تنقیح مبانی الاحکام: کتاب القصاص شرایع الاسلام المجلد 3

اشارة

سرشناسه : تبریزی، جواد، 1305 - 1385.

عنوان و نام پدیدآور : تنقیح مبانی الاحکام: کتاب القصاص شرایع الاسلام/ تالیف جواد التبریزی.

مشخصات نشر : قم: دار الصدیقه الشهید (سلام الله علیها)، 1429ق.= 1387.

مشخصات ظاهری : 330 ص.

فروست : الموسوعه الفقهیه للمیرزا التبریزی (قدس سره)؛ 3.

شابک : 978-964-8438-29-1

یادداشت : عربی.

یادداشت : چاپ سوم.

یادداشت : کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع : قصاص (فقه)

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

رده بندی کنگره : BP195/7/ت2ت9 1387

رده بندی دیویی : 297/375

شماره کتابشناسی ملی : 1512978

ص :1

اشارة

ص :2

المَوسُوعَةُ الفِقهیّةُ للمِیرزَا التَّبریزیّ قدس سِرهُ

تَنقِیحُ مَبانی الاحکامِ

کتابُ القصَاص

شرایع الاسلام

ص :3

بسم اللّه الرحمن الرحیم

وصلّی اللّه علی محمد وآله الطاهرین

إنّ علم الفقه هو العلم المرتبط ارتباطاً وثیقاً بحیاة الفرد واستقرار المجتمع، فهو العلم الذی یعتمّ بتنظیم علاقة الإنسان بربّه من خلال أحکام العبادات وهو الدخیل فی حفظ صحة الإنسان وسلامة بدنه من خلال أحکام الأطعمة والأشربة وأحکام الطهارة والنجاسة، وهو الکفیل أیضاً بتنظیم العلاقة الإنسان بمجتمعه من خلال أحکام النکاح، وبیان حقوق الزوج والزوجة ولأولاد، وهو العلم المتکفل بتأمین حیاة المجتمع واستقراره من خلال أحکام القضاء والحدود والدیات، ومن أهم هذه الأبواب باب القصاص الذی عبّر عنه الذکر الحکیم بقوله: «ولکم فی القصاص حیاة یا أولی الأباب» لما له من الدخل الواضح فی حیاة النوع الإنسانی بسدّ أبواب الجریمة ومحو الظلم والاعتداء.

ونظراً لأهمیة هذا الباب فقد بحثنا فیه واستوعبنا مسائله وأحکامه لمدة سنین فی الحوزة المبارکة فی قم المشرّفة، وهذه خلاصة تلک المباحث، نسأل اللّه تعالی أن ینفع بها طلاب الحوزات العلیمة وفضلائها، وأن یتقبّله منّا بأحسن القبول، إنّه سمیع الدعاء قریبٌ مجیبٌ.

ص :4

ص :5

وهو قسمان[1]:

القسم الأول: فی قصاص النفس

الفصل الأول: فی الموجب

والنظر فیه یستدعی فصولاً:

الفصل الأول

فی الموجب

وهو ازهاق النفس المعصومة المکافئة عمداً عدواناً، ویتحقق العمد بقصد البالغ العاقل إلی القتل، بما یقتل غالباً. ولو قصد القتل بما یقتل نادراً، فاتفق القتل، فالأشبه القصاص، وهل یتحقق مع القصد إلی الفعل الذی یحصل به الموت، وإن لم یکن قاتلاً فی الغالب، إذا لم یقصد به القتل، کما لو ضربه بحصاة أو عود خفیف؟ فیه روایتان، أشهرهما أنه لیس بعمد یوجب القود.

الشَرح:

[1] القسم الأول من مباحث القصاص یرجع إلی مباحث قصاص النفس.

والقسم الثانی إلی مباحث قصاص الطرف.

وقد جعل الماتن قدس سره للمباحث الراجعة إلی قصاص النفس فصولاً وتعرّض فی کل فصل لجانب من جوانبه وتعرّض فی الفصل الأول لموجب القصاص، یعنی

ص :6

.··· . ··· .

الشَرح:

الموضوع لجواز القصاص الذی یأتی أن جوازه حقّی، فیکون لولیّ القصاص إسقاطه مع العوض أو بلا عوض، وحیث أن حرمة قتل إنسان لا یلازم ثبوت حق القصاص کما فی القتل الحرّ عبداً أو المسلم کافراً ذمیّاً أو الأب ابنه، ذکروا فی تحدید الموضوع للقصاص أنه إزهاق النفس المعصومة المکافئة عمداً عدواناً. والمراد أنّ الموضوع لثبوت حقّ القصاص القتل الخاص و هو ان یقتل شخصاً تکون لدمه حرمةٌ حرمة دم قاتله وأن یقع القتلْ مع التعمّد فیه وبقصد العدوان علیه بأن یکون ظلماً لا قصاصاً أو دفاعاً.

وما یدلّ علی اعتبار هذه القیود فی ثبوت القصاص یأتی فی ضمن مباحث شروط القصاص.

والقیدان الأولان _ أی المعصومة المکافئة _ راجعان إلی النفس، والأخیران _ أی عمداً وعدواناً _ راجعان إلی الإزهاق.

ویخرج بقید العمد، القتل الصادر عن المجنون والصبی، لأنّ عمدهما خطأ علی ما یأتی.

ثم إنّ القتل عمداً کما ذکر وإن کان موضوعاً لجواز القصاص فی مقابل القتل خطأً محضاً والقتل خطأً شبیه العمد، فإنّ الثانی موضوع للدیّة علی العاقلة، والثالث موضوع للدیّة علی القاتل إلا أنه یقع الکلام فی بعض الموارد فی القتل فی أنه من القتل عمداً الموضوع للقصاص أم لا؟ فإنه لا خلاف فی تحقّقه فیما إذا قصد القتل بفعل یکون قاتلاً عادةً، أی غالباً ونظیره ما إذا قصد نفس الفعل الذی یکون قاتلاً غالباً وإن لم یکن الداعی إلی ذلک الفعل قصد القتل، کما إذا ضرب علی رأسه بحدیدة وإن لم یکن

ص :7

.··· . ··· .

الشَرح:

الداعی إلی الضرب المزبور قصد قتله، والوجه فی کونه من القتل عمداً انّ قصد ما یکون قاتلاً کذلک من قصد القتل تبعاً.

ویدلّ علی کون القتل بما یکون قاتلاً نوعاً یحسب عمداً وإن لم یکن فاعله قاصداً القتل موثّقة أبی العباس وزراة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ العمد أن یتعمّده فیقتله بما یقتل مثله، والخطأ أن یتعمّده ولا یرید قتله، یقتله بما لا یقتل مثله، والخطأ الذی لا شک فیه أن یتعمد شیئاً آخر فیصیبه»(1).

ومعتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «جمیع الحدید هو عمد»(2).

وفی صحیحة الفضل بن عبدالملک عن أبی عبداللّه علیه السلام أنه قال: «إذا ضرب الرجل بالحدیدة فذلک العمد. قال: وسألته عن الخطأ الذی فیه الدیة والکفّارة أهو أن یضرب الرجل فلا یتعمّد قتله؟ قال: نعم. قلت: فإذا رمی شیئاً فأصاب رجلاً؟ قال: ذلک الخطأ الذی لا یشک فیه، وعلیه کفّارة ودیة»(3).

والظاهر أنه یدخل فی القتل عمداً ما إذا قصد القتل بفعل یغلب علیه عدم ترتّب القتل بأن یکون الداعی إلی ذلک الفعل قصد قتله کما إذا ضربه بالعصا ولم یرفع حتی مات فإنّ الضرب المزبور وإن لا یترتب علیه القتل نوعاً یعنی غالباً، إلاّ أنه حیث کان داعیه إلیه قصد قتله یکون القتل الواقع عمدیاً وإن ناقش فی کونه عمداً بعض

ص :8


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 13:21.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 14: 27.
3- (3) من لایحضره الفقیه: ج 4، باب القود ومبلغ الدیة، الحدیث 5195، الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9.

.··· . ··· .

الشَرح:

الأصحاب علی ما قیل.

والوجه فی کونه قتلاً عمدیاً هو أنّ الفعل العمدی ما صدر عن الفاعل بالقصد والمفروض وقوع الفعل وکون الضارب قاصداً له. ویشهد لذلک صحیحة الحلبی، قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام : «العمد کلّ ما اعتمد شیئاً فأصاب بحدیدة، أو بحجر أو بعصا أو بوکزة، فهذا کلّه عمد»(1).

وفی صحیحة الحلبی وأبی الصباح الکنانی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعضاً فلم یقلع عنه الضرب حتی مات، أیدفع إلی ولیّ المقتول فیقتله؟ قال: نعم، ولکن لا یترک یعبث فیه ولکن یجیز علیه بالسیف»(2).

ولو فرض إطلاق هذه بالإضافة إلی الضرب بالعصا بقصد القتل أو عدمه فیحمل علی صورة قصد القتل بما تقدم فی صحیحة الفضل بن عبدالملک من قوله: (وسألته عن الخطأ الذی فیه الدیة والکفّارة أهو أن یتعمد . . . ).

ومما ذکرنا یظهر أنّه لا یحسب القتل عمداً ما إذا قصد الفعل الذی لا یکون قاتلاً غالباً ولم یکن الداعی له إلی الفعل المزبور قصد قتله ولکن اتفق الموت کما لو ضرب رجلاً بعصا وعود خفیفین علی رأسه بمرّات فاتفق موته به من غیر أن یکون قاصداً قتله، حیث ذکر علیه السلام فی موثّقة أبی العباس وزرارة «والخطأ أن یتعمّده ولا یرید قتله، یقتله بما لا یقتل مثله»(3).

ص :9


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 24.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 24.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 13: 27.

.··· . ··· .

الشَرح:

وفی موثقة أخری لأبی العباس البقباق عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قلت له: أرمی الرجل بالشیء الذی لا یقتل مثله؟ قال هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغیرة فرمی بها، قلت: أرمی الشّاة فأصیب رجلاً؟ قال: هذا الخطأ الذی لا شکّ فیه والعمد الذی یضرب بالشیء الذی یقتله بمثله»(1).

ثم لو فرض الاطلاق فی بعض الروایات الدالة علی کون القتل عمداً فیما لو قصد الفعل الذی لا یقتل غالباً ولو مع عدم قصد القتل، یرفع الید عن الاطلاق بالتقیید بقصد الفعل فی الوثّقة الأولی والتصریح بکونه خطأً فی الموثّقة الثانیة کما أشرنا إلی ذلک فی روایات الضرب بالعصا وأنه لم یقلع الضرب حتّی مات المضروب.

وأمّا صحیحة عبدالرحمن بن الحجّاج الوارد فیها (انّ من عندنا لیقیدون بالوکزة وإنما الخطأ أن یرید الشیء فیصیب غیره»(2)، فلا تنافی ما ذکرنا، لأنّ المفروض فی صدرها وقوع الفعل بقصد القتل والقتل بالوکزة مع قصده عمد کما تقدّم.

وقد تحصّل من جمیع ما ذکرنا أنه إن قصد القتل بفعله وترتّب علیه القتل فهو تعمد فی القتل، بلا فرق بین کون ذلک الفعل مما یترتب علیه القتل نوعاً أم لا، بأن یکون ترتّب القتل علیه نادراً أو أمراً محتملاً یساوی احتمال عدم ترتّبه.

وکذا یحسب القتل تعمدیاً فیما إذا أراد الفعل دون القتل ولکن کان الفعل مما یترتب علیه القتل نوعاً.

وأما إذا لم یکن الفعل مما یترتّب علیه القتل نوعاً ولم یکن قاصداً إلی القتل بل

ص :10


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 11: 26.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 24.

المباشرة فیی القتل

ثم العمد قد یحصل بالمباشرة وقد یحصل بالتسبیت، أمّا المباشرة فکالذبح والخنق، وسقی السم القاتل والضرب بالسیف والسکین والمثقل والحجر الغامز والجرح فی المقتل ولو بغرز الابرة[1].

الشَرح:

المقصود کان نفس الفعل فاتفق الموت یحسب القتل شبه العمد وأما إذا لم یقصد الفعل ولا القتل بمن وقع علیه الفعل أصلاً أو قصدهما أو قصد أحدهما بشیء فوقع علی غیره فقتل فهذا خطأ محض فی الثانی بلا کلام، وفی الأول أیضاً، علی إشکال یأتی التعرّض له.

[1] ثم إنه یذکر فی کلمات الأصحاب أنّ التعمد فی القتل تارةً یحصل بالمباشرة، وأخری بالتسبیب، ویذکرون للتعمّد فی التسبیب مراتب:

المرتبة الأولی: انفراد الجانی بالتسبیب المتلف.

والمرتبة الثانیة: أن ینضمّ إلیه فعل المجنی علیه.

والمرتبة الثالثة: أن ینضم إلیه مباشرة حیوان.

والمرتبة: الرابعة: ما ینضم إلیه مباشرة إنسان آخر، والمراد من مباشرة حیوان أو إنسان آخر فعلهما.

والتأمل فی کلماتهم فی التفرقة بین التعمّد الحاصل بالمباشرة والتعمّد الحاصل بالتسبیب بالمرتبة الأولی هو أنّه إذا لم یتوسّط بین زهوق الروح وفعل الجانی شیء یصحّ معه إسناد القتل أیضاً، بأن کان فعل الجانی من السبب الأخیر، والعلّة التامّة للموت عرفاً وإن کان فعله بالآلة، فهو من التعمّد الحاصل بالمباشرة کما إذا قتله بذبحه أو خنقه بیده أو سقی السم القاتل بإیجاره فی حلقه وضربه بالسیف فی عنقه أو السکین أو المثقل والحجر، أو جرحه فی موضع یقتل بجرحه فیه أو بغرزة الابرة فیه، بخلاف

ص :11

مراتب التسبیب

المرتبة الأولی: انفراد الجانی بالتسبیب المتلف

وأمّا التسبیب فله مراتب:

المرتبة الأولی: انفراد الجانی بالتسبیب المتلف وفیه صور:

(الأولی): لو رماه بسهم فقتله، قتل به[1]، لأنه مما یقصد به القتل غالباً، وکذا لو رماه بحجر المنجنیق. وکذا لو خنقه بحبل ولم یرخ عنه حتّی مات، أو أرسله منقطع النفس أو ضمناً حتّی مات.

الشَرح:

التسبیب فإنّه یتوسط بین فعل الجانی وزهوق روحه ما یصح إسناد القتل إلیه کما إذا رماه بسهم فی قلبه فمات، حیث یصحّ أن یقال قتله السهم أو رماه بحجر المنجنیق حیث یقال: إنّ حجره قتله.

ولکن فی بعض الأمثلة التی ذکروها للتعمّد بالتسبیب تأمّل، کما لو خنقه بحبل لم یرخ عنه حتّی مات فإنه لا فرق بینه وبین الخنق بیدیه أو ذبحه بالسکین أو غیره.

وعلی کلّ تقدیر، فالتفرقة بین التعمد الحاصل بالمباشرة أو بالتسبیب بالمرتبة الأولی غیر مهمّ فی المقام، لأنّ الموضوع للقصاص قتل النفس المحترمة المکافئة عمداً وعدواناً سواء کان ذلک القتل بالمباشرة أو بالتسبیب کما أنّ الموضوع للدیة هو القتل خطأً ویکون القتل خطأً فی القتل بالمباشرة کما إذا رأی فی الظملة شیئاً فاعتقد أنه سبع فقدّه نصفین بالسیف ثم بان أنه کان إنساناً محقون الدم.

وعلی کلّ، نتعرض فی المقام لصور القتل بالتسبیب بمراتبه الأربع والصور التی ذکرها الماتن قدس سره لکلّ منها.

[1] لا کلام فی حصول القتل عمداً فیما إذا رماه بسهم یرید قتله فإنّ القتل بما لا یقتل مثله مع قصد القتل یوجب القصاص کما تقدم فضلاً عما یقصد قتله بما یکون مما یقتل بمثله، بل یمکن کما ذکرنا سابقاً أنّه لو قصد رمیه بسهم ولکن لا یرید قتله بأن أراد إصابة رجله أو غیره مما لا یکون إصابته فیه قاتلاً، فأصاب فی مقتله فقتله، یثبت

ص :12

.··· . ··· .

الشَرح:

القصاص فإنّ رمی السهم مما یقتل بمثله، وفی موثّقة أبی العباس عن أبی عبداللّه علیه السلام : «أرمی الرجل بالشیء الذی لا یقتل مثله. قال: هذا خطأ، ثم أخذ حصاة صغیرة فرمی بها»(1)، فإنّ ظاهر فعله علیه السلام أنّ الخطأ فیما کان الرمی بمثل الحصاة. وعلی الجملة الرمیة القاتلة إنما یکون خطأً فیما إذا رمی شیء فلم یصبه بل أصاب إنساناً فقتله فإنه یدخل فی الخطأ الذی لا شکّ فیه، فتکون الدیة علی العاقلة.

ومما ذکرنا یظهر الحال فی الرمی بحجر المنجنیق ونحوه مما یقتل بإصابته ولو فیما إذا أصاب فی مقتل.

وأما لو خنقه بحبل حتی مات فقد تقدم أنّه من التعمد بالقتل مباشرة، ولا فرق بینه وبین ما ورد فی صحیحة الحلبی وأبی الصباح الکنانی جمیعاً عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم یقلع عنه الضرب حتّی مات، أیدفع إلی ولیّ المقتول فیقتله؟ قال: نعم، ولکن لا یترک یعبث به ولکن یجیز علیه بالسیف»(2).

وعلی الجملة، إذا أراد القتل بفعله، فوقع القتل یکون القتل تعمدیاً سواء کان ذلک الفعل بما یقتل بمثله کرمی السهم أم لا کالضرب بالعصا.

وکذا یکون القتل تعمدیاً فیما إذا لم یقصد القتل بل قصد الفعل ولکن کان بما یقتل مثله کالضرب بالحدیدة والرمی بحجر المنجنیق. ومن هذا القبیل ما لو خنقه بحبل ولکن أرسله منقطع النفس أو ضمناً حتّی مات بأن أوجب الخنق المزبور بلاءً فی بدنه حتّی مات، فإنه إن قصد بذلک قتله فالأمر ظاهر وإن لم یقصد قتله فالمصرّح به فی

ص :13


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 7: 26.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 24.

.··· . ··· .

الشَرح:

کلمات بعض الأصحاب عدم الفرق بین قصد القتل وعدمه وبین کون حدوث الضمن والمرض بسدّ موضع النفس أو الخنق مع إرساله غیر مقطوع النفس أمراً اتفاقیاً نادراً أم لا.

بل ینسب ذلک إلی ظاهر المشهور کما هو ظاهر الماتن أیضاً حیث جعل إرساله ضمناً عدلاً للإرسال منقطع النفس وعقّب ذلک قوله أما لو حبس نفسه یسیراً لا یقتل مثله غالباً ثم أرسله فمات ففی القصاص تردّد، والأشبه القصاص إن قصد القتل، والدیة إن لم یقصد أو أشبه القصد، حیث إنّ مقتضی هذا التعقیب بعد جعل الإرسال ضمناً عدلاً للإرسال منقطع النفس، أنه لا یعتبر فی کون الإرسال ضمناً عمداً قصد القتل أو حدوث المرض بالخنق المزبور أمراً عادیّاً.

وقد یقال فی وجه دخوله فی القتل عمداً أنّ المرض مع الخنق المزبور یعدّ من الفعل القاتل عادة وإن لم یقصد الجانی القتل.

وفیه أن الملاک فی کون القتل عمدیاً الموجب لثبوت القصاص إمّا قصد القتل، ولو لم یکن الفعل مما یترتّب علیه القتل إلاّ نادراً، أو قصد الفعل القاتل نوعاً او احتمالاً متعارفاً وإن لم یقصد القتل، وشیء منهما فی الفرض غیر متحقّق، لأنّ المرض الحاصل بالفعل أو دخالته فیه لم یکن مقصوداً للجانی، وإن ترتّب علی فعله اتفاقاً.

نعم، لو کان الخنق المزبور مما یوجب البلاء عادةً یکون القصد إلی الخنق وسدّ موضع النفس قصداً إلی تحقیق البلاء فی بدنه واعتبار کون الفعل المزبور دخیلاً فی حدوث البلاء بهذا النحو لم یذکر فی کلامهم.

واختار صاحب الجواهر قدس سره (1) ثبوت القصاص فی موارد حدوث المرض

ص :14


1- (1) جواهر الکلام: ج 42، ص 24.

.··· . ··· .

الشَرح:

بالفعل، وإن کان حدوثه بدخالة الفعل أمراً نادراً، وقال هذا الثبوت باعتبار الفرق بین العمد إلی القتل والقتل عامداً، والموضوع للقصاص فی لسان الأدلة هو الثانی، والقتل عامداً یصدق عرفاً فی موارد ترتّب القتل واتّفاقه علی الفعل المقصود، غایة الأمر إذا ترتّب القتل علی الفعل اتفاقاً وعلی وجه الندرة ولم یکن قصد الجانی القتل، یرفع الید عما دلّ علی ثبوت القصاص بالقتل عامداً بالروایات الدالة علی عدم القصاص فیما إذا صدر من الجانی الفعل غیر القاتل ولکن اتفق القتل، ولکن لا یرفع الید عنه فی مورد حدوث المرض بالفعل المزبور بل بقی هذا الفرض _ أعنی تعقب المرض _ تحت أدلة القصاص، ولو لعدم الجابر للنصوص المخرجة فی هذا الفرض المؤیّد عدم خروجه عن أدلّته بنصوص ضمان سرایة الجرح غیر القاتل مثله.

أقول: القصاص فیما کان المقصود الفعل بلا قصد القتل ولم یکن الفعل مما یترتّب علیه المرض الممیت، إلا بوجه الاتفاق والندوة، ولم یکن الجانی قاصداً لحصول المرض، المزبور مشکل بل ممنوع، لمثل قوله علیه السلام فی موثّقة أبی العباس وزرارة «والخطأ أن یتعمّده ولا یرید قتله، یقتله بما لا یقتل مثله(1).

فإنّ الفعل الصادر فی الفرض لا یقتل مثله وحدوث المرض لیس من فعله المقصود.

وفی صحیحة أبی العباس عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن الخطأ الذی فیه الدیة والکفارة أهو أن یتعمد ضرب رجل ولا یتعمد قتله؟ فقال: نعم . . . »(2). حیث لم یذکر الإمام علیه السلام فی الجواب قیداً بما إذا لم یتّفق بالضرب المزبور مرض ترتّب علیه

ص :15


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 13: 27.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9: 26.

أمّا لو حبس نفسه یسیراً لا یقتل مثله غالباً ثم أرسله فمات ففی القصاص تردّد والأشبه القصاص إن قصد القتل[1] والدیة إن لم یقصد أو أشتبه القصد.

الشَرح:

الموت. وعلی الجملة الموضوع لثبوت القصاص بحسب الروایات بملاحظة ما ورد فی الخطأ شبه العمد، هو التعمد إلی القتل أو التعمّد إلی الفعل القاتل عادةً، ولو بحسب حال المضروب من حیث الصغر والضعف والمرض وحرارة الهواء أو برودتها کما تقدّم.

وأمّا ما ادّعاه قدس سره من أنّ عدم خروج فرض تعقّب المرض عن أدلّة القصاص مؤیّدة بنصوص ضمان سرایة الجرح غیر القاتل مثله، فلم یتّضع مراده قدس سره ، فإن کان المراد سرایة الجرح غیر القاتل بالإضافة إلی ضمان الدیة یعنی دیة النفس، کروایة ذریح قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل شجّ رجلاً موضحة وشجّه آخر دامیة فی مقام واحد فمات الرجل؟ قال: علیهما الدیة فی أموالهما نصفین»(1) فلا تأیید فیه للمقام، بل ما ذکرنا فی المقام یأتی فی الجرح أیضاً، فإنه إن قصد الجرح الذی یترتّب علیه الموت غالباً أو مساویاً أو قصد بالجرح القتل فیثبت الموضوع للقصاص وإلا یثبت الدیة فی مال الجانی، لکون القتل خطأ شبه العمد کما نذکره فی الصورة الرابعة، وإن ذکر الماتن وغیره فیها، بل عن المشهور أنّ السرایة عن جنایة العمد، توجب القصاص، وإن لم تکن الجنایة عمداً مما قصد به القتل ولا ممّا یترتّب علیه القتل غالباً أو احتمالاً مساویاً.

وإن کان المراد سرایة الجرح غیر القاتل یوجب القصاص نفساً فلم نجد ما یدلّ علیه من روایة فضلاً عن الروایات.

[1] لما تقدّم من ثبوت القصاص مع التعمد إلی القتل ولو لم یکن الفعل قاتلاً

ص :16


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب موجبات الضمان، الحدیث 1: 211.

(الثانیة): إذا ضربه بعصا... فمات

(الثانیة): إذا ضربه بعصا، مکرّراً ما لا یحتمله مثله بالنسبة إلی بدنه وزمانه، فمات فهو عمد[1] ولو ضربه دون ذلک، فأعقبه مرضاً ومات، فالبحث کالأوّل ومثله لو حبسهُ ومنعه الطعام والشراب، فإن کان مدّة لا یحتمل مثله البقاء فیها فمات فهو عمد.

الشَرح:

عادةً وأنه إذا لم یقصد القتل یثبت الدیة فی مال الجانی فإنه من القتل شبه العمد.

[1] اتّصاف الفعل بأنه یقتل مثله أو لا یقتله مثله یختلف بحسب حال من یقع علیه الفعل من حیث القوّة والضعف والمرض، ومن حیث زمان الفعل من حیث حرارة الهواء وبرودتها ففی أیّ مورد اتّصف الفعل بأنّه یقتل مثله یکون القتل عمدیاً سواء قصد الجانی القتل أم لا، وفیما لا یکون قاتلاً فإن قصد الجانی القتل فهو عمد وإلا خطأ شبه العمد.

وما فی الکلام الماتن قدس سره فی المقام لو ضربه بما دون ذلک فأعقبه مرضاً ومات، فالبحث فیه کالأل ظاهره ما تقدّم فیما إذا أرسل المخنوق ضمناً فمات فإنّه من القتل عمداً فیوجب القصاص وإن احتمل بعضهم أن یکون المراد ما تقدّم فیما إذا حبس نفسه یسیراً ثمّ أرسل من ثبوت القصاص مع قصد القتل وثبوت الدیة مع عدمه ولکن الاحتمال لا یناسب ما تقدّم منه ومن غیره فی الإرسال ضمناً.

وما ذکر فی وجه ثبوت القصاص من کون الفعل مع المرض الحادث به من صدور الجنایة القاتلة بلا قصد القتل، لا یمکن المساعدة علیه، لأنّ الفعل وإن یحدث المرض به، ولکن المرض غیر مقصود ولیس الفعل مما یکون حصول المرض به أمراً نوعیاً لیکون قصد الفعل من قصد إحداث المرض. وعلی الجملة الفعل لم یقصد به القتل ولیس مما یقتل بمثله فلا موضوع للقصاص.

ومما ذکرنا یظهر حکم ما لو حسبه ومنعه من الطعام والشراب فمات فإنّه إن کان

ص :17

(الثالثة): لو طرحه فی النار فمات

(الثالثة): لو طرحه فی النار فمات، قتل به، ولو کان قادراً علی الخروج[1] لأنه قد یُشْدَه ولأن النار قد تشنّج الأعصاب بالملاقاة فلا یتیسر له الفرار. أما لو علم أنه ترک الخروج تخاذلاً، فلا قود، لأنّه أعان علی نفسه. وینقدح أنه لا دیة له أیضاً لأنّه مستقل بإتلاف نفسه. ولا کذا لو خرج، فترک المداواة فمات، لأنّ السرایة مع ترک المداواة من الجرح المضمون، والتلف من النار لیس بمجرّد الالقاء، بل بالإحراق المتجدّد الذی لولا المکث لما حصل. وکذا البحث لو طرحه فی اللجّة، ولو فصده فترک شدّه أو ألقاه فی ماء فأمسک نفسه تحته مع القدرة علی الخروج فلا قصاص ولا دیة.

الشَرح:

مثل الحبس والمنع عن الطعام والشراب المفروض مما یقتل به مثل الإنسان المزبور أو قصد بفعله قتله، ثبت موضوع القصاص، وإلاّ یکون القتل شبه عمد فعلی القاتل الدیة فی ماله.

[1] مراده قدس سره أنه لو طرحه شخص فی النار فمات بذلک الطرح فیها، یقتل ذلک الشخص قصاصاً حتی فیما لم یقصد بطرحه فیها قتله، لأنّ الإلقاء فی النار یحسب مما یقتل بمثله، وهذا لا یفرق فیه بین أن یکون فی البین مانع من خروجه عن النار أو لم یکن، لأن مجرّد عدم المانع عن الخروج لا یوجب تمکّنه من الخروج عنها، لأنّ المطروح قد یُشْدَهُ أی یدخل فیه الشَّدَهُ یعنی الدهشة، وهو التحیّر وزوال الفهم، ولأنّ النار قد تشنّج أعصابه فلا یتمکّن علی الخروج منها.

نعم، لو أحرز أنّه کان متمکّناً علی الخروج منها ومع ذلک ترک الخروج تخاذلاً، فلا موضوع للقصاص، لأنّ المطروح أعان علی نفسه ولا تثبت الدیة أیضاً، کما هو الحال فی جمیع من یکون قاتل نفسه.

وعلی الجملة، کما أنّ القصاص یثبت فیما إذا أحرز عدم تمکّنه من الخروج عن

ص :18

.··· . ··· .

الشَرح:

النار، کذلک یثبت فیما إذا احتمل عدم تمکّنه علی الخروج لدهشة حصلت له بإلقائه فی النار أو تشنّج أعصابه بملاقاة النار أو غیر ذلک. وإنّما ینفی القصاص بل الدیة أیضاً فیما أحرز أنّه تخاذل وترک الخروج بالاختیار.

وبما أنّ الأصحاب ذکروا أنّه لو جرحه شخص وترک المجروح مداواة جرحه، فسری الجرح بترک المداواة فمات یثبت القصاص علی الجارح مطلقاً أو فیما کان الجرح بحیث یسری لو لا مداواته ویقتل، تصدّی قدس سره لبیان الفرق بین ترک الخروج من النار حیث قالوا بسقوط القصاص بل وعدم ثبوت الدیة أیضاً، کما عن جماعة، ولعلّه المشهور، وبین ترک المداواة فإنّ ترکها لا یوجب سقوط القصاص، وقال فی وجه الفرق إنّ النار لا تقتل الشخص بمجرد الوقوع فیها بل تقتل بالمکث فیها، وبما أن المطروح فی النار قد مکث فی النار باختیاره فهو قاتل نفسه، وهذا بخلاف ترک المداواة، فإنّ القتل مع ترک المداواة أیضاً یستند إلی الجرح وسرایته، ولذا یکون الجرح وسرایته مضموناً فیثبت القصاص، وعلی الجملة المداواة علی المجروح کانت واجبة وقد عصی بترکها فإنّه یجب علی الشخص حفظ نفسه عن الهلاک إلاّ أنّ عصیانه بترکها لا ینافی استناد القتل إلی الجرح الساری الذی هو فعل الجانی.

أقول: یقع الکلام فی مقامین:

الأول: فی أنّ الإلقاء فی النار وترتّب الموت علیه مع عدم خروج المطروح عنها والشک فی أنّ عدم خروجه کان تخاذلاً أو تهاوناً هل یوجب الضمان علی الذی طرحه فیها أم لا؟

والثانی: فی الفرق بین ما ذکروا فی المطروح فی النار أو الماء من أنّه إذا مکث فی النار أو الماء باختیاره مع تمکّنه من الخروج عنها لا یثبت علی الذی ألقاه فیها

ص :19

.··· . ··· .

الشَرح:

لا قصاص ولا دیة، لأنّ المطروح أعان علی نفسه وبین ما ذکروا من أنّه إذا جرح شخصاً وترک المجروح مداواة جرحه، فسرت إلی نفسه ومات یثبت علی الجانی القصاص.

أمّا الکلام فی المقام الأول، فلابدّ من التفصیل بین النار التی یکون الألقاء فیها ولو بلا مکث فیها قاتلةْ نوعاً ولو بالسرایة والخروج عنها لکثرتها واشتغالها أو لعدم التمکن من الخروج عنها نوعاً، فالألقاء فیها یوجب القصاص سواء قصد الملقی بالکسر بالإلقاء، قتله أم لا لأنّه یصدق أنّه قتله بما یقتل مثله وإن لم یقصد قتله فإنّ هذا موضوع للقصاص کما تقدّم. ویلحق بذلک ما إذا کانت النار غیر قاتلة بالإلقاء فیها بل یموت الشخص بالمکث فیها، ولکنّ الخروج عنها لم یکن ممکناً، لکونها فی وهدة أو کان مانع آخر عن خروجه عنها.

وأمّا إذا لم یکن فی البین مانع عن الخروج عنها ولم یخرج فمات بالمکث ولکن لم یعلم أنه ترک الخروج مع تمکّنه علیه تخاذلاً أو تهاوناً أو لم یتمکّن لطریان الدهشة أو تشنّج أعصابه بملاقاة النار ونحو ذلک، ففی ثبوت القصاص فی الفرض تأمّل بل منع حتی لو کان قصد اَلْملقی من الإلقاء قتله، لأنّ الفعل القاتل فی الفرض هو المکث فی النار المزبورة، ومن المحتمل أن یکون المکث فیها من الفعل الاختیاری للمطروح فیکون هو المعین علی نفسه.

وعلی الجملة، لم یحرز استناد القتل إلی من ألقاه فیها لیقال إنه کان الفعل بقصد القتل، ومقتضی الأصل _ یعنی الاستصحاب _ عدم استناد الفعل والقتل إلی الْملقی فینتفی الموضوع للقصاص ولا یعارض بأصالة عدم استناد الفعل القاتل إلی اختیار المطروح وإرادته وعدم کون المطروح قاتل نفسه، فإنها غیر جاریة حیث لا یثبت بها تعیین القاتل فی الملقی وکون فعله هو القاتل کماهو الموضوع للقصاص، ولذا ذکر

ص :20

.··· . ··· .

الشَرح:

بعض الأصحاب عدم ثبوت القصاص فی الفرض ولکن یثبت الدیة علی الملقی.

ولکن فی ثبوت الدیة أیضاً تأمّل، حیث إنه لم یثبت أنّه القاتل حتی یلتزم بالقصاص أو بالدیة. نعم، الأحوط علی الملقی _ بالکسر _ إعطاء الدیة والمصالحة مع أولیاء المقتول.

وأمّا المقام الثانی، وهو الفرق بین ترک المجروح مداواة جرحه حتی مات بالسرایة وبین ترک الخروج عن الماء أو النار حتّی هلک بالمکث فیهما فغایة تقریبه أنّ القتل یستند عرفاً إلی من أوجد السبب، یعنی المقتضی والتمکّن فیمن وقع علیه السبب علی إیجاد المانع من سرایة أثره لا یوجب سلب استناد القتل إلی فاعل السبب والأمر فی ترک مداواة الجرح الساری إلی النفس کذلک، وهذا بخلاف صورة الإلقاء فی النار أو الماء، فإنّ السبب القاتل لم یحصل بفعل الجانی، یعنی الملقی _ بالکسر _، بل سبب القتل وهو المکث فی الماء أو النار حصل بفعل المطروح واختیاره.

وعلی الجملة أنّ المطروح وإن ترک الواجب علیه بترک مداواة نفسه وخالف وجوب حفظ نفسه عن الهلاک إلاّ أنّ ذلک لا ینافی استناد القتل إلی غیره فیکون نظیر المریض الذی یترک مداواة نفسه فلا یقال إنّه قتل نفسه، ولکن یقال إنّه ترک حفظ نفسه عن الهلاک ونظیر ما إذا هاجمه غیره مع تمکّنه علی الدفاع ولکن ترک الدفاع فقتل، فإنّ تمکّنه علی الدفاع لا یوجب أن لا یصدق علی مهاجمه أنّه قاتله، ولکن ترکه الدفاع وتخاذله کان حراماً لوجوب حفظ نفسه عن الهلاک.

ولکن ربما یتبادر إلی الذهن أنّه لو کان الفرق بما ذکر صحیحاً، فلا یصح ما ذکره قدس سره بعد ذلک أنّه لو فصده فترک المفصود شدّ موضع الفصد فمات بخروج الدم ونزیفه، لا یکون ضمان علی الفصّاد لا القصاص ولا الدیة، سواء کان المراد الفصد

ص :21

(الرابعة): السرایة عن جنایة العمد

(الرابعة): السرایة عن جنایة العمد، توجب القصاص مع التساوی[1]، فلو قطع یده عمداً فسرت، قتل الجارح، وکذا لو قطع اصبعه عمداً بآلة تقتل غالباً فسرت.

الشَرح:

عدواناً أو مداواةً.

وما فی الجواهر من أنّ الکلام فی المقام فی الفصد عدواناً وعدم شدّ المفصود موضع الفصد نظیر المکث فی النار تخاذلاً(1) لا یمکن المساعدة علیه، وذلک فإن القتل فی مسألة الطرح فی النار کان مستنداً إلی المکث وکان المکث من الفعل الاختیاری للمطروح، بخلاف نزیف الدم فإنّه مترتّب علی فعل الفصّاد، غایة الأمر بما أنّ الفصد حتی مع عدم شدّ موضعه لا یقتل عادة ولم یکن من قصد الفصّاد قتله، ینتفی القصاص ولکن یثبت الدیة کما تقدّم انّ الأمر فی الجرح غیر القاتل وغیر الساری أیضاً کذلک من انتفاء القصاص وثبوت الدیة.

[1] ظاهر کلامه قدس سره أنه إذا تعمد الجارح فی جنایته فسرت تلک الجنایة فمات المجنی علیه یثبت القصاص بلا فرق بین کون جراحته ممّا تسری ویموت الشخص بسرایتها نوعاً أو کانت سرایتها اتفاقیة کما صرّح به کثیر من الأصحاب وهو المنسوب إلی المشهور، ولکن تقدّم أنّ هذا فیما إذا قصد بالجرح قتله أو کانت الجراحة قاتلة نوعاً ولو بسرایتها.

وأمّا إذا لم یکن فی البین شیء منهما فاتفقت السرایة والموت فالثابت الدیة علی القاتل، ولعلّ ما فی کلام الماتن من أنه «لو قطع اصبعه بآلة تقتل غالباً فسرت» من تقیید الآلة بکونها قاتلة یناسب ما ذکرنا، وإلاّ فلا موجب للتقیید.

ص :22


1- (1) جواهر الکلام: ج 42، ص 28.

(الخامسة): لو ألقی نفسه من علوّ علی إنسان

(الخامسة): لو ألقی نفسه من علوّ علی إنسان عمداً، وکان الوقوع[2] مما یقتل غالباً، فهلک الأسفل، فعلی الواقع القود، ولو لم یکن یقتل غالباً، کان خطأ شبیه العمد، فیه الدیة مغلّظة، ودم الملقی نفسه هدراً.

الشَرح:

[2] الوقوع علی إنسان من علو، علی صورتین:

الأولی: أن لا یحسب وقوعه علی إنسان فعلاً اختیاریّاً للواقع کما إذا دفعته الریح العاصفة أو دفعه الغیر فوقع علی إنسان فقتله.

الثانیة: أن یکون وقوعه من فعله الاختیاری بأن ألقی نفسه من علوّ علی إنسان فقتله.

ففی الصورة الثانیة التی تدخل فی صورة القتل بالتسبیب إن کان قصده من إلقاء نفسه علیه، قتل من یقع علیه أو کان إلقاء نفسه علیه مما یقتله، یثبت القصاص، وأمّا إذا لم یقصد من إلقاء نفسه علیه قتله، ولم یکن الإلقاء علیه مما یقتل الواقع علیه نوعاً، فلا قصاص بل إنّه من خطأ شبه العمد، فیثبت الدیة المغلّظة.

وفی جمیع فروض الصور الثانیة لو مات الملقی بإلقاء نفسه یکون دمه هدراً، لأنّه قاتل نفسه ولو خطأً، بل لو کان موته لفعل من وقع علیه دفاعاً عن نفسه فالأمر کما ذکر.

وأمّا الصورة الأولی: فإن کان وقوعه علی إنسان بغیر دفع الغیر بل لإطارة الریح ونحوه من الأمور الاتفاقیة وقتل بوقوعه علی شخص ذلک الشخص، لم یثبت علیه قود ولا دیة لا فی مال الواقع ولا فی عاقلته. کما یشهد بذلک عدّة روایات: منها صحیحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیه السلام «فی الرجل یسقط علی الرجل فیقتله؟ فقال: لا شیء علیه، وقال: من قتله القصاص فلا دیة له»(1).

وظاهر نفی الشیء _ خصوصاً بملاحظة نفی الدیة فیمن قتله القصاص _ نفی

ص :23


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 41.

(السادسة): لا حقیقة للسحر

(السادسة): قال الشیخ: لا حقیقة للسحر[1] وفی الأخبار ما یدل علی أنّ له الشَرح:

الدیة أیضاً کنفیه فیمن قتله القصاص.

وفی معتبرة عبید بن زرارة قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل وقع علی رجل من فوق البیت فمات أحدهما قال: لیس علی الأعلی شیء ولا علی الأسفل شیء»(1).

وفی صحیحه قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل وقع علی رجل فقتله، فقال: لیس علیه شیء»(2). وظاهرها کظهور ما قبلها، الوقوع بلا اختیار، وأمّا إذا کان وقوعه علیه بدفع الغیر، فإن کان دفعه علی الغیر مما یقتل أو قصد الدافع من دفعه قتل من یقع علیه، یثبت القصاص علی الدافع، وإلاّ تکون الدیة علی المدفوع یدفعها إلی أولیاء من وقع علیه ویرجع بها إلی دافعه، خلافاً للمشهور حیث جعلوا الدیة ابتداءً علی الدافع وذکروا أنّه لیس عل المدفوع دیة، واستندوا فی ذلک إلی استناد القتل إلی الدافع.

وما ذکروه وإن کان علی القاعدة لعدم صدور فعل اختیاری عن المدفوع إلاّ أنّه لابد من رفع الید عن القاعدة لصحیحة عبداللّه بن سنان، عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجل دفع رجلاً علی رجل فقتله، قال: الدیة علی الذی دفع علی الرجل فقتله لأولیاء المقتول. قال: ویرجع المدفوع بالدیّة علی الذی دفعه. قال: وإن أصاب المدفوع شیء فهو علی الدافع أیضاً»(3). وقد عمل بها الشیخ، وحکی عن غیره أیضاً، فلا موجب لطرحها.

وهذه الصورة کما أشرنا خارجة من صور القتل بالتسبیب.

[1] المراد من نفی الحقیقة للسحر أنّ السحر لا تأثیر له فی شیء ومنه موت

ص :24


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 41.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 41.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 20 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 40.

حقیقة، ولعلّ ما ذکره الشیخ قریب، غیر أنّ البناء علی الاحتمال أقرب. فلو سحره فمات، لم یوجب قصاصاً ولا دیة علی ما ذکره الشیخ، وکذا لو أقرّ أنه قتله بسحره وعلی ما قلناه من الاحتمال یلزمه الاقرار، وفی الأخبار یقتل الساحر، قال فی الخلاف: یحمل ذلک علی قتله، حدّاً لفساده لا قوداً.

الشَرح:

الإنسان ونفی التأثیر عنه بنحو التأثیر المادی ظاهر والنفی عنه التأثیر بنحو خرق العادة بأن یکون إرادة الساحر وقصده عند سحره أو بسحره مؤثّراً نظیر إیجاد الشیء أو إزالته بخرقها بإرادة من بیده المعجزة عند استعمالها أو باستعمالها فلو مات إنسان عند سحر ساحر فالموت غیر مستند إلی سحره ولا إرادة الساحر فلا یکون علی الساحر قصاص بل ولادیة حتّی ما لو اراد موته بل لو اعتقد الساحر أنه قتله بسحره واعترف بأنّی قتلته بسحری فلا قیمة لإقراره، لأنّ الإقرار مع العلم بخطأ المقرّ لا قیمة له، فیکون نظیر ما إذا قال شخص أنا قتلت زیداً بدعائی، أو قال: قتلته بحدّة عینی من حدّی علیه.

ویستدلّ علی عدم الحقیقة للسحر بقوله سبحانه: «یخیّل إلیه من سحرهم أنّها تسعی»(1) وقوله تعالی: «فلما ألقوا سحروا أعین الناس»(2) وقوله: «وما هم بضارّین به من أحد إلاّ بإذن اللّه»(3).

ویستفاد من المحکی عن التبیان وجه آخر أیضاً لنفی حقیقته حیث قال: کلّ شیء خرج عن العادة الجاریة، لا یجوز أن یتأتی من الساحر ومن جوّز إتیان الساحر بشیء من ذلک فقد کفر، لأنّه لا یمکنه العلم بصحة المعجزات الدالة علی النبوّة لاَِنّه أجاز مثله من جهة الحیلة والسحر.

ص :25


1- (1) سورة طه: الآیة 66.
2- (2) سورة الأعراف: الآیة 116.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 102.

.··· . ··· .

الشَرح:

أقول: لا أحتمل أن یلتزم أحد بأنّ السحر لا یکون له حقیقة ولا یوجب الخیال فی المسحور بنحو تشویش باله واضطراب نفسه حتی یتخیّل أنه فی وسط نار مشتعلة أو فی البحر الذی یغرقه مائه أو یهاجم علیه من کل جانب لیقتلوه إلی غیر ذلک من التخیّلات کما یفصح عن ذلک قوله سبحانه: «یخیّل إلیه من سحرهم أنّها تسعی»(1)، وقوله تعالی: «سحروا أعین الناس»(2)، وعلی ذلک فإن أوجب التخیّل المستند إلی سحر الساحر الخوف فی نفس المسحور بقصد هلاکه، فهذا المقدار یوجب صحّة استناد القتل إلی الساحر فیکون موجباً للقصاص.

وکذا فیما یکون الخوف المزبور فی مثل المسحور المذکور قاتلاً وإلاّ یثبت الدیة فی ماله.

وعلی الجملة، ثبوت القصاص أو الدیة علی الساحر لا یبتنی علی ثبوت الحقیقة الواقعیة للسحر بل ذکرنا فی مبحث حرمة السحر من المکاسب المحرمة أنّه یظهر من بعض الأخبار وکذا من قوله سبحانه: «فیتعلّمون منه ما یفرّقون به بین المرء وزوجه»(3) أنّ الحاصل خارجاً یعدّ من فعل الساحر ویستند إلی سحره وإنّ له مرتبة من خرق العادة حیث إنّ العقد وإن فرض استناده إلی التخیّل بعضاً إلاّ أنّ الحلّ لا یناسب التخیّل وکذا فیما قیل من السحر علی النبی صلی الله علیه و آله .

وعلی أی تقدیر فلو اعترف بأنّی قتلته عمداً بسحری یقتل، وإن اعترف بأنّی قتلته خطأً بسحری یقع علیه الدیة حتّی لو فسّر الخطأ بالخطأ المحض لما یأتی من أنّ

ص :26


1- (1) سورة طه: الآیة 66.
2- (2) سورة الأعراف: الآیة 116.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 102.

المرتبة الثانیة: أن ینضمّ إلیه مباشرة المجنی علیه

(الأولی): لو قدّم له طعاماً مسموماً

المرتبة الثانیة: أن ینضمّ إلیه مباشرة المجنی علیه وفیه صور:

(الأولی): لو قدّم له طعاماً مسموماً[1] فإن علم وکان ممیّزاً فلا قود ولا دیة وإن لم یعلم فأکل ومات فللولیّ القود، لأنّ حکم المباشرة سقط بالغرور ولو جعل السم فی طعام صاحب المنزل، فوجده صاحبه فأکله فمات، قال فی الخلاف والمبسوط: علیه القود، وفیه إشکال.

الشَرح:

الدیة لا تثبت علی العاقلة بإقرار الجانی.

[1] للمرتبة الثانیة من القتل بالتسبیب وهو ما کان ترتّب القتل علی فعل الجانی لانضمام فعل المجنی علیه، صور ذکرها فی ضمن فروع:

الأولی: ما إذا قدّم للمقتول طعاماً مسموماً فمات بأکله وللتقدیم فروض:

(الأول) أن یعلم الآکل أنّ فی الطعام سمّاً فأکله باختیاره وإرادته مع تمییزه ففی هذا الفرض لا قود ولا دیة علی مقدّمه فإنّ الآکل فی الفرض هو قاتل نفسه، وبتعبیر آخر تقدیم الطعام للآکل فی الفرض وإن یکن محرّماً نظیر تقدیم السکین لمن یرید قتل نفسه حیث أنّه إعانة علی ظلم الظالم لنفسه وهو محرّم کإعانة الظالم للغیر فی ظلمه، إلاّ أنّ القتل یستند إلی المباشر فلا یکون فی ناحیة التقدیم غیر الإعانة علیه.

(الثانی) أن یکون الآکل المزبور جاهلاً بأنّ فی الطعام سمّاً فقدّم العالم بالحال الطعام المزبور له لیأکله. وفی هذا الفرض یثبت القود علی مقدّمه فیما کان تقدیمه بقصد قتل الآکل أو کان السم المزبور مما یقتل الشخص به. وکذا إذا لم یکن مما یقتل الشخص بمجرّده ولکن یوجب المرض القاتل.

وأمّا إذا لم یکن بقصد القتل ولا مما یقتل به ولو بحدوث المرض فاتّفق الموت فیدخل القتل حینئذ فی الخطأ الذی یشبه العمد. وعلی الجملة القتل وإن ترتّب فی هذا الفرض علی فعل مقدّم الطعام وآکله إلاّ أنّ جهالة الآکل بالحال توجب استناد القتل إلی

ص :27

.··· . ··· .

الشَرح:

مقدّمه العالم بالحال وإلی ذلک أشار الماتن المحقق قدس سره بقوله: «لأنّ حکم المباشرة سقط بالغرور».

(الثالث) أن یکون مقدّم الطعام أیضاً جاهلاً بالحال کالآکل، وهذا الفرض وإن یخرج عن المرتبة الثانیة وداخل فی المرتبة الرابعة من التسبیب کما یأتی، إلاّ أنّ المقدّم مع جهله بالحال یکون مثل الآکل الجاهل بالحال فی عدم استناد القتل إلیه، بل یکون الضمان حینئذ علی من جعل السم فی الطعام المزبور کما إذا أضاف صاحب المنزل شخصاً وهیأ له الطعام وجعل فیه السم وقال للجاهل بالحال قدّمه إلی الضیف. فما یظهر من کلام مجمع الفائدة والبرهان من ثبوت الدیة علی المقدّم فی الفرض أیضاً لا یمکن المساعدة علیه.

نعم لو کان المقدّم عالماً بالحال یکون القصاص علیه لا علی جاعل السمّ فیه، لأنّ المباشر إذا کان مساویاً للمسبّب یستند الفعل إلی المباشر کما فی الفرض الأول والمقدّم بالإضافة إلی جاعل السمّ کالمباشر فمع علمه بالحال یکون الضمان علیه.

ولا یرد النقض علی ما ذکرنا من أنّ مع تساوی المباشر وفاعل السبب یستند الفعل إلی المباشر لا إلی فاعل السبب بمسألة ضمان الطبیب حیث أنّ المریض مع احتماله کون الدواء ضارّاً وتناوله باختیاره یکون الضمان علی الطبیب، فإنّ الضمان المزبور علی تقدیر تمامیّته للنص.

نعم ما ذکرناه من عدم ضمان المقدّم مع جهله بالحال بل یکون الضمان علی جاعل السمّ فیه إنّما هو فیما إذا قال الجاعل للمقدّم خذه وقدّمه إلی الضیف، وأمّا إذا أخذ الجاهل بالحال من عنده إعانةً لصاحب المنزل فقدّمه للضیف فأکل فمات فلا یبعد أن یقال أنّ القتل حینئذ یستند إلی فعلهما معاً، غایة الأمر الاستناد إلی جاعل

ص :28

.··· . ··· .

الشَرح:

السمّ یحسب تعمّداً وإلی المقدّم خطأً.

(الرابع) أن یکون الطعام مسموماً من غیر فعل شخص آخر ومن غیر التفات من مقدّمه للغیر بل کان المقدّم کالآکل جاهلاً بالحال. وفی هذا الفرض یثبت الدیة علی المقدّم لأنّ تقدیمه فی نفسه تسبیب غایة الأمر لغفلته عن حال الطعام یحسب قتله به خطائیّاً.

لا یقال: استناد القتل فی الفرض إلی مقدّم الطعام دون المباشر ینافی ما تقدّم من أنّ مع تساوی فاعل السبب والمباشر یستند الفعل إلی المباشر.

فإنّه یقال: ما تقدّم إنّما هو فی صورة تساویهما فی العلم، وأمّا مع جهلهما فالمتّبع الاستناد العرفی، ولذا ذکر جماعة أنّه لو حفر بئراً عمیقاً فی داره ونسی حفره وأمر الغیر فی ظلمة بالمرور علی الموضع فوقع فیه، فالدیّة علی الحافر الآمِر مع أنّ فاعل السبب کالماشی المذکور غافل حیث أمره ولو مع غفلته عن حفره یعتبر تسبیباً عرفاً یستند الفعل إلیه، وکذا الحال فی تقدیم الطعام المسموم من الغافل.

وبالجملة، الغفلة عن کون الفعل قاتلاً توجب الانتقال إلی الدیة، وکذلک الغفلة عن کونه قاتلاً غیر من یرید قتله کما إذا أراد قتل غیر الآکل المزبور فقدّمه إلی الآکل المزبور باعتقاد أنّه من یرید قتله لظلمة أو نحوها. وهذا مثله وإن لم یدخل فی ضابط خطأ شبه العمد الذی تقدّم إلاّ أنّه لا یحتمل الفرق فی ثبوت الدیة علی الجانی بین مثل الموارد المزبورة وما یدخل فی ذلک الضابط بعد خروجه عن ضابط قتل العمد حیث إنّ ضابط قتل العمد أن یصیب القتل أو الفعل القاتل بمن أراده کما هو ظاهر قوله علیه السلام «العمد أن یتعمّده فیقتله بما یقتله مثله».

ونظیرتقدیم الطعام المسموم إلی غیر من یرید قتله اشتباهاً ما إذا أراد قتل أحد فقتل شخصاً آخراً باعتقاد أنّه الذی یرید قتله بحیث لو کان ملتفتاً إلی أنّه غیره لما کان

ص :29

.··· . ··· .

الشَرح:

یقتله أصلاً فإنّ هذا الفرض أیضاً غیر داخل فی قتل العمد الموجب للقود فإنّ قتل العمد أن یصیب من یقصده وفی الفرض لم یصبه.

ولو جعل السمّ فی طعام صاحب المنزل فإن کان مع علم الجاعل بأنّه السم القاتل أو جعل بقصد أن یقتل صاحب المنزل، یثبت القود علیه إذا أکل صاحب المنزل الطعام فمات حیث إنّ جعل السم القاتل من أحد الأسباب الذی یقتل الشخص بمثله وما عن الماتن المحقق قدس سره من الإشکال فی ثبوت القصاص، لأنّ صاحب المنزل هو المباشر للأکل الموجب لموته ولم یحصل من الجاعل التقدیم ولا إجباره علی أکله، لا یمکن المساعدة علیه بعد ما ذکرنا من أنّ جعل السمّ فی طعام صاحب المنزل مع غفلته عن الحال مما یقتل الغیر بمثله.

نعم لو التفت صاحب المنزل إلی جعل السمّ فأکله فمات، لم یکن علی الجاعل قصاص ولا دیة، لأنّه المعین علی قتل نفسه. نعم الفعل المذکور من الجاعل حتّی مع التفات صاحب المنزل حرام، لأنّه تعدّ وإعانة علی قتل النفس.

ولو فرض أنّ صاحب المنزل والجاعل کلاهما غافلان تثبت الدیة علی الجاعل، لأنّ الجعل بحسب الفرض التسبیب، وقد تقدّم الجواب عن شبهة ما إذا تساوی المسبّب والمباشر، یستند القتل إلی المباشر، حیث قلنا إنّ التسویة فی موارد العلم والالتفات.

ولو جعل الشخص السمّ فی طعامه فی منزله ودخل شخص آخر فأکله بغیر إذن من صاحب المنزل، لا یوجب ذلک علی صاحب المنزل یستند القتل إلی الآکل فهو قاتل نفسه حتّی فیما إذا علم صاحب المنزل أنّ الداخل قد یأکله طمعاً فی الطعام المزبور.

ص :30

الثانیة: لو حفر بئراً بعیدة فی طریق

الثالثة: لو جرحه فداوی نفسه بدواء سمیّ

الثانیة: لو حفر بئراً بعیدة فی طریق ودعا غیره[1] مع جهالته فوقع فمات فعلیه القود، لأنّه مما یقصد به القتل غالباً.

الثالثة: لو جرحه فداوی نفسه بدواء سمیّ[2]، فإن کان مجهزاً فالأول جارح

الشَرح:

نعم، لو لم یکن جعله دفاعاً عن نفسه وماله یکون فعله حراماً حیث یجب علیه التحفّظ علی نفس الغیر من التلف.

ومثله ما إذا ادخل الطعام المسموم معه فی منزل الغیر وجعل الطعام المزبور فی کیس ونحوه بحیث لا یشتبه علی صاحب المنزل أنّه مال الداخل ولا یجوز التصرف فیه بلا إذنه ومع ذلک أکله صاحب المنزل بلا إذنه فمات فلا یکون علی الداخل قود ولا دیة، لأنّ التعدی وقع من صاحب المنزل حیث أکله بلا إذنه فهو القاتل لنفسه. نعم إدخاله ولو مع احتماله وقوع الأکل عدواناً، کان محرّماً علیه حیث یجب التحفّظ علی نفس الغیر من الهلاک.

[1] الظاهر عدم الحاجة إلی التقیید بالدعوة فیما إذا حفر البئر المزبورة فی الطریق الذی معرض مرور الناس وکان البئر بنحو یجهل المارّة حفرها، فإنّه إذا سقط فیها أحد فمات، فإن کانت بنحو تقتل الواقع فیها أو کان القصد من حفرها القتل، یثبت القصاص.

وإن لم یکن الوقوع فیها قاتلاً إلاّ بنحو الاتفاق ولم یقصد القتل بحفرها، یکون علیه الدیة علی قرار ما تقدّم.

نعم، إذا حفر البئر فی ملکه أو فی غیر الطریق المزبور ودعا غیره المرور علیه أو کان المارّ غافلاً أو مثل الصبی غیر الممیّز، یثبت القصاص مع کون الوقوع فیه قاتلاً عادةً أو قصد القتل به وإلاّ یکون علیه الدیة نظیر ما تقدّم فی جعل السمّ فی طعام الغیر.

[2] إذا جرح شخصاً فداوی المجروح جرحه بدواء سمّی بحیث کان الدواء

ص :31

والقاتل هو المقتول فلا دیة له ولولیّه القصاص فی الجرح إن کان الجرح یوجب القصاص، وإلاّ کان له أرش الجراحة وإن لم یکن مجهزاً وکان الغالب فیه السلامة، فاتفق فیه الموت، سقط ما قابل فعل المجروح، وهو نصف الدیة وللولیّ قتل الجارح بعد ردّ نصف الدیة. وکذا لو کان غیر مجهز وکان الغالب معه التلف، وکذا البحث لو خاط جرحه فی لحم حی، فسری منهما سقط ما قابل فعل المجروح وکان للولیّ قتل الجارح بعد ردّ نصف دیته.

الشَرح:

المزبور مجهزاً بحیث یستند القتل إلی الدواء خاصّة، فالمجروح هو قاتل نفسه ولا یکون علی الجارح قصاص أو دیة. نعم لولیّ المقتول قصاص الجراحة إن کان فی الجرح المذکور قصاص وإلاّ یطلب من الجارح أرش الجنایة.

وأمّا إذا لم یکن الدواء السمّی مجهزاً بل یکون الغالب فیه السلامة ولکن استند الموت فی الفرض إلی جرح الجارح والمداواة معاً، ففی الفرض یسقط ما قابل فعل المجروح یعنی نصف الدیة فیکون للولیّ قتل الجارح بعد ردّ نصف الدیة، کما أنّ له مطالبة نصف الدیة علی الجارح والاغماض عن القصاص لما سیأتی من أنّ کلّ مورد یکون لولی الدم القصاص بردّ بعض الدیة، یجوز له القصاص . . .

وکذا الحال فیما لم یکن الدواء السمّی مجهزاً ولکن یکون الغالب فیه التلف فإنّه فی الفرض ایضاً یسقط نصف الدیة ویجوز لولی المقتول القصاص من الجارح بعد ردّ نصف الدیة أو مطالبة نصفها والاغماض عن القصاص فیما إذا استند الموت إلی کلا الأمرین من الجرح والمداواة.

أقول: لابدّ من تقیید کلّ ذلک بما إذا کان الجارح قاصداً قتل المجروح وإلاّ فلا موضوع للقصاص، بل یؤخذ منه نصف الدیة، ولم یظهر وجه الاطلاق فی کلام الماتن المحقق رحمهم الله حتی القول بالقصاص فی سرایة الجرح غیر القاتل فإنّ الموت فی

ص :32

المرتبة الثالثة: أن ینضمّ إلیه مباشرة حیوان

المرتبة الثالثة: أن ینضمّ إلیه مباشرة حیوان. وفیه صور: (الأولی): إذا ألقاه فی البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله، فعلیه القود[1]، لأنّ الإلقاء فی البحر إتلاف بالعادة، وقیل: لا قود، لأنّه لم یقصد إتلافه بهذا النوع وهو قوی. أمّا لو ألقاه إلی الحوت فالتقمه فعلیه القود، لأنّ الحوت ضارّ بالطبع فهو کالآلة.

الشَرح:

الفرض لم یستند إلی سرایته ولذا یسقط نصف الدیة، کما صرّح به الماتن، فإنّ سقوط نصف الدیة شاهد أکید علی عدم استناد الموت إلی السرایة.

ومما ذکرنا یظهر الحال فیما إذا جرحه الجارح وخاط المجروح الجرح المزبور فمات بسرایة الجرح والخیط، فإنّه مع استناد موته إلیهما معاً، یسقط نصف الدیة، فإن کان من قصد الجارح قتله فلولیّ المقتول القصاص بردّ الدیة وإلاّ یکون علی الجارح نصف الدیة. ویأتی إن شاء اللّه أنّ الدیة تقسّط علی الجانبین ولا ینظر إلی قوة جنایة أحدهما وضعف الآخر أو إلی تعدّد جنایة أحدهما ووحدة جنایة الآخر.

وعلی الجملة یجری فی الفرض أیضاً ما إذا کان جرح الجانی بقصد القتل أو کان جرحه قاتلاً نوعاً وإلاّ فلا موجب للقصاص بل یکون علیه نصف الدیة مع استناد القتل إلی کلا الأمرین کما هو المفروض فی المقام.

[1] بلا فرق بین أن یقصد قتله بالإلقاء أم لا، فإنّ الإلقاء فی البحر یکون من الفعل القاتل عادةً، ومعه لا فرق أن یموت بالغرق فی البحر أو التقام الحوت أو بإصابة رأسه بالحجر فی البحر، وقد ذکر جماعة من الأصحاب أنّ علی ملقیه القود، لأنّ الألقاء فی البحر فی نفسه فعل قاتل غایة الأمر یکون الموت فیه غالباً بالغرق وتخلّف ذلک لا یوجب خروج فعله عن کونه مما یقتل بمثله.

ونظیر ذلک ما ألقاه من مکان شاهق فمات فی الأثناء قبل الوصول إلی الأرض من خوفه فإنّ الغالب فیه وإن یکون الموت بالوقوع علی الأرض إلاّ أن تخلّف ذلک

ص :33

(الثالثة): لو انهشه حیّةً قاتلةً فمات

(الثانیة): لو أغری به کلباً عقوراً فقتله[1]، فالأشبه القود، لأنّه کالآلة، وکذا لو ألقاه إلی أسد بحیث لا یمکنه الاعتصام فقتله سواء کان فی مضیق أو بریّة.

(الثالثة): لو انهشه حیّةً قاتلةً فمات، قتل به، ولو طرح علیه حیّة قاتلةً فنهشته فهلک، فالأشبه وجوب القود، لأنّه مما جرت العادة بالتلف معه.

الشَرح:

لا یکون خروج فعله عن کونه قاتلاً.

وما عن الماتن قدس سره من منع القصاص فی الفرض لا یمکن المساعدة علیه ولا فرق بین ما ذکر وبین ما یذکر بعد ذلک من إلقائه علی الحوت فالتقمه فعلیه القود، لأنّ الحوت ضارّ بالطبع فهو کالآلة.

وعلی الجملة، الإلقاء فی البحر کالإلقاء إلی الحوت فعل قاتل عادةً، والتخلّف فی الفعل القاتل المقصود، یعدّ من التخلّف فی آلة القتل ولا یقاس ذلک بما إذا ألقاه من شاهق إلقاءً قاتلاً، ولکن قتله الغیر قبل وقوعه علی الأرض برمیة قاتلة فإنّ هذا من قبیل الاشتراک فی القتل مع استناده إلی کلا الفعلین أو إلی غیر الرامی فإنّ فعل إنسان آخر لا یعدّ آلة لفعل الملقی.

[1] ممّا ذکرنا فی الصورة الأولی یظهر الحکم فی الصورة الثانیة وهی ما إذا أغری به کلباً عقوراً بأن کان مما یقتل بعقره عادةً أو قصد أن یقتله بعقره فإنّه یکون علی مغریه القود فی کلتا الصورتین حیث إنّ عقر الکلب یعدّ آلة بالإضافة إلی فعل مغریه.

ونظیر ذلک إذا ألقاه إلی أسد لا یمکن له الفرار عنه فقتله فإنّ علی الملقی القود، حیث إنّ افتراسه لو لم یکن أقوی من عقر الکلب العقور فلا ینبغی التأمّل فی أنّه لا یقصر عنه. نعم لو أمکن له الفرار فامتنع عنه لا یکون علی الملقی قود ولا دیة، لأنّه القاتل والمعین علی نفسه، وقد تقدّم أن نفی القود أو الدیة عن الملقی لا یستلزم جواز فعله وعدم تعلّق التعزیر علیه.

ص :34

(الرابعة): لو جرحه ثم عضّه الأسد وسرتا

(الخامسة): لو کتّفه وألقاه فی أرض مسبعة

(الرابعة): لو جرحه ثم عضّه الأسد وسرتا[1]، لم یسقط القود وهل یرد فاضل الدیة؟ الأشبه نعم، وکذا لو شارکه أبوه أو اشترک عبد وحرّ فی قتل عبد.

(الخامسة): لو کتّفه وألقاه فی أرض مسبعة، فافترسه الأسد اتفاقاً، فلا قود وفیه الدیة.

الشَرح:

وکذا یظهر الحال فیما یذکره فی الصورة الثالثة من إنهاشه حیّة قاتلة بأن قبض الحیّة وألقمها من جسده فإنّ الانهاش فعل یقتل بمثله فیکون علیه القود نظیر ما طرح علیه حیّة فنهشه فمات.

[1] ولو جرحه بقصد قتله أو بجرح قاتل وعضّه الأسد فمات بسرایتهما یکون علی الجارح القود، لأنّ المفروض أنّه بقصده القتل أو کون جرحه قاتلاً، متعمّد فی القتل غایة الأمر بما أنّ الموت مستند إلی أمرین أحدهما فعله والآخر فعل الأسد، یثبت القصاص للولیّ عنه بردّ فاضل الدیة أی نصفها، نظیر ما إذا قتل الابن اثنان أحدهما أبوه والآخر الأجنبی، فإنّ القصاص یتعلّق علی الأجنبی حیث لا یقتصّ من الأب، ولکن یردّ نصف الدیة علی الأجنبی.

وکذلک فیما قتل العبد اثنان أحدهما حرّ والآخر عبد یتعلّق القصاص علی العبد ویردّ نصف قیمته علی مولاه.

ودعوی الفرق بین اشتراک الأب والأجنبی فی قتل الولد أو قتل العبد باشتراک الحرّ والعبد وبین عضّ الأسد فإنّ جنایة الأسد غیر مضمونة بخلاف جنایة الأب والحرّ، لا یمکن المساعدة علیها فإنّ جنایة الأسد کما أنها غیر مضمونة بالإضافة إلی الغیر کذلک غیر مضمونة بالإضافة إلی الجارح بعد صدق استناد القتل إلی جرحه وعضّ الأسد، بل ربما یقال إنّه لو نهشته بعد عضّ الأسد حیّة فمات بحیث استند موته إلی جرح الجانی وعضّ الأسد ونهش الحیّة، یرد علیه الثلثان من الدیة فإنّ الفرض کاشتراک ثلاثة فی قتل

ص :35

المرتبة الرابعة: أن ینضمّ إلیه مباشرة إنسان آخر

(الأولی): لو حفر واحد بئراً

المرتبة الرابعة[1]: أن ینضمّ إلیه مباشرة إنسان آخر، وفیه صور:

(الأولی): لو حفر واحد بئراً فوقع آخر بدفع ثالث، فالقاتل الدافع دون الحافر، وکذا لو ألقاه من شاهق، فاعترضه آخر فقدّه نصفین قبل وصوله الأرض، فالقاتل هو المعترض. ولو أمسک واحد وقتل آخر فالقود علی القاتل دون الممسک، لکنّ الممسک یحبس أبداً، ولو نظر إلیهما ثالث لم یضمن، لکن تسمل عیناه، أی تفقأ.

الشَرح:

واحد ولا یبعد أن یکون الأمر کذلک بعد فرض الاستناد المزبور.

ولا یخفی أنّه یکون القصاص من الجارح فی فرض قصده القتل أو کون جرحه قاتلاً نوعاً، وإلاّ یکون علیه نصف الدیة أو ثلثه لا القصاص کما أنّ الأمر فی مقدار الدیة کذلک لو أغمض الولی عن الاقتصاص وطالبه بالدیّة.

ولا یخفی أیضاً أنّ الکلام فی المسألة ما إذا لم یکن عضّ الأسد ونهش الحیّة مستنداً إلی فعله بإلقاء المجنی علیه فی أرض مسبعة وإلاّ یکون الحال فیها کالحال فی الصورة الخامسة التی ذکرها بقوله «ولو کتّفه وألقاه فی أرض مسبعة . . . » أی أرض یوجد فیه السباع، فإنّه لو کان إلقائه فیها بقصد قتله بافتراس السبع أو کان السباع فیها بنحو یکون الافتراس فیه أمراً غالبیاً یتعلّق علی الملقی القود مع تحقّق الهلاک وإن کان وجود السبع وافتراسه أمراً نادراً ولم یکن من قصده قتله، یکون علیه الدیة ویظهر وجه ذلک کلّه مما تقدّم، کما یظهر وجه الخلل فیما ذکره الماتن قدس سره من نفی القود، إلاّ أن یکون مراده عدم کون القصد بالإلقاء قتله.

[1] المرتبة الرابعة: ما إذا کان فعل إنسان آخر دخیلاً فی تحقّق القتل من القاتل ولهذه المرتبة صور:

(والصورة الاولی): ما إذا کان فعل المباشر بحیث یستند القتل إلیه وإن کان فعل

ص :36

.··· . ··· .

الشَرح:

الآخر دخیلاً فی تحقّق القتل من المباشر، کما إذا حفر بئراً ووقع فیه إنسان بدفع آخر فمات الواقع، فإنّ القتل یستند إلی الدافع وإن یکن حفر البئر دخیلاً فی تحقّقه بحیث لو لا حفرها لما کان الدافع قاتلاً.

ونظیر ذلک ما إذا ألقاه من شاهق وقبل أن یصل إلی الأرض اعترضه آخر فقدّه نصفین بسیفه فإنّ القتل یستند إلی من قدّه نصفین وإن کان یقتل لولا القدّ، بالوقوع الأرض.

نعم، إذا کان المعترض له یعدّ کالآلة کما إذا ألقاه فی دار المجانین فاعترضه مجنون فقتله، یکون القود علی الملقی فیما إذا کان إلقائه فیها بقصد قتله أو کان الإلقاء فیها قاتلاً عادة کما تقدّم نظیره فی الإلقاء فی البحر فالتقمه الحوت قبل وقوعه فی الماء.

ومن قبیل ما ذکر من استناد القتل إلی المباشر ما لو أمسکه واحد وقتله الآخر فإنّ القود علی القاتل دون الممسک، نعم یحبس الممسک أبداً حتّی یموت ولو کان فی البین ثالث ناظراً أی: مراعیاً لهما فی إتمام فعلهما لم یضمن کالممسک إلاّ أنّه تسمل عیناه أی تفقأ وتشقّ.

ویدلّ علی ذلک صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قضی علی علیه السلام فی رجلین أمسک أحدهما وقتل الآخر، قال: یقتل القاتل، ویحبس الآخر حتی یموت غمّاً، کما حبسه حتّی مات غمّاً»(1) ونحوها مرفوعة سماعة(2).

ص :37


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 17 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 17 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2.

.··· . ··· .

الشَرح:

وفی معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّ ثلاثة نفر رفعوا إلی أمیر المؤمنین علیه السلام واحد منهم أمسک رجلاً وأقبل الآخر فقتله والآخر یراهم فقضی فی (صاحب) الرؤیة أن تسمل عیناه وفی الذی أمسک أن یسجن حتی یموت کما أمسکه وقضی فی الذی قتل أن یقتل(1).

وقد ذکر بعض الأعلام أنّ الممسک یحبس بعد ضرب جنبیه ویجلد کلّ سنة خمسین جلدة، واستشهد لذلک بمعتبرة عمرو بن أبی المقدام «أنّ رجلاً قال لأبی جعفر المنصور وهو یطوف: یا أمیر المؤمنین إنّ هذین الرجلین طرقا أخی لیلاً فأخرجاه من منزله فلم یرجع إلیّ، وواللّه، ما أدری ما صنعا به، فقال لهما: ما صنعتما به؟ فقالا: یا أمیر المؤمنین کلّمناه ثم رجع إلی منزله _ إلی أن قال _ فقال لأبی عبداللّه علیه السلام جعفر بن محمد اقض بینهم _ إلی أن قال _ فقال: یا غلام اکتب بسم اللّه الرحمن الرحیم قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله کلّ من طرق رجلاً بالیل فأخرجه من منزله فهو ضامن إلاّ أن یقیم علیه البینّة أنّه قد ردّه إلی منزله یا غلام! نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر، فقال: یابن رسول اللّه واللّه ما أنا قتلتْهْ ولکنّی أمسکته، ثم جاء هذا فوجأه فقتله، فقال: أنا ابن رسول اللّه، یا غلام نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر فقال: یابن رسول اللّه ما عذّبته ولکنّی قتلته بضربة واحدة، فأمر أخاه فضرب عنقه، ثمّ أمر بالآخر فضرب جنبیه وحبسه فی السجن ووقع علی رأسه (یحبس عمره ویضرب فی کلّ سنة خمسین جلدة)(2).

ولکن لا یخفی أنّها واردة فیمن أخرج المقتول من منزله لیلاً، ومن المحتمل أن یکون ضرب جنبیه وضرب خمسین کلّ سنة من جهة إخراجه المقتول من منزله لیلاً

ص :38


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 17 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 18 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1.

الثانیة: إذا أکرهه علی القتل

الثانیة: إذا أکرهه علی القتل فالقصاص علی المباشر دون الآمر[1] ولا یتحقق الإکراه فی القتل ویتحقق فیما عداه. وفی روایة علی بن رئاب یحبس الآمر بقتله حتی یموت. هذا إذا کان المقهور بالغاً عاقلاً ولو کان غیر ممیّز کالطفل والمجنون فالقصاص علی المکره لأنّه بالنسبة إلیه کالآلة.

الشَرح:

ولا یمکن تسریة هذا الحکم إلی مطلق الممسک، واللّه العالم.

[1] ظاهر کلامه قدس سره أنّه إذا أکرهه المکره علی قتل شخص لا یجوز للمأمور قتله فإن قتله یجری علیه القود ویحبس الآمر بقتله حتّی یموت ویقال مع ذلک بعدم تحقّق الإکراه فی القتل، لأنّه مع علم المأمور بأنّه علی تقدیر العمل بأمر الآمر یقتل قصاصاً لأنّ النفس بالنفس فلا یکون موافقة أمر الآمر توقیة لنفسه عن الهلاک.

والمعتبر فی موارد تحقق الإکراه أن یکون الموافقة علی إکراه المکره _ بالکسر _ توقیة لنفسه من الضرر الأعظم ولذلک ذکر الماتن قدس سره تحقق الإکراه فی غیر القتل کما إذا أمَرَ بجرح الآخر أو قطع عضوه کیده وإلاّ _ أی إن خالف المأمور أمره _ یقتله، فإنّه الإکراه المجوّز.

ویلزم علی ذلک أنّه لو أمره بقطع ید غیره أو جرحه مثلاً، فإن لم یقطع أو لم یمتثل أمره یقطع ید المأمور وإن لم یجرحه یجرح الآمر المأمور، فلا یتحقق الإکراه المجوّز، لأنّه لیس امتثال أمره توقیة لنفسه من الضرر الأعظم، بخلاف ما إذا قال إن لم یقطع أو لم تجرح قتلتک فإنّه یتحقق فی هذه الصورة الإکراه المجوّز، ولکن لا یخفی أنّ رفع الإکراه امتنانیة وکما لا ترفع الحرمة فیما إذا أکرهه علی قتل الغیر کذلک لا ترفع فی موارد القطع والجرح وإن کان الضرر المتوعّد به قتل المکره _ بالفتح _ .

وعلی الجملة، لا حکومة لرفع الإکراه فی هذه الموارد مما یکون الرفع فیها خلاف الامتنان علی الغیر بل یکون هذه الموارد داخلاً فی عنوان التزاحم بین حرمة

ص :39

.··· . ··· .

الشَرح:

الجنایة علی الغیر وبین وجوب حفظ النفس عن الهلاکة والتلف والجنایة.

والحاصل: أنّ المشهور عدم جواز قتل الغیر بالإکراه علیه ویتعلّق علی المکره _ بالفتح _ القود ویحبس الآخر.

ویدلّ علیه صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام «فی رجل أمر رجلاً بقتل رجل فقتله فقال: یقتل به الذی قتله ویحبس الآمر بقتله فی الحبس حتی یموت»(1).

فإنّ هذه الصحیحة لو لم تکن ظاهرة فی خصوص الإکراه فلا أقلّ من إطلاقها.

وصحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «إنّما جعل التقیة لیحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فلیس تقیة»(2)، ونحوها موثقة أبی حمزة الثمالی(3)، فإنّ قتل الغیر بالتقیّة التی داخلة فی الاضطرار إذا کان غیر مشروع فلا یجوز فعله بالإکراه علیه، بل یمکن التمسّک بما دلّ علی حرمة قتل النفس المحترمة بعد بیان عدم رافعیّة الإکراه والاضطرار حرمته فیکون المقام نظیر ما إذا کان إنسان یموت جوعاً إلاّ أن یقتل إنساناً آخر فیأکل لحمه، وکما أنّه لا یتحقّق الاضطرار الرافع فی المثال فکذا الإکراه فی مفروض الکلام.

ولکن ذکر بعض المحقّقین قدس سره (4) أنّه لو أکرهه علی قتل شخص وکان ما توعدّ به من الضرر دون القتل فلا یجوز قتل الشخص المزبور، فلو قتله المکره _ بالفتح _، کان علیه القود وعلی المکره _ بالکسر_ الحبس المؤبدّ، وأمّا إذا کان الضرر المتوعّد به هو القتل فلا یبعد

ص :40


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1.
2- (2) الوسائل: ج 11، الباب 31 من أبواب الأمر والنهی وما یناسبهما، الحدیث 1.
3- (3) الوسائل: ج 11، الباب 31 من أبواب الأمر والنهی ومایناسبهما، الحدیث 1.
4- (4) مبانی تکملة المنهاج: ج 2، ص 13.

.··· . ··· .

الشَرح:

الالتزام بأنّه یجوز للمکره قتله، ولکن یتعلّق علیه الدیة ویحبس المکره _ بالکسر _ مؤبدّاً.

والوجه فی هذا التفصیل أنّ حدیث رفع الإکراه وإن لا یرفع حرمة قتل النفس فی الفرض لاختصاص الرفع بموارد الامتنان فی الرفع إلاّ أنّ حرمة قتل الغیر مع وجوب حفظ النفس وعدم تعریضه للهلاک من المتزاحمین وحیث لا ترجیح فی البین، فلا مناص من الالتزام بالتخییر وعلیه یکون القتل سائغاً وغیر صادر عن ظلم وعدوان، فلا یترتّب علیه القصاص، ولکن یثبت الدیّة علی القاتل، لأنّ دم أمرء مسلم لا یذهب هدراً ولا یقاس بمسألة الاضطرار إلی قتل الغیر وأکل لحمه، لأنّ فی حفظ النفس فی هذا الفرض ارتکاب محرّمین قتل الغیر وأکل لحمه.

أقول: ما یمکن لنا من إحراز التساوی هو تساوی ملاک قتل النفس مع ملاک قتل الغیر، وأمّا تساوی صلاح التحفّظ علی النفس من هلاکتها مع ملاک حرمة قتل النفس المحترمة فلا سبیل لنا إلی إحرازه ومن المحتمل حدّاً أن یکون فساد قتل المؤمن متعمّداً أکبر من صلاح التحفّظ علی نفسه کما لا یبعد استفادة ذلک من قوله علیه السلام «إنّما شرع التقیة لیحقن به الدم وإذا بلغ الدم فلا تقیة» وعلیه فوجوب التحفّظ علی النفس منوط علی جواز ما یتوقّف علیه ومع شمول الاطلاق فیما دلّ علی حرمة قتل المؤمن متعمّداً، لقتل الغیر إکراهاً، ینتفی وجوب التحفّظ علی النفس لعدم التمکن علیه لحرمة مقدّمته.

هذا کلّه إذا کان المکره _ بالفتح _ بالغاً عاقلاً، وأمّا إذا کان مجنوناً أو صبیّاً غیر ممیّز یتعلّق القود علی الآمر حیث أنّ المجنون والصبی غیر الممیز یحسب آلة للآمر.

وإذا کان الصبی ممیّزاً فلا یتعلّق علیه القود بل یتعلّق الدیة علی عاقلته، لما دلّ علی أنّ عمد الصبی خطأ تحمله العاقلة کما یأتی، ویتلعّق بالآمر یعنی _ المکره _ باکسر

ص :41

.··· . ··· .

الشَرح:

ما تقدّم من أنّه یحبس مؤبدّاً. والوارد فی صحیحة زرارة المتقدّمة وإن کان فرض الآمر رجلاً وکذا المأمور، إلاّ أنّ المتفاهم أنّ ذکر الرجل من باب المثال.

ولو أمر امرأة بقتل الغیر فقتلته، یتعلّق القود بالمرأة ویحبس الآمر.

وعلی الجملة لکلّ من یتصدّی لقتل الغیر بإکراه المکره وکان المتصدّی فاعلاً مختاراً یتعلّق بالمکره الحبس عقوبة علی ما أکرهه، کما یتعلّق القود بالمتصّدی إلاّ فیما إذا کان غیر بالغ، لأنّ عمد الصبی وخطأه سیّان.

بقی فی المقام أمران:

أحدهما: ما أشار إلیه الماتن المحقق قدس سره من أنّ الصبی الممیّز یقتصّ منه إذا بلغ عشر سنین علی ما ذکره بعض الأصحاب.

ولعلّه لما ورد فی الصبی البالغ عشر سنین أنّه یصحّ وصیتّه وتصدّقه ویحمل علیه ما ورد فی معتبر السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل وغلام اشترکا فی قتل رجل فقتلاه، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه وإذا لم یکن یبلغ خمسة أشبار قضی بالدیّة»(1).

وفیه أنّ ما ورد نفوذ وصیتّه إذا بلغ عشر سنین مع اختصاصه بقسم من الوصیة کما ذکر فی محلّة، لا یوجب جواز الاقتصاص، والمعتبرة معارضة، بما دلّ علی أنّ عمد الصبی وخطأه سیّان حیث أنّ ظاهره الصبی المُمَیّز، وإلاّ فلا عمد لغیر المُمَیّز، فإنّه کالآلة کما تقدّم فیرجع إلی ما دلّ علی رفع القلم عن الصبی بعد اختصاص کلّ منهما بالممیّز کما لا یخفی.

ص :42


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1.

ویستوی فی ذلک الحرّ والعبد[1]، ولو کان ممیّزاً عارفاً غیر بالغ وهو حرّ فلا قود، والدیة علی عاقلة المباشر، وقال بعض الأصحاب: یقتصّ منه إن بلغ عشراً وهو مطرح وفی المملوک الممیّز تتعلّق الجنایة برقبته فلا قود. وفی الخلاف: إن کان المملوک صغیراً أو مجنوناً سقط القود ووجبت الدیة والأوّل أظهر.

الشَرح:

ثانیهما: ما ربما یتبادر إلی الذهن أنّه یجوز للإنسان قتل الغیر فی مورد إکراهه علی قتله مع کون الضرر المتوعّد به القتل بعنوان الدفاع عن النفس.

ولکنّه وهم محض، فإنّ الجایز فی مورد الدفاع عن النفس، قتل المتعدی والمهاجم علیه وهو فی الفرض المکره _ بالکسر _ لا الغیر.

وأمّا دعوی جواز قتل الغیر للاضطرار علیه فقد تقدّم أنّ الاضطرار لا یوجب جواز قتل الغیر کما هو المستفاد من نفی التقیّة بإراقة الدم ونحوه.

نعم لو قام فی مورد دلیل علی جوازه کما فی تترّس الکفّار فی قتالهم ببعض المسلین فذلک أمر آخر یلتزم فیه بالجواز.

[1] المشهور بین الأصحاب أنّه لا فرق فیما تقدّم بین کون المکره _ بالفتح _ حرّاً أو عبداً فیتعلّق القود بالعبد ویحبس سیّده الآمر عبده بقتل الغیر مؤبّداً.

قال الماتن قدس سره فی النافع ولو کان المأمور عبده قولان أشبههما أنّه کغیره. وظاهر ذلک وجود القائل بعدم تعلّق القود بالعبد بل یتعلّق القود بالسید ویحبس العبد، ولکن هذا غیر منقول إلاّ عن الاسکافی، وقیل مال إلیه صاحب الوافی لموثقة إسحاق بن عمّار عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجل أمر عبده أن یقتل رجلاً فقتله قال: یقتل السیّد به»(1).

ص :43


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1.

.··· . ··· .

الشَرح:

وفی معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل أمر عبده أن یقتل رجلاً فقتله، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : وهل عبد الرجل إلاّ کسوطه أو کسیفه، یقتل السید ویستودع العبد السجن»(1) ورواها الصدوق باسناده إلی قضایا أمیر المؤمنین علیه السلام .

ونقل العلامة فی المختلف عن الشیخ فی الخلاف أنّه قال اختلف روایات أصحابنا فی أنّ السید إذا أمر عبده بقتل غیره فقتله فعلی من یجب القود؟ فروی بعضها أنّ علی السید القود وفی بعضها علی العبد القود والوجه فی ذلک أنّه إن کان العبد مخیّراً عاقلاً یعلم أنّ ما أمره به معصیة فإنّ القود علی العبد وإن کان صغیراً أو کبیراً لا یمیّز واعتقد أنّ جمیع ما یأمره به سیّده واجب علیه، کان القود علی سیّده.

وقال الشیخ قدس سره فی التهذیب بعد نقل الخبرین: «قال محمد بن الحسن هذان الخبران قد وردا ما أوردناهما وینبغی أن یکون العمل علی الخبر الأول (یعنی الخبر الأول قبل الخبرین الدالّ علی الاقتصاص من مباشر القتل) لأنّه موافق لظاهر کتاب اللّه والأخبار الکثیرة التی قدّمناها، لأنّ القرآن قد نطق أنّ النفس بالنفس، وقد علمنا أنّه ما أراد إلاّ النفس القاتلة، والأخبار التی قدّمناها فیمن اشترک بالرؤیة والإمساک والقتل تؤیّد ذلک أیضاً، لأنّ القصاص فیها إنّما أوجب علی القاتل ولم یوجب علی الممسک ولا علی الناظر وقد علمنا أنّ الممسک أمره أعظم من الآمر وإذا کان الخبران مخالفین للقرآن والأخبار فینبغی أن یلغی أمرهما ویکون العمل بما سواهما علی أنه یحتمل الخبران وجهاً وهو أن یحملا علی من تکون عادته أن یأمر عبیده بقتل الناس ویغریهم بذلک

ص :44


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 33.

.··· . ··· .

الشَرح:

ویلجئهم إلیه، فإنّه یجوز للإمام أن یقتل من هذه حاله لأنّه مفسد فی الأرض» إنتهی(1).

أقول: لا یخفی ما فی کلامه قدس سره أوّلاً حمل الروایتین علی صورة اعتیاد المولی بأمر عبده أو عبیده بقتل الناس لکونه مفسداً فی الأرض، ینافی الأمر بحبس العبد القاتل حتّی یموت حیث أنّ مقتضی الحمل المزبور أن یقتل العبد قصاصاً ومولاه لکونه مفسداً، کما أنّ حمل الروایتین علی صورة کون العبد صغیراً، لا یمکن فإنّه مع کون العبد صغیراً بمنزلة الآلة له لا موجب لحبسه حتّی یموت.

وثانیاً: ما ذکره قدس سره من أنهما تخالفان الکتاب العزیز والروایات، غیر تامّ، حیث أنّ غایة ما یمکن أن یقال هو أنّ مقتضی إطلاق الآلة الاقتصاص من المباشر حتّی فیما کان عبداً قتل نفساً بأمر مولاه، فیرفع الید عن هذا الاطلاق بالروایتین کسایر الموارد التی یرفع الید عن اطلاق الآیة أو عمومها بالخبر المقیّد أو الخاص وشیء من الروایات لم یرد فی الاقتصاص عن العبد القاتل بأمر مولاه غایة ألأمر مقتضی الاطلاق فی بعض الروایات کصحیحة زرارة المتقدمة جریان القصاص علی العبد فیرفع بهما عن إطلاقها أیضاً. هذا کلّه فی المملوک البالغ العاقل.

وأمّا إذا کان صغیراً فیکون الصغیر کسوط المولی وسفیه بالفحوی ولذا یتعلّق علی مولاه القود ومع خطائه فی أمره یتعلّق علیه الدیة، کما لا یخفی.

وقد ذکر الماتن قدس سره أنّه لو کان المأمور ممیّزاً عارفاً غیر بالغ وهو حرّ فلا قود لا علی الآمر ولا علی المأمور لصغره، بل تکون الدیة علی عاقلة الصبی کما هو مقتضی

ص :45


1- (1) التهذیب: ج 10، ص 220.

.··· . ··· .

الشَرح:

ما ورد من أنّ عمد الصبی خطأ تحمله العاقلة.

وأما إذا کان المامور عبداً ممیزاً تتعلق الجنایة برقبته.

ولکن مقتضی ما ذکرنا أنّه لا فرق فی الممیز وغیره فی أنّ القود علی مولاه ومع خطأ المولی یکون علیه الدیة بلا فرق بین کون العبد بالغاً أو صغیراً.

ص :46

الأول: لو قال اقتلنی وإلاّ قتلتک

فروع

الأول: لو قال اقتلنی وإلاّ قتلتک[1] لم یسغ القتل، لأن الاذن لا یرفع الحرمة ولو باشر لم یجب القصاص، لأنّه کان ممیّزاً أسقط حقّه بالاذن فلا یتسلّط الوارث.

الشَرح:

[1] أقول: إذا قال شخص لآخر: اقتلنی وإلاّ اقتلنّک، ففی هذا صورتان:

إحداهما: أنّ المکره یعلم أو یطمئن بأنّه لو لم یقتله لما توجّه إلیه الضرر المتوعّد به فلا ینبغی التأمّل فی أنّه لا یجوز له قتل الآخر، حیث أن إذنه فی قتله لا یوجب ارتفاع الحرمة.

وما قیل من أنّ قتله وإن کان محرّماً أنّه لا یتعلّق علی المأمور القاتل القود، لأنّ المقتول بأمره أسقط ضمان النفس کما إذا أمره باتلاف ماله بإلقائه فی البحر فإنّه وإن لم یجز للمأمور إلقائه فی البحر، لأنّه تضییع وتبذیر للمال إلاّ أنّه إذا ألقاه فیه لم یکن علیه ضمان.

ولکن لا یخفی ما فی القیاس فإنّ ضمان المتلف مال الغیر إنّما هو من جهة حرمة ماله وإذا أسقط المالک حرمة ماله بالاذن لإتلافه بلا عوض فلا یبقی موجب للضمان وللمالک سلطنة علی ذلک وهذا لا ینافی عدم جواز الاتلاف بالمباشرة أو بالتسبیب تکلیفاً بانطباق عنوان محرّم علیه من تضییع المال أو غیره، وهذا بخلاف إتلاف النفس والعضو، فإنّه لیس للإنسان سلطنة علی إتلافهما أو إسقاط حرمتهما لیکون إذنه للغیر فی الاتلاف إسقاطاً لاحترامهما.

وعلی الجملة، القصاص نفساً أو طرفاً لیس عوضاً للتالف بل هو حق للجزاء علی الجنایة جعله الشارع لولیّ القصاص بعد فعلیّة الحقّ وما فی کلام الماتن وجماعة عدم

ص :47

الثانی: لو قال اقتل نفسک

الثانی: لو قال اقتل نفسک[1] فإن کان ممیّزاً فلا شیء علی الملزِم وإلاّ فعلی الُملزَم القود. وفی تحقّق إکراه العاقل هنا إشکال.

الشَرح:

القصاص فی الفرض، لأنّه أسقطه بالإذن فلا یتسلّط الوارث، لا یمکن المساعدة علیه.

ومما ذکرنا، ظهر أنّه لا ینفذ إذن الإنسان لغیره، لقلع عینه أو قلبه أو کلیته للترقیع إلی بدن مریض بالعوض أو مجاناً مع حیاته أو بعد موته لما ذکرنا من عدم سلطنة الشخص علی قتل نفسه أو الجنایة علیها بقطع عضوه لا حال حیاته ولا بعد مماته لیجوز الجنایة مع إذن صاحب العضو.

نعم یقال لا بأس بالترقیع یعنی العملیة الجراحیة لمن یتصدّی لها مع إذن صاحب العضو بنحو الوصیة أو بدونها، وفیما کان العضو من الحی مع عدم کون المقطوع منه من الأجزاء الرئیسة فإنّ الجنایة علی المیت أو قطع العضو من الحی وإن لم یکن فی نفسه عملاً جائزاً إلاّ أنّه فی مقام التزاحم بینه وبین وجوب إحیاء النفس الذی فی معرض التلف یجوز لأنّ إحیاء النفس أهمّ فلا أقلّ من احتمال الأهمّیة أو الأقل من عدم احتمال الأهمیة فی ناحیة قطع العضو من الحی أو المیت.

ولکن لا یخفی أنّه لا سبیل لنا إلی إحراز وجوب إحیاء النفس المنحصر مقدمته فی المحرم الذی یعدّ جنایة علی الحی أو المیت بل مقتضی حرمة الجنایة عدم التکلیف بوجوب الاحیاء، والاستدلال علی أهمیة الإحیاء بجواز الجنایة علی الغیر حفظاً للنفس کما إذا قال: اقطع ید زید وإلاّ أقتلک، غیر تام، لأنّ حرمة الإلقاء فی الهلکة أهمّ أو محتمل الأهمیة من قطع عضو الغیر ونحوه، بخلاف إحیاء النفس المشرفة علی الموت بالمرض، حیث أنّ وجوب إحیائها المتوقف علی الجنایة علی الغیر غیر معلوم فضلاً عن أهمیته، واللّه سبحانه هو العالم.

[1] لو قال اقتل نفسک فإن کان المأمور ممیّزاً أو بالغاً عاقلاً فقتل نفسه لم یتعلّق

ص :48

.··· . ··· .

الشَرح:

بالمکره قود ولا دیة بل یحبس إلی أن یموت لما تقدّم. وإن کان غیر ممیّز یتعلّق بالمکره القود.

وقد یقال بتحقّق الإکراه المجوّز لقتل النفس فیما إذا کان ما توعّد به من القتل من نوع أصعب(1).

ولکن هذا غیر صحیح لعدم جواز قتل النفس بوجه وإلاّ جاز قتل النفس اضطرار فیما إذا کان مرضه المهلک موجباً تحمّل الزجر مدّة طویلة، وأمّا إذا لم یکن فی البین إلاّ مجرّد الأمر من دون توعّد فقد ذکر الماتن قدس سره عدم شیء علی الملزم فیما إذا کان المأمور ممیزاً.

ولکن لا یبعد جریان الحبس علیه لعدم احتمال الفرق بین الأمر بقتل الغیر أو بقتل نفسه کما لا یخفی.

ینبغی التعرّض فی المقام لأمر وهو أنّه إذا علم المکلّف بأنّه لو لم یقتل نفسه یبتلی بالمحذور الأشدّ وما فیه وزره أعظم کما قد یتّفق ذلک للأسیر بید أعداء الدین حیث قد یعلم أنّه لو لم یقتل نفسه لم یتحمّل ما یفعله الأعداء من الزجر والعذاب، لأن یکشف لهم أسرار المسلمین ومکان قوّتهم ولا یجد عند زجرهم أیّ وسیلة لکتمان ما یریدون منه ومع الکشف عن أسرار المؤمنین ومکان قوّتهم تقع هزیمة یصعب علیهم تحمّلها ولا ینبغی التأمّل فی أنّه إذا أحرز مؤمن حال الأسیر وعدم تحمّله زجر الأعداء ویکشف لهم ما فیه ضرر عظیم وصدمة شدیدة علی المؤمنین یجب علیه التسبیب إلی قتله بید الأعداء لو أمکن وإلاّ یباشر قتله لکون ما یترتّب علی ترک قتله أشدّ وأعظم

ص :49


1- (1) مبانی تکملة المنهاج: ج 2، ص 17.

الثالث: یصحّ الإکراه فیما دون النفس

الثالث: یصحّ الإکراه فیما دون النفس، فلو قال: اقطع ید هذا أو هذا وإلاّ قتلتک، فاختار المکره أحدهما ففی القصاص تردّد[1] منشأه أنّ التعیین عری عن الإکراه والأشبه القصاص علی الآمر لأنّ الإکراه تحقّق والتخلّص غیر ممکن إلاّ بأحدهما.

الشَرح:

بمراتب من قتله ولکن لا یجوز للأسیر المزبور المطلع علی حاله وعدم تحمّله الزجر قتل نفسه بل یجب علیه الکتمان وعدم الکشف عن أسرارهم المؤمنین ومکان قوّتهم وغیر ذلک ولو عند الزجر بأیّ مرتبة.

نعم، إذا علم من حاله عدم التحمّل وأنّه یکشف الأسرار أثناء الزجر یکون قتل نفسه جائزاً لإرشاد العقل إلی اختیار أقل الوزرین نظیر ما ذکر فی توسّط الغاصب فی أرض مغصوبة من اختیار التصرّف الخروجی من باب أنّه ارتکاب بما فیه الوزر الأقل.

وعلی الجملة قد تقدّم ما یظهر منه عدم جواز قتل الإنسان نفسه لا بالإکراه ولا بالاضطرار فی حال، کما لا یجوز له قتل مؤمن من غیر حقّ لا بالإکراه ولا بالاضطرار إلاّ فی مورد توقّف التحفظ علی المصلحة الأهم ودفع الصدمة الشدیدة المتوجّهه علی الحوزة الأسلامیة والمؤمنین علیه. وفی مورد الجواز أو الوجوب کما ذکرنا یسقط القود علی القاتل وینتقل الأمر إلی الدیة لاحترام دم المؤمن وأنّه لا یذهب هدراً، واللّه العالم.

[1] مراده قدس سره أنّ الإکراه علی الجنایة علی الغیر یوجب ارتفاع حرمتها کما إذا قال: اقطع ید هذا وإلاّ قتلتک، فله قطع یده وإذا قطعها یکون القصاص علی المکره _ بالکسر _، لأنّ السبب مع جریان الاکراه أقوی من المباشر ولا یکون علی المکره _ بالفتح _ شیء. وکذا ذکروا أنّه لو أکرهه علی إتلاف مال الغیر یکون ضمان إتلافه علی المکره _ بالکسر _ ولا یجوز للمالک الرجوع إلی المکره _ بالفتح _ .

ص :50

الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما یوجب قتلاً کالقصاص

الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما یوجب قتلاً کالقصاص، أو شهد أربعة بما یوجب رجماً کالزنا، وثبت أنهم شهدوا زوراً بعد الاستیفاء لم یضمن الحاکم

الشَرح:

ولکن ما ذکروه من ثبوت القود علی المکره _ بالکسر _ بدعوی أنّ استناد القطع إلیه أولی وأقوی من استناده إلی المباشر لا یخفی ما فیه، لأنّه یصحّ أن یقال إنّه لم یقطع یده بل قطعه فلان بإکراه منه، ولذا استشکل فی القواعد فیما ذکروه بل المتعین فی الفرض ثبوت الدیة علی المکره _ بالفتح _ لفرض جواز قطعه الموجب لارتفاع الجنایة ظلماً وعدواناً. نعم للمکره _ بالفتح _ الرجوع إلی المکره _ بالکسر _ فیما خسره من الدیة حیث أنّه أتلفها علیه بإکراهه.

وبهذا یظهر الحال فیما لو قال له اقطع ید هذا أو ذاک وإلاّ قتلتک فإنّه لا یتعلّق بالمکره _ بالفتح _ إلاّ الدیة، ولیس علی المکره _ بالکسر_ إلاّ التعزیر مع عدم کونه مفسداً فی الأرض، وذکر إیضاً فی الإکراه علی إتلاف المال ضمان المکره _ بالفتح _ غایة الأمر یرجع إلی المکره لإتلافه علیه بإکراهه.

وإیضاً ظاهر الماتن وغیره أنّ جواز الجنایة لقاعدة رفع الأکراه وذکرنا فیما تقدّم عدم جریان الأکراه فی موارد یکون رفع التکلیف فیها خلاف الامتنان وإنّما یجوز الجنایة علی الغیر فی طرفه أو ماله للمزاحمة بین حرمة إضرار الغیر والجنایة علیه وبین وجوب التحفظ علی نفسه ولو لم یکن الثانی أهمّ فلا أقلّ من احتمال کونه أهم.

وتظهر الثمرة بین جریان الإکراه وبین ملاحظة التزاحم فیما لو قال: اقطع ید فلان وإلاّ قطعت یدیک فإن قیل بجواز القطع لرفع الإکراه جاز قطع یده لأنّ الضرر المتوعّد به علی ترکه، أکثر من اضراره بخلاف ما إذا قلنا أنّ الجواز للتزاحم فإنّ حرمة الجنایة علی الغیر بقطع یده مع وجوب التحفظ علی یدیه متزاحمان ولا سبیل لنا إلی إحراز الأهمیّة فی وجوب التحفظ علی یدیه بل ولا احتمال الأهمیّة من دون احتمالها

ص :51

ولا الحداّد وکان القود علی الشهود[1]، لأنّه تسبیب متلف بعادة الشرع.

نعم، لو علم الولی وباشر القصاص کان القصاص علیه دون الشهود، لقصده إلی القتل للعدوان من غیر غرور.

الشَرح:

فی ناحیة حرمة قطع ید الغیر.

[1] الصورة الثالثة من المرتبة الرابعة التی یکون انضمام فعل إنسان آخر دخیلاً فی تحقّق القتل، ما إذا شهد اثنان بما یوجب قتلاً کما إذا شهدا بموجب القصاص أو شهد أربعة بما یوجب الرجم کالزنا وثبت أنّهم شهدوا بالموجب زوراً وبهتاناً فإنّه لا خلاف فی ضمان الشهود وأنّه یتعلّق علیهم القود، لما ذکرنا فی بحث الشهادة من اعتبار الشارع شاهد الزور متلفاً فی الأموال وغیرها.

وفی معتبرة مسمع کردین عن أبی عبداللّه علیه السلام المرویة فی الفقیه «فی أربعة شهدوا علی رجل بالزنا فرجم ثمّ رجع أحدهم فقال شککت فی شهادتی قال: علیه الدیة قال: فإنّه قال شهدت علیه متعمّداً، قال: یقتل»(1).

والمراد أنّ علیه ربع الدیة أو القتل بعد إرجاع ثلاثة أرباع الدیة إلی أولیائه، بقرینة غیرها کمعتبرة السکونی الآتیة.

ومنها صحیحة إبراهیم بن الأزدی، قال: «سألت أبا عبداللّه عن أربعة شهدوا علی رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته قال: فقال: یقتل الرابع (الراجع) ویؤدّی الثلاثة إلی أهله ثلاثة إرباع الدیة»(2).

والمراد من رجوعه، الاعتراف بتعمّده بقرینة غیرها.

ص :52


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 12 من أبواب الشهادات، الحدیث 3: 24.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 12 من أبواب الشهادات، الحدیث 2: 240.

الرابعة: لو جنی علیه فصیّره فی حکم المذبوح

الرابعة: لو جنی علیه فصیّره فی حکم المذبوح[1]، وهو أن لا تبقی حیاته مستقرّه وذبحه آخر فعلی الاوّل القود وعلی الثانی دیة المیت واذا کانت حیاته مستقرّةً فالأول جارح والثانی قاتل سواء کانت جنایته مما یقضی معها بالموت غالباً کشقّ الجوف وآلامه أو لا یقضی به کقطع الانملة.

الشَرح:

وفی معتبرة السکونی عن جعفر، عن أبیه، عن علی علیه السلام . . . «وقال فی أربعة شهدوا علی رجل أنهم رأوه مع امرأة یجامعها وهم ینظرون، فرجم ثمّ رجع واحد منهم، قال: یغرم ربع الدیة إذا قال شبّه علیّ، وإذا رجع اثنان وقالا شبّه علینا غرّما نصف الدیة، وإن رجعوا کلّهم وقالوا: شبّه علینا غرّموا الدیة، فإن قالوا: شهدنا بالزور قتلوا جمیعاً»(1).

وعلی ذلک فهذه الروایات ونحوها تنفی ضمان الدیة عن الحاکم والحدّاد وتثبت ضمانها أو القود علی الشهود، وهذا یجری فی الشهادة بموجب القصاص أیضاً.

نعم، لو استوفی الولی القصاص بعد ثبوت موجبه عند الحاکم، وکان عالماً بتزویر الشهود وبطلان شهادتهم، یکون القصاص علی الولی، لأنّه قاتله عدواناً من غیر غرور.

وأمّا إذا لم یباشر الولی القصاص وطلب من الحدّاد الاستیفاء فهل یکون الحال کما اذا باشره فی تعلّق القصاص علی الولیّ أو یکون الولیّ فی الفرض أحد الشرکاء فی التقل لا یبعد الأول لاستناد القتل إلی طلبه مع علمه بالحال.

[1] ذکروا أنّه لو جنی علی شخص فجعله فی حکم الإنسان المذبوح بأن لا تبقی له معها حیاة مستقرة والمراد بعدم بقاء الحیاة المستقرة، عدم بقاء إدراک وشعور ولا نطق ولا حرکة اختیاریة له ثمّ ذبحه آخر، کان القود علی الجانی الأول، وعلی الثانی

ص :53


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 14 من أبواب الشهادات، الحدیث 2: 243.

.··· . ··· .

الشَرح:

دیة الجنایة علی المیت، حیث أنّه یصدق فی الفرض علی الأول أنّه قاتله والجنایة الثانیة الواردة علیه لا تقصر عن الجنایة علی المیت قطعاً فیکون علی الثانی دیة الجنایة علی المیت.

وأمّا لو کانت حیاته مستقرة یتعلق القصاص بالجانی الثانی حیث یستند قتله إلیه حتّی لو فرض أنّ الجنایة الأولی کانت مفضیة إلی موته أیضاً لو لا الجنایة الثانیة فإنّ الجنایة الثانیة تمنع عن سرایة الأولی وإفضائها إلی الوت.

وربما یتبادر إلی الذهن أنّ ما ذکروا فی المقام من أنّ مع عدم بقاء الحیاة المستقرة فی المجنی علیه بالمعنی المزبور یحسب الجنایة الثانیة، جنایة علی المیت حتّی ما إذا کانت الجنایة الثانیة موجبة لتعجّل زهوق روحه، ینافی ما ذکروا فی باب التذکیة من أنّه إذا تردّی حیوان من جبل أو أصابه بما لا یحلّ الصید به وأدرکه وهو حیّ عینه تطرف وذنبه تتحرّک فذکّاه، یکون حلالاً فإنّه یعمّ ما إذا کانت طرفة عینه وتحرّک ذنبه غیر اختیاریّ وبدءً لزهوق روحه ولو کانت الجنایة الثانیة فی الإنسان المزبور جنایة علی المیت یکون فری الأوداج فی الحیوان فی المثال من قطع أوداج الحیوان المیت.

ولکن الجواب أنّ مما ذکروا فی تذکیة الحیوان مقتضی الروایات الواردة فی أنّه مع قطع أوداج الحیوان بالذبح قبل أن یزهق روحه ذکاة فیحلّ بها أکله.

وذکر فی القواعد أنّه لو قتل مریضاً مشرفاً وجب القود، وظاهر صاحب الجواهر قدس سره حمله علی صورة الحیاة المستقرّة للمشرف بالمعنی المتقدّم وقرّره لصدق القتل عرفاً ولکن نقل عن کشف اللّثام ثبوت القود حتی فیما إذا لم یکن للمشرف المزبور الحیاة المستقرة بالمعنی المتقدم وأنّه یتعلّق القود بالجانی فی کلتا الصورتین لصدق القتل وفرق بین الجانی علی المشرف وما تقدّم من الجنایتین مع

ص :54

الخامسة: لو قطع واحد یده وآخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلک

الخامسة: لو قطع واحد یده وآخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلک[1]، فمن اندمل جرحه فهو جارح والآخر قاتل یقتل بعد ردّه دیة الجرح المندمل.

الشَرح:

فرض عدم حیاة مستقرة للمجنی علیه بالجنایة الأولی بأنّ الموجب للقصاص من الجنایتین ما إذا استند تلف النفس إلیها هذا لا یجری فی المریض ولیس موجب تعلق القصاص فی الجنایة علی المریض المشرف أنّ المریض ربّما تنتهی حالته إلی مثل تلک الحالة ثم یبرأ لا ان هذا مشترک بین المریض والمجنی علیه.

ولکن ناقش فی هذا الکلام بأنّه مع فرض المریض من عدم بقاء الحیاة المستقرة له لا وجه للقود فیه وفرض البرء مع الحالة المزبورة لا یتحقق لا فی المجنی علیه ولا فی المریض المفروض(1).

أقول: الظاهر هو الفرق فی استناد القتل بین الفرضین کما یظهر بالتأمّل، وأن لا یطرء فیهما إلاّ بنحو خرق العادة.

[1] المراد استناد موته إلی الجرح غیر المندمل وأنه أهلکه بالسرایة فیکون علی الجارح المزبور القصاص فیما إذا کان فصده من الجنایة قتله حیث أنّ قطع الید أو الرجل لا یکون مما یقتل به عادة، وقد تقدّم أنّ الموجب للقصاص فی الهلاک مع السرایة أحد الأمرین، إمّا قصد القتل أو کون الجرح مما یقتل مثله، وأمّا الجارح الآخر المندمل الجرح الوارد بجنایته، فإن کان بقصد القتل أم لا فعلیه القصاص فی الطرف أو الدیة مع التراضی، وظاهر الماتن وغیره أنّه یقتص قصاص النفس من الجانی الذی هلک المجنی علیه بسرایة جرحه بعد ردّ نصف الدیة علیه أیّ دیة العضو الذی اندمل جراحته وقیّده بعضهم الردّ بما أخذ من الجانی الدیة.

أقول: مقتضی القاعدة أنّ الجانی الذی سرت جنایته یتعلّق علیه القصاص یعنی

ص :55


1- (1) جواهر الکلام: ج 42، ص 58 _ 59.

.··· . ··· .

الشَرح:

قصاص النفس من غیر أن یرد علیه نصف الدیة فإنّ ردّ الدیة علی الجانی الذی ترتّب علی جنایته هلاک المجنی علیه یکون فیما إذا جرح اثنان شخصاً فمات بسرایة جراحتهما أو جنایتهما فإنّه یردّ أولیاء المقتول نصف الدیة علی کلّ منهما إن أرادوا القصاص من کلّ منهما وإن أخذوا من أحدهما الدیة أو عفوا عنه ولم یأخذوا منه القصاص ولا الدیة وأرادوا قتل الآخر فعلیهم ردّ نصف الدیة علیه وأما إذا جنی واحد شخصاً فلم تسر جنایته وأخذ من الجانی الدیة أو اقتصّ منه ثم جنی شخص آخر بجنایة قاتلة أو بقصد قتله فسرت فمات یجوز لأولیائه القصاص من الجانی الثانی من غیر ردّ الدیة علیه، لأنّ قتل النفس مستند إلیه أو إلی جنایته، فیتعلّق علیه قصاص النفس والمقام من هذا التقبیل لفرض اندمال أحد الجرحین وموت المجنی علیه بسرایة الجنایة الأخری من شخص آخر.

ولکن فی روایة سورة بن کلیب عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً، وکان المقتول أقطع الید الیمنی، فقال: إن قطعت یده فی جنایة جناها علی نفسه أو کان قطع فأخذ دیة یده من الذی قطعها فإن أراد أولیائه أن یقتلوا قاتله أدّوا إلی أولیاء قاتله دیة یده الذی قید منها إن کان أخذ دیة یده ویقتلوه وإن شاؤوا طرحوا عنه دیة ید وأخذوا الباقی. قال: وإن کانت یده قطعت فی غیر جنایة جناها علی نفسه ولا أخذ لها دیة قتلوا قاتله ولا یغرم شیئاً وإن شاؤوا أخذوا دیة کاملة قال: وهکذا وجدناه فی کتاب علی علیه السلام »(1)، ولکن الروایة _ مع کونها مفصّلة فی ردّ نصف الدیة _ لضعفها لا یمکن رفع الید بها عن القاعدة التی أشرنا إلیها مع عدم إمکان الالتزام

ص :56


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 50 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 82.

فرع: لو جرحه اثنان کلّ واحد منهما جرحاً فمات[1] فادّعی أحدهما اندمال جرحه وصدّقه الولی لم ینفذ تصدیقه علی الآخر، لأنّه قد یحاول أخذ دیة الجرح من الجارح والدیة من الآخر، فهو متّهم فی تصدیقه، ولأنّ المنکر مدّع للأصل فیکون القول قوله مع یمینه.

الشَرح:

بمدلولها فإنّ لازمه أن لا یکون علی القاتل شیء فیما إذا کانت الجنایة القاتلة خطأً أو کان المحنی علیه مقطوع الید من قبل إلاّ أم یلتزم بالتفرقة بین القصاص والدیة.

[1] إذا جرح کلّ من الاثنین شخصاً بقصد قتله وادّعی أحدهما أنّ جرحه کان مندملاً وصدّقه ولیّ المقتول فإنّ تصدیق الولی نافذ علی نفسه، حیث إنّه إقرار منه بعدم الحقّ له فی قتل مدّعی الاندمال ولو بردّ نصف الدیة علیه بل له القصاص من الجرح أو أخذ دیة المندمل، ولکن تصدیق الولی غیر نافذ بالإضافة إلی الجارح المنکر لاندمال جرح شریکه فلا یحقّ للولی قتل منکر الاندمال قصاصاً من دون ردّ نصف الدیة علیه، کما لا یجوز له مطالبته بتمام دیة النفس، وما فی عبارة الماتن من عدم نفوذ تصدیق الولی لمدّعی الاندمال بالإضافة إلی منکره لکونه قد یحاول بتصدیقه أن یأخذ دیة الجرح من الجارح ودیة النفس من الآخر فهو لایساعد ما تقدّم منه فی المسألة الخامسة من أنّه لو أرید القصاص من الجانی الذی سرت جنایته ردّت علیه الدیة المأخوذة من الجانی الذی اندمل جرحه اللّهم ان یوجّه بأنّ الردّ مختصّ بصورة قتله قصاصاً وأمّا إذا أخذت دیة النفس منه لا یرد علیه الدیة المأخوذ للجرح المندمل ولکن فی التوجیه مالا یخفی.

وأمّا ما ذکره ثانیاً من أنّ المنکر لاندمال جرح شریکه یدعی ما یوافق الأصل فیکون منکراً فیقدّم قوله مع حلفه للولی علی عدم الاندمال فهو أمر صحیح.

ونتیجة ذلک أنّه لا یجوز للولی الاقتصاص منه إلاّ بعد ردّ نصف الدیة علیه أو أخذ نصف الدیة منه.

ص :57

السادسة: لو قطع یده من الکوع وآخر ذراعه

السادسة: لو قطع یده من الکوع وآخر ذراعه فهلک قتلا به[1]، لأنّ سرایة الاول لم تنقطع بالثانی، لشیاع ألمه قبل الثانیة، ولیس کذلک لو قطع واحد یده وقتله الآخر، لأنّ السرایة انقطعت بالتعجیل وفی الاُولی إشکال. ولو کان الجانی واحداً دخلت دیة الطرف فی دیة النفس إجماعاً منّا[2] وهل یدخل قصاص الطرف فی قصاص النفس؟ اضطربت فتوی الأصحاب فیه، ففی النهایة: یقتصّ منه الشَرح:

[1] لو جنی أحد علی شخص جنایة، ثمّ جنی آخر جنایة فی موضع الجنایة الأولی، فمات المجنی علیه، کما إذا قطع واحد ید شخص من الکوع _ أی من الزند مما یلی طرف الإبهام _ ثم قطع شخص آخر ذراعه من الید المقطوعة فمات المجنی علیه، یقع الکلام فی أنّ الجنایة الأولی تنقطع سرایتها بالجنایة الثانیة ویتعلّق قصاص النفس بالجانی الثانی وأنّ الأوّل جارح نظیر ما إذا قطع واحد ید إنسان وقتله آخر فإنّه لا ینبغی التأمّل فی أنّ الثانی قاتل والأول جارح، کما تقدّم، أو أنّ الجنایة الثانیة _ أی قطع الذراع _ لا تقطع سرایة الأولی فهما مشترکان فی القتل یجوز الاقتصاص بالنفس من کلیهما، ذکر الماتن قدس سره کغیره أنّ الجنایة الثانیة لا تقطع سرایة الأولی، فإنّ قطع الید من الکوع أوّلاً قد أحدث فی بدن المجنی علیه ألماً لا ینقضی بحدوث الجنایة الثانیة ولا یقاس بما ذکر من قطع واحد یده أوّلاً ثم قتله آخر حیث أنّ القتل یقطع سرایة الجنایة الأولی، ثم استشکل فی عدم انقطاع سرایة قطع الید من الکوع أوّلاً بقطع الذراع ثانیاً.

أقول: المعیار فی کون الاثنین مشترکین فی القتل استناد موت المجنی علیه إلی جنایتهما عرفاً، فإن استند إلیهما یتعلّق القود بکلّ منهما وإلاّ یکون القاتل هو الذی استند الموت بجنایته کما إذا کان الجنایة الثانیة جنایة قاتلة ولو بلحاظ وقوع الجنایة الأولی قبلها، ویکون الأول جارحاً، کما تقدّم.

[2] ثم یقع الکلام فیما إذا قطع واحد ید إنسان من الکوع أوّلاً، ثمّ قطعها من

ص :58

إن فرّق ذلک وإن ضربه ضربة واحدةً لم یکن علیه أکثر من القتل، وهی روایة محمد بن قیس عن أحدهما. وفی المبسوط والخلاف: یدخل قصاص الطرف فی قصاص النفس، وهی روایة أبی عبیدة عن أبی جعفر علیه السلام . وفی موضع آخر من الکتابین: لو قطع ید رجل ثم قتله قطع ثم قتل، والأقرب ما تضمنّته النهایة لثبوت القصاص بالجنایة الأولی، ولا کذا لو کانت الضربة واحدة.

الشَرح:

الذراع ثانیاً، فمات، فإن کان القطع مما یوجب الدیة أصالة فتدخل دیة الطرف فی دیة النفس علی ما ذکر الماتن وغیره من أنّ دیة الطرف تدخل فی دیة النفس بالإجماع وظاهره کما صرّح به غیر واحد بعدم الفرق بین أن تکون الجنایتان بضربة واحدة أو بضربتین، وقیل بالفرق وأنّ دخول دیة الطرف فی دیة النفس فیما إذا کانت الجنایتان بضربة واحدة ویؤخذ من الجانی دیة الطرف ودیة النفس فیما استند الموت إلی الجنایة الثانیة مع کونهما بضربتین. نعم لو استند الموت إلی سرایة الجنایتین لا یکون إلاّ دیة النفس، وعلی ذلک یقع الکلام فی مقامات:

الأول: فی دخول دیة الطرف فی دیة النفس فیما إذا کانت الجنایتان بضربة واحدة.

والثانی: دخول دیة الطرف فی دیة النفس وعدم دخولها فیها إذا کانت الجنایتان بضربتین.

والثالث: فی دخول قصاص الطرف فی قصاص النفس فیما إذا کانت الجنایتان بضربة واحدة.

والرابع: دخول قصاص الطرف فی قصاص النفس أو عدم دخوله فیه فیما إذا کانت الجنایتان بضربتین.

أمّا المقام الأول، فالظاهر عدم خلاف فی دخول دیة الطرف فی دیة النفس،

ص :59

.··· . ··· .

الشَرح:

ویمکن الاستدلال علیه بصحیحة أبی عبیدة الحذّاء، قال: «سألت أبا حعفر عن رجل ضرب رجلاً بعمود فسطاط علی رأسه ضربة واحدة فأجافه حتّی وصلت الضربة إلی الدماغ فذهب عقله، قال: إن کان المضروب لا یعقل منها أوقات الصلاة ولا یعقل ما قال ولا ماقیل له فإنّه ینتظر به سنة فإن مات فیما بینه وبین السنة أقید به ضاربه وإن لم یمت فیما بینه وبین السنة ولم یرجع إلیه عقله أغرم ضاربه الدیة فی ماله لذهاب عقله قلت: فماتری علیه فی الشجّة شیئاً؟ قال: لا، لأنّه ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنایتین فألزمته أغلظ الجنایتین وهی الدیة، ولو کان ضربه ضربتین فجنت الضربتان جنایتین لألزمته جنایة ما جنتا کائناً ما کان إلاّ أن یکون فیهما الموت بوحدة وتطرح الأخری فیقاد به ضاربه» الحدیث(1)، فإنّ مفادها دخول دیة شجّة الرأس فی دیة ذهاب العقل الذی لا یحتمل الفرق بینه وبین النفس، وتعلیل هذا التداخل بوقوع الجنایتین بضربة واحدة مقتضاها عدم التداخل مع عدم وقوع الجنایتین بضربة واحدة بأن حصل کل منهما بضربة مستقلة، اللّهم إلاّ أن یدّعی أنّ هذا التعلیل راجع إلی غیر الجنایة علی النفس فلا یجری فی الجنایة علی الطرف والنفس، ولکن الدعوی ضعیفة فانّ ظاهرها أنّ مع تعدّد الضربات یلزم علی الجانی کلّ جنایة حاصلة منها مالم تنتهی الجنایة الحاصلة من بعضها إلی قصاص النفس، ولذا یکون مقتضی الصحیحة عدم تداخل دیة الطرف فی دیة النفس مع تعدّد الضربات.

نعم، یبقی فی المقام دعوی إجماع الماتن وغیره بالتداخل، فإنّ تمّ فیرفع الید به عن ظاهر الصحیحة وإلاّ فمقتضی الأصل عدم التداخل، ثم انّ عدم التداخل فیما إذا لم

ص :60


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 7 من أبواب دیات المنافع، الحدیث 1: 281.

.··· . ··· .

الشَرح:

یستند الموت إلی مجموع الجنایات وإلاّ فلا ینبغی التأمّل فی أنّ الثابت دیة النفس خاصة ویبعد الالتزام بأنّه لو جنی شخص علی الآخر خطأً بأن قطع یده ثم بعد مضی زمان طویل قتله خطأً فیلتزم بدیّة النفس خاصّة ومن هنا فصّل بعضهم بین الجنایتین بضربتین مع وقوع فصل بین الضربتین بقلیل أو کثیر، واستشکل فی التداخل فی القسم الأخیر، وهذا کلّه فیما إذا کانت دیة الجنایة ثابتة بالأصل، وأمّا مع وقوع الصلح علی الدیة مع اطلاق الدیة فیبتنی التداخل علی دخول قصاص الطرف فی قصاص النفس وعدمه.

ولا ینبغی التأمّل فی دخول الجنایة علی الطرف فی الجنایة علی النفس إذا کانت الجنایتان بضربة واحدة، فیتعلّق علی الجانی القود خاصّة، وفی صحیحة محمد بن قیس عن أحدهما علیه السلام «فی رجل فقأ عینی رجل وقطع اذنیه ثم قتله فقال: إن کان فرّق ذلک اقتصّ منه ثمّ یقتل وإن کان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه ولم یقتصّ منه»(1).

وفی صحیحة حفص بن البختری قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل ضرب علی رأسه فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثمّ مات فقال: إن کان ضربه ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل وإن کان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم یقتصّ منه»(2) وظاهر هاتین أنّ مع تعدّد الضربات لا تداخل فی البین، ولکن ظاهر صحیحة أبی عبیدة المتقدّمة هو التداخل حیث ورد فیها أنّ مع تعدّد الضربات لا تتداخل الجنایة الحاصلة من ضربة فی الجنایة الحاصلة من ضربة أخری ما لم یکن فی البین قتل حیث مع وقوع القتل یقتصّ

ص :61


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 51 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 82.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 51 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 83.

وکذا لو کان بسرایته کمن قطع ید غیره فسرت إلی نفسه فالقصاص فی النفس[1] لا فی الطرف.

مسائل من الاشتراک

الاُولی: إذا اشترک جماعة فی قتل واحد

الاُولی: إذا اشترک جماعة فی قتل واحد قتلوا به والولیّ بالخیار بین قتل الجمیع بعد أن یردّ علیهم ما فضل عن دیة المقتول فیأخذ کلّ واحد منهم ما فضل من دیته عن جنایته وبین قتل البعض ویردّ الباقون دیة جنایتهم فإن فضل للمقتولین فضل قام به الولی[2].

الشَرح:

من الجانی وتترک الجنایات الأخری.

وربما یقال تحمل صحیحة أبی عبیدة الظاهرة فی دخول قصاص الطرف فی قصاص النفس مع تعدّد الضربات علی صورة الموت بالسرایة من الجنایات فإن أمکن هذا الجمع فهو وإلاّ لا یؤخذ بصحیحة محمد بن قیس وحفص لموافقتها الکتاب العزیز الدالّ بإطلاقه علی ثبوت القصاص فی الطرف والنفس.

وربما یقال بأنّ مقتضی ما ورد فی النهی عن التمثیل بالقاتل وإن مثّل هو بغیره وقتله دخول قصاص الطرف فی قصاص النفس ولکن لا یخفی أنّ التمثیل به غیر القصاص فی الطرف والنفس.

[1] وذلک فإنّ القتل لا ینفکّ عادةً عن الجرح والجنایة علی الطرف فمع موت المجنی علیه بسرایته تکون الجنایة قتلاً ویثبت مقتضاه من دیة النفس أو القود.

[2] فیما اشترک اثنان أو الأزید فی قتل أحد ظلماً یکون الخیار لولی المقتول فی القصاص عن کل واحد منهم أو یأخذ الدیة، فلو اشترک ثلاثة فی قتل رجل فلولیّ المقتول أن یقتل کلّ واحد منهم ویردّ علیهم الفاضل من دیة جنایتهم بأن یردّ ثلثی الدیة علی أولیاء کل واحد منهم فیکون علیه دیتا النفس.

ص :62

.··· . ··· .

الشَرح:

وإن اقتصّ عن واحد یردّ کلّ واحد من المتروکین ثلث الدیة علی أولیاء المقتول قصاصاً ولا یکون علی ولی القصاص شیء، وإن قتل منهم اثنین قصاصاً یردّ المتروک دیة جنایته أی ثلث الدیة علی أولیاء کلّ من المقتولین قصاصاً بأن یعطی کلاً من أولیائهما سدس الدیة وعلی الولی إکمال ثلثی الدیة علی أولیاء کلّ منهما بأن یردّ علی کلّ منهما نصف الدیة، یعنی ثلثاً وسدساً لیتمّ لکلّ منهما ثلثا الدیة.

ویظهر من کلمات الأصحاب التسالم علی أمر وهو أنّ أولیاء المقتول قصاصاً فی الفرض الثانی لا یطالبون الفاضل من دیة مقتولهم من ولیّ القصاص بل المطالب به شریکاه فی القتل، وهکذا فی الفرض الثالث یطالب أولیاء المقتولین قصاصاً کلّ منهما الشریک المتروک بسدس دیة مقتولهم ولا یحقّ لها مطالبة ولیّ القصاص به، وهذا الحکم وإن کان علی خلاف القاعدة لأنّ اتلاف مقتولهم فعل ولیّ القصاص فهو الضامن لما أتلفه علیهم، إلاّ أنّه لابدّ من الالتزام بالمتسالم علیه فإنّه یستفاد من الروایات المعتبرة الواردة فی حکم الشرکاء فی القتل، کصحیحة داود بن سرحان عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجلین قتلا رجلاً قال: إن شاء أولیاء المقتول أن یؤدّوا دیة ویقتلوهما جمیعاً قتلوهما»(1). وصحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی عشرة اشترکوا فی قتل رجل قال: یخیّر أهل المقتول فأیّهم شاؤوا قتلوا ویرجع أولیائه علی الباقین بتسعة أعشار الدیة»(2)، ومدلولهما کون الفاضل من دیة جنایة المقتول قصاصاً علی المتروکین نظیر الفرض الثانی من المثال الذی ذکرنا، وفی صحیحة عبداللّه بن

ص :63


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 29.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 29.

.··· . ··· .

الشَرح:

مسکان عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجلین قتلا رجلاً قال: إن أراد أولیاء المقتول قتلهما أدّوا دیة کاملة وقتلوهما وتکون الدیة بین أراد المقتولین فإن أرادوا قتل أحدهما قتلوه وأدّی المتروک نصف الدیة إلی أهل المقتول، وإن لم یؤدّ دیة أحدهما ولم یقتل أحدهما قبل الدیة صاحبه من کلیهما وإن قبل أولیاء الدیة کانت علیهما»(1).

وفی معتبرة الفضیل بن یسار قال: «قلت لأبی جعفر علیه السلام : عشرة قتلوا رجلاً، قال: «إن شاء أولیائه قتلوهم جمیعاً وغرموا تسع دیات، وإن شاؤوا تخیّروا رجلاً فقتلوه وأدّی التسعة الباقون إلی أهل المقتول الأخیر عشر الدیة کلّ رجل منهم ثم الوالی بعد یلی أدبهم وحبسهم»(2).

ویظهر من هذه أنّ عفوّ ولی الدم عن القصاص أو حتی عن الدیة أیضاً لا یوجب سقوط التعزیر علی الجانی فیکون للوالی أدبه وحبسه کما أنّ ظاهرها أیضاً کون الفاضل من دیة جنایة المقتول علی المتروکین.

وفی صحیحة أخری لابن مسکان عن أبی عبداللّه علیه السلام إذ قتل الرجلان والثلاثة رجلاً فإن أرادوا قتلهم ترادّو افضل الدیات فإن قبل أولیائه الدّیة کانت علیهما وإلاّ أخذوا دیة صاحبهم(3) ولا یعارضها مثل معتبرة أبی العباس وغیره عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا اجتمع العدة علی قتل رجل واحد حکم الوالی أن یقتل أیّهم شاؤوا ولیس لهم أن یقتلوا أکثر من واحد، إنّ اللّه عز وجل یقول «ومن قتل مطلوماً فقد جعلنا لولیّه سلطاناً

ص :64


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 30.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 6: 30.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 5: 30.

.··· . ··· .

الشَرح:

فلا یسرف فی القتل».

والوجه فی عدم المعارضة أنّ هذه الروایة الدالّة علی أنّه لیس للولی قتل أکثر من واحد مطلقة تعمّ صورة امتناع الولی عن ردّ فاضل الدیة وصورة أدائه فاضلها، والروایات المتقدمة دالّة علی أنّ للولیّ قتل الجمیع أو الأکثر مع ردّه فاضل الدیة، فتحمل هذه الروایة علی صورة امتناعه عن ردّ فاضل الدیة فلیس له فی الفرض إلاّ قتل واحد، لأنّ مع قتل الواحد یکون الفاضل عن دیّته علی المتروکین کما تقدّم فی الروایات، ولو أغمض عن هذا الجمع العرفی یتعیّن طرحها لموافقتها لمذهب بعضهم من أنّه لیس للولی قتل الجمیع، لأنّه إسراف فی القتل حیث لم یذهب بالجنایة غیر نفس واحدة.

ثم إنّ ظاهر الماتن أنّ ولیّ المقتول إذا أراد قتل الجمیع فلا یحقّ له قتلهم إلاّ بعد ردّه الفاضل من دیة جنایتهم حیث قال: فالولیّ بالخیار فی قتل الجمیع بعد ما یردّ علیهم ما فضل . . . إلخ، وقد صرّح بعض الأصحاب بذلک وعمّم کلّ مورد یکون ردّ فاضل الدیة علیه ولو فی غیر الاشتراک فی القتل، کما إذا قتل رجل امرأة وأراد أولیاء المرأة القصاص من الرجل فإنّه لا یحقّ لهم إلاّ بعد ردّ فاضل دیة الرجل، ویدلّ علی ذلک ما ورد فی صحیحة عبداللّه بن مسکان المتقدمة من قوله علیه السلام «إن أراد أولیاء المقتول قتلهما أدّوا دیة کاملة وقتلوهما»(1) حیث أنّ فی ظاهرها أداء الفاضل علّق علی إرادة قتل الجمیع لا علی قتلهم.

وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی الرجل یقتل المرأة متعمداً فأراد

ص :65


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 30.

وتتحقّق الشرکة[1] بأن یفعل کلّ واحد منهم ما یقتل لو انفرد أو ما یکون له شرکة فی السرایة مع القصد إلی الجنایة، ولا یعتبر التساوی فی الجنایة، بل لو جرحه واحد جرحاً والآخر مائة جرح ثم سری الجمیع فالجنایة علیهما بالسویة ولو طلب الدیة کانت علیهما نصفین.

الشَرح:

أهل المرأة أن یقتلوه قال: «ذاک لهم إذا أدّوا إلی أهله نصف الدیة(1) فإنّ ظاهرها أنّ حقّ القتل مشروط بأداء نصف الدیة.

وفی صحیحة أبی مریم الأنصاری عن أبی جعفر علیه السلام «فی رجلین اجتمعا علی قطع ید رجل، قال: إن أحبّ یقطعهما أدّی إلیهما دیة ید أحد فاقتسماها ثم یقطعهما» الحدیث(2)، حیث إنّه لا فرق فی هذا الحکم بین قصاص النفس وقصاص الطرف بل یمکن أن یلتزم - کما هو ظاهر بعض - أنّ هذا لا یختصّ بما إذا کان ردّ فاضل دیة جنایة الجانی علی ولیّ القصاص، بل یعمّ ما إذا کان إکمال ردّ الفاضل علیه فلا یحقّ له القصاص إلاّ بعد ردّ ما علیه من إکمال الفاضل، کما إذا کان القتل باشتراک ثلاثة وأراد الولی قتل اثنین منهم فإنّه لا یجوز له القتل إلاّ بعد ردّ ما علیه من دیة النفس لکلّ من الجانبین نصفها، واللّه العالم.

[1] ذکر قدس سره أنّ الاشتراک فی قتل واحد یتحقّق فی موردین:

أحدهما: إذا فعل کلّ من المتعدّدین فعلاً یقتل الشخص غالباً لو انفرد بأن ضرب کلّ منهما ضربة قاتلة.

وثانیهما: ما إذا کان الجرح من المتعدّد وإن یکن فعل کلّ قاتلاً، ولکن قتل

ص :66


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 59.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 25 من أبواب القصاص فی الطرف، الحدیث 1: 140.

الثانیة: یقتصّ من الجماعة فی الأطراف

الثانیة: یقتصّ من الجماعة فی الأطراف کما یقتصّ فی النفس، فلو اجتمع جماعة علی قطع یده أو قلع عینه فله الاقتصاص منهم جمیعاً بعد ردّ ما یفضل لکلّ واحد منهم عن جنایته، وله القصاص من أحدهم ویردّ الباقون دیة جنایتهم وتتحقّق الشرکة فی ذلک بأن یحصل الاشتراک فی الفعل الواحد، فلو انفرد کلّ واحد بقطع جزء من یده لم یقطع ید أحدهما وکذا لو جعل أحدهما آلته فوق یده والأخر تحت یده واعتمدا حتّی التقتا فلا قطع فی الید علی أحدهما، لأنّ کلاً منهما منفرد بجنایته لم یشارکه الآخر فیها فعلیه القصاص فی جنایته حسب[1].

الشَرح:

الشخص بسرایته مع قصد کل منهما قتله. ویتعین أن یلحق بهما مورد ثالث وهو ما إذا کان فعل کلّ أو بعضهم غیر الجرح ولم یکن الفعل من کل قاتلاً ومات الشخص بفعل المجموع کما إذا ضربه عشرة بالسیاط فمات، فإذا کان مجموع السیاط الواردة علی جسمه قاتله أو قصد کلّ منهما قتله بضربة یتعلّق علی کلّ منهم القصاص لاستناد موته إلی الجمیع مع قصد کلّ منهم قتله أو قصد الفعل القاتل ولو بضمّ فعله إلی فعل السائرین، وعلی الجملة فالملاک فی اشتراک القتل استناد موته إلی الجمیع ولا یعتبر فی ذلک تساوی المشترکین فی عدد جنایتهم ولو جرح أحدهما جرحاً والآخر مائة وسرت الجنایات فمات، یکون علی کلّ منهم حقّ القصاص، فإنّ الملاک فی الاشتراک الاستناد عرفاً وفرض اعتبار التساوی فی الجنایات فی موارد الاشتراک فی القتل مع أنّه فرض نادر لم یتعرّض لاعتباره فی الروایات المتقدمة وغیرها، مما دلّ أنّ للولی قتل کلّ من المتعددین المشترکین فی قتل مولاّه کما لم یعتبر فیها وحدة الجنایات فی الجنس، کما إذا جرحه أحدهم وضربه الآخر، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین وحدتها فی الجنس والنوع أو اختلافها، کما لا یخفی.

[1] ذکروا أنّ ما ذکروه فی الاشتراک فی القتل یجری فی الاشتراک فی الجنایة

ص :67

.··· . ··· .

الشَرح:

علی الأطراف فإن کانت الجنایة علی الطرف بنحو الاشتراک یتعلّق علی کلّ من المشترکین فیها القصاص، فإن اقتصّ الولی من واحد یردّ الباقون علی المقتصّ منه الزاید عن دیة جنایته، وإن اقتص الولی من الجمیع یرد علی کلّ الزاید علی دیة جنایة کلّ من المشترکین علی غرار ما تقدّم فی مسألة الاشتراک فی القتل، ویدلّ علی ذلک صحیحة أبی مریم الأنصاری عن أبی جعفر علیه السلام «فی رجلین اجتمعا علی قطع ید رجل قال: إن أحبّ أن یقطعهما أدّی إلیهما دیة ید واحد [فاقتسماها ثم یقطعهما، وإن أحبّ أخذ منهما دیة ید [قال: وإن قطع ید أحدهما ردّ الذی لم تقطع یده علی الذی قطعت یده ربع الدیة»(1)، ومقتضاها أنّه إذا أراد القصاص من الجمیع، فلابدّ من أن یکون القصاص من الجمیع بعد ردّ فاضل الدیة علیهم، بخلاف ما إذا أراد الاقتصاص عن أحدهم، فإنّه لا یتوقّف القصاص منه علی ردّ الباقین فاضل الدیة، بمعنی أن لا یحقّ للولی القصاص من أحدهم إلاّ بعد ردّ الباقین الفاضل عن دیة جنایته علیه.

والمشهور ذکروا أنّ الاشتراک فی الجنایة علی الطرف یختلف عن الاشتراک فی القتل، فإنّ الملاک فی الاشتراک فی القتل استناد موته إلی المتعدّدین وإن کانت جنایة کلّ منهم غیر الجنایة الصادرة عن الآخرین کما مرّ، بخلاف الجنایة علی الطرف، فإنّ الاشتراک فیها یحصل فیما إذا صدر فعل واحد من المتعدّد بأن کان الفعل الواحد صادراً بنحو الاشتراک فی نفس الفعل المفروض، ولا عبرة بوحدة الأثر من فعلهما مع کون فعل کلّ منهما غیر الفعل الصادر عن الآخر ولو انفرد کلّ منهما بقطع جزء من یده فسقطت یده فلا یقتصّ عن کلّ منهما بقطع الید بل بمقدار جنایته إذا أمکن وإلاّ ینتقل

ص :68


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 25 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 140.

الثالثة: لو اشترک فی قتله امرأتان

الثالثة: لو اشترک فی قتله امرأتان[1] قتلتا به ولا ردّ، إذ لا فاضل لهما عن دیته،

الشَرح:

الأمر إلی مطالبة الدیة. ومن هذا القبیل إذا وضع أحدهما سکّینه تحت الید والآخر فوق یده واعتمد کلّ منهما علی سکیّنه فسقطت یده بالتقائهما فلا یقطع ید احدهما لأن کلّ منهما منفرد بفعل لم یشترک فیه الآخر، وإن سقطت یده بفعلهما. نعم لو قطع أحدهما بعض الید والآخر البعض الآخر من غیر أن یتلاقیا ثم سرت الجنایتان فسقطت یده یکون علی کلّ منهما القصاص، لأنّ السرایة المفروضة تحسب الفعل الواحد الصادر منهما بنحو الاشتراک فیه.

أقول: التفرقة بما ذکر بین الاشتراک فی القتل والاشتراک فی الجنایة علی الطرف مشکل جدّاً بعد استناد انقطاع یده إلیهما کانقطاع نفس المقتول إلی المتعدد وإنّ الاطلاق فی صحیحة أبی مریم الأنصاری أی عدم الاستفصال فی الجواب عن اشتراکهما فی قطع الید بالنحو المعتبر عند المشهور مع أنّه فرض لعلّه نادر ولا أقلّ من تعارف الفرضین یدفع اعتباره، واللّه العالم.

[1] إذا اشترک أمرأتان حرّتان فی رجل، فللولیّ قتل کلّ منهما من غیر أن یردّ، لأنّ دیة الرجل تساوی ضعف دیة المرأة فلا فاضل لهما علی دیة الرجل. وفی صحیحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن امرأتین قتلتا رجلاً عمداً قال: یقتلان به، ما یختلف فی هذا أحد»(1) وإن کنّ أکثر من امرأتین بأن کنّ ثلاثاً مثلاً فعلی کلّ منهنّ ثلث الجنایة، فإن قتل الولیّ الجمیع یردّ علی أولیاء کلّ منهنّ ثلث دیة المرأة حیث إنّ علیه دیة امرأة واحدة فیعطیها إلی أولیاء المقتولین أثلاثاً، وإن قتل اثنین تردّ الثالثة ثلث دیة الرجل إلیهما بالسویة، لأنّ جنایة کلّ منهنّ الثلث من دیة الرجل المساوی ثلثی دیة المرأة وإن قتل الولی واحداً منهنّ فبما أنّ جنایة کلّ امرأة ثلث دیة الرجل المساوی

ص :69


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 15: 62.

ولو کنّ أکثر کان للولی قتلهنّ بعد ردّ فاضل دیتهنّ بالسویة إن کنّ متساویات فی الدیة وإلاّ کان أکمل لکلّ واحد دیتها بعد وضع أرش جنایتها. ولو اشترک رجل وامرأة[1 [فعلی کلّ واحد منهما نصف وللولی قتلهما، ویختصّ الرجل بالرد، وفی المقنعة یقسم الردّ بینهما أثلاثاً ولیس بمعتمد. ولو قتل المرأة فلا ردّ.

الشَرح:

ثلثی دیة المرأة یکون علی الباقیتین ثلثان من دیة الرجل المقتول، فیستحقّ أولیاء المرأة المقتولة ثلث دیة المرأة حیث کانت جنایتها مساویة لثلثی دیتها فیبقی علی الباقیتین نصف دیة الرجل تردّانه علی ولی مقتولهما.

ولو قتل رجلان امرأة فلولی المرأة القصاص من کلّ منهما بعد ردّ ثلاثة أرباع دیة الرجل علی کلّ من الرجلین أو أولیائهما، لأنّ جنایتهما معاً تساوی نصف دیة الرجل، حیث إنّه دیة المرأة المقتولة، فیکون الفاضل من دیة الرجلین دیة الرجلین دیة نفس ونصفها. فاللازم علی الولی الرد علی کلّ منهما ثلاثة أرباع دیة النفس.

[1] ولو اشترک رجل وامرأة فی قتل رجل، فلولیّ المقتول أخذ الدیة منهما فیکون علی کلّ من الرجل الجانی والمرأة الجانیة نصف دیة المقتول کما هو مقتضی اشتراک الاثنین فی القتل، کما أنّ علی الولیّ قتل المرأة وفی صورة قتلها فلا ردّ علیها، لأنّ جنایتها تساوی دیتها ویأخذ من الجانی نصف الدیة کما أنّ له قتل الرجل وتردّ المرأة علی أولیاء الرجل الجانی نصف الدیة علی الرجل الجانی المساوی لجنایتها، ولو قتلهما الولی یردّ نصف الدیة علی الرجل الجانی ولیس لأولیاء المرأة الجانیة ردّ، لما تقدم من أنّ جنایتها تساوی دیتها، بخلاف الرجل الجانی فإنّه استوفی منه ضعف جنایته. وعن المفید قدس سره فی المقنعة أنّه إذا قتلهما الولی یردّ نصف دیة النفس علیهما أثلاثاً، ثلثان منه للرجل، وثلث للمرأة، لأنّ جنایة الرجل تحسب ضعف جنایة المرأة، ولکن لا یخفی لا وجه لهذا الاحتساب بعد استناد القتل إلیهما وإلاّ لزم فی صورة

ص :70

وعلی الرجل نصف الدیة، ولو قتل الرجل ردّت المرأة علیه نصف دیته، وقیل نصف دیتها وهو ضعیف[1]. وکل موضع یوجب الردّ فإنّه یکون مقدّماً علی الاستیفاء[2].

الشَرح:

مطالبة الولی منهما أن یکون دیة المقتول علیهما أثلاثاً وهو کماتری.

ویدلّ علی الحکمین _ وهما اختصاص الرجل بالردّ وأنّ الدیة یکون علیهما بالنصف _ ما ورد فی صحیحة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «سئل عن غلام لم یدرک وامرأة قتلا رجلاً خطأً فقال: إن خطأ المرأة والغلام عمد فإن أحب أولیاء المقتول أن یقتلوهما قتلوهما ویردّوا علی أولیاء الغلام خمسة آلاف درهم، وإن أحبّوا أن یقتلوا الغلام قتلوه وترد المرأة علی أولیاء الغلام ربع الدیة، وإن أحب أولیاء المقتول أن یقتلوا المرأة قتلوها ویردّ الغلام علی أولیاء المرأة ربع الدیة. وقال: إن أحبّ أولیاء المقتول أن یأخذوا الدیة کان علی الغلام نصف الدیة وعلی المرأة نصف الدیة(1).

وهذه الصحیحة وإن تضمّنت لأمور لا یمکن العمل بها إلاّ أنّه لا بأس بدلالتها علی الحکمین المزبورین، ولا أقلّ من تأییدهما بها کما لا یخفی.

[1] لا موجب لردّ نصف دیتها بعد کون جنایتها تساوی نصف دیة الرجل، نعم ردّ ربع الدیة المساوی لنصف دیتها ورد فی صحیحة أبی بصیر المتقدّمة، ولکنّها کما ذکرنا لا تصلح للاعتماد علیها فی هذا الحکم، حیث ورد فیها تساوی الغلام والمرأة فی الردّ ومقداره.

[2] قد تقدم أنّ اعتبار کون الرد مقدّماً علی الاستیفاء إنّما هو فیما وجب علی الولی ردّ فاضل الدیة، وأمّا إذا کان فاضل الدیة علی باقی الشرکاء فی القتل أو علی

ص :71


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 34 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 64.

الرابعة: إذا اشترک عبدٌ وحرٌ فی قتل حرّ عمداً

الرابعة: إذا اشترک عبدٌ وحرٌ فی قتل حرّ عمداً، قال فی النهایة: للأولیاء قتلهما یُرد إلی سید العبد ثمنه، أو یقتلوا الحر ویؤدّی سید العبد إلی ورثة المقتول خمسة آلاف درهم، أو یسلّم العبد إلیهم. أو یقتلوا العبد ولیس لمولاه علی الحرّ سبیل[1]. والأشبه أنّ مع قتلهما یردّون إلی الحر نصف الدیة ولا یردّ علی مولی العبد شیء مالم تکن قیمته أزید من نصف دیة الحر فیرد علیه الزاید فإن قتلوا العبد وکانت قیمته زایدة عن نصف دیة المقتول أدّوا إلی المولی الزاید، فإن استوعب الدیة وإلاّ کان تمام الدیة لأولیاء الأول. وفی هذا اختلاف للأصحاب وما اخترناه أنسب بالمذهب.

الشَرح:

الشریک الآخر فاعتبار تقدّم الردّ احتماله مدفوع باطلاق الأخبار، بل ما ورد فی بعضها من الردّ علی أولیاء المقتصّ منه یشعر بخلاف الاعتبار.

[1] ذکر فی النهایة فیما إذا اشترک حرّ وعبد فی قتل حرّ أنّ لأولیاء الحرّ المقتول قتل کلّ منهما أو قتل أحدهما، فإن قتلوهما یکون علیهم ثمن العبد یؤدّون إلی سیّده، وإن قتلوا الحرّ فقط یؤدّی مولی العبد إلی ورثة الجانی الحرّ خمسة آلاف درهم أو یسلّم العبد إلیهم، وإن قتلوا العبد فلیس لمولاه علی الحرّ الجانی سبیل، وما ذکره قدس سره فی الفروض الثلاثة لا ینطبق علی شیء من القواعد ولیس له دلیل خاصّ.

وأمّا فی الفرض الأول _ وهو فرض قتل ولی المقتول کلاً من الجانی الحرّ والعبد _ فإنّ علی ولیّ المقتول نصف الدیة للجانی الحر ولیس علیه لمولی العبد من قتل العبد شیء إلاّ إذا زادت قیمته علی دیة جنایته یعنی نصف دیة الحر فإن زادت قیمته عنه فلمولاه مقدار تلک الزیادة فقط.

نعم، لو فرض أنّ العبد من قسم النفیس یساوی قیمته بأزید من دیة الحر یکون علی ولی المقتول نصف الدیة، لأنّ دیة العبد _ کما یأتی _ لا تزید علی دیة الحر، فمع

ص :72

.··· . ··· .

الشَرح:

زیادة قیمته ردّت إلی مقدار الدیة، وأمّا إذا قتل أولیاء المقتول الحرّ فقط، قیل علی مولی العبد دفعه إلی ولیّ الجانی المقتول لیسترقّه فیما إذا کانت قیمته مساویة لنصف دیة الحر أو بمقدار نصف دیته إذا کانت قیمته أکثر من نصف دیة الحر، وإن کانت قیمته أقل من نصف دیة الحر کان باقی نصف الدیة علی أولیاء المقتول ظلماً ولا یبعد أن یقال فی الفرض أنّ علی أولیاء المقتول ظلماً إذا قتلوا الجانی الحر نصف دیة الحر، کما فی فرض قتلهم کلاً من الجانی الحر والعبد ولهم استرقاق العبد أو بمقدار نصف دیة الحر، لأنّه لا دلیل فی فرض اشتراک الحر والعبد فی القتل علی رجوع ولیّ الجانی إلی مولی العبد فی فاضل الدیة ومقتضی القاعدة ضمان النصف علی الولی فإنّه اقتصّ من الجانی، وأمّا إذا قتل أولیاء المقتول العبد فقط یردّون علی مولاه ما زاد علی نصف دیة مقتولهم الحر ویکون لهم علی الحرّ الجانی نصف دیة مقتولهم وعلی ما قیل یکون ما زاد من قیمة العبد عن مقدار نصف دیة الحر علی الجانی الحر ویؤدّی باقی نصف الدیة علی أولیاء المقتول وعلی ما ذکرنا قال الماتن فی الفرض الأول: والأشبه انّ مع قتلهما یؤدّی أولیاء المقتول نصف الدیة إلی الجانی الحرّ، ولا یردّ علی مولی العبد شیء ما لم یکن قیمته أزید من نصف دیة الحرّ فیردّ علیه الزاید.

وذکرنا أنّ الأظهر بحسب القواعد أنّ ولی المقتول ظلماً إذا قتل الجانی الحر فعلیه دفع نصف الدیة یؤدّی إلی الجانی الحر قبل قتله، وأما العبد فإن قتله یدفع إلی مولاه الزاید علی جنایة العبد کما إذا کانت قیمته أکثر من نصف دیة الحر وإن کان قیمته أقل من نصف دیة الحر المقتول ظلماً فلیس له أن یرجع فی الزاید إلی مولاه، لأنّ الشخص لا یجنی أکثر من نفسه وإذا لم یقتله فإنه یجوز له استرقاقه بمقدار نصف دیة مقتوله ویبقی الزاید لمولاه، وإن کانت قیمته أقل من نصف دیة الحر فلیس علی مولاه

ص :73

الخامسة: لو اشترک عبد وامرأة فی قتل حرّ

الخامسة: لو اشترک عبد وامرأة فی قتل حرّ فلأولیاء قتلهما ولا ردّ علی المرأة ولا علی العبد إلاّ أن یزید قیمته عن نصف دیة المقتول فیرد علی مولاه الزاید. ولو قتلت المرأة به کان لهم استرقاق العبد إلاّ أن تکون قیمته زایدة عن نصف دیة المقتول فیرد علی مولاه ما فضل[1].

وإن قتلوا العبد وقیمته بقدر جنایته أو أقلّ فلا ردّ، وعلی المرأة دیة جنایتها، وإن کانت قیمته أکثر من الدیة ردّت علیه المرأة ما فضل عن قیمته، فإن استوعب دیة الحر وإلاّ کان الفاضل لورثة المقتول أوّلاً.

الشَرح:

شیء لما تقدم من أنّه لا یجنی إلاّ مقدار نفسه.

وعلی الجملة، لا دلیل فی الفرض علی رجوع أولیاء الجانی الحرّ إلی مولی العبد، وما تقدّم من رجوع أولیاء الشریک المقتول إلی شریکه وارد فی الشریک الحر القاتل.

[1] یعلم الحکم فی هذه المسألة مما تقدّم، وحیث إنّ المفروض انّ المرأة شریک العبد فی القتل، فإن أراد ولیّ المقتول ظلماً قتلهما فلا ردّ علی المرأة، لعدم زاید علی جنایتها، وأما العبد فإن کان قیمته أزید من جنایته یردّ الولی علی مولاه الفاضل من قیمته وإن نقص قیمته عن نصف دیة الحر فلیس شیء، وکذا إذا کان قیمة العبد بمقدار نصف الدیة لما تقدم من أنّ الشخص لا یجنی أکثر من نفسه.

وإذا قتل الولی العبد خاصّة وکانت قیمته مساویة لجنایته أو أقل فلا ردّ علی مولاه وعلی المرأة دیة جنایتها تردّها علی ولیّ المقتول ظلماً، وإن کانت قیمة العبد أکثر من جنایتها ردّت المرأة علی مولاه فاضل قیمته فیما لم کانت قیمة مستوعبة لدیّة الحرّ، وإن نقص قیمته عن دیة الحر ردّت المرأة الفاضل من الدیة التی علیها لولیّ المقتول ظلماً، هذا ما ذکره الماتن قدس سره .

ولکن قد ذکرنا أنّ مقتضی القاعدة الأوّلیة أنّ الولی إذا قتل العبد وکانت قیمته أکثر

ص :74

.··· . ··· .

الشَرح:

من جنایته تکون الزاید علی جنایته علی ولیّ المقتول ظلماً وکونه علی المرأة التی ترک الولی قتلها لم یقم علیه دلیل، فیکون للولی أخذ نصف دیة مقتوله منها، وإذا لم یقتل الولی العبد فله استرقاقه بلا فرق بین کون قیمته بمقدار جنایته أو أقل أو أکثر.

نعم، فی صورة زیادة قیمته عن جنایته _ أی نصف دیة الحر _ فعلی الولیّ ردّ ما فضل عن جنایته علی مولاه إن رضی مولاه بذلک وإلاّ یکون العبد مشترکاً بینهما ویحتمل أن یکون له ردّ ما زاد مطلقاً.

ویدلّ علی هذا صحیحة ضریس الکناسی قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة وعبد قتلا رجلاً خطأً فقال: إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد فإن أحبّ أولیاء المقتول أن یقتلوهما قتلوهما فإن کانت قیمة العبد أکثر من خمسة آلاف درهم فلیردّوا علی سید العبد ما یفضل بعد الخمسة آلاف درهم وإن أحبّوا أن یقتلوا المرأة ویأخذوا العبد أخذوا إلاّ أن تکون قیمته أکثر من خمسة آلاف درهم فلیردّوا علی مولی العبد ما یفضل بعد الخمسة آلاف درهم ویأخذوا العبد أو یفتدیه سیّده، وإن کانت قیمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فلیس لهم إلاّ العبد»(1).

وقد تقدّم أنّ ما ورد فی مثل هذه الصحیحة من کون خطأ المرأة والعبد عمد لا یمکن الأخذ به، ولکن لابأس بما ورد فیه من حکم قتل العبد عمداً، وما ورد فیها أیضاً من استرقاق کل العبد إذا کانت قیمته أکثر من جنایته بردّ فاضلها لمولاه مطلقاً وإنّ للمولی أن یفدیه لا یخلو عن المناقشة مع عدم توافق الولی مع مولاه حیث إنّ الثابت لولی المقتول ظلماً مع زیادة قیمة العبد عن جنایته استرقاقه بمقدار جنایته.

ص :75


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 34 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 64.

.··· . ··· .

الشَرح:

وعلی کلّ تقدیر فلا دلیل علی أنّ ردّ الفاضل من جنایة العبد من قیمته علی المرأة التی ترک قتلها کما أشرنا إلیه فیما تقدّم.

بقی فی المقام مسألة یعلم بها الحکم فی فروض الاشتراک فی القتل مع عدم تساوی المشترکین فی الدیة، وهی ما إذا اشترک رجل، وخنثی فی قتل رجل أو امرأة حرّة وبما أنّ الخنثی یکون دیتها نصف دیة الرجل ونصف دیة المرأة وبتعبیر آخر تحسب الخنثی فی نصف دیتها رجلاً وفی نصفها الآخر امرآهً فلو قتل الرجل والخنثی رجلاً یکون للولیّ قتلهما، فإن قتلهما یردّ علی الرجل نصف دیته وعلی الخنثی ربع دیة النفس، لأنّ دیة الخنثی ثلاثة أرباع دیة النفس نصف دیة نفس الرجل ونصف دیة المرأة وجنایتها تساوی نصف دیة النفس فیکون الفاضل نصف دیة المرأة المساوی لربع دیة النفس.

ولو قتل الرجل والخنثی امرأة حرّة فلولیّ المقتول قتلهما فیردّ علی الرجل نصف دیته وربع دیته، لأنّ جنایته مساویة لنصف دیة المرأة فیکون له ثلاثة أرباع الدیة، ویردّ علی الخنثی نصف دیة النفس، لأنّ جنایتها تساوی نصف دیة المرأة فیبقی لها نصف دیة النفس فقط.

ومما ذکر یظهر أنّه لو اشترک امرأة وخنثی فی قتل رجل وقتلهما الولیّ لا یکون للمرأة فاضل لأنّ جنایتها تساوی دیتها ویکون علی الولی ردّ ربع الدیة علی الخنثی، لأنّ دیتها ثلاثة أرباع الدیة وجنایتها تساوی نصف الدیة.

ولو اشترک امرأة وخنثی فی قتل امرأة فقتلهما الولی یکون علی الولی ردّ نصف دیة المرأة علی المرأة الجانیة، لأنّ جنایتها تساوی نصف دیة المرأة ویکون علی الولی

ص :76

.··· . ··· .

الشَرح:

أیضاً نصف دیة یردّه علی الخنثی، لأنّ جنایتها تساوی نصف دیة المرأة المساوی لربع الدیة، فیبقی لها من دینه نصف الدیة، حیث إنّ دیتها مساویة لثلاثة أرباع الدیة فذهب إحداها بجنایتها. ویعلم مما ذکرنا الحال فی بقیة الفروض.

ص :77

الفصل الثانی: فی الشروط المعتبرة فی القصاص

الأول: التساوی فی الحریة او الرّق

وهی خمسة

الأول: التساوی فی الحریة او الرّق فیقتل الحرّ بالحر وبالحرّة مع ردّ فاضل دیته والحرّة بالحرّة وبالحرّ ولا یؤخذ ما فضل علی الأشهر[1].

الشَرح:

[1] المراد أنّ الحرّ لا یقتل بقتله العبد أو الأمة، بل یقتل بقتله الحرّ والحرّة. نعم إذا قتل بالحرّة یجب علی أولیاء الحرّة ردّ فاضل دیته وهو نصف دیة النفس.

ویشهد لذلک _ مع التسالم بین الأصحاب علی الحکم _ صحیحة أبی بصیر عن أحدهما علیه السلام قال: «إن قتل رجل امرأة وأراد أهل المرأة أن یقتلوه أدّوا نصف الدیة إلی أهل الرجل»(1)، وفی صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام «فی الرجل یقتل المرأة قال: إن شاء أولیائها قتلوه وغرموا خمسة آلاف درهم لأولیاء المقتول، وإن شاؤوا أخذوا خمسة آلاف درهم من القاتل»(2). وفی موثقة أبی بصیر عن أحدهما علیه السلام قال: «قلت له: رجل قتل امرأة فقال: إن أراد أهل المرأة أن یقتلوه أدّوا نصف دیّته وقتلوه وإلاّ قبلوا الدیة»(3)، إلی غیر ذلک.

ولو لم یتمکّن أولیاء الحرّة المقتولة من ردّ الفاضل، أو أرادوا أخذ دیة الحرّة من الحرّ القاتل کان ذلک جایزاً لهم، کما هو ظاهر صحیحة محمد بن قیس، ولکن لیس للحرّ القاتل إلزامهم بأخذ الدیة والامتناع عن أخذ فاضل دیته. وعلی الجملة فلأولیاء

ص :78


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 6: 60.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 12: 61.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 7: 60.

.··· . ··· .

الشَرح:

الحرّة المقتولة إلزام الحر القاتل بإعطاء نصف الدیة ولیس له إلزام أولیاء المقتول بأخذ الدیة وترک القصاص.

وفی معتبرة أبی العباس وغیره عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إن قتل رجل امرأة خیّر أولیاء المرأة إن شاؤوا إن یقتلوا الرجل ویغرموا نصف الدیة لورثته وإن شاؤوا أن یأخذوا نصف الدیة»(1).

فما فی الجواهر(2) من المناقشة فی فرض امتناع الولیّ عن إعطاء فاضل الدیة أو لفقره فی إلزام القاتل بإعطاء دیة المقتولة، لا وجه له، کما لا وجه للاستدلال علی جواز إلزامه بالتمسّک بهدر دم المقتولة بدونه حتی یجاب بأنّه لیس فی عدم جواز الإلزام طلّ الدم إلی هدره.

وذکرنا سابقاً أنّ للقاتل الجانی مطالبة الأولیاء بفاضل دیته قبل القصاص فلا یجوز لهم قتل الجانی قبل إعطاء نصف الدیة. وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «فی الرجل یقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن یقتلوه قال: ذلک لهم إذا أدّوا إلی أهله نصف الدیة»(3) وظاهر القضیة الشرطیة فعلیّة الجزاء یعنی حقّ القصاص بفعلیّة الشرط وهو أداء نصف الدیة وما فی موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر علیه السلام «أنّ رجلاً قتل امرأة فلم یجعل علی علیه السلام بینهما قصاصاً وألزمه الدیة»(4)، محمول علی صورة الامتناع عن ردّ فاضل الدیة أو عدم التمکّن من ردّه.

ص :79


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9: 61.
2- (2) جواهر الکلام: ج 42، ص 82.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 59.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 16: 62.

.··· . ··· .

الشَرح:

وکذلک یقتل الحرّ بقتله الحرّة والحرّ، وإذا قتلت الحرّة الحرّ لا یؤخذ منها فاضل دیة الرجل علی المشهور، بل ادّعی عدم الخلاف فی ذلک ولا ینافیه تعبیر الماتن بالأشهر، حیث یمکن أن یکون التعبیر به للروایة لا للفتوی بالخلاف، والروایة هی صحیحة أبی مریم الأنصاری عن أبی جعفر علیه السلام قال فی امرأة قتلت رجلاً قال: تقتل ویؤدّی ولیّها بقیة المال»، وفی روایة محمد بن علی بن محبوب «بقیة الدیة»(1).

وهذه الروایة مخالفة للروایات الأخری الدالّة علی أنّ جنایة الشخص لا تزید علی نفسه، وفی صحیحة عبداللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلی أن قال: فی امرأة قتلت زوجها متعمّدة قال: إن شاء أهله أن یقتلوها قتلوها ولیس یجنی أحد أکثر من جنایته علی نفسه»(2).

وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام : «وإن قتلت المرأة الرجل قتلت به لیس لهم إلا نفسها»(3)، وفی خبر أبی بصیر قال:«سألت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلی إن قال: وسألته عن امرأة قتلت رجلاً، قال: «تقتل ولا یغرم أهلها شیئاً»(4).

وفی روایة هشام بن سالم عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی المرأة تقتل الرجل ما علیها قال: لا یجنی الجانی علی أکثر من نفسه»(5)، إلی غیر ذلک.

ولو فرضت المعارضة بین هذه الرویات والصحیحة الدالّة علی أخذ بقیة

ص :80


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 17: 62.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 59.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 59.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 60.
5- (5) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 10: 61.

.··· . ··· .

الشَرح:

دیة الرجل تطرح الصحیحة لموافقة الطائفة النافیة لإطلاق الکتاب المجید، قال اللّه سبحانه «وکتبنا علیهم فیها أنّ النفس بالنفس والعین بالعین»الآیة(1).

وفی صحیحة زرارة عن أحدهما علیه السلام «فی قول اللّه عز وجل «النفس بالنفس والعین بالعین والأنف بالأنف» الآیة، قال: هی محکمة»(2).

وعلی الجملة، ما حکی عن الراوندی من حمل الصحیحة الدالة علی أخذ باقی دیة الرجل المقتول زایداً علی قتل قاتلته علی صورة یسار المرأة القاتلة، وهذه الروایات النافیة غیر قتلها علی صورة إعسارها، جمع تبرّعی، بل قوله علیه السلام «لیس یجنی أحد أکثر من جنایته علی نفسه» الوارد فی السؤال عن قتل المرأة زوجها متعمدة آب عن الحمل علی صورة إعسارها، فالترجیح مع الروایات النافیة.

وما ذکر القمّی قدس سره فی تفسیره فی ذیل الآیة «وکتبنا علیهم فیها أنّ النفس بالنفس والعین بالعین والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسن والجروح «قصاص»» من أنّها منسوخة بقوله سبحانه: «کتب علیکم القصاص فی القتلی الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثی بالأنثی» وقوله: «الجروج قصاص» لم تنسخ، لا یمکن المساعدة علیه، فإنّ الآیة محکمة کما فی صحیحة زرارة، غایة الأمر ورد علی إطلاقها بعض التقیید کما فی سایر المطلقات، بل ذکرنا فی بحث الأصول أنّ المراد ببعض الروایات الواردة فی نسخ الکتاب ورود المخصّص أو التقیید علی عموم الآیة وإطلاقها بل الأمر فی «الجروح قصاص» أیضاً کذلک.

ص :81


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 11: 61.

ویقتصّ للمرأة من الرجل فی الأطراف من غیر ردّ، ویتساوی دیتهما ما لم تبلغ ثلث دیة الحرّ ثم یرجع إلی النصف فیقتصّ لها منه مع ردّ التفاوت[1].

الشَرح:

ومن هذا القبیل ما نقل فی رسالة المحکم والمتشابه عن تفسیر العمانی بالاسناد إلی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّ قوله سبحانه: «یا أیّها الذین آمنوا کتب علیکم القصاص فی القتلی الحرّ بالحرّ» الآیة، نسخت ما فیها هذه الآیة «وکتبنا علیهم فیها انّ النفس بالنفس» وإلاّ فقد تقدّم ما فی صحیحة زرارة أنها محکمة.

[1] لا خلاف فی أنّ المرأة یقتصّ لها من الرجل فی الجنایة علی طرفها، کما یقتص للرجل من المرأة فی الجنایة علی طرفه، کما لا خلاف فی أنّ المرأة إذا اقتصّ للرجل منها فلا یؤخذ منها شیء کما إذا قطعت المرأة ید رجل فاقتصّ من المرأة بقطع یدها فلا یؤخذ منها شیء وإن کان دیة ید الرجل ضعف دیة ید المرأة.

ویدلّ علی ذلک صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجل فقأ عین امرأة فقال: إن شاؤوا أن فقؤا عینه ویؤدّوا إلیه ربع الدیة وإن شائت أن تأخذ ربع الدیة. وقال فی امرأة فقأت عین رجل أنّه: إن شاء فقأ عینها والاّ أخذ دیة عینه»(1).

وهذا بخلاف ما إذا کان الجانی رجلاً والمجنی علیها امرأة، فإنّ دیة الرجل والمرأة فی الأطراف متساویة إلی حدّ الثلث، وإذا اقتصّ للمرأة من الرجل قبل بلوغ الثلث لم یکن فی البین ردّ علی الرجل الجانی، وإذا تجاوز الثلث أو بلغه یقتصّ للمرأة من الرجل مع ردّ نصف دیة الطرف علی الرجل حیث یکون دیة الرجل بعد بلوغ الثلث أو تجاوزه ضعف دیة طرف المرأة ودیة المرأة نصف دیة الرجل مثلاً إذا قطع الرجل اصبعاً من المرأة فلها القصاص من الرجل بقطع اصبعه من غیر ردّ، وکذا فی قطعه اصبعین من المرأة أو الثلاث من أصابعها، وأمّا إذا قطع أربعاً من أصابعها فللمرأة

ص :82


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 2 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 124.

.··· . ··· .

الشَرح:

أن تقتصّ من الرجل وتقطع أربعة أصابعه، ولکن علیها ردّ نصف دیة أصابعه الأربعة علیه.

ویدلّ علی الردّ مثل ما ورد فی صدر صحیحة الحلبی المتقدّمة، وعلی التساوی فی الدیة ما لم یبلغ ثلث دیة الحرّ الصحیحة الأخری عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «جراحات الرجال والنساء سواء سنّ المرأة بسنّ الرجل وموضحة المرأة بموضحة الرجل وإصبع المرأة بإصبع الرجل حتی تبلغ الجراحة ثلث الدیة، فإذا بلغت ثلث الدیة ضعّفت دیة الرجل علی دیة المرأة»(1)، وفی صحیحة جمیل بن درّاج قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة بینها وبین الرجل قصاص قال: نعم فی الجراحات حتّی تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة»(2).

وفی صحیحة الحلبی الأخری قال: «سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن جراحات الرجال والنساء فی الدیات والقصاص السنّ بالسنّ والشجّة بالشجّة والاصبع بالاصبع سواء حتی تبلغ الجراحات ثلث الدیة فإذا جازت الثلث صیّرت دیة الرجال فی الجراحات ثلثی ودیة النساء ثلث الدیة»(3).

بقی فی المقام أمور:

_ الأول: أنّه قد ورد فی معتبرة عمرو بن خالد عن زید بن علی عن آبائه عن علی علیه السلام قال: «لیس بین الرجل والنساء قصاص إلاّ فی النفس»(4) ولا عامل بظاهرها

ص :83


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 2 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 124.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 123.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 6: 123.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 7: 124.

.··· . ··· .

الشَرح:

من الأصحاب، ومع الغمض عن ذلک فهی معارضة بالأخبار المتقدّمة لإطلاق الکتاب المجید الدالّة علی ثبوت القصاص فی الأطراف العین بالعین والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص، وحملها علی تساوی القصاص بینهما بمعنی عدم الاقتصاص للمرأة من الرجل من دون ردّ غیر ممکن لأنّ استثناء النفس عن ذلک یکون بلا معنی.

الثانی: قیل إنّ ظاهر بعض الروایات أنّ تساوی المرأة مع الرجل فی دیة الطرف یرتفع بتجاوز الدیة ثلث دیة الحرّ، وظاهر بعضها الأخری ارتفاعه بمجرّد بلوغها ثلث دیته فیجب علی المرأة الرّد بمجرّد بلوغها الثلث ولا یعتبر تجاوزها عنه.

ویقال بعد تعارض الأخبار المتقدّمة فی هذه الجهة یرجع فیما بلغ مقدار الثلث ولم یتجاوز عنه بعموم ما دلّ علی أنّ دیة المرأة نصف دیة الرجل، کما فی صحیحة عبداللّه بن مسکان عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث «دیة المرأة نصف دیة الرجل»(1)، فیجب ردّ نصف الدیة علی الجانی إذا اقتصّ للمرأة منه وإن أخذت الدیة منه فلها نصف دیة الرجل.

أقول: الأخبار علی أنّ دیة المرأة نصف دیة الرجل واردة فی دیة النفس، وأمّا فی دیة الأطراف والجراحات فلم یرد فیها اطلاق بحیث یمکن التمسّک به، ولو قیل بأنّ ما ورد فی الروایات ما ظاهره تضعیف دیة الرجل بعد تجاوز ثلث الدیة کلّها بفاء التفریع علی الجملة الشرطیة السابقة لا أنّها جملة شرطیة مستقلة فی مقابل الشرطیة قبلها وأنّ الغایة فی الشرطیة قبلها خارجة عن الحکم المغیّی بها ولو بقرینة مثل صحیحة الحلبی

ص :84


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 151.

.··· . ··· .

الشَرح:

الوارد فیها: «جراحات الرجال والنساء سواء . . . حتّی تبلغ الجراحة ثلث الدیة»(1)، فإذا بلغت ثلث الدیة ضعّفت، ونحوها ما فی صحیحة جمیل بن دراج(2) فلا یکون اعتبار بما ورد فی الشرطیة الثانیة من ذکر عنوان تجاوز الثلث حیث لا یعتبر المفهوم إلاّ من الشرطیة الأولی فیکون الشرطیة الثانیة المذکورة بفاء التفریع من التصریح ببعض مفهوم الشرطیة الأوّلی کما فی نظایرها.

الثالث: هل یجوز للمرأة فی مورد لزوم ردّ نصف دیة العضو أن تقتصر ببعض الاقتصاص من الرجل حتی لا یجب علیها ردّ الدیة کما إذا قطع الرجل أربعة أصابع من المرأة فأرادت أن یقطع اصبعی الرجل حتی لا یکون علیها ردّ نصف الدیة، فقد یقال بالجواز تمسکّاً بما دلّ علی أنّ الجنایة علی المرأة فیما تجاوز ثلث الدیة ترجع إلی النصف فیجوز لها القصاص من الجنایة علیها بالنصف بقطع اصبعی الرجل ولأنّه إذا جاز لها قطع أربعة أصابع من الرجل الجانی جاز قطع اصبعیه قصاصاً من بعض جنایته وعدم الردّ علیه یحسب أخذها الدیة من جنایة علیها فی قطع اصبعیها الثالث والرابع.

ولکن الأظهر عدم جواز ذلک بحیث یکون لها الحقّ من غیر تراض بینهما، وذلک فإنّه لا دلیل علی التبعیض فی جنایة واحدة، ومقتضی الأدلة أنّ لها قطع الأربع وردّ العشرین أو أخذ الدیة علی أصابعها یعنی العشرین، فجواز قطع الاثنین إنّما هو فی ضمن جواز قطع الأربع، ولأنّ دیة مجموع أصابعها الأربع، عشرون، لا أنّ دیة کلّ من أصابعها خمس من الإبل لیکون قطع الاثنین من أصابع الرجل وعدم الردّ من

ص :85


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 122.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 3: 122.

ویقتل العبد بالعبد وبالأمة والأمة بالامة وبالعبد[1].

الشَرح:

القصاص وأخذ الدیة علی الاصبعین الثالث والرابع. ومما ذکر یظهر الحال فی أنّه لیس لها قطع الثلاث من أصابع الرجل والردّ علیه بخمسة من الإبل.

ثمّ إنّه قد ذکر فی الجواهر(1) أنّ جواز قطع الأربع من أصابع الرجل مع ردّ العشرین علیه فیما إذا کان قطع الأربع بضربة واحدة، وأمّا لو کان بضربات أربع فلها الاقتصاص من الرجل من دون الردّ علیه کما صرّح بذلک جماعة، وکذا فیما کان بضربتین وقد قطع فی کلّ ضربة اصبعین من أصابع المرأة، فإنّ لها فی الفرض قطع الأربع من أصابعه من غیر ردّ فإنّ فی کلّ ضربة قد قطع الرجل اصبعاً أو اصبعین من أصابع المرأة فلها القصاص من کلّ من الاصبع أو الاصبعین أو أخذ الدیة علی کلّ منها والمفروض تساوی دیة الرجل والمرأة فی کلّ من الجنایات ولا دلیل فی الفرض علی سقوط جنایة بسبق جنایة أخری.

[1] لا خلاف فی أنّ العبد یقتل بقتله العبد أو الأمة عمداً وکذلک تقتل الأمة بقتلهما العبد والأمة، ویدلّ علیه الکتاب المجید «النفس بالنفس»(2)، «والعبد بالعبد»(3).

ثمّ إذا کان القاتل والمقتول مملوکین لمالک واحد یجوز للمالک القصاص من عبده أو أمته بلا فرق بین تساوی قیمتهما أو اختلافهما ویقتضیه الاطلاق المشار إلیه، وفی موثّقة اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل له مملوکان قتل أحدهما صاحبه أله أن یقیده به دون السلطان إن أحبّ ذلک؟ قال: هو ماله یفعل به ما

ص :86


1- (1) جواهر الکلام: ج 42، ص 90.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 178.

ولا یقتل حرّ بعبد ولا أمة[1]، وقیل إن اعتاد قتل العبید قتل حسماً للجرأة.

الشَرح:

شاء إن قتل وإن شاء عفا»(1).

وأمّا إذا کان مالک أحدهما غیر مالک الآخر وکانت قیمة القاتل زایدة علی قیمة المقتول فقد ذکر العلاّمة فی القواعد وتبعه غیره أنّه یردّ علی مولی الجانی القاتل فاضل قیمته، لأنّ القیمة فی المملوک بمنزلة الدیة فی غیره.

ولکن لا یخفی أنّ الردّ یحتاج إلی قیام دلیل علیه ومقتضی الاطلاق المشار إلیها جواز الاقتصاص من غیر لزوم شیء. نعم إذا أراد مولی المقتول استرقاق القاتل فلیس له منه إلاّ مقدار مالیّة مقتوله، وهذا لقیام الدلیل علیه کما یأتی.

[1] بلا خلاف ظاهر أو منقول من أصحابنا، وإن حکی عن بعض مخالفینا أنّه لا یقتل إذا قتل عبده، وأمّا إذا قتل عبد غیره فیقتل.

ویدلّ علی الحکم المزبور عدّة من الروایات:

منها: صحیحة أبی بصیر عن أحدهما علیه السلام قال: «قلت له: قول اللّه عز وجلّ «کتب علیکم القصاص فی القتلی الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد ولأنثی بالأنثی» قال: لا یقتل حرّ بعبد ولکن ضرب ضرباً شدیداً ویغرم ثمنه دیة العبد»(2).

وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «لا یقتل الحرّ بالعبد وإذا قتل الحرّ العبد غرّم ثمنه وضرب ضرباً شدیداً»(3)، إلی غیر ذلک مما یعمّ قتل غیره. نعم ذکر الشیخ فی التهذیبین وجماعة أنّ الحرّ إذا اعتاد قتل العبید قتل حسماً للجرأة علی القتل

ص :87


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 44 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 76.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 71.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 71.

.··· . ··· .

الشَرح:

وتمانعاً عن الفساد، وکأنّ هذا لا یکون من القصاص.

ویستدلّ علی ذلک بروایة الفتح الجرجانی عن أبی الحسن علیه السلام «فی رجل قتل مملوکه أو مملوکته قال: إن کان المملوک له أدّب وحبس إلاّ أن یکون معروفاً بقتل الممالیک فیقتل به»(1)، ورواه فی الوسائل عن أبی الفتح الجرجانی وهو سهو.

وفی روایة یونس عنهم علیهم السلام قال: «سئل عن رجل قتل مملوکه قال: إن کان غیر معروف بالقتل ضرب ضرباً شدیداً وأخذ منه قیمة العبد ویدفع إلی بیت مال المسلمین، وإن کان متعوّداً للقتل به»(2)، ولا یبعد اعتبار الروایة سنداً.

وفی روایة السکونی عن جعفر عن أبیه عن آبائه علیهم السلام «أنّ علیّاً علیه السلام قتل حرّاً بعبده قتله عمداً(3)، حیث حملوه علی صورة الاعتیاد، لأنّها حکایة قضیة فی واقعة.

ولکن لا یبعد الالتزام بأنّه إذا قتل مملوکه وکان معروفاً بقتل ممالیکه یقتل کما هو ظاهر روایة یونس التی ذکرنا عدم البعد فی اعتبارها سنداً، لأنّ اسماعیل بن مرار الراوی عنه من المعاریف الذین لم یرد فیهم قدح، ویونس بن عبدالرحمن یمکن أن یروی عن الکاظم والرضا علیهماالسلام ویسند ما سمع عن أحدهما أو عن کلیهما إلی جمعهم علیهم السلام فلا وجه لما حکی عن الشهید من الخدشة فیها بالإرسال.

ولکن هذا فیما إذا قتل مملوکه أو مملوکته بأن کان متعوّداً علی قتل عبیده أو إمائه، وأمّا إذا کان متعوّداً لقتل مملوک الغیر فتسریة الحکم إلیه مشکل ولا یبعد فی الأخذ فیه بالاطلاق بأنّ الحرّ لا یقتل بالعبد ولکن یضرب ضرباً شدیداً ویغرم ثمنه

ص :88


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 38 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 69.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 38 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 69.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9: 72.

ولو قتل المولی عبده کفّر[1] وعزّر ولم یقتل به.

الشَرح:

ویؤیّد ذلک التقیید فی روایة الفتح بن یزید الجرجانی بقوله «إن کان المملوک له».

وعلی الجملة لا یقتل الحر بالعبد والتعوّد علی قتل العبید ولو کانوا للغیر وإن کان فساداً وجرأة إلاّ أنّ مطلق الفساد لا یوجب جواز القتل ما لم یدخل فی عنوان المحارب.

نعم، فی موثقة زید بن علی عن آبائه عن علی علیه السلام قال: «لیس بین الرجال والنساء قصاص إلاّ فی النفس ولا بین الأحرار والممالیک قصاص إلاّ فی النفس، ولیس بین الصبیان قصاص فی شیء إلاّ فی النفس»(1)، ولکنّ مفادها لا یمکن الأخذ به فی شیء من الفقرات الثلاث، ضرورة عدم القصاص بین الصبیان حتی فی النفس، فإن قتل الصبی یحسب خطأ محضاً تحمّل الدیة علی عاقلته وبین الرجال والنساء قصاص فی النفس وغیرها ولیس بین العبید والأحرار قصاص، کما تقدّم.

وأمّا معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علی علیه السلام «لیس بین العبید والأحرار قصاص فیما دون النفس ولیس بین الیهودی والنصرانی والمجوسی قصاص إلاّ فی النفس»(2)، فیمکن الأخذ بما ورد فی صدورها وغایة مفادها ثبوت القصاص بین الحرّ والعبد بنحو الموجبة الجزئیة أو بنحو القضیة المهملة فیحمل علی صورة تعوّد المولی علی قتل عبیده، واللّه سبحانه هو العالم.

[1] المراد کفارة الجمع کما یشهد علیه صحیحة زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی الرجل یقتل عبده متعمّداً أیّ شیء علیه من الکفارة؟ قال: عتق رقبة وصیام شهرین

ص :89


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 139.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 139.

.··· . ··· .

الشَرح:

متتابعین وصدقة علی ستین مسکیناً»(1). وموثقة سماعة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن رجل قتل مملوکاً له، قال: یعتق رقبة ویصوم شهرین متتابعین ویتوب إلی اللّه(2). وفی صحیحة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «من قتل عبده متعمّداً فعلیه أن یعتق رقبة وأن یطعم ستین مسکیناً وأن یصوم شهرین»(3).

وبذلک یرفع الید عن الاطلاق فی حسنة عمران عن أبی جعفر علیه السلام «فی الرجل یقتل مملوکاً له قال: یعتق رقبة ویصوم شهرین متتابعین ویتوب إلی اللّه عز وجل»(4) بتقییده بإطعام ستین مسکیناً بقرینة ما تقدّم.

وما فی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «فی الرجل یقتل مملوکه متعمّداً قال: یعجبنی أن یعتق رقبة ویصوم شهرین متتابعین ویطعم ستین مسکیناً ثمّ تکون التوبة بعد ذلک»(5) من التعبیر بقوله علیه السلام «یعجبنی» لا ینافی کونه واجباً.

وأمّا أنّه لا یقتل، فیدلّ علیه _ مضافاً إلی إطلاق ما تقدّم من أنّه لا یقتل الحرّ بالعبد _ معتبرة یونس (6) ومعتبرة السکونی (7)، حیث ورد فی الأوّلی أنّه إذا کان المولی معروفاً بقتل العبید یقتل، وإلاّ یضرب ضرباً شدیداً علی ما تقدّم، وورد فی الثانیة علی ما رواه فی الفقیه أنّ علیاً علیه السلام رفع إلیه رجل عذّب عبده حتّی مات فضربه مأة نکالاً وحبسه

ص :90


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 6: 68.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 68.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 67.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 67.
5- (5) الوسائل: ج 19، الباب 37 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 67.
6- (6) الوسائل: ج 19، الباب 38 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 69.
7- (7) الوسائل: ج 29، الباب 37، الحدیث 35230: 37.

.··· . ··· .

الشَرح:

وغرّمه قیمة العبد فتصدّق بها عنه، وبما أنّه ورد فی هذه المتبرة الضرب بمائه وحبسه فقد حدّد فی بعض الکلمات من أصحابنا الضرب بمائه جلدة ضرباً شدیداً وحبسه وأخذ قیمة العبد والتصدّق بها أو إرجاع القیمة إلی بیت المال، حیث إنّ إرجاعها إلی بیت المال وارد فی صحیحة یونس والتصدّق بها فی المعتبرة، ومقتضی الجمع بینهما برفع الید عن إطلاق کلّ منهما فی التعیّن بصراحة الأخری فی جواز ما ورد وتکون النتیجة هو التخییر.

ولکن یمکن أن یقال ما ورد فی المعتبرة حکایة فعل فلا تدلّ إلاّ علی مشروعیة الضرب بالمائه وحبس مولی القاتل لا علی وجوبهما حتی یرفع الید بها عن إطلاق صحیحة یونس وغیرها من ذکر التعزیر بالضرب الشدید وعدم ذکر الحبس بخلاف التغریم فإنّه وارد فی الصحیحة والمعتبرة فیلتزم أنّه حکم شرعی مترتّب علی قتل المولی عبده لا أنّه داخل فی التعزیر لیکون اختیاره بید الحاکم ونظره کالحبس.

وبتعبیر آخر التغریم الوارد فیها نظیر التغریم الوارد فیمن قتل العبد، حیث ذکر فی بعض تلک الروایات فی مقام التأدیب والتعزیر نظیر موثقة سماعة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قال: یقتل العبد بالحر ولا یقتل الحرّ بالعبد ولکن یغرم ثمنه ویضرب ضرباً شدیداً حتّی لا یعود»(1).

وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا قتل الحرّ العبد غرّم قیمته وأدّب. قیل: فإن کانت قیمته عشرین ألف درهم قال: لا یجاوز بقیمة دیة الأحرار»(2)، فإنّ قوله «حتّی لا یعود» تعلیل راجع إلی ضربه.

ص :91


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 71.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 71.

وقیل یغرم قیمته ویتصدّق بها، وفی المستند ضعف[1] وفی بعض الروایات ان اعتاد ذلک قتل به، ولو قتل عبداً لغیره عمداً اغرم قیمته یوم قتله[2].

الشَرح:

[1] قد تقدّم عدم ضعف فی مستنده وأنّ التصدّق به تخییر بینه وبین إرجاع القیمة إلی بیت مال المسلمین وأنّ ما فی الروایتین من أنّ المولی إذا تعوّد علی قتل مملوکه وعبده یقتل، یتعیّن الأخذ به ویتعدّی إلی ما إذا تعوّد بقتل مملوکه لعدم احتمال الاختصاص بالعبد خصوصاً بملاحظة ورود المملوکة فی روایة الفتح بن یزید.

[2] إذا قتل الحرّ عبداً لغیره عمداً ضمن قیمة العبد یوم قتله وعزّر بضرب شدید وکأنه لا خلاف فی الحکم.

ویشهد له صحیحة أبی بصیر عن أحدهما علیه السلام قال: «قلت له: قول اللّه عز وجلّ: «کتب علیکم القصاص فی القتلی الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثی بالأنثی» قال: لا یقتل حرّ بعبد ولکن یضرب ضرباً شدیداً ویغرم ثمنه دیة العبد»(1)، نحوها غیرها.

وإذا قتل الحرّ الأمة عمداً فالحکم أیضاً کذلک لا یقتل الحرّ بالأمة ویکون علیه قیمتها یوم قتلها فإنّ الروایات وإن کانت واردة فی قتل الحرّ العبد والمملوک إلاّ أنّ المتفاهم منها عرفاً عدم الفرق بین قتل الحر العبد أو الأمة فی أنّه لا قصاص علی الحرّ بقتله العبد أو الأمة فلا قصاص علی الحرّة بل یکون علیها قیمة العبد والأمة یوم القتل لمولاهما، حیث إنّ الیوم المزبور یوم اشتغال الذمّة بالدیة التی هی قیمة العبد أو الأمة، ویدلّ علیه روایة أبی الورد(2) ولضعف سندها صالحة للتأیید.

والأمر فی قتل الحرّ العبد أو الأمة وفی قتل الحرّة العبد والأمة خطأً أیضاً کذلک، یعنی یکون دیة المقتول قیمته کان عبداً أو أمة، والفرق بینهما أنّ فی صورة القتل عمداً

ص :92


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 71.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 7 من أبواب دیات النفس، الحدیث 4: 18.

ولا یتجاوز بها دیة الحرّ ولا بقیمة المملوکة دیة الحرّة[1] ولو کان ذمّیاً لذمی الشَرح: تکون الدیة علی القاتل، وفی صورة الخطأ علی عاقلته، علی ما یأتی. نعم یختصّ التعزیر بالضرب الشدید بصورة القتل عمداً کما هو ظاهر.

[1] بلا خلاف یعتدّ به. ویدلّ علی ذلک صحیحة الحلبی المتقدمة عن أبی عبداللّه علیه السلام حیث ورد فیها «إذا قتل الحرّ العبد غرم قیمته وأدّب، قیل: فإن کانت قیمته عشرین ألف درهم قال: «لا یتجاوز بقیمة عبد دیة الأحرار»(1).

وفی صحیحة عبداللّه بن مسکان عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «دیة العبد قیمته، فإن کان نفسیاً فأفضل قیمته عشرة آلاف درهم، ولا یتجاوز به دیة الحرّ»(2).

وعلی ذلک فإن کان المقتول أمة فدیّتها قیمتها، وإذا زادت قیمتها علی دیة الحرّة لا تکون دیتها أکثر من دیة الحرّة. ودیة الحرّة نصف دیة الحرّ علی ما دلّت علیه الروایات، کصحیحة عبداللّه بن مسکان، حیث ورد فیها «دیة المرأة نصف دیة الرجل»(3). وصحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام فی الرجل یقتل المرأة قال: «إن شاء أولیائها قتلوه وغرموا خمسة آلاف درهم لأولیاء المقتول وإن شاؤوا أخذوا خمسة آلاف درهم من القاتل»(4)، وغیر ذلک مما ورد فی دیة الحرّة.

بقی فی المقام أمر وهو أنّ ما تقدّم من الروایات الدالّة علی أنّ دیة العبد قیمته وأنّ قیمته إذا تجاوزت دیة الحرّ تکون دیته بمقدار دیة الحرّ ناظر إلی ضمان القاتل من جهة القتل وإذا کان الموجب لضمانه القیمة أمراً آخر فالقاتل یضمن تمام قیمته وإن زادت

ص :93


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب دیات النفس، الحدیث 4: 18.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دیات النفس، الحدیث 2: 152.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 5 من أبواب دیات النفس، الحدیث 1: 151.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 5 من أبواب دیات النفس، الحدیث 4: 151.

لم یتجاوز بقیمة الذکر دیة مولاه ولا بقیمة الانثی دیة الذمیة[1].

الشَرح:

دیة الحرّ کما إذا غصب عبد الغیر ثمّ قتله وکانت قیمته أکثر من دیة الحرّ فالقاتل یضمن تمام قیمته لأنّ ضمانه تمامها لیس بالقتل بل للغصب، ولو مات العبد المغصوب فی ید الغاصب کان علی الغاصب تمام قیمته فکیف إذا قتله بعد الغصب فإنّ القتل لا یسقط من ضمانه.

[1] دیة الذمّی الحرّ ثمانمائة درهم والذمّیة الحرة دیّتها نصفها لما دلّ علی أنّ دیة المرأة نصف دیة الذکر وعلی ذلک لو قتل المسلم العبد الذمّی الذی کان لذمّی یکون دیة العبد المزبور قیمته، وإذا تجاوزت قیمته دیة الذمّی الحرّ المفروض کون مولاه کذلک یکون علی المسلم ثمانمائة درهم کما أنّه إذا قتل المسلم الأمة الذمّیة یکون علیه أربعمائة درهم دیة الحرة الذمّیة، فإنّ دیة الأمة الذمّیة لا تتجاوز دیة الذمّیة الحرّة، ومقتضی ما ذکر عدم الفرق بین أن یکون العبد الذمّی لذمّی والأمة الذمّیة للحرّ الذمّی أو للحرّة الذمّیة أو کان العبد والأمة الذمیین للمولی المسلم أو المسلمة.

ولکن ظاهر کلام جملة من الأصحاب والمصرّح به فی کلام بعضهم کالعلاّمة وغیره أنّ العبد الذمّی إذا کان لمسلم فدیته قیمته ما لم یتجاوز دیة الحرّ المسلم ودیة الأمة الذمّیة ما لم یتجاوز دیة المسلمة الحرّة.

ویستدلّ علی ذلک بما أرسله فی الإیضاح (انّ العبد لا یتجاوز بقیمته دیة مولاه) وظاهر کلام الماتن أیضاً الالتزام بذلک حیث قیّد کون العبد الذمی المقتول بکون مولاه ذمّیاً والأمة الذمّیة المقتولة بکون مولاتها ذمّیة فإنّه بناءً علی ما ذکرنا أنّ دیة العبد الذمّی لا یتجاوز عن دیة الحرّ الذمّی سواء کان مولاه ذمّیاً أو مسلماً وکذلک الأمة الذمّیة لا تتجاوز دیّتها أربعمائة درهم کانت لذمّی أو لمسلم أو لمسلمة، بل ربما احتمل بعضهم أنّ العبد الذمّی لذمّی إذا أسلم عند مولاه وقتل قبل أن یباع علی مولاه لا یتجاوز

ص :94

ولو قتل العبد حرّاً قتل به[1] ولا یضمن المولی جنایته لکن ولیّ الدم بالخیار بین قتله وبین استرقاقه ولیس لمولاه فکّه مع کراهیة الولیّ.

الشَرح: دیته عن دیة مولاه الذمّی أخذاً بعموم الخبر.

ولکن لا یخفی من عدم وجود الخبر المزبور فی کتب أخبارنا والاستناد إلیه فی رفع الید عما ذکرنا من مقتضی الروایات مشکل جدّاً.

وما یظهر من صاحب الجواهر قدس سره من التمسّک فیما إذا کان العبد الذمّی المقتول لمسلم بالاطلاق فی قوله علیه السلام «دیة العبد قیمته» لم یظ هر للتمسک بالاطلاق المزبور وجه بعد ورود القید بأنّ الدیة قیمته ما لم یتجاوز دیته دیة الحرّ الظاهر فی الحرّ المسلم إذا کان العبد مسلماً والحرّ الذمّی إذا کان العبد المقتول ذمّیاً، واللّه سبحانه هو العالم.

[1] بلا خلاف یعرف لقوله علیه السلام فی موثقة سماعة: «یقتل العبد بالحرّ»(1)، وصحیحة زرارة عن أحدهما علیه السلام : «فی العبد إذا قتل الحرّ دفع إلی أولیاء المقتول فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه»(2)، وظاهر هذه الصحیحة انّ الاختیار بید ولیّ المقتول ولیس لمولاه إلزام ولیّ المقتول بأخذ الدیة ونحوها غیرها کما أنّ الولیّ لیس له إلاّ الاقتصاص من العبد واسترقاقه ولیس له إلزام مولاه بإعطاء الدیة أو إلزامه بردّ التفاوت بین قیمة العبد ودیة المقتول بعد الاقتصاص من العبد أو استرقاقه، حیث إنّ مولی العبد لا یغرم أکثر من نفس العبد.

کما یدلّ علی ذلک _ مضافاً إلی ظاهر الصحیحة أیّ إطلاقها المقامی _ صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام حیث ورد فیه «انّ العبد لا یغرم أهله وراء نفسه شیئاً»(3).

ص :95


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 40 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 71.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 41 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 73.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دیات النفس، الحدیث 2: 157.

ولو جرح حراً کان للمجروح الاقتصاص منه، فإن طلب الدیة فکّه مولاه بأرش الجنایة[1] ولو امتنع کان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجنایة وإن قصر أرشها کان له أن یسترقّ منه بنسبة الجنایة من قیمته، وإن شاء طالب ببیعه وله من ثمنه أرش الجنایة فإن زاد ثمنه فالزیادة للمولی.

الشَرح:

[1] فللمولی فکّ عبده بأرش جنایته فإن أبی من فکّه بأرش الجنایة یکون المجنی علیه علی التخییر بین أن یسترقّ العبد کلّه إذا أحاطت أرش جنایته تمام قیمته، أو بمقدار نسبة أرش الجنایة إلی قیمته فیکون العبد مشترکاً بینه وبین مولاه وبین أن یطالب مولاه بالبیع ویستوفی من ثمنه أرش الجنایة، وإن زادت قیمته عن أرشها فالزیادة للمولی.

ولکن الوارد فی حکم جنایة العبد علی الحرّ صحیحة الفضیل بن یسار عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال فی عبد جرح حرّاً فقال: «إن شاء الحرّ اقتصّ منه وإن شاء أخذه إن کانت الجراحة تحیط برقبته وإن کانت لا تحیط برقبته إفتداه مولاه فإن أبی مولاه أن یفتدیه کان للحرّ المجروح من العبد بقدر دیة جراحة والباقی للمولی یباع العبد فیأخذ المجروح حقّه ویردّ الباقی علی المولی»(1).

وظاهرها أنّ للمجنیّ علیه الاقتصاص من العبد وإذا لم یقتصّ له استرقاق العبد إذا کان أرش جنایته مستوعباً لتمام قیمته، وأمّا إذا لم یستوعب أرشها قیمته فللمولی أن یفکّ عبده بأرش الجنایة فإن امتنع یکون العبد مشترکاً بین مولاه والمجنی علیه بنسبة أرش جنایته إلی قیمته فیباع العبد ویأخذ المجنی علیه مقدار حصته ویکون الباقی للمولی. والفرق بین مدلولها وبین ما ذکره الماتن فی أمرین:

أحدهما: إنّ مدلول الصحیحة أنّ للمجنی علیه استرقاق العبد فیما إذا أحاطت جنایتها بقیمته ولیس للمولی إلزام المجنی علیه بأخذ أرش الجنایة ویدلّ علی ذلک

ص :96


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دیات النفس، الحدیث 2: 154.

ولو قتل العبد عبداً عمداً[1] فالقود لمولاه، فإن قتل جاز وإن طلب الدیة تعلّقت برقبة الجانی، فإن تساوت القیمتان کان لمولی المقتول استرقاقه ولا یضمنه مولاه لکن لو تبرّع فکّه بقیمة الجنایة وإن کانت قیمة القاتل أکثر فلمولاه منه بقدر قیمة المقتول، وإن کانت قیمته أقلّ فلمولی المقتول قتله أو استرقاقه ولا یضمن مولی القاتل شیئاً إذ المولی لا یعقل عبداً.

الشَرح:

أیضاً صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام «فی عبد جرح رجلین قال: هو بینهما إن کانت جنایته تحیط بقیمته»(1).

وعلی الجملة ظاهر الصحیحتین أنّ مع إحاطة أرش جنایة العبد علی الحرّ بقیمته یکون للحرّ المجنی علیه الاقتصاص من العبد أو استرقاقه مع أنّ ظاهر الماتن انّ استرقاقه مترتّب علی امتناع مولاه عن أداء أرش جنایته حتی ما إذا کان أرش جنایته محیطاً بقیمته.

ثانیهما: انّ مع عدم إحاطة أرش جنایة العبد بقیمته یکون المجنی علیه مخیراً بین الاقتصاص وطلب أرش الجنایة من مولاه، فإن امتنع المولی عن فک العبد بأداء أرش الجنایة فهو _ یعنی العبد _ یکون مشترکاً بین المولی والمجنی علیه فیباع العبد کسایر الأموال المشترکة، فیأخذ کلّ منهما من ثمنه حصتّه. فالمتعیّن الأخذ بمدلول الصحیحة لعدم قیام وجه معتبر علی التصرّف فی مدلول الصحیحتین وحمل البیع فی صحیحة الفضیل علی تخییر المجنی علیه مع أنّ ظاهرها کون البیع من مقتضی اشتراک العبد بین المجنی علیه ومولاه.

[1] إذا قتل العبد عبداً کان لمولی العبد المقتول القصاص من العبد القاتل، حیث إنّ ولی الدم للعبد المقتول مولاه، ویشهد لقتل العبد بالعبد والأمة بالأمة بل الأمة بالعبد

ص :97


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 45 من أبواب دیات النفس، الحدیث 1: 77.

.··· . ··· .

الشَرح:

والعبد بالأمة قوله سبحانه: «النفس بالنفس» «والعبد بالعبد والأنثی بالأنثی» والحکم فی الجملة مما لا إشکال فیه ولا تأمّل.

إنّما الکلام فی جهات:

_ الأولی: ما هو ظاهر الماتن قدس سره من أنّ لمولی العبد المقتول الاختیار فی أن یقتصّ من العبد القاتل وأن تطلب الدیة، وبما أنّ المولی لا یغرم وراء نفس العبد شیئاً وأنّ جنایة العبد تکون الدیة فی رقبته، یکون مقتضی ذلک أنّ له استرقاقه.

أضف إلی ذلک ما تقدّم فی قتل العبد حرّاً من أنّ ولیّ الحرّ المقتول مخیّر بین قتل العبد وبین استرقاقه کما یدلّ علیه الروایات کصحیحة زرارة عن أحدهما علیه السلام «فی العبد إذا قتل الحرّ دفع إلی أولیاء المقتول فإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه»(1)، وإذا جاز الاسترقاق وترک قتل العبد إذا قتل الحرّ یکون ترک قتله وجواز استرقاقه أولی فیما قتل العبد عبداً کما قیل.

ولکن لا یخفی ما فی الوجهین فإنّ الثابت للولیّ فی القتل العمدی هو حقّ القصاص من القاتل وأمّا ثبوت الدیة فیحتاج إلی التراضی بینه وبین القاتل، وقد خرجنا عن ذلک فیما إذا قتل العبد حرّاً لدلالة صحیحة زرارة وغیرها أنّ ولیّ المقتول مخیّر بین الاقتصاص من العبد القاتل أو استرقاقه ورفع الید عنه فیما إذا قتل العبد عبداً بأن یلتزم أنّ لمولی العبد المقتول استرقاق العبد القاتل ولو بلا رضا مولاه فیحتاج إلی قیام دلیل علیه والأولویة التی ذکرها فی الجواهر(2) لم یظهر لها وجه صحیح.

_ والجهة الثانیة: أنّ العبد المقتول إذا کانت قیمته مختلفةً مع قیمة العبد القاتل

ص :98


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 41 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 73.
2- (2) جواهرالکلام: 42/103.

.··· . ··· .

الشَرح:

بأن کان قیمة العبد القاتل أکثر واقتصّ منه مولی العبد المقتول فهل علیه ردّ الزاید علی مولی العبد القاتل أو لیس علیه الردّ؟ المنسوب إلی العلاّمة فی القواعد والمختار فی المسالک هو لزوم الردّ، لأنّ فی العبد یلاحظ فیه المالیة فلا یستوفی الزاید بالناقص، نعم إذا کان الأمر بالعکس بأن کان قیمة العبد المقتول أکثر فمع الاقتصاص من العبد القاتل لا یکون علی مولاه شیء حیث إنّ المولی لا یغرم وراء نفس العبد شیئاً.

ولکن لا یخفی أنّ ظاهر الآیة المبارکة مقابلة النفس بالنفس فی الحرّ وفی العبد، حیث ذکر سبحانه النفس بالنفس والعبد بالعبد والخروج عن ذلک یحتاج إلی قیام دلیل علیه ولیس فی المقام ما یحسب دلیلاً علی الخروج، فیجوز لمولی المقتول قتل العبد القاتل من غیر ردّ شیء إلی مولاه إذا زادت قیمته عن قیمة العبد المقتول.

_ والجهة الثالثة: فیما إذا قتل العبد الأمة أو قتلت الأمة عبداً فهل یؤخذ بمقتضی قوله سبحانه «النفس بالنفس»(1) ویحکم بأنّه إذا أراد مولی الأمة المقتولة القصاص من العبد القاتل لا یرد علی مولاه نصف قیمته، کما أنّه إذا أراد مولی العبد الذی قتله الأمة الاقتصاص منها لا یأخذ من مولاها نصف قیمة عبده لما تقدمّ من أنّ المولی لا یغرم غیر نفس العبد شیئاً؟

الصحیح ذلک، لم تقدّم من ظهور الآیة فی مقابلة النفس بالنفس والخروج عن ذلک فی الحرّ والحرّة إذا قتلت المرأة رجلاً، کان لقیام الدلیل علیه وأنّه إذا أراد أولیاء الحرّة قتل الرجل الحرّ فعلیهم ردّ نصف دیّته.

ثمّ إنّه إذا بنی علی أنّ لمولی المقتول استرقاق العبد ولو بلا رضا مولاه لأنّ الدیة

ص :99


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.

.··· . ··· .

الشَرح:

تتعلق برقبة العبد ویقتضی التعلّق بها جواز استرقاقه یکون استرقاق العبد بتمامه فی صورتین:

إحداهما: ما إذا کانت قیمة العبد المقتول أو الأمة المقتولة مساویة مع قیمة العبد القاتل.

ثانیتهما: ما إذا کانت قیمة المقتول أکثر من قیمة العبد القاتل فإنّه لا یکون لمولی المقتول إلاّ قتل العبد القاتل أو استرقاقه ولا یضمن مولی القاتل شیئاً، حیث إنّ أهل العبد لا یغرم وراء نفسه شیئاً وأنّ المولی لا یعقل عبده، وأمّا إذا انعکس الأمر بأن کان قیمة القاتل أکثر من قیمة المقتول فقد تقدّم فی الجهة الثانیة أنّ لمولی المقتول قتله ولا یرد علی مولی القاتل مع قتل القاتل شیئاً.

وأمّا إذا أراد استرقاق القاتل فلا یسترقّ منه بأکثر من قیمة مقتوله، لأنّ دیة مقتوله قیمته فأخذ تلک القیمة وتعلّقها برقبة القاتل الاسترقاق بمقدارها وقد تقدّم أنّ فی جرح العبد الحرّ إذا کانت قیمة العبد أکثر من دیة الجرح فیسترق المجنی علیه مع امتناع مولاه عن دفع أرش جنایة عبده بمقدار أرش الجنایة.

بقی فی المقام أمر وهو أنّ ظاهر کلام الماتن أنّ مولی العبد المقتول إذا طلب الدیة لا تکون الدیة مضمونة علی مولی العبد القاتل حیث أنّ المولی لا یعقل العبد إلاّ أنّه إذا أراد فکّ عبده من جنایته فکّه بأرش جنایة عبده وأرش جنایة عبده فی المقام قیمة العبد المقتول.

ولکن لا یخفی أنّه لا دلیل علی جواز فکّه جنایة عبده بأرش جنایة عبده أو بقیمة عبده القاتل أو بأقل الأمرین من غیر رضا مولی العبد المقتول. نعم إذا تضمّن طلبه الدیة

ص :100

ولو کان القتل خطأً کان مولی القاتل بالخیار بین فکّه بقیمته[1 [ولا تخییر لمولی المجنی علیه وبین دفعه، وله منه ما یفضل عن قیمة المقتول ولیس علیه ما یعوز.

الشَرح:

الرضا بالفکّ کان لمولی العبد القاتل الفک المزبور.

[1] إذا قتل العبد عبداً أو أمة خطأً فقد تقدّم ما یدلّ علی أنّ جنایة العبد تتعلق برقبته ولا یعقل المولی العبد ولکن مولی العبد القاتل مخیّر بین إعطاء قیمة العبد المقتول أو الأمة المقتولة وبین دفع العبد إلی مولی المقتول فیسترقّه بتمامه إذا کانت قیمته مساویة لقیمة المقتول أو المقتولة أو أقل.

وأمّا إذا کانت قیمة العبد القاتل أکثر، فلمولاه الزاید علی قیمة المقتول أو المقتولة.

والوجه فی ذلک أنّ مقتضی کون جنایة العبد علی رقبته ولیس علی مولاه ضمان جنایته انّه إذا کانت قیمة المقتول أکثر فلا یتحمل مولی القاتل شیئاً ولا یکون علیه ما یعوز بخلاف ما کانت قیمته أکثر فإنّه لیس لمولی المقتول غیر دیته، وبما أنّ تلک الدیة برقبة العبد فیسترق منه مقدار دیة المقتول.

وأمّا أنّ لمولی القاتل دفع دیة العبد المقتول أو المقتولة وأنّه مخیّر بین دفعها ودفع عبده فیدلّ علیه صحیحة محمد بن حمران عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی مدبّر قتل رجلاً خطأً قال: إن شاء مولاه أن یؤدّی إلیهم الدیة وإلاّ دفعه إلیهم یخدمهم»(1)، فإنّه لا فرق کما سیأتی بین القنّ والمدبّر فی هذا الحکم، وأنّ المدبّر مادام لم یمت مولاه الذی دبّره بحکم القنّ وبهما یرفع الید عن اطلاق صحیحة أبی بصیر الدالّة علی تعیّن دفع العبد القاتل إلی ولیّ المقتول، قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن مدبّر قتل رجلاً عمداً

ص :101


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دیات النفس، الحدیث 3: 155.

ولو اختلف الجانی ومولی العبد فی قیمته یوم قتل، فالقول قول الجانی مع یمینه إذا لم یکن للمولی بینّة[1].

الشَرح:

فقال: یقتل به قال: قلت: فإن قتله خطأً؟ قال فقال: یدفع إلی أولیاء المقتول فیکون لهم رقّاً فإن شاؤوا باعوا وإن شاؤوا استرقّوا ولیس لهم أن یقتلوه قال ثمّ قال: یا أبا محمد إنّ المدبّر مملوک»(1). ونحوها صحیحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن مکاتب قتل رجلاً خطأً قال فقال: إن کان مولاه حین کاتبه اشترط علیه ان عجز فهو ردّ فی الرق فهو بمنزلة المملوک یدفع إلی أولیاء المقتول فإن شاؤوا استرقّوا وإن شاؤوا باعوا» الحدیث، هذا علی روایة الصدوق. وفی روایة الکلینی کما فی الوسائل: «فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا»(2) فهو سهو لعدم ثبوت القصاص فی القتل الخطئی ولو کان المراد بالخطأ مقابل الصواب لا مقابل العمد خرج الخبر عن مورد الکلام وهو قتل العبد خطأً.

فإنّهما وإن کانتا ظاهرتین فی قتل المملوک حرّاً خطأً إلاّ أنّه لا فرق بین قتله الحرّ أو العبد فی کون الدیة فی رقبة العبد، وقد دلّت صحیحة محمد بن حمران علی أنّ للمولی فکّ العبد الجانی خطأً بإعطاء دیة المقتول کان المقتول عبداً أو حراً.

[1] والوجه فی ذلک انّ مولی العبد المقتول یدّعی الزیادة علی ما یعترف به مولی العبد القاتل أو الجانی، فإن أقام بینّة علی أنّ قیمة عبده عند القتل کانت تلک الزیادة فهو، وإلاّ یحلف الجانی أو مولی المقتول علی نفی تلک الزیادة.

نعم لو ردّ الجانی أو مولی العبد القاتل الحلف علی مولی المقتول فحلف ثبتت تلک الزیادة علی ما هو میزان القضاء.

ص :102


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 74.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 78.

والمدبّر کالقنّ[1] ولو قتل عمداً، قُتل. وإن شاء الولی استرقاقه کان له، ولو قتل خطأً فإن فکّه مولاه بأرش الجنایة، وإلاّ سلّمه للرقّ وإذا مات الذی دبّره، هل ینعتق؟ قیل لا، لأنّه کالوصیة، وقد خرج عن ملکه بالجنایة فیبطل التدبیر، وقیل: لا یبطل، بل ینعتق، وهو المروی. ومع القول بعتقه هل یسعی فی فکّ رقبته؟ فیه خلاف، الأشهر أنّه یسعی، وربما قال بعض الأصحاب یسعی فی دیة المقتول ولعلّه وهمٌ.

الشَرح:

وفی روایة أبی الورد قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قتل عبداً خطأً، قال: علیه قیمته ولا یجاوز بقیمته عشرة آلاف درهم قلت ومن یقوّمه وهو میّت؟ قال: إن کان لمولاه شهود أنّ قیمته یوم قتل کان کذا وکذا أخذ بها قاتله وإن لم یکن له شهود علی ذلک کانت القیمة علی من قتله مع یمینه یشهد باللّه ما له قیمة أکثر مما قوّمته فإن أبی أن یحلف وردّ الیمین علی الولی فإن حلف المولی أعطی ما حلف علیه» الحدیث(1).

[1] لما تقدّم فی صحیحة أبی بصیر من أنّ المدبّر مملوک فیجری علیه ما جری علی قتل العبد عمداً أو خطأً سواء کان المقتول حرّاً أو عبداً، فإن کان قتله عمداً کان ولیّ المقتول مخیّراً بین قتله قصاصاً أو استرقاقه، وإن کان قتله خطأً یکون مولی القاتل مخیّراً بین فکّه بالدیة وتسلیمه إلی مولی المقتول أو ولیّه.

ثمّ یقع الکلام فی أنّه صار رقّاً لمولی المقتول أو لأولیائه فهل یکون فی ملکهم أیضاً مدبّراً نظیر ما ذکرنا فی بیع الراهن العین المرهونة ولازم ذلک أن ینعتق العبد القاتل بمجرّد موت مولاه الذی دبّره أو أنّ التدبیر کالوصیة بالعبد وإذا خرج العبد الموصی به للغیر عن ملک الموصی بالبیع أو بالصلح ونحوها تبطل الوصیة.

ومقتضی صحیحة محمد بن حمران انتقال العبد إلی ولی المقتول مدبّراً حیث

ص :103


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 7 من أبواب دیات النفس، 1: 153.

.··· . ··· .

الشَرح:

روی عن أبی عبداللّه علیه السلام فی مدبّر قتل رجلاً خطأً قال: «إنّ شاء مولاه أن یؤدّی إلیهم الدیة وإلاّ دفعه إلیهم یخدمهم فإذا مات مولاه _ الذی أعتقه _ رجع حرّاً»(1). ونحوها صحیحة جمیل قال: «قلت: لأبی عبداللّه علیه السلام : مدبّر قتل رجلاً خطأً من یضمن عنه؟ قال: یصالح عنه مولاه فإن أبی دفع إلی أولیاء المقتول یخدمهم حتی یموت الذی دبّره ثمّ یرجع حرّاً لا سبیل علیه»(2). وظاهر هذه أنّه لا یطالب بعد حرّیته بشیء ولا یستسعی، وقد نقل ذلک عن ظاهر المفید قدس سره .

ولکن المنقول عن الشیخ فی نهایته وکتابی الأخبار أنّه یستسعی فی دیة المقتول لأنّ دیته علیه وذکر الماتن قدس سره أنّ الاستسعاء فی دیة المقتول وهم، لأنّ رقبة العبد صارت دیة المقتول ولو کان علیه بعد انعتاقه عوضاً یکون العوض قیمة رقبته کما یدلّ علیه خبر هشام بن أحمر، قال: «سألت أبا الحسن علیه السلام عن مدبّر قتل رجلاً خطأً قال: أیّ شیء رویتم فی هذا؟ قال: قلت: روینا عن أبی عبداللّه علیه السلام یتلّ برمّته إلی أولیاء المقتول فإذا مات الذی دبّره اعتق، قال: سبحان اللّه فیبطل دم امرء مسلم قال: هکذا روینا قال: غلطتم علی أبی یتلّ برمّته إلی أولیاء المقتول فإذا مات الذی دبّره استسعی فی قیمته»(3).

ولو کانت هذه الروایة تامّة سنداً لکان المتعیّن الالتزام بمدلولها لحکومتها بنظرها إلی المروی عن أبی عبداللّه علیه السلام ولکن ضعفها سنداً یمنع عن الأخذ بها وطرح المروی عن أبی عبداللّه علیه السلام ودعوی انجبار ضعفها بعمل المشهور لا یمکن المساعدة

ص :104


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دیات النفس، الحدیث 3: 155.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دیات النفس، الحدیث 1: 155.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دیات النفس، الحدیث 5: 155.

والمکاتب إن لم یؤدّ من مکاتبته شیئاً أو کان مشروطاً فهو کالقنّ[1]،

الشَرح:

علیها، لأنّ الشّهرة علی تقدیرها فی العمل بمضمونها لوجه آخر وهو ما یقال من أنّ لازم انعتاقه بعد موت المولی الذی دبّره بلا استسعاء ذهاب دم المقتول هدراً حیث إنّه یمکن أن یکون قتل المدبّر خطأً فی زمان ثم ان یموت مولاه فی زمان ثان قبل أن یسترّقه أولیاء المقتول أو مولی المقتول، وهذا وإن کان غیر صحیح لأنّ المفروض فی صحیحتی محمد بن حمران وجمیل استرقاق المدبّر إلی حین موت المولی الذی دبّره وهذا الاسترقاق الدیة التی تعلّق برقبة العبد، وإذا انعتق بموت مولاه لا یکون علیه شیء، نظیر ما إذا مات بعد استرقاقه، بخلاف ما إذا مات مولاه قبل الاسترقاق، فإنّ دیة المقتول علی العبد المعتق حیث لم یؤدّ الدیة فیکون علیه الاستسعاء فی دیة المقتول.

وعلی الجملة، المتعیّن الأخذ بصحیحتی محمد بن حمران وجمیل فی مورد دلالتهما، وفی غیره یؤخذ بما ذکرنا من استسعائه بعد انعتاقه فی دیة المقتول.

[1] بلا خلاف ظاهر أو منقول، ویشهد لذلک ما ورد فی صحیحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن مکاتب قتل رجلاً خطأً قال: فقال: إن کان مولاه حین کاتبه اشترط علیه إن عجز فهو ردّ فی الرق فهو بمنزلة المملوک یدفع إلی أولیاء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا وإن کان مولاه حین کاتبه لم یشترط علیه وکان قد أدّی من مکاتبته شیئاً» الحدیث(1)، فإنّ ظاهرها أنّ المکاتب المشروط کما هو مقتضی الصدر والمکاتب المطلق الذی لم یؤد شیئاً من مال الکتابة کما هو مقتضی التقیید (فی ثبوت الحکم الآخر بقوله علیه السلام وقد أدّی من مکاتبته شیئاً) بحکم المملوک القنّ، فیجری علیهما حکم القنّ الذی قتل حرّاً عمداً من تخییر أولیاء المقتول بین الاقتصاص وبین استرقاقه إلاّ أن توافق أولیاء المقتول مع مولاه علی دفع قیمته علی ما

ص :105


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب دیات النفس، الحدیث 2: 78.

وإن کان مطلقاً[1] وقد أدّی من مال الکتابة شیئاً تحرّر منه بحسابه، فإذا قتل حرّاً عمداً قتل به وإن قتل مملوکاً فلا قود وتعلّقت الجنایة بما فیه من الرقبة مبعّضة فیسعی فی نصیب الحرّیة ویسترقّ الباقی منه أو یباع فی نصیب الرق.

الشَرح:

تقدّم فی فکّه.

ویدلّ علی ذلک أیضاً ما ورد فی صحیحة أبی ولاّد الحنّاط «إنّ المکاتب إن لم یکن قد أدّی من مکاتبته شیئاً فإنّه یقاصّ العبد به»(1)، فإن قتل العبد القاتل بقتله عبداً من حکم القنّ کما لا یخفی، وعلی ذلک فلو قتل المشروط أو المکاتب المزبور عمداً فیجری علیه الاقتصاص والاسترقاق أو فکّ مولاه.

[1] إذا کان المکاتب مطلقاً وقد أدّی من مال الکتابة شیئاً تحرّر بمقدار الأداء حیئذ إن قتل حرّاً فلأولیاء المقتول الاقتصاص منه ولهم أن یسترقّوه فی مقدار ما بقی من رقّیته ولیس لهم مطالبة العبد أو مولاه بالدیة فی نصیب حرّیته لأنّ الثابت لولیّ المقتول القصاص أو الاسترقاق، وحیث إنّه لا یمکن استرقاق المکاتب فی مقدار حرّیته یتعیّن استرقاقه فی نصیب الرقّیة.

نعم، إذا رضی المکاتب بدفع الدیة فی نصیب حریته فیسعی فی نصیب الحریّة کما هو الحال فیما إذا قتل المکاتب الذی اَدّی بعض مال الکتابة عبداً عمداً فإنّه لا یتعلق بالمکاتب الّذی تحرّر منه البعض القصاص بقتله العبد فإنّ تحرّر بعض العبد یوجب کونه کالحرّ فی عدم قتله بالعبد، ویکون لمولی العبد المقتول استرقاق بعض المکاتب أی نصیب رقّیته، ومعه تبطل عقد الکتابة بالإضافة إلی نصیب رقّیته ویسعی العبد فیما تعلّق بذمّته من قیمة العبد المقتول، مثلاً إذا قتل المکاتب الذی تحرّر منه ثلثه عبداً عمداً یساوی قیمته تسعمائة دینار یتعلّق بذمّة المکاتب ثلثه أی ثلاثمائة دینار، وإذا

ص :106


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب دیات النفس، الحدیث 1: 78.

.··· . ··· .

الشَرح:

استرقّ مولی العبد المقتول ثلثی المکاتب لکون ثلثیه یساوی ستمائة دینار، أو أقلّ تبطل عقد الکتابة فی ثلثیه ویسعی المکاتب فی ثلاثمائة دینار التی تعلّق بذمّته وإذا کان ثلثا المکاتب أکثر قیمة من ستمائة دینار وقلنا بأنّ مولی المکاتب مخیّر بین فکّه بإعطاء ستمائة دینار إلی مولی العبد المقتول وبین دفعه للاسترقاق علی ما تقدّم.

فإن فکّه یبقی عقد الکتابة بحاله، وإن دفعه للاسترقاق ففی بقاء عقد الکتابة بحاله بالاضافة إلی الجزاء الزاید أو لزوم دفع مولی العبد المقتول الزاید من قیمة المکاتب إلی مولاه وجهان لا یبعد الأول، لأنّه لیس لولی العبد المقتول الاسترقاق إلاّ بمقدار قیمة عبده التی تعلّقت برقبة المکاتب فی حصتّه رقبته. ثمّ انّ المکاتب الذی تحرّر بعضه وقتل عبداً متعمداً إذا عجز عن السعی فمع عدم المال له یکون الدیة علی مولاه المکاتب.

ویدلّ علی جمیع ما ذکرنا صحیحة أبی ولاّد. فإنّه روی فی الفقیه بإسناده عن الحسن بن محبوب عن أبی ولاّد قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مکاتب جنی علی رجل حرّ جنایة، فقال: إن کان أدّی من مکاتبته شیئاً غرم فی جنایته بقدر ما أدّی من مکاتبته للحرّ وإن عجز عن حقّ الجنایة أخذ ذلک من المولی الذی کاتبه قلت: فإن کانت الجنایة لعبد؟ قال: علی مثل ذلک یدفع إلی مولی العبد الذی جرحه المکاتب ولا یقاصّ بین المکاتب وبین العبد إذا کان المکاتب قد أدّی من مکاتبته شیئاً فإن لم یکن أدّی من مکاتبته شیئاً فإنّه یقاصّ للعبد منه أو یغرم المولی کلّ ما جنی المکاتب لأنّه عبده ما لم یؤدّ من مکاتبته شیئاً»(1). والصحیحة مرویّة فی الفقیه کما ذکرنا.

ص :107


1- (1) من لا یحضره الفقیه: 4/129.

ولو قتل خطأً فعلی الإمام بقدر ما فیه من الحریة وللمولی الخیار بین فکّه بنصیب الرقبة من الجنایة وبین تسلیم حصّة الرق لتقاصّ بالجنایة[1].

الشَرح:

وأمّا علی روایة الکلینی والشیخ ففی صدرها عن مکاتب اشترط علیه مولاه حین کاتبه ولکن الصحیح ما فی الفقیه فإنّ المکاتب المشروط بحکم القنّ ولا یناسب ما ذکر من بعده، وقوله علیه السلام : «علی مثل ذلک» مقتضاه أنّ مع عجز المکاتب عمّا یتعلّق بذمّته یکون علی مولاه إذا قتل عبداً متعمداً کما هو ظاهر صدرها فی الجنایة علی الحرّ.

[1] ظاهر کلامه قدس سره أنّه إذا قتل المکاتب الذی تحرّر منه البعض حرّاً أو عبداً خطأً یتعلّق من دیة الحر أو قیمة العبد فی نصیب حرّیته علی عهده الإمام ومولاه المکاتب _ بالکسر _، مخیّراً بین فکّه فی نصیب الرقّیة من الجنایة بدفع قیمة نصیب رقّیته أو دفعه للاسترقاق.

ویستدلّ علی ذلک بمعتبرة عبداللّه بن سنان عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «فی مکاتب قتل رجلاً خطأً قال: علیه دیّته بقدر ما اعتق وعلی مولاه ما بقی من قیمة المملوک فإن عجز المکاتب فلا عاقلة له إنّما ذلک علی إمام المسلمین»(1).

وصحیحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن مکاتب قتل رجلاً خطأً قال: فقال: إن کان مولاه حین کاتبه اشترط علیه إن عجز فهو ردّ فی الرق فهو بمنزلة المملوک، فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا باعوا وإن کان مولاه حیث کاتبه لم یشترط علیه وکان قد أدّی من مکاتبته شیئاً فإنّ علیّاً علیه السلام کان یقول یعتق من المکاتب بقدر ما أدّی من مکاتبته فإنّ علی الإمام أن یؤدّی إلی أولیاء المقتول من الدیة بقدر ما أعتق من المکاتب ولا یبطل دم امری ء مسلم وأری أن یکون ما بقی علی المکاتب مما لم یؤدّه رقّاً لأولیاء

ص :108


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دیات النفس، الحدیث 1: 157.

وفی روایة علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیهماالسلام : «إذا أدّی نصف ما الشَرح:

المقتول یستخدمونه حیاته بقدر ما أدّی ولیس لهم أن یبیعوه»(1).

ولکن تقیید ما یتعلّق بذمّة المکاتب علی الإمام بصورة عجزه فی المعتبرة المتقدمة یوجب تقییداً لاطلاق فی صحیحة محمد بن مسلم ویکون ما علیه علی الإمام فی صورة عجزه من الأداء کما أنّ ظاهر هذه الصحیحة بقاء عقد الکتابة وعدم صیرورته رقّاً إلاّ بمقدار استیفاء الدیة الباقیة علیه.

وقیل إنّ المراد بالنهی عن بیعه هو النهی عن بیع جمیع المکاتب.

ولکن ذلک خلاف ظاهر تقیید استخدامه مدّة حیاته بالمقدار الذی بقی علیه من مقدار الدیة.

والإشکال فیها بأنّ ظاهر صدرها فرض الجنایة ووقوع القتل عمداً وفی القتل عمداً لا تکون الدیة حتی تکون فی مقدار حرّیة علی الإمام.

یمکن دفعه بأنّ المراد من صدرها أیضاً القتل خطأً وما فیه «فإن شاؤوا قتلوا» نسخة فإنّ الصدوق قدس سره رواها هکذا «وإن شاؤوا باعوا وإن شاؤوا استرقّوا».

والمتحصّل ممّا ذکرنا أنّ ما فی اطلاق عبارة الماتن من کون دیة الحرّ المقتول خطأً أو قیمة العبد المقتول خطأً فی مقدار حریّة المکاتب علی بیت المال یؤدیة الإمام لا یمکن المساعدة علیه بل کون مقدارهما علی الإمام إنّما هو فیما لم یکن للمکاتب مال ولم یتمّکن من تحصیله، وما ورد فی صحیحة عبداللّه بن سلیمان من أنّ مولی المکاتب ما بقی من قیمة المکاتب المراد منه جواز فکّ المولی علی ما تقدّم.

ص :109


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 78.

علیه فهو بمنزلة الحرّ»[1] وقد رجّحها فی الاستبصار ورفضها فی غیره.

والعبد إذا قتل مولاه جاز للولی قتله[2] وکذا لو کان للحرّ عبدان فقتل أحدهما الآخر کان مخیراً بین قتل القاتل والعفو.

الشَرح:

[1] روی علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر علیه السلام قال: «سألته عن مکاتب فقأ عین مکاتب أو کسر سنّه ما علیه؟ قال: إن کان أدّی نصف مکاتبته فدیّته دیة حرّ، وأن کان دون النصف فبقدر ما اعتق، وکذا إذا فقأ عین حرّ. وسألته عن حرّ فقأ عین مکاتب أو کسر سنّه قال: «إذا أدّی نصف مکاتبته تفقأ عین الحرّ أو دیّته إن کان خطأ هو بمزلة الحرّ وإن لم یکن أدّی النصف قوّم فأدّی بقدر ما اعتق منه وسألته عن المکاتب الذی أدّی نصف ما علیه قال: هو بمنزلة الحر فی الحدود وغیر ذلک من قتل أو غیره. وسألته عن مکاتب فقأ عین مملوک وقد أدّی نصف مکاتبته قال: یقوّم المملوک ویؤدّی المکاتب إلی مولی المملوک نصف ثمنه»(1). وظاهرها خلاف ما تقدّم من أنّ المکاتب فی مقدار حرّیته تکون الدیة علیه وفی مقدار رقّیته تتعلّق الدیة برقبته وللمولی فکّه بلا فرق بین أدائه من مال الکتابة نصفه أو أقلّ منه.

ولو کانت الروایة معتبرة لأمکن رفع الید بها عن إطلاق ما تقدّم، ولکن فی سندها محمد بن أحمد العلوی ولم یثبت له توثیق فإنّ الشیخ قدس سره رواها بإسناده عن محمد بن أحمد بن یحیی عن محمد بن أحمد العلوی عن العمرکی الخراسانی عن علی بن جعفر.

[2] إذا قتل العبد مولاه عمداً یکون لولی المولی قتله، وکذا إذا کان له عبدان قتل أحدهما الآخر عمداً فإنّه یکون للمولی قتل الآخر قصاصاً أو العفو عنه، وأمّا الاسترقاق

ص :110


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دیات النفس، الحدیث 3: 157.

.··· . ··· .

الشَرح:

فلا مورد له لأنّ القاتل فی الأول ملک لأولیاء المولی وفی الثانی ملک للمولی والمملوک لا یسترقّ مالکه.

وفی موثقة إسحاق بن عمّار قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل له مملوکان قتل أحدهما صاحبه أله أن یقیده به دون السلطان إن أحبّ ذلک؟ قال: هو ماله یفعل به ما شاء إن شاء قتل وإن شاء عفا»(1).

ص :111


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 44 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 76.

مسائل ستّ

الأولی: لو قتل حرّ حرّین

الأولی: لو قتل حرّ حرّین فلیس لأولیائهما إلاّ قتله ولیس لهما المطالبة بالدیة[1].

الشَرح:

[1] المراد أنّه لیس لأحدهما أو کلاهما المطالبة بالدیة من مال القاتل لما تقدّم من أنّ الثابت لولیّ الدم فی القتل عمداً هو القصاص دون مطالبة الدیة فإن قتلاه قصاصاً لیس لهما المطالبة بنصف الدیة لمقتولهما، لأنّه لا یجنی الجانی أکثر من نفسه.

وأمّا لو اقتصّ أحدهما من القاتل ابتداءً فهل لأولیاء الآخر طلب الدیة من ماله حیث فات مورد القصاص فینتقل الأمر إلی مطالبة الدیة أو أنّه لیس لهم المطالبة بها؟

المنسوب إلی المشهور أنّه لیس لهم المطالبة، لأنّ الجانی لا یجنی أکثر من نفسه، وعن جماعة أنّ لهم المطالبة کما إذا قتل شخص الآخر عمداً فمات القاتل قبل القصاص منه، ویستفاد ذلک من موثقة أبی بصیر، قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قتل رجلاً متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم یقدر علیه قال: «إن کان له مال أخذت الدیة من ماله وإلاّ فمن الأقرب فالأقرب، وإن لم یکن له قرابة أداه الإمام فإنّه لا یبطل دم امری ء مسلم»(1)، فإن مقتضی التعلیل عدم الخصوصیة لهرب القاتل بل کلّما لم یکن القصاص منه لموته ولو بالقصاص منه من أولیاء أحد المقتولین ینتقل الأمر إلی الدیة من ماله وإن لم یکن له مال فإلی عاقلته ویأتی إن شاء اللّه تعالی أنّ الأظهر ما اختاره جماعة من الأصحاب خلافاً للمشهور.

ص :112


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحدیث 1: 302.

ولو قطع یمین رجل ومثلها من الآخر قطعت یمینه بالأول ویساره بالثانی[1] الشَرح:

وما یقال من أنّ الجانی لا یجنی أکثر من نفسه یراد أنّه مع القصاص من النفس فی جنایته واحدة لما سیتّضح إن شاء اللّه تعالی وعدم استحقاق الولیین مع القصاص منه بنصب الدیة، لأنّه مقتضی قوله سبحان: «النفس بالنفس» والمطالبة بردّ الزاید یحتاج إلی قیام الدلیل علیه کما تقدّم.

[1] ظاهر کلام الماتن قدس سره وفاقاً للمشهور عدم جواز قطع الثانی بیمین القاطع قصاصاً بل الیمنی حقّ للأول. نعم إذا عفی الأول أو صالحه علی الدیة یجوز للثانی قطع یمناه.

ولعلّ المستند فی ذلک روایة حبیب السجستانی قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قطع یدین لرجلین الیمینین قال: فقال: یا حبیب تقطع یمینه للذی قطع یمینه أوّلاً وتقطع یساره للرجل الذی قطع یمینه أخیراً لأنّه إنّما قطع ید الرجل الأخیر ویمینه قصاص للرجل الأول، قال: فقلت: إنّ علیّاً علیه السلام إنّما کان یقطع الید الیمنی والرجل الیسری فقال: إنّما کان یفعل ذلک فیما یجب من حقوق اللّه فأمّا یا حبیب حقوق المسلمین فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم فی قصاص الید بالید إذا کانت للقاطع ید والرجل بالید إذا لم یکن للقاطع ید» الحدیث(1).

ولکنّ الروایة بحسب سندها ضعیفة، فإنّ حبیب السجستانی لم یثبت له توثیق ومقتضی ما تقدّم فی قتل الحرّ حرّین إنّ أیّاً من المجنی علیهما سبق إلی القصاص فله یده الیمنی وللأخر القصاص من یده الیسری، لأنّ المماثل للجنایة مع وجود الید الیمنی للجانی یده الیمنی، وإذا فقدت من الأصل أو بالقصاص ونحوه یکون المماثل یده الیسری.

ص :113


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 2: 131.

فلو قطع ید ثالث قیل سقط القصاص إلی الدیة[1] وقیل قطعت رجله بالثالث وکذا لو قطع رابعاً.

الشَرح:

کما یستفاد ذلک من صحیحة محمد بن قیس الواردة فی القصاص من الأعور قال: «قلت لأبی جعفر علیه السلام : أعور فقأ عین صحیح فقال: تفقأ عینه، قلت: یبقی أعمی، قال: الحقّ أعماه»(1)، فإنّ ظاهرها أنّ الأعور یقتصّ منه بالعین الصحیحة ولو کانت الصحیحة خلاف العین المفقوءة من حیث الطرف.

نعم لو تشاحّا فی الاقتصاص فلا یبعد رعایة الجنایة السابقة لسبق تعلّق حقّه کما لا یبعد أن تکون روایة حبیب ناظرة إلی ذلک وإلاّ فلو کان حقّ الثانی متعلّقاً بیده الیسری لم یکن له قطع الیمنی ولو مع عدم قصاص الأوّل.

ولو قطع الیمنی من شخصین دفعةً وتشاحّا فی الاقتصاص من یمناه فلا یبعد الرجوع إلی القرعة.

[1] المستند فی ذلک روایة حبیب السجستانی المتقدّمة، حیث ورد فیها «فإنّه تؤخذ لهم حقوقهم فی قصاص الید بالید إذا کانت للقاطع ید والرجل بالید إذا لم یکن للقاطع ید» حیث إنّ مقتضاها قطع الرجل ممن لا ید له فی اقتصاص من جنایة الید.

وحیث إنّ الروایة فی سندها ضعف ویعتبر فی القصاص المماثلة ولا یعدّ قطع الرجل مماثلاً للجنایة بقطع الید فلفوات مورد القصاص ینتقل الأمر إلی الدیة ولکن بناءً علی العمل بالروایة انتفاء مورد القصاص یکون بعد قطع الیدین والرجلین من الجانی.

وقدّ ادّعی عدم ضعفها سنداً فإنّها قد وصفت فی کلمات بعض الأصحاب بالصحیحة وإن حمل الوصف بعضهم علی کون الروایة صحیحة إلی حبیب التی یعبّر

ص :114


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 134.

أمّا لو قطع ولا ید له ولا رجل کان علیه الدیة لفوات محلّ القصاص[1].

الشَرح:

عنها بالصحیح عن فلان، وقد ذکر فی الجواهر(1) انّ حمل توصیفهم علی اطلاعهم بحال حبیب أولی من حمله علی الصحیح إلیه، مع أنّه قد ورد فی حقّ حبیب مدح فتکون الروایة حسنة والمدح ما ذکر الکشّی عن العیاشی من أنّه کان شادیاً [یعنی من الخوارج] ثمّ دخل فی هذا المذهب وکان من أصحاب أبی جعفر وأبی عبداللّه علیهماالسلام وکان منقطعاً إلیهما»(2) أضف إلی ذلک عمل المشهور بالروایة، ولو کان فیها ضعف لکان عملهم جابراً لها. ولکن لا یتمّ شیء من ذلک، فإنّ التوصیف فی کلام بعض الأصحاب لا یفید شیئاً مع عدم ثبوت التوثیق بوجه معتبر ولا یستفاد من کلام العیّاشی إلاّ کونه صار إمامیاً ومنقطعاً إلی الإمامین علیهم السلام وعمل المشهور غیر محرز کما یظهر ذلک عن تعبیر الماتن قدس سره .

نعم، ذکر الشهید الثانی قدس سره أنّه قد عمل بها الأکثر، ولعلّ بعضه استظهر ذلک من موثقة إسحاق بن عمّار الوارد فیها: قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: تقطع ید الرجل ورجلاه فی القصاص»(3)، ولکن ظاهر هذه أنّ قطع الید والرجل فی القصاص غیر قطعهما فی حدّ السرقة حیث لا تقطع کلا الیدین والرجلین فی الحدّ، ولکن یقطع کلّ من الیدین والرجلین فی القصاص.

[1] فإنّه بناءً علی العمل بروایة حبیب المتقدّمة فالأمر ظاهر فإنّه قد ورد فیه اإنّما تجب الدیة إذا قطع ید رجل ولیس للقاطع یدان ورجلان فثّم ستجب علیه الدیة، لأنّه لیس له جارحة یقاص منها وکذا بناءً علی ما ذکرنا من أنّه مع عدم الیدین للقاطع ینتقل

ص :115


1- (1) جواهر الکلام: 42/121.
2- (2) راجح المعجم: 5/205، رقم 2581.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 130.

ولو قتل العبد حرّین[1] علی التعاقب کان لأولیاء الأخیر، وفی روایة أخری یشترکان فیه ما لم یحکم به للأول، وهو أشبه، ویکفی فی الاقتصاص أن یختار الولی استرقاقه ولو لم یحکم له الحاکم، ومع اختیار ولیّ الأول لو قتل بعد ذلک کان للثانی.

الشَرح:

الأمر إلی الدیة فی قطع الیمنی أو الیسری من ثالث، لأنّ کلّ مورد لم یمکن القصاص من الجانی ینتقل الأمر إلی الدیة، کما یظهر ذلک، مما ورد فی موت القاتل قبل القصاص منه أو فراره، وما ورد فی موارد تخلّف شرط القصاص، إلی غیر ذلک.

[1] إذا قتل العبد حرّین دفعة کان العبد بین أولیائهما فإن شاؤوا استرقّوه فیکون عبداً لهم وإن أرادوا القصاص قتلوه وإن أراد أحدهما القصاص کان له ذلک، وإن لم یرض الآخر به فبقصاص أحدهما ینتفی الموضوع لحقّ الثانی، لأنّ جنایة العبد فی رقبته.

وعلی الجملة، ثبوت حقّ القصاص لکلّ من الولیین علی سبیل الاستقلال کما هو مقتضی ما دلّ علی أنّ العبد یقتل بالحرّ وبضمیمة ما دلّ علی أنّ جنایة العبد فی رقبته ینتفی بقصاص أحد الولیین موضوع الحقّ للثانی وهذا بخلاف ما لو استرقّه أحدهما، فإنّه إذا اختار الآخر أیضاً استرقاقه یکون بینهما، لأنّ الاسترقاق ثابت للثانی أیضاً من ملک مولاه قبل الجنایة، کما إذا اختار القصاص جاز له ذلک کما تقدّم.

وأمّا إذا قتل الحرّین علی التعاقب ثبت أیضاً لکلّ من الولیین القصاص منه بنحو الاستقلال، فأیّ منهما بادر إلی القصاص منه انتفی الموضوع لحقّ الآخر، وإذا استرقّه ولیّ المقتول أوّلاً یجوز لولی المقتول الثانی القصاص منه أو استرقاقه، فإن استرقّه یکون العبد بتمامه للثانی إذا کان قتل الأخیر بعد استرقاق الولی الأول، حیث إنّ جنایته تکون فی رقبته التی ملک لولیّ المقتول الأوّل.

ص :116

.··· . ··· .

الشَرح:

ویدلّ علی ذلک _ مضافاً إلی کونه علی القاعدة _ صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام فی عبد جرح رجلین قال: «هو بینهما إن کانت جنایته تحیط بقیمته» قیل له: جرح رجلاً فی أوّل النهار وجرح آخر فی آخر النهار؟ قال: «هو بینهما ما لم یحکم الولی فی المجروح الأوّل» قال: «فإن جنی بعد ذلک جنایةً فإنّ جنایته علی الأخیر»(1).

والمراد من الحکم الأوّل تمامیّة استرقاقه من المجنی علیه الأوّل، ولذا ذکر الماتن قدس سره ویکفی فی الاختصاص أن یختار الولی استرقاقه ولو لم یحکم الحاکم، بل المعیار أنّه مع اختیار ولیّ الأول استرقاقه إذا قتل الثانی یکون العبد للثانی بأن یختار الثانی قتله أو استرقاقه، وهذا بخلاف ما إذا کانت جنایته علی الثانی قبل استرقاق الأول، فإنّه یکون الحکم کما إذا قتلهما دفعةً علی ما ذکرنا، ولکن فی روایة علی بن عقبة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن عبد قتل أربعة أحرار واحداً بعد واحد فقال: هو لأهل الأخیر من القتلی وإن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه، لأنّه إذا قتل الأوّل استحقّ أولیاءه، فإذا قتل الثانی استحقّ من أولیاء الأوّل فصار لأولیاء الثانی، فإذا قتل الثالث استحقّ من أولیاء الثانی فصار لأولیاء الثالث، فإذا قتل الرابع استحقّ من أولیاء الثالث فصار لأولیاء الرابع إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقّوه»(2).

وهذه الروایة وإن لم یفرض فیها وقوع الجنایة اللاحقة بعد استرقاق الولی السابق إلاّ أنّه لابدّ من حملها علیه للتقیید الوارد فی الصحیحة السابقة بقوله علیه السلام «فإن جنی بعد ذلک جنایة فإنّ جنایته علی الأخیر»، أضف إلی ذلک ضعف سندها بالحسن بن أحمد بن سلمة الکوفی فإنّه مجهول.

ص :117


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 45 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 77.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 45 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 77.

الثانیة: قیمة العبد مقسومة علی أعضائه

الثانیة: قیمة العبد مقسومة[1] علی أعضائه کما أنّ دیة الحرّ مقسومة علی أعضائه فکلّ ما فیه منه واحد ففیه کمال قیمته کاللسان والذکر والأنف وما فیه اثنان ففیهما کمال قیمته وفی کلّ واحد نصف قیمته وکذا ما فیه عشر ففی کلّ واحد عشر قیمته. وبالجملة الحرّ أصل للعبد فیما له دیة مقدّرة وما لا تقدیر فیه ففیه الحکومة.

الشَرح:

[1] ذکر أصحابنا أنّ قیمة العبد مقسومة علی أعضائه بنسبة قسمة دیة الحرّ علی أعضائه، ففی کلّ عضو من الحرّ تمام دیّته کالأنف واللسان والذکر، ففی العبد دیّته تمام قیمته وکلّ عضو من الحرّ اثنان وفی کلّ منهما نصف دیته، ففی العبد نصف قیمته وما یکون فی الحرّ عشر دیته کما فی دیة أصابعه یکون فی العبد عشر قیمته.

نعم هذا إذا لم یتجاوز قیمة العبد دیة الحرّ کما تقدّم، وفی معتبرة السکونی: «جراحات العبید علی نحو جراحات الأحرار فی الثمن»(1).

وعلی الجملة، یقال الحرّ أصل للعبد فی الجنایة علی العضو ونحوه التی فیها دیة مقدّرة، فیحسب فی الجنایة علی العبد من قیمته بحسب دیة الحرّ، وأمّا الموارد التی لا تکون فی الجنایة علی الحرّ تقدیر ففیها الحکومة، ومعنی الحکومة أنّ العبد فیها أصل لدیّة الحرّ، حیث یفرض الحرّ عبداً خالیاً من ذلک النقص ویقوّم کما یفرض عبداً فیه ذلک النقص فیقوّم ویعیّن نسبة التفاوت بین القیمتین فیؤخذ من دیة الحرّ بتلک النسبة، فتکون دیة الجنایة علی الحرّ مقدار تلک النسبة من دیّته.

وقد ذکر أنّ الموارد التی لا تکون فیها تفاوت فی قیمة العبد بتلک الجنایة فیحکم الحاکم فیها بالمقدار الذی رآه صلاحاً فی الحرّ والعبد من التغریم، ولکن فیها ذکروا فی الحکومة کلام یأتی فی باب الدیّات إن شاء اللّه تعالی.

ص :118


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دیات الشجاج والجراح، الحدیث 2: 298.

فإذا جنی الحرّ علی العبد[1] بما فیه دیته فمولاه بالخیار بین إمساکه ولا شیء له وبین دفعه وأخذ قیمته، ولو قطع یده ورجله دفعةً ألزمه القیمة، أو أمسکه الشَرح:

[1] قد تقدّم أنّه لا یقاصّ من الحرّ بالعبد وأنّ دیة العبد قیمته وأنّ قیمته تقسّط علی أجزائه بحسب تقسیط دیة الحرّ علی الأعضاء، وعلیه فإن قطع الحرّ من العبد ما یکون دیته تمام قیمته کالذکر واللسان یتخیّر مولی العبد بین أخذ تمام قیمة العبد من الحرّ الجانی ودفع العبد المجنی علیه إلی الحرّ الجانی وبین إمساک العبد ولا شیء له بأن یطالب الجانی به. وقد ذکروا اتفاق الأصحاب أو عدم الخلاف فی ذلک. ویستدلّ علیه بأمرین:

الأوّل: موثّقة أبی مریم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی أنف العبد أو ذکره أو شیء یحیط بقیمته أنّه یؤدّی إلی مولاه قیمة العبد ویأخذ العبد»(1)، فإنّ ظاهرها أنّه إذا أعطی قیمة العبد إلی مولاه یؤخذ العبد منه.

والثانی: أنّ قیمة العبد عوضه وإذا أعطی القیمة لمولاه یؤخذ العبد منه لئلا یجتمع المعوضّ والعوض فی ملک.

ولکن فی الاستدلال بالثانی ما لا یخفی، فإنّ القیمة فی الفرض دیة العضو المقطوع لا تعویض عن العبد، والروایة کما عبّرنا موثقة یتعیّن الأخذ بمدلولها وهو أن لمولی العبد إمّا أن یعرض عن استحقاقه قیمة العبد ویمسک بعبده أو یدفعه إلی الجانی ویأخذ قیمته.

وقد ذکر فی کلماتهم للحکم المزبور قیدان:

أحدهم: أن لا یکون الجانی علی العبد غاصباً له وإلاّ یأخذ مولاه بقیمته ویمسک بالعبد وعلّل ذلک بأنّ الغاصب یؤخذ بأشدّ الأحوال.

ص :119


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دیات الشجاج والجراح، الحدیث 3: 298.

ولا شیء له، أمّا لو قطع یده فللسید إلزامه بنصف قیمته[1] وکذا کلّ جنایة لا تستوعب قیمته.

ولو قطع یده قاطع ورجله آخر، قال بعض الأصحاب: یدفعه إلیهما[2] الشَرح:

والثانی: أن لا یکون جنایة الحرّ علی العبد خطأً محضاً وإلاّ لا یدفع العبد إلی الجانی، لأنّ الدیة یعنی قیمة العبد فی القتل خطأً محضاً لیست علی الجنانی فلا یلزم من إمساکه محذور. نعم بناءً علی تحمّل عاقلة الجانی دیة العبد لابدّ من دفعه إلی العاقلة.

أقول: ویمکن استفادة الحکم علی هذا التقدیر من الموثقة أیضاً کما لا یخفی، ومقتضی القاعدة أن یمسک مولی العبد المجنی علیه بالعبد ویأخذ قیمته، لأنّ قیمته دیة العضو الذی ذهب بالجنایة، وظاهر موثقة أبی مریم عدم کون الجانی غاصباً حیث ورد فی ذیلها ویأخذ العبد فیؤخذ بمقتضی القاعدة فی الخارج عن مورد الروایة وإلاّ فالغاصب یؤخذ بأشدّ الأحوال لم یرد بهذا المضمون فی روایة فیما فحصنا من الروایات المعتبرة.

وأمّا تحمّل العاقلة جنایة الحرّ علی العبد إذا کان خطأ محصناً فیأتی الکلام فیه فی باب الدیّات إن شاء اللّه تعالی.

[1] لما أشرنا إلی أنّ ذلک مقتضی القاعدة الأوّلیة حیث إنّ المدفوع إلی مولی العبد المجنی علیه بدل العضو الذاهب من العبد بالجنایة علیه، ولذا یجری ذلک فی کلّ جنایة علی العبد لا تستوعب قیمة العبد ولیس علی المولی إلزام الجانی بأخذ العبد فی الفرض وإلزامه بقیمته سالماً کما أنّه لیس للجانی إلزام مولاه بدفع العبد إلیه وأخذ قیمته سالماً.

[2] القائل الشیخ قدس سره فی المبسوط وکأنّه استفاد ذلک من موثقة أبی مریم(1)

ص :120


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دیات الشجاج والجراح، الحدیث، 3: 298.

الثالثة: کل موضع نقول یفکّه المولی

ویلزمهما الدیة أو یمسکه کما لو کانت الجنایتان من واحد والأولی أن له إلزام کلّ واحد منهما بدیة جنایته ولا یجب دفعه الیهما.

الثالثة: کل موضع نقول یفکّه المولی فإنّما یفکه بأرش الجنایة[1] زادت عن قیمة المملوک الجانی أو نقصت، وللشیخ قول آخر: أنّه یفدیه بأقلّ الأمرین والأول مروی.

الشَرح:

المتقدمة وأن مولی العبد أو الأمة إذا استوفی تمام القیمة لزم علیه تسلیم العبد أو الأمة إلی من استوفی منه تمام القیمة کان واحداً أو أزید فیکون کما إذا کانت الجنایتان من واحد.

ولکن لا یخفی أنّ ظاهر الموثقة کون تمام القیمة علی الجانی لا علی الجنایتین أو أزید، والحکم الوارد فیها خلاف مقتضی الأصل کما تقدم. فلا یمکن التعدّی عن المفروض فیها وعلیه یکون لمولی العبد المجنی علیه إلزام کلّ من الجانیین بنصف القیمة والإمساک بعبده أو أمته بل یمکن أن یلتزم بذلک فیما إذا کان الجانی واحداً ولکن کانت الجنایتان منه علی التدریج لا دفعةً حتّی تحسبا جنایة واحدة.

[1] کما یدلّ علی ذلک ما ورد فی صحیحة أبی ولاّد من قوله علیه السلام : «فإن لم یکن أدّی من مکاتبته شیئاً فإنّه یقاصّ للعبد منه أو یغرم المولی کلّما جنی المکاتب لأنّه عبده ما لم یؤدّ من مکاتبته شیئاً»(1).

ولکن قد یقال: إنّ مقتضی کون جنایة العبد علی رقبته انّ اللازم علی مولاه فی الفداء عن جنایة أقلّ الأمرین من أرش الجنایة أو قیمة عبده الجانی.

وفیه أنّ فداء المولی فکّ رقبة العبد عن جنایة ومقتضی ما ورد فی صحیحة أبی ولاّد انّ الفکّ یکون بأداء أرش جنایة العبد الجانی فلا تنافی بین تعلّق جنایة العبد

ص :121


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دیات النفس، الحدیث 5: 158.

الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدین

الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدین کان کلّ واحد لمالک فإن اختارا القود قیل: یقدم الأول، لأنّ حقّه أسبق ویسقط الثانی بعد قتله[1]، لفوات محل الاستحقاق.

وقیل یشترکان فیه ما لم یختر مولی الأول استرقاقه قبل الجنایة الثانیة[2]، فیکون للثانی وهو أشبه، فإن اختار الأول المال وضمن المولی تعلّق حقّ الثانی برقبته وکان له القصاص. فإن قتله بقی المال فی ذمّة مولی الجانی ولو لم یضمن ورضی الأول باسترقاقه، تعلّق به حقّ الثانی، فإن قتله سقط حقّ الأول وإن استرقّ

الشَرح:

علی رقبته وأن یکون لمولاه فکّ رقبته من جنایته بإعطاء أرشها.

[1] لو قتل عبد شخص عبدین یکون کلّ واحد منهما لمالک دون مالک الآخر وأراد کلّ من المولیین القصاص من العبد الجانی.

قیل: یکون القصاص للمولی الذی قتل عبده أوّلاً وإذا استوفی حقّه بالقصاص ینتفی الموضوع لحقّ مولی العبد المقتول ثانیاً، حیث إنّ جنایة العبد علی رقبته.

ولکن قد تقدّم سابقاً أنّ لکلّ منهما القصاص منه علی سبیل الاستقلال فلا یکون قصاص أحدهما بإذن الآخر فأیّهما بادر إلی القصاص منه یسقط عن الآخر حقّه لعدم الموضوع له، کما أنّه لو استرقّه واحد منهما یکون للآخر أیضاً استرقاقه، لأنّ لکلّ منهما حقّ تملک العین فتکون مشترکة بینهما.

نعم لو کانت الجنایة الثانیة منه بعد أن استرقّه مولی المقتول أوّلاً یکون حقّ القصاص والاسترقاق للثانی فإنّ الاسترقاق تملکّ المملوک من مالکه والمفروض فی جنایته الثانیة صیرورته مملوکاً لمولی المجنی علیه أوّلاً فمولی المجنی علیه الثانی یتلّقی الملک بالاسترقاق من مالکه وقت جنایته.

[2] لّما تقدّم من أنّ ولی المجنی علیه أو مولاه بالاسترقاق یتملّک العبد عن ملک مولاه وقت الجنایة فیکون مشترکاً مع من استرقّه قبله، وبهذا یظهر أنّه یشترک مع الأول

ص :122

الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبداً

اشترک المولیان، ولو قتل عبد عبداً لاثنین فطلب أحدهما القیمة ملک منه بقدر قیمة حصتّه من المقتول[1] ولم یسقط حقّ الثانی من القود مع ردّ قیمة حصة شریکه.

الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبداً فعلی کلّ واحد عُشر قیمته، فإن قتل مولاه العشرة، أدّی الی مولی کلّ واحد ما فضل عن جنایته. ولو لم تزد قیمة کلّ واحد عن جنایته، فلا ردّ. وإن طلب الدیة، فمولی کلّ واحد بالخیار، بین فکّه بأرش جنایته، وبین تسلیمه لیسترقّ إن استوعبت جنایته قیمته، وإلا کان لمولی المقتول من کلّ واحد بقدر أرش جنایته، أو یردّ علی مولاه ما فضل عن حقّه، ویکون له. ولو قتل المولی بعضاً جاز، ویردّ کلّ واحد عشر الجنایة، فإن لم ینهض ذلک بقیمة من یقتل أتّم مولی المقتول ما یعوز، أو یقتصر علی قتل من ینهض الرّد بقیمته.

الشَرح:

أیضاً فی جواز القصاص ولکن الاشتراک بمعنی أنّ لکلّ منهما القصاص عن الجانی مستقلاً، فأیّ منهما بدء بالقصاص ارتفع الموضوع لحقّ الثانی، حیث انّ القصاص لیس کالملکیة فی التبعیض. نعم لو استرقّه مولی المجنی علیه ثمّ وقعت الجنایة الثانیة یکون الاسترقاق للثانی.

وإن اختار المولی لأحدهما المال _ أی قیمة عبده المقتول وضمن المال مولی العبد الجانی _ یکون اختیار القصاص أو الاسترقاق للثانی لارتفاع تعلّق جنایة العبد الجانی عن رقبته بضمان مولاه.

وما فی عبارة الماتن من قوله: «فإن اختار الأول المال وضمن المولی تعلّق حقّ الثانی برقبته» لعلّه من باب المثال، فإنه کما ذکرنا لو اختار الثانی المال وضمنه مولی الجانی بقی حقّ الأول علی الجانی من غیر تزاحم.

[1] المراد أنّه إذا قتل عبد شخص عبداً مملوکاً لاثنین یکون لکلّ منهما جواز استرقاق العبد الجانی بمقدار حصّته من العبد المقتول، وإذا طلب أحدهما قیمة ما کان

ص :123

السادسة: إذا قتل العبد حراً عمداً

السادسة: إذا قتل العبد حراً عمداً، فأعتقه مولاه، صحّ ولم یسقط القود. ولو قیل: لا یصحّ، لئلاّ یبطل حقّ الولیّ من الاسترقاق، کان حسناً. وکذا البحث فی بیعه وهبته. ولو کان خطأً، قیل: یصحّ العتق، ویضمن المولی الدیة علی روایة عمرو ابن شمر، عن جابر، عن أبی عبداللّه علیه السلام ، وفی عمرو ضعف. وقیل: لا یصحّ إلاّ أن یتقدّم ضمان الدیة أو دفعها.

فروع فی السرایة

الأول: إذا جنی الحرّ علی المملوک، فسرت

الأول: إذا جنی الحرّ علی المملوک، فسرت إلی نفسه، فللمولی کمال قیمته. ولو تحرّر، وسرت إلی نفسه، کان للمولی أقلّ الأمرین، من قیمة الجنایة و الدیة عند السرایة، لأنّ القیمة إن کانت أقلّ فهی المستحقة له، والزیادة حصلت بعد الحرّیة، فلا یملکها المولی. وإن نقصت مع السرایة، لم یلزم الجانی تلک النقیصة، لأنّ دیة الطرف تدخل فی دیة النفس. مثل أن یقطع واحد یده وهو رق، فعلیه نصف قیمته، فلو کانت قیمته ألفاً، لکان علی الجانی خمسمائة. فلو تحرّر، وقطع آخر یده، وثالث رجله، ثم سری الجمیع، سقطت دیة الطرف، وتثبت دیة النفس، وهی ألف، فیلزم الأول الثلث، بعد أن کان یلزمه النصف، فیکون للمولی الثلث، وللورثة الثلثان من الدیة، وقیل: له أقلّ الأمرین هنا من ثلث القیمة وثلث الدیة، والأول أشبه.

الشَرح:

یملکه من العبد المقتول ولم یدفعها مولی العبد الجانی یسترقّ من العبد الجانی بمقدار حصّته من العبد المقتول وإن اختار شریکه فی العبد المقتول القصاص یجوز له القصاص ولکن مع ردّ قیمة الحصّة التی استرقّها شریکه من العبد الجانی، ولکن فی وجوب الردّ تأمّل لأنّ القصاص کما ذکرنا لا یتبعضّ وثبوت حقّ القصاص مع الردّ فی

ص :124

الثانی: لو قطع حرّ یده أعتق ثمّ سرت

الثانی: لو قطع حرّ یده أعتق ثمّ سرت، فلا قود، لعدم التساوی، وعلیه دیة حرّ مسلم، لأنّها جنایة مضمونة، فکان الاعتبار بها حین الاستقرار، وللسیّد نصف قیمته وقت الجنایة، ولورثة المجنی علیه ما زاد. ولو قطع حرّ آخر رجله بعد العتق، وسری الجرحان، فلا قصاص علی الأول فی الطرف ولا فی النفس، لأنّه لم یجب القصاص فی الجنایة، فلم یجب فی سرایتها، وعلی الثانی القود بعد ردّ نصف دیته، ولم یسقط القود بمشارکة الآخر فی السرایة، کما لا یسقط بمشارکة الأب للاجنبی، ولا بمشارکة المسلم الذمّی فی قتل الذمّی.

الثالث: لو قطع یده وهو رقّ، ثمّ قطع رجله وهو حرّ

الثالث: لو قطع یده وهو رقّ، ثمّ قطع رجله وهو حرّ، کان علی الجانی نصف قیمته وقت الجنایة لمولاه، وعلیه القصاص فی الجنایة حال الحریة. فإن اقتصّ المعتق جاز، وإن طالب بالدیة، کان له نصف الدیة، یختصّ به دون المولی. ولو سرتا فلا قصاص فی الاول، لعدم التساوی، وله القصاص فی الرّجل، لأنّه مکافی ء. وهل یثبت القود؟ قیل: لا ، لأنّ السرایة عن قطعین، أحدهما لا یوجب القود، والأشبه ثبوته مع ردّ ما یستحقّه المولی. ولو اقتصر الولی علی الاقتصاص فی الرّجل، أخذ المولی نصف قیمة المجنی علیه وقت الجنایة، وکان الفاضل للوارث، فیجتمع له الاقتصاص وفاضل دیة الید، إن کانت دیتها زایدة عن نصف قیمة العبد[1].

الشرط الثانی: التساوی فی الدین

الشرط الثانی: التساوی فی الدین، فلا یقتل مسلم بکافر ذمّیاً کان أو مستأمناً الشَرح:

بعض الموارد ثبت بالدلیل ولم یقم فی المقام دلیل.

[1] إنّما لم نذکر هنا ما یتعلّق بأحکام العبید لأنّا تعرضّنا سابقاً لأحکام الإماء والعبید فی أبواب مختلفة، فلیراجع فی محلّه.

ص :125

أو حربیاً، ولکن یعزّر ویغرّم[1] دیة الذمی وقیل: ان اعتاد قتل أهل الذمّة جاز الإقتصاص[2] بعد ردّ فاضل دیته.

الشَرح:

[1] بلا خلاف معروف أو منقول، ویشهد لذلک جملة من الروایات:

منها: صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لا یقاد مسلم بذمّی فی القتل ولا فی الجراحات ولکن یؤخذ من المسلم جنایته للذمّی علی قدر دیة الذمّی ثمانمائة درهم»(1).

وفی صحیحة إسماعیل بن الفضل الهاشمی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قلت له: رجل قتل رجلاً من أهل الذمّة، قال: «لا یقتل به إلاّ أن یکون متعوّداً للقتل»(2).

وفی موثقته قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المسلم هل یقتل بأهل الذمّة قال: لا ، إلاّ أن یکون معوّداً لقتلهم فیقتل وهو صاغر»(3). إلی غیر ذلک مما ورد فی قتل المسلم الذمّی.

وأمّا قتله المستأمن والحربی فلا ینبغی التأمّل فی أنّ المسلم لا یقتل بهما، أمّا الحربی فظاهر لعدم حرمة قتله، وأمّا المستأمن فإنّه لا یزید علی الذمّی حیث إنّ الذمّی مستأمن مع زیادة علی استیمانه کما هو ظاهر.

وأمّا ما ذکره قدس سره من التعزیر فهو یجزی فی قتل الذمی والمستأمن دون الحربی، حیث انّ التعزیر یجری فی موارد المعصیة والمعصیة مختصّة بقتل الذمّی والمستأمن إلاّ أن یکون فی قتل الحربی مفسدة أخری یحرم علی المسلم إدخال نفسه أو غیره فی تلک المفسدة.

[2] وینسب جواز قتل المسلم بالذمّی إذا کان المسلم متعوّداً لقتل الذمّی، نظیر ما

ص :126


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 5: 80.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب دیات النفس، الحدیث 7: 80.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب دیات النفس، الحدیث 6: 80.

.··· . ··· .

الشَرح:

تقدّم من جواز قتل الحرّ بالعبد إذا کان متعوداً بقتل العبید. وفی صحیحة عبداللّه بن مسکان عن أبی عبداللّه علیه السلام «إذا قتل المسلم یهودیّاً أو نصرانیّاً أو مجوسیّاً فأرادوا أن یقیدوا ردّوا فضل دیة المسلم وأقادوه»(1).

ولکن نوقش فی هذه الروایة ومثلها بأنّه لم یفرض فیها تعوّد المسلم لقتل الذمّی، کما هو الحال فی صحیحة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا قتل المسلم النصرانی فأراد أهل النصرانی أن یقتلوه قتلوه وأدّوا فضل ما بین الدیتن»(2)، فلابدّ من حملهما علی التقیة، لأنّ جواز القصاص من المسلم بقتله الذمّی مذهب بعض العامّة، منهم أبو یوسف الذی قال الشاعر فیه ما قال.

وأمّا ما ورد فی صحیحة إسماعیل الهاشمی وموثّقته من قتله إذا کان متعوّداً فهو أجزاء الحدّ علیه لا من القصاص للمسلم للکافر، ومع القتل حدّاً لا مورد لردّ فضل الدیة کما عن العلامّة قدس سره .

ولکن لا یخفی أنّ ظاهر الاستثناء فی الصحیحة والموثّقة الاستثناء عن عدم القصاص من المسلم بقتله الکافر، وفی صورة التعوّد یثبت القصاص، وبهذا یحمل اطلاق صحیحة عبداللّه بن مسکان وصحیحة أبی بصیر علی صورة التعوّد، فیثبت القصاص مع ردّ فاضل الدیة کما علیه المشهور.

ومثل صحیحتی عبداللّه بن مسکان وأبی بصیر موثقة سماعة عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجل قتل رجلاً من أهل الذمّة فقال: هذا حدیث شدید لا یحتمله

ص :127


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب دیات النفس، الحدیث 2: 79.
2- (2) الوسائل: ج 29، الباب 47، ص 108، روایة 35273.

.··· . ··· .

الشَرح:

الناس ولکن یعطی الذمی دیة المسلم ثمّ یقتل به المسلم»(1)، والمراد الفضل بین الدیتین کما فی صحیحة أبی بصیر الأخری أیضاً، قال: «سألته عن ذمّی قطع ید مسلم قال: تقطع یده إن شاء أولیاؤه ویأخذون فضل ما بین الدیتین وإن قطع المسلم ید المعاهد خیّر أولیاء المعاهد فإن شاؤوا أخذوا دیة یده وإن شاؤوا قطعوا ید المسلم وأعطوا إلیه فضل ما بین الدیتین وإذا قتله المسلم صنع کذلک»(2).

ثمّ انّ دیة الیهودی والنصرانی والمجوسی ثمانمائة درهم کما ورد ذلک فی صحیحة ابن مسکان المتقدّمة وفی صحیحة لیث المرادی وعبدالأعلی بن أعین جمیعاً عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «دیة الیهودی والنصرانی ثمانمائة درهم»(3) ونحوهما غیرهما.

ولکن ورد فی بعض الروایات أنّ دیة هؤلاء أربعة آلاف درهم، وهذا فی روایتین أحدهما مرسلة الصدوق قدس سره حیث قال فی الفقیه: «وروی أنّ دیة الیهودی والنصرانی والمجوسی أربعة آلاف درهم لأنّهم أهل الکتاب»(4).

ولکن فی الأخری وهی روایة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «دیة الیهودی والنصرانی أربعة آلاف درهم ودیة المجوسی ثمانمائة درهم، وقال أیضاً: انّ للمجوس کتاباً یقال له جاماس»(5).

ص :128


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 79.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 138.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب دیات النفس، الحدیث 10: 162.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب دیات النفس، الحدیث 12: 162.
5- (5) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب دیات النفس، الحدیث 4: 163.

.··· . ··· .

الشَرح:

وورد فی بعض الروایات انّ دیة هؤلاء دیة المسلم وهذا أیضاً فی روایتین أحدهما صحیحة أبان بن تغلب عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «دیة الیهودی والنصرانی والمجوسی دیة المسلم»(1).

والأخری صحیحة زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «من أعطاه رسول اللّه صلی الله علیه و آله ذمة فدیّته کاملة قال زرارة: فهؤلاء؟ قال أبو عبداللّه علیه السلام : «هؤلاء من أعطاهم ذمّة»(2).

وقد جمع الشیخ قدس سره بین الطائفتین الأخیرتین وبین ما دلّ علی أنّ دیتهم ثمانمائة درهم بأنّ ما دلّ علی ثمانمائة درهم ناظر إلی قتل غیر المتعوّد والطائفتین علی قتل المتعوّد وانّ الإمام مخیّر بین تغریم المتعوّد بدیّة کاملة أو بأربعة آلاف درهم، وذکر انّ موثقة سماعة تشهد لهذا الجمع. قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مسلم قتل ذمّیاً، قال: هذا شیء شدید لا یحتمله الناس، فلیعط أهله دیة المسلم حتی یتکل عن قتل أهل السواد وعن قتل الذمی، قال: لو انّ مسلماً غضب علی ذمّی فأراد أن یقتله ویأخذ أرضه ویؤدّی إلی أهله ثمانمائة درهم إذاً یکثر القتل فی الذمّیین ومن قتل ذمّیاً ظلماً فإنّه لیحرم علی المسلم أن یقتل ذمّیاً حراماً ما آمن بالجزیة ولم یجحدها»(3).

ولکن لا یخفی انّ ما عیّن دیّتهم فی أربعة آلاف درهم ضفیف سنداً بالإرسال ووقوع البطائنی فی سند الثانی.

وأمّا الروایتان الدالتان علی أنّ دیّتهم دیة المسلم، فتحملان علی التقیّة فإنّها مذهب جماعة من العامّة ولا دلالة فی موثقة سماعة علی أنّ مقدار دیة المسلم محمولة

ص :129


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب دیات النفس، الحدیث 2: 163.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب دیات النفس، الحدیث 3: 163.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب دیات النفس، الحدیث 3: 163.

ویقتل الذمی بالذمّی وبالذمّیة بعد ردّ فاضل الدیة[1] والذمّیة بالذمّیة وبالذمّی من غیر رجوع علیها بالفضل، ولو قتل الذمّی مسلماً عمداً دفع هو وماله إلی أولیاء المقتول وهم مخیّرون بین قتله واسترقاقه[2].

الشَرح:

علی صورة التعوّد، بل ظاهرها أیضاً إنکار کون الدیة ثمانمائة درهم، بل علی القاتل إعطاء دیة المسلم لئلا یکثر قتل الذمی وأهل السواد.

[1] إذا قتل الذمی ذمّیاً سواء کان کلاهما علی دین واحد أم کانا مختلفین یقتل أحدهما قصاصاً لقتله الآخر عمداً کما هو مقتضی قوله سبحانه: «النفس بالنفس»(1)، وفی معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام «أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام کان یقول: یقتصّ الیهودی والنصرانی والمجوسی بعضهم من بعض ویقتل بعضهم بعضاً إذا قتلوا عمداً(2).

وإذا قتل الذمّی الذمّیة یجوز لأولیاء الذمّیة القصاص من الذمّی القاتل إذا أدّوا إلیه فضل دیّته وإلاّ قبلوا دیة الذمّیة التی هی نصف دیة الذمّی. ویشهد لذلک الاطلاق فی مثل صحیحة ابن مسکان عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به، وإذا قتل الرجل المرأة فأرادوا القود أدّوا فضل دیة الرجل علی دیة المرأة وأقادوه بها وإن لم یفعلوا قبلوا الدیة دیة المرأة کاملة»(3)، فإنّها تعمّ ما إذا قتل الذمّی الذمّیة ونحوها غیرها.

ومما ذکر یظهر أنّه لو قتل الذمّی الکافر المحقون الدم عمداً کالمستأمن والمعاهد یقتل به کما هو مقتضی إطلاق الآیة والمعتبرة.

[2] بلا خلاف ظاهر أو منقول، ویشهد لذلک صحیحة ضریس الکناسی عن

ص :130


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 48، من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 81.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 23، من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 59.

وفی استرقاق ولده الصغار تردّد، أشبهه بقاؤهم علی الحریّة[1] ولو أسلم قبل الاسترقاق لم یکن لهم إلاّ قتله[2] کما لو قتل وهو مسلم، ولو قتل الکافر کافراً الشَرح:

أبی جعفر علیه السلام «فی نصرانی قتل مسلماً فلما أخذ أسلم، قال: أقتله به قیل: وإن لم یسلم قال: یدفع إلی أولیاء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا عفوا وإن شاؤوا استرقّوا قیل: وإن کان معه عین (مال)؟ قال: دفع إلی أولیاء المقتول هو وماله»(1).

وفی صحیحة عبداللّه بن سنان عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی نصرانی قتل مسلماً فلما أخذ أسلم، قال: اقتله به، قیل: وإن لم یسلم قال: یدفع إلی اولیاء ألیاء المقتول هو وماله»(2).

وقد یقال إنّ قتله واسترقاقه وأخذ أمواله لخروجه عن أهل الذمّة ودخوله فی الحربی، ولکن لا یخفی أنّه لو کان الأمر کذلک لکان استرقاقه وأخذ ماله جایزاً لکلّ أحد لا لخصوص أولیاء المقتول کما هو ظاهر الصحیحتین، کما لا یخفی.

[1] والوجه فی ذلک أنّ ما دلّ علی دفع الذمی وماله إلی أولیاء المسلم المقتول لم یذکر فیها استرقاق ولده الصغار، ومقتضی عقد الذمّة مع الذمّی القاتل کونهم احراراً وما عن المفید وسلار وابن حمزة من استرقاق اطفاله الصغار أیضاً للتبعیّة بعد خروجه عن أهل الذمّة ودخوله فی أهل الحرب ومن احکام أهل الحرب استرقاق اطفالهم.

لا یخفی ما فیه، فإنّ مجرّد القتل لا یوجب خروجه عن أهل الذمّة، ولذا لا یجوز أن یسترقّ الذمّی القاتل غیر أولیاء المسلم المقتول وجواز استرقاقه لأولیائه حکم شرعی کما ذکرنا. وعلی الجملة المخرج عن الذمّة عصیانه بامتناعه عن إعطاء الجزیة وجحودها کما ورد ذلک فی موثقة سماعة المتقدمة.

[2] کما یدلّ علی ذلک صحیحة ضریس الکناسی المتقدّمة عن أبی جعفر علیه السلام

ص :131


1- (1) الوسائل: ج 49، الباب 48 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 81.
2- (2) التهذیب: ج 10، الرقم 50 / ص 190.

وأسلم القاتل لم یقتل به[1] والزم الدیة إن کان المقتول ذا دیة.

ویقتل ولد الرشدّة بولد الزانیة[2] لتساویهما فی الإسلام.

الشَرح:

حیث ورد فیها فی نصرانی قتل مسلماً فلما أخذ أسلم، قال: اقتله به، ونحوها صحیحة الأولی: لو قطع مسلم ید ذمّی عمداً فأسلم وسرت إلی نفسه فلا قصاص عبداللّه بن سنان.

[1] لأطلاق قوله علیه السلام فی صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام «لا یقاد مسلم بذمّی فی القتل ولا فی الجراحات، ولکن یؤخذ من المسلم جنایته للذمّی علی قدر دیة الذمّی ثمانمائة درهم»(1)، وظاهرها کما سیأتی أنّه لا یقاد المسلم عند القود بذمّی.

[2] والوجه فی ذلک أنّ الولد تابع للأبوین أو أشرفهما فی الإسلام سواء کان الولد بالوطی الحلال أو بالزنا، ولذا یترتب علی ولد الزنا جمیع أحکام الولد، غایة الأمر لا توارث فی الزنا، وعلیه لو قتل ولد الرشیدة وهو بالغ رشید ولد الزنا یکون علی القاتل القود کما فی قتله ولد الحلال.

والقول بکفر ولد الزنا کما هو المنسوب إلی بعض الأصحاب ضعیف کما أنّ الاعتبار فی الحکم بإسلامه بتوصیفه الإسلام بعد بلوغه أو حال تمییزه أیضاً بلا موجب وما ورد فی إنّ دیّته ثمانمائة درهم الظاهر فی إلحاقه بالکافر الذمّی لضعف سنده لا یمکن الاعتماد علیه مع إنّ إلحاقه فی الخطأ بالکافر لا یلائم إلحاقه به فی قتله عمداً.

ص :132


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 5: 80.

الأولی: لو قطع مسلم ید ذمّی عمداً

مسائل من لواحق هذا الباب

الاولی: لو قطع مسلم ید ذمی عمداً، فاسلم وسرت الی نفسه فلا قصاص ولاقود[1]، وکذا لو قطع ید عبد ثمّ اعتق وسرت، لأنّ التکافوء لیس بحاصل وقت الجنایة وکذا الصبی لو قطع ید بالغ ثمّ بلغ وسرت جنایته لم یقطع، لأنّ الجنایة لم تکن موجبة للقصاص حال حصولها، تثبت دیة النفس، لأنّ الجنایة وقعت مضمونة وکان الاعتبار بأرشها حین الاستقرار.

الشَرح:

[1] لا یخفی أنّ فی اشتراط التساوی فی الدین وأنّ المسلم لا یقتل بذمّی لعبرة بحال الاقتصاص، ولذا تقدّم أنّ الذمّی إذا قتل الذمّی ثمّ أسلم القاتل لا یجوز قتله قصاصاً، بل یکون علیه دیة الذمّی فإنّ ظاهر قولهم علیه السلام «لا یقتل المسلم بذمّی» هو اعتبار زمان الاقتصاص إلاّ أنّ مع ذلک إذا قطع مسلم ید ذمی عمداً وأسلم الذمّی وسرت جنایته إلی نفسه لا یقتل المسلم قوداً علی النفس کما لا یقطع یده قصاصاً عن الطرف بل یکون علیه دیة نفس المسلم، وذلک لم تقدّم من أنّ القصاص إنّما یترتّب إذا تعمّد قطع ید المسلم أو قتل نفسه وفی الفرض لم یقصد القاطع لا قطع ید المسلم ولا قتل نفسه فیکون علیه دیة النفس.

ومن هنا یظهر الحال إذا قطع الصبی ید بالغ ثمّ بلغ وسرت جنایته إلی النفس حیث یکون دیة النفس علی عاقلته فإنّ عمد الصبی یحسب من الخطأ المحض.

ومما ذکرنا یظهر انّ ما علّل الماتن قدس سره عدم القصاص بأنّ التکافؤ لیس بحاصل وقت الجنایة غیر صحیح، بل الصحیح ما ذکرنا من أنّ القصد للجنایة الموجبة للقصاص لم یحصل وقت الجنایة وإلاّ فالتکافؤ معتبر وقت الاقتصاص.

ویدلّ علی أنّ عمد الصبی یحسب خطأً محضاً صحیحة محمد بن مسلم، قال: «عمد الصبی وخطأه واحد»(1)، وموثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه أنّ علیّاً علیه السلام

ص :133


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحدیث 2: 307.

الثانیة: لو قطع ید حربی أو ید مرتد

الثانیة: لو قطع ید حربی أو ید مرتد فأسلم ثمّ سرت فلا قود ولا دیة، لأنّ الجنایة لم تکن مضمونة[1] فلم تضمن سرایتها، ولو رمی ذمّیاً بسهم فأسلم ثمّ أصابه فمات

الشَرح:

کان یقول: «عمد الصبیان خطأ یحمل علی العاقلة»(1).

ومما ذکرنا ظهر أیضاً ما إذا قطع المسلم ید العبد ثمّ اعتق وسرت الجنایة إلی نفسه حیث یکون علی القاطع الحرّ الدیة حیث لم یقصد قطع ید الحرّ کما لا یخفی.

[1] ذکر قدس سره أنّه لو قطع المسلم ید حربی عمداً أو ید مرتدّ ملّی عمداً فأسلم الحربی أو المرتد ثمّ مات بالسرایة فلا یکون فی البین قصاص لا من ید المسلم ولا من نفسه بل لا دیة علی المسلم القاطع لأنّ جنایته علی الحربی أو المرتد لم تکن مضمونة حال حدوثها لا بالقود ولا بالدیة، فلا یضمن أیضاً سرایته، نظیر ما إذا قطع ید السارق حدّاً أو ید شخص قصاصاً فسرت فمات السارق أو المقتص منه.

أقول: أمّا عدم القصاص من قطع ید الحربی أو المرتد وکذا عدم القصاص من سرایة القطع ولو بعد إسلامهما ظاهر، فإنّه لم یقصد عند القطع قطع ید المسلم ولا قتله وإنّما قصد ید الحربی أو المرتد.

وأمّا عدم ثبوت دیة النفس فلا یمکن المساعدة علیه، فإنّه بقطع ید أحدهما وسرایة الجراحة کما هو الفرض یستند قتله إلی قاطع الید، فقاطعها قد قتل مسلماً من غیر تعمّد إلی قتله فیکون علیه دیّته وعدم الضمان فی سرایة الجراحة الحاصلة بالحدّ أو السرایة فی الفرض غیر منفی فیها الضمان فیدخل فیما دلّ علی أنّ من قتل نفساً فعلیه دیّتها.

ص :134


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحدیث 3: 307.

الثالثة: إذا قطع المسلم ید مثله فسرت مرتداً

فلا قود وفیه الدیة[1]. وکذا لو رمی عبداً فأعتق وأصابه فمات أو رمی حربیاً أو مرتداً فأصابه بعد إسلامه فلا قود وتثبت الدیة، لأنّ الاصابة صادفت مسلماً محقون الدم.

الثالثة: إذا قطع المسلم ید مثله فسرت مرتداً سقط القصاص فی النفس[2 [ولا

الشَرح:

[1] ذکر قدس سره أنّه لو رمی بسهم ذمّیاً ولکن الذمّی أسلم قبل إصابة السهم إیّاه فأصابه مسلماً ومات فلا قود، ولکن تثبت دیة النفس، وکذلک إذا رمی بسهم عبداً فاعتق قبل إصابته ثمّ أصابه حرّاً فلا یکون فی البین قود، ولکن تثبت أیضاً دیة النفس.

أقول: أمّا عدم القود فقد ظهر الوجه فیه مما تقدّم، لأنّ الرامی لم یقصد قتل المسلم أو قتل الحرّ، وأمّا ثبوت الدیة فإنّ الرامی هو القاتل فی الفرض، فیکون علیه دیة المسلم حیث إنّه قتل المسلم من غیر تعمد إلی قتله.

ومما ذکرنا یظهر أنّه لو رمی کافراً أو مرتداً فأصابه السهم القاتل بعد إسلامهما لا تثبت القود حیث إنّه لم یقصد برمیه قتل المسلم ولکن تثبت الدیة المسلم حیث إنّه قتل المسلم من غیر تعمد إلی قتل المسلم فتثبت الدیة.

ونظیر ذلک ماإذا حفر بئراً فی طریق حربی أو مرتد لیقع فیه فیموت وأسلم قبل وقوعه فیه فإنّه یثبت الدیة لا القود وربما یخطر بالبال عدم الفرق بین الرمی حال کفره أو ارتداده وإصابة السهم بعد إسلامه. وبیّن ماتقدّم فی کلام الماتن من أنّه لو قطع ید الحربی أو المرتد ثمّ أسلمنا قبل السرایة، ولکن بینهما فرق وإن لم یکن فارقاً علی ما ذکرنا وهو الرمی مع إصابته یحسب جنایة، وعدم ضمان الجنایة فی السابق أوجب عدم ضمان سرایته بخلاف المقام فإنّ الجنایة فی الفرض مضمونة عند وقوعها أی أصابة السهم.

[2] ذکر قدس سره أنّه لو قطع مسلم ید مسلم آخر عمداً فسرت جنایة الید حال ارتداد

ص :135

یسقط القصاص فی الید، لأنّ الجنایة به حصلت موجبة للقصاص فلم تسقط باعتراض الارتداد ویستوفی القصاص فیها ولیّه المسلم فإن لم یکن استوفاه الإمام.

الشَرح:

المقطوع فمات مرتداً ففی هذا الفرض لم یتعلّق علی القاطع لا قصاص النفس ولا دیتها، لأنّه لا یقتل المسلم بالکافر ولا دیة للمرتد کالکافر الحربی، ولکن التزم قدس سره انّ قصاص الطرف یتعلّق علی الجانی المسلم حیث إنّه قطع ید المسلم عمداً.

وحکی عن المبسوط أنّه لا یتعلّق بالمسلم القاطع قصاص الطرف ولا دیة الطرف أیضاً، لأنّ قصاص الطرف ودیته مع السرایة یدخل فی قصاص النفس ودیّتها.

وبتعبیر آخر مع سرایة الجنایة لیس فی البین إلاّ قصاص النفس ودیتها، والمفروض أنّه لا یقتل المسلم بالمرتد وأنّه لا دیة للمرتد وناقش الماتن قدس سره فی هذا الاستدلال بأنّ سقوط قصاص الطرف مع الجنایة عمداً ودیته مع الجنایة خطأً فی صورة إمکان فی صورة إمکان استیفاء الجنایة علی النفس بالقصاص عن الجانی أو دیة النفس ومع عدم إمکان استیفائها کما هو المفروض فی المقام لمانع طریان الارتداد علی المجنی علیه لا موجب لسقوط قصاص الطرف الثابت قبل ارتداده.

ولکن لا یخفی ما فیه، فإنّ دخول قصاص الطرف ودیته فی قصاص النفس ودیتها لاتّصاف الجنایة بکونها قتلاً عمداً أو خطأ ولا یختلف هذا الاتصاف بین صورة إمکان قصاص النفس أو أخذ دیتها وعدم إمکانهما.

بل لو اغمض عن ذلک فأیضاً لا مورد فی المفروض لقصاص الطرف فإنّ المستفاد من صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام أنّه لا قود علی المسلم من جنایته علی غیره لا فی القتل ولا فی الجراحات، حیث قال: علیه السلام «لا یقاد مسلم بذمّی فی

ص :136

وقال فی المبسوط: الذی یقتضیه مذهبنا أنّه لا قود ولا دیة، لأنّ قصاص الطرف ودیته یتداخلان فی قصاص النفس ودیتها، والنفس ههنا لیست مضمونة وهو یشکل بما أنّه لا یلزم من دخول الطرف فی قصاص النفس سقوط مایثبت من قصاص الطرف لمانع یمنع من القصاص فی النفس، أمّا لو عاد إلی الإسلام فإن کان قبل أن یحصل سرایته ثبت القصاص فی النفس[1 [وإن حصلت سرایة وهو مرتدّ ثمّ عاد وتّمت السرایة حتی صارت نفساً ففی القصاص تردّد أشبهه ثبوت القصاص، لأنّ الاعتبار فی الجنایة المضمونة بحال الاستقرار وقیل لا قصاص، لأنّ وجوبه مستند إلی الجنایة وکلّ السرایة، وهذه بعضها هدر، لأنّه حصل فی حال الردّة ولو کانت الجنایة خطأً تثبت الدیة لأنّ الجنایة صادفت محقون الدم وکانت مضمونة فی الأصل.

الشَرح:

القتل ولا فی الجراحات»(1)، وظاهرها کما تقدّم سابقاً أنّ المجنی علیه إذا کان عند القصاص له کافراً لا یقاد المسلم به.

والمفروض أنّ المجنی علیه ظرف قصاص ولیّه المسلم مرتد.

أضاف إلی ذلک أنّ قصاص الطرف یثبت للمجنی علیه والمجنی علیه الکافر لیس له حقّ قصاص الطرف عن المسلم لینتقل هذا الحقّ إلی وارثه المسلم مع موته مرتداً.

[1] لا فرق بین عوده إلی الإسلام قبل السرایة أو أثناء السرایة فی أنّه فی کلّ منهما إذا کانت الجنایة علی الآخر بقصد قتله أو کانت مسریة إلی النفس فی العادة تعلّق القصاص بالجانی، لأنّه عند تحقّق القتل کان المجنی علیه مسلماً فیکون القود تعلّقه بالمسلم فی مقابل نفس المسلم، فإنّ ظاهر الصحیحة کما تقدّم أنّ المسلم لا یقاد

ص :137


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 5: 80.

الرابعة: إذا قتل مرتد ذمّیاً

الرابعة: إذا قتل مرتد ذمّیاً ففی قتله تردّد[1] منشأه تحرّم المرتدّ بالإسلام ویقوی أنّه یقتل للتساوی فی الکفر کما یقتل النصرانی بالیهودی، لأنّ الکفر کالملّة الواحدة، أمّا لو رجع إلی الإسلام فلا قود وعلیه دیة الذمی.

الشَرح:

بالکافر، وهذا غیر صادق فی الفرض فیؤخذ بالاطلاق فی قوله سبحانه: «النفس بالنفس»(1).

نعم إذا لم یکن قصده القتل ولم تکن الجراحة مسریة إلاّ اتفاقاً یتعلّق بالجانی الدیة علی ما تقدّم، وتقدّم أیضاً أنّ ضمان الجنایة یکون باستقرارها والعبرة فی القصاص والدیة بزمان الاستقرار.

ومما ذکرنا یظهر أنّه لو کان عند قطع یده مرتداً ثمّ عاد إلی الإسلام عند السرایة یثبت علی القاطع دیة النفس بلا فرق بین کون جراحته مسریة عادةً أم لا ، وسواء قصد القتل به أم لا لما تقدّم من أنّه عند الجنایة لم یقصد قتل المسلم بل غایة قصده قتل الکافر.

[1] لا یخفی أنّه وإن قیل بعدم القود علی المرتد وتثبت علیه دیة الذمّی کقتل المسلم الذمی، لأنّ للمرتد تحرّماً بالإسلام، ولکن لا یخفی ضعفه وانّ الأظهر تعلّق القود علیه، وذلک فإنّ الثابت هو انّ عند القصاص إذا کان المسلم هو الجانی والکافر هو المجنی علیه فلا یقتل المسلم، کما هو ظاهر صحیحة محمد بن قیس المتقدّمة، وفی غیره یؤخذ بإطلاق قول اللّه سبحانه «النفس بالنفس»(2).

وعلی ذلک فإن عاد المرتد إلی الإسلام بعد قتله الذمّی فلا یقتل به، بل یکون علیه دیة الذمّی، یعنی ثمانمائة درهم ولا یفرق فی ذلک بین کون ارتداده عن ملّة أو فطرة لما

ص :138


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.

الخامسة: لو جرح مسلم نصرانیاً

الخامسة: لو جرح مسلم نصرانیاً ثمّ ارتدّ الجارح وسرت الجراحة فلا قود، لعدم التساوی حال الجنایة[1]، وعلیه دیة النصرانی.

السادسة: لو قتل ذمّی مرتداً قتل به، لأنّه محقون الدم بالنسبة إلی الذمّی، أمّا لو قتله مسلم فلا قود قطعاً[2] وفی الدیة تردّد، والأقرب أنّه لا دیة، ولو وجب علی

الشَرح:

تقدّم من أنّ عدم قبول توبة الفطری بالإضافة إلی حدّ الارتداد لا بالإضافة إلی سایر أحکام الإسلام، والمرتد الفطری بعد إسلامه أیضاً وإن کان غیر محقون الدم إلاّ أنّه بالإضافة إلی المسلمین لا الکفار.

[1] قد تقدّم انّ التساوی المعتبر فی القصاص هو حال القصاص، وفی المثال قتل المرتد یکون بإزاء نفس الکافر کما هو مقتضی «النفس بالنفس».

نعم، لا یثبت علی المسلم بعد ارتداده إلاّ دیة النصرانی ولا یتعلّق به القود إذا لم یقصد عند جنایته قتله ولم تکن الآلة فاتلة بأن اتفق السرایة.

[2] لما یظهر مما تقدّم من أنّ المسلم لا یقتل بالکافر والمرتدّ حین القتل محکوم بالکفر بل هو _ یعنی المرتدّ _ إذا کان ارتداده فطریاً یکون غیر محقون الدم بالاضافة إلی المسلم قطعاً، لجواز قتله لکلّ من سمع منه الارتداد. وما فی کلمات جماعة من أنّ المرتد غیر محقون الدم بالإضافة إلی الإمام إنّما یتمّ فی المرتد الملّی مع عدم توبته بعد الاستتابة، هذا بالإضافة إلی القصاص.

وأمّا عدم الدیة، فقد یستدلّ بذلک بأنّ الدیة تثبت فی قتل الیهودی والنصرانی والمجوسی، وفی قتل غیرهم لم یثبت قصاص ولا موجب للدیة.

وأمّا إذا قتل المسلم من وجب قتله حدّاً بالزنا أو اللواط فقد یقال إنّه لا قود علی المسلم ولا دیة، کما اختاره فی المتن.

ویستدلّ علی ذلک بروایة سعید بن المسیب «انّ معاویة کتب إلی أبی موسی

ص :139

مسلم قصاص فقتله غیر الولی کان علیه القود، ولو وجب قتله بزنا أو لواط فقتله غیر الإمام لم یکن علیه قود ولا دیة، لأنّ علیّاً علیه السلام قال لرجل قتل رجلاً وادّعی أنّه وجده مع امرأته: «علیک القود إلاّ أن تأتی ببینّة».

الشَرح:

الأشعری انّ ابن أبی الجسرین وجد رجلاً مع امرأته فقتله، فاسأل لی علیّا علیه السلام عن هذا، قال أبو موسی: فلقیت علیّا علیه السلام فسألته . . . إلی أن قال: فقال: «أنا أبو الحسن إن جاء بأربعة یشهدون علی ما شهد وإلاّ دفع برمّته»(1)، فإنّها ظاهرة فی أنّه إذا أثبت موجب الحدّ الذی قتل لا شیء علی القاتل.

نعم، إنّها واردة فی الزنا بزوجته فغایتها التعدّی إلی مرتکب الفجور بأهله کابنته وأمّه مع أنّ السند ضعیف ولا یمکن الاعتماد علیها، ولذا قد یقال بثبوت القود علی القاتل فإنّ المرتکب محقون الدم بالإضافة إلی غیر الإمام، نظیر ما قتل غیر الولی من یکون علیه القصاص.

نعم، إذا کان القتل مع انطباق عنوان الدفاع علیه فهو خارج عن مفروض الکلام، کما تقدّم ذلک فی بحث الدفاع.

ویمکن استظهار ذلک من صحیحة داود بن فرقد(2) التی أوردها فی الوسائل بعد حدیث سعید بن المسیب. وعلی الجملة من التزم بعدم القود فی قتل شخص یکون علیه حدّ القتل بالزنا واللواط ونحوهما فعلیه إثبات الانصراف فیما دلّ علی القصاص علی القاتل عن المورد نظیر قوله سبحان: «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لولّیه سلطاناً»(3).

ص :140


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 69 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 102.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 69 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 102.
3- (3) سورة الاسراء: الآیة 33.

الشرط الثالث: أن لا یکون القاتل أباً

الشرط الثالث: أن لا یکون القاتل أباً[1] فلو قتل ولده لم یقتل به وعلیه الکفارة والدیة والتعزیر، وکذا لو قتله أب الأب وإن علا، ویقتل الولد بأبیه.

الشَرح:

[1] لا یقتل الأب بولده بلا خلاف معروف أو منقول، ویدلّ علیه عدّة من الروایات کموثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه «أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول: لا یقتل والد بولده إذا قتله ویقتل الولد بالوالد إذا قتله، ولا یحدّ الوالد للولد إذا قذفه ویحّد الولد للوالد إذا قذفه»(1).

وحسنة حمران عن أحدهما علیه السلام قال: «لا یقاد والد بولده ویقتل الولد إذا قتل والده عمداً»(2). وصحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن الرجل یقتل ابنه أیقتل به؟ قال: لا»(3). إلی غیر ذلک.

وعنوان الوالد بل الأب الوارد فیها یعمّ الأب وأب الأب.

بل یجری عدم القصاص علی الأب فی جنایته علی ابنه فی الأطراف أیضاً، وفی صحیحة ظریف بن ناصح عن أمیر المؤمنین علیه السلام : وقضی أنّه لا قود لرجل أصابه والده فی أمر یعیب علیه فیه فأصابه عیب من قطع أو غیره ویکون له الدیة ولا یقاد(4). وظاهر هذه الصحیحة _ مضافاً إلی عدم ذهاب دم امری ء هدراً _ انتقال الأمر إلی الدیة، وأمّا ثبوت الکفّارة فلإطلاق ثبوتها علی القاتل عمداً.

کذا لا ینبغی التأمّل فی ثبوت التعزیر، فإنّ الموجب له ارتکاب الحرام الذی یعدّ معصیةً کبیرة، ویدلّ علیه أیضاً روایة جابر عن أبی جعفر علیه السلام «فی الرجل یقتل ابنه أو

ص :141


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 8: 58.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 56.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 56.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 10: 58.

وکذا الأم تقتل به[1]، ویقتل بها وکذا الأقارب کالأجداد والجدات من قبلها والاخوة من الطرفین والأعمام والعمات والأخوال والخالات.

الشَرح:

عبده قال: لا یقتل به ولکن یضرب ضرباً شدیداً وینفی عن مسقط رأسه)(1)، ولکنّها لضعف سندها تصلح للتأیید.

[1] کما علیه المشهور بل لم یحک الخلاف إلاّ عن الاسکافی فإنّه وافق العامّة فی عدم قتل الأم بولدها إلحاقاً لها بالأب، ولکنّه ضعیف، لأنّ القصاص منها مقتضی عموم قوله سبحانه: «النفس بالنفس»(2)، وقد خرج عنه فی الأب قتل ولده لما تقدم من التسالم والروایات، وأمّا الأم فیؤخذ فیها بمقتضی العموم کما یؤخذ بمقتضاه ما إذا قتل الولد أمّه.

أضف إلی ذلک فیما قتل الولد أمّه صحیحة أبی عبیدة، قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قتل أمّه قال: یقتل بها صاغراً ولا أظنّ قتله بها کفارة له ولا یرثها»(3).

ومما ذکرنا یظهر الحال فی قتل الأخ أخاه أو أخته أو قتل الاخت أخاها سواء أکان الأخ أو الاخت من الطرفین أو من طرف الأب الخاصة أو من الأم کما یظهر الحال فی قتل بعض الاقرباء البعض الآخر، فإنّ کلّ ذلک داخل فی العموم المشار إلیه.

ص :142


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9: 58.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 32 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9: 58.

فروع

الأول: لو ادّعی اثنان ولداً مجهولاً

الأول: لو ادّعی اثنان ولداً مجهولاً فإن قتله أحدهما قبل القرعة[1 [فلا قود لتحقق الاحتمال فی طرف القاتل، ولو قتلاه فالاحتمال بالنسبة إلی کلّ واحد منهما باقٍ وربما حظر الاستناد إلی القرعة وهو تهجّم علی الدم والأقرب الأول.

الشَرح:

[1] ظاهر کلامه قدس سره أنّه إذا ادّعی شخص أنّه أب لولد مجهول أبوه یقبل قوله ویلحق به مع احتمال الصدق، وأمّا إذا ادّعی کلّ من الاثنین الابوّه له یقرع بینهما فأیّ منهما أخرجته القرعة یلحق الولد به، وعلی ذلک فإن قتله الشخص المدّعی الأبوة له فی الفرض الأول ینتفی عنه القود کما هو مقتضی لحوق الولد به.

وأمّا إذا قتله المدّعیین، فإن کان قتله قبل الاقراع بین المدّعیین لا یقتل القاتل، لاحتمال کونه أب المقتول فینتقل الأمر إلی أخذ الدیة منه، ولو اشترکا فی قتله قبل الاقراع فکذلک ینتفی القصاص عن کلّ منهما، لاحتمال الابوة بالإضافة إلی خصوص کلّ منهما فیشترکان فی أخذ الدیة منهما.

ولکن ذکر قدس سره ربما یحتمل الاقراع بعد القتل، فإن أخرج القرعة الأب فإن کان هو القاتل لا یقتص منه وإن کان غیره فیقتصّ منه سواء استقلّ أحدهما فی قتله أو اشترکا فیه، غایة الأمر فی فرض الاشتراک یؤخذ ممّن حکم بأبوتّه نصف الدیة ویعطی لمن یقتصّ منه نظیر ما وقع القتل بعد إخراج الأب بالقرعة، والماتن قدس سره وإن دفع هذا الاحتمال بأنّه تهجّم علی الدماء وانّ الأقرب سقوط القصاص عن القاتل فی صورة وقوعه عن أحدهما وعنهما فی صورة اشتراکهما فی القتل إلاّ أنّه قد یختار الرجوع إلی القرعة أخذاً بما دلّ علی أنّها لکلّ أمر مشکل وعدم طلّ دم امرء مسلم ولأنّ الابوة مانعة عن القصاص فلا یعتنی باحتمال المانع مع إحراز المقتضی ولیس انتفاء الابوة شرطاً فی القصاص لئلا یحرز المقتضی مع احتمال الابوة.

ص :143

ولو ادّعیاه ثمّ رجع أحدهما وقتلاه توجّه القصاص علی الراجع[1] بعد ردّ ما یفضل عن جنایته وکان علی الأب نصف الدیة وعلی کلّ واحد کفارة القتل بانفراده.

الشَرح:

أقول: لو بنی علی سماع دعوی شخص أنّ فلاناً ولده من غیر إحراز وطئه امّه فلا دلیل علی السماع مع معارضة دعواه بدعوی غیره لیحکم عند المعارضة بالاقراع کما یظهرالوجه من ملاحظة ما ورد فی الحمل.

وعلیه، فلا مورد للاقراع لیقال بالفرق بین القتل قبل الاقراع أو بعده، بل لو قتله أحد المدعیین یقتصّ منه ولو اشترک المدّعیان فی قتله یقتصّ منهما، لأنّ عموم ما دلّ علی أنّ النفس بالنفس یقتضی القصاص من القاتل عمداً والخارج عن ذلک ما إذا کان القاتل أب المقتول، ومقتضی الاستصحاب فی ناحیة عدم الابوة جاریة بالإضافة إلی کلّ من المدعیین فیتمّ الموضوع للقصاص من غیر فرق بین کون الابوة مانعة عن القصاص أو کون عدمها شرطاً. مع أنّ الفرق بین کون الابوة مانعة أو عدمها شرطهاً لا یرجع إلی محصّل فی الأحکام بالإضافة إلی موضوعاتها.

ومما ذکرنا یظهر أنّه إذا لم یثبت سماع مجرّد دعوی الابوة ولو مع عدم المعارضة ثبت علی المدّعی القاتل القصاص أخذاً بالعموم المزبور بضمّ الاستصحاب فی ناحیة عدم الابوة.

ودعوی أنّ الاعتماد علی أنّ الاستصحاب من إراقة الدم بالشبهة کماتری، فإنّ مع إحراز الموضوع ولو بالأصل لا مورد للشبهة، حتّی بناءً علی درء الحدود فی مثل ذلک فإنّ القصاص غیر الحدّ.

[1] ما ذکره قدس سره مبنی علی نفوذ رجوعه وأن نفوذه لیس من جهة نفوذ الاقرار علی النفس وإلاّ فلا یسمع الرجوع بالإضافة إلی انتفاء القصاص، لأنّه من قبیل الاقرار

ص :144

الثانی: ولو ولد مولود علی فراش مدعیین له

ولو ولد مولود علی فراش مدعیین له کالأمة أو الموطوءة بالشبهة فی الطهر الواحد فقتلاه قبل القرعة لم یقتلا به[1]، لتحقّق الاحتمال بالنسبة إلی کلّ واحد منهما، ولو رجع أحدهما ثمّ قتلاه لم یقتل الراجع، والفرق انّ البنوّة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد الدعوی، وفی الفرق تردّد.

الشَرح:

للنفس، بل من جهة انّ الدعوی بالابوة غیر مسموعة إذا تعقّبها الانکار، وعلیه فیثبت القصاص علی الراجع ویکون علی الآخر المشترک فی قتله نصف الدیة، لانتفاء القصاص عنه، ویجب علی کلّ واحد من الراجع وغیره کفارة القتل لانفراده، کما هو الحال فی سایر موارد القتل عمداً بالاشتراک لصدق علی فعل کلّ منهما.

هذا کلّه فی ولد التداعی عند الماتن وغیره بأن لا یکون مثبت للابوة والولدیة غیر الدعوی من شخصین، وبناءً علی ما ذکرنا یقتصّ من کلّ من المدعی والراجع عن دعواه، أمّا من المدعی فلما تقدّم، وأمّا من الراجع لنفوذ إقراره علیه وکون رجوعه إقراراً علی نفسه بتعلّق القصاص به، فلا حاجة فی القصاص عنه إلی ضمّ الاستصحاب فی عدم کونه أباً للمقتول.

ومما ذکرنا یظهر ثبوت الکفارة _ یعنی کفارة قتل العمد _ علی کلّ منهما، لصدق أنّه قتل عمداً، وکذا بناءً علی ما ذکروه من نفی القصاص للشبهة، فإنّ المنتفی بالشبهة القصاص لا الکفّارة.

وعلی الجملة فإن أراد وارث المقتول قتل کلّ من المدعیین قصاصاً فعلیه ردّ نصف الدیة علی کلّ منهما علی ما تقدّم من القصاص من المشترکین فی القتل.

نعم إذا علم بأنّ الولد لأحدهما فیجری علیه ما یأتی فی المتولد علی فراش مدعیین له.

[1] إذا أتت المرأة بولد عندما کانت علی فراش مدّعیین کالأمة المشترکة بین

ص :145

.··· . ··· .

الشَرح:

اثنین وقعا علیها، وادّعی کلّ منهما أنّ الولد له، فإنّه مع إمکان لحوق الولد بکلّ منهما یقرع بینهما فإن أخرج السهم أحدهما یلحق الولد به ویضمن للآخر نصیبه من الأمة ونصیب تقویم الولد.

ویشهد لذلک صحیحة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «بعث رسول اللّه صلی الله علیه و آله علیّاً علیه السلام إلی الیمن فقال له حین قدم: حدّثنی بأعجب ما ورد علیک، فقال: یا رسول اللّه أتأنی قوم قد تبایعوا جاریة فوطأها جمعهم فی طهر واحد فولدت غلاماً فاحتجّوا فیه کلّهم یدّعیه، فأسهمت بینهم فجعلته للذی خرج سهمه وضمنته نصیبهم، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله : لیس من قوم تقارعوا ثمّ فوّضوا أمرهم إلی اللّه إلاّ خرج سهم المحقّ»(1).

وکذا إذا وقع المتعدّدون علی امرأة فی طهر واحد بالشبهة فولدت ولداً یمکن إلحاقه بکلّ منهم، کما یشهد بذلک صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا وقع الحرّ والعبد والمشرک علی امرأة فی طهر واحد وادّعوا الولد أقرع بینهم وکان الولد للذی یقرع»(2).

ومقتضی الصحیحتین _ خصوصاً ما ورد من بیان الکبری فی الأولی _ عدم الفرق فی الرجوع إلی القرعة بین ما وقع القتل قبل القرعة أو بعدها. نعم مع رجوع أحدهما عن دعواه قبل القرعة یمکن دعوی أنّ الرجوع إذا کان بعد القتل بل إذا کان قبله یکون قتل الراجع للأخذ بإقراره علی نفسه، فإنّ القرعة فی المقام لم یعین الأب ویسمع دعوی الآخر بکون الولد له مع فرض الفراش، کما هو المفروض فی المقام.

ص :146


1- (1) الوسائ: ج 18، الباب 13 من أبواب کیفیة الحکم، الحدیث 6: 188.
2- (2) الوسائ: ج 18، الباب 13 من أبواب کیفیة الحکم، الحدیث 1: 187.

الثالث: ولو قتل الرجل زوجته هل یثبت القصاص لولدها منه

ولو قتل الرجل زوجته هل یثبت القصاص لولدها منه، قیل لا ، لأنّه لا یملک أن یقتصّ من والده، ولو قیل: یملک هنا أمکن اقتصاراً بالمنع علی مورد النص[1].

وکذا البحث لو قذفها الزوج ولا وارث إلاّ ولده منها، أمّا لو کان لها ولد من غیره فله القصاص بعد ردّ نصیب ولده من الدیة وله استیفاء الحدّ کاملاً.

الشَرح:

نعم، إذا کان الراجع زوجاً للموطوءه وفرض دخوله بها فلا ینتفی الولد عنه بمجرّد الرجوع بل یحتاج نفیه إلی اللّعان، وکذا فی رجوع ولی الأمة التی وطأها، کما لا یخفی.

[1] ولو قتل الرجل زوجته ففی جواز قصاص ولدها من أبیه کلام.

فقد یقال بعدم الجواز، لأنّ الولد لا یجوز له القصاص من أبیه، کما إذا قطع الأب ید ابنه عمداً، حیث لیس للولد إلاّ أخذ دیة من أبیه. ففی الفرض أیضاً لا یثبت له حقّ القصاص من أبیه.

وقد یقال إنّه لا یقتل الأب بقتله الولد کما أنّه لیس للولد القصاص من أبیه من الجنایة علی طرفه، وأمّا أنّه لا یثبت له القصاص من أبیه إذا قتل مورّثه کالأمّ فی الفرض، فلا یدخل ذلک فی شیء من الموردین.

ولکن مع ذلک، الأظهر عدم جواز القصاص له من أبیه حتّی فی الفرض، لما ورد فی قذف الرجل زوجته المیتة بأنّه لیس لولده حقّ القذف علی أبیه، وبتعبیر آخر کما ورد فی أنّ الأب لا یقذف بقذفه الأبن ومع ذلک قد طبق الإمام علیه السلام تلک الکبری علی ما انتقل حقّ القذف إلی الأبن لموت زوجته المقذوفة کذلک ینطبق قوله لا یقتل الأب بالأبن ولا یثبت للأبن القصاص من أبیه فی المفروض. وفی صحیحة محمد بن مسلم: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قذف ابنه بالزنا، قال: لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم یجلد له . . . _ إلی أن قال _ وإن کان قال لأبنه یابن الزانیة وأمّه میّتة ولم یکن لها من یأخذ بحقّها

ص :147

الرابع: ولو قتل أحد الولدین أباه ثمّ الآخر أمّه

ولو قتل أحد الولدین أباه ثمّ الآخر أمّه[1]، فلکلّ منهما علی الآخر القود، فإن تشاحّا فی الاقتصاص أقرع بینهما وقدّم فی الاستیفاء من أخرجته القرعة ولو بدر أحدهما فاقتصّ کان لورثة الآخر الاقتصاص منه.

الشَرح:

منه إلاّ ولدها منه فإنّه لا یقام علیه الحد، لأنّ حقّ الحدّ صار لولده منها»(1)، حیث انّ المتفاهم منه انّه کلّما لزم قصاص للأبن من أبیه فلا حق للأبن فی القصاص من أبیه.

نعم لو کان للزوجة ولد من غیر القاتل فله القصاص من زوجها القاتل، ولو کان لها ولد من القاتل وولد من شخص آخر یثبت لولدها من غیره حقّ القصاص بعد ردّ نصف الدیة علی ولدها من القاتل، کما هو الحال فیما أوجب القتل ثبوت القصاص لواحد والدیة للآخر، وأمّا فی مسألة القذف کما ورد ذلک فی ذیل الصحیحة من قوله علیه السلام «وإن کان لها ولد من غیره فهو ولیها یجلد له»الحدیث(2).

[1] إذا قتل أحد الأخوین من أب وأمّ أباه وقتل الأخ الآخر أمّه یکون قاتل الأمّ ولیّاً للقصاص من أخیه القاتل أباه، ویکون قاتل الأب ولیّاً للقصاص من أخیه القاتل لأمّه، فأیّهما بدر إلی قتل الآخر قصاصاً تکون ورثة المقتول ولیّاً بالقصاص الذی کان حقّاً لمورثهم المقتول قصاصاً.

واحتمال التهاتر بالإضافة إلی حقّ القصاص الذی کان لکلّ من الأخوین نظیر التهاتر فی المتقاذفین بلا موجب بعد اقتضاء کلّ من القتلین کون کلّ منهما ولیّاً علی القصاص من الآخر.

وذکر الماتن أنّه إذا تشاحّاً فی البادی فی الاقتصاص أنّه یقرع بینهما. ولکن لا موجب للقرعة بعد معلومیة ثبوت حقّ القصاص لکلّ منهما.

ص :148


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 14 من أبواب حدّ القذف، الحدیث 1: 447.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 14 من أبواب حدّ القذف، الحدیث 1: 447.

الشرط الرابع: کمال العقل

الشرط الرابع: کمال العقل، فلا یقتل المجنون سواء قتل مجنوناً أو عاقلاً[1 [وتثبت الدیة علی عاقلته، وکذا الصبی لا یقتل بصبی ولا ببالغ.

الشَرح:

نعم لو قیل بأنّ ثبوت حقّ القصاص علی ولیّ المقتول ظلماً یتوقّف علی حکم الحاکم، فربّما یقال بأنّه یشکل علی الحاکم الحکم لأحدهما أوّلاً.

وهذا أیضاً غیر صحیح، لأنّ علی الحاکم الحکم بثبوت حقّ الاقتصاص لکلّ منهما لکون کلّ منهما ولیّاً علی المقتول ظلماً.

[1] یعتبر فیمن یتعلّق به القصاص کمال بالفعل والبلوغ، ولو قتل المجنون مجنوناً أو عاقلاً لا یقتصّ منه، وتتعلّق الدیة علی عاقلته.

ویشهد لذلک صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «کان أمیر المؤمنین علیه السلام یجعل جنایة المعتوه علی عاقلته خطأً کان أو عمداً(1) ومعتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام : انّ محمد بن أبی بکر کتب إلی أمیر المؤمنین علیه السلام یسأله عن رجل مجنون قتل رجلاً عمداً فجعل علیه السلام الدیة علی قومه وجعل خطأه وعمده سواء(2).

هذا بالاضافة إلی المجنون، وأمّا بالإضافة إلی الصبی ففی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «عمد الصبی وخطأه واحد»(3)، وفی موثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه «أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول: عمد الصبیان خطأ یحمل علی العاقلة»(4). ومقتضی الإطلاق عدم الفرق بین أن یقتل الصبی صبیّاً أو بالغاً فیحسب

ص :149


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحدیث 1: 307.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحدیث 5: 307.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحدیث 2: 307.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحدیث 3: 307.

أمّا لو قتل العاقل ثمّ جنّ لم یسقط عنه القود، وفی روایة یقتصّ من الصبی إذا بلغ عشراً[1] وفی أخری: إذا بلغ خمسة أشبار ویقام علیه الحدود والوجه ان عمد الصبی خطأ محض یلزم أرشه العاقلة حتّی یبلغ خمسة عشر سنة.

الشَرح:

قتله خطأً وتکون الدیة علی عاقلته.

والعبرة فی حساب قتل المجنون خطأً محضاً ما إذا وقعت الجنایة حال جنونه ولو قتل عاقلاً ثمّ جنّ لم یسقط عنه القصاص وذلک مقتضی الإطلاق فی مثل قوله سبحانه: «النفس بالنفس»(1)، ظاهر الصحیحة ومعتبرة السکونی صدور الجنایة حال الجنون واستیفاء القصاص حال الجنون مع صدور الجنایة حال العقل لا ینافی رفع قلم التکلیف عنه، فإنّ الاستیفاء حقّ مجعول لولی الدم.

ویدلّ علی ذلک أیضاً روایة معاویة بن بُرَید العجلی قال: «سئل أبو جعفر علیه السلام عن رجل قتل رجلاً عمداً فلم یقم علیه الحدّ ولم تصحّ الشهادة علیه حتّی خولط وذهب عقله ثمّ انّ قوماً آخرین شهدوا علیه بعد ما خولط أنّه قتله فقال: إن شهدوا علیه أنّ قتله حین قتله وهو صحیح لیس به علّة من فساد عقل قتل به، وإن لم یشهدوا علیه بذلک وکان له مال یعرف، دفع إلی ورثة المقتول الدیة من مال القاتل وإن لم یکن له مال أعطی الدیة من بیت المال ولا یبطل دم امرء مسلم» (2)، والروایة لا یخلو سندها من الضعف ولذلک تصلح للتأیید کالتأیید بما ورد من عدم سقوط الحدّ عنه إذا کان إرتکابه الموجب حال العقل، وما فی الروایة من دفع الدیة من ماله لا ینافی ما تقدّم، فإنّ المفروض فی الروایة عدم إحراز وقوع الجنایة حال جنونه لتکون الدیة علی عاقلته.

[1] قال الشیخ قدس سره فی الاستبصار انّ الصبی إذا بلغ عشر سنین اقتصّ منه وحکی

ص :150


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 29 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 52.

.··· . ··· .

الشَرح:

ذلک عن مبسوطه ونهایته وعن غیر واحد لم یظفر بروایة مسندة تدلّ علی ذلک. نعم الروایة المرسلة موجودة فی الکتب واحتمل بعضهم أنّه قدس سره استند فی ذلک إلی صحیح عن أبی أیوب الخزاز قال: سألت إسماعیل بن جعفر متی تجوز شهادة الغلام؟ فقال: «إذا بلغ عشر سنین، قلت: یجوز أمرهُ؟ قال فقال: «انّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله دخل بعائشة وهی بنت عشر سنین، ولیس یدخل بالجاریة حتّی تکون امرأة فإذا کان للغلام عشر سنین جاز أمره وجازت شهادته»(1). وظاهرها انّ بلوغ الصبی أیضاً کالصبیة یکون ببلوغ عشرسنین.

ولکنها لا تصح للإعتماد علیها، لأنّ قول إسماعیل بن جعفر غیر معتبر بل باطل، لکونه من القیاس.

نعم، ورد فی صحیحة سلیمان بن حفص المروزی عن الرجل علیه السلام قال: «إذا تَمَّ للغلام ثمان سنین جاز أمره وقد وجبت علیه الفرائض والحدود»(2). وظاهرها بلوغه بثمان سنین. وقد روی الشیخ الروایة بسنده عن علی بن الحسن بن فضال عن العبیدی (یعنی محمد بن عیسی العبیدی) عن الحسن بن راشد عن العسکری علیه السلام قال: «إذا بلغ الصبی ثمانی سنین فجائز أمره فی ماله وقد وجبت علیه الفرائض والحدود وإذا تمّ للجاریة سبع سنین فکذلک»(3).

ولکن إذا أمکن حمل ذلک علی کونه مخیّراً یجوز أمره بإذن ولیّه ویثبت فی حقّه العبادات ویعزّر علی ارتکاب المحرّمات کالسرقة وشرب الخمر والفحشاء فهو، وإلاّ

ص :151


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 22 من أبواب الشهادات، الحدیث 3: 252.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 28 من أبواب حد السرقة،الحدیث 13: 526.
3- (3) الوسائل: ج 18، الباب 9 من أبواب وصیة الصبی والعجوز، الحدیث 1: 11.

.··· . ··· .

الشَرح:

فلا مجال للإعتماد علیها لعدم معهودیة العمل بها ومعارضتها بغیر واحد من الأخبار الدالّة علی خلافها بل لا یبعد کونها متواترة إجمالاً.

وفی معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل وغلام اشترکا فی قتل رجل فقتلاه، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : «إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتصّ منه وإذا لم یکن بلغ خمسة أشبار قضی بالدیة»(1)، وقد التزم الشیخ قدس سره فی الاستبصار بمضمونها وقد حملوا الروایة علی کون البلوغ خمسة أشبار أمارة لبلوغه إذا احتمل البلوغ وإلاّ فمع العلم بالصغر لا عبرة بلأشبار.

وبتعبیر آخر لا یکون لبلوغه خمسة أشبار موضوعیة فی مقابل بلوغه خمسة عشر سنة أو نبت الشعر الغلیظ فی عانته أو احتلامه، حیث انّ الالتزام بالموضوعیة غیر محتمل کما إذا فرض انّ الصبیین قد ولدا فی یوم واحد فبلغ أحدهما خمسة أشبار ولم یبلغ الآخر فالالتزام بالقصاص من الأول دون الثانی إذا قتلا شخصاً أو قتل کلّ منهما رجلاً أو صبیاً غیر محتمل وإن لم یمکن حملها علی الأماریة أیضاً کما یدّعی ذلک فلابدّ من طرحها وإرجاع علمها إلی أهلها لما تقدّم من الروایات الدالّة علی أنّ بلوغه لا یکون بذلک وعلیه فالالتزام بالقصاص من الصبی مع ورود انّ عمده وخطأه سیّان تحمّله العاقلة غیر ممکن، واللّه العالم.

ص :152


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 66.

فرع

لو اختلف الولی والجانی بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال قتلت وأنت بالغ أو أنت عاقل فأنکر فالقول قول الجانی مع یمینه[1]، لأنّ الاحتمال متحقّق فلا یثبت معه القصاص وتثبت الدیة علی العاقلة ولو قتل البالغ الصبی قتل به علی الأصح[2].

الشَرح:

[1] فإنّ الاستصحاب فی کونه صغیراً زمان قتله أو بقاء جنونه زمانه ینفی الموضوع للقصاص ویثبت الموضوع لکون الدیة علی العاقلة فعلیه یکون ولی الدم مدّعیاً لحقّ القصاص فإن أقام البینة علی مدّعاه فهو، وإلاّ یحلف الجانی المفروض إحراز بلوغه حین الحلف أو إقامته حینه.

نعم، إذا کان المجنون مسبوقاً بالعقل وادّعی ولیّ الدم وقوع القتل منه قبل طروّ الجنون وادّعی الجانی کونه بعد جنونه فالمدّعی هو الجانی فعلیه إثبات دعواه وإلاّ یحلف الولیّ ویثبت علیه القود.

وظاهر الماتن وغیره عدم الفرق بین الصورتین بناءً علی مسلک المشهور من إلحاق القصاص بالحدود التی تدرء بالشبهة، وقد تقدّم الکلام فی أصل الحکم فی الحدود وفی إلحاق القصاص بها فلا نعید.

[2] کما نسب ذلک إلی المشهور بل ادّعی علیه الاجماع. نعم المحکی عن الحلبی عدم القتل به، ویستدلّ علی ما علیه المشهور باطلاق ما دلّ علی ثبوت حقّ القصاص لولی من قتل مظلوماً وعمداً، ویضاف إلی ذلک مرسلة ابن فضال عن بعض أصحابه عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «کلّ من قتل شیئاً صغیراً أو کبیراً بعد أن یتعمّد فعلیه

ص :153

ولا یقتل العاقل بالمجنون[1] وتثبت الدیة علی القاتل إن کان عمداً أو شبیهاً بالعمد وعلی العاقلة إن کان خطأً محضاً ولو قصد القاتل دفعه کان هدراً وفی روایة دیته علی بیت المال.

الشَرح:

القود»(1).

ولکنّ المروی فی الفقیة بسنده عن ابن بکیر عن أبی عبداللّه علیه السلام «کلّ من قتل بشیء صغیر أو کبیر بعد أن یتعمّد فعلیه القود»(2)، وعلیه فالمرسلة _ مضافاً إلی ضعف السند _ لا تدلّ إلاّ علی تعلّق القصاص حتّی إذا قتل بشیء صغیر، لأنّه لو لم یکن الصحیح ما نقله الصدوق فلا أقلّ من عدم ثبوت صحّة ما نقله الشیخ قدس سره .

وأمّا الاطلاق فیما دلّ علی ثبوت حقّ القصاص لولی المقتول متعمّداً أو ظلماً فیرفع الید عن الاطلاق المزبور بالتعلیل الوارد فی عدم تعلّق القود علی قاتل المجنون من قوله علیه السلام فی صحیحة أبی بصیر «فلا قود لمن لا یقاد منه»(3) فإنّ مقتضی ذلک عدم تعلّق القصاص بقاتل الصبی حیث انّ الصبی لا یقاد منه.

[1] ذکروا عدم الخلاف فی ذلک، ویستدلّ علی ذلک بصحیحة أبی بصیر قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قتل رجلاً مجنوناً فقال: إن کان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شیء علیه من قود ولا دیة ویعطی ورثته دیته من بیت مال المسلمین. قال: وإن کان قتله من غیر أن یکون المجنون أراده فلا قود لمن لا یقاد منه وأری انّ علی قاتله الدیة فی ماله یدفعها إلی ورثة المجنون ویستغفر اللّه ویتوب إلیه»(4). وروایة

ص :154


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 31 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 56.
2- (2) من لا یحضره الفقیه: ج 4، رقم الحدیث 5221: 112.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 52.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 52.

وفی ثبوت القود علی السکران تردّد والثبوت أشبه[1] لأنّه کالصاحی فی تعلّق الأحکام.

الشَرح:

أبی الورد قال: «قلت لابی عبداللّه علیه السلام أو لابی جعفر علیه السلام : أصلحک اللّه، رجل حمل علیه رجل مجنون فضربه المجنون ضربة فتناول الرجل السیف من المجنون فضربه فقتله، فقال: أری أن لا یقتل به ولا یغرم دیته وتکون دیته علی الإمام ولا یبطل دمه»(1). ومع ضعفها بأبی الورد صالحة للتأیید وظاهرهما ثبوت دیته فی صورة قتله دفاعاً، علی بیت المال.

ولکن استشکل فی ذلک بأنّ المقتول المهاجم دمه هدر فلا موجب لضمان الدیة.

ولکن الإشکال ضعیف، فإنّ دمه هدر بالإضافة إلی قاتله فلا یضمنه قاتله، وأمّا کون الدیة علی بیت المال فلا وجه لرفع الید عمّا دلّ علیه لاحتمال کون الحکمة فی ثبوتها تأمین معاش عیاله أو غیر ذلک.

[1] المنسوب إلی المشهور تعلّق القصاص علی السکران فإنّه وإن کان حین الجنایة بلا قصد لسکره إلاّ أنّه بسوء الاختیار فیتعلّق به أحکام الصاحی.

وربّما یستدلّ علی ذلک بمعتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «کان قوم یشربون فیسکرون فیتباعجون بسکاکین کانت معهم فرفعوا إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فسجنهم فمات منهم رجلان وبقی رجلان فقال أهل المقتولین یا أمیر المؤمنین علیه السلام أقدهما بصاحبینا فقال للقوم: ماترون فقالوا: نری أن تقیدهما فقال علی علیه السلام للقوم: فلعلّ ذینک الّذین ماتا قتل کلّ واحد منهما صاحبه قالوا لا ندری فقال علی علیه السلام بل أجعل دیة المقتولین علی قبائل الأربعة وآخذ دیة جراحة الباقین من دیة المقتولین»(2)

ص :155


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 52.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب موجبات الضمان، الحدیث 2: 173.

.··· . ··· .

الشَرح:

فإنّ قوله علیه السلام فلعلّ ذینک . . . إلخ، فی أنّه إذا أحرز انّ الباقین قتلا الذین ماتا لتعلّق بهما القود، فالسکر المحرم کما هو ظاهر الفرض لا یوجب خروج جنایة السکران عن حکم التعمد، ولکن جعله علیه السلام دیة المقتولین علی قبائل الأربعة ینافی جعل جنایة السکران عمدیةً حیث انّ اللازم أن تکون دیتهما علی أنفسهم بأن یکون دیة کلّ من المقتولین علی الثلالثة أحدهم المقتول الآخر والمجروحین بل ظاهر صحیحة محمد بن قیس أنّه لا یحسب جنایة السکران عمدیّاً فإنّه روی عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی أربعة شربوا مسکراً فأخذ بعضهم علی بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان وجرح اثنان فأمر المجروحین فضرب کلّ واحد منهما ثمانین جلدة وقضی بدیّة المقتولین علی المجروحین فلیس علی أحد من أولیاء المقتولین شیء»(1).

ووجه الظهور أنّ الأمر بجلد کلّ من المجروحین ثمانین هو حدّاً لشرب المسکر فیکون الإسکار علی وجه المحرم وحکمه علیه السلام بدیّة المقتولین علی المجروحین مقتضاه معلومیة إسناد القتل إلیهما وإلاّ کانت الدیة علی الثلاثة کما تقدّم. ولو کانت جنایة السکران من التعمد لکان علی المجروحین القود.

وحمل هذه علی ما إذا لم یکن وقوع الاقتتال معلوماً لهم عند الشرب بأن کان أمراً اتفاقیاً وحمل معتبرة السکونی علی ما إذا کان وقوعه أمراً عادیّاً لعلمهم حین الشرب بأن هذا یؤدّی إلی الاقتتال نوعاً نوع جمع تبرّعی. نعم هذا التفصیل مقتضی القاعدة التی ذکرنا فی تمییز الجنایة _ یعنی القتل عمداً _ عن القتل خطأً، والمتعین فی المقام الأخذ بها، واللّه العالم.

ص :156


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب موجبات الضمان، الحدیث 1: 173.

أمّا من بنّج نفسه أو شرب مرقداً لا لعذر فقد ألحقه الشیخ رحمه الله بالسکران وفیه تردّد[1].

ولا قود علی النائم لعدم القصد وکونه معذوراً فی سببه وعلیه الدیة[2].

الشَرح:

[1] ینبغی أن یکون الکلام فیما إذا کان البنج مزیلاً للقصد والإختیار من غیر أن یکون مسکراً، وکذلک المراد من شرب المرقد، ومع عدم العذر له فی إرتکابه فقد یقال کما عن الشیخ قدس سره إلحاقه بالسکران فی ثبوت القصاص علیه لاشتراک ذلک مع السکران فی زوال القصد بفعله الاختیاری. وقد تردّد الماتن قدس سره فی هذا اللحوق، ولکن الصحیح الالحاق إذا کان ذلک من غیر ضرورة مع علمه بأنّ ارتکابه القتل معه أمر عادی بخلاف ما إذا کان أمراً اتفاقیاً علی ما تقدّم من التفصیل فی السکران، واللّه العالم.

[2] لا ینبغی التأمّل فی أنّه إذا قتل النائم بحرکته فی النوم وانقلابه شخصاً طفلاً کان أو غیره لا قود علیه، لعدم قصده القتل ولا الفعل وکونه معذوراً فی نومه وحرکته. وإنّما الکلام فی الدیة فی ماله أو أنّ الدیة علی عاقلته، وظاهر الماتن فی المقام أنّ الدیة علی النائم، وصرّح فی الدیّات أنّ الأشبه بأصول المذهب کونها علی عاقلته.

ویستدلّ علی کون الدیة علی النائم بما روی «من نام فانقلب علی غیره فقتله کان ذلک شبیه العمد» وبأنّ انقلاب النائم لعدم قصد النائم من أسباب القتل التی یکون ضمانها علی الفاعل دون العاقلة.

ولکن قد یقال شیء من ذلک لا یوجب کون الدیة علیه، لعدم کون السبب موجباً لکون الدیة علی الشخص ما لم یکن القتل مستنداً إلیه بقصده الفعل القاتل والمفروض أنّ النائم غیر قاصد للفعل أصلاً، ولذا قد یشکل کون الدیة علی عاقلته أیضاً، فإنّ الملاک فی ضمان العاقلة فی موارد الخطأ أن یکون الفاعل قاصداً قتل شیء فیصیب غیره أو یرید الفعل القاتل لشیء فیصیب غیره أی یقع علی غیره، وهذا غیر محقّق فی المورد،

ص :157

وفی الأعمی تردّد أظهره أنّه کالمبصر فی توجّه القصاص بعمده[1]، وفی روایة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام إنّ جنایته خطأ تلزم العاقلة.

الشَرح:

ولذا احتمل أن یکون دیته علی بیت المال، لأنّ دم المسلم لا یذهب هدراً وهذا أیضاً غیر ثابت فیما کان الموت مستنداً إلی القضاء والقدر کما إذا دفع الریح شخصاً من السطح فوقع علی غیره فمات الغیر.

ولکن الظاهر الفرق بین مسألة إطارة الریح شخصاً فیقع علی غیره وبین انقلاب النائم فإنّ إتلاف النفس یستند إلی النائم حیث إنّ الفعل صدر عنه ولو بلا قصده بخلاف دفع الریح فإنّ وقوعه علی الغیر مستند إلی الریح العاصفة کاستناد سقوط الحجارة إلیها، وکما أنّه إذا انقلب النائم علی مال الغیر فأتلفه یکون ذلک موجباً لضمانه المال المتلف کذلک انقلابه علی شخص آخر.

نعم الروایة المرسلة لإرسالها لا یمکن الاعتماد علیها والعمدة ما ذکرنا، ویأتی التعرّض لذلک فی مسألة انقلاب الظئر النائم علی الطفل ونلتزم فیها بالتفصیل بین ما إذا کانت الظئر ظائرة طلباً للعزّ والفخر فتکون الدیة فی مالها وبین ما ظائرت لفقرها تکون الدیة علی عاقلتها لبعض الروایات الوارد فیها.

[1] فإنّه إذا قصد القتل أو قصد الفعل القاتل یکون قتله عمدیّاً فیعمّه ما دلّ علی ثبوت حقّ القصاص عنه لأولیاء المقتول وأنّ «النفس بالنفس»(1).

ولکن قد ورد فی صحیحة العلا عن محمد الحلبی أنّ قتله یحسب خطأً فیکون دیة المقتول علی عاقلته قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل ضرب رأس رجل بمعول فسالت عیناه علی خدّیة فوثب المضروب علی ضاربه فقتله قال: فقال أبو عبداللّه علیه السلام : هذان متعدّیان جمیعاً فلا أری علی الذی قتل الرجل قوداً لأنّه قتله

ص :158


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.

الشرط الخامس: أن یکون المقتول محقون الدم

الشرط الخامس: أن یکون المقتول محقون الدم احترازاً من المرتدّ بالنظر إلی المسلم فإنّ المسلم[1] لو قتله لم یثبت القود وکذا کلّ من أباح الشرع قتله ومثله من هلک بسرایة القصاص أو الحدّ.

الشَرح:

حین قتله وهو أعمی، والأعمی جنایته خطأ یلزم عاقلته یؤخذون بها فی ثلاث سنین فی کلّ سنة نجماً فإن لم یکن للأعمی عاقلة لزمته دیة ما جنی فی ماله یؤخذ بها فی ثلاث سنین ویرجع الأعمی علی ورثة ضاربه بدیّة عینیه»(1)، والروایة صحیحة بحسب نقل الصدوق، حیث رواه بإسناده عن العلا عن الحلبی.

وفی موثقة عمّار عن أبی عبیدة قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن أعمی فقأ عین صحیح فقال: إنّ عمد الأعمی مثل الخطأ هذا فیه الدیة فی ماله فإن لم یکن له مال فالدیة علی الإمام ولا یبطل حقّ امری ء مسلم»(2).

وقد یشکل علی الروایتین بتعارضهما حیث ذکر فی الثانیة ما یقضی کون عمده شبه العمد، وفی الأولی کون عمده خطأً محضاً مع أنّ الوراد فیهما کون الدیة مع فقد العاقلة علی الأعمی.

ولکن لا یخفی ما فیه فإنّ مقتضی بینهما رفع الید عن إطلاق الصدر فی الثانیة بما ورد فی الأولی من کون الدیة فی مال الأعمی مع فقد العاقلة، کما یرفع عن إطلاق ذیل الأولی بما ورد فی ذیل الثانیة من أنّه إذا لم یکن للأعمی عاقلته تکون الدیة فی بیت المال أو تحمل علی التفصیل بین قتل الأعمی وجنایته علی الأطراف فیؤخذ فی الأولی بخطأ المحض وفی الثانیة بشبه الخطأ.

[1] لا ینبغی التأمّل فی أنّه إذا ثبت جواز قتل مسلم لمسلم فلا یترتّب علی قتله

ص :159


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب العاقلة، الحدیث 1: 306.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 35 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 65.

.··· . ··· .

الشَرح:

قود فإنّ مع جواز القتل له لا یکون قتله عدواناً وظلماً وعلی هذا فإن قتل مسلم مرتدّاً سواء کان المرتدّ فطریاً أو ملّیاً وکان القتل حال ارتداده فلا قود علی المسلم القاتل، وعدم ثبوت القود علی المسلم القاتل، مضافاً إلی جوازه فی المرتدّ الفطری، حیث ورد فی مثل موثقة عمّار الساباطی قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام کلّ مسلم بین مسلمین ارتدّ عن الإسلام وجحد محمداً صلی الله علیه و آله نبوّته وکذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلک منه»(1) لکون شرط القصاص التساوی فی الدّین وأنّه لا یقتل المسلم بکافر، وأمّا إذا رجع المرتدّ إلی الإسلام فإنّ المقتول إذا کان ارتداده فطریاً فلا قود، لبقاء جواز قتله بخلاف ما إذا کان ارتداده ملّیاً فإنّه یتعلّق علی القاتل القود، لکونه بعد التوبة مسلم ودمه محترم کسایر المسلمین.

وکذا إذا قتل المسلم من سبّ النبی صلی الله علیه و آله أو أحد الأئمة أو فاطمة علیهاالسلام بنت رسول اللّه صلی الله علیه و آله فإنّ حدّ السبّ جواز قتله لکلّ من سمع منه.

وقد لا یکون الشخص محقون الدم بالإضافة إلی شخص ولکن یکون محقون الدم بالإضافة إلی الآخر، کما فی القاتل عمداً فإنّه غیر محقون الدم بالإضافة إلی ولیّ الدم، ویکون محقون الدم بالإضافة إلی السائرین، فلو قتله غیر ولیّ الدم یثبت علی قاتله القود وبخلاف ما إذا قتله ولیّ الدم.

ویلحق بذلک من أجری علیه قصاص الطرف أو الحدّ من غیر تعدّ عن الحداد والمجنی علیه ولکن ترتب علی إجراء الحدّ والقصاص موته فإنّه لا قود فی الفرض ولا دیة لما تقدّم من الروایات من أنّ من قتله الحدّ أو القصاص فدمه، هدر، بخلاف ما

ص :160


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 1 من أبواب حدّ المرتد، الحدیث 3: 545.

.··· . ··· .

الشَرح:

إذا مات بتعدّ من الحداد والمجنی علیه فإنّه یوجب الضمان کما تقدّم فی باب الحدود.

ویقع الکلام فی المقام فی أمور ثلاثة:

الأول: ما إذا کان الشخص _ لارتکابه أمراً محرّماً _ محکوماً بالقتل حدّاً، کالزانی المحصن واللائط فإن قتلهما المستند إلی الحاکم یکون من جهة إجراء الحدّ علیهما وهذا لا إشکال فیه وإنّما وقع الإشکال فیما إذا قتله الغیر مع إحرازه وعلمه بارتکاب الموجب فإنّه وإن یظهر من بعض کلمات الأصحاب بکونهما مهدوری الدم فلا یوجب قتلهما قصاصاً علی المسلم وإن فعل حراماً، لکون إجراء الحد علی الزانی والزانیة واللائط والملوط کسایر الحدود من وظیفة الحاکم.

نعم إذا لم یتمکّن القاتل من إثبات الارتکاب یجری علیه القصاص علی ما هو موازین القضاء، ولکن استشکل فی الحکم المزبور جماعة وذکروا أنّ المرتکب مهدور الدم بالإضافة إلی الحاکم فیتعلّق علی القاتل القود نظیر قتل من علیه القصاص إذا لم یکن القاتل من أولیاء الدم وهذا الإشکال فی محلّه فإنّ مقتضی ما دلّ علی أنّ النفس بالنفس بعد عدم ثبوت الترخیص للقاتل فی قتله تعلّق القود علیه.

الثانی: ما إذا قتل الزوج زوجته إذا رأی أنّها تزنی أو قتل الزانی بها فإنّه یستدلّ علی جوازه وعدم تعلّق القود علی الزوج بقتلهما بروایات. نعم لو لم یتمکّن من إثبات الزنا یتعلّق علیه القود بحسب الحکم الظاهری.

منها روایة سعید بن المسیب «أنّ معاویة کتب إلی أبی موسی الأشعری انّ ابن أبی الجسرین وجد رجلاً مع امرأته فقتله، فاسأل علیّاً علیه السلام عن هذا، قال أبو موسی: فلقیت علیّاً فسألته . . . إلی أن قال: فقال أبو الحسن: «إن جاء بأربعة یشهدون علی ما

ص :161

.··· . ··· .

الشَرح:

شهد وإلاّ دفع برمّته»(1).

وروایة الفتح بن یزید الجرجانی عن أبی الحسن علیه السلام «فی رجل دخل دار آخر للتلصّص أو الفجور فقتله صاحب الدار، أیقتل به أم لا؟ فقال: إعلم أنّ من دخل دار غیره فقد أهدر دمه ولا یجب علیه شیء»(2).

وصحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام فی حدیث قال: «أیّما رجل اطلّع علی قوم فی دارهم لینظر إلی عوارتهم ففقؤوا عینه أو جرحوه فلا دیة علیهم»(3).

ولکنّ الروایتین الأخیرتین ظاهرهما الدفاع عن المال والعرض لا قتل مرتکب الحد بعد ارتکابه، والروایة الأولی وإن کانت ظاهرة فیما ذکر ولا یحتمل الفرق بین قتل الزانی والزانیة إلاّ أنّه من حیث السند ضعیفة لا یمکن الاعتماد علیها.

مع أنّه تعارضها صحیحة داود بن فرقد، قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: إنّ أصحاب رسول اللّه صلی الله علیه و آله قالوا لسعد بن عبادة: أرأیت لو وجدت علی بطن امرأتک رجلاً ما کنت صانعاً به؟ قال: کنت أضربه بالسیف، قال: فخرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله فقال: ماذا یا سعد؟ فقال سعد: قالوا لو وجدت علی بطن امرأتک رجلاً ما کنت صانعاً به، فقلت: أضربه بالسیف، فقال: یا سعد، فکیف بالأربعة الشهود؟ فقال: یا رسول اللّه بعد رأی عینی وعلم اللّه أن قد فعل، قال: أی واللّه، بعد رأی عینک وعلم اللّه أن قد فعل، إنّ اللّه جعل لکلّ شیء حدّاً وجعل لمن تعدّی ذلک الحدّ حدّاً»(4).

ص :162


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 69 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 102.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 51.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 25 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 7: 50.
4- (4) الوسائل: ج 18، الباب 2 من أبواب مقدمات الحدود، الحدیث 1: 310.

.··· . ··· .

الشَرح:

وما أرسل الشهید فی الدروس أنّ من رأی زوجته تزنی فله قتلهما أیضاً لإرسالها لا یمکن الاعتماد علیه، مع أنّها لم توجد فی کلام من تقدّم علی الشهید.

الثالث: قد ورد الروایات فی جواز الدفاع عن النفس والعرض والمال وتقدّم أنّ القتل دفاعاً لا یوجب القود ولا الدیة، والکلام فی أنّ مهدوریة دم المهاجم بالإضافة إلی من یهاجم علیه أو أنّه یجوز قتل المهاجم للغیر عند الدفاع عن أخیه المؤمن إذا استدعی نصرته وإعانته. وقد تقدّم أنّه لا یبعد أن یکون المهاجم مهدور الدم حتی بالإضافة إلی من یدافع عمّن یهاجم علیه فی مباحث الدفاع.

ص :163

الفصل الثالث: فی دعوی القتل وما یثبت به

ما یشترط فی المدّعی

ویشترط فی المدّعی البلوغ والرشد حالة الدعوی دون وقت الجنایة، إذ قد یتحقّق صحّة الدعوی بالسماع المتواتر[1]، وأن یدّعی علی من یصحّ منه مباشرة الجنایة، فلو ادّعی علی غائب لم یقبل، وکذا لو ادّعی علی جماعة یتعذّر اجتماعهم علی قتل الواحد کأهل البلد، وتقبل دعواه لو رجع إلی الممکن.

الشَرح:

[1] یقع الکلام فی المقام فی شرایط سماع الدعوی وما یترتب علیها، وفیما یثبت به دعوی القتل وما یتفرّع علیها.

أمّا شرایط سماعها فقد ذکر الماتن قدس سره أنّه یشترط فی سماعها کون المدّعی بالغاً رشیداً عند الدعوی، وأمّا الواقعة التی یدّعیها فلا یعتبر بلوغه ورشده عند وقوعها حیث یمکن للصبی بعد بلوغه ولغیر الرشید بعد رشده العلم بالواقعة المزبورة بالسماع المتواتر ونحوه فیرفع دعواه إلی المرافعة.

وکذا یعتبر فی سماع الدعوی کونها بحیث یحتمل صحتها وکون ما یدّعیه ممکن الوقوع، فلو ادّعی علی غائب لا یمکن وقوع الجنایة منه لغیابه أو علی جماعة لا یمکن اجتماعهم علی الجنایة کما إذا ادّعی اجتماع أهل البلد علی قتل والده لا تسمع.

أقول: قد ذکر قدس سره فی کتاب القضاء فی شرایط سماع الدعوی کون المدّعی بالغاً عاقلاً ولم یذکر الرشد المقابل للسفاهة، وذکر فی المقام اعتبار البلوغ والرشد، فإن کان مراده فی المقام من الرشد: العقل، فالاشتراط کما ذکرنا فی القضاء صحیح، لأنّ المتصدّی للدعوی عن الصغیر والمجنون ولیّهما.

وأمّا إذا کان المراد من الرشد مقابل السفاهة کما هو ظاهره فاعتباره فی المدّعی

ص :164

ولو حرّر الدعوی بتعیین القاتل وصفة القتل[1] ونوعه، سمعت دعواه، وهل الشَرح:

یختصّ بالدعاوی المالیة الراجعة إلی التصرّف فی أمواله علی تفصیل تعرّضنا له فی بحث القضاء. وأمّا فی المقام _ أی دعوی القتل الموجب للقصاص عن الجانی بل الموجب لأخذ الدیة منه أو من عاقلته _ فلا موجب لاعتباره، فإنّ السفیه غیر محجور علیه عن القصاص من الجانی ولا من تملّک الدیة علیه أو علی عاقلته، غایة الأمر لا یدفع الدیة إلیه بل إلی ولیّه ولا یتحقّق منه المصالحة علی الدیة بل لولیّه ذلک.

وعلی الجملة، الحجر علیه فی أمواله لا یقتضی أزید من منع دفع أمواله إلیه وعدم نفوذ تصرّفاته فیها.

نعم، قد یقال بعدم سماع دعوی السفیه إذا اقتضی القصاص من الجانی ردّ فاضل الدیة علیه.

ولکن لا یخفی أنّ ردّ فاضل الدیة حکم شرعی یترتّب علی القصاص من الجانی والقصاص لیس من التصرّف فی المال، ولذا تسمع دعوی الجنایة علی السفیه حتّی فی موارد ترتّب أخذ الدیة منه علی ثبوت الجنایة، وغایة الأمر یکون المتصدّی لردّ فاضل الدیة علی الجانی أو إعطاء الدیة لجنایة السفیه ولیّه لکون أمواله بیده.

ویعتبر أیضاً فی سماع دعواه إمکان وقوع الجنایة عن المدّعی علیه وقتها أو مطلقاً فلو ادّعی الجنایة علی غائب وقتها لا تسمع الدعوی وکذا إذا ادّعی علی من لا یمکن وقوع الجنایة عنه مطلقاً کما إذا ادّعی أنّ أهل البلد أجمع قتلوا أباه.

نعم، إن فسّره بشیء ممکن أو احتمل الإمکان کما إذا بعث الغائب بسمّ فی طعام إلیه فقتله أو أمر أهل البلد فلاناً بقتل أباه تسمع لإمکان الدعوی.

[1] المراد من صفة القتل اتصاف القتل بالمباشرة أو التسبیب، ومن النوع کونه عمداً أو شبه عمد أو خطأ ولو عیّن المدّعی فی دعواه القاتل وصفة قتله ونوعه فهذا هو

ص :165

.··· . ··· .

الشَرح:

المتیقّن من سماع الدعوی، والمراد من سماعة توجّه الیمین علی المدّعی علیه.

وأمّا إذا عیّن فی دعواه القاتل ولکن أطلق القتل، فقد اختار الماتن قدس سره السماع بعد إبرازه التردّد فیه.

أقول: لا ینبغی التردّد فی سماعها فی الفرض غایة الأمر إذا لم یکن للمدعی بینّة فیحلف المدعی علیه علی عدم وقوع القتل وصدوره عنه، وإن أقام بینّة وشهدت البینّة أیضاً علی مطلق القتل من غیر تعیین أنّه کان عمداً أو شبه عمد أو خطأ فیحکم القاضی بالدیة عل عاقلة المدّعی علیه، لأنّ الأصل عدم وقوع الفعل منه بقصد قتله ولا بقصد عنوان الفعل فیحرز الموضوع لکون الدیة علی العاقلة.

وإن شهدت البیّنة أنّه قد صدر عنه الفعل بالقصد ولکن لم یشهد بقصده القتل فإن کان الفعل قاتلاً نوعاً ترتّب علیه القصاص وإلاّ یترتّب الدیة علی الجانی، لأنّ الأصل عدم قصده القتل ولم یکن الفعل قاتلاً نوعاً علی الفرض، فیحرز شبه العمد الموضوع، لکون الدیة علی الجانی.

وهکذا الحال إذا کان المدّعی ادّعی علی شخص القتل وأطلق واعترف المدّعی علیه بالقتل، فإن کان اعترافه بالقتل عمداً اقتصّ منه، وإن اعترف بالقتل ولکن قال لا أدری أنّه کان عمداً أو غیره فإنّه یحکم علیه بالدیّة فی ماله لأصالة عدم تعمّده القتل، فإنّه إذالم یکن الفعل قاتله نوعاً یثبت الموضوع للدیة علیه، لأنّ الدیة فی موارد ثبوت القتل بالاعتراف إذا لم یکن القتل عمدیّاً یکون علی المقرّ لا عاقلته کما یأتی، ولذا لو اعترف بالقتل بالخطأ المحض یکون علی المقرّ لا عاقلته کما یأتی، ولذا لو اعترف بالقتل بالخطأ المحض یکون أیضاً الدیة علیه بخلاف البیّنة فإنّه إذا لم یشهد بقصده الفعل یحکم بثبوت الدیة علی عاقلته، لأنّ الأصل عدم صدوره عنه بالقصد.

ص :166

تسمع منه مقتصراً علی مطلق القتل؟ فیه تردّد أشبهه القبول، ولو قال: قتله أحد هذین، سمعت إذ لا ضرر فی أحلافهما[1] ولو أقام بینة سُمعت لاثبت اللوث إن خصّ الوارث أحدهما.

الشَرح:

[1] قد تقدّم أنّ سماع الدعوی مقتضاه توجّه الیمین علی المدّعی علیه مع عدم البیّنة والسماع بهذا المعنی لا محذور فیه، لعموم قوله علیه السلام «البیّنة علی المدّعی والیمین علی من ادّعی علیه» والمدّعی علیه فی الفرض وإن کان أحدهما الجامع بینهما إلاّ الدعوی علیه لا تدفع إلاّ بالحلف من کلّ منهما ولیس فی إحلافهما ضرر علیهما حیث لا محذور فی الحلف صادقاً کما فی فرض عدم صدور القتل منهما، بخلاف عدم سماع الدعوی، حیث أنّه یمکن من سماعها بإحلافهما التوصل إلی معرفة القاتل بنکول أحدهما عن الحلف وإقراره بأنّه القاتل فیکون السماع طریقاً إلی معرفة القاتل واستیفاء الحقّ منه.

وما فی الجواهر(1) من الإشکال فی السماع بأنّ الدعوی لم تتوجّه إلی واحد منهما لا یمکن المساعدة علیه فإنّ الدعوی علی الجامع بینهما لا تسقط إلاّ بالیمین من کلّ منهما، وذکر قدس سره أنّه لو بنی علی حصول اللوث بنکولهما عن الیمین أمکن القول بسماع الدعوی، نظیر ما ذکر المصنّف وغیره من أنّ المدّعی بکون أحدهما القاتل لو أقامت بیّنة علی أنّ أحدهما القاتل سمعت، لأنّ البیّنة المزبورة تثبت اللوث إذا اختصّ اللوث المدّعی بالقتل أحدهما المعیّن فیکون علی ذلک المعیّن إقامة البیّنة علی أنّه لیس بقاتل وإن لم تقم بیّنة کذلک أثبت الوارث المدعّی القتل علیه بالقسامة، ومقتضی التقیید فی سماعها بما إذا اختصّ الوارث أحدهما المعیّن بعد إقامة البیّنة المزبورة أنّه

ص :167


1- (1) جواهر الکلام: 42/195.

.··· . ··· .

الشَرح:

لا فائدة للبیّنة المزبورة مع عدم هذا التعیین.

أقول: إذا بنی علی أن نکولهما عن الیمین یثبت اللوث أو أنّ قیام البیّنة علی أنّ أحدهما هو القاتل یثبته فلا یضرّ عدم تعیین الوارث أحدهما المعیّن فإنّه یثبت فی الفرض حکم الدعوی فی مورد اللّوث وحکمه علی ما یستفاد من بعض الروایات علی ما یأتی فی بحث القسامة انّ مع عدم قیام المدّعی علیهم البیّنة علی نفی التهمة یکون علی المدّعی القسامة وإذا کان أقامها قسط الدیة علی المتّهمین ولا یقتصّ منهم ولا من بعضهم لعدم تعیّن القاتل.

وکذا إذا لم تقم المدّعی القسامة ولکن المدّعی علیهم أیضاً نکلوا من إقامة القسامة علی نفی التهمة عنهم، وأمّا إذا أقاموها تسقط دعوی التهمة منهم ویعطی الدیة من بیت المال مطلقاً أو إذا کان الإعطاء صلاحاً بنظر الحاکم لئلا یذهب الدم المسلم هدراً نظیر القتیل فی الزحام کما یأتی.

بل إذا عیّن الوارث المدّعی القاتل بعد نکولهما أو بعد قیام البیّنة علی أنّ أحدهما قاتل ففی سماع تعیینه تأمّل حیث إنّه ینافی دعواه السابق بأنّ القاتل أحدهما ولا یدری تعیینه وأن لا یبعد سماعه إذا ادّعی ظهور التعیین له بعد ذلک. ولو شکّ فی أنّ نکولهما أو قیام البیّنة المزبورة یعدّ من اللّوث أم لا لا یبعد الحکم بترتّب حکم اللوث کما هو مقتضی الاطلاق فی مثل موثقة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ اللّه حکم فی دمائکم بغیر ما حکم به فی أموالکم حکم فی أموالکم أنّ البینة علی المدّعی والیمین علی من ادّعی علیه، وحکم فی دمائکم أنّ البیّنة علی المدّعی علیه والیمین علی من ادّعی لئلا یبطل دم امرء مسلم»(1).

ص :168


1- (1) الوسائل: ج 19: الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 4: 115.

مسائل

الأولی: لو ادّعی أنّه قتل مع جماعة لا یعرف عددهم

الأولی: لو ادّعی أنّه قتل مع جماعة لا یعرف عددهم سمعت دعواه[1[ ولا یقضی بالقود ولا بالدیة، لعدم العلم بحصّة المدّعی علیه من الجنایة ویقضی بالصلح حقناً للدم.

الشَرح:

[1] قد یذکر فی المسألة الأولی صورتان:

الأولی: ما إذا ادّعی ولیّ المقتول أنّ زیداً قتل أباه مع جماعة مشترکین فی قتله عمداً لا أعلم عددهم، وظاهر الماتن أنّ فی الصورة لا یجوز لولی المقتول القود حتّی من زید کما لا یجوز أخذ الدیة منه، ولکن یسمع دعواه فیقضی بالصلح مع زید قهراً حقناً للدم.

وکلامه هذا ناظر إلی صورة إثبات القتل علی طبق دعواه، وعلّل عدم تعلّق القود بزید بأنّ من شرط القصاص من أحد الشرکاء قی القتل ردّ المشترکین الفاضل من الدیة إلی أولیائه وهذا غیر ممکن فی الفرض لعدم العلم بعدد الشرکاء.

ولکن لا یخفی ما فیه، فإنّه لم یثبت فی الاشتراک فی القتل أنّ جواز قصاص الولی من بعضهم مشروط بدفع سایر الشرکاء الفاضل من الدیة إلی أولیائه، بل یجوز له القصاص ووجوب إعطاء فاضل الدیة وظیفة المشترکین مع الجانی المقتول قصاصاً، فإذا لم یمکن ردّهم لعدم العلم بعدد الشرکاء یقتصر المعلومون منهم علی المقدار المتقّین أو یجبر علی المصالحة مع أولیاء الجانی المقتول فالصحیح جواز الاقتصاص من زید فی الفرض.

الصورة الثانیة: ما إذا ادّعی ولی المقتول أنّ زیداً مع شرکائه لا یعلم عددهم قتلوا

ص :169

الثانیة: إذا ادّعی القتل ولم یبیّن عمداً أو خطأً

الثانیة: إذا ادّعی القتل ولم یبیّن عمداً أو خطأً الأقرب انّها تسمع[1] ویستفصلها القاضی ولیس ذلک تلقیناً بل تحقیقاً للدعوی، ولو لم یبیّن قیل: طرحت دعواه وسقطت البینة بذلک، إذ لا یمکن الحکم بها، وفیه تردّد.

الشَرح:

أباه خطأً وفی هذا الفرض یحکم الحاکم بالمصالحة بین ولیّ المقتول وزید وسایر المعلومین من الشرکاء، لأنّ أخذ تمام الدیة من زید وشرکائه موقوف علی العلم بعدد الشرکاء، وکذا الحال إذا کانت دعوی الولی القتل بالخطأ المحض فإنّه یحکم بالمصالحة بین ولیّ الدم وعاقلة زید والمعلومین من الشرکاء علی ما تقدّم، وذلک لما علم من اهتمام الشارع بالتحفّظ علی الدم حتّی بناءً علی أنّ مثل هذه الدعوی لا تسمع فی المال.

[1] إذا ادّعی القتل علی أحد ولم یعیّن نوعه من العمد الموجب للقصاص أو الخطأ الموجب للدیة علی الجانی أو عاقلته، تسمع دعواه، فإن احتمل القاضی أنّه لم یبیّن نوعه لمصلحة له فی الاخفاء یستفصله والاستفصال لیس تلقیناً بناءً علی ما تقدّم من أنّه إن لم یفصّل وأثبت دعواه بالبیّنة التی شهدت بمطلق القتل تثبت الدیة علی عاقلته لأصالة عدم التعمّد وعدم قصده الفعل الذی ترتّب علیه القتل اتفاقاً، ولو ادّعی وقوع الفعل منه قصداً ولکن ذکر عدم علمه بقصده القتل أم لا ، یترتّب الدیة علی الجانی لأصالة عدم قصده القتل. وبتعبیر آخر یحکم بضمّ الوجدان المحرز بالبیّنة إلی الأصل بمقتضاها.

لا یقال: إذا ثبت الفعل بالبیّنة أو بالإقرار یحکم بکونه عمدیّاً، لکون الأصل وقوع الفعل عن الفاعل بالقصد.

فإنّه یقال: الأصل الثابت بسیرة العقلاء علی حمل الفعل الصادر عن فاعل بصورة القصد والتعمّد غیر جار فی أمثال المقام ممّا کان التعمّد والخطأ کلّ منهما موضوع

ص :170

الثالثة: لو ادّعی علی شخص القتل منفرداً

الثالثة: لو ادّعی علی شخص القتل منفرداً، ثمّ ادّعی علی آخر لم تسمع الثانیة برّأ الأوّل أو شرّکه لإکذابه نفسه[1] بالدعوی الأولی، وفیه للشیخ قول آخر.

الشَرح:

لحکم خاص، فإنّه لیس بنائهم فیه علی التعمّد والقصد.

نعم لو کان المثبت لدعوی مطلق القتل ثابتاً بإقرار المدّعی علیه تتعلّق الدیة علی الجانی لما یأتی من عدم ثبوت الدیة بإقرار الجانی علی عاقلته بل الاستفصال إذا کان بقصد أن یعیّن المدّعی نوع القتل لا حتمال صدقة وغفلته عن التعیین وأن لا یبطل دم امری ء مسلم فلا بأس، وإن قیل بأنّ مع عدم التعیین بعد ذلک لا تسمع الدعوی ولا تفید البیّنة القائمة بمطلق القتل، ولکن القول بعدم السماع ضعیف کما تقدّم.

بل یمکن أن یقال: إنّ الدعوی إذا کانت مطلق القتل وشهدت البیّنة بالتعمّد أو بالخطأ شبیه العمد أو بالخطأ المحض فتعتبر البیّنة من غیر حاجة إلی ضمّ الأصل ولا یکون عدم التعیین فی الدعوی موجباً لسقوطها عن الاعتبار أخذاً بما دلّ علی ثبوت القود أو الدیة بشهادة رجلین.

[1] علّل عدم سماع الدعوی الثانیة بأنّ الدعوی الأولی تکذیب لها، ومقتضی ذلک عدم سماع الدعوی الأولی ایضاً، فإنّ الثانیة تکذیب للأولی أیضاً ومع احتمال الصدق فی الثانیة، نعم مع إبداء العذر عن الدعوی الأولی لا تبعد سماع الثانیة حفظاً علی الدم من الضیاع.

وحکی عن الشیخ قدس سره أنّه لو أقرّ المدعی علیه فی الدعوی الثانیة بها تسمع ومقتضاه عدم سماع الدعوی الأولی سواء کانت الدعوی فی الثانیة القتل بالانفراد أو بالاشتراک، ولا تکون هی مکذّبة للدعوی الثانیة مع تصدیق المدّعی علیه ولا یبعد أن یستفاد ذلک من صحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام ویأتی نقلها فی ثبوت القتل بالاقرار،

ص :171

الرابعة: لو ادّعی قتل العمد ففسّره بالخطأ

الرابعة: لو ادّعی قتل العمد ففسّره بالخطأ لم تبطل أصل الدعوی[1] وکذا لو ادّعی الخطأ ففسّره بما لیس خطأ. وتثبت الدعوی بالاقرار أو البیّنة أو القسامة، أمّا الإقرار فیکفی المرّة[2] وبعض الأصحاب یشترط الإقرار مرّتین،

الشَرح:

فإنّ الاقرار إذا کان بلا دعوی علی المقرّ ومع الشهود علی خلافه نافذ فمع عدمهم علی الخلاف والدعوی علیه نافذ بالأولویة.

[1] بل تکون دعواه القتل خطأً إذا کان ممن یحتمل عدم معرفته، بمعنی العمد والخطاء کما قیل انّ الغالب علی الناس عدم المعرفة، وکذلک الحال إذا ادّعی القتل خطأً ثمّ فسّره بالعمد، وإلاّ فلا تسمع الدعوی الأولی ولا الثانیة، لأنّ کلّ منهما مکذّبة للأخری کما تقدّم، ولم یظهر وجه صحیح للتفرقة بین هذه المسألة والسابقة فی الصورة التی أشرنا إلیها فی السابقة من إمکان کون الدعوی الأولی ناشئة عن الاشتباه وإبدائه العذر المحتمل فی حقّه.

الإقرار

[2] علی المشهور بین المتأخرین، وقد اعتبر جماعة من المتقدّمین _ کالشیخ وابنی ادریس والبراج والطبرسی _ المرّتین، وکأنّ الوجه فی الاعتبار الاحتیاط فی الدماء وکون کلّ إقرار شهادة واحدة، وقد تقدّم فی بحث الحدود أنّه لا مورد للاحتیاط إذا قام الدلیل علی النفوذ بالمرّة الواحدة، وکون الإقرار مرّة بمنزلة شهادة واحدة وارد فی ثبوت الزنا ونحوه، فیؤخذ فی المقام بما دلّ علی نفوذه ولو کان بمرّة واحدة، وقد یقال: إنّ دعوی القتل لیس بأدون من ثبوت السرقة فإنّه یعتبر فی ثبوت القتل بالإقرار کونه بمرّتین کالسرقة.

البینة

وفیه أنّه: إن قلنا باعتبار التعدّد فی ثبوت السرقة فلا یتعدّی إلی غیرها وإلاّ فیمکن أن یقال: إنّ القتل عمداً لیس أدون من الزنا فیعتبر فی ثبوته کالزنا الإقرار بأربع مرّات.

وعلی الجملة، مقتضی الاطلاق نفوذ الاقرار بالقتل، ولو کان بمرّة واحدة

ص :172

.··· . ··· .

الشَرح:

کقوله علیه السلام فی صحیحة الفضیل بعد بیان نفوذ الإقرار مرّة واحدة فی الحدود التی من حقوق اللّه بمعنی أنّ الحاکم یجری الحدّ علی المقرّ بخلاف حقّ الناس، فإنّه لا یجری علیه الحدّ بالإقرار إلاّ بعد مطالبة ذوی الحقّ: «وأمّا حقوق المسلمین، فإذا أقرّ علی نفسه عند الإمام بفریة لم یحدّه حتّی یحضر صاحب الفریة أو ولیّه وإذا أقرّ بقتل رجل لم یقتله حتّی یحضر أولیاء المقتول فیطالبوا بدم صاحبهم»(1). بل دعوی أنّ ظاهر الصحیحة نفوذ الإقرار بمرّة غایة الأمر ما کان من حقوق الناس یحتاج إلی مطالبة ذی الحقّ أو ولیّه فی الاستیفاء بخلاف ما لم یکن فی حقوق الناس.

وربّما یستدلّ علی ذلک أیضاً بصحیحة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «سألته عن رجل قتل فحمل إلی الوالی وجاءه قوم فشهد علیه الشهود أنّه قتل عمداً فدفع الوالی القاتل إلی أولیاء المقتول لیقاد به، فلم یریموا حتّی أتاهم رجل فأقرّ عند الوالی أنّه قتل صاحبهم عمداً وأنّ هذا الرجل الذی شهد علیه الشهود بریء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به وخذونی بدمه، قال: فقال أبو جعفر علیه السلام : إن أراد أولیاء المقتول أن یقتلوا الذی أقرّ علی نفسه فلیقتلوه ولا سبیل لهم إلی الآخر» الحدیث(2).

فإنّها واردة فی بیان تعیین شهود القاتل فی شخص وإقرار الآخر بکونه القاتل، ولو کان إقراره بمرّة واحدة.

ونظیرها مرسلة علی بن إبراهیم عن بعض أصحابنا رفعه إلی أبی عبداللّه علیه السلام قال: «أتی أمیر المؤمنین برجل وجد فی خربة وبیده سکّین ملطّخ بالدم وإذا رجل مذبوح یتشحّط فی دمه فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به

ص :173


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحدیث 1: 344.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 5 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 108.

ویعتبر فی المقرّ: البلوغ وکمال العقل والاختیار والحرّیة[1].

الشَرح:

فأقیدوه به»(1). ورواها فی الوسائل عن الصدوق قدس سره بإسناده إلی قضایا أمیر المؤمنین ولکّنها فی الفقیه روایة مرسلة فراجع.

[1] اعتبار کون المقرّ بالغاً عاقلاً وکونه غیر مکره ظاهر تقدّم الکلام فیه فی ثبوت موجب الحدّ ویقتضیة رفع القلم عن الصبی والمجنون والمکره علیه.

وأمّا اعتبار الحرّیة ففیه تفضیل وهو أنّه إذا اعترف العبد بشیء من مال أو جنایة فإن کان بتصدیق مولاه نفذ فإنّ الحقّ لا یعدوهما وعدم سماع اعترافه لحقّ مولاه والمفروض أنّه معترف، وأمّا إذا لم یصدّقة مولاه فإن کان إقراره بمال فلا یبعد نفوذ إقراره به، فیؤخذ بالمال علی تقدیر عتقه، وإن کان جنایة موجبة للقصاص فإن أمکن القصاص بعد انعتاقه یقتصّ منه وإلاّ أخذ منه الدیة.

لا یقال: یحتمل أن لا یکون لإقرار العبد أثر إلاّ إذا بقی علی اعترافه بعد انعتاقه لا حتمال دخالة رقّیته فی إقدامه علی اعترافه السابق ولو کان اعترافه السابق مقارناً لتصدیق مولاه ینفذ اعتراف مولاه بالإضافة إلیه لا إلی العبد، فیجوز لأولیاء المقتول استرقاقه لا القصاص ولا یبعد أن یستظهر عدم السماع من صحیحة الفضیل بن یسار قال: سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: «إذا أقرّ المملوک علی نفسه بالسرقة لم یقطع وإن شهد علیه شاهدان قطع»(2)، فإنّها مطلقة من حیث تصدیق مولاه وعدم تصدیقه.

نعم، یظهر من روایة الوابشی أنّ عدم سماع إقرار العبد لکونه إقراراً علی مولاه وإذا اعترف مولاه بجنایة الموجبة للقصاص أو ضمان المال نفذ، قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم ادّعوا علی عبد جنایة تحیط برقبته فأقرّ العبد بها قال: لایجوز

ص :174


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 4 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 107.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 35 من أبواب حد السرقة، الحدیث 1: 532.

.··· . ··· .

الشَرح:

إقرار العبد علی سیده فإن أقاموا البیّنة علی ما ادّعوا علی العبد أخذ بها العبد أو یفتدیه مولاه»(1).

فإنّه یقال: لا وجه للاحتمال المزبور، فإنّ الظاهر من عدم سماع إقرار العبد بمناسبة الحکم والموضوع رعایة حقّ مولاه، فإذا اعترف مولاه به نفذ کما هو ظاهر روایة أبی محمد الوابشی، والعمدة ما ذکرنا. والروایة وإن کانت کالصریحة فیه إلاّ أنّ لضعفها لا تصلح إلاّ للتأیید.

لا یقال: مقتضی صحیحة الفضیل الأخری سماع إقرار العبد ولو کان مع إنکار سیّده فضلاً عن عدم تصدیقه فإنّه قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: من أقرّ علی نفسه عند الإمام بحقّ من حدود اللّه مرّة واحدة حرّاً کان أو عبداً أو حرّة کانت أم أمة، فعلی الأمام أن یقیم الحدّ علیه للذی أقرّ به علی نفسه کائناً من کان، إلاّ الزانی المحصن فإنّه لا یرجمه حتّی یشهد علیه أربعة شهداء، فإذا شهدوا ضربه الحدّ مأة جلدة ثمّ یرجمه»(2).

فإنّه یقال: هذه الصحیحة معرض عنها فی کلا الحکمین فی نفوذ إقرار العبد والأمة وعدم سماع الإقرار الزانی المحصن وأنّ اللازم فی ثبوت الزنا من شهد أربعة شهود فلا تصلح لرفع الید بها عمّا تقدّم.

والظاهر أنّ العبد إذا کان رهناً فلا یسمع إقراره بالجنایة علی الغیر سواء کان إقراره بما یوجب القصاص أو الدیة، إلاّ إذا صدّقه المرتهن أیضاً ولایکفی تصدیق مولاه، حیث إنّ جنایة العبد تکون فی رقبته، فیکون إقراره إقراراً علی المرتهن. نعم لا بأس

ص :175


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 121.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 32 من أبواب مقدمات الحدود، الحدیث 1: 342.

أمّا المحجور علیه لفلسٍ أو سفهٍ فیقبل إقراره بالعمد[1] ویستوفی منه القصاص، وأمّا بالخطأ فتثبت دیته ولکن لا یشارک الغرماء، ولو أقرّ واحد بقتله عمداً وآخر بقتله خطأً تخیّر الولی تصدیق أحدهما ولیس له علی الآخر سبیل[2].

الشَرح:

بإقرار العبد إذا کان أجیراً خاصّاً فإنّ المستأجر لا یملک إلاّ العمل الذی یکون بذمة العبد فمع ثبوت جنایته بإقراره والاقتصاص منه تبطل إجارته.

[1] وذلک فإنّ المحجور علیه لسفه أو فلس یکون حجره بالإضافة إلی أمواله والإقرار بالجنایة الموجبة للقصاص لیس تصرّفاً فیها، هذا بالإضافة إلی المحجور علیه لسفاهته، وأمّا إذا کان للفلس فیسمع إقراره بالجنایة خطأً أیضاً، وإذا صدّقه الغرماء یشارکهم مع تصدیقهم. وأمّا مع عدم تصدیقهم یثبت المال علی ذمّته ولا یشارکهم أولیاء المقتول فی أمواله لما ذکرنا من أنّ الحجر علیه بالأضافة إلی تلک الأموال بلا فرق بین أن یسند الموجب للدیة إلی ما قبل الحجر علیه أم إلی ما بعده ولا یقاس بإقراره بالدین علی الغیر قبل الحجر علیه ولا بالبیّنة علی الموجب السابق قبل الحجر علیه.

[2] والوجه فی ذلک نفوذ إقرار کلّ منهما علی نفسه، فللولیّ أن یأخذ أیّاً منهما علی إقراره حیث إنّ إقراره کلّ منهما بالقتل بانفراده ولا یجوز له الأخذ بکلیهما، فإنّه من الأخذ بما یعلم بعدم الحقّ کذلک، ویدلّ علی ذلک روایة الحسن بن صالح قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل وجد مقتولاً فجاء رجلان إلی ولیّه فقال أحدهما: أنا قتلته عمداً، وقال الآخر: أنا قتلته خطأً، فقال: إن هو أخذ صاحب العمد فلیس له علی صاحب الخطأ سبیل، وإن أخذ بقول صاحب الخطأ فلیس له علی صاحب العمد سبیل»(1).

ص :176


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 3 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 1: 106.

ولو أقرّ بقتله عمداً فأقرّ آخر أنّه هو الذی قتله ورجع الأول، دریء عنهما القصاص والدیة[1] وودی المقتول من بیت المال وهی قضیة الحسن علیه السلام .

الشَرح:

والروایة ضعیفة سنداً بحسن بن صالح الثوری فإنّه زیدی بتریّ متروک العمل بما یختصّ بروایته صالحة للتأیید.

ودعوی أنّ الراوی عنه الحسن بن محبوب وهو من أصحاب الإجماع أو انّ ابن الولید لم یستثن الحسن بن صالح من رجال نوادر الحکمة وعدم استثنائه دلیل علی وثاقته لا یمکن المساعدة علیها، لأنّ دعوی کون الحسن بن محبوب من أصحاب الإجماع، ککون غیره منهم لا یکون توثیقاً للرواة فی السند من قبله، وحسن بن صالح الذی لم یستثنه القمّیون من رجال نوادر الحکمة غیر هذا الحسن فإنّ هذا من رجال الصادق والباقر علیهماالسلام ، وهو ممّن روی عنه فی نوادر الحکمة، یعنی الحسن بن صالح بن محمد الهمدانی واختلط أحدهما بالآخر فی کلام بعضهم، فراجع.

[1] المشهور بین أصحابنا قدیماً وحدیثاً أنّه لو أقرّ شخص بقتل الآخر عمداً وأقرّ شخص آخر أنّه هو الذی قتله دون المقرّ أوّلاً، ورجع المقرّ الأول أیضاً عن إقراره سقط القصاص والدیة عن کلّ من المقرّین وودی المقتول من بیت المال.

ومقتضی ما تقدّم فی السابق علی ذلک أنّه لا اعتبار برجوع الأوّل عن إقراره وأنّ أولیاء الدم یتخیّرون فی القصاص من أیّ المقرّین مع احتمال صدور القتل من کلّ منهما أخذاً بأیّ من الاقرارین.

ولکن ذکروا أنّه یرفع الید عن ذلک بروایة علی بن إبراهیم عن أبیه عن بعض أصحابنا رفعه إلی أبی عبداللّه علیه السلام قال: «أتی أمیر المؤمنین علیه السلام برجل وجد فی خربة وبیده سکّین ملطّخ بالدم، وإذا برجل مذبوح یتشحطّ فی دمه، فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : ما تقول؟ قال: أنا قتلته، قال: اذهبوا به فأقیدوه به، فلما ذهبوا به أقبل

ص :177

وأمّا البینة فلا یثبت ما یجب به القصاص إلاّ بشاهدین ولا یثبت بشاهد وأمرأتین[1]، وقیل تثبت به الدیة وهو شاذ، ولا بشاهد ویمین، ویثبت بذلک ما یُوجب الدیة کقتل الخطأ والهاشمة والمنقّلة وکسر العظام والجائفة.

الشَرح:

رجل مسرع . . . إلی أن قال: فقال أنا قتلته، فقال أمیر المؤمنین للأول: ما حملک علی إقرارک علی نفسک؟ فقال: وما کنت أستطیع أن أقول وقد شهد علیّ أمثال هؤلاء الرجال وأخذونی وبیدی سکّین ملطّخ بالدم، والرجل یتشحّط فی دمه وأنا قائم علیه خفت الضرب فأقررت وأنا رجل کنت ذبحت بحنب هذه الخربة شاة وأخذنی البول فدخلت الخربة فرأیت الرجل متشحّطاً فی دمه فقمت متعجّباً فدخل علیّ هؤلاء فأخذونی، فقال أمیر المؤمنین علیه السلام : خذوا هذین فاذهبوا بهما إلی الحسن وقولوا له ما الحکم فیهما، قال: فذهبوا إلی الحسن وقصّوا علیه قصّتهما، فقال الحسن علیه السلام : قولوا لأمیر المؤمنین علیه السلام ان کان هذا ذبح ذاک فقد احیی هذا وقد قال اللّه عز وجل: «ومن أحیاها فکأنّما أحیا الناس جمیعاً» یخلاّ عنهما وتخرج دیة المذبوح من بیت المال»(1).

ولکن الروایة واردة فی مورد خاصّ وفی سندها إرسال ورفع وعمل الأصحاب بها لا یدفع احتمال الحکم بصورة معلومیة صدق المقرّ الثانی کما یقتضیة الجواب «إن کان هذا ذبح ذاک فقد أحیی هذا» فسرایة الحکم إلی صورة احتمال الاقرار من کلّ منهما غیر ممکن لو لم یکن العمل بأصل الروایة مشکلاً.

هذا مع رجوع الأوّل عن إقراره علی ما ذکروا، ومع معلومیة الکذب فی إقراره علی ما ذکرنا وإلاّ یتخیّر أولیاء المقتول کما یقتضیه ما تقدّم فی المسألة السابقة.

[1] قد ذکرنا فی بحث الشهادات أنّ الأخبار الواردة فی ثبوت القتل بشهادة

ص :178


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 107.

.··· . ··· .

الشَرح:

النساء علی طوائف ثلاث:

منهما: ما یدلّ علی قبول شهادتین فی القتل، کصحیحة جمیل بن دراج ومحمد بن حمران عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قلنا: أتجوز شهادة النساء فی الحدود؟ فقال: فی القتل وحده انّ علیّاً علیه السلام کان یقول لا یبطل دم امری ء مسلم»(1).

ومنها: ما تدلّ علی عدم ثبوت القتل بشهادتینّ کصحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا شهد ثلاثة رجال وامرأتان لم یجز فی الرجم ولا تجوز شهادة النساء فی القتل»(2).

وطائفة ثالثة: تدلّ علی عدم ثبوت القود بشهادتهنّ کمعتبرة غیاث بن إبراهیم عن جعفر بن محمد عن أبیه عن علی علیه السلام قال: «لاتجوز شهادة النساء فی الحدود ولا فی القود»(3).

وقلنا بأنّ مقتضی الجمع بین الأخبار الالتزام بعدم ثبوت القصاص بشهادة النساء منفردات أو منضمّات کشهادة رجل وامرأتین، فیحمل الدالّة علی عدم قبول شهادتهنّ علی عدم ثبوت القصاص بشهادتهنّ وأنّه لو شهدن منفردات أو منضمّات بموجب القصاص یثبت الدیة خاصة کما یقتضیه التعلیل فی صحیحة جمیل ومحمد بن حمران فإنّ مقتضی عدم ذهاب دم المسلم هدراً أنّه لم یثبت القصاص بل انتقل إلی الدیة بل قلنا إنّه إذا شهدت امرأة واحدة بالقتل ولو عمداً ثبت ربع الدیة علی المشهود علیه کما یدل علی ذلک صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قضی

ص :179


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحدیث 1: 258.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحدیث 28: 264.
3- (3) الوسائل: ج 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحدیث 29: 254.

.··· . ··· .

الشَرح:

أمیر المؤمنین علیه السلام فی غلام شهدت علیه امرأة أنّه دفع غلاماً فی بئر فقتله فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(1).

ویدلّ علی ذلک أیضاً روایة عبداللّه بن الحکم قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة شهدت علی رجل أنّه دفع صبیّاً فی بئر فمات قال: علی الرجل ربع دیة الصبی بشهادة المرأة»(2).

وقد ظهر مما ذکرنا أنّ ما ذکر الماتن قدس سره من نسبة القول الذی ذکره الشیخ وجماعة إلی الشذوذ وعدم الرضا به ضعیف.

لا یقال: علی ذلک لو شهد رجل واحد علی القتل عمداً یثبت به نصف الدیة أخذاً بما دلّ علی عدم ذهاب دم امرء مسلم هدراً، ولفحوی صحیحة محمد بن قیس.

فإنّه یقال: التعلیل المزبور وارد فی قبول شهادة النساء فی القتل مع ورود أنّه لا یثبت القود بشهادتهنّ ولم یثبت قبول شهادة رجل واحد علی القتل عمداً من غیر ضمّ شهادة رجل آخر أو شهادة النساء لیحمل علیه ثبوت الدیة وما ورد فی صحیحة محمد بن قیس مورده شهادة المرأة الواحدة وقبول شهادتها فی ربع الدیة حکم علی خلاف القاعدة لا یمکن التعدّی عن موردها وما هو المفروض فیها.

ثمّ انّه ذکر الماتن قدس سره أنّه یثبت بشهادة رجل وامرأتین وکذا بشهادة رجل ویمین المدّعی، ما یکون موضوعاً لثبوت الدیة علی الجانی أو عاقلته کالشهادة بالقتل خطأً أو بالجرح الذی لا یثبت فیه إلاّ الدیة، وکذا الشهادة بکسر العظام، وتدخل فیه الهاشمة

ص :180


1- (1) الوسائل: ج 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحدیث 26: 263.
2- (2) الوسائل: ج 18، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحدیث 23: 265.

ولا تقبل الشهادة إلاّ صافیة عن الاحتمال[1] کقوله: ضربه بالسیف فمات، أو فقتله أو فأنهر دمه فمات فی حاله، أو فلم یزل مریضاً منها حتی مات وإن طالت المدة، ولو أنکر المدّعی علیه ما شهدت به البیّنة لم یلتفت إلی الشَرح:

والمنقّلة أیضاً. ویعلّل ذلک کما فی الجواهر(1) وغیره بأنّه یثبت بکلّ منهما المال الذی منه الدیة.

أقول: قد ذکرنا فی بحث القضاء والشهادات أنّه یثبت بشهادة رجل ویمین المدّعی الدّین، وهو المال الثابت علی الذمة وغیره من المعین وسایر حقوق الناس والقصاص أیضاً من حقوق الناس إلاّ أنّه ذکرنا فی ذلک البحث أنّه یرفع الید عن الاطلاق فی مورد قیام الدلیل علی خلافه، وهو کذلک بالإضافة إلی القصاص مطلقاً لو لم نقل بقیام الدلیل عل خلافه فی دعوی القتل ولو کان القتل خطأً علی ما یأتی.

[1] وقد یقال: یعتبر فی الشهادة علی القتل أن یکون کلام الشاهد صریحاً فی استناد القتل إلی الجانی، کقوله: ضربه بالسیف فمات بالضربة، أو أنهر دمه فمات فی الحال، أو ضربه بالسیف فلم یزل مریضاً حتّی مات من ذلک.

ولکن لا یخفی أنّه إذا کان لکلام الشاهد ظهور فی إسناد القتل إلی الجانی یکفی ذلک الظهور فی سماع الشهادة، لاعتبار الظواهر، ولذا لو اعترف الجانی بالقتل بمثل ذلک الکلام یؤخذ بإقراره کما لو قال ضربته فمات، وإذا کان ذلک إقراراًبالقتل یکون الأمر فی الشاهد أیضاً کذلک.

ص :181


1- (1) جواهر الکلام: 42/209.

إنکاره[1]، وإن صدّقها وادّعی الموت بغیر الجنایة کان القول قوله مع یمینه.

وکذا الحکم فی الجراح، فإنّه لو قال الشاهد: ضربه فأوضحه، قُبل[2]، الشَرح:

[1] إذا شهدت البیّنة أنّ فلاناً قتل زیداً وأنکر المشهود علیه أنّه قتله لم یلتفت إلی إنکاره، فإنّ البیّنة حجّة علی المدّعی علیه منکراً کان أم لا.

وإذ شهدت بالفعل القاتل عادةً دون القتل وصدّقه المدّعی علیه ولکن ادّعی أنّه لم یقتل والقتل وقع بغیر ذلک الفعل، کان القول قوله إذا احتمل صدقه، ولا یبعد أن یکون الشهادة علی الفعل غیر القاتل أیضاً کذلک حتّی إذا لم یعترف المشهود علیه بقتله فإنّ المفروض انّ الشهادة لم تقع علی القتل وإنّما وقعت علی الفعل، وقد تقدّم أنّه یعتبر فی سماع الشهادة من الشاهد إسناد القتل إلی المشهود علیه، ویمکن دعوی أنّ المورد مع البیّنة المزبورة یکون من موارد اللوث فیترتّب علیه الحکم فی موارده.

[2] وذکر الماتن قدس سره انّ السماع وعدمه فی الشهادة علی الجروح أیضاً، کذلک فیثبت الجرح الموجب للقصاص إذا کانت الشهادة صافیة خالیة عن الاحتمال، فإن قال الشاهد: ضربه فأوضحه، یثبت الشهادة علی الموضحة، وأمّا لو قال: اختصما ثمّ افترقا وهو مجروح أو ضربه فوجدناه مشجوجاً لم یقبل، لا حتمال أن یکون سبب الجرح والشجاج أمراً آخر. ومن هذا القبیل لو قال: ضربه فجری دمه، حیث إنّ الشهادة خالیة عن إسناد سیلان الدم إلی الضارب بخلاف ما لو قال: ضربه فأجری دمه، فإنّه تقبل وتثبت الدامیة، ولو قال: أسال دمه فمات، تثبت الدامیة ولا یثبت القتل.

أقول: قد تقدّم منه قدس سره أنّه إذا شهدت البیّنة علی أنّه ضربه بالسیف فمات یثبت القتل، فالفرق بینه وبین الشهادة علی أنّه أسال دمه فمات فیه تأمّل ظاهر.

ص :182

ولو قال: اختصما ثمّ افترقا وهو مجروح او ضربه فوجدناه مشجوجاً، لم یُقبل، لاحتمال أن یکون من غیره، وکذا لو قال: فجری دمه. وأمّا لو قال: فأجری دمه قُبلت، ولو قال: أسال دمه فمات، قُبلت فی الدامیة دون ما زاد، ولو قال: أوضحه فوجدنا فیه موضحتین سقط القصاص[1]، لتعذّرالمسافات فی الاستیفاء ویرجع الشَرح:

وأمّا أصل الحکم، فقد ذکرنا المتّبع فی الشهادة ظهور الکلام ولا یعتبر الصراحة بالمعنی المتقدّم بلا فرق بین الشهادة بالقتل أو الشهادة بالجرح.

[1] وهذا أیضاً متفرّع علی اعتبار کون الشهادة صافیة فإنّه لو قال: ضربه فأوضحه ووجدنا فیه موضحتین لعدم تعیین الموضحة التی بفعل الشهود علیه سقط القصاص لأنّه یعتبر فی القصاص فی الجرح المماثلة من حیث المساحة والمحلّ، ویتعذّر ذلک مع تعدّد الموضحتین، مع العلم أو الاحتمال بکون أحدهما بفعل المشهود علیه وینتقل الأمر إلی الدیة، لعدم اختلاف الدیة فی الموضحة واحتمال أن یکون القصاص بأقلّهما ضعیف، لأنّ الاستیفاء یعتبر فیه المماثلة من حیث موضع الجنایة مع موضع القصاص.

وکذا فیما إذا شهدت البیّنة علی الجنایة فی عضوه بأن قال: قطع یده فوجدناه مقطوع الیدین، فإنّه مع عدم الیقین لا یمکن القصاص المعتبر فیه المماثلة، لمثل قوله تعالی: «فمن اعتدی علیکم فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم».

وکلّ موضع امتنع فیه القصاص من الجانی ینتقل فیه الأمر إلی الدیة.

وعلی الجملة، البیّنة لا تثبت القصاص إلاّ أن تشهد علی عین الجنایة مع وجدان المتعدّد بأن یقول هذه الموضحة أو هذه الشجّة أو هذه الید قطعها فلان، وهکذا.

ص :183

إلی الدیة، وربّما خطر الاقتصاص بأقلّهما، وفیه ضعف، لأنّه استیفاء فی محل لا یتحقق توجّه القصاص فیه. وکذا لو قال قطع یده ووجد مقطوع الیدین[1]. ولا یکفی قوله: فأوضحه ولا شجّه، حتّی یقول: هذه الموضحة أو هذه الشجّة، لاحتمال غیرها أکبر أو أصغر، ویشترط فیهما التوارد علی الوصف الواحد.

الشَرح:

[1] ذکر قدس سره أنّه یعتبر فی سماع الشهادة أن لا تختلف فی شهادتهما فی وصف الجنایة، کأنّ شهد أحدهما بالقتل بالسیف، والآخر بالقتل بالسکّین، أو شهد أحدهما بالقتل لیلاً والآخر بالقتل نهاراً، أو شهد أحدهما أنّه قتله فی مکان کذا، وشهد الآخر أنّه قتله فی مکان آخر، فلا یثبت القتل بمثل هذه الشهادة، لأنّ المعتبر فی الشهادة أن یکون المخبر به فی إخبار أحدهما هی الواقعة المخبر بها فی شهادة الآخر ولم یتحقّق ذلک فی الفرض.

وهل یکون المورد مع عدم توارد الشاهدین علی وصف واحد من موارد اللوث کما عن الشیخ قدس سره فی المبسوط لا تّفاقهما علی حصول القتل واتّفاقهما علی صدور الجنایة من ا لمشهود علیه أم لا؟

الأظهر عدم ثبوت اللوث، لأنّ الشهادة من عدل واحد تعدّ لوثاً إذا لم تتعارض مع شهادة الآخر، نظیر ما إذا شهد أحدهما بصدور القتل من المدّعی علیه والآخر بأنّه أقرّ بجنایته وأنّه قاتله، لأنّ هذا المفروض خال عن التکاذب بین الشهادتین.

أقول: قد ذکرنا فی بحث الشهادات أنّه إذا اتّفق الشاهدان فی الشهادة والحضور فی واقعة واحدة بأن قال أحدهما: أنا وصاحبی رأینا أنّ فلاناً قتل المقتول فی مکان کذا، وقال الآخر أیضاً هذا الکلام، ولکن قال أحدهما أنّه کان یوم الجمعة، وقال الآخر: أنت مشتبه کان یوم السبت، أو قال أحدهما: أنا وصاحبی کنّا حاضرین عند ما قتل هذا فلاناً،

ص :184

فلو شهد أحدهما أنّه قتله غدوةً، والآخر عشیةً، أو بالسکّین، والآخر بالسیف، أو القتل فی مکان معیّن والآخر فی غیره، لم یقبل، وهل یکون ذلک لوثاً؟ قال فی المبسوط: نعم، وفیه إشکال، لتکاذبهما. أمّا لو شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالمشاهدة لم یثبت وکان لوثاً، لعدم التکاذب.

وهنا مسائل:

الاولی: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل

الاولی: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقاً، وشهد الأخر بالإقرار عمداً ثبت القتل[1] وکلّف المدّعی علیه البیان، فإن أنکر القتل لم یقبل منه، لأنّه إکذاب

الشَرح:

وقال الآخر أیضاً کذلک، ولکن وصف أحدهما مکان القتل بأنّه کان القتل بأزاء بیت فلان، وقال الآخر: أنت مشتبه کان بأزاء بیت شخص آخر، ونحو ذلک مما یرجع إلی تخطئة کلّ منهما الآخر فی خصوصیات الواقعة ونسیانها مع اتفاقهما فی الشهادة بواقعة خارجیة واحدة، فهذا المقدار یکفی فی الشهادة ولو لم یکن هذا کافیاً فی الدم، فلا أقلّ من أنّه من موارد اللوث.

[1] وذلک لأنّ شهادة الشاهدین لیست بنفس القتل بل علی الإقرار بصدور القتل، فیمکن أن یقرّ عند أحدهما بالقتل من غیر توصیف، وعند الآخر بالقتل عمداً أو سمع أحدهما التوصیف ولم یسمع الآخر.

وعلیه فإن بیّن المدّعی علیه بعد تکلیفه بالبیان أنّه کان عمداً وصدقّه الولی، أو قال: کان خطأً مع تصدیق الولی فلا خفاء فی الحکم.

وأمّا إذا أنکر القتل، فلا یسمع منه الإنکار، لأنّه تکذیب للبیّنة، وإن نفی العمد، فإن ادّعی الولی خلافه فعلیه الإثبات. وظاهر کلام الماتن وغیره أنّ شهادة الشاهد الواحد بإقرار الجانی بالقتل عمداً لا یوجب اللوث الموجب لثبوت القتل عمداً مع إنکار المشهود علیه العمد وإقراره بالخطأ فلا یثبت دعواه العمد بالقسامة، ولذا لو أقام

ص :185

للبیّنة، وإن قال: عمداً قُبل، وإن قال: خطأً وصدّقه الولی فلا بحث وإلاّ فالقول قول الجانی مع یمینه، ولو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمداً والآخر بالقتل المطلق وأنکر القاتل العمد وادّعاه الولی کانت شهادة الواحد لوثاً ویثبت الولیّ دعواه بالقسامة إن شاء.

الشَرح:

المدّعی فی الفرض البیّنة علی عمده فهو، وإلاّ یحلف الجانی علی عدم العمد ویثبت القتل خطأً، ولکن یتحملّها الجانی لما تقدّم من أنّ إقرار الجانی بالقتل خطأً لا یوجب الدیة علی العاقلة، بل تکون الدیة علیه کما أنّ ظاهره أنّه لو لم یحلف الجانی علی عدم القتل عمداً وردّ الیمین علی الولی بردّه أو بنکوله وحلف الولی علی تعمّده ثبت القصاص، وهذا بخلاف ما إذا شهد أحدهما بالقتل عمداً والآخر بالقتل المطلق، وأنکر الجانی القتل عمداً وکان الولی مدّعیاً التعمّد فإنّه تحسب شهادة الواحد حیث لا ینکرها الآخر لوثاً، فعلی الولی المدّعی للتعمّد إثباته بالقسامة إن شاء.

أقول: قد تقدّم أنّه لا تتحقّق البیّنة علی أمر معیّن خارجی إلاّ بإخبار کلّ من الشاهدین بذلک الأمر بعینه، وإذا أخبر أحدهما بأمر معیّن والآخر بأمر معیّن آخر وکان الأمران مشترکان فی العنوان الموضوع لا یثبت ذلک الموضوع بالبیّنة.

وعلیه، فإذا أخبر أحد الشاهدین أنّ فلاناً أقرّ عندی أنّه قتل زیداً عمداً وأخبر الآخر أنّه أقرّ عندی بقتل زید من غیر توصیف بالعمد، فلا یثبت شیء من الإقرارین بالبیّنة.

وإطلاق کلام الماتن کغیره من ثبوت القتل بذلک، فإن أنکر قتله فلا یقبل، لأنّه تکذیب بالبیّنة لا یمکن المساعدة علیه، فإنّ البیّنة لم تقم علی القتل ولا إقرار معیّن.

نعم لو أخبر بإقرار معیّن واحد، وقال أحدهما أنّه وصف قتله زیداً بالعمد، وقال الآخر ما وصفه فیه بالعمد أو ما سمعت التوصیف بالعمد ثبت الإقرار بالقتل بالبیّنة.

ص :186

الثانیة: لو شهدا بقتل علی اثنین

الثانیة: لو شهدا بقتل علی اثنین

الثانیة: لو شهدا بقتل علی اثنین فشهد المشهود علیهما علی الشاهدین أنّهما هما القاتلان علی وجه لا یتحقّق معه التبرّع، أو إن تحقّق لا یقتضی إسقاط الشهادة، فإن صدّق الولی الأوّلین حکم له [1] وطرحت شهادة الآخرین، وإن صدّق الجمیع أو صدّق الآخرین سقط الجمیع.

الشَرح:

وأیضاً ما ذکروا من انحصار حصول اللوث علی ما إذا أخبر أحدهما بالقتل عمداً والآخر بمطلق القتل ولا یحصل بإخبار أحدهما بإقراره بالقتل عمداً وإخبار الآخر بإقراره بمطلق القتل لا یمکن المساعدة علیه سواء قلنا بعدم ثبوت الاقرار بالقتل بالاخبار بالإقرارین من الشاهدین کما فی إخبار أحدهما بإقرار وإخبار الآخر بإقرار آخر، أو قلنا بالثبوت کما تقدّم فذلک المورد أیضاً من موارد اللوث، إلاّ أن یثبت تسالم علی خلاف ذلک وانّ موارد الإخبار بالإقرار لا یدخل فی اللوث، سیأتی التکلّم فیه إن شاء اللّه تعالی.

[1] للمسألة فرضان:

الأوّل: أن یدّعی أولیاء المقتول علی اثنین أنّهما قتلا مورثّهم وأقاموا البیّنة علی دعواهم، وبعد ما شهدت البیّنة علی دعواهم أو قبل شهادتهما، شهد الاثنان علی أنّ البیّنة هما اللذان قتلا مورثّهم، وفی مثل ذلک لا یسمع شهادة المدّعی علیهما، لأنّهما متّهمان بدعوی المدّعی بدفع الضرر عنهما، وتسمع البیّنة التی شهدت علی الدعوی.

نعم، لو صدّقهما المدّعی بعد شهادتهما أو صدّق الجمیع، تسقط الدعوی، لأنّ دعواه أوّلاً تکذیب لتصدیقه وتصدیقه تکذیب لدعواه.

والثانی: إذا شهدت البیّنة حسبةً علی اثنین أنّهما قتلا فلاناً وقلنا بسماع الشهادة حسبةً فی المقام وشهد الاثنان علی أنّ الشاهدین هما قتلاه.

فظاهر الماتن قدس سره انّ الحکم فی هذا الفرض أیضاً کما فی فرض سبق دعوی الولی.

ص :187

الثالثة: لو شهدا لمن یرثانه

الثالثة: لو شهدا لمن یرثانه[1] أنّ زیداً جرحه بعد الاندمال قبلت ولا تقبل قبله، لتحقق التهمة علی تردّد، ولو اندمل بعد الاقامة فأعادت الشهادة قبلت، لانتفاء التهمة، ولو شهدا لمن یرثانه وهو مریض قبلت، والفرق أنّ الدیة یستحقّانها ابتداءاً وفی الثانیة یستحقّانها من ملک المیّت.

الشَرح:

وفیه تأمّل ظاهر، فإنّ مجرّد السبق فی الشهادة لا یوجب التهمة فی البیّنة الأخیرة، ولذا یقال إنّه إن صدّق الولی إحدی البیّنتین تعلّق بالأخری القصاص، وإلاّ یکون مخیراً فی القصاص من أیّ منهما.

ففیه أیضاً انّ الفرض غیر منصوص وقیاسه بالشهادة وبالإقرار من غیر المشهود علیه لیس من مذهبنا، ولا یبعد أن ینتقل الأمر بأخذ الدیة، لعدم إمکان القود من الجمیع ولا من أیّ من البیّنتین، واللّه سبحانه هو العالم.

[1] ذکر قدس سره أنّه إذا شهد الشاهدان لمن یرثانه أنّ فلاناً جرحه بجراحة .کانت شهادتهما بعد اندمال جرحه وعدم سرایته إلی نفسه قبلت شهادتهما بخلاف ما إذا کان قبل الاندمال مع احتمال السرایة، فإنّه لا تقبل شهادتهما حیث تتحقّق فی شهادتهما التهمه. نعم إذا اندمل الجرح ولم یسر إلی النفس فأعاد الشهداة قبلت، لانتفاء التهمة.

ولا یبعد أن یقال: إذا شهدا لمن یرثانه قبل اندمال الجرح تبقی شهادتهما معلّقة علی سرایة الجرح واندماله، فإن اندمل تقبل لإحراز عدم کون شهادتهما لنفسهما بخلاف ما إذا مات بالسرایة، فإنّه یجب شهادتهما من الدعوی علی الجارح. وما فی کلام الماتن من التردّد فی عدم سماع شهادتهما قبل اندمال الجرح باطلاقه لا یمکن المساعدة علیه.

وعلی الجملة، عدم سماع شهادتهما قبل ظهور الاندمال الموجب لانتفاء السرایة لاحتمال کون شهادتهما من دعواهما علی الجارح، ولا یقاس ذلک بما إذا شهدا لمن یرثانه بالمال علی الغیر أو عند الغیر وکان المشهود له مریضاً مرض الموت، فإنّه

ص :188

الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة

الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدی القتل[1]، فإن کان القتل عمداً أو شبیهاً به أو کانا ممن لا یصل إلیهما العقل حکم بهما وطرحت شهادة القتل وإن کانا ممن یعقل عنه لا یقبل، لأنّهما یدفعان عنهما الغرم.

الشَرح:

تقبل شهادتهما، لعدم کون شهادتهما من دعواهما علی الغیر، حیث انّ المال ینتقل بشهادتهما إلی ملک المریض، حتی مع موته فیما بعد، ولذا یحکم بنفوذ تصرّفاته قبل موته، ویؤدّی منه دیونه وینفذ فیه وصایاه.

وأمّا الدیة فإنّه علی تقدیر السرایة للوارث ابتداءً ولا مجال لتوهّم دخولها فی ملک المیت بموته بدعوی أنّه یؤدّی منها أیضاً دیونه وینفذ وصیتّه من الدیة أیضاً وعدم جواز تصرّفه فیها قبل موته بتملیکها للغیر مجاناً أو معاوضة أو مصالحة أو إسقاط إنّما هو لعدم صحّة التملیک قبل التملّک وعدم صحة الأسقاط قبل الثبوت.

والوجه فی عدم المجال أنّ ما ذکر من أداء دینه منها ونفوذ وصیتّه منها حکم تعبّدی یثبت حتی مع ثبوت الدیة صلحاً علی القصاص من ولیّ الدم، وأیضاً لا دلیل علی ردّ الشهادة بمجرّد تحقّق عنوان التهمة حتّی یفرق بین الأمرین بما ذکر، بل الثابت ردّ الشهادة بأمور انتزع منها عنوان التهمة فی کلماتهم، ولیس احتمال وصول الدیة أو تعلّقها بالشاهد من تلک الأمور إذا کان المشهود به مجرّد الجرح قبل السرایة ولا یدخل الشاهدان وقت الشهادة فی عنوان المدّعی کما هو ظاهر.

[1 [ذکر قدس سره أنّه تقبل الشهادة من افراد العاقلة بفسق الشاهدین علی القتل إذا کان المشهود به القتل عمداً أو شبه العمد، فإنّ شهادتهما تحسب جرحاً فی شاهدی القتل، فتطرح شهادتهما. بخلاف ما إذا کان المشهود به القتل خطأً محضاً، فإنّهما یدخلان فیمن یدفعان الغرم عن نفسهما بشهادتهما، فتحقّق التهمة الموجبة لردّ شهادتهما بفسق شهود القتل، وقد عمّم قدس سره سماع شهادتهما بفسق الشهود ما إذا کان المشهود به

ص :189

الخامسة: لو شهد اثنان أنّه قتل

الخامسة: لو شهد اثنان أنّه قتل، وآخران علی غیره أنّه قتله، سقط القصاص ووجبت الدیة علیهما نصفین[1]. ولو کان خطأً کانت الدیة علی عاقلتهما، ولعلّه احتیاط فی عصمة الدم لما عرض من الشبهة بتصادم البیّنتین ویحتمل هذا وجهاً آخر وهو تخیّر الولی فی تصدیق أیّهما شاء، کما لو أقرّ اثنان بقتله کلّ واحد منهما بقتله منفرداً والأوّل أولی.

الشَرح:

القتل خطأً محضاً، ولکن کانا ممن لا یصل إلیهما العقل کما إذا کان فی عصبة القاتل من هو أقرب إلیه منهما، بأن کانا متقرّبین للقاتل بأبیهما خاصة، وکان ما إذا کان المتقرّب بأبویه من أقرباء الأب للقاتل فقیراً بناءً علی اعتبار الغنی فیمن یتحمّل الدیة من عصبة المیت، ولکن فی تقدیم المتقرّب بالأبوین علی المتقرّب بالأب وکذا فی اعتبار الغنی فی من یتحمّلها تأمّل وإشکال یأتی الکلام فی باب العاقلة إن شاء اللّه تعالی.

[1] وکأنّه لدلالة البیّنتین علی أنّ غیر المشهود علیهما غیر قاتل ولتردّد القاتل بینهما وعدم إمکان القصاص یکون دیة المقتول علیهما، هذا فیما إذا کان القتل عمداً. وأمّا إذا کان خطأً محضاً تکون الدیة علی عاقلتهما نصفین.

ولکن لا یخفی أنّ ثبوت الدلالة علی أنّ غیرهما غیر قاتل علی تقدیر کون المشهود علیه فی کلّ من البیّنتین قاتلاً، وهذا غیر ثابت مع تعارضهما کما أو ضحنا ذلک فی بحث تعارض الخبرین، وعلیه لا مقتضی للقصاص منهما، ولا لأخذ الدیة منهما، ولا أخذها من عاقلتهما، إذا کان القتل خطأً.

وما ذکر الماتن قدس سره من تخییر الولی فی تصدیق أیّهما شاء نظیر ما أقرّ اثنان کلّ منها بقتله بانفراده، فإنّه قیاس مع الفارق بین المسألتین علی ما تقدّم.

والظاهر أنّ مع تعارض البیّنتین لا قصاص ولا دیة ولا اعتبار لتصدیق ولیّ الدم لما ذکرنا فی بحث القضاء أنّ علی المدّعی إثبات دعواه بالبیّنة التی تحسب حجّة

ص :190

السادسة: لو شهدا أنّه قتل زیداً عمداً

السادسة: لو شهدا أنّه قتل زیداً عمداً فأقرّ آخر أنّه هو القاتل وبرّأ المشهود علیه[1]، فللولی قتل المشهود علیه ویردّ المقر نصف دیته، وله قتل المقرّ ولا ردّ لإقراره بالانفراد، وله قتلهما بعد أن یردّ علی المشهود علیه نصف دیته دون المقرّ، ولو أراد الدیة کانت علیهما نصفین، وهذه روایة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام وفی قتلهما اشکال لانتفاء الشرکة. وکذا فی إلزامهما بالدیة نصفین. والقول بتخیر الولی فی احدهما: وجه قوی، غیر أن الروایة من المشاهیر.

الشَرح:

والبیّنة المعارضة بمثلها لا تکون حجّة.

[1] فی المسألة صور:

الأولی: أن یعلم أولیاء المقتول بکذب المقرّ خاصة أو بکذب البیّنة خاصة، وفی مثل ذلک لا یجوز لهم القصاص ممن یعلمون أنّه لیس بقاتل، وصحیحة زرارة المشار إلیهما فی المتن منصرفة عن هذه الصورة.

الثانیة: ما إذا احتمل اشتراک المشهود علیه والمقرّ، وقول المقرّ بأنّه قاتل وإن کان نافذاً فإنّه اعتراف علی نفسه، إلاّ أن تبرئته المشهود علیه غیر معتبر فی نفی القصاص عن المشهود علیه، لأنّه لیس من الاعتراف علی نفسه.

وعلی ذلک، فإن کانت شهادة البیّنة بکون المشهود علیه قاتلاً للمقتول من غیر أن تنفی اشتراک الآخر، فمقتضی مدلولها وما هو معتبر من قول المقرّ کونهما مشترکین فی القتل.

وکذلک ما إذا شهدت البیّنة بأنّ المشهود علیه قاتل، ولیس غیره قاتلاً فإنّ شهادتهما بأنّ غیره لیس قاتلاً یسقط بإقرار المقرّ بأنّه قاتل ویجری فی المقام حکم الاشتراک أیضاً بمعنی أنّه لو أخذ أولیاء المیت القصاص من المشهود علیه فقط یجب علی المقرّ ردّ نصف الدیة إلی أولیاء المشهود علیه، فإن قتلوا المقرّ فلا یردّ المشهود

ص :191

.··· . ··· .

الشَرح:

علیه نصف الدیة أخذاً بالمقرّ علی إقراره بأنّه هو القاتل دون المشهود علیه وإن قتل أولیاء المقتول کلاً من المشهود علیه والمقرّ یجب علیهم ردّ نصف الدیة علی أولیاء المشهود علیه ولا یردون شیئاً علی أولیاء المقرّ أخذاً بإقراره.

وروی زرارة فی صحیحة عن أبی جعفر علیه السلام قال: «سألته عن رجل قتل فحمل إلی الوالی وجائه قوم فشهد علیه الشهود أنّه قتل عمداً، فدفع الوالی القاتل إلی أولیاء المقتول لیقاد به، فلم یریموا حتّی أتاهم رجل فأقرّ عند الوالی أنّه قتل صاحبهم عمداً وأنّ هذا الرجل الذی شهد علیه الشهود بری ء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به، وخذونی بدمه، قال: فقال أبو جعفر علیه السلام : إن أراد أولیاء المقتول أن یقتلوا الذی أقرّ علی نفسه فلیقتلوه ولا سبیل لهم علی الآخر، ثمّ لا سبیل لورثة الذی أقرّ علی نفسه علی ورثة الذی شهد علیه، وإن أرادوا أن یقتلوا الذی شهد علیه فلیقتلوا ولا سبیل لهم علی الذی أقرّ، ثمّ لیؤدّ الدیة الذی أقرّ علی نفسه إلی أولیاء الذی شهد علیه نصف الدیة قلت: أرأیت إن أرادوا أن یقتلوهما جمعیاً، قال: ذاک لهم وعلیهم أن یدفعوا إلی أولیاء الذی شهد علیه نصف الدیة خاصّاً دون صاحبه، ثمّ یقتلونهما، قلت: إن أرادوا أن یأخذوا الدیة؟ قال فقال: الدیة بینهما نصفان، لأنّ أحدهما أقرّ والأخر شهد علیه، قلت: کیف جعلت لأولیاء الذی شهد علیه علی الذی أقرّ نصف الدیة، حیث قتل ولم تجعل لأولیاء الذی أقرّ علی أولیاء الذی شهد علیه ولم یقرّ؟ قال فقال: لأنّ الذی شهد علیه لیس مثل الذی أقرّ، الذی شهد علیه لم یقرّ ولم یبرّأ صاحبه، والآخر أقرّ وبرّأ صاحبه فلزم الذی أقرّ وبرّأ صاحبه ما لم یلزم الذی شهد علیه ولم یقرّ ولم یبرّأ صاحبه»(1).

ص :192


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 5 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 1: 108.

.··· . ··· .

الشَرح:

أقول: یمکن أن یقال بأنّ مقتضی ذیل الروایة وإن یمکن جواز قتل المشهود علیه قصاصاً مع قتل المقرّ حتّی فی الصورة الثالثة التی یعلم بعدم اشتراک فی القتل بینهما، إلاّ أنّه لا یمکن الالتزام بذلک، لعلم أولیاء المقتول أنّ قتل واحد منهما عدوان وبغیر نفس، فیکون مخالفاً للمنع الوارد فی الکتاب العزیز.

ولذا یقال: أنّه یجوز لأولیاء المقتول القصاص من المقرّ لنفوذه إقراره حتّی مع المعارضة للبیّنة ولا اعتبار للبیّنة مع الإقرار، ولا یردّ إلی أولیاء المقرّ نصف الدیة لا من قبل أولیاء المقتول ولا من المشهود علیه، لعدم ثبوت کونه قاتلاً.

وعلی الجملة، الصحیحة محمولة علی صورة احتمال الشرکة.

وربّما یخطر بالبال ظهور صدر الصحیحة فی صورة العلم بعدم الاشتراک حیث ذکر علیه السلام فیه «إن أراد أولیاء المقتول أن یقتلوا الذی أقرّ علی نفسه فلیقتلوه ولا سبیل لهم علی الآخر».

فإنّ قوله علیه السلام «ولا سبیل لهم علی الآخر» لا یجتمع مع جوازه قتلهم المشهود علیه، وکذا فی قوله علیه السلام «إن أرادوا أن یقتلوا الذی شهد علیه فلیقتلوه ولا سبیل لهم علی الذی أقرّ».

وعلی ذلک، فلا بأس بالالتزام بالتخییر مع عدم احتمال الشرکة أخذاً بالروایة.

ولکّنه توهّم ولا یمکن حمل الصدر علی صورة عدم احتمال الاشتراک، لأنّه ذکر فی الصدر ردّ المقرّ نصف الدیة علی ورثة المشهود علیه، ولابدّ من حمل الصحیحة صدراً وذیلاً علی صورة احتمال الاشتراک، وفی غیرها یؤخذ المقرّ بإقراره، لنفوذ الإقرار ولو مع المعارضة مع البیّنة، وتطرح البیّنة لسقوطها عن الاعتبار بالتعارض مع

ص :193

السابعة: قال فی المبسوط: لو ادّعی قتل العمد

السابعة: قال فی المبسوط: لو ادّعی قتل العمد وأقام شاهداً وامرأتین ثمّ عفا، لم یصحّ، لأنّه عفا عمّا لم یثبت[1]، وفیه إشکال، إذ العفو لا یتوقّف علی ثبوت الحقّ عند الحاکم.

وأمّا القسامة، فیستدعی البحث فیها مقاصد الأول فی اللوث[2] ولا قسامة مع

الشَرح:

الإقرار، واللّه سبحانه هو العالم.

[1] لا یخفی أنّه لا یصحّ العفو قبل تمام الموضوع لحقّ القصاص، وأمّا إسقاطه قبل إحراز وجوده الواقعی بأن یسقطه علی تقدیر تحقّقه واقعاً فلا إشکال فیه، لأنّه علی التقدیر حقّ قابل للإسقاط.

القسامة

اللوث

[2] ذکر أصحابنا أنّه لا یثبت دعوی القتل بالقسامة إلاّ فی مورد اللوث وفی غیر مورده لا یثبت دعوی القتل عمداً أو خطأً بها، بل یکون علی المدّعی إثبات دعواه بالبیّنة ومع عدمها وعدم إقرار المدّعی علیه فللولیّ إحلاف المدّعی علیه علی نفی دعواه کما فی سایر الدعاوی، وإذا حلف المدّعی علیه سقطت الدعوی.

ومع نکوله إمّا یحکم الحاکم بثبوت الدعوی بمجرّد نکوله أو بردّ الیمین علی المدّعی لیحلف علی دعواه، وإذا حلف المنکر علی نفی دعواه لا یجب علیه التغلیظ فی حلفه علی النفی حتی مع مطالبته الحاکم، کما هو الحال فی سایر الدعاوی.

والمراد باللوث علی ما یظهر من کلماتهم أن یکون فی البین ما یوجب للحاکم الظن بصدق المدّعی فی دعواه غالباً کالشاهد الواحد أو کما وجد المدّعی علیه عند المقتول ومعه سلاح علیه الدم إلی غیر ذلک. فیقع الکلام فی اشتراط اعتبار القسامة باللوث وکون المراد باللوث ما ذکروه.

أمّا اشتراط اعتبارها به فهو أمر متسالم علیه کما ذکرنا. ولکن نوقش فی استفادة هذا الاشتراط من الأخبار، حیث انّ مقتضی الاطلاق فی بعض الأخبار أنّه إذا لم یکن

ص :194

ارتفاع التهمة وللولی إحلاف المنکر یمیناً واحدة ولا یجب التغلیظ ولو نکل فعلی ما مضی من القولین واللوث أمارة یغلب معها الظن بصدق المدّعی کالشاهد ولو واحداً وکذا لو وجد متشحِّطاً بدمه، وعنده ذو سلاح علیه الدم، او فی دار قوم، او فی محلة منفردة عن البلد لا یدخلها غیر أهلها او فی صف مقابل للخصم بعد المراماة.

الشَرح:

للمدّعی علیه بیّنة علی نفی کونه قاتلاً، فللمدّعی إثبات دعواه، بالحلف، کموثقة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ اللّه حکم فی دمائکم بغیر ما حکم به فی أموالکم، حکم فی دمائکم أنّ البیّنة علی المدّعی علیه والیمین علی من ادّعی لئلا یبطل دم امری ء مسلم»(1). فإنّ مقتضی إطلاقها أنّه تصل النوبة فی ثبوت دعوی القتل إلی الحلف إذا لم یکن للمدّعی علیه بیّنة علی النفی کان فی المورد لوث أم لا؟

نعم، إذا کان للمدّعی بیّنة علی ثبوت دعوی القتل لا تصل النوبة إلی ثبوتها بالقسامة، بل تثبت دعواه بالبیّنة، وهذا التقیید مستفاد من بعض الروایات الواردة فی المقام، کصحیحة مسعدة بن زیاد عن جعفر علیه السلام قال: «کان أبی رضی اللّه عنه إذا لم یقم القوم المدّعون البیّنة علی قتل قتیلهم ولم یقسموا بأنّ المتّهمین قتلوه حلّف المتّهمین بالقتل خمسین یمیناً باللّه ما قتلناه» الحدیث (2).

وما ورد فی صحیحة برید بن معاویة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن القسامة فقال: الحقوق کلّها البیّنة علی المدّعی والیمین علی المدّعی علیه، إلاّ فی الدم خاصّة فإنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله بینهما هو بخیبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتیلاً، فقالت الأنصار إنّ فلان الیهودی قتل صاحبنا، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله للطالبین: أقیموا

ص :195


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 4: 115.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 6: 115.

.··· . ··· .

الشَرح:

رجلین عدلین من غیرکم اقیده (أقده) برمّته فإن لم تجدوا شاهدین فأقیموا قسامة خمسین رجلاً اقیده برمّته» الحدیث(1).

وفی الثانیة دلالة واضحة علی أنّ مع وجود البیّنة للمدعی حتّی فی مورد اللوث تثبت دعوی القتل بالبیّنة وأنّ الوصول إلی ثبوتها إلی القسامة إنّما هو مع عدم إقامتها. أضف إلی ذلک إطلاق ما دلّ علی اعتبار البیّنة.

وعلی الجملة، موثقة أبی بصیر تدلّ علی ثبوت دعوی القتل بالقسامة إذا لم یکن للمدّعی علیه بیّنة علی النفی، وأمّا ثبوت دعوی المدّعی بالبیّنة ولا تصل معها النوبة إلی القسامة فی ثبوتها فلا تنفیه إلاّ بالاطلاق اللازم رفع الید عنه، بما ورد فی مثل الصحیحتین من ثبوت دعوی القتل ببیّنة المدّعی، وکذا ثبوتها بالقسامة مع عدم إقامتها، کما أنّ موثقة أبی بصیر دالّة علی ثبوتها بها إذا لم یکن للمدّعی علیه بیّنة علی النفی.

ویبقی الکلام فی اطلاق الموثّقة وغیرها بالإضافة إلی عدم اعتبار اللوث، وقد ذکرنا أنّ اعتباره متسالم علیه بین أصحابنا بل عند مخالفینا أیضاً إلاّ الکوفی علی ما قیل.

وکیف کان، فیمکن استفادة ذلک من بعض الروایات، ویرفع الید بها عن إطلاق مثل موثّقة أبی بصیر، کمعتبرة زرارة عن أبی عبداللّه قال: «إنّما جعلت القسامة لیغلظ بها فی الرجل المعروف بالشرّ المتّهم فإن شهدوا علیه جازت شهادتهم»(2).

وفی صحیحة عن أبی عبداللّه «إنّما جعلت القسامة احتیاطاً للناس لکیما إذا أراد

ص :196


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 114.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 7: 116.

.··· . ··· .

الشَرح:

الفاسق أن یقتل رجلاً أو یغتال رجلاً حیث لا یراه أحد خاف ذلک فامتنع من القتل(1).

وصحیحة عبداللّه بن سنان، قال: سمعت أبا عبداللّه یقول: «إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط یحتاط علی الناس لکی إذا رأی الفاجر عدوّه فرّ منه مخالفة القصاص»(2). فإنّه یستفاد منها کون المدّعی علیه شخصاً فاجراً تکون بینه وبین المقتول عداوة من مصادیق اللوث، وجعل القسامة احتیاطاً علی دماء الناس یقتضی اعتباره وإلاّ فیمکن لفاجر أن یقتل مورثّه ثمّ یقیم الدعوی عل أحد بأنّه قتل مورثّه ویحلف معه خمسون من الفجّار علی دعواه فیذهب دم المدّعی علیه المؤمن هدراً.

وظهر مما ذکر أنّ ما ذکر الماتن مثالاً لللّوث فی کلامه یختلف باختلاف الموارد، وأنّ المعیار فی اللوث أن یکون فی البین ما تحسب قرینة علی صدق دعوی المدّعی وکون المدّعی علیه متّهماً بها وإلاّ فمجرّد کون المدّعی علیه فی صفّ مقابل للخصم بعد المراماة لا یکون لوثاً فی جمیع موارد القتل ونحوه غیره.

وعلی الجملة، إذا ثبت فی مورد اللوث، فإن کان للمدّعی بینة علی المدّعی علیه یحکم بثبوت الدعوی بها، وإذا لم یقم المدعّی البیّنة وأقام المدّعی علیه البیّنة علی نفی الدعوی تسقط الدعوی، وإذا لم یقم المدعّی علیه أیضاً البیّنة تصل النوبة إلی ثبوت الدعوی بالقسامة وإن لم تقم المدّعی القسامة فلابدّ فی سقوط الدعوی من إقامة المدّعی علیه القسامة علی نفی الدعوی، فإن أقام القسامة سقطت الدعوی وإلاّ ألزم بالدعوی.

ص :197


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 114.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 9: 116.

ولو وجد فی قریة مطروقة أو خلة من خلال العرب أو فی محلّة منفردة مطروقة وإن انفردت فان کان هناک عداوة، فهو لوث[1] وإلاّ فلا لوث، لأنّ الاحتمال متحقّق هنا، ولو وجد بین قریتین فاللوث لأقربهما إلیه ومع التساوی فی القرب فهما فی اللوث سواء.

الشَرح:

[1] لا یخفی أنّ القود یترتّب بالقسامة عند اللوث فیما إذا ادّعی أولیاء المقتول علی شخص معیّن أو أشخاص کذلک القتل عمداً، وأمّا مع عدم التعیین للمدعّی علیهم فلا یؤخذ إلاّ الدیة، وکذا مع عدم دعواهم فإنّه یحکم بضمان أهلها الدیة إلاّ إذا أقاموا بیّنة علی أنّهم ما قتلوه أو مع القسامة علی عدم قتلهم مع وجود اللوث کما هو الفرض.

ویکفی فی ثبوت الدیة علی أهلها صحیحة محمد بن قیس قال: «سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل قتل فی قریة أو قریباً من قریة أن یغرم أهل تلک القریة إن لم توجد بیّنة علی أهل تلک القریة أنّهم قتلوه»(1).

وکذلک إذا وجد قتیلاً بین أحدهما أقرب إلی مکان القتیل وإلاّ یتقسّط دیّته إلی أهل القریتین.

وفی موثّقة سماعة بن مهران عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن الرجل یوجد قتیلاً فی القریة أو بین قریتین قال: یقاس ما بینهما فأیّهما کانت أقرب ضمنت»(2).

وأمّا ما ورد فی روایة محمد بن قیس قال: «سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول: لو أنّ رجلاً قتل فی قریة أو قریباً من قریة ولم یوجد بیّنة علی أهل تلک القریة أنّه قتل عندهم فلیس علیهم شیء»(3) فلضعفها بالإرسال لا یمکن الاعتماد علیها.

ص :198


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 5: 112.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 4: 112.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 2: 112.

.··· . ··· .

الشَرح:

وأمّا صحیحة محمد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه قال: «فی رجل کان جالساً مع قوم فمات وهو معهم أو رجل وجد فی قبیلة وعلی باب دار قوم فادّعی علیهم قال: لیس علیهم شیء ولا یبطل دمه»(1).

ففی التهذیب(2) بعد نقله عن الحسین بن سعید عن فضالة بن أیوب عن أبان عن محمد بن مسلم قال: وعنه عن النضر بن سوید عن عبداللّه بن سنان عن أبی عبداللّه علیه السلام نحوه قال: «ولا یبطل دمه ولکن یعقل».

وروی بإسناده عن حماد عن ابن المغیرة عن ابن سنان مثله. ثمّ قال: ولا یناف بین هذین الخبرین وبین الأخبار المتقدّمة الدالّة علی ضمان أهل القریة والقبیلة الدیة إذا کانوا متّهمین بقتله وامتنعوا من القسامة، فأمّا إذا لم یکونا متّهمین بقتله أو أجابوا إلی القسامة فلا دیة علیهم ویؤدّی دیة القتیل من بیت المال.

أقول: یمکن أن یقال أنّه لم یفرض فی صحیحة محمد بن مسلم اللوث أو یقیّد إطلاقها بما إذا حلفوا أنّهم ما قتلوه، وفی هذا الفرض یؤدّی الدیة من بیت المال کما هو کذلک فی جمیع موارد اللوث إذا حلف المدّعی علیهم بأنّهم ما قتلوه ولا یعرفون له قاتلاً، کما یستفاد ذلک من فعل النبی صلی الله علیه و آله فی قتیل خیبر علی ما ورد فی صحیحة برید بن معاویة المتقدّمة. وعلّق فیها ضمان المدّعی الدیة علی حلفهم علی عدم قتلهم وعدم علمهم بالقاتل.

وما فی صحیحة مسعدة بن زیاد «حلّف المتّهمین بالقتل خمسین یمیناً باللّه ما

ص :199


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 111.
2- (2) التهذیب: ج 10، ص 205، باب 4، روایة 14.

أمّا من وجد فی زحام علی قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع فدیته علی بیت المال[1]، وکذا لو وجد فی جامع عظیم أو شارع، وکذا لو وجد فی فلاة ولا یثبت

الشَرح:

قتلناه ولا علمنا له قاتلاً ثمّ یؤدّی الدیة إلی أولیاء القتیل»(1) فالمراد أداء الدیة من بیت المال لا أداء المتّهمین مع حلفهم بأنّهم ما قتلوه ولا علموا قاتلاً، ولذا أتی قوله علیه السلام «ثمّ یؤدّی» بصیغة المفرد المجهول لا الجمع المعلوم کما یدلّ علی ذلک روایة علی بن الفضیل أیضاً عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إذا وجد مقتول فی قبیلة قوم حلفوا جمیعاً ما قتلوه ولا یعلمون له قاتلاً فإن أبوا أن یحلفوا أغرموا الدیة فیما بینهم فی أموالهم سواء بین جمیع القبیلة من الرجال المدرکین»(2).

وما فی روایة أبی البختری عن جعفر بن محمد عن أبیه أنّه أتی علی علیه السلام بقتیل وجد بالکوفة مقطّعاً فقال: «صلّوا علیه ما قدرتم علیه منه ثمّ استحلفهم قسامة باللّه ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً وضمنهم الدیة»(3) من استظهار ضمان الدیة علی المتّهمین بعد حلفهم بأنّهم ما قتلوه ولا علموا له قاتلاً لا یمکن الالتزام به لضعفها سنداً ومنافاتها مع ما تقدّم.

أضف إلی ذلک احتمال أنّه لم یکن مورد اللوث ولو لعدم انحصار المتّهمین، ولذا لم یحلفهم بل ضمن علیه السلام لأهل القتیل الدیة.

[1] وفی الصحیح عن عبداللّه بن سنان وعبداللّه بن بکیر جمیعاً عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل وجد مقتولاً لا یدری من قتله قال: إن کان عرف له أولیاء یطلبون دیّته اعطوا دیته من بیت مال المسلین ولا یبطل دم امرء مسلم لأنّ میراثه للإمام فکذلک تکون دیّته علی الإمام ویصلّون علیه ویدفنون،

ص :200


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 6: 115.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 5: 115.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 8: 113.

اللوث فی شهادة الصبی ولا الفاسق ولا الکافر، ولو کان مأموناً فی نحلته[1]. نعم لو أخبر جماعة من الفسّاق أو النساء مع ارتفاع المواطاة أو مع ظنّ ارتفاعها کان لوثاً

الشَرح:

قال: وقضی فی رجل زحمه الناس یوم الجمعة فی زحام الناس فمات أنّ دیّته من بیت مال المسلمین»(1).

وفی صحیحة محمد بن مسلم عن أبی جعفر علیه السلام قال: «ازدحم الناس یوم الجمعة فی إمرة علی علیه السلام بالکوفة فقتلوا رجلاً فودی دیته إلی أهله من بیت مال المسلمین»(2).

وفی موثقة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قال أمیر المؤمنین علیه السلام لیس فی الهایشات عقل ولا قصاص والهایشات الفزعة تقع باللیل والنهار فیشجّ الرجل فیها أو یقع قتیل لا یدری من قتله وشجّه»(3).

وفی صحیحة مسعدة بن زیادة الواردة فی القسامة «ذلک إذا قتل فی حیّ واحد، فأمّا إذا قتل فی عسکر أو سوق مدینة فدیّته تدفع إلی أولیائه من بیت المال»(4).

وفی معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علی علیه السلام قال: «من مات فی زحام الناس یوم الجمعة أو یوم عرفة أو علی جسر لا یعلمون من قتله فدیّته من بیت المال»(5).

[1] کأنّ الوجه فی عدم ثبوت اللوث بذلک عدم اعتبار خبرهم، ولکن خبر الکافر الثقة معتبر وإن لم یثبت به القتل کما لا یثبت القتل بخبر العدل الواحد أیضاً مع

ص :201


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 109.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 2: 109.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 110.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 6: 115.
5- (5) الوسائل: ج 19، الباب 6 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 5: 110.

ولو کان الجماعة کفّاراً أو صبیاناً لم یثبت اللوث ما لم یبلغوا حدّ التواتر.

ویشترط فی اللوث خلوصه عن الشک[1] فلو وجد بالقرب من القتیل ذو سلاح متلطّخ بالدم مع سبع من شأنه قتل الانسان بطل اللوث، لتحقّق الشک، ولو قال الشاهد، قتله أحد هذین کان لوثاً[2]، ولو قال: قتل أحد هذین لم یکن لوثاً الشَرح:

أنّه ذکر بأنّ خبر العدل یوجب اللوث وکذا الحال فی خبر المرأة الواحدة لا یکون لوثاً، ولکن إذا أخبر جماعة من النساء أو الفسّاق مع ارتفاع المواطاة أو ظنّ بارتفاعها کان لوثاً.

وأعجب من ذلک ما ذکره قدس سره : «ولو کان الجماعة صبیاناً أو کفّاراً لم یثبت اللوث إلاّ إذا بلغ حدّ التواتر»، مع أنّ بلوغه حدّ التواتر یثبت القتل لا اللوث إلاّ أن یکون المراد صورة عدم تعیین القاتل من الجمیع فإنّه یثبت اللوث. وقد ذکرنا فیما تقدّم ملاک اللوث. ولو شکّ فی مورد صدق اللوث وعدمه یؤخذ باطلاق ما دلّ علی اعتبار القسامة علی قرار ما تقدّم سابقاً.

[1] کأنّ مراده أن لا یکون فی مورد اللوث ما یمنع عن حصول التهمة أی الظنّ باستناد القتل إلی من یقتضیه اللوث کما إذا وجد فی القرب من القتیل ذو سلاح متلطّخ سلاحه بالدم ویوجد فی قربه أیضاً سبع من عادته قتل الأنسان، فإنّ الدعوی علی ذی السلاح لا یکون من موارد اللوث لتثبت بالقسامة.

[2] إذا شهد عدل بأنّ القتیل قتله أحد هذین وادّعی الولیّ تعیین القاتل فی المعیّن منهما: تثبت دعواه بالقسامة، لأنّ شهادة العدل المزبور یوجب اللوث.

وأمّا إذا شهد عدل واحد بأنّ فلاناً وهو شخص معیّن قد قتل أحد هذین المتقولین وادّعی ولیّ أحد المقتولین بأنّ الشخص المزبور، قاتل قتیله لا تثبت دعوی ولیّ المقتول بالقسامة، لأنّ تعیین الشاهد القاتل وتردیده فی مقتوله لا یوجب اللوث

ص :202

وفی الفرق تردّد.

ولا یشترط فی اللوث وجود أثر القتل علی الأشبه[1] ولا فی القسامة حضور المدّعی علیه.

الشَرح:

فی دعوی ولیّ المقتولین. وذکر الماتن قدس سره فی الفرق تردّد.

ولکن لا یبعد الفرق فإنّ الصورة الأولی لا تقصر عن وجدان القتیل بین قوم یظنّ أنّ فیهم قاتله حیث لا یعتبر فی تحقّق اللوث تعیین القاتل بعینه. بخلاف الصورة الثانیة، فإنّ الشاهد فیها لم یعیّن القاتل لا فی شخص معیّن و لا بین جمع، بالإضافة إلی القتیل الذی ادّعی ولیّه علی الشخص المعیّن.

وما عن المسالک من المناقشة فی الصورة الأولی فی کونها مورد اللوث والتزم بأنّ الثانیة مورد اللوث حیث عیّن الشاهد فیها القاتل فی شخص معیّن فیکون دعوی الولیّ موافقاً لتعیین الشاهد بخلاف الصورة الأولی، ضعیف، فإنّه لم یعیّن الشاهد قاتل خصوص القتیل الذی یدّعی ولیّه کما هو ظاهر.

[1] یمکن أن یراد بأثر القتل الجراحة کما یظهر من بعض الکلمات، فإن کان المراد ذلک فلا یشترط وجوده فی اللوث حیث یمکن القتل بغیرها فلا یلتفت إلی ما حکی عن أبی حنیفة من قوله إن لم یکن جراحة ولا دم فلا قسامة وإن کان جراحة تثبت وإن لم یکن دم وإن کان دم فإن خرج من أذنه تثبت لا أن خرج من أنفه.

وإن کان المراد أن یکون فی البین أثر أنّه مات بالقتل لا من حتف أنفه فلا اعتبار به حیث أنّه یکفی فی ثبوت اللوث أمارة علی القتل ولا یلزم کونها أثراً للقتل.

ودعوی أنّ المفروض فی الرایات کون الشخص قتیلاً لا یمکن المساعدة علیها مع وجود الاطلاق فی بعضها وجریان التعلیل الوارد فی اعتبار القسامة فی موارد أمارة

ص :203

مسألتان:

الأولی: لو وجد قتیلاً فی دار فیها عبده

الأولی: لو وجد قتیلاً فی دار فیها عبده[1] کان لوثاً وللورثة القسامة لفائدة التسلط بالقتل ولافتکاکه بالجنایة لو کان هناک رهن.

الثانیة: لو ادّعی الولیّ أنّ واحداً من أهل الدار قتله[2] جاز إثبات دعواه بالقسامة، فلو أنکر کونه فیها وقت القتل کان القول قوله مع یمینه ولم یثبت اللوث، لأنّ اللوث یتطرق إلی من کان موجوداً فی تلک الدار ولا یثبت ذلک إلاّ بإقراره أو البیّنة.

الشَرح:

القتل وإن لم یکن فی البین أثر القتل، کما إذا وجد میتا علی ساحل الشط ولم یعلم أنّه غرق فیه ثمّ القی فی الساحل أو أنّه أغرق فی شط ثمّ أخرج إلی الساحل.

وکذا لا یعتبر فی ثبوت القتل بالقسامة فی مورد اللوث حضور المدّعی علیه ولکن إذا حضر المدّعی علیه کان له حجّته کما ذکرنا فی القضاء علی الغائب.

الثانیة: لو ادّعی الولیّ أنّ واحداً من أهل الدار قتله

[1] یعنی إذا قتل شخص فی دار وکان فی تلک الدار عبده وادّعی ورثته أنّ قاتله عبده فیمکن للورثة إثبات القتل علی العبد بالقسامة إذا کان فی البین لوث وفائدة القسامة إذا کانت الدعوی القتل عمداً قتل العبد قصاصاً أو لافتکاکه عن الرهانة حتی فیما لو کانت الدعوی القتل خطأً بناءً علی شمول ما دلّ علی الافتکاک صورة قتل العبد مولاه، وفیه تأمّل، فإنّ الافتکاک مدلول التزامی لا سترقاقه الذی لا یحصل فی الفرض بل یحصل ما إذا قتل العبد غیر مولاه، واللّه العالم.

[2 [فإن قتل شخص فی داره امارة علی کون قاتله من أهل تلک الدار وعلی ذلک فإن ادّعی المدّعی علیه أنّه لم یکن وقت القتل فی الدار لم یثبت کون الدعوی علیه مورد اللوث وأمّا إذا ثبت بإقراره أو قیام البیّنة علی کونه فیها فی ذلک الوقت ثبت اللوث.

ص :204

کمیة القسامة

الثانی: فی کمّیّتها وهی فی العمد خمسون یمیناً[1] فإن کان له قوم حلف کلّ واحد یمیناً إن کانوا عدوا القسامة، وإن نقصوا عنه کرّرت علیهم الایمان حتی یکملوا القسامة، وفی الخطأ المحض والشبیه بالعمد خمس وعشرون یمیناً، ومن الأصحاب من سوّی بینهما وهو أوثق فی الحکم والتفصیل أظهر فی المذهب.

الشَرح:

[1] لا خلاف فی أنّ القسامة مع دعوی القتل عمداً خمسون یمیناً، والمشهور أنّها فی قتل الخطأ خمسة وعشرون یمیناً، وعن بعض الأصحاب کالمفید والدیلمی وابن ادریس عدم الفرق بین دعوی العمد وبین دعوی الخطأ وشبیه العمد، واختاره جماعة.

ویدلّ علی التفصیل صحیحة عبداللّه بن سنان، قال: «قال أبو عبداللّه علیه السلام فی القسامة خمسون رجلاً وجعل فی النفس علی الخطأ خمسة وعشرین رجلاً»(1).

وفی صحیحة ابن فضال ومحمد بن عیسی عن یونس جمعیاً عن الرضا علیه السلام «والقسامة جعل فی النفس علی العمد خمسین رجلاً وجعل فی النفس علی الخطأ خمسة وعشرین رجلاً»(2).

وظاهرهما التفصیل بین دعوی القتل عمداً وخطأ ولیس فی البین ما ینافی هذا التفصیل حتی الاطلاق فإنّ ما ورد فی قضیة دعوی الأنصاری علی الیهودی کان دعوی العمد، فطلب رسول اللّه صلی الله علیه و آله خمسین یمیناً فلا یدلّ علی کون القسامة خمسین یمیناً حتّی فی دعوی الخطأ.

وإطلاق الصحیحتین یدفع أیضاً ما حکی عن ابن حمزة من أنّه یکفی فی القسامة دعوی العمد خمسة وعشرون إذا کان فی البین شهادة عدل واحد علی الدعوی، وکانّ

ص :205


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 119.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 2: 120.

ولو کان المدعون جماعة قسمت علیهم الخمسون بالسویة فی العمد والخمس والعشرون فی الخطأ[1].

الشَرح:

حکمه بذلک مبنیّ علی أنّ القسامة _ أی الخمسون _ بمنزلة شاهدین عدلین، وإذا کان فی البین شهادة عدل واحد یکفی نصف القسامة، وهو کماتری لا یخرج عن التخمین.

وعلی الجملة، فی القتل خطأً بخمسة وعشرین وما ذکر الماتن من أنّ التساوی أوثق فی الحکم یتمّ فیما إذا کان الزاید مع البذل، وأمّا مع الامتناع لا یکون فی البین احتیاط.

[1] ثمّ انّه إذا کان للمدعّی قوم عالمون بصحة دعواه حلف کلّ واحد منهم یمیناً إن کانوا بعدد القسامة، ویحسب المدعّی منهم فی انضمام حلفه إلی حلفهم، والمراد بقومه أقربائه سواء کانوا کلّهم أو بعضهم من الوارثین للقصاص أو الدیة أم لا.

نعم إذا کان فی غیر الوارث عدلان یشهدان یکون شهادتهما بیّنة ولا تصل النوبة إلی القسامة، کما أنّه إذا کان خبر قومه مفیداً للعلم فلا حاجة إلی القسامة وکذا الحال فی القسامة علی القتل خطأً.

وذکر الأصحاب أنّ المدّعی وقومه الباذلین للیمین إذا کانوا أقلّ من عدد القسامة کرّرت علیهم الیمین حتّی یکملوا القسامة _ أی خمسون یمیناً فی العمد وخمسة وعشرین فی دعوی الخطأ _ حتی قالوا إنّه لو لم یکن للمدّعی قوم باذلون یحلف هو خمسین فی العمد وخمسة وعشرین فی الخطأ.

وقد ناقش فی ذلک بعض الأصحاب بأنّ التکریر علی المدّعی وقومه إذا لم یبلغوا عدد القسامة فضلاً عن التکریر علی المدّعی إذا لم یکن له قوم باذلون لا یستفاد من شیء من الروایات بل مقتضی صحیحة برید بن معاویة عن أبی عبداللّه علیه السلام عدم الثبوت بالتکریر، حیث ورد فیها: «فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله للطالبین . . . فإن لم تجدوا

ص :206

.··· . ··· .

الشَرح:

شاهدین فأقیموا قسامة خمسین رجلاً أقیده برمته»(1).

وکذا ورد فی صحیحة زرارة عن أبی عبداللّه «فقال لهم رسول اللّه صلی الله علیه و آله فلیقسم خمسون رجلاً منکم علی رجل ندفعه إلیکم»(2).

والحاصل انّ ظاهرهما عدم تحقّق القسامة إلاّ بحلف خمسین رجلاً، ولکن مع ذلک لا یبعد الالتزام بالتکریر إذا کان المدعون للقتل أقلّ من عدد القسامة، لکون الحکم بالتکریر متسالم علیه، وأنّه لو لم یجز التکریر لکان اعتبار القسامة مع ما ورد فیه من أنّ اعتبارها للتحفظ علی الدم واغتیال العدو علی مقالته أمر نادر.

ودعوی أنّ الظاهر عدم المناقشة فی التکریر فإنّه مقتضی موثقة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ اللّه حکم فی دمائکم بغیر ما حکم فی أموالکم، حکم فی أمولکم أنّ البیّنة علی المدّعی والیمین علی المدّعی علیه، وحکم فی دمائکم أنّ البیّنة علی المدّعی علیه والیمین علی من ادّعی لئلا یبطل دم امرء مسلم»(3).

وظاهرها أنّه إذا لم یکن للمدّعی علیه بیّنة علی نفی دعوی القتل علیه یکون علی المدّعی الیمین، وما ورد فی صحیحة برید بن معاویة المتقدّمة موردها قضیة الأنصار، وکذا فی صحیحة زرارة، وفی ذلک المورد کان الحلف من خمسین رجلاً أمراً ممکناً، حیث ذکروا الرسول صلی الله علیه و آله «إنّا لنکره أن نقسم علی ما لم نره» فلا تمنعان عن الأخذ بظاهر مثل موثقة أبی بصیر.

والحکم بجواز الحلف من المدّعی فی مورد اللوث إذا لم یکن فی البین باذلون

ص :207


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 114.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 117.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 4: 115.

.··· . ··· .

الشَرح:

للیمین لا یمکن المساعدة علیه، فإنّ الوارد فی الموثقة وفی صدر صحیحة برید کون الحلف بعنوان القسامة علی المدّعی إذا لم یکن للمدّعی علیه بیّنة علی نفی الدعوی، والحلف بعنوان القسامة هو حلف خمسین رجلاً کما فی صحیحة عبداللّه بن سنان، قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام : «فی القسامة خمسون رجلاً فی العمد وفی الخطأ خمسة وعشرون رجلاً وعلیهم أن یحلفوا باللّه»(1).

نعم، ربّما یستدلّ علی التکریر بما ورد فی صحیحة ابن فضال ومحمد بن عیسی عن یونس جمیعاً عن الرضا علیه السلام بعد بیان الدیة وبیان القسامة فی الجروح قال: «فإن لم یکن للمصاب من یحلف معهم ضوعفت علیه الإیمان»(2).

ولکن ذکرنا أنّ موردها القسامة فی الأعضاء ودیّتها فی التعدّی منها إلی دیة النفس فی القتل خطأً فضلاً عن القصاص تأمّل.

ثمّ أنّه یبقی الکلام فی أمرین:

أحدهما: اعتبار کون خمسین رجلاً من أقرباء المدّعی دون الأجانب.

والثانی: فی لزوم التسویة فی التکریر أو لزوم التکریر علیهم بحسب سهام الإرث إذا کانوا وارثین.

أمّا الأمر الأوّل: فهو ظاهر کلمات الأصحاب فی المقام وما ورد فی الروایات من کون القسامة خمسین رجلاً کما فی صحیحة عبداللّه بن سنان المتقدّمة وغیرها، إلاّ أنّ الوارد فی صحیحة سلیمان بن خالد أنّه سأل الإمام علیه السلام «فقلت فعلی من القسامة؟ قال

ص :208


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 119.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 2: 120.

.··· . ··· .

الشَرح:

علی أهل القتیل»(1) وفی صحیحة زرارة الواردة فی قضیة الأنصار «فلیقسم خمسون رجلاً منکم»(2).

ولکن مع ذلک فاستفادة اعتبار الأقرباء للمدّعی فی القسامة لا یخلو عن الإشکال، حیث یحتمل أن یکون المراد بکون القسامة علی أهل القتیل، الاتیان بالقسامة علیهم لدعواهم، والتقیید فی خمسین رجلاً بکلمة «منکم» فی صحیحة زرارة لکون الأنصار کانوا مدّعین فکان علیهم الإتیان بالقسامة بحلفهم، أی حلف خمسین رجلاً منهم.

وعلی الجملة، الأمر یدور بین اعتبار کون الحالفین بخمسین مدّعین أو حلف خمسین رجلاً ولو لم یکن بعضهم من أقرباء المدّعی، فاعتبار کونهم من أقرباء المدّعی لا یخلو عن التأمّل.

وأمّا الأمر الثانی، أی إذا لم یکن للمدّعی خمسین رجلاً یحلفون علی دعواه بأن کان عددهم أقلّ، فهل تکرار الیمین علیهم بالسویة کما هو ظاهر عبارة الماتن بلا فرق بین کونهم مدّعین وارثین بالسویة أو مع التفاوت فی السهام أو لم یکونوا وارثین، أو یکون الحلف موزّعاً علی الوارثین علی حسب اختلاف سهامهم؟

قد تقدّم انّ تکریر الإیمان علیهم غیر مستفاد من الروایات، بل ظاهرها لزوم خمسین رجلاً فی القسامة، وقد رفعنا الید عن ذلک بالتسالم علی التکریر فیما إذا کان عدد القسامة أقلّ وبالقرینة التی أشرنا إلیها ومقتضی ذلک الاقتصار بالقدر المتیقن، وهو ملاحظة التکریر بنحو یجزی مع اعتبار التفاضل وعدمه، کما إذا کان المدّعی ابناً

ص :209


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 7: 119.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 117.

ولو کان المدّعی علیهم أکثر من واحد ففیه تردّد أظهره أنّ علی کلّ واحد خمسین یمیناً[1] کما لو انفرد، لأنّ کلّ واحد منهم یتوجّه علیه دعوی بانفراده، وأمّا لو کان المدّعی علیه واحداً فأحضر من قومه خمسین یشهدون ببرائته حلف کلّ واحد منهم یمیناً، ولو کانوا أقلّ من الخمسین کرّرت علیهم الأیمان حتّی یکملوا العدد.

ولو لم یکن للولی قسامة ولا حلف هو، کان له إحلاف المنکر خمسین یمیناً إن لم یکن له قسامة من قومه، وإن کان له قوم کان کأحدهم، ولو امتنع عن القسامة، ولم یکن له من یقسم الزم الدعوی وقیل له ردّ الیمین علی المدّعی.

الشَرح:

وبنتاً، فیحلف الابن أربعاً وثلاثین رعایة لکون سهمه من المال ضعف سهم البنت، وتحلف البنت خمساً وعشرین رعایة لاحتمال التساوی فی التکریر.

أقول: لا یبعد عدم ملاحظة التفاضل بناءً علی عدم اعتبار کون الحالفین فی القسامة مدّعیاً ولا وارثاً، فإنّه بناءً علی ذلک لا دخل للوارث ولا للدعوی فی اعتبار القسامة.

[1] المشهور بین الأصحاب بل نفی عنه الخلاف انّ المدّعی علیه إذا کان واحداً حضر من قومه خمسین رجلاً یحلف کلّ علی برائته، وإن لم یکن له قوم ولو باذلین، حلف هو خمسین مرّة ببرائته ویسقط عنه الدعوی بخلاف ما إذا کان المدّعی علیهم أکثر، ففیه خلاف عندهم فهل علی مجموع المدّعی علیهم الحلف خمسین مرّة ببرائتهم أو أن اللازم حلف کلّ منهم خمسین ببرائته اختار الماتن قدس سره لزوم الیمین علی کلّ منهم بخمسین مرّة کما لو انفرد کلّ منهم فی الدعوی علیه ولم یکن له قوم یحلفون فإنّ الدعوی فی القرض أیضاً متوجّه إلی کلّ منهم.

وعلی ذلک یقع الکلام فی جهتین:

_ الأولی: إن کان للمدعّی علیه قوم باذلین، حلفوا علی برائته عن دعوی القتل

ص :210

.··· . ··· .

الشَرح:

علیه، وإن کان عددهم أقلّ أو لم یکن له قوم باذلین أصلاً کرّرت علیه عدد القسامة، ولا یکتفی بحلفه خمسین مرّة بنفسه إذا کان له قوم باذلین کما هو الحال فی قسامة المدّعی.

وقد یقال: إنّ هذا لا یستفاد من شیء من الروایات، فإنّ ما ورد فی روایة أبی بصیر من قوله «فإذا ادّعی الرجل علی القوم أنّهم قتلوا کانت الیمین لمدّعی الدم قبل المدّعی علیه فعلی المدّعی أن یجیء بخمسین یحلفون أنّ فلاناً قتل فلاناً فیدفع إلیهم الذی حلف علیه، فإن شاؤوا عفوا وإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا قبلوا الدیة وإن لم یقسموا فإن علی الذین ادّعی علیهم أن یحلف منهم خمسون ما قتلنا ولا علمنا له قاتلاً، فإن فعلوا» الحدیث (1).

فإنّ ظاهره کون الحلف علی النفی، علی الذین ادّعی علیهم لا أنّ المدّعی علیه یحضر من قومه من یحلف معه بخمسین. أضف إلی ذلک انّ فی سندها علی بن أبی حمزة.

ولکن هذه المناقشة مورد تأمّل، فإنّ القتل لا یصدر عن خمسین شخص أو أزید حتّی یکون کلّهم المدّعی علیه فی دعوی القتل، فظاهرها دعوی علی طائفة أو عشیرة أنّ فلاناً منکم قد قتل قتیلنا، وفی هذا الفرض یکون حلفهم علی النفی، من القوم المدّعی علیهم، ولا یحتمل الفرق بین ذلک وبین أن یدّعی علی واحد من غیره وقوم إنّک قتلت قتیلنا واحضر قومه للحلف علی النفی. نعم سندها ضعیف کما ذکر بل ظاهر صحیحة مسعدة بن زیاد أنّ الحلف بخمسین یمیناً علی المتّهم نفسه حیث ورد فیها «إذا لم یقم القوم المدّعون البیّنة علی قتل قتیلهم ولم یقسموا بأنّ المتّهمین قتلوه حلّف المتّهمین

ص :211


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 5: 118.

.··· . ··· .

الشَرح:

بالقتل خمسین یمیناً باللّه ما قتلناه ولا عملنا له قاتلاً ثمّ یؤدّی الدیة إلی أولیاء القتیل» الحدیث (1). وظاهرها أنّ المباشر للحلف بخمسین یمیناً هو المتّهم.

قد یستظهر من صحیحة برید بن معاویة حیث ورد فیها «وإلاّ حلف المدّعی علیه قسامة خمسین رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً وإلاّ اغرموا الدیة إذا وجدوا قتیلاً بین أظهرهم إذا لم یقسم المدّعون»(2)، فإنّه لو کان المباشر بخمسین حلفاً نفس المدّعی علیه لکان حلفه بقسامة خمسین رجلاً ما قتلت ولا علمت قاتلاً، ولکن لا یخفی أنّ المراد من المدّعی علیه المتعدّدون، فمع نکولهم عن قوله علیه السلام «وإلاّ اغرموا الدیة» وهذه قرینة علی أنّ المراد من المدّعی علیه الجماعة المدّعی علیهم.

وعلی الجملة، إذا کانت الدعوی القتل عمداً علی شخص فی مورد اللوث کما هو ظاهر الفرض فی مورد قضیة الخبر الواردة فی الصحیحة لکان نکول المدّعی علیه موجباً لثبوت الدعوی فیترتّب علیه القصاص أو الدیة، بخلاف ما إذا لم یکن المدّعی علیهم شخصاً معیّناً کما فی القتیل فی قوم وطائفة فإنّه فی الفرض إذا نکل المدّعی علیهم والمتهمین عن الحلف تکون علیهم الدیة فقط بخلاف ما إذا حلفوا بقولهم ما قتلناه ولا علمنا قاتلاً فإنّه تسقط الدیة عنهم.

وما ورد فی صحیحة مسعدة بن زیاد فی فرض حلفهم من قوله علیه السلام «ثمّ یؤدی الدیة إلی أولیاء المقتول»(3)، الأداء من بیت المال، ولذا لم یقل (ثمّ یؤدّون الدیة) علی ما تقدّم.

ص :212


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 6: 115.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 114.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 6: 115.

وتثبت القسامة فی الأعضاء[1] مع التهمة وکم قدرها؟ قیل: خمسون یمیناً الشَرح:

وعلی الجملة، المستفاد من الروایات أنّه إذا لم یقم فی موارد اللوث المدّعی القسامة علی دعواه بعد أن لم تکن له بیّنة علیها ولا المدّعی علیه علی نفیها، یحلف المدّعی علیه قسامة خمسین رجلاً _ أی خمسین یمینا _ علی نفی الدعوی، وإن نکل لزمه الدعوی من غیر حاجة إلی ردّ الیمین إلی المدّعی ولو مرّة، لأنّ الردّ لم یثبت فی مورد توجّه الیمین إلی المدّعی أوّلاً، بل ظاهر ما ورد فی مثل صحیحة برید بن معاویة المتقدّمة «وإلاّ اغرموا بالدیة» کون الموضوع فی ثبوت دعوی المدّعی نکول المدعی علیه.

_ وأمّا الجهة الثانیة فإن کانت الدعوی بحیث یتوجه إلی کلّ من المتعدّدین فعلی کلّ منهم قسامة خمسین رجلاً فإنّه یستفاد من الروایات انّ المسقط لدعوی القتل فی مورد اللوث عن المدّعی علیه قسامة خمسین رجلاً، وأمّا إذا لم یتوجّه الدعوی إلی کلّ منهم بأن ادّعی المدعون أنّ قتیلهم قتل بید أهل البیت أو القریة ونحوها فلا یبعد کفایة خمسین یمیناً من مجموعهم، بناءً علی أنّ هذا النحو من الدعوی مسموعة فی موارد اللوث کما هو غیر بعید بملاحظة بعض روایات الباب حتّی یکون علیهم الحلف کذلک بمجرّد وجدان القتیل فیهم.

[1] لا خلاف بین أصحابنا فی ثبوت الدعوی علی الجنایة فی الأعضاء والجروح بالقسامة والمشهور بینهم اعتبار اللوث فی ثبوتها بها کما فی اعتباره فی ثبوت دعوی القتل والمحکی عن الشیخ فی مبسوط عدم اعتبار اللوث فی ثبوته الجنایة بها علی الأعضاء والجروح کما هو المحکی عن أکثر العامة.

ولعلّ المنشأ فی عدم الاعتبار الأخذ باطلاق ما ورد فی صحیحة أبی بصیر من

ص :213

احتیاطاً إن کانت الجنایة تبلغ الدیة وإلاّ فبنسبتها من خمسین یمیناً، وقال آخرون: ست أیمان فیما فیه دیة النفس وبحسابه من ستّ فیما فیه دون الدیة وهی روایة أصلها ظریف.

الشَرح:

قوله علیه السلام «حکم فی دمائکم أنّ البیّنة علی المدّعی علیه والیمین علی من ادّعی»(1)، ورفع الید عن إطلاقه باعتبار اللوث فی کون الیمین علی من ادّعی بما تقدّم فی دعوی القتل وأمّا فی غیر دعواه یؤخذ بالاطلاق.

ولکن لا یخفی أنّ شمول الاطلاق لغیر دعوی القتل غیر ظاهر وإنّما التزمنا باعتبار القسامة فی دعوی الجنایة فی الأعضاء والجروح بصحیحة عبداللّه بن سنان(2) ومعتبرة زرارة(3) الواردین فی التعلیل علی اعتبار القسامة. وظاهرهما اعتبار اللوث فی دعوی القتل أو الجنایة علی الأطراف.

ثمّ یقع الکلام فی مقدار القسامة فی دعوی الجنایة علی الأطراف، فعن المفید وسلاّر وابن ادریس أنّه خمسون یمیناً کالنفس إذا کانت الجنایة تبلغ دیتها دیة النفس کالأنف والذکر وإلاّ فبمقدار نسبة دیتها إلی دیة النفس، وقد أطلق البعض ولم یفرّق بین دعوی الجنایة علی الأطراف عمداً أو خطأً وبعضهم فرّق بین العمد والخطأ وقال فی دعوی الخطأ بمقدار نسبة دیتها من دیة النفس خطأ.

ولکن المعروف عن الشیخ وأتباعه وبین المتأخرین أنّ القسامة فی دعوی الجنایة علی الأطراف ستّ أیمان فی الجنایة التی دیتها دیة النفس وفی مادونها بحساب دیته من دیة النفس، والمستند لذلک روایة ظریف وما رواه یونس بن عبد

ص :214


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 4: 115.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 9: 116.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 7: 116.

.··· . ··· .

الشَرح:

الرحمن فی الصححیح عن الرضا علیه السلام حیث ورد فیها: «وعلی وما بلغت دیته من الجروح ألف دینار ستة نفر وما کان دون ذلک فحسابه من ستة نفر والقسامة فی النفس والسمع والبصر والعقل والصوت من الغنن والبحح ونقص الیدین والرجلین فهو ستّة أجزاء الرجل. تفسیر ذلک: إذا أصیب الرجل من هذه الأجزاء الستّة وقیس ذلک فإن کان سدس بصره أو سمعه أو کلامه أو غیر ذلک حلف هو وحده» الحدیث(1).

وذکر فی الجواهر(2) أنّ تفسیر ذلک لیس من تتمّة الحدیث بل هو إضافة من کلام الکلینی قدس سره .

ولکن لا یخفی ما فیه، فإنّ الشیخ قدس سره رواها من کتاب علی بن إبراهیم بتلک الاضافة، وعلی کلّ، ففی ما ورد فیه قبل التفسیر المزبور کفایة فی الدلالة علی ما ذکر کما ذلک فی الجواهر أیضاً.

ثمّ انّه قد ذکر بعض الأصحاب (قدس سرهم) انّ القسامة علی الجنایة فی الأعضاء والجروح وان تثبت وقوعها إلاّ أنّه لا یترتّب علی ثبوتها القصاص فإنّه لیس فی البین علی ترتّب القصاص بثبوت الجنایة بها.

وصحیحة یونس لا یستفاد منها أزید من ثبوت الدیة بها.

ولکن لا یخفی انّ اختصاص القسامة بثبوت القتل عمداً فی ترتّب القود غیر ظاهر بل مقتضی صحیحة عبداللّه بن سنان (3) الواردة فی تشریع القسامة ثبوت القود فی الأعضاء والجروح أیضاً. قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: إنّما وضعت القسامة

ص :215


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 2: 120.
2- (2) جواهر الکلام: 42/255.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 9: 116.

ویشترط فی القسامة علم المقسم[1].

ولا یکفی الظنّ وفی قبول قسامة الکافر علی المسلم تردّد أظهره المنع[2].

الشَرح:

لعلّة الحوط یحتاط علی الناس لکی إذا رأی الفاجر عدوه فرّ منه مخالفة القصاص(1).

غایة الأمر یمکن أن یقال: بأنّ القسامة فی الجروح والأعضاء فی غیر مورد ثبوت الدیة هی حلف خمسین رجلاً أو خمسون حلفاً کالقسامة فی القتل أخذاً بما ورد فی صحیحة عبداللّه بن سنان الأخری قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام «فی القسامة خمسون رجلاً فی العمد، وفی الخطأ خمسة وعشرون رجلاً، وعلیهم أن یحلفوا باللّه»(2) واللّه العالم.

[1] تمتاز الشهادة عن الیمین بأنّه یعتبر فی الشهادة بواقعة حضورها والحسّ بها فلا یکفی مطلق الیقین والعلم بها ولو بالحدس بخلاف الحلف فإنّه یعتبر فیه العلم بما یحلف علیه والتعبیر عن القسامة بالشهادة فی بعض الروایات کمعتبرة زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّما جعلت القسامة لیغلظ بها فی الرجل المعروف بالشرّ المتّهم فإن شهدوا علیه جازت شهادتهم»(3) بنوع من العنایة وفی صحیحة هشام بن سالم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «لا یحلف الرجل إلاّ علی علمه»(4)، ونحوها غیرها، وبهذا یظهر أنّه لا یجوز الحلف علی الظن.

[2] کما علیه جماعة من الأصحاب قدیماً وحدیثاً وذلک فإنّ مقتضی ما ورد فی الدعوی أنّ البیّنة علی المدّعی والیمین علی المدّعی علیه وإنّما خرجنا عن الاطلاق فی دعوی المسلم فی القتل والجرح بما ورد فی أنّ الحکم فی الدماء أنّ الیمین علی

ص :216


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 9: 116.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 119.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 7: 116.
4- (4) الوسائل: ج 16، الباب 22 من أبواب الأیمان، الحدیث 3: 180.

.··· . ··· .

الشَرح:

المدّعی فی دعوی الدم لئلا یبطل دم امرء مسلم، کما ورد ذلک فی موثقة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام (1).

وورد فی صحیحة برید بن معاویة إنّما حقن دماء المسلمین بالقسامة(2).

وفی صحیحة عبداللّه بن سنان «إنّما وضعت القسامة لعلّه الحوط یحتاط علی الناس لکی إذا رأی الفاجر عدوّه فرّ منه مخالفة القصاص»(3).

فإنّ ظاهرها حصر وضع القسامة لإثبات السبیل إلی القصاص، فکلّ مورد لا قصاص فیه کما فی قتل المسلم الکافر حیث لا یثبت لولیّه الکافر القصاص من المسلم فلا مورد للقسامة. نعم یرفع الید عن الاطلاق ما لو ثبت فی مورد اعتبار القسامة مع عدم ثبوت القصاص فی ذلک المورد، کما فی دعوی القتل الخطأی علی المسلم فیؤخذ بمقتضی الدلیل الخاص ویؤخذ فی غیره بالاطلاق.

أقول: الروایات الواردة فیها وجه تشریع القسامة ناظرة إلی قسامة المدّعی، والوجه الوارد فیها من قبیل الحکمة، ولو کان الوجه من قبیل العلّة بحیث یدور ثبوت القسامة مدار وجود ذلک الوجه لما اعتبر القسامة فیما کان دعوی ولیّ القتیل الکافر علی کافر آخر، مع أنّ ظاهر الماتن وغیره اختصاص عدم القبول بقسامة الکافر علی مسلم، وما ورد فی صحیحة عبداللّه بن سنان «إنّما وضعت القسامة لعلّة الحوط یحتاط علی الناس لکی إذا رأی الفاجر عدوّه فرّ منه مخالفة القصاص»(4)، لا یوجب دخول ما

ص :217


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 4: 115.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 3: 114.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 9: 116.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 9: 116.

.··· . ··· .

الشَرح:

ذکرنا من الفرض فی اعتبار القسامة فیه، لأنّ مثل صحیحة برید الوارد فیها «إنّما حقن دماء المسلمین بالقسامة لکی إذا رأی الفاجر الفاسق فرصة من عدوّه حجره مخالفة القسامة أن یقتل به فکفّ عن قتله»(1) أخصّ، بالإضافة إلی صحیحة عبداللّه بن سنان حیث إنّ مفاد الاولی أنّ ثبوت القصاص فی قتل المسلم بالقسامة هو الموجب لتشریعها.

والأظهر انّ الوارد فی هذه الرویات من قبیل الحکمة فلا یدور مورد مشروعیّة القسامة بما إذا لم یکن المقتول کافراً والمدّعی علیه مسلماً، ولا بمورد ثبوت القصاص خاصّة دون الدیة کما فی المثال المتقدّم.

نعم، دلالتها علی اعتبار اللوث فی مورد اعتبار القسامة وأنّها لا تعتبر مع عدم اللوث تامة. وقد ورد فی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام ثمّ قال: «سألته عن القسامة کیف کانت فقال: هی حقّ وهی مکتوبة عندنا ولو لا ذلک لقتل الناس بعضهم بعضاً ثمّ لم یکن شیء وإنّما القسامة نجاة للناس»(2).

وفی صحیحة زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام «إنّما جعلت القسامة احتیاطاً للناس لکیما إذا أراد الفاسق أن یقتل رجلاً أو یغتال رجلاً حیث لا یراه أحد خاف ذلک فامتنع من القتل»(3)، حیث إنّ ثبوت الدیة فی ثبوت القتل عمداً بالقسامة أیضاً یمنع الفاجر عن القتل کما إذا أراد قتل طفل مسلم أو مجنون من المسلمین إلی غیر ذلک.

ص :218


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 3: 115.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 2: 114.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 1: 114.

ولمولی العبد مع اللوث إثبات دعواه بالقسامة[1] ولو کان المدّعی علیه حرّاً تمسّکاً بعموم الأحادیث.

ویقسم المکاتب فی عبده کالحرّ[2].

ولو ارتدّ الولی منع القسامة[3] ولو حالف وقعت موقعها، لأنّه لا یمنع الشَرح:

وأمّا ما ورد فی صحیحة زرارة من قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله للأنصار بعد إبائهم عن الحلف «فیقسم الیهود»(1) فهی قسامة المدّعی علیهم إذا لم یقیمها المدّعون فلا یرتبط بمحلّ الکلام، واللّه العالم.

[1] قد ظهر الوجه فی ذلک وأنّ القسامة تثبت مع اللوث، وحیث إنّ المولی ولی الدم لعبده یکون له إقامة القسامة حتّی فیما إذا کان المدّعی علیه حرّاً، لما تقدّم من عدم اختصاص القسامة بصورة کون المورد، مورد القصاص.

الثالث فی أحکامها:

لو ادّعی علی اثنین وله علی أحدهما لوث، حلف خمسین یمیناً، ویثبت دعواه علی ذی اللوث وکان علی الأخر یمین واحدة کالدعوی فی غیر الدم، ثمّ إن أراد قتل ذی اللوث ردّ علیه نصف دیّته.

[2] والوجه فی ذلک انّ المکاتب سواء کان مکاتباً مطلقاً أو مشروطاً کالحرّ بالإضافة إلی کسب المال وتملّکه فیکون بالإضافة إلی عبده، کالحرّ بالإضافة إلی عبده، ویثبت له فی مورد اللوث فی قتل عبده القسامة ولو کان المدّعی علیه حراً.

[3] ظاهر عبارته أنّ الحاکم یمنع الولی المرتد عن إقامة القسامة علی دعواه فی مورد اللوث، ولکن إذا أقامها تثبت بها دعواه وبین الحکمین تهافت فإنّ القسامة لو کانت معتبرة من الولیّ المرتد فلا وجه لمنعه عن إثبات دعواه بها فإنّ المرتدّ الملّی

ص :219


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل ومایثبت به، الحدیث 3: 117.

الاکتساب ویشکل هذا بما أنّ الارتداد یمنع الارث فیخرج عن الولایة فلا قسامة.

ویشترط فی الیمین ذکر القاتل والمقتول والرفع فی نسبهما بما یزیل الاحتمال وذکر الانفراد أو الشرکة[1] ونوع القتل. أمّا الاعراب فإن کان من أهله کلّف وإلاّ قنع بما یعرف معه القصد، وهل یذکر فی الیمین أنّ النیّة نیة المدّعی قیل: نعم دفعاً لتوهّم الحالف، والأشبه أنّه لا یجب.

الشَرح:

لا یمنع عن اکتساب المال فی زمان الإمهال لتوبته ولا تنتقل أمواله إلی ورثته. نعم إذا کان المقتول مسلماً وکان زمان القتل مرتدّاً فلا حقّ له فی إقامة القسامة، ومنه یظهر الحال فی المرتدّ کافر والکافر لا یرث المسلم فلا دعوی له علی الجانی القاتل، ومنه یظهر الحال فی المرتد الفطری حیث إنّه لو کان ارتداده بعد زمان القتل أیضاً فلا دعوی له علی الجانی القاتل لانتقال أمواله وحقوقه بالارتداد.

[1] الثابت أن یکون الحلف من الحالف مطابقاً لدعوی المدّعی بأن یحلف علی وقوع ما یدّعیه المدّعی وإن لم یکن الحلف مطابقاً لها فلا أثر للحلف المزبور بأن یدّعی المدّعی وقوع القتل عمداً ویحلف الحالف علی القتل خطأً، فإنّ الحلف المزبور لا أثر له بل إن لم یذکر فی حلفه القتل عمداً أو ما یفید معناه فلا أثر له أیضاً. وأمّا غیر ذلک من الأمور فغیر معتبر مع صدق أنّه حلف علی دعوی المدّعی وإن رفع لفظ الجلالة بواو القسم أو نصبه کما هو دیدن غیر المتمکّنین من رعایة الإعراب فی کلامهم.

ص :220

أحکام القسامة

[المقصد] الثالث فی أحکامها

لو ادّعی علی اثنین وله علی أحدهما لوث[1] حلف خمسین یمیناًویثبت دعواه علی ذی اللوث وکان علی الآخر یمین واحدة کالدعوی فی غیر الدم ثمّ إن أراد قتل ذی اللوث ردّ علیه نصف دیته.

ولو کان أحد الولیین غائباً وهناک لوث حلف الحاضر[2] خمسین یمیناً ویثبت حقّه ولم یجب الارتقاب ولو حضر الغائب حلف بقدر نصیبه وهو خمس وعشرون یمیناً وکذا لو کان أحدهما صغیراً.

الشَرح:

[1] وذلک فإنّ ثبوت اللوث بالاضافة إلی دعواه إلی أحدهما دون الآخر یوجب الاختلاف فی مثبت دعواه بالإضافة إلی کلّ منهما.

وعلی الجملة، غیر مورد اللوث باق تحت قولهم علیهم السلام «البیّنة علی المدّعی والیمین علی من ادّعی علیه» ثمّ انّ الولیّ إذا أراد قتل ذی اللوث دفع إلیه نصف الدیة لاعترافه بأنّه أحد القاتلین وکذا إذا أراد قتل الآخر إذا ثبت علیه القتل عمداً بالیمین المردودة.

[2] ولو کان للقتیل ولیّان أحدهما حاضر والآخر غائب، وادّعی الحاضر علی شخص أنّه القاتل فی مورد اللوث کما هو الفرض، وکان دعواه القتل عمداً، فإن جاء بالقسامة مع عدم البیّنة للمدّعی علیه ثبت له حقّ القود. ولو حضر الغائب وکان حضوره بعد القصاص من المدّعی علیه ورضائه بالقصاص فلا شیء له، وإن لم یرض بالقصاص وطالب بالدیة فعلی الولی الحاضر دفع نصف الدیة إلیه لاعترافه باستحقاقه علیه نصف الدیة.

وأمّا إذا کان حضوره قبل أخذ الحاضر بالقصاص بأن أخذ من المدّعی علیه نصف الدیة فإن أراد الغائب القصاص منه أو أخذ الدیة أیضاً فهل یحتاج إلی إقامة

ص :221

.··· . ··· .

الشَرح:

القسامة، وعلی تقدیر إقامتها فهل قسامته خمسون أو خمسة وعشرون؟

الظاهر عدم الحاجة إلی القسامة إذا کانت قسامة الحاضر خمسین رجلاً وحلف کلّ منهما علی دعواه فإنّ القسامة بمنزلة إقامة أحد الولیین البیّنة علی المدّعی علیه فی کفایته بالإضافة إلی الولی الآخر أیضاً. وأمّا إذا کانت قسامة الحاضر خمسین حلفاً، فعلی الغائب بعد حضوره الحلف بخمسة وعشرین حلفاً، لأنّ القسامة بخمسین حلفاً لم یثبت کونها قسامة معتبرة إلاّ بالإجماع والتسالم، والمتیقّن من التسالم کفایتها فی حقّ المباشر بالحلف فقط، فیکون علی الغائب الحلف بخمس وعشرین حلفاً کما هو مقتضی تقسیط الحلف علی المدّعین مع عدم الحالف لهم.

ومما ذکر یظهر الحال فیما کان دعوی الحاضر علی الجانی القتل خطأً حیث إنّه یحلف بخمسة وعشرین ویأخذ نصف الدیة فیکون الغائب علی حجته علی نحو ما ذکر.

وما فی عبارة الماتن من أنّ الغائب إذا حضر یحلف بقدر نصیبه. ففی اطلاقه منع کما بیّنا من الصور المفروضة فی المسألة.

ویجی ء فرض الصور فیما إذا کان أحد الولیین کبیراً والآخر صغیراً وادّعی الکبیر علی شخص أنّه القاتل إن لم یقم ولیّ الصغیر بالدعوی، أو قلنا بعدم نفوذ إقامته الدعوی التی یثبتها الحلف، لأنّه من الحلف فی حقّ الغیر.

ویمکن أن یقال بأنّ علی الغائب إذا حضر بعد القصاص أو قبله وطالب بالدیة یکون علیه الحلف بخمسة وعشرین، حیث انّ المطالب منه نصف الدیة هو ورثة الجانی إذا کان حضوره بعد القصاص واعتراف الحاضر باستحقاقه نصف الدیة، لا یعدّ إقراراً علی النفس، حیث إنّ اللازم علی الحاضر دفع نصف الدیة عند قصاصه إلی

ص :222

ولو أکذب أحد الولیین صاحبه لم یقدح ذلک فی اللوث[1] وحلف لإثبات حقّه خمسین یمیناً وإذا مات الولی قام وارثه مقامه[2] فان مات فی أثناء الأیمان قال الشیخ: تستأنف الإیمان، لأنّه لو أتمّ لا یثبت حقّه بیمین غیره.

الشَرح:

الجانی أو ورثته لا إلی الولی الآخر. فالولی الآخر یستحقّ نصف الدیة عند مطالبتها علی ورثة الجانی لا علی الولی الذی أخذ بالقصاص، کما لا یخفی.

[1] المراد أنّه إذا ادّعی أحد الولیین فی مورد اللوث القتل علی أحد وقال الولی الآخر أنّه لیس قاتلاً سواء ادّعی أنّ القاتل غیره أو قال أنّه لیس بقاتل فإنّه تکذیبه صاحبه فی دعواه لا یبطل اللوث بالإضافة إلی المدّعی علیه فیکون للمدّعی إثبات کون القاتل هو القسامة، غایة الأمر یکون تکذیب الولی الآخر من قبیل عدم دعواه علی المدّعی علیه، فیکون إثبات الولی المدّعی دعواه بخمسین رجلاً أو خمسین حلفاً، لأنّ دعوی القتل عمداً فی مورد اللوث یثبت بذلک.

[2] وذلک لانتقال حقّ الدعوی إلیهم کما فی سایر الحقوق التی ینتقل إلی الوارث ولکونهم أولیاء الدم بعد موت مورّثهم وعلی ذلک ففی مورد اللوث کما هو الفرض یقیمون القسامة علی دعواهم علی المدعّی علیه وکذا إذا مات مورّثهم أثناء الأیمان من القسامة، حیث یتعیّن علی القسامة استیناف الأیمان، لأنّ علی المدّعی إثبات دعواه بالقسامة والمدّعی بعد موت المورّث هم الورثة ویکون علیهم الإتیان بالقسامة بعد دعواهم علی المدّعی علیه حیث إنّ الإتیان بالقسامة وظیفة المدّعی وما نقل عن الشیخ من التعلیل بأنّه لا یثبت حقّ الوارث بیمین غیره لا یخلو عن المناقشة، فإنّه یمکن أن لا یکون بعض القسامة أو جلّها مدّعیاً، ومع ذلک یثبت دعوی المدّعی بیمینهم.

والصحیح ما ذکرنا من أنّ الوارث لم یکن مدّعیاً حال حیاة المورّث وبعد موته ودعواه علی المدّعی علیه فعلیه إقامة القسامة علی دعواه.

ص :223

مسائل

الأولی: لو حلف مع اللوث واستوفی الدیة

الأولی: لو حلف مع اللوث واستوفی الدیة ثمّ شهد اثنان أنّه کان غائباً فی حال القتل غیبة لا یقدر معها القتل بطلت القسامة واستعیدت الدیة[1].

الثانیة: لو حلف واستوفی الدیة ثمّ قال: هذه حرام فإن فسّره، بکذبه فی الیمین استعیدت منه[2] وإن فسّره بأنّه لا یری القسامة لم یعترضه وإن فسّر بأنّ الدیة لیست ملکاً للباذل فإن عیّن المالک الزم دفعها إلیه، ولا یرجع علی القاتل بمجرّد قوله، ولو لم یعین أقرّت فی یده.

الشَرح:

[1] لأنّ اعتبار القسامة معلّق علی عدم البیّنة للمدّعی علیه علی نفی الدعوی، وإذا قامت البیّنة بذلک تبطل القسامة التی کانت مستند الاثبات، وعلیه فإن أخذ المدّعی الدیة فعلیه ردّها علی المدّعی علیه.

وکذا إذا کان ذلک بعد الاقتصاص بالقسامة ما لم یعترف أنّه کذب فی دعواه، حیث یحسب اقتصاصه من القتل من غیر تعمّد، وإذا اعترف بأنّه کاذب فی دعواه یؤخذ بالقصاص.

الثانیة: لو حلف واستوفی الدیة

وما ورد فی عدم سماع البیّنة بعد الحلف هو بیّنة المدّعی، فإن أقامها بعد رضاه بیمین المنکر فلا تسمع ولا یفید إقامتها بعد یمینه ولا یجری ذلک فی المقام کما لا یخفی.

نعم لو لم یقم المدّعی فی المقام البیّنة أو القسامة بدعواه ورضی بیمین المدّعی علیه وقسامته فلا یسمع منه البیّنة أو القسامة علی دعواه أخذاً باطلاق قوله علیه السلام : «ذهبت الیمین بدعوی المدّعی ولا دعوی له».

[2] أخذاً علیه بإقراره بخلاف ما إذا فسّره بأنّه لا یری القسامة مثبتةّ لدعواه علی مذهبه فإن الحاکم حیث یری استحقاقه بها لا یستردّها منه.

ص :224

الثالثة: لو استوفی بالقسامة

الثالثة: لو استوفی بالقسامة فقال آخر: أنا قتلته منفرداً قال فی الخلاف: کان الولی بالخیار[1]. وفی المبسوط لیس له ذلک، لأنّه لا یقسم إلاّ مع العلم فهو مکذب للمقر.

الرابعة: إذا اتّهم والتمس الولی حبسه حتّی یحضر بینّة ففی إجابته تردّد ومستند الجواز ما رواه السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام [2].«أن النبی صلّی اللّه علیه وآله، کان یحبس فی تهمة الدم ستة أیام، فإن جاء الاولیاء ببینة ثبت، والا خلی سبیله» وفی السکونی ضعف .

الشَرح:

ولکن یمکن أن یقال فیمن لا یری علی مذهبه الدیة بالقسامة بأنّ علی المدّعی علیه إلزامه بالاسترداد إلزاماً له بما التزموا به علی مذهبهم.

نعم لو لم یکن فی البین مورد لقاعدة الإلزام کما إذا فسّر بأنّ الدیة لیست ملکاً لباذلها یؤخذ بإقراره فیما إذا عیّن مالکها ویلزم بردّها علیه، ولا یکون له الرجوع إلی القاتل بمطالبة الدیة منه لنفوذ إقراره علی نفسه لا علی القاتل ولو لم یعیّن المالک فللحاکم إبقائها فی یده إذا کان هو أو معطیها من أهل الصدقة فی المال المجهول مالکه.

الرابعة: إذا اتّهم والتمس الولی

[1] إذا ادّعی علی الغیر فی مورد اللوث وأقام القسامة علی کونه القاتل سواء أخذ منه الدیة أو لم یأخذها ثمّ أقرّ شخص بأنّه القاتل منفرداً لا یجوز للمدّعی الأخذ علی المقرّ بإقراره بأن یأخذ الدیة منه لأنّ دعواه علی المدّعی علیه إقرار بأنّه لا یستحقّ علی المقرّ.

وما ذکر الشیخ قدس سره من کونه مخیّراً فی أخذ الدیة من أی منهما لا یمکن المساعدة علیه، ولو صدّق المقرّ فی إقراره لا یجوز له أخذ الدیة من المدّعی علیه أیضاً وإن استوفاها منه قبل ذلک تستردّ منه، لأنّ تصدیقه یعتبر إقراراً بأنّه لا یستحقّ الدیة من المدّعی علیه وتکذیب لقسامته التی أقامها.

[2] روی الشیخ بأسانیده عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن النوفلی عن السکونی

ص :225

کیفیة الاستیفاء

الفصل الرابع

فی کیفیة الاستیفاء

قتل العمد یوجب القصاص[1] لا الدیة فلو عفا الولی علی مال لم یسقط القود ولم تثبت الدیة إلاّ مع رضاء الجانی، ولو عفا ولم یشترط المال سقط القود ولم تثبت الدیة ولو بذل الجانی القود لم یکن للولی غیره.

الشَرح:

عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ النبی صلی الله علیه و آله کان یحبس فی تهمته الدم ستة أیام فإن جاء أولیاء الدم بثبت وإلاّ خلّی سبیلة»(1).

وناقش الماتن فی الروایة بالسکونی مع أنّ الشیخ قدس سره وثّقه فی العدّة، ویظهر من کلامه أنّه لا ضعف فی الراویة بالنوفلی مع أنّه لم یوثّق، وقد ذکر أنّه لا یبعد کونه من المعاریف الذین لم یرد فیهم قدح ومقتضی إطلاقها عدم الفرق فی ذلک بین التماس المدّعی وعدمه ویمکن دعوی عدم اختصاصها بدعوی القتل بل یجری فی دعوی الجراح أیضاً ولکن ما ورد فیها من قوله علیه السلام حاکیاً عن النبی صلی الله علیه و آله فإن جاء أولیاء الدم بثبتٍ ظاهره دعوی القتل دون الجراح.

[1] لا خلاف فی ثبوت القصاص فی القتل متعمّداً والمشهور بین الاصحاب بل المنفی عنه الخلاف ثبوته لولی الدم علی نحو التعیین لا علی نحو التخییر بینه وبین الدیة فلا تثبت الدیة إلاّ مع رضاء الجانی إذا عفی الولی علی شرط المال سواء کان بمقدار الدیة أو الأقل أو الأکثر وإذا لم یرض الجانی لم یسقط حقّ القصاص ولم یثبت لولیّ الدم المال حتّی ما لو کان بمقدار الدیة.

ویدلّ علی ذلک صحیحة عبداللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبداللّه علیه السلام یقول: من

ص :226


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 9 من أبواب دعوی القتل وما یثبت به، الحدیث 1: 121.

.··· . ··· .

الشَرح:

قتل مؤمناً متعمّداً قید منه إلاّ أن یرضی أولیاء المقتول أن یقبلوا الدیة فإن رضوا بالدیة وأحبّ ذلک القاتل فالدیة»(1).

فإنّ مقتضی تقیید نفوذ رضاء أولیاء المقتول فی أخذ الدیة بحبّ الجانی اعتبار رضاه فی الانتقال إلی الدیة.

والمنسوب إلی العمانی والاسکافی تخییر الولی بین القصاص وأخذ الدیة مع عدم عفوه.

ویستظهر ذلک من روایات:

وهی صحیحة عبداللّه بن سنان وابن بکیر جمیعاً عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سئل عن المؤمن یقتل المؤمن متعمّداً . . . إلی أن قال، فقال: إن لم یکن علم به انطلق إلی أولیاء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه فإن عفو عنه فلم یقتلوه أعطاهم الدیة وأعتق نسمة وصام شهرین متتابعین وأطعم ستین مسکیناً توبة إلی اللّه عز وجلّ»(2).

وصحیحته الأخری عن أبی عبداللّه علیه السلام «أنّه سئل عن رجل قتل مؤمناً متعمّداً وهو یعلم أنّه مؤمن غیر أنّه حمله الغضب علی أنّه قتله هل له من توبة إن أراد ذلک أو لا توبة له قال توبته إن لم یعلم انطلق إلی أولیائه فأعلمهم أنّه قتله فإن عفی عنه أعطاهم الدیة واعتق رقبة وصام شهرین متتابعین وتصدّق علی ستین مسکیناً»(3).

ووجه الاستظهار أنّه إذا وجب علی الجانی إعطاء الدیة مع عفو الولی أو الأولیاء عن القصاص فلا محالة یکون مطالبتهم الجانی بالدیة وإغماضهم عن القصاص حقّاً

ص :227


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب دیات النفس، الحدیث 9: 144.
2- (2) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب الکفارات، الحدیث 1.
3- (3) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب الکفارات، الحدیث 3.

.··· . ··· .

الشَرح:

لهم علیه ونحوهما روایة أبی بکر الحضرمی قال: قلت لابی عبداللّه علیه السلام : رجل قتل رجلاً متعمّداً، قال: جزاءه جهنّم، قال قلت له: هل له من توبة؟ قال: نعم، یصوم شهرین متتابعین ویطعم ستین مسکیناً ویعتق رقبة ویؤدّی دیته، قال قلت: لا یقبلون منه الدیة، قال: یتزوّج إلیهم ثمّ یجعلها صلة یصلهم بها، قال قلت: لا یقبلون منه ولا یزوّجونه، قال: یصرّه صرراً یرمی بها فی دارهم»(1)، ووجه الاستظهار ما تقدّم.

وفی النبوی: «من قتل له قتیلاً فهو مخیّر بین النظرین إمّا أن یفدی أو یقتل»(2).

وفی النبوی الآخر: «من أصیب بدم أو خبل فهو بالخیار بین إحدی ثلاث أمّا أن یقتصّ أو یأخذ العقل أو یعفو»(3).

ولکن لا یخفی أنّ النبویین لا یمکن الاعتماد علیهما، وکذلک روایة أبی بکر الحضرمی مع أنّ مدلولها وجوب إعطاء الدیة حتّی مع امتناع ولی الدم عن أخذها، فضلاً عن عدم مطالبته بها.

ویمکن أن یقال: إنّ صحیحة عبداللّه بن سنان الأولی المذکورة دلیلاً علی القول المشهور تعدّ قرینة علی أنّ إعطاء الجانی مع العفو عن القصاص مقیّد فی الصحیحتین الأخرتین بصورة التراضی، ومع عدم إمکان هذا التقیید تقدّم الصحیحة الأخری، لموافقتها لظاهر الکتاب المجید(4).

حیث إنّ ظاهرها أنّ المجعول للولی فی مورد القتل متعمّداً الولایة علی

ص :228


1- (1) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب الکفارات، الحدیث 4.
2- (2) سنن البیهقی: 8/52.
3- (3) سنن البیهقی: 8/53.
4- (4) سورة المائدة: الآیة 45.

ولو طلب الدیة فبذلها الجانی صحّ ولو امتنع لم یجز[1]، ولو لم یرض الولی بالدیة جاز المفاداة بالزیادة.

الشَرح:

القصاص الذی هو النفس بالنفس، ولذا لو عفی الولی عن القصاص علی شرط المال لم یسقط القصاص ولم تثبت الدیة، کما أنّه لو عفی عن القصاص ولم یشترط المال سقط حقّ القصاص ولم یکن له المطالبة بالدّیة.

[1] ولکن قد یقال إذا اختار الولی الدیة یجب علی الجانی دفعها ولیس له الامتناع إلاّ من بذل نفسه للقصاص، حیث یجب علیه حفظ نفسه الموقوف علی بذل الدیة أو حتی فیما إذا طلب الولی بالزاید علیها. هذا مع تمکّنه علی بذلها أو بذل الزاید علیها.

وفیه: إنّ وجوب حفظ النفس إذا کان متعلّقاً لحقّ الغیر غیر ثابت، ولذا یجب تسلیم نفسه إلی الولی إذا أراد التوبة حتّی مع علمه بأنّه یأخذ القصاص منه.

وعلی تقدیر القول بوجوب حفظ نفسه مع تمکّنه علی أداء الدیة أو حتّی الزاید علیها لا یکون هذا الوجوب معیّناً لحقّ الولی وتخییره بین القصاص أو أخذ الدیة بحیث لو امتنع الجانی أو یتصدّی الحاکم لإعطائها من أمواله. نعم إذا لم یمکن للولیّ الاقتصاص أو توقّف الاقتصاص علی ردّ الدیة یکون للولی المطالبة بالدیة.

ویدلّ علی الانتقال إلی الدیة فی الأول صحیحة ابن نصر عن أبی جعفر علیه السلام «فی رجل قتل رجلاً عمداً ثمّ فرّ فلم یقدر علیه حتّی مات قال: إن کان له مال أخذ وإلاّ أخذ من الأقرب فالأقرب»(1).

وموثقة أبی بصیر قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قتل رجلاً متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم یقدر علیه قال: إن کان له مال أخذت الدیة من ماله وإلاّ فمن الأقرب

ص :229


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحدیث 3: 303.

ولا یقضی بالقصاص ما لم یتعیّن التلف بالجنایة ومع الاشتباه یقتصر علی القصاص فی الجنایة[1] لا فی النفس.

ویرث القصاص من یرث المال عدا الزوج والزوجة[2] فإنّ لهما نصیبهما من الدیة فی عمد أو خطأ، وقیل: لا یرث القصاص إلاّ العصبة دون الاخوة والأخوات الشَرح:

وإن لم یکن له قرابة أدّاه الإمام فإنّه لا یبطل دم امرء مسلم»(1)، ومقتضاه أنّه مع عدم المال تؤخذ الدیة من عاقلته ومع عدمها یتحمل الإمام ویودّی من بیت المال.

والروایتان وإن کانتا واردتین فی موت الجانی وهربه من القصاص إلاّ أنّ الانتقال إلی الدیة حکم لعدم إمکان القصاص، ولو کان من غیر جهتی الفرار والموت کما هو مقتضی تفریع عدم التمکّن من القصاص علی فراره.

أضف إلی ذلک مقتضی التعلیل الجاری فی جمیع موارد عدم التمکّن، ولو کان عدمه شرعاً کما فی قتل الوالد ولده متعمداً فإنّه یتعیّن حقّ ولیّ الدم فی الدیة، وأمّا کون ولیّ الدم مخیّراً بین القصاص مع ردّ الدیة أو أخذ الدیة فیدلّ علیه ما ورد فی قتل الرجل المرأة متعمّداً علی ما تقدّم تفصیله، وفیما إذا عفی بعض الأولیاء عن الجانی وفیما إذا اشترک اثنان فی قتل واحد وفیما إذا کان الجانی قد أخذ علی الجنایة علی عضوه دیة أو ذهب عضوه قصاصاً ثمّ قتل آخر عمداً.

[1] فإنّ استناد قتل النفس إلی الجارح إنّما یکون بسرایة الجرح واستفاد تلف النفس إلیه، وإذا لم یحرز ذلک بالبیّنة العادلة وإقرار الجانی یکون مقتضی الاستصحاب عدم کون التلف مستنداً إلی الجرح فیؤخذ القصاص فی الجنایة أو یؤخذ فیها بالأرش علی ما یأتی.

[2] الظاهر أنّ عدم إرث الزوج أو الزوجة حقّ القصاص مجمع علیه بین

ص :230


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحدیث 1: 302.

من الأم ومن یتقرّب بها وهو الأظهر. وقیل: لیس للنساء عفو ولا قود علی الأشبه.

الشَرح:

الأصحاب. نعم إذا ثبت الدیة أصلاً أو صلحاً یکونان کبقیة الوارث بحسب سهامهما ثمناً أو ربعاً.

وعن جماعة من أصحابنا قدیماً وحدیثاً أنّه یرث القصاص من یرث المال غیر ما قلنا من استثناء الزوج والزوجة کما نقل ذلک عن الشیخ فی المبسوط وابن ادریس فی السرائر فی موضوع منها.

وعن العلامة والشهید وعن الأصحاب من استنثی ممن یرث المال الاخوة والأخوات وغیرهما ممن یتقرّب إلی المقتول من طرف الأم، وإلی ذلک أشار الماتن قدس سره بقوله: وقیل لا یرث القصاص إلاّ العصبة دون الاخوة والأخوات من الأم وممن یتقرّب بها وهو الأظهر.

وعن بعض الأصحاب قول آخر وهو انّ النساء لا یرثن من حقّ القصاص أصلاً وإلی ذلک أیضاً أشار الماتن بقوله وقیل لیس للنساء عفو ولا قود.

ومستند هذا موثقة أبی العباس البقباق عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قلت للنساء قود أو عفو قال: لا ، ذلک للعصبة»(1).

قال الشیخ قدس سره یعد روایتها بإسناده عن علی بن الحسن بن فضال قال علی بن الحسن: هذا خلاف ما علیه أصحابنا، وذکر فی الوسائل بعد نقلها: هذا محمول علی التقیّة.

وقد یقال: إنّما تحمل الروایة علی التقیّة فی مورد المعارضة ولیس فی البین ما یدلّ علی ثبوت القود للام أو النساء من العصبة حتّی تحمل الموثقة علی التقیّة، وإنّما

ص :231


1- (1) الوسائل: الباب 8 من أبواب موجبات الارث، الحدیث 6: 432.

.··· . ··· .

الشَرح:

الموجود فی مقابلها الاطلاق کما فی الآیة المبارکة «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لولیّه سلطاناً»(1) المقتضی لثبوت حقّ القصاص للنساء أیضاً، ویرفع الید عنه بالموثقة الدالّة علی کون المراد بالولی ذکور الواّرث من النسب وعدم ثبوته للنساء.

ودعوی انّ الموثقة معرض عنها لقول علی بن الحسن بن فضال: هذا خلاف ما علیه أصحابنا، لا یمکن المساعدة علیها، فإنّه لم یثبت الاعراض الموهن، خصوصاً بملاحظة ما ذکره البعض من أنّ النساء لا یرثن من الدیة، فإنّه إذا لم یکن لهنّ الارث من الدیة فمن القصاص بالأولویة.

وقد یقال: ما ثبت بالروایات کما یأتی أنّ المتقرّب بالام لا یرث من الدیة سواء کان ذکراً أم أنثی ویتعدّی منه إلی القصاص أیضاً، فإنّ المتقرب بها إذا لم ترث من الدیة فمن القصاص أولی، وأمّا الاناث من المتقرّبات إلیه بالأب أو نفس الأم فیمکن استظهار أنّهنّ یرثن بقدر سِهامِهن من حقّ القصاص مضافاً إلی اطلاق مثل الآیة من صحیحة أبی ولاّد الحنّاط، قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قتل وله أم وأب وابن، فقال الابن: أنا أرید أن أقتل قاتل أبی ، وقال الأب: أنا أرید أن أعفو، وقالت الأم، أنا أرید أن آخذ الدیة، قال فقال: فلیعط الابن أمّ المقتول السدس من الدیة ویعطی ورثة القاتل السدس من الدیة حقّ الأب الذی عفا ولیقتله»(2).

ووجه الاستظهار أنّ ثلث الدیة الذی یعطیه الابن دیة الجانی لا دیة أبیه حتّی یرثها بمقدار حصّته من دیة ابنها المقتول فحکمه علیه السلام بأنّها تأخذ سدس الدیة عفو عن حقّ قصاصها علی الدیة، ولو لم یکن لها حقّ القصاص لم یکن یستحقّ الأخذ من دیة

ص :232


1- (1) سورة الاسراء: الآیة 33.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 52 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 83.

وکذا یرث الدیة من یرث المال والبحث فیه کالأول غیر انّ الزوج والزوجة یرثان من الدیة علی التقدیرات[1].

الشَرح:

الجانی سدس الدیة لأنّها لا تستحقّ من دیة ابنها المقتول إلاّ إذا صولح القصاص بالدیة إذا لم یکن للأم حقّ القصاص، والمفروض أنّ أب المقتول وابنه لم یصالحا حقّ القصاص بالدیّة بل أسقط أحدهما حقّه قصاصاً ودیّةً، والثانی استوفی حقّ القصاص. وبتعبیر آخر: لم یثبت فی الفرض الدیة للمقتول علی الجانی أصالةً، وإلاّ لم یکن مورد القصاص من الابن کما أنها لم یثبت علی الجانی صلحاً لأنّ أب المیت عفی القاتل من القصاص والدیة، والابن أراد القصاص فما تعطی لأم المیّت عوض عن حقّ قصاصها الذی عفته وطالبته بالدیة، فیکون الابن ضامناً لها کم یضمن لورثة الجانی عفو الأب قصاصاً ودیةً. فهذا الصحیحة _ علی تقدیر دلالة معتبرة أبی العباس _ معارضة لها فی جهة الأم ولا مجال للجواب عن المعارضة بأنّ عدم ثبوت حقّ القصاص للأم لا ینافی حقّها فی الدیة. نعم یمکن دعوی اختصاصها بالأم ویؤخذ فی غیرها بدلالة المعتبرة.

[1] لا ینبغی التأمّل فی أنّ المتقرّب بالأمّ إلی المقتول لا یرث الدیة من غیر فرق بین الذکور والاناث کالاخوة والأخوات للمقتول من أمّه، ویدلّ علی ذلک صحیحة سلیمان بن خالد عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قضی علی علیه السلام فی دیة المقتول أنّه یرثها الورثة علی کتاب اللّه وسهامهم إذا لم یکن علی المقتول دین إلاّ الاخوة والأخوات من الأمّ، فإنّهم لا یرثون من دیّته شیئاً»(1).

وصحیحة عبداللّه بن سنان قال: قال أبو عبداللّه علیه السلام : «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام أنّ الدیة یرثها الورثة إلاّ الاخوة والاخوات من الأم فإنّهم لا یرثون من الدیة شیئاً»(2).

ص :233


1- (1) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحدیث 1: 393.
2- (2) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحدیث 2: 393.

.··· . ··· .

الشَرح:

وصحیحة محمد بن قیس علی الأظهر، عن أبی جعفر علیه السلام قال قال: «الدیة یرثها الورثة علی فرائض المیراث إلاّ الاخوة من الأم فإنّهم لا یرثون من الدیة شیئاً»(1).

ومعتبرة عبید بن زرارة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «لا یرث الاخوة من الأم من الدیة شیئاً»(2).

والروایات وإن ذکرت فیها الاخوة والأخوات إلاّ أنّه یلحق بهما سایر الأقرباء من طرف الأم، لعدم احتمال الفرق إن لم یکن الإلحاق بالفحوی.

نعم، نفس الأم ترث من دیة ولدها المقتول، لأنّ إرثها الدیة _ مضافاً إلی أنّه مقتضی الاطلاق فی حساب الدیة من ترکته _ مستفاد من موثقة سماعة، قال: «سألته عن رجل ضرب ابنته وهی حبلی فأسقطت سقطاً میتاً فاستعدی زوج المرأة علیه فقالت المرأة لزوجها: إن کان لهذا السقط دیة ولی فیه میراث فإنّ میراثی فیه لابی ، قال: لا یجوز لأبیها ما وهبت له»(3).

وعلی الجملة، تستحقّ الأم وإن بنی علی عدم حقّ القصاص للنساء ومنهنّ الأم علی ما تقدّم فی معتبرة أبی العباس البقباق عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قلت: هل للنساء قود أو عفو قال: لا وذلک للعصبة»(4)، والمراد من العصبة الذکور التقربّ إلی المیت من ولده أو من طرف أبیه.

وکذا الحال فی الزوج والزوجة، فإنّه لا یرث القصاص أحدهما إذا قتل الآخر،

ص :234


1- (1) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحدیث 4: 393.
2- (2) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحدیث 5: 394.
3- (3) الوسائل: ج 17، الباب 10 من أبواب موانع الارث، الحدیث 7: 395.
4- (4) الوسائل: ج 17، الباب 8 من أبواب موجبات الارث، الحدیث 6: 432.

وإذا کان الولی واحداً جاز له المبادرة[1]

الشَرح:

ولکن یرث أحدهما من دیة الآخر کما یشهد لذلک موثقة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: «أیّما امرأة طلّقت فمات عنها زوجها قبل أن تنقضی عدّتها فإنّها ترثه ثمّ تعتدّ عدّة المتوفی عنها زوجها، وإن توفیت فی عدّتها ورثها، وإن قتلت ورث من دیتها، وإن قتل ورثت من دیته ما لم یقتل أحدهما الآخر»(1).

ومثلها موثقة محمد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ توفّی عنها وهی فی عدّتها قال: ترثه ثمّ تعتدّ عدّة المتوفّی عنها زوجها، وإن ماتت ورثها، فإن قتل أو قتلت وهی فی عدّتها ورث کلّ واحد منهما من دیة صاحبه»(2).

وأمّا ما ورد فی موثقة السکونی عن جعفر عن أبیه: «أنّ علیّاً علیه السلام کان لا یورّث المرأة من دیة زوجها شیئاً ولا یورّث الرجل من دیة امرأته شیئاً ولا الاخوة من الأم من الدیة شیئاً»(3) فتحمل علی التقیّة فی مقام المعارضة لو لم یمکن حملها علی صورة قتل أحدهما صاحبه، واللّه العالم.

[1] وذلک فإنّ جواز المبادرة بعد ثبوت حقّ القصاص مقتضی سلطنة ولی المقتول، والقصاص لا یدخل فی الحدود التی تکون بید الإمام علیه السلام أو من نصبه خاصّاً أو عاماً، علی ما تقدّم فی بحث الحدود، ونسب جواز المبادرة إلی أکثر الأصحاب أو أکثر المتأخرین.

وعن جماعة اعتبار الاستیذان فلا تجوز المبادرة إلیه، فإن بادر فعل حراماً،

ص :235


1- (1) الوسائل: ج 17، الباب 13 من أبواب میراث الأزواج، الحدیث 8: 531.
2- (2) الوسائل: ج 17، الباب 13 من أبواب میراث الأزواج، الحدیث 9: 532.
3- (3) الوسائل: ج 17، الباب 11 من أبواب موانع الارث، الحدیث 4: 396.

والأولی توقّفه علی إذن الإمام، وقیل: تحرم المبادرة ویعزّر لو بادر، وتتأکّد الکراهیه فی قصاص الطرف، وإن کانوا جماعة لم یجز الاستیفاء إلاّ بعد الاجتماع، أمّا بالوکالة أو بالاذن لواحد[1]. وقال الشیخ قدس سره یجوز لکلّ منهم المبادرة ولا یتوقّف علی إذن الآخر، لکن یضمن حصص من لم یأذن.

الشَرح:

ولذلک یعزرّ وربما قیل یشیر إلی عدم الجواز روایة محمد بن مسلم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دیة له فی قتل ولا جراحة»(1).

ولکن لا یخفی مع أنّ فی سندها محمد بن عبداللّه بن هلال مقتضی التقیید فیها أنّه لولا أمر الأمام یثبت علی ولی الدم الدیة، ولم یلتزم ولا یمکن الالتزام به، والمراد بأمر الإمام أن یثبت حقّ الاقتصاص للمستوفی عند الإمام. نعم لا بأس بالالتزام بأنّ الاحتیاط استحباباً الاستیذان خروجاً عن الخلاف فی مقام الاستیفاء.

[1] یقع الکلام فی المقام فی أنّه مع تعدّد أولیاء الدم یثبت لمجموعهم حقّ واحد قائم بالمجموع بما هو مجموع، بحیث لو عفی واحد منهم سقط حقّ القصاص عن الجمیع، نظیر إرث الخیار فی البیع ونحوه، حیث یسقط بإسقاط البعض أو أنّ حقّ القصاص ثابت لعنوان ولیّ المیت بنحو صرف الوجود أو بنحو الانحلال فإن کان بنحو صرف الوجود یکون کالأوّل فی سقوطه ولو بإسقاط واحد منهم أو بنحو الانحلال فلا یسقط عن الآخرین بإسقاط البعض؟

الأظهر فی المقام کونه بنحو الانحلال، ولا یقاس بحقّ الخیار، فإنّ الخیار المنتقل إلی الورثة هو الخیار الثابت لمورثهم، وهو حقّ واحد لا یتبعّض، فإن اجتمعوا علی الفسخ انفسخت المعاملة وإلاّ تنفذ بخلاف حقّ القصاص فإنّه ثابت لولی الدم ابتداءً، غایة الأمر یحتمل ابتداءً لحاظه بنحو صرف الوجود، ولکن المستفاد من صحیحة

ص :236


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 8: 47.

.··· . ··· .

الشَرح:

أبی ولاّد الحنّاط کونه بنحو الانحلال، قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قتل وله أم وأب وابن فقال الأبن: أنا أرید أن أقتل قاتل أبی، وقا الأب: أنا أرید أن أعفو، وقالت الأم: أنا أرید أن آخذ الدیة، قال: فقال فلیعط الابن أمّ المقتول السدس من الدیة، ویعطی ورثة القاتل السدس من الدیة حقّ الأب الذی عفی ولیقتله»(1)، ویستفاد منها أیضاً ضمان المستوفی حصّته الآخر من الدیة إذا لم یعفو حتّی عن الدیة، ومع العفو عنها یضمن لورثة الجانی.

أضف إلی ذلک أنّه لو کان حقّ القصاص ثابتاً للمجموع أو بصرف وجود الوارث أنّه لو قتل الجانی أحد الورثة مستقلاً فاللازم أن یتعلّق علیه القصاص علی الأول وأن یسقط حقّ القصاص بعفو واحد من الورثة ابتداءً علیهما.

لا یقال: لا بأس بالالتزام بسقوط القصاص عن الجانی بعفو أحد الورّاث ولو مع عدم رضاء الباقین، کیف؟ وقد یدلّ علیه صحیحة عبدالرحمن فی حدیث قال: «قلت لابی عبداللّه علیه السلام : رجلان قتلا رجلاً عمداً وله ولیّان فعفا أحد الولیین قال فقال: إذا عفا بعض الأولیاء دری ء عنهما القتل وطرح منهما من الدیة بقدر حصّة من عفا وأدّی الباقی من أموالهما إلی الذین لم یعفوا»(2).

وصحیحة أبی مریم الأنصاری، أو حسنته، عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فیمن عفا من ذی سهم فإنّ عفوه جایز وقضی فی أربعة اخوة عفا أحدهم قال: یعطی بقیّتهم الدیة، ویرفع عنهم بحصّته الذی عفا»(3).

ص :237


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 52 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 83.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 85.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 85.

.··· . ··· .

الشَرح:

وفی روایة زرارة عن أبی جعفر علیه السلام «فی رجلین قتلا رجلاً عمداً وله ولیّان فعفا أحد الولیّین فقال: إذا عفا عنهما بعض الأولیاء دری ء عنهما القتل وطرح عنهما من الدیة بقدر حصّة من عفا وأدّی الباقی من أموالهما إلی الذی لم یعف»(1).

وفی روایة غیاث بن کلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه «أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول من عفا عن الدم من ذی سهم له فیه فعفوه جائز وسقط الدم وتصیر دیة ویرفع عنه حصّته الذی عفا»(2).

وهذه الأخبار وإن کانت ظاهرة فی سقوط حقّ القصاص عن الباقین بعفو بعض الورثة عن القصاص، ولکن لا دلالة لها علی عدم جواز القصاص مستقلاً قبل عفو بعض الورثة بأن یعتبر فی جواز القصاص اجتماع الورثة علیه کما هو ظاهر الماتن والمحکی عن العلامة والشهیدین والفاضل المقداد والأردبیلی والکاشانی، ومع ذلک لابدّ من رفع الید عن هذه الأخبار والأخذ بصحیحة أبی ولاّد الحنّاط المتقدّمة الظاهر فی انحلال حقّ القصاص وأنّه یتعلّق علی من أخذ بالقصاص إعطاء حصّته سایر الورثة من الدیة إذا عفوا عن القصاص خاصة، وذلک فإنّه موافقة لظاهر الآیة المبارکة الدالة علی جعل السلطان لولی المقتول ظلماً حتّی وإن عفی بعض الولی عنه.

أضف إلی ذلک أنّ السقوط مذهب معظم العامّة کما أنّ المشهور عند أصحابنا و مذهب الأکثر من أصحابنا کون حقّ القصاص انحلالیّاً، وظاهر المبسوط الأجتماع علیه کما قیل.

ولکن لا یخفی انّ هذا فی حقّ قصاص النفس الذی یثبت لأولیاء المقتول ابتداءً.

ص :238


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 3: 86.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 54 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 4: 85.

وینبغی للأمام أن یحضر عند الاستیفاء شاهدین فطنین احتیاطاً[1] ولاقامة الشهادة إن حصلت مجاحدة ویعتبر الآلة لئلا تکون مسمومة خصوصاً فی قصاص الطرف[2]

الشَرح:

وأمّا إذا کان حقّ القصاص بالارث من واحد کما إذا مات ولیّ المقتول قبل الأخذ بالقصاص أو کان القصاص فی الطرف لا فی النفس ومات المجنی علیه قبل استیفاء القصاص والعفو یکون الأمر فیه کما فی إرث الخیار من ثبوته لمجموع الورثة، حیث انّ الحقّ الموروث واحد کما فی إرث الخیار.

[1] لم یرد بذلک نصّ فی المقام ولکن الاحتیاط فی محلّه، بل لازم إذا احتمل الحاکم أنّ أولیاء المقتول یجعلون حقّ القصاص ذریعة فی قتلهم شخصاً آخر ظلماً أو خیف من وقوع الفتنة أو الاتهام ولو بعد حین بدعوی ورثة الجانی، أنّ القتل بالقصاص لم یحصل وأنّما قتلوه ظلماً.

[2] إن کان المراد انّ الآلة إذا کانت مسمومة لا یحصل القصاص فلا سبیل لنا إلی ذلک حتّی فی قصاص الطرف، وإن کان المراد عدم جواز ذلک تکلیفاً فإنّ کونها مسمومة یؤثّر فی جسد المقتول من تفرّق الأعضاء بحیث یشکل تجهیزه، فهذا لا یجری فیمن اغتسل ولبس الکفن قبل القصاص، وعلی کلّ فلا بأس بالالتزام بعدم الجواز إن أوجبت هتکاً فی المقتول فی جسده قبل الدفن، وهذا فی قصاص النفس.

وأمّا فی قصاص الطرف، فإن کان السّم معرضاً لسرایة الجرح فلا یجوز فإنّه تعدّی علی الجانی، ولذا یحکم بضمان المقتصّ إذا تعدّی وکذا إذا سری السمّ، وإذا کانت السرایة أمراً قاتلاً غالباً أو کان قصده ذلک یتعلّق القصاص علی المقتصّ وإلاّ یؤخذ منه الدیة.

نعم، إذا استند موت الجانی إلی القصاص والسمّ، یدفع إلی أولیاء المقتصّ الدیة

ص :239

ولو کانت مسمومة فحصلت منها جنایة بسبب السمّ ضمنه، ویمنع من الاستیفاء بالآلة الکالّة تجنّباً للتعذیب، ولو فعل أساء ولا شیء علیه، ولا یقتصّ إلاّ بالسیف ولا یجوز التمثیل به[1] بل یقتصر علی ضرب عنقه، ولو کانت الجنایة بالتغریق أو بالتحریق أو بالمثقل أو بالرضخ.

الشَرح:

فی القصاص منه، کما فی صورة کون السرایة إلی النفس غیر مقصود، ولا أمراً غالبیاً لکون الجنایة مستندة إلی أمرین أحدهما مضمون والآخر غیر مضمون أو یؤخذ منه الدیة.

[1] حیث انّ المثلة حرام وقد ورد النهی عنه حتّی بالإضافة إلی البغاة علی الإمام علیه السلام .

ویدلّ علیه أیضاً جملة من الروایات:

منها صحیحة الحلبی وروایة أبی الصباح الکنانی، جمیعاً عن أبی عبداللّه علیه السلام قالا: «سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم یقلع عنه الضرب حتّی مات، أیدفع إلی ولیّ المقتول فیقتله؟ قال: نعم، ولکن لا یترک یعبث به ولکن یجیز علیه بالسیف»(1).

وروایة اسحاق بن عمّار قال: «قلت لأبی عبداللّه علیه السلام : إنّ اللّه یقول فی کتابه «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لولیّه سلطاناً فلا یسرف فی القتل» ما هذا الإسراف الذی نهی عنه؟ قال: نهی أن یقتل غیر قاتله أو یمثّل بالقاتل»(2).

ولا یخفی انّ مقتضاهما عدم جواز القصاص بالآلة أیضاً. فإن القصاص به نوع عبث بالجانی وإسراف فی قتله.

ص :240


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 62 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 95.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 62 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 95.

وأجرة من یقیم الحدود من بیت المال، فإن لم یکن بیت مال أو کان هناک ما هو أهمّ کانت الأجرة علی المجنی علیه[1 [ولا یضمن المقتصّ سرایة القصاص. نعم لو تعدّی ضمن. فإن قال: تعمّدت، اقتصّ منه فی الزاید، وإن قال: أخطأت، أخذت منه دیة العدوان، ولو خالفه المقتصّ منه فی دعوی الخطأ کان القول قول المقتصّ مع یمینه، وکلّ من یجری بینهم القصاص فی النفس یجری فی الطرف، ومن لا یقتصّ له فی النفس لا یقتصّ له فی الطرف.

الشَرح:

وظاهر الصحیحة والروایة التی لا تبعد اعتبارها تعیّن القصاص بالسیف وکونه بالضرب فی عنقه خاصّة، فیمکن استنادته ممّا ورد فی تجهیز المقتول قصاصاً ولکن سندها ضعیف کدلالتها.

ودعوی أنّ الجانی یقتل بما هو المتعارف فی کلّ عصر أخذاً بالاطلاق فی الروایات الواردة فی ولایة ولی المقتول بقتل الجانی والتحدید بالضرب بالسیف لکونه هو المتعارف فی ذلک الزمان لا لخصوصیة فیه، لا یمکن المساعدة علیه. فإنّ ظاهر الصحیحة ونحوها تحدید القصاص المشروع بالضرب بالسیف کسایر التحدیدات الواردة فی سایر الموارد، کما أنّ القول بأنّه یجوز القصاص بمثل ما قتل أخذاً ببعض النبوی مع ضعفه سنداً ومعارضته بما تقدّم وإعراض الأصحاب عنه لا یعبأ به.

وعلی الجملة، فالقصاص عن الجانی القاتل عمداً فی جواز کیفیة القصاص تکلیفاً مقیّد بکونه بالإجهاز علیه بالسیف، فإذا کان القصاص بغیر هذه الکیفیة یکون محرّماً فی کیفیّته ویستحقّ الولیّ المرتکب التعزیر علیه.

[1] المراد من المجنی علیه من یقام علیه الحدّ أو یجری علیه القصاص، وأمّا الاجرة علی إقامة الحد فلا ینبغی التأمّل فی أنّها علی بیت المال، فإنّ إقامتها وظیفة الحاکم ولو بالتوکیل والتسبیب، وإذا احتاجت إلی الاجرة تکون علی بیت المال، لأنّ

ص :241

.··· . ··· .

الشَرح:

إقامتها من مصالح المسلمین ولا یجب علی من یقیم علیه الحدّ إلاّ تسلیم نفسه لإقامته. وقد تقدّم مورد وجوب التسلیم فی بحث الحدود، ولو لم یکن بیت مال أو کان فی البین أمر آخر أهمّ لصرفه استدان الحاکم علی بیت المال، وقد تقدّم انّ من الذین یرتزقون من بیت المال الحدّاد، وأمّا القصاص فیمکن أن یکون الأمر فیه أیضاً کذلک.

ویمکن دعوی کون الاجرة علی أولیاء الدم إذا لم یباشروا القصاص، فإنّ مجری القصاص هم الأولیاء ولو بالتسبیب. نعم إذا وصلت النوبة إلی قصاص الإمام لعدم الولی یکون الأجرة علی بیت المال، فإنّ الإمام یکون له القصاص بما هو إمام، ولا یکون فی القصاص الأجرة علی الجانی، فإنّه لیس له إلاّ تسلیم نفسه للقصاص. وتنزیله منزلة البایع إذا باع المکیل والموزون فی کون اجرة الکیل والوزن علیه فیه ما لا یخفی.

وأمّا عدم ضمان المقتصّ سرایة القصاص، فقد تقدّم أنّ من قتله القصاص أو الحدّ لا دیة له فضلاً عن ثبوت القصاص، کما یشهد لذلک عدّة من الروایات، کصحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «أیّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دیة له»(1).

وصحیحة أبی العباس عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عمّن أقیم علیه الحد أیقاد منه أو تؤدّی دیّته؟ قال: لا ، إلاّ أن یزاد علی القود»(2).

وصحیحة محمد بن مسلم عن أحدهما علیه السلام فی حدیث: «ومن قتله القصاص فلا دیة له»(3).

ص :242


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 9، 47.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 7، 47.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 5، 47.

وهنا مسائل:

الأولی: إذا کان له أولیاء لا یولّی علیهم

الأولی: إذا کان له أولیاء لا یولّی علیهم[1] کانوا شرکاء فی القصاص، فإن حضر بعض وغاب الباقون، قال الشیخ للحاضر الاستیفاء بشرط أن یضمن حصص الباقین من الدیة، وکذا لو کان بعضهم صغاراً.

الشَرح:

وفی معتبرة السکونی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «من اقتصّ منه فهو قتیل القرآن»(1)، إلی غیر ذلک.

نعم، لو تعدّی المقتصّ فی اقتصاصه یضمن التعدّی، فإن کان التعدّی عن عمد یقتصّ منه فی مورد القصاص، وإن کان عن غیر عمد یؤخذ منه الدیة، وکذا فی مورد عدم إمکان القصاص.

وأمّا إذا اختلف المقتصّ منه أو أولیائه فی التعدّی أو التعمّد فی العتدّی کان القول قول المقتصّ لأصالة عدم التعدّی وعدم تعلّق القصاص أو الدیة علیه، فیحلف علی عدم التعدّی أو عدم التعدّی عمداً، ولا مورد فی الدماء ونحوها لأصالة العمد لیثبت بحلف الخصم علی نفی الخطأ.

وأمّا جریان القصاص فی الطرف فی کلّ ما یجری فیه القصاص فی النفس وعدم جریانه فی کلّ ما لا یجری فیه القصاص فی النفس علی ما تقدّم فی شرائط القصاص فهو مقتضی الاطلاق فی أدلّة الاشتراط بل التصریح فی الاطلاق فی بعضها کما فی صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام : «لا یقاد مسلم بذمّی فی القتل ولا فی الجراحات»(2)، فراجع.

[1] إذا کان للمقتول أولیاء کاملون بحیث لا یولّی علیهم، کانوا شرکاء فی

ص :243


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2، 46.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 47 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 5، 80.

.··· . ··· .

الشَرح:

القصاص عند الماتن وغیره، ومقتضاه علی ما تقدّم ان لا یجوز لأحدهم لا قتصاص إلاّ بموافقة الأخرین، وعلی ذلک فلو کان بعض الأولیاء غائبین أو قاصرین وقیل بأنّ الولی علی ولیّ الدم لا یملک الاقتصاص منه یشکل الاقتصاص من الأولیاء الحاضرین أو غیر القاصرین.

ولکن مع ذلک قال الشیخ قدس سره أنّه یجوز للحاضر أو الحاضرین أو الکامل والکاملین الاقتصاص ویضمنون للغائب أو القاصر حصتّه من الدیة. وظاهر الماتن قبول هذا القول الذی صحیح علی مسلک الشیخ من کون حقّ الاقتصاص انحلالیّاً، وأمّا إذا کان حقّاً واحداً ثابتاً لمجموع الأولیاء فیجری الأشکال فی الاقتصاص، ولکن عللّ ذلک کما فی الجواهر(1) بأنّ التأخیر فی الاقتصاص إلی مجی ء الغائب أو بلوغ القاصر أو إقامته معرض لزوال حقّ الحاضر أو الکامل وإلزامهما القاتل بإعطاء نصیبهما من الدیة کحبس القاتل إلی مجیء الحاضر، أو بلوغ القاصر ضرر علی القاتل.

أقول: قد تقدّم انّ حقّ الاقتصاص انحلالی، وعلیه فلا إشکال فی جواز اقتصاص الحاضر أو الکامل، ویضمن الغائب أو القاصر حصّته من الدیة. وأمّا إذا لم یکن حقّ الاقتصاص انحلالیّاً کما إذا مات ولی الدم قبل الاقتصاص وانتقل حقّ قصاصه إلی ورثته المتعدّدین بعضهم غائب أو قاصر فلا یجوز للحاضر والکامل الاستقلال فی الاقتصاص، کما تقدّم. فمع عدم ثبوت الاقتصاص لولیّ الغائب أو القاصر _ کما سیأتی _ ینتقل الأمر إلی جواز مطالبة الحاضر أو الکامل نصیبه من الدیة إذا کان انتظار مجیء الغائب أو کمال القاصر معرّضاً لبطلان دم امرء مسلم وذهابه هدراً کما فی سایر موارد

ص :244


1- (1) جواهر الکلام: 42/303.

الثانیة: إذا زادوا علی الواحد فلهم القصاص

وقال: لو کان الولی صغیراً وله أب أو جدّ لم یکن لأحد أن یستوفی حتّی یبلغ، سواء کان القصاص فی النفس أو فی الطرف[1]، وفیه إشکال. وقال: یحبس القاتل حتّی یبلغ الصبی أو یفیق المجنون، وهو أشدّ إشکالاً من الاوّل.

الثانیة: إذا زادوا علی الواحد فلهم القصاص، ولو اختار بعضهم الدیة وأجاب القاتل جاز، فإذا أسلّم سقط القود علی روایة[2].

الشَرح:

تعذّر القصاص، واللّه العالم.

[1] إذا کان ولی الدم صغیراً أو مجنوناً کما إذا قتل واحد أم الصغیر أو المجنون وکان للصغیر أب وجدّ للأب فقد ذکر الشیخ قدس سره أنّه لا یجوز للأب أو الجد الاقتصاص من الجانی، وذلک فإنّ ظاهر الأدلّة ثبوت حقّ الاقتصاص لولیّ المقتول، والمفروض أنّه صغیر أو مجنون وولایة الأب أو الجد للأب علی الصغیر والمجنون لم یثبت فی حقّ الاقتصاص منه وظاهر الأدلّة _ کما ذکر _ جعل حقّ الاقتصاص لولیّ المقتول فی قصاص النفس ولنفس المجنی علیه فی قصاص الطرف، وعلی ذلک فإن کان فی أخذ الدیة صلاح الطفل أو المجنون فیجوز لولیّهما أخذ الدیة له لثبوت الولایة لهما بالإضافة إلی الأموال ولا دلالة فی آیة «یسألونک عن الیتامی»(1) وغیره علی أزید من جواز أخذ الدیة عند الصلاح، کما لا یخفی.

نعم، إذا لم یبذل الجانی الدیة وخیف فراره إلی بلوغ الطفل أو لم یکن رجاء بإفاقه المجنون یجوز فی الأول حبسه وفی الثانی إلزامه بإعطاء الدیة لتوقّف استیفاء الحقّ علیه فی الأول، ولأنّه لا یذهب دم امرء مسلم هدراً فی الثانی.

[2] قد تعرّضنا لتلک الروایات وأجبنا عنها بأنّها تحمل علی التقیة، مع أنّ موردها عفو بعض الورثة وعدم مطالبة الجانی بشیء حتّی الدیة، والمفروض فی المسألة أخذ

ص :245


1- (1) سورة الانعام: الآیة 152.

الثالثة: إذا أقرّ أحد الولیّین

والمشهور أنّه لا یسقط وللأخرین القصاص بعد أن یردّوا علیه نصیب من فاداه، ولو امتنع من بذل نصیب من یرید الدیة جاز لمن أراد القود أن یقتصّ بعد ردّ نصیب شریکه، ولو عفا البعض لم یسقط القصاص وللباقین أن یقتصّوا بعد ردّ نصیب من عفا علی القاتل.

الثالثة: إذا أقرّ أحد الولیّین بأن شریکه عفا عن القصاص علی مال لم یقبل إقراره علی الشریک[1] ولا یسقط القود فی حقّ أحدهما وللمقرّ أن یقتل لکن بعد أن یرد نصیب شریکه. فإن صدّقه فالردّ له وإلاّ کان للجانی والشریک علی حاله فی شرکة القصاص.

الشَرح:

بعض الورثة نصیبه من الدیة أو الفداء زاد عن نصیبه أم نقص. وقد تقدّم أنّ صحیحة أبی ولاّد الحنّاط عن أبی عبداللّه علیه السلام الواردة فی مقتول له أب وابن وأم أن أخذ الأم الدیة لا یوجب سقوط حقّ القصاص للأبن کما لا یسقطه عفو الأب للجانی، وعلی ذلک فإن امتنع الجانی عن بذل نصیب من یرید الدیة جاز لمن یرید الاقتصاص أن یقتصّ ویضمن نصیب من أراد الدیة.

وظاهر الماتن أنّ ثبوت حقّ القصاص منوط بدفع نصیب من أراد الدیة ولکن الثابت الضمان والأداء کما هو مدلول الصحیحة. نعم الأداء قبل الاقتصاص أحوط.

وعلی الجملة، یستفاد من صحیحة أبی الولاّد المزبورة أنّ حقّ القصاص للأولیاء لا یسقط بعفو بعض الورثة أو بمطالبته بالدیة، بل من یرید الاقتصاص یکون علیه ضمان دیة من یرید الدیة، کما یکون علیه ضمان من عفی عن القصاص والدیة بأن یدفع حصّته من الدیة إلی الجانی.

[1] فإنّ إخباره بأنّ شریکه عفی عن القصاص بمال إقرار علی شریکه فی القصاص فلا ینفذ بل یبقی الشریک علی حقّه فی الاقتصاص منه فإن اقتصّ المقرّ من

ص :246

الرابعة: إذا اشترک الأب والأجنبی فی قتل ولده

الرابعة: إذا اشترک الأب والأجنبی فی قتل ولده أو المسلم والذمّی فی قتل ذمّی فعلی الشریک القود[1] ویقتضی المذهب أن یردّ علیه الآخر نصف دیته وکذا لو کان أحدهما عامداً والآخر خاطئاً کان القصاص علی العامد بعد الردّ، لکن هنا الرد من العاقلة، وکذا لو شارکه سبع لم یسقط القصاص لکن یردّ علیه الولی نصف دیته.

الشَرح:

الجانی فعلیه أن یردّ نصیب شریکه من الدیة، فإن صدّقه فی إخباره فالردّ له، فإن قال: عفوت عن الجانی، یکون نصیبه للجانی، کما تقدّم الوجه فی تلک فی المسألة الثانیة.

[1] إذا قتل شخص وکان قاتله اثنان والقتل بالإضافة إلی أحدهما موجب للقصاص عنه، وبالإضافة إلی الآخر موجب للدیة فقط، کما إذا قتل والد مع أجنبی ولده أو قتل مسلم مع ذمّی ذمّیاً آخر، فلولیّ المقتول أن یقتصّ ممّن یثبت القصاص فی حقّه وعلی الجانی الآخر أن یعطی الدیة لورثة الجانی المقتصّ منه أو للجانی.

وإذا کان القتل بالإضافة إلی أحد القاتلین قتلاً عمدیاً موجباً للقصاص وکان من الآخر موجباً للدیة علی عاقلته کما إذا کان خطئاً محضاً فللولی إن یقتص ممن یکون قتله موجباً للقصاص ویکون نصف الدیة للجانی من عاقلة من یکون قتله خطأً محضاً.

وإذا کان القتل بفعل اثنین وکان قتل أحدهما موجباً للاقتصاص منه والفعل من الآخر غیر مضمون علیه کالسبع یکون نصف الدیة علی ولیّ القصاص یدفعه إلی من یرید الاقتصاص منه، وکأنّ ما ذکر متسالم علیه بین أصحابنا والخلاف من بعض العامّة، حیث ذکروا عدم القصاص لعلّ نظرهم فی سقوط القصاص هو انّ القود یتعلّق علی من یکون القتل صادراً عنه وفی المفروض القتل لم یصدر عنه بل یکون مستنداً إلی مجموع الفعلین من فاعلین.

ص :247

الخامسة: للمحجور علیه لفلس أو سفه استیفاء القصاص

الخامسة: للمحجور علیه لفلس أو سفه استیفاء القصاص لاختصاص الحجر بالمال[1] ولو عفا علی مال ورضی القاتل قسّمه علی الغرماء، ولو قتل وعلیه دین فإن أخذ الورثة الدیة صرفت فی دیون المقتول ووصایاه کما له، وهل للورثة استیفاء القصاص من دون ضمان ما علیه من الدیون؟ قیل نعم، تمسّکاً بالآیة، وهو أولی، وقیل: لا ، وهو مروی[2].

الشَرح: ولکن لا یخفی ما فیه، فإنّ القود یتعلّق بالقاتل عمداً، کان مستقلاً فی فعله أم لا ، کما تقدّم فی مسائل الشرکة فی القتل.

[1] لا یخفی أنّ المحجور علیه بالفلس یکون محجوراً علیه بالإضافة إلی الأموال التی حجر علیه فیها، وکذلک السفیه بالإضافة الی امواله الموجودة وعلیه فلا موجب لمنع المفلّس أو السفیه عن الاقتصاص، لأنّ الاقتصاص لیس تصرّفاً مالیّاً، کما أنّ أحدهما إذا عفی عن القصاص علی مال کان له ذلک فإن أخذ المال لا یکون تصرّفاً فی أمواله الموجودة، ولذا یجوز للمفلس أن یوجر نفسه للعمل ویستحقّ السفیة أجرة المثل علی من استعمله بل الأجرة المسمّی إذا استأجره.

وعلی الجملة، إذا عفی المحجور علیه عن القصاص علی مال کان ذلک المال محسوباً من الدیة، فیعامل معها معاملة الترکة لما دلّ حساب دیة القتل من ترکة المیت، ولو کانت الدیة ثبوتها للتراضی بها عن القصاص.

[2] التعبیر ب(قیل) إشارة إلی الاختلاف، وهذا القول قائله الشیخ قدس سره فی النهایة، حیث ذکر انّ الورثة إذا استوفوا القصاص یکون الدین للغرماء علیهم، ویستدلّ علی ذلک بما رواه فی التهذیب عن الصفّار عن محمد بن الحسین بن أبی الخطاب عن محمد بن أسلم الجبلی عن یونس ابن عبدالرحمن عن ابن مسکان عن أبی بصیر قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل یقتل وعلیه دین ولیس له مال فهل لأولیائه أن یهبوا دمه لقاتله

ص :248

.··· . ··· .

الشَرح:

وعلیه دین؟ فقال: إنّ أصحاب الدین هم الخصماء للقاتل فإن وهبوا أولیائه دیة القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فلیس لهم ذلک حتّی یضمنوا الدین للغرماء وإلاّ فلا»(1).

ولکن لا یخفی أنّ مقتضی ما ورد فیها من أنّ أصحاب الدّین هم الخصماء للقاتل ان تؤخذ الدیة من القاتل لا نفوذ هبة الأولیاء الدیة له مع أنّه قد ذکر بعده فإن وهبوا أولیائه دیة القاتل فجائز.

وقد روی الشیخ بأسناده عن یونس عن ابن مسکان عن أبی بصیر قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قتل وعلیه دین ولیس له مال فهل لأولیائه أن یهبوا دمه لقاتله وعلیه دین؟ فقال: إنّ أصحاب الدین هم الخصماء للقاتل فإن وهب أولیائه دمه للقاتل ضمنوا الدیة للغرماء وإلاّ فلا»(2)، ومقتضاها انّ مع عفو القاتل عن الدم بترک القصاص وأخذ الدیة من قبل الأولیاء یوجب ضمانهم الدیة للغرماء، وإلاّ أی إن لم یکن عفو کذلک بأن أخذ القصاص أو أخذو الدیة فلیس علیهم ضمان، فإنّه مع أخذهم الدیة تحسب الدیة من ترکة المیت، وتصرف فی دیونه، وإن أخذوا بالقصاص فقد استوفوا حقّهم.

ومع تعارض النقلین فی ضمان الدّین فی صورة القصاص وعدم ضمانه یؤخذ بالنقل الثانی، لصّحة سنده، بل کونه موافقاً للکتاب المجید من قوله سبحانه: «ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لولیّه سلطاناً»(3)، وعلی هذا فإن عفوا عن القصاص علی الدیة فهو، وإلاّ أی عفوا عن الدم ضمنوا الدیة للغرماء.

یویّد ذلک روایة علی بن أبی حمزة عن أبی الحسن موسی علیه السلام قال: «قلت له:

ص :249


1- (1) الوسائل: ج 13، الباب 24 من أبواب الدّین، الحدیث 2.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 59 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 92.
3- (3) سورة الاسراء: الآیة 33.

السادسة: إذا قتل جماعة علی التعاقب

السادسة: إذا قتل جماعة علی التعاقب ثبت لولیّ کلّ واحد منهم القود[1] ولا یتعلّق حقّ واحد بالآخر، فإن استوفی الأول سقط حقّ الباقین لا إلی بدل علی تردّد، ولو بادر أحدهم فقتله فقد أساء وسقط حقّ الباقین وفیه إشکال ینشأ من حیث تساوی الکلّ فی سبب الاستحقاق.

الشَرح:

جعلت فداک، رجل قتل رجلاً متعمّداً أو خطأ وعلیه دین ولیس له مال، وأراد أولیاؤه أن یهبوا دمه للقاتل؟ قال: «إن وهبوا دمه ضمنوا دیّته» فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: «إن قتل عمداً قتل قاتله وأدّی عنه الإمام الدّین من سهم الغارمین» قلت: فإنّه قتل عمداً وصالح أولیاؤه قاتله علی الدیة فعلی من الدّین، علی أولیائه من الدیة؟ أو علی إمام المسلمین؟ فقال: «بل یؤدّوا دینه من دیّته التی صالحوا علیها أولیاؤه فإنّه أحقّ بدیّته من غیره»(1).

[1] فإنّ لکلّ من أولیاء المقتولین ولایة بالاقتصاص منه، ولا یکون اشتراک فی حقّ القصاص الواحد بأن یکون ثبوته وسقوطه باشتراک الکلّ فی القصاص أو العفو عنه أو یضمن المستوفی الدیة علی السائرین. وعلیه فإن اجتمعوا ورضوا کلّهم بالقصاص عنه فقط فقد استوفوا کلّهم حقّهم.

وظاهر الماتن انّ ولیّ المقتول الأوّل أولی بالقصاص ممن بعده من ولیّ المقتول الثانی حیث قال لو بادر الأول إلی القصاص سقط حقّ الباقین، ولو بادر أحدهم _ أی غیر الأول _ فقد أساء وسقط حقّ الباقین. والظاهر هو أنّه إن رضوا کلّهم بالقصاص فلا مورد لأخذ الدیة، وإن طالب بعضهم الجانی بالدیة ورضی الجانی به لا یسقط حقّ الباقین فی القصاص، ولکن إن لم یرض بالدیة لا یکون علی الجانی إلاّ الاقتصاص، لأنّ ثبوت الدیة للباقین لا موضوع له، حیث ثبوت الدیة إمّا یکون بالتراضی مع الجانی أو بالتعبّد وشیء منهما غیر مفروض فی المقام.

ص :250


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 59 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 2: 92.

السابعة: لو وکلّ فی استیفاء القصاص فعزله قبل القصاص

السابعة: لو وکلّ فی استیفاء القصاص فعزله قبل القصاص ثمّ استوفی فإن علم فعلیه القصاص[1] وإن لم یعلم فلا قصاص ولا دیة.

أمّا لو عفا الموکل ثمّ استوفی ولمّا یعلم فلا قصاص أیضاً وعلیه الدیة للمباشرة ویرجع بها علی الموکل لأنّه غار.

الثامنة: لا یقتصّ من الحامل حتّی تضع، ولو تجدّد حملها بعد الجنایة[2]،

الشَرح:

ومما ذکر یظهر أنّه لا فرق بین قتل المتعدّد متعاقباً أو دفعةً، بل لا فرق بین اقتصاص واحد من الأولیاء أو قتل الأجنبی الجانی، فإنّه فی جمیع الصور ینتفی مورد حقّ القصاص. نعم یمکن دعوی انّ الدیة تثبت علی بیت المال لئلا یذهب دم المقتولین هدراً، ولکن هذا أیضاً لا یخلو عن الإشکال.

الثامنة: لا یقتصّ من الحامل حتّی تضع

[1] قد تقدّم أنّه لا یجب فی الاقتصاص مباشرة الولی بأنّ لولی الدم التوکیل فی استیفاء حقّه، فإن وکلّ الأخر فی الاستیفاء ثمّ عزله، فإن علم الوکیل بالعزل فلا یجوز له الاستیفاء بل لو استوفی یکون علیه القصاص، لأنّ قتله تعمّد فی التعدّی _ أی القتل _، ولکن لو استوفی قبل أن یبلغه العزل لا یثبت علیه قصاص ولا دیة، بل یسقط حقّ الولی، لأنّ فعل الوکیل نافذ ما لم یبلغه ولا یسقط وکالته بمجرّد العزل.

ولو عفا الولی القاتل ثمّ استوفی الوکیل القصاص بلا علمه بالعفو یکون علی الوکیل الدیة لقتله ولاعتقاده جواز القتل یحسب شبه عمد ولکن یرجع فی الدیة بعد إعطائها لورثة الجانی المعفو عنه إلی ولیّ الدم لأمره بقتل الجانی وعدم إبلاغه عفوّه المعبّر عن ذلک بالغرور.

ولا یبعد أن یکون الحکم کذلک إذا مات الموکلّ ولم یعلم به الوکیل واستوفی القصاص، فإنّه یکون علیه الدیة ویرجع بها إلی ترکة المیت.

[2] لا ینبغی التأمّل فی الحکم من لزوم تأخیر الاقتصاص إلی وضع الحمل، لأنّ

ص :251

فإن ادّعت الحمل وشهدت لها القوابل ثبت، وإن تجرّدت دعواها قیل: لا یؤخذ بقولها: لأنّ فیه دفعاً للولی عن السلطان، ولو قیل یؤخذ کان أحوط وهل یجب علی الولی الصبر حتّی یستقلّ الولد بالإغتذاء؟ قیل: نعم، دفعاً لمشقّة اختلاف اللبن، والوجه تسلیط الولی إن کان للولد ما یعیش به من غیر لبن الأم والتأخیر إن لم یکن، ولو قتلت المرأة قصاصاً فبانت حاملاً فالدیة علی القاتل، ولو کان المباشر جاهلاً به وعلم الحاکم ضمن الحاکم.

الشَرح:

الاقتصاص من الحامل إسراف فی القتل واتلاف نفس _ أی الحمل _ بغیر حقّ.

وأمّا إذا کان قبل ذلک من کون الحمل علقة أو مضغة فمقتضی إطلاق کلمات الأصحاب عدم الفرق فی لزوم تأخیر القصاص بینه وبین الحمل الذی ولجته الروح، واستدلّ علی ذلک بالروایات الدالّة علی تأخیر إجراء الحدّ علی المریض والمجروح والمستحاضة، حیث یکون إجرائه مظنّة تلف النفس، بل یجب تأخیر الاقتصاص بعد وضع الحمل أیضاً إذا کان الطفل من غیر الارتضاع من أمّه فی معرض التلف، وکذا إذا لم یوجد کافل له من غیرأمّه.

وما ذکر ظاهر ما لو کان الحمل عند ولوج الروح أو کونه جنیناً لحرمته، وأمّا إذا کان قبل ذلک، ففی استفادة الحکم من الروایات المشار إلیها تأمّل، ولا یبعد دعوی الاطمینان بعدم الفرق، ولا أقلّ من کون التأخیر أحوط علی الولیّ.

وقد یقال بأنّه لا یبعد دعوی قبول قولها فی کونها حاملاً وإن لم تشهد القوابل به إذا احتمل صدقها، فإنّ القبول مقتضی اطلاق قوله سبحانه: «ولا یحلّ لهنّ أن یکتمن ما خلق اللّه فی أرحامهنّ»(1) الملازم لقبول قولهنّ حتّی فی الحمل.

ولکن الآیة واردة فی المطلقات واحتمال الخصوصیة متحقّق، لأنّ دعوی

ص :252


1- (1) سورة البقرة: الآیة 228.

التاسعة: لو قطع ید رجل ثمّ قتل آخر

التاسعة: لو قطع ید رجل ثمّ قتل آخر قطعناه أوّلاً ثمّ قتلناه[1]

الشَرح:

الحمل عن المطلقّة الاخبار بکون عدتّها وضع حملها، فلا یمکن التعدّی.

نعم، روی الطبرسی فی مجمع البیان عن الصادق علیه السلام «فی قوله تعالی: «ولا یحلّ لهنّ أن یکتمن ما خلق اللّه فی أرحامهنّ» قال: قد فوضّ اللّه إلی النساء ثلاثة أشیاء: الحیض والطهر والحمل»(1)، ولکنّها مرسلة لا یمکن الاعتماد علیها.

وإذا اقتصّ الولی من المرأة فبان کونها حاملاً، فإن کان ولجته الروح فمع جهله بالحال یکون الدیة علی عاقلته علی المنسوب إلی المشهور، وقیل بأنّه یکون الدیة علی المباشر، لأنّ قتل الأم إتلاف للحمل المفروض ولوج الروح فیه، وحیث إنّه کان جاهلاً بالحال یکون إتلافه موجباً لضمانه الدیة.

وکذا یضمن الدیة للتلف إذا کان قبل ولوجه، بل حتّی لو کان علقة أو مضغة. نعم لو کان المباشر غیر الولی وکان القتل بأمره یمکن أن یقال بجواز رجوعه إلی الولی لکونه غارّاً ولا یعتبر فی الرجوع إلی الغارّ علمه بالحال.

نعم لو کان ولی الدم الحاکم والمباشر مأذون منه یکون استقرار الضمان علی بیت المال، لما دلّ علی «أنّ خطأ القضاة فی بیت المال»، نعم لو فرض علم الحاکم بکونها حاملاً فاستقراره علیه لا علی بیت المال، ولکن لا یخفی انّ إتلاف الأم أمر جایز لولی الدم والمفروض أنّه قصده خاصة ولم یلتفت ولم یقصد فعلاً یتعلّق بالحمل فاللازم أن یحسب القتل خطأً محضاً وتکون الدیة علی العاقلة إلاّ أن یقال لا دلیل فی دیة الجنین قبل ولوج الروح علی العاقلة حتّی فی الاتلاف بخطأ محض.

[1] إن کان المراد أنّه یجب علی ولیّ یجب علی ولیّ المقتول أن یصبر إلی أن یستوفی الاقتصاص من قطع الید، فالظاهر أنّه لا دلیل علیه، لأنّ ولیّ الدم له سلطنة علی

ص :253


1- (1) مجمع البیان: 2: 326.

وکذا لو بدأ بالقتل توصّلاً إلی استیفاء الحقّین، ولو سری القطع فی المجنی علیه والحال هذه کان للولی نصف الدیة من ترکة الجانی[1] لأنّ قطع الید بدل عن نصف الدیة، وقیل: لا یجب فی ترکة الجانی شیء، لأنّ الدیة لا تثبت فی العمد إلاّ صلحاً، ولو قطع یدیه فاقتصّ ثمّ سرت جراحة المجنیّ علیه جاز لولیّه القصاص فی النفس.

الشَرح:

الجانی بالاقتصاص من النفس.

نعم، یجوز للمجنی علیه الاقتصاص من یده المقطوعة، ولا یجوز لولی الدم الممانعة عنه، فإنّ للمجنی علیه حقّ الاقتصاص من یده المقطوعة مستقلاً کاستقلال ولی الدم فی الاقتصاص من النفس.

وبالجملة، ما یظهر من عبارة الماتن من تعیّن الجمع بین الحقّین حتّی فیما إذا قتل واحداً ثمّ قطع ید شخص آخر بمعنی أنّه لا یجوز لولی الدم الاقتصاص من النفس أوّلاً لا یمکن المساعدة علیه، وإلاّ کان اللازم أن لا یجوز له الاقتصاص إذا کان المجنی علیه قاصراً أو غائباً. وعلی کلّ، فإنّ اقتصّ الولیّ من الجانی قصاص النفس ففی رجوع المقطوع یده إلی دیة یده المقطوع من ترکة الجانی کلام تقدّم فی قتل الواحد اثنین واقتصّ أحد الولیین من غیر تراض من الولی الآخر.

[1] إذا قطع شخص ید الآخر عمداً وقتل رجلاً آخر، قطعت یده اقتصاصاً من قطعها وقتله ولیّ الآخر قصاصاً من النفس.

ولو سری جراحة المجنی علیه بقطع یده ومات، ففی المسألة أقوال:

أحدهما: ما اختاره الماتن قدس سره من أنّه یأخذ أولیاء المقتول بالسرایة نصف الدیة من ترکة الجانی، حیث انّ الاقتصاص من الجانی بقطع یده بدل نصف الدیة، فیکون علیه فی ترکته نصف الدیة، وقیل لا یکون علی الجانی فی ترکته شیء، لأنّ الثابت فی مورد

ص :254

ولو قطع یهودی ید مسلم فاقتصّ المسلم ثمّ سرت جراحة المسلم کان للولی قتل الذمّی[1] ولو طالب بالدیة کان له دیة المسلم لا دیة ید الذمّی وهی أربعمائة درهم، وکذا لو قطعت المرأة ید رجل فاقتصّ ثمّ سرت جراحته کان للولی القصاص، ولو طالب بالدیة کان له ثلاثة أرباعها، ولو قطعت یدیه ورجلیه فاقتصّ ثمّ سرت جراحاته کان لولیّه القصاص فی النفس، ولیس له الدیة، لأنّه استوفی ما یقوم مقام الدیة، وفی هذا کلّه تردّد، لأنّ للنفس دیة علی انفرادها وما استوفاه وقع قصاصاً.

الشَرح:

الجنایة عمداً القصاص، والدیة تثبت بالتراضی، وحیث انّه فات مورد القصاص بقتل الجانی من ولیّ المقتول الآخر، لم یبق علی الجانی شیء.

ولکن لا یخفی انّ هذا لقول یتمّ إذا قیل بأنّ سرایة الجراحة الواردة عمداً یوجب قصاص النفس مطلقاً، ولو کانت السرایة اتفاقیة ولم یقصد الجانی القتل بجنایته، وأمّا بناءً علی ما تقدّم من أنّ القصاص من النفس علی الجانی یثبت فی مورد غالبیة السرایة أو قصده القتل فالثابت فی الفرض تمام الدیة علی الجانی، فیخرج من ترکته وقطع یده أوّلاً قصاص من جنایته العمدیة ولیس بدلاً عن نصف الدیة، فیتعیّن فی المقام القول الثالث، وهو ثبوت الدیة الکاملة علی الجانی فی ترکته کما اختاره العلامة فی القواعد ووجهّه فی المسالک بل نسبة فی کشف اللّثام إلی المشهور.

ومما ذکر یظهر الحال فیما إذا قطع الجانی یدی آخر واقتصّ منه بقطع یدیه، ثمّ سرت جراحة المجنی علیه ومات، فإنّه إذا کان الجانی قاصداً القتل أو کان الجراحة ساربة عادةً، یتعلّق علیه القصاص بالنفس والاقتصاص بقطع یدیه، مع عدم حصوله وان یدخل فی قصاص النفس ولکن مع حصوله أوّلاً غیر مضمونة، وإن لم تکن ساریة فی الغالب ولم یقصد بها القتل یتعلّق علی الجانی دیة النفس، واللّه العالم.

[1] المحکی عن الشیخ قدس سره أنّه لو قطع ذمی ید المسلم فاقتصّ المسلم منه بقطع

ص :255

.··· . ··· .

الشَرح:

ید الذمی ثمّ سرت جراحة المسلم ومات، یجوز لولیّ المسلم قتل الذمّی قصاصاً من النفس وأنّه یجوز للولی مطالبة الذمّی الجانی بدیة النفس، یعنی دیة نفس المسلم، ولکن یستثنی من دیة نفسه مقدار دیة ید الذمی التی هی أربعمائه درهم نصف دیة نفس الذمی ودیته ثمانمائة درهم علی ما تقدّم.

وقال أیضاً: بأنّ الحال کذلک لو قطعت امرأة ید رجل مسلم قطع المسلم یدها قصاصاً ثمّ سرت جراحة الرجل المسلم فمات، فإنّ لولیّ الرجل المسلم قتل المرأة قصاصاً من النفس ویجوز له مطالبتها بدیّة نفس الرجل ویکون له ثلاث أرباع دیة النفس ینقص دیة ید المرأة الجانیة التی نصف دیة نفس المرأة ویظهر من ذلک أنّه لو قطعت یدی الرجل ورجلیه فاقتصّ المجنی علیه منها بقطع یدیها ورجلیها ثمّ مات الرجل المجنی علیه بالسرایة کان لولیّه القصاص من المرأة نفساً، ولیس للولی مطالبتها بالدیة، لأنّه استوفی تمام ما یقوم مقام الدیة. وکذا الحال إذا قطع رجل یدی رجل آخر فاقتصّ المجنی علیه من الجانی بقطع یدیه ثمّ مات المجنی علیه بالسرایة، فإنّ لولیّه القصاص من الجانی نفساً، ولکن لیس له مطالبة الدیة، لأنّ بدل الدیة استوفی بقطع یدیه أوّلاً.

وقال قدس سره فی آخر کلامه: أنّه لیس فی البین قتل یوجب القصاص ویعفی عنه فی مقابل المال إلاّ هذه المسألة. وذکر الماتن قدس سره انّ ما ذکره الشیخ کلّه فی المقام غیر ثابت، لأنّ السرایة جنایة قتل النفس أی جنایة أخری موجبة للقصاص ولها دیة النفس، وما استوفی المجنی علیه عن جنایة سابقة غیر مضمونة علی المقتصّ المجنی علیه، فلا یقام ذلک الاقتصاص لا مقام بعض دیة النفس ولا فی مقام تمامها.

ص :256

العاشرة: إذا هلک قاتل العمد

العاشرة: إذا هلک قاتل العمد سقط القصاص، وهل تسقط الدیة[1] قال فی المبسوط: نعم، وتردّد فی الخلاف، وفی روایة أبی بصیر: إذا هرب ولم یقدر علیه حتّی مات أخذت من ماله وإلاّ فمن الأقرب فالأقرب.

الشَرح:

أقول: فی کلام الشیخ قدس سره موارد للنظر، فإنّه لو قطع الذمی ید المسلم فاقتصّ من الذمی ثمّ مات المسلم بالسرایة، فإن قلنا بأنّ السرایة فی الجروح یحسب قتلاً عمدیاً فاللازم أن یدفع الذمی وأمواله إلی أولیاء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه وتملّکوا أمواله، وإن شاؤوا استرقّوه، فأخذ دیة المسلم منه إلاّ مقدار دیة یده المقطوعة، أی أربعمائة درهم، لا یناسب الحکم، وإن حسب السرایة قتلاً شبه عمد کما ذکرنا فیؤخذ تمام دیة المسلم وقطع یده من قبل اقتصاصاً لا یترتبط بدیة النفس الثابتة بالموت، فإنّ الموت جنایة أخری غیر عمدیة.

وأیضاً ما ذکره ولو طالب بالدیة یکون له دیة المسلم إلاّ دیة الذمی، لو کان نقص الدیة لضمان المجنی علیه قطع یده لوقوعه فی غیر محلّه مع السرایة فاللازم دفع دیة یده إذا أراد ولیّ المسلم الاقتصاص من النفس.

وکذا فیما ظاهر کلامه انّ الولی مخیّر فی هذه الموارد بین القصاص ومطالبة الدیة، فإنّه فی موارد ثبوت القصاص للولی تکون مطالبة الدیة بالتراضی لا بالقهر، ومع التراضی علی الدّیة یکون المقدار الناقص عن الدّیة أو الزاید عنه تابعاً للتراضی لا بالقهر، وعلی کلّ حال فقد ظهر مما ذکرنا سابقاً انّ مجرّد السرایة لا تحسب قتلاً عمدیّاً بل یکون الموت معها من قتل شبه العمد وتثبت دیة النفس.

[1] یستدلّ علی ثبوت الدیة بما دلّ من قولهم علیهم السلام «لا یبطل دم امرء مسلم». وبما دلّ علی ثبوت الدیة فیمن قطع ید الأخر ولیس له ید، وبروایة أبی بصیر قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قتل رجلاً متعمّداً ثمّ هرب القاتل فلم یقدر علیه، قال: إن کان

ص :257

الحادیة عشرة: لو اقتصّ من قاطع الید

الحادیة عشرة: لو اقتصّ من قاطع الید ثمّ مات المجنی علیه بالسرایة ثمّ الجانی وقع القصاص بالسرایة موقعه[1]، وکذا لو قطع یده ثمّ قتله فقطع الولی ید الجانی ثمّ سرت إلی نفسه، أمّا لو سری القطع إلی الجانی أوّلاً ثمّ سری قطع المجنی علیه لم یقع سرایة الجانی قصاصاً لأنّها حاصلة قبل سرایة المجنی علیه فکانت هدراً.

الشَرح:

له مات أخذت الدیة من ماله وإلاّ فمن الأقرب والأقرب، وإن لم یکن له قرابة أدّاه الإمام علیه السلام فإنّه لا یبطل دم امرء مسلم»(1).

وصحیحة ابن أبی نصر عن أبی جعفر علیه السلام «فی رجل قتل رجلاً عمداً ثمّ فرّ فلم یقدر علیه حتّی مات قال: إن کان له مال أخذ منه وإلاّ أخذ من الأقرب فالأقرب(2).

وقد یناقش بأنّ ما ورد فی عدم بطلان دم أمرء مسلم لا یدلّ علی ثبوت الدیة فی ترکة الجانی، وروایة أبی بصیر واردة فی هرب الجانی حیث یحتمل أنّ أخذه من ماله عقوبة علی فراره وما فی ذیلها من التعلیل ناظر إلی أداء الإمام لا علی کونها فی مال الجانی، والأخذ من العاقلة وروایة البزنطی خالیة عن التعلیل.

[1] ذکر جماعة أنّه لو اقتصّ المجنی علیه من قاطع یده ثمّ مات المجنی علیه بالسرایة ثمّ مات الجانی أیضاً بسرایة جراحة قطع یده وقع موته بالسرایة موضع الاقصاص فی النفس فلا یکون فی ترکته دیة لأولیاء المجنی علیه حتّی بناءً علی الانتقال إلی الدیة من ترکة الجانی مع عدم إمکان الاقتصاص لموته، بل ذکر عدم الخلاف فی ذلک.

ص :258


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحدیث 1: 302.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 4 من أبواب العاقلة، الحدیث 3: 303.

.··· . ··· .

الشَرح:

وأمّا إذا مات الجانی أوّلاً ثمّ مات المجنی علیه بالسرایة یکون المورد من موارد انتفاء موضع القصاص ویجیی ء فیه احتمال رجوع أولیاء المجنی علیه فی دیته من ترکة الجانی، لأنّه فی الفرض لا یکون موت الجای قصاصاً بل یکون هدراً، فإنّه یتعلّق حقّ القصاص لأولیاء المجنی علیه بعد موته.

أقول: الظاهر عدم الفرق بین الصورتین، فإنّ موت الجانی بالسرایة بعد موت المجنی علیه لا یعدّ قصاصاً من نفس المجنی علیه، فإنّ القصاص من نفس المجنی علیه یثبت لأولیاء المجنی علیه لا للمجنی علیه، وسرایة جراحة الجانی غیر مضمونة علی المجنی علیه لیکون فی البین تهاتر.

والمتعیّن فی المقام أن یقال: إن کان قصد کلّ من الجانی والمجنی من القطع القتل أو کانت الجراحتان مما یقتل عادةً لا یبقی مع موتهما مورد الاقتصاص ویقع التهاتر فی مطالبة الدیة بناءً علی وصول النوبة إلی الدیة مع فوت مورد القصاص، وأمّا إذا لم یکن قصدهما القتل ولم تکن الجراحة مما تقتل عادةً تثبت فی مال الجانی الدیة بلا فرق بین موته أوّلاً بالسرایة أو موت المجنی علیه کذلک، لأنّ سرایة جراحته غیر مضمونةٍ علی المجنی علیه بخلاف موت المجنی علیه بسرایة جراحته فإنّها مضمونة علی الجانی، فإنّ السرایة فی الحدود والقصاص هدر.

ودعوی أنّ أولیاء المجنی علیه یرجعون إلی نصف الدیة، لأنّ النصف الآخر استوفی ببدله بقطع المجنی علیه ید الجانی، لا یمکن المساعدة علیها، لأنّ القطع لا یکون استیفاءً من دیة النفس. نعم بناءً علی أنّ الدیة لا تثبت بفوت مورد القصاص، فلا یکون لأولیاء المجنی علیه أیضاً دیة فی مال الجانی إذا کان قصد الجانی القتل أو

ص :259

الثانیة عشر: لو قطع ید إنسان فعفا المقطوع

الثانیة عشر: لو قطع ید إنسان فعفا المقطوع[1]، ثمّ قتله القاطع، فللولی القصاص فی النفس بعد ردّ دیة الید، وکذا لو قتل مقطوع الید قتل بعد أن یرد علیه دیة یده إن کان المجنی علیه أخذ دیتها أو قطعت فی قصاص ولو کانت قطعت من

الشَرح:

کانت حراحته قاتلةً.

[1] ظاهره کون المراد ما إذا قطع الجانی ید الآخر عمداً فعفی المجنی علیه الجانی عن جنایته التی هی قطع الید، ثمّ قتل الجانی المجنی علیه عمداً، یثبت لأولیاء المجنی علیه الاقتصاص من الجانی فی النفس بعد ردّ دیة الید علیه، وقد تقدّم أنّ الجنایة علی المجنی علیه بقتله جنایة أخری غیر الجنایة التی بقطع یده أوّلاً، ومقتضی القاعدة أن یکون للأولیاء القصاص فی النفس من الجانی من غیر ردّ دیة الید، حیث انّ القصاص من الید لا یدخل فی القصاص من النفس إذا کان کلّ منهما بجنایة مستقلّة، ولکن المحکی عن المشهور علی ما قیل الالتزام بما ذکره الماتن قدس سره مستنداً إلی روایة سورة بن کلیب عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وکان المقتول أقطع الید الیمنی فقال: إن کانت قطعت یده فی جنایة جناها علی نفسه أو کان قطع فأخذ دیة یده من الذی قطعها فإن أراد أولیاؤه أن یقتلوا قاتله أدّوا إلی أولیاء قاتله دیة یده الذی قید منها إن کان أخذ دیة یده ویقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دیة ید وأخذوا الباقی، قال: وإن کانت یده قطعت فی غیر جنایة جناها علی نفسه ولا أخذ لها دیة قتلوا قاتله، ولا یغرم شیئاً، وإن شاؤوا أخذوا دیة کاملة، قال: وهکذا وجدنا فی کتاب علی علیه السلام (1).

ص :260


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 50 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 82.

غیر جنایة ولا أخذ لها دیة قتل القاتل من غیر ردّ وهی روایة سورة بن کلیب عن أبی عبداللّه علیه السلام وکذا لو قطع کفّاً بغیر أصابع قطعت کفّه بعد ردّ دیة الأصابع[1].

الشَرح:

وهذه الروایة وإن تشتمل ما إذا کان قاطع ید المقتول قاتله، ولکنها لا تقتضی ردّ الدیة فی صورة عفو المقطوع عن جنایته مطلقاً، فإنّ ظاهر أخذ الدیة استیفائها، ففی فرض کون قطع الید اقتصاصاً من الجنایة أو أخذ الدیة علی یده المقطوعة یتعلّق علی قاتله الاقتصاص فی النفس بعد ردّ دیة الید علیه، ولکن سورة بن کلیب لم یثبت له توثیق والمدح المنقول فی حقّه ضعیف سنداً، فرفع الید عن القاعدة بها لا یخلو عن التأمّل والإشکال.

ومما ذکر یظهر الحال فیما ذکر الماتن قدس سره وکذا لو قتل مقطوع الید بعد أن یرد علیه دیة الید إن کان المجنی علیه أخذ دیّتها أو قطعت فی قصاص ولو کانت قطعت فی غیر جنایة ولا أخذ لها دیة قتل.

ومما ذکر یظهر الحال فیما إذا قطع الکفّ ممّن قطع أصابعه فی جنایة أو أخذ الدیة علیها.

[1] والمستند فی ذلک روایة الحسن بن العباس عن الجریش عن أبی جعفر الثانی قال: «قال أبو جعفر الأول لعبداللّه بن عباس: یابن عباس انشدک اللّه هل فی حکم اللّه اختلاف؟ قال فقال: لا ، قال: فما تقول فی رجل قطع رجل أصابعه بالسیف حتّی سقطت فذهبت، وأتی رجل آخر فأطار کفّ یده فأتی به إلیک وأنت قاض کیف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دیة کفّه، وأقول لهذا المقطوع: صالحه علی ما شئت، وابعث إلیهما ذوی عدل. فقال له: قد جاء الاختلاف فی حکم اللّه ونقضت القول الأول، أبی اللّه أن یحدث فی خلقه شیئاً من الحدود ولیس تفسیره فی

ص :261

ولو ضرب[1] ولی الدم الجانی قصاصاً وترکه ظنّاً أنّه قتله وکان به رمق فعالج نفسه وبری ء لم یکن للولی القصاص فی النفس حتّی یقتصّ منه بالجراحة أوّلاً الشَرح:

الأرض، اقطع ید قاطع الکفّ أصلاً ثمّ اعطه دیة الأصابع هذا حکم اللّه»(1).

وفی السند ضعف بسهل بن زیاد والحسن بن العباس ومقتضی القاعدة ثبوت القصاص فی قطع الکفّ من غیر ردّ الدیة بلا فرق بین أخذ المقطوع دیة أصابعه أو اقتصّ منها أم لا ، ولذا لو کان قاطع الکفّ قاطعاً للأصابع أوّلاً ثمّ قطع کفّه کان للمجنی علیه العفو عن الجنایة علی الأصابع والاقتصاص من الجنایة بقطع کفّه من غیر ردّ الدیة.

[1] ذکر قدس سره أنّه إذا ضرب ولیّ المقتول ظلماً القاتل حتّی ترکه اعتقاداً أنّه قتل ولکن کان فی الجانی رمق فعالج نفسه وبرأ لم یکن للولیّ المزبور قتله ثانیاً حتّی یقتصّ الجانی منه بالجراحة التی أوقعها علیه أوّلاً.

ویدلّ علی ذلک مرسلة أبان بن عثمان أخبره عن أحدهما علیه السلام قال: «أتی عمر بن الخطاب برجل قد قتل أخا رجل فدفعه إلیه وأمره بقتله، فضربه الرجل حتی رأی أنّه قد قتله، فحمل إلی منزله فوجدوا به رمقاً فعالجوه فبرء فلما خرج أخذه أخو المقتول الأول فقال أنت قاتل أخی، ولی أن أقتلک، فقال: فقد قتلتنی مرّة، فانطلق به إلی عمر فأمر بقتله، فخرج وهو یقول: واللّه قتلتنی مرّة، فمرّوا علی أمیر المؤمنین علیه السلام فأخبره خبره فقال: لا تعجل حتّی أخرج إلیک، فدخل علی عمر فقال: لیس الحکم فیه هکذا فقال: ما هو یا أبا الحسن؟ فقال: یقتصّ هذا من أخی المقتول الأول ما صنع به أوّلاً ثمّ یقتله بأخیة، فنظر الرجل أنّه إن اقتصّ من أتی علی نفسه فعفا عنه وتتارکا»(2).

ص :262


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب القصا فی الطرف، الحدیث 1: 129.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 61 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 94.

وهذه روایة أبان بن عثمان عمّن أخبره عن أحدهما علیهماالسلام وفی أبان ضعف مع إرساله السند، والأقرب أنّه إن ضربه الولی بما لیس له الاقتصاص به اقتصّ منه وإلاّ کان له قتله، کما لو ظنّ أنّه أبان عنقه ثمّ تبین خلاف ظنّه بعد انصلاحه فهذا له قتله ولا یقتصّ من الولی، لأنّه فعل سائغ.

الشَرح:

وهذه الرایة مع إرسالها لم یقیّد بصورة ما لیس الاقتصاص به، بل إطلاقها یقتضی عدم الفرق بین الصورتین مع أنّ أخذ القصاص من الولی المفروض أنّه قصد القتل کان استیفاءً لحقّه لا ینطبق علی القواعد.

والأظهر أنّه إذا کان ضرب الولی بما لیس له الاقتصاص به فلیس له القصاص من الجانی إلاّ بعد اقتصاص الجانی من الجراحة التی أوردها علیه أوّلاً، فإنّ الجراحة المزبورة لم تکن قتلاً لیقال أنّه تعدّی فی کیفیة استیفاء حقّه فیستحقّ التعزیر، کما تقدّم فی تعدّی الولی فی کیفیة الاقتصاص من الجانی. وأمّا إذا کان ضربه بما له الاقتصاص به فله الاقتصاص من الجانی ثانیاً بقتله، غایة الأمر جنایته علی الجانی أوّلاً جنایة خطأ یکون علیه الدیة أو الارش.

* * *

ص :263

القسم الثانی: فی قصاص الطرف

الموجب

ویشترط فی جواز الاقتصاص

وموجبه الجنایة بما یتلف العضو غالباً أو الإتلاف بما قد یتلف لا غالباً مع قصد الاتلاف[1]، ویشترط فی جواز الاقتصاص التساوی فی الإسلام والحرّیّة، أو یکون المجنی علیه أکمل فیقتصّ للرجل من المرأة ولا یؤخذ الفضل، ویقتصّ لها منه بعد ردّ التفاوت فی النفس أو الطرف، ویقتصّ للذمی من الذمی ولا یقتصّ له من مسلم، وللحرّ من العبد، ولا یقتص للعبد من الحرّ، کما لا یقتصّ له فی النفس.

الشَرح:

[1] المراد من الطرف: العضو، سواء کان العضو من الأعضاء المعروفة من أجزاء الجسد، کالید والرجل والأنف ونحوها، أم لا ، کالجرح فی الظهر والبطن. وقد تقدّم أنّ الموجب للقصاص هی الجنایة عمداً، ویکون الجنایة العمدی فی الطرف بما یتلف العضو غالباً، أو یتلف العضو اتفاقاً، ولکن کان بقصد اتلافه، وقد ذکر سبحانه فی قوله «وکتبنا علیهم فیها أنّ النفس بالنفس والعین بالعین والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص» الآیة (1).

وقد وردت الروایات فی القصاص من الطرف والجروح، ویأتی التعرّض لها فی المباحث الآتیة.

وقد ورد فی صحیحة إسحاق بن عمّار عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قضی

ص :264


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.

.··· . ··· .

الشَرح:

أمیر المؤمنین علیه السلام فیما کان من جراحات الجسد أنّ فیها القصاص أو یقبل المجروح دیة الجراحة فیعطاها»(1)، ومثلها صحیحة الثانیة(2).

وبالجملة القصاص فی الطرف یثبت مع الجنایة علیه عمداً، وأمّا إذا کان من شبه العمد أو الخطأ المحض فیثبت الدیة علی ما مرّ فی الجنایة علی النفس.

وکما یعتبر بعض الأمور فی القصاص فی النفس من التساوی فی الإسلام والحرّیة أو کان المجنی علیه مسلماً أو حرّاً وهو المراد بقول الماتن «أو یکون المجنی علیه أکمل» فکذلک یثبت ذلک فی القصاص فی الطرف.

وأمّا اشتراط التساوی فی الدّین بمعنی أنّه إن جنی الذمّی ونحوه علی المسلم یقتصّ منه، وأمّا إذا جرح المسلم الذمّی ونحوه لا یقتصّ من المسلم فیدلّ علیه فی الجنایة علی الأطراف صحیحة محمد بن قیس عن أبی جعفر علیه السلام قال: «لا یقاد مسلم بذمّی فی القتل ولا فی الجراحات، ولکن یؤخذ من المسلم جنایته للذمّی علی قدر دیة الذمی ثمانمائة درهم»(3).

ولکن فی صحیحة أبی بصیر قال: «سألته عن ذمّی قطع ید مسلم، قال: تقطع یده إن شاء أولیائه ویأخذون فضل ما بین الدیتین، وإن قطع المسلم ید المعاهد خیّر أولیاء المعاهد فإن شاؤوا أخذوا دیة یده وإن شاؤوا قطعوا ید المسلم وأدّوا إلیه فضل ما بین الدیتین، وإذا قتله المسلم صنع کذلک»(4). ولکنّ الروایة مضمرة ومضمونها مما

ص :265


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 3: 132.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 5: 133.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 8 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 127.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 138.

.··· . ··· .

الشَرح:

لا یمکن الأخذ به، فإنّ أمر القصاص فی الطرف بید المجنی علیه لا أولیائه سواء کانت علی مسلم أو علی ذمّی، مع أنّ المسلم إذا اقتصّ من الذمی بقطع یده لا یکون له فضل ما بین الدیتین، کما هو الحال فی الاقتصاص من الذمّی فی النفس.

وعن بعض الأصحاب حملها علی صورة الاعتیاد.

وفیه مع أنّه شاهد للحمل المزبور، ففی تلک الصورة أیضاً لا یکون الأمر بید الأولیاء.

وأمّا التساوی فی الحرّیة بمعنی أنّه یقتصّ من العبد بالحرّ فی الجنایة علی الطرف ولا یقتصّ من الحرّ بجنایته علی العبد فی الطرف کما فی الجنایة علی النفس فیدلّ علیه صحیحة الفضیل بن یسار عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «فی عبد جرح حرّاً فقال: إن شاء الحر اقتصّ منه، وإن شاء أخذه إن کانت الجنایة تحیط برقبته، وإن کانت لا تحیط برقبته افتداه مولاه، فإن أبی مولاه أن یفتدیه کان للحرّ المجروح من العبد بقدر دیة جراحه والباقی للمولی یباع العبد فیأخذ المجروح حقّه ویردّ الباقی علی المولی»(1).

نعم، وان یتعیّن القصاص فی مورد الجنایة عمداً ومطالبة غیره یتوقّف علی التراضی إلاّ أنّه یرفع الید عن اطلاق ما دلّ علی تعیّن القصاص فی مورد جنایة العبد علی الحرّ کما هو ظاهر الصحیحة.

ولا یقتصّ من الحرّ بالعبد بلا خلاف من غیر فرق بین القصاص فی النفس والطرف، کما یدلّ علی ذلک ما فی صحیحة أبی ولاّد الحنّاط عن أبی عبداللّه علیه السلام . . . «ولا تقاص بین المکاتب وبین العبد إذا کان المکاتب قد أدّی من مکاتبته شیئاً، فإن لم

ص :266


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 3 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 124.

.··· . ··· .

الشَرح:

یکن أدّی من مکاتبه شیئاً فإنّه یقاص العبد به أو یغرّم المولی کلّ ما جنی المکاتب، لأنّه عبده ما لم یؤدّ من مکاتبته شیئاً»(1)، فإنّه إذا تحررّ بعض العبد لم بجز الاقتصاص منه للعبد، ففی الحرّ المطلق یکون بالأولویة.

ویمکن الاستدلال علی ذلک بما ورد فی معتبرة السکونی عن جعفر عن أبیه عن علی علیه السلام قال: «لیس بین العبید والأحرار قصاص فیما دون النفس» (2)، وفی روایة مسمع بن عبدالملک عن أبی عبداللّه علیه السلام أنّه «یقاص من أمّ الولد للممالیک ولا قصاص بین الحرّ والعبد»(3).

ثمّ أنّه کما یکون لأولیاء المرأة المقتولة الاقتصاص لها فی النفس من الرجل القاتل ولکن بعد ردّ نصف الدیة ولأولیاء الرجل المقتول القصاص له من المرأة القاتلة من غیر أخذ الفضل کذلک الحال فی القصاص فی الطرف، فیقتصّ الرجل المجنی علیه من المرأة الجانیة فی الطرف من غیر أخذ الفضل وتقتصّ المرأة المجنی علیها من الرجل الجانی فی الطرف ولکن بعد ردّ نصف الدیة علیه.

ویشهد لذلک - مع أنّ الحکم متسالم علیه عن الأصحاب _ صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجل فقأ عین امرأة فقال: إن شاؤوا أن یفقؤا عینه ویؤدّوا إلیه ربع الدیة وإن شائت أن تأخذ ربع الدیة، وقال فی امرأة فقأت عین رجل أنّه إن شاء فقأ عینها وإلاّ أخذ دیة عینه»(4)، مضافاً إلی ما تقدّم من الروایات الدالّة علی انّ الجانی لا یجنی

ص :267


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 46 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 78.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 22 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 3: 139.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 43 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 76.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 2 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 124.

.··· . ··· .

الشَرح:

أکثر من نفسه.

نعم بما أنّ المرأة تعادل الرجل فی الدیة إلی أن یبلغ الثلث أو جاوز الثلث لا یکون فی اقتصاص المرأة المجنی علیها عن الرجل الجانی ردّ الدیة ما لم یبلغ دیة الجراحة الثلث أو ما لم یتجاوز الثلث.

وفی صحیحة الحلبی عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «جراحات الرجال والنساء سواء، سنّ المرأة بسنّ الرجل، وموضحة المرأة بموضحة الرجل، واصبع المرأة باصبع الرجل، حتّی تبلغ الجراحة ثلث الدیة، فإذا بلغت ثلث الدیة ضعفّت دیة الرجل علی دیة المرأة»(1).

ونحوها صحیحة جمیل بن دراّج قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة بینها وبین الرجل قصاص، قال: «نعم فی الجراحات حتّی تبلغ الثلث سواء، فإذا بلغت الثلث سواء ارتفع الرجل وسفلت المرأة»(2).

وفی صحیحة الحلبی قال: «سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن جراحات الرجال والنساء فی الدیات والقصاص السنّ بالسنّ والشجّة بالشجّة والاصبع بالاصبع سواء حتّی تبلغ الجراحات ثلث الدیة فإذا جازت الثلث صیرّت دیة الرجال فی الجراحات ثلثی الدیة ودیة النساء ثلث الدیة»(3).

وفی مقابل کلّ ذلک موثقة زید بن علی عن آبائه عن علی علیه السلام قال: «لیس بین

ص :268


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 122.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 3: 122.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 6: 123.

قطع الید

وللتساوی فی السلامة، فلا تقطع الید الصحیحة بالشلاّء ولو بذلها الجانی، وتقطع الشلاّء بالصحیحة[1].

الشَرح:

الرجال والنساء قصاص إلاّ فی النفس»(1)، وقد حمل هذه الموثقة علی عدم التساوی فی القصاص وعدم ثبوت القصاص من غیر ردّ.

ولکن هذا الحمل لا یناسب الاستثناء، فإنّ فی الاقتصاص فی النفس أیضاً لا یجوز الاقتصاص لأولیاء المرأة من الرجل من غیر ردّ.

والظاهر أنّ الروایة شاذّة لا عامل بها، ومع الاغماض یؤخذ بالروایات المتقدّمة لموافقتها لظاهر الکتاب «انّ النفس بالنفس والعین بالعین والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص»(2).

ثمّ انّ الوارد فی الروایات المساواة فی القصاص حتّی یبلغ ثلث الدیة، یعنی دیة النفس، ولکن فی معتبرة ابن ابی یعفور قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل قطع اصبع امرأة قال: تقطع اصبعه حتّی تنتهی إلی ثلث المرأة فإذا جاز الثلث أضعف الرجل»(3)، وظاهرها اختصاص القصاص من غیر ردّ بصورة تجاوز الثلث، ولکن لابدّ مع اختلاف بین الطائفتین فی هذه الجهة الرجوع إلی ما دلّ علی أنّ دیة المرأة نصف دیة الرجل، فیتعیّن الردّ فیما إذا بلغ الثلث، وإن لم یتجاوز.

[1] المراد أنّه یعتبر فی ثبوت قصاص العضو أن یکون العضو من المجنی علیه مساویاً للعضو من الجانی إذا أراد المجنی علیه القصاص دون العکس، فیلزم علی ذلک أنّه لو قطع الجانی الید الشلاء من الآخر عمداً لا یجوز للمجنی علیه أن یقتصّ من

ص :269


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 7: 124.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 1 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 4: 123.

.··· . ··· .

الشَرح:

الجانی بقطع یده الصحیحة، بل ینتقل الأمر إلی أخذ الدیة بخلاف ما إذا قطع الشلاء الید الصحیحة من الآخر، فإنّه یجوز للأخر قطع الید الشلاء من الجانی.

وقد ذکر فی الجواهر(1) اعتبار المماثلة کذلک فی الشلل والمحلّ والاصالة والزیادة ونفی عنه الخلاف وقال عدم جواز قطع الید الصحیحة بالید الشلاء مفروغ منه عندهم.

ویستدلّ علی ذلک بروایة سلیمان بن خالد عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی رجل قطع ید شلاء قال: علیه ثلث الدیة» (2) بدعوی انّ اطلاقها یعمّ ما إذا کان قطعها عمدیّاً أم لا ، ومقتضی ثبوت ثلث الدیة فی الصورتین عدم مشروعیّة القصاص، وعلیه فلو بذل الجانی الید الصحیحة للاقتصاص لم یجز للمجنی علیه الاقتصاص، بل له أخذ دیة یده الشلاّء.

ویضاف إلی ذلک قوله سبحانه «فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم» (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم»(3) بناءً علی کون المراد المماثلة فی المعتدی به.

ولکن قد یناقش فی الحکم بضعف الروایة سنداً، فإنّ من رجال السند حماد بن زید (زیاد) ولم یثبت له توثیق، ولا أنّه من المعاریف الذین لم یرد فیهم قدح، وروایة ابن محبوب لا یفید شیئاً، مضافاً إلی إطلاق قوله سبحانه«الجروح قصاص»(4)، والنسبة

ص :270


1- (1) جواهر الکلام: 42/348.
2- (2)الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 1: 253.
3- (3) سورة البقرة: الآیة 194.
4- (4) سورة المائدة: الآیة 45.

.··· . ··· .

الشَرح:

بین الآیة والروایة وإن کانت العموم من وجه لشمول الجروح فی الآیة إلی غیر قطع الید وشمول الروایة لصورة قطع الید الشلاّء خطأً، إلاّ أنّه لا اعتبار لاطلاق الروایة عند المعارضة مع اطلاق الآیة وقوله سبحانه «فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(1) وقوله «وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم»(2) ظاهرهما المماثلة فی أصل الاعتداء والعقاب، بحیث یصدق علیه القصاص لا الاعتداء والظلم.

وقد یستدلّ علی الحکم بروایة الحسن بن صالح، قال: «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن عبد قطع ید رجل حرّ وله ثلاث أصابع من یده شلل، فقال: وما قیمة العبد؟ قلت: اجعلها ما شئت، قال: إن کان قیمة العبد أکثر من دیة الاصبعین الصحیحتین والثلاث الاصابع الشلل ردّ الذی قطعت یده علی مولی العبد ما فضل من القیمة وأخذ العبد، وإن شاء أخذ قیمة الاصبعین الصحیحتین والثلاث الأصابع الشلل، قلت: وکم قیمة الاصبعین الصحیحتین مع الکفّ والثلاث أصابع الشلل قال: قیمة الاصبعین الصحیحتین مع الکف ألفا درهمٍ وقیمة الثلاث اصابع الشلّل مع الکف الف درهم لانها علی الثلث من دیة «وان کانت الصحاح» قال قیمة العبد أقلّ من دیة الاصبعین الصحیحتین والثلاث الأصابع الشلل دفع العبد إلی الذی قطعت یده أو یفتدیه مولاه ویأخذ العبد»(3). ووجه الاستدلال أنّ مقتضاها عدم جواز قطع ید العبد قصاصاً ویتعیّن أخذ العبد أو دیة جنایته.

ولکن مضافاً إلی ضعف سنده یجری فیه ما تقدّم فی روایة سلیمان بن خالد من کونهاناظرة إلی بیان الدیة إذا کان ید المجنی علیه شلاّء أو بعض أصابعه کذلک، ولیست

ص :271


1- (1) سورة البقرة: الآیة 194.
2- (2) سورة النحل: الآیة 126.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 253.

إلاّ أن یحکم أهل الخبرة أنها لا تنحسم[1] فیعدل إلی الدیة تفصیّاً من خطر السرایة.

الشَرح:

فی مقام نفی القصاص إذا أراد المجنی علیه الاقتصاص من الجانی الذی یده شلاّء، وبالجملة الروایتان نظیر صحیحة الحلبی الواردة فی بیان کمیّة الدیة فی قطع الید الشلاّء لا نفی القصاص فی موردها إذا کان للجانی الید الصحیحة عن أبی عبداللّه علیه السلام «فی الرجل یکسر ظهره قال: فیه الدیة کاملة، وفی العینین الدیة، وفی أحدهما نصف الدیة، وفی الأذنین الدیة، وفی أحدهما نصف الدیة، وفی الذکر إذا قطعت الحشفة وما فوق الدیة، وفی الأنف إذ قطع المارن الدیة، وفی الشفتین الدیة»(1)، فإنّ بیان الدیة فی الصحیحة مع ثبوت القصاص فی مثل قلع العین وفقأها لا ینافی ما ورد فیها من بیان کمیة دیتها.

ثمّ انّ المراد بالشلل یبس الید بحیث لا تعمل، وأن یکون لها حسّ أو حرکة ضعیفة، وأمّا عدم سلامة الید من ناحیة غیر الشلل لا یوجب سقوط الاقتصاص کما هو مقتضی الاطلاق فی قوله تعالی «والجروح قصاص»(2)، فیقطع الید القویّة اقتصاصاً من قطع صاحبها الید الضعیفة من الآخر عمداً، واللّه العالم.

[1] المراد إحراز انّ القصاص من الجانی بقطع یده الشلاّء یوجب هلاکه لسرایته إلی نفسه، وحیث لا یجوز إتلاف نفس الجانی ینتقل الأمر إلی الدیة علی ما یستفاد مما ورد فی موارد متعدّدة من أنّه مع المحذور فی القصاص ینتقل الأمر إلی الدیة.

ص :272


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 1، من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 4: 215.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.

وتقطع الیمین بالیمین[1] فإن لم یکن یمین قطعت بها یسراه ولو لم یکن یمین ولا یسار قطعت رجله استناداً إلی الروایة، وکذا لو قطع أیدی جماعة علی التعاقب قطعت یداه ورجلاه بالأول فالأول وکان لمن یبقی الدیة.

الشَرح:

[1] لأنّ مع وجود الید المماثلة من جهة الطرف یکون الجزاء بالمثل، الاقتصاص بالعضو المماثل فی الطرف، وهذا بخلاف ما لم یکن للجانی، المماثل فی الطرف، فإنّ الاقتصاص بغیر المماثل فی الطرف یعدّ جزاءً بالمثل.

ویدلّ علی ذلک ما ورد فی صحیحة محمد بن قیس قال: «قلت لأبی جعفر علیه السلام أعور فقأ عین صحیح فقال: تفقأ عینه، قال: قلت: یبقی أعمی، قال: الحقّ أعماه»(1). فإنّ الاطلاق فی الجواب یقتضی عدم الفرق بین أن یکون عینه الصحیحة التی تفقأ مماثلاً مع جنایته فی المحلّ وعدمه.

ویدلّ علی ذلک أیضاً الصحیح عن حبیب السجستانی قال: «سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قطع یدین لرجلین الیمینین، قال: «یا حبیب تقطع یمینه للذی قطع یمینه أوّلاً، وتقطع یساره للذی قطع یمینه أخیراً، لأنّه إنّما قطع ید الرجل الأخیر ویمینه قصاص للرجل الأول، قال: فقلت: إنّ علیاً کان یقطع الید الیمنی والرجل الیسری؟ فقال: إنّما کان یفعل ذلک فی ما یجب من حقوق اللّه، فأمّا یا حبیب حقوق المسلمین فإنّه یؤخذ لهم حقوقهم فی القصاص الید بالید إذا کانت للقاطع ید(یدان) والرجل بالید إذا لم یکن للقاطع ید، فقلت له: أو ما تجب علیه الدیة وتترک له رجله؟ فقال: إنّما تجب علیه الدیة إذا قطع ید رجل ولیس للقاطع ید ولا رجلان فثمّ تجب علیه الدیة، لأنّه له جارحة یقاس منها»(2).

ص :273


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 134.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 12 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 2: 131.

ویعتبر التساوی بالمساحة فی الشجاج طولاً وعرضاً[1]، ولا یعتبر نزولاً بل الشَرح:

ولکن فی سند الروایة ضعف حیث لم یثبت لحبیب توثیق ولا مدح ولا أنّه من المعاریف الذین لم یرد فیهم قدح، بل فی مدلولها أیضاً کلام، فإنّ مقتضی ذیلها أنّه إذا لم یکن له رجل یقتصّ من سایر أعضائه التی لها نصف الدیة، مع أنّه ذکر فیها مع عدم الرجل الانتقال إلی الدیة ولو کان المراد بالمماثل المماثل عضواً فلا یکون الرجل عضواً مماثلاً للید، ومقتضی ما تقدّم أنّه مع عدم الید ینتقل الأمر إلی الدیة.

ومما ورد فی صدر الروایة یظهر الحال فیما ذکر الماتن قدس سره : وکذا إذا قطع أیدی جماعة علی التعاقب قطعت یداه ورجلاه علی التعاقب بالأول فالأول وکان لمن یبقی الدیة.

وحیث ذکرنا ضعف الروایة فمقتضی القاعدة انّ لکلّ من قطع یمینه فله الاقتصاص من یمینه إذا لم یقتصّ غیره قبله بقطع یمینه نظیر ما تقدّم فی قتل شخص عدّة أشخاص عمداً، وإذا اقتصّ غیره قبله من الجانی بقطع یمینه یقطع هو شماله وإذا لم یبق له یمین وشمال ینتقل الأمر إلی الدیة بالإضافة إلی الباقین، واللّه العالم.

[1] هذا معروف بحسب کلمات الأصحاب ونفی عنه الخلاف بل یدعّی علیه التسالم بینهم فلا یقنع من الجراحة الواسطة وطولاً بالضیّقة ولا یقتصّ من الضیّقة بالواسعة. وصرّح غیر واحد منهم عدم اعتبار التساوی فی العمق بل المعتبر أن یصدق علی الجرح الذی یقع من المجنی علیه اقتصاصاً عنوان الجراحة التی اقتصّ منها بأن یصدق علیها عنوان الباضعة مثلاً فیما کانت جراحة الجانی باضعة.

وذکروا فی وجه ما ذکر بعد ثبوت القصاص فی الجروح کما دلّ علیه الکتاب المجید والروایات اعتبار المماثلة والعدل وعدم جواز الجور فی القصاص ومقتضاها اعتبار المساحة فی الجراحتین، وأمّا عدم اعتبارها فی العمق لاختلاف الرؤوس فی

ص :274

عدم ثبوت القصاص فیما فیه تعزیر

یراعی حصول اسم الشجّة لتفاوت الرؤوس فی السّمن، ولا یثبت القصاص فیما

الشَرح:

السمن وعدمه فلابدّ من رعایة الأسم والعنوان الخاص المنطبق علی جراحة المجنی علیه فی الحراحة التی تقع قصاصاً.

وعلی الجملة، الاختلاف فی الرؤوس من حیث السمن کالاختلاف فی الأطراف من حیث الصغر والکبر، وکما لا یعتبر المساحة فی الأطراف فیقطع الید الکبیر بالید الصغیر کذلک یقع الجراحة التی أکثر عمقاً قصاصاً من الجراحة التی أقلّ منها عمقاً بحسب المساحة مع رعایة صدق الاسم والاختلاف کذلک لا یوجب عدم صدق الاقتصاص المماثل وعدم التعدی فیه.

أقول: لازم اعتبار التساوی بین الجراحتین فی المساحة فیما کان رأس المجنی علیه کبیراً ورأس الجانی صغیراً أن یجرح مثلاً تمام رأس الجانی طولاً أو عرضاً فیما کانت مساحة رأسه طولاً أو عرضاً بمقدار طول الجراحة التی حصلت فی رأس المجنی علیه طولاً أو عرضاً ولو کانت مساحتها بالإضافة إلی رأسه الکبیر بالنصف حتّی صرّح بعضهم لو کانت مساحتها أکثر من مساحة طول رأس الجانی أو عرضه لا ینزل فی الاقتصاص فی وجه الجانی أو فقأه بل یقتصر علی مساحة رأسه ویؤخذ فی الزاید الدیة، مثلاً فی الباضعة إذا کانت الجراحة المقتصّ بها ثلثی مساحة جراحة المجنی علیه یأخذ المجنی علیه ثلث الدیة.

ولکن یمکن المساعدة علی ما ذکروه، فإنّه کما یلاحظ الجراحة فی العمق بحسب کلّ رأس لاختلاف الرؤوس وصدق المماثلة مع صدق الاسم کذلک فی الجراحة بحسب المساحة، فإنّه إذا کانت جراحة المجنی علیه بحسبها ثلثی رأسه طولاً یتعیّن أن یکون جراحة الجانی أیضاً ثلثی مساحة رأسه.

ص :275

فیه تعزیر[1] کالجائفة والمأمومة، وتثبت فی الحارصة والباضعة والسمحاق والموضحة وفی کلّ جرح لا تعزیر فی أخذه وسلامة النفس معه غالبة، فلا یثبت فی الهاشمة ولا المنقّلة ولا فی کسر شیء من العظام لتحقّق التعزیر.

الشَرح:

[1] قد ذکروا أنّه لا یثبت القصاص فی الجراحة ونحوها، مما یکون تلف النفس أو تلف العضو فیه غالبیاً، وعدم التعدّی فی الاقتصاص أمر نادر کما فی الهاشمة التی تهشم العظم أی تکسره، وإن لم یشتق حیث کون القصاص بحیث لا یتعدّی عن مقدار الجنایة أمر نادر، وکذا فی الجائفة، والمأمومة والمنقّلة بل فی مطلق کسر العظام، ویدلّ علی ذلک روایة غیاث بن کلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول: «لیس فی عظم قصاص»(1).

ومقطوعة أبان انّ فی روایته: «الجائفة ما وقعت فی الجواب لیس لصاحبها قصاص إلاّ الحکومة والمنقّلة تنقل منها العظام ولیس فیها قصاص إلاّ الحکومة وفی المأمومة ثلث الدیة لیس فیها قصاص إلاّ الحکومة»(2)، ونحوها روایة أبی حمزة(3).

وعلی الجملة، إنّما جعلت القصاص حفظاً لسلامة الناس والمحافظة علی أمنهم بالتعدّی والجور علیهم وإذا استلزم القصاص التعدّی نوعاً فلا یثبت.

نعم، للمجنی علیه القصاص فی هذه الموارد بالأقلّ، حیث لا یکون فی الاقتصاص بالأقل تعزیر ومطالبة الجانی بالأرش فی جنایته الزایدة بالدیة، وبتعبیر آخر: إذا وقعت الجراحة عمداً_ کما هو المفروض _ فللمجنی علیه إذا کانت جراحته

ص :276


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 24 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 140.
2- (2) الوشائل: ج 19، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 135.
3- (3) الوشائل: ج 19، الباب 16 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 2: 135.

جواز القصاص قبل الاندمال

وهل یجوز الاقتصاص قبل الاندمال قال فی المبسوط: لا ، لما لا یؤمن من السرایة الموجبة لدخول الطرف فیها[1]، وقال فی الخلاف بالجواز مع استحباب الصبر، وهو أشبه.

الشَرح:

أکثر أن یقتصّ من الجانی بالأقل ویطالبه فی الأکثر الذی لا یقتصّ منه بالدیة بحذف دیة الأقل، کما ذکر ذلک جملة من الأصحاب أخذاً بقوله سبحانه: «فی الجروح قصاص»(1)، مع رعایة عدم جواز الاقتصاص من الأکثر.

بقی أمر وهو أنّه قد ورد فی صحیحة أبی بصیر عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن السنّ والذراع یکسران عمداً لهما ارش أو قود؟ فقال: قود، قال قلت: فإن اضعفوا الدیة؟ قال: إن أرضوه بما شاء فهو له»(2)، وهذه الصحیحة وإن تکن أخصّ بالإضافة إلی ما ورد «لیس فی کسر العظام قصاص» إلاّ أنّ إعراض الأصحاب عن العمل بها مع ملاحظة ما ذکرنا یوجب حملها علی ما إذا کان الکسر بحیث تکون السنّ أو الذراع تالفاً بحیث لا یرجی سلامتهما وإلاّ فلا یمکن الأخذ بها.

[1] إذا جرح الآخر عمداً وأراد المجنی علیه القصاص من الجانی مع احتمال سرایة الجراجة إلی نفس المجنی علیه فهل یجوز له الاقتصاص من جرحه أو یلزم الصبر فإن برء _ أی لم تسر جراحته _ ثبت له قصاص من جراحته، وإن سرت ثبت لولیّه القصاص بالنفس مطلقاً کما علیه المشهور، أو فیما إذا کان قصد الجانی القتل أو کانت جراحته قاتلة نوعاً والمشهور أنّه یجوز للمجنی علیه الاقتصاص قبل الاندمال بل یقال لم یعلم الخلاف إلاّ عن الشیخ فی المبسوط وربّما یقال عدم الخلاف فی المسألة، لأنّه قال فی المبسوط: والتأخیر أحوط، لعلّه أراد الاستحباب نظیر ما ذکر فی الخلاف.

ص :277


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) الوشائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 4: 133.

.··· . ··· .

الشَرح:

کیف کان، فیستدلّ علی ذلک بأنّ مقتضی قوله سبحانه «والجروح قصاص»(1) ثبوت حقّ القصاص بمجرّد تحقّق الجنایة الجرحیة واحتمال السرایة وتبدّله بالقصاص من النفس منفی بالأصل.

أقول: إذا کان قصد الجانی بجرحه قتله فسرت جراحته فمات فموته کاشف عن عدم ثبوت حقّ الاقتصاص من الجراحة للمجنی علیه، فإنّ قوله سبحانه «فمن قتل مظلوماً فقد جعلنا لولیّه سلطاناً»(2) حصر القصاص فی الاقتصاص بالنفس وثبوته لولی المقتول، ولا ینحصر مدلول الآیة بما إذا کان القتل آنیّاً مترتّباً علی الجراحة فوراً، کما هو ظاهر.

وعلی ذلک، فإن أراد الولی الاقتصاص من الجانی فاللازم دفع دیة الجراحة التی أوردها المجنی علیه أنّه لم تکن جنایته إلاّ لقیام الحجة عنده بأنّ قصاص الجراحة حقّ له کما هو مقتضی الاستصحاب فی عدم السرایة.

وهذا بخلاف ما إذا لم یکن جراحته قاتلة غالباً ولم یکن من قصد الجانی قتله ولکن اتفقت السرایة فإنّه لیس فی الفرض حق الاقتصاص للولی بل له أخذ دیة النفس من غیر أن یرد علی الجانی شیئاً من الدیة، لأنّه کان فی الفرض حقّ القصاص للمجنی علیه عند حدوث الجنایة واقعاً وقد استوفاه.

ولکن ربّما یقال ینافی القصاص قبل الاندمال ما ورد فی روایة إسحاق بن عمار عن جعفر علیه السلام أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول: «لا یقضی فی شیء من الجراحات حتّی تبرأ»(3).

ص :278


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) سورة الاسراء: الآیة 33.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب موجبات الضمان، الحدیث 2: 211.

قطع عدّة من أعضائه فی الجراح

ولو قطع عدّة من أعضائه خطأً جاز أخذ دیاتها ولو کانت أضعاف الدیة[1]، وقیل یقتصر علی دیة النفس حتی یندمل ثمّ یستوفی الباقی أو یسری فیکون له ما أخذه وهو أولی، لأنّ دیة الطرف تدخل فی دیة النفس وفاقاً.

الشَرح:

وفیه انّ مدلولها عدم القضاء فیما کان لبرء الجراحة أثر، وأمّا إذا لم یکن کذلک بأن لم یکن لبرئها أثر فلا یعمّه.

وقد ذکرنا أنّ الأثر یختلف إذا کان الجراحة بحیث تکون قاتلة أو کان قصد الجانی القتل فإنّه إذا حصل البرء یثبت القصاص للمجنی علیه وإذا لم یحصل بأن سرت ومات المجنی علیه ثبت القصاص لولیّه، ففی مثل ذلک یمکن أن یقال مقتضی الروایة وجوب الصبر وعدم اعتبار الاستصحاب وأمّا إذا لم یکن قصد الجانی القتل ولم تکن الجنایة قاتلة فالاقتصاص من الجراحة حقّ ثابت للمجنی علیه سواء حصل البرء أم لا ، وما ذکر فی الجواهر(1) ظاهره أنّ حقّ الاقتصاص من الجراحة ثابت للمجنی علیه حتّی فی صورة علمه بالسرایة أخذاً بالعموم، غایة الأمر إذا لم یستوف المجنی علیه حتّی مات دخل فی القصاص من نفس الجانی لم یعلم له وجه صحیح، بل مقتضی ما تقدّم انحصار الحقّ فی الولی.

[1] ظاهر کلامه قدس سره أنّه إذا وقعت الجنایة فی عدّة أعضاء المجنی علیه خطأً بحیث یکون مجموع دیاتها أکثر من دیة النفس جاز للمجنی علیه المطالبة بجمیع دیاتها وإن احتمل السرایة فإنّ جوازها مبنی علی ما تقدّم من أنّ وقوع الجنایات موجبة لجواز المطالبة حیث انّ الأصل عدم السرایة حیث إنّ السرایة إلی النفس موجبة لدخولها فی دیة النفس، ولکن قد تقدّم أنّ مقتضی روایة إسحاق بن عمار عدم جواز المطالبة بها حیث لا یقضی فی شیء من الجراحات حتّی یبرء وأنّ مقتضاها إلغاء اعتبار

ص :279


1- (1) جواهر الکلام: 42/358.

کیفیة القصاص فی الجراح

وکیفیة القصاص فی الجراح أن یقاس بخیط أو شبهه[1]

الشَرح:

الاستصحاب فی بقاء الجنایة.

نعم، قد یقال هذا بالإضافة إلی ما للبرء دخل فی الحکم وهو بالإضافة إلی الزاید من دیة النفس وأمّا بالإضافة إلی مقدار دیّتها فهو مما یستحقّ علی الجانی علی کلّ تقدیر، فإنّ مدلولها عدم کون الحکم فصلاً وإنهاءً فی الجراحات قبل البرء فلابدّ فی القضاء _ أی أنهاء الحکم فی الجراحة _ من انتظار البرء، وعلیه فإذا کان استحقاق مقدار دیة النفس قطعیّاً یؤخذ بها.

وفیه انّ دیة الأعضاء علی تقدیر عدم السرایة تدخل فی ملک المجنی علیه من حین الجنایة ودیة النفس وإن یکن فی حکم الترکة إلاّ أنّها تدخل فی ملکه حین موته فتملک المجنی علیه مقدار دیة النفس حین الجنایة علیه لیس أمراً قطعیّاً بناءً علی ما ذکرنا من کون موته کاشفاً عن کون الدیة دیة النفس، وعلی ذلک فمطالبته مقدار دیة النفس بعد وقوع الجنایة لیس أمراً متیقّناً حتّی یقال لا أثر للبرء بالإضافة إلیه ولو کان أمر السند فی الروایة تامّاً فالمتعیّن الصبر إلی أن تظهر السرایة أو عدمها، فالالتزام بما ذکر الماتن أوّلاً وما جعله أولی أخیراً، هو المحکی عن الشیخ فی المبسوط والعلاّمة فی التحریر والارشاد والشهید والأردبیلی، محلّ تأمّل، واللّه العالم.

[1] المعتبر فی القصاص هو المماثلة بین الجنایة والاقتصاص منها وقیاس الجراح بخیط أو شبهه وضبط الجانی حین الاقتصاص ولو اضطرب الجانی عند القصاص بحیث استندت الزیادة إلیه فلا یضمن المقتصّ وإلاّ فالضمان علی المقتصّ لتوقّف إحراز المماثلة علیه ولو شقّ علی الجانی الاقتصاص منه دفعة جاز الاقتصاص بمقدار جنایته فی أکثر من دفعة، لأنّ حقّ الاستیفاء للمجنی علیه فله اختیار الطریق

ص :280

ویعلم طرفاه فی موضع الاقتصاص ثمّ یشقّ من إحدی العلامتین إلی الأخری، فإن شقّ علی الجانی جاز أن یستوفی منه فی أکثر من دفعة ویؤخّر القصاص فی الأطراف من شدّة الحرّ والبرد إلی اعتدال النهار، ولا یقتصّ إلاّ بحدیدة[1]. ولو قلع عین إنسان، فهل له قلع عین الجانی بیده؟ الأولی انتزاعها بحدیدة معوجّة فإنّه أسهل.

ولو کانت الجراحة تستوعب عضو الجانی وتزید عنه لم یخرج فی القصاص الشَرح:

الأسهل.

وأمّا ما ذکر قدس سره من وجوب تأخیر القصاص فی شدّة الحرّ أو البرد إلی اعتدال النهار فلا بأس بالالتزام به إذا کان الاقتصاص فی شدّتهما موجباً لتعرض نفس الجانی للتلف لوجوب حفظ النفس المحترمة عن الهلاک وسرایة الجراح، وأمّا إذا کان ذلک موجباً للمشقّة علی الجانی فقد تقدّم ان استیفاء القصاص حقّ للمجنی علیه فله اختیار الأسهل لا أنّ علیه أن یؤخّر الاستیفاء.

[1] ذکروا ذلک فی کلماتهم، ولکن لم یرد فی شیء من الروایات اعتبار الحدیدة فی قصاص الأطراف، اللهم إلاّ أن یقال انصراف القصاص بالجرح إلیها فإنّ ظاهره الآلة المناسبة له والآلة المناسبة ما کان من الحدید حتّی فی مثل قلع العین اقتصاصاً من العین، فإنّه یتعیّن کونه بحدیدة معوجّة لا یوجب الجرح فی غیر موضع العین فإن أمکن للمجنی علیه الاقتصاص من الجانی کذلک وإلاّ یعیّن من ینوب عنه فی ذلک. ویؤیّد ذلک ما ورد فی القصاص من النفس من أنّه لا یترک ولیّ القصاص یعبث بالجانی أو یمثّل بالقاتل(1).

ص :281


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 62 من أبواب قصاص النفس، الحدیث 1و2: 95.

قطع إذن

إلی العضو الآخر[1] واقتصر علی ما یحتمله العضو وفی الزاید بنسبة المتخلّف إلی أصل الجرح ولو کان المجنی علیه صغیر العضو فاستوعبته الجنایة لم یستوعب فی المقتصّ منه واقتصر علی قدر مساحة الجنایة.

ولو قطعت إذن إنسان فاقتصّ ثمّ ألصقها المجنی علیه کان للجانی إزالتها

الشَرح:

[1] ذکروا أنّه لو کان العضو الذی وقعت جنایة الجراح فیه من المجنی علیه کبیراً ومن الجانی صغیراً بحیث لو أراد المجنی علیه الاقتصاص بالمساوی فی المساحة تعدّی الجرح إلی العضو الآخر من الجانی فلا یجوز فی الاقتصاص هذا التعدّی بل یقتصر بالمقدار الذی یتحمّله عضو الجانی ویؤخذ بالدیة فی المقدار الباقی من الاقتصاص، فلو کان القصاص من الجانی بثلثی جنایته من حیث المساحة یقتصّ منه بالثلثین ویؤخذ منه ثلث دیة جنایته ولا یجوز للمجنی علیه الاقتصاص بجرح آخر بمقدار المتخلّف ولو فی جانب آخر من ذلک العضو وکذا فی العکس، فإن کان المجنی علیه صغیر العضو فاستوعب الجنایة ذلک العضو من حیث المساحة لا یجوز له الاقتصاص من الجانی إذا کان کبیر العضو إلاّ بمقدار الجنایة من حیث المساحة، کلّ ذلک لاعتبار المماثلة فی الاقتصاص وأنّه إذا لم یمکن القصاص من الجانی ولو لفقد العضو المحلّ ینتقل الأمر إلی الدیة ومع عدمها الحکومة.

ولکن قد تقدّم أنّ اعتبار المماثلة فی الجنایة فی العمق یقتضی ملاحظة عضو الجانی وعضو المجنی علیه بلحاظ أنفسهما کذلک الحال فی مقدار المساحة أیضاً، وإذا کانت الجراحة الجرحیة ثلثاً من مساحة عضو المجنی علیه فلابدّ من کون رعایة الثلث بحسب مساحة رأس الجانی وکذا العکس ولم یقم فی المقام ما یرفع الید عن ذلک، فالتفکیک بین العمق والمساحة فی تحقّق المماثلة غیر تامّ.

ص :282

لتحقّق المماثلة[1] وقیل: لا ، لأنّها میتة وکذا الحکم لو قطع بعضها. ولو قطعها فتعلّقت بجلده ثبت القصاص، لأنّ المماثلة ممکنة.

الشَرح:

[1] فی المقام مسألتان:

إحدهما: أنّه لو قطعت اذن إنسان فألصقها المجنی علیه بعد الجنایة وقبل القصاص فالتحم فهل للمجنی علیه القصاص من الجانی بقطع اذنه أم لا؟

وربّما یتفرّع جواز الاقتصاص علی إزالتها وعدمها فما دام لم تزل فلیس للمجنی علیه حقّاً للاقتصاص وهو کماتری، فإنّ الجنایة بوقوعها توجب القصاص فجواز الإزالة للجانی وعدمها غیر دخیل فی ترتّب القصاص وعدمها.

ولکن یمکن أن یقال: إذا کان الالتحام قبل القصاص، لم یثبت القصاص، لأنّ حقّ القصاص من الجانی لحصول الشّین للمجنی علیه وإذا لم یحصل لم یثبت القصاص، بل ینتقل الأمر إلی الارش، کما فی سائر الموارد التی لم یمکن الاقتصاص ولا یخلو عن تأمّل.

الثانیة: أنّه إذا قطعت اذنه أو بعضها فاقتصّ من الجانی فی جنایته ثمّ ألصقها المجنی علیه فالتحم فهل للجانی الإزالة؟ قد یقال: نعم، لتحقّق المماثلة وربّما یقال: لا ، لأنّ الملصوق بحکم المیتة، فإزالته للحاکم من باب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر. ولا یخفی ما فیه، فإنّ بعد الالتحام لا یکون میتة.

ولکن یکون للجانی حقّ الإزالة لروایة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه علیه السلام «أنّ رجلاً قطع من بعض اذن رجل شیئاً، فرفع ذلک إلی علی علیه السلام فقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فردّه علی اذنه بدمه فالتحمت وبرئت فعاد الآخر إلی علّی علیه السلام فاستفاده فأمر بها فقطعت ثانیة وأمر بها فدفنت وقال علیه السلام : إنّما یکون القصاص من أجل

ص :283

ویثبت القصاص فی العین ولو کان الجانی أعور خلقة[1] فإن عمی فإنّ الحق أعماه، ولا ردّ، أمّا لو قلع عینه الصحیحة ذو عینین اقتصّ له بعین واحدة إن شاء، وهل له مع ذلک نصف الدیة؟ قیل: لقوله تعالی «العین بالعین»وقیل: نعم، تمسّکاً بالأحادیث، والأوّل أولی.

الشَرح:

الشّین»(1)، ومقتضی التعلیل عدم الشّین بالالتحام.

[1] یثبت القصاص فی العین لقوله سبحانه «العین بالعین»(2)، ولو کان الجانی أعور وجنی علی صحیح العین یؤخذ القصاص منه وإن عمی الأعور بالاقتصاص حیث إنّ حقّ القصاص أعماه، کما ورد ذلک فی صحیحة محمد بن قیس قال قلت لأبی جعفر علیه السلام : أعور فقأ عین صحیح، فقال: «تفقأ عینه» قال قلت: یبقی أعمی، قال: «الحقّ أعماه»(3)، ونحوها مرسلة أبان عن أبی عبداللّه علیه السلام (4)، والاولی صحیحة فإنّ فی سندها عاصم بن حمید، وهو قرینة علی أنّ المراد بمحمد بن قیس هو الثقة الذی یروی قضایا أمیر المؤمنین علیه السلام .

مضافاً إلی أنّ القصاص منه مقتضی اطلاق قوله سبحانه: «العین بالعین»(5) وکذا الروایات التی بمفادها ومقتضاها عدم لزوم ردّ شیء علی الجانی من الدیة أو غیرها.

نعم، إذا جنی ذو العینین عل الأعور فقلع عینه الصحیحة فالأکثر تخییر الأعور المجنی علیه بین الاقتصاص من مثل عینه وعلی الجانی نصف الدیة أیضاً، وبین أن

ص :284


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 23 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 140.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 134.
4- (4) الوسائل: ج 19، الباب 15 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 134.
5- (5) سورة المائدة: الآیة 45.

.··· . ··· .

الشَرح:

یأخذ من الجانی دیة النفس یعنی دیة العینین والمستند لذلک صحیحة محمد بن قیس قال: قال أبو جعفر علیه السلام : «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل أعور أصیبت عینه الصحیحة ففقئت أن تفقأ إحدی عینی صاحبه ویعقل له نصف الدیة، وإن شاء أخذ دیة کاملة ویعفا عن عین صاحبه»(1).

ونحوها روایة عبداللّه بن الحکم عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «سألته عن رجل صحیح فقأ عین رجل أعور، فقال: علیه الدیة کاملة، فإن شاء الذی فقئت عینه أن یقتصّ من صاحبه ویأخذ منه خمسة آلاف درهم فعل، لأنّ له الدیة کاملة، وقد أخذ نصفها بالقصاص»(2).

وعن جماعة کالمفید وابن ادریس أنّه لیس للأعور المجنی علیه إلاّ الاقتصاص من ذی العینین بإحدی عینیه من غیر أن یرد علیه نصف الدیة استناداً إلی ظاهر الآیة الدالّة علی أنّ العین بالعین، وما هو ظاهر من الروایات بمفادها.

وفیه أنّ مقتضی الآیة والروایات وإن کان ما ذکر إلاّ أنّ دلالتهما بالاطلاق حیث یعمّان عین الأعور فیرفع الید عن الاطلاق بالدلیل الخاصّ علی خلافه.

ثمّ انّ المصرّح به فی کلمات بعض الأصحاب أنّ ردّ نصف الدیة علی الأعور من ذی العینین الجانی ما إذا ذهبت إحدی عینیه خلقةً أو کان ذلک بآفة، وأمّا إذا ذهبت بجنایة جان علیه من قبل فلا یستحقّ ردّ النصف علیه.

وقد ذکر فی وجه ذلک تارةً بالإجماع وأخری بأنّ الثابت فی العین الواحدة نصف الدیة وأنّ الأعور قد استوفاه من قبل بالعفو الداخل فی الاستیفاء کالأخذ، وثالثة

ص :285


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 252.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 4: 253.

اذهاب الضوء دون الحدقة

اذهاب الضوء دون الحدقة

ولو أذهب ضوء العین دون الحدقة توصل فی المماثلة[1] وقیل یطرح علی الأجفان قطن مبلول ویقابل بمرآة محمّاة مواجهة للشمس حتی تذهب الباصرة وتبقی الحدقة.

الشَرح:

بأنّ صحیحة محمد بن قیس لا إطلاق لها، فإنّها واردة فی قضیة شخصیة ولا یمکن التعدّی منها، مع احتمال الخصوصیة.

وأمّا روایة عبداللّه بن الحکم فلضعف سندها لا یمکن الاعتماد علیها، لأنّ أبی عمران کعبداللّه بن حکم، ضعیف وما ورد فی عین الأعور من أنّ فیها الدیة کاملة کما فی صحیحة الحلبی(1) وغیره مطلق وحملها علی ما إذا کان أعور بغیر الجنایة علیه لا قرینة علیه.

وعلی ذلک فمع ثبوت القصاص کما هو المفروض فی المقام لا دلیل علی الردّ علیه بنصف الدیة إذا کان أعوریته بالجنایة علیه، وأمّا إذا لم یثبت القصاص کما إذا کان قلع عینه خطأً فالثابت علی الجانی خطأً تمام الدیة أخذاً بالاطلاق.

ودعوی الاجماع علی الخلاف لاحتمال الاستناد علی الوجوه المتقدّمة لا یمکن إثبات کونه علی تقدیر تعبّدیاً، ویتعیّن ما ذکرنا فیما إذا کان الجانی علی الأعور أعور مثله، فإنّه یثبت للأعور المجنی علیه القصاص بعین الأعور الجانی من غیر ردّ لخروجه عن فرض الصحیحة وروایة عبداللّه بن الحکم، ولو کان خطأً یکون علی الجانی الأعور الدیة کاملة أخذاً بإطلاق صحیحة الحلبی وغیرها.

[1] أمّا ثبوت القصاص فالظاهر عدم الخلاف فیه ویقتضیه قوله سبحانه: «العین بالعین»(2) ولکن اللازم اعتبار المماثلة فی ذهاب ضوء العین من غیر جنایة زایدة کما

ص :286


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 27 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 1: 252.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.

ویثبت فی الحاجبین وشعر الرأس واللحیة، فإن نبت فلا قصاص[1] وفی الشَرح:

یقتضیه ذلک قوله سبحانه: «فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(1)، وأنّ الجنایة الزایدة داخل فی عنوان الظلم والتعّدی.

وقد یقال فی کیفیة القصاص ما ذکر الماتن علیه السلام والمستند فیه روایة رفاعة عن أبی عبداللّه علیه السلام «انّ عثمان (عمر) أتاه رجل من قیس بمولی له قد لطم عینه فأنزل الماء فیها وهی قائمة لیس یبصر بها شیئاً، فقال له: أعطیک الدیة، فأبی قال: فأرسل بهما إلی علیّ علیه السلام وقال: احکم بین هذین، فأعطاه الدیة فأبی، قال: فلم یزالوا یعطونه حتّی أعطوه دیتین قال فقال: لیس أرید إلاّ القصاص، قال: فدعا علیّ علیه السلام بمرآة فحماها ثمّ دعا بکرسف فبلّه ثمّ جعله علی أشفار عینیه وعلی حوالیها ثمّ استقبل بعینه عین الشمس قال: وجاء بالمرآة فقال انظر فنظر فذاب الشحم وبقیت عینه قائمة وذهب البصر»(2).

ولکن الروایة ضعیفة بسلیمان الدهّان ولا دلالة لها علی انحصار کیفیة الاقتصاص بالوارد فیها، ولعلّه إحدی الطرق إلیه.

[1] ذکروا القصاص فی إذهاب شعر الرأس واللحیة والحاجبین ومع فساد المحل إذا أمکن الاقتصاص من غیر تعدّ، والمراد بفساد المحلّ عدم نبات الشعر ثانیاً، وأمّا إذا نبت ثانیاً فلا قصاص کما هو ظاهر الماتن، حیث ذکر أنّه فإن نبت فلا قصاص حیث إنّه مع النبات ینتقل الأمر إلی الدیة أو الارش.

وعن بعض الروایات ثبوت القصاص مطلقاً بمعنی أنّه یثبت القصاص مع عدم فساد المحل، ومع فساده إذا أمکن القصاص فی الثانی.

ویظهر من بعض الروایات عدم ثبوت القصاص فی شیء من الصورتین وفی

ص :287


1- (1) سورة البقرة: الآیة 194.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 11 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 129.

.··· . ··· .

الشَرح:

روایة مسمع عن أبی عبداللّه علیه السلام : «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی اللحیة إذا حلقت فلم تنبت الدیة کاملة فإن نبتت فثلث الدیة»(1)، وظاهرها إن لم یکن مختصّاً بالعمد، لکون الحلق فعلاً عمدیاً فلا أقلّ من إطلاقها.

وفی روایة سلمة بن تمام قال: أهرق رجل قدراً فیها مرق علی رأس رجل، فذهب شعره، فاختصموا فی ذلک إلی علیّ علیه السلام ، فأجّله سنة فلم ینبت شعره فقضی علیه بالدیة»(2)، وظاهرها أیضاً ثبوت الدیة حتّی مع العمد.

وقریب منهما مرسلة علی بن خالد (حدید) عن بعض رجاله عن أبی عبداللّه علیه السلام قال قلت: الرجل یدخل الحمام فیصبّ علیه صاحب الحمام ماءً حارّاً فیمتعط شعر رأسه فلا ینبت فقال: «علیه الدیة کاملة»(3).

والمناقشة فی الروایات بضعف إسنادها وأنّ مقتضی إطلاق قوله سبحانه «فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(4) ثبوت القصاص فی الصورة الأولی، بل فی الثانیة إذا أمکن، ففیها أنّ الصدوق روی روایة مسمع بسنده عن السکونی، ولا مناقشة فیها بحسب السند(5).

وأمّا المرسلة فقد رواها الشیخ بإسناده عن محمد بن الحسن الصفّار عن

ص :288


1- (1) الوسائل: الباب 37 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 1: 26.
2- (2) الوسائل: الباب 37 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 3: 261.
3- (3) الوسائل: الباب 37 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 261.
4- (4) سورة البقرة: الآیة 194.
5- (5) الوسائل: الباب 37 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 1: 26.

قطع الذکر[1] ویتساوی فی ذلک ذکر الشاب والشیخ.

والصبی والبالغ[2] والفحل والذی سلّت خصیتاه والأغلف والمختون. نعم الشَرح:

محمد بن الحسین عن جعفر بن بشیر عن هشام بن سالم عن سلیمان بن خالد(1) قال قلت لأبی عبداللّه علیه السلام . . . فلا مجال للمناقشة اللّهم إلاّ أن یقال دلالة هذه الروایات علی تعیّن الدیة بالاطلاق حتّی صحیحة هشام حیث انّ ذکر «علیه الدیة» لا یقتضی العمد، بل کون الدیة علی الجانی لکون الجنایة شبه العمد، ودلالة الآیة المبارکة أیضاً علی حکم الجنایة الموجبة لإزالة الشعر بالاطلاق ومع المعارضة لا اعتبار باطلاق الروایات فالمتعیّن القصاص فی الصورتین إمکانه، واللّه العالم.

[1] أمّا أصل القصاص فمضافاً إلی الاطلاق فی قوله سبحانه «فاعتدوا علیه بمثل ما اعتدی علیکم»(2) یدلّ علیه الاطلاق فی موثقة اسحاق بن عمار عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فیما کان من جراحات الجسد أنّ فیها القصاص أو یقبل المجروح دیة الجراحة فیعطاها»(3).

[2] هذا هو المشهور بین الأصحاب فی قصاص النفس بأن یقتل قاتل الصبی قصاصاً، ولکن لا یقتل الصبی بالبالغ وکذا یقتصّ من البالغ اقتصاصاً من عضو الصبی، ولکن لا یقتصّ من الصبی اقتصاصاً من عضو البالغ لما ورد من أنّ عمد الصبی خطأ تحمله العاقلة.

ولکن لا یخفی أنّ العموم الوارد فی عدم جواز القصاص من العاقل اقتصاصاً من جنایته علی المجنون کما یدلّ علیه صحیحة أبی بصیر یقتضی عدم جواز القصاص من

ص :289


1- (1) الوسائل: الباب 37 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 261.
2- (2) سورة البقرة: الآیة 194.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 13 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 3: 132.

لایقاد الصحیح بذکر العنین[1]

الشَرح:

البالغ فی جنایته علی الصبی أیضاً، قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قتل رجلاً مجنوناً فقال: «إن کان المجنون أراده فدفعه عن نفسه «فقتله» فلا شیء علیه من قود ولا دیة ویعطی ورثته دیته من بیت مال المسلمین» قال: «وإن کان قتله من غیر أن یکون المجنون أراده فلا قود لمن لا یقاد منه، وأری أنّ علی قاتله الدیة فی ماله یدفعها إلی ورثة المجنون ویستغفر اللّه ویتوب إلیه»(1).

فإنّ مقتضی قوله علیه السلام «لا قود لمن لا یقاد منه» عدم جواز الاقتصاص من البالغ بجنایته عمداً علی الصبی سواء کانت الجنایة تلف النفس أو تلف العضو.

[1] کما صرّح بذلک العلاّمة والشهید الثانی وغیرهما وکأنّ العنن من شلل العضو، فقد ورد أنّه لا یقاصّ من صحیح الید بالید المشلولة، بل یثبت علی الجانی ثلث الدیة، ولذا ذکر الماتن قدس سره فی المقام لا یقاد الصحیح بذکر العنین ویکون علیه بقطعه ثلث الدیة.

ولکن التعدّی من شلل الید إلی ذکر العنین وجهه غیر ظاهر بل حصر قیاس مع أنّ الحکم فی الید المشلولة أیضاً مشکل لما تقدّم من ضعف المستند، ومقتضی عموم ما دلّ علی ثبوت القصاص فی الجراحات ثبوته فی المقام، ومجرد العنن لا یخرج عن المماثلة کما إذا قطع الشاب ذکر من بلغ الهرم الذی لا ینتشر ذکره فإنّه یقطع ذکر الشاب کما تقدّم.

وکون الدیة أیضاً، ثلث الدیة محلّ إشکال، فإنّ مقتضی معتبرة السکونی ثبوت الدیة الکاملة، فإنّ الکلینی روی بسنده عنه عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «قال

ص :290


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 51.

ویثبت بقطعه ثلث الدیة، وفی الخصیتین القصاص[1]، وکذا فی إحداهما إلاّ أن یخشی ذهاب منفعة الأخری فیؤخذ دیتها.

ویثبت فی الشفرین[2] کما یثبت فی الشفتین، ولو کان الجانی رجلاً الشَرح:

أمیر المؤمنین علیه السلام فی ذکر الصبی الدیة وفی ذکر العنن الدیة»(1).

لا یقال: مقتضی إطلاقها تعیّن الدیة حتّی فی الجنایة علی الصبی بقطع ذکره عمداً أو علی العنین بقطع ذکره کذلک ونفی القصاص.

فإنّه یقال: مقتضی ما ورد فی الجروح قصاص ثبوت القصاص فی قطع ذکر العنین عمداً والتعارض بالعموم من وجه وثبوت القصاص موافق لعموم الکتاب فیؤخذ بما دلّ علیه.

[1] لإطلاق ما دلّ علی ثبوت القصاص فی الجروح فإن قطع الیمنی اقتصّ بقطعها وإن قطع الیسری قطعت الیسری، لتحقّق المماثلة.

نعم إذا کان القطع مما یوجب انتفاء منفعة الأخری بأن یصیر الجانی عقیماً یسقط القصاص للتعزیر المتقدّم بأنّه یوجب الانتقال إلی الدیة.

ولکن فیه إشکال، فإنّ قطع المماثل یعدّ قصاصاً وما یتلف بالقصاص بالمماثل لا یدخل فی الضمان علی ما یستفاد مما ورد فی أنّ من قتله القصاص أو الحدّ فلا قود ولا دیة له اللّهمّ إلاّ إذا کان القصاص مؤدّیاً إلی التلف أو الفساد فی العضو الآخر فلا بأس بالالتزام بالانتقال إلی الدیة لخروج القصاص بذلک عن المماثلة.

[2] إذا قطعت امرأة الشفرین من امرأة أخری قطعت شفریها قصاصاً أخذاً بما دلّ علی ثبوت القصاص فی الجروح والمناقشة فی القصاص باختلاف الشفرین فی النّساء کماتری بعد صدق المماثلة کما فی اختلاف الناس فی الأعضاء.

ص :291


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 35 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 259.

فلا قصاص وعلیه دیتها، وفی روایة عبدالرحمن بن سیابة عن أبی عبداللّه علیه السلام إن لم یؤدّ دیتها قطعت لها فرجه وهی متروکة.

الشَرح:

نعم، إذا قطع الرجل الشفرین من المرأة علیه دیة النفس أی دیة المرأة التی هی نصف دیة الرجل، وفی صحیحة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام قال: «قضی أمیر المؤمنین علیه السلام فی رجل قطع فرج امرأة (امرأته) قال: إذن اغرمه لها نصف الدیة»(1) والمراد نصف دیة النفس الظاهرة فی دیة الرجل کلّما اطلقت، کما لا یخفی.

وقد ذکر فی الجواهر(2) فی باب دیة الشفرین «وفی خبر آخر رجل قطع فرج امرأة فقال اغرمه لها نصف دیتها وهو محمول علی ما إذا قطع أحد الشفرین کما أنّ خبر عبدالرحمن بن سیابة محمول علی قطعهما معاً حیث ورد فیه ثبوت دیة نفسها کماتری، وأیضاً ورد فی روایة عبدالرحمن بن سیابة إن لم یؤدّ الرجل دیتها یقطع ذکره قصاصاً إذا طلبت المرأة ذلک، فإنّه روی الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن محبوب عن عبدالرحمن بن سیابة عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ فی کتاب علی علیه السلام لو أنّ رجلاً قطع فرج امرأته لأغرمته لها دیّتها، وإن لم یؤدّ إلیها الدیة قطعت لها فرجه إن طلبت ذلک»(3).

وقد ذکر الماتن انّ ما ورد فیها متروک، ولعلّ الوجه فی ترک العمل خروج ما ذکر عن القصاص وإلاّ لم یکن جوازه مترتّباً علی عدم أداء الدیة لها وإن کان یمکن القول باعتبار سندها، لأنّه من غیر البعید کونه من المعاریف الذین لم یرد فیهم القدح بل توکیل الصادق علیه السلام له فی إیصال المال إلی عوائل من قتل فی قضیة زید کاشف عن

ص :292


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 36 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 36.
2- (2) جواهرالکلام: 43/274.
3- (3) الکافی: 7/313، الوسائل ج 19، الباب 36 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 26.

ولو کان المجنی علیه خنثی، فإن تبیّن أنّه ذکر فجنی علیه رجل کان فی ذکره وانثییه القصاص[1] وفی الشفرین الحکومة.

ولو کان الجانی امرأة کان فی المذاکیر الدیة وفی الشفرین الحکومة، لأنّهما لیسا أصلاً، ولو تبیّن أنّه امرأة فلا قصاص علی الرجل فیهما وعلیه فی الشفرین دیتهما وفی الذکر والانثیین الحکومة، ولو جنت علیه امرأة کان فی الشفرین القصاص وفی المذاکیر الحکومة، ولو لم یصبر حتّی تستبان حاله فإن طالب الشَرح:

أمانته، وبذلک یشکل الخروج وطرح الروایة بمجرد الاستبعاد ولکن موردها والمفروض فیها علی نسخة الوسائل عن الکافی قطع الرجل فرج أمرأته ولا یمکن التعدّی منها لاحتمال الخصوصیة بعد کون الحکم علی خلاف القاعدة، واللّه العالم.

ثمّ انّ دیة فرجها نصف الدیة الظاهرة فی الدیة الکاملة للنفس لا دیة نفس المرأة فما فی صحیحة أبی بصیر لا تنافی روایة عبدالرحمن، کما لا یخفی.

[1] فإنّ ذلک مقتضی ثبوت القصاص فی الجروح واعتبار الاقتصاص بالمماثل وإذا جنی الرجل علی الخنثی المتبیّن کونه ذکراً فی شفریه یرجع فی جنایته إلی الحکومة، لأنّ الشفرین لیسا أصلیین بل هما لحم زاید وأمّا لو کان الجانی علیه امرأة فلا مورد للقصاص من المرأة فی مذاکیر الخنثی فیرجع إلی الدیة وفی شفریه إلی الحکومة، لأنّ الشفرین من الخنثی لیستا أصلیین حتّی یقتصّ من المرأة فیهما، هذا کلّه فیما إذا ظهر الخنثی ذکراً.

وأمّا إذا ظهر أنّه امرأة وکان الجانی رجلاً لا یقتصّ للخنثی من الرجل لعدم المماثلة فی العضو الواقع فیه الجنایة، بل یرجع إلی الدیة إذا قطع الشفرین وإلی الحکومة إذا قطع الذکر والانثیین وأمّا إذا جنت علیها المرأة کان فی الشفرین القصاص وفی المذاکیر الحکومة.

ص :293

قطع العضو الصحیح بالمجذوم

بالقصاص لم یکن له لتحقّق الاحتمال[1 [ولو طالب بالدیة أعطی الیقین وهو دیة الشفرین، ولو تبیّن بعد ذلک أنّه رجل أکمل له دیة الذکر والانثیین والحکومة فی الشفرین أو تبیّن أنّه أنثی أعطی الحکومة فی الباقی، ولو قال: أطالب بدیة عضو مع بقاء القصاص فی الباقی، لم یکن له، ولو طالب بالحکومة مع بقاء القصاص صحّ ویعطی أقلّ الحکومتین.

ویقطع العضو الصحیح بالمجذوم[2] إذا لم یسقط منه شیء، وکذا یقطع

الشَرح:

[1] یعنی إذا طالب الخنثی بالقصاص فلا یسمع طلبه سواء کان الجانی علیه رجلاً أو امرأة أو خنثی لاحتمال اختلاف الجانی معه فی الذکوریة والانوثیة فإن کان الجانی رجلاً احتمل کونه انثی وإن کانت امرأة احتمل کونه ذکراً، وکذا إذا کان الجانی خنثی، وهذا بخلاف ما إذا طالب بالدیة، فإنّ ثبوت الدیة علی الجانی مع رضاه بالدیة یقینی، غایة الأمر الشکّ فی دیة الشفرین لاحتمال کون الخنثی امرأة، فإنّ تبیّن بعد ذلک أنّه ذکر یأخذ باقی الدیة ویثبت فی الشفرین الحکومة، وإن تبیّن کونه امرأة فقد أخذ دیة الشفرین ترجع فی الباقی إلی الحکومة، وظاهر الفرض وقوع الجنایة علی الخنثی فی المذاکیر والشفرین، ولذا لو طالب بالحکومة مع بقاء القصاص له فی عضوه الأصلی صحّ، ولکن یؤخذ بأقلّ الحکومتین.

[2] قد تقدّم أنّه یقطع الید الصحیحة بالید الشلاء وما ورد فی عدم قطعها به ضعیف سنداً، وعلی تقدیر الاغماض لا یتعدّی عن موردها بعد صدق کون الید بالید والأذن بالأذن والأنف بالأنف إلی غیر ذلک، وعلیه یقطع الید الصحیحة بالید المجذومة حتی ما إذا سقط منها شیء فإنّ سقوط اصبع أو أزید منه یکون کسقوطهما من الید الصحیحة فإنّه یقتصّ له ممن لم یقطع من یده أصبع.

ص :294

الأنف الشامّ بالعادم له، کما تقطع الأذن الصحیحة بالصمّاء، ولو قطع بعض الأنف نسبنا المقطوع إلی أصله[1]

وأخذنا من الجانی بحسابه لئلاّ یستوعب أنف الجانی بتقدیر أن یکون صغیراً، الشَرح:

[1] لم یرد فی خصوص المفروض روایة، ولکن ما ذکروا فیه من الاقتصاص بالنسبة مقتضی الاطلاق فیما دلّ علی ثبوت القصاص فی الجروح وفی الأنف بعد التقیید بالمماثلة فإنّه إذا کان للمجنی علیه أنف صغیر قطع نصفه وکان للجانی أنف کبیر یکون قطع نصفه فی الاقتصاص من القصاص بالجرح المماثل، بخلاف ما إذا قطع ربعه المساوی لنصف أنف المجنی علیه بحسب المساحة، فإنّه لا یعدّ هذا اعتداءً بالمثل، کما ذکرنا ذلک فی مطلق الجرح الذی ذکروا فیه اعتبار المساحة فی القصاص منه.

ولذا ذکر الماتن انّ تقدیر المساحة فی مفروض المقام یوجب ذهاب تمام أنف الجانی إذا کان صغیراً بحیث یساوی تمامه مقدار المقطوع من المجنی علیه وذکر فی الجواهر(1) انّ تقدیر النسبة فی القصاص فی المقام یناف ما یعتبر فی القصاص فی الشجاج من تقدیر المساحة.

ولکن لا یخفی انّ الإشکال لیس فی ملاحظة النسبة فی المقام، بل فیما ذکروا من اعتبار المساحة فی القصاص فی الشجاج فی العضو.

مما ذکر یظهر ثبوت القصاص فی أحد المنخرین فإنّه إذا جنی بقطع أحدهما یقطع اقتصاصاً من الجانی أحدهما أیضاً مراعیاً المماثلة فی الیمنی أو الیسری والنسبة علی ما یأتی بالإضافة إلی المحلّ.

ص :295


1- (1) جواهر الکلام: 42/384.

وکذایثبت القصاص فی أحد المنخرین، وکذا البحث فی الأذن وتؤخذ الصحیحة بالمثقوبة، وهل تؤخذ بالمخرومة قیل: لا [1]، ویقتصّ إلی حدّ الخرم والحکومة فیما بقی، ولو قیل: یقتصّ إذا ردّ دیة الخرم کان حسناً.

الشَرح:

[1] ذکر قدس سره ثبوت القصاص فی الأذن کما یفصح عن ذلک قوله سبحانه «والأذن بالأذن»(1) وتؤخذ الصحیحة بالمثقوبة سواء عدّ الثقب زینة أم لا للصدق. نعم لو کان مخرومة من المجنی علیه هل یقتصّ من الجانی مع عدم کون أذنه مخرومة؟ قیل: لا ، بل یؤخذ بالقصاص إلی مقدار الخرم وبالحکومة فی مقدار الزاید، کما قیل الانتقال إلی الدیة، وذکر الماتن أنّه لو قیل بالقصاص فی کلّ المقدار وعلی المجنی علیه ردّ الخرم کان حسناً.

والظاهر أنّ اختیار الأخیر لخبر الحسن بن العباس بن الحریش عن أبی جعفرالثانی علیه السلام قال قال: أبو جعفر الأول علیه السلام لعبداللّه بن عباس: یا ابن عباس انشدک اللّه هل فی حکم اللّه اختلاف قال فقال: لا، قال: فما تقول فی رجل قطع رجل أصابعه بالسیف حتّی سقطت فذهب وأتی رجل آخر فأطار کفّ یده فأتی به إلیک وأنت قاض کیف أنت صانع؟ قال: «أقول لهذا القاطع اعطه دیة کفّه وأقول لهذا المقطوع صالحه علی ما شئت وأبعث إلیهما ذوی عدل، فقال له: قد جاء الاختلاف فی حکم اللّه ونقضت القول الأول أبی اللّه أن یحدث فی خلقه شیئاً من الحدود ولیس تفسیره فی الأرض، أقطع ید قاطع الکف أصلاً ثمّ اعطه دیة الأصابع هذا حکم اللّه»(2).

ولکن قد تقدّم ضعفها سنداً وعدم إمکان استفادة الکبری الکلّیة منها.

والأظهر ثبوت الاقتصاص بالمخرومة لصدق المماثلة وإطلاق قوله سبحانه

ص :296


1- (1) سورة المائدة: 45.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 129.

السنّ

وفی السنّ القصاص[1] فإن کانت سنّ مثغر وعادت ناقصة أو متغیّرة کان فیها الحکومة، وإن عادت کما کانت فلا قصاص ولا دیة، ولو قیل بالارش کان حسناً أمّا سنّ الصبی فینتظر بها سنة، فإن عادت ففیها الحکومة وإلاّ کان فیها القصاص، وقیل فی سنّ الصبی بعیر مطلقاً، ولو مات قبل الیأس من عودها قضی لوارثه بالأرش ولو اقتصّ البالغ بالسنّ فعادت سنّ الجانی لم یکن للمجنی علیه إزالتها، لأنّها لیست بجنسه.

الشَرح:

«والأذن بالأذن»(1).

[1] کما هو مقتضی قوله سبحانه: «السنّ بالسنّ»(2) ولکن إذا قلع أو أسقط سنّ الطفل الذی سقطت أسنانه إلتی نبتت من زمان الرضاعة وعادت سنّه المقلوعة ناقصةً أو متغیّرة کان فیها الحکومة، أی ملاحظة کونه معیوب السنّ وتدارکه بالمال علی ما نذکر فی معنی الحکومة، وإن عادت کما کانت لم یکن فی البین قصاص ولا دیة. وذکر الماتن قدس سره : ولو قیل بردّ الارش فی هذه الصورة کان حسناً بأن یلاحظ کونه لو لا القطع کان ذا سنّ فی تلک المدّة فیلاحظ ذلک ویتدارک.

ولکن لا یخفی انّ القصاص وإن لم یثبت فی الفرض کما یأتی إلاّ أنّه قد یقال بثبوت الدیة أخذاً بإطلاق ما دلّ علی ثبوتها فی السنّ بعد ملاحظة عدم ثبوت القصاص.

وما فی مرسلة جمیل عن بعض أصحابه عن أحدهما علیه السلام أنّه قال فی سنّ الصبی یضربها الرجل فتسقط ثمّ تنبت قال: «لیس علیه قصاص وعلیه الارش»(3)، لا ینافی ثبوت الدیة، فإنّ الارش یعمّ الدیة ولا ینحصر فی الحکومة.

ص :297


1- (1) سورة المائدة: الآیة 45.
2- (2) سورة المائدة: الآیة 45.
3- (3) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 2: 134.

.··· . ··· .

الشَرح:

وأمّا روایة مسمع عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: «إنّ علیاً قضی فی سنّ الصبی قبل أن یثغر بعیراً فی کلّ سن»(1).

وکذا روایة السکونی(2) فلا یمکن الاعتماد علیهما لضعفهما سنداً، فإنّ سند الشیخ إلی النوفلی ضعیف وسنده إلی سهل بن زیاد وإن کان معتبراً إلاّ انّ فی السند ابن شمون والأصم مضافاً إلی ضعف سهل بن زیاد.

وتفصیل الکلام فی المقام أنّه إذا قطع أو أسقط السنّ من البالغ الذی لا ینبت مکان المقلوع والساقط سنّ عادةً فمع التعمّد یثبت القصاص وفی غیره یثبت الدیة، ولو عاد فی هذا الفرض مکانه سنّ سواء کانت سنّاً کما کانت فی الأصل أو سنّاً ناقصة فظاهر الماتن أنّه یسقط القصاص والدیة.

وغایة الأمر إذا کانت متغیّرة أو ناقصة کان فیها الحکومة، وهی علی المشهور تفاوت القیمة ما بین کونه بسنّ تامّة وکونه بسنّ ناقصة علی تقدیر کونه عبداً أو مع ملاحظة کونه بسنّ فی تلک المدّة وکونه بلا سنّ مع کون سنّه متغیّرة.

ولکن الصحیح أنّه یثبت القصاص فی الفرض مع التعمّد والدیة بدونه سواء نبتت مکانه سنّ تامّة أو متغیّرة وناقصة أو کاملة أم لم تنبت فإنّ الجنایة الأولی موجبة للقصاص أو الدیة والنابت یحسب عضواً جدیداً وهبه اللّه إیّاه فلا یرتفع موضوع الاقتصاص أو أخذ الدیة.

وأمّا إذا کان المقلوع سنّه أو المسقط عنه صبیّاً مثغراً بأن کان المقلوع أو الساقط

ص :298


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 2: 258.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 33 من أبواب دیات الأعضاء، الحدیث 3: 258.

.··· . ··· .

الشَرح:

سنّاً أصلیّة حیث سقطت من قبل أسنانه التی کانت من زمان الرضاعة تثبت علی الجانی الدیة دون القصاص سواء نبتت سنّ مکان المقلوع أو الساقط اتفاقاً أم لا ، وسواء کان جنایته مع التعمّد أو بدونه وذلک لما ورد فی صحیحة أبی بصیر قال: سألت أبا جعفر علیه السلام عن رجل قتل رجلاً مجنوناً قال: « . . . وإن کان قتله من غیر أن یکون المجنون أراده فلا قود لمن لا یقاد منه وأری أنّ علی قاتله الدیة فی ماله یدفعها إلی ورثة المجنون ویستغر اللّه ویتوب إلیه»(1).

ووجه الدلالة اطلاق قوله علیه السلام «لا قود لمن لا یقاد منه» فإنّ الصبی کالمجنون لا یقاد منه فی جنایته علی البالغ نفساً أو طرفاً، فیکون مقتضاه عدم الاقتصاص من البالغ بسنّ الصبی کسنّ المجنون، بل یکون علیه الدیة والاستغفار، وهذا علی رغم انّ المشهور التزموا بالقصاص إذا لم تنبت السنّ فی محل المقلوعة.

ولو کانت الطفل لم یثغر حیث انّ نبات السنّ فی محل المقلوعة یکشف أنّها قد سقطت من أصلها.

وأمّا إذا نبتت مکانها السنّ وعادت صحیحة فلا قصاص ولا دیة، وإنّما یکون علی الجانی الارش، أی تفاوت القیمة ما بین کون الطفل مقطوعها مدة لو کان رقّاً وبین کونه غیر مقلوعة کما هو ظاهر الماتن قدس سره .

ولعلّ وجهه أنّ کونه مقلوع السنّ مدّة نقص دخل علی المجنی علیه بفعل الجانی فلا یکون هدراً وعود السنّ تامّة کاملة یوجب انتفاء القصاص والدیة لا الارش ومع عدم التفاوت یثبت التعزیر فقط.

ص :299


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 28 من أبواب القصاص ف النفس، الحدیث 1: 51.

ولا أصلیّة بزایدة

ویشترط فی الأسنان التساوی فی المحل، فلا یقلع سنّ بضرس[1] ولا بالعکس، ولا أصلیّة بزایدة، وکذا لا تقلع زایدة بزایدة مع تغایر المحلّین،

الشَرح:

وعلی الجملة ما دلّ علی القصاص أو الدیة منصرف عن صورة العود لکون السنّ سن غیر مثغر بحیث یکون عودها أمراً عادیاً، ویؤیدّه مرسلة جمیل المرویة فی الکافی عن بعض أصحابنا عن أحدهما علیه السلام أنّه قال: فی سنّ الصبی یضربها الرجل فتسقط ثمّ تنبت قال: «لیس علیه قصاص وعلیه الارش»(1). بخلاف کونها سنّ مثغر، فإنّ عودها کما کانت هبة من اللّه سبحانه، فإن کن سنّ الصبی فلا قصاص لما تقدّم، لأنّ الصبی لا یقاد منه فلا قود له، فینتقل إلی الدیة، ویؤیّده إطلاقه المرسلة.

وأمّا إذا کان بالغاً فإنّه لا موجب لسقوط القصاص مع التعمّد والدیة مع الخطأ.

ثمّ ما ذکره العلاّمة قدس سره وتبعه جماعة من الانتظار سنةً لا أعرف له مستنداً، ولذا اطلق المصنفّ قدس سره الانتظار بها إذا کان الطفل غیر مثغر والانتظار یحمل علی العادة، فقد یزید علی السنة وقد لا یزید عنها والمعیار إحراز عدم العود لإحراز تعلّق حقّ الاقتصاص من الجانی عند المشهور والدیة بناءً علی ما ذکر حیث لو طالب ولیّه الدیة قبل ذلک لم یجب إجابته، لعدم إحراز الاشتغال بالدیة. نعم لو قیل بثبوت الدیة حتّی مع عودها وجبت الإجابة، واللّه العالم.

[1 [التساوی فی الأسنان بمعنی أنّه لا یقلع الناب بالضرس ولا من الثنایا بالضرس مما لا ینبغی التأمّل فی اعتباره، لأنّ المعتبر فی القصاص المماثلة فی المعتدی به وأمّا تساویهما فی الموضع بأن یکون المقلوع من الأعلی فمع وجوده فی الموضع فی المقتصّ منه فلا یبعد اعتباره، لأنّ قلع مثله فی غیر مثل موضعه مع وجوده

ص :300


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 14 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 2: 134.

وکذا حکم الأصابع الأصلیّة والزایدة، وتقطع الاصبع بالاصبع مع تساویهما، وکلّ عضو یؤخذ قوداً مع وجوده تؤخذ الدیة مع فقده مثل أن یقطع اصبعین وله واحدة أو یقطع کفّاً تامّاً ولیس للقاطع أصابع[1].

الشَرح:

فی مثل موضعه لا یعدّ من المماثل، بخلاف ما إذا لم یکن من المقتصّ منه فی ذلک الموضع، فإنّه یصدق معه القصاص بالمماثل، نظیر ما إذا قطع الید الیمنی من رجل ولم یکن للجانی إلاّ الید الیسری، فإنّه قد تقدّم أنّه مع الید الیمنی للجانی تقطع یمینه وأمّا مع عدمها لا ینتقل الأمر إلی الدیة، بل تقطع یسراه.

ومما ذکرنا یظهر أنّ القول بعدم اعتبار التساوی فی الموضع مطلقاً أو عدم اعتبار التساوی فی العنوان الخاص فی القصاص بالسنّ مطلقاً لا یمکن المساعدة علیه.

ویجری ما ذکر فی القصاص فی قطع الاصبع، فلو قطع الاصبع السبّابة من یده الیمنی ولم یکن للجانی فی یده الیمنی الاصبع السبّابة تقطع السبّابة من یده الیسری، وهکذا.

ولکن لا تقطع الابهام بدل السبّابة ولو من یده الیمنی کما یظهر أیضاً أنّه لا یقطع العضو الزاید من الجانی بدل العضو الأصلی من المجنی علیه، کما لا یجوز ذلک فی العکس، کما إذا کانت جنایته بقطع اصبع أصلیّة من المجنی علیه ولم یکن للجانی إلاّ اصبع زایدة، وکذا الأمر بالعکس، کما إذا قطع من المجنی علیه اصبع زایدة فلا یقطع اصبعه الأصلیة.

نعم، إذا کان لکلّ من المجنی علیه والجانی اصبع زایدة فیجوز الاقتصاص بقطع الزایدة وإن اختلف موضعهما من یدهما، وکذا الحال فی السنّ الزایدة منهما، وکلّ ذلک لرعایة المماثلة فی القصاص بنظر العرف.

[1] إذا لم یمکن الاقتصاص من الجانی فی قصاص الطرف لعدم العضو المماثل للجانی أو أنّ جنایته لا یقتصّ منها لعدم إمکان رعایة المماثلة تصل النوبة إلی أخذ

ص :301

مسائل:

الأولی: إذا قطع یداً کاملة

الأولی: إذا قطع یداً کاملة ویده ناقصة إصبعاً کان للمجنی علیه قطع الناقصة، وهل یأخذ دیة الاصبع؟ قال فی الخلاف: نعم[1]، وفی المبسوط: لیس له ذلک، إلاّأن یکون أخذ دیتها.

الشَرح:

الدیة، لأنّه لا یمکن الالتزام بذهاب حقّ المجنی علیه هدراً فإن لم تکن لجنایته دیة تصل النوبة إلی الدیة الثابتة بالحکومة.

نعم، ذکرنا فیما تقدّم أنّه فی الموارد التی لا تضبط القصاص وانتقل الأمر إلی الدیة یجوز الاقتصاص من الجانی بالأقلّ ویعطی دیة الجنایة بعد وضع الدیة من الجنایة التی اقتصّ منها وعلی ذلک فللمجنی علیه حقّ الاقتصاص بالأقلّ أو مطالبة الدیة لجنایته.

[1] إذا قطع الجانی الذی یده ناقصة إصبع یداً کاملة یثبت للمجنی علیه الاقتصاص من الجانی بقطع یده الناقصة، وهل له مع ذلک مطالبة الجانی بالدیة لأصبعة أو أصابعه؟

قال الشیخ فی الخلاف: نعم، لأنّه لیس للجانی الاصبع أو الأصابع فینتقل الأمر فیها إلی الدیة.

لا یقال: إذا قطع الجانی ذو الید الشلاّء الید الصحیحة من آخر، فقد تقدّم أنّ للمجنی علیه قطع الید الشلاّء من الجانی. فإنّه یقال: لیس الفرض کما فی الجانی الأشل، لأنّ الید الشلاّء تامّة، ولکن غیر صحیحة بخلاف الفرض فی المقام فإنّ ید الجانی فاقدة للأصبع الذی قطع بقطع الید.

وفصّل فی المبسوط بین ما کان النقص فی ید الجانی بالجنایة التی أخذ دیتها فللمجنی علیه المطالبة بالدیة وإلاّ فلا حقّ له إلاّ بقطع یده الناقصة.

ص :302

.··· . ··· .

الشَرح:

ویستدلّ علی التفصیل بما رواه الکلینی والشیخ بإسنادهما عن سورة بن کلیب عن أبی عبداللّه علیه السلام قال: سئل عن رجل قتل رجلاً عمداً وکان المقتول أقطع الید الیمنی فقال: «إن قطعت یده فی جنایة جناها علی نفسه أو کان قطع فأخذ دیة یده من الذی قطعها فإن أراد أولیاؤه أن یقتلوا قاتله أدّوا إلی أولیاء قاتله دیة یده من الذی قید منها إن کان أخذ دیة یده ویقتلوه، وإن شاؤوا طرحوا عنه دیة ید وأخذوا الباقی» قال: «وإن کانت یده قطعت فی غیر جنایة جناها علی نفسه ولا أخذ لها دیة قتلوا قاتله ولا یغرم شیئاً، وإن شاؤوا أخذوا دیة کاملة» قال: «هکذا وجدناه فی کتاب علی علیه السلام (1).

أقول: مع الاغماض عن سند الروایة لعدم ثبوت توثیق لسورة بن کلیب ولا أقلّ من تردّده بین الأسدی والنهدی مدلولها ما إذا کان المجنی علیه بالقتل ناقص العضو دون الجانی، والمفروض فی المقام کون المجنی علیه بغیر القتل تامّ العضو والجانی ناقصاً، فلا یمکن التعدّی من الأوّل إلی الثانی حتّی مع فرض العمل بالروایة.

وذکر جماعة أنّه لو کان المجنی علیه ناقص العضو کما إذا قطع من کانت یده تامّة یداً ناقصة یقتصّ من الجانی بعد دفع دیة النقص للجانی. وفی استظهاره من روایة سورة بن کلیب مع ضعف سندها وورودها فی القتل تأمّل.

نعم، ربّما یستظهر ذلک من روایة الحسن بن العباس بن الحریش عن أبی جعفر الثانی قال: قال أبو جعفر الأول علیه السلام لعبداللّه بن عباس: «یابن عباس انشدک اللّه هل فی حکم اللّه اختلاف قال فقال: لا ، قال: فما تقول فی رجل قطع رجل أصابعه بالسیف حتّی سقطت فذهبت وأتی رجل آخر فأطار کفّ یده فأتی به إلیک وأنت

ص :303


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 50 من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 82.

ولو قطع اصبع رجل فسرت إلی کفّه ثمّ اندملت ثبت القصاص فیهما[1] الشَرح:

قاض کیف أنت صانع؟ قال: أقول لهذا القاطع أعطه دیة کفّه، وأقول لهذا المقطوع صالحه علی ما شئت وأبعث إلیهما ذوی عدل، فقال له: قد جاء الاختلاف فی حکم اللّه ونقضت القول الأول، أبی اللّه أن یحدث فی خلقه شیئاً من الحدود ولیس تفسیره فی الأرض، أقطع ید قاطع الکفّ أصلاً، ثمّ اعطه دیة الأصابع هذا حکم اللّه»(1). ولکنّ الروایة ضعیفة سنداً، ومقتضی إطلاق ما دلّ علی القصاص قطع ید الجانی بلا ردّ شیء علیه.

[1] ذکر قدس سره أنّه لو قطع عمداً اصبعاً من آخر فسرت جراحة الاصبع إلی الکفّ بحیث سقطت کفّه ثمّ انقطعت السرایة بحیث اندملت کان للمجنی علیه الاقتصاص من اصبع الجانی وکفّه بقطعهما، ولو أراد المجنی علیه الاقتصاص بقطع اصبع الجانی ومطالبة الأرش لکفّه فلیس له ذلک إلاّ أن یرضی الجانی فإنّ حقّه منحصر فی القصاص.

أقول: فیما ذکره قدس سره تأمّل لما تقدّم من أنّ السرایة إذا لم تکن عمدیة ولا عادیة لا تحسب من الجنایة العمدیّة، فعلیه فإن اتّفقت من غیر قصد السرایة حتّی سقطت کفّه فلیس للمجنی علیه إلاّ القصاص فی الأصبع وله مطالبة الدیة لکفّه الساقطة.

نعم، إذا کان الجرح بقصد السرایة وإسقاط یده أو کان أمراً غالبیاً کما إذا کان بآلة مسمومة ثبت للمجنی علیه القصاص، کما یدخل قصاص الطرف فی قصاص النفس عند السرایة الغالبیة والعمدیّة.

ولا یقاس ذلک بما إذا کانت الجنایة علی العضو متعدّدة کما إذا قطع أصابعه أوّلاً ثمّ قطع کفّه ثانیاً فإنّ علی المجنی علیه القصاص فی کلّ من الأصابع والکفّ فالسرایة فیما إذا کانت موجبةً للقصاص یکون إذا قطع کفّه من مفصل الکوع فإنّه یوجب القصاص

ص :304


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب القصاص الطرف، الحدیث 1: 129.

وهل له القصاص فی الأصبع وأخذ الدیة فی الباقی؟ الوجه لا لإمکان القصاص فیهما ولو قطع یده من مفصل الکوع ثبت القصاص ولو قطع معها بعض الذراع اقتصّ فی الید [1]وله الحکومة فی الزاید. ولو قطعها من المرفق اقتصّ منه ولا یقتصّ فی الید ویأخذ ارش الزاید والفرق بیّن.

الشَرح:

بالمثل بقطع ید الجانی من الکوع.

[1] ذکر قدس سره أنّه لو قطع عمداً یده من الکوع أی من مفصل الکفّ الذی یلی الإبهام ثبت القصاص أخذاً بإطلاق ما دلّ علی القصاص فی الأعضاء والجروح ولکن لو قطع مع کفّه بعض الذراع أیضاً ثبت القصاص فی الید فیقطع من الجانی یده من الکوع ویؤخذ منه فی الزاید بالحکومة حیث لا یجری القصاص علی الزاید فإنّه یدخل فی بعض العضو الداخل قطعه فی کسر العظام.

وهذا بخلاف ما إذا قطع یده من المرفق، ولیس له القصاص فی الید بقطعها من الکوع ومطالبة ارش الزاید، أی دیته، وذلک لأنّ القصاص فیما إذا کان القطع من المرفق ثابت فیکون الأخذ بغیره موقوفاً علی التراضی بل جواز قطع یده من الکوع والأخذ بالارش علی الزاید محلّ إشکال، لأنّه لیس له حقّ القطع من الکوع حتّی مع رضا الجانی ولا یقاس بما تقدّم فی مثل المأمومة من جواز القصاص فی الأقلّ والأخذ فی الزیادة بأرش، حیث أنّ الجنایة بالأقل کانت واقعة من الجانی بخلاف المقام.

أقول: فیما إذا کانت الجنایة بقطع الید من بعض الذراع فمجرّد ذلک لا یوجب دخولها فی عنوان کسر العظام المنفی فیه القصاص فإن أمکن القطع بمثله ثبت القصاص وإلاّ ثبتت الدیة أی دیة الید ولا موجب لجواز الاقتصاص بقطع ید الجانی من الکوع، لعدم وقوعه من الجانی حتّی یقتصّ منه بمثله، والجنایة إذا وقعت علی بعض الذراع ولم یمکن القصاص ثبت فیه دیة الید لما یأتی من عدم اختلاف الدیة فی

ص :305

الثانیة: إذا کان للقاطع اصبع زایدة

الثانیة: إذا کان للقاطع اصبع زایدة[1] وللمقطوع کذلک ثبت القصاص لتحققّ التساوی، ولو کانت الزایدة للجانی[2] فإن کانت خارجة عن الکفّ اقتصّ منه أیضاً لأنّها تسلم للجانی، وإن کانت فی سمت الأصابع منفصلة ثبت القصاص فی الخمس دون الزایدة ودون الکف وکان فی الکفّ الحکومة ولو کانت متصلة ببعض الأصابع جاز الاقتصاص فیما عدا الملتصقة وله دیة اصبع والحکومة فی الکفّ، أمّا لو کانت الزایدة للمجنی علیه فله القصاص ودیة الزایدة وهو ثلث دیة الأصلیة.

الشَرح:

الجنایة علی الید بذلک.

[1] ذکر قدس سره أنّه إذا کان للقاطع إصبع زایدة وکذا للمقطوع ثبت القصاص، لتحقّق المساواة والمماثلة وقیّده فی الجواهر(1) بما إذا کان الأصبع الزایدة من کلّ منهما مماثلة للزایدة للآخر حتّی فی المحلّ، ولکن سنذکر أنّه لا یعتبر هذه المماثلة بل المماثلة بین الیدین فی الیمنی والیسری کافیة فی جواز الاقتصاص.

[2] حاصله انّه إذا کانت الزیادة فی ید أحدهما فقط فإن کانت فی ید الجانی وکانت الزایدة خارجة عن کفّه بأن کانت فی ساعده مثلاً یثبت القصاص علیه فی کفّه، یعنی یقطع المجنی علیه کفّ الجانی، لأنّ الزیادة فی الفرض تبقی للجانی.

وأمّا إذا لم تکن خارجة عن الکفّ فإن کانت فی سمت الأصابع غیر ملتصقة باصبع یثبت القصاص فی الأصابع الأصلیة من الجانی، یعنی یقطع المجنی علیه الأصابع الأصلیة من الجانی ویبقی کفّه واصبعه الزایدة ویرجع المجنی علیه فی الکفّ الذی لم یقطعه للتغریر علی الجانی إلی الحکومة.

وأمّا إذا کانت الزیادة ملتصقة باصبع الجانی یثبت للمجنیّ علیه الاقتصاص فی

ص :306


1- (1) جواهر الکلام: 24/403.

.··· . ··· .

الشَرح:

غیر تلک الأصبع ویرجع فی اصبعه التی لم یتمکن من الاقتصاص منه إلی دیتها کما یرجع فی الکفّ إلی الحکومة.

أقول: قد تقدّم انّ القصاص یثبت بالجنایة وإذا کانت الجنایة واحدة والاقتصاص منها ممکن ثبت القصاص وإلاّ یرجع إلی الدیة، فالجنایة التی صدرت من الجانی قطع ید المجنی علیه لا قطع أصابعه، وإذا کانت الید المشتملة علی أصبع زایدة من الجانی مماثلة مع ید المجنی علیه کما هو کذلک ولو لم یکن فی ید المجنی علیه اصبع زایدة تقطع ید الجانی فإنّ اصبعه الزایدة لا حرمة له بعد ثبوت القصاص من یده وإن لم تکن مماثلة فرضاً ینتقل الأمر إلی الدیة ولا وجه لثبوت القصاص فی الأصابع، لأنّ الجنایة الصادرة من الجانی وقعت علی الید لا علی الأصابع.

وممّا ذکرنا یظهر أنّه لو کانت الزیادة للمجنی علیه ثبت له القصاص من ید الجانی.

والمشهور کما التزم به الماتن أیضاً انّ المجنی علیه حیث لا یمکن له القصاص باصبعه الزایدة یأخذ من الجانی دیتها وهو ثلث دیة الأصلیّة، بل فی کلمات بعضهم دعوی الاجماع علیه، ولکن لم یثبت الدیة فی الأصبع الزایدة فی الفرض، لأنّه لم یقع الجنایة علیها، بل وقعت علی الید وکون الید بالید فی القصاص مقتضاه عدم استحقاق المجنی علیه أزید منها وقد تقدّم الکلام فی ذلک فیمن یده ناقصة اصبعاً أو أزید وقد قطع الید الکاملة من الآخر، حیث ذکرنا أنّه لیس للمجنی علیه إلاّ قطع یده الناقصة اصبعاً أو أزید.

نعم، إذا قطعت الاصبع الزایدة من المجنی علیه أوّلاً ثمّ قطع یده استحقّ المجنی علیه المطالبة بارش الأصبع الزایدة وقطع یده بیده.

ص :307

ولو کانت له أربع أصابع أصلیة وخامسة غیر أصلیّة لم یقطع ید الجانی إذا کانت أصابعه کاملة أصلیة وکان للمجنی علیه القصاص فی أربع وأرش الخامسة[1].

أمّا لو کانت الأصبع التی لیست أصلیة للجانی ثبت القصاص، لأنّ الناقص یؤخذ بالکامل، ولو اختلف محل الزایدة لم یتحقّق القصاص کما لا یقطع إبهام الشَرح:

[1] قد یفرض الکلام فیما إذا قطع الجانی الأصابع من المجنی علیه خاصّة وکانت الأصابع الأربع من المجنی علیه أصلیة والأخری غیر أصلیة یتمّ ما ذکره قدس سره من أنّ المجنی علیه یقتصّ من أصابعه الأصلیة ویرجع فی الزایدة إلی الدیة حیث لا مورد للقصاص منه.

وأمّا إذا انعکس الأمر بأن تکون الأصابع الأربع من الجانی أصلیّة والأخری زایدة ثبت القصاص للمجنی علیه فی جمیع أصابعه، لأنّ الناقص یؤخذ بالکلّ علی ما تقدّم من الاقتصاص من الید الشلاّء بالید الصحیحة، ولکن هذا خلاف فرض الماتن وظاهره وقوع الجنایة علی الید وعدم تساوی الیدین فی الأصابع، ففی الفرض قد تقدّم أنّ القصاص یقع علی الید لا علی الأصابع، فلا فرق فی ذلک بین کون الید التی بعض أصابعها غیر أصلیة من الجانی أو المجنی علیه فیثبت القصاص فی نفس الید ولا اعتبار بالأصابع.

ومما ذکر یظهرالحال فیما کان الاختلاف بین الیدین فی الانملة أو فی الاصبع الزایدة التی نبتت علی الأصبع الأصلیة فإنّه إن وقعت الجنایة فی الفرض علی الید فالأمر کما تقدّم، وإن وقعت علی الأصابع من أصلها فهو أیضاً کما تقدّم بالإضافة إلی اختلاف الانملة والاصبع الزایدة النابتة علی الاصبع، وأمّا إذا نبتت علی الکفّ فلا یقطع أصلیة بتلک الزایدة.

ص :308

بخنصر، ولو کانت لأنمله طرفان فقطعهما. فإن کان للجانی مساویة ثبت القصاص لتحقّق التساوی[1] وإلاّ اقتصّ وأخذ الأرش للطرف الآخر، ولو کان الطرفان للجانی لم یقتصّ منه وکان للمجنی علیه دیة أنملته وهو ثلث دیة الاصبع.

الشَرح:

[1] ذکر قدس سره أنّه لو کان لأنملة طرفان فقطعهما الجانی، فإذا کان الجانی متساویاً مع المجنی علیه بأن کان له أیضاً أنملة لها طرفان قطعهما المجنی علیه قصاصاً، وإلاّ قطع المجنی علیه أنملته وأخذ الارش لأنملته الاخری التی لا یمکن القصاص منها.

وأمّا إذا انعکس الأمر بأن کان لأنملة الجانی طرفان ولم یکن لأنملة المجنی علیه کذلک لم یقتصّ من الجانی بل یأخذ دیة أنملته لعدم إمکان القصاص بالعقد المماثل أو للتعزیر بالجانی بزیادة القصاص عن جنایته، ودیة الأنملة ثلث دیة الاصبع فی غیر الإبهام ونصفها فی الإبهام علی ما یأتی.

أقول: کان علی المصنّف أن یلتزم بأنّه یجوز فی الفرض قطع طرفی الانملة من الجانی وردّ الدیة الزایدة وأیضاً یمکن الالتزام بأنّه إذا تمیّز الطرف الأصلی من غیر الأصلی وأمکن قطع الأصلی منفرداً جاز القصاص، وإذا لم یمکن إلاّ بقطعهما قطعهما ویعطی دیة الزایدة لو کان المستند فی بعض المسائل السابقة روایة الحسن بن العباس بن الحریش المتقدّمة(1)، فإنّ هذا أیضاً داخل فی مقتضاها وإلاّ فلا ردّ أصلاً.

ص :309


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 10 من أبواب قصاص الطرف، الحدیث 1: 129.

ولو قطع من واحد الأنملة العلیاء ومن آخر الوسطی[1] فإن سبق صاحب العلیاء اقتصّ له وکان للآخر الوسطی وإن سبق صاحب الوسطی أخر فإن اقتصّ صاحب العلیا اقتصّ لصاحب الوسطی بعده وإن عفا کان لصاحب الوسطی القصاص إذا ردّ دیة العلیا ولو بادر صاحب الوسطی فقطع فقد استوفی حقّه وزیادة فعلیه دیة الزیادة ولصاحب العلیا علی الجانی دیة أنملته.

الشَرح:

[1] ذکر قدس سره إذا جنی علی أحد بقطع أنملته العلیا وعلی شخص آخر بقطع انملته الوسطی بأن لم یکن لهذا الآخر الانملة الاولی کان للمجنی علیه الأول قطع الانملة العلیا من الجانی، ولو سبق إلی الاقتصاص من الجانی لم یمنع ویکون للمجنی علیه الثانی بعده قطع انملته الوسطی، فإن أراد المجنی علیه بقطع انملته الوسطی القصاص منع حتّی یقتصّ الأول من انملته العلیا.

نعم، لو عفا الأول عن القصاص مجّاناً أو علی مال ثبت للثانی الاقتصاص من أنملته الوسطی مع ردّ الدیة علی الجانی کما هو مقتضی خبر الحسن بن العباس بن الحریش المتقدّم.

ولو بادر فی الفرض المجنی علیه بقطع أنملته الوسطی فقطع الأنملة الوسطی من الجانی فقد استوفی حقّه مع زیادة، فعلیه ردّ دیة الانملة الاولی للجانی، لما تقدّم من أنّه إذا لم یمکن القصاص ینتقل الأمر إلی الدیة.

أقول: قد تقدّم فی مسألة ما إذا قطع الجانی ید أحد وقتل آخر یجوز لأولیاء الثانی الاقتصاص من الجانی بقتله وللمجنی علیه قطع یده فلو بادر المجنی علیه بالاقتصاص من الجانی بقطع یده فهو ولو بادر أولیاء المقتول بقصاص النفس کان لهم ذلک لکونهم أولیاء القصاص من غیر ردّ الدیة وبعده یرجع المجنی علیه بالدیة لعدم إمکان الاقتصاص بیده المقطوعة.

ص :310

الثالثة: إذا قطع یمیناً فبذل شمالاً

الثالثة: إذا قطع یمیناً فبذل شمالاً فقطعها المجنی علیه من غیر علم، قال فی المبسوط: یقتضی مذهبنا سقوط القود[1]، وفیه تردّد، لأنّ المتعیّن قطع الیمنی فلا یجزی الیسری مع وجودها وعلی هذا یکون القصاص فی الیمنی باقیاً ویؤخّر حتّی یندمل الیسار توقیاً من السرایة بتوارد القطعین.

الشَرح:

ویجری ذلک فی الجنایة علی الأطراف فلو قطع الجانی الأصبع من شخص والید من شخص آخر فللمجنی علیه الثانی قطع یده من غیر ردّ الدیة فإن بادر المجنی علیه الأوّل بقطع اصبعه فهو وإلاّ یکون حق مطالبة الدیة مطلقاً أو إذا لم یکن للجانی اصبع مماثل فی یده الاخری باقیاً والالتزام بردّ الدیة إذا قطع الانملة الوسطی علی ما ذکره الماتن لا یمکن المساعدة علیها لما ذکر من ضعف الخبر وأنّ الجنایة الصادرة من الجانی کانت قطع الانملة الوسطی.

[1] قد تقدّم أنّ الجنایة عمداً علی شخص بقطع یده الیمنی یوجب القصاص من الجانی بقطع یده الیمنی، نعم إذا لم یکن له إلاّ الیسری تقطع یسراه، وفی مفروض المسألة مع وجود الیمنی للجانی قطع المجنی علیه یسراه فذکر الماتن أنّ مع جهل المجنی علیه بأنّ ما یقطعه یسراه بل حتّی مع جهله بأنّ الیسری لا تقطع بالیمنی لا یسقط حقّ الاقتصاص من الجانی بقطع یده الیمنی.

نعم، قال فی المبسوط یقتضی مذهبنا سقوط القود، ولکنّه لا وجه له فإنّ مورد القصاص وهو الید الیمنی من الجانی وقطع یده الیسری کقطع عضو آخر منه عالماً فضلاً عن الجهل لا یوجب سقوط القصاص وعلی ذلک یقطع المجنی علیه یمناه، ولکن بعد اندمال الیسری توقّیاً من تغریر نفس الجانی من سرایة الجرحین، وحیث انّ المجنی علیه کان جاهلاً فی قطعه یسراه فلا یکون للجانی القصاص من تلک الید بل یأخذ دیة یده الیسری من المجنی علیه مع جهله أیضاً بالحال، حیث یحسب جنایة

ص :311

وأمّا الدیة فإن کان الجانی سمع الأمر بإخراج الیمنی فأخرج الیسار مع العلم بأنّها لا تجزی وقصده إلی إخراجها فلا دیة أیضاً.

ولو قطعها مع العلم، قال فی المبسوط: سقط القود إلی الدیة، لأنّه بذلها للقطع فکانت شبهة فی سقوط القود وفیه إشکال، لأنّه أقدم علی قطع ما لا یملکه فیکون کما لو قطع عضواً غیر الید وکلّ موضع لزمه دیة الیسار یضمن السرایة ولا یضمنها لو لم یضمن الجنایة ولو اختلفا فقال: بذلتها مع العلم لا بدلاً فأنکر الباذل[1] فالقول قول الباذل لأنّه أبصر بنیّته ولو اتّفقا علی بذلها بدلاً لم تقع بدلاً.

الشَرح:

المجنی علیه شبه الخطأ بخلاف ما إذا کان عالماً بالحال وإخراج یسراه عمداً فإنّه لا یکون علی المجنی علیه الدیة مع جهله بالحال لکونه مغروراً والجانی غارّاً کما هو الحال فی تقدیم طعام الغیر إلی شخص سأل الطعام مجاناً.

نعم، إذا کان المجنی علیه عالماً بالحال وقطع یسراه عمداً تعلّق علیه القصاص بلا فرق بین کون الجانی عالماً بالحال وعدمه، لأنّ القطع جنایة عمداً وعلم الجانی أیضاً بالحال لا یخرجها عن العمد بل قد یقال بتعلّق الدیة علی المجنی علیه حتّی فی فرض جهله وعلم الجانی بالحال بدعوی الفرق بینه وبین تقدیم طعام الغیر بأنّ فی الثانی ظاهر تقدیم الطعام أنّه ملک للذی یقدّم فیجوز تناوله للمقدّم إلیه وهذا بخلاف الفرض الأوّل فإنّ تقدیم الید الیسری من قبل صاحبها للقطع بدلاً عن الیمنی لا یؤثّر فی جواز قطعها للمجنی علیه مطلقاً سواء کان عالماً بالحرمة أو جاهلاً.

[1] المفروض فی هذه الصورة أیضاً جهل المجنی علیه بأنّ المبذول الید الیسری أو أنّها لا تکون بدلاً عن الیمنی فی القطع واختلافهما فی علم الجانی فالمجنی علیه بعد قطعه الیسری یدعی علی الجانی الباذل انّک بذلت یسراک مع علملک بأنّها الیسری ومع علمک بأنّها لا تقطع بالیمنی والجانی ینکر علمه فقال أخطأت فی بذل

ص :312

وکان علی القاطع دیتها وله القصاص فی الیمنی لأنّها موجودة، وفی هذا تردّد[1].

الشَرح:

الیسری أو بذلتها بدلاً عن الیمنی مع جهلی بأنها لا تقطع ففی النتیجة المجنی علیه یدّعی براءة ذمّته عن الدیة والجانی یدّعی استحقاقه الدیة، وحیث انّ دعوی العلم علی الجانی مخالف للأصل فإنّ الأصل عدم علمه بالحال فیحلف علی نفی علمه فیأخذ دیة یسراه من المجنی علیه.

ویمکن أن یقال: لابدّ من التفرقة بین دعوی عدم الغفلة فی تقدیم الیسری وبین دعوی العلم علی الجانی بعلمه بأنّه لا یقطع الیسری بالیمنی، ففی الفرض الثانی مقتضی الأصل عدم علم الجانی بالحکم فیضمن المجنی علیه الدیة وأمّا مع اعتراف الجانی بأنّه یعلم بأنّه لا یقطع الیسری بالیمنی ولکن یدّعی خطأه فی بذل یسراه للدهشة ونحوها، فالأصل عدم غفلته فی تقدیمه فعلیه إثبات غفلته، وحیث لا یمکن إقامة البیّنة علی غفلته إمّا أن یحلف المجنی علیه علی عدم غفلة الجانی فلا یثبت الدیة علیه أو یردّ الیمین علی الجانی فیحلف علی غفلته فیأخذ دیة یسراه.

[1] إذا کان المجنی علیه جاهلاً بأنّ الیسری لا تقطع بالیمنی وکذا الجانی الباذل یتعلّق علی المجنی علیه دیة الیسری وله الاقتصاص فی یمناه، لأنّ مورد القصاص من الجانی أی یمناه موجودة، وما فی المتن من قوله «فی هذا تردّد» لا وجه له.

لا یقال: إذا کان قطع المجنی علیه من جهة عفوه عن قصاص یمناه فی مقابل قطع یسری الجانی یکون عفوه نافذاً من غیر عوض، فإنّ العفو بالعوض إنّما یصحّ إذا کان بالمال لا فی مقابل بذل العضو الآخر.

فإنّه یقال: مقتضی ذلک بطلان العفو لا بطلان العوض أو وقوع العفو بإزاء الدیة حتّی یتساقط الدیتان بالتهاتر.

ص :313

ولو کان المقتصّ مجنوناً فبذل له الجانی غیرالعضو فقطعه ذهب هدراً[1] إذ لیس للمجنون ولایة الاستیفاء فیکون الباذل مبطلاً حقّ نفسه ولو قطع یمین مجنون فوثب المجنون فقطع یمینه قیل: وقع الاستیفاء موقعه وقیل: لا یکون قصاصاً، لأنّ المجنون لیس له أهلیّة الاستیفاء وهو أشبه، ویکون قصاص المجنون باقیاً علی الجانی ودیة جنایة المجنون علی عاقلته.

الشَرح:

[1] وفی الجواهر(1) هذا فیما إذا کان عالماً بأنّ المقتصّ مجنون، وأمّا إذا کان جاهلاً بالحال یثبت له الدیة علی عاقلة المجنون نظیر ما یقال فیما إذا وثب المجنون فقطع یمین الجانی.

أقول: قد تقدّم أنّ الجنایة علی المجنون لا یوجب الاقتصاص من الجانی، کما أنّ المجنون لا یقتصّ منه بجنایته علی الغیر، فإنّه لا قود لمن لا یقاد منه کما تقدّم ذلک فی صحیحة أبی بصیر عن أبی جعفر علیه السلام (2).

وعلیه، فإن بذل الجانی الذی قطع ید المجنون یده قطعه المجنون فإن کان عالماً بأنّه مجنون تذهب یده هدراً، ویکون علیه دیة ید المجنون، وکذا إذا کان جاهلاً بأنّه مجنون أو جاهلاً بأنّه لیس بمجنون فإنّ الاتلاف یستند إلی نفسه بعد کون المبذول له مجنوناً بناءً علی أنّ ما دلّ علی تحمّل العاقلة الدیة لا یعمّ مثل الفرض. وأمّا إذا وثب المجنون فقطع یده یثبت علی عاقلة المجنون الدیة وعلی الجانی أیضاً الدیة للمجنون یدفعها إلی ولیّه، بل لو قیل بأنّه إذا جنی عاقل علی مجنون جنایة تستدعی ثبوت القصاص علی الجانی فإن کانت إفاقة المجنون مرجو فهو، وإلاّ ینتقل الأمر إلی الدیة فیأخذ ولیّه الدیة من الجانی سواء کان ولیّه الأب أو الجد أو الحاکم مع فقدهما لأنّ حقّ

ص :314


1- (1) جواهر الکلام: 42/415.
2- (2) الوسائل: ج 19، الباب 28، من أبواب القصاص فی النفس، الحدیث 1: 52.

الرابعة: لو قطع یدی رجل ورجلیه خطأً

الرابعة: لو قطع یدی رجل ورجلیه خطأً واختلفا فقال الولی: مات بعد الاندمال، وقال الجانی: مات بالسرایة، فإن کان الزمان قصیراً لا یحتمل الاندمال فالقول قول الجانی مع یمینه[1]،

الشَرح:

اللاستیفاء فی القصاص غیر ثابت للولی فینتقل الأمر إلی الدیة.

[1] ذکر قدس سره إذا قطع شخص یدی شخص آخر ورجلیه خطأً ثمّ مات المجنی علیه فقال الولی: إنّ المجنی علیه مات بعد الاندمال، فعلی الجانی دفع دیة الیدین والرجلین، وقال الجانی: مات بالسرایة فعلیه دیة النفس، فإن لم یکن بین الجنایة وموت المجنی علیه فصل زمانی، بحیث یحتمل فیه الاندمال یقدّم قول الجانی فیحلف علی عدم موته بعد الاندمال، فیعطی دیة النفس.

بخلاف ما إذا کان بینهما فصل زمانی معتّد به بحیث یمکن موته بعد الاندمال، ففی هذه الصورة لا یکون قول الجانی مطابقاً للظاهر، بل الاحتمالان متکافئان والجنایتان واقعتان والأصل عدم استناد موته إلی سرایتهما فیثبت علی الجانی دیة الیدین والرجلین.

أقول: یمکن المناقشة بأنّه مع قصر الزمان لا یکون ظهور فی موته بالسرایة إذا احتمل موته بسبب آخر کالدهشة من جرحه فالأصل فی عدم السرایة جار حتّی فیما إذا کان الزمان قصیراً لا یحتمل فیه الاندمال عادةً وعلیه یکون الولیّ منکراً للسرایة فیحلف علی عدمها فیأخذ الدیّتین من غیر فرق بین القول بأنّ السرایة مسقطة للدیتین إلی دیة النفس أو کاشفة عن ثبوت دیة النفس من الأول، فإنّ علی الثانی أیضاً یکون ثبوت الجنایة علی الیدین والرجلین وجداناً مع ثبوت عدم السرایة بالحلف محرزاً لموضوع الدیتین فلا تصل النوبة إلی عدم ثبوت الدیتین علی عهدة الجانی.

وممّا ذکر یظهر الحال فیما إذا کان الفصل بین الجنایة وموته طویلاً بحیث

ص :315

فإن أمکن الاندمال فالقول قول الولی، لأنّ الاحتمالین متکافئان والأصل وجوب الدیتین، ولو اختلفا فی المدة فالقول قول الجانی، أمّا لو قطع یده فمات وادعّی الجانی الاندمال فادّعی الولی السرایة فالقول قول الجانی إن مضت مدة یمکن الاندمال[1 [ولو اختلفا فالقول قول الولی، وفیه تردّد.

ولو ادّعی الجانی أنّه شرب سمّاً فمات، وادّعی الولی موته من السّرایة الشَرح:

یحتمل الاندمال، وأنّه یقدّم قول الولی ولا یجری فیه أنّ قول الجانی موافق لظاهر الحال کما فی الفرض السابق، فیحلف علی عدم السرایة فیأخذ الدیتین کما تقدّم.

وممّا ذکر یظهر أنّ ما ذکر الماتن قدس سره من أنّه لو اختلف الجانی والولی بأن قال الجانی: المدّة بین الجنایة والموت کانت قلیلة لا یندمل الجرح فیها، وقال الولی: کانت کثیرة بحیث یندمل فیها، فإنّه یقدّم قول الجانی، وکأنّه لأصالة بقاء الجرح إلی زمان موته. ولکن فیه ما ذکرنا فإنّ الاستصحاب فی بقاء الجرح لا یثبت سرایته إلی النفس الموجبة لتعیّن دیة النفس بل مقتضی الاستصحاب فی عدم السرایة تقدیم قول الولی فیخلف علی عدم السّرایة فیثبت علی الجانی الدّیتان.

[1] مراده قدس سره أنّه إذا کانت الجنایة موجبة لنصف الدیة کقطع إحدی یدیه ثمّ مات وقال الولی: مات بالسرایة، فعلی الجانی دیة النفس، وقال الجانی: مات بعد الاندمال، فلیس علیه إلاّ دیة الید، فالقول قول الجانی لما تقدّم من أنّ الأصل عدم السرایة.

ولکن قیّد الماتن تقدیم قول الجانی بما إذا کان الفصل بین الجنایة والموت بحیث یمکن اندمال فیه، ومقتضی التقیید أنّه فی فرض خلاف ذلک یقدّم قول الولی ولکن قد تقدّم عدم اعتبار الظهور حیث یحتمل استناد موته إلی سبب آخر کالدهشة والخوف لا إلی السرایة، وما ذکره قدس سره من أنّه فی صورة اختلافهما فی المدّة یقدّم قول الولی وکأنّه لأصالة عدم مضی المدّة بین الجنایة والموت، قد تقدّم أنّ مثل هذا الأصل

ص :316

الخامسة: لو قطع اصبع رجل وید آخر

فالاحتمال فیهما سواء[1]، ومثله الملفوف فی الکساء إذا قدّه بنصفین وادّعی الولی أنّه کان حیّاً وادّعی الجانی أنّه کان میّتاً فالاحتمالان متساویان فیرجّح قول الجانی بما أنّ الاصل عدم الضمان، وفیه احتمال آخر ضعیف.

الخامسة: لو قطع اصبع رجل وید آخر اقتصّ للأوّل ثم للثانی[2] ویرجع بدیة اصبع، ولو قطع الید اوّلاً ثمّ الاصبع من آخر اقتصّ للأول واُلزم للثانی دیة الاصبع.

الشَرح:

لا یثبت السرایة التی موضوع لثبوت دیة النفس، ولعّله لذلک ذکر التردّد فی تقدیم قول الولی.

[1] لا یخفی أنّ الموضوع لثبوت دیة النفس هو قتل الآخر خطأً ولو کان القتل بالسرایة والاستصحاب فی عدم شربه سمّاً لا یثبت أنّ موته یستند إلی قطع إحدی یدیة بل الأصل فی عدم السرایة جار لا معارض، فیثبت علی الجانی نصف دیة النفس.

ومما ذکر یظهر الحال فی الملفوف فی الکساء، فإنّ الاستصحاب فی حیاته لا یثبت أنّ قدّه نصفین کان قتله حتّی یثبت مع التعمّد القصاص ومع الخطأ دیة النفس.

وعلی الجملة، الحکم فی الفرضین تقدیم قول الجانی مع یمینه حتّی فیما إذا قدّ الملفوف فی الکساء وادّعی الولی أنّه کان حیّاً وقال الجانی کان میّتاً فإنّه یجری الاستصحاب فی عدم استناد الموت إلی الجانی وعدم کونه قاتلاً، والاستصحاب فی حیاته لا یثبت استناد الموت إلی الجانی وأنّه قتله.

[2] ذکر قدس سره أنّه إذا جنی علی أحد بقطع اصبعه ثمّ جنی علی آخر بقطع یده یتعیّن للأوّل الاقتصاص من الجانی بقطع الاصبع ثمّ یقتصّ الآخر منه من قطع یده ویأخذ هذا الثانی من الجانی دیة الاصبع أیضاً لمکان أصبعه الذی لم یقتصّ منه، وأمّا إذا قطع ید شخص أوّلاً ثمّ قطع من آخر اصبعه یقتصّ الاوّل بقطع ید الجانی والثانی یرجع إلی دیة اصبعه لعدم بقاء مورد القصاص منه، وکأنّ کلّ ذلک لثبوت حقّ الأولویة لمن جنی علیه أوّلاً وأنّه اقتصّ المجنی علیه من یده الناقصة بالاصبع یأخذ دیة مکان النقص.

ص :317

السادسة: إذا قطع أصبعه فعفا المجنی علیه

السادسة: إذا قطع أصبعه فعفا المجنی علیه قبل الاندمال، فإن اندملت فلا قصاص ولا دیة، لأنّه إسقاط لحقّ ثابت عند الابراء[1].

الشَرح:

وقد تقدّم منع کلا الأمرین، لأنّ الثابت لکلّ من المجنی علیهما حقّ الاقتصاص من الجانی بلا فرق بین کون الجنایتین بالإضافة إلی شخصین تدریجیة أو دفعیة وکلّ منهما إذا سبق فإن کان للاقتصاص مورد یقتصّ من غیر استحاقه الرجوع إلی دیة النقص، وإن لم یبق للاقتصاص مورد یأخذ الدیة، لعدم إمکان الاقتصاص لما دلّ علی أنّ مع عدم إمکان القصاص لا یذهب الدم هدراً.

[1] المراد أنّه إذا قطع اصبعه عمداً فإن عفا المجنی علیه قبل الاندمال وکذا إذا عفا فیما یوجب الدیة علی الجانی کما لو قطع اصبعه خطأً فاندملت، یکون عفوه فی الأوّل موجباً لسقوط القصاص، وفی الثانی لسقوط الدیة، حیث انّ المجنیّ علیه یستحقّ الاقتصاص فی الأوّل والدیة فی الثانی بمجرّد حدوث الجنایة، کما هو ظاهر خطابات القصاص والدیة.

ودعوی توقّف استحقاقه أحدهما یکون بالاندمال لما ورد فی موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر علیه السلام أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول: «لا یقضی فی شیء من الجراحات حتّی تبرأ»(1)، ومقتضاها توقّف الحکم فی الجراحات علی الاندمال، مدفوعة بأنّ هذا یکون فی الموارد التی یکون للاندمال أثر فی تغییر الحکم، وأمّا فی ما لم یکن الحکم متغیّراً بالاندمال فلا معنی لإیقاف الحکم فیه علی الاندمال، کما إذا قطع اصبعه عمداً وسری اتفاقاً إلی الکفّ فإنّ هذه السرایة لا توجب سقوط القصاص من اصبع الجانی، غایة الأمر أنّه إذا اندملت یکتفی بالقصاص من اصبعه وإذا سرت یأخذ المجنی علیه دیة کفّه أیضاً.

ص :318


1- (1) الوسائل: ج 19، الباب 42 من أبواب موجبات الضمان، الحدیث 2: 211.

.··· . ··· .

الشَرح:

نعم، فی ما إذا قطع اصبعه بقصد أن ینقطع کفّه أو کانت الجراحة مسریة عادةً فإنّه إذا اندملت یقتصر فیه علی القصاص بالاصبع وإذا سرت إلی الکفّ یؤخذ القصاص من الکفّ ففی هذه الصورة وان کان یتوقّف ما یستحقّه المجنی علیه من القصاص بأنّه من الاصبع أو من الکفّ علی الاندمال وعدمه إلاّ أنّه لا مانع من عفوه عن الجنایة سواء کان موجبها القصاص من الجانی باصبعه أو کفّه.

وهکذا لو قیّد عفوه بما إذا کان موجبها القصاص من الاصبع سقط القصاص إذا اندملت دون دیة الکفّ إذا سرت، فنفوذ العفو عن الاقتصاص بإصبعه مع فرض الاندمال ولو فیما بعد، لا یتوقّف إلاّ علی إحراز الحقّ الفعلی ومادام لم تسر الجنایة فحقّ المجنی علیه القصاص فی الاصبع فقط.

نعم إذا سرت إلی الکفّ یکون له الحقّ فی أخذ دیة الکفّ أیضاً إذا لم تکن السرایة موجبة للقصاص ومع کونها موجبة له، یتبدّل إلی القصاص فی الکفّ.

وعلی ذلک، فلو قطع اصبع الجانی قصاصاً ثمّ سرت جراحة المجنیّ علیه إلی الکفّ یکون له القصاص من کفّ الجانی إذا کانت السرایة موجبة للقصاص. فإن کان المجنی علیه عالماً بتلک السرایة، یکون للجانی أیضاً حقّ الاقتصاص من اصبعه التی قطعها المجنی علیه أو أخذ دیتها کما هو الحال فی صورة جهل المجنیّ علیه بالسرایة. کما أنّ عفو المجنی علیه فی هذه الصورة قبل السرایة عن الجنایة علیه فی اصبعه لا أثر له فی سقوط دیة الکفّ أو القصاص فیه حیث أنّه إسقاط لما لا یجب، حیث انّ الدیة تثبت بعد سقوط الکفّ بالسرایة الاتفاقیة والقصاص فیها أیضاً یثبت بعد سقوط الکفّ بالسرایة الموجبة للقصاص.

ونفوذ العفو فی بعض الموارد کأخذ الطبیب البراءة عن ولیّ المریض، لا یوجب

ص :319

ولو قال: عفوت عن الجنایة، سقط القصاص والدیة، لأنّها لا تثبت إلاّ صلحاً، ولو قال: عفوت عن الجنایة، ثمّ سرت إلی الکفّ سقط القصاص فی الاصبع وله دیة الکف، ولو سرت إلی نفسه کان للولی القصاص فی النفس بعد ردّ ما عفا الشَرح:

تسریته إلی غیره مما لم یتمّ فیه دلیل خاص علی نفوذ البراءة.

ولو کانت جنایة الجانی عمدیّة فعفا المجنی علیه الجنایة للجانی سقط عنه القصاص منه کما لا یکون علیه دیة، لأنّ ثبوت الدیة فی الجنایة العمدیة یکون بالصلح أی عفو حقّ القصاص بالدیة برضا الجانی، والمفروض عفو المجنی علیه الجنایة بلا عوض.

ثمّ ذکر قدس سره أنّ عفا المجنی علیه عن الجنایة العمدیة علی اصبعه ثمّ سرت الجراحة إلی کفّه سقط القصاص فی اصبعه حیث عفا عنه ولکن یکون علی الجانی دیة الکفّ وعلّل بعضهم أنّه یلزم من عفو الجنایة العمدیة علی اصبعه عفو ما یحدث منها بمعنی أنّ السرایة فی الجنایة علی العضو لا یوجب القصاص وان کان یثبت القصاص فی النفس بالسرایة ولکن لا قصاص فی الأطراف بالسرایة.

ولا یخفی ما فیه، فإنّه إذا کانت السرایة اتفاقیة فلا توجب القصاص لا فی الأطراف ولا فی النفس، وإنّما توجب الدیة، وإن کانت الجنایة بقصد السرایة أو کونها بآلة تسری عادة یثبت القصاص بالسرایة فی الأطراف وفی النفس، لصدق کونها جنایة عمدیة.

وما ذکر الماتن قدس سره من أنّ فی الجراحة بقطع الاصبع فیما لو سرت إلی النفس یثبت القصاص علی إطلاقه، غیر صحیح، فإنّه إنّما یکون کذلک إذا کانت السرایة مقصودة للجانی أو کانت السرایة إلی النفس أمراً عادیاً غالبیاً، وإلاّ فعلی الجانی الدیة کما أنّه فیما کانت السرایة إلی الکفّ اتفاقیة یثبت دیتها وإلاّ ثبت القصاص فی الکفّ،

ص :320

عنه[1]، ولو صرّح بالعفو صحّ فیما کان ثابتاً وقت الابراء وهو دیة الجرح، أمّا القصاص فی النفس أو الدیة ففیه تردّد، لأنّه إبراء مما لم یجب، وفی الخلاف: یصحّ العفو عنها وعمّا یحدث عنها فلو سرت کان عفوه ماضیاً من الثلث، لأنّه بمنزلة الوصیة.

الشَرح:

غایة الأمر یکون علی المجنی علیه مع الاقتصاص بالاصبع أوّلاً مع جهله بسرایة جرحه دیة اصبع الجانی بل مع علمه بها أیضاً إذا قلنا بعدم مورد القصاص مع سقوط کفّه وانّ الاصبع من کفّه الآخر لا یقوم مقامه.

[1] قد ظهر مما تقدّم أنّه لا أثر لعفو المجنی علیه فی صورة السرایة إلی النفس بل إذا کانت السرایة موجبة للقصاص یکون للولی القصاص من غیر ردّ شیء ولو مع عفو المجنی علیه عن جنایته فإنّ الجنایة موجبة للقصاص فی النفس، وهذا حقّ الولی دون المجنی علیه، وأمّا إذا کانت موجبة للدیة فالدیة وإن کانت ملکاً للمیت ویعمل معها معاملة الترکة إلاّ أنّها تثبت بموت المجنی علیه، فإسقاط المجنی علیه دیة النفس إسقاط لما لا یجب، کما لا یخفی.

وعلی الجملة فیما إذا لم تعدّ السرایة إلی النفس قتلاً عمدیاً تکون الجراحة المفروضة مما یقتصّ بها، فإن اقتصّ المجنی علیه بها فالاقتصاص حقّه وإذا سرت إلی النفس یکون علی الجانی دیة نفسه بموته فلا یکون أثر لعفوه عن دیة النفس فإنّ العفو فی الحقیقة إبراء وإسقاط لما لم یجب عند العفو.

نعم إذا عفا عن القصاص فی الجراحة مع سرایتها إلی نفسه ولو فیما بعد نفذ العفو فی القصاص من الجراحة ولا ینفذ فی إسقاط الدیة.

ودعوی أنّ العفو عن الدیة وصیّة لحسابها من ثلثه کماتری.

وأمّا إذا کانت السرایة موجبة للقصاص فی النفس فلا ینفذ عفوه أصلاً، فإنّ

ص :321

السابعة: لو جنی عبد علی حرّ

السابعة: لو جنی عبد علی حرّ جنایة تتعلّق برقبته فإن قال: أبرأتک، لم یصح، وإن أبرأ السید صحّ، لأنّ الجنایة وإن تعلّقت برقبة العبد فإنّه ملک للسید، وفیه إشکال من حیث أنّ الابراء إسقاط لما فی الذمّة، ولو قال: عفوت عن أرش هذه الجنایة صح[1].

ولو ابرأ قاتل الخطأ المحض لم یبرأ[2]، ولو ابرأ العاقلة أو قال: عفوت عن أرش هذه الجنایة صحّ، ولو کان القتل شبیه العمد فإن ابرأ القاتل أو قال: عفوت عن أرش هذه الجنایة صحّ، ولو أبرأ العاقلة لم یبرأ القاتل.

الشَرح:

القصاص ولایة ثابتة لأولیائه بموته بل لو اقتصّ قبل موته فی الجراحة یکون علیه دیة الجراحة تؤخذ من ترکته، لأنّ القصاص مع عدم علمه بالسرایة یعدّ جنایة خطئیة علی الجانی فیکون له علی المجنی علیه دیتها.

[1 [ما ذکر قدس سره مبنیّ علی التفرقة بین الإبراء والعفو بأنّ الأول إسقاط لما فی الذمّة قبل الإسقاط، وإذا لم یکن فی الذمّة شیئاً قبله بل یتحقّق فی الذمّة فیما بعد یکون إسقاطاً لما لا یجب فلا یصحّ بخلاف الثانی، یعنی العفو، فإنّ المعفو عنه یعمّ ما لم یثبت فی الذمّة بأن یکون شیئاً إذا دفعه الغیر یستحقّه کما إذا کانت جنایة العبد علی الحرّ بما ینقص أرشها عن قیمة العبد فإنّه لو ادّعی المولی الأرش فهو وإلاّ یکون للمجنی علیه استرقاقه بالحصّة، فیباع العبد فیأخذ أرش الجنایة ویدفع الباقی إلی مولاه ففی مثل الفرض إذا عفا المجنی علیه عن الأرش صحّ ونفذ.

[2] هذا مبنی علی ما هو المشهور من أنّ معنی تحمّل العاقلة الدیة فی الخطأ المحض اشتغال ذممهم، وعلی ذلک یکون إبراء القاتل بالخطأ المحض لغواً ولم تبرأ ذمّة العاقلة. وأمّا بناءً علی اشتغال ذمّة الجانی بالدیة بلا فرق بین الخطأ المحض والعمد لخطأ وإنّما العاقلة فی الخطأ المحض مکلّفون بإفراغ ذمّته صحّ الإبراء ولم یجب علی

ص :322

.··· . ··· .

الشَرح:

العاقلة دفع الدیة ولو ابرأ العاقلة فی العمد لخطأ لکان الإبراء لغواً، لأنّ العاقلة لا شأن لهم فی الجنایة التی من شبیه العمد، نعم إذا عفا الجانی أو أبراه فی هذا الفرض نفذ.

والحمد للّه أولاً وآخراً

****

ص :323

محتویات الکتاب

القسم الأول: فی قصاص النفس

الفصل الأول: فی الموجب··· 6

المباشرة فیی القتل··· 11

مراتب التسبیب··· 12

المرتبة الأولی: انفراد الجانی بالتسبیب المتلف··· 12

(الثانیة): إذا ضربه بعصا... فمات··· 17

(الثالثة): لو طرحه فی النار فمات··· 18

(الرابعة): السرایة عن جنایة العمد··· 22

(الخامسة): لو ألقی نفسه من علوّ علی إنسان··· 23

(السادسة): لا حقیقة للسحر··· 24

المرتبة الثانیة: أن ینضمّ إلیه مباشرة المجنی علیه··· 27

(الأولی): لو قدّم له طعاماً مسموماً··· 27

الثانیة: لو حفر بئراً بعیدة فی طریق··· 31

الثالثة: لو جرحه فداوی نفسه بدواء سمیّ··· 31

المرتبة الثالثة: أن ینضمّ إلیه مباشرة حیوان··· 33

الاولی: البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله، فعلیه القود··· 33

(الثانیة): لو أغری به کلباً عقوراً فقتله··· 34

ص :324

(الثالثة): لو انهشه حیّةً قاتلةً فمات··· 34

(الرابعة): لو جرحه ثم عضّه الأسد وسرتا··· 35

(الخامسة): لو کتّفه وألقاه فی أرض مسبعة··· 35

المرتبة الرابعة: أن ینضمّ إلیه مباشرة إنسان آخر··· 36

(الأولی): لو حفر واحد بئراً··· 36

الثانیة: إذا أکرهه علی القتل··· 39

الأول: لو قال اقتلنی وإلاّ قتلتک··· 47

الثانی: لو قال اقتل نفسک··· 48

الثالث: یصحّ الإکراه فیما دون النفس··· 50

الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما یوجب قتلاً کالقصاص··· 51

الرابعة: لو جنی علیه فصیّره فی حکم المذبوح··· 53

الخامسة: لو قطع واحد یده وآخر رجله فاندملت إحداهما ثم هلک··· 55

السادسة: لو قطع یده من الکوع وآخر ذراعه··· 58

مسائل من الاشتراک:

الاُولی: إذا اشترک جماعة فی قتل واحد··· 62

الثانیة: یقتصّ من الجماعة فی الأطراف··· 67

الثالثة: لو اشترک فی قتله امرأتان··· 69

الرابعة: إذا اشترک عبدٌ وحرٌ فی قتل حرّ عمداً··· 72

الخامسة: لو اشترک عبد وامرأة فی قتل حرّ··· 74

الشروط المعتبرة فی قصاص النفس

الأول: التساوی فی الحریة او الرّق··· 78

ص :325

مسائل ستّ

الأولی: لو قتل حرّ حرّین··· 112

الثانیة: قیمة العبد مقسومة علی أعضائه··· 118

الثالثة: کل موضع نقول یفکّه المولی··· 121

الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدین··· 122

الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبداً··· 123

السادسة: إذا قتل العبد حراً عمداً··· 124

فروع فی السرایة:

الأول: إذا جنی الحرّ علی المملوک، فسرت··· 124

الثانی: لو قطع حرّ یده أعتق ثمّ سرت··· 125

الثالث: لو قطع یده وهو رقّ، ثمّ قطع رجله وهو حرّ··· 125

الشرط الثانی: التساوی فی الدین··· 125

الأولی: لو قطع مسلم ید ذمّی عمداً··· 133

الثانیة: لو قطع ید حربی أو ید مرتد··· 134

الثالثة: إذا قطع المسلم ید مثله فسرت مرتداً··· 135

الرابعة: إذا قتل مرتد ذمّیاً··· 138

الخامسة: لو جرح مسلم نصرانیاً··· 139

السادسة: لو قتل ذمّی مرتداً قتل به··· 139

الشرط الثالث: أن لا یکون القاتل أباً··· 141

فروع

الأول: لو ادّعی اثنان ولداً مجهولاً··· 143

ص :326

الثانی: ولو ولد مولود علی فراش مدعیین له··· 145

الثالث: ولو قتل الرجل زوجته هل یثبت القصاص لولدها منه147

الرابع: ولو قتل أحد الولدین أباه ثمّ الآخر أمّه··· 148

الشرط الرابع: کمال العقل··· 149

الشرط الخامس: أن یکون المقتول محقون الدم··· 159

فی دعوی القتل و ما یثبت به

ما یشترط فی المدّعی··· 164

مسائل

الأولی: لو ادّعی أنّه قتل مع جماعة لا یعرف عددهم··· 169

الثانیة: إذا ادّعی القتل ولم یبیّن عمداً أو خطأً··· 170

الثالثة: لو ادّعی علی شخص القتل منفرداً··· 171

الرابعة: لو ادّعی قتل العمد ففسّره بالخطأ··· 172

الإقرار··· 172

البینة··· 178

وهنا مسائل:

الاولی: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل··· 185

الثانیة: لو شهدا بقتل علی اثنین··· 187

الثالثة: لو شهدا لمن یرثانه··· 188

الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة··· 189

الخامسة: لو شهد اثنان أنّه قتل··· 190

السادسة: لو شهدا أنّه قتل زیداً عمداً··· 191

ص :327

السابعة: قال فی المبسوط: لو ادّعی قتل العمد··· 194

القسامة··· 194

اللوث··· 194

مسألتان:

الأولی: لو وجد قتیلاً فی دار فیها عبده··· 204

الثانیة: لو ادّعی الولیّ أنّ واحداً من أهل الدار قتله··· 204

کمیة القسامة··· 205

أحکام القسامة··· 221

مسائل

الأولی: لو حلف مع اللوث واستوفی الدیة··· 224

الثانیة: لو حلف واستوفی الدیة··· 224

الثالثة: لو استوفی بالقسامة··· 225

الرابعة: إذا اتّهم والتمس الولی··· 225

کیفیة الاستیفاء··· 226

وهنا مسائل:

الأولی: إذا کان له أولیاء لا یولّی علیهم··· 243

الثانیة: إذا زادوا علی الواحد فلهم القصاص··· 245

الثالثة: إذا أقرّ أحد الولیّین··· 246

الرابعة: إذا اشترک الأب والأجنبی فی قتل ولده··· 247

الخامسة: للمحجور علیه لفلس أو سفه استیفاء القصاص··· 248

السادسة: إذا قتل جماعة علی التعاقب··· 250

ص :328

السابعة: لو وکلّ فی استیفاء القصاص فعزله قبل القصاص··· 251

الثامنة: لا یقتصّ من الحامل حتّی تضع··· 251

التاسعة: لو قطع ید رجل ثمّ قتل آخر··· 253

العاشرة: إذا هلک قاتل العمد··· 257

الحادیة عشرة: لو اقتصّ من قاطع الید··· 258

الثانیة عشر: لو قطع ید إنسان فعفا المقطوع··· 260

فی قصاص الطرف

الموجب··· 264

ویشترط فی جواز الاقتصاص··· 264

قطع الید··· 269

عدم ثبوت القصاص فیما فیه تعزیر··· 275

جواز القصاص قبل الاندمال··· 277

قطع عدّة من أعضائه فی الجراح··· 279

کیفیة القصاص فی الجراح··· 280

قلع عین الجانی ··· 281

قطع إذن··· 282

اذهاب الضوء دون الحدقة··· 286

قطع الذکر··· 289

قطع العضو الصحیح بالمجذوم··· 294

السنّ··· 297

ولا أصلیّة بزایدة··· 300

ص :329

مسائل:

الأولی: إذا قطع یداً کاملة··· 302

الثانیة: إذا کان للقاطع اصبع زایدة··· 306

الثالثة: إذا قطع یمیناً فبذل شمالاً··· 311

الرابعة: لو قطع یدی رجل ورجلیه خطأً··· 315

الخامسة: لو قطع اصبع رجل وید آخر··· 317

السادسة: إذا قطع أصبعه فعفا المجنی علیه··· 318

السابعة: لو جنی عبد علی حرّ··· 322

محتویات الکتاب··· 324

(330)

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.