الآراءُ الفقهیَّة: (ق_س_م المکاسب المحرمة 1) المجلد 1

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: النجفي، هادي، 1342 -

عنوان واسم المؤلف: الاراء الفقهیة/ تالیف هادي النجفي.

تفاصيل المنشور: اصفهان: مهر قائم، 1387.

مواصفات المظهر: 3 ج.

شابک : 0 20000 ریال: دوره: 978-964-7331-77-7 ؛ ج. 1: 978-964-7331-74-6 ؛ ج. 2: 978-964-7331-75-2 ؛ ج. 3: 978-964-7331-85-2

حالة الاستماع: فاپا/الاستعانة بمصادر خارجية.

لسان: العربية.

ملحوظة: ج. 2 و 3 ( الطبعة الأولى: 1429ق. = 1387).

ملحوظة: فهرس.

موضوع : المعاملات (فقه)

موضوع : أعمال الهرم

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

ترتيب الكونجرس: BP190/1/ن3آ4 1387

تصنيف ديوي: 297/372

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 1245417

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

الإهداء

إلی روح والدی العلاّمة قدس سره (1)

الّذی ربّانی و علّمنی فقه أهل البیت علیهم السلام و حبّهم و ولایتهم منذ نعومة أظفاری حشره اللّه تعالی مع أئمة أهل البیت أمیرالمؤمنین و أولاده المعصومین علیهم السلام .

ص: 4


1- (1) قد کتبتُ فی ترجمته و ترجمة أجداده الأعلام الفقهاء _ أعلی اللّه مقامهم _ الّذین خدموا بدورهم الشریعة المقدّسة کتابی «قبیله عالمان دین» فراجعه إن شئت.

الصوره

تقریظ سماحة المرجع الدینی الکبیر آیة اللّه العظمی الشیخ بشیر حسین النجفی

_ دام ظله العالی _ من النجف الأشرف.

ص: 5

* تاریخ تألیف الکتاب من نظم فضیلة العلاّمة القدیر الشاعر المُفْلِق السیّد عبد الستار الحسنی البغدادی حفظه اللّه تعالی :

للّه ِ منْ سِفْرٍ حَوَی (مَقَاصِداً)***(حَدَائِقُ)(الرِّیَاضِ) مِنْهَا نَافِحَةْ

وَکَمْ زَهَا ب_ (رَوْضَةٍ بَهِیَّةٍ)***أنْظَارُنَا إلی جَنَاهَا طَامِحَةْ

وَ(لُمْعَةٍ) کَالشَّمْسِ فِی إشْرَاقِهَا***فی أُفُقِ الْحَقِّ الْمُبِینِ لائِحَةْ

کَالْبَحْرِ مِنْهُ تُقْتَنَی (جَوَاهِرٌ)***غَادِیَةٌ لَهُ الْوَرَی وَرَائِحَةْ

قَدْ جَاءَ فِی اسْتِدْلالِهِ (مَحَجِّةً***بَیْضَاءَ) ، وَضَّاءٌ سَنَاهَا ، وَاضِحَةْ

بِ_ (الْعُرْوَةِ الْوُثْقی ) لَهُ (مُسْتَمْسَکٌ )***وَکَفَّةٌ - عِنْدَ النِّزَاعِ - رَاجحَةْ

(کَشْفُ الْغِطَاءِ) فِیهِ عَنْ غَوَامِضٍ***وَمُبْهَمَاتٍ لَلْفُهُومِ فَادِحَةْ

(آرَاؤُهُ الْفِقْهِیَّةُ) ازْدَانَتْ بِهَا***مَطَالِبٌ لَمْ تَعْدُهُنَّ سَانِحَةْ

(شَرَائِعُ الإسْلامِ) مَدَّتْهَا بِمَا***أرْوَتْ بِهِ صَدَی النُّفُوسِ الصَّالِحَةْ

لَهَا بِ_ (تَنْقِیح الْمَنَاطِ) مَنْهَجٌ***یَنْأی عَنِ الإغْفَالِ وَالْمُسَامَحَةْ

بِ_ (النَّقْضِ وَالاْءبْرَامِ) مَوْضُوعَاتُهُ***زِنَادُهَا مِنْ وَرْیِ فِکْرٍ قَادِحَةْ

وَمُعْضَلاتٍ فِی البُحُوثِ لَمْ تَزَلْ***مُسْتَغْلَقَاتٍ - فِی الْبَیَانِ - جَامِحَةْ

قَدْ فَتَحَ (الْهَادِیْ) لَنا رِتاجَها(1)***إذْ ملَکَتْ یَمینُهُ مَفَاتِحَهْ

فَابْنُ (أبِی الَْمجْدِ) غَدَتْ آثارُهُ***لَهُ بِإتْقانِ الْفُنونِ مادِحَةْ

وَذَا کِتابٌ مُعْرِبٌ عَنْ فَضْلِهِ***مَقاوِلُ التَّحْقِیقِ فِیهِ صَادِحَةْ

(فِقْهٌ) بِهِ قَدِ ازْدَهی تَأرِیخُهُ :***(مَکَاسِبُ الْهادی أتَتْنا رابِحَةْ)

ق 1427 = 185 + 1242

ص: 6


1- (1) الرتاج : الباب .

الحمد للّه الّذی علّم بالقلم ورفع درجات عباده بالعلم والعمل والصلاة والسّلام علی رسول اللّه محمّد المصطفی الّذی أسس قواعد الأحکام وجعل الشریعة طریقاً للأنام وعلی آله الغرّ المیامین أئمة الهدی ومصابیح الدُجی وأعلام الوری .

لقد کان من فضل اللّه تعالی ومنّه علیَّ أن وفّقنی لإلقاء محاضرات فقهیة فی المکاسب فی مدرسة الصدر بمدینة اصبهان علی جماعة من الأفاضل حفظهم اللّه تعالی ووفقهم لخدمة دینه . وقد ساعدنی التوفیق الإلهی بأن أدون هذه المحاضرات فی هذا الکتاب المسمی ب_ « الآراء الفقهیة ، قسم المکاسب المحرمة » ، وقد رتبت المسائل علی نفس ترتیب کتاب المکاسب لشیخنا الأعظم الأنصاری قدس سره وأمّا منهج البحث فهو التعرض للمعنی اللغوی ثمّ المعنی الاصطلاحی ثمّ ذکر أقوال علمائنا الأصحاب الأبرار فی المسألة من زمن المشایخ الصدوق والمفید والطوسی إلی زمن صاحب الجواهر وشیخنا الأنصاری قدس سرهم ، ثمّ ذکرت الأدلة الشرعیة من الآیات الکریمة والروایات الشریفة وبیان مدی دلالتها وحجیتها واستفادة القول المختار منها .

وقد بحثت فی بعض المسائل المستحدثة التی لها علاقة بالمکاسب المحرمة کالتلقیح

ص: 7

الصناعی والترقیع وزرع الأعضاء والتشریح والموسیقی والرقص والتصفیق والشطرنج ونحوها .

وکما تناولت بعض المسائل التی لم یتعرض إلیها شیخنا الأنصاری قدس سره فی المکاسب المحرّمة کمسائل الاحتکار والتسعیر والربا وحلق اللحیة والضرائب ونحوها بصورة مفصلة لما لها من العلاقة بالبحث .

وفی الختام أسال اللّه تعالی أن یجعل هذا الجهد خالصاً لوجه الکریم ویورده فی سجل حسناتی فی یوم لاینفع مال ولابنون ، وأساله تعالی بجاه مولانا أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب وأولاده المعصومین علیهم السلام أن یوفقنی لإکمال بقیة بحوث المکاسب من البیع والخیارات فی هذه الموسوعة - الآراء الفقهیة - انّه السمیع المجیب .

وأشکر من العلاّمة المحقق سماحة حجة الإسلام والمسلمین السیّد أحمد الحسینی الإشکوری - دامت برکاته - لأجل ملاحظاته وتصحیحاته علی الکتاب قبیل الطبع .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلی اللّه علی سیدنا محمّد وآله الطیبین الطاهرین المعصومین .

28 رجب المرجّب 1427

هادی النج_فی

ص: 8

الأدلّة العامّة فی المکاسب المحرمّة

اشارة

ص: 9

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحیم

الآیات العامّة

اشارة

قد یستفاد بعض الأحکام الکلّیّة للمعاملات من الآیات الشریفة نتعرض لثلاث منها تیمّنا وتبرّکاً وابتداءً بکلام اللّه تعالی :

الآیة الأولی

قوله تعالی : «الَّذِینَ یَأْکُلُونَ الرِّبَا لاَ یَقُومُونَ إِلاَّ کَمَا یَقُومُ الَّذِی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَیْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَیَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَی اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِکَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِیهَا خَالِدُونَ»(1) .

سیذکر إن شاء اللّه تعالی فی أوّل البیع تعریفه ولکن هنا أقول : إنّ البیع مبادلة عین بمال ، أو السبب المنشأ به ذلک من القول أو الفعل .

ویتحقق عند إنشاء البیع أو منه أمورٌ :

1 _ العقد المرکب من الإیجاب والقبول ، أو التعاطی خارجاً بقصد تحقق المبادلة ، ویقال له : « البیع السببی » .

2 _ البیع المسببی : حصول تبادل الاضافتین المتحقق باعتبار الطرفین وإنشائهما ،

ص: 11


1- (1) سورة البقرة / 275 .

ویکون أمراً باقیاً فی عالم الاعتبار ما لم یتعقبه الفسخ من ذی الخیار أو الإقالة .

3 _ إضافة الملکیة الحادثة بین المشتری والمبیع والبائع والثمن ، وهذه نتیجة المبادلة المذکورة .

4 _ حصول الربح أحیاناً للطرفین .

5 _ جواز تصرف کلّ من المتعاملین فیما انتقل إلیه أو فی الربح الحاصل له .

ثم هل المحکوم بالحلیّة فی الآیة الشریفة البیع السببی أو البیع المسببی ، یعنی الأوّل أو الثانی . والأظهر من الآیة الشریفة من کلمتی « أحلّ » و « حرّم » نفس البیع والربا ، یعنی نفس المعاملتین ، أی ما یصدق علیه عنوان البیع فهو حلالٌ وما یصدق علیه عنوان الربا فهو حرام . والظاهر أنّ المراد بالحلیة والحرمة هنا الوضعیان ، یعنی الصحة والفساد . فإذا کان دلالة الآیة الشریفة علی حلیة البیع وضعاً - یعنی البیع - کان صحیحاً .

والآیة الشریفة بنظری القاصر : تدل علی تشریع حرمة الربا وحلیّة البیع فی قبالها ، ولذا کانت مطلقة بالنسبة إلی حلیّة جمیع البیوع ، والشاهد علی ذلک ما ورد فی صحیحة عمر بن یزید بیّاع السابری قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداک ، إنّ الناس یزعمون أنّ الربح علی المُضطَرِّ حرام وهو من الربا ؟ فقال علیه السلام : وهل رأیت أحداً اشتری _ غنیاً أو فقیراً _ إلاّ من ضرورة ؟ یا عمر ، قد أحلّ اللّه البیع وحرّم الربا ، فاربَح ولا تُربِ . قلت : وما الربا ؟ قال : دراهم بدراهم ، مِثلان بمثل(1) .

أقول : ورواها الشیخ فی التهذیب(2) مع إضافة . والشاهد فی تطبیق الإمام علیه السلام الحکم بالصحة فی هذا البیع واستفادتها من إطلاق قوله عزَّ وجلّ «أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ» . فهذه الصحیحة مضافاً إلی ظهور الآیة الشریفة - تدل علی اطلاق حلیّة البیع فی قوله تعالی «أَحَلَّ اللّهُ الْبَیْعَ» .

وبالجملة ، یجوز التمسک بالآیة الشریفة والحکم بالصحة عند الشک فی صحة بعض

ص: 12


1- (1) الفقیه 3 / 176 ح 793 .
2- (2) التهذیب 7 / 18 ح 78 .

البیوع وشروطها وخصوصیاتها شرعاً ، وهذا نتیجة إطلاق الآیة الشریفة .

الآیة الثانیة

قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنکُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَکُمْ إِنَّ اللّهَ کَانَ بِکُمْ رَحِیماً »(1) .

أقول : « الأکل » الوارد فی الآیة الشریفة بقرینة « الأموال » بمعنی وضع الید علی المال والتصرف فیه بالتصرفات التی یقوم بها المُ_لاّک ، وتعلق النهی بالأکل بالباطل یدل علی فسادها فی الشرع المقدس ، یعنی یدل علی الحکم الوضعی - أی الفساد - بأکل مال بالباطل مطلقاً ، أی سواءً کان فاسداً هذا الأکل عند الشارع المقدس نحو : القمار والظلم والبخس والربا والبیع الغرری ونحوها ، أو عند العقلاء کالمعاملات الباطلة عندهم ، لأنّ الخطاب الوارد فی الآیة الشریفة علی نحو القضیة الحقیقیة فیشمل ، جمیع المعاملات الباطلة وأکل المال بالباطل عرفاً عند العقلاء ، فلا یختص بما کان فی ذلک الزمان من المعاملات الباطلة نحو : القمار ، والأمور المذکورة فی الروایات الواردة فی ذیل الآیة الشریفة من قبیل المثال والتطبیق کما یظهر ذلک لمن راجعها .

نعم ، للشارع الحکومة علی العرف توسعةً أو تضییقاً فی الموضوع ، ونتیجتها التخصّص لا التخصیص والخروج الحکمی کما فعله بالنسبة إلی بیع الخمر والمیتة والربا .

ثم إنّ الآیة الشریفة بعد الحکم بفساد أکل المال بالباطل ، استثنی فیها من ذلک «إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ» ، وهذا المستثنی منقطع ، یعنی لیست التجارة عن تراض من أوّل الأمر داخلةً فی الأکل بالباطل . فالاستثناء یدل علی صحة کل تجارة یقع عن تراضی الطرفین . فالآیة الشریفة تدل علی الحکمین المستقلین : فساد أکل المال بالباطل ، وصحة التجارة عن تراض . فلا یرد علینا بأنّ الأصل فی الکلام المستثنی لا المستثنی منه ، حیث یشکل بأنّها لیست فی مقام البیان ولیس لها إطلاق .

نعم ، فی الاستثناء المنقطع ینظر المتکلم إلی العقدین ، یعنی المستثنی والمستثنی منه ، فهو

ص: 13


1- (1) سورة النساء / 29 .

من هذه الجهة فی مقام البیان ، فالآیة الشریفة مطلقة بالنسبة إلی صحة تجارة وقعت عن تراض . فعند الشک فی شرائطها وخصوصیتها نتمسک بالآیة الشریفة ونحکم بالصحة . والحمد للّه رب العالمین .

الآیة الثالثة

قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَکُم بَهِیمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا یُتْلَی عَلَیْکُمْ غَیْرَ مُحِلِّی الصَّیْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ یَحْکُمُ مَا یُرِیدُ »(1) .

أقول : الوفاء بالعقد یعنی القیام بمقتضاه . والعقد : العهد الموثق ، وأصل العقد : الجمع بین الشیئین بحیث یعسر الانفصال بینهما . والمراد بالعقود : کلّ ما عقد اللّه تعالی علی عباده وألزمهم إیّاه من الإیمان به وبملائکته وکتبه ورسله وأوصیائه وتحلیل حلاله وتحریم حرامه والإتیان بفرائضه ورعایة حدوده وأحکامه وأوامره ونواهیه ، وکل ما یعقده المؤمنون علی أنفسهم للّه وفیما بینهم من عقود الأمانات والمعاملات وغیرها .

والآیة الشریفة تدل علی وجوب الوفاء بجمیع العقود ، ومنها : البیوع والتجارات والمعاملات .

وفی صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام : قوله : «أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»قال : بالعهود(2) .

ولا یضر بالسند نقل العیاشی(3) هذه الروایة مع واسطة بعض أصحابنا بین النضر بن سوید وابن سنان ، لأنَّ المذکور فی سند القمی بدون هذه الواسطة والنضر ینقل عن عبد اللّه بن سنان ، فالروایة صحیحة سنداً .

وفی مجمع البیان : « العقود جمع عقد بمعنی معقود ، وهو أوکد العهود ، والفرق بین العقد والعهد أنّ العقد فیه معنی الاستیثاق والشدّ ولا یکون إلاّ بین متعاقدین ، والعهد قد ینفرد به

ص: 14


1- (1) سورة المائدة / 1 .
2- (2) تفسیر القمی 1 / 160 .
3- (3) تفسیر العیاشی 2 / 4 ح 5 .

الواحد ، فکلّ عقد عهد ولا یکون کلّ عهد عقداً . وأصله عقد الشیء بغیره ، وهو وصله به کما یعقد الحبل ، ویقال : أعقد العسل ، فهو معقَّد وعقید»(1) .

أقول : لایتم هذا الفرق بین العهد والعقد الذی ذکره صاحب المجمع ، بعد تفسیر الإمام علیه السلام العقد بالعهد ، فإن الآیة تدل علی وجوب الوفاء حتّی بالعهود ، فالظاهر تساویهما .

والآیة الشریفة بإطلاقها تدل علی وجوب الوفاء بالعقود والعهود الإجتماعیة والإقتصادیة . ومنها : المعاملات والبیوع والتجارات . وتدل علی صحة العقود والعهود والمعاملات بل تدل علی وجوب الوفاء بها .

وبالجملة : مضافاً إلی استفادة صحة العقود والعهود من الآیة الشریفة ، یستفاد منها وجوب الوفاء بها ، یعنی الالتزام واللزوم والوفاء والإیفاء بالعقود والعهود . وهذا الأمر - المستفاد من هذه الآیة - لا یُستفاد من الآیتین المذکورتین سابقاً ، وهذا أمرٌ مهم . أی أنّ الوفاء بالعقود والعهود لازم لایجوز ترکه إلاّ بالدلیل . یعنی الآیة تدل علی لزوم البیع والمعاملات .

سیما بعد ملاحظة لفظة « العقود » الجمع المحلّی باللام ، وبعد ملاحظة خبر زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال علی بن أبی طالب علیه السلام : نزلت المائدة قبل أن یُقْبَضَ النبی صلی الله علیه و آله وسلم بشهرین أو ثلاثة(2) .

وهکذا ورد فی خبر عیسی بن عبد اللّه عن أبیه عن جدّه عن علی علیه السلام قال : « القرآن یَنْسَخ بعضُه بعضاً ، وإنّما کان یُؤخَذ من أمر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بآخره ، فکان من آخر ما نزل علیه سورة المائدة ، فنَسَخت ما قبلها ولم یَنْسَخْها شیءٌ ... »(3) .

وفی صحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیهماالسلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث

ص: 15


1- (1) مجمع البیان 2 / 151 .
2- (2) تفسیر العیاشی 2 / 3 ح 1 .
3- (3) تفسیر العیاشی 2 / 3 ح 2 .

طویل :« ... إنّما نزلت المائدة قبل أن یُقبض بشهرین»(1) .

فالآیة الشریفة نزلت فی أواخر حیاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وتدل علی لزوم الوفاء بکلِّ عقد وعهد وبیع ومعاملة وتجارة .

وبعد تفسیر الامام علیه السلام العقد بالعهد ، یجوز التمسک بجمیع الآیات الواردة فی شأن الوفاء بالعهد فی صحة المعاملات والبیوع بل وجوبها أی لزومها ، نحو قوله تعالی : «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کَانَ مَسْؤُولاً »(2) وقوله تعالی : «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ »(3) وقوله تعالی : «وَالَّذِینَ هُمْ لاِءَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ »(4) وغیرها من الآیات الشریفة . والحمد للّه رب العالمین .

الروایات العامّة

اشارة

قد تمسک الشیخ الأعظم الأنصاری قدس سره (5) بأربعة من الروایات تیمناً علی سبیل الضابطة الکلیة من حیث الحلّ والحرمة .

الروایة الأولی :

ما رواها الشیخ الثقة الجلیل أبو محمّد الحسن بن علی بن الحسین بن شعبة الحرّانی الحلبی من أعلام القرن الرابع ومن معاصری الصدوق علیه الرحمة والراوی عن أبی علی محمّد بن همام الثقة المتوفّی عام 336 ، فی کتابه تحف العقول عن آل الرسول علیهم السلام .

جمع کتابه من الروایات الواردة فی الخطب والمواعظ والأخلاقیات عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم ثمّ عن أمیر المؤمنین علیه السلام ثمّ الأئمة علیهم السلام من بعده علی الترتیب وختمه بالإمام الحسن

ص: 16


1- (1) التهذیب 1 / 361 ح 1091 .
2- (2) سورة الاسراء / 34 .
3- (3) سورة البقرة / 177 .
4- (4) سورة المؤمنون / 8 وسورة المعارج / 32 .
5- (5) راجع المکاسب 1 / (13 _ 7) .

العسکری علیه السلام ، ثم جعل فی آخر کتابه مناجاة اللّه لموسی وعیسی النبیین علی نبینا وآله وعلیهما السّلام ، ثمّ ذکر مواعظ المسیح فی الإنجیل وجعل فی آخره وصیّة المفضل بن عمر لجماعة الشیعة .

والکتاب محل اعتبار وأکثر روایاته موجودة فی الکتب المعتبرة ، ولکن مع الأسف مؤلّفه الجلیل حذف أسانید الروایات وقال فی مقدمة کتابه ما نصّه : « ...واسقطتُ الأسانید تخفیفاً وإیجازاً وإن کان أکثره لی سماعاً ولأنّ أکثره آدابٌ وحِکَمٌ تشهد لأنفسها ، ولم أجمع ذلک للمنکر المخالف بل ألّفْتُهُ للمسلِّم للأئمة ، العارف بحقّهم ، الراضی بقولهم ، الرَّادّ إلیهم ... »(1) .

فالروایة الواردة فیه أولاً : مرسلة ، وثانیاً : مضمرة هذا کلّه من جهة السند فلا اعتبار بها . ویمکن الذّب عن إضمارها بأن المؤلِّف رواها فی الروایات الواردة عن أبی عبد اللّه علیه السلام .

إن قلت : ضعف سندها منجبر بالشهرة .

قلت : لم تشتهر الروایة من حیث أنّها روایة ولا من حیث الفتوی ، أمّا من حیث الروایة فلعدم ورودها فی الکتب المعتبرة المشهورة بل نقلها عنه صاحب الوسائل مختصراً فی موضعین من کتابه(2) وهکذا نقلها عنه مختصراً فی الحدائق فی المقدمة الثالثة من کتاب التجارة(3) .

نعم ، نقلها عنه بتمامها العلامة المجلسی قدس سره فی بحار الأنوار(4) وهکذا منقولة فی جامع أحادیث الشیعة(5) .

وأنت خبیر بأنّ هذا لایوجب الشهرة الروائیة . وهکذا لم یفت بمضمونها الأصحاب ، لا سیما بعد ورود بعض ما یخالف المذهب فیها کما سیأتی إن شاء اللّه تعالی . فلم تثبت شهرتها

ص: 17


1- (1) تحف العقول / 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 54 کتاب التجارة الباب 2 من أبواب ما یکتسب به ح 1 _ و13 / 242 الباب 1 من کتاب الاجارة .
3- (3) الحدائق 18 / 67 .
4- (4) بحار الأنوار 103 / 44 طبع بیروت _ کتاب العقود والایقاعات الباب 4 من أبواب المکاسب .
5- (5) جامع أحادیث الشیعة 17 / 145 الباب 1 من أبواب ما یکتسب به ح 15 .

الفتوائیة أیضاً .

هذا کلّه علی کلا المسلکین بانجبار ضعف السند بالشهرة ، فلا یفیدنا فی المقام شیئاً .

وأمّا متنها : فمَن أمعن النظر رأی الاغتشاش والقلق والاضطراب فیها وما لم یشبه کلام الإمام علیه السلام ، مع إنّهم علیهم السلام أفصح الخلق وکلامهم علیهم السلام فوق کلام المخلوقین ودون کلام الخالق .

ومتنها أشبه شیء بکلمات المصنفین من حیث التقسیم والتشقیق . مضافاً إلی اضطرابها فی التعبیر وتکرار جملها وألفاظها وکثرة ضمائرها وتعقیدها ، وکلّ هذا ینفی کونها روایةً .

هذا مع أنّ التقسیم الوارد فی الروایة من جهات معایش العباد والمعاملات إلی أربع جهات لم یرجع إلی محصَّل ولا یفید فی المقام شیئاً ، مثلاً : جعل ولایة ولاة العدل الذین أمر اللّه تعالی بولایتهم وتولیتهم علی الناس _ یعنی الرسالة والإمامة وهما من المناصب الإلهیة التی جعلت للعصمة الطاهرة _ من معایش العباد ومعاملاتهم مع وضوح خروجها عنها .

وهکذا جعل من صنوف الصناعات : الکتابة والحساب والتجارة والصیاغة والسراجة والبناء والحیاکة والقصارة والخیاطة وصنعة صنوف التصاویر ونحوها ، مع دخول کلّ ذلک إمّا فی الإجارات أو التجارات .

وهکذا خروج کثیر من وسائل المعایش عن المقسَم کالحیازات والنتاجات والاصطیاد وإحیاء الموات وإجراء القنوات والمزارعة والمساقاة والمضاربة والوکالة وأخذ الزکوات والأخماس ونحوها .

وبالجملة ، التقسیم الوارد فی الروایة لم یرجع إلی محصَّلٍ ونتیجة جامعٍ ، فالروایة صارت بهذه العبارات أساسها علی بنیانٍ غیر مرصوصٍ .

مضافاً إلی ورود فقرات فی الروایة لم یفت بها أحدٌ من المسلمین أو المؤمنین أو لم تکن مشهورةً بین أصحابنا :

نحو : حرمة بیع جلود السباع ، مع أنّ المسلمین کلّهم - خاصةً وعامةً - یجوّزون بیعها ، نعم الخلاف بیننا وبینهم فی عدم جواز الصلاة فیها عندنا وجوازها عندهم .

ومنها : حرمة الانتفاع بالمیتة ولو کانت طاهرة ، مع أنّ الأصحاب علی جواز الانتفاع بالمیتة سواءً کانت طاهرة أم نجسة ، یعنی سواءً کانت لها نفس سائلة أم لا .

ص: 18

ومنها : حرمة بیع النجس مطلقاً ؛ مع أنّ الأصحاب علی جواز بیع النجس لأجل منافعه المحلّلة والإنتفاع به .

ومن جمیع ذلک ظهر لک الوهن فی القول بصدور هذه الروایة من الامام علیه السلام .

ولذا لم أتعرض لشرح فقراتها وبیان مافیها من الأحکام ، وغایة ما یمکن أن یقال : حیث دیدنی عدم ردّ الروایات ، أنّها علی فرض ثبوتها لیست دلیلاً مستقلاً ولا یمکن الاعتماد علیها إلاّ من جهة التأیید والتأکید .

ثمّ فلیعلم أنّ الشیخ نقل الروایة عن الوسائل والحدائق لا عن أصل الکتاب ، وبین النقلین فرق بیّن ، ولعلّهما هذّباها أو اختصراها .

ثم قال الشیخ الأعظم : « وحکاه غیر واحد عن رسالة المحکم والمتشابه للسید قدس سره »(1) .

أقول : حکاها عن رسالة المحکم والمتشابه صاحبا الوسائل(2) والحدائق(3) . فاعلم أنّ رسالة المحکم والمتشابه للسید المرتضی قدس سره اختصر فیها تفسیر الشیخ الجلیل أبی عبد اللّه محمد ابن إبراهیم بن جعفر النعمانی الکاتب المعروف بإبن زینب ، والمطبوع جمیعه فی بحار الأنوار(4) ، ولعلّ فی تفسیره أزید وأکثر من ذلک ولکن وصل إلینا اختصار السید فقط باسم « المحکم والمتشابه » ، لأنّ الموجود من التفسیر والرسالة سیّان . ولکن المهم هنا عدم وجود هذه الروایة فی تفسیر النعمانی المطبوع فی البحار ولا فی رسالة المحکم والمتشابه للسید ، وکما عرفت کلاهما واحدٌ .

نعم ، ورد فی تفسیر النعمانی هذه الفقرات ، وهی غیر هذه الروایة : « ... فأمّا ما جاء فی القرآن من ذکر معایش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلک من خمسة اُوجه : وجه الإشارة (والظاهر کونها تصحیف الإمارة) ، ووجه العمارة ، ووجه الإجارة ، ووجه التجارة ، ووجه الصدقات ... »(5) ثمّ شرحها وأنت تری أنّها غیرها .

ص: 19


1- (1) المکاسب 1 / 12 .
2- (2) وسائل الشیعة 12 / 57 _ کتاب التجارة _ الباب 2 من ابواب ما یکتسب به .
3- (3) الحدائق 18 / 70 _ کتاب التجارة _ المقدمة الثالثة .
4- (4) بحار الانوار 90 / (97 _ 1) .
5- (5) بحار الانوار 90 / 46 .

ونقل صاحب الوسائل عن رسالة المحکم والمتشابه للسید عن تفسیر النعمانی هذه الروایة الأخیرة فی کتابه(1) .

الروایة الثانیة :

اشارة

ما ورد فی الفقه المنسوب إلی الإمام علی بن موسی الرضا علیه آلاف التحیة والثناء . ورد فی أوّل باب التجارات والبیوع والمکاسب منه، ونصه : « إعلم _ یرحمک اللّه _ أن کلّ ما مأمور به ممّا هو صلاح للعباد وقوام لهم فی أمورهم ، من وجوه الصلاح الذی لا یقیمهم غیره _ ممّا یأکلون ویشربون ویلبسون وینکحون ویملکون ویستعملون _ فهذا کلّه حلال بیعه وشراؤه وهبته وعاریته ، وکلّ أمر یکون فیه الفساد _ ممّا قد نهی عنه ، مثل : المیتة والدم ولحم الخنزیر والربا وجمیع الفواحش ولحوم السباع والخمر وما أشبه ذلک _ فحرام ضار للجسم وفاسد للنفس»(2) .

أقول : یقع الکلام حول هذه الروایة فی أمرین :

الأمر الأوّل : دلالتها

الظاهر من الحلیة والحرمة فی الروایة أعمّ من التکلیف والوضع یعنی ، إنّهما مطلقان بالنسبة إلی الشرع ولیس فی قبالهما منع من الشارع الأقدس ، ولذا صار أعمَّ من التکلیف والوضع ویشملهما فیستفاد مثلاً من حلیّة البیع صحتها وترتیب آثار الصحة علیه ومن حلیّة الأکل جوازه تکلیفاً . وبهذا البیان یندفع بعض ما استشکل علی الروایة من أن کلامنا فی الحلیّة والحرمة الوضعیة - یعنی الصحة والفساد _ والروایة تدل علی الحلیّة والحرمة التکلیفیة .

ولکن یرد الاشکال من جهتین فی الدلالة :

الأوّلی : الروایة تدل علی حرمة استعمال ما نهی عنه ممّا فیه الفساد بجمیع الاستعمالات حتّی الإمساک ، مع أنّه لم یفت به أحدٌ من الأصحاب ، وکیف یمکن مثلاً الإفتاء

ص: 20


1- (1) وسائل الشیعة 6 / 341 _ کتاب الخمس الباب 2 من ابواب ما یجب فیه الخمس ح 12 .
2- (2) الفقه الرضوی / 250 .

بحرمة إمساک الدم والمیتة ولحوم السباع ونحوها ؟

ولکن یمکن أن یذّب عن هذا الاشکال : بأنّ المقصود من حرمة إمساکه لوجه الفساد ، یعنی بقصد أن یستعمل فی المآل فی الفساد ، فیندفع الاشکال کما قاله بعض الأساتذة فی المقام(1) .

ویمکن أن یناقش فی هذا الذَّب : بأنّ صرف قصد الاستعمال فی الفساد لا یوجب حرمة مطلق الإمساک ، لا سیما ما لم یترتب علیه عمل محَّرم بل بقی فی مرحلة القصد والنیّة . وبالجملة الحرام فی الشریعة فعله لا قصده کما هو واضح . فقصد ارتکاب الفساد بنفسه لا ینقلب حکم الإمساک فی هذه الأمور ، فعاد الاشکال من رأسه .

الثانیة : مقتضی قوله « فحرام ضارّ للجسم وفاسد للنفس» . أنّها علی سبیل الضابطة الکلیّة ، یعنی کلّ ما یضرّ بالجسم ویوجب فساد النفس فهو حرام ، وهذه الضابطة غیر تامة کما هو واضح .

مثلاً : کثیر من المحرّمات _ نحو بعض الملابس والمناکح وأکثر المشارب والمآکل _ لیست ضارة بالجسم ولا توجب فساد النفس .

نعم ، علی مسلک العدلیة کلّ الأحکام لها ملاکات وحِکَم ، ولایکون حکمٌ إلاّ بالملاک الخاصّ به ولکن لیست جمیع هذه الملاکات شخصیّة بل ربّما یکون الملاک إجتماعیّاً أو غیره ، ولکن أین هذا من الاستدلال للمسائل الفقهیة واستنباط الأحکام الکلیّة للمعاملات والتجارات ؟ !

هذا کلّه المناقشة فی دلالة الروایة ، مضافاً إلی أنّ من أمعن النظر فیها یری أنّها مأخوذة من الروایة الأولی علی سبیل الإجمال والاختصار .

الأمر الثانی : سندها

أوّل ظهور هذا الکتاب (الفقه الرضوی) کان فی عصر المجلسیین ، حیث جاء به السید الثقة المحدّث القاضی أمیر حسین علیه الرحمة بعد سنین من مجاورته لبیت اللّه الحرام

ص: 21


1- (1) دراسات فی المکاسب المحرمة 1 / 112 .

علی رسم هدیّة ثمینة إلی المجلسی الأوّل من مکة المکرمة وقال له :« لمّا کنت فی مکة المعظمة ، جاءنی جماعة من أهل قم مع کتاب قدیم ، کتب فی زمان أبی الحسن علی بن موسی الرضا علیه السلام وکان فی مواضع منه بخطه صلوات اللّه وسلامه علیه وکان علی ذلک إجازات جماعة کثیرة من الفضلاء بحیث حصل لی العلم العادی بأنّه تألیفه علیه السلام ، فاستنسخت منه وقابلته مع النسخة »(1) . انتهی کلام القاضی أمیر حسین .

فأخذ المجلسی الأوّل هذه الهدیة الثمینة واستنسخها واستفاد منها فی شرحه الفارسی علی الفقیه ، وهکذا اعتمد علیه نجله العلامة ووزع ما فیها فی بحاره ، والعلامة بحر العلوم أیضاً ذهب إلی صحة هذه النسبة فی فوائده(2) .

ومن الذاهبین إلی صحة هذه النسبة : الشیخ المحدث یوسف البحرانی صاحب الحدائق الناضرة وجعله حجة بنفسه ، ومنهم : المحقق المولی محمّد مهدی النراقی الوالد صاحب اللوامع ، ومنهم : الفاضل الکاشانی شارح المفاتیح ، کما نقل کلّ ذلک عنهم الفاضل النراقی الولد فی عوائده(3) .

فهذا القول الأوّل فی المقام ، أعنی قبول صحة انتساب هذا الکتاب إلی الإمام الرضا علیه السلام . ولکن فی المقام أقوال أُخر نتعرض لبعضها ولبعض مَنْ یقول بها :

القول الثانی : عدم صحة هذا الانتساب وجهالة مؤلّفه ، ذهب إلیه صاحب الوسائل وعدّه من الکتب المجهولة(4) وجدنا الأعلی صاحب هدایة المسترشدین(5) ، وعمّنا الأکرم صاحب الفصول(6) ، وجدنا العلامة صاحب الوقایة حیث یقول فی أحد کتبه الفقهیة المسمی

ص: 22


1- (1) فوائد السید بحر العلوم / 147 ومفاتیح الاصول / 351 ونقل عنهما فی خاتمة مستدرک الوسائل 1 / 231 .
2- (2) فوائد السید بحر العلوم / 145 .
3- (3) عوائد الأیام / 251 .
4- (4) وسائل الشیعة 30 / 160 .
5- (5) قال فی کتابه الفارسی المسمی ب_ « رساله صلاتیه» ص 400 مانصه : « در اعتماد بر آن کتاب (الفقه الرضوی) تأمل است» .
6- (6) الفصول / 313 .

ب_ « نُجعَة المرتاد فی شرح نجاة العباد» : « واعلم أنّ هذا الکتاب (یعنی الفقه المنسوب) عندنا من الوهن بمرتبة لا نرضی أن ینسب إلی مَنْ یعرف واضحات النحو وضروریّات الفقه ، لکثرة ما فیه من الأغلاط الشنیعة والمخالفة لضروریّات مذهب الشیعة»(1) .

وهکذا نقل العلامة السید جواد العاملی فی مفتاح الکرامة(2) عن أستاده السید محمد مهدی بحر العلوم الطباطبائی قدس سره نفی ثبوت الکتاب إلی مولانا الرضا علیه السلام . فالسید بحر العلوم المتوفی سنة 1212 أیضاً من القائلین بهذا القول ، ولعلّه عدل عن القول الأوّل فی مجلس بحثه الشریف .

وابن عمنا آیة اللّه الحاج الشیخ مهدی النجفی رحمه الله المتوفی سنة 1393 ق یقول فی کتابه الأرائک بعد نقل کلام صاحب الوسائل فی نفی هذا الانتساب : « أقول : بل یقرب صحة نفیه عنه علیه السلام ، لکثیر من مضامینه مثل التخییر بین غسل الرجلین والمسح علیهما ، والتفصیل بین حلّیة المتعة للحاضر والمضطر المسافر فلا یجوز للأوّل ، ونفیه کون المعوذتین من القرآن ، وغیر ذلک ، بل ربّما یروی عن بعض الأئمة علیهم السلام بوسائط متعددة ، فالظاهر أنّه من تألیفات بعض العلماء »(3) .

القول الثالث : عدّ روایاته من جملة الأخبار القویّة ، قال السید السند فی المفاتیح :« ... وفی الاعتماد علیه بمجرده إشکال لعدم ثبوت کونه من مولانا الرضا علیه السلام بطریق صحیح ، ولکن لا بأس بأن تعدّ روایاته من الروایات القویّة ، التی ینجبر قصورها بنحو الشهرة ، ... ولکن فی بلوغه درجة الحجیة إشکال ، ولکن لاأقل من عدّه قویّاً وعلیه یمکن جعله مرجِّحاً لأحد الخبرین المتعارضین علی الآخر ... »(4) .

القول الرابع : إنّه بعینه رسالة علی بن بابویه إلی ولده الصدوق المعروف ب_ « شرائع

ص: 23


1- (1) نجعة المرتاد فی شرح نجاة العباد / 415 المطبوع ضمن « میراث حوزه اصفهان» المجلد الأوّل .
2- (2) مفتاح الکرامة 10 / 446 طبع جماعة المدرسین .
3- (3) الأرائک / 172 .
4- (4) مفاتیح الأصول / 351 .

الدین » . وهذا المختار الأوّل للمیرزا عبد اللّه الافندی صاحب ریاض العلماء(1) وأستاذه العلامة المیرزا محمد بن الحسن الشیروانی الشهیر بملاّ میرزا کما نقل عنه تلمیذه فی الریاض(2) . وذهب إلیه العلامة والد السید حسین القزوینی « قدهما» کما نقل عنه فی المستدرک(3) .

القول الخامس : ما ذهب إلیه جدنا من طریق الاُمّ السید محمد باقر حجة الاسلام صاحب « مطالع الانوار » من احتمال کونه کتاب جعفر بن بشیر البجلی الثقة المذکور فی فهرست الشیخ(4) ، أو کتاب محمد بن علی بن الحسین بن زید الشهید المذکور فی رجال النجاشی(5) ، أو کتاب وُرَیْزة بن محمّد الغَسّانی المذکور فی رجال النجاشی(6) ، أو کتاب علی بن مهدی بن صدقة بن هشام بن غالب بن محمد بن علی الرّقی الأنصاری المذکور فی رجال النجاشی(7) . ونقل کلّ ذلک صاحب المستدرک(8) من خطه طاب ثراه . المکتوب علی ظهر نسخة من الکتاب .

القول السادس : أن یکون الکتاب ، کتاب المنقبة المنسوب إلی الإمام الحسن العسکری علیه السلام ، فقد ذکر جماعة من الأصحاب أنّ للإمام العسکری علیه السلام تصنیفاً بهذا الإسم مشتملاً علی أکثر الأحکام ومتضمناً لأغلب مسائل الحلال والحرام ، منهم : ابن شهر آشوب فی المناقب(9) والشیخ علی بن یونس البیاضی العاملی فی الصراط المستقیم علی ما نقل عنه فی

ص: 24


1- (1) ریاض العلماء 6 / 43 .
2- (2) ریاض العلماء 2 / 30 .
3- (3) خاتمة مستدرک الوسائل 1 / 237 .
4- (4) فهرست الشیخ / 43 الرقم 131 .
5- (5) رجال النجاشی / 366 الرقم 922 .
6- (6) رجال النجاشی / 432 الرقم 1163 .
7- (7) رجال النجاشی / 277 الرقم 28 .
8- (8) خاتمة مستدرک الوسائل 1 / 321 .
9- (9) المناقب 4 / 424 : أن له کتاب المقنعة .

خاتمة المستدرک(1) . واحتمل هذا القول العلامة المیرزا محمد هاشم الچهارسوقی الخوانساری فی رسالته الخاصة حول هذا الکتاب(2) .

القول السابع : أنّ الکتاب من مؤلفات بعض أولاد الأئمة علیهم السلام بأمر من الإمام الرضا علیه السلام .

ذهب إلیه الوحید البهبهانی قدس سره ولذا اعتنی به واعتمد علیه غایة الإعتماد .

ونقل ذلک عن الوحید تلمیذه السید حسین القزوینی فی معارج الأحکام(3) .

القول الثامن : أنّه کتاب « التکلیف » لمؤلفه محمد بن علی الشلمغانی المکنی بأبیجعفر ویُعرف بابن أبی العزاقر ، کان متقدماً فی أصحابنا مستقیم الطریقة ، فحمله الحسد لأبی القاسم الحسین بن روح علی ترک المذهب ، وظهرت منه مقالات منکرة ، فتبرأت الشیعة منه وخرجت فیه توقیعات کثیرة من الناحیة المقدسة ، وفی ذی القعدة الحرام عام 322 ضربت عنقه بأمر من الخلیفة الراضی باللّه . ولکن کتاب التکلیف صنّفه أیّام استقامته وکانت الطائفة تعمل به وترویه عنه إلاّ فی موارد عدیدة :

منها : ما روی فی باب الشهادات : أنّه یجوز للرجل أن یشهد لأخیه إذا کان له شاهد واحد من غیر علم . نقل عنه العلامة فی الخلاصة(4) .

ومنها : ما حکی عنه(5) فی تحدید الکر من أنّه : ما لا یتحرک جنباه بطرح حجر فی وسطه .

ومنها : ما نقل عنه(6) من کفایة غَسْل القدمین من المسح حیث قال : « وإن غسلت

ص: 25


1- (1) خاتمة مستدرک الوسائل 1 / 322 .
2- (2) رسالة فی تحقیق حال فقه الرضا علیه السلام للخوانساری / 41 .
3- (3) تحقیقی پیرامون کتاب فقه الرضا علیه السلام / 9 .
4- (4) الخلاصة / 254 .
5- (5) حکاه عنه الشهید فی الذکری (1 / 81) والسید العاملی فی مفتاح الکرامة (1 / 296) .
6- (6) راجع فصل القضا / 265 للسید حسن الصدر الکاظمی قدس سره المطبوع فی مجلة علوم الحدیث ، العدد العاشر .

قدمیک ونسیت المسح علیهما فإن ذلک یجزیک لأنّک قد أتیت بأکثر ما علیک وقد ذکر اللّه الجمیع فی القرآن المسح والغَسْل ، قوله تعالی «أَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَینِ»بفتح اللام أراد به الَغسْل وقوله «أَرْجُلِکُمْ» بکسر اللام أراد به المسح وکلاهما جائزان مرضیان الغَسْل والمسح » .

وأوّل : من ذهب إلی هذا القول العلامة السید حسن الصدر الکاظمی (1272 _ 1354) فی رسالته الخاصة حول هذا الکتاب المسماة ب_ « فصل القضا فی الکتاب المشتهر بفقه الرضا علیه السلام (1) » .

أمّا القول المختار : هو القول الثانی _ یعنی ما ذهب إلیه صاحب الوسائل والسید بحر العلوم علی ما حکی عنه تلمیذه صاحب مفتاح الکرامة وجدنا العلامة التقی صاحب الهدایة وعمّنا الأکرم صاحب الفصول وجدنا العلامة أبی المجد وابن عمّنا الجلیل قدس سرهم وقد مرّت منّا أقوالهم _ من عدم ثبوت صحة نسبة الکتاب إلی الإمام الرضا علیه السلام مع قریب إلی تسعمأة سنة بین تألیف الکتاب یعنی عصر الرضا علیه السلام وظهور الکتاب ، فأین لنا الطریق المعتبر المعتمد علیه فی هذه القرون المتمادیة ؟ وکیف یمکن أن ندخل الکتاب فی الروایات المعتبرة المرویة بطریق ثقات أصحابنا مع فقدان الطریق والراوی ؟ هذا کلّه أولاً .

وثانیاً : علم القاضی أمیر حسین والمجلسیین وبحر العلوم _ علی أحد قولیه _ والشیخ یوسف البحرانی والمولی محمد مهدی النراقی والفاضل الکاشانی قدس سرهم حجة فی حقّهم ولکن لا یفید فی حقّنا شیئاً ، کما هو واضح .

وثالثاً : ما یوجب الریب والوهن فی الکتاب وجود موارد فیه مخالف لمذهب أهل البیت علیهماالسلام :

منها : کفایة الغسل عن المسح ، قال : « وإن غسلت قدمیک ونسیت المسح علیهما فإن ذلک یجزیک لأنک قد أتیت بأکثر ما علیک ... »(2) إلی آخر الکلام الذی مرّ منّا آنفاً من کتاب

ص: 26


1- (1) قد طبعت أخیراً فی مجلة علوم الحدیث ، العدد العاشر / (312 _ 227) بتحقیق ومراجعة العلاّمتین الشیخ رضا الأستادی والسید محمد رضا الحسینی الجلالی دامت برکاتهما .
2- (2) الفقه الرضوی / 79 .

التکلیف للشلمغانی .

ومنها : تحدید الکر قال : « والعلامة فی ذلک أن تأخذ الحجر فترمی به (فی وسطه) فإن بلغت أمواجه من الحجر جنبی الغدیر فهو دون الکر وإن لم یبلغ فهو کر»(1) .

وهذا التحدید قریب من مذهب أبی حنیفة .

ومنها : قوله « وانو عند افتتاح الصلاة ذکر اللّه وذکر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم واجعل واحداً من الأئمة نصب عینیک ... »(2) .

ومنها : قوله « إنّ المعوذتین من الرُّقیة ، لیستا من القرآن ، أدخلوها فی القرآن وقیل : إنّ جبرئیل علیه السلام علّمها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ... وأمّا المعوذتان فلا تقرأهما فی الفرائض ولا بأس فی النوافل»(3) .

أقول : استقر الاجماع من العامة والخاصة علی أنّهما من القرآن ویجوز القراءة بهما فی الفرض والنفل ، ونقل عن ابن مسعود فقط أنّهما لیستا من القرآن .

ومنها : قال بعد تقسیم النکاح إلی أربعة أوجه : « منها : نکاح میراث ، وهو بولی وشاهدین و مهر معلوم _ ما یقع علیه التراضی من قلیل وکثیر _ وأنّه احتیج إلی الشهود ... »(4) .

ومنها : قوله فی باب اللباس وما یکره فیه الصلاة : « ... وکذلک الجلد ، فإن دباغته طهارته »(5) .

ومنها : ما ورد فی باب الشهادة من قوله : « وبلغنی عن العالم علیه السلام أنّه قال : إذا کان لأخیک المؤمن علی رجل حقٌّ فدفعه عنه ولم یکن له من البیّنة إلاّ واحد وکان الشاهد ثقة فسألته عن شهادته فإذا أقامها عندک ، شهدت معه عند الحاکم علی مثال ما شهد ، لئلا یُتْوی

ص: 27


1- (1) الفقه الرضوی / 91 .
2- (2) الفقه الرضوی / 105 .
3- (3) الفقه الرضوی / 113 .
4- (4) الفقه الرضوی / 232 .
5- (5) الفقه الرضوی / 302 .

حقّ امرئ مسلم »(1) .

تنبیه : حول نسخ الکتاب

مَن أمعن النظر حول الکتاب وتاریخه یجدله نسخاً فی التاریخ :

1 _ النسخة القمیّة : التی جاء بها القمیون إلی مکة المکرمة واستنسخها القاضی أمیر حسین قدس سره وجاء بها إلی المجلسی الأوّل قدس سره واستنسخها واعتمد علیها وروّجها ، وقد مرّ ذکرها .

2 _ النسخة الهندیّة : عرّفها السید نعمة اللّه الجزائری قدس سره تلمیذ العلامة المجلسی فی المطلب السادس من مقدمات شرح التهذیب حیث قال :« ... وکم قد رأینا جماعة من العلماء ردّوا علی الفاضلین بعض فتاواهما بعدم الدلیل فرأینا دلائل تلک الفتاوی فی غیر الأصول الأربعة ، خصوصاً کتاب الفقه الرضوی الذی اُتی به من بلاد الهند فی هذه الأعصار إلی اصفهان ، وهو الآن فی خزانة شیخنا المجلسی _ أدام اللّه أیامه _ فإنّه قد اشتمل علی مدارک کثیرة من الأحکام وقد خلت منها هذه الأصول الأربعة وغیرها»(2) .

أقول : لعلّه أشار إلی هذه النسخة الهندیة العلامة المجلسی حیث یقول : « وجدت فی بعض نسخ الفقه الرضوی صلوات اللّه علیه فصولاً فی بیان أفعال الحج وأحکامه ولم یکن فیما وصل إلینا من النسخة المصحّحة التی أوردنا ذکرها فی صدر الکتاب ، فأوردناه فی باب مفرد لیتمیّز عمّا فرّقناه علی الأبواب»(3) .

3 _ النسخة المکیّة : وهی غیر القمیّة التی جاء القمیون بها من قم ، بل هی وجدت فی مکة المکرمة . قال المحقق الخبیر المیرزا عبد اللّه الاصفهانی قدس سره فی ریاض العلماء مانصه : « السید السند الفاضل صدر الدین علی خان المدنی ثم الهندی الحسینی الحسنی ابن الأمیر نظام الدین - ثم ذکر نسبه إلی أحمد بن السکین بن جعفر بن محمّد بن محمّد بن زید الشهید ابن

ص: 28


1- (1) الفقه الرضوی / 308 .
2- (2) نقل عنه صاحب المستدرک فی الخاتمة 1 / 251 .
3- (3) بحار الأنوار 96 / 333 .

علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام _ إلی أن قال : ثمّ اعلم أنّ احمد السکین ، وقد یقال : أحمد بن السکین هذا الذی قد کان فی عهد مولانا الرضا صلوات اللّه علیه ، وکان مقرّباً عنده فی الغایة ، وقد کتب الرضا علیه السلام لأجله کتاب فقه الرضا علیه السلام ، وهذا الکتاب بخط الرضا علیه السلام موجود فی الطائف بمکة المعظمة ، فی جملة کتب السید علی خان المذکور ، التی بقیت فی بلاد مکّة وهذه النسخة بالخط الکوفی وتاریخها سنة مائتین من الهجرة وعلیها اجازات العلماء وخطوطهم ، وقد ذکر الأمیر غیاث الدین _ [وهو من أجداد السید علی خان ] _ أیضاً فی بعض إجازاته بخطه هذه النسخة ، ثم أجاز هذا الکتاب لبعض الأفاضل ، وتلک الاجازة بخطه أیضاً موجودة فی جملة کتب السید علی خان عند أولاده بشیراز »(1) .

أقول : إن هذه النسخة المکیّة لو وجدت بالکیفیة المنقولة فی کلام صاحب الریاض لابدّ أن ینظر فیها بالدقة ، ویمکن أن ینقلب الرأی والنظر بعد رؤیتها کما هو واضح ولکن لم تصل إلینا ولم نعرف عنها شیئاً إلاّ ماذکروه ، فدون وجودها وثبوتها ووصولها إلینا خرط القتاد .

وما قاله بعض الأساتذة مد ظله العالی(2) : من أنّ السید بحر العلوم یشهد بأنّها عین فقه الرضا الموجود عندنا . غیر تام ، لأن السید رحمه الله یشهد برؤیة النسخة الموجودة فی مکتبة الخزانة الرضویة علی صاحبها آلاف التحیّة والسلام ، ونقل العبارة الموجودة فی ختام هذه النسخة علی ید کاتبها ، والنسخة الرضویة اتفق الفراغ من تسویدها فی یوم الأحد رابع عشر شهر محرم سنة ألف وخمسین (سنة 1050) فی المشهد الرضوی علی ید العبد الضعیف المحتاج إلی رحمة اللّه الملک المهیمن محمد مؤمن بن حاجی مظفر علی الخطیب الاسفراینی .

وأنت تری أنّها کتبت بعد سنة الألف . فلا یفیدنا شیئاً فی المقام .

نعم ، کتب کاتبها فی آخر النسخة عبارةً من تلقاء نفسه بالفارسیة وعرّبها السید بحر العلوم قدس سره فی فوائده ونقلها عنه علی ماهی علیه وهذه العبارة موجبة للقول بشهادته قدس سره انّ

ص: 29


1- (1) ریاض العلماء 3 / 363 ونقل عنه فی خاتمة مستدرک الوسائل 1 / 241 .
2- (2) دراسات فی المکاسب المحرمة 1 / 119 .

النسخة المکیّة عین الفقه الرضوی الموجود ، ولذا نقلت هذه العبارة الفارسیة بعینها حتی یمعن القارئ النظر فیها بالدّقة لیظهر له صحة کلامنا .

کتب الناسخ المذکور آنفاً فی آخر النسخة الرضویة بالفارسیة مانصه : « این کتابیست که حضرت إمام الجن والإنس سلطان أبی الحسن علی بن موسی الرضا علیه التحیّه والثناء از جهت محمد بن السکین تصنیف نموده بوده اند واصل بخط مبارک حضرت در مکه است ، وحضرت مغفرت پناه مولانا میرزا محمد محدّث از خط شریف حضر [ ت ] که بکوفی بوده بعربی انتقال نموده اند »(1) .

ثم أنت تری هذا البیان من هذا الکاتب لا یفیدنا فی المقام شیئاً ولا یدل علی رؤیة النسخة المکیّة لا مِنْ قِبَلِه ولا مِنْ قِبَلِ غیره .

ثم إنّ هنا یقع المعارضة بین النقلین بأنّ الکتاب کتب لأجل محمد بن السکین أو أحمد بن السکین .

محمد بن السکین الوارد فی الرجال هو ابن عمار النجفی الجمّال ، ثقة له کتاب ، روی أبوه عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، ذکره النجاشی(2) والشیخ فی الفهرست(3) . وروی هو بواسطتین(4) وبواسطة(5) عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الکافی الشریف .

قال فی قاموس الرجال :« هذا ، ووصفه النجاشی بالجمّال ولکن فی نوادر بعد کراهة ورهبانیّة نکاحه عن محمد بن سکین الحناط(6) وفی النجاشی فی ترجمة نوح بن درّاج قال : « قال محمد بن سکین : دعانی نوح بن درّاج إلی هذا الأمر » ویروی عن نوح فی مَثَل السلاح ... فإنّه نقل روایة الحسن بن عتبة بن عبد الرحمن الکندی عنه فی فهرست الشیخ فی ترجمة

ص: 30


1- (1) طبعت هذه الورقة من النسخة فی الفقه الرضوی / 64 .
2- (2) رجال النجاشی / 361 الرقم 969 .
3- (3) الفهرست / 151 الرقم 644 .
4- (4) الکافی 1 / 238 باب مَثَل سلاح رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .
5- (5) الکافی 7 / 88 باب میراث ولد الولد .
6- (6) الکافی 5 / 497 .

معاویة بن عمار »(1) .

وأمّا أحمد بن السکین العلوی المذکور فی کلام المیرزا عبد اللّه الأفندی الأصفهانی بنحو « قد یقال » فهو مهمل فی الرجال . نعم : ورد ذکره وذکر أولاده فی بعض کتب الأنساب نحو عمدة الطالب(2) لابن عنبة و الشجرة المبارکة(3) للفخر الرازی ومعالم أنساب الطالبیین(4) للدکتور عبد الجواد الکلیدار .

وبالجملة ، الفقه الرضوی الموجود بأیدینا لم یثبت صحة انتسابه إلی الإمام الهمام علی بن موسی الرضا علیه آلاف التحیة والثناء کما علیه أصحاب الوسائل والمصابیح والهدایة والفصول والوقایة والأرائک أعلی اللّه مقامهم .

ولکن حیث دیدننا قبول الروایات لاردّها ، لا بدّ لنا من المعاملة مع روایاتها ومتنها ، معاملة المراسیل فَتصلح للتأیید والتأکید فقط . والحمد للّه ربّ العالمین .

الروایة الثالثة :

اشارة

ما رواها القاضی النعمان المصری رفعه عن الصادق علیه السلام أنه قال : « الحلال من البیوع کلّ ما هو حلال من المأکول والمشروب وغیر ذلک ممّا هو قوام للناس وصلاح مباح لهم الانتفاع به ، وما کان محرّماً أصله منهیّاً عنه لم یجز بیعه ولا شراؤه»(5) .

أقول : یقع الکلام عن هذه الروایة فی مقامین :

المقام الأوّل : دلالتها

الروایة تدل بفقرة « وما کان محرّماً أصله منهیّاً عنه لم یجز بیعه ولا شراؤه » ، تدل علی حرمة بیع الأشیاء التی تعلق بها التحریم من جهة ما ، مع أنّه لیس بحرام قطعاً لا وضعاً ولا

ص: 31


1- (1) قاموس الرجال 9 / 291 الرقم 6774 .
2- (2) عمدة الطالب / 276 و 279 .
3- (3) الشجرة المبارکة / 139 و 140 .
4- (4) معالم أنساب الطالبین / 216 و 217 .
5- (5) دعائم الاسلام 2 / 18 ح 23 .

تکلیفاً . هذا هو الإشکال العمدة فی دلالتها .

ویمکن أن یذبّ عن الاشکال بأنّ المراد من هذه الفقرة : ما کان متمحّضاً فی الفساد ، وأنّ لفظة « ما کان محرّماً » بنحو الإطلاق منصرفة إلی الأشیاء التی کانت متمحضةً فی الفساد .

وأمّا الإشکال فی الروایة من أنّ ظاهرها الحلّیّة والحرمة التکلیفیان والکلام هنا فی الوضعیین ، فقد مرّ الجواب عنها فی الأبحاث الماضیة ، بأنّ الحلیة والحرمة فی الکتاب والسنة ، وهذه الروایات أعمٌ من الوضعیة والتکلیفیة وتشملهما . والمراد بالحلّیّة هنا أطلاق الشیء من ناحیة الشرع والمراد بالحرمة محدودیّته من ناحیة الشرع ، وإطلاق کلّ شیء ومحدودیّته بحسب کلّ شیء یختلف : فتارة ینتج الوضع ، وتارة ینتج التکلیف . وهذا امرٌ مهمٌ لابدّ أن ینظر فیه بالدقة ویترتب علیه فروع کثیرة ، وهذا مبنانا فی الأدلة الفقهیة .

المقام الثانی : سندها

نقل هذه الروایة مرسلة القاضی أبو حنیفة النعمان بن محمد بن منصور المصری الشیعی فی کتابه « دعائم الإسلام» الذی کان کتابه هذا علی نحو القانون الرسمی والدستور من زمن تألیفه إلی نهایة الحکومة الفاطمیة ، والقاضی النعمان توفّی بالقاهرة سنة 363 وصلّی علیه الخلیفة الفاطمی المعزّ لدین اللّه .

والإشکال فی سند الروایة إرسالها ، لعدم ذکر الطریق المعتبر من القاضی إلی الإمام الصادق علیه السلام ، فالروایة تدخل فی المراسیل ، فلا تصلح إلاّ للتأیید ولا للتأکید .

وأمّا جلالة مقام القاضی النعمان وفضله وعلمه ونبله وفقهه ونحو ذلک کلّه لا یفیدنا فی المقام شیئاً . کما أنّ الخلاف فی مذهبه من کونه إمامیاً أو اسماعیلیاً بعد استبصاره من المذهب المالکی أیضاً لا یهمّنا ، لأنّ ابن شهر آشوب المتوفی عام 588 نفی کونه إمامیّاً وقال : « ابن فیاض القاضی النعمان بن محمد ، لیس بإمامی وکتبه حسان»(1) ثم ذکر بعض کتبه ، وتبعه صاحب الروضات قدس سره (2) .

ص: 32


1- (1) معالم العلماء / 126 الرقم 853 .
2- (2) روضات الجنات 8 / 149 الرقم 725 .

ولکن کثیراً من الأصحاب ذهبوا إلی کون الرجل إمامیاً وکان فی الدولة الفاطمیة فی مقام التقیة ، واستدلوا علی ذلک بوجوه ، قد استقصی الکلام فیها المحدث النوری قدس سره فی خاتمة مستدرک الوسائل(1) ، فراجعها إن شئت .

وقال العلامة الجد ، الفقیه علی التحقیق آیة اللّه أبی المجد الشیخ محمد الرضا النجفی الإصفهانی قدس سره فی کتابه « نُجعَة المرتاد فی شرح نجاة العباد» فی شأن المؤلَّف والمؤلِّف ما نصه : « وکتاب الدعائم من أصح الکتب و أتقنها وأخبارها لا تقصر عن مراسیل الکافی بل تزید علی أخبار الکافی فی إتقان ضبط ألفاظ الروایات ، وکم من روایة معضلة مضطربة المتن فی الکافی زال عنها الإعضال بمراجعة الدعائم وتحقّق بذلک عندنا صحة ما حدس به بعض مشایخنا _ دام ظله _ من أنّ نسخ الأصول التی کانت عند القاضی کانت أصح من التی کانت عند ثقة الإسلام . وأمّا جلالة قدر مولِّفه وکونه من أعاظم الطائفة فهو أمرٌ لا ریب فیه ، ومن أراد التفصیل فلیرجع إلی ما ذکره شیخنا قدس سره فی مستدرک الوسائل »(2) .

قال المؤلف : ببالی أننی قد سمعتُ مکرراً مِنْ بعض أساتذتنا _ مد ظله _ فی مجلس بحثه الشریف من رفع الإعضال والإضطراب وربّما حتّی التعارض بین الروایات بمراجعة کتاب الدعائم لما فی روایاته من قرائن أو نکات ترفع جمیع ذلک .

والعمدة فی المقام ورود فروع کثیرة فی کتاب دعائم الإسلام مخالفة لمذهب أهل البیت علیهم السلام ، فلنذکر لک بعضها علی سبیل المثال :

منها : جعله کلّ واحد من المذی والدود والحیات وحب القرع والدم والقیح الخارج من أحد المخرجین ناقضاً للوضوء(3) .

ومنها : قوله فی الوضوء : « ولا ینبغی أن یتعمد البدء بالمیاسر ، وإن جهل ذلک أو نسیه حتی صلّی لم تفسد صلاته »(4) .

ص: 33


1- (1) خاتمة مستدرک الوسائل 1 / (162 _ 128) .
2- (2) نجعة المرتاد فی شرح نجاة العباد / 414 . المطبوع ضمن میراث حوزة اصفهان _ المجلّد الأوّل .
3- (3) دعائم الاسلام 1 / 101 و 102 .
4- (4) المصدر 1 / 107 .

ومنها قوله فی مسح الرأس : « ثم أمروا بمسح الرأس مقبلاً ومدبراً ، یبدأ من وسط رأسه فیمرّ یدیه جمیعاً علی ما أقبل من الشعر إلی منقطعه من الجبهة ، ثم یردّ یدیه من وسط الرأس إلی آخر الشعر من القفا ، ویمسح مع ذلک الاُذنین ظاهرهما وباطنهما ویمسح عنقه»(1) .

ومنها : قوله فی الرجلین : « ومن غسل رجلیه تنظّفاً ومبالغة فی الوضوء لابتغاء الفضل وخلّل أصابعه فقد أحسن»(2) .

ومنها : قوله فی مسجد الجبهة : « وکلّ ما یجوز لباسه والصلاة فیه یجوز السجود علیه ، والکفان والقدمان والرکبتان من المساجد ، فإذا لباس ثوب الصوف والصلاة فیه فذلک ممّا یسجد علیه ، وکذلک یجزی السجود بالوجه علیه»(3) .

ومنها : إنکاره مشروعیة المتعة وقوله فیها : « هذا زناً ، وما یفعل هذا إلاّ فاجر»(4) .

أقول : أمثال هذه الفتاوی الموجودة فی کتابه یوجب خروجه عن الصحة والإعتماد علیه . ولکن حیث مخالفة جمیعها للمذهب واضحة ، یمکن حمل صدورها منه علی التقیة التی ابتلی بها . واللّه سبحانه هو العالم .

الروایة الرابعة :

النبوی المشهور : إنّ اللّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه .

أقول : رواها الشیخ مرسلاً فی الخلاف(5) واستدلّ بها لعدم جواز بیع المسوخ وسرجین مالا یؤکل لحمه .

ولم یرد ذکره فی کتب أصحابنا ، نعم ذکرها العلامة المجلسی نقلاً عن خط الشیخ محمد بن علی الجباعی رحمه الله عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : إذا حرّم اللّه شیئاً حرّم ثمنه(6) .

ص: 34


1- (1) المصدر 1 / 108 .
2- (2) المصدر 1 / 108 .
3- (3) المصدر 1 / 178 .
4- (4) المصدر 2 / 229 .
5- (5) الخلاف 3 / 184 و 185 .
6- (6) بحار الأنوار 100 / 55 ح 29 .

والمحدث النوری نقله من عوالی اللآلی مرفوعاً عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : لعن اللّه الیهود ، حرّمت علیهم الشحوم فباعوها وأکلوا ثمنها [ أثمانها ] ، وإنّ اللّه تعالی اذا حرّم علی قوم أکل شیءٍ ، حرّم علیهم ثمنه(1) .

فالروایة عامیّة وورد فیها ذکر کلمة الأکل فی أکثر روایاتهم :

منها : ما فی سنن أبی داود بسنده عن ابن عباس قال : رأیت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم جالساً عند الرکن ، قال : فرفع بصره إلی السماء فضحک فقال : لعن اللّه الیهود _ ثلاثاً _ إنّ اللّه تعالی حرّم علیهم الشحوم فباعوها وأکلوا أثمانها ، وإنّ اللّه _ تعالی _ إذا حرّم علی قوم أکل شیءٍ حرّم علیهم ثمنه»(2) .

ورواها أحمد فی مسنده(3) والبیهقی فی سننه(4) بسندهما عن ابن عباس .

نعم ، رواها أحمد فی موضع آخر من المسند(5) بدون کلمة « الأکل» .

وبالجملة حیث لم یثبت فی روایاتهم الروایة بدون کلمة الأکل ، فلا یفید فی المقام شیئاً ، ولا ینتج لنا قاعدة کلّیة فی المعاملات .

وعلی فرض عدم وجود کلمة « الأکل » فی الروایة أیضاً ، لا یمکن الأخذ بعموم الروایة ، وعمومها متروک عند الفریقین ، فإنّ کثیراً من الأشیاء یحرم أکله ولا یحرم بیعه ، کما هو واضح .

هذا کلّه فی دلالة الروایة وقد عرفت من مطاوی کلامنا کیفیة سندها وأنّها مرسلة عامیّة فلا یمکن الإستدلال بها .

فتحصّل إلی هنا عدم إنتاج شیء من الروایات الأربعة التی ذکرها الشیخ فی المقام ، فلابدّ فی کلّ مسألة من ملاحظة دلیلها الخاص أو الرجوع إلی الإطلاقات والعمومات الواردة فی الآیات الشریفة الماضیة من صحة العقود والبیوع والمعاملات . والحمد للّه ربّ العالمین .

ص: 35


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 73 ح 8 _ عوالی اللآلی 1 / 181 ح 240 .
2- (2) سنن أبی داود 2 / 251 _ کتاب الاجارة .
3- (3) مسند أحمد 1 / 247 و 293 .
4- (4) سنن البیهقی 6 / 13 .
5- (5) مسند أحمد 1 / 322 .

تنبیهٌ :

قال الشیخ : « ... مع إمکان التمثیل للمستحب بمثل الزراعة والرعی ممّا ندب إلیه الشرع وللواجب بالصناعة الواجبة کفایة خصوصاً إذا تعذّر قیام الغیر به فتأمل»(1) .

أقول : صرّح باستحباب الزراعة العلاّمة فی التذکرة حیث یقول : « لا بأس بالزراعة بل هی مستحبة »(2) ثم ذکر روایتین لاستحبابها ، وراجع فی أخبار فصل الزراعة والغرس إلی الکافی 5 / 260 وبحار الأنوار 100 / 63 ووسائل الشیعة 17 / 41 الباب 10 من مقدمات التجارة ومستدرک الوسائل 13 / 26 .

ومن نظر إلی هذه الروایات یجد الأمر والحثّ علی الزراعة والحرث ، وإن ذهب أحدٌ إلی القول باستحبابه شرعاً - کما لا یبعد لتواتر روایاته إجمالاً - فلا فرق حینئذ بین الاکتساب بهما ونفس العمل ، لأنّ المتبادر والشایع نفس الزراعة والإکتساب بها وخروج هذا الفرد الشایع من تحت هذه الروایات مشکل . وبالجملة ، بنظری القاصر إطلاق الروایات تشمل صورة الاکتساب بل هی الفرد الشایع الغالب ، فلا وجه لخروجها . فیمکن القول باستحباب الزراعة والحرث حتّی علی وجه الاکتساب بهما .

ویمکن التمثیل بالتجارة بدلاً من الرعی فی کلام الشیخ لکثرة الروایات الواردة فیها . وحمل التجارة علی صورة عدم الإکتساب حمل علی الفرد النادر کما لا یخفی .

وأمّا الإتیان بالصناعة الواجبة کفایة مع عدم قیام الغیر بها ، إن قلنا بوجوبه لإختلال النظام بترکها کما هو الصحیح ، ثم ذهبنا إلی خروج صورة الاکتساب بهذه الصنایع من تحت هذا الوجوب ، لعلّ نفس هذا الخروج یوجب ترک الناس القیام بهذه الأمور ، فصار هذا موجباً لإختلال النظام . وبالجملة إن ذهبنا إلی القول بالوجوب الکفائی بهذه الصنایع ، فلا فرق بین صورة الاکتساب بها وبین الإتیان بها مجاناً ، لأنّ الناس لا یأتون بها إلاّ لغرض التکسب بها ، کما هو واضح . وحیث کان هذا دیدن الناس فنفس ترک هذا یوجب اختلال النظام ، والبرهان باطلاقه یشمل صورة الاکتساب أیضاً . وعلی هذا لا وجه للإشکال علی الشیخ قدس سره بهذه الأمثلة الواردة ، وهکذا لا وجه للأمر بالتأمل فی کلامه قدس سره ظاهراً . والحمد للّه ربّ العالمین .

ص: 36


1- (1) المکاسب 1 / 13 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 12 / 189 مسألة 695 .

معنی حرمة الاکتساب تکلیفاً

اشارة

قال الشیخ :« ومعنی حرمة الاکتساب حرمة النقل والانتقال بقصد ترتّب الأثر المحرَّم ، وأمّا حرمة أکل المال فی مقابلها فهو متفرّع علی فساد البیع ، لأنّه مال الغیر وقع فی یده بلا سبب شرعیّ وإن قلنا بعدم التحریم ، لأنّ ظاهر أدلّة تحریم بیع مثل الخمر منصرف إلی ما لو أراد ترتیب الآثار المحرَّمة ، أمّا لو قصد الأثر المحلَّل فلا دلیل علی تحریم المعاملة إلاّ من حیث التشریع »(1) .

1 _ أقول :

هذا أحد الأقوال فی المسألة ، وهو مختار الشیخ ویرد علیه :

أولاً : تقیید دلیل حرمة البیع بالقصد المذکور لا موجب له بعد إطلاق الدلیل . ودعوی الإنصراف هنا جزافیة . والإلتزام بمثل هذه الانصرافات یستدعی تأسیس فقه جدید .

وثانیاً : ولو سلمنا هذا الإنصراف فی التکلیف ، لماذا لا نقول به فی الوضع أیضاً لا سیما بعد التزام الشیخ بجعل الأحکام الوضعیة منتزعاً من الأحکام التکلیفیة لا مستقلاً . یعنی قلنا بفساد المعاملة مع قصد ترتّب الأثر المحرَّم ، ومقتضی ذلک جواز بیع الخمر للتخلیل ونحوه .

وثالثاً : وأمّا التشریع المذکور فی آخر کلام الشیخ أیضاً ففی غیر محلّه ، لأنّ التشریع إنّما یصدق إذا أتی بالمعاملة بقصد أن یکون صحیحاً فی الشرع ومع هذه النسبة إلی الشریعة . ونوع المتعاملین غافلون عن هذه القصود والنِسَب .

2 _ القول الثانی :

ما ذکره المحقق النائینی(2) : من أنّ الحرمة المتعلقة بالمعاملة - یعنی حرمة تبدیل المال أو المنفعة [کما أن تعریف المعاملة یعنی : تبدیل طرف الإضافة بطرف إضافة اُخری الذی ینقسم إلی تبدیل الأعیان بالأموال أو المنافع بها] - لا حرمة إنشاء المعاملة ولا حرمة آثارها کالتصرف فی الثمن والمثمن ولا قصد ترتب الأثر علیها . وبعبارة أخری : نفس المُنْشأ بالعقد

ص: 37


1- (1) المکاسب 1 / 13 .
2- (2) منیة الطالب 1 / 17 .

الذی هو أمرٌ إعتباری وفعل إیجادی من المنشی ء هو المحرَّم ، لا آلة الایجاد وهو التلفظ ولا القصد ولا الآثار .

وفیه : ظاهر أدلة التحریم إلی فعل المکلف وجریه بلغ إلی نفس المُنْشَأ وتبدیل طرفی الإضافة وتبدیل المال والمنفعة مشکل جداً .

3 _ القول الثالث :

ما ذهب إلیه المحقق الإیروانی حیث قال : « بل معنی حرمة الاکتساب هو حرمة إنشاء النقل والإنتقال بقصد ترتیب أثر المعاملة ، أعنی التسلیم والتسلّم للمبیع وهو الثمن ، فلو خلّی عن هذا القصد لم یتّصف الإنشاء الساذج بالحرمة »(1) .

وفیه : عدم وجود الدلیل علی هذا التقیید یعنی قصد ترتیب أثر المعاملة فی الأدلة ، اللّهم إلاّ أن یقال : بعدم تحقق المعاملة الجدّیّة لو لم یقصدوا ترتیب آثار المعاملة ، فصار عملهم لغواً وصوریّاً .

بعبارة أُخری : الأدلة الواردة فی المقام مطلق ، فلو کان مراده قدس سره تقیید الأدلة بهذا الأمر خارجاً بنحو القید الخارجی فلا یتمّ کلامه ، وإن کان مراده عدم تحقق المعاملة الجدّیّة مع عدم قصد ترتب الآثار وعدم صدق المعاملة علیه فلا یبعد ما ذکره قدس سره .

4 _ القول الرابع :

ما اختاره المحقق الخمینی(2) قدس سره من أنّ المحرَّم علی فرض ثبوته هو المعاملة العقلائیة ، أی إنشاء السبب جدّاً لغرض التسبیب إلی النقل والإنتقال ، لا النقل والإنتقال ، ولا هو بقصد ترتب الأثر ، ولا تبدیل المال أو المنفعة .

أقول : إن کان مراده من المعاملة العقلائیة نفس المعاملة العرفیة وکان الغرض فی نفس المعاملة بعنوان صدق کون المعاملة الجدیّة من دون أن یکون الغرض جزءً للموضوع فهو ، وإلاّ إذا اعتبر بعنوان القید الخارجی أو جزءً للموضوع دون إثباته خرط القتاد ، لعدم وجود الدلیل علیه وإطلاق الأدلة فی المقام ینفیه .

ص: 38


1- (1) حاشیة المکاسب / 3 _ (1 / 21 من الطبعة الحدیثة) .
2- (2) المکاسب المحرمة 1 / 4 و 5 .

5 _ القول الخامس :

المراد من حرمة البیع ، حرمة إیجاده بقصد ترتب إمضاء العرف والشرع علیه بحیث لا یکفی مجرد صدوره من البایع خالیاً عن ذلک القصد(1) .

وفیه : قد مرّ منا أنّ الأدلة فی المقام مطلقة ولم یکن فی البین ما یوجب تقییدها ، فلا وجه لهذا التقیید ، ومن هنا لو باع الخمر مثلاً مع علمه بکونه منهیّاً عنه فقد ارتکب محرَّماً وإن کان غافلاً عن قصد ترتب إمضاء الشرع والعرف علیه ، فإنّه لا دلیل علی دخالة قصد إمضائهما فی حرمة بیع الخمر .

6 _ القول السادس :

ما ذکره المحقق الخوئی بقوله قدس سره :« إنّ ما یکون موضوعاً لحلیّة البیع بعینه یکون موضوعاً لحرمته . بیان ذلک : أنّ البیع لیس عبارة عن الإنشاء الساذج ، سواء کان الإنشاء بمعنی إیجاد المعنی باللفظ _ کما هو المعروف بین الأصولیین _ أم کان بمعنی إظهار ما فی النفس من الإعتبار کما هو المختار عندنا ، وإلاّ لزم تحقق البیع بلفظ « بعتُ » خالیاً عن القصد ، ولا أنّ البیع عبارة عن مجرد الإعتبار النفسانی من دون أن یکون له مُظْهِرٌ وإلاّ لزم صدق البایع علی من اعتبر ملکیة ماله لشخص آخر فی مقابل الثمن وإن لم یظهرها بمُظْهِر ، کما یلزم حصول ملکیّة ذلک المال للمشتری بذاک الإعتبار الساذج الخالی من المُبْزِر ، بل حقیقة البیع عبارة عن المجموع المرکب من ذلک الإعتبار النفسانی مع إظهاره بمُبْرِز خارجی ، سواء تعلق به الإمضاء من الشرع والعرف أم لم یتعلق ، بل سواء کان فی العالَم شرع وعُرْف أم لم یکن »(2) .

وفیه : الظاهر وجود التنافی بین صدر کلامه وذیله ، لأنه قدس سره نفی فی صدر کلامه کون البیع بمعنی الإنشاء الساذج ، ولکن اختاره فی ذیل کلامه قدس سره علی مختاره فی بحث الإنشاء ، حیث یقول : حقیقة البیع عبارة عن المجموع المرکب من ذلک الإعتبار النفسانی مع إظهاره بمبرز خارجی . وحیث کان مسلکه فی بحث الإنشاء هو الاعتبار مع الإظهار ، صار هذا المعنی علی مسلکه نفس الإنشاء الساذج . وبالجملة اختار فی الذیل ما نفاه فی الصدر ، فتأمل .

ص: 39


1- (1) حکاه المحقق الخوئی قدس سره فی مصباح الفقاهة 1 / 29 .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 30 .

نعم ، بناءً علی مسلک المشهور فی باب الإنشاء لم یرد هذا الاشکال .

ولکن ما ذکره قدس سره من أن ما یکون موضوعاً لحلیّة البیع بعینه یکون موضوعاً لحرمته فهو متین صحیح جداً .

والمختار فی المقام أن نقول : إن الحرمة والحلیّة التکلیفیتان تتعلقان بفعل المکلّفین ، والذی یصدر من المکلف فی المعاملات هو الإنشاء لها بالقول أو الفعل ، نعم لا یصدق علیه المعاملة عرفاً إلاّ إذا کان ناشئاً عن قصد جدّی ، وهذا القصد داخل فی صدق المعاملة لا أنّه کان قیداً خارجیّاً کما مرّ منّا .

معنی حرمة الإکتساب وضعاً

الحرمة الوضعیة فی العقود عبارة عن فساد المعاملة وبطلانها بحیث لا یترتب علیها أثر من الآثار وأنّ الفاسد والباطل عندنا وعند العامة غیر الحنفیة واحدٌ . یعنی کلّ باطلٍ فاسدٌ وکلّ فاسدٍ باطلٌ . وأمّا الحنفیة فرّقوا بینهما ولا یهمّنا البحث فی قولهم .

ص: 40

النوع الأوّل : الاکتساب بالأعیان النجسة

اشارة

ص: 41

ص: 42

قال الشیخ : « وکیف کان فالإکتساب المحرَّم أنواع نذکر کلاًّ منها فی طیّ مسائل : النوع الأوّل : الإکتساب بالأعیان النجسة عدا ما استثنی ، وفیه ثمان مسائل »(1) :

الأولی : یحرم المعاوضة علی بول غیر مأکول اللحم

اشارة

ذهب إلی بطلان بیع أبوال ما لایؤکل لحمه المفید فی المقنعة(2) والشیخ فی النهایة(3) والمبسوط(4) والسلار فی المراسم(5) والمحقق فی الشرایع(6) والعلامة فی القواعد(7) والشهید فی المسالک(8) والنراقی فی المستند(9) وغیرهم فی غیرها .

وهذا هو المشهور بین الأصحاب بل کاد أن یکون إجماعاً .

لکن حیث استدلوا للمقام باُمورٍ لا تکشف إجماعهم علی فرض ثبوته عن قول الإمام علیه السلام فلابدّ من ملاحظة الأدلة ، فنقول :

استدلوا علی بطلان بیع أبوال غیر مأکول اللحم بعدّةٍ من الوجوه :

(منها) حرمته : حرمة شرب أبوال ما لا یؤکل لحمه واضح ولکن کیف یمکن إثبات

ص: 43


1- (1) المکاسب 1 / 15 و 14 .
2- (2) المقنعة / 587 .
3- (3) النهایة / 364 .
4- (4) المبسوط 2 / 165 .
5- (5) المراسم المطبوع ضمن الجوامع الفقهیة / 585 (المراسم / 170 من الطبعة الحدیثة) .
6- (6) شرایع الإسلام 2 / 3 .
7- (7) قواعد الأحکام 1 / 120 .
8- (8) المسالک 1 / 164 _ (3 / 121 من الطبعة الحدیثة) .
9- (9) مستند الشیعة 2 / 334 _ (14 / 82 من الطبعة الحدیثة) .

حرمة شربه ، بطلان بیعه ؟ !

(ومنها) نجاسته : نجاسة هذه الأبوال أیضاً ظاهرة ولکن لایمکن ثبوت بطلان البیع بواسطة النجاسة إلاّ علی القول ببطلان معاملة کلّ نجس ، ویأتی منّا الکلام فیها مفصلاً إن شاء اللّه تعالی ونذکر بطلان هذه القاعدة ونثبت لک بأن النجاسة لا یمکن أن تکون مانعةً للبیع وصحته .

(ومنها) عدم الإنتفاع به منفعةً محلّلةً مقصودةً : ولو فرض فی هذه الأعصار وجود منفعة محلّلة بالنسبة إلی هذه الأبوال ولو باستعمال المکائن الحدیثة والوسائل الجدیدة ، فصارت ذات منفعة عقلائیة مقصودة ، وخرجت من تحت هذا الدلیل .

وبالجملة ، لو فرض وجود منفعة عقلائیة لهذه الأبوال فیجوز بیعها ، والأدلة القائمة علی عدم صحة بیعها کلّها علیلة . والإجماع المدعی علی فرض ثبوته فهو مدرکی لا یثبت لنا شیئاً .

ثم تعرض الشیخ للفرعین(1) :

الفرع الأوّل : بیع أبوال ما یؤکل لحمه

هل یجوز بیع أبوال ما یؤکل لحمه ؟ وفرّع المسألة علی جواز شربه وعدمه . ولکن لم ینحصر منفعته للشرب فقط ولذا لم یکن هذا التفریع وجیهاً ، وحیث ذهبنا إلی جواز بیع أبوال ما لایؤکل لحمه إذا کانت فیها منفعة محلّلة عقلائیة ، جواز البیع هنا أقوی وأظهر لعدم نجاسته بل لجواز شربه مطلقاً عندنا ، فمسألة صحة بیع أبوال ما یؤکل لحمه واضحة کما علیه المشهور ، وأمّا جواز شرب هذه الأبوال لا ینحصر فی صورة التداوی بل یجوز شربه مطلقاً ، وتدل علیه عدّة من الروایات :

منها : خبر أبی البختری عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام : أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : لا بأس ببول ما أکل لحمه(2) .

ص: 44


1- (1) راجع المکاسب 1 / 21 و 17 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 114 ح 2 .

ومنها : موثقة عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کلّ ما أکل لحمه فلا بأس بما یخرج منه(1) .

ومنها : خبر أبی صالح عجلان المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قدم علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قوم من بنی ضبّة مرضی ، فقال لهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أقیموا عندی فإذا برئتم بعثتکم فی سرّیة ، فقالوا : أخرجنا من المدینة ، فبعث بهم إلی إبل الصدقة یشربون من أبوالها ویأکلون من ألبانها ، فلمّا برئوا واشتدُّوا قتلوا ثلاثة ممّن کان فی الإبل ، فبلغ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخبر ، فبعث إلیهم علیّاً علیه السلام وهم فی واد تحیّروا لیس یقدرون أن یخرجوا منه _ قریباً من أرض الیمن _ فأسرهم وجاء بهم إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فنزلت هذه الآیة «إِنَّمَا جَزَاء الَّذِینَ یُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَیَسْعَوْنَ فِی الأَرْضِ فَسَاداً أَن یُقَتَّلُواْ أَوْ یُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَیْدِیهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ یُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ»(2) فاختار رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم القطع ، فقطع أیدیهم وأرجلهم من خلاف(3) .

بتقریب : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أرسل إلیهم إبل الصدقة حتّی أنّهم لیشربوا من أبوالها ، والقوم وإن کانوا مرضی ولکن یمکن أن یکون فیهم عدّة أشخاص لم یکونوا مرضی ویصح إطلاق المرضی علی قوم کان أکثر هم مرضی ، ولم یقید رسول اللّه جواز شرب بول الإبل للمرضی منهم خاصةً ، وهکذا لم یقید جواز الشرب بماداموا مرضی ، ولذا لهم أن یشربوا من أبوال إبل الصدقة حتی بعد برئهم من المرض . والدلالة علی جواز الشرب مطلقاً من الروایة واضحة ولکن سندها ضعیف بأبی صالح عجلان المدائنی لأنّه مجهولٌ .

ومنها : خبر الجعفری قال : سمعت أباالحسن موسی علیه السلام یقول : أبوال الإبل خیر من ألبانها ویجعل اللّه الشفاء فی ألبانها(4) .

لم تقید الروایة جواز الشرب بصورة التداوی والإستشفاء فقط بل هی مطلقة ولکن

ص: 45


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 409 ح 12 .
2- (2) سورة المائدة / 33 .
3- (3) وسائل الشیعة 28 / 310 ح 7 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 114 ح 3 .

سندها ضعیف ببکر بن صالح .

ومنها : خبر سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن شرب الرجل أبوال الإبل والبقر والغنم ، تنعت له من الوجع هل یجوز له أن یشرب ؟ قال : نعم ، لا بأس به(1) .

بتقریب : أنّ جواب الإمام علیه السلام مطلق وإن کان التداوی فرض فی سؤال سماعة ، اللهم إلاّ أن یقال : بسکوت الروایة فی فرض عدم التداوی ، لا نفیّاً ولا إثباتاً .

ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : الخبر المروی فی مکارم الأخلاق قال : وسئل عنه (أی عن أبی عبد اللّه علیه السلام )عن شرب أبوال الاُتُن ؟ قال علیه السلام : لا بأس(2) .

الاُتُن : جمع الأتان ، وهی الحمارة .

ومنها : موثقة عمار بن موسی الساباطی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سئل عن بول البقر یشربه الرجل ؟ قال : إن کان محتاجاً إلیه یتداوی به یشربه ، کذلک أبوال الإبل والغنم(3) .

بتقریب : أنّ الأصل فی الکلام هو التأسیس ، وعلی هذا جعل التداوی عطف تفسیر للإحتیاج غیر وجیه ، فلابدّ هنا من وجود قیدین لجواز الشرب علی وجه مانعة الخلو ، یعنی الإحتیاج یوجب جواز الشرب وهکذا التداوی . والإحتیاج هنا أعم من الإضطرار ، لأنّ الحکم فی الإضطرار واضح . یعنی مثلاً إذا کان الرجل فی الصحاری واحتاج فی الجملة إلی شربه فلا بأس به . فهذه الموثقة تدل علی جواز الشرب فی فرض التداوی وغیره ولا ینحصر فی الإبل فقط ، بل ذکر فیها الغنم والبقر أیضاً ، وهذه الموثقة هی العمدة فی المقام .

وبالجملة ، یجوز شرب أبوال ما یؤکل لحمه مطلقاً ، لا سیما فی صورة التداوی والإستشفاء بلا إشکال فیه والقاعدة الأولیة أیضاً تقتضی جواز شربه لقاعدة الحلّ وعدم ورود النهی عن ذلک .

ص: 46


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 115 ح 7 .
2- (2) مکارم الأخلاق / 194 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 28 / 433 ح 7 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 113 ح 1 _ الباب 59 من أبواب الأطعمة المباحة .

الفرع الثانی : بیع بول الإبل

المشهور ذهبوا إلی جواز بیعه ، والأمر علی ما سلکناه واضح یجوز بیعه ویجوز شربه مطلقاً حتی فی صورة عدم التداوی ، یدل علیه :

خبر الجعفری عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال : أبوال الإبل خیر من ألبانها ویجعل اللّه الشفاء فی ألبانها(1) .

وتدل علی جواز شربه فی صورة الإستشفاء عدة من الروایات :

خبر مفضل بن عمر عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّه شکا إلیه الربو الشدید ، فقال : إشرب له أبوال اللقاح ، فشربتُ ذلک ، فمسح اللّه دائی(2) .

الربو : التهیج وتوارد النفس الذی یعرض للمسرع فی مشیه ، وقد یفسر بإنتفاخ البطن . وأمّا اللقاح : فهی الإبل والناقة الحلوب .

ومنها : موقوفة موسی بن عبد اللّه بن الحسین قال : سمعت أشیاخنا یقولون : ألبان اللّقاح شفاءٌ من کلّ داءٍ وعاهةٍ ولصاحب البطن أبوالها(3) .

والروایة لم تنسب إلی المعصوم علیه السلام فلذا کانت موقوفةٌ .

وبالجملة ، یجوز شرب بول الإبل حتّی فی حال الإختیار وصورة عدم التداوی ، ویجوز بیعه أیضاً مطلقاً . والحمد للّه .

ص: 47


1- (1) الکافی 6 / 338 ح 1 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 25 / 114 ح 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 115 ح 8 .
3- (3) الکافی 6 / 338 ح 2 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 25 / 114 ح 4 .

الثانیة : بیع العذرة النجسة

اشارة

استدلوا علی بطلان بیعه بالإجماع الذی ادعاه الشیخ فی الخلاف(1) والعلامة فی التذکرة(2) ونهایة الإحکام(3) وصاحب الجواهر(4) . وحیث کان الإجماع مدرکیّاً علی فرض ثبوته فلابدّ من ملاحظة المدرک فی المسألة ، وهو الروایات الواردة فی المقام :

منها : خبر یعقوب بن شعیب عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ثمن العذرة من السحت(5) .

ومنها : خبر دعائم الإسلام قال : روینا عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن بیع الأحرار وعن بیع المیتة والخنزیر والأصنام وعن عسب الفحل وعن ثمن الخمر وعن بیع العذرة وقال : هی میتة(6) .

وهذان الخبران یدلان علی حرمة بیع العذرة وبطلانها ، ولکن کلاهما ضعیف السند .

ومنها : موثقة سماعة قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام وأنا حاضر فقال : إنّی رجل أبیع العذرة فما تقول ؟ قال : حرامٌ بیعها وثمنها ، وقال : لا بأس ببیع العذرة(7) .

وهذه الموثقة إمّا أنْ تعدّ من الروایات المجوزة بتقریب : أنّ الجواب الأوّل من الإمام صدر تقیّة وبعد رفع التقیة ذکر علیه السلام الحکم الواقعی للمسألة یعنی کلامه الأخیر ، أو إذا کان کلامان للمتکلم الواحد یؤخذ بالأخیر منهما ، لا سیما إذا کانا فی کلام واحد .

وإمّا أن لا یمکن الأخذ بها ، لأنه إذا وقع التعارض فی کلام واحد - کما هنا - سقط من

ص: 48


1- (1) الخلاف 3 / 185 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 1 / 464 (10 / 31 من الطبعة الحدیثة ) .
3- (3) نهایة الإحکام 2 / 463 .
4- (4) الجواهر 22 / 17 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 175 ح 1 .
6- (6) مستدرک الوسائل 13 / 71 ح 5 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 175 ح 2 .

الحجیة من رأسه ، فلا یصح عَدّ هذه الموثقة من الروایات المانعة .

ومنها : حسنة محمد بن مضارب عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا بأس ببیع العذرة(1) .

وهذه الحسنة تدل علی جواز البیع وصحته ، والروایتان الماضیتان اللتان تدلان علی المنع کانت ضعیفتا السند فلا تقاومان هذه الحسنة ،فلابدّ من الأخذ بهذه الحسنة والحکم بصحة بیع العذرة النجسة . هذا مع الإغماض عن موثقة سماعة التی هی بنظرنا تدل علی الجواز أیضاً .

وعلی هذا یحمل السحت فی روایات المنع علی أنّ هذا العمل أو البیع کان عملاً ردیئاً لا یناسب شأن الشرفاء والشخصیّات . وبهذا تجمع بین الروایات .

ثم إن أبیت إلاّ أن تری التعارض بین الروایات وأنّها تسقط به فتبقیالاطلاقات والعمومات علی حلیّة البیع وجوازه ونفوذه بلا معارض ونحکم بصحة البیع .

فرع : الأقوی جواز بیع الأرواث الطاهرة :

الأرواث الطاهرة للحیوانات المأکولة اللحم یجوز بیعها ، لوجود المنفعة المحلَّلة العقلائیة فیها(2) ، فثبت جواز بیعه ولم یرد من الشارع النهی عن ذلک ، فالحکم بالجواز ونفوذ بیعه عندنا علی القاعدة .

وأمّا ما للشیخ والقوم هذا استثناء من عدم جواز بیع العذرة فلابدّ لهم من إقامة الدلیل علی هذا الإستثناء ، فلذا إلتجأوا بالإجماع المدعی من المرتضی(3) ونفی الخلاف الوارد فی خلاف الشیخ(4) ، ولهم أن یدّعوا الإنصراف فی الأدلة المانعة من هذا الفرض . والإنصراف فی محلّه .

ص: 49


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 175 ح 3 .
2- (2) وقال الصادق علیه السلام فی شأنها فی خبر توحید المفضل : « ... وإنّ موقعها من الزروع والبقول والخضر أجمع الموقع الذی لا یعدله شیء» . بحار الأنوار 3 / 136 .
3- (3) الانتصار / 221 .
4- (4) الخلاف 3 / 185 .

الثالثة : الدَّم

اشارة

قد استدل علی بطلان بیعه بالإجماع فی نهایة الإحکام(1) للعلامة وشرح الإرشاد(2) لولده فخر الدین والتنقیح(3) للفاضل المقداد .

وفیه : الإجماع هنا مدرکیٌ فلابدّ من ملاحظة غیره من الأدلة .

وقد استدل علی بطلان بیع الدم ببعض الآیات الشریفة ، نحو قوله تعالی : «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ»(4) وقوله تعالی : «إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِیرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَیْرِ اللّهِ»(5) ونحوهما قوله تعالی فی سورة النحل(6) .

بتقریب : أن الحرمة _ کما مرّ منّا _ فی الکتاب والسنة أعم من الوضع والتکلیف ، وحیث تعلق بالدم تشمل الحرمة الوضعیة أیضاً ، یعنی بطلان بیعه .

وفیه : أن سیاق الآیات الشریفة لمن یلاحظها ورد فی مسألة الأکل ، ولذا ورد قبل الآیة الثانیة فی سورة البقرة قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ کُلُواْ مِن طَیِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاکُمْ وَاشْکُرُواْ لِلّهِ إِن کُنتُمْ إِیَّاهُ تَعْبُدُونَ»(7) . یعنی أکل هذه الموارد حرام فی الشریعة المقدسة ، ومنها : الدم ، وجمیع المسلمین من الخاصة والعامة یقولون بحرمة أکل الدم ، ولیست للآیات الشریفة اطلاق حتی تشمل بیع الدم . وهکذا الأمر فی قوله تعالی : «قُل لاَّ أَجِدُ فِی مَا أُوْحِیَ

ص: 50


1- (1) نهایة الإحکام 2 / 463 .
2- (2) نقل عنه فی مفتاح الکرامة 4 / 13 من الطبعة السابقة = 12 / 65 من الطبعة الحدیثة .
3- (3) التنقیح الرائع 2 / 5 .
4- (4) سورة المائدة / 3 .
5- (5) سورة البقرة / 173 .
6- (6) سورة النحل / 115 .
7- (7) سورة البقرة / 172 .

إِلَیَّ مُحَرَّماً عَلَی طَاعِمٍ یَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن یَکُونَ مَیْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِیرٍ»(1) . وهذه الآیة الشریفة أیضاً ناظرة إلی حرمة أکل الدم ولحم الخنزیر .

ویمکن الإستدلال علی بطلان البیع ببعض الروایات الواردة فی حرمة الدم :

منها : صحیحة إبراهیم بن عبد الحمید عن أبی الحسن علیه السلام قال : حرم من الشاة سبعة أشیاء : الدم والخصیتان والقضیب والمثانة والغدد والطحال والمرارة(2) .

بتقریب : أنّ الحرمة الواردة فی الصحیحة أعم من الوضع والتکلیف ، فتشمل بیع الدم أیضاً وتدل علی بطلانه .

وفیه : حیث نسب الإمام الحرمة إلی الشاة - والمتعارف فی الشاة أکله - صارت الصحیحة ظاهرة فی الأکل ، وحرمة أکل هذه العشرة من الشاة فهی أجنبیة من بطلان بیع الدم والدلالة علی الوضع .

ومنها : مرفوعة أبی یحیی الواسطی قال : مرّ أمیر المؤمنین علیه السلام بالقصّابین فنهاهم عن بیع سبعة أشیاء من الشاة ، نهاهم عن بیع الدم والغدد وآذان الفؤاد والطحال والنخاع والخُصی والقضیب ، فقال له بعض القصابین : یا أمیر المؤمنین ما الطحال والکبد إلاّ سواء ، فقال : کذبت یا لکع إیتنی بتورین من ماء ، أُنبّئک بخلاف ما بینهما ، فاُتی بکبد وطحال وتورین من ماء ، فقال : شقّوا الکبد من وسطه والطحال من وسطه ثم أمر فمرسا فی الماء جمیعاً ، فابیضّت الکبد ولم ینقص منها شیءٌ ولم یبیضّ الطحال ، وخرج ما فیه کلّه وصار دماً کله حتی بقی جلد الطحال وعرقه ، فقال : هذا خلاف ما بینهما ، هذا لحم وهذا دم(3) .

لکع : اللئیم الأحمق ، التور : إناء یشرب فیه ، مرس : أی نقعه فی الماء .

بتقریب : أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام نهی عن بیع الدم ، وظهور هذا النهی هو بطلان بیعه .

وفیه : أولاً : الروایة مرفوعة سنداً .

وثانیاً : لا تدل علی أزید من حرمة أکل الدم کما هو مفاد الآیات الشریفة .

ص: 51


1- (1) سورة الأنعام / 145 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 171 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 171 ح 2 .

غایة مایمکن أن یقال : حرمة بیعه بالنسبة إلی من أراد أکله ، وأمّا حرمة بیع الدم مطلقاً فلا یُستفاد من المرفوعة ، لا سیما مع ورود الدم فی سیاق الموارد الأخری فی الشاة التی یراد منها الأکل . وهذا واضح وظاهر من الروایة .

وبالجملة ، حیث لم یکن هنا دلیل شرعی علی حرمة بیع الدم وبطلانه وکان ذا منافع متعددة محلّلة عقلائیة - نحو تزریقه للمرضی وغیره - فیجوز بیعه ویشمله الإطلاقات الواردة فی حلیة البیوع ونفوذها والوفاء بها ، هذا کلّه فی الدم النجس .

فرع : حکم الدم الطاهر

نحو المتخلِّف فی الذبیحة فحکمه علی ما سلکناه واضح لا بأس ببیعه ، وأمّا علی ما سلکه المشهور من بطلان بیع الدم النجس فلابدّ لهم من إقامة الدلیل علی الجواز . ولعلّ دلیلهم إدعاء إنصراف أدلة المنع بالدم النجس وخروج الدم الطاهر من تحتها ، وهذا الإنصراف فی محلّه .

ووجود المنافع المحلّلة العقلائیة فیه ، فیجوز بیعه . ولذا قال الشیخ الأعظم : « ففی جواز بیعه وجهان أقواهما الجواز »(1) .

ص: 52


1- (1) المکاسب المحرمة / 4 طبع تبریز ، (1 / 27 من الطبعة الحدیثة) .

الرابعة : المنی

فروع ثلاثة

قد ذکروا للمسألة ثلاثة فروع :

الأوّل : بیع المنی بعد ما خرج ووقع فی خارج الرحم .

الثانی : بیع المنی بعد ما وقع فی الرحم .

الثالث : بیع عسیب الفحل ، وهو ماؤه قبل الإستقرار فی الرحم . ویلحق بذلک إجارة الفحل للضراب .

والروایات واردة فی الفرع الثالث فقط لا الفرعین الاولین ، وعلی هذا لو کان للمنی منافع محلّلة عقلائیة - کما هو کذلک - فیجوز بیعه فی جمیع الفروع الثلاثة علی القاعدة التی مرّت منّا مراراً من الملازمة بین جواز الإنتفاع وجواز البیع ، والإطلاقات الواردة فی حلّیّة البیع وجوازه ونفوذه ولزوم الوفاء به أیضاً تشمله إلاّ أن یثبت دلیل شرعی علی خلافه . والدلیل هنا مفقود بنظرنا القاصر وقد أدعی وجوده بوروده فی روایات :

منها : خبر القاسم بن عبد الرحمن عن الإمام الباقر علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن الحسین بن علی علیه السلام فی حدیث : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن خصال تسعة : عن مهر البغی وعن عسیب الدابة - یعنی کسب الفحل _ الحدیث(1) .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن عسیب الفحل ، وهو أجر الضراب(2) .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : من السحت : ثمن المیتة وثمن اللقاح ... وعسب الفحل ولا بأس أن یهدی له العلف ، الحدیث(3) .

ص: 53


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 95 ح 13 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 111 ح 3 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 69 ح 1 .

ومنها : خبر دعائم الإسلام قال : روینا عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام ، أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن بیع الأحرار وعن بیع المیتة والخنزیر والأصنام وعسب الفحل وعن ثمن الخمر وعن بیع العذرة ، وقال : هی میتة(1) .

وهذه الروایات کما تری وردت فی الفرع الثالث وکلّها ضعاف ، وفی قبالها روایتان تدلان علی الجواز وهما :

1 _ خبر حنان بن سدیر قال : دخلنا علی أبی عبد اللّه علیه السلام ومعنا فرقد الحجام _ إلی أن قال _ فقال له : جعلنی اللّه فداک إنّ لی تیساً أکریه ، فما تقول فی کسبه ؟ قال : کُلْ کسبه فإنّه لک حلال ، والناس یکرهونه . قال حنان : قلت : لأیّ شیء یکرهونه وهو حلال ؟ قال : لتعییر الناس بعضهم بعضاً(2) .

2 _ صحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث ، قال : قلت له : أجر التیوس ؟ قال : إن کانت العرب لتعایربه ، ولا بأس(3) .

التُیُوس : جمع التَیْس وهو الذَکَر من المَعَز والظباء والوُعول .

وهاتان الروایتان تدلان علی الجواز وفیهما الصحیحة ، فلابدّ من الأخذ بهما وحمل الروایات المانعة علی أنّ فی هذا الأمر إذا صار شغلاً لأحد کان موجباً لتعییر الناس وعیبهم له ، ولا یناسب شأن الشرفاء والشخصیات البارزة .

والظاهر أنّ روایتی الجواز بنفسیهما تفسر الروایات المانعة والعلّة فی المنع ، وهی تعییر الناس ، فلابدّ من الأخذ بهما الدالتین علی الجواز . ومن المعلوم أنّ إطلاقهما یشمل صورتی البیع والإجارة .

ثم : إن أبیت إلاّ أن تری التعارض بین الطائفتین من الروایات فسبیلهما التساقط بالتعارض ، فلابدّ من الرجوع إلی إطلاقات حلّیّة البیوع وجوازها ونفوذها ووجوب الوفاء بها .

ص: 54


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 71 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 111 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 111 ح 2 .

وبالجملة ، فی جمیع الفروع الثلاثة یجوز بیع المنی إنْ کان له منفعة محلّلة عقلائیة . ثم إنّ هنا فروعاً حدثت فی زماننا هذا لابدّ لنا من التکلّم فیها :

فروع مستحدثة

الفرع الأوّل :

هل یجوز أخذ منی الزوج وتزریقه فی رحم زوجته وأخذ الأُجرة علی هذا العمل ؟

الظاهر جواز هذا العمل ، لأنّ للزوج کما له إراقة مائه فی رحم زوجته کذلک یجوز إدخال مائه بأیّ نحو کان فی رحم زوجته ، ویمکن للغیر التصدی لهذا العمل لو لم یتبع حراماً شرعیّاً آخراً ، وعلی هذا یجوز أخذ الاُجرة علیه . واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع الثانی :

هل یجوز أخذ منی الزوج وتقویته فی الخارج ثم تزریقه فی رحم زوجته وأخذ الأُجرة علی هذا العمل ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - إنّ الحکم فی هذا الفرع أیضاً کالفرع الأوّل .

الفرع الثالث :

هل یجوز أخذ منی الزوج والزوجة واختلاطهما فی الخارج وتقویتهما ثم غرس النطفة أو الجنین فی رحم الزوجة وأخذ الأُجرة علی هذا العمل ؟

نعم ، لا بأس بأخذ منیهما ثم اختلاطهما وتقویتهما بالمواد الکیمیاویة اللازمة ثم غرس النطفة أو الجنین فی رحم الزوجة . وهکذا لو لم یتبع هذا العمل محرّماً شرعیّاً یجوز للغیر التصدی لذلک وأخذ الاُجرة علیه . واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع الرابع :

هل یجوز أخذ النطفة والمنی من الزوج والزوجة ثم غرسه فی رحم الزوجة الأُخری الثانیة ؟

نعم ، یجوز أخذ المنی من الزوج وزوجته الأولی ثم اختلاطهما وتقویّتهما بالمواد الکیمیاویة ثم غرسه فی رحم زوجته الثانیة . ویجوز للغیر التصدی لذلک لو لم یتبع محرّماً

ص: 55

شرعیّاً آخراً ویجوز أخذ الأُجرة علی ذلک . واللّه سبحانه هو العالم .

والولد فی جمیع هذه الفروض یلحق بالزوج والزوجة وفی الأخیر یلحق بالزوج بلا إشکال ، وتدلّ علیه صحیحة محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبد اللّه علیهماالسلام یقولان : بینا الحسن بن علی علیه السلام فی مجلس أمیر المؤمنین علیه السلام إذ أقبل قوم ... إلی أن قال علیه السلام : ... ویردُّ الولد إلی أبیه صاحب النطفة ، الحدیث(1) .

ویؤیدها : حسنة عمرو بن عثمان عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن الحسن علیه السلام أنّه قال فی حدیث : ... ویلحق الولد بصاحب النطفة ، الحدیث(2) .

ومثلها خبر اسحاق بن عمار فراجعه(3) .

ویلحق الولد بالزوجتین علی کلام فیه . یعنی لا یبعد أن یکون فی الفرع الرابع للولد اُمّان بدلالة الصحیحة والحسنة ولإطلاق قوله تعالی «إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ الَّیء وَلَدْنَهُمْ»(4) .

الفرع الخامس :

هل یجوز أخذ منی الزوج واختلاطه مع منی غیره ثم تزریقه فی رحم زوجته أم لا ؟

لا یجوز هذا العمل لا للزوج ولا لغیره ، لأنّ من المحرّمات الشرعیة التی ثبتت عندنا بواسطة روح الشریعة المقدسة ومذاق الشارع إدخال الأجنبی ماءه فی رحم الأجنبیة ، سواء کان ذلک بالإیلاج الذی سمی بالزنا أو بغیر إیلاج . فنفس إدخال ماء الأجنبی فی رحم الأجنبیة من المحرمات الشرعیة سواء تصدی لِهذا العمل الأجنبی نفسه أو الزوج أو غیرهما .

ویدل علیه خبر إسحاق بن عمار قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الزنی أشرّ أو شرب الخمر وکیف صار فی الخمر ثمانین وفی الزنی مائة ؟ فقال : یا إسحاق الحدّ واحد وزید هذا لتضیعه النطفة ولوضعه إیّاها فی غیر موضعها الذی أمره اللّه عزّ وجلّ به(5) .

ص: 56


1- (1) الکافی 7 / 203 ح 1 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 30 / 471 ح 1 .
2- (2) التهذیب 10 / 58 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 30 / 472 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 28 / 168 ح 2 .
4- (4) سورة المجادلة / 2 .
5- (5) الکافی 7 / 262 ح 12 وعلل الشرائع /543 ونقل عنهما فی جامع أحادیث الشیعة 30 / 364 ح 8 .

وخبر سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ أشدّ الناس عذاباً یوم القیامة رجلٌ أقرّ نطفته فی رحم تحرم علیه(1) .

والروایة بإطلاقها تشمل إدخال الأجنبی ماءه فی رحم الأجنبیة ، ورواها الصدوق بسنده عن علی بن سالم فی عقاب الأعمال(2) .

ومرسلة الصدوق رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم : لن یعمل ابن آدم عملاً أعظم عند اللّه عزّوجلّ من رجل قتل نبیّاً أو إماماً أو هدم الکعبة التی جعلها اللّه قبلةً لعباده أو أفرغ ماءه فی امرأة حراماً(3) .

وعلی هذا لا یجوز أخذ منی الزوج واختلاطه مع منی غیره ثم تزریقه فی رحم زوجته . وحیث کان العمل محرّماً شرعیّاً لا یجوز للغیر التصدی لذلک وأخذ الأُجرة علیه . واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع السادس :

هل یجوز أخذ منی الزوج والزوجة واختلاطهما مع منی امرأة أُخری أجنبیة فی الخارج ثم تزریقهما أو غرس النطفة أو الجنین فی رحم الزوجة أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - جواز هذا العمل وأخذ الأُجرة علیه لو لم یتبع محرّماً شرعیّاً آخراً ، لأنّ المحرم الشرعی إدخال الأجنبی ماءه فی رحم الأجنبیة مطلقاً ، یعنی التصدی لهذا العمل بنفسه أو غیره ، ولکن إدخال ماء المرأة فی رحم غیرها أو اختلاط هذه المیاه فی الخارج وفی المکائن لا بأس به ولم یثبت فی الشریعة حرمته ومع الشک فی حرمة هذا العمل یجری أصل البراءة فی المقام .

نعم ، الأحوط فی هذا الفرض إجراء صیغة النکاح بین الزوج والمرأة الأجنبیة لتصیر أیضاً زوجته ثم الإتیان بهذا العمل لرفع توهم الإشکال فی المسألة .

الفرع السابع :

هل یجوز أخذ منی الزوج والمحافظة علیه فی المکائن الحدیثة ثم تزریقه بعد موته فی

ص: 57


1- (1) المحاسن 1 / 192 ح 107 .
2- (2) عقاب الأعمال / 313 ح 7 .
3- (3) وسائل الشیعة 20 / 318 ح 2 .

رحم زوجته فی حال حیاته أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - أن علقة الزوجیة بین الأحیاء ولا زوجیّة بین المیت والحیّة ، فلا یجوز هذا العمل ، لأنّ بعد الموت صار الزوج أجنبیّاً بالنسبة إلی الزوجة وانفسخ بینهما علقة النکاح وعقده ، ولذا یجوز لها التزویج بعد انقضاء العدّة فلا یجوز بعد موت الزوج إدخال مائه فی رحمها ، وأمّا جواز غُسل أحد الزوجین الآخر بعد الموت ثبت بالدلیل الشرعی والنص الخاص . وبالجملة لا یجوز هذا العمل لانفساخ علقة الزوجیة وعقدة النکاح بعد الموت .

الفرع الثامن :

هل یجوز أخذ منی الزوج والزوجة والمحافظة علیه وتزریقه بعد موت الزوجة فی الزوجة الاُخری للزوج أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - جواز هذا العمل ، لأنّ المرأة الثانیة أیضاً زوجته وإدخال مائه فی رحمها لا بأس به وهکذا لا بأس بأدخال ماء المرأة الأولی - یعنی الزوجة المتوفاة - فی رحم الثانیة ، لعدم وجدان دلیل علی الحرمة ، وجریان البراءة فی المقام کما مرّ منّا فی بعض الفروع السابقة ، فلا بأس بالعمل فی هذا الفرض بخلاف الفرع السابع ، ویجوز للغیر التصدی لذلک لو لم یتبع محرّماً شرعیّاً آخراً وأخذ الأُجرة لهذا العملیة .

الفرع التاسع :

هل یجوز أخذ منی الزوج والزوجة والمحافظة علیهما مدّة ثم اختلاطهما بعد موتهما فی المکائن والآلات الحدیثة واستحصال الولد من الماکنة أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - جواز هذا العمل ، لعدم استلزامه حرمة شرعیّة فی المقام . وکذا یجوز أخذ الأُجرة علی ذلک منهما أو من ورثتهما .

الفرع العاشر :

هل یجوز أخذ المنی من الأجنبی والأجنبیة واختلاطهما فی المکائن الحدیثة واستحصال الولد من الماکنة أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - جواز هذا العمل ، لعدم ثبوت دلیل علی الحرمة فی

ص: 58

المقام وجریان أصل البراءة ، ویجوز أخذ الأُجرة علی هذا العمل .

ثم بمَن یلحق الولد فی هذا الفرض ؟

یمکن أن یقال : الأحوط وجوباً مراعاة الإحتیاط بالنسبة إلی النظر والنکاح والتوارث بین هذا الولد وصاحبی النطفة ، یعنی لو کان الولد ذکراً لا یجوز له النظر بالشهوة إلی امرأة التی أخذت منها النطفة ولا نکاحها والمصالحة فی المیراث ، وهکذا الأمر بالنسبة إلی البنت والرجل الذی أُخذ منه النطفة .

ولکن الأقوی إلحاق الولد بصاحب النطفة أباً وأمّاً ، لدلالة صحیحة محمد بن مسلم(1) وحسنة عمرو بن عثمان(2) الماضیتین .

ثم هذا الولد ، هل هو ولد حلال أو شبهة أو زنا ؟ الأخیر یُنفی لعدم وجوده وهکذا الوسط ، فیبقی الأوّل بلا معارض ، فهو ولد حلال ویجری علیه أحکامه ، فیجوز له تصدی إمامة الجماعة ونحوها .

الفرع الحادی عشر :

هل یجوز أخذ المنی من الأجنبی والأجنبیة وتقویتهما بمنی الأجنبی الآخر وأجنبیة اُخری واختلاطهما ثم جعلها فی المکائن الحدیثة واستحصال الولد من الماکنة أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - جواز هذا العمل ، لعدم ثبوت دلیل الحرمة فی المقام وجریان أصل البراءة ، ولذا یجوز أخذ الأُجرة علی هذا العمل مع الشرط السابق ، وهذا الولد ولد حلال ، لا یبعد إلحاقه بأصحاب النطفة ، یعنی هنا له أبان واُمّان وإن کان الإحتیاط الذی مرّ فی الفرع السابق حسناً .

ولکن علم الطب الیوم ینفی تأثیر النطفتین من الرجلین فی نطفة المرأة الواحدة ، یعنی أن علم الطب یقول فی هذا الفرض بتأثیر أحدی نطفتین من الرجلین وتأثر أحدی النطفتین من المرأتین . فللولد حینئذ لیس إلاّ أباً واحداً واُماً واحدةً وهما صاحبا النطفة لا غیرهما ، والأمر

ص: 59


1- (1) الکافی 7 / 203 ح 1 .
2- (2) التهذیب 10 / 58 .

حینئذ سهلٌ .

الفرع الثانی عشر : الاستنساخ البشری

هل یجوز أخذ المنی من الزوج والزوجة أو من الأجنبی والأجنبیة واختلاطهما فی الخارج وجعلها فی المکائن واستحصال الولد من الماکنة لکن لا واحداً بل متعدِّداً ، سواءً فی ذلک العدد القلیل أو الکثیر ، نحو استحصال ألف ولد أو أکثر من ذلک من الآف ولد کلّهم یشبهون بالزوج أو الزوجة أو الأجنبی أو الأجنبیة علی حسب مختارهم . هل یجوز هذه العملیة التی تسمی الیوم بالإستنساخ البشری أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - قصور دلیل الحرمة فی المقام وجریان البراءة فی ذلک ، فنفس هذا العمل لا بأس به ولکن لو اختلت هذه العملیّة بالنظام بحیث لا یمکن تشخیص هذه اُلوف بعضهم عن بعض تحرم وبعبارة أُخری : هذه العملیّة إن کانت توجب اختلال التعارف فی المجتمع البشری حرمت من هذه الجهة ، یعنی من جهة اختلالها بالنظام وذهابها بالتعارف اللازم فی المجتمع الإنسانی . والظاهر أنّ هذه العملیّة توجب الإختلال وتذهب بالتعارف فتحرم من هذه الجهة ، واللّه العالم .

تنبیه : ثم إنّ هنا فروعاً کثیرة تظهر حکمها ممّا سردناه علیک فی الفروع السابقة ومع تطبیق القواعد التی مرّ منّا تحتها .

تبصرة : فی جمیع الفروع التی ذهبنا إلی الجواز یجوز للغیر التصدی لذلک لولم یتبع عمله محرّماً شرعیّاً آخراً وأخذ الأُجرة علیه ، وهکذا فی جمیع الفروع المجوّزة ، یجوز بیع المنی والنطفة لذلک ، والولد فی هذه الفروع المجوّزة یلحق بالزوجین إن کان الزواج موجوداً وإلاّ یلحق بصاحبی النطفة وعلیه مراعاة الإحتیاط فی النظر والنکاح والتوارث . وبالجملة الولد فی هذه الفروع المجوّزة هو الولد الحلال . واللّه سبحانه هو العالم والحمد للّه .

ص: 60

الخامسة : بیع المیتة

اشارة

المشهور بین الأصحاب بل کاد أن یکون إجماعاً بطلان بیع المیتة ، وادعی الإجماع الشیخ فی رهن الخلاف وقال : « إذا کان الرهن شاةً فماتت زال ملک الراهن عنها وانفسخ الرهن إجماعاً ... دلیلنا : إجماع الفرقة علی أنّ جلد المیتة لا یطهر بالدباغ ، وإذا ثبت ذلک لم یعد الملک إجماعاً ... »(1) .

وقال العلامة فی التذکرة : « یُشترط فی المعقود علیه الطهارة الأصلیة ... ولو باع نجس العین کالخمر والمیتة والخنزیر لم یصح إجماعاً ... »(2) .

وقال فی المنتهی : « ... وقد احتج العلماء کافّة علی تحریم بیع المیتة والخمر والخنزیر بالنص والإجماع»(3) .

وقال السیوری فی ذیل قول المصنف : « الأوّل : الأعیان النجسة » ، قال : « إنّما حرّم بیعها لأنّها محرّمة الإنتفاع ، وکلّ محرّمة الانتفاع لا یصح بیعه . أمّا الصغری فإجماعیة وأمّا الکبری فلقول النبی صلی الله علیه و آله وسلم ... »(4) .

ثم یقع الکلام هنا فی مقامین :

المقام الأوّل : حکم الإنتفاع بالمیتة :

هل یجوز الإنتفاع بالمیتة أم لا ؟

المشهور بین الأصحاب عدم جواز الإنتفاع بالمیتة ، ولکن المهمّ ملاحظة الأدلة :

قد استدلوا علی حرمة الإنتفاع بالمیتة بالآیة الشریفة «حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَالْدَّمُ

ص: 61


1- (1) الخلاف 3 / 293 .
2- (2) تذکرة الفقهاء 1 / 464 (10 / 25 من الطبعة الحدیثة) .
3- (3) المنتهی 2 / 1008 .
4- (4) التنقیح الرائع 2 / 5 .

وَلَحْمُ الْخِنْزِیرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَیْرِ اللّهِ بِهِ»(1) .

بتقریب : أن حرمة المیتة فی الآیة الشریفة یقتضی حرمة جمیع أنواع التصرف فیها ومنها الإنتفاع بها .

وفیه : الآیة الشریفة ونظائرها فی سورة البقرة(2) والأنعام(3) والنحل(4) کلّها راجعة إلی الأکل بقرینة السیاق الوارد فی ذلک ، وحرمة أکل المیتة بین المسلمین خاصةً وعامةً إجماعیٌ ، فلا یمکن التعدی إلی سائر الانتفاعات والتصرفات فی المیتة وغیرها .

وأمّا الأخبار الواردة حول الإنتفاع بالمیتة علی الطائفتین :

الطائفة الأولی : تدل علی حرمة الإنتفاع بالمیتة :

منها : موثقة سماعة قال : سألته عن جلود السباع أینتفع بها ؟ فقال : إذا رمیت وسمّیت ، فانتفع بجلده ، وأمّا المیتة فلا(5) .

ولا بأس بإضمارها حیث أن مُضْمِرها سماعة بن مهران والموثقة تدل علی عدم جواز الإنتفاع بجلد المیتة .

ومنها : خبر علی بن أبی المغیرة قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : المیتة ینتفع منها بشیءٍ ؟ فقال : لا ، قلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مرّبشاة میتة ، فقال : ما کان علی أهل هذه الشاة إذا لم ینتفعوا بلحمها ، أن ینتفعوا بإهابها ، فقال : تلک شاة کانت لسودة بنت زمعة زوج النبی صلی الله علیه و آله وسلم وکانت شاة مهزولة لا ینتفع بلحمها فترکوها حتّی ماتت ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما کان علی أهلها إذا لم ینتفعوا بلحمها أن ینتفعوا بإهابها ، أی تذکّی(6) .

ولکن وردت هذه القضیة بنحو آخر فی موثقة أبی مریم الأنصاری قال : قلت لأبی

ص: 62


1- (1) سورة المائدة / 3 .
2- (2) سورة البقرة / 173 و 172 .
3- (3) سورة الأنعام / 145 .
4- (4) سورة النحل / 115 و 114 .
5- (5) وسائل الشیعة 24 / 185 ح 4 .
6- (6) وسائل الشیعة 24 / 184 ح 1 .

عبد اللّه علیه السلام : السخلة التی مرّ بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهی میتة ، فقال : ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها ، قال : فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : لم تکن میتة یا أبا مریم ، لکنّها کانت مهزولة فذبحها أهلها ، فرموا بها ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما کان علی أهلها لو انتفعوا بإهابها(1) .

وهذه الموثقة لا تدل علی عدم جواز الإنتفاع بالمیتة ویمکن إتحاد القضیتین . خلافاً لما احتمله صاحب الوسائل حیث یقول : « لا منافاة بینه وبین السابق ، لاحتمال تعدّد الشاة والقول»(2) . بل هذا الإحتمال بعید واتحاد القضیتین محتمل قویّاً . وعلی القول بالإتحاد خرجت القضیة من نفی الإنتفاع بالمیتة ، لأنه لابدّ من الأخذ بالموثقة لصحة سندها .

ومع ذلک کلّه ، خبر علی بن أبی المغیرة یدل علی حرمة الإنتفاع بالمیتة .

ومنها : خبر فتح بن یزید الجرجانی عن أبی الحسن علیه السلام قال : کتبت إلیه أسأله عن جلود المیتة التی یؤکل لحمها ذکیّاً ؟ فکتب علیه السلام : لا ینتفع من المیتة بإهاب ولا عصب وکلّها کان من السخال الصوف وإن جزَّ والشعر والوبر والانفحة والقرن ، ولا یتعدّی إلی غیرها إن شاء اللّه(3) .

یعنی یجوز الإنتفاع بهذه الأجزاء الأخیرة من المیتة من السخال الصوف إلی آخر الحدیث ، ولکن لا یتعدی منها إلی غیرها . فذیل الحدیث یدل علی جواز الانتفاع بهذه الأجزاء من المیتة التی لا تحلّها الحیاة . ویأتی البحث حول ذلک إن شاء اللّه تعالی .

ومنها : خبر الکاهلی قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام قرأنا عنده _ عن قطع ألیات الغنم ؟ فقال : لا بأس بقطعها إذا کنت تصلح بها مالک ، ثم قال : إنّ فی کتاب علیٍ علیه السلام : أنّ ما قطع منها میّت ، لا ینتفع به(4) .

الروایة تدل علی عدم جواز الإنتفاع بالمیتة مطلقاً ، ولکنّها ضعیفة بالکاهلی لعدم ورود توثیقه . ولعلّ المراد منها عدم جواز الانتفاع بها مثل ما ینتفع بالمذکی ، والشاهد علی

ص: 63


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 185 ح 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 185 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 181 ح 7 .
4- (4) وسائل الشیعة 24 / 71 ح 1 .

ذلک خبر البزنطی صاحب الرضا علیه السلام قال : سألته عن الرجل یکون له الغتم ، یقطع من إلیاتها وهی أحیاء ، أیصلح أن ینتفع بما قطع ؟ قال : نعم ، یذیبها ویسرج بها ولایأکلها ولایبیعها(1) .

ومنها : خبر الحسن بن علی الوشاء قال : سألت أبا الحسن علیه السلام ، فقلت : جعلت فداک إنّ أهل الجبل تثقل عندهم إلیات الغنم فیقطعونها ، قال : هی حرام ، قلت : فنصطبح بها ؟ قال : أما تعلم أنّه یصیب الید والثوب وهو حرام ؟(2) .

اصطبح به : أسرج به للإضاءة . وإصابة النجِس بالثوب والید لیست من المحرّمات الشرعیة ، وهذا التعلیل الوارد فی الروایة بجواز الانتفاع أدل من الدلالة علی حرمة الإنتفاع کما هو الواضح لأهله .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الماشیة تکون لرجل فیموت بعضها ، أیصلح له بیع جلودها ودباغها ویلبسها ؟ قال : لا ، وإن لبسها فلا یصلّی فیها(3) .

وجملة « إنْ لبسها» الواردة بعد لا ، توجب انکسار اطلاق لفظة " لا " ، یعنی لا الواردة فی الجواب لیست مطلقة بالنسبة إلی جمیع الموارد ، بل إن لبسها فصلی فیها صارت مورد نفی الروایة فتأمل .

ومنها : موثقة سماعة قال : سألته عن أکل الجبن وتقلید السیف وفیه الکیمخت والفراء ؟ فقال : لا بأس ما لم یعلم أنّه میتة(4) .

یعنی فیه بأس إن علم أنّه میتة ، فتدل علی عدم جواز الإنتفاع بالمیتة . ولکن یمکن حملها علی الکراهة بقرینة موثقة اُخری لسماعة قال : سألته عن جلد المیتة المملوح وهو الکیمخت ، فرخّص فیه وقال : إن لم تمسّه فهو أفضل(5) .

ص: 64


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 72 ح 4 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 71 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 186 ح 6 .
4- (4) وسائل الشیعة 24 / 185 ح 5 .
5- (5) وسائل الشیعة 24 / 186 ح 8 .

وهذه الموثقة صریحة بجواز الإنتفاع بالمیتة وصارت قرینة علی الموثقة سماعة السابقة من أن النهی فیها تحمل علی الکراهة والتنزیه .

هذا کلّها فی الروایات المانعة من الإنتفاع بالمیتة ، وفی قبالها طائفة اُخری تدل علی جواز الإنتفاع بالمیتة .

الطائفة الثانیة : الروایات المجوزة علی للإنتفاع بالمیتة :

منها : موثقة سماعة(1) الماضیة آنفاً .

ومنها : خبر البزنطی(2) الذی مرّ منّا .

ومنها : خبر أبی القاسم الصیقل وولده قال : کتبوا إلی الرجل علیه السلام : جعلنا اللّه فداک إنّا قوم نعمل السیوف لیست لنا معیشة ولا تجارة غیرها ونحن مضطرون إلیها ، وإنّما علاجنا جلود المیتة والبغال والحمیر الأهلیة لا یجوز فی أعمالنا غیرها ، فیحلّ لنا عملها وشراؤها وبیعها ومسّها بأیدینا وثیابنا ، ونحن نصلی فی ثیابنا ونحن محتاجون إلی جوابک فی هذه المسألة یا سیدنا لضرورتنا ؟ فکتب : اجعل ثوباً للصلاة .

وکتب إلیه : جعلت فداک وقوائم السیف التی تُسمی السَفَن نتخذها من جلود السمک ، فهل یجوز لی العمل بها ولسنا نأکل لحومها ؟ فکتب علیه السلام : لا بأس(3) .

المراد بالرجل الإمام الهادی علیه السلام (4) أو الإمام العسکری علیه السلام أو الإمام الحجة عجل اللّه تعالی فرجه الشریف . السَفَن : جلد خشن یجعل علی قوائم السیف .

هذه المکاتبة تدل علی جواز الإنتفاع بالمیتة ، والإضطرار المذکور فیها بمعنی الإضطرار الشغلی ، یعنی أنّهم فی عملهم یحتاجون إلیها لا الإضطرار بالحمل الشایع الصناعی ، یعنی لو لم یکن هذا العمل والشغل یوجب الإختلال بالحیاة أو المعیشة .

وعلی هذا الأساس کما هو الظاهر من المکاتبة ، تدل بالصراحة علی جواز الإنتفاع بالمیتة ، بل تدل علی جواز بیع المیتة ، لأنّهم یعملون السیف وقوائمها وسفنها ثم یبیعونها .

ص: 65


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 186 ح 8 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 72 ح 4 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 173 ح 4 .
4- (4) کما ذکره القهپائی فی مجمع الرجال 7/194 .

ولکن فی سندها ضعف بأبی القاسم الصیقل ووُلده لأنّهم مجاهیل . إلاّ أن یحذفوا من السند بأن یقال : محمد بن عیسی بن عبید رأی صورة مکاتبتهم مع الإمام علیه السلام وجواب الإمام علیه السلام بخطه وهو ینقل الحدیث وخطه علیه السلام ، ومع حذفهم من سند المکاتبة تصیر المکاتبة صحیحة السند . والشاهد علی ذلک کلمة " کتبوا " فی صدر الروایة ، لأنّ أبا القاسم الصیقل وولده إن کانوا موجودین فی سند المکاتبة وهم ینقلون المکاتبة فلابدّ أن یقولوا ، « کتبتُ » أو « کتبنا » لا « کتبوا » ، وهکذا فی ذیل الروایة لا بدّ أن یکون هکذا بدل « کتب إلیه » . وهذا الشاهد یدل علی حذفهم فی السند ، ومع حذفهم تصیر المکاتبة صحیحة السند .

وفیه : أن ظاهر السند وجودهم فیه ، لأنّ الوارد فی السند « محمد بن عیسی بن عبید عن أبی القاسم الصیقل وولده » ، وظاهره ورودهم فیه ، فلابدّ من أخذ هذا الظاهر . ومن له إلمام بالأحادیث والروایات ونقلها وکتابتها والنسخ الواردة فیها ، یعلم بأنّ الاستدلال بکلمة واحدة بدل کلمة اُخری لیس بصحیح ، لکثرة النسخ وتبدیلها . نعم یصح الاستدلال بمضمون الروایات ومفادها ، وهذا أمر مهمّ ظهر لنا بحمد اللّه تعالی بعد الممارسة سنین متمادیة فی روایات أهل البیت علیهم السلام ، وذلک فضل اللّه یؤتیه من یشاء واللّه ذو الفضل العظیم .

وبالجملة ، سند المکاتبة ضعیف لا یمکن تصحیحه بنظرنا القاصر وإن کانت دلالتها علی الإنتفاع بالمیتة وبیعها تام .

ومنها : خبر قاسم الصیقل : کتبت إلی الرضا علیه السلام : إنّی أعمل أغماد السیوف من جلود الحمر المیتة فتصیب ثیابی فأصلّی فیها ؟ فکتب إلیّ : إتخذ ثوباً لصلاتک .

فکتبت إلی أبی جعفر الثانی علیه السلام : کنت کتبت إلی أبیک علیه السلام بکذا وکذا ، فصعب علیَّ ذلک فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشیة الذکیّة ، فکتب إلیَّ : کل أعمال البرّ بالصبر _ یرحمک اللّه _ فإن کان ما تعمل وحشیّاً ذکیّاً فلا بأس(1) .

الروایة تدل علی جواز الإنتفاع بالمیتة ولکن تعویض الثیاب أو تطهیرها صار موجباً لصعوبة العمل علی قاسم الصیقل ولذا بدّل المیتة بالذکیّة وأنه یعمل بها ، ولذا أجابه الإمام

ص: 66


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 462 ح 4 .

أبوجعفر الثانی جواد الأئمة علیهم السلام : « کلُّ أعمال البرّ بالصبر» .

ولکن سندها ضعیف . واحتمل بعض مشایخنا اتحاد هذه الروایة مع المکاتبة الماضیة ، والإتحاد بنظرنا بعیدٌ ، لا سیّما مع تعدد الأئمة المسؤولین عنهم علیهم السلام . واللّه العالم .

ومنها : خبر علی بن أبی حمزة : إنّ رجلاً سأل أبا عبد اللّه علیه السلام _ وأنا عنده _ عن الرجل یتقلّد السیف ویصلّی فیه ؟ قال : نعم ، فقال الرجل : إنّ فیه الکیمخت ، قال : وما الکیمخت ؟ قال : جلود دوابّ منه ما یکون ذکیّاً ومنه ما یکون میتة ، فقال : ما علمت أنّه میتة فلا تصلّ فیه(1) .

أجاب الإمام علیه السلام بعدم جواز الصلاة فی ما علم أنّه میتة وأجاز ضمناً الإنتفاع بها لعدم تعرضه به وهو فی مقام البیان ، فالروایة تدل علی جواز الإنتفاع بالمیتة ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الصلاة فی الفراء ؟ فقال : کان علی بن الحسین علیه السلام رجلاً صرداً ، لا یدفئه فراء الحجاز ، لأنّ دباغها بالقرظ ، فکان یبعث إلی العراق فیؤتی ممّا قبلکم بالفرو فیلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقی القمیص الذی یلیه ، فکان یُسأل عن ذلک ؟ فقال : إنّ أهل العراق یستحلّون لباس جلود المیتة ویزعمون أنَّ دباغه ذکاته(2) .

دلالة الروایة علی الإنتفاع بالمیتة واضحة ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : خبر زرارة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن جلد الخنزیر یجعل دلواً یستقی به الماء ؟ قال : لا بأس(3) .

بتقریب : عدم قبول التذکیة للخنزیر ، فإنّه میتة لا محالة وأجاز الإمام علیه السلام الإنتفاع بجلده . ولکن فی السند أبا زیاد النهدی وهو مجهول ، فالسند ضعیف به .

وبالجملة ، هذه الطائفة من الروایات تدل علی جواز الإنتفاع بالمیتة والطائفة الأولی

ص: 67


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 491 ح 4 .
2- (2) وسائل الشیعة 4 / 462 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 1 / 175 ح 14 .

صریحة فی عدم الجواز ، ویمکن الجمع بینهما بحمل الطائفة المانعة علی الإنتفاعات التی یُنتفع بها فی المذکّی کما یظهر ذلک أیضاً من بعضها نحو موثقة سماعة وخبر البزنطی ونحوهما . وعلی هذا الروایات تدل علی جواز الإنتفاع بالمیتة .

ولو أبیت إلاّ أن تری التعارض بین الطائفتین من الروایات ، بعد التساقط لعدم وجود الترجیح بینهما ، فالمرجع هو قاعدة الحلّ فی الإنتفاع بالمیتة .

وبعد جواز الإنتفاع بالمیتة ، علی القاعدة المذکورة ، من الملازمة بین جواز الإنتفاع وجواز البیع هل یحکم بجواز بیع المیتة هنا أم لا ؟

نعم ، علی القاعدة الأوّلیة لابدّ من الحکم بالجواز فی بیع المیتة ، ولکن هذا إذا لم یرد من الشارع المقدس النهی عن بیعها ، وفی المقام ورد النهی من بیع المیتة فی عدة من الروایات :

منها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : السحت ثمن المیتة ، وثمن الکلب وثمن الخمر ومهر البغی ، ولارشوة فی الحکم وأجر الکاهن(1) .

وقد مرّ منّا أنّ لفظ « السحت » ظاهر فی الحرمة ، والحرمة فی المعاملات ظاهرة فی الحرمة الوضعیة ، یعنی بطلان المعاملة . وسند الروایة أیضاً معتبر ، فلا بأس بأخذها والإفتاء علی طبقها .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال علیه السلام : أجر الزانیة سحت ، وثمن الکلب الذی لیس بکلب الصید سحت ، وثمن الخمر سحت وأجر الکاهن ، سحت وثمن المیتة سحت ، فأمّا الرشا فی الحکم فهو الکفر باللّه العظیم(2) .

ومنها : خبر وصیة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال صلی الله علیه و آله وسلم : یا علی من السحت ثمن المیتة وثمن الکلب وثمن الخمر ومهر الزانیة والرشوة فی الحکم وأجر الکاهن(3) .

ومنها : خبر البزنطی صاحب الرضا علیه السلام قال : سألته عن الرجل تکون له الغنم یقطع من ألیاتها وهی أحیاء أیصلح له أن ینتفع بما قطع ؟ قال : نعم یذیبها ویسرج بها ولا یأکلها

ص: 68


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 93 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 94 ح 8 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 94 ح 9 .

ولا یبیعها(1) .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الماشیة تکون للرجل فیموت بعضها یصلح له بیع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال : لا ولو لبسها فلا یصلِّ فیها(2) .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : من السحت ثمن المیتة ، الحدیث(3) .

ومنها : خبر الدعائم قال : روینا عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن بیع الأحرار ، وعن بیع المیتة والخنزیر والأصنام ، وعن عسب الفحل ، وعن ثمن الخمر ، وعن بیع العذرة وقال : هی میتة(4) .

هذه الروایات مع إفتاء المشهور علی طبقها بل کاد أن یکون إجماعاً ، منعنا من الحکم بجواز بیع المیتة علی القاعدة الملازمة بین جواز الإنتفاع بالمیتة وجواز بیعها ، وعلی طبق هذه الروایات نذهب إلی عدم صحة بیع المیتة وبطلانه . کما علیه المشهور بل الإجماع .

تبصرة فیها فرع :

یجوز الإنتفاع ببعض أجزاء المیتة نحو الصوف والشعر والریش والبیضة والناب والقرن والأنفحة وغیرها من الأجزاء الّتی لا تحلّها الحیاة ، تدل علی ذلک عدّة من الروایات :

منها : معتبرة أبان بن عثمان عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : واُطلق فی المیتة عشرة أشیاء : الصوف والشعر والریش والبیضة والناب والقرن والظلف والأنفحة والإهاب واللبن وذلک إذا کان قائماً فی الضرع(5) .

ص: 69


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 68 ح 6 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 96 ح 17 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 69 ح 1 .
4- (4) مستدرک الوسائل 13 / 71 ح 6 .
5- (5) وسائل الشیعة 24 / 175 ح 11 .

ومنها : خبر محمد بن جمهور عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : حرم من الذبیحة عشرة أشیاء وأحلّ من المیتة اثنتا عشرة شیئاً ، فأمّا الذی یحرم من الذبیحة فالدم والفرث والغدد والطحال والقضیب والانثیان والرحم والظلف والقرن والشعر ، وأمّا الذی یحلّ من المیتة : فالشعر والصوف والوبر والناب والقرن والضرس والظلف والبیض والأنفحة والظفر والمخلب والریش(1) .

ومنها : صحیحة حریز قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام لزرارة ومحمد بن مسلم : اللبن واللباء والبیضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وکلّ شیء یفصل من الشاة والدابّة فهو ذکیٌّ ، فإن أخذته منه بعد أن یموت فاغسله وصلّ فیه(2) .

ومنها : حسنة الحسین بن زرارة قال : کنت عند أبی عبد اللّه علیه السلام وأبی یسأله عن السنّ [اللبن] من المیتة والبیضة من المیتة وإنفحة المیتة ، فقال : کلّ هذا ذکیٌّ ، الحدیث(3) .

ومنها : معتبرة غیاث بن إبراهیم عن أبی عبد اللّه علیه السلام : فی بیضة خرجت من أست دجاجة میتة ، قال : إن کانت اکتست البیضة الجلد الغلیظ فلا بأس بها(4) .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : عشرة أشیاء من المیتة ذکیّة : القرن والحافر والعظم والسنّ والإنفحة واللبن والشعر والصوف والریش والبیض(5) .

ومنها : صحیحة زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الإنفحة تخرج من الجدی المیت ؟ قال : لا بأس به ، قلت : اللبن یکون فی ضرع الشاة وقد ماتت ؟ قال : لا بأس به ، قلت : والصوف والشعر وعظام الفیل والجلد والبیض یخرج من الدجاجة ؟ فقال : کل هذا لا بأس به(6) .

ص: 70


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 177 ح 20 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 180 ح 3 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 180 ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 24 / 181 ح 6 .
5- (5) وسائل الشیعة 24 / 182 ح 9 .
6- (6) وسائل الشیعة 24 / 182 ح 10 .

ومنها : حسنة أخری للحسین بن زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث قال : سأله أبی عن الإنفحة تکون فی بطن العناق أو الجدی وهو میت ؟ قال : لا بأس به .

قال : وسأله أبی _ وأنا حاضر _ عن الرجل یسقط سنّه فیأخذ سنّ إنسان میّت فیجعله مکانه ؟ فقال : لا بأس .

وقال : عظام الفیل تجعل شطرنجاً ؟ قال : لا بأس بمسّها .

وقال أبو عبد اللّه علیه السلام : العظم والشعر والصوف والریش کل ذلک نابت لا یکون میتاً .

قال : وسألته عن البیضة تخرج من بطن الدجاجة المیتة ؟ قال : لا بأس بأکلها(1) .

ومنها : غیر ذلک من الروایات الواردة فی المقام .

تدل هذه الروایات علی جواز الإنتفاع بهذه الأشیاء من المیتة وأکثرها ممّا لا تحلّه الحیاة ، ولذا یمکن تطهیرها أیضاً بعد انفصالها من المیتة . وحیث یجوز الإنتفاع بها ، یجوز بیع هذه الأجزاء ولا تشملها الروایات المانعة من بیع المیتة لأنّها جزءٌ للمیتة المبانة منها ویجوز الإنتفاع بها فیجوز بیعها . وأمّا الصلاة فیها فلا تجوز کما هو الظاهر من المذهب ، والروایات المجوّزة للصلاة فی هذه الأجزاء المبانة من المیتة تحمل علی التقیة . والحمد للّه وهو العالم .

فرعان

الاوّل : هل یجوز بیع المختلط بالمیتة ، المشتبه بین المذکّی والمیتة معاً أم لا ؟
اشارة

یعنی مثلاً : هنا لحمان أحدهما مذکّی والآخر میتة واشتبه الأمر بینهما هل یجوز بیعهما أم لا ؟

المشهور بین الأصحاب جواز بیعه ممّن یستحلّ المیتة کما ذهب إلیه الشیخ فی النهایة(2) وابن حمزة فی الوسیلة(3) ویحیی بن سعید فی الجامع للشرایع(4) والمحقق فی الشرایع(5) والعلامة

ص: 71


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 183 ح 12 .
2- (2) النهایة / 586 .
3- (3) الوسیلة / 362 .
4- (4) الجامع للشرایع / 752 .
5- (5) الشرائع 3 / 175 .

فی الارشاد(1) وغیرهم فی غیرها .

ثم هل یجوز بیعه أم لا ؟ وعلی القول بالجواز هل یُعتبر بیعه ممّن یستحلّ المیتة فقط أم لا ؟ فلابدّ من ملاحظة الأدلة فی المقام ، تنقسم إلی ثلاث طوائف :

الطوائف الثلاث من الروایات
الطائفة الأولی : تدل علی جواز بیع المختلط :

منها : صحیحة الحلبی قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إذا اختلط الذکی والمیتة باعه ممّن یستحلّ المیتة ویأکل ثمنه(2) .

ومنها : صحیحة أخری للحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سُئل عن رجل کان له غنم وبقر وکان یدرک الذکی منها فیعزله ، ویعزل المیتة ثم إنّ المیتة والذکی أختلط کیف یصنع به ؟ قال : یبیعه ممّن یستحل المیتة ویأکل ثمنه فإنّه لا بأس(3) .

وهاتان الصحیحتان کالنص فی جواز بیع المختلط ممّن یستحل المیتة .

ومنها : صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی العجین من الماء النجس کیف یصنع به ؟ قال : یباع ممّن یستحلّ المیتة(4) .

هذه الصحیحة تدل علی جواز بیع العجین النجس المتعیّن ممّن یستحلّ المیتة ، وحیث یجوز بیع هذا النجس المتعیّن کذلک یجوز بیع المختلط بطریق أولی .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن حُبّ دهن ماتت فیه فأرة ؟ قال : لا تدهن به ولا تبعه من مسلم(5) .

بتقریب : صارحب الدهن بعضه أو کلّه نجساً بموت فأرة فیه ، ونهی الإمام علیه السلام عن بیعه من المسلم لأجل نجاسته ، یعنی یجوز بیعه من الکافر ، فکما یجوز بیع هذا الدهن النجس من الکافر کذلک یجوز بیع المختلط من الکافر وممّن یستحلّ المیتة .

ص: 72


1- (1) الارشاد 2 / 113 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 99 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 99 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 100 ح 3 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 100 ح 5 .

وبالجملة ، مفهوم خبر علی بن جعفر یدل علی جواز بیع المختلط ممّن یستحلّ المیتة . ولکن فی سنده ضعف .

ومنها : خبر زکریا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبیذ مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر ومرق کثیر ؟ قال : یهراق المرق ، أو یطعمه أهل الذمة أو الکلب واللحم إغسله وکله .

قلت : فإنّه قطر فیه الدم ، قال : الدم تأکله النار إن شاء اللّه .

قلت : فخمر أو نبیذ قطر فی عجین أو دم ؟ قال : فقال : فسد .

قلت : أبیعه من الیهود والنصاری واُبیّن لهم ؟ قال : نعم ، فإنّهم یستحلون شربه .

قلت : والفقاع هو بتلک المنزلة إذا قطر فی شیءٍ من ذلک ؟ قال : فقال : أکره أن آکله إذا قطر فی شیء من طعامی(1) .

بتقریب : أنّ الإمام علیه السلام جوّز إطعام أهل الذمة بالمرق النجس والإطعام لا یکون مجانیّاً قطعاً ، فیمکن بیع هذا المرق النجس لهم . وهکذا أجاز بیع العجین المتنجس بالخمر أو النبیذ أو الدم لهم ، وعلّله علیه السلام بأنّهم یستحلون شرب الخمر .

فالروایة بهاتین الفقرتین تدلان علی جواز بیع المتنجس المتعیّن من أهل الذمة ، وحیث یجوز بیع المتنجس المتعین لهم کذلک یجوز بیع المختلط بطریق أولی .

فالروایة تدل علی جواز بیع المختلط من أهل الذمة . ولکن سندها ضعیف بالحسن بن المبارک حیث لم یرد توثیقه .

الطائفة الثانیة تدل علی رمیهما معاً إلی الکلاب :

منها : خبر الجعفریات بإسناده عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام أنّه سئل عن شاة مسلوخة واُخری مذبوحة ، عُمّیَ علی الراعی أو علی صاحبها ، فلا یدری الذکیّة من المیتة ؟ قال : یرمی بها جمیعاً إلی الکلاب(2) .

ص: 73


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 470 ح 8 .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 73 ح 1 .

بتقریب : أن الروایة تدل علی لزوم رمی المختلط إلی الکلاب وعلی هذا لا یجوز بیعه حتی ممّن یستحل المیتة .

وفیه : رمی المختلط إلی الکلاب لا یلزم عدم جواز بیعه ممّن یستحلّ ، لأنّ الإمام علیه السلام جعلهما فی عرض واحد فی خبر زکریا بن آدم المتقدم ، حیث قال علیه السلام : « یهراق المرق أو یطعمه أهل الذمة أو الکلب» . هذا أولاً .

وثانیاً : سند الروایة ضعیف کما لا یخفی علی أهله .

الطائفة الثالثة :

تدل علی عرضهما علی النار فإن انقبض فهو ذکیٌّ حلالٌ وإن انبسط فهو میتة حرام :

منها : خبر شعیب عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی رجل دخل قریة ، فأصاب بها لحماً لم یدر أذکیٌّ هو أم میّت ؟ فقال : یطرحه علی النار ، فکلُّ ما انقبض فهو ذکیّ ، وکلّ ما انبسط فهو میّت(1) .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : لا تأکل الجرِّی _ إلی أن قال _ إذا وجدت لحماً ولم تعلم أذکیّ هو أم میتة ؟ فألق قطعة منه علی النار ، فإن انقبض فهو ذکیٌّ وإن استرخی علی النار فهو میتة(2) .

بتقریب : أن الروایتین وردتا فی اللحم المشتبه ، ولکن الملاک فی المشتبه والمختلط واحد وهو عدم العلم بأنّه میتة أو ذکیّ .

وأفتی الصدوق بمفادهما فی المقنع(3) والشهید فی الدروس حیث قال : « ... ویمکن اعتبار المختلط بذلک (یعنی بالمشتبه وطرحه علی النار) إلاّ أنّ الأصحاب والأخبار أهملت ذلک»(4) .

وفیه : أن الروایتین وردتا فی المشتبه ولم یفت الأصحاب علی طبقهما ، بل المشهور

ص: 74


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 188 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 189 ح 2 .
3- (3) المقنع / 142 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 16 / 193 .
4- (4) الدروس 3 / 13 .

ذهبوا إلی ترک اللحم المشتبه ، وبعد إعراض المشهور عنهما کیف یمکن التعدی منهما إلی المختلط .

هذا ، مع ضعف سند الأولی باسماعیل بن عمر وشعیب وکلاهما مجهولان والثانیة مرسلة . وبالجملة لم یعمل الأصحاب بمفادهما فی موردهما - یعنی اللحم المشتبه - فکیف یمکن الأخذ بهما فی غیر موردهما یعنی المختلط ؟ !

فبقی فی المقام الطائفة الثانیة والطائفة الأولی ، وحیث لا تنافی بینهما کما مرّت الإشارة إلی ذلک منّا ، فالروایات تدلّ علی جواز بیع المختلط ممّن یستحیل المیتة ، فلابدّ من الأخذ بها .

ولکن حیث لم یرد النهی من بیع المختلط ، بل النهی فقط ورد من بیع المیتة ، والمختلط لیست بالمیتة ، یعنی الروایات الناهیة عن بیع المیتة لا تشمل بیع المختلط ، فیجوز بیع المختلط مطلقاً ، سواء کان المشتری مسلماً أو کان ذمیّاً .

وما ورد من الروایات فی جواز بیعه ممّن یستحلّ - یعنی الذمی - مثبت فی المقام ، ولا نفی فیه ، فجواز بیعه من المسلم صححه جواز الإنتفاع بالمختلط ، فیجوز بیعه ولم یرد النهی عن ذلک فی الشریعة المقدسة .

وبالجملة ، یجوز بیع المختلط مطلقاً ، لعدم ورود النهی عن ذلک وجواز الإنتفاع بها منفعة محلّلة عقلائیة .

الثانی : یجوز بیع المیتة من غیر ذی النفس السائلة .
اشارة

لابدّ لنا من البحث هنا فی مقامین :

1 _ المقام الأوّل : طهارة المیتة من غیر ذی النفس السائلة :

تدل علیه عدّة من الروایات :

منها : موثقة عمار الساباطی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلک یموت فی البئر والزیت والسمن وشبهه ؟ قال : کلّ ما لیس له دم فلا بأس(1) .

ص: 75


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 463 ح 1 .

ومنها : موثقة حفص بن غیاث عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال : لا یفسد الماء إلاّ ما کانت له نفس سائلة(1) .

بتقریب : یعنی ما لیس له نفس سائلة لا یفسد الماء بموته فیه ، فصارت میتة طاهرة . ومثلها مرفوعة محمد بن یحیی(2) .

ومنها : موثقة سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن جرّة وجد فیها خنفساء قد ماتت ؟ قال : ألقها وتوضّأ منه ، وإن کان عقرباً فأرق الماء وتؤضّأ من ماء غیره الحدیث(3) .

ومنها : خبر ابن مسکان قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : کلّ شیءٍ یسقط فی البئر لیس له دم - مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلک _ فلا بأس(4) .

والروایة الأخیرة ضعیفة السند بمحمد بن سنان الراوی عن ابن مسکان .

وهذه الروایات ونظائرها دالة علی طهارة المیتة من غیر ذی النفس السائلة . هذا کلّه فی المقام الأوّل .

2 _ المقام الثانی : هل یجوز بیعه أم لا ؟

حیث کانت هذه المیتة طاهرة ولها منافع محلّلة عقلائیة ولم یرد فی الشریعة النهی عن بیعه فیجوز بیعه مطلقاً .

إن قلت : النهی الوارد عن بیع المیتة یشمل هذه المیتة بإطلاقه ، لأنّها میتة أیضاً . کما ادعاه المحقق الشیرازی الثانی قدس سره فی حاشیته علی المکاسب(5) .

قلت : النهی الوارد فی المیتة وروایاتها منصرف عن المیتة من غیر ذی النفس السائلة کانصراف ما لا یؤکل لحمه عن الإنسان ، وهذا ظاهر لاغبار علیه .

وبالجملة ، یجوز بیع المیتة الطاهرة لعدم ورود النهی عن ذلک ولها منافع محلّلة عقلائیة . والحمد للّه رب العالمین .

ص: 76


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 464 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 3 / 464 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 3 / 464 ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 3 / 464 ح 3 .
5- (5) حاشیة المکاسب / 12 للمحقق آیة اللّه المیرزا محمد تقی الشیرازی طاب ثراه .
تکمیلٌ فیه فرعٌ : الترقیع وزرع الأعضاء

هل یجوز قطع أعضاء المیت المسلم لأجل زرعها فی المسلم الحیّ وترقیعها ؟ وعلی فرض جوازه هل یجوز بیع هذه الأعضاء ؟ وهل فی قطع هذه الأعضاء دیة ؟ والدیة علی مَنْ ؟ علی القاطع أو المسلم الحی المریض ؟ وفی من تصرف هذه الدیة ؟

ثم هل الوصیة بذلک (یعنی بقطع العضو) نافذة من قبل المیت أم لا ؟ وهل تعتبر رضی أولیاء المیت فی هذا القطع ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - أنه یجوز قطع أعضاء المیت المسلم لأجل زرعها فی المسلم الحیّ مع توفر شرطین :

الأوّل : إن کان حفظ حیاة المسلم مشروطاً بهذا القطع والترقیع .

الثانی : عدم إمکان تحصیل هذا العضو من المیت الکافر أو من أهل الذمة أو غیر المسلم .

فمع هذین الشرطین یجوز قطع عضو المیت المسلم وزرعه فی المسلم الحیّ . فممّا ذکرنا من هذا الإشتراط ظهر أنّ الحکم بالجواز هنا لیس لأجل انصراف أدلة حرمة المثلة من هذا القطع ، بل لأجل تقدّم حفظ حیاة المسلم علی حرمة هذا القطع بقاعدة التزاحم کما قُرّر فی محلّه . ویؤیده مرسلة زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سأله أبی وأنا حاضر عن الرجل یسقط سنّه ، فأخذ سنّ إنسان میت فیجعله مکانه ؟ قال لا بأس(1) .

وفی فرض الجواز ، الأحوط عدم جواز بیعه ، لأنّ من المحتمل شمول أدلة حرمة بیع المیتة لذلک . ویؤیده صحیح أیوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إذا قطع من الرجل قطعة فهی میتة ، فإذا مسّه إنسان فکلّ ما کان فیه عظم فقد وجب علی من

ص: 77


1- (1) وسائل الشیعة 4 / 417 ح 4 _ الباب 31 من أبواب لباس المصلی .

یمسّه الغسل ، فإن لم یکن فیه عظم فلا غسل علیه(1) .

نعم ، ثبت علی القاطع دیة العضو ، لعموم أدلة الدیات وشمولها لهذا الفرض . وتدل علیه صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی رجل قطع رأس المیت ؟ قال : علیه الدیة ، لأنّ حرمته میّتاً کحرمته وهی حیٌّ(2) .

ونحوها خبر عبد اللّه بن مسکان(3) وخبر محمد بن سنان عمّن أخبره عن أبی عبداللّه علیه السلام (4) .

وتدل علیه أیضاً صحیحة جمیل عن غیر واحد عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : قطع رأس المیت أشدُّ من قطع رأس الحیّ(5) .

وراجع فی ذلک الباب 25 من أبواب دیات الأعضاء من وسائل الشیعة 29 / 328 .

ویمکن أن یشترط القاطع أن یدفع دیة المسلم الحیّ ، وحینئذ بعد أدائه الدیة تسقط عنه .

وهذه الدیة تصرف فی وجوه البرّ للمیت ، ولم یکن مالاً له حتّی یُقسّم بین الورثة . وتدل علیه صحیحة حسین بن خالد قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن رجل قطع رأس رجل میت ؟ فقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ حرّم منه میتاً کما حرّم منه حیّاً ، فمن فعل بمیت فِعلاً یکون فی مثله اجتیاح نفس الحی فعلیه الدیة .

فسألت عن ذلک أبا الحسن علیه السلام فقال : صدق أبو عبد اللّه علیه السلام ، هکذا قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

قلت : فمن قطع رأس میّت أو شق بطنه أو فعل به ما یکون فیه اجتیاح نفس الحی فعلیه دیة النفس کاملة ؟ فقال : لا ، ولکن دیته دیة الجنین فی بطن أمّه قبل أن تنشأ فیه الروح ،

ص: 78


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 294 ح 1 _ الباب 2 من أبواب غسل المس .
2- (2) وسائل الشیعة 29 / 327 ح 4 _ الباب 24 من أبواب دیات الأعضاء .
3- (3) وسائل الشیعة 29 / 327 ح 6 .
4- (4) وسائل الشیعة 29 / 327 ح 5 .
5- (5) الکافی 7 / 348 ح 2 .

وذلک مائة دینار ، وهی لورثته ، ودیة هذا هی له لاللورثة .

قلت : فما الفرق بینهما ؟ قال : إنّ الجنین أمرٌ مستقبل مرجوٌّ نفعه وهذا قد مضی وذهبت منفعته ، فلمّا مثّل به بعد موته صارت دیته بتلک المثلة له لا لغیره ، یحجُّ بها عنه ویفعل بها أبواب الخیر والبرّ من صدقة أو غیرها .

قلت : فإن أراد رجل أن یحفر له فیغسّله فی الحفرة فسدر الرجل ممّا یحفر فدیر به فمالت مسحاته فی یده فأصاب بطنه فشقّه فما علیه ؟ فقال : إذا کان هکذا فهو خطأ وکفّارته عتق رقبة أو صیام شهرین متتابعین أو صدقة علی ستین مسکیناً ، مدٌّ لکلّ مسکین بمدّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم (1) .

أقول : ورواها أیضاً البرقی بسنده الصحیح عن الحسین بن خالد(2) .

ثم : الوصیة بقطع العضو من جسده لم تکن نافذة مع فقد الشرطین المذکورین ، ومع وجودهما لا أثر لفقد الوصیة .

والأحوط الإستئذان من إولیاء المیت لأجل القطع .

ثم بعد القطع والزرع یصیر هذا العضو جزءً للحی ، فیطهر ویجوز الصلاة معه بلا ریب وإشکال ، سواءً فی ذلک بین الأعضاء والأجزاء الداخلیة والخارجیة .

فرع آخر : التشریح

وممّا ذکرنا ظهر حکم تشریح ، یعنی تقطیع جسد إنسان لأجل تعلّم الطب هل یجوز أم لا ؟

یجوز تشریح جسد المسلم مع حفظ الشرطین المذکورین سابقاً ، ومع عدمهما فلا یجوز . وورد فی الروایات جواز شق بطن المرأة المیتة وخروج ولدها الحیّ وجواز تقطیع ولد المیت فی بطن أمّه الحیّة . ولیست هذه الموارد إلاّ لحفظ حیاة الحیّ . فإذا کان یجوز الشق والتشریح

ص: 79


1- (1) الکافی 7 / 349 ح 4 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 29 / 325 ح 2 _ الباب 24 من أبواب دیات الأعضاء .
2- (2) المحاسن 2 / 16 ح 16 .

لأجل حفظ حیاة مسلم واحد ، یجوز ذلک إذا کان حفظ حیاة المسلمین یستلزم ذلک ولو کان فی المستقبل .

من الروایات المومی إلیها :

منها : موثقة علی بن یقطین قال : سألت العبد الصالح علیه السلام عن المرأة تموت وولدها فی بطنها ؟ قال : یشقّ بطنها ویخرج ولدها(1) .

ومنها : صحیحة أخری لعلی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن موسی علیه السلام عن المرأة تموت وولدها فی بطنها یتحرّک ؟ قال : یشقّ عن الولد(2) .

ومنها : خبر وهب بن وهب عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إذا ماتت المرأة وفی بطنها ولد یتحرّک فیتخوّف ، علیه فشقّ بطنها واُخرج الولد .

وقال : فی المرأة یموت ولدها فی بطنها فیتخوّف علیها ، قال : لا بأس أن یدخل الرجل یده فیقطّعه ویخرجه إذا لم ترفق به النساء(3) .

وبالجملة ، إذا کان حفظ حیاة المسلمین ولو فی المستقبل منوطاً بالتشریح ولم یکن فی البین جسد الکافر ثم الذمی للتشریح ، یجوز تشریح جسد المسلم .

لا یقال : أدلة حرمة المثلة والتشریح مطلقة تشمل المسلم والذمی والکافر ، فلماذا قدّمتم الکافر ثم الذمی ثم المسلم ؟ بل بعضها تختص بالکوافر وإن کانت تشمل المسلم بطریق الأولویة کما یفهم من جملة الروایات :

منها : صحیحة أبی حمزة الثمالی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إذا أراد أن یبعث سرّیة دعاهم فأجلسهم بین یدیه ثم یقول : سیروا بسم اللّه وباللّه وفی سبیل اللّه وعلی ملة رسول اللّه ، لا تغّلوا ولا تمثّلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا شیخاً فانیّاً ولا صبیّاً ولا إمرأة ولا تقطعوا شجراً إلاّ أن تضطروا إلیها ، وأیّما رجل من أدنی المسلمین أو أفضلهم نظر إلی أحد من المشرکین فهو جار حتی یسمع کلام اللّه ، فإن تبعکم فأخوکم فی الدین وإن أبی فأبلغوا

ص: 80


1- (1) وسائل الشیعة 2 / 470 ح 2 الباب 46 من أبواب الإحتضار .
2- (2) وسائل الشیعة 2 / 471 ح 6 .
3- (3) الکافی 3 / 206 ح 2 و نقل عنه فی وسائل الشیعة 2 / 470 ح 3 .

مأمنه واستعینوا باللّه(1) .

ومنها : معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم کان إذا بعث أمیراً له علی سریة أمره بتقوی اللّه عزّوجلّ فی خاصة نفسه ثم فی أصحابه عامّة ثم یقول : أغز بسم اللّه وفی سبیل اللّه ، قاتلوا من کفر باللّه ، لاتغدروا ولاتغلوا ولاتمثّلوا ولاتقتلوا ولیداً ولا متبتّلاً فی شاهق ولاتحرقوا النخل ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر عبد الرحمن بن جندب عن أبیه عن أمیر المؤمنین علیه السلام : کان یأمر فی کل موطن لقینا فیه عدوّنا فیقول : لا تقاتلوا القوم حتّی یبدأوکم ، فإنّکم بحمد اللّه علی حجة وترککم أیاهم حتی یبدأوکم حجة اُخری لکم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مُدبراً ، ولا تجیزوا علی جریح ولا تکشفوا عورة ولا تمثّلوا بقتیل(3) .

ومنها : خبر مالک بن أعین عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال فی حدیث : ولا تمثّلوا بقتیل ، الحدیث(4) .

ومنها : مرسلة الرضی عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی وصیته للحسن والحسین علیهماالسلام لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه : ... أنظروا إذا أنا متُّ من ضربته هذه فاضربوه ضربةً بضربة ، ولا تمثِّلوا بالرجل ، فإنّی سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : إیّاکم والمثلة ولو بالکلب العقور(5) .

لأنا نقول : نعم هذه الروایات - وإن لا ینکر شمول بعضها للکوافر فقط - ولکن نعلم من الخارج حرمة المسلم بالنسبة إلیه ، وحیث نضطر فی العمل من التشریح وهو فی الحقیقة قسمٌ من المثلة فلا یجوز التشریح والمثلة بالنسبة إلی جثّة المسلم ما دمنا نجد جسد الکافر . وهکذا الأمر بالنسبة إلی الذمی ، لأنّ المسلم أعظم حرمةً منه ، فلا یجوز تشریح المسلم وجسد الذمی موجود لذلک فثبت الترتیب والإشتراط ، بحیث لا یجوز تشریح جسد المسلم وجسد

ص: 81


1- (1) وسائل الشیعة 15 / 58 ح 2 _ الباب 15 من أبواب جهاد العدو .
2- (2) وسائل الشیعة 15 / 59 ح 3 .
3- (3) وسائل الشیعة 15 / 92 ح 1 _ الباب 33 من أبواب جهاد العدو .
4- (4) وسائل الشیعة 15 / 95 ح 3 _ الباب 34 من أبواب جهاد العدو .
5- (5) نهج البلاغة ، الکتاب 46 .

الکافر ثم الذمی موجودان ، ویکفینا هذا فی المقام . وأمّا مع عدمهما فتصل النوبة إلی جسد المسلم، ویجوز ذلک مع وجود الشرط الثانی ، وهو تحفظ حیاة المسلمین علی ذلک ولو کان فی المستقبل .

وتدل علی أنّ حرمة المؤمن حیّاً ومیّتاً سواءٌ عدةّ من الروایات :

منها : صحیحة صفوان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : أبی اللّه أن یظنَّ بالمؤمن إلاّ خیراً ، وکسرک عظامه حیّاً ومیّتاً سواء(1) .

ومنها : خبر العلاء بن سیّابة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : حرمة المسلم میّتاً کحرمته وهو حیّ سواء(2) .

ومنها : خبر محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام _ فی حدیث وفاة الحسن علیه السلام ودفنه _ قال : إنّ اللّه حرَّم من المؤمنین أمواتاً ما حرّم منهم أحیاءً(3) .

والحاصل : یجوز تشریح جسد المسلم مع توفر الشرطین الماضیین ویتعلق بقطع أعضائه وکسر عظامه ونحوها الدیة ، ودیته تصرف فی وجوه البرِّ للمیت ولا تقسّم بین ورثته کما مرّ فی البحث السابق .

وهکذا لا یجوز بیع جسد المیت للتشریح ، ولا تنفذ الوصیة بذلک والأحوط ، الإستئذان من أولیائه لأجل التشریح کما مرّ فی البحث السابق آنفاً . والحمد للّه العالم بأحکامه .

ص: 82


1- (1) وسائل الشیعة 29 / 329 ح 4 _ الباب 25 من أبواب دیات الأعضاء .
2- (2) وسائل الشیعة 3 / 219 ح 1 _ الباب 51 من أبواب الدفن _ و 29 / 329 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 29 / 328 ح 3 .

السادسة : الف : بیع الخنزیر البرّی

اشارة

استدلوا علی بطلان بیعه بالإجماع ، وادعاه الشیخ فی الخلاف(1) والمبسوط(2) والعلامة فی التذکرة(3) والمنتهی(4) ، وذهب إلیه مشهور الخاصة والعامة .

والعمدة فی المقام ملاحظة الروایات ، ومع وجودها یصیر الإجماع علی فرض وجوده مدرکیّاً . والروایات الواردة حول الخنزیر علی طوائف :

الطوائف الثلاثة من الروایات

الطائفة الأولی : مایدل علی بطلان البیع :

منها : خبر الجعفریات بإسناده عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : من السحت : ثمن المیتة و ... إلی أن قال : وثمن الخنزیر ، الحدیث(5) .

ومنها : ما ورد فی دعائم الاسلام قال : روینا عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن بیع الأحرار وعن بیع المیتة والخنزیر والأصنام ، الحدیث(6) .

وهکذا ورد حرمة بیعها فی خبر تحف العقول(7) والفقه الرضوی(8) أیضاً .

ومنها : خبر معاویة بن سعید عن الرضا علیه السلام قال : سألته عن نصرانی أسلم وعنده

ص: 83


1- (1) الخلاف 3 / 184 .
2- (2) المبسوط 2 / 165 .
3- (3) التذکرة 1 / 464 ، (10 / 25 من الطبعة الحدیثة) .
4- (4) المنتهی 2 / 1008 .
5- (5) مستدرک الوسائل 13 / 69 ح 1 .
6- (6) مستدرک الوسائل 13 / 71 ح 5 .
7- (7) تحف العقول / 333 .
8- (8) الفقه الرضوی / 250 .

خمر وخنازیر وعلیه دین هل یبیع خمره وخنازیره ویقضی دینه ؟ قال : لا(1) .

ومنها : مضمرة یونس فی مجوسی باع خمراً أو خنازیر إلی أجل مسمی ثمّ أسلم قبل أن یحلّ المال ، قال : دراهمه(2) .

وقال : أسلم رجل وله خمر وخنازیر ثمّ مات وهی ملکه وعلیه دین ، قال : یبیع دُیّانه أو ولی له غیر مسلم خمره وخنازیره ویقضی دینه ، ولیس له أن یبیعه وهو حیٌّ ولا یمسکه .

وظاهر هذه الطائفة من الروایات بطلان بیع الخنزیر ، ولکن کلّها ضعاف والأخیرة مضمرة لم تنسب إلی المعصوم علیه السلام إلاّ أن ذیلها تدل علی بطلان البیع .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام فی رجل کان له علی رجل دراهم فباع خمراً وخنازیر وهو ینظر فقضاه ، فقال : لا بأس به ، أمّا للمقتضی فحلال وأمّا للبائع فحرام(3) .

والحرمة بالنسبة إلی البائع تدلّ بوضوح علی بطلان البیع . وروی نحوها فی دعائم الإسلام(4) .

الطائفة الثانیة : مایدل علی صحة البیع فی الجملة :

منها : صحیحة زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یکون لی علیه دراهم فیبیع بها خمراً وخنزیراً ثم یقضی منها ، قال : لا بأس ، أو قال : خذها(5) .

والروایة تدل علی صحة البیع ، لأن المدیون یقضی دینه من عین الدراهم التی أخذها ثمناً للخمر والخنزیر ، فلو کان بیعه باطلاً ، لم یجز أخذ الثمن الشخصی منه للدائن . الروایة مطلقة بالنسبة إلی الذمی والمسلم . ولکن الذی یُشکل الأمر فی الروایة وجود الخمر فیها الذی

ص: 84


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 236 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 227 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 232 ح 2 .
4- (4) دعائم الإسلام 2 / 19 ح 25 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 184 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 233 ح 3 .

لا یمکن الذهاب إلی صحة بیعه ، فلذا لابدّ من حمل هذه الصحیحة إمّا علی الذّمی أو الإعراض عنها . والأوّل أشبه .

ومنها : حسنة محمد بن یحیی الخثعمی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یکون لنا علیه الدین فیبیع الخمر والخنازیر فیقضینا ، فقال : لا بأس به لیس علیک من ذلک شیءٌ(1) .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یکون له علی الرجل مال فیبیع بین یدیه خمراً وخنازیر یأخذ ثمنه ، قال : لا بأس(2) .

والأمر فی الأخیرتین أیضاً علی نحو الأولی .

ومنها : موثقة منصور قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : لی علی رجل ذمّی دراهم فیبیع الخمر والخنزیر وأنا حاضر ، فیحلّ لی أخذها ؟ فقال : إنّما لک علیه دراهم فقضاک دراهمک(3) .

والروایة سنداً موثقة بابن فضال ، والمنصور الراوی فیها هو ابن حازم بقرینة نقل یونس بن یعقوب عنه واشتهاره فی عصره وبین المسمّین بهذا الإسم . والروایة تدل علی صحة البیع بالنسبة إلی الذمّی .

ومنها : خبر علی بن جعفر بل صحیحته عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجلین نصرانیین باع أحدهما خمراً أو خنزیراً إلی أجل فأسلما قبل أن یقبضا الثمن هل یحلّ لهما ثمنه بعد الإسلام ؟ قال : إنّما له الثمن فلا بأس أن یأخذه(4) .

الطائفة الثالثة : ما ورد فی الإنتفاع بجلد الخنزیر وشعره وبعض أجزائه والعمل به .

منها : خبر زرارة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن جلد الخنزیر یجعل دلواً یُستقی به الماء ؟ قال : لا بأس(5) .

ص: 85


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 233 ح 4 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 233 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 232 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 234 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 1 / 175 ح 16 .

والروایة ضعیفة السند بأبی زیاد النهدی لأنّه مجهولٌ ، وأمّا دلالتها علی جواز الإنتفاع بجلد الخنزیر واضحة .

ومنها : صحیحة زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الحبل یکون من شعر الخنزیر یُستقی به الماء من البئر ، هل یتوضّأ من ذلک الماء ؟ قال : لا بأس(1) .

وقد حملها صاحب الوسائل علی التوضی بماء البئر لا ماء الدلو ، وقال : « وإن اُرید به ماء الدلو فإن الحبل لا یلاقیه بعد الإنفصال عن البئر ویحتمل کون الدلو کراً»(2) .

أقول : لا یخفی ما فی احتماله الأوّل والأخیر ، فإن السائل یسأل عن ماء دلوه لا ماء البئر ، وهکذا احتمال کون الدلو کراً بمسافة من البُعد . وبالجملة الصحیحة تدل علی جواز الإنتفاع بشعره .

ومنها : حسنة الحسین بن زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : قلت له : شعر الخنزیر یُعمل حبلاً ویُستقی به من البئر التی یُشرب منها أو یُتوضّأ منها ؟ فقال : لا بأس به(3) .

ومنها : خبر زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : قلت له : إنّ رجلاً من موالیک یعمل الحمائل بشعر الخنزیر ؟ قال : إذا فرغ فلیغسل یده(4) .

ومنها : خبر بُرْد الإسکاف قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن شعر الخنزیر یُعمل به ؟ قال : خذ فاغسله بالماء حتّی یذهب ثلث الماء ویبقی ثلثاه ثم اجعله فی فخارة جدیدة لیلة باردة ، فإن جمد فلا تعمل به وإن لم یجمد فلیس له دسم فاعمل به ، واغسل یدک إذا مسسته عند کلّ صلاة . قلت : ووضوء ؟ قال : لا إغسل یدک کما تمسّ الکلب(5) .

ومنها : الخبر الثانی لبُرْد الإسکاف قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّی رجل خراز ولا

ص: 86


1- (1) وسائل الشیعة 1 / 170 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 1 / 170 ذیل ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 1 / 171 ح 3 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 228 ح 1 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 228 ح 2 .

یستقیم عملنا إلاّ بشعر الخنزیر نخرز به ؟ قال : خذ منه وبرة فاجعلها فی فخارة ، ثمّ أوقد تحتها حتّی یذهب دسمها ثم اعمل به(1) .

ومنها : الخبر الثالث لبُرْد قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداک إنّا نعمل بشعر الخنزیر ، فربّما نسی الرجل فصلّی وفی یده شیءٌ ؟ قال : لا ینبغی أن یصلّی وفی یده منه شیءٌ ، فقال : خذوه فاغسلوه فما کان له دسم فلا تعملوا به وما لم یکن له دسم فاعملوا به واغسلوا أیدیکم منه(2) .

وهذه الطائفة من الروایات تدل علی جواز الإنتفاع بشعر وجلد الخنزیر ولا فرق بین شعره وجلده وسائر أجزائه ، کما لم یرد فی الروایات صورة انحصار جواز الإنتفاع بالاضطرار ، کما أفتی به بعض الأصحاب وحملها علی صورة الاضطرار ، وهو حمل للروایات بلا وجه تقیید بلا قید . وعلی هذا کما یجوز الإنتفاع بأجزاء الخنزیر یجوز بیعه علی القاعدة الکلّیّة الّتی مرّت منّا من أنّ کلّ شیء یجوز الإنتفاع به یجوز بیعه وصح شراؤه ، فبیع أجزاء الخنزیر صحیح لدلالة هذه الطائفة الأخیرة من الأخبار .

إن قلت : الروایات الواردة فی العمل بشعر الخنزیر لا یُثبت جواز بیعه ، لأنّ موضوعها العمل به والعمل یمکن أن یکون بالإیجار أو مجاناً أو نحو ذلک ، ونعنی أن العمل لا یستلزم البیع فی جمیع الموارد ، فلا تدل علی المطلوب .

قلت : نعم ، العمل أعم من البیع فلا یثبته و لکن حیث ثبت جواز العمل بالأجزاء ثبت جواز الإنتفاع بها ، وحیث ثبت جواز الإنتفاع ثبت جواز البیع .

وما ورد فی الروایات من حدیث غسلها وجعلها فی الفخارة وذهاب دسمها کلّها إرشادات إلی کیفیة ذهاب دسومة شعر الخنزیر أو جلده لتقلیل التنجس بها أو سهولة التطهیر بعد التنجس بها ، ولا تدلّ علی المولویة کما هو واضح .

وبالجملة ، حیث ثبت جواز الانتفاع بأجزاء الخنزیر من شعره وجلده وغیرهما

ص: 87


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 228 ح 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 228 ح 4 .

وثبت جواز بیع هذه الأجزاء ، فهل یمکن الذهاب إلی القول بجواز بیع کلّه - أعنی الخنزیر بأجمعه - أم لا ؟ یدل علی جواز بیعه عدم الفرق بین الأجزاء والکل ، وتدل علی بطلان بیعه بعض روایات الطائفة الأولی مع إفتاء المشهور علی طبقها ، فکیف صار الحکم فی الخنزیر ؟

القاعدة الأولیة تقتضی جواز بیعه مع فرض وجود المنافع المحلّلة فیه وجواز الإنتفاع به حیّاً أو میتةً ، وفی هذا الفرض القاعدة تقتضی جواز بیعه ، إلاّ أنه ثبت دلیل شرعی علی بطلان بیعه تعبداً فنأخذ به کما ورد ذلک فی المیتة . فهل ورد هنا أیضاً دلیل تعبدی علی بطلان بیع الخنزیر أم لا ؟

أمّا خبر الجعفریات فضعیف سنداً ، ویمکن المناقشة فی دلالته بأنّه فی صدد عدّ أنواع السحت ولا إطلاق له حتّی یشمل صورة بیع الخنزیر لأجل منافعه المحلّلة المفروضة . وهکذا الأمر فی خبر الدعائم سنداً ودلالةً .

وقد مرّ منّا ضعف خبر تحف العقول وعدم صحة انتساب الفقه الرضوی إلی الإمام علی بن موسی الرضا علیه السلام فهذان الخبران أیضاً لا یفید ان فی المقام شیئاً .

وأمّا خبر معاویة بن سعید فضعیف به ، ولکن دلالته علی بطلان بیع المسلم للخنزیر واضح .

وأمّا صحیحة محمد بن مسلم فهی العمدة فی المقام ، وهی تدل علی بطلان البیع ، حیث أن الإمام علیه السلام قال فیها : « وأمّا للبائع فحرام» ، وهذا صریح فی بطلان المعاملة .

وبنظرنا القاصر هذه الصحیحة المبارکة یمکن أن تکون شاهد الجمع بین الطائفتین من الروایات - أعنی الطائفة الأولی الدالة علی بطلان المعاملة والطائفة الثانیة الدالة علی صحة المعاملة إجمالاً بحیث یجوز أخذ الثمن للفرد الآخر - یعنی الدائن مثلاً تفضّلاً من اللّه تعالی وتسهیلاً لأُمور المتدینین ، ووزانها وزان ما ورد فی تحلیل الخمس بالنسبة إلی الید الثانیة ، بأنه لو کان مالاً صار متعلَّقاً للخمس فی ید مالکه ثم انتقل إلی الثانی ، حلّله الشارع المقدس للثانی بروایات التحلیل ولکن ذمة الأوّل مشغولة به . هکذا الأمر فی هذا البیع ، بتقریب : أنّ البیع هنا کان باطلاً ولکن الشارع أجاز للدائن أو الثانی أخذ هذا الثمن الشخصی تسهیلاً لأمرهم وتفضّلاً منه علیهم ، وهذا مفاد قوله علیه السلام فی صحیحة زرارة : « لا بأس به للمقتضی فحلال

ص: 88

وأمّا للبائع فحرام » .

نعم ، بعض الروایات تدل علی صحة البیع بالنسبة إلی الذمیّ :

منها : مضمرة یونس الماضیة ، حیث قال الإمام علیه السلام فیها : « یبیع دُیّانه أو ولی له غیر مسلم خمره وخنازیره ویقضی ، دینه ولیس له أن یبیعه وهو حیّ ولا یمسکه» .

بتقریب : أنّ الإمام أجاز قضاء دینه من ثمن الخمر والخنزیر ، ولکن لو کان بائعه ولیاً له غیر مسلم وقدر متیقن هذا الولی أنّه من أهل الذمة ، فأجاز الإمام علیه السلام هذا البیع ، فبیع الخمر والخنزیر من جانب الذمیّ صار صحیحاً . وتدل علی الصحة أیضاً صدر هذه المضمرة ، ولکن لو کان هذا الرجل الّذی أسلم حدیثاً کان حیّاً لا یجوز البیع بتوسطه والبیع منه باطل ، وهذا مفاد قوله علیه السلام : « ولیس له أن یبیعه وهو حیٌّ» . وأمّا قوله علیه السلام : « ولا یمسکه » فأمّا یحمل علی کراهة إمساک المسلم الخمر والخنزیر أو عدم جواز إمساکهما للبیع ونحو ذلک .

والعمدة فی المقام تصحیح سند هذه المضمرة ، ولا بأس به ، لأنّ إسماعیل بن مرار من الحسان ولذا لا یضرّ وجوده فی السند ، وهو الراوی عن یونس بن عبد الرحمن ، فالمراد بیونس فی السند هو ابن عبد الرحمن ، وهو مع جلالته وفقاهته وکونه من أصحاب الإجماع وأمر الإمام الرضا علیه السلام بأخذ معالم الدین منه لا ینقل عن غیر الإمام شیئاً ، فالإضمار فی الروایة لا یضرّ حیث کان مُضِمره یونس بن عبد الرحمن .

وبالجملة ، بعض الروایات تدلّ علی صحة بیع الذمیّ الخمر والخنزیر فنأخذ بها ، وأمّا المسلم فبیعه لهما باطل ، بدلالة بعض الروایات ، ومنها : صحیحة محمد بن مسلم ومضمرة یونس بن عبد الرحمن الماضیتین .

وأمّا أخذ ثمن هذه المعاملة من الذمیّ أو من المسلم للمسلم الآخر فأجازه الإمام علیه السلام تسهیلاً لأمور المسلمین وسماحة للشریعة المقدسة وقد استفدنا هذا الأمر من صحیحة محمد ابن مسلم .

وأمّا جواز بیع أجزاء الخنزیر الذی مرّ منّا فلعدم ورود النهی عن ذلک ، وترتب المنفعة المحلّلة فیها ، فیجوز بیعه لمنافعه المحلّلة ، نحو حرمة بیع المیتة وجواز بیع بعض أجزائه لمنافعه المحلّلة التی مرّت منّا البحث فیها . وهذا تمام الکلام فی حکم بیع الخنزیر البرّی والحمد للّه ربّ العالمین .

ص: 89

السادسة : ب : بیع الکلب البرّی

اشارة

المشهور بین الأصحاب بطلان بیع الکلب ، واستثنی منه بیع کلاب الصید سلوقیاً کان أو غیره ، وبعضهم استثنی کلب الحائط الماشیة والزرع نحو الإسکافی علی ما نقل عنه العلامة فی المختلف(1) وابن إدریس الحلّی فی السرائر(2) وابن حمزة فی الوسیلة(3) والعلامة فی القواعد(4) والتحریر(5) والفاضل المقداد فی التنقیح(6) وابن فهد الحلی فی المهذب البارع(7) والشهید فی الدروس(8) والمحقق الثانی فی جامع المقاصد(9) والمولی أحمد النراقی فی المستند(10) ، وغیرهم فی غیرها .

ثم هل یلحق بهذا الإستثناء کلّ الکلاب المعلَّمة أو کلّ الکلاب الذین لهم منافع محلَّلة ، کبیع کلاب الدار والتجسس وشرطة الأمن ونحوها أم لا ؟

فلابدَّ من ملاحظة الأدلة الواردة فی المقام ، وهی روایات :

الطائفتان من الروایات

الطائفة الأولی مایدل علی حرمة بیع الکلب مطلقاً :

منها : خبر الحسن بن علی الوشاء عن الرضا علیه السلام فی حدیث قال : وثمن الکلب

ص: 90


1- (1) مختلف الشیعة 5 / 12 .
2- (2) السرائر 2 / 220 _ 215 .
3- (3) الوسیلة / 249 .
4- (4) قواعد الأحکام 1 / 120 .
5- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 258 مسألة 3007 .
6- (6) التنقیح الرائع 2 / 7 .
7- (7) المهذب البارع 2 / 348 .
8- (8) الدروس 3 / 168 .
9- (9) جامع المقاصد 4 / 14 .
10- (10) مستند الشیعة 14 / 86 .

سحت(1) .

ومنها : خبر جراح المدائنی قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : من أکل السحت ثمن الخمر ونهی عن ثمن الکلب(2) .

ومنها : صحیحة إبراهیم بن أبی بلاد قال : قلت لأبی الحسن الأوّل علیه السلام : جعلت فداک إنّ رجلاً من موالیک عنده جوار مغنّیات قیمتهنّ أربعة عشر ألف دینار ، وقد جعل لک ثلثها ، فقال : لا حاجة لی فیها ، إنّ ثمن الکلب والمغنیّة سحت(3) .

ومنها : خبر آخر للحسن بن علی الوشاء قال : سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام عن شراء المغنیّة ؟ قال : قد تکون للرجل الجاریة تلهیه ، وما ثمنها إلاّ ثمن کلب وثمن الکلب سحت والسحت فی النار(4) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : السحت ثمن المیتة وثمن الکلب وثمن الخمر ومهر البغی والرشوة فی الحکم وأجر الکاهن(5) .

ومنها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : یا علی من السحت ثمن المیتة وثمن الکلب وثمن الخمر ومهر الزانیة والرشوة فی الحکم وأجر الکاهن(6) .

ومنها : خبر القاسم بن عبد الرحمن عن محمّد بن علی علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن الحسین بن علی علیه السلام فی حدیث : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن خصال تسعة ، عن مهر البغی وعن عسیب الدابة _ یعنی کسب الفحل _ وعن خاتم الذهب وعن ثمن الکلب وعن میاثر الأرجوان(7) .

ص: 91


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 118 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 119 ح 4 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 123 ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 124 ح 6 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 93 ح 5 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 94 ح 9 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 95 ح 13 .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علیّ علیه السلام قال : من السحت ثمن المیتة _ إلی أن قال _ : وثمن الکلب ، الحدیث(1) .

ومنها : خبر ابن فضال عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : شر الکسب : ثمن الکلب ومهر البغی وکسب الحجام(2) .

ومنها : خبر عبد اللّه بن طلحة عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : من أکل السحت سبعة : الرشوة فی الحکم ومهر البغی وأجر الکاهن وثمن الکلب والذین یبنون البنیان علی القبور والذین یصوّرون التماثیل وجعیلة الأعرابی(3) .

ومنها : خبر دعائم الإسلام رفعه إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه نهی عن ثمن الکلب العقور(4) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : بعثنی رسول اللّه إلی المدینة فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ولا قبراً إلاّ سوّیته ولا کلباً إلاّ قتلته(5) .

وأمره صلی الله علیه و آله وسلم بقتل الکلاب تدل علی عدم مالیتها ، فإذاً لا یجوز بیعها .

الطائفة الثانیة : مایدل علی جواز بیع کلب الصید

منها : خبر أبی عبد اللّه العامری قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن ثمن الکلب الذی لا یصید ؟ فقال : سحت ، وأمّا الصیود فلا بأس(6) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبی عبد اللّه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ثمن الکلب الذی لا یصید سحت ، قال : ولا بأس بثمن الهرّ(7) .

ص: 92


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 69 ح 1 .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 70 ح 2 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 71 ح 6 .
4- (4) مستدرک الوسائل 13 / 89 ح 2 .
5- (5) وسائل الشیعة 11 / 533 ح 1 الباب 46 .
6- (6) وسائل الشیعة 17 / 118 ح 1 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 119 ح 3 .

مفهوم هذه الصحیحة یدل علی جواز بیع کلب الصید .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن ثمن کلب الصید ؟ قال : لا بأس ، بثمنه ، والآخر لا یحلّ ثمنه(1) .

والآخر : یعنی الکلب الذی لیس بکلب الصید لا یحلّ ثمنه فلا یجوز بیعه .

ومنها : خبر آخر لأبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : ثمن الخمر ومهر البغی وثمن الکلب الذی لایصطاد من السحت(2) .

مفهوم هذه الروایة یدل علی أن ثمن الکلب الذی یصید لیس بالسحت فیجوز بیعه .

ومنها : خبر قاسم بن الولید العامری قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن ثمن الکلب الذی لا یصید ، فقال : سحت ، وأمّا الصیود فلا بأس(3) .

ومنها : مرسلة الشیخ لأنّه قال فی المبسوط یجوز بیع کلب الصید . وروی : أنّ کلب الماشیة والحائط مثل ذلک(4) .

هذه المرسلة تدل علی جواز بیع کلب الماشیة والحائط ، وهما غیر کلب الصید .

ومنها : خبر دعائم الإسلام رفعه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : لا بأس بثمن کلب الصید(5) .

ومنها : صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : لا خیر فی الکلاب إلاّ کلب صید أو کلب ماشیة(6) .

فی هذه الصحیحة اُلحق کلب الماشیة بکلب الصید ، فلما یجوز بیع کلب الصید فیجوز بیعه . ولعل المراد بالخیر وجود المنفعة أو المالیة فیها .

ص: 93


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 119 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 119 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 119 ح 7 .
4- (4) المبسوط 2 / 166 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 120 ح 9 .
5- (5) مستدرک الوسائل 13 / 90 .
6- (6) وسائل الشیعة 11 / 530 ح 2 .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم : رخص لأهل القاصیة فی کلب یتّخذونه(1) .

جواز إتخاذ الکلب وإن کان ظاهره التکلیف ولکن إذا جاز أخذه وله منفعة فیجوز بیعه . ومن الواضح أنّه غیر کلب الصید .

ومنها : معتبرة أخری للسکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الکلاب الکردیة إذا عُلَّمت فهی بمنزلة السلوقیّة(2) .

وهذه المعتبرة تدل علی أنّ المدار فی جواز البیع کون الکلب معلَّماً ، فإذا کان معلَّماً یجوز بیعه وإلاّ فلا ، وإذا عُلِّمت الکلاب الکردیة فیجوز بیعها کالکلاب السلوقیّة .

فالمدار فی التعلیم ، وتعلیم الکلب لا ینحصر فی الصید بل ربّما یعلّمونه للمحافظة أو للشرطة أو للأمن أو لوجدان الأشخاص المفقودین أو الأشیاء المفقودة أو الأشیاء المستورة والمخفیّة نحو مواد التخدیر ، أو للتهاجم إلی المجرمین وأخذهم وغیرها من المنافع . فکلّ هذه الکلاب المعلَّمة بالتعلیل الوارد فی هذه المعتبرة یجوز بیعها وتخرج من تحت الطائفة الأولی من الروایات .

والعجب من المحدث البحرانی حیث یقول : « وهذه الأخبار کلّها _ کما تری _ متفقة علی ما ذکرناه من أنّ ما عدا کلب الصید فإنّه لا یجوز بیعه ولا شراؤه ، ولم أقف علی خبر یتضمن استثناء غیره ، سوی ما فی عبارة المبسوط من قوله « وروی أنّ کلب الماشیة والحائط مثل ذلک » ، وفی الإعتماد علی مثل هذه الروایة فی تخصیص هذه الأخبار إشکال »(3) .

أقول : مع وجود معتبرة السکونی کیف یقول قدس سره : « لم أقف علی خبر یتضمن استثناء غیره سوی ما فی عبارة المبسوط» . والروایة معتبرة سنداً وتامةٌ دلالةً .

ویؤید ما ذکرناه : مرسلة الشیخ أبی الفتوح الرازی فی تفسیره رفعه إلی أبی رافع عن

ص: 94


1- (1) وسائل الشیعة 11 / 531 ح 7 .
2- (2) وسائل الشیعة 23 / 355 ح 1 .
3- (3) الحدائق 18 / 81 .

النبی صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث : أنّه رخّص فی اقتناء کلب الصید وکلّ کلب فیه منفعة ، مثل کلب الماشیة وکلب الحائط والزرع ، رخصهم فی اقتنائه ... ، الحدیث(1) .

هذه المرسلة تدل علی جواز اقتناء کلّ کلب فیه منفعة ومثّل بکلب الماشیة والحائط والزرع ، فتشمل غیرها من الکلاب المعلَّمة . وکما یجوز اقتنائها یجوز بیعها ، کما عطفها فی المرسلة بکلب الصید والإجماع علی جواز بیعه .

ویؤیده أیضاً : مرسلة ابن أبی جمهور الإحسائی رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث فقال : « لا أدع کلباً بالمدینة إلاّ قتلته» ، فهربت الکلاب حتّی بلغت العوالی ، فقیل : یا رسول اللّه کیف الصید بها وقد أمرت بقتلها ؟ فسکت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فجاء الوحی بإقتناء الکلاب التی ینتفع بها ، فاستثنی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم کلاب الصید وکلاب الماشیة وکلاب الحرث وأذن فی اتخاذها(2) .

والأمر فی هذه المرسلة کسابقتها .

وتدل علی ما ذکرنا من صحة بیع الکلاب المعلَّمة ما ورد فی الروایات من تعین مقدار دیة بعض الکلاب أو تقویمها ، وهذه الدیة - بأیّ مقدار کانت أو تقویمها بدلاً منها - تدل بوضوح علی مالیتها ، وحیث کانت مالاً یجوز بیعها بلا إشکال .

من الروایات الواردة فی هذا المقام :

صحیحة الولید بن صبیح عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : دیة الکلب السلوقی أربعون درهماً ، أمر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بذلک أن یدیه لبنی خزیمة(3) .

ومنها : صحیحة اُخری للولید بن صبیح عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : دیة کلب الصید السلوقی أربعون درهماً(4) .

ویمکن اتحاد الصحیحتین .

ص: 95


1- (1) تفسیر أبی الفتوح الرازی 2 / 103 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 90 ح 7 .
2- (2) عوالی اللا آلی 2 / 148 ح 414 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 90 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 29 / 226 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 29 / 227 ح 6 .

ومنها : حسنة عبد الأعلی بن أعین عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : فی کتاب علی علیه السلام : دیة کلب الصید أربعون درهماً(1) .

ومنها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : دیة الکلب السلوقی أربعون درهماً جعل ذلک له رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ودیة کلب الغنم کبشٌ ، ودیة کلب الزرع جریب من بُرّ ودیة کلب الأهل قفیز من تراب لأهله(2) .

الجریب والقفیز : یعنی مکیال .

ومنها : خبر ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : دیة کلب الصید أربعون درهماً ، ودیة کلب الماشیة عشرون درهماً ، ودیة کلب الذی لیس للصید ولا للماشیة زنبیل من تراب علی القاتل أن یعطی وعلی صاحبه أن یقبل(3) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی من قتل کلب الصید ، قال : یقوّمه ، وکذلک البازی ، وکذلک کلب الغنم ، وکذلک کلب الحائط(4) .

وهذه الروایات فی دیّة الکلب تدل علی لزوم إعطاء القاتل أعلی القیم من الدیّة المقدرة یعنی أربعون درهماً أو قیمة الکلاب إلی صاحبها ، وهذه الدیّة والغرامة تدل علی مالیة الکلاب عند الشارع وحیث کانت مالاً ولها منافع محلّلة فیجوز بیعها مطلقاً یعنی بلا فرق بین کلب الصید والحائط والماشیة والزرع والشرطة والأمن والسلوقی والبازی وغیرها .

لا یقال : جعل الشارع لقتل الکلاب الدیة ، تدل علی عدم مالیتها خلافاً لما ذکرناه لأنّ الشارع جعل الدیات لأشیاء لا قیمة لها قال الشهید الثانی قدس سره :

« فإنّ ثبوت الدیات لها ربّما دل علی عدم جواز بیعها ، التفاتاً إلی أنّ ذلک فی مقابلة القیمة ، فإنّک تجد کلّ ماله دیّة لا قیمة له کما فی الحر وماله قیمة لا دیة له ، کما فی الحیوان المملوک غیر

ص: 96


1- (1) وسائل الشیعة 29 / 227 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 29 / 226 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 29 / 227 ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 29 / 226 ح 3 .

الآدمی»(1) .

واستجوده فی الحدائق(2)

لإنّا نقول : یردّ علیه أولاً : بالحلّ : بأنّ الوارد فی الروایات دیة الکلب لا ینحصر الدیة بأربعین درهماً ، بل ورد فی معتبرة السکونی تقویم الکلب وضمان القاتل بالقیمة ، ونفس هذا التعبیر دلیل علی مالیة هذه الکلاب . وبنظرنا القاصر ذمة القاتل مشغول بأعلی الأمرین من أربعین درهماً أو قیمة الکلب .

وثانیاً : بالنقض : ربّما یوجد فی الأشیاء التی جعل الشارع لها الدیة ، أشیاء ذات مالیّة والقیمة ، نحو : البکارة ودیة المملوک .

ص: 97


1- (1) مسالک الأفهام 1 / 167 .
2- (2) الحدائق الناضرة 18 / 82 .

السابعة : الخمر وکلّ مسکر مایع والفقاع

اشارة

النصوص الکثیرة والإجماع من الأصحاب تدل علی بطلان بیع الخمر وکل مسکر مایع والفقاع ، فلابدّ من البحث فی کل واحد منهم :

أمّا الخمر :

الإجماع من المسلمین علی حرمة بیع الخمر وضعاً وتکلیفاً ، وتدل علیه أیضاً النصوص :

منها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی رجل ترک غلاماً له فی کرم له یبیعه عنباً أو عصیراً ، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثم باعه ، قال : لا یصلح ثمنه . ثم قال : إنّ رجلاً من ثقیف أهدی إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راویتین من خمر ، فأمر بهما رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فأهریقتا ، وقال : إنّ الذی حرّم شربها حرّم ثمنها .

ثم قال أبو عبد اللّه علیه السلام : إنّ أفضل خصال هذه التی باعها الغلام أن یتصدق بثمنها(1) .

ومنها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن ثمن الخمر ؟ قال : أهدی إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم راویة خمر بعد ما حرمت الخمر ، فأُمر بها أن تباع ، فلما مرّ بها الذی یبیعها ناداه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من خلفه : یا صاحب الراویة إنّ الذی حرّم شربها فقد حرّم ثمنها ، فأمر بها فصبّت فی الصعید ، فقال : ثمن الخمر ومهر البغی وثمن الکلب الذی لا یصطاد من السحت(2) .

ومنها : موثقة زید بن علی عن آبائه علیهم السلام قال : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتریها وساقیها وآکل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إلیه(3) .

ص: 98


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 223 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 225 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 224 ح 3 .

وهذه الموثقة مضافاً إلی دلالتها علی فساد بیع الخمر ، تدل أیضاً علی أنّ بیعها حرام تکلیفاً لورود اللعن علی بائعها ومشتریها وآکل ثمنها .

ومنها : خبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی الخمر عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقیها وحاملها والمحمولة إلیه وبائعها ومشتریها وآکل ثمنها(1) .

ونظیرها وردت فی حدیث المناهی(2) .

وتدلّ علیه الروایات الواردة فی أنّ ثمن الخمر سحت أو من السحت :

منها : صحیحة عمار بن مروان قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الغلول ؟ فقال : کلّ شیء غلّ من الإمام فهو سحت ، وأکل مال الیتیم وشبهه سحت والسحت أنواع کثیرة ، منها : اُجور الفواجر وثمن الخمر والنبیذ والمسکر والربا بعد البینة ، فأمّا الرشا فی الحکم فإنّ ذلک الکفر باللّه العظیم جلّ اسمه وبرسوله صلی الله علیه و آله وسلم (3) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : السحت ثمن المیتة وثمن الکلب وثمن الخمر ومهر البغی والرشوة فی الحکم وأجر الکاهن(4) .

ومنها : موثقة سماعة قال : قال : السحت أنواع کثیرة : منها کسب الحجّام وأجر الزانیة وثمن الخمر(5) .

ومنها : غیر ذلک من الروایات(6) .

ولمّا کان الأمر فی الخمر واضحاً أدرجنا الکلام فیه .

ص: 99


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 224 ح 4 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 224 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 92 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 93 ح 5 .
5- (5) وسائل الشیعة 17 / 93 ح 6 .
6- (6) راجع فی هذا المجال الباب الخامس من أبواب ما یکتسب به من وسائل الشیعة 17 / 92 ومستدرک الوسائل 13 / 69 .

وأمّا کلّ مسکر مایع :

تدل علی حرمة شربه تکلیفاً وبطلان بیعه نصوص متعددة :

منها : صحیحة الفضیل بن یسار قال : ابتدأنی أبو عبد اللّه علیه السلام یوماً من غیر أن أسأله فقال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : کلّ مسکر حرام ، قال : قلت : أصلحک اللّه کلّه حرام ؟ قال : نعم ، الجرعة منه حرام(1) .

بتقریب : الحرام فی « کلِّ مسکر حرام» ، مطلق یشمل حرمة شرب المسکر وحرمة بیعه وضعاً وتکلیفاً .

ومنها : صحیحة اُخری للفضیل عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال : حرّم اللّه الخمر بیعها وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المسکر من کلّ شراب ، فأجاز اللّه له ذلک _ إلی أن قال _ : فکثیر المسکر من الأشربة نهاهم عنه نهی حرام ، ولم یرخّص فیه لأحد(2) .

ومنها : حسنة کلیب الصیداوی قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : خطب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال فی خطبته : کلّ مسکر حرام(3) .

ومنها : موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من شرب مسکراً لم یقبل منه صلاته أربعین لیلة(4) .

هذه الموثقة تدل حرمة شرب المسکر فقط .

ومنها : معتبرة أو صحیحة الفضیل بن یسار عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنّ اللّه عزّ وجل عند کلّ لیلة من شهر رمضان عتقاء یعتقهم من النار ، إلاّ من أفطر علی مسکر ومن شرب مسکراً لم تحتسب له صلاته أربعین یوماً ومن مات فیها مات میتة جاهلیة(5) .

ص: 100


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 325 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 325 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 325 ح 3 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 327 ح 9 .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 328 ح 13 .

وهذه کسابقتها فی الدلالة .

ومنها : موثقة أبی بصیر عن أبی الحسن علیه السلام قال : إنّه احتضر أبی قال : یا بنیَّ إنّه لا ینال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة ، ولا یرد علینا الحوض من أدمن هذه الأشربة ، قلت : یا أبة وایُّ الأشربة ؟ فقال : کل مسکر(1) .

هذه الموثقة أیضاً تدل علی حرمة الشرب فقط .

ومنها : صحیحة اُخری للفضیل بن یسار قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : من شرب الخمر فسکر منها لم تقبل صلاته أربعین یوماً ، فإن ترک الصلاة فی هذه الأیام ضوعف علیه العذاب لترک الصلاة(2) .

بتقریب : أنّ المعیار السکر بلا فرق فی ذلک بین الخمر والمسکر .

ومنها : صحیحة اسحاق بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال : فحرّم اللّه الخمر وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم کل مسکر ، فأجاز اللّه ذلک کلّه له(3) .

ومنها : حسنة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ قال : حرّم اللّه الخمر بعینها وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المسکر من کلّ شراب ، فأجاز اللّه له ذلک(4) .

ومنها : صحیحة الحسن بن علی الوشاء عن أبی الحسن الرضا علیه السلام قال : کل مسکر حرام وکلّ مُخَمِّرٍ حرام(5) .

ومنها : خبر عبد اللّه بن سنان عن الصادق علیه السلام قال : إنّ اللّه عزّ وجل حرّم علی شیعتنا الشراب من کل مسکرٍ وعوّضهم عن ذلک المتعة(6) .

هذه الروایات وإن کان ظاهرها حرمة شرب کلّ مسکرٍ ولکن عطف کلّ مسکرٍ

ص: 101


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 329 ح 14 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 330 ح 19 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 332 ح 25 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 333 ح 29 .
5- (5) مستدرک الوسائل 17 / 65 ح 1 .
6- (6) مستدرک الوسائل 17 / 61 ح 14 .

بالخمر یدل علی اشتراک کل مسکر مع الخمر فی الأحکام ، فکما أنّ شرب الخمر حرام فکذلک شرب کلِّ مسکرٍ حرام وهکذا ، کما أنّ بیع الخمر حرام کذلک بیع کلّ مسکر حرام أیضاً . هذا أولاً .

مضافاً إلی الإطلاق الوارد فی بعض هذه الروایات نحو : « کلّ مسکر حرامٌ »فی حسنة کلیب الصیداوی ، و« فحرَّم اللّه الخمر وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم کلّ مسکر» فی صحیحة اسحاق بن عمار ، و« حرّم اللّه الخمر بعینها وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المسکر من کلّ شراب » فی حسنة أبی بصیر . والحرمة فی جمیع هذه الروایات مطلقة بالنسبة إلی الحرمة الوضعیة والتکلیفیة وتشملهما ، فتدلّ هذه الروایات بهذا البیان مضافاً إلی حرمة شرب کلّ مسکر تکلیفاً ، علی حرمة بیع کلّ مسکر یعنی بطلانه . وهذا کلّه ثانیاً .

وثالثاً : فی روایاتنا أطلق « الخمر » علی معنی یعمّ المسکر أو یشمل علی کلّ مسکر ، فحینئذ یترتّب علی کلّ مسکر جمیع أحکام الخمر حتّی حرمة بیعه تکلیفاً ، وتدل علیه عدة من الروایات :

منها : صحیحة علی بن یقطین عن أبی الحسن الماضی علیه السلام قال : إنّ اللّه عزّ وجل لم یحرِّم الخمر لاسمها ، ولکن حرّمها لعاقبتها ، فما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر(1) .

ومنها : خبر آخر لعلی بن یقطین عن أبی إبراهیم علیه السلام قال : إنّ اللّه عزّ وجل لم یحرّم الخمر لاسمها ولکن حرّمها لعاقبتها ، فما فعل فعلَ الخمر فهو خمر(2) .

بتقریب : إنّ عاقبة الخمر وفعلها الإسکار ، وهذه العاقبة والفعلة موجودة فی کلِّ مسکر ، فکلِّ مسکر خمر .

ومنها : خبر محمد بن عبد اللّه عن بعض أصحابنا قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : لِمَ حرَّم اللّه الخمر ؟ فقال : حرّمها لفعلها وفسادها(3) .

ومنها : خبر أبی الجارود قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النبیذ أخمر هو ؟ فقال علیه السلام : ما

ص: 102


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 342 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 343 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 343 ح 3 .

زاد علی الترک جودة فهو خمر(1) .

یعنی إنّ مازاد شربه علی ترکه نشاطاً وفرحاً فی الطبع فهو خمر .

ومنها : خبر محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم بن موسی بن جعفر المروی فی دلائل الإمامة عن عمَّی أبیه الحسین وعلی ابنی موسی عن أبیهما علیه السلام عن جعفر بن محمد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن فاطمة علیهاالسلام قالت : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : یا حبیبة أبیها ، کلّ مسکر حرام وکلّ مسکر خمر(2) .

أقول : روی الکلینی بسنده عن عطاء بن یسار عن أبی جعفر علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مثلها(3) .

ومنها : مرسلة الشیخ أبی الفتوح الرازی فی تفسیره عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : کلّ شراب عاقبته کعاقبة الخمر فهو حرام(4) .

وهذه الروایات - وفیها ما هو معتبر - تدل علی أنّ کلّ مسکر یطلق علیه الخمر یترتب علیه أحکام الخمر ، وعلی هذا نذهب إلی حرمة شرب کلّ مسکر تکلیفاً وإلی حرمة بیعه وضعاً وتکلیفاً نحو الخمر ، یعنی أنّ بیعه کان حراماً تکلیفاً أیضاً نحو بیع الخمر .

تنبیه : هل یلحق بالمسکرات المایعة ، الجامدة منها نحو : الحشیش والأفیون والتریاق وغیرها من مواد التخدیر فی حرمة استعمالها وحرمة بیعها وضعاً وتکلیفاً أم لا ؟

یدلّ علی الإلحاق اطلاق بعض الروایات الواردة ، نحو حسنة کلیب الصیداوی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فقد ورد فیها « کلّ مسکر حرام» ، وصحیحة إسحاق بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام ورد فیها : « حرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم کلّ مسکر» ، وصحیحة علی بن یقطین « عن أبی الحسن الماضی علیه السلام قال : إنّ اللّه عز وجل لم یحرّم الخمر لاسمها ولکن حرّمها لعاقبتها ، فما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» ، والإطلاقات الواردة فی غیرها من الروایات الماضیة .

وفیه : یمکن تقیید هذه الإطلاقات الواردة علی فرض وجود الإطلاق فیها ،

ص: 103


1- (1) الکافی 6 / 412 ح 5 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 25 / 343 ح 4 .
2- (2) دلائل الإمامة / 69 ح 7 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 17 / 58 ح 2 .
3- (3) الکافی 6 / 408 ح 3 .
4- (4) مستدرک الوسائل 17 / 66 ح 3 .

بالروایات الواردة فیها لفظة « الشراب » أو « الأشربة » المایعة ، کما لا یبعد . وعدم صدق الخمر عرفاً علی هذه المواد . والظاهر انصراف حتّی مثل صحیحة علی بن یقطین عن هذه المواد .

وبالجملة ، إلحاق المسکرات الجامدة بالمایعة منها فی جمیع الموارد التی ذکرناها بجهة الصناعة الفقهیة والأدلة التفصیلیة فی غایة الإشکال .

نعم ، یمکن الحکم بحرمة استعمال المسکرات الجامدة من جهة إضرارها علی النفس ، وما یوجب من الإختلال فی المجتمع والنظام ، ومن هذه الجهة أیضاً یمکن الحکم ببطلان بیعها . وأمّا حرمة بیعها تکلیفاً وثبوت نجاستها ولزوم حدّ شرب الخمر علی من استعملها فلا یمکن الذهاب إلیها کما لا یخفی علی من له إلمام بالفقاهة . والحمد للّه علی ما انعم .

ص: 104

أمّا الفقاع

حرمة شرب الفقاع إجماعیٌ عندنا ، فلا یجوز بیعه ، ومَنْ شربه فعلیه الحدّ .

تدل علی حرمة شربه وبطلان بیعه وحدّه الروایات المتکثرة :

منها : موثقة ابن فضال قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام أسأله عن الفقاع ، فکتب ینهانی عنه(1) .

ومنها : صحیحة الوشاء قال : کتبت إلیه _ یعنی الرضا علیه السلام _ أسأله عن الفقاع ، قال : فکتب حرام وهو خمر ، ومن شربه کان بمنزلة شارب الخمر .

قال : وقال أبو الحسن الأخیر علیه السلام : لو أنّ الدار داری لقتلت بایعه ولجلدت شاربه .

وقال أبو الحسن الأخیر علیه السلام : حدّه حدّ شارب الخمر .

وقال علیه السلام : هی خُمیرة استصغرها الناس(2) .

ومنها : صحیحة سلیمان بن جعفر قال : قلت لأبی الحسن الرضا علیه السلام : ما تقول فی شرب الفقاع ؟ فقال : خمر مجهول یا سلیمان فلا تشربه ، أما إنّه یا سلیمان لو کان الحکم لی والدار لی لجلدت شاربه ولقتلت بایعه(3) .

ومنها : صحیحة محمد بن إسماعیل قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن شرب الفقاع ، فکرهه کراهةً شدیدةً(4) .

ومنها : موثقة عمار بن موسی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الفقاع ، فقال لی :

ص: 105


1- (1) الکافی 6 / 423 ح 5 .
2- (2) الکافی 6 / 423 ح 9 .
3- (3) الکافی 6 / 423 ح 10 .
4- (4) الکافی 6 / 424 ح 11 .

هو خمر(1) .

ومنها : موثقة ابن فضال قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام أسأله عن الفقاع ، قال : فکتب یقول : هو الخمر ، وفیه حدّ شارب الخمر(2) .

ومنها : خبر عمار بن موسی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الفقاع ، فقال : هو خمر(3) .

ومنها : خبر محمد بن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الفقاع فقال : هو الخمر بعینها(4) .

ومنها : خبر زاذان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال : لو أنّ لی سلطاناً علی أسواق المسلمین لرفعت عنهم هذه الخمرة _ یعنی الفقاع _(5) .

ومنها : خبر الحسن بن الجهم وابن فضال قالا : سألنا أبا الحسن علیه السلام عن الفقاع ، فقال : حرام ، وهو خمر مجهول ، وفیه حدّ شارب الخمر(6) .

والروایات تدلّ بوضوح علی حرمة شربه وبطلان بیعه وحرمة بیعه تکلیفاً وترتب الحدّ علی مَنْ شربه ، وحیث أنّ الأمر فیه واضح أدرجنا الکلام فیه .

فرعان :

الأوّل : هل یجوز بیع الخمر للتخلیل أم لا ؟

الروایات تدل علی جواز تخلیل الخمر :

منها : صحیحة زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الخمر العتیقة تجعل خلاًّ ؟ قال : لا بأس(7) .

ص: 106


1- (1) الکافی 6 / 424 ح 13 .
2- (2) الکافی 6 / 424 ح 15 .
3- (3) الکافی 6 / 424 ح 2 .
4- (4) الکافی 6 / 423 ح 4 .
5- (5) الکافی 6 / 423 ح 6 .
6- (6) الکافی 6 / 423 ح 8 .
7- (7) الکافی 6 / 428 ح 2 .

ومنها : موثقة عبید بن زرارة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یأخذ الخمر فیجعلها خلاًّ ، قال : لا بأس(1) .

ومنها : موثقة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الخمر تجعل خلاًّ ، قال : لا بأس إذا لم یجعل فیها ما یغلبها(2) .

ومنها : موثقة اُخری لعبید بن زرارة عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : فی الرجل إذا باع عصیراً فحبسه السلطان حتّی صار خمراً ، فجعله صاحبه خلاًّ ، فقال : إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به(3) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم وأبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سئل عن الخمر یجعل فیها الخلّ ؟ فقال : لا ، إلاّ ما جاء من قبل نفسه(4) .

یعنی صار الخمر بنفسه خلاًّ ، لا بإضافة الخلّ فی الخمر وإراقته فیه .

ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الخمر یکون أوّله خمراً ثم یصیر خلاًّ ؟ قال : إذا ذهب سکره فلا بأس ، أیؤکل ؟ قال : نعم(5) .

یمکن تصحیح سند هذه الروایة بأنّ لصاحب الوسائل سنداً صحیحاً إلی کتاب علی بن جعفر ، فصارت الروایة صحیحة السند .

وهذه الروایات کما تری کلّها وردت فی جعل الخمر خلاًّ ولم ترد فیها جواز بیع الخمر للتخلیل ، بل تدل علی جواز التخلیل وجواز أکل الخلّ الحاصل منه .

وقد استدلوا علی جواز بیع الخمر للتخلیل بهذه الروایة وهی :

صحیحة جمیل قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : یکون لی علی الرجل دراهم ، فیعطینی بها خمراً ، فقال : خذها ثم أفسدها .

ص: 107


1- (1) الکافی 6 / 428 ح 3 .
2- (2) الکافی 6 / 428 ح 4 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 371 ح 5 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 371 ح 7 .
5- (5) وسائل الشیعة 25 / 372 ح 10 .

قال علیٌّ : واجعلها خلاًّ(1) .

المراد بعلیّ الوارد فی آخر الصحیحة ، علی بن حدید المذکور فی السند ، یعنی هذا توضیح منه أو تتمة الروایة بنقله لا علی أمیر المؤمنین علیه السلام کما هو واضح .

بتقریب : أجاز الإمام علیه السلام أخذ الخمر فی قبال الدراهم ثم جعلها خلاًّ ، ونفس هذا الأخذ معاملة قهریة ، فکما یجوز ذلک یجوز بیعها للتخلیل .

وأجاب الشیخ الأعظم قدس سره عن هذا الاستدلال بوجهین : الأوّل : « المراد به إمّا أخذ الخمر مجاناً ثم تخلیلها»(2) .

الثانی : « أخذها وتخلیلها لصاحبها ثم أخذ الخلّ وفاءً عن الدراهم»(3) .

وأورد فی مصباح الفقاهة علی الأوّل : « بأنّ أخذها مجاناً ثم تخلیلها لنفسه لا یوجب سقوط الدَّین عن ذمة الغریم .

وعلی الثانی : بأن تخلیلها لصاحبها لا یصحّح أخذ الخلّ وفاءً ما لم یأذن المالک فی ذلک ، والمالک إنّما أذن فی أخذ الخمر وفاءً لا فی أخذ الخلّ »(4) .

ودافع بعض الأساتذه - مدّ ظله - عن الشیخ وقال : « یمکن أن یدافع عن الوجه الأوّل : بأنّ قبول ما یعطیه المدیون بعنوان دینه ملازم لإبراء ذمّته منه .

وعن الثانی : بأنّ إذنه تعلّق بهذه العین الخارجیة بذاتها وفاءً ، وهو مطلق شامل لجمیع حالاتها وتطوّراتها ، ولیس مقیّداً بحالة خمریتها فقط ، فتأمّل »(5) .

وبالجملة ، یجوز نفس عمل تخلیل الخمر کما تدلّ علیه هذه الروایات ، وأمّا رفع الید عن الأدلة الواردة فی حرمة بیع الخمر وضعاً وتکلیفاً فی مورد التخلیل فمشکل جداً ، وغایة ما یمکن أن یقال فی صحیحة جمیل الأخذ بها فی موردها الخاص وعدم التعدی منه إلی البیع

ص: 108


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 371 ح 6 .
2- (2) المکاسب 1 / 42 .
3- (3) المکاسب 1 / 42 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 87 .
5- (5) دراسات فی المکاسب المحرمة 1 / 456 .

للتخلیل .

فلا یجوز بیع الخمر للتخلیل . واللّه سبحانه هو العالم .

الثانی : هل یجوز التداوی بالخمر وبیعه لذلک أم لا ؟

ورد فی عدة من الروایات عدم جواز التداوی بالخمر :

منها : صحیحة عمر بن اُذینة قال : کتبت إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أسأله عن الرجل یبعث له دواء من ریح البواسیر فیشربه بقدر اُسکرّجة من نبیذ صلب لیس یرید به اللّذّة وإنّما یرید به الدواء ؟ فقال : لا ولا جرعة . ثم قال : إنّ اللّه عز وجل لم یجعل فی شیءٍ ممّا حرّم شفاءً ولا دواءً(1) .

ومنها : موثقة الحلبی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن دواء عجن بالخمر ، فقال : لا واللّه ما اُحبّ أنظر إلیه فکیف أتداوی به ، إنّه بمنزلة الخنزیر أو لحم الخنزیر وإنّ أناساً لیتداوون به(2) .

ومنها : موثقة أو صحیحة علی بن جعفر عن أخیه أبی الحسن علیه السلام قال : سألته عن الکحل یعجن بالنبیذ أیصلح ذلک ؟ فقال : لا(3) .

لم ترد هذه الروایة فی صورة الإستشفاء والتداوی .

ومنها : صحیحة معاویة بن عمار قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام عن دواء عجن بالخمر نکتحل منها ؟ فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : ما جعل اللّه عزّ وجلّ فیما حرّم شفاءً(4) .

ومنها : خبر الحلبی قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن دواء یعجن بخمر ، فقال : ما اُحبّ أن أنظر إلیه ولا أشمّه فکیف أتداوی به(5) .

ص:109


1- (1) الکافی 6 / 413 ح 2 .
2- (2) الکافی 6 / 414 ح 4 .
3- (3) الکافی 6 / 414 ح 9 .
4- (4) الکافی 6 / 414 ح 6 .
5- (5) الکافی 6 / 414 ح 10 .

ومنها : خبر إسماعیل بن محمّد قال : قال جعفر بن محمّد علیه السلام : نهی رسول اللّه عن الدواء الخبیث أن یتداوی به(6) .

قد حملت هذه الروایة علی الدواء الذی صنع من الخمر والمسکر .

ومنها : موثقة ابن أبی یعفور قال : کان إذا أصابته هذه الأوجاع [ الأرواح [فإذا اشتدّت به شرب الحسو من النبیذ فتسکن عنه ، فدخل علی أبی عبد اللّه علیه السلام إلی أن قال _ : فأخبره بوجعه وشربه النبیذ ، فقال له : یا ابن أبی یعفور لا تشربه ، فإنّه حرام ، إنّما هذا الشیطان موکّل بک ، فلو قد یئس منک ذهب ، فلما رجع إلی الکوفة هاج به وجع أشدّ ممّا کان ، فأقبل أهله علیه ، فقال : لا واللّه لا أذوق منه قطرة أبداً ، فآیسوا منه ، وکان یهمّ علی شیءٍ ولا یحلف ، فلما سمعوا أیسوا منه ، واشتدَّ به الوجع أیاماً ، ثم أذهب اللّه عنه ، فما عاد إلیه حتّی مات(1) .

ومنها : معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون : ... والمضطرُّ لا یشرب الخمر ، لأنّها تقتله ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : المضطرُّ لا یشرب الخمر ، فإنّها لا تزیده إلاّ شرّاً ، ولأنَّه إن شربها قتلته ، فلا یشرب منه قطرة(3) .

ومنها : خبر قاید بن طلحة أنّه سأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن النبیذ یجعل فی الدواء ، فقال : لا [ لیس ] ینبغی لأحد أن یستشفی بالحرام(4) .

ومنها : معتبرة حمران عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال فی حدیث طویل فی أخبار آخر الزمان : ... ورأیت أموال ذوی القربی تقسّم فی الزُّور ویتقامر بها الخمور ، ورأیت الخمر

ص:110


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 346 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 347 ح 11 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 347 ح 12 .
4- (4) وسائل الشیعة 25 / 347 ح 13 .

یتداوی بها ویوصف للمریض ویستشفی بها ، الحدیث(1) .

بعد التأمل فی هذه الروایات ظهر لی أنّ الأئمة علیهم السلام کانوا بصدد نفی الإستشفاء والتداوی بالخمر وغیرها من المحرّمات ، ولذا أجابوا فی بعض الروایات فی جواب الاستشفاء بالخمر بنحو عام نحو صحیحة عمر بن أذینة حیث قال الإمام علیه السلام فیها : « إنّ اللّه عز وجل لم یجعل فی شیءٍ ممّا حرّم شفاءً ولا دواءً » ، وصحیحة معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : « ما جعل اللّه عزّ وجلّ فیما حرّم شفاءً» وخبر قاید بن طلحة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال :

« لا ینبغی لأحد أن یستشفی بالحرام» .

إنّهم علیهم السلام نفوا الإستشفاء والتداوی بالمحرّمات بنحو عام لئلا یلعبَ الناس بالمحرّمات بقصد الإستشفاء والتداوی أو بداعیهما أو بدعواهما ، وعلی هذا لا فرق بین الخمر وغیرها من المسکرات والمحرّمات ، إذا کان المرض موجباً للضرر أو مهلکاً وانحصر الدواء فی الخمر أو غیرها من المسکرات أو المحرّمات ، فتجر أدلة الإضطرار وتنفی الحرمة التکلیفیة مادام الاضطرار باقیاً .

فإذا جاز شربه ، جاز بیعه أیضاً لهذا الأمر ، وإن کان الأحوط حینئذ ترک صورة البیع والإتیان بالمعاوضة بطرق اُخری .

تنبیه : هل یجوز بیع الکحول الطبیّة والصناعیة أم لا ؟

نعم ، یجوز بیع هذه الکحول ، وهی محکومة بالطهارة للأصل ، ویجوز بیعها لوجود المنافع المحلّلة العقلائیة فیها ، لإنصراف اسم الخمر عن هذه الکحول . ووجود بعض مراتب الإسکار فیها أو إمکان إعدادها للإسکار کما قیل ، لا یصدق علیها فعلاً اسم المسکر ، فلذا لا یصدق علیها خمر ولا مسکر ولا تشملها أدلة بطلان بیعها .

فبقی جواز بیعها علی القاعدة الأوّلیة وتشملها إطلاقات حلیة البیع وجوازه ونفوذه ولزوم الوفاء به . والحمد للّه وهو العالم .

ص:111


1- (5) الکافی 6 / 414 ح 8 .

الثامنة : الأعیان المتنجّسة

هل یحرم المعاوضة وبیع الأعیان المتنجسة أم لا ؟

فصّل الشیخ الأعظم قدس سره بین الأعیان المتنجسة وذهب إلی عدم جواز بیعها إذا لم تکن قابلة للتطهیر وتوقّف منافعها المحلّلة المعتدّ بها علی الطهارة . ومع فقد هذین الشرطین أو أحدهما ذهب إلی جواز بیعها(1) .

فلابدّ لنا من البحث فی المقام من أنّ النجاسة علی الشیء هل هی بنفسها مانعة من البیع والمعاوضة أم لا ؟

قد تمسکوا فی إثبات أنّ النجاسة العارضة مانعة من البیع بعدّة وجوه :

منها : وجود الإجماع علی بطلان بیع المتنجس الذی لا یمکن تطهیره ، ادعاه ابن زهرة فی الغنیة(2) والعلامة فی المنتهی(3) وظاهر ثانی الشهیدین فی المسالک(4) وصریح النراقی فی المستند(5) .

وفیه : أوّلاً : لم یتعرض قدماء الأصحاب لهذا الإجماع نحو الصدوق والمفید والمرتضی والطوسی قدس سرهم وغیرهم من أساطین الفقه ، وعدم تعرضهم لهذا الإجماع أقوی شاهد علی عدم وجوده .

وثانیاً : یمکن أن یکون هذا الإجماع مدرکیّاً ، ومدرکهم سائر الأدلة الواردة فی المقام الذی نبحث فیه ، ومع وجود هذا الاحتمال لم یستکشف هذا الإجماع مِنْ قول المعصوم علیه السلام فلابدّ من ملاحظة غیره من الأدلة .

ص:112


1- (1) المکاسب 1 / 43 .
2- (1) الغنیة / 586 .
3- (2) منتهی المطلب 2 / 1010 .
4- (3) المسالک 1 / 164 ، (3 / 119 من الطبعة الحدیثة) .
5- (4) مستند الشیعة 14 / 70 .

وثالثاً : علی فرض تحقق هذا الإجماع ، الظاهر أنّه منعقد علی صورة عدم وجود منفعة محلّلة عقلائیة للمتنجس ، بحیث ألغی الشارع المالیة منه وإن عُدّ عند غیر الملتزمین بالشریعة مالاً .

وأمّا علی فرض وجود المنفعة المحلّلة فیجوز بیعه والإجماع لا ینفیه .

ومنها : أصل الفساد الجاری فی موارد الشک فی صحة المعاملة ، یعنی إذا شککنا فی صحة بیع المتنجس الأصل فی ذلک فساده ، ویمکن التعبیر عنه باستصحاب عدم ترتب الأثر .

وفیه : إذا کان شیءٌ مالاً عند العرف ثم نشک فی صحة المعاملة علیه ، یشملها الإطلاقات الواردة فی حلیّة البیوع ولزومها وتجارة عن تراض وجوازها . فبعد ورود هذه الإطلاقات یعنی - الأدلة اللفظیة فی المقام لاتصل - النوبة إلی الأصل والاستصحاب .

ومنها : قوله تعالی : «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ»(5) .

بتقریب : لزوم الإجتناب فی الآیة الشریفة متفرع علی الرجس ، یعنی العلّة التامة للإجتناب هی الرجس ، والرجس هو النجس ، وإطلاق الإجتناب یقتضی جمیع التقلبات فیه ، ومنها البیع والمعاوضة .

وفیه : المراد بالرجس فی الآیة الشریفة غیر النجس المصطلح ، لأنّ الوارد فیها المیسر والأنصاب والأزلام ، ولم یذهب أحد إلی نجاسة هذه الأشیاء ، فلا یمکن أن یکون الرجس فی الآیة بمعنی النجس ، لأنّه یوجب خروج الموارد المذکورة منها وهو مستهجن . والظاهر أنّ المراد بالرجس فی الآیة ما یقابل لفظة [ پلیدی ] فی الفارسیة ، وهذا غیر النجاسة المصطلحة .

ومنها : قوله تعالی : «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»(1) :

بتقریب : الرجز بمعنی الرجس والنجاسة ، وإطلاق الهجرة منه یقتضی ترک جمیع التقلبات فیه ، ومنها البیع والشراء والمعاوضة .

وفیه : تفسیر الرجز والرجس بالنجاسة ، غیر تام . روی صاحب مجمع البیان(2) عن

ص:113


1- (1) سورة المائدة / 90 .
2- (2) سورة المدثر / 5 .

المفسرین تفسیر الرجز بالأصنام والأوثان والعذاب والمعاصی والفعل القبیح والخُلْق الذمیم وحبّ الدنیا ، وأین هذا من تفسیره بالنجاسة المصطلحة . فهذا الإستدلال أیضاً علیلٌ .

ومنها : قوله تعالی : «وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَائِثَ»(1) .

بتقریب : أنّ النجس من أظهر مصادیق الخبائث ، وأن إطلاق تحریمها یشمل تحریم جمیع التقلبات فیها ، ومنها البیع والمعاوضة .

وفیه : أوّلاً : أن الخبیث لیس مرادفاً للنجس ، بل الظاهر أنّ المراد به ما یکون بذاته ردّیاً وقبیحاً ، وتترتب علیه المضارّ والمفاسد . وهذا أعمٌّ من النجاسة المصطلحة .

وثانیاً : أن الظاهر من تحریم الخبائث ، حیث نُسبت الحرمة إلی الأعیان ، تحریم الإنتفاعات والآثار المناسبة لها ، نحو الأکل والشرب واللبس ونحوها ، لا تحریم البیع والمعاوضة . یعنی الحرمة مع إضافتها إلی الخبائث - وهی من الأعیان - ظاهرها الحرمة التکلیفیة لا الوضعیة بحیث تشمل بطلان المعاملة .

ومنها : روایة تحف العقول عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « أمّا الوجوه الحرام من البیع

والشراءِ فکلّ أمر یکون فیه الفساد ... إلی أن قال علیه السلام : أو البیع للمیتة أو الدم أو لحم الخنزیر أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحوش أو الطیر أو جلودها أو الخمر أو شیء من وجوه النجس ، فهذا کلّه حرام ومحرّم ، لأنّ ذلک کلّه منهی عن أکله وشربه ولبسه وملکه وإمساکه والتقلب فیه بوجه من الوجوه لما فیه من الفساد ، فجمیع تقلّبه فی ذلک حرام »(2) .

وفیه : قد مرّ منّا فی أوّل الکتاب ضعف سند هذه الروایة وإرسالها واضطرابها وعدم صلاحیتها للدلیلیة ، فراجع ما حررناه هناک .

ومنها : النبوی المشهور « إنّ اللّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه» .

بتقریب : أنّ اللّه تعالی حرّم المتنجس ، فحرّم ثمنه أیضاً ، وتحریم الثمن عبارة اُخری عن تحریم المعاملة وبطلانها .

وفیه : قد مرّ منّا فی أوّل الکتاب أنّ هذه الروایة عامیة لم ترد فی مصادرنا مسندةً ، وقد

ص:114


1- (3) مجمع البیان 10 / 385 .
2- (1) تحف العقول / 333 .

وردت فی أکثر نقولهم مع کلمة « الأکل » ، فصارت الروایة بهذا المعنی : إنّ اللّه إذا حرم أکل شیءٍ حرم ثمنه أیضاً . فتدلّ علی بطلان بیع المأکولات المتنجسة للأکل . ونحن نذهب إلی بطلان هذا ، ولکن أین هذا من بطلان المعاملة علی جمیع المتنجسات ؟ !

وبالجملة ، الروایة ضعیفة سنداً ودلالة .

ومنها : إلغاء الخصوصیة من الروایات الواردة فی بطلان المعاملة فی الأعیان النجسة الماضیة ، نحو : البول والغائط والمیتة والدم والمنی والکلب والخنزیر وغیرها ، بأنّ الوجه المشترک فی هذه الأعیان والعلة الغائیة فی بطلان المعاملة علیها النجاسة ، فبیع جمیع أفراد النجس باطلٌ .

وفیه : أوّلاً : هذا الاستدلال أشبه شیء بالقیاس بل هو القیاس بعینه ، وهو مردود فی مذهبنا مذهب أهل البیت علیهم السلام .

وثانیاً : المنع الوارد فی الروایات بالنسبة إلی الأعیان النجسة المذکورة ، بلحاظ المنافع التی کانوا یشترونها لأجلها فی تلک الأعصار من الأکل والشرب وغیرهما ، ولا تدلّ علی أنّ النجاسة مانعة مستقلة بذاتها .

ومنها : الروایات الواردة فی الأمر بإهراق الماء النجس المستلزم للنهی عن جمیع أضداده الخاصة التی منها : بیعه وإمساکه وسائر التصرفات ، هکذا ذکره النراقی فی المستند(2) .

ومن الروایات الآمرة بإهراق الماء النجس موثقه سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل معه إناءان فیها ماء ، وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیّهما هو ، ولیس یقدر علی ماء غیره ؟ قال : یهریقهما جمیعاً ویتیمّم(1) .

ونظیرها موثقة اُخری لسماعة(2) وموثقة أبی بصیر(3) وصحیحته(4) وصحیحة

ص:البزنطی(5) وغیرها من الروایات .

وفیه : أولاً : عدم قبول هذا المبنی ، یعنی أن الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضده الخاص .

وثانیاً : الظاهر أنّ الأمر بالإهراق فی هذه الروایات لم یکن تعبدیاً ، بل هو إشارة إلی عدم جواز التطهیر والتوضی به . ولذا لم یذهب أحد من الأصحاب إلی وجوب إهراقه بحیث لو سقی أحد بهذا الماء دابته أو زرعه أو شجره کان عاصیاً . فحینئذ لوفرض وجود منفعة محلّلة لهذه المیاه المتنجسة

ص:115


1- (1) مستند الشیعة 14 / 70 .
2- (2) وسائل الشیعة 1 / 151 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 1 / 154 ح 10 .
4- (4) وسائل الشیعة 1 / 152 ح 4 .
5- (5) وسائل الشیعة 1 / 153 ح 7 .

، یجوز استعمالها فیها ویجوز بیعها لتلک . فإذا کان الأمر فی الماء الوارد فی الروایات هکذا ففی غیرها بطریق أولی . فهذا الاستدلال أیضاً عقیم .

ومنها : وهی العاشرة : الأمر الوارد فی الروایات من إهراق المرقة المتنجسة بموت الفارة فیها ، أو قطرت قطرة خمر أو نبیذ أو دم فیها ، نحو : خبر زکریا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبیذ مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر ومرق کثیر ؟ قال : یهراق المرق ، الحدیث(1) .

ونحوه : خبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام (2) ومعتبرة السکونی(3) .

وفیه : أوّلاً : قد مرّ منّا الإشکال فی أنّ الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضده الخاص .

وثانیاً : الأمر بالإهراق فی المرق کنایة عن نجاسته وعدم جواز أکله أو شربه ، ولکن

إذا کانت له منفعة عقلائیة محلّلة فیجوز استعمالها فی تلک ، فحینئذ یجوز بیعه .

کما وردت فی الروایات من بیع العجین بالماء النجس ممّن یستحل المیتة ، نحو صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی العجین من الماء النجس کیف یصنع به ؟ قال : یباع ممّن یستحلّ المیتة(4) .

ص:116


1- (6) وسائل الشیعة 3 / 470 ح 8 .
2- (7) وسائل الشیعة 3 / 470 ح 8 .
3- (8) وسائل الشیعة 1 / 206 ح 2 .
4- (1) وسائل الشیعة 17 / 100 ح 3 .

فنفس هذا الأمر الوارد فی الروایة بجواز بیع العجین ممّن یستحلّ المیتة ناقض للاستدلال .

وبالجملة ، جمیع هذه الأدلة العشر فی المقام بالنسبة إلی إثبات بطلان بیع المتنجسات غیر تامة . فحینئذ تجری الإطلاقات الواردة فی حلّیة البیوع وتجارة عن تراض ویحکم بصحة بیع المتنجسات .

فرعٌ :

ثم علی القول المختار من صحة بیع المتنجسات وعدم کون النجاسة مانعة من صحة البیع هل یجب إعلام المشتری بالنجاسة أم لا ؟

الظاهر لزوم التفصیل فی ذلک بین ما یُستعمل عا دة فی الأکل والشرب ولزوم الإعلام فیه ، وما یُستعمل عادة للصلاة ونحوها وعدم لزوم الإعلام فی الثانی .

لأنّ عدم إعلام المشتری بالنجاسة لما یُستعمل فی الأکل والشرب یوجب تسبیب أکل أو شرب النجس وهو حرام . ولکن طهارة الثوب فی الصلاة شرط علمی لا شرط واقعی والصلاة مع الثوب النجس مع الجهل بالنجاسة صحیح .

ویشهد لما ذکرناه فی الأکل موثقة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الفارة تقع فی السمن أو الزیت فتموت فیه ؟ فقال : إن کان جامداً فتطرحها وما حولها ویؤکل ما بقی وإن کان ذائباً فأسرج به وأعلمهم إذا بعته(1) .

ونظیرها خبر معاویة بن وهب(2) وخبر إسماعیل بن عبد الخالق(3) .

ویشهد لما ذکرناه فی الثوب موثقة ابن بکیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل

أعار رجلاً ثوباً فصلّی فیه وهو لا یصلّی فیه ، قال : لا یُعلمه ، قال : قلت : فإن أعلمه ؟ قال : یعید(4) .

ص:117


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 3 .
2- (3) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 4 .
3- (4) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 5 .
4- (1) وسائل الشیعة 3 / 488 ح 3 .

الأمر بالإعادة فی ذیل الروایة إمّا محمول علی الإستحباب أو الإعلام فی أثناء الصلاة ، کما تدلّ علی عدم لزوم الإعادة صحیحة العیص بن القاسم قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل صلّی فی ثوب رجل أیاماً ، ثم إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا یصلّی فیه ؟ قال : لا یعید شیئاً من صلاته(1) .

ص:118


1- (2) وسائل الشیعة 3 / 475 ح 6 .

حکم بیع المسوخ

المسوخ علی قسمین :

1 _ بریّة : نحو القِرد والدُّب والکلب والخنزیر والذئب والفأرة والضب والأرنب والطاوس والوطواط [ و الخطاف أو الخفاش ] والعنقا والثعلب والیربوع والقنفذ والطافی [الذی هو قسم من الحیات ، وقیل : إنّها السمک المیت فی الماء فحینئذ یدخل فی القسم الثانی [ والفیل .

2 _ بحریّة : نحو الجری والدعموص والضفادع والسلاحف والنمار والتمساح والسرطان ، وهو عقرب الماء له ثمانیة أرجل وعیناه فی کتفه وصدره یمشی علی جانب واحد . ذکر کلّ ذلک صاحب الجواهر قدس سره (1) .

وعدّ فی بعض الروایات المسوخ ، ومنها : خبر علی بن مغیرة عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام قال : المسوخ من بنی آدم ثلاثة عشر صنفاً : منهم القردة والخنازیر والخفاش والضب والفیل والدُّب والدعموص والجرّیث [ الجری ] والعقرب وسهیل والقنفذ والزهرة والعنکبوت ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر معتب عن الصادق علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی بن أبی طالب علیه السلام قال : سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن المسوخ ؟ فقال : هم ثلاثة عشر : الفیل والدُّب والخنزیر والقرد والجریث [ الجری ] والضبّ والوطواط والدعموص والعقرب والعنکبوت والأرنب وسهیل والزهرة ، الحدیث(3) .

راجع للتوسع وسائل الشیعة 24/104 الباب 2 من أبواب أطعمة المحرمة ومستدرک

ص:119


1- (1) جواهر الکلام 22 / 34 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 109 ح 12 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 110 ح 13 .

الوسائل 16/166 وجامع احادیث الشیعة 28/157 وبحار الانوار 62/220 طبعة بیروت وکتابنا موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 10/244 .

ثم اعلم أن الإجماع منّا ومن العامة منعقد علی حرمة أکل لحم المسوخ ، وتدلّ علیه

جملة من النصوص :

منها : حسنة الحسین بن خالد قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : أیحلّ أکل لحم الفیل ؟ فقال : لا ، فقلت : لِمَ ؟ قال : لأنّه مثلة ، وقد حرّم اللّه لحوم الأمساخ ولحم ما مثل به فی صورها(1) .

ومنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن أکل الضبّ ؟ فقال : إنّ الضبَّ والفارة والقردة والخنازیر مسوخ(2) .

ومنها : موثقة سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث قال : وحرّم اللّه ورسوله المسوخ جمیعاً(3) .

وأمّا طهارة المسوخ محلّ وفاق بین أصحابنا والإجماع منّا منعقد علی انحصار النجس من الحیوان فی الکلب والخنزیر البرّیین فقط ، وتدل علی طهارة المسوخ عدّة من الروایات :

منها : صحیحة الفضل أبی العباس قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن فضل الهِرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخیل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترک شیئاً إلاّ سألته عنه ؟ فقال : لا بأس به ، حتّی انتهیت إلی الکلب ؟ فقال : رجس نجس لا تتوضأ بفضله وأصبب ذلک الماء واغسله بالتراب أوّل مرّة ثم بالماء(4) .

ومنها : خبر معاویة بن شریح قال : سأل عذافر أبا عبد اللّه علیه السلام وأنا عنده عن سؤر السنور والشاة والبقرة والبصیر والحمار والفرس والبغل والسباع ، یشرب منه أو یتوضّأ منه ؟

ص:120


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 104 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 104 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 105 ح 3 .
4- (4) وسائل الشیعة 1 / 226 ح 4 الباب 1 من أبواب الأسأر .

فقال : نعم ، أشرب منه وتوضأ . قال : قلت له : الکلب ؟ قال : لا ، قلت : ألیس هو سبع ؟ قال : لا واللّه إنّه نجس ، لا واللّه إنّه نجس(1) .

وأمّا بیع المسوخ : فقد استدلوا علی بطلان بیعها بعدة من الوجوه :

منها : الإجماع منعقد علی عدم جواز بیعها ، إدعاه الشیخ فی الخلاف(6) والمبسوط(7) .

وفیه : أوّلاً : تحصیل الإجماع بل وجوده ممنوع ، نعم المشهور بین قدماء الأصحاب حرمة بیع المسوخ .

وثانیاً : یمکن أن یکون هذا الإجماع مدرکیّاً ، فلابدّ من ملاحظة غیره من الأدلة .

ومنها : المسوخ کلّها نجس ، وکلّ نجس لا یجوز بیعه ، فالمسوخ لا یجوز بیعها .

وفیه : أولاً : قد مرّ منّا طهارة المسوخ آنفاً ، وهذا منع الصغری .

ثانیاً : قد مرّ منّا أنّ النجاسة لیست مانعة مستقلة من البیع ، إذا کان للمبیع منفعة محلّلة عقلائیة ، وهذا منع الکبری .

ومنها : الإجماع من المسلمین علی حرمة أکل لحم المسوخ کما مرّ ، وورد فی النبوی المشهور : « إنّ اللّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه» ، فإذا حرّم اللّه أکل المسوخ حرّم ثمنها أیضاً ، فتدل علی بطلان معاملتها .

وفیه : أولاً : قد مرّ منّا فی أوّل الکتاب أنّ النبوی لم یرد فی مصادرنا الروائیة مسنداً ، فالروایة لیست إلاّ مرسلة عامیة ، فلا تصلح للدلیلیة .

وثانیاً : عدم وجود الملازمة بین حرمة أکلها وحرمة بیعها ، لا سیما إذا کان لها منافع محلّلة عقلائیة غیر الأکل .

هذا ، وقد وردت فی عدة من الروایات جواز الإنتفاع ببعض أجزاء المسوخ نحو : عظام الفیل والتمشط بها وجواز بیعها ، وهکذا وردت الانتفاع بجلود السباع مطلقاً وبعضها

ص:121


1- (5) وسائل الشیعة 1 / 226 ح 6 .

من المسوخ :

منها : خبر عبد الحمید بن سعید قال : سألت أبا إبراهیم علیه السلام عن عظام الفیل یحلّ بیعه أو شراؤه الذی یجعل منه الأمشاط ؟ فقال : لا بأس ، قد کان لأبی منه مشط أو أمشاط(1) .

ومنها : خبر موسی عن یزید قال : رأیت أبا الحسن علیه السلام یتمشّط بمشط عاج واشتریته له(2) .

ومثله : خبر موسی بن بکر(3) .

وهذه الروایات - مضافاً إلی دلالتها علی جواز الإنتفاع - تدل علی جواز البیع أیضاً .

ومنها : خبر الحسن بن عاصم قال : دخلت علی أبی إبراهیم علیه السلام وفی یده مشط عاج یتمشّط به ، فقلت له : جعلت فداک ، إنّ عندنا بالعراق من یزعم أنّه لا یحلّ التمشّط بالعاج ، فقال : ولم ؟ فقد کان لأبی منها مشط أو مشطان ، ثم قال : تمشّطوا بالعاج ، فإن العاج یذهب بالوباء(4) .

ومنها : روایة القاسم بن الولید قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن عظام الفیل مداهنها وأمشاطها ؟ قال : لا بأس به(5) .

ومنها : روایة عبد اللّه بن سلیمان قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن العاج ؟ فقال : لا بأس به وإنّ لی منه لمشطاً(6) .

وقد وردت عدة من الروایات المعتبرة فی جواز الإنتفاع بجلود السباع وهی تشمل باطلاقها المسوخ من السباع ، فتدلّ علی جواز الإنتفاع بجلود المسوخ بإطلاقها :

ص:122


1- (1) الخلاف 3 / 184 .
2- (2) المبسوط 2 / 165 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 171 ح 2 .
4- (1) وسائل الشیعة 2 / 123 ح 2 الباب 72 من أبواب آداب الحمام .
5- (2) وسائل الشیعة 2 / 122 ح 1 .
6- (3) وسائل الشیعة 2 / 123 ح 3 .

منها : صحیحة علی بن یقطین قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنک والثعالب وجمیع الجلود ؟ قال : لا بأس بذلک(1) .

ومنها : موثقة سماعة قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها ؟ فقال : أمّا لحوم السباع فمن الطیر والدواب فإنّا نکرهه ، وأما الجلود فارکبوا علیها ولا تلبسوا منها شیئاً تصلّون فیه(2) .

لا یضر إضمار الروایة ، لأنّ مضمِرَه سماعة ، وأمّا الکراهة الواردة فی الروایة بالنسبة إلی اللحوم هی الحرمة لا الکراهة المصطلحة .

ومنها : موثقة اُخری لسماعة قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن جلود السباع ؟ فقال : إرکبوها ولا تلبسوا شیئاً منها تصلّون فیه(3) .

ونظیرها موثقة ثالثة لسماعة فراجعها(4) .

ومنها : معتبرة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن رکوب جلود السباع ؟ فقال : لا بأس ما لم یُسجد علیها(5) .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن جلود السباع وبیعها ورکوبها أیصلح ذلک ؟ قال : لا بأس ما لم یسجد علیها(6) .

من مجموع هذه الروایات ظهر جواز الإنتفاع بالمسوخ ، فإذا جاز الإنتفاع بها جاز بیعها علی القاعدة الکلیّة التی مرّت من الملازمة بین جواز الانتفاع وجواز البیع ، وعلی هذا لا بأس ببیع المسوخ کما علیه أکثر المتأخرین ، نحو : ثانی الشهیدین فی المسالک(7) وصاحب الریاض(8) وصاحب

ص:123


1- (4) وسائل الشیعة 2 / 123 ح 4 .
2- (5) وسائل الشیعة 4 / 352 ح 1 .
3- (6) وسائل الشیعة 4 / 353 ح 3 .
4- (7) وسائل الشیعة 4 / 353 ح 4 .
5- (1) وسائل الشیعة 4 / 354 ح 6 .
6- (2) وسائل الشیعة 4 / 353 ح 5 .
7- (3) وسائل الشیعة 17 / 172 ح 5 .
8- (4) مسالک الأفهام 1 / 165 .

الجواهر(1)والفاضل النراقی فی مستند الشیعة(2) . مضافاً إلی دلالة الروایة الأخیرة علی جواز بیع جلود السباع ، وهی بإطلاقها تشمل المسوخ .

تتمة : قد ورد النهی عن بیع القردة فی روایة ، وهی من المسوخ ، فهل یمکن التعدی منها إلی غیرها من المسوخ أم لا ؟

أمّا الروایة فهی : خبر مسمع عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن القرد أن یُشتری وأن یُباع .

والروایة ضعیفة سنداً ، محمولة علی صورة عدم الإنتفاع المعتدّ بالقرد أو المحرّم ، کالإطافة به للعلب کما هو الغالب فی تلک الأعصار ، أو محمولة علی الکراهة جمعاً بینها وبین الأدلة السابقة .

ثم فلیعلم أنّ للقردة منفعة عظیمة فی أعصارنا ، لأجل الفحوص الطبیّة وکشف الأمراض والأدویة المفید لها ، ولذا یجوز بیعها لأجل هذه المنافع . وحیث لا یمکن الأخذ بالروایة فی موردها فکیف یمکن التعدی منها إلی غیرها . من المسوخ ؟ !

فیجوز بیع المسوخ من القردة وغیرها واللّه سبحانه هو العالم والحمد للّه رب العالمین .

ص:124


1- (5) ریاض المسائل 8 / 148 طبع آل البیت علیهم السلام .
2- (6) الجواهر 22 / 35 .

مسائل أربع

الأولی : بیع المملوک الکافر

اشارة

بناءً علی أنّ النجاسة مانعة استقلالاً من جواز البیع نبحث عن هذه المسائل الأربع بعنوان المستثنیات من الأعیان النجسة أو المتنجسة ، وأمّا بناءً علی مختارنا من عدم کون النجاسة مانعة استقلالاً من جواز البیع ، فجواز بیع هذه الأربع علی القاعدة الأولیّة ولیس من المستثنیات ، فنقول .

أمّا المملوک الکافر فینقسم إلی ثلاثة أقسام :

1 _ الکافر الأصلی :

یعنی الأمة أو العبد الکافران اللّذان لم یدخلا فی الإسلام ، وهذا القسم یجوز بیعه بلا خلاف ، وتدل علیه إطلاقات جواز بیع العبید :

منها : معتبرة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رقیق أهل الذمة أشتری منهم شیئاً ؟ فقال : اشتر إذا أقرّوا لهم بالرق(1) .

ومنها : معتبرة إسماعیل بن الفضل قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن شراء مملوک أهل الذمة ؟ قال : إذا أقرّوا لهم بذلک فاشتر وانکح(2) .

ومنها : صحیحة رفاعة النخاس قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : إنّ الروم یغزون علی الصقالبة والروم ، فیسرقون أولادهم من الجواری والغلمان ، فیعمدون إلی الغلمان فیخصونهم ثمّ یبعثون بهم إلی بغداد إلی التجّار ، فما تری فی شرائهم ونحن نعلم أنّهم قد سرقوا ، وإنّما أغاروا علیهم من غیر حرب کانت بینهم ؟ فقال : لا بأس بشرائهم ، إنّما أخرجوهم من الشرک إلی دار الإسلام(3) .

ص: 125


1- (1) وسائل الشیعة 18 / 243 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 18 / 243 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 244 ح 1 .

ومنها : صحیحة إبراهیم بن عبد الحمید عن أبی الحسن علیه السلام فی شراء الرومیات ، فقال : اشترهنّ وبعهنّ(1) .

هذه الروایات بإطلاقها تدل علی جواز بیع المملوک الکافر الأصلی .

2 _ القسم الثانی : الکافر المرتد الملی

یعنی العبد کان کافراً أوّلاً ثم دخل فی الإسلام ثم رجع إلی کفره ، فصار إرتداده إرتداداً ملیاً وحکمه : إن کان رجلاً یُستتاب ثلاثة أیام أو بمقدار یمکن معه الرجوع إلی الإسلام فإن تاب فهو وإلاّ قتل ، ولا تزول منه أملاکه مادام حیّاً ، ولکن ینفسخ العقد بینه وبین زوجته ویراعی انقضاء عدّتها ، فإن تاب فیها رجع إلیها .

وإن کان إمراة لم تقتل بل تحبس ویضیق علیها حتّی تتوب أو تخلد فی السجن .

ثم إذا کان العبد مرتداً ملّیاً فهل یجوز بیعه أم لا ؟ المشهور بین الأصحاب بل ادعی علیه الإجماع الجواز ، لأنّ العبد المرتد الملّی مال وله منافع محلّلة فیجوز بیعه ویشمله الإطلاقات الواردة فی الروایات الماضیة وغیرها من جواز بیع العبید والإماء .

3 _ القسم الثالث : الکافر المرتد الفطری

یعنی العبد ولد علی الإسلام - بأن کان أبواه أو أحدهما مسلماً ثم دخل فی الکفر - وحکمه : إن کان رجلاً لا تقبل توبته ظاهراً وإن کانت تقبل بینه وبین اللّه تعالی ، فیحکم الحاکم الشرعی بقتله و تبین منه زوجته وتعتدّ منه عدّة الوفاة وتقسّم أمواله بین ورثته .

وإن کان إمرأة لم تقتل بل تحبس ویضیّق علیها حتّی تتوب أو تخلد فی السجن .

قد استشکل جواز بیع العبد الکافر المرتد الفطری بعض الأصحاب ، لأنّه فی معرض التلف لوجوب قتله .

وفیه : وجوب قتله بعد ثبوت الإرتداد عند الحاکم الشرعی وصدور الحکم منه علی قتله ، ویلزم أیضاً بسط ید الحاکم الشرعی حتی یجری حکمه ، وربّما یمکن عدم وجود الحاکم أو عدم بسط یده أو عدم ثبوت الإرتداد عنده أو فرار المرتد من الحکم والحاکم .

ص:126


1- (4) وسائل الشیعة 18 / 245 ح 2 .

وبالجملة ، یمکن بقاء المرتد الفطری عادةً وخارجاً فیجوز بیعه .

مضافاً إلی فرض إجراء الحکم علیه ، یمکن عتقه قبل إجراء الحکم کفارةً أو نذراً أو عهداً ونحوها ، فله المنفعة المحلّلة حتّی فی هذه الصورة فیجوز بیعه .

نعم ، فی هذا الفرض الأخیر صارت قیمته أقل ممّا کان سابقاً ، وقلّة القیمة لا تضرّ بصحة البیع .

ففی جمیع هذه الأقسام الثلاثة ، یجوز بیع العبد أو الأمة الکافرین .

فرعٌ :

فی زماننا هذا إذا باعوا امرأة أو رجلاً فی البلاد الاسلامیة أو بلاد الکفر هل یجوز شراؤهم وهل یحکم علیهم بأنّهم رقٌّ وعبیدٌ وأماء یعنی هل یحکم علیهم أحکام العبید والإماء أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - عدم ترتب أحکام العبید والإماء علیهم ، فلا یجوز النظر إذا کانت امرأة أو وطیها مثلاً ، لأنّ الوارد فی الروایات الماضیة أنّ ملاک الرقیة والعبودیة المصطلحة ، الإقرار من الناس وفی السوق وفی المجتمع بأنّهم رقیقٌ وعبیدٌ نحو : معتبرة عبد الرحمن بن أبی عبد اللّه عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : اشتر إذا أقرّوا لهم بالرق(1) .

ومعتبرة إسماعیل بن الفضل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إذا أقرّوا لهم بذلک فاشتر وانکح(2) .

وخبر زکریا بن آدم عن الرضا علیه السلام قال : إذا أقرّوا لهم بالعبودیة فلا بأس بشرائهم ، الحدیث(3) .

والظاهر من هذه الروایات أنّ ملاک الرقیة الإقرار بها فی شأنهم فی السوق أو فی

ص:127


1- (1) وسائل الشیعة 18 / 243 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 18 / 243 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 245 ح 3 .

المجتمع الإنسانی أو عند الناس ، وهذا الإقرار فی شأن هؤلاء الأفراد فی زماننا هذا مفقود ، لأنه لا یتفوه أحدٌ بأنّهم رقیق أو عبید أو أماء ونحو ذلک ، فلا یحکم علیهم بأحکام العبید والإماء ، فإذا لم یحکم بأنّهم مملوکون فلا یجوز بیعهم وشراؤهم ، لأنه لا یجوز بیع الأحرار .

وبالجملة ، لا یجوز بیع وشراء هؤلاء رجالاً ونساءً ، کفاراً کانوا أو مسلمین ، ولا یترتب علیهم أحکام العبید والإماء الممالیک فی الشریعة المقدسة . واللّه سبحانه هو العالم .

المسألة الثانیة : بیع الکلب

قد مرّمنّا مفصلاً جواز بیع الکلاب المعلّمة ، سواءً کانت للصید أو الحائط أو الزرع أو الحرس أو الماشیة أو للشرطة أو للأمن أو غیرها . والمدار فی جواز بیع الکلب عندنا کونه معلّماً بحیث صار ذا منفعة محللّة عقلائیة . هذا بناءً علی المختار .

وأمّا بناءً علی أنّ النجاسة مانعة مستقلة للبیع ، فبیع الکلب یکون من المستثنیات ، وقد مرّ منّا أنّ النجاسة لیست مانعة مستقلة من جواز البیع . فراجع ما حررناه هناک .

المسألة الثالثة : العصیر العنبی إذا غلی ولم یذهب ثلثاه

اشارة

هذه المسألة مبنیة علی أمرین :

1 _ نجاسة العصیر العنبی اذا غلی ولم یذهب ثلثاه .

2 _ عدم جواز بیع النجاسات وهی مانعة مستقلة من جواز البیع .

ویمکن المناقشة فی کلا الأمرین :

أمّا الأوّل : قد یقال : بطهارة العصیر العنبی إذا غلی ولم یذهب ثلثاه ، لعدم وجود دلیل علی نجاسته وأنّ الأصل فی الأشیاء هو الطهارة ، وما ورد من تشبیهه بالخمر فلیس من جهة النجاسة بل من جهة حرمة شربه ، فإذا ذهبنا إلی طهارته یخرج هذا الفرض من تحت المستثنیات .

وأمّا الثانی : فقد مرّ منّا مفصلاً بأن النجاسة لم تکن مانعة مستقلة من جواز البیع ، فلا نعید الکلام فیه .

قد یقال : بوجود روایات مانعة من صحة بیع العصیر العنبی أو غیره إذا غلی ، فیحکم

ص:128

ببطلان بیعه لهذه الروایات وإن کان مقتضی القاعدة الأوّلیة صحة البیع ولکن مع ورود هذه الروایات یحکم ببطلانه :

منها : خبر محمد بن الهیثم عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن العصیر یطبخ بالنار حتّی یغلی من ساعته ، أیشربه صاحبه ؟ فقال : اذا تغیّر عن حاله وغلی فلا خیر فیه ، حتّی یذهب ثلثاه ویبقی ثلثه(1) .

بتقریب : جواز بیعه وأخذ الثمن فی قباله من جملة الخیر المنفی فی الروایة ، فلا یجوز بیعه .

وفیه : أولاً : الروایة مرسلة فلا یمکن الاعتماد علیها .

وثانیاً : ظاهر سؤال السائل فی جواز الشرب وعدمه ولا إطلاق فیه حتّی یشمل البیع ، فالبیع أجنبی عن هذه المرسلة .

ومنها : خبر أبی کهمس قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام عن العصیر ، فقال : لی کرم وأنا أعصره کلّ سنة واجعله فی الدنان وأبیعه قبل أن یغلی ، قال علیه السلام : لا بأس به ، وإن غلی فلا یحلّ بیعه .

ثم قال : هو ذا نحن نبیع تمرنا ممّن نعلم أنّه یصنعه خمراً(2) .

بتقریب : أن جملة « وإن غلی فلا یحلّ بیعه» نص فی بطلان بیع العصیر العنبی إذا غلی ، فلا یجوز بیعه بعد الغلیان .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة السند بأبی کهمس ، وهو کنیة للهیثم بن عبد اللّه أو الهیثم بن عبید ، ولم یثبت وثاقتهما ویمکن اتحادهما .

وثانیاً : ظاهر جملة « وإن غلی فلا یحلّ بیعه » ، الغلیان من قبل نفس العصیر یعنی النشیش لا الغلیان بالنار ، ولا أقلّ من احتماله ، فإذا جاء الإحتمال بطل الإستدال .

وثالثاً : من جواب الإمام علیه السلام فی ذیل الروایة من بیع تمره ممّن یعلم أنّه یصنعه خمراً

ص:129


1- (1) وسائل الشیعة 25 / 285 ح 7 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 230 ح 6 .

یظهر أنّ سؤال السائل عن جواز بیع عصیره ممّن یعلم أنّه یصنعه خمراً أو عدمه ، وأجازه الإمام علیه السلام بقوله فی ذیل الروایة : « هو ذا نحن نبیع تمرنا ممّن نعلم أنّه یصنعه خمراً » ، فلا إطلاق فی الروایة حتّی تشمل عدم جواز بیع العصیر العنبی بعد الغلیان .

ورابعاً : علی فرض وجود الإطلاق وشمولها لعدم جواز بیع العصیر بعد الغلیان ، تدلّ علی عدم جواز بیعه إذا باعه للشرب فی هذه الحالة ، ولکن إذا باعه لِمَنْ أراد أن یذهب ثلثاه ثم یشربه فلا بأس به .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن ثمن العصیر قبل أن یغلی لمن یبتاعه لیطبخه أو یجعله خمراً ؟ قال : إذا بعته قبل أن یکون خمراً وهو حلال فلا بأس(1) .

بتقریب : أن مفهوم هذه الروایة تدلّ علی عدم جواز بیع العصیر بعد حرمته بالغلیان ، لأنّ منطوقها جواز بیعه قبل أن یکون خمراً وهو حلال . فالروایة بمفهومها تدلّ علی بطلان بیع العصیر العنبی بعد الغلیان .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة الإسناد بعلی بن أبی حمزة البطائنی الراوی عن یحیی بن القاسم أو أبی القاسم الأسدی المکفوف الثقة .

وثانیاً : سؤال السائل عن بیع العصیر قبل غلیانه لمن یجعله دبساً بالغلیان أو یجعله

خمراً ، ولعلّ العمدة فی السؤال هو الثانی ، یعنی بیع العصیر لمن یجعله خمراً وأجازه الإمام علیه السلام . وصار مفاد الروایة نحو مفاد خبر أبی کهمس الماضیة . فلا تدلّ علی حرمة بیع العصیر بعد الغلیان .

وثالثاً : الروایة بصدد بیان حکم المنطوق لا المفهوم ، فلا اطلاق لها والمتیقن منها فرض بیع العصیر العنبی لمن یجعله خمراً .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام وسئل عن الطلا ، فقال : إن طبخ حتّی یذهب منه إثنان ویبقی واحد فهو حلال ، وما کان دون ذلک فلیس فیه خیر(2) .

ص:130


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 229 ح 2 .
2- (1) وسائل الشیعة 25 / 285 ح 1 .

بتقریب : ما مرّ فی خبر محمد بن الهیثم من جواز بیعه وأخذ الثمن فی قباله وأنه من جملة الخیر المنفی فی الروایة ، فلا یجوز بیعه بعد الغلیان وقبل ذهاب ثلثیه .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة السند بعلی بن أبی حمزة البطائنی .

وثانیاً : ظاهر السؤال عن جواز شربه لا بیعه ، ولا أقل من أنّ هذا محتمل ، و إذا جاء الإحتمال بطل الإستدال .

وثالثاً : لا إطلاق فی الروایة حتّی تشمل حرمة البیع بعد الغلیان .

وبالجملة ، هذه الروایات الأربع لا تدل علی بطلان بیع العصیر العنبی بعد غلیانه وقبل ذهاب ثلثیه ، فالبیع باق علی حلّیته ، فیجوز بیعه حینئذ کما علیه المشهور من أصحابنا رضوان اللّه تعالی علیهم أجمعین .

وبما ذکرنا ظهر ما فی بیان المحقق النائینی قدس سره حیث یقول : « والإنصاف ظهور الروایات الخاصة فی حرمة البیع ، فلو ثبت إعراض الأصحاب عنها فهو ، وإلاّ فالجواز مشکل ، وإعلامه بغلیانه لا یؤثر فی الجواز بعد ظهور الأخبار ، لا سیما الأوّلین فی حرمة بیعه فتأمل جیّداً »(1) .

مراده قدس سره بالأولیّن خبر أبی کهمس وخبر أبی بصیر الأوّل الماضیین ، ولعلّ أمره بالتأمل فی آخر کلامه إشارة إلی ما ذکرناه فی المتن .

فرعٌ سیالٌ :

إذا غصب العصیر العنبی ثم أغلاه ، هل یضمن ثلثیه أم لا ؟

الظاهر أن ضمان الغاصب منوط بالقیمة السوقیة للدبس مثلاً ، یعنی إذا کانت القیمة السوقیة للدبس أکثر أو مساویة مع العصیر فلا ضمان للغاصب ، لعدم تنزل مالیّة الشیء فی یده ، ولکن إذا کانت قیمته أقل کان الغاصب ضامناً بمقدار تقلیل القیمة .

ثم هل یجوز للغاصب أنّ یدعی أجرة مثل تبدیل العصیر بالدبس وأخذ الأجرة من المالک ؟

ص:131


1- (2) منیة الطالب 1 / 24 طبع جماعة المدرسین .

الظاهر أنّه حیث عمل ذلک من غیر أمر المالک وإذنه فلا یجوز له أخذ الأجرة فی قباله وکان عمله هدراً .

وهذا الفرع سیال یأتی فی موارد متعددة ، مثلاً لو سرق شخص سیارةً واحتاجت إلی التعمیر وأعطی السارق أجرة تعمیرها ثمّ ردها إلی صاحبها ، فهل للسارق أن یأخذ من صاحب السیارة ما صرفه علی التعمیر أم لا ؟

الظاهر أنّه لا یجوز للسارق هذا الإدعاء والأخذ ولیس علی المالک إعطاء هذه المصارف ، لأنّه تصرف فی ماله بغیر إذنه ورضاه . نعم لوزاد السارق فی السیارة بالأعیان المستقلة یجوز له أخذها من السیارة ، لأنّ السارق مالک لهذه الأعیان المستقلة وله أن یسترد ما ملکه .

المسألة الرابعة : المعاوضة علی الدهن المتنجس

اشارة

اُدعی الإجماع علی جواز بیع الدهن المتنجس ، ادعاه الشیخ فی الخلاف(1) وابن زهرة فی الغنیة(2) وابن إدریس فی السرائر(3) وصاحبا الجواهر(4) والمستند(5) .

ومن ذهب إلی أن النجاسة مانعة مستقلة من جواز البیع عنون هذا الفرض بنحو الاستثناء ، وأمّا علی المختار من عدم مانعیة النجاسة للبیع فیطرح ویعنون علی القاعدة الأوّلیة الکلیّة من صحة بیعه .

وکیف ما کان تدل علی جواز بیعه عدّة من الروایات المعتبرة :

منها : صحیحة معاویة بن وهب عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قلت : جرذ مات فی زیت أو سمن أو عسل ، فقال : أمّا السمن والعسل فیؤخذ الجرذ وما حوله ، والزیت یستصبح به(6) .

ص:132


1- (1) الخلاف 3 / 187 .
2- (2) الغنیة / 586 .
3- (3) السرائر 2 / 222 .
4- (4) الجواهر 22 / 13 .
5- (5) مستند الشیعة 14 / 72 .
6- (1) وسائل الشیعة 17 / 97 ح 1 و 24 / 194 ح 1 .

یمکن المناقشة فی دلالة هذه الصحیحة علی جواز البیع ، وغایة ما یُستفاد منها جواز الإنتفاع من الزیت المتنجس ، إلاّ أن یقال : بجواز بیع کلّ ما یجوز الإنتفاع به کما هو المختار .

نعم ، فی نقل الشیخ للروایة توجد هذه الزیادة : وقال علیه السلام فی بیع ذلک الزیت : یبیعه ویبیّنه لِمَنْ اشتراه لیستصبح به(1) .

ومع وجود هذه الزیادة وإثباتها تدل الصحیحة علی جواز بیعه من دون احتیاج إلی القاعدة الملازمة بین جواز الإنتفاع وجواز البیع .

والظاهر أنه لابدّ من الأخذ بهذه الزیادة ، لأنّ الأصل عدم الزیادة وأنّها مِنْ متن الروایة ولیست بزیادة وإضافة من الراوی .

ومنها : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : إذا وقعت الفأرة فی السمن فماتت فیه فإن کان جامداً فألقها ومایلیها ، وإن کان ذائباً فلا تأکله واستصبح به ، والزیت مثل ذلک(2) .

المناقشة فی هذه الصحیحة کالصحیحة الماضیة .

ومنها : صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الفأرة تقع فی السمن أو فی الزیت فتموت فیه ، فقال : إذا کان جامداً فتطرحها وما حولها ویؤکل ما بقی ، وإن کان ذائباً فأسرج به وأعلمهم إذا بعته(3) .

ومنها : موثقة معاویة بن وهب وغیره عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی جرذ مات فی زیت ، ما تقول فی بیع ذلک ؟ فقال : بعه وبیّنه لمن اشتراه لیستصبح به(4) .

ومنها : صحیحة الحلبی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الفأرة والدابة تقع فی الطعام والشراب فتموت فیه ، فقال : إن کان سمناً أو عسلاً أو زیتاً فإنّه ربّما یکون بعض هذا ، فإن کان

الشتاء فانزع ما حوله وکله ، وإن کان الصیف فارفعه حتّی تسرّج به ، وإن کان ثرداً فاطرح

ص:133


1- (2) وسائل الشیعة 24 / 194 ح 1 .
2- (3) وسائل الشیعة 17 / 97 ح 2 و 24 / 194 ح 2 .
3- (4) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 3 .
4- (5) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 4 .

الذی کان علیه ، ولا تترک طعامک من أجل دابة ماتت علیه(1) .

والمناقشة فی دلالة هذه الصحیحة علی جواز البیع کالمناقشة فی الصحیحتین الأوّلیین الماضیتین .

ومنها : صحیحة سعید الأعرج عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث _ أنّه سأله عن الفأرة تموت فی السمن والعسل ، فقال : قال علی علیه السلام : خذ ما حولها وکل بقیّته ، وعن الفأرة تموت فی الزیت ، فقال : لا تأکله ، ولکن أسرج به(2) .

وهذه الصحیحة أیضاً لا تدل علی جواز البیع إلاّ علی القاعدة الملازمة بین الإنتفاع والبیع . ومنها : موثقة سماعة قال : سألته عن السمن تقع فیه المیتة ؟ فقال : إن کان جامداً فألق ما حوله وکل الباقی ، فقلت : الزیت ؟ فقال : أسرج به(3) .

وهذه الموثقة أیضاً کالروایة الماضیة .

ومنها : خبر إسماعیل بن عبدالخالق عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سأله سعید الأعرج السمان وأنا حاضر عن الزیت والسمن والعسل تقع فیه الفأرة فتموت کیف یصنع به ؟ قال : أمّا الزیت فلا تبعه إلاّ لمن تبیّن له فیبتاع للسراج ، وأمّا الأکل فلا ، وأمّا السمن فإن کان ذائباً فهو کذلک ، وإن کان جامداً والفأرة علی أعلاه فیؤخذ ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به ، والعسل کذلک إن کان جامداً(4) .

وبالجملة ، هذه الروایات تدل علی جواز بیع الدهن المتنجس إمّا بصراحتها وإمّا مع ضم القاعدة الملازمة بین جواز الانتفاع وجواز البیع ، وإلی هنا ثبت جواز بیعه .

وأمّا ما ورد فی بعض الروایات من النهی عن بیع الدهن المتنجس فلابدّ من ملاحظتها : منها : خبر ابن إدریس نقلاً من جامع البزنطی صاحب الرضا علیه السلام قال : سألته عن الرجل تکون له الغنم یقطع من إلیاتها وهی أحیاء أیصلح له أن ینتفع بما قطع ؟ قال : نعم یذیبها

ص:134


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 195 ح 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 24 / 195 ح 4 .
3- (3) وسائل الشیعة 24 / 195 ح 5 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 5 .

ویسرج بها ولا یأکلها ولا یبیعها(5) .

بتقریب : أن المذاب من إلیات الغنم صارت کالزیت أو السمن أو الدهن ، وورد فی الروایة جواز الإنتفاع بها فی الإسراج ولکن ورد فی ذیلها النهی عن بیعها ، وجملة « لا یبیعها » تدلّ بطلان البیع .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة الإسناد بل مرسلة ، لأنّ ابن إدریس لم یذکر سنده إلی جامع البزنطی .

وثانیاً : النهی الوارد فی الروایة بمعنی عدم بیعها للأکل ، وأمّا إذا جاز الإستصباح بها فلم لا یجوز بیعها لهذه المنفعة ؟ لا سیما مع ورود الروایات المجوِّزة .

ومنها : خبر علی بن جعفر المروی فی قرب الإسناد عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن حُبّ دهن ماتت فیه فأرة ؟ قال : لا تدهن به ولا تبعه من مسلم(1) .

بتقریب : أن جملة « لا تبعه من مسلم » تدلّ علی عدم جواز بیعه من المسلم سواءً کان للإستصباح أو غیره .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة الإسناد .

وثانیاً : النهی الوارد عن بیعه من المسلم یمکن حمله علی البیع للأکل أو البیع من دون الإعلام بالنجاسة ونحوها .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام : أنّ علیّاً علیه السلام قال : فی الخنفساء والعقرب والصرد إذا مات فی الإدام ، فلا بأس بأکله ، قال : وإن کان شیئاً مات فی الإدام وفیه الدم فی العسل أو فی الزیت أو فی السمن وکان جامداً ، جُنّبت ما فوقه وما تحته ثم یُؤکل بقیّته ، وإن کان ذائباً فلا یؤکل ، یُستسرج به ولا یباع(2) .

بتقریب : أن جملة « لا یباع» فی آخر الروایة تدلّ علی بطلان بیع الدهن المتنجس .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة الإسناد .

ص:135


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 6 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 100 ح 5 .

وثانیاً : الظاهر من « لا یباع» یعنی لا یباع للأکل بقرینة « فلا یؤکل» الواردة قبلها .

وثالثاً : ورد الحکم بالجواز فی روایة فی نفس الکتاب والصفحة وهی : خبر الجعفریات بنفس الإسناد عن علی علیه السلام سئل عن الزیت یقع فیه شیءٌ له دم فیموت ، قال :

الزیت _ خاصةً _ یبیعه لمن یعمله صابوناً(1) .

والحکم بجواز البیع لمن یعمل صابوناً ، یدلّ علی جواز بیعه لمن یمکن أن ینتفع به منفعة محلّلة .

وبالجملة ، هذه الروایات مع ضعف سندها ودلالتها وإعراض المشهور قدیماً وحدیثاً عنها لا تتعارض مع الروایات الماضیة الحاکمة بالجواز ، فهذه الروایات تطرح وتؤخذ بالروایات المجوِّزة .

إن قلت : لا یمکن طرح هذه الروایات و لابدّ من الأخذ بها ، فصارت متعارضة مع الروایات المجوِّزة .

قلت : علی فرض تحقق المعارضة تقدّم الطائفة المجوِّزة ، لأنّها موافقة لإطلاق الکتاب من جواز البیع وصحته ولزوم الوفاء بالعقود والبیوع والعهود ، مع ذهاب المشهور إلیها وحکمهم بالجواز والأمر الوارد بأخذ المشهور کما ورد فی مقبولة عمر بن حنظلة : « المجمع علیه عند أصحابک فیؤخذ به من حکمنا ویترک الشاذ الذی لیس بمشهور عند أصحابک فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه ... »(2) .

ثم إنّ هنا فروعاً
الأول : هل یُعتبر اشتراط الاستصباح ؟

هل صحة بیع الدهن المتنجس مشروط باشتراط الإستصباح بها فی المعاملة أم لا یعتبر هذا الإشتراط ؟

ص:136


1- (1) الجعفریات / 26 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 72 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 27 / 106 ح 1 .

ذهب إلی اعتبار الإشتراط ابن ادریس الحلی فی سرائره(1) ودلیله ظاهر بعض الروایات الواردة فی المقام .

منها : صحیحة معاویة بن وهب وموثقته وصحیحة زرارة وصحیحة أبیبصیر وصحیحة الحلبی وصحیحة سعید الأعرج وموثقة سماعة وخبر إسماعیل بن عبد الخالق الماضیات .

یعنی ورد فی الروایات المرویة فی جواز بیع الدهن المتنجس ذکر الإستصباح أو الإسراج ، وظاهرها إعتبار إشتراطها .

وفیه : ورود الإسراج أو الإستصباح فی الروایات المجوِّزة لبیع الدهن المتنجس لم یثبت اشتراطها فی صحة البیع ، بل هی دالة علی وجود منفعة محلّلة فیها ، فیجوز البیع لذلک . أو لزوم إعلام نجاستها من بائعها لئلا یأکلها المشتری ، فلا تدلّ علی هذا الإشتراط کما ذهب إلیه کثیر من الأصحاب قدس سرهم .

الثانی : لزوم الإعلام بنجاسة الدهن
اشارة

هل یجب إعلام المشتری بنجاسة الدهن أم لا ؟ وهل یجب مطلقاً أم لا ؟ وهل هذا الوجوب نفسیٌّ أو شرطیٌّ ؟ بمعنی اعتبار إشتراطه فی صحة البیع ، وجوه :

والمهم ملاحظة الروایات الواردة فی المقام التی ورد فیها ذکر الإعلام :

منها : موثقة معاویة بن وهب وغیره عن أبی عبد اللّه علیه السلام فقال علیه السلام : بعه وبیّنه لمن اشتراه لیستصبح به(2) .

ومنها : صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال فی حدیث : ... وإن کان ذائباً فأسرج به وأعلمهم إذا بعته(3) .

ومنها : خبر إسماعیل بن عبد الخالق عن أبی عبد اللّه علیه السلام : ... قال علیه السلام : أما الزیت فلا

ص:137


1- (3) السرائر 2 / 222 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 4 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 3 .

تبعه إلاّ لمن تبیّن له فیبتاع للسراج ، الحدیث(1) .

وظاهر هذه الروایات وجوب الإعلام علی البائع للمشتری بنحو الوجوب النفسی لئلا یقع المشتری فی الحرام بأکلها أو نحوها .

وقد مرّ منّا التفصیل فی الإعلام بین ما یُستعمل عادةً فی الأکل والشرب بلزوم الإعلام فیها ، وبین ما یُستعمل عادةً فی الصلاة ونحوها من الأثواب والأفراش بعدم لزوم الإعلام فیها ، فراجع ما حررناه هناک .

قاعدة : حرمة تغریر الجاهل

ثم تعرض الشیخ الأعظم قدس سره لقاعدة حرمة تغریر الجاهل ونحن نقتفی أثره ، فقال قدس سره :

« ویشیر إلی هذه القاعدة کثیر من الأخبار المتفرقة الدالة علی حرمة تغریر الجاهل بالحکم أو الموضوع فی المحرّمات »(2) .

أقول : یُستفاد من مذاق الشارع حرمة إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی مضافاً إلی دلالة الروایات فی الأبواب المختلفة علی ذلک :

منها : ما دل علی حرمة الإفتاء بغیر علم ، فإنّها ربّما توجب التغریر والتسبیب وإلقاء المسلم فی الحرام الواقعی ، نحو صحیحة أبی عبیدة الحذاء قال : قال أبو جعفر علیه السلام : من أفتی الناس بغیر علم ولا هدی من اللّه لعنته ملائکة الرحمة وملائکة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتیاه(3) .

ومنها : ما دل علی ثبوت أوزار المأمومین علی الإمام فی صلاة الجماعة فی تقصیر نشأ من الإمام ، نحو : خبر عبایه . قال کتب أمیر المؤمنین علیه السلام الی محمد بن أبی بکر : ... أنظر یا محمد صلاتک کیف تصلّیها ، فإنّما أنت إمامٌ ینبغی لک أن تتّمها [ وأن تحفظها بالأرکان ولا تخفّفها] وأن تصلّیها لوقتها فإنّه لیس من إمام یصلّی بقوم فیکون فی صلاتهم نقص إلاّ کان

ص:138


1- (3) وسائل الشیعة 17 / 98 ح 5 .
2- (1) المکاسب المحرمة / 9 طبع تبریز ، 2 / 73 من الطبعة الحدیثة .
3- (2) وسائل الشیعة 27 / 20 ح 1 .

إثم ذلک علیه ولا ینقص ذلک من صلاتهم شیئاً ، الحدیث(1) .

وابن شعبة الحرّانی نقل هذه الروایة هکذا : « ... ثم انظر صلاتک کیف هی ، فإنّک إمامٌ ، لیس من إمام یصلّی بقوم فیکون فی صلاتهم إلاّ کان علیه أوزارهم ولا ینتقص من صلاتهم شیء ، ولا یتمّها إلاّ کان له مثل أجورهم ولا ینتقص من أجورهم شیءٌ »(2) .

ومنها : ما دل علی ضمان الإمام صلاة المأمومین إذا صلی بهم جنباً أوعلی غیر طهر ، نحو صحیحة معاویة بن وهب قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أیضمن الإمام صلاة الفریضة ، فإنّ هولاء یزعمون أنّه یضمن ؟ فقال : لا یضمن أیّ شیء یُضمن ، إلاّ أن یصلی بهم جنباً أو علی غیر طهر(3) .

أقول : معنی الضمان هنا ، لزوم إعادة الصلاة علی الإمام دون المأمومین ، وتدلّ علیه

صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل یؤمّ القوم وهو علی غیر طهر فلا یعلم حتّی تنقضی صلاتهم ؟ قال : یعید ، ولا یعید من صلّی خلفه وإن أعلمهم أنّه علی غیر طهر(4) .

ونظیرها صحیحة اُخری لمحمد بن مسلم(5) وصحیحة زرارة(6) وموثقة عبد اللّه بن أبی یعفور(7) المرویات فی نفس الباب .

نعم ورد فی روایاتنا ضمان الإمام بالنسبة إلی القراءة فقط ، نحو :

موثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّه سأله رجل عن القراءة خلف الإمام ؟ فقال : لا ،

ص:139


1- (3) الغارات 1 / 244 ونقل عنه فی بحار الأنوار 85 / 92 .
2- (4) تحف العقول / 179 .
3- (5) وسائل الشیعة 8 / 373 ح 6 .
4- (1) وسائل الشیعة 8 / 372 ح 4 .
5- (2) وسائل الشیعة 8 / 372 ح 3 .
6- (3) وسائل الشیعة 8 / 372 ح 5 .
7- (4) وسائل الشیعة 8 / 373 ح 7 .

إنّ الإمام ضامن للقراءة ، ولیس یضمن الإمام صلاة الذین خلفه ، إنّما یضمن القراءة(1) .

أقول : معنی ضمان الإمام للقراءة أنه لا یجوز للمأموم أن یقرأ خلف الإمام .

والإنصاف أنّ دلالة هذا القسم الأخیر من الروایات علی قاعدة حرمة تغریر الجاهل محل تأمل بل منع .

ومنها : الروایات الواردة فی کراهیة إطعام الأطعمة والأشربة المحرمة للبهیمة نحو

موثقة غیاث عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کره أن تُسقی الدواب الخمر(2) .

وخبر أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن البهیمة البقرة وغیرها تسقی أو تطعم مالا یحلّ للمسلم أکله أو شربه ، أیکره ذلک ؟ قال : نعم یکره ذلک(3) .

وغایة ما یُستفاد من هذه الروایات الکراهة المغلّظة بالنسبة إلی سقی أو إطعام الإنسان المکلّف لا الحرمة التی استشعرها الشیخ الأعظم قدس سره (4) .

ومنها : ما دلّ علی حرمة سقی الخمر للصبی أو المملوک أو الکافر وأنّ علی الساقی وزر من شربها ، نحو خبر أبی ربیع الشامی عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث :

أقسم ربّی لا یشرب عبد لی خمراً فی الدنیا إلاّ سقیته مثل ما یشرب منها من الحمیم معذَّباً أو مغفوراً له ، ولا یسقیها عبد لی صبیّاً أو مملوکاً إلاّ سقیته مثل ما سقاه من الحمیم یوم القیامة معذّباً بعدُ أو مغفوراً له(5) .

ومعتبرة عجلان أبی صالح قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : یقول اللّه عز وجل : من شرب مسکراً أو سقاه صبیّاً لا یعقل ، سقیته من ماء الحمیم مغفوراً له أو معذَّباً ، من ترک المسکر ابتغاء مرضاتی أدخلته الجنة وسقیته من الرحیق المختوم وفعلت به من الکرامة ما

ص:140


1- (5) وسائل الشیعة 8 / 354 ح 3 .
2- (6) وسائل الشیعة 25 / 308 ح 4 .
3- (7) وسائل الشیعة 25 / 309 ح 5 .
4- (8) المکاسب 2 / 74 .
5- (1) وسائل الشیعة 25 / 307 ح 1 .

فعلت بأولیائی(1) .

وعن عقاب الأعمال بسنده إلی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی حدیث قال : ومن شرب الخمر سقاه اللّه من سمّ الأفاعی ومن سمّ العقارب _ إلی أن قال _ : ومن سقاها یهودیّاً أو نصرانیاً أو صابئاً أو من کان من الناس فعلیه کوزر من شربها(2) .

ویظهر من هذه الروایات عدم رضی الشارع المقدس بشرب الخمر حتّی بالنسبة إلی الصبی أو الکفار نحو الیهود والنصاری ، ومن سقاهم من المسلمین علیه کوزر من شربها .

ومنها : ما دل علی إهراق المایعات المتنجسة نحو موثقة سماعة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن رجل معه إناء ان فیهما ماء ، وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیّهما هو ، ولیس یقدر علی ماء غیره ؟ قال : یهریقهما جمیعاً ویتیمّم(3) .

وموثقة عمار الساباطی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث _ قال : سئل عن رجل معه إناءان فیهما ماء ، وقع فی أحدهما قذر لا یدری أیّهما هو [ وحضرت الصلاة [ولیس یقدر علی ماءٍ غیرهما ؟ قال : یهریقهما جمیعاً ویتیمّم(4) .

بتقریب : أن الأمر بالإهراق یدلّ علی عدم جواز إعطاء هذا الماء المشتبه للمسلم حتّی یشربه أو یوضیء منه .

ومنها : ما دل علی حرمة بیع المختلط إلاّ ممّن یستحلّ بالمیتة ، نحو :

صحیحة الحلبی قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : إذا اختلط الذکی والمیتة باعه ممّن یستحلّ المیتة وأکل ثمنه(5) .

وصحیحة أخری له عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن رجل کان له غنم وبقرو کان یدرک الذکی منها فیعزله ویعزل المیتة ، ثم إنّ المیتة والذکی اختلط کیف یصنع به ؟ قال : یبیعه

ص:141


1- (2) وسائل الشیعة 25 / 308 ح 3 .
2- (3) وسائل الشیعة 25 / 309 ح 7 .
3- (4) وسائل الشیعة 1 / 151 ح 2 .
4- (5) وسائل الشیعة 1 / 155 ح 14 .
5- (1) وسائل الشیعة 17 / 99 ح 1 .

ممّن یستحلّ المیتة ویأکل ثمنه فإنّه لا بأس(1) .

وقد مرّ منّا البحث حول بیع المختلط وجوازه ، فراجع ما حررناه هناک .

ومنها : ما ورد فی العجین بالماء المتنجس ، نحو :

صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی العجین من الماء النجس کیف یصنع به ؟ قال : یباع ممّن یستحلّ المیتة(2) .

وفی روایة ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : یدفن ولا یباع(3) .

ومنها : ما ورد فی إهراق المرق المتنجس ، نحو :

خبر زکریا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبیذ مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر ومرق کثیر ، قال : یهراق المرق أو یطعمه أهل الذمة أو الکلب ، واللحم اغسله وکله . إلی أن قال : قلت : فخمر أو نبیذ قطر فی عجین أو دم ؟ قال : فقال : فسد ، قلت : أبیعه من الیهود والنصاری واُبیّن لهم ؟ قال : نعم ، فإنّهم یستحلّون شربه ، الحدیث(4) .

وبالجملة ، یُستفاد من هذه الأخبار الکثیرة فی مواضع مختلفة حرمة تغریر الجاهل بالحکم أو بالموضوع فی المحرمات فی موارد ، وأنّ العالم بحرمة شیءٍ کما یحرم علیه أکله وشربه مباشرةً کذلک یحرم علیه تسبیبه لأکل المسلم وشربه وإن کان الغیر جاهلاً .

أقسام الإغراء

ثمّ بعد تمامیة أصل هذه القاعدة - أعنی حرمة تغریر الجاهل - تعرض الشیخ

الأعظم(5) قدس سره إلی تقسیم لا یرجع إلی محصَّل ، مضافاً إلی تخلیطه قدس سره بین المصطلحات العلمیة ،

ص:142


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 99 ح 2 .
2- (3) وسائل الشیعة 17 / 100 ح 3 .
3- (4) وسائل الشیعة 17 / 100 ح 4 .
4- (5) وسائل الشیعة 3 / 470 ح 8 .
5- (1) المکاسب 2 / 75 وما بعدها .

ولذا أغمضنا عن تقسیمه ونتعرض لتقسیم صحیح آخر ، وهو :

تغریر الجاهل بأقسامه من التسبیب والإغراء وإیجاد الداعی والسکوت فی قبال الفاعل المباشر وجهله ، ینقسم إلی قسمین رئیسیین :

الف : جهل الجاهل تارة یکون بالنسبة إلی الحکم الکلّی الإلهی ، ولا ریب فی وجوب إعلام الجاهل بها ، لوجوب تبلیغ الأحکام الشرعیة علی الناس جیلاً بعد جیل إلی یوم القیامة ، کما تدلّ علیه آیة النفر والروایات الواردة فی لزوم تعلیم الأحکام الشرعیة وتعلّمه وبذل العلم .

ب : وتارة جهل الجاهل یکون بالنسبة إلی الموضوعات الخارجیة لا الحکم الکلّی الإلهی ، یعنی یکون جهله بالنسبة إلی الأحکام الجزئیة المترتبة علی الموضوعات الشخصیّة ، وهذا ینقسم إلی ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : تارة هذا الموضوع بحیث لا یرضی الشارع بترکه وإهماله ولزم فیه الإحتیاط - یعنی یکون الموضوع من الأمور المهمّة عنده نحو الدماء والفروج والأموال - وتغریر الجاهل وعدم إعلام الموضوع فی هذا المورد من المحرّمات الشرعیة ، لأنّ الشارع لا یرضی بترک هذه الموارد ، أو الإتیان بها خطاءً .

القسم الثانی : تارة یکون الموضوع من غیر الموارد المهمّة عند الشارع ، وهذا بحسب الحکم یختلف ، فمثلاً تارة نعلم من الشارع بعدم جواز ذلک ، نحو : تقدیم طعام النجس أو الحرام أو الخمر أو الفقاع إلی من لا یعلم ، فهذا حرام أیضاً ، لأنّ الفهم العرفی من خطابات هذه المحرمات عدم الفرق بین الإتیان بها مباشرة أو بتسبیب الغیر جهلاً کان أو إکراهاً .

القسم الثالث : تارة یکون الموضوع من غیر الموارد المهمّة ونعلم من الشارع جواز ذلک وعدم لزوم الإعلام ، نحو : الطهارة والنجاسة فی الأثواب والألبسة ، لأننا نعلم من الخارج أنّ الطهارة والنجاسة بالنسبة إلی الصلوات شرطٌ علمیٌّ لا شرطٌ واقعیٌّ ، فلا بأس بعدم لزوم الإعلام فی هذه الموارد الأخیرة وإبقاء الجاهل علی جهله .

فهذه أربعة أقسام نذهب إلی حرمة تغریر الجاهل فی ثلاثة منها ویبقی واحد منها - وهو القسم الأخیر - علی عدم لزوم الإعلام فیه .

ص: 143

الثالث : هل یجوز الإستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال ؟

المشهور بین قدماء أصحابنا عدم جواز الإستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال ، ولکن الروایات الواردة فی المقام ساکتة عن هذا التقیید . نعم قال الشیخ فی مبسوطه : « رووا أصحابنا أنّه یُستصبح به تحت السماء دون السقف »(1) .

مع أنّ الشیخ بنفسه ترک هذا الخبر فی کتابیه « التهذیب والإستبصار » المعدّان لنقل الروایات ، والظاهر أن مراد الشیخ من الروایة هنا لیست الروایة المصطلحة بل مراده قدس سره المستند إلی الروایة ، یعنی فتوی الأصحاب . وقد عرفت أنّ المشهور من القدماء ذهبوا إلی عدم جواز الإستصباح به تحت الظلال ، واستدلوا علیه بعدّة من الوجوه :

منها : الإجماع المدعی فی بعض الکلمات .

وفیه : أولاً : وجود الإجماع هنا ممنوع مع ذهاب بعض الأصحاب إلی خلافه .

وثانیاً : الإجماع هنا علی فرض وجوده لم یکن تعبدیّاً ، بل هو مدرکی لاحتمال إستناده إلی الوجوه الآتیة فی المسألة .

ومنها : الشهرة الفتوائیة .

وفیه : هذه وإن کانت محقّقة ولکنّها لیست بحجة هنا ، لاحتمال کون مستند المشهور أحد الوجوه المذکورة .

ومنها : مرسلة الشیخ المرویة فی المبسوط المذکورة آنفاً .

وفیه : أولاً : منعنا کونها روایة .

وثانیاً : علی فرض کونها روایة هی مرسلة ومضمرة ، فلیست بحجة .

وثالثاً : الراوی لهذه المرسلة - أعنی الشیخ - لم یأخذ بها وذهب إلی کراهة الإستصباح به تحت الظلال ، فراجع أطعمة المبسوط(2) حتّی تعرف ما قلنا .

وبالجملة ، لا یمکن الأخذ بهذه المرسلة .

ص:144


1- (1) المبسوط 6 / 283 .
2- (2) المبسوط 6 / 283 .

ومنها : الإستصباح به یوجب تنجیس السقف لتصاعد بعض الأجزاء الدهنیة قبل إحالة النار أیّاها إلی أن تلاقی السقف فهو حرام .

وفیه : أولاً : لا دلیل علی حرمة تنجیس السقف . نعم لا یجوز تنجیسه فی المساجد

والمشاهد وأمّا فی غیرها فلا دلیل علی حرمة تنجیسه .

وثانیاً : دخان النجس لیس بنجس للإستحالة کرماده .

وثالثاً : مجرد احتمال صعود الأجزاء الدهنیة إلی السقف قبل الإستحالة ، حیث کان مجرد إحتمال محض ، لا یمنع عن الإستصباح به تحت الظلال ، لکونه مشکوکاً من أصله .

رابعاً : ربّما لا یؤثر الدخان فی السقف إمّا لإرتفاعه أو لخروجه من الأطراف أو لقلة زمان الإسراج أو لعدم وجود الدخان فیه . وبالجملة هذا الدلیل أخص من المدعی .

والحاصل : حیث أن مستند المشهور لم یتم ، والروایات خالیة عن هذا التقیید بل تدلّ علی جواز الإستصباح به مطلقاً - سواء کان تحت الظلال أو تحت السماء - لابدّ من القول بجواز الإستصباح به تحت الظلال .

وممّا ذکرنا أیضاً ظهر حکم الدخان النجس من أنّه طاهر ، ولا یوجب تنجیس شیءٍ . واللّه سبحانه هو العالم .

الرابع : هل یجوز الانتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الاستصباح ؟
اشارة

القاعدة الأوّلیة تقتضی جواز الإنتفاع بالدهن المتنجس فی الإستصباح وغیره ، وعدّة من الروایات الواردة فی المقام أیضاً یؤیدها :

منها : خبر قرب الاسناد بإسناده عن علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : وسألته عن فأرة أو کلب شربا من زیت أو سمن ، قال : إن کان جرّة أو نحوها فلا تأکله ولکن ینتفع به لسراج أو نحوه ، الحدیث(1) .

ویمکن تصحیح السند بأنّ علی بن جعفر رواها فی کتابه(2) کما قاله الشیخ الحر فی

ص:145


1- (1) وسائل الشیعة 24 / 198 ح 3 .
2- (2) مسائل علی بن جعفر / 133 ح 128 .

الوسائل(1) ، وله سند معتبر إلی کتاب علی بن جعفر .

ودلالتها واضحة فإنّ الإمام علیه السلام أمر بالإنتفاع به لسراج أو نحوه ، وإطلاق « نحوه » یشمل جمیع الإنتفاعات ، والأمر بالنسبة إلی الفأرة علی التنزه والاستحباب ، بقرینة غیرها من الروایات فی عدم تنجس الجرّة بالفأرة إذا شربت منها وخرجت حیّةً ، کما مرّ بعضها .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن علی علیه السلام أنّه سئل

عن الزیت یقع فیه شیء له دم فیموت ، قال : الزیت _ خاصةً _ یبیعه لمن یعمله صابوناً(2) .

ومنها : خبر النوادر بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام أنّ علیاً علیه السلام سئل عن الزیت یقع فیه شیء له دم فیموت ، فقال : یبیعه لمن یعمله صابوناً(3) .

ومنها : خبر الدعائم رفعه عن أبی جعفر علیه السلام أنّه سئل عن فأرة وقعت فی سمن ، قال : إن کان جامداً ألقاها وما حولها وأکل الباقی ، وإن کان مائعاً فسد کله یُستصبح به .

وسئل أمیر المؤمنین علیه السلام عن الدواب تقع فی السمن والعسل واللبن والزیت فتموت فیه ، قال : إن کان ذائباً أریق اللبن واستسرج بالزیت والسمن _ إلی أن قال _ وقال علیه السلام : فی الزیت : یعمله صابوناً إن شاء(4) .

وهذه الروایات وإن کان أکثرها ضعافاً إلاّ أن الأصل أیضاً یقتضی جواز الإنتفاع به فی کلّ مورد یمکن الإنتفاع به ، وأمّا المذکور فی الروایات المتعددة بالإسراج أو الإستصباح - بأن ینتفعوا بالدهن أو الزیت المتنجس فیه - فلیس إلاّ بعنوان المثال أو انحصار الانتفاع به فی تلک الأعصار فیه فقط أو أنّه الفرد الغالب والظاهر للانتفاع . فلا تقید الروایات الواردة فی جواز بیعه فی هذا الإستعمال والإنتفاع .

وبالجملة ، یجوز الإنتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الإستصباح لما مرّ .

ص:146


1- (3) وسائل الشیعة 24 / 199 .
2- (1) مستدرک الوسائل 13 / 72 ح 2 .
3- (2) مستدرک الوسائل 13 / 73 ح 7 .
4- (3) مستدرک الوسائل 13 / 72 ح 4 .
حکم الانتفاع بالمتنجسات وبالأعیان النجسة :

قد مرّ الکلام فیما سبق من الکتاب جواز بیع المتنجسات ، فإذا جاز بیعها جاز الإنتفاع بها بطریق أولی . وهکذا ظهر الأمر بالنسبة إلی الأعیان النجسة من جواز بیعها إلاّ ما خرج بالدلیل المعتبر وورد النهی من بیعه ، نحو : المیتة والخنزیر والکلب غیر المعلّم ونحوها علی ما سبق ، فکما یجوز بیع بعض الأعیان النجسة فکذلک یجوز الإنتفاع بها .

وأمّا الأعیان النجسة اللآتی لا یجوز بیعها نحو : المیتة والخنزیر والکلب غیر المعلّم ، فیجوز الإنتفاع بها ، لعدم ثبوت ردع معتبر شرعی عن الإنتفاع بها ، وجریان البراءة الشرعیة والعقلیة فی المقام .

وبالجملة ، یجوز الإنتفاع بالأعیان النجسة مطلقاً سواءً جاز بیعها أم لم یجز ، وکذلک

یجوز الإنتفاع بالمتنجسات .

حقّ الاختصاص وحقیقته ومنشأ ثبوته :

إذا حاز شخص شیئاً مباحاً أو سبق إلی مکان مشترک کالمساجد والمشاهد والمدارس ، أو سقط ملکه عن المالیة کحیوان له مات أو عنب له صار خمراً أو الماء علی الشط أو الأراضی المملوکة إذا جعلها الجائر بین الناس شرّعاً سواءً کالطرق والشوارع المغصوبة ونحوها ، ثبت للحائز أو السابق أو المالک حقٌ بالنسبة إلی الشیء المباح أو المکان المشترک أو المال أو الملک ویُسمی هذابحقِّ الإختصاص ، یجوز له أخذ المال وانتقال حقّه إلی الباذل ، أو أخذ المال ورفع یده عن المشترکات أو ملکه .

ومن الواضح أنّ بین المال والملک عموم من وجه ، نحو : حبة من الحنطة ملک لمالکها ولا تعدّ مالاً ، ومثلها الماء علی الشط إذ لایبذل بإزائه المال .

وأشجار الغابات ونحوها أموال ولیست ملکاً لشخص معین من الناس .

ودار زید أو أرض له کانت ملکاً له ومالاً .

ثم لا یبعد أن یُدعی بأنّ أقوی دلیل علی وجود حقّ الإختصاص وثبوته السیرة القطعیة الشرعیة والعقلیة علی ذلک ، والمتشرعة فی جمیع الأعصار والأمصار وجیل بعد جیل ذهبوا إلی اعتباره ویأخذون المال فی قباله ویعطون المال بإزائه .

ص:147

ونفس هذه السیرة القطعیة المتصلة من زماننا هذا إلی زمن المعصومین علیهم السلام التی تستلزم تقریرهم علیهم السلام توجب ثبوت هذا الحقّ واعتباره عند الشارع المقدس وجواز معاوضة هذا الحقّ فی قبال المال .

وهذا سرّ تلقی أصحابنا قدس سرهم هذا الحقّ بالقبول .

ولعله إلی هذا الإستدلال أشار صاحب مهذب الأحکام حیث یقول مستدلاً علی ثبوت حق الإختصاص : « لظهور الإجماع علیه ولاعتبار العرف والعقلاء هذا الحقّ ولم یردع عنه الشارع »(1) .

واعترف بهذه السیرة بعض المعاصرین قدس سره فی تعلیقته علی المکاسب فقال : « ... وکیف کان بعد السیرة وحدیث السبق لا حاجة فی إثبات المطلب إلی إتعاب النفس والتکلّف فی

إثباته (أی إثبات حقّ الإختصاص) بأمر آخر ... »(2) .

إن قلت : ثبوت السیرة فعلاً محرز ولکن إتصالها من زماننا هذا إلی زمن المعصومین علیهم السلام دون إثباته خرط القتاد .

قلت : إتصال السیرة یحرز إلی زمن المعصومین علیهم السلام لمن تأمل فی الروایات الواردة فی هذا المبحث ، نحو ما دلّ علی ثبوت الملکیة بالحیازة وجعل الید ، وما دلّ علی السبق إلی مکان من المسجد والمشهد والسوق بأنّه أحق من غیره ، فإذا کان هو أحق من غیره فیجوز له أن یأخذ المال فی قبال هذا الحقّ وانتقال حقّه إلی غیره .

وبالجملة ، هذه الروایات أقوی شاهد علی اتصال هذه السیرة إلی زمن المعصومین علیهم السلام .

بل ربّما یمکن أن یقال : بإثبات حق الإختصاص بنفس هذه الروایات من دون ضم السیرة کما یأتی منّا البحث حول ذلک إن شاء اللّه تعالی ، فانتظر .

لا یقال : أخذ المال فی قبال هذا الحقّ بالنسبة إلی مثل الخمر والمیتة والکلب فی غیر

ص:148


1- (1) مهذب الأحکام 16 / 44 للفقیه الراحل السید عبد الأعلی الموسوی السبزواری قدس سره .
2- (1) غنیة الطالب فی التعلیقة علی المکاسب 1 / 84 للعلامة الفقیه الشیخ مرتضی بن محمد الأردکانی الیزدی قدس سره المتوفی عام 1375 ش .

موارد استثنائه والخنزیر لا یجوز ، لاحتمال دخوله تحت الإکتساب المحظور ، فیشمله ما استدل به المشهور علی عدم الجواز .

لأنّا نقول : معقد فتاواهم والمنساق من أدلتهم اللفظیة إنّما هو إذا جعل نفس العین مورد النقل والإنتقال لا الحقّ القائم به .

ثم مضافاً إلی ما ذکرنا یمکن أن یُستدل علی ثبوت حقّ الإختصاص بعدّة من الوجوه :

منها : أنّ حقّ الإختصاص سلطنة ضعیفة ثابتة للملاّک فی ملکهم ، بحیث لوزالت المالیة أو الملکیة یبقی هذا الحقّ ثابتاً ، فإذا مات حیوانه زالت مالیته ویبقی ملکه علی الحیوان ، وببقاء الملک یبقی هذا الحقّ أیضاً . وهکذا الأمر بالنسبة إلی العصیر العنبی إذا صار خمراً ، یبقی حقّ إختصاص مالکه له حتّی إذا قلنا بإلغاء مالکیة الخمر من الشارع ، ولذا یجوز له التصرف فیها بصیرورتها خلاًّ أو المعاوضة علی هذا الحقّ لیجعلها المشتری خلاًّ .

والدلیل علی ذلک حرمة التصرفات والتقلبات فی ملک الغیر إلاّ برضاء مالکه ولو لم یکن هنا مالٌ ، فمثلاً هل یمکن أن یقال بجواز التصرف فی حبات قلیلة من الحنطة لاتعتبر مالاً

ولکنّها تعتبر ملکاً للغیر ؟

ومن البدیهی عدم جواز هذا التصرف ، عند الکلِّ ونفس عدم جواز هذا التصرف یمکن أن یُستدل به علی ثبوت حقّ الإختصاص وجواز المعاوضة علیه حتی إذا ذهبت الملکیة .

فظهر ممّا ذکرنا ضعف ما فی مصباح الفقاهة رداً علی هذا الوجه بعدم الدلیل علیه فی مقام الإثبات(1) .

ومنها : أنّ حقّ الإختصاص مرتبة ضعیفة من الملکیة الإعتباریة ، فإذا زالت هذه الملکیة بحدّها الأقوی بقیت بعض مراتبها الضعیفة ، لأنّها مقولة بالتشکیک ، فوزانها وزان الکیفیات والألوان .

وفیه : أنه أورد علیه فی مصباح الفقاهة : « بأنّ الملکیة الحقیقیة من أیّة مقولة کانت -

ص:149


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 143 .

جِدَة أو إضافة - لیست قابلة للشدّة والضعف حتّی تعتبر بحدِّها الضعیف تارة وبحدها القوی تارة اُخری ، بل هی أمر بسیط ، فإذا زالت زالت بأصلها .

ولو سلمنا کون الملکیة الحقیقیة ذات مراتب لم یجر ذلک فی الإعتباریة ، فإنّ إعتبار کلّ مرتبة مغایر لإعتبار المرتبة الاُخری ، وإذا زال إعتبار المرتبة القویة لم یبق بعده إعتبار آخر للمرتبة الضعیفة ، وعلیه فلا یبقی هناک شیء آخر لکی یُسمی بالحقِّ »(1) .

أقول : نعم ، کلامنا فی الملکیة الإعتباریة لا الحقیقیة ، وإعتبار کل مرتبة مغایر مع إعتبار المرتبة الاُخری کما ذکره قدس سره . وأمّا ما یقوله من أنه « إذا زال إعتبار المرتبة القویة لم یبق بعده اعتبار آخر للمرتبة الضعیفة » فمحل تأمل بل منع ، لأنّ هذا تابع لإعتبار المعتَبِر ، فإذا اعتبره علی بقاء المرتبة الضعیفة مع زوال المرتبة القویّة یبقی ، والإعتبار سهل المؤنة وتابع لجعل معتبِره ویکفی فی تصحیحه عدم لغویته ، فیمکن بأن یجعل المعتَبِر هنا إعتباران علی نحو الطولیة ، بأن یجعل أوّلاً إعتبار الحقّ ثمّ ثانیاً اعتبار الملک ، وقد یجمع الإعتباران الحقّ والملک فی الأموال ، وقد یفرّق بینهما بزوال الملک وبقاء الحقِّ .

وبالجملة ، هذا کلّه تابع لجعل المعتَبِر ، ولا إشکال فیه من جهة الثبوت . نعم من جهة الإثبات نحتاج إلی دلیل ، وبنظرنا القاصر لا یبعد أن یکتفی فی مرحلة الإثبات بدلیلیة السیرة

القطعیة المتصلة من زماننا هذا إلی زمن المعصومین علیهم السلام للمتشرعة علی ثبوت حقّ الإختصاص ، وجواز المعاوضة علیه .

ومنها : لا یجوز لأحد أن یتصرف فی ملک أو مال غیره إلاّ بطیب نفسه . وهذا الأمر من الثابتات فی الشریعة المقدسة ، وقد دلّت علیه سیرة العقلاء والمتشرعة ، وتدلّ علیه أیضاً عدّة من الروایات المعتبرة ، نشیر إلی بعضها ، فإذا زالت الملکیة وشککنا فی زوال ذلک الحکم کان مقتضی الإستصحاب الحکم ببقائه .

فمن الروایات : موثقة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : سباب المؤمن فسوق ، وقتاله کفر ، وأکل لحمه معصیة ، وحرمة ماله کحرمة دمه(2)

ص:150


1- (2) مصباح الفقاهة 1 / 143 .
2- (1) الکافی 2 / 359 ح 2 .

وموثقة سماعة عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من کانت عنده أمانة فلیؤدّها إلی من ائتمنه علیها ، فإنّه لا یحلّ دم امری ء مسلم ولا ماله إلاّ بطیبة نفسه(1) .

ومرفوعة ابن شعبة الحرّانی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال فی خطبة الوداع : أیها الناس إنّما المؤمنون إخوة ، ولا یحلّ لمؤمن مال أخیه إلاّ عن طیب نفسٍ منه(2) .

ومرفوعة أبی منصور الطبرسی عن توقیع صدر من صاحب الزمان _ عجل اللّه تعالی فرجه الشریف _ الوارد إلی محمد بن عثمان العمری قال : وأمّا ما سألت عنه من أمر الضیاع التی لناحیتنا هل یجوز القیام بعمارتها وأداء الخراج منها وصرف ما یفضل من دخلها إلی الناحیة احتساباً للأجرو تقرّباً إلیکم ، فلا یحلّ لأحد أن یتصرف فی مال غیره بغیر إذنه ، فکیف یحلّ ذلک فی مالنا ؟ من فعل شیئاً من ذلک بغیر أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرم علیه ، ومن أکل من أموالنا شیئاً فإنّما یأکل فی بطنه ناراً وسیصلی سعیراً(3) .

ومرسلة ابن أبی جمهور الأحسائی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : المسلم أخو المسلم ، لا یحلّ ماله إلاّ عن طیب نفسه(4) .

ومرفوعة النوری عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال فی حدیث : ولا یجوز أخذ مال المسلم بغیر طیب نفس منه(5) .

بتقریب : أنّ هذه الروایات وإنْ دلت بظاهرها علی عدم جواز التصرف فی مال الغیر إلاّ عن طیب مالکه ، ولکن بعد التأمل فیها یظهر أنّ المدار حرمة التصرف فی ملک الغیر ، ومال الغیر بما أنّه ملک للغیر لا یجوز التصرف فیه ، والملاک فی هذه الحرمة أنّها ظلم للغیر وتعدٍ

ص:151


1- (2) وسائل الشیعة 5 / 120 ح 1 .
2- (3) وسائل الشیعة 5 / 120 ح 3 .
3- (4) الاحتجاج 2 / 559 .
4- (5) مستدرک الوسائل 1 / 222 من الطبعة الحجریة = (3 / 331 ح 1) طبع آل البیت وهکذا رواها فی الباب الأول من کتاب الغصب 17 / 88 ح 5 .
5- (1) مستدرک الوسائل 17 / 88 ح 3 .

علیه . ولعلّ مال الغیر المذکور فی الروایات عنوان یشیر إلی ملک الغیر .

وإن أبیت وجمدت علی ظاهر لفظ الروایات من أنّ الحرام التصرف فی مال الغیر لا ملکه ، نقول بعدم الفرق فی ذلک ، بأنّ العرف لا یری فرقاً بین التصرف فی مال الغیر والتصرف فی ملک الغیر إلاّ بطیب نفسه ، والمال ذُکر فی الروایات لأنّه أظهر من الملک . ثم إذا زالت الملکیة وشککنا فی بقاء هذا نستصحب .

ومع هذا التقریب لا یرد علی الإستدلال ما ذکره المحقق الخوئی قدس سره « بعدم جریان الإستصحاب فی الأحکام ، لمعارضته دائماً بأصالة عدم الجعل ، وأنّ موضوع حکم حرمة التصرف هو مال الغیر ، فإذا سقط الشیء عن المالیة سقطت عنه حرمة التصرف حتّی إذا کان باقیاً علی صفة المملوکیة ، إذ لا دلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر فکیف إذا زالت عنه الملکیة أیضاً »(1) .

وفیه : أولاً : أنّ المدار حرمة التصرف فی ملک الغیر والتصرف فی مال الغیر أیضاً حرام ، لأنّه یستلزم التصرف فی ملک الغیر وهو ظلم وتعدٍّ علیه . أو لا أقل من أنّ العرف لا یری فرقاً بین التصرف فی ملک الغیر وماله ، وموضوع حکم الحرمة التصرف فی ملک الغیر ، وبتبعه ثبوت حرمة التصرف فی ماله أو عدم الفرق بین الحرمتین ، یعنی کما لا یجوز التصرف فی ملک الغیر فکذلک فی ماله فی مرتبة واحدة من دون تقدم أحدهما علی الآخر ، فالدلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر موجود .

وثانیاً : من البعید جداً أن یلتزم هو قدس سره بما قاله وأفتی به ، کیف یمکن القول بعدم حرمة التصرف فی ملک الغیر ولو لم یکن مالاً ؟ ولا یمکن الإفتاء بذلک من متفقهٍ فکیف بفقیه الاُمة

ومرجعها . وأظن أنَّ هذا الکلام صدر منه قدس سره علی سبیل الجدل والمحاورة ولا یلتزم هو بذلک ولا یسمع منه أن یفتی به . والعلم عند اللّه تعالی .

وثالثاً : یمکن أن یناقش فی مبنی المحقق الخوئی قدس سره بعدم جریان الإستصحاب فی الأحکام والجواب عن المعارضة المدعاة . والتفصیل یطلب من علم الاُصول .

ص:152


1- (2) مصباح الفقاهة 1 / 144 .

ومنها : ما یدلّ علی ثبوت حقِّ الإختصاص ، وهو المرسلة المعروفة : « من حازملک » .

وفیه : أولاً : إنّ هذه المرسلة - وإن اشتهرت فی ألسنة الفقهاء وکتبهم الإستدلالیة - ولکن لم توجد فی کتب الحدیث . والظاهر أنّها قاعدة فقهیة مصطادة من الروایات الواردة فی أبواب التحجیر وإحیاء الموات والصید .

وثانیاً : علی فرض وجودها فی کتب الحدیث أنّها ضعیفة الاسناد وغیر منجبر ضعفها بالشهرة ، إذ لم یحرز استناد المشهور إلیها ، ویمکن أن یکون ذکرها للتأیید فقط .

ولکن الإنصاف أنّ دلالتها علی حقِّ الإختصاص ثابتةٌ ، لأنّها تدلّ علی ملکیة المحاز للمحیز ولو لم یکن مالاً ، والحیازة لیست إلاّ جعل ید المحیز علی المحاز واستیلاء الشخص علی الشیء وصیرورته فی یده ، فإذا تحقق هذا الإستیلاء ثبتت الملکیة ، فکیف لا یقدر بقاء هذا الإستیلاء والید بإثبات حقِّ الإختصاص الذی هو أضعف من الملکیة بمراتب ؟

بالجملة ، الإستیلاء علی الشیء وجعل الید علیه ابتداءً کما یثبت الملکیة فکذلک یثبت بقاء هذا الإستیلاء والید بعد زوال المالیة والملکیة ، حقّ الإختصاص وثبوته الذی هو أضعف من الملکیة بمراتب .

ومضافاً إلی ذلک ورود عدة من الروایات دالة علی ثبوت الملکیة بجعل الید علی الشیء والإستیلاء علیه ، نحو :

موثقة یونس بن یعقوب عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی إمرأة تموت قبل الرجل أو الرجل قبل المرأة ، قال : ما کان من متاع النساء فهو للمرأة وما کان من متاع الرجال والنساء فهو بینهما ، ومن استولی علی شیء منه فهو له(1) .

ومعتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : إنّ الطیر إذا ملک جناحیه فهو صید ، وهو حلال لمن أخذه(2) .

ومعتبرة اُخری للسکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قال فی رجل

ص:153


1- (1) وسائل الشیعة 26 / 216 ح 3 .
2- (2) الکافی 6 / 223 ح 5 .

أبصر طائراً فتبعه حتّی سقط علی شجرة فجاء رجل آخر فأخذه ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : للعین ما رأت وللید ما أخذت(1) .

وصحیحة عبداللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من أصاب مالاً أو بعیراً فی فلاة من الأرض قد کلّت وقامت وسیّبها صاحبها ممّا لم یتبعه فأخذها غیره فأقام علیها وأنفق نفقة حتّی أحیاها من الکلال ومن الموت ، فهی له ولا سبیل له علیها ، وإنّما هی مثل الشیء المباح(2) .

ولکن یمکن أن یقال : بأنّ مفاد الصحیحة الأخیرة ثبوت التملک بالأخذ والإحیاء معاً .

وخبر السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام قضی فی رجل ترک دابّته من جهد ، فقال : إن ترکها فی کلأ وماء وأمن فهی له یأخذها حیث أصابها ، وإن ترکها فی خوف وعلی غیرماء ولا کلأ فهی لمن أصابها(3) .

وبالجملة ، هذه الروایات تدلّ علی ثبوت الملکیة بجعل الید علی الشیء أو الحیوان . وحیث یمکن أن یثبت جعل الید ملکیة الشیء فکذلک بقاء هذه الید التی هی أقوی من حدوثها یمکن أن تثبت حقّ الإختصاص الذی هو أضعف من الملکیة بمراتب بطریق الاُولویة .

ومنها : حدیث السبق وتدلّ علیه عدّة من الروایات ، نحو :

خبر محمد بن إسماعیل عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قلت : نکون بمکة أو بالمدینة أو الحیرة أو المواضع التی یرجی فیها الفضل ، فربّما خرج الرجل یتوضّأ فیجیء آخر مکانه ، قال : من سبق إلی موضع فهو أحقّ به یومه ولیلته(4) .

وخبر طلحة بن زید عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : سوق المسلمین کمسجدهم ، فمن سبق إلی مکان فهو أحقّ به إلی اللیل ، وکان لا یأخذ علی بیوت السوق

ص:154


1- (1) الکافی 6 / 223 ح 6 .
2- (2) وسائل الشیعة 25 / 458 ح 2 .
3- (3) وسائل الشیعة 25 / 458 ح 4 .
4- (4) وسائل الشیعة 5 / 287 ح 1 .

کراءً(5) .

وخبر عوالی اللآلی رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم : من سبق إلی ما لا یسبقه إلیه مسلم فهو أحقّ به(1) .

بتقریب : أنّ حدیث السبق أفتی بمضمونه الأصحاب فی المشترکات ، والشهرة العملیة أیضاً ممّا یجبر بها ضعف السند ، وبهذا یجبر ضعف سند هذه الروایات .

وأمّا دلالتها : حیث أنّ الإستیلاء علی الشیء وجعل الید علیه موجب حدوث الحقّ ، فبقاء الإستیلاء والید علی الشیء بطریق أولی یوجب ذلک ، وهذا یعنی ثبوت حقّ الإختصاص .

وبما ذکرنا من التقریب یظهر ما فی کلام المحقق الخوئی قدس سره حیث یقول : « اما حدیث السبق ففیه أولاً : أنّه ضعیف السند وغیر منجبر بشیء صغریً وکبریً .

وثانیاً : إنّ ما نحن فیه خارج عن حدود هذا الحدیث ، فإنّ مورده الموارد المشترکة بین المسلمین ، بأن یکون لکلِّ واحد منهم حقّ الإنتفاع بها ، کالأوقاف العامة من المساجد والمشاهد والمدارس والرباطات وغیرها ، فإذا سبق إلیها أحد من الموقوف علیهم وأشغلها بالجهة التی انعقد علیها الوقف حرمت علی غیره مزاحمته وممانعته من ذلک . ولو عممناه إلی موارد الحیازة فإنّما یدلّ علی ثبوت الحقِّ الجدید للمحیز فی المحاز ، ولا یدل علی بقاء العلقة بین المالک وملکه بعد زوال الملکیة »(2) .

ومنها : دعوی الإجماع علی ثبوت حقِّ الإختصاص .

وفیه : أولاً : لم یثبت وجود الإجماع المنقول فکیف بالمحصَّل .

وثانیاً : علی فرض وجود الإجماع فهو مدرکیٌّ ، فلابدّ من ملاحظة مدرکه ، وهو أحد الوجوه الماضیة أو جمیعها .

وثالثاً : الإجماع عندنا لیس بحجة مستقلة ، بل حجة إذا کان کاشفاً عن قول المعصوم علیه السلام ، الإجماع المدعی هنا لیس بهذا الحدَّ ولم یستکشف عنه قول المعصوم علیه السلام .

ص:155


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 287 ح 2 .
2- (2) مستدرک الوسائل 3 / 149 ح 4 من الطبع الحجری = 17 / 111 ح 4 طبع آل البیت .

وبالجملة ، ظهر من جمیع ما ذکرنا ثبوت حقّ الإختصاص للمالک علی المال والملک ولوزالت المالیة والملکیة ، ویجوز له المصالحة علی هذا الحقِّ بلا عوض أو مع العوض .

ولذا قال العلامة الجد الشیخ الأکبر الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره فی شرحه علی القواعد : « ... وعدم المِلْک لا ینافی ثبوت الإختصاص فیما له منفعة محلّلة ، ودفع الشیء لإنفکاکه(1) یُشَکُّ فی دخوله تحت الإکتساب المحظور ، فیبقی علی أصل الجواز »(2) .

وقال صاحب الجواهر : « نعم قد یقال : بأنّ له حقّ الإختصاص لمن سبق إلیه لتحقق الظلم عرفاً بالمزاحمة له ، بل لعلّ دفع العوض لرفع ید الإختصاص عنه لا بأس به ، ضرورة عدم صدق التکسب به لعدم دفع العوض عنه ... »(3) .

وبما ذکره صاحب الجواهر یظهر المناقشة فی کلام شیخنا الأستاذ - مد ظله - حیث یقول :« اللهم إلاّ أن یقال : مقتضی سقوط الشیء عن المالیة شرعاً کونه کسائر ما لا تکون له مالیة فی اعتبار العقلاء ، وأن أخذ المال ولو بعنوان المصالحة علیه أو الإعراض عنه أکل لذلک المال بالباطل ... »(4) .

وقال - مد ظله - فی ختام التعلیقة أیضاً : « أکل المال ولو بعنوان المصالحة علیها أو الإعراض عنها من أکله بالباطل کما فی سائر ما لا یکون مالاً فی اعتبار العقلاء ، کما لا یخفی »(5) .

أقول : الوجه فی ظهور المناقشة عدم صدق التکسب بأخذ المال فی قبال حقّ الإختصاص ، فلا یکون أکلاً للمال بالباطل ، فافهم . ولا أقل من الشک فی صدق عنوان التکسب ، فیجری إصالة البراءة فی المقام .

ص:156


1- (1) لإفتکاکه ، فی طبعة قم المحقّقة .
2- (2) شرح الشیخ جعفر علی قواعد العلامة ابن المطهر / 13 طبع النجف الاشرف _ 1 / 124 من طبع قم المقدسة .
3- (3) جواهر الکلام 22 / 9 .
4- (4) ارشاد الطالب 1 / 70 .
5- (5) ارشاد الطالب 1 / 71 .

ومنه أیضاً ظهر ما فی کلام الفقیه الإصفهانی قدس سره بعد الإفتاء بثبوت حقِّ الإختصاص ومعاوضة هذا الحقّ بالعوض حیث یقول : « ... لکنّه لا یخلو من إشکال ، بل لا یبعد دخوله فی الإکتساب المحظور . نعم لو بذل الغیر مالاً لیرفع یده ویعرض عنها فیحوزها الباذل سلم من الإشکال ... »(6) .

أقول : قد منعنا دخول المعاوضة علی حقِّ الإختصاص بالمال فی الاکتساب المحرّم ، و علی فرض دخوله لا یخرجه ما ذکره قدس سره فی آخر کلامه ، فلا یسلم من الإشکال . والحمد للّه علی کلّ حال .

ص:157

النوع الثانی : ما یحرم لتحریم ما یقصد به وهو علی ثلاثة أقسام

اشارة

ص:158

ص:159

اشارة

ص:160

القسم الأوّل

اشارة

ما اشتمل علی هیئة خاصة لا یقصد منه بهذه الهیئة إلاّ الحرام کالأصنام والصلبان وآلات القمار وآلات اللهو ونحو ذلک :

1 _ منها : هیاکل العبادة المبتدعة :

اشارة

کالصلیب والصنم والوثن ، وقد استدل علی حرمة بیعها بعدّة من الوجوه :

الأدلة الدالة علی حرمتها
الوجه الأوّل : الاجماع

قد ادعی الإجماع فی کلام جماعة من الأصحاب ، منهم : العلاّمة الحلی فی المنتهی(1) ادعی عدم خلاف علمائنا علی تحریم عمل الأصنام والصلبان وغیرهما من هیاکل العبادة المبتدعة ، وادعی الإجماع المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان(2) والسید علی الطباطبائی فی الریاض(3) والنراقی فی مستند الشیعة(4) وصاحب الجواهر فی کتابه(5) .

وفیه : تحصیل الإجماع - وإن کان ممکناً فی کلمات الأصحاب - ولکنّه غیر مفید ، لاحتمال کونه مدرکیّاً وأنّ مستندهم إحدی الوجوه الآتیة فی المسألة .

الوجه الثانی : روایة تحف العقول

حیث ورد فیها : « فکلّ أمر یکون فیه الفساد ممّا هو منهی عنه من جهة ... »(6) إلی أن

ص:161


1- (1) منتهی المطلب 2 / 1011 .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 41 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 140 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 88 .
5- (5) جواهر الکلام 22 / 25 .
6- (6) تحف العقول / 333 .

قال : « وذلک إنّما حرّم اللّه الصناعة التی حرام هی کلّها التی یجیءُ منها الفساد محضاً نظیر

البرابط والمزامیر والشطرنج وکلّ ملهوٍّ به والصلبان والأصنام »(1) .

وفیه : قد منعنا عن کون هذه روایة أصلاً ، وعلی فرض أن تکون روایة فهی مرفوعة مرسلة ، فلا تفید فی الفقه شیئاً .

الوجه الثالث :

قوله تعالی : «لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنکُمْ »(2) .

بتقریب : أنّ أکل المال بأزائها أکل له بالباطل ، والمراد بالباطل فی الآیة الشریفة الباطل الشرعی والعرفی معاً ، فلا یجوز بیعها .

وفیه : نعم الظاهر أنّ المراد بالباطل فی الآیة الشریفة ما یعمّ الباطل شرعاً وعرفاً ، ولکن الآیة لیست بصدد بیان شرائط العوضین حتّی یتمسّک بإطلاقها فی المقام .

الوجه الرابع :

قوله تعالی فی سورة المائدة : «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ»(3) .

وقوله تعالی فی سورة الحج : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الاْءَوْثَانِ»(4) .

وقوله تعالی فی سورة المدثر : «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»(5) .

قال الشیخ فی ذیل الآیة الأخیرة : « قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهری : معناه فاهجر الأصنام »(6) .

ص:162


1- (1) تحف العقول / 335 .
2- (2) سورة النساء / 29 .
3- (3) سورة المائدة / 90 .
4- (4) سورة الحج / 30 .
5- (5) سورة المدثر / 5 .
6- (6) التبیان 10 / 173 .

بتقریب : أن الاجتناب المطلق وکذا الهجر المطلق یقتضی الإجتناب عن البیع وحرمته .

وفیه : أن الاجتناب والهجر من الأصنام والأوثان یعنی ترک عبادتها وعدم القول

بقداستها ، ولیس فی الآیات إطلاقٌ حتّی یشمل بطلان بیعها .

الوجه الخامس :

الاستدلال بالنبوی المشهور : « إنّ اللّه إذا حرّم علی قوم شیئاً حرّم علیهم ثمنه » .

بتقریب : أنه حیث حرّمت فی الشریعة عبادة الأصنام والأوثان والصلبان فکذلک حرّمت عملها وإحداثها لأجل العبادة ، وکذلک حرّمت فیها بیعها وشراؤها وأخذ الثمن فی قبالها .

وفیه : أنّه قد ذکرنا فی أوّل الکتاب عدم ورود هذه الروایة من طرقنا إلاّ علی نحو الإرسال والرفع ، ووجود کلمة « الأکل » فی موارد نقلها ، فلا تفید فی الفقه ولا فی المقام شیئاً .

الوجه السادس : ما رواه فی دعائم الاسلام

قال : « روینا عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن بیع الأحرار وعن بیع المیتة والدم والخنزیر والأصنام ، وعن عسب الفحل وعن ثمن الخمر وعن بیع العذرة وقال : هی میتة »(1) .

بتقریب : أن النهی عن بیع الأصنام ظاهرٌ فی بطلانها .

وفیه : أن دلالة الروایة علی بطلان بیعها تام ولکن سندها ضعیف بل مرسل بل مرفوع ، وقد مرّ منّا الکلام حول کتاب دعائم الاسلام فی أوّل ، الکتاب فراجع ما حررناه هناک .

الوجه السابع :

الروایات الدالة علی النهی عن بیع الخشب ممّن یتخذه صلیباً أو صنماً ، وحیث کان بیع الخشب الحلال فی نفسه صار حراماً من هذه الجهة ، فبیعهما اُولی بالحرمة .

ص:163


1- (1) دعائم الاسلام 2 / 18 ح 22 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 71 ح 5 .

من الروایات : صحیحة عمر بن اُذینة قال : کتبت إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن یتخذه برابط ؟ فقال : لا بأس به . وعن رجل له خشب فباعه ممّن یتخذه صلباناً ؟ قال : لا(1) .

ومنها : خبر عمرو بن حریث قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن التوت أبیعه یصنع للصلیب والصنم ؟ قال : لا(3) .

قال المحقق الخوئی قدس سره : « وهذا هو الوجه الوجیه ، ویؤیده قیام السیرة القطعیة المتصلة إلی زمان المعصوم علیه السلام علی حرمة بیع هیاکل العبادة ، ویؤیده أیضاً وجوب إتلافها حسماً لمادّة الفساد ، کما أتلف النبی صلی الله علیه و آله وسلم وعلی علیه السلام أصنام مکة ، فإنّه لو جاز بیعها لما جاز إتلافها »(2) .

وبالجملة ، هذا الوجه تام لا یمکن المناقشة فیه ولا ینبغی الإشکال فی حرمة بیع هیاکل العبادة من الأصنام والأُوثان ونظیرها الصلبان بعد هذا الدلیل التام والدلیل الآتی :

الوجه الثامن : الدلیل العقلی :
اشارة

العقل مستقل بقبح عبادة الأُوثان والأصنام وأنّه مبغوض عند الشارع الأقدس ، فکیف یجعل الشارع وجوب الوفاء بعقد یترتب علیه هذا المبغوض عنده ، والعقل کما هو مستقل بقبح عبادة الأُوثان فکذلک مستقل بعدم جعل وجوب الوفاء علی عقد یترتب علیه عبادة الأُوثان ، ولعلّ هذا سرّ عدم ورود حرمة بیعها مستقلاً فی الروایات ، لأنّ العقل یستقل بحرمة بیعها فلا نحتاج إلی ورود روایة .

ولعله أشار إلی هذا البیان المحقق الخمینی قدس سره حیث یقول : « لا ینبغی الاشکال فی حرمة بیعها وبطلانه فی الصور التی یترتب علیها الحرام ، لإستقلال العقل بقبح ما یترتب علیه عبادة الأُوثان ومبغوضیته ، بل قبح تنفیذ البیع وإیجاب الوفاء بالعقد المترتب علیه عبادة غیر اللّه تعالی »(3) .

ص:164


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 176 ح 1 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 176 ح 2 .
3- (2) مصباح الفقاهة 1 / 149 .

وأمّا استفادة حکم حرمة بیعها ممّا ورد من الروایات الواردة فی تحریم الخمر ولعن بایعها ومشتریها وعاصرها وساقیها وتحریم ثمنها وجعله سحتاً ، أو استفادتها من الروایة المستفیضة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبی جعفر علیه السلام وأبی عبد اللّه علیه السلام أنّهم علیهم السلام قالوا : مدمن الخمر کعابد وثن .

فأشبه شیءٍ بالقیاس ، وهو سرایة حکم موضوع إلی موضوع آخر وإناطته إلیه ، یعنی استفادة حرمة بیع هیاکل العبادة من الروایات الواردة فی باب الخمر وتحریمها وتشدید الشارع بالنسبة إلیها بإدعاء أنّ الفساد مشترک بینهما ، بل بالنسبة إلی هیاکل العبادة کان الأمر أشدّ والفساد أکثر . وهذه الدعوی أشبه شیءٍ بالقیاس کما ذکرت .

ثم بعد الفراغ عن الاستدلال علی حرمة بیع هیاکل العبادة ینبغی التعرض لفروع :

فروع
الفرع الأوّل :

إذا کانت لمادّة هیاکل العبادة قیمة - بأنّها صُنعت من الذهب أو الفضة أو الجواهر الغالیة ونحوها - فهل یجوز بیعها بالنظر إلی مادّتها التی هی ذات قیمة مع ترتب الفساد علی هیئتها أم لا ؟ وهل یجری فی هذا الفرض حکم بیع ما یملک وما لا یملک فی معاملة واحدة بأنّ یقسّط الثمن بإزائهما نحو بیع الشاة والخنزیر معاً فالبیع بالنسبة إلی الشاة صحیح وبالنسبة إلی الخنزیر باطل ویقسط الثمن بینهما ، أم لا یجری ؟

الظاهر صحة بیع ما یملک وما لا یملک إذا کان لکلِّ واحد منهما وجود مستقل عن غیره نحو الشاة والخنزیر ، وأمّا ما نحن فیه فالهیئة والمادة - وإن کانا شیئین مختلفین متعددین بالدقة العقلیة الفلسفیة - ولکنّهما بنظر العرف لیس إلاّ شیئاً واحداً وهو الصنم أو الوثن أو الصلیب ، ولذا لا یقسّط الثمن بأزاء المادّة والهیئة ولیس نظیر بیع ما یملک وما لا یملک .

وبالجملة ، إذا ترتب علی بیعها فساد عبادتها فلا یجوز بیعها ولو کانت لمّادتها قیمة . واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع الثانی :

إذا لم یترتب علی بیعها فساد عبادتها لانقراض عَبَدَتها وکانت لمادّتها قیمة فهل یجوز بیعها أم لا ؟

ص:165

الظاهر أن علّة حرمة بیعها لیست إلاّ من جهة حرمة الفساد المترتب علیها ، وإذا لم یکن فساد فی البین وکانت لمادّتها قیمة فیجوز حینئذ بیعها .

نعم ، الأحوط حینئذ تغییر هیئتها ثم بیعها .

الفرع الثالث :

إذا لم یترتب علی بیعها فساد عبادتها لانقراض عَبَدَتها ولم تکن لمادّتها قیمة - بأن صنعت من الخشب أو الحجر ونحوهما فهل - یجوز بیعها للتزیین أو لحفظها فی المتاحف ونحوها أم لا ؟

الظاهر یجوز بیعها حینئذ ، لعدم ترتب الفساد علیها . واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع الرابع :

هل یجب کسرها مطلقاً ؟ أو یجب فی فرض وجود عبدتها فقط ؟ وهل علی کاسرها

ومتلفها ضمانٌ بالنسبة إلی قیمتها أم لا ؟

الظاهر أنّه یجب کسرها فی فرض وجود عَبَدَتها وترتب الفساد علیها ، وفی هذا الفرض حیث ألغی الشارع مالیتها فلیس علی کاسرها ومتلفها ضمان .

ولکن فی غیر هذا الفرض لم یجب کسرها ، وحیث کانت مالاً ذا قیمة ولم یلغ الشارع مالیتها وأتلفها الغیر فهو له ضامن بقاعدة الإتلاف . واللّه سبحانه هو العالم .

الفرع الخامس :

قال الشیخ الأعظم : « نعم ، لو فرض هیئة خاصة مشترکة بین هیکل العبادة وآلة اُخری لعمل محلّل _ بحیث لا تعدّ منفعة نادرة _ فالأقوی جواز البیع بقصد تلک المنفعة المحللة کما اعترف به فی المسالک(1) »(2) .

الظاهر صحة ما ذکره الشیخ قدس سره ، لأنه بعد عدم کون المنفعة المحلّلة نادرة فیجوز البیع بقصد تلک المنفعة المحلّلة ولو کانت الهیئة مشترکة بین العمل المحرّم والمحلل ، وأمّا إذا قصد

ص:166


1- (1) المسالک 3 / 122 .
2- (2) المکاسب المحرمة / 15 طبع تبریز - (1 / 12 من الطبعة الحدیثة) .

العمل الحرام والمنفعة المحرمة فلا یجوز بیعها .

والمراد بالقصد هنا لیس النیّة حین المعاملة ، بل المراد به العمل الخارجی المترتب علی الشیء ، یعنی أنّ البایع استفاد من الشیء عملاً فی الجهة المحللة لا المحرمة . ثمّ هذا القصد والنیّة أیضاً باعث له علی بیعه .

ومما ذکرناه ظهر ما فی کلام المحقق الإیروانی قدس سره واستصوبه بعض أساتذتنا(1) _ مدظله _ حیث یقول : « بل الأقوی جواز البیع مطلقاً لعموم أدلة صحة المعاملات ، مؤیدةً بعموم قوله علیه السلام : « وکلّ شیءٍ یکون لهم فیه الصلاح من جهة من الجهات» ، ولا دلیل علی اعتبار قصد المنفعة المحلّلة ... »(2) .

2 _ منها : آلات القمار

قد ورد الإجماع علی حرمة بیعها فی کلام بعض نحو أصحاب الریاض(3) والمستند(6)

والجواهر(4) ، وقد نفی الشیخ الأعظم(5) الخلاف فی المسألة .

مضافاً إلی ذلک تدلّ علیه الوجوه الماضیة فی المسألة السابقة وبعض الروایات الواردة فی المقام :

منها : خبر أبی الجارود المروی فی تفسیر القمی عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی : «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ»(6) قال : أمّا الخمر فکلّ مسکر من الشراب _ الی أن قال _ : وأمّا المیسر : فالنرد و الشطرنج وکلّ قمار میسر ، وأما الأنصاب : فالأوثان التی کانت تعبدها المشرکون ، وأما

ص:167


1- (3) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 174 .
2- (4) حاشیة المکاسب 1 / 84 طبع عام 1421 .
3- (5) ریاض المسائل 8 / 140 .
4- (1) مستند الشیعة 14 / 88 .
5- (2) الجواهر 22 / 25 .
6- (3) المکاسب المحرمة / 15 طبع تبریز _ (1 / 116 الطبعة الحدیثة) .

الأزلام : فالأقداح التی کانت تستقسم بها المشرکون من العرب فی الجاهلیة ، کلّ هذا بیعه وشراؤه والإنتفاع بشیءٍ من هذا حرام من اللّه محرّم ، وهو رجس من عمل الشیطان ، وقرن اللّه الخمر والمیسر مع الأوثان(1) .

دلالة الروایة علی بطلان بیع آلات القمار واضحة ، ولکن فی سندها ضعف وإرسال .

ومنها : خبر جامع البزنطی المروی فی السرائر ، عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : بیع الشطرنج حرام وأکل ثمنه سحت واتخاذها کفر واللعب بها شرک ، والسلام علی اللاهی بها معصیة وکبیرة موبقة ، والخائض فیها یده کالخائض یده فی لحم الخنزیر ، لا صلاة له حتّی یغسل یده کما یغسلها من مسّ لحم الخنزیر ، والناظر إلیها کالناظر فی فرج اُمّه ، واللاهی بها والناظر إلیها فی حال ما یلهی بها والسلام علی اللاهی بها فی حالته تلک فی الإثم سواء ، ومن جلس علی اللعب بها فقد تبوأ مقعده من النار ، وکان عیشه ذلک حسرةً علیه فی القیامة ، وإیّاک ومجالسة اللاهی والمغرور بلعبها ، فإنّها من المجالس التی باء أهلها بسخط من اللّه یتوقعونه فی کلِّ ساعة فیعمک معهم(2) .

الروایة تدل علی بطلان بیع الشطرنج فقط ویمکن الاستدلال بها فی غیرها من آلات القمار بعدم الفرق ، ولکن فی سندها إرسال ، لأنّ الواسطة بین ابن ادریس الحلی والبزنطی صاحب الجامع غیر مذکور فی السرائر وغیر معلوم لنا .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم إنّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی عن اللعب بالنرد والشطرنج والکوبة والعرطبة - وهی الطنبور والعود - ونهی عن بیع النرد(3) .

الروایة تدلّ علی بطلان بیع النرد ، وهو أحد آلات القمار ، ویمکن التعدی إلی غیرها بعدم الفرق ، ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده عن علی علیه السلام قال : من السحت : ثمن المیتة وثمن اللقاح ومهر البغی وکسب الحجام وأجر الکاهن وأجر القفیز وأجر الفرطون والمیزان إلاّ

ص:168


1- (4) سورة المائدة / 90 .
2- (5) تفسیر القمی 1 / 180 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 321 ح 12 .
3- (1) الفقیه 4 / 4 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 325 ح 6 .

قفیزاً یکیله صاحبه أو میزاناً یزن به صاحبه ، وثمن الشطرنج وثمن النرد ، الحدیث(1) .

والروایة تدلّ علی بطلان بیع الشطرنج والنرد ، ویمکن التعدی بعدم الفرق بینهما وبین غیرهما من آلات القمار ، ولکن فی سندها ضعف .

وتدلّ علی عدم الفرق بینهما وبین غیرهما من آلات القمار صحیحة معمر بن خلاد عن أبی الحسن علیه السلام قال : النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة وکلّ ما قومر علیه فهو میسر(2) .

وکیف ما کان حیث لا یترتب علی بیع آلات القمار إلاّ الحرام - وهو القمار - فلا إشکال فی بطلان بیعها ، کما علیه المشهور بل الإجماع .

ثم فلیعلم أنّ هنا مسائل ثلاث : 1 _ صنع آلات القمار 2 _ بیعها 3 _ اللعب بها مطلقاً ، وکلّ ذلک حرام محرَّم ولا یجوز أخذ شیء فی قبالها .

3 _ ومنها : آلات اللهو

قد حکی الإجماع علی بطلان بیع آلات اللهو مطلقاً فی عدّة من الکتب الفقهیة نحو : مجمع الفائدة والبرهان(3) وریاض المسائل(5) ومستند الشیعة(6) وجواهر الکلام(7) ، وتدلّ علی بطلان بیعها - بعد الإجماع والوجوه الماضیة فی هیاکل العبادة المبتدعة - بعض الروایات الواردة فی المقام :

منها : خبر الشیخ أبی الفتوح الرازی فی تفسیره مرسلاً عن أبی أمامة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : إنّ اللّه تعالی بعثنی هدیً ورحمةً للعالمین وأمرنی أن أمحو المزامیر والمعازف والأوتار والأوثان وأمور الجاهلیة _ إلی أن قال _ : إنّ آلات المزامیر شراؤها وبیعها وثمنها

ص:169


1- (2) الجعفریات / 180 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 69 ح 1 .
2- (3) وسائل الشیعة 17 / 323 ح 1 .
3- (4) مجمع فائدة والبرهان 8 / 41 .

والتجارة بها حرام ، الحدیث(1) .

دلالة الروایة علی بطلان بیع آلات اللهو واضحة ولکن فی سندها إرسال .

ومنها : خبر الجعفریات بإسناده إلی علی علیه السلام أنّه رفع إلیه رجل کسر بربطاً فأبطله(2) .

بتقریب : إن إبطال الدعوی من قِبَلِ أمیر المؤمنین علیه السلام یدل علی إلغاء مالیة البربط ، فإذا لم یکن مالاً فلا یجوز إعطاء المال بإزائه ، فلا یجوز بیعه . ومع إلحاق عدم الفرق بین البربط وغیرها من آلات اللهو یجری الحکم ببطلان بیع آلات اللهو مطلقاً ، ولکن فی سند الروایة ضعف .

ومنها : خبر دعائم الاسلام رفعه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه رفع إلیه رجل کسر بربطاً فأبطله ولم یوجب علی الرجل شیئاً(3) .

الکلام فی هذه الروایة کسابقتها .

ومنها : خبر آخر للدعائم رفعه عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام : من تعدی علی شیءٍ ممّا لا یحلّ کسبه فأتلفه فلا شیء علیه فیه ، ورفع إلیه رجل کسر بربطاً فأبطله(4) .

الدلالة واضحة وفی السند إرسالٌ .

ومنها : خبر ثالث للدعائم رفعه عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : من کسر بربطاً أو لعبة من اللعب أو بعض الملاهی أو خرق زق مسکرٍ أو خمر فقد أحسن ولا غرم علیه(5) .

تدلّ الروایة علی عدم مالیة هذه الأشیاء فلا یجوز إعطاء المال بإزائها فبیعها باطل ، ولکن فی السند إرسالٌ .

ص:170


1- (1) ریاض المسائل 8 / 140 .
2- (2) مستند الشیعة 14 / 88 .
3- (3) جواهر الکلام 22 / 25 .
4- (4) مستدرک الوسائل 13 / 219 ح 16 .
5- (1) مستدرک الوسائل 13 / 225 ح 2 .

ومنها : خبر قطب الراوندی رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : إنّ اللّه حرّم الدف والکوبة والمزامیر وما یلعب به(1) .

بتقریب : أن التحریم بالنسبة إلی هذه الآت ورد مطلقاً ، فیشمل بیعها أیضاً ، فإذا حرم بیعها کان البیع باطلاً ، ولکن فی السند إرسال .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أنهاکم عن الزفن والمزمار وعن الکوبات والکبرات(2) .

بتقریب : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الزفن - وهو الرقص - والکوبة - وهی الطبل والصغیر - والکَبَر - وهی الطبل - ونهیه صلی الله علیه و آله وسلم عن هذه الأمور مطلقة ، فیشمل بیعها ، فصار بیعها باطلاً .

ومنها : غیر ذلک من الروایات فراجع إن شئت إلی الباب 100 و101 من أبواب ما یکتسب به من وسائل الشیعة 17 / 316 و 312 ، والباب 79 من أبواب ما یکتسب به من مستدرک الوسائل 13 / 215 ، والباب 21 من أبواب ما یکتسب به وما لا یکتسب به من جامع أحادیث الشیعة 22 / 244 وفیه ثلاثون روایة ، وکتابنا موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 11 / 154 فی ذیل عنوان الموسیقی .

وبالجملة ، بطلان بیع آلات اللهو فی مذهبنا إجماعیٌّ ، وتدل علیه مضافاً إلی الوجوه السابقة ، الروایات الواردة فی المقام .

ثم فلیعلم أنّ هنا أیضاً مسائل ثلاث : 1 _ صنع آلات اللهو 2 _ وبیعها 3 _ واللهو بها ، وکلّ ذلک حرام محرّم ولا یجوز أخذ شیء فی قبالها کما مرّ فی آلات القمار .

4 _ ومنها : أوانی الذهب والفضة

إذا قلنا بتحریم اقتنائها وقصد المعاوضة علی مجموع الهیئة والمادة ، لا المادة فقط .

ثم هل القدر المتیقَّن من حرمة استعمال أوانی الذهب والفضة استعمالهما فی الأکل

ص:171


1- (2) مستدرک الوسائل 13 / 225 ح 3 .
2- (3) مستدرک الوسائل 13 / 218 ح 11 .

والشرب أو مطلق اقتنائهما والتزیّن بهما أیضاً حرام ؟ فلابدّ من ملاحظة الروایات الواردة فی المقام :

منها : صحیحة محمد بن إسماعیل بن بزیع قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن آنیة الذهب والفضة فکرهها ، فقلت : قد روی بعض أصحابنا : أنّه کان لأبیالحسن مرآة ملبّسة فضّة ، فقال : لا _ والحمد للّه _ إنّما کانت لها حلقة من فضة وهی عندی . ثم قال : إنّ العباس حین عذر عمل له قضیب ملبّس من فضّة من نحو ما یعمل للصبیان تکون فضّة نحواً من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فکسر(1) .

ذیل الروایة تدلّ حرمة مطلق التزین والاقتناء بالفضة ، ولکن الظاهر عدم إفتاء الأصحاب بها . ویمکن رفع الید عن هذا الذیل بقرینة الروایات الآتیة .

ومنها : خبر داود بن سرحان عن أبی عبد اللّه علیه السلام : لا تأکل فی آنیة الذهب والفضة(2) .

الروایة تدلّ علی حرمة استعمالهما فی الأکل والشرب فقط ، وفی السند ضعف بمعلی بن محمّد . ولکن رواها البرقی فی المحاسن(3) بسند صحیح .

ومنها : خبر محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام : أنّه نهی عن آنیة الذهب والفضة(4) .

یمکن استفادة حرمة الإقتناء من الروایة إذا کان النهی فیه مطلقاً ، ولکن فی السند ضعف بسهل بن زیاد . ویمکن تقیید إطلاق النهی فیها بالروایات الخاصة بالأکل والشرب ، ویمکن تصحیح سندها بما رواه البرقی فی المحاسن(5) .

ومنها : خبر موسی بن بکر عن أبی الحسن علیه السلام قال : آنیة الذهب والفضة متاع الذین

ص:172


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 505 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 3 / 506 ح 2 .
3- (3) المحاسن 2 / 411 ح 65 .
4- (4) وسائل الشیعة 3 / 506 ح 3 .

لا یوقنون(1) .

یمکن استیناس حرمة الإقتناء مطلقاً من الروایة ، وفی سندها ضعف بسهل وموسی بن بکر . ولکن یمکن تقییدها بغیرها من الروایات وتحسین سندها بما رواه البرقی فی المحاسن(2) عن موسی بن بکر والذهاب إلی حسنه .

ونظیرها مرسلة الصدوق عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم (3) .

ومنها : موثقة سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا ینبغی الشرب فی آنیة الذهب والفضة(4) .

« لا ینبغی » فی الروایة بقرینة غیرها من الروایات تحمل علی الحرمة ، و هکذا بعدم الفرق بین الأکل والشرب یعرف حکمه .

ومنها : خبر یوسف بن یعقوب قال : کنت مع أبی عبد اللّه علیه السلام فی الحجر فاستسقی ماءاً ، فأتی بقدح من صفر ، فقال رجل : إنّ عبّاد بن کثیر یکره الشرب فی الصفر ، فقال : لا بأس ، وقال علیه السلام للرجل : ألا سألته أذهب هو أم فضة(5) ؟

الروایة تدلّ علی حرمة الشرب فی آنیة الذهب والفضة ، والإمام علیه السلام أخذ حکمها معلوماً عند السائل ، ولکن فی السند ضعف بیوسف .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا تأکل فی آنیة ذهب ولا فضة(6) .

سند الروایة صحیح ، لأنّ للصدوق قدس سره سند صحیح إلی کتاب أبان بن عثمان والرجل ثقة ، وهو ینقل عن محمد بن مسلم لا أبان بن تغلب الثقة الذی فی سند الصدوق إلی کتابه

ص:173


1- (1) المحاسن 2 / 410 ح 61 .
2- (2) وسائل الشیعة 3 / 507 ح 4 .
3- (3) المحاسن 2 / 411 ح 64 .
4- (4) وسائل الشیعة 3 / 508 ح 8 .
5- (5) وسائل الشیعة 3 / 507 ح 5 .
6- (6) وسائل الشیعة 3 / 507 ح 6 .

ضعف ، فالسند صحیح والتعبیر عن الروایة بالخبر کما فی بعض المؤلَّفات غیر تام . ودلالتها أیضاً واضحة .

ومنها : خبر مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشرب فی آنیة الذهب والفضة(1) .

دلالتها واضحة ، ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه کره آنیة الذهب والفضة والآنیة المفضّضة(2) .

الکراهة بالنسبة إلی آنیة الذهب والفضة بقرینة غیرها من الروایات تحمل علی الأکل والشرب فیهما ، وبالنسبة إلی المفضَّض تحمل علی الکراهة المصطلحة لا الحرمة ، کما یظهر الأخیر لمن یلاحظ روایات الباب 66 من أبواب النجاسات من وسائل الشیعة 3 / 509 .

ومنها : معتبرة مسعدة بن صدقة عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع : منها الشرب فی آنیة الذهب والفضة(3) .

دلالة الروایة واضحة ، وسندها معتبر .

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - أنّ من تأمل فی هذه الروایات ظهر له أنّ الحرمة بالنسبة إلی آنیة الذهب والفضة تنحصر فی حرمة استعمالهما فی الأکل والشرب فقط ، فلا بأس بالتزیّن بهما واقتنائهما ، فلا بأس ببیعهما مطلقاً .

نعم ، استعمالهما فی الأکل والشرب فقط حرامٌ .

5 _ ومنها : بیع الدراهم المغشوشة

اشارة

الدراهم المغشوشة علی قسمین :

الأوّل : الدراهم الفاسدة الخارجة من رواج المعاملة ، صُنعت لأجل غش الناس

ص:174


1- (1) وسائل الشیعة 3 / 508 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 3 / 508 ح 10 .
3- (3) وسائل الشیعة 3 / 508 ح 11 .

وإغوائهم وتملّک أموالهم . وعلی هذا القسم تحمل الروایات المانعة من بیعها والآمرة بإفنائها حسماً لمادّة الفساد ، نحو : حسنة أو معتبرة موسی بن بکر قال : کنّا عند أبی الحسن علیه السلام وإذا

دنانیر مصبوبة بین یدیه ، فنظر إلی دینار فأخذه بیده ثمّ قطعه بنصفین ، ثم قال لی : ألقه فی البالوعة حتّی لا یباع شیء فیه غش(1) .

دلالة الروایة علی وجوب إفنائها قطعاً لمادّة الفساد واضحة ، ویأتی منّا اعتبار سندها فی بحث الغش(2) .

ومنها : خبر المفضل بن عمر الجعفی قال : کنت عند أبی عبد اللّه علیه السلام فألقی بین یدیه دراهم ، فألقی إلی درهماً منها فقال : إیش هذا ؟ فقلت : ستّوق ، فقال : وما الستوق ؟ فقلت : طبقتین فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة ، فقال : اکسرها فإنّه لا یحلّ بیع هذا ولا إنفاقه(3) .

دلالة الروایة علی کسر الدرهم المغشوش واضحة . والظاهر أنّ المراد بالستوق وجود طبقتین من الفضة فی جانبی الدرهم وطبقة من النحاس فی وسطها بحیث یری من إطرافها أنّها من الفضة ولکن فی جوفها کلّها النحاس . وأمر الإمام علیه السلام بکسر هذا الدرهم . والشاهد علی ما ذکرنا فی تعریف الستوق خبر دعائم الإسلام الآتی ، ولکن فی السند ضعف بعلی بن الحسن الصیرفی ، لأنّه مجهول الحال ، والتعبیر بالموثق فی شأنها کما عن بعض(4) غیر تام .

ومنها : حسنة جعفر بن عیسی قال : کتبت إلی أبی الحسن علیه السلام ما تقول جعلت فداک فی الدراهم التی أعلم أنّها لا تجوز بین المسلمین إلاّ بوضیعة ، تصیر إلیّ من بعضهم بغیر وضیعة بجهلی به ، وإنّما آخذه علی أنّه جید أیجوز لی أن آخذه وأخرجه من یدی علی حدّ ما صار إلیّ من قِبَلهم ؟ فکتب علیه السلام : لا یحلّ ذلک . وکتبت إلیه : جعلت فداک هل یجوز إن وصلت إلیّ ردّه علی صاحبه من غیر معرفته به ، أو إبداله وهو لا یدری أنّی أبدّله منه أو أردّه علیه ؟ فکتب : لا

ص:175


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 280 ح 5 .
2- (2) راجع هذا الکتاب المجلد الثانی / 254 .
3- (3) التهذیب 7 / 109 ح 72 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 18 / 186 ح 5 .
4- (4) مهذب الاحکام 16 / 63 .

یجوز(1) .

بتقریب : أنه إذا کان لا یجوز ذلک بالنسبة إلی الدراهم التی لا تجوز بین المسلمین إلاّ بوضیعة ، فعدم الجواز بالنسبة إلی الدراهم المغشوشة رأساً بطریق أولی یجری . وسند الروایة أیضاً حسنة ، لأنّ جعفر بن عیسی بن یقطین ممدوح .

ومنها : خبر دعائم الاسلام رفعه عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن إنفاق الدراهم المحمول علیها ، قال : إذا کان الغالب علیها الفضة فلا بأس بإنفاقها ، وقال : فی الستوق ، وهو المطبَّق علیه الفضة وداخله نحاس ، یقطع ولا یحلّ أن ینفق ، وکذلک المزیبقة والمکحلة(2) .

والروایة تدل علی عدم جواز إنفاق الدرهم المغشوش وقطعه حسماً لمادّة الفساد ، ولکن فی السند إرسال .

وبالجملة ، حیث کان إنفاق الدراهم المغشوشة غش فی المعاملة تشمله أیضاً الروایات الواردة فی حرمة غش المسلمین .

منها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لیس منّا من غشّنا(3) .

ومنها : صحیحة اُخری له عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لرجل یبیع التمر : یا فلان أما علمت أنّه لیس من المسلمین مَنْ غشّهم ؟ !(4)

ومنها : صحیحة هشام بن الحکم قال : کنت أبیع السابری فی الضلال فمرّ بی أبو الحسن الاوّل موسی علیه السلام ، فقال لی : یا هشام إنّ البیع فی الظلال غش ، والغش لا یحلّ(5) .

ولإثبات حرمة الغش راجع إلی وسائل الشیعة 17 / 279 باب 86 من أبواب ما یکتسب به ، ومستدرک الوسائل 13 / 201 باب 69 من أبواب ما یکتسب به ، وجامع احادیث الشیعة 22 / 426 ، وکتابنا موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 8 / 104 .

ص:176


1- (5) وسائل الشیعة 18 / 187 ح 8 .
2- (1) دعائم الاسلام 2 / 29 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 350 ح 1 باب 6 من أبواب الصرف .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 279 ح 1 .
4- (3) وسائل الشیعة 17 / 279 ح 2 .
5- (4) وسائل الشیعة 17 / 280 ح 3 .

والحاصل عدم جواز إنفاق الدراهم المغشوشة فی المعاملات ولزوم کسرها وقطعها وإفنائها حسماً لمادّة الفساد وإخراجها من جریان المعاملات والسوق ودائرتهما .

ونظیرها فی زماننا هذا الأوراق النقدیة المزوّرة لأجل التدلیس علی الناس وتزویرهم ، وهکذا الأمر فی غیرها من الأوراق الإعتباریة الموضوعة ، نحو الوثائق المزوّرة الموضوعة وغیرها .

الثانی : الدراهم التی تکون رائجة بین المسلمین ومعاملاتهم وسوقهم ولکنّها خلطها

کثیراً بالنسبة إلی الدراهم الجیدة ، والحکومة والسلطة فی الوقت تؤیدها وتعتبرها غالباً ، فهل یجوز المعاملة بهذه الدراهم أم لا ؟

الظاهر جواز البیع والمعاملة بهذه الدراهم ، والأخبار بذلک مستفیضة :

منها : صحیحة فضل أبی العباس قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الدراهم المحمول علیها ؟ فقال : إذا أنفقت ما یجوز بین أهل البلد فلا بأس ، وإن أنفقت ما لا یجوز بین أهل البلد فلا(1) .

ومنها : خبر حریز بن عبد اللّه قال : کنت عند أبی عبد اللّه علیه السلام فدخل علیه قوم من أهل سحبستان فسألوه عن الدراهم المحمول علیها ؟ فقال : لا بأس إذا کان جواز المصر(2) .

ومنها : خبر محمّد بن مسلم ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : جاءه رجلٌ من سجستان فقال له : إنّ عندنا دراهم یقال لها : « الشاهیة » ، تحمل علی الدرهم دانقین ، فقال : لا بأس به إذا کانت تجوز(3) .

ومنها : صحیحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الدراهم المحمول علیها ؟ فقال : لا بأس بإنفاقها(4) .

لا بأس بالاضمار فی هذه الصحیحة حیث مُضْمِرها محمّد بن مسلم .

ص:177


1- (1) وسائل الشیعة 18 / 188 ح 9 .
2- (2) وسائل الشیعة 18 / 188 ح 10 .
3- (3) وسائل الشیعة 18 / 187 ح 6 .
4- (4) وسائل الشیعة 18 / 185 ح 1 .

ومنها : صحیحة اُخری لمحمّد بن مسلم قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الرجل یعمل الدراهم یحمل علیها النحاس أو غیره ، ثم یبیعها ، قال : إذا بیّن ذلک فلا بأس(1) .

ومنها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أشتری الشیء بالدراهم فأعطی الناقص الحبة والحبتین ، قال : لا حتّی تبینه ، إلاّ أن یکون نحو هذه الدراهم الأوضاحیة التی تکون عندنا عدداً(2) .

والظاهر أنّ الدراهم الأوضاحیة کانت من الدراهم الرائجة فی ذلک العصر وکانت من

الدراهم المحمول علیها ولکن رواجها موجب لعدم التبین فی حقّها .

ومنها : غیرها من الروایات الواردة فی الباب العاشر من أبواب الصرف من وسائل الشیعة 18 / 185 ، والباب التاسع من أبواب بیع الصرف من جامع أحادیث الشیعة 23 / 229 .

بعد التأمل فی هذه الروایات ظهر جواز المعاملة بهذه الدراهم بأحد شرطین علی سبیل منع الخلو :

الأوّل : إذا کانت هذه الدراهم رائجة فی المصر ، بلا فرق بین أن تکون الحکومة والسلطة فی الوقت تعتبرها أم لا ؟ لعدم ذکر اعتبار الحکومة فی الروایات ، وإن کان الرواج من دون اعتبارها خارجاً مشکل . تدلّ علی هذا الشرط الروایات الثلاث الاُوَل .

الثانی : إذا بیّن للبائع بکیفیة الدراهم وأعلمه بذلک ، وقبل البایع فلا بأس به ، وتدلّ علی هذا الشرط الروایتان الأخیرتان .

وأمّا الإطلاق الوارد فی الصحیحة الاُولی لمحمّد بن مسلم(3) یقیّد بأحد هذین الشرطین المأخوذین من الروایات . وهکذا الأمر بالنسبة الی غیرها من الإطلاقات لو وُجدتْ .

ثم إنّ الظاهر من الجمع بین الروایات الواردة فی المقام هو ما ذهبنا إلیه من تقسیم هذه

ص:178


1- (5) وسائل الشیعة 18 / 185 ح 2 .
2- (6) وسائل الشیعة 18 / 187 ح 7 .
3- (1) وسائل الشیعة 18 / 185 ح 1 .

الدراهم إلی القسمین ، وأمّا ما ذهب إلیه المحقق الخوئی قدس سره من حمل الطائفة الأولی علی الکراهة(1) فخلاف الظاهر .

قیود المعاملة علی قسمین :

القیود التی وردت فی المعاملة - سواء ذکرت فی متن المعاملة بنحو التوصیف أو التقیید أو الإشتراط أو انصرفت المعاملة إلیها أو وقعت المعاملة مبنیّة علیها إذا تخلّف - فهی علی قسمین رئیسین :

القسم الأوّل : أن یعدّ القید عرفاً من مقومات الشیء ، کما إذا باعه علی أنّه فضة فبان رصاصاً ، أو علی أنّه عبد حبشیٌ فبان أنّها أمة مغربیة ونحو ذلک . وحیث أنّ القیود والعناوین

فی هذا الفرض من مقومات المبیع عرفاً فإذا تخلّف بطل البیع . وفی ما نحن فیه إذا وقعت المعاملة علی الدرهم من الفضة المسکوک بسکة فلان السلطان فبان أنّه رصاص أو أنّه غیر سکة السلطان الرائج فی البلاد ، حیث أنّ العنوان والقید من مقومات الشیء بطل العقد لما ذکرناه .

القسم الثانی : أن لا یعد القید عرفاً من مقومات الشیء بل من جهات الفضل والکمال ، کما إذا باع عبداً علی أنّه کاتب فبان أنه أمی أو إذا باع اللبن علی أنّه من الغنم فبان أنّه من البقر .

ففی هذا القسم صحت المعاملة ولکن یثبت للمشتری خیار العیب أو خیار تخلّف الوصف . وفی ما نحن فیه لو باع الدرهم علی أنّه سکة سنة کذا فبان أنّه سکة سنة اُخری - حیث أنّ القید والعنوان هنا لیس من مقومات الشیء بل من جهات الفضل والکمال - صحت المعاملة وثبت خیار تخلف الوصف .

هذا کلّه إذا کان المتعاملان جاهلین ، ونحوها إذا کان المشتری فقط جاهلاً ، وأمّا إذا کان البائع جاهلاً والمشتری عالماً ففی القسم الأوّل - یعنی تخلّف الذات - بطلت المعاملة ولکن مع تخلّف جهات الفضل والکمال صحت المعاملة ولا خیار للمشتری لعلمه بالنقص . نعم ، یثبت

ص:179


1- (2) مصباح الفقاهة 1 / 159 .

الخیار للبائع لجهله .

فرع :
اشارة

هل یجوز إعطاء الدراهم الفاسدة الخارجة من رواج المعاملة التی صنعت لأجل غش الناس وإغوائهم وتملّک أموالهم باطلاً - یعنی القسم الأوّل من الدراهم المغشوشة التی ذهبنا إلی لزوم کسرها وإفنائها حسماً لمادّة الفساد - هل یجوز إعطاؤها إلی الظالم لدفع ظلمه أو العشار أو الجمارک ونحوها أم لا ؟

الظاهر جواز ذلک لدفع ظلمهم وتعدیهم کما ذهب الیه صاحب الجواهر قدس سره (1) ، وأمّا أنّهم ینفقونها فی الناس ویجلبون بها أموال الناس ظلماً فلا یدفع الجواز ، لأنّ عملهم وفعلهم لا یردّ جواز فعل الآخر کما هو واضح . واللّه سبحانه هو العالم .

فرع آخر :

هل یجوز التزیّن بالدراهم المغشوشة وحفظها واقتنائها فی متاحف التزویر أم لا ؟ ثم علی القول بالجواز هل یجوز بیعها لذلک أم لا ؟

الظاهر جواز التزیّن بها وحفظها واقتنائها فی متاحف التزویر ، لعدم ترتب أیّ فساد حینئذ علیه کما ذهب إلیه بعض أساتذتنا _ مدظله(2) _ وهکذا یجوز بیعها لذلک .

وأمّا الأمر الوارد فی الروایات بکسرها وإفنائها فلیس إلاّ لجهة ترتب الفساد علیها ولیس أمراً تکلیفیاً محضاً ، ولذا یجوز فی صورة عدم ترتب الفساد حفظها واقتناؤها ، بل یجوز بیعها مع علم المشتری بکیفیتها وأنّه یقصد التزیّن بها أو حفظها فی معرضه أو متحفه ونحو ذلک . واللّه سبحانه هو العالم .

ص:180


1- (1) الجواهر 24 / 18 .
2- (1) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 208 .

القسم الثانی

اشارة

ما یقصد منه المتعاملان المنفعة المحرّمة ... فهنا مسائل ثلاث :

مسائل ثلاث:

المسألة الأولی

بیع العنب علی أن یُعمل خمراً والخشب علی أن یُعمل صنماً أو آلة لهو أو قمار ، وإجارة المساکن لیباع أو یحرز فیها الخمر ، وکذا إجارة السفن والحَمولة لحملها .

فقد استدل علی حرمة البیع أو الإجارة للمقاصد المذکورة بوجوه :

الأوّل : الإجماع ، ادعاه الشیخ فی الخلاف(1) وابن زهرة الحلبی فی الغنیة(2) والعلامة فی المنتهی(3) ، وقال النراقی بعد نقل الإجماع من المنتهی : « وهو الحجة فیه »(4) . وقال صاحب الجواهر : « لا خلاف أجدها فیها »(5) ، والشیخ الأعظم أیضاً ادعی عدم الخلاف فی المسألة(6) .

وفیه : إن الإجماع هنا - علی فرض تحققه - لیس إلاّ مدرکیّاً ، فلابدّ من ملاحظة غیره من الأدلة والوجوه المذکورة فی المقام .

الثانی : أن هذه المعاملة بیعاً کانت أو إجارة إعانة علی الإثم ، فتحرم لذلک .

وفیه : أولاً : یأتی منّا معنی الإعانة علی الإثم وأحکامها فی ذیل المسألة الثالثة من هذا القسم إن شاء اللّه تعالی ، ومنعنا حرمة الإعانة علی الإثم مطلقاً .

ص:181


1- (1) الخلاف 3 / 508 .
2- (2) الغنیة / 285 والمطبوع فی الجوامع الفقهیة / 538 .
3- (3) المنتهی 2 / 1011 .
4- (4) مستند الشیعة 14 / 95 .
5- (5) الجواهر 22 / 30 .
6- (6) المکاسب المحرمة / 16 (1 / 123 من الطبعة الحدیثة) .

وثانیاً : بفرض صدقها علی هذه المعاملة وحرمتها ، بینهما عموم من وجه ، والإعانة

علی الإثم لا تصدق إلاّ بالإقباض خارجاً مع العلم ، وهذا الإقباض ربّما یکون بغیر البیع ، فبین البیع والإعانة عموم من وجه ، فلا یمکن الإستدلال بها علی حرمة المعاملة مطلقاً .

وثالثاً : حرمة الإعانة علی الإثم - علی فرض ثبوتها - لیست إلاّ حرمة تکلیفیه وهی لا تدلّ علی بطلان المعاملة وضعاً .

إن قلت : ورود الحرمة فی المعاملات تقتضی فسادها .

قلت : نعم ، إذا کانت الحرمة تعلقت بنفس المعاملة ، ولکن فی المقام تعلقت بعنوان الإعانة ، فلا تدلّ علی فساد المعاملة .

ورابعاً : هذا الإشتراط فی المعاملة لیس إلاّ شرطاً فاسداً ، وفساد الشرط لا یسری إلی فساد العقد ، لأنّ الشروط لا تقابل بجزء من الثمن حتّی یُحکم بفساد المعاملة بالنسبة إلیها .

الثالث : إن صحت هذه المعاملة کانت أکلاً للمال بالباطل ، المنهی عنه فی الآیة الشریفة .

وفیه : أولاً : إنّ الآیة الشریفة لیست بصدد شرائط العوضین کما مرّمنا مراراً .

وثانیاً : إنّ الشروط لا تقابل بجزء من الثمن لیصدق من فسادها أکل المال بالباطل بل هی مجرد التزامات لا یترتب علی مخالفتها إلاّ الخیار .

الرابع : ما ذکره العلامة النراقی فی المستند ، وقال : « مع کونه بنفسه فعلاً محرَّماً لمّا بینا فی موضعه : أنّ فعل المباح بقصد التوصل به إلی الحرام محرّم »(1) .

وفیه : أولاً : أنّ « مقدمة الحرام حرامٌ » ، لیست عندنا تامّة ، ولازم ذلک کون فاعل الحرام مرتکب لمحرمات کثیرة بعدد مقدماته ، ولا یلتزم به أحد .

وثانیاً : حرمة مقدمة الحرام - علی فرض ثبوتها - إنّما هی فی المقدمات التی لا تنفک عن ذیها ، نحو المقدمة الأخیرة فی المقدمات الإعدادیة والمقدمات التولیدیة ، وأمّا غیرها من المقدمات لیست محرّمة ، وما نحن فیه لیس من هذا القبیل ، لتمکن المشتری من عدم الوفاء

ص:182


1- (1) مستند الشیعة 14 / 96 .

بالشرط خارجاً .

الخامس : أدلة النهی عن المنکر تشمل المقام ، بدعوی أنّ دفع المنکر کرفعه واجب ، بل یمکن أن یقال : أنّه أولی بالوجوب .

وفیه : أولاً : یمکن المناقشة فی وجوب دفع المنکر ، وإن کان رفعه مع شرائطه واجباً .

وثانیاً : علی فرض وجوب دفع المنکر ، یترتب النهی التکلیفی المحض علی المعاملة ، وهذا لا یقتضی فساد المعاملة وضعاً کما مرّ سابقاً فی الدلیل الثانی .

السادس : استدل بعض أساتذتنا _ مدظله _ علی بطلان المعاملة وحرمتها علی وجه تفرد به _ أدام اللّه أیّامه _ وقال : « ولو قلنا فی المسألة الآتیة - أعنی بیع الجاریة المغنیّة - بالحرمة والفساد بمقتضی الأخبار الواردة فیها کما یأتی فثبوتهما فی المقام اُولی ، حیث إنّ الجاریة المغنیّة تشمل علی المنافع المحلّلة أیضاً ولم یسقطها البائع ، فإذا فرض الحرمة والفساد فیها بسبب لحاظ غنائها ففی المقام الذی أسقط البائع جمیع المنافع المحلّلة وأسقط الشارع المنفعة المحرّمة یکون الحرمة والفساد أوضح ، إذ المبیع حینئذ یصیر فی قوة من لا منفعة له أصلاً ... »(1) .

وفیه : أولاً : نحن ذهبنا إلی جواز بیع الجاریة المغنیّة کما علیه عدّة من الأعلام ، ویأتی البحث حوله فیما بعد .

وثانیاً : القول بتعدّی حکم الحرمة والفساد من بیع الجاریة المغنیّة إلی البیع والإجارة فی مسألتنا هذه بنظرنا القاصر أشبه شیءٍ بالقیاس ، فلا یمکن الاستدلال به ، کما مرّ منّا نظیر هذا الإشکال فی کلام بعض الأعیان قدس سره فی الوجه الثامن من الوجوه التی أقیمت علی فساد بیع هیاکل العبادة المبتدعة ، فراجع ما حرّرناه هناک .

السابع : الإستدلال بالروایات الواردة فی المقام :

منها : صحیحة جابر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یؤاجر بیته فیباع فیه الخمر ؟ قال : حرام أجره(2) .

ص:183


1- (1) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 254 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 174 ح 1 .

وأمّا سندها : الراوی الأخیر فی نقل الکافی(1) والاستبصار(2) والطبعة الحدیثة من مکاسب التهذیب(3) « جابر » ،ولکن فی الطبعة السابقة من مکاسب التهذیب(4) وفی المتاجر

من التهذیب فی کلتا الطبعتین(5)(6) « صابر » .

فعلی هذا الأقوی عندنا أنّه « جابر » ، والمراد به جابر بن یزید الجعفی ، وهو ثقة والمراد بعبد المؤمن ، الأنصاری أخو أبی مریم الأنصاری ، وکلاهما ثقتان ، ولذا صارت الروایة صحیحة الإسناد کما عبّرنا عنها بالصحیحة . ومن المحتمل أن « صابر » أیضاً فی بعض نسخ التهذیب کان مصحفاً لجابر .

وأمّا إن کان الراوی الأخیر « صابر » فلم یحرز وثاقته وصارت الروایة ضعیفة الإسناد به کما عبّر عنها بعض الأصحاب بالخبر ، نحو صاحبی المستند(7) والجواهر(8) والشیخ الأعظم(9) والنائینی(10) والإیروانی(11) والخوئی(12) والخمینی(13) والسبزواری(14) والتبریزی(15) وغیرهم قدس سرهم .

ص:184


1- (3) الکافی 5 / 227 ح 8 .
2- (4) الاستبصار 3 / 55 .
3- (5) التهذیب 6 / 371 ط . الحدیثة .
4- (6) التهذیب 2 / 111 ط . السابقة .
5- (1) التهذیب 7 / 134 ط . الحدیثة .
6- (2) التهذیب 2 / 154 ط . السابقة .
7- (3) مستند الشیعة 14 / 94 .
8- (4) الجواهر 22 / 30 .
9- (5) المکاسب المحرمة / 16 طبع تبریز (1 / 123 من الطبعة الحدیثة) .
10- (6) منیة الطالب 1 / 34 .
11- (7) حاشیة المکاسب 1 / 91 الطبعة الحدیثة .
12- (8) مصباح الفقاهة 1 / 165 .
13- (9) المکاسب المحرمة 1 / 122 .
14- (10) مهذب الأحکام 16 / 165 .
15- (11) إرشاد الطالب 1 / 80 .

وأمّا دلالتها : فعلی بطلان الإجارة واضحة ، لأنّ الظاهر من الحرمة فی المعاملات الحرمة الوضعیة ، وهی البطلان . وبعدم الفرق واتحاد الملاک بین الإجارة والبیع یعلم حکم البیع أیضاً .

ومنها : خبر عمرو بن حریث قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن التوت أبیعه یصنع للصلیب والصنم ؟ قال : لا(1) .

دلالة الروایة علی بطلان البیع واضحة ، ولکن فی السند ضعف .

ومنها : صحیحة عمر بن اُذینة قال : کتبت إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن یتخذه برابط ؟ فقال : لا بأس به .

وعن رجل له خشب فباعه ممّن یتخذه صلباناً ؟ قال : لا(2) .

والروایة - وإن کانت صحیحة الإسناد - ولکن حکم فیها بصحة البیع فی البربط وهی آلة لهو ، وببطلان البیع فی الصلیب وهو من هیاکل العبادة المبتدعة ، مع أنّ الملاک فیهما واحد وهو وقوع العقد علی استفادة الحرام من الشیء . فلا یمکن الإستدلال بهذه الصحیحة علی طرفی القول بالجواز والحرمة فی المسألة . وأعنی أن هذه الروایة بنفسها صارت من المتعارضین ولا یمکن الأخذ بها ، وهی نظیر ما مرّ منّا فی موثقة سماعة(3) الواردة فی بیع العذرة ، فراجع ما حرّرناه هناک .

أللهم إلاّ أنْ یقال : بأنَّ الأهمیة وشدّة الحرمة فی الصلیب وهیاکل العبادة المبتدعة صارت علّة الحرمة فی بیع الخشب ممّن یتخذه ، کما یأتی تفصیل ذلک فی المسألة الثالثة من هذا القسم إن شاء اللّه تعالی ، فانتظر .

ومنها : صحیحة اُخری لابن اُذینة قال : کتبت إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أسأله عن الرجل یؤاجر سفینته ودابّته ممّن یحمل فیها أو علیها الخمر والخنازیر ؟ قال : لا بأس(4) .

ص:185


1- (12) وسائل الشیعة 17 / 176 ح 2 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 176 ح 1 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 175 ح 2 .
4- (3) وسائل الشیعة 17 / 174 ح 2 .

دلالة الروایة علی صحة هذه الإجارة واضحة وسندها أیضاً صحیح .

فکیف یمکن الجمع بین هذه الصحیحة وصحیحة جابر أو خبره أو خبر صابر ؟ الظاهر واللّه سبحانه هو العالم حمل صحیحة جابر أو خبره أو خبر صابر علی صورة اشتراط الحرام أو التقیید به أو انصراف المعاملة إلی الحرام أو وقعت مبنیّة علی الحرام ، وحمل صحیحة ابن أذینة علی ما عدی ذلک ، نحو ما إذا اتفق الحمل خارجاً .

بتقریب رفع الید عن ظاهر کلّ منهما بنص الآخر أو بالأخذ بالقدر المتیقَّن فی کلّ منهما .

ویؤیّد هذا الجمع خبر دعائم الاسلام رفعه عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : من اکتری دابةً أو سفینةً فحمل علیها المکتری خمراً أو خنازیراً أو ما یحرم ، لم یکن علی صاحب الدابة شیءٌ ، وإن تعاقدا علی حمل ذلک فالعقد فاسد والکراء علی ذلک حرام(4) .

وذهب إلی هذا الجمع جلّ أصحابنا المتقدمین وعدّة من أصحابنا المتأخرین قدس اللّه أسرارهم ، منهم : صاحبا الحدائق(1) والریاض(2) والشیخ الأعظم(3) والمحقق النائینی(4) والفقیه السبزواری(5) .

بنظرنا القاصر هذا هو الجمع الممکن بین روایات الباب ، وأمّا ما ذهب إلیه بعض الأساطین نحو السید الخوئی قدس سره من حمل روایة جابر علی الکراهة(6) فغیر تام .

ثم إن صاحب الجواهر قدس سره ذهب إلی ترجیح صحیحة ابن أذینة والجواز فی مسألتنا ، فقال بعد نقل الروایات المجوِّزة بنظره : « فلا إشکال فی دلالتها علی المطلوب کما لا إشکال فی قوّتها علی المعارض من وجوه ، خصوصاً بعد تأیدها بالسیرة علی المعاملة مع الملوک والاُمراء

ص:186


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 121 .
2- (2) الحدائق 18 / 206 .
3- (3) ریاض المسائل 8 / 145 .
4- (4) المکاسب المحرمة / 16 (1 / 124 من الطبعة الحدیثة) .
5- (5) منیة الطالب 1 / 34 .
6- (6) مهذب الأحکام 16 / 65 و 66 .

فیما یعملون صرفه فی تقویة الجند والعساکر المساعدین لهم علی الظلم والباطل وإجارة الدور والمساکن والمراکب لهم لذلک ، وبیع المطاعم والمشارب للکفار فی نهار شهر رمضان مع علمهم بأکلهم فیه وبیعهم بساتین العنب منهم مع العلم العادی بجعل بعضه خمراً ، وبیع القرطاس منهم مع العلم بأنّ منه ما یُتخذ کتب ضلال ... »(1) .

وأنت خبیر بأنّ هذه السیرة المدعاة من قبله قدس سره - وإن کانت صحیحة جاریة - ولکن کلامنا فی صورة اشتراط المعاملة علی الحرام أو التقیید بالحرام ونحو ذلک لا فی صورة علم البائع بأنّ المشتری یصرفه فی الحرام ، والأخیرة هی المسألة الثالثة الآتیة إن شاء اللّه ، والسیرة جاریة فیها لا فی مسألتنا . ونحن أیضاً نذهب إلی الجواز فی المسألة الثالثة ، ویأتی البحث عنها آنفاً إن شاء اللّه تعالی . والحمد للّه العالم بأحکامه وحلاله وحرامه .

ص:187


1- (7) مصباح الفقاهة 1 / 165 .
المسألة الثانیة : حکم بیع الجاریة المغنیّة
اشارة

نبحث عن المسألة فی مقامین :

المقام الأوّل : ما تقتضیه القواعد :

ذهب الشیخ الأعظم قدس سره إلی أنّ للبیع هنا صوراً ثلاث :

الاُولی : أنّ الصفات المحرّمة قد تکون داعیة إلی المعاملة بأزید من الثمن المتعارف ، وحیث أنّ تبعّض المعاملة وتقسیط الثمن بالنسبة إلی أصل العین ووصفها غیر متعارف ، تبطل المعاملة رأساً ، لأنّ تملک الثمن فی مقابل الوصف المذکور یدخل فی أکل المال بالباطل .

الثانیة : إذا اشتری العین التی لها الصفة الخاصة ولکن لا یقصدها المتعاملان بل یقصدان نفس العین ، مثلاً یشتریان الجاریة المغنّیة بما أنّها جاریة لا بما أنّها مغنیة ، فلا بأس بهذه المعاملة وهی صحیحة .

الثالثة : إذا اشتری العین مع وجود الصفة فیها ، ولکن لم یقصدا الحرام من تلک الصفة بل یقصدان حلالها ، نحو شراء الجاریة المغنّیة بوصف غنائها واشتراطها فی المعاملة ولکن یقصدان کسبها المحلّل فقط ، کالغناء فی الأعراس علی القول باستثنائها من حرمة الغناء . ففی هذه الصورة إذا کانت المنفعة المحلّلة المترتبة علی الوصف مقصودة للعقلاء ولم تکن نادرة فلا بأس بهذه المعاملة .

وأمّا إذا کانت المنفعة نادرةً ، فهل تلحق بالعین التی لها منفعة محرّمة غالباً ولها منفعة محلّلة نادرة بعدم جواز بیعها أم لا تلحق ؟

ذکر الشیخ الأعظم أنّ الأقوی عدم الإلحاق ، وحکم بصحة بیع الجاریة المغنّیة بلحاظ أنّ الغناء صفة کمال تصرف فی الحلال ولو نادراً ، وأنّ النصوص فی حرمة بیعها منصرفة عن هذه الصورة .

هذا کله تقریر وبسط وتوضیح لکلام الشیخ الأعظم قدس سره (1) .

ص:188


1- (1) المکاسب 1 / 128 و 127 .

قد مرّ منّا فی بحث الدراهم المغشوشة أنّ الأوصاف والقیود التی وردت فی المعاملة بأیّ نحو کانت ، تنقسم علی قسمین رئیسین :

القسم الأوّل : أن یعدّ القید عرفاً من مقومات الشیء ، کما إذا باعه علی أنّه فضة فبان

رصاصاً ، ففی هذه الصورة تکون المعاملة باطلة مع تخلف الوصف والقید .

القسم الثانی : أن لا یعدّ القید عرفاً من مقومات الشیء بل من جهات الفضل والکمال ، کما إذا باع عبداً علی أنّه کاتب فبان أنه أمی ، ففی هذه الصورة تکون المعاملة صحیحة ولکن للمشتری خیار تخلف الوصف .

وحیث أنّ وصف الغناء لیست من مقومات الجاریة بل هی من صفات الکمال عند أهلها ، فیقع تمام الثمن بإزاء نفس الجاریة ، لأنّها من الأموال عند العقلاء ، فحینئذ لا یقع فی مقابل صفة التغنی أیّ شیء من الثمن ، ولذا علی القاعدة الأوّلیة تشملها إطلاقات حلّیة البیوع ، فتکون المعاملة صحیحة .

هذا ما ذهب إلیه المحقق الخوئی(1) قدس سره وبعض أساتذتنا(2) _ مدظله _ فی المقام ویقولان : بأن الحکم بفساد بیع الجاریة المغنیة علی خلاف القواعد الأوّلیة فی المعاملات .

أقول : تقسیم الاُوصاف والقیود التی وردت فی المعاملة علی قسمین رئیسین کما مرّ منّا صحیح ، ولکن بنظرنا القاصر بیع الجاریة المغنیة لا یدخل فی القسم الثانی بل یدخل فی القسم الأوّل ، یعنی أهل الغناء واللهو یعتبرون هذه الصفة فی الجاریة التی یشترونها بمنزلة أحد مقوماتها ، بحیث لو لم تکن صفة الغناء فیها کأنّ لم یشتر شیئاً أبداً . ولذا ربّما یبذلون بإزائها أکثر من قیمة الجاریة بآلاف واُلوف .

وعلی هذا حیث کانت الصفة محرَّمة شرعاً یکون أخذ المال بإزائها من أکل المال بالباطل ، فتکون المعاملة علی حسب القواعد الأوّلیة باطلة کما ذهب إلیه الشیخ الأعظم(3)

قدس سره .

ص:189


1- (1) مصباح الاصول 1 / 167 .
2- (2) ارشاد الطالب 1 / 86 .
3- (3) المکاسب 1 / 127 .

ویؤید ما ذکرناه کلام بعض آخر من أساتذتنا _ مدظله _ فی المقام حیث یقول : « ... إنّ وصف الغناء فی الجاریة المغنّیة المعدّة له کان یعدّ رکناً فی المعاملة علیها عند العرف ، وکان وزانه وزان هیئات آلات اللهو والقمار التی تعدّ رکناً بحیث یستهلک فیها مادّتها وإن کانت لها قیمة . فکأنّ الجاریة المغنّیة نوع برأسها فی قبال ما یشتری للنکاح أو الخدمة ، وکان لها أهل خاص وسوق خاص ، وربّما لم یکن لها مع قطع النظر عن غنائها قیمة ولم یرغب فیها

أصلاً » (1) .

ولکن مع ذلک کلّه یظهر لنا عند التأمل بأنّ التغنی لیس من مقومات الجاریة بل یکون داعیاً للمشتری . ومن الظاهر أنّ الدواعی یمکن أن تکون مختلفات مع المقوّمات . وعلی هذا یقع بیع الجاریة المغنّیة علیها ، وصفة الغناء تکون داعیة فقط ، فلذا یصح ما ذکره الأعلام من صحة بیعها علی القواعد الأوّلیة .

هذا کلّه فی المقام الأوّل .

المقام الثانی : ما تقتضیه النصوص :

منها : صحیحة إبراهیم بن أبی البلاد قال : قلت لأبی الحسن الأوّل علیه السلام : جعلت فداک إنّ رجلاً من موالیک عنده جوار مغنیّات قیمتهنّ أربعة عشر ألف دینار ، قد جعل لک ثلثها ، فقال : لا حاجة لی فیها ، إنّ ثمن الکلب والمغنیة سحت(2) .

سند الروایة صحیح ودلالتها علی بطلان بیع المغنیة واضحة ، حیث قال علیه السلام : إنّ الثمن سحت .

ومنها : خبر آخر لإبراهیم بن أبی البلاد قال : أوصی إسحاق بن عمر بجوار له مغنّیات أن نبیعهن ویحمل ثمنهنّ إلی أبی الحسن علیه السلام . قال إبراهیم : فبعت الجواری بثلاثمائة ألف درهم وحملت الثمن إلیه ، فقلت له : إنّ مولی لک یقال له : إسحاق بن عمر أوصی عند وفاته ببیع جوار له مغنّیات وحمل الثمن إلیک وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال :

ص:190


1- (1) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 271 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 123 ح 4 .

لا حاجة لی فیه ، إنّ هذا سحتٌ وتعلیمهنّ کفر والإستماع منهنّ نفاق وثمنهنّ سحت(1) .

دلالة الروایة علی بطلان بیعهنَّ واضحة ، ولکن فی السند إرسال .

ومنها : حسنة إسحاق بن یعقوب فی التوقیعات التی وردت علیه من محمّد بن عثمان العمری بخط صاحب الزمان علیه السلام : أمّا ما سألت عنه أرشدک اللّه وثبتک من أمر المنکرین لی _ إلی أن قال _ : وأمّا ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلاّ لما طاب وطهر وثمن المغنیة حرام(2) .

دلالة الحسنة علی بطلان بیع المغنیة واضحة .

ومنها : خبر الحسن بن علی الوشاء قال : سئل أبو الحسن الرضا علیه السلام عن شراء المغنیة ؟ قال : قد تکون للرجل الجاریة تلهیه ، وما ثمنها إلاّ ثمن کلب سحت والسحت فی النار(3) .

دلالتها علی فساد بیعها واضحة ،ولکن فی سندها ضعف بسهل بن زیاد .

ومنها : خبر سعید بن محمد الطاطری عن أبیه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سأله رجل عن بیع الجواری المغنیات ؟ فقال : شراؤهنَّ وبیعهنّ حرام وتعلیمهنّ کفر واستماعهنّ نفاق(4) .

دلالة الروایة واضحة ، ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : صحیحة معمّر بن خلاد عن أبی الحسن الرضا علیه السلام أنّه قال : خرجت وأنا اُرید داود بن عیسی بن علی وکان ینزل بئرمیمون وعلیَّ ثوبان غلیظان ، فرأیت امرأة عجوزاً ومعها جاریتان ، فقلت : یا عجوز أتباع هاتان الجاریتان ؟ فقالت : نعم ولکن لا یشتریهما مثلک ، قلت : ولم ؟ قالت : لأنّ إحداهما مغنیّة والاُخری زامرة ، فدخلت علی داود بن عیسی فرفعنی وأجلسنی فی مجلسی ، فلمّا خرجت من عنده قال لأصحابه : تعلمون من هذا ؟ هذا علی بن موسی الذی یزعم أهل العراق أنّه مفروض الطاعة(5) .

ص:191


1- (3) وسائل الشیعة 17 / 123 ح 5 .
2- (4) وسائل الشیعة 17 / 123 ح 3 .
3- (1) وسائل الشیعة 17 / 124 ح 6 .
4- (2) وسائل الشیعة 17 / 124 ح 7 .
5- (3) الکافی 6 / 478 ح 4 ونقل صدرها فی وسائل الشیعة 17 / 304 ح 4 .

بتقریب : أن العجوز إمّا عرفت أنّ الإمام علیه السلام هو الإمام المعصوم المفترض طاعته ، وإمّا لم تعرف بل وجدت فی سیماه أثر العبادة والسجود وعرفت أنّه علیه السلام من الذین یذهبون فی طریق الشریعة ، وفی کلا الفرضین الحکم حتّی عند العجوز واضح من حرمة الغناء تکلیفاً ومن عدم جواز بیع الجاریة المغنّیة والجاریة الزامرة فی الشریعة وعند المتشرعة ، ولذا قالت : « لا یشتریهما مثلک » . وقررها الإمام علیه السلام فی حکمها . فالروایة تدل علی بطلان بیعها فی الشریعة المقدسة . مضافاً إلی دلالتها أیضاً علی ما ذکر بعض الأعلام من أنّ أهل العرف والغناء یأخذون صفة الغناء من مقومات الجاریة المغنّیة ، ولذا قالت فی جواب الإمام علیه السلام ولم ؟ لأنّ إحداهما مغنّیة والاُخری زامرة . وهذه الصحیحة مضافاً إلی دلالتها علی حرمة الغناء تکلیفاً وفساد بیع الجاریة المغنّیة ، یمکن أن یستفاد منها أنّ صفات التغنی والضرب بآلات اللهو والموسیقی وهکذا الرقص من مقومات الجاریة عند أهلها ، ولذا حکم بفساد هذه

المعاملة علی القاعدة الأولیّة الشیخ الأعظم قدس سره .

ومنها : خبر دعائم الاسلام رفعه عن جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : لا یحلّ بیع الغناء ولا شراؤه واستماعه نفاق وتعلّمه کفر(1) .

بتقریب : أن عدم حلّیة بیع الغناء یعنی فساد بیع المغنیّة لا أقل من شمولها له . ولکن فی السند إرسالٌ .

ومنها : خبر القطب الراوندی رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : لا یحلّ بیع المغنّیات ولا شراؤهنّ وثمنهنّ حرام(2) .

دلالتها واضحة ، ولکن فی سندها إرسالٌ .

ومنها : خبر ابن أبی جمهور الأحسائی رفعه عن النبی علیه السلام أنّه نهی عن بیع المغنّیات وشرائهنَّ والتجارة فیهنَّ وأکل ثمنهنَّ(3) .

دلالته واضحة ، ولکن فی سنده ارسالٌ .

ص:192


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 92 ح 1 .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 92 ح 2 .
3- (3) مستدرک الوسائل 13 / 92 ح 4 .

وبالجملة ، ظاهر هذه الروایات - وفیها الصحیحة والحسنة - تدلّ علی بطلان بیع الجاریة المغنیّة . وقد یقال بوجود روایات تعارضها ، نحو :

خبر عبد اللّه بن الحسن الدینوری قال : قلت لأبی الحسن علیه السلام : جعلت فداک ما تقول فی النصرانیة أشتریها وأبیعها من النصرانی ؟ فقال : اشتر وبع ، قلت : فأنکحُ ؟ فسکت عن ذلک قلیلاً ، ثم نظر إلیَّ وقال شبه الإخفاء : هی لک حلال .

قال : قلت : جعلت فداک فأشتری المغنّیة أو الجاریة أن تغنی اُرید بها الرزق لا سوی ذلک ، قال : اشتر وبع(1) .

بتقریب : أنّ الإمام علیه السلام أجاز البیع إذا کان لطلب الرزق ، قال علیه السلام : اشتر وبع .

وفیه : أولاً : الروایة ضعیفة الإسناد بالدینوری ولیس له إلاّ روایة واحدة وهی هذه .

وثانیاً : الظاهر أنّ مراد الإمام علیه السلام - علی فرض صدوره منه علیه السلام - بیع المغنّیة بصفة

أنّها جاریة لا أنّها موصوفة بصفة الغناء ، وهذا ظاهر سؤال السائل « أرید بها الرزق » ، یعنی الرزق الحلال ، وأجازه الإمام .

وکذلک حملها المحقق النائینی قدس سره حیث یقول : « وأمّا لو قصد نفس الموصوف دون الصفة [ یعنی صفة التغنی ] فلا إشکال فی الصحة ، لأنّه مال عرفاً وشرعاً ، لأنّ المبغوض هو إعمال الوصف فیما هو حرام شرعاً ، وأمّا ذات العبد والجاریة فلم یخرجا عن المالیّة ، ویدل علیه ما فی ذیل روایة الدینوری ... »(2) .

وثالثاً : ثمَّ لو تنزلنا علی فرض دلالة الروایة علی جواز بیع الجاریة المغنّیة مع دخالة وصفها فی الثمن ، تحمل الروایة علی التقیة . والشاهد علی ذلک موجود فیها ، وهو کلام الدینوری : « فسکت عن ذلک قلیلاً ثم نظر إلیَّ وقال شبه الإخفاء : هی لک حلال » .

ولو لم یکن مقام التقیة ، فلا وجه لهذا السکوت والنظر والمقال شبه الإخفاء ، فکلّ هذا

ص:193


1- (4) وسائل الشیعة 17 / 122 ح 1 .
2- (1) منیة الطالب 1 / 34 .

شاهد علی أنّ الإمام علیه السلام فی مقام التقیة لذا أجاز بیع الجاریة المغنّیة تقیةً .

رابعاً : علی فرض تمامیة الدلالة علی جواز بیعهنّ ، وقع التعارض بین هذه الروایة وغیرها من الروایات الماضیة ، والترجیح مع الروایات الماضیة لکثرتها وشهرتها وصحة أسناد بعضها .

وأمّا مرسلة الصدوق قال : سأل رجل علی بن الحسین علیه السلام عن شراء جاریة لها صوت ؟ فقال : ما علیک لو اشتریتها فذکّرتک الجنة _ یعنی بقراءة القرآن والزهد والفضائل التی لیست بغناء ، فأمّا الغناء فمحظور(1) .

لا تدلّ هذه المرسلة علی جواز بیعهنّ ، لأنه أولاً : أنّها مرسلة لا یمکن الإستدلال بها .

وثانیاً : مورد السؤال لیست الجاریة المغنّیة بل السؤال عن الجاریة لها صوت ، وبینهما بون بعید ، فمورد المرسلة خارج عن محلِّ کلامنا .

وثالثاً : الظاهر أنَّ التفسیر الوارد فیها من کلام الصدوق قدس سره لا من الإمام علیه السلام .

ومع ذلک کلّه یمکن حمل الروایات الناهیة علی صورة قصد صفة التغنی فی الجاریة ، وحمل هاتین الروایتین علی صورة قصد الموصوف أی نفس الجاریة .

وعلی هذا یمکن الجمع بین الروایات ونتیجتها الحکم بصحة بیع الجواری المغنّیات إلاّ

أن یقصد من البیع الغناء . ویأتی منّا الکلام حول جواز بیعهنَّ فی بحث الغناء ، فانتظر .

حرمة کسب المغنّیة

یظهر من الروایات حرمة کسب المغنّیة وضعاً وتکلیفاً إلاّ التی تزفّ العرائس ، تدلّ علی هذا الحکم :

حسنة نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : المغنّیة ملعونة ، ملعون من أکل کسبها(2) .

ظهور الحرمة من اللعن واضح ، والروایة تدل علی حرمة الغناء بفقرتها الاُولی أی

ص:194


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 122 ح 2 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 121 ح 4 .

« المغنیة الملعونة » ،وتدلّ علی حرمة اکتسابها أیضاً بفقرتها الثانیة ، وسندها لا بأس به .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن کسب المغنّیات ؟ فقال : التی یدخل علیها الرجال حرام ، والتی تدعی إلی الأعراس لیس به بأس ، وهو قول اللّه عزوجلّ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ اللَّهِ»(1)(2) .

وردت فی الروایة حرمة کسب المغنّیات التی یدخل علیها الرجال وعدّ من مصادیق الآیة الشریفة ، وورد فیها أیضاً حکم الاستثناء ، یعنی جواز کسبهنَّ فی الأعراس . ولکن فی السند ضعف بعلی بن أبی حمزة البطائنی .

ومنها : صحیحة أبی بصیر قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : أجر المغنّیة التی تزفّ العرائس لیس به بأس ، ولیست بالتی یدخل علیها الرجال(3) .

ومنها : خبر آخر لأبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : المغنّیة التی تزف العرائس لا بأس بکسبها(4) .

الروایة ضعیفة بالحکم لأنّه مجهول .

ویمکن اتحاد الروایتین الأخیرتین ، بل اتحادهما مع ما قبلهما من خبر أبی بصیر ، ونفس

وجود هذا الاستثناء یدلّ علی حرمة غیرها من کسب المغنّیات ، أو أنّ مفهومها یدلّ علی حرمة کسب المغنّیات .

ومنها : خبر دعائم الإسلام عن أبی جعفر محمد بن علی علیه السلام : أنّ رجلاً من شیعته أتاه فقال : یابن رسول اللّه وردت المدینة فنزلت علی رجل أعرفه ولا أعرفه بشیءٍ من اللهو ، فإذا جمیع الملاهی عنده ، وقد وقعت فی أمر ما وقعت فی مثله ، فقال له : أحسن جوار القوم حتّی تخرج من عندهم . فقال : یابن رسول اللّه فما تری فی هذا الشأن ؟ قال : أمّا القینة التی تتخذ لهذا

ص:195


1- (2) سورة لقمان / 6 .
2- (3) وسائل الشیعة 17 / 120 ح 1 .
3- (4) وسائل الشیعة 17 / 121 ح 3 .
4- (5) وسائل الشیعة 17 / 121 ح 2 .

فحرام ، وأمّا ما کان فی العرس وأشباهه فلا بأس به(1) .

الظاهر من قوله علیه السلام « أحسن جوار القوم حتّی تخرج من عندهم » یعنی یلاحظ الرجل فی معاشرتهم الخُلق الحَسَنِ ، ولعله ناظر إلی أنهم لا یفیدهم النهی عن المنکر ، أو أنّهم لا یرون بعض الملاهی من المنکرات کما هو مذهب القوم فتویً أو عملاً .

وأمّا قوله علیه السلام : « أمّا القینة التی تتخذ لهذا فحرام » یعنی الأمة التی تغنی ، ویظهر هذا من استثنائه علیه السلام العرس . وأمّا ما ورد فی ذیل الروایة من قوله « وأشباهه » لم یرد فی غیرها ، فلا یمکن الأخذ به ، لا سیما مع الإرسال الموجود فی الروایة . وعدم إفتاء الأصحاب فی جواز التغنی فی أشباه العرس .

وبالجملة ، هذه الروایات مع ضمّ الروایات الواردة فی حرمة الغناء والروایات المذکورة سابقاً فی بطلان بیع المغنّیات تدلّ بوضوح علی حرمة کسب المغنّیات وضعاً وتکلیفاً ، وورد الإستثناء بالنسبة إلی کسب المغنّیة التی تغنی فی زف العرائس فقط .

قیّد بعض الفقهاء هذا الاستثناء باُمور ثلاثة : 1 _ إذا لم تتکلم بالباطل 2 _ ولم تلعب بالملاهی 3 _ ولم یدخل علیها الرجال .

ولکن قال صاحب الجواهر قدس سره بعد هذه القیود المذکورة فی کلام البعض : « لکن فیه أنّ ذلک کلّه محرّمات خارجة عنه لا مدخلیة له فیها خصوصاً الأخیر ...»(2) وما ذکره قدس سره متین جداً .

فرع :

هل یجوز کسب المغنّی وغناؤه فی الأعراس فی مجالس الرجال إلحاقاً له بالمغنّیة أم لا ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - حرمة غنائه حتّی فی مجالس الأعراس وحرمة کسبه فیها تکلیفاً ووضعاً ، لأنّ الحکم فی المغنّیة علی خلاف القاعدة والأصل فیقتصر علی مورده الخاص ، ولا یمکن التعدی منها إلی المغنّی کما قال صاحب الجواهر قدس سره : « نعم ینبغی

ص:196


1- (1) دعائم الإسلام 2 / 205 ح 751 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 91 ح 2 .
2- (2) الجواهر 22 / 48 .

الإقتصار علی خصوص المغنّیة دون المغنّی وعلی العرس دون الختان ونحوه »(1) .

نقل مقال :

مع ذلک کلّه أنکر جدنا الشیخ الأکبر کاشف الغطاء قدس سره استثناء التغنی فی الأعراس من حرمته وادعی عدم جواز التخصیص فیه ، وقال فی ختام کلامه : « ... وقد ظهر ممّا مرّ أنّه لا ینبغی صدور الإستثناء من أهل النظر ، کیف لا ؟ وتحریم الغناء کتحریم الزنا ، أخباره متواترة وأدلته متکاثرة ، عُبّر عنه بقول الزور ولهو الحدیث فی القرآن ، ونادت الأخبار بأنّه المحرّک علی الفجور والعصیان ، فکان تحریمه من الاُمور العقلیة التی لا تقبل تقییداً ولا تخصیصاً بالکلیّة . وکیف یخطر بالبال أو یجری فی الخیال أن یقع مثل هذا الکلام من سادات الأنام ، الآمرین بترک الشبهات خوفاً من الوقوع فی المحرمات ؟ ! مع أنّه مؤذن بجواز ما فیه معظم اللهو عن ذکر المعاد ومدنٍ إلی الزنا واللواط اللذین هما رأس الفساد . علی أن فی ضعف دلالة تلک الأخبار ما یخرجها عن محلِّ الإعتبار وموافقتها للتقیة یرفع اعتبارها فی مقابلة ما مرّ بالکلیّة ، ولو کانت فی غایة الکثرة ما عادلت فکیف مع أنّها فی غایة الندرة ؟ ! ولو فُرِّق بین الحقِّ والباطل لرأیته من القسم الثانی بدیهة ، وربّما کان قبحه فی غیر الأعراس أقلّ منه فیها .

ثم إنّ القول بالتحریم هو المشهور علی الظاهر ، لأنّ کلّ من حرّم الغناء ولم یستثن فهو من المحرِّمین وحاله کحال المصرّحین ، وهم عدد کثیر من الفحول والأساطین ، لکنّه بعید عن طریقة المخالفین والمتصوّفین »(2) .

أقول : یأتی منّا تفصیل الکلام حول هذا الإستثناء فی مبحث الغناء إن شاء اللّه تعالی، فانتظر .

المسألة الثالثة : حکم بیع العنب ممن یعمله خمراً
اشارة

قد قسّم الشیخ الأعظم هذا الفرع إلی قسمین :

ص:197


1- (1) الجواهر 22 / 50 .
2- (2) شرح القواعد / 37 من طبع النجف الاشرف ، و1 / (201 _ 199) من طبع قم المقدسة .
1 _ القسم الأوّل :

بیع العنب ممّن یعمله خمراً أو الخشب بقصد أن یعمله صنماً أو صلیباً أو بربطاً ، یعنی قصد البائع المنفعة المحرّمة بنحو الداعی من دون أن یبذل بإزائه الثمن . وفی هذا القسم أیضاً ذهب الشیخ الأعظم إلی الحرمة وبطلان المعاملة وقال : « ... لأنّ فیه إعانة علی الإثم والعدوان ولا إشکال ولا خلاف فی ذلک»(1) .

واعترض علیه المحقق الخوئی قدس سره بوجوه أربعة :

أولاً : أنّ مفهوم الإعانة علی الإثم والعدوان - کمفهوم الإعانة علی البرّ والتقوی - أمر واقعی لا یتبدل بالقصد ، ولا یختلف بالوجوه والإعتبارات .

وثانیاً : لا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم ما لم یکن التسبیب والتسبب فی البین .

وثالثاً : إنّا إذا سلّمنا حرمة البیع مع قصد الغایة المحرّمة لصدق الإعانة علی الإثم علیه ، فلابدّ من الإلتزام بحرمة البیع مع العلم بترتب الحرام أیضاً ، لصدق الإعانة علی الإثم علیه . وإن قلنا بالجواز فی الثانی من جهة الأخبار المجوِّزة فلابدّ من القول بالجواز فی الأوّل أیضاً ، لعدم اختصاص الجواز الذی دلّت علیه الأخبار بفرض عدم القصد .

ورابعاً : لم یتبین لنا الفرق بین القسمین ، فإن القصد بمعنی الإرادة والاختیار یستحیل أن یتعلق بالغایة المحرَّمة فی محل الکلام ، لأنّها من فعل المشتری ، ... فلا معنی لفرض تعلّق القصد بالغایة المحرّمة ، وأمّا القصد بمعنی العلم والإلتفات فهو مفروض الوجود فی القسمین ، فلا وجه للتفصیل بینهما ...»(2) .

أقول : ما ذکره قدس سره من الوجوه الأربعة تامة ، ولا فرق بین القسمین فی المقام .

2 _ القسم الثانی :
اشارة

بیع العنب ممّن یعمله خمراً وبیع الخشب ممّن یعمله صنماً أو صلیباً أو بربطاً أو آلة لهو أو آلة قمار من دون قصد البائع ذلک . ذهب الشیخ الأعظم قدس سره فی هذا القسم إلی الجواز وقال : « ... فالأکثر علی عدم التحریم للأخبار المستفیضة ... »(3) .

أقول : حیث أنّ القسمین ، بنظرنا علی نمط واحد ولا فرق بینهما نبحث عنهما فی

ص:198


1- (1) المکاسب المحرمة / 16 (1 / 129 من الطبعة الحدیثة) .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 171 .
3- (3) المکاسب المحرمة / 16 (1 / 129 من الطبعة الحدیثة) .

مقامین :

1 _ المقام الأوّل :
اشارة

حکم المسألة بحسب القواعد العامة وعمدتها الإعانة علی الإثم .

فلابد لنا أن نبحث عن هذه القاعدة العامة ، أعنی حرمة الإعانة علی الإثم ، ویقع الکلام فی هذه القاعدة فی اُمور :

الأوّل : حقیقة الإعانة ومفهومها :

الظاهر أنّ المراد من الإعانة ومفهومها العرفی هی : وقوع المعان علیه فی الخارج والعمل ، بلا فرق بین وجود قصد المعین الإعانة وعلمه أم لا ، وبلا فرق بین المقدمات القریبة والبعیدة ، وغیر ذلک من الأقوال فی مفهومها التی ربّما أنهاها البعض إلی ستة(1) .

والشاهد علی ذلک الاستعمالات العرفیة لها، نحو : کتبتُ باستعانة القلم ، أو أعاننی والدی فی تحصیل العلوم ، أو أعاننی الریح علی تحمّل حرارة الجوّ ، أو قوله صلی الله علیه و آله وسلم فی مرفوعة الراوندی : « من تبسّم علی وجه مُبتدعٍ فقد أعان علی هدم الإسلام »(2) ، إلی غیر ذلک من استعمالاتها . ودعوی کونها مجازات ، جزافیة لعدم القرینة علیها .

والإعانة من الاُمور الإضافیة ، أی تحتاج إلی وجود طرفی المعین والمعان فی الخارج ، وإلاّ لم یصدق عنوان الإعانة کما لا یخفی .

الثانی : حکم الإعانة علی الإثم

هل هی حرام أم لا ؟ الأصل الأوّلی یقتضی جوازها ، ولکن ذهب المشهور من فقهائنا إلی حرمتها ، واستدلوا علی ذلک بعدّة من الوجوه :

الأوّل : دعوی الإجماع علی حرمة الإعانة علی الإثم .

وفیه : أولاً : تحصیل الإجماع مشکل جداً ، نعم ذهب المشهور إلی الحرمة فی المقام .

ص:199


1- (1) راجع مصباح الفقاهة 1 / 176 .
2- (2) مستدرک الوسائل 12 / 322 ح 12 .

وثانیاً : علی فرض وجود الإجماع ، من المحتمل أن یکون مستند المجمعین إحدی الوجوه المذکورة ، فصار الإجماع مدرکیّاً ولم یکن تعبدیّاً ، فلا یفیدنا شیئاً .

الثانی : قوله تعالی «وَتَعَاوَنُواْ عَلَی الْبرِّ وَالتَّقْوَی وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَی الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»(1) .

بتقریب : أنّ الآیة الشریفة تدلّ علی لزوم الإعانة علی البرّ والحسنات والخیر والتقوی ، وتنهی أیضاً عن الإعانة علی الإثم والمعصیة والذنب وعدوان العباد ، والنهی ظاهر فی الحرمة .

وفیه : التعاون غیر الإعانة ، التعاون عبارة عن اجتماع أشخاص لإیجاد أمر من المعصیة أو الطاعة کهدم مسجد أو بنائه ، ولذا ینسب الفعل إلی الجمیع لا إلی الشخص الواحد ، بخلاف الإعانة التی هی عبارة عن تهیئة مقدمات فعل الغیر مع استقلاله فی فعله ، کإعطاء الخشب لمن أراد أن یصنع آلة لهو أو قمار . فبین الإعانة والتعاون بون بعید ، والآیة الشریفة تدلّ علی حرمة التعاون علی الإثم والعدوان ، ولکن الإعانة غیر التعاون فلا تدلّ علی حرمة الإعانة .

الثالث : ترک الإعانة علی الإثم دفع للمنکر ، ودفع المنکر کرفعه واجب ، فترک الإعانة علی الإثم واجب ، فالإتیان بها حرام .

وفیه : أولاً : حرمة الإعانة علی الإثم إنّما تتم علی هذا الاستدلال إذا ذهبنا إلی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضده العام ، ولم یذهب إلی هذا المبنی أحد من المحققین .

وثانیاً : النهی عن المنکر وان کان من الواجبات الشرعیة بل بها تقام الفرائض إلاّ أنّ الدلیل منحصر بوجوبه ، ولا یدلّ دلیل علی وجوب دفع المنکر ، وهو عبارة عن تعجیز فاعله عن الإتیان به .

نعم ، إذا کان المنکر من الأمور التی اهتمّ الشارع بترکها - کقتل النفوس ، وهتک الأعراض ، ونهب الأموال المحترمة - یجب دفعها ، یعنی علی کلِّ مسلم أن یمنع من إحداث هذه

ص:200


1- (1) سورة المائدة / 3 .

الاُمور ، بل لعلَّ دفعها عین رفعها ، إذ لا معنی لرفع القتل أو الهتک أو النهب إلاّ دفعها ، ولا یتحقق رفعها إلاّ بدفعها . ففی هذه الاُمور نذهب إلی وجوب دفع المنکر ، وأمّا فی غیرها فلیس لنا دلیل علی ذلک .

وأمّا ما ذکره المحقق الخوئی قدس سره رداً علی هذا الوجه بقوله : « وفیه : أولاً : إنّ الإستدلال بدفع المنکر هنا إنّما یتجه إذا علم المعین بانحصار دفع الإثم بترکه الإعانة علیه ، وأمّا مع الجهل

بالحال أو العلم بوقوع الإثم بإعانة الغیر علیه فلا یتحقق مفهوم الدفع »(1) .

غیر تام ، لأنّ مع إتیان الغیر لا یتحقق مفهوم الدفع بالنسبة إلی الجمیع ولکن یتحقق الدفع بالنسبة إلی التارک وهو بنفسه لا یفعل الحرام ، وکلّ إنسان مسؤل عن فعل نفسه لا غیره . فمع ترکه الإعانة یتحقق مفهوم الدفع بالنسبة إلیه ، وهذا یکفی فی صحة الاستدلال ، فتأمل .

الرابع : الاستدلال بالروایات المستفیضة الواردة حول حرمة إعانة الظالمین وأعوانهم وتقویتهم وتعظیمهم ولو بمدّة قلم أو کتابة رقعة أو جبایة خراج ، فقد ورد فی خبر علی بن أبی حمزة البطائنی قال : کان لی صدیق من کتّاب بنی اُمیة ، فقال لی : إستأذن لی عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، فأستاذنت له علیه فأذن له ، فلمّا أن دخل سلّم وجلس ، ثم قال : جعلت فداک إنّی کنت فی دیوان هؤلاء القوم فأصبت من دنیاهم مالاً کثیراً وأغمضت فی مطالبه ؟ فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : لو لا أنّ بنی أمیة وجدوا من یکتب لهم ویحبی لهم الفیء ویقاتل عنهم ویشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا ، ولو ترکهم الناس وما فی أیدیهم ما وجدوا شیئاً إلاّ ما وقع فی أیدیهم ، الحدیث(2) .

وورد فی صحیحة أبی بصیر قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن أعمالهم ، فقال لی : یا أبا محمّد لا ولا مدّة قلم ، إنّ أحدهم لا یصیب من دنیاهم شیئاً إلاّ أصابوا من دینه مثله أو قال : حتّی یصیبوا من دینه مثله _ الوهم من ابن أبی عمیر _(3) .

ص:201


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 181 .
2- (2) الکافی 5 / 106 ح 4 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 199 ح 1 .
3- (3) الکافی 5 / 106 ح 5 .

وهذه الروایات وأمثالها تدلّ علی حرمة إعانة الظالمین ، وبتنقیح المناط وعدم الفرق نذهب إلی حرمة الإعانة علی کلِّ إثم .

وفیه : الجواب عن هذا الاستدلال واضح ، نقول بحرمة إعانة الظالمین ولو بمدّة قلم ولکن لا یمکن التعدی إلی حرمة الإعانة علی کل إثمٍ ، ولا علم لنا بعدم الفرق بینهما ودون إثباته خرط القتاد ، وهذا الإستدلال أشبه شیءٍ بالقیاس بل هو بعینه .

وبالجملة ، لا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم ، والأصل الأوّلی یقتضی جوازها ، فنذهب إلی جوازها خلافاً للمشهور وتبعاً لعدّة من المحققین منهم : السید الخوئی قدس سره (1) وشیخنا

الأستاذ _ مدظله _(2) .

الثالث : حکم الإعانة علی الإثم هل تقبل التخصیص أم لا ؟

ذهب المحقق النائینی قدس سره إلی عدم جواز تخصیص حکمها وقال : « لا إشکال فی عدم إمکان تخصیصها بعد تحقق موضوعها ، لأنّ هذه من العناوین الغیر قابلة للتخصیص ، فإنّها کنفس المعصیة وکالظلم ، فإنّه کما لا یمکن أن یکون معصیةً خاصةً مباحةً فکذلک لا یمکن أن تکون الإعانة علی المعصیة مباحة ... »(3) .

والحق أنّها تقبل التخصیص ویکفی فی ردّ المحقق النائینی قدس سره ما ذکره تلمیذه المحقق الخوئی قدس سره فی المقام ، حیث قال : « ولکن الوجوه المتقدمة الدالة علی الجواز حجة علیه ، ومن هنا لو أکره الجائر أحداً علی الإعانة علی الإثم أو اضطر إلیها لا شبهة حینئذ فی جوازها ، ولو کانت حرمتها کحرمة الظلم لا تختلف بالوجوه والإعتبار ولا تقبل التخصیص والتقیید لمّا کانت جائزة فی صورتی الإکراه والاضطرار أیضاً »(4) .

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - أنّ حکم الإعانة سواء کان الجواز أو الحرمة قابل

ص:202


1- (4) مصباح الفقاهة 1 / 180 .
2- (1) ارشاد الطالب 1 / 90 .
3- (2) منیة الطالب 1 / 36 .
4- (3) مصباح الفقاهة 1 / 185 .

للتخصیص والتقیید ولیس کالمعصیة والظلم وحکمهما ، ولذا ذهبنا إلی جوازها . ولکن یقیّد هذا الجواز بروایات حرمة إعانة الظالمین ، وهکذا المشهور یقیّدون حرمتها بالروایات المجوّزة الواردة فی مسألتنا هذه ، أعنی بیع العنب ممّن یرید أن یصنعه خمراً . هذا کلّه فی المقام الأوّل ، یعنی ما تقتضیه القواعد العامة فی المقام .

2 _ المقام الثانی : حکم المسألة بحسب الروایات الواردة .

تدلّ عدة من الروایات علی جواز هذا البیع :

منها : صحیحة محمد الحلبی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن بیع عصیر العنب ممّن یجعله حراماً ؟ فقال : لا بأس به ، تبیعه حلالاً لیجعله حراماً ، فأبعده اللّه وأسحقه(4) .

ومنها : صحیحة عمر بن اُذینة قال : کتبت إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أسأله عن رجل له کرم أبیع العنب والتمر ممّن یعلم أنّه یجعله خمراً أو مسکراً ؟ فقال : إنّما باعه حلالاً فی الأبان الذی یحلّ شربه أو أکله ، فلا بأس ببیعه(1) .

ومنها : صحیحة اُخری للحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام انّه سُئل عن بیع العصیر ممّن یصنعه خمراً ؟ فقال : بعه ممّن یطبخه أو یصنعه خلاًّ أحبّ إلیَّ ولا أری بالأوّل بأساً(2) .

ومنها : صحیحة رفاعة بن موسی قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام وأنا حاضر عن بیع العصیر ممّن یخمره ، قال : حلال ، ألسنا نبیع تمرنا ممّن یجعله شراباً خبیثاً(3) .

ومنها : صحیحة أبی المغرا قال : سأل یعقوب الأحمر أبا عبد اللّه علیه السلام وأنا حاضر فقال : إنّه کان لی أخ وهلک وترک فی حجری یتیماً ولی أخ یلی ضیعة لنا وهو لنا وهو یبیع العصیر ممّن یصنعه خمراً ویؤاجر الأرض بالطعام _ إلی أن قال : _ فقال : أما بیع العصیر ممّن یصنعه خمراً فلا بأس ، خذ نصیب الیتیم منه(4) .

ص:203


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 230 ح 4 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 230 ح 5 .
3- (3) وسائل الشیعة 17 / 231 ح 9 .
4- (4) وسائل الشیعة 17 / 231 ح 8 .

ومنها : خبر یزید بن خلیفة عن أبی عبد اللّه علیه السلام سأله رجل وأنا حاضر قال : إنّ لی الکرم ؟ قال : تبیعه عنباً ، قال : فإنّه یشتریه من یجعله خمراً ؟ قال : فبعه إذاً عصیراً ، قال : فإنّه یشتریه منّی عصیراً فیجعله خمراً فی قربتی ؟ قال : بعته حلالاً فجعله حراماً فأبعده اللّه ، ثم سکت هنیهة ثم قال : لا تذرن ثمنه علیه حتّی یصیر خمراً فتکون تأخذ ثمن الخمر(1) .

ومن هنا ظهر وجه الکراهة الواردة فی خبر یزید بن خلیفه والنهی عن بیع العصیر إلاّ بالنقد الواردة فی صحیحة أحمد بن أبی نصر الآتیان ، والوجه فی ذلک لئلا یؤخذ ثمن الخمر .

ومنها : خبر یزید بن خلیفة قال : کره أبو عبد اللّه علیه السلام بیع العصیر بتأخیر(2) .

ومنها : صحیحة أحمد بن محمّد بن أبی نصر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام بیع العصیر

فیصیر خمراً قبل أن یقبض الثمن ؟ فقال : لو باع ثمرته ممّن یعلم أنّه یجعله حراماً لم یکن بذلک بأس ، فأمّا إذا کان عصیراً فلا یباع إلاّ بالنقد(3) .

ومنها : خبر أبی بصیر قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن ثمن العصیر قبل أن یغلی لمن یبتاعه لیطبخه أو یجعله خمراً ؟ قال : إذا بعته قبل أن یکون خمراً وهو حلال فلا بأس(4) .

ومنها : خبر أبی کهمس قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام عن العصیر فقال : لی کرم وأنا أعصره کلّ سنة وأجعله فی الدنان وأبیعه قبل أن یغلی ، قال : لا بأس به وإن غلی فلایحلّ بیعه ، ثم قال : هو ذا نحن نبیع تمرنا ممّن نعلم أنّه یصنعه خمراً(5) .

ومنها : خبر دعائم الاسلام رفعه عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن بیع العنب والتمر والزبیب والعصیر ممّن یصنعه خمراً ، قال : لا بأس بذلک إذا باعه حلالاً ، فلیس علیه أن یجعله المشتری حراماً(6) .

ص:204


1- (5) وسائل الشیعة 17 / 231 ح 7 .
2- (6) وسائل الشیعة 17 / 231 ح 10 .
3- (1) وسائل الشیعة 17 / 229 ح 1 .
4- (2) وسائل الشیعة 17 / 229 ح 2 .
5- (3) وسائل الشیعة 17 / 230 ح 6 .
6- (4) مستدرک الوسائل 13 / 185 .

ومنها : حسنة محمّد بن إسماعیل قال : سأل الرضا علیه السلام رجل _ وأنا أسمع _ عن العصیر یبیعه من المجوس والیهود والنصاری والمسلمین قبل أن یختمر ویقبض ثمنه أو ینسأ ، قال : لا بأس إذا بعته حلالاً ، فهو أعلم ، یعنی : العصیر ، وینسئ ثمنه(1) .

سندها حسن بعلی بن السندی ، لأنّه لاأقل من حسنه ، « فهو أعلم » یعنی المشتری أعلم بما هو وظیفته ، قوله « یعنی » من کلام الراوی .

وبالجملة ، أنت تری أن جمیع الروایات تدلّ علی جواز بیع العنب ممّن یعمله خمراً .

وقد تخیّل وجود التعارض بین هذه الطائفة من الروایات الدالة علی الجواز وبین الروایتین الآتیتین :

إحداهما : صحیحة ابن أذینة قال : کتبت إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه ممّن یتخذه برابط ؟ فقال : لا بأس به وعن رجل له خشب فباعه ممّن یتخذه صلباناً ؟ قال : لا(6) .

وثانیتها : خبر عمرو بن حریث قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن التوت أبیعه یصنع للصلیب والصنم ؟ قال : لا(2) .

ولکن نحن لا نری المعارضة هنا ، لأنّ الفقرة الاُولی من صحیحة ابن اُذینة تدلّ علی الجواز بوضوح ، حیث أجاز الإمام علیه السلام بیع الخشب ممّن یتخذه بربطاً ، وأمّا الفقرة الثانیة منها وخبر عمرو بن حریث فنأخذ بهما فی موردهما ، وهو بیع الخشب ممّن یتخذه ویصنع منه هیاکل العبادة المبتدعة ، نحو : الأُوثان والأصنام والصلبان ونذهب إلی عدم جواز هذا البیع ، لأنّ أمر التوحید مهمّ بل إنّه من أهم الأمور ، وهذه الأشیاء تعارض توحید اللّه سبحانه وتدعو الناس إلی الشرک و «إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا

ص:205


1- (5) وسائل الشیعة 25 / 380 ح 2 _ الباب 38 من الأشربة المحرمة .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 176 ح 1 .

دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاء وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَی إِثْماً عَظِیماً»(1) و «إِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ أَن یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَن یَشَاءُ وَمَن یُشْرِکْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِیداً »(2) .

ولذا لا نحتاج إلی وجوه الجمع فی المقام التی أنهاها بعض أساتذتنا _ مدظله _ إلی ستة أوجه(3) .

واختار _ مدظله _ بعد نقلها ما اخترته فی المقام وقال : « والصناعة الفقهیة أیضاً تقتضی ، الجواز لاستفاضة أخبار الجواز وصحة کثیر منها وإفتاء الأکثر بها ، وخبر المنع ورد فی خصوص بیع الخشب ممّن یتخذه صلیباً أو صنماً . ویمکن التفصیل بین هیاکل العبادة وبین غیرها ممّا لیست فی حدِّها من الأهمیة والفساد ، وإلقاءِ الخصوصیة إنّما یصح مع العلم بعدمها ، ولا علم بذلک فی المقام مع قوّة المفسدة فی هیاکل العبادة »(4) .

وهکذا اختار مختارنا فی المقام المحقق الخوئی قدس سره (5) وشیخنا الأستاذ _ مدظله _ وقال : « المتیقَّن هذا الوجه »(6) ، وقال الشیخ الأعظم فی شأنه : « وهذا الجمع قول فصل لو لم یکن

قولاً بالفصل »(7) والحمد للّه علی کل حالٍ .

ص:206


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 176 ح 2 .
2- (3) سورة النساء / 48 .
3- (4) سورة النساء / 116 .
4- (5) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 293 .
5- (6) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 297 .
6- (7) مصباح الفقاهة 1 / 175 .
7- (1) المکاسب المحرمة / 17 (1 / 132 من الطبعة الحدیثة) .

القسم الثالث

اشارة

ما یحرم لتحریم ما یقصد منه شأناً بمعنی ، أنّ من شأنه أن یقصد منه الحرام ، وتحریم هذا مقصور علی النص ... کبیع السلاح من أعداء الدین ... .

بیع السلاح من أعداء الدین

الأقوال فی المسألة :

وقد ادعی الإجماع فی مسألتنا فی الجملة فی کلمات بعض فقهائنا ، منهم :

المحدث البحرانی قدس سره قال : « المشهور بین الأصحاب بل الظاهر أنّه لا خلاف فیه : تحریم بیع السلاح علی أعداء الدین »(1) .

وقال فی الریاض : « الثالث : ما یقصد به المساعدة علی المحرَّم کبیع السلاح مثل السیف والرمح لأعداء الدین مسلمین کانوا أم مشرکین إذا کان فی حال الحرب مع أهله إجماعاً ، وهو الحجة »(2) .

والنراقی قدس سره قال : « بیع السلاح لأعداء أهل الدین مسلمین کانوا أم مشرکین وحرمته فی الجملة إجماعیّة هو الحجة فیها »(3) .

وقال جدنا الفقیه الشیخ جعفر قدس سره : « بیع أولیاء الدین أو أعدائه السلاح ، وهو مطلق ما یتخذ للحرب ، ولو أرید خصوص الحدید کان مثالاً _ وکذا مطلق نقله لأعداء الدین من إسلام أو مذهب ، أصل أو فرع ، قُصد به المساعدة أو لا ، مع قیام الحرب بین الظالمین والمظلومین وإن کانوا مسلمین ، مع احتمال انتفاعهم به فی تلک الحرب ، للإجماع وظاهر

ص:207


1- (1) الحدائق الناضرة 18 / 206 .
2- (2) ریاض المسائل 8 / 141 .
3- (3) مستند الشیعة 14 / 92 .

الأخبار ، ومع عدم قیام الحرب لا یحرم إلاّ مع القصد أو الشرط »(1) .

وادعی الشیخ الأعظم قدس سره : عدم الخلاف فیها(2) .

وقد أنهی الفقیه السید الیزدی قدس سره الأقوال فی مسألة بیع السلاح من أعداء الدین إلی ثمانیة ، فقال : « والمتحصل من ظواهر کلماتهم أقوال :

أحدها : وهو ظاهر المشهور اختصاص الحرمة بحال قیام الحرب .

الثانی : التحریم فی حال المباینة وعدم الصلح ، وهو مختار جماعة .

الثالث : التحریم فی حال الحرب أو التهیّؤ له ، وهو ظاهر المسالک(3) .

الرابع : التحریم مطلقاً ، وهو المحکی عن حواشی الشهید(4) بل عن الشیخین(5) والدیلمی(6) والحلبی(7) والتذکرة(8) ، وربّما یستظهر(9) من الشرائع أیضاً .

الخامس : التحریم مع قصد المساعدة فقط ، حکاه فی الجواهر(10) عن بعض ، ویمکن استظهاره من عبارة الشرائع .

السادس : التحریم مع أحد الأمرین من القصد إلی المساعدة أو قیام الحرب ، اختاره فی الجواهر(11) .

ص:208


1- (4) شرح القواعد / 22 طبع النجف و 1 / 157 طبع قم المقدسة .
2- (1) المکاسب المحرمة / 19 (1 / 147 من الطبعة الحدیثة) .
3- (2) المسالک 3 / 123 .
4- (3) حکاه عنه فی مفتاح الکرامة 12 / 116 عن حواشی الشهید علی القواعد .
5- (4) المقنعة / 588 والنهایة / 365 .
6- (5) المراسم / 170 .
7- (6) الکافی / 282 .
8- (7) تذکرة الفقهاء 12 / 184 ، ولکن فیه : « یحرم بیع السلاح من أعداء الدین فی وقت الحرب ولا بأس به فی الهدنة » .
9- (8) المستظهِرُ هو الفاضل الآبی تلمیذ صاحب الشرائع فی کشف الرموز 1 / 439 .
10- (9) الجواهر 22 / 29 .
11- (10) الجواهر 22 / 28 .

السابع : التحریم مع الأمرین من القصد وقیام الحرب ، حکاه فی الجواهر(1) .

الثامن : ما اختاره فی المستند(2) من إطلاق المنع بالنسبة إلی المشرکین والتفصیل بین

حال المباینة والصلح بالنسبة إلی المسلمین المعادین للدین ، وهو المحکی عن المهذب(3) ، بل مقتضی عبارته المحکیة فی المستند أنّ إطلاق المنع بالنسبة إلی الکفار إجماعیٌّ ، وإنّما الخلاف بالنسبة إلی المسلمین فی الإطلاق والتقیید ... »(4) .

ثم اختار قدس سره التحریم وقال : « الأقوی هو التحریم مع القصد مطلقاً . ومع عدمه فی غیر حال الصلح ، سواءً کان الحرب قائماً بالفعل أو کانوا متهیئین له أو لا ، فیکفی مطلق المباینة ... »(5) .

أقول : والعمدة هی ملاحظة الروایات الواردة فی المقام .

الروایات

الروایات الواردة فی مسألتنا علی طوائف ثلاث :

الطائفة الأولی : دالة علی حرمة بیع السلاح منهم مطلقاً :

منها : خبر وصیة النبی صلی الله علیه و آله وسلم لعلیِّ علیه السلام أنّه قال : یا علی کَفَر باللّه العظیم من هذه الأمة عشرة القتّات _ إلی أن قال _ : وبایع السلاح من أهل الحرب(6) .

والروایة وإن دلت علی الحرمة إلاّ أن فی سندها ضعف ، ویمکن المناقشة فی دلالتها أیضاً ، بأنّ الظاهر من أهل الحرب القائمین به والمحاربین فعلاً ، فالروایة تدلّ علی حرمة بیع السلاح منهم فی حال الحرب لا مطلقاً .

ص:209


1- (11) الجواهر 22 / 29 .
2- (12) مستند الشیعة 14 / 92 .
3- (1) المراد به المهذب البارع لابن فهد الحلی فراجع کتابه 2 / 350 .
4- (2) حاشیة المکاسب / 10 للفقیه السید الطباطبائی الیزدی قدس سره _ (1 / 71 و 70 من الطبعة الحدیثة) .
5- (3) حاشیة المکاسب / 11 (1 / 71) .
6- (4) وسائل الشیعة 17 / 103 ح 7 .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن حمل المسلمین إلی المشرکین التجارة ، قال : إذا لم یحملوا سلاحاً فلا بأس(1) .

جوّز الإمام علیه السلام فیها التجارة معهم إذا لم تکن سلاحاً ، ومفهومها إذا حملوا السلاح ففی هذه التجارة بأس . فهذه الصحیحة تدلّ علی حرمة بیع السلاح منهم بنحو الموجبة الجزئیة ،

یعنی إذا حملوا السلاح فیه بأس ، ولو کان هذا البأس فی صورة قیام الحرب والمباینة .

وبالجملة ، الروایتان لا تدلاّن علی حرمة بیع السلاح منهم مطلقاً ، وعلی فرض دلالتهما علیه تدلاّن بنحو العموم ، وإذا وردت الروایات المفصلة وکانت بنحو الخصوص تقدّم علیهما بالصناعة الفقهیة ، فانتظر .

الطائفة الثانیة : ما قد یقال : إنّها تدلّ علی الجواز مطلقاً :

منها : خبر أبی القاسم الصیقل قال : کتبت إلیه أنّی رجل صیقل أشتری السیوف وأبیعها من السلطان أجائز لی بیعها ؟ فکتب علیه السلام : لا بأس به(2) .

السند ضعیف بأبی القاسم الصیقل ، لأنّه مجهول ، مضافاً إلی وجود الإضمار فی الروایة وعدم تعیّن أنّه کتب إلی الإمام علیه السلام أو إلی غیره . ثمّ إنّ الظاهر من السلطان الوارد فی الروایة سلاطین الجور من المسلمین الذین کانوا فی زمن الأئمة علیهم السلام ، کما اعترف بذلک المحقق الإیروانی قدس سره (3) وإثنان من أساتیذنا _ مد ظلهما(4)(5) _ فی المقام . فالروایة لا تدلّ علی جواز بیع السلاح من أعداء الدین مطلقاً .

ومنها : صحیحة محمد بن قیس قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الفئتین تلتقیان من أهل الباطل أبیعهما السلاح ؟ فقال : بعهما ما یکنهما الدرع والخفین ونحو هذا(6) .

ص:210


1- (5) وسائل الشیعة 17 / 103 ح 6 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 103 ح 5 .
3- (2) حاشیة المکاسب 1 / 107 .
4- (3) إرشاد الطالب 1 / 104 .
5- (4) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 392 .
6- (5) وسائل الشیعة 17 / 102 ح 3 .

الروایة صحیحة الإسناد ومورد السؤال عن بیع السلاح من أهل الباطل المقاتلین لغیرهم من أهل الباطل ، فالسلاح یُستفاد منه فی حرب الباطل علی الباطل ، ومع ذلک أجاز الإمام علیه السلام فی هذه الصحیحة بیع الأدوات الدفاعیّة فقط لهم نحو الدرع ، ولذا لابدّ من حملها علی کونهما محقونی الدم کأهل الذمة ، ولذا لاتدلّ الصحیحة علی الجواز مطلقاً فی مسألتنا هذه .

وبالجملة ، لیس فی الروایات ما یدلّ علی الجواز مطلقاً ، خلافاً لما ادعاه بعض .

الطائفة الثالثة : تدل علی التفصیل فی المقام :

منها : حسنة بل صحیحة أبی بکر الحضرمی قال : دخلنا علی أبی عبد اللّه علیه السلام فقال له حکم السراج : ما تقول فی من یحمل إلی الشام السروج وأداتها ؟ فقال : لا بأس ، أنتم الیوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، إنّکم فی هدنة ، فإذا کانت المباینة حرم علیکم أن تحملوا إلیهم السروج والسلاح(1) .

سند الروایة حسنة بعبد اللّه بن محمد الحضرمی بل صحیحة لأنّه ثقة علی الأقوی . وتدلّ علی جواز حمل السروج وأداتها والسلاح إلی أهل الشام وهم أعداء الدین فی فرض الهدنة ، یعنی السکون من الفتن بالصلح معهم . والشاهد علی ذلک استشهاد الإمام علیه السلام بقوله : « أنتم الیوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » ،یعنی کما لا خلاف بین أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی زمن حیاته صلی الله علیه و آله وسلم وکان بینهم الصلح والهدنة ، الیوم أنتم وهم کذلک کما هو الظاهر . ولیس المراد بهذه الفقرة یعنی « الباقین علی صحبته ودینه بعد موته » کما استظهره المحدث البحرانی قدس سره (2) ، ولا المراد بها یعنی من " الأصحاب" النفر الیسیر الذین کانوا مع أمیر المؤمنین علیه السلام بعد وفاة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » کما استظهره المحقق الإیروانی قدس سره (3) .

ویؤید ما ذکرناه کلام الفقیه الیزدی قدس سره فی حاشیته علی المکاسب حیث یقول : « الظاهر أنّ المراد أنتم وأهل الشام بمنزلة أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حیث ، أنّهم مع کون

ص:211


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 101 ح 1 .
2- (2) الحدائق 18 / 207 .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 107 .

بعضهم منافقاً ومع عداوة بعضهم لبعض فی الواقع ، کانوا فی الظاهر متوافقین ولم یکن بینهم نزاع ، فکذلک أنتم وأهل الشام ، فیکون المخاطب بأنتم مجموع الطرفین من أهل الحق وأهل الشام »(1) .

وبالجملة ، الروایة دالة علی جواز حمل السلاح إلی أعداء الدین فی صورة المصالحة والمداهنة .

ومنها : ما رواه المشایخ الثلاثة عن هند السرّاج قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام :

لحک اللّه إنّی کنت أحمل السلاح إلی أهل الشام فأبیعه منهم ، فلمّا عّرفنی اللّه هذا الأمر ضقت بذلک وقلت : لا أحمل إلی أعداء اللّه ، فقال لی : إحمل إلیهم ، فإنّ اللّه یدفع بهم عدوّنا وعدوّکم _ یعنی :

الروم _ وبعه ، فإذا کانت الحرب بیننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلی عدونا سلاحاً یستعینون به علینا فهو مشرک(2) .

والروایة سنداً ضعیفة بأبی سارة وهند السرّاج ، لأنّهما مجهولان ، ولکنّها تدلّ بوضوح علی جواز حمل السلاح إلی أعداء الدین فی صورة مصالحتهم مع أهل الإیمان وعدم جوازه فی صورة قیام الحرب .

ومنها : خبر السراد عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قلت له : إنّی أبیع السلاح ، قال : لا تبعه فی فتنة(3) .

ذکر فی الوسائل الراوی الأخیر بعنوان السرّاج فصارت الروایة ضعیفة الإسناد به لأنّه مجهول ، ولکن ورد فی الکافی(4) والتهذیب(5) السرّاد بدلاً من السرّاج ، والسرّاد إن أرید به الحسن بن محبوب کما هو لُقّب بالسرّاد والزرّاد وکلاهما بمعنی واحد یعنی صانع الزرد و السرد وهما بمعنی الدرع فهو ثقة وقال العلامة فی شأنه : « ثقة عین روی عن الرضا علیه السلام وکان

ص:212


1- (4) حاشیة المکاسب / 11 . (1 / 74 من الطبعة الحدیثة) .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 101 ح 2 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 102 ح 4 .
4- (3) الکافی 5 / 113 ح 4 .
5- (4) التهذیب 6 / 354 ح 128 .

جلیل القدر یعدّ فی الأرکان الأربعة »(1) فصارت الروایة صحیحة الإسناد ولکن لا یمکن له أن ینقل عن الإمام الصادق علیه السلام بلا واسطة ، لأنّه مات فی آخر سنة أربع وعشرین ومائتین وکان من أبناء خمس وسبعین سنة ، فکانت ولادته عام تسع وأربعین ومائة ، واستشهد شیخ الأئمة الإمام الصادق علیه السلام فی خمس وعشرین من شوال عام ثمان وأربعین ومائة وله خمس وستون سنة ودفن بالبقیع مع أبیه وجده وعمّه الحسن علیهم السلام کما ذکره الشیخ المفید فی الإرشاد(2) . وحینئذ ولد الحسن بن محبوب السراد بعد استشهاد الإمام الصادق علیه السلام بسنة ، فکیف یمکن أن ینقل عنه علیه السلام بلا واسطة ؟ ! . واعترف بذلک المحقق الخوئی قدس سره وقال : « ... لعدم ثبوت روایة الحسن بن محبوب وهو السرّاد عن أبی عبد اللّه علیه السلام »(3) .

ولذا نقل الشیخ فی الاستبصار(4) الروایة عن السرّاد عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السلام ، وبهذا السند - وإن صح نقل ابن محبوب - ولکن صارت الروایة مرسلة لعدم تعیین هذا الرجل .

وکیف ما کان نقل صاحب الوسائل الراوی الأخیر بعنوان السرّاج ولم یرد ذکره فی مصادر الحدیث التی بتناول أیدینا ، ولعلّه قدس سره صحف بین السرّاج والسرّاد ، وإن ورد ذکر سرّاج خادم أبی عبد اللّه علیه السلام فی کتب الحدیث(5) والرجال(6) .

ویخطر بالبال أنّ السرّاد المذکور فی السند غیر الحسن بن محبوب ، ولکن فی هذه العجالة لا یمکن تعیینه بشخصه .

وبالجملة ، إلی هنا لا یتمّ سند الروایة ، فصارت إمّا مرسلة بسند الشیخ فی الإستبصار أو ضعیفة لعدم تعیین وتوثیق هذا السرّاد فی المعاجم الرجالیة .

وتنبّه علی کلِّ ذلک المحدث البحرانی قدس سره حیث یقول : « وفی التهذیب رواه عن السرّاد

ص:213


1- (5) خلاصة الأقوال / 37 .
2- (6) الارشاد 2 / 180 .
3- (7) معجم رجال الحدیث 23 / 103 .
4- (1) الاستبصار 3 / 57 ح 1 .
5- (2) الکافی 2 / 42 ح 1 .
6- (3) معجم رجال الحدیث 23 / 102 .

عن رجل عنه وهو الظاهر ، حیث أنّ السرّاد المذکور إنّما یروی عن أبی عبد اللّه علیه السلام بالواسطة ، هذا إن حمل أنّه الحسن بن محبوب المشهور بهذا اللقب وإلاّ فلا ویکون الرجل مهملاً »(1) .

ومراده قدس سره من « التهذیب » الإستبصار ، لأنّ بعض مهرة فن الحدیث یعدّونه بعنوان تتمة التهذیب کما هو واضح عند أهله .

هذا کلّه فی سند الروایة .

وأمّا دلالتها : نهی علیه السلام عن بیع السلاح فی الفتنة ، ومن أظهر مصادیق الفتنة قیام الحرب والتهیؤ له ، فالروایة تدلّ علی حرمة بیع السلاح فی الحرب من أعداء الدین .

فهذه الطائفة من الروایات تدلّ علی جواز بیع السلاح من أعداء الدین فی صورة المصالحة والمداهنة معهم ، وحرمته فی صورة قیام الحرب أو التهیؤ له .

ولابدّ من الأخذ بها وتقدیمها علی الطائفة الاُولی الدالة علی الحرمة مطلقاً ، لأنّها خاصة فی قبال العام ، فتقدّم علی ما مرّ منّا فی ذیل الطائفة الأولی .

وأمّا الروایات الدالة علی الجواز مطلقاً قد ذکرنا أنّها لم توجد ، و علی فرض وجودها

تقیَّد بهذه الروایات المفصلة . وهذا هو الجمع العرفی بین الروایات ، وذهب إلیه المشهور من فقهائنا فأفتوا بجواز بیع السلاح منهم فی الصلح وحرمته فی الحرب .

ثمّ إنّ المشهور ذهبوا إلی جواز بیع السلاح من أعداء الدین مشرکین کانوا أم مسلمین فی صورة المصالحة والمداهنة وعدم الجواز فی صورة قیام الحرب أو التهیؤ له .

ولکن ظاهر صحیحة أبی بکر الحضرمی الماضیة جواز حمل السلاح إلی أعداء الدین من المسلمین فقط ، لأنّ مورد سؤال السائل حمل السروج وأداتها إلی أهل الشام وأهلها فی زمن الإمام الصادق علیه السلام کانوا من المسلمین ، وأجاب الإمام علیه السلام أیضاً بقوله : « فإذا کانت المباینة حرم علیکم أن تحملوا إلیهم (یعنی إلی أهل الشام) السروج والسلاح » . فهذه الصحیحة - وهی العمدة فی الروایات المفصِّلة - منحصرة بأعداء الدین من المسلمین فقط ولا تشمل المشرکین الکافرین .

ص:214


1- (4) الحدائق 18 / 207 .

وهکذا الأمر فی خبر هند السرّاج الماضی ، حیث سأل السائل عن حمل السلاح إلی أهل الشام فأجابه الإمام علیه السلام : « إحمل إلیهم » یعنی إلی أهل الشام وهم مسلمون ولکن کانوا من أعداء الدین یعنی أعداء المذهب الحق الإثنی عشری الإمامی .

فهاتان الروایتان المفصِّلتان منحصرتان بأعداء الدین من المسلمین فقط ولاتشملان المشرکین .

وأمّا خبر السرّاد الماضی - وإن یمکن استفادة العموم منه وشموله فی شأن المشرکین والمسلمین - إلاّ أنّ فی سنده إمّا إرسالٌ أو ضعف ، فلا یمکن الأخذ بإطلاقه أو شموله .

وعلی هذا یجوز بیع السلاح من أعداء الدین المسلمین المخالفین لمذهب الإمامیة فی حال المداهنة والمصالحة معهم ، ولا یجوز البیع منهم فی حال قیام الحرب أو التهیؤ له .

وأمّا بیع السلاح من أعداء الدین من المشرکین فبقی علی حرمته ولم یرو ترخیص فی شأنه ، سواء فی حال المصالحة والمداهنة لهم أو فی حال قیام الحرب والتهیؤ له . فهذا القول اختاره ابن فهد الحلی فی المهذب البارع(1) والنراقی فی المستند(2) .

وبالجملة ، بنظرنا القاصر صحیحة علی بن جعفر المذکورة تدلّ علی حرمة حمل السلاح إلی المشرکین مطلقاً ، فلابدّ من الأخذ بإطلاقها . وأمّا الروایات المجوِّزة منحصرة ببیع

السلاح من أعداء الدین المسلمین فقط ، ولذا نأخذ بها وتکون النتیجة حرمة حمل السلاح وبیعه إلی أعداء الدین المشرکین مطلقاً ، سواء فی حال قیام الحرب أو فی حال المصالحة والمداهنة وجواز حمل السلاح وبیعه إلی أعداء الدین من المسلمین فی حال المصالحة والمداهنة فقط وحرمة بیعه منهم فی حال قیام الحرب أو التهیؤ له .

هذا ما یخطر بالبال بعد التأمل التام فی الروایات الواردة فی المقام .

ثم إنّ هاهنا فروعاً وأموراً لابدّ من التنبیه علیها :

الأوّل : کلّ ما یوجب تقویة المشرکین وصار موجباً لشوکتهم بحیث یخاف منهم علی

ص:215


1- (1) المهذب البارع 2 / 350 .
2- (2) مستند الشیعة 14 / 94 .

بیضة الإسلام والمذهب الحقّ حرام مطلقاً ، سواء فی ذلک المشرکین أو المخالفین . وهکذا لا فرق بین بیع السلاح أو الأدوات الدفاعیة بل حتی العلاقات التجاریة الموجبة لتقویتهم ، والدلیل علی ذلک لزوم المحافظة علی الإسلام والمذهب وحرمة تضعیفهما کما هو واضح لمن له أدنی إلمام بالفقه .

الثانی : حرمة بیع السلاح من قطاع الطریق .

بیع السلاح من قطاع الطریق سواء کانوا من المسلمین أو المشرکین بقی علی حرمته لأنّ الترخیص الوارد فی الروایات ثبت بالنسبة إلی أعداء الدین من المسلمین فی حال المصالحة والمداهنة فقط وهم غیر قطاع الطریق ، فبیع السلاح من قطاع الطریق بقی علی حرمته ، ولأنّ بیع السلاح منهم من أظهر مصادیق معونة الظالمین وإعانتهم ، وهی حرامٌ إجماعاً ، حتّی علی القول بعدم حرمة الإعانة علی الأثم کما هو المختار . لأنّ من أظهر مصادیق الظالمین هم قطاع الطریق ، وحرمة معونتهم وإعانتهم إجماعی عندنا . والعجب من المحقق الخوئی قدس سره حیث جعل هذه المسألة من صغریات الإعانة علی الإثم ویقول : « ... إن قلنا بحرمة الإعانة علی الإثم فلا یجوز بیعه منهم وإلاّ جاز کما هو الظاهر »(1) .

فعلی ما ذکرنا لا نحتاج إلی الحکم بالحرمة هنا إلی إحراز البایع استعمال المشتری ذلک السلاح فی الإعتداء علی الغیر فلا یجوز حینئذ ، ومع عدم الإحراز فلا بأس کما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ _ مد ظله _(2) ، لأنّ نفس تمکینهم من السلاح وبیعه لهم من أظهر مصادیق

إعانة الظالمین ، وهی حرام أجماعاً .

الثالث : هل النهی فی المقام یدلّ علی الفساد أم لا ؟

إذا تعلق النهی بأمر خارج عن البیع - نحو تقویة أعداء الدین وإعانتهم - فلا یدلّ علی فساد المعاملة ولا یفید إلاّ الحرمة التکلیفیة ، کما ذهب إلی هذا القول صاحب الحدائق(3)

ص:216


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 191 .
2- (2) إرشاد الطالب 1 / 107 .
3- (1) الحدائق 18 / 210 .

والشیخ الأعظم(1) والسید الیزدی(2) والمحققون النائینی(3) والخوئی(4) قدس سرهم وشیخنا الأستاذ(5) _ مد ظله _ ، ولکن إذا قلنا بأنّ النهی تعلق بنفس المعاملة - کما تدلّ علیه الروایات الواردة فی المقام وقد مرّ ذکرها - صارت المعاملة فاسدة وأفادت الحرمة الوضعیة . وهذا هو المختار وذهب إلیه ثانی الشهیدین فی المسالک(6) والمحقق الأردبیلی فی شرح الإرشاد(7) وجدنا الفقیه الشیخ الأکبر کاشف الغطاء قدس سرهم فی شرح القواعد(8) .

ص: 217


1- (2) المکاسب المحرمة / 20 _ (1 / 152 من الطبعة الحدیثة) .
2- (3) حاشیة المکاسب / 12 _ (1 / 79 من الطبعة الحدیثة) .
3- (4) منیة الطالب 1 / 43 .
4- (5) مصباح الفقاهة 1 / 191 .
5- (6) إرشاد الطالب 1 / 106 .
6- (7) مسالک الأفهام 3 / 123 .
7- (8) مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الاذهان 8 / 46 .
8- (9) شرح القواعد 1 / 159 .

ص:218

النوع الثالث: ما لیس فیه منفعة محلّلة معتدّ بها

اشارة

ص:219

ص:220

تعرّض الشیخ الأعظم قدس سره فی هذا القسم إلی بطلان بیع ما لا منفعة فیه ، منفعة معتدّاً بها عند العقلاء ومحلّلة عند الشارع الأقدس .

واستدلوا علی بطلان بیع ما لا منفعة فیه بعدّة من الوجوه :

الأوّل : بیع ما لیس له نفع محلّل وأخذ الثمن فی قباله ، أکلٌ للمال بالباطل فیکون فاسداً وتدلّ علیه قوله تعالی : «لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَکُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ»(1) ، واستدل بهذا الدلیل فخر المحققین قدس سره فی إیضاح الفوائد(2) .

وفیه : أولاً : الآیة الشریفة - کما مرّ منا - فی مقام بیان الأسباب الصحیحة للمعاملة فی مقابل الأسباب الفاسدة لها فلا تکون فی مقام بیان شرائط العوضین .

وثانیاً : بعد التوافق علی المعاملة والرضا بها دخلت فی تجارة عن تراضٍ لا أکل المال بالباطل .

الثانی : الإجماع علی بطلان بیع ما لا منفعة فیه ، وادعاه جماعة من الفقهاء نحو : صاحبی الغنیة(3) والجواهر(4) .

وفیه : أولاً : أنّ المحصَّل منه غیر حاصل والمنقول منه لیس بحجة .

وثانیاً : من المحتمل بل المتعیّن أنّ استناد المجمعین إلی الوجوه المذکورة فی المسألة ، فلا یکون الإجماع إجماعاً تعبدیّاً بل صار إجماعاً مدرکیّاً ، فلیس بحجة .

الثالث : قالوا فی تعریف البیع أنه « مبادلة مال بمالٍ » کما عن المصباح المنیر(5) ، وما

ص:221


1- (1) سورة النساء / 29 .
2- (2) ایضاح الفوائد 1 / 401 .
3- (3) الغنیة / 213 من الطبعة الحدیثة ، والمطبوع ضمن الجوامع الفقهیة / 524 .
4- (4) جواهر الکلام 22 / 34 .
5- (5) المصباح المنیر / 69 .

لیس فیه المنفعة لم یعدّ مالاً فلا یصح بیعه .

وفیه : أولاً : قد کثر استعمال البیع والشراء فی غیر المبادلة المالیّة فی الکتاب المجید ،

نحو قوله تعالی : «إِنَّ اللّهَ اشْتَرَی مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ یُقَاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَیُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقّاً فِی التَّوْرَاةِ وَالإِنجِیلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَی بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بَایَعْتُم بِهِ وَذَلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ»(1) .

وقوله تعالی : «وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ»(2) .

وقوله تعالی : «أُولَئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَی وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ»(3)

وقوله تعالی : «أُولَئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُاْ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا بِالآَخِرَةِ»(4)

وقوله تعالی : «وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَن سَبِیلِ اللَّهِ بِغَیْرِ عِلْمٍ وَیَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِینٌ»(5) .

ومن الواضح أنّ « البیع والشراء یتلازمان» کما ذکره الراغب فی المفردات(6) ، وقال الفیروزآبادی فی القاموس : « أنّ کل من ترک شیئاً وتمسک بغیره فقد اشتراه»(7) .

وثانیاً : فما عن المصباح مضافاً إلی عدم حجیة قوله ، أنّه لیس تعریفاً حقیقیاً بل مجرد شرح اسم ، فلا یبحث فیه طرداً وعکساً ، نقضاً وإبراماً .

وثالثاً : علی فرض قبول تعریف المصباح لا یجری فی المقام أحکام البیع ولکن یمکن

ص:222


1- (1) سورة التوبة / 111 .
2- (2) سورة البقرة / 207 .
3- (3) سورة البقرة / 175 .
4- (4) سورة البقرة / 86 .
5- (5) سورة لقمان / 6 .
6- (6) معجم مفردات ألفاظ القرآن / 267 .
7- (7) قاموس اللغة / مادة شراء ، الطبعة الحجریة .

التمسک بإطلاقات «تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ»(1) و«أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ»(2) ونحوهما .

الرابع : معاملة ما لا نفع فیه من المعاملات السفهیة ، فتکون فاسدة لذلک .

وفیه : أولاً : منع الصغری : المعاملة إنّما تکون سفهیة إذا انتفعت عنها الأغراض الشخصیة والنوعیة کلتیهما ، ولکن فی هذه المعاملة ربّما تعلّق الغرض الشخصی بالمعاملة وإلاّ

لم یتعرض البائع لها ، ونفس وجود الغرض الشخصی یخرج المعاملة عن کونها سفهیة .

وثانیاً : منع الکبری : لم یدلّ دلیل علی بطلان المعاملات السفهیة بعد شمول العمومات والإطلاقات الواردة فی صحة البیع والتجارة والوفاء بالعقد ، نعم : قام الدلیل علی فساد المعاملة السفیه لکونه محجوراً عن التصرف ، ومن الواضح أنّ معاملة السفیه غیر المعاملة السفهیة .

الخامس : قد استدل الشیخ الأعظم قدس سره فی بطلان بیع ما لا منفعة فیه ببعض فقرات روایة تحف العقول الماضیة فی أوّل الکتاب .

وفیه : أولاً : أنّها روایة ضعیفة الإسناد بل مرسلة .

وثانیاً : لم یثبت عندنا کونها روایة کما مرّ منّا فی محلّها .

وثالثاً : دلالة الروایة علی البطلان فی مسألتنا هذه غیر تامة .

فإلی هنا لم نجد ما یدلّ علی بطلان بیع ما لا منفعة فیه کما ذهب إلیه المحقق الخوئی قدس سره (3) .

وربّما یؤید ما ذکرناه بما ورد فی صحة بیع الهرّ ، نحو صحیحة محمد بن مسلم وعبد الرحمن عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ثمن الکلب الذی لا یصید سحت ، ثمّ قال : ولا بأس بثمن الهرّ(4) .

وخبر دعائم الاسلام رفعه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه رأی رجلاً یحمل هرّة ، فقال : ما

ص:223


1- (8) سورة النساء / 29 .
2- (9) سورة المائدة / 1 .
3- (1) مصباح الفقاهة 1 / (195 _ 193) .
4- (2) وسائل الشیعة 17 / 119 ح 3 .

تصنع بها ؟ قال : أبیعها ، فنهاه ، قال : فلا حاجة لی بها ، قال : فتصدّق إذاً بثمنها(1) .

بتقریب : أنّ الهرّ فی ذلک الزمان کان من الأشیاء التی لیست لها منفعة معتداً بها ومع ذلک ورد الترخیص فی جواز بیعها ، وقال العلامة قدس سره فی التذکرة : « لا بأس ببیع الهرّ عند علمائنا ، وبه قال ابن عباس والحسن وابن سیرین والحکم وحماد والثوری ومالک والشافعی وإسحاق وأصحاب الرأی »(2) .

وهکذا یؤید ما ذکرناه ، ما مرّ منّا من جواز بیع القردة فی تتمة بحث بیع المسوخ(3) ، مع

أن القردة لا سیما فی ذاک الزمان لیست لها منفعة معتداً بها ومع ذلک جوّزنا بیعها .

ثم إنّ هاهنا فروعاً لابدّ من التنبیه علیها :

الأوّل :

یجوز بیع السباع لوقوع التذکیة علیها وجواز الإنتفاع بجلودها فی غیر الصلاة ، وتدل علیه عدّة من الروایات :

منها : موثقة سماعة قال : سألته عن جلود السباع ، أینتفع بها ؟ فقال : إذا رمیت وسمّیت فانتفع بجلده وأمّا المیتة فلا(4) .

ومنها : موثقة اُخری لسماعة قال : سألته عن لحوم السباع وجلودها ؟ فقال : أمّا لحوم السباع فمن الطیر والدواب فإنّا نکرهه ، وأمّا الجلود فارکبوا علیها ولا تلبسوا منها شیئاً تصلون فیه(5) .

ومن الواضح دلالة الکراهة فی لسان الأئمة علیهم السلام علی الحرمة المصطلحة .

ومنها : موثقة ثالثة لسماعة قال : سُئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن جلود السباع ؟ فقال :

ص:224


1- (3) دعائم الاسلام 2 / 20 ح 30 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 90 ح 3 .
2- (4) تذکرة الفقهاء 10 / 29 .
3- (5) راجع الصفحة 124 من هذا المجلد .
4- (1) وسائل الشیعة 24 / 185 ح 4 الباب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة .
5- (2) وسائل الشیعة 4 / 353 ح 3 _ الباب 5 من أبواب لباس المصلی .

ارکبوها ولا تلبسوا شیئاً منها تصلّون فیه(1) .

وقد مرّ منّا جواز بیع السباع فی بحث بیع المسوخ ، فراجع ما حررناه هناک(2) إن شئت . فإذا کان الإنتفاع بجلودها جائزة فیجوز بیعها علی کلِّ من المبنیین من عدم جواز بیع ما لامنفعة فیه وجوازه کما هو الظاهر .

الثانی :

یجوز الإنتفاع بعظام الفیل وعاجه وبیعها وشراؤها .

مع أنّ الفیل من المسوخ والسباع ، وقد مرّ منّا جواز التمشط بعاج الفیل وبیعها فی بحث بیع المسوخ ، فراجع إن شئت ما حررناه هناک(3) .

الثالث :

یمکن أن یستند عدم المنفعة المعتدّ بها إلی اُمور :

الف : خسة الشیء : نحو کلّ ما ینفصل من الآدمی من شعر ومخاط ولعاب وظفر وغیره ، ومثّل بهذه الأشیاء الشیخ الطوسی فی المبسوط(4) . وحشرات الأرض من العقارب والحیات والخنافس والجعلان والضفادع والدیدان وکبعض أقسام الطیور من بُغاثها(5) والنسر(6) والغربان والرَّخَم(7) ، ومثّل بهذه المحقق الخوئی قدس سره فی المصباح(8) .

ب : قلّة الشیء : نحو جزءٍ یسیر من المال لا یبذل فی مقابله مال ، کحبّة من الحنطة أو

ص:225


1- (3) وسائل الشیعة 4 / 353 ح 4 _ الباب 5 من أبواب لباس المصلی .
2- (4) راجع من هذا المجلد الصفحة 121 .
3- (5) راجع الصفحة 122 من هذا المجلد .
4- (1) المبسوط 2 / 167 .
5- (2) بغاث الطیر : شرارها وما لا یصید منها ، مفرده بغاثة کنعام ونعامة .
6- (3) النسر : بالفارسیة یقال له « باز» .
7- (4) الرَّخَم : جمع رَخَمَة ، طائر یأکل العذرة ، یُعد من الخبائث حرام أکله ، یشبه النسر فی الخلق لکنه یضعف عن الاصطیاد وإن عُدّ من السباع . هکذا قاله الشیخ الأکبر کاشف الغطاء فی شرحه علی القواعد 1 / 164 طبع قم المقدسة عام 1422 .
8- (5) مصباح الفقاهة 1 / 192 .

الشعیر وغیرهما . وهذه وإن کانت عند العرف والشرع من الأملاک إلاّ أن قلّتها تخرجها من المالیة .

ج : کثرة الشیء : نحو الماء فی البحر أو الشط ، والتراب فی بعض البلاد والرمل فی العالج .

د : عدم الحاجة إلی الشیء : نحو الثلج فی الشتاء .

ولعلّ الملاک الجامع فی الجمیع عدم الرغبة فی شرائه وبذل المال بإزائه ، کما قاله بعض أساتذتنا(1) - مد ظله - فی المقام .

الرابع :

قال المحقق الخوئی قدس سره : « لو حاز ما لا نفع له کالحشرات ثبت له الاختصاص به ، فیکون أولی به من غیره ، فلیس لأحد أن یزاحمه فی تصرفاته فیه للسیرة القطعیة . علی أنّ أخذ المحاز من المحیز قهراً علیه ظلم فهو حرام عقلاً وشرعاً . وأمّا حدیث : « من سبق إلی ما لم یسبق إلیه أحد من المسلمین فهو أحقّ به»(2) فقد تقدم أنّه ضعیف السند غیر منجبر

بشیءٍ »(3) .

أقول : نعم لو حاز ما لا منفعة فیه ثبت له حقّ الإختصاص بل الملکیة ولکن قد مرّ منّا الجواب عن إشکاله قدس سره بحدیث السبق فراجع ما حرّرناه فی بحث حقّ الإختصاص(4) .

الخامس :

هل فی غصب ما لا نفع فیه ضمانٌ أم لا ؟ ذهب إلی عدم الضمان مطلقاً العلاّمة فی التذکرة(5) وشیخنا الأستاذ(6) _ مد ظله _ وإلی الضمان فی المثلی وعدمه فی القیمی الشیخ

ص:226


1- (6) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 450 .
2- (7) مستدرک الوسائل 17 / 111 ح 4 .
3- (1) مصباح الفقاهة 1 / 197 .
4- (2) راجع الصفحة 155 من هذا المجلد .
5- (3) تذکرة الفقهاء 10 / 35 .
6- (4) ارشاد الطالب 1 / 110 .

الأعظم قدس سره (1) ، وإلی الضمان مطلقاً السید الیزدی قدس سره (2) والمحقق الخوئی قدس سره (3) والمحقق الأردکانی قدس سره (4) وبعض أساتذتنا(5) _ مد ظله _ .

والفرق بین مقالة القائلین بالضمان مطلقاً ، أنّ السید الخوئی قدس سره یری بقاء مشغولیّة ذمّة الغاصب إلی یوم القیامة فی القیمی ، إذ لا قیمة لهذا المال ، کما تبقی مشغولیة الذمة للمفلس أیضاً .

والشیخ الأردکانی یری ثبوت الضمان فی المثلی بمجرد الغصب وفی القیمی یتوقف علی غصب ما یصیر بضمه إلیه مالاً لیدخل فی موضوع دلیل الضمان ، فالفرق بینهما أنّ الضمان فی الأوّل غیر مترتب وفی الثانی مترتب ، ثم أمر قدس سره بالتأمل .

ولکن الأستاذ _ مد ظله _ یری إمکان إرضاء الغاصبُ المالک بإعطاء المال له لا بعنوان القیمة بل بقصد إرضائه .

والسید الیزدی قدس سره قال : « الحق الضمان مطلقاً بردّ المثل فی المثلی وما یکون بقدره من

شیء آخر فی القیمی وإن کان قلیلاً لا یقابل بالمال ، فإنّ العوض لابدّ وأن یکون بقدر المعوّض وصالحاً للعوضیّة لا أن یکون مالاً فتدبر »(6) .

أقول : الظاهر ثبوت الضمان مطلقاً یعنی فی المثلی والقیمی ، والدلیل علی ذلک : السیرة القطعیة من العقلاء والمتشرعة علی الضمان ، وهذه السیرة المستمرة القطعیة من زماننا هذا إلی زمن المعصومین علیهم السلام جاریة ، وهی حجة فی المقام ، فلابدّ من الأخذ بها ، وهی مطلقة تشمل ضمان ما لا نفع فیه قیمیاً کان أو مثلیاً . ویؤیدها :

أولاً : قاعدة الإتلاف ، بأنّ « من أتلف مال الغیر فهو له ضامن » .

ص:227


1- (5) المکاسب المحرمة / 21 _ (1 / 161 من الطبعة الحدیثة) .
2- (6) حاشیة المکاسب / 15 _ (1 / 90 من الطبعة الحدیثة) .
3- (7) مصباح الفقاهة 1 / 196 .
4- (8) غنیة الطالب 1 / 105 .
5- (9) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 453 .
6- (1) حاشیة المکاسب / 15 _ (1 / 90 من الطبعة الحدیثة) .

بتقریب : أن الإتلاف یوجب الضمان سواءً فی ذلک بین المال والملک ، والتعبیر بالمال لأنّه أظهر مصادیقه وکان شائعاً ، وإلاّ لا فرق بین المال والملک فی أن إتلافهما موجب للضمان .

وثانیاً : قاعدة ضمان الید ، بأنّ « علی الید ما أخذت حتّی تؤدّی » .

بتقریب : أن « ما أخذت » أعمٌ من المال أو الملک ، فیشمل المقام ، فلو أخذ شخص ملک الغیر ولو لم یکن مالاً کان علیه الضمان .

وأنت تری بأنّ السیرة جاریة فی المقام ، یعنی حتّی فی ضمان ما إذا لم یکن الشیء لقلّته مالاً ولو مع عدم الإنضمام إلی سائر أجزائه ، خلافاً لما ذکره شیخنا الأستاذ _ مد ظله _ .

وبأنّ الدلیل یشمل القیمی کما یشمل المثلی ، فلا فرق بینهما ، فلا یتم ما ذکره الشیخ الأعظم قدس سره .

وهکذا لا یتوقف ثبوت الضمان فی القیمی علی غصب ما یصیر بضمّه إلیه مالاً لیکون الضمان فیه مترتباً ، فلا یتم ما ذکره المحقق الأردکانی قدس سره .

ویمکن أن یخرج الغاصب من مشغولیّة ذمّته فی القیمی بالنسبة إلی المالک بإرضائه بمال أو الإستحلال منه ، فلا یتمّ ما ذکره المحقق الخوئی قدس سره من بقاء مشغولیّة ذمّته للمالک إلی یوم القیامة .

وبالجملة ، نحن نلتزم بأنّ الضمان من أحکام الملک ولیس من أحکام المال فقط ، بل یجری فی المال أیضاً ، لأنّه کان ملکاً غالباً ، واللّه سبحانه هو العالم والحمد له .

ص: 228

النوع الرابع: الاکتساب بما هو حرام فی نفسه

اشارة

ص:229

ص:230

اشارة

قال الشیخ الأعظم قدس سره : « النوع الرابع ما یحرم الاکتساب به لکونه عملاً محرّماً فی نفسه ، وهذا النوع وإن کان أفراده هی جمیع الأعمال المحرَّمة القابلة لمقابلة المال بها فی الإجارة والجُعالة وغیرهما ، إلاّ أنّه جرت عادة الأصحاب بذکر کثیر ممّا من شأنه الإکتساب به من المحرّمات ، بل وغیر ذلک ممّا لم یتعارف الاکتساب به کالغیبة والکذب ونحوهما . وکیف ما کان فنقتفی آثارهم بذکر أکثرها فی مسائل مرتبة بترتیب حروف أوائل عنواناتها إن شاء اللّه »(1) .

أقول : قبل الورود فی العناوین المطروحة لابدّ لنا أنْ نتکلم فی الاکتساب بالمحرّمات وهل هو حرام وضعی بمعنی بطلانه أم لا ؟ فهاهنا بحثان :

الأوّل : حرمة نفس هذه الاعمال والعناوین المطروحة ، بمعنی الحرمة التکلیفیة نبحث عنها فی ذیلها .

الثانی : حرمة الاکتساب بالمحرمات بمعنی الحرمة الوضعیة یعنی بطلانها .

الشیخ الأعظم قدس سره ترک هذا البحث الأخیر ، ولعلّه کان عنده بمکان من الوضوح . ولکن لابدّ لنا من البحث حوله فنقول :

قد استدلوا علی بطلان المعاملة علی المحرّمات بوجوه :

1 _ منها : إنّ العمل المحرَّم لیس مالاً فی نظر الشارع ، ولهذا لو منع شخص عن تغنی جاریة مغنّیة لا یکون ضامناً بالنسبة إلی المنفعة المحرّمة بلا إشکال وإن کانت أجیرة لذلک ، وما لا یکون مالاً فی محیط الشرع لا تکون المعاملة علیه معاملة . وإن شئت قلت : إنّ سلب المالیة عن شیءٍ شرعاً وإسقاطها دلیل علی ردع المعاملة به . ذکره المحقق الخمینی قدس سره فی کتابه(2) .

ص:231


1- (1) المکاسب / 21 _ (1 / 164 و 163 من الطبعة الحدیثة) .
2- (2) المکاسب المحرمة 1 / 167 .

وفیه : إنّ هذا الاستدلال تام علی المشهور ، ولکن بناءً علی مختارنا من عدم لزوم المالیة فی البیع وصحته ، لا یتمّ کبری هذا الإستدلال . یعنی سلب المالیة عن المحرّمات الشرعیة فی نظر الشارع تام ولکن البیع لا یلزم فی صحته مالیة المبیع کما مرّ منّا فی النوع

الثالث ، فلا یتمّ هذا الاستدلال علی القول المختار .

2 _ ومنها : ما ذکره قدس سره أیضاً : أنّ مقتضی ذات المعاملة لدی العقلاء إمکان التسلیم والتسلم ، ومع منع الشارع عن تسلیم المنفعة المحرّمة وتسلّمها ، لا یعقل أن تکون المعاملة نافذة عند الشارع ، فمنع التسلیم والتسلّم دلیل علی الردع عن المعاملة ، فتقع باطلة(1) .

أقول : هذا الاستدلال علی بطلان المعاملة علی المحرّمات تام ، لأنّ مع عدم إمکان التسلیم والتسلّم کانت المعاملة باطلة شرعاً وعقلائیاً ، وحیث لا یمکن تسلیمها فی المحرّمات شرعاً ، فالمعاملة باطلة .

3 _ ومنها : ما ذکره قدس سره أیضاً بقوله : « إنّ الآیة الکریمة أعنی «لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ»(2) وإن کان الموضوع فیها البطلان العرفی والعقلائی لا الشرعی ، لکن بتحکیم ما دلّ علی نفی المالیة أو نفی تسلیم المنفعة ینسلک فی مفاد الآیة ، فإنّ أخذ مال الغیر بلا انتقال منفعة إلیه أکل المال بالباطل ، ویؤیده النبوی وروایة التحف »(3) .

وفیه : قد مرّ منّا مراراً فی هذا الکتاب أنّ الآیة الشریفة لیست فی مقام بیان شرائط العوضین حتی یتم هذا الاستدلال ، بل الآیة الشریفة فی مقام بیان عدم جواز أکل المال بالأسباب الباطلة ، نحو الرشوة والقمار ومثلهما ، فلا یتمّ هذا الاستدلال .

وکذا لا یتم التأیید ، لأنّ النبوی : « إنّ اللّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه » وروایة التحف قد مرّ منّا الإشکال فی سندهما ودلالتهما فی أوائل الکتاب ، فراجع ما حرّرناه هناک .

4 _ ومنها : ما ذکره المحقق الخوئی قدس سره من : « أنّه یکفی فی عدم جواز المعاملة علی الأعمال المحرّمة مادلّ علی حرمتها من الأدلة الأوّلیة ، إذ مقتضی أدلة صحة العقود لزوم الوفاء

ص:232


1- (1) المکاسب المحرمة 1 / 167 .
2- (2) سورة النساء / 29 .
3- (3) المکاسب المحرمة 1 / 168 .

بها ، ومقتضی أدلة المحرّمات حرمة الإتیان بها ، وهما لا یجتمعان »(1) .

أقول : وهذا الاستدلال أیضاً تام .

5 _ ومنها : ما ذکره الفقیه الیزدی قدس سره فی تعلیقته علی المکاسب : « عدم جواز أخذ الأجرة علی العمل المحرّم لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : « إنّ اللّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه » فإنّ المراد من الثمن

مطلق العوض »(2) .

وقد اعترض علیه المحقق الخوئی بعد المناقشة فی سند الحدیث بقوله : « إنّا نمنع صدق الثمن علی مطلق العوض »(3) .

أقول : قد مرّ منّا المناقشة فی سند الحدیث ودلالته فی أوائل الکتاب ، وهکذا یصح منع الثمن علی مطلق العوض ، ولکن الظاهر أنّ مراد الفقیه الیزدی قدس سره إلقاء الخصوصیة وتنقیح المناط القطعی وإسراء حکم البیع إلی غیره من المعاملات ، کما یساعد علی ذلک الإعتبار العقلی وفهم العقلاء ، کما نبّه علیه بعض أساتذتنا _ مد ظله _(4) فی المقام .

وهذا البیان وإن کان رافعاً الإشکال المحقق الخوئی علی السید الیزدی قدس سرهم ولکن قد مرّ منّا ضعف سند الحدیث ودلالته ، فلا یفید فی المقام شیئاً .

ثم بعد ثبوت بطلان المعاملات علی المحرّمات والحرمة الوضعیة بالنسبة إلی الاکتساب بها ، لابدّ من البحث عن المحرّمات بترتیب حروف الهجاء ، والشیخ الأعظم قدس سره ابتدأ بتدلیس الماشطة وإن تعرض لبحث الإحتکار فی آخر بحث بیعه(5) ولکن الظاهر تقدیم البحث حول الإحتکار ، ولذا نقول :

ص: 233


1- (4) مصباح الفقاهة 1 / 197 .
2- (1) حاشیة المکاسب / 15 _ (1 / 92 من الطبعة الحدیثة) .
3- (2) مصباح الفقاهة 1 / 198 .
4- (3) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 461 .
5- (4) المکاسب / 213 و 212 . [ 4 / (374 _ 363) من الطبعة الحدیثة ] .

الاحتکار

اشارة

وفیه جهات من البحث :

الجهة الأولی : الاحتکار فی اللغة

« الحُکر : إدّخار الطعام للتربص ، وصاحبه محتکر » کذا فی لسان العرب(1) .

وفی النهایة الأثیریة فیه : « من احتکر طعاماً فهو کذا» أی اشتراه وحبسه لیقلّ فیغلو(2) .

وفی الصحاح : « احتکار الطعام : جمعه وحبسه یتربّص به الغلاء ، وهو الحُکرة بالضمِّ »(3) .

والظاهر : أنّ للغة « الإحتکار » معنی عام یشمل الجمع والحبس لکلِّ شیءٍ ممّا یحتاج الناس إلیه لیغلو ثمنه ، فلا یختص لغةً بشیءٍ دون شیءٍ .

الجهة الثانیة : الأقوال فی الاحتکار

قال العلاّمة فی التذکرة : « فی الإحتکار قولان لعلمائنا : التحریم وهو أصح قولی الشافعی لما رواه العامة عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : « لا یحتکر إلاّ خاطیء» أی آثم و ... ، والکراهة ، للأصل »(4) .

وقال أیضاً فی المختلف : « اختلف علماؤنا فی الاحتکار هل هو محرّم أو مکروه ، قال الصدوق فی مقنعه أنّه حرام وبه قال ابن البراج ، والظاهر من کلام ابن إدریس ، وقال الشیخ فی

ص:234


1- (1) لسان العرب 4 / 208 .
2- (2) النهایة 1 / 417 .
3- (3) الصحاح 2 / 635 .
4- (4) تذکرة الفقهاء 12 / 165 .

المبسوط والمفید أنّه مکروه ، وبه قال أبو الصلاح فی المکاسب من الکافی . وقال فی فصل البیع

أنّه حرام . والأقرب : الکراهة ، لنا الأصل عدم التحریم وما رواه ... »(1) .

وقال الشهید معلِّقاً علی کلام العلامة الحلی فی إرشاد الأذهان حیث یقول : « والاحتکار علی رأی » ، « أقول : هذا عطف علی المکروه ، وهو مذهب المفید(2) رحمهم الله والشیخ فی المبسوط(3) وأبی الصلاح فی المکاسب(4) ، لأصالة العدم ولتسلیط الإنسان علی ماله ، ویؤیده روایة الحلبی(5) فی الحسن عن الصادق علیه السلام ... ، وقال الصدوق(6) وابن البراج(7) وأبو الصلاح فی فصل البیع(8) : هو حرام ، وهو ظاهر کلام ابن إدریس(9) ، لما رواه إسماعیل ابن أبی زیاد(10) فی الصحیح عن الصادق علیه السلام ... ولأنّه یجبر علی البیع ... »(11) .

وقال السید العاملی فی مفتاح الکرامة : « والاحتکار منهی عنه إجماعاً کما فی نهایة الأحکام(12) ، ومراده ما هو أعم من المکروه بقرینة ما بعده ، وقد حکم المصنف بأنّه حرام وفاقاً للمقنع والفقیه فی ظاهره والهدایة للصدوق علی ما نسب إلیها(13) والإستبصار(14)

ص:235


1- (1) مختلف الشیعة 5 / 38 .
2- (2) المقنعة / 616 .
3- (3) المبسوط 2 / 195 .
4- (4) الکافی فی الفقه / 283 .
5- (5) الکافی 5 / 165 ح 5 .
6- (6) المقنع / 372 .
7- (7) المهذب 1 / 346 .
8- (8) الکافی فی الفقه / 360 .
9- (9) السرائر 2 / 218 و 238 _ 239 .
10- (10) الفقیه 3 / 169 ح 749 .
11- (11) غایة المراد فی شرح نکت الإرشاد 2 / 5 و 4 .
12- (12) نهایة الإحکام 2 / 513 .
13- (13) الناسب هو المحدث البحرانی فی الحدائق 18 / 59 و 58 .
14- (14) الإستبصار 3 / 114 .

والسرائر والتحریر(1) والتذکرة والدروس(2) وجامع المقاصد(17) والمسالک(18) والروضة(19) ،

وهو قویّ کما فی التنقیح(3) والمیسیة ، وهو المنقول عن القاضی والحلبی فی أحد قولیه والمنتهی(4) ... والقول بالکراهة خیرة المقنعة والنهایة(5) والمبسوط والمراسم(6) والشرائع(7) والنافع(8) والإرشاد(9) والمختلف وإیضاح النافع ، وهو المنقول عن التقی فی القول الآخر »(10) .

وقال اُستاذه الشیخ الأکبر کاشف الغطاء فی شرحه علی القواعد : « یحرم عقلاً ونقلاً الاحتکار بالمعنی الأعم _ ولو مجازاً _ وهو حبس کلّ ما یحتاجه أرباب النفوس المحترمة ویضطرون إلیه ولا مندوحة لهم عنه من مأکول أو مشروب أو ملبوس أو غیرها ، ولا یقیّد هذا بزمان دون زمان ولا بأعیان دون أعیان ولا انتقال بعقد ولا تحدید بحدٍّ ، إذ المدار علی حصول الإضطرار _ إلی أن قال قدس سره _ : وفی مقابلة هذا القول قول بالکراهة ، یعادله بل یقوی علیه فتویً ودلیلاً ، ومن أدلّته : أصالة الإباحة وقاعدة تسلیط الملاّک علی أموالهم یصنعون بها ما شاؤوا و ... »(11) .

ص:236


1- (15) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 254 .
2- (16) الدروس الشرعیة 3 / 180 .
3- (1) جامع المقاصد 4 / 41 .
4- (2) المسالک 3 / 191 .
5- (3) الروضة البهیة 3 / 298 .
6- (4) التنقیح الرائع 2 / 42 .
7- (5) منتهی المطلب 2 / 1006 الطبع الحجری .
8- (6) النهایة 374 .
9- (7) المراسم / 182 .
10- (8) الشرائع 2 / 15 .
11- (9) المختصر النافع / 120 .

وبالجملة ، ظهر من کلمات الأصحاب قدس سرهم قولان حول الإحتکار ، الحرمة والکراهة ، والعمدة ملاحظة الأدلة الواردة فی المقام ، وعمدتها الروایات .

الجهة الثالثة : الروایات الواردة حول الإحتکار

اشارة

(1)

الروایات الواردة فی المقام علی طوائف :
الطائفة الأولی : ما دلّ علی المنع من الإحتکار مطلقاً :

منها : خبر ابن القداح عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الجالب مرزوق والمحتکر ملعون(2) .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : نهی أمیر المؤمنین علیه السلام عن الحُکرة فی الأمصار(3) .

ومنها : مرسلة الرضی رفعه عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه کتب فی عهده إلی الأشتر النخعی : فامنع من الإحتکار ، فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم منع منه ، ولیکن بیعاً سمحاً بموازین عدل وأسعار لا یجحف بالفریقین من البائع والمبتاع ، فمن قارف حُکرة بعد نهیک إیّاه فنکّل به وعاقبه فی غیر إسراف(4) .

أقول : للنجاشی والشیخ الطوسی سند معتبر إلی هذا العهد الشریف ، فالروایة معتبرة الإسناد .

ومنها : مرسلة ورام بن أبی فراس عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرئیل قال : اطلعت فی النار فرأیت وادیاً فی جهنم یغلی ، فقلت : یا مالک لمن هذا ؟ فقال : لثلاثة المحتکرین والمدمنین للخمر والقوّادین(5) .

ص:237


1- (10) إرشاد الأذهان 1 / 356 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 424 ح 3 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 9 .
4- (3) وسائل الشیعة 17 / 427 ح 13 .
5- (4) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 11 .

ومنها : خبر الحسن بن أبی الحسن البصری عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی حدیث طویل : ثم مشی حتّی دخل سوق البصرة ، فنظر إلی الناس یبیعون ویشترون ، فبکی علیه السلام بکاءً شدیداً ، ثم قال : یا عبید الدنیا وعمّال أهلها إذا کنتم بالنهار تحلفون وباللیل فی فُرشکم تنامون وفی خلال ذلک عن الآخرة تغفلون فمتی تحرزون الزاد وتفکّرون فی المعاد ؟

فقال له رجل : یا أمیر المؤمنین إنّه لابدّ لنا من المعاش ، فکیف نصنع ؟ فقال أمیر

المؤمنین علیه السلام : إنّ طلب المعاش من حلّه لا یُشغل عن عمل الآخرة .

فإن قلت : لابدّ لنا من الإحتکار لم نکن معذوراً ، فولّی الرجل باکیاً ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : أقبل علیَّ أزدک بیاناً ، فعاد الرجل إلیه ، فقال له : إعلم یا عبد اللّه أنّ کلّ عامل فی الدنیا للآخرة لابدّ أن یوفّی أجر عمله فی الآخرة ، وکلّ عامل دنیاً للدنیا عُمالته فی الآخرة نار جهنم . ثم تلا أمیر المؤمنین علیه السلام قوله تعالی : «فَأَمَّا مَن طَغَی وَآثَرَ الْحَیَاةَ الدُّنْیَا فَإِنَّ الْجَحِیمَ هِیَ الْمَأْوَی»(1)(2) .

أقول : إذا لم یکن المحتکر معذوراً من الإحتکار یعنی أنّه فی إحتکاره غیر معذورٍ وهو آثم وعاصٍ ، فالروایة تدل علی حرمة مطلق الإحتکار .

ومنها : مرسلة دعائم الإسلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه کتب إلی رفاعة : أنْهِ عن الحُکرة ، فمن رکب النهی فأوجعه ، ثمّ عاقبه بإظهار ما احتکر(3) .

ومنها : مرسلة اُخری للدعائم عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : المحتکرُ آثمٌ عاصٍ(4) .

ومنها : مرسلة ثالثة للدعائم عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : کلّ حُکرة تضر بالناس وتغلی السعر علیهم فلا خیر فیها(5) .

ویمکن المناقشة فی دلالتها علی الحرمة ، لأنّ ظهور جملة « لا خیر فیها » فی الحرمة مشکلٌ .

ص:238


1- (1) سورة النازعات / (39 _ 37) .
2- (2) أمالی المفید ، المجلس الرابع عشر ح 3 / 118 .
3- (3) دعائم الإسلام 2 / 36 ح 80 .
4- (4) دعائم الإسلام 2 / 35 ح 77 .
5- (5) دعائم الإسلام 2 / 36 ح 79 .

ومنها : مرسلة الآمدی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : الإحتکار شیمة الفجّار(1) .

ومنها : مرسلة اُخری للآمدی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : کن مقتدراً ولا تکن محتکراً(2) .

تلک عشرة کاملة من الروایات الواردة فی النهی عن مطلق الإحتکار ، ومعتبرها سنداً

ما ورد فی ذیل عهد الأشتر النخعی ، وأمّا غیرها من الروایات - واّن کانت کلّها من حیث السند ضعیفة - ولکن من تعددها یمکن الوثوق بصدور بعضها من الأئمة علیهم السلام ولو إجمالاً ، فثبت ورود النهی عن مطلق الإحتکار . هذه کلّها الطائفة الأولی .

الطائفة الثانیة : ما یدل علی المنع فی خصوص الطعام مطلقاً

منها : خبر إسحاق بن عمار قال : دخلت علی أبی عبد اللّه علیه السلام فخبّرته أنّه ولد لی غلام ، فقال : ألا سمّیته محمّداً ؟ قال : قلت : قد فعلت ، قال : فلا تضرب محمّداً ولا تسبّه ، جعله اللّه قرّة عین لک فی حیاتک وخلف صدق من بعدک ، فقلت : جعلت فداک فی أیّ الأعمال أضعه ؟ قال : إذا عدلته عن خمسة أشیاء فضعه حیث شئت : لاتسلّمه صیرفیاً فإنّ الصیرفی لا یسلم من الربا ، ولا تسلّمه بیّاع الأکفان فإن صاحب الأکفان یسرّه الوباء إذا کان ، ولاتسلّمه بیّاع الطعام فإنّه لا یسلم من الإحتکار ، ولا تسلّمه جزّاراً فإن الجزّار تُسلب منه الرحمة ، ولا تسلّمه نخّاساً فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : شرّ الناس من باع الناس(3) .

بیع الطعام مکروه لأنّه مظنة الإحتکار الحرام .

منها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا یحتکر الطعام إلاّ خاطیء(4) .

ص:239


1- (6) غرر الحکم ح 606 .
2- (7) غرر الحکم ح 7139 .
3- (1) الکافی 5 / 114 ح 4 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 1 / 115 ح 1 .
4- (2) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 12 .

ظهور الخطأ فی المعصیة واضح .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لا یحتکر الطعام إلاّ خاطیء(1) .

ومنها : خبر السکونی عن جعفر بن محمّد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : طرق طائفة من بنی اسرائیل لیلاً عذابٌ ، فأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف : الطبّالین والمغنّین والمحتکرین للطعام والصیارفة آکلة الربا منهم(2) .

ومنها : معتبرة الثمالی بل صحیحته قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : إنّ اللّه عزّ و239

جل تطوّل

علی عباده بالحبّة فسلّط علیها القملة ، ولو لا ذلک لخزنتها الملوک کما یخزنون الذهب والفضة(3) .

ومنها : صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اللّه تطوّل علی عباده بثلاثة : ألقی علیهم الریح بعد الروح ولولا ذلک ما دفَنَ حمیمٌ حمیماً ، وألقی علیهم السلوة ولولا ذلک لأنقطع النسل ، وألقی علی هذه الحبّة الدابة ولو لا ذلک لکنزها ملوکهم کما یکنزون الذهب والفضة(4) .

وروی الصدوق نحوها بسنده الصحیح عن هشام بن سالم فی الخصال 1 / 112 ح 87 وعلل الشرائع 1 / 299 ح 1 . والظاهر أنّ المراد بالریح بعد الروح : ظهور الرائحة الخبیثة بعد الموت وقبض الروح . السلوة : الصبر والنسیان .

ومنها : خبر الأصبغ بن نباتة قال : سبّ الناس هذه الدابة التی تکون فی الطعام ، فقال علی علیه السلام : لا تسبّوها ، فوالذی نفسی بیده لولا هذه الدابة لخزنوها عندهم کما یخزنون الذهب والفضة(5) .

ص:240


1- (3) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 8 .
2- (4) جامع الأحادیث / 96 . ونقل عنه فی بحار الأنوار 100 / 79 ح 11 . ونقل عن البحار فی مستدرک الوسائل 13 / 273 ح 2 .
3- (1) علل الشرائع 1 / 299 ح 2 ورواها فی بحار الأنوار 100 / 87 ح 3 (42 / 60) .
4- (2) المحاسن 2 / 34 ح 35 .
5- (3) المحاسن 2 / 34 ح 37 .

أقول : رجال السند کلّهم ثقات إلاّ أباجمیلة مفضل بن صالح ، فلم یثبت توثیقه بل رمی بالضعف ، ولذا عبرنا عن الروایة بالخبر .

ومنها : مرسلة أبی العباس المستغفری عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : من احتکر علی المسلمین طعاماً ضربه اللّه بالجذام والإفلاس(1) .

ظهور الروایة فی الحرمة واضح ، لأنّ اللّه عاقبه فی الدنیا بالجذام والإفلاس مضافاً إلی عقابه الاُخروی .

والحاصل : تقریب دلالة الروایات الثلاث الأخیرة علی حرمة احتکار الطعام : کما أنّ تخزین وتکنیز الذهب والفضة منهی عنه فی الشریعة المقدسة لقوله تعالی : «الَّذِینَ یَکْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ یُنفِقُونَهَا فِی سَبِیلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِیمٍ یَوْمَ یُحْمَی عَلَیْهَا فِی نَارِ جَهَنَّمَ فَتُکْوَی بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا کَنَزْتُمْ لأَنفُسِکُمْ فَذُوقُواْ مَا کُنتُمْ

تَکْنِزُونَ»(2) .

فهکذا تخزین واحتکار الطعام والحبوب منه أیضاً منهی عنه فی الشریعة المقدسة . وظهور النهی فی الحرمة .

أقول : لا یمکن تخصیص هذه المطلقات الواردة فی الطعام بالروایات الصحاح الواردة فی ذیل قوله تعالی : «وَطَعَامُ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ حِلٌّ لَّکُمْ»(3) ، حیث فسر الطعام فیها بالعدس والحمّص والبقول والحبوب وأشباه ذلک ، فراجع إن شئت إلی وسائل الشیعة 24 / 203 باب 51 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

لأنّ الروایات المذکورة هناک فسرت الآیة الشریفة ولم ترد فی مقام تعیین الطعام مطلقاً ، أعنی أنّه إذا ذُکر الطعام فی أیّ موضع یکون المراد به الحبوب ونحوها ، فلذا لا یمکن تخصیص مطلق الطعام بهذه الروایات کما هو ظاهر .

وهکذا لا یمکن تخصیص الروایات المطلقة فی الطائفة الأولی بهذه الطائفة الثانیة ،

ص:241


1- (4) طب النبی صلی الله علیه و آله وسلم / 22 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 275 ح 9 .
2- (1) سورة التوبة / 35 و 34 .
3- (2) سورة المائدة / 5 .

أعنی انحصار الإحتکار فی الطعام ، لأنّ ورود النهی عن احتکار الطعام من أظهر مصادیق الإحتکار بل فرده الشائع والغالب ، ولاحتمال تعدّد الحکم ، بأنّ الإحتکار حرام وفی الطعام أشدّ حرمةً .

الطائفة الثالثة : مایدل علی التفصیل بین وجود الطعام فی البلد وعدمه

منها : صحیحة سالم الحناط قال : قال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : ما عملک ؟ قلت : حنّاط ، وربّما قدمت علی نفاق وربما قدمت علی کساد فحبست ، قال : فما یقول من قِبَلک فیه ؟ قلت : یقولون : محتکر ، فقال : یبیعه أحدٌ غیرک ؟ قلت : ما أبیع أنا من ألف جزء جزءاً ، قال : لا بأس ، إنّما کان ذلک رجل من قریش یقال له حکیم بن حزام ، وکان إذا دخل الطعام المدینة اشتراه کلّه ، فمرّ علیه النبی صلی الله علیه و آله وسلم فقال : یا حکیم بن حزام إیاک أن تحتکر(1) .

وذکروا فی الرجال سلم الحناط وسالم الخیاط وکلاهما ثقتان ولا یبعد الإتحاد ، فالروایة صحیحة الاسناد ، والمراد بالنفاق : الرّواج .

ومنها : صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سئل عن الحُکرة ؟ فقال : إنّما الحُکرة أن تشتری طعاماً ولیس فی المصر غیره فتحتکره ، فإن کان فی المصر طعام أو متاع غیره فلا بأس أن تلتمس بسلعتک الفضل(2) .

ومنها : صحیحة حماد ، روی فیها نحو الحدیث الماضی ثم زاد : وقال : وسألته عن الزیت ؟ فقال : إذا کان عند غیرک فلا بأس بإمساکه(3) .

ومنها : صحیحة اُخری للحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل یحتکر الطعام ویتربص به هل یجوز ذلک ؟ قال : إن کان الطعام کثیراً یسع الناس فلا بأس به ، وإن کان الطعام قلیلاً لا یسع الناس فإنّه یکره أن یحتکر الطعام ویترک الناس لیس لهم طعام(4) .

ص:242


1- (3) وسائل الشیعة 17 / 428 ح 3 .
2- (1) وسائل الشیعة 17 / 427 ح 1 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 427 ح 2 .
4- (3) وسائل الشیعة 17 / 424 ح 2 .

ومن المعلوم أنّ الکراهة الواردة فی کلماتهم تُحمل علی الحرمة المصطلحة ، کما ذهب إلیه فی نفس الروایة المحدث الخبیر صاحب الوسائل .

ومنها : صحیحة سلمة الحناط عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : متی کان فی المصر طعام غیر ما یشتریه الواحد من الناس فجائز له أن یلتمس بسلعته الفضل ، لأنّه اذا کان فی المصر طعام غیره یسع الناس لم یغلُ الطعام لأجله ، وإنّما یغلو إذا اشتری الواحد من الناس جمیع ما یدخل المدینة(1) .

الظاهر أن سلمة الحناط هو نفس سالم أو سلم الحناط أو الخیاط أبو الفضل الثقة ، فالسند صحیح .

ومنها : خبر حذیفة بن منصور عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : نفد [ فقد ] الطعام علی عهد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فأتاه المسلمون فقالوا : یا رسول اللّه قد نفد الطعام ولم یبق منه شیءٌ إلاّ عند فلان فمره ببیعه . قال : فحمد اللّه وأثنی علیه ثمّ قال : یا فلان إنّ المسلمین ذکروا أنّ الطعام قد نفد إلاّ شیء عندک ، فأخرجه وبعه کیف شئت ولا تحبسه(2) .

ومنها : صحیحة سالم أبی الفضیل قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام إنّی أجلب الطعام الی

الکوفة فأحبسه رجاء أن یرجع إلی ثمنه أو أربح فیه ، فقال : أنت محتکر وإنّ الحُکرة لا تصلح . قال : فسألنی هل فی بلادک غیر هذا الطعام ؟ قال : قلت : نعم کثیر . قال : فقال : لستَ بمحتکر ، إنّ المحتکر أن یشتری طعاماً لیس فی المصر غیره(3) .

سالم أبو الفضیل یحتمل قویاً أن یکون هو سالم أو سلم الحناط الثقة والراوی عنه هو عاصم بن حمید الحناط الثقة ، فالروایة صحیحة الإسناد .

ومنها : مرسلة دعائم الإسلام عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : إنّما الحُکرة أن یشتری طعاماً لیس فی المصر غیره فیحتکره ، فإن کان فی المصر طعام أو متاع غیره ، أو کان کثیراً یجد الناس ما یشترون فلا بأس به ، وإن لم یوجد فإنّه یکره أن یحتکر ، وإنّما کان النهی من

ص:243


1- (4) التوحید / 389 ونقل عنه فی جامع أحادیث الشیعة 23 / 116 ح 5 .
2- (5) وسائل الشیعة 17 / 429 ح 1 .
3- (1) کتاب عاصم بن حمید الحناط / 26 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 276 ح 1 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الحُکرة ، أنّ رجلاً من قریش یقال له حکیم بن حزام کان إذا دخل المدینة طعام اشتراه کلّه ، فمرّ علیه النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال له : یا حکیم إیاک أن تحتکر(1) .

هذه الطائفة من الروایات تدلّ علی التفصیل فی احتکار الطعام بین وجود الطعام فی البلد وعدمه وبین وجود بائع آخر للطعام وانحصاره ، فحکم بحرمة الإحتکار فی صورة عدم الطعام فی البلد وانحصار البائع به ، وجوازه إذا وُجد الطعام فی البلد وکثر بائعه .

وعلی موازین الصناعة الفقهیة هذه الطائفة الأخیرة تقید الروایات الواردة فی احتکار الطعام ، فاحتکار الطعام فی هاتین الصورتین حرام علی سبیل منع الخلو ، یعنی إذا فقد الطعام فی البلد أو انحصر البائع بالمحتکر .

الطائفة الرابعة : مایدل علی التفصیل بین الأیام

منها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الحُکرة فی الخصب أربعون یوماً وفی الشدّة والبلاء ثلاثة أیام ، فمازاد علی الأربعین یوماً فی الخصب فصاحبه ملعون ، ومازاد علی ثلاثة أیّام فی العسرة فصاحبه ملعون(2) .

ومنها : خبر أبی مریم عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أیّما رجل اشتری طعاماً فکبسه أربعین صباحاً یرید به غلاء المسلمین ثم باعه فتصدّق بثمنه لم یکن

کفارة لما صنع(3) .

الکبس : الجمع .

ومنها : صحیحة إبراهیم بن عبد الحمید عن أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام فی حدیث عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : وأمّا الحناط فإنّه یحتکر الطعام علی اُمّتی ، ولئن یلقی اللّه العبد سارقاً أحبّ إلیّ من أن یلقاه قد احتکر الطعام أربعین یوماً ، الحدیث(4) .

ومنها : مرسلة جعفر بن أحمد القمی عن هشام بن عروة عن أبیه عن جده قال : قال

ص:244


1- (2) دعائم الاسلام 2 / 35 ح 78 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 276 ح 2 .
2- (3) وسائل الشیعة 17 / 423 ح 1 .
3- (1) وسائل الشیعة 17 / 425 ح 6 .
4- (2) وسائل الشیعة 17 / 137 ح 4 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من احتکر فوق أربعین یوماً فإنّ الجنة توجد ریحها من مسیرة خمسمائة عام وإنّه لحرام علیه(1) .

ومنها : مرسلة أبی العباس المستغفری عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : من جمع طعاماً یتربص به الغلاء أربعین یوماً فقد بَری ء من اللّه وبَرئ منه(2) .

هذه الطائفة تقیّد احتکار الطعام فی القحط والغلاء بثلاثة أیام وفی الرخص والخصب والسعة بأربعین یوماً ، فلابدّ من الأخذ بها وتقیید احتکار الطعام بهذه الأیام . وذهب إلی هذا التقیید الشیخ فی النهایة(3) والقاضی ابن البراج کما نقل عنه العلامة فی المختلف(4) وابن حمزة فی الوسیلة(5) .

اللهم إلاّ أن یقال : إنّ هذا التحدید بلحاظ الأعم الأغلب والمدار بتحقیق الضیق والغلاء واحتیاج الناس إلیه ، ولو لم یتحقق الأربعون فی الرخص أو الثلاثة فی الغلاء . وذهب إلیه المفید فی المقنعة(6) وأبو الصلاح فی الکافی(7) وابن زهرة فی الغنیة(8) والشهید الأول فی

الدروس(9) والشهید الثانی فی الروضة(10) وبعض أساتیذنا _ مد ظله _(11) .

الطائفة الخامسة : مایدل علی أنّ الاحتکار إنّما هی فی أشیاء خاصة

منها : موثقة غیاث عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لیس الحُکرة إلاّ فی الحنطة والشعیر

ص:245


1- (3) الأعمال المانعة من الجنة / 293 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 273 ح 1 .
2- (4) طب النبی صلی الله علیه و آله وسلم / 22 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 275 ح 9 .
3- (5) النهایة / 374 .
4- (6) مختلف الشیعة 5 / 40 .
5- (7) الوسیلة ، المطبوع ضمن الجوامع الفقهیة / 745 .
6- (8) المقنعة / 96 .
7- (9) الکافی / 360 .
8- (10) الغنیة / 231 طبع عام 1417 .
9- (1) الدروس 3 / 180 .
10- (2) الروضة البهیة 3 / 299 .
11- (3) دراسات فی ولایة الفقیه 2 / 629 ، ونظام الحکم فی الإسلام / 383 .

والتمر والزبیب والسمن(1) .

ومنها : حسنة السکونی عن الصادق عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : الحُکرة فی ستة أشیاء : فی الحنطة والشعیر والتمر والزیت والسمن والزبیب(2) .

والروایة حسنة سنداً بحمزة بن محمد العلوی القزوینی شیخ الصدوق .

ومنها : خبر أبی البختری عن الصادق علیه السلام عن أبیه علیه السلام : أنّ علیاً علیه السلام کان ینهی عن الحُکرة فی الأمصار ، فقال : لیس الحُکرة إلاّ فی الحنطة والشعیر والتمر والزبیب والسمن(3) .

ومنها : مرسلة دعائم الإسلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنه قال : لیس الحُکرة إلاّ فی الحنطة والشعیر والزبیب والزیت والتمر(4) .

ومنها : مرسلة أبی العباس المستغفری عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : الإحتکار فی عشرة والمحتکر ملعون : البر والشعیر والزبیب والذرّة والسمن والعسل والجبن والجوز والزیت(5) .

الصناعة الفقهیة تقتضی تقدیم الطائفة الخامسة علی الطوائف السابقة ، لأنّها تحصر الإحتکار المحرَّم فی الأشیاء الخاصة وأسنادها ودلالتها تام ، فلابدّ من الأخذ بها وتقیید غیرها بها ، لا سیما بعد ورود کلمتی « لیس » و « إلاّ» الواردتین فی روایاتها .

وعلی هذا نذهب إلی حرمة الإحتکار فی الحنطة والشعیر والتمر والزبیب والسمن والزیت فقط ولا حرمة فی غیرها ، وکذلک ذهب المشهور من فقهائنا رضوان اللّه تعالی علیهم .

إن قلت : قد تُحمل أخبار هذه الطائفة الخامسة علی أنّ الأشیاء المذکورة کانت عمدة ما یحتاج الناس إلیه فی عصر صدور الروایات ، أو أنّها صدرت للنهی عن عمل الخلفاء وعمّالهم فی البلاد فی تلک الأعصار ، لأنّهم کانوا یتعرضون لأموال الناس باسم المنع عن الحُکرة ، وبالجملة روایات هذه الطائفة ناظرة إلی القضایا الخارجیة ولم تصدر بنحو القضیة

ص:246


1- (4) وسائل الشیعة 17 / 425 ح 4 .
2- (5) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 10 .
3- (6) وسائل الشیعة 17 / 426 ح 7 .
4- (7) دعائم الإسلام 2 / 35 ح 78 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 275 ح 5 .
5- (8) طب النبی / 22 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 275 ح 8 .

الحقیقیة ، الدالة علی الحکم الفقهی الثابت فی الأعصار والأمصار(1) .

قلت : هذا الحمل خلاف ظاهر الروایات ، فإن ظاهرها أنّها صدرت من الأئمة علیهم السلام بنحو القضایا الحقیقیة ، وهی تدلّ علی الحکم الفقهی الثابت فی الأعصار جیلاً بعد جیل وفی الأمصار نسلاً بعد نسل ، فان بیان الحکم الفقهی الثابت من شؤون الأئمة علیهم السلام لثبوت الولایة التشریعیة عندنا فی حقّهم .

وأمّا إثبات أنّها بنحو القضایا الخارجیة فهو خلاف الظاهر ویحتاج إلی القرینة ، وهی مفقودة فی المقام وفی کلامه _ مد ظله _ .

الجهة الرابعة : حرمة مطلق الإحتکار

ثم علی القول بانحصار حرمة الإحتکار فی الأشیاء الستة المذکورة کما هو المختار ، فما حکم الإحتکار فی غیرها من الأشیاء التی یحتاج الناس إلیها ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - أنه یمکن القول بحرمة إحتکار کلّ ما یحتاج الناس إلیه وتضطر النفوس المحترمة إلیه من مأکول أو مشروب أو ملبوس أو دواءٍ أو وسیلة أو غیرها .

والدلیل علی ذلک لیست الروایات الماضیة حیث تم الکلام بأنّها تدلّ علی حرمة الإحتکار فی الأشیاء الستة فقط .

وهکذا لیس دلیلنا صحیحتی الحلبی الماضیتین(2) فی الطائفة الثالثة من الروایات ، لعدم إمکان استفادة التعلیل منها فی المقام بحیث یعمّم الحکم ویخصّص به ، کما استدل بذلک المحقق الحائری قدس سره (3) وبعض أساتیذنا _ مد ظله _(4) فی المقام .

ص:247


1- (1) کما یظهر من دراسات فی ولایة الفقیه 2 / 647 ، ونظام الحکم فی الإسلام / 390 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 424 ح 2 و 17 / 427 ح 1 .
3- (3) ابتغاء الفضیلة فی شرح الوسیلة 1 / 197 .

وهکذا لیس دلیلنا قاعدتی نفی الحرج والضرر کما تمسک بهما المحقق الحائری قدس سره (1) ، لأنّ القاعدتین کما قُرّر فی محلِّهما فی علم الاُصول من القواعد الإمتنانیة ورفعت الأحکام بهما ولم یثبت بهما حکم ، ولذا لا یمکن إثبات الحرمة بهما کما هو المعلوم المقرَّر فی محلّه .

وهکذا لیس دلیلنا الإضطرار کما تمسّک به الفقیه صاحب الجواهر قدس سره (2) لأنّ الإضطرار أیضاً من الأدلة الإمتنانیة یرفع به الحکم ولا یمکن إثبات الحکم به نحو ما مرّ منّا فی قاعدتی نفی الحرج والضرر کما قرّر فی محلّه .

بل دلیلنا الوحید الإختلال بالنظام ، حیث أنّ إحتکار ما یحتاج الناس إلیه مختل بنظام معاشهم ، وکلّ ما أوجب اختلال النظام حرام ، فالإحتکار حرام ، وهذا الدلیل عام یشمل مطلق الإحتکار .

وممّن وافقنا فی نتیجة الإستدلال - یعنی حرمة مطلق الاحتکار - من المتأخرین جماعة :

منهم : صاحب الجواهر قدس سره بعد ما ذهب إلی کراهة الإحتکار بذاته وحرمته مع قصد الإضرار بفعله أو بإطباق المعظم علیه ، قال : « بل هو کذلک فی کلِّ حبس لکلِّ ما تحتاجه النفوس المحترمة ویضطرون إلیه ولا مندوحة لهم عنه من مأکول أو مشروب أو ملبوس أو غیرها ، من غیر تقیید بزمان دون زمان ولا أعیان دون أعیان ولا انتقال بعقد ولا تحدید بحدٍّ بعد فرض حصول الإضطرار ... »(3) .

ومنهم : المحقق الحائری قدس سره قال : « إذا فرض الإحتیاج إلی غیر الطعام من الأمور الضروریة للمسلمین فمقتضی ما تقدم من دلالة دلیل الحرج والضرر حرمته ... »(4) .

ومنهم : بعض أساتیذنا _ مدظله _ وحتّی ذهب إلی أن تعیین موضوعات الحُکرة من شؤون الحاکم بحسب ما یراه من احتیاجات الناس فی عصره ومجال حکمه(5) .

ص: 248


1- (1) دراسات فی ولایة الفقیه 2 / 645 و 650 ، ونظام الحکم فی الإسلام / 389 .
2- (2) ابتغاء الفضیلة فی شرح الوسیلة 1 / 197 .
3- (3) الجواهر 22 / 481 .
4- (4) الجواهر 22 / 481 .
5- (5) ابتغاء الفضیلة فی شرح الوسیلة 1 / 197 .

الجهة الخامسة : هل یجبر المحتکر علی البیع أم لا ؟

الظاهر إتفاق الأصحاب علی أنّه یجبر المحتکر علی البیع ، حتّی ذهب إلیه القائلون بالکراهة فی نفس الاحتکار .

وقال الشیخ الأکبر کاشف الغطاء : « ولیس بینه (أی بین الإجبار علی البیع) وبین التحریم ملازمة ولا بینه وبین الکراهة منافاة »(1) .

وقال تلمیذه فی مفتاح الکرامة : « وقد یُستدل بذلک (أی علی الإجبار علی البیع) علی التحریم ولیس کذلک للاتفاق علیه والإختلاف فی التحریم ، والجبر قد یکون علی المحتسب کزیارة النبی صلی الله علیه و آله وسلم فتأمل »(2) .

وقد اعترف بثبوت الإجبار علی قولی التحریم والکراهة فی الاحتکار تلمیذه الآخر صاحب الجواهر قدس سره فی کتابه(3) .

واعترف به أیضاً الشیخ الأعظم قدس سره فی المکاسب(4) .

فالکلّ یعترفون بلزوم إجبار المحتکر علی البیع حتّی القائلین بالکراهة فی نفس الإحتکار . ذهب إلیه المفید فی المقنعة(5) والشیخ فی النهایة(6) والمبسوط(7) وأبو الصلح الحلبی فی الکافی(8) وابن حمزة فی الوسیلة(9) وابن إدریس فی السرائر(10) والمحقق الحلی فی الشرائع(11)

ص:249


1- (1) شرح القواعد 1 / 320 .
2- (2) مفتاح الکرامة 4 / 109 _ (12 / 361 من طبعة جماعة المدرسین) .
3- (3) الجواهر 22 / 485 .
4- (4) المکاسب / 213 _ (4 / 373 من الطبعة الحدیثة) .
5- (5) المقنعة / 96 .
6- (6) النهایة / 374 .
7- (7) المبسوط 2 / 195 .
8- (8) الکافی / 360 .
9- (9) الوسیلة المطبوع فی الجوامع الفقهیة / 745 .
10- (10) السرائر 2 / 239 .
11- (11) الشرائع 2 / 21 .

والمختصر(1) والعلامة فی القواعد(13) والتذکرة(14) والشهید فی الدروس(15) ، وغیرهم فی غیرها .

وادعی علیه الإجماع کما فی المهذب البارع(2) ، ولا کلام فیه کما فی إیضاح النافع(3) ،رولا نعلم فیه خلافاً کما فی التنقیح(4) . وقد نفی الخلاف بین الأصحاب فی إجبار المحتکر أصحاب الحدائق(5) ومفتاح الکرامة(6) والجواهر(7) والمکاسب(8) .

وادعی علیه الإجماع أیضاً الشیخ الأکبر کاشف الغطاء قدس سره حیث قال : « للإجماع المنقول علی لسان جماعة والأخبار ... »(9) وصاحبا الریاض(10) والمستند(11) قدس سرهم .

والحاصل : إنّ إجبار المحتکر علی البیع من قبل أصحابنا إجماعی ولا خلاف فیه حتّی القائلین بالکراهة یقولون به ، وتدلّ علیه بعد هذا الإجماع ، الروایات :

منها : خبر ضمرة عن علی بن أبی طالب علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه صلی الله علیه و آله وسلم : مرّ بالمحتکرین ، فأمر بحُکرتهم أن تخرج إلی بطون الأسواق ، وحیث تنظر الأبصار إلیها ،فقیل لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لو قَوَّمْتَ علیهم ، فغضب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حتی عُرِفَ الغضبُ فی وجهه ،

ص:250


1- (12) المختصر النافع / 120 .
2- (1) القواعد 1 / 122 .
3- (2) تذکرة الفقهاء 12 / 168 .
4- (3) الدروس 3 / 180 .
5- (4) المهذب البارع 2 / 370 .
6- (5) إیضاح النافع فی شرح مختصر الشرائع للشیخ ابراهیم بن سلیمان القطیفی المعاصر للمحقق الکرکی ونقل عنه فی مفتاح الکرامة 4 / 109 . (12 / 361) .
7- (6) التنقیح 2 / 42 .
8- (7) الحدائق 18 / 64 .
9- (8) مفتاح الکرامة 4 / 109 . (12 / 361 من طبعة جماعة المدرسین) .
10- (9) الجواهر 22 / 485 .
11- (10) المکاسب للشیخ الانصاری قدس سره / 213 _ (4 / 373 من الطبعة الحدیثة) .

فقال : أنا أقوّم علیهم ، إنّما السعر إلی اللّه یرفعه إذا شاء ویَخفضه إذا شاء(1) .

سند الشیخ إلی ضمرة ضعیف ولکن روی الصدوق هذه الروایة بسنده المعتبر عن

غیاث بن ابراهیم فی کتابه التوحید(2) ، ودلالتها علی إجبار المحتکرین علی البیع واضح .

ومنها : خبر حذیفة بن منصور عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : نفد الطعام علی عهد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فأتاه المسلمون فقالوا : یا رسول اللّه قد نفد الطعام ، لم یبق منه شیءٌ إلاّ عند فلان فَمُرهُ ببیعه .

قال : فحمد اللّه وأثنی علیه ثمّ قال : یا فلان إنّ المسلمین ذکروا أنّ الطعام قد نفد إلاّ شیءٌ عندک ، فأخرجه وبعه کیف شئت ولا تحبسه(3) .

دلالة الروایة علی المطلوب واضحة ولکن سندها ضعیف .

ومنها : مرسلة دعائم الاسلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام : أنه کتب إلی رفاعة : إنْهَ عن الحُکرة ، فمن رکب النهی فأوجعه ثم عاقبه بإظهار ما احتکر(4) .

الجهة السادسة : التسعیر

الأقوال فی التسعیر :

المشهور علی منع التسعیر کما ذهب إلیه الشیخ فی النهایة(5) والمبسوط(6) ، وابن زهرة فی الغنیة(7) وابن إدریس فی السرائر(8) والمحقق فی الشرائع(9) والمختصر(10) والعلامة فی القواعد

ص:251


1- (11) شرح القواعد 1 / 320 .
2- (1) التوحید / 388 ح 33 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 429 ح 1 .
4- (3) دعائم الإسلام 2 / 36 ح 80 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 277 ح 1 .
5- (4) النهایة / 374 .
6- (5) المبسوط 2 / 195 .
7- (6) الغنیة / 231 .
8- (7) السرائر 2 / 239 .
9- (8) الشرائع 2 / 21 .
10- (9) المختصر النافع / 120 .

قال : « ویجبر علی البیع ، لا التسعیر علی رأی »(1) وقال فی التذکرة : « ... فإنّه لا یجوز أن یسعّر حالة الرخص عندنا ... وأمّا حالة الغلاء فکذلک عندنا »(2) یعنی ذهب قدس سره إلی عدم جواز

التسعیر فی حالتی الرخص والغلاء .

ومن المتأخرین السید الطباطبائی فی ریاض المسائل(3) والشیخ الأعظم فی المکاسب(4) .

ثمّ فی قبال المشهور ، القول ، بالجواز وهو خیرة المفید فی المقنعة(5) والدیلمی فی المراسم(6) ، ومال إلیه جدنا الفقیه الشیخ الأکبر کاشف الغطاء فی شرح القواعد(7) .

ثم إنّ هاهنا قولاً ثالثاً ، وهو جواز التسعیر إن أجحف المحتکر فی الثمن ، ذهب إلیه ابن حمزة فی الوسیلة(8) والعلامة فی المختلف(9) ونجله فی إیضاح الفوائد(10) والشهید فی الدروس(11) واللمعة(12) وابن فهد الحلی فی المقتصر(13) والفاضل المقداد فی التنقیح(14) والمحقق

ص:252


1- (10) القواعد 1 / 122 _ (2 / 11 طبع جماعة المدرسین) .
2- (11) تذکرة الفقهاء 12 / 169 .
3- (1) ریاض المسائل 8 / 288 .
4- (2) المکاسب / 213 _ (4 / 373 من الطبعة الحدیثة) .
5- (3) المقنعة / 96 .
6- (4) المراسم / 182 .
7- (5) شرح القواعد 1 / 322 .
8- (6) الوسیلة / 260 .
9- (7) مختلف الشیعة 5 / 42 .
10- (8) إیضاح الفوائد 1 / 409 .
11- (9) الدروس 3 / 180 .
12- (10) اللمعة المطبوع مع شرحه الروضة البهیة 3 / 299 .
13- (11) المقتصر من شرح المختصر _ لابن فهد الحلی ، اختصر فیه شرحه الکبیر علی المختصر النافع المسمی بالمهذب البارع ونقل عن المقتصر فی مفتاح الکرامة 4 / 109 _ (12 / 362) .
14- (12) التنقیح الرائع 2 / 43 .

الکرکی فی جامع المقاصد(1) . والنراقی فی المستند(2) وصاحب الجواهر نفی البعد عن هذا القول(3) .

فالأقوال فی التسعیر صارت ثلاثة .

أما الروایات

الروایات تدل علی منع التسعیر :

منها : معتبرة غیاث بن إبراهیم عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن جده علیه السلام قال : مرّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالمحتکرین فأمر بحُکرتهم أن یخرج إلی بطون الأسواق وحیث تنظر الأبصار إلیها ، فقیل لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لو قَوَّمْتَ علیهم ، فغضب صلی الله علیه و آله وسلم حتی عُرف الغضب فی وجهه وقال : أنا اُقوِّمُ علیهم ؟ ! إنّما السعر إلی اللّه عزّ وجل یرفعه إذا شاء ویخفضه اذا شاء .

وقیل لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لو أسعرتَ لنا سعراً فإنّ الأسعار تزید وتنقص ، فقال صلی الله علیه و آله وسلم : ما کنتُ لألقی اللّه عزّ وجل ببدعة لم یُحدث لی فیها شیئاً ، فدعوا عباد اللّه یأکل بعضهم من بعض(4) .

سند الروایة تام وظهورها فی عدم جواز التسعیر واضح .

ویؤید عدم جواز التسعیر الروایات الواردة : بأنّ اللّه وکّل بالأسعار ملکاً یدبّرها ، حیث جعل اللّه أمر السعر بید ملک وما جعله علی ید غیره :

منها : صحیحة أبی حمزة الثمالی عن علی بن الحسین علیه السلام قال : إنّ اللّه تبارک وتعالی وکّل بالسعر ملکاً یُدَبِّرُهُ بأمره .

وقال أبو حمزة الثمالی : ذکر عند علی بن الحسین علیه السلام غلاءُ السعر ، فقال : و ما علیَّ من غلائه إن غلا فهو علیه وإن رَخُصَ فهو علیه(5) .

ص:253


1- (13) جامع المقاصد 4 / 42 .
2- (14) مستند الشیعة 14 / 52 .
3- (15) جواهر الکلام 22 / 486 .
4- (1) التوحید / 388 ح 33 وروی نحوها فی وسائل الشیعة 17 / 430 ح 1 و 2 .
5- (2) التوحید / 389 ح 34 وروی نحوها فی وسائل الشیعة 17 / 431 ح 3 و 4 .

ومنها : خبر محمد بن أسلم عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اللّه عزّ وجل وکّل بالسعر ملکاً ، فلن یغلو من قلّة ولن یرخص من کثرة(1) .

ومنها : خبر یعقوب بن یزید عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اللّه وکّل بالأسعار ملکاً یدبرها(2) .

ویمکن المناقشة فی دلالة هذه الروایات : بأن التسعیر إذا کان فی مسیره الطبیعی هذه

الروایات ناظرة إلیه ، ولکن إذا خرج من سیره العادی بواسطة الإحتکار والحبس ، والقحط والغلاء المصنوعیان ، فهذه الروایات لم تنظر إلیه . وأشار إلی ما قلناه صدوق الاُمّة قدس سره بعد نقل هذه الروایات حیث یقول : « الغلاء هو الزیادة فی أسعار الأشیاء حتّی یُباع الشیء بأکثر مما کان یُباع فی ذلک الموضع ، والرخص هو النقصان فی ذلک ، فما کان من الرخص والغلاء عن سعة الأشیاء وقلّتها فإن ذلک من اللّه عزّ وجل ویجب الرضا بذلک والتسلیم له ، وما کان من الغلاء والرخص بما یأخذ الناس به لغیر قلّة الأشیاء وکثرتها من غیر رضی منهم به أو کان من جهة شراء واحدٍ من الناس جمیع طعام بلدٍ فیغلو الطعام لذلک فذلک من المسعِرِ والمتعدِّی بِشِری طعام المصرِ کلّه کما فعله حکیم بن حزام ... »(3) .

ولعلّ الروایات الواردة(4) فی عدم تسعیر النبی یوسف علیه السلام فی أیام القحط أیضاً شاهدة علی ما ذکرنا ، حیث کان القحط والغلاء فی مصر طبیعیاً عادیّاً ولم یکن صناعیّاً .

ومن الروایات التی تدلّ علی عدم جواز التسعیر : مرسلة دعائم الإسلام عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن التسعیر ، فقال : ما سعّر أمیر المؤمنین علیه السلام علی أحد ، ولکن من نقص عن بیع الناس ، قیل له : بع کما یبیع الناس وإلاّ فارفع عن السوق ، إلاّ أن یکون طعامه أطیب من طعام الناس(5) .

ص:254


1- (3) وسائل الشیعة / 431 ح 5 .
2- (4) وسائل الشی253 عة 17 / 432 ح 6 .
3- (1) التوحید / 389 .
4- (2) راجع وسائل الشیعة 17 / 432 ح 7 ، و 17 / 433 ح 9 ومستدرک الوسائل 13 / 278 ح 2 .
5- (3) دعائم الاسلام 2 / 36 ح 81 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 277 ح 1 .

والحاصل : معتبرة غیاث بن إبراهیم المذکورة فیما مضی یکفی فی الحکم بعدم جواز التسعیر من قبل الحاکم . نعم ، علیه أن یلاحظ البیع بحیث لا یتضرر منه کلّ من البائع والمشتری کما ورد ذلک فی ما کتب أمیر المؤمنین علیه السلام فی عهده إلی الأشتر النخعی ، حیث کتب علیه السلام : فامنع من الإحتکار ، فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم منع منه ، ولیکن البیع بیعاً سمحاً بموازین عدل وأسعار لا یجحف بالفریقین من البائع والمبتاع ، فمن قارف حُکرة بعد نهیک إیّاه فنکّل به وعاقبه فی غیر إسراف(1) .

وقد مرّ منّا أنّ لهذا العهد سنداً معتبر للنجاشی والشیخ فی فهرستهما(2) .

وبعبارة اُخری : لیس للحاکم الشرعی التسعیر ، ولکن ینظر هو بأن لا یجحف بالبائع والمشتری ، وکلّ منهما إن أراد الاجحاف بصاحبه علی الحاکم أن یمنعه .

هذا تمام الکلام فی بحث الإحتکار ، والحمد اللّه ربّ الأسعار .

ص:255


1- (4) وسائل الشیعة 17 / 427 ح 13 .
2- (5) راجع رجال النجاشی / 8 الرقم 5 ، والفهرست للشیخ الطوسی / 88 الرقم 119 .

البذاء

وهو الفحش وعدم المبالاة بالقول وسوء اللسان وخُبثه ، وهو حرام . وتدلّ علی حرمته - مضافاً إلی الأدلة الواردة فی حرمة إیذاء المؤمن وحرمة الفحش - عدّة من الروایات :

منها : صحیحة أبی عبیدة الحذاء عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الحیاء من الإیمان والإیمان فی الجنة ، والبذاء من الجفاء والجفاء فی النار(1) .

ومنها : صحیحة عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا رأیتم الرجل لا یبالی ما قال ولا ما قیل له فإنّه لغَیَّة أو شَرَک شیطان(2) .

اللغِیِّة : الزنا ، وتشریک الشیطان للانسان فی الأموال یعنی حمله إیّاه علی تحصیلها من الحرام وإنفاقها فیه ، وأمّا مشارکته له فی الأولاد إدخاله معه فی النکاح إذا لم یسمّ اللّه ولکن النطفة واحدة . ودلالة الروایة علی حرمة عدم المبالاة بالقول واضحة ، وسندها أیضاً صحیح کما مرّ .

ومنها : حسنة أو معتبرة سُلیم بن قیس عن أمیر المؤمنین علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ اللّه حرّم الجنة علی کلّ فحّاش بذیء ، قلیل الحیاء ، لا یبالی ما قال ولا ما قیل له ، فإنّک إنْ فتّشته لم تجده إلاّ لغیّة أو شَرَک شیطان ، فقیل : یا رسول اللّه وفی الناس شَرَک شیطان ؟ فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أما تقرأ قول اللّه عزّ وجل : «وَشَارِکْهُمْ فِی الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ»(3) الحدیث(4) .

ص:256


1- (1) وسائل الشیعة 16 / 36 ح 5 _ الباب 72 من أبواب جهاد النفس .
2- (2) الکافی 2 / 323 ح 2 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 16 / 35 ح 1 مع اختلاف .
3- (3) سورة الإسراء / 64 .
4- (4) وسائل الشیعة 16 / 35 ح 2 .

دلالتها علی حرمة البذاء واضحة ، وسندها لا بأس به ، لأنّ رجاله کلّهم ثقات إلاّ أبان بن أبی عیاش لم یرد توثیقه ، ولکن حیث تلقی الأصحاب کتاب سُلیم بن قیس الهلالی بالقبول

ولم ینقل کتابه إلاّ من طریق إبن أبی عیاش ، فهذا القبول یدلّ علی اعتباره ولاأقل من حسنه .

ومنها : خبر الحسن الصیقل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ الفحش والبذاء والسلاطة من النفاق(1) .

السلاطة : شدّة اللسان ، ودلالة الروایة علی الحرمة واضحة ، لأنّ النفاق من المحرّمات الشرعیة ، ولکن فی سندها ضعف بمحمّد بن سنان علی القول بضعفه ، والحسن بن زیاد الصیقل لأنّه مجهول أو ضعیف .

ومنها : خبر عبد اللّه بن القاسم عمّن حدثه قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : أری الرجل من أصحابنا ممّن یقول بقولنا خبیث اللسان ، خبیث الخلطة ، قلیل الوفاء بالمیعاد ، فیغمّنی غمّاً شدیداً ، وأری الرجل من المخالفین علینا حسن السمت ، حسن الهدی ، وفیّاً بالمیعاد ، فاغتمّ لذلک غمّاً شدیداً ، فقال علیه السلام : أو تدری لم ذاک ؟ قلت : لا ، قال : إنّ اللّه تبارک وتعالی خلط الطینتین فعرکهما ، وقال بیده هکذا راحتیه جمیعاً واحدة علی الاُخری ، ثم فلقهما ، فقال : هذه إلی الجنة وهذه إلی النار ولا اُبالی ، فالذی رأیت من خبث اللسان والبذاء وسوء الخلطة وقلّة الوفاء بالمیعاد من الرجل الذی هو من أصحابکم یقول بقولکم ، فیما إلتطخ بهذه من الطینة الخبیثة وهو عائد إلی طینته ، والذی رأیت من حسن الهدی وحسن السمت وحسن الخلطة والوفاء بالمیعاد من الرجال من المخالفین ، فما إلتطخ به من الطینة الطیبة . فقلت : جعلت فداک فرّجت عنّی فرّج اللّه عنک(2) .

سند الروایة مرسل ، ویمکن المناقشة فی دلالتها علی الحرمة أیضاً بما لا یخفی .

ولتفصیل روایات الباب راجع الکافی 2 / 232 والوافی 5 / 953 وبحار الأنوار 76 / 103 ووسائل الشیعة 16 / 34 ومستدرک الوسائل 12 / 82 وجامع أحادیث الشیعة

ص:257


1- (1) الکافی 2 / 325 ح 10 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 28 ح 2 .
2- (2) المحاسن 1 / 230 ح 21 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 30 ح 8 .

16 / 559 وکتابنا موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 2 / 28 .

والحاصل ، أن الروایات تدل علی حرمة البذاء تکلیفاً ، وأمّا أخذ شیء فی قبال هذا العمل المحرّم أیضاً حرام بالحرمة الوضعیة ، یعنی لا یجوز أخذ الشیء فی قباله ولا یدخل فی ملک القابض ، لقوله تعالی : «لاَ تَأْکُلُواْ أَمْوَالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبَاطِلِ»(1) ، وأکل المال فی مقابلة

هذا الحرام من مصادیق أکل المال بالباطل ، حتّی علی ما ذهبنا إلیه من أنّ الآیة الشریفة تنهی عن أکل المال بالأسباب الباطلة ، نحو : القمار والظلم والفحش والربا ، ومنها : البذاء . فأخذ المال فی قبال البذاء باطل وفاسد وحرام بالحرمة الوضعیة ، فلا یجوز الإکتساب بها ، فینبغی ذکرها فی المکاسب المحرَّمة کما ذکرنا ، لا سیما مع خلو حرف الباء من عنوانٍ ، ویأتی منّا عنوان « الهُجْر » _ وهو الفحش _ فی محلّه . والحمد للّه رب المحامد کلِّها .

ص: 258


1- (3) سورة النساء / 29 .

تدلیس الماشطة

اشارة

یقع البحث فی جهات :

الجهة الأولی : حکم حرفة المِشاطة

لا بأس بکسب المشاطة وعملها ، وتدلّ علیه عدّة من الروایات المعتبرة :

منها : صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام _ فی حدیث أم حبیب الخافضة _ قال : وکانت لاُمّ حبیب اُخت یقال لها : اُمّ عطیة _ وکانت مقینة _ یعنی ماشطة _ فلما انصرفت اُمّ حبیب إلی اُختها فأخبرتها بما قال لها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فأقبلت اُمّ عطیة إلی النبی صلی الله علیه و آله وسلم فأخبرته بما قالت لها اُختها ، فقال لها : اُدن منّی یا اُمّ عطیة إذا أنتِ قَیّنتِ الجاریة فلا تغسلی وجهها بالخرقة ، فإنّ الخرقة تشرب ماء الوجه(1) .

الروایة صحیحة الاسناد . التقیّن : التزیین ، المقینة : المزینة . دلالتها علی جواز التقیّن وتزیین المرأة واضحة ، حیث لم ینه النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم اُمّ عطیة عن عملها بل أوصتها فقط بعدم اغتسالها وجه المرأة بالخرقة .

ومنها : خبر إبن أبی عمیر عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : دخلتْ ماشطةٌ علی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، فقال لها : هل ترکتِ عملکِ أو أقمتِ علیه ؟ فقالت : یا رسول اللّه أنا أعمله إلاّ أن تنهانی عنه فأنتهی عنه ، فقال : إفعلی ، فإذا مشطتِ فلا تجلی الوجه بالخرق فإنّه یذهب بماء الوجه ، ولا تصلی الشعر بالشعر(2) .

دلالتها علی جواز عمل الماشطة واضحة ، حیث لم ینه النبی صلی الله علیه و آله وسلم عن عملها بل نهاها عن الفعلین فقط ، و لکن سند الروایة ضعیف بعلی بن احمد بن أشیم ، لأنّه مجهولٌ ، وفیها أیضاً إرسالٌ .

ص:259


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 131 ح 1 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 131 ح 2 .

ومنها : خبر القاسم بن محمد الجوهری عن علی بن أبی حمزة البطائنی قال : سألته عن إمرأة مسلمة تمشط العرائس لیس لها معیشة غیر ذلک وقد دخلها ضیق ؟ قال : لا ، بأس ولکن

لا تصل الشعر بالشعر(1) .

الظاهر : المروی عنه هو موسی بن جعفر علیه السلام ، ولکن الروایة ضعیفة ومضمرة من حیث السند ، وأمّا دلالتها علی جواز مشاطة فواضحة .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال علیه السلام : لا بأس بکسب الماشطة ما لم تشارط وقبلت ما تعطی ولا تصل شعر المرأة بشعر إمرأة غیرها ، وأمّا شعر المعز فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة(2) .

الروایة تدلّ علی جواز کسبها ، وأمّا النهی عن إشتراطها الاُجرة فکالنهی کذلک فی حقِّ الحجام لا تدلّ أزید من کراهة إشتراطهما الاُجرة ، ولکن فی سندها إرسال وإضمار .

ومنها : خبر سعد الإسکاف عن أبی جعفر علیه السلام قال : سُئل عن القرامل التی تصنعها النساء فی رؤوسهنَّ یصلنه بشعورهنَّ ؟ فقال : لا بأس علی المرأة بما تزیّنت به لزوجها ، الحدیث(3) .

الروایة تدلّ علی جواز تزیّن المرأة لزوجها ، والتزیّن یمکن أن یکون بعملها مباشرة ویمکن أن یکون بعمل غیرها ، وتلک الغیر لیست إلاّ الماشطة ، فیجوز عمل الماشطة ، فإذا کان عملها جایزاً ، کذلک یجوز لها أخذ الأجرة علیه ، ولکن فی سندها ضعف .

والحاصل : عمل المشاطة فی نفسها لا بأس به ویجوز أخذ الاُجرة علیه .

الجهة الثانیة : حکم الأعمال الأربعة

اشارة

قد وردت فی عدّة من الروایات النهی عن « الوصل » و «النمص » و « الوشم » و « الوشر » فلابدّ من البحث حول هذه الأعمال الأربعة :

ص:260


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 132 ح 4 .
2- (2) وسائل الشیعة 17 / 133 ح 6 .
3- (3) وسائل الشیعة 20 / 187 ح 2 الباب 101 من أبواب مقدمات النکاح .
العمل الأوّل : الوصل

إن کان المراد به ما ورد فی بعض الروایات من تفسیر الواصلة بالفاجرة والموصولة بالقوّاد ، فحرمته من الضروریات بین المسلمین :

منها : خبر سعد الإسکاف عن أبی جعفر علیه السلام قال : سئل عن القرامل التی تصنعها النساء فی رؤوسهنَّ یصلنه بشعورهنّ ؟ فقال : لا بأس علی المرأة بما تزیّنت به لزوجها . قال :

فقلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لعن الواصلة والموصولة ، فقال : لیس هناک ، إنّما لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الواصلة والموصولة التی تزنی فی شبابها ، فلمّا کبرت قادت النساء إلی الرجال ، فتلک الواصلة والموصولة(1) .

ومنها : معتبرة إبراهیم بن أبی زیاد الکرخی قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الواصلة والمستوصلة ، یعنی : الزّانیة والقوّادة(2) .

سند الروایة لا یبعد حسنه ، لأنّ الحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المکتب ، شیخ الصدوق ، لو لم یکن ثقة لا أقل من حسنه ، وأمّا إبراهیم بن أبی زیاد الکرخی أیضاً لا یبعد حسنه ، وأمّا غیرهما من رجال السند فکلّهم ثقات ، فالروایة لا یبعد أن تکون حسنة سنداً .

ومنها : مرسلة عمار الساباطی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّ الناس یروون : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لعن الواصلة والموصولة ، قال : نعم ، قلت : التی تمتشط وتجعل فی الشعر القرامل ؟ قال : فقال لی : لیس بهذا بأس ، قلت : فما الواصلة والموصولة ؟ قال : الفاجرة والقوّادة(3) .

فمع ورود هذا التفسیر لابدّ من حمل روایات اللعن الواردة فی شأن الواصلة والموصولة بالفاجرة والقوّادة . ولیس فیه عجب ، خلافاً لابن حنبل _ لمّا ذکر له ذلک _ قال : « ما سمعت

ص:261


1- (1) وسائل الشیعة 20 / 187 ح 2 _ و 17 / 132 ح 3 .
2- (2) معانی الأخبار / 250 .
3- (3) وسائل الشیعة 20 / 188 ح 4 .

بأعجب من ذلک » . کما نقل عنه إبن الأثیر فی نهایته(1) والعلامة المجلسی قدس سره فی مرآة العقول(2) وملاذ الأخیار(3) .

وأمّا إن کان المراد بالوصل ما ورد فی تفسیر علی بن غراب من أنّ « الواصلة التی تصل شعر المرأة بشعر إمرأة والمستوصلة التی یفعل ذلک بها »(4) .

وفیه : أولاً : عدم حجیة تفسیر وفهم علی بن غراب لنا .

وثانیاً : بورود الروایات المذکورة فیما مضی علی خلاف تفسیره کما مرّت .

وثالثاً : من المحتمل أن ابن غراب أخذ تفسیره هذا من العامة ، کما أنّ مضمونه روی فی سنن البیهقی(5) .

ورابعاً : علی فرض إعتبار تفسیره ، لابدّ من حمله علی الکراهة جمعاً بینه وبین غیره من الروایات ، لأنّ الروایات الواردة فی حکم وصل الشعر علی طوائف الثلاث :

الطائفة الأولی : تدل علی الجواز مطلقاً ، نحو : خبر سعد الإسکاف(6) ومرسلة عمار الساباطی(7) المتقدمتین .

والطائفة الثانیة : تدل علی المنع مطلقاً ، نحو : خبر إبن أبی عمیر عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السلام (8) وخبر علی بن أبی حمزة البطائنی(9) الماضیین .

والطائفة الثالثة : تدل علی التفصیل بین وصل الصوف وشعر المعز وشعر المرأة بنفسها وبین المرأة الاُخری ، فحکمت بالجواز فی الاُولی وبعدمه فی الثانیة ، نحو :

ص:262


1- (4) النهایة 5 / 192 .
2- (5) مرآة العقول 19 / 79 .
3- (6) ملاذ الأخیار 10 / 342 .
4- (7) معانی الأخبار / 250 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 133 ح 7 .
5- (1) سنن البیهقی 7 / 312 کتاب القسم والنشوز ، باب ما لا یجوز للمرأة أن تتزیّن به .
6- (2) وسائل الشیعة 20 / 187 ح 2 .
7- (3) وسائل الشیعة 20 / 188 ح 4 .
8- (4) وسائل الشیعة 17 / 131 ح 2 .
9- (5) وسائل الشیعة 17 / 132 ح 4 .

خبر عبد اللّه بن الحسن قال : سألته عن القرامل ، قال : وما القرامل ؟ قلت : صوف تجعله النساء فی رؤوسهنَّ ، قال : إذا کان صوفاً فلا بأس ، وإن کان شعراً فلا خیر فیه من الواصلة والموصولة(1) .

والروایة تدلّ علی جواز وصل الصوف بشعرها ولکن نفت جواز وصل الشعر بشعرها مطلقاً ، ولکن فی سندها ضعف وإضمار .

ومنها : خبر ثابت بن سعید قال : سئل أبو عبد اللّه علیه السلام عن النساء یجعل فی رؤوسهنَّ القرامل ، قال : یصلح الصوف وما کان من شعر امرأة لنفسها ، وکره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غیرها ، فإن وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا یضرّها(2) .

دلالتها علی التفصیل واضحة ، ولکن فی سندها ضعف لأنّ ثابتاً مجهولٌ .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : قال علیه السلام : لا بأس بکسب الماشطة ما لم تشارط وقبلت ما تعطی ، ولا تصل شعر المرأة بشعر إمرأة غیرها ، وأمّا شعر المعز فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة(3) .

والروایة تدلّ علی التفصیل ، ولکن فی سندها إرسال وإضمار .

ومقتضی الجمع بین الروایات الجواز بالنسبة إلی وصل الصوف أو شعر الحیوانات نحو المعز وشعر المرأة نفسها بشعرها ، وأمّا وصل شعر المرأة الاُخری بشعرها فلا یجوز ، إلا أن الأصحاب ذهبوا فی وصل شعر المرأة الاُخری بشعرها إلی الکراهة نحو : الشیخ فی الخلاف(4) والعلامة فی المنتهی(5) والشیخ الأعظم فی المکاسب(6) وصاحب الجواهر قدس سرهم فی کتابه(7)

ص:263


1- (6) وسائل الشیعة 17 / 132 ح 5 .
2- (7) وسائل الشیعة 20 / 187 ح 1 .
3- (1) وسائل الشیعة 17 / 133 ح 6 .
4- (2) الخلاف 1 / 492 المسألة 234 من الصلاة .
5- (3) منتهی المطلب 1 / 184 من کتاب الطهارة ، المقصد الخامس البحث الثانی _ (3 / 316 من الطبعة الحدیثة) .
6- (4) المکاسب المحرمة / 21 _ (1 / 169 من الطبعة الحدیثة) .
7- (5) جواهر الکلام 22 / 114 .

وتلمیذه السید علی بحر العلوم رحمهم الله فی برهان الفقه(1) والمحقق الإیروانی فی حاشیة المکاسب(2) والمحقق الأردکانی فی غنیة الطالب(3) وشیخنا الأستاذ _ مدظله _ فی إرشاد الطالب(4) وبعض أساتذتنا _ مد ظله _ فی دراساته(5) . ولکن استشکل الفقیه السبزواری قدس سره فی استفاده الکراهة من الروایات(6) ، وهکذا قبله الفقیه السید الیزدی قدس سره ذهب إلی الکراهة ثم استشکل فیه وقال : « ومن ذلک یظهر أنّ الحکم بالکراهة فی المذکورات أیضاً مشکلٌ ، إلاّ من باب قاعدة التسامح العقلی أو الشرعی بملاحظة النبوی بعد دعوی ظهورها فی المرجوحیة فی حدّ نفسه

فیصدق البلوغ ... »(7) .

أما المحقق الخوئی قدس سره فقد ذهب إلی الجواز مطلقاً حتّی فی وصل شعر المرأة الاُخری بشعرها ، لضعف ما دلّت علی الکراهة سنداً ، ولذا قال : « ولکنّها جمیعاً ضعیفة السند ، وإذن فمقتضی الأصل هو الجواز مطلقاً »(8) . وتبعه تلمیذه فی عمدة المطالب(9) ، وقبلهما ذهب إلی الجواز العلامة الحلی قدس سره فی تذکرته حیث قال : « وإذا لم یحصل تدلیس بالوصل ، لم یکن به بأس »(10) . و ما ذکره العلامة الحلی والمحقق الخوئی « قدس سرهما » تام ، وإن کان الأحوط الذهاب إلی الکراهة فی وصل شعر المرأة الاُخری بشعرها موافقة للمشهور وعملاً بروایاتها .

العمل الثانی : النمص

وهو حفّ الشعر ونتفه فما حکمه ؟ تدلّ علی عدم جواز النمص خبر علی بن غراب عن

ص:264


1- (6) برهان الفقه / کتاب التجارة / 39 من الطبع الحجری .
2- (7) حاشیة المکاسب 1 / 118 .
3- (8) غنیة الطالب 1 / 107 و 106 .
4- (9) إرشاد الطالب 1 / 113 .
5- (10) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 479 .
6- (11) مهذب الأحکام 16 / 77 .
7- (1) حاشیة المکاسب / 15 _ (1 / 93 من الطبعة الحدیثة) .
8- (2) مصباح الفقاهة 1 / 203 .
9- (3) عمدة المطالب 1 / 157 للفقیه السید تقی بن حسین الطباطبائی القمی _ مدظله _ .
10- (4) تذکرة الفقهاء 12 / 143 .

جعفر بن محمّد علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم النّامصة والمنتمِصَة والواشرة والمستوشِرَة والواصلة والمستوصِلة والواشمة والمستوشمة .

بانضمام تفسیر علی بن غراب قال : النّامِصَة التی تنتف الشعر من الوجه والمنتمصة التی یفعل ذلک بها . والواشرة التی تشر أسنان المرأة وتُفْلِجها وتُحدّدها ، والمستوشرة التی یفعل ذلک بها . والواصلة التی تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها ، والمستوصلة التی یفعل ذلک بها .والواشمة التی تشم وشماً فی ید المرأة أو فی شیءٍ من بدنها ، وهو أن تَغرِزَ یدیها أو ظهر کفّها أو شیئاً من بدنها بإبرة حتّی تؤثّر فیه ثمّ تحشوه بالکحل أو بالنورة فیخضرُّ ، والمستوشمة التی یفعل ذلک بها(1) .

وقد مرّ منّا ضعف سند الروایة وعدم حجیة تفسیر علی بن غراب وعدم إفتاء الأصحاب علی مدلولها فلا تفید شیئاً فی المقام ، مضافاً إلی ورود الروایات بجوازها :

منها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن المرأة ،

أتحفّ الشعر عن وجهها ؟ قال : لا بأس(2) .

ومنها : خبر علی بن جعفر أنّه سأل أخاه موسی بن جعفر علیه السلام عن المرأة تحف الشعر من وجهها ؟ قال : لا بأس(3) .

ولا یبعد إتحاد الروایتین .

ومنها : مرسلة أبی بصیر قال : سألته عن قصّة النواصی ترید المرأة الزینة لزوجها وعن الحفّ والقرامل والصوف وما أشبه ذلک ؟ قال : لا بأس بذلک کلّه(4) .

قال بعض أساتیذنا فی ذیل الروایة : « القُصة : بضم القاف ، الخُصلة من الشعر ، وقُصة النواصی : الخصلة من الشعر تجمع فی الناصیة للزینة ، نحو ما هو المتعارف فی عصرنا

ص:265


1- (5) معانی الأخبار / 249 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 133 ح 7 .
2- (1) وسائل الشیعة 20 / 189 ح 6 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 133 ح 8 .
4- (3) وسائل الشیعة 20 / 189 ح 5 .

أیضاً »(1) .

فمع ورود صحیحة علی بن جعفر الماضیة فی جواز حفّ الشعر ونتفه فلا مجال إلاّ الإفتاء بها والحکم بجوازه .

العمل الثالث والرابع : الوشم والوشر

وقد مرّ خبر علی بن غراب وتفسیره فی الوشم والوشر آنفاً ، وقد مرّ منّا أیضاً إشکالنا فیه .

وأمّا خبر عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الواشمة والموتشمة والناجش والمنجوش ملعونون علی لسان محمد صلی الله علیه و آله وسلم (2) .

فیمکن أن یُستدل به علی عدم جواز الوشم ، لأنّ ظهور اللعن فی الحرمة واضح .

وفیه : أولاً : قد یقال : الروایة ضعیفة سنداً بمحمد بن سنان وإن وثقه المفید قدس سره فی الإرشاد(3) واعتمد علیه المجلسی قدس سره فی الوجیزة(7) ومال إلی الإعتماد علیه جدنا من طریق الاُمّ حجة الإسلام الشفتی رحمه الله فی رسائله الرجالیة(4) وجدنا الأعلی العلاّمة الشیخ محمّد تقی قدس سره صاحب هدایة المسترشدین فی فقهه « تبصرة الفقهاء »(5) ونحن أیضاً نذهب إلی وثاقته واعتباره .

وثانیاً : لم یفت أحد من الأصحاب بالحرمة فیهما لهاتین الروایتین ، فلا یمکن الإفتاء علیهما . وغایة ما یمکن أن یقال فیهما ، القول بالکراهة و دون إثباتها خرط القتاد .

ص:266


1- (4) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 480 .
2- (5) الکافی 5 / 559 ح 13 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 20 / 239 ح 1 _ الباب 137 من ابواب مقدمات النکاح .
3- (6) الارشاد 2 / 248 .
4- (1) الوجیزة / 161 الرقم 1691 .
5- (2) الرسائل الرجالیة / (637 _ 609) .
تذکرة : جمع آخر بین الروایات

ذهب جدنا الشیخ الأکبر الفقیه الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره إلی جمع آخر بین الروایات الظاهرة فی الحرمة نحو خبر علی بن غراب وغیرها وبین الروایات المجوّزة : بأن هذه الأعمال جائزة إذا کانت للزوج ، ومحرمة إذا کانت لغیره ، قال قدس سره بعد ذکر تفسیر ابن غراب فی النبوی : « ... ویخصَّص أمثاله بما کان لغیر الزوج ونحوه ، لما دلّ علی استحباب التزیّن له بأنواع الزینة وعلی خصوص الوصل بالشعر . ولا عیب فی الصلاة من جهته کما ظُنّ ، فیُخَصّ المنع بالتدلیس ، ومع تنقیح المناط یعمّ کلّ تدلیس ، ولا یُشترط إذن الزوج إلاّ فیما یخشی منه النقص فی محاسن الزوجة بانهدام أسنانها أو ضرر فی بدنها ونحو ذلک ، وأمّا المالک فیلزم استئذانه مطلقاً »(1) .

وتبعه بعض أساتیذنا _ مدظله _ فی غیر الوصل ، فقال : « وأمّا الخصال الثلاث الأخر فهی من اُوضح مصادیق الزینة ، فإن وقعت بقصد التدلیس أو بقصد جذب الفسّاق من الأجانب _ علی ما کانت تصنعه الفواجر _ کانت محرّمة بلا إشکال ، وإلاّ فلا وجه لحرمتها بل ولا کراهتها ، ولا سیما فیما إذا تزیّنت بها المرأة لزوجها وأخفتها عن الأجانب ، بل یمکن القول بحسنها عقلاً واستحبابها شرعاً فی هذه الصورة ، لإعفاف الزوج وإقناعه وکفّه عن المحرّمات ، وعلی ذلک استقرت سیرة العقلاء بل والمتشرعة أیضاً ، وتحمل أخبار النهی واللعن علی موارد التدلیس وقصد الفساد أو المعرضیّة لهما ، ولا سیما بعد تفسیر الوصل فیها بالقیادة التی لا إشکال فی حرمتها ، فتدبر »(2) .

أقول : هذا الجمع حسن متین ترضی النفس به ، وأمّا إخراج الوصل عن بقیة الاُمور کما صنعه الاُستاذ _ مد ظله _ غیر تام علی ما یخطر بالبال ، وقبلهما ذهب إلی هذا الجمع المحقق البحرانی قدس سره فی الحدائق(3) . وهذا تمام الکلام فی حکم هذه الأعمال ، والحمد للّه العالم بالأحکام والأحوال .

ص:267


1- (3) تبصرة الفقهاء 1 / 181 .
2- (1) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 484 .
3- (2) الحدائق 18 / 195 و 197 .

الجهة الثالثة : تدلیس الماشطة

اشارة

قال فی الحدائق : « والمراد بذلک : ما إذا أرادت تزویج إمرأة برجل ومثله بیع أمة ، بأن تستر عیوبها وتظهر لها محاسن لیست فیها ، کتحمیر وجهها ووصل شعرها ونحو ذلک ممّا یوجب رغبة الزوج فی تزویجها أو المالک فی شرائها »(1) .

هذا الکلام من صاحب الحدائق قدس سره یبیّن لنا محط نظر الأصحاب فی البحث ، وهو : إرادة الماشطة المدلِّسة تزویج المرأة أو بیع الأمة ، یعنی یصدق علی نفس فعل الماشطة التدلیس . وبعبارة اُخری : الماشطة هی التی ترید تزویج المرأة أو بیع الأمة بالتدلیس ، والشاهد علی ما ذکرنا ملاحظة کلمات أصحابنا قدس سرهم فی المقام ، نحو :

1 _ المحقق الأردبیلی قدس سره قال : « المراد تدلیس المرأة التی ترید تزویج امرأة برجل أو بیع أمة ، بأن تستر عیبها وتظهر ما یحسنها من تحمیر وجهها ووصل شعرها مع عدم علم الزوج والمشتری بذلک »(2) .

2 _ قال الفقیه السید علی الطباطبائی فی الریاض : « تدلیس الماشطة بإظهارها فی المرأة محاسن لیست فیها من تحمیر وجهها ووصل شعرها ونحو ذلک إرادة منها ترویج کسادها »(3) .

یعنی أرادت الماشطة بنفسها ترویج کسادها .

3 _ وقال الفاضل النراقی قدس سره : « تدلیس الماشطة بإظهارها فی المرأة محاسن لیست فیها لترویج کسادها ... »(4) .

4 _ وقال الفقیه صاحب الجواهر : « تدلیس الماشطة مثلاً الإمرأة علی خطّابها والجاریة علی مشتریها بإظهار حسن لیس فیها وإخفاء قبحها کتحمیر وجهها ووصل شعرها ونحو ذلک »(5) .

ص:268


1- (3) الحدائق 18 / 194 .
2- (4) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 83 .
3- (5) ریاض المسائل 8 / 172 .
4- (1) مستند الشیعة 14 / 171 .
5- (2) الجواهر 22 / 113 .

5 _ وقال تلمیذه السید علی آل بحر العلوم قدس سره : « ومن أفراد الغش تدلیس الماشطة بفعل ما تری المرأة لخاطبها أو الأمة لمشتریها فی محاسن لیست فیها واقعاً کتحمیر وجهها وتسوید شعرها وغیر ذلک مع فرض حصول الغش والتدلیس به ، فیحرم لحرمة الغش ویلزمه حرمة عوض العمل ... »(1) .

والغرض من نقل کلمات هؤلاء وهم من أساطین الفقه ، أنّ محط البحث والکلام فی مورد تدلیس واقع علی ید الماشطة ، وهی عالمة قاصدة به ، مضافاً إلی هذه التصریحات تدلّ علیه بیانهم بأنّ ذکر الماشطة وقع علی سبیل المثال ، ولو أن المرأة بنفسها قامت بهذا التدلیس فعملها أیضاً محرّم ولذا قال المحقق الأردبیلی : « بل ولو فعلت المرأة بنفسها ذلک کذلک »(2) ، ونحوه عبارة ثانی الشهیدین فی کتابه المسالک(3) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة(4) .

وقال المحقق البحرانی : « والظاهر أنّ ذکر الماشطة فی کلامهم إنّما مخرج التمثیل وإلاّ لو فعلت المرأة بنفسها ذلک للغرض المذکور فالظاهر أنّ الحکم فیها کذلک »(5) .

فعلی ما ذکرنا بطوله من کلمات الأصحاب ظهر لک أنّ محلّ البحث فی تدلیس الماشطة أعنی فعل التدلیس الذی وقع علی ید الماشطة کما یُشعر بذلک عنوان البحث ، ولذا لم یرد علیهم ما ذکره المحقق الإیروانی : « أنّ الماشطة لا ینطبق علی فعلها غشّ ولا تدلیس ، إنّما الغش

والتدلیس یکون بفعل من یعرض المغشوش والمدلس فیه علی البیع ، نعم الماشطة أعدّت المرأة لأنْ یغشّ بها ، وحالها کحال الحائک الذی بفعله تعدّ العمامة لأنْ یدلس بلبسها وکفعل السبحة المعدّ لها لأن یدلّس بالتسبیح بها ریاءً»(6) .

ص:269


1- (3) برهان الفقه / کتاب التجارة / 39 .
2- (4) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 83 .
3- (5) مسالک الأفهام 3 / 130 .
4- (6) مفتاح الکرامة 4 / 58 _ (12 / 194 من طبعة جماعة المدرسین) .
5- (7) الحدائق 18 / 194 .
6- (1) حاشیة المکاسب 1 / 117 .

واستجوده المحقق الخوئی فی تقریرات بحثه(1) .

ولکن قد عرفت أنّ المحقق الإیروانی قدس سره أخرج کلام الأصحاب عن مورده ثمّ استشکل علیه ، والحقّ ما ذکرناه .

ثمّ بعد ظهور محل الکلام فی البحث لابدّ من ذکر الأدلة التی اُقیمت علی حرمة تدلیس الماشطة فنقول :

الدلیل الأوّل : الإجماع قام علی تحریم تدلیس الماشطة :

أوّل من ادعی علیه الإجماع المحقق الأردبیلی(2) ثم تبعه أصحاب الریاض(3) والمستند(4) وشرح القواعد(5) ومفتاح الکرامة(6) والجواهر(7) وحاشیة المکاسب(8) .

وفیه : أولاً : تحصیل الإجماع فی کلمات القدماء من أصحابنا مشکل ، وهو الحجة فی المقام .

وثانیاً : یحتمل أن یکون الإجماع مدرکیاً وکون مدرکهم الدلیل الآتی .

الدلیل الثانی : الغش والتدلیس حرام بالروایات الصحاح ، وهذا العمل من الماشطة أیضاً تدلیس ، فهذا العمل حرام .

ویأتی منّا أدلة حرمة الغش فی بحثه إن شاء اللّه تعالی ، ولم یرد فی خصوص تدلیس الماشطة روایة خاصة کما اعترف به المحقق البحرانی قدس سره فی الحدائق(9) ، ولا نحتاج إلیه بعد

ص:270


1- (2) مصباح الفقاهة 1 / 198 .
2- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 83 .
3- (4) ریاض المسائل 8 / 172 .
4- (5) مستند الشیعة 14 / 171 .
5- (6) شرح القواعد 1 / 212 للشیخ الأکبر کاشف الغطاء .
6- (7) مفتاح الکرامة 4 / 58 _ (12 / 193 من طبعة جماعة المدرسین) .
7- (8) الجواهر 22 / 113 .
8- (9) حاشیة المکاسب / 15 للفقیه الطباطبائی الیزدی (1 / 91) .
9- (10) الحدائق 18 / 194 .

دخول فعلها فی التدلیس والغش الثابت حرمتهما بالروایات الصحاح .

فعلی ما ذکرنا ظهر ما فی کلام الفقیه الیزدی قدس سره من الحکم بالحرمة علی فعل الماشطة مع قصد التدلیس(1) .

والوجه فی ذلک : أنّ التدلیس والغش فعل خارجی لا یحتاج إلی القصد والنیة ، فلو أنّ شخصاً لم یقصد التدلیس والغش ولکن صدق علی فعله أنّه غشّ أو دلَّس کان فعله محرّماً ، والأمر فی الماشطة أیضاً کذلک .

وبالجملة ، تدلیس الماشطة بما أنّه تدلیس وغشّ یشمله الأدلة العامة فی حرمة الغش فهو حرام . هذا کلّه إذا صدق علی فعل الماشطة أنّها تغش أو تدلّس ، بأن تتصدی هی بنفسها لتزویج المرأة أو بیع الأمة .

ولکن إذا لم تتصد الماشطة ذلک للتزویج أو البیع ، والولی أو المرأة بنفسهما تصدیا للتزویج والمالک تصدی لبیع أمته ، والماشطة مشغولة بفعلها یعنی المِشاطة والتزیین فقط . فحینئذ تارة تعلم الماشطة بأن یُغشّ أو یُدلّس بفعلها وتارة لا تعلم ، فعلی فرض علمها یمکن الحکم بحرمة فعلها علی القول بحرمة الإعانة علی الإثم مطلقاً ، وقد مرّ منّا الإشکال فی ذلک .

وعلی فرض عدم علمها لا یمکن الحکم بالحرمة مطلقاً ، لعدم الدلیل علیها .

فرع مستحدث

ظهر ممّا ذکرنا فی حکم تدلیس الماشطة ، حکم العملیة الجراحیة البلاستیکیة المعمولة فی عصرنا هذا علی وجوه النساء وأعضائهنَّ وحتّی علی فروجهنّ من تضییقه وتحسینه وترمیم بکارته ، من عدم حرمة هذه العملیة من هذه الجهة إلاّ إذا صدق علیها عنوان الغش والتدلیس ، وهو لا یصدق علی فعل الجرّاح إلاّ فی موارد نادرة کما لا یخفی .

وهذا تمام الکلام فی بحث تدلیس الماشطة والحمد للّه أوّلاً وآخراً وهو العالم بأحکامه .

ص:271


1- (1) حاشیة المکاسب / 15 (1 / 92) .

تزیین الرجل بما یحرم علیه

اشارة

قد تعرّض الشیخ الأعظم قدس سره (1) تحت هذا العنوان لمسألتین :

1 _ تزیین الرجل بالحریر والذهب .

2 _ تشبّه الرجل بالمرأة وعکسه ولذا نبحث عنهما فی مقامین :

المقام الأوّل : تزیین الرجل بالحریر والذهب

اشارة

هل المحرّم علی الرجل عنوان التزیّن بالحریر والذهب أو لبسهما فلو لم یصدق التزیین ؟ لأنّ بینهما عموم وخصوص من وجه ، قد یصدق الزینة ولا یصدق اللبس کما إذا خیط بالحریر أو الذهب الثوب ، أو شدّ الأسنان بالذهب أو تعلیق الساعة علی اللباس بالذهب ، وقد یصدق اللبس ولا یصدق الزینة کلبسهما تحت الألبسة وتختم الرجل بالذهب للتجربة والإمتحان ، وقد یصدق اللبس والزینة معاً کمن لبس لباساً من الحریر خاصة أو الحریر والذهب ممزوجاً ونحوهما . فلابدّ من ملاحظة الأدلة فی المقام حیث ثبت أنّ المحرّم فیها عنوان التزیین أو اللبس أو کلیهما ، ولذا نبحث عنها فی جهتین :

الجهة الأولی : أدلة حرمة الحریر إلاّ ما استثنی علی الرجال

الدلیل الأوّل : أدعی المحقق الأردبیلی قدس سره الإجماع علی حرمة التزیین بهما للرجال وهکذا فی المسألة الثانیة أعنی التشبّه ، ولکن استشکل فیه بقوله : « والإجماع غیر ظاهر فیما قیل »(2) .

ولکن ادعی الفقیه السید علی الطباطبائی قدس سره الإجماع علی حرمة تزیین الرجل

ص:272


1- (1) المکاسب 1 / 173 .
2- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 85 .

بالذهب وإن قلّ والحریر إلاّ ما استثنی(1) ، وهکذا الفاضل النراقی(2) .

وذهب صاحب الجواهر إلی الإجماع بین المسلمین فی عدم جواز لبس الحریر المحض

للرجال ، وإلی الإجماع عندنا فی عدم جواز الصلاة فیه إذا کان ممّا تتمّ به الصلاة(3) .

فالدلیل الأوّل علی حرمة الحریر علی الرجال هو الإجماع بین المسلمین والفریقین .

وفیه : ثبوت إتفاق الفقهاء من العامة والخاصة علی حرمة الحریر للرجل متحقق ، ولکن هل هذا علی نحو اللبس أو التزیین غیر معلوم ، هذا أولاً .

وثانیاً : تحصیل الإجماع المحصَّل فی المقام مشکل کما مرّ من المحقق الأردبیلی قدس سره .

وثالثاً : الإجماع علی فرض ثبوته مدرکی ومأخذه الروایات الواردة فی المقام ، فلا یفید الإجماع شیئاً و لابدّ من ملاحظة الروایات .

الدلیل الثانی : الروایات تدلّ علی حرمة لبس الحریر علی الرجل .

منها : معتبرة محمّد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا یصلح لباس الحریر والدیباج ، فأمّا بیعهما فلا بأس(4) .

بقرینة الحکم والموضوع وغیرها من الروایات ، فإن الروایة تدل علی حرمة لبس الحریر والدیباج علی الرجل مطلقاً ، یعنی فی حال الصلاة وغیرها . والسند قوی ومعتبر .

ومنها : خبر جراح المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام إنّه کان یکره أن یلبس القمیص المکفوف بالدیباج ، ویکره لباس الحریر ولباس الوشی [ القسی ] ، ویکره المیثرة الحمراء فإنّها میثرة إبلیس(5) .

والروایة تدل علی حرمة لبس الحریر والدیباج علی الرجل ، ومن المعلوم أنّ الکراهة فی لسان الأئمة علیهم السلام تحمل علی الحرمة .

ص:273


1- (3) ریاض المسائل 8 / 173 .
2- (4) مستند الشیعة 14 / 173 .
3- (1) الجواهر 8 / 114 .
4- (2) وسائل الشیعة 4 / 368 ح 3 _ الباب 11 من أبواب لباس المصلی .
5- (3) وسائل الشیعة 4 / 370 ح 9 .

والوشی فی اللغة : تحسین الشیء وتزیینه(1) ، ولباس الوشی لعله کان لباساً فی تلک الأعصار یزیّنونه بالحریر ، وتظهر من مکاتبة الحمیری أنّه یعمل من قزّو أبریسم(2) . وأمّا إذا کان لباس القسی - کما فی نسخة - فالمراد به ثیابٌ یوتی بها من الیمن کما فی معجم مقاییس اللغة(3) أو ثیاب فیها حریر تجلب من مصر ، نسبة إلی قریة تصنع بها کما فی لسان العرب(7) ،ولم

ینقل لنا کیفیته ولکن الظاهر أنّه أیضاً یصنع من الحریر والدیباج بقرینة عطفه فی کلامه علیه السلام بلباس الحریر .

وأمّا المیثرة : شیءٍ یحسن بقطن أو صوف ویجعله الراکب تحته ، وجمعه میاثر ومؤاثر(4) . وعلی هذا المعنی لابدّ من حمل النهی عن المیثرة الحمراء علی الکراهة کما هو واضح .

وبالجملة ، الروایة تدلّ علی حرمة لبس الحریر والدیباج علی الرجال ، ولکن سندها ضعیف بقاسم بن سلیمان ، لأنّ الرجالیین توقفوا فیه ولم یوثقوه .

ومنها : معتبرة مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع خصال : منها لباس الإستبرق والحریر والقَزِّ والأرجوان(5) .

والروایة تدلّ حرمة لبس الحریر ، لأنّ النهی ظهوره فی الحرمة ، والسند لا بأس به .

ومنها : معتبرة إسماعیل بن الفضل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا یصلح للرجل أن یلبس الحریر إلاّ فی الحرب(6) .

النهی یدلّ علی حرمة لبس الحریر للرجال ، والإستثناء یدلّ علی جوازه فی الحرب .

ص:274


1- (4) معجم مقاییس اللغة لابن فارس 6 / 114 .
2- (5) وسائل الشیعة 4 / 375 ح 8 الباب 13 من أبواب لباس المصلی .
3- (6) معجم مقاییس اللغة 5 / 10 .
4- (1) لسان العرب 6 / 175 .
5- (2) مجمع البحرین 3 / 509 .
6- (3) وسائل الشیعة 4 / 371 ح 11 .

وسند الروایة معتبر بعبد اللّه بن محمد بن عیسی أخی أحمد الثقة ، وعبد اللّه کان معتمداً علیه ، وإسماعیل بن الفضل هو الهاشمی الثقة .

ومنها : موثقة ابن بکیر عن بعض أصحابنا عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا یلبس الرجل الحریر والدیباج إلاّ فی الحرب(1) .

ظهور النهی فی الحرمة واضح ، ولکن فی سند الروایة إرسال .

ومنها : موثقة سماعة بن مهران قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن لباس الحریر والدیباج ، فقال : أمّا فی الحرب فلا بأس به وإن کان فیه تماثیل(2) .

فی هذه الموثقة إشعار بأنّ فی غیر الحرب به باسٌ ، یعنی یحرم فی غیر الحرب .

ومنها : مرسلة الصدوق قال : لم یطلق النبی صلی الله علیه و آله وسلم لبس الحریر لأحد من الرجال إلاّ لعبد الرحمن بن عوف وأنّه کان رجلاً قِملاً(3) .

دلالتها علی حرمة لبس الحریر للرجال واضحة ، ولکن فی سندها إرسال .

ومنها : صحیحة زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام ینهی عن لباس الحریر للرجال والنساء إلاّ ما کان من حریر مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو کتان أو قطن ، وإنّما یکره الحریر المحض للرجال والنساء(4) .

الروایة تدلّ علی حرمة لبس الحریر المحض للنساء والرجال ، ولکن النساء خرجنّ بواسطة غیرها من الروایات من هذه الحرمة الی الجواز وبقی الرجال فی الحکم بالحرمة .

وبالجملة ، هذه الروایات کما تری تدلّ علی حرمة لبس الحریر للرجال فقط ولم یرد فیها عنوان التزیین ، فما حرم علی الرجال لبس الحریر المحض وبطلت صلاتهم فیها کما تدلّ علیه الروایات(5) . نعم استثنی لهم ما لا تتمّ الصلاة فیه کالقلنسوة ونحوها .

ص:275


1- (4) وسائل الشیعة 4 / 371 ح 1 الباب 12 من أبواب لباس المصلی .
2- (5) وسائل الشیعة 4 / 372 ح 2 .
3- (1) وسائل الشیعة 4 / 372 ح 3 .
4- (2) وسائل الشیعة 4 / 372 ح 4 .
5- (3) وسائل الشیعة 4 / 374 ح 5 _ الباب 13 من أبواب لباس المصلی .
الجهة الثانیة : أدلة حرمة الذهب علی الرجال

تدلّ عدّة من الروایات علی حرمة لبس الذهب علی الرجال :

منها : موثقة روح بن عبد الرحیم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لأمیر المؤمنین علیه السلام : لا تتختم بالذهب فإنّه زینتک فی الآخرة(1) .

نهی صلی الله علیه و آله وسلم عن التختم بالذهب ، والتختم من أظهر مصادیق الزینة وإن صدق فی لسان العرب علیه اللبس ، والتعلیل أیضاً فیه إشعار بحرمة هذا التزیین فی الدنیا . وسند الروایة موثق ، لأن المراد بغالب بن عثمان هو المنقری الثقة وإن کان واقفیاً بقرینة روایة ابن فضال عنه وروایته عن روح بن عبد الرحیم ، فالروایة موثقة سنداً به وبابن فضال .

ومنها : خبر أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام : أنّ النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال لعلیّ علیه السلام : إنّی اُحبّ

لک ما اُحبّ لنفسی وأکره لک ما أکره لنفسی ، لا تتختم بخاتم ذهب فإنّه زینتک فی الآخرة ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر حنان بن سدیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته یقول : قال النبی صلی الله علیه و آله وسلم لعلیّ علیه السلام : إیّاک أن تتختّم بالذهب ، فإنّه حلیتک فی الجنة ، وإیّاک أن تلبس القسی(3) .

ومنها : خبر جراح المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا تجعل فی یدک خاتماً من الذهب(4) .

ومنها : معتبرة عمار بن موسی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث قال : لا یلبس الرجل الذهب ولا یصلّی فیه ، لأنّه من لباس أهل الجنة(5) .

هذه الروایة تدلّ علی حرمة لبس الذهب علی الرجال وبطلان الصلاة فیه وسندها معتبر .

ص:276


1- (4) فراجع وسائل الشیعة 4 / 376 الباب 11 من أبواب لباس المصلی .
2- (1) وسائل الشیعة 4 / 414 ح 6 .
3- (2) وسائل الشیعة 4 / 416 ح 11 .
4- (3) وسائل الشیعة 4 / 413 ح 2 .
5- (4) وسائل الشیعة 4 / 413 ح 4 .

ومنها : خبر موسی بن أکیل النمیری عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الحدید : إنّه حلیة أهل النار والذهب أنّه حلیة أهل الجنة ، وجعل اللّه الذهب فی الدنیا زینة النساء ، فحرّم علی الرجال لبسه والصلاة فیه ، الحدیث(1) .

فی الروایة إشعار بحرمة التزین بالذهب علی الرجال ، والتلبس به من أحد مصادیقه .

ومنها : معتبرة مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد علیه السلام عن أبیه علیه السلام : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع ، منها : التختّم بالذهب(2) .

ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن الرجل هل یصلح له أن یتختم بالذهب ؟ قال : لا(3) .

الظاهر أن النهی فی عدم جواز التختم بالذهب بعنوان أحد مصادیق التزیّن والتحلی

به ، ولا نری الفرق بین التختم بالذهب وغیره من الحلی والزینة . وسند الروایة صحیح ، لأنّ لصاحب الوسائل سنداً صحیحاً إلی کتاب علی بن جعفر العریضی قدس سره .

ومنها : خبر البراء بن عازب قال : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن سبع وأمر بسبع ، نهانا أن نتختّم بالذهب وعن الشرب فی آنیة الذهب والفضة وقال : من شرب فیها فی الدنیا لم یشرب فیها فی الآخرة ، وعن رکوب المیاثر ، وعن لبس القسیّ ، وعن لبس الحریر والدیباج والإستبرق ، وأمرنا باتباع الجنائز وعیادة المریض وتسمیت العاطس ونصرة المظلوم وإفشاء السلام وإجابة الداعی وإبراء القسم(4) .

سند الروایة ضعیف بعدّة من الضعاف والمجاهیل .

ومنها : خبر إبن عباس عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال فی حجة الوداع : إنّ من أشراط القیامة إضاعة الصلاة - إلی أن قال : - فعند ذلک تحلّی ذکور اُمّتی بالذهب ویلبسون الحریر والدیباج ، الحدیث(5)

ص:277


1- (5) وسائل الشیعة 4 / 414 ح 5 .
2- (6) وسائل الشیعة 4 / 415 ح 9 .
3- (7) مسائل علی بن جعفر العریضی / 162 ح 251 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 4 / 415 ح 10 .
4- (1) وسائل الشیعة 4 / 415 ح 8 .
5- (2) وسائل الشیعة 15 / 348 ح 22 _ الباب 49 من أبواب جهاد النفس .

ومنها : خبر جابر الجعفی عن الباقر علیه السلام أنّه قال : لیس علی النساء أذان ولا إقامة إلی أن قال : ویجوز للمرأة لبس الدیباج والحریر فی غیر صلاة وإحرام وحرم ذلک علی الرجال إلاّ فی الجهاد ، ویجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّی فیه وحرم ذلک علی الرجال [ إلاّ فی الجهاد ] ، قال النبی صلی الله علیه و آله وسلم : یا علی لا تتختّم بالذهب فإنّه زینتک فی الجنة ، ولا تلبس الحریر فإنّه لباسک فی الجنة ، الحدیث(1) .

ومنها : مرسلة دعائم الإسلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه نهی الرجال عن حلیة الذهب ، قال : هی حرام فی الدنیا(2) .

ومنها : مرفوعة القطب الراوندی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه خرج وفی إحدی یدیه ذهب والاُخری حریر وقال : إنّ هذین محرّمان علی ذکور اُمتی ، حلّ لاُناثها(3) .

ظاهر هذه الروایات بقرینة تناسب حکمها وموضوعها أنّ التزیّن والتزیین بالذهب

والتلبس به علی الرجال حرام ، ولا تنحصر الحرمة بالتلبس بالذهب فقط بخلاف الحریر ، فإن التلبس به کان علی الرجال حراماً . وأمّا الذهب حرمته لا تنحصر بالتلبس بل تشمل التزیّن أیضاً . ویؤید ما ذکرنا قوله تعالی : «جَنَّاتُ عَدْنٍ یَدْخُلُونَهَا یُحَلَّوْنَ فِیهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِیهَا حَرِیرٌ»(4) .

حیث جعل اللّه تعالی الذهب حلّی أهل الجنة وزینتهم وجعل لباسهم الحریر . والروایات أیضاً أشارت إلی الآیة الشریفة حیث ورد فیها : « فإنّه (أی الذهب) زینتک فی الآخرة أو فی الجنة » .

وبالجملة ، مدار الحرمة فی الذهب علی التزیین واللبس معاً علی الرجال وفی الحریر علی اللبس فقط علیهم .

فعلی ما ذکرنا تمت الحرمة التکلیفیة الواردة فی کلام صاحب العروة قدس سره لا الحرمة

ص:278


1- (3) الخصال 2 / 588 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 3 / 218 ح 5 .
2- (4) دعائم الاسلام 2 / 164 ح 588 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 3 / 218 ح 3 .
3- (5) مستدرک الوسائل 3 / 219 ح 6 .
4- (1) سورة فاطر / 33 .

الوضعیة ، حیث یقول فی المسألة 23 من شرائط لباس المصلی : « ... نعم إذا کان زنجیر الساعة من الذهب وعلّقه علی رقبته أو وضعه فی جیبه لکن علّق رأس الزنجیر یحرم ، لأنّه تزیین بالذهب ولا تصح الصلاة فیه أیضاً »(1) .

لأنّنا استفدنا حرمة التزیین بالذهب علی الرجال من الروایات ، وأمّا الحرمة الوضعیة بالنسبة إلی الصلاة - یعنی بطلانها - فیدور مدار لبس الذهب وصدق عنوان الصلاة فیه ، یعنی إذا صدق أنّه صلی فی الذهب کانت صلاته باطلة . وفی صدق التلبس وإقامة الصلاة فیه فی مثل تعلیق الزنجیر الذی ذکره فی هذه المسألة مشکل جداً بل منع ظاهر . کما وافقنا فی هذا الفرض بعض المحشین للعروة ، نحو : بعض أساتیذنا _ مد ظله _(2) والسید السیستانی(3) _ مد ظله _ وقبلهما تنظّر السید الحکیم قدس سره فی بطلان الصلاة(4) . وأمّا شدّ الأسنان بالذهب فلا یصدق علیه عنوان التزیین عرفاً ، وعلی فرض صدقه عرفاً فهو مقام العلاج ویکون من الضرورات التی تبیح المحظور ، مضافاً إلی ورود روایة صحیحة تجوّز شدّ الأسنان بالذهب ،

وهی :

صحیحة محمّد بن مسلم قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یمضغ علکاً ، فقال : یا محمد نقضت الوسمة أضراسی فمضغت هذا العلک لأشدّها ، قال : وکانت استرخت فشدّها بالذهب(5) .

والروایة بقرینة تناسب الحکم والموضوع وعدم الفرق بین الأضراس وغیرها من الأسنان تشمل الأسنان البارزة أیضاً ، فیجوز شدّ الأسنان بالذهب مطلقاً إذا کان الشدّ فی مقام العلاج ، واللّه العالم .

هذا تمام الکلام فی المقام الأوّل والمسألة الأولی .

ص:279


1- (2) العروة الوثقی / المسألة 23 من شرائط لباس المصلی .
2- (3) التعلیقة علی العروة الوثقی 1 / 261 .
3- (4) العروة الوثقی مع تعلیقة السید السیستانی 2 / 51 .
4- (5) العروة الوثقی 2 / 343 طبع جماعة المدرسین بقم المقدسة مع 15 حاشیة من أعلام الفقهاء والمراجع .
5- (1) وسائل الشیعة 2 / 93 ح 3 _ الباب 49 من أبواب آداب الحمام . و4 / 416 ح 1 الباب 31 من أبواب لباس المصلی .

المقام الثانی : تشبّه الرجل بالمرأة وعکسه

هل المحرّم علی الرجل والمرأة تزیی أحدهما بزیّ الآخر فی اللباس والزینة وظهوره فی المجتمع بهیئة الآخر ، أو المحرّم علیها اللواط والمساحقة ، أو التزیّ التی مآلها إلی الإرتباطات الجنسیة المنحرفة لأنّهما من أظهر مصادیق التأنث والتذکّر ؟ فلابدّ من مراجعة روایات الباب حتّی یظهر الجواب :

فمنها : خبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم _ فی حدیث _ لعن اللّه المحلِّل والمحلَّل له ، ومن تولّی غیر موالیه ، ومن ادعی نسباً لا یعرف ، والمتشبّهین من الرجال بالنساء والمتشبّهات من النساء بالرجال ، ومن أحدث حدثاً فی الإسلام أو آوی محدِثاً ، ومَنْ قَتَلَ غیر قاتله أو ضرب غیر ضاربه(1) .

الروایة تدلّ علی حرمة مطلق تشبّه الرجل والمرأة بالآخر ، ومنها : التشبّه بالزیّ واللباس والهیئة والجنسیة وغیرها ، کما اعترف بهذه الدلالة عدّة من الأعلام منهم : الفقیه السید محمد کاظم الطباطبائی(2) والمحقق الإیروانی(3) وناقش فیها الشیخ الأعظم(4) والمحقق

الخوئی(5) قدس سرهم .

نعم ، جواز اشتغال الرجل بأعمال المرأة نحو الغزل والخیاطة وتغسیل الثوب وتنظیف البیت والکنس ، واشتغالها بأعماله نحو : البیع والشراء والسقی والزرع والحصد والأعمال التی تقع فی خارج البیت ، لا ینتقض علینا ، لأنّ خروج هذه الإشتغالات من محلّ البحث تخصصاً واضح ، ولم یذهب فقیه إلی حرمتها بإطلاق حرمة التشبّه ، فلا یتمّ ما ذکره المحقق الخوئی قدس سره فی

ص:280


1- (2) وسائل الشیعة 17 / 248 ح 1 الباب 87 من أبواب ما یکتسب به .
2- (3) حاشیة المکاسب / 16 _ (1 / 99 من الطبعة الحدیثة) .
3- (4) حاشیة کتاب المکاسب 1 / 122 .
4- (5) المکاسب المحرمة / 22 _ (1 / 174 من الطبعة الحدیثة) .
5- (1) مصباح الفقاهة 1 / 208 .

المقام ، فراجع تمام کلامه فی مصباحه(1) .

وأمّا ضعف سندها فمنجبر بالشهرة کما اعترف به الفقیه الیزدی قدس سره (2) .

ومنها : معتبرة بل موثقة عمرو بن خالد عن زید بن علی عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام أنّه رأی رجلاً به تأنیث فی مسجد رسول اللّه ، فقال له : اُخرجْ من مسجد رسول اللّه یا من لعنه رسول اللّه ، ثم قال علی علیه السلام : سمعتُ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یقول : لعن اللّه المتشبهین من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال(3) .

وفی حدیث آخر : أخرجوهم من بیوتکم فإنّهم أقذر شیءٍ(4) .

الروایة تدلّ علی حرمة تشبّه الرجل بالمرأة وعکسه مطلقاً ، واختصاصها باللواط واضح المنع ، لعدم لزوم خروج الملوط من مسجد رسول اللّه وعدم إمکان الإتیان بالفعل الشنیع فیه ، فظهور الروایة فی الرجل الذی تشبّه بالنساء فی الزیّ والهیئة واللباس والزینة ونحوها ثابتٌ .

وأمّا سندها موثق أو معتبر أقلاً ، لأنَّ جلالة ووثاقة الصدوق ووالده ومحمد بن یحیی ومحمد بن أحمد وأحمد بن أبی عبد اللّه البرقی واضح ، وأمّا أبو الجوزاء فهو منبه بن عبد اللّه الثقة ، والحسین بن علوان الکلبی أیضاً ثقة أو معتبر ، نعم فی مذهبه خلاف من أنّه عامّی أو هو من الخاصة مع ثبوت وثاقة أخیه الحسن وکونه إمامیاً . وعمرو بن خالد الواسطی ثقة وقد یقال بأنّه من العامة ، ولکنّه بالزیدیة أقرب من العامّة ، لأنّ أکثر مایروی عن زید بن علی بن

الحسین علیهم السلام .

فالظاهر أنّ السند بنظرنا القاصر موثق أو معتبرٌ و لا أقل من حسنه ، فلا إشکال فی السند ، والدلالة أیضاً معلومة . فالروایة تدلّ علی حرمة مطلق التشبّه .

ومنها : موثقة أو معتبرة اُخری لعمرو بن خالد عن زید بن علی عن آبائه علیهم السلام عن

ص:281


1- (2) مصباح الفقاهة 1 / 208 .
2- (3) حاشیة المکاسب / 16 ،(1 / 100 من الطبعة الحدیثة) .
3- (4) علل الشرائع / 602 ح 63 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17/ 284 ح 2 و 20 / 337 ح 9 .
4- (5) علل الشرائع/602 ح 64 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17/285 ح 3 و 20 / 338 ح 10 .

علی علیه السلام قال : کنت مع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم جالساً فی المسجد حتّی أتاه رجل به تأنیث ، فسلّم علیه فردّ علیه ، ثم أکبّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی الأرض یسترجع ، ثم قال : مثل هؤلاءِ فی اُمّتی ، إنّه لم یکن مثل هؤلاء فی اُمّة إلاّ عُذبتْ قبل الساعة(1) .

دلالة هذه الروایة علی حرمة مطلق التشبّه مشکلٌ ، ولمستشکل أن یقول : إنّ المراد بالتأنیث کون الرجل ملوطاً . ولکن الصحیح أن کونه ملوطاً من أظهر مصادیق التأنث ، لا أنّ التأنث منحصر به .

نعم ، لا إطلاق فی الروایة حتّی تدلّ علی حرمة مطلق التشبّه کما مرّ .

ومنها : خبر جابر بن یزید الجعفی عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : لا یجوز لها (أی للمرأة) أن تتشبّه بالرجال ، لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لعن المتشبّهین من الرجال بالنساء ولعن المتشبّهات من النساء بالرجال(2) .

ودلالتها علی حرمة مطلق التشبّه واضح ، ولکن فی سندها ضعف .

ومنها : خبر عروة بن عبد اللّه بن قشیر [ بشیر ] قال : دخلت علی فاطمة بنت علی بن أبی طالب علیه السلام وهی عجوزة کبیرة وفی عنقها خرز وفی یدها مسکتان ، فقالت : یکره للنساء أن یتشبَّهنَ بالرجال ، الحدیث(3) .

الروایة أقوی شاهد علی ما ذکرنا ، حیث استفادت بنت أمیر المؤمنین علیه السلام ، فیها تزیّنها مع کبر سنها من حرمة تشبّه النساء بالرجال من ترک الزینة وتعطیلها ، وهذه الإستفادة إحدی مصادیق التشبّه . وفی سندها ضعف ظاهر .

لا یقال : إنّ هذه الروایة مقطوعة لم تنقل عن المعصوم شیئاً ، فلا تفیدنا فی المقام .

لأنّا نقول : نعم هذه الروایة مقطوعة ولم تنقل من المعصوم شیئاً ، ولکن یظهر منها أنّ

حرمة تشبّه النساء بالرجال أمرٌ متسالم علیه بین المسلمین فی تلک الأعصار ، ولذا استدلّتْ واحتجتْ فاطمة بنت أمیر المؤمنین علیه السلام علی ما فی الروایة علی عدم تعطیلها وترکها للزینة

ص:282


1- (1) علل الشرائع/602 ح 65 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17/285 ح 4 و 20/ 338 ح 11 .
2- (2) مستدرک الوسائل 3 / 246 ح 1 _ الباب 9 من أبواب أحکام الملابس .
3- (3) مستدرک الوسائل 3 / 246 ح 3 .

بأنّ ترک الزینة وتعطیلها للنساء کان أمراً منهیاً عنه فی الشریعة المقدسة ، لأنّها من مصادیق تشبّه النساء بالرجال ، وهو حرام .

فإذا صار تشبّه النساء بالرجال حراماً ، کان عکسه - یعنی تشبّه الرجال بالنساء - أیضاً حراماً ، لعدم القول بالفصل .

فهذه الروایة دلّت علی حرمة مطلق التشبّه .

ومنها : خبر أبی هریرة قال : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المخنثین [ مِن ] الرجال المتشبهین بالنساء ، والمترجلات مِن النساء المتشبهات بالرجال ، الحدیث(1) .

دلالة الروایة علی الإطلاق مشکل ، وفی سندها ضعف ظاهر .

ومنها : خبر جبیر بن نقیر الحضرمی قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : لعن اللّه ُ وأمنت الملائکة علی رجل تأنّث وامرأة تذکّرت ، الحدیث(2) .

دلالتها وسندها کالروایة السابقة .

ومنها : مرسلة الطبرسی رفعه عن أبی أمامة عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : أربع لعنهم اللّه مِنْ فوق عرشه وأمنت علیه ملائکته : الذی یحصر نفسه فلا یتزوّج ، ولا یتسرّی لئلا یولد له ، والرجل یتشبّه بالنساء وقد خلقه اللّه ذکراً ، والمرأة تتشبّه بالرجال وقد خلقها اللّه اُنثی(3) .

دلالتها علی حرمة مطلق التشبّه تام ، ولکن فی سندها إرسالٌ .

ومنها : مرسلة دعائم الاسلام رفعها عن الصادق علیه السلام أنّه قال : إنَّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهی النساء أن یکنّ معطلات من الحُلی ، ولا یتشبهن بالرجال ، ولعن من فعل ذلک منهنَّ(4) .

الروایة تدلّ علی حرمة مطلق تشبّه النساء بالرجال ومنها ، تعطیلهنّ الزینة والحُلی کما مرّ منّا فی ذیل روایة عروة بن عبد اللّه الماضیة ، ولکن فی سندها إرسالٌ .

وأمّا ما ورد فی بعض الروایات من تفسیر تشبّه النساء بالرجال بالمساحقة ، وتفسیر

ص:283


1- (1) مستدرک الوسائل 13 / 202 ح 1 الباب 70 من أبواب ما یکتسب به .
2- (2) مستدرک الوسائل 13 / 203 ح 3 .
3- (3) مجمع البیان 4 / 140 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 203 ح 2 .
4- (4) دعائم الاسلام 2 / 163 ح 580 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 3 / 247 ح 4 .

تشبّه الرجال بالنساء باللواط ، مضافاً إلی ضعف سندها ،ذُکرت فیها إحدی مصادیق هذا التشبّه لا أنّها انحصر التشبّه بهما فقط أو ذکرت فیها أظهر مصادیق التشبّه . کما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ _ مد ظله _ من إحتمال أنّها أقوی مراتب التشبّه ، لا تمام مراتبه(1) .

أضف إلی ذلک ما لو کان المراد بالتشبّه ما وردت هکذا ، فما الفرق بین مدلول هذه الروایات والروایات الواردة فی حرمة اللواط والمساحقة ؟ فلابدّ حینئذ عدّها منهنّ ، مع أنّ ظاهر روایات التشبّه إفادة معنیً أعم منها کما بیّناه .

وأمّا الروایات التفسیر اثنتان :

إحداهما : خبر یعقوب بن جعفر قال : سأل رجل أبا عبد اللّه علیه السلام أو أبا إبراهیم علیه السلام عن المرأة تساحق المرأة ، وکان متکئاً فجلس وقال : ملعونة ملعونة الراکبة والمرکوبة وملعونة حتّی تخرج من إثوابها ، فإنّ اللّه وملائکته وأولیاءه یلعنونها ، وأنا ومن بقی فی أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فهو واللّه الزنا الأکبر ، ولا واللّه ما لهنَّ توبة ، قتل اللّه لاقیس بنت إبلیس ماذا جاءت به . فقال الرجل : هذا ما جاء به أهل العراق . فقال : واللّه لقد کان علی عهد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قبل أن یکون العراق ، وفیهنَّ قال رسول اللّه : لعن اللّه المتشبهات بالرجال من النساء ولعن المتشبهین من الرجال بالنساء(2) .

واُخراهما : روایة أبی خدیجة عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم المتشبهین من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ، وهم المخنثون واللاّتی ینکحنَ بعضهنّ بعضاً(3) .

وتؤید ما ذکرنا من أنَّ المساحقه واللواط من أظهر مصادیق التشبّه لا أنّها تنحصر بهما ، الروایات الواردة فی النهی عن تشبّه کلّ من المرأة والرجل بالآخر فی اللباس نذکر بعضها :

منها : موثقة سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یجرّ ثوبه ، قال : إنّی لأکره

ص:284


1- (1) ارشاد الطالب 1 / 117 .
2- (2) وسائل الشیعة 20 / 345 ح 5 الباب 24 من أبواب النکاح المحرّم .
3- (3) وسائل الشیعة 20 / 346 ح 6 .

أن یتشبّه بالنساءِ(1) .

لا یخفی أنّ هذه الروایة رواها أیضاً صاحب مکارم الأخلاق(2) مرسلاً کما نقل عنه فی الوسائل(3) ، ولکن رواها هنا مسنداً عن الکافی الشریف(4) .

ولا تنافی بین ما ذکرنا وعدم إفتاء الأصحاب بالحرمة فی إسبال الثوب وجرّه ، لأنّنا استفدنا من التشبیه الوارد فی الروایة فقط من أنّ الامام علیه السلام شبّه الرجل الذی جرّ ثوبه بالنساء وقال علیه السلام : « إنّی لأکره أن یتشبّه بالنساء » ، فیظهر أن التشبّه یمکن أن یکون فی اللباس ونحوه من الزینة والزی والهیئة والجنسیة وغیرها ، ویمکن أن یکون بعض مصادیق التشبّه المکروه إذا کانت ضعیفة ، نحو جرّ الثوب ، وبعض مراتبها محرّمة إذا کانت قویّة شدیدة نحو السحق واللواط .

ومنها : مرسلة الطبرسی صاحب مکارم الأخلاق رفعه عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال : کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم یزجر الرجل أن یتشبّه بالنساء وینهی المرأة أن تتشبّه بالرجال فی لباسها(5) .

دلالة الروایة علی حرمة تشبّه کلّ من الرجل والمرأة بالآخر فی اللباس تامة ، فما ذکره الشیخ الأعظم من أنّها تدلّ علی الکراهة(6) غیر تام .

ویمکن أن یُستدل لما ذکرناه من الحرمة فی المقام بالروایات الواردة فی لباس الشهرة ، ولعلّ أوّل من استدلّ بها علی مابدا لی بعد فحصی فی هذه العجالة جدنا الفقیه الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره فی شرحه علی القواعد(7) ، وتبعه بعده أعلام تلامیذه و غیرهم منهم : السید

ص:285


1- (4) وسائل الشیعة 5 / 42 ح 4 . الباب 23 من أبواب أحکام الملابس .
2- (1) مکارم الأخلاق / 118 .
3- (2) وسائل الشیعة 5 / 25 ح 1 . الباب 13 من أبواب أحکام الملابس .
4- (3) الکافی 6 / 458 ح 12 .
5- (4) مکارم الأخلاق / 118 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 25 ح 2 .
6- (5) المکاسب المحرمة / 22 _ (1 / 175 من الطبعة الحدیثة) .
7- (6) شرح القواعد 1 / 213 .

الطباطبائی فی الریاض(1) والفاضل النراقی فی المستند(2) والسید العاملی فی مفتاح الکرامة(3) وصاحب الجواهر(10) وتلمیذه السید علی آل بحر العلوم فی برهان الفقه(11) قدس سرهم .

بتقریب : أنه أفتی الأصحاب بحرمة لباس الشهرة ، وأظهر مصادیق لباس الشهرة لبس الرجل ما یختص بالمرأة وعکسه ، فالتلبس به حرامٌ .

وهذا الإستدلال تامّ لا ریب فیه ، وتدلّ علی حرمة لباس الشهرة عدّة من الروایات :

منها : صحیحة أبی أیوب الخزّاز عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اللّه یبغض شهرة اللباس(4) .

ودلالتها علی الحرمة واضحة وسندها صحیح .

ومنها : صحیحة حماد بن عثمان قال : کنت حاضراً عند أبی عبد اللّه علیه السلام إذ قال له رجل : أصلحک اللّه ذکرت أنّ علی بن أبی طالب علیه السلام کان یلبس الخشن ، یلبس القمیص بأربعة دراهم وما أشبه ذلک ونری علیک اللباس الجیّد ؟ قال : فقال له : إنّ علی بن أبی طالب علیه السلام کان یلبس ذلک فی زمان لا ینکر ، ولو لَبِسَ مثل ذلک الیوم لشهَّرَ به ، فخیر لباس کلّ زمان لباس أهله ، غیر أنّ قائمنا إذا قام لبس لباس علی علیه السلام وسار بسیرته(5) .

إذا صار لباس علی علیه السلام فی زمن الصادق علیه السلام لباس شهرةٍ ، فمصداقیة ما نحن فیه من الألبسة للباس الشهرة بطریق أولی واضحٌ .

ومنها : روایة ابن مسکان عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کفی بالمرء خزیاً یلبس ثوباً یشهره أو یرکب دابّة تشهره(6) .

ص:286


1- (7) ریاض المسائل 8 / 173 .
2- (8) مستند الشیعة 14 / 173 .
3- (9) مفتاح الکرامة 4 / 60 (12 / 198 من طبعة جماعة المدرسین) .
4- (1) الجواهر 22 / 115 .
5- (2) برهان الفقه . کتاب التجارة / 41 .
6- (3) وسائل الشیعة 5 / 24 ح 1 . الباب 12 من ابواب احکام الملابس .

قال بعض أساتیذنا _ مدظله _ فی ذیل الروایة : « قد فسّر الخزی تارة بالذلّ والهوان وتارة بالعذاب والعقاب ، وعلی الأوّل لا دلالة له علی الحرمة ، مضافاً إلی إرسال الروایة »(1) .

وفیه : الخزی حتّی لو فسّر بالذلّ والهوان یدلّ علی الحرمة ، لأنه لیس علی المؤمن أن یذلّ نفسه ، وأنّ اللّه لم یأذن للمؤمن أن یذلّ نفسه ، تدلّ علی حرمة ذلک عدّة من الروایات : نحو موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اللّه تبارک وتعالی فوّض إلی المؤمن کلّ شیءٍ

إلاّ إذلال نفسه(2) .

ومثلها فی الدلالة موثقتین لسماعة(3) ، وقد ذکرتُ روایاتها فی کتابَیَّ « ألف حدیث فی المؤمن / 112 » و « موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 4 / 32 » فراجعهما أن شئت .

ومنها : موثق عثمان بن عیسی عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : الشهرة خیرها وشرّها فی النار(4) .

الروایة مرسلة سنداً وتدلّ علی قبح الشهرة ومنها : لباسها ، وبقرینة غیرها من الروایات یحکم مضافاً إلی قبح لباس الشهرة إلی حرمتها . أو أنّ الروایة تدلّ علی الحرمة بقرینة النار التی وردت فیها ، ولکن تحمل خبر الشهرة بمعرضیتها للنار نحو : الإتیان بالعبادات والطاعات والخیرات ریاءً وسمعةً أو إیجاد العُجب والفخر فی نفسه بسببها .

ومنها : روایة أبی سعید عن الحسین علیه السلام قال : من لبس ثوباً یشهره ، کساه اللّه یوم القیامة ثوباً من النار(5) .

دلالتها علی الحرمة واضحة ، حتّی اعترف بها صاحب الوسائل(6) الذی ذهب إلی الکراهة فی لباس الشهرة بحیث جعل عنوان بابها : « کراهة الشهرة فی الملابس وغیرها »(7) .

ص:287


1- (4) الکافی 6 / 444 ح 15 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 17 ح 7 . الباب 7 من ابواب احکام الملابس .
2- (1) الکافی 5 / 63 .
3- (2) الکافی 5 / 63 و 64 .
4- (3) وسائل الشیعة 5 / 24 ح 3 .
5- (4) وسائل الشیعة 5 / 24 ح 4 .
6- (5) وسائل الشیعة 5 / 25 .
7- (6) وسائل الشیعة 5 / 24 .

والمراد بأبی سعید فی سندها هو سعد بن مالک أبو سعید الخِدْری الصحابی ، ولا أقل من حسنه إن لم نعده من الثقات ، وعدّه الکشی من السابقین الذین رجعوا إلی أمیر المؤمنین علیه السلام (1) ، فالرجل کان شیعیاً أیضاً .

ولکن فی السند محمد بن سنان وأبی الجارود ، وبالأخیر صارت الروایة ضعیفة الإسناد لِثبوت وثاقة الأوّل وضعف الثانی عندنا .

ورواها سبط الطبرسی مرسلاً عن الحسن بن علی علیهماالسلام فی مشکاة الأنوار(8) .

ومنها : مرسلة ابن أبی جمهور الأحسائی رفعه عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : من لبس ثوب شهرة فی الدنیا ألبسه اللّه ثوب مذلّة فی الآخرة(2) .

دلالتها علی الحرمة واضحة ، ولکن فی سندها إرسالٌ .

ومنها : مرسلة سبط الطبرسی نقلاً عن المحاسن عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : إنّ اللّه یبغض الشهرتین : شهرة اللباس ، وشهرة الصلاة(3) .

دلالتها علی حرمة لباس الشهرة واضحة ، ولکن فی سندها إرسال ولم أجدها فی المحاسن المطبوع لأنّها فُقدت من أصلها عدّة من الأجزاء ، ولعلّ هذه الروایة کانت فی الأجزاء المفقودة . والعلم عند اللّه تعالی .

ثم إنّ هاهنا فروعاً لابدّ من البحث فیها :

هاهنا فروع لابد منها

الفرع الأوّل :

التشبّه المحرّم حتّی إذا کان بنحو التلبس یختلف باختلاف الأعصار والأمصار والبلدان والمُدُن والأجیال ، حتّی بالنسبة إلی عصر واحد ومصر واحد وجیل واحد یختلف باختلاف الفقر والغنی ، ومستند کلّ ذلک الصدق العرفی للتشبّه کما قال جدنا الفقیه الشیخ جعفر قدس سره :

ص:288


1- (7) اختیار معرفة الرجال / 38 ح 78 .
2- (1) مشکاة الأنوار / 320 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 3 / 245 ح 4 .
3- (2) مستدرک الوسائل 3 / 245 ح 1 .

« وباختلاف الأحوال و المحالّ تختلف ملابس النساء والرجال ، فقد یختلف حال العجم وحال العرب وحال الفقراء وحال أرباب الرتب»(1) .

ونحوها عبارة تلمیذه فی الجواهر(2) .

وقال السید فی الریاض : « وتختلف باختلاف الأصقاع والأزمان»(3) .

ونحوها عبارة المستند(4) .

وقال السید العاملی : « وباختلاف البلدان والأحوال تختلف ملابس النساء والرجال»(5) .

وقال السید علی آل بحر العلوم من تلامیذ صاحب الجواهر : « یختلف الحکم فیه باختلاف الأزمان والبلاد والطوائف والحالات وغیرها ، ضرورة تبعیّة الحکم لعادة الرجال والنساء المختلفة بالاختلاف المزبور بالضرورة »(6) .

وقال الفقیه الیزدی : « تنبیهات : الأوّل : لا یخفی أنّ مختصات الرجال والنساء تختلف باختلاف الأزمان والبلدان ، فیختلف الحکم باختلافهما »(7) .

الفرع الثانی :

لا بأس بتلبس کلّ من الرجل والمرأة بلباس الآخر أو زیّه إذا کان لغرضٍ عقلائیٍ ، لانصراف أدلة حرمة التشبیه من هذه الصورة ، نحو : تلبس الرجل لباس المرأة لبردٍ أو حرٍّ أو للستر الواجب عند الناظر المحترم أو الستر الواجب فی الصلاة أو لإقامة التعزیة للإمام الحسین علیه السلام وتجسّم ما وقع فی کربلاء أو الشرکة فی الأفلام العصریة .

ص:289


1- (3) مستدرک الوسائل 3 / 245 ح 2 .
2- (4) شرح القواعد 1 / 214 .
3- (5) الجواهر 22 / 116 .
4- (6) ریاض المسائل 8 / 173 .
5- (1) مستند الشیعة 14 / 173 .
6- (2) مفتاح الکرامة 4 / 60 _ (12 / 199 من طبعة جماعة المدرسین) .
7- (3) برهان الفقه . کتاب التجارة / 41 .

والدلیل علی ذلک - مضافاً إلی انصراف الأدلة من هذه الفروض والأمثلة - صحیحة العیص بن القاسم التی رواها المشایخ الثلاثة ، قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الرجل یصلّی فی ثوب المرأة وإزارها ویعتمّ بخمارها ، قال : نعم إذا کانت مأمونة(1) .

والروایة تدلّ علی جواز لبس الرجل لباس المرأة لغرض عقلائی نحو الصلاة فیه ، والقید الذی أشار إلیه الإمام علیه السلام « إذا کانت مأمونة » یعنی من حیث الطهارة والنجاسة وتقیّدها بالطهارة وسندها کما مر صحیح .

واعترف بذلک المحقق الخوئی وقال قدس سره : « وقد تجلی ممّا ذکرناه أنّه لا شک فی جواز لبس

الرجل لبس المرأة لإظهار الحزن وتجسّم قضیة الطف وإقامة التعزیة لسید شباب أهل الجنة علیه السلام ، وتوهم حرمته لأخبار النهی عن التشبّه ناشیء من الوساوس الشیطانیة ... »(2) .

وقال بعض أساتیذنا _ مدظله _ : « ... فالظاهر من هذه الروایة [ یعنی مرسلة الطبرسی صاحب مکارم الأخلاق الماضیة ] وأمثالها صورة اتخاذ أحدهما لباس الآخر لباساً لنفسه فی حیاته وتعیّشه الإجتماعی ، فلا یشمل اللبس الموقّت لغرض عقلائی کما فی الأفلام والتعازی المتداولة والإراة للخیاط مثلاً ونحو ذلک»(3) .

ولذا علّق _ مدظله _ علی المسألة 42 من شرائط لباس المصلی من العروة الوثقی بقوله : « ... و کذا یحرم علی الأحوط لبس الرجال ما یختص بالنساء وبالعکس ، والأحوط ترک الصلاة فیهما وإن کان الأقوی عدم البطلان »(4) . والدلیل علیه هو ما ذکره فی المقام ، فراجع تعلیقته علی العروة الوثقی(5) إن شئت .

وعلّق السید السیستانی _ مد ظله _ علی هذه المسألة من العروة بقوله : « لا ینبغی

ص:290


1- (4) حاشیة المکاسب / 17 (1 / 99 من الطبعة الحدیثة) .
2- (1) مصباح الفقاهة 1 / 210 .
3- (2) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 510 .
4- (3) العروة الوثقی _ المسألة 42 من مسائل شرائط الباس المصلی .
5- (4) التعلیقة علی العروة الوثقی 1 / 263 .

الإشکال فی جواز أن یلبس الرجل قمیص المرأة ویصلی فیه کما تدل علیه صحیحة العیص ، فمورد الإحتیاط المذکور خصوص صیرورة أحدهما بهیئة الآخر وتزیّیه بزیّه »(1) .

وقبلهما ذهب المحققون النائینی والشیخ محمد رضا آل یاسین والخوئی قدس سرهم فی تعالیقهم علی العروة الوثقی إلی الجواز إذا کان اللبس لمدّة یسیرة أو لغرضٍ عقلائیٍ(2) .

الفرع الثالث :

هل یعتبر القصد فی حرمة التشبه أم لا ؟ بأن یتشبّه الرجل فی لباسه وزیّه بالمرأة ولکن لم یقصد هذا التشبّه هل هذا حرام علیه أم لا ؟ وهل یعتبر العلم فی حرمة التشبّه أم لا ؟ بأن تلبس الرجل بلباس المرأة وزیّها من دون علمه بذلک بل صدر منه غفلة أو جهلاً هل یصدق

علیه أنّه تشبّه بالمرأة أم لا ؟ وعلی القول باعتبار العلم ینحصر بالعلم التفصیلی أو یکفی العلم الاجمالی ؟ وجوه بل أقوال :

ذهب الشیخ الأعظم إلی اعتبار العلم حیث قال : « بأنّ الظاهر عن التشبّه صورة علم المتشبِّه »(3) .

وظاهر الشیخ حیث عنونه فی ذیل بحث الخنثی اعتبار العلم التفصیلی ، ولذا ینقض علیه المحشون علی المکاسب بکفایة العلم الإجمالی علی فرض اعتبار العلم ، نحو : الفقیه الیزدی(4) والمحققون الإیروانی(5) والخوئی(6) والأردکانی(7) قدس سرهم وبعض أساتیذنا(8) - مد ظله - .

ص:291


1- (5) العروة الوثقی مع تعلیقة السید السیستانی 2 / 56 .
2- (6) العروة الوثقی 2 / 351 طبع جماعة المدرسین مع 15 تعلیقة من أعلام الفقهاء .
3- (1) المکاسب المحرمة / 22 (1 / 176 من الطبعة الحدیثة) .
4- (2) حاشیة المکاسب / 17 (1 / 99 من الطبعة الحدیثة) .
5- (3) الحاشیة علی المکاسب 1 / 123 .
6- (4) مصباح الفقاهة 1 / 211 .
7- (5) غنیة الطالب 1 / 110 .
8- (6) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 517 .

وذهب السید الخوئی إلی اعتبار العلم ولکن کفایة العلم الإجمالی فی صدق عنوان التشبّه ، حیث یقول : « لا إشکال فی اعتبار العلم بصدور الفعل فی تحقق عنوان التشبّه إلاّ أنّه لا یختص بالعلم التفصیلی بل یکفی فی ذلک العلم الاجمالی أیضاً ... »(1) .

قال المحقق الأردکانی بعد منع دخل العلم فی عنوان التشبّه : « فإنّ أقصی ما یمکن أن یقال باعتباره فیه هو القصد ... »(2) .

وقبله المحقق الإیروانی قدس سره نفی البعد عن اعتبار القصد والغرض عند إطلاق التشبّه وانصراف إطلاق التشبّه إلی صورة القصد والغرض(3) .

أقول : الظاهر من الأدلة عدم اعتبار القصد والعلم مطلقاً ، نحو ما ورد فی موثقة سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی الرجل یجرّ ثوبه ، قال : إنّی لأکره أن یتشبّه بالنساء(4) .

حیث طبّق الإمام علیه السلام التشبّه بمجرد جرّ الثوب مع عدم القصد والعلم التفصیلی أو الإجمالی بالتشبّه کما هو الظاهر .

ومن المعلوم أن عنوان التشبّه لم یکن من العناوین القصدیة بحیث لم یتحقق فی الخارج إلاّ مع القصد ، وهکذا لم یکن من العناوین التی یُعتبر فیها العلم بقسمیه التفصیلی والإجمالی بحیث لم یتحقق فی الخارج إلاّ مع العلم به .

بل صدق عنوان التشبّه یدور مدار العرف ، فإذا صدّق العرف فی مورد أنّه من التشبّه فهو وإلاّ فلا ، کما فی غیره من المفاهیم والموضوعات .

لا ینتقض علینا بعدم صدق التشبّه عند العرف لمجرّد جرّ الثوب الوارد فی موثقة سماعة الماضیة . لأنّ جرّ الثوب عادة من لباس النساء والأعراس لا سیما المحترمات منهنّ ، ولذا نبّه الإمام علیه السلام علی هذا الصدق العرفی .

وهکذا لا ینتقض علینا بعدم إفتاء الأصحاب قدس سرهم بالحرمة فی مجرد جرّ الثوب . لأنّ

ص:292


1- (7) مصباح الفقاهة 1 / 211 .
2- (8) غنیة الطالب 1 / 109 .
3- (9) الحاشیة علی المکاسب 1 / 123 و 124 .
4- (10) وسائل الشیعة 5 / 42 ح 4 .

ظهور الموثقة فی الحرمة واضح والکراهة المستعملة فی لسان الأئمة علیهم السلام تحمل علی الحرمة لا الکراهة المصطلحة ، ولکن نرفع الید عن هذا الظهور بالقرائن الداخلیة والخارجیة ، ومنها ما ذکر من عدم إفتاء الأصحاب قدس سرهم بالحرمة فی المقام ، ولذا یمکن أن نذهب إلی الکراهة فی مجرد جرّ الثوب للرجال .

وبالجملة ، لا یُعتبر القصد والعلم بقسمیه فی صدق التشبّه لا عرفاً ولا شرعاً . نعم علی القول بحرمة التشبّه کما ذهبنا إلیه ، یترتب علیه العقاب . وتنجّز التکلیف منوط بالعلم کما فی غیرها من التکالیف الشرعیة واللّه العالم باحکامه .

الفرع الرابع : حکم الخنثی فی التشبّه

ما هو حکم الخنثی فی مسألة التشبّه ؟ هل یجوز لها التلبس بلباس کلّ من الرجل والمرأة والتشبّه بهما أم لا ؟

قبل بیان الحکم فی المقام لابدّ من تذکّر أمر مهم ، وهو تقسیم الخنثی إلی القسمین المفروضین :

1 _ الخنثی غیر المشکل : هی التی ألحقت بالإمارات الواردة فی کتاب المیراث(1) بأحد

الجنسین ، نحو : إلحاقها بالموضع الذی تبول منه ، وإن بالت من الفرجین فتلحق بمن سبق منه بولها ، وإن ابتدءا معاً فتلحق بمن ینبعث بولها ویخرج بالشدّة ، وإن بالت منهما بالسویة ومن دون فرق بینهما فهذه هی الخنثی المشکل .

وأمّا الخنثی غیر المشکل فتلحق بأحد الجنسین من الذکر والاُنثی ولها حکمه ، فهی إمّا اُلحقت بالرجل فعلیها أحکام الرجال وإمّا اُلحقت بالمرأة فلها أحکامها .

2 _ الخنثی المشکل ، وهی التی لم یتبین إلحاقها بأحد الجنسین ، فما حکمها بالنسبة إلی الأحکام المختصة بالرجال والنساء ومنها : حرمة التشبّه ؟

وقع الخلاف بین الأصحاب بکونها طبیعة ثالثة فی قبال الذکر والاُنثی أو هی فی الواقع

ص:293


1- (1) راجع وسائل الشیعة 26 / 283 أبواب میراث الخنثی .

من إحداهما وإن لم یتبین لنا أنّها مِنْ أیهما ؟ کما ذهب إلی الأوّل الفقیه الیزدی(1) وبعض آخر ، ولعلّ المشهور علی الثانی .

فلذا نقول : إن أمکن إلحاق الخنثی المشکل - ولو بالعملیة الجراحیة - بأحد الجنسین فهو ، وإن لم یمکن هذه العملیة فبقیت تحت عنوان الخنثی المشکل فما هو حکمها ؟

إن ذهبنا إلی أنّها طبیعة ثالثة فی مقابل الرجل والمرأة ، فلها أن تجری البراءة بالنسبة إلی التکالیف الخاصة بالجنسین علیها والعمل بالتکلیف الوارد فی شأن الانسان فقط لا الجنسین ، وعلیها العمل بالتکلیف الواردة فی شأن الإنسان فقط لا الجنسین . فمثلاً فی صحة صلاتها تکفی الوضوء وستر العورة فقط نحو الرجال المصلین وفی المقام لها أن تتلبس بزینة أیّهما شاءت .

وأمّا إن قلنا بأنّها تلحق بأحد الجنسین فی الواقع ولیست بطبیعة ثالثة فلها أن تحتاط فی عملها بین تکالیف الجنسین والإجتناب من محرماتهما لوجود العلم الإجمالی بالنسبة إلیها . وفی المقام علیها الإجتناب من الألبسة المختصة بالجنسین ، ولذا قال جدنا الفقیه الشیخ جعفر : « ویجب علی الخنثی ترک الزینتین ولها العمل بما جاز لکلا النوعین »(2) .

وقال تلمیذه السید العاملی : « والخنثی یجب علیها ترک الزینتین وتلبس ما جاز لهما معاً »(3) .

وقال تلمیذه الآخر فی الجواهر بعد نقل کلام أستاذه : « ... وهو جید ، أمّا الثانی فواضح وأمّا الأوّل فللقطع بکونه مکلفاً بأحد الأمرین ، ولایتم العلم بامتثاله إلاّ باجتناب الزینتین ، واللّه أعلم »(4) .

ثم إنّ الظاهر من الروایات عدم کونها طبیعة ثالثة بل هی ملحقة بأحد الجنسین إمّا ذکر فی الواقع وإمّا أنثی ، ومع عدم إمکان لحوقها فهی الخنثی المشکل التی فی الواقع ونفس

ص:294


1- (1) حاشیة المکاسب / 16 _ (1 / 99 و 98 من الطبعة الحدیثة) .
2- (2) شرح القواعد 1 / 214 .
3- (3) مفتاح الکرامة 4 / 60 (12 / 199 من طبعة جماعة المدرسین) .
4- (1) الجواهر 22 / 116 .

الأمر إمّا مذکر أو مؤنث لا أنّها طبیعة ثالثة ، فحینئذٍ یجب علیها ترک الزینتین والعمل بما جاز لهما .

الفرع الخامس : حکم تغییر الجنسیة

هل یجوز تغییر الجنسیة مطلقاً أو یجوز إذا کانت سبباً لظهور الجنس وتعیّنه لو کان فی الخَفاءِ نحو بعض الخناثی ؟

الظاهر - واللّه سبحانه هو العالم - بعد ما استظهرنا من الروایات الواردة فی حرمة تشبّه الرجل بالمرأة وعکسه ، حرمة هذا التشبّه مطلقاً ، سواءً کان فی اللباس والهیئة والزیّ والرابطة الجنسیة ونحوها ، صار تغییر الجنسیة من أعلی مراتب هذا التشبّه عرفاً ، ولذا یحکم علیها بالحرمة .

إن قلت : لیس تغییر الجنسیة من مصادیق التشبّه المحرّم ، بل هو خروج من موضوع إلی موضوع آخر ، فلکلِّ موضوع حکم خاص ، نحو : وجوب صیام شهر رمضان المبارک للحاضر ووجوب إفطاره للمسافر ، فإذا سافر الرجل فی شهر اللّه لزمه حکمه . وفی المقام الرجل متی یکون رجلاً حرم علیه التشبّه بالنساء ، وأمّا إذا صار بعملیة التغییر امرأة حرم علیها التشبّه بالرجال . والخروج من موضوع إلی موضوع آخر بید المکلف ، نحو الحضور والسفر فی المثال القادم .

قلت : نعم ، الکبری تام فی موارد یمکن الخروج من موضوع حکم إلی موضوع حکم آخر ولکلٍّ حکمه الخاص ، ولکن العرف یری فی المقام العملیة الخاصة المسماة بتغییر الجنسیة من أظهر وأتم وأعلی مراتب التشبّه ، ونظر العرف فی تعیین الموضوعات متبعٌ ، فهذه العملیة حرام .

وتدلّ علی ما ذکرنا قوله تعالی ناقلاً من الشیطان وعمله «وَقَالَ لاَءَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِکَ نَصِیباً مَّفْرُوضاً وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّیَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَیُبَتِّکُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن یَتَّخِذِ الشَّیْطَانَ وَلِیّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِیناً»(1) .

ص:295


1- (1) سورة النساء / 119 _ 118 .

بتقریب : أن أمر الشیطان لعنه اللّه بالتغییر فی خلق اللّه ومنها تبکّن آذان الأنعام ، ذکر اللّه سبحانه تبکّن آذان الأنعام بعنوان الخاص الذی یلی بعده ذکر العام ، فهذا التبکّن من أحد مصادیق التغییر فی خلق اللّه تعالی الذی أمر الشیطان به ، ومن أظهر هذه التغییرات فی خلق اللّه الذی أمر الشیطان به تغییر الجنسیة ولذا یحرم ، لأنّه من أوامر الشیطان الذی من یتخذه ولیّاً وأطاع أوامره فقد خسر خسراناً مبیناً .

لا یقال : لا یمکن الأخذ بإطلاق الآیة الشریفة ، لأنّها بإطلاقها تدلّ علی حرمة مطلق التغییر فی نظام الطبیعة ولم یلتزم به أحدٌ ، لأن جمیع الصنائع والحرف والإختراعات والإکتشافات نوع من التغییر فی نظام الطبیعة ولم یقل أحدٌ بحرمتها .

لأنّا نقول : نعم ، الإختراعات والإکتشافات والصنائع والحرف غالباً توجب تغییر النظام فی الطبیعة والوجود ، ولکن خروجها من تغییر خلق اللّه الذی أمر الشیطان به بالتخصّص لا بالتخصیص ولذا لم یقل أحد بحرمتها .

ومن هنا یمکن الأخذ بالآیة الشریفة وعدّ تغییر الجنسیة من أظهر مصادیق تغییر خلق اللّه الذی أمر الشیطان به ، کیف « تبکن آذان الأنعام » تعدّ فی الآیة الشریفة من أوامر الشیطان ولا تعدّ تغییر الجنسیة من التغییر الذی أمر الشیطان به فی خلق اللّه ؟ !

وبالجملة ، بنظرنا القاصر تغییر الجنسیة تعدّ من التغییر الذی أمر الشیطان به فی خلق اللّه ، فیکون محرّماً بالآیة الشریفة وظهورها فیما ذکرناه واضح .

والحاصل : تغییر الجنسیة حرام مطلقاً لدلالة الآیة الشریفة ، وبما أنّه من أظهر وأتم وأعلی مراتب التشبّه المحرّم .

نعم ، اذا کانت الآلة التناسلیة خفیّةً بحیث لا یعدّ الشخص بحسب ظاهره أنّه ذکرٌ أو اُنثی وعدّ من الخناثی ، یجوز علیه العملیّة الجراحیّة وإخراج آلته التناسلیة من الخفاء إلی الظهور ، وبذلک الظهور خرج من تحت الخنثی ودخل تحت أحد الجنسین .

وهذه العملیّة الجراحیة لم تکن فی الحقیقة تغییر الجنسیة بل هی ظهور الجنسیة

الخفیّة ، ولذا یجوز بل ربّما یجب فی الموارد التی یوجب الخطأ فی التکالیف الشرعیة أو النکاح ونحوها .

ص:296

فهذه العملیّة تجوز علی التی ظاهرها کانت ا لخنثی ولکن واقعها أحد الجنسین لخروجها إلی أحد الجنسین وتبیین حالها مِنْ أنّها مِنْ أحد الجنسین . أو علی الذی ظاهره غیر واقعه ، فتجوز هذه العملیّة له لظهور واقعه وکشف حاله من الجنسیة .

تنبیه :

لو عصی ورضی بتغییر الجنسیة ووقعت العملیة الجراحیة علیه وکان رجلاً سابقاً وله زوجة هل نکاحه السابق یبقی أم ینفسخ ؟ الظاهر انفساخ النکاح بتغییر الجنسیة ، سواء وقعت من جانب الزوج أو الزوجة ، ولزمه تمام المهر إن کانت بعد الدخول ونصف المهر إن کانت قبل الدخول ، ولا یحتاج إلی الطلاق لانفساخ النکاح بتغییر الجنسیة لعدم وجود الزوج أو الزوجة فی البین . ولو تغیّرا معاً فالأقوی إنفساخ النکاح أیضاً ، لأنّ الزوج والزوجة المعینین من مقومات النکاح ، وإن کان الأحوط إجراء صیغة الطلاق من الزوج السابق . واللّه سبحانه هو العالم بأحکامه .

ص: 297

التشبیب بالمرأة الأجنبیة

المراد بالتشبیب :

ذکر محاسنها وشدّة حبّها ونحو ذلک بالشعر ، ویقال : النسیب أیضاً کما قاله المحقق الثانی فی جامع المقاصد(1) .

وقال أهل اللغة : تشبیب الشعر : ترقیقه بذکر النساء کما فی النهایة(2) .

والتشبیب : النسیب ، یقال : هو یشّبب بفلانة ، أی ینسب بها کما فی الصحاح(3) .

وشبّب الشاعر بفلانة تشبیباً : قال فیها الغزل وعرّض بحبّها ، وشبّب قصیدته : حسّنها وزیّنها بذکر النساء ، کما فی المصباح المنیر(4) .

إذا عرفت معنی التشبیب فلیعلم أنّه لم یرد فیه نص خاص وبعنوانه ، ولهذا استدلوا علی حرمته بعدّة من الوجوه :

الوجه الأوّل : إنّ التشبیب هتکٌ للمشبَّب بها وإهانة لها فیکون حراماً .

وفیه : أولاً : إنّ النسبة بین التشبیب وبین عنوانی الهتک والإهانة عموم من وجه ، إذ ربّما یتحقق الهتک والإهانة بغیر التشبیب وربما یتحقق التشبیب ولا هتک ولا إهانة ، کما لو أنشأ الشعر فی الخلوة أو أنشده لمن یرید أن یخطبها تحریکاً له وترویجاً لها .

وثانیاً : لو سلمنا کون التشبیب هتکاً للمرأة ، فإنّ ذلک لا یختص بالشعر ، لإمکان هذا الهتک والإهانة بالنثر أیضاً ، ولا یختص بالأجنبیة ولا بالمؤمنة ، لإمکانه بالنسبة إلی المخالفة أو الذمیّة بل یمکن بالنسبة إلی الزوجة وغیرها من المحارم والأمة أیضاً .

وثالثاً : عنوان التشبیب غیر عنوانی الهتک والإهانة ، فلا یسری حکم أحد العنوانین

ص:298


1- (1) جامع المقاصد 4 / 28 .
2- (2) النهایة 2 / 439 .
3- (3) الصحاح 1 / 151 .
4- (4) المصباح المنیر / 302 .

إلی الآخر وإن تلازما خارجاً .

وبعبارة أخری : بحثنا فی حرمة التشبیب بعنوانه الأوّلی ، فإثبات حرمته بعنوان آخر

عرضی خروج عن محل البحث .

الوجه الثانی : التشبیب إیذاء للمشبَّب بها وهو حرام .

وفیه : أولاً : لا دلیل علی حرمة کلّ فعل یتأذی منه الغیر قهراً ، إذا کان الفعل سائغاً فی نفسه کتأذی بعض الناس من اشتغال بعض آخر بالتجارة والتحصیل والتدریس والتألیف والحج والعمرة والزیارة وغیرها من المباحات أو المستحبات أو الواجبات .

وثانیاً : النسبة بین الإیذاء والتشبیب عموم من وجه ، لإمکان الإیذاء بغیر التشبیب ویمکن التشبیب من دون الإیذاء ، کالتشبیب بالمتبرّجات التی یفرحن بذلک .

وثالثاً : حرمة الإیذاء لا تختص بالمؤمنة أو الأجنبیة فقط ، بل تجری فی حقِّ المخالفة والذمیّة والزوجة وغیرها من المحارم والأمة أیضاً .

ورابعاً : عنوان التشبیب غیر عنوان الإیذاء ، فلا یسری حکم أحد العنوانین إلی الآخر وإن تلازما خارجاً کما مرّ آنفاً .

الوجه الثالث : التشبیب یکون مِن اللهو والباطل ، وعمومات حرمة اللهو والباطل تشملانه ، وسوف یأتی منّا هذه الأدلة تبعاً لشیخنا الأعظم قدس سره فی بحث الغناءِ ، فالتشبیب یکون من مصادیقهما ، فیکون حراماً .

وفیه : أولاً : منع الصغری ، إذ یمکن أن لا یکون التشبیب لهواً أو باطلاً ، کتعلقه بغرض عقلائی ، نحو تحریک الرجل علی خطبتها ونکاحها شرعاً ، أو یکون النظم بحیث یندرج فیه المطالب ا لعالیة واللطائف الراقیة .

وثانیاً : منع الکبری ، لا دلیل علی حرمة مطلق اللهو والباطل ، إذ کلّ ما أشغل عن ذکر اللّه تعالی وذکر رسوله صلی الله علیه و آله وسلم والقیامة والنار والجنة وما أشبهها لهو وباطل ، بل أطلق عنوان اللهو علی الحیاة الدنیا ومظاهرها فی قوله تعالی : «وَمَا هَذِهِ الْحَیَاةُ الدُّنْیَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ»(1)وقوله تعالی : «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیَاةُ الدُّنْیَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(2) . ولیس لأحدٍ الذهاب

ص:299


1- (1) سورة العنکبوت / 64 .
2- (2) سورة الحدید / 20 .

إلی حرمة جمیع هذه الاُمور .

وثالثاً : لو سلم حرمتها علی الإطلاق ، فحکم کلّ عنوان ثابت لنفسه ولا یتعدی منه إلی غیره ، ولو فرض ملازمتها فی مورد خارجاً کما مرّ .

الوجه الرابع : التشبیب من مصادیق الفحشاء والمنکر المنهی عنهما فی القرآن الکریم وسنّة النبیّ الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم ، نحو قوله تعالی : «وَیَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنکَرِ وَالْبَغْیِ»(1) .

وفیه : أولاً : نمنع أن یکون التشبیب مطلقاً من مصادیق الفحشاء والمنکر ، فهل یکون من مصادیق الفحشاء إذا کان لغرض تحریک الرجل لأجل خطبتها ونکاحها شرعاً ؟ ! أو یکون من الرجل بالنسبة إلی زوجته أو أمته أو حلیلته و لیس بینهما أحد ؟ !

وثانیاً : لو تمّ هذا الوجه لدلّ علی حرمة التشبیب مطلقاً ، سواء کان بالشعر أو بالنثر ، وسواء کان بالاُنثی أو بالذکر ، وسواء کانت الاُنثی مؤمنة أو مخالفة أو ذمیّة أو زوجة أو أمة أو تکون من محارم الرجل ، فلا وجه لتخصیصه بالشعر أو بالمؤمنة کما یظهر من بعض . وهذا الإشکال مشترک بین الوجوه السابقة والآتیة أیضاً ، ولذا لم أذکره فیما بعد . وهکذا إشکال تعدد عنوانی البحث وعدم سرایة الحرمة من عنوان إلی آخر ، ونظیرهما الإشکال الثالث ، أعنی وجود نسبة العموم من وجه بین هذه العناوین وعنوان التشبیب .

الوجه الخامس : التشبیب یوجب إغراء الفساق للمشبَّب بها ، وهو حرام .

وفیه : یجری فی هذا الوجه الإشکالات الثلاثة الماضیة آنفاً ، فلا یتم بالمطلوب الاستدلال به .

الوجه السادس : التشبیب ینافی العفاف المعتبر فی العدالة ، المأخوذ فی صحیحة ابن أبی یعفور قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتّی تقبل شهادته لهم وعلیهم ؟ فقال علیه السلام : أن تعرفوه بالستر والعفاف وکفّ البطن والفرج والید واللسان ، ویعرف باجتناب الکبائر التی أوعد اللّه علیها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدین والفرار من الزحف وغیر ذلک ، الحدیث(2) .

ص:300


1- (1) سورة النحل / 90 .
2- (2) وسائل الشیعة 27 / 391 ح 1 _ الباب 41 من أبواب الشهادات .

وفیه : المعتبر فی العدالة العفاف من المحرّمات واجتنابها ، وکون التشبیب منها أوّل الکلام .

الوجه السابع : الروایات الدالة علی حرمة ما یثیر الشهوة إلی غیر الحلیلة حتّی بالأسباب البعیدة ، وهی کثیرة وقد وردت فی مواضع مختلفة :

منها : ما ورد فی النهی عن النظر إلی الأجنبیة ، نحو :

معتبرة عبد اللّه بن یحیی الکاهلی قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة ، وکفی بها لصاحبها فتنة(1) .

وحسنة عقبة بن خالد الأسدی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سمعته یقول : النظرة سهم من سهام إبلیس مسموم ، وکم من نظرة أورثت حسرة طویلة(2) .

وخبر أبی جمیلة عن أبی جعفر وأبی عبد اللّه علیهماالسلام قالا : ما من أحد إلاّ وهو یصیب حظّاً من الزنا ، فزنا العینین النظر وزنا الفم القبلة وزنا الیدین اللمس ، صدّق الفرج ذلک أو کذب(3) .

وسند الروایة ضعیف بأبی جمیلة .

وحسنة عقبة قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : النظرة سهم من سهام إبلیس مسموم ، من ترکها للّه عزّ وجل لا لغیره أعقبه اللّه أمناً وإیماناً یجد طعمه(4) .

وخبر محمّد بن سنان عن الرضا علیه السلام فیما کتبه إلیه جواب مسائله : وحرّم النظر إلی شعور النساء والمحجوبات بالأزواج وإلی غیرهنّ من النساء لما فیه تهییج ، الرجال وما یدعو إلیه التهییج من الفساد والدخول فیما لا یحلّ ولا یجمل ، وکذلک ما أشبه الشعور ، الحدیث(5) .

وإلی غیر ذلک من روایات الباب ، فراجع إن شئت إلی وسائل الشیعة 20 / 190

ص:301


1- (1) وسائل الشیعة 20 / 192 ح 6 . الباب 104 من أبواب مقدمات النکاح .
2- (2) وسائل الشیعة 20 / 191 ح 1 .
3- (3) وسائل الشیعة 20 / 192 ح 2 .
4- (4) وسائل الشیعة 20 / 192 ح 5 .
5- (5) وسائل الشیعة 20 / 193 ح 12 .

ومستدرک الوسائل 14 / 268 وجامع أحادیث الشیعة 25 / 358 وکتابنا موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 11 / 373 .

بتقریب : أنه إذا کان النظر سهماً من سهام إبلیس وسمی بزنا العین لما فیه من تهییج الرجال إلی الفساد والدخول فیما لا یحلّ ، ظاهر هذا الأمر - یعنی التهییج إلی الفساد - موجود فی التشبیب بطریق اُولی ، لأن تأثیر الکلام أشدّ من تأثیر النظر وإنّ من الکلام لَسِحْراً ، یعنی یؤثر کتأثیر السحر . بحیث لا یمکن أن یخلص السامع نفسه منه .

وفیه : أن بین عنوان التشبیب وعنوان التهییج إلی الشهوة والفساد عموم من وجه ، إذ

ربما شبّب بزوجته أو إحدی محارمه ، وهو إمّا غیر مهیج إلی الحرام کما فی الزوجة وإمّا غیر مهیج إلی الشهوة کما فی المحارم ، هذا أولاً .

وثانیاً : لکلِّ عنوان حکمه ، وعلی فرض تلازم العنوانین خارجاً فحکم کلّ عنوان ثابت لنفسه ولا یسری إلی العنوان الآخر .

منها : ما ورد فی النهی عن الخلوة بالأجنبیة ، وهی کثیرة نحو :

خبر مسمع أبی سیار عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : فیما أخذ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم البیعة علی النساء ، أن لا یحتبین ولا یقعدن مع الرجال فی الخلاء(1) .

وخبر موسی بن إبراهیم عن موسی بن جعفر علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : من کان یؤمن باللّه والیوم الآخر فلا یبیت فی موضع یسمع نَفَسَ إمرأة لیست له بمحرم(2) .

بین المبیت فی الموضع الذی یسمع نَفَسَ المرأة التی لیست له بمحرم وبین الخلوة لم تکن ملازمة دائماً ، بل بینهما عموم من وجه کما نبّه علیه المحقق الخوئی قدس سره (3) ، ولکنه تحصل غالباً هذه البیتوتة بالخلوة ، وبمناسبة الحکم والموضوع یری العرف الخلوة فیها دخیلاً . وعلی ما ذکرنا یمکن أن یستأنس حکم الخلوة أیضاً من الروایة ، ولکن فی سندها ضعف ، وسیأتی منّا

ص:302


1- (1) وسائل الشیعة 20 / 185 ح 1 الباب 99 من أبواب مقدمات النکاح .
2- (2) وسائل الشیعة 20 / 185 ح 2 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 217 .

کلام فی تمامیة دلالة هذه الروایة علی حرمة الخلوة بالأجنبیة بعد صفحتین ، فانتظر .

وخبر جابر عن أبی جعفر علیه السلام قال : لما دعا نوح ربّه عزّ وجل علی قومه ، أتاه إبلیس فقال : یا نوح إنّ لک عندی یداً اُرید أن أکافئک علیها _ إلی أن قال _ أذکرنی فی ثلاث مواطن ، فإنّی أقرب ما أکون إلی العبد إذا کان فی إحداهنّ : أذکرنی إذا غضبتَ ، واذکرنی إذا حکمتَ بین اثنین ، واذکرنی إذا کنتَ مع إمرأة خالیاً ولیس معکما أحد(1) .

وحسنة سعدان بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : بینما موسی بن عمران علیه السلام جالس إذ أقبل إلیه إبلیس _ إلی أن قال _ ثم قال له : اُوصیک بثلاث خصال : یا موسی لا تخل بامرأة ولا تخل بکَ ، فإنّه لا یخلو رجل بامرأة ولا تخلو به ، إلاّ کنتُ صاحبه من

دون أصحابی ، الحدیث(2) .

وخبر أبی المجبّر قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أربعة مفسدة للقلوب : الخلوة بالنساء ، والإستماع منهنّ ، والأخذ برأیهنَّ ، ومجالسة الموتی فقیل له : یا رسول اللّه وما مجالسة الموتی ؟ قال : مجالسة کلّ ضالٍ عن الإیمان وجائر فی الأحکام(3) .

والروایات فی هذا المجال متعددة ، فإن شئت راجع وسائل الشیعة 20 / 185 ومستدرک الوسائل 14 / 264 وجامع أحادیث الشیعة 25 / 399 .

بتقریب : أن الخلوة مع الأجنبیة محرّمة لأنّها توجب تهییج الشهوة إلی الحرام ، وتهییج الشهوة إلی الحرام موجود فی التشبیب ، فلذا صار حراماً .

وبعبارة اُخری : ملاک الحرمة فی الخلوة مع الأجنبیة لیس إلاّ تهییج ، الشهوة وهذا الملاک بعینه موجود فی التشبیب ، ولذا یحکم فی التشبیب أیضاً بالحرمة .

وفیه : أجاب المحقق الخوئی قدس سره عن هذا الاستدلال بوجوه :

أولاً : إنّ الروایات الواردة فی النهی عن الخلوة بالأجنبیة کلّها ضعیفة السند وغیر

ص:303


1- (4) مستدرک الوسائل 14 / 265 ح 4 . الباب 78 من ابواب مقدمات النکاح .
2- (1) مستدرک الوسائل 14 / 266 ح 7 .
3- (2) أمالی المفید ، المجلس السابع الثلاثون ح 6 / 315 ، ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 3 / 339 ح 3 .

منجبرة بشیءٍ(1) .

وثانیاً : استشکل قدس سره فی دلالة بعض الروایات ، مثلاً أنّه قدس سره یری ظهور روایة مسمع أبی سیار فی النهی عن قعود النساء مع الرجال فی بیت الخلاء لقضاء الحاجة(2) ، ویری قدس سره عدم وجود الملازمة بین سماع النَفَس والخلوة دائماً فی روایة موسی بن إبراهیم(3) ، وحمل قدس سره ما ورد من النهی عن الخلوة مع الأجنبیة علی أنّها من المقدمات القریبة للزنا ، وحیث أنّ الغرض المهم هو النهی عن الزنا فلا موضوعیة لعنوان الخلوة بوجه ، وإنّما تعلق النهی بالخلوة لکونها من المقدمات القریبة له(4) . وقال قدس سره بعد أسطر : « بل یمکن أن یقال : إنّه لو ورد نص صریح فی النهی عن الخلوة مع الأجنبیة فلا موضوعیة لها أیضاً ، وإنّما نهی عنها لکونها من المقدمات القریبة للزنا ، فإنّ أهمیة حفظ الأعراض فی نظر الشارع المقدس تقتضی النهی عن الزنا وعن کلّ ما یؤدی إلیه عرفاً »(5) .

وثالثاً : لو سلمنا وجود الدلیل علی حرمة الخلوة ، فإنّه لا ملازمة بین حرمة الخلوة وحرمة التشبیب ولو بالفحوی ، إذ لا طریق لنا إلی العلم بأنّ ملاک الحرمة فی الخلوة هو إثارة القوة الشهویة حتّی یقاس علیها کلّ ما یوجب تهیجها . ومن هنا علم أنّه لا وجه لقیاس التشبیب علی شیءٍ یوجب تهیج القوة الشهویة(6) .

أقول : یمکن أن یلاحظ علی هذا المحقق الجلیل قدس سره ، أولاً : لم تکن الروایات کلها الواردة فی الخلوة بالأجنبیة ضعیفة الإسناد ، بل فیها روایات یمکن الذهاب إلی اعتبار سندها ، نحو حسنة سعدان بن مسلم الماضیة آنفاً .

وثانیاً : لا یتم ما ناقشه فی دلالة الروایات - نحو خبر مسمع أبی سیار - التی ظاهرها

ص:304


1- (3) مصباح الفقاهة 1 / 218 .
2- (4) مصباح الفقاهة 1 / 217 .
3- (5) مصباح الفقاهة 1 / 217 .
4- (6) مصباح الفقاهة 1 / 217 .
5- (1) مصباح الفقاهة 1 / 218 .
6- (2) مصباح الفقاهة 1 / 218 .

النهی عن الخلوة بالأجنبیة ، ولذا لم یدع أحد قبله قدس سره ما ذهب إلیه من ظهور الروایة عن قعود النساء مع الرجال فی بیت الخلاء ، وکیف یمکن خفاء هذا الظهور علی الجمیع حتّی ظهر له قدس سره ؟ وما یقول قدس سره فی معنی هذه الروایة التی رفعها الآمدی إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : کُنْ فی الملاء وَقُوراً ، وکن فی الخلاء ذَکُوراً(1) ؟ ! ومن الواضح استعملت کلمة الخلاء فی مقابل الملاء ، یعنی الخلوة فی مقابل أعین الناس والجلوة .

وأمّا ما ذهب إلیه فی روایة موسی بن إبراهیم من عدم الملازمة بین سماع نَفَس الأجنبیة والخلوة بها دائماً ، وإن کان کذلک بالنظر الدقی العقلی ولکن العرف إذا عرضت علیه هذه الروایة لا یری فرقاً بین سماع نَفَسها والخلوة بها ، بل یری سماع نَفَسها من ملازمات الخلوة بها وتبعاتها ، ولذا دلالة هذه الروایة عندهم علی حرمة الخلوة بالأجنبیة تامة . وإن شککت فیما ذکرت لک فالعرف ببابک ، وقد مرّ منّا أیضاً کلام فی ذیل الروایة ، فراجعه .

وأمّا ما ذکر قدس سره من أنّ الخلوة بالأجنبیة من مقدمات الزنا فیحمل النهی عنها للمقدمیّة فقط ، أیضاً غیر تام . نعم : الخلوة من مقدمات الزنا غالباً ، ولکن لا مانع من تعلق النهی من

قبل الشارع بها بعنوانها الأصلی لا التبعی أو المقدمیّة فقط ، نحو : نهی الشارع عن الأکل علی مائدة یُشرب علیها الخمر ، أو فی الواجبات ومقدماتها ، الأمر الوارد فی الطهارات الثلاث . وظهور روایات الحرمة فی المقام فی الحرمة الأصلیة لا المقدمیّة ، کما ادعاه قدس سره . وما ذکره أخیراً من أهمیة حفظ الأعراض فی نظر الشارع المقدس أیضاً یقتضی حمل حرمة الخلوة علی الحرمة الأصلیة لا المقدمیّة کما هو الواضح .

وثالثاً : وما ذکره قدس سره من عدم العلم بأنّ ملاک الحرمة فی الخلوة هو إثارة القوة الشهویة أیضاً غیر تام ، لظهور هذا الملاک عند کلِّ من یسمع بحرمتها وقد اعترف قدس سره بأنّها من المقدمات القریبة للزنا ، وکیف یمکن أن یکون شیئاً من المقدّمات القریبة للزنا ولم تکن لإثارة القوة الشهویة فیها دخل ؟ !

نعم ، لأحد أن یقال : بعدم إحراز أن تمام الملاک فیها تهییج القوة الشهویة ، ویمکن أن

ص:305


1- (3) غرر الحکم ح 7145 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 3 / 340 ح 8 .

یکون فیها علی وجه الحکمة لا العلّة ، لا سیما العلّیة التامة حتّی یقاس علیها التشبیب .

والحاصل ، بعد ورود الروایات المتعددة الناهیة عن الخلوة بالأجنبیة لابدّ لنا من القول بحرمتها ، ولکن قیاس التشبیب علیها غیر تام کما قال المحقق الخوئی قدس سره : « لا ملازمة بین حرمة الخلوة وحرمة التشبیب ولو بالفحوی »(1) .

ومنها : ما ورد من النهی التنزیهی الدال علی الکراهة فی اُمورٍ ، نحو :

الف : النهی عن جلوس الرجل فی مکان المرأة حتّی یبرد ، نحو : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا جلست المرأة مجلساً فقامت عنه فلا یجلس فی مجلسها رجل حتّی یبرد(2) .

ب : ما ورد من رجحان تستر المرأة عن نساء أهل الذمة وکراهة إنکشافها لهنّ ، نحو : صحیحة حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا ینبغی للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة والنصرانیة ، فإنهنَّ یصفن ذلک لأزواجهنّ(3) .

ج : ما ورد من التستر عن الصبی الممیز ، نحو : معتبرة السکونی عن أبیعبد اللّه علیه السلام قال : سئل أمیر المؤمنین علیه السلام عن الصبی یحجم المرأة ؟ قال : إذا کان یحسن یصف فلا(4) .

بتقریب : أن نهی الشارع المقدس عن هذه الأمور تنزیهی ، لکونها موجبة لتهییج الشهوة ، فیمکن أن یُستدل بفحواها علی حرمة التشبیب ، لکونه أقوی من هذه الاُمور فی إثارة الشهوة وتهییجها .

وفیه : غایة ما یُستفاد من الروایات المذکورة کراهة الاُمور الثلاثة ، فکیف یمکن الذهاب منها إلی حرمة التشبیب ، حتّی علی القول بالقیاس الباطل . مضافاً إلی عدم ظهور مناط الکراهة فیها من تهییج الشهوة وإثارتها .

وبالجملة ، هذا الوجه السابع بطوله أیضاً غیر تام کالوجوه الستة الماضیة .

ص:306


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 218 .
2- (2) وسائل الشیعة 20 / 248 ح 1 . الباب 145 من أبواب مقدمات النکاح .
3- (3) وسائل الشیعة 20 / 184 ح 1 . الباب 98 من أبواب مقدمات النکاح .

الوجه الثامن : قوله تعالی فی سورة الأحزاب : «یَا نِسَاء النَّبِیِّ لَسْتُنَّ کَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَیْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَیَطْمَعَ الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ»(1) .

أمر اللّه سبحانه فی الآیة الشریفة بالإحتفاظ الأکثر بالنسبة إلی نساء النبی صلی الله علیه و آله وسلم ، لأنّ لهنّ احتراماً خاصاً لتعلقهنّ بالنبی الأکرم صلی الله علیه و آله وسلم . ووجوب هذا الإحتفاظ الأکثر فی حقهنّ معلوم ، وأمّا فی حقِّ غیرهنّ مِن النساء أیضاً مستحب ومرغوب فیه . ویمکن أن یُستأنس من الآیة الشریفة رجحان احتفاظ غیرهنّ من النساء أو لزومه ، ولکن أین هذا من حرمة التشبیب ؟ !

الإحتفاظ فعل النساء والتشبیب فعل الغیر ، فکیف یمکن إستنتاج حرمة فعل الغیر من وجوب فعلهنَّ ؟ !

مضافاً إلی ما مرّ منّا من الإشکالات السابقة المشترکة بین الوجوه ، فراجع ما حررناه هناک .

الوجه التاسع : قوله تعالی فی سورة النور : «وَلاَ یَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ مَا یُخْفِینَ مِن زِینَتِهِنَّ»(2) .

بتقریب : أنه نهی اللّه سبحانه النساء من ضرب أرجلهنّ علی الأرض لئلا یبدی زینتهنّ لأن إبداء زینتهنّ یوجب إثارة الشهوة وتهییجها ، فکلّ ما یوجب إثارة الشهوة وتحییجها حرام ، ومنها : التشبیب .

وفیه : غایة الأمر فی الآیة الشریفة أنها تدلّ علی حرمة ضرب النساء أرجلهنّ علی الأرض لئلا یبدو ما تخفی من زینتهنَّ ، فهذه الحرمة ثابتة علی النساء وکیف یمکن منها استفادة حرمة التشبیب وهو فعل الغیر ؟ ! وبالجملة لیس لنا دلیل علی هذا التعدی .

مضافاً إلی ورود الإشکالات المشترکة الماضیة .

الوجه العاشر : التشبیب نوع من الفحش والفحش حرام ، فالتشبیب مثله حرام .

ص:307


1- (1) وسائل الشیعة 20 / 233 ح 2 الباب 130 من أبواب مقدمات النکاح .
2- (2) سورة الأحزاب / 32 .

وفیه : ، نعم الفحش حرام إلاّ أنّه لا یرتبط ذلک بالتشبیب بعنوانه الأوّلی الذی هو محل الکلام فی المقام کما ذکره فی المصباح(1) .

والحاصل : أن هذه الوجوه العشرة غیر تامة فی الاستدلال علی حرمة نفس التشبیب ، مع ذلک کلّه لنعم ما قال المحقق الخوئی طاب ثراه : « لا شبهة فی حرمة ذکر الأجنبیات والتشبیب بها کحرمة ذکر الغلمان والتشبیب بهم بالشعر وغیره ، إذا کان التشبیب لتمنی الحرام وترجی الوصول إلی المعاصی والفواحش کالزنا واللواط ونحوهما ، فإنّ ذلک هتک لأحکام الشارع وجرأة علی معصیته ، ومن هنا حرم طلب الحرام من اللّه بالدعاء ، ولا یفرق فی ذلک بین کون [المرأة] المذکورة مؤمنة أو کافرة ، وعلی کلِّ حالٍ فحرمة ذلک لیس من جهة التشبیب »(2) .

وهکذا یحرم التشبیب إذا انطبق علیه بعض العناوین المحرّمة ، نحو : هتک النفوس المحترمة ، أو تسبیب إیذائهن أو إغراء الفساق بهنّ أو الفحش أو غیرها .

ویؤید ما ذکرناه خبر أبی هریرة وعبد اللّه بن عباس فی آخر خطبة خطبها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بالمدینة ، قالا : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : مَنْ وصف إمرأة لرجل وذکر جمالها له فافتتن بها الرجل فأصاب منها فاحشة لم یخرج من الدنیا حتّی یغضب اللّه علیه ومن غضب اللّه علیه غضبت علیه السماوات السبع ، والأرضون السبع وکان علیه من الوزر مثل الذی أصابها . قیل : یا رسول اللّه فإن تابا وأصلحا ؟ قال : یتوب اللّه تعالی علیهما ، ولم یقبل توبة الذی یخطبها بعد الذی وصفها(3) .

أقول : الموجود فی المتن المطبوع من عقاب الأعمال ما نقلته لک مع تذکّر وجود

« یخطیها » فی بعض النسخ بدلا من « یخطبها» فی آخر الحدیث ، وهکذا نقله فی جامع أحادیث

ص:308


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 220 .
2- (2) مصباح الفقاهة 1 / 211 .
3- (3) عقاب الأعمال / 337 .

الشیعة(1) ، ولکن نقل آخره فی وسائل الشیعة(2) هکذا : « قیل : یا رسول اللّه فإن تاب وأصلح ؟ قال : یتوب اللّه علیه» .

والذی یختلج بالبال فی تصحیح آخر الروایة - والعلم عند اللّه تعالی - أن یکون هکذا :

« قیل : یا رسول اللّه فإن تابا وأصلحا ؟ قال : یتوب اللّه علیهما ولم یقبل توبة الذی یصفها بعد الذی وَصَفَها» . وصارت جملة« بعد الذی وصفها» توضیحیة لیصفها . والمراد بها : إنّ اللّه تبارک وتعالی یقبل توبة الزانی والزانیة ولا یقبل توبة هذا الواصف بعد وصفه أیاها .

وهکذا یمکن تصحیح الروایة مع نسخة بدلها یعنی « یخطیها » : صارت معناها إنّ اللّه لم یقبل توبة الذی یخطیها أی یوجب خطأ المرأة وانحرافها من جادة الشریعة بالزنا ، وصارت جملة « بعد الذی وصفها » تعلیلیة لما قبلها ، یعنی تعلیل لیخطیها ، وحاصل معناها : إنّ اللّه لم یقبل توبة الذی صار وصفه إیّاها موجباً لفسادها وارتکابها الزنا .

ولکن الظاهر أنّ التصحیح الأوّل أولی .

وبالجملة ، الروایة تدلّ علی حرمة وصف الأجنبیات والتشبیب بهنّ ، ولکن فی سندها ضعف ظاهر .

ثم إنّ هاهنا فروعاً :

الفرع الأوّل :

یمکن أن یکون توصیف المرأة والتشبیب بها فی مورد خاص مستحسناً مرغوباً فیه شرعاً ، وهو إذا کان لسامع معلوم بالنسبة إلی المرأة المخلاة لغرض تشویقه فی خطبتها والسعی فی نکاحها ، وبهذا یخرج عن عنوان توصیف المحرّم وتشبیبه إلی عنوان تزویج المؤمن ، وهذا العنوان من المستحباتِ المؤکّدة فی الشریعة المقدسة ، وتدلّ علیه عدّة من الروایات :

منها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : أفضل

ص:309


1- (1) جامع أحادیث الشیعة 25 / 389 ح 2 .
2- (2) وسائل الشیعة 20 / 184 ح 2 .

الشفاعات أن تشفع بین إثنین فی نکاح حتّی یجمَع اللّه بینهما(3) .

ومنها : موثقة سماعة بن مهران عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من زوّج أعزباً ، کان ممّن ینظر اللّه عزّ وجل إلیه یوم القیامة(1) .

الفرع الثانی :

علی القول بحرمة التشبیب ، فهل یجوز التشبیب بالنسبة إلی المرأة المبهمة أم لا ؟ ظاهر کلمات الأصحاب جواز التشبیب بالنسبة إلی المرأة المبهمة ، لاسیما إذا کان الإبهام واقعیاً کأکثر مایتعزل به منظوماً . والوجه فی عدم حرمته ، عدم ترتب أیّ مفسدة من المفاسد الماضیة علیه ، وأیضاً عدم ترتب العناوین المحرّمة علیه .

وأمّا إذا کانت المرأة معینة عند القائل و مبهمة عند السامع ، فهل یحرم التشبیب بها أم لا ؟ ظهر حکم هذا الفرض أیضاً ممّا مرّ آنفاً ، حیث لم یترتب علیه مفسدة ولم ینطبق علیه العناوین المحرّمة ، فلا دلیل علی الحرمة حینئذ . خلافاً للمحقق الثانی(2) والشهید قدس سرهما حیث ذهب الأوّل إلی صدق هتک عرضها والثانی إلی حرمة الإستماع علی السامع علی التقدیرین(3) .

ووفاقاً لظاهر الشیخ الأکبر قدس سره فی شرحه علی القواعد(4) وصریح تلمیذه قدس سره فی مفتاح الکرامة حیث یقول : « إذا لم تکن معروفة عند السامع لا یحرم علیه الإستماع ولا یحرم علی القائل التشبیب ، کما هو الظاهر الموافق للإعتبار وللمتبادر من الإطلاق »(5) .

وأمّا إذا کانت المرأة معینة عند القائل ومعلومة عند السامع لکن لا بالعلم التفصیلی بل بالعلم الإجمالی مع حصر أطرافه ، فحینئذ یمکن القول بالحرمة لإتیان المفاسد الماضیة وترتب

ص:310


1- (1) الکافی 5 / 331 ونقلت عنه فی کتابی ألف حدیث فی المؤمن / 146 .
2- (2) الکافی 5 / 331 ونقلت عنه فی کتابی ألف حدیث فی المؤمن / 146 .
3- (3) جامع المقاصد 4 / 28 .
4- (4) ونقل عنهما فی مفتاح الکرامة 4 / 69 _ (12 / 225) .
5- (5) شرح القواعد 1 / 237 .

العناوین المحرّمة .

وأمّا مع عدم حصر أطراف العلم الإجمالی فلا یمکن الذهاب إلی القول بالحرمة ، لعدم

إتیان المفاسد وعدم ترتب العناوین المحرّمة . کما نبّه علی الفرض الأخیر المحقق الأردکانی قدس سره فی تعلیقه علی المکاسب(1) .

الفرع الثالث :

علی القول بحرمة التشبیب - وهو فعل القائل والمتکلِّم والناظم - هل یحرم الإستماع إلیه وهو فعل المستمع أم لا ؟

الظاهر واللّه العالم لو أمکن القول بحرمة التشبیب یمکن القول بحرمة الإستماع ، لأنّ غالب المفاسد والعناوین المحرّمة لم یترتب علیه مع عدم وجود المستمع کما هو ظاهر .

وحکم القاریء أیضاً حکم المستمع إذا کان التشبیب مکتوباً . ووافقنا علی هذا الفرع الشهید قدس سره والسید العاملی قدس سره صاحب مفتاح الکرامة علی ما مرّ من کلامهما فی الفرع السابق .

ولما ذکرنا ظهر ضعف ما ذهب إلیه السید الفقیه الیزدی قدس سره ولذا أمر بالتدبر فی آخر کلامه حیث یقول : « بل یمکن دعوی عدم حرمة الإستماع مطلقاً ولو کان محرّماً بالنسبة إلی القائل ، فتدبّر »(2) .

الفرع الرابع :

علی القول بحرمة التشبیب بالأجنبیة ، هل التشبیب بالغلام وبالمرد الحسان حرام أم لا ؟ إذا کان التشبیب بالمرد الحسان باعثاً علی التهیّج علی الحرام فهو حرام بلا إشکال ، ویترتب علیه المفاسد والعناوین المحرّمة الماضیة بطریق أشدّ وأولی .

وأمّا فی تنظّر الفیض الکاشانی فی إطلاق هذا الحکم فی کتابه مفاتیح الشرائع(3) وتبعیّة

ص:311


1- (1) غنیة الطالب 1 / 111 .
2- (2) حاشیة المکاسب / 17 _ (1 / 102 من الطبعة الحدیثة) .
3- (3) مفاتیح الشرائع 2 / 20 مفتاح 465 .

المحقق السبزواری له فی کتابه کفایة الأحکام(1) ، نظر بیّن . لأنّ التشبیب بالغلام أشدّ مفسدة وحرمة .

ولذا قال الشهید فی الدروس : « ... والتشبیب بها معینة وبالغلمان مطلقاً ... »(2) . وقال

ثانی الشهیدین فی المسالک : « ... وکذا التشبیب بالغلام محرّم مطلقاً لتحریم متعلقه »(3) .

وقال المحقق الثانی فی جامع المقاصد : « ... وأمّا التشبیب بالغلام فحرام علی کلِّ حالٍ»(4) . وذهب الفاضل الإصبهانی أیضاً إلی حرمة التشبیب بالغلام مطلقاً فراجع کتابه کشف اللثام(5) .

وقال جدنا الفقیه الشیخ الأکبر کاشف الغطاء قدس سره : « وأمّا التشبیب بالمرد الحسان من الکفار والمؤمنین المعروفین والمبهمین فهو من السفه وباعث علی التهیّج علی الحرام ومعدود من الفحش ، وظاهر نظر المفاتیح لا یُنظر إلیه »(6) .

وتبعه تلمیذاه صاحبا الجواهر(7) والمفتاح(8) .

وفی هذا المقدار کفایة لمن أراد الحقیقة فی الحکم ، واللّه سبحانه هوالعالم والحمد له .

ص: 312


1- (4) کفایة الأحکام / 281 الطبع الحجری _ (ولکن فی المطبوع منها حدیثاً لم تذکر التبعیة فراجع 1 / 440) .
2- (5) الدروس الشرعیة 3 / 163 .
3- (1) المسالک 2 / 404 الطبع الحجری _ (14 / 182) .
4- (2) جامع المقاصد 4 / 28 .
5- (3) کشف اللثام 10 / 294 من طبع جماعة المدرسین .
6- (4) شرح القواعد 1 / 238 .
7- (5) الجواهر 41 / 49 .
8- (6) مفتاح الکرامة 4 / 69 (12 / 225) .

التصویر

أنواعه :

ینقسم التصویر إلی أربعة أنواع : الصورة إمّا لذی روح مِن إنسان أو حیوان ، وإمّا لغیر ذی روح ، وکلّ منهما إمّا بنحو التجسیم بحیث یوجد له الظلّ ، وإمّا بنحو الصورة والنقش فقط مِنْ دون تجسیم ، فهذه أربعة أقسام .

وهکذا یمکن تقسیم التصویر إلی أقسام اُخر ، نحو إیجاده بعمل الید والمباشرة أو بالمکائن والمطابع والآلات الحدیثة نحو الکامیرا وهی الآلة المصوِّرة والحاسب الآلی وهو الکامبیوتر ونحوهما .

أو إیجاد الصورة کاملاً کإنسان أو حیوان قائماً أو إیجاده ناقصاً نحو : رأس الإنسان أو الحیوان فقط أو مع ضمّ بعض الأجزاء الآخر کتصویرهما قاعداً .

أو إیجاد الصورة لشیءٍ حقیقی یوجد فی الخارج ویراه الإنسان بعینه أو إیجاد الصورة لشیءٍ لم یره الإنسان نوعاً أو أصلاً ، نحو التصویر الخیالی للجن أو الملک أو الغول أو العنقاء ومثلها .

وهذه بعض أقسام الصورة ، ویمکن تقسیمه بإنقسامات اُخر أیضاً لا یهمّنا ذکرها هنا ویأتی البحث حولها فی فروع المسألة إن شاء اللّه تعالی .

الأقوال فیه

تنقسم الأقوال الرئیسیة فی المقام إلی الخمسة :

الأوّل : حرمة التصویر مطلقاً بأقسامه الأربعة ، یعنی سواء کان للحیوان أو لغیره ، وسواء کان بنحو التجسیم أو الصورة والنقش فقط ، استظهره العلامة الحلّی قدس سره فی المختلف(1)

ص:313


1- (1) المختلف 5 / 13 .

من کلامی القاضی ابن البراج(1) وأبی الصلاح الحلبی(3) .

الثانی : حرمة المجسّمة فقط ، سواء کانت لذی روح أو لغیره ، نسبه العلامة فی المختلف(2) إلی الشیخین المفید(3) والطوسی(4) ، وسلاّر(5) واختاره العلامة نفسه فی إرشاد الأذهان(6) وتذکرة الفقهاء(7) .

الثالث : حرمة ما کان لذی روح فقط ، سواء کان بنحو التجسیم أو بالصورة والنقش ، نسبه الشیخ الأعظم(8) قدس سره إلی ظاهر النهایة(9) وصریح السرائر(10) والمحکی عن حواشی الشهید(11) والمیسیّة(12) والمسالک(13) وإیضاح النافع(14) والکفایة(15) ومجمع البرهان(16) وغیرهم .

ص:314


1- (2) المهذب 1 / 344 .
2- (1) الکافی / 281 .
3- (2) المختلف 5 / 14 .
4- (3) المقنعة / 587 .
5- (4) النهایة / 363 .
6- (5) المراسم / 170 .
7- (6) إرشاد الأذهان 1 / 357 ، والارشاد المطبوع مع غایة المراد 2 / 8 .
8- (7) تذکرة الفقهاء 12 / 188 مسألة 693 .
9- (8) المکاسب / 23 _ (1 / 183 من الطبعة الحدیثة) .
10- (9) النهایة / 363 .
11- (10) السرائر 2 / 215 .
12- (11) کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 4 / 48 _ (12 / 158 من طبعة جماعة المدرسین) .
13- (12) المیسیّة / کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 4 / 48 _ (12 / 158) .
14- (13) مسالک الإفهام 3 / 126 .
15- (14) ایضاح النافع / کما نقل عنه فی مفتاح الکرامة 4 / 48 _ (12 / 158) .
16- (15) کفایة الأحکام / 85 _ (1 / 427 من طبعة جماعة المدرسین) .

أقول : واختاره الشهید الثانی فی حواشیه علی الإرشاد(1) ، والشرائع(2) والنافع(3) .

الرابع : اختصاص الحرمة بخصوص المجسَّم من ذوات الأرواح فقط ، وادعی علیه الإجماع ونفی الخلاف فی کلمات جماعة من الأعلام ، نحو : المحقق الثانی فی جامع المقاصد(4) والمحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة والبرهان(5) والسبزواری فی کفایة الأحکام(6) واختاره جدنا الفقیه الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی شرحه علی القواعد(7) وتلمیذه صاحب الجواهر(8) والمحقق الخمینی فی المکاسب المحرمة(9) وشیخنا الاُستاذ _ مدظله _ فی إرشاد الطالب(10) وبعض المعاصرین _ مدظله _ فی کتابه المسائل المستحدثة(11) .

الخامس : ظاهر المشایخ الطوسی والطبرسی والمیرزا محمد المشهدی قدس سرهم فی تفاسیرهم التبیان(12) ومجمع البیان(13) وکنز الدقائق(14) کراهة عمل الصور مطلقاً لا الحرمة فی ذیل قوله تعالی فی سورة البقرة : «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَی أَرْبَعِینَ لَیْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ»(15) .

ص:315


1- (16) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 54 .
2- (17) حاشیة الارشاد المطبوعة مع غایة المراد 2 / 8 - ومستقلاً / 164 .
3- (18) حاشیة شرایع الإسلام / 326 .
4- (1) جامع المقاصد 4 / 23 .
5- (2) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 54 .
6- (3) کفایة الأحکام / 85 _ (1 / 427 من طبعة جماعة المدرسین) .
7- (4) شرح القواعد 1 / 186 .
8- (5) الجواهر 22 / 41 .
9- (6) المکاسب المحرمة 1 / 168 .
10- (7) إرشاد الطالب 1 / 120 .
11- (8) المسائل المستحدثة / 214 للفقیه السید محمد صادق الروحانی مدظله .
12- (9) التبیان 1 / 236 .
13- (10) مجمع البیان 1 / 109 .
14- (11) کنز الدقائق 1 / 245 .
15- (12) سورة البقرة / 51 .

ومن المعلوم أنّ تألیف التبیان متأخر عن کتب الشیخ الفقهیة کما صرح بذلک ابن إدریس الحلی الذی هو من أسباط الشیخ فی مسألة ولایة الأب والجد علی البنت فی النکاح من سرائره ، وقال : « وأیضاً فشیخنا أبوجعفر الطوسی قد رجع وسلّم المذهب بالکلیّة فی کتابه کتاب التبیان ورجع عمّا ذکره فی نهایته وسائر کتبه ، لأنّ کتاب التبیان صنفه بعد کتبه جمیعها واستحکام عمله وسبره للأشیاء ووقوفه علیها وتحقیقه لها »(13) .

فهذه عمدة الأقوال فی حکم التصویر ، فلابدّ لنا من ملاحظة الروایات الواردة فی المقام حتّی نری إمکان تأیید أیّ قول من الأقوال الخمسة بها وبالجمع بین طوائفها ؟ !

الروایات

اشارة

الروایات الواردة حول مسألة التصویر علی طوائف :

الطائفة الأولی : ما یدلّ علی حرمة التصویر مطلقاً

منها : موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ جبرئیل أتانی فقال : یا محمّد إنّ ربّک یقرؤک السلام وینهی عن تزویق البیوت . قال أبو بصیر : قلت : ما التزویق ؟ قال : تصاویر التماثیل(1) .

ورواها فی الکافی(2) بسند فیه ضعف لدخول علی بن أبی حمزة البطائنی فیه ونقل عنهما فی الوسائل(3) . والمراد بالتزویق یعنی التزیین والتحسین .

ومنها : خبر آخر لأبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أتانی جبرئیل فقال : یا محمّد إنّ ربّک ینهی عن التماثیل(4) .

وفی السند ضعف بعلی بن أبی حمزة البطائنی ، ویمکن اتحاد الروایتین وکون الثانی

ص:316


1- (1) السرائر 2 / 563 .
2- (2) المحاسن 2 / 453 ح 37 .
3- (3) الکافی 6 / 526 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 5 / 303 ح 1 . الباب 3 من أبواب أحکام المساکن .

تلخیصاً للأوّل .

ومنها : خبر الأصبغ بن نباتة قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج عن الإسلام(1) .

ورواه الصدوق مرفوعاً إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فی الفقیه(2) والشیخ مسنداً عنه علیه السلام فی التهذیب(3) ، والسند ضعیف بأبی الجارود ، وفی ألفاظ الروایة ومعانیها وجوه سوف یأتی

التعرض لها فیما بعد إن شاء اللّه تعالی ، فانتظر .

ومنها : خبر جراح المدائنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : لا تبنوا علی القبور ولا تصوّروا سقوف البیوت ، فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم کره ذلک(4) .

والکراهة فی لسان الأئمة علیهم السلام تحمل علی الحرمة لا الکراهة المصطلحة عند الفقهاء ، لاسیما فی هذه الروایة المؤیدة بظهور النهی فی الحرمة أیضاً فی « لا تصوّروا» ، ولکن فی السند ضعف بالقاسم بن سلیمان ، لأنّه لم یوثق . وأمّا جراح المدائنی فیمکن الذهاب إلی حسنه کما ذهب إلیه العلاّمة المامقانی قدس سره فی تنقیح المقال(5) .

ومنها : خبر سعد بن ظریف عن أبی جعفر علیه السلام قال : «إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»(6) : هم المصوّرون ، یکلَّفون یوم القیامة أن ینفخوا فیها الروح(7) .

والسند ضعیف بأبی جمیلة وسعد بن ظریف ، ولکن الروایة تدلّ علی حرمة التصویر .

ومنها : صحیحة یحیی بن العلاء عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّه کره الصور فی البیوت(8) .

ص:317


1- (5) المحاسن 2 / 453 ح 36 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 307 ح 11 .
2- (6) المحاسن 2 / 453 ح 33 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 306 ح 10 .
3- (7) الفقیه 1 / 189 ح 579 .
4- (1) وسائل الشیعة 5 / 306 ح 9 .
5- (2) تنقیح المقال 1 / 209 الرقم 1697 من الطبع الحجری .
6- (3) سورة الأحزاب / 57 .
7- (4) المحاسن 2 / 455 ح 43 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 307 ح 12 .
8- (5) المحاسن 2 / 456 ح 46 .

الصحیحة تدلّ علی الحرمة ، لأنّه مرّ منّا أنّ الکراهة فی لسان الأئمة علیهم السلام تحمل علی الحرمة . ونظیرها خبر المثنی(1) وخبر حاتم بن إسماعیل المدینی(2) .

ومنها : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال : بعثنی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلی المدینة فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ، ولا قبراً إلاّ سوّیته ، ولا کلباً إلاّ قتلته(3) .

ومنها : حسنة عبد اللّه بن میمون القداح عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : أرسلنی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی هدم القبور وکسر الصور(9) .

ورواها بسنده فی الکافی(4) وفی السند سهل بن زیاد آلادمی القمی .

ومنها : صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : إنّ جبرئیل قال : إنّا لا ندخل بیتاً فیه کلب ، ولا صورة إنسان ، ولا بیتاً فیه تمثال(5) .

ورواها بسند معتبر فی الکافی(6) ، ونحوها أیضاً خبر محمد بن مروان المروی فی الکافی(7) والمحاسن(8) ، وخبر عمر بن خلاّد المروی فی المحاسن(9) . ونظیرها مرفوعة الأحسائی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم فی کتابه درر اللآلی(10) .

ومنها : خبر عبد اللّه بن طلحة النهدی عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : من أکل السحت

ص:318


1- (6) المحاسن 2 / 456 ح 45 .
2- (7) المحاسن 2 / 456 ح 47 .
3- (8) المحاسن 2/453 ح 34 والکافی 6/528 ح 14 ونقل عنهما فی وسائل الشیعة 5/306 ح 8 .
4- (1) المحاسن 2 / 453 ح 35 .
5- (2) الکافی 6 / 528 ح 11 .
6- (3) المحاسن 2 / 454 ح 38 .
7- (4) الکافی 6 / 527 ح 3 .
8- (5) الکافی 6 / 526 ح 2 .
9- (6) المحاسن 2 / 454 ح 39 .
10- (7) المحاسن 2 / 454 ح 40 .

سبعة _ إلی أن قال _ والذین یصوّرون التماثیل ، الخبر(1) .

ومنها : خبر أبی بصیر ومحمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام عن أبیه علیه السلام عن آبائه علیهم السلام قال : أمیر المؤمنین علیه السلام : إیّاکم وعمل الصور ، فإنّکم تسألون عنها یوم القیامة ، الخبر(2) .

منها : ما رواه الصدوق بسند صحیح عن محمد بن أحمد بن یحیی بإسناده رفعه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام قال : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن یسلّم علی أربعة : علی السکران فی سکره ، وعلی من یعمل التماثیل ، وعلی من یلعب بالنرد ، وعلی من یلعب بالأربعة عشر ، وأنا أزیدکم الخامسة أنهاکم أن تسلّموا علی أصحاب الشطرنج(3) .

ومنها : مرفوعة ومضمرة القطب الراوندی قال : روی أنّه یخرج عنق من النار

فیقول : أین من کذب علی اللّه ؟ وأین من ضادّ اللّه ؟ وأین من استخف باللّه ؟ فیقولون : ومن هذه الأصناف الثلاثة ؟ فیقول : من سحر فقد کذب علی اللّه ، ومن صوّر التماثیل فقد ضادّ اللّه ، ومن تراءی فی عمله فقد استخف باللّه(4) .

ومنها : مرفوعة الشهید الثانی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : أشدّ الناس عذاباً یوم القیامة : رجلٌ قتل نبیّاً أو قَتَلَهُ نبیٌّ ، أو رجل یُضِلُّ الناسَ بغیر علمٍ ، أو مُصَوِّرٌ یُصَوِّرُ التماثیلَ(5) .

ومنها : مرفوعة الأحسائی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : المصوّرون یعذّبون یوم القیامة ، یقال : أحیوا ما خلقتم(6) .

فهذه الروایات کلُّها نُقِلَتْ من طرقِنا وفیها الصحیحة والموثقة والمعتبرة والحسنة مِن

ص:319


1- (8) درر اللآلی 1 / 118 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 3 / 453 ح 3 .
2- (9) کتاب جعفر بن محمد بن شریح الحضرمی / 76 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 210 ح 2 .
3- (10) الخصال / 635 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 210 ح 1 .
4- (1) لب اللباب / مخطوط ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 3 / 454 ح 5 ، و13 / 210 ح 3 .
5- (2) منیة المرید / 281 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 210 ح 4 .
6- (3) عوالی اللآلی 1 / 148 ح 91 ونقل عنه مع اختلاف یسیر فی مستدرک الوسائل 13 / 211 ح 5 .

حیث السند ، وتدلّ علی مبغوضیة بل حرمة عمل الصور والتماثیل مطلقاً .

الطائفة الثانیة : ما یدلّ علی جواز مطلق التصویر لغیر ذوات الأرواح

منها : موثقة أو صحیحة أبی العباس عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجل : «یَعْمَلُونَ لَهُ مَا یَشَاء مِن مَحَارِیبَ وَتَمَاثِیلَ»(1) فقال : واللّه ما هی تماثیل الرجال والنساء ولکنّها الشجر وشبهه(2) .

ومنها : خبر آخر للفضل أبی العباس قال : قلت لأبی جعفر قول اللّه عزّ وجلّ : «یَعْمَلُونَ لَهُ مَا یَشَاء مِن مَحَارِیبَ وَتَمَاثِیلَ وَجِفَانٍ کَالْجَوَابِ»قال : ما هی تماثیل الرجال والنساء ولکنّها تماثیل الشجر وشبهه(3) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ سهل ، ویمکن اتحاده مع الموثقة الماضیة .

ومنها : صحیحة أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی قال : کنت عند أبی الحسن الرضا علیه السلام فأخرج إلینا خاتم أبی عبد اللّه علیه السلام وخاتم أبی الحسن علیه السلام وکان خاتم أبی عبد اللّه علیه السلام « أنت ثقتی فاعصمنی من الناس» ونقش خاتم أبی الحسن علیه السلام « حسبی اللّه » وفیه وردة وهلال فی أعلاه(4) .

ومنها : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا بأس بتماثیل الشجر(5) .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن تماثیل الشجر والشمس والقمر ؟ فقال : لا بأس ما لم یکن شیئاً من الحیوان(6) .

ص:320


1- (4) سورة سبأ / 13 .
2- (5) الکافی 6 / 527 ح 7 والمحاسن 2 / 458 ح 53 ونقل عنهما فی وسائل الشیعة 17 / 295 ح 1 . الباب 94 من أبواب ما یکتسب به ، و 5 / 304 ح 4 . الباب 3 من أبواب أحکام المساکن .
3- (6) وسائل الشیعة 5 / 305 ح 6 .
4- (1) الکافی 6 / 473 ح 4 ونقل عنه مختصرها فی وسائل الشیعة 4 / 443 ح 1 . الباب 46 من أبواب لباس المصلی .
5- (2) المحاسن 2 / 458 ح 55 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 296 ح 2 .
6- (3) المحاسن 2 / 458 ح 54 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 296 ح 3 .

ومنها : مرفوعة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ربّما قمت اُصلّی وبین یدی وسادة فیها تماثیل طائر فجعلت علیه ثوباً ، وقال : قد اُهدیت إلیّ طنفسة من الشام فیها تماثیل طائر فأمرت به فغیّر رأسه فجعل کهیئة الشجر ، وقال : إنّ الشیطان أشدّ ما یهمّ بالإنسان إذا کان وحده(1) .

والروایة تدلّ علی عدم الحرمة فی صورة الشجر وإلاّ لما أمر الإمام علیه السلام بتغییرها إلیها .

ومنها : مرفوعة ابن شعبة الحرّانی عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث أنّه قال فی عداد الصنائع المحلّلة : وصنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثل الروحانی(2) .

والحاصل ، ان هذه الروایات وفیها صحیحة الإسناد والموثقة تدلّ علی جواز عمل صور غیر ذوات الأرواح مطلقاً سواء کانت مجسمة أم غیر مجسّمة ، وبها نقیّد المطلقات الواردة فی حرمة عمل الصور بناءً علی قانون الإطلاق والتقیید . ویؤیده السیرة القطعیة المتصلة إلی زمن المعصومین علیهم السلام من عمل تصویر غیر ذوات الأرواح بنحو التجسیم وغیره ولم یَنکره أحد ، وبعض الناس یطلبون الرزق بعمل هذه الصور ویکتسبون بها ولم یرتدع أحد منها .

الطائفة الثالثة : ما یدلّ علی حرمة مطلق التصویر لذوات الأرواح

منها : ما رواها الصدوق قدس سره فی الفقیه بإسناده إلی حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم : أنّه نهی عن التختم بخاتم صفر أو حدید ، ونهی أن ینقش شیء من الحیوان علی الخاتم ، الحدیث(3) .

ظهور النهی فی الحرمة واضحة ، ولکن فی السند ضعف لدخول عدّة من المجاهیل فیه .

ومنها : صحیحة محمد بن مسلم الماضیة قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن تماثیل الشجر والشمس والقمر ؟ فقال : لا بأس ما لم یکن شیئاً من الحیوان(4) .

ص:321


1- (4) وسائل الشیعة 5 / 309 ح 7 . الباب 4 من أبواب أحکام المساکن .
2- (5) تحف العقول / 335 .
3- (1) الفقیه 4 / 10 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 297 ح 6 .
4- (2) وسائل الشیعة 17 / 296 ح 3 .

هذه الصحیحة بمفهومها تدلّ علی حرمة تصویر ذوات الأرواح مطلقاً ، لأنّ مفهومها إن کان شیئاً من الحیوان ففیه بأس . وکما أن « لا بأس » یدل علی الجواز ، ف_ « فیه بأس » أیضاً یدلّ علی الحرمة .

ومنها : الروایات الواردة فی تکلیف المصوّرین یوم القیامة بأن ینفخوا الروح فی صورهم ویحیوهم : نحو :

1 _ حسنة الحسین بن المنذر قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : ثلاثة معذّبون یوم القیامة : رجل کذب فی رؤیاه یکلّف أن یعقد بین شعیرتین ولیس بعاقد بینهما ، رجلٌ صوّر تماثیل یکلّف أن ینفخ فیها ولیس بنافخ(1) .

أقول : إلی هنا انتهی نقل الکلینی ، ولکن رواها البرقی فی المحاسن بسند فیه ضعف ، وتمّمها هکذا : « والمستمع بین قوم وهم له کارهون ، یصبّ فی اُذنیه الآنک وهون الاُسرب »(2) وهکذا تمّمها الصدوق بسنده عن محمد بن مروان الکلبی فی الخصال(3) والرجل لم یثبت وثاقته ولذا کان التعبیر بالصحیحة فی شأن خبر محمد بن مروان کما عبر به ثانی الشهیدین قدس سره فی المسالک(4) غیر تام .

2 _ وخبر ابن أبی عمیر عن رجل عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : من مثّل تمثالاً کلّف یوم القیامة أن ینفخ فیه الروح(5) .

ورواها البرقی فی المحاسن(6) أیضاً .

3 _ وخبر الحسین بن زید عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث مناهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : ونهی أن یکذب الرجل فی رؤیاه متعمّداً وقال : یکلّفه اللّه یوم القیامة أن یعقد شعیرة وما هو

ص:322


1- (3) الکافی 6 / 528 ح 10 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 305 ح 5 .
2- (4) المحاسن 2 / 456 ح 44 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 305 ح 5 .
3- (5) الخصال 1 / 108 ح 76 ونقلت عنه فی موسوعة أحادیث أهل البیت علیهم السلام 6 / 166 ح 9 .
4- (6) المسالک 3 / 126 .
5- (1) الکافی 6 / 527 ح 4 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 304 ح 2 .
6- (2) المحاسن 2 / 455 ح 42 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 304 ح 2 .

بعاقدها ، ونهی عن التصاویر وقال : من صوّر صورة کلّفه اللّه یوم القیامة أن ینفخ فیها ولیس بنافخ ، الحدیث(1) .

4 _ وخبر ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من صوّر صورة عُذّب وکُلّف أن ینفخ فیها ولیس بفاعل ، ومن کذب فی حلمه عُذّب وکُلّف أن یعقد بین شعیرتین ولیس بفاعل ، ومن استمع إلی حدیث قوم وهم له کارهون یُصبّ فی اُذنیه الآنک یوم القیامة(2) .

قال سفیان (وهو من رجال السند) : الآنک : الرصاص .

5 _ وخبر سعد بن ظریف عن أبی جعفر علیه السلام قال : «إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»(3) هم المصوّرون یکلّفون یوم القیامة أن ینفخوا فیها الروح(4) .

6 _ ومرفوعة الأحسائی عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم قال : المصوّرون یعذّبون یوم القیامة ، یقال : أحیوا ما خلقتم(5) .

7 _ مرفوعة اُخری للأحسائی عن خالد الحذاء عن عکرمة عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال فی حدیث : ومن صوّر صورة عُذّب حتّی ینفخ فیها الروح ولیس بنافخ(6) .

وقد حکم المحقق الخوئی(7) قدس سره باستفاضة هذه الأخبار من طرق الفریقین ، وتبعه تلمیذه شیخنا الاُستاذ(8) _ مد ظله _ وقد یقال فی شأنها : « والظاهر أنّ نقل هذا المضمون مستفیض فی أخبار الفریقین ، بل یمکن القول بتواتره إجمالاً ، بمعنی العلم إجمالاً بصدور بعضها ،

ص:323


1- (3) الفقیه 4 / 5 ح 4946 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 297 ح 6 .
2- (4) الخصال 1 / 109 ح 77 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 297 ح 9 .
3- (5) سورة الأحزاب / 57 .
4- (6) المحاسن 2 / 455 ح 43 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 307 ح 12 .
5- (7) عوالی اللآلی 1 / 148 ح 91 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 211 ح 5 .
6- (8) عوالی اللآلی 1 / 122 ح 51 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 13 / 211 ح 6 .
7- (9) مصباح الفقاهة 1 / 224 .
8- (1) ارشاد الطالب 1 / 121 .

ولا أقلّ من الإطمئنان والوثوق بذلک »(1) ... «وکیف کان فهذه الروایات ... قد کثرت من طرق الفریقین بحیث تطمئن النفس بصدور بعضها ولو واحدة منها ، فتکون حجة إجمالاً ، وظاهر الجمیع هی الحرمة ... »(2) .

أقول : الظاهر من هذه الروایات الآمرة بالنفخ یوم القیامة للمصوّرین ، أمرهم سبحانه وتعالی بإحیاء ما صوّره ، فلابدّ أنّ هذه الصورة یمکن إحیاؤها ، یعنی کانت صورة حیوان فقط ، سواء کانت بنحو التجسیم أو غیر مجسمةٍ .

نعم ، خرجت من تحت هذه الأخبار صور غیر الحیوان لعدم إمکان إحیائها .

فحمل الروایات الآمرة بالنفخ علی المجسَّمة من الحیوان فقط بدعوی : أنّ الصورة حیوان لا ینقص منه شیءٌ سوی الروح ، کما ذهب إلیه جدنا الفقیه الشیخ جعفر کاشف الغطاء قدس سره فی شرحه علی القواعد(3) وتبعه تلمیذه صاحب الجواهر(4) وتبعهما المحققون الإیروانی(5) والخمینی(6) والأردکانی(7) قدس سرهم والاُستاذ _ مد ظله _ فی آخر کلامه فی المقام تحت عنوان « اللهم إلاّ ان یقال »(8) وبعض آخر من أساتیذنا(9) _ أدام اللّه تعالی ظله _ غیر تام لما مرّ منّا أنّ النفخ ظاهر فی الإحیاء ، والإحیاء کما صح أن یتعلق بالمجسمة من الحیوان صح أن یتعلق بغیر المجسمة منه أیضاً .

ویؤید ما ذکرناه صحیحة علی بن یقطین فی قضیة إحیاء الإمام موسی بن جعفر علیه السلام

ص:324


1- (2) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 574 .
2- (3) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 579 .
3- (4) شرح القواعد 1 / 188 .
4- (5) الجواهر 22 / 42 .
5- (6) الحاشیة علی المکاسب 1 / 128 .
6- (7) المکاسب المحرمة 1 / 172 و 171 .
7- (8) غنیة الطالب 1 / 112 .
8- (9) إرشاد الطالب 1 / 121 .
9- (10) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 581 .

أسداً مصوّراً کان علی بعض الستور فقال له : یا أسد اللّه خذ عدوّ اللّه ، قال [ علی بن یقطین ] : فوثبت تلک الصورة کأعظم ما یکون من السباع فافترست ذلک المُعَزِّم(1) ، فخرّ هارون وندماؤه علی وجوههم مغشیّاً علیهم وطارت عقولهم خوفاً من هَوْل ما رأوه ، الحدیث(2) .

وهکذا یؤیدنا خبر محمد بن زیاد ومحمد بن سیار عن الإمام الحسن العسکری علیه السلام عن آبائه علیهم السلام عن الرضا علیه السلام فی قضیته فی مجلس المأمون ، حیث یقول حمید بن مهران للإمام علیه السلام : ... فأمّا المطر المعتاد مجیئه فلست أنت أحق بأن یکون جاء بدعائک من غیرک الذی دعا ، کما دعوت ، وکان الحاجب أشار إلی أسدین مصوّرین علی مسند المأمون الذی کان مستنداً إلیه ، وکانا متقابلین علی المسند ، فغضب علی بن موسی علیه السلام وصاح بالصورتین : دونکما الفاجر ، فافترساه ولم یبقیا له عیناً ولا أثراً ، فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدین فتناولا الحاجب ورضاه [ رضضاه (3)] وهشماه(4) وأکلاه ولحسا(5) دمه والقوم ینظرون متحیّرین ممّا یبصرون ... إلی أن قال الرضا علیه السلام : عودا إلی مقرّکما کما کنتما ، فصارا إلی المسند وصارا صورتین کما کانتا ، الحدیث(6) .

والحاصل ، المراد بالنفخ هو الإحیاء ، ولذا یتعلق بذوات الأرواح مطلقاً ، سواء کانت بنحو المجسَّمة أو غیر المجسَّمة . ولم یرد علینا أولاً : لزوم قابلیة المحلِّ بأن ینفخ فیه ، وهذا لیس إلاّ فی المجسَّمة من الحیوان .

وثانیاً : إذا کانت صورة الحیوان بنحو غیر المجسَّمة لزم من النفخ فیه تبدیل اللون وهو العرض بالجسم وهو الجوهر ، وتبدیل العرض بالجوهر محالٌ .

ص:325


1- (1) المُعَزِّم : الرجل الذی عنده العزیمة والرقی .
2- (2) أمالی الصدوق ، المجلس التاسع والعشرون ح 20 / 212 الرقم 236 .
3- (3) رضّه : دقه وجرشه ، رضض الشیء : بالغ فی رضه .
4- (4) هشم الشیء : کسره .
5- (5) لحس القصعة : لعقها وأخذ ما علق بجوانبها بلسانه أو باصبعه .
6- (6) عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 / 171 .

لأنّه قد مرّ منّا مراراً : أنّ المراد بالنفخ الإحیاء کما اعترف به المحقق الإیروانی(1) ، ویکفی فی تعلق الإحیاء به کونه من ذوات الأرواح مطلقاً ، سواء کانت مجسَّمة أو غیر مجسَّمة . والإحیاء یمکن أن یتعلق بصورة الحیوان ولو کانت غیر مجسَّمة . وهذا الأمر بالإحیاء لیس إلاّ للتعجیز ، ولم یُشترط فی الأوامر التعجیزیة القدرة علی متعلَّقها وإلاّ لم یصدق التعجیز .

ومن هنا ظهر عدم الحاجة إلی جوابات الشیخ الأعظم(2) عن الإشکالین ، حتّی یناقشه السید الخوئی(3) فی جوابه الأوّل وقبوله الجواب الآخر .

حیث أجاب الشیخ الأعظم : أولاً : بأنّ النفخ یتصوّر فی النقش أیضاً بملاحظة محلّه حیث أنّ النقش حالّ فی الجسم .

وثانیاً : أدل الدلیل علی إمکان الشیء وقوعه کما قد وقع فی أمر الإمامین علیهماالسلام فی مجلس هارون وابنه مأمون .

وثالثاً : أن النقش لیس عرضاً بل هو فی الحقیقة أجزاء لطیفة من الصبغ فیکون جسماً(4) .

وناقش السید الخوئی بعد الإعتراف بأنّ الظاهر من أخبار النفخ التکلیف بالإحیاء ، فقال : « إنّ التکلیف إنّما هو بإحیاء نفس الصورة دون محلّها»(5) ، وسکت بالنسبة إلی الجواب الثانی وقبل الجواب الثالث .

فظهر ممّا ذکرنا عدم الحاجة إلی هذه الجوابات لعدم ورود الإشکالات ، لأنّ المراد بالنفخ هو الإحیاء والإحیاء کما یتعلق بالمجسَّم یتعلَّق بغیر المجسَّم أیضاً ، ولیست الروایات ظاهرة فی المجسّم فقط بل تعمّ غیره .

ص:326


1- (7) حاشیة المکاسب 1 / 129 .
2- (1) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 184 من الطبعة الحدیثة) .
3- (2) مصباح الفقاهة 1 / 226 .
4- (3) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 184) .
5- (4) مصباح الفقاهة 1 / 226 .

وهکذا لا یتمّ ما ذکره المحققان الإیروانی(1) والخمینی(2) ، فراجع کتابیهما . وتبعهما بعض أساتیذنا _ مد ظله _ فی المقام(3) .

ووافقنا علی نتیجة هذا البیان جمع من المحققین ، منهم : الشیخ الأعظم(4) قدس سره والفقیه السید الیزدی(5) والسید علی آل بحر العلوم(6) من تلامیذ صاحب الجواهر ، والسید الخوئی(7) والسید عبد الأعلی السبزواری(8) وبعض المعاصرین(9) _ مدظله _ .

وبالجملة ، هذه الروایات الآمرة بالنفخ تدلّ علی حرمة مطلق تصویر ذوات الأرواح سواء کانت مجسَّمة أو غیر مجسَّمة .

ومنها : أی من الروایات الواردة فی الطائفة الثالثة الدالة علی حرمة مطلق التصویر لذوات الأرواح : خبر الأصبغ بن نباتة [ الذی قد سبق ذکره ] قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج من الإسلام(10) .

بتقریب :أن المثال والصورة مترادفان کما قال الفاضل الأصبهانی قدس سره : « المعروف _ کما فی اللغة _ ترادف التماثیل والتصاویر والصور بمعنی التصاویر »(11) .

فالروایة تدلّ علی حرمة مطلق التصویر ، ولکنّ الروایات الواردة فی جواز تصویر غیر ذوات الأرواح تخصصها ، فبقیت تحتها مطلق تصاویر ذوات الأرواح سواء بنحو

ص:327


1- (5) حاشیة المکاسب 1 / 128 .
2- (6) المکاسب المحرمة 1 / 172 و 171 .
3- (7) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 582 و 581 .
4- (1) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 186 من الطبعة الحدیثة) .
5- (2) حاشیة المکاسب / 17 _ (1 / 102 من الطبعة الحدیثة) .
6- (3) برهان الفقه _ کتاب التجارة / 16 .
7- (4) مصباح الفقاهة 1 / 226 .
8- (5) مهذب الأحکام 16 / 83 .
9- (6) عمدة الطالب 1 / 168 .
10- (7) المحاسن 2 / 453 ح 33 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 306 ح 10 .
11- (8) کشف اللثام 3 / 308 طبع جماعة المدرسین .

التجسیم أو غیره .

وفیه : أولاً : فی سندها ضعف ظاهر بأبی الجارود کما مرّ منّا .

وثانیاً : فی دلالة هذا الحدیث ومفاد معناه مناقشات کثیرة نذکر لک کلام بعض الأعلام فی المقام حتّی یظهر بعضها :

قال الصدوق بعد نقل الروایة : « واختلف مشایخنا فی معنی هذا الخبر :

فقال محمد بن الحسن الصفار رحمه الله : هو جدّد بالجیم لا غیر . وکان شیخنا محمد ابن الحسن بن أحمد بن الولید رضی الله عنه یحکی عنه أنّه قال : لا یجوز تجدید القبر ولا تطیین جمیعه بعد

مرور الأیام علیه وبعد ما طیّن فی الأوّل ، ولکن إذا مات میّت وطیّن قبره فجائز أن یرمَّ سائر القبور من غیر أن یجدَّد .

وذکر [ ابن الولید ] عن سعد بن عبد اللّه رحمه الله أنّه کان یقول : إنّما هو مَن حدَّد قبراً _ بالحاء غیر المعجمة _ یعنی به من سنّم قبراً .

وذکر [ ابن الولید ] عن أحمد بن أبی عبد اللّه البرقی أنّه قال : إنّما هو من جدث قبراً ، تفسیر الجدث : القبر فلا ندری ما عنی به .

والذی أذهب إلیه : أنّه جدَّد بالجیم ومعناه نبش قبراً ، لأنّ من نبش قبراً فقد جدّده وأحوج إلی تجدیده وقد جعله جدثاً محفوراً .

وأقول : إنّ التجدید علی المعنی الذی ذهب إلیه محمد بن الحسن الصفار والتحدید بالحاء غیر المعجمة الذی ذهب إلیه سعد بن عبد اللّه والذی قاله البرقی من أنّه جدث کلّه داخل فی معنی الحدیث ، وأنّ من خالف الإمام علیه السلام فی التجدید والتسنیم والنبش واستحلّ شیئاً من ذلک فقد خرج من الإسلام .

والذی أقوله فی قوله علیه السلام « مَن مثّل مثالاً » یعنی به أنّه من أبدع بدعةً ودعا إلیها ، أو وضع دیناً فقد خرج من الإسلام ، وقولی فی ذلک قول أئمتی علیهم السلام ، فإن أصبتُ فمن اللّه علی ألسنتهم وإن أخطأت فمن عند نفسی »(1) .

ص:328


1- (1) الفقیه 1 / (191 _ 189) .

الشیخ فی التهذیب بعد نقل الروایة والاختلاف الذی مرّ من الصدوق فی معناها قال بعد نقل مقال البرقی توضیحاً لکلامه : « ویمکن أن یکون المعنی بهذه الروایة : النهی أن یجعل القبر دفعة اُخری قبراً لإنسان آخر ، لأنّ الجدث هو القبر ، فیجوز أن یکون الفعل مأخوذاً منه »(1) . ثم نقل کلام اُستاذه المفید فی آخر بیاناته وقال : « وکان شیخنا محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله یقول : إنّ الخبر بالخاء والدالین وذلک مأخوذ من قوله تعالی : «قُتِلَ أَصْحَابُ الاْءُخْدُودِ»(2) ، والخد : هو الشق ، یقال : خددت الارض خداً : أی شققتها . وعلی هذه الروایات یکون النهی تناول شق القبر إمّا لیدفن فیه أو علی جهة النبش علی ما ذهب إلیه محمد بن علی ، وکل ما ذکرناه من الروایات والمعانی محتمل ، واللّه أعلم بالمراد والذی صدر

الخبر عنه علیه السّلام »(3) .

وهکذا نقل المحقق هذا الاختلاف فی المعتبر ، وبعد بیان ضعف السند قال : « فإذن الروایة ساقطة فلا ضرورة إلی التشاغل بتحقیق نقلها »(4) .

وأجابه الشهید فی الذکری بقوله : « اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقیق هذه اللفظة مؤذن بصحة الحدیث عندهم وإن کان طریقه ضعیفاً ، کما فی أحادیث کثیرة اشتهرت وعلم موردها وإن ضعف إسنادها ، فلا یرد ماذکره فی المعتبر من ضعف محمد بن سنان وأبی الجارود راوییه ، علی أنّه قد ورد نحوه من طریق أبی الهیاج السالف ، وقد نقله الشیخ فی الخلاف ، وهو من صحاح العامة ، وهو یعطی صحة الروایة بالحاء المهملة لدلالة الإشراف والتسویة علیه ، ویعطی أنَّ المثال هنا هو التمثال هناک ، وهو الصورة ، وقد ورد فی النهی عن التصویر وفی إزالة التصاویر أخبار مشهورة »(5) .

أقول : أبو الهیاج - وهو حیان بن حصین الأسدی الکوفی - روی عن

ص:329


1- (2) التهذیب 1 / 459 .
2- (3) سورة البروج / 4 .
3- (1) التهذیب 1 / 460 .
4- (2) المعتبر فی شرح المختصر 1 / 304 .
5- (3) ذکری الشیعة 2 / 40 .

أمیر المؤمنین علیه السلام وعمار وکان کاتباً له ، وروی عنه جریر ومنصور إبناه وأبو وائل والشعبی ، ووثقه ابن حبان والعجلی ، قال : کل ذلک ابن حجر(1) .

ونقل الشیخ روایته هکذا : « وروی أبو الهیاج الأسدی قال : قال لی علی علیه السلام : أبعثک علی ما بعثنی علیه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، لاتری قبراً مشرفاً إلاّ سویته ، ولا تمثالاً إلاّ طمسته »(2) .

وهذه الروایة عامیة رویت فی مسلم(3) والنسائی(4) والترمذی(5) باختلاف یسیر فی ألفاظها .

وقال العلاّمة المجلسی بعد نقل الروایة وکلام الصدوق والشیخ والشهید : « وربما یقال : علی تقدیر أن یکون اللفظ « جدَّد » بالجیم والدال ، و« جدَّث » بالجیم والثاء ، یحتمل أن یکون

المراد قتل مؤمنٍ عدواناً ، لأنّ من قتله فقد جدَّد قبراً مجرَّداً بین القبور ، وجعله جدثاً وهو مستقلٌ فی هذا التجدید ، فیجوز إسناده إلیه ، بخلاف ما لو قتل بحکم الشرع ، وهذا أنسب بالمبالغة بخروجه من الإسلام ، ویحتمل أن یکون المراد بالمثال الصنم للعبادة .

أقول : لا یخفی بُعْد ما ذکره فی التجدید ، وأمّا المثال فهو قریب .

وربما یقال : المراد به إقامة رجل بحذاه کما یفعله المتکبرون ، ویؤیده ما ذکره الصدوق قدس سره فی کتاب معانی الأخبار عن محمد بن علی ماجیلویه عن عمّه محمد بن أبی القاسم عن أحمد بن أبی عبد اللّه عن النهیکی بإسناده رفعه إلی أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : من مثّل مثالاً أو اقتنی کلباً فقد خرج من الإسلام ، فقیل له : هلک إذاً کثیرٌ من الناس ، فقال : لیس حیث ذهبتم ، إنّی عنیت بقولی : « من مثّل مثالاً » من نصب دیناً غیر دین اللّه ودعا الناس إلیه ، وبقولی : « من اقتنی کلباً» مبغضاً لنا أهل البیت اقتناه وأطعمه وسقاه ، من فعل ذلک فقد خرج

ص:330


1- (4) تهذیب التهذیب 3 / 67 .
2- (5) الخلاف 1 / 707 مسألة 505 .
3- (6) صحیح مسلم 2 / 666 الحدیث 969 .
4- (7) سنن النسائی 4 / 88 .
5- (8) سنن الترمذی 3 / 366 الحدیث 1049 .

من الاسلام(1) .

ثم اعلم أنّ للإسلام والإیمان فی الأخبار معانٍ شتی ، فیمکن أن یراد هنا معنی یخرج ارتکاب بعض المعاصی عنه . أمّا إثبات حکم بمجرّد تلک القراءات والإحتمالات بخبر واحد فلا یخفی ما فیه ، وما ذکره القوم من التفسیرات والتأویلات لا یدلّ علی تصحیحها والعمل بها . نعم : یصلح مؤیداً لأخبار اُخری ، وردت فی کلّ من تلک الأحکام ، ولعلّه یصحُّ لإثبات الکراهة أو الإستحباب ، وإن کان فیه أیضاً مجال مناقشة »(2) .

وأیّد بعض الأساتیذ _ مد ظله _ کلام المجلسی قدس سره بعنوان : « ربما یقال : المراد به إقامة رجل بحذاه کما یفعله المتکبّرون » . قال : « ویمکن أن یستأنس للإحتمال الأخیر بالحدیث الذی مرّ عن نهایة ابن الأثیر فی لغة مثل ، حیث قال : « فیه : من سرّه أن یمثّل له الناس قیاماً فلیتبوّأ مقعده من النار »(3)(4) .

وقال شیخنا التستری قدس سره بعد نقل الأقوال فی الروایة : « ثمَّ إنَّ « جدَّد » بالجیم أقرب للجمیع و« جدث» أبعدها ، لأنّه لم یسمع بفعل من « جدث » سوی « اجتدث » بمعنی اتخذ قبراً ، ولعلّه لذا قال ابن الولید _ بعد نقل کلام البرقی _ : « وتفسیر الجدث بالقبر فلا ندری ما عنی به » ، ولکن قال الشیخ : « یمکن أن یکون المعنی النهی أن یجعل القبر دفعةً اُخری قبراً لإنسان آخر ، لأنّ الجدث هو القبر ، فیجوز أن یکون الفعل مأخوذاً منه .

قلت : قد عرفت عدم استعمال فعل من جدث مجرَّداً ... وقد أفتی البهائی فی جامعه(5) بکراهة تجدید القبر ... »(6) .

أقول : هذا بعض ما ذکره الأعلام فی المقام ، ومع ذلک کلّه ظهور المثال فی الصورة

ص:331


1- (1) معانی الأخبار / 181 .
2- (2) بحار الانوار 79 / 19 و 18 = 32 / 501 من الطبعة الحدیثة فی بیروت .
3- (3) النهایة 4 / 294 .
4- (4) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 589 .
5- (1) جامع عباسی / 23 الطبع الحجری (/75 من طبعة جماعة المدرسین عام 1386 ش) .
6- (2) الأخبار الدخیلة 1 / 51 و 50 .

منعقدٌ ولا یمکن إنکاره لأحد ، فالفقرة الثانیة للروایة تدلّ علی حرمة التصویر وتقیّدها بالطائفة الثانیة من الروایات یعنی ما ورد فی جواز تصویر غیر ذوات الأرواح مطلقاً ، فتنحصر الحرمة بتصویر ذوات الأرواح مطلقاً . وهکذا الفقرة الاُولی منها تدلّ علی حرمة نبش القبر مطلقاً کما قاله الصدوق ، وتدخل فیها جمیع الأقوال أو کثیر منها . ولکن مع ذلک کلّه سند الروایة ضعیف کما مرّ منّا مراراً .

والحاصل ، انتهی الأمر بنا إلی هنا فی الجمع بین الروایات من الالتزام بالحرمة فی تصویر ذوات الأرواح مطلقاً سواء کان بنحو المجسَّم أم غیر مجسَّم ، وبالجواز فی تصویر غیر ذوات الأرواح مطلقاً سواء کان بنحو المجسَّم أم غیر مجسَّم .

وافقنا علی هذا الجمع ، جماعةٌ من الأصحاب قدیماً وحدیثاً ، وهو خیرة الشیخ الأعظم(1) وقد نسبه إلی عدّة من الأعلام ، حیث مرّ کلامه فی أوّل البحث ، واختاره الحلبی فی الکافی(2) والقاضی ابن البراج فی المهذب(3)(4) وابن إدریس الحلی فی السرائر(5) ، وعدّه العلامةُ من المکاسب المحرمة علی رأی فی التلخیص(6) وثانی الشهیدین فی المسالک(9)

وحواشی النافع(7) والشرائع(8) والإرشاد(9) والمحدث البحرانی فی الحدائق(10) والسید

ص:332


1- (3) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 187 من الطبعة الحدیثة) .
2- (4) الکافی فی الفقه / 281 .
3- (5) المهذب 1 / 344 .
4- (6) کما نقل عنهما فی مفتاح الکرامة 4 / 48 (12 / 165) وإلاّ عبارتهما بالنسبة إلی جمیع التماثیل کما حمل علی ظاهرهما العلاّمة فی مختلفه 5 / 13 .
5- (7) السرائر 2 / 215 .
6- (8) تلخیص المرام فی معرفة الاحکام / 91 .
7- (1) المسالک 3 / 126 .
8- (2) حاشیة مختصر النافع / 91 .
9- (3) حاشیة شرائع الاسلام / 326 .
10- (4) حاشیة الإرشاد المطبوعة مع غایة المراد 2 / 8 - ومستقلاً / 164 .

الطباطبائی فی الریاض(1) والنراقی فی المستند(2) والسید علی آل بحر العلوم فی برهان الفقه(3) والفقیه الیزدی فی حاشیة المکاسب(4) والمؤسس الحائری فی المکاسب المحرمة(5) والمحقق الخوئی فی مصباح الفقاهة(6) والسید السبزواری فی مهذب الأحکام(7) قدس سرهم والسید القمی _ مدظله _ فی عمدة المطالب(8) .

تبصرة : بیان المحقق الأردبیلی قدس سره ونقده

قال فی مجمع الفائدة والبرهان مانصه :« ... ثم إنّه تدلّ روایات کثیرة علی جواز إبقاء الصور مطلقاً ، وهو یُشعر بجوازه ، وقد نقلنا من قبل روایات صحیحة دالة علیه .

وتؤیده روایة أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّا نبسط عندنا الوسائد فیها التماثیل وونفترشها ، قال : لا بأس بما یبسط منها ویفترش ویوطأ ، إنّما یکره ما نصب منها علی الحائط والسریر(9) .

وبعد ثبوت التحریم فیما ثبت یشکل جواز الإبقاء ، لأنّ الظاهر أنّ الغرض من التحریم

عدم خلق شیءٍ یشبه بخلق اللّه وبقائه ، لا مجرد التصویر .

فیحمل ما یدلّ علی جواز الإبقاء من الروایات الکثیرة(10) الصحیحة وغیرها علی ما یجوز منها ، فهی من أدلة جواز التصویر فی الجملة علی البسط والستر والحیطان والثیاب ،

ص:333


1- (5) الحدائق 18 / 100 .
2- (6) ریاض المسائل 8 / 154 .
3- (7) مستند الشیعة 14 / 108 .
4- (8) برهان الفقه / کتاب التجارة / 16 الطبع الحجری .
5- (9) حاشیة المکاسب / 17 _ (1 / 102 من الطبعة الحدیثة) .
6- (10) المکاسب المحرمة / 103 و 104 _ لمقرره آیة اللّه الشیخ محمد علی الأراکی قدس سره .
7- (11) مصباح الفقاهة 1 / 226 .
8- (12) مهذب الأحکام 16 / 83 .
9- (13) عمدة المطالب 1 / 167 .
10- (1) وسائل الشیعة 5 / 303 الباب 3 من أبواب أحکام المساکن .

وهی التی تدلّ الأخبار علی جواز إبقائها فیها ، لا ذو الروح التی لها ظلّ علی حدّته التی هی حرام بالإجماع .

والإجتناب مطلقاً من الإحداث والإبقاء من جمیع أنواعه أحوط کما یشعر به الروایة : أن الملک لا یدخل بیتاً فیه صورة »(1)(2) .

ملخص ما أفاده قدس سره : إنّ الغرض والحکمة والعلّة من الحکم بتحریم عمل الصور ، هو عدم خلق شیءٍ یشبه بخلق اللّه وبقائه ، وعلی هذا حرمة عمل الصور تستلزم حرمة إبقائها وهکذا حرمة إبقائها تستشعر بحرمة عملها ، وحیث وردت فی عدّة من الروایات الصحاح جواز إبقاء الصور وعدم لزوم إفنائها وإعدامها ، فظهر منها أنّ عملها أیضاً جائز ، ولذا تُحمل الروایات المانعة علی الکراهة .

نعم ، عمل المجسَّمة من الحیوان حرام لأنّه إجماعیٌّ . ثم احتاط فی آخر کلامه قدس سره فی الصور مطلقاً من الإحداث والإبقاء . هذا ملخص بیانه قدس سره مع توضیح وترتیب .

أقول : لا یقیم قدس سره أیُّ دلیلٍ علی وجود الملازمة بین حرمة الإحداث وحرمة الإبقاء وبین جوازهما إلاّ أنّه قال : « إنّ الغرض من التحریم عدم خلق شیءٍ یشبه بخلق اللّه وبقائه لا مجرد التصویر » . وأنت تری أنّ هذا البیان إدعاء بلا دلیل ،ولذا نقول بعدم وجود الملازمة بین الإحداث والإبقاء ، لعدم وجود الدلیل علیها بل الدلیل علی خلافها ، حیث ورد النهی من عمل صور الحیوان ولکن ورد الترخیص فی إبقائها وعدم وجوب إفنائها . حتّی ورد الترخیص بالنسبة إلی بقاء المجسَّمة من الحیوان مع أنّه قدس سره اعترف بأنّ حرمة عملها إجماعیٌ .

ولأنّ الإحداث والإبقاء فعلان مختلفان یصدران من شخصین غالباً ولکلِّ واحد منهما حکم فعله الخاص .

والحاصل ، سیأتی فی فروع مسألة التصویر حکم إبقائها وأنّه یجوز ولکن لا یمکن رفع

الید عن أدلة حرمة عمل الصور للحیوان ، ولیس بینهما ملازمة ، بخلاف ما ادعاه المحقق

ص:334


1- (2) الکافی 3 / 393 _ الفقیه 1 / 246 مضموناً لا عیناً .
2- (3) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 56 و 57 .

الأردبیلی قدس سره ، فما ذکره قدس سره غیر تام . واللّه سبحانه هو العالم بالأحکام .

تنبیهٌ : بیان الشیخ الأکبر وتلمیذه (قدس سرهما)

قال جدنا الفقیه الشیخ جعفر قدس سره : « وأمّا غیر المجسَّمة للحیوان ففیها قولان : أقواهما الجواز ، للأصل وإطلاق الآیات والروایات فی الاکتساب والمشی فی طلب الرزق بأیّ نحو کان ، وما فی الأخبار من الصور والمثال والتمثال ظاهر فی الحیوانیة ، ویؤیده أنّ فی بعضها صورة إنسان(1) وصورة الطیر(2) وتمثال جسد(3) ، وفی المجسَّمة ، لأنّ فی بعضها : « لا بأس اذا غیّرت رؤوسها »(4) وفی بعض آخر « قطعت »(5) وفی آخر « کسرت »(6) ، وفی الأخبار الکثیرة(7) المعلَّلة بنفخ الروح إشعار بذلک وأنّ الصورة حیوان لا ینقص منه شیء سوی الروح ، مع أنّ الظاهر فی ذلک صنعها علی نحو الأصنام .

وفی حدیث المناهی عن الصادق علیه السلام عن النبی صلی الله علیه و آله وسلم بعد النهی عن التصویر وأنّ المصوِّر یکلّف بنفخ الروح قال : ونهی أنّ ینقش شیءٌ من الحیوان علی الخاتم(8) ، وظاهر المقابلة یعطی خروج ما لم یکن جسماً عن اسم الصورة .

یؤیده أیضاً فهم المشهور من الصور خصوص المجسَّمة ، والأخبار المجوِّزة للتماثیل علی الفرش والوسائد الدالة علی استعمال الأئمة علیهم السلام لها ، المستثنیة لما نصب علی الحائط والسریر(9) مرشدة إلی ذلک وإن لم تکن صریحة فیه ، لأن حرمة الإبتداء لا تستلزم حرمة

ص:335


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 175 ح 2 و 3 .
2- (2) وسائل الشیعة 5 / 173 ح 10 و 12 .
3- (3) وسائل الشیعة 5 / 174 ح 1 .
4- (4) وسائل الشیعة 5 / 309 ح 4 .
5- (5) وسائل الشیعة 5 / 171 ح 5 ، و 5 / 173 ح 12 .
6- (6) وسائل الشیعة 5 / 172 ح 10 .
7- (7) وسائل الشیعة 17 / 297 ح 6 و 7 و 8 و 9 .
8- (8) وسائل الشیعة 17 / 297 ح 6 .
9- (9) وسائل الشیعة 17 / 296 ح 4 ، و 5 / 170 ح 2 ، و 5 / 390 ح 4 و 7 .

الاستدامة ، لکن استعمالهم لها وکثرة وجودها فی منازلهم یرشد إلی ذلک . وفی الأخبار ما یدلّ

علی منع الاستدامة أیضاً(1) . وعلی کلِّ حال فلیس فی الأخبار ما یصلح للإستدلال به علی تحریم الصور الغیر المجسَّمة للحیوان »(2) . انتهی ما أردنا نقله منه قدس سره .

وتبعه تلمیذه فی الجواهر وقال : « لکن قد یقال ما فی بعض النصوص التی تقدمت فی کتاب الصلاة من أنّه : لا بأس إذا غیّرت رؤوسها ، وفی آخر : قطّعت ، وفی ثالث : کسرت ، نوع إشعار بالتجسیم ، کالتعلیل بالنفخ فی الأخبار الأخر ، ونحوها ممّا هی ظاهرة فی کون الصورة حیواناً لا ینقص منه شیءٌ سوی الروح ، بل قد یظهر من مقابلة النقش للصورة فی خبر المناهی ذلک أیضاً ، ومن ذلک کلّه یقوی حینئذ القول بالجواز فی غیر المجسَّمة الموافق للأصل وإطلاق الآیات والروایات فی الاکتساب والمشی فی طلب الرزق بأیّ نحو کان ، کقوّة القول بجواز التصویر لغیر ذی الروح مجسَّماً أو غیر مجسَّم لذلک أیضاً ، وللنصوص السابقة المنجبرة بالشهرة التی کادت تکون إجماعاً »(3) .

أقول : ذهب صاحب الجواهر وأستاذه قدس سرهما إلی اختصاص الحرمة بالمجسَّمة من الحیوان فقط ، وجواز التصویر فی غیر المجسَّمة من الحیوان بالأدلة التالیة :

الأوّل : إطلاق الآیات والروایات الواردة فی الإکتساب وطلب الرزق ، وهکذا الأصل العلمی فی المقام أیضاً هو الجواز .

وفیه : بعد ورود أدلة الحرمة فی المقام کما مرّ لا وجه للتمسک بالإطلاق والأصل کما لا یخفی .

الثانی : الروایات الواردة فی کتاب الصلاة وغیرها من الأمر بتغییر الرؤوس أو قطعها أو کسرها ، الظاهرة فی کون الصور من المجسَّمة .

وفیه : أولاً : أنّ قطع الرأس وتغییره کما یصدق فی المجسَّمة فکذلک یصدق فی غیرها ،

ص:336


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 306 ح 8 .
2- (2) شرح القواعد 1 / (189 _ 186) .
3- (3) الجواهر 22 / 42 .

فلا ظهور لها فی المجسَّمة فقط ، مضافاً إلی الروایات الواردة فی جواز الجلوس علیها(1) وأنّ کلّ شیء یوطأ فلا بأس به(2) وجعلها تحت رجلک(6) ، أو رجلیک(7) وإذا جعلتها تحتک(8) ، وتلطخ

رؤوس التصاویر(3) الظاهرة فی غیر المجسَّمة .

وثانیاً : أنّ الکلام هنا فی عمل الصور ، وهو غیر مرتبط بالصلاة فی بیت فیه تماثیل ، بل الصلاة فیه کالصلاة فی الموارد المکروهة ، کما ذکره السید الخوئی(4) قدس سره .

الثالث : الروایات الآمرة بالنفخ الظاهرة فی کونها من المجسَّمة .

وفیه : أولاً : عدم ظهور الروایات الآمرة بالنفخ فی المجسَّمة بالتفصیل الذی مرّ منّا .

وثانیاً : علی فرض ظهورها فی المجسَّمة ، الأخبار الواردة فی الحرمة لا تنحصر بها .

الرابع : مقابلة النقش والصورة فی خبر المناهی ، حیث ورد فیه : نهی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن التصاویر ... _ ثم قال بعد أربع صحائف : _ ونهی أن ینقش شیءٌ من الحیوان علی الخاتم ، الحدیث(5) . وحیث کان النقش بنحو التجسّم فلابدّ أن تکون الصورة علی نحو غیر المجسَّمة .

وفیه : أولاً : سند خبر المناهی ضعیف کما مرّ منّا سابقاً .

وثانیاً : المقابلة بینهما بعید بل غیر ظاهر ، حیث نهی النبی صلی الله علیه و آله وسلم عن التصویر أولاً ثم بعد بیانات فی أربع صحائف(6) نهی صلی الله علیه و آله وسلم أن ینقش شیءٌ من الحیوان علی الخاتم ، وهذا نهی

ص:337


1- (4) وسائل الشیعة 5 / 309 ح 4 ، و 5 / 310 ح 8 .
2- (5) وسائل الشیعة 5 / 308 ح 2 ، و 5 / 309 ح 5 .
3- (1) وسائل الشیعة 5 / 170 ح 1 ، و 5 / 171 ح 4 .
4- (2) وسائل الشیعة 5 / 173 ح 11 .
5- (3) وسائل الشیعة 5 / 171 ح 7 .
6- (4) وسائل الشیعة 5 / 172 ح 10 .

عن الخاص بعد ورود النهی عن العام ، وهو متعارف ورائج فی النواهی وکذلک فی الأوامر .

وثالثاً : هذا الدلیل ینقض الدلیل السابق ، لأنّ الوارد فی الحدیث : نهی صلی الله علیه و آله وسلم عن التصویر وأنّ المصوِّر یکلّف بنفخ الروح ، وقد حمل الشیخ الأکبر وصاحب الجواهر ، التصویر بقرینة المقابلة مع النقش علی غیر المجسّم ، والحدیث یقول : إنّ المصوِّر یکلّف بنفخ الروح فی التصویر . مع أن الدلیل السابق یقول : بظهور نفخ الروح فی المجسَّمة فقط . وبالجملة لا یمکن الجمع بین هذین الدلیلین ، والعجب منهما قدس سرهم کیف یجمعان بین هذین الإستدلالین وسبحان من

لا یسهو .

والحاصل ، لا یدلّ دلیل علی انحصار الحرمة بالمجسَّمة من الحیوان فقط ، بل یدلّ علی الحرمة من صورة الحیوان مطلقاً سواء کانت بنحو المجسَّمة أو غیرها .

فروع مسألة التصویر

اشارة

ثم إنّ هاهنا فروعاً لابدّ أن نتکلم ونبحث حولها تتمیماً للفائدة :

الأوّل : حکم تصویر المَلَک والجن والشیطان

هل الحیوان یصدق علی الملک والجن والشیطان فیحرم تصویرهم حینئذ ؟ أم الحیوان منصرف عنهم فیجوز تصویرهم ؟

ذهب جدنا الشیخ الأکبر قدس سره إلی الحرمة ، حیث قال : « والأقوی إلحاق صورة الملک والجنّی بالحیوان »(1) .

وتبعه تلمیذه صاحب الجواهر وقال : « والظاهر إلحاق تصویر الملک والجنّی بذلک»(2) أی بالحیوان .

وقال تلمیذه الآخر فی مفتاح الکرامة : « ویبقی الکلام فی صورة الجنّی والملک إن أمکن تصویر ذلک ، ولعلّ الظاهر إلحاقها بصورة الإنسان »(3) .

ص:338


1- (1) شرح القواعد 1 / 191 .
2- (2) الجواهر 22 / 43 .
3- (3) مفتاح الکرامة 4 / 50 _ (12 / 166 من طبعة جماعة المدرسین) .

وتبعهم السید علی آل بحر العلوم تلمیذ صاحب الجواهر وقال : « وصورة ذی الروح فی النص والفتوی تشمل الإنس والجن والملائکة»(1) .

وذهب الفقیه الیزدی إلی الحرمة وقال بعد أدلة الجواز : « ولکن یمکن تقویة المنع بوجهین : أحدهما : أنّ المتعارف من تصویر الجن والملک ما هو بشکل واحد من الحیوانات فیحرم من هذه الجهة ... .

الثانی : دعوی أنّ المراد من الحیوان المعنی اللغوی ، وهو مطلق الحیُّ لا العرفی ، أو

دعوی أنّه مثال لمطلق ذی الروح ، ولا یبعد الحکم بظهور إحدی الدعویین ، فالأقوی الحکم بالحرمة ، خصوصاً إذا کان علی الوجه المتعارف الآن »(2) .

واختار المحقق الخوئی قدس سره أیضاً الحکم بالحرمة وقال : « إنّ المراد من الحیوان هنا ما هو المعروف فی مصطلح أهل المعقول من کونه جسماً حسّاساً متحرّکاً بالإرادة ، ومن البدیهی أنّ هذا المفهوم یصدق علی کلِّ مادّة ذات روح ، سواء کانت من عالم العناصر أم من عالم آخر هو فوقه ، وعلیه فلا قصور فی شمول صحیحة محمد بن مسلم لملک والجن والشیطان ، فیحکم بحرمة تصویرهم »(3) .

أقول : الظاهر - واللّه العالم - أنّ المراد بالحیوان فی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه قال : « لا بأس ما لم یکن شیئاً من الحیوان »(4) ، کلّ من له نعمة الحیاة أو کان حیّاً أو کان ذاروح ، وکلّ ذلک یصدق علی الملک والجن والشیطان ، فیحرم تصویرهم کما مرّ من بعض الأعلام رحمهم الله ، ومع ذلک کلّه لا ینقضی تعجبی من السید الخوئی قدس سره کیف حمل کلام الإمام علیه السلام علی مصطلح الفلاسفة ؟ !

ومع ذلک کلّه یمکن الحاق صورهم بالحیوان الخیالی الّذی یأتی حکمه فی الفرع الثامن فأنتظر .

ص:339


1- (4) برهان الفقه _ کتاب التجارة / 17 .
2- (1) حاشیة المکاسب 1 / 109 من الطبعة الحدیثة عام 1423 .
3- (2) مصباح الفقاهة 1 / 228 .
4- (3) وسائل الشیعة 17 / 296 ح 3 .
الثانی : لا یعتبر فی حرمة التصویر کونها معجبةٌ

ظاهر الشیخ الأعظم قدس سره إلی اعتبار الإعجاب فی حرمة التصویر(1) .

ولکن ردّه المحقق الإیروانی بقوله : « لا یُعتبر الإعجاب فی موضوع الحرام ، مع أنّ کلّ صورة هی معجبة فی بدو النظر إلیها وإنّما یزول الإعجاب شیئاً فشیئاً . مع أنّ الإعجاب الحاصل عند مشاهدة الصورة إنّما هو من نفس الصورة لکشفها عن کمال مهارة النقاش ولو کانت صورة نمل أو دود ، ولذا لا یحصل ذلک الإعجاب من مشاهدة ذی الصورة»(2) .

وقال السید الخوئی قدس سره : « إنّ ما دلّ علی حرمة التصویر لم یقید بکون الصورة أو ذی الصورة معجبة ، فلا وجه لجعل الإعجاب شرطاً فی حرمة التصویر »(3) .

وقال المحقق الأردکانی رحمه الله : « لا یخفی أنّه لا دلیل علی اعتبار الإعجاب فی الحرمة ، فإنّ إطلاق دلیل الحرمة یشمل تصویر المعجبة من الحیوانی وغیرها کالدیدان والخنافس »(4) .

أقول : الظاهر أنّ الحقّ مع هؤلاء الأعلام ، لعدم ورود قید الإعجاب فی الروایات الدالة علی الحرمة ، فلا یمکن تقیید الحرمة به ، ولذا قال بعض الأساتیذ _ مد ظله _ : « لا دلیل علی اعتبار وصف الإعجاب »(5) .

اللهم إلاّ أن یقال : لیس مراد الشیخ الأعظم قدس سره أن یکون قید الإعجاب من القیود الخارجیة فی حرمة تصویر الحیوان حتّی ینقض علیه بعدم وروده فی نصوص الحرمة وأنّها مطلقة بالنسبة إلی هذا القید ، بل لعل مراده أن قید الإعجاب من القیود الداخلیة ، یعنی إنّه معتبر فی صدق التصویر عرفاً ، ولا یصدق علی الصورة أنّها صورة إلاّ بعد الإعجاب . وعلی هذا الإحتمال یرتفع إشکال الأعلام علی الشیخ الأعظم ، ولکن دون إثباته خرط القتاد ، حیث

ص:340


1- (4) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 188 من الطبعة الحدیثة) .
2- (5) حاشیة المکاسب 1 / 131 .
3- (1) مصباح الفقاهة 1 / 230 .
4- (2) غنیة الطالب 1 / 112 .
5- (3) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 606 .

أن العرف لا یعتبر فی صدق الصورة کونها معجبة . واللّه سبحانه هو العالم .

الثالث : هل یعتبر قصد الحکایة فی حرمة التصویر أم لا ؟
اشارة

ذهب الشیخ الأعظم قدس سره إلی اعتبار قصد الحکایة فی حرمة التصویر ، بحیث لو لم یقصد الحکایة لم یحرم وقال : « فلو دعت الحاجة إلی عمل شیءٍ شبیهاً بشیءٍ من خلق اللّه ولو کان حیواناً من غیر قصد الحکایة فلا بأس قطعاً »(1) .

واستشکل علیه الفقیه الیزدی وقال : « ظاهره أنّ المناط فی عدم الحرمة قصد الحکایة ولو کان عالماً بأنّه یصیر علی شکل الحیوان ، ولازمه جواز ذلک مع عدم قضاء الحاجة أیضاً . وهو مشکل ، إذ مع العلم بأنّ هذا الموجود صورة الحیوان یکون الفعل حراماً وإنْ لم یکن غرضه الحکایة ، والسِّرُّ أنّ القصد القهری حاصل مع العلم ، غایة الأمر عدم کونه غرضاً له .

وحمله علی إرادة صورة عدم العلم واتفاق ذلک بعید ، فإنّه واضح لا یحتاج الی البیان کما أنّ صورة النسیان والغفلة کذلک ... فالأولی أن یقال : إنّ الوجه فی الجواز کون الصورة حینئذ مشترکة بین الحیوان وغیره ، فیکون تمیزه بالقصد ، ولعلّه مراده قدس سره وإن کانت العبارة قاصرة عن إفادته »(2) .

واعترض المحقق الإیروانی علی الشیخ بقوله : « إنّ أراد اعتبار القصد لعنوان التصویر فی وقوعه علی صفة المعصیة فذلک ممّا لا إشکال فیه ، فإنّ حصول عنوان الحرام قهراً لیس بمعصیة وإن تعلق القصد بذات الحرام ، کما إذا قصده بعنوان أنّه ماء فظهر أنّه خمر .

وإن أراد اعتبار ما یزید علی ذلک _ کما هو ظاهر العبارة _ بأن یکون الغرض من التصویر حکایة ذی الصورة وانتقال الناظر إلی الصورة إلی ذیها فذاک ممّا لا دلیل علیه ، بل إطلاقات الأدلة تردّه »(3) .

ولکن السید الخوئی قدس سره یؤید مقالة الشیخ الأعظم ، وقال توضیحاً لکلامه : « لا شبهة

ص:341


1- (4) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 189 من الطبعة الحدیثة) .
2- (1) حاشیة المکاسب 1 / 110 .
3- (2) حاشیة المکاسب 1 / 132 .

فی اعتبار قصد حکایة ذی الصورة فی حرمة التصویر ، لأنّ المذکور فی الروایات النهی عن التصویر والتمثیل ، ولا یصدق ذلک إذا حصل التشابه بالمصادفة والإتفاق من غیر قصد للحکایة ، وهذا نظیر اعتبار قصد الحکایة فی صحة استعمال الألفاظ فی معانیها وبدون ذلک لیس هناک استعمال »(1) .

أقول : إن أراد الشیخ أنّ قصد الحکایة والتمثیل من القیود المعتبرة فی حرمة التصویر بحیث لو صوّر شیئاً من دون قصد الحکایة فلا حرمة فیه ، فهذا ممّا لا دلیل علیه ، لأنّ الروایات الواردة فی الحرمة مطلقة من هذه الجهة ولم یرد فیها هذا القید .

وإن أراد أنّ التصویر من العناوین القصدیة ، فبطلانه أوضح من أن یخفی علی مثله .

وإن أراد توقف عنوان الحرام علی قصده ، وهو وإن کان صحیحاً لأنّ حصول عنوان الحرام قهراً لیس بمعصیة کما لو شرب مایعاً علی أنّه ماءٌ فظهر أنّه خمرٌ ، فلم یعص حینئذٍ ومآل هذا القید إلی اعتبار العلم فی ترتب عنوان الحرام ، وهذا الإحتمال وإن کان فی الواقع صحیحاً ولکنّه بعید عن عبارة الشیخ الأعظم وتعلیله .

وإن أراد أنّ الحکایة وقصد التمثیل من الاُمور المعتبرة فی صدق عنوان التصویر ، بحیث لو لم یقصد التمثیل والحکایة لم یصدق التصویر أصلاً فهو بمکان من الإمکان ولکن دون إثباته خرط القتاد . والوجه فی ذلک أنه لو جمع عدّة من الأشخاص وصدر من کلِّ واحد منهم خطوطاً من دون قصد ، الحکایة والتمثیل ولکن فی النهایة صار صورةَ شجرٍ أو ورد أو غیرهما ، فهل یصدق علیها عرفاً أنّها صورة الشجر أو الورد أو غیرهما أو الصدق العرفی منوطٌ بإحراز قصد أصحاب الخطوط ؟

ومن الواضح أنّ العرف یحکم بکونها صورة من دون توقف علی إحراز القصد ، وهذا أقوی شاهد علی عدم اعتبار هذا القصد ، مضافاً إلی عدم وجود دلیل شرعاً علی اعتباره .

فلا یرد علینا ما ذکره المحقق الخوئی بقوله : « فإذا احتاج أحدٌ إلی عمل شیءٍ من المکائن أو آلاتها أو غیرهما من الأشیاء اللازمة علی صورة حیوان فلا یکون ذلک حراماً ،

ص:342


1- (3) مصباح الفقاهة 1 / 231 .

لعدم صدق التصویر علیه بوجه والمثال ، الواضح لذلک الطائرات المصنوعة فی زماننا ، فإنّها شبیهة بالطیور ومع ذلک لم یفعل صانعها فعلاً محرّماً ... »(1) .

والوجه فی ذلک : أنّه عمل ما یحتاج إلیه ولم یصوّر ولم یمثّل شیئاً فلا حرمة فی فعله ،ولذا لم یذهب إلی الحرمة أحد من الفقهاء . واللّه سبحانه هو العالم .

الرابع : هل المحرّم تصویر مجموع الأجزاء أو یکفی تصویر معظمها ؟

قال الشیخ الأکبر : « والمدار فی صورة الحیوان علی صدق الإسم ، وتصویر البعض مع عدم صدقه علیه لا مانع منه »(2) .

وقال تلمیذه فی الجواهر : « ثم إنّ المدار فی صورة الحیوان علی صدق الاسم وتصویر البعض مع عدم صدقه علیه وکون المقصود من أوّل الأمر البعض خاصةً لا مانع منه »(3) .

وقال تلمیذه الآخر فی مفتاح الکرامة : « والمدار فی صورة الانسان علی صدق الاسم وتصویر البعض مع عدم صدقه لا مانع منه»(4) .

وقال الشیخ الأعظم : « ثمّ إنّ المرجع فی الصورة إلی العرف فلا یقدح فی الحرمة نقص بعض الأجزاء »(5) .

وقال المحقق الإیروانی : « یظهر منه المفروغیّة عن أنّ الصورة لابدّ أن تکون صورة حیوان تام ، فلا یحرم نقش بعض الصورة ، مع أنّ من المختص قریباً حرمة کلّ جزءٍ جزءٍ ، أو ما یعمّ الجزء والکلّ ، فنقش کلّ جزءٍ حرام مستقل إذا لم ینضمّ إلیه نقش بقیّة الأجزاء وإلاّ کان الکلّ مصداقاً واحداً للحرام . ویحتمل أن یکون المحرّم هو الإتیان بالهیئة الإجتماعیة ، فلا یکون لتصویر کلّ جزء بأسٌ ما لم ینضمّ إلیه تصویر بقیة الأجزاء المحقِّق للهیئة الإجتماعیة ... »(6) .

ص:343


1- (1) مصباح الفقاهة 1 / 231 .
2- (2) شرح القواعد 1 / 190 .
3- (3) الجواهر 22 / 43 .
4- (4) مفتاح الکرامة 4 / 50 _ (12 / 166) .
5- (1) المکاسب المحرمة / 23 (1 / 189 من الطبعة الحدیثة) .
6- (2) حاشیة المکاسب 1 / 132 .

وقال السید الخوئی : « یُعتبر فی تحقق الصورة فی الخارج الصدق العرفی ، فإنّ الأدلة المتقدمة التی دلت علی حرمة التصویر إنّما تقتضی حرمة الصورة العرفیة التامة الأعضاء والجوارح بحیث یصدق علیها أنّها مثال بالحمل الشائع ، وعلیه فإذا صوّر أحدٌ نصف حیوان من رأسه إلی وسطه أو بعض أجزائه فإن قدّر الباقی موجوداً فهو حرام ، کما إذا صوّر إنساناً جالساً لا یتبیّن نصف بدنه أو کان بعض أجزائه ظاهراً وبعضه مقدّراً بأن صوّر إنساناً وراء جدار أو فرس أو یسبح فی الماء ورأسه ظاهر ، وإن قصد النصف فقط فلا یکون حراماً ، فإنّ الحیوان لا یصدق علی بعض أجزائه کرجله ویده ورأسه ، نعم : إذا صدق الحیوان علی هذا النصف کان تصویره حراماً »(1) .

ونقل المحقق الأردکانی عن بعض الأعلام حرمة تصویر أعضاء الحیوان مطلقاً مدعیّاً صدق مثال الروحانی علیها وشمول إطلاق قوله علیه السلام : « من صوّر صورة أو مثّل مثالاً » - الخ . ثم استشکل علیه وقال : _ وفیه : « دعوی الإنصراف عنها غیر بعیدة »(2) .

أقول : الظاهر تبعاً للأعلام أنّ الصدق العرفی معتبرٌ فی حرمة التصویر ، فإذا صدّق العرف فی مورد أنّها صورة فهی حرام وإلاّ فلا ، سواء کانت تامة الأجزاء أو ناقصتها ، وأمّا إذا لم یصدق علیها أنّها حیوان فلا حرمة فی البین خلافاً لما نقله المحقق الأردکانی عن بعض الأعلام .

وأمّا ما ذکره المحقق الإیروانی(3) من الإحتمالات الثلاث :

1 _ حرمة کل جزءٍ جزءٍ 2 _ حرمة ما یعمّ من الجزء أو الکلِّ 3 _ حرمة الإتیان بالهیئة الإجتماعیة فحینئذٍ آخر الأجزاء یکون حراماً لأنّ بها حصلت الهیئة الإجتماعیة .

فکلّها غیر تامة ، أمّا الأوّل : فلعدم صدق الحیوان علی الجزء منه عرفاً ، فلا یصدق علی الید أو الرِجْل أو العین أنّها حیوان .

وأمّا الثانی : فیظهر بطلانه من بطلان الاحتمال الأوّل ، لأنه حیث لا یصدق علی الجزء

ص:344


1- (3) مصباح الفقاهة 1 / 232 .
2- (4) غنیة الطالب 1 / 112 .
3- (1) حاشیة المکاسب 1 / 132 .

أنّه حیوانٌ فلا یصح تعمیم الحرمة للجزء .

وأمّا الثالث : فلأنّ موضوعات الأحکام تؤخذ من العرف لا من الإحتمالات البعیدة وبالدقة الفلسفیة ، والعرف لم یتنبه علی هذا الاحتمال قبل بیانه . وتوضیحه ، ولذ قال بعض الأساتیذ _ مد ظله _ فی نقده : « وأمّا احتمال کون المحرّم الهیئة الإجتماعیة فالظاهر أنّه احتمال مدرسیٌ لا ینقدح فی أذهان من راجع أخبار المسألة ، إذ الحکم فیها مترتب علی عنوان تصویر الحیوان ، وهو فعل تدریجیٌ مرکّب بحسب ترکّب الحیوان من الأجزاء ... »(1) .

ولعلّ المحقق الإیروانی تفطن إلی هذه الإیرادات ، ولذا قال بعد أسطر فی تعلیق آخر : « ... إنّما المدار صدق کون الصورة صورة حیوان تامّ أو إنسان تامّ ، علی قیام أو قعود أو اضطجاع ، عاریاً أو لابساً للباس أو ملتفّاً بالرداء ومغطیً باللحاف ، فربّما لا یکون منقوشاً من أجزاء بدنه سوی وجهه ، بل قد عرفت أنّ النقش الغیر المجسّم دائماً هو نقش جانب من جوانب ذی الصورة وصورة جزء منه»(2) .

وهذا البیان منه قدس سره اعتراف بأنّ المدار فی الصورة الصدق العرفی علی أنّها صورة حیوان تامةً کانت أو ناقصة کما مرّ منّا ، والحمد اللّه ربّ العالمین .

الخامس : حکم الشرکة فی التصویر

قال الشیخ الأکبر : « ولو حصل الصنع من اثنین دفعةً کانا مصوّرین ومع التدریج المدار علی الأخیر ، والتعلّق بالأوّل أیضاً مع النیة قویٌّ ومع التفریق یتعلّق الحکم

بالجامع »(3) .

وقال تلمیذه فی الجواهر : « ولو حصل الصنع من إثنین دفعةً کانا مصوّرین ومع التدریج ففی شرح الاُستاد أنّ المدار علی الأخیر ، قلت : لعلّ الأقوی التعلق بالأوّل أیضاً ، إذا فرض کون المقصود لهما ذلک من أوّل الأمر لصدق الاستناد إلیهما ، ومنه یظهر ما فی إطلاق قوله

ص:345


1- (2) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 611 .
2- (3) حاشیة المکاسب 1 / 133 .
3- (1) شرح القواعد 1 / 190 .

أیضاً بعد ذلک : « ومع التفریق یتعلق الحکم بالجامع »(1) .

وقال السید علی آل بحرالعلوم تلمیذ صاحب الجواهر : « وإذا اشترک اثنان فی تصویر دفعةً أثما معاً ، أو تدریجاً فالمتمِّم ، قصد الأوّل الإتمام فبدا له أو الإقتصار ، وفی جواهر الاستاذ بل والأوّل أیضاً إذا قصد الإتمام ثمّ بدا له ، ولعلّ نظره إلی أن فعله البعض بقصد الإتمام یتمحض للجزئیة ، فیشمله المنع عند فعله له باعتبار منعه عن الکل . وفیه : إنّه ینبغی حینئذ أن یکون مراعیً بالإتمام ، فإن أتمه انکشف تعلّق الحرمة وإلاّ تبیّن عدم الحرمة من البدء ، وتعیّن کونه جزء بمجرد القصد حتّی مع عدم الإتمام ممنوع »(2) .

أقول : الظاهر أنّه قدس سره نقل معنی کلام أستاذه لانصه الذی مرّ منّا .

وقال الشیخ الأعظم : « وإن قصد النصف لا غیر لم یحرم إلاّ مع صدق الحیوان علی هذا النصف ، ولو بدا له فی إتمامه حَرُمَ الإتمام لصدق التصویر بإکمال الصورة لأنّه إیجاد لها ... »(3) .

وظاهر الشیخ الأعظم وإطلاقه صدق التصویر بإکمال الصورة ولو کان الإکمال بتوسط شخص آخر ، فیحرم فعل المکمِّل فقط لا فعل البادئ الذی أتی بها ناقصاً .

وحَمَلَ السید الیزدی کلام الشیخ الأعظم علی ما قلناه فقال : « لازم ذلک الحکم بالحرمة أیضاً فیما إذا کان القدر الموجود بفعل غیره ، لأنّه یصدق علیه أنّه أوجد الصورة ، لأنّ ما کان موجوداً لم یکن صورة بل بعضها ، سواء کان ذلک الموجود بفعل مکلف آخر أو غیره کالصبی والمجنون ، بل ولو لم یکن قصد الفاعل له إیجاد الصورة أیضاً ، لأنّ المناط هو صدق الإیجاد بالنسبة إلی هذا المتمِّم . ولا یخفی أنّ الالتزام به مشکلٌ ، والمسألة مبنیّة علی أنَّ المحرَّم هو فعل التصویر أو إیجاد الصورة . وبعبارة اُخری : المحرَّم عنوان فعل مرکب ، أو عنوان بسیط

یکون الفعل الخارجی المرکب محقِّقاً ومحصِّلاً له ، علی الأوّل یکون حرمة الفعل نفسیّاً وعلی الثانی مقدمیّاً . فلو قلنا بالأوّل لا یکون الإتمام حراماً ، لعدم کونه تصویراً ، إذ إیجاد البعض لا یکون إیجاداً للصورة التی هی مرکبة بالفرض ، سواء کان البعض الأوّل من فعله أو من فعل

ص:346


1- (2) الجواهر 22 / 43 .
2- (3) برهان الفقه _ کتاب التجارة / 17 الطبع الحجری .
3- (4) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 189) .

غیره ، وسواء کان إیجاده له علی الوجه المحرّم - کما لو کان بانیّاً علی التصویر وبعد الإتیان بالبعض بدا له فی الاتمام ثمّ بعد ذلک أتّمه - أو علی وجه محلَّل ، وإن قلنا بالثانی یکون الإتمام حراماً فی الجمیع ، هذا .

والظاهر من الأخبار هو المعنی الأوّل کما لا یخفی ، وهو الظاهر من المصنف فیما ذکره فی الفرع الآتی . ولا یمکن أن یراد من الأخبار الأمران معاً ، أعنی حرمة نفس الفعل ذاتاً وحرمة العنوان البسیط _ أعنی إیجاد الصورة لیکون الفعل الأوّل المرکب حراماً مقدمیّاً _ لأنّه مستلزم للإستعمال فی أکثر من معنی ، مع أنّه یستلزم کون الفعل الخارجی محرّماً من جهتین .

نعم ، یمکن أن یدعی أنّ الظاهر من الأخبار وإن کان حرمة نفس الفعل ، لکن یستفاد من فحواها حرمة الإیجاد أیضاً إذا لم یکن تمام المرکب حراماً ، ومقتضاه حرمة الإتمام أیضاً فی الصورة المذکورة ، فتدبّر »(1) .

والمحقق الإیروانی فی ذیل قول الشیخ الأعظم : « ولو بدا له فی إتمامه حرم الإتمام»(2) ، قال : « أمّا إذا أتّمه غیره لم یحرم ، فإن المتمّم کالبادئ آت بجزءٍ من الحرام وجزء الحرام لیس بحرام »(3) .

وذیّل کلام الشیخ الأعظم : « ومن أنّ حرمة الفعل عرفاً لیس إلاّ حرمة الاشتغال به عمداً ، فلا تراعی الحرمة بإتمام العمل ... »(4) بقوله : « لا وجه لهذا الکلام بعد فرض کون المحرَّم هو تصویر صورة المجموع ، من حیث المجموع فإن تحصّل المجموع یکون بالجزء الأخیر ، فإذا اشتغل ولم یتمّ العمل لم یکن آتیاً بالحرام ، کما أنّه لو تمّم عمل غیره لم یکن آتیاً به ، فالمتّصف بالحرمة هو مجموع العمل من بدوه إلی ختامه .

ودعوی : أن العرف یفهم من تحریم المرکب حرمة الأخذ والشروع فیه ، رفض للمبنی ،

فإنّ معنی هذا حرمة ذلک الجزء الذی شرع به هو خلف ، إذ قد فرض أنّ معروض الحرمة هو

ص:347


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 112 و 111 .
2- (2) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 189) .
3- (3) حاشیة المکاسب 1 / 133 .
4- (4) المکاسب المحرمة / 23 _ (1 / 190) .

المجموع من حیث المجموع ، ومع ذلک لا یکون شروعه محرّماً ما لم ینته إلی الختام »(1) .

قال المحقق الخمینی : « لو اشترک إثنان أو أکثر فی عمل صورة ، فالظاهر قصور الأدلة عن إثبات الحرمة لفعل کل من الفاعلین أو أکثر بعدم صدق عنوان : صوّر الصور أو مثّل المثال علی واحد منهما بلا ریب ، ضرورة أنّ التمثال والصورة عبارة عن مجموع الصورة الخارجیة ، والأجزاء لا تکون تمثالاً لحیوان ولا صورة له ، والفاعل للجزء لا یکون مصوِّراً للحیوان ، من غیر فرق بین اشتغالهما بتصویره من الأوّل إلی الآخر أو تصویر أحدهما نصفه والآخر نصفه الآخر ، أو عمل واحد منهما الأجزاء وترکیب الآخر بینها ، لعدم الصدق فی شیء منها ، فإنّ الظاهر من قوله : « من صوّر صورة » ، کون صدور الصورة - أی هذا الموجود الخارجی الذی یقال له التمثال - من فاعل ، والفرض عدم صدورها منه ... واحتمال أن یکون المراد بهما أنّه من أوجد هیئة الصورة أو هیئة المثال وهو صادق علی من أتمّهما ، إمّا بإتیان النصف الباقی أو بترکیب الأجزاء ، بعید عن ظاهر اللفظ ومخالف للمتفاهم من الأخبار »(2) .

وقال المحقق الخوئی : « إذا اشترک أشخاص عدیدة فی صنعة صورة محرّمة ، فإن قصد کل واحد منهم التصویر المحرّم فهو حرام ، وإلاّ فلا یحرم غیر ترکیب الأجزاء المتشتتة »(3) .

وقال المحقق الأردکانی : « فرع : لو بدا له فی إتمامه وأتمّه آخر ففی حرمة فعل کلّ من الأوّل والأخیر ، أو عدم حرمته ، أو حرمة فعل الأخیر دون الأوّل ، وجوه إن قلنا بإختصاص الحرمة بالمجموع فلا یکون فعل واحد منهما محرّماً ، وإن قلنا أنّ المحرّم هو الإتیان بالهیئة الإجتماعیة فلا إشکال فی حرمة فعل الأخیر إذ بفعله تحصل الهیئة الإجتماعیة ، و علی هذا یحتمل حرمة فعل الأوّل أیضاً ، إذ لو لا سبق فعله لما حصلت الهیئة الإجتماعیة ، فیکون لفعل کلّ منهما دخل فی حصولها فیکون محرّماً»(4) .

وقال شیخنا الأستاذ _ مدظله _ : « فإنّ العنوان المحرَّم إذا کان بحیث لا یصدق إلاّ علی

ص:348


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 134 .
2- (2) المکاسب المحرمة 1 / 183 .
3- (3) مصباح الفقاهة 1 / 233 .
4- (4) غنیة الطالب 1 / 113 .

المجموع کما هو المفروض ، لأنّ المنهی عنه تصویر الحیوان أو الإنسان وعمل تمثالهما وهذا یکون بنقشهما أو تجسیمهما من قرنهما إلی قدمهما ، فیکون اتصاف الجزء الأوّل بکونه حراماً مشروطاً بتحقّق الجزء کما فی الواجبات الإرتباطیة ، فالتفرقة بین الواجبات والمحرَّمات فی ذلک بلا وجه .

ولو اشتغل اثنان بتصویر حیوان - بأن قصد هذا تصویر بعضه والآخر تصویر بعضه الآخر وکان ذلک بعلم کلّ منهما بفعل صاحبه - فلا یبعد الإلتزام بحرمة تصویر البعض فی الفرض ، أخذاً بقوله سبحانه : «وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَی الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ» ، حیث أن مقتضی الأدلة الأوّلیة عدم جواز تصویر کلّ مکلَّف تمام الحیوان ، ومقتضی الآیة حرمة الإشتراک فی تحقّق ذلک الحرام کما لا یخفی ، ولیس المحرَّم بحسب الأدلة هو إتمام الصورة ، کما إذا قصد أحد تصویر جسد الحیوان مثلاً بلا رأس ، بلا علم منه أنّ الآخر یکمله ، وأکمله الآخر برسم الرأس له ، فلا یکون فعل الثانی حراماً باعتبار کونه إتماماً لتلک الصورة ، فإن المحرَّم هو تصویر کلّ مکلَّف الحیوان أو الإنسان لا إتمام صورتهما ، وتصویرهما لا یصدق علی مجرد إتمامهما ، کما أنّه لا یصدق علی تصویر بعضهما ... »(1) .

أقول : الظاهر من الأدلة عدم صدق الصورة أو التمثال علی بعضهما أو جزئهما ، فلا یحرم البعض أو الجزء . وعلی هذا لو أتی شخص بهذا الجزء أو البعض لم یکن فعله محرّماً ، ثمّ لو أتی آخر ببقیة الأجزاء وأتمّها لم یکن فعله أیضاً محرّماً ، لأنّ الثانی أیضاً صوّر بعض الأجزاء والبعض لا یکون حراماً .

نعم ، یمکن أن یقال تبعاً للاُستاذ - مد ظله _ لو علم الأوّل أنّ الثانی أتّمه والثانی أیضاً یعیّن علی الأوّل تصویر بعض أجزائها وأن یأتی الأوّل بها ، بأن یقسما الصورة مثلاً - بأن یأتی الأوّل بالرأس والثانی ببقیة الصورة - یصدق علی فعلهما التعاون علی الإثم والعدوان ، فیحرم فعل کلّ منهما .

ولعله أشار إلی هذا الفرع الأخیر بعض أساتیذنا _ مدظله _ حیث یقول : « ولو سلّم

ص:349


1- (1) إرشاد الطالب 1 / 126 و 125 .

عدم حرمة فعل من أوجد الجزء بعنوان التصویر بما أنّه فعل تدریجیٌّ مرکبٌ فلا أقل من حرمته بعنوان التعاون علی الأثم ، کیف ؟ ! والمتعارف فی إیجاد التصاویر والتماثیل وقوعه بنحو المشارکة والتعاون ، فلو لم یکن هذا حراماً صار هذا طریقاً ووسیلة إلی ارتکاب المحرَّمات بنحو الشرکة فراراً عن وقوع الحرام ، وهذا أمر لایقبله ذوق من اطّلع علی مذاق الشارع

المقدَّس ، فتدبّر »(1) .

السادس : حکم ایجاد الصورة بالتسبیب

قال الفقیه الیزدی : « الظاهر أنّه لا فرق فی التصویر بین المباشرة والتسبیب ، کما أنّه لو أکره غیره أو بعثه علیه من غیر إکراه فیما لو کان المباشر ضعیفاً ، بحیث یسند الفعل إلیه ، وذلک لأنّ قوله علیه السلام : « من صوّر صورة » ونحوه أعم من الأمرین وإن کانت الأفعال ظاهرة فی المباشرة ، فإنّه یمکن فهم الأعمیة بسبب القرائن ، کما فی قوله صلی الله علیه و آله وسلم « من أتلف » ، وقوله « من قتل نفساً » فکذا ، وهکذا .

والحاصل ، أنّ ظاهر الفعل وإن کان خصوص صورة المباشرة إلاّ أنّه یمکن استفادة التعمیم من القرینة ، وهی فی مثل المقام ملاحظة مناط الحکم . والظاهر أنّ هذه الإستفادة مختصة بالأفعال المتعدّیة دون اللازمة ، والسرّ فی ذلک أنّ معنی مثل قوله « من قتل نفساً » ، مثلاً من أوجد القتل ، فیمکن أن یُراد منه الأعم من الأمرین ، وإن کان ظاهراً _ من حیث هو _ فی خصوص المباشرة ، بخلاف مثل قوله « من جلس » أو « ذهب » أو نحو ذلک ، فإنّ المراد منه من قام به الجلوس أو الذهاب ، فلا یقبل أن یکون أعم ، إذ جلوس الغیر قائم بذلک الغیر ، فلا یمکن أن یکون جلوساً للسبب الباعث ، بخلاف القتل الصادر منه ، فإنّه یمکن نسبته إلی السبب ، فتدبّر ... »(2) .

وقال المحقق الخوئی ناظراً إلی مقالة السید الیزدی : « قد عرفت فی البحث عن حرمة تغریر الجاهل أنّ إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی حرامٌ ، وعلیه فلا فرق فی حرمة التصویر بین

ص:350


1- (1) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 620 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 112 .

المباشرة والتسبیب . بل قد عرفت فی المبحث المذکور ، أن نفس الأدلة الأوّلیة تقتضی عدم الفرق بین المباشرة والتسبیب فی إیجاد المحرَّمات ، وعلی هذا فلا نحتاج فی استفادة التعمیم وملاحظة المناط کما فی حاشیة السید رحمه الله »(1) .

أقول : الظاهر من الأدلة الأوّلیة الدالة علی حرمة المحرّمات ، تشمل صورتی المباشرة والتسبیب بحسب الفهم العرفی ، من دون إحتیاج إلی القرینة للتعمیم ، وعلی هذا فی حرمة

التصویر أیضاً تحرم المباشرة للفعل أو التسبیب له کما علیه العَلَمین قدس سرهم مع إختلاف فی الاستدلال .

السابع : حکم إیجاد الصور بالمکائن والآلات الحدیثة

قال المحقق الخمینی : « إنّ الظاهر من الأدلة هو حرمة تصویر الصور وتمثیل المثال ، وهما لایشملان إلاّ للمصنوع بید الفاعل مباشرة ، بمعنی صدور عمل التصویر منه وبیده ، کما کانت صنعة الصور کذلک فی عصر صدور الروایات ، فلایشملان لإیجاد الصور کیف ما کان ، فلو فرضت مکینة صنعت لإیجاد المجسَّمات وباشر أحد لإتصال القوة البرقیة بها فخرجت لأجلها الصور المجسَّمة منها ، لم یفعل حراماً ولم تدلّ تلک الأدلة علی حرمته ، لعدم صدق تصویر الصور وتمثیل المثال علیه ، فلو نسبا إلیه کان بضرب من التأویل والتجوّز ، فإنّ ظاهر « من صوّر صوراً » أو « مثّل مثالاً » سیما فی تلک الأعصار صدورهما من قوّته الفاعلة ، فیکون هو المباشر لتصویرها ، فکما أن قوله « من کتب کتاباً » لا یشمل من أوجد الکتابة بالمطابع المتعارفة أو أخذ العکس منه ، فمباشر عمل المطبعة وأخذ العکوس لیس کاتباً و لا کتب شیئاً ، کذلک صاحب المکینة العاملة للصوّر ، وکذا العکّاس لیسا مصوِّرین وممثِّلین للصور والمُ_ثُل ، إلاّ بضرب من التأویل والتجوّز ، ولایصار إلیه بدلیل وقرینة من غیر فرق بین العکوس المنطبعة فی الزجاجة والمنعکسة منها إلی الصحائف وإن کان عدم الصدق فی الأوّل أوضح »(2) .

ص:351


1- (3) مصباح الفقاهة 1 / 233 .
2- (1) المکاسب المحرمة 1 / 177 .

ولکن قال السید الخوئی : « الظاهر من الأدلة المتقدمة الناهیة عن التصویر والتمثیل هو النهی عن إیجاد الصورة ، کما أنّ النهی عن سائر الأفعال المحرَّمة نهی عن إیجادها فی الخارج ، وعلیه فلا یفرق فی حرمة التصویر بین أن یکون بالید أو بالطبع أو بالصیاغة أو بالنسج ، سواء أکان ذلک أمراً دفعیّاً - کما إذا کان بالآلة الطابعة - أم تدریجیّاً ... »(1) .

وقال المحقق السید عبد الأعلی السبزواری قدس سره بعد الحکم بأن لیس من التصویر المحرَّم أخذ الصورة بالأجهزة المعدَّة لذلک بجمیع أقسامها وکیفیاتها ، مستدلاً علیه : « للأصل بعد أن کان المنساق من الأدلة ما کان بعمل الید الشائع فی الأزمنة القدیمة ، والشک فی الشمول یکفی فی

عدم الشمول ، لأنَّ التمسک بالدلیل حینئذ تمسک به فی الموضوع المشتبه ، والمرجع فیه حینئذ هو الأصل . وکذا المجسَّمات المصنوعة فی عصرنا الحاضر من البلاستیک الذی تصبه المکائن الخاصة فی قوالب مخصوصة ، للشک فی کونها من التصویر المحرَّم فیرجع فیها إلی الأصل ، وفی کون القالب من التصویر المحرَّم إشکال لانصراف الأدلة عنه »(2) .

أقول : الظاهر من الأدلة الواردة فی حرمة التصویر هو عمل الصورة والمثال بمباشرة الید وآلاته الخاصة ، نحو القلم بأنواعه و المسمار وغیرهما . وأمّا إحداث الصورة بالمطابع أو إحداث المثال والمجسّمة بالمکائن الحدیثة فهو خارج عن دلالة أدلة الحرمة فی المقام ، کما مرّ من المحققیْن الخمینی والسبزواری قدس سرهما وخلافاً للمحقق الخوئی قدس سره .

لا أدعی : أنه لم تکن هذه المطابع والمکائن والآلات الحدیثة فی زمن صدور الروایات ولذا تنصرف الروایات عن العمل بها والأفعال الصادرة باستخدامها .

بل أدعی : أنّ العرف لا یُطلق علی عمل العامل بهذه المطابع والمکائن والآلات الحدیثة أنّه صوّر صورة أو مثّل مثالاً ، بل یُطلق علی عمله أنّه عامل فی المعمل أو المطبعة أو غیرهما ، ولا یصدق علیه أنّه مصوِّر أو ممثِّل .

وإتصال الآلة بالقوة الکهربائیة أو الإتیان بالموّاد اللازمة للعمل نحو الأوراق أو المواد

ص:352


1- (2) مصباح الفقاهة 1 / 233 .
2- (1) مهذب الأحکام 16 / 84 .

البلاستیکیة ونحوها لم یکن محرّماً کما هو واضح .

قد ظهر ممّا ذکرنا جواز إیجاد الصور والمُثل بالآلات الحدیثة نحو : الکامیرا وهی الآلة المصوِّرة وأخذ العکوس والأفلام ، أو إیجاد الصورة بالکامبیوتر أو بالمطابع أو بالمکائن أو نحوها .

وبالجملة ، نحن لا نری فرقاً بین إیجاد الصور بالمطابع والمکائن والکامیرا والآلات المصوّرة الحدیثة والکامبیوتر ونحوها ، فلذا یجوز أخذ العکس المتداول فی زماننا أیضاً .

وممّا ذکرنا ظهر ضعف مقالة السید الیزدی قدس سره حیث یقول : « لا فرق بین أنحاء إیجاد الصورة من النقش بالتخطیط وبالحک وبغیر ذلک ، فیشمل العکس المتداول فی زماننا ، فإنّه أیضاً تصویر کما لا یخفی ، فتدبّر »(1) .

ولکن المحقق الخوئی قدس سره مع ذهابه إلی حرمة إیجاد الصورة بالمطابع والمکائن والآلات

الحدیثة - کما مرّ بیانه - ذهب إلی جواز أخذ العکس وقال : « ... فلا یحرم أخذ العکس المتعارف فی زماننا ، لعدم کونه إیجاداً للصورة المحرَّمة وإنّما هو أخذ للظلِّ وإبقاء له بواسطة الدواء ، فإن الإنسان إذا وقف فی مقابل المکینة العکاسة کان حائلاً بینها وبین النور ، فیقع ظلّه علی المکینة ویثبت فیها لأجل الدواء ، فیکون صورة لذی ظلٍّ ، وأین هذا من التصویر المحرّم ؟ ! »(2) .

ولکن استشکل علی السید الخوئی بعض أعلام تلامیذه وغیرهم مد ظلُّهم :

فمن الأوّل : صاحب فقه الصادق _ مد ظله _ فی کتابه المسائل المستحدثة یقول : « ... فی أخذ الصورة بالآلة أمرین ، الأوّل : ما ذکره من وقوع الظل علی الآلة وإثباته فیها بالدواء ، الثانی : أخذ الصورة من ذلک الظل المحفوظ هناک ، والأوّل لا یصدق علیه الصورة وإنّما هو عکس الصورة ولهذا لایحرم ، و أمّا الثانی فهو صورة حقیقة ویصدق علی فعله أنّه إیجاد الصورة ... فتحصل : أنّه علی القول بحرمة التصویر مطلقاً یحرم أخذ الصورة بالآلة - أی العمل

ص:353


1- (2) حاشیة المکاسب 1 / 109 .
2- (1) مصباح الفقاهة 1 / 233 .

الثانی الذی یعمله المصوِّر ولکن قد عرفت اختصاص الحرمة بالمجسَّمة ، فلا إشکال فی الجواز »(1) .

ومن الأوّل أیضاً صاحب عمدة المطالب _ مدظله _ حیث یقول : « إنّ المیزان فی استفادة المقاصد من الألفاظ العرف ، وبعبارة اُخری العرف مُحَکَّم فی تشخیص المفاهیم ، ولا إشکال فی أنّ التصویر بماله من المفهوم العرفی یصدق علی العکس المتداول فی زماننا ، فیترتب علیها الحکم ، أی الحرمة »(2) .

ومن الثانی بعض أساتیذنا _ مد ظله _ یقول مستشکلاً علیه قدس سره : « بعد ما عمّم أولاً التصویر المحرَّم بالنسبة إلی جمیع أقسامه لا نری وجهاً لإستثناء العکس المتعارف منها ، إذ یصدق علیه الصورة وعلی فاعله المصوِّر بلا إشکال ، وقد حصل بمباشرة العکّاس واستخدام الآلة واُبقیت بالدواء کما قال رحمه الله ... »(3) .

ولکن شیخنا الأستاذ _ مد ظله _ یؤید اُستاذه ویقول : « ثم لا یخفی أنّ ما دلّ علی حرمة

التصویر - ولو نقشاً علی تقدیر تمامه - لا یعم التصویر المتعارف فی زماننا المعبر عنه بالفارسیة (عکس گرفتن) ، وذلک فإنّ ظاهر ما تقدم حرمة إیجاد الصورة وعملها نقشاً ومجسَّمة . وأمّا العمل علی بقاء الصورة الواقعة من الشیء فی شیء آخر کما فی هذا التصویر المتعارف فغیر داخل فی مدلولها ... »(4) .

أقول : بناءً علی ماذکرنا من جواز إیجاد الصورة بالمطابع والمکائن والآلات الحدیثة فحکم العکس وجوازه واضح . وأمّا بناءً علی ما ذهب إلیه المحقق الخوئی قدس سره من حرمة إیجاد الصورة بالآلات الحدیثة أیضاً فحکمه هو الجواز ، لانصراف أدلة الحرمة عن مثل هذا الإیجاد کما اختاره المحقق الخوئی قدس سره وشیخنا الأستاذ _ مد ظله _ وهکذا یری الفقیه الإصبهانی قدس سره المسألة فی وسیلته حیث یقول : « الظاهر أنّه لیس من التصویر العکس المتداول فی زماننا ، فلا

ص:354


1- (2) المسائل المستحدثة / 215 للفقیه السید محمد صادق الروحانی دام ظله .
2- (3) عمدة المطالب 1 / 172 للفقیه السید تقی الطباطبائی القمی مدظله .
3- (4) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 624 .
4- (1) إرشاد الطالب 1 / 123 .

بأس به إذا لم یترتب علیه مفسدة »(1) .

الثامن : حکم تصویر الحیوان الخیالی

قال صاحب الجواهر : « بل قد یقوی جریان الحکم (أی الحرمة) فی تصویر ما یتخیّله فی ذهنه من صورة حیوان مشارک للموجود فی الخارج من الحیوان فی کلی الأجزاء دون أعدادها وأوضاعها مثلاً »(2) .

وقال تلمیذه السید علی آل بحر العلوم قدس سره : « إذا صوّر مثلاً فرساً ذیله مثلاً عشرون ذراعاً تعلقت الحرمة وإن لم یوجد فرس کذلک ، إکتفاءً بوجود النوع ، نعم : لو صوّر حیواناً مخترعاً بالنوع لم یحرم بناءً علی اختصاص الحرمة بذی الروح »(3) .

ولکن الفقیه الیزدی قدس سره ذهب إلی الحرمة فی تصویر الحیوان الخیالی مطلقاً وقال : « لا فرق فی الحیوان _ بناءً علی الاختصاص به _ بین کونه من نوعه موجوداً فی الخارج أولا ، فلو اخترع صورة حیوان غیر موجود فی الخارج أصلاً _ کما إذا صوّر حیواناً له رؤوس عدیدة وأجنحة کثیرة علی شکل غریب _ کان حراماً أیضاً لإطلاق الأدلة»(5) .

وتبعه المحقق الخوئی قدس سره وقال : « ... فیحرم تصویر الصورة للحیوانات مطلقاً سواء ما کان منها فرداً لنوع من الحیوانات الموجودة ، وما لم یکن کذلک کالعنقاء ونحوه من الحیوانات الخیالیة ، وذلک لإطلاق الأدلة »(4) .

وتبعهما المحقق السبزواری قدس سره وقال : « لصدق الحیوان علیه أیضاً فتشمله الإطلاقات »(5) .

وتبعهم بعض أساتیذنا _ مدظله _ وقال : « بناءً علی اختصاص الحرمة بالحیوان ،

ص:355


1- (2) وسیلة النجاة 2 / 5 .
2- (3) الجواهر 22 / 43 .
3- (4) برهان الفقه _ کتاب التجارة / 17 .
4- (1) حاشیة المکاسب 1 / 107 .
5- (2) مصباح الفقاهة 1 / 233 .

فالظاهر عدم الفرق بین کونه موجوداً فی الخارج أو موجوداً خیالیاً کالعنقاء مثلاً أو فرس ذی أجنحة ، ولا سیما إذا کانت بنحو التجسیم ، لإطلاق الأدلة وشمول روایات الأمر بالنفح ونحوها . وانصرافه إلی الحیوان الخارجی الموجود انصرافٌ بدویٌّ فلا یضرّ »(1) .

أقول : قد مرّ منّا فی الفرع الأوّل من هذا البحث أنّ المراد بالحیوان من کان له نعمة الحیاة أو حیّاً أو ذا روح ، وعلی أساس هذا التعریف من الحیوان إذا کانت الصورة للحیوان الخیالی سواء کان نوعه موجوداً نحو فرس ذیله عشرون ذراعاً أو لم یکن نوعه بموجود نحو العنقاء أو الفرس الذی رأسه رأس إنسان أو کان ذو أجنحة کثیرة ونحوها ، حیث لم یکن لهذا الحیوان الخیالی حیاة ولم یکن حیّاً أو ذا روحٍ ، فیخرج من مصطلحنا من الحیوان فی المقام ، فلا یمکننا الحکم بالحرمة فی صورة الحیوان الخیالی بأیّ وجه کان . ووافقنا فی بعض الفروض صاحب الجواهر وتلمیذه صاحب برهان الفقه قدس سرهما کما مرّ کلامهما آنفاً .

فإذا ثبت جواز تصویر الحیوان الخیالی مطلقاً ، ظهر منه حکم الصور الدارجة فی زماننا هذا المسماة بالصور الکاریکاتوریة والکارتونیة من جوازهما ، سواء کانت تعمل بالید والقلم أو بالآلات الحدیثة نحو الکامبیوتر ، لعدم صدق الحیوان المصطلح فی المقام لهما ، واللّه العالم بالأحکام .

وهکذا ظهر ممّا ذکرنا حکم ما یسمی الیوم بالروبات ، وهو جسم خاص یشبه الإنسان أو الحیوان صُنع لغرض عقلائی ، فلا بأس بصنعه وعمله لعدم صدق الحیوان

المصطلح فی المقام علیه ، فیجوز عمل الروباتات بأیِّ نحو کانت ، سواء أشبهت إنساناً أو حیواناً خاصاً أو لم یشبه . واللّه سبحانه هو العالم .

التاسع : حکم الصورة المشترکة بین الحیوان وغیره

قال الشیخ الأکبر قدس سره : « ولو اشترکت الصورة بین الحیوان وغیره اتّبع القصد ، إن لم یکن لأحدهما ظهور فیها

»(2) .

ص:356


1- (3) مهذب الأحکام 16 / 84 .
2- (1) شرح القواعد 1 / 190 .

وقال تلمیذه فی الجواهر قدس سره : « ولو اشترکت الصورة بین الحیوان أو غیره اتبع القصد ، إن لم یکن لأحدهما ظهور فیها »(1) .

وقال الفقیه الیزدی قدس سره : « الصورة المشترکة بین الحیوان وغیره یکون المدار فیها علی القصد کما أشرنا إلیه ، علی ما هو المقرَّر فی سائر المقامات من کون تمییز المشترکات بالقصد .

ولکن قد یقال بعدم حرمتها مطلقاً ، لأنّها کما تدخل فی دلیل المنع ، تدخل فی دلیل الجواز أیضاً ، فالأصل الإباحة .

وفیه : أنّ هذا إنّما یصح لو لم یکن القصد معتبراً فی الحکم نفیّاً وإثباتاً ، إذ حینئذٍ تدخل تحت الدلیلین ویکونان متعارضین ، مع أنّه یمکن علی هذا التقدیر کونه من باب التزاحم والترجیح لجهة الحرمة ، فتأمل .

وأمّا مع اعتبار القصد _ کما هو الواقع _ فیصدق تصویر الحیوان مع قصده وتصویر غیره مع قصد الغیر . هذا ، ولکن یشکل الحال فیما إذا قصد القدر الجامع ، بمعنی أن لا یقصد إلاّ إیجاد هذه الصورة التی یعلم أنّها مشترکة من غیر قصد الخصوصیة ، ولا یبعد الحکم بعدم الحرمة حینئذ ، فتدبر »(2) .

وقال المحقق الخوئی قدس سره : « إذا صوّر صورة مشترکة بین الحیوان وغیره ، لم یکن ذلک حراماً إلاّ إذا قصد الحکایة عن الحیوان »(3) .

أقول : الصورة المشترکة إذا قصد مصوّرها أنّها صورة حیوان ، فتدخل فی تصویر

الحیوان وتحرم بذلک ، أمّا إذا قصد غیرها أو لم یقصد شیئاً أصلاً فلم تدخل فی تصویر الحیوان فلا تحرم ، واللّه العالم بالأحکام .

العاشر : هل صور البیضة والعلقة والمضغة ملحقة بصورة الحیوان أم لا ؟

قال الشیخ الأکبر : « ولیس من المحظور تصویر البیضة والعلقة والمضغة

ص:357


1- (2) الجواهر 22 / 43 .
2- (3) حاشیة المکاسب 1 / 107 .
3- (4) مصباح الفقاهة 1 / 233 .

وبزر القزّ(1) »(2) .

وقال تلمیذه فی المفتاح : « ولا یلحق بالحیوان صورة البیضة والعلقة ونحو ذلک ممّا هو منشأ الحیوان »(3) .

وقال تلمیذه الآخر صاحب الجواهر : « وتصویر البیضة والعلقة والمضغة وبزر القزّ ونحو ذلک ممّا هو نشوء الحیوان لا بأس به »(4) .

أقول : الظاهر من الأدلة حرمة تصویر الحیوان ، وحیث لا یصدق علی صورة البیضة أو العلقة أو المضغة أو بزر القزّ ونحو ذلک ممّا هو منشأ الحیوان ، أنّها صورة حیوان عرفاً فلا بأس بتصویرها وعمل صورها ، واللّه سبحانه هو العالم .

الحادی عشر : هل یجب منع غیر المکلف إذا صوّر ؟

قال الشیخ الأکبر : « القول بوجوب منع الصبیان عنه لا یخلو من قوّة »(5) .

ولکن ردّ تلمیذه صاحب الجواهر علی الاُستاذ وقال : « لا بأس بعدم منع الصبیان ونحوهم ممّن هو غیر مکلَّف عن العمل أیضاً ، للأصل وغیره ، لکن فی شرح الاُستاد أنّ القول بوجوب المنع لا یخلو من قوّة »(6) .

وذهب إلی عدم وجوب الردع فی المقام الفقیه الیزدی قدس سره حیث یقول : « الظاهر عدم

وجوب منع غیر المکلَّف إذا باشر ذلک بنفسه ، بل جواز تمکینه أیضاً إذا لم یکن بحیث یسند الفعل إلی المُمَکِّنِ ، وذلک لعدم الدلیل علی وجوب المنع أو حرمة التمکین کما فی سائر المحرَّمات التی لم یعلم من أدلتها أو من الخارج إهتمام الشارع بها بحیث لا یرید وجودها فی الخارج أصلاً ، فإنّه لا یجب منع غیر المکلّف منها .

ص:358


1- (1) بزر القزّ : یقال له بالفارسیة : « پیله کرم ابریشم» .
2- (2) شرح القواعد 1 / 190 .
3- (3) مفتاح الکرامة 4 / 50 _ (12 / 167) .
4- (4) الجواهر 22 / 43 .
5- (5) شرح القواعد 1 / 191 .
6- (6) الجواهر 22 / 44 .

نعم ، فیما کان من قبیل ما لم یرد الشارع وجوده - کقتل النفس وهتک عرض المؤمن ونحو ذلک - یجب المنع ولو صدر من البهائم ، ومعلوم أنّ المقام لیس من هذا القبیل ، ... وکذا لا یجب منع المکلَّف الجاهل والغافل ونحوهما مَنْ هو معذور ، نعم : یجب تنبیه الجاهل بالحکم من باب وجوب الإرشاد للجّهال فی الأحکام الشرعیة . وهل یجوز تمکینهما أیضاً ، بمعنی تهیئة المقدمات وبعثهما علیه مع فرض عدم إسناد الفعل إلیه عرفاً کما قلنا فی غیر المکلَّف أو لا ؟ الظاهر عدم الجواز ، والفرق بینهما وبین غیر المکلّف _ مثل الصبی _ أنّ فعل غیر المکلَّف غیر مبغوض واقعاً أیضاً ، لأنّه غیر مکلّف أصلاً بخلاف ، فعل الجاهل والغافل فإنّه محرَّم فی الواقع غایة الأمر کونهما معذورین ، فتمکینهما تمکین علی إیجاد المحرّم وهذا غیر جائز علی ما أسلفنا الکلام فیه ، فتدبّر »(1) .

أقول : الحاصل من کلامهم أنه لا یجب منع الصبی ونحوه من غیر المکلَّفین إذا باشر بنفسه التصویر ، لأنّهم لیسوا بمکلفین . نعم : یجب إرشاد الجاهل بالحکم من باب وجوب تعلیم الأحکام .

وأمّا تمکین المکلَّف وتهیئة أسباب التصویر لهم فلا بأس بالنسبة إلی الصبی والمجنون ، لعدم ورود التکلیف فی حقّهما أصلاً . وأمّا تمکینه بالنسبة إلی الجاهل أو الناسی أو الغافل فلا یجوز ، لأنّ التکلیف فی حقِّهما موجودٌ ولکن لم یتنجز .

ولبعض أساتیذنا _ مدظله _ فی المقام توضیح ، فراجع إن شئت إلی کتابه(2) .

الثانی عشر : اقتناء الصور والمعاملة علیها

بعد تسلیم حرمة تصویر الحیوان مطلقاً فهل یجوز اقتناء الصور بعد ما وجدت نسیاناً أو جهلاً أو غفلةً أو عصیاناً أو لا یجوز اقتناؤها بل یجب إفناؤها وإمحاؤها وتکون وزانها وزان

الأصنام وآلات القمار وغیرها ممّا لا یجوز إبقاؤها ؟

فی المسألة قولان :

اشارة

ص:359


1- (1) حاشیة المکاسب 1 / 113 .
2- (2) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 623 .
الوجوه التسعة المستدلة علی حرمة اقتناء الصور و نقدها

1 _ المعروف بین القدماء هی حرمة بیع الصور وابتیاعها والتکسب بها ، بل حرمة اقتنائها ، أفتی بذلک الشیخان فی المقنعة(1) و النهایة(2) والدیلمی فی المراسم ،(3) وهذا مقتضی إطلاق کلام أبی الصلاح الحلبی فی الکافی(4) وابن إدریس الحلی فی السرائر(5) .

2 _ ولکن ذهب المحقق الثانی الکرکی فی جامع المقاصد(6) إلی جواز اقتنائها ، وتبعه جماعة من أعلام التحقیق ، منهم : المحقق الأردبیلی فی مجمع الفائدة(7) وجدنا الفقیه الشیخ الأکبر فی شرح القواعد(8) وتلمیذه السید العاملی فی مفتاح الکرامة(9) وصاحب الجواهر(10) ، والنراقی فی المستند(11) والشیخ الأعظم فی المکاسب المحرمة(12) .

ویمکن أن یُستدل لحرمة اقتناء الصور بعدّة من الوجوه :

الأوّل : إنّ النهی تعلق بإیجاد الصور ولکن أنّ الإیجاد والوجود متحدان ذاتاً ومختلفان بالإعتبار ، فإن الصادر من الفاعل بالنسبة إلیه إیجادٌ وبالنسبة إلی القابل وجودٌ ، فإذا کان الإیجاد منهیّاً عنه وحراماً صار الوجود حراماً أیضاً .

وفیه : أن النهی تعلق بإیجاد الصورة بما أنّه فعل للمصوِّر ، فلا یدلّ علی کون وجود الصورة مبغوضاً عند الشارع .

ص:360


1- (1) المقنعة / 587 .
2- (2) النهایة / 363 .
3- (3) المراسم / 170 .
4- (4) الکافی / 283 .
5- (5) السرائر 2 / 215 .
6- (6) جامع المقاصد 4 / 16 .
7- (7) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 56 .
8- (8) شرح القواعد 1 / 190 .
9- (9) مفتاح الکرامة 4 / 49 _ (12 / 165) .
10- (10) الجواهر 22 / 44 .
11- (11) مستند الشیعة 14 / 110 .
12- (12) المکاسب المحرمة / 25 _ (1 / 193) .

وبعبارة اُخری : النهی تعلق بالعنوان المصدری للصورة یعنی إحداثها وإیجادها وترسیمها وعملها ولم یتعلق بالعنوان اسم المصدری لها یعنی بقاؤها ووجودها وحفظها واقتناؤها .

نعم ، ربّما یکون النهی مع وجود قرینة تدلّ علی الملازمة بین حرمة الإحداث والإبقاء ، نحو ، حرمة إیجاد النجاسة فی المسجد ، ولکن القرینة هنا مفقودة .

الثانی : صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن تماثیل الشجر والشمس والقمر ؟ فقال : لا بأس ما لم یکن شیئاً من الحیوان(1) .

بتقریب : أنّ السؤال عن شیءٍ یقع غالباً عمّا یکون مورداً لابتلاء السائل وأمثاله ، وما یکون مورداً للإبتلاء فی المقام هو إقتناء الصور والتزیّن بها وبیعها وشراؤها ، وأمّا عمل الصور وإحداثها فهو فعل تخصصیٌ یختص بعدّة من الخواص فقط ، ولذا لابدّ من حمل هذه الصحیحة علی حرمة اقتناء الصور وبیعها إذا کانت من الحیوان .

إن قلت : غایة ما یُستفاد من الصحیحة ثبوت البأس ، وهو أعمٌّ من التحریم کما علیه المحقق الإیروانی(2) قدس سره .

قلت : ما ذکره هذا المحقق الجلیل غیر تام ، لأنّ کلمة « البأس » فی التحریم ظاهرة کما أن کلمةُ « لا بأس » ظاهرة فی الجواز المطلق .

وفیه : بعد التأمل التام فی الروایة ظهر أن المراد بها وسؤال السائل عن حکم عمل الصور وإحداثها مع کون هذا العمل عملاً تخصصیاً یختص بالخواص ، لأنّ السائل فی الروایة وراویها محمد بن مسلم وهو من الفقهاء والمشایخ من أصحاب الصادقین علیهماالسلام ومثل محمد بن مسلم یسأل عن جمیع المسائل الفقهیة حتّی المسائل التی لایبتلی بها إلاّ الخواص ، لأنّه فقیه لابدّ أن یعلم جمیعها .

والحاصل : إنّا لا نسلم ظهور الروایة فی الإقتناء ، بل ندعی ظهورها فی عمل الصور ،

ص:361


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 296 ح 3 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 135 .

مضافاً إلی أن احتمال حرمة الإقتناء فرع حرمة عملها ، إذ لا یحتمل حرمة اقتناء ما لا یحرم عمله کما تفطن علیه الشیخ الأعظم(1) قدس سره .

ثمّ : لو تنزلنا عن ظهور الصحیحة فی عمل الصور فغایة ما یمکن أن یقال : إطلاقها بحیث تشمل العمل والإقتناء معاً ، فتدلّ علی حرمة عمل الصور واقتنائها معاً کما علیه الفقیه الیزدی قدس سره وقال : « الإنصاف أنّها أعم من العمل والإقتناء وغیرهما ... »(2) .

وعلی فرض إطلاقها ودلالتها علی حرمة الاقتناء ، تعارضها الروایات الواردة فی جواز اقتناء الصور . والعمل علی الروایات المجوِّزة ، وتحمل الصحیحة علی الکراهة .

ولو سلّمنا ظهورها فی الاقتناء تعارضها الروایات المجوِّزة فلابدّ من حمل الصحیحة علی الکراهة أیضاً .

الثالث : الحصر الوارد فی روایة تحف العقول : « إنّما حرّم اللّه الصناعة التی حرام هی کلّها التی یجیء منها الفساد محضاً نظیر البرابط والمزامیر ... وما یکون منه وفیه الفساد محضاً ولا یکون فیه ولا منه شیءٌ من وجوه الصلاح فحرام تعلیمه والعمل به وأخذ الأجر علیه وجمیع التقلّب فیه من جمیع وجوه الحرکات کلّها »(3) .

وقد ورد فیها أیضاً حرمة صنعة التصاویر لذوات الأرواح ، حیث قال علیه السلام : « وصنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثل الروحانی »(4) .

ویعنی أنه ورد فیها حرمة صنعة صور الحیوان ، وکلّ صناعة تکون حراماً تکون جمیع وجوه الحرکات والتقلبات فیها حراماً ، ومن التقلبات اقتناؤها فیکون حراماً .

وفیه : أولاً : الروایة مرسلة لیس لها سنداً ، فلا یمکن الإستناد إلیها ، مضافاً إلی اضطراب متنها کما مرّ منّا فی أوّل هذا الکتاب .

وثانیاً : حرمة عمل التصویر لا یسری إلی الإقتناء ، فهما فعلان ربّما صدرا من

ص:362


1- (3) المکاسب المحرمة / 24 _ (1 / 194) .
2- (1) حاشیة المکاسب 1 / 120 .
3- (2) تحف العقول / 335 .
4- (3) تحف العقول / 335 .

فاعلین ، وعمل الصور فعل المصوِّر والروایات تدلّ علی حرمته إذا کانت الصورة لذات روح ، وأمّا سریان هذه الحرمة إلی اقتناء الصور فلا وجه لها ولا ملازمة بین الفعلین کما هو واضح .

وثالثاً : یمکن أن یناقش فی أنّ عمل الصور ممّا یجیء منه الفساد محضاً ، لأنّ کثیراً ما یترتب علیها المنافع المحلّلة والمباحة ، نحو : التعلیم والتعلّم وحفظ صور بعض الأعاظم والعلماء . فلا تدخل فی الحصر الوارد فی روایة تحف العقول ، وإذا لم یدخل عمل الصور فی

الحصر فبالطریق الاُولی لم یدخل الاقتناء فیه .

الرابع : معتبرة السکونی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : بعثنی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلی المدینة فقال : لا تدع صورة إلاّ محوتها ولا قبراً إلاّ سوّیته ولا کلباً إلاّ قتلته(1) .

والمعتبرة بظهورها تدلّ علی لزوم محو الصورة ، یعنی لا یجوز إبقاؤها واقتناؤها بل وجب إفناؤها وإمحاؤُها .

ونظیر هذه المعتبرة فی الدلالة خبر ابن القداح عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام : بعثنی رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فی هدم القبور وکسر الصور(2) .

وروی البرقی الروایة الاُولی بسند معتبر ، والروایة الثانیة بسند حسن فی کتابه المحاسن(3) .

فالإشکال فی الروایتین بضعف السند - کما ورد فی مصباح الفقاهة(4) بالنسبة إلی الروایة الاُولی - غیر تام .

وفیه : أولاً : قرینة السیاق تقتضی حمل الأمر الوارد فی محو الصور علی الإستحباب وکراهة إبقائها .

ولکن یمکن أن یناقش فی هذا الردّ بعدم حجیة قرینة السیاق ، أعنی عدم وجودها .

ص:363


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 306 ح 8 . الباب 3 من ابواب احکام المساکن .
2- (2) وسائل الشیعة 5 / 305 ح 7 .
3- (3) المحاسن 2 / 453 ح 34 و 35 .
4- (4) مصباح الفقاهة 1 / 235 .

فهذا الإشکال علی الإستدلال غیر تام .

وثانیاً : یمکن أن یقال : إنّ الروایتین واردتان فی قضیة خاصة شخصیّة مجهولة الخصوصیات ، فلا یمکن أن یُستدل بها فی المقام .

وبعبارة اُخری : إنّهما وردتا فی قضیة فی واقعة - أی واقعة شخصیّة - ولذا قال المحقق الإیروانی : « إنّ النبوی وارد فی موضوع شخصیّ ، فلعل تصاویر المدینة کانت أصناماً وکلابها مؤذیات وقبورها مسنّمات ... »(1) .

ولکن یمکن أن یناقش فی هذا الردّ أیضاً بأنّه خلاف ظاهر الروایة ، والظهور حجة فی العرف .

وثالثاً : وهی العمدة فی الإشکال : لو تمت دلالة الروایتین علی لزوم إمحاء الصور وإفنائها ، بقرینة الروایات الواردة فی تجویز اقتناء الصور تحملان علی الکراهة جمعاً بین الأخبار ، ولذا قال شیخنا الاُستاذ _ مدظله _ : « ... نعم نلتزم بحمل النهی عن إبقاء الصورة علی الکراهة ، لکن لا بقرینة السیاق بل للروایات الآتیة الظاهرة فی الترخیص فی اقتنائها »(2) .

الخامس : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن التماثیل هل یصلح أن یلعب بها ؟ قال : لا(3) .

روی البرقی نحوها بسند صحیح عن علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام أنّه سأل أباه عن التماثیل ؟ فقال : لا یصلح أن یلعب بها(4) .

ونظیرها مرفوعة المثنی ومضمرته قال : التماثیل لا یصلح أن یلعب بها(5) .

بتقریب : یتم الإستدلال بالروایة مع تمامیة الاُمور الثلاثة الآتیة :

ص:364


1- (5) حاشیة المکاسب 1 / 137 .
2- (1) إرشاد الطالب 1 / 129 .
3- (2) وسائل الشیعة 17 / 298 ح 10 .
4- (3) المحاسن 2 / 458 ح 52 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 307 ح 15 .
5- (4) المحاسن 2 / 457 ح 51 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 5 / 307 ح 16 .

الأوّل : التماثیل الواردة فی الروایة مطلقة تشمل جمیع الصور ولا تنحصر بالتماثیل التی یلعب بها فی الشطرنج .

الثانی : ظهور کلمة « لا یصلح » فی الحرمة .

الثالث : أنّ اللعب لا خصوصیة له ، والمراد بحرمته حرمة جمیع التصرفات والتقلبات فی الصور ، ومنها : اقتناؤها .

وفیه : یمکن أن یناقش فی جمیع الاُمور الثلاثة :

أمّا الأوّل : فبأنّ اللعب بالتماثیل غیر معهود إلاّ فی الشطرنج ، ولا أقل من احتمال إختصاصها ، فإذا جاء الإحتمال بطل الاستدلال .

وأمّا الثانی : فبعدم ظهور کلمة « لا یصلح » فی الحرمة ، بل هی فی الکراهة أظهر من

الحرمة .

وأمّا الثالث : فحرمة اللعب أعم من حرمة الإقتناء ، لأنّه یمکن أن تقنی الصور ولا یلعب بها ، ولا ملازمة بینهما .

لا یقال : صحیحة اُخری لعلی بن جعفر تدلّ علی تعارف اللعب بمطلق الصور والتماثیل ولا ینحصر اللعب بالتماثیل الشطرنجیة ، روی علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن البیت فیه صورة سمکة أو طیر أو شبهها ، یعبث به أهل البیت ، هل تصلح الصلاة فیه ؟ فقال : لا حتّی یقطع رأسه منه ویفسد ، وإن کان قد صلّی فلیست علیه إعادة(1) .

لأنّا نقول : نعم ، الصحیحة تدلّ علی تعارف أو إمکان اللعب بمطلق الصور والتماثیل کما اعترف به بعض أساتیذنا _ مدظله _(2) ولکن لا تدل علی حرمة اللعب بها ، بل تدل علی کراهة الصلاة فی مکان یوجد فیه صورة أو تمثال لم یقطع رأسه أو لم یفسد ، وبینهما برزخ لا یبغیان .

السادس : موثقة أو صحیحة أبی العباس عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی قول اللّه عزّ وجل :

ص:365


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 173 ح 12 . الباب 32 من أبواب مکان المصلی .
2- (2) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 651 .

«یَعْمَلُونَ لَهُ مَا یَشَاءُ مِنْ مَحَارِیبَ وَتَمَاثِیلَ»(1) فقال : واللّه ما هی تماثیل الرجال والنساء ولکنّها الشجر وشبهه(2) .

بتقریب : أنه أنکر الإمام علیه السلام إنشاء سلیمان علیه السلام تمثال الرجال والنساء وأنّ الجن لم یعملوا له ذلک ، و من المعلوم أنّ عمل الصور وإحداثها للأجنة وعمل النبی سلیمان علیه السلام إقتنائها ، حیث أنّ الإمام أنکر إحداث الصور الحیوانیة بأمر سلیمان علیه السلام ، فهذا الإنکار یشمل إقتناء هذه الصور أیضاً ، فیدل علی حرمة الإقتناء .

وفیه : ظهور الصحیحة فی حرمة عمل الصور الحیوانیة واضح ، لأن النبی سلیمان علیه السلام أمر بالصور ولیس للأجنة التخطی عن أمره ، کما یشهد بذلک قوله تعالی : «فَلَمَّا قَضَیْنَا عَلَیْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَی مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الاْءَرْضِ تَأْکُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ الْغَیْبَ مَا لَبِثُوا فِی الْعَذَابِ الْمُهِینِ»(5) .

وحیث کان الآمر والمسبِّب هنا أقوی من المباشر ، فیستند عمل الصور إلیه ، ولذا نفی الإمام علیه السلام کون هذه الصور من الصور الحیوانیة وحملها علی غیرها . هذا کلّه أولاً .

وثانیاً : علی فرض تسلیم ظهورها فی الإقتناء لا تدل الصحیحة علی حرمة اقتنائها ، وغایة الأمر أنّ النبی سلیمان علیه السلام لم یقتن هذه الصور ، لأنّها من الاُمور اللاهیة وغیر اللائقة بمنصب رجال الدین والعلماء فضلاً عن مقام النبوة ، وأین هذا من الحرمة ؟ !

السابع : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا بأس بأن تکون التماثیل فی البیوت إذا غیّرت رؤوسها منها وترک ما سوی ذلک(3) .

بتقریب : أنّ الصحیحة بمفهومها تدل علی حرمة اقتناء الصور والتماثیل فی البیوت إذا لم یغیّر رؤوسها ، وهذا الاستدلال مبنی علی أمرین :

1 _ عدم خصوصیة للبیت الذی یصلی فیه غالباً .

ص:366


1- (3) سورة سبأ / 13 .
2- (4) وسائل الشیعة 17 / 295 ح 1 .
3- (1) سورة سبأ / 14 .

2 _ کون البأس ظاهراً فی الحرمة .

وفیه : أولاً : یمکن أن ندعی بأنّ للبیت الذی یصلی فیه خصوصیة ، ولذا أفتی المشهور بکراهة الصلاة فی البیت الذی فیه الصور والتماثیل .

وثانیاً : البأس - وإن کان ظاهراً فی الحرمة - ولکن فی المقام لابدّ أن نرفع الید عن هذا الظهور ، بقرینة الروایات المجوِّزة الواردة فی اقتناء الصور .

الثامن : خبر المثنی عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أن علیّاً کره الصور فی البیوت(1) .

وخبر حاتم بن إسماعیل عن جعفر علیه السلام عن أبیه علیه السلام : أنّ علیّاً کان یکره الصورة فی البیوت(2) .

بتقریب : أنّ الکراهة فی لسان الأئمة علیهم السلام تحمل علی الحرمة لا الکراهة المصطلحة ، مضافاً إلی ما ورد فی ذیل صحیحة سیف التمار عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث : ... ولم یکن علی علیه السلام یکره الحلال(3) .

فإذا لم یکن اقتناء الصور حلالاً کان حراماً .

وفیه : أولاً : خبر المثنی وحاتم کلاهما ضعیفا السند ، فلم یثبت بهما کراهة أمیر المؤمنین علیه السلام للصور .

وثانیاً : یمکن وجود الخصوصیة فی البیت لمکان الصلاة فیه .

وثالثاً : علی فرض تمامیة استنتاج الحرمة من الروایتین ، لابدّ وأن یحملان علی الکراهة جمعاً بینها وبین الروایات المجوِّزة الواردة فی اقتناء الصور .

التاسع : مرسلة الحلبی عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : ربّما قمت اُصلّی وبین یدی وسادة فیها تماثیل طائر فجعلت علیه ثوباً ، وقال : قد اُهدیت إلیّ طنفسة من الشام فیها تماثیل طائر فأمرت به فغیّر رأسه فجعل کهیئة الشجر ، وقال : إنّ الشیطان أشدّ ما یهمّ بالإنسان إذا کان وحده(4) .

ص:367


1- (2) وسائل الشیعة 5 / 308 ح 3 .
2- (3) وسائل الشیعة 5 / 304 ح 3 .
3- (4) وسائل الشیعة 5 / 307 ح 14 .
4- (1) وسائل الشیعة 5 / 309 ح 7 .

الطنفسة : بالمثلثة فی الطاء والفاء ، البساط والحصیر والثوب ، جمعه طنافس .

بتقریب : أن أمر الإمام علیه السلام فی الطنفسة التی اُهدیت إلیه بتغییر رأس الصورة وجعلها کهیئة الشجر ، فهذا الأمر یدلّ علی حرمة إبقاء الصورة والتمثال من غیر تغییر فیهما ، وإلاّ لم یأمر الإمام علیه السلام بهذا التغییر .

وفیه : أولاً : الروایة مرسلة لا یمکن الاستناد إلیها .

وثانیاً : أمر الإمام بهذا التغییر کفعله علیه السلام لا تدلّ علی وجوب التغییر ولا علی حرمة اقتناء الصور ، بل لعلّه أمر الإمام علیه السلام بهذا التغییر لوجود الحزازة فی اقتناء الصور الذی لا یناسب شأنه ، کما مرّ فی قضیة النبیّ سلیمان علیه السلام ، ومن البدیهی أنّ الفعل فی مورد خاص لا یدلّ علی الوجوب .

وثالثاً : من الممکن أنّ الطنفسة کانت فی البیت الذی یصلی الإمام علیه السلام فیه ولذا أمر بهذا التغییر لکراهة الصلاة فی البیت الذی فیه التماثیل ، کما یشهد لذلک صدر المرسلة .

فهذه تسعة أدلة اُقیمت علی حرمة الإقتناء ، وقد عرفت عدم تمامیتها وأنَّ جمیعها قابلة للمناقشة ، ولو سلّم ظهورها وتمامیتها فی حرمة الاقتناء فهی معارضة بما هی أظهر وأکثر ، أعنی الروایات المجوِّزة ، فلا بدّ من حمل الأدلة الماضیة علی الکراهة جمعاً بینها وبین الروایات المجوّزة الآتیة آنفاً إن شاء اللّه تعالی .

الروایات الدالة علی جواز اقتناء الصور والتماثیل

الروایات الواردة فی الجواز کثیرة نذکر لک بعضها :

فمنها : 1 _ صحیحة الحلبی قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : ربّما قمت فاُصلی وبین یدی الوسادة فیها تماثیل طیر ، فجعلت علیها ثوباً(1) .

2 _ ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه موسی علیه السلام قال : سألته عن مسجد یکون فیه تصاویر وتماثیل ، یصلّی فیه ؟ فقال : تکسر رؤوس التماثیل وتلطخ رؤوس التصاویر

ص:368


1- (1) وسائل الشیعة 5 / 170 ح 2 . الباب 32 من أبواب مکان المصلی .

ویصلی فیه ولا بأس . قال : وسألته عن الخاتم یکون فیه نقش تماثیل سبع أو طیر أیصلّی فیه ؟ قال : لا بأس(1) .

3 _ ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : سألته عن البیت فیه صورة سمکة أو طیر أو شبهها یعبث به أهل البیت ، هل تصلح الصلاة فیه ؟ فقال : لا حتّی یقطع رأسه منه ویفسد ، وإن کان قد صلّی فلیست علیه إعادة(2) .

بتقریب : أنه قرر الإمام علیه السلام کون الصورة فی البیت ولعب أهل البیت بها ، فهذا التقریر یدلّ علی الجواز ، وإنّما أمر بقطع رأسه بجهة الصلاة فی مکان توجد فیه الصورة .

4 _ ومنها : موثقة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سألته عن الوسادة والبساط یکون فیه التماثیل ؟ فقال : لا بأس به یکون فی البیت ، قلت : التماثیل ؟ فقال : کلُّ شیءٍ یؤطأ فلا بأس به(3) .

إطلاقها تشمل تماثیل الحیوانات ، ولکن أجاز الإمام علیه السلام فیها غیر المجسَّمات منها فقط بقرینة إمکان وطئها .

5 _ ومنها : خبر أبی بصیر قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّا نبسط عندنا الوسائد فیها التماثیل ونفترشها ، فقال : لا بأس بما یبسط منها ویفترش ویؤطا ، إنّما یکره منها ما نصب علی

الحائط والسریر(4) .

والاستدلال بالفقرة الاُولی من جواب الإمام علیه السلام ، والفقرة الثانیة بنظرنا ظاهرة فی الحرمة ، لأنّ الکراهة فی لسان الأئمة علیهم السلام ظهورها فی الحرمة واضح کما مرّ منّا مراراً ، ولکن بقرینة غیرها من الروایات المجوِّزة تحمل علی الکراهة .

6 _ ومنها : خبر علی بن جعفر عن أخیه علیه السلام قال : وسألته عن رجل کان فی بیته تماثیل أو فی ستر ولم یعلم بها وهو یصلی فی ذلک البیت ثم علم ، ما علیه ؟ قال : لیس علیه فیما لا

ص:369


1- (2) وسائل الشیعة 5 / 172 ح 10 .
2- (3) وسائل الشیعة 5 / 173 ح 12 .
3- (4) وسائل الشیعة 5 / 308 ح 2 . الباب 4 من أبواب أحکام المساکن .
4- (1) وسائل الشیعة 17 / 296 ح 4 . الباب 94 من أبواب ما یکتسب به .

یعلم شیء فإذا علم فلینزع الستر ولیکسر رؤوس التماثیل(1) .

وتقریر الإمام علیه السلام فی أصل وجودها فی البیت یدلّ علی جواز اقتناؤها ، والأمر بالکسر والنزع لأجل الصلاة .

7 _ ومنها : صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا بأس بأن تکون التماثیل فی البیوت إذا غیّرت رؤوسها منها وترک ما سوی ذلک(2) .

بقرینة الروایات الاُخری یحمل ثبوت البأس فیها بل بلحاظ إقامة الصلاة ، وأمّا فی غیر موضع الصلاة فلا بأس باقتنائها حتّی مع عدم التغییر فیها .

8 _ ومنها : صحیحة محمد بن مسلم قال : سألت أحدهما علیهماالسلام عن التماثیل فی البیت ؟ فقال : لا بأس إذا کانت عن یمینک وعن شمالک وعن خلفک أو تحت رجلیک ، وإن کانت فی القبلة فألق علیها ثوباً(3) .

9 _ ومنها : صحیحة اُخری له قال : قلت لأبی جعفر علیه السلام : اُصلّی والتماثیل قدّامی وأنا أنظر إلیها ؟ قال : لا ، إطرح علیها ثوباً ، ولا بأس بها إذا کانت عن یمینک أو شمالک أو خلفک أو تحت رجلک أو فوق رأسک ، وإن کانت فی القبلة فألق علیها ثوباً وصلّ(4) .

10 _ ومنها : صحیحة بسندیها ثالثة له عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا بأس بالتماثیل أن تکون عن یمینک وعن شمالک وخلفک وتحت رجلیک ، فإن کانت فی القبلة فألق علیها ثوباً إذا

صلّیت(5) .

11 _ ومنها : صحیحة رابعة له عن أبی جعفر علیه السلام قال : لا بأس أن تصلی علی کلّ التماثیل إذا جعلتها تحتک(6) .

ص:370


1- (2) وسائل الشیعة 4 / 441 ح 20 . الباب 45 من أبواب لباس المصلی .
2- (3) وسائل الشیعة 5 / 308 ح 3 . الباب 4 من أبواب أحکام المساکن .
3- (4) وسائل الشیعة 4 / 436 ح 1 .
4- (5) وسائل الشیعة 4 / 438 ح 6 .
5- (1) وسائل الشیعة 5 / 173 ح 11 . الباب 32 من أبواب مکان المصلی .
6- (2) وسائل الشیعة 4 / 439 ح 10 _ الباب 45 من أبواب لباس المصلی .

12 _ ومنها : صحیحة خامسة له قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل یصلی وفی ثوبه دراهم فیها تماثیل ؟ فقال : لا بأس بذلک(1) .

13 _ ومنها : صحیحة سادسة له عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال له رجل : رحمک اللّه ما هذه التماثیل التی أراها فی بیوتکم ؟ فقال : هذا للنساء أو بیوت النساء(2) .

14 _ ومنها : خبر جعفر بن بشیر عمّن ذکره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کانت لعلی بن الحسین علیه السلام وسائد وأنماط فیها تماثیل یجلس علیها(3) .

15 _ ومنها : صحیحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبی عبد اللّه علیه السلام أنّه سئل عن الدراهم السود تکون مع الرجل وهو یصلی مربوطة أو غیر مربوطة ؟ فقال : ما أشتهی أن یصلی ومعه هذه الدراهم التی فیها التماثیل ، ثم قال علیه السلام : ما للناس بدّ من حفظ بضائعهم ، فإن صلی وهی معه فلتکن من خلفه ولا یجعل شیئاً منها بینه وبین القبلة(4) .

16 _ ومنها : صحیحة حماد بن عثمان قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن الدراهم السود فیها التماثیل ، أیصلی الرجل وهی معه ؟ فقال : لا بأس بذلک إذا کانت مواراة(5) .

17 _ ومنها : فی حدیث الأربعمائة عن علی علیه السلام قال : لا یسجد الرجل علی صورة ولا علی بساط فیه صورة ، ویجوز أن تکون الصورة تحت قدمیه أو یطرح علیها ما یواریها ، لا یعقد الرجل الدراهم التی فیها صورة فی ثوبه وهو یصلّی ، ویجوز أن تکون الدراهم فی همیان أو فی ثوب إذا خاف ویجعلها إلی ظهره(8) .

18 _ ومنها : خبر لیث المرادی قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : الوسائد تکون فی البیت فیها التماثیل عن یمین أو شمال ، فقال : لا بأس ما لم تکن تجاه القبلة ، فإن کان شیء منها بین

ص:371


1- (3) وسائل الشیعة 4 / 439 ح 9 .
2- (4) وسائل الشیعة 5 / 309 ح 6 . الباب 4 من أبواب أحکام المساکن .
3- (5) وسائل الشیعة 5 / 309 ح 4 .
4- (6) وسائل الشیعة 4 / 437 ح 3 .
5- (7) وسائل الشیعة 4 / 439 ح 8 .

یدیک ممّا یلی القبلة فغطّه وصلّ ، وإذا کانت معک دراهم سود فیها تماثیل فلا تجعلها من بین یدیک واجعلها من خلفک(1).

19 _ ومنها : صحیحة علی بن جعفر عن أبیه علیه السلام قال : سألته عن الرجل یصلح له أن یصلّی فی بیت علی بابه ستر خارج فیه تماثیل ، ودونه ممّا یلی البیت ستر آخر لیس فیه تماثیل ، هل یصلح له أن یرخی الستر الذی لیس فیه تماثیل ؟ هل یحوّل بینه وبین الستر الذی فیه التماثیل أو یجیف الباب دونه ویصلّی فیه ؟ قال : لا بأس .

وسألته عن الثوب یکون فیه تماثیل ، أو فی عَلَمه أیصلّی فیه ؟ قال : لا یصلّی فیه(2) .

روی الحمیری الفقرة الاُولی فی کتابه قرب الإسناد / 185 ح 689 .

والشاهد فی تقریر الإمام علیه السلام استعمال الستر الذی فیه تماثیل علی باب البیت .

20 _ ومنها : صحیحة أبی الحسین محمد بن جعفر الأسدی فیما ورد علیه من الشیخ أبی جعفر محمد بن عثمان قدس سره فی جواب مسائله من صاحب الزمان عجل اللّه تعالی فرجه الشریف فی حدیث : وأمّا ما سألت عنه من أمر المصلی والنار والصورة والسراج بین یدیه هل تجوز صلاته ، فإن الناس اختلفوا فی ذلک قِبَلک ؟ فإنّه جائز لمن لم یکن من أولاد عبدة الأصنام أو عبدة النیران أن یصلّی والنار والصورة والسراج بین یدیه ، ولا یجوز ذلک لمن کان من أولاد عبدة الأصنام والنیران ، الحدیث(3) .

دلالة هذه الروایات علی جواز اقتناء الصور واضحة ، والمتتبع یجد أکثر ممّا ذکرناه هنا ، فإن شئت فی هذا المجال راجع وسائل الشیعة 4 / 436 الباب 45 من أبواب لباس المصلی ، و 5 / 170 الباب 32 من أبواب مکان المصلی ، و 5 / 308 الباب 4 من أبواب أحکام المساکن وباب قبله ، و 17 / 295 الباب 94 من أبواب ما یکتسب به .

تنبیه: جواز المعاملة علی الصور والتماثیل

تنبیه : فإذا جاز إقتناء الصور والتماثیل والإنتفاع بها فی التعلیم والتزیین ، جاز

المعاملة علیها ، لأنّ لها منافع مقصودة محلّلة توجب مالیتها ، فیجوز بیعها والمعاملة علیها علی

ص:372


1- (1) وسائل الشیعة 4 / 438 ح 5 .
2- (2) وسائل الشیعة 4 / 439 ح 11 .
3- (3) المحاسن 2 / 457 ح 49 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 4 / 440 ح 16 .

ما هو مقتضی إطلاقات التجارة والمعاملة ، کما علیه المحققون من أصحابنا قدس سرهم .

ولذا قال جدنا الفقیه الشیخ جعفر قدس سره : « وفی جواز بیع الصورة واقتنائها واستعمالها والإنتفاع بها والنظر إلیها مع بقائها علی حالها وجهان ، أقربهما ذلک . وفی الأخبار ما یدلّ علی منعه ، وحمله علی الکراهة _ لأنّه خلاف الأصل وظاهر الأکثر _ أقوی ، ولیس ممّا صنع للحرام حتّی یلزمه إتلافه بل من الصنع الحرام »(1) .

واختاره الفاضل النراقی قدس سره وقال : « وهل یجوز ابتیاع ما یحرم عمله أو ما فیه ذلک ؟ الأقوی : نعم ، للأصل ، إلاّ إذا کان إعانة علی عمله فیحرم ... »(2) .

والسید جواد العاملی قدس سره قال : « فقد تحصّل أنّه یجوز اقتناء ذی الصورة وبیعه والانتفاع به علی کراهیة ، إذ لیس هو ممّا صنع للحرام حتّی یلزم إتلافه ، بل هو من الصنع الحرام ، فلیلحظ ذلک ولیتأمل فیه »(3) .

وصاحب الجواهر قدس سره قال : « وأما بیعها واقتناؤها واستعمالها والانتفاع بها والنظر إلیها ونحو ذلک ، فالأصل والعمومات والإطلاقات تقتضی جوازه ، وما یشعر به بعض النصوص من حرمة الإبقاء - کأخبار عدم نزول الملائکة ونحوها - محمول علی الکراهة ، أو غیر ذلک . خصوصاً مع أنّا لم نجد من أفتی بذلک عدا ما یحکی من الأردبیلی من حرمة الإبقاء . ویمکن ، دعوی الإجماع علی خلافه ... »(4) .

والفقیه الیزدی قدس سره بعد اختیار جواز الاقتناء قال : « بناءً علی جواز الاقتناء لا إشکال فی جواز بیع الصور المجسَّمة وإن کان لا مالیة لموادها إلاّ بلحاظها ، وکذا فی جواز بیع محالّ النقوش کالثیاب والستور وإن کان بعض الثمن لأجلها ... »(5) .

ص:373


1- (1) شرح القواعد 1 / 190 .
2- (2) مستند الشیعة 14 / 111 .
3- (3) مفتاح الکرامة 4 / 49 _ (12 / 165) .
4- (4) الجواهر 22 / 44 .
5- (5) حاشیة المکاسب 1 / 122 .

وتبعهم جماعة من الأعلام منهم : المحققون الخوئی فی مصباح الفقاهة(1) والخمینی فی المکاسب المحرمة(2) والسبزواری فی مهذب الأحکام(3) وشیخنا الاُستاذ _ مدظله _ فی إرشاد الطالب(4) وبعض أساتیذنا _ مدظله _ فی دراساته(5) وصاحب عمدة المطالب(6) _ دامت برکاته _ .

تذییل: هل یجوز النظر إلی صورة الأجنبیة

تذییل : هل یجوز النظر إلی الصورة أو التمثال إذا کان بین الناظر والمنظور إلیه اختلاف فی الجنس ؟ فهل یجوز النظر إلی صورة الأجنبیة أم لا ؟

فیه وجوه بل أقوال :

1 _ حرمة النظر إلی صورة الأجنبیة ، لأنّ الصورة مرآة لذیها ، و إذا حرم النظر إلیها حرم النظر إلی مرآتها وصورتها . وادعاء العلم بعدم الفرق بین المرأة وصورتها فی مسألة النظر فی العرف یعنی المسامحة العرفیة أو تنقیح المناط فی المقام ، ولعلّ هذا هو المشهور بین الأصحاب قدس سرهم ، واختاره المحقق الأردبیلی حیث قال : « ... فلا یبعد تحریم النظر إلی جاریة الغیر فی المرآة وکذا الأجنبی ، فتأمل »(7) .

وفیه : أولاً : حرمة النظر إلی المرأة لا تقتضی حرمة النظر إلی صورتها .

وثانیاً : ادعاء العلم بعدم الفرق صرف ادعاء ، والعرف یری الفرق بینهما بوضوح ، فالمسامحة العرفیة لا تجری هنا .

وثالثاً : تنقیح المناط هنا لیس من القطعیات ، فلا یجری فی المقام .

ولکن مع ذلک کلّه استشکل علی القول بالجواز بعض أساتیذنا _ مد ظله _(8) .

ص:374


1- (6) مصباح الفقاهة 1 / 240 .
2- (1) المکاسب المحرمة 1 / 197 .
3- (2) مهذب الأحکام 16 / 85 .
4- (3) إرشاد الطالب 1 / 132 .
5- (4) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 661 .
6- (5) عمدة المطالب 1 / 175 .
7- (6) مجمع الفائدة والبرهان 10 / 324 .
8- (7) دراسات فی المکاسب المحرمة 2 / 637 .

2 _ ما ثبت فی الشریعة المقدسة من حرمة النظر إلی الأجنبیة ، وأمّا النظر إلی صورتها فی الماء أو المرآة أو نفس الصورة (عکس) أو صورتها فی الأفلام أو تمثالها ونحوها - حیث لم یصدق أنّه نظر إلیها بل نظر إلی صورتها - فلیس لنا دلیل یثبت به حرمة النظر إلی الصورة .

والفرق بین الصورة وذیها واضح ، فحینئذ یجوز النظر إلی صورتها مطلقاً ، أعنی لا فرق فی ذلک بین معروفیتها عنده وعدمه ، ولا فرق بین البرامج المباشرة وغیر المباشرة وهذا هو المختار ، ویقتضیه الأصل العملی فی المقام ، وهو البراءة .

نعم ، النظر إلی صورة الأجنبیة إذا وصل إلی حدّ الریبة والتلذذ الجنسی فالأحوط هو الترک وإن کان الجواز لا یخلو من قوة .

وممّن وافقنا علی ذلک جمع من محققی أصحابنا قدس سرهم ، منهم : المحقق الثانی فی حاشیته علی الإرشاد قال : « ... ولا دلیل علی تحریم النظر إلی الصور المجسَّمة »(1) .

والسید العاملی یقول : « وقد یُستفاد من ذلک أنّه لا یحرم النظر بدون شهوة إلی صورة النساء المنقوشات علی الجدران ونحوها ولا إلی صورة المرأة المخصوصة إذا قوبلت بالمرآة ، کما یرشد إلی ذلک خبر الخنثی ، فلیتأمل . لکن قد فهم المقدس الأردبیلی من التذکرة فی باب الودیعة أن مجرد النظر فی کتاب الغیر والنسخ منه تصرف وإن لم یفتحه ولم یضع یده علیه وأنّه لیس کالجلوس تحت حائط الغیر ، وفرّع علی ذلک أنّه لا یجوز النظر إلی جاریة الغیر والأجنبیة فی المرآة ، والماء فلیلحظ ذلک »(2) .

وقال صاحب الجواهر : « ومن ذلک یظهر لک جواز النظر إلی الصورة فی المرآة ونحوها مع عدم الشهوة ، إذ إحتمال الفرق بالخصوصیة وعدمها لا وجه له کما هو واضح ، واللّه أعلم » (3) .

وقال الفقیه الیزدی قدس سره : « لا ینبغی الإشکال فی جواز النظر إلیها ولو کانت صورة

ص:375


1- (1) حاشیة إرشاد الأذهان / 319 المطبوعة ضمن حیاة المحقق الثانی وآثاره ، المجلد التاسع فی عام 1423 بتحقیق العلامة الشیخ محمد الحسون .
2- (2) مفتاح الکرامة 4 / 49 _ (12 / 165) .
3- (3) الجواهر 22 / 44 .

إنسان مخالف للناظر فی الذکورة والأنوثة ، ولا فرق فی ذلک بین عورتها وغیرها ، وبین کون النظر شهوة أولا ، وبین کون الصورة لشخص معین وغیره »(1) .

ولکن مع ذلک أفتی فی عروته بحرمة النظر فی المرآة والماء الصافی حتّی مع عدم التلذذ ، قال : « الظاهر حرمة النظر إلی ما یحرم النظر إلیه فی المرآة والماء الصافی مع عدم التلذذ ، وأمّا

معه فلا إشکال فی حرمته »(2) .

أقول : لم یکن بین القولین مناقضة ، بل نظره العلمی ما کتب فی الحاشیة ولکن فی مقام العمل والإفتاء احتاط ، والاحتیاط فی العمل هو دیدن الفقهاء والأصحاب ومن الواضح أنّه طریق النجاة .

وقال المحقق الإیروانی قدس سره : « لا إشکال فی جواز النظر إلیها وإن کانت الصورة أجنبیّة »(3) .

وقال الفقیه السبزواری قدس سره : « لا بأس بالنظر إلی صورة الإنسان وتماثیلهم وإن اختلفت مع الناظر فی الذکورة والاُنوثة ، للأصل بعد عدم دلیل علی الخلاف »(4) .

أقول : نعم إذا صار النظر إلی صور الأجنبیة أو أفلامها موجباً لإشاعة الفحشاء والمنکر فی المجتمع ، یکون حراماً ، فالنظر إلی الصور والأفلام الخلاعیّة من هذه الجهة حرام ، واللّه سبحانه هو العالم .

3 _ التفصیل بین کونها معروفة معینة عند الناظر وعدمها ، فیحرم فی الأوّل ویجوز فی الثانی .

وبعد ثبوت واختیار القول الثانی فلا وجه لهذا التفصیل ، واللّه العالم .

تبصرة : هل یجوز أخذ الاُجرة علی عمل الصور الحیوانیة بالإجارة أو الجعالة

ص:376


1- (4) حاشیة المکاسب 1 / 123 .
2- (1) العروة الوثقی _ کتاب الصلاة . فصلٌ فی الستر والساتر . المسألة الثانیة . 1 / 415 طبع بیروت عام 1410 .
3- (2) حاشیة المکاسب 1 / 134 .
4- (3) مهذب الأحکام 16 / 87 .

ونحوهما أو لا یجوز ؟

الظاهر حرمة أخذ الاُجرة علی عمل الصور المحرّمة مطلقاً ، سواء أخذت بعقد الاجارة أو الجعالة أو غیرهما ، وسواء صدقت الإعانة علی الإثم أو لم تصدق . لأنه إذا صار العمل باطلاً فی الشریعة فلا یقابله مالٌ وأخذ الاُجرة علیه حرام ، ومن هنا اختلف حکم الإجارة والبیع فی الصور کما لا یخفی .

ولکن قال الفاضل النراقی : « وأمّا أجر عمل المحرّم من الصور فالظاهر من کلماتهم الحرمة ، فإن ثبت الإجماع فیه بخصوصه أو فی أجر کلّ محرّم فهو المتّبع ، وإلاّ ففی تحریم أخذه

نظر ، وإن کان إعطاؤه محرّماً لکونه إعانة علی الإثم »(1) .

وردّ علیه الفقیه الیزدی قدس سره وقال : « لا إشکال فی حرمة أخذ الاُجرة علی عمل الصور المحرّم ، سواء کان بعقد الإجارة أو الجعالة أو غیرهما ، لما مرّ من قوله علیه السلام : « إنّ اللّه إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه » وغیره ، ولکن استشکل فی ذلک فی المستند لو لا إجماع ، ... (ثمّ نقل مقالة النراقی بتمامها ، ثمّ قال :) ولا یخفی ما فیه ، مع أنّ الإجماع علی کُلی القاعدة أیضاً متحققٌ ، کما لا یخفی علی الناظر فی کلماتهم فی جزئیاتها »(2) .

واختار المحقق الخمینی قدس سره أیضاً الحرمة وقال : « إنّ أخذ الاُجرة علی التصویر المحرّم غیر جائز ، لأنّ الإجارة لذلک حرام وفاسد ، لما ذکرناه فیما سلف من أنّ الفعل المحرَّم الذی یجب علی الناس منع الفاعل عنه بإدلة النهی عن المنکر لا یکون محترماً ومالاً ، ولهذا لا یضمن المانع عنه اُجرة المثل للعمل بلا شبهة ، فلو منع مانع عبد غیره من عمل الصورة المجسَّمة لا یکون ضامناً ، فلا یکون ذلک العمل مالاً لدی الشارع ، فلا یجوز أخذ الأجر علیه ویکون الأخذ أکلاً للمال بالباطل »(3) .

ص:377


1- (1) مستند الشیعة 14 / 111 .
2- (2) حاشیة المکاسب 1 / 124 .
3- (3) المکاسب المحرمة 1 / 197 .

التطفیف والبخس

الکلمتان فی اللغة

هاتان الکلمتان فی اللغة تدل علی التقلیل والنقص کما نص علیه أربابه :

ففی الصحاح : « الطفیف : القلیل ... والتطفیف : نقص المکیال(1) .

« والبخس : الناقص ، یقال : شروه بثمن بخس ، وقد بخسه حقّه یبخسه : إذا نقصه »(2) .

وفی لسان العرب : « التطفیف فی المکیال : أن یقرب الإناء من الامتلاء ... وطفّف علی الرجل : إذا أعطاه أقل ممّا أخذ منه . والتطفیف : البخس فی الکیل والوزن ونقص المکیال ،وهو أن لا تملأه إلی إصباره ... فأمّا قوله تعالی : «وَیْلٌ لِّلْمُطَفِّفِینَ» . فقیل : التطفیف : نقص یخون به صاحبه فی کیل أو وزن ... قال أبواسحاق : المطفّفون : الذین ینقصون المکیال والمیزان ، قال : وإنّما قیل للفاعل « مطفّف » لأنّه لا یکاد یسرق فی المکیال والمیزان إلاّ الشیء الخفیف الطفیف ، وإنّما أخذ من طفّ الشیء وهو جانبه ...»(3) .

« والبخس : النقص ، بخس یبخسه بخساً : إذا نقصه »(4) .

وفی معجم مقاییس اللغة : « طف ، الطاء والفاء یدلّ علی قلّة الشیء ، یقال : هذا شیءٌ طفیف ... والتطفیف : نقص المکیال والمیزان . وقال بعض أهل العلم : إنّما سمی بذلک لأن الذی ینقصه منه یکون طفیفاً»(5) .

« بخس : الباء والخاء والسین أصل واحد وهو النقص ، قال اللّه تعالی : «وَشَرَوْهُ

ص:378


1- (1) الصحاح 4 / 1395 .
2- (2) الصحاح 3 / 907 .
3- (3) لسان العرب 9 / 221 و 222 .
4- (4) لسان العرب 6 / 24 .
5- (5) معجم مقاییس اللغة 3 / 405 .

بِثَمَنٍ بَخْسٍ»أی نقص . ومن هذا الباب قوله فی المخّ : بَخَّسَ تَبخیساً : إذا صار فی السُّلامی والعین ، وذلک حین نقصانه وذهابه من سائر البدن ... »(6) .

وفی أساس البلاغة للزمخشری : « ط ف ف _ قتل الحسین علیه السلام بطَفِّ الفرات وهو شاطئه وما ارتفع من جانبه . وخذ ما طفّ لک واستطفَّ : ما ارتفع لک ... وأعطانی طفاف المکیال وطُِفافه وطَففه وطَفَّه : مقداره الناقص عن ملئه ، ... وطفَّف المکیال وشیءٌ طفیفٌ : قلیل »(1) .

« ب خ س : بَخَسَ الکیَّالی مکیالَه »(2) .

وفی المصباح المنیر للفیومی : الطَفِیفُ : مثل القلیل وزناً ومعنیً ، ومنه قیل لتطفیف المکیال والمیزان تطفیفٌ ، وقد طَفَّفَهُ فهو مُطَفِّفٌ إذا کالَ أو وَزَنَ ولَمْ یُوفِ ...»(3) .

« بخسه : بَخْساً من باب نَفَعَ ، نَقَصَهَ أو غابَهُ ، ویَتَعَدَّی إلی مفعولین ، وفی التنزیل «وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْیَاءَهُمْ» ، وبَخَسْتُ الکیلَ بخساً : نَقَصْتُهُ ، وثمن بخس : ناقص»(4) .

وفی مفردات الراغب : « الطفیف : الشیء النزر ، ومنه الطفافة لما لا یتعدّ به ، وطفَّف الکیل : قلّل نصیب المکیل له فی إیفائه واستیفائه»(5) .

« البخس : نقص الشیء علی سبیل الظلم ...»(6) .

وقد أنهی النقل عن أرباب اللغة بکلام فصل لشیخ الطائفة قدس سره فی تفسیره التبیان حیث قال : « المطّفف : المَقللِّ حقَّ صاحبه بنقصانه عن الحقِّ فی کیل أو وزن . والطفیف : النزر القلیل ، وهو مأخوذ من طفّ الشیء وهو جانبه . والتطفیف : التنقیص علی وجه الخیانة فی

ص:379


1- (1) معجم مقاییس اللغة 1 / 205 .
2- (2) أساس البلاغة / 281 .
3- (3) أساس البلاغة / 16 .
4- (4) المصباح المنیر / 374 .
5- (5) المصباح المنیر / 37 .
6- (6) المفردات / 314 .

الکیل أو الوزن »(1) .

وقد ظهر لک ممّا ذکرنا من کلمات أرباب اللغة وبیان شیخ الطائفة قدس سره عدم تمامیة ما ذکره المحقق الإیروانی قدس سره فی تعلیقته علی الکتاب حیث یقول : « إنّ الظاهر بل المقطوع به أنّ التطفیف بنفسه لیس عنواناً من العناوین المحرّمة _ أعنی الکیل بالمکیال الناقص _ وکذا

البخس فی المیزان مع وفاء الحق کاملاً ، کما إذا کان ذلک لنفسه أو تمّم حقّ المشتری من الخارج أو أراد المقاصّة منه أو نحو ذلک »(2) .

ووجه عدم تمامیته : أنّ المأخوذ فی التطفیف والبخس لغة هو الأخذ من طفّ المال یعنی القلیل منه أو إعطاء صاحب الحقّ إلاّ قلیلاً منه ، علی سبیل الظلم والجنایة والسرقة وعدم الوفاء بالحقِّ لصاحبه ، أعنی أن عنوان الظلم والخیانة والسرقة مستتر فی التطفیف والبخس . ومن المعلوم أنّ کلّ ما صدق هذا العنوان صدق الحرام أیضاً فما ذکره قدس سره لم یکن تطفیفاً أو بخساً أصلاً ، لا أنّه تطفیف أو بخس ولم یکن حراماً .

أدلة حرمة التطفیف :

تدل علی حرمة التطفیف والبخس الأدلة الأربعة :

1 _ فمن الکتاب الآیات المتعددة منها :

قوله تعالی فی سورة الأعراف : «وَإِلَی مَدْیَنَ أَخَاهُمْ شُعَیْباً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَکُم مِّنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ قَدْ جَاءتْکُم بَیِّنَةٌ مِّن رَّبِّکُمْ فَأَوْفُواْ الْکَیْلَ وَالْمِیزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْیَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِی الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِکُمْ خَیْرٌ لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ»(3) .

وقوله تعالی فی سورة هود : «وَإِلَی مَدْیَنَ أَخَاهُمْ شُعَیْباً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَکُم مِّنْ إِلَهٍ غَیْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِکْیَالَ وَالْمِیزَانَ إِنِّیَ أَرَاکُم بِخَیْرٍ وَإِنِّیَ أَخَافُ عَلَیْکُمْ عَذَابَ یَوْمٍ مُّحِیْطٍ * وَیَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِکْیَالَ وَالْمِیزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْیَاءهُمْ وَلاَ

ص:380


1- (7) المفردات / 35 .
2- (1) حاشیة المکاسب 1 / 137 .
3- (2) سورة الأعراف / 85 .

تَعْثَوْاْ فِی الأَرْضِ مُفْسِدِینَ»(1) .

وقوله تعالی فی سورة الشعراء نقلاً عن شعیب النبی علیه السلام أیضاً : «أَوْفُوا الْکَیْلَ وَلاَ تَکُونُوا مِنَ الُْمخْسِرِینَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِیمِ * وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِی الاْءَرْضِ مُفْسِدِینَ»(2) .

وقوله تعالی فی سورة المُطفّفین : «وَیْلٌ لِّلْمُطَفِّفِینَ * الَّذِینَ إِذَا اکْتَالُواْ عَلَی النَّاسِ

یَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا کَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ یُخْسِرُونَ * أَلاَ یَظُنُّ أُولَئِکَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِیَوْمٍ عَظِیمٍ * یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ»(3) .

وقوله تعالی فی سورة الرحمن : «وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِیزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِی الْمِیزَانِ * وَأَقِیمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِیزَانَ»(4) .

2 _ ومن السنة الروایات الکثیرة الدالة علی حرمتهما :

منها : خبر صفوان بن مهران الجمّال قال : قال أبو عبد اللّه علیه السلام : إنّ فیکم خصلتین هلک بهما مَنْ قبلکم مِنَ الاُمم ، قالوا : وما هما یابن رسول اللّه ؟ قال : المکیال والمیزان(5) .

ومنها : صحیحة أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام قال : وجدنا فی کتاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إذا ظهر الزنا من بعدی کثر موت الفجاءة ، وإذا طفف المیزان والمکیال أخذهم اللّه بالسنین والنقص ، الحدیث(6) .

ومنها : صحیحة أبان الأحمر عن أبی جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : خمس إن أدرکتموهنَّ فتعوّذوا باللّه منهنّ : لم تظهر الفاحشة فی قوم قطّ حتّی یعلنوها إلاّ ظهر فیهم الطاعون والأوجاع التی لم تکن فی أسلافهم الذین مضوا ، ولم ینقصوا المکیال والمیزان إلاّ

ص:381


1- (3) سورة هود / 84 و 85 .
2- (4) سورة الشعراء / 181 و 182 و 183 .
3- (1) سورة المطففین / (6 _ 1) .
4- (2) سورة الرحمن / (9 _ 7) .
5- (3) وسائل الشیعة 17 / 393 ح 7 . الباب 7 من أبواب آداب التجارة .
6- (4) وسائل الشیعة 16 / 273 ح 2 . الباب 41 من أبواب الأمر والنهی .

اُخذوا بالسنین وشدّة المؤونة وجور السلطان ، الحدیث(1) .

ومنها : معتبرة حمران عن أبی عبد اللّه علیه السلام فی حدیث طویل ، قال : ورأیت الرجل معیشته من بخس المکیال والمیزان ، الحدیث(2) .

ومنها : معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون جعل فی عداد الکبائر : « البخس فی المکیال والمیزان » ، الحدیث(3) .

ومنها : خبر الأعمش عن جعفر بن محمد علیه السلام _ فی حدیث شرائع الدین _ قال :

والکبائر محرّمة ، وهی الشرک باللّه _ إلی أن قال علیه السلام : _ والبخس فی المیزان والمکیال ، الحدیث(4) .

ومنها : صحیحة عمرو بن أبی المقدام عن أبی جعفر علیه السلام قال : کان أمیر المؤمنین علیه السلام عندکم بالکوفة ، یغتدی فی کلِّ یوم من القصر فیطوف فی أسواق الکوفة سوقاً سوقاً ومعه الدرة علی عاتقه ، وکان لها طرفان وکانت تسمی السبیبة ، قال : فیقف علی أهل کلّ سوق فینادی فیهم : یا معشر التجار ، قدّموا الإستخارة وتبرکوا بالسهولة واقتربوا من المبتاعین وتزیّنوا بالحلم وتناهوا عن الیمین وجانبوا الکذب وتجافوا عن الظلم وأنصفوا المظلومین ولا تقربوا الربا «وَأَوْفُواْ الْکَیْلَ وَالْمِیزَانَ »(5) و «وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْیَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِی الأَرْضِ مُفْسِدِینَ»(6) . قال : فیطوف فی جمیع الأسواق _ أسواق الکوفة _ ثمّ یرجع فیقعد للناس . قال : وکانوا إذا نظروا إلیه قد أقبل إلیهم قال « یا معشر الناس » أمسکوا أیدیهم وأصغوا إلیه بآذانهم ورمقوه بأعینهم حتّی یفرغ من کلامه ، فإذا فرغ قالوا : السمع والطاعة یا أمیر المؤمنین(7) .

ص:382


1- (5) وسائل الشیعة 16 / 272 ح 1 .
2- (6) وسائل الشیعة 16 / 275 ح 6 .
3- (7) وسائل الشیعة 15 / 329 ح 33 . الباب 46 من أبواب جهاد النفس .
4- (1) وسائل الشیعة 15 / 331 ح 36 .
5- (2) سورة الأنعام / 152 .
6- (3) سورة هود / 85 .
7- (4) مستدرک الوسائل 13 / 249 ح 1 . الباب 3 من أبواب آداب التجارة .

ومنها : خبر محمد بن سالم عن أبی جعفر علیه السلام _ فی حدیث طویل _ قال : إنّ اللّه لمّا أذن لمحمد صلی الله علیه و آله وسلم فی الخروج من مکة إلی المدینة أنزل علیه الحدود وقسمة الفرائض وأخبره بالمعاصی التی أوجب اللّه علیها وبها النار لمن عمل بها _ إلی أن قال _ : وأنزل فی الکیل : «وَیْلٌ لِّلْمُطَفِّفِینَ» ولم یجعل الویل لأحدٍ حتّی یسمّیه کافراً قال اللّه تعالی : «فَوَیْلٌ لِّلَّذِینَ کَفَرُوا مِن مَشْهَدِ یَوْمٍ عَظِیمٍ»(1) ، الحدیث(2) .

ومنها : خبر أبی الجارود عن أبی جعفر علیه السلام فی ذیل قوله تعالی : «وَیْلٌ لِّلْمُطَفِّفِینَ» قال : نزلت علی نبی اللّه حین قَدِم المدینة ، وهم یؤمئذ أسوأ الناس کیلاً ، فأحسنوا الکیل ، وأمّا الویل فبلغنا _ واللّه أعلم _ أنّه بئرٌ فی جهنم(7) .

ومنها : مقطوعة ابن عباس فی قوله تعالی : «الَّذِینَ إِذَا اکْتَالُواْ عَلَی النَّاسِ یَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا کَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ یُخْسِرُونَ» قال : کانوا إذا اشتروا یستوفون بمکیال راجحٍ ، وإذا باعوا بخسوا المکیال والمیزان ، فکان هذا فیهم فانتهوا(3) .

تلک عشرة کاملة من الروایات الدالة بوضوح علی حرمة التطفیف والبخس .

3 _ ومن العقل : من البدیهی أنّ تنقیص حقّ الناس وعدم الوفاء به ظلمٌ فی حقِّ الغیر ، والعقل حاکم بقبح الظلم ، والقاعدة الملازمة بین حکمی العقل والشرع بعد جریانها تدلّ علی حرمة التطفیف والبخس شرعاً .

4 _ ومن الإجماع : فإنّه قائمٌ علی حرمتهما ، کما ادعاه العلاّمة فی تذکرة الفقهاء(4) .

وفیه : وجود الإجماع علی حرمة التطفیف والبخس - وإن کان لا ینکر - ولکن کون هذا الإجماع تعبدیّاً علی الحکم بعید فی الغایة ، ومن المحتمل جداً أنّ یکون مدرک المجمعین الأدلة الماضیة ، فعلی هذا صار الإجماع مدرکیّاً .

ص:383


1- (5) سورة مریم / 37 .
2- (6) وسائل الشیعة 1 / 34 ح 14 . الباب 2 من أبواب مقدمة العبادات .
3- (1) تفسیر القمی 2 / 410 ونقل عنه فی البرهان فی تفسیر القرآن 5 / 604 ح 2 .
4- (2) تفسیر القمی 2 / 410 ونقل عنه فی البرهان فی تفسیر القرآن 5 / 604 ح 3 .

هل المعاملة المطفَّف فیها صحیحةٌ أو فاسدة

اشارة

یقع الکلام فی مقامین :

المقام الأوّل : فی حکم البیع والمعاملة

صور هذه المعاملة ستة :

لأنّ المعاملة :

الف : قد تقع علی الکلی فی الذمّة .

ب : وقد تقع علی الکلی فی المعین الخارجی .

ج : وقد تقع علی الشخص المعین الموجود فی الخارج المشار إلیه بالإشارة الحسیّة ، هذا .

والعوضین إمّا أن یکونا من جنس واحد فیتطّرق فیهما الربا مع التفاوت وإمّا أن لا یکونا کذلک ، فصارت الصور ستة .

إذا وقعت المعاملة علی الکلی فی الذمّة : وطفف البائع ، صحت المعاملة ولم تفسد بالتطفیف أو البخس الخارجیین ، ولکن ذمة البائع مشغولةٌ بما نقص عن الحقّ . ولا فرق فی هذه الصورة بین کون المعاملة من جنس واحد أو من جنسین .

وهکذا الأمر إذا وقعت المعاملة علی الکلّی فی المعین الخارجی ، صحت المعاملة بلا إشکال ولکن ذمّة البائع مشغولة بما نقص من الحقّ ، بلا فرق بین کون المعاملة من جنس واحد أو من جنسین اللذین لم یتطرق فیهما الربا .

فهذا حکم أربع صور من الصور الست .

وأمّا إذا وقعت المعاملة علی الشخص المعین الموجود فی الخارج المشار إلیه بالإشارة الحسیة وکانا من الجنسین المختلفین :

الظاهر أنّ الصور المتصوَّرة فی المقام علی ثلاثة أقسام :

الأول : أن یکون إنشاء البیع معلقاً علی کون المبیع بوزنٍ خاصٍ ، بأن یقول « بعتک هذا المتاع الخارجی علی أن یکون مَنّاً » ، فظهر الخلاف والتنقیص . فهذه المعاملة باطلة ، لا من

ص:384

جهة تخلف الوصف ولا من جهة التطفیف أو البخس بل لقیام الإجماع علی بطلان التعلیق فی الإنشاء ، وحیث أن المعاملة والإنشاء وقعت معلَّقة فلذا کانت باطلة .

الثانی : أن ینشأ البیع منجَّزاً علی المتاع الخارجی بشرط کونه کذا مقداراً ثم یظهر الخلاف . ولا إشکال حینئذ فی صحته ، لأنَّ تخلّف الأوصاف غیر المقوّمة للصورة النوعیّة لا یوجب بطلان المعاملة ، بل غایة الأمر أنّه یوجب الخیار للمشتری .

الثالث : أن یکون مقصود البائع بیع الموجود الخارجی فقط ، وکان غرضه من الاشتراط الإشارة إلی تعیین مقدار العوضین ووقوع کلّ منهما فی مقابل الآخر بحیث یقسّط الثمن علی أجزاء المثمن . ففی هذه الصورة إذا ظهر الخلاف صح البیع فی المقدار الموجود وبطل فی غیره ، نظیر بیع ما یملک وما لایملک کالخنزیر مع الشاة والخمر مع الخل .

والظاهر حمل المعاملة علی هذه الصورة الثالثة الأخیرة ، لأنّ مقصود البائع من الاشتراط المذکور لیس إلاّ بیان مقدار المبیع ، من غیر تعلیق فی الإنشاء ولا اعتبار شرط فی المعاملة . وعلی ما ذکرناه صحت المعاملة بالنسبة إلی المقدار الموجود وبطلت بالنسبة إلی المقدار الناقص ، وللمشتری خیار تبعّض الصفقة ، کما ثبت فی محلّه .

هذا کله إذا لم یکن البیع ربویّاً ، یعنی کانا من الجنسین المختلفین .

وأمّا إذا وقعت المعاملة علی الشخص المعین الموجود فی الخارج المشار إلیه بالإشارة

الحسیّة وکانا من الجنس الواحد بحیث یتطرّق فیها الربا ، فیمکن أن تجری فیها الصور الثلاث المتصورة أیضاً :

الأولی : أن یکون أنشأ البیع معلقاً علی کون المبیع بوزنٍ خاصٍ . فهذه باطلة جزماً ، لا لجهة التطفیف أو تخلّف الوصف أو تطرّق الربا ، بل من جهة التعلیق فی الإنشاء ، کما مرّ الکلام فیه .

الثانیة : أنْ ینشأ البیع منجَّزاً علی المتاع الخارجی بشرط کونه مقداراً ثمّ ظهر الخلاف . بطل البیع لکونه ربویّاً ، مع قطع النظر عن تخلّف الشرط .

الثالثة : إنْ کان الغرض من الإشتراط ، الإشارة إلی تعیین مقدار العوضین ووقوع کلّ منهما فی مقابل الآخر بحیث یقسّط الثمن علی أجزاء المثمن کما هو الظاهر من هذه المعاملات ،

ص:385

فحینئذ من جهة تخلف المقدار واتحاد الجنس یقسّط الثمن علی الأجزاء والمقدار الموجود ، فصح البیع فی المقدار الموجود وبطل فی غیره .

قد یقال : ببطلان المعاملة فی الفرضین من الصورة الثالثة ، بدعوی : أنّ ما هو موجود فی الخارج غیر معنون بذلک العنوان ، وما هو معنون بعنوان کذا غیر موجود فی الخارج ، فالمعاملة باطلة .

وفیه : لا وجه للبطلان إذا تخلف العنوان فی المقام ، فإنّه ههنا لیس من العناوین المقوِّمة ، فإن العنوان إذا تختلف تختلفت الصور النوعیة عند العرف ، فلذا کانت المعاملة باطلة . کما إذا باع أمةً رومیّةً فظهر أنّه عبدٌ حبشیٌ ، أو باع صندوقاً فظهر أنّه طبلٌ ، أو باع بغلاً فظهر أنّه حمار .

وأمّا إذا لم یکن العنوان من العناوین المقوِّمة کما فی المقام ، بل هو إما مأخوذ علی نحو الشرطیة أو الجزئیة ، فالمعاملة صحیحة ، غایة الأمر للمشتری خیار الفسخ لجهة تخلّف الشرط أو تبعّض الصفقة .

هذا کلّه فی المقام الأوّل .

المقام الثانی : فی حکم الإجارة

بعد ما استفادنا حرمة عمل التطفیف والبخس تکلیفاً من الأدلة الأربعة ، فأخذ الاُجرة علی هذا العمل المحرَّم أیضاً حرام ، لبطلان عقد الإجارة .

فلذا لو أجار شخص نفسه علی التطفیف والبخس المحرَّمیْن ، بطلت الإجارة کما فی

غیرهما من الأفعال المحرَّمة . فهذه الإجارة محرّمة تکلیفاً ووضعاً .

والحمد للّه ربّ العالمین .

ص:386

التنجیم

اشارة

قبل الخوض فی الاستدلال لابدّ من ملاحظة الأقوال فی المقام لتعیین محلّ النزاع وتحریره والإطلاع علی کیفیّة استدلالاتهم وسیرها :

الأقوال :

1 _ قال الشیخ المفید قدس سره فی کتاب المقالات - علی ما نقل عنه السید ابن طاوس الحلی قدس سره فی کتابه « فرج المهموم بمعرفة علم النجوم» : « أقول : إنّ الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام ناریّة لا حیاة لها ولا موت ولا تمیز ، خلقها اللّه تعالی لینتفع بها عباده وجعلها زینة لسماواته وآیات من آیاته کما قال سبحانه : «هُوَ الَّذِی جَعَلَ الشَّمْسَ ضِیَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِینَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِکَ إِلاَّ بِالْحَقِّ یُفَصِّلُ الآیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ»(1) وقال تعالی : «وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِی ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآیَاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ»(2) وقال تعالی : «وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ یَهْتَدُونَ»(3) وقال تعالی : «وَزَیَّنَّا السَّمَاء الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ»(4) ، فأمّا الأحکام علی الکائنات بدلائلها أو الکلام علی مدلول حرکاتها فإنّ العقل لا یمنع منه ، ولسنا ندفع أن یکون اللّه تعالی أعلمه بعض أنبیائه وجعله عَلَماً له علی صدقه ، غیر أنّا لا نقطع علیه ولا نعتقد استمراره فی الناس إلی هذه الغایة . أمّا ما نجده من أحکام المنجمین فی هذا الوقت وإصابة بعضهم فیه ، فإنّه لا ینکر أن یکون ذلک بضرب من التجربة وبدلیل عادة ، وقد تختلف أحیاناً ویخطیء المعتمد علیه کثیراً ولا یصحّ إصابته فیه أبداً ، لأنّه لیس بجار مجری دلائل العقول ولا

ص:387


1- (1) سورة یونس / 5 .
2- (2) سورة الأنعام / 97 .
3- (3) سورة النحل / 16 .
4- (4) سورة فصلت / 12 .

براهین الکتاب وأخبار الرسول صلی الله علیه و آله وسلم . وهذا مذهب جمهور متکلّمی أهل العدل ، وإلیه ذهب

بنو نوبخت من الإمامیة ، وأبو القاسم وأبو علی من المعتزلة »(1) .

أقول : لم أجد هذا الکلام من المفید فی النسخة المطبوعة من أوائل المقالات ، وهکذا لم یجده العلامة المجلسی قدس سره ، ولذا قال : « وإن لم نجد فیما عندنا من نسخه »(2) .

ومع ذلک کلّه ابن طاوس قدس سره ثقة فی نقله ، فلابدّ من تصدیقه مع ما رأینا بأعیننا من تلاعب الزمان وأهله بالنسخ مخطوطة کانت أو مطبوعة ، وإلی اللّه المشتکی ! !

وکتب علم الهدی الشریف المرتضی رسالة فی الرد علی المنجمین وذهب إلی تحریمه فیها وبالغ فی فساد أحکامهم ، وقال فیها : « من أدل الدلیل علی بطلان أحکام النجوم ، أنّا قد علمنا أنّ من جملة معجزات الأنبیاء علیهم السلام الإخبار عن الغیوب ، وعدّ ذلک خارقاً للعادات ، کإحیاء المیت وإبراء الأکمه والأبرص ، لو کان العلم بما یحدث طریقاً نجومیاً ، لم یکن ما ذکرناه معجزاً ولا خارقاً للعادة .

وکیف یشتبه علی مسلم بطلان أحکام النجوم ؟ وقد أجمع المسلمون قدیماً وحدیثاً علی تکذیب المنجمین ، والشهادة بفساد مذاهبهم وبطلان أحکامهم .

ومعلوم من دین الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ضرورة التکذیب بما یدعیه المنجمون والإزراء علیهم والتعجیز لهم .

وفی الروایات عنه علیه السلام من ذلک ما لا یحصی کثرة ، وکذا عن علماء أهل بیته علیهم السلام وخیار أصحابه ، فما زالوا یبرؤن من مذاهب المنجمین ویعدّونها ضلالاً ومحالاً .

وما اشتهر هذه الشهرة فی دین الإسلام کیف یغترّ بخلافه منتسب إلی الملّة ومصلّ إلی القبلة ؟ ! ... »(3) .

وهکذا ردّ السید المرتضی قدس سره فی کتابه « تنزیه الأنبیاء» نسبة هذا العلم إلی بعض الأنبیاء علیهم السلام ، فراجع إلی کلامه فی کتابه .

ص:388


1- (1) فرج المهموم بمعرفة علم النجوم / 38 .
2- (2) بحار الأنوار 55 / 278 (22 / 399 من طبع عام 1421) ، کلاهما من طبع بیروت .
3- (3) رسائل الشریف المرتضی 2 / 311 و 310 .

وقال الشیخ محمد بن الحسین الکیدری فی شرحه علی نهج البلاغة المسمی بحدائق الحقائق : « کیف یمکن أن یکون الإنسان یعرف الحوادث وأسبابها فی الأحوال حتّی یعرف المسبِّبات فی المستقبل کما فی الجزر والمدّ ، ومن ادعی أنّه یعرف أسباب الکائنات فمقدماته

لیست برهانیة وإنّما هی تجربیّة أو شعریّة أو خطابیّة مؤلفة من المشهورات فی الظاهر أو المقبولات والمظنونات ، ومع ذلک فلا یمکنه أن یتعرَّض إلاّ لجنس من أجناس الأسباب ، وهو یتعرّض بعض الأسباب العِلْویّة ، ولا یمکنه أن یتعرّض لجمیع الأسباب السماویّة والقوابل . وإذا تغیّرت القوابل عن أحوالها تغیّر أثر الفاعل فیها ، فإنّ النار فی الحطب الیابس مؤثرة تأثیراً لا تؤثر فی الرماد ، وکذا معرفة بقائها علی استعداد القبول شرط ، ویمکن أن یکون للقوابل عوائق ، فلا یعلم تلک الأسباب والمسببات إلاّ اللّه تعالی . وأیضاً فإنّ المنجم یحکم علی مفردات الکواکب ولا یحکم علی جمیعها ممتزجة » إلی آخر کلامه قدس سره ، فإنّه شنّع علی المنجمین کثیراً من اختلافهم وتناقضاتهم ، فراجع إلی کتابه(1) .

وقال الشیخ أبو الفتح محمد بن علی الکراجکی فی کتابه کنز الفوائد فی کلام طویل له فی الرد علی المنجمین علی ما حکی عنه ابن طاوس الحسنی : « ... وأنا أذکر لک بعد هذا مقالتنا فی النجوم وما نعتقده فیها لتعرف الطریقة فی ذلک فتعتمد علیها ، إعلم _ أیدک اللّه _ أنّ الشمس والقمر والنجوم أجناس محدثة من جنس هذا العالم مؤلفة من أجزاء تحلّها الأعراض ، ولیست فاعلة فی الحقیقة ولا ناطقة ولا حیّة قادرة ... إلی أن قال : وفیها للخلق مصالح لا یعلمها إلاّ اللّه تعالی . فأمّا التأثیر المنسوب إلیها ، فإنّا لا ندفع کون الشمس والقمر مؤثرین فی العالم ... ومن ذا الذی ینکر تأثیر الشمس والقمر وهو شاهد ، وإن کان تأثیر الشمس أظهر للحسِّ وأبین من تأثیر القمر فی الأزمان والبلدان والنبات والحیوان . وأمّا غیرهما من الکواکب فلسنا نجد لها تأثیراً یُحسّ ، ولا نقطع وجوبه بالعقل ، وهو أیضاً لیس من الممتنع المستحیل ، بل هو من الجائز فی العقول ، لأنَّ لها شعاعاً متصلاً فی الأرض ، ... ولیس فیما ذکرناه رجوع إلی قول أصحاب الأحکام ، ولا قول بما أنکرناه علیهم فی متقدم الکلام ، لأنّا أنکرنا علیهم إضافة

ص:389


1- (1) حدائق الحقائق 1 / (373 _ 369) ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / (281 _ 279) = (22 / 400) .

تأثیرات الشمس والقمر إلیهما من دون اللّه سبحانه وقطعهم علی ما جوّزناه من تأثیرات الکواکب بغیر حجة عقلیّة ولا سمعیّة وإضافتهم إلیها جمیع الأفعال فی الحقیقة مع دعواهم لها الحیاة والقدرة . وأنکرنا أن تکون الشمس والقمر أو شیءٌ من الکواکب موجباً لشیءٍ من أفعالنا بشهادة العقل الصحیح ، فإنَّ أفعالنا لو کانت مخترعة فینا أو کانت عن سبب أوجبها من غیرنا ، لم تصح بحسب قصودنا وإرادتنا ، ولا کان فرق بینها وبین جمیع ما یفعل فینا من صحتنا وسقمنا وتألیف أجسامنا ، وحصول الفرق لکلٍّ دلالة علی اختصاصها بنا وبرهان

واضح بأنّها حدثت من قدرتنا وأنّه لا سبب لها غیر اختیارنا .

وأنکرنا علیهم قولهم أنّ اللّه تعالی لا یفعل فی العالم فعلاً إلاّ والکواکب دالة علیه ، فإن کلَّ شیءٍ یدل علیه لابدّ من کونه _ وهذا باطل _ یثبت لها تأثیراً أو دلالةً ، فإنّ اللّه أجری تلک العادة ولیس یستحیل منه تغییر تلک العادة لما یراه من المصلحة ، وقد یصرف اللّه تعالی السوء عن عبده بدعوة ، ویزید فی أجله بصلة رحمٍ أو صدقةٍ ، فهذا الذی ثبتت لنا علیه الأدلة ، وهو الموافق للشریعة ، ولیس هو بملائم لما یدّعیه المنجمون ، والحمد للّه .

وأنکرنا علیهم إعتمادهم فی الأحکام علی اُصول مناقضة ودعاوی مظنونة متعارضة ولیس علی شیءٍ منها بیّنة ، فإن کان لهذا العلم أصل صحیح علی وجه یسوغ فی العقل ویجوز ، فلیس هو ما فی أیدیهم ولا من جملة دعاویهم »(1) .

أقول : لم أجد هذه المقالة من الکراجکی فی المطبوع من کتابه کنز الفوائد ، ولکن ابن طاوس ثقة فی نقله ولابدّ من تصدیقه وأنّها سقطت من النسخ ، ولذا ألحقها بالکتاب محققه الجلیل فی طبعة عام 1405 ببیروت ، تحت عنوان نصوص مفقودة من نسخة الکتاب(2) ، فله من اللّه تعالی جزیل الأجر .

وقال الشیخ أبوعلی الحسین بن عبد اللّه بن سینا ، الشیخ الرئیس أعلی اللّه مقامه الشریف فی فصل المبدأ والمعاد من إلهیات کتابه الشفاء : « لو أمکن إنساناً من الناس أن یعرف

ص:390


1- (1) فرج المهموم / (74 _ 60) .
2- (2) کنز الفوائد 2 / (236 _ 224) .

الحوادث التی فی الأرض والسماء جمیعاً وطبائعها لفهم کیفیّة ما یحدث فی المستقبل ، وهذا المنجم القائل بالأحکام _ مع أن أوضاعه الأولی ومقدماته لیست مستندة إلی برهان بل عسی أن یدّعی فیها التجربة أو الوحی وربّما حاول قیاسات شعریة أو خطابیّة فی إثباتها _ فإنّه إنّما یعوّل علی دلائل جِنس واحد من أسباب الکائنات وهی التی فی السماء ، علی أنّه لا یضمن من عنده الإحاطة بجمیع الأحوال التی فی السماء ولو ضمن لنا فی ذلک ووفی به لم یمکنه أن یجعلنا بحیث نقف علی وجود جمیعها فی کلِّ وقت ، وإن کان جمیعها _ من حیث فعله وطبعه _ معلوماً عنده . _ إلی أن قال : _ فلیس لنا إذن إعتماد علی أقوالهم ، وإن سلمنا متبرّعین أن جمیع ما یعطونا من مقدّماتهم الحکمیّة صادقة »(1) .

وقال المتکلم الجلیل الشیخ سدید الدین محمود بن علی الحمصی قدس سره فی الرد علی الصابئة : « وأمّا الصابئة فإنّه قد یحکی عنهم أنّهم یقولون : للعالم صانع أحکم الفلک وجعل نجومه مدبّرة لما فی العالم ، أضافوا ما یحدث فی العالم من الحیوان والنبات إلی النجوم ، وأنّهم یعبدون النجوم ، ثمّ نحتوا الأصنام علی صورها یعبدونها بالنهار إذا غابت النجوم ، ویذهبون إلی أنّ النجوم توجب بطباعها التدبیر فی العالم ، وربّما قالوا : بأنّها قدیمةٌ .

والردّ علیهم هو أن نقول : لا شک فی أنّ النجوم أجسام والجسم لا یکون إلاّ محدثاً علی ما بیناه ، ثم وهی لیست أحیاءً فکیف یصدر عنها الأفعال . وأقوی ما یُستدل به علی کونها غیر أحیاءٍ ، إجماع المسلمین علی أنّها مسخّرات ، وقد استدل علی أنّها مسخّرات غیر متحیّرات بحرکتها التی تجری علی طریقة واحدة ، إذ الحیّ القادر المختار لابدّ من أن تختلف حرکاته لاختلاف دواعیه .

وقد استدل علی کون الشمس غیر حیّة علی الخصوص بحرارتها المفرطة التی یستحیل أن یبقی معها الحیاة ، ولو سلّمنا أنّها أحیاء قادرة لما کانت قادرة إلاّ بقدرة کما فی غیرها من الأجسام التی هی أحیاء قادرة ، وإذا کانت کذلک کان یجب أن لا یقدر علی

ص:391


1- (3) الشفاء - الالهیات / 440 المقالة العاشرة ، الفصل الأوّل ، ونقل عنه الشیخ البهائی فی الحدیقة الهلالیة / 142 و 141 ، ونقل المجلسی عن البهائی فی بحار الأنوار 55 / 292 (22 / 408) .

الإختراع ، کما لا یقدر غیرها من القادرین بالقدرة . فکیف تؤثّر فی الأجسام الأرضیة من الحیوان والنبات علی بعدها منها ، وکان لا یصحّ منها اُصول النعم التی بها تستحق العبادة ، کما لا یقدر علیها غیرها من القادرین بالقدرة فلا یحسن عبادتها »(1) .

أقول : قد نقل العلامة المجلسی کلاماً آخراً من الشیخ سدید الدین الحمصی رحمه الله بواسطة ابن طاوس فی کتابه فرج المهموم(2) .

وقال المحقق الحلی فی المعتبر : « ولا اعتبار بالجدول ، لأنّ أصل ذلک مأخوذ من الحساب النجومی فی ضبط مسیر القمر واجتماعه بالشمس ، ولا یجوز التعویل علی قول المنجم ، لأنّه مبنیٌ علی قواعد ظنیّة مستفادة من الحدس الذی یخطی ء أکثر ممّا یصیب ، ولا یجوز التعویل علی قوله ، لقول النبی صلی الله علیه و آله وسلم : « من صدّق کاهناً أو منجماً فهو کافر بما أنزل علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم »(3) .

وقال العلامة المجلسی قدس سره فی شأن ابن طاوس وکتابه فرج المهموم : « والسید الجلیل النبیل علی بن طاوس رحمه الله لاُنس قلیل له بهذا العلم ، عمل فی ذلک رسالة وبالغ فی الإنکار علی من اعتقد أنّ النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثرة ، واستدلّ علی ذلک بدلائل کثیرة وأیّده بکلام جمٍّ غفیر من الأفاضل ، إلاّ أنّه أنکر علی السید الأجل المرتضی قدس سره فی تحریمه ، وذهب إلی أنّه من العلوم المباحات ، وأنّ النجوم علامات ودلالات علی الحادثات ، لکن یجوز للقادر الحکیم أن یغیّرها بالبرّ والصدقة والدعاء وغیر ذلک من الأسباب والدواعی علی وفق إرادته وحکمته ، وجوّز تعلیم النجوم وتعلّمه والنظر فیه والعمل به إذا لم یعتقد أنّها مؤثرة ، وحمل أخبار النهی والذَّم علی ما إذا اعتقدت ذلک ، ثم ذکر رحمه الله تأییداً لصحة هذا العلم أسماء جماعة من الشیعة کانوا عارفین به ... »(3) .

وذکر أیضاً نظیر هذا البیان فی کتابه « مرآة العقول فی شرح أخبار آل

ص:392


1- (1) المنقذ من التقلید 1 / 148 .
2- (2) فراجع إن شئت بحار الأنوار 55 / 298 (22 / 411) .
3- (1) المعتبر 2 / 688 .

الرسول علیهم السلام »(1) .

وقال الشیخ إبراهیم بن نوبخت فی کتابه الیاقوت : « قول المنجمین یبطله قدم الصانع واشتراط إختیاره ، ویلزم علیهم أن لا یستقر الفعل علی حالٍ من الأحوال ، وقول أهل الطبائع یبطل بمثل ذلک »(2) .

وقال آیة اللّه علی الإطلاق العلاّمة الحلی قدس سره فی شرحه علی الیاقوت : « اختلف قول المنجمین علی قسمین : أحدهما قول مَنْ قال : إنّ الکواکب السبعة حیّة مختارة ، والثانی قول من قال : إنّها موجبة ، والقولان باطلان :

أمّا الأوّل : فلأنّها أجسام محدثة فلا تکون آلهة ، ولأنّها محتاجة إلی محدث غیر جسم ، فلابدّ من القول بالصانع .

وأمّا الثانی : فلأنّ الکوکب المعیّن کالمریخ مثلاً إذا کان مقتضیاً للحرب لزم دوام وقوع الهرج والمرج فی العالم ، وأن لا یستقرّ أفعالهم علی حالٍ من الأحوال ، ولما کان ذلک باطلاً کان ما ذکروه باطلاً .

وأمّا القائلون بالطبائع ألذین یسندون الأفعال إلی مجرد الطبیعة ، فیبطل قولهم بمثل ذلک أیضاً ، فإنّ الطبیعة قوّة جسمانیّة وکلّ جسم محدث ، فکل قوّة حالّة فهی محدثة تفتقر إلی محدث غیر طبیعته ، وإلاّ لزم التسلسل ، فلابدّ من القول بالصانع سبحانه وتعالی »(3) .

وقال العلاّمة الحلی فی القواعد : « التنجیم حرام ، وکذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثیرها بالاستقلال أو لها مدخلٌ فیه »(4) .

وقال فی التذکرة : « التنجیم حرام وکذا تعلّم النجوم مع اعتقاد تأثیرها فی عالم العنصریّات علی ما یقوله الفلاسفة »(5) .

ص:393


1- (2) بحار الانوار 55 / 529 و 528 (22 / 412) .
2- (3) مرآة العقول 26 / 461 .
3- (1) أنوار الملکوت / 200 و 199 .
4- (2) قواعد الأحکام 2 / 9 .
5- (3) تذکرة الفقهاء 12 / 145 مسألة 650 .

وقال فی المنتهی : « التنجیم حرام ، وکذا تعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثرة ، أو أنّ لها مدخلاً فی تأثیر بالنفع والضرر ، وبالجملة کلّ مَنْ یعتقد ربط الحرکات النفسانیة والطبیعیّة بالحرکات الفلکیّة والإتصالات الکوکبیة کافرٌ ، وأخذ الاُجرة علی ذلک حرام ، وأمّا من یتعلّم النجوم فیعرف قدر سیر الکواکب وبُعده وأحواله من التربیع والکسف وغیرهما فإنّه لا بأس به»(1) .

وقال نحوه فی کتابه تحریر الأحکام الشرعیة علی مذهب الامامیة(2) فراجعه .

ولکن العلاّمة نفسه قال فی أجوبة المسائل المهنائیة الثالثة حیث سأل عنه السید مهنأ ابن سنان : « ما یقول سیدنا فیما یقال : إنّ کسوف الشمس بسبب حیلولة جرم القمر بینه وبین الشمس ، وإنّ سبب خسوف القمر حیلولة الأرض ، ویدلّ علی ذلک ما یخبر به أهل التقویم فیطابق أخبارهم ؟ وإذا کان الأمر علی هذه الصورة فلم اُمرنا بالخوف عند ذلک والفزع إلی الدعاء والصلاة فی المساجد ؟ فأجاب قدس سره : استناد الکسوف والخسوف إلی ما ذکره _ أدام اللّه أیّامه _ مستند إلی الرصد ، وهو أمر ظنیٌّ غیر یقینیٌّ ، ولو سلّم لم یضرّ فی التکلیف بالصلاة وسؤال اللّه ردّ النور ، بأنّ أمثال هذه الأفعال مستندة إلی اللّه تعالی بالإختیار ، فَحَسَن الدعاء والصلاة فی طلب ردّ النور . ویجوز أن یکون هذا الحادث سبباً لتجدّد حادث فی الأرض من

خیر أو شرٍّ ، فجاز أن تکون العبادة رافعة لما نیط بذلک الحادث من الشرِّ والخو ف بسبب ذلک .

ثم سأل عن أخبار المنجّمین وأصحاب الرمل بالأشیاء المغیبة ، فأجاب بأن هذا کلّه تخمین لا حقیقة له ، وما یوافق قولهم من الحوادث فإنّه یقع علی سبیل الإتفاق ، وعلم الرمل ینسب إلی إدریس علیه السلام ولیس بمحقَّقٍ ، ولکنّه جری لنا وقائع غریبة عجیبة وامتحانات طابقت حکمه ، لکن لا یثمر ذلک علماً محقَّقاً »(3) .

ص:394


1- (4) منتهی المطلب 2 / 1014 من فروع کتاب التجارة .
2- (5) تحریر الأحکام الشرعیة 2 / 261 طبع مؤسسة الامام الصادق علیه السلام _ قم المقدسة 1420 .
3- (1) أجوبة المسائل المهنائیة الثالثة / 144 و145 المسألة 9 و 10 ، ونقل عنه فی بحار الأنوار 55/ 308 (22 / 419) .

وقال ولده فخر المحققین فی بحث السحر : « المراد بالسحر استحداث الخوارق بمجرد التأثیرات النفسانیة أو بالإستعانة بالفلکیات فقط أو ... وقد خص أهل المعقول الأوّل باسم السحر والثانی بدعوة الکواکب و ... واختلف الفقهاء فی أنّ السحر لا بمعنی دعوة الکواکب ، فإنّ الکواکب لا تأثیر لها قطعاً ، هل له حقیقة (أی تأثیر) أو تخیّل لا حقیقة له ، بمعنی عدم التأثیر ... »(1) .

أقول : یأتی تمام کلامه قدس سره فی بحث السحر إن شاء اللّه تعالی .

قال الشهید فی الدروس : « یحرم اعتقاد تأثیر النجوم مستقلة أو بالشرکة والإخبار عن الکائنات بسببها ، أمّا لو أخبر بجریان العادة أنّ اللّه تعالی یفعل کذا عند کذا لم یحرم وإن کره ، علی أنّ العادة فیها لا تطّرد إلاّ فیما قلّ . وأمّا علم النجوم فقد حرّمه بعض الأصحاب ، ولعلّه لما فیه من التعرّض للمحظور من اعتقاد التأثیر ، أو لأن أحکامه تخمینیّة ، أمّا علم هیئة الأفلاک فلیست حراماً ، بل ربّما کان مستحبّاً لما فیه من الإطلاع علی حِکَم اللّه وعِظَم قدرته »(2) .

وقال فی قواعده : « کلُّ من اعتقد فی الکواکب أنّها مدبّرة لهذا العالم وموجدة ما فیه فلا ریب أنّه کافرٌ ، وإن اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إلیها واللّه هو المؤثر الأعظم _ کما یقوله أهل العدل _ فهو مخطیء ، إذ لا حیاة لهذه الکواکب ثابتةٌ بدلیل عقلی ولا نقلی . وبعض الأشعریة یکفّرون هذا کما یکفّرون الأوّل ، وأوردوا علی أنفسهم عدم تکفیر المعتزلة ، وکلّ من قال بفعل العبد فرّقوا بأنّ الإنسان وغیره من الحیوان یوجد فعله من أنّ التذلّل ظاهر علیه ، فلا یحصل منه اهتضام لجانب الربوبیّة ، بخلاف الکواکب فإنّها غائبة عنه ، فربّما أدّی ذلک إلی إعتقاد استقلالها وفتح باب الکفر .

وأمّا ما یقال : من أنّ استناد الأفعال إلیها کاستناد الإحراق إلی النار وغیرها من العادیات بمعنی أنّ اللّه تعالی أجری عادته أنّها إذا کانت علی شکل مخصوص أو وضع

ص:395


1- (2) ایضاح الفوائد 1 / 405 .
2- (3) الدروس الشرعیة 3 / 165 .

مخصوص یفعل ما ینسب إلیها ، ویکون ربط المسبَّبات بها کربط مسبَّبات الأدویة والأغذیة بها مجازاً باعتبار الربط العادی لا الفعل الحقیقی فهذا لا یکفر معتقده ولکنّه مخطیء أیضاً ، وإن کان أقل خطاءً من الأوّل ، لأن وقوع هذه الآثار عندها لیس بدائم ولا أکثریٍّ »(1) .

قال المحقق الثانی قدس سره فی جامع المقاصد : « التنجیم : الإخبار عن أحکام النجوم باعتبار الحرکات الفلکیة والإتصالات الکوکبیة التی مرجعها إلی القیاس والتخمین ، فإنّ کون الحرکة المعیّنة والإتصال المعیّن سبباً لوجود ذلک ، إنّما یرجع المنجمون فیه إلی مشاهدتهم وجود مثله عند وجود مثلهما ، وذلک لا یوجب العلم بسببیتهما له ، لجواز وجود اُمور اُخری لها مدخل فی سببیّته لم تحصل الإحاطة بها ، فإنّ القوة البشریة لا سبیل لها إلی ضبطها ، ولهذا کان کذب المنجمین وخطؤهم أکثریّاً ، وقد ورد من صاحب الشرع النهی عن تعلّم النجوم بأبلغ وجوهه ... .

إذا تقرر ذلک فاعلم : أنَّ التنجیم _ مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثیراً فی الموجودات السفلیة ولو علی جهة المدخلیّة _ حرام ، وکذا تعلّم النجوم علی هذا الوجه ، بل هذا الإعتقاد کفرٌ فی نفسه ، نعوذ باللّه منه .

أمّا التنجیم لا علی هذا الوجه مع التحرز مِنْ الکذب فإنّه جائز ، فقد ثبت کراهیة التزوج وسفر الحج والقمر فی العقرب ، وذلک من هذا القبیل . نعم هو مکروه ، لأنّه ینجرّ إلی الإعتقاد الفاسد ، وقد ورد النهی عنه مطلقاً حسماً للمادة ، وتحریم الاُجرة وعدمه تابع للفعل ... »(2) .

قال المحقق الأردبیلی بعد نقل کلام العلامة فی المنتهی وتأییده : « ... وقد یفهم من قوله تعالی حکایة عن إبراهیم علیه السلام : «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِی النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّی سَقِیمٌ»(3) الإعتبار

بأمثال ذلک ، بل أکثر وإن إجاب عنه السید المرتضی فی « التنزیه» ، ولقد صنف علی بن طاوس قدس سره کتاباً فی تحقیق النجوم وحلیّة هذا العلم وجواز التأثیر ، واستدلّ علیها بالآیات

ص:396


1- (1) القواعد والفوائد 2 / 36 و 35 .
2- (2) جامع المقاصد 4 / 32 و 31 .
3- (3) سورة الصافات / 89 و 88 .

والأخبار والإعتبار ، وردّ کلام مَنْ قال بتحریمه وکراهیته ، فمن أراد التفصیل فلیرجع إلیه .

وأمّا دلیل کفر مَنْ یعتقد إستقلال الفکلیّات فی التأثیر فی الأرضیات وتحریم الإشتراک فی التأثیر کأنّه إجماعٌ ، والعلم الضروری شرعاً بأنّ اللّه تعالی هو المؤثر فی الأرضیات ، ووجوب إعتقاد أنّه هو المستقل فی التأثیر فی الأرضیات مِنْ غیر مدخلیّة شیءٌ »(1) .

وقال الشیخ بهاء الدین محمد العاملی قدس سره فی الحدیقة الهلالیة : « ما یدّعیه المنجمون من إرتباط بعض الحوادث السفلیّة بالأجرام العلویّة ، إن زعموا أن تلک الأجرام هی العلّة المؤثرة فی تلک الحوادث بالاستقلال أو أنّها شریکة فی التأثیر فهذا لا یحلّ للمسلم اعتقاده ، وعلم النجوم المبتنی علی هذا کفر والعیاذ باللّه ، وعلی هذا حمل ما ورد فی الحدیث من التحذیر عن علم النجوم والنهی عن اعتقاد صحته ، وإن قالوا : إنّ اتصالات تلک الأجرام وما یعرض لها من الأوضاع علامات علی بعض حوادث هذا العالم ممّا یوجده اللّه سبحانه بقدرته وإرادته ، کما أنّ حرکات النبض واختلافات اُوضاعه علامات یستدلّ بها الطبیب علی ما یعرض للبدن من قرب الصحة أو اشتداد المرض ونحو ذلک ، وکما یستدلّ باختلاج بعض الأعضاء علی بعض الأحوال المستقبلة ، فهذا لا مانع منه ولا حرج فی اعتقاده ، وما روی من صحة علم النجوم وجواز نقله محمول علی هذا المعنی .

ثم قال قدس سره : الاُمور التی یحکم بها المنجمون من الحوادث الإستقبالیة أصول ، بعضها مأخوذة من أصحاب الوحی سلام اللّه علیهم ، وبعض الاُصول یدّعون فیها التجربة ، وبعضها مبتنٍ علی أمور متشعبّة لا تفی القوة البشریة بضبطها والإحاطة بها ، کما یؤمی إلیه قول الصادق علیه السلام : « کثیره لا یدرک وقلیله لا ینتج(2) » ، فلذلک وجد الاختلاف فی کلامهم وتطرّق الخطأ إلی بعض أحکامهم ، ومن اتفق له الجری علی الاُصول الصحیحة صحّ کلامه وصدقت أحکامه لا محالة کما نطق به کلام الصادق علیه السلام فی الروایة المذکورة ... ولکن هذا أمر عزیز المنال ، لا یظفر به إلاّ القلیل واللّه الهادی إلی سواء السبیل »(3) .

ص:397


1- (1) مجمع الفائدة والبرهان 8 / 81 و80 .
2- (2) الکافی 8 / 195 ح 233 .

وعَدّ الفیض الکاشانی قدس سره فی کتابه مفاتیح الشرائع من المعاصی المنصوص علیها الإخبار عن الغائبات علی البتّ لغیر نبیٍّ أو وصیّ نبیٍّ ، سواء کان بالتنجیم أو الکهانة أو القیافة أو غیر ذلک . ثمّ ذکر أخباراً دالة علی تحریم الکهانة والتنجیم ، ثم قال : « وإن کان الإخبار علی سبیل التفاؤل من دون جزم ، فالظاهر جوازه ، لأنّ أصل هذه العلوم حقٌ ولکن الإحاطة بها لا یتیسر لکلِّ أحدٍ والحکم بها لا یوافق المصلحة »(1) .

وقال فی الوافی فی بحث البداء : « ... فاعلم أنّ القوی المنطبعة الفلکیّة لم تحط بتفاصیل ما سیقع من الاُمور دفعةً واحدةً ، لعدم تناهی تلک الاُمور ، بل إنّما ینتقش فیها الحوادث شیئاً فشیئاً وجملة فجملة مع أسبابها وعللها علی نهج مستمر ونظام مستقر . فإنّ ما یحدث فی عالم الکون والفساد ، إنّما هو من لوازم حرکات الأفلاک المسخرة للّه ونتائج برکاتها ، فهی تعلم أنّه کلّما کان کذا کان کذا ، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما فی هذا العالم حکمت بوقوعه فیه ، فینتقش فیها ذلک الحکم . وربّما تأخر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث علی خلاف ما یوجبه بقیة الأسباب لو لا ذلک السبب ولم یحصل لها العلم بذلک بعد لعدم اطلاعها علی سبب ذلک السبب ، ثمّ لما جاء أوانه واطلعت علیه حکمت بخلاف الحکم الأوّل فیُمْحا عنها نقش الحکم السابق ویُثْبَت الحکم الآخر ، مثلاً ... »(2) .

وقال المحقق السبزواری فی الکفایة : « علم النجوم حرّمه بعض الأصحاب والأقرب الجواز لظاهر بعض الروایات المعتبرة ، وصنف ابن طاووس رسالة أکثر فیها من الاستشهاد علی صحته وجوازه »(3) .

وقال الشیخ الحر العاملی قدس سره : « قد صرح علماؤنا بتحریم علم النجوم والعمل به ، وصرّحوا بکفر من اعتقد تأثیر النجوم أو مدخلیتها فی التأثیر ، وذکروا أنّ بطلان ذلک من ضروریات الدین ، ونقلوا الإجماع علی ذلک ، فممّن صرّح بما ذکرناه : الشیخ المفید والمرتضی فی الدرر والغرر والشیخ الشهید فی قواعده والدروس والعلاّمة فی التذکرة والمنتهی والقواعد

ص:398


1- (1) الحدیقة الهلالیة / 140 _ 139 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 292 _ 291 (22 / 408 و 407) .
2- (2) مفاتیح الشرائع 2 / 24 و 23 ونقل عنه فی مفتاح الکرامة 4 / 74 _ (12 / 242) .
3- (3) الوافی 1 / 508 و507 .

والتحریر والشیخ علی فی شرح القواعد والشهید الثانی فی شرح الشرائع والمحقق فی المعتبر

والکراجکی فی کنز الفوائد وغیرهم ، ولا یظهر منهم مخالف فی ذلک علی ما یحضرنی »(1) .

وقال العلامة المجلسی فی آخر باب علم النجوم : « إذا أحطت خُبراً بما تلونا علیک من الأخبار والأقوال ، لا یخفی علیک أنّ القول باستقلال النجوم فی تأثیرها بل القول بکونها علّة فاعلیّة بالإرادة والإختیار - وإن توقّف تأثیرها علی شرائط - کفرٌ ومخالفة لضرورة الدین .

والقول بالتأثیر الناقص یحتمل وجهین :

الأوّل : تأثیرها بالکیفیّة کحرارة الشمس وإضاءتها وسائر الکواکب وتبرید القمر ، فلا سبیل إلی إنکار ذلک ، ولکن الکلام فی أنّها مؤثّرات أو معدّات لتأثیر الربّ سبحانه ، أنّه تعالی أجری العادة بخلق الحرارة أو الضوء عقیب محاذاة الشمس مثلاً ، والأکثر علی الأخیر .

والثانی : کون حرکاتها وأوضاعها ومقارناتها وإتصالاتها مؤثرة ناقصة فی خلق الحوادث علی أحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ، فلا ریب أن القول به فسق وقول بما لا یعلم ، ولا دلیل یدلّ علیه من عقل ولا نقل ، بل ظواهر الآیات والأخبار خلافه ، والقول به جرأة علی اللّه ، أمّا أنّه ینتهی إلی حد الکفر فیشکل الحکم به وإن لم یکن مستبعداً ... .

وأمّا کونها أمارات وعلامات جعلها اللّه دلالة علی حدوث الحوادث فی عالم الکون والفساد فغیر بعید عن السداد ، وقد عرفت أنّ کثیراً من الأخبار تدلّ علی ذلک ، وهی إمّا مفیدة للعلم العادی لکنّه مخصوص ببعض الأنبیاء والأئمة علیهم السلام ومن أخذها منهم لأن الطریق إلی العلم بعدم ما یرفع دلالتها من وحی أو إلهام والإحاطة بجمیع الشرائط والموانع والقوابل مختصة بهم ، أو مفیدة للظن ووقوع مدلولتها مشروط بتحقّق شروط ورفع موانع ، وما فی أیدی الناس لیس ذلک العلم أصلاً أو بعضه منه لکنّه غیر معلوم بخصوصه ، ولا یفید العلم قطعاً ، وإفادته نوعاً من الظن مشکوک فیه ... »(2) إلی آخر ما ذکره فی بحار أنواره قدس سره .

وذکر نحوه مختصراً فی مرآة العقول(3) .

ص:399


1- (1) وسائل الشیعة 17 / 141 .
2- (2) بحار الأنوار 55 / 309 و 308 (22 / 420 و 419) .
3- (3) مرآة العقول 26 / 481 و 480 .

وقال جدنا الفقیه الشیخ جعفر قدس سره : « ... وطریق الجمع بین الأخبار _ کما تشهد به طائفة منها _ وبین کلام الأصحاب _ کما یشهد به کلام طائفة منهم _ أنّ التنجیم الحلال ما کان مع اعتقاد أنّ النجوم مسخّرات ولیس لها فی حدّ ذاتها تأثیرات ، وأنّ الأمر إلی خالق الأرضین

والسماوات ، علی التفصیل الذی اخترناه والنحو الذی ذکرناه ، وقد مرّ منّا سابقاً أنّ العلم والإدراک متصفان بالحسن _ تعلّقا بالأفلاک أو غیر الأفلاک _ ما لم تفسد المقاصد أو تترتّب المفاسد . فإذن لا یجوز الطعن فی المنجّمین حتّی یظهر الحال ویستبین ، فمن فسدت فی الظاهر نیّته ظهرت معصیته وإلاّ حمل علی الوجوه الحسان ، ولا أعرف سواها من إصحابنا المنجّمین فی هذا الزمان وصلاح نیّتهم من فیض ساداتهم وأئمتهم ... فمن تعلَّم علم النجوم أو غیره من العلوم للتوصل إلی بعض المحرّمات کان من العصاة . وکذا من أسند التأثیر إلی صنعته کالطبیب فی طبابته والبیطار فی بیطرته وعلم الهیأة والرمل وغیرها مع اعتقاد لزوم ترتب الأحکام ... »(1) .

وقال النراقی فی المستند فی شأن علم النجوم : « أمّا تحریمه لأجل فساد المذهب فممّا لا وجه له ، إذ لا مدخلیّة للمذهب واعتقاد التأثیر من الکواکب فی التنجیم ، لأن غایة ما یترتب علیه أنّه یحدث کذا عند وضع کذا .

وأمّا أنّه هل هو من تأثیر النجم مستقلاً أو اشتراکاً حتّی یکون اعتقاده حراماً ، أو من باب العلامات والأمارات علی ما أجراه اللّه تعالی بعادته عقیبها حتّی لم یحرم اعتقاده علی ما صرّح به الأکثر کالسید والمفید والکراجکی وابن طاووس والمحقق الثانی وشیخنا البهائی والمجلسی وغیرهم ، أو من قبیل تسخین النار وتبرید الماء ... أو غیر ذلک .

فلیس من مسائل النجوم ولا من متفرّعاتها ، بل هو من المسائل الطبیعیّة .

ولیس التنجیم إلاّ کالطب ، فکما لا یبتنی الطب علی اعتقاد أن تأثیر الدواء هل هو من جهة نفسه أو من اللّه سبحانه ، فکذلک النجوم ، والظاهر أنّ فساد اعتقاد بعض المنجمین أوجب توهّم بعضهم أنّه ناشیء من جهة التنجیم .

ص:400


1- (1) شرح القواعد 1 / 259 و260 .

وأمّا من حیث کونه قولاً بما لا یعلم ، فمع أنّه لا یحرّم التعلیم ولا یختصّ بالتنجیم ، یوجب التحریم إذا کان الحکم بالبتّ مع ظنیّته ، فلا یحرم إذا حکم بالظن کما هو الطریقة ، أو بالقطع إذا حصل من تکرر التجارب .

وأمّا من جهة أنّه الإخبار بما لم یقع ، ففیه : أن تحریمه مطلقاً ممنوع ، فبقی أن یکون الوجه فیه هو الروایات ، وهی کثیرة(1) :

ثم ذکر أخبار الباب وقال فی آخرها : وحمل الأخبار المانعة علی اعتقاد التأثیر أو الحکم بالبتّ والعمل فی غیرهما بمقتضی الأصل متعیّن »(2) .

وقال فی الجواهر فی آخر بحث علم النجوم : « والتحقیق ما عرفت ، من أنّه لا بأس بالنظر فی هذا العلم وتعلّمه وتعلیمه ، والإخبار عمّا یقتضیه ممّا وصل إلیه من قواعده لا علی جهة الجزم ، بل علی معنی جریان عادة اللّه تعالی بفعل کذا عند کذا ، وعدم إطراد العادة غیر قادح ، فإنّ اللّه یمحو «مَا یَشَاء وَیُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْکِتَابِ»(3) بل قد یُتوقف فی الکراهة فضلاً عن الحرمة ، بل یمکن حصول زیادة العرفان بمعرفته والترقی إلی بعض درجات الإیمان بممارسته .

ودعوی أن فیه تعریضاً للوقوع فی المحظور من اعتقاد التأثیر فیحرم لذلک ، أو لأن أحکامه تخمینیة کماتری ، خصوصاً الثانی ، ضرورة عدم حرمة مراعاة الظنون فی أمثال ذلک ،بل لعلّ المعلوم من سیرة الناس وطریقتهم خلافه فی الطب وغیره ، والتعریض المزبور _ مع أنّه ممنوع _ لا یکفی فی الحرمة ، وإلاّ لحرم النظر فی علم الکلام الذی خطره أعظم من ذلک .

فلا ریب فی رجحان ما ذکرناه ، بل لا یبعد أن یکون النظر فیه نحو النظر فی علم هیئة الأفلاک الذی یحصل بسببه الاطلاع علی حکمة اللّه وعِظَم قدرته ، نعم : لا ینبغی الجزم بشیءٍ من مقتضیاته ، لاستیثار اللّه بعلم الغیب »(4) .

ص:401


1- (2) مستند الشیعة 14 / 120 و119 .
2- (1) مستند الشیعة 14 / 124 .
3- (2) سورة الرعد / 39 .
4- (3) الجواهر 22 / 108 .

وقال المحدث الخبیر الحاج المیرزا حسین النوری قدس سره : « یحمل ما دلّ علی النهی عن النظر بل تکفیر المنجم علی من اعتقد قدم الأفلاک والکواکب ، أو أنّ اختلاف حرکاتها وأوضاعها علل تامة لصدور الحوادث ، أو أنّ لها حیاةً ونفوساً تصدر عنها الحوادث بالإرادة و الإختیار ، وغیر ذلک من العقائد الفاسدة المباینة لأصول الملل وأساس الشرائع ، وما دلّ علی الجواز علی أنّها أمارات وعلامات علی حدوث الحوادث منه تعالی أو ما یقرب من ذلک ، ممّا لیس فیه ما ینافی الشرع ، ویرتفع شرّها بالبرِّ والدعاء والصدقة ، واللّه العالم »(1)

الروایات فی المقام

اشارة

الأخبار الواردة حول التنجیم یمکن حملها علی طائفتین :

الطائفة الأولی : الروایات الناهیة والرادعة

وهی عدة أحادیث وردت فی النهی عن علم النجوم وعمل المنجمین والإعتقاد به وبهم :

منها : خبر عبد اللّه بن عوف بن الأحمر قال : لما أراد أمیر المؤمنین علیه السلام : المسیر إلی النهروان أتاه منجّم ، فقال له : یا أمیر المؤمنین لا تَسِر هذه الساعة وسِرْ فی ثلاث ساعات یمضین من النهار ، فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : ولِمَ ذاک ؟ قال : لأنّک إن سرت فی هذه الساعة أصابک وأصاب أصحابک أذی وضرّ شدید ، وإن سرت فی الساعة التی أمرتک ظَفَرتَ وظَهَرت وأصبتَ کلَّ ما طلبتَ .

فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : تدری ما فی بطن هذه الدابة أذکرٌ أم اُنثی ؟ قال : إن حسبتُ علمتُ ، قال له أمیر المؤمنین علیه السلام : مَنْ صدّقک علی هذا القول کذّب بالقرآن «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَیُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَیَعْلَمُ مَا فِی الاْءَرْحَامِ وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ مَّاذَا تَکْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِی نَفْسٌ بِأَیِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ»(2) ، ما کان محمد صلی الله علیه و آله وسلم یدّعی ما ادّعیت ، أتزعم أنّک تهدی إلی الساعة التی مَنْ سار فیها صرف عنه السوء والساعة التی مَنْ سار فیها

ص:402


1- (4) مستدرک الوسائل 13 / 105 .
2- (1) سورة لقمان / 34 .

حاق به الضرّ ؟ مَنْ صدّقک بهذا استغنی بقولک عن الإستعانة باللّه عزّ وجل فی ذلک الوجه ، وأحوج إلی الرغبة إلیک فی دفع المکروه عنه ، وینبغی له أن یولیک الحمد دون ربّه عزّ وجلّ ، فمن آمن لک بهذا فقد اتخذک من دون اللّه نِدّاً وضِدّاً .

ثم قال : اللهم لا طیر إلاّ طیرک ، ولا ضیر إلاّ ضیرک ، ولا خیر إلاّ خیرک ، ولا اله غیرک . ثمّ التفت إلی المنجم فقال : بل نکذبک ونخالفک ونسیر فی الساعة التی نهیت عنها(1) .

الروایة ضعیفة الإسناد . وتدلّ علی لزوم الإستعانة باللّه تعالی والتوکل علیه فی الاُمور کلّها وعدم الإتکال علی النجوم وإخبار المنجمین ، ولا تدلّ علی حرمة هذا العلم ولا علی استعماله .

وقد رُوی أنَّ المنجم الذی قال لأمیر المؤمنین علیه السلام کان عفیف بن قیس أخا الأشعث المعروف کما ذکره العلامة المجلسی فی بحار الأنوار(2) .

ومنها : خبر أبی الحصین قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : سئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الساعة ؟ فقال : عند إیمان بالنجوم وتکذیب بالقدر(3) .

الروایة ضعیفة الإسناد ، ویمکن حملها علی أنّ الناس فی آخر الزمان یؤمنون بالنجوم ویتوجهون إلیها ویتّکلون علیها بدلاً عن الإیمان والتوجه والإتکال علی اللّه تعالی ، وهذا الإعتقاد والتوجه والإتکال بالنجوم شمله النهی لا نفس علم النجوم .

ومنها : خبر الحسین بن زید الشهید عن آبائه علیهم السلام عن علی علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أربعة لا تزال فی اُمّتی إلی یوم القیامة : الفخر بالأحساب ، والطعن فی الأنساب ، والإستقساء بالنجوم ، والنیاحة . وإنّ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقوم یوم القیامة وعلیها سربال من قطران ودرع من جرب(4) .

ص:403


1- (2) أمالی الصدوق ، المجلس الرابع والستون ح 16 / 500 الرقم 687 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 11 / 371 ح 4 . الباب 14 من أبواب آداب السفر .
2- (1) بحار الأنوار 55 / 224 (22 / 364) .
3- (2) الخصال 1 / 62 ح 87 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 143 ح 6 الباب 24 من أبواب ما یکتسب به .
4- (3) الخصال 1 / 226 ح 60 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 225 ح 6 (22 / 364) .

الروایة ضعیفة الإسناد . و الإستسقاء بالنجوم : یعنی الاعتقاد بأنّ للنجوم تأثیراً فی نزول المطر . ویمکن حملها علی الاعتقاد بتأثیرها بالاستقلال أو فی عرض إرادة الربّ عزّ وجلَّ ، وبطلان هذا الإعتقاد عند المتشرعة واضحٌ .

ومنها : معتبرة نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام یقول : المنجمُ ملعونٌ ، والکاهن ملعونٌ ، والساحر ملعونٌ ، والمغنیة ملعونةٌ ، ومَنْ آواها وأکل کسبها ملعونٌ .

وقال علیه السلام : المنجمُ کالکاهنِ ، والکاهنُ کالساحرِ ، والساحرُ کالکافرِ ، والکافرُ فی النارِ(1) .

وهذه الروایة مِنْ حیث السند تامةٌ ، لأنّ وثاقة ابنی ولید والصفار معلومة ، والمراد بالحسن بن علی الکوفی المذکور فی السند هو الحسن بن علی بن عبد اللّه بن المغیرة البَجَلّی ثقة ثقة کما ذکره النجاشی(2) ، والمراد باسحاق بن إبراهیم هو الحضینی وهو ثقة علی الأقوی ،

ونصر بن قابوس أیضاً ثقة علی الأقوی کما ذکرهما المامقانی فی نتائج التنقیح(3) ، فالسند صحیح ولا أقل مِنْ إعتباره .

ولکن الکلام فی دلالتها : فهل یمکن القول بکفر کلِّ المنجمین وأنّهم ملعونون ؟

إستفادة هذا الإطلاق من الروایة مشکلة جداً ، ولذا حملها الصدوق قدس سره علی الکفار منهم ، فقال بعد نقل الروایة : « المنجم الملعون هو الذی یقول بقدم الفلک ولا یقول بمفلّکه وخالقه عزّ وجلّ »(4) .

ومنها : خبر القاسم بن عبد الرحمن الأنصاری عن الباقر علیه السلام عن جده الحسین بن علی علیه السلام قال : لمّا افتتح رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم خیبر دعا بقوسه فاتّکأ سیتها ، ثم حمد اللّه وأثنی علیه وذکر ما فتح اللّه له ونصره به ونهی عن خصال تسعة : عن مهر البغیَّ ، وعن کسب الدابة _ یعنی عسب الفحل _ وعن خاتم الذهب ، وعن ثمن الکلب ، وعن میاثر الأرجوان _ قال

ص:404


1- (4) الخصال 1 / 297 ح 67 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 143 ح 7 .
2- (5) رجال النجاشی / 62 الرقم 147 .
3- (1) نتائج التنقیح / 12 و 158 .
4- (2) الخصال 1 / 298 .

أبو عروبة (وهو أحد رواة الحدیث) عن میاثر الحمر _ وعن لبوس ثیات القسّیِّ _ وهی ثیاب تنسج بالشام _ وعن أکل لحوم السباع ، وعن صرف الذهب بالذهب والفضة بالفضة بینهما فضل ، وعن النظر فی النجوم(1) .

هذه الروایة مطلقة وظهور النهی فی الحرمة واضح ، فالروایة تدلّ علی حرمة النظر فی النجوم ، ولکن فی سندها ضعف ظاهر . ویمکن تخصیصها بالروایات المجوِّزة الآتیة ، فانتظر .

ومنها : صحیحة عبد الملک بن أعین قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : إنّی قد ابتلیت بهذا العلم فأرید الحاجة ، فإذا نظرتُ إلی الطالع ورأیتُ الطالع الشرّ جلستُ ولم أذهب فیها ، وإذا رأیتُ الطالع الخیر ذهبتُ فی الحاجة ، فقال لی : تقضی ؟ قلت : نعم ، قال : أحرق کتبک(2) .

سند الروایة تام ، وتحمل علی ما ذکرنا فی الروایات السابقة مِن الإیمان بالنجوم والإتکال علیها والتوجّه إلیها فقط ، ولذا أمر الإمام علیه السلام فی هذه الحالة بإحراق کتبه فی هذا العلم حتّی یمکن تخلصه من هذه الحالة .

والظاهر من الروایة أنّ ابتلاء عبد الملک بن أعین بعلم النجوم صار فی حدٍّ یوجب

إختلال أمر معاشه وحیاته ، ولذا أمر الإمام علیه السلام بإحراق کُتبه حتّی یتمکن من التخلص من النجوم ومحاسباته والعمل علی طبقه ، وبهذا التخلص أقام مجدداً أمر معاشه وحیاته .

ومنها : خبر أبی خالد الکابلی عن علی بن الحسین علیه السلام قال فی حدیث : الذنوب التی تظلم الهواء : السحر والکهانة والإیمان بالنجوم والتکذیب بالقدر ، الحدیث(3) .

قال العلامة المجلسی فی تفسیرها : « ظلمة الهواء کنایة عن التحیّر فی الأمور أو شدّة البلیّة وظهور آثار غضب اللّه فی الجو »(4) .

أقول : سند الروایة ضعیف ، ودلالتها علی حرمة الإیمان بالنجوم فی قبال الإیمان باللّه تعالی واضحٌ ، ولا تدلّ علی حرمة علم النجوم مطلقاً .

ص:405


1- (3) الخصال 2 / 417 ح 10 ونقل عنه مختصراً فی وسائل الشیعة 17 / 142 ح 5 .
2- (4) الفقیه 2 / 267 ح 2402 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 11 / 370 ح 1 .
3- (1) معانی الأخبار 271 ح 2 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 11 / 372 ح 6 .
4- (2) بحار الأنوار 55 / 274 (22 / 396) .

ومنها : مرسلة الرضی عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال لبعض أصحابه لما عزم المسیر إلی الخوارج وقد قال له : إن سرتَ یا أمیر المؤمنین فی هذا الوقت خشیتُ ألاّ تظفر بمرادک من طریق علم النجوم ، فقال علیه السلام : أتزعم أنّک تهدی إلی الساعة التی مَنْ سار فیها صُرف عنه السوء ؟ وتُخَوِّفُ مِن الساعة التی مَنْ سار فیها حاق به الضُّرُّ ؟ فمن صدَّقک بهذا فقد کذَّب القرآن ، واستغنی عن الإستعانة باللّه فی نیل المحبوب ودفع المکروه ، وتبتغی فی قولک للعامل بأمرک أن یُولیک الحمد دون ربّه ، لأنّک _ بزعمک _ أنت هدیتَهُ إلی الساعة التی نال فیها النفع وأَمِنَ الضُّرَّ ! ! !

أیها الناس إیّاکم وتعلّم النجوم إلاّ ما یُهتدی به فی برٍّ أو بحرٍ ، فإنّها تدعو إلی الکهانة والمنجم کالکاهن والکاهن کالساحر والساحر کالکافر والکافر فی النار ، سیروا علی اسم اللّه(1) .

ورواها أبو منصور الطبرسی مرفوعاً فی الإحتجاج 1 / 240 ، وأضاف فی آخرها : سیروا علی اسم اللّه وعونه ، ومضی فظفر بمراده صلوات اللّه علیه .

وقد ورد النهی فی المرفوعة - کما تری - عن الإستغناء عن الإستعانة باللّه تعالی ، حیث علم النجوم ربّما یوجب ذلک ، فورد النهی عنه أیضاً تبعاً .

ومنها : مرفوعة أبی منصور الطبرسی عن الصادق علیه السلام فی احتجاجه علی الزنادقة

حیث سأله : فما تقول فی علم النجوم ؟ قال علیه السلام : هو علم قلّت منافعه وکثرت مضرّاته ، لأنّه لا یدفع به المقدور ولا یتقی به المحذور ، إنّ المنجم بالبلاء لم ینجه التحرز من القضاء ، إن أخبر هو بخیر لم یستطع تعجیله ، وإن حدث به سوء لم یمکنه صرفه ، والمنجم یضادّ اللّه فی علمه ، بزعمه أن یردّ قضاء اللّه عن خلقه(2) .

ومنها : مرفوعة الفاضلان والشهید الثانی عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أنّه قال : مَنْ صدّق کاهناً أو منجماً فهو کافر بما اُنزل علی محمد صلی الله علیه و آله وسلم (3) .

ص:406


1- (3) نهج البلاغة . الخطبة 79 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 11 / 373 ح 8 .
2- (1) الاحتجاج 2 / 384 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 143 ح 10 .
3- (2) المعتبر 2 / 688 وتذکرة الفقهاء 6 / 137 ومسالک الأفهام 2 / 53 ونقل عنهم فی وسائل الشیعة 17/144 ح 11 .

تلک عشرة کاملة من الروایات الواردة فی النهی عن تعلّم النجوم والنظر فیها ، وأنتَ تری أنّ مصب النهی فیها هو الإیمان بالنجوم والإتکال علیها فی قبال الإیمان باللّه والإتکال علیه تعالی ، وهذا الإیمان والإتکال غیر نفس علم النجوم ، العلم شیءٌ والإیمان بشیءٍ والإتکال علیه شیءٌ آخرٌ .

مضافاً إلی ورود الطائفة الثانیة من الروایات - أعنی الروایات المجوِّزة فی المقام - وهی کثیرة نذکر لک بعضها :

الطائفة الثانیة : الروایات المجوِّزة

ورد الترخیص بالنسبة إلی علم النجوم والنظر فیه وتعلّمه ومحاسباته فی عدّة من الروایات :

منها : خبر عبد الرحمن بن سیابة قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت لک الفداء إنّ الناس یقولون : إنّ النجوم لا یحلّ النظر فیها وهی تعجبنی فإن کانت تضرُّ بدینی فلا حاجة لی فی شیءٍ یضرُّ بدینی ، وإن کانت لا تضرُّ بدینی فو اللّه إنی لاشتهیها وأشتهی النظر فیها ؟ فقال : لیس کما یقولون ، لا تضرّ بدینک . ثم قال : إنّکم تنظرون فی شیءٍ منها کثیره لا یدرک وقلیله لا ینتفع به ، تحسبون علی طالع القمر . ثم قال : أتدری کم بین المشتری والزهرة من دقیقة ؟ قلت : لا واللّه ، قال : أفتدری کم بین الزهرة وبین القمر من دقیقة ؟ قلت : لا ، قال : أفتدری کم بین الشمس وبین السنبلة وبین اللوح المحفوظ من دقیقة ؟ قلت : لا واللّه ما سمعته من منجم قطّ ، قال : ما بین کلّ واحد منهما إلی صاحبه ستون أو سبعون دقیقة ، شک عبد الرحمن .

ثم قال : یا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقع علیه عرف القصبة التی وسط الأجمة وعدد ما عن یمینها وعدد ما عن یسارها وعدد ما خلفها وعدد ما أمامها حتّی لا یخفی علیه من قصب الأجمة واحدة(1) .

رجال السند کلّهم ثقات إلاّ الحسن بن أسباط ، فإنّه إمامیٌّ مجهولٌ ، فالسند به ضعیف . ولکن دلالتها علی جواز النظر فی علم النجوم واضحة ، وهکذا فی عدم إفادته ناقصاً شیئاً .

ص:407


1- (1) الکافی 8 / 195 ح 233 ونقل عنه مختصراً فی وسائل الشیعة 17 / 141 ح 1 .

ومنها : خبر معلی بن خنیس قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن النجوم أحقٌّ هی ؟ فقال : نعم ، إنّ اللّه عزّ وجل بعث المشتری إلی الأرض فی صورة رجل فأخذ رجلاً من العجم فعلّمه النجوم حتّی ظنَّ أنّه قد بلغ ، ثم قال له : أنظر أین المشتری ؟ فقال ما أراه فی الفلک وما أدری أین هو ؟ قال : فنحّاه وأخذ بید رجل من الهند فعلّمه حتّی ظنّ أنّه قد بلغ وقال : أنظر إلی المشتری أین هو ؟ فقال : إنّ حسابی لیدلّ علی أنّک أنت المشتری ، قال : وشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناک(1) .

الروایة ضعیفة الإسناد ودلالتها علی الجواز واضحة ، والعجب من المجلسی قدس سره حیث یقول فی ذیل الروایة : « قوله « أحقّ هی ؟ فقال : نعم» یدل علی أن النجوم علامات للکائنات یعرفها أهلها ، ولا یدل علی أنّه یجوز تعلیمه وتعلّمه واستخراج الأحکام منه لسائر الخلق »(2) .

ومنها : فی الصحیح عن جمیل بن صالح عمّن أخبره عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : سئل عن النجوم ؟ قال : ما یعلمها إلاّ أهل بیت من العرب وأهل بیت من الهند(3) .

ومنها : خبر هشام الخفّاف قال : قال لی أبو عبد اللّه علیه السلام : کیف بصرک بالنجوم ؟ قال : قلت : ما خلّفت بالعراق أبصر بالنجوم منّی ، فقال : کیف دوران الفلک عندکم ؟ قال : فأخذت قلنسوتی عن رأسی فأدرتها ، قال : فقال : إن کان الأمر علی ما تقول فما بال بنات النعش و الجدیّ والفرقدین لا یرون یدورون یوماً من الدهر فی القبلة ؟ قال : قلت : هذا واللّه شیٌ لا أعرفه ولا سمعت أحداً من أهل الحساب یذکره ، فقال لی : کم السکینة من الزهرة جزءاً فی ضوئها ؟ قال : قلت : هذا واللّه نجم ما سمعت به ولا سمعت أحداً من الناس یذکره ، فقال : سبحان اللّه فأسقطتم نجماً بأسره ، فعلی ما تحسبون ؟ ! ثم قال : فکم الزهرة من القمر جزءاً فی ضوئه ؟ قال : قلت : هذا شیءٌ لا یعلمه إلاّ اللّه عزّ وجل .

قال : فکم القمر جُزءاً من الشمس فی ضوئها ؟ قال : قلت : ما أعرف هذا . قال : صدقت .

ص:408


1- (2) الکافی 8 / 330 ح 507 ونقل عنه مختصراً فی وسائل الشیعة 17 / 142 ح 3 .
2- (3) مرآة العقول 26 / 457 .
3- (4) الکافی 8 / 330 ح 508 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 17 / 142 ح 4 .

ثم قال : ما بال العسکرین یلتقیان فی هذا حاسب وفی هذا حاسب فیحسب هذا لصاحبه بالظفر ویحسب هذا لصاحبه بالظفر ، ثم یلتقیان فیهزم أحدهما الآخر ، فأین کانت النحوس ؟ قال : قلت : لا واللّه ما أعلم ذلک . قال : فقال : صدقت إنّ أصل الحساب حقٌّ ولکن لا یعلم ذلک إلاّ مَنْ علم موالید الخلق کلّهم(1) .

الروایة ضعیفة الإسناد ، وتدلّ علی حقیّة علم النجوم ، کما اعترف بذلک العلاّمة المجلسی قدس سره القدوسی فی کتابیه بحار الأنوار(2) ومرآة العقول(3) .

ومنها : صحیحة أبی بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام : أنّ آزر أبا إبراهیم علیه السلام کان منجماً لنمرود ولم یکن یصدر إلاّ عن أمره ، فنظر لیلة فی النجوم فأصبح وهو یقول لنمرود : لقد رأیتُ عجباً ، قال : وما هو ؟ قال : رأیت مولوداً یولد فی أرضنا یکون هلاکنا علی یدیه ولا یلبث إلاّ قلیلاً حتّی یُحمل به . قال : فتعجب من ذلک وقال : هل حملت به النساء ؟ قال : لا ، قال : فحجب النساء من الرجال فلم یدع امرأة إلاّ جعلها فی المدینة لا یخلص إلیها ووقع آزر بأهله فعلقت بابراهیم علیه السلام ، الحدیث(4) .

سند الروایة صحیح ودلالتها علی حقیّة علم النجوم واضحة ، کما اعترف به العلامة المجلسی قدس سره وقال فی ذیل الروایة : « ولقد علمت أنّه یدلّ علی کون النجوم علامات للکائنات »(5) . ولکن المشکلة فی الروایة انتساب النبی إبراهیم علیه السلام إلی آزر ، مع أنَّ والدَه تارخٌ وآزر کان عمّاً مربیّاً له . ومع ذلک کلّه هذا لا یضرّ بالروایة وبما استفدنا منها من حقیّة علم النجوم وجواز النظر إلیها .

قال ابن طاوس بعد نقل الروایة : « ورویتُ هذا الحدیث عن إبراهیم الخزاز عن أبی

ص:409


1- (1) الکافی 8 / 351 ح 549 ونقل عنه مختصراً فی وسائل الشیعة 17 / 141 ح 2 .
2- (2) بحار الأنوار 55 / 244 (22 / 376) .
3- (3) مرآة العقول 26 / 516 .
4- (4) الکافی 8 / 366 ح 558 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 248 ح 28 (22 / 378) .
5- (5) مرآة العقول 26 / 550 .

بصیر عن أبی عبد اللّه علیه السلام من أصل قُرِئ علی هارون بن موسی التلعکبری رحمه الله ، وقد روی هذا الحدیث علی بن إبراهیم فی کتاب تفسیر القرآن(1) بأبسط من هذه الروایة ، ورواه أیضاً أبو جعفر محمد بن جریر الطبری فی الجزء الأوّل من تاریخه(2) ورواه ، أیضاً سعید بن هبة اللّه الراوندی فی کتاب قصص الأنبیاء(3) ، ورواه الثعلبی فی تفسیره(4) وغیره من العلماء »(5) .

ومنها : الصحیح عن علی بن أسباط الثقة عمّن رواه عن أبی عبد اللّه علیه السلام قال : کان بینی وبین رجل قسمة أرض ، وکان الرجل صاحب نجوم ، وکان یتوخّی ساعة السعود فیخرج فیها وأخرج أنا فی ساعة النحوس ، فاقتسمنا فخرج لی خیر القسمین ، فضرب الرجل یده الیمنی علی الیسری ثمّ قال : ما رأیت کالیوم قطّ ، قلت : ویل الآخر وما ذاک ؟ قال : إنّی صاحب نجوم أخرجتک فی ساعة النحوس وخرجت أنا فی ساعة السعود ثمّ قسمنا فخرج لک خیر القسمین ، فقلت : ألا اُحدّثک بحدیث حدّثنی به أبی ، قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : من سرّه أن یدفع اللّه عنه نحس یومه فلیفتتح یومه بصدقة یذهب اللّه بها عنه نحس یومه ، ومن أحبّ أن یذهب اللّه عنه نحس لیلته فلیفتتح لیلته بصدقة یدفع اللّه عنه نحس لیلته ، فقلت : وإنّی افتتحت خروجی بصدقة ، فهذا خیر لک من علم النجوم(6) .

رواها محمد بن محمد بن الأشعث فی الجعفریات / 56 والقاضی النعمان المصری فی دعائم الاسلام 2 / 332 والسید فضل اللّه الراوندی فی النوادر / 228 ح 466 والقطب الراوندی فی الدعوات / 112 ح 251 .

یتوخّی : أی یتحراه ویطلبه ، وحیث لم ینه الإمام علیه السلام عن النظر فی النجوم فتقریره یدلّ علی جواز النظر فی علم النجوم وجواز العمل علی طبق حساباته .

ص:410


1- (1) تفسیر القمی 1 / 206 .
2- (2) تاریخ الطبری 1 / 144 .
3- (3) قصص الأنبیاء / 103 .
4- (4) الکشف والبیان 4 / 162 .
5- (5) فرج المهموم / 25 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 238 _ (22 / 372) .
6- (6) الکافی 4 / 6 ح 9 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 273 ح 64 (22 / 396) .

ومنها : صحیحة ابن أبی عمیر أنّه قال : کنت أنظر فی النجوم وأعرفها وأعرف الطالع

فیدخلنی من ذلک شیءٌ ، فشکوت ذلک إلی أبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام فقال : إذا وقع فی نفسک شیءٌ فتصدَّق علی أوّل مسکین ثمّ امض ، فإنّ اللّه عزّ وجل یدفع عنک(1) .

سند الروایة صحیح ، ولم ینهه الإمام علیه السلام عن النظر فی النجوم وحساباته بل هداه إلی کیفیة تخلّصه ممّا وقع فی نفسه بالصدقة علی أوّل مسکین رآه . وهذه الروایة تدلّ علی جواز النظر فی النجوم ، بل العمل علی طبق محاسباتها .

ورویها فی المحاسن 2 / 86 ح 1228 بسند صحیح عن سفیان بن عمر عن أبی عبداللّه علیه السلام ، والرجل مهمل فسند المحاسن ضعیف .

ومنها : خبر أبان بن تغلب قال : کنت عند أبی عبد اللّه علیه السلام إذ دخل علیه رجل من أهل الیمن فسلّم علیه ، فردّ علیه السلام وقال له : مرحباً بک یا سعد ، فقال له الرجل : بهذا الإسم سمّتنی اُمّی وما أقلّ من یعرفنی به ، فقال له أبو عبد اللّه علیه السلام : صدقت یا سعد المولی ، فقال الرجل : جعلت فداک بهذا کنت ألّقب ، فقال له أبوعبداللّه علیه السلام : لا خیر فی اللقب ، إنّ اللّه تبارک وتعالی یقول فی کتابه : «وَلاَ تَنَابَزُوا بِالاْءَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الاْءِیمَانِ»(2) ، وما صناعتک یا سعد ؟ فقال : جعلت فداک أنا من أهل بیت ننظر فی النجوم لا نقول : إنّ بالیمن أحداً أعلم بالنجوم منّا ، فقال له أبو عبد اللّه علیه السلام : فأسألک ؟ فقال الیمانی : سل عما أحببت من النجوم فإنی اُجیبک عن ذلک بعلمٍ . ثمّ سأله أبو عبد اللّه علیه السلام عن مسائل فی جواب کلّ ذلک یقول المنجم الیمانی : لا أدری ، ثمّ قال علیه السلام : یا أخا الیمن عندکم علماء ؟ فقال الیمانی : نعم ، جعلت فداک إنّ بالیمن قوماً لیسوا کأحد من الناس فی علمهم ، فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : وما یبلغ من علم عالمهم ؟ فقال له الیمانی : إنّ عالمهم لیزجر الطیر ویقفو الأثر فی الساعة الواحدة مسیرة شهر للراکب المجدّ . فقال أبو عبد اللّه علیه السلام : فإن عالم المدینة أعلم من عالم الیمن ، فقال الیمانی : وما بلغ من علم عالم المدینة ؟ فقال أبوعبد اللّه علیه السلام : علم عالم المدینة ینتهی إلی حیث لا یقفو

ص:411


1- (1) الفقیه 2 / 269 ح 2406 ونقل عنه فی وسائل الشیعة 11 / 376 ح 3 .
2- (2) سورة الحجرات / 11 .

الأثر ویزجر الطیر ویعلم ما فی اللحظة الواحدة مسیرة الشمس تقطع إثنی عشر بروجاً وإثنی عشر برّاً وإثنی عشر بحراً وإثنی عشر عالَماً . قال : فقال له الیمانی : جعلت فداک ما ظننت أنّ أحداً یعلم هذا أو یدری کنهه ، قال : ثمّ قام الیمانی فخرج(1) .

سند الروایة ضعیف ، ولکن حیث لم ینه الإمام علیه السلام الیمانی عن النجوم تدلّ علی جواز النظر فیها .

ومنها : مرسلة أبی بصیر قال : رأیت رجلاً یسأل أبا عبد اللّه علیه السلام عن النجوم ، فلمّا خرج من عنده قلت له : هذا علم له أصل ؟ قال : نعم ، قلت : حدّثنی عنه ، قال : اُحدثک عنه بالسعد ولا اُحدثک بالنحس ، الحدیث(2) .

و منها : ما رواه ابن طاوس بإسناده عن معاویة بن حکیم عن محمد بن زیاد عن محمد بن یحیی الخثعمی قال : سألت أبا عبد اللّه علیه السلام عن النجوم حقّ هی ؟ قال لی : نعم ، فقلت له : وفی الأرض من یعلمها ؟ قال : نعم ، وفی الأرض من یعلمها(3) .

ومنها : ما رواه ابن طاوس عن أصل عتیق اسمه کتاب التجمّل عن محمد وهارون ابنی أبی سهل وکتبا إلی أبی عبد اللّه علیه السلام : إنّ أبانا وجدّنا کانا ینظران فی النجوم ، فهل یحلّ النظر فیها ؟ فکتب : نعم(4) .

ومنها : ما رواه ابن طاوس أیضاً عن کتاب التجمّل أنّهما کتبا إلی أبی عبد اللّه علیه السلام : نحن ولد بنی نوبخت المنجم ، وقد کنّا کتبنا إلیک هل یحلّ النظر فیها ؟ فکتبت : نعم ، والمنجمون یختلفون فی صفة الفلک فبعضهم یقول : إنّ الفلک فیه النجوم والشمس والقمر معلَّق بالسماء

ص:412


1- (3) الخصال 2 / 489 ح 68 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 269 ح 58 (22 / 393) .
2- (1) المناقب 4 / 265 ونقل عنه فی مستدرک الوسائل 8 / 124 ح 4 الباب 11 من أبواب آداب السفر إلی الحج وغیره .
3- (2) فرج المهموم / 91 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 249 ح 30 (22 / 379) ومستدرک الوسائل 13 / 100 ح 3 .
4- (3) فرج المهموم / 100 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 250 ح 35 (22 / 380) ومستدرک الوسائل 13 / 102 ح 7 .

وهو دون السماء ، وهو الذی یدور بالنجوم والشمس والقمر والسماء فإنّها لا تتحرّک ولا تدور ، ویقولون : دوران الفلک تحت الأرض ، وإنّ الشمس تدور مع الفلک تحت الأرض ، فتغیب فی المغرب تحت الأرض وتطلع بالغداة من المشرق . فکتب علیه السلام : نعم یحلّ ما لم یخرج من التوحید(1) .

ومنها : قال ابن طاوس : رویتُ بعدّة طرق إلی یونس بن عبد الرحمن فی جامعه

الصغیر بإسناده قال : قلت لأبی عبد اللّه علیه السلام : جعلت فداک أخبرنی عن علوم النجوم ما هی ؟ فقال : هو علم من علم الأنبیاء . قال : فقلت : کان علی بن أبی طالب علیه السلام خبیراً بعلمه ؟ فقال : کان أعلم الناس به(2) .

ومنها : ما رواه أبو منصور الطبرسی مرفوعاً عن سعید بن جبیر قال : استقبل أمیر المؤمنین علیه السلام دهقان من دهاقین الفرس ، فقال له _ بعد التهنئة _ : یا أمیرالمؤمنین تناحست النجوم الطالعات وتناحست السعود بالنحوس ، وإذا کان مثل هذا الیوم وجب علی الحکیم الإختفاء ، ویومک هذا صعب قد اتصلت فیه کوکبان وانقدح من برجک النیران ولیس لک الحرب بمکان ، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : ویحک یا دهقان المنبیء بآثار والمحذّر من الأقدار ، ما قصة صاحب المیزان وقصة صاحب السرطان ؟ وکم المطالع من الأسد والساعات فی المحرکات ؟ وکم بین السراری والذراری ؟ قال : سأنظر . وأومی بیده إلی کمه وأخرج منه اصطرلاباً ینظر فیه .

فتبسّم علی علیه السلام وقال : أتدری ما حدث البارحة ؟ وقع بیت بالصین ، وانفرج برج ماجین ، وسقط سور سرندیب ، وانهزم بِطْریق الروم بأرمینیة ، وفقد دیّان الیهود بأبلة ، وهاج النمل بوادی النمل ، وهلک ملک أفریقیة ، أکنت عالماً بهذا ؟

قال : لا یا أمیر المؤمنین . فقال علیه السلام : البارحة سعد سبعون ألف عالَم وولد فی کل عام سبعون ألفاً ، واللیلة یموت مثلهم وهذا منهم _ وأومی بیده إلی سعد بن مسعدة الحارثی _ لعنه

ص:413


1- (4) فرج المهموم / 100 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 250 ح 36 (22 / 380) ومستدرک الوسائل 13 / 102 ح 8 .
2- (1) فرج المهموم / 2 و 24 و نقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 235 ح 35 (22 / 370) .

اللّه _ وکان جاسوساً للخوارج فی عسکر أمیر المؤمنین علیه السلام ، فظنّ الملعون أنّه یقول خذوه فأخذ بنفسه فمات فخر الدهقان ساجداً .

فقال له أمیر المؤمنین : ألم أُرْوِک من عین التوفیق ؟ قال : بلی یا أمیر المؤمنین . فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : أنا وأصحابی لا شرقیون ولا غربیون ، نحن ناشئة القطب وأعلام الفلک ، وأما قولک « انقدح من برجک النیران » فکان الواجب علیک أن تحکم لی به لا علیَّ ، أمّا نوره وضیاؤه فعندی ، وأما حریقه ولهبه فذاهب عنّی ، وهذه مسألة عمیقةٌ إحسبها إن کنت حاسباً(1) .

وجه الاستدلال بهذه المرفوعة تصحیح أمیر المؤمنین علیه السلام حسابات المنجم

وتقریره علیه السلام فی أصل النجوم ، حیث لم ینهه ولم یردعه عن النجوم .

فهذه أربع عشرة روایة تدلّ علی جواز النظر فی علم النجوم فی الجملة ، وإن أردت أکثر من هذا فعلیک بمراجعة کتاب فرج المهموم بمعرفة علم النجوم تصنیف السید الجلیل ابن طاوس الحسنی قدس سره ، قد أکثر النقل عنه العلامة المجلسی فی باب علم النجوم والعمل به وحال المنجمین فی بحار الأنوار 55 / 217 (22 / 359) وروی فیه أکثر من ثمانین روایة ، فراجعه إن شئت .

وبالجملة ، حیث حملنا الروایات الناهیة إلی الإیمان بالنجوم والإستعانة بها والإتّکال علیها فی أعمال الإنسان ونشاطاته فی قبال الإیمان باللّه تعالی والإستعانة به والإتّکال علیه ، وبعد ورود الروایات المجوِّزة الماضیة فلابدّ من القول بالجواز فی علم النجوم وتعلیمه وتعلّمه وحساباته والإخبار به علی الأمور الآتیة بنحو الجزم إن استند إلی برهان أو دلیل قطعی وإلاّ بنحو الظن إن استند إلی أمارات تدلّ علیه . وهکذا یجوز ترتیب الأثر العملی علی وفقه وطبقه ، ولکن مع کمال التوجّه والتنبّه إلی اللّه تعالی والإیمان بأنّ النجوم مسخرات لأمره ، وأنّ الأمور کلَّها بید اللّه تعالی ، فیجب علی العبد الإیمان به والإستعانة منه والتوکّل علیه تعالی ، و الإعتقاد بأنه لم یقع فی العالَم شیءٌ إلاّ بعد تعلّق إرادة اللّه به وأمره کن فیکون . وهذا تمام الکلام فی علم النجوم والحمد للّه ربّ النجوم والسماوات والأرضین والعالمین .

ص:414


1- (2) الاحتجاج 1 / 239 ونقل عنه فی بحار الأنوار 55 / 221 ح 2 (22 / 361) .

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.