللمعة(15) حیث عرّفا فیهما عقد البیع بما دلّ علی نقل الملک فیکون نقلاً لا انتقالاً و لا عقدا و اختاره السیّد بحرالعلوم فی مصابیحه علی ما حکی عنه تلمیذهُ

ص: 10


1- (1) المبسوط 2/76.
2- (2) السرائر 2/240.
3- (3) تذکرة الفقهاء 10/5.
4- (4) نهایة الإحکام 2/447.
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
6- (6) تلخیص المرام /94.
7- (7) قواعد الأحکام 2/16.
8- (8) مختلف الشیعة 5/51.
9- (9) الکافی فی الفقه /352.
10- (10) المختصر النافع /118.
11- (11) الدروس 3/191.
12- (12) التنقیح الرائع 2/23.
13- (13) جامع المقاصد 4/55.
14- (14) الشرائع 2/7.
15- (15) اللمعة الدمشقیة /109.

صاحب المفتاح(1)، الذی جمیع هذه المنقولات منه و اختار هو أنّه: «إنشا تملیک العین بعوض علی وجه التراضی»(2).

و لعلّ الصحیح فی تعریفه هو: تملیک خاص بعوض أو تبدیل العین أو الشیء بعوض علی وجه التراضی بین الطرفین. أو «تملیک العین بالعوض فی ظرف تملّک المشتری» کما عن المحقّق النائینی(3). و لازمه التبادل و تعویض طرفی إضافة الملکیّة.

و الذی یسهل الخطب أنّ العرف یعرفون البیع و أنّ مفهومه من المفاهیم الواضحة البدیهیة الارتکازیة التی یعرفها کلّ أحد فی الجملة، و لیس له حقیقة شرعیة و لا حقیقة متشرعة کما اعترف به الشیخ الأعظم(4) رحمه الله فهذه التعاریف المختلفة کلّها إشارة إلی ذاک المفهوم العرفی المرتکز فی الأذهان فلا نَتَرَتَّبُ فائدة علی النقض و الإبرام علیها و تطویل الکلام فیها.

تنبیهات

اشارة

نعم هاهنا اُمورٌ لابدّ من التنبیهِ علیها:

الأوّل: هل یعتبر فی البیع کون المعوَّض من الأعیان؟

المصرَّح به فی کلام جماعة من الأصحاب و لعل المشهور هو هذا الاعتبار کما قال الشیخ الأعظم قدس سره : «الظاهر اختصاص المعوّض بالعین، فلا یعمّ أبدال المنافع بغیرها و علیه استقرّ اصطلاح الفقهاء فی البیع»(5).

و قال قبله صاحب الجواهر: «لا خلاف و لا اشکال فی اعتبار کون المبیع عینا و

ص: 11


1- (1) مفتاح الکرامة 12/476.
2- (2) مفتاح الکرامة 12/482.
3- (3) منیة الطالب 1/114.
4- (4) المکاسب 3/10.
5- (5) المکاسب 3/7.

لذلک اشتهر بینهم أنّه لنقل الأعیان کإشتهار أنّ الإجارة لنقل المنافع»(1).

ولکن یظهر من الشیخ أنّه یستعمل البیع فی نقل غیر الأعیان فی شأن بیع العبد المدبَّر إذا عاد إلی مولاه فهل یعود حکم التدبیر أم لا؟ قال: «و الذی نقوله إن کان حین باعه نقض تدبیره فإنّه لا یعود تدبیره و إن کان لم ینقض تدبیره فالتدبیر باق، لأنّ عندنا یصحّ بیع خدمته دون رقبته مدّة حیاته...»(2).

و قال الشیخ فی نهایته: «و متی أراد المدبِّرُ بیعه من غیر أن یَنْقُصَ تدبیره لم یجزْ له: إلاّ أن یُعْلِمَ المبتاع أنّه یَبِیعُهُ خدمتَه و أنّه متی مات هو، کان حرّا لا سبیل له علیه»(3).

و قد حکی الشهید عن ابن الجنید قوله: «تباع خدمته مدّة حیاة السیّد»(4).

کما ورد فی بعض الروایات استعماله فی غیر نقل الأعیان:

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن عبد صالح علیه السلام قال: سألته عن رجل فی یده دار لیست له و لم تزل فی یده و ید آبائه من قبله قد أعلمه من مضی من آبائه أنّها لیست لهم و لا یدرون لِمَنْ هی فیبیعها و یأخذ ثمنها؟ قال: ما اُحبُّ أن یبیع ما لیس له، قلت: فإنّه لیس له، قلت: فیبیع سکناها أو مکانها فی یده فیقول: أبیعک سکنای و تکون فی یدک کما هی فی یدی، قال: نعم یبیعها علی هذا.(5)

و منها: صحیحة اسماعیل بن الفضل الهاشمی قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن رجل اشتری أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج و أهلها کارهون و إنّما یَقْبَلُها من السلطان

ص: 12


1- (1) الجواهر 22/208.
2- (2) المبسوط 6/172.
3- (3) النهایة /552.
4- (4) الدروس الشرعیة 2/233.
5- (5) وسائل الشیعة 17/335، ح5، الباب 1 من أبواب عقد البیع و شروطه.

لعجز أهلها عنها أو غیر عجز، فقال: إذا عجز أربابها عنها فلک أن تأخذها إلاّ أن یضاروا و إن أعطیتهم شیئا فسخت أنفس أهلها لکم فخذوها. قال: و سألته عن رجل اشتری أرضا من أرض الخراج فبنی بها أو لم یبن غیر أنّ اُناسا من أهل الذمة نزولوها، له أن یأخذ منهم اُجرة البیوت إذا أدّوا جزیة رؤوسهم؟ قال: یشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال.(1)

و نحوها خبر محمّد بن شریح(2) و خبر أبی بُردَة بن رجَا(3) و صحیحة حریز(4) و حسنة ابراهیم بن أبی زیاد(5) و موثقة محمّد بن مسلم و عمر بن حنظلة(6).

و منها: صحیحة أبی مریم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سُئل عن رجل یعتق جاریته عن دبر، أیطؤها إن شاء أو ینکحها أو یبیع خدمتها حیاته؟ فقال: أیّ ذلک شاء فعل(7).

و نحوها معتبرة السکونی(8) و خبر علیٍّ(9).

و حمل الجمیع علی «مسامحة فی التعبیر»(10) کما عن الشیخ الأعظم قدس سره مشکل جدّا.

مضافا إلی خروج بیع الکلّی فی جمیع أقسامها: من الکلّی فی ذمّه البائع أو فی ذمّة الغیر و الکلّی المشاع و الکلّی فی الخارج، و الکلّ یتفقون علی صحة بیع الکلّی.

فالظاهر أنّ المراد بالعین فی کلماتهم إذا کان الشخص الخارجی فلا یصح جمیع هذه

ص: 13


1- (1) وسائل الشیعة 17/370، ح10، الباب 21 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) وسائل الشیعة 17/370، ح9.
3- (3) وسائل الشیعة 15/155، ح1، الباب 71 من أبواب جهاد العدو.
4- (4) وسائل الشیعة 15/157، ح6.
5- (5) وسائل الشیعة 15/156، ح4.
6- (6) وسائل الشیعة 15/156، ح3.
7- (7) وسائل الشیعة 23/119، ح1، الباب 3 من أبواب التدبیر.
8- (8) وسائل الشیعة 23/120، ح4.
9- (9) وسائل الشیعة 23/120، ح3.
10- (10) المکاسب 3/7.

الموارد ولکن إذا کان المراد بالعین ما یقابل المنفعة لتشمل الشخص الخارجی و الکلّی بجمیع أقسامها و یخرج منه الموارد المذکورة فی الروایات التی مرّت آنفا.

و الذی یختلج بالبال کما مرّ: أنَّ (بِحَذْفِ الباءِ) البیع لیس له حقیقة شرعیة و لا متشرعة و علی هذا کُلّ ما سماه عرف العقلاء بیعا فهو بیع و أمضاه الشارع ب_«أحل اللّه البیع»(1) إلاّ ما خرج بالدلیل نحو: البیع الربوی و غیره. و علی ما ذکرناه تدخل الروایات أیضا من دون مسامحة و لذا قال صاحب الجواهر رحمه الله : «و عن بعض المتأخرین اعتبار عینیة العوضین، و هو وهم»(2) و اللّه العالم.

الثانی: بیع الکلّی

الأعیان فی البیع تارة تکون شخصیّةً و اُخری کُلِّیَّةً.

العین الشخصی إمّا یکون بالفعل موجودا و إمّا أن یکون بالقوة الأوّل نحو: بیع الأعیان الخارجیة، و الثانی نحو: الأثمار المتجددة فی بیع الثمرة علی الشجر.

و أمّا الکلّی فَهُوَ أیضا علی أقسام: الأوّل و الثانی: الکلّی الثابت فی الذمّة، و الذمّة تنقسم إلی ذمّة البائع نفسه أو ذمّة غیره، الکلّی الثابت فی ذمّة الإنسان نفسه نحو: بیع منّ مِن الاُرز حالاًّ أو سَلَما، و الکلّی الثابت فی ذمّة غیره کبیع الدین ممّن هو علیه أو من غیره. فهاتان صورتان.

الثالث: الکلّی المشاع: کثلث الدار أو کسر آخر منها.

الرابع: الکلّی فی المعین: کصاح من الصبرة المعینة.

لا اشکال فی تعلّق البیع بجمیع هذه الصور فی العرف و عند العقلاء و لم یَنْهَ الشارع

ص: 14


1- (1) سورة البقرة /275.
2- (2) الجواهر 22/209.

عنها فصار البیع صحیحا و لا یصغی إلی الاشکالات الباردة فی بیع الکلّی فی الذمّة من أنّ الملکیّة تحتاج إلی محلّ تعرضها و هو هنا غیر موجود، و الکلّی قبل تحقّق العقد لا یعدّ مالاً، و کیف یبیع الإنسان ما لا یملکه؟

و الجواب عن الأوّل: بأنّ الملکیة أمر اعتباری و لیست من الاُمور الحقیقیة المتأصلة من الأعراض حتّی تحتاج إلی محل.

و عن الثانی: المالیة تدور مدار العرف و العقلاء و هی حاصلة فی مَنّ مِن الاُرز حالاًّ أو سَلَما.

و عن الثالث: بأنّ العرف یَعُدُّ الملکیّة ثابتة له ولو علی نحو الإجمال و القوّة لأنّ القدرة القریبة من الفعل تجعل الإنسان مالکا لشیء بالقوة نظیر الثمرة المتجددة علی الشجرة.

و الحاصل: بعد اعتراف العرف و العقلاء بصحة هذه البیوع فلا عبرة بهذه الاشکالات الواهنة.

الثالث: الحقوق و بیعها

اشارة

الحقّ فی اللغة یستعمل بمعنی: ثابتٌ و موجودٌ و فی الاصطلاح یطلق علی مَعْنَیَیْنِ و هما الحقیقی و الإعتباری.

أمّا المعنی الإصطلاحی الحقیقی: فَیُرادُ به وجود الشیء و أنّه واقع فی العالم الوجود و یتحقّق خارجا نحو: قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله : علی علیه السلام مع الحقّ و الحقّ مع علی علیه السلام .(1)

و أمّا المعنی الاصطلاحی الاعتباری فَالْحَقُّ أَنَّ هذا المعنی لا یتحقّق فی الخارج إلاّ مع الاعتبار. کحقّ الزوجیة و حقّ الخیار. و المراد به هو سلطنة و أولویّة شرّعت رعایة لحال

ص: 15


1- (1) تاریخ مدینة دمشق 3/120، شرح نهج البلاغة 2/297، تاریخ بغداد 14/321، کنزالعمال 6/157، مجمع الزوائد 7/235، و نموها فی صحیح الترمذی 2/298، مستدرک الصحیحین 3/119 و 124، مجمع الزوائد 7/243 و 9/134.

المکلّف وَرِفْقا به أو لکونه أهلاً لذلک.

قال أمیرالمؤمنین علیه السلام فی خطبة خطبها بصفین: «أمّا بعد فقد جعل اللّه سبحانه لی علیکم حقّا بولایة أمرکم و لکم عَلَیَّ مِنْ الحقِّ مثل الذی لی علیکم، فالحقّ أوسع الأشیاء فی التواصف و أضیقها فی التناصف، لا یجری لأحدٍ إلاّ جری علیه و لا یَجْری علیه إلاّ جری له ولو کان لإحد أن یجری له و لا یجری علیه لکان ذلک خالصا للّه سبحانه دون خلقه لقدرته علی عباده و لعدله فی کلّ ما جرت علیه صروف قضائه ولکنّه سبحانه جعل حقّه علی العباد أن یطیعوه و جعل جزاءهم علیه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه و توسّعا بما هو من المزید أهله»(1).

و علی هذه الاساس ما ورد من الحقّ علی اللّه تعالی لیس منه تعالی إلاّ التفضل و الرحمة نحو قوله تعالی: «و کان حقّا علینا نصر المؤمنین»(2) و قوله تعالی: «کتب ربکم علی نفسه الرحمة»(3) و أمّا بالنسبة إلی غیر اللّه تعالی فَتَکُوْنُ الحقوق متقابلة بین الطرفین فی الغالب.

الفرق بین الحقّ و المال: الحقّ هو سلطنة متعلقة بالمال و لیس بالمال نفسه نحو: حقّ التحجیر و حقّ الرهانة و حقّ الخیار.

و بعبارة اُخری: الحقّ کالملک فی أنّه سلطنة متعلَّقها المال و لیس المال نفسه، نعم یصحّ تعلّقه بما یتعلّق بالمال کحقّ الخیار و الشفعة.

و کذا یصحّ تعلّقه بنفس الغیر کتعلّق حقّ الولایة لولی الصغیر بنفسه.

و کذا یصحّ تعلّقه بذمّة الغیر کحقّ الزوجیة.

ص: 16


1- (1) نهج البلاغة، الخطبة /216.
2- (2) سورة الروم /47.
3- (3) سورة الانعام /54.

و أمّا الفرق بین الحقّ و بین الملک: فَإِنَّهُما مشترکان فی کونهما سلطنةً ولکن الفرق بینهما أَنَّ الحقّ متعلّقه إمّا أن یکون من سنخ المال _ ولکن من مال غیر من هو له _ و إمّا أن یکون من غیر سنخ المال.

ولکن الملک لابدّ أن یکون متعلّقه من سنخ المال بل مِن مال مَنْ هو له ولو کان لقلّته و حقارته لا یعدّ مالاً فی العرف.

و الفرق بین الحقّ و الحکم الترخیصی _ لا الایجابی و التحریمی _ یمکن أن یقال بأنّ الفرق بینهما: أنّ المجعول ابتداءً فی الحقّ هو السلطنة و فی الحکم هو الإباحة.

و بعبارة اُخری: الداعی إلی تشریع الحقّ هو الرعایة من الشارع لحال المکلّف و لیاقته للسطلنة ولکن الحکم الترخیصی الداعی إلی جعله خلوه من المصلحة و المفسدة فی نوعه.

و الحقّ و الحکم الترخیصی کثیرا ما یشتبه أحدهما بالآخر نحو: الرجوع إلی المطلّقة الرجعیة قبل انقضاء العدة، أو الجواز فی العقود الجائزة بالأَصالة.(1)

أقسام الحقوق بالنسبة إلی صحة النقل و الإسقاط

1_ ما لا یصح نقله و لا اسقاطه، و لا ینتقل بالموت نحو: حقّ الاُبوة و حقّ الولایة للمجتهد الجامع شرائط الإفتاء، و حقّ الاستمتاع بالزوجة.

2_ ما یجوز اسقاطه و لا یصح نقله و لا ینتقل بالموت أیضا: کحقّ الغیبة بناءً علی وجوب إرضاء صاحبه و عدم کفایة التوبة.

3_ ما لا یصح نقله ولکن یجوز اسقاطه و ینتقل بالموت: کحّق الشفعة علی

ص: 17


1- (1) و لتفصیل هذا البحث راجع کتابَ البیع 1/(13-10) لشیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .

وجه.

4_ ما یصح نقله و اسقاطه و ینتقل بالموت أیضا: کحقوق الخیار و القصاص و الرهانة و التحجیر و الشرط.

5_ ما یجوز اسقاطه و نقله لا بعوض و لا ینتقل بالموت: کحقّ القَسْم علی ما ذکره جماعة کالشیخ فی المبسوط(1) و العلاّمة فی القواعد(2) و الشهید فی اللمعة(3). و فیه نظر بیّن.

6_ ما هو محلّ الشک فی صحة الإسقاط و النقل و الإنتقال نحو: حقّ الرجوع فی العدة الرجعیة، و حقّ النفقة فی الأرقاب کالأبوین و الأولاد، و حقّ الفسخ فی النکاح بالعیوب، و حقّ المطالبة فی القرض و الودیعة و العاریة، و حقّ الفسخ فی العقود الجائزة کأمثال: الشرکة و المضاربة و الوکالة و الهبة.(4)

و اعلم: أَنَّ مِنْ لَوازمِ الْحُکْمِ عَدَمُ جَوازِ إِسْقاطِهِ و من لوازم الحقّ جواز إسقاطه ما لم یمنع عنه مانع، و إذا ما شککنا بنُفُوْذِ الإسقاط و عدمه، فالاْءَصْلُ یجری بالنسبة إلی عدم النفوذ و عدم السقوط، کالرجوع فی العدّة إلی المطلقة الرجعیة قبل انقضاء العدة فیشک أنّه حکم حتّی لا یؤثر إسقاطه أو حقّ حتّی یؤثر فیحکم ببقائه بعد الإسقاط لِلاستصحاب.

ثم: إذا تَعَیَّنَت الحقیّة وَ طُرِحَت الحکمیة و شککنا فی أنّها تقبل النقل و الانتقال أم لا؟ فَالاْءَصْلُ یقتضی عدم نفوذ النقل و الانتقال فلا یجوز بیعها.

و قد أسس المؤسس الحائری قدس سره أصلاً ثانیا فی المقام حیث یقول: «لکن یمکن

ص: 18


1- (1) المبسوط 4/325.
2- (2) القواعد 2/45.
3- (3) اللمعة الدمشقیة /174.
4- (4) فی هذه الأقسام راجع حاشیة الفقیه الیزدی علی المکاسب 1/282 و 281.

استفادة الأصل و القاعدة علی القبول من قوله علیه السلام : ما ترک المیت من حقٍّ فلوارثه(1)، و فی روایة: زیادة «أو مال» بعد قوله «من حقّ»، و علی الأوّل: معناه الأعم الشامل للمال و کیف کان فمضمونه تأسیس القاعدة علی أنّ کلّ حقّ ینتقل بالموت إلی الوارث فیستکشف منه القابلیة للنقل فی جمیع الحقوق ضرورة أنّ الانتقال الفعلی الذی هو مضمون الروایة فرع القابلیة فیکون هذا أصلاً ثانویا حاکما علی الأصل الأوّلی، غایة الأمر أنّه خرج ما خرج»(2).

و فیه: أوّلاً: هذه الروایة مرسلة، لم تنقل فی کتب الحدیث بل نقلت فی کتب الاستدلال فقط کما یَظْهَرُ من مصادرها.

و ثانیا: یمکن المناقشة فی دلالتها بأنّ المراد من الحقّ فیها الحقوق التی تقبل النقل و الانتقال.

ولکن یمکن تأیید المؤسس الحائری قدس سره بأنّ الحقّ إذا کان من الحقوق التی تُعُوْرِفَ نقلها و انتقالها عند العرف أمکن القول بامضائها من ناحیة الشارع بعد عدم وصول الردع عنه بخصوصها. لما مرّ فی تعریف البیع.

و أمّا التمسک بعمومات البیع و الصلح و العقد لأجل جواز النقل بنحو القابلیة الشرعیة فلا یتم لأنّه تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة له.

و لأحدٍ أن یقال: الحقوق التی تقوم بالأشخاص أو العنوان لا یجوز التعدی مِنْها إلی

ص: 19


1- (1) وردت الروایة فی دعائم الإسلام 2/395 هکذا: ما ترک المیت من شیء فلورثته. نعم وردت هذه الألفاظ المذکورة فی کتب الاستدلال نحو: المسالک 12/341 و المفاتیح 3/82 و الحدائق 20/326 و حاشیة مجمع الفائدة /214 للوحید و ریاض المسائل 8/202 و الجواهر 23/75.
2- (2) کتاب البیع 1/17 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی قدس سره .

غیرها نحو: ولایة الفقیه أو حقوق الوصایة بالنسبة إلی الوصیّ أو القیمومیة بالنسبة إلی القیم أو التولیة بالنسبة إلی المتولی، و أمّا غیرها إذا تُعُوْرِفَ نقلها و لم یرد من الشرع النهی عنه فیجوز نقلها و انتقالها.

و بعبارة اُخری: الحقّ بطبیعته یقتضی جواز إسقاطه و نقله، لأنّ من له الحقّ کان مالکا له و مسلَّطا علیه، فالمنع منهما إمّا تعبدی أو من جهة قصور فی کیفیته بحسب الجعل، و تحصیل عدم الأوّل واضح، و الثانی نحو أن یکون الحقّ متقوِّما بشخص خاص أو عنوان خاص کحقّ التولیة فی الوقف و حقّ الشفعة بالنسبة إلی الشریک.

و إذا شک فی کون شیءٍ حقّا، فهل یجوز إسقاطه أو نقله أم لا؟ الظاهر لا، و أمّا إن علم کونه حقّا و علم المنع التعبدی أو کون الشخص أو العنوان مقوّما له فلا اشکال، و إن شک فی المنع فمقتضی العمومات صحة التصرفات فیه، و کذا إن شک فی کون الشخص أو النوع مقوّما بحسب الجعل الشرعی بعد إحراز القابلیة بحسب العرف، مقتضی العمومات یَدُلُ علی صحة التصرفات فیه بعد فرض صدق عناوینها.

و من ذلک یَظْهَرُ أنّ ما یقال من أنّ العمومات لا تثبت القابلیّات، مدفوع بأنّ ذلک إذا کان الشک فی القابلیة العرفیة، ولکن ما نحن فیه هو فی القابلیة الشرعیة و شأن العمومات إثباتها. هذا ما أفاده الفقیه الیزدی(1) قدس سره بتلخیص منّا.

و بما ذکرنا تظهر مواقع النظر فی ما ذهب إلیه المحقّق السیِّدُ الخوئی: «من أنّ الحکم و الحقّ متحدان حقیقة لأنّ قوامهما بالاعتبار الصرف _ ثم قسّم المعجولات الشرعیة علی ستة أقسام و قال: _ و هذه الامور الاعتباریة و إن اختلف من حیث الآثار اختلافا واضحا ولکنّها تشترک فی أنّ قوامها بالاعتبار المحض و إذن فلا وجه لتقسیم المجعول الشرعی أو

ص: 20


1- (1) حاشیة المکاسب 1/283.

العقلائی إلی الحقّ و الحکم لکی نحتاج إلی بیان الفارق بینهما، بل کلّها حکم شرعی أو عقلائی قد اعتبر لمصالح خاصة...، نعم، تختلف هذه الأحکام فی الأثر اختلافا ظاهرا فبعضها یقبل الاسقاط و بعضها لا یقبله، و السرّ فی هذا الاختلاف هو أنّ زمام تلک الاُمور بید الشارع حدوثا و بقاءً، فقد یحکم ببقائه کما حکم بحدوثه، و قد یحکم بارتفاعه ولو کان ذلک باختیار أحد المتعاملین أو کلیهما، نعم المتبع فی ذلک _ فی مقام الإثبات _ هو الأدلة الشرعیة و علی الجملة إنّ الجواز و اللزوم الوضعیین کالجواز و اللزوم التکلیفیین فإن جمیعها من الأحکام الشرعیة و لا تفاوت فی ماهیتها و ذواتها و إن اختلفت آثارها.

... نعم لا مانع من تخصیص اطلاق الحقّ اصطلاحا بطائفة من الأحکام _ و هی التی تقبل الإسقاط، إذ لا مُشاحَّةَ فی الاصطلاح... و ممّا یدل علی اتحاد الحقّ و الحکم أنّ لفظ الحقّ فی اللغة بمعنی الثبوت و لذا یصح إطلاقه علی کلّ أمرٍ متقرر فی وعائه المناسب له، سواء أکان تقررا تکوینیا أم کان اعتباریا...»(1) و قد استشکل(2) علی هذا المبنی فی عدم جواز جعل الحقّ ثمنا فی البیع لأنّ الحقّ حکم شرعی غیر قابل لأن تتعلَّق به اضافة ملکیة أو غیرها، و غایة الأمر یکون قابلاً للاسقاط و به ینتهی أمده.

أقول: و فیه: أوّلاً: ظهر ممّا ذکرنا الفرق بین الحکم و الحقّ(3) و اعتباریتهما لا تدلّ علی کونهما شیئا واحدا و إلاّ صار جمیع العقود و الأحکام شیئا واحدا لأنّ الجمیع مُشْتَرِکٌ فی الاعتباریة.

و ثانیا: الحقوق ممّا یبذلُ العقلاء فی قبالها الأموال و تکون موردا لرغبتهم و

ص: 21


1- (1) مصباح الفقاهة 2/(47-45).
2- (2) مصباح الفقاهة 2/43.
3- (3) و لتفصیل الفرق بینهما راجع کتاب البیع 1/12 و 11 من تقریرات المؤسس الحائری بقلم شیخنا آیة اللّه الأراکی.

تنافسهم فیصدق علیها أنّها مال بالحمل الشائع فلا مانع من جواز المعاوضة علیها کما اعترف(1) قدس سره به قبل هذا الاشکال. و کذا یجوز بیعها.

و ثالثا: إنّ ثبوت الحقّ فی موارد عدم ثبوت الحکم _ و هو الجواز أو اللزوم _ یدلّ علی افتراقهما و أنّهما شیئان مختلفان کما إذا باع داره ببیع الخیار ثم عرض له السفه، فإنّه یقوم ولیه مقامه، مع أنّ الخیار کان مجعولاً للبائع، أو کان شریک مالک الحصة سفیها لا یصح له الأخذ بالشفعة فإنّه یقوم ولیُّه مقامه مع أنّ الشفعة مجعولة للشریک نفسه لا لِوَلِیّهِ.

و لذا مثل حقّ التحجیر أو السبق یعدّ اُولویة اعتباریة للشخص بالإضافة إلی الأرضِ الموات أو المسجد و المدرسة و نحوهما و هذه الاُولویة فی نفسها قابلة للنقل إلی الآخر مجانا کان أو بالعوض فتشملها أدلة حلیة البیوع و اوفوا بالعقود و جواز الصلح و نحوها. و قد تعرض لهذا الجواب شیخنا الاُستاذ(2) _ مد ظله _ .

و کذا تظهر مواقع النظر فی کلام المحقّق النائینی(3) من أنّ قوام الحقّ بقابلیة للإسقاط بخلاف الحکم تبعا للشهید(4) و تعجّب من الفقیه الیزدی کیف یقسم الحقوق إلی ما یقبل الإسقاط و ما لا یقبل!

لما مرّ أنّ من لوازم الحق جواز إسقاطه ما لم یمنع عنه مانع تعبدی أو من جهة قصور فی کیفیة جعله بحیث یکون متقوما بشخص خاص أو عنوان خاص، لا من مقوماته و علی هذا یوجد فی الحقوق ما لا یجوز إسقاطه کحقوق اللّه علی الانسان و حقوق رسول اللّه صلی الله علیه و آله و الأئمة علیهم السلام علیه، و کبعض الحُقوقِ المتقابلة بین المؤمنین من الفردیّة و الاجتماعیّة و العائلیّة و

ص: 22


1- (1) مصباح الفقاهة 2/42.
2- (2) ارشاد الطالب 2/13.
3- (3) منیة الطالب 1/107.
4- (4) القواعد و الفوائد 2/43.

الحکومیّة و الحقوق المتقابلة بین الملل و کذا الحقوق بین الانسان و الطبیعة و الحیوانات و نحوها.(1)

فما ذکره المحقق النائینی یوجب خروج عدّة متناهیة من الحقوق و هو غیر سدید.

و الحاصل: حیث أنّ الحقوق التی یجوز نقلها و انتقالها بل یجوز إسقاطها تُعَدُّ فی العرف مالاً فلا بأس ببیعها و العجب من الجد الشیخ جعفر کاشف الغِطاء قدس سره حیث ذهب إلی عدم صحة بیعها و قال: «و أمّا الحقوق: فالظاهر أنّها لا تقع ثمنا و لا مثمنا لخفاء الملکیّة فیها فلاتتبادر من الملک»(2).

و لعلّ لما ذکرنا استشکل تلمیذه صاحب الجواهر علیه بقوله: «فی شرح الأستاد اعتبار عدم کونه حقّا مع أنّه لا یخلو من منع لما عرفته من الإطلاق المزبور [أی من إطلاق العوض و الثمن بحیث یدخل الشخصی و الکلّی و العین و المنفعة] المقتضی لکونه کالصلح الذی لا إشکال فی وقوعه علی الحقوق، فلا یبعد صحة وقوعها ثمنا فی البیع و غیره، من غیر فرق بین اقتضاء ذلک سقوطها کبیع العین بحقّ الخیار و الشفعة علی معنی سقوطهما و بین اقتضائه نقلها کحقّ التحجیر و نحوه، و کان نظره رحمه الله فی المنع إلی الأوّل باعتبار معلومیّة کون البیع من النواقل لا من المسقطات بخلاف الصلح.

و فیه: إنّ من البیع، بیع الدین علی من هو علیه، و لا ریب فی اقتضائه حینئذ الإسقاط ولو باعتبار أنّ الإنسان لا یملک علی نفسه ما یملکه غیره علیه الذی بعینه یقرر فی نحو حقّ الخیار و الشفعة، و اللّه أعلم»(3).

ص: 23


1- (1) فی هذا المجال راجع «رساله حقوق» لبعض أساتذتنا _ مد ظله _ باللغة الفارسیة و قد أتعب نفسه الشریفة فی عدّ الحقوق المختلفة.
2- (2) شرح القواعد 2/11.
3- (3) الجواهر 22/209.

أقول: قد عرفت أنّ صاحب الجواهر قدس سره ذهب إلی جواز بیع الحقوق التی یجوز إسقاطها و نقلها و انتقالها بجعلها فی البیع ثمنا. و الصحیح عندنا جواز بیعها بلا فرق بین کونها ثمنا أو مثمنا لما مرّ فی تعریف الحقّ و البیع ما یصح معاملتها و بیعها، و اللّه العالم.

الرابع: هل یعتبر فی البیع کونه بالصیغة؟

اشارة

انشاء العقد باللفظ و قراءةُ الصیغة هل یعتبران فی البیع أم لا؟ ذهب المشهور علی الاعتبار بل کاد أن یکون إجماعا، ولکن جماعة من الفقهاء یقولون بعدم الاعتبار:

منهم: الشیخ المفید قال: «و البیع ینعقد علی تراض بین الاثنین فیما یملکان التبایع له، إذا عرفاه جمیعا و تراضیا بالبیع و تقابضا و افترقا بالأبدان»(1).

و استفاد من هذه المقالة جماعة من الفقهاء نحو الشَّهِیْدَیْنِ(2) و المحقّق الکرکی(3) عدم اعتبار الصیغة و الإکتفاء بالمعاطاة فحینئذ ما ذکره العلاّمة فی المختلف: «بأنّ للمفید قولاً یوهم الجواز _ ثم ذکر کلام المفید _ و قال: لیس فی هذا تصریح بصحته إلاّ أنّه موهم»(4)، غیر تام.

و منهم: الشیخ الطوسی فی ظاهر المبسوط یقول: «البیع هو انتقال عین مملوکة من شخص إلی غیره بعوض مقدّر علی وجه التراضی»(5) و لم یشترط العقد هنا و إن اشترطه فی غیرها.

ص: 24


1- (1) المقنعة /591.
2- (2) الدروس 3/192؛ المسالک 3/147.
3- (3) جامع المقاصد 4/58.
4- (4) مختلف الشیعة 5/51.
5- (5) المبسوط 2/76.

و منهم: ابن ادریس الحلّی فی السرائر(1) ذهب إلی تعریف الشیخ و لم یشترط العقد.

و العلاّمة أخذ هذا التعریف فی عدّة من کتبه نحو: التذکرة(2) و النهایة(3) و التلخیص(4) و التحریر(5) و القواعد(6) و لکنّه بعده تعرّض لاِشتراط الصیغة أو خروج المعاطاة کما فی النهایة حیث یقول فیها: «المعاطاة لیست بیعا»(7).

ترجمة السید حسن ابن السید جعفر من مشایخ الشهید الثانی

و منهم: السیّد حسن ابن السیّد جعفر(8) و هو من مشایخ الشهید الثانی حیث قال

ص: 25


1- (1) السرائر 2/240.
2- (2) تذکرة الفقهاء 10/5.
3- (3) نهایة الإحکام 2/447.
4- (4) تلخیص المرام /94.
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
6- (6) قواعد الأحکام 2/16.
7- (7) نهایة الإحکام 2/449.
8- (8) هو بدرالدین الحسن بن جعفر بن فخرالدین بن الحسن بن نجم الدین الأعرج الحسینی العاملی الکرکی _ من مشایخ علی بن هلال الکرکی و الشهید الثانی و الشیخ حسین بن عبدالصمد والد البهائی _ و کان ابن خالة المحقّق الکرکی و وصفه الشهید الثانی فی إجازة للوالد البهائی بقوله: «شیخنا الأجل الأعلم الأکمل ذی النفس الطاهرة الزکیة أفضل المتأخرین فی قوّتَیْه: العلمیَّة و العملیّة»... ثم ذکر نسبه و کتبه. [راجع رسائل الشهید الثانی 2/1116 و 1117]. المتوفی عام 933 کما فی الأمل، أو 6 شهر رمضان 936 کما فی نظام الأقوال و له أقوال فی الفقه لعلّه بعضها مختصة به: منها: تطهیر الماء النجس إذا وقعت قطرة واحدة من المطر علیه. کما نقل عنه ثانی الشهیدین فی روض الجنان 1/172، المحدّث البحرانی فی الحدائق 1/221، و المحقق القمی فی غنائم الأیام 1/530. و منها: اشتراطه فی دم الحیض فی الثلاثة رؤیته فی أوّل الأوّل و آخر الثالث و أیّ وقت من الثانی. کما نقل عنه فی الحدائق 3/169 و المستند 2/194 و الجواهر 3/157 [3/284]. منها: أنّه جعل مقارنة النیة مع تکبیرة الإحرام فی الصلاة من ارکانها کما نقل عنه صاحب الجواهر 12/240. و منها: لو أجنب فنام فطلع الفجر صح صومه لو نوی الاغتسال لیلاً ولکن شرط هو اعتیاده الانتباه و إلاّ کان کمتعمِّد البقاء، کما فی المسالک 2/18، و نسب فی هامش بعض نسخه إلیه. و منها: أنّه یری جعل وضع الحدیدة فی عصا المداقق حیلة علی جواز الفعل، نظرا إلی دخوله بذلک فی النصل [فی الرمایة]، کما نقل عنه فی المسالک 6/85. و له مصنفات منها: المحجة البیضاء و العمدة الجلیة و مقنع الطلاب و شرح الطیبة الجزریة، انظر ترجمته فی أمل الآمل 1/56 و تعلیقته للأفندی /42 و طبقات أعلام الشیعة، القرن العاشر /49.

فی المسالک: «و قد کان بعض مشایخنا المعاصرین یذهب إلی ذلک أیضا، لکن یشترط فی الدال کونه لفظا و إطلاق کلام المفید أعم منه، و النصوص المطلقة من الکتاب و السنة الدالة علی حلّ البیع و انعقاده من غیر تقیید بصیغة خاصة یدلّ علی ذلک، فأنّا لم نقف علی دلیل صریح فی اعتبار لفظ معین غیر أنّ الوقوف مع المشهور هو الأجود...»(1).

و منهم: المحقّق الأردبیلی قال: «فاعلم أنّ الذی یظهر أنّه لا یحتاج فی انعقاد عقد البیع المملِّک الناقل للملک من البائع إلی المشتری و بالعکس إلی الصیغة المعینة کما هو المشهور، بل یکفی کلّ ما یدلّ علی قصد ذلک مع الإقباض و هو المذهب المنسوب إلی الشیخ المفید من القدماء و إلی بعض معاصری الشهید الثانی رحمه الله . و هو المفهوم عرفا من البیع لأنّه کثیرا ما یقال فی العرف و یراد بذلک، بل إنّما یفهم عرفا ذلک من لم یسمع من المتفقهة شیئا و لهذا تسمع یقولون بِعْنا و یریدون ذلک من غیر صدور تلک الصیغة بل بدون الشعور بها و لهذا یصح أنّه اُوقع البیع بدون الصیغة و بالجملة الاطلاق واضح... و الأصل و الاستصحاب متروک بالأدلة التی ذکرناها و هی أربعة عشر دلیلاً من الکتاب و السنة و الإجماع و ترک البیان و عدم نقل الصیغة و التصرف المفید للملکیّة و الشریعة السهلة و لزوم الحرج و

ص: 26


1- (1) المسالک 3/147.

الضیق المنفی عقلاً و نقلاً و اللزوم بعد التصرف و التجارة عن تراض و العلم به و الملک بدون اللزوم عند الأکثر و غرض حصول العلم و بقاء المال للوارث بعد موت البائع... و بالجملة ما نری له دلیلاً قویّا إلاّ أنّه مشهور...»(1).

و منهم: المحدّث الکاشانی فی المفاتیح(2).

و منهم: المحقّق السبزواری قال: «و قول المفید غیر بعید و النصوص المطلقة من الکتاب و السنة دالة علی حلّ البیع و انعقاده من غیر التقیید بصیغة مخصوصة. و لم ینقل عنهم علیهم السلام اعتبار خصوص لفظ مع توفّر الدواعی فی ذلک لو کان شرطا»(3).

و منهم: المحدّث البحرانی یقول فی شأن هذا القول: «... و إلیه یمیل والدی و الشیخ عبداللّه بن صالح البحرانی، و نقلاه عن شیخهما العلاّمة الشیخ سلیمان بن عبداللّه البحرانی، و هو الظاهر عندی من أخبار العترة الأطهار التی علیها المدار فی الإیراد و الإصدار کما سیظهر لک إن شاء اللّه تعالی علی وجه لا تعتریه غشاوة الإنکار هذا...»(4).

و منهم: الفاضل النراقی قال: «و الثالث: ظاهر المفید و جمع من المتأخرین و هو الحقّ...»(5).

و منهم: الفقیه الیزدی قال: «أنّ المسألة (أیّ أنّ المعاطاة بیع) راجعة إلی الشک فی شرطیة الصیغة فی انعقاد البیع و لا دلیل علیها، و عدم الدلیل فی مثل هذه المسألة دلیل العدم لأنّه لو کان کذلک لبان و وجب علی الشارع البیان، مع أنّه لم یرد ذلک فی شیء ممّا

ص: 27


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 8/(142-139).
2- (2) مفاتیح الشرائع 3/48، مفتاح 896.
3- (3) الکفایة 1/449.
4- (4) الحدائق 18/350.
5- (5) مستند الشیعة 14/253.

وصل إلینا من الأخبار لا من طرق العامة و لا من طرق الخاصة مع توفر الدواعی علی نقل مثله فی مثل هذه المسألة...»(1).

و جماعة من العامة یذهبون إلی هذا القول منهم: بعض الشافعیة و أحمد بن حنبل و مالک بن أنس کما نقل عن الأخیرین العلاّمة فی التذکرة(2) و قال ثانی الشهیدین: «... و الذی اختاره متأخرو الشافعیة و جمیع المالکیة انعقاد البیع بکلّ مادلّ علی التراضی و عدّه الناس بیعا و هو قریب من قول المفید و شیخنا المتقدم، و ما أحسنه و أمتن دلیله إن لم ینعقد الإجماع علی خلافه»(3).

أقول: لا یبعد تمامیة هذا القول و عدم احتیاج البیع و غیره من المعاملات إلی الصیغة الخاصة و اللفظ و تشمله الإطلاقات و العمومات الواردة فی حلّیّة البیوع و الوفاء بالعقود فحینئذ تدخل المعاطاة فی البیع و غیره علی الأصل الأوّلی، فلا نحتاج عن البحث حول صیغة البیع أو المعاملة ما هی؟ و صیغة الإیجاب و صیغة القبول ما هما؟ و تقدیم الایجاب علی القبول لازم أم لا؟ و لزوم النطق بهما فلا تکفی الإشارة إلاّ مع العجز! و لزوم التصریح فلا یقع بالکنایة، و لزوم الجزم فلو علّق العقد علی شرط لم یصح، و لزوم التطابق فی المعنی بین الصیغتین و عدمه! لأنّا استغینا عن جمیع هذه الأبحاث.

نعم: بالنسبة إلی النکاح خصوصا الأحوط جریان الصیغة و التلفظ بها و یلحق به بعض الإیقاعات نحو: الطلاق و الظهار و اللعان و الإیلاء و نحوها و التفصیل یطلب من محلّه.

ص: 28


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/336.
2- (2) تذکرة الفقهاء 10/7.
3- (3) المسالک 3/152.

تنبیه:

و أمّا ما ورد فی ألسن الفقهاء _ أعلی اللّه مقامهم _ من «أنّ المحلّل و المحرّم هو اللفظ»(1) أو «إنّما یحرّم و یحلّل الکلام»(2) أو إقامة التعلیل من صاحب الجواهر للسیّد حسن بن جعفر الحسینی رحمه الله حیث اشترط «فی الدال کونه لفظا»(3) بقوله: «محافظة علی حصر التحلیل و التحریم بالکلام»(4) إنّما نشأت من معتبرة خالد بن الحجاج(5) قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : الرجل یجیء فیقول: اشتر هذا الثوب و أربحک کذا و کذا قال: ألیس إن شاء ترک و إن شاء أخذ؟ قلت: بلی، قال: لا بأس به إنّما یحلّ الکلام و یحرّم الکلام.(6)

مفاد هذه المعتبرة مفاد عدّة من الروایات حیث واعد الرجل أحدا شِراءِ شیءٍ منه و لیس عنده الآن موجودا فاشتراه من أجله فهل یلزم الوفاء بهذا الوعد و الشراء منه فأجابه الإمام علیه السلام بعدم لزوم الوفاء بل إن شاء اشتراه و إن شاء ترکه.

و من هذه الروایات صحیحة عبدالرحمن بن الحجاج(7) وَ صَحِیْحَتا منصور بن حازم(8).

ولکن إنّما الکلام فی ذیلها «إنّما یحلّ الکلام و یحرّم الکلام» ما معناها؟ قال صاحب الوسائل رحمه الله : «فیه دلالة علی عدم انعقاد البیع بغیر صیغة، فلا یکون بیع المعاطاة معتبرا،

ص: 29


1- (1) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /64 للوحید البهبهانی رحمه الله .
2- (2) ریاض المسائل 8/214.
3- (3) کما فی المسالک 3/147.
4- (4) الجواهر 22/212.
5- (5) و فی الکافی 5/201، ح6 خالد بن نَجیح.
6- (6) وسائل الشیعة 18/50، ح4. الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
7- (7) وسائل الشیعة 18/51، ح9.
8- (8) وسائل الشیعة 18/52، ح11 و 12.

فتدبر»(1).

و قد حملها صاحب الحدائق(2) علی عدم لزوم البیع حتّی یحرم الرد و الرجوع إلاّ إذا حصل من الکلام ما یوجب الانتقال.

و تبعه فی الحمل الوحید(3) و سیّد الریاض(4).

ولکن ذکر الشیخ الأعظم قدس سره أرْبَعَة محتملات(5) لهذا الذیل و اختار هو اثْنَیْنِ منها و هما کما قال: «فتعیّن: المعنی الثالث: و هو أن الکلام الدال علی الالتزام بالبیع لا یحرّم هذه المعاملة إلاّ وجوده قبل شراء العین التی یریدها الرجل لأنّه بیع ما لیس عنده، و لا یحلِّل إلاّ عدمه، إذ مع عدم الکلام الموجب لإلتزام البیع لم یحصل إلاّ التواعد بالمبایعة، و هو غیر مؤثر. فحاصل الروایة أنّ سبب التحلیل و التحریم فی هذه المعاملة منحصر فی الکلام عدما و وجودا.

أو المعنی الرابع و هو: أنّ المقاولة و المراضاة مع المشتری الثانی قبل اشتراء العین محلِّل للمعاملة، و ایجاب البیع معه محرّم لها.

و علی کلا المعنیین یسقط الخبر عن الدلالة علی اعتبار الکلام فی التحلیل...»(6).

و ذکر المحقّق النائینی خمسة وجوه محتملة لهذا الذیل و قال: «... و علی أیّ تقدیر لا تدّل الروایة علی اعتبار اللفظ فی المعاملات...»(7).

ص: 30


1- (1) وسائل الشیعة 18/50.
2- (2) الحدائق 18/355.
3- (3) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /64.
4- (4) ریاض المسائل 8/214.
5- (5) راجع المکاسب 3/(63-61).
6- (6) المکاسب 3/64.
7- (7) منیة الطالب 1/161.

و قال المحقّق السیِّدُ الخوئی قدس سره بعد المناقشة فی محتملات الشیخ الأعظم: «و المتحصل من جمیع ما ذکرنا أنّه لا دلالة فی روایة ابن نجیح علی اعتبار اللفظ فی صحة البیع أو لزومه لکی تدلّ علی فساد المعاطاة أو علی عدم لزومه»(1).

و قال شیخنا الاستاذ: «و الصحیح أنّ ذکر الکلام باعتبار فرض المقاولة و المساومة فی الروایة و أنّها ربّما تکون متضمنة لإنشاء البیع و الالتزام قبل تملک المتاع و ربّما لا تکون، لا لأنّ لإنشاء البیع بالکلام خصوصیة لا تجری فی المعاطاة»(2).

ولکن بنظرنا القاصر إن ناقشت أنت فی کلام الشیخ الأعظم و غیره لا یمکن الأخذ بإطلاق ذیل الروایة لأنّ مقتضاه عدم تحقتّق الإباحة و لا یقول به أحد کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(3)، و حملت علی أنّ التحلیل و التحریم فی جمیع العقود _ من حیث الجمیع حتّی تشمل النکاح و الطلاق و نحوهما _ إنّما هو بالکلام. أو حملت علی الأغلبیة و الأکثریة أو علی الحصر الإضافی لا علی الحصر الحقیقی لا سیما بعد ما علمنا من الخارج بأنّ غیر الکلام أیضا یحلل و یحرّم نحو الرضاع و الرجوع فی العدّة فعلاً لا قولاً و الدخول فی الاُمّ بعد عقد النکاح الذی یوجب حرمة بنتها و بعد مَبْنانا من عدم صحة الاستدلال بالحروف أو الالفاظ الخاصة _ و هی هنا کلمة «إنّما» _ فی الروایات لأنّها نقلت بالمعنی لا باللفظ.

و علی هذا البیع کما ینعقد بالعقد ینعقد بالفعل و اللّه العالم.

و فی ختام هذا المبحث أذکر لک کلام المحقّق السیِّد الخوئی قدس سره حیث یقول: «... و المتحصل من جمیع ذلک: أنّ إطلاق کلمة البیع علی الإیجاب و القبول من الأغلاط الواضحة

ص: 31


1- (1) مصباح الفقاهة 2/154.
2- (2) ارشاد الطالب 2/64.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/338.

لا من الاستعمالات المجازیة»(1).

الخامس: هل وضعت أسماء المعاملات للأعم؟

اشارة

محل هذا البحث هو علم الأصول ولکن نتعرض إلیه تبعا للشیخ الأعظم قدس سره و لما فیه من الفوائد منها جواز التمسک بالإطلاقات.

قال الشهید الأوّل: «الماهیّات الجعلیة کالصلاة و الصوم و سائر العقود لا تطلق علی الفاسد إلاّ الحج لوجوب المضی فیه»(2).

و قال الشهید الثانی فی المسالک فی ذیل قول المحقّق فی الشرائع: «إطلاق العقد ینصرف إلی العقد الصحیح دون الفاسد»(3) مالفظه: «عقد البیع و غیره من العقود حقیقةٌ فی الصحیح، مجازٌ فی الفاسد، لوجود خواص الحقیقة و المجاز فیهما کمبادرة المعنی إلی ذهن السامع عند إطلاق قولهم: باع فلان داره و غیره، من ثَمَّ حمل الإقرار به علیه، حتّی لو إدّعی إرادةَ الفاسد لم یُسمع إجماعا و عدم صحة السلب و غیر ذلک من خواصِّه، ولو کان مشترکا بین الصحیح و الفاسد لَیُقبَل تفسیره بأحدهما کغیره من الألفاظ المشترکة و انقسامه إلی الصحیح و الفاسد أعمّ من الحقیقة، و حیث کان الإطلاق محمولاً علی الصحیح لا یبرُّ بالفاسد. ولو حَلَفَ علی الإثبات سواء کان فساده لعدم صلاحتیه للمعاوضة کالخمرو الخنزیر أو لفقد شرط فیه کجهالة مقداره و عینه سیأتی البحث فیه»(4).

و قد نوقش کلامهما بأنّ مفهوم البیع أَمْرٌ عُرْفیٌّ و هو الذی یمضیه الشارع تارة و یرده اُخری و علیه فلا یعقل أخذ الصحة الشرعیة فی مفهومه إلاّ علی القول بالحقیقة الشرعیة فی

ص: 32


1- (1) مصباح الفقاهة 2/79.
2- (2) القواعد و الفوائد 1/158.
3- (3) الشرائع 3/138.
4- (4) المسالک 11/263.

ألفاظ العقود و هو بدیهی البطلان.

و لذا قال الفقیه الیزدی: «الظاهر أنّه أعم من الصحیح العرفی أیضا، بمعنی أنّ الفاسد فی نظر العرف أیضا بیع، فکلّ تملیک عین بعوض مع التعقب بالقبول بیع سواء أمضاه العرف و الشرع أم لا، و هذا واضح جدّا»(1).

ولکن أجاب الشیخ الأعظم عن هذه المناقشة بقوله: «نعم، یمکن أن یقال: أنّ البیع و شبهه فی العرف إذا استعمل فی الحاصل من المصدر الذی یراد من قول القائل: «بعت» عند الإنشاء لا یستعمل حقیقة إلاّ فی ما کان صحیحا مؤثّرا _ ولو فی نظر القائل _ ثم إذا کان مؤثّرا فی نظر الشارع کان بیعا عنده و إلاّ کان صورة بیع نظیر بیع الهازل عند العرف، فالبیع الذی یراد منه ما حصل عقیب قول القائل: «بعت» عند العرف و الشرع حقیقة فی الصحیح المفید للأثر و مجاز فی غیره...»(2).

و بعبارة اُخری: یمکن أن یوضع البیع لما هو المؤثر فی الملکیّة واقعا، و یکون الإمضاء، من الشرع أو العرف طریقا إلی ذلک، و قد یحکم الشارع بعدم حصول الملکیّة، إلاّ أنّ ذلک من ناحیة تخطئة الشارع أهل العرف و إذن فلا منافاة بین أن یکون البیع مفهوما عرفیّا و بین أن یکون موضوعا لخصوص الحصة الصحیحة.

و الحاصل: إنّ البیع بمعنی الاسْمِ المصدری حقیقة فیما هو المؤثر فی الملکیّة واقعا و من الظاهر أنّ هذا لا یتوقف علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فی المفاهیم العرفیة _ هذا ما افاده المحقّق السیّدُ الخوئی(3) فی توضیح کلام الشیخ _ .

ص: 33


1- (1) حاشیة المکاسب 1/315.
2- (2) المکاسب 3/20.
3- (3) مصباح الفقاهة 2/80.

ترجمة شیخنا الاستاذ آیة الله الشیخ المیرزا جواد التبریزی قدس سره بمناسبة ارتحاله

ولکن شیخنا الاستاذ(1) _ قدس اللّه روحه _ تعدی من البیع بمعنی الاسم المصدری إلی المصدری و وجّه استدلال الشیخ بقوله: «... فالبیع ولو بمعناه المصدری من العناوین القصدیة فیمکن أن یکون المستعمل فیه أمرا واحدا عند الشرع و العرف و هو ما یترتب علیه الأثر المترقب _ فإنّ الأثر المترقب فی البیع انتقال المالین _ فالمعنی مبهمٌ من حیث

ص: 34


1- (1) ارتحل إلی رحمة ربّه شیخنا الاُستاذ آیة اللّه العظمی الحاج الشیخ المیرزا جواد التبریزی قدس سره فی الساعة العاشرة من اللیل المسفر صَباحُهُ عَنْ یوم الاثنین الثامن و العشرین من شهر شوال المکرم عام 1427 بعد مرض لازمه أربع سنوات و صار حلیفا للفراش قریبا من شهرین و لعلّ شهرا منهما کان فی المستشفی أوّلاً بقم و ثانیا بطهران حتّی لبّی داعی اللّه، و نقل جثمانه الشریف إلی قم _ عش آل محمّد علیهم السلام _ فی نفس اللیل و وصل إلیه بعد منتصفه و استقبله لیلاً شیخنا الاُستاذ آیة اللّه العظمی الشیخ حسین الوحید الخراسانی _ مدظِلُّهُ _ عند مدخل المدینة وَ شَیَّعَهُ حتّی بیته الشریف و دخله و عزّی أبْناءَهُ قریبا من السّاعةِ الثّانِیَةِ بعد منتصف اللیل. و لأجل ارتحاله عُطِّلَتْ دروس الحوزات العلمیّة الشیعیّة فی جمیع البلدان یومین، و کَما عُطِّلَتْ قُمُّ فی یوم تشییعه و هو یوم الأربعاء الثلاثین من شوال و قد حضرت تشییعه و الصلاة علیه و لم أر فی حیاتی نظیرا لَهُ منْ حیث کثرة الازْدِحام من جمیعَ الطبقات و قد صلی علیه شیخنا الاستاذ الوحید الخراسانی و دفن فی زاویة مسجد «بالاسر» فوق رأس مرقد المؤسس الحائری قدس سره ، و قد أقمتُ له مجلسا ترحیمیّا فی مسجدی فی یوم الأربعاء القعد الحرام 1427 بأصبهان و کذا مجلسا تأبینیا بعد عام واحد علی ارتحاله فی یوم 25 شهر شوال المکرم 1428 یوم الثلاثاء استشهاد الإمام الصادق علیه السلام و قد کتبت ترجمته فی کتابی «طریق الوصول إلی أخبار آل الرسول علیهم السلام » فراجعه، رَحِمَهُ اللّه رَحمَةً واسَعةً وَ حَشَرَهُ مَعَ مولاهُ أمیرالمؤمنین و أولاده المعصومین علیهم السلام آمین ربّ العالمین. و قد حضرت علیه أربعة عشر عاما فی الفقه و أصوله و حتی مجلس تعلیقه علی المنهاج و العروة و الوسیلة کما قرأت علیه فی هذه المدّة عدّة من الکتب الفقهیة منها: الطهارة و الصلاة و الخمس و القضاء و الشهادات و الحدود و القصاص و الدیات، و من الاُصول دورتین فی الأدلة العقلیة و دورة فی مباحث الألفاظ و قد کتبتُ جمیع هذه الدروس علی نحو التقریر منه فی قریب من عشرین مجلدا، فحقوقه قدس سره علیَّ کثیر لایسعها هذه الأسطر.

الذات و القیود، و مبیَّنٌ من حیث الأثر و إذا کان المعاطاة مثلاً أمرا یترتب علیه انتقال المالین فی اعتبار العرف و الشرع تکون بیعا عندهما، و لو لم یترتب علیه انتقال شرعا فهی لا تکون بیعا عند الشارع و بالجملة یمکن أن لا یکون خلاف بین الشرع و العرف فی المعنی المصدری أو الاسم المصدری و یصح القول بأنّ ألفاظ المعاملات موضوعة للصحیحة فلا تطلق علی الفاسدة إلاّ بطور المجاز»(1)

أقول: الملکیّة الحاصلة من البیع و غیره من الاُمور الاعتباریة التی تدور مدار الاعتبار من حیث الوجود و العدم، و لیست من الاُمور التکوینیة المتأصلة فی الخارج نحو الخمر و الخنزیر، و علی هذا فلا یتصور التخطئة فی الملکیّة بأن یوجد مورد توجد فیه الملکیة و لم یلتفت إلیها العرف و یکشف عنها الشارع تخطئة له.

و لذا لو قلنا بوضع لفظ البیع لما هو المؤثِّر فی الملکیة فإن کان المراد منه الاعتبار العقلائی أو الأعم منه و من الاعتبار الشرعی فلابدّ من الالتزام بوضع البیع للأعم.

و إن کان المراد من الاعتبار هو خصوص الاعتبار الشرعی فلابدّ من القول بالحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العقود و حینئذ یعود المحذور المتقدم أیّ أخذ الصحة الشرعیة فی المفهوم العرفی. هذا ما افاده السیّد الخوئی(2) رحمه الله .

لا یقال: التخطئة فی الاُمور الاعتباریة لم تتم ولکن یمکن قبول التخطئة من ناحیة الملاکات و المصالح و المفاسد.

لأنّا نقول: الأحکام التکلیفیة تدور مدار الملاکات و المصالح و المفاسد غالبا ولکن الأحکام الوضعیة لا تقاس بها و الملاک و المصلحة فی نفس اعتبارهِما کالاحکام الطریقیة

ص: 35


1- (1) ارشاد الطالب 2/26.
2- (2) مصباح الفقاهة 2/81 و 80.

التی تکون المصلحة فی نفسها کحجیّة البیّنة الشرعیة و أخبار الآحاد.

نعم، ربّما تصح التخطئة فی الملاک أو فی نفس الاعتبار، لأنّ الاعتبار لابدّ أن یکون ناشئا من المصلحة الواقعیة الداعیة إلیه، و مع عدم وجود تلک المصلحة یحکم الشارع بعدم صحة اعتبار الملکیّة و یکشف عنه خطأ العقلاء فی اعتبارهم نحو: عدم ملکیّة الخمر و الخنزیر و المیتة عند الشارع أو الحکم ببطلان الْبَیْعِ الربوی و الغرری و نَحْوِهِما، و هذا الاستدراک هو المختار عندنا.

تذکرة لابدّ من التنبیه علیها:

الظاهر أنّ مراد الشیخ الأعظم قدس سره هو ما ذکره جدّنا العلاّمة التقی صاحب الهدایة قدس سره فی آخر بحث الصحیح و الأعم بعد اختیاره القول بالأعم ثم ذکر کلام الشهیدین و سَعَی فی توجیه کلامهما _ و لعلّ الشیخ أخذه منه رحمهماالله _ حیث یقول: «فالأظهر أن یقال بوضعها لخصوص الصحیحة أیّ المعاملة الباعثة علی النقل و الانتقال أو نحو ذلک ممّا قرّرله تلک المعاملة الخاصة، فالبیع و الإجارة و النکاح و نحوها إنّما وضعت لتلک العقود الباعثة علی الآثار المطلوبة منها، و إطلاقها علی غیرها لیس إلاّ من جهة الْمُشاکَلَةِ أو نحوها علی سبیل المجاز.

لکن لا یلزم من ذلک أن تکون حقیقة فی خصوص الصحیح الشرعی حتّی یلزم أن تکون توقیفیته متوقّفة علی بیان الشارع لخصوص الصحیحة منها، بل المراد منها إذا وردت فی کلام الشارع قبل أَنْ یقوم دلیل علی فساد بعضها هو العقود الباعثة علی تلک الآثار المطلوبة فی المتعارف بین الناس، فیکون حکم الشرع بحلّها أو صحتها أو وجوب الوفاء بها قاضیّا بترتب تلک الآثار علیها فی حکم الشرع أیضا فَتَتطابَقُ صحتها العرفیة و الشرعیة، و إذا دلّ الدلیل علی عدم ترتب تلک الآثار علی بعضها خرج ذلک عن مصداق تلک المعاملة فی حکم الشرع و إن صدق علیه اسمها بحسب العرف نظرا إلی ترتب الأثر علیه

ص: 36

عندهم. و حینئذ فعدم صدق اسم البیع _ مثلاً _ علیه حقیقة عند الشارع و المتشرعة لا ینافی صدقه علیه عند أهل العرف مع اتحاد العرفین، و عدم ثبوت عرف خاص عند الشارع، إذ المفروض اتحاد المفهوم منه عند الجمیع، و إنّما الاختلاف هناک فی المصداق، فأهل العرف إنّما یحکمون بصدق ذلک المفهوم علیه من جهة الحکم بترتب الأثر المطلوب علیه، و إنّما یحکم بعدم صدقه علیه بحسب الشرع للحکم بعدم ترتب ذلک الأثر علیه، ولو انکشف عدم ترتب الأثر علیه عند أهل العرف لا من قبل الشارع لم یحکم عرفا بصدق ذلک علیه أیضا کما أنّ البیوع الفاسدة فی حکم العرف خارجة عندهم عن حقیقة البیع.

فظهر أنّه لا منافاة بین خروج العقود الفاسدة عند الشارع عن تلک العقود علی سبیل الحقیقة و کون المرجع فی تلک الألفاظ هو المعانی العرفیة من غیر أن تتحقق هناک حقیقة شرعیة جدیدة فتأمل جیّدا».(1)

أقول: أنت تری بأنّ ما اوردناها علی الشیخ الأعظم لم یرد علی العلاّمة الجدّ رحمهماالله لأنّه صرّح بعدم ثبوت عرف خاص عند الشارع و عدم تحقّق حقیقة شرعیة فی المعاملات، و قد نبّه علی هذا الأخذ الفقیه الیزدی رحمه الله فی حاشیته(2) ولکن استشکل علیه بقوله: «... إنّ الملکیّة و کذا أخواتها من الزوجیة و الحریة و الرقیة و نحوها أحکام مجعولة للعقلاء أو الشارع و اعتبارات عقلائیة أو شرعیة و لا واقع بها إلاّ هذا الاعتبار... إذ لا معنی حینئذ لتخطئة العرف فی المصداق إذ المفروض أنّ العقد بدون الشرط الشرعی الفلانی سبب عندهم مفید للملکیّة فلا یمکن أن یقال ما تراه سببا لیس بسبب لأنّ الفرض أنّه هو الجاعل للسبب و الواضع للاسم. نعم: یمکن تخطئته فی أصل الجعل بأن یقال أنّ مقتضی المصلحة أن

ص: 37


1- (1) هدایة المسترشدین 1/492.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/319.

لا یجعل هذا سببا، و هذا غیر التخطئة فی المصداق...»(1).

و فیه: بنظری القاصر یمکن ارجاع التخطئة فی أصل الجعل إلی التخطئة فی المصداق بادّعاء أنّ البیع الربوی أو الغرری أو المجهول ثمنا أو مثمنا لم یکن عند الشارع بیعا، و هذه أیضا بعینها هی التخطئة فی مصداقیته لِعنوان البیع فیتم ما ذکره العلاّمة الجد صاحب الهدایة قدس سره .

و قد اعترف الفقیه الیزدی قدس سره بعد صفحة بإمکان التخطئة فی المصداق حین استشکل علی بعض الأفاضل بقوله: «أوّلاً: فما ذکره من عدم امکان التخطئة فی المصداق کماتری»(2).

ثمرة هذا البحث:

قد یقال: بأنّ ثمرة بحث الصحیح و الأعم فی المعاملات تظهر فی صحة التمسک بالاطلاقات الواردة فیها و عدمها، و قبل الورود فی البحث لابدّ لنا من تعریف الإطلاق و النسبة بینه و بین التقیید و التذکر بمقدمات أو مقدمة الحکمة:

فَأَمّا الإطلاق: فَهُوَ رفض القیود عندنا لا جمعها، و أنّ الملاک فیه کون حیثیة الطبیعة تمام الموضوع.

و النسبة بینه و بین التقیید: فی مقام الثبوت هی التضاد لا یجتمعان و لا یرتفعان، ولکن فی مقام الإثبات هی تَقابُلُ العدم و الملکیّة، إی إذا استحیل التقیید لجهة من الجهات لایمکن الحکم بالإطلاق من هذه الجهة.

ص: 38


1- (1) حاشیة المکاسب 1/321.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/323.

و أمّا مقدمات الحکمة أو مقدمتها فهی:

1_ کون المتکلم فی مقام البیان و یمکن إحرازه بالأصل العقلائی. ولکنّه إذا علمنا أنّه من جهة فی مقام البیان ثم شککنا فی أنّه من یَأْتِ سائر الجهات أیضا فی مقام البیان أم لا؟ لا تجری أصالة أنّه فی مقام البیان.

2_ تمکن المتکلم من الاتیان بالقید و لم یَأْتِ به. لما مرّ أن التَّقابُلَ بین الاطلاق و التقیید فی مقام الإثبات هو العدم و الملکة. و الکلام فی هذا المقام.

3_ عدم ورود القید فی کلام المتکلم لا متصلاً و لا منفصلاً. لأنّ مع ورود القید متصلاً لم یبق مجال لتوهم الاطلاق و مع وروده منفصلاً یمحو الاطلاق السابق لاأقل من جهة هذا القید.

و أمّا وجود الْقَدَرِ المتیقن فی مقام التخاطب، کقدر المتیقن فی الخارج فَلا یمنع من الاطلاق. الأوّل: نحو القیود المأخوذة فی أسئلة السائلین و إجابة الإمام بالاطلاق. و الثانی: نحو قول الْمَوْلی: اکرم العالم، و وجود العلم من الخارج بأنّ الفقیه هو الْقَدَرُ المتیقن منه، وَلکنَّ وُجُوْدَ الْقَدَرِ المتیقن فی الخارج لا یوجب رفع الید عن إطلاق العالِم.

و یمکن إرجاع المقدمتین الثانیة و الثالثة إلی الاُولی فحینئذ تَصِیْرُ المقدمة الوحیدة فی المقام هو کون المتکلم فی مقام البیان.(1)

ثم بعد التذکر بهذه المقدمة علی القول بأنَّ ألفاظ المعاملات موضوعة للأعم فلا بأس بالتمسک بإطلاق خطابات المعاملات و علی القول بأنّها موضوعة للصحیح عند العرف أو المعاملة الباعثة علی النقل و الانتقال _ کما ذکره العلاّمة الجدّ قدس سره فی توجیه کلام الشهیدین رحمهماالله _ فلا بأس أیضا بالتمسک بإطلاقها، أمّا علی القول بأنّها موضوعة للصحیح

ص: 39


1- (1) فراجع نهایة الاصول /383 تقریرات السیّد المحقّق البروجردی رحمه الله لتوضیح ذلک.

عند الشرع فلا یصح التمسک بإطلاقها و تصیر مجملة و علیه فلو احتمل اعتبار شیءٍ شرعا فی معاملةٍ یلزم من القول بکونها موضوعة للصحیحة عدم جواز التمسک بالاطلاق، لأنّها صارت مجملة.

ولکن مع ذلک نحن نری أنَّ دیدن الفقهاء التمسک بالاطلاقات فی ألفاظ المعاملات، حتی القائلون بالصحیح یتمسّکون بها و الشیخ الأعظم رحمه الله (1) یستدل لهم بوجهین علی سبیل منع الخلو:

الأوّل: حمل لفظ البیع و غیره من العقود فی الخطابات الشرعیة علی ما هو الصحیح المؤثِّر عند العرف فی النقل و الانتقال، یعنی حمل لفظ البیع علی البیع الصحیح العرفی المؤثِّر فی النقل.

و فیه: أنت تری أنَّ هذا الوجه لا یَتُمُّ علی القول بالصحیح، بل هو الوجه الذی ذکره العلاّمة الجد و تبعه الشیخ الأعظم فی توجیه کلام الشهیدین من حمل الصحیح فی کلامهما علی الصحیح العرفی و علیه قد مرّ منّا جواز التمسک بالاطلاق، ولکن البحث هنا حول جواز التمسک بالاطلاق علی القول بالصحیح الشرعی _ لأنّ ما یصدق علیه البیع الصحیح العرفی یمکن أن یکون فی الشرع باطلاً _ و هذا الوجه لا ینتج بالنسبة إلیه.

و لذا قال المحقّق السَّیِّدُ الخوئی رحمه الله إنّ هذا البیان یکون «عبارة اُخری عن القول بوضع ألفاظ المعاملات للأعم»(2).

الثانی: أن یحمل البیع علی المصدر الذی یراد من لفظ «بعت» بتقریب: أنّ البیع فی مثل قوله تعالی: «أحلّ اللّه البیع» یستعمل فی معناه المصدری و اُرید منه الحلّیّة التکلیفیة

ص: 40


1- (1) المکاسب 3/20.
2- (2) مصباح الفقاهة 2/84.

أو الوضعیة و یحمل علی المصادیق العرفیة، لأنّ بیان جعل الحکم التکلیفی علی المصادیق الشرعیة لغو محضٌ.

و یمکن ان یستعمل فی معنی الاسْمِ المصدری و اُرید منه الحلیة الوضعیة و لابدّ أنْ یحمل علی امضاء المصادیق العرفیة لأنّ بیان جعل الحکم الوضعی علی المصادیق الشرعیة لغو محض.

و بعبارة ثالثة: هذا الخطاب انحلالی فیعم جمیع المصادیق العرفیة و إلاّ یصیر لغوا. و هذا التقریب مستفاد من کلام شیخنا الاستاد(1) قدس سره .

و فیه: و أنت تری أیضا بأنّ حمل البیع علی المصادیق العرفیة لا یجمع مع القول بالصحیح، بل هذا عین القول بالأعم.

و الظاهر عدم الفرق بین الوجهین بل یرجعان لبّا إلی وجه واحد.

و لذا قد تمسّکوا لصحة الاستدلال باطلاقات للصحیح بوجوه اُخر:

منها: البیع و نحوه من العقود یطلق تارة علی السبب اُخری علی المُسَبَّبَ:

البیع السببی: عبارة عن العقد المرکب من صیغتی الإیجاب و القبول، أو التعاطی خارجا بقصد تحقّق المبادلة.

البیع المسببی: عبارة عن تبادل الإضافتین المتحقِّق بالطرفین أو ما یحصل من الانشاء و یعتبر أمرا باقیا فی عالم الاعتبار.

ثم إذا کان المراد من البیع هو السببی و کان الشارع فی مقام إِمضاء الأسباب العرفیة و لم یرد شیئا علی ما هو سبب عندهم فحینئذ یصح التمسک بالاطلاق فی نفی اشتراط العربیة فی صیغة العقد مثلاً.

ص: 41


1- (1) إرشاد الطالب 2/27.

و أمّا إذا کان المراد من البیع هو المُسَبَّبی لأنّه أمرٌّ مستقَّرٌ قارٌّ و یعتبر أمرا باقیا فی عالم الاعتبار فلا یصح التمسک بالاطلاق لأنّ أمر المسبَّب یدور مدار الصحة و الفساد، و الوجود و العدم و لا یلاحظ الأسباب.

و الظاهر أنّ المطلقات الواردة فی الکتاب و السنة کلّها واردة فی مقام إمضاء المسببات دون الأسباب حتّی قوله تعالی «اُوفوا بالعقود»(1) بقرینة تعلّق وجوب الوفاء بها تکون ظاهرة فی المسببات لأنّ الأسباب آنیة الحصول و غیر قابلة للبقاء حتّی تکون متعلقة لوجوب الوفاء بل القابل هی المسببات التی لها نحو بقاء بعد انعدام أسبابها(2)، فحینئذ لا یمکن التمسک باطلاقات المعاملات.

و بعبارة اُخری: أنّ العرف لا یری الدلیل المتکفل لحکم علی المسبَّب من إمضاء و نحوه ناظرا إلی إثبات ذلک الحکم أو لازمه لسببٍ، لعدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة.(3)

و الحاصل: أنّ المسبّب حیث أنّه موجود آخر فی قبال السبب فلا دلیل علی أن یکون إمضاء المسبب إمضاءً للسبب.(4)

و قد نُسِبَ(5) إلی الشیخ الأعظم جوابٌ فی حلّ هذا الاشکال: بأنّ العرف حیث یری حصول المسبّب بسببٍ معین عندهم فإمضاء المسبب یستلزم امضاء السبب.

و استشکل علیه الناسب بقوله: «إنّ المتّبع هو أنظار العرف فی تعیین المفاهیم لا فی

ص: 42


1- (1) سورة المائدة /1.
2- (2) کما ذکره المحقّق النائینی فی أجود التقریرات 1/72 و تقریرات مکاسبه 1/112.
3- (3) کما ذکره السیّد الروحانی رحمه الله فی منتقی الاصول 1/291 و 290.
4- (4) کما ذکره السیّد الروحانی رحمه الله فی منتقی الاصول 1/291 و 290.
5- (5) الناسب هو المحقّق النائینی فی الأجود 1/72 و فوائد الاصول 1/80.

التطبیق، فهم و إن رأوا حصول المسبّب عند وجود أمر خاص إلاّ أنّ امضاء المسبّب لا دلیل علی کونه إمضاءً لنظره فی التطبیق أیضا، بل المتّبع هو نظر الشارع فإن ثبت و إلاّ فیتمسّک بإصالة عدم حصول المسببات...»(1).

و یمکن أن یقال: إنَّ أمر المسبّب و السبب یتصور علی ثلاثة وجوه:

أ: مسبَّبٌ لیس له إلاّ سبب واحد.

ب: مسبَّبٌ له أسباب متعددة فی عرض واحد.

ج: مسبَّبٌ له أسباب متعددة و نحن نقطع بتأثیر أسباب فیه و تأثیر بعض اُخر منها مشکوک.

و إمضاء المسبّب یکون إمضاءً للسبب فی الصورتین الاُولیین و أمّا فی الصورة الثالثة فلا و العمدة فی التمسک بالاطلاقات من قبیل هذه الصورة الأخیرة.

و قد أجاب المحقّق النائینی عن الإشکال بجواب آخر و هو:

«أنّ نسبة العقود إلی المعاملات لیست نسبة الأسباب إلی مسبباتها حتّی یکونا موجودین خارجیین یترتب أحدهما علی الآخر ترتبا قهریا و الارادة تکون متعلّقة بالمسبَّب بتبع تعلّقها بالسبب حیث أنّ اختیارتیه باختیارتیه... بل نسبتها إلیها نسبة الآلة إلی ذیها... بداهة أن قول: بعت لیس بنفسه موجدا للملکیّة نظیر الإلقاء الموجد للإحراق، بل الموجد هو الارادة المتعلّقة بإیجاده إنشاءً، فإذا لم یکن من قبیل الأسباب و المسبَّبات فلیس هناک موجودان خارجیان حتّی لا یکون امضاء أحدهما إمضاءً للآخر بل الموجود واحدٌ غایة الأمر أنّه باختلاف الآلة ینقسم إلی أقسام عدیدة فالبیع المنشأ باللفظ العربی قسم و بغیر العربی قسم آخر، فإذا کان المتکلِّم فی مقام البیان و لم یقیّده بنوع دون نوعٍ

ص: 43


1- (1) أجود التقریرات 1/72.

فیستکشف منه عمومه لجمیع الأنواع و الأصناف، کما فی سائر المطلقات طبقَ النعل بالنعل»(1).

و قد قرّر هذا الجواب عن النائینی فی تقریرات بحث مکاسبه بما ملخّصه: «باب المنشأ بالألفاظ الإنشاء لیس من باب المسببات و الأسباب بل هو من قبیل إیجاد ذی الآلة بآلة إیجاده و ألفاظ العقود آلات لإیجاد المعانی الإنشائیة بها، و الفعل المباشری الصادر عن الفاعل إمّا أن لا یتوقف صدوره عنه علی آلة کإیجاد النفس للصور الذهنیة فی صقعها، أو یتوقف صدوره عنه علی آلة، و الآلة إمّا تکون من أعضائه کالتکلّم المتوقف علی اللسان أو یکون أمرا خارجا کالکتابة المتوقفة علی القلم فعلی هذا صدور هذه المعانی الإیجادیة الإنشائیة عن الفاعل یکون بالمباشرة لکن باستعانة تلک الألفاظ فی إنشائها و إیجادها فتلک الألفاظ کالأفعال فی باب المعاطاة آلات لإیجاد تلک المنشآت فلا یصح وصفها بالمسبَّبات و لا وصف آلاتها بالأسباب.

و هذه المنشآت لها اعتباران، اعتبار نفس ذاتها من حیث هی هی مع قطع النظر عن انتسابها إلی الفاعل، و اعتبارها من حیث انتسابها إلی الفاعل، فهی بالاعتبار الأوّل معنی اسم مصدری، و بالاعتبار الثانی معنی مصدری و هذان الاعتباران واردان علی حقیقة واحدة و إنّما الفرق بالاعتبار و علیهما فامضاء المُنْشَأ بالإنشاء عین إمضاء إنشائه بالآلة المعدّة لإنشائه، سواءً کان الإمضاء متعلِّقا بالمعنی المصدری أو بالاسم المصدری، أمّا علی الأوّل فواضح ضرورة أنّ إیجاد کلّ شیءٍ له آلة تخصّه فإمضاء الکتابة بالمعنی المصدری عین إمضاء إیجادها بالقلم فالممضی هو الکتابة بالقلم و إمضاء الفعل باعتبار صدوره عن الفاعل عین إمضاء إیجاده بالآلة المعدّة لإیجاده عرفا. و أمّا علی الثانی حیث أنّ المعنی

ص: 44


1- (1) أجود التقریرات 1/74 مع تلخیص.

المصدری یکون عینا للمعنی الاسم المصدری بحسب الواقع و إنّما التغایر بینهما بالاعتبار، فإمضاء معنی الاسم المصدری عین إمضاء المصدری لأنّ المعتبَر فی صدق الإمضاء هو صدق العنوان الذی تعلّق به الإمضاء علی المصداق الخارجی فیکون إمضاء البیع بالمعنی الاسم المصدری عین إمضاء البیع بالمعنی المصدری فالکلام الکلام»(1).

أقول: و فیه: لو سلّمنا و قبلنا من المحقّق النائینی رحمه الله بأنّ نسبة المنشَأ بألفاظ الإنشاء هی نسبة ذی الآلة بآلة إیجاده و أن ألفاظ العقود الآت لإیجاد المعانی الإنشائیة بها، و مع ذلک لا یمکننا التمسک بالاطلاق لأنّ دلیل إمضاء المعاملة لا یکون فی مقام البیان من جهة إمضاء الآلة و مع عدم کونه فی مقام البیان فلا یصح التمسک بالاطلاق بلا فرق بین کون الألفاظ من الأسباب أو الآلات. و ما ذکره من أنّ الآلة و ذیها موجودان بوجود واحد مع عدم تمامیتها لایفیدنا فی المقام شیئا من عدم نظر دلیل الإمضاء إلی جهة العقد أو السبب أو الآلة علی حدِّ تعبیره و تسمیته السبب آلة لا یُغَیِّرُ واقعه و عدم النظر إلیه.(2)

و المحقّق السیّد الخوئی أجاب عن الاشکال بجواب آخر علی ما سلکه فی معنی الإنشاء المختص به قال فی تعریفهِ: «فالتحقیق أنّ حقیقة الإنشاء لیست عبارة عن إیجاد معنی _ کالطلب و غیره _ باللفظ کما هو المعروف... بل الصحیح أنّ الإنشاء حقیقة هو إبراز أمر نفسانی باللفظ غیر قصد الحکایة، فالمتکلِّم بمقتضی تعهّده و إلتزامه یکون اللفظ الصادر منه مبرزا لاعتبار من الإعتبارات القائمة بنفسه و أنّه هو الداعی لإیجاده...»(3)

و علی مَبْناهُ استشکل علی اُستاذه بقوله: «بل التحقیق أن یقال: أنّ المراد من المسبَّب فی المعاملة لیس هو الإمضاء الشرعی أو إمضاء العقلاء، ضرورة أنّ البیع و نحوه اسم لفعل

ص: 45


1- (1) راجع المکاسب و البیع 1/(116/112) بقلم العلاّمة الشیخ محمّد تقی الآملی رحمه الله .
2- (2) راجع منتقی الاصول 1/292 و 291.
3- (3) تعلیقة السیّد الخوئی علی أجود التقریرات 1/37 و 36.

البائع، و هو یصدر منه لا من غیره، بل المراد منه هو الاعتبار الصادر من البائع، المُظْهَرُ باللفظ أو بغیره و الاعتبار أمر قائم بالمعتبِر بالمباشرة بلا احتیاج إلی سبب أو آلة.

و قد عرفت سابقا أنّه لا أساس لما هو المعروف من کون الإنشاء عبارة عن إیجاد المعنی باللفظ و علی ما ذکرناه فإذا کان دلیل الإمضاء واردا فی مقام إمضاء الاعتبارات الصادرة من المتعاملین فمقتضی إطلاقه و عدم التقیید بمظهِرٍ خاصٍ یثبت عموم الإمضاء لکلّ ما یمکن أن یکون مظهِرا له، و بذلک یستغنی عن جمیع ما اُفید فی المقام فی وجه التمسک بالإطلاقات فی المعاملات مع عدم تمامیتها فی أنفسها فافهم و اغتنم»(1).

أقول: لو تمَّ هذا المبنی صح ما بنی علیه ولکن قد بحثنا فی أبحاثنا الاُصولیة عدم تمامیتهِ و أنّهُ مذهب متفرد به قدس سره و الشاهد علی بطلانهِ أنّ العقلاء یَحْدِثون الأمور الإنشائیة نحو المعاملة و النکاح بنفس إجراء الصیغة و لا یکفی فیها التوافقات القبلیّة، و الوجدان یشهد علی ذلک. کما أنّه یشهد بعدم صدق الإنشاء و الاعتبار قبل إیجاد اللفظ و حدوثه و التفصیل موکول إلی محلّه.

قد عرفت إلی هنا عدم تمامیة الأجوبة و الذی نذهب إلیه أنّ أدلة الإمضاء فی المعاملات تدور مدار المسبَّبات ولکن العرفیة منها لا الشرعیة و إلاّ تکون لغوا کما مرّ، و إمضاء المسبّب العرفی إمضاء لأسبابه العرفیة فکلَّما یدخل فی الأسباب العرفیة یدخل فی الإمضاء، و علی هذا یصح التمسک بالإطلاقات.

و بعبارة اُخری: أنّ العرف یری أنّ الدلیل المتکفل لإمضاء المسبَّب ناظر إلی إمضاء أسبابه، فعلیه یمکن التمسک بالإطلاق لکون المتکلِّم فی مقام البیان من هذه الجهة(2). فیرتفع الإشکال و الحمدللّه علی کلِّ حالٍ.

ص: 46


1- (1) تعلیقته علی أجود التقریرات 1/73 _ و راجع أیضا مصباح الفقاهة 2/84 و 53.
2- (2) و لتفصیل البحث راجع منتقی الاُصول 1/295 و 294 تقریر أبحاث السیّد الروحانی قدس سره .

فَصْلٌ: المُعاطاةُ

اشارة

ص: 47

ص: 48

المُعاطاةُ

اشارة

و هی مُفاعَلَةٌ من الإعطاء(1) و باب المفاعلة یرد للمشارکة بین الاثنین کالتفاعل ولکن لا ینحصر به و لذا قال شارح النَّظّام: «و فاعل لنسبة أصله و هو مصدر ثلاثیة إلی أحد الأمرین متعلقا بالآخر للمشارکة صریحا، فیجیء العکس ضمنا نحو: ضاربتُه و شارکتُه...، و بمعنی فعَّل نحو: ضاعفتُه بمعنی: ضعّفتُ، و بمعنی فَعَلَ نحو: سافرتُ بمعنی سفرتُ...»(2).

و علیه کما یمکن أن یرد باب المفاعلة للمشارکة بین الاثنین فی عمل أو فعل کذا یرد و یستعمل فیما إذا فَعَله واحدٌ من دون اشتراکٍ. فلذا استعمال المعاطاة لغة و عرفا فی العقود التی بین الاثنین و الإیقاعات التی تحتاج إلی طرف واحد یجوز حقیقة من دون استعمال مجاز فی البین و علی هذا یجوز استعمال لفظة المعاطاة فی الإیقاعات أیضا من دون تجوّز. هذا کلّه بالنسبة إلی التعریف اللغوی.

أمّا المعاطاة فی مصطلح الفقهاء فَهِیَ «أن یُعطی کلّ من الاثنین عوضا عمّا یأخذه من

ص: 49


1- (1) جامع المقاصد 4/57.
2- (2) شرح النظّام /55.

الآخر»(1) أو «هی إعطاء کلّ واحد من المتبایعین من المال عوضا عمّا یأخذه من الآخر باتفاقهما علی ذلک بغیر العقد المخصوص»(2).

التعریف الثانی و إن ورد فی البیع ولکن لا یختص به و قد اعترف المحقّق الثانی بأنّ فی کلام بعض الفقهاء «ما یقتضی اعتبار المعاطاة فی الإجارة و کذا فی الهبة»(3). و علی هذا یمکن جریانها فی جمیع العقود. بل الإیقاعات نحو الوقف و غیره.

و قال الشیخ یحیی بن حسین بن عشیرة البحرانی رحمه الله فی الفرق بین المعاطاة البیعی و نفس البیع: «أنّ المعاطاة لا یلزم إلاّ بذهاب أحد العوضین أو بعضه بخلاف البیع بالعقد، فإنّه یلزم بنفس العقد و التقابض للثمن و المثمن و لا یبطل إلاّ بالإقالة أو بحصول فسخ من عیبٍ أو خیارٍ. و المعاطاة یفید إباحةً لا ملکا»(4).

و قال السیّد عبدالفتاح المراغی: «إنّ سیرة المسلمین قدیما و حدیثا علی کون الوقف و الإذن و الإجازة و البذل و الأخذ بالشفعة و الفسخ و الإسقاط بالأفعال کما یکون بالأقوال...»(5).

صورها بحسب قصد المتعاطین

قد ذکر صاحب الجواهر رحمه الله لها أربع، إثنان منها غیر مشهور:

1_ أن یقع الفعل من المتعاطین من غیر قصد البیع و لا تصریح بالإباحة بل یعطی

ص: 50


1- (1) المکاسب 3/24.
2- (2) ریاض المسائل 8/212.
3- (3) جامع المقاصد 4/59.
4- (4) بهجة الخاطر و نزهة الناظر /94.
5- (5) العناوین 2/99.

البقال مثلاً شیئا لیتناول عوضه فیدفعه إلیه.(1).

و استشکل الشیخ الأعظم رحمه الله علیه بأنّ المعاطاة عمل إرادیٌّ و اختیاریٌّ من الطرفین وحیث أنّ المعاملات محصورة فی اُمور معینة و معلومة من البیع و القرض و الهبة و نحوها التی تفید ملک العین، و من الإجارة التی تفید ملک المنفعة و من العاریة التی تفید إباحة الانتفاع، و من طرف آخر یمکن لهما أن یقصدا أیّ منها شاءَا بلا مانع فی البین فعلیهما أن یقصدا إحدی المعاملات المعروفة.

و فیه: لم یتم عندنا انحصار المعاملات فی العقود الدراجة المعروفة و یمکن إیجاد و إحداث العقود الجدیدة نحو: التأمین بجمیع أقسامها و علی هذا لا یتم ما ذکره شیخنا الأعظم قدس سره ، و ظاهر الشهید(2) فی حواشیه علی القواعد أنّها معاوضة مستقلة.

ثم لو قلنا بأنّها معاوضة مستقلة لا بأس بها و تبعه جدّنا الشیخ جعفر فی شرحه علی القواعد(3).

و بما ذکرنا یظهر عدم تمامیة ما ذکره صاحب الجواهر بأنّ: «دعوی کونها معاوضة مستقلة لا تدخل تحت اسم شیءٍ من المعاوضات، لکن فیه: أنّه لا دلیل علیه، بل ظاهر حصر الأصحاب النواقل فیما ذکروه من الاُمور المخصوصة خلافه، مضافا إلی إصالة عدمه، اللهم إلاّ أن یستندفیه إلی السیرة و إن کان دون إثباتها علی وجه تکون معتبرة خرط القتاد»(4).

ص: 51


1- (1) الجواهر 22/226 ثالثها.
2- (2) نقل عنه صاحبا مفتاح الکرامة 12/511 و الجواهر 22/226.
3- (3) شرح القواعد 2/32.
4- (4) الجواهر 22/227.

2_ أن یقصد الملک المطلق(1) دون خصوص البیع(2).

ولکن استشکل صاحب الجواهر نفسه علی هذه الصورة بأنّ: «لا ریب فی فساده عند من اعتبر الصیغة الخاصة فی ملک المعاوضة لانتفاء المشروط حینئذ بانتفاء شرطه، و أمّا القائل بعدم اشتراطه فقد یقول بصحته و تنزیله علی البیع بناءً علی أنّه الأصل فی نقل الأعیان و لا یخرج عنه إلاّ بقصد غیره کما صرح به بعض مشایخنا(3)، لکن قد یناقش فی ثبوت الأصل المزبور لعدم الدلیل علیه و مطلق النقل جنس مشترک بینه و بین الصلح و الهبة بعوض فلا یتشخص إلاّ بقصده و لذا لا یکفی فی صیغة البیع ملّکتُک و نحوها، و قد یقول بصحته علی أن یکون من الهبة المعوضة، و فیه أنّها محتاجة إلی القصد أیضا»(4).

و استشکل علیه أیضا الشیخ الأعظم بأنّ التملک الخاص هو البیع أیّ «التملیک بالعوض علی وجه المبادلة هو مفهوم البیع لا غیر»(5). فهذا التملیک المطلق لیس بیعا عند الشیخ الأعظم.

و یمکن أن ندافع عن هذه الصورة بما ذکرناه آنفا من عدم حصریة العقود و المعاملات بِما هو المذکور عند قدماء أصحابنا قدس سرهم و من الممکن إحداث عقود و معاملات جدیدة تشملها الإطلاقات الواردة فی شأن العقود نحو قوله تعالی: «اُوفوا بالعقود»(6)، و

ص: 52


1- (1) الجواهر 22/227.
2- (2) المکاسب 3/23.
3- (3) و هو الشیخ جعفر قال فی شرحه علی القواعد 2/10: «انّ الأصل فی مطلق التملیک للأعیان التنزیل علی البیع». و قال ایضا فیه 2/32: «فالبیع أصل فی المعاوضة علی الأعیان مقدَّم علی الصلح و الهبة المعوّضة، و الإجارة فی نقل المنافع مقدَّمة علی الصلح و الجُعالة».
4- (4) الجواهر 22/227.
5- (5) المکاسب 3/24.
6- (6) سورة المائدة /1.

لأحدٍ أن یقال: بأنّ الملک المطلق أحدی هذه العقود.

و یؤید ما ذکرنا من عدم انحصار المعاملات کلام الشیخ الأعظم قدس سره بأنّ: «یظهر من غیر واحد منهم فی بعض العقود _ کبیع لبن الشاة مدّة و غیر ذلک _ کون التملیک المطلق أعمّ من البیع»(1).

قال الشیخ فی النهایة: «لا بأس أن یُعطی الانسانُ الغنمَ و البقرَ بالضریبة مدّةً من الزمان بشیءٍ من الدراهم و الدنانیر و السَّمن و إعطاء ذلک بالذهب و الفضة أجودُ فی الاحتیاط»(2).

و علّق العلاّمة علیه: «و التحقیق أنّ هذا لیس ببیع و إنّما هو نوع معاوضة و مرضاة غیر لازمة بل سائغة و لا منع من ذلک»(3).

و المحقّق الثانی وافق العلاّمة و قال فی هذا الفرع: «لم یکن بیعا حقیقیا بل نوع معاوضة و مراضاة غیر لازمة بل جائزة وفاقا لاختیاره فی المختلف...»(4).

یظهر من هذه الکلمات لأساطین الفقه عدم انحصار المعاملات عندهم فی العقود الدّارِجَةِ المتعارفة و علیه فلا وجه لمنع ابن إدریس(5) أو حمل هذه المعاملة علی الصلح کما ذکره الشهید بعنوان قول(6).

و کذا یؤیده جواز تقّبل أحد الشریکین حصّة شریکه بشیءٍ معلوم، إذا کان بینهما

ص: 53


1- (1) المکاسب 3/24.
2- (2) النهایة /400.
3- (3) مختلف الشیعة 5/249.
4- (4) جامع المقاصد 4/110.
5- (5) السرائر 2/322.
6- (6) الدروس 3/197.

نخل أو شجر.

قال ثانی الشهیدین: «و ظاهر الأصحاب أنّ الصیغة تکون بلفظ القبالة و أنّ لها حکما خاصّا زائدا علی البیع و الصلح لکون الثمن و المثمن واحدا، و عدم ثبوت الربا لو زاد أو نقص... کما لا دلیل علی إیقاعه بلفظ التقبیل أو اختصاصه به، و إنّما المعلوم من الروایة(1) أنّه معاملة علی الثمرة و أنّه لازم بحیث یملک المتقِّبل الزائد و یلزمه لو نقص...»(2).

ظاهر الشهید الثانی أنّه معاملة مستقلة غیر البیع.

و قال المحقّق الأردبیلی: «یجوز أن یتقبَّل أحد الشریکین أو أکثر من الشریک حصته واحدا کان أو أکثر من الثمرة بمقدار معلوم من الثمر عشر تغارات مثلاً، لا علی سبیل البیع، بل هو علی سبیل القبول و المراضاة و دلیله الأصل و الحاجة لأنّها قد تدعو إلیه...»(3).

و قال صاحب الحدائق فی شأن هذا الفرع: «... و لیس هذا من قبیل البیع و إنّما هی معاوضة مخصوصة تسمی القبالة و هی مستثناة من المزابنة و المحالقة...»(4) و لکنّه حملها علی الصلح و قال: «... و هذا هو الصلح بلا إشکال»(5).

و قال المتتبع العاملی: «أنّ هذا التقبیل هل هو معاملة برأسها غیر الصلح و البیع؟ أو أحدهما و یکون مستثنی من القاعدة؟ ظاهر الأصحاب الأوّل کما فی المسالک و هو کما قال بل هو صریح جماعة و فی الروضة(6) نسبه إلی ظاهر الشهید و جماعة...»(7).

ص: 54


1- (1) صحیحة یعقوب بن شعیب المرویة فی وسائل الشیعة 18/231، ح1. الباب 10 من أبواب بیع الثمار.
2- (2) المسالک 3/370.
3- (3) مجمع الفائدة و البرهان 8/221.
4- (4) الحدائق 19/362.
5- (5) الحدائق 19/363.
6- (6) الروضة البهیة 3/369.
7- (7) مفتاح الکرامة 13/523.

و أمّا الاثنان المشهوران فَهُما:

3_ أن یبیح کلّ منهما للآخر التصرف فیما یعطیه.

4_ أن یتعاطیا علی وجه التملیک الحاصل من البیع.

قیّدنا هذه الصورة الأخیرة بالبیع حتّی لا تتحد مع الصورة الثانیة _ و هی الملک المطلق _ .

و من المعلوم وقوع الإباحة و التملیک تابع لقصد البائع و المشتری و علی هذا لا تَنْحَصِرُ الصور بالاْءَرْبَع بل یمکن زیادتها بأن یقصد البائع الإباحة و المشتری الملک أو العکس و قد تعرض الشیخ الأعظم لأحکام بعض هذه الصور فی التنبیه الرابع(1) و نحن نقتفی أثره إن شاء اللّه تعالی فانتظر.

الأقوال فیها

1_ المعاطاة البیعیّة بیعٌ و نحوها من المعاملات المعاطاتِیّة و أنّها تدل علی اللزوم إذا کانت عقدا لازمة سواء أکان الدال علی التراضی لفظا أم غیره و قد مرّ فی الأبحاث السابقة نسبة هذا القول إلی ظاهر المفید(2) و اطلاق کلام الشیخ فی المبسوط(3) و المقدس الأردبیلی(4) و المحدث الکاشانی(5) و السبزواری(6) و الشیخ سلیمان البحرانی و تلمیذیه الشیخ عبداللّه البحرانی و والد الشیخ یوسف البحرانی صاحب الحدائق علی ما نقل عنهم

ص: 55


1- (1) المکاسب 3/80.
2- (2) المقنعة /591.
3- (3) المبسوط 2/76.
4- (4) مجمع الفائدة و البرهان 8/142.
5- (5) مفاتیح الشرائع 3/48.
6- (6) الکفایة 1/449.

صاحب الحدائق فی کتابه(1) و اختاره هو أیضا و الفاضل النراقی(2) و الفقیه الیزدی(3)، و هو مختار أحمد و مالک و بعض الشافعیة من العامة.

2_ و هو القول الأوّل ولکن مع التقیید بأنّ الدال علی التراضی أو المعاملة یکون لفظا و قد نسب هذا القول ثانی الشهیدین إلی شیخه السیّد حسن ابن السیّد جعفر الحسینی العاملی الکرکی المتوفی عام 933 أو 936 و هو ابن خالة المحقّق الکرکی و له اخْتِیاراتٌ مُخْتَصَّةٌ به فی الفقه کما مرّ منّا(4)، و استجود هذا القول فی المسالک(5) إلاّ أنّه خلاف المشهور و قال: «ما أحسنه و أمتن دلیله إن لم ینعقد الاجماع علی خلافه»(6).

3_ أنّها تفید الملکیة الجائزة و تصیر لازمة بذهاب إحدی العینین و هو مختار المحقّق الثانی(7) و حمل علیه کلام کلّ من قال بالإباحة فی المعاطاة، و الحمل بعید من کلماتهم و قد حمل ثانی الشهیدین(8) مقالة العلاّمة فی التحریر(9) علیه، و هو أیضا بعید ولکن قال المحقّق النائینی: «فالأقوی أن یقال: إنّ التعاطی بقصد التملیک یفید الملک الجائز...»(10).

4_ إنّها تفید الإباحة ولکن اباحة جمیع التصرفات حتّی التصرفات المتوقفة علی الملک، مع بقاء کلّ من العینین علی ملک صاحبه و یحصل الملک اللازم بتلف إحدی العینین

ص: 56


1- (1) الحدائق 18/350 و 361.
2- (2) مستند الشیعة 14/253.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/336.
4- (4) فی صفحة 25 من هذا المجلّد.
5- (5) المسالک 3/147.
6- (6) المسالک 3/152.
7- (7) جامع المقاصد 4/58.
8- (8) المسالک 3/148.
9- (9) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
10- (10) منیة الطالب 1/122.

أو ما هو بمنزلة التلف و قد نُسب هذا القول إلی أبی الصلاح الحلبی(1) و الشیخ فی الخلاف(2) و المبسوط(3) و أبناء البَرّاج(4) و زُهْرَة(5) و إدریس(6) و سعید(7) و العلاّمة فی تذکرة الفقهاء(8) و الشهید فی الدروس(9) و قال ثانی الشهیدین: «... لأنّ من أجاز المعاطاة سوّغ أنواع التصرفات»(10)و نحوها فی الروضة(11) و ذهب إلی هذا القول سیّد الریاض(12).

5_ المعاطاة تفید اباحة جمیع التصرفات إلاّ ما یتوقف علی الملک کالوطی و العتق و البیع، قال الشهید فی حواشیه علی القواعد: «لا یجوز لأحدهما أن یخرجها فی زکاةٍ و خمسٍ أو ثمن الهدی قبل التلف _ یرید تلف العین الاُخری _ و قال: و یجوز أن یکون الثمن و المثمن مجهولین لأنّها لیست عقدا و کذا جهالة الأجل، و قال: ولو اشتری أمة بالمعاطاة لم یجز له نکاحها قبل تلف الثمن فإن وطئ کان بشبهة»(13).

و علیه یحمل کلام الشیخ(14) بأنّ الجاریة لا تملک بالهدیة العاریة عن الإیجاب و

ص: 57


1- (1) الکافی فی الفقه /353.
2- (2) الخلاف 3/41، مسألة 59.
3- (3) المبسوط 2/87.
4- (4) جواهر الفقه /56.
5- (5) غنیة النزوع /214.
6- (6) السرائر 2/250.
7- (7) الجامع للشرائع /251.
8- (8) تذکرة الفقهاء 10/7.
9- (9) الدروس الشرعیة 3/192.
10- (10) المسالک 3/149.
11- (11) الروضة البهیة 3/222.
12- (12) ریاض المسائل 8/214.
13- (13) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/510.
14- (14) المبسوط 3/315.

القبول و لا یحلّ و طؤها.

6_ أنّها معاملة فاسدة تفرد به العلاّمة فی نهایته و قال: «المعاطاة لیست بیعا... و هل هو إباحة؟ أو یکون حکمه حکم المقبوض بسائر العقود الفاسدة الأقرب الثانی، فلکلِّ منهما مطالبة الآخر بما سلمه إلیه مادام باقیا و یضمنانه إن کان تالفا...»(1). ولکنّه رجع عنه فی التحریر(2) و التذکرة(3).

7_ أنّها معاملة مستقلة غیر البیع قاله الشهید(4) فی حواشیه علی القواعد و تبعه جَدُّنا الشیخ جعفر کما فی شرح القواعد(5) و الفرق بینهما أنّ الشهید ذهب إلی إباحة جمیع التصرفات بالمعاطاة إلاّ ما یتوقف علی الملک کما مرّ ولکن الشیخ جَعْفَرا ذهب إلی أنّها تفید الملکیّة کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(6).

المختار من الأقوال

و هو یبنی علی اُمور:

الأوّل: المعاطاة المقصود بها البیع، بیعٌ أو تجارةٌ عرفا و المنکر مکابرٌ کما قال الشیخ الأعظم: «و أمّا منع صدق البیع علیه عرفا فمکابرة»(7).

و أمّا ما ذکره ابن زهرة من أنّ المعاطاة «لیس ببیع و أنّما هو إباحة للتصرف»(8) ثم

ص: 58


1- (1) نهایة الإحکام 2/449.
2- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
3- (3) تذکرة الفقهاء 10/7.
4- (4) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/511.
5- (5) شرح القواعد 2/32.
6- (6) حاشیة المکاسب 1/335.
7- (7) المکاسب 3/40.
8- (8) غنیة النزوع /214.

ادعی علیه الإجماع، فَإنْ کان مراده نفی صِدْقِ البیع علی المعاطاة عرفا و حقیقة فهو مردود و من الممکن أنّه نفی الصحة أو اللزوم و لذا قال: «إنّما هو إباحة للتصرف».

الثانی: بیعیة المعاطاة راجعة إلی الشک فی شرطیة الصیغة فی انعقاد البیع و قد مرّ فی الأبحاث السابقة عدم الدلیل علی هذا الاشتراط و عدم الدلیل فیها دلیل العدم لأنّه لو کان لظَهَرَ و بانَ و لزم علی الشارع البیان، مع أنّه لم یرد فی روایاتنا و حتّی روایات العامة مع توفر الدواعی علی نقله.

الثالث: «السیرة المستمرة علی معاملة المأخوذ بالمعاطاة معاملة الملک فی التصرف فیه بالعتق و البیع و الوطأ و الإیصاء و توریثه و غیر ذلک من آثار الملک»(1) کما قاله الشیخ الأعظم.

أی أَنَّ سِیْرَةَ المتشرعة قائمة من زمننا هذا إلی زمن النبی صلی الله علیه و آله علی جریان أحکام البیع علی المأخوذ بالمعاطاة من دون فرق بین المأخوذ بالمعاطاة أو بالصیغة.

و دعوی: بنائُها علی عدم المبالاة و المسامحة کما عن صاحب الجواهر(2) و تبعه الشیخ الأعظم(3) ممّا لا یصغی إلیها، لأنّ الْعامِلِیْنَ بِهذِهِ السیرة عدّة أشخاص لا یُمْکِنُ رَمْیُهُمْ بعدم المبالاة نحو العلماء و الفقهاء بل أصحاب الأئمة علیهم السلام و لذا قال الفقیه الیزدی قدس سره : «من المعلوم أنّ الأئمة علیهم السلام و أصحابهم بل سائر الناس من العلماء و العوام کانوا یتصرّفون فی الهدایا و العطایا تصرّف الملاّک، و لم یعهد من أحدٍ منهم إجراء الصیغة فیها، مع أنّه لا فرق بینها و بین البیع بناءً علی اعتبارها فی الملکیّة فتدبر»(4).

ص: 59


1- (1) المکاسب 3/40.
2- (2) الجواهر 22/243.
3- (3) المکاسب 3/42.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/336.

الرابع: بعد صدق البیع علی المعاطاة عرفا أو التجارة یشملها قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(1) و قوله تعالی: «إلاّ أن تکونَ تجارةً عن تراضٍ»(2) و لذا قال الشیخ الأعظم: «و کیف کان ففی الآیتین مع السیرة کفایة»(3).

بل یَدُلُّ علیها قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(4) بعد ما مرّ من عدم اشتراط العقد بالصیغة، و حتّی علی القول باشتراطها فیه، لأنّ المراد بالعقود العهود و لا إِشکال فی صدق العهد علی المعاطاة. فالمعاطاة بیع لازم.

الخامس: إذا وافقت أنت معی فهو، و إلاّ یتَحقَّقُ ما ذکره الفقیه الشیخ جعفر کاشف الغطاء من أنّ القول بالإباحة فی المعاطاة یستلزم تأسیس «قواعد جدیدة:

منها: أنّ العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود، و قصد الملک و التملیک عند المعاملة و البناء علیهما لا محض الإباحة بها لا ینافیها.

و منها: أنّ ارادة التصرف من المملّکات فتملک العین و المنفعة بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة، و إن لم یخطر ببال المالک الأوّل الإذن فی شیءٍ من هذه التصرفات لأنّه قاصد للنقل من حین الدفع و أنّه لا سلطان له بعد ذلک بخلاف من قال: اعتق عبدی، و تصدّق بمالی عنک.(5)

و منها: أنّ الأخماس و الزکوات و الاستطاعة و الدیون و النفقات و حقّ المقاسمة و الشفعة و المواریث و الربا و الوصایا تتعلّق بما فی الید مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف

ص: 60


1- (1) سورة البقرة /275.
2- (2) سورة النساء /29.
3- (3) المکاسب 3/42.
4- (4) سورة المائدة /1.
5- (5) لتوضیح الاشکال راجع إلی ما قاله المحقّق النائینی فی منیة الطالب 1/133.

به أو عدم العلم به فینفی بالأصل فتکون متعلّقة بغیر الأملاک، و أنّ صفة الغنی و الفقر تترتّب علیه کذلک فیصیر ما لیس من الأملاک بحکم الأملاک.(1)

و منها: کون التصرف من جانب مملّکا للجانب الآخر، مضافا إلی غرابة استناد الملک إلی التصرف.

و منها: جعل التلف السماوی من جانب مملِّکا للجانب الآخر و التلف من الجانبین معیّنا للمسمّی من الطرفین و لا رجوع إلی قیمة المثل حتّی یکون له رجوع التفاوت. و مع حصوله فی ید الغاصب أو تلفه فیها فالقول بأنّه المطالِب _ لأنّه تملَّک بالغصب أو التلف فی ید الغاصب _ غریب و القول بعدم الملک بعید جدّا. مع أنّ التلف القهری: إنْ التالف قبل التلف فهو عجیب، و معه بعید لعدم قابلیته حینئذ، و بعده ملک معدوم، و مع عدم الدخول فی الملک یکون ملک الآخر بغیر عوض و نفی الملک مخالف للسیرة و بناء المتعاملین.

و منها: أنّ التصرف إن جعلناه من النواقل القهریة، فلا یتوقّف علی النیة فهو بعید و إن اوقفناه علیها کان الواطی للجاریة من غیر علم واطئا بالشبهة، و الجانی و المتلِف جانیا علی مال الغیر و متلِفا له.

و منها: أنّ النماء الحادث قبل التصرف إن جعلنا حدوثه مملِّکا له دون العین فبعید أو معها فکذلک، و کلاهما منافٍ لظاهر الأکثر. و شمول الإذن له خفی.

و منها: قصر التملِّک علی التصرف مع الاستناد فیه إلی أنّ إذن المالک به إذن بالتملّک فیرجع إلی کون المتصرّف فی تملیکه نفسَه موجبا قابلاً، و ذلک جار فی القبص بل هو أولی منه لاقترانه بقصد التملیک دونه و إیراد عدم الملازمة بین صحة التملیک مجّانا و صحّته

ص: 61


1- (1) لتوضیح الاشکال راجع إلی ما قاله المحقّق النائینی فی منیة الطالب 1/136.

معاوضة مشترک الإلزام و الکلام الکلام»(1).

و مقصود هذا الفقیه صرف استبعاد هذا القول کما نبّه علیه الشیخ الأعظم(2) لا الاستدلال بهذه الوجوه و لذا لا ینبغی النقض فیها و العجب منه أنّه تصدّی له(3) مع اعترافه بأنّه «لم یذکرها للاعتماد و الإنصاف أنّها استبعادات فی محلِّها»(4).

وَهْمانِ

الأوّل منهما: تخیّل استفادة لزوم الصیغة من بعض الروایات:

منها: خبر أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام فی شراء الأجمة لیس فیها قصب إنّما هی ماء، قال: یصید کفّا من سمک تقول: أشتری منک هذا السمک و ما فی هذه الأجمة بکذا و کذا.(5)

و منها: صحیحة رفاعة النخاس قال: سألت أباالحسن موسی علیه السلام قلت له: أیصلح لی أن أشتری من القوم الجاریة الآبقة و أعطیهم الثمن و أطلبها أنا؟ قال: لا یصلح شراؤها إلاّ أن تشتری منهم معها ثوبا أو متاعا، فتقول لهم: أشتری منکم جاریتکم فلانة و هذا المتاع بکذا و کذا درهما فإنّ ذلک جائز.(6)

و منها: موثقة سماعة عن أبی عبداللّه علیه السلام فی الرجل یشتری العبد و هو آبق عن أهله، قال: لا یصلح إلاّ أن یشتری معه شیئا آخر، و یقول: أشتری منک هذا الشیء و عبدک

ص: 62


1- (1) شرح القواعد 2/(27-23).
2- (2) المکاسب 3/46.
3- (3) راجع المکاسب 3/(50-46).
4- (4) المکاسب 3/50.
5- (5) وسائل الشیعة 17/355، ح6، الباب 12 من أبواب عقد البیع و شروطه.
6- (6) وسائل الشیعة 17/353، ح1، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.

بکذا و کذا، فإن لم یقدر علی العبد کان الذی نقده فیما اشتری منه.(1)

و منها: موثقة اُخری له عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته عن بیع المصاحف و شرائها؟ فقال: لا تشتر کتاب اللّه ولکن اشتر الحدید و الورق و الدفّتین و قل: اشتری منک هذا بکذا و کذا.(2)

و منها: حسنة عبدالرحمن بن سیابة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سمعته یقول: إنّ المصاحف لن تشتری فإذا اشتریت فقل: إنّما أشتری منک الورق و ما فیه من الأدیم و حلیّته و ما فیه من عمل یدک بکذا و کذا.(3)

و منها: موثقة و مضمرة عثمان بن عیسی قال: سألته عن بیع المصاحف و شرائها؟ فقال: لا تشتر کلام اللّه ولکن اشتر الحدید و الجلود و الدفتر، و قل أشتری هذا منک بکذا و کذا.(4)

و منها: صحیحة بُرَیْدِ بن معاویة عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل اشتری من رجل عشرة آلاف طن قصب فی أنبار بعضه علی بعض من أجمة واحدة و الأنبار فیه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتک من هذا القصب عشرة الآف طن، فقال المشتری: قد قبلت و اشتریت و رضیت، فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وکّل المشتری من یقبضه فأصبحوا و قد وقع النار فی القصب فاحترق منه عشرون ألف طن و بقی عشرة الآف طن، فقال: العشرة آلاف طن التّی بقیت هی للمشتری و العشرون التّی احترقت من مال البائع.(5)

ص: 63


1- (1) وسائل الشیعة 17/353، ح2، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) وسائل الشیعة 17/158، ح2، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
3- (3) وسائل الشیعة 17/158، ح1، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
4- (4) وسائل الشیعة 17/158، ح3، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
5- (5) وسائل الشیعة 17/365، ح1، الباب 19 من أبواب عقد البیع و شروطه.

الطنّ: حزمةٌ من حطب أو قصب

و منها: موثقة سماعة قال: سألته عن بیع الثمرة هل یصلح شراؤها قبل أن یخرج طلعها؟ فقال: لا إلاّ أن یشتری معها شیئا غیرها رطبة أو بَقْلاً(1) فیقول: أشتری منک هذا الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بکذا و کذا، فإن لم تخرج الثمرة کان رأس مال المشتری فی الرطبة و البقل، الحدیث.(2)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قدم لأبی متاع من مصر فصنع طعاما و دعا له التجار، فقالوا: نأخذه منک بده دوازده، قال لهم أبی: و لم یکون ذلک؟ قالوا: فی عشرة آلاف ألفین، فقال لهم أبی: فإنّی أبیعکم هذا المتاع بإثنی عشر ألفا، فباعهم مساومة.(3)

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال: فی رجلین کان لکلِّ واحدٍ منهما طعام عند صاحبه و لا یدری کلّ واحد منهما کم له عند صاحبه، فقال کلّ واحد منهما لصاحبه: لک ما عندک ولی ما عندی، فقال: لا بأس بذلک إذا تراضیا و طابت أنفسهما.(4)

تلک عشرة کاملة من الروایات و أنت تری بأنّ غایة مایمکن أن یقال فیها: أنّ المعاملات الواردة فی هذه الروایات اُنشأت باللفظ و لا إشعار فیها بإعتبار اللفظ فضلاً عن الدلالة. مضافا إلی جریان السیرة علی المعاطاة، فالنهی الوارد عنها لابدّ بأن یکون طائفة

ص: 64


1- (1) البَقْل: هو ما ینبت فی بزره لا فی أصل ثابت جمعه بُقْول و أبقال، و بزر الحبوبَ: أی بذرها، فحینئذٍ فالخضروات قسم من البقل لا جمیعها.
2- (2) وسائل الشیعة 18/219، ح1، الباب 3 من أبواب بیع الثمار.
3- (3) وسائل الشیعة 18/61، ح1، الباب 14 من أبواب أحکام العقود.
4- (4) وسائل الشیعة 18/445، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب الصلح.

من النصوص الصریحة الصحیحة کالنهی عن القیاس، و لا یفید بعض الإطلاقات و العمومات.

الثانی منهما: قد یتوهم أنّ النهی الوارد عن بیع المنابذة و الملامسة و الحصاة یشمل المعاطاة أو أنّ المعاطاة تکون من مصادیقها.

قد ذکر الصدوق بسند ضعیف عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه نهی عن المنابذة و الملامسة و بیع الحصاة.(1)

و قال فی تفسیرها: «ففی کلّ واحدة منها قولان: أما المنابذة فیقال: إنّها أن یقول الرجل لصاحبه: انبذ إلیَّ الثوب أو غیره من المتاع أو انبذه إلیک و قد وجب البیع بکذا و کذا. و یقال: إنّما هو أن یقول الرجل: إذا نبذت الحصاة فقد وجب البیع و هو معنی قوله أنّه نهی عن بیع الحصاة.

و الملامسة أن تقول: إذا لمست ثوبی أو لمست ثوبک فقد وجب البیع بکذا و کذا. و یقال: بل هو أن یلمس المتاع من وراء الثوب و لا ینظر إلیه فیقع البیع علی ذلک.

و هذه بیوع کان أهل الجاهلیة یتبایعونها فنهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله عنها لأنّها غرر کلّها»(2).

و قد فسروا بیع الحصاة بثلاثة تفاسیر(3):

أحدها: أن یجعل اللمس للشیء و النبذ له و إلقاء الحصاة بیعا موجبا کما عن ابن

ص: 65


1- (1) معانی الأخبار /278 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 17/358، ح 13، الباب 12 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) معانی الأخبار /278 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 17/358 ذیل ح13.
3- (3) حکاها الرافعی فی المجموع 8/194 و 193 و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/516.

زهرة فی الغنیة(1)، و وجه بطلانها جعل اللمس و النبذ بیعا و عقدا موجبا للانتقال و اللزوم.

الثانی: أن یقول: بعتک ثوبا من هذه الأثواب و ارم بهذه الحصاة فعلی أیّها وقعت فهو مبیعٌ و وجه بطلانه جهل المبیع.

الثالث: أن یقول: بعتک هذا علی أنّک بالخیار إلی أن أرمی بهذه الحصاة، و بطلانه لإبهام مدّة الخیار.

فقد کان معنی النهی عن هذه البیوع: لا تعقدوا بالنبذ و لا باللمس کما کان أهل الجاهلیة یفعلون.

دفعه: المعاطاة شیءٌ و هذه البیوع أشیاء اُخَر، فالمعاطاة لیست من مصادیقها و لاتشمل هذه البیوع المعاطاة. هذا أوّلاً.

و ثانیا: الروایة عامیة ضعیفة الإسناد.

و ثالثا: الظاهر أنّ تعیین المبیع فی هذه البیوع بهذه الأفعال، لا أصل إیجابه و قبوله و انشائه بأن یقول: «بعتک مایقع علیه الحصاة أو ما لامسته أو ما نبذته» فتکون علة النهی أنّها بیعٌ غرریٌ کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(2) قدس سره فلا ربط لها بالمعاطاة.

و ینبغی التنبیه علی امور:

الأوّل: إعتبار شروط البیع فی المعاطاة و عدمه و هل یلحق بها أحکام البیع أم لا؟
اشارة

قال الشیخ جعفر: «أنّها هل هی داخلة فی إسم المعاملة التّی جاءَت فی مقامها فیجری فیها شرائطها و أحکامها؟

الظاهر من جماعة من الأصحاب إختیار ذلک فیجری فیها قائمةً مقام البیع مثلاً

ص: 66


1- (1) غنیة النزوع /214.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/338.

أحکام الشفعة و الخیار و الصرف و السَلَم و بیع الحیوان و الثمار و جمیع شرائطه سوی الصیغة. و لم یقم علی ذلک شاهد معتبر من کتاب أو سنة أو إجماع»(1).

أقول: هاهنا مقامان من البحث:

المقام الأوّل: إعتبار شروط البیع فیها

1_ بناءً علی المختار من أنّ البیع المعاطاتی بیع فی الواقع فحینئذ تعتبر فیها جمیع شروط البیع و لا دلیل علی أنّها تختص بالبیع القولی.

2_ و أمّا بناءً علی القول بالإباحة بمعنی کون قصد التملیک داعیا إلی إنشاء ما هو مصداق للإباحة و هو التسلیط عن قصدٍ و ارادةٍ فَتَقَعُ الإباحة لأنّها المقصودة بالإنشاء الفعلی عن اختیار و یتخلف قصد التملیک من باب تخلف الداعی، و علی هذا المسلک و هو مختار المحقّق النائینی(2) علی القول بالإباحة أیضا یعتبر فیها جمیع ما یعتبر فی البیع من الشروط، لأنّ فی هذه المعاملة الخاصة کون العوضین فیها مضمونا بالمسمی لا بالمثل أو القیمة فلابدّ فی إثبات صحتها من قیام دلیل و الدلیل هو السیرة و هی دلیل لُبّی لا إطلاق لها و لا عموم فیجب الأخذ بالمتیقن منها و هو ما اجتمع فیه الشرائط المعتبرة فی البیع.

لا یقال: عموم دلیل السلطنة ینفی اعتبارها.

لأنّا نقول: دلیل السلطنة و عمومها ناظرٌ إلی إیجاد المسببات و لا ینظر إلی الأسباب بل لا یعقل جعلها فی ناحیة الأسباب بعد کونها أسْبابا شرعیة و لابدّ فیها من الجعل التشریعی.

3_ و أمّا بناءً علی القول بالإباحة بمعنی أنّه مع الاْءنْشاءِ الفعلی للمتعاملین التملیک مع

ص: 67


1- (1) شرح القواعد 2/31.
2- (2) المکاسب و البیع 1/191 و 193.

قصدهما به، حکم الشارع تعبدا بحصول الإباحة و عدم حصول الملک إلی زمان تحقق إحدی الملزمات. فحینئذ یجری فیها جمیع مایعتبر فی البیع لأنّ المفروض کون قصدهما التملیک و کان هو المُنشأ بإنشائهما، غایة الأمر لم یترتب المُنشأ بواسطة حکم تعبدی من الشارع و صار ترتبه منوطا علی أمر متأخر من وجود إحدی الملزمات و هذا لا یخرجه من کونه بیعا و یصیر نحو توقف الملکیة فی بیع الصرف علی القبض.

قال الُْمحَقِّقَ النائینی فی ذیل هذا الْمَبْنی: «لا أظنُّ لهذا المسلک قائلاً و لا أصدقُ بوجود القائل به»(1).

أقول: إنَّما یَأْتِیْ ما ذکره المحقّق النائینی علی القول بانحصار العقود فی الرائج و الدارج فی ألسنة الفقهاء و علیه فلابدّ من حمل هذه المعاملة علی البیع و تَأْتِیْ فیه الشروط المعتبرة فیه و لکن علی القول بعدم انحصارها کما مرّ سابقا فلم یدل دلیل علی أنّ هذه المعاملة بیع حتّی أجرینا شروطه، و لأحد أن یَقُوْلَ: أنّها معاملة جدیدة حدیثة و لم تَجْرِ فیها شرائط البیع، فتأمل.

و قد مرّ منّا فی القول الرابع من الأقوال فی المعاطاة ذِکْرُ القائلین به، و هم کثیرون و الظاهر عدم تمامیة ما ذکره النائینی قدس سره من عدم القائل به.

4_ و أمّا بناءً علی القول بالإباحة بمعنی أنّ قصد المتعاطیین من أوّل الأمر هو الإباحة و کان الدلیل علی صحتها أدلة التسلیط کما ذکره صاحب الجواهر(2) فحینئذ تدلّ اطلاق الدلیل علی صحتها ولو مع فقد الشروط.

ولکن قد مَرَّت المناقشة فی إطلاق دلیل السلطنة أو عمومها من أنّها ناظِرَةٌ إلی إیجاد

ص: 68


1- (1) المکاسب و البیع 1/192 تقریر أبحاث المحقّق النائینی بقلم العلاّمة الشیخ محمّد تقی الآملی رحمه الله .
2- (2) الجواهر 22/224.

المسببات و لا ینظر إلی إیجاد الأسباب. فحینئذ یَقْتَصِرُ الدلیل علی السیرة وَ یَنْحَصِرُ بِها، و هی دلیل لبّی فیجب الأخذ بالمتیقن منها و هو ما إجتمع فیه الشرائط المعتبرة فی البیع. فقد عرفت اعتبار شروط البیع فی المعاطاة علی جمیع المبانی إلا المبنی الثالث، و قد مرّ من النائینی عدم وجود القائل به و قد مرّت منّا المناقشه فی هذا کلّه فی المقام الأوّل.

المقام الثانی: لحوق أحکام البیع للمعاطاة

بعض أحکام البیع یلحق بالمعاطاة نحو: الربا لأنّه یجری فی کلّ معاملة و معاوضة و لایختص بالبیع، فعلی القول بأنّها بیعٌ فواضح و علی القول بالإباحة علی جمیع وجوهه الأربعة المتقدمة فی المقام الأوّل فلأنّها معاوضة یکون الضمان فیها بالمسمی لا بالمثل أو القیمة فتکون إمّا بیعا أو معاملة معاوضیة و علی التقدیرین فیجری فیها الربا.

و أمّا انفساخ العقد بالتلف قبل القبض و إن اسْتُفِیْدَ من النص ولکن لیس من التعبدیات الصرفة بل هُوَ منطبق علی التزام المتعاملین بالتسلیم ضمنا فإذا امتنع التسلیم انْفَسَخَت المعاملة، فهو یجری فی المعاطاة لعدم اختصاصه بالبیع بل یجری فی کلّ معاملة و معاوضة، فعلی القول بأنّها بیع فالأمر فیه واضح و علی القول بالإباحة بالوجوه المتقدمة فالأمر کذلک لأنّ المعاوضة المفیدة لإباحة العوض المسمّی قوامها بوجود المباح فلو تلف لا یبقی مورد للإباحة و تعلُّق الإباحة بالمثل أو القیمة لا وجه له.

و أمّا الخیارات فأمرها مختلف بالنسبة إلی قبل لزوم المعاملة و بعده.

و أمّا عدم جریانها قبل اللزوم فَواضِحٌ؛ لأنّ الخیار حقّ و سلطنة لذی الخیار علی التزام الآخر، بحیث إن شاء حلّ العقد اللازم و إن شاء أمضاه و لیس لصاحبه هذه السلطنة و الحقّ، فمع عدم لزوم المعاملة فلا وجه لهذه السلطنة. و یکون نفی الخیار فیه من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

اللهم إلاّ أن یقال: علی القول بأنها بیع أو بیع یفید الإباحة شرعا قبل الملزمات یجری فیها

ص: 69

الخیار أیضا لأنّ جوازها من وجه لا ینافی جوازها من وجه آخر، و هذا هو المختار.

و یمکن أن یقال: إنّ المعاطاة من المعاملات اللازمة فیجری فیه الخیارکما لا یبعد.

و أمّا جریانها بعد اللزوم علی القول بأنّها بیع لازم أو القول بأنّها تفید الإباحة و بعد تحقق إحدی الملزمات یفید الملکیة و اللزوم فلا إشکال فی جریان أحکام الخیار، لکون المعاطاة حینئذ بیعا فیقع فیها ما یقع فی البیع من الخیارات.

و علی القول بأنّها بیع جائِزٌ أو القول بالإباحة بمعنی کون التملیک داعیا إلی إنشاء ما هو مصداق للإباحة کما ذهب إلیه المحقّق النائینی، أو القول بالإباحة بمعنی أنّ قصد المتعاطیین من أوّل الأمر هو الإباحة کما ذکره صاحب الجواهر، فحینئذٍ قد یقال(1) بأنّ ثبوت الخیار فیها بعدُ اللزوم مبنیٌّ بأن کون اللزوم المتحقِّق بإحدی الملزمات حکمیّا أو حقّیا، علی القول الاوّل لا تجری الخیارات، و علی القول الثانی تجری ولکن تصویر کونه حقیّا لُِیمْکِنَ فیه ثبوت الخیار مشکل و سیأتی البحث عن هذه المقالة فی بعض التنبیهات الآتیة(2) إن شاء اللّه تعالی.

الثانی: لا یعتبر فی المعاطاة قبض العوضین بل یکفی أحدهما
اشارة

قال الشهید: «من المعاطاة أن یدفع إلیه سلعة بثمن یوافقه علیه من غیر عقد ثم تهلک عند القابض فیلزم الثمن المسمی...»(3).

و نحوهُ فی حواشیه علی القواعد(4) و کذا فی حواشی المحقّق الثانی علی الإرشاد(5). و

ص: 70


1- (1) و القائل المحقّق النائینی رحمه الله فی تقریرات بحثه الشریف فراجع المکاسب و البیع 1/196.
2- (2) یأتی فی التنبیه السابع.
3- (3) الدروس 3/192.
4- (4) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/509.
5- (5) حاشتیه علی إرشاد الأذهان /334 المطبوعة فی المجلّد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره، و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/509.

تبعهما الشیخ یوسف فی الحدائق(1) و السیّد المجاهد فی المناهل(2) و قال الشیخ جعفر: «هل یُعتبر فیها قبض العوضین معا _ کما یظهر من لفظهما أو یکفی أحدهما فیجری فیه السَلَم و النسیئة، و یجری حکمها فی قابض أحد الطرفین إذا تلف فی یده قبل قبض الآخر؟ الظاهر الثانی، لقضاء السیرة بقیامها مقام عقود المعاوضات بأسرها»(3). و تبعهم أصحاب المفتاح(4) و الجواهر(5) و المکاسب(6).

و قال ثانی الشهیدین: «لو وقعت المعاملة بقبض أحد العوضین خاصة _ کما لو دفع إلیه سلعةً بثمن وافقه علیه، أو دفع إلیه ثمنا عن عین موصوفة بصفات السلم فتلف العوض المقبوض _ ففی لحوق أحکام المعاطاة و لزوم الثمن المسمی و المثمن الموصوف نظر، من عدم صدق إسمها، لأنّها مفاعلة تتوقف علی العطاء من الجانبین و لم یحصل و الإقتصار بما خرج عن الأصل علی موضع الیقین إن کان، و من صدق التراضی علی المعاوضة و تلف العین المدعی کونه کافیا فی التقابض من الجانبین، و الظاهر أنّ الحکم واحد. و قد ذکر أوّلهما شیخنا رحمه الله فی الدروس و ألحقه بها»(7).

و قال نحوهُ فی الروضة.(8)

ص: 71


1- (1) الحدائق 18/364.
2- (2) المناهل /270.
3- (3) شرح القواعد 2/31.
4- (4) مفتاح الکرامة 12/509.
5- (5) الجواهر 22/238.
6- (6) المکاسب 3/75 للشیخ الأعظم قدس سره .
7- (7) المسالک 3/151.
8- (8) الروضة البهیة 3/224.

و أنت تری أنّ الشهید الثانی لم یختر أحد طرفی الحکم بل ذکرهما علی وجه الاحتمال.

و بعد نقل هذه الأقوال لتنقیح محل النزاع و تحریر مَوْضِعِ الخِلافِ یمکن أن یقال: أنّ لَفْظَ المعاطاة لم یرد فی آیة و لا روایة و لا أنّه معقد للإجماع التعبدی حتّی یحفظ علی هذا العنوان و یؤخذ بالقدر المتیقن منه. بل الإجماع و السیرة قائمان علی جواز التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة و إن کان الإعطاء أو التعاطی من طرف واحد.

مضافا إلی ما مرّ منّا فی أوّل بحث المعاطاة بأنّ باب المفاعلة لا ینحصر بالمشارکة بین الإثنین بل یجی ء أیضا من طرف واحد نحو: ضاعفته بمعنی ضعّفتُ و سافرتُ بمعنی سفرت، و علی هذا الإعطاه أو التعاطی من طرف واحد أیضا یصدق علیه المعاطاة بلا إشکال و تجوّز و بالْقَدَرِ الْمُتَیَقَّنِ، فیجری علیه ما یجری علیها علی جمیع المبانی فی المعاطاة.

فرعان تعرّض لهما الشیخ الأعظم قدس سره

الأوّل: هل مجرد وصول الثمن إلی البائع و المثمن إلی المشتری بأیّ نحواتفق یُعدّ معاطاة؟ استظهر الشیخ الأعظم من کلام المحقّق الأردبیلی حیث یقول: «و لأنّ الظاهر أنّ الفرض حصول العلم بالرضا و هو حاصل»(1)، «أنّ المعیار فی المعاطاة وصول العوضین أو أحدهما مع الرضا بالتصرف»(2) و قال فی توضیح ذلک: «أنّ الظاهر أنّ عنوان التعاطی فی کلماتهم لمجرد الدلالة علی الرضا و أنّ عمدة الدلیل علی ذلک هی السیرة، و لذا تعدّوا إلی ما إذا لم یحصل إلاّ قبض أحد العوضین، و السیرة موجودة فی المقام أیضا...»(3).

ثمّ مثّل بالأمثلة الثلاثة:

1_ تعارف أخذ الماء مع غیبة السقّاء و وضع الفلس فی المکان المعدّ له إذا علم من

ص: 72


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 8/141.
2- (2) المکاسب 3/75.
3- (3) المکاسب 3/113.

حال السقّاء الرضا بذلک»(1).

2_ إنّ بناء الناس علی أخذ الماء و البقل و غیر ذلک من الجزئیات من دکاکین أربابها مع عدم حضورهم و وضعهم الفلوس فی الموضع المعدّ له»(2).

3_ «الدخول فی الحمام و وضع الاُجرة فی کوز صاحب الحمام مع غیبته»(3).

أقول: الظاهر عدم کفایة الرضا فی المعاملات بالمعنی الأخص و الأعم و الذی یُصَحِّحُ المعاملة هو استنادها إلی البائع و المشتری، أو الطرفین فی غیر البیع، و هذا الاستناد لا یتم إلاّ بأقل من الإذن، و صِرْف الرضا لا یکفی فی تصحیح المعاملة، فحینئذٍ فی أیّ صورة یکشف الإذن مع تعاطی الطرفین بل مع الإعطاء من طرف واحد صحت المعاملة و إلاّ فلا کما ذکر الشیخ الأعظم کفایة الرضا علی القول بأنّ المعاطاة یوجب الإباحة فقط لا التملیک و قال: «فالمعیار فی المعاطاة: وصول المالین أو أحدهما مع التراضی بالتصرف، و هذا لیس ببعید علی القول بالإباحة»(4).

هذا کلّه بالنسبة إلی أصل المسألة و أمّا الأمثلة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره فَهِیَ و إن صَحَّحَتْ هذه المعاملات ولکن لا لجهة التّی ذکرها و هی الرضا فقط، بل لأنّها من قبیل المعاوضة الخاصة التملیکیة أو الإباحة بالعوض، نعم یمکن حمل الثانی منها علی البیع المعاطاتی المتعارف ولکن إیجابه لیس بمباشرة المالک بل إنّما هو بمباشرة وکیله و فی الکلِّ حصل التعاطی من الجانبین و یمکن تحصیل الإذن بأنّ الحَمّامی إذا فتح باب حَمّامَهُ أو إذا فتح الخضار أو البقال أو العطار دکانه لبیع المحقرات التّی فیها أو إذا مَلاَءَ السُّقاءُ قِرْبَتَهُ من الماء و

ص: 73


1- (1) المکاسب 3/75.
2- (2) المکاسب 3/113.
3- (3) المکاسب 3/75.
4- (4) المکاسب 3/114.

جعله فی المعرض فیکشف من نفس هذه العملیة الإذن العام فی المعاوضة أو المعاملة کما هو الظاهر. فإنّا نحکم بصحة المعاملة فی هذه الموارد لا من جهة أنّها کلّها من البیع المعاطاتی و أنّها یکفی فیها الرضا، بل من جهة أنّها معاوضة خاصة تملیکیّة أو إباحة بالعوض و یوجد فیها إذن طرفی المعاوضة أو الإباحة أو المعاملة.

و یمکن القول بأنّ الثلاثة کلّها بیعٌ معاطاتیٌّ و دفع الغرر من المثالین الأوّل و الثالث بأنّهما حُملا علی القدر المتعارف عند الناس.

نعم، قد تتحقّق المعاملة بلا عطاء من الجانبین و هو أن یکون مال کلّ من الجانبین عند الجانب الآخر نحو إذا کان المالان عند کلّ منهما بسبق أمانةٍ أو غصب أو إطارة ریحٍ فحینئذ إن ثبت الإذن بالنسبة إلی المالین تمت المعاملة و إلاّ لم یصدق عنوان المعاملة بمجرد الرضا لما مرّ و قد إعترف الشیخ الأعظم به فیما بعد و قال: «و ربّما یستعمل فی المعاملة الحاصلة بالفعل و لو لم یکن عطاء و فی صحته تأمل»(1).

و کذا یجوز الأکل فی هذه الأمثلة الأخیرة حتّی مع عدم الرضا بشرط صدق عنوان التقاص و حدوده.

الثانی: قال الشیخ الأعظم قدس سره : «لو قلنا بأنّ اللفظ الغیر المعتبر فی العقد کالفعل فی إنعقاد المعاطاة، أمکن خلوّ المعاطاة من الإعطاء و الإیصال راسا، فیتقاولان علی مبادلة شیءٍ بشیءٍ من غیر إیصال و لا یبعد صحته مع صدق البیع علیه بناءً علی الملک و أمّا علی القول بالإباحة فالإشکال المتقدم هنا آکد(2)»(3).

ص: 74


1- (1) المکاسب 3/81.
2- (2) الإشکال هو العلم بعدم قیام السیرة هذه علی إباحة التصرف دون الصورة السابقة و هی أن یکون التعاطی من طرف واحد. کما فی المصباح 2/172.
3- (3) المکاسب 3/76.

أقول: حتّی علی القول بأنّ اللفظ الغیر المعتبر فی العقد کالفعل فی المعاطاة لا یمکن القول بإمکان خلوّ المعاطاة من التعاطی أو لاأقل من الإعطاء من طرف واحد، لاِءنَّهُ حتّی علی القول بأنّ المعاطاة بیع فعلیٌّ لا یتم إلاّ باعطاء أحد طرفی البیع من الثمن فصار البیع سلما أو من المثمن فصار البیع نسیةً أو منهما فصار نقدا و أمّا مع خلوّهما فصار بیع الکالی بکالی و یکون باطلاً عند الجمیع. فما تعرّض له الشیخ الأعظم فی هذا الفرع غیر تام.

و وافقنا المحقّق العراقی(1) علی عدم إیجاد البیع حینئذ و استغرب کلام الشیخ الأعظم رحمه الله من عدم استبعاد الصحة کصدق البیع علیه فی هذا الفرع.

الثالث: بماذا یتمیّز البائع عن المشتری؟

یتمیّز البائع من المشتری فی المعاطاة بل و فی العقد القولی بأنّ البائع هو الذی بذل ماله مع خصوصیاته ولکن أمسک بمالیته بأخذ البدل لیحفظ تموّله و لئلاینقص ماله بدفع العین و یختار البائع فی الأغلب من الأبدال النقود لأنّها أسهل فی الحمل و الاشتراء و المصرف.

و أمّا المشتری فَإِنْ رغب فی خصوصیات العین التّی یرید شراءها فمقصوده العین لرفع حاجاته ولکن حیث لا یعطی مجانا و بلا بدل الْتَجَأَ إلی إحضار بدلها.

و یمکن أن یقال بأنّ تمییز مفهوم البائع عن مفهوم المشتری من الواضحات التی لا تحتاج إلی البیان و إنّما الغرض من عقد هذا التنبیه بیان صدق مفهوم البائع أو المشتری من جهة السعة و الضیق لیبیّن مقدار صدقهما و بالمآل یرجع إلی الشبهة فی المفهوم فلذا نقول:

إذا کان أحد العوضین نقدا و الآخر سلعةً أو عرضا، فَصاحِبُ النقد یکون مشتریا و

ص: 75


1- (1) حاشیة المکاسب /129 لآیة اللّه المیرزا أبوالفضل النجم آبادی کتبه من تقریر أبحاث المحقّق العراقی.

صاحب السلعة و العرض یکون بائعا، لقیام سیرة العقلاء علی ذلک.

و أمّا إذا کان کلا العوضین نقدا أو سلعة، فَمَنْ یُرِدْ حفظ تموّله أو ازدیاده یَکُنْ بائعا و من یُرِدْ رفع حاجاته و سدّ خلاّته فهو المشتری.

و فی هذه الصورة إذا کان غرض کلّ من المتعاملین هو التحفظ علی مالیّة ماله و تموّله و کسب الربح و المنفعة أو رفع الحاجة و سدّ الخلّة نحو تبدیل بیت ببیت أو سیارة باُخری و نحوها فأیّهما یکون بائعا و أیّهما یکون مشتریا؟ ذکر الشیخ الأعظم أربعة وجوه فی تعینهما:

1_ یکون بیعا و شراءً بالنسبة إلی کلّ منهما لأنّ البیع لغة مبادلة مالٍ بمالٍ کما مرّ عن المصباح(1)، و الاشتراء هی ترک الشیء و الأخذ بغیره کما عن صاحب اللسان(2) و القاموس(3) فحینئذ یصدق علی کلّ منهما أنّه بائعٌ وَ مُشْتَرٍ لکن لا تَتَرَتَّبُ علیهما أحکام البائع و المشتری المختصة بهما لأنّها تجری فی حقِّ البائع المحض و المشتری کذلک.

2_ یکون بیعا بالنسبة إلی المعطی أوّلاً متاعه و شراءً بالنسبة إلی الآخذ و الذی یعطی متاعه ثانیا.

3_ یکون من قبیل المصالحة لأنّها بمعنی التسالم علی شیءٍ و لذا حملوا صحیحة محمّد بن مسلم الواردة فی رجلین کان لکلِّ واحد منهما طعام عند صاحبه و لا یدری کلُّ واحد منهما کم له عند صاحبه فقال کلّ واحد منهما لصاحبه: لک ما عندک ولی ما عندی، فقال علیه السلام : لا بأس بذلک إذا تراضیا و طابت أنفسهما(4). حملوها علی الصلح.

4_ یکون معاوضة مستقلة حیث لا یدخل تحت العناوین المتعارفة السابقة.

ص: 76


1- (1) المصباح المنیر /69.
2- (2) لسان العرب 7/103.
3- (3) قاموس اللغة 4/348.
4- (4) وسائل الشیعة 18/445، ح1، الباب 5 من أبواب الصلح.

فهذه أربعة وجوه مذکورة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره و اختار هو الثانی منها(1) و تبعه المحققان النائینی(2) و الإصفهانی(3).

و اختار الرابع منها الفقیه الیزدی(4) و المؤسّس الحائری(5) و المحقّقون العراقی(6) و الإیروانی(7) و الحکیم(8) و الخوئی(9) و الأردکانی(10) قدس سرهم .

فلابدّ لنا من التحقیق حول الوجوه الأربعة و لذا نقول:

أمّا الوجه الأوّل: فَإنَّهُ و إن کان یؤیده قول بعض اللغویین نحو أحمد بن فارس حیث یقول فی معنی البیع: «بیع الشیءٍ و ربّما سمی الشِّری بیعا و المعنی واحد»(11) و یقول الفیومی: «البیع من الأضداد مثل الشراء و یطلق علی کلّ واحد من المتعاقدین أنّه بائع»(12)، ولکن یرد علیه: بِأَنْ لو تم هذا الوجه لیجری حتّی بالنسبة إلی البیوع المتعارفة فلا یختص أحدهما بکونه بائعا و الآخر مشتریا و من البدیهی بطلان هذا الأمر. مضافا إلی أنّه لو کان حصل الغرض من البیعِ و الشراءِ الاْءَوَّلِیَّیْنِ فإجراء الثانی منهما لیس له مَوْضُوْعٌ بَلْ

ص: 77


1- (1) المکاسب 3/79.
2- (2) منیة الطالب 1/169.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/161.
4- (4) حاشیته علی المکاسب 1/377.
5- (5) کتاب البیع 1/105 الآیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی.
6- (6) حاشیة المکاسب /132 لآیة اللّه النجم آبادی تقریرا لمحاضرات المحقّق العراقی.
7- (7) حاشیته علی المکاسب 2/72.
8- (8) نهج الفقاهة /108
9- (9) مصباح الفقاهة 2/175.
10- (10) غنیة الطالب 2/64.
11- (11) معجم مقاییس اللغة 1/327.
12- (12) المصباح المنیر /69.

هُوَ لغوٌ. و العقلاء لم یذهبوا فی سِیَرِهم بالاُمور اللغویة.

و أمّا الوجه الثانی: فَالْواضِحُ عدم تمامیته علی إطلاقه بحیث ربّما یعطی البائع ماله ثانیا کما فی البیع السلم و ربّما ینشأ العقد بصیغة القبول بعد إنشاء المشتری صیغة الإیجاب. فهذا الوجه فی محلّه لا یتم حتّی نَتَمَسَّکَ به فی موارد الإشتباه.

و أمّا الوجه الثالث: فَلَوْ سلمنا حمل الصحیحة علی المصالحة کما هو الظاهر، ولکن الصلح معاملة خاصة معیّنة لاأقل من قصدها و نیّتها و بدونها لا تتحقّق و قصدها و نیّتها هنا مفقودة.

و أمّا الوجه الرابع: فَلَوْ ذهبنا إلی إمکان وجود عقود و معاملات مستقلة غیر العناوین الدارجة فحینئذ یمکن أن یفرض هنا معاوضة مستقلة کما مال إلیها جماعة من الأعلام ولکن العرف یری هذه المعاملة بیعا لا غیره فلا یتم هذا الوجه لأنّ العرف ینظر إلیها بعنوان البیع.

و علی هذا بنظری القاصر هذه المعاملة تکون بیعا فإن أقرّ کلّ منهما بأنّه البائع أو المشتری و لم یلحق به نفیه من الجانب الآخر فیقبل منه و تَتَرَتَّبُ علیه آثاره و إلاّ ففی ترتب الأحکام المختصة تحتاج إلی المرافعة الشرعیّة و إثباتها بضوابط القضاء من البینة و الیمین و غیرهما.

الرابع: الوجوه المتصورة بحسب قصد المتعاطیین للمعاطاة
اشارة

قبل الورود فی البحث لابدّ لنا من التَّذْکِیْرِ بالفرق بین التَّنْبِیْهَیْنِ الثانی و الرابع فلذا نقول: الغرض من الثانی بیان مورد المعاطاة و ما هو المبرز الخارجی لما قصده المتعاطیان و بعبارة ثالثة مقام الإثبات، و الغرض من الرابع بیان ما یمکن أن یقصده المتعاطیان و بعبارة اُخری مقام الثبوت.

ثم الوجوه المتصورة فی المقام بلغت إلی العشرة لأنّ المبادلة: إمّا أن تکون بین المالین و

ص: 78

هما إمّا بین ملکیتهماأو أباحتهما أو مختلفَیْن أیّ ملکیة أحدهما و إباحة الآخر. فهذه ثلاثة أقسام.

و إمّا أن تکون بین الفعلین و هما أیضا یمکن أن یکونا بین تملیکین أو إباحتین أو مختلفین أیّ بین تملیک و إباحة فهذه أیضا ثلاثة.

و إمّا أن تکون بین مال و فعل، و الفعل یمکن أن یکون إباحة أو تملیکا، و المال إمّا أن یجعل عوضا فی کونه ملکا أو فی کونه مباحا فهذه أربعة و یکون المجموع عشرة وجوه کما ذکره المحقّق الإیروانی(1) قدس سره .

و الظاهر صحة جمیع الأقسام لشمول العمومات، نعم فیما کان أحد الطرفین أو کلاهما إباحة فیه إشکال إذا کان المقصود إباحة جمیع التصرفات حتّی الموقوفة علی الملک کما ذَکَرَهُ الشیخ الأعظم و نبّه علی هذا الأخیر الفقیه الیزدی(2).

ثم إنّ الشیخ الأعظم تعرض لأربعة من هذه الوجوه لإیضاح حکم الباقی منها و نحن نقتفی أثره:

الوجه الأوّل: المقابلة بین المالین فی الملکیة

بأن یقصد کلّ من المتعاطیین تملیک ماله بمال الآخر فتکون المقابلة بین المالین لا بین التملیکین فحینئذ تَتُمّ المعاملة بإعطاء أحدهما و أخذ الآخر لأنّ الأوّل تملیک و الثانی تملُّک، فإعطاء الثانی لا یکون إنشاء القبول و لا إنشاء التملیک و إنّما هو وفاء بالعقد، و لذا لومات الثانی قبل دفع ماله لم یؤثر فی المعاطاة و تمامیتها.

و بهذا الإطلاق تُستعمل المعاطاة فی الرهن و القرض و الهبة.

ص: 79


1- (1) حاشیة المکاسب 2/73.
2- (2) حاشیته علی المکاسب 1/376.

و مثله _ أی مثل صدق المعاطاة بإعطاء واحد و خلافا لظهور باب المفاعلة أو اشتهاره _ صدقُ المصالحة و المزارعة و المساقاة و المضاربة و المؤاجرة کما عن الشیخ الأعظم(1).

و اعترض علیه المحقّق النائینی بأنّ لو تمّ هذا الکلام الأخیر من الشیخ الأعظم قدس سره فی المعاطاة بأنّها بالإعطاء و القبض الأوّلیین تمت و حصلت، فهو یتنافی مع ما ذکره فی الأمر [التنبیه] الثانی من أنّ المتیقن من مورد المعاطاة هو حصول التعاطی(2) و الوجه فی ذلک أنّ العطاء الثانی لا أثر له و لا یتحقّق به إلاّ عنوان الوفاء بالمعاطاة(3).

ولکن یمکن أن یجاب بأنَّ الأیجاب و القبول یحصلان بالإعطاء و القبض أوّلاً و إنّ دفع العین ثانیا خارج عن حقیقة المعاطاة و هو وفاء بالعقد الفعلی ولکن مع ذلک أنّ المتیقن من المعاطاة فی قبال العقد اللفظی هو ما تعقبه الإعطاء من الطرف الثانی أیضا فلاتنا فی بین الأمرین کما عن السیّد المحقّق الخوئی(4).

و بعبارة اُخری: انّ المعاطاة تمت بالإعطاء و القبض الأوّلیین و إعطاء الثانی و کذا قبضه خارج عن حقیقة المعاطاة و هو وفاء بالعقد کما مرّ ولکن المراد من المتیقن من المعاطاة هو تیقنه من معنی باب المفاعلة لأنّ المتیقن من موارد استعمالها هو اشتراک المبدأ بین الطرفین، فهذا الوزن ینادی باعتبار إنشاء المعاملة بالعطاء من الطرفین کما عن المحقّق المروج(5) رحمه الله .

ص: 80


1- (1) المکاسب 3/81.
2- (2) المکاسب 3/74.
3- (3) منیة الطالب 1/169.
4- (4) مصباح الفقاهة 2/176.
5- (5) هدی الطالب 2/80.

و قد مرّ منّا فی أوّل بحث المعاطاة بأنّها تُسْتَعْمَلُ فی طرف واحد أیضا و لا تختص باشتراک الاثنین بالمبدأ. نعم: یمکن أن یقال بأنّ الاشتراک قدر مُتَیَقَّنٌ کما عن الشیخ الأعظم قدس سره .

و کما یمکن أن یکون إنشاء القبول بدفع العوض، بأن یکون أخذ المعوَّض من باب الاستیفاء لا بعنوان القبول کما کان هو الغالب وقوعا فلا وجه لإهماله.

لا یقال: إذا أعطاه البائع بعنوان التملیک فلا یمکن أخذه إلاّ بعنوان القبول فیکون دفع العین الاُخری من باب الوفاء لا محالة.

لأنّا نقول: کما یمکن أن یکون أخذه بعنوان القبول کذا یمکن أن یکون الأخذ بعنوان تتمیم الإیجاب و الاستیفاء للمبیع و دفع العین الاُخری یصیر إنشاء للقبول کما قاله الفقیه الیزدی(1) رحمه الله .

و بعبارة اُخری: کما یتصور کون القبول فی هذا الوجه أن یکون بأخذ المعوّض، فکذلک یتصور کونه بإعطاء العوض فحینئذ لا یترتب علیه الثمرة المذکورة فی کلام الشیخ الأعظم رحمه الله من أنّه لو مات الثانی قبل إعطاء العوض مات بعد العقد کما عن المؤسّس الحائری(2) قدس سره .

الوجه الثانی: المقابلة بین التملیکین

هذا الوجه أیضا یمکن أن یقرّر علی الوجهین:

الأوّل: ما ذکره الشیخ الأعظم(3) بأن یقصد کلّ منهما تملیک ماله للآخر بإزاء تملیک الآخر ماله إیّاه فیکون تملیکا بإزاء تملیک فالمقابلة یصیر بین التملیکین لا الملکین و متقوّمة

ص: 81


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/378.
2- (2) کتاب البیع 1/106 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلی الأراکی رحمه الله .
3- (3) المکاسب 3/81.

بالإعطاء من الطرفین فحینئذ فلومات الثانی قبل الدفع لم یتحقّق المعاطاة کما لو مات أحدهما بین الإیجاب و القبول.

و بعبارة اُخری: قَصَدَ کُلّ من المتعاطیین التملیک بأن یکون تملیک الأوّل مشروطا بتملیک الثانی، بحیث لو لم یُملِّک الثانی لم یتم تملیک الأوّل.

قال الشیخ الأعظم: «و هذا بعید عن معنی البیع»(1) لأنهم اعتبروا فی تعریف البیع أن یکون المبیع من الأعیان فحینئذ یخرج التملیک لأنّه من الأفعال لا الأعیان.

و فیه: قد مرّ فی التنبیه الأوّل فی بدایة الکتاب عدم اعتبار کون المبیع أن یکون من الأعیان فلا وجه لبعد هذا القسم من تعریف البیع و یصح أن یکون بیعا.

ثمّ حیث أنّ الشیخ الأعظم بعّده عن البیع قرّبه بثلاثة وجوه اُخر:

أ: الهبة المعوّضة: و قد قرّبها من وجه و هی: «لکون کلٍّ من المالین خالیّا عن العوض»(2). أیّ المقابلة وقعت بین التملیکین و هما فعلان، لا بین الملکین و هما مالان فتکون کالهبة المعوّضة.

و قد بعّدها من وجه و هی: أنّ حقیقة الهبة هی الإعطاء بلا بدل فقوامها تکون بالمجانیة، و اعتبار العوض فی المعوّضة منها یمکن أن یکون علی نحو الداعویة أو الاشتراط، لا علی نحو المعاوضة أو المقابلة، و من المعلوم فی هذا القسم أنَّهُ قابل التملیک بإزاء التملیک و هو یکون غیر الهبة التی حقیقتها المجانیة و حیث ذکر قدس سره وجه بعده عن الهبة المعوّضة ذکر وجهین اخَرَیْنِ و هما:

ب: مصالحة و تسالم علی أمر معیّن: بأنّ یکون المقام من قبیل الصلح المعاطاتی.

ص: 82


1- (1) المکاسب 3/81.
2- (2) المکاسب 3/81.

أقول: و یمکن أن یناقش فی هذین الاحتمالین الأخیرین بأنّهما لا یتحققان إلاّ مع قصدهما و خلو قصدهما عند المعاطیین معلوم.

ج: معاوضة مستقلة: تشملها إطلاقات «تجارة عن تراض» و نحوها.

هذا ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره فی المقام بتوضیح منّا.

و یمکن أن یناقش فی هذا الوجه الأخیر بأنّ بعد صحة بیعیة هذه المعاطاة لا نحتاج إلی جعلها معاوضة مستقلة.

الثانی: تقریر آخر لهذا الوجه: و هو کما یُمْکِنُ أن یکون القبول فی هذا القسم بالإعطاء من الطرف الآخر فکذلک یمکن أن یکون القبول بالأخذ من الطرف الآخر و یکون التملیک واجبا علیه من باب الوفاء فلا یترتب ما ذکره الشیخ الأعظم من الثمرة من عدم تحقّق المعاطاة لو مات الثانی قبل الدفع، بل لو أخذ و مات تمت المعاطاة و علی ورثته الإعطاء. فحینئذ یکون کالإجارة فکما فی الإجارة یحصل تملک الاُجرة و العمل علی العهدة و وجب الاْءتْیانُ به وفاءً بالعقد قبل حصوله فکذلک فی المعاطاة هنا یحصل تملّک المال و التملیک علی العهدة قبل حصوله و وجب الاْءتْیانُ به وفاءً بالمعاملة و قال الفقیه الیزدی رحمه الله : «و یمکن أن یقال إنّ هذا [التقریر] هو المتعین»(1).

الوجه الثالث: المقابلة بین الإباحة و التملیک

بأن یقصد الباذل أوّلاً إباحة ماله للآخذ بإزاء أن یملک الآخذ ماله إیّاه أو بالعکس کأنّ یقول: أبحتُ لک التصرف فی داری هذِهِ فی مقابل کَذا مقدار من المال، بحیث یکون المال ملکا لی. أو یقول: ملّکتک هذا المقدار من المال فی مقابل إباحتک تصرُّفی بِدارِکَ.

و فی هذا القسم یقابل الإباحة مع المال أو التملیک له و قبول الثانی یکون بالأخذ و

ص: 83


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/379.

التصرف فی الدار مثلاً أو فی المال فحینئذ یکون أداء المال أو الدار وفاءً بالمعاملة فلا تکون هذه المعاملة مقوّمة بالإعطاء من الطرفین.

و قد عمّمنا الوجه عمّا ذکره الشیخ الأعظم(1) تبعا للفقیه الیزدی(2).

و قد استشکل علیه الشیخ الأعظم بِإشْکالَیْنِ یَرِدانِ علی هذا الوجه، و حیث یرد أحد الإشکالین علی الوجه الرابع أیضا، لذا نذکرهما بعد الوجه الرابع.

الوجه الرابع: المقابلة بین الإباحتین

بأن یقصد کلّ منهما إباحة ماله للآخر بإزاء إباحة الآخر ماله إیّاه فیکون الإباحة فی مقابل الإباحة أو الإباحة بداعی الإباحة لأنّها یمکن أن تصور علی نحو الداعی.

و کما قد تکون المقابلة بین الإباحتین اللَّتَیْنِ هما من الأفعال، کذلک یمکن أن تکون المقابلة بین المالین علی وجه الإباحة کما ذکره الفقیه الیزدی(3).

و قد استشکل علیه الشیخ الأعظم بإشکال یشترک وروده علی الْوَجْهَیْنِ الثالث و الرابع.

أمّا الإشکال المشترک علی الوجهین الأخیرین

و هو أنّ الإباحة من حیث هی إباحة لا تسوغ جمیع التصرفات، حتّی المتوقفة علی الملک إلاّ علی نحو التشریع.

بتقریب: للمالک أن یبیح التصرف فی ماله للغیر ولکن لیس له إلاّ الإباحة فی التصرفات المشروعة و إلاّ تکون الإباحة مشرِّعا حتّی تقدر علی التصرفات الغیر المشروعة. و من جملة التصرفات الغیر المشروعة للمجاز هی التصرفات الموقوفة علی

ص: 84


1- (1) المکاسب 3/82.
2- (2) حاشیته علی المکاسب 1/380.
3- (3) حاشیته علی المکاسب 1/380.

الملک نحو: البیع و الوقف و العتق و الوطی و نحوها.

ثمّ قد تصحح التصرفات التی تختص بالمالک للمباح له بوجوه:

1_ منها: قصد المبیح من إباحة ماله للمباح له هو إنشاء التوکیل فی بیع ماله للمباح له ثمّ نقل الثمن إلی نفسه بالهبة من طرف المبیح.

أو قصد المبیح تملیک ماله بصیغة الإباحة، فیکون إنشاء الإباحة إنشاءً لتملیک المال للمباح له، فحینئذ لوباع المباح له المال، یکون بیعه بمنزلة قبوله، فیصیر نحو قول الرجل لمالک العبد: «إعتق عبدک عنّی بکذا»، فهذا القول استدعاءٌ لتملیکه، و إعتاق المولی عنه جواب لذلک الإستدعاء فیُعد هذا القول بیعا ضمنیّا لا یحتاج إلی شروط البیع کما قال العلاّمة: «إنّمایفتقر إلی الإیجاب و القبول فیما لیس بضمنیٌّ من البیوع أمّا الضمنی ک_«إعتق عبدک عنّی بکذا» فیکفی فیه الإلتماس و الجواب و لا تعتبر الصیغ المتقدمة إجماعا»(1).

و فیه: ظهور کلمة الإباحة لم یدخل فیه التوکیل أو التملیک، فهما غیر مَقْصُوْدَیْنِ، و لو أراد المبیح إرادتهما کانَ علیه التصریح بهما، مضافا إلی أنّ استیفاء الأموال و الأعمال بالاستدعاء المعاملی یَقْتَضِی وقوع ما استدعاه فی ملک المستدعی و هذا المعنی مفقود فی الإباحة لأنّ مجردها لا توجب الملکیّة کما نبّه علی هذا الأخیر المحقّق النائینی(2).

2_ منها: دلالة دلیل شرعی علی حصول الملک للمباح له بعد إنشاء الإباحة توسط المبیح ولو آنا ما قبل بیعه فحینئذ یَقَعُ البیع فی ملکه، نظیر دخول العمودین فی الملک آنا ما بحیث لا یقبل غیر العتق. و هذه الدلالة موجودة و هی إمّا «دلالة الاقتضاء»(3) أو عموم

ص: 85


1- (1) تذکرة الفقهاء 10/10.
2- (2) راجع منیة الطالب 1/173 و 174.
3- (3) و المراد بها ما یتوقف صحة الکلام علیه عقلاً نحو قوله تعالی «و اسئل القریة» أو شرعا نحو قول الآمر «اعتق عبدک عنّی».

«الناس مسلطون علی أموالهم»(1).

و فیه: دلالة الاقتضاء تامة حیث ما وجدت نحو قول الآمر: «اعتق عبدک عنّی»، و وجهها هُوَ أنّ استیفاء المال أو العمل المحترمَیْن مع عدم قصد التبرع من المالک أو العامل یقتضی ضمان المستوفی و مقتضی ضمانه انتقال ما إستوفاه إلی ملکه، لأنّ ضمانه یکون من باب المعاملة لا الغرامة، و نظیرها قول الآمر: «أدِّ دینی» أو «أحلق رأسی».

ولکن هذه الدلالة مفقودة هنا لأنّ إعتاق عبد الغیر أو بیع ماله للمباح له مشروط بالإباحة المطلقة بحیث تشمل التصرفات التی لا تصح إلاّ من المالک، و إذا أنت ترید تصحیح هذه الإباحة المطلقة بالتمسک بصحة هذا الإعتاق أو البیع یکون دورا واضحا فدلالة الاقتضاء لا تجری فی مثل «إعتق عبدی عنک» و «إشتر لنفسک من مالی دارا» کما نبّه علیه المحقّق النائینی(2).

و أمّا عموم حدیث «الناس مسلطون علی أموالهم» فَإنّما یدل علی تسلّط الناس علی أموالهم لا علی أحکامهم، فمقتضاه إمضاء الشارع لإباحة المالک کلّ تصرف جائز شرعا فالإباحة و إن کانت مطلقة إلاّ أنه لا یباح بها إلاّ ما هو جائز بذاته فی الشریعة. فحینئذ دلیل عدم جواز بیع ملک الغیر أو عتق عبد الغیر لنفسه حاکم علی عموم الحدیث. نظیر حکومة دلیل عدم جواز عتق عبد الغیر علی عمومات وجوب الوفاء بالنذر و العهد، إذا نذر عتق غیره له أو لنفسه فلا یتوهم الجمع بینهما بالملک القهری _ و لو آنا ما _ للناذر کما عن الشیخ الأعظم(3) و قال: «و لأجل ما ذکرنا صرّح المشهور، بل قیل(4): لم یوجد خلاف فی أنّه لو

ص: 86


1- (1) عوالی اللآلی 1/222، ح99.
2- (2) منیة الطالب 1/175 و 174.
3- (3) المکاسب 3/87.
4- (4) القائل هو صاحب الجواهر فی کتابه 23/174 قال فیه: «بلاخلاف أجده فیه».

دفع إلی غیره مالاً و قال: إشتر به لنفسک طعاما... لم یصح»(1).

أقول: کما ذهب إلیه الشیخ فی المبسوط(2) و المحقّق فی الشرائع(3) و العلاّمة فی القواعد(4) و اقتصر فی التذکرة(5) و التحریر(6) علی نقل کلام الشیخ فی المبسوط و الشهید فی الدروس(7) و الشیخ مفلح الصیمری البحرانی فی غایة المرام(8) و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(9) و الشهید الثانی فی المسالک(10).

ولکن استقرب العلاّمة الجواز فی المختلف(11) و تؤیده بل تعیّنه صحیحة یعقوب بن شعیب(12) و لذا بها تُحْمَلُ صحیحه الحلبی(13) و صحیحة عبدالرحمن بن أبی عبداللّه البصری(14) علی خوف التهمة کما فی مفتاح الکرامة(15)، و حُکم بالصحة لو دفع إلیه مالاً و أمره بالشراء له، و اللّه العالم.

ص: 87


1- (1) المکاسب 3/85.
2- (2) المبسوط 2/121.
3- (3) الشرائع 2/26.
4- (4) قواعد الأحکام 2/87.
5- (5) تذکرة الفقهاء 10/106.
6- (6) تحریر الأحکام الشرعیّة 2/338.
7- (7) الدروس الشرعیة 3/211.
8- (8) غایة المرام 2/58.
9- (9) جامع المقاصد 4/400.
10- (10) المسالک 3/252.
11- (11) مختلف الشیعة 5/287.
12- (12) التهذیب 7/42، ح 68، الفقیه 3/259 ذیل ح 3935.
13- (13) الکافی 5/185 ح5، الفقیه 3/285 ح3934، التهذیب، 7/29 ح13.
14- (14) الکافی 5/186 ح9، التهذیب 7/30 ح14.
15- (15) مفتاح الکرامة 14/678.

و تبعهما صاحب الجواهر فی الجملة و قال: «إلاّ أنّ الإنصاف عدم خلو ذلک عن البحث اّن لم یکن إجماعا، و لو علم بقرینة إرادة قرض الدراهم من ذلک، أو القضاء لما علیه من الطعام بجنس الدراهم أو الاستیفاء بعد الشراء و القبض له، و یکون التعبیر المزبور باعتبار ما یئول إلیه، أو لأنّه السبب فی هذا الشراء، خرج عن موضوع البحث، و اللّه أعلم»(1)

3_ و منها: ما نحن فیه یکون من قبیل بیع الواهب عبده الموهوب أو عتقه، لأنّ البیع و العتق فی الفرض یکشفان عن رجوع الواهب فی هبته قبلهما بآنٍ و نحو ذلک بیع ذی الخیار بحیث یسقط به خیاره.

و فیه: الإباحة لم تثبت الملکیة هنا بحیث یکشف البیع أو العتق فیها، و إذا لم تثبت الملکیة فالبیع و العتق یقعان فی غیر الملک و یحکم ببطلانهما.

قد وجّهوا إشکال الشیخ الأعظم بأنّ الإباحة لا تسوّغ التصرفات الموقفة علی الملک بأمرین:

أ: حقیقة البیع هو تبدیل أحد طرفی الإضافة بالنسبة إلی العین و الثمن و مقتضی ذلک انتقال العین من مالکه إلی المشتری و انتقال الثمن من المشتری إلی مالک العین، فإذا قال المالک لأحدٍ: «اشتر لنفسک من مالی دارا» أو «خُذ هذه الفلوس و اشتر لنفسک طعاما أو ثوبا» فحینئذ تصیر إضافة الثمن و المثمن لشخص واحد فلا یتحقق تبادل الإضافتین التی هی ماهیة البیع و حقیقته أو خروج أحد العوضین علی ملک شخص و دخول العوض الآخر فی ملک شخص آخر یعنی خروج الثمن من ملک مالکه ولکن دخول الدار أو الطعام أو الثوب فی المثال للمباح له. فإذا لم تَتَحَقَّقْ ماهیة البیع لا یوجد. إلاّ علی نحو التقاریب

ص: 88


1- (1) الجواهر 23/174.

الثَّلاثَةِ الَّتِیْ ذکرها الشیخ و استشکل علیه _ و هذا هو المانع العقلی _ .

ب: المانع الشرعی: لابدّ أنْ یکون المبیع ملکا للبائع حتّی یصح بیعه لما ورد من قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله : «لابیع إلاّ فیما تملک»(1) و عنه صلی الله علیه و آله : «لا طلاق إلاّ فیما تملکه و لا بیع إلاّ فیما تملکه»(2) و قوله علیه السلام : «لا یجوز بیع ما لیس یملک و قد وجب الشراء من البائع علی ما یملک»(3). و قوله علیه السلام : «ما اُحبُّ أن یبیع ما لیس له»(4) و قوله علیه السلام : «لا تشترها [الأرض] إلاّ برضا أهلها»(5) و قوله علیه السلام : «الضیعة لا یجوز ابتیاعها إلاّ من مالکها أو بأمره أو رضا منه»(6).

و فی المثال حیث باع المباح له مال المبیع فیکون بیعه باطلاً لأنّه باع مال غیره و یخرج العین من مال المبیح و یدخل الثمن فی مال المباح له.

ولکن هذا الإشکال و إن قبله جمع کثیر من الأصحاب قدس سرهم ولکنّه غیر تام عندنا لما مرّ من أن البیع و حقیقته و ماهیته مَعْلُوْمَةٌ عند العرف و هو من المفاهیم الواضحة عندهم و لا یحتاج إلی تعریف حتّی یقال فی ماهیته بتبدیل الإضافتین، فهذه الماهیة من رأسها لا تَتُمُّ للزوم استقلال الإضافة و صیرورتها بلامضاف و لا مضاف إلیه و لو آنا ما و هو محال حتّی فی الاُمور الإعتباریة عند العقل و العقلاء و العرف و یظهر هذا صریحا فی الإعراض عن الملکیة، و یمکن أن ینقض علیها: من بیع الوقف العام فی صورة جوازه، و بیع الوقف و

ص: 89


1- (1) عوالی اللآلی 2/247، ح16 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/230، ح3.
2- (2) عوالی اللآلی 3/205، ح38 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/230، ح4.
3- (3) الفقیه 3/242، ح3886.
4- (4) وسائل الشیعة 17/335، ح5. معتبرة اسحاق بن عمّار.
5- (5) وسائل الشیعة 17/334، ح3. صحیحة محمّد بن مسلم.
6- (6) وسائل الشیعة 17/337، ح8. توقیع الحمیری.

اشتراء شیء آخر بدله بثمن وقف آخر بحیث یصیر وقفا فی صورة جواز هذا البیع و الشراء إذا طَرَأَ أحد مجوّزات بیع الوقف، و شراء عین زکویّة بنقد زکویٍّ و أمثال هذه المعاملات تکون بیعا عند العرف و الشرع و العقلاء ولکن لیس فیها تبادل الإضافتین فیظهر عدم تمامیة هذه الماهیة. هذا کلّه بالنبسة إلی المانع العقلی.

و أمّا المانع الشرعی: فَإنَّ ما ورد فی هذه الروایات و إن تَلَقّاها المسلمون بالقبول ولکن المراد منها عدم جواز بیع مال الغیر إلاّ بإذنه أو عدم جواز بیع مالا یقبل التملک کالخمر و لیس المراد منها دخول الثمن فی مال مَنْ یخرج العین المثمن من ماله و دخول العین المثمن فی مال مَنْ یخرج الثمن من ماله، فإذا قال المبیحُ للمباحِ له: «خُذ هذه الأموال و اشتر لنفسک دارا»، هذا القول بنفسه إذنٌ فی جواز بیع ماله و شراء دارٍ للمباح له، و هذا المقدار من الإذن یکفی فی صحة البیع و یخرجه من الفضولی أیضا.

و الشاهد لما ذکرنا وقوع هذه البیوع و المعاملات و المبادلات و المباحات فی الخارج و عند العرف کثیرا و حیث ینظر العرف إلیها بعنوان البیع فتشملها إطلاقات «أحل اللّه البیع» و «تجارة عن تراض» و «اوفوا بالعقود» و «الناس مسلطون علی أموالهم» و لا نحتاج إلی تصحیها بما ذکره الشیخ الأعظم بالوجوه الثلاثة الماضیة.

و ما تَوَصَّلْنا الیه من نتیجة الاسْتِدلال هُوَ الْمُوافِقُ لرأی الفقیه الیزدی(1) و المحقّق الإیروانی(2) و علی کیفیته و طریقه و نتیجته المحقّق الخمینی(3) قدس سرهم .

أمّا الإشکال المختص بالوجه الثالث

فَإنَّ الإباحة بعوض التملیک لا تَنْدَرِجُ فی المعاوضات المالیة لأنّ کلاًّ من العوضین یدخلان فی

ص: 90


1- (1) حاشیة المکاسب 1/381.
2- (2) حاشیته علی المکاسب 2/74.
3- (3) کتاب البیع 1/173 و 172.

ملک المبیح، أمّا ما أباحه معلوم و أمّا ما عوضه فالمفروض أنّه عوض الإباحة فیدخل فی ملک المبیح، فهو قد جمع بنی الملکین و لا دلیل علی مشروعیة هذه المعاملة کأنّه قد جمع بین الثمن و المثمن.

و یمکن الاستدلال علی مشروعیتها و صحتها بأنّها نوع من الصلح لأنّها بمعنی التسالم و الاتفاق علی أمر و لایشترط فیها لفظ (صالحت) أو (تسالمت) بل یکفی کلّ لفظ أو فعل یدلّ علیه و لو بالالتزام کما ورد فی صحیحة محمّد بن مسلم «لک ما عندک و لی ما عندی»(1) و ما ورد فی مصالحة الزوجین نحو صحیحة الحلبی(2) و غیرها(3) من الروایات الواردة فی تفسیر قوله تعالی: «و إن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح علیهما أن یصلحا بینهما صلحا و الصلح خیر»(4).

و یمکن أن یناقش فیه: بعدم وجود دلالة لفظیة أو فعلیة علی إنشاء الصلح و لا یدلّ حتّی السیاق علی أنّها صلح و لم یقصده الْمُتَعاطِیانِ و مجرد انطباق مفهوم التسالم علیها لا یجعلها من مصادیق المصالحة و إلاّ لزم إرجاع جمیع العقود حتّی النکاح إلی الصلح. کما عن المحقّقیْن النائینی(5) و الخوئی(6).

و کذا الاستدلال علی صحتها بقوله صلی الله علیه و آله : «المؤمنون عند شروطهم» المذکور فی موثقة منصور بن یونس (بزرج)(7) لا یتم لعدم دخول الشروط الإبتدائیة فی الروایة، و علی

ص: 91


1- (1) وسائل الشیعة 18/445، ح1، الباب 5 من أبواب الصلح.
2- (2) وسائل الشیعة 21/349، ح1، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز و الشقاق.
3- (3) راجع جمیع روایات الباب المذکور فی المصدر السابق.
4- (4) سورة النساء /128.
5- (5) منیة الطالب 1/185.
6- (6) مصباح الفقاهة 2/190.
7- (7) وسائل الشیعة 21/276، ح4، الباب 20 من أبواب المهور.

فرض دخولها فَالْمُرادُ بها التزام المؤمن بشروطه تکلیفا أیّ یجب علی کلّ مؤمن الوفاء بشرطه لأنّه من علائم إیمانه لا وضعا کما عن المحقّق السیّد الخوئی(1).

نعم، یمکن القول بأنّها معاوضة أو معاملة مستقلة یشملها قوله تعالی: «أَوْفُوْا بالعقود»(2) و قوله تعالی «تجارة عن تراض»(3) بل یمکن القول بأنّها بیع فیشملها قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(4) و لا سیما بعد تصحیح التصرفات التی تختص بالمالک فی الإباحة کما مرّ آنفا.

و کذا قوله صلی الله علیه و آله : «الناس مسلطون علی أموالهم»(5).

و قد عدّ المحقّق الإیروانی(6) من الإباحة بالعوض بعض المعاملات الشائِعَة من عصر الشارع إلی زماننا هذا نحو الدخول فی الحمامات مع إعطاء العوض و کذلک الدخول فی المطاعم و أشباه ذلک.

و حیث صححنا هذه المعاملة و جرت الآیات الثلاث فی شأنها فهل القول بلزومها یکون تماما أم لا؟

ثم استدل الشیخ الأعظم(7) لجوازها بحدیث السَّلْطَنَةِ و أصالتها _ بعد القول بأنّ الأقوی لزومها _ ، و یردّه الفقیه الیزدی(8) بأنّ متقضی السلطنة علی المال لزوم الإباحة

ص: 92


1- (1) مصباح الفقاهة 2/190.
2- (2) سورة المائدة /1.
3- (3) سورة النساء /29.
4- (4) سورة البقرة /275.
5- (5) عوالی اللآلی 1/222، ح99.
6- (6) حاشیته علی المکاسب 2/76.
7- (7) المکاسب 3/90.
8- (8) حاشیته علی المکاسب 1/391.

المفروضة لا جوازها لأنّه إذا کان مسلَّطا علی ماله و قد أباحه بعوض فیلزم أن تکون نافذة لازمة.

ولکن الظاهر أنّ القول بالجواز إذا کان أحد طرفی المعاملة أو کلاهما الإباحة یکون متعیّنا بقاعدة السلطنة حیث للمبیح أن یرجع عن إباحته لتلک القاعدة أو بحدیث «لا یحل مال امْرَئٍ مسلم إلاّ بطیب نفسه» فإذا رجع المبیح عن اباحته فلا یحلّ للمباح له التصرف فی المال، و للمباح له الرجوع فی ملکه أیضا لإنّه ملّکه للمبیح فی قبال إباحته فإذا رجع هو عنه فیجوز له الرجوع فی ماله. فهذه المعاملة جائزة وضعا و تکلیفا، و العجب من المحقّق الإیروانی(1) حیث قالَ بالجوازِ الْوَضْعِیّ و هو الموافِقُ لما قَرَّرْناهُ ولکن ذهب إلی اللزوم التکلیفی بِالاْءطْلاقاتِ الْوارِدَةِ فی تصحیح هذه المعاملة و أنت تعلم بأجنبیتها عن اللزوم التکلیفی بعد ثبوت الجواز الوضعی و اللّه العالم.

الخامس: جریان المعاطاة فی جمیع العقود و بعض الإیقاعات
اشارة

صرح الشیخ بأنّ إعطاء الهدیة من دون الصیغة یفید الإباحة دون الملک و قال: «إذا وصلت الهدیة إلی المُهْدی إلیه لم یملکها بالوصل و لم تلزم و یکون ذلک إباحة من المهدی حتّی أنّه لو أهدی إلیه جاریة لم یجز أن یستمتع بها لأنّ الإباحة لا تدخل فی الاستمتاع...»(2).

و ظاهر الشیخ الاکتفاء بغیر اللفظ فی باب وقف المساجد و قال: «إذا بنی مسجدا خارج داره فی ملکه فإن نوی به أن یکون مسجدا یصلّی فیه کلّ من أراده زال ملکه عنه، و إن لم ینو ذلک فملکه باقی علیه سواء صلی فیه أو لم یصل...»(3).

ص: 93


1- (1) حاشیة المکاسب 2/81.
2- (2) المبسوط 3/315.
3- (3) المبسوط 1/162.

و تبعه ابن ادریس الحِلّی فی الهدیّة و قال: «إذا أهدی لرجلٍ شیئا علی ید رسوله فإنّه علی ملکه بعد، و إن مات المهدی إلیه کان له استرجاعه، و إن مات المهدی کان لوارثه الخیار، و إذا وصلت الهدیّة إلی المهدی إلیه، لم یملکها بالوصول و لم تلزم و یکون ذلک إباحة من المهدی»(1).

و کذا العلاّمة الحِلّی قال فی الهبة من القواعد: «و لا تکفی المعاطاة و الأفعال الدالة علی الإیجاب، نعم یباح التصرف. و الهدیّة کالهبة فی الإیجاب و القبول و القبض»(2).

و قال فی بحث الرهن من التذکرة: «و الخلاف فیه بالمعاطاة و الاستیجاب و الإیجاب علیه المذکورة فی البیع بجملته آتٍ هاهنا»(3).

و یلوح من عبارته فی هبة التذکرة کفایة المعاطاة فی الهدیة حیث نقله عن بعض العامة و لم یناقش فیه قال: «الهبة عقد یفتقر إلی الإیجاب و القبول باللفظ کالبیع و سائر التملیکات، و أمّا الهدیّة فذهب قوم من العامة إلی أنّه لا حاجة فیها إلی الإیجاب و القبول اللفظیین، بل البعث من جهة المُهدی کالإیجاب و القبض من جهة المُهدی إلیه کالقبول، لأنّ الهدایا کانت تحمل إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله من کسری و قیصر و سائر الملوک فیقبلها، و لا لفظ هناک، و استمرّ الحالُ من عهده إلی هذا الوقت فی سائر الأصقاع، و لهذا کانوا یبعثون علی أیدی الصبیان الذین لا یُعتدّ بعبارتهم، و منهم من اعتبرهما کما فی الهبة و الوصیة. و اعتذروا عمّا تقدّم بأنّ ذلک کان إباحة لا تملیکا. و اُجیب بأنّه لو کان کذلک لما تصرّف الملاّک، و معلوم أنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یتصرّف فیه و یُملِّکه غیرَه. و الصدقة کالهدیة فی ذلک بلا فصل. و یمکن الإکتفاء فی هدایا الأطعمة بالإرسال و الأخذ من غیر لفظ الإیجاب و القبول

ص: 94


1- (1) السرائر 3/177.
2- (2) قواعد الأحکام، 2/405.
3- (3) تذکرة الفقهاء 13/91.

جریا علی المعتاد بین الناس. و التحقیق مساواة غیر الأطعمة لها، فإنّ الهدیّة قد یکون غیر طعام، فإنّه قد اشتهر هدایا الثیاب و الدواب من الملوک إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله فإنّ ماریة القبطیة اُمّ ولده کانت من الهدایا. و قال بعض الحنابلة: لا یفتقر الهبة إلی عقد بل المعاطاة و الأفعال الدالة علی الإیجاب و القبول کافیة، و لا یحتاج إلی لفظٍ، لأنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یهدی و یُهدی إلیه، و یُفرِّق الصدقة و یَأمُرُ بتفرقتها، و لم ینقل فی ذلک لفظ إیجاب و لا قبول، و لو کان شرطا لأمر به...»(1).

و تبع الشهیدُ الشیخَ فی الاکتفاء بغیر اللفظ فی وقف المساجد و قال بعد نقل کلام الشیخ: «فظاهره الاکتفاء بالنیّة، و اُولی منه إذا صلّی فیه، و لیس فی کلامه دلالة علی التلفظ و لعلّه الأقرب»(2).

و قال فی بیع الدروس: «... و شبهها (أی شبه المعاطاة) اقتضاء المدین العوض عن النقد أو عن عرض آخر، فإن ساعره فذاک، و إلاّ فله سعر یوم القبض، و لا یحتاج إلی عقد و لیس لهما الرجوع بعد التراضی»(3).

و قال فی رهنها فی اشتراط الصیغة المخصوصة: «و لو قال: خذه علی مالِکَ أو بمالِکَ فهورهنٌ. و لو قال: إمسکه حتّی أعطیک مالَکَ و أراد الرهن، و لو أراد الودیعة أو اشتبه فلیس برهن، تنزیلاً للفظ علی أقل محتملاته...»(4).

و قال المحقّق الثانی فی بیع کتابه: «و أعلم أن فی کلام بعضهم ما یقتضی اعتبار المعاطاة فی الإجارة و کذا فی الهبة، و ذلک لأنّه إذا أمره بعمل علی عوض معیّن، عمله و

ص: 95


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/415 من طبع الحجری.
2- (2) ذکری الشیعة 3/133.
3- (3) الدروس الشرعیة 3/192.
4- (4) الدروس الشرعیة 3/383.

استحق الأجر و لو کان هذا إجارة فاسدة لم یجز له العمل، و لایستحق اُجرة مع علمه بالفساد، و ظاهرهم الجواز بذلک، و کذا إذا وهب بغیر عقدٍ، فإنّ ظاهرهم جواز الإتلاف و لو کانت هبة فاسدة لم یجز، و منع من مطلق التصرف. و هو ملخص وجیه»(1).

و استشکل علی قول العلاّمة فی القواعد: «و لابدّ فیه (أی فی القرض) من إیجاب صادر عن أهله: کقوله: أقرضتک أو تصرَّفْ فیه أو انتفع به أو ملّکتک و علیک ردّ عوضه و شبهه، و قبول، و هو: ما یدلّ علی الرضی قولاً أو فعلاً»(2). بقوله: «ظاهر عباراتهم: أنّه لابدّ من الإیجاب القولیء، و عبارة التذکرة(3) أدّل علی ذلک. و یرد علیه: أنّه قد سبق فی البیع الاکتفاء بالمعاطاة التی هی عبارة عن الأخذ و الإعطاء فإن اکتفی فی العقد اللازم بالایجاب و القبول الفعلیین فحقّه أن یکتفی بهما هنا بطریق اُولی. و لیس ببعید أن یقال: إنّ انتقال الملک إلی المقترض بمجرد القبض موقوف علی هذا، لا إباحة التصرف إذا دلّت القرائن علی إرادتها»(4).

و نحوها فی حاشیته علی إرشاد الأذهان(5).

و قال فی تعلیقه علی الإرشاد: «إنّ من المعاطاة الإجارة و نحوها بخلاف النکاح و الطلاق و نحوهما فلا تقع أصلاً»(6).

ولکن استشکل علی کلام العلاّمة فی رهن التذکرة الذی مرّ منّا آنفا بقوله: «... و

ص: 96


1- (1) جامع المقاصد 4/59.
2- (2) قواعد الأحکام 2/103.
3- (3) راجع تذکرة الفقهاء 13/32.
4- (4) جامع المقاصد 5/20.
5- (5) حاشیة إرشاد الأذهان /430 المطبوعة ضمن المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره.
6- (6) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/509 و لم أجده فی حاشیة إرشاد الأذهان المطبوعة ضمن المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره مع کثرة تتبعی لَها.

یشکل بأنّ باب البیع ثبت فیه حکم المعاطاة بالإجماع بخلاف ماهنا، أمّا الاستیجاب و الإیجاب فنعم»(1).

و قال فی قرض صیغ عقوده: «فأمّا الإیجاب: فلابدّ أن یکون بالقول، فلا یکفی الدفع علی وجه القرض من غیر لفظ فی حصول الملک، نعم یکون ذلک فی القرض کالمعاطاة فی البیع فیثمر إباحة التصرف، فإذا تلف العین وجب العوض. و الذی ینساق إلیه النظر أنّ المعاطاة فی البیع تثمر ملکا متزلزلاً و یستقر بذهاب أحد العینین أو بعضها، و مقتضی هذا أنّ النماء الحاصل من المبیع قبل التلف شیء من العین یجب أن یکون للمشتری، بخلاف الدفع للقرض هنا فإنّه لا یثمر إلاّ محض الإذن فی التصرف و إباحة الإتلاف، فیجب أن یکون نماء العین للمقرض، لبقائها علی الملک، إذ لا معاوضة هنا و لا تملیک بخلاف الأوّل»(2).

و قال فی هبة جامع المقاصد بعد نقل محتوی کلام العلاّمة فی هبة التذکرة الذی مرّ آنفا: «و هذا قویٌّ متینٌ، یؤیده أنّ الهدیة مبنیّة علی الحشمة و الإعظام، و ذلک یفوت مع إعتبار الإیجاب و القبول و ینقص موضعها من النفس، و مطالبة المُهدی إلیه بالتملیک و سؤال الرسول هل هو وکیل فیه أم علی تقدیر اعتبار عبارته و نحو ذلک خروج عن مقصودها»(3).

و قبل ثانی الشهید کلام المحقّق الثانی فی بیع جامع المقاصد و قال بعد نقل کلامه: «... و لا بأس به إلاّ أنّ فی مثال الهبة نظرا من حیث أنّ الهبة لا تختص بلفظ، بل کلّ لفظٍ یدل علی التملیک بغیر عوض کافٍ فیها کما ذکروه فی بابه. و جواز التصرف فی المثال المذکور موقوف علی وجود لفظ یدلّ علیها، فیکون کافیّا فی الإیجاب. اللهم إلاّ أن یعتبر القبول القولی مع

ص: 97


1- (1) جامع المقاصد 5/45.
2- (2) صیغ العقود و الایقاعات /187، المطبوع فی ضمن المجلد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
3- (3) جامع المقاصد 9/142.

ذلک، و لا یحصل فی المثال فیتجه ما قاله»(1).

و قبل المعاطاة فی الإجارة و قال: «لمّا کان الأمر بالعمل یقتضی استیفاء منفعةٍ مملوکة للمأمور متقوّمةٍ بالمال وجب ثبوت عوضها علی الآمر کالاستیجار معاطاةً»(2).

و قال فی هبة المسالک بعد نقل نص عبارة هبة التذکرة: «و هذا الذی ذکره من التحقیق یشعر بما نقلناه عنه من الاکتفاء بذلک، و هو حسنٌ، و مع ذلک یمکن أن یجعل ذلک کالمعاطاة یفید الملک المتزلزل و یبیح التصرف و الوطی ولکن یجوز الرجوع فیها قبله عملاً بالقواعد المختلفة...»(3).

و تبعه المحقّق الأردبیلی و فی ذیل قول العلاّمة فی الإرشاد: «و لو أمره بعمل له اُجرة بالعادة فعلیه الاُجرة و إلاّ فلا»(4) قال: «هذا الحکم مشهور و یحتمل أن یکون مجمعا علیه و لعلّ سنده اقتضاء العرف فإنّه یقتضی أن یکون مثل هذا العمل بالاُجرة، فالعرف مع الأمر بمنزلة قوله: اعمل هذا و لک علیَّ الاُجرة، فیکون جعالة أو إجارة بطریق المعاطاة مع العلم بالاُجرة، و لو کان من العادة مثل اُجرة الحمّالین، و یبعد کونها إجارة باطلة...»(5).

و ذهب صاحب الحدائق إلی عدم اعتبار الصیغ الخاصة بالنسبة إلی جمیع العقود و قال: «... أنّه لا یعتبر فیها أزید من الألفاظ الدالة علی الرضا بمضمون ذلک العقد کیف کانت، و علی أیّ نحو صدرت، و مع استکمال جمیع ما یشترط فیه، من غیر توقف علی الصیغ الخاصة التی اوجبوها فی کلّ عقد، و أمّا الاشکال فی کون ذلک یسمی معاطاة أم لا؟ ... ما

ص: 98


1- (1) مسالک الأفهام 3/152.
2- (2) مسالک الأفهام 5/229.
3- (3) مسالک الأفهام 6/11.
4- (4) إرشاد الأذهان 1/425.
5- (5) مجمع الفائدة و البرهان 10/83.

أشرنا إلیه آنفا من أن هذه التسمیة إنّما هی اصطلاحیة ذکروها فی باب البیع...»(1).

و قال الفاضل المراغی: «إنّ المعاطاة هل هی ملحقة فی کلّ باب بالعقد الذی هو أصل لها؟ فیکون فی مقام البیع بیعا و فی مقام الإجارة إجارةً و فی مقام الصلح صلحا و فی مقام الهبة هبةً و نحو ذلک أو هی معاملة مستقلة؟ مقتضی حصر الأصحاب أبواب المعاملات فی الاُمور المخصوصة و عدم ذکرهم للمعاطاة عنوانا آخَرَ دخولها فیها، کما أنّ صدق لفظ البیع و الإجارة و نحو ذلک من ألفاظ المعاملات أیضا یقتضی کون المعاطاة داخله فیها... و حیث قلنا باندارجها تحت أسامی العقود، فالظاهر جریان جمیع الأحکام المذکورة فی أبواب العقود من الشرائط فی المتعاقدین أو العوضین و غیر ذلک من أحکام الخیارات و الضمان و الشروط و نحو ذلک من التوابع و غیرها آتیة فی المعاطاة»(2).

و قال الفقیه الیزدی: «إنّ مقتضی ما هو التحقیق من شمول العمومات العامة و الخاصة بکلِّ عنوان للمعاملات الفعلیة کالقولیة و کون المعاطاة علی طبق القاعدة جریانها فی جمیع العقود جائزة کانت أو لازمة إلاّ ما قام الاجماع فیه علی اعتبار الصیغة الخاصة کالنکاح و التحلیل و نحوهما...»(3).

و قال المؤسّس الحائری قدس سره : «لا اشکال فی إمکان المعاطاة فی سائر العقود کما فی البیع و لا فی صدق عناوین تلک العقود علی ما کان منها بالمعاطاة، کما کان باللفظ بلا فرق، و مقتضی ذلک دلالة أدلة صحة تلک العقود _ کالإجارة و الهبة و الصلح و نحوها علی صحة المعاطاة فیها، نعم استثنوا من ذلک عقد النکاح، فحکموا بعدم جریان المعاطاة فیه»(4).

ص: 99


1- (1) الحدائق 18/364.
2- (2) العناوین 2/129 و 128.
3- (3) حاشیته علی المکاسب 1/391.
4- (4) کتاب البیع 1/113 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .

قال المحقّق الأصفهانی: «انّ صحة المعاطاة فی البیع إن کانت علی القاعدة و أنّها بیع فیعمّها أدلة البیع، فکذا فی غیره من المعاملات لعدم الفرق فی صدق عناوینها بین البیع و غیره... إذا عرفت ما ذکرنا تعرف أنَّ التمسک بالاطلاق لجریان المعاطاة فی العقود و الایقاعات بمعنی صحتها بالإنشاء الفعلی کالإنشاء القولی بمکان من الإمکان و إن لم یصدق علیه المعاطاة بعنوانها، لما مرّ مرارا أنّ المعاطاة بعنوانها لم ترد فی آیة و لا روایة لیدور الأمر مدارها بعنوانها، نعم بعض العقود و الایقاعات ممّا قام الدلیل علی انحصار سببها فی صیغة خاصة کالطلاق و العتق و شبههما و بعضها ربّما یدعی البرهان علی عدم جریان المعاطاة فیها»(1).

و قال المحقّق السیّد الخمینی: «مقتضی القاعدة جریان المعاطاة فی کلّ عقد أو إیقاع یمکن إنشاؤه بالفعل، فإنّ الفعل کالقول آلة للإیجاد و الإیقاع الإعتباری، و مع الا¨یقاع کذلک یصیر المنشأ مصداقا للعناوین العامة و الخاصة، و دلیل صحتها و لزومها هو الأدلة الخاصة أو العامة، نعم ما لا یمکن إیقاعه بالفعل فهو خارج عن البحث، و لعلّ الوصیة أو بعض أقسامها منه...»(2).

و قال المحقّق السیّد الخوئی: «... فلا بأس بالالتزام بجریان المعاطاة فی جمیعها إلاّ ما خرج بالدلیل، و إذن فیکون ما هو المنشأ بالأفعال من المعاملات مشمولاً للعمومات و الإطلاقات الدالة علی صحة العقود و الإیقاعات و لزومهما»(3).

و قال شیخنا الاُستاذ قدس سره : «الصحیح الالتزام بجریان المعاطاة فی سایر المعاملات عقودا و إیقاعا أخذا بإطلاق صحتها و نفوذها، نعم لا تجری فی عقد أو إیقاع قام الدلیل

ص: 100


1- (1) حاشیة المکاسب 1/183.
2- (2) کتاب البیع 1/180.
3- (3) مصباح الفقاهة 2/192.

علی اعتبار اللفظ فی إنشائه کما فی النکاح و الطلاق حیث أنّ مطلق اللفظ غیر کاف [فی[ إنشائهما فضلاً عن الإنشاء بمجرد الفعل»(1).

أقول: قد عرفت جریان المعاطاة فی الجملة و فی بعض العقود أو الإیقاعات من أساطین الفقه و أعلام الطائفة نحو: الشیخ الطوسی فی الهدیّة و وقف المساجد، و تبعه ابن ادریس فی الهدیة، و کذا العلاّمة فی الهدیّة و الهبة و الرهن، و الشهید فی وقف المساجد و أداء الدین و الوثیقة فیه، و المحقّق الثانی فی الإجارة و الهبة و الهدیّة و القرض، و ثانی الشهیدین فی الإجارة و الهبة و الهدیّة، و الأردبیلی فی الإجارة، و مال إلی جریانها فی جمیع العقود و الإیقاعات صاحب الحدائق و الفاضل المراغی و الفقیه الیزدی و المؤسّس الحائری و المحققون الأصفهانی و الخمینی و الخوئی و شیخنا الإستاذ _ قدس اللّه أسرارهم _ و یظهر مما سردناه علیک وجه اسْتِغْرابِنا من صاحب الجواهر حیث یقول: «و أغرب من ذلک کلّه دعوی جریان المعاطاة فی مورد جمیع العقود جایزها و لازمها، فیتحقق مسمّاها بها دون عقدها للإطلاق عرفا، و فائدة العقد حینئذ اللزوم فی اللازمة منها و لا فائدة له فی غیره إذ هو کماتری لا ینبغی صدورها ممّن ذاق طعم الفقه»(2). فتأمل.

ما یستثنی من المعاطاة:

ثم القائلون بالتعمیم و جریان المعاطاة فی جمیع العقود و الإیقاعات استثنوا مواردَ.

منها: الوصیة: لأنّها لا تُنْشَأُ إلاّ بالقول و لیس فی موردها فعل یکون مصداقا لها و مثلها جعل القیمومیة و التدبیر. و الإشکال فیها لیس من ناحیة القابل و العقد و الإیقاع، بل الاشکال من ناحیة الفاعل بحیث لا یوجد هناک فعل یدل علی هذه الاُمور، و لو وجد

ص:101


1- (1) إرشاد الطالب 2/86.
2- (2) الجواهر 22/244.

فعل یدل علیها تمّت المعاطاة فیه. نحو: أن یسأل أحدٌ عن غیره مَنِ القَیِّمُ بعدک علی اُولادک أو أموالک؟ أو مَنِ الوَصِیُّ فی ما وصیت بِهِ؟ أو أیّما من بیوتک أو أراضیک جعلتَها للمسجد أو المدرسة؟ أو أیّ من عبیدک أو إمائک یَکون بعدک حرا أو حرّة؟

و فی جمیع هذه الموارد أشار إلی شخص أو بیت أو أرض، أو عیّنه بفعل دون قول، بلا فرق فی ذلک بین الحیاة المستقرة أو حالة الاحتضار مع شرائطها ینفذ ما أقرّبها أو قرّره أو عیّنه، و لَعَلَّهُ لم ینکر هذا أحدٌ من فقهائنا الکبار، و علی هذا تجری المعاطاة بالنسبة إلی

الوصیة و التدبیر و القیمومیة و نحوها.

و لاِءَنَّهُ لم ینحصر الإنشاء المعاطاتی بالإعطاء و الأخذ الخارجیین حتّی یستشکل بأنّ هذه الاُمور من الاُمور الاستقبالیة فیستحیل إنشاؤها بفعل یتحقق قبل الموت بل المعاطاة هی تبدیل الفعل بدل القول فی المعاملات و علیها تجری المعاطاة فی الوصیة و القیمومیة و التدبیر.

و بما ذکرنا یظهر جریان المعاطاة فی الوقف و کذا فی الرهن لاِءَنّا ذهبنا إلی اللزوم فی المعاطاة لا الجواز فی المعاملات اللازمة، لأنّ الرهن من العقود اللازمة من طرف الراهن و کذا تجری المعاطاة فی القرض.

و قد یستشکل جریان المعاطاة فی الضمان لأنّ انتقال الدین من ذمّةٍ إلی اُخری لا یمکن أن یتحقق بالفعل الخارجی.

و یرد علیه: کما یمکن أن ینتقل المال فی البیع بالمعاطاة کذلک یمکن انتقال الدین، و لا فرق فی الانتقال فی عالم الاعتبار بین العین و الدَّین فکما یمکن الانتقال بالمعاطاة فی العین فکذلک یمکن فی الدین.

و أمّا جریان المعاطاة فی النکاح: فَقَدْ یتوهم عدم جریانها فیه لأنّ الفعل فیه ملازم لضده و هو الزنا و السفاح، بل هو مِصْداقٌ له حقیقةٌ و من الواضح أنّه لا یمکن إنشاء شیءٍ

ص:102

من الاُمور الإنشائیة بضده.

و دفعه: الزنا عند العرف غیر النکاح و الزواج سواء کان انشاؤه بالقول أو الفعل، و الزنا یکون قسیمه، لو قَصَدَ الزوجان النکاح و أَنْشَأآهُ بالفعل لا بالقول، تحقّق الزوجیة، و الوطی بعدها لیس من الزنا.

و من هنا ظهر جواب تسبّب الوطی للنکاح و الإشکال فیه بأنّ الوطی یحتاج إلی سبب محلّل له، فلو کان سببا لحلّیّة نفسه لزم إتحاد السبب و المسبب فی مرتبة واحدة مع امتناع تأثیر الشی فی نفسه.

و أما جوابه: فَإنَّ الزَوْجَیْنِ یقصدان النکاح بالفعل ثم یتحقّق و من بعده یَقَعُ الوطی و من أین لزم إتحاد السبب و المسبب؟ هذا أولاً.

و ثانیا: امتناع اتحاد السبب و المسبب و امتناع تأثیر الشی فی نفسه فی عالَمِ التکوین تام و أمّا عالَمُ الاعتبار غیره، و ما هو ممتنع فی عالم التکوین یمکن وقوعه فی عالَمِ الاعتبار، لأنّهما عالمان بینهما بون بعید و لکل واحد منهما قوانینه و قیاس أحدهما بالآخر مع الفارق و

غَیْر سَدِیْدٍ.

و ثالثا: علی القول بالاتحاد بین السبب و المسبب و علی القول بصحة قیاس العالَمَیْن یمکن أن یجاب عن الإشکال بعدم الاتحاد لأنّ السبب هو الوطی و المسبب هو الحلیة فلم یلزم اتحاد السبب و المسبب، و لا تأثیر الشیء فی نفسه. کما عن المحقّق الإصفهانی(1) قدس سره و له أجوبة اُخری لهذا الاشکال إن شئت فَراجِعْ حاشِیَتَهُ علی المکاسب(2).

و یمکن ان یستدل لجریان المعاطاة فیه بخبر عبدالرحمن بن کثیر المَرْوِیِّ فی الکافی

ص:103


1- (1) حاشیة المکاسب 1/184.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/(187-184).

عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: جاءت امرأة إلی عمر فقالت: إنّی زینتُ فطهّرنی، فأمر بها أن ترجم، فاُخبر بذلک أمیرالمؤمنین علیه السلام ، فقال: کیف زینتِ؟ فقالت: مررتُ بالبادیة فأصابنی عطش شدید فاستسقیت أعرابیا فأبی أن یسقینی إلاّ أن اُمکّنه من نفسی، فلما أجهدنی العطش و خفتُ علی نفسی سقانی، فأمکنته من نفسی، فقال أمیرالمؤمنین علیه السلام : تزویج و ربّ الکعبة(1).

بتقریب: حمل أمیرالمؤمنین علیه السلام فعلها علی التزویج بحیث لما اشتدّ عطشها رضیت بالنکاح فصار مهرها الماء الذی به دفعت عطشها، و مدّته دفعة واحدة فهذا نکاح موقت بالمهر المعلوم و دفعة واحدة و قد جری بالفعل و المعاطاة لا القول و الصیغة.

و حمل الروایة علی الاضطرار خلاف ظاهرها لأنّ امیرالمؤمنین علیه السلام لم یحمل عملها علی الاضطرار بل حمله علی النکاح. و القول بحمله علی الاضطرار تصحیحا لما ورد من الأمر بالرجم، لا یتم لأنّ آمره _ و هو الثانی _ لیس بفقیه و کلّ الناس أفقه منه أو أعلم علی حد تعبیره(2). لأنّ الرجم لا یتم إلاّ إذا کانت الزانیة ذات بعل فحینئذ لا یتم نکاحها فعلیه لابدّ من حملها علی الاضطرار. و قد ظهر ممّا ذکرنا جوابه بأنّ امیرالمؤمنین علیه السلام حمله علی النکاح لا الاضطرار. مع أنّ الاضطرار أیضا یمکن أن یرفع به الذنب و الحد من جانب المرأة فقط.

فالروایة تدل علی جواز النکاح المعاطاتی بل وقوعه ولکن سندها ضعیف بعلی بن

حسان و هو مشترک بین الواسطی الثقة و الهاشمیّ مَوْلاهُمْ المرمی بالکذب و الوقف، و

ص:104


1- (3) الکافی 5/467، ح8.
2- (4) سنن البیهقی 7/233؛ الدر المنثور 2/133؛ الکشّاف 1/491 ذیل آیة «و إن أردتم استبدال زوج مکان زوج و اتیتم أحدیهنّ قنطارا» من سورة النساء /الآیة 20؛ و نقل عنهم العلاّمة السیّد مرتضی الفیروزآبادی فی کتابه «السبعة من السلف» /88 و ما بعده.

کلاهما ینقلان عن عبدالرحمن بن کثیر _ و هو کان عمّ الهاشمی _ و قد یقال: بضعفه أو مَجْهُوْلِیَّتِهِ ولکن قال الوحید فی شأنه: «روایة الأجلاء الثقات کتبه تشهد علی الاعتماد بل الوثاقة» و له أکثر من أربعین روایة فی الکتب الأربعة.

فإن ذهبنا إلی أنّ المراد بعلی بن حسان هو الواسطی _ لا الهاشمی _ و إلی اعتبار عبدالرحمن بن کثیر کما علیه الوحید، صار سَنَدُها مُعْتَبَرا ولکن فی الجمیع نظر بیّن.

و الذی یسهّل الخطب وجود الإجماع بین الأصحاب من عدم تحقّق النکاح المعاطاتی و أنّه لا یتحقّق إلاّ بالصِّیَغِ الخاصَّةِ المتداولة بین المُتَشَرِعَةِ و یلحق بالنکاح، الطلاق فإنّه أیضا لا یتحقّق إلاّ بالقول و الصیغ الخاصة و کذا الظهار و الإیلاء و اللعان.

فیظهر ممّا ذکرنا جریان المعاطاة فی جمیع العقود و الإیقاعات إلاّ ما خرج بالدلیل.

السادس: ملزمات المعاطاة
اشارة

قد مرّ أنّ المعاطاة _ فی المعاملات التی أصلها اللزوم _ تدل علی اللزوم و _ فی المعاملات التی أصلها الجواز _ تدل علی الجواز فلا فرق بین الاْءتْیانِ بالمعاملة و إجْرائِها بالقول و الصیغة بها و إجرائِها بالفعل و المعاطاة، و علی هذا فنحن فی فسحة عن هذا المبحث _ أی ملزماتها _ .

و أمّا إذا ذهب أحد إلی القول بالجواز فی المعاملات المعاطاتیة _ کما لَعَلَّهُ هو المشهور _ فَسَوْفَ یأتی هذا البحث و یجری القول فی ملزماتها.

ثم ذهب الشیخ الأعظم أوّلاً إلی تأسیس الأصل فی المقام و قال: «إنّ الأصل علی القول بالملک اللزوم... و أمّا علی القول بالإباحة فالأصل عدم اللزوم»(1).

ص:105


1- (1) المکاسب 3/96.
ثمانیة أوجه تدل علی لزوم المعاطاة علی القول بالملک
اشارة

لأنّه قدس سره أقام ثمانیة أوْجُهٍ(1) تدل علی اللزوم علی القول بالملک و حیث أغمضنا الکلام عنها هناک نبحثها هنا تتمیما للفائدة باختصارٍ:

1_ الاستصحاب

بتقریب: أنّ کلّ واحد من المتعاطیین ملّک الآخر ماله بالمعاطاة، ثم یشک بخروج المال عن ملک أحدهما برجوع صاحبه، فیستصحب بقاء الملک الحادث بالمعاطاة و هذه عبارة اُخری عن اللزوم فی المعاملات.

و قد استشکل علی هذا الاستصحاب الشخصی بوجهین:

الأوّل: عدم اتحاد الْقَضِیَّتَیْنِ المتیقنة و المشکوکة فی هذا الاستصحاب لأنّ المتیقنة منهما هی القدر المشترک بین فردی الملک: اللازم و الجائز، و المشکوکة منهما هی الفرد المعین أیّ الملک اللازم، فالیقین تعلَّق بالقدر المشترک بین فردی الملک، و الشک تعلَّق بحدوث فرد معیّن و هو الملک اللازم. و مع عدم اتحاد القضیتین لا یجری الاستصحاب.

الثانی: وجود أصل حاکم علی هذا الاستصحاب _ علی فرض جَرَیانِهِ _ و هو اسْتِصْحابُ بَقاءِ العلاّقة التی أثرها جواز الرجوع بین المالک الأوّل و ماله و مع جریان هذا الاستصحاب فلا مجال لجریان استصحاب ملکیّة المالک الثانی.

و بعبارة اُخری: مقتضی الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالک عن العین التی له فحینئذ یجوز له الرجوع فیها و هذا الاستصحاب حاکم علی الاستصحاب المقتضی لِلْلِزُومِ.

ثمّ أجاب عن الاشکال الأوّل بوجهین:

الأوّل: نمنع انقسام الملک إلی قسمین و تنوّعه بنوعین و هما الملک المتزلزل و الملک المستقر لطبیعة الملک لکی یجری الاستصحاب فی الکلّی و هو القدر المشترک بینهما. بل نجری

ص:106


1- (2) المکاسب 3/(56-51).

الاستصحاب فی الشخص و هو الملکیة التی هو اضافة خاصة بین المالک و المملوک، و التزلزل و الاستقرار ینشأان من حکم الشارع علی الملک بزواله برجوع المالک الأوّل و عدمه. فحینئذ اللزوم و الجواز حکمان للملک و لیسا منوِّعین له.

و الوجه فیه لأنّ المُنشأ فی العقود اللازمة و الجائزة کلاهما أمرٌ واحدٌ و هو إضافة الملکیة التی هی أمر بسیط شخصی. و استقرار الملک أو تزلزله حکمان شرعیان للملک یستندان إلی حکم الشارع بجواز الرجوع و عدمه الناشی فی اختلاف السبب المملِّک. و لا یستندان إلی المالک بوجه بحیث یکون الخیار بیده.

الثانی: یجری الاستصحاب حتّی علی القول بأنّه کلّیٌّ، لجریان الاستصحاب فی القسم الثانی من أقسام الکلّی علی المشهور الذی موردنا یحسب منه، و هو عبارة عن العلم بوجود الکلّی فی ضمن أحد فردین: أحدهما معلوم الارتفاع و الآخر محتمل الحدوث وَلکِنَّ الأثَرَ مُتَرَتِّبٌ علی الجامع بین الفردین لا علی خصوصیتهما الفردیان، نحو: إذا علم بنجاسة مردّدة بین البول و الدم فإنّه بعد الغَسْل مرّة یشک فی بقاء النجاسة: فیستصحب بقاء النجاسة.

و فی ما نحن فیه: أیضا لا نستصحب الأفراد و هما اللزوم و الجواز الحاصلان من

الملک، بل نستصحب الجامع بینهما و هو استصحاب کلّی الملک و بعد جریانه نحکم باللزوم.

لم یجب الشیخ الأعظم عن الإشکال الثانی هنا _ فی بحث البیع _ ولکن طرح الإشکال فی اوائل بحث الخیارات و أجاب عنه بقوله: «إن أُرید بقاءُ علاقةِ الملکِ أو علاقةٍ تتفرع علی الملک، فلا ریب فی زوالها بزوال الملک.

و إن اُرید بها سلطنة إعادة العین فی ملکه، فهذه علاقة یستحیل اجتماعها مع الملک، و إنّما تحدث بعد زوال الملک لدلالة دلیلٍ، فإذا فُقد الدلیلُ فالأصل عدمها.

و إن اُرید بها العلاقة التی کانت فی مجلس البیع، فإنّها تستصحب عند الشک فیصیر

ص:107

الأصل فی البیع بقاء الخیار، کما یقال: الأصل فی الهبة بقاء جوازها بعد التصرف، فی مقابل مَنْ جعلها لازمة بالتصرف، ففیه: _ مع عدم جریانه فیما لا خیار فی المجلس، بل مطلقا بناءً علی أنّ الواجب هنا الرجوع فی زمان الشک إلی عموم «اوفوا» لا الاستصحاب _ أنّه لا یجدی بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخیار مع الافتراق، فیبقی ذلک الاستصحاب سلیما عن الحاکم»(1).

و یجیب عن الإشکال الثانی بوجوه اُخر:

الاوّل: العلاّقة الموجودة بین المالک و ماله لیست إلاّ العلاّقة المالکیة و أمّا غیرها فمن أوّل الأمر ثبوتها محلّ تردید.

الثانیّة: العلاّقة الموجودة لیست إلاّ الإضافة المالکیة بین المالک و ملکه و هذه قد ارتفعت قطعا بنقل المال إلی غیره، و لم تکن هناک إضافة اُخری حتّی تستصحب لیکون حاکما علی أصالة اللزوم، فالشک حینئذٍ فی حدوث علاقة جدیدة للمالک الأوّل بعد الفسخ _ لا فی بقائها _ و الأصل عدمها.

الثالثة: العقد الخیاری یوجب بسبب الخیار أن یحدث علاقة لذی الخیار فهو مالک لأن یملک، لا أنّ العلاقة الاُولی باقیة له، کما ذکره المحقق النائینی(2).

الرابعة: ان کان المراد من العلاّقة هی جواز رجوع المالک السابق إلی العین و استرجاعها من الآخذ بالمعاطاة فلا ریب فی أنّ ذلک لم یکن موجودا سابقا و أنّه مشکوک الحدوث فعلاً، فالأصل یقتضی عدمه دون بقائه.

الخامسة: و إن کان المراد منها أنّ الملکیة الثابتة للمالک لها مراتبُ شَتّی التی لم یعلم

ص: 108


1- (1) المکاسب 5/23 و 22.
2- (2) منیة الطالب 1/144.

زوال جمیعها بالبیع المعاطاتی، بل من المحتمل أنّ الملکیة إذا زالت بحدّها الأقوی بقیت منها المرتبة الضعیفة.

فیرد علیه: الملکیة الاعتباریة لیست مشکّکة و لیست ذات مراتب، لأنّ اعتبار أیّة مرتبة منها مغایرة لاعتبار مرتبتها الاُخری. فحینئذ إذا زال المرتبة الأقوی ثبوت مرتبة اُخری منها تحتاج إلی دلیل و هو مفقود.

السادسة: و إن کان المراد منها هُوَ بقاء سلطنة المالک و قدرته علی التصرف فی العین لأنّ الملکیة و السلطنة أمران مُتَغایرانِ و یمکن تفکیک أحدهما عن الاْآخَرِ کما فی المحجور بقی ملکه من دون السلطنة و فی الولی و الوصی لهما السلطنة علی أشخاص أو أموال من دون الملک، فعلی هذا أنّ المتیقن هو سقوط الملکیة و أمّا السلطنة للمالک فزوالها مشکوک فیه فتستصحب.

و یرد علیه: نعم یتغایر الملکیة عن السلطنة ولکن تغایرهما من قبیل تغایر الحکم و موضوعه لأنّ الملکیة موضوع للسلطنة و إذن قتدور السلطنة مدار موضوعها _ أی الملکیة _ و علی هذا لا یجری استصحاب بقاء السلطنة لعدم اتحاد الْقَضِیَّتَیْنِ المتیقنة و المشکوکة، لأنّ المتیقنة منهما أنّما هی السلطنة المترتبة علی المکیة و المشکوکة منهما إنّما هی السلطنة العاریة عن الملکیة فلا یجری استصحاب السلطنة. و من المعلوم أنّ انفکاکهما فی الموارد الخاصة لوجود دلیل خاص و نص معتبر. کما یظهر من السیّد المحقق الخوئی(1) رحمه الله .

ص: 109


1- (1) مصباح الفقاهة 1/136 و 135.
2_ حدیث السلطنة

و هو قوله صلی الله علیه و آله : إنّ الناس مسلطون علی أموالهم.(1)

مقتضی الجمع الوارد علی الجمع هو عموم السلطنة لکلِّ مالکٍ علی ماله، فیجوز له جمیع أنحاء التصرفات المجوّزة شرعا فی ماله، و منع سلطنة غیر المالک عنه، فحینئذ الخبر متضمن لعقدین:

أ: العقد الإیجابی: و هو سلطنة المالک علی ماله بجمیع أنحاء السلطنة و التصرف، ولکن نعلم من الخارج تقییده بالشریعة المقدسة.

ب: العقد السلبی: و هو نفی سلطنة الغیر عن ماله بأیّ نحو کانَ، و هذا الأخیر یخرج من عموم الأوّل، و العقد الإیجابی لا یکون تامّا حتّی یلحقه العقد السلبی، أی أنَّ تَصَرُّفات المالک لا تکون تامة إلاّ أن یَلْحَقَها نفی تصرفات الغیر.

و علی هذا الأساس عموم سلطنة المالک علی ماله ینفی سلطنة الغیر عن ماله فحینئذ یدلُّ علی عدم نفوذ رجوع الغیر أی المالک الاوّل السابق. لأنّ المال الآن للمالک الأخیر و السلطنة علیه تختص به لا بالأوّل، فعموم السلطنة یَدُلُّ علی اللزوم و عدم نفوذ رجوع المالک الأوّل.

و قد یناقش فی دلالة عموم السلطنة أو إطلاقها علی اللزوم بوجوه:

الأوّل: ما یظهر من المحقق الخراسانی من أنّ الروایة فی مقام بیان عدم محجوریة المالک لا فی نفوذ جمیع تصرفاته فلا یتم التمسک بها لأجل إثبات لزوم المعاملة، قال قدس سره : «... حیث أنّه مسوق لبیان سلطنة المالک و تسلّطه، قبالاً لحجره، لا لبیان تشریع أنحاء السلطنة، کی یجدی فیما إذا شک فی تشریع سلطنته فلا یجوز التمسک به علی صحة معاملة خاصة و

ص:110


1- (1) عوالی اللآلی 1/457، ح198 و نقل عنه فی بحارالأنوار 2/272، ح7 (1/358).

جواز تصرّف خاص مع الشک فیهما شرعا، فافهم»(1).

و تبعه فی هذه المناقشة المحقق السیّد الخوئی حیث یقول: «... أنّ دلیل السلطنة یتکفل ببیان استقلال المالک فی التصرف فی أمواله فی الجهات المشروعة و عدم کونه محجورا عن التصرف فی تلک الجهات و لیس لغیره أن یزاحمه فی ذلک، و علیه فشأن دلیل السلطنة شأن الأوامر المسوقة لبیان أصل الوجوب من غیر نظر فیها إلی تعیین الواجب من حیث الکم و الکیف. و علی الجملة: أنّ دلیل السلطنة لا یدل علی استقلال الملاّک فی

التصرف فی أموالهم من جمیع الجهات بحیث لو منع الشارع عن التصرف فیها من ناحیة خاصة کان ذلک مخصصا لعموم الحدیث...»(2).

و یرد علیهما: إنَّهُ لا قصور فی عموم الناس و لا فی إطلاق السلطنة و مقتضی مقابلة الجمع بالجمع أن یکون کلّ أحد مسلّطا علی ماله بأیّ نحو من أنحاء السلطنة و منها: منع الغیر عن التصرف فی ماله کما عن المحقّق النائینی(3).

الثانی: سلطنة المالک لا تُنافیْ الخیار بناءً علی کَوْنِها مُتَعَلِّقَةً بالعقد لا بالعین، فصاحب الخیار ینفسخ العقد _ أی حلّه _ و لازمه إرجاع العین، فحینئذ لا یکون الفسخ تصرفا فی ملک الغیر حتّی یکون منافیّا مع عموم سلطنته.

و یرد علیه: تعلّق الخیار بالعقد و حلّه لا بالعین _ حتّی علی القول به _ یرجع بالمآل إلی التصرف بالعین لأنّ تعلّقه بالعقد طریقی لا موضوعی، أیّ تعلق الخیار بالعقد و حلّ العقد به یصیر طریقا إلی استرجاع العین و التصرف فیه، و حقّ استرجاع العین یستلزم أن تکون سلطنة المالک ناقصة، لأنّه ینجرّ إلی التصرف فی العین _ و بعموم السلطنة و إطلاقها

ص:111


1- (2) حاشیة المکاسب /12 للمحقّق الآخوند الخراسانی.
2- (1) مصباح الفقاهة 2/102 _ و نحوها فیه 2/137.
3- (2) منیة الطالب 1/154.

تنفی هذا الحقّ کما ذکره المحقّق النائینی(1).

الثالث: انّ التمسک بهذه الروایة لأجل إثبات اللزوم فی المعاطاة علی القول بالملکیة فیها یکون من قبیل التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذلک العام، لأنّ مع الشک فی تأثیر الفسخ یشک فی بقاء أصل المالکیة، فالتمسک بها فی إثبات المالکیة یکون من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة.

و بعبارة اُخری: إذا شک فی لزوم معاملة أو جوازها و فسخ أحد المتعاملین فحینئذ یشک فی جواز تصرفات المالک لاحتمال تأثیر الفسخ و رجوع المال عمّا انتقل إلیه إلی ما انتقل عنه و اثبات اللزوم و نفوذ تصرفات المالک بعموم دلیل السلطنة أو إطلاقها تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام.

و یرد علیه: نعم، التمسک به فی الشبهات الموضوعیة تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة فإذا شک فی عقد بین البیع و الهبة لا یمکن القول باللزوم بعموم دلیل السلطنة، لاحتمال کونه من مصادیق ما ثبت فیه شرعا سلطنة غیر المالک علی ملک المالک إذا کان

العقد فی الشریعة من العقود الجائزة، بخلاف الشبهة الحکمیة و الفرق بینهما واضح فإنّ مرجعهما إلی الشک فی أصل التخصیص فی الشبهة الحکمیة، و إلی الشک فی مصداق المخصص إذا کانت الشبهة مصداقیة.

و بعبارة واضحة: نفرض آنَیْنِ، أحدهما آنٌ یقع فیه الفسخ و الآخر آنٌ یقع فیه التصرف بعد الفسخ فی العین المرتجعة، و من الواضح أنّ الشک یقع فی الآن الثانی و فی جواز تصرفات المالک فیه أم لا؟ و الشک ناشٍ من نفوذ الفسخ من المالک السابق و عدم نفوذه، ولکن ببرکة عموم السلطنة یحکم بجواز تصرفات المالک فی العین المرتجعة فإذا جاز تصرفه

ص:112


1- (3) منیة الطالب 1/154، المکاسب و البیع 1/178.

لم یؤثر الفسخ و یحکم باللزوم ولکن هذا إذا کانت الشبهة حکمیة بحیث نشک فی أصل وجود التخصیص و الأصل عدمه، ولکن إذا کانت الشبهة مصداقیة یقع الشک فی مصداق المخصص و عموم الدلیل لایتمکن من تعیین مصداق مخصصه.

الرابع: ما ذکره المحقق الإصفهانی بقوله: «إنّ المنفی بالالتزام هی السلطنة المنافیة لسلطنة المالک علی جمیع التصرفات الواردة علی المال، دون غیرها من أنحاء السلطنة، مثلاً سلطنة المالک علی بیع ماله تنافی سلطنة الغیر علی اشترائه منه بدون اختیاره و لیس سلطنة الغیر علی الرجوع سلطنة علی تملّک المال علی حدِّ سلطنة الشفیع علی تملّک مال المشتری ببذال الثمن لتکون مزاحمة لسلطان المالک، بل سلطنة علی الرد و الاسترداد، فهو فی الحقیقة سلطنة علی إزالة الملکیة، و المالک له السلطان علی الملک لا علی الملکیة، فکما لیس له السلطنة علی إزالة الملکیة ابتداءً، کذلک لیس له السلطنة علی إبقاء الملکیّة، حتّی تکون سلطنة الغیر علی إزالتها مزاحمة لها»(1).

حاصل إشکاله یرجع إلی الفرق بین السلطنة علی الملک التی أثبتها الحدیث و السلطنة علی الملکیة التی هی خارجة عن مدلول الحدیث، لأنّ مقتضی ترتب السلطنة علی أموالهم _ أی الملک _ تأخُّرها رتبة عن إضافة الملکیة و سلطنتها تأخِّر کلّ حکم عن موضوعه و هذه إضافة الملکیة و سلطنتها أیضا متأخرة عن العقد المملِّک أو المعاطاة، و حیث أن نسبة الفسخ إلی العقد نسبة الرافع إلی المرفوع فلو فسخ المالک الأصلی کان مقتضاه إعدامَ العقد أو انحلاله الموضوع لإضافة الملکیّة الموضوعة للسلطنة، فظهر مما ذکرنا أنّ فسخ العقد یتقدَّم علی السلطنة الملک برتبتین و علی السلطنة الملکیّة برتبة واحدة فلا معنی لتأثیر

سَلْطَنَةِ الملک فی الفسخ الذی یتقدَّم علیه برتبتین و لا حتّی تأثیر السلطنة الملکیة علیه لأنّ

ص:113


1- (1) حاشیة المکاسب 1/139.

الفسخ یتقدَّم علیه برتبة واحدة لاستحالة تکفل الحکم بإبقاء موضوع نفسه و لاستحالة تأثیر الحکم فی أمر متقدِّم علیه برتبة أو رتبتین علی موضوع نفسه.

ولکن یرد علیه: أوّلاً: نحن لا نفرق بین السلطنة علی الملک و الملکیّة، لأنّ سلطنة المالک علی ملکه تکفی فی کونه سلطانا علی إبقائه و إزالته من غیر احتیاج إلی السلطنة علی الملکیّة، و علی فرض تعددهما أنّ السلطنة علی الملک بما هو ملک سلطنة علی الملکیة أیضا فإزالة ملکیّته من غیر اختیاره من اُوضح مراتب المزاحمة لسلطنته و عموم حدیث السلطنة أو إطلاقها ینفیها.(1)

و ثانیا: حدیث تعدد الرتبة علی فرض صحتها أجنبی عن الاستظهار العرفی المعوّل علیه فی الخطابات الشرعیة فلا ینظر إلیها.

و ثالثا: علی فرض صحة الفسخ بالمآل ینافی سلطنة المالک الفعلی علی المال و لذا یَنْفِیْهِ عموم حدیث السلطنة أو إطلاقه.

و رابعا: قد مرّ منّا مرارا عدم سرایة القوانین الحاکمة علی عالم الکون إلی عالم التشریع و الجعل و الاعتبار، و الاعتبار سهل المؤنة یکفی فی صحته عدم اللغویة، و ما قرّره المستشکل یختص بعالم التکوین لا الاعتبارت.

هذا کلّه بالنسبة إلی المناقشات الواردة فی دلالة الحدیث و جواباتها.

و أمّا سنده: فهذه الروایة لم تذکر فی کتبنا إلاّ علی نحو الإرسال فسندها ضعیف.

قد یقال: بانجبار ضعف سندها بعمل المشهور من فقهائنا علی طبقها و إرْسالِهِمْ إیّاها فی کتبهم الاستدلالیّة إرْسالَ الْمُسَلَّماتِ حتّی جعلوا مفادها من القواعد الفقهیة المسلَّمة عندهم و قد تمسک بها أساطین فقه الشیعة:

ص:114


1- (1) لتفصیل هذا الجواب راجع کتاب البیع 1/107 للمحقّق الخمینی قدس سره .

فَقَدْ قال المحقق فی قرض الشرائع: «القرض یُمْلَکُ بالقبض لا بالتصرف، لأنّه فرعُ الملک فلا یکون مشروطا به، و هل للمُقْرِضِ ارتجاعُهُ؟ قیل: نعم، و لو کره المقترضَ، و قیل: لا، و هو الأشبه، لأنّ فائدةَ المِلْکِ التسلُّطُ»(1).

و قال تلمیذه و ابن اُخته العلاّمة فی بیع التذکرة: «یجوز بیع کلّ ما فیه منفعة لأنّ الملک سبب لإطلاق التصرف، و المنفعة المباحة کما یجوز استیفاؤها یجوز أخذ العوض عنها

فیباح لغیره بذل ماله فیها توصّلاً إلیها و دفعا للحاجة بها، کسائر ما اُبیح بیعه و سواء أجمع علی طهارته کالثیاب و العقار و بهیمة الأنعام و الخیل و الصیود أو مختلفا فی نجاسته کالبغل و الحمار و سباع البهائم و جوارح الطیر الصالحة للصید کالفهد و الصقر و البازیء و الشاهین و العقاب، و الطیر المقصود صوته کالهزار و البلبل، و هذا هو الأقوی عندی، و به قال الشافعی و أحمد»(2).

و قال فی بحث کیفیة الأخذ بالشفعة: «یجوز للمشتری التصرف فی الشقص قبل أن یأخذه الشفیع و قبل علمه بالبیع فإذا تصرّف صح تصرّفه لأنّ مَلِکَهُ بالعقد إجماعا و فائدة الملک استباحة وجوه الانتقاعات و صحّ قبض المشتری له، و لم یبق إلاّ أنّ الشفیع ملک علیه أن یملک، و ذلک لا یمنع تصرّفه کما لو کان الثمن معیبا فتصرّف المشتری فی المبیع. و کذا الموهوب له إذا کان الواهب ممّن له الرجوع فیها، فإنّ تصرّفه یصحّ و إن ملک الواهب [الرجوع] فیها...»(3).

و قال فی قرض المختلف: «مسألة: قال الشیخ فی المبسوط(4) و الخلاف(5): یجوز للمُقْرِض أن

ص:115


1- (2) الشرائع 2/62.
2- (1) تدکرة الفقهاء 10/33، مسألة 12.
3- (2) تذکرة الفقهاء 12/251، مسألة 740.
4- (3) المبسوط 2/161.
5- (4) الخلاف 3/177، مسألة 299.

یرجع فی عین القرض. و قال ابن ادریس: لیس له ذلک إلاّ برضی المقترض(1). و هو الأجود لنا: أنّه ملکه بالقرض و القبض، فلا یتسلّط المالک علی أخذه منه لانتقال حقّه إلی المثل أو القیمة. و احتج الشیخ بأنّه کالهبة. و الجواب: المنع من المساواة بین المسألتین»(2).

و بالجملة: حدیث ا لسلطنة یَدُلُّ علی اللزوم و تمت عندنا دلالتُهُ و یجبر ضعف سَنَدِهِ بالشهرة، و الحمدللّه.

لا یقال: إنّهم لم یذکروا تمسّکهم بحدیث السلطنة فَمِن الممکن انّهم تمسکوا بالقاعدة المقبولة عند العقلاء من ذهابهم إلی أنّ حقّ السلطنة علی المال للمالک.

لأنّا نقول: إنّهم تمسکوا باطلاق السلطنة و الاطلاق لا یستفید إلاّ من الحدیث و الدلیل اللفظی لأنّ لیس للقاعدة المقبولة عند العقلاء إطلاق لأنّها دلیل لبّی فلا یجوز التمسک بإطلاقها أی لیس لها إطلاق أصلاً و حیث أنّهم تمسکوا بإطلاق السلطنة فهم یتمسکون

بحدیث السلطنة.

3_ حدیث لا یحل مال امری ءٍ إلاّ عن طیب نفسه

قد وَرَدَ مضمون هذا الحدیث فی عدّة من الروایات:

منها: موثقة سماعة عن أبیعبداللّه علیه السلام فی حدیث أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال: من کانت عنده أمانة فلیؤدها إلی من ائتمنه علیها، فإنّه لا یحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطیبة نفسه(3).

ص:116


1- (5) السرائر 2/60.
2- (6) مختلف الشیعة 5/392.
3- (1) وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.

و نحوها صحیحة أبی اسامة زید الشحام(1).

و منها: التوقیع الشریف الْمَرْوِیُّ بسند صحیح عن الناحیة المقدسة و فیه: و أمّا ما سألت عنه من أمر الضیاع التی لناحیتنا هل یجوز القیام بعمارتها، و أداء الخراج منها و صرف ما یفضل من دخلها إلی الناحیة احتسابا للأجر و تقرّبا إلیکم؟ فلا یحلّ لأحدٍ أن یتصرّف فی مال غیره بغیر إذنه، فکیف یحلّ ذلک فی مالنا؟! من فعل شیئا من ذلک لغیر أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم علیه و من أکل من مالنا شیئا فإنّما یأکل فی بطنه نارا و سیصلی سعیرا(2).

و منها: خبر محمّد بن زید الطبری قال: کتب رجل من تجار فارس من بعض موالی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله الإذن فی الخمس، فکتب إلیه: بسم اللّه الرحمن الرحیم، إنّ اللّه واسع کریم ضمن علی العمل الثواب و علی الضیق الهمّ، لا یحلّ مال إلاّ من وجهٍ أحلّه اللّه، إنّ الخمس عوننا علی دیننا و علی عیالاتنا و علی أموالنا، الحدیث(3).

و منها: مرسلة ابن شعبة الحرانی رفعه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال فی خطبة الوداع: أیها الناس، إنّما المؤمنون إخوة و لا یحلّ لمؤمن مال أخیه إلاّ عن طیب نفس منه(4).

و منها: مرسلة ابن أبی جمهور الأحسائیّ رفعه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال: المسلم أخوالمسلم، لا یحلّ ماله إلاّ عن طیب نفسه.

و عنه صلی الله علیه و آله قال: لا یحلبن أحدکم ماشیة أخیه إلاّ بإذنه(5).

ص:117


1- (2) وسائل الشیعة 29/10 ح3، الباب 1، من أبواب القصاص فی النفس.
2- (3) وسائل الشیعة 9/540، ح7، الباب 3 من أبواب الأنفال.
3- (4) وسائل الشیعة 9/538، ح2.
4- (5) وسائل الشیعة 5/120، ح3.
5- (6) مستدرک الوسائل 3/331، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.

و هذه الروایات تدلّ علی حرمة التصرف فی مال الغیر بدون إذنه و فیها الصحیحة و الموثقة ولکن خصوص ما ذَکَرَهُ الشیخ الأعظم من الروایة لم أقِفْ علیه فی کتب الحدیث و کأنّه نقل المضمون أو المعنی.

و أمّا دلالتها: فَإنَّ الروایات تدلّ علی سبب حلّیّة التصرف فی مال الغیر هو طیب نفسه و رضاه _ أی طیب نفس مالکه و رضاه _ و لم یجز للغیر التصرف فیه إلاّ بإذنه و رضاه، فلا یجوز للغیر أن یتملّک ذلک المال بدون إذن مالکه و رضاه حیث أنّ تملّکه کذلک مُنافٍ لانحصار سبب الحلّ فی الرضا و الإذن.

و بلا فرق بین ذلک الغیر أنّه المالک السابق أو غیره فحینئذ انحصار سبب الحلّ فی رضا المالک و إذنه یکشف عن عدم نفوذ فسخ المالک السابق لأنّ الفسخ و الرجوع تصرّف فی مال الغیر و کلّ تصرُّفٍ غیر مشروط برضا المالک أو إذنه ممنوع شرعا فلا ینفذ فسخه و هذه عبارة عن لزوم الملک.

توهمٌ: موضوع الحرمة هو مال الغیر و مادام هذا الموضوع محقّقا ثبتت الحرمة و إذا انتفی انتفت الحرمة لأنّ الحکم لا یتعرض لموضوعه نفیّا أو إثباتا فحینئذ التمسک بهذه الأحادیث علی لزوم المعاطاة تمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام، لأنّ بعد الرجوع و نفوذه من المالک الأوّل لایَبْقی موضوع لمال الغیر حتّی یُتَمَسَّکَ بحدیث لا یحلّ مال الغیر.

دفعه: ظهر ممّا ذکرنا فی حدیث السلطنة(1) لدفع هذا الاشکال من جواز التمسک بالعام فی الشبهات الحکمیة لذاک العام لأنّه یرجع بالمآل إلی الشک فی أصل التخصیص و الأصل عدمه و ما نحن فیه من هذا القبیل، لا من التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام. هذا أوّلاً.

ص:118


1- (1) الاشکال الثالث فی حدیث السلطنة.

و ثانیا: الحِلِّیةُ فی مال الغیر مَنُوْطَةٌ بطیب نفسه أعنی رضاه و إذنه و حیث أنّ جواز التصرف فی مال الغیر منوط برضاه و إذنه فقط و علی الفرض لا یرضی المالک لغیره بالفسخ و لا یأذن فیه، فالفسخ لا ینفذ و یردّ.

و ثالثا: عدم حلّیة مال الغیر یشمل تملّکه أیضا و لا معنی لحرمة التملّک إلاّ فساده و عدم تأثیره فی الملکیة فصار مفاد الروایة أنّه لا یحلّ التصرف فی مال أحدٍ و لا تملّکه بأیّ سبب من الأسباب إلاّ بطیب نفسه کما عن المصباح(1).

نعم، لأجل تمامیة الاستدلال لابدّ من التَّذْکِیْرِ باُمور مُهِمَّة:

الأوّل: أنّ المراد بالحلّ فی الشریعة المقدسة أعنی عدم وجود المانع الشرعی و لذا یمکن الذهاب و المضی فیه و هذا المعنی أعمّ من الوضع و التکلیف مع وحدة المعنی، و المراد بالحرمة فی الشریعة أعنی وجود المانع الشرعی و لذا لا یمکن الذهاب و المضی فیها و لذا یشمل الوضع و التکلیف معا بالمعنی الواحد کما مرّ منّا هذا الْمَبْنی فی البحث عن المکاسب المحرّمة.

الثانیة: الحلّ إذا تعلّق بالمال ظاهر بالأعم من الوضع و التکلیف و توهم الاختصاص بالتکلیف فقط بمثل الأکل و الشرب و غیرهما من التقلّبات الحسّیّة و المعاملیة بلا تردید فإذا جاز له ذلک، لم یجز لغیره إلاّ مع طیب نفسه و رضاه و إذنه. فحینئذ لا یتم اطلاق ما ذکره بعض الأعلام من أنّ الحلّ إذا أسند إلی الأعیان الخارجیة یُرادُ منه الحلّ التکلیفی فقط لأنّه من الممکن استفادة الحلیة المطلقة أی التکلیف و الوضع معا بالمعنی الذی مرّ منّا بحیث لا یستلزم منه استعمال اللفظ فی أکثر من معنی _ و إن ذهبنا إلی جوازه فی الاُصول _ کما إذا أسند إلی الأموال أو النساء أو غیرهما.

ص:119


1- (2) مصباح الفقاهة 2/138.

الثالثة: حذف المضاف فی حدیث «لا یحلّ مال امری ء» أی لا یحلّ التصرف فی مال أمری ء، قرینة علی عمومیة المضاف أیّ التصرف فحینئذ یشمل التصرف الخارجی و الاعتباری معا، لأنَّهُ لا یصح إطلاق عدم حلّیّة الذات إلاّ بملاحظة أنّ المنفی جمیع الاُمور و التقلبات من الحسیّة و الاعتباریة و المعاملیة.

بعد وضوح هذه الاُمور یظهر ما فی إشکال السیّدین الحکیم و الخوئی حیث یقول السیّد الحکیم: «هذا یتوقف علی أن یکون المراد من الحلّیّة، الحلّیّة الوضعیة لیکون موضوعها التصرفات الإعتباریة التی منها التملّک، أمّا لو کان المراد منها الحلّیّة التکلیفیة کما هو الظاهر منها، و لا سیّم_ا بقرینة السیاق و المورد، إذ لم نعثر علی المتن المذکور إلاّ علی ما رواه سماعة عن أبیعبداللّه علیه السلام ... اختصّت بالتصرفات الحقیقیة مثل أکله و لبسه و نحو هما فلا تشمل التملّک، و أمّا روایة تحف العقول... فضعیفة السند»(1).

و فیه: مضافا إلی مرّ من أعمیة الحرمة للوضع و التکلیف مع وحدة المعنی، و وجود التوقیع الشریف المروی بسند صحیح و فیه: «فلا یحلّ لأحدٍ أن یتصرف فی مال غیره بغیر

إذنه»(2) الظاهر فی الأعم من الوضع و التکلیف.

و یقول السیّد الخوئی: «... إذا اُسند لفظ الحلّ إلی الاُمور لاعتباریة کالبیع و نحوه اُرید منه الحلّ الوضعی و التکلیفی معا، و إذا اُسند ذلک إلی الأعیان الخارجیة اُرید منه الحلّ التکلیفی فقط... و هکذا الحال فی لفظ التحریم. و علیه فلفظ الحلّ فی الروایة الشریفة إنّما نسب إلی المال و هو إمّا من الأعیان الخارجیة أو من المنافع و علی کلا التقدیرین فلا معنی لحلّیّة ذلک إلاّ باعتبار ما یناسبه _ کالتصرف _ و إذن فیراد من حلّیّة المال حلّیّة التصرف

ص:120


1- (1) نهج الفقاهة /81 و 80، طبع عام 1421، قم المقدّسة بتحقیق جواد القیومی الإصفهانی.
2- (1) وسائل الشیعة 9/540، ح7.

فیه... و علی هذا فمعنی الروایة: أنّ الشارع المقدس لم یرخص فی التصرف فی مال امری ء إلاّ بطیب نفسه، و إذن فهی أجنبیة عمّا نحن فیه»(1).

و فیه: قد مرّ أعمیة الحرمة و الحلّ للوضع و التکلیف سیما إذا اُسند إلی المال و النساء و عمومیة التصرف کما یظهر من حذف المضاف و وافقنا علی هذا الإشکال شیخنا الاستاذ قدس سره فِیْما أوْرَدَهُ علی استاذه و قال: «وجه الضعف ما ذکرنا من أنّ الظاهر من إضافة عدم الحلّ إلی المال الذی من قبیل الأعیان تعلّقه بالتصرفات المتعارف، تعلقها به سواء کانت حقیقیة أو اعتباریة و مقتضی عدم الحلّ فی الإعتباریات هو الوضع»(2).

و کذا یظهر ما فی اشکالات المحقّق الأردکانی حیث یقول: «... لکن یرد علی هذا الوجه من التمسک تارة: بأنّ الظاهر من لا یحلّ الحرمة التکلیفیة لا الوضعیة فهی مختصة بغیر التملّک، و اُخری: دعوی ظهور الروایة فی تقدیر التصرف بقرینة التصریح به فی روایة «لا یحلّ لأحد أن یتصرف فی مال غیره»، و ثالثة: یلزم منه الجمع بین إرادة الحکم التکلیفی و الوضعی فی کلمة واحدة فالمراد من قوله علیه السلام : لا یحلّ، أحد الحکمین و قد تقدم ظهوره فی الأوّل»(3).

و الحاصل: تمامیة الاستدلال علی اللزوم بمضمون هذه الروایات علی القول بالملک فی المعاطاة عندنا و اللّه العالم.

ص: 121


1- (2) مصباح الفقاهة 2/139.
2- (3) إرشاد الطالب 2/58.
3- (4) غنیة الطالب 2/49.
4_ قوله تعالی: «و لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل إلاّ أن تکون تجارةً عن تراض»

(1)

تمسّک الشیخ الأعظم بهذه الآیة الشریفة مرّتین تارة بالنظر إلی مجموع المستثنی و المستثنی منه و جعله الدلیل الرابع. و اُخری استفاد اللزوم من المستثنی منه من دون انضمام الاستثناء و جعله الدلیل الخامس.

تقریب الوجه الأوّل: الأکل فی الآیة الشریفة کنایة عن التصرف و التملّک کما هو الشائِعُ فی کلِّ لغةٍ و فی کلمات فصحائها، فالآیة تدلّ علی عدم جواز تملّک أموال الناس أو التصرف فیها بسبب من الأسباب الباطلة التی لم یمضها الشارع _ کالقمار و السرقة و الربا و غیرها _ إلاّ أن یکون سبب الأکل و التصرف و التملّک هو التجارة عن تراض فقط.

و لا فرق فی استفادة انحصار سببیة الناقل و المملِّک للأموال فی التجارة عن تَراضٍ بین کون الإستثناء متصلاً _ کما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربیة _ فحینئذ تکون الباء للسببیّة و یصیر مفاد الآیة الشریفة عدم جواز تملّک أموال الناس بسبب من الأسباب الباطلة إلاّ أن یکون ذلک السبب تجارة عن تراض، فیستفاد من الآیة الشریفة حصر الأسباب الصحیحة فی التجارة عن تراض.

و بین ان یَکُوْنَ الاستثناء منقطعا فتصیر الآیة ظاهرة فی بیان الکُبْرَیَینِ الکلّیّتین و هما حرمة تملّک أموال الناس بالباطل، و نفوذ التجارة عن تَراضٍ و صحتها فحینئذ لابدّ من إحراز موضوع کلّ من الکبریین بالعرف حتّی یترتب علیه حکمه الخاص. و لا یمکن اثبات الحصر فی هذا الفرض بالقرینة المقامیة و هی: أنّ الشارع فی هذا المقام بصدد بیان الأسباب المشروعةِ للمعاملات و لا یذکر إلاّ التجارة عن تراض و لا ریب بأنّ الاهمال یضرّ بالمقصود فلا محالة یستفاد حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات فی التجارة عن تراض.

ص:122


1- (1) سورة النساء /29.

و علی کلّ تقدیر ینحصر السبب الناقل فی الأموال بالتجارة عن تراض، و أمّا الرجوع من المالک السابق و فسخه فلا یدخل فی التجارة لأنّها هی الإعطاءُ و الأخذُ بقصد الاسترباح و من المعلوم إنّ المالک الأوّل حین رجوعه لا یُحصِّل ربحا بل إنّما یستردّ عین ماله.

و کذا لا یصدق علی الرجوع و الفسخ عنوان التراضی لفرض عدم رضا المالک الفعلی به و إلاّ کان إقالة من الطرفین.

و علی هذا الأساس مجموع المستثنی و المستثنی منه یَدُلُّ علی عدم جواز الرجوع و الفسخ من المالک السابق _ أی عدم نفوذ فسخه _ فتصیر المعاملة لازمة. هذا بنظرنا القاصر.

ولکن بنظر الشیخ الأعظم لا یتم هذا الاستدلال لأن_ّه قال فی بحث الاختیار من شروط المتعاقدین مانصه: «... لأنّ دلالة الآیة علی اعتبار وقوع العقد عن التراضی إمّا بمفهوم الحصر و إمّا بمفهوم الوصف، و لا حصر کما لا یخفی لإنّ الاستثناء منقطع غیر مفرّغ، و مفهوم الوصف _ علی القول به _ مقیّد بعدم ورود الوصف مورد الغالب کما فی «ربائبکم اللاتی فی حجورکم»(1)...»(2).

فالشیخ الأعظم یری الاستثناء منقطعا لا یَدُلُّ علی الحصر فلا یتم الاستدلال علی اللزوم علی رأیه کما نبّه علیه الفقیه الیزدی(3).

و تبعه شیخنا الاُستاذ قدس سره و قال: «... انّ الاستثناء فی الآیة من قبیل الاستثناء المنقطع فلا یفید حصرا حیث أنّ التجارة عبارة عن البیع و الشراء بقصد تحصیل الربح کما هو حال التجار فی الأسواق، و التجارة بهذا المعنی لا تکون داخلة فی عنوان الأکل بالباطل حتّی

ص:123


1- (1) سورة النساء /23.
2- (2) المکاسب 3/331.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/360.

یعمّها النهی لو لا ذکر الاستثناء. و بالجملة الآیة متضمنة لحکم التملّک بالباطل و أنّه فاسد فی الشرع و لحکم التملّک بالتجارة و التراضی و أنّه جایز، و أمّا سایر المملّکات التی لا تدخل فی عنوان الأکل بالباطل بحسب بناء العقلاء کالهبة و الاجارة و الصلح و البیع و الشراء لا بقصد تحصیل الربح إلی غیر ذلک فلیست للآیة دلالة علیها، و علی ذلک فعدم کون الرجوع من التجارة و لا من التراضی لا یوجب الحکم بفساده»(1).

أقول: إن تمت القرینةُ المقامیةُ المُدَّعاةُ سابقا من أنّ الشارع فی هذا المقام بصدد بیان الأسباب المشروعة للمعاملات و لا یذکر إلاّ التجارة عن تراض و من المعلوم أنّ الاهمال یضرّ بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر و تم الاستدلال و یمکن دخول کثیر من الاُمور الاقتصادیة فی عنوان التجارة و لا ینحصر بالبیع الاسترباحی فقط و لکن تبعد تمامیة القرینة عندنا.

و بعبارة اُخری: نحن نذهب إلی أنّ الاستثناء فی الآیة الشریفة منقطعٌ _ کما مرّ منّا فی

اوّل البحث عن الأدلة العامة فی المکاسب المحرّمة(2) _ ولکن العقد الثانی فی الآیة أیّ التجارة عن تراض أیضا مطلق یشمل المعاطاة فیحکم بصحتها و لزومها، فالتمسک فی هذه الاخیرة بالاطلاق اللفظی لا المقامی فتأمل.

و أمّا التوهم السابق فی تقریب الاستدلال بحدیثی السلطنة و لا یحلّ من أنّ التمسک بهما یکون من مصادیق التمسک بالعام فی الشبهة المصداقیة لذاک العام، لا یجری هنا لأنّ المستفاد من الآیة الشریفة حصر سبب تملّک أموال الناس فی التجارة عن تراض و من المعلوم أنّ رجوع المالک السابق لا یصدق علیه التجارة _ و لا عن تراض _ فتدلّ بالدلالة المطابقیة

ص:124


1- (4) إرشاد الطالب 2/59.
2- (1) راجع الآراء الفقهیة 1/13.

علی عدم جواز أکل المال بهذا الرجوع أو الفسخ، أعنی بطلانهما.

و علی ما ذکرنا لابدّ أن تکون عبارة الشیخ الأعظم هکذا: «و التوهم المتقدم فی السابق غیر جار هنا...»(1) مع وجود کلمة الغیر، و إلاّ لاتتم العبارة إلاّ بالبعض.

التأویلات الباردة نحو: «التوهم المتقدم فی السابق جار هنا مع جوابه و دفعه» کما ذکره السیّد الیزدی(2)

5_ قوله تعالی: «لا تأکلوا أموالکم بینکم بالباطل»

تمسک الشیخ الأعظم هنا بجملة المستثنی منها فقط من دون انضمام الاستثناء:

تقریب الوجه الثانی: إنّ تملّک أموال الناس بغیر رضا منهم و قهرا و غلبةً تملّک بالباطل و أکل و تصرف بالباطل عرفا فهو حرام بمتقضی النهی عنه، فیکون تملّک المال بالفسخ بدون رضا مالکه أکلاً للمال بالباطل.

نعم، إذا أذن الشارع _ و هو المالک الحقیقی _ فی التصرف و لو من دون رضا مالکه الاعتباری یخرج من البطلان موضوعا و تخصّصا لحکومة الشارع علی أنّه لیس من اُکل المال بالباطل لا حکما و تخصیصا.(3).

و بعد ورود إذن الشارع لا یحکم العرف المتشرعة بکونه مصداقا للباطل کما فی حقّ المارّة و الأخذ بالشفعة و الفسخ بالخیار نحو خیاری الحیوان و المجلس _ و أمّا الأخذ

بالخیارات المستندة إلی الشرط الارتکازی أو المجعولة بتوسط المتعاقدین فلیس مِنْ أوّل الأمر أکلاً للمال بالباطل عرفا _ و الأسباب القهریة نحو: الإرث و الارتداد و الإتلاف فی

ص:125


1- (2) المکاسب 3/55.
2- (3) حاشیة المکاسب 1/359.
3- (4) کما یراه الفقیه الیزدی تخصیصا و خروجه عن البطلان حکما لا موضوعیّا فی حاشیته علی المکاسب 1/360.

حال الغفلة.

ولکن اورد المحقق السیّد الخوئی علی الاستدلال بالآیة الشریفة بقوله: «هذا الاستدلال مبنیٌّ علی أن یکون المراد من الباطل هو الباطل العرفی لکی یکون ذلک أمرا معلوما فی نظر أهل العرف و متمیّزا عن السبب الصحیح، و أما لو اُرید منه الباطل الواقعی _ کما هو الظاهر لأنّ الألفاظ موضوعة للمفاهیم الواقعیة _ أو احتملت إرادة ذلک من کلمة الباطل فی الآیة فلا یمکن الاستدلال بها علی المقصود، لأنّا نحتمل احتمالاً عقلائیا أن یکون الفسخ من الأسباب الصحیحة للأکل لا من الأباطیل الواقعیة، و علیه فیکون التمسک بالآیة فی المقام من قبیل التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة. و هذا ظاهرٌ»(1).

أقول: المخاطب بالآیة الشریفة کغیرها من الأدلة الشرعیة هو العرف فلابدّ من حملها علی المعانی العرفیة و إلاّ صارت مجملة کما مرّ منّا فی اوائل هذا المجلد، و حیث أنّ الآیة الشریفة وردت بالنسبة إلی الأموال و مالکیتها و المالکیة یعدّ من الاُمور الاعتباریة لا الواقعیة فحینئذ _ فی المقام _ یکون مراده قدس سره من المفاهیم الواقعیة _ هو الاعتباریة منها _ و علی هذا لأجل عدم تطرق الإجمال فی الآیة الشریفة لابدّ من حمل کلمات الباطل و التجارة و التراضی علی المعانی العرفیة منها، ولکن للشارع الحکومة علیها و تعینها فی موارد خاصة و ما ذکرهُ الشارع یخرج من المعانی العرفیة بالتخصّص و الموضوع تعبدا لا التخصیص و الحکم کما مرّ آنفا فحینئذ یری العُرْفُ رجوعَ المالک السابق أو فَسْخَهُ خارِجا عن التجارة عن تَراضٍ فیحکم ببطلان الرجوع و عدم نفوذ الفسخ و یندفع اشکال المحقق الخوئی قدس سره و اللّه العالم.

ص:126


1- (1) مصباح الفقاهة 2/141.
6_ أخبار خیار المجلس

هُناکَ عدّة من الروایات تدل علی خیار المجلس:

منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : البیّعان بالخیار حتّی یفترقا، و صاحب الحیوان بالخیار ثلاثة أیام.(1)

منها: صحیحة زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سمعته یقول: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله :

البیّعان بالخیار حتّی یفترقا، الحدیث.(2)

و منها: معتبرة بل صحیحة فضیل عن أبی عبداللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال: قلت له: ما الشرط فی غیر الحیوان؟ قال: البیّعان بالخیار ما لم یفترقا، فإذا افترقا فلا خیار بعد الرضا منهما.(3)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: أیّما رجل اشتری من رجل بیعا فهما بالخیار حتّی یفترقا، فإذا افترقا وجب البیع، الحدیث.(4)

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أباجعفر علیه السلام یقول: بایعت رجلاً فلما بایعته قمتُ فمشیتُ خُطا ثم رجعت إلی مجلسی لیجب البیع حین إفترقنا.(5)

هذه الروایات و أمثالها تدل علی لزوم البیع بعد تفرقة المتبایعین، و من المعلوم أنّ البیع المعاطاتی أیضا بیع بالحمل الشایع و عند العرف و العقلاء و الشرع فتکون مشمولة لعموم الروایات الماضیات.

ص:127


1- (2) وسائل الشیعة 18/5، ح1، الباب 1 من أبواب الخیار.
2- (1) وسائل الشیعة 18/5، ح2.
3- (2) وسائل الشیعة 18/6، ح3.
4- (3) وسائل الشیعة 18/6، ح4.
5- (4) وسائل الشیعة 18/8، ح3، الباب 2 من أبواب الخیار.

ان قلت: هذا الروایات و إن دلت علی لزوم البیع بعد تفرقة المتبایعین عن مجلس العقد، إلاّ أنّ المراد من اللزوم هو اللزوم من ناحیة خیار المجلس فقط لا علی وجه الاطلاق، و الشاهد علیه امکان وجود الخیارات الاُخر فی البیع فإذن لا تدل هذه الروایات علی لزوم البیع مطلقا.

قلت: هذا الاحتمال ممکن فی مقام الثبوت ولکنّه خلاف الظاهر من الروایات فی مقام الإثبات، فإن اطلاقها یقتضی اللزوم بعد التفرق، فلا موجب لصرفها إلی اللزوم من ناحیة خیار المجلس فقط. کما فی المصباح.(1)

نعم: یمکن تقیید هذا الاطلاق بالأدلة الواردة فی اثبات غیرها من الخیارات کما فی کلِّ اطلاق، ولکن الاطلاق بالنسبة إلی الموارد الاُخر موجودٌ و منها: لزوم البیع باق و یجری و یثبت به اللزوم فی البیوع.

7_ قوله تعالی: «اوفوا بالعقود»

(2)

الأمر الوارد فی الآیة الشریفة یکون إمّا إرشادیا أو مولویا:

علی الأوّل: یکون الأمر ارشادا إلی صحة المعاملة و لزومها، بناءً علی أنّ المراد بالعقود هی العهود _ کما یأتی _ أو لم یبن، فالآیة تدل علی وجوب الوفاء بکلِّ ما صدق علیه عنوان العهد أو العقد عرفا، و من المعلوم أنّ المعاطاة عهد أو عقد عرفی کسائر العهود أو العقود، فتکون مشمولة بِعُمُوْمِ الآیة الشریفة.

و علی الثانی: - کما علیه الشیخ الأعظم فی أوّل الخیارات(3) _ یکون الأمر بالوفاء مولویا و دلالتها علی اللزوم یحتاج إلی تقدیم مقدمات:

ص:128


1- (5) مصباح الفقاهة 2/143.
2- (6) سورة المائدة /1.
3- (1) المکاسب 5/17.

الاُولی: هیئة «افعل» ظاهرةٌ فی الوجوب التکلیفی و بعث المکلّف نحو المادة و لا یرفع الید عن الظهور إلاّ بالقرینة القطعیة و هی مفقودة فی المقام فلا یمکن حمل الأمر علی الإرشاد.

الثانیة: الوفاء هُوَ عبارة عن القیام بمقتضی العقد کما عن البیضاوی(1).

الثالثة: العقود الواردة فی الآیة الشریفة لغویّا عبارة عن: «العقد نقیض الحلّ» کما عن ابن منظور(2)، أو «الجمع بین أطراف الشیء و یستعمل ذلک فی الأجسام الصلبة کعقد الحبل و عقد البناء، ثم یستعار ذلک للمعانی نحو عقد البیع» کما عن الراغب(3)، أو «عَقَدَ الحبلَ و البیعَ و العهدَ یعقده: شدَّه» کما عن الفیروزآبادی(4)، أو «العقدُ: العهد الموثّق» کما عن البیضاوی(6)، أو «العقود جمع عقد بمعنی معقود، و هو أو کد العهود، و الفرق بین العقد و العهد: أنّ العقد فیه الاستیثاق و الشدّ، و لا یکون إلاّ بین متعاقدین، و العهد قد ینفرد به الواحد، فکلُّ عهدٍ عقدٌ، و لا یکون کلّ عقدٍ عهدا، و أصله: عقد الشیء بغیره، و هو و صلُه به کما یعقد الحبل» کما عن الطبرسی(5).

و قد نقل الطبرسی بعد تفسیر العقود بالعهود _ و کما فی صحیحة عبداللّه بن

سنان(6) _ أقوالاً أربعة فی العقود الواردة فی الآیة:

أحدها: العهود التی کان أهل الجاهلیة یعاهد بعضهم بعضا علی النصرة و المؤازرة و

ص:129


1- (2) تفسیر البیضاوی /112 من طبع الحجری.
2- (3) لسان العرب 3/296.
3- (4) المفردات /341.
4- (5) القاموس المحیط 1/315.(5) تفسیر البیضاوی/112، طبع الحجری.
5- (7) مجمع البیان 2/151.
6- (1) تفسیر القمی 1/160.

المظاهرة علی من حاول ظلمهم.

ثانیها: العهود التی أخذها الباری علی عباده بالإیمان به و طاعته فیما أحلّ لهم أو حرّم علیهم.

ثالثها: العقود التی یتعاهدها الناس کعقد الأیمان و النکاح و العهد و البیع، أیّ العقود الفقهیة، و المعاملات بالمعنی الأعم.

رابعها: العهود المأخوذة من أهل الکتاب علی العمل بما فیها من تصدیق نبیّنا صلی الله علیه و آله ثم رجّح الطبرسی(1) القول بعموم العهود لکلّ ما اوجبه اللّه تعالی علی العباد و الفرائض و الحدود و العقود الفقهیة المتداولة بین العقلاء.

و قد زاد الفاضل النراقی علی هذه المعانی الأربعة بأربعةً أخْری.(2)

و بعد وضوح هذه المقدّماتِ الثَّلاثِ یتمّ تقریب الاستدلال: بأنّ العقد سواء کان مطلق العهد أو خصوص المؤکّد منه یصدق علی المعاطاة، اذ لا شبهة فی أنّ عنوان العهد و العقد لا ینحصر فی العهد أو العقد اللفظی و القولی و لذا یشمل الفعلی و العملی منهما و هی المعاطاة. فالشارع أمر بِالاْءیْفاء بالمعاطاة حدوثا و بقاءً، فلو لم یلتزم العاقد فی العمل بمقتضی العقد حدوثا أو بقاءً لم یصدق الوفاء به. فوجوب الوفاء بالعقد یعنی استمرار الالتزام به و هذا هو المطلوب.

ولکن جماعة من الأصحاب استشکلوا فی هذه الدلالة:

منهم: الفاضل النراقی من أنه یحتمل أن یکون المراد بالعقود فی الآیة سائر معانی العهد کالوصیة و الأمر و الضمان و قال: «و لو سلّمنا أنّ للعهد معنی یلائم العقود الفقهیة

ص:130


1- (2) راجع مجمع البیان 2/152 و 151.
2- (3) عوائد الأیام، العائدة الاُولی /(5-2).

فإرادة ذلک من الآیة غیر معلومة»(1).

و ما عنه أیضا: من أنّ العهد الموثق إمّا العقدُ اللازمُ شرعا، فلابدّ من إحرازه و معه لا حاجة إلی التمسک بالآیة، أو الموثّقُ العرفی فلابدّ من إثباته، و لیس مجرد بنائهم علی الإبقاء

علی مقتضی العقد توثیقا له، لأنّ ما لا یقصد فیه الإتیان البتة لیس عهدا فحصول التوثیق یحتاج إلی أمرٍ آخرٍ و علی المستدِّل إثبات التوثیق عرفا.(2)

و فیه: العقد سواء یترادف مع العهد أم لا، یکون من أظهر مصادیق العقد و أتمّهاالعقود الفقهیة هذا أوّلاً.

و ثانیا: صحیحة ابن سنان دَلَّتْنا علی الترادف بین العقد و مطلق العهد لا الموَثّق منه فقط حتی یَرِدَ إشکاله الثانی.

و ثالثا: علی فرض أنّ المراد بالعقد هو العهد و هو الموثّق منه لا مطلقا، یکون المراد من العهد الموثّق هو العرفی منه، و المراد منه هو الاْءتْیانُ بمقتضی العقد علی سبیل الحتم و القطع، و هذا یجری بالنسبة إلی المعاطاة البیعی أیضا.

و منهم: المحقّق الإیروانی قال: «إنّ الآیة لا تجدی لإثبات اللزوم عموما، و إنّما تجدی لإثباته فی خصوص ما إذا کان العقد متعلِّقا بالفعل لا فی العقد علی النتیجة الذی منه المقام، إذ العقد علی النتیجة إمّا أن یکون مؤثِّرا فی وقوع تلک النتیجة أو لا یکون مؤثِّرا، و علی کلّ حالٍ لا عمل خارجیٌّ له من العاقد حتّی یخاطب بخطاب «اوفوا»، و أمّا التسلیم للعوضین فذلک لیس لأجل أنّه مصداق للوفاء و إنّما هو من جهة أنّه بالعقد صار مِلکا للغیر فلا یجوز التصرف فیه بغیر إذنه...»(3).

ص:131


1- (4) عوائد الأیام /8.
2- (1) عوائد الأیام /8.
3- (2) حاشیة المکاسب 2/61.

و فیه: قد مرّ تقریب الاستدلال علی اللزوم علی کلّ من المولویة و الإرشادیة و من المعلوم أن البیع المعاطاتی کالقولی یتعلّق بالتملیک أو التبدیل من دون فرق بین العقد القولی و الفعلی، فکلّ منهما یتعلّق بالتبدیل أو التملیک الذی هو فعل یتعلّق به خطاب أوفوا، هذا.

مع أنّ العقد الواقع علی النتیجة یتعلّق به «اوفوا» باعتبار مقتضیاته، فإنّ الملکیة تَتَرَتَّبُ علیها آثارٌ من حرمة تصرف غیر المالک أو حرمة مزاحمته، فالوفاء بالملکیة عبارة عن التصرفات المترتبة علیها، کما عن المحقّق المروج.(1)

و منهم: المحقّق النائینی بعد تقریب دلالة آیة «اوفوا بالعقود» علی اللزوم سواء علی القول بتأصّل الأحکام الوضعیة أو علی القول بأنّها منتزعة عن الأحکام التکلیفیة کما علیه الشیخ الأعظم قدس سره قال: «دلالة الآیة علی اللزوم فی المعاملات اللفظیّة لا إشکال فیها،

کما لا إشکال فی عدم دلالتها علیه فی المعاطاة، لعدم إمکان إفادتها له ثبوتا، مضافا إلی قیام الإجماع علی الجواز»(2).

و فیه: علی القول بترادف العقد مع العهد لا إشکال فی أنّ المعاطاة من العهود فتشملها الآیة الشریفة.

بل العقد یمکن أن یُنْشَأَ بأمرین مستقلین:

الأوّل: اللفظ و الصیغة الخاصة.

الثانی: الفعل و العمل الخارجی.

فالمعاطاة عقد تشملها الآیة الشریفة.

و أمّا الإجماع المذکور فی کلام النائینی فقد عرفت سابقا الاشکال فیه و عدم ثبوته.

ص:132


1- (3) هدی الطالب 1/548.
2- (1) منیة الطالب 1/156.

فما ذکره قدس سره غیر تام.

و الآیة الشریفة تدل علی اللزوم فی المعاطاة.

8_ قوله صلی الله علیه و آله : «المؤمنون عند شروطهم»

وَرَدَ هذا الحدیثُ من رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی موثقة منصور بن یونس بُزُرْج(1)، و بلفظ «المسلمون عند شروطهم» عن أمیرالمؤمنین علیه السلام کما فی حسنة إسحاق بن عمار(2) و عن غیره من الأئمة علیهم السلام کما فی صحیحتی عبداللّه بن سنان(3) و صحیحة محمّد بن مسلم(4) فهذه الروایة لیست بمرسلة کما فی نقل الأحسائی(5).

و قد تمسّک بها عدّة من أعلام الاُمّة علی اللزوم حتّی فی المعاطاة(6) أو مطلق البیع(7). و تبعهم الشیخ هنا فی بحث البیع(8) ولکن ناقشهم فی أوّل الخیارات(9) بمنع صدق الشرط

علی الالتزامات الابتدائیة ثم عاد إلی القول الأوّل _ أی صدق الشرط علی الالتزامات الابتدائیة _ فی بحث الشروط(10) فلابدّ من البحث حول کلمة «الشرط» هل تشمل الالتزامات الابتدائیة أم لا؟ یظهر من بعض اللغویین شموله لها:

ص:133


1- (2) وسائل الشیعة 21/276، ح4، الباب 20 من أبواب المهور.
2- (3) وسائل الشیعة 18/17، ح5، الباب 6 من أبواب الخیار.
3- (4) وسائل الشیعة 18/16، ح 1 و 2.
4- (5) وسائل الشیعة 26/55، ح1، الباب 21 من أبواب موانع الإرث.
5- (6) عوالی اللآلی 1/218، ح84 و 1/293، ح173 و 3/217، ح77 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/301، ح7.
6- (7) نحو المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان 8/383.
7- (8) نحو صاحب الحدائق فی کتابه 19/4.
8- (9) المکاسب 3/56.
9- (10) المکاسب 5/21.
10- (1) المکاسب 6/12 و 11.

قال ابن فارس: «شرط: الشین و الراء و الطاء أصلٌ یدلُّ علی عَلَمٍ و علامة و ما قارب ذلک من عَلَم. من ذلک الشَرَط: العلاّمة. و أشراط الساعة: علاماتها و من ذلک الحدیث حین ذکر أشراط الساعة، و هی علامتها، و سمِّی الشُرَط لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامةً یُعَرفون بها. و یقولون: أشْرَطَ فلانٌ نفسَه للهَلکة، إذا جعلها علما للهلاک. و یقال: أشْرَطَ من إبله و غنمه، إذا أعدّ منها شیئا للبیع. قال الشاعر:

فأشْرَطَ فیها نفسَه و هو مُعْصِمٌ و ألقی بأسبابٍ له و توکُّلاً

و من الباب شَرْط الحاجم، و هو معلوم، لأنّ ذلک علامةٌ و أثَر...»(1).

و قال الزمخشری: «ش ر ط: شرط علیه کذا و اشترط و شارطه علی کذا و تشارطا علیه و هذا شَرْطِی و شَریطتی...»(2).

و قال الفیومی: «شرط: الحاجمُ شَرْطا، من بابَیْ ضرب و قتل، الواحدة شَرْطَةٌ و شَرَطْتُ علیه کذا شرطا؛ أیضا و اشْتَرَطْتُ علیه، و جمعُ الشَّرْطِ شُرُوطٌ مِثْلُ فَلْسٍ و فُلُوسٍ...»(3).

و یظهر من ابن عشیرة البحرانی أنّ «الشرط ما یمکن وقوعه و عدمه کدخول زید الدار أو یتحتّم الوقوع ولکن غیر معلوم کإدراک الثمرات و قدوم الحاج»(4). و کذا أنّ «الشرط یتعلّق بفعله و بفعل غیره... و الشرط المقصود منه مجرد التعلیق خاصة لا غیر»(5).

و قال الطریحی: «و الشرط معروف و جمعه شروط کفَلْس و فُلُوس و شرط الحاجم

ص:134


1- (2) معجم مقاییس اللغة 3/260.
2- (3) أساس البلاغة /233.
3- (4) المصباح المنیر /309.
4- (5) بَهْجَةُ الخاطِرِ و نُزْهَةُ الناظِرِ /71.
5- (6) بَهْجَةُ الخاطِرِ و نُزْهَةُ الناظِرِ /72.

شرطا من باب ضرب و قتل و شرطت علیه کذا شرطا و اشترطت علیه و منه حدیث بریرة: شرط اللّه أحقّ، یرید ما أظهره و ما بیّنه من حکم اللّه بقوله: الولاء لمن أعتق و قیل: هو إشارة إلی قوله تعالی «و إخوانکم فی الدین و موالیکم»(1) و الشریطة فی معنی

الشرط و جمعها شرائط»(2).

و أنت تری أنّ کلماتهم مطلقة تشمل الالتزامات الابتدائیة کما أنّ الشرط استعمل فی عدّة من النصوص هکذا نحو: صحیحة محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام حدیث: أنّ شرط اللّه قبل شرطکم، الحدیث(3).

و نحوها مرسلة ابن مسلم(4).

و صحیحة علی بن رئاب عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: الشرط فی الحیوان ثلاثة أیام للمشتری اشترط أو لم یشترط، الحدیث(5).

و نحوها صحیحة فضیل(6).

و قوله صلی الله علیه و آله فی قضیة بریرة: الولاء لمن أعتق و شرط اللّه آکد و کلُّ شرطٍ خالف کتاب اللّه فهو رُدّ، الحدیث(7).

ص:136


1- (7) سورة الأحزاب /5.
2- (1) مجمع البحرین /363 من طبع الحجری.
3- (2) وسائل الشیعة 21/296، ح1، الباب 38 من أبواب المهور.
4- (3) وسائل الشیعة 21/277، ح6، الباب 20 من أبواب المهور.
5- (4) وسائل الشیعة 18/13، ح1، الباب 4 من أبواب الخیار.
6- (5) وسائل الشیعة 18/11، ح5، الباب 3 من أبواب الخیار.
7- (6) مستدرک الوسائل 13/300، ح2، الباب 5 من أبواب الخیار _ راجع فی قصة بریرة وسائل الشیعة 23/65، ح2، الباب 37 من أبواب کتاب العتق. صحیحة الحلبی و أربعین البهائی مع تعلیقة الخواجوئی /(509-499)، سنن البیهقی 15/555، باب بیع المکاتب، ح 22344.

و قد ورد عن سیّد الساجدین علی بن الحسین علیه السلام فی دعاء التوبة من الصحیفة الشریفة: «و قد قلت یا إلهی فی محکم کتابک إنّک تقبل التوبة عن عبادک و تعفو عن السیئات و تحبّ التوابین فاقبل توبتی کما وعدت واعف عن سیئاتی کما ضمنت و أوجب لی محبتک کما شرطت و لک یا ربّ شرطی ألاّعود فی مکروهک و ضمانی أن لا أرجع فی مذموک و عهدی أن أهجر جمیع معاصیک...»(1).

و ماورد فی دعاء الندبة من قوله علیه السلام : «بعد أن شرطت علیهم الزهد فی درجات هذه الدنیا...»(2).

ولکن مع ذلک کلّه ورد التخصیص فی الشرط بحیث لا یشمل الالتزامات الابتدائیة

فی کلمات بعض اللغویین:

منهم: ابن منظور قال: «الشرط: إلزام الشیء و التزامه فی البیع و نحوه و الجمع شروط»(3).

و منهم: الفیروزآبادی قال: «الشرط: إلزام الشیء و التزامه فی البیع و نحوه کالشریطة جمعه شروط»(4).

و منهم: سعید بن عبداللّه الخوری الشرتونی صاحب أقرب الموارد قال: «شرط علیه فی البیع و نحوه شرطا: ألزمه شیئا فیه»(5).

فظهر مما ذکرنا عدم تفرد صاحب القاموس بالتخصیص کما یظهر من الشیخ

ص:136


1- (7) الصحیفة السجادیة. الدعاء الحادی و الثلاثون، دعاء التوبة و طلبها.
2- (8) مصباح الزائر /446 و نقل عنه فی بحارالأنوار 102/104.
3- (1) لسان العرب 7/329.
4- (2) القاموس / ذیل مادة شرط من طبع الحجری (2/368).
5- (3) أقرب الموارد 1/583.

الأعظم.(1)

و أمّا ما ذکر من الروایات و الأدعیة فَیُمْکِنُ حملها علی الالتزامات المعاملیة أو الضمنیة و غیر الابتدائیة(2) و ما لا یمکن حملها کذلک فغایة ما یمکن أن یقال فیها أنها استعمالٌ و الاستعمال أعمٌ من الحقیقة. فعلیه صدق الشرط علی الالتزامات الابتدائیة مشکلٌ. خلافا للفاضل النراقی(3) و الفقیه الیزدی(4) فإنّهما یَرَیانِ الصدق و الشمول و السیّد الإشکوری(5) فإنّه یراه الإنصاف. و تبعهم الفقیه السبزواری(6).

مضافا إلی حمل الروایة علی الالتزام التکلیفی لا الوضعی، فصار معناها یجب علی کلّ مؤمن الوفاء بشرطه تکلیفا کما عن المحقّق الإصفهانی(7) و ظاهر السیّد المحقق الخوئی(8).

و أمّا حملها علی خطاب أخلاقی مسوق لما یقتضیه الإیمان و یقود إلیه، نظیر «المؤمن

إذا و عد وفی» فلا یمکن استفاده الوجوب منها کما عن المحقّق الإیروانی(9) محل تأمل بل منع.

و الحاصل: استفادة اللزوم من هذه الروایة لملعاطاة علی القول بالملک مشکلٌ جدّا.

ص:137


1- (4) المکاسب 6/12.
2- (5) راجع فی هذا المجال إلی حاشیة المکاسب 5/(109-105) للمحقّق الإصفهانی.
3- (6) راجع عوائد الأیام /142.
4- (7) راجع حاشیته علی المکاسب 1/361 و 3/329.
5- (8) مهذب الأحکام 16/232.
6- (9) بُغْیة الطالب فی شرح المکاسب 1/77.
7- (10) حاشیته علی المکاسب 1/148.
8- (11) مصباح الفقاهة 2/142.
9- (1) حاشیة المکاسب 2/62.
ثمّ یقع الکلام فی ملزمات المعاطاة علی القول بأنّها جائزة ذاتا:
منها: تلف العوضین
اشارة

لا اشکال و لا خلاف عندهم فی أنّه لو تلف العینان فی بیع المعاطاة صارت لازمة کما فی الحدائق(1) و شرح القواعد(2) و المناهل(3) و المفتاح(4) و الجواهر(5).

أمّا علی القول بالإباحة: فواضح لأنّ یجوز لکلٍّ من المتعاطیین الرجوع فی ماله لأن المال باقٍ علی ملک معطیه ولکن مع بقاء العینین و أمّا اذا تلفتا لزمت المعاطاة لا متناع الرجوع.

لا یقال: المتعاطیین وضع یدهما علی مال الآخر لأنّ مالکه أباح له التصرف فیه، و من المعلوم أنّ للمالک استرداد ماله من المباح له مادام موجودا، و لو تلف استقرّ بدله علیه، فکلّ منهما ضامن لمال الآخر بمقتضی «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی» و قاعدة الضمان أیّ من أتلف مال الغیر فهو له ضامن، فإذا جاز الرجوع إلی بدل العینین فقد استمرت الإباحة و لم تلزم المعاطاة بمجرد تلف العینین، لأنّ التلف غیر مانع من الرجوع إلی البدل و المراد به الرجوع إلی المثل أو القیمة لا ما قابله فی المعاطاة.

لأنا نقول: لا تجری هنا قاعدة الضمان أیّ من أتلف مال الغیر فهو له ضامن و کذا لا تجری قاعدة علی الید ما أخذت حتّی تؤدی، لأنّ الأولی تختص بمورد لم یعط المتلف بإزاء المال الغیر مالاً آخرا مع رضایة صاحب المال و المعطی و إلاّ ذمته مشغولة بذاک المال

ص:138


1- (2) الحدائق 18/362.
2- (3) شرح القواعد 2/28 للشیخ جعفر قدس سره .
3- (4) المناهل /269 من طبع الحجری للسیّد محمّد المجاهد قدس سره .
4- (5) مفتاح الکرامة 12/506.
5- (6) الجواهر 22/230.

المُعْطی.

و الثانیة تختص بالید المضمنة و هی إمّا الید العدوانیة أو الید المشروط علیها الضمان و کلتاهما منتفیتان فی المقام، لأنّ المفروض حکم الشارع بإباحة التصرف فی المأخوذ بالمعاطاة، فالید السابقة لم تکن مضمنة قطعا لاستنادها إلی إذن الشارع و إذا تلفت العین

امتنع انقلاب الید عمّا هو علیه، فلابدّ من استناد الضمان إلی موجب آخر و المفروض عدمه.

نعم: هذا البیان إنّما یتمّ علی القول بکون الإباحة المترتبة علی المعاطاة _ المقصود بها الملک _ إباحة مالکیة.

ولکن إذا قلنا بأنّها إباحة شرعیة _ کما هو الظاهر فلا یتم ما ذکرناه أخیرا تبعا للشیخ الأعظم(1) قدس سره _ فیجری ما أفاده قدس سره فی مناقشاته(2) لکاشِفِ الغطاء رحمه الله من الالتزام بحصول الملکیة آنا ما قبل التلف فیکون التلف فی ملک المالک الثانی و یکون ضامنا بضمان المسمّی، لأنّ الإجماع یقتضی عدم ثبوت الضمان بالمثل أو القیمة، و قاعدة ضمان الید تقتضی کون التلف من ذی الید لأنّ المفروض أنّ المعاطاة لم تفد إلاّ الإباحة الشرعیة فحینئذ لابدّ أن یقال جمعا بین الأدلة ببقاء المال فی ملک مالکه الأوّل ولکن آنا ما قبل التلف یدخل فی ملکیة الثانی و إذا حصلت الملکیة للثانی فذمّته مشغولة بالضمان المسمّی فقط کما نبّه علیه المحقّق الخوئی(3) رحمه الله تبعا لاُستاذه المحقّق النائینی(4) قدس سره .

و أمّا علی القول بالملک: فلابدّ أوّلاً من تمهید مقدمة و هی:

تقسیم اللزوم و الجواز إلی القسمین و هما الحکمی و الحقّی

ص:139


1- (1) المکاسب 3/96 و 98.
2- (2) المکاسب 3/49.
3- (3) مصباح الفقاهة 2/199.
4- (4) منیة الطالب 1/197.

اللزوم الحکمی: هو ما کان باقتضاء من ذات المعاملة مع قطع النظر عن التزام المتعاملین بل نفس طبع المعاملة أینما تحققت تقتضی اللزوم و یترتب علیه عدم وقوع الإقالة فیها و عدم صحة شرط الفسخ فیها و عدم انفساخها بالفسخ إلاّ أن یرد دلیل بالخصوص علی انفساخها بالفسخ أو الاقالة فیؤخذ به بمقدار دلالته و یقتصر علیه و ذلک کالنکاح.

اللزوم الحقّی: هو ما کان ناشئا عن اقتضاء التزام المتعاملین علی مضمون المعاملة من غیر أن یکون فی ذات المعاملة اقتضاء اللزوم و یترتب علیه صحة شرط الفسخ فیها و قبولها للإقالة و انفساخها بالفسخ کالوکالة بشرط عدم عزل الوکیل.

و مما ذکرنا من تعریف اللزومین یظهر تعریف الجوازین و هما:

الجواز الحکمی: هو ما کان باقتضاء من ذات المعاملة و طبعها مع قطع النظر عن

توافق المتعاملین علی الجواز و یترتب علیه وقوع الاقالة فیها و جواز فسخها نحو عقدی الهبة و الوکالة.

الجواز الحقّی: و هو ما کان ناشئا من توافق المتعاملین علی الجواز من دون أن یکون الجواز فی ذات المعاملة نحو جعل الخیار و شرط الفسخ لأحد المتعاملین أو کلیهما فی البیع.

ثم ذهب الشیخ الأعظم(1) قدس سره إلی أنّه علی القول بالملک یحکم بلزوم المعاطاة و المتیقن من مخالفة دلیل اللزوم فی المعاطاة _ بسبب الإجماع علی القول به _ هو صورة إمکان ترادّ العینین فمع تلفهما و امتناع الترادّ یرتفع فرض إمکان الجواز و یثبت اللزوم.

یظهر منه قدس سره اختصاص ثبوت جواز الحکمی بصورة بقاء العینین فلا یصح الرجوع

ص:140


1- (1) المکاسب 3/96 السطر الأخیر.

مع التلف لارتفاع مورده بخلاف جواز الحقّی فإنّه یصح مع بقائهما و تلفهما إلاّ أنّه عند التلف یرجع إلی المثل أو القیمة، و عدم تمامیة هذا البیان یظهر ممّا ذکرنا فی تعریف الجوازین لأنّ الجواز الحکمی لیس مختصا بصورة بقاء العینین علی نحو الإطلاق بل یفصل فیه بین ما کان بناء المعاملة علی الضمان و کانت معاوضیة و بین ما لم تکن کذلک کالهبة فیشرط جواز الرجوع ببقاء العین أو العینین فی الثانی دون الأوّل.

أمّا الأوّل فلانّ بناء المعاملة علی الضمان المسمّی، فإذا سلم المسمّی فهو و مع عدمه إمّا بفساده من الأوّل أو بواسطة الرجوع فلابدّ من الرجوع إلی المثل أو القیمة و لیس التلف فی هذه الصورة مانعا عن الرجوع بعد إمکانه بأخذ المثل أو القیمة.

أما الثانی فلانّ المعاملة لیست مبنیّة علی الضمان فالواهب إنّما وهب العین للمتهب لکی یتلقه بلا ضمان له بالمثل أو القیمة فإذا کان باقیا فی ید المتهب فله الرجوع بعین ماله فإذا تلف فلیس له الرجوع بأخذ مثله أو قیمته لکون مبنی المعاملة علی عدم التضمین بالمثل و القیمة کما یظهر هذا الاشکال و التعاریف من المحقّق النائینی(1) قدس سره .

أقول: هذا الاشکال یرد علی ظاهر عبارة الشیخ من قوله قدس سره : «... فلما عرفت من إصالة اللزوم و المتیقن من مخالفتها جواز ترادّ العینین و حیث ارتفع مورد الترادّ امتنع»(2). ولکن علی ما ذکرنا من تقریب کلام الشیخ فلا یرد و الحمدللّه.

ثمّ قال المحقّق النائینی: «إذاصارت المعاطاة لازمة بالتلف أو بغیره من الملزمات فهل هذا اللزوم الطاری حقّیٌ أو حکمیٌّ لا یخلو کلٍّ منهما عن إشکال لبُعد اللزوم الحقی بلا التزام فی البین کما هو المفروض، و کون البیع المعاطاتی بعد تلف العینین أو أحدهما [صار] لازما

ص:141


1- (2) المکاسب و البیع 1/227 و 230.
2- (3) المکاسب 3/96.

کالنکاح بحیث یحکم بعدم صحة التقایل فیه و عدم قابلیة لاشتراط الفسخ یکون أبعد لعدم الالتزام بأحکام اللزوم الحکمی فیه من أحدٍ من الأصحاب.

و حلّ الإشکال هو اختیار کون اللزوم فیه حقیّا لا حکمیّا، بدعوی عدم الحاجة فی اللزوم العقدی إلی الالتزام العقدی دائما بل یکتفی فی تحققه بجعله من الشارع، و هذا کالجواز الحقی حیث أنّه قد یکون بجعل المتعاملین کما فی خیار الشرط، و قد یکون بجعل الشارع کما فی خیار المجلس و الحیوان، و کذلک اللزوم الحقّی، تارة یکون بجعل المتعاملین کما فی المعاملة العقدیة و اُخری یکون بجعل الشارع کما فی المعاطاة عند تغیّر العینین عمّا هو علیه فهذا اللزوم حقّیٌ یترتب علیه صحة التقایل و غیره ممّا یترتب علی اللزوم الحقی لکنّه لا یکون بواسطة التزام المتعاملین بل إنّما هو بجعل الشارع فتبصر»(1).

أقول: ما ذکره قدس سره صحیح ولکن لابدّ مِنْ إصلاحِ التعاریف الماضیة بما ذکره أخیرا و الأمر سهل لأنَّهُ لا مُشاحَّةَ فی الاصطلاح.

لا یقال: إذا ثبت بالإجماع جواز الملک قبل التلف فی المعاطاة و شُک فی انتفاء ذاک الجواز بالتلف، من الممکن إحراز استصحاب الجواز و الحکم بعدم لزوم الملک بعد التلف أیضا و نتیجتها جواز فسخ المعاملة بعد التلف و الرجوع بالمثل أو القیمی.

لأنّ الشیخ الأعظم(2) قدس سره أجابَ عن هذا الإشکال بجوابین:

الأوّل: الفرق بین الجواز فی العقد الخیاری و الجواز فی المعاطاة فإنّ الأوّل بمعنی انحلال العقد و فسخه و لذا یجری بعد تلف العین أیضا لأنّ متعلِّقه العقد و هو باق علی حاله و لو بعد تلف العین أو العینین، ولکن الثانی بمعنی الرجوع فی العین و جواز تملّکها مجددا و

ص:142


1- (1) المکاسب و البیع 1/230.
2- (2) المکاسب 3/97.

الجواز لا یتعلق بنفس المعاطاة بل بموضوع الترادّ، فعلیه بعد تلف العین أو العینین فلا یمکن الرجوع فیها و کذا لا یمکن تملّکها فلا یجری الجواز لإنعدام موضوعه و مع الانعدام لا یجری الاستصحاب.

الثانی: حتّی علی التردّد فی أنّ متعلق الجواز فی المعاطاة هل هو نفس المعاطاة أو

الرجوع فی العین أو العینین أیّ الترادّ من الطرفین لا یجری الاستصحاب، لأنّ من شرائط جریان الاستصحاب هو إحراز اتحاد الْقضیَّتَیْن المتیقنة و المشکوکة و مع عدم إحرازهما _ لأنّه علی فرض تعلّق الجواز بالرجوع فی العین أو العینین فلا یبقی موضوع فی البین حتّی یستصحب و کذا تختلف القضیّتانِ _ فلا یجری الاستصحاب.

إن قلت: غایة ما یمکن أن یقال علی تقریب الشیخ الأعظم قدس سره عدم جریان استصحاب فرد الجواز لإنعدام موضوعه أو لِعدم إحراز قضیتی المتیقنة و المشکوکة، ولکن یجری استصحاب کلّی الجواز بتقریب: الاجماع یدلّ علی أنّ المعاملة المعاطاتیة حتّی علی القول بالملک جائز إجمالاً، و لا یُدری هذا الجواز الذی یتعلّق بها هل هو الجواز الصغیر أی إلی بقاء العینین و امکان ترادّهما أو المتعلَّق بها هو الجواز الکبیر أی إلی ما بعد تلف العینین و بعد عدم إمکان تَرادّهما، فیستصحب کلّی الجواز علی نحو استصحاب القسم الثانی من الکلّی المتفق علیه جریانه.

قلت: لا یجری استصحاب القسم الثانی من الکلّی فی المقام لعدّة من الوجوه:

منها: الإجماع دلیل لبّی لابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو هنا جریان جواز إلی بقاء العینین و إمکان ترادّهما.

و منها: المناط فی عدم جریان الاستصحاب هنا هو الشک فی بقاء موضوعه نظیر العلم باجتهاد الفردین الأوّل أو الثانی، و الأوّل منهما مات فلا یجوز تقلیده و الثانی منهما حیٌّ و إن کان هو المجتهد فیجوز تقلیده ولکن لا ندری لعلّ الأوّل یکون مجتهدا بخلاف

ص:143

الاستصحاب الکلّی القسم الثانی لأنّ موضوعه هو الکلّی.

و منها: ثم علی فرض جریان استصحاب القسم الثانی من الکلّی فی المقام لا یفید شیئا لأنّ الآثار المختصة بکلِّ فرد لا تترتب علیه بخلاف آثار الکلّی لأنّها تترتب و جواز فسخ المعاطاة بعد تلف العینین من الآثار المختصة للفرد الطویل فلا تترتب، فعلیه لا یترتب علی جریان الاستصحاب الکلّی أثرا و مع عدم ترتب الأثر لا یجری لأنّه من الاُصول العملیة.

إن قلت: نعم، استصحاب الکلّی القسم الثانی لا یجری فی القام، ولکن یمکن جریان استصحاب الفرد المردد کالحدوث المردد بین الأصغر و الأکبر بعد الوضوء بحیث یکون فعلاً مرددا بین ما هو مقطوع الارتفاع إذا کان الحدث أصغرَ لأنّه تؤضأ و بین ما هو مقطوع البقاء إذا کان الحدث أکبرَ لإنّه لا یغتسل و لذا تترتب الآثار المختصة بالحدث الأکبر.

بتقریب: أنَّ هنا فَرْدَیْنِ للجواز، الفرد الأصغر و هو الجواز إلی تلف العینین و امکان ترادّهما، و بعد تلف العینین هذا الجواز قد ارتفع یقینا، و الفرد الأکبر و هو الجواز إلی ما بعد تلف العینین و بعد عدم امکان التراد، و هذا الفرد الأکبر بعد تلف العینین یکون باقیا قطعا، و لذا باستصحاب الفرد المردد نستصحب الفرد الأکبر من الجواز و تترتب علیه آثاره المختصة له.

قلت: نمنع من جریان استصحاب الفرد المردد لا سیما بعد القطع بارتفاع الفرد الأصغر، بأنّ الفرد المردد إذا کان الأصغر قد ارتفع یقینا بعد التوضی فی المثال و بعد تلف العینین فی المقام، و إذا کان الأکبر فهو مشکوک الحدوث من الأوّل فلا یجری الاستصحاب فی حقّه. هذا أولاً.

و ثانیا: الفرد المردد بما هو مردد لا ماهیة له و لا وجود، فلیس موضوعا لأثرٍ شرعیٍ حتّی یصح التمسک بالاستصحاب لإثبات ذاک الأثر.

ص:144

و ثالثا: استصحاب الفرد المردد لا یجری _ بنظرنا القاصر _ بلا فرق بین صورتی الشک فی ارتفاع الفرد القصیر علی تقدیر حدوثه، و الیقین بارتفاعه علی تقدیر حدوثه و التفصیل یطلب من بحث الاصول و الحمدللّه.

و قد اعترض المحقّق السیّد الخوئی علی الشیخ الأعظم بقوله: «إن کان المراد من الترادّ هو الترادّ الخارجی فهو غیر مفید بدیهة أن مجرد ردّ العین خارجا مع بقائهما فی ملک الآخر بالمعاطاة لا یترتب علیه أثر.

و إن کان المراد من الترادّ هو فسخ العقد [الذی] لا یکون إلاّ بتراد العین خارجا، أو بعد تحقق التراد فی الخارج فهو متین، ولکنّه لیس شیئا آخر وراء تعلق الخیار بنفس العقد، لأنّ الأدلة الدالة علی لزوم العقود إنّما تدل علی لزوم کلّ عقد، و قد قام الاجماع علی أنّ المعاطاة المقصود بها الملک تفید الإباحة إلی زمان معین، و من الواضح أن الاجماع لبیٌّ، فلا یؤخذ منه إلاّ بالمقدار المتیقن، و هو ما إذا أمکن تراد العینین، و فی غیر هذه الصورة یتمسک بعموم العام.

و إذن فلابدّ للمصنف أن یعلّل لزوم المعاطاة مع تلف العینین بأنّ المأخوذ بالمعاطاة إنّما تلف من ملک المالک الثانی، فلا یجوز للمالک الأوّل أن یرجع إلیه، إذا المتیقن من جواز الرجوع إنّما هو صورة الفسخ بترادّ العینین و هو غیر ممکن مع تلفهما»(1).

ولکن یرد علیه: أنّ المعتبر فی المعاطاة من جواز الرجوع لیس فرض الفسخ بترادّ العینین أی الفسخ الخاص بل هو الفسخ المطلق و الشاهد علیه أنّه إذا فسخ أحد المتعاطیین المعاطاة قولاً مع بقاء العینین ولکن لم یسلم العین إلی مالکه الأوّل بعد الفسخ عصیانا، لا ریب فی انفساخ المعاطاة و عصیان المانع. و هذا یدل علی أنّ المعتبر فی المعاطاة نفس الفسخ

ص:145


1- (1) مصباح الفقاهة 2/200.

_ لا الفسخ الخاص و هو المشروط بترادّ العینین _ غایة الأمر المتیقن من وجود الإجماع جواز الفسخ حال امکان ترادّ العینین، و إذا شک فی ثبوته فی حالة اُخری کتلف إحدی العینین فیستصحب جواز الفسخ کما فی سائر موارد الاستصحاب و کما علیه شیخنا الاُستاذ(1) قدس سره .

و کذا استشکل الاُستاذ(2) قدس سره علی الشیخ الأعظم رحمه الله بعدم وجود الفرق بین جواز فسخ الهبة أو المعاطاة و جواز الفسخ فی موارد الخیار إلاّ أنّ جواز الفسخ فیهما حکمیٌّ لا یسقط بالإسقاط و جواز الفسخ فی الخیارات حقّیٌ قابل للإسقاط، فعلیه علی القول بترتب الملکیة الجائزة علی المعاطاة، یحکم بجواز فسخها و بعد تلف أحد العینین أو کلیهما یستصحب ذلک الجواز کاستصحاب الخیار بعد طرو ما یحتمل معه زواله، و مع جریان استصحاب الجواز لا مجال لإستصحاب بقاء الملک المالک الثانی الذی حصل ملکه بالمعاطاة، لأنّ استصحاب بقاء جواز الفسخ حاکم علیه و مع جریانه لا یبقی موضوع له.

أقول: یرد علی الاُستاذ قدس سره ما مرّ منّا من أنّ الملک یفید اللزوم، قد خرج من هذا العام المعاطاة علی القول بالملک إجماعا بأنّها تفید الملکیة الجائزة _ علی مسلک القوم _ و بعد تلف العینین نشک فی بقاء اللزوم علی القاعدة الأوّلیة أو الجواز للإجماع و حیث کان دلیل الجواز الإجماع و هو دلیل لبّیٌ یؤخذ بالقدر المتیقن منه، و هو بقاء الجواز قبل تلف العینین و فیما بعد التلف نرجع إلی القاعدة الأولیة و هی اللزوم فلا نشک فی حکم ما بعد التلف حتّی نحتاج إلی الاستصحاب و الحمدللّه.

ص:146


1- (1) إرشاد الطالب 2/89.
2- (2) إرشاد الطالب 2/90.
فذلکة القول فی المقام

تلف العوضین یوجب اللزوم فی المعاطاة بلا فرق بین القول بالملک و الاباحة ولکن قبل التلف یحکم بالجواز فیها بلا فرق أیضا بین قولی الملک و الإباحة _ علی مسلک القوم _ و الوجه فی ذلک باختصار:

قبل تلف العینین یحکم بجواز الرجوع: أمّا علی القول بالاباحة فواضح لأنّ کُلاًّ منهما یرجع إلی ملکه و أمّا علی القول بالملک لقیام الإجماع علیه بأنّ متقضی القاعدة اللزوم لکن المعاطاة خرج منها بالإجماع و القدر المتیقن منه قبل تلف العینین.

و بعد تلف العینین یحکم باللزوم: أمّا علی القول بالاباحة فلانتقال کلّ من العینین من مالکها الأوّل إلی الآخر آنا ما قبل التلف، فتلف فی ملک نفسه و لذا یحکم باللزوم و عدم الرجوع إلی المثل و القیمة جمعا بین الدلیلین القول بالاباحة و الاجماع علی عدم الرجوع إلی المثل و القیمة بعد التلف.

و أمّا علی القول بالملک: فَإنَّ الملک یقتضی اللزوم و قد خرج من هذا اللزوم المعاطاة إجماعا و الإجماع دلیل لبّیٌ یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو الجواز قبل تلف العینین و بعده یرجع إلی اللزوم الاوّل.

ثم إنّ هنا أصْلَیْنِ آخَرَیْنِ یمکن اثبات اللزوم بهما بعد التلف:

أحدهما: استصحاب بَراءَةِ ذمّة کلّ واحد من المتعاطیین عن ضمان المثل أو القیمة عند تلف العینین، أو بَراءَةِ ذمّة من وقع عنده التلف لو کان التالف إحدی العینین، و هذا الأصل لا غبار علیه ضرورة أنّ التالف قبل الرجوع مضمون بالمسمی و بعد الرجوع یشک فی ثبوت الضمان بالمثل أو القیمة و یکون المرجع فی هذا الشک هو أصالة العدم.

و ثانیهما: استصحاب بقاء الملکیة الثابتة آنا ما قبل التلف _ التی قد مرّ منّا توضیحها _ لإثبات عدم جواز الرجوع إلی المثل أو القیمة ضرورة أنّ عدم جواز الرجوع

ص:147

من آثار تلک الملکیّة الثابتة قبل التلف، إذ لا ملکیة بعده لسلب الملکیة بعد التلف بسلب موضوعها.

و قد نبّه المحقّق النائینی(1) علی هذین الأصلین فی المقام و قد مرّ منّا أیضا أنّ عدم الرجوع إلی المثل أو القیمة بعد تلف العینین فی المعاطاة إجماعیٌ. هذا تمام الکلام فی تلف العوضین و الحمدللّه.

و منها: تلف إحدی العینین

المشهور بین الأعلام صیرورة المعاطاة لازما بعد تلف إحدی العینین کما علیه الشهید(2) و الفاضل المقداد(3) و المحقّق الثانی(4) و الشهید الثانی فی الروضة(5)، و صاحب المیسیة(6).

و قال المحقّق الثانی فی حاشیته علی الإرشاد أنّه: «الأظهر بین عامّة المتأخرین»(7) و فی جامع المقاصد نسبه إلی«جمع من متأخری الأصحاب»(8).

و تبعهم الشیخ جعفر(9).

ص:148


1- (1) المکاسب و البیع 1/234 و 233.
2- (2) الدروس الشرعیة 3/192، و الحاشیة النجاریة، مخطوطة و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507، و کذا ظاهر اللمعة /109.
3- (3) التنقیح الرائع 2/25.
4- (4) جامع المقاصد 4/58 و رسالته «صیغ العقود» المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الکرکی 1/178 و حاشیته علی إرشاد الأذهان /333.
5- (5) الروضة البهیة 3/223.
6- (1) المیسیة، مخطوطة، کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507.
7- (2) حاشیته علی إرشاد الأذهان /333.
8- (3) جامع المقاصد 4/58.
9- (4) شرح القواعد 2/28.

ولکن قال الشهید الثانی فی المسالک: «لو تلفت العینان معا تحقّق الملک فیهما و لو تلفت إحداهما خاصة فقد صرّح جماعة بالاکتفاء به فی تحقق ملک الاُخری، نظرا إلی ما قدّ مناه من جعل الباقی عوضا عن التالف لتراضیهما علی ذلک، و یحتمل هنا العدم، التفاتا إلی إصالة بقاء الملک لمالکه و عموم الناس مسلطون علی أموالهم، و الأوّل أقوی فإنّ من بیده المال مستحق قد ظفر بمثل حقّه بإذن مستحقه فیملکه، و إن کان مغایرا له فی المجنس و الوصف لتراضیهما علی ذلک»(1).

و تبعه فی الاحتمال و تنظر فی اللزوم المحقق السبزواری و قال: «... و المشهور بینهم أنّه یفید إباحة تصرّف کلّ منهما فیما صار إلیه من العوض لا أنّه بیع فاسد و هو أقوی بناءً علی القول بعدم اللزوم و علی هذا یجوز له الرجوع فی المعاوضة مادامت العین باقیة، قالوا: فإذا ذهبت لزمت، و فیه نظر»(2).

و تبعهما السیّد المجاهد علی القول بالاباحة التّی لا یرضاها نفسه و قال: «منهل: قد بیّنا فیما سبق أنّ المعاطاة لا تفید اللزوم، فیجوز لکلّ من المتعاطیین الفسخ و الاسترداد و إن لم یرض الآخر به إلاّ فی مواضع:... و منها: ما إذا تلف أحد العوضین... ولکن فی

المسالک...، و فیه نظر لأنّ الوجهین المذکورین إنّما یتجهان إن قلنا أنّ المعاطاة لا تفید نقل الملک و أمّا علی تقدیر إفادتها الملک کما هو المختار فلا، فالمعتمد علیه عدم جواز الفسخ حینئذ لأنّ الأصل عدم جواز الرجوع بعد انتقال الملک...»(3).

و قال الفاضل النراقی: «... و لو تلفت إحداهما خاصة فلا یجوز الرجوع لصاحب التالفة، و هل له ردّ الموجودة بلا مطالبة شیء لو أراده لمصلحة و امتنع صاحبه؟ الظاهر: نعم،

ص:149


1- (5) المسالک 3/149.
2- (6) الکفایة 1/449.
3- (1) المناهل /269.

لإصالة عدم اللزوم... و لصاحب الموجودة الرجوع إلیها لذلک أیضا علی الأقوی، ثم الآخر یرجع إلی قیمة التالفة أو مثله کذا قالوا. و هو بإطلاقه مشکلٌ، بل الموافق لِلْقواعد أن یقال: لو کان التلف لا من جهة صاحب الموجودة فلا یرجع إلیه بشیء، لأصل البَراءَةِ و عدم دلیل علی الاشتغال.

و إن کان منه فإن قصد الرجوع قبل الإتلاف فعلیه المثل أو القیمة، إذ کونه مأدونا فی الإتلاف إنّما کان مع عدم قصده الرجوع، فمعه یکون غاصبا، فیعمل فیه بقاعدة الغصب.

و إن لم یقصده قبله فمقتضی الاُصول و إن کانت بَرِئَت ذمّته عن المثل أو القیمة لعدم کونه غاصبا و جواز رجوعه إلی عینه للأصل، إلاّ أنّ الإجماع و نفی الضرر یمنعان عن الأمرین معا، فلابدّ من أحدهما، ولکن تعیین أحدهما مشکلٌ. و تعیین الاشتغال مطلقا أو علی کون المعاطاة إباحة محضة لقاعدة الغصب کعدم الرجوع علی کونها تملیکا لئلا یلزم الجمع بین المالین باطل، لمنع صدق الغصب، و تسلیم جواز جمع المالین إذا اشتغلت ذمّته بمثل أحدهما أو قیمته، إلاّ أن تَعَیَّنَ الاشتغال بإثبات جواز الرجوع بمثل: «الناس مسلّطون علی أموالهم»(1) و «علی الید ما أخذت»(2).(3)

أقول: علی القول بالملک یحکم باللزوم بعد تلف إحدی العینین لأنّ الاجماع قائم بجواز المعاطاة و قدر المتیقن منه صورة إمکان ترادّ العینین و مع تلف أحدیهما تنتفی صورة الجواز و یحکم باللزوم.

و أمّا علی القول بالاباحة فقد نسب الشیخ الأعظم قدس سره إلی بعض مشایخه _ و لعلّ هو السیّد المجاهد رحمه الله _ وفاقا لبعض معاصری شیخه _ و لعلَّهُ هو الفاضل النراقی رحمه الله _ تبعا

ص:150


1- (2) عوالی اللآلی 1/222، ح99.
2- (3) عوالی اللآلی 1/389، ح22.
3- (4) مستند الشیعة 14/261 و 260.

للشهید الثانی قدس سره فی المسالک حیث استوجه أصالة عدم اللزوم بأمرین:

1_ بقاء سلطنة مالک العین الموجودة و ملکه لها.

2_ التمسک بعموم علی الید.

و فی النسبة نظر یظهر لک بالتأمل فی نقل کلمات الأعلام الثلاثة.

و قد ناقش الشیخ الأعظم رحمه الله فیهما و ردّ الاوّل منهما بأنّها معارضة بأصالة بَراءَةِ ذمّة مَنْ تلف عنده مالُ صاحبه عن مثله أو قیمته و إذا تعارضا تساقطا.

و الوجه فی المعارضة: أنّ أصالة بقاء سلطنة المالک تقتضی جواز استرداد العین الموجودة و الرجوع ملازم لضمان بدل التالف من المثل أو القیمة للقطع بعدم مجانیّة التالف، أو للإجماع المرکب علی التلازم بین جواز رجوع مالک العین الباقیة و جواز رجوع مالک العین التالفة ببدلها.

و ردّ الثانی منهما: بأنّ الید تکون معدومة عند الحکم بالضمان _ علی القول به _ و هو حال التلف. و الید السابقة علی التلف لم تکن ید ضمانٍ لأنّها بإذن الشارع أو المالک. بل و لا بعد التلف إذا قصد مالک العین الموجودة علی امضاء المعاطاة و لم یرد الرجوع. فالید إذا لم تکن عدوانیة قبل التلف و لا بعده لا تنقلب إلی العدوانیة حتّی توجب الضمان.

فیبقی فی المقام إرادة الرجوع و قصده و هذه الإرادة لیست من موجبات الضمان و به یظهر إشکال الشیخ الأعظم رحمه الله علی الفاضل النراقی قدس سره حیث فصّل بین ارادة الرجوع و عدمها.

ثم ناقش الشیخ الأعظم رحمه الله بنفسه فی ما ذکره:

المناقشة الاولی: أصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة علی رجوع ماله حاکمة علی أصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة، لأنّ الشک فی ضمان المثل أو القیمة و عدمهما مسبّب عن الشک فی بقاء سلطنة مالک العین الموجودة و عدمها، و من الواضح حکومة الأصل السببی

ص:151

علی الأصل المسببی، فمع جریان أصالة بقاء السلطنة، لا تجری أصالة عدم الضمان فلا معارضة فی البین.

مضافا إلی أنّ وجود الضمان فی الجملة فی المعاطاة عند تلف إحدی العینین من المُسَلِّماتِ و إنّما الکلام فی أنّ المُتْلِفَ ضامنٌ بالبدل الحقیقی _ أی المثل أو القیمة _ أو البدل الجعلی و المسمی _ أی العین الموجودة _ فلا تجری أصالة عدم الضمان _ للعلم بوجوده إجمالاً _ حتی تعارض أصالة بقاء سلطنة المالک.

المناقشة الثانیة: یمکن التمسک بعموم «الناس مسلّطون علی أموالهم» و الحکم بوجود السلطنة للمالکین علی مالهما فإن کان المال موجودا فهو مسلّط علی أخذه برجوعه فیه، و إن کان المال تالفا فهو مسلّط علی بدله الحقیقی _ أی المثل أو القیمة _ فیثبت بهذا العموم جواز الرجوع بعد تلف إحدی العینین، و من الواضح أنّه مع وجود دلیل لفظی _ و هو العموم _ لا تصل النوبة إلی الأصل العملی _ و هو أصالة بقاء سلطنة المالک _ حتّی تناقش فیها بالمعارضة مع أصالة بَراءَةِ الذمّة.

ثم أمر الشیخ الأعظم رحمه الله بالتدبر و لعلّه لوجود المناقشة فی هذه الاستدلالات و منها: عدم شمول عموم «الناس مسلطون علی أموالهم» للمال التالف و لذا لم یستدل بها أحدٌ علی الضمان.

ثم یمکن أن یُناقَشَ قَوْلُ الشیخ الأعظم رحمه الله بوجوه:

منها: لا یجوز التمسک بأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة لأجل جواز جوعه فیها لأنّ هذا الأصل یقتضی جواز رجوع مالک العین التالفة فی مثلها أو قیمتها أعنی اشتغال ذمّة من بیده تلف المال و التالی باطل إجماعا فالمقدَّم مثله.

هذا مع الاْءِغْماضِ عن اقتضاء المعاطاة للملکیة و لو آنا ما قبل التلف _ کما هو مختار الشیخ الأعظم رحمه الله فی جواب الشیخ جعفر قدس سره _ و إلاّ ینقلب التمسک بأصالة بقاء سلطنة المالک

ص:152

کما هو الواضح.

و منها: الید الموجودة فی المُعاطاةِ یَدُ ضَمانٍ _ حتّی علی القول بأنّها تفید الإباحة _ لأنّ الاخذ و الإعطاء فیها لیسا بمجانیین، نعم إنّما الکلام فیها بعد تلف العینین أو إِحْدَیْهِما فی الضمان الحقیقی _ أی المثل أو القیمة _ أو الضمان الجعلی و المسمی _ أی العین الموجودة _ کما اعترف به الشیخ الأعظم فی کلماته الأخیرة.

فلیعلم بأنّ الید فی موردین لم تکن ید ضمان:

أوّلهما: أن یسلط المالک غیره فی التصرف علی ماله مجانا، فتلف المال عند المتصرف، الوجه فی عدم الضمان حینئذ لأنّ المالک قد أجاز التصرف فی ماله بلاعوض.

ثانیهما: أن تکون الید ید أمانة _ بلافرق بین الأمانة الشرعیة و الأمانة المالکیة _ لأنّهُ لیس علی الأمین سبیل فلیست یده ید ضمان.

و من المعلوم أنّ الید فی المعاطاة لیست من أحدالموردین.

و منها: ذهب الشیخ الأعظم رحمه الله إلی حکومة أصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة

علی أصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة و هذه الحکومة یمکن أن تقرر بوجهین:

الأوّل: ما ذکرناه فی توضیح کلام الشیخ الاعظم بأنّ الشک فی ضمان المثل أو القیمة و عدمها مسبب عن الشک فی بقاء سلطنة مالک العین الموجودة و عدمها، و من المعلوم حکومة الأصل السببی علی الأصل المسببی.

و یرد علیه: حکومة الأصل السببی علی الأصل المسببی إنّما تتم فیما إذا کان ارتفاع ضمان المثل أو القیمة لیس من الآثار الشرعیة للأصل السببی، و من الواضح عدم ثبوت ضمان المثل أو القیمة لیس من الآثار الشرعیة لأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة، بل من لوازمه العقلیة لوجود الملازمة الخارجیة بین جواز رجوع مالک العین الموجودة فیها و جواز رجوع مالک العین التالفة فی بدلها الواقعیة. فالحکومة الواردة فی کلام الشیخ الأعظم

ص:153

لا تتم.

الثانی: المراد بأصالة بقاء سلطنة مالک العین الموجودة هی استصحاب ملکیته علی عینه و المراد بأصالة عدم الضمان بالمثل أو القیمة هی جریان الْبَراءَةِ عن اشتغال ذمّة التالف، و من البدیهی حکومة دلیل الاستصحاب علی دلیل الْبَراءَةِ. لارتفاع موضوع الْبَراءَةِ بجریان الاستصحاب.

و یرد علیه: نعم، دلیل الاستصحاب یکون حاکما علی دلیل الْبَراءَةِ، أمّا إذا کان مجراهما واحدا و علی فرض بقدر المجری فکلّ یجری فی مجراه و ما نحن فیه من قبیل الثانی لأنّ جریان استصحاب ملکیة مالک العین الموجودة لم یثبت شرعا اشتغال ذمّته بالمثل أو القیمة، لأنّ اشتغال الذمة یعدّ من الْلَوازِمِ العقلیة لهذا الاستصحاب لأنّه یثبت بالملازمة الخارجیة بین جواز رجوع المالکین. فحینئذ تقدیم الاستصحاب علی البرأة هنا لتعدد المجری یحتاج إلی حجیة الأصل المثبت.

مضافا إلی تبدیل بَراءَةِ الذمة عن الاشتغال بالمثل أو القیمة باستصحاب عدم اشتغال الذمة قبل التلف و کذا بعده مادام لم یقصد الرجوع، فحینئذ لایقدم أحد الاستصحابین علی الآخر فیتعارضان و یتساقطان و بعد یرجع إلی أصالة الْبَراءَةِ.

هذا بعض المناقشات الواردة علی الشیخ الأعظم رحمه الله و هی مأخوذة من کلام المحقّق السیّد الخوئی(1) قدس سره .

و منها: تلف بعض العینین أو بعض إحدی العینین

قال المحقّق الکرکی: «و یکفی [فی اللزوم] تلف بعض إحدی العینین لامتناع الترادّ فی الباقی، إذ هو موجب لتبیعض الصفقة و للضرر، و لأنّ المطلوب هوکون إحداهما فی مقابل

ص:154


1- (1) مصباح الفقاهة 2/(206-202).

الاُخری»(1).

و نحوها فی صیغ العقود(2) و حاشیة الإرشاد(3) له أیضا. و تبعه الشهید الثانی فی الروضة(4).

و تبعهما الشیخ جعفر قدس سره و قال: «إنّا نعلم مِنْ تتبّع کلمات القوم و النظر إلی السیرة القاطعة أنّ الجواز مشروط بإمکان الردّ و بالخلوّ عن الضرر المنفی بحدیث الضرار فلو تلف کلّ أو بعض منه، أو من فوائده بتصرّف بعین أو منفعة من رکوب أو سکنی أو حرث أو دخول فی عمل و نحوها، أو بیع أو إجارة أو زراعة أو مساقاة و نحوها علی وجه لا یمکن فسخها شرعا، أو بإتلاف أو تلف سماوی، تعذّر الردّ و لم یتحقّق مصداقه، و لو صدق فی البعض امتنع أیضا مع حصول الضرر بالتبعیض.

و تغییر الصورة بطحن أو تفصیل أو خیاطة أو صبغ و نحوها، لو دخل تحت الردّ جاءَه ثبوت الضرر غالبا بتبدیل الاُوصاف و اختلاف الرغبات.

نعم، لو بقی الشیء علی حاله وزاده حسنا بصقل أو إخراج غبار و رفع و سخ و نحوها لم یکن فیه ذلک.

و أمّا المزج علی وجه لا یتمیّز فلا یمکن الردّ بعینه، و قبول الجمیع فیه منّة، و دخول مال الغیر فی ماله، من غیر فرق بین الأجود و مقابلاته»(5).

ولکن ناقشهم الشهید الثانی نفسه فی المسالک و قال: «و فیه نظر، فإنّ تبعض الصفقة

ص:155


1- (1) جامع المقاصد 4/58.
2- (2) صیغ العقود، المطبوعة فی رسائل المحقّق الکرکی 1/178.
3- (3) حاشیة إرشاد الأذهان /334 قال فیها: «فلا حاجة إلی تلف العین بل یکفی تلف البعض».
4- (4) الروضة البهیة 3/223.
5- (5) شرح القواعد 2/29.

لا یوجب بطلان أصل المعاوضة، بل غایته جواز فسخ الآخر فیرجع إلی المثل أو القیمه کما فی نظائره، و أمّا الضرر الحاصل من التبعیض المنافی لمقصودهما من جعل إحداهما فی مقابلة الاُخری فمستند إلی تقصیرهما فی التحفظ بإیجاب البیع، کما لو تبایعا بیعا فاسدا. و یحتمل

حینئذ أن یلزم من العین الاُخری [ما] فی مقابلة التالف و یبقی الباقی علی أصل الإباحة بدلالة ما قدمناه»(1).

و قال فی الحدائق بعد نقل هذا المقال من ثانی الشهیدین: «و هو جید بناءً علی قواعدهم»(2).

و فی الجواهر نقل کلام الشیخ جعفر بطوله وردّ علیه بقوله: «و لا یخفی علیک مواقع النظر فی کلامه بعد الإحاطة بما ذکرناه و حدیث الضرار لو قضی بذلک لقضی به فی الخیار کما أنّه لا سیرة معتدّ بها فی إثبات أکثر هذا الأحکام أو جمیعها، و لم یصدر من المتعاملین سوی قصد البیع علی نحو غیره من البیوع، فلا بناء للمعاملة علی شیء من ذلک، و إصالة اللزوم بعد فرض انحصار دلیلها فی آیة «اوفوا» المعلوم عدم صدقها علی ما نحن فیه کما صرح به الکرکی و علیه بنی ثبوت الجواز فی هذا البیع لا وجه لها. علی أنّ المتجه بعد ثبوت الجواز استصحابه حتّی یحصل المخرج، فکل ما شک فی ارتفاع الجواز معه کان مقتضی الاستصحاب المزبور ثبوته.

اللهم إلاّ أن یقال: أنّه یکفی فی اللزوم استصحاب الملک الذی قد فرض ثبوته، إنّما یخرج عنه بالمتیقن و هو مع بقاء العین بحالها، فکلّ ما شک حینئذ فی الجواز معه کان مقتضی الاستصحاب المزبور اللزوم فیه، إلاّ أنّه هو أیضا کماتری محلّ للنظر و المنع کما تقرر فی

ص:156


1- (1) المسالک 3/149.
2- (2) الحدائق 18/363.

نظائره»(1).

أقول: مع قطع النظر عن المناقشات الواردة علی کلمات القوم فی طرفی المسألة، بناءً علی أنّ المعاطاة تفید الملک تجری أصالة اللزوم لأنّ المتیقن من الإجماع علی الجواز هو إمکان ترادّ العینیین، و الاجماع دلیل لبّیٌّ یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو ترادّ العینیین، و فی غیرها یحکم بأصالة اللزوم.

و بناءً علی أنّها تفید الملکیة الجائزة أو المتزلزلة _ علی القول بها _ فیحکم بالجواز فی الفرضین، لأنّ القدر المتیقن من تبدیل هذه الملکیة الجائزة باللازمة هما صورتا تلف العینین أو تلف إحْداهُما و أمّا الفرضانِ الْخارِجانِ عن الصورتین فیحکم فیهما بالجواز.

و أمّا بناءً علی القول بأنّ المعاطاة تفید إباحة مالکیة فتجری قاعدة سلطنة الناس

علی أموالهم و ثبت الجواز بها.

و علی القول بأنّها تفید إباحة شرعیة لا تجری قاعدة السلطنة لأنّها محکومة بدلیل الإباحة الشرعیة و یجری استصحاب الاباحة و نتیجتها هی اللزوم.

و من البدیهی فی موارد الجواز أنّهُ یمکن الترادّ ولکن بالنسبة إلی العین التی تلف بعضها مع زیادة الأرش و جبران النقیصة أو الرجوع إلی المثل أو القیمة.

و منها: کون أحد العوضین دَیْنا
اشارة

إذا کان زید مدیونا لعمرو بألف ریال ثمّ اشتری عَمْروٌ منه سِجّادا بألف ریال بالمعاطاة، یترتب علیه فراغ ذمّة زید عمّا اشتغلت به لعمروٍ و حینئذ تصیر المعاطاة لازمة من أوّل تحققها لعدم إمکان الترادّ الذی هو موضوع الجواز.

و لذا قال الشهید فی الدروس: «و من المعاطاة أن یدفع إلیه سلعة بثمن یوافقه علیه

ص:157


1- (3) الجواهر 22/237 و 236.

من غیر عقد، ثم تهلک عند القابض فیلزم الثمن المسمی و شبهها اقتضاء المدین العوض عن النقد أو عن عرض آخر، فإن ساعره فذاک، و إلاّ فله سعر یوم القبض و لا یحتاج إلی عقد، و لیس لهما الرجوع بعد التراضی»(1).

و کذا جعل فی قواعده(2) الإبراء مردّدا بین الإسقاط و التملیک.

أقول: قبل الشرُوْعِ فی بحث اللزوم لابدّ من البحث عن صحة هذه المعاطاة فلذا علی القول بصحة المعاطاة فی الإعطاء من طرف واحد الأمر واضح و یحکم بصحتها، و أمّا علی القول بعدم کفایة الإعطاء من طرف واحد فَیُحْکَمُ بصحتها أیضا لأنّ الدین بمنزلة المقبوض فلا یحتاج إلی القبض ثانیا.

ثم وقع الخلاف فی بیع الدین علی مَنْ هو علیه کبیع من ینعتق علیه بعد الاتفاق علی حصول الْبَراءَةِ للذمّة فی الأوّل، و الانعتاق فی الأخیر، فی أنّ المبیع أعنی الدین فی الأوّل و العبد فی الثانی یتلف علی المشتری بنفس إنشاء البیع و المُنْشأ و کانت ملکیة الدین لم_َنْ هو علیه و العبد لمن ینعتق علیه لا تنتج إلاّ نتیجة التلف، أو أنّ الدین أو العبد ینتقلان إلی المشتری و یدخلان فی ملکه آنا ما ثمّ یتلفان علیه بسقوط الدین و بانعتاق العبد.

و منشأ القول الأوّل: فی باب الدین هُوَ لأجل استحالة أن یسلط الانسان علی نفسه بمال و یملک علی نفسه شیئا لعدم صحة اعتبار مال الانسان علی نفسه عند العقلاء أو

لأنّه قد مرّ منّا فی أوّل البیع بأنّ کلّ أحد مالک لذمّته و ما فیها بالملکیّة الذاتیة التکوینیة کما یملک أعضاءَهُ و جوارحه، لا بالملکیة الاعتباریة العرضیة کما یملک الأموال و مع حصول الملکیة الذاتیة التکوینیة یَکُوْنُ جَعْلُ الملکیّةِ الاعتباریة العرضیة لغوا _ کما علیه المحقّق

ص:158


1- (1) الدروس 3/192.
2- (2) القواعد و الفوائد 1/291 للشهید و نقل عنه الشیخ فی المکاسب 3/9.

السیّد الخوئی(1) قدس سره و سیأتی الاشکال فیه فی الفرق بین الذمّة و ما فیها _ و إذا ورد الدلیل علی صحة بیع الدین علیه فیصیر مآلُهُ إلی إبراء ذمته عن الدین بالعوض أو سقوطه کذلک، لا صیرورته مالکا لما فی ذمّته، و کذا فی بیع من ینعتق علیه یُقیم الدَّلِیْلَیْنِ:

الأوّل منهما: یدلّ علی أنّ الأنسان لا یملک عمودیه.(2).

و الثانی منهما: یدل علی انعتاقهما علیه بعد البیع.(3)

و الجمع بینهما یقتضی کون البیع لا ینتج إلاّ الانعتاق علی البائع من دون تحقق ملک للمشتری أصلاً.

و منشأ القول الثانی: فی باب الدین فلأنّ المانع عن اعتبار المال للإنسان علی نفسه إنّما یمنع عن اعتباره علی نحو الاستمرار، و أمّا اعتباره لما ثبت فی ذمّته عن الغیر ملکا یترتب علیه الإبراء لا ملکا مستقرا، فلا مانع عن اعتباره، و أمّا فی باب العتق فلأنّ الدلیل علی عدم ملکیة العمودین أیضا إنّما یمنع عن الملک المستقَر لا الملک المترتب علیه العتق.

قد اختار الشیخ الأعظم(4) و تبعه المحقق النائینی(5) رحمه الله القول الثانی، و لکن یظهر ممّا ذکرنا بالنسبة إلی باب الدین و بیعه عدم الفرق بین استحالة أن یسلط الأنسان علی نفسه بمال استمراریة أو ابتدائیة، أو أنّ کلّ انسان یملک ذمّته بالملکیة الذاتیة التکوینیة، لا الملکیة الاعتباریة العرضیة، فحینئذ جعل الملکیة الاعتباریة العرضیة بالنسبة إلی الذمة تکون لغوا حتّی إذا کانت علی نحو الملکیة الابتدائیة لا الاستمراریة التی لا یترتب علیه إلاّ الإبراء _

ص:159


1- (1) مصباح الفقاهة 2/207.
2- (2) راجع وسائل الشیعة 23/18، الباب 7 من أبواب کتاب العتق.
3- (3) راجع وسائل الشیعة 23/18، الباب 7 من أبواب کتاب العتق.
4- (4) المکاسب 3/98 قال: «یملکه من فی ذمته فیسقط عنه».
5- (5) المکاسب و البیع 1/242.

علی مبنی المحقق السیّد الخوئی رحمه الله کما مرّ.

فَالْقَوْلُ المختار بالنسبة إلی هذا الباب هو القول الأوّل و وافقنا المحقّق العراقی(1) رحمه الله و

أمّا بالنسبة إلی باب العتق فالظاهر تمامیة اختیار المحقّق النائینی لأنّ ظاهر الجمع بین الدلیلین الماضیین بانضمام ما دلّ علی أنّه لا عتق إلاّ فی ملک، بل ورد فی صحیحة منصور بن حازم: «لا عتق قبل الملک»(2) هو حدوث الملک آنا ما للمشتری ثمّ الانعتاق علیه.

هذا التفصیل هو مختارنا فی المقام و الذی یسهل الخطب هو التنبیه علی عدم ترتب ثمرة عملیة فی البابین _ أی الدین و العتق _ لأنّ الْقَوْلَیْنِ یذهبان إلی سقوط الدین و انعتاق العمودین.

ثم یقع الکلام فی أنّ هذا التلف الشرعی _ أی سقوط الدین _ هَلْ هُوَ کالتلف التکوینی الخارجی یکون من ملزمات المعاطاة أم لا؟

فلذا نقول بناءً علی القول بالملک یکون التلف الشرعی الاعتباری کالتلف الخارجی التکوینی، لأنّ علی القول بالملک تکون المعاطاة لازمة إلاّ فی فرض کون العوضین عینین و امکان الترادّ ففی هذا الفرض تکون جائزة إجماعا و فی فرض کون أحدهما دینا، و مع التلف الشرعی الاعتباری لا یمکن الترادّ فتخرج المعاطاة من تحت فرض الجواز و تکون لازمة.

و بما ذکرنا یظهر أنّه إذا کان أحد العوضین دینا و لو کان علی ذمّة غیر المتعاطیین تکون المعاطاة لازمة.

و أنّه لیس اللزوم فیها متوقفا علی القول الثانی فیما مرّ _ مِنْ صیرورة الدین ملکا لمن هو علیه ثم تلف علیه کما هو مختار الشیخ الأعظم و تبعه المحقّق النائینی _ بل علی القول

ص:160


1- (6) حاشیة المکاسب /151 لآیة اللّه المیرزا ابوالفضل النجم آبادی رحمه الله من تقریر أبحاث المحقّق العراقی رحمه الله .
2- (1) وسائل الشیعة 23/15، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب العتق.

المختار و هو سقوط الدین بنفس حدوث المعاطاة من دو ن وساطة الملکیة _ أیضا یجری، فعلیه ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره من قوله: «فعلی القول بالملک یملکه من فی ذمّته فیسقط عنه»(1) کما مرّ هو اختیار الشیخ فی المقام لا ابتناء المسألة علیه.

و ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله من قوله: «الظاهر أنّه فی حکم التلف»(2) أیّ أنّ سقوط الدین فی حکم التلف الخارجی التکوینی من جهة إیجاد اللزوم فی معاطاة العینین غیر تام لأنّ نفس وجود الدین فی طرف المعاطاة یخرجها من فرض الجواز، نعم، التساوی بین التلفین و عدم إمکان التراد یؤید هذا الخروج.

و أمّا التَّعْلِیْلُ الوارد فی کلامه قدس سره من قوله: «لأنّ الساقط لا یعود و یحتمل العود، و هو

ضعیف»(3) لا یتم عندنا لإمکان عوده بالإقالة و الفسخ، قال شیخنا الاستاذ قدس سره : «لأنّ عود ما علی الذمة إلیها فی بعض الموارد شاهد قطعی لإمکانه، کما إذا باع المدیون لآخر بعشرة دنا نیر متاعه منه بألف علی شرط إبراء ذمّته من العشر و خیاطة ثوبه المعین، فأخذ المشتری المتاع و سلم الألف وَ أَبْرَاءَهُ عن العشر ولکن امتنع عن خیاطة الثوب فإنّه لا ینبغی الریب فی أنّ للبائع خیار تخلف الشرط و إذا فسخ یعود العشر إلی ذمّته، و هذا عود بعد السقوط.

و الحاصل، أنّه لا یمکن قیاس عود المال إلی الذمّة بعود الشیء الخارجی بعد صیرورته معدوما و یقال بأنّ الشیء لو کان عوده بشخصه الأوّل لزم تخلل العدم فی الوجود الواحد، و لو کان بشخص آخر یکون غیره لا الأوّل، و الوجه فی الفرق أنّ ثبوت المال علی الذمّة اعتبار یتعلق بالطبیعی و یمکن اعتباره ثانیا بنحو لا یکون بینه و بین

ص:161


1- (2) المکاسب 3/98.
2- (3) المکاسب 3/98.
3- (1) المکاسب 3/99.

الطبیعی الأوّل میز أصلاً»(1).

لا یقال: أنتم ذهبتم إلی القول بالملکیة الذاتیة الحقیقیة بالنسبة إلی الذمّة لکلّ أحد فکیف تذهبون إلی ما ذکره شیخکم الاُستاذ قدس سره من «أنّ ثبوت المال علی الذمة اعتبار یتعلّق بالطبیعی و یمکن اعتباره ثانیا الخ»، و الجمع بین الملکیتین الحقیقیة و الاعتباریة لا یمکن! فکیف ذهبتم إلی هذا الجمع؟!

لأنّا نقول: هناک شیئان لابدّ بأنّ یفرق بینهما:

الأوّل: الذمّة لکلِّ أحد و تکون ملکیتها علی نحو الملکیة الحقیقیة.

الثانی: ما فی الذمة و علیها و تکون ملکیته غالبا علی نحو الملکیة الاعتباریة کعشرة دنانیرَ أوْ مَنٍّ من الحنطة، و ناهیک غالبا _ لا دائما _ لأنّه ما فی الذمة قد یکون ملکیته علی نحو الملکیة الحقیقیة نحو: بیع اختراع أخترعتُهُ أو کتاب ألّفتُهُ أو مقالة قُلْتُها أو بَدائع فِکَرٍ أبدعتُها. و علی ما سردناه علیک یمکن لک التمییز بین الذمّة و ما فیه و تعلّق الملکیة بقسمیها علیهما بل علی ما فی الذمة.

و نضرب لک مثلاً حتّی تکون علی بصیرة من الأمر نحو العلم و المعلوم، العلم یکون من الأشیاء الحقیقیة و یکون متّحدا مع ذات العالم، ولکن المعلوم کما یمکن أن یکون من الأشیاء الحقیقیة کالنفس و خالقها و رسول الخالق کذلک یمکن أو یکون من الأشیاء

الاعتباریة کالقوانین الموضوعة فی الممالک و نحوها، و مع ذلک لا تنافی أن یکون متحدا مع العالم و علمه.

و بما ذکرنا یظهر ضعف ما ذکره المحقّق الأصفهانی قدس سره من قوله: «أنّ الذمة المطلقة لا معنی لها، فإنّها لیست من الاُوعیة و الظروف بل هی نحو ثبوت الشیء اعتبارا، فشخص

ص:162


1- (2) إرشاد الطالب 2/93 و 92.

الذمّة یتشخص بأطرافها و هی من له و من علیه و ما فیها، و لیس هی علی اعتباریتها بأعظم من العلم الذی یتشخص بالعالم و المعلوم بذاته»(1).

و ضعف ما ذکره المحقّق الخراسانی رحمه الله من قوله: «لا یکاد یعود نفس الساقط حقیقة لإمتناع إرادة المعدوم، لکنّه لا یختص بالساقط، بل الملکیة الزائلة عن العین الموجودة، کذلک لاتعود لذلک، و إعادة مثله کما فی الملکیة بمکان من الإمکان، فالعمدة مع الشک هو إصالة عدم العود، و عدم زوال ملکه عمّا انتقل إلیه بعوض الدین، و لا استصحاب للجواز هیهنا، لیحکم علیها کما لا یخفی»(2).

فذلکة القول فی المقام

لعلّ أجلی ما یکشِفُ عَنْها هُوَ بیان المؤسّس الحائری قدس سره _ و هو أحسن مقال، بل تحقیق القول فی المقام _ قال: «قد یبحث عن جواز و لزوم هذا القسم من المعاطاة من جهة القواعد و قد یبحث عنهما من جهة إمکان الترادّ و عدم إمکانه.

أمّا الکلام فی الأوّل: فهو أنّه لا شک أنّ القدر المتیقن من الخروج عن تحت قاعدة اللزوم هو صورة کون العوضین عینین، فتبقی صورة کون أحدهما دینا تحت القاعدة من أوّل الأمر.

أمّا الکلام فی الثانی: فهو أنّه کما یمکن نقل السلطنة علی الدَّیْن من الدائن إلی المدیون، کذلک یمکن نقلها من المدیون إلی الدائن ثانیا، فلیس دَینیّة العوض کتلفه، فأصالة الجواز _ لو لا العمومات _ ثابتة، لثبوت موضوعها، لا أنّها منفیة لانتفائه»(3).

و أمّا بناءً علی القول بالإباحة: فَقَدْ قال الشیخ الأعظم قدس سره : «و الظاهر أنّ الحکم کذلک

ص:163


1- (1) حاشیته علی المکاسب 1/222.
2- (2) حاشیة المکاسب /24 للآخوند الخراسانی رحمه الله .
3- (3) کتاب البیع 1/120 بقلم مقرره شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .

علی القول بالإباحة، فافهم»(1).

مراده قدس سره أنّه یوجب سقوط الدین لا أنّه یوجب اللزوم کما فی القول بالملک، لأنّ «إباحة الدین علی من علیه الدین لا یقعل لها معنیً إلاّ سقوطها» کما ذکره المحقّق الخراسانی رحمه الله (2).

و قد نبّه علی تشابه سقوط الدین فی القولین لا اللزوم المحقّق الإصفهانی رحمه الله فی حاشیته علی المکاسب قال: «لیس غرضه [أی غرض الشیخ الأعظم] رحمه الله : أنّ الحکم هو اللزوم علی القول بالإباحة، فإنّ کون الإباحة مفیدة للسقوط لا یوجب کون السقوط بأعظم من التلف، مع أنّه لا لزوم عنده قدس سره علی القول بالإباحة فی صورة التلف الحقیقی لجریان أصالة السلطنة فی طرف العین الباقیة، و الرجوع بالبدل الواقعی فی طرف العین التالفة، فکیف بما هو فی حکم التلف. بل غرضه رحمه الله أن جعل الدین عوضا علی الإباحة یوجب السقوط، کما أنّه یوجبه علی القول بالملک، حیث لا معنی لإباحة الدین إلاّ الإبراء و الإسقاط...»(3).

و تبعه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی(4) رحمه الله .

نعم، یمکن القول باللزوم حتّی علی القول بالاْءباحَةِ فی المقام لأنّ «الإباحة تثبت فی المعاطاة بالإجماع و السیرة و من الظاهر أنّ الإباحة فی مقابل الملک لا معنی لها فی المقام فیکون الإجماع و السیرة فی سایر الموارد و یثبت الملک فی المورد من الأوّل کما هو مقتضی

ص:164


1- (4) المکاسب 3/99.
2- (1) حاشیته علی المکاسب /24.
3- (2) حاشیته علی المکاسب 1/222.
4- (3) مصباح الفقاهة 2/207.

حلّ البیع و وجوب الوفاء بالعقد». کما علیه شیخنا الاُستاذ(1) قدس سره تبعا لاُستاذه المحقّق السیّد الخوئی(2) رحمه الله و لعلّ الشیخ أشار إلی هذا بقوله فافهم فی آخر کلامه.

و أمّا علی القول بأنّ الحکم علی القول بالإباحة أیضا هو اللزوم کما فی القول بالمک فیمکن أن یشیر أمر الشیخ بالتفهّم إلی الجواز لجریان قاعدة السلطنة و لذا قال الفقیه الیزدی: «حاله حال تلف إحدی العینین علی القول بالإباحة، فیمکن الحکم بالجواز لقاعدة السلطنة بالنسبة إلی العوض الموجود، و لعلّه إلیه أشار بقوله «فافهم»»(3).

و منها: نقل العینین أو إحداهما بعقد لازم أو جائز

عدّه المحقّق الثانی من ملزمات المعاطاة و قال: «... بل تعذّر الرد بعقدٍ لازمٍ کبیع و وقف و نحوهما»(4).

و هکذا عدّه من ملزمات المعاطاة فی المیسیة.(5)

و قال ثانی الشهیدین: «لو نقل أحدهما العین عن ملکه، فإن کان لازما کالبیع و الهبة بعد القبض و الوقف و العتق فکالتالف و إن کان جائزا کالبیع فی زمن الخیار فالظاهر أنّه کذلک لصدق انتقال الملک عنه فیکون کالتلف»(6).

و نحوها فی الروضة.(7)

و قال الشیخ جعفر: «أنّه لا ریب و لا خلاف فی أنّ المعاطاة تنتهی إلی اللزوم و أنّ

ص:165


1- (4) إرشاد الطالب 2/93.
2- (5) مصباح الفقاهة 2/208.
3- (6) حاشیته علی المکاسب 1/399.
4- (1) حاشیة الإرشاد /334.
5- (2) المیسیة، مخطوطة، و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507.
6- (3) المسالک 3/150.
7- (4) الروضة البهیة 3/223.

التلف الحقیقی أو الشرعی _ بالنقل بالوجه اللازم للعوضین معا _ باعث علی اللزوم و کذا للواحد منهما. و احتمال العدم فیه و فی الناقل الشرعی فی حکم العدم... فلو خرج عنه و لو بعقد جائز دخل فی حکم آخر»(1).

و قال الفاضل النراقی: «و لو لم تتلف العین ولکن وقع التصرف فیها، فإن کان بنقل الملک اللازم فکالتلف لأنّه سلّطه علی ذلک. و إن کان بالمتزلزل فیحتمل اللزوم أو الإلزام بالاسترداد أو بالمثل أو القیمة»(2).

أقول: التصرفات الواقعة علی العینین من المتعاطیین إذا کانت متوقفة علی الملک بلا فرق بین التصرفات الخارجیة کالوط ء و بین التصرفات الاعتباریة، و الأخیر منها بلا فرق بین الإیقاعات کالوقف و العتق و العقود، و الأخیر منها بلا فرق بین العقود غیر المعاوضیة کالهبة و العقود المعاوضیة، و الأخیر منها بلا فرق بین أن یَقَعَ علی الأعیان کالبیع و الرهن و أن یَقَعَ علی المنافع کالإجارة. و بلا فرق بین أن یکون التصرف ناقل العین کالبیع و أن یکون غیر ناقل للعین کالودیعة و العاریة، فکلّ ذلک موجب لسقوط الردّ و لزوم المعاطاة.

و سواء فی ذلک کلّه العقد اللازم أو الجائز، و العقد باللفظ و الصیغة أو بالعمل و المعاطاة، فَسَخَ العقد بخیار أو إقالة أم لا، عاد العین إلی مَنْ انتقل عنه بمعاوضة اُخری أم لا، و

فی المعاطاة بلا فرق بین قولی الملک و الاباحة.

و الوجه فی ذلک أنّ جواز المعاطاة مشروط ببقاء العین بعینها و عدم خروجها عن ملکه، و عدم تصرفات المالکیّة فیها و کلّ ذلک یکون من التصرفات المالکیّة أی لا تجوز هذه التصرفات إلاّ من المالک، و إذا تصرّف فی العین بهذه التصرفات المالکیّة و لا یمکن

ص:166


1- (5) شرح القواعد 2/28 و 29.
2- (6) مستند الشیعة 14/261.

الترادّ فتصیر المعاطاة لازمة.

أمّا علی القول بالملک لأنّ القدر المتیقن من الجواز الثابت بالإجماع هو عدم التصرفات المالکی و معها تخرج المعاطاة من القدر المتیقن و فیحکم بلزومها.

و علی القول بالإباحة لأنّ الجواز مشروط ببقاء العین بعینها و مع هذه التصرفات یفقد الشرط بل أنّها فی حکم التلف کما اعترف به الشیخ الأعظم(1) رحمه الله فیحکم بلزومها.

و بعد الحکم بلزومها فإنّ رجوع العین إلی المتعاطی بالفسخ أو الإقالة أو معاوضه اُخری لا یخرجها عن اللزوم لأنّ بعد خروج المعاطاة عن الجواز إلی اللزوم، رجوعها مجددا إلی اللزوم یحتاج إلی دلیل و هو مفقود.

و لا فرق فی ما ذکرناه بین عقدی اللازم و الجائز لأنّ بعد هذا التصرف المالکی لم تبق العین بعینها فتصیر المعاطاة لازمة، و کذا لا فرق بین العقد بالصیغة و المعاطاة لما ذکرنا.

و کذا لا فرق بین التصرفات الناقلة للعین و غیر ناقلة لها کالإجارة و العاریة و الودیعة، لأنّ الأخیر أیضا من التصرفات المالکیّة فی العین و الفرق بین العین التی عقد علیها هذه العقود و غیرها واضح فلم تبق العین بعینها و لذا صار المعاطاة بها لازمة خلافا للمحقّق النائینی(2) رحمه الله حیث أنّه یری فی التصرفات غیر الناقلة بقاء العین علی حالها.

و کذا لا یجری استصحاب جواز الرد الثابت قبل العقد للقطع بانقطاعه بالعقد فموضوعه معدوم، لا أنّ «الموضوع غیر محرز»(3) کما علیه الشیخ الأعظم رحمه الله و بما ذکرنا یظهر جواب السیّد الحکیم رحمه الله من بناء قول الشیخ علی «أنّ المرجع فی تعیین موضوع

ص:167


1- (1) المکاسب 3/99.
2- (2) منیة الطالب 1/207.
3- (3) المکاسب 3/99.

الاستصحاب الدلیل لا العرف و مع إجمال الدلیل لا یحرز موضوعه»(1)، مع أنّ العرف أیضا لا یری فی المقام وحدة الموضوع فی القضیتین.

و العجب من شیخنا الاُستاذ قدس سره حیث یقول: «المستصحب جواز الترادّ وضعا أی نفوذ الترادّ و صحته، و عدم إمکان الترادّ قبل فسخ العقد اللازم لا یوجب ارتفاع هذا الجواز»(2). و لعلّه قدس سره تنبّه علی عدم تمامیة کلامه فذکر بعده إشکال الشیخ الأعظم بأنّ الموضوع غیر محرز فی الاستصحاب و لم یرد علیه.

نعم، یمکن جریان الاستصحاب التعلیقی _ علی القول به _ بأنّ استحقاق أخذ العین عند کونها فی ملک الطرف المقابل کان ثابتا و هذا الاستحقاق التعلیقی مستمر حتّی عند کون العین خارجة عن الملک و أثره أنّها إذا رجعت إلی الملک صار مستحقا کما فسره فی المقام المحقّق الإیروانی(3) و العمدة عدم جریانه.

و أعجب منه مقالة المحقّق الخراسانی(4) رحمه الله حیث جمع بین جواز رجوع المالک الاوّل الذی هو من المتعاطیین فی الهبة التی و هبها المتعاطی الآخر، و بین عدم جواز ردّه للمعاطاة، و کذا حکم بإمکان الجمع بین العوضین فی ید المالک الأوّل أحَدَهُما بالمعاطاة و الاَْخَرْ بالرجوع فی العین الموهوبة، و لا یخفی ما فی کلیهما من التأمل.

و قد ناقشه تلمیذاه المحققان النائینی(5) و الإصفهانی(6) رحمهماالله .

ص:168


1- (4) نهج الفقاهة /143 طبع عام 1421ق.
2- (1) إرشاد الطالب 2/93.
3- (2) حاشیته علی المکاسب 2/88.
4- (3) حاشیة المکاسب /25.
5- (4) منیة الطالب 1/212.
6- (5) حاشیته علی المکاسب 1/226.

و کذا لا ینقضی تعجبی ممّا نسب إلی المحقّق العراقی رحمه الله من أنّه بنی کلام الشیخ «ولو عادت العین بفسخ ففی جواز التراد... و عدمه... و جهان أجودهما ذلک»(1) علی إصالة اللزوم و قال: «و أمّا بناءً علی ما اخترناه من إصالة الجواز، فلا ریب فی جواز الترادّ لأنّ الخروج عن الملک إنّما یمنع جواز الرجوع من جهة فقد الموضوع لا لضعف فی سلطنة الارتجاع، فإذا عادت العین إلی ملکه عادت سلطنة الارجاع علیها لأنّها عین ما ملکه الباقی، مع بقاء سلطنة الارتجاع إنّما منع عن فعلیتها خروجها عن ملکه، فإذا ارتفع المانع أثر المقتضی أثره»(2).

و الوجه فیه: بعد الحکم علیها باللزوم من أیّ جهة کانت، رجوع حکم الجواز علیها بأیّ وجه کان یحتاج إلی دلیل وَ هُوَ مفقود، مع الاعتراف بأنّ «الملک الحاصل بالفسخ لا یعقل أن یکون شخص الذی زال بل هو شخص آخر» کما علیه المحقّق الإیروانی(3) رحمه الله فالحکم بلزومه یحتاج إلی دَلِیْلٍ.

و منها: لو باع العین ثالثٌ فضولاً

تارة أجاز البیع المالک الأوّل الأصلی الذی منه ینتقل العین بالمعاطاة إلی الثانی، و اُخری أجازه المالک الثانی الذی تنتقل العین إلیه، و الإجازتان تأْتیان علی قولی الملک و الإباحة فتصیر الفروع أربعة:

الأوّل: أجاز المالک الأوّل علی القول بالملک.

قال الشیخ الأعظم رحمه الله : «لم یُبعد کون إجازته رجوعا کبیعه و سائر تصرفاته

ص:169


1- (6) المکاسب 3/99.
2- (7) حاشیة المکاسب /152 من تقریر المحقّق العراقی بقلم آیة اللّه الشیخ المیرزا أبوالفضل النجم آبادی.
3- (1) حاشیته علی المکاسب 2/88.

الناقلة»(1).

مراده نفی البعد عن صحة بیع الفضولی حینئذ لأنّ المالک الأوّل بإجازته للبیع الفضولی فسخ المعاطاة، و صار بنفسه مالکا للعین و لذا إجازته تکون نافذة، و کذلک ردّه.

و أمّا وجه البعد فی کلامه رحمه الله یمکن أن یقدر بوجهین:

أ: عدم الدلیل علی کون الإجازة فسخا أو رجوعا، بخلاف التصرفات الناقلة من ذی الخیار، لأنّه قد ثبت الدلیل علی أنّها رجوع و الدلیل هو الإجماع.

ب: أنّ الفسخ فی المعاملة المعاطاتیة لابدّ أن یکون بترادّ العینین بخلاف الفسخ فی العقود، و من المعلوم إجازة بیع الفضولی لیس ردا للعین حتّی یصدق الترادّ.

ولکن یمکن أن یُناقَشَ الْوَجهان:

أمّا الأوّل: فإنّ التصرفات المنافیة للمعاطاة تکون رجوعا عند العرف و فسخا عندهم. و أنت تری بأنّهم لا یفرقون بین التصرفات الناقلة من ذی الخیار أو فی المعاطاة من أنّها رجوع فی الخیار أو المعاطاة و تکون ردّا لهما.

و أمّا الثانی: فإنّ المعتبر فی الفسخ هو إمکان الترادّ لا الترادّ الخارجی و فی إجازة بیع الفضولی توسط المالک الأوّل یمکن الترادّ بالرجوع إلی العین إن کانت موجودة أو المثل و القیمة إن کانت مفقودة.

الثانی: أجاز المالک الثانی علی القول بالملک.

قال الشیخ الأعظم: «نَفَذَ بغیر اشکال»(2).

أقول: لأنّه مالک للعین حین وقوع العقد فینفذ إجازته و کذلک ردّه و تکون إجازته

ص:170


1- (2) المکاسب 3/101.
2- (1) المکاسب 3/101.

کبیعه المباشری ملزما للمعاطاة، و أمّا ردّه فلیس إلاّ هدما للعقد الفضولی فلا تخرج المعاطاة من التزلزل إلی اللزوم. بخلاف إجازة المالک الاوّل أو ردّه لأنّهما منه کانا فسخا للمعاطاة و کاشفَیْن عن الرجوع فی المعاطاة بالدلالة الالتزامیة.

الثالث: أجاز المالک المبیح علی القول بالإباحة

علی القول بالإباحة، العین باقیة علی ملک المالک الأوّل فینفذ إجازته و ردّه، و إجازته تکون رجوعا فی المعاطاة و تدلّ علی فسخها، لعدم الفرق بین إجازته و بیعه المباشری.

ثم هل یکون ردّه رجوعا عن المعاطاة أم لا؟ قد یقال: بأنّ ردّ العقد الفضولی لا یترتب علیه إلاّ بقاء ماله علی ما کان علیه مملوکا له و هذا لا ینافی إباحته للمتعاطی فتبقی الإباحة علی حالها.

ولکن ردّ المحقّق السیّد الخوئی هذه المقالة بقوله: «ولکن فی هذا خلطا بین المعاطاة المقصود بها الإباحة و بین المعاطاة المقصود بها الملکیة مع ترتب الإباحة علیها بالتعبد، ففیما إذا أعطی المالک ماله و قصد به الإباحة لم یکن رد العقد الواقع علیها فضولاً رجوعا عن الإباحة بخلاف إجازته. و أمّا إذا أعطی ماله قاصدا به التملیک فهو أجنبی عن ذلک المال فی اعتباره، و الإباحة الشرعیة مترتبة علی هذا الاعتبار حدوثا و بقاءً، فمادام هذا الاعتبار کان باقیا فهو أجنبی عن المال، فلیس له ردّ العقد الواقع علیه، فردّه یکشف بالدلالة الالتزامیة عن رجوعه فی المعاطاة و إرجاع مملوکه إلی نفسه، فکان الرد کالإجازة فی أنّه یکون رجوعا عن المعاطاة»(1).

الرابع: أجاز المباح له علی القول بالإباحة

ص:171


1- (2) مصباح الفقاهة 2/211.

إجازته نافذة و صح العقد الفضولی بها و کذلک صارت المعاطاة بها لازمة، لأنّ شأن الإجازة الصادرة منه شأن البیع الصادر منه و لذا توجب لزوم المعاطاة. و أمّا ردّه فلا یؤثر فی إبطلال العقد الفضولی، لأنّه لیس له إلاّ جواز التصرف فیها دون ردّ العقد الواقع

علیها.

و بعبارة اُخری: مع ردّه لا یضاف العقد إلیه و یجوز للمالک التصرف فی ماله بإجازته للعقد الفضولی و تکون هذه رجوعا عن المعاطاة.

و بالجملة یمکن التفصیل بین إجازة المباح له و ردّه بأنّ إجازته تصحح العقد ولکن ردّه لا یردّه خلافا للشیخ الأعظم(1) و المحقّق النائینی(2).

و قال الشیخ الأعظم قدس سره فی الصورتین الأخیرتین ما نصه: «و ینعکس الحکم إشکالاً و وضوحا علی القول بالإباحة»(3).

مراده: أنّ الاشکال یأتی فی الصورة الأخیرة و هی إجازة المباح له، و هو عبارة عن استدعاء نفوذ إجازته، الملکیة آنا ما قبلها له و هذه الملکیة أیضا لا تفید علی القول بأنّ الإجازة کاشفة و لیست بناقلة لأنّ الملکیة آنا ما قبل الإجازة لا تصحح العقد الفضولی بناءً علی أنّ الإجازة کاشفة _ کما هو الصحیح _ نعم تصححه بناءً علی أنّ الإجازة ناقلة.

و جوابه: ترتب الإباحة علی المعاطاة لم یدل دلیل لفظی علیها بل هو مقتضی الإجماع المدّعی، و المتیقن منه هو ما قبل صدور العقد الفضولی المتعقب بإجازته، و فی غیره یتمسک بالاطلاقات الواردة و بها تثبت الملیکة من حین صدور العقد.

هذا کلّه علی مبنی القوم و إلاّ علی القول المختار فی المعاطاة من أنّ المعاطاة بیعٌ بلا

ص:172


1- (1) المکاسب 3/101.
2- (2) المکاسب و البیع 1/257.
3- (3) المکاسب 3/101.

فرق بینها و بین البیع باللفظ، فالمال ینتقل إلی الثانی و له الإجازة أو الرد فی العقد الفضولی و لیس لغیره، فإذا أجاز نفذو و إن ردّ المال، فهو باق علی ملکه.

ثم قال الشیخ الأعظم: «و لکلٍّ منهما ردّه قبل إجازة الآخر»(1).

أقول: للمالک الأوّل ردّه _ علی قولی الملک و الإباحة _ و ردّه رجوع فی المعاطاة.

و أمّا الثانی فله ردّه علی القول بالملک لأنّه مالک و له الإجازة و الردّ، و أمّا علی القول بالإباحة فردّه یرد انتساب العقد الفضولی إلیه ولکن یمکن للمبیح أن یجوّز العقد و لو بعد ردّه و هذا الأخیر هو الفارق بیننا و بین الشیخ الأعظم کما مرّ.

ثم قال الشیخ الأعظم: «لو رجع الأوّل فأجاز الثانی، فأن جعلنا الإجازة کاشفة لغی

الرجوع و یحتمل عدمه، لأنّه رجوع قبل تصرف الآخر فینفذ و یلغو الإجازة، و إن جعلناها ناقلة لغت الإجازة قطعا»(2).

أقول: لو رجع المالک الأوّل أو المبیح عن المعاطاة ولکن العقد الفضولی وقع قبل رجوعه ثم وقع الرجوع ثم أجازه الثانی فهل یؤثر الرجوع أو الاجازة؟

فلیعلم بأنّ الفضولی قد یبیع الثمن و قد یبیع المثمن، و الرجوع قد یقع من البائع و الإجازة من المشتری و اُخری بالعکس، فهذه أربعة فروع تارة وقع علی القول بالملک و تارة وقع علی القول بالإباحة فصارت ثمانیة و الکل یقع علی قولی الکشف و النقل فصارت ستةَ عشَرَ.

فی بعض الفروع لا بأس بالقول بالصحة نحو: إذا کان المبیع فضولاً هو المبیع معاطاة و الراجع هو المشتری و المجیز هو البائع، أو کان المبیع هو الثمن و الراجع هو البائع و المجیز هو

ص:173


1- (4) المکاسب 3/101.
2- (1) المکاسب 3/101.

المشتری فلا إشکال فی نفوذ الإجازة و صحة العقد لأنّها تقع علی ملک مالکه، و بلا فرق بین قولی الملک و الإباحة و کذا بلا فرق بین قولی الکشف و النقل فی الإجازة، فهذا حکم ثمانیة فروع.

و بقیَت ثمانیة فروع محل البحث و هی: باع الفضولی المبیع فرجع البائع ثم أجاز المشتری، أو باع الفضولی الثمن فرجع المشتری ثم أجاز البائع علی قولی الملک و الإباحة و کذا علی قولی الکشف و النقل.

و أنت تری بأنّ لا فرق هنا بین قولی الملک و الإباحة و الحکم فیهما واحد ولکن الکلام کلّ الکلام یظهر فی الفرق بین قولی الکشف و النقل، لأنّه لو رجع الأوّل ثم أجاز الثانی فلو جعلنا الإجازة کاشفة _ بمعنی عدم دخلها فی العقد لکون السبب التام هو العقد بحیث کانت الإجازة طریقا صِرفا إلی الواقع کالعلم کما یظهر من بعض نحو: سیّد الریاض(1) و صاحب الجواهر(2) _ لغی الرجوع لوقوعه فی ملک الغیر ولو کان سابقا علی الإجازة لتأخره عن السبب التام و هو العقد.

ولکن هذا المعنی من الکشف غیر تام لأنّه و إن کان محتملاً فی مقام الثبوت ولکن لا دلیل علیه فی مقام الإثبات، و لأنّ هذا المعنی فی الکشف یتم إذا کان صدرت الإجازة من

المالک، لا من کلّ أحدٍ، و من المعلوم رجوع المالک الأوّل یرفع موضوع الإجازة من المالک الثانی فلا تکون إجازته صادرةً من المالک.

ولکن لو جعلنا الإجازة کاشفة ولکنّها بمعنی أنّها دخیلة فی تأثیر الإنشاء السابق للعقد إمّا بنحو الشرط المتأخر أو بنحو القیدیة علی أن یکون المؤثر فی صحة العقد الفضولی

ص:174


1- (2) ریاض المسائل 8/227.
2- (3) الجواهر 22/285 و 287.

و ترتب الملکیة علیه هو الإنشاء السابق المقید بتعقب الإجازة، صارت الإجازة لاغیة لإنّ المالک الثانی قد انقطعت علاقته عن المال برجوع المالک الأوّل عن معاطاته.

ولو جعلنا الإجازة ناقلة فلغویتها فی المقام ظاهرٌ.

هذا کلّه فی فرض تقدم الرجوع علی الإجازة ولکنّهما إذا تقارنا فأیّهما یقدم علی الآخر؟ لو قلنا بشمول الإجماع القائم علی جواز المعاطاة حتّی فی صورة رجوعه حال إجازة المالک الثانی فلا یبقی مجال لإجازة الثانی و الرجوع یقدم علیها، ولو قلنا بعدم شمول الإجماع فی هذه الصورة کان الرجوع لاغیا و تقدم الإجازة.

و فی فرض الشک فی الشمول و عدمه حیث کان الإجماع دلیلاً لبیّا، لابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو صورة عدم المقارنة بین الرجوع و الإجازة، ففی صورة المقارنة لا یجری الإجماع و تقدم الإجازة حینئذ و للّه الحمد.

و منها: امتزاج إحدی العینین بغیرها

قال المحقّق الثانی فی تعلیقه علی الإرشاد: «و مثله (أی فی معنی التلف)... أو خُلطت بما لا یتمیّز معه»(1).

و نحوها فی المیسیة(2).

و قال ثانی الشهیدین: «لو اشتبهت بغیرها أو امتزجت بحیث لا یتمیّز فإن کان بالأجود فکالتلف. و إن کان بالمساوی أو الأردأ احتمل کونه کذلک لإمتناع الترادّ علی الوجه الأوّل، و اختاره جماعةٌ. و یحتمل العدم فی الجمیع لأصالة البقاء»(3).

و علّق صاحب مفتاح الکرامة علی قوله «و اختاره جماعةٌ» بقوله: «لعلّه فهمه من

ص:175


1- (1) حاشیة الإرشاد /334.
2- (2) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/508.
3- (3) المسالک 3/150.

إطلاقهم»(1). و هذا اشارة علی عدم وجود قائل صریح بهذا التفصیل من فقیه متتبع.

و نحوها فی الروضة(2) و کذا احتمل عدم إلحاق الامتزاج بالتلف فیها.

و قال الشیخ جعفر: «و اُلحق به طحن الحنطة و مزجها مطلقا أو بالأجود دون الأدنی و المساوی... و أما المزج علی وجه لا یتمیّز فلا یمکن ردّه بعینه و قبول الجمیع فیه منّة و دخول مال الغیر فی ماله، من غیر فرق بین الأجود و مقابلاته»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «ولو امتزجت العینان أو إحداهما، سقط الرجوع علی القول بالملک، لامتناع الترادّ و یحتمل الشرکة، و هو ضیعف. أمّا علی القول بالإباحة، فالأصل بقاء التسلّط علی ماله الممتزج بمال الغیر، فیصیر المالک شریکا مع مالک الممتزج به، نعم لو کان المزج مُلْحِقا له بالإتلاف جری علیه حکم التلف»(4).

أقول: الامتزاج لابدّ أن یکون امتزاجا عرفا و أمّا ما لم یکن کذلک ولو کان امتزاجا عقلاً فلا عبرة به نحو امتزاج الاوراق النقدیة، ثم الامتزاج إمّا أن یکون بغیر جنسه و إمّا أن یکون بجنسه، و الأوّل علی القسمین تارة علی وجه الاستهلاک کامتزاج ماء الورد بالزیت، و اُخری علی وجه لا یُعدّ تالفا کالخل الممتزج بالأنجبین.

الثانی: تارة یمتزج بالمساوی و اُخری بالأرادأ و ثالثة بالأجود.

فهذه مواردُ الامتزاجِ الْخمسةُ ذکرها الشیخ الأعظم فی بحث خیار الغبن(5)، و یأتی الحکم فی کلّ منها علی قولی الملک و الإباحة فی المعاطاة فصار عشرة فروع.

ص:176


1- (4) مفتاح الکرامة 12/508.
2- (1) الروضة البهیة 3/223.
3- (2) شرح القواعد 2/28 و 29.
4- (3) المکاسب 3/101.
5- (4) المکاسب 5/199.

و من المعلوم عند أهله أنّ البحث عن التغییر و الامتزاج یأتی فی خمسة أبواب أقلاً: هنا و خیارا العیب و الغبن و الهبة و التفلیس.

و الفقهاء حکموا بسقوط خیار العیب بالتغییر و المزج لأنّ المناط فیه بقاء العین بعینها کما تدل علیه صحیح جمیل عن بعض أصحابنا عن أحدهما علیهماالسلام فی الرجل یشتری الثوب أو المتاع فیجد فیه عیبا، فقال: إن کان الشیء قائما بعینه ردّه علی صاحبه و أخذ الثمن، و إن کان الثوب قد قطع أو خیط أو صبغ یرجع بنقصان العیب.(1)

و أنت تعرف بأنّ المناط مشترک بین المزج و التغییر فیسقط الردّ دون الأرش. و

الأصحاب الحقوا خیار الغبن و الهبة بخیار العیب و الأوّل یأتی حکمه مفصلاً فی محلِّه کالمُلْحَق إن شاء اللّه تعالی فانتظر.

و أمّا الهبة و إن کان نُسب(2) إلی ظاهر المحقّق اختصاص سقوط الرجوع فیها بالتلف الحقیقی دون التغیّر و الامتزاج لأنّه قال: «.. و إن کان اجنبیّا فله الرجوع مادامت العینُ باقیةً فإن تِلفَتْ فلا رجوع... و هل یلزم بالتصرف؟ قیل: نعم، و قیل: لا یلزم و هو الأشبه»(3).

ولکن الظاهر الحاقهما بالتلف فی الهبة أیضا لما ورد فی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إذا کانت الهبة قائمة بعینها فله أن یرجع و إلاّ فلیس له.(4)

ولکن فی باب التفلیس حکموا بأنّ التغییر و المزج لا یوجب سقوط حقّ صاحب العین عن عینه لأنّ المناط فیه وجود العین فما لم یطرأ علیها التلف فصاحب العین أحقّ بها و هما لایخرجان العین عن امکان رجوع صاحبها إلیها فلا یضرب مع الغرماء لما ورد فی

ص:177


1- (5) وسائل الشیعة 18/30، ح3، الباب 16 من أبواب الخیار.
2- (1) الناسب هو المحقّق النائینی فی منیة الطالب 1/217.
3- (2) شرائع الإسلام 2/180 کتاب الهبات.
4- (3) وسائل الشیعة 19/241، ح1، الباب 8 من أبواب کتاب الهبات.

صحیح جمیل عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتری المتاع و لم یدفع الثمن ثم مات المشتری و المتاع قائم بعینه، فقال: إذا کان المتاع قائما بعینه ردّ إلی صاحب المتاع و قال: لیس للغرماء أن یُحاصّوه»(1).

و نحوه صحیحة عمر بن یزید عن أبی الحسن علیه السلام قال: سألته عن الرجل یرکبه الدین فیوجد متاع رجل عنده بعینه؟ قال: لا یُحاصّه الغرماء.(2)

نعم فی بعض صور، باب التفلیس خلافٌ کما فی المزج بالأجود عن الشیخ فی الخلاف حیث قال: «إذا باع زیتا فخلّطه المشتری بأجود منه ثم أفلس المشتری بالثمن سقط حقّ البائع من عین الزیت و...»(3).

و تبعه العلاّمة فی التذکرة و قال: «أن یمتزج بالأجود فالأجود فالأصح أنّه یسقط حقّه من العین و لیس إلاّ المضاربة بالثمن...»(4).

ولکن المشهور باقون علی جواز الرجوع فی العین ولو مع التغییر و المزج فی الجملة و

التفصیل یطلب من کتاب الحجر.

ثم التغییر و الامتزاج فی المعاطاة هل یلحقان بخیاری العیب و الغبن و باب الهبة أو یلحقان بباب الحجر و التفلیس؟ الظاهر لحوقهما بالأوّل و الحکم بلزوم المعاطاة و عدم جواز الردّ لأنّ علی القول بالملک دلیل الجواز هو الإجماع، و هو لا یأتی فی صورة التغییر و الامتزاج و لاأقل من الشک فی إتیانه فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو فرض بقاء العین من دون تغییر و مزج.

ص:178


1- (4) وسائل الشیعة 18/414، ح1، الباب 15 من أبواب کتاب الحجر.
2- (5) وسائل الشیعة 18/415، ح2.
3- (6) الخلاف 3/266، مسألة 6.
4- (7) تذکرة الفقهاء 14/152.

و علی القول بالإباحة أیضا تَثْبُتُ الإباحة الشرعیة فی المعاطاة بالإجماع فالکلام الکلام.

مضافا إلی قیام السیرة القطعیة علی عدم جواز الرجوع فی المعاطاة فی صورتی التغییر و الامتزاج.

و بما ذکرنا یظهر وجه ضعف احتمال الشرکة علی القول بالملک کما ضعفه الشیخ الأعظم، و کذا عدم تمامیة الشرکة علی القول بالإباحة الواردة فی کلامهِ قدس سره ، و أمّا دلیل الشرکة علی القولین فلیس إلاّ السیرة العقلائیة علی تحقق الشرکة عند حصول الامتزاج بین العینین بحیث یمتنع تمییز إحداهما و إفرازها عن الاُخری بحسب العادة بلا فرق فی جریان السیرة بین الامتزاج بجنسه أو بغیره و لم یثبت الردع الشرعی عنها، فهذه السیرة العقلائیة مع عدم ورود الردع شرعا تثبت الشرکة. ولکن مع ملاحظة ما ذکرناه لا یتم القول بالشرکة فی المقام.

و کذا لا تتمّ مقالة المحقّق الخراسانی حیث یقول: «لو قیل بحصول الشرکة بمجرد الامتزاج، و إلاّ لم یمتنع الترادّ لبقاء الأجزاء الممتزجة علی ما کانت علیه من الملک أو الإباحة، لمن صارت إلیه من المتعاطیین فیصح ردّها إلی من انتقل عنه. فتدبر جیدا»(1).

و فیه: أوّلاً: قد مرّ آنفا جریان السیرة العقلائیة علی تحقّق الشرکة عند حصول الامتزاج بین العینین و عدم ورود الردع الشرعی، فما ذکره بعنوان القیل تمام ولکن فی غیر المقام.

و ثانیا: و کذلک مرّ من أن ممّا یوجب لزوم المعاطاة عدم بقاء العین علی ما هی علیه من الوصف کما فی خیار العیب و غیره، و لیس منحصرا بخروج المال عن قابلیة التملّک.

ص:179


1- (1) حاشیة المکاسب /25.
و منها: التغییر فی صورة إحدی العینین

قال إبن ادریس الحلّی: «... و لکلّ واحد منهما أن یرجع فیما بذل لأنّ الملک لم یحصل لهما بشرط أن بقیا، فإن لم یبق أحدهما بحاله کما کان أوّلاً فلا خیار لأحدهما...»(1).

یمکن حمل کلامه علی صورة التغییر أو إطلاقه یشمله.

و قال المحقّق الثانی فی تعلیقه علی الإرشاد: «و مثله (أی فی معنی التلف) لو تغیّرت من حالة إلی اُخری کالحنطة تُطحن أو اشتبهت بغیرها...»(2).

و نحوها فی المیسیة(3) بل الحقّ فیها بالتلف تغییر صفتها کخیاطة الثوب و صبغه و قصره.

و قال الشهید الثانی: «لو تصرف فیها تصرفا غیر ناقل للملک و لا جزء سببه فإن لم تتغیر العین به عن صفتها _ کالاستخدام [و الانتفاع بالأناء] و لبس الثوب _ فلا أثر له فی اللزوم، و إن أوجب تغییرا إلی حالة اُخری _ کطحن الحنطة و صبغ الثوب _ احتمل کونه کذلک لأصالة بقاء الملک مع بقائه، و لزوم المعاطاة بذلک و به جزم بعض الأصحاب لما تقدم من امتناع الترادّ بسبب الأثر المتجدد. و عندی فیه إشکال»(4).

و احتمل عدم الالحاق بالتلف فی الروضة.(5)

و قال الشیخ جعفر: «... و اُلحِق به طحن الحنطة... و خیاطة الثوب و صبغه و قصره... و تغییر الصورة بطحن أو تفصیل أو خیاطة أو صبغ و نحوها، لو دخل تحت الردّ

ص:180


1- (1) السرائر 2/250.
2- (2) حاشیة الإرشاد /334.
3- (3) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/507 و 508.
4- (4) المسالک 3/150.
5- (5) الروضة البهیة 3/223.

جاءَه ثبوت الضرر غالبا بتبدیل الاُوصاف و اختلاف الرغبات، نعم لو بقی الشیء علی حاله و زاده حسنا بصقل أو إخراج غبار و رفع و سخ و نحوها لم یکن فیه ذلک»(1).

و قال الشیخ الأعظم: «و لو تصرّف فی العین تصرفا مغیّرا للصورة _ کطحن الحنطة و فصل الثوب _ فلا لزوم علی القول بالإباحة، و علی القول بالملک ففی اللزوم و جهان مبنیّان علی جریان استصحاب جواز الترادّ و منشاأ الاشکال أنّ الموضوع فی الاستصحاب عرفیٌّ أو حقیقیٌّ»(2).

أقول: قد ظهر مما ذکرناه فی الامتزاج آنفا من أنّ دلیل الجواز علی قولی الملک و الإباحة الشرعیة هو الإجماع فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن منه و هو عدم التغییر و القول باللزوم فی صورة التغییر.

فالتغییر یلحق بالامتزاج و هما هنا یلحقان بخیاری العیب و الغبن و الهبة کما مرّ فی بحث الامتزاج، و لا یلحقان بباب التفلیس کما مرّ، فما ذکره الشیخ من الجواز علی القول بالإباحة، و ابتناء المسألة علی جریان الاستصحاب و عدمه علی القول بالملک لا یتم.

لأنّ المراد بالإباحة هو الشرعیة منها لا المالکیة فحینئذ لابدّ من ملاحظة دلیلها و هو الإجماع، و لا تبتنی المسألة علی جریان الاستصحاب علی القول بالملک لأنّ دلیل الجواز أیضا هو الإجماع و مع عدم إتیان الدلیل فی صورة التغییر فلا تصل النوبة إلی الاستصحاب حتّی نبحث فی أن الموضوع فیه عرفی _ کما هو الصحیح _ أو حقیقی.

مضافا إلی قیام السیرة المستمرة علی اللزوم فیها فی صورتی التغییر و الامتزاج کما مرّ، و حیث أنّ الصورتین (التغییر و الامتزاج) من سنخ واحد فلا نطیل الکلام فیهما و یظهر

ص:181


1- (6) شرح القواعد 2/28 و 29.
2- (7) المکاسب 3/101 و 102.

لک الحکم ممّا ذکرناه فی صورة الامتزاج و الحمدللّه.

و منها: موت أحد المتعاطیین

هل المعاطاة علی القول بجوازها تصیر لازمة بموت أحد المتعاطیین؟ أم تبقی علی جوازها و اختیارها یکون بید الوارث؟!

قال الشیخ الأعظم: «لیس جواز الرجوع فی مسألة المعاطاة نظیر الفسخ فی العقود اللازمة حتّی یورّث بالموت و یسقط بالاسقاط ابتداءً أو فی ضمن المعاملة، بل هو علی القول بالملک نظیر الرجوع فی الهبة، و علی القول بالإباحة نظیر الرجوع فی إباحة الطعام...»(1).

أقول: الوارث یرث من مورّثه ما ترکه من حقٍّ أو ملکٍ، و الجواز فی المعاطاة علی القول بها لا یکون حقّا و لا ملکا بل یکون حکما شرعیّا و لذا لا یورّث، لأنّ الحکم الشرعی الجواز یختص بالمتعاطیین و انتقاله إلی ورثتهما یحتاج إلی دلیل مفقود فی المقام و لذا یکون نظیر الحکم الشرعی بالجواز فی الهبة.

ثم قد مرّ أنّ دلیل الجواز فی المعاطاة علی قولی الملک و الإباحة الشرعیة لیس إلاّ

الاجماع، و الاجماع دلیل لبّیٌّ یؤخذ بالقدر المتیقن منه و هو فرض نفس المتعاطیین و لا یجری فی حقّ ورثتهما و لاأقل من الشک فیؤخذ بالقدر المتیقن منه و هما المتعاطییان أنفسهما فبموت أحدهما تصیر المعاطاة لازمةً.

مضافا إلی وجود السیرة القطعیة علی لزوم المعاطاة بموت أحد المتعاطیین علی قولی الملک و الإباحة.

فظهر ممّا ذکرنا عدم صحة الفرق بین قولی الملک و الإباحة حیث یظهر من الشیخ

ص:182


1- (1) المکاسب 3/102.

الأعظم الفرق بینهما، و کذا عدم تمامیة القول بالإباحة المالکیة، کما یظهر من تمثیل الشیخ فی المقام حیث یقول: «و علی القول بالإباحة نظیر الرجوع فی إباحة الطعام بحیث یناط الحکم فیه بالرضا الباطنی، بحیث لو علم کراهة المالک باطنا لم یجز له التصرف»(1). بل علی القول بالإباحة لیست إلاّ الشرعیة منها. و لا یجری استصحاب الجواز لأنّ المتیقن منه یکون راجعا إلی المیت لا وارثه، فالموضوع مغایر فی قضیتی المتیقنة و المشکوکة و لذا لا یجری الاستصحاب.

و منها: جنون أحد المتعاطیین

هل جنون أحدهما یلحق المعاطاة باللزوم؟ أم لا؟

ذهب الشیخ الأعظم إلی جواز المعاطاة مع طرو الجنون و لذا قال: «ولو جنّ أحدهما، فالظاهر قیام ولیّه مقامه فی الرجوع علی القولین»(2).

ولکن ظهر ممّا ذکرنا أنّ دلیل الجواز هو الاجماع و القدر المتیقن منه هو عدم طریان الجنون علی أحدهما و معه یحکم باللزوم و ینتفی قیام ولیّه مقامه فی الرجوع. قد طال بنا الکلام فی التنبیه السادس من المعاطاة و تم و الحمدللّه أوّلاً و آخرا.

السابع: المعاطاة بیعٌ _ ولو بعد اللزوم _ أو معاوضة مستقلة؟
اشارة

إذا کانت بیعا تجری فی حقّها أحکام البیع من الفسخ بالخیارات و الإقالة ولو بعد اللزوم، و قد بحثنا فی التنبیه الأوّل عن ترتب أحکام البیع علی المعاطاة ولکن واعدنا لتفصیل بحث الخیارات إلی هنا، ولکن قبل الورود فی البحث لابدّ من نقل کلام الشهیدین ثم تعلیق الشیخ علیهما.

ص:183


1- (1) المکاسب 3/102.
2- (2) المکاسب 3/102.

نقل السیّد العاملی عن الشهید أنّه قال فی حاشیته علی القواعد: «إنّ المعاطاة

معاوضة برأسها إمّا لازمة و إمّا جائزة»(1). و قال العاملی: «و هل تصیر بیعا علی تقدیر لزومها بأحد الوجوه أو معاوضة برأسها؟ ففی حواشی الکتاب أنّها معاوضة برأسها إمّا لازمة و إمّا جائزة فقد جعلها أوّلاً و آخرا معاوضة علی حدة، و هو الظاهر من کلامهم»(2).

و علّق الشیخ الأعظم علی کلام الشهید: «الظاهر أنّه أراد التفریع علی مذهبه من الإباحة و کونها معاوضة قبل اللزوم، من جهة کون کلٍّ من العینیین مباحا عوضا عن الاُخری لکن لزوم هذه المعاوضة لا یقتضی حدوث الملک کما لا یخفی فلابدّ أن یقول بالإباحة اللازمة، فافهم»(3)

أقول: قد مرّ عدم انحصار العقود و الإیقاعات بما ذکره الأصحاب قدیما و یمکن إحداث عقود حدیثة نحو التأمین و تشملها الإطلاقات و العمومات کقوله تعالی: «اوفوا بالعقود»(4) و لذا یمکن جعل المعاطاة برأسها معاوضة مستقلة.

ولکن إن جعلنا الإباحة الواردة فی المعاطاة الإباحة المالکیة _ کما هر ظاهر الشیخ الأعظم فی بعض کلماته _ فإنّ لزومها من الإبتداء لا یلازم الملک، بخلاف الإباحة الشرعیة لأنّ اللزوم الابتدائی فیها یلازم الملک، فلابدّ من حمل الإباحة فی کلام الشیخ علی مذهبه أیّ الإباحة المالکیة، لا الشرعیة منها. و نبّه علیه شیخنا الاستاذ(5) قدس سره .

ثم قال ثانی الشهیدین: «علی تقدیر لزومها بأحد الوجوه المذکورة، فهل تصیر بیعا

ص:184


1- (1) مفتاح الکرامة 2/511.
2- (2) مفتاح الکرامة 12/511.
3- (3) المکاسب 3/150.
4- (4) سورة المائدة /1.
5- (5) إرشاد الطالب 2/100.

أو معاوضة برأسها؟ یحتمل الأوّل، لأنّ المعاوضات محصورة و لیست أحدها و کونها معاوضة برأسها یحتاج إلی دلیل، و یحتمل الثانی لإطباقهم علی أنّها لیست بیعا حال و قوعها فکیف تصیر بیعا بعد التلف.

و تظهر الفائدة فی ترتب الأحکام المختصة بالبیع علیها _ کخیار الحیوان _ لو کان التالف الثمن أ و بعضه، و علی تقدیر ثبوته، فهل الثلاثة من حین المعاطاة أم من حین اللزوم؟ کلٌّ محتمل. و یشکل الأوّل بقولهم: «أنّها لیست بیعا، و الثانی بأنّ التصرف لیست معاوضة بنفسه. اللهم إلاّ أن تجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه. و الأقوی عدم ثبوت خیار

الحیوان هنا، بناءً علی أنّها لیست لازمة و إنّما یتم علی قول المفید و من تبعه. أما خیار العیب و الغبن فیثبتان علی التقدیرین کما أن خیار المجلس منتفٍ»(1).

ثم علّق علیه الشیخ الأعظم(2) بأنّ کلام ثانی الشهیدین یجری علی القول بالإباحة فی المعاطاة، أمّا علی القول بالملک حتّی المتزلزل و الجائز منه، یعدّ المعاطاة بیعا بلا إشکال عندهم و إذا لزمت صارت بیعا لازما، و اختار قدس سره علی القول بالإباحة أنّها بیع عرفی لم یصحّحه الشارع و لم یمضه إلاّ بعد التلف أو ما فی حکمه، و بعده تترتّب علیه أحکام البیع عدا ما اختص دلیله بالبیع الواقع صحیحا من أوّل الأمر.

أقول: هذا الکلام من الشیخ الأعظم ظاهر فی الإباحة الشرعیة _ خلافا لبعضها الاْآخر الظاهر فی الإباحة المالکیة کما مرّ فی بحث الامتزاج و التغییر و موت أحدهما _ و أنّ المعاطاة بیعٌ علی القولین ولکن علی القول بالملک قبل اللزوم و علی القول بالإباحة بعده فیکون اللزوم علی هذا القول الأخیر کالتقابض فی البیع الصرف فحینئذ _ أی حین اللزوم _

ص:185


1- (1) المسالک 3/151.
2- (2) المکاسب 3/104 و 103.

علی القول بالإباحة و علی القول بالملک من أوّل أزمنة التعاطی یترتب علیها جمیع أحکام البیع و من جملتها الخیارات هذا ما یستفاد من کلام الشیخ الأعظم.

و أمّا جریان الخیارات فی المعاطاة

فإنّه قبل ورود البحث لابدّ من التّذکیر بأنّ الخیارات علی أقسام ثلاثة:

1_ تارة یثبت الخیار فی البیع بالشرط الضمنی و الارتکاز العرفی من غیر تصریح بالشرط فی ضمن العقد نحو خیاری العیب و الغبن و خیار تأخیر الثمن.

2_ و اُخری یثبت فیه بالجعل و الاشتراط من قبل المتبایعین سواء کان شرط فعل علی أحدهما أو اشتراط صفة فی أحد العوضین نحو خیاری الرؤیة و تخلف الوصف، و من البدیهی عدم إمکان توقف أصل العقد علی تحقق الشرط لأنّه یستلزم التعلیق فی العقود و هو مبطل اجماعا _ علی المشهور _ و لذا یحکم بأنّ لزوم العقد متوقف علی الوفاء بالشرط.

3_ و ثالثة یثبت الخیار فیه بالدلیل الشرعی التعبدی نحو خیاری المجلس و الحیوان.

ثم من المعلوم جریان الخیارات فی المعاطاة علی القول بأنّها بیع لازم، لأنّها بیع و لذا تجری جمیع الخیارات فیها.

و عدم توهم جریانها فیها علی القول بأنّها تفید الإباحة المالکیة نحو: إباحة الطعام و

الألبسة و الأمکنة.

و أمّا علی القول بأنّها معاوضة مستقلة فیجری القسم الأوّل و الثانی منها دون الثالث لانحصار دلیلها بالبیع فقط.

و علی القول بأنّها تفید الإباحة الشرعیة أو الملک الجائز _ أی المتزلزل _ أیضا یجری القسم الأوّل و الثانی منها لأنّ دلیل القسم الأوّل یأتی فی جمیع المعاملات و کذلک القسم الثانی یأتی حین الاشتراط و الجعل فی المعاملات بل القسم الثالث لأنّها بیع عرفا.

إن قُلْتَ: أثر الخیار هو جواز العقد و من المعلوم _ علی القولین أیّ الملکیة الجائزة و

ص:186

الإباحة الشرعیة _ تکون المعاطاة جائزة بالذات فلا معنی لجوازها بالعرض.

قُلْتُ: قد مرّ منّا فی التنبیه الأوّل بأنّ الجواز من ناحیة لاینافی الجواز من ناحیة اُخری کما یمکن أن تترتب علی بیع عدّة من الخیارات، و تظهر الثمرة فی طرو إحدی الملزمات و مع طریانها صارت المعاطاة لازمة فتثمر جریان الخیارات، مع جواز أخذ الأرش فی عدّة منها.

إن قُلْتَ: الظاهر من أدلة الخیارات عموما و الخیارات المختصة بالبیع _ نحو خیاری المجلس و الحیوان _ خصوصا، اختصاصها بالعقود اللازمة من غیر ناحیة هذا الخیار، فلا تشمل المعاطاة لأنّها الجائزة.

قُلْتُ: مضافا إلی ما مرّ فی الجواب عن الاشکال السابق، أنّها تختص بعقد لازم عند المتعاقدین و المعاطاة منها، و لا اللازم عند الشارع لأنّها حتّی فی العقد اللفظی أیضا لا تتم لاجتماع الخیارات.

إن قُلْتَ: علی فرض جریان الخیارات فی المعاطاة، یمکن جریانها علی القول بالملک ولو کانت الجائزة ولکن علی القول بانّها تفید الإباحة الشرعیة فکیف یمکن جریانها فیها مع أنّها لیست إلاّ اباحة شرعیة و لکلّ منهما التصرف فی مال الآخر فقط فکیف یمکن جریان القسم الثانی من الخیارات الثابتة بالجعل و الشرط مع عدم لزوم المشروط، و کذلک القسم الأوّل منها لأنّها تثبت بالشرط الضمنی و الإرتکازی، و القسم الثالث أیضا دلیله مختص بالبیع فقط فلا یجزی فی الإباحة الشرعیة، فلا یجری الخیارات بأثرها علی القول بالإباحة الشرعیة.

قُلْتُ: قد مرّ منّا بأنّ الجواز لا ینافی جریان الخیار و أنّ المعاطاة علی القول بالإباحة الشرعیة أیضا معاوضة و معاملة، مضافا بأنّ الإطلاقات الواردة فی وجوب الوفاء بالشرط

تشمل المقام، و المعاطاة بیع عرفا و عند المتعاطیین فتجری الأقسام الثلاثة من الخیارات

ص:187

حتّی علی القول بأنّها تفید الإباحة الشرعیة.

و کذلک یجری خیار تأخیر الثمن أیضا فی المعاطاة علی جمیع الأقوال فیها لأنّه قد مرّ فی التنبیه الثانی صحة المعاطاة و إن کانت من طرف واحد و مع عدم لحوق الثمن بها یجری هذا الخیار.

و أمّا مبدأ خیاری المجلس و الحیوان هل یُحْسَبُ من مجلس إحدی الملزمات و یومها أو یُحْسَبُ من مجلس التعاطی و یومه، فالظّاهر هو الثانی لأنّه هو مبدؤها علی جمیع الأقوال فلا یلاحظ زمن طرو الملزمات.

و بما ذکرنا یظهر عدم تبنی جریان الخیارات علی القول بأنّ اللزوم فیها حقّیٌّ و عدم جریانها علی القول بأنّ اللزوم فیها حکمیٌّ، لأنّ الخیار ثابت فیها حتّی قبل اللزوم لعدم التنافی بینهما، هذا تمام الکلام فی جریان الخیارات فی المعاطاة و الحمدللّه.

الثامن: هل العقد الفاقد لبعض شرائط الصیغة معاطاةٌ؟
مسألتان لابدّ من التنبیه علیهما ثم وجه الجمع بینهما:
أمّا الاُولی منهما: المقبوض بالعقد الفاسد یوجب الضمان.

فقد قال الشیخ فی المبسوط: «إذا باع عبدا بیعا فاسدا و اُقبضه لم یملک و لم ینفذ عتقه و لاشیء من تصرّفه من البیع و الهبة و الوقف و غیر ذلک و یجب علیه ردّه و ردّ ما کان من نمائه المنفصل منه لأنّ ملک الأوّل لم یزل عنه فالتصرف فیه لا یصح و یلزمه ردّه علی البائع لأنّه ملکه و لا أثم علیه...»(1).

و قال فی غصب المبسوط: «... و جملته أنّ کلّ منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنّها تضمن بالغصب کمنافع الدار و الدابّة و العبید و الثیاب المقبوض عن بیع فاسد فإنّه لا یملک

ص:188


1- (1) المبسوط 2/149.

بالبیع الفاسد و لا ینتقل به الملک بالعقد و إذا وقع القبض لم یملک به أیضا لأنّه لا دلیل علیه، و إذا یملک

به کان مضمونا...»(1).

و قال فی الخلاف: «إذا اشتری جاریة شراءً فاسدا ثم قبضها فاعتقها لم یملک بالقبض و لم ینفذ عتقها و لا یصح شیء من تصرفه فیها مثل البیع و الهبة و الوقف و غیر ذلک و یجب ردّها علی البائع بجمیع نمائها المنفصل منها... دلیلنا علی ذلک: أنّه إذا کان البیع فاسدا فملک

الأوّل باق لم یزل و إذا لم یزل فکلّ من تصرف فی ملکه بغیر إذنه یجب أن لا یصح تصرفه لأنّه لادلیل علی صحته»(2).

و قال فیه أیضا: «إذا اشتری جاریة بیعا فاسدا فوطأها فإنّه لا یملکها و وجب علیه ردّها و علیه إن کانت بکرا عشر قیمتها و إن کانت ثیبا نصف عشر قیمتها... دلیلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، فإنّهم رووا ذلک منصوصا عن الأئمة علیهم السلام و إجماعهم حجة»(3).

و قال فی غصب الخلاف: «المقبوض ببیع فاسد لا یملک، و لا بالقبض. و به قال الشافعی، و قال أبوحنیفة: یملک بالقبض. دلیلنا: أنّه لا دلیل علی أنّه یملک بهذا القبض، فمن ادعی ذلک کان علیه الدلالة، لأنّ الأصل أنّه علی ملک مالکه»(4).

و قال ابن ادریس الحلّی: «... لأنّ هذا بیع فاسد، و البیع الفاسد عند المحصلین یجری مجری الغصب فی الضمان...»(5).

و قال المحقّق: «ولو قبض المشتری ما ابتاعه بالعقد الفاسد لم یملکه و کان مضمونا

ص:189


1- (2) المبسوط 3/64.
2- (1) الخلاف 3/158، مسألة 250.
3- (2) الخلاف 3/158، مسألة 251.
4- (3) الخلاف 3/403، مسألة 12.
5- (4) السرائر 2/285.

علیه»(1).

و قال فی غصب الشرائع: «لایملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد و یضمنه و ما یتجدَّدُ من منافعه و ما یزداد من قیمته لزیادة صفة فیه، فإن تلف فی یده ضمن العین بأعلی القیم من حین قبضه إلی حین تلفه...»(2).

و قال العلاّمة: «ولو قبض المشتری بالعقد الفاسد لم یملک و ضمن»(3).

و قال فی غصب القواعد: «و لا یملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد و یضمنه و ما یتجدّد من منافعه الأعیان أو غیرها مع جهل البائع أو علمه مع الاستیفاء و بدونه إشکال...»(4)

و قال فی التذکرة: «البیع الفاسد لا یفید ملکیّة المشتری للمعقود علیه سواء فسد من

أصله أو باقتران شرط فاسد أو بسبب آخر ولو قبضه لم یملکه بالقبض، ولو تصرّف فیه لم ینفذ تصرّفه فیه عند علمائنا أجمع و به قال مالک و الشافعی و أحمد...»(5).

و قال فی نهج الحقّ و کشف الصدق: «ذهبت الإمامیة إلی أنّ الشراء الفاسد لا یملک بالقبض و لا ینفذ عتقه لو کان عبدا أو أمة، و لایصح شیء من تصرفه ببیع أو هبة أو غیرهما...»(6).

و قال الشهید الاْءوّل: «حکم البیع الفاسد استرداد العوضین أو بدلهما و لا یوجبه

ص:190


1- (5) الشرائع 2/7.
2- (6) الشرائع 3/194.
3- (7) القواعد 2/17.
4- (8) القواعد 2/238.
5- (1) تذکرة الفقهاء 10/290.
6- (2) نهج الحقّ و کشف الصدق /485.

ایصال القبض و یرجع صاحب العین بمنافعها المستوفاة، فلو فاتت بغیر استیفاء فوجهان...»(1).

و قال ابن فهد الحلّی: «إذا اشتری فاسدا لم یملک و کان لمالکه الرجوع فإن تعیّب ضمن أرشه ولو زاد... اجماعا»(2).

و قال المحقق الثانی: «[لاریب أنّه مضمون علیه(3)] کالصحیح لأنّهما تراضیا علی ذلک فیحکم علیه به فلو تلف بغیر تفریط کان من ضمانه، و إذا علم بالفساد لم یجزله التصرف عندنا، لأنّه فرع الملک و لم یحصل و کذا نقول فی کلّ عقدٍ یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، کما أنّ ما لایضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده»(4).

و قال أیضا فی کتاب الغصب: «لاریب فی أنّ البیع الفاسد مضمون لأنّ کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده و ذلک لأنّه إنّما دخل علی تملک العین فی مقابل الثمن، فإذا کان العقد غیر مملّک وجب ردّ کلّ من العوضین إلی مالکه فلو تعذر وجب بدله من الثمل أو القیمة لامتناع فوات العین و ما جعلت فی مقابله»(5).

و قال الشهید الثانی: «لا إشکال فی ضمانه إذا کان جاهلاً بالفساد لأنّه أقدم علی أن یکون مضمونا علیه فیحکم علیه به، و إن تلف بغیر تفریط، و لقوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی(6) و من القواعد المقررة فی هذا الباب أن کلّ عقد یضمن بصحیحه

ص:191


1- (3) الدروس 3/194.
2- (4) المهذب البارع 2/361.
3- (5) الزیادة من نقل مفتاح الکرامة 12/538 و یقتضیها السیاق.
4- (6) جامع المقاصد 4/61.
5- (7) جامع المقاصد 6/324.
6- (8) عوالی اللآلی 1/224، ح106 و 1/389، ح22 _ سنن البیهقی 6/95.

یضمن بفاسده، و أنّ ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده، و لا فرق _ مع جهله _ بین کون البائع عالما بالفساد أو جاهلاً، مع احتمال عدم الضمان لو علم، لتسلیطه علی إتلافه، مع علمه بکونه باقیا علی ملکه و کذا لو کان عالمین بالفساد. ولو کان البائع جاهلاً به و المشتری عالما فالضمان اُولی. و الأقوی ثبوته فی جمیع الصور، فیترادّان العینین مع بقائهما و بدلهما مع تلفهما، و یرجع صاحب المنافع المستوفاة بها. ولو فاتت بغیر استیفاء فوجهان. ولو زادت العین فللمالک إلاّ أن تکون الزیادة بفعل الآخر جاهلاً فهی له عینا کانت کالصبغ أو صفة کالصنعة»(1).

و قال فی کتاب الغصب: «لااشکال فی عدم ملک المشتری شراءً فاسدا لأنّ نقل الملک من مالک إلی آخر موقوف علی أسباب نصبها الشارع و حدود حدّدها، فما لم یحصل فالملک باق علی أصله. و تسمیته علی تقدیر فساد الشراء مشتریا مجاز بحسب الصورة و إلاّ فالبیع حقیقة لا یطلق إلاّ علی الصحیح.

و أمّا کونه مضمونا علیه فلأنّه قبضه لیکون مضمونا علیه کذلک، و لعموم علی الید ما أخذت حتّی تؤدی و للقاعدة المشهورة أنّ ما کان مضمونا بصحیحه یضمن بفاسده، و البیع لو صحّ انتقل ضمان المبیع إلی المشتری بمعنی کون تلفه من ماله فیکون فی فاسده کذلک...»(2).

و علّق فیه علی قول المحقّق: «و من الأسباب: القبض بالعقد الفاسد»(3). بقوله: «هذا الثلاثة من جملة الأسباب للضمان بغیر الغصب و الحکم فی الأوّل منها موضع وفاق، لعموم: علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی لأنّ کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، و المراد بالعقد

ص:192


1- (1) المسالک 3/154.
2- (2) المسالک 12/222.
3- (3) الشرائع 3/187.

هنا عقد البیع و نحوه من العقود اللازمة الموجبة لانتقال الضمان إلی القابض، لا مطلق العقد، فإنّ منه ما لا یضمن بصحیحه _ کالقراض و الوکالة و الودیعة _ فلا یضمن بفاسده»(1).

و قال المحقّق السبزواری: «لایملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد، لإنتفاء الأسباب المقتضیة للملک. و المقطوع به فی کلام الأصحاب أنّه مضمون علیه لعموم: علی

الید ما أخذت حتّی تؤدّی و للقاعدة المشهورة أنّ ما کان مضمونا بصحیحه یضمن بفاسده. و البیع لو صحّ انتقل ضمانه إلی المشتری بمعنی کون تلفه من ماله، فیکون فی فاسده کذلک. و فی التعلیلین تأمل. و إن لم یثبت اجماع فیه کان للمأمل فیه مجال»(2).

أقول: هذا کلّه فی تطور المسألة الاولی و یأتی تفصیل أحکامها بعد أقل من مائة صفحةٍ ستأتی إن شاء اللّه(3) فانتظر.

و أمّا الثانیة منهما: وَ هُوَ الإخلال بالشروط المعتبرة فی الصیغة جعل البیع معاطاةً

فقد قال أبوالصلاح الحلّی: «فإن اختل شرط من هذه لم ینعقد البیع و لم یستحق التسلیم و إن جاز التصرف مع اختلال بعضها للراضی [للتراضی] دون عقد البیع و یصح معه الرجوع»(4).

و قال أیضا: «و إن کان مع کون العقد فاسدا ممّا یصح التصرف فیه للتراضی فلکلّ منهما الرجوع بعین ما رضی بتسلیمه خاصة، فإن هلکت العین فی ید أحدهما لم یصح الرجوع»(5).

ص:194


1- (4) المسالک 12/174.
2- (1) الکفایة 2/653.
3- (2) راجع صفحة **** من هذا المجلد.
4- (3) الکافی فی الفقه /353.
5- (4) الکافی فی الفقه /355.

و قال الشهید الاْءوّل بعد نقل کلامه: «لعلّه أراد المعاطاة»(1).

و قال المحقّق الثانی فی رسالته «صیغ العقود و الإیقاعات»: «... فلو أوقع البیع بغیر ما قلناه و علم التراضی منهما کان معاطاة، لا یلزم إلاّ بذهاب أحد العینین و کذا القول فی الإجارة و نحوها بخلاف النکاح و الطلاق و نحوهما فلا تقع أصلاً»(2).

و قال الشهید الثانی: «أنّها تفید المعاطاة مع الإفهام الصریح»(3).

و قال الشیخ یوسف البحرانی: «ولو ظن أنّ المالک رضی لهذا المال بالبدل المعلوم فهو راض بأن یتصرف فیه عوضا عمّا فی یده، فالأکل حینئذ لیس بالباطل، بل بالرضا فإنّه رضی بالتصرف فیه بأن یجوز له التصرف فی بدله و قد جوز صاحبه ذلک و عرف کلّ واحد من صاحبه ذلک. فحینئذ یجوز تصرف کلّ واحد فی بدل ماله و إن لم یکن بسبب البیع، بل

بسبب الإذن المفهوم مع البدل و کأنّه یرجع إلی المعاطاة و الإباحة مع العوض من غیر بیع و لا تجد منه مانعا، غایة الأمر إنّه یکون لکلّ واحد الرجوع عن قصده الأوّل و أخذ ماله عینا و زیادة»(4).

قال الشیخ جعفر: «... نعم، لو وقع العقد من کاملین لاغیین به (أی بالعقد) قاصدین للمعاطاة أو الإباحة، جأت أحکامها بتمامها»(5).

أقول: هذا الکلام غیر فرعنا هذا.

و قال السیّد محمّد المجاهد: «إذا کان إیجاب البیع و قبوله بغیر اللغة العربیة من الألفاظ

ص:194


1- (5) الدروس 3/194.
2- (6) رسالة صیغ العقود و الإیقاعات، المطبوعة فی ضمن رسائل المحقّق الکرکی 1/178.
3- (7) الروضة البهیة 3/225.
4- (1) الحدائق 18/467.
5- (2) شرح القواعد 2/35.

الفارسیة و غیرها فلا اشکال فی صحة البیع حینئذ و إفادته إباحة التصرف و نقل الملک بناءً علی المختار من افادة المعاطاة ذلک لظهور عدم القائل بالفصل بین الأمرین و لفحوی مادلّ علی إفادة المعاطاة أو عمومه الملک...»(1).

أقول: الانتقال إلی المعاطاة مطلقا أیّ بلا فرق بین التقابض و عدمه لم یظهر من السیّد المجاهد قدس سره .

و قال الفاضل النراقی: «علی القول باشتراط الصیغة _ کما هو المشهور _ فهل هی شرط اللزوم خاصة، أو مع انتقال الملک أیضا، أو هما مع إباحة التصرف؟ لا ینبغی الریب فی الإباحة بدونها للأصل و الإجماع و إذن المالک فی التصرف.

و القول بکونه بیعا فاسدا مع شذوذه لا ینفی إلاّ الإباحة الشرعیة من جهة البیع لامطلقا، مع أنّ حرمة التصرف فی المقبوض بالبیع الفاسد بجمیع أفراده _ حتّی ذلک _ لم تثبت. نعم، ینبغی تقیید إباحة التصرف من کلّ منهما بعدم قصده الرجوع بماله حال التصرف لأنّه المعلوم من الإذن.

أمّا الأوّلان فیجب بناؤهما علی کون المعاطاة و نحوها ممّا تجرد عن الصیغة بیعا عرفا و لغة، أم لا؟ فإن قلنا به _ کما هو الحقّ _ فالحقّ هو الأوّل لانحصار دلیل اشتراط الصیغة عندهم حینئذ و تخصیص عمومات اللزوم بالاجماع، و انحصاره فی إشتراط اللزوم ظاهرا، أو مع بعض الظواهر الذی لا تثبت منه حرمة التصرف بدون الصیغة، و تبقی عمومات حلیة البیع خالیة عن المعارض فیصیر البیع فی الشرع قسمین: لازم و جائز.

و إن لم نقل به فالحقّ هو الثانی، اذ تدلّ علی اشتراط الصیغة حینئذ الاُصول المتقدمة و هی جاریة فی نفی الملک.

ص:195


1- (3) المناهل /270.

و اطلاق القول بنقل الملک مع المعاطاة _ تمسّکا بأنّه لولاه لما تحقّق الملک بالتلف _ ضعیف جدّا»(1).

أقول: لم یظهر من الفاضل النراقی الانتقال إلی المعاطاة مطلقا.

ولکن سیّد الریاض ناقشهم فی الحاقه بالمعاطاة و قال: «و احتمال الالحاق بالمعاطاة فی عدم لزوم قیمة الفائت و الاکتفاء عنها بالعوض المبذول بالرضا فی المقابل کما فی عبارة بعض الأصحاب غیر جیّد بناءً علی عدم الدلیل علی الاکتفاء بالعوض و لزومه بمجرد الرضاء السابق، بل یترتب علی العقود الناقلة بشرائط الصحة و هی هنا مفقودة. فإن تراضیا بالبدلین بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما فلا کلام فیما ذکره و إن انتفی فالاکتفاء بالرضاء السابق فی لزومه یحتاج إلی التأمل، سیما مع العلم بأنّ المُنْشِأ زعم صحة المعاملة، فبعد کشف الفساد و عدم الرضاء بعده لم یکن هناک رضاء فی الحقیقة، فلکلّ منهما الرجوع إلی المال أو بدله مع التلف فإن الناس مسلطون علی أموالهم...»(2).

و تبعه فی الجواهر: «... نعم لو علم منهما ولو بالقرائن بعد ذکرهما العقد عدم إرادتهما ذلک بل قصد الإنشاء بتقابضهما و أراد حصول الملک أو الإباحة جری علیه حکم المعاطاة، و کان خارجا عمّا نحن فیه»(3).

فعلی هذا یکون صاحب الجواهر من القائلین بعدم تحقّق المعاطاة مطلقا.

هاهنا فرعان، و کیفیة الجمع بینهما
اشارة

أقول: هاهنا فرعان: الأوّل منهما إجماعی و هو أنّ المقبوض بالعقد الفاسد یوجب الضمان، و الثانی منهما: أنّ الاخلال بالشروط المعتبرة فی الصیغة یجعل البیع معاطاة کما ذهب إلیه بعض الأصحاب، فکیف یمکن الجمع بین الفرعین؟

ص:196


1- (1) المستند 14/259.
2- (2) ریاض المسائل 8/255.
3- (3) الجواهر 22/256.
جَمْعُ صاحِبِ مفتاح الکرامة

قال السیّد العاملی فی وجه الجمع بین المسألتین: «موضوع المسألة ما إذا علم عدم الرضا إلاّ بزعم صحة المعاملة أو اشتبه الحال، و فی الظن فی الرضا بدونه إشکال، فإذا انتفت الصحة انتفی الإذن لترتّبها علی زعم الصحة، فکان التصرف حینئذ تصرفا بغیر إذن و أکل

مال بالباطل لانحصار وجه الحلّ فی کون المعاملة بیعا أو تجارة عن تراض أو هبة أو نحوها من وجوه الرضا بأکل المال من غیر عوض، و الأوّلان قد انتفیا بمقتضی الفرض، و کذا البواقی للقطع من جهة زعمهما صحة المعاملة بعدم الرضا بالتصرف مع عدم بذل شیءٍ فی المقابل، فالرضا المتقدم کالعدم. فإن تراضیا بالعوضین بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما فلا کلام فی صحة التصرف بأیّ نوع اتفق سواء صحت المعاملة أو فسدت فإنّ ذلک لیس من البیع الفاسد فی شی ء¨ٍ کما بیّنّا ذلک فی مبحث المعاطاة...»(1).

أقول: حاصل جمعه یرجع إلی أمرین و یحکم بصحة المعاطاة فیهما و هما:

الأوّل: تحقق المعاطاة بالتراضی الموجود حال العقد إذا علم بعدم تقیّده بصحة المعاملة.

الثانی: حصول المعاطاة بالتراضی الجدید الحادث بعد العقد و العلم بالفساد.

و استشکل علیهما الشیخ الأعظم(2) قدس سره و ردّ:

الأوّل منهما: بأنّ التراضی الموجود حین العقد مقیّد بالتملیک لا أنّه مطلق، و من البدیهی انتقاء المقید بانتفاء قیده، فبإنتفاء التملیک ینتفی التراضی.

و الثانی منهما: أنّ کلام الجماعة لا یقبل الحمل علی التراضی الجدید و وقوع معاطاة جدیدة بالتقابض الواقع بعد العقد الفاسد. لانّ کلامهم ظاهر فی حصول المعاطاة بنفس الصیغة الخالیة عن الشرائط، لا بالتقابض الحاصل بعدهما.

ص:197


1- (1) مفتاح الکرامة 12/539 و نقل عنه الشیخ فی المکاسب 3/108.
2- (2) راجع المکاسب 3/109.
وجه جمع المحقّق الخراسانی

قال: «یمکن أن یقال: أنّ الصیغة المفروضة، و إن لم تتضمن إلاّ إنشاءً واحدا و المفروض فسادها للإخلال ببعض ما اعتبر فیها، إلاّ أنّ الصحة و الفساد لمّا کان من الاُمور الإضافیة... کان فساد الصیغة المُنْشَاء بها التملیک بما هی عقد البیع، و لا یترتب علیها شیء مما یکون آثار العقد من اللزوم و غیره، لا ینافی کونها معاطاةً و داخلة فی المسألة التی تکون معرکة للآراء و صحیحة بما هو بیع عند بعض و اباحة عند الآخر إلی غیر ذلک من الأقوال فیها، و الحکم بالضمان بضمان المقبوض بالعقد الفاسد یمکن أن ینزل علی أنّه حکم اقتضائی لا فعلی، بمعنی أنّ قضیة فساده بما هو عقد، ذلک لو لم یجیء فی البین الحکم بصحته بوجه آخر، أی بما هو بیع بغیر العقد، و هذا أحسن ما یقال توفیقا بین ما ذکر فی المقامین

فتفطّن»(1).

و فیه: حمل الضمان فی المقبوض بالعقد الفاسد و هکذا فساد عقده بما هو معاملة و معاوضة علی الحکم الإقتضائی لغو محض، لأنّ العنوان الثانی و هو المعاطاة دائما یکون موجودا فیه، لا سیما إذا قلنا بأنّ العقد الفاسد حکمه حکم المعاطاة مطلقا أی ولو لم یتحقق معه قبض أصلاً کما نسبه الشیخ الأعظم(2) إلی ظاهر غیر واحد من مشایخه المعاصرین له، و مع وجود المعاطاة دائما فی العقد الفاسد فلا تصل النوبة إلی الضمان أصلاً فجعل الحکم بالضمان ولو علی نحو الحکم الاقتضائی یکون لغوا لعدم تحقق فعلیته أصلاً. و هذا مراد شیخ مشایخنا المحقّق النائینی(3) فی الردّ علی المحقّق الخراسانی.

ما هو المختار فی المقام

إذا لم یتحقق القبض بعد الصیغة الفاسدة فهذا خارج عن المعاطاة المصطلحة لعدم

ص:198


1- (1) حاشیة المکاسب /26.
2- (2) المکاسب 3/107.
3- (3) منیة الطالب 1/228.

التقابض المعتبر فی المعاطاة، فلابدّ من إخراجه من کلام الجماعة، و من هنا ظهر أنّ القول بأنّ الإنشاء القولی الغیر الجامع لشرائط الصحة یرجع إلی المعاطاة مطلقا _ أی سواء تحقق القبض أو لم یتحقق _ فلا وجه له لخروجه عن عنوان المعاطاة بالکلّیة.

و إن تحقق القبض و یکون بناؤهما علی الإغماض عن الصیغة الفاسدة و یریدان انشاء العقد مجددا بالفعل، فهذه الصورة تدخل فی عنوان المعاطاة بلا ریب و تکون خارجة عن محط کلام الجماعة.

و إن تحقق القبض ولکن لیس بناؤهما علی الاغماض بل أنّهما یقبضان وفاءً بما التزمابه علی البیع الفاسد بحیث لم یعلم منهما رضا بالتصرف فی ماله. إلاّ الرضا المعاملی الذی کان فی ضمن الإنشاء الفاسد و مقیدا به، فهذه الصورة لیست إلاّ المقبوض بالعقد الفاسد الذی هو موجب الضمان، و هذه أیضا خارجة عن موضوع البحث.

ولکن إن تحقق القبض و لیس بناؤهما علی الاغماض بل أنّهما یقبضان لا بما أنّ القبض یکون وفاءً بل رضا جدیدا یحصل لهما فی أیّ حال و هذه الصورة هی محل کلام الجماعة.

ثم هذا الرضا تارة یکون حقیقیا کما لو عَلِما بفساد الصیغة و مع ذلک رضیا

بالتصرف، و اُخری تقدیریّا کما لو جهلابه ولکن یظهر من حالهما أنّهما لو علما بفساد الصیغة لرضیا بالتصرف أیضا و یکون کالرضا من شاهد الحال فی غیر المقام.

و ادخال هذا فی المعاطاة یتوقف علی أمرین:

الأوّل: کفایة الرضا الشأنی فی صحة المعاطاة لصدق طیب النفس المعتبر فی أکل مال الغیر و صرّح بکفایته المحقق التستری فی المقابس(1) و یمکن حمل کلام السیّد العاملی: «فإن تراضیا بالعوضین بعد العلم بالفساد و استمرّ رضاهما...»(2) علیه.

ص:199


1- (1) مقابس الأنوار /138.
2- (2) مفتاح الکرامة 12/539.

الثانی: عدم اعتبار إنشاء عنوان العقود قولاً و لا فعلاً، بل کفایة مجرد وصول کلٍّ من العوضین إلی المالک الآخر، بل یکفی قبض أحد العوضین. لا سیّما فی المعاطاة، و السیرة موجودة بالنسبة إلیها لإنّ بناء الناس علی أخذ المحقرات من دکاکین أربابها و وضعهم الفلوس فی الموضع المعدّ له، و علی دخول الحمام و وضع الفلوس فی کوز صاحبه.

ولکن یمکن إن یناقش فی الأمرین:

أمّا الأوّل منهما: قد مرّ منّا عدم کفایة الرضا مطلقا _ أی سواء کان شانیّا أو فعلیّا _ فی العقود و الإیقاعات و أنّها تحتاج إلی الإذن و الانتساب.

ثم، لو قلنا بکفایة الرضا الباطنی فی إباحة جمیع التصرفات حتّی ما کان منها متوقّفا علی الملک فکیف یتحقق الرکن الآخر و هو الضمان بالمسمی و انتقال التالف إلی ملک من تلف فی یده؟ کمانیّه علیه المحقّق النائینی.(1)

أمّا الثانی منهما: فمن الواضح أنّ العقود و الإیقاعات تکون من الاُمور الإنشائیة و هی تحتاج إلی الإنشاء و إلاّ لایتحقق فی الخارج، و الإنشاء کما یمکن أن یکون باللفظ یمکن أن یکون بالفعل و أمّا حدوثها من دون إنشاء فلا یمکن.

نعم: یمکن أن یکون إنشاؤها من طرف واحد بالخصوص مع تحقق الإنشاء العام من طرف آخر کما یمکن الذهاب إلیه بالنسبة إلی أخذ المحقرات من دکاکین أربابها مع غیابهم و وضع الفلوس فی موضعها و علی دخول الحمام و وضع الاُجرة فی کوز صاحبه و نحوها، و قد مرّ تفصیل هذا البحث فی التنبیه الثانی فراجعه.

و بالجملة: الحکم بتحقق المعاطاة بمجرد الإخلال بالشروط المعتبرة فی الصیغة

مشکل جدّا.

ص:200


1- (3) منیة الطالب 1/230.

فصلٌ: عقد البیع

اشارة

ص:201

ص:202

قبل الکلام فی عقد البیع لابدّ من البحث حول تمامیة حدوث العقود بالألفاظ فقط، و عدم حدوثه إذا لم یکن هناک لفظ!؟ أو عدم تمامیته، و لأجل ظهور هذا البحث لابدّ من تقدیم اُمور:

تقدیم أمور:

الأوّل: الأصل فی العقود هل هو الصحة أم الفساد؟

العقود و الإیقاعات اُمور حادثة و مسبوقة بالعدم، کما أنّ نتائجها من الزوجیة و الملکیّة و الفراق و نحوها أیضا منها، فإذا شک فی تحققها أو تحقق نتائجها یحکم بأصالة عدمهما بفسادها و عدم تحقق نتیجتها و هذا هو المراد من أصالة الفساد من العقود و الإیقاعات.

و إذا شککنا فی جزئیة شیءٍ فی نفس الصیغة أو شرطیته لها أو مانعیته لها أو لترتب الأثر علیها فلا یجری حدیث الرفع فیها، لا لعدم جریانه فی الأحکام الوضعیة کما ذهب إلیه جمع، و لا لعدم جریانه فی خصوص الجزئیة و الشرطیة و المانعیة بالنسبة إلی نفس التکلیف أو متعلَّق التکلیف کما ذهب إلیه السیّد الخوئی(1) قدس سره ، لأنّا نذهب إلی جریانه فی الأحکام الوضعیة مطلقا بلافرق بین أن تکون مجعولة بنفسها کالملکیّة و الزوجیة و الرقیة و نحوها، أو

ص:203


1- (1) مصباح الفقاهة 3/9 و 10.

تکون راجعة إلی نفس التکلیف نحو: الشرطیة و الجزئیة و السببیة و المانعیة بالنسبة إلی الوجوب، أو تکون راجعة إلی متعلَّق التکلیف نحو الشرطیة و الجزئیة و المانعیة بالنسبة إلی الواجب أو المأمور به أو المکلّف به، فحدیث الرفع یجری فی جمیعها و التفصیل یطلب من علم الاصول.

ولکن مع ذلک کلّه لا یجری فی المعاملات بالمعنی الأعم بأسرها، لأنّها تحتاج إلی إمضاء الشارع حتّی تَصِحَّ عنده و حدیث الرفع غیر ناهضٍ بإثبات تحقق الإمضاء فلا یمکن

جریانه فیها و هذا هو سرّ عدم جریانه فیها.

قد یقال: فلماذا أجراه الإمام علیه السلام فیها لما ورد فی صحیحة صفوان و البزنطی عن أبیالحسن علیه السلام فی الرجل یُسْتَکْرَهُ علی الیمین، فیحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما یملک، أیلزمه ذلک؟ فقال: لا، قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : وُضع عن اُمتی ما اُکرهوا علیه و ما لم یطیقوا و ما أخطأوا.(1)

ولکن نقول: بأن الإمام أجری حدیث الرفع بالنسبة إلی نفی الحکم التکلیفی للیمین و أنّ لیس علیه الوفاء به لأنّه مکره فجمیع ما یحلف بها من الزوجیة و الرقیة و الملکیّة باقیة علی ما کانت علیها و لا یلزمه الوفاء به، و هذا غیر جریانه فی المعاملات.

و بما ذکرنا تظهر مواقع النظر فی کلام المحقّق الإیروانی حیث یقول: «لا مانع من هذه الأصالة بناءً علی جریان البرائة فی الأحکام الوضعیة کما یظهر من استدلال الإمام بحدیث الرفع علی فساد طلاق المکرَه و عتاقه فینفی بأصالة عدم الوجوب وجوب کلّ خصوصیة شک فیها بمعنی عدم دخلها فی تأثیر السبب و عدم کونها من أجزاء السبب، و لا یبقی معها مجال الرجوع إلی استصحاب عدم تحقّق النقل و الانتقال، لأنّ هذا فی مرتبة السبب و ذاک فی

ص:204


1- (1) وسائل الشیعة 23/226، ح12، الباب 12 من أبواب کتاب الأیمان.

مرتبة المسبَّب، و الاستصحاب إنّما یقدّم علی إصالة البرائة حیث یکونان فی مرتبة واحدة»(1).

الثانی: هل یجوز التمسک بالإطلاقات عند

الشک فی صحة العقود و الإیقاعات؟

بعد عدم جریان حدیث الرفع فی المعاملات و التمسک بأصالة عدم تحقّق العقد و نتیجته و استصحاب عدمهما، هل یجوز التمسک بالعمومات أو الإطلاقات فی مورد منها إذا فرض وجودها أم لا؟

نعم، یجوز التمسک بالإطلاقات و العمومات حیث ما وُجِدَتْ نحو قوله تعالی: «أحل اللّه البیع»(2) أو قوله علیه السلام : «لکلِّ قومٍ نکاح»(3). حیث أنّها مطلقة بالنسبة إلی أنکحة غیر المسلمین من الإلهیین أو غیرهم. و بعد التمسک بالإطلاق تُنْفی الجزئیة أو الشرطیة المشکوکة

أو المانعیة المترددة و یحکم بصحّة العقد و ترتب الأثر علیه.

و علی هذا إذا وجد إطلاق أو عموم فهو مقدّم علی أصالة عدم تحقّق العقد و أثره لأنّهما من التمسک بالدلیل اللفظی و هو مقدّم علی الأصل العملی کما هو الواضح.

الثالث: هل العقود تحتاج إلی اللفظ و لا تحقّق بدونه؟

قد یقال: بوجود الاجماع علی أنّ العقود لا تتحقّق من دون اللفظ(4) أو أنّ العقود اللازمة لا تتحقّق بدونه.(5)

ص:205


1- (2) حاشیته علی المکاسب 2/95.
2- (3) سورة البقرة /275.
3- (4) وسائل الشیعة 15/80، ح2، و 17/299، ح2، و 21/199، ح2.
4- (1) کما عن ابن زهرة فی الغنیة /214.
5- (2) کما عن المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 5/309.

ولکن یمکن أن نقول فی الجواب: عدم امکان تحصیل هذا الاجماع فی کلمات القدماء من أصحابنا قدس سرهم و أمّا المتأخّرون فلا عبرة بإجماعهم _ علی فرض وجوده _ لأنّ المسألة تکون من المسائل الاجتهادیة المستنبطة و لیست من الاُصول المتلقاة من الأئمة المعصومین علیهم السلام فحینئذ ادعاء الإجماع فی المقام لا یغنی و لا یسمن من جوع.

و قد مرّ الکلام فی بحث المعاطاة من أن الروایات قاصرة عن اثبات لزوم اللفظ فی العقود فراجع ما حررناه هناک.

نعم، العقود و الایقاعات تعدان من الاُمور الإنشائیة، و الإنشاء یحتاج إلی ما یُنْشأُ به حتّی توجد فی الخارج و ما یُنْشأُ به کما یمکن أن یکون من الألفاظ یمکن أن یکون من الأفعال، فالإنشاء یُوْجَدُ باللفظ و بالفعل فلا یتحقّق باللفظ فقط بل یتحقّق بالفعل أیضا کما باللفظ.

ثمَّ بعض الاُمور الإنشائیة لا تتحقّق إلاّ باللفظ بل إلاّ بالصیغ الخاصة نحو: النکاح و الطلاق و الظهار و الإیلاء و اللعان.

فما ورد من الروایات بالنسبة إلی الأخرس و طلاقه یکون خلاف القاعدة الأوّلیة لأنّ الطلاق معتبر فیه اللفظ الخاص، و الأخرس إن لم یتمکن من التکلّم به ولکن یتمکن من التوکیل، و لذا لو کنّا و القاعدة الأوّلیة لابدّ له من التوکیل ولکن النصوص وردت فی مباشرته للطلاق و نفوذ طلاقه کما ورد فی صحیحة البزنطی أنّه سأل أباالحسن الرضا علیه السلام عن الرجل تکون عنده المرأة یصمت و لا یتکلّم، قال: أخرس هو؟ قلت: نعم، و یعلم منه بغض لامرأته و کراهة لها، أیجوز أن یطلّق عنه ولیّه؟ قال: لا، ولکن یکتب و یشهد علی ذلک، قلت: أصلحک اللّه، فإنّه لایکتب و لایسمع، کیف یطلقها؟ قال: بالذی یعرف به من

ص:206

أفعاله مثل ما ذکرت من کراهته و بغضه لها.(1)

و فی حسنة أبان بن عثمان قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن طلاق الخُرْسِ(2) قال: یلفُّ قناعها علی رأسها و یجذبه.(3)

و فی معتبرة السکونی عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: طلاق الأخرس أن یأخذ مقنعتها و یضعها علی رأسها و یعتزلها.(4)

و نحوها خبر أبیبصیر.(5)

و کذا تحریک لسان الأخرس و إشارته یقومان مقام تلبیته و تشهده و قراءته الصلاتیة کما فی معتبرة السکونی عن أبیعبداللّه علیه السلام قال: تلبیة الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن فی الصلاة تحریک لسانه و إشارته بإصبعه.(6)

و لذا نأخذ بهذه النصوص و نحکم بنفوذ طلاقه، و بعدم الفرق بینه و بین النکاح فکذا نکاحه، و أمّا غیرها من العقود و الإیقاعات فحکم الأخرس مطابق للقاعدة الأوّلیة من إنشائها بالفعل تصح منه و من غیره.

فحینئذ لا فرق بین الأخرس و غیره فی العقود و کذا المعاطاة فالتفصیل بینه و بین غیره کما یظهر من الشیخ الأعظم(7) رحمه الله فی غیر محلّه. لأنّه قادر علی إنشاء العقد ولکن

ص:207


1- (1) وسائل الشیعة 22/47، ح1، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
2- (2) الخُرسْ: جمع الأخْرَسِ.
3- (3) وسائل الشیعة 22/47، ح2.
4- (4) وسائل الشیعة 22/48، ح3.
5- (5) وسائل الشیعة 22/48، ح5.
6- (6) وسائل الشیعة 6/136، ح1، الباب 59 من أبواب القرأة فی الصلاة _ و وسائل الشیعة 12/381، ح1، الباب 39 من أبواب الإحرام.
7- (7) المکاسب 3/118.

بالإشارة و کذلک هو قادرٌ علی إنشاء المعاطاة بها و بفعله فلا فرق بینه و بین غیره فی المعاطاة.

و یؤید ما ذکرنا من کفایة الإنشاء بالفعل ما ورد فی صحیحة الحلبی عن أبیعبداللّه علیه السلام أنّ أباه حدّثه: أنّ أمامة بنت أبیالعاص بن الربیع و اُمّها زینب بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله فتزوّجها بعد علی علیه السلام المغیرة بن نوفل، أنّها وجعت وجعا شدیدا حتّی اعتقل لسانها فأتاها الحسن و الحسین علیهماالسلام و هی لا تستطیعُ الکلام، فجعلا یقولان _ و المغیرة

کاره لما یقولان _ : اعتقت فلانا و أهله؟ فتشیر برأسها: أن نعم، و کذا و کذا، فتشیر برأسها: نعم أم لا، قلت: فأجازا ذلک لها؟ قال: نعم.(1)

و کذا خبر علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال: سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو إمرأة فجعل أهالیهما یسائله: اعتقت فلانا و فلانا فیؤمیء برأسه أو تؤمی برأسها فی بعض نعم، و فی بعض: لا، و فی الصدقة مثل ذلک، أیجوز ذلک؟ قال: نعم جائز.(2)

و کذا خبر محمّد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إنّ فاطمة بنت أسد اُمّ أمیرالمؤمنین علیه السلام کانت أوّل امرأة هاجرت إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله من مکة إلی المدینة علی قدمیها _ إلی أن قال _ و قالت لرسول اللّه صلی الله علیه و آله یوما: إنّی اُرید أن أعتق جاریتی هذه، فقال لها: إن فعلتِ أعتق اللّه بکلّ عضو منها عضوا منکِ من النار، فلما مرضتْ اُصتْ إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله و أمرت أن یعتق خادمها و اعتقل لسانها، فجعلت تومیء إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله إیماء فقبل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وصیتها، الحدیث.(3)

و لذا ذهب المحقّق فی ظاهر عبارته فی النافع إلی الاکتفاء بالإشارة مع إمکان النطق و

ص:208


1- (1) وسائل الشیعة 23/80، ح1، الباب 44 من أبواب کتاب العتق.
2- (2) وسائل الشیعة 19/374، ح2، الباب 49 من أبواب کتاب الوصایا.
3- (3) وسائل الشیعة 19/374، ح3.

قال: «و تکفی الإشارة الدالة علی القصد، و لا تکفی الکتابة ما لم تنضم القرینة الدالة علی الإرادة»(1).

و قال فی الجواهر: «... لما ذکرناه من کفایة الفعل فی إجراء حکم الوصیة و إن لم یتحقّق بذلک عقدها و أنّه کالمعاطاة فی البیع»(2).

الرابع: هل تتحقّق العقود بالکتابة؟

علی ما سلکناه من أنّ العقود تحتاج إلی ما تُنْشَأُ به و هو یمکن أن یکون قولاً و صیغةً و کذلک یمکن أن یکون فعلاً و عملاً و ثالثة یمکن أن یکون کتابةً و خطا، فحینئذ یجوز تحقّق العقود و الإیقاعات بالکتابة إلاّ مادلّ الدلیل علی لزوم التلفظ و النّطق بها نحو: النکاح و الطلاق.

ولکن عند القوم العقود لا تتحقّق إلاّ باللفظ و مع عدم التمکن من اللفظ نحو

الأخرس تتحقّق بالإشارة و مع عدم التمکن منها تتحقّق بالکتابة. فالکتابة عندهم تکون أَدْوَنَ من الإشارة و لذا قال فی المفتاح معلقا علی قول العلاّمة فی القواعد: «و لا تکفی الکتابة بدون الإشارة و اللفظ»، «قضیة مفهوم العبارة کفایة الکتابة فی العمل بها مع القرینة الدالة علی المراد و العجز عن النطق کالاشارة المفهمة و قد حکی الإجماع فی الإیضاح علی ذلک، و فی التنقیح أنّه لاخلاف فیه، و فی جامع المقاصد نفی الشک فیه و به صرح فی الجامع و التذکرة فی موضعین منها و التحریر و التبصرة و إیضاح النافع و جامع المقاصد و الروضة... و قد احتمل فی التذکرة فی أوّل کلامه کفایة الکتابة مع القدرة علی النطق و هو الظاهر من عبارة النافع...»(3).

ص:209


1- (4) المختصر النافع /163.
2- (5) الجواهر 28/246.
3- (1) مفتاح الکرامة 9/379 من الطبعة الاولی.

و فی وصایا الجواهر: «ربّما ظهر من تقیید الاکتفاء بالعجز عدم الاکتفاء بها مع الاختیار، بل هو صریح المحکی عن الفاضل و ولده و الشهیدین و المحقّق الثانی و القطیفی بل عن السرائر نفی الخلاف فیه، نعم عن التذکرة احتمال الاکتفاء بها مع الاختیار فی أوّل کلامه بل لعلّه الظاهر من النافع و فی الریاض أنّه لا یخلو عن قوة مع قطعیة دلالة القرینة...»(1).

و قال الشیخ جعفر: «و العبارة السقیمة مقدّمة علیها (أی علی الإشارة) و الکتابة مؤخّرة عنها»(2).

ولکن علّق علیه صاحب الجواهر بقوله: «... بل لا یبعد أنّ المراد کل ما دلّ علی المقصود غیر اللفظ حتّی الکتابة التی قد صرح فی الاجتزاء بها حینئذ فی محکی التحریر و نهایة الإحکام و الدروس و غیرها... فما فی شرح الاُستاد من أنّ الکتابة قاصرة عن الإشارة لایخلو من نظر هذا»(3).

أقول: دخول الکتابة فی الإشارة بعید فی الغایة، لأنّهما شیئان مختلفان حتّی عند عرف ذلک الزمان کما هو الواضح.

و قال الشیخ الأعظم قدس سره : «و الظاهر أیضا کفایة الکتابة مع العجز عن الاشارة لفحوی ما ورد من النص علی جوازها فی الطلاق مع أنّ الظاهر عدم الخلاف فیه، و أمّا مع القدرة علی الاشارة فقد رجّح بعض الاشارة و لعلّه لأنّها أصرح فی الإنشاء من الکتابة، و

فی بعض روایات الطلاق ما یدلّ علی العکس و إلیه ذهب الحلّی(4) رحمه الله هناک»(5).

ص:210


1- (2) الجواهر 28/248.
2- (3) شرح القواعد 2/18.
3- (4) الجواهر 22/251.
4- (1) السرائر 2/678.
5- (2) المکاسب 3/118.

یؤید ما ذکرناه من تحقّق العقود بالکتابة آیتها(1) الواردة فی کتاب اللّه تعالی و هی أطول آیةٍ.

و صحیحة البزنطی عن الرضا علیه السلام فی شأن الأخرس أنّه قال فی حدیث: ولکن یکتب و یشهد علی ذلک، الحدیث.(2)

و معتبرة یونس فی رجل أخرس کتب فی الأرض بطلاق امرأته، قال: إذا فعل فی قبل الطهر بشهود و فهم عنه کما یفهم عن مثله و یرید الطلاق جاز طلاقه علی السنة.(3)

و صحیحة إبیحمزة الثمالی قال: سألت أباجعفر علیه السلام عن رجل قال لرجل: اکتب یا فلان إبی امرأتی بطلاقها أو اکتب إلی عبدی بعتقه، یکون ذلک طلاقا أو عتقا؟ قال: لا یکون طلاقا و لا عتقا حتّی ینطق به لسانه أو یخطّه بیده و هو یرید الطلاق و العتق و یکون ذلک منه بالأهلة و الشهود و یکون غائبا عن أهله.(4)

أقول: تحمل الروایة علی طلاق الغائب عن أهله و أمّا حملها علی التقیة أو علی التلفظ معها أو علی حدوث علم الزوجة و العبد بالطلاق و العتق أو علی الأخرس کما عن صاحب الوسائل فلا یَتُمُّ. نعم یأتی منّا فی آخر البحث ما یفید فی المقام فانتظر.

و فی معتبرة سَدیر عن أبیجعفر علیه السلام قال: دخلت علی محمّد بن علی، _ ابن الحنفیة _ و قد اعتقل لسانه فأمرته بالوصیة فلم یجب، قال: فأمرت بطشت فجعل فیه الرمل فوضع، فقلت له: خطّ بیدک، فخطّ وصیته بیده فی الرمل و نسخت أنا فی صحیفة.(5)

ص:211


1- (3) سورة البقرة /282.
2- (4) وسائل الشیعة 22/47، ح1، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
3- (5) وسائل الشیعة 22/48، ح4.
4- (6) وسائل الشیعة 22/37، ح3، الباب 14 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه.
5- (7) وسائل الشیعة 19/372، ح1، الباب 48 من أبواب کتاب الوصایا.

لم یذکر الصدوق سنده إلی عبدالصمد بن محمّد فی مشیخة الفقیه ولکن له سند آخر للروایة فی کتابه کمال الدین(1) و کذا للشیخ سند لها فی التهذیب(2) و کلاهما معتبران. و سَدیر ذکره النجاشی(3) فی ترجمة ابنه الحسن و لم یطعن علیه فهو إمامی معتبر.

و حسنة ابراهیم بن محمّد الهمدانی قال: کتبت إلی أبیالحسن علیه السلام : رجل کتب کتابا بخطه و لم یقل لورثته: هذه وصیتی، و لم یقل: إنّی قد اوصیت إلاّ أنّه کتب کتابا فیه ما أراد أن یوصی به، هل یجب علی ورثته القیام بما فی الکتاب بخطه و لم یأمرهم بذلک؟ فکتب علیه السلام : إن کان له ولد ینفذون کلّ شیء یجدونه فی کتاب أبیهم فی وجه البرّ و غیره.(4)

نعم، قد مرّ فی أوّل البحث أنّ بعض العقود لا تتحقّق إلاّ باللفظ و منها: الطلاق لما ورد فی صحیحة زرارة قال: سألته عن رجل کتب إلی امرأته بطلاقها أو کتب بعتق مملوکه و لم ینطق به لسانه، قال: لیس بشیء حتّی ینطق به.(5)

و وَرَدَ فی خبر زرارة(6) أیضا.

و کذا ورد فی صحیحته الاُخری قال: قلت لأبی جعفر علیه السلام : رجل کتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: لیس ذلک بطلاق و لاعتاق حتّی یتکلّم به.(7)

فکلّ ما ثبت بالدلیل خروجه فهو و إلاّ تتحقّق العقود بالکتابة و اللّه العالم.

ص:212


1- (8) کمال الدین /36.
2- (9) التهذیب 9/241.
3- (10) رجال النجاشی /62، الرقم 146.
4- (1) وسائل الشیعة 19/372، ح2.
5- (2) وسائل الشیعة 22/36، ح1.
6- (3) وسائل الشیعة 23/81، ح1، الباب 45 من أبواب کتاب العتق.
7- (4) وسائل الشیعة 22/36، ح2.

الخامس: ما یُنْشَأُ به لابدّ أن یکون صریحا فی العقد و الإیقاع

1- اشارة

قد عرفت أنّ العقود و الإیقاعات تکون من الاُمور الإنشائیة و هی لا تتحقّق إلاّ بما یُنْشَأُ به، و قد مرّ أنّ ما یُنْشَأُ به کما یمکن ان یکون قولاً و لفظا و صیغة کذلک یمکن أن یکون فعلاً و عملاً، و کذلک یمکن أن یکون کتابة و سطرا، ولکن فی الجمیع لابدّ أن یکون ما ینشأ به العقد أو الإیقاع صریحا أو ظاهرا عرفا فی ذاک العقد أو الإنشاء، بحیث یتمیّز عن غیره فمادام لم یکن صریحا أو ظاهرا عرفا فی العقد لا یتحقّق ذلک.

نعم، یمکن تعیین الظهور و تصریح بالقرائن المقالیة و الحالیة فی تمییز عقد عمّا سواه.

و بما ذکرنا نستغنی من البحث حول مادة الصیغة و هیئتها و ترتیبها و أنّها بأجمعها موکل إلی العرف و تعیین الظهور إلاّ ما ورد من الشرع تحدیدها نحو صیغ النکاح و الطلاق و الظهار و الإیلاء و اللعان و أنّها لا تتحقّق إلاّ بالصیغ الخاصة.

2- ثم لابدّ من التنبیه علی فروع:
اشارة
الإختلاف فی تعیین الموجب و القابل

ذهب الشیخ الأعظم(1) رحمه الله فیه إلی الحکم بالتحالف و عدم ترتب الأثار المختصة بالبائع و المشتری علیهما.

و فیه: الآثار إمّا مترتب علی عنوان البیع نحو خیار المجلس أو علی عنوان المشتری فقط کخیار الحیوان فإنّه مختص به علی المشهور.

ولو فرض وجود أثر علی عنوان البائع فلابدّ من تعین المدعی و المنکر علی موازین القضاء للمدعی البینة و الیمین علی من أنکر و لا تصل النوبة إلی التداعی و التحالف.

و أمّا ما قد یقال: من أنّ کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و استُدِلَ له

ص:213


1- (1) المکاسب 3/134.

بالإجماع و مرسلة عوالی اللآلی عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: کلّ مبیع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه(1) و خبر عقبة بن خالد فی رجل اشتری متاعا من رجل و اُوجبه غیر أنّه ترک المتاع عنده و لم یقبضه، قال: آتیک غدا إن شاء اللّه، فسرق المتاع، مِن مال مَن یکون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذی هو فی بیته حتّی یقبض المتاع و یخرجه من بیته فإذا أخرجه من بیته فالمبتاع ضامن لحقّه حتّی یردَّ ماله إلیه.(2) فهذه ثمرة تترتب علی عنوان البائع.

فلا یتم، لأنّ الاجماع مدرکیٌّ و المرسلة لا یمکن الاستدلال بها و الخبران ضعیفان سندا و لایجبر ضعف سندهما بعمل الأصحاب، لعدم استناد عملهم بهما لوجود السیرة القطعیة عند العقلاء بتسلیم الثمن و المثمن فی المعاملات و القبض و الإقباض فمادام لم یتحقّق القبض فإن تلف فهو من مال صاحبه الأوّل و هذه السیرة تجری فی ناحیة البائع کما تجری فی ناحیه المشتری بالنسبة إلی الثمن. فلا تترتب هذه الثمرة علی عنوان البائع خاصة.

هل تعتبر العربیة فی العقد؟

المحکی عن السیّد عمید الدین: «یشترط فی سائر العقود و النذور و العهد و الیمین وقوعها باللفظ العربی»(3).

و اعتبرها الفاضل المقداد(4)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(5) و رسالة صیغ

العقود(6) و حاشیة الارشاد(7)، و الشهید الثانی فی الروضة(8).

ص:214


1- (2) عوالی اللآلی 3/212، ح59 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 13/303، ح1، الباب 9 من أبواب الخیار.
2- (3) الکافی 5/171، ح12.
3- (4) الحاکی عنه هو الشهید فی حواشیهِ علی القواعد کما فی مفتاح الکرامة 12/523.
4- (5) التنقیح الرائع 2/184، کنزالعرفان 2/72.
5- (6) جامع المقاصد 4/59.
6- (1) رسالة صیغ العقود /178، المطبوعة فی المجلّد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
7- (2) حاشیة الارشاد /335 المطبوعة فی المجلد التاسع من حیاة المحقّق الکرکی و آثاره.
8- (3) الروضة البهیة 3/225.

و استدل لها المحقّق الثانی فی حاشیة الارشاد و جامع المقاصد بالتأسی، و زاد فی الأوّل ب_ «أنّ إیقاع العقد بلفظ غیر الماضی غیر صحیح مع أنّه عربی اتفاقا فغیر العربی بطریق اُولی»(1).

و فیه: أوّلاً: نعم، الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله أنشأ العقود بالعربیة ولکن من جهة أنها لسان قومه کما هی کذلکِ فی محاوراته و محادثاته.

و ثانیا: لو کانت العربیة معتبرة لظهرت و بانت لأنّ الناس یُبْتَلَوْنَ بها أکثر من ابتلائهم بالصلوات الخمس.

و ثالثا: سیأتی منّا عدم اعتبار الماضویة فی العقود، و منع الاُولویة فی المقام لأنّ من الممکن أنّ غیر العربیة یکون صحیحا ولکن العربیة بغیر الماضی لم تکن صحیحة، و یمکن ان یقال: «إذا لم یکن قادرا علی الماضی یجوز بغیر العربیة و لا یجوز بغیر الماضی» کما فی مفتاح الکرامة(2).

و رابعا: شمول عمومات و مطلقات العقود و وجوب الوفاء بها للعقد غیر العربی.

و خامسا: ولو قلنا باعتبار العربیة فإنّما تکون مع القدرة و أمّا مع العجز فتجوز بغیر العربیة کما قطع به الأصحاب ولو بالتعلّم بلامشقّة و لا فوت غرض مقصود کما نبّه علیه الفاضل الإصبهانی(3) رحمه الله .

نعم، فی صیغ النکاح الإجماع علی عدم الصحة بغیر العربیة مع القدرة کما عن الشیخ

ص:215


1- (4) حاشیة الارشاد /335.
2- (5) مفتاح الکرامة 12/527.
3- (6) کشف اللثام 7/47.

فی المبسوط(1) و العلاّمة فی التذکرة(2)، و خالفهم ابن حمزة فی الوسیلة(3) و ذهب إلی

استحباب العربیة فیه.

و أمّا العربی الملحون من حیث المادة أو الهیئة أو الإعراب بناءً علی القول باعتبار العربیة، فإنّ العربیّة الصحیحة المتیقّنة تکون من أسباب النقل و الانتقال و أمّا الملحونة فلا، فلا یصحّ إنشاء العقود بها.

إمّا بناء علی ما اخترناه من جواز إنشاء العقود بکلّ ما یُنْشَأُ به فلابدّ من التفصیل بین ما یعدّ فی العرف أیضا غلطا فلا یصح الإنشاء به و بین ما یعد غلطا بحسب القواعد العربیة فقط ولکن العرف یستعملونه فیتم الإنشاء به.

و بالجملة فالأمر فی العربیة الملحونة مُوْکَلٌ إلی العرف و أنّه یحکم بغلطها أو لا یراها غلطا و فی الأخیر یصح الإنشاء به.

ثم هل المعتبر _ علی فرض اعتبارها _ عربیة الصیغة فقط فیصح نحو: بعتک _ این کتاب را به فلان مقدار _ أو لابّد أن یکون الجمیع بالعربیة؟!

الظاهر کفایة صحة العقد بعربیة صیغتها، أما سائر متعلقاتها فیجوز فیها غیر العربیة لعدم احتمال أن یکون اللفظ غیر العربی مخلاًّ بصحة العقد، و یدلّ علی ما ذکرنا عدّة من الروایات.

منها: صحیحة اسماعیل بن عبدالخالق(4) و صحیحة العلاء(5).

ص:216


1- (7) المبسوط 4/194.
2- (8) تذکرة الفقهاء 2/582 من طبع الحجری.
3- (9) الوسیلة /291.
4- (1) وسائل الشیعة 18/53، ح14، الباب 8 من أبواب أحکام العقود.
5- (2) وسائل الشیعة 18/63، ح5، الباب 14 من أبواب أحکام العقود.

و بهما تحمل صحیحة الحلبی(1) و خبر جراح الملائنی(2) و معتبرة حنان بن سدیر(3) علی الکراهة، و اللّه العالم.

هل یعتبر علم المتکلم بمعنی الصیغة تفصیلاً؟

جهله بها یتصور علی القسمین:

الأوّل: أن یکون المنشیء جاهلاً بمعنی الصیغة و مضمونها راسا بل ربما یکون المرتکز فی ذهنه غیر ما یفهمه أهل اللغة و العالمون بها فحینئذ لا یصح الإنشاء بها للإخلال بقصد الإنشاء فلا یتحقّق الإنشاء لأنّه لا یدری معنی الصیغة حتّی یقصد الإنشاء بها.

الثانی: المنشیء یعلم إجمالاً معنی الصیغة ولکنّها جاهل بها تفصیلاً _ أی لا یدری وقوع أیّ جزء منها بإزاء أیّ جزء من معناها _ فهو لا یدری کیفیة الدلالة، فحینئذ یجوز الإنشاء بها لعدم الدلیل علی اعتبار العلم التفصیلی بمعنی الصیغة و لقیام السیرة القطعیة علی الصحة فی هذا الفرض، لأنّ لایطلع علی المعنی التفصیلی إلاّ الأفاضل. و لم یثبت أیّ ردع بالنسبة إلی جریان العقود و الإیقاعات توسط عموم الناس الغافلین من کیفیة الدلالة و معانی المفردات.

و من هنا ظهر عدم ابتناء المسألة علی اعتبار العربیة فی الصیغة کما هو ظاهر الشیخ الأعظم رحمه الله حیث یقول: «الظاهر هو الأوّل (أی اعتبار العلم التفصیلی) لأنّ عربیة الکلام لیست باقتضاء نفس الکلام، بل بقصد المتکلم منه المعنی الذی وضع له عند العرب...»(4).

بل الظاهر ایتان النزاع حتّی علی القول بجواز إنشاء الصیغ بغیر العربیة و لذا اعترض

ص:217


1- (3) وسائل الشیعة 18/61، ح1.
2- (4) وسائل الشیعة 18/62، ح2.
3- (5) وسائل الشیعة 18/63، ح3.
4- (1) المکاسب 3/137.

علیه الفقیه الیزدی بقوله: «... بل یکفی الإیتان بالصیغة الصحیحة بقصد الإنشاء مع العلم بها بأنّها لإنشاء البیع أو غیره، و إن لم یفهم المعنی تفصیلاً و لم یمیز بین الخصوصیات، حتّی بالنسبة إلی النکاح أیضا فتدبر»(1).

اشتراط الماضویة فی الصیغ

ذهب إلی الاشتراط ابن حمزة فی الوسیلة(2) و المحقّق فی الشرائع(3) و العلاّمة فی التذکرة(4) و التحریر(5) و المختلف(6) و القواعد(7) و الإرشاد(8) و ولده فی شرحه(9) و الشهید فی الدروس(10) و اللمعة(11)، و الفاضل المقداد فی التنقیح(12)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(13) و صِیغَ العقود(14) و حاشیة الإرشاد(15)، و الشهید الثانی فی المسالک(16) و

ص:218


1- (2) حاشیته علی المکاسب 1/424.
2- (3) الوسیلة /237.
3- (4) شرائع الإسلام 2/7.
4- (5) تذکرة الفقهاء 10/8.
5- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
6- (7) مختلف الشیعة 5/53.
7- (8) قواعد الأحکام 2/17.
8- (9) إرشاد الأذهان 1/359.
9- (10) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/552.
10- (11) الدروس الشرعیة 3/191.
11- (12) اللمعة الدمشقیة /109.
12- (13) التقیح الرائع 2/24.
13- (1) جامع المقاصد 4/59.
14- (2) رسالة صیغ العقود /177 المطبوعة فی ضمن المجلد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
15- (3) حاشیة الإرشاد /335.
16- (4) المسالک 3/153.

الروضة(1)، و المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان(2)، و الفیض الکاشانی فی المفاتیح(3) فهذا هو المشهور بین الأصحاب کما فی الأخیرین.

ولکن نُسب الخلاف إلی القاضی ابن البراج فی کتابیه: قال فی الکامل: «لو قال المشتری: بعنی هذا، فقال البائع: بعتک، انعقد»(4).

و قال فی المهذب: «لو قال المشتری: بعنی هذا، فیقول البائع: بعتک، صحّ»(5).

و استدل لهم: بأنّ الماضی صریح فی الإنشاء بخلاف الأمر و المضارع، لأنّ الأمر استدعاء و المضارع أشبه شیءٍ بالوعد.

و أنّ الإنشاء بغیر الماضی خارج عن العقود المتعارفة فلا تشمله العمومات.

و أنّ الاجماع قائم علی عدم جواز الإنشاء بالمضارع و الأمر کما نبّه علیه فی التذکرة(6) بالنسبة إلی الأوّل فقط.

و استدل علی عدم الاشتراط: صدق عنوان العقد علی المنشأ بالمضارع و الأمر فیکون مشمولاً للاطلاقات و العمومات.

و أنّهما یکونان صریحین فی الإنشاء بالقرائن المقالیة أو الحالیة کما أنّ الماضی کذلک بهما.

و الاجماع المُدعی لا یفید شیئا لأنّه مدرکیٌّ و مدرکه هو الوجوه الاعتباریة التی

ص:219


1- (5) الروضة البهیة 3/225.
2- (6) مجمع الفائدة و البرهان 8/145.
3- (7) مفاتیح الشرائع 3/49.
4- (8) نقل عنه العلاّمة فی مختلف الشیعة 5/53.
5- (9) المهذب 2/350.
6- (10) تذکرة الفقهاء 10/8.

ذکروها.

و قد ورد فی عدّة من الروایات الإنشاء بصیغة المضارع أو الأمر:

منها: صحیحة رفاعة النّخّاس.(1)

و منها: موثقة سماعة.(2)

و منها: موثقة اُخری له.(3)

و منها: موثقة عثمان بن عیسی و مضمره.(4)

و منها: خبر عبداللّه بن سلیمان.(5)

و منها: خبر أبان بن تغلب.(6)

و منها: خبر هِشام بن سالم الجوالیقی.(7)

و منها: خبر الأحول و هو محمّد بن علی بن النعمان مؤمن الطاق.(8)

و منها: صحیحة ثعلبة بن میمون.(9)

و منها: موثقة أبی بصیر.(10)

ص:220


1- (1) وسائل الشیعة 17/353، ح1، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (2) وسائل الشیعه، 17/353، ح2.
3- (3) وسائل الشیعة 17/158، ح2، الباب 31 من أبواب ما یکتسب به.
4- (4) وسائل الشیعة 17/158، ح3.
5- (5) وسائل الشیعة 17/159، ح6.
6- (6) وسائل الشیعة 21/43، ح1، الباب 18 من أبواب المتعة.
7- (7) وسائل الشیعة 21/45، ح6، وسائل الشیعة 20/264، ح10، الباب 1 من أبواب عقد النکاح.
8- (8) وسائل الشیعة 21/44، ح5.
9- (9) وسائل الشیعة 21/43، ح2.
10- (10) وسائل الشیعة 21/44، ح4.

و لا یضر إضمار هاتین الأخیرتین مضافا إلی جلالة راوِیَیْهِما و أنّهما لا ینقلان إلاّ من الإمام علیه السلام ، لأنّ الکلام فی جواز إنشاء العقود بصیغة المضارع و أنّهما _ أی ثعلبة و أبابصیر _ أنشأآ اعقد النکاح بالمضارع و لا یمکن لأحد أن یقال أنّهما لا یعلمان إنشاء عقد المتعة.

فتلک عشرة کاملة من الروایات _ و الباحث یجد أکثر منها _ فیّما یدلّ علی جواز إنشاء العقود بصیغتی المضارع و الأمر، لأنّ خبر الأحول ورد بصیغة الأمر.

تقدیم الإیجاب علی القبول
اشارة

هل یعتبر الترتیب بین الإیجاب و القبول بتقدیم الأوّل؟

نسب الشهیدان فی غایة المراد(1) و المسالک(2) إلی الشیخ فی الخلاف دعوی الاجماع

علی الاعتبار فلابدّ من ملاحظة کلامه.

قال الشیخ فی الخلاف: «إذا قال: بِعْنیه بألف، فقال: بعتک لم یصح البیع حتّی یقول المشتری بعد ذلک اشتریت أو قبلت... دلیلنا: إنّ ما اعتبرناه مجمع علی ثبوت العقد به و ما ادعوه لا دلالة علی صحته و الأصل عدم العقد، و من ادعی ثبوته فعلیه الدلالة»(3).

أقول: و أنت تری عدم وجدان الاجماع فی کلامه قدس سره علی اعتبار التقدیم إنّما قال بأنّ العقد لو وقع إیجابه أوّلاً ثم قبوله، الکلّ یقول بانعقاده و هذا البیان صحیح منه ولکنّه لن یدعی الاجماع فی المقام و لذا قال فی المفتاح بالنسبة إلی ادعاء اجماع الخلاف: «و هو وهم قطعا لأنّی تتبعت کتاب البیع فیه مسألة مسألة و غیره حتّی النکاح فلم أجده ادّعی ذلک و إنّما عبارته فی المقام توهم ذلک المستعجل... إلاّ أن یرید أنّه استدل بأنّه مجمع علیه»(4).

ص:221


1- (11) غایة المراد 2/16.
2- (12) المسالک 3/153.
3- (1) الخلاف 3/39، المسألة 56.
4- (2) مفتاح الکرامة 12/529.

قال فی بیع المبسوط: «عقد النکاح ینعقد بالإیجاب و القبول سواء تقدّم الإیجاب فقال [کقوله] زوّجتک بنتی، فقال، قبلت النکاح أو تأخّر الإیجاب کقوله: زوّجنی بنتک، فقال: زوّجتک، بلاخلاف.

فأمّا البیع فإن تقدم الإیجاب فقال: بعتک، فقال: قبلت، صحّ بلاخلاف، و إن تقدّم القبول فقال: بعنیه بألف فقال: بعتک، صحّ، و الأقوی عندی أنّه لا یصحّ حتّی یقول المشتری بعد ذلک: اشتریت. فإذا ثبت هذا فکلّ ما یجری بین الناس إنّما هو استباحات و تراض دون أن یکون ذلک بیعا منعقدا...»(1).

ولکن قال فی نکاح المبسوط: «... فإذا تعاقدا فإن تقدّم الإیجاب علی القبول، فقال: زوّجتک، فقال: قبلتُ التزویج صحّ، و کذلک إذا تقدّم الإیجاب فی البیع علی القبول صحّ بلاخلاف.

و أمّا إن تأخّر الإیجاب و سبق القبول، فإن کان فی النکاح فقال الزوج: زوّجتنیها، فقال: زوّجتکها صحّ، و إن لم بعد الزوج القبول بلاخلاف، لخبر سعد الساعدی قال الرجل زوّجنیها یا رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، فقال: زوّجتکها بما معک من القرآن، فتقدم القبول و تأخر

الإیجاب، و إن کان هذا فی البیع، فقال بعنیها، فقال: بعتکها صح عندنا و عند قوم من المخالفین، و قال قوم منهم لا یصحّ حتّی یسبق الإیجاب»(2).

و أنت تری بأنّ الشیخ عدل فی باب النکاح عمّا ذهب إلیه فی باب البیع من المبسوط و الخلاف من لزوم تقدّم الإیجاب علی القبول فی البیع فقط و قال: «صح عندنا و عند قوم من المخالفین».

ص:222


1- (3) المبسوط 2/87.
2- (1) المبسوط 4/194.

و الحاصل: اعتبار الترتیب بین الإیجاب و القبول هو مذهب الشیخ فی الخلاف(1) و بیع المبسوط(2)، و خیرة ابنی حمزة و ادریس فی بیع الوسیلة(3) و السرائر(4)، و عدّه من الأقوی العلاّمة فی التذکرة(5) و من الأشهر فی المختلف(6) و نجله فی الإیضاح(7) کما هو ظاهر شرحه علی الإرشاد(8)، و کذا ظاهر الشهید فی غایة المراد(9) و کذا عدّه من الأقوی الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع(10)، و المحقّق الکرکی فی جامع المقاصد(11) و فی صیغ العقود(12) ذهب إلی أنّه الأصح، و فی حاشیته علی الإرشاد علی أنّه الأظهر(13)، و ذهب الشیخ جعفر علی أنّه الأشهر و الأظهر فی شرحه علی القواعد(14).

و أمّا عدم الاعتبار فهو مذهب جماعة کما هو المنقول(15) عن القاضی ابن البراج و

ص:223


1- (2) الخلاف 3/39.
2- (3) المبسوط 2/87.
3- (4) الوسیلة /237.
4- (5) السرائر 2/250.
5- (6) تذکرة الفقهاء 10/8.
6- (7) مختلف الشیعة 5/52.
7- (8) ایضاح الفوائد 1/413.
8- (9) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/529.
9- (10) غایة المراد 2/16.
10- (11) التنقیح الرائع 2/24.
11- (12) جامع المقاصد 4/60 و 12/74.
12- (13) صیغ العقود /177 المطبوعة فی ضمن المجلّد الأوّل من رسائل المحقّق الکرکی.
13- (14) حاشیة الإرشاد /335.
14- (15) شرح القواعد 2/19.
15- (16) الناقل هو العلاّمة فی المختلف 5/52.

عدّه المحقّق فی الشرائع(1) من الأشبه، و ذهب العلاّمة فی نهایة الإحکام(2) أنّه الأقوی و فی

التحریر(3) أنّه الأقرب، و تنظر فی الاشتراط فی القواعد(4) و الإرشاد(5) و تبعه الشهید فی الأقربیة فی الدروس(6)، و فی اللمعة(7) ذهب إلی عدم اعتبار الاشتراط و إن کان تقدیمه أحسن، و عدم الاعتبار هو اختیاره فی حواشیه علی القواعد(8). و صاحب المیسیة(9) ذهب إلی أنّ عدم الاشتراط هو الأقوی و کذا الشهید الثانی فی المسالک(10)، و فی الروضة(11) ذهب إلی عدم الاشتراط و إن کان تقدیم الإیجاب أحسن، و المحقّق الأردبیلی ذهب إلی أنّه الأظهر فی مجمع الفائدة و البرهان(12)، و المحقّق السبزواری علی أنّه الأقرب فی الکفایة(13). و کذا الفقیه المتتبع السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة(14). و کلّ هذه المنقولات منه قدس سره .

و هو ظاهر السیّد ابن زهرة فی الغنیة لأنّه لم یتعرض لهذا الاشتراط، و نحوه فی

ص:224


1- (17) الشرائع 2/7 و 2/217.
2- (18) نهایة الإحکام 2/448.
3- (1) تحریر الأحکام الشرعیة 2/275.
4- (2) قواعد الأحکام 2/17.
5- (3) إرشاد الأذهان 1/359.
6- (4) الدروس الشرعیة 3/191.
7- (5) اللمعة /109 و 184.
8- (6) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/531.
9- (7) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 12/531.
10- (8) المسالک 3/154.
11- (9) الروضة البهیة 3/225.
12- (10) مجمع الفائدة و البرهان 8/145.
13- (11) الکفایة 1/449.
14- (12) مفتاح الکرامة 12/531.

الریاض للسیّد الطباطبائی و المستند للفاضل النراقی.

و ذهب بعضٌ إلی التفصیل بین النکاح و غیره من العقود فیجوّزه فیه دون غیره کما یظهر من الشیخ فی بیع المبسوط(1) و ابن حمزة فی الوسیلة(2) و یمکن استفادة هذا التفصیل من کلام فخر المحققین فی ایضاح الفوائد(3)، و نسب السیّد محمّد العاملی _ صاحب المدارک _ عدم اشتراط تقدیم الإیجاب فی النکاح إلی المشهور بین الأصحاب فی کتابه نهایة المرام(4).

و ذهب بعضٌ إلی التفصیل بین القبول بلفظ قبلت و نحوه و غیره فجوّز التقدیم فی الثانی دون الأوّل کما یظهر من الشهید الثانی فی المسالک(5) و المحقّق الأردبیلی فی مجمع الفائدة و البرهان(6).

فهذه أربعة أقوال فی المقام.

أدلة الأقوال

یمکن أن یستدل للترتیب بوجوه:

الأوّل: أصالة عدم تحقّق العقد و عدم تحقّق الآثار المترتبة علیه و منها النقل و الانتقال إلاّ بما ثبت من الأدلة، و لیس إلاّ ما قدّم فیه الإیجاب.

الثانی: أدلة وجوب الوفاء بالعقود تنصرف إلی ما کانت منها مرتبة بین الایجاب ثم القبول و العکس لیس مشمولاً لأدلتها فلا یصحّ.

ص:225


1- (13) المبسوط 2/87.
2- (14) الوسیلة /237 و 291.
3- (15) ایضاح الفوائد 1/413.
4- (16) نهایة المرام 1/26.
5- (1) المسالک 3/154.
6- (2) مجمع الفائدة و البرهان 8/146.

الثالث: القبول هو انفعال _ أی مبنیّ علی کون الفعل صادرا من آخر حتّی یتحقّق الانفعال _ فلو قدّم القبول لزم البناء علی أمر لم یتحقّق.

و یمکن أن یستدل لعدم اعتبار الترتیب بوجوه تظهر منها المناقشة فی أدلة الترتیب:

الأوّل: اطلاق أدلة وجوب الوفاء بالعقود الشامل لصورتی التقدیم و التأخیر و الأصل عدم التقیید.

الثانی: الروایات الواردة فی بیع العبد الآبق(1)، و بیع المصحف(2)، و بیع الثمر(3) و صیغة المتعة(4) التی مرّ بعضها فی البحث عن الماضویة تدلّ علی جواز تقدّم القبول.

الثالث: ما ورد فی جواز جعل المهر تعلیم شیءٍ من القرآن نحو: صحیحة محمّد بن مسلم(5) و مرسلة سهل بن سعدٍ الساعدی(6) التی رواها العامة(7).

و یستفاد من الروایتین أحکام أربعة:

أ: جواز تقدیم القبول علی الإیجاب.

ب: جواز وقوع القبول بلفظ الأمر.

ج: جواز الفصل بین الإیجاب و القبول.

د: جواز جعل المهر تعلیم شیء من القرآن.

ولکن استفادة الثلاثة الاُوَل منهما مبنیّة علی أنّ الإیجاب قوله صلی الله علیه و آله : «زوّجتُکها» و

ص:226


1- (3) وسائل الشیعة 17/353، الباب 11 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (4) وسائل الشیعة 17/158، الباب 31 من أبواب مایکتسب به.
3- (5) وسائل الشیعة 18/219، ح1، موثقة سماعة، الباب 3 من أبواب بیع الثمار.
4- (6) وسائل الشیعة 21/43، الباب 18 من أبواب المتعة.
5- (7) وسائل الشیعة 21/242، ح1، الباب 2 من أبواب المهور.
6- (8) عوالی اللآلی 2/263، ح8 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 15/61، ح2.
7- (9) صحیح البخاری 4/192، ح4742، سنن البیهقی 7/242.

القبول قول الصحابی: «زوّجنیها» قبلها بفصل غیر قصیر کما فهمه جمعٌ.(1)

و یمکن أن یستدل للتفصیل بین النکاح و غیره من العقود بأنّ النص ورد فیه کما فی صحیحة محمّد بن مسلم و مرسلة سهل الساعدی المذکورتین، و أمّا فی غیره من العقود فَیُتَمسَّکُ بالأصل من لزوم اشتراط الترتیب.

إن قلت: إذا قبلت تقدیم القبول علی الإیجاب فی النکاح فیجری فی غیره من العقود إمّا لوجود الإجماع المرکب بعدم القائل بالفرق بین النکاح و غیره، و إمّا بالاُولویة القطعیة إذ من المعلوم أنّ الاحتیاط فی أمر الفروج أزید من غیره و إذا صحّ العقد فیه، ففی غیره بطریق اُولی.

قلت: یمنع وجود الإجماع المرکب صحَّ القائل بالفصل _ کما مرّ القائل به _ و نمنع أیضا الاُولویة بأنّ الإیجاب فی النکاح إنّما هو فی طرف المرأة و هی تستحیی غالبا فالمناسب تقدیم القبول و لعلّ السر فیه مراعاة الحیاء _ کما عن الفاضل المراغی(2) _ و هو غیر موجود فی الأبواب الاُخر.

و یمکن أن یستدل للتفصیل بین القبول بلفظ قبلت و رضیت و بین غیره نحو تزوّجت و اشتریت و ابتعت، بأنّ کلمة القبول و ما بمعناه صریحة فی الانفعال أعنی أنّه مبنیٌّ علی کون الفعل صادرا من الآخر أوّلاً ثم القبول و إلاّ لزم البناء علی أمر لم یتحقّق.

و بعبارة اُخری: کلمة القبول و ما بمعناه صریحة فی البناء علی أمر سابق فاستعمالها فیما لم یقع بعد مستبعد راجع إلی استعمال المجاز البعید، بل ولو اُبقی معناه علی ما هو علیه لزم إرادة المحال، فأمره دائر بین إرادة المحال أو المجاز البعید و کلاهما ممّا لا یصح فلا یجوز تقدیمه.

ص:227


1- (1) راجع مصباح الفقاهة 3/51.
2- (2) هو السیّد المیر عبدالفتاح الحسینی المراغی المتوفی عام 1250 من تلامیذ الشیخ الأکبر الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کتابه «العناوین» 2/170.

و أمّا ما عداه فلا صراحة فیه فی هذا المجال فلو اُبقی علی معناه صار کالإیجاب، ولو

صُرف عن معناه _ أیضا _ إلی القبول لم یکن بعیدا عن معناه.(1)

فذلکة کلام الشیخ الأعظم فی المقام و نقده

قسّم صیغة القبول باعتبار ألفاظها إلی ثلاثة أقسام:

الأوّل: إذا وقع القبول بلفظ قبلت و رضیت و نحوهما لم یجز تقدیمه علی الایجاب، للإجماع، و أنّ العمومات محمولة علی العقود المتعارفة و أنّه لیس منها، و أنّ القبول فرع الایجاب و لیس مجرد الرضا به حیث یمکن تعلّق الرضا بالأمر المتأخر بل المراد منه الرضا بالایجاب المتضمن لآثار العقد نحو نقل المال من الموجب إلی القابل نقلاً فعلیا و هذا المعنی لایتحقّق إلاّ بتأخر الرضا عن الایجاب، و السرّ فی ذلک أنّ کلمة قبلت و أشباهها قد اخذ فیها مفهوم الإنفعال و المطاوعة و لا یتحقّق ذلک فی الخارج إلاّ بتأخره عن الایجاب.

وفیه: أوّلاً: الاجماع المدعی غیر تام و قد عرفت الأقوال فی المسألة و وجود المخالف و علی فرض تمامیته أنّه مدرکیّ و لیس مدرکه إلاّ هذه الوجوه الاعتباریة المردودة.

و ثانیا: لا وجه لحمل العمومات أو الاطلاقات علی العقود المتعارفه بل هما تشملان المتعارفة و غیر المتعارفة.

و ثالثا: المتحصل من کلمات أهل اللغة و العرف أنّ العقد لا یوجد إلاّ بین شخصین سواء کان الصادر منهما مرکبا من الایجاب و القبول أو مرکبا من الایجابین فقط، و الاطلاقات و العمومات تشملهما. و لذا یمکن أن یعدّ القبول المقدّم ایجابا من صاحبه فیدخل فی ترکب العقد من الایجابین.

ص:228


1- (1) راجع العناوین 2/170.

و لذا نص الشهید الثانی(1) فی مقامات عدیدة أنّ القبول المقدّم یکون فی معنی الایجاب.

و رابعا: لو سلّمنا احتیاج العقد إلی القبول و سلّمنا أیضا أخذ الانفعال و المطاوعة فی مفهوم القبول، ولکنّا لا نسلّم استحالة تقدّم القبول علی الایجاب لأنّ القبول تارة یتعلق بالمعنی المصدری أعنی به إنشاء البائع، القول بالاستحالة یمکن أن تأتی هنا، و اُخری یتعلق باسم المصدر أعنی به نفس الأثر المترتب علی العقد مع قطع النظر عن اضافته إلی طرف الآخر فحینئد یمکن القول بتحقّق القبول قبل الایجاب لأنّ مفهوم الانفعال و المطاوعة هو الأخذ و یصدق علیه أنه أخذ المبدأ _ و هو العقد الخاص کالنکاح أو البیع _ و صح العقد نحو

قوله: قبلتُ و رضیتُ بأن أکون زوجا لکِ و أن تکونی زوجة لی، أو قبلت و رضیت مالک بمالی و نحوها.

و علیه فلا محذور من جهة تحقّق الانفعال و المطاوعة فی تقدّم القبول فی العقود أصلاً.

و خامسا: کلٌّ من المتعاقدین متساویان فی إحداث العقد، فکلّ مَنْ بدأ بالإحداث قاصدا ذلک صح، سواء سمّیته قبولاً أو ایجابا لأنّ القبول بهذا المعنی ایجاب کما مرّ و عموم أدلة العقود یشمله کما نص علیه الفاضل المراغی(2) و قد مرّ من ثانی الشهیدین آنفا.

الثانی: إذا وقع القبول بلفظ الأمر نحو: بعنی أو زوّجنی بنتک و أمثالها لم یجز أیضا تقدیمه علی الایجاب لأنّه استدعاء و لیس بصیغة القبول، مضافا إلی اعتبار الماضویة فی العقود کما علیه جماعة.

و فیه: أوّلاً: قد مرّ عدم اعتبار الماضویة فلانعید.

ص:229


1- (2) راجع المسالک 3/154 و 7/95 _ الروضة البهیة 5/110.
2- (1) العناوین 2/173.

و ثانیا: یمکن أنْ تُعَدَّ صیغة الأمر بالقرائن الحالیة و المقالیة قبولاً بالنسبة إلی العقد کما هو الحال فی صیغة الماضی.

و ثالثا: أدل دلیلٍ علی إمکان الشیء وقوعه و قد مرّ بعض الروایات الواردة فی تقدم القبول بصیغة الأمر نحو: خبر الأحول مؤمن الطاق(1) و صحیحة محمّد بن مسلم(2) و مرسلة سهل الساعدی(3).

الثالث: إذا وقع القبول بلفظ اشتریت و ابتعت و ملکت _ مخففا _ یجوز تقدیمه علی الایجاب، لعدم أخذ عنوان المطاوعة فیه حینئذ فأنشأ المشتری بهذه الألفاظ ملکیّة المثمن لنفسه بإزاء الثمن فلایفرق فی ذلک تقدّمه علی الإیجاب و تأخّره عنه.

أقول: الجواز تام عندنا فی جمیع الصور الثلاث.

ثم قال الشیخ الأعظم فی آخر کلامه: انّ العقد «إمّا أن یکون التزاما بشیءٍ من القابل کنقل ماله عنه أو زوجیّة، و إمّا لا یکون فیه سوی الرضا بالایجاب.

و الأوّل علی قسمین: لأن الالتزام الحاصل من القابل إمّا أن یکون نظیر الالتزام الحاصل من الموجب کالمصالحة أو متغایرا کالاشتراء.

و الثانی أیضا علی قسمین: لأنّه إمّا أن یعتبر فیه عنوان المطاوعة کالارتهان و الاتهاب والاقتراض، و إمّا أن لا یثبت فیه اعتبار أزید من الرضا بالإیجاب کالوکالة و العاریة و شبههما.

فتقدیم القبول علی الایجاب لا یکون إلاّ فی القسم الثانی من کلٍّ من القسمین»(4).

ص:230


1- (2) وسائل الشیعة 21/44، ح5.
2- (3) وسائل الشیعة 21/242، ح1.
3- (4) مستدرک الوسائل 15/61، ح2.
4- (1) المکاسب 3/156.

ولکن یمکن أن ینقض علیه، إذا قال أحد لصاحبه: قبلتُ المصالحة علی مالک الفلانی بهذا المال أو المبلغ، و أجابه الآخر: صالحتک مالی الفلانی بمالک أو المبلغ، و لا أظن بأحدٍ أن یذهب إلی بطلان هذه المصالحة لأجل تقدیم قبولها.

و کذا إذا قال للواهب: تملکتُ مالک مجانا، أو قال: قبلتُ هبتک، و قال الواهب بعد ذلک: وهبتک أو ملّکتک إیّاه، فهل لأحدٍ أن یقول ببطلان الهبة؟!

و کذا إذا قال المقترض: قبلتُ أو تملکتُ منک مأة دینار مع الضمان، و قال المُقْرِضُ: خُذْها، فهل یمکن القول ببطلانها؟!

و کذا إذا قال المرتهن: أخذتُ أو قبلتُ مالک الفلانی رهنا علی دینک، و قال الراهن: أرهنت، فهل لأحد القول بعدم انعقاد هذا العقد؟!(1)

و هل أنت تری فرقا بین هذه الأمثلة الأربعة و بین قول المشتری: قبلت هذا الثوب بألفین، و قال البائع بعده: بعته بهما.

و بین قول أحدٍ: قبلتُ و کالتک فی هذا الأمر، و أجابه الموکّل بقوله: و کلّتک.

و بین قول المستعیر: أَعِرْنِیْ أو قبلتُ عاریتک لهذا العین، و أجابه المعیر بقوله: أعرتک.

و لَعَمْرِی فصّل الشیخ الأعظم قدس سره وجه تفریقه بین الأمثلة الأربعة الاُولی و الثلاثة الأخیرة حتّی تعلّمنا الفرق بینها!!

و الحاصل: القول المختار فی المقام هو جواز تقدم القبول علی الایجاب مطلقا أیّ بلافرق بین ألفاظ القبول و بلافرق بین عقد النکاح و غیره من العقود و الحمدللّه.

ص:231


1- (2) هذه الأمثلة الثلاثة الأخیرة لشیخنا الاستاذ رحمه الله فی إرشاد الطالب 2/115.
الموالاة بین الإیجاب و القبول
اشارة

هل تعتبر الموالاة بینهما؟ و أن لا یتأخر القبول بحیث لا یعدّ جوابا للإیجاب؟ ذهب إلی اعتباره الشیخ فی خلع المبسوط(1) و العلاّمة فی نکاح القواعد(2) و خلعها(3) و بیع

نهایته(4) و الشهید فی وقف الدروس(5) و بیعها(6) و قواعده(7) و الفاضل المقداد فی التنقیح(8) و المحقّق الثانی فی خلع رسالة صیغ العقود(9) و بیع جامع المقاصد(10) و ثانی الشهیدین فی هبة المسالک(11) و خلعها(12) و الشیخ جعفر فی شرح القواعد(13) و السیّد العاملی فی المفتاح(14).

قال الشهید فی القواعد: «الموالاة معتبرة فی العقد و نحوه، و هی مأخوذة من اعتبار الاتصال بین الاستثناء و المستثنی منه، و قال بعض العامة: لا یضرّ قول الزوج بعد الإیجاب:

ص:232


1- (3) المبسوط 4/362.
2- (4) القواعد 3/10.
3- (5) القواعد 3/161.
4- (1) نهایة الإحکام 2/450.
5- (2) الدروس 2/264.
6- (3) الدروس 3/191.
7- (4) القواعد و الفوائد 1/234، القاعدة 73.
8- (5) التنقیح الرائع 2/24.
9- (6) المطبوعة ضمن رسائل المحقّق الکرکی 1/201.
10- (7) جامع المقاصد 4/59.
11- (8) المسالک 6/9.
12- (9) المسالک 9/384.
13- (10) شرح القواعد 2/21.
14- (11) مفتاح الکرامة 12/532.

«الحمدللّه و الصلاة علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، قبلت نکاحها»(1).

و منه: الفوریة فی استتابة المرتدّ فیعتبر فی الحال، و قیل(2) إلی ثلاثه أیام.

و منه: السکوت فی اثناء الأذان فإن کان کثیرا أبطله.

و منه: السکوت الطویل فی اثناء القرأة أو قرأة خلالها، و کذا التشهد.

و منه: تحریم المأمومین فی الجمعة قبل الرکوع، فإن تعمّدوا أو نسوا حتّی رکع فلا جمعة. و اعتبر بعض العامة تحریمهم معه قبل الفاتحة.

و منه: الموالاة فی تعریف بحیث لا ینسی أنّه تکرار، و الموالاة فی سنة التعریف، فلو رجع فی اثناء المدّة استؤنف لیتوالی»(3).

أقول: اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه یعدّ من الاُمور البدیهیة، لأنّ الاستثناء من النفی یعید الإثبات، و الاستثناء من الإثبات یفید النفی فلابدّ من الاتصال بینهما للإفادة و کان لهما ظهور واحد. و فی فرض انفصال أحدهما عن الآخر کان لکلّ منهما ظهور خاص و لذا حکم بکفر من قال: لا إله و لم یعقبه بقوله إلاّ اللّه. أو أتی به بعد مدّة طویلة.

و الظاهر أنّ الشهید أراد أن یأخذ من اعتبار الاتصال بین المستثنی و المستثنی منه دلیلاً عاما لاعتبار الاتصال فی کل أمرٍ تدریجیٍّ ثبتت له الصورة الاتصالیة فی نظر العرف.

و مثّل قدس سره بلزوم الفوریة فی استتابة المرتد حیث تجب علیه المبادرة إلیها بعد طلب التوبة منه، و الوجه فی ذلک ثبوت الدلیل الشرعی علی وجوب الاستمرار فی الإسلام و عدم قطعه بالکفر. فلا یصح الاتیان بها علی المثال فی ما نحن فیه و لذا قال الشیخ الأعظم:

ص:223


1- (12) قاله النووی، اُنظر المجموع 17/307.
2- (13) قائله هو العلاّمة فی الإرشاد 2/189.
3- (14) القواعد و الفوائد 1/234، القاعدة /73.

«إنّ المطلوب فی الإسلام الاستمرار فإذا انقطع فلابدّ من اعادته فی أقرب الاُوقات»(1).

و أمّا دخول المأمومین فی صلاة الجمعة قبل رکوع الإمام فیحتاج إلی دلیل شرعی إن وجد فهو و یحمل علیه کلام الشیخ الأعظم: «لأنّ هیئة الاجتماع فی جمیع أحوال الصلاة من القیام و الرکوع و السجود مطلوبة فیقدح الإخلال بها»(2) و إلاّ یرجع فیه إلی أصل البرأة و صحة صلاتهم حتّی لو دخلوا بعد الرکوع.

و أمّا اعتبار اتصال لزوم الموالاة فی تعریف اللقطة بحیث تُعرف فی کلِّ مرّة أنّه تکرار للتعریف السابق أیضا فیحتاج إلی دلیل شرعی و هو مفقود فی المقام فیرجع فیه إلی البراءَةِ.

و بالجملة: أخذ اعتبار الاتصال بین جملتی الاستثناء دلیلاً علی اعتباره، فی کلِّ أمر تدریجی له الصورة الاتصالیة، قیاس مع الفارق و یمکن المناقشة أیضا فی الأمثلة کما قال الشیخ الأعظم: «و للتأمل فی هذه الفروع و فی صحة تفریعها علی الأصل المذکور مجال»(3).

نعم: إذا اُخذ فی موضوع حکم شرعی أمرٌ تدریجیٌّ مقیَّدٌ بالهیئة الاتصالیة إذا انتفی الاتصال انتفی الموضوع فینتفی الحکم. و تمام الکلام فی ثبوت هذا الاتصال فی الموضوع إذا ورد یجب مراعاته ولکن فی صورة الشک، أصل العدم یجری فی المقام و یحکم بعدم اعتباره.

أدلة اعتبار الاتّصال بین إیجاب العقد و قبوله

الأوّل: ما ذکره الشیخ الأعظم تتمیما و تحصیلاً لبیان الشهید و هذا نصه: «أنّ الأمر المتدرّج شیئا فشیئا إذا کان له صورة اتصالیة فی العرف فلابدّ فی ترتب الحکم المعلّق علیه فی الشرع من اعتبار صورته الاتصالیة، فالعقد المرکب من الایجاب و القبول القائم بنفس

ص:234


1- (1) المکاسب 3/160.
2- (2) المکاسب 3/160.
3- (3) المکاسب 3/160.

المتعاقدین بمنزلة کلامٍ واحدٍ مرتبط بعضه ببعض فیقدح تخلّل الفصل المخلّ بهیئته الاتصالیه و لذا لا یصدق التعاقد إذا کان الفصل مُفْرَطا فی الطول کسنة أو أزید، و انضباط ذلک إنّما یکون بالعرف فهو فی کل أمرٍ بحسبه، فیجوز الفصل بین کلٍّ من الایجاب و القبول بما لا یجوز بین کلمات کلّ واحدٍ منهما، و یجوز الفصل بین الکلمات بما لا یجوز بین الحروف کما فی الأذان و القرأة»(1).

و حیث إنّ هذا البیان یرتبط بالعقود و آیة وجوب الوفاء بها استشکل الشیخ السیّد الأعظم قدس سره علیه بقوله: «ما ذکره حسنٌ لو کان حکم الملک و اللزوم فی المعاملة منوطا بصدق العقد عرفا، کما هو مقتضی التمسک بآیة الوفاء بالعقود و باطلاق کلمات الأصحاب فی اعتبار العقد فی اللزوم بل الملک، و إمّا لو کان منوطا بصدق البیع أو التجارة عن تراض فلا یضرّه عدم صدق العقد»(2).

أقول: یمکن أن یجاب عن إشکال الشیخ الأعظم بعدم الفرق بین العقد و البیع و التجارة فی الصدق مع عدم الموالاة، کما لا فرق بینها علی فرض عدم الصدق مع عدمها، فالتفصیل المذکور بین العقد و اخوته _ أی البیع و التجارة _ فی غیر محلّه کما اعترف بذلک الفقیه الیزدی(3) و المحقّق الإیروانی(4) و شیخنا الاُستاذ(5)_ قدس اللّه أسرارهم _ و خلافا للمحقّق السیّد الخوئی(6) حیث وافق الشیخ فی تفصیله.

ص:235


1- (1) المکاسب 3/159 و 158.
2- (2) المکاسب 3/159.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/438.
4- (4) حاشیته علی المکاسب 2/100.
5- (5) إرشاد الطالب 2/117.
6- (6) مصباح الفقاهة 3/54.

ولکن یمکن أن یناقش علی أصل استدلاله بأنّ مجرد تعلیق الحکم علی مرکّبٍ لا یدلّ علی اعتبار الموالاة بین أجزائه ما لم یعلم اعتبار الهیئة الاتصالیة بینها إمّا من العرف کما فی لواحق الکلام من الجُمَلِ الاستثنائیة و سائر القرائن المتصلة، و إمّا من الشرع کما ورد

اعتبارها فی الأذان و القراءَةِ و نحوها.

و أمّا العقود فیمکن منع احتیاجها إلی الطرفین مفهوما لأنّها بمعنی العهود أو العهود المشدّدات و هی یمکن تحصیلها من طرف واحد کما فی النذر و العهد و الیمین. هذا أوّلاً.

و ثانیا: و علی فرض احتیاجها إلی الطرفین کما فی بعضها من البیع و النکاح، لا یتم اعتبار اتصال القبول بالایجاب، لأنّه لو کان لأحد طرفی العقد من الایجاب أو القبول بقاء فی عالم الاعتبار، یتم العقد مع الحاق طرفه الآخر ولو بعد فصل طویل کما یظهر ذلک بملاحظة المعاملات الجاریة بین الأقوام و الملل المختلفة بالکتابة أو البرقیات أو الإنترنت _ المُصْطَلَح علیه فی عَصْرنا_ أو بایصال المال إلی طرف آخر، و بملاحظة لو أنّ أحدا قال بعد سماع الایجاب: إنّی لا أقبل حتّی أتأمّل فی صلاحه و فساده و بعد أیام أو اُسبوع أو حتّی عدّة شهور قال: قبلتُ. فلابدّ من القول بصحة الجمیع و هذا أقوی شاهد علی عدم اعتبار الموالاة فی العقود.

نعم: إذا فرض أنّ الطرف رجع عن ایجابه قبل قبول الآخر لم یتحقق العقد، و فی صورة الشک یمکن للشاک أن یسأل من طرفه هل أنت باق علی ایجابک و بعد علمه ببقاء ایجابه یمکنه إنشاء قبوله و تظهر هذه المناقشة إجمالاً من المؤسس الحائری(1) و المحقّق السیّد الخوئی(2) و شیخنا الاستاذ(3).

ص:236


1- (1) کتاب البیع 1/139 و 140 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی رحمه الله .
2- (2) مصباح الفقاهة 3/55.
3- (3) إرشاد الطالب 2/117.

و لذا قال السیّد الحکیم: «الظاهر الاکتفاء فی تحقق العقد ببقاء العهد النفسانی فی نفس الموجب فإذا کان باقیّا إلی زمان القبول و تحقّق، کفی ذلک فی تحقّق العقد عندهم ولو مع الفصل الطویل... و هذا هو السرّ فی عدم صدق العقد مع الفصل المفرط کسنة أو أزید...»(1).

الثانی: ما ذکره المحقّق النائینی بقوله فی العقود العهدیة المعاوضیة کالبیع و ما یلحق بها کالنکاح و نحوهما: «أنّه لما کان فیها خلع و لبس أو إیجاد علقةٍ فلابدّ أن یکون مقارنا للخلع لبس، و هکذا مقارنا لإیجاد العلقة قبول، و إلاّ یقع الاضافة و العلقة بلا محلٍّ و مضاف إلیه»(2).

و استشکل علیه المحقّق السیّد الخوئی بالنقض و الحلّ و أمّا النقض: «أنّ هذا الوجه یقتضی استحالة تحقّق العقد مع وجود الفصل بین الایجاب و القبول و لازم ذلک أن لا یوجد عقد فی العالَم، لأنّه لایتحقّق إلاّ بوجود الفصل بین ایجابه و قبوله _ ولو بزمان قلیل _ و من البیّن أنّه لا یفرق _ فی استحالة الفصل بینهما _ بین أن یکون الفاصل هو الزمان القصیر و بین أن یکون ذلک هو الزمان الطویل و هذا بیّن لا ریب فیه.

و الحلّ: أنّ الخلع و اللبس _ فی اعتبار البائع _ لیس علی وجه الاطلاق و إلاّ لتحقّق ذلک قبل تحقق القبول، مع أنّه لا یتحقّق قبله حتّی فی اعتبار نفس البائع فضلاً عن امضاء العقلاء أو الشارع. بل الخلع و البس فی اعتبار البائع معلَّق علی قبول المشتری و علی فرض تحقّقه، و علیه فالخلع مقارن باللبس دائما، سواء أتحققت الموالاة بین الإیجاب و القبول أم لم تتحقق»(3).

و استشکل علیه شیخنا الاستاذ رحمه الله أیضا بقوله: «أنّ العقد لیس بذلک و الشاهد

ص:237


1- (4) نهج الفقاهة /177.
2- (5) منیة الطالب 1/251.
3- (1) مصباح الفقاهة 3/55 و 56.

ملاحظة العقود حتّی التملیکیّة کبیع الکلّی بالذمة فضلاً عن مثل عقد النکاح أو المضاربة و الوکالة و نحوها.

و ثانیا: علی تقدیر کون العقد فی حقیقته ما ذکر فیکفی فی تحقق اللبس بقاء الخلع و عدم إلغائه و مع حصول اللبس فی أیّ زمان یتحقّق المجموع»(1).

أقول: مضافا إلی وجود السیرة القطعیة علی عدم اعتبار الموالاة بین الایجاب و القبول فی معاملات الناس و تجاراتهم و إرسال الهدایا من البلاد النائیة. و منها: إرسال ملک الحبشة النجاشی بعد اسلامه بالهدایا و ماریة القبطیّة اُمّ ابراهیم ابن رسول اللّه صلی الله علیه و آله کما ورد تفصیله فی تفسیر علی بن ابراهیم القمی(2) و إعلام الوری بأعلام الهدی(3) للطبرسی و قصص الأنبیاء(4) للقطب الراوندی، و راجع فی هذا المجال دلائل النبوة(5) للبیهقی و البدایة و النهایة(6) لابن کثیر.

تنبیهات
اشارة

ثم هاهنا امور لابدّ من التنبیه علیها:

الأوّل: فذلکة ما ذکره المحقّق النائینی فی المقام

قسّم العقود إلی الثلاثة:

1_ العقود العهدیة المعاوضیة: کالبیع و مایلحق بها کالنکاح و نحوهما و ذهب إلی

ص:238


1- (2) إرشاد الطالب 2/118.
2- (3) تفسیر القمی 1/(186-183) و نقل عنه فی بحارالأنوار 18/(416-414) _ [8/(489-487) من الطبعة الحدیثة البیروتیّة].
3- (4) إعلام الوری بأعلام الهدی 1/119 و نقل عنه فی بحارالأنوار 18/419 [8/491].
4- (5) قصص الأنبیاء /323، ح404 و نقل عنه أیضا فی بحارالأنوار 18/419 [8/491].
5- (6) دلائل النبوة 2/308.
6- (7) البدایة و النهایة 3/83.

اعتبار الموالاة فیها بالدلیلین الماضیین _ الأوّل و الثانی _ ، و قد مرّ الإشکال فیهما فلا نعیده.

2_ العقود العهدیة الغیر المشتملة علی المعاوضة: کالهبة و الرهن، و تارة ناقشها بالإشکال فی کونها من العقود کما فی منیة الطالب(1)، و اُخری یجری فیها الدلیل الأوّل فقط دون الثانی کما فی المکاسب و البیع.(2)

و فیه: لا اشکال فی کونها من العقود فی الشرع و عند العرف، و قد مرّ عدم تمامیة الدلیل الأوّل.

3_ العقود الإذنیة: نحو الوکالة و العاریة و الودیعة، ذهب فیها إلی عدم اعتبار الموالاة فیها لأنّ اطلاق العقد علیها تکون مسامحة و یکفی فیها کل ما یدلّ علی الرضا.(3)

ثم قال فی آخر کلامه بالنسبة إلی إرسال الهدایا من البلاد البعیدة: «جمیع هذه الأفعال الصادرة من الواسطة کأنّها صادرة من الموجب، فهو بمنزلة من کان فی المشرق و کانت یده طویلة تصل إلی المغرب فمدّ یده و أعطی شیئا لمن کان فی المغرب فإنّ فعله یتمّ فی زمان وصول یده إلی المغرب فتأمل جیّدا»(4).

ناقشه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی بقوله: «ولکن هذا لا یستقیم، للفرق الواضح بین ما نحن فیه و بین المثال المزبور، بداهة أن المُهدی فی _ مورد السیرة _ ربّما یغفل عن هدیّته فی زمان وصولها إلی المُهدی إلیه و عندئذ لا یمکن تنزیل فعل الرسول و الواسطة منزلة فعل المُرْسِل»(5).

ص:239


1- (1) منیة الطالب 1/253.
2- (2) المکاسب و البیع 1/291.
3- (3) راجع منیة الطالب 1/(253-251) _ المکاسب و البیع 1/(291-289).
4- (4) منیة الطالب 1/253.
5- (5) مصباح الفقاهة 3/57.
الثانی: مقالة الشیخ الأعظم حول روایة سهل الساعدی

روی سَهْلٌ الساعدیٌّ: أنّ النبی صلی الله علیه و آله ، جاءت إلیه امرأة فقالت: یا رسول اللّه إنّی قد وهبت نفسی لک، فقال صلی الله علیه و آله : لا اربة لی فی النساء، فقالت: زوّجنی بمن شئت من أصحابک، فقام رجل فقال: یا رسول اللّه زوّجنیها، فقال: هل معک شیء تصدقها؟ فقال: و اللّه ما معی إلاّ ردائی هذا، فقال: إن أعطیتها إیّاه تبقی و لا رداء لک، هل معک شیء من القرآن؟ فقال: نعم سورة کذا و کذا، فقال صلی الله علیه و آله : زوّجتکها علی ما معک من القرآن.(1)

أقول: قد مرّ منّا أنّ هذه الروایة عامّیّةٌ مضافا إلی إرسالها ولکن وردت بمضمونها صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: جاءت إمرأة إلی النبی صلی الله علیه و آله فقالت: زوِّجنی، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : مَنْ لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا یا رسول اللّه، زوّجنیها، فقال: ما تعطیها؟ فقال: مالی شیء، قال: لا، فأعادت فأعاد رسول اللّه صلی الله علیه و آله الکلام فلم یقم أحد غیر الرجل، ثم أعادت فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی المرّة الثالثة: أتحسن من القرآن شیئا؟ قال: نعم، قال: قد زوَّجتکها علی ما تحسن من القرآن فعلّمها إیّاه.(2)

قال الشیخ الأعظم: «یظهر من روایة سهل الساعدی، جواز الفصل بین الایجاب و القبول بکلام طویل أجنبیّ، بناءً علی ما فهمه الجماعة من أنّ القبول فیها قول ذلک الصحابیّ: زوّجنیها، و الإیجاب قوله صلی الله علیه و آله بعد فصل طویل: زوّجتکها بما معک من القرآن، و لعلّ هذا موهنٌ آخر للروایة، فافهم»(3).

و علّق علیه شیخنا الاستاذ: «الموهن الأوّل ما تقدم آنفا من أنّه لا دلالة فیها علی اقتصار الرجل فی قبوله النکاح باستدعائه، و وجه عدم الدلالة عدم ورودها فی مقام بیان

ص:240


1- (1) مستدرک الوسائل 15/61، ح2.
2- (2) وسائل الشیعة 21/242، ح1.
3- (3) المکاسب 3/161.

کیفیة عقد النکاح بل حکایة قضیّة شخصیة لبیان جواز جعل تعلیم القرآن مهرا.

و الموهن الثانی: لزوم الفصل الطویل بین الإیجاب و القبول.

ولکن لا یخفی ما فیه: فإنّ قبول الإیجاب لیس استدعائه الأوّل لیقال: بتخلل الفصل الطویل بینه و بین ایجاب النکاح بل إنّه قد کرّر استدعاء بعد نداء رسول اللّه صلی الله علیه و آله ثانیا و ثالثا، و قد سأله رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی الثالثة عن عرفانه القرأة فی الفحص عمّا عنده ممّا یمکن أن یجعله مهرا فأجاب الرجل بنعم الذی یمکن جعله فی أمثال المقام قبولاً من غیر تخلل بین الإیجاب و القبول بالأجنبی أو غیره و علی تقدیر کون القبول هو استدعائه الأخیر فلا

فصل بین الایجاب و القبول بالأجنبی الطویل، فلاحظ الحدیث»(1).

أقول: ما ذکره قدس سره فی آخر کلامه لا یمکن المساعدة علیه لأنّ «نعم» الوارد فی الروایة فی کلام الصحابی یکون جوابا لسؤال رسول اللّه صلی الله علیه و آله ، هل معک شیء من القرآن؟ فی روایه سهل الساعدی، و سؤال: أتحسن من القرآن شیئا؟ فی صحیحة محمّد بن مسلم، و جعله قبولاً خلاف ظاهر الروایة.

و یمکن المناقشة فی الموهن الأوّل بأنّه لو کان للقضیة _ ولو کانت شخصیّة _ ذیل لابدّ من التعرض له لا سیما فی کلام سیدنا أبی جعفر علیه السلام ، و من الممکن مراد الشیخ من الموهن الأوّل هو إرسال الروایة و عامیتها فی خبر سهل الساعدی، فلا یتم لا الموهن الأوّل و لا الثانی و الروایة تدلّ علی جواز الفصل الطویل و بالکلام الأجنبی بین الإیجاب و القبول فی العقود و لعلّ إلی ما ذکرنا أشار الشیخ الأعظم بقوله فافهم.

ولکن قال السیّد الحکیم فی وجه أمره بالتفهم: «لعلّه اشارة إلی ما تقدّم من أنّ اعتبار الموالاة إنّما هی فی خصوص العقد لا مطلق الأسباب کالتجارة و البیع، لأنّه خلاف عموم

ص:241


1- (1) إرشاد الطالب 2/118.

نفوذهما و یمکن أن یکون النکاح کذلک»(1).

الثالث: الفاصل بین الإیجاب و القبول
اشارة

قد مرّ تعریف الموالاة هنا بالاتصال بین الإیجاب و القبول، فالفاصل بینهما ینعدم الموالاة، و هو یقع علی أقسام:

أ: الرَّد

یتخلل بین الإیجاب و القبول إمّا من الموجِب أو من القابِل و کلاهما یوجبان بطلان و العقد لأنّ فی الرَّد من الموجب لا یبقی ایجاب حتّی یلحقه القبول، و من القابل أیضا مبطل للإیجاب فلا ینفع القبول بعده، لأنّ مع تخلل الرد لا یکون عقدا، لا شرعا و لا عرفا فلا یشمله اطلاقات صحة العقود، و الأصل أیضا یقتضی فساده لأنّ الأصل فی العقود الفساد، و الإجماع المحصّل من الأصحاب فی أبواب مختلفة من العقود المشروطة صحتها بعدم تخلّل الرد، و کذا الاجماع المحکی(2) المستفیض علیه.

و کذا یدلّ علیه الاتفاق بینهم من بطلان العقد الفضولی إذا یلحقه الرد و لا ینفعه

الاجازة بعد الرد مع تمامیة الإیجاب و القبول هناک، و أمّا هنا فبطریق الاُولی لأنّه الإیجاب فقط إذا کان الراد هو القابل أو حتّی من دون إیجاب إذا کان الراد هو الموجب.

و من عدم تمامیة الاستصحاب التأهلی کما مرّ منّا فی بحوثنا الاُصولیة.

و کذا الردّ یبطل بتخلله فی أثناء الإیجاب أو القبول و کذلک یبطل بتخلّله بین العقد و القبض فی کلِّ عقد یشترط فیه القبض کالوقف و الحبس و السکنی و الهبة و القرض و الصدقة و الصرف و السَّلم لعدم حصول، التملیک ما لم یتحقّق القبض.

ص:242


1- (2) نهج الفقاهة /178.
2- (3) حکاه الفاضل المراغی فی العناوین 2/177.

و أمّا ما ذهب إلیه المشهور(1) من أصحابنا من أنّ الموصی له لو ردّ الوصیة فی حیاة الموصی فله أن یقبل بعد وفاته فلا ینافی ما ذکرناه لأنّه «لا حکم لهذا الرد لأنّه ما وجب له شیء حتّی یردّه کما لو عفی عن الشفعة قبل البیع، فلا یکون له حکم و یکون له القبول بعد وفاة الموصی» کما فی المبسوط(2).

ب: السکوت

لابأس بتخلّل السکوت بین الإیجاب و القبول، مادام الطرف الآخر باقیا و للساکت قبول العقد، أو إنشاء إیجابه لو تقدّم القبول، لأنّ السکوت لا یبطل العقد بخلاف الردّ.

ج: تخلّل الکلام الأجنبی

أو ما فی حکمه من الشرط الفاسد، أیضا لا بأس به، مادام الإیجاب أو القبول من الطرف الآخر باقیّا.

د: تخلّل ما هو من لواحق العقد

من الشرائط و الخیارات و القیود و توصیف السِّلْعَةِ و نحوها فلابأس بها عند الکلّ.

و ما ذکرنا یجری فی العقود اللازمة و الجائزة، بل الصحة فی الأخیرة لعلّه إجماعیٌّ فی الفواصل الثلاثة الأخیرة.

و هذا تمام الکلام فی عدم اعتبار الموالاة فی العقود و الحمدللّه.

التنجیز فی العقود
اشارة

ذکر جماعة اعتباره فی العقود:

منهم: الشیخ فی وکالة المبسوط قال: «إذا علّق الوکالة بصفة مثل أن یقول: إن قدم

ص:243


1- (1) کما نسبه الشهید إلیهم فی الدروس 2/296 و ثانیه فی الروضة 5/15.
2- (2) المبسوط 4/33.

الحاج أوجاء رأس الشهر فقد و کّلتک فی البیع فإنّ ذلک لا یصح لأنّه لا دلیل علیه»(1).

و قال فی وکالة الخلاف: «مسألة: إذا قال: إن قدم الحاج أو جاء رأس الشهر، فقد وکّلتک فی البیع فإنّ ذلک لا یصحّ و به قال الشافعی. قال أبوحنیفة: یصحّ، دلیلنا: أنّه لا دلیل علی صحة هذا العقد، و عقد الوکالة یحتاج إلی دلیل»(2).

و قال ابن ادریس فی وکالة السرائر: «و إذا قال: إن جاء رأس الشهر فقد وکّلتک فی الشیء الفلانی، فإنّ الوکالة لا تنعقد و إنّ ذلک لا یصح، فأمّا إن وکّله فی الحال بأن یبیع الشیء إذا جاء رأس الشهر جاز ذلک و صحّ، لأنّ الوکالة صحت فی الحال و انعقدت ثم أمره بتأخیر البیع إلی رأس الشهر، و المسألة الاولی ما انعقدت الوکالة فی الحال بل یحتاج إذا جاء رأس الشهر إلی عقد الوکالة فافترق الأمران»(3).

و قال المحقّق فی وکالة الشرائع: «و من شرطها أن تقعَ منجَّزَةً فلو عُلِّقت بشرطٍ متوقَّعٍ أو وقتٍ متجددٍ لم تصِحّ، نعم لو نَجَّزَ الوکالة و شَرَطَ تأخیرَ التصرفِ جازَ»(4).

و قال العلاّمة فی شرائط صیغة البیع من التذکرة: «الجزم، فلو علّق العقد علی شرط لم یصحّ و إن کان الشرط المشیئة للجهل بثبوتها حال العقد و بقائها مدّته، و هو أحد قولی الشافعیة، و أظهر الوجهین لهم: الصحة، لأنّ هذه صفة یقتضیها إطلاق العقد لأنّه لو لم یشأ لم یشتر»(5).

و قال فی وکالة التذکرة: «لایصحّ عقد الوکالة معلَّقا بشرطٍ أو وصفٍ، فإن عُلّقت

ص:244


1- (3) المبسوط 2/399.
2- (1) الخلاف 3/354.
3- (2) السرائر 2/99.
4- (3) الشرائع 2/151.
5- (4) تذکرة الفقهاء 10/9.

علیهما بطلت مثل أن یقول: إن قدم زید أو إذا جاء رأس فقد وکّلتک، عند علمائنا _ و هو أظهر مذهب الشافعی _ لأنّه عقد یملک به التصرف حال الحیاة لم یبن علی التغلیب و السرایة فلم یجز تعلیقه بشرطٍ کالبیع، و لأنّ الشرکة و المضاربة و سائر العقود لا تقبل التعلیق فکذا الوکالة.

و قال بعض الشافعیة و أبوحنیفة و أحمد: یصحّ تعلیقها علی الشرط لأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال فی جیش مؤته: «أمیرکم جعفر فإن قُتل فزید بن حارثة فإن قتل فعبداللّه بن رواحة» و التأمیر فی معنی التوکیل. و لأنّه لو قال: أنت وکیلی فی بیع عبدی إذا قدم الحاج أو وکّلتک فی

شراء کذا فی وقت کذا صحّ إجماعا و محلّ النزاع فی معناه.

و الفرق ظاهر بین تنجیز العقد و تعلیق التصرف و بین تعلیق العقد، إذا ثبت هذا، فلا خلاف فی جواز تنجیز الوکالة و تعلیق العقد مثل أن یقول: وکّلتک فی بیع العبد و لا تبعه إلاّ بعد شهر فهذا صحیح و لیس للوکیل أن یخالف....

قد بیّنّا بطلان الوکالة المعلّقة علی الشرط و هو أظهر قولی الشافعیة، فلو تصرّف الوکیل بعد حصول الشرط فالأقرب صحّة التصرف لأنّ الإذن حاصل لم یزل بفساد العقد و صار کما لو شرط فی الوکالة عوضا مجهولاً، فقال بع کذا علی أن لک العُشر من ثمنه تفسد الوکالة ولکن إن باع یصحّ و هو أحد وجهی الشافعیة.

و الثانی: لا یصحّ لفساد العقد، و لا اعتبار بالاذن الضمنی فی عقدٍ فاسدٍ ألاتری أنّه لو باع بیعا فاسدا و سلّم إلیه المبیع لا یجوز للمشتری التصرف فیه، و إن تضمّن البیعُ و التسلیمُ الإذنَ فی التصرف و التسلیط علیه.

و لیس بجید، لأنّ الإذن فی تصرّف المشتری باعتبار انتقال الثمن إلیه و الملک إلی المشتری و شیءٌ منهما لیس بحاصل و إنّما أذن له فی التصرف لنفسه لیسلم له الثمن، و هنا إنّما أذن له فی التصرف عن الإذن لا لنفسه... فإن قلنا بالصحة _ علی ما هو مختارنا _ فأثر بطلان

ص:245

الوکالة أنّه یسقط الجُعل المسمّی إن کان قد سمّی له جُعلاً إلی اُجرة المثل»(1).

و قال فی نهایته: «و لابدّ و أن یقع الایجاب و القبول منجزا، فلو علّقه علی شرط لم یقع کما لو قال: إن دخلت لأصالة بقاء الملک، ولو علّقه علی مشیة المشتری بأن قال: بعتُ هذا بألف إن شئتَ، فقال: اشتریتُ لم ینعقد أیضا لما فیه من التعلیق، کما لو قال: إن دخلتَ الدار، و یحتمل هنا الصحة لأنّ هذه صفة تقتضیها إطلاق العقد فإنه لو لم یشأ لم یشتروا(2)، الحقّ الأوّل فإنّه حالة الایجاب غیر عالمٍ بحاله فلم یوقع الإیجاب منجزا»(3).

و قال فی وکالة القواعد: «و یجب أن تکون منجّزةً فلو جعلها مشروطةً بشرط متوقعٍ أو وقتٍ مترقّبٍ بطلت. نعم لو نجّز الوکالة و شرط تأخیر التصرف إلی وقت أو حصول شرط جاز کأن یقول: وکّلتک الآن و لا تتصرف إلاّ بعد شهر. و إذا فسد العقد لتعلّقها علی الشرط احتمل تسویغ التصرف عند حصوله بحکم الإذن، و فائدة الفساد سقوط الجُعل

المسّمی و الرجوع إلی الاُجرة»(4).

و قال فی وقف التحریر: «إذا علّق الوقف علی شرط أو صفة لم ینعقد و کان باطلاً... و لانعلم فیه خلافا»(5).

و قال الشهید فی وقف الدروس: «ولو قال إذا متُّ أو إن متُّ فهو وقف فالظاهر بطلانه لتعلیقه. ولو قال هو وقف بعد مماتی احتمل ذلک أیضا، و أن یحمل علی الوصیة

ص:246


1- (1) تذکرة الفقهاء 15/(16-13).
2- (2) کذا فی المصدر ولکن الظاهر زیادة «وا» کما یدل علیها السیاق.
3- (3) نهایة الإحکام 2/451.
4- (1) القواعد 2/349.
5- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 3/291.

به»(1).

و قال أیضا فی عنوان خامس شرائط الوقف: «التنجیز فلو علّق بشرطٍ أو وصفٍ بطل، إلاّ أن یکون واقعا، و الواقف عالم بوقوعه کقوله: وقفتُ إن کان یوم الجمعة»(2).

و قال المحقّق الثانی فی وکالة جامع المقاصد: «یجب أن تکون الوکالة منجّزة عند جمیع علمائنا، فول علقها بشرط و هو ممّا جاز وقوعه کدخول الدار، أو صفة و هی ما کان وجوده محقّقا کطلوع الشمس لم یصح. و ذهب جمع من العامة إلی جوازها معلّقة لأنّ النبی صلی الله علیه و آله قال فی غزاة مؤته: «أمیرکم جعفر فإن قتل فزید بن حارثه»، الحدیث. و التأمیر فی معنی التوکیل و لأنّه لو قال: أنت وکیلی فی بیع عبدی إذا قدم الحاج صحّ إجماعا، و فی کون التأمیر توکیلاً نظر و الفرق بین محل النزاع و المفروض ظاهر، لأنّ المعلّق فیه هو التصرف لا التوکیل و لا بحث فی جوازه... و اعلم أن قوله «فلو جعلها مشروطة بشرط» لا یرید به إلاّ التعلیق أمّا مطلق الاشتراط فلا، فلو قال: «وکّلتک فی کذا و شرطت علیک کذا ممّا لا مانع منه صحّ، و اعلم أیضا أنّ توقیت الوکالة لا یلزم، لکن لا یجوز التصرف بعده»(3).

و قال فی شرائط الوقف: «أحدها: تنجیزه، فلو علّق بشرط أو صفة مثل أن یقول: إذا جاء زید فقد وقفت داری، أو إذا جاء رأس الشهر وقفت عبدی لم یصحّ لعدم الجزم به، کما لایصحّ تعلیق البیع و الهبة، و استثنی فی الدروس ما إذا کان المعلَّق علیه واقعا و الواقف علم بوقوعه کقوله: وقفت إن کان الیوم الجمعة. و قد سبق فی الوکالة مثل ذلک و المراد بالشرط: ما جاز وقوعه و عدمه بالنسبة إلی العادة، و الصفة: ما کان محقّق الوقوع عادة»(4).

ص:247


1- (3) الدروس 2/263.
2- (4) الدروس 2/264.
3- (5) جامع المقاصد 8/180 و 181.
4- (6) جامع المقاصد 9/14 و 15.

و قال فی نکاح کتابه: «یشترط فی عقد النکاح التنجیز قطعا، لانتفاء الجزم بدونه فیبطل ولو علقه بأمر محتمل أو متوقع الحصول»(1).

و قال الشهید الثانی فی وکالة المسالک: «من شرط الوکالة وقوعها منجزةً عند علمائنا فلو علّقها علی شرطٍ متوقَّعٍ و هو ما یمکن وقوعه و عدمه، أو صفة و هی ما کان وجوده فی المستقبل محقَّقا کطلوع الشمس و إلیها أشار بقوله: أو وقتٍ متجدّد لم یصحّ. و احترز بتعلیقها علی الشرط عمّا لو قرنها بشرط لا یقتضی التعلیق ک_ «وکّلتک فی کذا و شرطت علیک کذا» ممّا لامانع منه فإنه جائز.

و اعلم أنه متی فسد العقد لتعلیقه علی الشرط فهل یصحّ التصرف بعد حصول الشرط؟ قرّب فی التذکرة ذلک محتجّا بأنّ الإذن حاصل لم یزل بفساد العقد و صار کما لو شرط فی الوکالة عوضا مجهولاً فقال: بع کذا علی أن لک العُشر من ثمنه، تفسد الوکالة، ولکن إن باع یصحّ، و لأنّ المقتضی للصحة حاصل و هو الإذن، إذا الغرض حصول المعلَّق علیه و انتفاء المانع إذ لیس إلاّ رفع الوکالة و هی أخص من مطلق الإذن، و رفع الخاص لا یستلزم رفع العام فعلی هذا فائدة الفساد سقوط الجعل المسمّی فی عقد الوکالة إن کان و الرجوع إلی اُجرة المثل کما فی المضاربة الفاسدة حیث یحکم فیها بعدم استحقاق الحصّة المشروطة و وجب للعامل اُجرة المثل.

و فیه: أنّ الوکالة لیست أمرا زائدا علی الإذن و الجعل المشروط لیس جزءً منها و إنّما هو شرط زائد علیها، لصحتها بدونه، بخلاف المضاربة فإنّ اشتراط الحصة شرط فی صحتها، و لأنّه لو تمّ ذلک لزم الحکم بصحة التصرف مع فسادها بوجهٍ آخر، کعزل الوکیل نفسه مع علم الموکِّل به و سکوته، فإنّ الإذن حاصل منه فلا یرتفع بفسخ الوکیل. و لأنّ

ص:248


1- (1) جامع المقاصد 12/77.

العقد حینئذٍ فاسد قطعا. و لا معنی للفاسد إلاّ ما لا یترتب علیه أثره. و لأنّ الإذن المطلق إنّما وجد فی ضمن الوجه المخصوص، إذ لا وجود للکلّی إلاّ فی ضمن جزئیاته و لم یوجد منها إلاّ هذا الجزئی، فإذا ارتفع ارتفع الکلّی و للتوقف فی هذا الحکم مجال»(1).

و قال فی وقف المسالک: «... و اشتراط تنجیزه مطلقا موضع وفاق کالبیع و غیره من العقود و لیس علیه دلیل بخصوصه... و یستثنی من بطلانه بتعلیقه علی الشرط ما لو کان

الشرط واقعا و الواقف عالما بوقوعه کقوله: «وقفت إن کان الیوم الجمعة، فلا یضرّ کغیره»»(2).

قال الفاضل الإصبهانی فی نکاح کشفه: «(و یشترط التنجیز) اتفاقا، إذ لا عقد مع التعلیق، خصوصا و أمر الفروج شدید. (فلو علّقه) ولو بأمرٍ متحقَّقٍ کأن یقول: إن کان الیوم یوم الجمعة فقد زوّجتک (لم یصحّ) و إن لم یرد التعلیق، لأنّه غیر صریح فهو بمنزلة الکنایة»(3).

و قال سیّد الریاض فی وقفه: «و یشترط فیه التنجیز فلو علّقه علی شرط متوقّع أو صفة مترقّبة، أو جعل له الخیار فی فسخه متی أراده من دون حاجة بطل بلاخلاف فیه، و فی الصحة لو کان المعلَّق علیه واقعا و الواقف عالمٌ بوقوعه کقوله: وقفتُ إن کان الیوم الجمعة، و کذا فی غیره من العقود و بعدم الخلاف صرّح جماعة و لعلّه کافٍ فی الحجیة»(4).

و قال السیّد جواد العاملی فی مفتاحه معلَّقا علی قول العلاّمة فی القواعد: «و یجب أن

ص:249


1- (2) المسالک 5/239 و 240.
2- (1) المسالک 5/357.
3- (2) کشف اللثام 7/48.
4- (3) ریاض المسائل 10/103.

تکون منجزة»: «عند علمائنا کما فی التذکرة(1)، أجمع کما فی جامع المقاصد(2)، و فی شرح الإرشاد لفخر الإسلام: أنّ تعلیق الوکالة علی الشرط لا یصح عند الامامیة و کذا سائر العقود جائزة کانت أو لازمة، و عن غایة المرام(3) أنه لا خلاف فیه، و مع ذلک قال فی الکفایة(4): أنّه المشهور و أنّه غیر مرتبط بدلیل واضح... و به _ أی وجوب التنجیز _ صرح فی الخلاف(5) و المبسوط(6) و السرائر(7) و الشرائع(8) و النافع(9) و التحریر(10) و الإرشاد(11)

و اللمعة(12) و التنقیح(13) و جامع المقاصد(14) و المسالک(15) و الروضة(16) و هو قضیة بقیة الشروح(17) و الحواشی(18) حیث سکتوا عمّا فی متونها و لا یقدح فی ذلک عدم التعرض له فی

ص:250


1- (4) تذکرة الفقهاء، 15/13.
2- (5) جامع المقاصد 8/180.
3- (6) غایة المرام 2/337.
4- (7) الکفایة، 1/671.
5- (8) الخلاف 3/354.
6- (9) المبسوط 2/399.
7- (10) السرائر 2/99.
8- (11) شرائع الإسلام 2/151.
9- (12) المختصر النافع /154.
10- (13) تحریر الأحکام الشرعیة 3/22.
11- (14) إرشاد الأذهان 1/417.
12- (1) اللمعة الدمشقیة /166.
13- (2) التنقیح الرائع 2/280.
14- (3) جامع المقاصد 8/180.
15- (4) مسالک الأفهام 5/239.
16- (5) الروضة البهیة 4/368.
17- (6) منها: إیضاح الفوائد 2/333؛ و غایة المراد 2/288؛ و کنزالفوائد 2/86.
18- (7) نحو حاشیة الإرشاد للشهید الثانی المطبوعة ضمن غایة المراد 2/288.

المختصرات التی هی متون أخبار کالمقنعة و المراسم و الکافی و النهایة و الوسیلة و فقه الراوندی و الجامع _ بل لا ذکر لباب الوکالة فی المقنع و الانتصار _ و الدلیل علی ذلک بعد الاجماع نقلاً و تحصیلاً أنّ الأصل عدم جواز الوکالة خرجت المنجزة بالإجماع و بعض الأخبار و بقی الباقی...»(1).

و قال صاحب الجواهر فی وکالة کتابه: «(من شرطها أن تقع منجزة) کغیرها من العقود بلا خلاف أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه، لمنافاته مقارنة ترتب السبب علی المسبب المستفاد ممّا دلّ علی تسبیب العقود (فلو علّقت علی شرط متوقَّع) کمجی ء زید (أو وقت متجدّد لم تصحّ)، بل قیل: إنّه کذلک فی التعلیق علی أمرٌ محقَّقٍ نحو: إذا کانت الشمس طالعة فأنت وکیلی، لا لفوات المقارنة المزبورة بل للشک فی تناول الاطلاقات لمثل ذلک، فیبقی حینئذ أصل عدم ترتب الأثر بحاله»(2).

أقول: خالف جماعةٌ من الفقهاء هذا الإجماع الوارد فی کلمات القوم، و من المخالفین المحقّق الأردبیلی قال فی وکالة مجمع الفائدة: «أنّ الأصل و عموم أدلة التوکیل و کونه جائزا و مبناه علی المساهلة دون الضیق و ما تقدم فی عبارة التذکرة من أنّه إذن و أمر و أنّه مثل الإذن فی أکل الطعام و لا شک فی جواز تعلیقه مثل إن جئت فأنت مأذون فی الأکل و نحوه مع عدم مانع ظاهر یدلّ علی جواز التعلیق. و یؤیده عدم ظهور فرق کثیر فی المآل بین ما صوّرناه من المجوزّات مثل التوقیت و ذکر الشرط و المنع إلاّ بعد کذا و بین التعلیق. و یؤیده أیضا جواز التعلیق فی العقود الجائزة مثل القراض(3)، بل هو وکالة بجُعل و العاریة و

ص: 251


1- (8) مفتاح الکرامة 7/526، الطبعة الاُولی (21/20 و 21 من الطبعة الحدیثة).
2- (9) الجواهر 27/352 و راجع أیضا 22/253 و 23/198 و 32/78 و 79.
3- (10) أهل العراق یسمّونه مضاربة کما فی التحریر 3/224.

غیرهما...»(1).

ولکن ردّ علیه الوحید فی حاشیته علی مجمع الفائدة بقوله: «العموم ما وجدناه، نعم وجدنا اطلاقات مثل ما ذکر من أنّ «الوکیل وکیل حتّی یبلغه العزل» و أمثاله من الأخبار(2) و القاعدة أن ینصرف إلی الأفراد الشائعة و کون ما نحن فیه منها محلّ تأمل. و الأصل ما نعرفه لأنّ الحکم الشرعی و ترتب الآثار الشرعیة یحتاج إلی دلیل شرعی و مجرد الجواز لا یقتضی ترتب الآثار سوی إباحة التصرف فتأمل»(3).

و منهم: المحقّق السبزواری قال فی وکالة الکفایة: «و مذهب الأصحاب _ کما نُقل _ أنّ من شرط صحة الوکالة أن یقع منجّزة فلو علّقت بشرط و هو ما أمکن وقوعه أو صفة و هو ما تحقّق وقوعه کانت باطلاً... و ادّعی فی التذکرة الإجماع علی صحة قوله: أنت وکیلی فی بیع عبدی إذا قدم الحاج، و لعلّ الشرط قید للبیع، و به یحصل الفرق بینه و بین المعلّق الممنوع، و مرجعهما بحسب المآل واحد، و منع التعلیق غیر مرتبط بدلیل واضح إلاّ أن یثبت الإجماع علیه»(4).

و منهم: صاحب الحدائق قال فی وکالة کتابه: «لاخلاف بین الأصحاب فی اشتراط التنجیز فی الوکالة فلو علّقها علی شرط... بطلت... و بالجملة فمقتضی إطلاق روایات الوکالة و عمومها هو الصحة مطلقا و تخصیصها یتوقف علی الدلیل و لیس إلاّ الاجماع، فمن ثبت عنده حجیة الإجماع و أنّه دلیل شرعی فله أن یخصص به عموم تلک الأخبار و إلاّ

ص:252


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 9/533.
2- (2) وسائل الشیعة 19/161 و 162 الباب 1 و 2 من أبواب کتاب الوکالة.
3- (3) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /461.
4- (4) الکفایة 1/671.

فالعمل علی ما دلت علیه تلک العمومات...»(1).

و ذهب المحقّق القمی(2) إلی أنّ التعلیق فی الوکالة لا یضرّ بصحتها.

و قال الشیخ الأعظم: «و بالجملة فإثبات هذا الشرط فی العقود مع عموم أدلتها و وقوع کثیر منها فی العرف علی وجه التعلیق بغیر الإجماع محقّقا أو منقولاً مشکلٌ»(3).

و تبعه المحقّق الخراسانی و قال: «و تحصیل الاجماع فی مثل هذه المسألة من الاتفاق

لو کان أشکل لاحتمال تشبث البعض لو لا الجلّ أو الکلّ بما أشار إلیه من الوجوه الاعتباریة بما فیها من الضعف، و المنقول منه فی مثلها لیس بحجة ولو قیل بحجیته فی نفسه، فالعمل باطلاقات أبواب المعاملات لا یخلو من قوة»(4).

و قال المحقّق السیّد الخوئی: «لادلیل علی بطلان العقود بالتعلیق لکی یکون ذلک الدلیل مخصصا لأدلة صحة العقود»(5).

و قال المحقّق السیّد الخمینی: «فالتحقیق عدم اعتبار التنجیز فی المعاملات مطلقا سواء کانت معلَّقة علی معلوم الحال أو الاستقبال أو مجهول کذلک، بل أو معلوم العدم کذلک ثم بأن تحققه»(6).

أقسام التعلیق و أحکامها

قبل الورود فی البحث لابدّ من التذکیر بعقود یصح فیها التعلیق، و العقد معه یکون

ص:253


1- (5) الحدائق 22/10 و 11.
2- (6) جامع الشتات 1/307.
3- (7) المکاسب 3/172.
4- (1) حاشیة المکاسب /29.
5- (2) مصباح الفقاهة 3/70.
6- (3) کتاب البیع 1/336.

صحیحا:

منها: التعلیق لبیان اعتبار وصف فی المبیع نحو: اشتریت هذا الثوب إن کان من القطن.

و منها: التعلیق لاثبات حقّ زائد نحو: بعتک هذا بکذا بشرط أن تخیط لی ثوبا.

و منها: التعلیق لتحدید المتعلّق نحو: وکّلتک فی بیع داری بشرط أن تبیعه بعد النیروز.

و منها: التعلیق لتحدید الإنشاء نحو: وقف المدرسة لإسکان طالب العلم بشرط أن یصلی صلاة اللیل و یلبس العمامة.

و منها: التعلیق لتحدید اللزوم نحو: بعتک سیارتی بکذا بشرط أن ترضی زوجتی ببیعها.

و منها: التعلیق لتحدید المتعلَّق من جهة صحة التأثیر نحو: زوجتی فلانة هی طالق إن کانت فی طهر غیر المواقعة.

و منها: التعلیق لتحدید ما یعتبر فی المُنْشی ء نحو: اشتریت منک دارک بشرط أن لاتکون محجورا.

و منها: التعلیق لتحدید ما یعتبر فی العقد نحو: بعتک دار الفلانی فضولیا بشرط أن یجیز.

و منها: التعلیق لتحدید جزء المقتضی للعقد نحو: بعتک هذا إن قبلت.(1)

و لأجل بیان الضابطة الکلّیة نرسم لک أقسام التعلیق و أحکامها تبعا للمحقّق

ص:254


1- (1) راجع فی هذا المجال حاشیة المکاسب /204 لآیة اللّه ابوالفضل النجم آبادی من تقریر المحقّق العراقی _رحمة اللّه علیهما _ .

لسیّد الخوئی(1) و إن یمکن الزیادة فیها کما عن الفاضل المراغی(2).

المعلَّق علیه إمّا أن یکون معلوم التحقّق أو محتمل التحقّق، و کذا إمّا أن یکون أمرا حالیّا أو استقبالیا فصار أربعة.

و الشرط الذی علّق علیه العقد إمّا أن یکون دخیلاً فی مفهوم العقد أو یکون دخیلاً فی صحته أو لا یکون دخیلاً فی شیء منهما فصار العدد اثْنَیْ عشر قسما.

و أما التعلیق علی ما یتوقف علیه مفهوم العقد فلا شبهة فی صحته نحو قول الزوج: زوجتی طالق إن کانت زوجتی، أو قول الواقف: وقفت هذه الدار إن کانت ملکی. أو قول البائع: إن کان هذا مالی فقد بعته بکذا.

و هذا المقدار من التعلیق لا یضر بالعقد، لأنّ العقد بنفسه معلَّق علیه معنیً حتّی لو لم یذکر فی اللفظ، فلو جاء به العقد فی صیغته فلا بأس به.

و علیه یحکم بصحة التعلیق فی أربعة من الأقسام:

1_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول کقول الزوج: إن کانت فلانة زوجتی فهی طالق.

2_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا مع الجهل بتحقّقه کما إذا قال الرجل: إن کانت هذه زوجتی فهی طالق، مع جهله بأنّها زوجته.

3_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا استقبالیا و معلوم الحصول فی ظرفه نحو قول البائع للمشتری: بعتک حدیقتی إنْ قبلت مع علمه بأنّ المشتری یقبله.

4_ أن یکون المعلّق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقّق فی ظرفه نحو قول المرأة:

ص:255


1- (2) مصباح الفقاهة 3/(65-62).
2- (3) راجع العناوین 2/(206-191).

اُنکحتُکَ نفسی علی الصداق کذا، و هی لا تعلم بأن الرجل یقبل النکاح أم لا؟

و التعلیق فی هذه الصور الأربع لا أشکال فی صحته لأنّ العقد و مفهومه فی الواقع معلَّقان علی هذه الاُمور فذکرها فی الصیغة و عدمه لا یغیّر الواقع.

و أما التعلیق علی ما هو داخلٌ فی صحة العقد دون مفهومه فهو أیضا علی أربعة أقسام:

1_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول کقول الرجل: إن کان هذا الشیء ممّا یملک فقد بعته بکذا، مع علمه بأنه ممّا یملک.

2_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا حالیا و مجهول التحقّق نحو قول البائع: إن کنت غیر محجور فقد بعتک هذا المال، و هو لا یدری بحجره أم لا؟!

3_ أن یکون المعلّقَ علیه أمرا استقبالیا و معلوم التحقّق کالتسلیم و التسلم فی بیع الصرف کقول البائع: بعتک هذا الذهب بکذا إن أخذتها و سلمت إلیّ الثمن.

4_ أن یکون المعلّق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقّق، نحو المثال السابق مع عدم علم البائع بتحقّق التسلیم و التسلم.

و التعلیق فی هذه الصور الأربع أیضا لا اشکال فی صحته لأنّ صحة العقد تتوقّف علیها فی الخارج و ذکره فی الصیغة لا یغیّر شیئا.

مضافا إلی أنّ جمیع هذه الصور الّثمان تشملها العمومات و لم یرد أیّ مخصص لها.

و أمّا التعلیق علی الصفة أو الشرط اللذیْن لا دخل لهما فی تحقّق عنوان العقد و مفهومه و لا فی صحة العقد فهو أیضا علی أربعة أقسام:

1_ أن یکون المعلّق علیه أمرا حالیا و معلوم الحصول کأن یقول البائع للمشتری: إن کان هذا الیوم یوم الجمعة فقد بعتک داری، مع علمه بأنّ هذا الیوم یوم الجمعة.

ص:256

و قد مرّ من الشهید فی وقف الدروس(1) صحة هذا القسم و تبعه ثانیه فی وقف المسالک(2) و تبعهما جماعة و منهم: سیّد الریاض قال: «و بعدم الخلاف صرّح جماعة و لعلّه کافٍ فی الحجیة»(3) ولکن ناقشه الفاضل الأصبهانی فی نکاح کشفه(4) لا من جهة التعلیق بل من جهة عدم التصریح و أنّه بمنزلة الکنایة.

ولکن لا إشکال فی صحته لأنّ المضرِّ بالعقد هو واقع التعلیق لا صورته و التعلیق فی الفرض صوریٌّ. و لا نقبل قول صاحب کشف اللثام فی عدم التصریح و أنّه بمنزلة الکنایة، بل هو العقد المصرح به و لیس فیه الکنایة.

2_ أن یکون المعلَّقُ علیه أمرا حالیّا و مجهول التحقّق عند العاقد کقول البائع: إن کان هذا الیوم یوم الجمعة فقد بعتک داری، و هو لا یدری أنّ یوم الجمعة موجود أم لا؟!

3_ أن یکون المعلَّقُ علیه أمرا استقبالیا و معلوم التحقّق فی المستقبل، بحیث ایقاع العقد مشروط بتحقّق ذلک الأمر أعنی العاقد ینشیء العقد فی ظرف تحقّق الأمر الاستقبالی نحو قول البائع: بعتک داری إذا اُهلّ شهر رجب، و یرید من ذلک تحقّق البیع من حین رؤیة هلال رجب.

4_ أن یکون المعلَّق علیه أمرا استقبالیا و مجهول التحقّق فی المستقبل نحو قول البائع: إن جاء زید الحاج من سفرة حجّه فقد بعتک داری.

و هذه الثلاثة الأخیرة هی مورد الإجماع المُدعی من بطلان التعلیق فی العقود. فلابدّ من البحث حول الوجوه التی اسْتُدِلَّ بها علی بطلان التعلیق فی العقود فنقول:

ص:257


1- (1) الدروس 2/264.
2- (2) المسالک 5/357.
3- (3) ریاض المسائل 10/103.
4- (4) کشف اللثام 7/48.
الوجوه المستدَّل بها علی بطلان العقود بالتعلیق:

الوجه الأوّل:

الإجماع المذکور فی کلمات الفقهاء نحو: العلاّمة فی وکالة التذکرة(1) و وقف التحریر(2) و ولده فی شرح الإرشاد(3) و المحقّق الثانی فی وکالة جامع المقاصد(4) و الشهید الثانی فی تمهید القواعد(5) و وکالة المسالک(6) و وقفه(7)، و المحدث الکاشانی فی مفاتیح الشرائع(8)و الإصفهانی فی کشف اللثام(9) و السبزواری فی الکفایة(10) و صاحب

الحدائق(11) و الشیخ مفلح الصمیری البحرانی فی غایة المرام(12) و سیّد الریاض(13) و صاحب الجواهر(14).

و فیه: أوّلاً: قد عرفت وجود المخالفین فی المسألة و هم أصحاب مجمع الفائدة و

ص:258


1- (1) تذکرة الفقهاء 15/13: ورد فیها: عند علمائنا.
2- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 3/291: ورد فیها: لا نعلم فیه خلافا.
3- (3) کما نقل عنه صاحب مفتاح الکرامة 7/526 من الطبعة الاولی، (21/20) و فیه: لا یصح عند الإمامیة.
4- (4) جامع المقاصد 8/180 و فیه: عند جمیع علمائنا.
5- (5) تمهید القواعد /533 و فیه: الاتفاق علیه.
6- (6) المسالک 5/239 و فیه: عند علمائنا.
7- (7) المسالک 5/357 و فیه: موضوع وفاق.
8- (8) مفاتیح الشرائع 3/207 و فیه: عدم الخلاف فیه.
9- (9) کشف اللثام 7/48 و فیه: اتفاقا.
10- (10) الکفایة 1/671 و فیها: مذهب الأصحاب _ کما نُقل _ .
11- (1) الحدائق 22/10 و فیه: لا خلاف بین الأصحاب.
12- (2) غایة المرام 2/337 و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 7/526، (21/20) و فیه: لا خلاف فیه.
13- (3) ریاض المسائل 10/103 و فیه: بلا خلاف فیه.
14- (4) الجواهر 27/352 و فیه: بلاخلاف أجده فیه، بل الاجماع بقسمیه علیه.

البرهان، و الکفایة و الحدائق و القوانین و المکاسب و کفایة الاُصول و معجم رجال الحدیث و تحریر الوسیلة کما مرّت أقوالهم فلا نعیدها.

و ثانیا: علی فرض تحقّق الاجماع یکون مدرکیّا أو لاأقل من أن یکون محتمل المدرکیة فلایفید فی المقام شیئا.

الوجه الثانی:

عدم قابلیة الإنشاء للتعلیق کما اشتهر لأنّ الإنشاء هو تحقّق الوجود الإنشائی فی نفس الأمر فلا یعقل تعلیقه علی شیءٍ ما، لأنّ ما وجد یمتنع عدمه فکیف یمکن أن یکون موجودا علی تقدیرٍ و معدوما علی تقدیرٍ آخَرَ.

و فیه: نعم الأمر کذلک ولکن لیس الکلام فی تعلیق الإنشاء بل فی تعلیق المنشأ و لاشبهة فی إمکانه بل وقوعه فی الأحکام العرفیة و الشرعیة و العقود و الایقاعات نحو: الوصیة و التدبیر و النذر و العهد و الیمین، و المثال للأحکام الشرعیة نحو: الواجبات المشروطة و المثال للأحکام العرفیة کثیرٌ.

الوجه الثالث:

الظاهر من آیة «اوفوا بالعقود»(1) و «أحل اللّه البیع»(2) أنّ الحکم بوجوب الوفاء و حلیّة البیع یترتب علی تحقّق موضوعه خارجا، و إذا کان فی البین تعلیق یتخلّل بین العقد و وجوب الوفاء به، أو البیع و الحکم بحلیّته و هو انتظار حصول المعلَّق علیه.

فتکون العقود أو البیوع التعلیقیّة خارجةً عن مدلول الآیتین و المفروض عدم وجود خطاب آخر یقتضی وجوب الوفاء أو حلیّته و صحته فتکون باطلة.

ص:259


1- (5) سورة المائدة /1.
2- (6) سورة البقرة /275.

و کذلک الأمر بالنسبة إلی حدیث السلطنة _ و هو قوله صلی الله علیه و آله : الناسُ مسلَّطون علی أموالهم(1) _ .

و فیه: أجاب الشیخ الأعظم(2) قدس سره عن هذا الوجه بوجوه:

الأوّل: أدلة وجوب الوفاء أو حلیّة البیع أو حدیث السلطنة ناظرة إلی وجوب الوفاء بالعقد أو الإیقاع أو حلیّة البیع أو السلطنة علی الأموال بأیّ نحو تحقّق فی الخارج منجزا کان أو معلَّقا.

و بالجملة: الإمضاء الشرعی للعقود أو البیوع أو إدارة المال تابع لجعل المتعاقدین أو المتبایعین و أو المدیرین و المسلطتین فإذا کان مطلقا فیکون أثره الشرعی منجزا غیر مشروط بشیءٍ. و إذا کان معلَّقا فأثره الشرعی یکون معلَّقا مشروطا بوجدان الشرط و المعلَّق.

و الحاصل: لزوم الوفاء بالعقد یکون نظیر الوفاء بالعهد الذی یکون مطلقا أو مطلَّقا.

الثانی: ثبت فی الشریعة تخلف الأثر عن العقد فی موارد مختلفه نحو: الوقف و الهبة قبل حصول القبض لأنّ الملکیة فیهما مشروط به. و البیع قبل انقضاء خیار المجلس. و بیع الصرف و السلَّم قبل حصول تحقّق القبض فی المجلس. و الوصیة. و المعاطاة _ علی القول بإفادتها الإباحة مع قصد الملکیة _ فحینئذ لا یفسد العقد من تأخیر ترتب الأثر علیه و إلاّ لزم القول بفساد الجمیع.

و فیه: یمکن أن یرد علی هذا الجواب بأنّ صحة هذه المعاملات تکون بالنص الخاص فلامورد للنقض بها و قیاس غیرها علیها.

ص:260


1- (1) عوالی اللآلی 1/222، ح99 و 1/457، ح198 و نقل عنه فی بحارالأنوار 2/272، ح7، (1/385).
2- (2) راجع المکاسب 3/170 و ما بعدها.

الثالث: الدلیل أخص من المدعی لأنّه إنّما یلزم تخلف الأثر عن العقد فی ما إذا کان التعلیق علی أمر خارجی غیر دخیل فی تحقّق العقد نحو: بعتک داری بکذا إن جاء زید من السفر. و أمّا إذا کان التعلیق علی أمر حالی کقبول المشتری فإنّه لا یلزم تخلف الأثر عن العقد لأنّ القبول جزء من العقد لا أمر خارج عنه.

و فیه: قد ظهر ممّا مرّ خروج مثل هذا التعلیق الأخیر عن محل الکلام فلا یتم ما ذکره.

الرابع: الدلیل أخص من المدّعی لأنّه لا یجری فی التعلیق علی الشرط الذی یشک فی تحقّقه فی الحال فإن تحقّق الشرط، فیکون العقد مراعی بالعلم بظهور الواقع. و إن انکشف وجود المعلَّق علیه فی الواقع فیحکم بصحة العقد من حین حدوث العقد.

و إلاّ فیحکم بفساده من غیر أن یکون العقد موقوفا علی الشرط لکی یلزم منه تخلف الأثر عن العقد.

و بعبارة اُخری: یکون وجوب الوفاء فی هذه الموارد مراعی بانکشاف الحال لاموقوفا علی حصول الشرط.

الخامس: الدلیل لا یجری فی العقود التی یتأخر مقتضاها عنها بحسب طبعها أو الدلیل الخاص نحو: الوصیة و التدبیر و السبق و الرمایة و الجعالة، و من الواضح، أنّ الکلام لیس فی خصوص البیع و لیس علی بطلان التعلیق فی کلّ عقد دلیل مستقل. فالدلیل أخص من المدعی من وجه آخر أیضا.

الوجه الرابع:

أسباب العقود و الایقاعات اُمور توقیفیة فلابدّ أن یقتصر فیها بالقدر المتیقن و هو لیس إلاّ العقد العاری عن التعلیق.

و فیه: اطلاق الأدلة و عمومها تدلّ علی صحة کلّ ما صدق علیه عنوان العقد أو

ص:261

البیع أو التجارة عن تراض أو سلطنة الناس علی أموالهم.

الوجه الخامس:

ما ذکره المحقّق النائینی رحمه الله من أنّ العمومات و الاطلاقات الدالة علی صحة العقود منصرفة عن العقد المعلَّق إلی العقد المنجَّز قال قدس سره : «إنّ التعلیق لیس ممّا جری علیه العرف و العادة فی الاُمور العهدیة و العقود المتعارفة بین عامّة الناس و إن مسّت الحاجة إلیه إحیانا فی العهود الواقعة بین الدول و الملوک فلا یشمله أدلة العقود و العناوین ممّا یشک فی صدقها علیه»(1).

و أجاب عنه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی بالمنع عن هذا الوجه کبری و صغری.

أمّا منع الکبری: فلانّ الانصراف لو صح فإنّما یتم فی المطلقات بدعوی احتیاجها إلی مقدمات الحکمة فإذا لم یکن بعض أفراد المطلق متعارفا فی الخارج کان ذلک قادحا فی شمول

الاطلاق لهم، ولکن هذه الدعوی لا تجری فی العمومات لأنّ العموم فیها یکون بحسب الوضع فلا نحتاج إلی مقدمات الحکمة حتّی یجری ذلک البیان.

و أمّا منع الصغری: فلا نسلم کون العقود المعلَّقة غیر المتعارفة ضرورة أنّها واقعة فی العرف کثیرا کتعلیق البیع علی إجازة الأب أو الزوجة أو الصدیق و نحوه.(2)

الوجه السادس:

ما ذکره الشهید الثانی بعد دعوی الاتفاق علی عدم صحة التعلیق فی العقود بقوله: «الانتقال مشروط بالرضا و لا رضا إلاّ مع الجزم و لا جزم مع التعلیق»(3).

و فیه: یمکن المناقشة فی الجمیع لأنّ الانتقال مشروط بالإذن لا الرضا و شاهده بیع

ص:262


1- (1) منیة الطالب 1/255.
2- (1) راجع مصباح الفقاهة 3/70.
3- (2) تمهید القواعد /533.

المضطر، و الإذن، أو الرضا عنده موجودان مع التعلیق و شاهد ذاک العقود المعلّقة الموجودة فی الشریعة نحو: الوصیة و التدبیر و النذر و العهد و الیمین و الجعالة و السبق و الرمایة.

الوجه السابع:

قد مرّ فی أوّل الفصل من أنّ الأصل فی العقود هو الفساد لأنّها مسبوقة بالعدم و کذا الأصل فی ترتب الآثار علیها هو العدم و مع الشک و التردید فی شمول الاطلاقات و العمومات للعقود المعلَّقة و عدم جواز التمسک بهما یجری أصالة الفساد و أصالة عدم ترتب الآثار فیحکم ببطلان العقود المعلّقة، و یمکن تأئیده بالإجماع المُدّعی أو لاأقل من فتوی المشهور علی بطلانها و لعلّ هذا البیان هو مراد الشیخ بقوله: «لادلیل علیه»(1) أو «لادلیل علی صحة هذا العقد»(2).

و کذا مراد شیخنا الاستاذ قدس سره من قوله: «ولکن یمکن دعوی انصراف أدلة المعاملات عن التعلیق... فالحکم فیها بالبطلان لقصور دلیل الامضاء لا لمانع خارجی»(3).

الوجه الثامن:

ما ذکره الفقیه الهمدانی فی تعلیقه علی المکاسب: «إنّ تنقیح المقام یتوقف علی معرفة الأسباب المملّکة فی أنظار أهل العرف من أنّها هل متحقّق عندهم مع التعلیق، أم یتوقّف

عندهم تحقّقها علی الجزم(4) و التنجیز(5) و بدونها لایرتّبون علیها حال کونها مجرّدة عن

ص:263


1- (3) المبسوط 2/399.
2- (4) الخلاف 3/354.
3- (5) إرشاد الطالب 2/123.
4- (1) الجزم: أن یکون المتبایعان قاطعین بحصول الأثر حین ایقاع العقد. حاشیة المکاسب /45 للمحقّق الهمدانی.
5- (2) التنجیز: أن لا یکون معلّقا علی شیء بأدوات الشرط، بأن یقصد المتعاقدان انعقاد المعاملة فی صورة وجود ذلک الشیء لا فی غیرها. حاشیة المکاسب /45 له.

هذین الشرطین آثار الملکیة بل یعدّون ما صدر من المالک من اللفظ مثل قوله: هذا لک إن جاء زید من السفر، مجرد الوعد علی الإعطاء و لا یحصل به _ مع قطع النظر عن إمضاء متأخر عن حصول الشرط _ تملیک عندهم، فیکون علی هذا التملیک علی هذا منافیا للتعلیق فیه»(1).

الوجه التاسع:

ما ذکره الفقیه الإشکوری من أنّ أدلة العقود و الایقاعات غیر ما استُثْنِیَ من النذر و الوصیة و التدبیر و الظهار و نحوها قاصرة عن شمول التعلیق، لظهورها فی کون السبب ما أنشأه الموجِب علی وجه اُوجد مفادها تحقیقا و فعلاً فیترتب علی إیجاده وجود مفاده.

و دعوی: أنّ الغرض لیس إلاّ ترتیب ما أوجده المنشی ء، غایته أنّه یترتب علیه التحقّق و الفعلیة عند وجود المعلَّق علیه.

مسلَّمةٌ، لو لا ظهور الأدلة فی أنّ السبب فی نظر المشهور لیس مطلق إنشاء هذه المعانی، بل إنشاؤها علی وجه الاطلاق کما یظهر من کلمات القوم.(2)

الوجه العاشر:

ما جاء فی تقریر المحقّق العراقی من: «أنّ الغرض من إنشاء العقود و الإیقاعات حصول الالتزام من المنشی ء بسبب الإنشاء و تحقّق العناوین الطاریة، و التعلیق علی الاُمور الغیر المتوقفة علیه التأثیر ینافیه، لکونه موجبا لعدم تحقّق ذلک العنوان بخلاف التعلیق علی الاُمور المتوقفة علیه التأثیر.

فإن قلت: إنّ إنشاء الأمر یصح تعلیقه علی ما یشتهیه الآمر فیتحقّق معه الطلب

ص:264


1- (3) حاشیة المکاسب /46 له أیضا.
2- (4) راجع بغیة الطالب فی شرح المکاسب 1/176 للفقیه السیّد أبوالقاسم الإشکوری المتوفی عام 1324ق.

المشروط، فلم لا یصحّ تعلیق البیع علی ما یشتهیه البائع، فتحقّق معه المبادلة المشروطة و یترتّب الأثر عند وجود الشرط...؟!

قلت: فرق بین المقامین لأنّ الانشائیة فی الأوامر و النواهی إنّما هی باعتبار النسب المدلولة للهیئة أو الأداة بالوضع و أنّها قابلة للتعلیق بخلاف العقود و الإیقاعات الإنشائیة و إنّما هی باعتبار ترتب العناوین الطارئة، و التعلیق علی غیر ما یترتب علیه التأثیر ینافیها، فإنَّ مَنْ أظهر المبادلة علی تقدیر مشیّة زید أنّه لم یکن مبادلاً فعلیّا و لم یتحقّق منه مبادلة اُخری علی تقدیر مشیّته. و الأثر إنّما یترتب علی المبادلة لا علی مجرد مشیئتها و الرضا بها»(1).

و بما ذکرنا ظهر أن الثلاثة الأخیرة هی مورد الإجماع المُدعی و دعوی کون المتیقن منه صورة کون الشرط مشکوک الحصول فی الاستقبال فقط کما فی کلام المؤسس الحائری(2) رحمه الله لاشاهد علیه.

و بالجملة: بطلان العقود المعلَّقة تبعا للمشهور تام عندنا و موافق للاحتیاط و اللّه العالم.

التطابق بین الإیجاب و القبول
اشارة

قبل الخوض فی البحث لابدّ من ملاحظة کلمات القوم:

قال الشیخ فی الخلاف: «إذا قال واحد لإثنین: بعتکما هذا العبد بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بحسابه، و ردّ الآخر، لم ینعقد العقد، و به قال أبوحنیفة.

و قال الشافعی: ینعقد العقد فی حقّه، سواء قبل صاحبه أو ردّه.

ص:265


1- (1) حاشیة المکاسب /200 و 201 من تقریرات المحقّق العراقی لآیة اللّه المیرزا ابوالفضل النجم آبادی.
2- (2) کتاب البیع 1/147 بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّدعلّی الأراکی قدس سره .

دلیلنا: إنّ قبوله غیر مطابق للایجاب و إن العقد یحتاج إلی دلالة، و لا دلیل علی ثبوت هذا العقد»(1).

و قال فی المبسوط: «إذا قال واحد لإثنین: بعتکما هذا العبد بکذا فقال أحدهما: قبلتُ نصفه بنصف ما قال من الثمن، لم ینعقد العقد لأنّه غیر مطابق لایجابه. و إن قال واحد لرجلین: بعتکما هذین العبدین بألف فقبل أحدهما أحد العبدین بخمسمائة لم یجز إجماعا و فی الأوّل خلاف.

و الفرق بینهما أنّه إذا قال: بعتکما هذین العبدین بألف فإنّما أوجب لکلّ واحد منهما

نصف کلّ واحد من العبدین فإذا قبل أحد العبدین فقد قبل ما لم یوجبه و بثمن لا یقتضیه إیجابه، لأنّ الثمن ینقسم علی قدر قیمة العبدین و لا یقابل نصف الثمن أحدهما.

فإن قال: قبلت نصف کلّ واحد منهما بنصف الثمن کان مثل المسئلة الاولی سواء.

و إن قال: قد قبلتُ نصف أحد العبدین بحصّته من الثمن لم یصحّ إجماعا لأنّ حصته مجهولة.

و إن قال واحد لرجلین: بعتکما هذین العبدین بألف درهم هذا العبد منک و هذا العبد الآخر منک فقبله أحدهما بخمسمأة لم یصحّ لأنّه قبله بثمن لم یوجب له لأنّ الألف مقسومة علی قدر القیمتین لا علی عددهما و هو اجماع»(2).

و قال القاضی ابن البراج فی المهذب: «و إذا قال رجل لرجلین: بعتکما هذا العبد، فقال الواحد منهما: قبلت نصفه بنصف ما قال من الثمن، لم ینعقد البیع لأنّه لیس مطابقا لإیجابه، فإن قال: بعتکما هذین العبدین بألف فقبل أحد العبدین بخمسمائة لم یجز بغیر

ص:266


1- (3) الخلاف 3/40، مسألة 58.
2- (1) المبسوط 2/128.

خلاف، و فی الناس مَنْ خالف فی المسألة الاُولی، و الفرق بینهما أنّه إذا قال بعتکما هذین العبدین فإنّما اوجب لکلّ واحد منهما نصف کلّ واحد من العبدین، و إذا قبل أحد العبدین فقد قبل ما لم یوجبه و بثمن لایقتضیه إیجابه لأنّ الثمن ینقسم علی قدر قیمة العبدین و لا یقابل بنصف الثمن أحدهما.

فإن قال: قبلت نصف کل واحد منهما بنصف الثمن کان مثل المسألة الاولی، فإن قال: قبلت نصف أحد العبدین بحصة من الثمن لم یصحّ أیضا لأنّ حصته مجهولة.

و إذا قال واحد لاثنین: بعتکما هذین العبدین بألف درهم، هذا العبد منک و هذا العبد منک فقبله أحدهما بخمسمائة لم یصحّ لأنّه قبله بالثمن الذی لم یوجب لأنّ الألف مقسومة علی قدر القیمتین لا علی عددهما إجماعا»(1).

و قال العلاّمة فی القواعد: «و لابدّ من التطابق بین الإیجاب و القبول، فلو قال: بعتک هذین بألفٍ فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو قبلت نصفهما بنصف الثمن، أو قال بعتکما هذا بألفٍ، فقال أحدهما: قبلتُ نصفه بنصف الثمن لم یقع»(2).

و قال فی التذکرة: «لابدّ من التطابق فی المعنی بین الصیغتین، فلو قال: بعتک هذین

بألف، فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، أو: قبلت نصفهما بنصف الثمن. أو قال: بعتکما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، لم یقع علی اشکال فی الأخیر، أقربه الصحة و اختیار البائع»(3).

أقول: سیأتی منه قدس سره توضیح الإشکال و تقریب الصحة و الخیار فی نقل کلامه عن المختلف.

ص:267


1- (2) المهذب 1/394 و 393.
2- (3) قواعد الأحکام 2/17.
3- (1) تذکرة الفقهاء 10/10.

و قال فی تلخیص المرام: «ولو قال: بعتکما هذا العبد بألف، فقال أحدهما: قبلت بخمسمائة لم یصحّ علی رأیٍ، لاختلال التطابق بین الإیجاب و القبول، أما لو قال: بعتکما هذین العبدین بألف، فقال أحدهما: قبلت أحدهما بخمسمائة لم یصحّ إجماعا»(1).

و قال فی النهایة: «و یشترط المطابقة بین الإیجاب و القبول فلو قال: بعتک بألف صحیحة، فقال: قبلت بألف قُراضَة(2)، أو بالعکس. أو قال: بعتک جمیع کذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة. أو قال لإثنین: بعتکما بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة لم یصح.

ولو قال: بعتک هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة و نصفه بخمسمائة، احتمل الصحة لأنّه تصریح بمقتضی الاطلاق و لا مخالفة، و ترتبه علی أنّ تفصیل الثمن هل هو من موجبات تعدد الصفقة، و البائع هنا اوجب بیعة واحدة و الفاعل قبل بیعین لم یوجبهما البائع، ففیه مخالفة.

ولو قال: بعتک بألف، فقال: اشتریت بألف و خمسمائة، لم یصح أیضا»(3).

و قال فی المختلف: «قال الشیخ فی المبسوط و الخلاف: إذا قال واحد لإثنین: بعتکما هذا العبد بألف فقال أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة لم ینعقد العقد لعدم التطابق بین القبول و الإیجاب و تبعه علی ذلک ابن البراج، و الأقوی عندی الصحة و ثبوت الخیار للبائع، أما الصحة فلأنّ البائع لم یقصد بقوله: «بعتکما» تملیک کلّ واحد منهما جمیع المبیع و لا تملیک أحدهما ذلک، و لا تملیک کلّ واحد منهما نصف الثمن، و إنّما قصد تملیک کلّ واحد منهما نصف المبیع بنصف الثمن، و قد أتی باللفظ الدال علیه وضعا فیجب الحکم بالصحة، کما لو قال:

ص: 268


1- (2) تلخیص المرام /95.
2- (3) قُراضَة: ما سقط بالقرض (أی القطع) کقراضة الذهب و الثوب، قُراضَةُ المال: ردیئُهُ.
3- (4) نهایة الإحکام 2/450.

بعتکما هذا العبد بألف نصفه منک بخمسمائة و نصفه من هذا بخمسمائة فإنّه یجوز عندهما و لا فرق بینهما، و أمّا ثبوت الخیار فلأنّ البائع قصد تملیک کلّ واحد بشرط تملیک الآخر، فإذا فقد الشرط وجب أن یثبت له الخیار»(1).

و قال الشهید: «و یشترط فیهما التطابق، فلو قال: بعتک العبدین بألف، فقال: قبلت أحدهما بنصفه لم یصحّ، و إن تساویا قیمة، و اُولی بالبطلان ما لو قال: بعتکما العبدین بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، لأنّ الإیجاب لم یقع للقابل، إلاّ علی نصف العبد قضیة للإشاعة»(2).

و علّق المحقّق الثانی علی قول العلاّمة «و لابدّ من التطابق بین الإیجاب و القبول»، بقوله: «أی: علی الوجه المخصوص، الذی یدل علیه باقی کلامه، لا مطلق التطابق للاتفاق علی أنّه لو قال: بعتک، فقال: اشتریت، صح»(3).

و علّق علی قوله: «قبلت أحدهما بخمسمائة» و «أی: لا یصحّ هنا علی أصح الوجهین، و یحتمل الصحة، لأنّه فی قوة عقدین، و من ثمّ افترقا فی الشفعة لو اختصت بأحدهما، و لیس بشیءٍ، لأنّ ذلک حقّ ثابت فی البیع بالأصالة، و رضاهما محمول علیه، بخلاف ما هنا، لأنّ رضا البائع إنّما وقع علی المجموع بالمجموع»(4).

و قال الشیخ جعفر فی شرح القواعد مع متنه: «(و لابدّ من التطابق بین الایجاب و القبول) فی المتعاقدین و فی قدر العوضین (فلو) اختلفا فی أحدهما أو کلیهما بأن (قال: بعتک هذین بألف، فقال: قبلت أحدهما) أو بعضه منفردین أو مع بعض الآخر (بخمسمائة) أو قبلتُهما بنصف الثمن أو قبلت أحدهما (أو قبلت نصفهما) أو نصف أحدهما (بنصف الثمن) أو

ص:269


1- (1) مختلف الشیعة 5/186.
2- (2) الدروس 3/191.
3- (3) جامع المقاصد 4/60.
4- (4) جامع المقاصد 4/60.

بکلِّه (أو قال: بعتکما هذا بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه) أو کلّه (بنصف الثمن) أو بکلِّه، أو قال: بعتک أحدهما، فقال: قبلتهما کلیهما (لم یقع) و إن جمع الشرائط الآخر. و کذا لو لم یحصل التطابق فی جنس العوضین أو قدرهما أو مکانهما أو زمانهما إلی غیر ذلک.(1)

و أمّا لو حصل التطابق الحقیقی دون الصوری، کأن قال فی الأوّل: قبلت کل واحد منهما بخمسمائة، أو قال: قبلت أحدهما بخمسمائة و الآخر بخمسمائة، و فی الآخر: قبلنا کل

واحد من نصفیه، أو قبلناه بنصفی الثمن، أو: قبلنا نصفه بنصف الثمن و نصفه الآخر بنصفه الآخر، فالأقرب الصحة»(2).

و نختم نقل الأقوال بکلام صاحب الجواهر _ و هو کالحصیلة للبحث _ قال: «و من ذلک یعلم الحال فی التطابق بین الإیجاب و القبول الذی قد صرح به غیر واحد من الأصحاب، لکن علی معنی المطابقة بینهما بالنسبة إلی المبیع و الثمن، لا مطلق التطابق للإتقان علی صحة الإیجاب ببعت و القبول باشتریت، بل الظاهر صحة قبلت النکاح مثلاً لإیجاب زوّجتک کما عن جماعة التصریح به، بل المراد المطابقة التی مع انتفائها ینتفی صدق القبول لذلک الإیجاب و بالعکس، و الظاهر أنّ من ذلک ما لو قال: بعتک هذین بألف فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة، ضرورة تعلق الرضا بالمجموع، و اُولی من ذلک ما لو قال: بعتکما العبدین بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، بل عن المبسوط أنّه لم یجز إجماعا، بل عنه أیضا أنّه لو قال: قبلت نصف أحد العبدین بحصة من الثمن لم یصح إجماعا، لأنّ حصته مجهولة. بل الظاهر عدم الصحة لو قال: قبلت نصفهما بنصف الثمن، کما عن المبسوط التصریح به أیضا لما عرفت، و عنه أیضا أنّه لو قال: بعتکما هذین العبدین بألف هذا العبد منک و هذا العبد من الآخر فقبل

ص:270


1- (5) وردت هذه العبارة فی بعض نسخ شرح القواعد هکذا: «و کذا یشترط التطابق فی جنس العوضین أو مکانها أو زمانها أو المرکب منها إلی غیر ذلک».
2- (1) شرح القواعد 2/20.

أحدها بخمسمائة لم یصح لأنّه قبله بثمن لم یوجب له، بأنّ الألف مقسومة علی قدر القیمتین لا عددهما و هو إجماع، قلت: وجهه واضح کما ذکره.

نعم لو قال: بعتکما هذین العبدین هذا العبد منک بخمسمائة و هذا الآخر منک [بخمسمائة] صح لمعلومیة ثمن کلّ منهما مع ظهور عدم ارادة اشتراط تملیک کل منهما بتملیک الآخر، أمّا لو قال: بعتکما هذا بألف فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، فالظاهر عدم الصحة کما فی القواعد و محکی المبسوط و الخلاف و القاضی و نهایة الإحکام و التلخیص لظهور إرادة الاجتماع، خلافا للفاضل فی محکی المختلف و التذکرة فالصحة مع الخیار.

ولو قال: بعتک هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة و نصفه بخمسمائة فالأقوی الصحة، لأنّه تصریح بمقتضی الاطلاق من غیر مخالفة، مع احتمال البطلان، ولو قال: بعتک بألف فقال: اشتریت بألف و خمسمائة فالأقوی الفساد لعدم المطابقة، و ربما احتمل الصحة إلی غیر ذلک من الفروع التی مدارها ما عرفت»(1).

أقسام التطابق بین الایجاب و القبول

و هو یتصور علی أنحاءٍ و الوجه فی اعتبار کلّها ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری لصدق المعاقدة و أمّا أقسامها:

1_ التطابق بالاضافة إلی عنوان المعاملة: بأن یقول البائع: بعتک داری، و یقول المشتری: قبلت هبتک أو الصلح.

2_ التطابق بالإضافة إلی المبیع کأن یقول البائع: بعتک الکتاب، و یقول المشتری: قبلت بیع الدار.

3_ التطابق بالإضافة إلی الثمن کأن یقول البائع: بعتک سیارتی بألف دولار أمریکی،

ص:271


1- (2) الجواهر 22/256 و 255.

و یقول المشتری: قبلت البیع بألف تومان ایرانی.

4_ التطابق بالإضافة إلی البائع و المشتری _ أی طرفی العقد _ فلو قال زید لعمرو: بعتک هذا الدار بکذا، قال عمرو: قبلت البیع لخالد.

و الوجه فی ذلک مضافا إلی عدم ورود الإیجاب و القبول علی موردٍ واحدٍ، من الممکن عدم رضا البائع ببیع داره لخالد أو عدم رضا الخالد ببیع دار زید. و تظهر الثمرة فی ما إذا کان أحد المبیعین _ أو کلیهما _ فی الذمة، لاختلاف ذمم الأفراد فی الاعتبار فربّ شخصٍ لا یعتمد علیه إلاّ فی الاُمور الحقیرة و ربّ شخص یعتمد علیه حتّی فی الاُمور الخطیرة فلابدّ من التطابق بین الایجاب و القبول من هذه الجهة.

نعم: إذا قبل عَمْرُوْ البیع لخالد و رضی زید بالبیع لخالد، فالبیع یکون صحیحا.

5_ التطابق بالإضافة إلی الشروط المذکورة فی العقد. و الوجه فی ذلک لأنّ مرجع اعتبار الشرط فی العقد إمّا إلی تعلیق العقد علی التزام المشروط علیه بشیءٍ کشروط عقد النکاح، أو إلی تعلیق لزومه علی شیءٍ کاشتراط صفة فی المبیع، أو تعلیقهما معا علیه کاشتراط عمل فی البیع و نحوه.

و مرجع الجمیع فی العرف إذا لم یقبل أحدهما الشروط فی العقد إلی بطلانه و عدم انعقاده. و الحاصل أنّ البطلان فی موارد تعلیق العقد واضح، و أمّا فی مورد تعلیق لزومه أیضا فیمکن أن یقال مضافا إلی ما ذکرنا من «أنّ تعلیق اللزوم یرجع إلی جعل الخیار، و جعل الخیار إنّما یرجع إلی تحدید المُنْشأ»(1) و عدم التطابق بین مُنْشائهما یوجب بطلان العقد.

6_ التطابق بالإضافة إلی أجزاء المبیع و الثمن کأن یقول البائع: بعتک هذا الأرض

ص:272


1- (1) کما فی مصباح الفقاهة 3/73.

بملیون، و قال المشتری: قبلت نصف الأرض بنصف میلیون. و الوجه فی ذلک: «عدم ارتباط کلام أحدهما بالآخر»(1) کما عن المحقّق النائینی، أو «عدم المطابقة من جهة الشرط»(2) کما عن المحقّق السیّد الخوئی لأنّ بیع کلّ نصف من المبیع فی قبال نصف الثمن مشروط بنصفه الآخر.

نعم: فی کلّ موردٍ ینحلّ العقد عرفا إلی عقدین أو عقود، فقبل بعضها یقع التطابق و یکون صحیحا.

هذا تمام الکلام فی التطابق.

هل یجوز إنشاء أحد المتعاقدین فی حال کون الآخر فاقدا لشرائطه؟
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم قدس سره _ و هو أوّل من تنبّه لهذا الشرط _ إلی عدم الجواز و أنّ المعتبر فی العقد أن یقع کلٌّ من الایجاب و القبول فی حالٍ یجوز لکلٍّ من الموجب و القابل الانشاء.

قال: «فلو کان المشتری فی حال إیجاب البائع غیر قابل للقبول أو خرج البائع حال القبول عن قابلیة الایجاب لم ینعقد.

ثم إنّ عدم قابلیتهما إن کان لعدم کونهما قابلین للتخاطب _ کالموت و الجنون و الإغماء بل النوم _ فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنی المعاقدة و المعاهدة حنیئذ....

و إن کان لعدم الاعتبار برضاهما فلخروجه أیضا عن مفهوم التعاهد و التعاقد لأنّ المعتبر فیه عرفا رضا کلٍّ منهما لما ینشئه الآخر حین إنشائه کمن یعرض له الحجر بفَلَسٍ أو سَفَهٍ أو رقٍ _ لو فرض _ أو مرض موت.

ص:273


1- (1) منیة الطالب 1/257.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/74.

و الأصل فی جمیع ذلک أنّ الموجب لو فسخ قبل القبول لغی الایجاب السابق و کذا لو کان المشتری فی زمان الإیجاب غیر راضٍ، أو کان ممّن لا یعتبر رضاه _ کالصغیر _ فصحة کلٍّ من الایجاب و القبول یکون معناه قائما فی نفس المتکلّم من أوّل العقد إلی أن یتحقّق تمام السبب و به یتمّ معنی المعاقدة، فإذا لم یکن هذا المعنی قائما فی نفس أحدهما أو قام و لم یکن قیامه معتبرا لم یتحقّق معنی المعاقدة»(1).

ثم خرّج(2) قدس سره الوصیة من العقود و جعلها فی الایقاعات لصحة القبول من الموصی له بعد موت الموصی، أو صحة القبول بعد الردّ فی حال حیاة الموصی و قبوله بعد موته، و الشاهد علیه لو مات الموصی له قبل القبول قام وارثه مقامه.

و کذا صرح(3) بأنّ صحة بیع المکره یکون علی خلاف القاعدة لأجل الإجماع.

و وافقه المحقّق النائینی حیث یقول: «لایخفی أنّ هذا الشرط أیضا کالشرط السابق من القضایا التی قیاساتها معها بل منشاء اعتباره هو المنشأ لاعتبار الشرط السابق لأنّ العقد لاینعقد إلاّ بفعل الإثنین، فلو فقد حین أنشأ أحدُهما شرائط العقد فوجودها سابقا أو لاحقا لا أثر له و مجرد تحقّق الشرط حین أنشأ الآخر لا یفید بعد یکون إنشائه جزءا للعقد لا إیقاعا مستقلاً، فلو کان المشتری حین إنشاء البائع نائما لا یصحّ العقد و کذلک العکس.

و التفصیل بینهما کما فی حاشیة السیّد لا وجه له. ما یدّعیه من الصحة بلا إشکال فی العقود الجائزة فإنّما فی العقود الإذنیة لا العهدیة.

ثم لا فرق بین الموت و الجنون و نحوها و بین الفلس و الرقیة و نحو ذلک لأنّ المدار فی التطابق بین المشتری و البائع حال العقد علی اجتماع جمیع شرائط الصحة و اللزوم.

ص:274


1- (3) المکاسب 3/177 و 176.
2- (1) المکاسب 3/176.
3- (2) المکاسب 3/177.

و بعبارة اُخری: المدار علی ما به یصیر العقد عقدا، نعم رضا المشتری حین ایجاب البائع و کذا العکس غیر معتبر فی صحد العقد و المعاهدة، لأنّ ما یعتبر فی صدق العقد هو قصدهما لایجاد المادّة، لا رضاهما به، فلا یکون صحة بیع المکره إذا لحقه الرضا علی خلاف القاعدة»(1).

و وافق المحقّق الأصفهانی الشیخ الأعظم فی الجملة و قال: «أمّا عدم الأهلیة لِما یوجب امتناع تحقّق المعاهدة و المعاقدة کموت الموجب أو نومه أو إغمائه أو جنونه حال قبول القابل مثلاً، فإنّ مناط عهد کلٍّ منهما و التزامه و إنْ کان حیاة المتعهِّد و عقله و یقظته و هی مفروضة الحصول هنا، إلاّ أنّ مناط المعاهدة مع الغیر یقتضی کونهما معا کذلک فی حال الإیجاب و فی حال القبول، إذ معیة المتعاقدین لیست معیّة جسم مع جسم و لا معیّة حیوان مع حیوان بل معیّة شاعر ملتفت إلی ما یلتزم للغیر و یلتزم له الغیر، و إلاّ فلا ینقدح القصد الجدی فی نفس العاقل إلی المعاهدة مع من هو کالجدار أو کالحمار و علمه بالتفاته فیما بعد لا

یصحح المعاهدة معه فعلاً... .

و أمّا عدم الأهلیة لعدم الرضا المعتبر ولو لعدم اعتبار رضاه، فمن الواضح أنّه لا دخل له بالتعاهد و التعاقد فإنّهما متقوّمان بالشعور و الالتفات المحقّقین للقصد الجدی إلی المعاهدة مع الغیر... .

و ممّا ذکرنا ظهر أنّ استمرار الأهلیة بین الایجاب و القبول غیر لازم، فإنّ مقوّم المعاهدة مع الغیر التفاتهما و شعورهما حال کون کلّ منهما معاقدا مع الآخر، و قد عرفت أنّ النوم و الإغماء فضلاً عن غیرهما لا یوجب زوال الالتزام، حتّی یعتبر استمرار الأهلیة

ص:275


1- (3) منیة الطالب 1/257.

لبقاء الالتزام»(1).

و تبع المحقّقَ الأردکانیُّ المحقّق الأصفهانیَّ و نقل کلامه إلاّ أنّه قال: «إنّ المناسب ذکر هذا الشرط فی جملة شروط المتعاقدین...»(2).

و قبل السیّد ابوالقاسم الإشکوری ما ذکره الشیخ فی شرحه علی المکاسب و قال: «أنّ التأمل قاضٍ بصحة ما ذکره المصنف»(3).

ولکن ناقش الفقیه الیزدی ما ذکره الشیخ و قال: «لادلیل علی هذه الکلیة و عدم صدق المعاقدة و المعاهدة إنّما یتم فی بعض الفروض کما لو کان المشتری فی حال ایجاب البائع غیر قابل للتخاطب من جهة الإغماء أو النوم أو الجنون، و أمّا بقیة الصور فنمنع عدم الصدق خصوصا فیما إذا نام البائع بعد الایجاب مع علمه بذلک، أنّ المشتری یقبل لا محالة، و کذا فیما إذا کان المانع هو الفلس أو السرقة أو السفه. نعم فی جملة من الفروض یحتاج إلی إمضاء الغیر کالوارث المالک للعین، أو الولی أو نحوهما، و هذا غیر البطلان و یشهد لما ذکرنا من صدق المعاهدة عدم الفرق فی ذلک بین کون العقد لازما أو جائزا، مع أنّه لا بأس بالنوم بین الایجاب و القبول فی العقود الجائزة بلا إشکال، و کذا یشهد له باب الوصیة و الجواب الذی یذکره المصنف کما تری فتدبّر»(4).

و اعترض المحقّق الإیروانی علی الشیخ فی قوله: «فوجه الاعتبار عدم تحقّق معنی المعاقدة» بقوله: «فیه منع، فإنّه لا یعتبر فی تحقّق المعاقدة إلاّ وجود الشرائط المعتبرة فی

کلّ من المتعاقدین حال إنشاء نفسه، نعم لو ارتفع رضا الموجب بالمعاملة حال لحوق القبول

ص:276


1- (1) حاشیة المکاسب 1/(293-291).
2- (2) غُنیة الطالب 2/114.
3- (3) بُغیة الطالب فی شرح المکاسب 1/184.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/446.

من الآخر لم یبعد عدم صدق المعاقدة بخلاف مالومات أو جُنّ أو أغمی علیه، فإنّ کلّ ذلک غیر مانع من تحقّق مفهوم المعاقدة عند قبول الطرف الآخر»(1).

و اعترض المحقّق السیّد الخوئی علی الشیخ و ذهب إلی عکس ما ذهب إلیه الفقیه الیزدی، و قال: «ولکن التحقیق یقتضی الالتزام بالصحة إذا فقد المشتری شرائط صحة الانشاء حال انشاء البائع، و بالفساد فی عکسه. و الوجه فی ذلک: أنّ المناط فی تحقّق العقد إنّما هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری و علیه فإذا أنشا البائع حال کون المشتری نائما أو غافلاً أو مغمی علیه ثم التفت المشتری إلی هذا الانشاء فقبله قبل صدور ناسخه من البائع صدق علیه عنوان العقد جزما و یحکم بصحته للعمومات و المطلقات الدالة علی صحة العقود. بل تدل علی ذلک السیرة الواقعة بین التجار لأنّ المتعارف فیما بینهم _ غالبا _ أن یکتب بعضهم إلی بعض بیع متاعه الخاص بقیمة معینة و یقبله المکتوب إلیه مع أنّه ربّما یکون _ عند کتابة البائع _ نائما أو غافلاً أو مجنونا، و لا شبهة فی صحة هذه المعاملة.

و أمّا إذا لم یبق البائع علی الشرائط حین قبول المشتری حکم بفساد العقد إذ یرتفع التزام البائع بانتفاء شرائط الانشاء عنه و لایتصل التزامه بالتزام المشتری إلاّ فی مثل النوم و الغفله فإنّهما لاینافیان بقاء التزام البائع للسیرة المزبورة»(2).

القول المختار

اشتراط صحة العقد بأن المتعاقدین من أوّل الایجاب إلی آخر القبول لابدّ أن یکونا مُسْتَجْمِعَیْنِ لجمیع شرائط الانشاء _ اضافة إلی أن کلٍّ من الموجب و القابل لابدّ أن یکون فی إجراء إیجابه و قبوله مستجمعا لشرائط الإنشاء _ ممّا لا دلیل علیه، لأنّ صحة المعاقدة و

ص:277


1- (1) حاشیته علی المکاسب 2/107.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/75.

المعاهدة یتم فیما إذا کان کلّ منهما قابلاً لشرائط الانشاء فی حال إجراء صیغته الخاصة به. لأنّ المناط فی تحقّق المعاقدة هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتری، و کذا یشمله العمومات و الاطلاقات الواردة فی صحة البیع و وجوب الوفاء بالعقد و تجارة عن تراضٍ و الناس مسلطون علی أموالهم. مضافا إلی جریان السیرة القطعیة المتداولة بین الناس فی العقود.

و لعل ما ذکرنا هو وجه عدم تعرض الاصحاب قدس سرهم إلی هذا الاشتراط إلی القرن

الثالث عشر حیث عنونه الشیخ الأعظم _ أعلی اللّه مقامه _ و قبل منه السیّد الإشکوری بالجملة، و المحقّقون النائینی و الإصفهانی و الأردکانی فی الجملة.

و ناقشه السیّدان الفقیه الیزدی و المحقّق الخوئی کلّ منهما علی عکس الآخر. و المختار عندنا عدم اعتبار ما ذکره الشیخ بالکلّیة و وافقنا جماعة من الأصحاب نحو المحقّقین الشهیدی فی هدایة الطالب(1) و الإیروانی فی حاشیته علی المکاسب(2) و المروج فی هدی المطالب(3) و شیخنا الاُستاذ فی إرشاد الطالب(4).

نعم: إذا مات الموجب قبل تحقّق القبول أو جُنَّ لا یبعد انفساخ الایجاب، و یمکن أن یقال ببقائه و الإستیذان من ورثته أو ولیّه کما علیه الفقیه الیزدی(5). و اللّه العالم.

ص:278


1- (1) هدایة الطالب 2/230.
2- (2) حاشیة المکاسب 2/107.
3- (3) هدی الطالب 2/615 من طبعة عام 1428ق.
4- (4) إرشاد الطالب 2/131 و 132.
5- (5) حاشیته علی المکاسب 1/446.
فرع: اختلاف المتعاقدین اجتهادا أو تقلیدا فی شروط الصیغة
اشارة

إذا اختلف المتعاقدان _ اجتهادا أو تقلیدا _ فی شروط الصیغة فهل یجوز لکلِّ واحدٍ منهما العمل باجتهاده أو تقلیده مع أنّ الآخر یراه باطلاً؟ أم لا یجوز و لابدّ من إلقاء العقد بحیث یکون صحیحا عند کلِّ منهما؟ أم فیه تفصیل بین أن یکون العقد المرکب منهما هل یقول بصحته أحد من الفقهاء أو لا؟ فی صورة وجود القائل بالصحة یکون العقد صحیحا و فی صورة عدمه فلا.

مقالة الشیخ الأعظم فی المقام

ذهب الشیخ الأعظم(1) قدس سره إلی أنّ أردءَ الوجوه هو التفصیل و لم یذکر وجه الأردئیة.

و الوجه فیها: أنّ عدم وجدان القائل بالصحة لا یوجب الجزم بالبطلان و لا یقتضی الفساد بل یمکن ما لاقائل بصحته یکون موافقا للواقع. و لذا قال الفقیه الیزدی فی وجه الأردئیة: «و ذلک لأنّ مجرد عدم القائل لایکفی بل لابدّ من کونه مخالفا للإجماع و لیس کذلک لأنّ عدم القائل به إنّما من باب الاتفاق لا من جهة بنائهم علی عدم صحته فتدبر»(2).

و تبعه الشّارح الشهیدی فقال: «و مجرد عدم وجود القائل بها لا یستلزم الإجماع

علی العدم»(3).

و قال الإیروانی: «و السر فی ذلک أنّ مثل هذا الاجماع الذی لم یتورد فیه أقوال المجمعین علی عنوان واحد بل کلٌّ أفتی بعنوان غیر العنوان الذی أفتی به صاحبه و بتصادق العناوین صار المصداق فیه موردا للاتفاق ممّا لایعتدّ به عندهم لتخطئة کلٍّ من المفتین

ص:279


1- (6) المکاسب 3/178.
2- (7) حاشیة المکاسب 1/447.
3- (1) هدایة الطالب 2/232.

صاحبه فی الفتوی»(1).

و ذهب الشیخ الأعظم(2) إلی أنّ الأوّلَیْن مبنیان علی أن الأحکام الظاهریة هل هی بمنزلة الأحکام الواقعیة الاضطراریة أم هی أحکام عذریة یکون العامل بها معذورا _ بعد اجتهاده أو تقلیده فیها _ فی عمله قبل کشف الخلاف؟!

فعلی الأوّل فالمؤثر عند أحدهما مؤثرٌ عند الآخر أیضا ولو کان أحدهما مخالفا للثانی، فیحکم بالصحة مطلقا.

و علی الثانی فلایترتب علیه أثر لأنّ المُنْشِیء و إن رأی ترتب الأثر علی إنشائه إلاّ أنّ الآخر یراه مخطئا لاغیا فلا یمکن له أن یترتب علیه الأثر.

هذا إذا کان بطلان العقد مستندا إلی فعل الآخر عند کلٍّ من المتعاقدین بحیث لا یسری من جزءٍ إلی الجزء الآخر و أمّا إذا یسری من جزءٍ إلی الآخر فالقول فیه هو البطلان و الفساد مطلقا و الأخیر نحو اعتبار الموالاة و التنجیز و بقاء المتعاقدین علی صفة صحة الانشاء من أوّل العقد إلی آخره، لأنّ الموجب إذا أنشاء معلَّقا أو من دون بقاء الآخر علی صحة الإنشاء، أو القابل أنشأ من دون الموالاة، فی هذه الموارد لم یجز لکلٍّ منهما الإنشاء فی قبال إنشاء الآخر، هذا کلّه فَحْوی مقالة الشیخ الأعظم(3) فی المقام.

مناقشة مقالة الشیخ الأعظم قدس سره

یمکن أن یلاحظ علی مقالته:

أوّلاً: أنّ الأحکام الظاهریة الاجتهادیة لیست بمنزلة الأحکام الواقعیة الاضطراریة و إلاّ لزم التصویب المجمع علی بطلانه.

ص:280


1- (2) حاشیة المکاسب 1/109.
2- (3) المکاسب 3/178 و 179.
3- (4) المکاسب 3/178 و 179.

و قد ذُکر فی علم الاُصول وجوه الجمع بین الأحکام الواقعیة و الظاهریة قد عددناها

إلی ثمانیة جمع فی محاضراتنا الاُصولیة منها: جمعان للشیخ الأعظم و جمع للمحقّق الخراسانی و جمع للسیّد محمّد الفشارکی _ و جمعه متین عندنا(1) _ و جمع للمحقّق النائینی(2) و آخر للمحقّق العراقی(3) و سابع للمحقّق السیّد الخوئی(4) _ و هو أیضا تام _ و ثامن للسیّد محمّد الداماد(5) _ و هو أیضا تام _ .

و منها: أنّ التنافی فی الأحکام الشرعیة فی الموردین: المبدأ و المنتهی، و أمّا عدم التنافی فی الأحکام الظاهریة و الواقعیة فی المبدأ فلانّ الحکم الواقعی نشأ من المصالح و المفاسد الواقعیة ولکن المصلحة فی الحکم الظاهری إنّما تکون فی نفس جعل الحکم لا فی متعلَّقه فلا یلزم من مخالفتهما اجتماع المصلحة و المفسدة، و أمّا عدم التنافی بینهما فی المنتهی فلانّ الحکم الظاهری موضوعه الشک فی الحکم الواقعی و عدم تنجزه لعدم وصوله فمادام لم یصل الحکم الواقعی لا یحکم العقل بوجوب امتثاله فلا مانع من امتثال الحکم الظاهری، و إذا وصل الحکم الواقعی فلا یبقی مجال لامتثال الحکم الظاهری لکون الحکم الظاهری دائما فی طول الحکم الواقعی، لأنّه مجعولٌ فی ظرف عدم وصول الحکم الواقعی، و هذا هو أحد وجوه الجمع الصحیح بینهما فی المقام.

ثانیا: أنّ الاختلاف فی طریقیة الأمارات أو موضوعیتها یتم بالنسبة إلی من قامت

ص:281


1- (1) راجع کتب تلامیذه نحو المؤسس الحائری فی درر الفوائد 2/351 و جدنا العلاّمة أبی المجد الشیخ محمّد الرضا النجفی الأصفهانی قدس سره فی وقایة الأذهان /487.
2- (2) راجع أجود التقریرات 3/128 و ما بعدها.
3- (3) راجع تعلیقته علی فوائد الاصول 3/102.
4- (4) مصباح الاصول 2/108.
5- (5) المحاضرات 2/90 تقریرات السیّد محمّد الداماد رحمه الله بقلم آیة اللّه السیّد جلال الدین الطاهری الأصفهانی _ مدظله _ .

عنده الأمارة فإنّه علی القول بالطریقیة لا یجزیء العمل بعد کشف الخلاف و علی القول بالموضوعیة یجزی، و أمّا بالنسبة إلی غیر مَنْ قامت عنده الأمارة فالاکتفاء بمفادها یحتاج إلی دلیل لیدلّ علی أنّ الحکم الظاهری فی حقّ کلِّ أحدٍ حکم واقعی فی حقّ غیره، و لا یتم هذه الکبری إلاّ فی موارد نحو: جواز إیتمام المتطهِّر بالوضوء بالمتطهِّر بالتیمم، و حرمة تزویج المعقودة بالفارسی لمن یری فساد العقد الفارسی لما ورد أنّ لکلّ قوم نکاحا، و إذا أسلم الزوجان أو زوج الکتابیة حکم ببقاء النکاح السابق.

و الحاصل: مجرد کون مفاد الأمارة حکما حقیقیا فی حقّ الموجب أو القابل لا یفید

شیئا فی المقام بل لابدّ أن یکون ذلک حکما حقیقیا فی حقّ غیره لأنّه أحد طرفی العقد.

ثالثا: قد مرّ منّا عدم اعتبار العربیة و الماضویة و الترتیب و الموالاة و بقاء المتعاقدین علی صفات صحة الانشاء إلی آخر العقد فی صیغ العقود، نعم الصراحة و التنجیز معتبران فلایتم تفصیل الشیخ الأعظم عندنا.

رابعا: علی قوله قدس سره أیضا لابدّ من الحاق الترتیب بالموالاة و التنجیز لأنّ التقدّم و التأخّر من الاُمور المتضائفة بعدم مراعاته من طرف یخلُّ بطرف آخر أیضا و لذا قال الفقیه الیزدی: «الظاهر أنّ الترتیب کالموالاة»(1). هذا کلّه ما یرد علی الشیخ الأعظم فی المقام.

مقالة المحقّق الأصفهانی وردّها

قال تحت عنوان تحقیق المقام ما ملخصه: «إنّ الملکیة إذا کانت من الاُمور الواقعیة و کانت الأمارة حجة من باب الطریقیة فهی لا توجب إلاّ العذر عند الخطأ، فالتصرف بالعقد الفارسی تصرف فی مال الغیر و هو حرام غایة الأمر أنّه معذور فی هذا التصرف الحرام. و إن کانت حجة من باب الموضوعیة فالتصرف و إن کان فی مال الغیر حقیقة لکنّه جائز

ص:282


1- (1) حاشیة المکاسب 1/449.

حقیقة لکون التصرف بعنوان أنّه تصرف فی مال الغیر بسبب العقد علیه ذو مصلحة غالبة علی مفسدة التصرف فی مال الغیر فلا یکون حراما واقعا... .

و أمّا إذا کانت الملکیة من الاعتبارات [کما هو الصحیح] فأسبابها أیضا جعلیة فربّما یکون ذات العقد العربی _ بما هو _ ذا مصلحة مقتضیة لاعتبار الملکیة من الشارع، و ربما یکون العقد الفارسی _ لا بما هو بل بما هو عقد قامت الحجة علی سببیته شرعا _ ذا مصلحة مقتضیة لاعتبار الملکیة شرعا، فما انتقل إلی المعتقِد بالعقد الفارسی ملک شرعا حقیقة حیث لا واقع للاعتبار إلاّ نفسه فیترتب جمیع آثار الملک علیه...، و إن کانت لا سببیة للعقد الفارسی بالاضافة إلی غیر المعتقِد و علیه فلیس له کشف الخلاف، بل لا یجوز التسبب به بعد تبدیل الرأی، و إلاّ فالاعتبار لا ینقلب عمّا هو علیه.

هذا بخلاف ما عدا الاُمور الوضعیة کالواجبات التکلیفیة علی الموضوعیة فإنّ مجرد کون صلاة الجمعة التی أخبر بوجوبها العادل بلحاظ العنوان الطاریء ذا مصلحة کما یقتضیه ظهور الأمر بها فی البعث الحقیقی المنبعث عن مصلحة فی متعلِّقه و عرضا، لا یقتضی أن تکون المصلحة فیه مصلحة بدلیة عن مصلحة الواقع، فبعد کشف الخلاف یتبیّن بقاء

مصلحة الواقع علی حاله فیجب تحصیلها، و لیس فی باب المعاملات مصلحة لازمة التحصیل کی یجری فیها هذا البیان»(1).

و اعترض علیه تلمیذه السیّد المحقّق الخوئی: «هذا الذی أفاده... و إن کان متینا بناءا علی السببیة إلاّ إنّا ذکرنا فی مبحث الجمع بین الأحکام الظاهریة و الواقعیة من علم الاُصول أنّ الالتزام بالموضوعیة و السببیة حتّی السببیة السلوکیة _ التی اخترعها الشیخ الأعظم فی رسائله _ مستلزم للتصویب، فإذن فلایمکن الالتزام بذلک، فلامناص وقتئذ عن القول

ص:283


1- (1) حاشیة المکاسب 1/295.

بالطریقیة المحض فی جعل الأمارات و لازم ذلک هو عدم جواز اکتفاء أحد المتعاقدین بما یراه الآخر صحیحا فیحکم بالصحة من جانب و بالفساد من جانب آخر»(1).

أقول: حمل کلام المحقّق الأصفهانی رحمه الله فی ذیل الملکیة الاعتباریة علی الموضوعیة و السببیة فی حجیة الأمارات ممکن، ولکن یمکن حمله علی الطریقیة أیضا _ لو لم نقل أنّه یحمل علیها فقط _ و المراد بقوله: «سببیته شرعا»(2) یمکن أن یحمل علی سببیة العقد الفارسی علی الملکیة الاعتباریة لو لا قوله: «ذا مصلحة مقتضیة لاعتبار الملکیة شرعا»(3)، و علی أیّ حالٍ یمکن الأخذ بقوله حتّی بناءً علی القول بالطریقیة فی حجیة الأمارات کما هو المختار.

مقالة الفقیه الیزدی رحمه الله فی المقام و مناقشتها

قال: «ثم لا یخفی أنّ ترتیب الأثر علی ظن المجتهد الآخر إنّما یکون فیما لو فعله موضوعا للحکم بالنسبة إلیه کما فی مثال النکاح و غیره و أمّا إذا کان فعله قائما مقام فعله فلا، کما إذا استأجر الولی الذی یجب علیه القضاء عن المیت من یعتقد بطلان صلاته و إنْ کانت صحیحة عند نفسه، فإنّ فعل الأجیر فعل المستأجر فلایجوز الاکتفاء به.

و ما نحن فیه بمنزلة ذلک، فإنّ العقد متقوم بطرفین، و یجب علی کلٍّ من المتبایعین إیجاد عقد البیع، و هو عبارة عن الإیجاب و القبول، فلا یجوز لواحد منهما الأکل إلاّ بعد ذلک، فمع اعتقاد أحدهما بطلانه _ ولو ببطلان أحد جزئیه _ لا یجوز له ترتیب الأثر، و إنّما یتم ما ذکره المصنف لو کان المؤثر فی حقّ البائع فی جواز الأکل الإیجاب الصحیح، و بالنسبة إلی المشتری القبول الصحیح و لیس کذلک، إذ المؤثر المجموع و هو فعل کلّ واحد منهما...، و

بالجملة: البیع فعل واحد تشریکی، و لابدّ من کونه صحیحا فی مذهب کلٍّ منهما لیمکن

ص:284


1- (2) مصباح الفقاهة 3/83.
2- (3) حاشیة المکاسب 1/296.
3- (4) حاشیة المکاسب 1/296.

ترتیب الأثر علیه، و هذا بخلاف مسألة النکاح فإنّ الفعل للأوّل و الثانی مرتب علیه أثره»(1).

و کذا أفتی فی عروته بما ذکره هنا و قال: «إذا کان البائع مقلِدا لِمَنْ یقول بصحة المعاطاة مثلاً أو العقد الفارسی و المشتری مقلِدا لِمَنْ یقول بالبطلان لا یصح البیع بالنسبة إلی البائع أیضا، لأنّه متقوم بطرفین فاللازم أن یکون صحیحا من الطرفین، و کذا فی کلِّ عقد کان مذهب أحد الطرفین بطلانه و مذهب الآخر صحته»(2).

یمکن أن یلاحظ علیه: أوّلاً: لا یکون البیع فعلاً واحدا تشریکیا بل هو فعلان مرتبط أحدهما بالآخر و لذا قال المحقّق الخمینی قدس سره : «أنّ العقد المرکب من الإیجاب و القبول لا یعقل أن یکون فعل کلّ واحد من المتعاقدین فکیف یکون الموجب موجبا و قابلاً، و القابل کذلک، و لاشک فی أن الإیجاب فعل الموجب و هو موضوع الأثر بالنسبة إلی القابل فإذا ضم إلیه القبول صار عقدا تاما و قوله: «البیع فعل [واحد] تشریکی» الخ، مصادرة محضة»(3).

ثانیا: إنّ العقد متقدم بالطرفین لا یقتضی أن یکون القابل ینشیء قبوله و مقصوده علی نحو ینشأ الموجب إیجابه و مقصوده به.

و ثالثا: علی فرض قبول أنّ البیع فعل واحد و هو لا یقتضی إمّا الصحة أو الفساد، لایتم إلاّ بحسب الحکم الواقعی، و أمّا بالنسبة إلی الحکم الظاهری فلا مانع من الالتزام بالتفکیک بأن یعمل کلّ من الموجب و القابل بما تقتضیه وظیفته الظاهریة.

ص:285


1- (1) حاشیة المکاسب 1/448.
2- (2) العروة الوثقی _ الاجتهاد و التقلید، المسألة 55.
3- (3) کتاب البیع 1/244.

الأوّلان من الملاحظات للمحقّق النائینی(1) و الثالث للسیّد الخوئی(2) رحمهماالله و لذا کتبنا فی تعلیقنا علی العروة الوثقی فی ذیل المسألة المذکورة: «بل یصح»، و فی آخرها: «نعم، فی أمثال الفروج لزم مراعاة الاحتیاط». فلا یتم ما ذکره الفقیه الیزدی قدس سره .

ص:286


1- (4) منیة الطالب 1/260.
2- (5) مصباح الفقاهة 3/84.

وصلٌ: أحکام المقبوض بالعقد الفاسد

اشارة

ص: 287

ص: 288

أحکام المقبوض بالعقد الفاسد

اشارة

قد مرّ بعض کلمات القوم فی المقام فی التنبیه الثامن من تنبیهات المعاطاة والان تضاف إلیها أحکامه:

الأوّل: لا یملک المشتری المقبوض بالعقد الفاسد

إذا کان العقد باطلاً لا یتحقّق آثاره المقصودة کالملکیة مثلاً فی البیع فمقتضی بطلان البیع بقاء کلٍّ من المالین علی ملک صاحبه الأوّل و لا حاجة إلی التمسلک بأصالة عدم الانتقال لعدم الشک فی المقام حتّی یجری فیه الأصل.

و بعبارة اُخری: المؤثر فی حصول الملکیة إنّما هو العقد فإذا حکم بفساده لم یؤثر فی الملکیة و صار کالمعدوم لا یؤثر فی شیءٍ.

صرح بعدم الملکیة فی فرض فساد العقد الشیخ فی کتابیه(1)، و المحقّق فی موضعین من الشرائع(2)، و العلاّمة فی القواعد(3) و التذکرة(4) و نهج الحقّ(5)، و ابن فهد فی المهذب

ص:289


1- (1) المبسوط 2/149، 3/64 - الخلاف 3/158، 3/403.
2- (2) الشرائع 2/7، 3/194.
3- (3) القواعد 2/17، 2/238.
4- (4) تذکرة الفقهاء 10/290.
5- (5) نهج الحقّ و کشف الصدق /485.

البارع(1)، و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(2)، و الشهید الثانی فی المسالک(3)، و المحقّق السبزواری فی الکفایة(4)، و الشیخ جعفر فی شرح القواعد(5)، و تلمیذاه صاحبا المفتاح(6)

و الجواهر(7).

قال فی الأخیر: «بلا خلاف، بل الاجماع بقسمیه علیه، للأصل بعد فرض بطلان السبب الذی أرید الانتقال به، و فرض عدم إرادة غیره من أسباب الملک، حتّی المعاطاة بناءً علی أنّها منه...»

ص: 290


1- (6) المهذب البارع 2/361.
2- (7) جامع المقاصد 4/61.
3- (8) المسالک 12/222.
4- (9) الکفایة 2/653.
5- (10) شرح القواعد 2/32.
6- (11) مفتاح الکرامة 12/537.
7- (1) الجواهر 22/256.

الثانی: ضمان القابض

استدل علیه بوجوه:
الأوّل _ الاجماع: بمعنی کون تلفه علیه

ادعی الشیخ فی باب الرهن من المبسوط(1) و فی موضعین من البیع فی المبسوط(2) و الخلاف(3) الاجماع علیه صریحا و تبعه ابن ادریس فی السرائر(4) و ابن فهد الحلّی فی المهذب البارع(5) و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(6) و الشهید الثانی فی غصب المسالک(7) و السبزواری فی الکفایة(8) و الشیخ جعفر فی شرح القواعد قال: «للإجماع المحصَّل فضلاً عن المنقول المعتضد بالشهرة المستفیضة تحصیلاً و نقلاً»(9) و السیّد العاملی فی المفتاح قال: «هذان الحکمان (عدم الملکیة و الضمان) ممّا قد طفحت به عباراتهم»(10) و قال صاحب الجواهر: «بلاخلاف أجده فیه بل الإجماع بقسمیه علیه»(11).

الثانی _ علی الید ما أخذت حتّی تؤدی

ص:291


1- (1) المبسوط 2/204.
2- (2) المبسوط 2/150.
3- (3) الخلاف 3/158، مسألة 251.
4- (4) السرائر 2/285: و فیه: «عند المحصلین».
5- (5) المهذب البارع 2/361.
6- (6) جامع المقاصد 4/61.
7- (7) مسالک الأفهام 12/174.
8- (8) الکفایة 2/653.
9- (9) شرح القواعد 2/33.
10- (10) مفتاح الکرامة 12/537.
11- (11) الجواهر 22/257.

و یدلّ علیه بعد الإجماع النبوی المشهور: علی الید ما أخذت حتّی تؤدی.(1)

لایستشکل علی سند الروایة بأنّ راویها هو قتادةُ عن الحسن البصری(2) عن سمرة بن جندب(3) المعلوم حالهما، و لم یسمع حسب رأی البخاری و مسلم _ الحسن عن سمرة

إلاّ حدیث العقیقة(4) و ابن حزم أیضا ضعّف الحدیث بدعوی انقطاعه لأنَّ قتادةَ لم یدرک الحسن(5).

لأنّ شهرتها و العمل بمضمونها یکفی فی اعتبارها، و قد قال العلاّمة البلاغی: «... قد شاعت روایته بین الفریقین و کثرت روایته و الاعتماد علیه بین الأصحاب، بل لم یخل من الاعتماد علیه فی الاستدلال فیما رأیناه کتاب یتعرض لمدارک الأحکام و وصفه فی جامع الشتات(6) بالمشهور المقبول بل ذکر فی المضاربة(7) و وصفه بالروایة المجمع علیها. و کاشف الغطاء فی شرح القواعد(8) بالمستفیض المجمع علی مضمونه، و فی الریاض(9) بالمشهور

ص:292


1- (12) عوالی اللآلی 1/224، ح106، 1/389، ح22؛ سنن البیهقی 6/95 و 90؛ کنزالعمال 5/327، الرقم 5713؛ سنن ابن ماجه 2/802، ح2400؛ و سنن الترمذی 3/566، ح1266؛ و سنن ابن داود 3/296، ح3561؛ سنن النسائی 3/411؛ و مسند احمد بن حنبل 5/8 و 12 و 13؛ المستدرک علی الصحیحین 2/47.
2- (13) لبعض ما طُعِنَ علیه به عندهم راجع میزان الاعتدال 1/527 و عندنا راجع رجال الکشی /97، ح154 و الاحتجاج 1/171.
3- (14) لبعض ما طُعِنَ علیه راجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 4/73 و 77 و 78؛ و تاریخ الطبری 4/176؛ و قاعدة لا ضرر لشیخ الشریعة الإصفهانی /35 و 36.
4- (1) راجع نصب الرأیة 5/398 للزیعلی.
5- (2) المحلّی 9/172.
6- (3) جامع الشتات 3/405 و فیه: «حدیث مشهور علی الید که أصحاب به آن عمل کرده اند».
7- (4) جامع الشتات 3/340 من طبعة الحروفی الاولی.
8- (5) شرح القواعد 2/33.
9- (6) ریاض المسائل 8/254 و فیه: الخبر المشهور.

المقبول، و فی غصب مفتاح الکرامة(1) بالمشهور المعمول به فی أبواب الفقه، و فی ودیعة المقابس(2) بالقویة المعروفة المجمع علیها. و فی العناوین(3) بالمنجبر بالشهرة المتلّقی بالقبول عند العامة و الخاصة بحیث یغنی عن ملاحظة سنده و صحته بل هو ملحق بالقطعیات فی الصدور، و فی الجواهر(4) أنّه مجبور بالعمل»(5).

أقول: الظاهر استناد الأصحاب قدیما و حدیثا هو علی هذا الحدیث بحیث یظهر للمتأمل الوثوق بصدوره و الآن أذکر لک _ مضافا إلی ما مرّ من العلاّمة البلاغی _ بعض هذه الاستنادات:

منهم: الشریف المرتضی فی بحث ضمان الصنّاع من الانتصار(6) احتجاجا علیهم.

و منهم: شیخ الطائفة فی أوّل غصب المبسوط(7).

و منهم: الشیخ فی أوّل ودیعة المبسوط(8).

و منهم: الشیخ فی رهن الخلاف(9) و فی غصبه مرّتان(10) و ودیعته(11).

ص:293


1- (7) مفتاح الکرامة 6/228 من الطبعة الاولی.
2- (8) المقابس /253.
3- (9) العناوین 2/416.
4- (10) الجواهر 37/35 و استدل به أیضا فی 27/116 و 31/358.
5- (11) العقود المفصّلة /2، المطبوعة مع تعلیقته علی المکاسب علی الحجر، و ص23 من المطبوعة فی ضمن المجلد السابع من موسوعة العلاّمة البلاغی.
6- (12) الانتصار /468.
7- (1) المبسوط 3/59.
8- (2) المبسوط 4/132.
9- (3) الخلاف 3/228، مسألة 17.
10- (4) الخلاف 3/408 و 409، مسألة 20 و 22.
11- (5) الخلاف 4/174، مسألة 5.

و منهم: السیّد ابن زهرة فی غصب الغنیة و إجارتها(1) احتجاجا علیهم.

و منهم: ابن ادریس الذی لا یری الأخبار الآحاد موجبا للعلم و العمل و قال: «و قد بیّنا أنّ أخبار الآحاد عند أصحابنا لا توجب علما و لا عملاً، و الواجب علی المفتی الرجوع فی صحة الفتوی إلی الأدلة القاطعة»(2). و قال أیضا: «الواجب الأخذ بالأدلة القاطعة للأعذار، و ترک أخبار الآحاد التی لا توجب علما و لا عملاً فإنّه أسلم للدیانة، لأنّ اللّه تعالی ما کلّفنا إلاّ الأخذ بالأدلة و ترک ماعداها»(3).

تمسک بهذه الروایة فی عدّة مواضیع من کتابه نحو: رهن السرائر مرتین(4) و فی غصبه کذلک(5) و إجارته(6) و وکالته(7).

و منهم: الشیخ علی بن محمّد بن محمّد القمی السبزواری فی غصب جامع الخلاف و الوفاق و رهنه و إجارته.(8)

و منهم: العلاّمة تمسک بها فی عدّة من کتبه نحو: متاجر المختلف(9) و رهنه(10) و عاریته مرّتین(11) و لقطته(12) و ودیعته(13) و إجارته(14).

ص:294


1- (6) غنیة النزوع 280 و 289.
2- (7) السرائر 2/322.
3- (8) السرائر 2/422.
4- (9) السرائر 2/425 و 437.
5- (10) السرائر 2/481 و 484.
6- (11) السرائر 2/463.
7- (12) السرائر 2/87.
8- (13) جامع الخلاف و الوفاق 343 و 299 و 354.
9- (14) مختلف الشیعة 5/321.
10- (15) مختلف الشیعة 5/417.
11- (16) مختلف الشیعة 6/72 و 77.
12- (17) مختلف الشیعة 6/87.
13- (18) مختلف الشیعة 6/63.
14- (19) مختلف الشیعة 6/158.

و قال فی غصب التذکرة: «کلّ من غصب شیئا وجب علیه ردُّه علی المالک سواء طالب المالک بردّه أو لا، مادامت العین باقیة بلاخلاف، لقول النبی صلی الله علیه و آله علی الید ما أخذت حتّی تؤدیه»(1).

و قال فی ضمانها: «و کلّ من یثبت یده علی مال الغیر و لا حقّ له فی إمساکه و کان المال باقیا وجب علیه ردّه علی مالکه بلاخلاف، لقول النبی صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی، و لأنّ حقّ المالک متعلَّق بمالیته، و مالیته لا تتحقّق إلاّ بردّه إلیه»(2).

و ذکرها العلاّمة فی کتاب الرهن(3) مرّتین، و کذلک فی کتاب الودیعة(4)، و فی کتاب العاریة(5) ثلاث مرّات.

و هکذا ذکرها ولده فخرالمحقّقین مکررا فی کتابه ایضاح الفوائد(6).

و هکذا الفاضل المقداد فی التنقیح(7) مکررا.

و منهم: الشهید قال فی غصب الدروس: «یجب ردّ المغصوب إلی مالکه إجماعا و لقوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدیه...»(8)

ص:295


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
2- (2) تذکرة الفقهاء 2/374 من الطبع الحجری.
3- (3) تذکرة الفقهاء 13/194 و 258.
4- (4) تذکرة الفقهاء 16/161 و 218.
5- (5) تذکرة الفقهاء 16/271 و 273 و 296.
6- (6) ایضاح الفوائد 2/116 و 124 و 158 و 160 و 167 و 308 و 324 و 327 و 329.
7- (7) التنقیح الرائع 2/245 و 249 و 259 - 4/112 و 124.
8- (8) الدروس 3/109.

و ذکرها أیضا ابن فهد الحلّی فی المهذب البارع(1) مکررا و المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(2) و الشهید الثانی فی المسالک(3)، و المحقّق الأردبیلی مع حکمه بعدم صحة الروایة کما یأتی ذکرها مکررا فی کتابه(4).

و بما ذکرنا یظهر الوثوق بصدورها من رسول اللّه صلی الله علیه و آله فلا یُصْغی إلی ما ذکره المحقّق الأردبیلی(5) فی بحث المأخوذ بالبیع الفاسد بعد الاعتراف بأنّ الخبر مشهور حکم بأنّ صحته غیر ظاهرةٍ و تمسک بأصل البراءة من الضمان فی مقابله.

و تبعه المحقّقان االسیّدان الخوئی(6) و الخمینی(7)، لأنّ الأوّل منهما لا یری جبر ضعف السند بعمل المشهور، و کلاهما لایران استناد المشهور إلی الروایة.

و تبعهم شیخنا الاستاذ(8) قدس سره .

و قد ذهبنا فی أبحاثنا الاُصولیة تبعا للمشهور إلی جبران ضعف السند بعمل المشهور و ظهر ممّا ذکرنا استناد المشهور من المتقدمین و المتأخرین إلیها، فالروایة عندنا تکون مُوْثوقة بصدورها هذا کلّه فی أمر سندها.

و أمّا دلالتها: فالّذی یظهر من جماعة ظهورها فی الحکم التکلیفی فقط _ أی وجوب

ص:296


1- (9) المهذب البارع 2/560 _ 3/7 و 9 و 39 _ 4/311.
2- (10) جامع المقاصد 4/109 و 177 - 5/29 و 31 و 98 و 307 و 341.
3- (11) المسالک 3/142 و 154 و 343 و 440 - 4/38 و 39 و 56 و 58 و 207 و 337 و 359 و 383 و 385 و 398 - 5/47 و 78 و 93 و 116 - 6/63.
4- (12) مجمع الفائدة 9/169 و 228 و 602 - 10/276 و 441 و 451 و 499.
5- (1) مجمع الفائدة و البرهان 8/192.
6- (2) مصباح الفقاهة 3/88 و 89.
7- (3) کتاب البیع 1/(250-247).
8- (4) إرشاد الطالب 2/139.

الردّ _ دون الحکم الوضعی _ أی الضمان _ کما صرح به ابن حزم فی المحلّی(1) و الشاهد علی ذلک أنّ الشیخ فی کتاب الغصب من المبسوط(2) لم یتمسک بها لأجل ثبوت الضمان فی فرض تلف المغصوب، و کذا العلاّمة(3) تمسک بها فی وجوب ردّ المغصوب إلی مالکه و الفاضل النراقی(4) صرّح بأنّها تدل علی وجوب حفظ المال عن التلف و ردِّه إلی مالکه و لا تدل علی الضمان بوجه و تبعه المحقّق الإیروانی(5).

لأنّ کلمة «علی» ظاهرة فی الحکم التکلیفی، و أجابه الشیخ الأعظم بأنّ «هذا الظهور إنّما هو إذا اُسند الظرف إلی فعل من أفعال المکلّفین لا إلی مالٍ من الأموال»(6).

أقول: لا یخفی أنّ المراد بالید هو الاستیلاء علی المال کما هو المراد بها فی قاعدة الید.

ثم إنّ کلمتی «علی الید» فی الحدیث خبر مقدم و جار و مجرور متعلَّق بثابت أو لازم بقرینة الحکم و الموضوع، و «ما أخذت» مبتدأ مؤخَّر و ما موصولة و «حتّی تؤدی» غایة للحکم. فصار معناها: ما أخذته الید ثابت علیها حتّی تؤدیه. و بعد الأداء یرفع الحکم، و من الواضح مع وجود العین أنّ الثابت _ أی الواجب شرعا _ هو ردّ نفس العین و مع تلفه تصل النوبة إلی بدله المثلی أو القیمی.فالروایة تدل علی الحکم الوضعی _ أی الضمان عند تلف العین _ و الحکم التکلیفی _ أی وجوب ردّ العین _ و إذا کان یجب علیه الردّ یجب علیه حفظه عقلاً حتّی یتمکن من الردّ. هذا ما یخطر بالبال عند التأمل فی الروایة. و وافقنا علی ذلک

ص:297


1- (5) المحّلی 9//172.
2- (6) المبسوط 3/59 و 60.
3- (7) تذکرة الفقهاء 2/374 من الطبع الحجری.
4- (8) عوائد الأیام /109 و 110، العائدة 33.
5- (9) حاشیة المکاسب 2/111.
6- (10) المکاسب 3/181.

المحقّق الشهیدی(1) رحمه الله .

ثم قال الشیخ الأعظم: «و من هنا کان المتّجه صحة الاستدلال به علی ضمان الصغیر بل المجنون إذا لم یکن یدهما ضعیفة لعدم التمییز و الشعور»(2).

و استشکل علیه(3) بأنّ هذا یتم بناءً علی تأصل الأحکام الوضعیة، و أمّا بناءً علی انتزاعها من الأحکام التکلیفیة کما هو مذهب الشیخ الأعظم فلا یمکن شمول الروایة للصغیر و المجنون لانتفاء التکلیف فی حقِّهما لیصحّ انتزاع الوضع منه.

و أجاب السیّد الحکیم عن هذا الاشکال بقوله: «امکان انتزاع ذلک الحکم الوضعی من الحکم التکلیفی المتوجه إلی الولی، أمّا لو حملنا الروایة علی الحکم التکلیفی فلا وجه لصرفها إلی الولی لأنّ تخصیصها بأدلة رفع القلم أولی من ذلک فیتعیّن ارتکابه [أی تخصیصها]...»(4).

الثالث: الروایات الواردة فی الأمَةِ المسروقة
اشارة

و قد استدل الشیخ الأعظم بالروایات الواردة فی الأَمَةِ المسروقة لأجل ثبوت الضمان:

و منها: موثقة جمیل بن درّاج عن أبی عبداللّه علیه السلام فی الرجل یشتری الجاریة من السوق فیولدها ثم یجیء مستحق الجاریة، قال: یأخذ الجاریة المستحقُّ و یدفع إلیه المبتاع قیمة الولد و یرجع علی من باعه بثمن الجاریة و قیمة الولد التی أخذت منه(5).

ص:298


1- (1) هدایة الطالب 2/239.
2- (2) المکاسب 3/181.
3- (3) الاشکال للسیّد الیزدی فی حاشیة المکاسب 1/453.
4- (4) نهج الفقاهة /194.
5- (5) وسائل الشیعة 21/205، ح5، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.

بتقریب ذکره بقوله: «فإن ضمان الولد بالقیمة _ مع کونه نماءً لم یستوفه المشتری _ یستلزم ضمان الأصل بطریق أولی، و لیس استیلادها من قبیل إتلاف النماء بل من قبیل إحداث نمائها غیر قابلٍ للملک فهو کالتالف لا المتلف فافهم»(1).

و بعبارة اُوضح: الولد یکون منفعةً و نماءً للجاریة ولکن المشتری لم یستوف هذه المنفعة لأنّ الولد تابع لوالده فی الحریة، و الحرّ لا یُقوَّم بالمال. و من هنا ظهر الفرق بین الاستیلاد و منافعها الاُخری. فإذا کانت الید علی المنافع توجب الضمان فبطریق أولی تکون الید علی العین ضامنة.

ان قلت: المشتری باستیلاد الجاریة أتلف منفعتها علی مالکها لتربیة نطفة الرق و لذا یصدق الإتلاف.

قلت: الإتلاف هو إعدام الموجود، و هو هنا مفقود بل المشتری أحدث فیها نماءً غیر قابل للملک، لحکم الشارع بحرّیة الولد فهو کالتالف بالتلف السماوی لا کالمتلَف حتّی یکون موردا لقاعدة الإتلاف.

و لعلّ أمره بالتفهم فی آخر کلامه إشارة إلی إمکان صدق الإتلاف علی الاستیلاد، أو إلی أنّها استیفاء لنماء الجاریة. و علی الأوّل یکون الضمان بقاعدة الإتلاف و علی الثانی یکون الضمان بقاعدة الاستیفاء للمنافع لا الید.

و لعلّه إشارة إلی: أنّ الوطی إذا کان مانعا عن صدق الإتلاف علی حدوث الولد غیر قابل للملک فلا محالة یکون مانعا أیضا عن صدق الضمان بالید، ضرورة أنّ التلف تحت الید إنّما یوجب الضمان بالید إذا کان التالف ملکا للمضمون له. و من المعلوم أنّ الولد لم یکن ملکا لصاحب الجاریة فلا تدل الروایة علی ضمان الید، بل یمکن أن یکون ضمان الولد بسبب

ص:299


1- (1) المکاسب 3/181.

تعبدی غیر الأسباب المعروفة کما قاله المحقّق المروج(1).

بیان المحقّق النائینی

قرّر المحقّق النائینی قدس سره ما یدعیه الشیخ الأعظم من ضمان قاعدة الید فی المقام _ مع اختلاف له یظهر لک _ بما ملخصه: لیس استیلاد الأمة داخلاً تحت موارد ضمان المنافع مستقلاً لأنّ المستولد «لم یستوف منفعة الأمة _ فإن استیفاء المنافع إنّما هو من قبیل الرکوب

و الجلوس و الأکل و الشرب و الوطی و نحو ذلک _ .

وعدّ العرف حصول الولد له منفعة من الأمة لا اعتبار به، لأنّ نظر العرف لیس متّبعا فی تعیین المصادیق.

نعم اُوجد ما هو السبب لفوت المنفعة علی المالک، لأنّ وطأه الذی استلزم الحمل صار سببا لفوت المنفعة علیه، ولکن ضمان مَنْ منع المالک من التصرف حتّی تلف المنفعة ممنوع، إلاّ إذا قیل بأنّ قاعدة «لاضرر» کما تنفی الحکم الثابت الذی یلزم منه الضرر کذلک تثبت الحکم الذی لو لا تشریعه لزم منه الضرر.

و بالجملة: الذی استوفاه المشتری إنّما هو الوط ء، و المفروض أنّ القیمة لم تجعل عوضا له بل للولد، و الولد لیس من المنافع المتلفة، و لا ممّا کان المشتری سببا لإتلافها، لأنّ الولد لم یکن لمالک الأمة حتّی یکون مشتری الأمة سببا لإتلافه، فلیس استیلاد الأمة إلاّ من قبیل منع المالک من السکون فی داره، فضمان الولد الذی یرجع إلی ضمان قیمته لکونه حرّا إنّما هو من جهة تبعیّة المنافع التالفة للعین المضمونة، فیدلّ الخبر علی ضمان العین لا للاولویة، بل لأنّ ضمان العین صار سببا لضمان التالف.

و بالجملة: منشأ الضمان إمّا قاعدة الید أو الإتلاف أو التسبیب، و الأخیران منتفیان

ص:300


1- (2) هدی الطالب 3/53 من الطبعة الحدیثة.

فی المقام. أمّا الإتلاف فلأنّ الأب لم یستوف المنفعة، فإنّ الولد لا یعدّ من المنافع، فإنّ حکمه حکم الأب و الأمّ، فکما أنّه لا یکون من المنافع... فمراد المصنف قدس سره من أنّ الاستیلاد لیس استیفاءً أنّه لیس ممّا استعمله و أتلفه المستولد.

و الأصل فی هذا التعبیر للعلاّمة قدس سره فإنّه قال فی التذکرة: «منفعة بدن الحرّ تضمن بالتفویت، لا بالفوات، فلو قهر حرّا و استعمله فی شغلٍ ضمن اُجرته، لأنّه استوفی منافعه و هی متقومة، کما لو استوفی منافع العبد، ولو حبسه مدّة لمثلها اُجرة و عطّل منافعه فالأقوی أنّه لایضمن الاُجرة، لأنّ منافعه تابعة لما لا یصحّ غصبه... إلی آخره»(1).

«... و أمّا باب التسبیب فواضح أنّ وط ء المشتری لیس سببا لتلف المنفعة الموجودة المملوکة لمالک الأمة فلایدخل تحت قاعدة الضمان بالتسبیب، فانحصر أن یکون منشأه ضمان الید»(2)

و فیه: أوّلاً: ذهب النائینی إلی عدم کون الولد نماءً للأمة _ مع إقرار الشیخ الأعظم

به _ لأنّ نظر العرف لیس متبعا فی تعیین المصادیق، و لا یتم ما ذکره صغریً و کبریً لصدق المنفعة علی الولد حقیقةً و عرفا، و حیث لم یکن للشارع فی خطاباته مع العرف طریقة خاصة بل یتبع هو طریقة العقلاء فلا محالة من أن یصیر تشخیص العرف فی المفاهیم و مصادیقها معتبرا(3) و یدل علی کونها منفعة بل منفعة مستوفاة خبر زرارة عن أبی جعفر علیه السلام :... یردّ إلیه جاریته و یعوّضه بما انتفع، قال: کان معناه قیمة الولد.(4) الظاهر أنّ التفسیر من زرارة.

ص:301


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/382 من الطبع الحجری.
2- (2) منیة الطالب 1/263 و 264.
3- (1) قد تنبّه لنفی الکبری المحقّق الخمینی فی البیع 1/258.
4- (2) وسائل الشیعة 21/204، ح2، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.

و ثانیا: یردّ علیه و علی الشیخ الأعظم حیث أنکر أنّ الاستیلاد هو استیفاء المنفعة خبر زرارة حیث عدّ فیه الولد بأنّه منفعة مستوفاة کما یظهر من قوله علیه السلام : «بما انتفع»، و لم یذکر فیه استیفاء منفعة اُخری من منافع الجاریة.

و ثالثا: أنکر علی الشیخ الأعظم الأولویة و قال: «فضمان الولد الذی یرجع إلی ضمان قیمته لکونه حرّا، إنّما هو من جهة تبعیة المنافع التالفة للعین المضمونة فیدلّ الخبر علی ضمان العین لا للألویة، بل لأنّ ضمان العین صار سببا لضمان التالف». فکأنّه قبل ما أنکره من کون الولد منفعة، و کذا لایتم من إنکاره للأولویة، لأنّ تأمّل بعضهم فی ضمان المنافع المستوفاة فی صدق الأخذ علیها و انحصار حدیث الید بما یقبل الردّ إلی مالکه _ و هو العین _ . و علیه فإذا حکم الشارع بضمان قیمة الولد الذی هو من قبیل منفعة الجاریة کان ضمان نفسها ثابتا بالأولویة، مع اعترافه قدس سره بتسبّب ضمان المنفعة عن ضمان العین.

و رابعا: قال قدس سره : «فلیس استیلاد الأمة إلاّ من قبیل منع المالک من السکون فی داره» حیث شابه الاستیلاد بمنع المالک عن استیفاء منفعة ملکه، و الوجه فی عدم تمامیته أنّ الوطی لیس سببا للحمل بل إنّما هو معدّله فتشبیهه بمنع المالک الذی یکون سببا لعدم استیفائه منافع ملکه غیر تام. کما یمکن القول بوجود الضمان فی المشبه به، علی ما قد یقال، خلافا للعلاّمة فی التذکرة کما مرّ و فی التحریر قال: «ولو حبس صانعا مدّة عن عمله فکذلک لا یضمن اُجرته، و لایضمن الحرّ لو غصبه و إن کان صغیرا»(1).

مقالة المحقّق الأصفهانی و مناقشتها

قال الأصفهانی: یمکن أن یقال: إنّ النطفة و إن کانت من الرجل إلاّ أنّها لما کانت

مُکَمَّلَةً بدم الاُمّ و کانت تکوّنها حیوانا بالقوی المودعة فی الرحم، فکأنّ صیرورتها حیوانا

ص:302


1- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 4/520.

من قبل الاُمّ فقد أتلفها الرجل علی الأب(1)، خصوصا إذا قیل بتکوِّنه من نطفة المرأة و کان اللقاح من الرجل، أو قلنا بأنّ الولد ینعقد رقّا و إنّما یصیر حرّا بالولادة فإنّه إتلاف حقیقة»(2).

و فیه: أوّلاً: الولد یتکوّن من نطفتی الرجل و المرأة معا لا من الرجل فقط و لا من المرأة فقط، و الرحم یکون محل نشوئه عرفا و حقیقة، نعم، قد یقال بإمکان تکثیر السلول الواحد من الانسان و الحیوان و هو عملیة الاستنساخ البشری أو الحیوانی ولکن هذه العملیه غیر الاستیلاد.

و ثانیا: صیرورة نطفة الرجل حیوانا بما ذکر لا توجب أن یکون الولد لصاحب الجاریة حتّی یصیر التحریر إتلافا لِمالِهِ، بل لازمه _ لو سلم _ أن یکون صاحب الولد ضامنا للدم التالف و قیمة القوی المودعة، لا لقیمة الولد و لا سیّما إذا قلنا بضمان یوم الأداء.

و ثالثا: علی فرض کون النطفة من المرأة فإن الولد الحاصل من نطفتها یصیر ولدا للأب و یخرج عن الملک فلو کان ذلک موجبا للضمان فلابدّ من تقویمه حال کونه فی جوف اُمّه و حال الولادة _ أی حال الخروج عن ملک صاحبه _ لا التقویم فی زمن الأداء.

و رابعا: الخروج بالحکم الشرعی یکون من قبیل التلف السماوی لا الإتلاف و لا الإتلاف بالتسبیب، فإنّ السبب للحکم الشرعی _ و هو الولادة _ لیس فعله، بل نتیجة فعله یکون موضوعا للحکم.(3)

ص:303


1- (1) کذا فی المطبوعتین من الکتاب، ولکن الصحیح «المالک» کما نبه علیه المحقّق الخمینی فی البیع 1/257.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/304.
3- (3) الثلاثة الأخیرة کانت للسیّد الخمینی رحمه الله فی بیعه 1/257.
مقالة المحقّق الإیروانی و نقدها

قال الإیروانی: «یمکن أن یقال: إنّ المشتری استوفی منفعة الرحم باشتغاله بمائه أو لاأقل من أنّه أتلف منفعته علی المالک بذلک، فإنّه(1) کان مستعدا لإنماء نطفة الرّق فسلب عنه ذلک بإشغاله بنطفته، و بهذا یصدق الإتلاف و لا یتوقّف صدقه علی فعلیّة النماء، فمن سقی أشجار الغیر المستعدة للأثمار مائا مالحا منعه عن الإثمار یصدق أنّه أتلف ثمرها...»(2).

و فیه: أوّلاً: الولد لا یعدّ منفعة الرحم و لیست نسبة الرحم إلی الولد کنسبة الثمرة إلی الشجرة بل هو محل نشوئه و ارتقائه عرفا و حقیقة، نعم یصدق أنّه منفعة الجاریة کما مرّ.

و ثانیا: ثم علی فرض صحة استیفاء منفعة الرحم لا یوجب أن یکون المضمون قیمة الولد، بل المضمون حینئذ الدم التالف و قیمة القوی المودعة و هو کما تری.

و ثالثا: علی فرض تمامیة ما ذکره و ضمان الولد لابدّ أنْ تکون قیمة یوم الولادة هی المتعیّنة لا قیمة الولد یوم الأداء و بینهما بون.

مقالة المحقّق الخمینی

ذکر قدس سره خبر زرارة قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : رجل اشتری جاریة من سوق المسلمین فخرج بها إلی أرضه فولدت منه اُولادا، ثم إنّ أباها یزعم أنّها له و أقام علی ذلک البینة، قال: یقبض ولده و یدفع إلیه الجاریة و یعوّضه فی قیمة ما أصاب من لبنها و خدمتها.(3)

ثم قال قدس سره : «و فی قوله علیه السلام : «و یعوضه» الخ احتمالان: أحدها: أنّ ما أصاب من لبنها و خدمتها أیّ المنافع المستوفاة منها جعل عوضا من قیمة الولد، فقدّر القیمة بما أصاب منها

ص:304


1- (4) أیّ الرحم.
2- (5) حاشیة المکاسب 2/112.
3- (1) وسائل الشیعة 21/204، ح4.

تعبدا، و الثانی: ولو بملاحظة سائر الروایات أنّ قیمة الولد تقدیر لما أصاب من اللبن و الخدمة، فقیمته علی هذا لیست لأجل استیفاء المنفعة التی هی الولد و لا بازاء تفویت منافع الجاریة و لا لأجل ضمان الید علی الجاریة و یتبعه ضمان المنافع بل لأجل استیفاء سائر المنافع أی اللبن و الخدمة، لکن لمّا کان قدرهما ربما یکون مجهولاً أو مَعْرَضا للنزاع قدّره الشارع علی قیمة الولد، تأمل»(1).

و فیه: أوّلاً: الظاهر بقرینة بقیة روایات الباب(2) یحمل «قیمة ما أصاب من لبنها» علی قیمة الولد.

و ثانیا: فی هذه الروایة زیادة لابدّ من الأخذ بها و هی ضمان خدمة الجاریة علی البائع لانّها معطوفة علی «ما أصاب من لبنها» و ظهور العطف فی المغایرة و التعدد ثابتٌ.

و بالجملة: فی هذه المسألة ترجع الجاریة إلی مالکها و یدفع صاحب الولد قیمته إلی

المالک مع ضمان خدمة الجاریة. و للمشتری أن یرجع فی قیمة الجاریة و الولد إلی مَنْ غرّه بقاعدة الغرور. و الظاهر أنّ ضمان الولد فیها یکون من قبیل ضمان التلف الحکمی کما علیه الشیخ الأعظم، لا ضمان قاعدة الإتلاف أو ضمان التسبیب أو ضمان استیفاء المنافع.

ولکن العمدة فی المقام عدم دلالة هذه الروایات علی ما کنّا بصدد اثباته، لأنّ البائع فی هذه الرّوایات یکون غاصبا و لذا لا یتوهم أحدٌ عدم الضمان منه حتّی إذا کان العقد غیر معاوضی کالهبة. ولکن فی بحث ضمان المقبوض بالعقد الفاسد لا یکون البائع غاصبا بل یکون مالکا و فی هذه الصورة یثبت الضمان أیضا هو أوّل الکلام و الروایات الماضیه لا تدل علی ذلک کما نبّه علیه المحقّق السیّد الخوئی(3) رحمه الله ص:305


1- (2) البیع 1/259.
2- (3) وسائل الشیعة 21/204، ح2 و 3 و 5، من الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
3- (1) مصباح الفقاهة 3/90.

نعم: یظهر من العلاّمة عدم الفرق بین البائع المالک و الغاصب قال: «و لا یملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد، سواء کان البائع المالک أو الغاصب أو غیرهما، و یضمنه و ما یتجدّد من نمائه و ما یزداد به قیمته لزیادة صفة...»(1).

الرابع: قاعدة ما یُضمن بصحیحه یُضمن بفاسده
اشارة

هذه القاعدة و مفهومها(2) أو سالبتها(3) أو نقیضها(4) _ و لا عکسه(5) _ و هی ما لایضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده، وردت فی کلام العلاّمة حیث قال: «إذا فسد الرهن و قبضه المرتهن لم یکن علیه ضمان لأنّه قبضه بحکم أنّه رهن، و کلّ عقدٍ کان صحیحه غیر مضمون ففاسده کذلک و کلّ عقد کان صحیحه مضمونا ففاسده مثله. أمّا الأوّل: فلانّ الصحیح إذا أوجب الضمان فالفاسد أولی باقتضائه. و أمّا الثانی: فلأنّ من أبثت الید علیه أثبته عن إذن المالک و لم یلتزم بالعقد ضمانا، و لا یکاد یوجد التسلیم و التسلّم إلاّ من معتقدی الصحة»(6).

الظاهر وقوع السهو من قبل النساخ فی العبارة بتبدیل الأوّل بالثانی و بالعکس.

و ورد نظیرها فی کتاب الاجارة منها.(7)

و هکذا یظهر من کلمات الشیخ فی موارد من العقود الفاسدة کما فی غصب المبسوط:

منها: قال: «فإن کان المبیع قائما ردّه، و إن کان تالفا ردّ بدله، إن کان له مثل و إلاّ

ص:306


1- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 4/543.
2- (3) کما فی الجواهر 22/259.
3- (4) کما فی الجواهر 27/252.
4- (5) کما فی هدی الطالب 3/57.
5- (6) کما فی المکاسب 3/182.
6- (7) تذکرة الفقهاء 13/251، مسألة 174.
7- (8) تذکرة الفقهاء 2/318 من الطبع الحجری.

قیمته لأنّ البائع دخل علی أن یسلم له الثمن المسمّی فی مقابلة ملکه فإذا لم یسلم له المسمّی اقتضی الرجوع إلی عین ماله، فإذا هلکت کان له بدلها، و کذلک العقد الفاسد فی النکاح یضمن المهر مع الدخول، و کذلک الإجارة الفاسدة، و الباب واحد»(1).

و منها: قال: «و إن کان مع الجهل بالحال فکلّما دخل المشتری علی أنّه یملکه ببدل و هو أرش البکارة و نقصان الولادة و قیمتها إن ماتت لایرجع به علی الغاصب، لأنّه قد دخل علی أنّه مضمون علیه بالثمن فإذا تلفت فی یده استقرّ الثمن علیه»(2).

و منها: قال: «إذا غصب ثوبا فباعه فنقص فی ید المشتری کان للمالک أخذ ثوبه و له أن یطالب بأرش النقص من شاء منهما، یطالب الغاصب لأنّه سبب ید المشتری و یطالب المشتری لأنّه نقص فی یده، فإن طالب الغاصب رجع بما غرم علی المشتری و إن طالب المشتری لم یرجع بما غرم علی الغاصب، لأنّه دخل علی أنّ العین علیه مضمونا بالبدل، فإذا ذهب بعضها کان بدل الذاهب علیه»(3)

و منها: قال: «و هکذا کلّ ما کان قبضا مضمونا مثل أن یأخذ علی سبیل السَّوْم أو علی أنّه بیع صحیح، أو کان ثوبا فأخذه علی أنّه عاریة مضمونة، فکلّ هذا یستقرّ علیه، لأنّه دخل علی أنّه مضمون علیه، فلم یکن مغرورا فیه»(4).

و هکذا استفاد أصلها و نقیضها من رهن المبسوط حیث قال: «إذا رهن رجل عند غیره شیئا بدین إلی شهر علی أنّه إن لم یقبض إلی محلّه کان بیعا منه بالدین الذی علیه لم یصح الرهن و لا البیع اجماعا لأنّ الرهن موقت و البیع متعلّق بزمان مستقبل، فإن هلک هذا

ص:307


1- (1) المبسوط 3/65.
2- (2) المبسوط 3/68.
3- (3) المبسوط 3/85.
4- (4) المبسوط 3/89.

الشیء فی یده فی الشهر لم یکن مضمونا علیه لأنّ صحیح الرهن غیر مضمون علیه فکیف فاسده و بعد الأجل فهو مضمون علیه لأنّه فی یده ببیع فاسد، و البیع الصحیح و الفاسد مضمون علیه إجماعا»(1).

و الحاصل: إنّ هذه القاعدة و نقیضها و إن لم یُصَرَّحْ بها فی کلام مَنْ تقدّم علی العلاّمة إلاّ أنّها مذکورة فی کلمات الشیخ تلویحا کما مرّ و حیث یُعبّر عن الشیخ بأنّه لسان المتقدمین فیظهر أنّ القاعدة کانت متداولة بینهم.

و الشهید الثانی بعد اعترافه بالقاعدة وکلّیتها فی مواضع، قال فی إحداها: «لم یخالف فیها أحد»(2) و منها: عاریة المسالک قال: «و أمّا مع فسادها فلأنّ حکم العقد الفاسد حکمُ الصحیح فی الضمان و عدمه _ کما أسلفناه فی مواضع _ قاعدة کلیة»(3).

ولکن تأمل فی کلیّة أصلها فی سبق المسالک و قال: «و قاعدة أنّ کلّ ما کان صحیحه موجبا للمسمّی ففاسده موجب لاُجرة المثل لا دلیل علیها کلیة، بل النزاع واقع فی بعض مواردها، فکلّ ما لا إجماع و لا دلیل صالح یدل علی ثبوت شیءٍ فالأصل یخالف مدّعی القاعدة»(4).

و تبعه فی المناقشة المحقّق الأردبیلی و تنظّر فی أصلهاو نقیضها حیث قال فی المقبوض بالسَّوْم(5) أو البیع الفاسد: «دلیلهم الخبر المشهور «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی» و

ص:308


1- (5) المبسوط 2/204.
2- (1) المسالک 4/56.
3- (2) المسالک 5/139.
4- (3) المسالک 6/110.
5- (4) المقبوض بالسَّوْم: أیّ أنّ المال الذی اُخذ للبیع أو الشراء مضمون مثل الغصب. کذا فی مجمع الفائدة 8/192.

«القاعدة المشهورة کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده» و «ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده» و صحتهما غیر ظاهر، و الأصل یقتضی العدم»(1)

ثم یقع الکلام فی هذه القاعدة ضمن مقامات:

المقام الأوّل: معانی ألفاظ القاعدة
اشارة

و هو متضمن لجهات من البحث:

الجهة الاولی: ما المراد من العقد؟

قال الشیخ الأعظم: «إنّ المراد بالعقد أعمّ من الجائز و اللازم بل ممّا کان فیه شائبة الإیقاع أو کان أقرب إلیه فیشمل الجعالة و الخلع»(2).

العقد اللازم نحو: البیع و الصلح و النکاح، و الجائز منه نحو: الهبة و الوکالة، و ما کان فیه شائبة الإیقاع مثّل به الجعالة و الخلع:

أما الجعالة: فهی عند جماعة من الأصحاب عقد جائز نحو: الشیخ(3) و ابن حمزة(4) و العلاّمة فی تذکرة الفقهاء(5) و الإرشاد(6) و ابنه فی الایضاح(7) و الشهید(8) و المحقّق الثانی(9).

ولکن المحقّق الحلّیّ جعلها فی قسم الایقاعات من الشرائع(10) و تبعه صاحب

ص:309


1- (5) مجمع الفائدة و البرهان 8/192.
2- (6) المکاسب 3/183.
3- (1) المبسوط 3/333؛ النهایة /323.
4- (2) الوسیلة /272.
5- (3) تذکرة الفقهاء 2/288 من الطبع الحجری.
6- (4) إرشاد الأذهان 1/430.
7- (5) ایضاح الفوائد 2/162.
8- (6) الدروس 3/100.
9- (7) جامع المقاصد 6/189.
10- (8) الشرائع 3/126.

الجواهر و قال: «و لعلّه الأصح»(1).

و أمّا الطلاق الخلعی ففیه أیضا احتمالان بل قولان، أحدهما: کونه عقدا کما علیه الأصحاب و اعترف بأنّ الخلع من عقود المعاوضات الشهید الثانی فی المسالک(2).

و ثانیهما: کونه جعالةً أو فداءً و ذهب الشهید الثانی بأنه «لایعلم قائله من الأصحاب لکنّه مذهب جمیع مَنْ خالفنا مِن الفقهاء [العامة] إلاّ من شذ منهم»(3).

ثم إنّ الشهید الثانی رجَّح جانب الفداء و الجعالة(4) و احتمله الفاضل الأصفهانی فی کشفه و قال: «و یحتمل الصحة بناءً علی أنّ البذل لیس إلاّ افتداءً أو جعالة... _ ثم ضعّفه و قال: _ و یضعِّف بأنّ الکلام فی صحته علی وجه یکون عوض الخلع و وقوعه خلعا...»(5).

و هذه الوجوه اُوجبت تردد الشیخ الأعظم فی کون الجعالة أو الخلع عقدا جائزا أو إیقاعا و لذا قال: «ممّا کان فیه شائبة الایقاع»(6) و لعلّ مراده قدس سره کلّ ما اشتمل علی المعاوضة من العقود و الایقاعات.

و لذا ذهب الفاضل المراغی إلی أنّ أصل القاعدة یختص بعقود المعاوضات و نقیضها یشمل الأمانات کالودیعة و رأس مال المضاربة و العین المستأجرة _ دون منفعتها _ والعقود المجانیة: کالهبة بلاعوض.(7)

ص:310


1- (9) الجواهر 35/189.
2- (10) المسالک 9/392.
3- (11) المسالک 9/392.
4- (12) المسالک 9/393.
5- (13) کشف اللثام 8/206.
6- (14) المکاسب 3/183.
7- (1) العناوین 2/463.
الجهة الثانیة: ما المراد من الضمان؟
اشارة

الضمان تارة یراد به المعنی المصدری أی جعل الشیء فی العهدة و یقال له بالفارسیة: «عهده گرفتن و شی ء را در عهده قرار دادن» کما فی قاعدة الخراج بالضمان، و اُخری یراد به معنی الاسم المصدری أی مطلق کون الشیء فی العهدة ولو بسبب غیر اختیاری کما فی قاعدة ما یُضمن.

أمّا الأوّل: قاعدة «الخراج بالضمان» کما ورد فی الحدیث النبوی(1) فیدلّ أنّ النماء ملکٌ له أعنی أنّ کلّ من تعهّد ضمان شیء بالتضمین المعاملی فمنافعه له، و هذا من غیر فرق بین أن یکون التضمین علی نحو یفید الإباحة أو التملیک فإنّ مقتضی إطلاقه کون منافعه للضامن.

و بالجملة: مقتضی الضمان المعاوضی أن تکون المنافع ملکا للضامن، و النبوی یکون بمنزلة الحکم المعلل لأنّه یتعرّض لمنشاء ملکیة النماء فإنّ الباء فی قوله صلی الله علیه و آله : «بالضمان» بمعنی المقابلة فحینئذ یکون قاعدة تبعیّة النماء للعین ناظرة إلی اقتضائها بحسب طبعها الأصلی _ مضافا إلی عدم ورودها فی النصوص و مدرکها لا یکون إلاّ الاجماع أو العقل و کلاهما لُبیّان و لیس لهما اطلاق حتّی یعارضا النبوی _ و أمّا إذا اقتضت معاملة انفکاک النماء عن العین فی الملک فلا تنافی بینها و بین الملازمة فی الملکیة بحسب الطبع الأصلی.

و بعبارة أوضح: الخراج فی الحدیث یراد منه مطلق المنافع الحاصلة من الأعیان، و المراد بالضمان فیه المعنی المصدری أیّ بالفارسیة «عهده گرفتن و شی ء را در عهده قرار دادن» و جعله فی العهدة ببذل العوض فی مقابله کما فی البیع و ما یدل علی جعله فی العهدة ببذل عوضه و ثمنه کلمة «الباء» الوارد علی الضمان لأنّها تدل علی المقابلة و السببیة بحیث

ص:311


1- (2) سنن ابن ماجه 2/754، ح2243، سنن البیهقی 5/321؛ عوالی اللآلی 1/219، ح89.

بعد الانتفاع بالمنفعة تکون العین باقیةً و لا تکون تالفةً کالانتفاع بالخبز و اللحم، و ظاهر المقابلة و السببیة أیضا یدلّ علی أنّ الضمان یوجب جواز الانتفاع بالمنفعة و هذا لا یکون إلاّ فی العقد الصحیح لا الفاسد.

و الحاصل: الروایة تدل علی أنّ المنفعة لِمَنْ یکون علی عهدته الضّمان بالمعنی المصدری _ أی قبل عهدة الشیء _ العین فی صورة بقاء العین و فی صورة العقد الصحیح.

نحو جواز الانتفاع بالعین _ مثل الدار _ لمن باعه و شراط لنفسه الخیار لسنتین فیجوز له الانتفاع به ولو فسخ العقد لا یکون ضامنا لمنفعة الدار لأنّ الخراج بالضمان.(1)

فظهر ممّا ذکرنا أنّ الضمان فی النبوی لیس بمعنی الإسم المصدری بأن مَنْ یکون ضامنا لشیءٍ _ سواء کان منشاء الضمان هو الغصب أو غیره _ فمنفعته له، لأنَّ هذا المعنی هو الذی أفتی به أبوحنیفة و قال أبوعبداللّه علیه السلام فی شأنه: فی مثل هذا القضاء و شبهه تحبس السماء ماءها و تمنع الأرض برکتها.(2)

هذا معنی الضمان بالمعنی المصدری(3) و لیس المراد بالضمان فی قاعدة ما یُضمن هذا المعنی.

و أمّا الثانی: قاعدة «ما یُضمن بصحیحة یُضمن بفاسده» و نقیضها، فالضّمان فیها بمعنی الاسم المصدری لأنّه یتناسب مع بناء یُضمن للمفعول.

ثم ذکروا للضمان بهذا المعنی ثلاثة أقوال:

الأول: لزوم درک المضمون علیه بمعنی کون دَرَکه و خسارته فی ماله الأصلی أی

ص:312


1- (1) فی هذا المجال راجع المبسوط 2/126 و المکاسب و البیع 1/330 و ما بعدها، و هو تقریرات المحقّق النائینی بقلم العلاّمة الشیخ محمّد تقی الآملی.
2- (2) وسائل الشیعة 19/119، ح1، الباب 17 من أبواب کتاب الإجارة.
3- (3) راجع منیة الطالب 1/142 و 143.

کون درک المضمون و خسارة تلفه علی الضامن بأن یجب علیه تدارکه بأداء بدله من ماله و هو مختار الشیخ الأعظم(1).

الثانی: کون تلفه فی ملک الضامن أی کلّ ما یقتضی صحیحة أن یکون المدفوع لو تلف، تلف فی ملکه ففاسده أیضا کذلک، و بعبارة أوضح: أنّ الضمان بمعنی الخسارة الواردة علی مال الضامن و وقوع التلف فی ملکه، کما یظهر من صاحب الریاض(2)، و نسبه النائینی(3) إلی العلاّمة فی الأوانی المکسورة و صاحب المقابس فی مطلق الضمانات ولو فی غیر باب الإتلاف کباب المغصوب و نحوه، و کذلک المامقانی(4) نسبه إلی الشیخ علی ما فی

حواشی الروضة، ولکن لم أجد النسبتین مع تتبعی.

الثالث: مطلق التعهد الجامع بین فرض التلف و عدمه، فالتعهد فی الموجود بحفظه و حراسته و ردّه إلی صاحبه، و فی التالف بردِّ مثله أو قیمته، و هو مختار المحقّقِ المیرزا حبیب اللّه الرشتی(5) فی رسالته فی الغصب، و المحقّقیْنَ النائینی(6) و الأصفهانی فی حاشیته(7) و الإیروانی(8)و السادة البجنوردی(9) و الحکیم(10) و المروج(11) قدس سرهم .

ص:313


1- (4) المکاسب 3/183.
2- (5) ریاض المسائل 8/254.
3- (6) منیة الطالب 1/265.
4- (7) غایة الآمال /277.
5- (1) کما نقل عنه صاحب بُغیة الطالب 1/199.
6- (2) المکاسب و البیع 1/300.
7- (3) حاشیة المکاسب 1/309.
8- (4) حاشیة المکاسب 2/113.
9- (5) القواعد الفقهیة 2/111.
10- (6) نهج الفقاهة /196.
11- (7) هدی الطالب 3/112.

و القائل بالقول الثانی عدل عن القول الأوّل لأنّ: المقبوض بالعقد الفاسد لو تلف بید المشتری کانت خسارته علیه و وجب دفع بدله إلی البائع و أمّا فی العقد الصحیح فلا یتصور معنی للضمان _ بهذا المعنی أی تدارک مال الغیر _ لأنّ المال حینئذ تلف من ملکه و فیه، لا من ملک البائع حتّی یجب علی المشتری تدارکه و لذا لم یتضح المراد من کلمة الضمان فی أوّل القاعدة: «ما یضمن بصحیحه». و هذا الأمر صار موجبا للعدول إلی القول الثانی.

و اعترض علیه الشیخ الأعظم بقوله: «فلیس هذا معنی للضمان أصلاً، فلا یقال: إنّ الانسان ضامن لأمواله»(1). و مراده عدم صدق الضمان علی تلف المال المملوک لشخصٍ أنّه ضامن لماله التالف، بل المناط فیه تدارک الخسارة الواردة علی المالک إذا تلف ماله عند غیره بلا إذنه أو أتلفه ذلک الغیر.

و ما یوجب عدوله إلی القول الثانی أیضا لا یتم لأنّ المراد بالضمان فی العقود الصحیحة هو الضمان المعاوضی و هو «یکون بأداء عوضه الجعلی الذی تراضی هو و المالک علی کونه عوضا و أمضاه الشارع، کما هو المضمون بسبب العقد الصحیح»(2). ثم لإثبات مختاره تمّمه بقوله: «و اُخری: بأداء عوضه الواقعی و هو المثل و القیمة و إن لم یتراضیا علیه.

و ثالثة: بأداء أقل الأمرین من العوض الواقعی و الجعلی کما ذکره بعضهم فی بعض

المقامات مثل تلف الموهوب بشرط تعویض قبل دفع العوض»(3).

و مراده ببعضهم هو المحقّق الثانی فی جامع المقاصد حیث قال معلِّقا علی قول العلاّمة «فإن اوجبناه فالأقرب مع التلف ضمان أقل الأمرین من العوض و قیمة الموهوب»(4) بقوله:

ص:314


1- (8) المکاسب 3/183.
2- (9) المکاسب 3/183.
3- (1) المکاسب 3/183.
4- (2) قواعد الأحکام 2/409.

«وجه القرب: إنّ المتهب مخیّر بین الأمرین فالمحقَّق _ اللزوم _ هو الأقل، و لأنّه إن کان العوض أقل فقد رضی به الواهب فی مقابل العین.

و إن کان الموهوب أقل فإن المتهب لا یجب علیه العوض، بل للواهب الرجوع فی العین فلا یجب أکثر من قیمتها، و یحتمل قیمة الموهوب وقت تلفه لأنّه مضمون فوجب ضمانه بالقیمة، و یضعّف بأنّ له إتلافه بالعوض لأنّه قد سلطه علی ذلک و الأصح الأوّل»(1).

و تبعه ثانی الشهیدین و قال: «إذا تقرر ذلک و قلنا بالضمان مع التلف فهل الواجب مثل الموهوب أو قیمته أو أقل الأمرین من ذلک و من العوض؟ وجهان، أجودهما الثانی لما عرفت من أنّ المتهب مخیّر بین الأمرین و المحقّق لزومه هو الأقل لأنّه إن کان العوض الأقل فقد رضی به الواهب فی مقابلة العین، و إن کان الموهوب هو الأقل فالمتهب لا یتعیّن علیه العوض بل یتخیّر بینه و بین بذل العین، فلا یجب مع تلفها أکثر من قیمتها. و هذا هو الأقوی»(2).

ولکن صاحب الجواهر قال بعد نقل مقال الشهید الثانی: «و لا یخفی علیک ما فیه بعد فرض عدم انفساخ العقد بذلک و الاکتفاء بردّ العین مع وجودها لا یقتضی الاکتفاء بقیمتها بعد تلفها، بل اللازم من اقتضاء قاعدة تعذر أحد فردی المخیّر التی اعترف بها تعیّن الفرد الثانی فتأمل جیدا...»(3).

و اختار الفقیه الیزدی قول صاحب الجواهر فی المقام و حیث أنّ فی کلامه تحقیقا فی مسألتنا هذه نذکر کلامه بعینه قال: «اختلفوا فیما إذا تلفت العین الموهوبة بشرط التعویض قبل دفع العوض علی أقوال:

ص:315


1- (3) جامع المقاصد 9/178.
2- (4) المسالک 6/63.
3- (5) الجواهر 28/210.

أحدها: ما فی الشرائع(1) و عن الفاضل(2) و ولده(3) من عدم الضمان و عدم وجوب

العوض.

الثانی: ما عن جماعة(4) من تعیّن دفع العوض المسمی لأنّه قبل التلف کان مخیّرا بین دفعه ورد العین، و إذا تعذّر الثانی تعیّن الأوّل بعد عموم وجوب الوفاء بالعقد.

الثالث: ما عن المسالک(5) من وجوب أقل الأمرین فقد رضی به الواهب فی مقابل العین و إن کان الموهوب هو الأقل فالمتهب لا یتعین علیه العوض بل یتخیر بینه و بین العین، فلا یجب علیه مع تلفها أکثر من قیمتها، و المصنف [الشیخ الأعظم] أشار إلی القول الثالث.

و لا یخفی أنّ الأقوی هو الثانی بناءً علی التخییر مع بقاء العین کما لا یخفی، لکن الکلام فی صحة المبنی و إن ذهب إلیه جمع(6)، فإن مقتضی القاعدة وجوب دفع المسمی معینا لعموم وجوب الوفاء بالعقود.

نعم، یتعین ما فی المسالک لو قلنا _ فی صورة بقاء العین _ بعدم وجوب دفع المسمی، و أنّ للواهب الرجوع فی عینه، لا أن یکون المتهب مخیّرا، إذ حینئذ لو تلفت العین أیضا لا یجب علیه دفع العوض، فللواهب أخذ قیمة العین الموهوبة، لکن هذا غیر ماذکره صاحب المسالک من الوجه کما لا یخفی.

ص:316


1- (6) الشرائع 2/182 ولکن فیه بعد الحکم بعدم الضمان قال: «و فیه تردد».
2- (7) تذکرة الفقهاء 2/422 من الطبع الحجری _ و تنظّر فی التضمین فی القواعد 2/409 و قال فیه: «ففی تضمین نظر، فإن اوجبناه فالأقرب مع التلف ضمان أقل الأمرین من العوض و قیمة الموهوب».
3- (8) ایضاح الفوائد 2/420.
4- (1) و منهم صاحب الجواهر 28/210 کما مرّ.
5- (2) المسالک 6/63 تبعا لصاحب جامع المقاصد 9/178 کما مرّ.
6- (3) کالمحقّق فی الشرائع 2/182 و العلاّمة فی القواعد 2/409.

ثم لا یخفی أنّه علی أیّ حالٍ لا یکون من التخییر بین العوض الواقعی و الجعلی حسب ما رامه المصنف، و ذلک لأنّه مخیر بین دفع العوض المسمی و دفع العین بدفع قیمتها بناءً علی ما فی المسالک من الوجه، و هذا لیس تخییرا إلاّ بین العوض أو العین، لا بین نوعی العوض، فتأمل.

و أمّا علی وجهنا فالأمر أوضح لأنّه إنّما یتعین دفع العوض الواقعی بعد عدم الوفاء بالعقد المفروض عدم وجوبه، فیکون من باب الفسخ، و الحکم بدفع العوض الواقعی لکون یده ید ضمان فتدبّر و للکلام فی المسألة مقام آخر»(1).

أقول: لا أدری ما الفرق بین العوض الواقعی و الجعلی و ما ذکره من العوض المسمی و دفع العین بدفع قیمتها، و هل العوض المسمی غیر العوض الجعلی، و هل العوض الواقعی غیر دفع العین بدفع قیمتها _ لو کانت قیمیّة _ فما ردّ به علی الشیخ الأعظم غیر تام و لعلّ أمره بالتأمل فی آخر إشکاله إشارة إلی ما ذکرناه.

و الحاصل: ذهب الشیخ الأعظم إلی أنّ «المراد بالضمان بقول مطلق هو لزوم تدارکه بعوضه الواقعی لأنّ هذا هو التدارک حقیقة»(2).

و استشهد علی مختاره بأنّ اشتراط الضمان فی العاریة یحمل علی ذلک و کذلک ما ورد فی أخبار ضمان المضمونات من المغصوبات(3) و غیرها(4).

ص:317


1- (4) حاشیة المکاسب 1/(456-454).
2- (1) المکاسب 3/184.
3- (2) لم أجد فی کتاب الغصب من وسائل الشیعة 25/(393-385) ما ورد فیه لفظة ضمان إلاّ صحیحة أبی ولاد 25/390، ح1، الباب 7، و قد مرّ منّا آنفا أنّ المراد بها الضمان بالمعنی المصدری لا معنی الاسم المصدری الذی هو محلّ الکلام.
4- (3) نعم وردت لفظة ضمان فی الودیعة من کتاب وسائل الشیعة 19/81، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب الودیعة، و فی ضمان العاریة إذا اشترط راجع وسائل الشیعة 19/91، ح1، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة، و 19/96، ح1 و 19/97، ح1، و ما ورد فی ضمان الصنّاع راجع وسائل الشیعة 19/141، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة ح1 و 6 و 10 و 19، و ما ورد فی ضمان الحمّال و نحوه راجع وسائل الشیعة 19/148، الباب 30 من أبواب کتاب الإجارة، ح4 و 8 و 13.

ثم تعرض لمقالة الشیخ جعفر حیث قال فی شرح القواعد بعد ذکر القاعدة: «و هی صریحة فی أصل الضمان إلاّ أنّها یُحتمل فیها وجهان: أحدهما: الضمان بمقدار ما أقدم علیه من المقابل، ثانیهما: قیمته ما بلغت و هو الظاهر»(1).

و استشکل علیه بأنّه مع فرض فساد العقد لا وجه لحمل الضمان علی الضمان المسمی و هو کلام متین، إلاّ یمکن أن یدفع عن الشیخ جعفر هذا الإشکال بحمل القیمة فی کلامه علی الثمن أو الضمان المسمی أو الضمان الجعلی ولکن هذا یتم فی الجملة الاُولی من القاعدة أی «ما یضمن بصحیحه» فقط، و یمکن حمل القیمة علی القیمة السوقیة فی القیمیات فحینئذ یتم فی الجملة الثانیة من القاعدة «یضمن بفاسده» فقط. و هذا الحمل فی کلامه و إن کان خلاف الظاهر ولکن لابدّ منه تحفظا من ورود واضح الإشکال فی کلام الأبطال.

المختار فی معنی الضمان

الظاهر بمساعدة الروایات الواردة فی کتاب الضمان(2) أنّه عبارة عن التعهد و الالتزام بمال الغیر(3) و هو یصدق مع وجود عینه بردِّه کما فی المال المغصوب و مع تلفه بدفع بدله

ص:318


1- (4) شرح القواعد 2/34.
2- (1) راجع کتاب الضمان من وسائل الشیعة 18/422، ح1 و 2 و 3 من الباب 2 من أبواب الضمان، و 18/423، ح 1 و 2 و 3 من الباب 3، و 18/425، ح1، من الباب 4، و نحوها من الروایات.
3- (2) و یؤید هذا المعنی کلمات اللغویین، قال الفیّومیُّ فی المصباح المنیر 364: «ضمنتُ المال و به ضمانا فأنا ضامنٌ و ضمینٌ التزمته التزمْتُهُ»، و قال الجوهریُّ فی صحاح اللغة 6/2155: «ضمنتُ الشیء ضمانا کلَّفتُ به فأنا ضامن و ضمین».

_ مثلیّا أو قیمیّا کان _ و مع وجود العقد الصحیح بدفع المسمی و ما یجعل بین الطرفین من العوض و هذه الاختلافات من مصادیق الضمان، أو فقل من لوازمه و هو ناشئة من الاختلاف فی أسباب الضمان.

و ممّا ذکرناه یظهر أنّ تفسیر الشیخ الأعظم للضّمان من کون درک المضمون علیه تفسیر باللازم أو ذکر أحد مصادیقه.

و أبعد منه تفسیره بکون تلفه فی ملک الضامن، و وقوع تلفه فی ملکه ولو آنا ما قبل تلفه لعدم الموجب لتقدیر هذا الملک، و لا یمکن القول بهذه الملکیة و هی آنا ما قبل التلف إلاّ فی موردین:

أحدهما: مورد الحکم بتحقّق علّة الملکیة.

و ثانیهما: مورد الحکم بتحقّق معلولها.

و فی المقام لیس شیء منهما بمتحقّق لأنّ الحکم بضمان المثل أو القیمة لا یلازم الملکیة بوجهٍ من الوجوه بل یلازم عدمها _ کما قاله المحقّق النائینی(1) _ .

فظهر أنّ معنی الضمان هو التعهد _ کما علیه المحقّقون الرشتی و النائینی و الأصفهانی و الإیروانی و البجنوردی و الحکیم و المروج قدس سرهم کما مرّ _ وردّ العین أو مثلها أو قیمتها أو ثمنها لیس إلاّ مصادیقه.

و لا ینقضی تعجبی من المحقّق الخراسانی رحمه الله لأنّه قال: «و حیث أنّ هذه القاعدة بألفاظها، لیست ممّا دلّت بها آیة و لا وردت فی روایة و ما وقعت فی معقد اجماع لم یکن بیان معناها من المهم بشیء، ضرورة أنّه لابدّ أن یراد منها ما یساعد علیه سائر القواعد، و

ص:319


1- (3) المکاسب و البیع 1/303.

انّما المهم بیان أنّ قضیتها الضمان فی أیّ الموارد، ساعد علیه ظاهر القاعدة أو لم تساعد، و هکذا الحال فی عکسها»(1).

و تبعه المحقّق السیّد الخوئی(2) قدس سره فی المقام.

الجهة الثالثة: العموم فی کلِّ عقد هل یکون بلحاظ النوع أو الصنف أو الأشخاص؟

المراد بالنوع هو جنس المعاملة القائمة بالطرفین من البیع و الإجارة و الهبة و العاریة و الصلح و الجعالة و الودیعة و الوکالة و الرهن و نحوها.

ثم إنّ لکلِّ نوع من هذه الأنواع أقساما و هی أصناف ذلک النوع نحو البیع و ما فی تحته من بیع النقد و النسیئة و الصرف و الحیوان و الثمار و الفضولی و الغرری و نحوها. و الإجارة و ما تحته من إجارة الأعیان و الأعمال، و الهبة و ما تحته من الهبة بذی رحم أو بشرط التعویض أو المعوضة و نحوها. و العاریة و ما تحته من عاریة النقدین و غیرهما و العاریة بشرط الضمان و غیرها.

و المراد بالأفراد هو أشخاص العقود التی تقع خارجا بإنشاء المتعاقدین.

إن کان المراد من العقد النوع یدخل بعض العقود المحدّدة فی القاعدة نحو: البیع و الإجارة و الجعالة، و إن کان المراد منه هو الصنف یدخل فیها أصناف متعددة، و إن کان المراد منه الشخص یدخل فیه الکثیرون. هذا کلّه بحسب مقام الثبوت.

و أمّا بحسب مقام الإثبات فقد ذهب الشیخ الأعظم(3) قدس سره إلی أن المراد من العقد هو صنفه، لأنّه لو کان المراد منه أنواع العقود(4) یلزم منه عدم اطِّرادِ نقیض القضیة نحو أن یکون

ص:320


1- (1) حاشیة المکاسب /30.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/87.
3- (3) المکاسب 3/185.
4- (4) کما ذهب إلیه المیرزا حبیب اللّه الرشتی رحمه الله و نقله تلمیذه فی بغیة الطالب 1/200.

الصلح لایتقضی الضمان فیکون فاسده کذلک، مع أن الصلح المعاوضی یقتضی الضمان و کذلک العاریة و الهبة و نحوها.

و کذا لا یمکن أن یکون المراد من العقد أشخاصه _ خلافا لاحتمال صاحب الجواهر(1) _ لأنّ ظهور القاعدة فی فعلیة القسمین یمنع عن الحمل علی الأشخاص، لأنّ الفرد الشخصی الموجود فی الخارج جزئیٌ و لا یمکن له الاتصاف بوصفین متقابلین و هما الصحة

و الفساد بل یوجد إمّا صحیحا و إمّا فاسدا، و یتوقف اتصافه بوصفین علی التقدیر و الفرض و هو خلاف الظاهر.

لایقال: منشأ الضمان شخص العقد الصادر لو کان صحیحا هو الإقدام و هو موجود فی صورة فساده فالبیع مع الثمن لو کان صحیحا یضمن لمکان الإقدام ففی فاسده أیضا کذلک، و البیع بلا ثمن لو کان صحیحا لیس فیه الضمان لمکان إنتفاء الإقدام ففاسده أیضا کذلک.

لأنا نقول: إنّ الکلام فی القاعدة نفسها و الإقدام مدرک للقاعدة _ کما یأتی _ و هو خارج عن محل الکلام.(2)

فلابدّ ان یحمل العموم فی کلّ عقد علی صنفه، هذا ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره بتقریر منّا فی المقام.

ولکن اعترضه المحقّق النائینی و حمل کلَّ عقدٍ علی العموم الأفرادی أیّ الاحتمال الأخیر فی کلام الشیخ الأعظم و استدل لقوله بوجهین:

الأوّل: الحمل علی الأشخاص و العموم الأفرادی هو ظاهر القضیة کما فی غیرها من

ص:321


1- (5) الجواهر 27/247 فی کتاب الإجارة بحث الإجارة الفاسدة.
2- (1) راجع المکاسب 3/187 و 186.

القضایا، لأنّ قضیة کلّما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده نظیر جمیع القضایا الحقیقیة فی کونها منحلة إلی شرطیة شرطها عقد وضعها و جزائها عقد حملها، فمعنی ما یضمن بصحیحه هو أنّه لو وجد عقد و کان علی تقدیر وجوده و صحته ممّا فیه الضمان فهو علی تقدیر وجوده و فساده فیه الضّمان أیضا.

الثانی: إنّ هذه القضیة بألفاظها لیست واردة فی نصّ الکتاب أو السّنّة، بل إنّما هی قاعدة اسْتُخْرِجَتْ من مدرکها فالمتبع حینئذ هو المدرک و مدرک هذه القاعدة هو الإقدام _ کما یأتی _ و إذا کان المدرک مقتضیا للإحتمال الأخیر _ کما اعترف علیه الشیخ الأعظم _ یتعیّن الحمل علیه ولو کان اللفظ ظاهرا فی غیره.(1)

و تبعه تلمیذه السیّد البجنوردی قدس سره و قرّره بقوله حتّی یرفع عنه إشکال الشیخ الأعظم: «لیس المراد أنّ هذا الشخص الخارجی الذی صحیح و فاسد، صحیحه کذا و فاسده کذا، بل المراد أنّ کلّ عقد أو ایقاع کان بحیث أنّه علی تقدیر أن یکون صحیحا فیکون فیه الضمان فهو علی تقدیر فساده أیضا یکون فیه الضمان أی بعد القبض. و کلّ عقد

أو إیقاع علی تقدیر صحته لا یوجب الضمان لأنّه أقدم علی أن یکون مجّانا و بلاعوض فهو علی تقدیر فساده أیضا لا یوجب الضمان لأنّه أقدم علی أن یکون بلا عوض و مجانا فیکون بواسطة هذا الإقدام خارجا عن تحت عموم علی الید تخصیصا أو تخصصا. و هذا الحکم عام یشمل جمیع أشخاص طبیعة العقد أو الإیقاع...»(2).

و انتقد المحقّق الخمینی کلامَ النائینی بعد ما ذهب إلی الأخذ بظاهر العموم الأفرادی بقوله: «مقتضی القضیة الحقیقیة علی فرض صحة تفسیرها بما ذکر لیس إلاّ فرض وجود

ص: 322


1- (2) المکاسب و البیع 1/305.
2- (1) القواعد الفقهیة 2/115.

أفراد الطبیعة لا فرض فرد منها مقام فرد آخر، فقوله: «کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده» معناه علی طبق القضیة الحقیقیة المفروضة أنّه کلّ عقدٍ إذا وجد فی الخارج و کان صحیحا موجبا للضمان إذا وجد فاسده فی الخارج کان موجبا للضمان، و هذا غیر فرض وجود الفاسد صحیحا، فالحقیقیة تقتضی فرض وجود الموضوع، لا فرض وجود منه وجودا آخرا أو فرض وصف من الفرد وصفا آخرا»(1).

أقول: یرد هذا الاشکال علی النائینی ولکن من عجیب الاتفاق أنّ المستشکل قدس سره ذهب إلی مقالةٍ یرد علیه هذا الإشکال فیها بعینه حیث یقول: «... و أمّا أن یکونا علی الفرض و التقدیر کما هو قضیة القضایا الشرطیة، فیراد بها أنّ کلّ عقد فرض أنّه موجود فی الخارج صحیحا و کان فیه الضمان لو فرض أنّه موجود فاسدا یکون فیه الضمان، فحینئذ یمکن الأخذ بظهور الصدر فی العموم الأفرادی، فیقال: کلّ فرد لو وجود فی الخارج و کان صحیحا و فیه الضمان لو وجود فی الخارج فاسدا فکذلک فیشمل الإجارة بلا اُجرة و البیع بلا ثمن مثلاً»(2).

و أعجب منه مقالة السیّد الحکیم تبعا للمحقّق الهمدانی(3) رحمهماالله لأنّه لا یمکن حملها علی الفرد و الشخص، حیث یقول: «... فالمراد بالعقد هو الجامع بین فردین لا الفرد الذی یکون موضوعا لحالین: الصحة و الفساد»(4).

و المختار فی المقام حمل کلّ عقد علی العموم الأفرادی و علی الفرد و الشخص و لا

محالة لابدّ من تقدیر بلافرق بین إرادة الفرد أو الصنف کما نبّه علیه المحقّق الإشکوری حیث

ص: 323


1- (2) کتاب البیع 1/268.
2- (3) کتاب البیع 1/269.
3- (4) حاشیة المکاسب /49 للفقیه الهمدانی.
4- (5) نهج الفقاهة /201.

یقول: «أمّا ارادة اتصاف الثانی و الفرضی، لعدم وجودهما فی الفرد فعلاً فلا ضرر فیها أبدا بعد کون الفرض و التقدیر لازما علی تقدیر إرادة النوع و الصنف أیضا بأن یقال: إنّ هذا الصنف علی تقدیر وجوده فی الخارج صحیحا مضمون فکذا فاسدا، غایة الأمر أنّ المقدَّر فی الصنف هو الوجود، و فی الفرد هو تقدیر الصحة، أیکلّ فرد علی تقدیر صحته یضمن کان فاسده أیضا کذلک...»(1). و بهذا البیان یرتفع الاشکال عن النائینی و السیّد الخمینی.

و علی ما ذکرناه یکون معنی القاعدة ما ذکره المحقّق الشهیدی من قوله: «أنّ کلّ عقد یکون فرده الخارجی المتصف بوصف الصحة موجبا للضمان، ففرده الخارجی المتصف بوصف الفساد مع تحقّق أصل حقیقة العقد المتحد مع الفرد الصحیح من جمیع الجهات إلاّ الجهة الموجبة للفساد، یکون موجبا له أیضا»(2).

الجهة الرابعة: معنی الباء فی القاعدة

ذکر الشیخ الأعظم(3) لمعنیها ثلاثة محتملات:

الأوّل: الظرفیة و أنّها بمعنی «فی» نحو قوله تعالی: «و لقد نصرکم اللّه ببدر»(4) و قوله تعالی: «و بالأسحارهم یستغفرون»(5) و قوله تعالی: «و نجّیناهم بسحر»(6)، و صار معنی القاعدة کلّ عقد تحقّق الضمان فی صحیحه تحقّق فی فاسده أیضا.

الثانی: السببیّة نحو قوله تعالی: «إنّکم ظلمتم أنفسکم باتخاذکم العجل»(7) و

ص: 324


1- (1) بُغیة الطالب 1/200، و نحوها فی غنیة الطالب 2/127.
2- (2) هدایة الطالب 2/247.
3- (3) المکاسب 3/187.
4- (4) سورة آل عمران /123.
5- (5) سورة الذاریات /18.
6- (6) سورة القمر /34.
7- (7) سورة البقرة /54.

قوله تعالی: «فکلاًّ أخذنا بذنبه»(1) و قسّمها إلی قسمین:

أ: السببیة التامة: بمعنی العلیّة التامة بحیث یکون العقد علی نحو العلیة التامة بالنسبة إلی الضمان فی العقود الصحیحة و الفاسدة، و نفی هذا الاحتمال فی العقدین.

ب: السببیة المطلقة الشاملة للناقصة: بحیث یکون العقد سببا ناقصا لإیجاد الضمان

فی العقد الصحیح و الفاسد لأنّ کلّ منهما یحتاج إلی القبض لترتب الضمان.

و عند الشیخ الأعظم کلّ من الاحتمالین الأوّل و الثانی من القسم «ب» محتمل ولکن احتمال السببیة التامة بمعنی العِلِّیَّةِ التامة لا یتمّ.

ثم ذکر أنّ الغرض من ذکر هذه المحتملات هو دفع توهّمین(2):

الأوّل: سبب الضمان فی الفاسد هو القبض، لا العقد الفاسد فکیف یقاس الفاسد علی الصحیح فی السببیة؟!

الثانی: ظاهر القاعدة عدم توقف الضمان فی الفاسد علی القبض فلابدّ من تخصیصها بإجماع أو حدیث علی الید و نحوها. انتهی ما ذهب إلیه الشیخ الأعظم قدس سره .

أقول: ظهر من الشیخ بطلان السببیّة التامة بمعنی العلّیة التامة و هو تام.

و أمّا الظرفیة فیمکن ان یناقش فیها بانتفاء الظرفیة الحقیقیة لأنّ العقد لا یکون ظرفا حقیقیا للضمان فلابدّ من التجوّز فیها بجعل استعمالها فی الظرفیة بمناسبة السببیة، و کذا الظرفیة الاعتباریة لأنّ الظرف الاعتباری للضمان هو العهدة _ کما مرّ _ نعم، العقد سبب لثبوت الضمان فی العهدة فلابدّ حینئذ من التجوّز أیضا، فکلّ من محتملی الظرفیة یکون فیهما التجوّز و هو خلاف الظاهر و الأصل.(3)

ص: 326


1- (8) سورة العنکبوت /40.
2- (1) المکاسب 3/188.
3- (2) راجع کتاب البیع 1/269 و هدی الطالب 3/98.

فیبقی القول بالسببیة الناقصة للعقد لترتب الضمان فی الصحیح و الفاسد کما هو مختار المحققین الشهیدی(1) و النائینی فی أحد تقریراته(2) و الخمینی(3) و المروج(4). خلافا للسیّد الإشکوری(5) حیث ذهب إلی السّببیّة التامة فی العقود الصحیحة و السببیة الناقصة فی العقود الفاسدة.

و خلافا للفقیه الیزدی(6) و المحقّق الإیروانی(7) حیث ذهبا إلی الظرفیة، و عدّها الأوّل منهما الاُولی، و الثانی عدّها تعیّنا، مع إقراره بأنّه: «نعم، کون الظرفیة خلاف ظاهر

الباء مسلّم»(8).

و خلافا للهمدانی(9) و النائینی فی أحدِ تقریراته(10) و السیّد البجنوردی(11) و السیّد السبزواری(12) لأنّهم وافقوا الشیخ الأعظم فی الاحتمالین.

الجهة الخامسة: هل یعتبر فیها الضمان بمقتضی العقد أو تشمل الضمان بمقتضی الشرط؟

اقتضاء العقد الصحیح للضمان تارة یکون بذات العقد نحو البیع و اُخری یکون

ص: 326


1- (3) هدایة الطالب 2/247.
2- (4) المکاسب و البیع 1/307.
3- (5) کتاب البیع 1/269.
4- (6) هدی الطالب 3/98.
5- (7) بغیة الطالب 1/203.
6- (8) حاشیة المکاسب 1/457.
7- (9) حاشیة المکاسب 2/114.
8- (1) حاشیة المکاسب للإیروانی 2/115.
9- (2) حاشیة المکاسب /49 للفقیه الهمدانی.
10- (3) منیة الطالب 1/269.
11- (4) القواعد الفقهیة 2/114.
12- (5) مهذب الأحکام 16/253.

بالشرط نحو شرط الضمان فی العاریة أو شرط ضمان العین فی الإجارة، لا أشکال فی شمول القاعدة للقسم الأوّل _ أی إذا کان الضمان بذات العقد _ ولکن هل تشمل القسم الثانی _ أی إذا کان الضمان بالشرط النافذ _ أم لا؟

ذهب الشیخ الاعظم إلی الأوّل بدعوی أنّ «المتبادر من اقتضاء الصحیح للضّمان اقتضاؤه له بنفسه»(1) و استشکل فی شمول القاعدة للثانی.

أقول: بناءً علی المختار من أنّ العموم فی کلّ عقد هو العموم الأفرادی و أنّ المراد بالباء هو السببیة المطلقة الشاملة للناقصة لا إشکال فی شمول القاعدة لکلّ من القسمین _ أی إذا کان الضمان بذات العقد أو إذا کان بالشرط _ لأنّ الثانی أیضا من أفراد القاعدة و إذا کان العقد المشروط بالضمان صحیحا یکون بفاسده أیضا ضمان.

أمّا بناءً علی مختار الشیخ الأعظم من أنّ العموم فیها صنفی و المراد بالباء إذا کان السببیة هکذا یمکن القول بالشمول لأنّ العقد مع الشرط و بدونه صنفان مستقلان(2) فتجری القاعدة فی حقّ کلّ منهما أیّ إذا کان العقد المشروط بالضمان سببا للضمان صحیحا فکذلک سببا للضمان فاسدا.

و کذا علی مختاره من العموم الصنفی و المراد بالباء إذا کان الظرفیة و الأمر کذلک بل هو اُوضح و تشملهما القاعدة، أی إذا کان العقد المشروط بالضمان فی صحیحة ضمان یکون فی فاسده أیضا ضمان.

فما ذکره الشیخ من التبادر بالنسبة إلی الاختصاص هو مکابرةٌ.

و یؤید ما ذکرنا أنّ منشأ الضمان فی القاعدة هو الإقدام علی الضمان و المعاوضة و هذا

ص: 327


1- (6) المکاسب 3/185.
2- (7) کما نبّه علیه الفقیه الیزدی فی حاشیة المکاسب 1/456.

المنشأ کما یکون موجودا فی ذات العقد کذلک یمکن أن یکون موجودا فی الشروط. فلا فرق بینهما.

و علی ما ذکرنا ذهب الشهید الثانی فی مسألة الاستعارة من الغاصب مع جهل المستعیر بالغصب و اشتراط الضمان، فهل للمالک أن یرجع إلی المستعیر لو تلفت العین؟ قال: «... لأنّا لم نضمّنه من حیث الغصب بل من حیث کونها عاریة مضمونة و دخوله علی ذلک، فإذا تبیّن فسادها لحقّ حکم الفاسد بالصحیح، کما سلف من القاعدة»(1).

فالشهید الثانی یجعل الضّمان من مشمولات القاعدةِ و بمقتضی الشرط و تبعه سیّد الریاض إذ قال: «... و إن ألزم الغاصب لم یرجع علی المستعیر، إلاّ مع علمه أو کون العین مضمونة فیرجع علیه فیهما لاستقرار الضمان علیه فی الأوّل و إقدامه فی الثانی علی الضمان مع صحة العاریة فکذا علیه الضمان مع الفساد، للقاعدة الکلیّة أنّ کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده لکن هذا لایوجب إلاّ ضمان العین دون المنفعة، فإنّها لیست بمضمونة بالکلّیة ولو فی الذهب و الفضة، بل المضمون فیهما هو العین خاصة»(2).

ولکن ما ذکرنا لا یجری بالنسبة إلی ما یکون من قبیل شرط عدم الثمن فی البیع أو عدم الاُجرة فی الاجارة أو عدم المهر فی النکاح، لأنّ البیع _ لو خلّی و نفسه _ یکون مقتضیا للضمان و کذا الاجارة مقتضیا للاُجرة و النکاح للمهر، و إذا اشترط فی البیع عدم الثمن أو فی الاجارة عدم الاُجرة أو فی النکاح عدم المهر یکون الشرط موجبا لعدم الإقدام _ الذی هو منشأ الضمان _ فیقع باطلاً علی قول أو یکون هبة مجانیة بالنسبة إلی العین أو المنفعة أو البضع علی قول آخر بناءً علی جواز إیقاع العقود بالألفاظ المجازیة فإن المراد من البیع حینئذ هو

ص: 328


1- (1) المسالک 5/142.
2- (2) ریاض المسائل 9/450.

الهبة، و کذا المراد من الاجارة هو هبة المنافع أی العاریة، و المراد من النکاح هبة المهر أو صلحه مجانا أو تفویض البضع(1)، و یکون الشرط قرینة علیه فنفس الشرط یوجب الإقدام علی المجانیة، فإن کانت هبة صحیحة فلا ضمان فیها و إن کانت فاسدة فلا ضمان أیضا لأجل عدم الإقدام کما نبّه علیه المحقّق النائینی(2).

ثم اختار قدس سره فساد هذا القبیل و قال: «و التحقیق هو البطلان مطلقا سواء قلنا بصحة العقد بالألفاظ المجازیة أم لا، أمّا علی الثانی فواضح و أمّا علی الأوّل فلأنّه علی تقدیر القول به یقتصر علی ما إذا لم یکن الإنشاء بالألفاظ الدالة علی ما یضاد المعنی الحقیقی مثل إنشاء البیع بلفظ الهبة أو الهبة بلفظ البیع ممّا یکون مدلول القرینة منافیا لمقتضی العقد بحیث یوهم اندارجه تحت الشرط المخالف للعقد بل کان مثل لفظ نقلتُ و أشباهه من الألفاظ المجازیة التی کان المانع عن انعقاد العقد بها کون معناها معنی جنسیا مشترکا محتاجا إلی انضمام فصل إلیه المستلزم لتدریجیة إیجاده المنافی مع بساطته»(3).

و تبعه تلمیذه السیّد الخوئی(4).

و علی أیّ حال وافقنا علی عدم ضمان فی هذه الفروض الشهیدان و الیک نص کلامهما مع اعتراض المحقّق الثانی علی الشهید و دفاع ثانی الشهیدین عن الأوّل: قال المحقّق الثانی نقلاً من الشهید: «و فی حواشی الشهید: إنّ هذا إذا لم یکن الفساد باشتراط عدم الاُجرة، أو یکون متضمنا له فهناک یقوی عدم وجوب الاُجرة لدخول العامل علی ذلک»(5).

ص: 329


1- (3) المکاسب و البیع 1/307.
2- (4) و ذهب إلی الأخیر الفقیه الأصفهانی فی الوسیلة 2/346.
3- (1) المکاسب و البیع /309 و 310.
4- (2) مصباح الفقاهة 3/97.
5- (3) جامع المقاصد 7/120.

و استحسنه الشهید الثانی فی المسالک.(1)

و اعترض المحقّق الثانی علی الشهید و قال: «هذا صحیح فی العمل، أمّا مثل سکنی الدار التی یستوفیها المستأجر بنفسه، فإنّ اشتراط عدم العوض إنما کان فی العقد الفاسد الذی لاأثر لما تضمنه من التراضی فحقّه وجوب اُجرة المثل. و مثله ما لو باعه علی أن لا ثمن علیه. ولو اشترط فی العقد عدم الاُجرة علی العمل فعمل فلا شیء، لتبرعه بعمله»(2).

و أجاب الشهید الثانی عنه بقوله: «و یندفع الاشکال فیها بأنّه مع اشتراط عدم الاُجرة یکون اللفظ الوارد فی ذلک دالاّ علی إعارة العین المؤجرة فإنّ الإعارة لا تختص بلفظ مخصوص بل و لا علی لفظ مطلقا کما تقدم. و لا شک أنّ اشتراط عدم الاُجرة صریح فی الإذن فی الانتفاع من غیر عوض، باللفظ فضلاً عن القرینة فلا یترتب علیه ثبوت اُجرة»(3)

و استدل صاحب الجواهر للشهید بقوله: «و کان وجهه أنّه متبرع بالمال و العمل مجانا قادم علی ذلک، فهو أشبه شیء حینئذ بالعقود الفاسدة المجانیة کالهبة و العاریة و نحوهما مما لا یضمن بفاسدهما فلا یضمن بصحیهما.

بل قد یقال بشمول هذه القاعدة للفرض، بناءً علی ارادة أشخاص العقود منها لاأصنافها و لاریب فی عدم الضمان فی المقام لو فرض صحة العقد المزبور، فکذا لا یضمن به علی الفساد للقاعدة المزبورة التی عرفت أنّ الوجه فیها إقدامهما علی عدم الضمان فی التقدیرین کما أنّک قد عرفت تقریره حینئذهنا»(4).

ص: 330


1- (4) المسالک 5/184.
2- (5) جامع المقاصد 7/120.
3- (6) المسالک 5/184.
4- (1) الجواهر 27/247.

و استشکل العلاّمة فی الضمان و قال: «و الأقرب انعقاد البیع بلفظ السَلَم فیقول: أسلمت إلیک هذا الثوب فی هذا الدینار و کذا(1) لو قال: بعتک بلا ثمن أو علی أن لا ثمن علیک، فقال: قبلت، ففی إنعقاده هبة نظر، ینشأ من الالتفات إلی المعنی و اختلال اللفظ، و هل یکون مضمونا علی القابض؟ فیه إشکال ینشأ من کون البیع الفاسد مضمونا و دلالة لفظه علی اسقاطه»(2).

أقول: الظاهر من الفقهاء صحة عقد النکاح بلا مهر قال الفقیه الأصبهانی فی الوسیلة: «بل لو صرّحت بعدم المهر بأن قالت زوّجتک نفسی بلامهر، فقال: قبلت صح و یقال لهذا _ أی لإیقاع العقد بلامهر _ تفویض البضع و للمرأة التی لم یذکر فی عقدها مهرّ مفوّضة البضع»(3).

فما ذکرناه من بطلان هذه العقود لا یجری فی عقد النکاح.

هذا کلّه فی المقام الأوّل من البحث أعنی معانی ألفاظ القاعدة، ثمَّ یقع البحث فی مدرکها.

المقام الثانی: مدرک القاعدة
الأوّل: قاعدة الإقدام

و المراد بها أنّ کِلا المتعاقدین أقدما علی أن یکون مال الآخر انتقل إلیه بضمان لا

مجانا و بلاعوض.

من بعض کلمات الشیخ یظهر أنّ مدرک قاعدة ما یضمن هو قاعدة الإقدام حیث حکم بدخوله فی البیع أو الاجارة الفاسدین علی أن یکون المال مضمونا علیه بالمسمی فإذا

ص: 331


1- (2) لم یرد لفظة کذا فی نسخة.
2- (3) القواعد 2/44.
3- (4) وسیلة النجاة 2/346 من الطبع الحجری.

لم یسلّم له المسمی رجع إلی المثل أو القیمة.(1)

و قد یظهر من الشهید الثانی أنّ مدرک قاعدتنا هو الإقدام حیث یقول فی مسألة الرهن المشروط بکون المرهون مبیعا بعد انقضاء الأجل: «... و فاسد کلّ عقد یتبع صحیحه فی الضمان و عدمه فحیث کان صحیح الرهن غیر مضمون کان فاسده کذلک و حیث کان صحیح البیع مضمونا علی المشتری ففاسده کذلک. و السر فی ذلک أنّهما تراضیا علی لوازم العقد فحیث کان مضمونا فقد دخل القابض علی الضمان و دفع المالک علیه، مضافا إلی قوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی، و هو واضح»(2).

ولکن یظهر منه فی بحث المقبوض بالعقد الفاسد أنّ قاعدتنا دلیل مستقل فی ردیف قاعدة الإقدام و حدیث الید فقال: «لاإشکال فی ضمانه إذا کان جاهلاً بالفساد لأنّه أقدم علی أن یکون مضمونا علیه فیحکم علیه به و إن تلف بغیر تفریط و لقوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی و من القواعد المقررة فی هذا الباب أنّ کلّ عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده و أنّ ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده»(3).

کما یظهر من الشیخ الأعظم ذلک حیث یقول بعد صفحة: «نعم فی المسالک ذکر کلاًّ من الإقدام و الید دلیلاً مستقلاً»(4).

ثم ناقش الشّیخ الأعظم(5) قاعدة الإقدام بوجوهٍ ثلاثةٍ:

ص: 332


1- (1) راجع المبسوط 3/65 و 68 و 85 و 89، 2/204 کما مرّ نصوص کلام الشیخ فی أوّل البحث حول قاعدة ما یضمن فراجعها.
2- (2) المسالک 4/56.
3- (3) المسالک 3/154.
4- (4) المکاسب 3/191.
5- (5) المکاسب 3/189 و 188.

الأوّل: الضمان الموجود فی العقد المعاوضی هو الضمان المسمی فی العقد الفاسد و هو الضمان الخاص فالمتعاقدین أقدما و تراضیا و تواطئا بالعقد الفاسد علیه و المفروض عدم امضاء الشارع لذلک، و أمّا الضمان الواقعی _ و هو المثل أو القیمة _ ممّا لم یُقدما علیه.

و بعبارة اُخری: قاعدة الإقدام لا تثبت الضمان الواقعی، إذ المُقْدَم علیه _ و هو الضمان

المعاوضی _ المسمی _ و هو غیر واقع، و الواقع المدعی هو الضمان المثل أو القیمة غیر مُقْدَم علیه.

الثانی: النسبة بین قاعدتی مایضمن و الإقدام عموم من وجه فلا یمکن أخذ قاعدة الإقدام مدرکا لقاعدة ما یضمن، إذ قد یکون الإقدام موجودا و لا ضمان نحو تلف المبیع قبل القبض، و قد یکون الضمان و لا إقدام فی البین نحو: شرط ضمان المبیع علی البائع إذا تلف عند المشتری، و کما إذا قال: بعتک بلاثمن أو آجرتک بلا اُجرة.

الثالث: ما الدلیل علی أن کون قاعدة الإقدام موجبا للضمان علی نحو الاستقلال فی ردیف قاعدتی الإتلاف و استیفاء المنفعة و نحوهما؟

ولکن یمکن أن یجاب عن الشیخ الأعظم قدس سره باُمور:

عن اشکاله الأوّل بما ذکره المحقّق الخراسانی بقوله: «یمکن أن یقال بأنّهما أقدما علی أصل الضمان فی ضمن الاقدام علی ضمان خاص، و الشارع إنّما لم یمض الضمان الخاص لا أصله، مع أنّ دلیل فساد العقد لیس بدلیل علی عدم إمضائه فافهم»(1).

و بعبارة اُخری: إنّ هنا إقدامین هما: إقدام عام علی أصل الضمان و إقدام خاص علی الضمان المسمی و إذا حکم الشارع ببطلان العقد یبطل الإقدام الخاص _ أی ضمان المسمی _ ولکن الإقدام العام باقٍ علی أصل الضمان.

ص: 333


1- (1) حاشیة المکاسب /31.

و بعبارة ثالثة: المقصود من البیع أوّلاً و بالذات هو تملیک الغیر للمبیع و تملّکه للثمن و أمّا خصوصیة الثمن یمکن أن یقال أنّه مطلوب آخر فبانتفائه لا ینتفی ما هو المطلوب أوّلاً(1). أعنی إذا حکم الشارع ببطلان العقد بطل الثمن المسمی ولکن أصل الضمان یمکن أن یکون باقیا علی نحو تعدد المطلوب. أو علی نحو الشرط فی ضمن العقد حیث بطلان الشرط لم یسر إلی العقد. و أصل العقد باق علی صحته. لأنّ العقد هو الأصل و الشرط هو الفرع، و بطلان الفرع لایسری إلی الأصل.

و یمکن أن یجاب عن إشکاله الثانی: بأن تلف المبیع قبل القبض یعدّ انفساخا حقیقیّا للعقد و مع الانفساخ لا یصدق الإقدام و لا الضمان، و أمّا فی مثل البیع بلا ثمن و الاجارة بلا اُجرة فقد مرّ عدم الضمان تبعا للشهیدین. و أمّا شرط ضمان المبیع علی البائع إذا تلف عند المشتری فهو إمّا شرط فاسد لا یفسد به العقد، أو أنّه شرط مفسد للعقد و فی الصورتین

لم یتم ضمان البائع. فما ذکره الشیخ الأعظم من النقوض غیر تام.

و یمکن أن یجاب عن اشکاله الثالث الذی قَبِلَه المحقّق الخراسانی فی قوله: «لکن لا دلیل علی کون الإقدام سبیا للضمان أصلاً»(2) و الفقیه الیزدی لأنّه قال: «الاُولی أن یقال إنّ الإقدام لا یکون موجبا للضمان أصلاً لعدم الدلیل علیه و هذا هو الوجه...»(3).

یمکن أن یقرر الجواب بأنّ دلیل حجیة قاعدة الإقدام هو سیرة العقلاء و بناؤهم فی أبواب المعاملات علی أنّه إذا أخذ شیئا من الطرف، لا یأخذه إلاّ أن یعطی بدله و عوضه، فإن تراضیا علی العوض المعین _ المسمی _ فهو، و إن تعذّر المسمی _ بأیّ دلیل کان التعذر _ یرون المأخوذ مضمونا علی الآخذ بالضمان الواقعی _ أی المثل أو القیمة _ فإذا حکم الشارع

ص: 334


1- (2) کما فی حاشیة المکاسب /51 للفقیه الهمدانی.
2- (1) حاشیة المکاسب /31.
3- (2) حاشیة المکاسب 1/457.

بفساد المعاملة و عدم لزوم أداء المسمی یرونه ضامنا بالضمان الواقعی. و لم یرد من الشارع ردع هذه السیرة و البناء.(1) و إذا قررنا قاعدة الإقدام بهذا التقریر لا یمکن ردّها و یمکن أن نجعله دلیلاً لقاعدة الإقدام فتأمل.

اعترف الشیخ الأعظم ببعض ما ذکرنا حیث یقول بعد سطور: «ثم إنّه لا یبعد أن یکون مراد الشیخ و من تبعه من الاستدلال علی الضمان بالإقدام و الدخول علیه، بیان أنّ العین و المنفعة اللذین تسلّمهما الشخص لم یتسلّمهما مجانا و تبرّعا حتّی لا یقضی احترامهما بتدارکهما بالعوض کما فی العمل المتبرّع به و العین المدفوعة مجانا أو أمانة»(2).

هذا نظیر ما ذکرناه ولکن أضاف إلیه: «فلیس دلیل الإقدام دلیلاً مستقلاً بل هو بیان لعدم المانع عن مقتضی الید فی الأموال و احترام الأعمال»(3).

أقول: و فی هذه الاضافة نظر بیّن یظهر من التأمل فی ما ذکرناه.

الثانی: خبر الید:
اشارة

و هو قوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی(4).

قال الشیخ الأعظم: «و أمّا خبر الید فدلالته و إن کانت ظاهرة و سنده منجبرا إلاّ

أنّ مورده مختص بالأعیان، فلا یشمل لمنافع و الأعمال المضمونة فی الإجارة الفاسدة»(5).

و قال بعد صفحات: «و لا إشکال فی عدم شمول صلة الموصول للمنافع، و حصولها

ص: 335


1- (3) قرر السیّد البجنوردی هذا البناء للعقلاء فی القواعد الفقهیة 2/105 و جعلها دلیلاً مستقلاً للضمان. و تبعه السیّد الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/96.
2- (4) المکاسب 3/190.
3- (5) المکاسب 3/191.
4- (6) عوالی اللآلی 1/224، ح106، 1/389، ح22 و قد مرّ مصادره فی ما سبق.
5- (1) المکاسب 3/189.

فی الید بقبض العین لا یوجب صدق الأخذ و دعوی: أنّه کنایة عن مطلق الاستیلاء الحاصل فی المنافع بقبض الأعیان مشکلة»(1).

و یظهر من الشیخ الطوسی تمسکه بخبر الید حیث قال فی مسألة إذا باع عبدا بیعا فاسدا: «... و إذا وجب ردّه نُظر فإن کان بحاله لم یزد و لم ینقض ردّه و لا شیء علیه إلاّ أن یکون له اُجرة و هو أن یکون المبیع ممّا ینتفع به مع بقاء عینه انتفاعا مقصودا فیجب اُجرة مثله للمدّة التی أقام فی یده...»(2).

و أنت تری تمسکه بالید حتّی فی المنافع و بعد صفحة یظهر منه أنّها خبر الید حیث یقول: «... و إن ردّها حاملاً و ولدت فی ید البائع لزمه ما ینقص بالولادة...»(3).

و کذا قال: «فإذا ثبت أنّ البیع فاسد نظر فإن کان المبیع قائما أخذه مالکه و هو البائع الأوّل... و إن طالب الثانی و غرمه لم یرجع إلی الأوّل لأنّه تلف فی یده...»(4)

و قال: «... و إن طالب البائع رجع البائع علی المشتری بأکثر ما کانت قیمته من حین قبضه إلی حین العتق، لأنّه دخل علی أنّه علیه بعوض و قد تلف فی یده، و إن طالب المشتری لم یرجع المشتری علی البائع بما غرم لأنّ التلف فی یده، فاستقرّ الضمان علیه»(5).

و قد تقدم کلام الشهید الثانی و تمسلکه بخبر الید و جعلها من مدارک قاعدة ما یُضمن و قد مرّ أیضا عدّها فی ردیف خبر الید للضمان.(6)

ص: 336


1- (2) المکاسب 3/204.
2- (3) المبسوط 2/149.
3- (4) المبسوط 2/150.
4- (5) المبسوط 2/150.
5- (6) المبسوط 3/98.
6- (7) المسالک 3/154.

ثم خبرالید هل یشمل المنافع المستوفاة و غیر المستوفاة أم لا، و یختص بالأعیان فقط؟

ذهب الشیخ الأعظم(1) إلی أنّه مختص بالأعیان بالأدلة التالیة:

1_ عدم شمول لفظة «ما» الموصولة للمنافع.

2_ عدم صدق الأخذ عرفا بالنسبة إلی المنافع ولو حصلت فی الید بقبض العین.

3_ دعوی أنّ المراد من الأخذ هو مطلق الاستیلاء الحاصل فی المنافع بقبض الأعیان مشکلة.

و أضاف إلیها المحقّق الأصفهانی وجها رابعا و هو:

4_ «عدم صدق التأدیة فی المنافع مطلقا فإن ظاهر قوله «حتّی تؤدی» کون عهدة المأخوذ مغیاة بأداء النفس المأخوذ و المنافع لتدرجها فی الوجود لا أداء لها بعد أخذها فی حدّ ذاتها، لا کالعین التی لها أداء فی حدّ ذاتها و إنْ عرضها الامتناع ابتداءً أو بقاءً»(2).

و قد شرح لنا المحقّق السیّد الخوئی بیان أُستاذه بقوله: «أنّ الظاهر من ذیله هو اختصاصه بالأعیان فقط، بداهة أنّ الظاهر من الأداء هو ردّ المأخوذ بعینه بدءا. و مع عدم التمکن منه ینوب عنه ردّ المثل أو القیمة. و من الواضح أنّ ردّ المأخوذ بعینه لا یعقل فی المنافع، لأنّها ما لم توجد فی الخارج لیست بمضمونة و بعد وجودها فیه تنعدم و تنصرم، و حینئذ فلا یمکن أداؤها إلی المالک کلّی یشملها دلیل ضمان الید»(3).

و أضاف السیّد الحکیم وجها خامسا و هو:

5_ أنّ المراد من الأخذ هو «الاستیلاء علی شیء یتوقف علی کونه موجودا حقیقیا

ص: 337


1- (8) المکاسب 3/204.
2- (1) حاشیة المکاسب 1/317.
3- (2) مصباح الفقاهة 3/128.

و لایصح بالإضافة إلی المنافع التی هی من الاُمور الاعتباریة و لا وجود لها حال الاستیلاء علی العین، فنسبة الاستیلاء إلیها یتوقف علی نحو من التجوّز و العنایة و ذلک ممّا لا قرینة علیه فیختص الدلیل بضمان العین لا غیر»(1).

ولکن یمکن أن یناقش فی الکلّ:

أمّا الأوّل: فلوضوح شمول لفظة «ما» الموصولة للمنافع، لأنّ «ما» هنا یراد به، لفظ «الشیء»، و یمکن أن یرادف بین لفظة الشیء و الوجود أو الموجود و لیس فی الألفاظ أعما منه. مضافا إلی أنّ شمول الموصول یکون بقدر شمول صلته و هی کلمة «أخذت» و إذا ظهر شمول کلمة «الأخذ» للمنافع کما سیأتی ظهر شمول «ما» الموصولة لها.

و أمّا مناقشة الدلیل الثانی و الثالث و الخامس _ و الکلّ مشترک فی المناقشة

فی مدی دلالة کلمة «الأخذ» _ فیظهر ممّا ذکره المحقّق السیّد الخوئی بقوله: «أنّ مفهوم کلمة الأخذ اُوسع من ذلک [من أن تختص بالأعیان]، لعدم اختصاصه بالأخذ الخارجی و إلاّ لزم منه خروج کثیر من الأعیان عن مورد الحدیث کالدار و الأرض و البستان و الحدیقة و أشباهها ممّا لا یقبل الأخذ الخارجی.

و ممّا یدل علی صحة ما ذکرناه: أنّ مفهوم الأخذ یصح انتسابه إلی الاُمور المعنویة کالعهد و المیثاق و الرأی و أمثالها کما أنّه یصح انتسابه إلی الاُمور الخارجیة، و إذن فلا وجه لتخصیص مفهوم الأخذ بالأعیان الخارجیة و إنّما هو کنایة عن الاستیلاء علی الشیء کما أنّ کلمة بسط الید کنایة عن الجود و السخاء و کلمة قبض الید کنایة عن البخل و لا ریب أنّ استعمال لفظ الأخذ فی هذا المعنی _ الذی ذکرناه _ کثیر فی القرآن و غیره و منه قوله تعالی:

ص: 338


1- (3) نهج الفقاهة /229.

«لا تأخذه سنة و لا نوم»(1)»(2).

أقول: الشاهد لما ذکره المحقّق السیّد الخوئی الاستعمالات القرآنیة لکلمة الأخذ أو مشتقاتها نحو: قوله تعالی: «و إذ أخذ اللّه میثاق النبیین لما آتیتکم من کتاب و حکمة»(3) و «و إذ أخذنا میثاقکم و رفعنا فوقکم الطور»(4) و «خذ العفو و أمر بالعُرف و اعرض عن الجاهلین»(5) و «خذوا ما آتیناکم بقوة و اذکروا ما فیه لعلّکم تتقون»(6) و «ما آتاکم الرسول فخذوه و ما نهاکم عنه فانتهوا»(7) و غیرها من الآیات.

و لذا قال الفقیه الیزدی: «إذ من المعلوم أنّ الأخذ لیس بمعنی القبض بالید و إلاّ لزم عدم الحکم بالضمان فی کثیر من الموارد، هذا. مع أنّه یمکن أن یقال یکفی صدق الأخذ بالنسبة إلی العین فی ضمان المنافع فإنّ حاصل المعنی أنّ ما أخذت الید مضمونة و یجب الخروج عن عهدتها و من شؤون الخروج عند عهدة العین أداء عوض منافعها، کما أنّ من شؤونه أرش العیب و نحوه»(8).

و أمّا مناقشة الدلیل الرابع فیظهر من إجابة المحقّق الخمینی قدس سره له حیث یقول: «إنّ الشیء المتصرم یوجد شیئا فشیئا و ینعدم، و فی حال وجوده ولو وجودا مستمرا غیر مستقر یقع تحت الید فیکون الاستیلاء علی موجود و إن لا یبقی آنین، فیقع وجوده الآنی

ص: 339


1- (1) سورة البقرة /255.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/128.
3- (3) سورة آل عمران /81.
4- (4) سورة البقرة /93.
5- (5) سورة الأعراف /199.
6- (6) سورة البقرة /63.
7- (7) سورة الحشر /7.
8- (8) حاشیة المکاسب 1/467.

المستمرّ تحت الید و بتلفه یصیر مضمونا علی ذی الید المستولی علیه، فلذلک الوجود المستمرّ فی عمود الزمان یقع تحت الید بنحو الاستمرار و الانصرام و بانعدامه یصیر ضامنا شیئا فشیئا»(1).

و بقوله: «إنّ المنافع إذا کانت مقدرة الوجود صح تملیکها و تملّکها و صیرورتها تحت الاستیلاء عرفا، و لازم ذلک أنّ المنافع المتدرجة واقعا صارت مقدَّرة الوجود فی زمان وقوع الاجارة، فتقدیر وجودها فعلاً یخرجها عن تصرم الوجود إلی ثباته و قراره، فوجودها فی الحال مصحّح التملّک و الاستیلاء فعلیه یکون هذا الموجود الثابت القارّ تقدیرا من شأنه ذاتا أن یؤدی، و التلف ابتداءً أو بقاءا لا ینافی الشأنیة کما أنّ التلف العارض للعین فی الآن الأوّل من الأخذ لا ینافی شأنیة التأدیة.

و بالجملة: إن لوحظ التأدیة بالنسبة إلی الوجود الواقعی المتصرِّم فهی و إن لا تمکن، لکن لا یعقل فیه الاستیلاء، و الأخذ، و إن لوحظت بالنسبة إلی ما یمکن فیها الاستیلاء و التملّک فی الحال فالتأدیة فیها ممکنة ذاتا و شأنیتها لاتنافی التلف العارض لبعض وجودها...»(2).

و کذا «مع أنّ إمکان الأداء فی الجملة کافٍ فی حفظ ظهور الغایة، و لا یلزم إمکان الأداء بجمیع خصوصیاتها و تمام وجودها تأمّل»(3).

ثم قال: «إنّ حل الإشکال بأن یقال: إنّ الظاهر من الخبر أن جمیع العنایة فیه بجعل الضمان علی المأخوذ و إنّما ذکرت الغایة لتحدید الموضوع و معناه أن الحکم بالضمان تعلَّق علی المأخوذ غیر المؤدی من غیر نظر إلی إمکان التأدیة و لا إمکانها و شأنیة التأدیة و لا

ص: 340


1- (1) کتاب البیع 1/274.
2- (2) کتاب البیع 1/276.
3- (3) کتاب البیع 1/277.

شأنیتها... و بالجملة الظاهر من قوله صلی الله علیه و آله «علی الید» الخ جعل الضمان علی غیر المؤدی سواء أمکن الأداء أم لا، أو کان له شأنیة الأداء أم لا...»(1).

أقول: فهذه أربعة أجوبةٍ للمحقّق الأصفهانی رحمه الله فظهر ممّا ذکرنا المناقشة فی جمیع أدلة المخصّصین لحدیث الید بالأعیان، فحینئذ یصحّ القول بأنّ حدیث الید یشمل المنافع مطلقا _ أی المستوفاة منها و غیر المستوفاة _ و اللّه العالم.

تنبیةٌ:

ولکن لابدّ من التنبیه علی أنّ النسبة بین الاستیلاء علی الشیء و استیفاء منافعه مختلفة:

الأوّل: الأعیان التی یتوقف استیفاء منافعها علی کونها تحت استیلاء المستوفی کالدار المستأجرة للسکنی، و فی هذا القسم قبض المنفعة یصدق بقبض العین و تکون المنافع تحت الید بتبع العین فالید علی العین ید علی المنفعة.

الثانی: الأعیان التی لا یکون استیفاء منافعها بالاستیلاء علی العین کعمل الحر، فضمانه فی هذا القسم إنّما هو بالاستیفاء فکلّ ما سلمت المنفعة للمستأجر یکون ضامنا لها فی العقد الصحیح کانت أو الفاسد.

الثالث: ما یمکن بکلا القسمین _ الأوّل و الثانی _ کالدابة أو السیارة المستأجرة لحمل المتاع و فی هذا القسم یجری حکم القسمین أعنی ما کان منه استیفاء المنفعة بالتصرف فی العین فیکون ضمانها بالید، و ما کان منه بالاستیفاء و حصولها للمستأجر فبالاستیفاء. کما نبّه علیها المحقّق النائینی(2).

ص: 341


1- (4) کتاب البیع 1/277.
2- (1) المکاسب و البیع 1/319 و 318.

و ممّا تلوناه علیک یظهر النظر فی مقالة المحقّق الخراسانی: «و مورده و إن کان مختصا بالأعیان، إلاّ أنّ قضیة کونها مضمونة ضمان منافعها، فضمان المنافع فی الإجارة الفاسدة إنّما یکون بتبع ضمان العین المستأجرة و بالجلمة قضیة ضمان الید، ضمان المنافع فیما کانت العین مضمونة بها، فاختصاص مورده بالأعیان، لا یوجب اختصاص الضمان بها، نعم الحرّ، حیث لم یکن نفسه مضمونة بالید، لم یکن أعماله مضمونة فی الإجارة الفاسدة بها، فافهم»(1).

و وجه النظر فی مقالته عدم اختصاص حدیث الید بالأعیان کما مرّ ولکن حکمه بضمان المنافع تام و کذا تقسیمه الثنائی للمنافع فما مرّ من النائینی من تقسیمه الثلاثی غیر تام و یمکن الحاق بعض أقسام القسم الثالث بالأوّل و بعضها بالثانی، و یأتی ضمان منافع الحرّ

ولو کانت غیر مستوفاة فی ما بعد(2) فانتظر، و الحمدللّه.

الثالث: قاعدة الاحترام
اشارة

و هی احترام مال المسلم و یصدق الموضوع _ أی المال _ علی الأعیان کما أنّه یصدق علی المنافع فتکون قاعدة الاحترام الدلیل الثالث لقاعدة ما یُضمن. و تُسْتَفادُ قاعدة الاحترام من طوائف من الروایات:

الاولی: ما دلّ علی عدم حلیة مال المسلم لغیره إلاّ عن طیب نفسه.

منها: صحیحة أبی أسامة زید الشحام عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وقف بمنی حین قضی مناسکها فی حجة الوداع _ إلی أن قال: _ فقال: أیّ یوم أعظم حرمة فقالوا: هذا الیوم، قال: فأیّ شهر أعظم حرمة؟ فقالوا: هذا الشهر، قال: فأیّ بلد أعظم حرمة؟ قالوا:

ص: 342


1- (2) حاشیة المکاسب /31.
2- (1) راجع فرع ضمان عمل الحرّ الکسوب المحبوس، فی هذا المجلد ص417.

هذا البلد، قال: فإنّ دماءَکم و أموالکم علیکم حرام کحرمة یومکم هذا فی شهرکم هذا فی بلدکم هذا إلی یوم تلقونه فیسألکم عن أعمالکم، ألا هل بلغتُ؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد ألا من کانت عنده أمانة فلیؤدّها إلی مَنْ ائتمنه علیها فإنّه لا یحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلاّ بطیبة نفسه، و لا تظلموا أنفسکم و لا ترجعوا بعدی کفّارا.(1)

و منها: مرسلة ابن شعبة الحّرانی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال فی خطبة الوداع: أیّها الناس إنّما المؤمنون إخوة، و لا یحلّ لمؤمن مال أخیه إلاّ عن طیب نفس ٍ منه.(2)

و منها: خبر محمّد بن زید الطبری قال: کتب رجل من تجار فارس من بعض موالی أبی الحسن الرضا علیه السلام یسأله الإذن فی الخمس فکتب إلیه: بسم اللّه الرحمن الرحیم، إنّ اللّه واسع کریم ضمن علی العمل الثواب و علی الضیق الهمّ(3)، لا یحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه اللّه، الحدیث.(4)

و منها: التوقیع الشریف بسند صحیح و فیه: و أمّا ما سألت عنه من أمر الضیاع التی لناحیتنا هل یجوز ا لقیام بعمارتها و أداء الخراج منها و صرف ما یفضل من دخلها إلی الناحیة احتسابا للأجر و تقرّبا إلیکم؟ فلا یحلّ لأحد أن یتصرف فی مال غیره بغیر إذنه

فکیف یحلّ ذلک فی مالنا؟! التوقیع.(5)

و منها: مرسلة الأحسائی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال: المسلم أخو المسلم لا یحلّ

ص: 343


1- (2) وسائل الشیعة 29/10، ح3، الباب 1 من أبواب القصاص فی النفس، و ذکرها مختصرا فی وسائل الشیعة 5/120، ح1، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
2- (3) وسائل الشیعة 5/120، ح3.
3- (4) و فی التهذیب 4/139، ح395 و المقنعة /46: و علی الخلاف العقاب.
4- (5) وسائل الشیعة 9/538، ح2، الباب 3 من أبواب الانفال.
5- (1) وسائل الشیعة 9/540، ح7، الباب 3 من أبواب الأنفال.

ماله إلاّ عن طیب نفس ٍ منه.(1)

بتقریب: إنّ حرمة مال المسلم یراد بها حرمة التصرف فیه و هو أعم من التصرف الخارجی کالأکل و الشرب و الاعتباری کالبیع و الصلح، فصارت الحرمة تکلیفیة بالنسبة إلی التصرفات الخارجیة و وضعیّة بالنسبة إلی التصرفات الاعتباریة، و الحرمة تقتضی ضمان المتصرِّف فیه و بما ذکرنا یظهر عدم تمامیة اختصاصها بالحرمة التکلیفیة کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی(2) قدس سره .

و کذا لا یتم ما یقال بأنّ «لو قبض ماله لا بالقهر و الغلبة _ حتّی تکون یده عادیة _ لاشیء علیه لو تلف بالتلف السماوی من دون ارتباط إلی القابض لا مباشرة و لا تسبیبا»(3).

لأنّه فی مسألتنا أعطی ماله فی مقابل عوض معین فإذا صارت المعاملة باطلة و حکم الشارع بعدم جواز أخذ ثمن المسمی و تلف المال فی ید المشتری، فلا یرضی البائع بهذه المعاملة و المعاوضة و لا تطیب نفسه بها فیکون المشتری ضامنا حتّی فی فرض التلف _ و کما هو کذلک فی فرض الإتلاف _ و بما ذکرنا یظهر جواب هذا الإشکال فی الطائفة الثانیة أیضا.

الثانیة: ما دلّ علی أنّ حرمة مال المسلم کحرمة دمه

منها: موثقة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : سباب المؤمن فسوق و قتاله کفر و أکل لحمه معصیة و حرمة ماله کحرمة دمه.(4)

ص: 344


1- (2) عوالی اللآلی 3/473، ح1.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/90.
3- (4) القواعد الفقهیة 2/106 للسیّد البجنوردی.
4- (5) وسائل الشیعة 12/297، ح3، الباب 158 من أبواب أحکام العشرة.

بتقریب: نزّل حرمة مال المؤمن منزلة حرمة دمه و عموم التنزیل یقتضی ثبوت کلّ حکم للدم، للمال أیضا و حیث أنّ الدم لا یذهب هدرا و إراقته حرام تکلیفا و وضعا و هو یوجب ثبوت القصاص أو الدیة فکذلک المال حرام التصرف فیه من دون إذن مالکه و علی

فرض التصرف الحرام یوجب الضمان. و السیاق لیس بحجة و ظهور بقیة الفقرات فی الحکم التکلیفی لایوجب ظهور الأخیرة فی الحکم الوضعی.(1)

و العجب من المحقّق السیّد الخوئی حیث خصص الروایة فی صورة الإتلاف _ لاالتلف _ و علّله بقوله: «إذ لا یتوهم عاقل أنّه إذا تلف مال مؤمن بآفة سماویة ضمن به سائر المؤمنین و علیه فیکون الدلیل أخص من المُدعی»(2).

وجه التعجب: لا یتوهم لو مات أحدٌ حتف أنفه أو قُتل أحدٌ فی المجتمع فدیته علی الجمیع حتّی یتوهم ذلک بالنسبة إلی تلف المال، نعم لو وجد قتیل فی قبیلة أو قریة _ و کانت موضع اتّهام _ تُعْقَلُ الدیة(3) بینهم لما دلّ علیه النصوص.(4)

و کذلک بالنسبة إلی المال و أمّا إذا کان المالک لا یرضی إلاّ ببدل ماله و أبطل الشارع ثمن المسمی فهل لأحد أن یقول بعدم حرمة المال حینئذ و جواز أکله من دون عوض و ضمان؟! کلاّ.

الثالثة: ما ورد من الروایات من التعلیل فیها بعدم ذهاب حقّ أحدٍ.

منها: صحیحة ضُرَیس الکناسی قال: سألت أباجعفر علیه السلام عن شهادة أهل الملل هل تجوز علی رجل مسلم من غیر أهل ملّتهم؟ فقال: لا، إلاّ أن لا یوجد فی تلک الحال غیرهم،

ص: 345


1- (1) خلافا للسیّد الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/91.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/91 و راجع کتابه 3/129.
3- (3) أی تکون علی (العاقلة).
4- (4) راجع وسائل الشیعة 29/148، الباب 8 من أبواب دعوی القتل.

و إن لم یوجد غیرهم جازت شهادتهم فی الوصیة لأنّه لا یصلح ذهاب حقّ امری مسلم و لاتبطل وصیته.(1)

و منها: صحیحة الحلبی و محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته: هل تجوز شهادة أهل ملّة من غیر أهل ملّتهم؟ قال: نعم، إذا لم یوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غیرهم، إنّه لا یصلح ذهاب حقّ أحد.(2)

و منها: موثقة سماعة قال: سألت أباعبداللّه علیه السلام عن شهادة أهل الذمة؟ فقال: لا تجوز إلاّ علی أهل ملّتهم، فإن لم یوجد غیرهم جازت شهادتهم علی الوصیة لأنّه لا یصلح ذهاب حقّ أحدٍ.(3)

بتقریب: أنّ عنوان الحقّ عام یشمل الحقوق المالیة و الحقوق المصطلحة فی مقابل الحکم و المال و الملک(4)، فحینئذ یدلّ التعلیل الوارد فی الروایات بأنّه إذا ثبت حقّ شخصٍ علی غیره لایجوز ذهابه و فواته بغیر عوض و لیس هذا إلاّ معنی الضمان.

ولکن یمکن أنّ یناقش فی دلالة هذه الطائفة الثالثة بأنّها «واردة فی مورد الوصیة و أنّ للمسلم أن یوصی بماله و هذا حقّ له و لا یصلح أن یذهب حقّه، و علیه فإن أمکن الإشهاد علیه من المسلمین فهو، و إلاّ تجوز شهادة غیرهم أیضا و هذا المعنی أجنبی عمّا نحن فیه بالمرّة»(5) کما عن المحقّق السیّد الخوئی.

ص: 346


1- (5) وسائل الشیعة 19/309، ح1، الباب 20 من أبواب الوصایا.
2- (6) وسائل الشیعة 19/310، ح3.
3- (7) وسائل الشیعة 19/311، ح5.
4- (1) قد مرّ منّا تعریف الحقوق، و الفارق بینها و بین الحکم و المال و الملک فی التنبیه الثالث بعد تعریف البیع فی أوّل الکتاب فراجع ص15 من هذا المجلد.
5- (2) مصباح الفقاهة 3/93.

و لأحد أن یقول: نتمسک بالتعلیل الوارد فی ذیل الروایات و هو عدم جواز ذهاب حقّ أحد هدرا، و الوصیة إحدی مصادیقه و لا یختص بها و قاعدة الاحترام یشملها التعلیل و الحمدللّه.

الرابع: قاعدة نفی الضرر
اشارة

الروایات الواردة حول قاعدة لا ضرر مستفیضة عند الفریقین:

منها: موثقة زرارة.(1)

و منها: معتبرة أبی عبیدة الحذّاء.(2)

و منها: خبر زرارة.(3)

و منها: خبر عقبة بن خالد.(4)

و منها: خبر آخر لعقبة بن خالد.(5)

و منها: مرسلة الصدوق عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال: لا ضرر و لا ضرار فی الإسلام.(6)

و منها: صحیحة هارون بن حمزة الغنوی.(7)

و منها: صحیحة و مکاتبة محمّد بن الحسین.(8)

ص: 347


1- (3) وسائل الشیعة 25/428، ح3، الباب 12 من أبواب کتاب إحیاء الموات.
2- (4) وسائل الشیعة 25/427، ح1.
3- (5) وسائل الشیعة 25/429، ح4.
4- (6) وسائل الشیعة 25/399، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب الشفعة.
5- (7) وسائل الشیعة 25/420، ح2، الباب 7 من أبواب إحیاء الموات.
6- (8) الفقیه 4/334، ح5718، باب میراث أهل الملل.
7- (1) الکافی 5/293، ح4.
8- (2) الکافی 5/293، ح5.

و منها: خبر ثالث لعقبة بن خالد.(1)

و منها: صحیحتا الحلبی.(2)

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم.(3)

و منها: مرسلة القاضی نعمان المصری و هی خبر هدم الحائط.(4)

و منها: مرسلة أُخری له.(5)

و هذه أربع عشرة من الروایات المذکورة فیها قاعدة لا ضرر أو تطبیقها من طرقنا. و قد ورد ذکرها فی کتب العامة أیضا نحو مسند أحمد(6) و سنن ابن ماجه(7) (8) و سنن الدار قطنی(9) و المراسیل مع الأسانید لأبی داود(10) و کنزالعمال للمتقی الهندی.(11)

بل یمکن القول بتواترها الإجمالی کما ذهب إلیه المحقّق الخراسانی(12) قدس سره .

و هذه الروایات تدل علی نفی الحکم الضرری فی الشریعة المقدسة و أنّ الحکم

ص: 348


1- (3) الکافی 5/294، ح7.
2- (4) وسائل الشیعة 23/36، ح1 و 2، الباب 18 من أبواب کتاب العتق.
3- (5) وسائل الشیعة 23/40، ح12.
4- (6) دعائم الاسلام 2/504، ح1805 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 17/118، ح1.
5- (7) دعائم الاسلام 2/499، ح1781 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 17/118، ح2.
6- (8) مسند أحمد 1/313.
7- (9) سنن ابن ماجه 2/784، ح2340 و ح2341.
8- (10) بالهاء الخالصة و لیس بالتّاء القصیرة المربوطة کما نبّه عی ذلک محقّقو العامّة. ممّن عرضوا لترجمته. و لیست بعربیّةٍ.
9- (11) سنن الدار قطنی 4/228 و 4/822.
10- (12) المراسیل مع الأسانید /207، ح2، باب 71 فی الإضرار.
11- (13) کنزالعمال 3/919، ح9167 و 4/61، ح9519 و ح9518 و 5/843، ح14534.
12- (14) کفایة الاُصول 3/159 طبع جماعة المدرسین بقم المقدسة، عام 1427ق.

الضرری غیرمجعولة فیها و إذا وصلت الأحکام الشرعیة إلی حدّ الضرر تنفی بهذه القاعدة المهمة و التفصیل یطلب من الأبحاث الاُصولیة فی نهایة مطاف البحث حول الاُصول العملیة، یبحث فیها حول قاعدة لا ضرر مفصلاً.(1) و من المعلوم أنّ الحکم بعدم ضمان القابض لما قبضه بالعقد الفاسد ضرر علی مالکه فأدلة نفی الضرر تنفیه.

ولکن یمکن أن یناقش فیه بعدّة من الوجوه:

الأوّل: أدلة لا ضرر لو دلّت علی الضمان _ و لم تدل _ فإنّما تدل علیه فی بعض الموارد نحو: الإتلاف أو استیفاء المنافع أو فیما کان العمل بأمر الآمر و أمّا فی فرض التلف السماوی _ مع تحفظ القابض علیه _ فلا موجب لإضراره دفعا لتضرر المالک.

الثانی: إذا انتفی الضمان المسمی ببطلان المعاملة یبقی الضمان بالنسبة إلی البدل الواقعی و حینئذ تقع المعارضة فی شمول أدلة نفی الضرر لکلا الطرفین لأنّ البدل الواقعی قد یزید علی البدل المسمی بکثیر و لم یقدم علیه القابض بوجه من الوجوه.

الثالث: _ و هو العمدة فی المقام _ عدم شمول أدلة نفی الضرر للأحکام العدمیة لأنّها تنفی ما ثبت بالعمومات من الأحکام الشرعیة، و عدم الضمان و غیره من الاُمور العدمیة لیست أحکاما شرعیة مجعولة من قبل الشارع، لأنّ ما یصحح استناد الضرر هو إیجاد مایستلزمه و أمّا عدم إیجاد المانع عن الضرر فلا یتحقّق به إسناد الضرر.

مضافا إلی أنّ الالتزام بعموم الأدلة للأحکام العدمیة یوجب تأسیس فقه جدید کما هو الثابت فی محلّه.(2)

ص: 349


1- (15) قد بحثنا حولها شهرین کاملین فی بحوثنا الاُصولیة وللّه الحمد.
2- (1) راجع فی هذا المجال تقریر أبحاث المحقّق النائینی حول قاعدة لا ضرر المطبوع فی ضمن منیة الطالب 3/418 و مصباح الاُصول 2/559 تقریر أبحاث السیّد الخوئی و منتقی الاُصول 5/450 تقریر أبحاث المحقّق الروحانی قدس سرهم .
تنبیهٌ:

هذا تمام الکلام فی مدرک قاعدة ما یضمن ولکن بقی هنا أمرٌ لابدّ من التنبیه علیه و هو بعض الأعمال المضمونة التی لا یرجع نفعها إلی الضامن و لم تقع بأمره کالسبق فی المسابقة الفاسدة هل فیها ضمان أم لا؟ أی هل یستحق السابق أجرة المثل أم لا؟

ذهب إلی عدم الضمان و عدم استحقاقه اُجرة المثل جماعة عُدّ منهم:

الشیخ قال فی المبسوط: «و مَن قال المناضلة باطلة، فتناضلا فإن کان الناضل هو المسبِّق فلا کلام یمسک مال نفسه، و إن کان الناضل هو المسبَّق لم یستحقّ المسمّی لأنّ المسمی سقط فی العقد الفاسد. و قال قوم یستحقّ اُجرة المثل کالبیع و الصلح و الإجارة، و

قال آخرون لایستحقّ شیئا لأنّه إنّما یجب اُجرة المثل فی الموضع الذی یفوِّت علی العامل عمله و عاد به نفعه إلی الناضل کالقراض الفاسد یجب علیه اُجرة مثل العامل لأنّه فوّت علیه عمله فیما عاد نفعه إلیه»(1)

و أنت تری بأنّ الشیخ ذکر طرفی المسألة من استحقاق أجرة المثل و عدمها و استدل لهما و لم یختر فی المقام شیئا فعدّ الشیخ بواسطة هذا الکلام و عدم اعتراضه علی القول بعدم استحقاق أجرة المثل من القائلین به، لا بأس به.

نعم، عنون صدر المسألة فی الخلاف و قال: «إذا تناضلا فسبق أحدهما صاحبه فقال لک عشرة بشرط أن تطعم السبق أصحابک کان النضال صحیحا و الشرط باطلاً، و به قال أبوحنیفة و أبو اسحاق المروزی، و قال الشافعی: النضال باطل، دلیلنا: أنّ الأصل صحته و

ص: 350


1- (1) المبسوط 6/302.

أن مضامة الشرط إلیه تفسده یحتاج إلی دلیل»(1).

و هذه المسألة أیضا تخلو من القول بالفساد و عدم استحقاق أُجرة المثل.

و منهم: المحقّق قال: «الخامسة: إذا فسد عقد السبق، لم یجب بالعمل اُجرة المثل و یسقط المسمّی لا إلی بدلٍ، ولو کان السبق مستحِقّا وجب علی الباذل مثله أو قیمته»(2).

و القسم الأخیر من کلامه یرجع إلی ظهور عدم مملوکیّة العوض لِمَنْ یجب علیه بذله فحکم بالانتقال حینئذ إلی المثل أو القیمة.

و منهم: الشهید الثانی نقل استدلال القائلین بوجوب اُجرة المثل بفساد العقد ثم قال ردّا علیهم: «و عندی فیه نظر لأنّ الالتزام لم یقع إلاّ علی تقدیر العقد الصحیح و الأصل برأءة الذمة من وجوب شیء آخر غیر ما وقع علیه العقد. و الفرق بین هذا العقد و بین ما یجب فیه اُجرة المثل من العقود واضح، لا من جهة ما ذکروه من رجوع نفع عمل العامل إلی من یخاطب بالاُجرة حتّی یرد علیه مثل العمل الذی لا یعود به علیه نفع فی القراض، بل لأنّ تلک العقود اقتضت أمر العامل بعملٍ له اُجرة فی العادة، فإذا فسد العقد المتضمّن للعوض المخصوص بقی أصل الأمر بالعمل الموجب لاُجرة المثل بخلاف هذا العقد، فإنّه لا یقتضی أمرا بالفعل، فإن قوله: سابقتک علی أن مَنْ سبق منّا فله کذا، و نحو ذلک من الألفاظ الدالة علی المراد لیس فیها أمر و لا ما یقتضیه بفعل له اُجرة، فالأصل براءة الذمة من وجوب شیء

آخر غیر ما تضمّنه العقد...»(3).

و منهم: المحقّق الأردبیلی ولکن علی القول بأنّ عقد السبق جائز _ کما علیه الشیخ

ص: 351


1- (2) الخلاف 6/105، مسألة 10.
2- (3) الشرائع 2/188.
3- (1) المسالک 6/109.

فی الخلاف(1) _ قال: «ثم اعلم إنّه علی تقدیر کونه جائزا کالجعالة یقوی عدم لزوم شیء فی صورة الفساد مطلقا لعدم الدلیل»(2).

و منهم: المحقّق السبزواری قال: «السادسة: إذا فسد عقد السبق ففی وجوب أجرة المثل و عدمه قولان و الأقرب الثانی فیسقط المسمی لا إلی بدل، ولو ظهر کون السبق مستحِقّا للغیر و لم یرض المالک ففی ثبوت المثل أو القیمة أو ثبوت اُجرة الثمل قولان، و المسألة محلّ إشکال»(3).

و ذهب إلی استحقاق أُجرة المثل و الضمان جماعة:

منهم: العلاّمة قال فی القواعد: «فإن فسدت المعاملة بکون العوض ظَهَرَ خمرا رجع إلی اُجرة مثله فی جمیع رکضه لا فی قدر السبق، و قیل: یسقط المسمّی لا إلی بدل. ولو فسد لاستحقاق العوض وجب علی الباذل مثله أو قیمته و یحتمل اُجرة المثل»(4).

و قال فی التحریر: «السابع: کلّ موضع فسدت فیه المسابقة فإن کان السابق هو المخرج لم یستحقّ شیئا علی صاحبه و کان سبقه له، و إن کان الآخر استحقّ علی المخرج اُجرة المثل، ولو کان العوض مستحَقّا کان علی مخرجه قیمته أو مثله»(5).

و نحوه فی تذکرة الفقهاء(6).

و منهم: ولده قال فی الإیضاح: «إذا فسد عقد المسابقة لفقد شرط فی السبق المعین

ص: 352


1- (2) الخلاف 6/105، مسألة 9.
2- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/188.
3- (4) الکفایة 1/729.
4- (5) القواعد 2/375.
5- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 3/169.
6- (7) تذکرة الفقهاء 2/357 من الطبع الحجری.

فی العقد فإما أن لا یکون له قیمة فی شرع الإسلام و لا یملک لکونه خمرا أو یکون له قیمة فی شرع الاسلام و یمکن تقویمه فهنا مسألتان ذکرهما المصنف فی هذا الکلام:

أما الاولی: ففیها قولان (ذکرهما المصنف هنا)(1) الثانی منهما قول الشیخ لأنّه لم یعمل

له شیئا و فائدة عمله یرجع إلیه بخلاف ما إذا عمل فی الإجارة أو الجعالة الفاسدتین فإنّه یرجع العامل إلی اُجرة المثل لأنّ فائدة العمل ترجع إلی المستأجر و الجاعل و اختاره أبوالقاسم بن سعید.

و الأوّل: اختیار المصنف لأنّ کلّ عقد استحق المسمّی فی صحیحه فإذا المعقود علیه فی فاسده وجب عوض المثل کالإجارة لأنّه بصحة الاجارة علیه علم أنّه مملوک لصاحبه مقصود فی المعاوضة متقوم و الفاسد یتضمن الأمر فینتفی التبرع.

(ب) [و أما الثانیة(2)]: و هو أن تکون له قیمة شرعا و یمکن تقویمه کما لو خرج مستحقا فیحتمل استحقاق مثله إن کان مثلیا و إلاّ فالقیمة لأنّهما تراضیا علی هذا العوض و قد تعذر فله ما یقوم مقامه و الأصح اُجرة المثل لأنّ العقد الفاسد علی عمل یصح لو لا هذا الخلل یجب اُجرة المثل»(3).

و منهم: المحقّق الثانی اختار فی المسألة الاُولی _ و هی فساد العقد لأجل کون العوض ظهر خمرا مثلاً _ قولَیِ العلاّمة فی القواعد و التذکرة و هو وجوب «اُجرة المثل لأنّ کلّ عقد استحق المسمّی فی صحیحه فإذا وجود المعقود علیه فی الفاسد وجب عوض المثل و العمل فی القراض قد لا ینتفع به المالک و مع ذلک یکون مضمونا فیرجع إلی اُجرة المثل

ص: 353


1- (8) الظاهر زیادة هذه الجملة الواردة بین القوسین ولکنها موجودة فی المطبوعة.
2- (1) الزیادة منّا و لیست فی النسخ.
3- (2) ایضاح الفوائد 2/368.

بجمیع رکضه لا إلی القدر الذی سبق به لترتبه علی جمیع رکضه»(1).

و کذا اختار فی المسألة الثانیة _ و هی فساد العقد لأجل أن یکون العوض مستحقا للغیر _ لزوم اجرة المثل و هو یری دلیل المسألتین واحد و کذا الفتوی.(2)

ثم استشکل فی الوجه الثانی الذی ذکره العلاّمة فی التذکرة: «و هذا و إن کان أقرب لکن یشکل بانتفاء العرف فیه بین الناس»(3). و ردّه بقوله: «ولکن انتفاء العرف لا یوجب العدول إلی الطرف الآخر الضعیف فإن أمکن الوقوف علیه و إلاّ اصطلحا»(4).

أقول: الظاهر _ و اللّه العالم _ عدم الفرق بین المسألتین و دلیلهما واحد کما نبّه علیه المحقّق الثانی(5) و التفصیل بین فساد عقد المسابقة من رأسها و ما لو ظهر کون

السبق مستحِقّا للغیر و لم یرض المالک بأنّ السبق فی غیر محلّه لأنّ مآل الثانی أیضا ینجر إلی الأوّل _ أی فساد العقد _ .

و فی کلیهما یکون الضمان موجودا لعدم التبرع بالعمل و لأنّ عمل المؤمن کماله محترم _ و لایکون الضمان منحصرا بصورة الأمر بالعمل کما یظهر من الشهید الثانی(6) _ و إذا انتفت اُجرة المسمی تصل النوبة إلی اُجرة المثل بلا فرق بین المسألتین. و هذا القول هو مختار المحقّق الثانی و قبله فخر المحقّقین و والده العلاّمه فی أحد احتمالاته، و بعد صاحب الجواهر کما سیأتی کلامه.

ص: 354


1- (3) جامع المقاصد 8/337.
2- (4) جامع المقاصد 8/338.
3- (5) تذکرة الفقهاء 2/357 من الطبع الحجری.
4- (6) جامع المقاصد 8/338.
5- (7) جامع المقاصد 8/338.
6- (1) المسالک 6/109.

و بما ذکرنا یظهر عدم تمامیة مقالة المحقّق النائینی حیث یقول: «انتفاء مقتضی الضمان إذا لم یعد عمل العامل إلی الآمر بوجهٍ، و لم یتحقّق من الآمر ما یوجب الضمان من ید أو إتلاف أو استیفاء فلا موجب للضمان»(1).

و کذا عدم تمامیة مقالة تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی حیث یقول فی المقام: «... فإذا فقد شرط من شرائط عقد المسابقة و صار فاسدا کان ذلک مصداقا للقمار المحرّم فیکون أکل المال به أکلاً له بالباطل، إذ المفروض أنّه لم یتحقّق فی مورد المسابقة الفاسدة ما یوجب الضمان...»(2).

و وجهها: أنّ الشارع لا یری لعمل القمار احترما ولکن یری لعمل المسابقة الخاصة احتراما فإذا کان العمل محترما و لم یتبرع السابق به فلابدّ له من اعطاء اُجرة المثل. و لذا قال صاحب الجواهر ما نصه: «... إنّما المقتضی لها (أی لاُجرة المثل) عدم کون العمل متبرعا به و الأصل ضمانه لأنّ عمله کماله و هو فی الجمیع حاصل...»(3).

المقام الثالث: هل یختص الضمان بصورة الجهل
اشارة

بفساد المعاملة أم یعم صورة العلم؟

المسألة لها صور أربع: علم الدافع و القابض بالفساد و جهلهما و علم الدافع و جهل القابض و عکسه. و حکم جمیع الصور الأربع الضمان کما علیه المشهور(4) لإطلاق النص أو الفتوی کما

ص: 356


1- (2) المکاسب و البیع 1/308.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/99.
3- (4) الجواهر 28/238.
4- (1) نبّه علیه الفقیه المامقانی غایة الآمال /281.

قاله الشیخ الأعظم(1) أو لإطلاق السیرة العقلائیة علی ضمان الید مع الإقدام کما عن المحقّق الخوئی(2).

أو لإطلاق ما مرّ من الأدلة علی الضمان و هی قاعدة الإقدام و حدیث علی الید و قاعدة الاحترام و جریانها فی جمیع الصور.

ولکن احتمل ثانی الشهیدین عدم الضمان فی فرضی علم الدافع بالفساد و جهل القابض به و علمهما و قال: «مع احتمال عدم الضمان لو علم، لتسلیطه علی إتلافه مع علمه بکونه باقیا علی ملکه و کذا لو کانا عالمین بالفساد _ ثم قال: _ و الأقوی ثبوته فی جمیع الصور»(3).

و أخذ المحقّق الأردبیلی محتمل الشهید الثانی و ذهب إلی عدم الضمان فی الفرضین و قال: «و هو (أی عدم الضمان) مع الجهل بالفساد قویٌّ و مع علم الآخر أقوی... و مع علمه بالفساد... کالمغصوب...، و أما مع الجهل بالفساد _ سیما فی أمر غیر ظاهر الفساد و کذا بعد العلم به ولکن مع عدم العلم بوجوب الردّ فی الحال _ فالضمان غیر ظاهر»(4).

و تبعهما الفقیه الیزدی قال: «التحقیق عدم الضمان مع علم الدافع خصوصا مع جهل القابض لأنّ الإذن فی التصرف مسقط للضمان»(5).

ولکن ظهر ممّا ذکرنا من جریان الأدلة فی الفروض الأربعة الحکم بالضمان فی جمیعها فلا یصغی إلی محتمل ثانی الشهیدین و اختیار المحقّق الأردبیلی و الفقیه الیزدی له قدس سرهم .

ص: 356


1- (2) المکاسب 3/192.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/99.
3- (4) المسالک 3/154.
4- (5) مجمع الفائدة و البرهان 8/192.
5- (6) حاشیة المکاسب 1/458.

لایقال: إذا کان الدافع عالما بالفساد ولکن جهل القابض بالفساد تصدق علیه قاعدة الغرور و أنّ المغرور یرجع علی مَنْ غرّه، لأنّ الدافع العالم بالفساد إذا رضی ببیع ماله بثمن بخس ظاهرا _ لأنّ البیع فی الحقیقة یکون باطلاً بأیّ دلیل _ لأجل الرجوع إلی ثمن المثل بعد تصرف البائع الجاهل بالبطلان فهذا یدخل فی قاعدة الغرور، و هذا البیع و الإقباض الظاهری من البائع یکون خدعة و یدخل فی قاعدة الغرور.

لأنّا نقول: هذا الفرع لا یدخل تحت قاعدة الغرور لأنّ القابض الجاهل (المشتری) قبض المال مع ضمانه بالمسمّی و إقراره به و الدافع العالم (البائع) سلّطه علی المال بأنّه ملکه فی مقابل العوض لا بعنوان الأمانة أو العاریة، فمع هذا الاقرار من القابض الجاهل و هذا النوع من التسلیط _ أی فی مقابل العوض لا مجانا _ من الدافع العالم فلا یکون فی البین غرورٌ، و حینئذ لو کان العین موجودة لا یجوز للقابض الجاهل (المشتری) التصرف فی المال و لا الانتفاع به و یجب علیه دفعه إلی الدافع العالم (البائع) بعد علمه ببطلان العقد.

و بعبارة اُخری: قاعدة الغرور لا تتحقّق إلاّ بأمرین، أحدهما: علم الغارّ و ثانیهما: جهل المغرور، و من المعلوم أنّ القابض یکون جاهلاً بفساد العقد، إلاّ أنّه عالم و مقررٌ بأخذه فی مقابل العوض و عدم أخذه مجانا.

نعم: یمکن جریان قاعدة الغرور فی الزائد عن العوض المسمّی لأنّ الدافع غارّ بالنسبة إلی هذا الزائد فیرجع إلیه لا إلی القابض المغرور کما قاله المحقّق الخوئی(1) رحمه الله .

إن قلت: المالک الدافع مع علمه بالفساد قد سلّط القابض علی ماله، فصار المال أمانة مالکیة عند القابض و حینئذ إذا تلف لم یحکم بضمانه لما ورد من الروایات(2) علی عدم

ص: 357


1- (1) مصباح الفقاهة 3/100.
2- (2) وسائل الشیعة 19/79، الباب 4 من أبواب الودیعة.

ضمان الأمین مع عدم التفریط.

قلت: تسلیط المالک الدافع لا یکون مجانیّا و بلاعوض حتّی صار المال أمانة مالکیة بل تسلیطه یکون بإزاء العوض، و أقرّ القابض بالعوض و هذه الکیفیة من التسلیط فالضمان فی مقابل المال یکون موجودا و حتّی علی فرض الشک فی بقاء الضمان یستصحب.

إن قلت: إنّ الإذن المتحقّق فی ضمن العقد الباطل یکون مسقطا للضمان.

قلت: هذا الإذن موجود ولکن لیس علی نحو الاطلاق بل إنّما هو إذن مقیّد بدفع عوض المقبوض کما نبّه علیه المحقّق السیّد الخوئی(1).

و سیأتی تفصیل البحث فی مسألة بیع الغاصب مع علم المشتری بالغصب إن شاء اللّه تعالی فانتظر.

تذکرة:

قد یتوهم انتقاض قاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده بالنکاح الفاسد مع

علم المرأة بالفساد لأنّها حینئذ تکون زانیة و لا مهر لبغیٍّ، مع أن النکاح الصحیح یقتضی الضمان بالمهر المسمی أو المثل علی اختلاف الفروض.

و فیه:النکاح خارج عن هذه القاعدة موضوعا لانّ المَهر لیس بازاء الوطی أو الاستمتاعات الزوجیة حتّی یوجب الضمان علی کلا تقدیری صحة العقد و فساده بل المهر یقع بإزاء الزوجیة الاعتباریة _ دائمیة کانت أو موقتة _ و استحقاق الزوجة للمهر وقع بنفس العقد، نعم الدخول یوجب استقرار تمامه تعبدا.

فالبضع و الاستمتاعات و الوطی لا مالیة لها شرعا فلا تقابل بالمال، نعم ثبت مهرالمثل فی بعض الموارد کالوطی بالشبهة تعبدا لاحترام الأعراض.

ص: 358


1- (3) مصباح الفقاهة 3/100.

و بالجملة: النکاح خارج عن القاعدة موضوعا لأن موضوعها العقود التی یکون الضمان فیها مستندا إلی غیر العقد فانکاح الصحیح فیه المهر و النکاح الفاسد أیضا فیه مهرالمثل و أمّا الزنا ولو من جانب المرأة لیس فیها شیء لورود لا مهر لبغیّ، فلا وجه لتوهم انتقاض القاعدة و الحمدللّه.

و هذا تمام الکلام فی البحث حول أصل قاعدة ما یضمن و أمّا نقیضها أو سالبتها و هی:

قاعدة ما لا یُضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده
اشارة

فقد مرّ ورود هذه القاعدة أیضا فی کلمات الأعلام فی أوّل البحث حول أصل القاعدة و معانی الألفاظ الواردة فیها لا نعیدها.

و یظهر معنی النقیض أو السلب من معنی الأصل للمتأمل و حاصل معناها: کلّ عقد لایقتضی ضمانا إذا کان صحیحا فلا یقتضی ضمانا إذا کان فاسدا کما فی العقود الوکالة و المضاربة و الجعالة.

و ما ورد فی تعریف شیخنا الأنصاری قدس سره من: «أن کلّ عقد لا یفید صحیحه ضمان مورده ففاسده لا یفید ضمانا»(1) ظاهر مورد العقد هو ما تعلَّق به العقد کالعین فی البیع و المنفعة فی الإجارة ولکن مراده هنا أعمٌ منه و من متعلَّق متعلَّق العقد کما یظهر من حکمه بعدم ضمان العین المستأجرة فاسدا و من المعلوم أنّ العین فی عقد الإجارة یکون من متعلّق متعلّق العقد و متعلّق عقد الإجارة هو المنفعة کما مرّ. ولو لم یکن مراده أعم تخرج العین

المستأجرة عن القاعدة موضوعا و یرجع فیها إلی قاعدة الید المقتضیة للضمان.(2)

ص: 360


1- (1) المکاسب 3/192.
2- (1) کما ذکره فی هدایة الطالب 2/275.

ثم مثّل بالعاریة الغیر المضمونة للقاعدة و قال: «بل المضمونة بناءً علی أنّ المراد بإفادة الصحیح للضمان إفادته بنفسه لا بأمر خارج عنه کالشرط الواقع فی متنه»(1).

و قد مرّ فی الجهة الخامسة من المقام الأوّل من البحث حول أصل القاعدة عمومیة القول بالضمان بشروط أیضا فراجع.

و قال فی المفتاح: «قد طفحت عباراتهم بهذه القاعدة و قد ادّعی الإجماع علیها و هی معروفة بینهم من غیر نکیر»(2).

ثمَّ هاهنا جهتان من البحث:

الجهة الاُولی: دلیل اعتبار قاعدة ما لا یضمن
الأوّل: الاُولویة المستفادة

من کلام الشیخ الطوسی و مرّ بنصه فی أوّل البحث حول قاعدة ما یضمن و استظهارها من کلماته من قوله قدس سره : «فإن هلک هذا الشیء فی یده فی الشهر لم یکن مضمونا علیه لأنّ صحیح الرهن غیر مضمون علیه فکیف فاسده...»(3).

و قال الشیخ الأعظم فی توضیحه(4) بشرح منّا: أنّ سبب الضمان فی العقود الصحیحة المضمِّنة کالبیع و الاجارة أمران:

الأوّل: إقدام المتعاقدین من ضمان کلّ منهما بمال الآخر.

الثانی: إمضاءُ الشارع لما أقدما علیه و حکمه بوجوب الوفاء بما التزمابه.

و کلا الأمرین منتفٍ فی مثل الرهن أمّا الأوّل فَلاِءنّ تسلیم العین إلی المرتهن لیس

ص: 360


1- (2) المکاسب 3/192.
2- (3) مفتاح الکرامة 19/414.
3- (4) المبسوط 2/204.
4- (5) المکاسب 3/196.

بقصد تملیکها له بعوض بل بقصد کونها وثیقة عنده فسار أمانه عنده.

و أمّا الثانی: فَلاِءنّ الامضاء یکون علی طبق المُمْضی و مماثلاً له و لما کان الممضی هو البناء علی تسلیم العین إلی المرتهن و تسلُّمها بلاعوض و من دون ضمان یکون إمضاؤه کذلک و الإمضاء تأتی علی فرض صحة العقد لا فساده و المفروض أنّه فاسد فلا ضمان.

و قال فی وجه الأولویة(1) بشرحٍ منّا: الرهن الفاسد اُولی بعدم الضمان إمّا من صحیح تلک العقود التی لیس فی فاسدها ضمان، و إمّا من العقود الفاسدة التی فی صحیحها ضمان، فهذان احتمالان فی وجه الأولویة:

أمّا الأوّل: فَلاِءنّ صحیح هذه العقود لیس فیه ضمان لانتفاء الموجب للضمان _ و هو الإقدام _ فإذا انتفی الضمان فی صحیحه ففاسده أولی بعدم الضمان، مضافا إلی عدم الإمضاء فی الفاسد.

أمّا الثانی: فإذا کان العقد الذی فی صحیحه ضمان بسبب الإقدام و الامضاء نحو البیع الصحیح و الاجارة الصحیحة، إذا انتفی السببان فی الفاسد لأنّهما أقدما علی الضمان الخاص و المفروض أنّه منتف لأنّ العقد فاسد، و الإمضاء مفقود کذلک لفساد العقد فإذا یمکن القول حینئذ بعدم الضمان فیه، یکون عدم الضمان فی الفاسد الذی لا یضمن بصحیحه اُولی منه، لأنّه علی تقدیر صحته و الإمضاء الشرعی له لا یکون فیه ضمان فیکف مع فساده و عدم وجود الإمضاء له.

کلا الاحتمالین یأتی و یمکن أن یستظهر من کلام الشیخ الأعظم. کما حمل المحقّق الشهیدی کلامه علی الأوّل(2) تبعا للمحقّق الإشکوری(3)، و المحقّقون الیزدی(4) و

ص: 361


1- (1) المکاسب 3/197.
2- (2) هدایة الطالب 2/285.
3- (3) بُغیة الطالب 1/216.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/462.

الأصفهانی(1) و الحکیم(2) علی الثانی.

ولکن أبدع المحقّق الإیروانی احتمالاً ثالثا و هو ملاحظة الأولویة بین عقدین یقتضی صحیح أحدهما الضمان و لا یقتضیه الآخر و قال: «ینبغی تقریر الأولویة هکذا: إنّ صحیح العقد الذی کان فیه إقدام علی الضمان لیس فی فاسده اقدام، لما عرفت أنَّ الاقدام حاصل علی المسمّی و لا ضمان به، و ما به الضمان و هو المثل أو القیمة لا إقدام علیه، فإذا کان هذا حال ما کان الإقدام فی صحیحه علی الضمان موجودا فکیف ما لا إقدام فی صحیحه علی الضمان، فإنّه بالأحری أن لا یکون فی فاسده إقدام علی الضمان»(3).

فهذه ثلاثة احتمالات فی وجه الأولویة فی کلام الشیخ الأعظم قدس سره و الاحتمال الأوّل متعیّن فی کلام الشیخ الطوسی _ قدس اللّه أسراره _ و حیث کلام الشیخ الأنصاری یرجع إلیه فلابدّ من الأخذ بالإحتمال الأوّل و ان کان فی عبارته تشویش أو إغلاق. مضافا إلی عدم تمامیة احتمالی الثانی و الثالث لما مرّ من وجود الضمان بالنسبة إلی العقد الفاسد الذی یکون فی صحیحه ضمان لأنّه یدخل فی أصل قاعدة ما یضمن و لأنّ الخدشة الآتیة فی کلام الشیخ الأعظم یرد علی الاحتمال الأوّل فقط، فهذه ثلاثة قرائن یقتضی الاحتمال الأوّل.

کما أنّ المحقّق الهمدانی(4) یری الاحتمال الأوّل بین الاحتمالات أعدلها و أظهرها.

ولکنّ فی المقام احتمالاً آخر یخرج الکلام عن الاولویة _ باحتمالاتها الثلاثة _ بالکلیة و هو أن یکون المراد بکیف فی کلام شیخ الطائفة قدس سره التعجب فقط من القول بالضمان فی العقد

ص: 362


1- (5) حاشیة المکاسب 1/340.
2- (6) نهج الفقاهة /214.
3- (7) حاشیة المکاسب 2/122.
4- (1) حاشیة المکاسب /64 و 63.

الفاسد الذی لا یکون فی صحیحه ضمان، و علی هذا الاحتمال یغلق باب الاُولویة.

ثم یخدش الشیخ الأعظم(1) فی الأولویة المذکورة بما حاصلها: یمکن أن یدعی أحدٌ بأنّ صحة العقد و إمضاء الشارع له فی العقود الصحیحة التی لم یکن فیها ضمان سببٌ لعدم وجود الضمان، و هذا السبب _ أیّ صحة العقد و امضاء الشارع له _ فی العقود الباطلة لا یجری فلا اولویة فی الفاسد.

و بعبارة أُخری: الصحیح منها لیس فیها الضمان لإمضاء الشارع عقدا لیس فیه إقدام علی الضمان من الطرفین فالفاسد منها لیس فیها الضمان لعدم الإقدام علی الضمان و لعدم إمضاء شرعی و لذا یختلف مبنی عدم الضمان فیهما من دون أولویة فی البین.

و هذه المناقشة جاءت فی کلام المحقّق السیّد الخوئی و قال: «إنّ عدم الضمان فی العقد الصحیح _ کالهبة الصحیحة مثلاً _ إنّما هو من جهة کون المال ملکا مجانیا للقابض، و من الواضح أنّه لم تحصل له الملکیة فی العقد الفاسد _ کالهبة الفاسدة مثلاً _ و إذن فلا وجه لدعوی الاولویة هنا بوجه»(2).

ثم یناقش الشیخ الأعظم علی أصل استدلال شیخ الطائفة قدس سره بقوله: «إن قلت: إنّ الفاسد و إن لم یکن له دخل فی الضمان، إلاّ أنّ مقتضی عموم «علی الید» هو الضمان، خرج منه المقبوض بصحاح العقود التی یکون مواردها غیر مضمونة علی القابض و بقی الباقی»(3).

و أجاب الشیخ الأعظم بنفسه عن هذا الاشکال بقوله: «ما خرج به المقبوض بصحاح تلک العقود یخرج به المقبوض بفاسدها»(4) و جاء بما یمکن أن یعدّ دلیلاً مستقلاً

ص: 363


1- (2) المکاسب 3/197.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/113.
3- (4) المکاسب 3/197.
4- (1) المکاسب 3/197.

لقاعدة ما لایضمن و لذا نبحث عنه تحت عنوان الدلیل الثانی.

الثانی: عموم ما دلّ علی أنّ من لم یُضمِّنه المالکُ فهو غیر ضامن

کما ادعاه الشیخ الأعظم(1) و هو مستفاد من النصوص المتفرقة:

منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن الرجل یستبضع المال فیهلک أو یسرق أعلی صاحبه ضمان؟ قال: لیس علیه غرم بعد أن یکون الرجل أمینا.(2)

الاستبضاع أو البضاعة معاملة یدفع صاحب العین عینه إلی غیره لیتّجر به و کان النفع للمالک و العین تکون أمانة عند الغیر. یقال له بالفارسیة «امانت فروشی».

و منها: موثقة غیاث بن ابراهیم عن أبی عبداللّه علیه السلام : إنّ امیرالمؤمنین علیه السلام اُتی بصاحب حمّام وضعت عنده الثیاب فضاعت فلم یضمنّه، و قال: إنما هو أمین.(3)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: صاحب الودیعة و البضاعة مؤتمنان، الحدیث.(4)

و منها: صحیحة اُخری له و فیها: لیس علی مستعیر عاریة ضمان، و صاحب العاریة و الودیعة مؤتمن.(5)

و منها: صحیحة ثالثة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث: عن رجل استأجر

ص: 364


1- (2) المکاسب 3/197.
2- (3) التهذیب 7/184، ح15.
3- (4) وسائل الشیعة 19/139، ح1، الباب 28 من أبواب کتاب الإجارة.
4- (5) وسائل الشیعة 19/79، ح1، الباب 4 من أبواب الودیعة.
5- (6) وسائل الشیعة 19/93، ح6، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة.

أجیرا فأقعده علی متاعه فسرق قال: هو مؤتمن.(1)

و منها: صحیحة أبی بصیر المرادی عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث: و فی رجل استأجر جمّالاً فیکسر الذی یحمل أو یهریقه، فقال: علی نحو من العامل إن کان مأمونا

فلیس علیه شیء، و إن کان غیر مأمون فهو ضامن.(2)

و منها: معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: لیس لک أن تأتمن من خانک و لاتتّهم من ائتمنت.(3)

و منها: صحیحة مسعدة بن زیاد عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن أبیه علیه السلام أن رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال: لیس لک أن تتّهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن وقد جرّبته.(4)

و منها: صحیحة محمّد بن الحسن الصفار قال: کتبت إلی الفقیه علیه السلام [أیّ الإمام الحسن العسکری علیه السلام ]فی رجل دفع ثوبا إلی القصّار لیقصّره فدفعه القصّار إلی قصّار غیره لیقصّره، فضاع الثوب، هل یجب علی القصّار أن یردّه إذا دفعه إلی غیره و إن کان القصار مأمونا؟ فوقع علیه السلام : هو ضامن له إلاّ أن یکون ثقة مأمونا إن شاء اللّه تعالی.(5)

تلک عشرة کاملة من الأحادیث الصحاح یستفاد منها «کل أمین لیس بضامن»، و العقود الفاسدة تکون من صغریات هذا العموم لصدق الأمین علی المستأجر فی الاجارة الفاسدة بالنسبة إلی العین، و المستعیر فی العاریة الفاسدة و نحوها، فلیس فی فاسد هذه العقود ضمان، و مما ذکرنا ظهر عدم تمامیة کلام المحقّق الشهیدی حیث علق علی العموم

ص: 365


1- (7) وسائل الشیعة 19/142، ح3، الباب 29 من أبواب الإجارة.
2- (1) وسائل الشیعة 19/144، ح11، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة.
3- (2) وسائل الشیعة 19/81، ح9، الباب 4 من أبواب الودیعة.
4- (3) وسائل الشیعة 19/81، ح10.
5- (4) وسائل الشیعة 19/146، ح18، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة.

الوارد فی کلام الشیخ الأعظم بقوله: «لم نعثر بهذا الدلیل»(1).

ثم تعرّض الشیخ الأعظم إلی کیفیة خروج الهبة الفاسدة من عموم علی الید و استدل «بفحوی ما دلّ علی خروج صور الاستئمان فإن استئمان المالک لغیره علی ملکه إذا اقتضی عدم ضمانه له، اقتضی التسلیط المطلق علیه مجانا عدم ضمانه بطریق اُولی»(2).

مراده: أنّ عدم الضمان فی صورة قطع العلقة عن المال بالکلیة اُولی من عدم ضمانه فی موارد الاستیمان التی تبقی ملکیة العین لمالکها.

ثم شرّح لنا وجه تقیید التسلیط المطلق بالمجانیة بقوله: «و التقیید بالمجانیة لخروج التسلیط المطلق بالعوض کما فی المعاوضات فإنّه عین التضمین»(3).

مراده: أنّ التسلیط المطلق له فردان: أحدهما: بلاعوض و هو الهبة و الآخر مع العوض و هو المعاوضات، و ما ذکر من الاولویة تجری فی القسم الأوّل _ أیّ بلاعوض _ لا القسم الثانی _ أی مع العوض _ و لخروج القسم الثانی أتی بقید المجانیة.

و اعترض علیه المحقّق السیّد الخوئی بأنّ «قاعدة ضمان الید لا تشمل موارد التسلیط المجانی لکی نحتاج إلی تخصیصها بأدلة الاستیمان، و علیه فمورد الکلام خارج عن قاعدة ضمان الید، و عن مورد أدلة الاستیمان _ أیضا _ خروجا تخصصیا»(4).

ثم اضاف إلی ذلک: «أن المالک لم یسلط غیره علی ماله فی موارد الاستیمان لیتصرف فیه أیّ تصرف، بل سلطه علیه لیحفظه عن التلف، بخلافه فی الهبة الفاسدة، فلا یمکن قیاس

ص: 366


1- (5) هدایة الطالب 2/287.
2- (6) المکاسب 3/198.
3- (7) المکاسب 3/198.
4- (1) مصباح الفقاهة 3/113.

أحدهما بالآخر»(1).

و الشیخ الأعظم لم یأت إلاّ بهذین الدلیلین فی مستند قاعدة ما لا یضمن ولکن یمکن أن یستدل لها بوجوه أُخر نذکرها لک.

الثالث: عدم ثبوت الدلیل علی الضمان

الدلیل الوحید علی عدم الضمان فی موارد قاعدة ما لا یضمن هو عدم ثبوت الدلیل علی الضمان فنأخذ بها مادام لم یثبت دلیل علی وجود الضمان، و هذا الدلیل تام تنبّه علیه المحقّق السیّد الخوئی(2) قدس سره .

الرابع: إقدام المتعاقدین علی المجانیة

المتعاقدان أقدما فی کلّ من العقدین _ الصحیح و الفاسد _ علی المجانیة و هذا الاقدام رافع للضمان.

ولکن یمکن أن یناقش علیه: بأنّهما أقدما علی المجانیة فی فرض صحة العقد فقط فإذا ارتفعت الصحة ارتفع السبب الرافع للضمان _ أیّ المجانیة _ و مقتضی عموم علی الید ثبوت الضمان.

اللهم إلاّ ان یقال: بخروجها عن عموم علی الید تخصصا کما مر عن المحقّق الخوئی آنفا.

الخامس: الأصل العملی: البراءة

ثبوت الضمان یحتاج إلی دلیل فإذا شک فی ثبوته یُنفی أصالة البراءة.

و هذا الدلیل تام علی فرض عدم إمکان التمسک بحدیث «علی الید» إمّا لضعف سنده

ص: 367


1- (2) مصباح الفقاهة 3/114.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/114.

أو خروج المورد تخصصا منه و إلاّ مع فرض الدلیل اللفظی لم یصل النوبة إلی الأصل العملی.

هذا تمام الکلام فی مستند قاعدة ما لا یضمن و الحمدللّه أولاً و آخرا.

الجهة الثانیة: ما یمکن أن یعد من موارد نقضها
اشارة

و قد ذکروا فروعا بعنوان نقوض القاعدة:

منها: ضمان العین المستأجرة فاسدٌ

کما علیه سیّد الریاض قال: «العین مضمونة فی ید المستأجر مطلقا کما نُسب إلی المفهوم من کلمات الأصحاب و لعلّه لعموم الخبر بضمان ما أخذته الید»(1).

و الناسب هو المحقّق الأردبیلی قال: «إنّ الظاهر أنّ العالم کالغاصب لا یجوز له التصرف و لا یستحق شیئا لما مرّ من أنّ الإذن إنّما علم بالعقد لاعتقاد أنّه صحیح و یلزم الطرف الآخر ما یلزمه و قد بطل و هو عالم بالفرض فیبقی أصل المنع علی حاله کما قیل فی البیع الباطل، بل یفهم من کلامهم الضمان مع الجهل أیضا»(2).

أقول: الظاهر من الأردبیلی أنّه ذهب إلی أنّ مورد نفی الضمان فی هذه القاعدة مورد العقد فقط _ و هو متعلَّقه _ فلا یعم متعلَّق متعلَّقه خلافا للشیخ الأنصاری قدس سره و جماعة، و ذهب أیضا إلی أنّ المراد بإفادة الصحیح للضمان إفادته بنفسه لا بأمر خارج عنه کالشرط الواقع فی متنه وفاقا للشیخ الأنصاری و لذا قال فی مسألة اشتراط ضمان العین فی عقد الإجارة هو عدم ضمان العین علی تقدیر فساد العقد لفساد الشرط المذکور مستدِّلاً علیه بالأصل «و بما تقرّر عندهم من أنّ کلّ ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده»(3).

و ظاهر هذا الکلام من الأردبیلی عدم الضمان بالنسبة إلی العین المستأجرة کما

ص: 368


1- (1) ریاض المسائل 10/44.
2- (2) مجمع الفائدة و البرهان 10/50.
3- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/69.

استفاد من اطلاق کلام سیّد الریاض حیث یقول: «و العین المستأجرة أمانة لا یضمنها المستأجر و لا ما ینقص منها إلاّ مع تعدٍّ و تفریط، بلا خلاف أجده بل علیه الاجماع فی الغنیة و هو الحجة، مضافا إلی النصوص المستفیضة...»(1).

و لذا قال فی مفتاح الکرامة: «و قد قال فی مجمع البرهان بعد أربع قوائم: إنّ الشرط الفاسد یبطل العقد و لا ضمان لأنّه تقرّر عندهم أنّ ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده و مثل ذلک قال فی الریاض قبل ذلک بمقدار أربع قوائم تقریبا»(2).

ولکن فی مقابل هذا القول تجد قولاً بعدم الضمان و لعلّ هو المشهور کما اختاره العلاّمة فی القواعد و قال: «العین أمانة فی ید المستأجر لا یضمنها إلاّ بتعدٍّ أو تفریطٍ فی المدّة و بعدها إذا لم یمنعها مع الطلب، سواء کانت الإجارة صحیحة أو فاسدة»(3).

و قال فی التحریر: «إذا کانت الاجارةُ فاسدةً لم تکن العین مضمونةً أیضا إلاّ بالتعدّی»(4).

و قال فی التذکرة: «إذا کانت الاجارة فاسدة لم یضمن المستأجر العین أیضا إذا تلفت بغیر تفریط و لا عدوان، لأنّه عقدٌ لایقتضی صحیحه الضمان فلا یقتضیه فاسده کالوکالة و المضاربة. و حکم کلّ عقد فاسد حکم صحیحه فی وجوب الضمان و عدمه فما وجب الضمان فی صحیحه وجب فی فاسده و ما لم یجب فی صحیحه لم یجب فی فاسده، و لأنّ الأصل براءة الذمة من الضمان، لأنّه قبض العین بإذن مالکها فلم یجب علیه ضمانها لعدم

ص: 369


1- (4) ریاض المسائل 10/15.
2- (1) مفتاح الکرامة 19/414.
3- (2) القواعد 2/304.
4- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 3/117، مسألة 4263.

موجب له مع هذا القبض»(1).

و اطلق بعضهم عدم الضمان و لم یقیّده بالعقد الصحیح کالمحقّق حیث قال: «العین المستأجرة أمانة لا یضمنها المستأجر إلاّ بتعدٍّ أو تفریط و فی اشتراط ضمانها من غیر ذلک تردّدٌ أظهره المنع»(2).

و ابن حمزة فی الوسیلة(3) و الشهیدین فی اللمعة و شرحها(4).

و صرح المحقّق الثانی أیضا بعدم الضمان حیث یقول: «و المنفعة المستوفاة بالإجارة الفاسدة مضمونة باُجرة المثل، و هل العین مضمونة بالاستیفاء؟ یلوح من کلامهم العدم، و الذی ینساق إلیه النظر کونها مضمونة، لأنّ التصرف فی العین غیر جائز فهو بغیر حقّ،

فیکون فی حال التصرف استیلاؤه علیها بغیر حقّ و ذلک معنی الغصب، إلاّ أنّ کون الإجارة الفاسدة لاتضمن بها کما لاتضمن بالصحیحة مناف لذلک، فیقال: أنّه دخل معه علی عدم الضمان بهذا الاستیلاء و إن لم یکن مستحقّا، و الأصل براءة الذمة من الضمان، فلاتکون العین بذلک مضمونة، إنّما یضمن المنفعة خاصة ولو لا ذلک لکان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن، لأنّ استیلاءه بغیر حقّ و هو باطل»(5).

قال فی الجواهر: «قلت لایخفی علیک أنّ الذی عثرنا علیه من کلام الأصحاب فی المقام صریح فی عدم ضمان العین المستأجرة فی العقد الفاسد، کما صرّح به فی القواعد و جامع

ص: 370


1- (4) تذکرة الفقهاء 2/318 من الطبع الحجری.
2- (5) الشرائع 2/140.
3- (6) الوسیلة /267.
4- (7) الروضة البهیة 4/331.
5- (1) جامع المقاصد 6/216 و 215.

المقاصد و محکی التذکرة، بل فی مفتاح الکرامة(1) عن الریاض و المجمع التصریح بذلک أیضا فی مقام آخر من الإجارة، لعلّه لقاعدة ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده کما استدلّ به فی التذکرة و الجامع، بل لم أجد من صرّح هنا بالضمان»(2).

یمکن أن یستدل علی القول بالضمان بوجهین:

الأوّل: خروجها عن قاعدة ما لا یضمن لأنّ موردها مورد العقد و متعلَّقه و هو فی الاجارة المنفعة، و لم یکن موردها متعلَّق متعلَّقه و هو العین فی الاجارة، فالعین باقیة علی کونها أمانة فی ید المستأجر و لیس علیها ضمان علی القاعدة الأولیة، ولکن الأردبیلی قیّد الإذن فی التصرف فی هذه الأمانة فی صحة العقد و المفروض بطلانه فیصح القول بالضمان لعدم جواز التصرف شرعا و المفروض تصرفه فینتج الضمان.

و قرّر هذا البیان صاحب الجواهر فی قوله: «و ذلک لأنّ المراد من الایجاب و السلب فیها ما کان مضمونا بسبب العقد، و ما لم یکن مضمونا کذلک علی معنی أنّ الضمان و عدمه فیه مورد العقد کالمنفعة فی الإجارة و العین فی الهبة، و لا ریب أنّ عدم الضمان فی العین المستأجرة لامدخلیة للعقد فیه و إنّما هو باعتبار کونها أمانة، فیدور الضمان فی الفاسدة حینئذ علیها، لا من القاعدة المزبورة و کذلک العین فی العاریة، فمع فرض عدم الأمانة لما سمعته من تقیید الإذن بالصحة المفروض انتفاؤها یتجه ما نسباه _ [الأردبیلی و سیّد الریاض] _ إلی الأصحاب من الضمان حینئذ، خصوصا مع علم المستأجر بالفساد و خصوصا إذا کان الفساد من جهة الغصب و نحوه»(3)

الثانی: ترجیح قاعدة الید علی قاعدة ما لایضمن عند المعارضة، و قرّر صاحب

ص: 371


1- (2) مفتاح الکرامة 19/414 کما مرّ نص بیانه.
2- (3) الجواهر 27/252.
3- (4) الجواهر 27/253 و 252.

الجواهر هذا الدلیل بقوله: «و إن کان قد یوجّه علی تقدیر صحة النسبة إلی الأصحاب بما سمعت من عموم علی الید المعارض للقاعدة المزبورة من وجه و یرجّح علیها بالنسبة المزبورة، و دعوی العکس باعتضادها بقاعدة الأمانة یدفعها ما سمعته من الریاض أخیرا من أنّه إذا کان الدفع بعنوان الصحة تکون الإذن کالمقیدة بذلک فمع الفساد ینکشف أن لا إذن فلا تکون أمانة»(1).

ولکن تنظر صاحب الجواهر(2) فی کلا الدلیلین و تبعه شیخنا الأنصاری(3) و هو المختار لأنّ المراد من مورد العقد فی القاعدة أعم من متعلّقه و متعلّق متعلّقه فتشمل العین، و قاعدة ما لایضمن حاکمة علی قاعدة الید لعدم وجود موضوع لها لو لا هذه الحکومة أصلاً بناءً علی کون النسبة بینهما العموم المطلق أو غالبا بناءً علی کون النسبة بینهما العموم من وجه.

و النسبة بینهما تصیر مثل النسبة بین قاعدتی الفراغ و التجاوز، و الاستصحاب بحیث أنّهما حاکمان أو واردان علی الاستصحاب و إلاّ لم یبق مورد لهما.

و الحاصل: الظاهر _ و اللّه العالم _ عدم ضمان العین المستأجرة بالعقد الفاسد فهذا الفرع یدخل فی القاعدة و لا یکون مورد نقض لها.

و منها: الصید الذی استعاره المُحرِم مِن المُحِلّ

العاریة الصحیحة لا یکون فیها الضمان فلابدّ أنّ الفاسدة منها کذلک ولکن الأصحاب حکموا بالضمان فی الصید الذی استعاره المحرِم من المحلّ لأنّه یجب علیه ارساله و

ص: 372


1- (1) الجواهر 27/252.
2- (2) الجواهر 27/253 و قال: «و مع ذلک فالانصاف أنّه لا یخلو دعوی عدم الأمانة مطلقا حتّی فی صورة الجهل منهما من بحث و نظر کما هو واضح و اللّه العالم».
3- (3) المکاسب 3/194.

الارسال هو الإتلاف و المُتْلِفُ ضامنٌ.

قال فی الشرائع: «و لا یجوز للمحرم أن یستعیر من محلٍّ صیدا لأنّه لیس له امساکه، ولو أمسکه ثم أرسله ضمنه و إن لم یشترط علیه»(1).

و قال فی التذکرة: «لایحلّ للمُحْرِم استعارة الصید من المحرم و لا من الُمحِلّ لأنّه یحرم

علیه إمساکه فلو استعاره وجب علیه إرساله و ضمن للمالک قیمته. ولو تلف فی یده ضمنه أیضا بالقیمة لصاحبه الُمحلّ و بالجزاء للّه تعالی، بل یضمنه بمجرد الإمساک و إن لم یشترط صاحبه الضمان علیه، فلو دفعه إلی صاحبه بریء منه و ضمن للّه تعالی...»(2).

و قال المحقّق الکرکی بعد نقل مقال العلاّمة فی التذکرة: «و فی موضعین منه إشکال: أحدهما: أنّ وجوب الارسال مع کون الصید ملکا لآدمی _ و حقّ الآدمی مقدّم علی حقّ اللّه تعالی _ غیر ظاهر، و إنّما الذی یقتضیه الدلیل ردّه علی مالکه و وجوب الجزاء للّه تعالی.

الثانی: وجوب القیمة للمالک الُمحِل لو تلف فی یده بغیر تعدّ _ مع عدم اشتراط الضمان أیضا غیر ظاهر، لأنّ غایة ما هناک أنّها عاریة فاسدة و کلّ عقد لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده، و لأنّ المالک لما أعاره فقد رضی بعدم ثبوت الضمان علیه الذی هو مقتضی العاریة، فلا وجه لتضمینه.

فالحاصل: أنّ الذی یقتضیه النظر خلاف الأمرین، لکن لم أظفر إلی الان بمخالف فإنّ المصنف فی التحریر(3) قد صرح بالثانی و کذا المحقّق فی الشرائع»(4).

ص: 373


1- (4) الشرائع 2/136.
2- (1) تذکرة الفقهاء 16/238، مسألة 83.
3- (2) لم أجد ما ذکره فی التحریر المطبوع و الموجود فیه استعارة المحلّ صیدا من مُحْرِم راجع تحریر الأحکام الشرعیة 3/221، مسألة 4492، نعم یوجد فی تلخیص المرام فی معرفة الأحکام /140 له ما نصه: «العاریة أمانة لا یضمنها المستعیر إلاّ أن... أو یستعیر الصید و هو محرم...». یمکن استفادة ما ذکره المحقّق الثانی من اطلاق کلامه.
4- (3) جامع المقاصد 6/60.

و قال ثانی الشهیدین: «لاشبهة فی عدم جواز استعارة المحرم الصید من المحلِّ و المحرم لما ذکره المصنف [صاحب الشرائع] من تحریم إمساکه علیه، فلو استعاره بعقد العاریة فهل یقع العقد فاسدا؟ یحتمله للنهی، و عدمه لأنّ المعاملات لا یبطلها النهی إلاّ بدلیلٍ خارجٍ. و عبارة المصنف [صاحب الشرائع] و غیره لا تدل علی أحد الأمرین صریحا، لأنّ عدم الجواز أعمٌ من الفساد کما ذکرنا.

فعلی تقدیر قبضه له إن ردّه علی المالک لزمه الفداء للّه تعالی و بری ءَ من حقّ المالک و إن تلف فی یده فلا شبهه فی ضمانه الفداء للّه تعالی لأنّه ثابت علیه بمجرد الإمساک کما فی الصید الذی لیس بمملوک حتّی لو کان المعیر مُحرما أیضا فعلی کلّ واحد منهما فداءٌ.

و مقتضی عبارة المصنف و جماعة أنّه یضمنه مع التلف للمالک أیضا بالقیمة لأنّهم جعلوه من العواری المضمونة و إن لم یشترط فیها الضمان و دلیله غیر واضح، إذ مجرد تحریم

استعارته لا یدّل علی الضمان سواء قلنا بفساد العقد أم بصحته، أمّا مع صحته فالأصل فی العاریة عندنا أن تکون غیر مضمونة إلاّ أن یدلّ دلیل علیه و لم یذکروا هنا دلیلاً یعتمد علیه، و أمّا مع فسادها فلأنّ حکم العقد الفاسد حکم الصحیح فی الضمان و عدمه _ کما أسلفناه فی مواضع _ قاعدة کلّیة»(1).

أقول: نسبة القول بالضمان مع التلف إلی المحقّق و جماعة کما فی کلام ثانی الشهیدین رحمه الله لاتتم و استفادها قدس سره من إطلاق کلامهم، و یظهر من صاحب الجواهر عدم وجود المصرح بالضمان فی صورة التلف السماوی فهذه النسبة غیر تام کما یأتی.

ص: 374


1- (1) المسالک 5/139.

قال فی الجواهر: «بل یجب علیه ارساله و حینئذ فلو أثم و أمسکه ثم أرسله ضمنه و إن لم یشترط علیه ذلک فی العاریة، و وجوب ذلک علیه لا ینافی ضمانه لمالکه و إن أقدم علی إعارته لمن یکون تکلیفه إتلافه بالارسال، فإنّ ذلک لا یقتضی ذهاب حرمة ماله کما لا یقتضی إبطال سببیّة الضمان الحاصلة من عموم قوله: «من أتلف مال غیره فهو له ضامن»، و عدم الضمان بالعاریة الفاسدة لقاعدة عدمه فی الصحیح منها مع تسلیمها فی صورة العلم إنّما تتم فی التلف بغیر تفریط لا الاتلاف.

و دعوی: عدمه فی المقام أیضا باعتبار کون تکلیفه ذلک، یمکن منعها:

أوّلاً: لإمکان دعوی وجوب تسلیمه إلی صاحبه ترجیحا لحقّ المخلوق علی حقّ الخالق.

و ثانیا: بعد تسلیمها بمنع مادلّ علی عدم ضمان العاریة فی الفرض لاأقل من الشک فیبقی عموم من أتلف و أصالة احترام المال بحاله.

و علی کلّ حال فمن ذلک ظهرلک أنّه لا وجه للإشکال فی الجزم بالضمان من المصنف و الفاضل و غیرهما بعدم الدلیل علیه لقاعدة ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده ضرورة کون المراد الضمان فی الفرض المذبور و إن کان إطلاقهم یوهم ذلک، لکن من المعلوم إرادتهم الفرد الذی ذکرناه، فإنّه الموافق لذکر مسألة المحرم بخصوصه»(1).

و تبعه الشیخ الأعظم و قال: «أنّ وجه ضمانه _ بعد البناء علی أنّه یجب علی المحرم إرساله و أداء قیمته _ أنّ المستقر علیه قهرا بعد العاریة هی القیمة لا العین فوجوب دفع القیمة ثابت قبل التلف بسبب وجوب الإتلاف الذی هو سببٌ لضمان ملک الغیر فی کلّ عقدٍ

ص: 375


1- (2) الجواهر 27/165.

لا بسبب التلف»(1).

و استشکل الفقیه الیزدی علی الشیخ الأعظم بقوله: «لکن یمکن منع المبنی [أی البناء علی أنّه یجب علی المحرم ارساله] فإن التخلّص عن الإمساک کما یمکن بالارسال کذلک یمکن بالدفع إلی المالک، مع أنّ حقّ المخلوق مقدّم علی حقّ الخالق»(2).

و العجب من المحقّق النائینی(3) حیث قال فی توضیح ما أفاده الشیخ اُمورا ثلاثة أذکر لک مختصرها: الأوّل: وجوب الارسال هل هو حکم تکلیفی محض أو أنّ الصید بسبب وقوع ید المحرم علیه خرج عن الملکیة و صار من المباحات بالأصل وجهان بل قولان أقواههما الثانی.(4)

الثانی: لا فرق فی ضمان المستعیر بین ما إذا کان المعیر عالما بالموضوع و الحکم أم لا و کان جاهلاً.

الثالث: لو لم یرسل المستعیر الصید بل ردّه إلی المعیر فهل یسقط به الضمان أم لا؟ قولان أقواهما الثانی.

أقول: المناقشة فی الأوّل و الثالث واضحةٌ و ناقضیة هذا الفرع للقاعدة تبتنی علی اُمور:

الأوّل: فساد عقد العاریة المذکورة لورود النهی عن إمساک الصید توسط الُمحْرِم.

الثانی: وجوب الإرسال علی المحرم و لا یکفی دفعه إلی مالکه.

الثالث: امساک المحرم الصید ثم ارساله فی حکم التلف.

ص: 376


1- (1) المکاسب 3/195.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/460.
3- (3) المکاسب و البیع 1/(315-313).
4- (4) فی هذه المقالة هو تابع للحاج آقا رضا الهمدانی فی حاشیته علی المکاسب /73.

و یمکن أن یناقش فی الکلّ بصحة عقد العاریة لأنّ النهی فی المعاملات لا یدل علی الفساد، و لا یجب علیه إرساله بل یحرم علیه إمساکه و رفع الامساک ممکن بالردّ إلی مالکه و بالردّ خرج من الضمان، نعم یجب علیه الکفارة للّه تعالی، و إرسال المحرم الصید لا یکون تلفا بل یکون إتلافا کما علیه الأعلام فیشمله قاعدة الإتلاف کما نبّه علی الأخیر المحقّق النائینی(1) و کما مرّ قبله من صاحب الجواهر و الشیخ الأعظم.

فرعٌ:

هل یثبت الضمان مع الارسال مطلقا، أم یختص بصورة جهل المعیر؟ ذهب الفقیه الیزدی إلی اختصاصه بصورة الجهل و قال: «هذا [الضمان] لا یتم فی صورة علم الدافع، فإنّه حینئذ یعدّ من المتلف لماله بدفعه إلی من هو مکلَّفٌ بإتلافه فلا وجه لاستقرار القیمة فی ذمّته خصوصا إذا کان جاهلاً بأنّه صیدا و بالحکم»(2).

أقول: تم إسناد الإتلاف إلی المستعیر فهو ضامن ولو مع فرض علم المعیر و الاتلاف موجب للضمان کما مرّ عن المحقّق النائینی(3) و تبعه تلمیذه السیّد الخوئی(4).

و منها: المنافع غیر المستوفاة من المبیع فاسدا

(5)

البیع إذا کان صحیحا یقتضی الضمان المسمّی بالنسبة إلی العین و کذلک یقتضی الضمان مطلقا إذا کان فاسدا، و المنافع المستوفاة فی البیع یقتضی الضمان(6) صحیحا کان البیع

ص: 377


1- (5) المکاسب و البیع 1/315.
2- (1) حاشیة المکاسب 1/460.
3- (2) المکاسب و البیع 1/314.
4- (3) مصباح الفقاهة 3/107.
5- (4) یأتی تفصیل ضمان المنافع مطلقا فی الرابع من أحکام المقبوض بالعقد الفاسد راجع صفحة 395 و ما بعدها.
6- (5) کما قاله العلاّمة فی القواعد 2/238: «لایملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد و یضمنه و ما یتجدّد من منافعه الأعیان أو غیرها مع جهل البائع أو علمه مع الاستیفاء، و بدونه إشکال».

أو فاسدا لأنّ الاصل و هو العین تکون مضمونة و کذلک الفرع و هو المنفعة(1) و لأنّ المنافع علی قسمین:

الأوّل: کانت من الأعیان و استیفاؤها یکون إتلافا لها نحو: البیضة بالنسبة إلی الدجاج و اللبن بالنسبة البقرة و الصوف بالنسبة إلی النعجة.

الثانی: کانت من غیر الأعیان و استیفاؤها بمنزلة التلف نحو: السکنی فی الدار و الرکوب فی السیارة و نحوها و حیث کان الأصل مضمونا یکون فرعه أیضا مضمونا و لعموم قوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدی و لأنّه أثبت یده علی العین بغیر استحقاق _ علی فرض بطلان المعاملة _ و المالک الذی سلّطه علی العین رضی بکونه تحت یده فی مقابلة الثمن و صحة المعاملة فإذا بطلت المعاملة و الثمن لا یرضی المالک بفوات منافعه ولو لم یستوفها المشتری السابق.(2)

فالمنافع المستوفاة موردٌ للضمان فی البیع الصحیح و الفاسد بما مرّ و بقاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده.

ولکن عدّت المنافع غیر المستوفاة موردا لنقض القاعدة لأنّها فی الصحیح لیس لها ضمان ولکن حکموا بأنّها فی الفاسد تکون مضمونة.

لایقال: ضمان العین یستتبع ضمان المنافع _ المستوفاة منها و غیر المستوفاة _ فی العقد الصحیح کان أو فاسدا. فیدخل المنافع بِکلَی قسمیها فی أصل القاعدة أعنی ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، لا نقیضها و سلبها.

ص: 378


1- (6) کما استدل به المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 6/324 و تبعه السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 18/357.
2- (7) کما نبّه علیها الفقیه العاملی فی مفتاح الکرامة 18/358.

لأنا نقول: الثمن فی العقد الصحیح یقع بإزاء أصل العین لا منافعها و إن کانت المنافع تکون من دواعی المعاملة ولکن لایقع فی قبالها ثمن، فالمنافع بقسمیها خارجة عن مورد العقد و لا تدخل تحت عنوان أصل القاعدة و لا نقیضها. فلایعدّ مِنْ نقوض نقیض القاعدة. و لابدّ من ثبوت ضمانها و عدمه من ملاحظة دلیل آخر نحو قاعدة الإتلاف أو قاعدة الإحترام و نحوها. هذه إجابة الشیخ الأعظم(1) عن النقض بتوضیح منّا و تبعه المحقّق الإصفهانی(2).

ولکن یمکن أن یناقش علیه بأنَّ بیانه هذا ینافی ما مرّ منه قدس سره من أنّ مورد العقد عنده یکون أعمّا من متعلَّق العقد و متعلَّق متعلَّقه حیث مثّل بمورد العقد بعدم ضمان العین المستأجرة فاسدا(3) فلا یمکن الجمع بین البیانین.

ولکن الفقیه الیزدی أجاب عن النقض ببیان آخر و قال: «المنافع و إن لم تکن مقابلة بالمال إلاّ أنّها ملحوظة فی القیمة و زیادة الثمن و هذا المقدار یکفی فی صدق کونها مضمونة، و من هنا یعرف حال الشروط فإنّه لو فرض شرط الخیاطة فی عقد فاسد فعمل بالشرط یکون من له الشرط ضامنا، لأنّ فی الصحیح و إن لم یکن الشرط مقابلاً بالمال إلاّ أنّه ملحوظ فی زیادة الثمن و نقصانه، فکأنّه مقابل بالمال و لذا اشتهر أنّ للشرط قسطا من الثمن یعنی فی اللبّ، فتدبّر»(4).

و فیه: ردّ المحقّق الأصفهانی علیه بقوله: «أنّ هذا المعنی لا یحقّق ضمانین بالإضافة إلی المنفعة و العین، و الاشکال فی کون المنافع [غیر المستوفاة] مضمونة علی حدِّ ضمان العین فی

ص: 379


1- (1) راجع المکاسب 3/195.
2- (2) حاشیة المکاسب 1/338.
3- (3) المکاسب 3/193.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/461.

الفاسد مع أنّها غیر مضمونة فی الصحیح»(1).

و بعبارة اُخری: دخالة المنافع فی زیادة الثمن لا یستلزم ضامنها بغیر ضمان العین و دونه کما أنّ الشروط لها دخل فی زیادة القیمة مع أنّها لا تدخل فی الضمان. و ثبوت الضمان فی مثل الخیاطة فلأجل احترام العمل و استناد تحققه فی الخارج إلی أمر المشروط له فلا صلة له بالمقام کما نبّه علیه المحقّق السیّد الخوئی(2).

و أجاب المحقّق الأصفهانی مضافا إلی جواب الشیخ الأعظم بإجابة ثالثة و هی: «نعم، ربّما یتصور ضمان العین بنحو تکون متضمنا لضمان المنافع الفائتة فی الصحیح و الفاسد کما إذا کانت العین لها أمد خاص و عمر مخصوص فإذا أمضی منه شهر مثلاً نقصت قیمة العین، فهذا النقص ملحوظ فی الصحیح و الفاسد، فلا فرق حینئذ بین القول بضمان العین و المنافع معا أو ضمان العین تامة فتدبر»(3).

و فیه: نعم مُضیّ مدّة خاصة من عمر العین و إن اوجب نقصانا فیها إلاّ أنّ الضمان حینئذ بالعین لا المنافع التی لم یستوفی و لذا اعترف فی آخر کلامه بعدم الفرق حینئذ، کما ذکره تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی(4) قدس سره .

و للمحقّق النائینی إجابة رابعة للنقض _ و یمکن عدّها توضیحا لکلام الشیخ الأعظم _ قال: أنّ المدار علی مورد العقد و مصبه و متعلَّقه و هو فی البیع العین، فالعین فی البیع الصحیح مضمون و کذلک فی الفاسد ولکن «منافع العین التی تعلق بها البیع حیث أنّ المنفعة فی البیع لیست متعلَّقة للعقد و لا یبذل بازائها الثمن، بل الثمن یقع بإزاء العین و إن

ص: 380


1- (1) حاشیة المکاسب 1/338.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/108.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/338.
4- (4) مصباح الفقاهة 3/109.

کان یتفاوت ثمنها بواسطة المنفعة لتفاوت الرغبة بالنسبة إلی العین بواسطة التفاوت فی منفعتها، لکان خارجا عن مورد تلک القاعدة [أی قاعدة ما یضمن]فلا یرد النقض بضمان المنافع التی لم یستوفها فإنّها غیر مضمونة فی العقد الصحیح مع أنّها مضمونة فی العقد الفاسد، و ذلک لأنّ تلک المنافع لیست متعلقة العقد حتّی یکون ضمانها فی حال

فساد العقد مع ضمانها فی حال صحته نقضا للقاعدة»(1).

و قال فی تقریراته الاُخری: «أنّ مورد الأصل و العکس هو مورد العقد و مصبه لا ما هو خارج عنه و إنّما حکم بتبعیّته له شرعا، أو التوقف استیفاء المنفعة علیه، و من هذا الأمر ظهر عدم ورود النقض بالنسبة إلی المنافع، و لا تلف العین المستأجرة، و لا تلف الحمل و نحو ذلک من النقوض»(2).

أقول: أنت تری أنّ هذه الإباحة هی جواب الشیخ الأعظم بتوضیح من المحقّق النائینی کما مرّ، ولکن زاد تلمیذه السیّد الخوئی فی إجابته: «و إنّما المنافع فی الصحیح تابع للعین بحکم الشارع و فی الفاسد حیث أن العین لم تنقل إلی القابض فیضمن منافعها»(3).

ثم ردّ علیه بقوله: «أنّه لو صح ذلک فلازمه الحکم بالضمان فیما لایضمن بصحیحه کالهبة الفاسدة، بدیهة أنّ المنافع فی الهبة الصحیحة تابعة للعین و حیث أن العین لم تنقل إلی المُتَّهِبِ فی الهبة الفاسدة فتضمن منافعها»(4).

یعنی: یتولد من هذه الإجابة مورد نقض آخر و هو ضمان المنافع فی الهبة الفاسدة مع أنّ فی صحیحها لیس ضمان.

ص: 381


1- (1) المکاسب و البیع 1/308.
2- (2) منیة الطالب 1/273.
3- (3) مصباح الفقاهة 3/109.
4- (4) مصباح الفقاهة 3/109.

و للمحقّق البجنوردی إجابة خامسة علی طرف النقیض من إجابة الشیخ الأعظم و النائینی و الأصفهانی لأنّهم یقولون بخروج المنافع عن العین فی قبال الضمان و المسمّی ولکنّه یقول بتبعیة المنافع للعین من جهة الضمان و المسمّی قال: «إنّ الضمان فی الصحیح عبارة عن المسمّی، و المسمّی فی الصحیح موجود بدل العین، فبعوض ملکیّة العین یشتغل ذمّته بالمسمّی، و المنافع مطلقا سواء کانت مستوفاة أو غیر مستوفاة من توابع العین، فإذا کانت العین مضمونة فالمنافع أیضا مضمونة، کما هو الظاهر من قوله صلی الله علیه و آله : الخراج بالضمان، أیّ المنافع التی للعین تکون لمن انتقل إلیه العین بواسطة ضمان المسمّی، فکان المسمی فی البیع الصحیح عوض العین و منافعه، فلا نقض»(1).

و تبعه السیّد الخوئی و قال: «کلّ من العین و المنفعة مورد للعقد، نهایة الأمر أنّ العین

مورد للعقد بالإصالة و المنافع مورد له بالتبعیة، و من الواضح أنّ عقد البیع ممّا یضمن بصحیحة و فاسده، سواء فی ذلک نفس المبیع و منافعه و إذن فلا وجه لتوهم انتقاض القاعدة طردا بالبیع الفاسد»(2).

أقول: السیّدان یتبعان المحقّق الخراسانی رحمه الله و قد مرّت مقالته فی الثانی من مدارک قاعدة ما یضمن تحت عنوان تنبیه ذیل خبر الید حیث یقول: «قضیة کونها [العین[ مضمونة ضمان منافعها»(3)، و مرّ منّا اختیار هذا الکلام، و کذا مرّ من أنّ مورد العقد یکون أعما من متعلّق العقد و متعلَّق متعلَّقه فالمنافع تدخل القاعدتین و حینئذ، لابدّ لنا من القول بتبعیة المنافع للعین و إذا کانت العین مضمونة فالمنافع کذلک بلافرق بین المستوفاة منها و غیر المستوفاة و لا تنقض القاعدة کما علیه السیّدان البجنوردی و الخوئی و الحمدللّه.

ص: 382


1- (5) القواعد الفقهیة 2/124.
2- (1) مصباح الفقاهة 3/109.
3- (2) حاشیة المکاسب /31 للمحقّق الآخوند الخراسانی قدس سره .
و منها: الضمان فی حمل المبیع إذا کان البیع فاسدا

إذا کان المبیع حیوانا حاملاً فإمّا أن یکون کلّ منهما یدخل فی المبیع و یقسّط الثمن علیهما فحینئذ لا إشکال علی الضمان بالنسبة إلی کلیهما فی البیع الصحیح أو الفاسد.

و أمّا إذا کان المبیع خصوص الاُمّ فقط فیبقی الحمل أمانة عند المشتری إلی الولادة و بعدها یسلّمه إلی البائع فحینئذ إذا کان البیع صحیحا فلا إشکال فی ضمان الأمّ و عدم ضمان الحمل و أمّا إذا کان البیع فاسدا فضمان الاُمّ یکون علی القاعدة ولکن جماعة ذهبوا إلی ضمان الحمل التالف و بالنسبة إلی ضمان الحمل یکون نقضا لقاعدة ما لایضمن، لأنّ فی صحیحه لیس الضمان ولکن یکون فی فاسده ضمانا.

و من القائلین بالضمان شیخ الطائفة لأنّه یری دخول الحمل فی المبیع تبعا قال: «و إن باع بهمیة أو جاریة حاملاً و استثنی حملها لنفسه لم یجز لأنّ الحمل یجری مجری عضو من أعضائها»(1).

ولکن علی هذا المبنی لا یکون نقضا لقاعدتنا بل یدخل فی أصل قاعدة ما یضمن.

ولکن قال: «من غصب جاریة حاملاً ضمنها و حملها معا، و ولد المشتراة شراءً فاسدا مثل ذلک و فی الناس من قال لا یضمن»(2).

و منهم: المحقّق قال فی الشرائع: «و غصبُ الاْءَمَةِ الحاملِ غصبٌ لولدها، و لثبوت یده علیهما. و کذا یضمن حمل الأمة المبتاعة بالبیع الفاسد»(3).

و منهم: العلاّمة فی التذکرة(4) و الإرشاد(5) و التحریر قال فی الأخیر: «ولو اشتری

ص: 383


1- (3) المبسوط 2/156.
2- (4) المبسوط 3/65.
3- (1) الشرائع 3/185.
4- (2) تذکرة الفقهاء 2/376 سطر 34 من کتاب الغصب، الطبع الحجری.
5- (3) إرشاد الأذهان 1/362.

بالبیع الفاسد الأمة الحامل أو الدابةَ الحاملَ، ضمن الأصل و الحمل معا»(1).

ولکن العلاّمة فی القواعد أفتی بعدم الضمان و قال: «و یضمن حمل الغصب لا حمل المبیع بالفاسد و السؤم»(2).

و تبعه جماعة منهم: الشهید قال: «و غصب الحامل غصب الحمل، أمّا حمل المبیع فاسدا أو المستام فلا ضمان فیه، و قال الفاضل: یضمن الحمل فی البیع الفاسد، و لعلّه أراد مع اشتراط دخوله»(3).

و منهم: المحقّق الثانی قال: «أما حمل الغصب فإنّه مغصوب کالأصل، و أمّا حمل المبیع فإنّه لیس مبیعا، إذ لا یندرج الحمل فی بیع الاُمّ، فیکون أمانة فی ید المشتری لأصالة عدم الضمان، و لأنّ تسلمه بإذن المالک الذی هو البائع»(4).

و منهم: الشهید الثانی قال: «و أمّا ضمان حمل الأمة المبتاعة بالبیع الفاسد فإنّما یتم مع دخوله معها فی البیع إمّا تبعا کما یقوله الشیخ(5) أو مع الشرط(6). أمّا لو لم یکن داخلاً لم یتّجه ضمانه، لأنّه مقبوض بإذن المالک و لیس مبیعا فاسدا حتّی یضمن بفاسده کما یضمن بصحیحه، و مثله القول فی المقبوض بالسؤم بالنسبة إلی الحمل، فإن کان السؤم لهما ضمنهما علی القول بضمان الاُمّ، و إن کان لها خاصة اختصّ بها.

و قد اختلف کلام العلاّمة فی المسألة ففی التحریر جزم بضمان الأمة و الحمل معا کما

ص: 384


1- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 4/522.
2- (5) القواعد 2/223.
3- (6) الدروس 3/108.
4- (7) جامع المقاصد 6/220.
5- (8) کما مرّ کلام الشیخ فی المبسوط 2/156.
6- (9) کما مرّ آنفا من الشهید فی الدروس 3/108.

ذکره المصنف [صاحب الشرائع] و فی القواعد جزم بعدم ضمان الحمل و هو الأصح و لا إشکال مع دخوله فی البیع»(1).

و ذهب إلی عدم الضمان فی الروضة(2).

و منهم: المحقّق الأردبیلی قال: «و أمّا عدم الضمان فی المأخوذ بالبیع الفاسد أو المأخوذ بالسؤم فإن الحمل و إن کان مقبوضا إلاّ أنّه غیر مبیع بالبیع الفاسد و لامأخوذ بالسؤم فلا یدخل تحت ما یدل علی ضمانه مثل ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، نعم إن اشتری مع الحمل یکون حکمه حکم الحامل هنا فتأمل»(3).

و منهم: السیّد العاملی قال بعد نقل القائلین بعدم الضمان: «و لعلّه قضیة کلام الباقین إلاّ من ستعرفه [فی کلامه و قد مرّ فی کلامنا] لأنّه لیس مبیعا فیدخل فی البیع فیکون أمانة فی ید المشتری لأصالة عدم الضمان و لأنّ تسلّمه بإذن البائع»(4).

أقول: یظهر لک ممّا ذکرناه إنّ النزاع بین القوم لفظی(5) لأنّ القائل بالضمان أراد صورة کون الحمل جزءً من المبیع کما مرّ الاعتراف به من الشیخ فی المبسوط(6) أو أراد صورة اشتراط دخول الحمل فی المبیع کما یظهر من العلاّمة فی الإرشاد حیث یقول: «ولو باع الحامل فالولد له [أی للبائع] إلاّ أن یشترطه المشتری»(7) و مرّ من الشهید(8) فی توجیه

ص: 385


1- (10) المسالک 12/155.
2- (1) الروضة البهیة 7/24.
3- (2) مجمع الفائدة و البرهان 10/511.
4- (3) مفتاح الکرامة 18/74.
5- (4) کما نبّه علیه المحقّق الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/110.
6- (5) المبسوط 2/156.
7- (6) إرشاد الأذهان 1/366.
8- (7) الدروس 3/108.

کلام العلاّمة و القائل بعدم الضمان أراد خروج الحمل من البیع فلا نزاع و لا نقض علی القاعدة.

لأنّه علی الفرض الأوّل یدخل فی

أصل القاعدة و علی الفرض الثانی یدخل فی نقیضها فلانقض أصلاً و للّه الحمد.

و منها: الشرکة الفاسدة

قال الشیخ الأعظم: «و یمکن النقض أیضا بالشرکة الفاسدة، بناءً علی أنّه لا یجوز التصرف بها فأخذ المال المشترک حینئذ عدوانا موجب للضمان»(1).

قال شیخنا الاُستاذ قدس سره : «و وجه النقض أنّ مع صحة عقد الشرکة و جواز تصرف

کلّ من الشریکین فی مال المشترک یکون المال المزبور فی ید کل منهما کالمال فی ید الوکیل أمانة مالکیة فلا یضمن، بخلاف صورة فساد عقدها و البناء علی عدم جواز التصرف فی مال الشریک فإنّه تکون یده علی مال صاحبه، ید عدوان فیضمن و هذا ینافی القاعدة المزبورة فی عکسها»(2).

و قبله قال السیّد البجنوردی فی توضیح النقض: «الظاهر أنّ مراده [أی مراد الشیخ الأعظم] شرکة الأموال بعقد الشرکة فیکون النقض عبارة عن أنّ أحد الشریکین مثلاً فی الشرکة الصحیحة لو تصرّف فی المشترک و صار تحت یده _ کما هو المتعارف عند الشرکاء _ فتلف ذلک المال من دون تعدّ و تفریط لا یکون ذلک الشریک ضامنا لحصّة شریکه الآخر و هذا مقتضی صحة عقد الشرکة، و أمّا لو لم یکن العقد صحیحا و کانت الشرکة فاسدة فیکون ذلک الشریک ضامنا لقاعدة «و علی الید ما أخذت حتّی تؤدیه» و لابدّ من فرض

ص: 386


1- (8) المکاسب 3/196.
2- (1) إرشاد الطالب 2/154.

التلف فی صورة عدم إذن ذلک الشریک الآخر فی التصرف، فلا إذن من طرف المالک و لا أنّ جواز التصرف مقتضی عقد الشرکة فلا یکون المال لا أمانة مالکیة و لا أمانة شرعیة فتکون الید ید ضمان...»(1).

أقول: یمکن أن یناقش فی النقض أوّلاً: تفریع الضمان علی الحکم التکلیفی کما هو ظاهر کلام الشیخ الأعظم لا یتم لعدم وجود التلازم بینهما، اللهم إلاّ أن یقال بأن عدم الجواز فی کلامه قدس سره هو عدم الجواز الوضعی لفساد عقد الشرکة.

و ثانیا: بعد فساد عقد الشرکة لو فوّض کلّ منهما زمام ماله إلی شریکه العرفی _ لا الشرعی _ و جعله أمینا فی ماله فلا ضمان علیه لو تلف من دون إفراط و لا تفریط فلا یفرق فی عدم الضمان بین الشرکة الصحیحة أو الفاسدة و لا وجه لتوهم النقض(2).

ثم ما ذکر من موارد النقض علی القاعدة أصلاً أو نقیضا علی فرض تمامیة تلک الموارد _ و لم تتم کما مرّ _ لا توجب ردا و طعنا علیها لأنّها عام قابل للتخصیص و التقیید کما لا یخفی(3).

ص: 387


1- (2) القواعد الفقهیة 2/126.
2- (3) راجع مصباح الفقاهة 3/111.
3- (4) کما نبّه علیه الحاج آقا رضا الهمدانی فی حاشیته علی المکاسب /79 و تبعه المحقّق الخمینی فی البیع 1/307 .

الثالث: وجوب ردّ المبیع فاسدا إلی مالکه فورا

اشارة

هذا حکم تکلیفی فی المقام ادعاه الشیخ الأعظم و استدل علیه بوجوه ثلاثة:

الأوّل: الإجماع
اشارة

فإنّه یدعی قدس سره ورود الاجماع المنقول الوارد فی کلمات جماعة من الأصحاب _ قدس اللّه أسرارهم _ .

ولکنه لم یذکر إلاّ المحقّق الأردبیلی لأنّه قال فی مجمع الفائدة: «و مع علمه بالفساد و بعدم جواز تصرفه و حفظه و وجوب رده إلی مالکه معجلاً کالمغصوب، و ذلک قد یکون بعلمه بطلب من المالک علی تقریر الفساد و عدم رضاه بکونه عنده و فتوی العلماء له بذلک فهو ضامن...»(1).

و قال الشیخ الأعظم: «الثانی من الأمور المتفرعة علی عدم تملّک المقبوض بالبیع الفاسد، وجوب ردّه فورا إلی المالک، و الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فیه علی تقدیر عدم جواز التصرف فیه»(2).

أقول: ثبوت الإجماع فی المسألة بقول الواحد الذی یدعی هو فتوی العلماء علی قسم خاص من الفرع _ و هو فرض علم المشتری بالفساد و طلب المالک له _ فی غایة الاشکال و منعه واضح ثم ظاهر الشیخ الأعظم حرمة التصرف فی مال الغیر یکون دلیلاً علی وجوب الردّ و هذا تامٌّ علی مبنی الذین یقولون: انّ حرمة الضد یقتضی وجوب ضده، ولکنّه لم یتم حتّی عنده قدس سره ، فلا یکون هذا مراده بل لعلّ مراده فهم العرف من حرمة التصرف فی مال الناس یقتضی لزوم الرد إلی المالک.

ص: 388


1- (1) مجمع الفائدة و البرهان 8/192.
2- (2) المکاسب 3/199.
فرع: مؤونة الرد علی من؟

هذا الفرع محلّه فی ختام البحث ولکن قدّمه الشیخ الأعظم و نحن نقتفی أثره: قال العلاّمة فی تذکرة الفقهاء: «إذا اشتری شراءً فاسدا وجب علیه ردّه علی مالکه، لعدم خروجه عنه بالبیع، و علیه مؤونة الرد کالمغضوب لوجوب لا یتمّ الواجب إلاّ به»(1).

و قال المحقّق الثانی فی جامع المقاصد: «فرعٌ: علی المشتری مؤونة ردّ المبیع فاسدا إن کان له مؤونة کالمغضوب و لا یرجع بالنفقة إلاّ إذا کان جاهلاً بالفساد، إذ لا یعدّ متبرِّعا

بنفقته، إذ لم یُنفق إلاّ بناءً علی أنّه ماله، فإذا فات ذلک رجع کلٌّ إلی حقّه و جعل فی التذکرة(2) البائع غارّا»(3).

ثم الشیخ الأعظم یرتضی قول العلاّمة ب_ «أنّ مؤونة الرد علی المشتری»(4) ولکنّه ذهب ألی أنّ علیه مؤونة عادیة و أمّا الکثیرة یقیّد بأدلة نفی الضرر فینفی، قال: «اطلاقه یشمل ما لو کان فی ردّه مؤونة کثیرة إلاّ أن یقیّد بغیرها بأدلة نفی الضرر»(5).

و اعترض علیه السیّد الیزدی و قال: «علی تقدیر وجوب الردّ حتّی مع علم الدافع یمکن أن یقال بکفایة التخلیة ثم علی فرض کون الردّ واجبا و کون مؤونته علی القابض إنّما یتم فیما إذا کان هو الناقل له عن مکانه، و أمّا إذا کان فی مکان القبض و قد انتقل البائع إلی بلد آخر فلا دلیل علی وجوب نقله إلی ذلک البلد و کون مؤونته علی القابض فتدبر»(6).

ص: 389


1- (3) تذکرة الفقهاء 10/292، مسألة 127.
2- (1) تذکرة الفقهاء 10/293.
3- (2) جامع المقاصد 4/435.
4- (3) مرّ قوله فی تذکرة الفقهاء 10/292.
5- (4) المکاسب 3/199.
6- (5) حاشیة المکاسب 1/464.

و قال أیضا: «لافرق بین الکثیرة و الیسیرة فی کونه ضررا، إلاّ أن یراد بالکثیرة ما یکون فیه اجحاف، فتدبر»(1).

و قال المحقّق النائینی: «إنّما الکلام فی أنّ مؤونة الردّ علی القابض مطلقا أو علی المالک کذلک أو فیه تفصیل؟ وجوه، و الأقوی هو الأخیر.

و حاصله: أنّه لو کانت المؤونة بمقدار ما یقتضیه _ طبعا _ ردّ مال الغیر فهو علی القابض، ولو لم یکن کذلک بأن کانت زائدة علیه فلا یجب علیه، و ذلک لأنّ الحکم المجعول إذا اقتضی فی طبعه مقدارا من الضرر فهو مخصّص لقاعدة الضرر، و لاأقل من عدم حکومتها علیه. نعم، لو احتاج الردّ إلی المؤونة الزائدة علی المتعارف بحیث صار وجوبه بدون جبرانه من المالک اجحافا علی القابض فأدلة لا ضرر حاکمة علیه.

ثم لا فرق فی وجوب الردّ إذا کان متوقّفا علی المؤونة المتعارفة بین نقل القابض المال عن مکانه إلی بلدٍ آخر، أو لا مع وجود المالک فی بلد القبض.

و أمّا إذا کان المقبوض فی بلد القبض و انتقل المالک إلی مکان آخر فلا یجب نقله إلیه، بل یردّه إلی وکیله أو الحاکم، لعدم دلیل علی لزوم الدفع إلی شخص المالک فی هذه الصورة.

و یشکل الأمر لو نقله القابض من بلد القبض إلی بلد آخر و انتقل المالک أیضا إلی بلد ثالث فیحتمل أن لا یکون الردّ إلی بلد القبض أو البلد الذی انتقل إلیه المالک واجبا، إلاّ إذا کان فی بلد القبض خصوصیة بأن یکون قیمته أغلی أو راغبه أزید أو نحو ذلک.

و علی أیّ حال، الردّ إلی البلد الذی انتقل إلیه المالک لا دلیل علیه، إلاّ إذا نقله القابض أیضا إلی هذا البلد، فإنّه مع مطالبته یجب دفعه إلیه، لأنّ ماله موجود و یستحق

ص: 390


1- (6) حاشیة المکاسب 1/464.

المطالبة فیجب ردّه إلیه»(1).

و اعترض علیه تلمیذة المحقّق السیّد الخوئی و قال: «و یرد علیه: أن وجوب الردّ فی نفسه

لایقتضی أیّ ضرر إذ قد یکون الردّ غیر محتاج إلی المؤونة اصلاً، فالمؤونة أمر قد یحتاج إلیه الردّ، و قد لا یحتاج إلیه ذلک، و إذن فدلیل نفی الضرر یقتضی اختصاص وجوب الردّ بما لایحتاج إلی مؤونة.

ثم اعترض علی تفصیل الشیخ الأعظم _ أی الفرق بین المؤونة القلیلة و الکثیرة _ بقوله: «فإن تحمل الضرر مرفوع فی الشریعة المقدسة و لا فرق بین قلیله و کثیره».

ثم اختار: «نعم، لا بأس بالالتزام بکون المؤونة علی القابض فیما إذا کانت المؤونة من القلّة بمرتبة لا تعدّ ضررا عرفا»(2).

الثانی: التوقیع الشریف

المروی بسند صحیح عن أبیالحسین محمّد بن جعفر الأسدی الثقة قال: کان فیما و رد علیَّ من الشیخ أبیجعفر محمّد بن عثمان العَمْرِیّ _ قدس اللّه روحه _ فی جواب مسائلی إلی صاحب الدار علیه السلام :... فلا یحلّ لأحد أن یتصرّف فی مال غیره بغیر إذنه فکیف یحلّ ذلک فی مالنا؟! التوقیع.(3)

بناءً علی أنّ الإمساک آنا ما مصداق للتصرف الحرام، فیجب التخلّص منه بردّه فورا إلی مالکه.

ص: 391


1- (1) منیة الطالب 1/276.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/125.
3- (3) وسائل الشیعة 9/540، ح7، الباب 3 من أبواب الأنفال، و مختصرا فی وسائل الشیعة 25/386، ح4، الباب 1 من أبواب الغصب.

تنبّه الشیخ الأعظم إلی وجود مناقشة فی هذا الاستدلال و قال: «ولو نوقش فی کون

الامساک تصرفا»(1).

و مراده: عدم صدق التصرف علی مجرد الإمساک حتّی یکون منهیّا عنه لأنّ التصرف مأخوذ من الصرف فیراد به التقلیب و التقلُّب.

بل یمکن ان یقال: بخروج الإمساک عن التصرف موضوعا و تخصصا، لعدم صدق التصرف فیه و یؤیده کلاما شیخ الطائفة و ابن ادریس الآتیان فی آخر البحث.

بتوضیح: أنّ القابض بالعقد الفاسد _ بلا فرق بین العقود المعاوضی و غیر المعاوضی _ تارة یمتنع عن ردّ المقبوض إلی مالکه حتّی مع مطالبته، و أُخری لا یمتنع عن ذلک:

فعلی الأوّل: لا شبهة فی حرمة إمساکه لأنّه من أظهر مصادیق الغصب.

و علی الثانی: لا یجب ردّه إلی مالکه لا فوریا و لا غیره، لانّ لا یجب علی القابض إلاّ التخلیة بین المال و مالکه و أمّا الزائد فلا شیء علیه.(2)

الثالث: النبوی الشریف

الوارد فی خطبة الوداع لرسول اللّه صلی الله علیه و آله أنّه قال: أیها الناس إنّما المؤمنون إخوة، و لا یحلّ لمؤمن مال أخیه إلاّ عن طیب نفس منه.(3)

قال الشیخ الأعظم فی تقریب الاستدلال به: «حیث یدلّ علی تحریم جمیع الأفعال المتعلّقة به، التی منها کونه فی یده»(4).

مراده: أنّ «لا یحلّ» منسوب إلی الذات _ و هو المال _ فلابدّ من تقدیر الفعل

ص: 392


1- (1) المکاسب 3/200.
2- (2) کما فی مصباح الفقاهة 3/120.
3- (3) وسائل الشیعة 5/120، ح3، الباب 3 من أبواب مکان المصلی.
4- (4) المکاسب 3/200.

المناسب، و حیث لا تکون قرینة علی تحدید فعل خاص لزم تحریم جمیع الأفعال و الشؤون المتعلّقة بالمال و منها إمساکه لأنّ حذف المتعلّق یدل علی العموم.

و یناقش فیه: بوجود القرینة للتعین و هی أنّ الحلیة أو الحرمة إذا اسندت إلی الأعیان فلابدّ أن یراد بها الحلیة أو الحرمة التکلیفیان، ففی النبوی یکون المراد به عدم جواز الانتفاع به أو عدم جواز تملّکه و علی التقدیرین لاتدل علی حرمة الإمساک.

نعم، یحتمل أن یکون المقدَّر مطلق التصرف، و هو أیضا لا یفید، لأنّه قد مرّ خروج الإمساک عن التصرف موضوعا و عن حرمته تخصصا.

هذا کلّه فی أدلة الشیخ الأعظم فی المقام.

و استُدِلَّ علی حرمة الإمساک و وجوب الردّ بحدیث «علی الید» بتقریبین:

الأوّل: ما ذکره المحقّق النائینی إذ قال: «عموم «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی» فإنّه و إن لم یکن متعرّضا للحکم التکلیفی بالدلالة المطابقیة إلاّ أنّه متعرض له بالدلالة الالتزامیة فإن استقرار الضمان علی عهدة القابض ملازم لوجوب الرد لأنّه لا أثر لاستقرار الضمان علی العهدة إلاّ وجوب ردّ العین مادامت باقیة و ردّ المثل أو القیمة لو کانت تالفةً، فحرمة إمساک مال الغیر من غیر إذنه و وجوب ردّه إلیه فورا بالفوریة العرفیة لا أشکال فیه»(1).

و اعترض علیه تلمیذه المحقّق السیّد الخوئی بعد قبوله الملازمة هنا ولکن قال: «الحکم التکلیفی الملازم للحکم الوضعی _ هنا _ لیس هو وجوب ردّ العین إلی صاحبها لکی تترتب علیه حرمة الإمساک، و إنّما الواجب علی القابض هو وجوب التخلیة بین المال و مالکه، و أمّا الزائد علی ذلک فلم یدل علیه دلیل شرعی و لا عقلی»(2).

ص: 393


1- (1) منیة الطالب 1/274.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/123.

الثانی: ما ذکره المحقّق الإیروانی فی قوله: «فالأولی تبدیل الاستدلال به بالاستدلال بعموم علی الید، فإنّه إن لم یکن مقصورا ببیان التکلیف فلا أقل من أن یعمّ الوضع و التکلیف جمیعا بتقریب أنّ مؤداه وجوب دفع العین مع قیامها و دفع البدل مع التلف»(1).

ثم اعترض علیه المحقّق السیّد الخوئی بوجوه ثلاثة: «أوّلاً: ارادة الحکم التکلیفی من حدیث علی الید یحتاج إلی تقدیر فعل من الأفعال لأنّ الحکم التکلیفی لا یتعلق بالمال نفسه، و ارادة الحکم الوضعی منه لا یحتاج إلی تقدیر شیءٍ أصلاً فلا یمکن الجمع بین الحکمین إذ لا یمکن الجمع بین التقدیر و عدمه.

و ثانیا: الغایة الواردة فی الحدیث تناسب مع الحکم الوضعی فقط لا الحکم التکلیفی و لاالجمع بینهما، لأنّه إذا اُرید من النبوی الحکم التکلیفی کان معناه: أنّه یجب ردّ المال المأخوذ من مالکه بدون إذنه حتّی تؤدیه أیّ حتّی تردّه إلی صاحبه و لا شبهة فی أنّ هذا الاستعمال مستهجن جدا.

و ثالثا: قد مرّ أن حدیث علی الید ضعیف السند»(2). انتهی ملخصا.

أقول: قد مرّ الوثوق بصدور الحدیث و یمکن أن یکون ذکر الغایة للتأکید و التغلیظ و حیث یکون التقدیر اللازم واضحا و لذا حُذِفَ و علیه یمکن الذهاب إلی الجمع بین الحکمین، و لا سیّما علی القول المختار من جواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد و یتم استدلال المحقّق الإیروانی قدس سره .

ثم لابدّ من التنبیه علی أمرین:

ص: 394


1- (3) حاشیة المکاسب 2/124.
2- (4) مصباح الفقاهة 3/124 و 123.

الأوّل: عدم الفارق فی وجوب الردّ بین العقود المعاوضیّة الفاسدة و العقود غیر المعاوضیّة الفاسدة لأنّه بعد بطلان العقد لا یبقی للآخذ وجه شرعی فی تصرفاته، نعم إذا أذن له المالک من جدید فلا بأس بها أو إذا علم رضا المالک فی بعض تصرفاته فلا بأس بذلک البعض کما هو الواضح.

الثانی: ما ورد فی کلام شیخ الطائفة من عدم الإثم فی إمساکه فی قوله: «إذا باع عبدا بیعا فاسدا و أقبضه لم یملک بالقبض و لم ینفذ عتقه و لا شیء من تصرفه... و یجب علیه ردّه و ردّ ما کان من نمائه المنفصل منه لأنّ ملک الأوّل لم یزل عنه فالتصرف فیه لا یصح و یلزمه ردّه علی البائع لأنّه ملکه و لا إثم علیه لأنّه قبضه بإذن مالکه...»(1).

و تبعه ابن ادریس و قال: «متی ابتاع بیعا فاسدا فهلک المبیع فی یده أو حدث فیه فساد کان ضامنا لقیمته... و لأرش ما نقص من قیمته بفساده لأنّه باق علی ملک صاحبه ما انتقل عنه، فهو عند أصحابنا بمنزلة الشیء المغصوب إلاّ فی ارتفاع الإثم بإمساکه»(2).

یحملان إمّا علی ما مرّ من خروج الإمساک عن التصرف موضوعا و تخصصا لعدم صدق التصرف بالإمساک و یؤید هذا المبنی، و إمّا علی ارادة صورة الجهل بالفساد کما حملهما الشیخ الأعظم(3) علی الأخیر، و الحمدللّه.

الرابع: ضمان المنافع

اشارة

یقع الکلام هنا فی جهتین:

الجهة الاُولی: المنافع المستوفاة
اشارة

و قد ذهب المشهور إلی الحکم فیها بالضّمان بل کأنّه إجماعیٌ لتعیین المخالف فیه: قال

ص: 395


1- (1) المبسوط 2/149.
2- (2) السرائر 2/326.
3- (3) المکاسب 3/200.

الشیخ: «إذا باع عبدا بیعا فاسدا و أقبضه لم یملک... و إذا وجب ردّه نظر فإن کان بحاله لم یزد و لم ینقص ردّه و لا شیء علیه إلاّ أن یکون له اُجرة و هو أن یکون المبیع ممّا ینتفع به مع بقاء عینه انتفاعا مقصودا فیجب اُجرة مثله للمدّة التی أقام فی یده، و إن کان متغیّرا فإن کان زایدا ردّه بزیادته لأنّ ماله قد زاد فکانت الزیادة له سواء کانت الزیادة منفصلة أو متصلة و إن کان ناقصا کان علیه أرش ما نقص و إن تلفت فی یده کان علیه أکثر ما کانت قیمته من وقت القبض إلی وقت التلف...»(1).

و قال ابن ادریس: «و متی ابتاع بیعا فاسدا، فهلک المبیع فی یده أو حدث فیه فساد کان ضامنا لقیمته، أکثر ما کانت إلی یوم التلف و الهلاک، و لأرش ما نقص من قیمته بفساده، لأنّه باق علی ملک صاحبه، ما انتقل عنه، فهو عند أصحابنا بمنزلة الشیء المغصوب إلاّ فی ارتفاع الإثم بإمساکه»(2).

أقول: «عند أصحابنا» ظاهر فی الإجماع و کذا تمثیله بالمغصوب و لذا قال الشیخ الأعظم إنّ ظاهره «الاتفاق علی الحکم»(3).

و قال العلاّمة: «... و یجب علیه أیضا اُجرة المثل للمدّة التی کانت فی یده سواء استوفی المنفعة أو تلفت تحت یده لأنّ یده ثبتت علیه بغیر حقّ فهو کالمغصوب. ولو زادت العین فی ید المشتری زیادة منفصلة کالولد و الثمرة أو متصلة کالسمن و تعلّم الصنعة، وجب علیه ردّ الزیادة أیضا لأنّها نماء ملک البائع فیتبع الملک، فإن تلفت الزیادة ضمنها المشتری و هو أحد وجهی الشافعیة، و فی الآخر: لا یضمنها المشتری عند التلف.

و إن نقصت وجب علیه ردّ أرش النقصان لأنّ الجملة مضمونة علیه حیث قبضها

ص: 396


1- (1) المبسوط 2/149.
2- (2) السرائر 2/326.
3- (3) المکاسب 3/201.

بغیر حقّ و لأنّه قبضها علی سبیل المعاوضة فأشبهت المقبوض علی وجه السَّوْم...»(1).

و قال الفاضل المقداد: «و أمّا منافعه فهی مضمونة مع التفویت، خلافا لابن حمزة(2) محتجا بأنّ الخراج بالضمان و نقض بالغاصب مع ضمانه قطعا(3)، و أمّا مع الفوات فوجهان من

اصالة البرائة و من أنّها منافع عین مضمونة فتضمن»(4).

المخالف فی المسألة و دلیله و مناقشته

أقول: قد عرفت أنّ المخالف فی المسألة ابن حمزة فی کتابه الوسیلة و قد استدل بالنبوی الخراج بالضمان(5) بتقریب أنّ ضمان العین علیه فتکون منافعها له.

و فیه: أوّلاً: الروایة ضعیفة الإسناد.

ثانیا: أنّها منتقضةٌ بالمغصوب کما مرّ عن الفاضل المقداد.

ثالثا: قد مرّ منّا معنی الروایة و مدی دلالتها فی بحث معانی ألفاظ قاعدة ما یضمن فی الجهة الثانیة: ما المراد من الضمان؟(6) و قلنا إنّ للضمان معنیین: الأوّل: المعنی المصدری، و الثانی: معنی الاسم المصدری، و مثلنا للأوّل بقاعدة الخراج بالضمان و ذهبنا إلی أن المراد بالخراج فی الحدیث مطلق المنافع الحاصلة من الأعیان المستوفاة و غیرها و المراد بالضمان هو المعنی المصدری أی جعله فی العهدة ببذل العوض فی مقابله و الباء تدل علی المقابلة و السببیة و ظاهر هذه المقابلة تدل علی أن الضّمان یوجب جواز الانتفاع بالمنفعة و هذا لا

ص: 397


1- (4) تذکرة الفقهاء 10/292.
2- (5) راجع الوسیلة /255 لابن حمزة الطوسی.
3- (6) خلافا للحنفیة حیث قال فی شرح فتح القدیر 7/394: و لا یضمن الغاصب منافع ما غصبه لأنّها حصلت علی ملک الغاصب إلاّ أن ینقص باستعماله فیغرم النقصان.
4- (1) التنقیح الرائع 2/32.
5- (2) سنن البیهقی 5/321 و سنن ابن ماجه 2/754، ح 2243؛ عوالی اللآلی 1/219، ح89.
6- (3) راجع هذا المجلد، صفحة 311.

یکون إلاّ فی العقد الصحیح.

فما ورد عن ابن حمزة من عدم الضمان فی المنافع المستوفاة فی العقد الفاسد تمسّکا بالنبوی، یکون خروجا عن مورده و محلّه فلا یتم.

و رابعا: إن أبیت ما ذکرنا فی معنی الروایة فتأتی احتمالات فی معناها ذکرها المحقّق السیّد الخوئی(1) و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ما الدلیل علی الضمان؟
اشارة

قد استدلوا علی الضمان بوجوه متعددة:

الأوّل: النبوی المعروف: «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی».

قد مرّ الوثوق بصدوره و شموله للأعیان و المنافع المستوفاة منها و غیرها، و الأجوبة عن الاشکالات الخمسة الواردة لشموله للمنافع فی الدلیل الثانی من البحث حول مدرک قاعدة مایضمن(2) فلانعیدها.

الثانی: ما دلّ علی حرمة مال المؤمن

و قد مرّت موثقة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله فی حدیث: و حرمة ماله (أی المؤمن) کحرمة دمه.(3)

و قد حملنا الروایة علی الحرمة الوضعیة _ أی الضمان _ أو الأعم من الوضعیة و التکلیفیة. و لا یقتضی ما ذکرنا لزوم الضمان لو تلف مال المؤمن بآفة سماویة کما أصرّ المحقّق السیّد الخوئی(4) علی ذلک کما مرّ جوابه فی الثانی من طوائف الروایات الدالّة علی قاعدة

ص: 398


1- (4) راجع مصباح الفقاهة 3/133 و 134.
2- (5) راجع هذا المجلد صفحة 335 و ما بعدها.
3- (1) وسائل الشیعة 12/297، ح3، الباب 158 من أبواب أحکام العشرة.
4- (2) راجع مصباح الفقاهة 3/91 و 129.

الاحترام.(1)

الثالث: ما دل علی عدم حلیة مال امری ء مسلم إلاّ بطیب نفسه.

مرّ روایته فی الطائفة الاُولی من الروایات التی تدل علی قاعدة الاحترام(2) و أنّها تدل علی الحکم الوضعی _ أی الضمان _ ، و إذا تدل علی ضمان العین تدل علی ضمان منافعها أیضا لأنّ المنافع تعدّ من توابع العین.

الرابع: قاعدة الإتلاف

و هی من أتلف مال الغیر فهو له ضامن و هذه القاعدة من المسلّمات بین جمیع فرق المسلمین و اتّفق علیها الکلّ و ربّما یقال بأنّها من ضروریات الفقه و باللفظ المشهور لم ترد فی أیّ روایة ولکنّها مستفادةٌ من عدّة روایات وردت فی مختلف الکتب الفقهیة.

منها: صحیحة جمیل عن أبی عبداللّه علیه السلام فی شاهد الزور قال: إن کان الشیء قائما بعینه ردّ علی صاحبه، و إن لم یکن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل.(3)

و منها: موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا ابراهیم علیه السلام عن الرجل یرهن الرهن بمائة درهم و هو یساوی ثلاثمائة درهم فیهلک، أ علی الرجل أن یرد علی صاحبه مائتی درهم؟ قال: نعم، لأنّه أخذ رهنا فیه فضل و ضیّعه، قلت: فهلک نصف الرهن، قال: حساب ذلک، قلت: فیترادّ ان الفضل؟ قال: نعم.(4)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سُئل عن القصّار یفسد؟ فقال: کلّ

ص: 399


1- (3) راجع هذا المجلد صفحة 344.
2- (4) راجع هذا المجلد صفحة 342.
3- (5) وسائل الشیعة 27/327، ح2، الباب 11 من أبواب کتاب الشهادات.
4- (6) وسائل الشیعة 18/391، ح2، الباب 7 من أبواب کتاب الرهن.

أجیرٍ یعطی الاُجرة علی أن یصلح فیفسد فهو ضامن.(1)

و منها: معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام : أنّ أمیرالمؤمنین علیه السلام رفع إلیه رجل استأجر رجلاً یصلح بابه، فضرب المسمار فانصدع الباب فضمّنه أمیرالمؤمنین علیه السلام .(2)

و منها: صحیحة زرارة و أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال أمیرالمؤمنین علیه السلام فی رجل کان له غلام فاستأجره منه صائغ أو غیره، قال: إن کان ضیّع شیئا أو أبق منه فموالیه ضامنون.(3)

و منها: موثقة سلیمان بن خالد عن أبی عبداللّه علیه السلام قال إذا رهنت عبدا أو دابّة فمات فلا شیء علیک، و إن هلکت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن.(4)

و منها: خبر أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال: فی الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غیر أن یستهلکه رجع فی حقّه علی الراهن فأخذه، فإن استهلکه ترادّا الفضل بینهما.(5)

و منها: خبر وهب عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام أنّ علیا علیه السلام کان یقول: من استعار عبدا مملوکا لقوم فعیب فهو ضامن. و قال: من استعار حرّا صغیرا فعیب فهو ضامن.(6)

و منها: مرسلة القاضی نعمان المصری عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال فی حدیث: فمن نال من رجل مسلم شیئا من عرض أو مال وجب علیه الاستحلال من ذلک و التنصل من

ص: 400


1- (1) وسائل الشیعة 19/141، ح1، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة.
2- (2) وسائل الشیعة 19/144، ح10.
3- (3) وسائل الشیعة 19/114، ح2، الباب 11 من أبواب کتاب الاجارة.
4- (4) وسائل الشیعة 18/388، ح8، الباب 5 من أبواب کتاب الرهن.
5- (5) وسائل الشیعة 18/387، ح7.
6- (6) وسائل الشیعة 19/94، ح11، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة.

کلِّ ما کان منه إلیه، و إن کان قدمات فلیتنصل من المال إلی ورثته و لیتب إلی اللّه ممّا أتی إلیه، حتّی یطلع علیه عزّوجلّ بالندم و التوبة و التنصل، ثم قال: و لستُ آخذ بتأویل الوعید فی أموال الناس، ولکنّی أری أن یؤدی إلیهم إن کانت قائمة فی یدی من اغتصبها و ینتصل إلیهم منها، و إن فوّتها المغتصب أعطی العوض منها، فإن لم یعرف أهلها، تصدَّق بها عنهم علی الفقراء و المساکین، و تاب إلی اللّه عزوجل ممّا فعل.(1)

و منها: مرسلة اُخری له عن أمیرالمؤمنین علیه السلام : أنّه قضی فیمن قتل دابة عبثا أو قطع شجرا أو أفسد زرعا أو هدم بیتا أو عور بئرا أو نهرا أن یغرم قیمة ما استهلک و أفسد و یضرب جلدات نکالاً، و إن أخطا و لم یتعمد ذلک، فعلیه الغرم و لا حبس علیه و لا أدب، و ما أصاب من بهیمة فعلیه ما نقص من ثمنها.(2)

تلک عشرة کاملة من الأحادیث تدل علی قاعدة الإتلاف.

و استدل الشیخ(3) و تبعه ابن ادریس(4) بقوله تعالی: «من اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(5).

بتقریب: أنّ اتلاف مال الغیر بدون رضاه و إذنه هو اعتداء علیه و تعبیره عزّوجلّ عن ضمان المثل و القیمة بالاعتداء إنّما هو للمشاکلة اللّفظیّة _ و هی من المحسنّات البدیعیة _

ص: 401


1- (7) دعائم الاسلام 2/485، ح1731 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 17/87، ح2، الباب 1 من أبواب کتاب الغصب.
2- (1) دعائم الاسلام 2/424، ح1476 و نقل عنه فی مستدرک الوسائل 17/95، ح6، الباب 9 من أبواب کتاب الغصب.
3- (2) المبسوط 3/60، الخلاف 3/402، مسألة 11، و 3/406، مسألة 18.
4- (3) السرائر 2/480.
5- (4) سورة البقرة /194.

کقوله تعالی: «وَ جَزاءُ سَیِّئَةٍ سَیِّئَةٌ مِثْلُها»(1) و قوله تعالی: «وَ یَمْکُرونَ وَ یَمْکُرُ اللّه و اللّه خیر الماکرین»(2)، فالاعتداء الثانی «لیس باعتداءٍ و انّما هو جزاءٌ و هذا أحد وجوه البلاغة»(3) و الآیة الشریفة تدلّ علی أنّ مَنْ أتلف مال الغیر بدون إذنه و رضاه فهو ضامن له.(4)

و فیه: یمکن أن یناقش فی هذا الاستدلال بمنع صدق الاعتداء لغة و عرفا علی الإتلاف عن غیر عمد و اختیار، نحو الإتلاف فی حال النوم و فی الحادثات و التصادفات.

نعم: الآیة الشریفة تشمل کلاً من الحکمین: التکلیفی و الوضعی و لا تختصّ بالحکم التکلیفی کما مرّ مرارا خلافا لبعض أساتیذنا(5) قدس سره .

و بالجملة الاستدلال بالآیة الشریفة فی هذا المقام لا یتم لما ذکرنا من خروج بعض

موارد الإتلاف من تحت الاعتداء.

و المراد بالإتلاف فی هذه القاعدة هی الفناء و الهلاک بل الإفناء و الإهلاک، و الإفناء تارة یتعلق بذات المال کأکل المأکولات و المشروبات بمعنی ازدرادهما و بلعهما و هو الإفناء الواقعی، و اُخری یتعلق بمالیته مع بقاء ذاته کما لو غصب المُثلج _ أی المکان الذی یذخرون فیه الثلج _ مع ثلجه فی الصیف و ردّه إلی صاحبه فی الشتاء بحیث لایروون الناس مالیة للثلوج فی الشتاء. و ثالثة یتعلق بمنافع المال نحو: سکنی الدار و رکوب السیارة و زرع الأرض و لبس الملابس الفاخرة و التزیین بالمجوهرات و الذهب. ففی کلِّ ذلک یصدق

ص: 402


1- (5) سورة الشوری /40.
2- (6) سورة الأنفال /30.
3- (7) راجع التبیان فی تفسیر القران 3/476.
4- (8) کما فی القواعد الفقهیة 2/25 للفقیه السیّد حسن البجنوردی رحمه الله .
5- (9) راجع القواعد الفقهیة 1/46 لآیة اللّه الاُستاذ الشیخ محمّد الفاضل اللنکرانی رحمه الله .

الإفناء و الإتلاف و المُتْلِفُ ضامنٌ بقاعدة الإتلاف. و حینئذ المنافع المستوفاة من المقبوض بالعقد الفاسد تدخل فی قاعده الإتلاف و المستوفی لها ضامن.

الخامس: السیرة العقلائیة

قائمة علی أنّ أموال الناس محترمة و لا تذهب هدرا، و من استولی علی مال غیره فعلیه الضمان بالنسبة إلی المال و جمیع مختصاته من المالیة و المنافع و غیرها. و لم یردع الشارع من هذه السیرة العقلائیة فتکون دلیلاً علی ضمان المنافع المستوفاة.(1)

السادس: قاعدة نفی الضرر

قد تمسکوا بها لإثبات الضمان بالنسبة إلی المنافع المستوفاة بتقریب أنّ: استیفاء منفعة مال المالک و جعله مسلوب المنفعة ضرر علیه و هو منفی فی الشریعة فلابدّ من إثبات الضمان للمستوفی درءا(2) للضرر المنفی، و قد مرّت الروایات الواردة حول هذه القاعدة فی الدلیل الرابع من البحث حول مدرک قاعدة ما یُضمن.(3)

و فیه: أوّلاً: إنّ قاعدة نفی الضرر لیست مسوّغةً لإثبات الحکم الشرعی و إنّما هی مسوّغةٌ لنفی الحکم الضرری، بعبارة أُخری تنفی بها الأحکام الضرریة و لا یثبت بها الحکم کما هو محقَّقٌ فی محلّه.

و ثانیا: الحکم بهذه القاعدة علی ثبوت الضمان للمستوفی القابض ضرر علیه و القاعدة لاتفی لإثبات ضرر علی أحد لنفی الضرر عن غیره کما هو الواضح فی محلّه.

و ثالثا: تحصیل المنافع للمالک من قبیل المنفعة و عدم إمکان تحصیله یکون من قبیل

عدم النفع، و من المعلوم أنّ عدم المنفعة غیر الضرر، و القاعدة تنفی الضرر لا عدم النفع.

ص: 403


1- (1) راجع مصباح الفقاهة 3/130.
2- (2) أی: دَفْعا.
3- (3) راجع هذا المجلد صفحة 347.

فإثبات ضمان المنافع المستوفاة بقاعدة نفی الضرر لا یتم. و التفصیل یطلب من بحث الاُصول.

الجهة الثانیة: المنافع غیر المستوفاة
اشارة

إذا لم یستوف المشتری المنافع للعین التی قبضها بالعقد الفاسد فهل یضمن تلک المنافع الفائتة أم لا؟ أو فیه تفصیل؟ وجوه بل أقوال:

الأوّل: الضمان مطلقا کما علیه المشهور و نسبه إلیهم الشیخ الأعظم(1) و یظهر الاجماع علی ذلک من ابن ادریس لأنّه قال فی آخر إجارة سرائره: «لأنّ المنافع عندنا تضمن بالغصب»(2) و قال فی بیعه: «البیع الفاسد عند المحصلین یجری مجری الغصب فی الضمان»(3) و قال فیه أیضا: «و متی ابتاع بیعا فاسدا... ما انتقل عنه فهو عند أصحابنا بمنزلة الشیء المغصوب إلاّ فی ارتفاع الإثم بإمساکه»(4).

و کذا یظهر الإجماع علی ذلک من العلاّمة حیث قال فی التذکرة: «إنّ منافع الأموال من العبید و الثیاب و العقار و غیرها مضمونة بالتفویت و الفوات تحت الید العادیة، فلو غصب عبدا أو جاریة أو ثوبا أو عقارا أو حیوانا مملوکا ضمن منافعه سواء أتلفها بأن استعملها أو فاتت تحت یده بأن بقیت مدّة فی یده لا یستعملها عند علمائنا أجمع»(5).

و قال الشیخ الأعظم مستندا إلی هذین الإجماعین: «... فالقول بالضمان لا یخلو من

ص: 404


1- (1) المکاسب 3/204.
2- (2) السرائر 2/479.
3- (3) السرائر 2/285.
4- (4) السرائر 2/326.
5- (5) تذکرة الفقهاء 2/381 من الطبعة الحجریة.

قوّة»(1).

و یظهر الضمان من الشیخ جعفر(2) و سیّد الریاض(3) و السیّد العاملی(4) لأنّ الثلاثة الاْءخیرین لم یفرقوا بین المنافع المستوفاة و غیرها.

و ذهب إلی هذا القول الفقیه الیزدی(5) و المحقّق النائینی(6) و المیرزا الشهیدی(7) و

السیّد الخمینی(8) و الفقیه السبزواری(9).

الثانی: عدم الضمان مطلقا کما مرّ عن ابن حمزة(10) و ذهب إلیه فخر المحقّقین(11) و تبعه المحقّق السیّد الخوئی(12).

الثالث: الضمان إلاّ مع علم البائع کما عن بعض من کتب علی الشرائع(13).

و قال الشیخ الأعظم: «فالحکم بعدم الضمان مطلقا... أو مع علم البائع بالفساد موافق للأصل السلیم»(14).

ص: 405


1- (6) المکاسب 3/208.
2- (7) شرح القواعد 2/34.
3- (8) ریاض المسائل 8/253.
4- (9) مفتاح الکرامة 12/541.
5- (10) حاشیة المکاسب 1/467.
6- (11) راجع منیة الطالب 1/282.
7- (12) هدایة الطالب 2/307.
8- (1) کتاب البیع 1/322.
9- (2) مهذب الأحکام 16/260.
10- (3) الوسیلة /255.
11- (4) ایضاح الفوائد 2/194.
12- (5) مصباح الفقاهة 3/136 و 144.
13- (6) کذلک نقل عنه الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/206.
14- (7) المکاسب 3/205.

قال المحقّق الخمینی رحمه الله : «التفصیل بین کون المشتری جاهلاً مبالیا بحکم الشرع مع علم البائع بالفساد و بحال المشتری، فقلنا بإمکان التمسک فی مثله بقاعدة الغرور لدفع الضمان حتّی ضمان الإتلاف عن المشتری و بین غیره فیکون ذلک قولاً سادسا فی ضمان المنافع»(1).

أقول: الظاهر دخول ما ذکره من التفصیل أو بعض وجوهه فی القول الثالث و لذا لایتم عدّه قولاً مستقلاً فی قبال بقیة الأقوال.

الرابع: التوقف فی فرض علم البائع کما استظهره السیّد عمیدالدین(2) من عبارة خاله العلاّمة فی القواعد(3) و تبعه المحقّق الثانی فی جامع المقاصد(4). و الحکم بالضمان فی فرض جهل البائع.

الخامس: التوقف مطلقا کما عن الشهید فی الدروس(5) و الفاضل المقداد فی التنقیح(6) و ثانی الشهیدین فی المسالک(7) و محتمل القواعد علی ما یظهر من فخر المحقّقین(8). و قال الشیخ الأعظم: «انّ التوقف أقرب إلی الإنصاف»(9).

ص: 406


1- (8) کتاب البیع 1/323.
2- (9) کنز الفوائد 1/676.
3- (10) قواعد الأحکام 2/238 قال فیها: «و لا یملک المشتری ما یقبضه بالبیع الفاسد و یضمنه و ما یتجدّد من منافعه الأعیان أو غیرها مع جهل البائع أو علمه مع الاستیفاء، و بدونه إشکال».
4- (11) جامع المقاصد 6/324.
5- (1) الدروس 3/194.
6- (2) التنقیح الرائع 2/32.
7- (3) المسالک 3/154.
8- (4) ایضاح الفوائد 2/194.
9- (5) المکاسب 3/207.

و أنت تری بأنّه تباینت(1) آراء الشیخ الأعظم قدس سره فی هذه المسألة فاختار الضمان مطلقا فی أوّل کلامه(2) و استدلّ له بوجهین ثم ناقش فیهما، و رجح عدم الضمان مطلقا(3) لقیام وجوه ثلاثة له، ثم جعل التوقف هو الانصاف فی المسألة(4)، ثم فی آخر کلامه رجح القول بالضمان مطلقا مجددا(5) و اختار أنّه لا یخلو مِنْ قوة، و هذا لا یعاب علیه لحدّة ذهنه و جولان آرائه رحمه الله .

أمّا الدلیل علی ضمان المنافع غیر المستوفاة
اشارة

فیمکن أن یستدل علی الضمان و القول المشهور بوجوه:

الأوّل: النبوی المعروف

و هو حدیث «علی الید ما أخذت حتّی تؤدی» و قد مرّ عدم اختصاصه بالأعیان و أنّه یشمل المنافع المستوفاة و غیر المستوفاة.

و انصراف الأخذ إلی الاستقلالی منه بَدْوِیٌّ لأجل اُنس الذهن إلیه، و من المعلوم عدم مانعیة هذا الانصراف بالتمسک بالاطلاق. مضافا إلی أنّ المنافع یقع تحت الید تبعا للعین و الاستیفاء لم یکن دخیلاً فی تحقّق النفع لا خارجا و لا مفهوما.

الثانی: مادلّ علی حرمة مال المؤمن

بل و احترام مال المسلم أیضا یدل علی الضمان لأنّ المنافع المستوفاة منها و غیرها أیضا تعدّ من الأموال ولو کانت تتبع العین و احترامها یعنی عدم جواز استیفائها للغیر و

ص: 407


1- (6) أی: اختلفت.
2- (7) المکاسب 3/204.
3- (8) المکاسب 3/205.
4- (9) المکاسب 3/206 و 207.
5- (10) المکاسب 3/208.

عدم جواز التسلط علی العین و عدم ذهابها هدرا و هذا الأخیر هو الحکم الوضعی أیّ الضمان.

الثالث: مادلّ علی عدم حلیة مال امری ء مسلم إلاّ بطیب نفسه

و قد مرّت روایاته، و کما تدل علی ضمان العین تدل علی ضمان المنافع لأنّها من توابع العین بلافرق بین المستوفی منها و غیرها.

الرابع: قاعدة الإتلاف

بأنّ القابض بقبضه أتلف استیفاء المنفعة علی المالک _ ولو لم یستوف القابض المنفعة _ فیصیر ضامنا لها.

و لذا قال الفقیه الیزدی: «الاستیلاء علی العین و منع المالک عن الانتفاع بها تفویت لمنافعها و یصدق علیه الإتلاف عرفا و لذا نحکم بالضمان لها [أیّ للمنافع الفائتة] فی الغصب»(1).

و لم یرد علیه ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی من عدم صدق التفویت «إلاّ إذا استند الفوت إلی القابض بأن وضع یده علی مال الغیر و حبسه بحیث لا یتمکن مالکه من التصرف»(2).

و العجب منه رحمه الله تسریة هذا النقد إلی الغاصب أیضا و قال: «إنّ الغاصب إنما یضمن المنافع الفائتة إذا استند فوتها إلیه. أما لو استند ذلک إلی المالک فلا ضمان علیه لعدم الدلیل علی ضمان الغاصب فی أمثال ذلک»(3).

لأنّه بصرف القبض و الاستیلاء فوّت القابض المنفعة علی المالک و هذا التفویت یعدّ

ص: 408


1- (1) حاشیة المکاسب 1/467.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/143.
3- (3) مصباح الفقاهة 3/139.

إتلافا للمنفعة علی المالک، فیکون القابض ضامنا و کذلک الأمر فی الغاصب بطریق الاُولی.

الخامس: الإجماع

قد مرّ ادعاء الاجماع من ابن ادریس(1) و العلاّمة(2) و استقوی الشیخ الأعظم(3) به القول بالضمان.

و اعترض علیه الفقیه الیزدی بأنّ: «لاوجه للقول به [أیّ بالضمان] من جهة هذین الإجماعین المنقولین بعد عدم حجیة الاجماع المنقول و عدم معلومیة الشمول للمقام»(4).

و أجابه المحقّق النائینی ب_ «أنّ اختیاره الضمان أخیرا لیس لاعتماده علی الإجماع المنقول مع أنّه منکر لحجتیه فی الاُصول، بل اعتمد علی نقل الاجماع من جهة کشف اتفاق الأعلام علی شمول قاعدة الید و الاحترام للمنافع»(5).

و أشکل المحقّق السیّد الخوئی علی استاذه ب_ : «أن المصنف [الشیخ الأعظم] قد ناقش فی کلتا القاعدتین صریحا فی صدر کلامه و حکم بعدم إمکان التمسک بهما _ هنا _ و معه کیف یعتمد علیهما فی ذیل کلامه»(6).

ثم اعترض علی الشیخ الأعظم بأنّه: «و إن ناقش فی حجیة نقل الإجماع فی فرائده(7) إلاّ أنّه اعتمد علیه فی محل البحث و غیره»(8).

ص: 409


1- (4) السرائر 2/285 و 326 و 479.
2- (5) تذکرة الفقهاء 2/381 من الطبعة الحجریة.
3- (6) المکاسب 3/208.
4- (1) حاشیة المکاسب 1/468.
5- (2) منیة الطالب 1/281.
6- (3) مصباح الفقاهة 3/144.
7- (4) راجع فرائد الاُصول 1/179 و ما بعده.
8- (5) مصباح الفقاهة 3/144.

أقول: الحقّ مع المحقّق السیّد الخوئی ولکن هذین الإجماعین یؤیّدان ما فَهِمْناهُ من القاعدتین و أنّهما تشملان المنافع مطلقا المستوفاة منها و غیرها، و أمّا منع التمسک بالاجماع بعد کون المسألة ذات أقوال خمسة فواضحٌ(1).

أمّا الدلیل علی عدم ضمانها فأُمورٌ:
الأوّل: قاعدة ما لا یضمن

و قد مرّت تمامیة هذه القاعدة و حیث أنّ المنافع غیر المستوفاة فی صحیح البیع لم تکن مضمونةً فکذلک فی المقبوض بالعقد الفاسد.(2)

و ما ذکره الفقیه الیزدی: «من أنّ المنافع مضمونة فی البیع حیث أنّ الثمن فی اللب یکون بملاحظتها و بإزائها، فالاندراج ممنوع، بل مقتضی أصل القاعدة الضمان حیث إنّ المقام بهذا البیان مندرج فیه، لا فی العکس، فتدبر»(3).

غیر تام، لأنّ لحاظ المنافع فی البیع یکون من قبیل الدواعی و الثمن یقع بإزاء المبیع خاصة لا منافعه کما نبه علیه المحقّق الخمینی رحمه الله .(4)

نعم: قد مرّ فی موارد نقض قاعدة ما لا یضمن حیث عدّ منها: المنافع غیر المستوفاة، أنّ المنافع بقسمیها المستوفاة منها و غیرها تعدّ من توابع العین لا من مقوماتها _ کما یستظهر من الفقیه الیزدی _ فإذا کانت العین مضمونة کما فی البیع الصحیح، فتوابعها تکون مضمونة أیضا، ففی البیع الفاسد کذلک تکون مضمونة و المنافع تدخل فی أصل قاعدة «ما یضمن» لا

ص: 410


1- (6) کما فی هدایة الطالب 2/306.
2- (7) ذکرها الشیخ الأعظم رحمه الله بعنوان «قد یدّعی» و لم یرد علیه فی المکاسب 3/205.
3- (8) حاشیته علی المکاسب 1/467.
4- (1) کتاب البیع 1/324.

فی نقیضها أو سالبتها أی قاعدة «ما لا یضمن» کما اختار ما ذکرناه المحقّق الخراسانی(1) و السیدان البجنوردی(2) و الخوئی(3).

و العجب من السیّد الخوئی حیث یری هناک دخول المبیع و منافعه فی نفس قاعدة مایضمن و یری هنا(4) المنافع غیر المستوفاة فی نقیض القاعدة أیّ «ما لا یضمن» و هذه مسافة الخلف بین القول و العمل.

و علی هذا لا نحتاج إلی ما ذهب إلیه البعض من أنّ الضمان الوارد فی المنافع غیر المستوفاة یکون بالدلیل الخاص و لذا یخرج من تحت قاعدة ما لا یضمن، و أنّ القاعدة عامّة یمکن تخصیصها، أو أنّ القاعدة «سلب الاقتضاء لا اقتضاء السلب فلاتنافی ثبوت الضامن بوجود سبب»(5) لأنّا نری أنّها تدخل فی قاعدة ما یضمن.

مضافا إلی ما مرّ من أنّ مورد العقد یکون أعمَّ من متعلَّق العقد (أیّ العین فی البیع مثلاً) و متعلّق متعلَّقه (و هو منافعها) وفاقا للشیخ الأعظم فیکون المنافع تدخل تبعا للعین فی أصل قاعدة ما یضمن. فلا یتم من «أنّ المنافع لیست مصب العقد فهی خارجة عن القاعدة موضوعا»(6)

الثانی: الروایات الواردة فی الجاریة المسروقة المبیعة

قد مرّت فی الدلیل الثالث من أدلة ضمان القابض بالنسبة إلی المقبوض بالعقد الفاسد

ص: 411


1- (2) حاشیة المکاسب /31.
2- (3) القواعد الفقهیة 2/124.
3- (4) مصباح الفقاهة 3/109.
4- (5) مصباح الفقاهة 3/144.
5- (6) کما عن المحقّق الخمینی فی بیعه 1/324.
6- (7) کما عن المحقّق الخمینی فی بیعه 1/324.

هذه الروایات(1) و البحث حولها.

یری الشیخ الأعظم دلالتها علی عدم الضمان لأنّ: الأخبار الواردة فی ضمان المنافع المستوفاة من الجاریة المسروقة المبیعة الساکتة من ضمان غیرها فی مقام البیان»(2). مع أنّه قال قبل صفحات: «فإنّ ضمان الولد بالقیمة _ مع کونه نماءً لم یستوفه المشتری _ یستلزم ضمان الأصل بطریق اُولی، و لیس استیلادها من قبیل إتلاف النماء بل من قبیل إحداث نمائها غیرَ قابلٍ للملک فهو کالتالف لا المتلَف، فافهم»(3).

أنت تری أنّه قدس سره ذهب هنا إلی أنّ الروایات ساکتة من ضمان المنافع غیر المستوفاة و أنّها فی مقام بیان ضمان المنافع، مع أنّه هناک ذهب إلی أنّ ضمان الولد یکون من المنافع غیر المستوفاة و إذا کانت مضمونة فضمان الأصل بطریق اُولی یثبت. فکیف یجمع قدس سره بین بالنسبة إلیها ساکتة و بین الدلیل الاُولویة الماضیة. هذا أوّلاً.

و ثانیا: نحن ذهبنا هناک أنّ ضمان الولد فی الروایات یکون من قبیل ضمان التلف الحکمی کما علیه الشیخ الأعظم، لا ضمان قاعدة الإتلاف أو ضمان التسبیب أو ضمان استیفاء المنافع.(4)

فالشیخ الأعظم یری ضمانه من قبیل ضمان التلف الحکمی، و هذا الضمان یدخل فی ضمان المنافع غیر المستوفاة و النسبة بینهما عموم و خصوص مطلق لأنّ جمیع الضّمانات الحکمیة تدخل فی ضمان المنافع غیر المستوفاة و بعض هذه المنافع تخرج من الضّمان الحکمی، فعلیه أن یذهب علی ما سلکه بأنّ هذه الروایات تدلّ علی ضمان المنافع غیر المستوفاة لا

ص: 412


1- (1) راجع وسائل الشیعة 21/203، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
2- (2) المکاسب 3/205 و تبعه السیّد الخوئی فی مصباحه 3/144.
3- (3) المکاسب 3/181.
4- (4) راجع ما حررته فی آخر ذاک البحث، صفحة 305 من هذا المجلد.

عدم ضمانها.

نعم: لا یتم ما یقال: بأنّ المنافع غیر المستوفاة هی مساویةٌ للحکمیّة(1) لأنّ التصریح بالأعمیة یوجد فی کلمات الفقهاء. هذا کله بناءً علی ورود الروایات فی مسألة المقبوض بالعقد الفاسد.

و ثالثا: الروایات وردت حول مسألة الغصب و نأخذ بها ولکن کلامنا فی المقبوض

بالعقد الفاسد و ضمان منافعها الفائتة و الروایات لم تدل علی حکمه، و بعبارة أُخری الروایات تکون فی مقام بیان حکم ضمان المغصوب لا حکم ضمان المقبوض بالعقد الفاسد و منافعها فکیف عدّ الشیخ الأعظم أنّها فی مقام بیان ضمان المنافع و لم یتعرض لحکم المنافع الفائتة؟! و أعجب منه أن المحقّق السیّد الخوئی(2) یری أنّ الروایات وردت فی مسألة الغصب ولکن قبل هنا استدلال الشیخ الأعظم و سبحان من لا یسهو.

اللهم إلاّ أن یقال: بعدم الفرق بین البائع المالک و الغاصب هنا کما یظهر من العلاّمة فی التحریر(3).

الثالث: صحیحة محمّد بن قیس

التی رواها المشایخ الثلاثة بأسانید صحاح عن محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی ولیدة باعها ابن سیّدها و أبوه غائب فاشتراها رجل فولدت منه غلاما، ثم قدّم سیّدها الأوّل فخاصم سیّدها الأخیر، فقال: هذه ولیدتی باعها ابنی بغیر إذنی، فقال: خذ ولیدتک و ابنها، الحدیث.(4)

ص: 413


1- (5) کما ذکره المحقّق المروج بعنوان قد یقال راجع هدی الطالب 3/251.
2- (1) راجع کلامه فی مصباح الفقاهة 3/90 و 144.
3- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 4/543.
4- (3) وسائل الشیعة 21/203، ح1، من الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.

ذهب الشیخ الأعظم رحمه الله إلی أنّ الصحیحة فی مقام بیان ضمان المنافع «و سکت عن المنافع الفائتة، فإنّ عدم الضمان فی هذه الموارد مع کون العین لغیر البائع یوجب عدم الضمان هنا بطریقٍ أولی»(1) و تابعه المحقّق السیّد الخوئی(2).

أقول: یأتی تفصیل البحث حول هذه الصحیحة فی البیع الفضولی _ إن شاء اللّه تعالی _ ولکن هنا أذکر لمناقشة مقالة الشیخ الأعظم بأنّه:

أوّلاً: الصحیحة لم تکن فی مقام بیان ضمان المنافع بل کانت فی مقام بیان صحة عقد الفضولی.

و ثانیا: الابنُ لم یکن من المنافع المستوفاة حتّی علی نظر الشیخ الأعظم.(3)

و ثالثا: عدم الضمان الوارد فی الصحیحة تام لأنّ بعد إجازة المالک فی بیع الفضولی یدخل المبیع فی الملک المشتری من حین العقد فلا ضمان بالنسبة إلی المنافع مطلقا لأنّه استفاد

من منافع ملکه خلافا للمقبوض بالعقد الفاسد فطریق الأولویة المذکورة ممنوعة.

الرابع: صحیحة أبی وَلاّدٍ الحناط

المرویة فی الکافی الشریف(4) و المراد به هو حفص بن سالم أو یونس الثقة.

و أقول توضیحا لبعض الکلمات الواردة فیها: هبیرة _ المذکور فیها_ هو صاحب الولید بن عبدالملک الاُموی و کان من عمالهم(5)، و قصرا ابنه کان موضعا قریبا من الحائر

ص: 414


1- (4) المکاسب 3/205.
2- (5) مصباح الفقاهة 3/144.
3- (6) راجع المکاسب 3/181.
4- (1) الکافی 5/290، ح6 روی أکثرها فی وسائل الشیعة 19/119، ح1، الباب 17 من أبواب کتاب الإجارة. و التهذیب 7/215، ح943 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 25/390، ح1، الباب 7 من أبواب کتاب الغصب.
5- (2) راجع الآراءُ الفقهیة 3/396.

الشریف، ولکن فی معجم البلدان(1) قال: بناه أحد ولاة العراق فی عهد بنیاُمیة قرب الکوفة.

و النیل: بلدة صغیرة قرب الکوفة کما فی معجم البلدان(2). و قیل: قریة بالکوفة بین واسط و بغداد و قال الشهیدی: النیل الواقع فی الواسط و یسمی فعلاً و بالحَیّ»(3). و حکی ابن خلکان فی ترجمة ابن الحجاج الشاعر أنّه فی الأصل اسم نهر حفره الحجاج بن یوسف و سماه بنیل مصر.(4) و ما زالت بلدة النّیل قائمة قرب الحلّة.

قال الشیخ الأعظم: «و إن کان المتراءی من ظاهر صحیحة أبی ولاد اختصاص الضمان فی المغصوب بالمنافع المستوفاة من البغل المتجاوز به إلی غیر محل الرخصة، إلاّ أنّا لم نجد بذلک عاملاً فی المغصوب الذی هو موردها»(5).

توضیح کلامه: ورد فی الصحیحة ضمان أبی ولاّد بالنسبة إلی کری بغل من الکوفة إلی النیل و منه إلی بغداد و من بغداد إلی الکوفة، و هذا ضمان منافعه المستوفاة بحیث لو بقی أبوه ولاّد أیّاما فی إحدی المناطق فلا شیء علیه لهذه المدّة و هذا الأخیر هو منافعه غیر المستوفاة و الصحیحة لاتدل علی ضمانها، ثم استشکل الشیخ علیه بأنّ ضمان المنافع غیر المستوفاة من المغصوب یعدّ من ضروریات الفقه فلا یمکن الأخذ بهذا البیان و لم یرض الشیخ به و لذا عبر عنه «بالمتراءی».

ولکن من المحتمل أن سفریات أبی ولاد حیث کانت متعددة ذهابا و ایابا صار

مجموعها خمسة عشر یوما کما هو ظاهر تعجیله المشهود فی کلامه فلا یبقی مکثا طویلاً فی

ص: 415


1- (3) معجم البلدان 4/365.
2- (4) معجم البلدان 5/334.
3- (5) هدایة الطالب 2/306.
4- (6) کما قاله الشهیدی فی ذیل هدایة الطالب 2/306.
5- (7) المکاسب 3/208.

بلد حتّی یطلق علیه المنفعة الفائتة ففی جمیع خمسة عشر یوم _ علی نحو المتعارف _ استفاد من منافع البغل و هو رکوبه و لذا حکم الإمام علیه السلام بضمانه بالنسبة إلی کری هذا الأسفار، و إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. فصحیحة أبی ولاد لا تدل علی عدم ضمان المنافع غیر المستوفاة، و قد تعرض لشرح فقراتها المؤسس الحائری(1) قدس سره و لعلّنا سنتعرّض لمقاله فی البحث الآتی _ إن شاء اللّه تعالی _ .

الخامس: الأصل السلیم

قال الشیخ الأعظم: «فالحکم بعدم الضمان مطلقا... موافق للأصل السلیم»(2).

الظاهر أنّ مراده من الأصل هو أصالة البرائة عن الضمان عند فوت المنفعة بید المشتری و عدم وجود معارض لهذا الأصل فهو سلیم عن المعارض.

و أنت تری بعد تمامیة أدلة الضمان و عدم تمامیة أدلة عدم الضمان لم تصل النوبة إلی الأصل، لأنّ الدلیل الاجتهادی علی الضمان موجود. و أدلة عدم الضمان لم یتم حتّی تعارضها أدلة الضمان.

و علی القول بعدم تمامیة أدلة الضمان و تمامیة أدلة عدم الضمان أیضا لم تصل النوبة إلی الأصل لأن الدلیل الاجتهادی موجودٌ.

لایقال: لو کان أحدا لم یر تمامیة أدلة الطرفین لم تصل النوبة إلی أصل البرائة لأنّه شکٌ فی المکلَف به بأن وظیفة القابض أداء العین أو مثلها أو قیمتها فقط، أو بانضمام من ضمان المنافع مطلقا المستوفاة منها و غیرها و مقتضی الشک هو جریان أصل الاشتغال لا البراءة. لا سیما بعد أن نعلم بأنّ مذاق الشارع بالنسبة إلی الأموال کالدماء و الأعراض هو

ص: 416


1- (1) راجع کتاب البیع 1/160 و ما بعده، من تقریره بقلم آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره .
2- (2) المکاسب 3/205.

الإحتیاط، فما ذکره الشیخ الأعظم لا یتم.

لأنا نقول: قد مرّ فی علم الاُصول صحة جریان إصالة البراءة بالنسبة إلی الأقل و الأکثر الاستقلالیین أو الارتباطیین و الکلام هنا من القس

م الأوّل و الشک یکون فی التکلیف فتجری البراءة _ إن تصل النوبة إلیها _ و اللّه العالم.

فرعٌ: ضمان عمل الحرّ الکسوب المحبوس
اشارة

بعد القول بالضمان فی المنافع الفائتة فی المقبوض بالعقد الفاسد، لا بأس بالتعرض إلی

فرع مهم و هو إذا حَبَس ظالمٌ حُرّا کسوبا فهل یضمن ما فات عنه فی مدّة الحبس من العمل الذی یبذل بإزائه المال أم لا؟

فیه قولان:

أحدهما: عدم الضمان و هو المشهور قال المحقّق الحلّی: «ولو حبس صانعا لم یضمن أُجرته ما لم ینتفع به لأنّ منافعه فی قبضته»(1).

و قال العلاّمة الحلّی: «منفعة بدن الحرّ تضمن بالتفویت لا بالفوات فلو قهر حرّا و استعمله فی شغل ضمن اُجرته، لأنّه استوفی منافعه و هی متقومة، فلزمه ضمانها، کما لو استوفی منافع العبد.

ولو حسبه مدّة لمثلها أُجرة و عطل منافعه فالأقوی أنّه لا یضمن الاُجرة لأنّ منافعه تابعة لما لا یصح غصبه فأشبهت ثیابه و أطرافه و لأنّ منافعه فی یده، لأنّ الحر لا یدخل تحت الید، فمنافعه تفوت تحت یده فلم یجب ضمانها، بخلاف الأموال و هو أصح وجهی الشافعیة، و الثانی أنّه یضمنها، لأنّ منافعه تتقوّم بالعقد الفاسد فأشبهت منافع الأموال فقد فوّتها بحسبه فضمنها کمنافع العبد أمّا لو منعه من العمل من غیر حبس فإنّه لا یضمن منافعه

ص: 417


1- (1) الشرائع 3/185.

وجها واحدا، لأنّه لو فعل ذلک بالعبد لم یضمن منافعه فالحرُّ اُولی»(1).

و قال المحقّق السبزواری: «و المقطوع به فی کلام الأصحاب أنّه لو حبس صانعا حرّا مدّة لها اُجرة لم یضمن اُجرته ما لم یستعمله لأنّ منافعه فی قبضته بخلاف المملوک فإنّ منافعه فی قبضة سیّده»(2).

و قال فی الجواهر معلِّقا علی ما مرّ من الشرائع: «فضلاً عن غیر الصانع بلاخلاف أجده فیه...»(3).

ثانیهما: القول بالضمان و یظهر من جماعة من الأصحاب _ قدس اللّه أسرارهم _:

منهم: المحقّق الأردبیلی قال: «إذا استخدم حرّا قهرا ضمن اُجرته و لا یضمن بدون الاستخدام، و إن حبسه و منعه عن الشغل الذی یحصل منه الاُجرة مثل إن کان صانعا یحصّل کلّ یومٍ شیئا کثیرا، لأنّ منافعه لم تضمن بقبضه، لأنّه لیس بمال حتّی یکون وضع

الید علی المال بغیر رضاء المالک فیضمن، فما لم یستعمل لم یضع یدا موجبا للضمان و [لیس[ مال ذلک، و ما صار سببا [للضمان] و سبب الضمان منحصر فی ذلک [الاستعمال أو الاستخدام]، بخلاف ما لو استعمله، فإنّه أخذ منه ماله بلاعوض، فکأنّه غصب منه مالاً و حقّا أو أتلفه فیضمن، و لعلّه لیس لهم فیه خلاف، و إن کان لأخذ الاُجرة مع منع الصانع الذی لو لم یحبسه و یمنعه لحصل کذا و کذا وجه، و ذلک لدفع المفاسد و دفع الضرر العظیم، فإنّه قد یموت هو و عیاله من الجوع، و لا یکون علیه فی ذلک مانع مع کونه ظالما و عادیا و وجود ما یدلّ علی جواز الإعتداء بما اعتدی(4) و جزاء سیئة سیئة(5) و القصاص و نحو

ص: 418


1- (2) تذکرة الفقهاء 2/382 من الطبعة الحجریة.
2- (3) الکفایة 2/634.
3- (4) الجواهر 37/39.
4- (1) اشارة إلی قوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم» [سورة البقرة /194].
5- (2) اشارة إلی قوله تعالی: «و جزاء سیئة سیئة مثلها» [سورة الشوری /40].

ذلک، فتأمل»(1).

و علّق علیه الوحید البهبهانی بقوله: «لیس کذلک، بل حدیث لا ضرر و لا ضرار(2) و ما سیذکر رحمه اللّه أیضا دلیل و سبب، مع أن عمله حقّ وله عوض قطعا کما اعترف به، و لذلک یستحقّ بالاستخدام العوض، و یصیر فی الإجارة عوض الأُجرة المسماة، و فی بعض الاُوقات عوض اُجرة المثل، فکیف یکون ماله عوض شرعا و عقلاً و عرفا و عادة یتلفه و یضیّعه بلاعوض أصلاً؟!

علی أنّهم قالوا فی عقد الإجارة بمجرد العقد ینتقل الاُجرة من ملک المستأجر إلی ملک المؤجر، و من حین العقد یصیر کذلک بعوض انتقال المنفعة من المؤجر إلی المستأجر، و أنّ العوضین لا ینتقل کلّ واحد منهما إلی الآخر إلاّ و ینتقل الآخر منهما إلی صاحب الأوّل کما هو الحال فی البیع و الصلح.

و لذلک کلّ من المتعاقدین یتسلّط علی أخذ ما وقع العقد علیه قهرا و أیضا یصیر عوض البضع فی النکاح و عوض کلّ شیء و کلّ ملک و کلّ حقِّ، و حاله حال الملک و المال فی جمیع الأحوال، و لا فرق بین المال و الحقّ بحسب العرف و العقل و الشرع أیضا، کما أشرنا فتأمل جیدا. و بالجملة، إن ثبت إجماع فهو و إلاّ فالأمر کما ذکر»(3).

و قال ابن اخته سیّد الریاض: «ولو حبس صانعا) حرّا زمانا له اُجرة عادتا (لم

یضمن اُجرته) إذا لم یستعمله، قالوا: لأنّ منافع الحرّ لا تدخل تحت الید تبعا سواء کان قد

ص: 419


1- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/513.
2- (4) وسائل الشیعة 18/32.
3- (5) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /614.

استأجره لعمل قد اعتقله و لم یستعمله، أم لا. نعم، لو کان قد استأجره مدّة معینة فمضت زمن اعتقاله و هو باذل نفسه للعمل استقرّت الاُجرة لذلک، لا للغصب، بخلاف الرقیق لأنّه مال محض و منافعه کذلک. و ظاهرهم القطع بعدم الضمان فی صورته و به صرّح فی الکفایة، فإن تم إجماعا و إلاّ ففیه مناقشة حیث یکون الحابس سببا مفوّتا لمنافع المحبوس لقوة الضمان فیه لا للغصب، بل لإیجابه الضرر علیه المنفی، و علیه نبّه الفاضل المقدس الأردبیلی فی الشرح... و تبعه خالی العلاّمة _ دام ظله _ فی حواشیه علیه... .

أقول: و یحتمل قویّا اختصاص ما ذکره الأصحاب بصورة عدم استلزام الحبس التفویت کما فرضناه، بل الفوات خاصّةً. و ربما یستفاد ذلک من التذکرة حیث أنّه مع تصریحه بما ذکره الأصحاب قال فی عنوان البحث: «منفعة بدن الحر تضمن بالتفویت لا بالفوات»(1) انتهی، فتأمل.

و یظهر الفرق بین المقامین فیما لو حبسه مدّة لها اُجرة عادةً، فإن کان لو لم یحبس لحصّلها کان حبسه سببا لتفویتها فیضمن هنا کما ذکراه، و إن کان لو لم یحبس لم یحصّلها أیضا لم یکن حبسه سببا لتفویتها، و هذا مراد الأصحاب فی حکمهم بنفی الضمان فیه کما احتملناه من کلامهم»(2).

ولکن ردّه فی الجواهر بقوله: «قلت: لا یخفی فساد الاحتمال المزبور علی من لا حظ کلمات الأصحاب بل فرضهم المسألة فی حبس الصانع کالصریح فی عدم الضمان و إن کان سببا. و المراد بالتفویت فی عبارة التذکرة الاستیفاء... علی أن التسبیب الذی ذکره إنّما یقتضی الضمان إذا تعلّق بتلف الأموال و منفعة الحرّ معدومة فلا یتصور التسبیب لتلفها، کما

ص: 420


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/382 من الطبع الحجری.
2- (2) ریاض المسائل 14/16.

أن قاعدة نفی الضرر و الضرار و غیرها ممّا ذکره من الآیات لو اقتضت الضمان علی وجه تشمل الفرض لأثبتت فقها جدیدا، ضرورة اقتضائها الضمان بالمنع عن العمل أو الانتفاع بماله و غیر ذلک ممّا عرفت عدم القول به من العامة الذین مبنی فقههم علی القیاس و الاستحسان فضلاً عن الإمامیة الذین مبنی فقههم علی القواعد المقررة الثابتة عن أهل بیت العصمة [ علیهم السلام ] فلا وجه للضمان فی الفرض کما قطع به الأصحاب (لأنّ) الحرّ لایدخل تحت الید علی وجه تدخل منافعه معه کالمال ولو شرعا. بل (منافعه فی قبضته) کثیابه باقیة علی

أصالة عدم الضمان (و) إن ظَلَم و أثم بحبسه أو منعه عن العمل»(1).

أقول: ستأتی أدله الضمان و الحَکَمُ بیننا و بین صاحب الجواهر هو الدلیل، و أما ما ورد فی کلام الوحید و سیّد الریاض و خوفهما من الاجماع، لابدّ من التنبیه علی أنّ المسألة غیرمطروحة فی کتب القدماء بل طرحت فی بعض الکتب الفقهیة فقط و الشاهد علیه کلام الفقیه العاملی حیث یقول: «قوله: (ولو حبس صانعا و لم ینتفع به) هذا مقطوع به فی کلام الأصحاب کما فی الکفایة و القطع به فی الشرائع و النافع(2) و التحریر(3) و الإرشاد(4) و التبصرة(5) و المهذب البارع(6) و المسالک(7) و الروضة(8)، و لا قطع فی التذکرة و إنّما قال هو

ص: 421


1- (1) الجواهر 37/40 و 41.
2- (2) المختصر النافع /247.
3- (3) تحریر الأحکام الشرعیة 4/520.
4- (4) إرشاد الأذهان 1/445.
5- (5) تبصرة المتعلمین /108.
6- (6) المهذب البارع 4/249.
7- (7) مسالک الأفهام 12/159.
8- (8) الروضة البهیة 7/28.

الأقوی و لا تعرّض له فی غیرها فیما أجد...»(1).

أدلة الضمان
الأوّل: الآیتان

قوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(2) و قوله تعالی: «جزاء سیئة سیئة مثلها»(3).

بتقریب: حبس الحر الکسوب و تفویت منافعه علیه یعدّ فی الشرع و العرف و اللغة إعتداء علیه و کذا یعدّ سیئة و بحکم الآیتین یجوز المقابلة بالمثل و هو هنا الضمان، و قد مرّ فی البحث حول قاعدة الإتلاف دلالة الآیتین علی حکم الوضعی أیضا کما استدل بهما الشیخ(4) و ابن ادریس(5) علی تلک القاعدة.

الثانی: عَمَلُ الحُّرِ مالٌ

عمل الحر الکسوب یکون ملکا له بالملکیة الذاتیة التکوینیة لأنّه یجوز له التصرف فی نفسه و شؤونها، فهو مِلٌک له بالملکیة الاعتباریة أیضا لأنّ أقویها الملکیة التی ترجع إلی الذاتیة التکوینیة، و کذا یکون مالاً لأنّ یبذل بإزائها المال و یجوز أن یقع ثمنا فی البیع أو إجارة عمله و إعطاء المال له، فإذا عُدّ مالاً و یوجب أحد فواته فعلیه ضمانه لأنّ أحد موجبات الضمان، ضمان الفوات. و هو بعینه ضمان التلف الحکمی الذی مرّ من الشیخ الأعظم فی بحث الولد و الجاریة المسروقة.

ص: 422


1- (9) مفتاح الکرامة 18/84.
2- (10) سورة البقرة /194.
3- (11) سورة الشوری 40.
4- (12) راجع المبسوط 3/60.
5- (13) راجع السرائر 2/480.

إن قلت: إن کان عمله یعدّ مالاً فلماذا لایحصل به الاستطاعة فی الحج؟

قلت: لأنّ المراد بالاستطاعة فیه هی الفعلیة منها لا استعدادها أو قوّتها کما یظهر من الروایات الواردة فیها.(1)

و الشاهد علی ما ذکرناه من أنّ المنافع للحر تعدّ مالاً کلام الفقیه المتتبع السیّد العاملی حیث یقول: «و التحقیق: أنّ القول بأن المنافع معدومة باطل أیضا، بل هی إمّا موجودة أو مقدّرة الوجود، و لهذا عدّت مالاً و جعلت مورد العقد، لأنّ العقد لا یرد إلاّ علی موجود أو ما فی حکمه، و لا ریب أنّه یجوز أن تکون الاُجرة دَینا، فلو لم یلحق المنفعة بالموجودات لکان فی معنی بیع الدَین بالدَین، فصح لهم أن یقولوا: إنّه ملکها و هی فی یده و أهمل استعمالها حتّی تلفت علی ملکه فکان تلفها منه و من ماله و تکون مسألة الضرس و مسألة الأجیر الخاص و غیرهما ممّا جری بها علی الأصل و لا یرد علی ذلک إلاّ الإبراء و التعیین، و الجواب عنهما ممکن و الأمر هیّن، بل القول بأنّ المنافع معدومة إنّما هو للعامة کما حکاه عنهم فی التذکرة(2) و أطال فی الردّ علیهم»(3).

الثالث: حدیث لا ضرر

و قاعدته تثبت الضمان، لأنّ لو حبسه الظالم الحر الکسوب و لم یعطه شیئا یوجب تضرر الحرّ و القاعدة تنفیه فیثبت ضمان الحابس.

و فیه: قد مرّ مرارا عدم ثبوت الحکم الشرعی بقاعدة لا ضرر لأنّها تنفی الحکم الضرری و لا تثبت بها حکما. مضافا إلی عدم جریانها فی فرض تقابل الضررین بحیث یلزم بها إثبات الضمان علی أحد الأطراف و عدم شمولها للآخر. کما مرّ.

ص: 423


1- (1) راجع وسائل الشیعة 11/33، الباب 8 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.
2- (2) تذکرة الفقهاء 2/291 من الطبع الحجری _ کتاب الاجارة.
3- (3) مفتاح الکرامة 18/83.
الرابع: السیرة العقلائیة

مبنیة علی بنائهم علی تغریم الحابس و المانع عن عمل الحرّ الکسوب کما أنت تشاهدها فی الأحکام الصادرة من الَمحْکمات الدولیة و الملّیة.

و السیرة عامة لا تختص بالمانع فقط کما یظهر الاختصاص من ظاهر کلام المحقّق الخوئی(1) قدس سره .

و لم یصل رادع عن هذه السیرة إلاّ ادعاء الإجماع علی عدم الضمان، و قد عرفت وجود المخالف مع عدم طرح المسألة فی کلمات القدماء من الإصحاب _ قدس اللّه اسرارهم _ .

الخامس: عدم الفرق بین المسألتین لبّا

أعنی هذه المسألة و مسألة لو استأجر الحرّ لعمل فاعتقله فی ذاک الزمان الخاص بالعمل و لم یستعمله فیه و بذل الأجیر نفسه للعمل فهل یستقر الضمان علی المؤجر المعتقِل أم لا؟ فی المهذب البارع(2) ذهب إلی استقرار الأُجرة قولاً واحدا و نقل فی جامع المقاصد(3) عن حواشی الشهید «لا نزاع فیه [أیّ فی ضمان الاُجرة]» و فی الکفایة: «و قال بعضهم: لو استأجره مدّة معینة فمضت زمان اعتقاله و هو باذل نفسه للعمل استقرّت الاُجرة و هو غیر بعید»(4). و هذا القول أیّ استقرار الاُجرة فی هذه المسألة الأخیرة هو اختیار العلاّمة فی إجارة التذکرة(5) و ثانی الشهیدین فی إجارة المسالک(6) و قوّاه الأردبیلی فی مجمع

ص: 424


1- (1) راجع مصباح الفقاهة 2/36.
2- (2) المهذب البارع 4/250.
3- (3) جامع المقاصد 6/222.
4- (4) الکفایة 2/635.
5- (5) تذکرة الفقهاء 2/326 من الطبع الحجری.
6- (6) المسالک 5/194.

الفائدة(1).

ولکن تنظّر فی استقرار الضمان فی فرض عدم تعیین الوقت الخاص فی القواعد(2)، و لاترجیح أیضا فی غصب التذکرة(3) و الإرشاد(4) و غایة المراد(5)، و اختیر عدم

استقرارها فی الشرائع(6) و التحریر(7) و جامع المقاصد(8) و تعلیق الإرشاد(9) و المسالک (10) و الروضة(11) کما فی المفتاح(12).

قد ظهرلک أنّ هناک فرعین بل ثلاثة فروع:

الأوّل: لو استأجره لعمل فاعتقله و لم یستعمله ففی استقرار الاُجرة حینئذ وجوهٌ، ذهب بعض إلی استقراره، و بعض إلی عدمه، و تنظر فی الاستقرار بعض، و لا ترجیح فی کلام بعضهم فهذا الفرع محل خلاف بین القوم.

الثانی: نفس الفرع الأوّل بالإضافة إلی تعیین زمن معین لعقد الإجارة و هو بعینه

ص: 425


1- (7) مجمع الفائدة و البرهان 10/514.
2- (8) قواعد الأحکام 2/223.
3- (9) تذکرة الفقهاء 2/382 من الطبع الحجری.
4- (10) إرشاد الأذهان 1/445.
5- (11) غایة المراد 2/396.
6- (1) الشرائع 3/185.
7- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 4/521.
8- (3) جامع المقاصد 6/221.
9- (4) حاشیة الإرشاد للمحقّق الثانی فی موسوعة آثاره 9/476.
10- (5) المسالک 12/159.
11- (6) الروضة البهیة 7/28.
12- (7) مفتاح الکرامة 18/80.

زمن اعتقاله، ففی هذا الفرع یقولون باستقرار الاُجرة قولاً واحدا کما مرّ عن المهذب البارع.

الثالث: لو استأجره لقلع ضرسه فبرئ بعد أن مضت مدّة یمکنه القلع فیها باذلاً الأجیر نفسه و إنّما کان التأخیر من جانب المستأجر، قالوا: بضمان الأُجرة علیه.

قال السیّد العاملی: «و موضع الإجماع ما إذا تعلّقت الإجارة بالزمن المعیّن بل نقول: إنّ العقد موجب للعوضین و قد بذل هذا عوضه فیلزم الآخر العوض الآخر کما فی نفقة الزوجة و المهر فإنّها تجب لها النفقة إذا مکّنت من نفسها و إن لم یستمتع بها، کما یجب علیها تسلیم نفسها إذا تسلّمت المهر، بل قالوا: أنّه یضمن الاُجرة لو استأجره لقلع ضرسه... و إنّما کان التأخیر من جانب المستأجر فینقطع الأصل بذلک، و القاعدة القائلة بأنّ منافع الحرّ لا تضمن لا تتناول محلّ النزاع، فلیتأمل جیّدا»(1).

و قال فی الجواهر فی ذیل الفرع الثانی: الحجة بعد اقتضاء عقد الإجارة ملک الثمن، و عدم الاستیفاء إنما کان لتقصیر من المستأجر و قد فات الزمان و الأصل عدم بطلانها، کما أن الأصل عدم قیام غیر الزمان الذی هو متعلَّق العقد مقامه. و لعلّ مثله ما قیل من أنّهم ذکروا قرارها أیضا فیما لو استأجره لقلع ضرسه فبرأ بعد أن مضت مدّة یمکنه القلع فیها باذلاً

الأجیر نفسه فیها و إنّما کان التأخیر من جانب المستأجر و ذلک لما عرفت من اقتضاء العقد ملک الأُجرة علی الوجه الذی سمعته و الفرض لم یبق محل للعمل. و الأصل عدم الانفساخ و عدم قیام غیر متعلَّق العقد مقامه، فهو حینئذ کالأجیر الخاص و کذا ما کان مثله، إذ لیس لقلع الضرس خصوصیة»(2).

أقول: الظاهر أنّ مسألة قلع الضرس حیث لم یرد فیه زمن خاص یدخل فی الفرع

ص: 426


1- (8) مفتاح الکرامة 18/81.
2- (1) الجواهر 37/41.

الأوّل _ لا الثانی _ و القائلین بعدم استقرار الاُجرة فیه لماذا حکموا بالضمان هنا؟

و عقد الإجارة لا یفید فی الفرق بین الأوّلیین، لأنّه فیهما موجود و المستأجر فیهما لایفید فکیف صار عقد الإجارة الفارق بینهما؟!

ثم ما الفرق بین الفرع الأوّل و الثالث حیث حکموا بالضمان فی الثالث و بعدمه فی الأوّل.

الظاهر _ و اللّه العالم _ عدم الفرق بین الفروع الثلاثة و نحکم بالضمان فی الجمیع و نذهب إلی بطلان القاعدة المدعاة بأنّ منافع الحرّ لا تضمن و أنّ منافع الحرّ حیث یکون مالاً فیکون مضمونا و حکمهم بالضمان فی فرعی الثانی و الثالث علی القاعدة کما مرّ من المفتاح(1) و کذا حکم القائلین بالضمان فی الفرع الأوّل.

و کذا یظهر ممّا مر عدم تمامیة القول بعدم الضمان أو عدم الترجیح أو التنظر فی الفرع الأوّل أیضا.

و الحاصل: أن منافع الحر مضمونة فیثبت به الضمان فی جمیع الفروع الثلاثة الماضیة کما علیه المحقّقون الأردبیلی و الوحید و سیّد الریاض _ کما مرّت کلماتهم _ و المروج(2) قدس سرهم و الحمدللّه.

الخامس: ضمان المثلی یکون بالمثل

تمهیدٌ: فی خلاف ابن الجنید الإسکافی

قال الشیخ الأعظم: «إذا تلف المبیع فإن کان مثلیّا وجب مثله بلاخلاف إلاّ ما یُحکی عن ظاهر الإسکافی»(3).

ص: 427


1- (2) مفتاح الکرامة 18/83.
2- (3) هدی الطالب 1/(85-75)
3- (4) المکاسب 3/209.

ثم قال بعد ثلاثین صفحة من الطباعة الحدیثة فی الأمر السابع: «لو کان التالف المبیع فاسدا قیمیا فقد حُکی الاتفاق علی کونه مضمونا بالقیمة»(1)... ثم أضاف إلیه: «و کیف کان فقد حُکی الخلاف فی ذلک عن الإسکافی و...»(2).

و أنت تعلم بأنّ کتاب الشیخ الجلیل أبی علی ابن الجنید الإسکافی رحمه الله المسمی ب_ «الأحمدی فی الفقه المحمّدی» مفقود و وصل إلینا منه ما نقل عنه العلاّمة الحلّی رحمه الله فی مختلف الشیعة و هو ینقل کلامه هنا هکذا: «قال: ابن الحنید: «فإن استهلک الغاصبُ العینَ المغصوبةَ کان ضامنا لها لصاحبها، إمّا أرفع قیمة کانت لها منذ یوم غصبها إلی أن هلکت، أو المثل لها إن اختار صاحبها ذلک»، و هذا یشعر بإیجاب أحد الأمرین فی المثلی»(3).

و الشهید فی غایة المراد اختصر هذا البیان من ابن الجنید و قال فی خلافه مع القوم: «إن تلف المغصوب ضمن قیمته أو مثله إن رضی صاحبه»(4).

و الشیخ الأعظم رحمه الله حمل «المغصوب» فی کلامه إلی الأعم من المثلی و القیمی و لذا عدّ الإسکافی مخالفا فی ضمان المثلی بالمثل _ کما مرّ _ و القیمی بالقیمة، لحکمه بضمان القیمة مطلقا إلاّ مع رضا المالک بالمثل.

و أما جماعة من الأصحاب فقد حملوا کلامه «المغصوب» علی خصوص القیمی فقط نحو: الشهید قال بعد نقل کلامه: «و لعلّه یرید القیمی»(5) و مال إلیه الأردبیلی بعد نقل قول

ص: 428


1- (1) المکاسب 3/240.
2- (2) المکاسب 3/242.
3- (3) مختلف الشیعة 6/131.
4- (4) غایة المراد 2/398.
5- (5) غایة المراد 2/398.

الشهید: «و العبارة صالحة فالحمل علیه اُولی»(1). و إن صح هذا الحمل فإنّه مخالف فی القیمی فقط لا فی المثلی.

و تابعهم المحقّق السیّد الخوئی و لذا ذهب إلی وقوع السقط فی عبارة الشیخ الأعظم «فکأنّه قال: إذا تلف المبیع فإن کان مثلیا وجب مثله و إن کان قیمیا وجبت قیمته بلاخلاف فی ذلک بین الأصحاب إلاّ عن الإسکافی، فإنّه حکم بضمان المثل فی القیمی أیضا»(2).

ولکن الصحیح عدم وقوع السقط فی کلام الشیخ الأعظم لما مرّ من أنّه حمل المغصوب فی کلام الإسکافی علی الأعم کما أنّ خلافه فی ضمان المثلی بالمثل مذکور فی کلمات الأصحاب نحو: العلاّمة قال فی مختلف الشیعة «مسألة: قد بینّا الخلاف فی الواجب علی الغاصب إذا تلف العین و بینّا أنّ المختار عندنا إیجاب المثل فی المثلی، فإن تعذر فقیمته یوم الإقباض و القیمة یوم التلف، [ثم تعرض لخلاف ابن الجنید الذی مرّ و قال:] و الوجه ما قلناه أوّلاً»(3).

و الشهید فی غایة المراد قال قبل نقل مقالة ابن الجنید: «أطبق الأصحاب علی ضمان المثلی... إلاّ ما یظهر من کلام ابن الجنید فإنّه قال:...»(4).

و الأردبیلی فی مجمع الفائدة قال: «و یمکن أن یکون قول ابن الجنید اشارة إلی أنّ تحقیق المثل لا یمکن و حینئذ ما یلزمه إلاّ القیمة ولکن إن رضی الغریمان یجوز أخذ المثل و

ص: 429


1- (6) مجمع الفائدة و البرهان 10/527.
2- (7) مصباح الفقاهة 3/146.
3- (1) مختلف الشیعة 6/131.
4- (2) غایة المراد 2/398.

الاکتفاء به اللّه یعلم»(1).

و کذا نقل عن الشهید فی مفتاح الکرامة(2) و لم یعترض علیه.

و العمدة عدم العبرة بهذا الخلاف کما قال المحقّق الثانی: «هذا الخلاف یکاد یکون مضمحلاً لا یلتفت إلیه»(3).

ثم بعد تقدیم هذا التمهید یقع البحث فی ضمن مقامات:

المقام الأوّل: تعریف المثلی
اشارة

اختلفت کلمات الأصحاب فی تعریفه أحصی لک بعضها:

أ: تعریف المشهور

«و هو ما تتساوی قیمة أجزائه» کما علیه الشیخ فی الخلاف(4) و المبسوط(5) و ابن زهرة فی الغنیة(6) و ابن ادریس فی السرائر(7) و المحقّق فی الشرائع(8) و النافع(9) و تلمیذه

الفاضل الآبی فی کشف الرموز(10) و العلاّمة فی القواعد(11) و التذکرة(12) و التحریر(13)، و ابن

ص: 430


1- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/526.
2- (4) مفتاح الکرامة 18/137.
3- (5) جامع المقاصد 6/252.
4- (6) الخلاف 3/396.
5- (7) المبسوط 3/59 و 60.
6- (8) غنیة النزوع /278.
7- (9) السرائر 2/480.
8- (10) الشرائع 3/188.
9- (11) المختصر النافع /248.
10- (1) کشف الرموز 2/381.
11- (2) قواعد الأحکام 2/226.
12- (3) تذکرة الفقهاء 2/381 من الطبع الحجری.
13- (4) تحریر الأحکام الشرعیة 4/529.

فهد الحلّی فی المهذب البارع(1) و المقتصر(2)، و الفاضل المقداد فی التنقیح الرائع(3) و ابن العشیرة فی بهجة الخاطر.(4)

و فی التنقیح(5) و مسالک(6) ثانی الشهیدین و کفایة(7) السبزواری و حدائق البحرانی(8) و ریاض(9) السیّد الطباطبائی: «أنّه المشهور».

و قد زاد الشیخ فی المبسوط(10) و ابن زهرة فی الغنیة(11) و العلاّمة فی التذکرة(12) بعد التعریف المذکور التمثیل بقولهم: کالحنطة و الشعیر و غیرهما من الحبوب و الأدهان و ما أشبه ذلک. کما نقل جُلّ ذلک الفقیه العاملی فی مفتاح الکرامة(13).

الشیخ الأعظم فسّر التعریف بأنّ «المراد بأجزائه: ما یصدق علیه اسم الحقیقة و المراد بتساویها من حیث القیمة»(14).

ص: 431


1- (5) المهذب البارع 4/251.
2- (6) المقتصر /342.
3- (7) التنقیح الرائع 4/69.
4- (8) بهجة الخاطر و نُزْهة الناظر /122.
5- (9) التنقیح الرائع 4/69.
6- (10) المسالک 12/182.
7- (11) الکفایة 2/639.
8- (12) الحدائق 18/470.
9- (13) ریاض المسائل 12/23.
10- (14) المبسوط 3/60.
11- (15) الغنیة /278.
12- (16) تذکرة الفقهاء 2/381.
13- (17) مفتاح الکرامة 18/138.
14- (18) المکاسب 3/210.

و کذا قبله قال فی الجواهر: «و لعل المراد تساوی قیمة أجزاء الصنف من النوع منه،

بل الأشخاص من الصنف، بل علی أن یکون ذلک التساوی من حیث الذات لا الاتفاق و حینئذ فالمنّ من شخص الحنطة الخاصة مثلاً و الدهن الخاص مثلاً قیمة أجزائه متساویة...»(1).

مراده من الأجزاء هو الأفراد و الجزئیات التی تصدق علیها طبیعة واحدة، لا أنّ المراد من لفظ الأجزاء هو الفرد و مثلیّته بلحاظ تساوی أجزائه معه. فالمثلی هو ما تتساوی قیمة أفراده و لا عبرة بتساوی قیمة أجزائه، فلا یرد علی التعریف ما حکاه الشهید الثانی من الاعتراض علیه بقوله: «إن اُرید بالأجزاء کلّ ما ترکب عنه الشیء فیلزم أن لا تکون الحبوب مثلیّة، لأنّها تترکّب من القشور و الألباب و القشر مع اللبّ مختلفان فی القیمة و کذا التمر و الزبیب لما فیهما من النوی و العجم، و إن اُرید بالأجزاء التی یقع علیها اسم الجملة، فیلزم أن لا تکون الدراهم و الدنانیر مثلیّة لما یقع فی الصحاح من الاختلاف فی الوزن، و فی الاستدارة و الإعوجاج و فی وضوح السکة و خفائها و ذلک ممّا یؤثر فی القیمة»(2)

و یرد علی إشکال الدراهم والدنا نیر بأنّ موضوع المثلیة فیهما هو خصوص النوع الصحیح و هو الذی تکون سِکّته و هیئته محفوظة. لا الأعم منه و المکسور و المعیوب حتّی یرد علیه الإشکال و هذا مراد الشیخ الأعظم بقوله: «إنّ الدرهم مثلی بالنسبة إلی نوعه و هو الصحیح... و من هنا یظهر أنّ کلّ نوع من أنواع الجنس الواحد بل کلّ صنف من أصناف نوع واحد مثلیٌّ بالنسبة إلی أفراد ذلک النوع أو الصنف»(3).

فعلی ما ذکرناه لایرد اعتراض المحقّق الأردبیلی علی المشهور حیث یقول: «أنّه إن

ص: 432


1- (1) الجواهر 37/89.
2- (2) المسالک 12/182.
3- (3) المکاسب 3/210 و 211.

اُرید التساوی بالکلیة، فالظاهر عدم صدقه علی شیءٍ من المعرَّف إذ ما من شیءٍ إلاّ و أجزائه مختلفة فی القیمة فی الجملة مثل الحنطة و الشعیر و جمیع ما قیل أنّه مثلیٌّ، فإنّ حنطة طغارها یساوی عشرین و الآخر عشر شاهیات و بالجملة التفاوت معلوم، و إن اُرید التساوی فی الجملة فهو فی القیمی أیضا موجود مثل الأرض و نحوها، و إن اُرید مقدارا خاصا فهو حوالة إلی المجهول»(1).

لأنّ المراد بالمثلی کلّ نوع من أنواع الجنس الواحد بل کلّ صنف من أصناف نوع

واحد مثلیٌّ بالنسبة إلی أفراد ذلک النوع أو الصنف کما مرّ من الشیخ الأعظم و لعلّ إلی هذا البیان أشار الأردبیلی بقوله: «... و یؤیده أنّه علی تقدیر ثبوت کون المُتْلَف مثلیّا مثل الحنطة لا یؤخذ بها کلّ حنطة، بل مثل ما تلف عرفا و قیمة، مثل سن الجمل بمثله من الجمل، و الأعلی بمثله لا بالآخر، و کذا فی غیره، فیمکن إن أراد ذلک مع المساواة فی القیمة فإذا کان ثوبا مثل ثوب آخر فی اللون و القماش و بقیمته یکون ذلک المثل، و کذا الفرس العتیق خاص یکون تحته خاص، و قیمته متعینة یکون مثلها بمثلها و هکذا، و علیه یحمل ما فی الکتاب و السنة و الإجماع»(2).

و علّق الوحید البهبهانی علی عبارته الاُولی «التفاوت معلوم» بقوله: «التفاوت المتعارف المعتدّ به عند أهل العرف أی ما یکون متساوی الأجزاء عرفا یکون مثلیّا و غیر المتساوی کذلک غیر مثلی، فتأمل...»(3).

و ذکرها صاحب الریاض(4) فی کتابه تضعیفا علی کلام الأردبیلی.

ص: 433


1- (4) مجمع الفائدة و البرهان 10/522.
2- (1) مجمع الفائدة و البرهان 10/526.
3- (2) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /620.
4- (3) ریاض المسائل 14/25.

أقول: یأتی تعریف الوحید للمثلی فی ذکر بقیة تعریفات المثلی فانتظر.

و ردّ صاحب الجواهر الأردبیلی فی عبارته الاُولی و قال: «قلت: قد عرفت أنّ المراد المساواة فی غالب ما له مدخلیة فی المالیة، و تفاوت أفراد الحنطة و إن کان معلوما إلاّ إنّک قد عرفت المساواة فی أشخاص الأصناف، و لا یکفی الاتحاد فی اسم النوع المنافی لقاعدة لا ضرر و لا ضرار و لغیرها»(1).

ثم استشکل الشیخ الأعظم علی تفسیره لتعریف المشهور بأمرین:

الأوّل: «إنّ هذا خلاف ظاهر کلماتهم فإنهم یطلقون المثلی علی جنس الحنطة و الشعیر و نحوهما...»(2).

مراده: أن تفسیر تعریف المشهور بأن مدار المثلیة علی الصنف مخالف لظاهر المشهور لانّهم یُطلقونه علی الجنس لا الصنف کما یظهر من تمثیل الشیخ للمثلی حیث یقول: «کالحبوب و الأدهان و التمور و الأقطان و الخلول التی لا ماء فیها و الأثمان و نحو هذا کلّه له

مثل...»(3).

الثانی: هذا التفسیر من التعریف المشهور إمّا غیر جامع للأفراد أو غیر مانع للأغیار، لأنّه «إن اُرید تساوی الأجزاء من صنف واحد من حیث القیمة تساویا حقیقیا فقلَّ ما یتفق ذلک فی الصنف الواحد من النوع»(4) فحینئذ یخرج کثیر من المثلیّات و التعریف لا یکون جامعا للأفراد.

«و إن اُرید تقارب أجزاء ذلک الصنف من حیث القیمة و إن لم یتساو حقیقة، تحقّق

ص: 434


1- (4) الجواهر 37/89.
2- (5) المکاسب 3/211.
3- (1) المبسوط 3/60.
4- (2) العبارة من الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/212.

ذلک فی أکثر القیمیات»(1) فحینئذ یدخل کثیر من القیمیات فلا یکون التعریف مانعا للأغیار.

ثم تعرض الشیخ الأعظم لدفع الإشکال الأخیر _ و هو «تحقّق ذلک فی أکثر القیمیات» _ بإجابه صاحب الجواهر عنه فی قوله: «و لا یرد النقض بالثوب أو الأرض الذی یمکن دفعه بعدم غلبة ذلک فیهما، و فرض بعض الأفراد کذلک لا یناسب إطراد قواعد الشرع»(2). و قد مرّ عبارته الاُخریُ فی اعتراضه علی الأردبیلی.

ثم یلاحظ علیه بقوله: «ثم لو فرض أنّ الصنف المتساوی من حیث القیمة فی الأنواع القیمیة عزیز الوجود بخلاف الأنواع المثلیّة لم یوجب ذلک إصلاح طرد التعریف...»(3).

مراده: أنّه یکفی فی عدم الإطراد، التساوی فی القیمیات ولو نادرا.

و یرد علیه: «لو فهم التقیید بالغالب ولو من قرینة حکمهم بضمان المثلی بالمثل الذی یبعد جدّا تنزیله علی النادر کفی ذلک فی إصلاح إطراد التعریف». کما نبّه علیه السیّد الحکیم(4) رحمه الله .

أقول: ولکن یمکن أن یجاب عن إشکالی الشیخ الأعظم بأنّ مرادهم أنّ إطلاق الحنطة و الشعیر و نحوهما فی کلمات الأصحاب منصرفٌ إلی صنفها لا جنسها و إلاّ لایتم تساوی القیمة.

و عن الثانی: بأنّ التعاریف کلّها شرح الاسم و لیس بتعریف حقیقیّ لا علی نحو الحدِّ

التام و لا حتّی علی نحو الرسم الناقص، و حیث أنّ التعریف یصدق غالبا یکفی و خروج

ص: 435


1- (3) العبارة من الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/212.
2- (4) الجواهر 37/89.
3- (5) المکاسب 3/213.
4- (6) نهج الفقاهة /233.

موارد نادرا لا یضر کما ذکره صاحب الجواهر رحمه الله ، فحینئذ یمکن الأخذ بتعریف المشهور.

و لا یرد علی ما بینّاه إشکال المحقّق الخراسانی علی تعریف المشهور بأنّه: «لا یعمّ کثیرا من المثلیات مثل المسکوکات و سائر المصنوعات المشتبهات کالساعات و الظروف و الآلات الفرنجیة حیث أنّ کلّ واحد منهما یکون مثلیّا و لیس ممّا یتساوی أجزائه بحسب القیمة»(1)

ثم حیث لم یتم تعریف المشهور عند الشیخ الأعظم فلابّد له من التعرض لسائر التعاریف:

ب: تعریف العلاّمة فی التحریر

عرّفه بأنّه «ما تماثلث أجزاؤه و تقاربت صفاته»(2).

و هذا التعریف مساوٍ لتعریف المشهور بناءً علی تفسیر الشیخ الأعظم له بتساوی أفراد الصنف لا النوع و الجنس، و أخصّ منه بناءً علی ظاهره من تساویهما فی الحقیقة النوعیة کما فی هدی الطالب(3).

ج: تعریف الشهید فی الدروس

أنّه «المتساوی الأجزاء و المنفعة، المتقارب الصفات»(4).

و اختاره ثانی الشهیدین فی الروضة(5) و قال فی المسالک: «أقرب التعریفات إلی

ص: 436


1- (1) حاشیة المکاسب /35.
2- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 4/529.
3- (3) هدی الطالب 3/311.
4- (4) الدروس الشرعیة 3/113.
5- (5) الروضة البهیة 7/36.

السلامة تعریف الدروس»(1). و تبعه فی الأقربیة السبزواری فی الکفایة(2).

و اعترض علیه فی جامع المقاصد بقوله: «و هذا لا یکاد یخرج الثوب»(3) و زاد فی المجمع: «و یمکن أن یقال: بل الأرض و بعض ما تقدم مع زیادة إبهام التساوی فإنّه غیر معلوم فی أیّ شیءٍ و کذا تقارب الصفات»(4).

قال المحقّق القمی: «و لعلّ المنفعة فی کلامه عطف علی القیمة المقدّرة، یعنی المتساوی الأجزاء فی القیمة و المنفعة. و یمکن أن یکون نظره فی زیادة المنفعة إلی إخراج مثل الحنطة و الحمَّص معا إذا تساویا فی القیمة، و قیل: النوع الواحد فی تعریف المشهور یکفی عن ذلک، و فی زیادة تقارب الصفات إلی ملاحظة الأصناف کما ذکرنا»(5).

أقول: و العجب منه قدس سره أنّه زاد فی التعریف القیمة ثم استشکل علیه بتساوی قیمة بعض الأجناس ثم یأتی بما فی التعریف من المنفعة لدفع إشکاله و ما هذا إلاّ حدّة ذهن المحقّق القمی و لیس بتفسیر لتعریف الشهید فی الدروس.

و قال فی الجواهر: «بل هو [تعریف الدروس] فی الحقیقة کشف لتعریف المشهور، لا أنّه تعریف آخر و إن توهّمه غیر واحد، بل لعلّه المراد من تعریفه له فی غایة المراد [الآتی[ أیضا...»(6).

بل أنّه أخصٌ من التعریف المتقدم حیث أخذ فیه مع تساوی الأفراد تساویها فی

ص: 437


1- (6) المسالک 12/183.
2- (7) الکفایة 2/640.
3- (8) جامع المقاصد 6/244.
4- (9) مجمع الفائدة و البرهان 10/525.
5- (1) جامع الشتات 2/300 من طبع الحروفی و نقل عنه فی هدی الطالب 3/312.
6- (2) الجواهر 37/90.

المنفعة و تقاربها فی

صفاتها کما فی الإرشاد.(1)

د: تعریف الشهید فی غایة المراد

قال فی تعریف المثلی: «و هو ما تتساوی أجزاؤه فی الحقیقة النوعیة»(2).

و قال ثانی الشهیدین معلِّقا علیه: «و مرجعه إلی ما یکون اسم الکثیر و القلیل منه واحدا کالماء و الدبس و الحنطة و ینتقض بالأرض»(3).

أقول: توضیح ثانی الشهیدین رحمه الله و نقضه مأخوذٌ من أحد التعاریف الواردة فی جامع المقاصد حیث یقول: «و ربّما ضبط بأنّ المثلی ما یکون اسم الکثیر و القلیل منه واحدا کالماء و الدبس و الدهن و نُقض بالأرض»(4).

و قرّر السیّد العاملی هذا الإشکال بقوله: «إذ الظاهر صدقه علی ما تقدّم من الأرض و الثوب و نحوهما، مع إشکال تحقیق الاتفاق فی الحقیقة النوعیة و مرجعه إلی ما یکون اسم

القلیل و الکثیر منه واحدا کالماء و الدبس»(5).

و أجاب عنه فی الجواهر بقوله: «علی معنی إرادة التساوی المزبور [أیّ المتساوی الأجزاء و المنفعة أو المساواة فی أشخاص الأفراد]، لا أنّ المراد به الاتحاد فی اسم القلیل و الکثیر منه کالماء و الحنطة کی یرد علیه الانتقاض بالأرض»(6).

أقول: جواب صاحب الجواهر تام و التعریف قریب من تعریف المشهور بناءً علی

ص: 438


1- (3) إرشاد الطالب 2/167.
2- (4) غایة المراد 2/398.
3- (5) المسالک 12/183.
4- (6) جامع المقاصد 6/244.
5- (1) مفتاح الکرامة 18/141.
6- (2) الجواهر 37/90.

أنَّ المراد بالحقیقة النوعیة هو الصنف الخاص _ کما فسره صاحب الجواهر _ لا النوع و الجنس فحیئنذ لا یتم ما ذکره شیخنا الاستاذ قدس سره فی إرشاده: «و هذا أعم من التعریف المتقدِّم حیث أنّ هذا یعم جمیع المثلیات و القیمیات فإن الأفراد فیهما مشترکة فی الحقیقة النوعیة»(1).

ذ: تعریف الوحید البهبهانی

قال: «المثلی ما تعارف تحقّق المثل له بحیث یساویه و یماثله فی الطبیعة و الممیّز النوعی و الصنفی و هو أقرب إلیه من کلِّ جنس و إن کان مثل الدرهم و الدینار، فتأمل»(2).

و نقل عنه فی الریاض(3) و عن الریاض فی الجواهر(4) و حمله الأخیر علی تعریفه الآتی.

و اختاره المحقّق الخمینی و قال: «ما هو له مثل عادة کالحبوبات و لایلاحظ فیه الشاذ النادر، فما لا مثل له عادة لیس بمثلی و إن وجد نادرا»(5) ثم عدّ من أوضح مصادیق المثلی منتوجات المَعَامِل الحدیثة.

ر: تعریف صاحب الجواهر

قال: «و بالجملة فالمراد من التعاریف واحد، و هو التساوی الذاتی فی غالب ما له مدخلیة فی الرغبة و القیمة، و أن یکون ذلک غالبا فی أفراد الأصناف لا اتفاقا، بل لعلّه المراد أیضا ممّا فی الإرشاد و شرحه الإسعاد لبعض الشافعیة من تعریفه بأنّه «ما أمکن ضبطه

ص: 439


1- (3) ارشاد الطالب 2/167.
2- (4) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /620.
3- (5) ریاض المسائل 14/26.
4- (6) الجواهر 37/91.
5- (7) کتاب البیع 1/332.

بکیل أو وزن و جاز السَّلَم فیه»، بل لعلّه المراد أیضا ممّا حکاه فی الریاض عن خاله...»(1).

و قال أیضا: «إنّ المراد بالمثلی فی کلامهم هو الذی له مثل بمعنی أنّه مساوٍ له فی جمیع ما له مدخلیة فی مالیته من صفاته الذاتیة لا العرضیة کالمکان و الزمان علی وجه یکون غالبا فی صنفه و ما عداه قیمی، فتأمل فإنّه جید»(2).

ز: تعریف المحقّق الخراسانی

قال بعد المناقشة فی تعریف المشهور: «فالاُولی تعریفه بما کثر أفراده التی لا تفاوت فیها بحسب الصفات المختلفة بحسب الرغبات»(3).

ص: تعریف الفقیه الیزدی

قال: «فإنّ المثلی حینئذ ماله مماثل فی الاُوصاف و الخصوصیات التی تختلف بها الرغبات و تتفاوت بها القیم قلةً و کثرةً فکلّ ما کان کذلک غالبا فهو مثلیٌّ و کلّ ما لم یکن کذلک فهو قیمیٌّ و لا الاعتبار بالنادر و هذا یختلف بحسب الأزمان و البلدان و الکیفیات...»(4).

ض: تعریف المحقّق الإیروانی

قال: «... و الأحسن أن یعرّف المثلی بما تشابهت أفراده و جزئیاته فی الصورة و الصفات، اللازم منه التساوی فی الرغبات، اللازم منه التساوی فی المالیة، و علی هذا فجنس الحنطة المختلف الأنواع و الأصناف اختلافا فاحشا إن لم یکن مثلیّا صادقا علیه التعریف

ص: 440


1- (1) الجواهر 37/91.
2- (2) الجواهر 37/94.
3- (3) حاشیة المکاسب /35.
4- (4) حاشیة المکاسب 1/469.

فأصنافه النازلة مثلیة البتة»(1).

ط: تعریف المحقّق النائینی

أخذ قدس سره فی تعریف المثلی أربعة قیود:

الأوّل: أن یکون تساوی الصفات و الآثار بحسب الخِلقة الإلهیة کالحبوب و أمّا ما کان متساویا بحسب الصناعة البشریة فهو محل خلاف.

الثانی: أن لا یتغیّر بالبقاء أو بتأثیر من الهواء کالخضروات و الفواکه و کلّ ما یفسد

من یومه فإنّه أیضا محل خلاف فی کونه مثلیّا أو قیمیّا.

الثالث: أن یکون مماثله کثیرا مبذولاً [موجودا].

الرابع: أن یکون تماثل الصفات موجبا لتماثل القیمة و تقاربها، و أمّا لو کان شیء مماثلاً لشیءٍ آخر فی جمیع الصفات و الآثار ولکنّهما متفاوتان فی القیمة جدّا فهذا لیس مثلاً لذاک.

و علی هذا فالمتیقن من المثلی الحبوبات ولکنّه لا بحسب الجنس أو النوع بل بحسب الصنف کما أنّ المتیقن من القیمی الحیوانات.(2)

ظ: تعریف المحقّق الأصفهانی

قال: «الصفات المقابلة للذات علی قسمین تارة تختلف بها الرغبات فلها دخل فی المالیة و اُخری لا دخل لها فیها حیث لا تختلف بها الرغبات، و الثانیة سواء کانت فی المثلی أو القیمی لیست مناطا لمثلیّته و لا لقیمیّته، و الاُولی إذا کانت ممّا لها نوعا أفراد مماثلة کان الموصوف بها مثلیّا

، و إن لم توجد لها أصلاً أو نوعا أفراد مماثلة کان الموصوف بها قیمیّا

ص: 441


1- (5) حاشیة المکاسب 2/130.
2- (1) راجع منیة الطالب 1/286 و 285.

فتدبر»(1).

و اختاره السیّد الخوئی رحمه الله و قال فی توضیحه: «اوصاف الأشیاء علی قسمین: إذ قد یکون لها دخل فی المالیة و قد لا یکون لها دخل فی المالیة بوجه، أمّا القسم الثانی فهو خارج عن محل بحثنا لعدم دخله فی مالیة الموصوف فلا یکون تفویته موجبا للضمان، أمّا القسم الأوّل فإن کانت للموصوف أفراد متماثلة بحسب النوع أو الصنف فهو مثلی، ضرورة أن أفراد الکلّی مع فرض تماثلها متساویة الأقدام و متقاربة الاُوصاف من دون تفاوت بینهما فی نظر العرف و إن کان بینها فرق بالدقة العقلیة، و إن لم یکن الموصوف کذلک فهو قیمیٌّ»(2).

و اختاره أیضا المحقّق المروج قال: «فکلّ کلّیٍّ تکثر أفراده المتماثلة فی الصفات الموجبة لاختلاف الرغبات الدخیلة فی اختلاف المالیة یکون مثلیّا و القیمی بخلافه»(3).

ع: تعریف شیخنا الاستاذ قدس سره

قال: «و المراد بالمثل هو القریب إلی التالف فی الاُوصاف التی تکون بها المالیة

أوزیادتها، لا سایر الخصوصیات التی قد یتعلق غرض شخصی بالشیء باعتبارها... و لم یکن وجوده عزیزا [نادرا] نوعا بحیث لایعدّ الظفر به من الاتفاق فالمال مثلی و فی صورة عزّة وجوده و ندرة الظفر به فالمال قیمی...»(4).

أقول: الظاهر أنّه مأخوذ من تعریف الأصفهانی قدس سره أفردتُهُ إحتراما للإستاذ قدس سره .

ص: 442


1- (2) حاشیة المکاسب 1/356.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/152.
3- (4) هدی الطالب 3/314.
4- (1) إرشاد الطالب 2/168.
ه_: التعریف الأوّل المنقول من العامة

نقل العلاّمة فی التذکرة(1) عن بعضهم فی تعریفه: «أنّه ما قدّر بالکیل أو الوزن»(2) و فی جامع المقاصد(3) نقله عن الشافعی و أبیحنیفة و أحمد.

و فی المسالک: «نقض بالمعجونات»(4).

و فی مجمع الفائدة: «و أنّه یشکل بالغزل و الصوف و الوبر و الشعر و نحوها، فإنّها غیر مثلیة، مع صدق التعریف، إلاّ أن یلیه النفی أو الإثبات(5) و هو بعید. و أیضا أنّ المکیل و الموزون لیس له ضبط فإنّه یختلف حینئذٍ لکلّ بلد حکم نفسه علی ما قیل... فیلزم کون شیء واحد مثلیا فی بلد و قیمیا فی اُخری و هو بعید،... إلاّ أن یقال: لا یجوز السلم فیها و لا بیع بعضها ببعض و حینئذ یشکل التعریف الأوّل بدون الزیادة، فتکون فائدتها فتأمل»(6).

و فی الجواهر: «بل لعله المراد... معنی غلبة التساوی فی أجزائها علی الوجه المزبور [مرّ فی تعریفه] فی کثیر من أفرادها المتعارفة فلا یرد النقض بالمعجونات»(7).

أقول: تفسیر صاحب الجواهر لا یتم مع ظاهر التعریف.

ص: 443


1- (2) تذکرة الفقهاء 2/381 من الطبع الحجری.
2- (3) المغنی لابن قدامة 5/239، بدایة المجتهد 2/317، المحلّی 6/437، روضة الطالبین 4/108، الاُمّ 3/254، حاشیة إعانة الطالبین 3/138.
3- (4) جامع المقاصد 6/244.
4- (5) المسالک 12/183.
5- (6) مراده منهما: الزیادات الواردة فی التعریف الثانی و الثالث.
6- (7) مجمع الفائدة و البرهان 10/524 و 525.
7- (8) الجواهر 37/90.
و: التعریف الثانی من العامة

نقل العلاّمة(1) و زاد بعضهم [علی تعریفهم الأوّل] اشتراط جواز السلم فیه(2). و

علّله فی جامع المقاصد: «لأنّ السلم یثبت بالوصف فی الذمة»(3) و فی المسالک: «لیسلم من النقض»(4).

ی: التعریف الثالث لهم

نقل العلاّمة(5) عنهم زیادة: جواز بیع بعضه ببعض.(6)

و فی جامع المقاصد(7): «لتشابه الأصلین فی قضیة التماثل» و نحوه فی المسالک(8) و الجواهر(9).

و قال فی جامع المقاصد: «و اعترض علی العبارات الأخیرة [تعاریف العامة[ الثلاث: بأنّ القماقم(10) و الملاعق و المغارف(11) المتخذة من الصفر و النحاس موزونة یجوز

ص: 444


1- (9) تذکرة الفقهاء 2/381.
2- (10) انظر فتح العزیز المطبوع مع المجموع 11/266، مغنی المحتاج 2/281، روضة الطالبین 4/108.
3- (1) جامع المقاصد 6/244.
4- (2) المسالک 12/183.
5- (3) تذکرة الفقهاء 2/381.
6- (4) روضة الطالبین 4/108.
7- (5) جامع المقاصد 6/244.
8- (6) المسالک 12/183.
9- (7) الجواهر 37/90.
10- (8) جمع مفرده «قمقمة» و هو وعاء من صفر یستصحبه المسافر. الصحاح 5/2015.
11- (9) جمعٌ مفرده المِغْرَفة: ما یغرف به الطعام. [مجمع البحرین مادة غرف].

السلم فیها و بیع بعضها ببعض و لیست مثلیة»(1).

تنظر صاحب المسالک فی الاعتراض: «لمنع جواز السلم فیها لاختلافها و عسر ضبطها»(2).

و ردّه فی الجواهر: «انّ المراد التساوی ذاتا لا اتفاقا بصنع صانع و نحوه»(3).

أقول: بعد نقل هذه المقالات لیس للمثلی حقیقة شرعیة و لا متشرعة فلابدّ فیه من ملاحظة العرف، و العرف بعد إحداث المعامل الحدیثة یعرف المثلی بأحسن وجه، لأنّهم یستنسخون و یستکثرون من البضائع الآلاف فلا نحتاج إلی زیاده البحث حول تعریف المثلی و کلّ ما لم یکن مثلیّا فهو قیمیٌّ.

و المثل فی اللغة: قال أحمد بن فارس: «المیم و الثاء و اللام أصلٌ صحیح یدلّ علی

مناظرة الشیء للشیء، و هذا مثل هذا، أیّ نظیره. و المِثْل و المِثال فی معنی واحد»(4).

و قال الفیومی: «المِثْل: یُستعمل علی ثلاثة اُوجهٍ بمعنی الشبیه و بمعنی نفس الشیء و ذاته و زائدةٍ و الجمع أمثال...»(5).

و ورد بالمعنی اللغوی فی العدید من کرائم القرآن الوارد منه فی أکثر من ثلاثین آیة(6)، هذا بالاْءضافة إلی الضمائر فی کثیر منها و أمّا اللفظ المثلی _ علی مصطلح الفقهاء _ فلم یرد فیه و کذلک لم یرد فی روایاتنا، نعم ورد فی معقد إجماعهم کما فی جامع المقاصد(7) و

ص: 445


1- (10) جامع المقاصد 6/244.
2- (11) المسالک 12/183.
3- (12) الجواهر 37/90.
4- (1) معجم مقاییس اللغة 5/296.
5- (2) المصباح المنیر /563.
6- (3) راجع المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الکریم /659.
7- (4) جامع المقاصد 6/245.

ریاض المسائل(1) و المناهل(2) و المفتاح(3) و الجواهر(4) و غیرها(5).

و بعد ظهور تعریف المثلی فلایهمنا النقض فی بعض أمثلته و البحث حولها(6) لما مرّ مِنَ الاختلاف فیه بحسب الأزمان و البلدان و الکیفیات کما عن الفقیه الیزدی(7).

فهذا تمام الکلام فی المقام الأوّل.

المقام الثانی: الدلیل علی ضمان المثل فی المثلی
الأوّل: آیة الاعتداء

قد تمسلک الشیخ فی کتابیه(8) و تبعه ابن ادریس فی السرائر(9) و العلاّمة فی تذکرة الفقهاء(10) بلزوم ضمان المثل فی المثلی بقوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(11) و تابعهم الطبرسی فی مجمع البیان و قال: «و فی هذه الآیة دلالة علی

أنّ من غصب شیئا و أتلفه یلزمه ردّ مثله ثم إنّ المثل قد یکون من طریق الصورة فی ذوات الأمثال و من طریق المعنی کالقیم فیما لا مثل له»(12).

ص: 446


1- (5) ریاض المسائل 14/23.
2- (6) المناهل /299 من الطبع الحجری.
3- (7) مفتاح الکرامة 18/137.
4- (8) الجواهر 37/85.
5- (9) کالمکاسب 3/209 للشیخ الأعظم.
6- (10) کما فی المکاسب 3/215.
7- (11) حاشیته علی المکاسب 1/469.
8- (12) المبسوط 3/60، الخلاف 3/402 و 406.
9- (13) السرائر 2/480.
10- (14) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
11- (15) سورة البقرة /194.
12- (1) مجمع البیان 1/288 من طبع مصر.

و تابعهم قطب الدین الراوندی فی فقه القرآن قال: «و إن کان تالفا فعلیه مثله، لقوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم» إن کان له مثل، و إن لم یکن له مثل فعلیه قیمته أکثر ما کانت قیمته من حین الغصب إلی حین التلف، لأنّه مأمور بردّه فی کلّ وقت فوجب علیه قیمته إذا تعذر. و اللّه أعلم»(1).

و قال الفاضل المقداد فی کنز العرفان: «د: المثل فی الآیة یمکن حمله علی المساوی فی الحقیقة و علی المساوی فی الحکم و علی المساوی فی المالیة و قد یعبر عن الأوّل بما یشترک جزؤه و کلّه فی صدق الاسم و هو المراد بالمثلی فی عبارة الفقهاء. ه : المغصوب إن کان مثلیّا بالمعنی الأوّل تعیّن مع فقده مثله و لا اعتبار بتفاوت الأسعار فی الزیادة و النقصان عن حال الغصب...»(2).

و اعترض علی الاستدلال بالآیة الشریفة صاحب الریاض و قال: «و فیه نظر، لاحتمال کون المراد بالمثل فیه مثل أصل الاعتداء، لا مثل المعتدی فیه الذی هو ما نحن فیه، فتأمل»(3).

و ردّه فی المفتاح بقوله: «أنّ الاحتمال الذی ذکره فی الآیة خلاف المتبادر و قد اطبقوا علی العمل بها فی مثل المعتدی فیه فی باب القصاص و الدیات و استند إلیها جماعة کثیرون فی المسألة فی الباب...»(4).

و قال فی الجواهر ردّا علی الریاض: «إذ قد عرفت أنّ المراد به [أیّ بالمثل] ذلک [أی

ص: 447


1- (2) فقه القرآن 2/74.
2- (3) کنزالعرفان /251 من الطبع الحجری، 2/84 من الطبع الحروفی.
3- (4) ریاض المسائل 14/24.
4- (5) مفتاح الکرامة 18/142.

المعتدی فیه] ولو بمعونة ما سمعت من النص [أی نصوص کلمات الأصحاب] و الفتوی»(1).

و ذکر الشیخ الأعظم(2) مناقشات فی الاستدلال بالآیة الشریفة:

الأولی: الآیة تختص بالتلف العدوانی بقرینة الاعتداء الوارد فی الظلم و العدوان

ولکن فی مسألة المقبوض بالعقد الفاسد لم یکن اعتداءً لا سیما مع الجهل بالفساد.

ولکن أجاب عنه الشیخ الأعظم بعدم القول بالفصل بین بابی الغصب و المقبوض بالعقد الفاسد.

الثانیة: ما ذکره سیّد الریاض من أنّ ظاهر المماثلة فی أصل الاعتداء و جنسه من الکلام و الضرب و نحوها، لا المماثلة فی المعتدی فیه و مقداره.

و تنظر الشیخ الأعظم فی هذه المناقشة و لعلَّ وجهه ظهور الآیة فی اعتبار المماثلة فی الإعتداء و المعتدی به کلیهما.

الثالثة: انّ المراد بالمثل فی الآیة الشریفة ما یعدّ عرفا مِثلاً للتالف فی الامرین: _ أی الحقیقة النوعیة و المالیة _ و الآیة و العرف یقتضیان الضمان بالمثل _ مع الأمرین _ حتّی فی القیمیات لإمکان مساواة أفراد بعض القیمیات فی المالیة فضلاً عن المساواة فی الحقیقة مع أنّ المشهور حکموا بضمان القیمی بقیمته مطلقا _ سواء وُجد مثله أم لا _ و سواء قیمة المثل مساویة لقیمة المتلَف أم أزید أم أقل.

و استشهد قدس سره بفرعین:

1_ إذا أتلف شخص ذراعا من کرباسٍ و أمکنه تحصیل مماثِله عرفا و الآیة تقتضی ذلک ولکن المشهور علی أنّ الثوب من القیمیات و حکموا بوجوب دفع القیمة.(3)

ص: 448


1- (6) الجواهر 37/92.
2- (7) المکاسب 3/218.
3- (1) کما فی هدی الطالب 3/344.

2_ و کذا لو أتلف عبدا و له فی ذمة مالک العبد بسبب القرض أو السلم عبدٌ موصوف بصفات التالف فإنّهم لا یحکمون بالتهاتر القهری. کما تشهد به ملاحظة کلماتهم فی بیع عبدٍ من عبدین.(1)

قال فی مفتاح الکرامة: «قوله: (ولو اشتری عبدا من عبدین لم یصح) هذا هو المشهور کما فی المهذب البارع(2) و المقتصر(3) و غایة المرام(4) و هو خیرة الخلاف(5) فی موضع منه و الجواهر(6) و السرائر(7) و الشرائع(8) و النافع(9) و التحریر(10) و المختلف(11) و

التذکرة(12) و اللمعة(13) و التنقیح(14) و جامع المقاصد(15) و إیضاح النافع(16) و المسالک(17) و

ص: 449


1- (2) کما فی المکاسب 3/218.
2- (3) المهذب البارع 2/466.
3- (4) المقتصر /185.
4- (5) غایة المرام 2/111.
5- (6) الخلاف 3/217.
6- (7) جواهر الفقه /63.
7- (8) السرائر 2/351.
8- (9) الشرائع 2/54.
9- (10) المختصر النافع /133.
10- (11) تحریر الأحکام الشرعیة 2/410.
11- (12) مختلف الشیعة 5/230.
12- (1) تذکرة الفقهاء 10/328.
13- (2) اللمعة /119.
14- (3) التنقیح الرائع 2/136.
15- (4) جامع المقاصد 4/150.
16- (5) ایضاح النافع، مخطوط.
17- (6) المسالک 3/398.

الروضه(1) و غیرها(2) و هو ظاهر الدروس(3) أو صریحه و فی الریاض(4) أنّ علیه عامّة من تأخر»(5).

ولکنّ فی هذا الفرع خلافا للشیخ حکی فی باب البیوع من الخلاف(6) عن روایة الأصحاب الجواز [أیّ صحة بیع عبد من عبدین] علی الإطلاق، مدعیّا علیه الإجماع، و ظاهره المیل إلیه، إلاّ أنّه رجع عنه فی باب السلم(7) فلا عبرة بقوله الأوّل کدعواه الإجماع علیه و استناده به و بالروایة... لضعف الأوّل [الاجماع] بمخالفته نفسه، مع شهرة خلافه الظاهرة فی وهنه [أیّ فی و هن الخبر]. کذا قاله سیّد الریاض(8).

و قال فی النهایة: «و من اشتری من رجل عبدا و کان عند البائع عبدان، فقال للمبتاع اذهب بهما فاختر أیّهما شئتَ و رُدَّ الآخر و قبض المال، فذهب بهما المشتری فأبق أحدهما من عنده فَلْیَرُدَّ الذی عنده منهما و یقبض نصف الثمن ممّا أعطی و یذهب فی طلب الغلام فإن وجده اختار حینئذ أیّهما شاء و ردّ النصف الذی أخذ و إن لم یجد کان بینهما

نصفین»(9).

و حکی العلاّمة فی المختلف(10) عن القاضی ابن البرّاج متابعته. و هو متن روایة محمّد

ص: 450


1- (7) الروضة البهیة 3/346.
2- (8) نحو کشف الرموز 1/520.
3- (9) الدروس 3/231.
4- (10) ریاض المسائل 9/102.
5- (11) مفتاح الکرامة 13/400.
6- (12) الخلاف 3/38.
7- (13) الخلاف 3/217.
8- (14) ریاض المسائل 9/102.
9- (1) النهایة /411.
10- (2) مختلف الشیعة 5/229.

بن مسلم(1) عن أبی جعفر علیه السلام و مثله روی السکونی(2) عن أبی عبداللّه علیه السلام کما فی المفتاح(3).

و أنت تری أنّ التهاتر ورد فی فتوی الشیخ فی النهایة ولکن الأصحاب لم یوافقوه.

3_ ثم عزز الشیخ الأعظم الفرعین بثالث بقوله: «و أمّا مع عدم وجود المثل للقیمی التالف فمقتضی الدلیلین [العرف و الآیة] عدم سقوط المثل من الذمة بالتعذر، کما لو تعذّر المثل فی المثلی فیضمن بقیمته یوم الدفع کالمثلی و لا یقولون به»(4).

لأنّهم یقولون بضمان قیمة یوم التلف فی العین القیمیة لاقیمة یوم الأداء. و هذا الفرع أیضا من مخالفة المشهور لإطلاق الآیة الشریفة و الاستظهار العرفی.

الرابعة: من مناقشات الشیخ الأعظم: مقتضی الآیة و العرف عدم جواز إلزام المالک بأخذ المثل الذی نقصت قیمته نقصانا فاحشا إذ مقتضاهما اعتبار المماثلة فی الحقیقة و المالیة، مع أنّ المشهور یقولون بجواز إلزامه به _ کما فی الجواهر(5) _ و إن قوّی الشهید(6) خلافه، ولکن العلاّمة احتمل فی القواعد(7) کفایة المثل ولو سقط من القیمة بالکلیة و احتمل أیضا الرجوع إلی القیمة.

أقول: ولکن الرجوع إلی القیمة حینئذ هو خیرة التذکرة(8) و الایضاح(9) و فی

ص: 451


1- (3) وسائل الشیعة 18/268، ح1، الباب 16 من أبواب بیع الحیوان. و السند ضعیف بابن أبی حبیب لأنّه مهمل.
2- (4) وسائل الشیعة 18/269 و السند معتبر.
3- (5) مفتاح الکرامة 13/395.
4- (6) المکاسب 3/219.
5- (7) الجواهر 37/99.
6- (8) الدروس 3/113.
7- (9) القواعد 2/228.
8- (10) تذکرة الفقهاء 2/384 من الطبع الحجری.
9- (11) ایضاح الفوائد 2/177.

جامع المقاصد نسبته إلی الأصحاب و غیرهم و قول: «لا محید عن مختار الأصحاب و غیرهم»(1).

فَذْلَکَةٌ کلام الشیخ الأعظم؛ بعین عبارته مع توضیح

قال: «فتبیّن أنّ النسبة بین مذهب المشهور [ضمان المثلی بالمثل [و مقتضی العرف و الآیة عموم من وجه، فقد یضمن بالمثل بمقتضی الدلیلین [العرف و الآیة [و لایضمن به عند المشهور کما فی المثالین المتقدمین [الفرع الأوّل و الثانی أی الکرباس و العبد [و قد ینعکس الأمر [یعنی الآیة و العرف یقتضیان الضمان بالقیمة مع أنّ المشهور علی الضمان بالمثل] کما فی المثال الثالث [نقصان القیمة و إسقاطها] و قد یجتمعان فی المضمون به کما فی أکثر الأمثلة»(2)

الجواب عن مناقشات الشیخ الأعظم قدس سره

أقول: قد أجاب بنفسه عن المناقشة الأولی بعدم القول بالفصل بین البابین، و تنظّر فی مناقشة سیّد الریاض و قد مرّ فی وجهه أنّ الآیة ظاهرة فی اعتبار المماثلة فی أصل الاعتداء و المعتدی فیه کلیهما.

و أمّا المناقشة الثالثة: فیظهر جوابها ممّا مرّ من أنّ المثلی ما هو یوجود مثله کثیرا لانادرا. فالقیمی الذی یوجد نادرا مثله یحکم بقیمیته و ضمان القیمة فیه، و أمّا الفروع الثلاثة فالکرباس و الثوب و الأقمشة تعدّ من المثلیات فی زماننا هذا فیحکم بضمان المثل فیه(3)، ولکن الحیوان الذی یعدّ العبید منه قیمی فإذا کان علی التالف قیمة العبد و له فی ذمّة مالک العبد عبدٌ بهذه القیمة أو قریب منه فلا یبعد التهاتر بقدر الذمم و هذا غیر مسألة بیع

ص: 452


1- (12) جامع المقاصد 6/258.
2- (1) المکاسب 3/220.
3- (2) کما علیه الفقه الیزدی فی حاشیته علی المکاسب 1/468.

عبدٍ من عبدین التی حکم الأصحاب بعدم صحتها.

و وافقنا علی التهاتر المحقّق الأصفهانی و قال: «لو لا الاجماع لزم التهاتر فیما إذا کان للضامن فی ذمة المالک مثل ما أتلفه منه»(1).

و أمّا روایة محمّد بن مسلم التی هی مستند قول الشیخ فی النهایة فإنّها ضعیفة السند بروایة الکلینی و معتبرة السند بروایة الشیخ، ان لم یکن إعراض المشهور موجبا لوهنها، ولکن الشیخ و القاضی ابن البراج فی الکامل افتیا بمضمونها، فیمکن الأخذ بها فی موردها فقط و لایمکن التعدی إلی غیره لأنّها مخالفة للقواعد، القاعدة فی المقبوض بالسؤم تقتضی

ضمانها علی القابض أو المشتری و الروایة تحکم بالضمان نصفین نصف علی المشتری و نصف علی البائع، فإن أغمضنا عن إشکال الوهن یمکن قبولها فی موردها الخاص.

و أمّا الفرع الثالث: فقد قال: «لو تعذر المثل فی المثلی فیضمن بقیمته یوم الدفع»(2) أی یوم الأداء ولکن مختار الأصحاب قیمته یوم الإقباض و لا یوجد مخالفٌ منّا فیه کما صرح به صاحب المفتاح(3)، و أمّا بالنسبة إلی القیمی فیکون الضمان فیه بالقیمة، إمّا قیمة یوم الغصب أو أرفع القیم من حین الغصب إلی حین التلف أو قیمته یوم التلف ثلاثة أقوال یأتی تفصیلها، مضافا إلی ما مرّ من أنّ الضمان فی المثلی یکون بالمثل و مع عدم وجدانه ینتقل إلی قیمة یوم الإقباض، و أمّا القیمی فلا یکون الضمان فیه بالمثل أصلاً بل الضمان یکون بالقیمة من أوّل الأمر ولکن اختلفوا فیها بأنّها قیمة یوم الغصب أو یوم التلف أو أعلی القیم، فالفارق بینهما و علی قول المشهور واضح.

و هکذا قد مرّ من أن الملاک فی المثلی و القیمی هو کثرة وجدان مثله و عدمه و هذا

ص: 453


1- (3) حاشیته علی المکاسب 1/367.
2- (1) المکاسب 3/219.
3- (2) مفتاح الکرامة 18/144.

یختلف بحسب الأزمان و الأماکن و لاعبرة بالإجماعات الواردة فی مصادیقهما لأنّ غایتها هو الاجماع علی أنّه قیمی أو مثلی فی زمن الإجماع و بلده لا فی کلّ زمان و مکان و بالجملة هذا الإجماع لم یکن تعبدیا فلا یکون حجة.

کما علیه الفقیه الیزدی رحمه الله قال: «و من ذلک یظهر أنّه لااعتبار بإجماعهم علی کون الشیء الفلانی مثلیّا أو قیمیّا فإنّه لیس ممّا وصل إلیهم من الشارع حکم تعبدی قطعا بل من جهة ما ذکرنا، فلو کان الموجود فی زماننا علی خلاف ما ذکروه لایجب متابعتهم فی ذلک»(1).

و أمّا الإجابة عن المناقشة الرابعة: فإنّ المماثلة تصدق فی الحقیقة و المالیة معا فإذا نقصت المالیة بحیث سقطت بالکلیة ینتقل الضمان من المثل فی المثلی إلی قیمة یوم القبض کما احتمله العلاّمة فی القواعد و اختاره فی التذکرة و ولده فی الإیضاح و قواه الشهید و نسبه المحقّق الثانی إلی الأصحاب و قال: «لامحید عنه». فما نسبه إلی المشهور من جواز إلزامه بأخذ المثل لایتم عندنا _ خلافا للجواهر(2) _، و کما اختار الشیخ الأعظم انتقال الضمان إلی القیمة حینئذ قال: «و إن کان الحقّ خلافه»(3). أی خلاف الإلزام و ضمان المثل و تبعه السیّد

الخوئی(4).

هذه أجوبة عن مناقشات الشیخ الأعظم و أنت تری عدم تمامیتها فی دلالة آیة الاعتداء فی ضمان المثلی بالمثل.

مناقشة السیّد الخوئی فی دلالة آیة الاعتداء

قال قدس سره : «الاستدلال بها علی ذلک یتوقف علی أُمورٍ ثلاثة:

ص: 454


1- (3) حاشیته علی المکاسب 1/470.
2- (4) جمیع المصادر مرّت فی أصل المناقشة و لا نعیدها فراجع صفحة 451.
3- (5) المکاسب 3/220 و 238.
4- (1) مصباح الفقاهة 3/160.

الأوّل: أن تکون کلمة «ما» فی الآیة الکریمة موصولة لا مصدریة.

الثانی: أن یراد من هذا الکلمة الموصولة الشیء المعتدی به بأن یکون المعنی فاعتدوا علیه بمثل الشیء الذی اعتدی به علیکم.

الثالث: أن یراد من کلمة المثل فی الآیة الشریفة المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی، و أنّی للمستدِل إثبات هذه الاُمور کلّها...»(1)

أقول: الظاهر أنّه أخذ بعضه ممّا فی تعلیقة اُستاذه المحقّق الأصفهانی علی المکاسب علی خلاف مختاره لأنّه قال: «إنّ المماثلة تارة بین الاعتدائین کالضرب فی مجازاة الضرب دون القتل و الشتم، و أُخری مقدارها کالدرهم الواحد بإزاء الواحد لا اثنان فی قبال الواحد، و ثالثة فی المُعتدی به کالحنطة بإزاء الحنطة مثلاً، لابمعنی الإتلاف فی قبال الإتلاف کما فی الأوّل.

فإن جعلنا کلمة «ما» مصدریة غیر زمانیة فالمعنی فاعتدوا علیه بمثل اعتدائه، و إن جعلناها موصولة فالمعنی فاعتدوا بمثل الشیء الذی اُعتدی به علیکم، و حینئذ یحتمل أن یراد بمثل ذلک الشیء فی الطبیعة و الحقیقة، و یحتمل أن یراد بمقداره لا أزید منه کما أو کیفا.

بناءً علی الأوّل لادلالة للآیة إلاّ علی المماثلة فی الاعتداء و هی غیر مرادة هنا بل غیر جائزة هنا، إذ مماثل إتلاف المال هو الإتلاف کمماثلة الضرب للضرب.

و بناءً علی الثانی یصح الاستدلال بها إن أُرید منها المماثلة فی المقدار، لأنّها تلازم المماثلة فی الحقیقة إذا اُرید الزیادة و النقص من المقدار دون غیرهما....

ثم اختار فی آخر هذه التعلیقة أنّ مماثلة أعمٌّ من حیث الاعتداء و المعتدی به و کیفیاته

ص: 455


1- (2) مصباح الفقاهة 3/148 راجع تمام کلامه فی کتابه قدس سره .

و قال فی التعلیقة التی تلیها: «تحقیق المقام أنّ المماثلة تارة هی المماثلة المطلقة لامطلق المماثلة، فیراد منها المماثلة من جمیع الجهات من الذات و الصفات و المالیة، و أُخری هی المماثلة من حیث الذات و الصفات، و ثالثة هی المماثلة من حیث المالیة، و رابعة هی مطلق المماثلة سواء کانت مماثلة من جمیع الجهات أو من حیث الحقیقة أو من حیث المالیة، فمع إثبات إحدی التعینات الثلاث تثبت المماثلة المطلقة أو المماثلة الخاصة، و مع عدمه فمطلق المماثلة.

وجه الأُولی: أنّ المماثلة بلاعنایة هی المماثلة المطلقة... .

وجه الثانیة: أنّ المماثلة العرفیة هی المماثلة من حیث الحقیقة فمماثل الحنطة عرفا هی الحنطة... .

وجه الثالثة: أنّ الأغراض العقلائیة فی باب الأموال متعلقة بحیثیة المالیة، و لاریب أنّ العبرة فی مقام الاستظهار من الآیة بالمماثلة العرفیة فیتعیّن الثانیة... و أما المدار عند العقلاء علی المالیة فهو مسلم إلاّ أنّه لاینافی تعلق الغرض العقلائی بمطالبة الحقیقة التی تختلف بها الرغبات العقلائیة، فأوجه الوجوه الوجه الثانی...»(1).

أقول: أنت تری أنّ المحقّق الأصفهانی اختار علی خلاف تلمیذه دلالة الآیة علی المماثلة بالمعنی الأعم من حیث الاعتداء و المعتدی به و أنّ المراد بالمماثلة هی المماثلة العرفیة أی من حیث الذات و الصفات فقط، لا من حیث المالیة و مختاره الأخیر محل تأمل بل منع لعدم صدق المماثلة إلاّ فی فرض التساوی فی المالیة کما اعترف قدس سره بأنّ المدار علیه فی المعاملات، فالمماثلة العرفیة عندنا هی المماثلة فی الذات و الصفات و المالیة المسماة عند المحقّق الأصفهانی قدس سره بالمماثلة المطلقة.

ص: 456


1- (1) حاشیة المکاسب 1/(365-362) راجع تمام کلامه فی کتابه.

نقد مقالة المحقّق الخوئی فی المقام

أمّا أمره الأوّل: من عدم وجود قرینة علی أنّ «ما» موصولة بل یحتمل أن تکون مصدریة غیر زمانیة و علیه فتکون معنی الآیة أنّه اعتدوا علیه بمثل اعتدائه علیکم و إذن فتختص الآیة بالاعتداء بالأفعال... ثم قال: «بل المحکی عن المحقّق الأردبیلی فی آیات أحکامه هو تعین هذا الاحتمال فإنّه بعد ما ذکر جملة من الآیات التی منها الآیة المتقدمة الظاهرة فی جواز الاعتداء بالمثل قال: فیها دلالة علی جواز القصاص فی النفس و الطرف و

الجروح...»(1).

ففیه: أوّلاً: یمکن أن یأتی فی بادی الأمر احتمال أن تکون ما مصدریة غیر زمانیة ولکن صار معنی الآیة هکذا: فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل إعتدائه علیکم، و قرینة فصاحة کلام اللّه یطرد هذا الاحتمال، لأنّ إبقاء لفظة «ما» علی موصولیتها أفصح من حملها علی المصدریة غیر الزمانیة.

و ثانیا: کلمة «ما» ظاهرة فی الموصولة لا المصدریة کما صرح به المحقّق القمی(2) رحمه الله و کما یظهر من عدّة من المفسرین:

نحو: مقاتل بن سلیمان _ الذی عدّه الشیخ فی الرجال من أصحاب الباقر(3) علیه السلام و الصادق(4) علیه السلام و فی الأوّل مع توصیفه بالبتری و فی الثانی مع نسبته إلی خراسان، و توفّی مقاتل فی عام 150، و البتریة هم جماعة من الزیدیة تبرؤوا من أعداء الشیخین _ علیهما لعنة اللاعنین إلی یوم الدین _ و... و المشهور أنّهم یضعّفونه و أنت تجد ترجمته فی تهذیب

ص: 457


1- (1) راجع مصباح الفقاهة 3/149.
2- (2) جامع الشتات 2/302 و نقل عنه فی هدایة الطالب 2/331.
3- (3) رجال الشیخ /138، الرقم 49.
4- (4) رجال الشیخ /313، الرقم 536.

التهذیب(1) _ قال فی تفسیره: ««فاعتدوا علیه» یقول: فقاتلوهم فیه، «بمثل ما اعتدی علیکم» فیه، «واتقوا اللّه» یعنی المؤمنین و لاتبدءوهم بالقتال فی الحرم فإن بدأ المشرکون فقاتلوهم»(2).

تفسیره «فیه» أیّ فی الحرم بعد جملة «ما اعتدی علیکم»، یظهر منه أنّه أخذ کلمة «ما» موصولة لا مصدریة غیر زمانیة و إلاّ لایحتاج إلی تفسیر «فیه». لوضوح أنّ الاعتداء الذی یمکن أن یعتدی بهم یکون فی الحرم. فتأمل.

و شیخ الطائفة قال فی تفسیره: «فإن قیل: کیف قال «بمثل ما اعتدی علیکم»، و الأوّل جور و الثانی عدل؟ قلنا: لأنّه مثله فی الجنس و مقدار الاستحقاق لأنّه ضرر کما أنّ الأوّل ضرر، و هو علی مقدار ما یوجبه الحقّ فی کلّ جرم»(3).

و ثالثا: ما ذکره بعنوان المحکی عن المحقّق الأردبیلی و ما حکاه عنه لایتم؛ لأنّ

الأردبیلی ذکر هذه الجمل فی کتاب الجنایات فی ذیل آیتی 40 و 41 من سورة الشوری و لم یذکرها فی آیة الاعتداء فراجع زبدة البیان(4)، فتأئید مقالته بکلام الأردبیلی غیر تام.

و أمّا أمره الثانی: فقد قال: «لاقرینة علی أنّ المراد من الشیء هو المعتدی به أعنی به الأعیان الخارجیة من النقد و العرض بل یحتمل أن یراد به الفعل أعنی به الاعتداء...، و یحتمل أن یراد من الشیء ما هو الأعم من الفعل و المعتدی به و حینئذ فتدل الآیة علی جوازاعتداء المضروب بالضرب... و علی جواز أخذ الحنطة بدل الحنطة... و علی هذا الاحتمال لایستفاد من الآیة الضمان _ أیضا _ بل و لاجواز تملک المغصوب منه شیئا ممّا أخذه

ص: 458


1- (5) تهذیب التهذیب لابن حجرٍ العسقلانیّ 10/249.
2- (6) تفسیر مقاتل بن سلیمان 1/102 طبع عام 1424 فی بیروت.
3- (7) التبیان 2/151.
4- (1) زبدة البیان /854.

الغاصب، بل غایة ما یستفاد منها حینئذ إنّما هو جواز التصرف فی أموال الغاصب علی سبیل التقاص بلا کونها ملکا للمتصرف...»(1).

و فیه: بعد قبول ظهور کلمة ما فی الموصولة، الآیة الشریفة تحمل علی ما هو الأعم من الفعل و المعتدی به _ لم أقلْ المعتدی به خاصا _ کما علیه السیّد الحکیم(2) رحمه الله _ أی الأعیان الخارجیة لخروج موردها کما یأتی _ فتشمل المماثلة جواز القصاص فی النفس و الطرف و الجروح و غیرها، کما تشمل جواز أخذ المثل و حتّی القیمة فی التالف، أمّا المثل فواضح و أمّا القیمة لأنّ مع فقدان المثل المصطلح، أقرب الأشیاء بالتالف هو القیمة فهو مثله فی القیمة و المالیة.

و لأنّ الاعتداء فی المعتدی به _ الأعیان الخارجیة _ هو الإتلاف و هو لایجوز قطعا لأنّه یدخل فی عنوان الإسراف فینحصر بأخذ المثلی أو القیمة. و ما ذکره هذا الفقیه الکبیر رحمه الله فی ذیل کلامه من جواز التصرف دون التملک احتمال مَدْرِسیٌّ لایعتنی به و لم تقبله حتی فی المعاطاة الواردة فی کلامه، کما ذهب شیخنا الاُستاذ(3) قدس سره إلی استفادة جواز التملک من الآیة.

و أمّا أمره الثالث: فقد قال: «أن یراد من کلمة المثل فی الآیة الشریفة المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی(4)... فیردّه عدم وجود القرنیة علی إرادة ضمان المثل من الآیة فی

المثلی و إرادة ضمان القیمة فی القیمی، لأنّ المماثلة لاتقتضی هذا المعنی بل هی أعمٌّ من

ص: 459


1- (2) مصباح الفقاهة 3/149.
2- (3) نهج الفقاهة /240.
3- (4) إرشاد الطالب 2/171.
4- (5) مصباح الفقاهة 3/148.

ذلک»(1).

و فیه: نعم، الآیة الشریفة عامة لاتختص بالضمان المثل فی المثلی ولکن تشمله و تعمّه، لأنّ المثل فیها یحمل علی المعنی اللغوی أی المماثلة، و هذا یکفی فی إثبات استفادة الضمان من آیة الاعتداء.

و بما ذکرنا من حمل الآیة علی ما هو الأعم من مماثلة الفعل و المعتدی به لایخرج مورد الآیة الشریفة منها، لأنّها نزلت فی عمرة القضاء فی سنة سبع من الهجرة النبویة حیث أراد رسول اللّه صلی الله علیه و آله الإتیان بالعمرة فی ذی القعدة الحرام سنة ستٍّ و صدّه المشرکون عن دخول مکة، و وقّعوا معه المصالحة الحدیبیة ثم أتی صلی الله علیه و آله فی ذی القعدة سنة سبعٍ و قضی نسک عمرته مع المسلمین و هم فی خوف من قتال المشرکین لهم فی الشهر الحرام و فی الحرم، و نزلت الآیة و أجازهم اللّه قتالهم فیهما إن قاتلوهم.(2) و بما ذکرنا لایخرج المورد ولکن من الواضح أنّ مورد الآیة و شأن نزولها لایخصص.

کمّا تدخل فی ما ذکرناه صحیحة معاویة بن عمار فی حدیث عن أبی عبداللّه علیه السلام ، قلت: فما تقول فی رجل قَتَل فی الحرم أو سوق؟ قال: یقام علیه الحدّ فی الحرم صاغرا(3)، إنّه لایر للحرم حرمة و قد قال اللّه تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم» فقال: هذا هو فی الحرم، فقال «لا عدوان إلاّ علی الظالمین»(4).(5)

ص: 460


1- (1) مصباح الفقاهة 3/150.
2- (2) راجع شأن نزولها فی کتب التفسیر نحو: التبیان 2/150 و مجمع البیان 1/287 و جوامع الجامع 1/108 و الکشاف 1/237 و البیضاوی /51 من الطبع الحجری.
3- (3) أیّ مُهانا و هو الراضی بالذُلّ و الضیم.
4- (4) سورة البقرة /193.
5- (5) الکافی 4/227، ح4 و نقلا عنه فی وسائل الشیعة 13/225، ح1، و البرهان فی تفسیر القرآن 1/411، ح2، التهذیب 5/419، ح102 و 5/463، ح206 کلاهما بسند صحیح.

و من هنا ظهر عدم الإشکال فی التمسک بآیة الاعتداء فی ضمان المثلی بالمثل بل القیمی بالقیمة و الحمدللّه.

الثانی: حدیث علی الید

قوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی.(1)

بعد ما مرّ(2) من انّها موثوقة الصدور عند الأصحاب قدس سرهم مع إقرارهم بأنّها روایة عامیّة ضعیفة السند لأنّ الراوی لها هو سمرة بن جندب المعلوم الحال و الراوی عنه هو الحسن البصری و هو أیضا معلوم حاله، و مع وضوح هذا عندهم استدلوا بالروایة و ذکروها فی کتبهم و عملوا بها و هذا یدلّ علی أنّها موثوقة الصدور عندهم.

و الروایة کما مرّ تدل علی الحکمین: التّکلیفیّ و الوضعی معا، أعنی وجوب ردّ مال الغیر المأخوذ منه إلیه تکلیفا و ضمانه وضعا، و الضمان یکون بالنسبة إلی العین مادام موجودا و بعد تلفه ینتقل الضمان إلی المثل إن کان مثلیا أو القیمة إن کان قیمیّا. و الوجه فی ذلک أنّ الضمان بعد تلف العین ینتقل إلی البدل، و البدل فی کلّ من المثلی و القیمی معلوم.

و بما ذکرنا یظهر فساد ما قد یقال: بأنّ الروایة تدل علی وجوب ردّ العین إلی مالکها فقط، و هذا الوجوب یسقط بتلف العین، و لاتدل علی وجوب ردّ البدل، و الوجه فی الفساد، أنّ الضمان بعد التلف باق و یسقط بأداء المثل و القیمة، کما یظهر عدم تمامیة ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی من عدم انطباق مدلول الروایة علی مذهب المشهور لأنّ «مقتضاه أن

ص: 461


1- (6) عوالی اللآلی 1/224، ح106، 1/389، ح22، مسند أحمد بن حنبل 5/8 و 12 و 13، سنن ابن ماجه 2/802، ح2400، سنن الترمذی 3/566، ح1266، سنن النّسائی 3/411، سنن أبی داود 3/296، ح3561، سنن البیهقی 6/95 و 90، المستدرک علی الصحیحین 2/47، کنزالعمال 5/327، ح5713.
2- (1) فی أوّل البحث عن احکام المقبوض بالعقد الفاسد راجع صفحة 292 من هذا المجلد.

ضمان القیمة فی طول ضمان المثل، کما أنّ ضمان المثل فی طول الضمان بنفس العین التی أخذت من مالکها بغیر سبب شرعی»(1).

لأنّ مدلول الروایة وجوب ردّ العین تکلیفا و ضمانها وضعا و إذا تلفت العین تنتقل إلی البدل و البدل هو المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی، لا أنّها تنتقل إلی المثل أوّلاً و مع فقدان المثل تنتقل إلی القیمة کما ادعاه قدس سره .

و أمّا ما ذکره المحقّق النائینی بقوله: «أن یکون التالف ممّا یتموّل عرفا و شرعا، فمثل الخنفساء و الخمر و إن وجب ردّهما حین بقائهما لجهة حقّ الاختصاص الثابت لمَنْ اُخذ منه إلاّ أنّه بعد تلفهما لایتعلق بهما ضمان»(2).

فقد ردّه السیّد الخوئی بقوله: «أنّ وضع الید علی متعلَّق حقّ الغیر بدون سبب شرعی یوجب ضمانه، و إذا تلف ذلک انتقل ضمانه إلی المثل، نعم إذا تعذر المثل أیضا بقی

التالف فی عهدة الضامن، إذ المفروض أنّه لیس بمال لکی ینتقل ضمانه _ مع تعذر مثله _ إلی قیمته»(3).

أقول: ما ذکره قدس سره من «أن وضع الید علی متعلَّق حقّ الغیر بدون سبب شرعی یوجب ضمانه» تام و یکون حراما ولکن هذا الکلام کیف یجمع مع ما قاله فی بحث حقّ الاختصاص من قوله: «لا دلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر»(4)، و قد ناقشناه فی ذلک البحث فراجع.(5)

ص: 462


1- (2) مصباح الفقاهة 3/146.
2- (3) منیة الطالب 1/283.
3- (1) مصباح الفقاهة 3/147.
4- (2) مصباح الفقاهة 1/144.
5- (3) الآراء الفقهیة 1/152.

فالاستدلال بهذا النبوی تام.

الثالث: الروایات الدالة علی احترام مال المؤمن و أن حرمة ماله کحرمه دمه.

قد مرّ(1) أنّ هذه الروایات(2) کما تدل علی الحکم التکلیفی، تدل علی الحکم الوضعی _ أی الضمان _ أیضا و بعد دلالتها علی ضمان العین، إذا تلفت العین انتقل الضمان فی المثلی إلی المثل و فی القیمی إلی القیمة، و لاتدل مفاده علی ثبوت الضمان بالبدل الواقعی فقط.

الرابع: الروایات الدالة علی ضمان الولد إذا وُجِدَت الاْءَمَةُ مسروقةً.

قد مرّ(3) أنّ الضمان الوارد فی هذه الروایات(4) هو ضمان التلف الحکمی و بما أنّه ضمان التلف یکون البائع الواطی الوالد ضامنا للولد، و حیث أنّ الولد قیمیّ ینتقل الضمان إلی القیمة، و إن کان مثلیا ینتقل ضمانه إلی المثل، فلا یبعد استفادة الحکم من هذه الروایات.

الخامس: عدّة من الروایات فی مختلف الأبواب

نشیر إلی بعضها و الباقی علی عهدة المتتبِّع و هی تدلّ علی أصل الضمان أو أنّ ضمان المثلی بالمثل أو أنّ ضمان القیمی بالقیمة، أو الأوّل مع أحد الأخیرین بسبب اختلاف مدلولها:

منها: صحیحة زرارة و بکیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: لیس علی مال الیتیم زکاة إلاّ أن

یتّجربه، فإن اتجربه ففیه الزکاة، و الربح للیتیم، و علی التاجر ضمان المال.

ص: 463


1- (4) فی الدلیل الثالث من أدلة قاعدة ما یضمن راجع صفحة 344 من هذا المجلد.
2- (5) وسائل الشیعة 29/10، ح3 صحیحة أبی أُسامة، وسائل الشیعة 5/120، ح3 مرسلة ابن شعبة الحرّانی، وسائل الشیعة 9/540، ح7، التوقیع المروی بسند صحیح، وسائل الشیعة 12/297، ح3 موثقة أبی بصیر.
3- (6) فی الدلیل الثالث من أدلة ضمان المقبوض بالعقد الفاسد راجع صفحة 298 من هذا المجلد.
4- (7) وسائل الشیعة 21/203، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.

ثم قال الصدوق: و قد رویت رخصة فی أن یجعل الربح بینهما.(1)

و منها: صحیحة محمّد بن الحسن الصفّار قال: کتبت إلی أبی محمّد علیه السلام رجل دفع إلی رجل ودیعة، فوضعها فی منزل جاره فضاعت، هل یجب علیه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملکه؟ فوقّع علیه السلام : هو ضامن لها إن شاء اللّه.(2)

و منها: صحیحة زُرارة قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : العاریة مضمونة؟ فقال: جمیع ما استعرته فتوی فلا یلزمک تواه إلاّ الذهب و الفضة فإنّهما یلزمان، إلاّ أن تشترط علیه أنّه متی توی لم یلزمک تواه، و کذلک جمیع ما استعرت فاشترط علیک لزمک، و الذهب و الفضة لازم لک و إن لم یشترط علیک.(3)

و منها: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه أبی الحسن علیه السلام قال: سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غیره فنفقت، ما علیه؟ قال: إن کان شرط أن لایرکبها غیره فهو ضامن لها، و إن لم یسمّ فلیس علیه شیء.(4)

و منها: موثقة زید بن علی عن آبائه علیهم السلام : أنّه اُتی بجمال کانت علیه قارورة عظیمة فیها دهن فکسرها فضمّنها إیّاه، و کان یقول: کلّ عامل مشترک إذا أفسد فهو ضامن، فسألته ما المشترک؟ فقال: الذی یعمل لی و لک و لذا.(5)

و منها: معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام : أنّ أمیرالمؤمنین علیه السلام سئل عن سفرة وجدت فی الطریق مطروحة، کثیر لحمها و خبزها و جبنها و بیضها و فیها سکین، فقال

ص: 464


1- (1) وسائل الشیعة 9/89، ح8، الباب 9 من أبواب من تجب علیه الزکاة.
2- (2) وسائل الشیعة 19/81، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب الودیعة.
3- (3) وسائل الشیعة 19/96، ح2، الباب 3 من أبواب کتاب العاریة.
4- (4) وسائل الشیعة 19/118، ح1، الباب 16 من أبواب کتاب الإجارة.
5- (5) وسائل الشیعة 19/152، ح13، الباب 30 من أبواب کتاب الإجارة.

امیرالمؤمنین علیه السلام : یقوِّم ما فیها، ثم یؤکلّ لأنّه یفسد و لیس له بقاء فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، فقیل: یا أمیرالمؤمنین لا یُدری سفرة مسلم أو سفرة مجوسّی، فقال: هم فی سعة حتّی یعلموا.(1)

و منها: صحیحة جمیل عن أبی عبداللّه علیه السلام فی شاهد الزور قال: إن کان الشیء قائما بعینه ردّ علی صاحبه، و إن لم یکن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل.(2)

و منها: حسنة سدیر عن أبی جعفر علیه السلام فی الرجل یأتی البهیمة، قال: یجلد دون الحدّ و یغرم قیمة البهیمة لصاحبها، لأنّه أفسدها علیه و تذبح و تحرق إن کانت ممّا یؤکل لحمه، و إن کانت ممّا یرکب ظهره غرم قیمتها و جُلّد دون الحدّ و أخرجها من المدینة التی فُعل بها فیها إلی بلاد اُخری حیث لاتعرف، فیبیعها فیها کیلا یعیر بها صاحبها.(3)

و منها: معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال أمیرالمؤمنین علیه السلام فیمن قتل کلب الصید، قال: یقوّمه، و کذلک البازی، و کذلک کلب الغنم، و کذلک کلب الحائط.(4)

و منها: صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه سئل عن رجل یمرّ علی طریق من طرق المسلمین علی دابته فتصیب برجلها، قال: لیس علیه ما أصابت برجلها، و علیه ما أصابت بیدها، لأنّ رجلیها خلفه إن رکب، فإن کان قاد بها فإنّه یملک بأذن اللّه یدها یضعها حیث یشاء، الحدیث.(5)

ص: 465


1- (6) وسائل الشیعة 25/468، ح1، الباب 23 من أبواب کتاب اللقطة.
2- (7) وسائل الشیعة 27/327، ح2، الباب 11 من أبواب کتاب الشهادات.
3- (1) وسائل الشیعة 28/358، ح4، الباب 1 من أبواب نکاح البهائم.
4- (2) وسائل الشیعة 29/226، ح3، الباب 19 من أبواب دیات النفس.
5- (3) وسائل الشیعة 29/247، ح3، الباب 13 من أبواب موجبات الضمان.

و منها: صحیحة أُخری للحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سُئل عن بُختی(1) اغتلم(2) فخرج من الدار فقتل رجلاً فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسیف؟ فقال: صاحب البختی ضامن للدیة و یقتصّ ثمن بختیه، الحدیث.(3)

و منها: معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: قال أمیرالمؤمنین علیه السلام : من تطبب أو تبیطر فلیأخذ البراءة من ولیّه، و إلاّ فهو له ضامن.(4)

و منها: غیر ذلک من الروایات الدالة علی ضمان المثل أو القیمی.

السادس: سیرة العقلاء

سیرة العقلاء جاریة فی الضمان إذا وضع الإنسان یده علی مال الغیر من دون إذنه و رضایته، و لایخرج من الضمان إلاّ بردّ عین المال، و فی صورة التلف بردّ الأقرب إلیها و هو فی المثلی مثلٌ و فی القیمی قیمةٌ. و لایکفی ردّ أحدهما فی موضع الآخر إلاّ برضا المالک.

هذه السیرد عند العقلاء جاریة و لم یرد فی الشریعة ردع عنها، و عدم الردع یکفی فی الإمضاء الشرعی.

السابع: الإجماع

لعلّ أوّل من تعرض له الشیخ فی المبسوط(5) و نفی الخلاف عنه فی الخلاف(6) و یأتی نص کلامه قدس سره فی الکتابین فی الفرع الآتی(7).

ص: 466


1- (4) البُختی: واحد البُخت: و هی الأبل الخراسانیة.
2- (5) الاغتلام: هیجان البعیر عند شدة الشهوة الجنسیة.
3- (6) وسائل الشیعة 29/250، ح1، الباب 14، من أبواب موجبات الضمان.
4- (7) وسائل الشیعة 29/260، ح1، الباب 24 من أبواب موجبات الضمان.
5- (1) المبسوط 3/103.
6- (2) الخلاف 3/415، مسألة 29.
7- (3) السادس.

و قد مرّ من الشهید قوله: «أطبق الأصحاب علی ضمان المثلی بمثله»(1). و صرح المحقّق الثانی(2) بالإجماع علیه، و فی ظاهر کشف الرموز(3) للفاضل الآبی و صریح سیّد الریاض(4) نفی الخلاف فیه و تبعهم ولده السیّد المجاهد فی المناهل.(5) و فی المفتاح: «یدلّ علیه بعد الإجماع»(6) و فی الجواهر: «بلاخلاف معتدبه أجده فیه، کما اعترف به بعضهم بل هو من قطعیات الفقه، کما یومی إلیه أخذه مسلَّما فی سائر أبوابه»(7).

أقول: الاجماع و إن کان محقَّقا ولکنّه مدرکیٌّ لاحتمنال أنّ مستندهم أحد الوجوه المتقدمة، فلا یکون اجماعا تعبدیا.

هذا تمام الکلام فی المقام الثانی.

المقام الثالث: حکم الشک فی کون التالف مثلیّا أو قیمیّا

التالف إذا شک فیه من أنّه مثلیٌّ إمّا لاختلاف العرف فی ذلک المسری إلی الفقهاء کیف یحکم فیه؟ ذکر الشیخ الأعظم أربعة وجوه فی حکم الشک:

الأوّل: الضمان بالمثل

الثانی: الضمان بالقیمة

الثالث: تخییر المالک بین المثل و القیمة

الرابع: تخییر الضامن بین المثل و القیمة.

ص: 467


1- (4) غایة المراد 2/398.
2- (5) جامع المقاصد 6/245.
3- (6) کشف الرموز 2/381.
4- (7) ریاض المسائل 12/23.
5- (8) المناهل /299.
6- (9) مفتاح الکرامة 18/137.
7- (10) الجواهر 37/85.

و اضطربت کلماته فی المسألة فرجّح أوّلاً تخییر الضامن بین المثل و القیمة ثم تخییر المالک لو کان الأوّل مخالفا للإجماع، ثم قوّی تخییر المالک من أوّل الأمر، ثم عاد إلی تقویة تخییر الضامن و فی ختام مقاله اختار اقتضاء أدلة الضمان ثبوت المثل فی العهدة لکونه أقرب إلی التالف.(1)

و أمّا دلیل الوجوه و مستندها:

فدلیل الوجه الأوّل: الضمان بالمثل

إذا تلف العین، الواجب علی المتلِف الضامن ابتداءً هو أداء المثل حتّی فی القیمیّات، لکونه أقرب إلی التالف، و أمّا أداء القیمة فی القیمیات فإنّما هو من باب الإرفاق للضامن، إذ لایوجد مثل للقیمیات فی الخارج غالبا.

ثم إنّ فراغ الذمه بأداء ما یحتمل تعینه قطعی و بأداء غیره مشکوک فیه، فالأصل هو عدم سقوط ما فی ذمة الضامن إلاّ بأداء المثل لأنّه إذا دارالأمر بین التعیین و التخییر وجب الأخذ بما احتمل تعیینه، هذا ما ذکره المحقّق السیّد الخوئی(2) فی المقام.

ثم ردّه(3) بأنّ: الواجب علی الضامن ابتداءً إنّما هو أداء القیمة فی القیمیات دون أداء المثل هذا أوّلاً.

و ثانیا: لایتم المبنی من أنّه إذا دارالأمر بین التعیین و التخییر وجب الأخذ بما احتمل تعیینه، لإنّه إذا کان هناک حکم واحد ودار أمره بین التعیین و التخییر _ لاحتمال الأهمیّة فی التعیین _ یحکم بالتخییر لأنّ تعلّقه بالجامع معلوم و بخصوص التعیین مجهول فتجری البراءة بالنسبة إلی التعیین.

ص: 468


1- (1) کما فی هدی الطالب 3/320.
2- (2) مصباح الفقاهة 3/154 و ما بعده.
3- (3) مصباح الفقاهة 3/154 و ما بعده.

نعم، إذا کان هناک حکمان و دارالأمر بین التعیین و التخییر فی مرحلة الامتثال و الفعلیة من ناحیة المزاحمة وجب الأخذ بمحتمل الأهمیة.

و ثالثا: ما ذکرنا من البراءة من التعیین یجری فی مسألتنا لأنّ ثبوت مالیة التالف فی ذمة المتلِف معلوم إلاّ أنّ ثبوت تعیّنها بخصوص المثل مشکوک فیه فتدفعه البراءة.

ثم تمسک(1) قدس سره بأنّ سیرة العقلاء جاریة علی ضمان مَنْ وضع یده علی مال غیره من

دون رضاه و إذنه أو سبب شرعی، فإن کانت العین موجودة فیجب علیه ردّها و إذا تعذر _ لتلف أو نحوه _ سقط عنه وجوب رد العین، و انتقل الضمان إلی المثل _ و هو المشترک معه فی الذات و الصفات و المالیة من دون المشخصات الفردیة التی هی دخیلة فی التشخّص _ و علی هذا فمقتضی القاعدة علی ضوء هذه السیرة هو الضمان بالمثل، إلاّ إذا ثبت کون التالف قیمیا أو کان مثلیا ولکن تعذر مثله فی الخارج فحینئذ ینتقل إلی القیمة.

و لم یثبت من الشارع الردع عن هذه السیرة العقلائیة، و عدم الردع یکفی فی الإمضاء کما هو الظاهر.

و فی العناوین: «ربّما یقال بالبناء علی أنّه مثلی لأصالة عدم تفاوت القیم و الرغبات و لأنّ المیزان فی اعتبار المثل إنّما هو کونه أقرب إلی المال المضمون بحیث یُعدّ تأدیته تأدیةً لأصل المال، و متی ما کان الشیء یشکّ فی أنّ فیه تفاوتا أم لا، صار أقرب إلی المال المضمون من القیمة قطعا، فلا وجه للعدول إلی القیمة، فهو و إن یثبت کونه مثلیّا فی الاسم لکنّه مثلیٌّ فی الحکم فتدبر»(2) ثم اختار فی فرض الشک أنّ دفع المثل یکون أقرب من دفع القیمة فراجع کلامه.(3)

ص: 469


1- (4) مصباح الفقاهة 3/156.
2- (1) العناوین 2/527.
3- (2) العناوین 2/528.

دلیل الوجه الثانی: الضمان بالقیمة

هذا الفرع _ الشک فی أنّ التالف مثلیٌّ أو قیمیٌّ _ یدخل فی دوران الأمر بین الأقل و الأکثر، فلابدّ من الأخذ بالأقل و رُدّ الأکثر بالأصل النافی.

لأنّ المراد بالقیمة هی المالیة المشترک بین جمیع الأموال و المراد بالمثل مضافا إلی هذه المالیة المشترکة، المماثلة فی الذات و الصفات، فنشک بأنّ الواجب علی التالف القیمة _ أی المالیة المشترکة _ و هی الأقل أو مضافا إلیها المماثلة فی الذات و الصفات و هی الأکثر، و الثابت فی علم الاُصول فی موارد دوران الأمر بین الأقل و الأکثر هو جریان البراءة من الأکثر و تعیّن الأقل و هو هنا القیمة.

اعترض علی هذا الاستدلال المحقّق السیّد الخوئی(1) رحمه الله و ذهب إلی أنّ أنّه مبنیٌّ علی أنّ المراد من القیمة هی المالیة المشترکة الساریة فی الأموال کلّها فإنّه علی هذا یجوز للمتلِف

أن یؤدی عن التالف أیّ شیءٍ أراده مِنْ أمواله إذا کانت تساوی فی القیمة قیمة التّالف.

و هذا التفسیر من القیمة خلاف ما هی المرتکز فی الأذهان و المتسالم علیها و المتبادر منها هی المالیة الخاصة أی النقود الرائجة بین الناس من الریالات و الدنانیر و الدراهم و الدلارات و نحوها.

فیکون الدوران بین المثل و القیمة من دوران الأمر بین المتباینین _ لا الأقل و الأکثر _ و لابدّ فیه من الاحتیاط أی أداء الجمع بین المثل و القیمة و هو خلاف الإجماع.

ربما یقال(2) فی اثبات القیمة: أنّها الأصل فی مورد الشک، لأصالة عدم تساوی الرغبات و لکون الغالب فی الشیئین الاختلاف، فالمشکوک یلحق به _ أی بالغالب _، و لأنّ

ص: 470


1- (3) مصباح الفقاهة 3/157.
2- (1) ذکره صاحب العناوین مع ذیله فی کتابه 2/527.

القیمة دفع لما یقابل المضمون فی المالیة قطعا، بخلاف المثلی لاحتمال النقیصة فلا یحصل الیقین بالبراءة.

ان قلت: إنّ مع دفع القیمة أیضا لایحصل الیقین، لاحتمال کونه مثلیّا موجبا لدفع مثله من الأعیان، فیفوت الخصوصیة _ المماثلة فی الذات و الصفات _ علی صاحبها.

قلت: غایة ما فی الباب تعارض احتمال فوات خصوصیة العین _ المماثلة فی الذات و الصفات _ مع احتمال فوات المالیة، و لاریب أنّ الثانی أهم، إذ الغالب فی المالیات إنّما هی جهة المالیة، و الخصوصیة مع حصول المالیة لایعتنون بها، بخلاف العکس، فمراعاة جهة المالیة توجب دفع القیمة، لأنّه أقرب إلی البراءة.

دلیل الوجه الثالث: تخییر المالک بین المثل و القیمة

أنّ ما اختاره المالک إمّا هو البدل الواقعی فهو مسقِطٌ لما فی ذمة الضامن، و إمّا هو بدل البدل فهو أیضا مسقِطٌ لما فی ذمة الضامن المتلِف لرضایة المالک به فی اختیاره له، ففی اختیار المالک یسقط ذمة الضامن بلاریب.

دلیل الوجه الرابع: تخییر الضامن بین المثل و القیمة

الضامن المتلف یعلم باشتغال ذمّته بأحد أمرین: المثل أو القیمة، و مقتضی الاحتیاط اللازم فی الأموال هو تحصیل القطع بالبراءة _ لأنّ المورد یکون من دوران الأمر بین المتباینین _ و لایحصل إلاّ بأداء کلا الأمرین لِتَحْصَلَ الموافقة القطعیة.

ولکن الإجماع و ضرورة الفقه و قاعدة لاضرر تنفی أداء کلا الأمرین فإذن الضامن

مخیر بین أداء المثل أو القیمة، أیّهما شاء.

واعترض المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله علی مستند کلا الوجهین الأخیرین بقوله: «إنّ اشتغال الذمة بالمثل أو القیمة واقعا و قیام الإجماع و الضرورة علی عدم وجوب أدائهما معا لایقتضیان تخییر الضامن بین أداء المثل و القیمة و لاتخییر المالک فی استیفاء أیّهما شاء، بل

ص: 471

یمکن تعیین ما فی الذمة بالصلح القهری، بأن یرجع الضامن و المالک کلاهما إلی الحاکم، فیلزمهما بالصلح إن لم یکن _ هنا _ ما یتعیّن به الضمان بالمثل أو القیمة.

و یمکن أن یرجع فی تعیین أحد الأمرین إلی القرعة، بناءا علی جریانها فی کلّ أمر مشکل ولو کان فی الشبهات الحکمیة، ولکن الظاهر تسالمهم علی عدم جریانها فی الشبهات الحکمیة، و علیه فلا مناص عن الرجوع إلی الحاکم فیلزمهما بالصلح إن لم یکن _ هنا _ ما یتعیّن به الضمان بالمثل أو القیمة»(1).

ثم إنّ هنا احتمالات لم یذکرها الشیخ الأعظم رحمه الله یظهر اثنان منها ممّا مرّ و هما:

«أ: المصالحة للعلم باشتغال الذمة بأمر مجهول لاسبیل إلی بیانه.

ب: و الرجوع إلی القرعة، بناءً علی جریانها فی الشبهات الحکمیة، ولکنها خلاف متسالم علیه فیها.

و أمّا الإثنان الآخران فهما:

ج: أداء أکثرهما قیمة و تموّلاً و مالیةً لقاعدة الاشتغال و لزوم خروج العهدة منها.

د: أداء أقلّهما قیمة و مالیة و تموّلاً ترجیحا لأصل البراءة. ذکرها صاحب العناوین.(2)

ولکن قد مرّ منّا أنّ الأصل فی صورة الشک بینهما _ المثلی أو القیمی _ هو المثلی إمّا لجریان سیرة العقلاء کما هو المختار أو للاستصحاب کما ذکره المحقّق النائینی(3) رحمه الله أو للأدلة الاجتهادیة کما ذکره الشیخ الأعظم(4) قدس سره .

ص: 472


1- (1) مصباح الفقاهة 3/159.
2- (2) العناوین 2/528.
3- (3) منیة الطالب 1/291.
4- (4) المکاسب 3/217.

أمّا الاستصحاب: لأنّ ذمة الضامن اشتغل بالمثل أوّلاً و إذا تعذر المثل ینتقل إلی القیمة، و فی صورة تردید الانتقال إلی القیمة یستصحب اشتغال الذمة إلی المثل.

و فیه: بعد فرض جریان السیرة یحصل العلم و لایکون موردا للشک بحیث یجری الاستصحاب.

و أمّا الأدلة الاجتهادیة: و هی اطلاقات الضمان فی المغصوبات و الأمانات فهی القول بالضّمان بالمثل لأنّه أقرب إلی التالف من حیث المالیة و الصفات ثم بعده القیمة.

و فیه: ما مرّ من أنّ القیمة تدخل فی الاطلاقات فی عرض المثل لا فی طوله، فما ذکره قدس سره لایتم، و بهذا البیان یظهر اشکال آخر فی الاستصحاب.

السادس: هل یجب أداء المثل مع زیادة قیمته؟

اشارة

قال الشیخ فی المبسوط: «إذا غصب مالاً لرجلٍ فتلف فی یده لم یخل من أحد أمرین إمّا أن یکون له مثل أو لامثل له، فإن کان له مثل فعلیه مثل ما تلف فی یده یشتریه بأیّ ثمن کان، و یدفعه إلی المالک إجماعا، و إن کان ممّا لامثل له کالثیاب و الحیوان فعلیه قیمته أکثر ما کانت قیمته من حین الغصب إلی حین التلف، لأنّه مأمورٌ بردّه فی کلّ وقت، فوجب علیه قیمته إذا تعذّر»(1).

و قال فی الخلاف: «إذا غصب ما له مثل کالحبوب و الأدهان فعلیه مثل ما تلف فی یدیه، یشتریه بأیّ ثمن کان بلاخلاف...»(2).

و قال ابن ادریس فی السرائر: «فأمّا ما له مثل فعلیه مثله یوم المطالبة تغیّرت الأسعار أو لم تتغیّر...»(3).

ص: 473


1- (1) المبسوط 3/103.
2- (2) الخلاف 3/415، مسألة 29.
3- (3) السرائر 2/490.

و تنظّر العلاّمة فی القواعد و قال: «ولو تعذّر المثل إلاّ بأکثر من ثمن مثله ففی وجوب الشراء نظر»(1).

و قال فی التذکرة: إذا أتلف المثلی وجب علیه تحصیل المثل، فإن وجده بثمن المثل وجب علیه شراؤه بلاخلاف، و إن لم یجده إلاّ بأزید من ثمن المثل ففی إلزامه بتحصیله إشکال، ینشأ من أنّ الموجود بأکثر من ثمن المثل کالمعدوم کالرقبة فی الکفارة و الهدی، و من أنّ المثل کالعین، و ردُّ العین واجب و إن لزم فی مؤونته أضعاف قیمته. و للشافعیة وجهان: أظهرهما الأخیر، و ربّما یمکن الفرق بین المثل و العین بأنّه تعدّی فی العین دون المثل فلا یأخذُ

المثل و حُکمَ العین»(2).

أقول: یمکن حمل هاتین العبارتین من العلاّمة علی الصورة الثانیة من الفرض کما سیأتی.

ولکن قال فی التحریر: «ولو وجد المثل بأکثر من ثمن المثل فالوجه وجوب الشراء...»(3).

و تبع جماعة مقالة التحریر منهم: ولده فی الإیضاح قال: «و الأقوی وجوب الشراء بالأکثر»(4).

و منهم: الشهید فی الدروس قال: «ولو تعذّر المثل إلاّ بأضعاف قیمته کلِّف الشراء علی الأقرب»(5).

ص: 474


1- (4) القواعد 2/228.
2- (1) تذکرة الفقهاء 2/384 من الطبع الحجری.
3- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 4/529.
4- (3) إیضاح الفوائد 2/178.
5- (4) الدروس الشرعیة 3/113.

و منهم: المحقّق الثانی فی جامع المقاصد قال: «... و الأصح الوجوب، فإنّ الضرر لایزال بالضرر، و الغاصب مؤاخذ بأشق الأحوال فلا یناسبه التخفیف و هو الأصح»(1).

و منهم: الفقیه المتتبع العاملی قال فی مفتاح الکرامة: «و الأقرب الوجوب...»(2).

و منهم: الشیخ الأعظم فی بیع مکاسبه قال: «... ولکن الأقوی مع ذلک وجوب الشراء...»(3).

ولکن مع ذلک ردّ صاحب الجواهر وجوب الشراء حینئذ و قال ردّا علی حکم العلاّمة بوجوب الشراء فی التحریر بقوله: «و فیه: إنّه منافٍ لمادلّ علی نفی الضرار و الحرج فی الدین، و الخروج عنه فی خصوص ردّ العین المغصوبة لایقتضی الخروج عنه فی مثلها، فالمتجه جعل المدار علی ذلک، و اللّه العالم»(4).

أقول: زیادة القیمة السوقیة تُتَصَوَّرُ علی صورتین:

الصورة الاُولی: زیادة قیمتها السوقیة مع رواجها فی السوق و کثرة بائعها ولکن

ارتفعت القیمة و صارت بأضعاف قیمة التالف یوم تلفه، فحینئذ یجب الشراء و الأداء.

قال الشیخ الأعظم فی وجه وجوب الشراء فی هذه الصورة: «عموم النص و الفتوی بوجوب المثل فی المثلی و یؤیده فحوی حکمهم بأنّ تنزّل قیمة المثل حین الدفع عن یوم التلف لایوجب الانتقال إلی القیمة، بل ربّما احتمل بعضهم(5) ذلک مع سقوط المثل فی زمان

ص: 475


1- (5) جامع المقاصد 6/260.
2- (6) مفتاح الکرامة 18/183.
3- (7) المکاسب 3/224.
4- (8) الجواهر 37/97.
5- (1) و هو العلاّمة فی القواعد 2/228 و مال إلی هذا الاحتمال فی الجواهر 37/99، کما مرّ فی الرابع من مناقشات الشیخ الأعظم فی دلالة آیة الاعتداء، و کذا جوابه هناک فی صفحة 452 و ما بعدها.

الدفع عن المالیة کالماء علی الشاطیء و الثلج فی الشتاء»(1).

و یمکن أن یضاف إلی هذه الأدلة بعد المناقشة فی الإجماع المذکور فی کلام شیخ الطائفة لاحتمال کونه مدرکیا، السیرة العقلائیة و هی تدل علی لزوم الشراء ولو بزیادة القیمة السوقیة.

الصورة الثانیة: زیادة القیمة لأجل تعذّر المثل و عدم وجدانه إلاّ عند من یعطیه بأزید ممّا یرغب فیه الناس مع وصف الإعواز و أنّه یبیع المثل بأضعاف قیمته فهل الموجود بأکثر من ثمن المثل یکون کالمعدوم نحو الرقبة فی الکفارات و الحیوان فی الهدی(2)، و أنّه یمکن معاندة البائع و طلب أضعاف القیمة و هو ضرر(3)، أو یجب علیه الشراء حینئذ لعین ما ذکر فی الصورة الاُولی من الأدلة؟

ذهب الشیخ الأعظم إلی وجوب الشراء ولکنّه لایتم لحکومة قاعدة لاضرر علیه لأنّ وجوب شراء المثل بأضعاف من قیمته الواقعیة یعدّ ضررا علی الضامن المتلِف، و قاعدة لاضرر تنفیه و تحکم بعدم وجوبه و انتقال الضمان إلی القیمة. و یمکن حمل عبارتی العلاّمة فی التذکرة و القواعد علی هذه الصورة الثانیة کما مرّ.

لا یقال: الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال و قد مرّ عدم الفرق بین الغصب و المقبوض بالعقد الفاسد إلاّ فی الإثم، فیجب علیه الشراء ولو کانت القیمة أضعافا مضاعفا من قیمة المثل، کما علیه المحقّق الثانی.(4)

ص: 476


1- (2) المکاسب 3/223.
2- (3) کما فی تذکرة الفقهاء 2/384.
3- (4) کما فی کنز الفوائد 1/661 للسیّد عمیدالدین ابن اخت العلاّمة الحلّی و تلمیذه، و جامع المقاصد 6/260 للمحقّق الکرکی.
4- (5) جامع المقاصد 6/260.

لأنا نقول: لادلیل علی أخذ الغاصب بأشق الأحوال فلا یجب الشراء حتّی فی الغصب فی هذه الصورة فکیف بالمقبوض بالعقد الفاسد.

لا یقال: أدلة نفی الضرر تنفیْ الأحکام التکلیفیّة، لامقدماتها و من المعلوم أن شراء یکون من مقدمات أداء الضمان، و وجوب المقدمة عقلیٌّ و لیس بشرعیٍّ حتّی تنفیه قاعدة لاضرر.

لأنا نقول: أدلة لاضرر تنفی الحکم النا شیء من قبله الضرر بلافرق بین أصل الحکم أو مقدماتها و لذا تری یحکم بعدم وجوب الحج علی من یقدر علی الإتیان بمناسکه ولکن کانت مقدماته ضرریّة علیه، و لافرق فی ذلک بین القول بأن وجوب المقدمة عقلیّ _ کما هو الصحیح _ أو أنّ وجوبها شرعیّ.

تنبیه: فی نقصان القیمة السوقیة

ثم إذا عکس الأمر و نقصت القیمة السوقیة للمثل فهل ینتقل الضمان من المثل إلی القیمة الأوّلیة الزائدة؟

الظاهر عدم انتقال الضمان إلی القیمة الأوّلیة الزائدة و علیه شراء المثل ولو بالقیمة النازلة و أدائه، و بالجملة إذا کانت العین مثلیّا، فیجب علی التالف أداؤُهُ بلافرق بین أن نزلت قیمته السوقیة أو صعدت.

نعم: إذا سقطت من المالیة رأسا کالثلج فی الشتاء و الماء عند البحر یرجع إلی القیمة کما مرّ سابقا، و کذلک فی صعود القیمة فی الصورة الثانیة ینتقل الضمان إلی القیمة کما مر آنفا.

فرع: هل یجوز مطالبة المالک بالمثل فی غیر مکان التلف ولو کانت قیمته أزید من قیمته فی مکان التلف؟

إذا تلفت شاة مثلاً من المالک فی القریة المسکونة ثم سافرا _ المالک و التالف _ معا إلی حج بیت اللّه الحرام، هل یجوز للمالک مطالبة قیمة شاته من التالف الضامن فی یوم عید

ص: 477

الأضحی بمنی لیجعلها هَدْیَهُ أم لا؟

ذهب الشیخ الأعظم(1) إلی جواز هذه المطالبة ولو کانت قیمتها أزید من قیمتها فی مکان التلف، تبعا لجماعة من الفقهاء:

منهم: ابن ادریس الحلّی قال فی السرائر: «... و لأنّ المغصوب منه لایجب علیه

الصبر إلی حین العود إلی مصر، بل یجب علی الغاصب ردّ مثل الغصب إن کان له مثل، أو قیمته إن لم یکن له مثل، فإنّ هذا الذی یقتضیه عدل الإسلام و الأدلة و لایعرج إلی خلافه بالآراء و الاستحسان»(2).

و منهم: العلاّمة قال فی المختلف: «... فی الغصب و القرض له المطالبة بالمثل أین کان و بالقیمة إن لم یکن له مثل و متی تغیّرت القیمة...»(3).

و کذلک ذهب إلی جواز المطالبة فی تذکرة الفقهاء(4) و القواعد(5).

و منهم: ولده الفخر فی الإیضاح قال: «و الأصح عندی اختیار والدی»(6).

و منهم: الشهید قال فی الدروس: «ولو ظفر المالک بالغاصب فی غیر بلد الغصب فله المطالبة بالمثل أو القیمة و إن کان فی نقله مؤنة أو کانت القیمة أزید...»(7).

و منهم: المحقّق الثانی قال فی جامع المقاصد بعد نقل قول ابن ادریس: «... و الأصح الأوّل [أیّ قول ابن ادریس] لأنّ الحقّ فوری و تأخیر الأداء ضرر، و الضرر لایزال

ص: 478


1- (1) المکاسب 3/224.
2- (1) السرائر 2/491.
3- (2) مختلف الشیعة 6/128.
4- (3) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
5- (4) قواعد الأحکام 2/228.
6- (5) ایضاح الفوائد 2/176.
7- (6) الدروس الشرعیة 3/114.

بالضرر، و حقّ الغاصب المؤاخذة بالأشق دون الإرفاق بحاله»(1).

مراده من «الضرر لایزال بالضرر»: «أیّ «إذا تعارض الضرران فی الغصب فالترجیح لنفی ضرر المالک، إذ الضرر المنفی إنما هو من شرع الحکم، و الغاصب هنا أدخله علی نفسه، مضافا إلی أنّه یؤخذ بالأشق لا بالرفق». کما فی مفتاح الکرامة.(2)

ثم الشیخ الأعظم زاد فی استدلال ابن ادریس بقوله: «لعموم الناس مسلطون علی أموالهم»(3).

أقول: نعم الناس مسلطون علی أموالهم و للمالک المطالبة بماله بأیّ بلد شاء مشروطا بتساوی قیمته السوقیة مع بلد التلف أو الغصب أو القرض بلافرق بین المثلیات و القیمیات أو کونها أقل قیمة فی بلد المطالبة، و أمّا إذا کانت قیمته أکثر و المتلِف الضامن لایرضی

بالزیادة، فلا یمکن إجباره علی الشراء أو الأداء لأنّه ضرر علیه و الضرر منفی فی الشریعة المقدسة بلافرق بین الغاصب أو المقروض أو القابض _ فی مسألتنا _ أو المتلِف، فما ذکره أعلام الفقهاء یرد بقاعدة لاضرر حتّی بالنسبة إلی الغاصب لما مرّ من عدم تمامیة أنّه یؤخذ بأشق الأحوال و لذا فی هذا الفرع نحن نتبع مقالة الشیخ فی المبسوط و هو کلام متین حیث یقول: «إذا غضب منه مالاً مثلاً بمصر فلقیه بمکّة فطالبه به لم یخل من أحد أمرین إمّا أن یکون لنقله مؤنة أو لامؤنة لنقله، فإن لم یکن لنقله مؤنة کالأثمان فله مطالبته به سواء کان الصرف فی البلدین متّفقا أو مختلفا لأنّه لامؤنة فی نقله فی العادة، و الذهب لایقوَّم بغیره و الفضة لایقوَّم بغیرها إذا کانا مضروبین.

و إن کان لنقله مؤنة لم یخل من أحد أمرین: إمّا أن یکون له مثل أو لامثل له، فإن کان

ص: 479


1- (7) جامع المقاصد 6/256.
2- (8) مفتاح الکرامة 18/177.
3- (9) المکاسب 3/225.

له مثل کالحبوب و الأدهان نظرت، فإنْ کانت القیمتان فی البلدین سواء، کان له مطالبته بالمثل لأنّه لاضرر علیه فی ذلک، و إن کانت القیمتان مختلفین، فالحکم فی ما له مثل و فی ما لامثل له سواء فللمغصوب منه إمّا أن یأخذ من الغاصب بمکة قیمته بمصر، و إمّا أن یدع حتّی یستوفی ذلک منه بمصر، لأنّ فی النقل مؤنة و القیمة مختلفة، فلیس له أن یطالبه بالفضل، فإن صبر فلا کلام، و إن أخذ القیمة ملکها المغصوب منه، و لم یملک الغاصب ما غصب، لأنّ أخذ القیمة لأجل الحیلولة لا بدلاً» عن المغصوب کما لو غصب عبدا فابق فأخذنا منه قیمته فإنّ القیمة تملک منه، و لایملک الغاصب العبد، فإن عاد إلی مصر و الشیء قائم بحاله انتقض ملکه عن القیمة التی أخذها و عاد إلی عین ماله کما قلناه فی العبد الآبق.

هذا الکلام فی الغصب فأمّا الکلام فی القرض فالحکم فیه کالحکم فی الغصب سواء لایفترقان...»(1).

و تبعه القاضی ابن البراج فی المهذب.(2)

حدیث بدل الحیلولة لایجری فی بحثنا _ المقبوض بالعقد الفاسد _ لأنّها مختص بوجود العین و کلامنا فی فرض تلفها و لذا قال العلاّمة فی القواعد: «ولو غرم القیمة ثم قدر علی المثل فلا یرد القیمة، بخلاف القدرة علی العین»(3).

فرع آخر: لو أعطی الضامن فی مکان کان قیمته أقل من قیمة مکان التلف فهل

للمالک الامتناع من القبض؟

لو انعکس الفرع السابق و تنزّلت قیمة المثل فی مدینة و استفاد الضامن من الفرصة و اشتری المثل بالقیمة النازلة و أعطاها للمالک، فهل یجب علی المالک القبول؟ أو یجوز له

ص: 480


1- (1) المبسوط 3/76.
2- (2) المهذب 1/443.
3- (3) القواعد 2/228.

الامتناع من القبول، لأنّ مکان التلف غیر مکان الإعطاء؟ وجهان ذکرهما المحقّق الثانی من دون ترجیح و قال: «لو ظفر المالک بالغاصب فی غیر محل الغصب أو الإتلاف للمثلی، و کانت قیمته أقل من قیمة مکان الغصب فهل للمالک الامتناع من قبض البدل إلی موضع الإتلاف، خصوصا إذا کان حمله یحتاج إلی مؤونة و کان غیر بلده؟ فیه تردد»(1).

أقول: لایجب علیه القبول لأنّ فیه ضررا علیه و قاعدة لاضرر تنفیه فیجوز له الامتناع کما ذهب إلیه صاحب المفتاح و قال: «و لعلّ الأشبه أن له ذلک»(2). [أیّ للمالک الامتناع].

السابع: لو تعذّر المثل فی المثلی

اشارة

یقع البحث هنا فی ضمن جهاتٍ:

الجهة الاولی: متی ینقلب الضمان من المثل إلی القیمة؟

فی فرض إعواز المثل و تعذّر الوصول إلیه و مطالبة المالک بماله ینقلب الضمان من المثل إلی القیمة جمعا بین الحقّین _ أی حقّ المالک من المطالبة بماله و حقّ الضامن حیث تکلیفه بالمثل مع إعوازه یعدّ تکلیفا بما لایطاق أو ضررا منفیّا فی الشریعة المقدسة، فینتقل الضمان من المثل إلی القیمة.

قال فی المفتاح: «إنّه ینتقل إلی القیمة عند التعذر فهو ممّا طفحت به عباراتهم کما ستسمع، بل إجماعیٌّ، و لعلّ دلیله بعده أنّ الضرر منفی، و أنّ تکلیف ما لایطاق غیر جائز و إنّ فی تأخیر الحقّ إضرارا أیضا فتعیّنت القیمة جمعا بین الحقّین»(3).

و قال فی الجواهر تذییلاً لقول المحقّق: «فإن تعذّر المثل ضمن قیمته»: «أی المثل

ص: 481


1- (1) جامع المقاصد 6/258.
2- (2) مفتاح الکرامة 18/177.
3- (3) مفتاح الکرامة 18/143.

بلاخلاف أجده فیه، بل قیل: إنّه إجماعیٌّ، لنفی الضرر و قبح التکلیف بما لایطاق و الإضرار بتأخیر الحقّ فتعینت القیمة المزبورة جمعا بین الحقّین.

لکن قد یناقش إن لم یکن إجماعا بأنّ ذلک لا یقتضی وجوب القبول علی المالک لو

دفع الغاصب، فإنّ له التأخیر إلی حال التمکن من المثل.

اللهم إلاّ أن یکون ذلک ضررا علی مَنْ علیه الحقّ ولو باعتبار بقاء ذمّته مشغولة بناءً علی أن مثله ضرر منفی أیضا، و فیه تأمل.

أو یقال: أنّه مقتضی قوله علیه السلام : المغصوب مردود(1) بناءً علی ارادة ما یشمل ردّ المثل أو القیمة من الردّ فیه، فیکون ذلک تکلیفا للغاصب، فیجب القبول علی من له الحقّ مع دفع الحقّ.

هذا، و قد یظهر من بعض عبارات التذکرة(2) و الإیضاح(3) عدم وجوب القبول علیه و أنّ له التأخیر إلی وجدان المثل، فیملک المطالبة و حینئذ یرتفع الاشکال من أصله»(4).

أقول: مراده من بعض عبارت التذکرة هو هذا الکلام من العلاّمة ففیه: «إنّ المثل لایسقط بالإعواز، ألا تری أنّ المغصوب منه لو صبر إلی وجدان المثل ملک المطالبة به؟ و إنّما المصیر إلی القیمة وقت تغریمها»(5). و کذا فی الإیضاح(6) إلی قوله «المطالبة به» فقط.

ص: 482


1- (1) وسائل الشیعة 9/524، ح4، الباب 1 من أبواب الأنفال، مرسلة حماد بن عیسی و فیه: «الغصب کلّه مردود»، وسائل الشیعة 25/386، ح3، الباب 1 من أبواب کتاب الغصب.
2- (2) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
3- (3) ایضاح الفوائد 2/175.
4- (4) الجواهر 37/94.
5- (5) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
6- (6) ایضاح الفوائد 2/175.

و قال الشیخ الأعظم: «لکن أطلق کثیر منهم الحکم بالقیمة عند تعذر المثل، و لعلّهم یریدون صورة المطالبة و إلاّ فلا دلیل علی الاطلاق.

و یؤید ما ذکرنا: أنّ المحکی(1) عن الأکثر فی باب القرض أن المعتبر فی المثل المتعذر قیمته یوم المطالبة، نعم عبر بعضهم(2) بیوم الدفع فلیتأمل»(3).

أقول: من الأکثر ابن إدریس قال فی قرض السرائر: «... بل له المطالبة بمثله إن کان له المثل أو بقیمته إن أعوز المثل یوم المطالبة، لایوم إقباض القرض...»(4).

و فی قرض جامع المقاصد قال: «... و لاوجوب إلاّ بالمطالبة و هو المفهوم من فتوی الدروس(5) فإنّه صرح فیه بوجوب قیمتها وقت الدفع، لاوقت التعذر و لاوقت القرض و لایرید بها إلاّ قیمة وقت المطالبة و إن کان فی عبارته تساهل و ما اختاره هو الأصح»(6).

و قال فی قرض الکفایة: «و کلّ ما کان مثلیا یثبت فی الذمة مثله... و مع تعذر المثل ینتقل إلی القیمة، و فی اعتبارها یوم القرض أو التعذر أو المطالبة أوجه، و لعلّ الأخیر أوجه»(7).

فیظهر إلی هنا الاتجاهان فی المقام:

الاتجاه الأوّل: أنّ انتقال المثل إلی القیمة مشروط بشرطین: 1_ إعواز المثل، 2_ مطالبة المالک بالقیمة بحیث لو لم یطالب و صبر علی وجدان المثل یبقی المثل علی ذمة

ص: 483


1- (7) الحاکی هو السیّد محمّد جواد العاملی فی المفتاح 15/150.
2- (8) العلاّمة فی المختلف 5/392.
3- (9) المکاسب 3/227.
4- (10) السرائر 2/60.
5- (1) راجع الدروس 3/314 و 321.
6- (2) جامع المقاصد 5/42.
7- (3) الکفایة 1/530.

الضامن کما یظهر من ابن ادریس و العلاّمة و ولده و الکرکی و السبزواری و مال إلیه صاحب الجواهر و الشیخ الأعظم کما مرّ منْ کلماتهم.

و کذلک یظهر هذا الاتجاه من أصحاب أبی حنیفة(1) و المالکیة(2) و الشافعیة(3).

الاتجاه الثانی: انقلاب المثل إلی القیمة له شرط واحد و هو إعواز المثل فقط بلافرق بین مطالبة المالک و عدمه، بل لیس له الامتناع من أخذ القیمة إذا أعطاها الضامن و الصبر علی وجدان المثل.

یظهر هذه الاتجاه لکلّ مَنْ ذهب إلی الانقلاب من دون تقییده بالمطالبة من فقهائنا، کما یظهر ذلک من بعض فقهاء الشافعیة و أبی یوسف من الحنفیة و أبی قدامة و المقدسی من الحنابلة(4).

و صرح بهذا الاتجاه الفقیه السبزواری قال فی مهذبه: «یجب علیه دفع القیمة فعلاً و یجب علی المالک قبولها، لأنّ القیمة عند تعذر المثل کنفس المثل فی جمیع الجهات إلاّ ما خرج

بالدلیل... إذ المناط فی الکلّ هو تدارک المالیة و هو موجود فی الجمیع موضوعا مترتبا فیکون کذلک حکما، فلیس للمالک الامتناع عن القبول خصوصا مع تضرر الغاصب بذلک»(5).

أقول: المختار هو الاتجاه الأوّل، لأنّ للمالک الصبر إلی حین وجدان مثل ماله کما أنّ له

ص: 484


1- (4) راجع مبسوط السرخسی 11/50 و البنایة فی شرح الهدایة لأبیمحمّد بن احمد العینی 8/344.
2- (5) شرح الخرشی 6/133.
3- (6) تکملة المجموع 14/61 للمطیعی.
4- (7) راجع تکملة المجموع 14/61، المبسوط للسرخسی 11/50، مغنی المحتاج 5/421 لابن قدامة.
5- (1) مهذب الأحکام 21/37.

أخذ القیمة و الدلیل علیه عموم الناس مسلطون علی أموالهم، فالانقلاب من المثل إلی القیمة مشروط بشرطین: 1_ إعواز المثل 2_ مطالبة المالک و عدم صبره إلی وجدان المثل.

الجهة الثانیة: أیّ قیمة یدفع الضامن إلی المالک؟

قال فی القواعد، «ولو تلف المثلی فی ید الغاصب و المثل موجود فلم یغرمه حتّی فُقد، ففی القیمة المعتبرة احتمالات.

(أ): أقصی قیمته من یوم الغصب إلی التلف، و لا اعتبار بزیادة قیمة الأمثال.

(ب): أقصی قیمته من وقت تلف المغصوب إلی الإعواز.

(ج): أقصی القیم من وقت الغصب إلی الإعواز.

(د): أقصی القیم من وقت الغصب إلی وقت دفع القیمة.

(ه): القیمة یوم الإقباض»(1).

و أنهی العلاّمة الأقوال فی التذکرة(2) إلی عشرةٍ مع التنبیه علی أنّها هی الوجوه التی ذکرها الشافعیة، و قد أنهاها العلاّمة الشیخ محمّد الحسین کاشف الغطاء قدس سره إلی خمسة و أربعین وجها(3) لایهمنا ذکرها.

و القول المختار عند أصحابنا هو القیمة یوم الإقباض _ أیّ قبض المالک القیمة _ کما علیه أصحاب الخلاف(4) و المبسوط(5) و الغنیة(6) و السرائر(7) و الشرائع(8) و التحریر(9) و

ص: 485


1- (2) القواعد 2/227.
2- (3) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
3- (4) راجع کتابه النظر الثاقب /37 و هی تعلیقته و تعلیقة أخیه الفقیه الکبیر الشیخ أحمد علی المکاسب.
4- (5) الخلاف 3/395.
5- (6) المبسوط 3/60.
6- (7) الغنیة /278.
7- (8) السرائر 2/480.
8- (9) الشرائع 3/188.
9- (10) التحریر 4/529.

التذکرة(1) و الدروس(2) و جامع المقاصد(3) و المسالک(4) و مجمع الفائدة(5) و هو قضیة کلام من اقتصر علی لزوم القیمة یوم الاقباض کالإرشاد(6) و غایة المراد(7).

قال الفقیه المتتبع السیّد العاملی: «و الحاصل إنّی لو أجد مخالفا منّا فی ذلک بل و لا متأمّلاً فی هذا الباب إلاّ قوله فی الإیضاح(8): إنّ الاحتمال الرابع أصح، و إلاّ قوله فی المفاتیح(9): و قیل: وقت الأعواز. فما فی المسالک(10) و الکفایة(11) من أنّه الأشهر أو الأظهر بین الأصحاب، و کذا الریاض(12) لم یصادف محلّه. و قد یتوهم من عبارة التذکرة أنّ الشیخ مخالف و لیس کذلک، ما ذکر فیما یأتی من الکتاب [قواعد الأحکام] و المسالک و الکفایة من الأوجه الأربعة الاُخر فسیأتی الکلام فیها _ إن شاء اللّه تعالی _ علی أنّها لیست أیضا لأحدٍ منّا فی الباب، و إنّما هی أحد الوجوه العشرة التی ذکرها الشافعیة ذکرها فی

ص: 486


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
2- (2) الدروس 3/113.
3- (3) جامع المقاصد 6/245.
4- (4) المسالک 12/184.
5- (5) مجمع الفائدة 10/527.
6- (6) إرشاد الاذهان 1/446.
7- (7) غایة المراد 2/398.
8- (8) إیضاح الفوائد 2/175.
9- (9) مفاتیح الشرائع 3/172.
10- (10) المسالک 12/185.
11- (11) الکفایة 2/640.
12- (12) ریاض المسائل 14/26.

التذکرة...»(1).

أقول: فالقول المختار عند أصحابنا الإمامیة هو قیمة یوم الأداء المعبر عنه بیوم الإقباض عندهم أو یوم المطالبة أو یوم الدفع و الکلّ واحد و الوجه فی ذلک بقاء المثل فی عهدة الضامن بعد تلف العین إذا کانت مثلیّة حتّی بعد الإعواز(2)، فلاوجه لتوهم انتقال الضمان إلی القیمة بعد تلف العین و قبل یوم الأداء.

إن قلت: إنّ الضمان لابدّ أن ینتقل إلی القیمة عند إعواز المثل فی الخارج و إلاّ ینتقل

إلی المثل أیضا عند تلف العین الشخصیة.

قلت: انتقال الضمان إلی المثل بعد تلف العین أمر قهریٌ، لأنّ لامعنی لبقائها فی الذمة بعد التلف، بخلاف المثل لأنّه أمر کلّیٌّ قابل للبقاء فی الذمة إلی حین الأداء _ کما یظهر من المحقّق السیّد الخوئی(3) قدس سره _

و لذا لایهمّنا التعرض للأقوال و النقض و الإبرام فیها کما فعله الشیخ الأعظم(4) رحمه الله و کذلک لایهمّنا التعرض لتأسیس الأصل فی المقام لکی یکون مرجعا إذا لم یتعین أحد الأقوال کما صنعه المحقّق الاصفهانی(5) رحمه الله .

الجهة الثالثة: انقلاب الضمان إلی القیمة هل یختص بالتعذر الطاریء أم یعمّ الابتدائی؟

قال الشیخ فی المبسوط: «... فإذا ثبت أنّه یضمن بالمثل فإن کان المثل موجودا طالبه

ص: 487


1- (13) مفتاح الکرامة 18/144.
2- (14) کما هو مختار الشیخ الأعظم أیضا راجع المکاسب 3/239.
3- (1) مصباح الفقاهة 3/165.
4- (2) المکاسب 3/(234-227).
5- (3) حاشیة المکاسب 1/376.

به و استوفاه، و إن أعوز المثل طالبه بقیمته...»(1).

و قال العلاّمة فی القواعد: «ولو تلف المثلی فی ید الغاصب _ و المثل موجود فلم یغرمه حتّی فقد _ ففی القیمة المعتبرة احتمالات...»(2).

و نحوها فی تذکرة الفقهاء(3) و التحریر(4).

و کذا یظهر طریان العذر من ولده فخر المحقّقین حیث یقول: «اختصاص المثلی بالمثل مع وجوده، و غیره بالقیمة»(5).

من تقییده بقوله «مع وجوده»، یظهر اعتبار طریان العذر عنده قدس سره .

و صرح بهذا المحقّق الکرکی فی جامع المقاصد: «لو لم یکن المثل موجودا وقت التلف فالظاهر أنّ الواجب قیمة التالف، أمّا مع وجوده و عدم التغریم إلاّ بعد فقده فإنّه استقر فی الذمة فیرجع إلی القیمة...»(6).

و قال صاحب المفتاح: «و التقیید بوجود المثل عند التلف و عدم التسلیم له إلی أن فَقَدَ، قد وقع فی التذکرة و المسالک(7) و الکفایة(8) و وجهه أنه حینئذ یکون قد استقرّ فی ذمّته فیرجع إلی قیمته و فی تعیّنها احتمالات، و قضیة ذلک أنّه لو لم یکن المثل موجودا وقت

ص: 488


1- (4) المبسوط 3/60.
2- (5) القواعد 2/227.
3- (6) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
4- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 4/529.
5- (8) إیضاح الفوائد 2/175.
6- (9) جامع المقاصد 6/252.
7- (1) المسالک 12/183.
8- (2) الکفایة 2/640.

التلف فالواجب قیمة التالف و هو الذی استظهره فی جامع المقاصد...»(1).

و اعترض صاحب الجواهر علی المحقّق الثانی بقوله: «و قد یناقش بعدم المنافاة بین ثبوته فی الذمة و بین تعذر أدائه فی ذلک الوقت، و دعوی صیرورته قیمیّا واضحة المنع، إذ المثلی لایتعیّن کونه کذلک بتعذر المثل و إلاّ لزم عدم وجوب دفعه لو تمکن منه بعد ذلک قبل الأداء، لثبوت القیمة حینئذ فی الذمة، و لا أظن أنّ القائل المزبور یلتزمه لوضوح ضعفه، فالمتجه ثبوت المثل فی ذمّته علی کلّ حال، و تعذر أدائه حال التلف لایقتضی عدم ثبوته فی الذمة فإن عدم التمکن من وفاء الدین لایقتضی عدم ثبوته فی الذمّة، و حینئذ لم یکن للتقیید المزبور فائدة»(2).

أقول: یمکن انحلال اعتراض صاحب الجواهر علی الکرکی إلی مناقشتین:

الاولی: المناقشة الحلّیّة و حاصلها: اشتغال الذمة بالمثل لیس مشروطا بالتمکن من أداء المثل لاحدوثا و لا بقاءً، کما اعترف به حتّی المحقّق الکرکی حیث یقول: «... إنّ المثل لایسقط من الذمة بتعذره و أداء الدین لایسقط بتعذر أدائه...»(3) و کذا قال فی ذیل قول العلاّمة «القیمة یوم الإقباض» بقوله: «هذا هو الأصح لأنّ الواجب هو المثل، فإذا دفع بدله اعتبرت البدلیة حین الدفع فحینئذ تعتبر القیمة»(4).

و اعترض الشیخ الأعظم علی هذه المناقشة الحلّیّة بقوله: «إلاّ أن یقال: إنّ أدلة وجوب المثل ظاهرة فی صورة التمکن، و إن لم یکن مشروطا به عقلاً فلاتعمّ صورة العجز،

ص: 489


1- (3) مفتاح الکرامة 18/171.
2- (4) الجواهر 37/97.
3- (5) جامع المقاصد 6/254.
4- (6) جامع المقاصد 6/255.

نعم إذا طرأ العجز فلا دلیل علی سقوط المثل و انقلابه قیمیّا»(1).

مراده: «قصور مقام الإثبات عن شمول صورة التعذر الإبتدائی، فاشتغال الذمة بالمثل و إن لم یکن متوقفا عقلاً و بالنظر العرفی فی مقام اعتبار وجود شیء فی الذمة بالتمکن من أداء ما اشتغلت به، لکن الدلیل لایدلّ علی اشتغال الذمّة إلاّ فی صورة التمکن من أدائه مع عدم النظر لصورة طرو التعذر»(2).

و ردّه المحقّق الأصفهانی بعد بیان مراده بقوله: «لکنّه مخدوش: بأنّه لو کان الدلیل قاصرا عن شمول صورة العجز عن الأداء، للزم عدم القول باشتغال الذمة بالقیمة فی القیمی مع تعذر أدائها ابتداءً و لایلتزم به أحد، فیعلم أنّ اشتغال الذمة بشیءٍ لا یدور مدار تیسّره ثبوتا و لا إثباتا»(3).

الثانیة: المناقشة النقضیة و تظهر من قول صاحب الجواهر «و إلاّ لزم... _ إلی قوله _ لوضوح ضعفه».

و حاصلها: إذ تم هذا البیان من المحقّق الثانی یرد علیه نقضا بما إذا کان المثل متعذِّرا من أوّل الأمر، ولکن لم یأخذ المضمون له القیمة، ثم وجد المثل، فهل یمکن التزامه بعدم سقوط الضمان بأداء المثل بل وجوبه؟

الشیخ الأعظم(4) بعد تقریر هذه المناقشة تأمّل فیها ولکن لم یذکر وجهها و لعلّ وجهها: أنّ کلّ تکلیف مشروط فعلیّا بفعلیة شرطه، یعنی إذا فقد المثل لم یلزم علیه إعطاؤه و إذا وجده لزم علیه أداؤه.

ص: 490


1- (7) المکاسب 3/235.
2- (1) حاشیة المکاسب 1/384.
3- (2) حاشیة المکاسب 1/384.
4- (3) المکاسب 3/235.

و بعبارة أُخری: عدم تنجز التکلیف بالمثل حین فقدانه من أوّل التلف، لاینافی وجود التکلیف بأداء المثل مشروطا بوجوده _ أی متی وجد المثل لزم أداؤه، و بهذا البیان یمکن الجواب عن المناقشة النقضیّة.

و بالجملة: لافرق بالتعذر الطاریء و الابتدائی من انتقال الضمان إلی القیمة و اللّه العالم.

و لذا ذهب الشهید إلی عدم الفرق بین التعذر الطاریء و الابتدائی و قال: «فإن تعذّر فقیمته یوم الإقباض، سواء تراخی تسلیم المثل عن تلف العین أو لا...»(1).

الجهة الرابعة: ما هو المناط فی تعذّر المثل؟

قال فی التذکرة: «... و المراد من الفقد أن لایوجد فی ذلک البلد و ما حوالیه»(2).

و قال فی جامع المقاصد فی توضیح ما حوالیه بعد نقل عبارة التذکرة:«و لم یحدّ ما حوالیه و الظاهر أن المرجع فیها إلی العرف»(3).

و قال فی المسالک: «... و المراد من الفقدان أن لایوجد فی ذلک البلد و ما حوله ممّا ینتقل إلیه عادةً کما بُیِّن فی انقطاع المسلَم فیه»(4).

و قال فی انقطاع المسلَم فیه: «ولو کان الانقطاع ببلده خاصة و أمکن تحصیله من غیرها، فإن قلنا بوجوب تعیین البلد فلا کلام، إذ لایجب قبول غیره فلا یجب المطالبة به و لایجب قبولها، و إن لم نوجب _ مطلقا أو علی بعض الوجوه _ فإن نقله البائع باختیاره و إلاّ لم

ص: 491


1- (4) الدروس الشرعیة 3/113.
2- (1) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
3- (2) جامع المقاصد 6/245.
4- (3) المسالک 12/183.

یجبر علیه مع المشقة، و یجبر مع عدمها»(1).

و قال فی الکفایة: «و المراد من الفقدان أن لایوجد فی ذلک البلد و ما حوله ممّا ینتقل إلیه عادة»(2).

تنظّر سیّد الریاض فی هذا المناط و قال بعد ذکره: «و فیه نظر، بل مقتضی الأصل لزوم تحصیل المثل ولو من البلاد النائیة التی لم ینقل إلیها عادةً إن لم یستلزم التکلیف بالمحال، فتأمل»(3).

و استدل الشیخ الأعظم لصاحب الریاض بقوله: «إنّ مقتضی عموم وجوب أداء مال الناس و تسلیطهم علی أموالهم _ أعیانا کانت أم فی الذمّة _ وجوب تحصیل المثل _ کما کان یجب ردّ العین أینما کانت _ ولو کانت فی تحصیله مؤونة کثیرة، و لذا کان یجب تحصیل المثل بأیّ ثمنٍ کان و لیس هنا تحدید التکلیف بما عن التذکرة»(4).

ولکن مع ذلک استانس الشیخ الأعظم رحمه الله الحکم هنا من الروایات الواردة(5) فی

تخییر المشتری فی بیع السَلَم بین الفسخ أو أخذ بعضه و الباقی من رأس ماله إذا لم یقدر المسلم إلیه علی إیفاء المسلَم فیه، من أنّ عدم القدرة الواردة فیها «لیس التعذر العقلی المتوقف علی استحالة النقل من بلد آخر بل الظاهر منه عرفا ما [مرّ] عن التذکرة»(6).

أقول: لم یرد تقدیر تعذر المثل بحدّ خاص فی الدلیل الشرعی فلابدّ من تعیّنه من

ص: 492


1- (4) المسالک 3/431.
2- (5) الکفایة 2/640.
3- (6) ریاض المسائل 14/26.
4- (7) المکاسب 3/236.
5- (8) راجع وسائل الشیعة 18/303، الباب 11 من أبواب السلف.
6- (1) المکاسب 3/236.

الاعتبار العقلی و هو لایساعد إلاّ التعذر الشخصی _ أیّ عدم إمکان الوصول إلیه بشخصه _ فإذا تمکن الضامن من الوصول إلی المثل ولو کان ذلک فی البلاد النائیة لم یصدق علیه الإعواز بل وجب تحصیله علیه، کما أنّه إذا لم یتمکن الضامن من تحصیل المثل ولو کان موجودا فی البلد وجب علیه دفع القیمة.

بعبارة أُخری: یجب علیه تحصیل المثل إلاّ إذا کان تحصیله ضرریّا أو حرجیّا، فینفی بهما، و من المعلوم أنّ الحکم فی هاتین القاعدتین یدور مدار ضرر و حرج الشخصیین لا النوعیین فلا یتم ما ذکره العلاّمة و تبعه القوم.

و لایستأنس من الروایات الواردة فی بیع السلَم الحکم هنا لوجود الفارق بینهما و هو أنّ الضمان فیه اختیاریٌّ ثابتٌ بالعقد بخلاف ما نحن فیه، فعلیه یمکن القول باعتبار وجود المبیع الثابت فی الذمة _ فی بیع السلَم _ فی بلد المعاملة و ما حوله أو قدرة البائع علی تحویل مبیعه فی وقته. کما ذهب إلی جُلِّ ما ذکرنا المحقّق السیّد الخوئی(1) رحمه الله و شیخنا الاستاذ(2) قدس سره .

الجهة الخامسة: المعیار فی قیمة المثل المتعذّر

طرح الشیخ الأعظم هنا إشکالاً و هو: أنّ المثل إن کان موجودا أمکن معرفة قیمته، و إن لم یکن موجودا لم یکن سبیل إلی معرفة قیمته حتّی یؤدیها الضامن إلی المالک إلاّ بفرض وجود المثل. و لمّا کان المثلی ذا أسعار متفاوتة باختلاف الأزمان فهل «العبرة بفرض وجوده ولو فی غایة العزّة _ کالفاکهة فی أوّل زمانها أو آخره _ أو وجود المتوسط؟ الظاهر هو الأوّل، لکن مع فرض وجوده بحیث یرغب فی بیعه و شرائه، فلا عبرة بفرض وجوده عند مَنْ یستغنی عن بیعه بحیث لایبیعه إلاّ إذا بذل له عوض لایبذله الراغبون فی هذا الجنس

ص: 493


1- (2) مصباح الفقاهة 3/167 و 168.
2- (3) إرشاد الطالب 2/181.

بمقتضی رغبتهم...»(1).

أقول: بعد البناء علی أنّ المراد هنا من القیمة، قیمة یوم الدفع و الأداء _ کما هو الُْمجْمَعُ علیه عند أصحابنا _ فلا یبقی مجال لهذا الاشکال و یقوم المثل فی یوم الدفع و الأداء فی السوق، و کذلک الأمر لو اختار أحد فی ما سبق غیرها من الاحتمالات الواردة فی القیمة. فهذا الإشکال مدفوع من الأصل کما نبّه علیه المحققان الشهیدیُّ(2) و المروّج(3).

الجهة السادسة: هل العبرة بقیمة بلد التلف أو المطالبة؟

قد مرّ فی الفرع السادس ما یفیدنا هنا من أنّ العبرة بقیمة بلد التلف ولکن للمالک حقّ المطالبة بماله فی أیّ زمان أو مکان شاء لعموم الناس مسلطون علی أموالهم مقیدا بقاعدة نفی الضرر علی الضامن، فللمالک المطالبة بماله فی أیّ وقت أو أیّ بلد شاء مشروطا بتساوی قیمته فی یوم الأداء بین البلدین أو أنّ القیمة فی بلد المطالبة کانت أقلّ منها فی بلد التلف.

و وافقنا علی أنّ العبرة بقیمة بلد التلف الشیخ الطوسی(4) و القاضی ابن البراج(5) کما مرّ کلامهما(6) و شیخنا الاستاذ(7) رحمه الله ، و العجب من المحقّق السیّد الخوئی(8) حیث اختار هنا ما هو مرجوحٌ عندنا فراجعٌ.

ص: 494


1- (4) المکاسب 3/236.
2- (1) هدایة الطالب 2/351.
3- (2) هدی الطالب 3/435.
4- (3) المبسوط 3/76.
5- (4) المهذب 1/443.
6- (5) فی بحث فرع هل یجوز مطالبة المالک... فی عنوان السادس راجع صفحة 447 من هذا المجلد.
7- (6) إرشاد الطالب 2/183.
8- (7) مصباح الفقاهة 3/169.
الجهة السابعة: إذا سقط المثل من المالیة فهل ینتقل إلی القیمة؟

نحو الماء علی الشاطئ إذا أتلفه فی مفازة، و الجَمد فی الشتاء إذا أتلفه فی الصیف، و قد مرّ هذا البحث فی المناقشة الرابعة(1) من مناقشات الشیخ الأعظم رحمه الله فی دلالة آیة الاعتداء علی ضمان المثل فی المثلی، من انتقال الضمان حینئذ إلی القیمة خلافا لصاحب الجواهر(2) و احتمله فی القواعد(3)، ولکن اختار القیمة فی التذکرة(4) و ولده فی الإیضاح(5) و قواه

الشهید(6) و هو خیرة جامع المقاصد(7) مع نسبته إلی الأصحاب و اختاره الشیخ الأعظم(8) و هو الصحیح المختار. و اللّه سبحانه هو العالم.

و من هنا ظهر حکم فرع و هو إذا أخذ أو أقرض أو غصب الأوراق النقدیة الدارجة الخاصة ثمّ أُسقطت عن الاعتبار، ینتقل الضمان إلی الأوراق النقدیة الدّارجة المتداولة بین أیدی الناس المعتبرة، لأنّها بعد إسقاطها عن الاعتبار تعدّ تالفة عند العقلاء، و اللّه العالم.

فرع: لو تمکّن من المثل بعد دفع القیمة

هل یجب علی الضامن بعد دفع القیمة، لو تمکّن من المثل أداء المثل و أخذ القیمة أم لا؟

أقول: هذا الفرع یُبنی علی أنّ الواجب علی الضامن هل هو المثل ولو عند التعذّر و

ص: 495


1- (8) راجع صفحة 452 من هذا المجلد.
2- (9) الجواهر 37/99.
3- (10) القواعد 2/228.
4- (11) تذکرة الفقهاء 2/384 من الطبع الحجری.
5- (12) ایضاح الفوائد 2/177.
6- (1) الدروس الشرعیة 3/113.
7- (2) جامع المقاصد 6/258.
8- (3) المکاسب 3/220 و 238.

ینتقل حقّ المالک إلی القیمة عند تعذر المثل و المطالبة، فإذا وجد المثل یرجع حقّه و صارت القیمة کالبدل الحیلولة، لابدّ من عودتها و أخذ المثل من الضامن.

أو أنّ الواجب علی الضامن بعد تعذّر المثل انقلاب الضمان من المثل إلی القیمة، فإذا أعطی القیمة، أدی ما هو علیه و تمّ ضمانه و لاینتقل إلی المثل مجددا کما هو مختار العلاّمة فی القواعد(1) و التذکرة(2) و التحریر(3) و الشهید فی الدروس(4) و الکرکی فی جامع المقاصد(5) و ثانی الشهیدین فی المسالک(6).

و یمکن أن یعلل القول الأخیر بأنّ بدل الحیلولة مختص بالأعیان و لاترد فی الذمم کما علیه الفقیه الیزدی(7) و المحقّق الاصفهانی(8).

أقول: الظاهر موافقة الأعلام و عدم وجوب أداء المثل بعد إعطاء القیمة، و الوجه فی¨ ذلک أنّ للمالک شیئا واحدا و هو ماله التالف و أخذ قیمته فسقط حقّه و لیس له بعد شیء حتّی یدعی المثل و لیس علی الضامن بعد أداء القیمة شیء حتّی یعطی المثل و اللّه العالم.

ص: 496


1- (4) قواعد الأحکام 2/228.
2- (5) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
3- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 4/529.
4- (7) الدروس الشرعیة 3/113.
5- (8) جامع المقاصد 6/258.
6- (9) المسالک 12/184.
7- (10) حاشیته علی المکاسب 1/495.
8- (11) حاشیته علی المکاسب 1/397.

الثامن: ضمان القیمی بالقیمة

اشارة

یقع البحث فی المقامین،

المقام الأوّل: ما الدلیل علی أنّ ضمان القیمی بالقیمة؟
الأوّل: قال الشیخ الأعظم:

الأوّل: قال الشیخ الأعظم: «... فقد حُکی الاتفاق علی کونه مضمونا بالقیمة»(1).

و قال الفقیه العاملی: «أمّا ضمان القیمی بالقیمة ففی الدروس(2) و غایة المراد(3) و الروضة(4) أنّه المشهور، قلت: لا أجد فیه فی الباب خلافا إلاّ ما یُحکی عن أبی علی... و ما یظهر من قرض الخلاف(5) و ما لعلّه یظهر من المحقّق(6) فی باب القرض من أنّ الواجب فی القیمی مثله، مستندین إلی أنّه أقرب إلی الحقیقة و لخبرین عامیین: أحدهما: خبر عائشة لما أخذتها الغیرة و الأفکل(7) فکسرت إناء صفیة، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله لمّا سألته عائشة عن کفارة ذلک: إناء مثل الإناء و طعام مثل الطعام.(8) و الثانی: أنّ امرأة کسرت قصعة امرأة اُخری فدفع رسول اللّه صلی الله علیه و آله قصعة الکاسرة إلی صاحبة المکسورة.(9) و قد عورضا بخبر آخر عامی(10)، و حملهما الأکثر علی أنّه صلی الله علیه و آله علم بالرضا منهما کما بیّنا ذلک فی باب القرض(11)

ص: 497


1- (1) المکاسب 3/240.
2- (2) الدروس 3/113.
3- (3) غایة المراد 2/398.
4- (4) الروضة البهیة 7/41.
5- (5) الخلاف 3/175، مسألة 287.
6- (6) الشرائع 2/62.
7- (7) إرتعدّ من خوفٍ أو بردٍ أو غیرهما.
8- (8) سنن أبی داود، کتاب البیوع، ح3097، السنن الکبری 6/96 للبیهقی.
9- (9) صحیح البخاری، کتاب المظالم و الغصب ح 2301، السنن الکبری 6/96.
10- (10) السنن الکبری 10/273.
11- (11) مفتاح الکرامة 15/142 و ما بعدها.

و ذکرنا هناک تفصیل التذکرة(1) و فی جامع المقاصد... أنّ خلاف أبی علی کاد یکون مضمحلاً(2). و کیف کان، فقد اتفقوا هنا [أیّ باب الغصب] من غیر تأمل و لاخلاف، و هناک [أی باب القرض] تأمل بعض و خالف آخرون...»(3).

أقول: بمراجعة الروایة العامیة الثانیة یظهر أنّ الکاسرة و صاحبة المکسورة

کلتیهما من أُمّهات المؤمنین و أزواج النبی صلی الله علیه و آله و لذا حمل بعض أهل العلم(4) القصعتین بأنّهما کانتا للنبی صلی الله علیه و آله فی بیتی زوجتیه و لم یکن هناک حکمٌ بالضّمان إلاّ أنّه عاقب الکاسرة بترک المکسورة فی بیتها و نقل الصحیحة إلی بیت صاحبتها. و لعل هذا الحمل أحسن ممّا ذکره صاحب المفتاح رحمه الله .

و أمّا مراده من معارضتهما بخبر آخر عامی فهو ما رواه العامة عن أبی الولید عن أبیه أنّ رجلاً أعتق شقصا له من غلام فذکر ذلک للنبی صلی الله علیه و آله فقال: لیس للّه شریک.(5)

و نظیره عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : من اعتق شرکا له فی مملوک فقد عتق کلّه.(6)

و نحوها عنه عن النبی صلی الله علیه و آله أنّه قال: من اعتق شقصا فی مملوک و کان للذی یعتق منهما نصیبه مبلغ ثمنه فقد عتق کلّه.(7)

و أمّا تفصیل العلاّمة فی التذکرة فی باب القرض فما ذکره بقوله: «... و إن لم یکن

ص: 498


1- (12) تذکرة الفقهاء 13/30.
2- (13) جامع المقاصد 6/252.
3- (14) مفتاح الکرامة 18/147.
4- (1) کما فی السنن الکبری 6/96 للبیهقی.
5- (2) السنن الکبری 10/273.
6- (3) السنن الکبری 10/277.
7- (4) السنن الکبری 10/277.

مثلیا، فإن کان ممّا ینضبط بالوصف _ و هو ما یصحّ السلف فیه کالحیوان و الثیاب _ فالأقرب أنه یضمنه بمثله من حیث الصورة [و استدل له بخبرین عامین]... و أمّا ما لایضبط بالوصف _ کالجواهر و القسیّ و ما لایجوز السلف فیه _ تثبت فیه قیمته...»(1).

و أمّا خلاف أبی علیّ الإسکافی فقد مرّ فی أوّل البحث عن المثلی و کذا قول المحقّق الثانی فی اضمحلاله.

و بالجملة: لم یثبت الخلاف فی باب الغصب الذی تلحق به مسألة المقبوض بالعقد الفاسد، نعم الخلاف ثابت فی باب القرض من الشیخ فی خلافه و المحقّق فی شرائعه، و کذا ورد تفصیل فیه من العلاّمة فی تذکرة الفقهاء کما مرّ، و لذا استظهر السیّد المجاهد(2) عدم الخلاف بین الأصحاب.

و قال صاحب الجواهر: «(و إن لم یکن) المغصوب المتلف (مثلیا) بل کان قیمیا کالحیوان و نحوه ممّا لم یکن لعقلاء العرف طریق للحکم بالمساواة فیما له مدخلیة فی مالیته

من صفاته الذاتیة فی الصنف (ضمن قیمته)، بلاخلاف معتد به فی ذلک هنا، نعم تقدّم للمصنف فی کتاب القرض ضمان القیمی بمثله و قد سمعت الکلام فیه هناک(3)»(4).

أقول: یمکن أن یستدل لشیخ الطائفة فی قرض الخلاف(5) و للمحقّق فی قرض الشرائع(6) من أداء المثل فی قرض القیمی بأنّ ذمة الدائن مشغولة بالعین أوّلاً و مع تلفها

ص: 499


1- (5) تذکرة الفقهاء 13/30 و 31.
2- (6) راجع المناهل /298.
3- (1) راجع الجواهر 25/20.
4- (2) الجواهر 37/100.
5- (3) الخلاف 3/175، مسألة 287.
6- (4) الشرائع 2/62.

تکون مشغولة بالمثل لأنّه بعد تلف العین انتقل الضمان إلی مثلها و هو الکلّی المتحد مع العین التالفة فی جمیع الخصوصیات إلاّ الخصوصیات الدخلیة فی التشخص الخارجی، فإذا وجد المثل یجب إعطاؤها و إن لم یوجد حین الأداء ینتقل الضمان إلی القیمة.

و فی الجملة: بعد تلف العین ینتقل الضمان إلی المثل حتّی فی القیمیات و مع فرض عدم وجدانه ینتقل إلی القیمة کما یظهر من الشیخ الأعظم(1) و علیه الفقیه الیزدی(2).

نعم: لو تعذر أداء المثل _ علی الاطلاق _ فالتّکلیف بأدائه یکون لغوا فیتعلَّق بالقیمة حتّی ابتداءً، و من هنا یظهر عدم تمامیة اطلاق کلام الفقیه الیزدی. کما یستشکل علیه: ب_ «أنّ لازم ما اختاره هو جواز امتناع المضمون له عن قبول القیمة فی فرض تعذر المثل علی الاطلاق، و هذا ممّا لایمکن الالتزام به»(3).

و یؤید هذه المقالة الروایات الدالة علی جواز أداء المثل عن القیمی فی باب القرض:

منها: حسنة صباح بن سیابة قال: قلت: لأبی عبداللّه علیه السلام : إنّ عبداللّه بن أبی یعفور أمرنی أن أسالک قال: إنّا نستقرض الخبز من الجیران فنردّ أصفر منه أو أکبر؟ فقال علیه السلام : نحن نستقرض الجوز الستین و السبعین عددا فیکون فیه الکبیرة و الصغیرة، فلا بأس.(4)

و منها: حسنة اسحاق بن عمار قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : استقرض الرغیف من الجیران و نأخذ کبیرا و نعطی صغیرا و نأخذ صغیرا و نعطی کبیرا، قال: لابأس.(5)

و منها: فی نوادر أحمد بن محمّد بن عیسی عن الصادق علیه السلام و سئل عن الخبز بعضها

ص: 500


1- (5) المکاسب 3/241 قوله: إلاّ أنّ المتیقن من هذا المتعارف ما کان المثل فیه متعذِّرا... الخ.
2- (6) حاشیة المکاسب 1/495 و ما قبلها.
3- (7) مصباح الفقاهة 3/173.
4- (8) وسائل الشیعة 18/361، ح1، الباب 21 من أبواب الدین و القرض.
5- (9) وسائل الشیعة 18/361، ح2.

أکبر من بعض، قال: لابأست إذا أقرضته.(1)

و یمکن قلع مادة النزاع بما مرّ من تعریف القیمی بأنّه ما لم یکن مثلیا فإذا وجد مثل فهو مثلی و لزم أداؤه و إذا لم یکن المثل فهو قیمی.

و قد یغتفر بعض الخصوصیات فی المثل فی الأمور الرخیصة نحو الخبز و الرغیف و الجوز و نحوها کما ورد فی النصوص و بما ذکرنا یجمع خلاف البعض بین بابی الغصب و القرض و اللّه العالم و الحمدله.

الثانی: الأخبار المتفرقة فی کثیر من القیمیّات.

هناک عدّةٌ من الروایات تدلّ علی الحکم:

منها: مرسلة الصدوق عن الصادق علیه السلام فی حدیث: و إن وجدت طعاما فی مفازة فقوّمْهُ علی نفسک ثم کُلْه، فإن جاء صاحبه فردّ علیه القیمة، الحدیث.(2)

و منها: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال: و سألته عن الرجل یصیب اللقطة فیعرِّفها سنة، ثم یتصدَّق بها، فیأتی صاحبها، ما حال الذی تصدّق بها؟ و لمن الأجر؟ هل علیه أن یردّ علی صاحبها أو قیمتها؟ قال: هو ضامن لها، و الأجر له، إلاّ أن یرضی صاحبها فیدعها، و الأجر له.(3)

و منها: صحیحة اُخری له عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: سألته عن رجل أصاب شاة فی الصحراء هل تحلّ له؟ قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : هی لک أو لأخیک أو للذئب،

ص: 501


1- (1) نوادر أحمد بن محمّد بن عیسی /163، ح422، ولکن فی بحارالأنوار 100/116، ح6 [42/78] و مستدرک الوسائل 13/410، ح1، الباب 21 من أبواب الدین و القرض نقلا عن الفقه الرضوی و هو خطأ.
2- (2) وسائل الشیعة 25/443، ح9، الباب 2 من أبواب کتاب اللقطة.
3- (3) وسائل الشیعة 25/445، ح14، الباب 2 من أبواب کتاب اللقطة.

فخذها و عرّفها حیث أصبتها، فإن عرفت فردّها إلی صاحبها، و إن لم تعرف فکُلْها و أنت ضامن لها، إن جاء صاحبها یطلبها أن تردّ علیه ثمنها.(1)

و منها: معتبرة السکونی عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام فی رجل أقبل بنار فأشعلها فی دار قوم فاحترقت متاعهم، أنّه یغرم قیمة الدار و ما فیها ثمّ یقتل.(2)

و منها: موثقة زید بن علی عن آبائه علیهم السلام قال: أتاه رجل تکاری دابّة فهلکت و أقرّ أنّه جاز بها الوقت، فضمنّه الثمن و لم یجعل علیه کراء.(3)

و منها: روایة السفرة الماضیة.(4)

و منها: الروایات الواردة فی بیع الجاریة المسروقة الماضیات.(5)

و منها: بعض الروایات الأُخر تأتی فیما بعد _ إن شاء اللّه تعالی _ .

الثالث: آیة الاعتداء

و هی قوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(6).

لم یذکرها الشیخ الأعظم بعنوان الدلیل لأنّه یری دلالتها غیر تامة حتّی بالنسبة إلی الضمان فی المثلی(7) و قد مرّت مناقشاته الأربع و أجوبتها منّا، ولکن نحن نری دلالة آیة

ص:502


1- (4) وسائل الشیعة 25/459، ح7، الباب 13 من أبواب کتاب اللقطة.
2- (5) وسائل الشیعة 28/315، ح1، الباب 3 من أبواب حد المحارب _ وسائل الشیعة 29/279، ح1، الباب 41 من أبواب موجبات الضمان.
3- (1) وسائل الشیعة 19/122، ح5، الباب 17 من أبواب کتاب الإجارة.
4- (2) وسائل الشیعة 25/468، ح1، الباب 23 من أبواب کتاب اللقطة.
5- (3) راجع وسائل الشیعة 21/203، الباب 88 من أبواب نکاح العبید و الإماء.
6- (4) سورة البقرة /194.
7- (5) ولکنّه قیّد بالآیة الشریفة شمول الإجماع _ علی فرض وجوده _ للمثل الموجود للتالف القیمی راجع المکاسب 3/241 قوله: و علی تقدیره ففی شموله... الخ.

الاعتداء بالنسبة إلی ضمان المثل فی المثلی و القیمة فی القیمی، لأنّ «ما» فیها موصولة _ کما أنّها ظاهرة منها _ لا مصدریة غیر زمانیة، و ما الموصولة تحمل علی ما هو الأعم من الفعل _ أیّ الاعتداء _ و المعتدی به _ أیّ الأعیان الخارجیة من العرض و النقد _ ، و المثل فی الآیة یحمل علی المعنی اللغوی أی المماثلة فی الفعل _ الإعتداء _ و العین _ المعتدی به _ الأعیان من العرض و النقد _ و المماثلة فی الفعل واضح أعنی الضرب فی مقابل الضرب و الجرح فی مقابل الجرح و القتل فی مقابل القتل، و المماثلة فی العین هی المماثلة فی الذات و الصفات و المالیة _ أیّ المماثلة المطلقة _ و إذا فقدت المماثلة فی الذات و الصفات، تبقی المماثلة فی المالیة _ و هی القیمة _ فحینئذ بعد فقدان المثل تصل النوبة إلی القیمة بدلالة الآیة الشریفة.

وافقنا علی دلالة الآیة الشریفة فی ضمان القیمی بالقیمة الشیخ فی کتابیه(1) و ظاهر ابن ادریس(2) و العلاّمة(3) و الطبرسی(4) و قطب الدین الراوندی(5) و الفاضل المقداد(6) و

غیرهم کما مرّ هذا البحث مفصلاً فی الدلیل الأوّل من المقام الثانی فی بحث ضمان المثلی بالمثل.(7)

تنبیه:

قال الشیخ الأعظم: «فلا حاجة إلی التمسک بصحیحة أبی ولاّد(8) الآتیة فی ضمان

ص:503


1- (6) المبسوط 3/60، الخلاف 3/402 و 406.
2- (7) السرائر 2/480.
3- (8) تذکرة الفقهاء 2/383 من الطبع الحجری.
4- (9) مجمع البیان 1/288 من طبع مصر.
5- (10) فقه القرآن 2/74.
6- (11) کنز العرفان 2/84.
7- (1) راجع صفحة 446 من هذا المجلد.
8- (2) وسائل الشیعة 19/119، ح1، الباب 17 من أبواب الإجارة.

البغل»(1). هذا البیان منه تعریض لصاحب الجواهر حیث أنّه استدل علی ضمان القیمی بالقیمة بها و قال: «لظهور صحیح أبی ولاّد...»(2).

لأنّه ورد فیها: «نعم قیمة بغل یوم خالفته...»(3) و البغل من الحیوانات و الحیوان قیمی فإذا تلفت اشتغلت الذمة بقیمتها لابمثلها.

ولکن یری الشیخ الأعظم استغناءه عن هذه الصحیحة لإمکان المناقشة فی دلالتها، لأنّ کلمة «بغل» فیها نکرة و هی ظاهرة فی کونها بغلاً غیر معیّن فحینئذ یتمّ قول من ذهب إلی أنّ الثابت فی الذمة بغلٌ غیر معیّن و هو المثل و أنّ القیمة بدل عنه، فلا تدل علی أنّ الثابت فی الذمة فی القیمیات القیمة.

و کذا قال الشیخ الأعظم: «و لابقوله صلی الله علیه و آله : من أعتق شقصا من عبدٍ قُوِّم علیه»(4).

أقول: الروایة عامیّة مرّ مصدرها فی مقالتی ذیل کلام الفقیه العاملی رحمه الله ، ولکن رُوی نظیرها من طرقنا فی الباب 18 من أبواب کتاب العتق من وسائل الشیعة 23/36 و یأتی بعضها، و هذا أیضا تعریض بصاحب الجواهر(5) و أمّا المناقشة فی دلالتها: فلأنّها حکم تعبدی لتغلیب جانب الحریة و لم یکن مرتبطا بالإتلاف و ضمان القیمی بالقیمة.

و الشیخ الأعظم یری استغناءَهُ عن الصحیحة و روایات انعتاق العبد ولکن بعد سطور استدل بها بقوله: «بل یمکن دعوی انصراف الاطلاقات الواردة فی خصوص بعض

ص:504


1- (3) المکاسب 3/240.
2- (4) الجواهر 37/100.
3- (5) وسائل الشیعة 19/120.
4- (6) المکاسب 3/240.
5- (7) راجع الجواهر 37/100.

القیمیات _ کالبغل و العبد و نحوهما _ لصورة تعذّر المثل کما هو الغالب»(1). و قال أیضا: «...

فیردّه اطلاقات الروایات الکثیرة فی موارد کثیرة: منها: صحیحة أبی ولاّد الآتیة، و منها: روایة تقویم العبد...»(2).

و الجمع بین الاستغناء عن الاستدلال بهما ثم الاستدلال بهما لایتم کما قال المحقّق الإیروانی: «... إنّ اظهار الاستغناء ثم العود إلی التشبّث بهما بعد سطرین لیس کما ینبغی»(3).

دفعُ وَهْمٍ:

قد یقال: یظهر من بعض الروایات أنّ الأصل فی الضمان هو القیمة بلافرق بین القیمی و المثلی:

منها: معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علیّ علیهم السلام أنّه قضی فی رجل أقبل بنار فأشعلها فی دار قوم فاحترقت و احترق متاعهم، قال: یغرم قیمة الدار و ما فیها ثمّ یقتل.(4)

هذه الروایة قد مرّت ولکن کررنا ذکرها للتنبیه علی أن بعض متاع البیت یمکن أن یکون مثلیّا و مع ذلک قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام بلزوم دفع قیمته فیمکن أن یستفاد منها أنّ الأصل الأولیّ فی الضمان القیمة.

و یمکن أن یناقش فی هذه الدلالة بأنّ الانتقال إلی القیمة لسهولة الدفع و الأخذ للضمان و للمالک و یمکن أن یعطف «ما فیها» علی «قیمة» لا علی «الدار» فحینئذ تدل علی مطلق التغریم لا التغریم بالقیمة.

و منها: صحیحة محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی

ص:505


1- (8) المکاسب 3/241.
2- (1) المکاسب 3/242.
3- (2) حاشیة المکاسب 2/145.
4- (3) وسائل الشیعة 29/279، ح1، الباب 41 من أبواب موجبات الضمان.

الرهن إذا کان أکثر من مال المرتهن فهلک أن یؤدّی الفضل إلی صاحب الرهن، و إن کان الرهن أقلّ من ماله فهلک الرهن أدّی إلی صاحبه فضل ماله، و إن کان الرهن یسوی مارهنه فلیس علیه شیء.(1)

و منها: صحیحة أبی حمزة الّثمالی قال: سألت أباجعفر علیه السلام عن قول علی علیه السلام : یترادّان الفضل، فقال: کان علی علیه السلام یقول ذلک، قلت: کیف یترادّان؟ فقال: إن کان الرهن أفضل ممّا رهن به ثمّ عطب ردّ المرتهن الفضل علی صاحبه، و إن کان لایسوی ردّ الراهن ما نقص من

حقّ المرتهن. قال: و کذلک قول علیّ علیه السلام فی الحیوان، و غیر ذلک.(2)

و منها: موثقة اسحاق بن عمّار قال: سألت أبا ابراهیم علیه السلام عن الرجل یرهن الرهن بمائة درهم و هو یساوی ثلاثمائة درهم فیهلک، أ علی الرجل أن یردّ علی صاحبه مائتی درهم؟ قال: نعم، لأنّه أخذ رهنا فیه فضل و ضیّعه، قلت: فهلک نصف الرهن، قال: حساب ذلک، قلت: فیترادّان الفضل؟ قال: نعم.(3)

تقریب دلالة هذه الروایات الثلاث: أنّها تدل علی التهاتر بین مال المرتهن و مال الراهن و کلّ منهما یأخذ الفضل إذا کانت الزائدة فی طرفه و الآخر یعطی، و من المعلوم أنّ التهاتر لایتم مع فرض أنّ المتلَف (بالفتح) مثلیٌّ و صرف دلالة الروایات علی اثبات التهاتر تدل علی أنّ الضمان یکون بالقیمة حتّی فی المثلیات.

و فیه: الضمان فی المثلی بالمثل و فی القیمی بالقیمة و ما ورد فی هذه الروایات لأجل قضیة التهاترو لذا بدّل علیه السلام المثلی بالقیمة لأجل ثبوت التهاتر و تعیین أنّ الزیادة لِمَنْ؟ للراهن أو المرتهن. إذا کان فی البین التهاتر، فلا تدل الروایات علی أنّ الأصل فی الضمان هو

ص:506


1- (4) وسائل الشیعة 18/392، ح4، الباب 7 من أبواب کتاب الرهن.
2- (1) وسائل الشیعة 18/390، ح1، الباب 7 من أبواب کتاب الرهن.
3- (2) وسائل الشیعة 18/391، ح2.

القیمة. و اللّه العالم.

تکمیلٌ:

عدّة من الروایات فی أبواب مختلفةٍ من الفقه نحو العاریة و الودیعة و الإجارة و اللقطة و ما ورد فی ضمان الغسّال و الصبّاغ و القصّار و الصائغ و البیطار و الدّلال و نحوهم تدلّ علی مطلق الضمان و لم ترد فیها ضمانهم بالقیمة مع أنّها وردت فی القیمیات، فهل هذه الروایات تدل علی أنّ الأصل الأوّلی فی الضمان هو المثل و مع فرض عدم الحصول علیه تصل النوبة إلی القیمة، أو أنّ القیمی ما لیس له مثلٌ کما مرّ؟ لایبعد بل الظاهر ذلک أذکر لک بعضها حتّی یتبیّن لک ما قد سردته علیک.

منها: صحیحة محمّد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: قضی أمیرالمؤمنین علیه السلام فی رجل أعار جاریة فهلکت من عنده و لم یبغها غائلة، فقضی أن لایغرمها المعار، و لایغرّم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم یکرهها أو یبغها غائلة.(1)

و بحکم الشرط إذا أکرهها أو أبغیها غائلة فله الغرم أیّ الضمان مع أنّ المورد فیها هی

الجاریة و الدابة وکلتاهما قیمیّتان ولکن لم یرد فیها القیمة.

و منها: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه أبی الحسن علیه السلام قال: سألته عن رجل استاجر دابّة فأعطاها غیره فنفقت، ما علیه؟ قال: إن کان شرط أن لایرکبها غیره فهو ضامن لها، و إن لم یسمّ فلیس علیه شیء.(2)

و منها: حسنة الحسن بن زیاد الصیقل عن أبی عبداللّه علیه السلام فی رجل اکتری من رجل دابة إلی موضع فجاز الموضع الذی تکاری إلیه فنفقت الدابة، قال: هو ضامن و علیه

ص:507


1- (3) وسائل الشیعة 19/93، ح9، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة.
2- (1) وسائل الشیعة 19/118، ح1، الباب 16 من أبواب کتاب الإجارة.

الکراءُ بقدر ذلک.(1)

و المراد بالمیثمی فی سند الروایة إمّا أحمد بن الحسن بن اسماعیل بن میثم الثقة، أو محمّد بن الحسن بن زیاد الثقة أو علی بن اسماعیل بن شعیب الممدوح، فهو لاأقل من کونه ممدوحا، و الحسن بن زیاد الصیقل حسنٌ لأنّه یروی عنه عدّة من أصحاب الإجماع و مشایخ الطائفة فالسند حسنٌ أو معتبر.

و منها: صحیحة أبی الصباح قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن القصار هل علیه ضمان؟ فقال: نعم، کلّ من یعطی الاُجرة لیصلح فیفسد فهو ضامن.(2)

و المراد بأبی الصباح هو ابراهیم بن نعیم الکنانی الثقة الراوی عن أبی عبداللّه علیه السلام و أبیجعفر علیه السلام و هو کثیر الروایة.

و منها: موثقة زید بن علی عن آبائه علیهم السلام أنّه اُتی بحمّال کانت علیه قارورة عظیمة فیها دهن فکسرها فضمّنها إیاه، و کان یقول: کلّ عامل مشترک إذا أفسد فهو ضامن، فسألته ما المشترک؟ فقال: الذی یعمل لی و لک و لذا.(3)

الظاهر أنّ الروایة منقولة عن جده أمیرالمؤمنین علیه السلام بقرینة أُتی.

و منها: صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: و سألته عن الرجل یصیب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة، کیف یصنع بها؟ قال: یعرّفها سنة فإن لم یعرف صاحبها حفظها فی عرض ماله حتّی یجیء طالبها فیعطیها إیّاه، و إن مات أوصی بها، فإن أصابها شیء فهو ضامن.(4)

ص:508


1- (2) وسائل الشیعة 19/121، ح4، الباب 17 من أبواب کتاب الإجارة.
2- (3) وسائل الشیعة 19/145، ح13، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة.
3- (4) وسائل الشیعة 19/152، ح13، الباب 30 من أبواب کتاب الإجارة.
4- (5) وسائل الشیعة 25/444، ح13، الباب 2 من أبواب کتاب اللقطة.

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام رجل ورث غلاما، و له فیه شرکاء، فاعتق لوجه اللّه نصیبه، فقال: إذا أعتق نصیبه مضارّة و هو مؤسر ضمن للورثة، و إذا أعتق لوجه اللّه کان الغلام قد أعتق من حصّة من أعتق، و یستعملونه علی قدر ما أعتق منه له و لهم، فإن کان نصفه عمل لهم یوما و له یوم، و إن أعتق الشریک مضارّا و هو معسر فلا عتق له، لأنّه أراد أن یفسد علی القوم، و یرجع القوم علی حصصهم.(1)

و هذه الصحیحة عُدَّتْ من أدلة قاعدة لاضرر کما مرّ فی أبحاثنا الأصولیة.

المقام الثانی: تعیین القیمة فی القیمیات
اشارة

إذا اختلفت القیمة، فهل یضمن الضامن من قیمة یوم القبض أو الغصب، أم قیمة یوم التلف أو قیمة یوم الأداء أو أعلی القیم؟ أقوال.

القول الأوّل: قیمة یوم القبض أو الغصب

و «هو خیرة المقنعة(2) و المراسم(3)، و المبسوط(4) و النهایة(5) فی موضع منهما، و النافع(6) و کشف الرموز(7) و کأنّه مال إلیه فی الإرشاد(8)، و فی الشرائع(9) و التحریر(10) أنّه

ص:509


1- (1) وسائل الشیعة 23/40، ح12، الباب 18 من أبواب کتاب العتق.
2- (2) المقنعة /607.
3- (3) لم أعثر علیه ولکن نقل عنه فی مفتاح الکرامة 18/147.
4- (4) المبسوط 3/60.
5- (5) النهایة /402 فی بیع الغرر.
6- (6) المختصر النافع /248.
7- (7) کشف الرموز 2/382.
8- (8) إرشاد الأذهان 1/446.
9- (9) شرائع الاسلام 3/189.
10- (10) تحریر الأحکام الشرعیة 4/529.

مذهب الأکثر». کذا فی مفتاح الکرامة(1).

و هذا القول هو مختار المحقّق السیّد الخوئی(2) قدس سره .

القول الثانی: قیمة یوم التلف

«و هو خیرة القواعد(3) فی آخر باب البیع و التذکرة(4) و المختلف(5) و التحریر(6) و

الدروس(7) و التنقیح(8) و جامع المقاصد(9) و مجمع البرهان(10) و المحکی عن القاضی(11)، و فی الدروس(12) و کذا الروضة(13) نسبته إلی الأکثر. و قد یظهر من النافع(14) أنّه لیس قولاً لأحد و أنما هو مجرد وجه...»(15).

ص:510


1- (11) مفتاح الکرامة 18/148.
2- (12) مصباح الفقاهة 3/184 و 197.
3- (13) القواعد 2/95.
4- (14) تذکرة الفقهاء 10/299.
5- (15) مختلف الشیعة 6/116.
6- (16) تحریر الأحکام الشرعیة 4/530.
7- (1) الدروس الشرعیة 3/113.
8- (2) التنقیح الرائع 4/70.
9- (3) جامع المقاصد 6/246.
10- (4) مجمع الفائدة و البرهان 10/527.
11- (5) المهذب 1/437 و حکاه عنه العلاّمة فی المختلف 6/116.
12- (6) الدروس 3/113.
13- (7) الروضة البهیة 7/41.
14- (8) المختصر النافع /248.
15- (9) مفتاح الکرامة 18/151.

و هذا القول هو مختار أصحاب الجواهر(1) و العناوین(2) و المکاسب(3) و بغیة الطالب(4)، و السیّد الخمینی(5) قدس سرهم .

القول الثالث: أرفع القیم من حین القبض أو الغصب إلی حین التلف

«و هو خیرة الخلاف(6) و المبسوط(7) و النهایة(8) فی موضع منهما، و الوسیلة(9) و الغنیة(10) و السرائر(11) و الإیضاح(12) و اللمعة(13) و المقتصر(14)، و التبصرة(15) علی

إشکال. و کذا شرح الإرشاد(16) للفخر، و فی بیع المختلف(17) نسبته إلی علمائنا و فی

ص:511


1- (10) جواهر الکلام 37/105.
2- (11) العناوین 2/536.
3- (12) المکاسب 3/251 و ما بعدها.
4- (13) بغیة الطالب 1/270.
5- (14) البیع 1/420 و 430.
6- (15) الخلاف 3/415، مسألة 30.
7- (16) المبسوط 3/72.
8- (17) لم أجده و نقل عنه فی مفتاح الکرامة 18/149، و قبله نقل عن النهایة ابن فهد الحلّی فی المهذب البارع 4/252 و المقتصر /342.
9- (18) الوسیلة /276.
10- (19) غنیة النزوع /279.
11- (20) السرائر 2/481.
12- (21) إیضاح الفوائد 2/175.
13- (22) اللمعة الدمشقیة /235.
14- (23) المقتصر /342.
15- (24) تبصرة المتعلّمین /108.
16- (1) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 18/150.
17- (2) مختلف الشیعة 5/56.

غصبه(1) أنّه أشهر و استحسنه فی الشرائع(2)، و کأنّه قال به أو مال إلیه فی الکفایة(3)، و فی المسالک(4) أنّ فی خبر أبی ولاّد ما یدلّ علی وجوب أعلی القیم بین الوقتین، و کأنّه قال به وقوّاه فی الروضة(5) أیضا لمکان هذا الخبر الصحیح... و فی الدروس(6) أنّه أنسب بعقوبة الغاصب»(7).

و هذا القول هو مختار المحقّق الإیروانی(8) رحمه الله .

القول الرابع: أعلی القیم من حین القبض أو الغصب إلی حین ردّ القیمة

حکی الشهید الثانی(9) هذا القول عن المحقّق(10) فی أحد قولیه و اختاره الوحید البهبهانی فی حاشیته علی مجمع الفائدة(11) و نقل عنه ابن اخته فی الریاض(12)، و علّق علیه صاحب المفتاح بقوله: «هذا قول آخر غیر مشهور»(13). و قال سیّد الریاض «و کیف کان فالمسألة محل إشکال. و الاحتیاط یقتضی المصیر إلی مختار الخال، لکن علی سبیل

ص:512


1- (3) مختلف الشیعة 6/116.
2- (4) الشرائع 3/189.
3- (5) الکفایة 2/640.
4- (6) المسالک 12/186.
5- (7) الروضة البهیة 7/42 و 43.
6- (8) الدروس 3/113.
7- (9) مفتاح الکرامة 18/149.
8- (10) حاشیته علی المکاسب 2/152.
9- (11) الروضة البهیة 7/40 و المسالک 12/186.
10- (12) اُنظر ترددات الشرائع 2/110.
11- (13) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /624.
12- (14) ریاض المسائل 14/30.
13- (15) مفتاح الکرامة 18/151.

الاستحباب»(1).

القول الخامس: أعلی القیم من یوم التلف إلی یوم الأداء

لم أعرف قائله فعلاً ولکن ذکره المحقّق السیّد الخوئی(2) فی ضمن الأقوال.

و هو وجه أو قول عند الشافعیة(3) و الحنابلة، جاء فی الإنصاف: «و قیل أکثرهما _ یعنی أکثر القیمتین _ قیمته یوم البدل و قیمته یوم التلف»(4).

القول السادس: قیمة یوم الأداء

قال به السیّد الیزدی و یراه «الأوفق بالقاعدة حسبما عرفت من عدم الانقلاب»(5).

مراده عدم انقلاب ضمان المثل إلی القیمة إلاّ حین فقدان المثل و أدائها.

القول السابع: قیمة یوم البیع

فی مسألتنا المقبوض بالبیع الفاسد، ذهب إلیه المفید(6) و الشیخ(7) و ابن البراج(8) و أبوالصلاح(9).

و هناک أقوال أُخَر أو وجوه لعلّها تبلغ خمسة عشر قولاً و وجها کلّها من العامة الضعفاء تجدها فی کتاب «المال المثلی و المال القیمی فی الفقه الاسلامی»(10).

ص:513


1- (16) ریاض المسائل 14/30.
2- (1) مصباح الفقاهة 3/177.
3- (2) نهایة المحتاج 5/162.
4- (3) الانصاف 6/191.
5- (4) حاشیة المکاسب 1/502.
6- (5) المقنعة /593.
7- (6) النهایة و نکتها 2/145.
8- (7) لم أجدها فی المهذب و لا فی جواهره و نقل عنه فی المختلف 5/244.
9- (8) الکافی فی الفقه /353.
10- (9) للشیخ العلاّمة الدکتور عباس ابن الشیخ علی ابن الشیخ محمّد رضا ابن الشیخ هادی ابن الشیخ عباس ابن الشیخ علی ابن الشیخ جعفر کاشف الغطاء _ قدس سره أسرارهم _ نشر الذخائر، النجف الأشرف، 1420ق و طبع للمرّة الثانیة بقم عام 1430ق من منشورات بوستان کتاب.
الاستدلال للقول الأوّل: قیمة یوم القبض أو الغصب

استدلوا له بفِقْرَتی صحیحة أبی ولاّد الماضیة(1) و هما:

الفقرة الاُولی: «نعم، قیمة بغل یوم خالفته».

و استدل بهذه الجملة بوجهین:

الوجه الأوّل: الظرف فیها و هو کلمة «یوم» قید لکلمة «قیمة» و قد قرّبوه بأنحاء مختلفة:

1_ الظرف «الیوم» یتعلق ب_ «قیمة» لأنّها و إن لم تکن معنی حدثیّا ولکن فیها شائبة الحدثیّة، لأنّها لیست من الجوامد المحضة حتّی لایصح تعلّق الظرف بها، و کلمة «بغل» مجرور باضافة القیمة إلیه، و یؤید هذا النحو من الاستدلال تعریف الکلمة أی «البغل» کما فی الوافی(2) و بعض نسخ التهذیب(3) و نسخة خطیة من الکافی(4) و فی إجارة الحدائق(5) و بیعه(6) و حینئذ فلا یصلح للإضافة إلی ما بعده و إذن فمفاده أنّ الثابت علی الغاصب إنّما هو قیمة یوم المخالفة أی یوم الغصب.

و فیه: لایمکن أن یتعلق الظرف بکلمة «قیمة» لأنّها من الجوامد و لیست معنی

ص:514


1- (10) الکافی 5/290، ح5، التهذیب 7/215، ح25، الاستبصار 3/134، ح2 و نقل عنهم فی وسائل الشیعة 19/119، ح1، الباب 17 من أبواب کتاب الإجارة.
2- (1) الوافی 18/933.
3- (2) نقل عنها المحقّق الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/181.
4- (3) نقل عنها الشهیدی فی هدایة الطالب 2/360.
5- (4) الحدائق 21/595.
6- (5) الحدائق 18/469.

حدثیّا و متعلّق الظرف لابدّ أن یکون معنیً حدثیّا.

2_ جملة «قیمة بغل»، مضاف و مضاف إلیه، تضاف إلی جملة «یوم خالفته» فتدلّ علی المطلوب أی إثبات ضمان قیمة البغل یوم الغصب.

و فیه: هذا البیان لایجتمع مع تعریف کلمة «البغل» الواردة فی الوافی و بعض نسخ التهذیب، لأنّ ذلک مانع من إضافته إلی ما بعده.

3_ کلمة «القیمة» أُضیفت مرّة إلی «بغل» و مرّة أُخری إلی «یوم»، و إسقاط حرف التعریف من کلمة «بغل» المشیر إلی بغل معین خارجی الذی وقعت علیه الإجارة، حاصل بالإضافة المسوقة لبیان العهد الخارجی و إذن حرف التعریف فیها یکون لغوا و خالیا مِنَ الفائدة.

و لعلّ إلی ما ذکرنا فی هذا النحو من الاستدلال أشار الشیخ الأعظم بقوله: «فإن الظاهر أنّ الیوم قید للقیمة إمّا بإضافة القیمة المضافة إلی البغل إلیه ثانیا، یعنی قیمة یوم المخالفة للبغل، فیکون إسقاط حرف التعریف من البغل للإضافة، لا لأنّ ذا القیمة بغل غیر

معین، حتّی توهم الروایة مذهب من جعل القیمی مضمونا بالمثل، و القیمة إنّما هی قیمة المثل»(1).

و فیه: أنّ المضاف إلی شیءٍ أوّلاً لایضاف إلی غیره ثانیا لأنّ ذلک مخالف بطریقة أهل الاستعمال.

و یمکن أن یکون مراده قدس سره : أنّ کلمة «قیمة» اُضیفت إلی کلمة «بغل» أوّلاً، ثم جملة «قیمة بغل» تضاف إلی جملة «یوم المخالفة» ثانیا فحینئذ یرجع إلی النحو الثانی من الاستدلال و یردّه ما ردّه من تعریف کلمة «البغل» فی الوافی و بعض نسخ التهذیب.

ص:515


1- (1) المکاسب 3/247.

4_ ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره ثانیا بقوله: «و إمّا بجعل الیوم قیدا للاختصاص الحاصل من اضافة القیمة إلی البغل»(1).

و مراده: إنّ لفظ یوم قید للاختصاص الحاصل من إضافة لفظ «قیمة» إلی کلمة «بغل» فیکون الظرف أی «یوم» منصوبا للاختصاص و معنی الجملة: أنّ علی الغاصب القیمة المختصة بالبغل یوم المخالفة أی الغصب.

و فیه: أوّلاً: العامل فی الظرف لایکون إلاّ الفعل أو شبهه دون الحرف.

و ثانیا: الاختصاص الحاصل من الإضافة یکون معنا حرفیا فلا یمکن أن یکون محکوما به و لامحکوما علیه، فإذن لامعنی لتقییده أصلاً.

5_ کلمة «قیمة» تضاف إلی «بغل» و کلمة «بغل» تضاف إلی «یوم» و لابأس بتتابع الإضافات کما وقع فی أفصح کلام العرب و هو قوله تعالی: «مثلَ دأبِ قومِ نوحٍ و عادٍ و ثمودَ و الذین مِنْ بعدهم...»(2).

فحینئذ یصیر المعنی: علی الغاصب قیمةُ بغلٍ یومِ المخالفة أی الغصب.

و فیه: لایتم هذا الوجه مع تعریف کلمة «البغل» کما فی الوافی و بعض نسخ التهذیب لأنّ الاسم المحلّی باللام لایضاف إلی ما بعده کما هو الظاهر.

و أمّا المناقشة(3) فی هذا النحو من الاستدل من عدم صحة اضافة لفظ «بغل» إلی «یوم» کما لایصح أن یقال: دار یوم و أرض أمس و غرفة غد، لا تتمّ صحّة هذه الاضافة کما

یصح أن یقال: رجل الیوم و مرأة اللیل و عالم الغد و بطله و هذه الاضافة تعدّ من محاسن الکلام.

ص:516


1- (2) المکاسب 3/247.
2- (3) سورة غافر /31.
3- (4) المناقِش هو المحقّق الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/183 کما أنّ جمیع هذه الوجوه له.

الوجه الثانی: و هو ما احتمله جماعة(1)

«من تعلّق الظرف بقوله «نعم» القائم مقام قوله علیه السلام : یلزمک، یعنی یلزمک یوم المخالفة قیمة بغل» کما فی المکاسب للشیخ الأعظم قدس سره .

مراده ما ورد فی سؤال أبی ولاّد: أرأیت لو عطب البغل و نفق(2) ألیس کان یلزمنی؟ قال علیه السلام : نعم قیمة بغل یوم خالفته.(3)

لفظ «نعم» قام مقام فعل یلزمک فیکون شبیة بالفعل و یصح تعلق الظرف به و أنّه العامل فی الظرف، و یدلّ علی ثبوت قیمة یوم الغصب أو القبض علیه.

ولکن یرد علی هذا الاستدلال: أوّلاً: هذا یدل علی أنّ الضمان یثبت فی یوم المخالفة و الغصب و أمّا مقداره غیر مذکور، فهل یتعلق بقیمة البغل یوم الغصب أو التلف أو الأداء أو غیرها لم یرد فیه.

و ثانیا: لایمکن أخذ هذا الاستدلال لأنّه واضح البطلان من جهة أنّ الضمان لایتعلَّق بالقیمة إلاّ بعد تلف العین و فی یوم المخالفة، العین باقیة فلا یمکن الأخذ به.

و ثالثا: أ: یردّ هذا الاستدلال الجملة الآتیة بعدها فی الصحیحة حیث یسأل أبوولاّد: فإن أصاب البغل کسرٌ أو دَبْرٌ(4) أو غمز(5)، فقال علیه السلام : علیک قیمة ما بین الصحة و

ص:517


1- (1) منهم: المحقّق السبزواری فی الکفایة 2/643 و سیّد الریاض 14/27 و أصحاب المفتاح 18/148 و 12/638 و الجواهر 37/101 و المستند 14/290 و المکاسب 3/247 و الکلّ یردّون علیه و لایقبلونه.
2- (2) عَطَب الرجل عطبا: هلک، یکون فی الناس و غیرهم. و عطب البعیرة: انکسر، نَفَق الرجل و الدابة نفوقا: ماتا و خرجت روحهما.
3- (3) وسائل الشیعة 19/120.
4- (4) الدبر بالتحریک کالجراحة تحدث فی الرِجْل و غیره.
5- (5) غمزت الدابة: مالت من رجلها، و الغمر: العطش، و العقر: الجرح.

العیب یوم تردّه علیه.(1)

حیث حکم الإمام علیه السلام بالأرش بقیمة یوم ردّه _ أیّ یوم الأداء _ . لایوم قبضه أو غصبه.

ب: و کذا الجملة التی تلیها من قوله علیه السلام : «أنّ قیمة البغل حین اکتری کذا و کذا

فیلزمک»، حیث بظاهرها تدلّ علی ثبوت قیمة یوم الاکتراء و لم یقل به أحد.

نعم، لو لم تکن کلمة «یوم» فی الصحیحة کما ادّعاها صاحب الجواهر بقوله: «إنّ الموجود فیما حضرنی من نسخة التهذیب الصحیحة المحشاة «تردّه علیه» من دون لفظ «یوم» و معناه أنک تردّ الأرش علیه مع البغل...»(2).

و لأنّ ردّ الأرش لایکون إلاّ فی یوم الردّ فحینئذ وجود کلمة «یوم» وعدمها فی الروایة علی السّواء کما اعترف بما ذکرنا صاحب الجواهر بقوله: «... فالمتجه أن یراد منه أنّ علیک ردّ الأرش حین تردّ البغل».

فعلیه لایتم الردّ «الف»، ولکن لو قلنا بأنّ الأصل عدم الزیادة، فلابدّ من الأخذ ب_«الیوم» و یتمّ الردّ و هذا هو المتجه.

و لذا قال الشیخ الأعظم فی شأن هذا الوجه من الاستدلال: «بعید جدّا بل غیر ممکن»(3).

أختتم هذا الوجه من الاستدلال بذکر مقالة العلاّمة الشیخ أبیالحسن الشعرانی رحمه الله فی تعلیقته علی الوافی قال: «قوله: «قیمة البغل یوم خالفته» یوم ظرف لغو متعلِّق بیلزمک المقدَّر، أی یلزمک القیمة لزوما معلَّقا علی التلف یوم خالفته فإنّه یوم تحقّق الغصب و هو

ص:518


1- (6) وسائل الشیعة 19/120.
2- (1) الجواهر 37/102.
3- (2) المکاسب 3/248.

مبدأ الضمان، و حمله جماعة من الفقهاء إنّ الیوم صفة القیمة أی القیمة الثابتة للبغل یوم المخالفة، و علی هذا فهو ظرف مستقر و هو بعید، إذ لایختلف عادة قیمة البغل فی خسمة عشر یوما و لایمکن أن یتردّد الناس فی أنّ القیمة المضمونة قیمة أیّ یوم منها، و لامراد الإمام علیه السلام رفع تردّدهم بأنّها قیمة یوم الغصب و القرینة علی ما ذکرنا قوله: «علیک قیمة ما بین الصحة و العیب یوم تردّه علیه» فإنّ هذا أیضا ظرف لغو متعلَّق بیلزمک المفهوم من قوله علیه السلام : «علیک»، و لیس المراد القیمة الثابتة للبغل یوم الردّ، و یؤیده أیضا قوله علیه السلام : «إنّ قیمة البغل حین اکتری کذا...» لأنّ یوم الإکتراء کان قبل یوم المخالفة و یوم الردّ و ثبوت قیمة یوم الاکتراء إن خالف قیمة الیومین ممّا لم یقل به أحد، فلابدّ أن یکون قیمة البغل ثابتة غیر متغیّرة فی خمسة عشر یوما بحیث یکون ثبوتها حین الاکتراء موجبا لثبوتها یوم المخالفة و یوم الردّ لعدم التغییر، فمن تمسّک بهذه الصحیحة علی وجوب خصوص قیمة یوم الردّ أو یوم الغصب کما نقله فی الکفایة(1) فقوله ضعیف جدّا»(2).

و قال قبله المحقّق النائینی: «أن یکون الیوم ظرف لغو متعلِّق بعامل محذوف یدل علیه قوله علیه السلام : نعم، إذ هو فی قوة القول بأنّه یلزمک بعد سؤال السائل أیلزمنی، و ینبغی أن یعلم، أنّ الظرف و ما یجری مجراه کالجار و المجرور لایقع إلاّ لغوا، و منها ما تقع لغوا تارة و مستقرّا اُخری:

و معنی ظرف اللغو: هو ما کان محمولاً علی توابع الذات مثل زید ضرب فی الدار حیث أنّ فی الدار یکون من قیود الضرب الذی من توابع الذات.

و معنی ظرف المستقر: هو ما کان محمولاً علی نفس الذات مثل زید فی الدار، حیث

ص:519


1- (3) الکفایة 2/643.
2- (4) تعلیقته علی الوافی 18/933.

إنّ «فی الدار» من قیود نفس الذات لا من قیود توابعه فمثل کلمة «فی» قد تکون من قیود الذات و قد تکون من قیود توابع الذات و هذا بخلاف مثل کلمة «مِن» حیث أنّها لاتقع إلاّ قیدا لتوابع الذات فیقال: سیر زید من البصرة، و لایقال: نفس زید من البصرة.

و کلمة الیوم ممّا لایمکن أن یقع ظرفا مستقرا و یجعل بنفسها محمولاً علی الذات فیقال: القیمة یوم المخالفة، بل لابدّ من جعله من قیود توابع الذات و هی فی المقام یلزمک المقدَّر بقرینة کلمة «نعم» الواقعة فی جواب السائل «یلزمنی کذا» فیصیر المعنی یلزمک یوم المخالفة قیمة البغل، و علی هذا فقد یقال بأنّه لایدل علی لزوم قیمة یوم المخالفة، بل إنّما یدل علی الضمان من یوم المخالفة و أمّا المقدار المضمون فهل هو قیمة یوم المخالفة أو غیرها فلا دلالة فیها...»(1)

و ظهر ممّا ذکرنا عدم تمامیة مقالة المحقّق السیّد الخوئی _ تبعا لأُستاذه المحقّق النائینی(2) _ قدس سره : «نعم، لابأس بدلالتها علی ذلک التزاما، فإنّ ذکر القیمة فیها ثمَّ إضافتها إلی کلمة بغل ثمّ ذکر یوم المخالفة بعد ذلک من القرائن الظاهرة علی أنّ الإمام علیه السلام إنّما قدّر مالیة المغصوب و بیّن أنّ ضمانها بقیمة یوم المخالفة، إذ لا معنی لکون الضمان یوم الغصب فعلیّا و یکون المدار فیه علی قیمة یوم آخر»(3)

الفقرة الثانیة: «أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أنّ قیمة البغل حین اکتری

کذا و کذا فیلزمک»(4).

قال الشیخ الأعظم فی تقریب الاستدلال بهذه الفقرة: «فإنّ إثبات قیمة یوم الإکتراء

ص:520


1- (1) المکاسب و البیع 1/360.
2- (2) کما فی تقریراته المکاسب و البیع 1/361.
3- (3) مصباح الفقاهة 3/184.
4- (1) وسائل الشیعة 19/120.

من حیث هو یوم الإکتراء لاجدوی فیه، لعدم الاعتبار به، فلابدّ أن یکون الغرض منه إثبات قیمة یوم المخالفة، بناءً علی أنّه یوم الإکتراء، لأنّ الظاهر من صدر الروایة أنّه خالف المالک بمجرد خروجه من الکوفة، و من المعلوم أنّ إکتراء البغل لمثل تلک المسافة القلیلة إنّما یکون یوم الخروج، أو فی عصر الیوم السابق، و معلوم أیضا عدم اختلاف القیمة فی هذه المدّة القلیلة»(1).

توضیح کلامه: یوم الکری لاضمان فیه لأنّ المستأجر لایضمن العین المستأجرة قبل المخالفة فلابدّ من حمله علی فرض اتّحاد یَوْمَیِ الکَرْیِ و المخالفة لأنّ قنطرة الکوفة التی هی مکان المخالفة قریبة من الکوفة التی هی مکان الاکتراء بحیث لایقع فصل بین وقت الاکتراء و بین الوصول إلی القنطرة، فالیومین واحد و الاعتبار بیوم المخالفة للعلم بعدم اعتبار یوم الاکتراء و علی فرض اختلاف الیومین القیمة فیهما تکون واحدة. و إنّما ذکر یوم الکری لا المخالفة لأنّها وقعت من القنطرة و إقامة الشهود علی قیمة البغل حین المخالفة لعلّه کانت عسریّا لعدم من یطلع علیها وقت العبور بخلاف وقت الکری حیث أنّه یقع غالبا بمجمع من الناس فلذلک ذکر یوم الکری و بعد جعل یوم الکری هو یوم المخالفة. کما ظهر من المحقّق النائینی(2).

کما یظهر الأخیر من الشیخ الأعظم بقوله: «إلاّ أن یقال: إنّ الوجه فی التعبیر بیوم الاکتراء مع کون المناط یوم المخالفة هو التنبیه علی سهولة إقامة الشهود علی قیمته فی زمان الاکتراء، لکون البغل فیه غالبا بمشهد من الناس و جماعة من المکارین بخلاف زمان المخالفة من حیث أنّه زمان المخالفة، فتغییر التعبیر لیس لعدم العبرة بزمان المخالفة بل للتنبیه علی

ص:521


1- (2) المکاسب 3/248.
2- (3) المکاسب و البیع 1/362.

سهولة معرفة القیمة بالبینّة کالیمین فی مقابل قول السائل: «و من یعرف ذلک»، فتأمل»(1).

قال الفقیه الیزدی رحمه الله ردّا علی هذا الاستدلال: «لایخفی ما فیه، إذ غایة ما فی هذا البیان توجیهه بحیث لاینافی مادلّ علی کون المدار علی یوم المخالفة علی فرض وجوده، و إلاّ

فلا یمکن أن یکون دلیلاً علیه کما هو الواضح...»(2).

ثم ردّ الشیخ الأعظم الاستدلال علی هذه الفقره بقوله: «نعم، یمکن أن یوهن ما استظهرناه من الصحیحة بأنّه لایبعد أن یکون مبنی الحکم فی الروایة علی ما هو الغالب فی مثل مورد الروایة من عدم اختلاف قیمة البغل فی مدّة خمسة عشر یوما، و یکون السرّ فی التعبیر بیوم المخالفة دفع ما ربّما یتوهّمه أمثال صاحب البغل من العوام: أنّ العبرة بقیمة ما اشتری به البغل و إن نقص بعد ذلک لأنّه خسّره المبلغ الذی اشتری به البغلة»(3).

ثم یؤید الشیخ الأعظم هذا الرد بتأییدین:

الأوّل: «و یؤیّده: التعبیر عن یوم المخالفة فی ذیل الروایة ب_«یوم [حین] اکتری» فإن فیه إشعارا بعدم عنایة المتکلّم بیوم الخالفة من حیث أنّه یوم المخالفة»(4).

الثانی: «و یؤیّده أیضا: قوله علیه السلام فی ما بعد من جواب قول السائل: «و من یعرف ذلک؟ قال: أنت و هو، إمّا أن یحلف هو علی القیمة فیلزمک، فإن ردّ الیمین علیک فحلفت علی القیمة لزمه ذلک، أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أنّ قیمة البغل حین اکتری کذا و کذا فیلزمک...» الخبر(5)، فإنّ العبرة لو کانت بخصوص یوم المخالفة لم یکن وجه لکون القول

ص:522


1- (4) المکاسب 3/250.
2- (1) حاشیة المکاسب 1/505.
3- (2) المکاسب 3/250.
4- (3) المکاسب 3/250.
5- (4) وسائل الشیعة 19/120.

قول المالک مع کونه مخالفا للأصل، ثمّ لا وجه لقبول بیّنته، لأنّ من کان القول قوله فالبینة بینة صاحبه، و حمل الحلف هنا علی الحلف المتعارف الذی یرضی به المحلوف له و یصدّقه فیه من دون محاکمة _ و التعبیر بردّه الیمین علی الغاصب من جهة أنّ المالک أعرف بقیمة بغله، فکان الحلف حقّ له ابتداءً _ خلاف الظاهر»(1).

و اختار صاحب الجواهر(2) و تبعه المحقّق الإیروانی هذا الأخیر فی قضیة الحلف من أنّ «فی مورد الروایة لم یفرض مخاصمة...»(3).

و جوابه: کما مرّ عن الشیخ الأعظم من أنّه خلاف الظاهر، و ظاهرها أنّه وارد فی مورد المخاصمة و المحاکمة. کما عن المحقّق السیّد الخوئی(4).

عویصةٌ فی الصحیحة

ثمّ هذا التّأیید الأخیر فی کلام الشیخ الأعظم یعدّ عویصة فی الصحیحة لأنّ الظاهر فی النزاع فی اختلاف القیمة أنّ المالک یدعی زیادة القیمة فهو مدّعٍ و الغاصب یدّعِیْ القیمة الأقلّ، و الأصل عدم زیادة القیمة فالأصل مطابق لقوله فهو منکرٌ، فعلی قانون القضاء، «البینة علی المدعی و الیمین علی من أنکر» ولکن فی الصحیحة عرض الیمین أوّلاً علی المدعی ثم علی المنکر و کذلک البینة، مضافا إلی أنّه کیف یمکن الجمع بین الیمین و البینة فی شخص واحد؟

و لذا تصدّی الأعلام إلی جوابها:

منهم: صاحب الجواهر و تبعه المحقّق الإیروانی رحمه الله فی مقالته و قد مرّ جوابها و یأتی

ص:523


1- (5) المکاسب 3/251.
2- (6) الجواهر 37/224.
3- (7) حاشیته علی المکاسب 2/151.
4- (8) مصباح الفقاهة 3/192.

نص الجواهر فی المقام.

و تبعهما السیّد الحکیم فی ظاهر کلامه الآتی.

و منهم: شیخ الطائفة

حملها علی التعبد و تخصیص قانون القضاء بها إمّا مطلقا أو فی خصوص الدابة، قال فی النهایة: «و من غصب غیره متاعا و باعه من غیره ثمّ وجد صاحب المتاع عند المشتری کان له انتزاعه من یده... فإن اختلف فی قیمة المتاع، کان القول قول صاحبه مع یمینه باللّه تعالی...»(1).

و علّله المحقّق فی نکت النهایة بقوله: «إنّما کان القول قول المالک لأنّ الثابت فی الذمة هی الشیء المغصوب، فإذا إدّعی الغاصب أنّ القدر المدفوع هو قیمته و أنکر المالک، کان القول قوله، لأنّ الغاصب یدعی خلاص ذمّته ممّا هو ثابت فیها بالقدر المدفوع و أنّ القدر هو قیمة ما فی الذمة و علی هذا التخریج لاتکون هذه الصورة خارجة عن الأصل»(2).

أقول: و أنت تری لو تمّ ما ذکره المحقّق فی تبیّن مراد الشیخ لم یکن کلامه تخصیصا للقاعدة الکلّیة ولکن الشیخ الأعظم استفاد من کلامه تخصیص القاعدة کما یأتی.

و قال الشیخ أیضا: «.. و من اکتری دابّة لیرکبها هو لم یجز أن یرکبها غیره... و إذا اکترها علی أن یرکبها إلی موضع مخصوص لم یجز له أن یتجاوزه و... فإن اختلفا فی الثمن کان

علی صاحبها البینة فإن لم تکن له بینة کان القول قوله مع یمینه فإن لم یحلف و ردّ الیمین علی المستأجر منه لزمه الیمین أو یصطلحان علی شیءٍ و الحکم فیما سوی الدابة فیما یقع الخلف فیه بین المستأجر و المستأجر منه کانت البینة علی المدعی و الیمین علی المدعی علیه»(3).

ص:524


1- (1) النهایة /402.
2- (2) النهایة و نکتها 2/179.
3- (1) النهایة /446.

و صرح المحقّق فی نکتها بأنّه عمل بصحیحة أبیولاّد فتکون مخصصة لقاعدة البینة علی المدعی و الیمین علی المدعی علیه، و أمّا غیر الدابة ممّا یقع الخلاف فی ثمنه فمشمول بعموم القاعدة(1).

و قال فی الحدائق ناقلاً عن الشیخ: «فذهب فی النهایة إلی العمل بالخبر و جعل مقصورا علی مورده و هو الدابة»(2) ثمّ استقوی مختار الشیخ بقوله: «و المسألة لاتخلو من إشکال و إن کان ما ذهب إلیه الشیخ لا یخلو من قوة لصحة الخبر و صراحته فیخصص به عموم القاعدة المذکورة کما خصصوها فی مواضع عدیدة»(3).

و حکی الشیخ الأعظم هذا الحمل من الشیخ بدقّة تلیق به و بعّده بقوله: «و أبعد منه حمل النص علی التعبد و جعل الحکم فی خصوص الدابة المغصوبة أو مطلقا مخالفا للقاعدة المتفق علیها نصا و فتویً من کون البینة علی المدعی و الیمین علی من أنکر کما حیکی عن الشیخ فی بابی الإجارة و الغصب»(4).

أقول: أوّل من ردّ علی الشیخ الطوسیّ فی هذا التخصیص هو ابن ادریس قال بعد نقل مقالته الثانیة فی النهایة: «... و الصحیح أنّه لافرق بین الدابة و غیرها فی ذلک، فالمفرِّق یحتاج إلی دلیل»(5).

و تبعه صاحب الشرائع و قال: «إذا تعدّی فی العین المستأجرة ضمن قیمتها وقت العدوان ولو اختلفا فی القیمة، کان القول قول المالک إن کانت دابةً، و قیل: القول قول

ص:525


1- (2) النهایة و نکتها 2/280 و 281.
2- (3) الحدائق 21/595.
3- (4) الحدائق 21/596.
4- (5) المکاسب 3/252.
5- (6) السرائر 2/465.

المستأجر علی کلّ حالٍ و هو أشبه»(1).

أقول: أوّلاً أشار ب_«قول» إلی الشیخ، و ب_«قیل» تعرض لقول ابن إدریس و هو یراه

أشبه بقواعد المذهب.

و استجود العلاّمة قول ابن ادریس فی المختلف(2).

و تبعهم ثانی الشهیدین و قال فی ذیل قول المحقّق: «القول بالتفصیل للشیخ رحمه الله و الأقوی ما اختاره المصنف من تقدیم قول المستأجر مطلقا، لأنّه منکر»(3).

و استقربه المحقّق السبزواری و قال: «ولو اختلفا فی القیمة قیل: القول قول المالک ان کانت دابة و هو قول الشیخ، و قیل: القول قول المستأجر و لعلّه الأقرب، لأنّه منکر»(4).

و قال صاحب الحدائق: «و ذهب ابن ادریس إلی أنّ القول قول المستأجر لأنّه منکر و لم یفرِّق بین الدابة غیرها و تبعه المتأخرون کالفاضلین و نحوهما غیرهما و أطرحوا الخبر من البین...»(5).

و قال فی الجواهر ممزوجا بمتنه: «(إذا تلف المغصوب و اختلفا فی القیمة ف_) عن المقنعة(6) و النهایة(7) أنّ (القول قول مالک مع یمینه) بل (و) عن التحریر(8) (هو قول الأکثر)

ص:526


1- (7) الشرائع 2/148.
2- (1) مختلف الشیعة 6/150.
3- (2) المسالک 5/221.
4- (3) الکفایة 1/661.
5- (4) الحدائق 21/595.
6- (5) المقنعة /607.
7- (6) النهایة /402.
8- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 4/550.

و إن کنّا لم نجده لغیرهما(1).

(و قیل) و القائل الشیخ(2) و الحلّی(3) و الفاضل(4) و ولده(5) و المقداد(6) و الشهیدان(7) و الکرکی(8) و غیرهم(9) علی ما حکی(10) عن بعضهم: (القول قول الغاصب)

بیمینه، بل فی المسالک(11) نسبته إلی أکثر المتأخرین، بل فی الریاض(12) إلی عامتهم.

(و) لا ریب فی أنّه (هو أشبه) باصول المذهب و قواعده التی منها أصالة براءة ذمّته باعتبار أنّه غارم و منکر»(13).

و ذهب إلی هذا الجمع المحقّق الخراسانی و قال: «ربما یأتی عنه [أیّ من الشیخ الأعظم] أنّه الحلف الفاصل للخصومة فی مقام الحکومة، و یمکن أن یقال: إنّ الإمام علیه السلام إنّما یکون بصدد الاشارة إلی ما یقع معه الخصومة، لا فی مقام بیان موازین الحکومة لدی التشاجر و الخصومة، حیث إنّ الانسان یحصل له الاطمینان بحلف خصمه غالبا لو لم یکن

ص:527


1- (8) ولکن فی الکفایة 2/656: «لا یبعد ترجیحه».
2- (9) المبسوط 3/75 و 95 _ الخلاف 3/412، مسألة 26.
3- (10) السرائر 2/490 و 496.
4- (11) تذکرة الفقهاء 2/399 من الطبع الحجری _ تحریر الأحکام الشرعیة 4/550 _ إرشاد الأذهان 1/448 _ مختلف الشیعة 6/128 _ تبصرة المتعلمین /109.
5- (12) إیضاح الفوائد 2/196.
6- (13) التنقیح الرائع 4/78.
7- (14) الدروس 3/117 _ اللمعة /236 _ المسالک 12/248 _ الروضة البهیة 7/58.
8- (15) جامع المقاصد 6/336.
9- (16) نحو أصحاب المقتصر /344 و الشرائع 3/198 و النافع /249.
10- (17) الحاکی هو السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 18/383 و 384.
11- (1) المسالک 12/249 و تبعه صاحب الکفایة 2/656.
12- (2) ریاض المسائل 14/51.
13- (3) الجواهر 37/223.

دائما، و کان مراده من الحلف أو الردّ، الحلف فی صورة اطمینانه بمقدار القیمة دون صاحبه و الردّ فی صورة العکس فیحصل للجاهل منهما الاطمینان بحلف الآخر فتدبّر»(1).

و فی الریاض: «ولو لا إطباق متأخری الأصحاب علی العمل بالأصل العام و اطرّاح الروایة لکان المصیر إلیها فی غایة القوة، لکن لامندوحة عمّا ذکروه، لاعتضاد الأصل بعملهم، فیترجّح علیها و إن کانت خاصة لفقد التکافؤ، و مع ذلک فالاحتیاط لازم فی المسألة بمراعاة المصالحة»(2).

و قال الفقیه الیزدی ردا علی سیّد الریاض: «قلت: بل هو فی غایة القوة مع ذلک أیضا، و عموم قوله صلی الله علیه و آله : البینة علی المدعی و الیمین علی من أنکر، کسائر العمومات قابل للتخصیص، و الروایة صحیحة کالصریحة، مع أنّ الحکم المذکور مناسب لأخذ الغاصب بأشق الأحوال، فتدبر»(3).

و کذلک اختار المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله مقالة الشیخ و قال: «بل الظاهر _ و اللّه العالم _ هو الأخذ بظاهر الصحیحة من توجّه کلا الأمرین _ أی الحلف و إقامة البینة _ علی المالک فی خصوص الدابة المغصوبة أو فی مطلق القیمی المغصوب، و إذن فتکون الصحیحة مخصصة لقاعدة البیّنة علی المدعی و الیمین علی المنکر، فلا غرو فی ذلک، لأنّ تلک القاعدة لیست من

القواعد العقلیة حتّی لاتقبل التخصیص أو التقیید، بل هی قاعدة فقهیة قابلة لذلک، کما أنّ سائر القواعد الفقهیة کذلک، و علیه فالمستفاد من الصحیحة أنّه إذا اختلف المالک و الغاصب فی زیادة القیمة و نقصانها جاز للمالک أن یحلف علی ما یدعیه من زیادة القیمة أو یرده إلی الغاصب، أو یقیم بینة علی ذلک، فکان هذا الحکم تفضلٌ من الشارع المقدس

ص:528


1- (4) حاشیته علی المکاسب /43.
2- (5) ریاض المسائل 14/52.
3- (6) حاشیة المکاسب 1/509.

للمالک علی رغم من الغاصب»(1).

أقول: فالقائل بتخصیص القاعدة بالصحیحة هما الشیخان و استقواه صاحب الحدائق و اختاره المحقّق الخراسانی و الفقیه الیزدی و المحقّق السیّد الخوئی کما مرّ.

و منهم: صاحب الجواهر

قال فی حمل الصحیحة: «قلت: لکن قد یقال: یمکن حمله علی إرادة بیان أنّ ذلک طریق لمعرفة القیمة مع التراضی بینهما فی ذلک، لا أنّ المراد بیان تقدیم قوله مع عدم التراضی و إلاّ لم یکن معنی لقوله علیه السلام : «أو یأتی... بشهود» ضرورة عدم الحاجة إلیهم فی إثبات قوله بناءً علی أنّ القول قوله.

و لعل التأمل الجیّد یقتضی أنّ المراد بالصحیح المزبور بیان انحصار معرفة القیمة کما هی بهما، لکن بالحلف علی الوجه المزبور أو بالشهود، و هو کذلک فإنّ کلاًّ منهما مدعٍ بالنسبة إلی تعیین کون القیمة کذا فی الواقع، و قولنا بتقدیم قول الغاصب یراد منه تقدیمه بالنسبة إلی نفی شغل ذمّته بالزائد، لا علی تعیین کون القیمة کذا، فلا دلالة فی الصحیح المزبور علی فرض المسألة بما عند الأصحاب من کون المراد شغل ذمّة الغاصب بالزائد و عدمه.

بل إن لم یحمل علی ما ذکرناه من التراضی بینهما علی الیمین لم یکن معنی لقوله علیه السلام : «تعرفها أنت و هو»، ضرورة کون المعرفة للمالک حینئذ، بناءً علی أنّ القول قوله، و لیس المراد من قوله علیه السلام : «فإن ردّ الیمین علیک» الیمین المردودة المصطلحة، إذ تلک إنّما هی علی نفی ما یدعیه المنکر، لا علی إثبات ما یدعیه الغاصب فلا محیص حینئذ عن حمل الصحیح المزبور علی ما ذکرناه و إلاّ نافی قواعد القضاء، فتأمل جیدا. و اللّه العالم»(2).

ص:529


1- (1) مصباح الفقاهة 3/191.
2- (2) الجواهر 37/224.

أقول: قد مرّ هذا الحمل من الشیخ الأعظم و أنّه یراه خلاف الظاهر(1) ولکن اختاره المحقّق الإیروانی(2) و قد مر أنّ ظاهر الصحیحة وارد فی مورد المحاکمة و المخاصمة

و منهم: الشیخ الأعظم

و یظهر من حلّه دلیل قیمة یوم التلف.

ذهب الشیخ الأعظم إلی أنّ توجیه الصحیحة بحیث لا یوجب تخصیص القاعدة مع کون العبرة بقیمة یوم المخالفة ممکن بوجهین:

الأوّل: إذا اتفقا المالک و الغاصب علی قیمة البغل فی الیوم السابق علی یوم المخالفة ثمّ اختلفا فی قیمته یوم المخالفة بأن ادّعی الغاصب نقصانها فی یوم المخالفة و ادّعی المالک بقاءها، فحینئذ یکون المالک منکرا لموافقة قوله مع اصالة عدم النقصان.

الثانی: إذا اتفقا علی قیمة البغل فی الیوم اللاحق لیوم المخالفة ولکن الغاصب یدّعی کونها فی یوم المخالفة أقل من قیمتها فی الیوم اللاحق و المالک ینکر الأقلیة فحینئذ أیضا المالک منکر لموافقة قوله مع أصالة عدم التغییر فی القیمة أو الاستصحاب القهقرائی _ علی القول بحجیته _ .

ولکن الشیخ الأعظم بعد ذکر الوجهین قال: «و لایخفی بعده»(3). و لعل وجه البعد حمل الصحیحة علی الفرد النادر(4) فی هذین الوجهین و لذا عدل عن قیمة یوم المخالفة بقیمة یوم التلف و حلّ العویصة فی ضمن صورتین:

الاولی: المالک و الغاصب یتفقان علی قیمة البغل _ مثلاً یوم الاکتراء _ ولکن اختلفا

ص:530


1- (3) المکاسب 3/251.
2- (4) حاشیة المکاسب 2/151.
3- (1) المکاسب 3/252.
4- (2) کما فی هدایة الطالب 2/373.

فی تنزله عن تلک القیمة یوم التلف و عدمه فحینئذ لابدّ من الأخذ بقول المالک لکونه موافقا للأصل و هو بقاء القیمة و استمرارها أو استصحابها، و الغاصب یدعی نقصان القیمة فلابّد له من اقامة البینة فالقول قول المالک مع یمینه.

الثّانیة: یتفقان علی أنّ قیمة یوم التلف متحدة _ اجمالاً _ مع قیمة یوم المخالفة أو الاکتراء أو أیّ یوم کان قبله، ولکنّهما اختلفا فی تعیین تلک القیمة و ادّعی المالک القیمة الأکثر و الغاصب القیمة الأقل فحینئذ المالک یدعی زیادة القیمة و یلزمه إقامة البینة و الغاصب منکر فیتوجّه علیه الیمین.

فما ورد فی الصحیحة من توجّه الیمین علی المالک أوّلاً یمکن تصحیحه فی ضمن الصورة الاولی.

و ما ورد فیها من توجّه الیمین علی الغاصب ثانیا أو اقامة البینة من المالک تحمل علی الصورة الثانیة.

هذا کلّه حلّ الشیخ الأعظم(1).

أقول: هذا الحل منه علیه السلام أیضا بعید فی غایة البعد إذ الظاهر من الصحیحة اتّحاد صورة توجیه الیمین علی المالک مع صورة اقامة البینة له لأنّ الوارد فیها عطف الیمین بالبینة مع حرف «أو» الظاهر فی أنّ کلاهما وظیفة المالک فی صورة واحدة و عطف فیها بفاء التفریع عنوان ردّ الیمین علی الغاصب أیضا قرینة علی اتحاد صورة الدعوی کما نبّه علی الأوّل المحقّق النائینی(2) و تبعه السیّد الخوئی(3). هذا أوّلاً.

و ثانیا: هذا البیان مناف لما اعترف به سابقا من أنّ الغالب عدم تفاوت قیمة البغل

ص:531


1- (1) راجع المکاسب 3/251.
2- (2) المکاسب و البیع 1/366.
3- (3) مصباح الفقاهة 3/191.

فی مدّة خمسة عشر یوما. کما یظهر من المحقّق الاصفهانی(1) بانضمام إشکالین آخرین علیه فراجعهما.

و منهم: المحقّق الأصفهانی

قال: «و علیه فیمکن الجواب عمّا أشکله علی الصحیحة من حیث قبول الحلف و سماع البینة بوجوه ثلاثة:

أحدها: أنّ الإمام علیه السلام فی مقام تعلیم طریق لمعرفة القیمة، لا فی مقام بیان موازین الحکومة لفصل الخصومة، و ذلک لظهور السؤال و الجواب فیما ذکرنا حیث قال السائل: «فمن یعرف ذلک؟» قال علیه السلام : «أنت و هو إمّا أن یحلف هو علی القیمة فیلزمک، فإن ردّ الیمین فحلفت فیلزمه، أو یأتی صاحب البغل بشهود...». فالسؤال عن العارف، و الجواب بأنّه إمّا یحلف المالک لمعرفته بقیمة بغله فیکون طریقا عادیا لمعرفتک، حیث إنّ الانسان بطبعه یطمئن بیمین غیره، و إمّا أن تحلف أنت لمعرفتک بقیمته من حیث کان عندک فی هذه المدّة، فیطمئن المالک بحلفک، أو لا یعرف هو و لا أنت فیأتی بأهل الخبرة من المکارین المشاهدین للبغل فیکون قولهم طریقا عادیا لمعرفتکما، فالصحیحة أجنبیة عن بیان موازین القضاء حتّی یشکل علیها بما مرّ فتدبر.

ثانیها: بحملها علی بیان موازین القضاء، و حمل الدعوی علی صورة غالبة فی مقام الدعوی، و هی دعوی المالک أنّه اشتری البغل بکذا و أنّه علی ما کان کما هو المتعارف فی باب مطالبة الضامن بقیمة ما اشتراه فیصدِّقه الضامن ولکنّه یدّعی بترک القیمة(2)، و المالک علیه الیمین لموافقة دعواه للأصل، ولکن الحلف _ کما هو مختار جملة من المحقّقین _ إرفاق

ص:532


1- (4) حاشیة المکاسب 1/416.
2- (1) الظاهر مراده قدس سره تنزّل القیمة.

بالمنکر لا أنّه وظیفة معیّنة، و إنّما لم یکلّف بالبینة لعدم تمکنه غالبا من إقامة البینة علی النفی، لا أنّه لایسمع منه البینة، و له فی الشرع نظائر و لیس ما ثبتت فی غیره ممّا ثبت بأقوی من هذه الصحیحة.

ثالثها: بحملها علی صورة غالبة أُخری، هی طبع دعوی الزیادة من المالک و النقص من الغاصب، و قول المالک مخالف للأصل و حقّه إقامة البینة، لکنه ثبت فی الشریعة فی موارد قبول دعوی المدعی إمّا مطلقا أو بیمینه، فلیقبل هنا قول المدعی بیمینه مع مناسبة الحکم و الموضوع حیث أنّه أعرف بقیمة بغله، و الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال فلا مانع من العمل بالصحیحة فی قبول دعوی المالک بیمینه، فلیست قاعدة البینة علی المدعی و الیمین علی من أنکر غیر مخصصة أصلاً حتّی یستبعد تخصیصها بالصحیحة، بل مخصصة کثیرا فی طرفیها، و لذا قال بمضمونها جماعة من الأعلام فتدبر جیدا»(1).

أقول: ما ذکره أوّلاً یرجع إلی جمع صاحب الجواهر رحمه الله بین الصحیحة و القاعدة الذی مرّ، و ذکره الشیخ الأعظم و اعترض علیه بأنّ ظاهر الصحیحة هو مقام القضاء و الحکم و تابع الإیروانی صاحب الجواهر کما مرّ، و الإعتراض وارد.

و ما ذکره ثالثا یرجع إلی جمع الشیخ الطوسی قدس سره الذی مرّ و یرد علیه بعدم وجود التکافؤ بین الصحیحة و القاعدة حتّی تخصصها کما مرّ من صاحب الریاض(2) و لذا لم یقبل الأصحاب طوال ألف سنة هذا الجمع.

و أمّا ما ذکره ثانیا فیمکن أن یجمع به بین الصحیحة و القاعدة و لأنّه صورة واحدة و لم یرد علیه ما یرد علی الشیخ الأعظم من أنّ جمعه حلّ المشکلة فی الصورتین و ظاهر

ص:533


1- (2) حاشیة المکاسب 1/416 و 417.
2- (3) راجع ریاض المسائل 14/52.

الصحیحة أنّها وردت فی صورة واحدة. إلاّ أنّه یرد علیه أنّ هذه الصورة هی من الفرد النادر ولکن لابأس به حیث ظهر عدم تمامیة الباقی من الجموع فلابدّ من حمل الصحیحة علیه أو

یأتی منّا فانتظر.

و منهم: السیّد الحکیم

قال: «و یمکن حمل الروایة علی صورة التداعی عند الحاکم کما یقتضیه قول السائل: «من یعرف ذلک؟» فإنّه ظاهر فی السؤال عن طریق معرفة القیمة التی یلزم أداؤها، و یکون الجواب متکفّلاً لبیان ثلاثة طرق: [1] إخبار المالک مع یمینه، [2] و إخبار الغاصب کذلک، [3] و البینة، فیکون قوله علیه السلام : «إمّا أن یحلف الخ» تفسیر لقوله علیه السلام : «أنت و هو»، و قوله علیه السلام : «أو یأتی الخ» بیان لطریق ثالث و هو البینة، فالجواب بیان لطرق القیمة فی الجملة.

و لیس المراد منه بیان طرق حکم الحاکم بمقدار القیمة کی یتعیّن حمل الکلام علی بیان طرق الحاکم المترتبة التی هی البینة ثم یمین المنکر ثم الیمین المردودة، بل الکلام بیان لطرق معرفة القیمة فی الجملة کلّ فی محلّه. فمع جهل الغاصب و المالک تکون البینة طریقا لهما، و مع جهل الغاصب و علم المالک یکون إخبار المالک مع یمینه حجة للغاصب، و مع جهل المالک و علم الغاصب یکون إخبار الغاصب مع یمینه طریقا للمالک، و التأمل فی قول السائل: «قلت: من یعرف الخ» یوجب الوثوق بظهور الروایة فیما ذکرنا، فلا تشمل صورة النزاع و الترافع إلی الحاکم، بحیث یکون ما ذکر منها طریق الحاکم فی حکمه فلاحظ»(1).

أقول: یظهر من ذیل کلامه أنّ ما ذکره من «حمل الروایة علی صورة التداعی عند الحاکم» لا یحمل علی ظاهره و إلاّ کیف یجمع مع قوله: «فلا تشمل صورة النزاع و الترافع إلی الحاکم». و هذا مسافة الخلف بین القولین.

ص:534


1- (1) نهج الفقاهة /276.

و الظاهر أنّه حمل الصحیحة علی ما حملها صاحب الجواهر و تبعه الإیروانی بالمآل و یرد علیه ما یرد علیهما من أن ظاهرها خصوص القضاء و الحکم و لذا حملها قدس سره أوّلاً علی صورة التداعی عند الحاکم فافهم.

و منهم: السیّد الخمینی رحمه الله

قال: «ثم إنّ فی قوله: «فمن یعرف ذلک» احتمالین: أحدهما من یعرف قیمة البغل، و علی ذلک جرت کلماتهم، ثم وقعوا فی حیص بیص فی ارجاع الحلف و البینة إلی شخص واحد، و هو خلاف قواعد باب القضاء فهرب کلٌّ مهربا.

و الثانی الذی هو ظاهر الروایة و إن لم أر احتماله فی کلماتهم أن یکون المراد من یعرف

قیمة ما بین الصحیح و المعیب، لأنّ الجملة الاولی قد أعرض عنها سؤالاً و جوابا، و توجّه السائل إلی مسألة اُخری هی ضمان العیب، فأجاب بضمان قیمة ما بین الصحیح و معیب فقوله: «من یعرف ذلک» عقیب هذه الجملة ظاهر فی الرجوع إلی الثانیة و الاختصاص بالأولی بعید جدّا، و الرجوع إلیهما بعید أو غیر ثابت.

و مع الرجوع إلی الثانیة یمکن أن یقال: إنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «إمّا أن یحلف هو علی القیمة فیلزمک» هو الحلف علی قیمة البغل المعیوب الموجود بین أیدیهما لا علی قیمة أیام اُخر، و معلوم أن فی الاختلاف بینهما فی قیمة المعیوب یکون صاحب البغل منکرا، لأنّه یرید أن یجلب النفع إلی نفسه، فینکر زیادة قیمة المعیب، بخلاف صاحبه، فإنّه یرید دفع الضرر عن نفسه، فیدعی زیادة قیمته فمع کون قیمة الصحیح خمسین فإن کانت قیمة المعیب عشرین یکون التفاوت ثلاثین، و إن کانت ثلاثین یکون التفاوت عشرین، فالضامن یدعی ثلاثین و صاحب البغل ینکره، فالقول قوله، فیحلف أو یردّ الحلف إلی صاحبه.

و أمّا قوله علیه السلام : «أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أن قیمة البغل یوم أکری

ص:535

کذا کذا» صریح فی أن اختلافهما راجع إلی قیمته حال الصحة دون حال العیب و إن کان الاختلاف لتشخیص ما به التفاوت بینهما، و من المعلوم أنّ فی هذا الاختلاف یکون القول قول الضامن و صاحب البغل مدعٍ للزیادة.

و بالجملة: ظاهر الجملة الاولی هو الاختلاف فی قیمة المعیب فیتوجّه الحلف إلی صاحب البغل، و صریح الجملة الثانیة أنّ الاختلاف بینهما فی قیمة الصحیح لأنّ یوم الکراء یوم صحة البغل، و الاختلاف فی قیمة الصحیح لتشخیص ما به التفاوت، فیکون صاحب البغل مدعیا و الضامن منکرا، فالروایة متعرضة لصورتین من صور الدعوی بحسب الظهور و الصراحة و موافقة القاعدة و یستفاد منها الصورة الثالثة.

و ما ذکرناه و إن کان مخالفا للظاهر فی الجملة أیّ الظهور فی وحدة القضیة لکن لیس ذلک الظهور بمثابة أمکن معه رفع الید عن القواعد المسلَّمة، سیما مع الاحتمال الذی ذکرناه بالتقریب المتقدم، و لاأقل من التعارض بین الظهور الذی قرّبناه و ظهور سیاق الکلام فی وحدة القضیة فلا یصح الاستدلال بها و تخصیص القواعد المحکمة...»(1).

أقول: مراده قدس سره من الصورة الثالثة فرض التداعی أیّ کلّ منهما منکر و مدّع و یظهر حکمها من الصورتین الأولیین کما یظهر من تقریرات(2) بحثه الشریف.

و قد سمعت منه رحمه الله مخالفة جمعه لظاهر الروایة فی الجملة لأنّ ظهورها فی وحدة القضیة فیرد علیه کلّ ما یرد علی الشیخ الأعظم الذی قال بحمل الصحیحة علی الصورتین.

الجواب المختار:

لابدّ فی هذا الجواب من ملاحظة أُمور:

ص:536


1- (1) کتاب البیع 1/418 و 417.
2- (1) راجع البیع /328 للعلامة الفقید الشیخ محمّد حسن القدیری رحمه الله المتوفی فی شوال المکرم 1429ق.

الأوّل: إنّ الصحیحة واردة فی مقام القضاء و الحکومة.

الثانی: إنّها واردة فی صورة واحدة لا أکثر.

الثالث: لایمکن تخصیص القاعدة بها لعدم وجود التکافؤ بینهما.

الرابع: لایمکن حملها علی الفرد النادر، لأنّها کانت حینئذ کقضیة فی واقعة فلا یستفاد منها الحکم فی غیر هذه القضیة و الواقعة.

و بعد ملاحظة هذه الأُمور یمکن حملها علی فرض توافق المالک و الغاصب علی القیمة الأولیة للبغل إمّا قیمة الشراء أو قیمة یوم الکراء أو قیمة حین الصحة أو قیمه حین الغصب أو نحوها ثم یدعی الغاصب تنزل القیمة و المالک یقول ببقائها فحینئذ المالک منکر و الغاصب مُدَّعٍ و حیث لم یکن للغاصب بینة غالبا حین التلف أو المرض أو الغصب أو نحوها فلذا أغمض الإمام علیه السلام من إحضار بینة الغاصب و أمر بحلف المالک و إن لم یحلف و ردّ الیمین علی الغاصب فحلف فهو و إلاّ لو کان للمالک المنکر بینة تسمع منه و یحکم علی طبقها.

و أنت تری بأنّ فی جوابنا هذا یُراعی جمیع الأُمور الماضیة و لا یرد علیه إشکالٌ بإذن اللّه تعالی و الحمد و النعمة له.

فلا تکون الصحیحة عندنا مجملة(1) فتکون حجة نأخذبها.

الاستدلال للقول الثانی: قیمة یوم التلف

یظهر دلیل قیمة یوم التلف من کلام الشیخ الأعظم(2) رحمه الله الذی مرّ و المناقشة فیه(3).

و یظهر دلیل آخر من تقریب السیّد العاملی یقول: «و وجه هذا القول [الوجه] أنّ الواجب

ص:537


1- (2) کما ذهب إلی إجمالها فعدم حجیتها المؤسس الحائری رحمه الله علی ما فی تقریرات بیعه بقلم شیخنا آیة اللّه الشیخ محمّد علی الأراکی قدس سره راجع کتابه البیع 1/165.
2- (3) المکاسب 3/251.
3- (4) جمع الشیخ الأعظم فی حلّ العویصة و المناقشة فیه.

زمن بقاء العین إنّما هو ردّها سواء کانت القیمة زائدة أو ناقصة من غیر ضمان شیءٍ من النقص إجماعا کما فی المختلف(1) و الروضة(2) فإذا تلفت وجبت قیمة العین وقت التلف لانتقال الحقّ إلیها لتعذّر البدل، و مع وجود العین لاتتعلّق القیمة بالذمّة و إنّما الذّمة مشغولة بردّ العین، و الانتقال إلی القیمة انتقال إلی البدل و هو إنّما یثبت حال وجوبه و هو حالة التلف»(3).

أقول: و یمکن تأیید الإجماع بلاخلاف الوارد فی المبسوط(4) و قصر الخلاف علی أبی ثور فی الخلاف(5) و کذا فی التذکرة(6) إلاّ قال: «إنّ بعض الشافعیة وافقه». و فی المسالک(7) قصر الخلاف علی شذود من العامة. قال فی المفتاح: «و به طفحت عباراتهم فی المقام حتّی ممّن لایعمل إلاّ بالقطعیات بل فی مقامات اُخر یأخذونه مسلَّما، فالإجماع محصَّل لاریب فیه معتضد بالأصل و الاعتبار...»(8)

و قرّب هذا الاستدلال صاحب الجواهر بقوله: «... لأنّه وقت الانتقال إلی القیمة و إلاّ فقبله مکلّف بردّ العین من غیر ضمان للنقص السوقی إجماعا و احتمال منع الانتقال إلی القیمة حین التلف و إن کان هو وقت الانتقال إلاّ أنّه ینتقل إلی الأعلی حینه یدفعه عدم

ص:538


1- (1) مختلف الشیعة 6/116.
2- (2) الروضة البهیة 7/41.
3- (3) مفتاح الکرامة 18/152.
4- (4) المبسوط 3/63.
5- (5) الخلاف 3/404، مسألة 15.
6- (6) تذکرة الفقهاء 2/385 من الطبع الحجری.
7- (7) المسالک 12/182.
8- (8) مفتاح الکرامة 18/198.

الدلیل...»(1).

و ردّ سیّد الریاض هذا الاستدلال بقوله: «و فیه نظر... و هو منع استلزام التلف الانتقال إلی القیمة حینه، إذ لامانع من تعیین القیمة الأعلی حینه لأمر آخر کحدیث لا إضرار و لا ضرر، إذ لاریب أنّ حبس العین عن المالک حین ارتفاع قیمتها ضرر علی المالک و تفویت لتلک القیمة العلیا علیه...»(2).

نقل صاحب المفتاح هذا الردّ تحت عنوان قد یقال.(3)

و أمّا توهم الاستدلال له بالروایات الواردة فی باب الرهن الظاهرة فی أنّ القیمی إذا تلف انتقل ضمانه بمجرد التلف إلی القیمة لأنّها تدلّ علی لزوم رعایة قیمة العین المرهونة حین تلفها و ملاحظة نسبتها مع الدین، فإن کانت مساویة له فلا شیء علی الراهن و إن زادت علیه أخذ الزیادة و إن نقصت عنه ردّ علی المرتهن مقدار ما نقص.

منها: موثقة ابن بکیر قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام فی الرهن فقال: إن کان أکثر من مال المرتهن فهلک أن یؤدی الفضل إلی صاحب الرهن، و إن کان أقل من ماله فهلک الرهن أدّی إلیه صاحبه فضل ماله، و إن الرهن سواء فلیس علیه شیء.(4)

بتقریب: أنّ المراد من الهلاک هو التلف و یحاسب قیمة یوم التلف علی المرتهن للراهن.

و منها: موثقة أبان بن عثمان عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: فی الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غیر أن یستهلکه رجع بحقّه علی الراهن فأخذه، و إن استهلکه ترادّ الفضل

ص:539


1- (9) الجواهر 37/105.
2- (10) ریاض المسائل 14/29.
3- (1) مفتاح الکرامة 18/152.
4- (2) وسائل الشیعة 18/391، ح3، الباب 7 من أبواب کتاب الرهن.

بینهما.(1)

بتقریب: أنّ المراد من الاستهلاک فی الجملة الثانیة هو فعل ما یوجب ضیاع المال بتفریط المرتهن و تضییعه و لیس المراد منه الإهلاک و الإتلاف لأنّه حینئذ یخرج عن مورد ضمان التلف و یدخل فی ضمان الإتلاف.(2)

و منها: صحیحة أبی حمزة(3).

و منها: موثقة اسحاق بن عمار(4).

و منها: صحیحة محمّد بن قیس(5) الماضیة(6).

و منها: خبر عبداللّه بن الحکم قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل رهن عند رجل

رهنا علی ألف درهم و الرهن یساوی ألفین، و ضاع، قال: یرجع علیه بفضل ما رهنه، و إن کان أنقص ممّا رهنه علیه رجع علی الراهن بالفضل، و إن کان الرهن یسوی ما رهنه علیه فالرهن بما فیه.(7)

فیردّه [أیّ یرد هذا التوهم]: أنّ مورد هذه الروایات إنّما هو الإتلاف أو التفریط و التضییع فی مال الرهن، لعدم الضمان علی المرتهن من دون تعد و تفریط و إتلاف کما تدلّ علیه عدّة من الروایات(8)، و فی فرض الإتلاف زمان التلف و الضمان واحد و أمّا فی فرض

ص:540


1- (3) وسائل الشیعة 18/386، ح2، الباب 5 من أبواب کتاب الرهن.
2- (4) راجع کتاب البیع 1/421 للمحقّق الخمینی رحمه الله .
3- (5) وسائل الشیعة 18/390، ح1.
4- (6) وسائل الشیعة 18/391، ح2.
5- (7) وسائل الشیعة 18/392، ح4.
6- (8) فی بحث دفع توهم أنّ الأصل فی الضمان هو القیمة راجع صفحة 505 من هذا المجلد.
7- (1) وسائل الشیعة 18/392، ح5.
8- (2) راجع وسائل الشیعة 18/385، الباب 5 من أبواب کتاب الرهن.

التفریط و إن یمکن تغایر زمانی التلف و الضمان ولکن الذی یسهّل الخطب أنّه لا دلالة فی روایات الرهن علی الضمان بقیمة یوم التلف و لا غیره بل تدل علی أصل الضمان فی فرض التعدی و التفریط کما نبّه علیه المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله (1).

و قال: «و من هنا ظهر الجواب عن الاستدلال بما ورد فی العتق علی الضمان بقیمة یوم التلف لأنّ ذلک ورد فی الإتلاف و قد عرفت أنّ زمان التلف و الضمان واحد فی صورة الإتلاف»(2).

الاستدلال للقول الثالث: أرفع القیم من حین القبض أو الغصب إلی حین التلف

أُسْتدِلَّ لهذا القول بِوُجُوْهٍ:

الأوّل: ما صَرَّحَ به الشهید الثانی(3) من دلالة صحیحة أبیولاّد علی هذا القول ولکنّه قدس سره لم یذکر وجه دلالتها علیه(4) و إلیک بعض تقاریر دلالتها:

أ: قال السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة فی وجه دلالتها: «... و إن کان ظرفا [أی یوم فی جملة «نعم، قیمة بغل یوم خالفته] للزوم صار المعنی تلزمک القیمة فی ذلک الیوم لکن یکون مقدار القیمة غیر معلوم فیحتاج فی تعینه إلی دلیل آخر... و قد یلوح من ذیله ما... یوافق... أعلی القیم»(5).

و قال أیضا: «... و لعلّه فهم ذلک من قوله علیه السلام : «أو یأتی صاحب البغل بشهود

ص:541


1- (3) مصباح الفقاهة 3/199.
2- (4) مصباح الفقاهة 3/199.
3- (5) مسالک الأفهام 12/186 _ الروضة البهیة 7/43.
4- (6) بل قال الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/253: «و لم أظفر بمن وجّه دلالتها علی هذا المطلب».
5- (7) مفتاح الکرامة 12/638.

یشهدون أن قیمة البغل حین اکتری کذا و کذا فیلزمک» »(1).

أقول: لعل نظره الشریف إلی أن صاحب البغل یقیم الشهود علی أعلی القیم لا غیره غالبا، أو أنّه یکون فی یوم الاکتراء سلیما عن کلّ و نقص بخلاف بعده.

ب: قال صاحب الجواهر فی وجه دلالتها: «... اللهم إلاّ أن یقال: إنّه بناءً علی تعلّق الظرف بالفعل المستفاد من قوله: نعم: یکون المراد أنّ ابتداء الضمان من ذلک الیوم إلی یوم التلف، فیضمن الأعلی منه حینئذ. بل إن جعل متعلِّقا بالقیمة یکون المراد منه ذلک أیضا لعدم معقولیة ضمان القیمة مع وجود العین فیکون الحاصل أنّه تلزمه القیمة مع العطب من یوم المخالفة»(2).

ولکن یرد علی هذین التقریرین من الاستدلال: إنّ ابتداء الضمان من یوم المخالفة و الغصب لا یُثْبِتُ أنّ مقداره یکون أعلی القیم من حین الغصب إلی حین التلف. مضافا إلی أن ثبوت القیمة فی الذمة مع وجود العین واضح البطلان.

و ضمان ارتفاع القیمة مع وجود العین ولکنّها مخالف لما تسالموا علیه(3) بل للإجماع کما مرّ من العلاّمة(4) و ثانی الشهیدین(5)، و ضمانها مراعی بالتلف «فهو و إن لم یخالف الاتفاق إلاّ أنّه مخالف لأصالة البراءة من غیر دلیل شاغل»(6).

و لذا قال صاحب الجواهر نفسه فی ردّه: «إلاّ أنّ ذلک کلّه کماتری تجشم و خلط بین

ص:542


1- (1) مفتاح الکرامة 18/150.
2- (2) الجواهر 37/104.
3- (3) کما ذکره الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/253.
4- (4) مختلف الشیعة 6/116.
5- (5) الروضة البهیة 7/41.
6- (6) کما ذکره الشیخ الأعظم فی المکاسب 3/253.

الضمان التقدیری المتحقّق بالمخالفة و الضمان التحقیقی الحاصل یوم التلف کما هو واضح»(1).

ج: قال المحقّقون الأصفهانی(2) و النائینی(3) الخوئی فی وجه دلالتها و اللفظ للأخیر: «المغصوب مضمون علی الغاصب فی جمیع أزمنة الغصب التی منها زمان ارتفاع القیمة إذ یصدق علی ذلک زمان المخالفة أیضا ضرورة أنّ المراد من یوم المخالفة _ فی الصحیحة _ إنّما هو طبیعی یوم المخالفة الذی یصدق علی کلِّ یوم من أیام الغصب، لا الیوم الخاص، و علیه فإن

ردّ الغاصب نفس المغصوب فهو، و إلاّ فإن ردّ أعلی القیم فقد ردّ قیمة یوم المخالفة بقول مطلق، لدخول القیمة السفلی فی القیمة العلیا بدیهة أنّه لا یجب علی الغاصب قیم متعددة حسب تعدد أیام المخالفة، کما أنّه لوردّ القیمة النازلة لمّا ردّ قیمة یوم المخالفة بقول مطلق، بل أدی قیمة بعض أیام المخالفة»(4).

ثم ردّه السیّد الخوئی قدس سره بقوله: «إنّ الظاهر من قوله علیه السلام فی الصحیحة، «نعم قیمة بغل یوم خالفته» هو أوّل یوم حدثت فیه المخالفة، لا مطلق أیام المخالفة، إذ یوجد الطبیعی فی الخارج بأوّل وجود فرده، لأنّ موضوع الضمان فی الصحیحة إنّما هو صرف وجود المخالفة.

... أضف إلی ذلک: أنّ ذیل الصحیحة شاهد صدق علی عدم ارادة الطبیعة الساریة من یوم المخالفة، بل المراد منه هو الیوم الخاص المعهود، و ذلک الذیل هو قوله علیه السلام : «أو یأتی صاحب البغل بشهود یشهدون أنّ قیمة البغل حین اکتری کذا و کذا»، إذ لو کان المراد من یوم المخالفة هو الطبیعی لما کان وجه لتعیین ذلک الیوم بیوم الاکتراء فی هذه الفقرة، و لا

ص:543


1- (7) الجواهر 37/104.
2- (8) حاشیة المکاسب 1/417.
3- (9) المکاسب و البیع 1/367.
4- (1) مصباح الفقاهة 3/192.

لتعیین قیمة المغصوب _ فی ذلک الیوم _ بالشهود»(1).

د: ما ذکره المحقّق المروج بقوله: «استفادة الحکم من مجموع الجملتین و هما: قوله علیه السلام : «قیمة بغل یوم خالفته»، و قوله علیه السلام : «علیک قیمة ما بین الصحة و العیب یوم تردّة»، بتقریب: أنّ القیمة المضمونة لیست خصوص قیمة یوم الغصب، بل المستقر علی ذمة أبی ولاّد _ عند تعیُّب البغل _ هو إحدی القیم من زمان الغصب إلی زمان التلف أو إلی ردّه معیبا إلی المکاری، و من المعلوم اقتضاء اطلاق القیمة بین هذین الوقتین ضمان الجامع بین القیم، و أداءُ هذا الجامع منوط بدفع الأعلی...»(2).

أقول: یظهر ضعفه بما مرّ فی جواب التّقاریر السابقة.

الثانی: جماعة من الفقهاء _ و منهم الفاضل المقداد(3) و ابن فهد الحّلی(4) و الشهید الثانی(5) ولکنه ناقش و عدل إلی الاستدلال بالصحیحة کما مرّ فی الاستدلال الأوّل _ استدلوا: بأنّ العین مضمونة فی جمیع أزمنة الغصب و منها زمان ارتفاع قیمتها، و لا تفرغ

الذمة إلاّ بدفع أعلی القیم لفرض اشتغال الذمة بها.

و فیه: ناقش هذا الاستدلال کلٌّ مِنْ أصحاب المسالک(6) و الریاض(7) و المفتاح(8)

ص:544


1- (2) مصباح الفقاهة 3/193.
2- (3) هدی الطالب 3/530.
3- (4) التنقیح الرائع 4/70.
4- (5) المهذب البارع 4/252.
5- (6) المسالک 12/187.
6- (1) المسالک 12/187.
7- (2) ریاض المسائل 14/29.
8- (3) مفتاح الکرامة 18/150.

و الجواهر(1) و المکاسب(2) و حاصلهم: أنّه إن أُرید بضمان العین فی أزمنة الغصب وجوب قیمة ذلک الزمان علی تقدیر تلفها فهو معلوم إذ تدارکها منحصر بذلک، لکنّه خلاف المفروض لأنّها لم تتلف و هذا الضمان التقدیری لم یصر فعلیا.

و إن أُرید ثبوت القیمة العلیا _ و ان لم تتلف العین و تنزّلت قیمته بعد ذلک _ فهو مخالف لما تسالموا علیه من عدم ضمان ارتفاع القیمة مع ردّ العین کما صرح به هنا العلاّمة فی المختلف(3).

و إن أُرید به استقرار القیمة بمجرد الارتفاع المراعی بالتلف، فهو و إن لم یخالف الإجماع إلاّ أنّه مخالف لأصالة البراءة من غیر دلیل یعتمد علیه.

ولکن الشیخ الأعظم وجّه هذا الاستدلال بقوله: «إنّ العین إذا ارتفعت قیمتها فی زمان و صار مالیّتها مقوّمة بتلک القیمة، فکما أنّه إذا تلفت حینئذ یجب تدارکها بتلک القیمة، فکذا إذا حیل بینها و بین المالک حتّی تلفت، إذ لا فرق مع عدم التمکن منها بین أن تتلف أو تبقی. نعم، لوردّت تدارک تلک المالیة بنفس العین، و ارتفاع القیمة السوقیة أمر اعتباری لا یضمن بنفسه لعدم کونه مالاً و إنّما هو مقوّم لمالیة المال و به تمایز الأموال کثرةً و قلةً... فإن رُدّت العین فلامال سواها یضمن و إن استقرت علیا تلک المراتب لدخول الأدنی تحت الأعلی، نظیر ما لو فرض للعین منافع متفاوتة متضادّة حیث إنّه یضمن الأعلی منها»(4).

و فیه: المنع من مساواة حیلولتی العین و القیمة، الغاصب إذا تصرف فی مال غیره

ص:545


1- (4) الجواهر 37/104.
2- (5) المکاسب 3/253.
3- (6) مختلف الشیعة 6/116.
4- (7) المکاسب 3/254.

بحیث کون عینه موجودة ولکن لایتمکن المالک من الوصول إلیه یحکم ببدل الحیلولة مادام لم یتمکن المالک من التصرف فی عین ماله، ولکن الحیلولة بین المالک و قیمة ماله مع بقاء

عینه و إمکان ردّها فمردود، و مع تلف عینه یضمن الغاصب و إمّا مقدار ضمانه یکون بقدر أعلی القیم فهو أوّل الکلام و مصادرة بالمطلوب.

و قد مرّ فی أبحاث المثلی فی فرع مطالبة المالک بالمثل فی غیر مکان التلف(1)، عدم جریان بدل الحیلولة فی بحث المقبوض بالعقد الفاسد لأنّها مختص بوجود العین و کلامنا علی وجوب المثل أو القیمة یکون فی فرض تلف العین و لذا قال العلاّمة: «ولو غرم القیمة ثمّ قدر علی المثل فلا یرد القمیة، بخلاف القدرة علی العین»(2).

مضافا إلی أنّ البعض لم یذهبوا إلی القول بالبدل الحیلولة حتی فی الأعیان فکیف بها فی القیمة؟! و یأتی تفصیل البحث حول البدل الحیلولة فانتظر.

و ما ذکره فی آخر کلامه یمکن أن یکون مؤیدا لنا فی ما مرّ من القول بالضمان فی المنافع غیر المستوفاة لأنّ المنافع المتفاوتة المتضادة لا یمکن الجمع فی استیفائها و حکم قدس سره بضمان الأعلی منها، فافهم.

الثالث: لا یستلزم یوم المخالفة أو التلف الانتقال إلی القیمة حینهما، «إذ لا مانع من تعین القیمة الأعلی حینه لأمر آخر کحدیث: لا إضرار و لا ضرر، إذ لا ریب أنّ حبس العین عن المالک حین ارتفاع قیمتها ضرر علی المالک و تفویت لتلک القیمة العلیا علیه» کما فی الریاض(3).

و فیه أوّلاً: حدیث لا ضرر یکون من الأدلة النافیة للأحکام و لا یکون إثبات

ص:546


1- (1) راجع الصفحة 477 من هذا المجلد.
2- (2) القواعد 2/228.
3- (3) ریاض المسائل 14/30.

حکم به کما مرّ تفصیل البحث فی قاعدة لا ضرر فی علم الاصول.

و ثانیا: إنّه وارد فی مقام الامتنان، و ثبوت أعلی القیم به منافٍ للامتنان علی الغاصب.

و ثالثا: ما ذکره فی الجواهر بقوله: «اقتضاء القاعدة المزبورة ضمان الأعلی مع فواته و إن ردّ العین نفسها و هو مخالف للإجماع بقسمیه، بل قد عرفت عدم الضمان فیما لو منعه من بیع ماله بقیمة عالیة...»(1).

الرابع: ما ذکره ابن ادریس فی السرائر بقوله: «.. فأمّا زیادة القیمة لارتفاع السوق

فغیر مضمونة مع الرد للعین المغصوبة لأنّ الأصل براءة الذمة و شغلها یحتاج إلی دلیل شرعی، فإن لم یردّها حتّی هلکت العین لزمه ضمان قیمتها بأکثر ما کانت من حین الغصب إلی حین التلف لأنّه إذا ادّی ذلک برئت ذمّته بیقین و لیس کذلک إذا لم یؤدّه»(2).

و ذکره السیّدان الوالد و الولد فی الریاض(3) و المناهل(4) و سلام اللّه علیهما.

و فیه: إنّ المورد من موارد دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الاستقلالیین، و یؤخذ بالأقل و تجری البراءة عن الأکثر عند الکلّ و لذا قال فی الجواهر: «مثله یجری فیه أصل البراءة ضرورة رجوعه إلی الشک فی التکلیف بین الأقل و الأکثر»(5).

الخامس: العین المغصوبة مضمونة بقاعدة الید فنستصحب ضمانها إلی زمان دفع أعلی القیم من زمان الغصب إلی زمان التلف، للشک فی ارتفاع الضمان بدفع ما هو أقل من

ص:547


1- (4) الجواهر 37/105.
2- (1) السرائر 2/481.
3- (2) ریاض المسائل 14/31.
4- (3) المناهل /299.
5- (4) الجواهر 37/106.

ذلک. قال الشیخ الأعظم: «نعم، لا بأس بالتمسک باستصحاب الضمان المستفاد من حدیث الید»(1).

و فیه: أوّلاً: لا یجری الاستصحاب فی المقام لأنّ اشتغال الذمّة لا یثبت إلاّ بالقیمة النازلة لجریان البراءة عن الأکثر فما هو المتیقن [القیمة النازلة] قد ارتفع یقینا بأدائها و أمّا غیره [أیّ الأعلی و الأکثر] فلم یتعلق به الیقین من الأوّل.

و ثانیا: و إنْ کان المراد من استصحاب الضمان هو ضمان نفس العین فلازمه أن یدفع الغاصب قیمة یوم الرد، إلاّ أنّ هذا لایحتاج إلی الاستصحاب لأنّ القاعدة الأوّلیّة تقتضی ذلک کما مرّ و یأتی.

و الحاصل: استصحاب الضمان أمّا لا یجری، أو یجری و یثبت قیمة یوم الرد.

السادس: ما استدل به المحقّق الإیروانی بقوله: «فالأحسن فی الاستدلال علی ضمان أعلی القیم أنّه یصدق عند صعود القیمة أنّ الغاصب معتد یوم صعود القیمة بمالیة صاعدة و مقتضی «فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی» جواز أخذ تلک المالیة منه بعد التلف مجازاة لاعتدائه،... فظهر بما ذکرنا أنّ الحقّ من الأقوال هو هذا... و مقتضی الآیة هو أعلی القیم»(2).

و فیه: غایة ما یمکن أن یقال دلالة الآیة الشریفة الإعتدی علی أصل الضمان و أمّا إثبات أعلی القیم بها أو غیرها من مقادیر الضمان فمشکل جدا.

الاستدلال للقول الرابع: أعلی القیم من حین الغصب إلی حین ردّ القیمة

استدل الوحید البهبهانی لهذا القول بما نصُّهُ: «... الردّ کان واجبا علیه فی کلِّ وقتٍ وقتٍ ففی وقت ارتفاع القیمة کان الواجب علیه أن یسلّم هذه العین التی کان هکذا قیمتها،

ص:548


1- (5) المکاسب 3/255.
2- (6) حاشیة المکاسب 2/152.

فحینا ظلمه و حبس حقّه و لم یعطه أضرّه و حال بینه و بین الذی کان بهذه القیمة العالیة و کان حقّه و ملکه، بل ربّما کان فی الحصار و یرتفع القیمة إلی آلاف ولو کان عنده فیبیعه و ینتفع و یحصل له أموال عظیمة فخسّره بل ربّما کان اشتری بأموال عظیمة لاحتیاجه إلیه له و لعیاله، بل ربّما یتلف بسبب الحبس عیاله و أمواله _ مثل دوابه و غیرها _ فهذا ضرر عظیم لا یناسب الشریعة القویمة العادلة المستقیمة، التی هی فی غایة المتانة و الضبط و الحکمة أن یتضرّر بلا تدارک أصلاً مع أنّه لا ضرر فی الإسلام. بل تتبّع تضاعیف أحکام الشرع یکشف عمّا ذکرنا و لا یناسب الفرقة العدلیة سوی ما ذکر. هذا علی تقدیر وجود عین ماله حینما صار فی غایة الارتفاع.

و أمّا علی تقدیر العدم، فلا تأمل فی أنّه وقت غایة الارتفاع کان علیه أن یعطی قیمته لو کان یطالبه المالک و یلازمه و یضیّق علیه و القیمة فی غایة الارتفاع، لما ستعرف وجهه و دلیله، و معلوم أنّه واجب علیه فی کلّ آنٍ و دقیقةٍ أن یسلِّم إلی المالک بلا توقف علی مطالبته و تضییقه و إلزامه، فإذا کان وقت الارتفاع اشتغل ذمّته بإعطاء القیمة _ فی هذا الوقت _ علی سبیل الوجوب الفوری الضیقی لا جرم یکون هذا الاشتغال مستصحبا شرعا إلی أن یثبت خلافه و لم یثبت، بل الثابت أیضا هو ما ذکرناه فی العین الباقیة فتأمل جدّا...»(1).

و یرد علیه أوّلاً: ضمان ارتفاع القیمة السوقیة مع وجود العین وردّها مخالف للإجماع کما مرّ و لذا قال فی نقده ابن اخته و تلمیذه و صهره: «و فیه نظر مع أن الاجماع المحکی عموما و خصوصا علی عدم ضمان القیمة السوقیة یدفع هذا الوجه المبنی علیه ما اختاره، مضافا الی شذوذه و ندرة القائل به، إذ لم یحک القول به إلاّ عن الماتن [المحقّق] فی

ص:549


1- (1) حاشیة مجمع الفائدة و البرهان /624.

أحد قولیه(1) و کافّة الأصحاب علی خلافه، لأنّ الواجب القیمة فمتی حکم بها استقرت فلا

عبرة بزیادتها و نقصانها یوم التلف»(2).

و قال تلمیذه الآخر فی المفتاح: «و هو کماتری مع إطباق الأصحاب علی خلافه»(3).

و کذا قال صاحب الجواهر فی ردّه: «و هو مخالف للإجماع بقسمیه، بل قد عرفت عدم الضمان فیما لو منعه من بیع ماله بقیمة عالیه...»(4).

و ثانیا: ما مرّ من أنّ حدیث لاضرر تنفی الحکم و لا یثبت به الحکم.

و ثالثا: ما مرّ من أنّ حدیث لا ضرر امتنانیّ و ثبوت أعلی القیم خلاف الامتنان علی الغاصب فلا یجری.

الاستدلال للقول الخامس: أعلی القیم من یوم التلف إلی یوم الأداء

یمکن أن یستدل لهذا القول بأنّ یوم التلف هو یوم ثبوت الضمان و منه إلی یوم الأداء یجب علی الغاصب إعطاء أعلی القیم کما مرّ دلیله من الوحید البهبهانی رحمه الله .

و فیه: یرد علیه ما اوردناه علی القول الرابع، مضافا إلی عدم وجدان قائله کما مرّ.

الاستدلال للقول السادس: قیمة یوم الأداء

ما مرّ من القاعدة الکلیة من أنّ الأصل فی الضمان هو المثل و فی فرض عدم وجدانه ینقلب إلی القیمة، فحینئذ فی وقت الأداء لو کان المثل موجودا یجب علی الغاصب إعطائه و لو لم یوجد یجب علیه إعطاء قیمته فی ذاک الیوم _ أی یوم الأداء _ و هذا القول هو مختار الفقیه الیزدی رحمه الله و هو مختارنا و بعد قبول أنّ الأضل فی الضمان هو المثل لا مناقشة فیه.

ص:550


1- (2) الشرائع 3/189 حیث یقول: «و لا عبرة بزیادة القیمة و لا بنقصانها بعد ذلک علی تردّد».
2- (1) ریاض المسائل 14/30.
3- (2) مفتاح الکرامة 18/151.
4- (3) الجواهر 37/105.
الاستدلال للقول السابع: قیمة یوم البیع فی مسألة المقبوض بالبیع الفاسد

قال العلاّمة فی التذکرة: «تذنیب، لو باعه بحکم المشتری و لم یعیّن، بطل البیع إجماعا، فإن هلک فی ید المشتری فعلیه قیمته...»(1).

و قال فی المختلف: «لایجوز البیع بحکم أحدهما فی الثمن فإن بیع أحدهما کذلک بطل البیع، ولو حکم الحاکم فیها بأیّ شیء کان لم یلزم بل یبطل البیع، فإن کانت السلعة قائمة استردّها البائع و إن کانت تالفة وجب علی المشتری قیمتها... [ثم نقل عن الشیخ أنّه قال فی

نهایته]: من اشتری شیئا بحکم نفسه و لم یذکر الثمن بعینه کان البیع باطلاً فإن هلک فی ید المبتاع کان علیه قیمته یوم ابتیاعه(2)... [ثم زاد العلاّمة] و کذا قال المفید(3) و ابن البراج(4) و ابو الصلاح(5)... و لنا: علی بطلان البیع مع الجهالة الإجماع علیه، و النهی عن الغرر و الحکم غیر لازم، إذ ذلک لا یصیر ما لیس بثابت فی الذمة ثابتا...»(6).

قال الشیخ الأعظم: «ثم إنّه حکی عن المفید و القاضی و الحلبی الاعتبار بیوم البیع فیما کان فساده من جهة التفویض إلی حکم المشتری و لم یعلم له وجه، و لعلّهم یریدون به یوم القبض، لغلبة اتحاد زمان البیع و القبض فافهم»(7).

صاحب البغیة ذکر وجه کلامهم بقوله: «و دلیل هذا القول _ بعد البناء علی اتحاد یوم

ص:551


1- (4) تذکرة الفقهاء 10/100.
2- (1) النهایة /336 المطبوعة فی ضمن الجوامع الفقهیة، النهایة و نکتها 2/145 و نقل فی السرائر 2/285 عن الشیخ فی نهایته.
3- (2) المقنعة /593.
4- (3) لم أجدها فی المهذب و لا فی جواهر الفقه.
5- (4) الکافی فی الفقه /353.
6- (5) مختلف الشیعة 5/244 و 243.
7- (6) المکاسب 3/255.

القبض و البیع بحکم الغلبة _ هو ما یدل علی ضمان یوم الغصب، بناءً علی اتحاد حکم المسألتین [المقبوض بالعقد الفاسد و الغصب] کما عن الحلّی دعوی الإجماع علیه...»(1).

و قال الفقیه الیزدی: «... و إن کان [مرادهم من یوم البیع هو یوم القبض] بعید إلاّ أنّه لابدّ منه، اذ لا وجه لاعتبار یوم البیع أصلاً فیجب التوجیه المذکور صونا لکلامهم عن الفساد»(2).

و استدل لهم المحقّق الأصفهانی بقوله: «و یمکن أن یقال: بناءً علی الاستناد فی ضمان المقبوض بالعقد الفاسد إلی قاعدة الإقدام إنّ الإقدام العقدی علی الضمان بالمسمّی إذا کان إقداما علی الضمان بالعوض الواقعی، فالعوض الواقعی فی حال الإقدام هی القیمة فی یوم القبض، و إن کان تأثیره فی ضمان هذه القیمة منوطا بالقبض»(3).

أقول: ولکن المحقّق الشهیدی(4) استدل لهم بصحیحة رفاعة النّخّاس. و تبعه المحقّق

المروّج(5) أذکرها لک أوّلاً ثم أذکر استدلالهما:

ففی صحیحة رفاعة النّخّاس قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : ساومت رجلاً بجاریة فَباعَنِیْها بحکمی فقبضتها منه علی ذلک، ثم بعثت إلیه بألف درهم، فقلت: هذه ألف درهم حکمی علیک أن تقبلها، فأبی أن یقبلها منّی، و قد کنت مسستها قبل أن أبعث إلیه بالثمن، فقال: أری أن تقوم الجاریة قیمة عادلة، فإن کان قیمتها أکثر ممّا بعثت إلیه کان علیک أن تردّ علیه ما نقص من القیمة، و إن کان ثمنها أقل ممّا بعثت إلیه فهو له. قلت: جعلت فداک إن

ص:552


1- (7) بغیة الطالب 1/270.
2- (8) حاشیة المکاسب 1/512.
3- (9) حاشیة المکاسب 1/424.
4- (10) هدایة الطالب 2/377.
5- (1) هدی الطالب 3/547.

وجدت بها عیبا بعد ما مسستها، قال: لیس لک أن تردّها و لک أن تأخذ قیمة ما بین الصحة و العیب منه(1).

و الاستدلال یبتنی علی أُمور:

الأوّل: بطلان البیع بحکم المشتری کما مرّ الاجماع علیه من العلاّمة فی التذکرة و المختلف، حتّی صارت الصحیحة من مصادیق المقبوض بالبیع الفاسد. ولکن علی قول صاحب الحدائق(2) من صحته فتخرج من مصادیقه.

الثانی: صیرورة الجاریة بعد المسّ أُمّ ولد و هی بحکم التلف.

الثالث: المراد من «قیمة عادلة» هی قیمتها یوم البیع.

بعد قبول هذه الثلاثة یتمّ دلیل قیمة یوم البیع فی المقبوض بالعقد الفاسد _ فقط لا الغصب _ تعبدا و لا یحتاج إلی تطبیقه مع یوم القبض، فعلیه یمکن حمل أمر الشیخ الأعظم بالفهم فی آخر کلامه إشارة إلی عدم إرادة یوم القبض من یوم البیع فی کلامهم.

ولکن الأصحاب أعرضوا عن هذه الصحیحة و ذهبوا بالإجماع إلی بطلان البیع بحکم المشتری _ و کذا بحکم البائع أو غیرهما _ فلابدّ من حملها علی قضیة فی الواقعة أو تأویلها حتّی لا تردّ، و علی أیّ حال لایتم الاستدلال.

کما علی الأوّل _ قضیة فی الواقعة _ المقدس الأردبیلی حیث یقول: «و هی تدل علی جواز الجهل فی الثمن و أنّه یقع البیع صحیحا و ینصرف إلی القیمة السوقیة إذا بیع بحکم المشتری ولکن نقل الإجماع فی التذکرة علی اشتراط العلم مع عدم ظهور خلافه، یمنع القول بها ولکن تأویلها مشکل و کذا ردّها، فیمکن أن یکون حکما فی قضیة و لا یتعدی»(3).

ص:553


1- (2) وسائل الشیعة 17/364، ح1، الباب 18 من أبواب عقد البیع و شروطه.
2- (3) راجع کلامه فی الحدائق 18/462.
3- (4) مجمع الفائدة و البرهان 8/176.

و علی الثانی _ تأویل الصحیحة _ المحقّق السیّد حسین المشهور بخلیفة سلطان(1) فی حواشیه علی الفقیه قال حول الصحیحة: «لا یخفی أنّ البیع بحکم المشتری أو غیره فی الثمن باطل إجماعا کما نقله الفاضل فی التذکرة و غیره، لجهالة الثمن وقت البیع، فعلی هذا یکون بیع الجاریة المذکورة باطلاً، و کان وطی المشتری محمولاً علی الشبهة، و أمّا جواب الإمام علیه السلام للسائل فلا یخلو من إشکال لأنّ الحکم حینئذ ردّ الجاریة مع عشر القیمة أو نصف العشر، أو شراؤها مجددا بثمن یرضی به البائع مع أحد المذکورین، سواء کان بقدر ثمن المثل أم لا، فیحتمل حمله علی ما إذا لم یرضی البائع بأقل من ثمن المثل و یکون حاصل الجواب حینئذ: أنّه تقوم بثمن المثل إن أراد و یشتری به مجددا و إن کان المثل أکثر ممّا وقع، ندبا أو(2) استحبابا، بناءً علی أنّه أعطاه سابقا، و هذا الحمل و إن کان بعیدا عن العبارة، مشتملاً علی التکلّف لکن لابدّ منه لئلا یلزم طرح الحدیث الصحیح بالکلیة»(3).

هذا تمام الکلام فی المقام الثانی.

ص:554


1- (1) هو السیّد علاءالدّین حسین ابن الأمیر رفیع الدّین محمّد ابن الأمیر شجاع الدّین محمود الحسینی المرعشیّ، المکنّی بأبی طالب و المعروف بسلطان العلماء و خلیفة سلطان، المولود عام 1001ق، تصدی لوزارة الشاه عباس الأوّل خمس سنین و صاهره علی ابنته، و للشّاه صفی سنتین ثم عزله و کحل عیون اُولاده و نفاه إلی قم المقدسة، ثم تصدی الوزارة لشاه عباس الثانی ثمانی سنین و ستة أشهر إلی آخر حیاته و وافاه الأجل ببلدة الأشرف من بلاد مازندران بعد المراجعة مع السلطان المذکور من فتح قندهار الأفغان فی عام 1064 و نقل جثمانه إلی النجف الأشرف و قبره الآن هناک معروف یُزار، و له عدّة من الحواشی علی کتب الکلام و المنطق و الحدیث و الفقه و التفسیر و الاُصول تدلّ علی طول باعه و تبحره فی العلوم، لأجل ترجمته یراجع: أمل الآمل 2/92، جامع الرواة 1/544، ریاض العلماء 2/51، تکملة أمل الآمل 2/522، الرقم 618 و غیرها.
2- (2) کذا فی المصدر.
3- (3) نقل عنه فی الحدائق 18/461.
ثم لابدّ من تتمیم بحث القیمی بأُمور:
الأوّل: حکم زیادة ثمن القیمی بعد التلف

قال المحقّق: «و لا عبرة بزیادة القیمة و لا بنقصانها بعد ذلک _ أی التلف _ علی تردُّدٍ»(1).

و قال ثانی الشهیدین فی وجه تردّده: «... نعم، لو قلنا بأنّ الواجب فی القیمی مثله کما

ذهب إلیه ابن الجنید(2) مخیرا بین دفع المثل و القیمة، و مال إلیه المصنف [المحقّق] فی باب القرض(3)، اتّجه وجوب مازاد من القیمة إلی حین دفعها کما فی المثلی. و المصنف [المحقّق] رحمه الله تردّد فی ذلک، لما ذکرناه من الشک فی کون الواجب فی القیمی المثل أو القیمة، و الأظهر اعتبار القیمة، فلا یتغیّر بعد الحکم بها»(4).

أقول: الشیخ مقدِّمٌ علی المحقّق فی اختیار هذا القول فی باب القرض من الخلاف(5) و تبعهما العلاّمة(6) فی باب القرض ولکن إن کان ممّا ینضبط بالوصف _ و هو ما یصح السلف فیه _ لا ما لاینضبط بالوصف.

و قد مرّ فی أوّل البحث عن القیمی من أنّ الضمان بعد تلف العین ینتقل إلی المثل حتّی فی القیمیات و مع فرض عدم وجدانه ینتقل إلی القیمة کما یظهر من الشیخ الأعظم(7) و

ص:555


1- (4) الشرائع 3/189.
2- (1) حکاه عنه فخر المحقّقین فی إیضاح الفوائد 2/174 و 175، و الشهید فی غایة المراد 2/398 و قد مرّ فی أوّل البحث عن القیمی فراجع 497 هناک و صفحة 427.
3- (2) الشرائع 2/62.
4- (3) المسالک 12/188، و نحوها فی الروضة البهیة 7/40.
5- (4) راجع الخلاف 3/175، مسألة 287.
6- (5) تذکرة الفقهاء 13/30 و 31.
7- (6) المکاسب 3/241.

صرّح به الفقیه الیزدی(1) و اختار هذه القاعدة السیّد الخوئی(2)، و إذا کان المثل علی الذمة حتّی فی القیمیات، یتجه القول باعتبار قیمة یوم الأداء _ کما هو المختار _ و یحکم بضمان زیادة الثمن حتّی بعد التلف و قبل الأداء.

و لیس فی البین إجماعٌ تعبّدیٌّ حتّی یمنعنا من هذا القول.

و أمّا مقالة المحقّق الخمینی رحمه الله من «أنّه لا عبرة بزیادة القیمة بعد التلف حتّی علی القول بأنّ القیمی مضمون بالمثل، لأنّ عمدة دلیل الضمان قاعدة الید، و هی لا تشمل المثل الذی علی العهدة، ولو قلنا بأنّ ارتفاع القیم مضمون، و ذلک لأنّ موضوع دلیل الید هو الاستیلاء علی مال الغیر، و کون الشیء علی العهدة و الذمّة غیر کونه تحت الید و الاستیلاء فما فی العهدة خارج عن دلیل الید موضوعا و هو واضح»(3).

فغیر تامّةٍ بما مرّ فی المقام الأوّل من البحث القیمی بدلالة الروایات الکثیرة علی

ضمان القیمیّات و کذا الآیة الاعتداء، فحدیث الید لم یکن عمدة دلیل الضمان هذا أوّلاً.

و ثانیا: حدیث الید أیضا یدل علی ضمان ما فی العهدة و الذمة، لأنّ بعد وضع الید علیه خارجا، یصدق الأداء _ الذی جعل غایة للعهدة و رافعا للضمان _ علی کلٍّ من العین و بدلها، فحینئذ لابدّ من إرادة معنیً من الحدیث حتّی ینطبق علی کلِّ ممّا تحت الید خارجا و علی العهدة و الذمة.

و بما ذکرنا یظهر ضعف مقالة الشیخ الأعظم فی قوله: «ثمّ إنّه لا عبرة بزیادة القیمة بعد التلف علی جمیع الأقوال...»(4).

ص:556


1- (7) حاشیة المکاسب 1/495 و ما قبلها.
2- (8) مصباح الفقاهة 3/201 و ما قبلها.
3- (9) کتاب البیع 1/430.
4- (1) المکاسب 3/256.

لأنّک تری اعتبار زیادة القیمة علی القول المختار _ و هو قیمة یوم الأداء _ ، اللهم إلاّ أنّ مراده من «جمیع الأقوال»، الأقوال الثلاثة الأُوَل أعنی قیمة یوم الغصب، و یوم التلف، و ارفع القیم من یوم الغصب إلی حین التلف، و یمکن إلحاق القول السابع _ قیمة یوم البیع فی مسألة المقبوض بالبیع الفاسد _ بهنّ.

ولکن علی القول الرابع _ و هو أعلی القیم من حین الغصب إلی حین ردّ القیمة _ و علی القول الخامس أو وجهه _ و هو أعلی القیم من یوم التلف إلی یوم الأداء _ و علی القول السادس و هو المختار _ أی یوم الأداء _ لا یتم ما ذکره و زیادة القیمة بعد التلف تکون معتبرةً، و سبحان من لا یسهو.

الثانی: حکم ارتفاع القیمة بحسب الأمکنة

ذهب الشیخ الأعظم(1) فی بحث المثلی إلی جواز مطالبة المالک بالمثل بلا فرق بین کونه فی مکان التلف أو غیره، و لا بین کون قیمته فی مکان المطالبة أزید من قیمته فی مکان التلف أم لا، وفاقا لجماعة من الفقهاء، ولکن یتم عنده کلّ هذا مع وجود المثل فی بلد المطالبة.

و قد ناقشنا کلامه هناک من جواز المطالبة للمالک فی أی بلد شاء ولکنّه مشروطٌ بتساوی القیمة السوقیة مع بلد التلف أو الغصب أو القرض بلا فرق بین المثلیات و القیمیات(2).

ولکنّه ذهب هو _ فی القیمیات _ إلی اعتبار قیمة مکان التلف(3) _ و لعلّه قدس سره هو

ص:557


1- (2) راجع المکاسب 3/224.
2- (3) راجع ما کتبته حول هذا الفرع: هل یجوز مطالبة المالک بالمثل فی غیر مکان التلف؟ صفحة 477 من هذا المجلد.
3- (1) المکاسب 3/256.

القائل بقیمة یوم التلف(1) _ فإذا کان فی بلد أو مکان آخر یتساوی مع قیمة مکان التلف فهو و إلاّ العبرة بقیمة مکان التلف. لا بالزیادة و النقیصة منها فی غیره.

و أنت تری بأنّ قیمة مکان التلف یمکن أن یختص بقائل قیمة یوم التلف و أمّا غیرها من الأقوال فلا، فما ذکره قدس سره بإطلاقه غیر تام.

ثم لا أدری ما الفرق بین المثلی و القیمی، حیث أنّه قدس سره قائل بجواز المطالبة بالمثل فی غیر مکان التلف ولو کانت قیمته بأزید من قیمة مکان التلف. ولکن فی القیمی ذهب إلی اعتبار القیمة بقیمة مکان التلف لا الأزید منها و لا الأنقص. الظاهر أنّ التفصیل بینهما فی غیر محلِّه.

اللهم إلاّ أن یقال: بأنّ الفارق بینهما موجود و هو الدلیل التعبدی فی القیمیات و هی صحیحة أبیولاّد الماضیة.

ولکن قد مرّت المناقشة فی دلالتها عندنا.

ثم هل بحث الأمکنة فی القیمیات تابع لبحث الأزمنة فیها بحیث من یقول بقیمة یوم الغصب یقول بقیمة مکان الغصب و من یقول بقیمة یوم التلف یقول بقیمة مکانه و هکذا أم لا؟

قال الفاضل المراغی رحمه الله : «هذا البحث (تعیین القیمة بحسب المکان) قد أغفله الأصحاب و لم یتعرّضوا له فی شیءٍ من هذه الأبواب مع الاختلاف الفاحش فی القیمة بحسب الأمکنة کالأزمنة... لکن السبب فی ترک الأصحاب هذا العنوان هل هو من جهة تبعیته للزمان؟... و هذا الاحتمال بعید جدّا، نظرا إلی بُعد انفهام هذا المطلب ممّا ذکروه فی الزمان، و عدم تصریح منهم فی ذلک... مع أنّ فی کلامهم ما یدلّ علی وجوب ردّ المال

ص:558


1- (2) راجع المکاسب 3/251 فی جواب حلّ العویصة الواردة فی صحیحة أبیولاّد الماضیة.

المغصوب إلی المالک أیّ مکان شاء أو أراد... و الذی أراه: أنّ دفع القیمة بحسب المکان منوط بالمکان الذی یجب الدفع فیه، فإن قلنا: إنّ الاختیار بید المالک فأیّ مکانٍ اختاره فی الردِّ فیعتبر قیمته. و إن قلنا: لیس کذلک بل المعتبر الردّ فی محل الغصب إلاّ أن یرضی المالک بما هو أقلّ منه مؤنةً أو المساوی فالمدار علی مختار المالک فیکون المیزان محلّ الغصب»(1).

أقول: نعم، للمالک اختیار ماله فی الردِّ فی أیّ مکانٍ شاءَ ولکن بشرط أن یکون قیمته مع قیمة بلد المال واحدا أو یکون أقلاًّ من ذلک، أمّا إذا کان أکثر من قیمة بلد المال فلا، لأنّ ذمّة الضمان لا یکون مشغولاً بأکثر من ذلک کما مرّ فراجع ما حررناه فی بحث المثلی. و اللّه سبحانه هو العالم.

الثالث: حکم ارتفاع القیمة بسبب الزیادة العینیّة

قال المحقّق: «لو زادت القیمة لزیادة صفة ثمّ زالت الصفة، ثمّ عادت الصفة و القیمة، لم یضمن قیمة الزیادة التالفة لِأنّها انجبرت بالثانیة. ولو نقصت الثانیة عن قیمة الاُولی ضمن التفاوت. أمّا لو تجدَّدَت صفة غیرها، مثل إن سَمِنَت فزادت قیمتها، ثم هزلت فنقصت قیمتها، ثم تعلَّمَت صنعةً فزادت قیمتها، ردَّها و ما نقص بفوات الاُولی»(2).

و قال ثانی الشهیدین فی شرحه: «إذا تجدّد الکمال بعد النقصان، سواء کان الکمال الأوّل الذی توسّط نقصه موجودا من حین الغصب أم تجدّد فی ید الغاصب، فإن کان الکمال الثانی هو الأوّل بعینه، کما لو کان صانعا أو عالما فنسی العلم و الصنعة ثم تذکّرهما، فلا شبهة فی جبر المتجدّد للذاهب، لأنّه ذهب ثمّ عاد فکأنّه لم یزل، و لایردّ أن ذلک العلم غیر باقٍ فالعائد غیر الزائل لمنع ذلک أوّلاً، و لو سلّم لزمه ضمانه و إن لم ینسِ، لأنّه یتجدّد فی ید

ص:559


1- (3) العناوین 2/537 و 536.
2- (1) الشرائع 3/194.

الغاصب بعد زوال ما کان حالته.

و إن لم یکن عینه فلا یخلو: إمّا أن یکون من الوجه الذی حصل فیه الأوّل کما لو هزلت الجاریة ثم سمنت و عادت القیمة کما کانت ففیه قولان:

أحدهما: أنّه ینجبر أیضا، و یسقط العزم کما لو أبق العبد فعاد، أو جنی علی عین فابیضّت ثم زال البیاض، و هذا هو الذی یقتضیه إطلاق المصنف حیث خصّ الضمان بصفة غیرها، و إن کان ظاهر قوله: «ثمّ عادت الصفة»، قد یقتضی خلاف ذلک، لأنّ السمن الأوّل غیر الثانی، إلاّ أنّ الصفة _ و هی نفس السمن _ واحدة.

و الثانی: العدم، لأنّ السمن الثانی غیر الأوّل، و الأوّل وقع مضمونا، و الثانی تجدّد هبة من اللّه تعالی کالأوّل لو کان متجدّدا، فلا یحصل للغاصب بسببه شیء، و هذا أظهر.

ثمّ علی القول بالانجبار إنّما یسقط الضمان مطلقا لو عادت القیمة بتمامها بالعائد، فلو لم تبلغ القیمة الاُولی ضمن مابقی من النقصان.

و إن کان الکمال من وجه آخر، بأن نسی صنعة و تعلّم أُخری، أو أبطل صنعة [صفة] الإباق و أحدث صنعة اُخری، فلا انجبار بحال، و علی هذا فلو تکرّر النقصان و کان فی کلِّ مرّة مغایرا بالنوع للناقص فی المرّة الأُخری ضمن الکلّ. حتّی لو غصب جاریة قیمتها مائة فسمنت و بلغت القیمة ألفا، و تعلّمت صنعة فبلغت ألفین، ثمّ هزلت و نسیت الصنعة فعادت قیمتها إلی مائة، ردّها و غرم ألفا و تسعمائة، ولو علم العبد المغصوب سورة من القرآن أو حرفة فنسیها، ثم علّمه حرفة أو سورة أُخری فنسیها أیضا، ضمنهما.

و إن لم تکن مغایرة، کما إذا علّمه سورة واحدة أو حرفة واحدة مرارا و هو ینساها فی کلّ مرّة، ففیه الوجهان، [1] فإن قلنا: لایحصل الانجبار بالعائد ضمن النقصان فی کلّ مرّة، [2] و إن قلنا: یحصل، ضمن أکثر المرّات نقصانا». ثم ذکر قدس سره بعدها ثلاثة فروع

ص:560

مرتبطات بالبحث فراجعها.(1)

قال العلاّمة فی القواعد: «و لا یُجبر المتجدِّد من الصفات ما خالفه من التالف و إن تساویا قیمة، بخلاف ما لو اتّفقا جنسا»(2).

و قال العاملی فی ذیل کلامه فی المفتاح: «نحوه ما فی المبسوط(3) و الشرائع(4) و التذکرة(5) و التحریر(6) و الإرشاد(7) و الدروس(8) و جامع المقاصد(9) و غیرها.

و الحاصل: إنّ العائد إن کان من نوعٍ آخر لم یحصل الانجبار به إجماعا کما یظهر من مجمع البرهان(10)، و قد قطع به الأصحاب کما فی الکفایة(11).

قلت: و ظاهرهم القطع أیضا بالانجبار و عدم وجوب الأرش فیما لو اتّفقا جنسا کما لو کان کاتبا أو عالما أو خیّاطا فنسی ثم تذکّر إذا لم یفت شیءٌ و فی المسالک(12) أنّه لاشبهة

فیه... .

ص:561


1- (1) المسالک 12/(221-219).
2- (2) قواعد الأحکام 2/233.
3- (3) المبسوط 3/84.
4- (4) الشرائع 3/194.
5- (5) تذکرة الفقهاء 2/386 و 387 من الطبع الحجری.
6- (6) تحریر الأحکام الشرعیة 4/540 و 541.
7- (7) إرشاد الأذهان 1/447.
8- (8) الدروس الشرعیة 3/112.
9- (9) جامع المقاصد 6/291.
10- (10) مجمع الفائدة و البرهان 10/545.
11- (11) الکفایة 2/653.
12- (12) المسالک 12/219.

و اختلفوا فیما إذا کان سمینا فهزل ثمّ سمن فصریح المبسوط(1) و الإرشاد(2) و مجمع البرهان(3) و ظاهر الشرائع(4) أنّه یجبر الثانی الأوّل، لأنّ الأصل عدم الضمان و لا دلیل علی الضمان سوی قولهم: إنّهما بمنزلة صفتین مختلفتین، و لیس بدلیل یعول علیه، و لا إجماع إلاّ فی المتغایرین. و صریح التذکرة(5) و جامع المقاصد(6) و ظاهر الدروس(7) أنّه لا یجبر(8)، لأنّ الثانی مال متجدِّد للمالک و الأوّل مال ذاهب، و یقولون: إنّه بعد الهزال صار الأصل الضمان. و اقتصر فی الکفایة علی قوله: فیه قولان(9).

و کلام التذکرة لا یخلو من اضطراب، لأنّه قد صرّح فیها أیضا بأنّه لو مرض العبد ثمّ عوفی وجب ردّه من غیر شیءٍ(10)، و مثله قال فی التحریر(11) کنا تقدّم التنبیه علیه، و نحوه ما یأتی للمصنف [العلاّمة فی القواعد] فی آخر الفصل الثانی(12).

إذا تقرّر هذا فلو کان الکمال من وجهٍ آخر مثل إن نسی صنعة کانت قیمته معها مائة

ص:562


1- (1) المبسوط 3/64.
2- (2) ارشاد الأذهان 1/447.
3- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/545.
4- (4) الشرائع 3/194.
5- (5) تذکرة الفقهاء 2/386 و 387 من الطبع الحجری.
6- (6) جامع المقاصد 6/291.
7- (7) الدروس الشرعیة 3/112.
8- (8) و عدم الانجبار هو الأظهر عند ثانی الشهیدین فی المسالک 12/220 کما مرّ.
9- (9) الکفایة 2/653.
10- (10) تذکرة الفقهاء 2/387 من الطبع الحجری.
11- (11) تحریر الأحکام الشرعیة 4/541.
12- (12) قواعد الأحکام 2/236: و فیه: «ولو نقصت قیمة لعیبٍ، ثمّ زال العیب فی ید الغاصب فلا ضمان مع بقاء القیمة».

فصارت إلی خمسین ثمّ تعلّم صنعة أُخری غیر الأُولی فعادت إلی مائة ردّه و ردّ معه خمسین، ولو تکرّر النقصان و کان فی کلِّ مرّة مغایرا بالنوع للناقص فی المرّة الاُخری ضمن الکلّ کما لو غصب جاریة...»(1).

و فی الجواهر فی ذیل قول المحقّق: «أمّا لو تجدّدت صفة غیرها...» قال: «بلا خلاف

أجده فیه، بل الإجماع بقسمیه علیه بل هو مقتضی الضابط الذی ذکرناه، ضرورة زیادة القیمة بتقدیر السمن الفائت مع الصفة المتجددة، فیضمنه الغاصب الذی قد فات تحت یده»(2).

و مراده من الضابط هو قوله قدس سره : «... فکلّ صفة ذاهبة یمکن تقدیرها مع المتجدِّدة و تزاد القیمة بذلک هی لاتنجبر بالمتجدِّدة، و کلّ صفة لا یمکن تقدیرها مع المتجدِّدة أو أمکن ولکن لا تزید بها القیمة عن المتجدِّدة بل هی هی أو تنقص لا تضمن و تنجبر بالثانیة»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «إنّ جمیع ما ذکرنا من الخلاف إنّما هو فی ارتفاع القیمة السوقیة الناشئة من تفاوت رغبة الناس، و أمّا إذا کان حاصلاً من زیادة فی العین فالظاهر _ کما قیل _ عدم الخلاف فی ضمان أعلی القیم...»(4).

مراده: أنّ ارتفاع القیمة عند الغاصب لأجل زیادة عینیّة کسمن الشاة أو تعلّم صنعة للعبد نحو الکتابة و النجارة، ثمّ عادت العین إلی ما کانت علیه حین الغصب حتّی تلف عند الغاصب، کانت هذه الزیادة أو الصفة مضمونة کضمان العین المغصوبة، و فی هذه الحالة تجری أعلی القیم بلاخلاف.

ص:563


1- (13) مفتاح الکرامة 18/(252-250).
2- (1) الجواهر 37/173.
3- (2) الجواهر 37/171.
4- (3) المکاسب 3/256.

ثم قال الشیخ الأعظم: «نعم، یجری الخلاف المتقدم فی قیمة هذه الزیادة الفائتة، و أنّ العبرة بیوم فواتها أو یوم ضمانها أو أعلی القیم»(1).

أقول: و قد مرّ فی الخلاف الماضی أنّ العبرة بقیمة یوم الأداء و الدفع و کذلک بالنسبة إلی الزیادة العینیّة الفائتة تُحْسَبُ بقیمة یوم الأداء و الحمدللّه.

الرابع: کیفیّة تقویم مال القیمی

تعرّض الأصحاب _ رضوان اللّه تعالی علیهم _ لها فی الأبواب المتعدِّدة نحو: إخراج الزکاة، و الخمس، و الوصایا من الثلث، و الغصب، و الأرش فی العقد و الجنایة، و فروع أبواب المزارعة و المساقاة و المغارسة و البیع و الشفعة و الإجارة و غیرها.

و المال القیمی ینقسم إلی أقسام خمسة:

1_ المال المستقل: و لأجل تقویمه یلاحظ من الجهات المختلفة: من حیث الزمان و

المکان و الإشاعة و الوحدة فی الملکیة، وضعه و جهته، احتیاجه إلی المؤنة فی الحفظ و النقل و عدمه، یکون سریع الفساد أو بطیئه، یکون صحیحا أو معیبا، یکون فی معرض التلف أم لا؟، هل تترتّب علیه المنافع أم لا؟ و غیر ذلک من الأُمور التی تختلف بها القیم و الرغبات.

یلاحظ جمیع هذه الأُمور و غیرها و یُقَوَّمُ.

2_ بعض المال المرکب المعدود شیئا واحدا _ سواء کان واحدا حقیقةً أو عرفیةً أو شرعیةً: و ینقسم إلی قسمین:

أ: الهیئة الترکیبیّة لها مدخلیة فی القیمة: نحو لو کان الجزءان مجتمعین بخمسین و کان کلّ واحد منهما بعشرین، یعلم منه قیمة الجرء الفائت هی العشرون و قیمة الهیئة الترکیبیة المختلّة هی العشرة و الحاصل الجزء الفائت حیث یفوت به الهیئة الترکیبیة أیضا یقوم

ص:564


1- (4) المکاسب 3/257.

بثلاثین.

هذا کلّه إذا کانت الأجزاء و الهیئة الترکیبیة لمالک واحد أو عُرض للبیع معا، و أمّا إذا کانت لمالکین أو أکثر و عُرض للبیع فی الأمکنة أو الأزمنة المختلفة فکلّ جزء یقدّر و یقوم بثمنه الخاص.

ب: الهیئة الترکیبیة لیس لها مدخلیة فی القیمة: فیقوَّم الجزء التالف وحده و یصیر کالمال المستقل حینئذ.

3_ الأوصاف نظیر الصحة و العیب الواردة فی الأرش بالنسبة إلی المال أو الجنایة. فطریق تقویمها کما ورد فی صحیحة أبیولاّد(1) الماضیة و نص علیه الأصحاب تقویم المال واجدا لذلک الوصف و فاقدا له ثمّ یرجع بالتفاوت، و فی العقود هذا التفاوت ینسب إلی الثمن أو المعوَّض و یقلِّل منه بهذه النسبة. بلا فرق بین فقدان وصف المال أو جزئه.

4_ النماءات: و هی علی قسمین:

أ: النماء المنفصل: فهی یقوَّم کالمال المستقل.

ب: النماء المتصّل: تقوَّم العین فاقدة لها ثمّ تقوّم واجدة لها و التفاوت یکون قیمة النماء و تنسب إلی الثمن و العوض إذا کان فی العقد المعاوضی.

هذا کلّه إذا کان النماء موجودا. و أمّا إذا کان معدوما کما فی باب الوصیة نحو ثمرة البستان فی السنین الآتیة، یقوّم العین مسلوبة المنفعة فی تلک السنین المعیّنة و یقوّم مع

منافعها و التفاوت یکون قیمة المنافع و النماء.

5_ المنافع و الأعمال

إن کانت موجودة مستوفاة یرجع فیها إلی أُجرة المثل.

و إن کانت معدومة کمنفعة سنین معیّنة للدار، یقوّم العین واجدة المنافع مرّة و

ص:655


1- (1) وسائل الشیعة 19/119، ح1، الباب 17 من أبواب کتاب الإجارة.

مسلوبة أُخری و التفاوت هو قیمة المنفعة.

و لتفصیل البحث راجع الکتب المفصلة و کذا کتاب السیّد الفاضل المراغی، المُسَمیّ بالعناوین(1).

الخامس: اختلاف المقوِّمین

تارة اختلافهم ینشأ من الإخبار عن القیمة السوقیة فیدخل فی باب تعارض البیّنات فإمّا نحکم بالتعادل ثمّ التساقط أو نحکم بالترجیح بالأعلمیة أو الاُورعیة أو الأکثریة أو أقوی و أکثر الظنّیة أو القرعة و نحوها.

و تارة اختلافهم ینشأ من إعمال نظرهم فی التقویم و إنشائهم به فحینئذٍ یؤخذ بأقوی خبرة و لا یدخل فی قوانین باب التعادل و الترجیح و هذا الأخیر هو المراد بالتقویم فی ألسنة القوم و هذا هو المختار.

قد یقال: بالجمع بین القیم ثمّ تقسیمها علی عددها، أو الأخذ بثلث القیم الثلاث و ربع القیم الأربع و نحوها، و ادعوا(2) بأنّه ورد فی روایة فی اختلاف المقوّمین فی الهدی أو اختلاف قیم الهدی.

و أمّا الاختلاف فی قیمة الأرش فیمکن تحدید القیمة بطریقتین:

1_ نسبة مجموع القیم الصحیحة إلی مجموع المعیبة و ملاحظة التفاوت بینهما من الثمن بالنسبة.

2_ نسبة کلّ من المعیبة إلی الصحیحة و جمع النسب الحاصلة ثمّ تقسیمها علی عددها ثمّ ملاحظة النسبة بینها و بین الثمن.

و من المعلوم أنّ بینهما تفاوتا یسیرا. هذا تمام الکلام فی عمدة مسائل القیمی و الحمدللّه.

ص: 566


1- (1) العناوین 2/540.
2- (2) کما فی العناوین 2/547.

وصلٌ: مَباحِثُ بَدَلِ الْحَیْلَوْلَةِ

اشارة

ص: 567

ص: 568

و البحث فیها یقع فی ضمن مقاماتٍ:

المقام الأوّل: تعریفها و نقل الأقوال فیها

قال المحقّق: «و إذا تعذَّر تسلیم المغصوب دفع الغاصب البدل و یملکه المغصوب منه، و لا یملک الغاصب العین المغصوبة، ولو عادت کان لکلٍّ منهما الرجوع، و علی الغاصب الاُجرة إن کان ممّا له أُجرةٌ فی العادة من حین الغصب إلی حین دفع البدل، و قیل: إلی حین إعادة المغصوب، و الأوّل أشبه»(1).

و قال فی القواعد: «ولو أبق العبد ضمن فی الحال القیمة للحیلولة، فإن عاد ترادّا، و للغاصب حبس العبد إلی أن یردّ القیمة علیه علی إشکال...»(2).

و فیه: «و یجب ردّ العین ما دامت باقیةً، فإن تعذّر دفع الغاصبُ البدلَ و یملکه المغصوب منه و لا یملک الغاصب العین المغصوبة فإن عادت فلکلٍّ منهما الرجوع، و هل یُجبر المالک علی إعادة البدل لو طلبه الغاصب؟ إشکال...»(3).

ص:569


1- (1) الشرائع 3/190.
2- (2) قواعد الأحکام 2/228.
3- (3) قواعد الأحکام 2/230.

قال فی المفتاح فی ذیل الکلام الأوّل من القواعد: «هذا معنی ما فی المبسوط(1) و الخلاف(2) و الغنیة(3) و السرائر(4) و الشرائع(5) و التذکرة(6) و التحریر(7) و الإرشاد(8) و

الدروس(9) و جامع المقاصد(10) و مجمع البرهان(11) و کذا المسالک(12) و الکفایة(13) و الإیضاح(14) و فی الخلاف(15) و الغنیة(16) أنّه علیه القیمة و أنّ مالک العین إذا أخذها _ أی القیمة _ ملکها بلا خلاف و ظاهرهما نفیه بین المسلمین.

و قد ذکر أنّ ضمان القیمة للحیلولة فی المبسوط(17) و الخلاف(18) و الغنیة(19) و

ص: 570


1- (4) المبسوط 3/95.
2- (5) الخلاف 3/412، مسألة 26.
3- (6) غنیة النزوع /282 و 281.
4- (7) السرائر 2/486.
5- (8) شرائع الإسلام 3/190.
6- (9) تذکرة الفقهاء 2/385 من الطبع الحجری.
7- (10) تحریر الأحکام الشرعیة 4/535.
8- (11) إرشاد الأذهان 1/446.
9- (1) الدروس الشرعیة 3/112.
10- (2) جامع المقاصد 6/261.
11- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/538 و 539.
12- (4) المسالک 12/200.
13- (5) کفایة الأحکام 2/647.
14- (6) إیضاح الفوائد 2/178.
15- (7) الخلاف 3/412.
16- (8) غنیة النزوع /282.
17- (9) المبسوط 3/95.
18- (10) الخلاف 3/412.
19- (11) غنیة النزوع /282.

التذکرة(1) و المسالک(2) و ظاهر هذه الکتب أنّ ذلک مجمع علیه أیضا و أنّهم لَیَأْخذونه مُسَلَّما...»(3).

و قال فی الجواهر فی ذیل کلام المحقّق إلی قوله: «کان لکلٍّ منهما الرجوع: «کما صرح لذلک کلِّه غیر واحد من أساطین الأصحاب کالشیخ و ابن ادریس و الفاضل و الشهید و الکرکی و غیرهم، بل فی المسالک نسبته إلیهم مشعرا بالاتفاق علیه، بل فی محکی الخلاف و الغنیة نفی الخلاف عن ملک المغصوب منه البدل المزبور، بل ظاهرهما علی ما قیل بین المسلمین...»(4).

و بالجملة: بدل الحیلولة موضوعه وجود العین لکن مع تعذُّر الوصول إلیها لغرقٍ أو ضیاعٍ أو إباقٍ أو سرقة أو نحوها.

و لذا قال الشیخ الأعظم: «ثمّ إنّ فی حکم تلف العین فی جمیع ما ذکر _ من ضمان المثل أو القیمة _ حکما تعذّر الوصول إلیه و إن لم یهلک کما لو سرق أو غرق أو ضاع أو أبق...»(5).

المقام الثانی: ما الدلیل علی بدل الحیلولة؟

اشارة

أقاموا لها عدّة وجوه:

الأوّل: الروایات

استدلوا علیها بعدّه من الروایات الواردة فی الضمانات نحو:

صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: إذا رهنت عبدا أو دابّة فمات فلا

ص:571


1- (12) تذکرة الفقهاء 2/385 من الطبع الحجری.
2- (13) المسالک 12/200.
3- (14) مفتاح الکرامة 18/185 و 184.
4- (15) الجواهر 37/129.
5- (16) المکاسب 3/257.

شیء علیک، و إن هلکت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن.(1)

الإهلاک هو الإتلاف الحقیقی، و الإباق و الإتلاف الحکمی.

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: سألته عن العاریة یستعیرها الإنسان فتهلک أو تُسرق؟ فقال: إن کان أمینا فلا غرم علیه.(2)

مفهومها الضمان بدون الأمانة بلا فرق بین الهلاک و هو التلف الحقیقی و السرقة و هو التلف الحکمی.

و منها: صحیح أبان عمّن حدّثه عن أبی جعفر علیه السلام فی حدیث قال: و سألته عن الذی یستبضع المال فیهلک أو یُسرق، أعلی صاحبه ضمان؟ فقال: لیس علیه غرم بعد أن یکون الرجل أمینا.(3)

بتقریب الماضی و الروایة روت فی الکافی 5/238، ح4 بسند معتبر إلی أبان و هو ینقل من دون واسطه عن أبی جعفر علیه السلام (4) فی بعض النسخ و مع واسطة محمّد فی بعضها الآخر و بسند صحیح فی التهذیب 7/184، ح812 عن أبان عن محمّد بن مسلم عن أبیجعفر علیه السلام .(5)

و منها: موثقة غیاث بن ابراهیم عن أبی عبداللّه علیه السلام : أنّ أمیرالمؤمنین علیه السلام اُتی بصاحب حمّام وضعت عنده الثیاب فضاعت فلم یضمّنه، و قال: إنّما هو أمین.(6)

ص:572


1- (1) وسائل الشیعة 18/388، ح8، الباب 5 من أبواب کتاب الرهن.
2- (2) وسائل الشیعة 19/93، ح7، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة.
3- (3) وسائل الشیعة 19/80، ح5، الباب 4 من أبواب کتاب الودیعة.
4- (4) وسائل الشیعة 19/93، ح8، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة.
5- (5) وسائل الشیعة 19/21، ح3، الباب 3 من أبواب کتاب المضاربة.
6- (6) وسائل الشیعة 19/139، ح1، الباب 28 من أبواب کتاب الإجارة.

مفهومها فی صورة عدم الأمانة علیه الضمان فی فرض الضیاع و هو التلف الحکمی.

و منها: مکاتبة الصفّار المرویة بسند صحیح عن الإمام العسکری علیه السلام فی رجل دفع ثوبا إلی القصّار لیقصره فدفعه القصّار إلی قصّار غیره لیقصّره، فضاع الثوب هل یجب علی القصّار أن یردّه إذا دفعه إلی غیره، و إن کان القصّار مأمونا؟ فوقع علیه السلام هو ضامن له إلاّ أن یکون ثقة مامونا إن شاء اللّه.(1)

بالتقریب الماضی.

و منها: صحیحة محمّد بن مسلم قال: قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : رجل بعث بزکاة ماله لتقسم فضاعت، هل علیه ضمانها حتّی تقسم؟ فقال: إذا وجدلها موضعا فلم یدفعها فهو لها ضامن _ إلی أن قال: _ و کذلک الوصّی الذی یوصی إلیه یکون ضامنا لما دفع إلیه إذا وجد ربّه الذی أمر بدفعه إلیه، فإن لم یجد فلیس علیه ضمان.(2)

و منها: صحیحة الصفّار قال: کتبت إلی أبی محمّد علیه السلام رجل دفع إلی رجل ودیعة فوضعها فی منزل جاره فضاعت، هل یجب علیه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملکه؟ فوقّع علیه السلام : هو ضامن لها إن شاء اللّه.(3)

و منها: معتبرة بل صحیحة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: کانت عندی ودیعة، و قال الآخر: إنّما کانت لی علیک قرضا؟ فقال: المال لازم له إلاّ أن یقیم البینة أنّها کانت ودیعة.(4)

و منها: معتبرة مَسْعَدَةَ بن زیاد عن جعفر بن محمّد علیه السلام قال: سمعته یقول: لاغرم علی

ص:573


1- (1) وسائل الشیعة 19/146، ح18، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة.
2- (2) وسائل الشیعة 19/346، ح1، الباب 36 من أبواب کتاب الوصایا.
3- (3) وسائل الشیعة 19/81، ح1، الباب 5 من أبواب کتاب الودیعة.
4- (4) وسائل الشیعة 19/85، ح1، الباب 7 من أبواب کتاب الودیعة.

مستعیر عاریة إذا هلکت أو سرقت أو ضاعت إذا کان المستعیر مأمونا.(1)

و منها: حسنة بل صحیحة عبداللّه بن یحیی الکاهلی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سألته القصّار یسلّم إلیه الثوب و اشترط علیه یعطینی فی وقت؟ قال: إذا خالف و ضاع الثوب بعد الوقت فهو ضامن.(2)

و منها: غیرها من الروایات الدالة علی الضمان بالسرقة أو الإباق أو الضیاع أو الغرق و نحوها، و هی کثیرة قد ذکرت لک عشرا منها فقط و «تلک عشرة کاملة».

یری الشیخ الأعظم دلالة هذه الروایات تامة و لذا قال: «لما دلّ علی الضمان بهذه الاُمور فی باب الأمانات المضمونة»(3).

و کما یراه من قبله صاحب الجواهر حیث یقول: «کما یؤمیء إلیه مادلّ علی الضمان بالضیاع و السرقة و نحوهما فی الأمین المفرط...»(4).

و اعترض علیه المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله و یراها فی صورة التلف و قال: «محلّ بحثنا غیر هذه الصورة»(5).

ولکن أنت تری بأنّها لاتختص بالتلف الواقعی و تشمل التلف الحکمی، بل ورد فی بعضها الاُمور الماضیة فقط. وافقنا علی التعمیم المحقّق المروج(6) رحمه الله .

ولکن یمکن أن یقال: هذه الأُمور یعدّ فی العرف تلفا و لا فرق بین التلف الحکمی و

ص:574


1- (5) وسائل الشیعة 19/94، ح10، الباب 1 من أبواب کتاب العاریة.
2- (6) وسائل الشیعة 19/143، ح7، الباب 29 من أبواب کتاب الإجارة.
3- (1) المکاسب 3/257.
4- (2) الجواهر 37/131.
5- (3) مصباح الفقاهة 3/209.
6- (4) هدی الطالب 3/608.

الواقعی من جهة الضمان. فالحکم فی الروایات بالضمان یتم لأجل التلف لا الحیلولة، فهذه الروایات لا تعمّ الحیلولة.

الثانی: قاعدة لا ضرر

بتقریب: «أنّ صبر المالک إلی حین الوصول إلی ماله ضرر علیه»(1).

«أو یقال: إنّ عدم الحکم بضمان البدل ضرر علی المالک.

أو یقال: إنّ امتناع الضامن عن أداء البدل ضرر علی المالک»(2).

و فیه: أوّلاً: ما مرّ من أنّ قاعدة لا ضرر یرفع الحکم الضرری، و أمّا اثبات الحکم بها فی الموارد الأحکام غیر الثابتة فی الشریعة التی توجب الضرر فلا یمکن إثباته بها.

و ثانیا: قاعدة لا ضرر تنفی الأحکام الضرریة لا الموضوعات الضرریة کما بیّن فی محلّها.

و ثالثا: النسبة بین بدل الحیلولة و موارد تضرر المالک هی العموم من وجه، إذ قد لایتضرر المالک بصبره إلی زمان تمکن الوصول إلی ماله لاستغنائه عنه، و مع ذلک یحکم بلزوم أداء بدل الحیلولة، و إذ لایکون مورد بدل الحیلولة، لأنّهم أخذوا فیها تعذر وصول

المال إلی مالکه مدّة طویلة، و المدّة تکون قصیرة و فیها ضرر علیه ولکنّهم لم یحکموا ببدل الحیلولة حینئذ. فالنسبة بین قاعدة لا ضرر و بدل الحیلولة هی العموم من وجه.

و رابعا: الضرران یتعارضان، لأنّ ضرر المالک بالصبر إلی زمان الوصول إلی ماله معارض بضرر الضامن المأمور بردّ البدل، و إذا تعارض الضرران فیتساقطان و لا تجری قاعدة لا ضرر.

ص:575


1- (5) کما فی حاشیة المکاسب 1/514 للفقیه الیزدی رحمه الله .
2- (6) کما فی مصباح الفقاهة 3/204.

و قد ورد جلّها أو کلّها فی مصباح الفقاهة.(1)

الثالث: قوله صلی الله علیه و آله : الناس مسلطون علی أموالهم.

بتقریب: أنّ مقتضاها جواز مطالبة العین وسیلة إلی أخذ البدل.

أو: أنّ السلطنة علی العین و إن کانت ممنوعة بالتعذر، إلاّ أنّ من شؤونها السلطنة علی مالیتها بردّ بدلها کما فی الموارد التی کان علیه کلّیٌ و قد تعذّر دفعه فعلاً، فحینئذ یجوز للمالک أخذ البدل کما فی المثلی المتعذِّر.

أو: أنّ السلطنة علی ماله تقتضی الانتفاع به، و هذه تقتضی جواز مطالبة البدل حتّی ینتفع ببدل ماله عوضا عنه.

کما ورد هذا المضمون من الشیخ الأعظم(2) و السیّد الیزدی(3) رحمهماالله .

و فیه: حدیث السلطنة یقتیضی السلطنة علی العین بالتصرفات السائغة فیها من البیع و الصلح و الوقف و... و لیس لأحد أن یزاحمه فیها. و منها مطالبة عین ماله من الغاصب و أمّا مطالبة بدل الحیلولة لایستفاد منها. و لذا قال المحقّق النائینی فی ردّ هذا الاستدلال مختصرا: «أنّه لا سلطنة له إلاّ علی العین، و عموم السلطنة لا یثبت الصغری»(4).

مضافا: علی فرض تمامیة الدلالة، لا یتعین أنّ جواز الأخذ یکون من باب الغرامة و لأحد أن یقال بل غایة ما یقال: أنّ المستفاد منها جواز مطالبة مالیة المال بالمصالحة أو البیع أو الهبة المعوِّضة أو غیرها و یجبر الغاصب علی إحداها، لا علی الوجه الغرامة حتّی یأتی

ص:576


1- (1) مصباح الفقاهة 3/205 و 204.
2- (2) المکاسب 3/258.
3- (3) حاشیة المکاسب 1/514.
4- (4) منیة الطالب 1/326.

إشکال الجمع بین العوض و المعوض کما یظهر من الفقیه الیزدی(1) رحمه الله .

بل یمکن أن یقال: بعدم دلالة حدیث السلطنة حتّی علی إلزامه علی عقد البیع و نحوه.(2) و لأنّ «قاعدة السلطنة تقتضی السلطنة علی التصرفات فی المال ولو بمطالبته من الغیر، لا السلطنة علی الغیر بإجباره علی إیقاع المعاملة علی ماله»(3).

ثالثة: إنّ النسبة بین السلطنة و بدل الحیلولة هی العموم من وجه، فلا یتم الاستدلال لها بها. لأنّه یوجد موارد لا یثبت سطنة علی المال للحجر مثلاً ولکن یجری بدل الحیلولة فی فروضها و موارد ثبوت السلطنة و عدم بدل الحیلولة واضح.

رابعة: لو کان دلیلُ بدلِ الحیلولةِ حدیثَ السلطنةِ، لابدّ أن یجری فی موارد یُمنع المالکُ من السلطنة علی أمواله نحو الحبس و لم یقل به أحدٌ.

خامسة: موضوع حدیث السلطنة هو المال الخارجی(4) و مع فرض وجوده، لا تصل النوبة إلی شیءٍ غیره، و فی الفروض یقتضی المطالبة بعین المال فقط لا غیرها من المالیة أو البدل أو غیرهما.

و لذا قال المحقّق الاصفهانی: «... و المالیة القائمة ببدله حصة اُخری من المالیة، فالسلطنة علی مطالبتها سلطنة علی مطالبة مال الغیر لا علی مال نفسه»(5).

و کذا قال: «و السلطنة علی الانتفاع بالبدل المدفوع سلطنة اُخری، لیس للمالک

ص:577


1- (5) حاشیة المکاسب 1/514.
2- (1) کما فی کتاب البیع 1/435 للمحقّق الخمینی رحمه الله .
3- (2) حاشیة المکاسب 1/428 للمحقّق الأصفهانی رحمه الله .
4- (3) کما فی کتاب البیع 1/435 للمحقّق الخمینی رحمه الله .
5- (4) حاشیة المکاسب 1/427.

مطالبتها إلاّ بعد استحقاق البدل و هو أوّل الکلام»(1).

و بما ذکرنا لا یتم ما ذکره الشیخ الأعظم رحمه الله بقوله: «فإنّ تسلّط الناس علی مالهم الذی فرض کونه فی عهدته یقتضی جواز مطالبة الخروج عن عهدته عند تعذّر نفسه، نظیر ما تقدَّم فی تسلّطه علی مطالبة القیمة للمثل المتعذِّر فی المثلی»(2).

الرابع: قاعدة الید

المستفاد من قوله صلی الله علیه و آله : علی الید ما أخذت حتّی تُؤَدِّیَهُ.

بتقریب: «إنّ الضمان المستفاد منه أعم من صورة التلف و صورة تعذّر التسلیم فعلاً»(3).

أو «فإنّ أداء العین کما یکون بأداء البدل فی صورة التلف، کذلک یکون بأداء البدل فی فرض الحیلولة»(4).

و یری صاحب الجواهر دلالة قاعدة الید علیها تامة.(5)

و فیه: أوّلاً: «المنساق منه صورة التلف» کما قاله الفقیه الیزدی(6) رحمه الله .

و ثانیا: علی فرض دلالة هذا الحدیث و تمامیّتها فلا فرق بین ما کانت مدّة تعذِّر وصول العین قلیلة أو طویلة، مع أنّهم لم یلتزموا ببدل الحیلولة فی المدّة القلیلة.

و ثالثا: الحدیث یدل علی ردّ العین فی فرض وجودها، وردّ المثل أو القیمة فی فرض

ص:578


1- (5) حاشیة المکاسب 1/427.
2- (6) المکاسب 3/258.
3- (7) کما فی حاشیة المکاسب 1/514 للفقیه الیزدی رحمه الله .
4- (1) کما فی مصباح الفقاهة 3/207.
5- (2) راجع الجواهر 37/131.
6- (3) کما فی حاشیة المکاسب 1/514 للفقیه الیزدی رحمه الله .

تلفه، و إذا کان السرقة أو الغرق أو الإباق أو الضیاع أو أشباهها فی نظر العرف تلفا فینتقل الضمان إلی المثل أو القیمة و إذا أدّی الضامن أحدهما فیحصل الانتقال القهری ولو وجدت العین أحیّانا فهو _ الضامن _ یملکها و إلاّ یلزم إشکال الجمع بین العوض و المعوَّض. هذا هو المستفاد من دلالة الحدیث و أنت تری فوارقها مع بحث بدل الحیلولة.

اللهم إلاّ أن یقال: مناسبة الحکم و الموضوع لدی العرف یقتضی أن یستفاد «من الحدیث الشریف أنّ الآخذ إمّا یجب علیه ردّ المأخوذ بشخصه و إمّا یصدق علیه أنّه أداء له ما لم یتمکّن من ردّ شخصه، و لا یری العرف فرقا بین التلف و التعذّر من حیث الدلالة للحدیث، فإنّ استقرار العین فی عهدة الضامن یقتضی أن یخرج من تبعات مالیته.

نعم، إذا کان زمان التعذّر قصیرا جدّا فلیست هذه المناسبة متحقّقة، کما أنّه لایصدق الضرر أیضا»(1).

أقول: نعم، لا یری العرف فرقا بین التلف و التعذّر و یحکم بالبدل و مع أخذ البدل توسط المالک و دخوله فی ملکه یجری الانتقال القهری و صار العین ملکا للضامن.

الخامس: قاعدة الإتلاف

بتقریب: «إنّ الغاصب قد فوّت سلطنة المالک علی ماله فی موارد بدل الحیلولة فحیث إنّه غیر قادر علی إعادة تلک السلطنة بعینها، فلابدّ له من إعادة مثلها، و من الواضح

أنّ هذا لا یمکن إلاّ بأداء بدل الحیلولة»(2).

و یرد علیه أوّلاً: مفاد هذه القاعدة ضمان العین التالفة علی متلِفها و أمّا ضمان السلطنة الفائتة فلایستفاد منها.

ص:579


1- (4) منیة الطالب 1/328.
2- (1) مصباح الفقاهة 3/207.

و لذا قال المحقّق النائینی: «لیس للمالک إلاّ الملک، و أمّا السلطنة علیه فهی من أحکام الملک فلا معنی لتعلّق الضمان بها»(1).

نعم، فوت منافع العین أیضا تدخل فیها و یمکن القول بضمانها بها کما مرّ فی بحث المنافع من صدق المال علیها.

ولکن بین ضمان العین و المنافع، و بین الالتزام ببدل الحیلولة بون بعید!

و ثانیا: علی فرض الشک فی شمول القاعدة لبدل الحیلولة و عدمه، لابدّ من الأخذ بقدر المتیقن من الشمول، لأنّ هذه القاعدة لیست بمدلول آیة و لا روایة، بل هی مستفادةٌ من أدلة الضمان الواردة فی موارد متعددة فلیس لها إطلاق حتّی نتمسک بها.

و ثالثا: و علی فرض شمول القاعدة لبدل الحیلولة فلا فرق بینها و بین حبس المالک و منعه من التصرف فی ماله لأنّ فیهما أیضا یتعذّر وصول المال لمالکه و یفوت سلطنته، مع أنّ القائلین ببدل الحیلولة لم یلتزموا بالضمان فی الموردین.(2)

السادس: الجمع بین الحقّین

قال الشیخ الأعظم: «و یؤیده: أنّ فیه جمعا بین الحقّین بعد فرض رجوع القیمة إلی ملک الضامن عند التمکّن من العین»(3).

و قال النائینی فی نقده: «و فیه: أنّه لو ثبت حقّ للمالک علی الضمان مع بقاء عین ماله، لکان دفع القیمة إلیه مادام العین خارجةً عن تحت استیلائه جمعا بین الحقّین، و هذا یتوقّف علی کون مجرد وضع الید علی العین مع بقائها موجبا لتعلّق حقٍّ فعلیٍّ بالبدل للمالک علی الغاصب، و هذا ممّا لایلتزم به أحد، حتّی بناءً علی القول بأنّ المدار فی القیمی علی یوم

ص:580


1- (2) منیة الطالب 1/327.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/207.
3- (4) المکاسب 3/258.

المخالفة [الغصب]، لأنّه لیس معناه فعلیّة الضمان بالقیمة و العین، بل فعلیته بالنسبة إلی القیمة مشروطة بالتلف، غایة الأمر أنّه یلاحظ قیمة یوم المخالفة، و أمّا بدون تلف العین فلا حقّ له

إلاّ علی العین»(1).

السابع: تسالم الأصحاب قدس سرهم علی أنّ الحیلولة من موجبات الضمان

أنت إذا فحصت کلمات الفقهاء _ أعلی اللّه مقامهم _ فی الفروع المختلفة تجد أنّهم یعدون الحیلولة بنفسها من موجبات الضمان و یمکنک الرجوع إلی مظانِّ هذه الفروع فی الکتب الفقهیة:

منها: باب الغصب، و تعذر تسلیم المغصوب أو إباق العبد.

و منها: باب الإقرار، فی إقرار ذی الید بالعین لأحدٍ ثمّ إقراره ثانیا لغیره.

و منها: باب الشهادة، لو شهدت البینة بالطلاق ثمّ رجعت بعد حکم الحاکم بالتفریق.

و منها: باب الجهاد، فی ضمان الإمام المهر للزوج الکافر المهادِن إذا هاجرت زوجته المسلمة إلی بلد الإسلام.

و منها: باب القصاص، فی مَنْ أطلق مستحق القصاص من ید ولیّ المقتول أُلزم بدفع الدیة للحیلولة.

و منها: باب الأطعمه و الأشربة، فی مسألة واطئ البهیمة و ضمانه لمالکها لمکان الحیلولة.

و منها: باب الإقرار ثانیة، فی من باع أو وهب أو صالح شیئا علی أنّه له، ثمّ أقرّبه لغیره، حکموا بضمانه للغیر للحیلولة بین المقرِّ له و ماله.

ص:581


1- (1) منیة الطالب 1/326.

و منها: غیرها، ممّا یقف علیها المتتبّع.(1)

و فیه: علی فرض تمامیة تسالمهم علی الحیلولة و أنّها من موجبات الضمان حیث لم یدل الدلیل علیها فنحن نفارقهم لأنّا أبناء الدلیل یدور معه حیث مادار. فالعمدة دلالة الدلیل و لا یتم.

الثامن: الإجماع

دعوی الإجماع علی ثبوت بدل الحیلولة و قد مرّ اعتراف الفقیه المتتبّع السیّد العاملی(2) بأنّ ظاهر عدّة من الکتب أنّ ضمان القیمة للحیلولة مجمع علیه و أنّهم لَیَأْخُذُوْنَهُ

مُسَلَّما.

و مرّ من صاحب الجواهر قوله: «بل فی المسالک(3) نسبته إلیهم مُشْعِرا بالاتّفاق علیه...»(4).

و فیه: علی فرض وجود هذا الإجماع لا یفیدنا مع وجود هذه الأدلة التی یمکن أن تکون مستند المجمعین.

فذلکة القول فی بدل الحیلولة

حیث لا تتمّ الأدلة لإثباتها فلا یمکننا موافقة المشهور من فقهائنا _ قدس اللّه أسرارهم _ من حکمهم بها، و فی موارد الضیاع و السرقة و الغرق و الإباق إن یصدق التلف عرفا یحکم بأدلة الضمان بضمان المال للمالک بالمثل أو القیمة من جانب الضامن.

و إذا لم یصدق التلف عرفا فلیس للمالک المطالبة ببدل ماله، نعم له اُجرة ماله بدلاً

ص:582


1- (2) لتفصیل الفروع راجع هدی الطالب 3/614.
2- (3) راجع مفتاح الکرامة 18/185.
3- (1) المسالک 12/201 قال بعد البحث عن بدل الحیلولة: «هکذا أطلقوه».
4- (2) الجواهر 37/130.

من منافعه الفائتة له.

و فی فرض التلف و أداء الضمان وقع المبادلة القهریة، فینتقل المال إلی المالک و العین التالفة إلی الضامن، بحیث لو وجدت إحیانا کانت له.

وافقنا علی هذا البیان المحقّق السیّد الخوئی(1) و شیخنا الاستاذ(2) قدس سره .

و علی هذا نتعرض لبقیة أبحاث بدل الحیلولة تبعا للقوم و لأجل عدم خلوّ کتابنا مِنْ هذه الأبحاث.

المقام الثالث: تحدید موضوعها

قال الشیخ الأعظم: «و هل یقیّد ذلک [1] بما إذا حصل الیأس من الوصول إلیه، [2] أو بعدم رجاء وجدانه، [3] أو یشمل ما لو علم وجدانه فی مدّة طویلة یتضرّر المالک من انتظارها، [4] أو ولو کانت قصیرة؟ وجوه»(3).

ثم قال: «ظاهر أدلة ما ذکر... الاختصاص بأحد الأوّلین، ولکن ظاهر إطلاق الفتاوی الأخیر [4]، کما یظهر من اطلاقهم أنّ اللوح المغصوب فی السفینة إذا خیف من

نزعه غَرْقُ مالٍ لغیر الغاصب انتقل إلی قیمته إلی أن یبلغ الساحل»(4).

أقول: یقع الکلام معه قدس سره فی جهتین:

الأولی: ما استفاد من الأدلة و الفتاوی.

الثانیة: ما استفاد من الفرع المعروف.

أمّا الأولی: یمکن أن یقال: بأنّ الصورتین الأولیین تلحقان بالتلف الحقیقی _ و إن

ص:583


1- (3) لأنّه ناقش جمیع الأدلة فی مصباح الفقاهة 3/(209-203).
2- (4) إرشاد الطالب 2/199.
3- (5) المکاسب 3/257.
4- (1) المکاسب 3/257.

کانتا فی الواقع تلفا حکمیا _ ولکن بشرط أن یکون الیأس من الوصول إلی العین أو عدم رجاء وجدانها عقلائیا فیحکم فیهما بالضمان بقاعدة من أتلف.

ثم إن کان الدلیل علی ثبوت بدل الحیلولة هو الإجماع أو تسالمهم بما أنّهما دلیل لبّی فالمتیقن منه هو الصورة الاولی أو الصورتین الاُولیین.

و إن کان دلیلها الروایات أو قاعدة التلف، فالأمر کذلک و الدلیل یشمل الصورتین الأُولیین.

و إن کان الدلیل قواعد لا ضرر و السلطنة و ضمان الید فمفادها ثبوت بدل الحیلولة بمجرد التعذّر _ بلا فرق بین الزمان الطویل أو القصیر _ فحینئذ جمیع الصور الأربع تدخل فی البحث مع أنّ الفقهاء یخرجون التعذر فی المدّة القصیرة.

و کذلک یلحق بهذه القواعد دلیل الجمع بین الحقّین.

هذا هو المستفاد من الأدلة و أنت تری عدم تمامیة ما ذکره الشیخ الأعظم من أنّ ظاهر الأدلة هو الاختصاص بإحدی الأُوْلَیَیْنِ.

أمّا الثانیة: المستفاد من الفرع المشهور

فلابدّ أوّلاً من التعرض إلیه ثمّ البحث حوله و أوّل من تعرّض إلیه هو شیخ الطائفة فی مبسوطه قال: «إذا غصب ساجة(1) فبنی علیها، أو لوحا فأدخله فی سفینته، کان علیه ردّه سواء کان فیه قلع ما بناه فی ملکه أو لم یکن فیه قلع ما بناه فی ملکه... فإن کانت الساجة قد نقصت فعلیه أرش النقص، لأنّه أدخل النقص بفعله، فإن عفنت(2) فی البناء و متی أخرجها لم ینتفع بها، فعلیه قیمتها و لیس علیه ردّها، لأنّها مستهلکة تالفة.

ص:584


1- (2) الساجة: شجر عظیم صَلْب، الخشب، جمعه سِیْجان.
2- (3) عفنت الخشبة: إذا فسدت من ندوة أصابتها فهی تتفتت عند مسّها.

و إن کان لوحا و أدخله فی سفینته نظرت، فإن کانت فی البرِّ أو فی البحر بقرب البرّ

فالحکم فیه کالساجة فی البناء حرفا بحرفٍ، و إن کانت السفینة فی لجّة البحر نظرت، فإن کان اللوح فی أعلاها أو فی موضع لا یخشی علیها الغرق بقلعه، قلع وردّ، و إن کانت فی موضع متی قلع اللوح غرفت السفینة نظرت، فإن کان فیها حیوان له حرمة أو کان هو فیها لم یقلع، لأنّه إن کانت حرمته سقطت فی حقّه فما سقطت حرمة الحیوان فی نفسه، و إن رضی بإتلاف نفسه لم یقلع لأنّه لا یملک إدخال الضرر علی نفسه.

و إن لم یکن فیها حیوان نظرت فإن کان فیها مال لغیره لایقلع، لأنّه لا یملک إدخال الضرر علی غیر الغاصب، و إن کان المال للغاصب أو لم یکن له فیها متاع ولکنّه یخاف متی قلع اللوح غرقت السفینة فی نفسها فهل یقلع أم لا؟

قیل: فیه وجهان: أحدهما یقلع، لأنّه لیس فی قلعه أکثر من إدخال الضرر علی ماله فهو کالساجة، و الآخر و هو الصحیح أنّه لایقلع، لأنّه یمکن إزالة الضرر عن کلّ واحد منهما، عن الغاصب بالتأخیر حتّی یقرب من البرّ، و عن المالک بأن یصبر حتّی یصل إلیه عین ماله، و لا معنی لاسقاط أحدهما مع القدرة علی حفظهما.

و یفارق البناء لأنّه لا یمکن الردّ إلاّ بإدخال الضرر علی الغاصب.

فکلّ موضع قلنا له القلع کان علیه الاُجرة و النقص و غیره مثل الساجة حرفا بحرفٍ، و کلّ موضع قلنا لا یردُّ، قیل للمالک: إن اخترت أن تطالبه بالقیمة و إلاّ فاصبر حتّی إذا تمکّن من الردّ ردّها کما قلنا»(1).

أقول: أنت تری أنّ ظهور کلام الشیخ فی المطالبة بالقیمة هو المبادلة و المعاوضة بقرینة ما بعدها «و إلاّ فاصبر حتّی إذا تمکن من الردّ ردّها»، لا بدل الحیلولة المذکورة فی

ص:585


1- (1) المبسوط 3/87 و 86.

کلام الشیخ الأعظم و غیره. و لی فی هذا الفرع کلام یأتی.

و قال فی الخلاف: «إذا غصب ساجة فبنی علیها أو فی مجنبها، أو لوحا فأدخله فی سفینة، کان علیه ردّه، سواء کان فیه قلع ما بناه فی ملکه، أو لم یکن فیه قلع ما بناه فی ملکه، و به قال الشافعی.

و حکی محمّد(1) فی الأُصول: أنّه متی کان علیه ضرر فی ردّها لم یلزمه ردّها، و ظاهر هذا أنّه لا یلزمه ردّها متی کان علیه فی ردّها ضرر، سواء بنی علیها أو فی مجنبها.

و قال الکرخی: إنّ مذهب أبی حنیفة: أنّه إن لم یکن فی ردّها قلع ما بناه فی حقّه

_ مثل أن بناها علی بدن الساجة _ فقد لزمه. و إن کان فی ردّها قلع ما بناه فی حقّه _ مثل أن کان البناء مع طرفیها و لا یمکنه ردّها إلاّ بقلع هذا _ لم یلزمه ردّها. و المناظرة علی ما حکاه محمّد.

و تحقیق الکلام معهم: هل ملکها بذلک أم لا؟ فعنده قد ملکها، کما قال: إذا غصب شاة فذبحها و شواها، أو حنطة فطحنها. و عندنا و عند الشافعی ما ملکها.

دلیلنا: ما قلناه فی المسألة الاُولی سواء، من أنّ الساجة فی ملکه قبل البناء علیها، فمن ادعی زواله بالبناء فعلیه الدلالة و روی...»(2).

و قال فی السرائر: «و من غصب ساجة فأدخلها فی بنائه، لزمه ردّها، و إن کان فی ذلک قلع ما بناه فی ملکه، لمثل ما قدّ مناه من الأدلة من قوله صلی الله علیه و آله : لایحل مال امرء مسلم إلاّ عن طیب نفس منه، قولهُ صلی الله علیه و آله أیضا: علی الید ما أخذت حتّی تؤدی، و کذا لو غصب لوحا فأدخله فی سفینة، و لم یکن فی ردّه هلاک ماله حرمة، و علی الغاصب اُجرة مثل ذلک من

ص:586


1- (2) محمّد بن الحسن الشیبانی أحد صاحبَیْ أبیحنیفة.
2- (1) الخلاف 3/408 و 409، مسألة 22.

حین الغصب إلی حین الردّ، لأنّ الخشب یستأجر للانتفاع به»(1).

و قال المحقّق: «یجب ردّ المغصوب مادام باقیا ولو تعسَّرَ کالخشبة تُسْتَدخَلُ فی البناء أو اللوح فی السفینة، و لا یُلزم المالکُ أخذ القیمة...»(2)

و قال العلاّمة فی القواعد: «ولو رقع باللوح المغصوب سفینته وجب قلعه إن کانت علی الساحل، أو کان اللوح فی أعلاها بحیث لاتغرق بقلعه، ولو کانت فی اللجّة و خیف الغرق بقلعه فالأقرب الرجوع إلی القیمة إلی أن یخرج إلی الساحل، إن کان فی السفینة حیوان له حرمة أو مال لغیر الغاصب، ولو کان له فالأقرب العین»(3).

أقول: فی زمن العلاّمة بدّل القیمة و المبادلة ببدل الحیلولة.

و قال فی التحریر: «... ولو تعسرَ الردّ وجب مع إمکانه، کاللوح ترقع به السفینة، و هی علی الساحل، أو فی اللّجّة و اللوح فی أعلاها، ولو خیف الغرق لم یجب، و للمالک أخذ القیمة، فإذا أمکن ردّ اللوح استرجعه، و ردّ القیمة، ولو خیف غرق مال الغاصب خاصّة قلعت.

ولو استدخل الخشبة فی بنائه وجب ردّها بعینها، و إن أدّی إلی خراب البناء، و کذا لو غصب حجرا فبنی علیه، أو خیطا فخاط به ثوبا ولو بلی الخیط أو انکسر الحجر أو تلفت الخشبة ردّ القیمة، ولو أمکن نزع الخیط من الثوب وجب، و ضمن النقص، ولو خشی تلفه بانتزاعه ضمن القیمة. ولو خاط به جرح حیوان لا حرمة له کالمرتدّ و الکلب العقور و الخنزیر وجب ردُّهُ، ولو کان له حرمة وخشی من نزعه تلف الحیوان أو الشَّیْن أو بطؤ البرء وجبت القیمة، ولو کان الحیوان مأکول اللحم فالأقرب أنّه کذلک.

ص:587


1- (2) السرائر 2/484.
2- (3) الشرائع 3/188.
3- (4) القواعد 2/235.

و کلّ موضع یجب فیه ردّ العین لو دفع الغاصب القیمة لم یجب القبول، و کذا لو طلبها المالک»(1).

قال فی المفتاح فی شرح قول العلاّمة فی القواعد إلی قوله: «لا تغرق بقلعه»: «الوجه فی ذلک کلّه واضح، لأنّه لا یخاف من النزع إهلاک نفس محترمة و لا مال فکان حینئذ کالبناء، و لذلک ترک القیدین فی الشرائع و إن کان نص علی الجمیع فی المبسوط و التذکرة(2) و التحریر و الدروس(3) و المسالک(4) و خلاف أبی حنیفة آتٍ هنا»(5).

و قال فی شرح بقیة کلامه إلی قوله: «أو مال لغیر الغاصب»: «کما هو صریح التذکرة(6) و جامع المقاصد(7) و المسالک(8) و الروضة(9) و ظاهر غیرها(10). و فی مجمع البرهان أنّه لا خلاف فی أنّ حفظ النفس مقدّم علی ردّ المال(11). و المراد بالحیوان المحترم ما لا یجوز إتلافه مطلقا أو بغیر الذبح. و حینئذٍ فلا فرق بین الآدمی و غیره و لا فی غیره بین أن

ص:588


1- (1) تحریر الأحکام الشرعیة 4/528 و 527.
2- (2) تذکرة الفقهاء 2/396 من الطبع الحجری.
3- (3) الدروس الشرعیة 3/110.
4- (4) المسالک 12/176.
5- (5) مراده من خلاف أبی حنیفة حکمه بملک الغاصب و غرمه قیمة المال کما فی المسالک 12/175 و 176، و الحاوی الکبیر 7/202، و المغنی 5/425.
6- (6) تذکرة الفقهاء 2/396 من الطبع الحجری.
7- (7) جامع المقاصد 6/304.
8- (8) المسالک 12/176.
9- (9) الروضة البهیة 7/36.
10- (10) کریاض المسائل 14/22 و 21.
11- (11) مجمع الفائدة 10/521.

یکون للغاصب أم لغیره لاحترام روح الحیوان کما سیأتی من الخبر النبوی(1) کما هو ظاهر

الکتاب [القواعد] و صریح التذکرة(2) و جامع المقاصد(3) و المسالک(4) و لا فرق فی مال غیر الغاصب و مَنْ لا یعلم أنّ فیها لوحا مغصوبا غیر الحیوان بین نفس السفینة أو غیرها لاحترام مال الغیر إذا لم یکن عالما، فیجمع بین الحقین بدفع القیمة، فإذا استرجع اللوح ردّ القیمة. و أمّا الواضع ماله فیها بعد علمه بالغصب فکالغاصب کما فی کتب الثلاثة(5).

و احتمل فی الإیضاح فی أصل المسألة أخذ العین لأنّها وضعت بغیر حقّ فیثبت جواز انتزاعها، و إلاّ لجاز دوام الغصب شرعا و هو محال(6). و هو ضعیف کما فی جامع المقاصد(7).

قوله: «ولو کان له فالأقرب العین»، «کما هو خیرة التحریر(8) و الإیضاح(9) و الدروس(10) و جامع المقاصد(11)، و هو قضیة إطلاق الخلاف(12) و الشرائع(13) و فی المسالک

ص:589


1- (12) مراده ما روی عنه صلی الله علیه و آله أنّه نهی عن ذبح الحیوان إلاّ لأکله. تلخیص الحبیر 3/55، ح1272،
2- (1) تذکرة الفقهاء 2/396 من الطبع الحجری.
3- (2) جامع المقاصد 6/304.
4- (3) المسالک 12/176.
5- (4) أی تذکرة الفقهاء 2/396، جامع المقاصد 6/304 و المسالک 12/176.
6- (5) إیضاح الفوائد 2/187.
7- (6) جامع المقاصد 6/304.
8- (7) تحریر الأحکام الشرعیة 4/527.
9- (8) إیضاح الفوائد 2/188.
10- (9) الدروس 3/109.
11- (10) جامع المقاصد 6/304.
12- (11) الخلاف 3/408، مسألة 22.
13- (12) الشرائع 3/188.

نسبته إلی صریح الأکثر(1)، لأنّ دفع المغصوب إلی المالک واجب علی الفور و لا یتمّ إلاّ به، و قد أدخل الضرر علی نفسه بعدوانه علی أنّه لا یناسبه التخفیف.

و اختیر فی المبسوط(2) و التذکرة(3) و ظاهر کلام السرائر(4) أنّه لا ینزع، لأنّ السفینة لا تدوم فی البحر فیسهل الصبر إلی انتهائه إلی الشط، فتؤخذ القیمة للحیلولة إلی أن تیسّر الفصل و ردّ اللوح مع أرش النقص إن نقص و تستردّ القیمة جمعا بین الحقّین، و لا

کذلک الساجة فی البناء فإنّه لا أمد لها فینتظر فافترقا. و قد وسمه فی جامع المقاصد(5) بالضعف، و التضعیف ضعیف إذا استلزم القبح و الضرر الفاحش مع إمکان الجمع بین الحقّین کما حرّر فی ذلک فی باب وجوب المقدمة فلیتأمل جیّدا و لاترجیح فی المسالک(6)...»(7).

أقول: وجدت فی نقل عبائر القوم عدم التعرض لبدل الحیلولة فی کلمات الشیخ و ابن ادریس و المحقّق و لعلّ أوّل من تعرض لها هو العلاّمة فی کتبه و بعد تبعه القوم.

ثم فهل یمکن استفادة دلیلیة حکم من الفرع الذی أبدی العلاّمة نظره فیه فی القرن الثامن؟ و تبعه القوم و هل فتاواهم حجة لغیرهم من المجتهدین و هل یمکن تسریة الحکم فی موضوع إلی غیره؟ و هل اسم هذه العملیة [إسراء الحکم من موضوع إلی غیره من غیر حجة شرعیة] إلاّ القیاس الباطل فی الشریعة المقدسة عندنا؟ و بهذه الأسئلة ظهر عدم

ص:590


1- (13) المسالک 12/177.
2- (14) المبسوط 3/86.
3- (15) تذکرة الفقهاء 2/396 من الطبع الحجری.
4- (16) السرائر 2/484.
5- (1) جامع المقاصد 6/304.
6- (2) المسالک 12/177.
7- (3) مفتاح الکرامة 18/(286-284).

تمامیة مقالة الشیخ الأعظم من أنّ «ظاهر إطلاق الفتاوی الأخیر» أی ولو کانت المدّة قصیرة، و عدم وجاهة استظهاره.

و العجب من المحشین علی المکاسب عدم تعرضهم لهذا الإشکال!

ثم القول فی هذا الفرع المذکور لابدّ فیه من لحاظ أُمورٍ:

الأوّل: وجوب رد عین المال إلی مالکه مهما أمکن خلافا لأبی حنیفة.

الثانی: لا یلزم ردّ عین المال تلف نفس محترمة أو حیوان محترم أو مال کذلک.

الثالث: لا عبرة بما اشتهر فی الألسنة بأن الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال، فلو کان المال للغاصب أیضا یکون محترما.

الرابع: لزوم ردّ العین باق مادام لم یصدق علیها التلف عرفا، ففی مثل الخیط الذی خاط به الثوب و لا یمکن إخراجه صحیحا یصدق التلف عرفا فینتقل الضمان إلی القیمة.(1)

الخامس: إذا صار مال الغاصب محترما فلا فرق بین أنّه فی السفینة علی الماء أو فی البناء علی الأرض.

السادس: إذا یصدق التلف عرفا علی الساجة أو الإستوانة الحدیدیة المستعملة فی

البناء أو اللوح الخشبی أو الحدیدی المستعمل فی السفینة، ینتقل الضمان إلی القیمة فلا یجب ردّ العین. _ و صارا کالخیط الذی مرّ _

السابع: فی کلّ مورد یصدق التلف عرفا و ینتقل الضمان إلی القیمة، یعطی الضامن قیمة یوم الأداء. _ کما مرّ فی بحث القیمی _

الثامن: إذا لم یصدق التلف عرفا فیلزم علی الغاصب إعطاء العین و یجب علیه الخروج من ضمان منافعها _ المستوفاة عند الکلّ و حتّی غیر المستوفاة عندنا _ بأداء أجرة

ص:591


1- (4) کما علیه المحقّق الأردبیلی فی هذا الفرع [الخیط] فی مجمع الفائدة 10/521.

مثلها.

التاسع: فی فرض انتقال الضمان إلی القیمة و أداءها تنتقل العین إلی الضامن المؤدِی و بعد أداء القیمة صار العین و منافعها فی ملکه فیجوز الصلاة فی اللباس الذی خاط بخیط الغیر بعد أداء قیمته لاقبلها.

العاشر: فی موارد الشک فی تلف العین عرفا أو عدمه، الأحوط المصالحة بین المالک و الغاصب، لا سیما إذا تضرر الغاصب من أداء العین تضررا فاحشا نحو: أرض الغیر التی بنی علیها برجا فی مأة طابق مثلاً و المالک یرید أرضه و الغاصب یتضرر کلِّ ماله أو جلِّه، فحینئذ الأحوط المصالحة بینهما باعطائه للمالک قیمة أرضه ولو بأضعاف مضاعفة حتّی یرضی ببیعها. أو استیجار الأرض منه فی مدّة یبقی البناء عادةً، أو إعطاء منافع الأرض له فی مدّة یبقی البناء عادةً أو نحوها من موارد المصالحة.

«تلک عشرة کاملة»(1) من الأمور ملحوظة و یظهر لک بعد التأمل فیما سردناه علیک البقیة منها و الحمدللّه أوّلاً و آخرا.

مسائل لابدّ من التنبیه علیها

اشارة

ثم إنّ هاهنا مسائل لابدّ من التنبیه علیها علی القول ببدل الحیلولة:

الاولی: ما المراد بالتعذر؟

هل المراد به التعذر العقلی أو یکفی التعذر العرفی؟ قال الشیخ الأعظم: «ثمّ الظاهر عدم اعتبار التعذر المسقط للتکلیف، بل لو کان ممکنا بحیث یجب علیه السعی فی مقدماته لم یسقط القیمة زمان السعی...»(2).

حاصل مراده قدس سره : إنّ الظاهر من الأدلة عدم اعتبار التعذر العقلی فی ثبوت الضمان

ص:592


1- (1) سورة البقرة /196.
2- (2) المکاسب 3/258.

ببدل الحیلولة بحیث لایتمکن الضامن عقلاً من الوصول إلی العین، بل یکفی مجرد التعذر

العرفی و إن تمکن الغاصب من الوصول إلی العین بالسعی فی مقدمات الوصول فیحکم بها فی زمان السعی فیها.

و یمکن استیناس اعتبار التعذر العرفی من فتواهم فی اللوح المغصوب المستعمل فی السفینة ببدل الحیلولة مع إمکان الوصول إلی عین اللوح ولو بالسعی فی مقدماته من إیصال السفینة إلی البرّ.

نعم، قد ورد فی ظاهر بعض کلمات الفقهاء(1) مطلق کلمة «التعذر» فی هذا البحث و هی ظاهرة فی التعذر العقلی و هو الأوفق بأصالة عدم تسلّط المالک علی أزید من إلزام الغاصب بردّ العین.

ثم أمر الشیخ الأعظم بالتأمل و لعلّه إشارة إلی أنّ الأصل المذکور محکوم ببعض أدلة بدل الحیلولة بعدم الفرق بین التعذر فی المدّة الطویلة أو القصیرة(2). أو إشارة إلی أنّ الأصل المذکور قد یلزم تضرر المالک(3). أو إشارة إلی أنّ تسلیط المالک بالزام ردّ عین ماله کاف فی إثبات بدل الحیلولة لأنّها من شؤون ردّ العین.(4)

ثم اختار فی ختام مقاله التعذر الفعلی _ أیّ التعذر فی الحال _ و قال: «و لعلّ المراد به التعذر فی الحال، و إن کان لتوقفه علی مقدمات زمانیة یتأخّر لأجلها ذو المقدمة»(5).

ص:593


1- (1) نحو المحقّق فی الشرائع 3/190 و العلاّمة فی القواعد 2/230 و تحریر الأحکام الشرعیة 4/535 و الشهید فی الدروس 3/112 و السبزواری فی الکفایة 2/647 و غیرهم فی غیرها.
2- (2) کما فی بُغیةُ الطالب 1/273 و مصباح الفقاهة 3/212.
3- (3) هدایة الطالب 2/380.
4- (4) هدایة الطالب 2/380.
5- (5) المکاسب 3/258.

و لعلّ هذا هو قسما ثالثا من التعذر فی مقابل التعذرین السابقین _ العقلی و العرفی _ و مرادهم هذا.

و فیه: إنهم لم یفتوا ببدل الحیلولة فی المدّة القصیرة مع صدق التعذر الفعلی فیها فلا یمکن أن یکون التعذر الفعلی _ فی الحال _ مرادهم من التعذر.

ثم اعترض الفقیه الیزدی علی الشیخ الأعظم بقوله: «لا یخفی أنّ هذا لیس مطلبا آخر، بل هو نفس الوجه الأخیر الذی أیده بأنّ فیه جمعا بین الحقین، کما أنّ تعبیر البعض بالتعذر هو نفس الوجه الأوّل و هو الیأس من الوصول، فلا وجه للتکرار فتدبر»(1).

و أجاب عن اعتراضه المحقّق الاصفهانی بقوله: «لکنّه بلا وجه، إذ کون الشیء بحیث لا قدرة علی تحصیله لا ینافی القطع بحصوله فیما بعد، فضلاً عن رجاء حصوله، فالتعذر المسقط للتکلیف لیس عین الیأس، کما أنّ رجاء الوصول یجتمع مع القدرة علی تحصیله و مع عدمها، فلیس رجاء الوصول مستلزما للقدرة علی التحصیل»(2).

و تبعه فی الاعتراض المحقّق السیّد الخوئی و قال: «أنّ الیأس إلی العین أعم من التعذر العقلی فإذا اعتبر الثانی فی سقوط التکلیف بردّ نفس العین فمجرد الیأس لا یوجب سقوطه، کما أنّ الاعتبار التعذر العرفی فی سقوط التکلیف بردِّ العین أعمّ من الحکم بثبوت بدل الحیلولة بمجرد التعذر الفعلی و إذن فلا تکرار فی عبارة المصنف»(3).

الثانیة: یجوز للمالک الامتناع من أخذ بدل الحیلولة

لیس للغاصب إجباره بها، کما مرّ ذلک فی بحث المثلی المتعذَّر، أنّ للمالک الصبرَ إلی وجدان المثل و لیس للغاصب أو المتلِف إجباره بقبول القیمة.

ص:594


1- (6) حاشیة المکاسب 1/516.
2- (1) حاشیته علی المکاسب 1/429.
3- (2) مصباح الفقاهة 3/212.

و الأمر هنا کذلک، أخذ القیمة حقٌّ للمالک بدلاً عن حیلولة الغاصب بینه و بین ماله ولکنّه حقٌّ و له عدم استعماله و الاستفادة منه و الصبر حتّی توجد عین ماله. و لیس للغاصب إجباره بأخذ القیمة.

کما ظهر من الشیخ أنّ أخذ القیمة فی الحیلولة حقٌّ للمالک حیث یقول: «إذا غصب مِلْکا لغیره فخرج عن یده مثل أن غصب عبدا فأبق أو فرسا فشرد أو بعیرا فندَّ أو ثوبا فسرق، کان للمالک مطالبته بقیمته، لأنّه حال بینهما بالغصب...»(1).

فقوله: «کان للمالک مطالبته بقیمته» ظاهر فی أنّ أخذ القیمة حقّ للمالک.

و کذلک لیس فی أدلة بدل الحیلولة _ علی فرض تمامیتها _ ما یدل علی جواز إجبار الغاصب المالک علی قبول القیمة و البدل، و لیس هنا دلیل آخر یدلّ علیه، فیتخیّر المالک بین قبول القیمة التی هی البدل و بین الصبر إلی زوال العذر. و هذا هو المراد بقاعدة السلطنة، لأنّ المالک یستحقّ عین ماله و اجباره علی أخذ القیمة و البدل یکون علی خلاف هذه السلطنة.

و لتوضیح ما ذکرنا راجِعْ مقالة المحقّق النائینی(2) فی المقام.

الثالثة: خروج العین عن المالیة

یعدّ من موارد بدل الحیلولة حیث قال الشیخ الأعظم: «و کما أنّ تعذّر ردّ العین فی حکم التلف فکذا خروجه عن التقویم»(3).

نحو الماء علی الشط و الجمد فی الشتاء، و قد حکم سابقا(4) بانتقالها إلی القیمة مطلقا

ص:595


1- (3) المبسوط 3/95.
2- (1) المکاسب و البیع 1/389 الأمر التاسع.
3- (2) المکاسب 3/259.
4- (3) المکاسب 3/238.

و هنا یذهب إلی أنّ خروج العین عن المالیة یکون من موارد بدل الحیلولة و بینهما فرقٌ و تنافٌ.

قد دفع هذا التنافی المحقّق المروج رحمه الله بقوله: «أنّ خروج المال عن التقویم علی نحوین: فتارة لا یُرجی عودُ المالیة إلیه کاللحم المتعفن و الفاکهة الفاسدة، فالواجب فیهما المثل أو القیمة من باب التلف الحقیقی...، و اُخری یرجی عود المالیة کما إذا ضمن ماءً فی المفازة و لم یتلف حتّی وصل الشاطیء و أراد إجتیازه إلی مفازةٍ اُخری فیقال: بأنّ للمالک مطالبة بدل الحیلولة عند الشاطیء ولو بقی الماء بحاله إلی الوصول إلی المفازة الاُخری وجب علی الضامن دفعه إلی المالک، و لعلّ هذا الفرض الثانی محطّ نظر الماتن هنا...»(1).

أقول: إن تمّ ما ذکره هذا المحقّق الجلیل فیدفع التنافی فی کلام الشیخ الأعظم رحمه الله و إلاّ یرجع.

الرابعة: هل مالک العین یملک بدل ماله؟

إذا بذل له الغاصب الضامن؟ أم أنّه لا یملک و یبیح له التصرف فیه بأنواع التصرفات حتّی ما یکون مشروطا بالملکیة و هذا هو الإباحة المطلقة کما مرّ نظیرها فی بحث المعاطاة. و یکون دخوله فی ملکه مشروطا بتلف العین.

المشهور علی الأوّل، بل «فی الخلاف(2) و الغنیة(3): أنّ مالک العین إذا أخذها _ أیّ القیمة _ ملکها بلا خلاف. و ظاهرهما نفیه بین المسلمین»(4).

ص:596


1- (4) هدی الطالب 3/566.
2- (5) الخلاف 3/412، مسألة 26.
3- (6) غنیة النزوع /282.
4- (7) کما فی مفتاح الکرامة 18/185 و مرّ سابقا تمام کلامه.

و ربما یستظهر(1) من المحقّق القمی رحمه الله فی جامع شتاته القول الثانی أیّ الإباحة المطلقة حیث یقول: «.. فلا مانع من أن یکون ذلک نوعا من التملّک، و حاصله: أنّ للمالک التصرف للبدل حتّی بالإتلاف و البیع و غیر ذلک. و ذلک مراعی إلی حین ظهور العین المغصوبة، فإن ظهر العین و البدل باقٍ فللغاصب استرداد ماله إذا کان باقیا بخلاف مالو أتلفه...»(2).

و صرح العلاّمة فی التذکرة بأنّ القیمة المدفوعة یملکها المغصوب منه ملکا مراعی للحیلولة فیزول بزوالها.(3)

ثم الذی قوّی القول الثانی _ أی عدم الملکیة، و أعنی الإباحة المطلقة _ هو الإشکال الذی طرحه أوّل مرّة العلاّمة فی قواعده مرّتین حیث یقول: «ولو أبق العبد ضمن فی الحال القیمة للحیلولة، فإن عاد ترادّا، و للغاصب حبس العبد إلی أن یردَّ القیمة علیه علی إشکال...»(4).

و قال فی المرّة الثانیة: «یجب ردّ العین مادامت باقیةً، فإن تعذّر دفع الغاصب البدلَ و یملکه المغصوب منه و لا یملک الغاصب العین المغصوبة، فإن عادت فلکلٍّ منهما الرجوع، و هل یُجبر المالک علی إعادة البدل لو طلبه الغاصب؟ إشکال»(5).

قال ولده فخر المحقّقین فی شرح کلامه الأوّل: «ینشأ من عدم الجمع بین العوض و المعوّض فیترادّان معا، و وجوب ردّ العین علی الغاصب مع التمکن علی الفور و هو

ص:597


1- (1) المستظهِرُ هو الشیخ الأعظم فی مکاسبه 3/259 حیث یقول: «حکی الجزم بهذا الاحتمال عن المحقّق القمی رحمه الله فی أجوبة مسائله».
2- (2) جامع الشتات 1/152 من الطبع الحجری _ (2/261 من الطبع الحروفی).
3- (3) تذکرة الفقهاء 2/385 من الطبع الحجری.
4- (4) قواعد الأحکام 2/228.
5- (5) قواعد الأحکام 2/230.

الاُولی»(1).

و قال فی شرح کلامه الثانی: «ینشأ من أنّه قد استقر ملکه علیه و لأنّه ینافی البدلیة إذ ما لایستقر علیه الملک لا یصلح أن یکون بدلاً قهریا شرعا لما یستقر علیه الملک، و لأنّه قد لا یرغب المعاملون فیه، و من أنّه للحیلولة و قد زالت، و الأوّل اُولی لأنّ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال»(2).

و قال المحقّق الکرکی فی شرح کلامه الأوّل: «و أعلم إنّ هنا إشکالاً، فإنّه کیف تجب القیمة و یملکها بالأخذ و یبقی العبد علی ملکه و جعلها فی مقابلة الحیلولة لا یکاد یتضح معناه، _ ثم قال فی شرح إشکال العلاّمة: _ ینشأ: من أنّه دفعها عوضا فله حبس المعوض إلی أن یقبض العوض کسائر المعاوضات، و من أنّها لیست معاوضة حقیقة، و إنّما قبضه المالک ارتفاقا و محافظة علی مصلحته، و قد کان تسلیم العبد واجبا علی الفور و الأصل بقاؤه، و لا یجوز حبس مال فی مقابل مال آخر قد حبسه مالک المال الأوّل ظلما، لأنّ مَنْ ظَلَمَ لا یُظلم، و الأصح أنّه لیس له ذلک»(3).

و قال فی شرح الإشکال الوارد فی کلامه الثانی: «ینشأ، من ثبوت الملک و الأصل بقاؤه، و من أنّه إنّما للحیلولة و قد زالت. قیل: لو کان بحیث یجبر علی ردّه لکان نقصا فی البدلیة، إذ قد لایرغب المعاملون فیه: و لیس بشیءٍ لأنّه متی تعلَّق به حقّ ثالث وجب عوضه، و الأصح وجوب الردّ فیجبر علیه...»(4).

و قال ثانی الشهیدین فی تبیین الإشکال: «... و لا یخلو من إشکال من حیث اجتماع

ص:598


1- (6) ایضاح الفوائد 2/178.
2- (7) ایضاح الفوائد 2/181.
3- (1) جامع المقاصد 6/261.
4- (2) جامع المقاصد 6/272.

العوض و المعوّض علی ملک المالک من غیر دلیل واضح. ولو قیل بحصول الملک لکلّ منهما متزلزلاً، أو توقّف ملک المالک للبدل علی الیأس من العین و إن جاز له التصرف فیه، کان وجها فی المسألة»(1).

و استحسن السبزواری(2) مقالة الشهید الثانی.

و أجاب السیّد العاملی صاحب مفتاح الکرامة عن الإشکال بقوله: «قلتُ: قد عرفت أنّ وجوب القیمة و تملّکها بالأخذ لاخلاف فیه بین المسلمین. کما أنّ الظاهر أنّ الضمان للحیلولة کذلک، کما أنّ بقاء العین علی ملک المالک و عدم دخولها بعد بذل العوض فی ملک الغاصب لاخلاف فیه إلاّ من أبی حنیفة(3). و هذه الثلاثة تقضی بأنّ الجمع بین العوض و المعوّض إنّما یمتنع إذا کانا فی یده و تحت تصرفه و کان أحدهما فی مقابلة الآخر، و أمّا إذا کان أحدهما خارجا عن یده و تصرّفه ظلما و عدوانا و قد أخذ ذلک العوض عوضا عن

مظلمته التی یجب علیه ردّها علیه فورا و جبرا عمّا فاته من منفعته و لم یکن فی مقابلة نفس العین المغصوبة فلا مانع منه عقلاً و شرعا بل هما حاکمان بذلک، فهذا معنی جعلها فی مقابلة الحیلولة، فقد اتضح معناه و علم مبناه و أنّه الإجماع کما عرفت»(4).

و ذهب صاحب الجواهر إلی «أنّ للمغصوب أحوالاً ثلاثة:

أحدها: حال وجود العین علی وجه یتمکن من ردّها إلی مالکها، فلیس علیه إلاّ وجوب الردّ... .

و الثانی: ذلک أیضا إلاّ أنّه یتعذر أو یتعسّر ردّها، فعلیه ضمان قیمتها تحقیقا لا

ص:599


1- (3) المسالک 12/201.
2- (4) الکفایة 2/648.
3- (5) بدائع الصنائع 7/152.
4- (1) مفتاح الکرامة 18/187.

تقدیرا، و هو المسمی بضمان الحیلولة و معه یملک المغصوب منه القیمة المضمونة علیه باعتبار کونها کالدین علی الغاصب فیملکها من هوله و إن بقیت العین مملوکة له أیضا للأصل و غیره ممّا عرفت.

الثالث: حال تلف العین و خروجها عن قابلیة الملک بموت و نحوه فیتعلَّق مثلها أو قیمتها فی ذمّة الغاصب تعلّق الدیون»(1).

و قال فی وجه ملکیة المالک للقیمة بعد ذکر الاتفاق علیه(2): «... بل أدلة الضمان التی منها «علی الید» شاملة لذلک قطعا فهی حینئذ مقتضیة لملک المالک القیمة... فالقیمة المدفوعة حینئذ مملوکة و العین باقیة علی الملک للأصل و لأنّها مغصوبة و کلّ مغصوب مردود و أخذ القیمة غرامة للدلیل الشرعی لا ینافی ذلک...»(3).

و قال الشیخ الأعظم: «ولو لا ظهور الإجماع و أدلة الغرامة فی الملکیة لاحتملنا أن یکون مباحا له إباحة مطلقة و إن لم یدخل فی ملکه... و یکون دخوله فی ملکه مشروطا بتلف العین...»(4).

و قال أیضا: «... لا ینتقل العین إلی الضامن، فهی غرامة لا تلازم فیها بین خروج المبذول عن ملکه و دخول العین فی ملکه و لیست معاوضة لیلزم الجمع بین العوض و المعوّض، فالمبذول هنا کالمبذول مع تلف العین فی عدم البدل له»(5).

ص:600


1- (2) الجواهر 37/132.
2- (3) الجواهر 37/130.
3- (4) الجواهر 37/131.
4- (5) المکاسب 3/259.
5- (6) المکاسب 3/259.

أقول: لو تمّت أدلة بدل الحیلولة(1) و الغرامة أو الإجماع فهو و إلاّ _ کما هو کذلک _ فالإشکال باقٍ علی حاله و لا تفید أجوبة القوم، و کذا الاحتمال المذکور فی کلام الشیخ الأعظم المنسوب إلی المحقّق القمی أیضا لا یتم فی أصله _ و هو المعاطاة _ فیکف بفرعه _ و هو فی المقام _ .

و الحاصل: ملکیة مالک العین لبدل ماله فی فرض بدل الحیلولة و قبل تلف العین و إن ادعی علیها الإجماع ولکنّه فی غایة الإشکال. و لا عبرة بدعوی الإجماع لما مرّ سابقا بأنّه مدرکی.

و هذا الإشکال هو أحد الإشکالات التی ترد علی القول ببدل الحیلولة و نحن فی فُسْحَةٍ منها.

الخامسة: لا تنتقل العین إلی دافع بدل الحیلولة

قد مرّتْ مقالة صاحب المفتاح: «... کما أنّ بقاء العین علی ملک المالک و عدم دخولها بعد بذل العوض فی ملک الغاصب لا خلاف فیه إلاّ من أبی حینفة»(2).

و قال الشیخ الأعظم: «... فلا ینتقل العین إلی الضامن، فهی غرامة لا تلازم فیها بین خروج المبذول عن ملکه و دخول العین فی ملکه و لیست معاوضة...»(3).

القائلون ببقاء العین علی ملک مالکها و عدم انتقالها إلی الضامن الدافع لم یأتوا بدلیل إلاّ: الإجماع و الأصل.

ص:601


1- (1) و دلالة الأدلة تختلف فی أنّ القیمة تکون ملکا للمالک أو أنّها مبیحةٌ له التصرف فیه و لأجل تفصیل ذلک راجع حاشیة المحقّق الأصفهانی علی المکاسب 1/430 و ما بعده، و مصباح الفقاهة 3/214 و ما بعده.
2- (2) مفتاح الکرامة 18/187.
3- (3) المکاسب 3/259.

و قد عرفت: أنّ الأوّل منهما محتمل المدرکیة و لم یکن تعبدیّا حتّی یفید شیئا.

و الثانی منهما: یفیدنا مع عدم دلیل آخر و أمّا مع وجوده فلا.

و قد مرّ منّا بأنّ المالک یملک القیمة المسمّاة عند القوم ببدل الحیلولة و الضامن الدافع المعطی لها یملک العین بالمعاوضة القهریة «لاستحالة بدلیة شیءٍ عن شیءٍ إلاّ بقیام البدل مکان المبدل فی جهة من الجهات، و تلک الجهة فی المقام هی الإضافة الملکیة»(1).

لا یقال: المالک یملک القیمة (بدل الحیلولة) و أمّا الضامن فلا یملک العین لأنّ البدلیة فی هذه المعاوضة لیست بدلیة حقیقیة، بل إنّما هو غرامة محضة نحو: دیة المقتول أو المجروح أو المبذول عند تلف العین، و من المعلوم أنّ عنوان الغرامة لایستلزم دخول العین فی ملک الضامن، و هی لیست معاوضة قهریة شرعیة.

لأنا نقول: إذا قلنا بملکیة القیمة (بدل الحیلولة) لمالک العین _ کما تدلّ علیها قاعدتا من أتلف و ضمان الید _ صار العین ملکا للضامن المعطی للقیمة بالمعاوضة القهریة الشرعیة، و إلاّ یستلزم اجتماع العوض و المعوّض فی ملک مالک العین _ کما مرّ _ و هو باطل.

و یؤید ما ذکرنا حسنة سدیر عن أبی جعفر علیه السلام فی الرجل یأتی البهیمة، قال: یجلد دون الحدّ و یغرم قیمة البهیمة لصاحبها، لأنّه أفسدها علیه و تذبح و تحرق إن کانت ممّا یؤکل لحمه، و إن کانت ممّا یرکب ظهره غرم قیمتها و جُلِّد دون الحدّ و أخرجها من المدینة التی فعل بها فیها إلی بلاد اُخری حیث لا تعرف، فیبیعها فیها کیلا یعیربها صاحبها.(2)

و یترتب علی خروج العین عن ملک المالک و عدمه فروع مهمة:

منها: إذا خاط ثوبه بخیوط مغصوبة، علی القول بدخول الخیوط فی ملک الغاصب

ص:602


1- (4) مصباح الفقاهة 3/216.
2- (1) وسائل الشیعة 28/358، ح4، الباب 1 من أبواب نکاح البهائم.

بعد أداء البدل جازت له التصرف و الصلاة فی ذلک الثوب و إلاّ فلا.

و یمکن إلحاق الخیوط بالتلف الحکمی لعدم إمکان ردّها غالبا إلاّ بعد سقوطها عن المالیة بالنزع کما عن الأردبیلی(1). و استجوده فی الجواهر(2). و قال السیّد الیزدی رحمه الله : «الحقّ مع الأردبیلی»(3). و الأمر کذلک لا سیما إذا کان المخیط بالخیوط المغصوبة لجرح النفس المحترمة أو ثوب غیره، لأنّ النزع یوجب التلف أو الضرر فلا یجوز.

و منها: إذا غصب خمرا محترمة أو دابة أو شجرة مثمرة، و انقلب الخمر خلاً أو ماتت الدابة أو یبست الشجرة و صار خشبة، علی القول بالمعاوضة القهریة و بعد أداء البدل و القیمة من طرف الغاصب، دخل الخل و المیتة و الخشبة فی ملکه و إلاّ فلا.

و صرح الفقیه الیزدی(4) رحمه الله بدخول الخل فی ملک الضامن.

و منها: إذا غصب دهنا أو لحما أو نحوهما و خلطها بطعامه، فإنّه بناءً علی دخول العین فی ملک الغاصب بعد أداء القیمة یجوز له أکل الطعام و إلاّ لا یجوز له التصرف فیه إلاّ برضا المالک.

و منها: إذا توضأ غفلة بماء مغصوب أو المقبوض بالعقد الفاسد و التفت بعد الغسلات و قبل المسحات بغصبیة الماء، فعلی القول بدخول الرطوبة فی ملک الضامن یجوز المسح بها و کذا علی القول بأنّ الرطوبة بمنزلة الشیء التالف فلا یملکها مالکها و حینئذ یجوز المسح بها، أمّا علی القول ببقائها علی ملک المالک فلا یجوز المسح بل علیه استیناف وضوئه.

ص:603


1- (2) مجمع الفائدة و البرهان 10/521.
2- (3) الجواهر 37/80.
3- (4) حاشیة المکاسب 1/522.
4- (5) حاشیة المکاسب 1/523.

ذهب إلی جواز المسح بالرطوبة الباقیة من الماء المغصوب، ابن فهد الحلّی(1) و السیّد محمّد العاملیّ صاحب المدارک(2) و الأردبیلی(3).

تذکرة: و بما ذکرنا یظهر الإشکال المعروف فی مسألة تعاقب الأیدی و هو: أنّ المغصوب منه یتخیّر فی أخذ بدل ماله من أیّ شخص من جماعة الغاصبین الذین تعاقبت أیدیهم علی ماله، ولکن إذا رجع إلی الأوّل منهم، یرجع الأوّل إلی الثانی، و الثانی إلی الثالث حتّی تنتهی سلسلتهم و تثبت الغرامة علی الأخیر منهم الذی تلفت العین فی یده.

و أمّا إذا رجع المالک فی أخذ بدل ماله إلی المتوسطین منهم لم یرجع هذا المتوسط إلی السابقین، بل یرجع إلی اللاحقین منهم فقط، و الإشکال هو الفارق بین الصورتین، بل بعبارة أوضحة لماذا لیس له الرجوع إلی السابقین؟!

و أمّا الجواب: أنّ الغاصب إذا أعطی البدل عن العین المغصوبة التالفة ملکها هو عن مالک العین و إذا ملکها عنه یجوز له الرجوع إلی من غصب منه، فالغاصب الأوّل یجوز له الرجوع إلی الثانی و غیره و أمّا الغاصب المتوسط فله الرجوع إلی اللاحقین فقط لأنّه یملک علیهم شیئا و لا یملک علی السابقین منهم.

لا یقال: إنّ العین التالفة معدوم و المعدوم لا یقبل الملکیة، فلا یمکن انتقال ملکیة العین من المالک إلی الغاصب المعطی للبدل.

لأنّا نقول: الملکیة من الاُمور الاعتباریة و مع ترتب الأثر علیها فلا محذور فی تعلِّقها بالاُمور العدمیة.

و لعلّ هذا هو الجواب التام الوحید عن هذا الإشکال الوارد علی مسألة تعاقب

ص:604


1- (1) جوابات المسائل الشامیة الاُولی /344 المطبوعة فی ضمن الرسائل العشر.
2- (2) مدارک الأحکام 4/213.
3- (3) مجمع الفائدة و البرهان 10/521.

الأیدی و هو من محتملات کلام صاحب الجواهر قدس سره فراجعْ تمامه فی کتابه(1). بل من صریح کلامه(2) و التفصیل یطلب من محلِّه، و الحمدللّه.

تکمیل فیه توضیح:

قال الشیخ الأعظم: «و لعلّ ما عن المسالک: من أنّ ظاهرهم عدم وجوب إخراج الخیط المغصوب عن الثوب بعد خروجه عن القیمة بالإخراج فتعیّن القیمة فقط. محمول علی صورة تضرر المالک بفساد الثوب المخیط أو البناء المستدخل فیه الخشبة...»(3).

أقول: العبارة المنقولة عن المسالک غیر موجودة فیه، نعم هی تلفیق بین کلامه فی مسألتی الخشبة و الخیط و استفادة منهما کما نبّه علیه المحقّق المامقانی(4) رحمه الله .

قال الشهید الثانی فی مسألة الخشبة المغصوبة: «إذا غصب خشبة و أدرجها فی بنائه أو بنی علیها لم یملکها الغاصب بل علیه إخراجه من البناء و ردّه إلی المالک، خلافا لأبی حنیفة حیث حکم بملکه و یغرم قیمته... ثم إذا أخرجها و ردّها لزمه أرش النقص إن دخلها نقص. ولو بلغت حدّ الفساد علی تقدیر الإخراج بحیث لا یبقی لها قیمة فالواجب تمام قیمتها و هل یجبر علی إخراجها حینئذ؟ نظر، من فوات المالیة و بقاء حقّ المالک فی العین. و ظاهرهم عدم الوجوب و أنّها تنزل منزلة المعدومة، ولو قیل بوجوب إعطائها المالک لو طلبها کان حسنا، و إن جمع بین القیمة و العین»(5).

أنت تری بأنّ هذا الکلام المنقول من الشهید الثانی ورد بالنسبة إلی غصب الخشبة لا

ص:605


1- (1) الجواهر 37/137، بقی شیءٌ.
2- (2) الجواهر 37/80، بل ستسمع ملک الغاصب المغصوب إذا أدی قیمته للحیلولة... .
3- (3) المکاسب 3/265.
4- (4) غایة الآمال /318.
5- (5) المسالک 12/176 و 175.

الخیط المغصوب الوارد فی کلام الشیخ الأعظم ولکن قال فی الخیط المغصوب: «إن خیط به ثوب و نحوه فالحکم کما فی البناء علی الخشبة... و إن لم یبق له قیمة ضمن جمیع القیمة...»(1).

یستأنس من صاحب الجواهر موافقته لنا من انتقال العین إلی الضامن المعطی حیث یعترض علی ثانی الشهیدین فی القیل الوارد فی آخر کلامه فی بحث الخشبة المغصوبة حیث یجمع بین القیمة و العین للمالک قال فی نقده صاحب الجواهر: «قلت: لکنّه مناف لقاعدة

لاضرر و لا ضرار و مناف أیضا لملک القیمة التی هی عوض شرعی یقتضی ملک معوّضه للدافع، اللهم إلاّ أن یقال: إنّها عوض مالیة و إن بقی هو مملوکا، لکنّه کماتری و ستسمع إن شاء اللّه تحقیق الحال فی المسألة الآتیة»(2).

و قال فی بحث الخیط المغصوب: «... بل ستسمع ملک الغاصب المغصوب إذا أدی قیمته للحیلولة و إن کان متزلزلاً، بل کان ذلک مفروغ منه عند التأمل فی کلماتهم فی مقامات متعددة ظاهرة أو صریحة فی أنّ المؤدی عن المضمون عوض شرعی عنه علی وجه یقتضی الملک للطرفین، من غیر فرق بین الموجود من العین ممّا لا قیمة له و بینها إذا کانت کذلک لو انتزعت، کما فی الفرض الذی یتعذر فیه الردّ لنفس العین المغصوبة»(3).

السادسة: إذا زال التعذّر هل یجب ردّ العین؟

قال الشیخ الأعظم: «للإشکال فی أنّه إذا ارتفع تعذّر ردّ العین و صار ممکنا وجب ردّها إلی مالکها _ کما صرّح به فی جامع المقاصد(4) _ فورا و إن کان فی احضارها مؤونة، کما

ص:606


1- (6) المسالک 12/178.
2- (1) الجواهر 37/76.
3- (2) الجواهر 37/80.
4- (3) جامع المقاصد 6/261.

کان قبل التعذر...»(1).

أقول: قد مرّ(2) نقل کلمات القوم فی أوّل البحث فی المقام فی ضمن کلام صاحب المفتاح(3) فلا أعیدها.

إن قلنا بصیرورة العین المغصوبة ملکا للغاصب المعطی للبدل _ کما هو المختار _ فإذا زال التعذّر لم یجب ردّها إلی مالکها الأوّل.

و إن ذهبنا إلی بقاء العین المغصوبة علی ملک مالکها الأوّل و عدم انتقالها إلی الدافع للبدل فیجب علیه ردّها إلی المالک.

و یمکن أن یقال(4): بأنّ المسألة مبتنیةٌ علی أن ملکیة البدل لمالک العین یکون ملکیة لازمة أو جائزة فعلی الأوّل لا یجوز للمالک الرجوع فی العین و علی الثانی یجوز.

و الابتناء الأوّل أُولی و أظهر و أسلم من المناقشة.

ولکن الفقیه الیزدی ذهب إلی أن بدلیة البدل للعین المغصوبة مقیدة بمادامیة التعذّر عن اداء العین و الخروج عن عهدتها و لذا قال: «الظاهر أنّه لا خلاف بینهم فی الترادّ إذا ارتفع التعذّر من غیر فرق بین مثل الغرق و السرق و الضیاع و نحوها ممّا یعد تلفا عرفا و یکون المدرک للضمان أدلة الغرامات، و بین ما إذا کانت العین غیر تالفة إلاّ أنّها متعذّرة الوصول إلی مدّة، و یکون المدرک للضمان قوله صلی الله علیه و آله : «الناس» علی البیان السابق. قلت: و لعلّ الوجه فی ذلک أنّ البدلیة المفهومة من الأدلة و قوله صلی الله علیه و آله : «الناس» بدلیة مادامیة، إذ الحکم بها إنّما جاء من جهة التعذّر، فمع ارتفاعه ینقطع ذلک و یعود کما کان، و لا فرق فی ذلک

ص:607


1- (4) المکاسب 3/267.
2- (5) راجع صفحة 569 من هذا المجلد.
3- (6) مفتاح الکرامة 18/184.
4- (7) کما علیه المحقّق الخوئی فی مصباح الفقاهة 3/221.

بین ما لو قلنا ببقاء العین علی ملک المالک، و ما لو قلنا بالمعاوضة القهریة التعبدیة، إذ علی تقدیر الثانی أیضا المعاوضة إنّما هی مادام التعذّر. و لعلّ نظرا لفقهاء أیضا إلی ما ذکرنا من کون البدلیة مادامیة، و إلاّ فمع الإغماض عن ذلک یشکل الحکم...»(1).

و تبعه المحقّق النائینی و قال: «إذا ارتفع العذر و تمکّن من ردّ العین إلی مالکه وجب الردّ فورا حتی علی القول بالمعاوضة القهریة الشرعیة، لأنّ الحکم بالمعاوضة مترتب علی عنوان التعذّر و یدور مداره...»(2).

أقول: بعد الذهاب إلی المبادلة القهریة الشرعیة ولو کانت مبدأه تعذّر ردّ العین _ لأنّه مع إمکان ردّها یجب الردّ _ وقعت المبادلة و بعد وقوعها حکم بمادامیتها للتعذر و إدارتها مداره محل تأمل بل منع، لعدم ثبوت هذا التقیید فی المبادلة بعدم وجود الدلیل علیه. فتبعیة المشهور من وجوب ردّ العین بعد التعذّر إلی مالکه علی مبناهم تام ولکن علی مبنانا من وقوع المبادلة القهریة غیر تام، لأنّ العین دخلت فی ملک الغاصب المعطی للبدل فلا تردُّ علی المالک الأوّل، و اللّه العالم.

السابعة: عدم ضمان ارتفاع القیمة و الزیادة بعد دفع البدل

الغاصب الضامن المعطی للبدل یخرج عن عهدة ضمان العین بدفع بدلها و لازمه عدم ضمانه لزیادة قیمة العین مطلقا _ أیّ بلا فرق بین ارتفاع القیمة السوقیة أو للزیادة المتصلة _ کالسمن فی الحیوان و تعلّمه _ أو للزیادة المنفصلة _ کالثمرة و نحوها _ أو غیرها _ و کذا لا یضمن منافعه لخروج العین عن عهدته بدفع البدل.

قال الشیخ الأعظم: «ثمّ إنّ مقتضی صدق الغرامة علی المدفوع خروج الغارم عن

ص:608


1- (1) حاشیة المکاسب 1/531.
2- (2) منیة الطالب 1/336.

عهدة العین و ضمانها، فلا یضمن ارتفاع قیمة العین بعد الدفع، سواءً کان للسوق أو للزیادة المتصلة بل المنفصلة _ کالثمرة _ و لا یضمن منافعه فلا یطالب الغارم بالمنفعة بعد ذلک.

و عن التذکرة(1) و بعض آخر(2) ضمان المنافع، و قوّاه فی المبسوط بعد أن جعل الأقوی خلافه(3).

و فی موضع من جامع المقاصد أنّه موضع توقّف و فی موضع آخر رجّح الوجوب(4)»(5).

و قبله قال السیّد العاملی: «... و إنّما الاشکال فی الاُجرة للمدّة التی بعد بذل القیمة فهل تلزمه الاُجرة لها أم لا؟ و قد قرّب فی التذکرة(6) اللزوم و الوجوب و قال: إنّه أصح وجهی الشافعیة، لأنّ حکم الغصب باقٍ و إنّما وجبت القیمة للحیلولة فیضمن الاُجرة لفوات المنفعة و لأنّ العین باقیة علی ملکه و المنفعة له. و هو قضیة کلام المبسوط(7) و مال إلیه فی المسالک(8) و کأنّه قال به فی مجمع البرهان(9) و هو الأصح. و قرّب فی التحریر(10) و

ص:609


1- (1) تذکرة الفقهاء 2/382 من الطبع الحجری.
2- (2) نحو الشهید الثانی فی المسالک 12/201 و الأردبیلی فی مجمع الفائدة 10/538 و السیّد العاملی فی المفتاح 18/168 و صاحب الجواهر فی کتابه 37/139.
3- (3) المبسوط 3/96.
4- (4) جامع المقاصد 6/251 و 273.
5- (5) المکاسب 3/266.
6- (6) تذکرة الفقهاء 2/382 من الطبع الحجری.
7- (7) المبسوط 3/95.
8- (8) المسالک 12/201.
9- (9) مجمع الفائدة و البرهان 10/541.
10- (10) تحریر الأحکام الشرعیة 4/535.

الإرشاد(1) و الإیضاح(2) العدم. و فی الشرائع(3) أنّه أشبه لأنّ القیمة المأخوذة نازلة منزلة المغصوب فکأنّ المغصوب عاد إلیه و هی الواجبة علیه، فإذا دفعها برئ، و لأنّه استحق الانتفاع ببدله و عوضه الذی یقوم مقامه، فإذا قبضه المالک لم یستحق الانتفاع به إذا لم یبق له من ذلک المال علی الغاصب حقّ، و إلاّ لم یکن عوضا، لکن هذا لا یتم مع الحکم ببقائها علی ملک المالک و إنّما نماءها له و عدم وجود مسقط للضمان عن الغاصب لها، فإنّه لا یکون

إلاّ بردّها أو بالمعاوضة علیها علی وجه تنتقل به عن ملک مالکها و لم یحصل. و فی جامع المقاصد(4) المسألة محل توقف و نحوه فی الدروس(5) و الکفایة(6)، و یأتی لصاحب جامع المقاصد(7) أنّ الذی یقتضیه النظر الوجوب لبقاء الغصب کما کان...»(8).

و قال فی الجواهر عند اختیار صاحب الشرائع أنّ العدم هو الأشبه: «عند المصنف باُصول المذهب و قواعده التی منها أصل البراءة، و أنّ القیمة المأخوذة مُنَزِّلةٌ مَنْزِلَة المغصوب، فکأنّه عاد إلیه بل هی الواجبة علیه و قد دفعها فبرأ، و أنّه استحق المالک الانتفاع بالقیمة التی هی عوض و بدل فی المعنی، فلم یبق له علی الغاصب حقّ فی ذلک المال، و إلاّ لم تکن فائدة للغاصب فی الدفع»(9) ولکن مع ذلک اختار صاحب الجواهر القول

ص:610


1- (11) إرشاد الأذهان 1/446.
2- (12) إیضاح الفوائد 2/174.
3- (13) الشرائع 3/191.
4- (1) جامع المقاصد 6/251.
5- (2) الدروس 3/113.
6- (3) الکفایة 2/648.
7- (4) جامع المقاصد 6/273.
8- (5) مفتاح الکرامة 18/168.
9- (6) الجواهر 37/139.

بوجوب أداء الاُجرة و قال: «فالتحقیق الوجوب...»(1).

أقول: الإشکال علی المشهور أنّهم اختاروا القول بعدم انتقال العین من المالک إلی الغاصب بدفع البدل فیحنئذ یکون ارتفاع القیمة مطلقا _ للسوق أو للزیادة المتصلة أو للزیادة المنفصلة _ فی ملک المالک، فلم لایرجع إلیه؟ و له حقّ مطالبته من الغاصب.

ولکن علی القول بالانتقال یتم هذا البیان و لا یرد علینا شیء أعنی یکون ارتفاع القیمة فی ملک الضامن المعطی، فکان له.

و کذلک یرد الاشکال علی من ذهب إلی عدم ضمان المنافع و هو یری عدم الانتقال.

و الوجه فی الإشکال واضحٌ لأنّ المنافع و الزیادة و الارتفاع کلّها من فروع الملک و من کان له الأصل فله الفرع.

و لعلّه یظهر من هذه البیانات أنّ المرتکز فی أذهانهم هو القول بالانتقال و إن کان القول بعدمه علی ألسنتهم مشهورا.

الثامنة: أسباب الضمان عند الشیخ الأعظم قدس سره

قال: «و أدلة الضمان قد عرفت أنّ محصّلها یرجع إلی وجوب تدارک ما ذهب من

المالک 1_ سواءً کان الذاهب نفس العین کما فی التلف الحقیقی 2_ أو کان الذاهب السلطنة علیها التی بها قوام مالیتها کغرق المال، 3_ أو کان الذاهب الأجزاء أو الاوصاف التی یخرج بذهابها العین عن التقویم مع بقاء ملکیته... 4_ لو خرج المضمون عن الملکیة مع بقاء حقّ الاُولویة فیه...»(2).

و أنت تری أنّ أسباب الضمان عنده قدس سره أربعة:

ص:611


1- (7) الجواهر 37/139.
2- (1) المکاسب 3/265 و 264.

الأوّل: أن یکون الضامن سببا لتلف العین حقیقة فیجب علیه أن یخرج من عهدتها لأدلة الضمان.

الثانی: أن یکون سببا لانقطاع سلطنة المالک عن ماله کالغرق و الضیاع و یعدّ هذا من موارد تلف الحکمی و یحکم ببدل الحیلولة فیها.

الثالث: أن یکون سببا لزوال الأوصاف التی هی دخیلة فی مالیة العین و سقوط مالیتها مع تسلّط المالک علیها فالضمان فی هذا الفرض بالمالیة الساقطة الفائتة دون نفس العین لأنّها موجودة فی ید مالکها نحو الثلج فی الشتاء و الماء علی الشاطیء.

الرابع: أن یکون سببا لسقوط العین عن المالیة و الملکیّة معا إمّا شرعا أو عرفا و الأوّل نحو الخل المنقلب خمرا و الثانی نحو الکوز المکسور أو غیرهما من الظروف فحینئذ علی الضامن قیمة العین أو بدلها و للمالک حقّ الاختصاص بها.

و بالجملة فی جمیع الصّور الثلاث الأخیر یحکم الشیخ الأعظم بلزوم أداء البدل و القیمة من طرف الضامن إلی المالک مع بقاء العین علی ملک المالک أو حقّ اختصاصه بها.

أقول: أمّا ما ذکره من القسم الأوّل: فصحیحٌ لا نقاش فیه.

و أمّا ما ذکره فی القسم الثانی: فقد مرّ وجوب البدل فیه و انتقال العین إلی الضامن المعطی.

و أمّا ما ذکره من القسم الثالث: فناقشهُ السیّد الیزدی بقوله: «أنّه مع الخروج عن التقویم لا معنی لبقائها علی صفة الملکیّة فإنّ الرطوبة الباقیة نظیر القصعة المکسورة، فإنّه لا یقال إنّ أجزاءها باقیة علی ملکیّة مالکها مع عدم فائدة فیها إلاّ نادرا...»(1).

مراده: ذهاب الوصف إن أوجَب سقوط العین عن قابلیة الانتفاع بها فتسقط عن

ص:612


1- (2) حاشیة المکاسب 1/522.

المالیة و الملکیة معا و إلاّ فهی مال و ملک معا.

ولکن یمکن أن یدافع عن الشیخ الأعظم بأن سقوط المالیة لا یوجب سقوط الملکیّة لإمکان ملکیّة ما لیس بمال نحو المعدود من حبات الحنطة و الشعیر أو الخیط الباقی فی الثوب أو الرطوبة الباقیة علی أعضاء الوضوء و نحوها.

نعم: یرد علی الشیخ بأنّ الضامن المعطی إذا دفع البدل، دخل العین فی ملکه بالمعاوضة القهریة الشرعیة کما مرّ.

و أمّا ما ذکره من القسم الرابع: من أنّ سقوط المالیة و الملکیّة معا یوجب تعلق الضمان بالبدل علی الضامن فنحن نفترق معه بأنّ بعد الأداء حقّ اختصاص(1) العین یرجع إلی المعطی الدافع للبدل لا المالک کما مرّ.

التاسعة: حکم المغصوب إذا خرج عن صورتها النوعیة ثم رجع إلیها

إذا خرج المغصوب عن صورتها النوعیة ثم رجع إلیها، فهل یضمن الغاصب بدله أم عینه؟

فیه احتمالان:

الأوّل: ضمان البدل لانعدام العین بزوال صورتها النوعیة، و الموجود ثانیا غیره لتخلّل العدم بینهما و المعدوم لا یعاد.

الثانی: ضمان العین نفسها، لأنّ الموجود ثانیا عین الأوّل فی نظر العرف.

ثم إنّ هنا مسألتین:

الاُولی: العین الموجودة إذا انعدمت ثمّ عادت إلی الوجود قبل أداء بدلها، فلابدّ من

ص:613


1- (1) للبحث حول حقّ الاختصاص و حقیقته و منشأ ثبوته راجع هذا الکتاب: الآراء الفقهیة 1/(157-147).

أداء العین نفسها، لکونها جامعة لجیمع الخصوصیات التی کانت موجودة فی العین المغصوبة، و ادعاء عدم الخلاف فی کلام الشیخ الأعظم بقوله: «و یؤیده أنّه لو عاد خلاّ ردّت إلی المالک بلا خلاف ظاهر»(1) تحمل علی هذه المسألة.

الثانیة: إذا انعدمت العین و اعطی الغاصب الضامن بدله ثمّ عادت إلی الوجود، تکون للمعطی بالسیرة العقلائیة و المعاوضة القهریة الشرعیة.

ثمّ: بعد انعدام العین و اعطاء الغاصب البدل، هل حقّ الاختصاص للخمر مثلاً یکون للغاصب المعطی للبدل أم للمالک الأوّل؟

قد مرّ أنّه یکون للغاصب المعطی و لذا لو صار خلاًّ مجددا یکون للمعطی، ولکن یظهر من الشیخ الأعظم رحمه الله بقاء حقّ اختصاص المالک، قال: «ولو خرج المضمون عن الملکیّة مع بقاء حقّ الاولویة فیه کما لو صار الخلّ المغصوب خمرا...»(2).

و المحقّق الاصفهانی ذهب إلی وجوب الرد إلی المالک لا لبقاء حقّ الاختصاص الوارد فی کلام الشیخ الأعظم بل لأنّه من قبیل عود الملک إلی مالکه، قال: «إنّ وجوب الردّ للعود إلی الملک، فیکون من باب وجوب ردّ الملک لا من باب ردّ ما یکون المالک اُولی به، و العود إلی الملک بعد زوال الملکیّة لا یقتضی بقاء حقّ الاُولویة بتوهم التخصیص بلا مخصص و الترجیح بلا مرجح. و ذلک لأنّ زوال الملکیّة تارة لموجب الانتقال إلی الغیر، و اُخری لبقاء مقتضی حدوث الملکیّة من العقد و غیره علی حاله، و إنّما سقط عن التأثیر بقاءً لوجود المانع و هو انقلاب الخل خمرا فإذا زال المانع أثّر المقتضی أثره، من دون وجود حقّ الاُولویة فی حال سقوطه عن التأثیر، و عدم لزوم الترجیح بلا مرجح بعد وجود المقتضی لملکیّة

ص:614


1- (2) المکاسب 3/265.
2- (1) المکاسب 3/265.

المالک للعین دون غیره واضح جدّا، فلا کاشف عن حقّ الاُولویة و لا عن تعلِّق وجوب الردّ بذات الملک...»(1).

و لعلّ مراده قدس سره : أنّ زوال الملکیّة تارة یحصل بأحد الموجبات الانتقال من البیع و غیره، و اُخری لوجود مانع من تأثیر مقتضی الملکیّة بقاءً کانقلاب الخلّ خمرا فحینئذ سقوط المقتضی للملکیة یکون لوجود المانع، فإذا زال المانع أثّر المقتضی و یثبت الملکیّة، من دون ثبوت حقّ الاُولویة تاثیرا خاصا.

و ناقشة تلمیذة المحقّق السیّد الخوئی بقوله: «إنّ الملکیة من الأحکام الشرعیة و هی غیر مسببة عن الموجودات الخارجیة، و إنّما هی فعل اختیاری للمولی و تابع لکیفیة جعله من حیث السعة و الضیق، و علیه فإسراء أحکام المقتضیات الخارجیة و الموانع التکوینیة إلی الأحکام الشرعیة بلا موجب، بل المتّبع فی هذه الموارد دلالة الدلیل، و من الواضح أنّ الدلیل قد دلّ علی أن الخل یملک بالهبة و الأرث و نحوهما، ولکنّه إذا انقلب خمرا خرج عن الملکیّة و حینئذ فلو عاد إلی حالته الاُولی کان الحکم بملکیّته للمالک الأوّل محتاجا إلی دلیل و هو منفی فی المقام»(2).

أقول: ما ذکره قدس سره من الفرق بین الأحکام الشرعیة و الاُمور التکوینیة واضح و أتعرّض إلی تحقیق إثباته فی أبحاثی الاُصولیة مرارا. و رجوع الملکیّة و عدمها یعود إلی المسألتین الماضیتین، و کلّ من له الملک فله حقّ الاختصاص بعد زواله.

و کلّ من له حقّ الاختصاص، إذا زال المانع عن الملکیّة عادت ملکیّته و بما ذکرنا تظهر المناقشة فی کلام السیّد الخوئی قدس سره و تمامیة کلام الشیخ الأعظم من بقاء حقّ

ص:615


1- (2) حاشیة المکاسب 1/445.
2- (3) مصباح الفقاهة 3/231.

الاختصاص مع خروج المال عن الملکیة کما مرّ عنه قدس سره و اللّه العالم.

العاشرة: هل یعود ملک البدل إلی الغارم بعد تمکّنه من العین؟

قال الشیخ الأعظم: «و هل الغرامة المدفوعة تعود ملکه إلی الغارم بمجرد طروّ التمکن فیضمن العین من یوم التمکّن ضمانا جدیدا بمثله أو قیمته یوم حدوث الضمان أو یوم التلف أو أعلی القیم، أو أنّها باقیة علی ملک مالک العین و کون العین مضمونة بها لا بشیء آخر فی ذمّة الغاصب فلو تلفت استقرّ ملک المالک علی الغرامة، فلم یحدث فی العین إلاّ حکم تکلیفی بوجوب ردّه و أمّا الضمان و عهدة جدیدة فلا؟ وجهان: أظهرهما: الثانی لاستصحاب کون العین مضمونة بالغرامة و عدم طروّ ما یزیل ملکیّته عن الغرامة أو یُحدث ضمانا جدیدا،... و حینئذ فإن دفع العین فلا إشکال فی زوال ملکیّة المالک للغرامة...»(1).

أقول: ذهب العلاّمة(2) إلی الترادّ فی مسألة إباق العبد ولکن استشکل علیه فی قوله: «... فإن عادت فلکلٍّ منهما الرجوع، و هل یُجبر المالک علی إعادة البدل لو طلبه الغاصب؟ إشکال»(3).

قال ولده فی منشأ الإشکال: «ینشأ من أنّه قد استقر ملکه علیه و لأنّه ینافی البدلیة إذ ما لا یستقر علیه الملک لایصلح أن یکون بدلاً قهریا شرعا لما یستقر علیه الملک، و لأنّه قد لایرغب المعاملون فیه، و من أنّه للحیلولة و قد زالت، و الأوّل اُولی لأنّ الغاصب یؤخذ بأشق الأحوال»(4).

و یمکن تأیید الإشکال بأنّ ملک المالک ثبت علی الغرامة و الأصل بقاؤه.

ص:616


1- (1) المکاسب 3/269 و 268.
2- (2) القواعد 2/228.
3- (3) القواعد 2/230.
4- (4) إیضاح الفوائد 2/181.

و اعترض المحقّق الثانی علیهما و قال: «لا وجه لعدم الردّ أصلاً»(1) کما اختاره العلاّمة

نفسه فی التذکرة و قال: «القیمة المدفوعة یملکها المغصوب منه ملکا مراعی للحیلولة فیزول بزوالها»(2).

و فی الجواهر(3) بیان یأتی فی المسألة الآتیة فانتظر.

و أمّا بالنسبة إلی مقالة الشیخ الأعظم من جهة التّأیید فلابدّ من التنبیه علی أنّ ما یوجب ردّ البدل إلی الغارم هو الردّ الخارجی للعین إلی مالکها لا التمکن من ردّها فقط، بناءً علی القول ببدل الحیلولة، لأنّ تعذر ردّ العین تکون علّة لحدوث ضمان البدل فقط و ملکیّة مالک العین له و بعدها تستصحب لو شک فی بقائها.

فحینئذ لو تمکّن من الردّ ولکنّه لم یردّ خارجا، لم یرجع البدل إلی الغارم فلو تلفت العین فی یده لم یثبت علیه ضمانٌ جدیدٌ. و الضمان الأوّل باق. و لکن یجب علیه ردّ العین تکلیفا کما مرّ من الشیخ الأعظم.

و مع ردّ العین خارجا یجب علی مالک العین ردّ البدل إلی الغارم و مع اتلافه یجب ردّ بدله، و بعد الترادّ کلّ مال یعود إلی صاحبه کما یظهر من المحقّق النائینی(4) قدس سره .

ولکن قال المحقّق السیّد الخوئی رحمه الله فی نقده: «إنّ الالتزام بصیرورة الغرامة بدلاً عن نفس العین لا یتفق مع الالتزام بجواز مطالبة المالک العینَ من الغاصب بعد التمکن منها، فإنّ ذلک التزام بالمتناقضین... نعم، إذا کان... وقوع البدل بإزاء السلطنة دون العین وجب علی الغاصب ردّ العین علی مالکها بمجرد تمکّنه منها و جاز للمالک أن یطالبه بنفس العین لعدم

ص:617


1- (5) جامع المقاصد 6/272.
2- (1) تذکرة الفقهاء 2/385 من الطبع الحجری.
3- (2) الجواهر 37/133.
4- (3) منیة الطالب 1/337.

تحقّق المعاوضة بینهما... و لا یجوز للمالک أن یتصرف فی البدل فی فرض جواز مطالبته بنفس العین... [لأنّ] البدل بدلاً عن السلطنة الفائتة إلاّ أنّه بدل عنها حال التعذّر من مطالبة العین لا مطلقا، فإذا ارتفع التعذّر زالت البدلیة. و من ثَمَّ إذا حصل التعذّر ثمّ ارتفع قبل أداء البدل لم یکن للمالک مطالبة البدل بلا إشکال. و علی ذلک فلابدّ من التزام برجوع البدل إلی ملک الغاصب و ضمان الغاصب العین بضمان جدید بالمثل أو القیمة»(1).

الحادیة عشرة: هل للغاصب حبس العین إلی أن یأخذ البدل؟

قال فی القواعد: «و للغاصب حبس العبد إلی أن یردّ القیمة علیه علی إشکال»(2).

و فی التحریر: «له حبسها إلی أن یأخذ القیمة»(3).

ولکن فی التذکرة: «الأقرب أنّه لیس له ذلک»(4)، و فی الإیضاح «و هو الأُولی»(5)، و فی جامع المقاصد: «الأصح»(6).

قال فی المفتاح تعلیلاً لعدم جواز الحبس: «لأنّ دفع القیمة لم یکن علی سبیل المعاوضة حقیقة، و قد کان تسلیم العبد واجبا فورا فیستصحب، و لا یجوز حبس مال فی مقابلة مال آخر قد حبسه مالک المال ظلما، لأنّ من ظُلم لا یظلم»(7).

و قال فی تعلیل الجواز: «لأنّه قد دفعها عوضا، فله حبس المعوّض إلی أن یقبض العوض کسائر المعاوضات، و من ذلک یعرف الوجه فی استشکال المصنف، و محل الفرض ما

ص:618


1- (4) مصباح الفقاهة 3/232.
2- (1) القواعد 2/228.
3- (2) تحریر الأحکام الشرعیة 4/535.
4- (3) تذکرة الفقهاء 2/385 من الطبع الحجری.
5- (4) إیضاح الفوائد 2/178.
6- (5) جامع المقاصد 6/261.
7- (6) مفتاح الکرامة 18/188.

إذا لم یعلم أنّه لا یردّها علیه و إلاّ فله المقاصة»(1).

قال فی الجواهر: «... و إنّما اشکاله [أیّ اشکال العلاّمة فی القواعد] فی حبس الغاصب العین إلی أن یقبض ما دفعه من بدل الحیلولة باعتبار کونه کالمعاوضة التی لکلٍّ من المتعاوضین حبس العوض علی الآخر حتّی یحصل التقابض. و الأقوی خلافه، ضرورة عدم المعاوضة التی مقتضاها ذلک فی المقام و إن کانت هی معاوضة معنویة، فلیست هی إلاّ نحو مَنْ کانت عنده عین لمن کان عنده کذلک، فإنّه لیس له الحبس کما هو واضح، خصوصا بعد قوله علیه السلام : «المغصوب مردود»(2) و الفرض بقاؤه. و إشکاله أیضا فی جبر إعادة المالک البدل لو طلبه الغاصب منه باعتبار ملکه له، و الأصل اللزوم، و لتوقف تمام البدلیة علی تمامیة الملک التی منها عدم تسلط الغاصب علیه بنحو ذلک»(3).

و قال بعد ورقة: «و الأقوی بناءً علی ما ذکرناه أن له جبره [أیّ للغاصب جبر المالک فی أداء البدل] بل فی احتمالٍ أن له الحبس حتّی یدفع إلیه، لأنّه و إن لم یکن معاوضة حقیقة

فهو کالمعاوضة، و إن کان الأصح خلافه کما ذکرناه...»(4).

و قال الشیخ الأعظم: «إنّ العین بنفسها لیست عوضا و لا معوَّضا و لذا تحقّق للمالک الجمع بینها و بین الغرامة، فالمالک مسلَّطٌ علیها، و المعوّض للغرامة السلطنة الفائتة التی هی فی معرض العود بالترادّ.

اللهم إلاّ أن یقال: له حبس العین من حیث تضمّنه لحبس مبدل الغرامة و هی

ص:619


1- (7) مفتاح الکرامة 18/188.
2- (8) وسائل الشیعة 9/524، ح4، الباب 1 من أبواب الأنفال و فیه: «الغصب کلّه مردود».
3- (9) الجواهر 37/132 و 133.
4- (1) الجواهر 37/135.

السلطنة الفائتة. و الأقوی الأوّل»(1).

و قال المحقّق الخراسانی: «... إنّ العرف الحاکم فی باب کیفیة الغرامات إنّما یکون بنائهم علی العود بالردّ لا بالتمکن، و علیه فلیس للغارم مطالبة ما دفعه إلاّ بعد الردّ، کما أنّه لیس له حبسها مطلقا، و إن قلنا بالعود بالتمکن، کما أنّه لیس للمالک حبس الغرامة، بل یجب علی کلٍّ ردّ ما عنده و لیس من باب المعاوضة، حتّی جاز لکلّ منهما الامتناع عن التسلیم قبل تسلیم الآخر، اللهم إلاّ أن یدّعی أنّه مقتضی باب الغرامة أیضا، لکنّه لم یثبت فتدبر»(2).

أقول: لیس لهما الامتناع من ردّ المال الآخر حتّی یأخذ ماله، و إن ثبت ذلک فی باب المعاوضات نحو البیع لأنّ اشتراط التسلیم و التسلّم یکون شرطا ضمنیّا فیها، بخلاف المقام لأنّهم یقولون بغرامة بدل الحیلولة من السلطنة الفائتة و لیس عندهم معاوضة فلا یجری ذاک الشرط الضمنی.

بل علی القول بکونها معاوضة هی معاوضة شرعیّة قهریة من الشارع بین المالین لا معاوضة مالکیّة بین المالکین حتّی یقال بکون فعلهما متضمّنا لذاک الشرط.

کما یظهر عدم جواز الحبس من الرشتی(3) و تلمیذه الإشکوری(4) و النائینی(5) و الاصفهانی(6) و الإیروانی(7) قدس اللّه أسرارهم.

ص:620


1- (2) المکاسب 3/270.
2- (3) حاشیة المکاسب /45.
3- (4) کما نقل عنه تلمیذه فی بغیة الطالب 1/287.
4- (5) بغیة الطالب 1/287.
5- (6) المکاسب و البیع 1/388.
6- (7) حاشیة المکاسب 1/451.
7- (8) حاشیته علی المکاسب 2/164.
الثانیة عشرة: لو حبس العین فتلفت هل یضمن بضمان جدید؟

قال العلاّمة فی القواعد: «فإن تلف العبد محبوسا فالأقرب ضمان قیمته الآن و استرجاع الاولی»(1).

قال ولده: «هذا إن قلنا أنّ له الحبس، و وجه القرب: إنّ حکم الغصب زال بردّ القیمة و هذه الید غیر الاُولی لاستحقاقها و وجوب ردّ المالک القیمة الاولی و أخذ العین و هی القدر الثانیة. و یحتمل عدمه لأنّه إنّما یستحقّ ردّ الاولی بدفع العین و لم یحصل و لأنّ الحصول فی ید الغاصب لا یؤثر فی زوال ملکیّة المالک للقیمة التی فی یده، لأنّ ید الغاصب موجبة للضمان فیستقر ملک المالک علی القیمة الاولی إن کانت أکثر و هو الأقوی عندی»(2).

و قال ابن اخته السیّد عمیدالدّین الأعرجیّ الحلّیّ فی وجه الضمان بقیمته الآن: «هذا إنّما یتمشّی علی وجوب قیمة یوم التلف، أمّا لو أوجبنا الأکثر کان له الأکثر من القیمتین الاولی و الثانیة»(3).

ثمّ وجههه المحقّق الثانی بقوله: «و وجهه: إنّه إن کان الأقل هو القیمة الاولی فإنّه قد دفعها عوضا عن العین باستحقاق فلا یجب ما سواها، و إن کان الأقل هو الثانیة فهی المستحقة بالتلف لأنّ الاولی للحیلولة و قد زالت بجواز الحبس».

ثم ردّه بقوله: «و فیه نظر، لأنّ المدفوع للحیلولة لم یکن عوضا عن العین قطعا و لهذا لایخرج بذلک عن ملک المالک، و لا یستقر ملکه علی المدفوع. و حیث کانت العین باقیة علی ملک المالک مضمونة علی الغاصب، و خرج بجواز الحبس إلی أن یقبض القیمة عن کونه

ص:621


1- (1) القواعد 2/228.
2- (2) إیضاح الفوائد 2/178.
3- (3) نقل عنه المحقّق الثانی فی جامع المقاصد 6/262.

غاصبا وجبت قیمة یوم التلف، علی ما اخترناه من وجوب قیمة یوم التلف، فالواجب قیمة یوم التلف هنا، و الأصح أنّه لا یجوز له الحبس بذلک کما سبق فلا یتغیّر الحال»(1).

و قال فی شرح کلام العلاّمة: «هذا مبنی علی جواز الحبس، لأنّ المصنف یری القول بأعلی القیم، و وجه القرب: إنّ حکم الغصب قد زال بدلیل جواز الحبس إلی أن یقبض ما دفعه للحیولة، و هذه الید غیر الاُولی لکونها مستحقة، و وجوب ردّ المالک القیمة الاولی، فإذا تلف ضمنه بقیمته وقت التلف، فیسترجع القیمة الاولی، و کان حقّه أن یقول:

یسترجع الزائد»(2).

و قال فی الجواهر: «... فلو حبسه و تلف کان ضامنا لقیمته الآن و یرجع بما دفعه أوّلاً. بل یقوی ذلک و إن قلنا بجواز حبسه کما هو ظاهر عبارة القواعد السابقة، و ذلک لأنّ حکم الغصب قد زال علی تقدیر جواز الحبس، فهی ید غیر الاولی لکونها مستحقة إلاّ أنّها ید ضمان أیضا کالقبض بالسوم، لأنّه الأصل فی کلّ ید قد استولت علی مال الغیر إلاّ ما خرج من الودیعة و اللقطة و نحوها، کما حررناه غیر مرّة.

و مِنْ هنا جعل الضمان فی المقام بقیمته یوم التلف مع أنّ مذهبه ضمان المغصوب بأعلی القیم، إذ لیس هو إلاّ لخروج الید عن حکم الغصب باستحقاق الحبس و وجوب ردّ المالک القیمة الاولی». _ ثم ذکر توجیه الکرکی لکلام السیّد عمیدالدّین و قال: _ «ولکن لا یخفی علیک ما فیه بعد الاحاطة بما ذکرناه و بعد الإغضاء عن لفظ «الأقل» فی کلامه الذی قیل(3) إنّه من سهو القلم و إلاّ فالمراد «الأکثر»» _ ثم شرع فی ردّ مناقشة الکرکی علی السیّد

ص:622


1- (4) جامع المقاصد 6/262.
2- (1) جامع المقاصد 6/262.
3- (2) القائل هو السیّد العاملی فی مفتاح الکرامة 18/190، قال: «و لعلّ الأقل فی کلامه من طغیان القلم، أراد أن یثبت الأکثر فأثبت الأقل کما هو الموجود فی ثلاث نسخ... و بناه علی أنّ الواجب فی کلّ مغصوب إذا تلف أعلی القیم من دون التفات إلی دفعها عوضا أو استحقاقها بالتلف».

عمیدالدّین فراجع تمام کلامه فی کتابه.(1)

قال الشیخ الأعظم: «ثمّ لو قلنا بجواز الحبس، لو حبسه فتلفت العین محبوسا، فالظاهر أنّه لایجری علیه حکم المغصوب لأنّه حبسه بحقّ، نعم یضمنه لأنّه قبضه لمصلحة نفسه و الظاهر أنّه بقیمة یوم التلف...»(2).

أقول: قیمة یوم التلف هو مختاره فی القیمیات کما مرّ و مختارنا قیمة یوم الأداء و الضمان فی الحبس واضح و اللّه العالم.

تمّ الجزء الأوّل من قسم البیع من کتابنا الآراء الفقهیة بعد منتصف اللیل المسفر صباحُه من یوم الثلاثاء الثانی و العشرین من ثانی الجمادین عام 1430 ببلدة أصبهان صانها اللّه تعالی عن الحدثان.

و الحمدللّه ربّ العالمین و صلی اللّه علی سیّدنا محمّد و آله الطیّبین الطاهرین المعصومین.

ص: 623


1- (3) الجواهر 37/136.
2- (4) المکاسب 3/270.

ص: 624

ص: 625

ص: 626

ص: 627

ص: 628

ص: 629

ص: 630

ص: 631

ص: 632

ص: 633

ص: 634

ص: 635

ص: 636

ص:637

ص:638

ص:639

بعض منشورات مکتبة آیة اللّه النجفی

1. تبصرة الفقهاء (ثلاث مجلّدات)، لآیة اللّه العظمی الشیخ محمّدتقی الرازی النجفی الأصفهانی قدس سره صاحب هدایة المسترشدین، تحقیق: السیّد صادق الحسینی الإشکوری.

2. رساله صلاتیه، له أیضا، بالفارسیة، تحقیق: الشیخ مهدی الباقری السیانی.

3. شرح هدایة المسترشدین، لآیة اللّه العظمی الشیخ محمّدباقر النجفی الأصفهانی نجل صاحب الهدایة (المتوفی عام 1301ق)، تحقیق: الشیخ مهدی الباقری السیانی.

4. اشارات ایمانیه، لآیة اللّه العظمی الشیخ محمّدتقی آقا النجفی الأصفهانی (المتوفی عام1332ق)، تحقیق: مهدی الرضوی مع مساعدة انجمن مفاخر فرهنگی ایران.

5. نقد فلسفة دارون، لآیة اللّه العظمی الشیخ ابوالمجد محمّدالرضا النجفی الأصفهانی (المتوفی عام 1362ق)، تحقیق: الدکتور حامد ناجی الأصفهانی مع مساعدة مکتبة المجلس الشوری الإسلامی.

6. الآراءُ الفقهیة - قسم المکاسب المحرمة- (3 مجلّدات)، لآیة اللّه الشیخ هادی النجفی.

7. ترجمة ارشاد الأذهان، للعلاّمة الحلّی، المترجم إلی الفارسیة: آیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی (المتوفی عام 1393ق) مع مساعدة انجمن مفاخر فرهنگی ایران.

8. أساور من ذهب در احوال حضرت زینب (سلام اللّه علیها)، لآیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی (المتوفی 1393ق) بالفارسیة، تحقیق: جویا جهانبخش.

9. الأرائک فی علم أصول الفقه، لآیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی (المتوفی عام 1393ق)، مع مساعدة The open school شیکاگو آمریکا.

10. غرقاب (تراجم أعلام القرن الحادی عشر و ما بعده)، للسیّد محمّدمهدی الموسوی الشفتی (المتوفی عام 1326ق)، تحقیق: مهدی الباقری السیانی و محمود النعمتی.

11. ترجمة توحید المفضل إلی إنجلیسة، ترجم بأمر آیة اللّه الشیخ مهدی النجفی الأصفهانی، مع مساعدة The open school شیکاگو آمریکا، و انتشارات انصاریان قم.

12. الکنز الجلی لولدی علی (گنج نامه)، للشیخ هادی النجفی، ترجمة علی اصغر حبیبی.

ص: 640

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.